تاریخ الخمیس

اشارة

نام کتاب: تاریخ الخمیس فی أحوال أنفس النفیس
نویسنده: شیخ حسین دیار بکری
وفات: 966 ق
تعداد جلد واقعی: 2
زبان: عربی
موضوع: رسول خدا صلّی الله علیه و آله و سلّم
ناشر: دار الصادر
مکان نشر: بیروت
سال چاپ: بی تا
tarikh alkhmis fi a'houal a'nfs nfis
تألیف: حسین الدیار بکری تاریخ النشر: 01/01/1973
الناشر: دار صادر للطباعة والنشر
النوع: ورقی غلاف فنی، حجم: 28×20، عدد الصفحات: 912 صفحة الطبعة: 1 مجلدات: 2 التوفیر
اللغة: عربی

الجزء الأوّل‌

ذکر ترتیب الکتاب علی مقدّمة و ثلاثة أرکان و خاتمة

الحمد للّه الذی خلق نور نبیه قبل کل أوائل* ثم خلق منه کل شی‌ء من الاعالی و الاسافل* ثم أودعه فی الاصلاب الطیبة الجلائل* و رباه فی الارحام الطاهرة من الرذائل* فقلبه فی الآباء و الامّهات الجزائل* حتی أظهره من أطهر بیت من خیر الشعوب و القبائل* محمد المخصص بأبین السیر و أحسن الشمائل* المؤید بأثبت المعجزات و أوضح الدّلائل* صلی اللّه علیه و علی اخوانه المصطفین أولی أکمل الفضائل* و علی آله و أصحابه المقتدین ذوی أجمل الخصائل* (أما بعد) فیقول المستوهب من اللّه ذی المنن العبد الضعیف حسین بن محمد بن الحسن الدیار بکری غفر اللّه له و لوالدیه* و نوّلهم کرامة لدیه* هذه مجموعة فی سیر سید المرسلین و شمائل خاتم النبیین صلی اللّه علیه و علی آله و أصحابه أجمعین* انتخبتها من الکتب المعتبرة تحفة للاخوان الکرام البررة و هی التفسیر الکبیر و الکشاف و حاشیته للشریف الجرجانی و الکشف و الوسیط و معالم التنزیل و أنوار التنزیل و مدارک التنزیل و تفسیر القشیری و بحر العلوم و النهر و لباب التأویل و تفسیر الحدّادی و عمدة المعانی و زاد المسیر لابن الجوزی و تفسیر الینابیع و تبصیر الرحمن و تفسیر أبی اللیث السمرقندی و صحیحا البخاری و مسلم و سنن الترمذی و شمائله و سنن أبی داود و النسائی و ابن ماجه و المصابیح و شرح السنة و المشکاة و شرحها للطیبی و مشارق الانوار للصغانی و الموطأ و شرحا صحیح البخاری لابن حجر و الکرمانی و مسند الامام أحمد و مستدرک الحاکم و جامع الاصول لابن الاثیر و النهایة له و أسد الغابة و الکامل له و الشفاء و شعب الایمان للبیهقی و دلائل النبوّة له و احیاء العلوم و التلقیح لابن الجوزی و صفوة الصفوة له و شرف المصطفی له و الحدائق له و الوفاء له و خلاصة الوفا للسمهودی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:3
و إیضاح النووی و المنهاج له و الاذکار له و ریاض الصالحین له و النجم الوهاج و معجم الطبرانی و ذخائر العقبی للمحب الطبری و السمط الثمین له و خلاصة السیر له و الریاض النضرة له و المتقی و شواهد النبوّة و المواهب اللدنیة لاحمد القسطلانی و روضة الاحباب و أسماء الرجال و مزیل الخلفاء و سیرة ابن هشام و اکتفاء الکلاعی و الاستیعاب لابن عبد البرّ و سیرة الیعمری و سیرة الدمیاطی و سیرة مغلطای و مناسک الکرمانی و التذنیب للرافعی و هدی ابن القیم و التنبیه لابی اللیث السمرقندی و فصل الخطاب و الفتوحات المکیة و ربیع الابرار و حیاة الحیوان و تلخیص المغازی و زین القصص و أمثال العسکری و کتاب الاعلام للسهروردی و تاریخ مکة للازرقی و تاریخ الیافعی و شفاء الغرام للقاسی و دول الاسلام للذهبی و شرح المواقف للشریف الجرجانی و شرح المقاصد للتفتازانی و شرح العقائد العضدیة للدوانی و تفسیر قُلْ یا أَیُّهَا الْکافِرُونَ له و أنموذج العلوم له و عقائد الفیروزآبادی و فصوص الحکم و العروة الوثقی و شرعة الاسلام و الملل و النحل لمحمد الشهرستانی و الهدایة و المضمرات و کنز العباد و المهمات و تشویق المساجد و المختصر الجامع و صحاح الجوهری و القاموس و سامی الاسامی و مورد اللطافة و الاصل الاصیل للسخاوی و الفوائد و الانس الجلیل و بهجة الانوار و العوارف و معجم ما استعجم للبکری و أنموذج اللبیب للسیوطی و الکشف له و الدرجة المنیفة له و العرائس للثعلبی و سح السحابة و أصول الصفار و البحر العمیق و سر الادب و الانسان الکامل* (و سمیتها)* بالخمیس فی أحوال أنفس نفیس* و رتبتها علی مقدّمة و ثلاثة أو کان و خاتمة* (أما المقدّمة) ففی الحوادث من أوّل خلق نوره الی زمان ولادته و ظهوره و هی ثلاث طلائع (الطلیعة الاولی) فی تعریف النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و الرسول و أولی العزم و الخاتم و الفرق بینهم و بین البشر و الملک و بین النبیّ و الولی و الساحر و فی أوّل ما خلق اللّه و ما بدأ من أنواره قبل وجوده الصوری و خلق طینته قبل طینة آدم و حدیث صور الأنبیاء و ذکر دلائل نبوّته و علامات رسالته من بشائر الکتب القدیمة و العلماء المتقدّمین و أخبار الجنّ و الکهنة (الطلیعة الثانیة) فی ذکر خلق السماء و الارض و مدّة خلقهما و خلق الملائکة و الجان و ذکر مدّة الدنیا و ذکر مدّة هذه الامّة و ابتداء خلق آدم و حوّاء و ذکر الروح و ذکر عیسی و مریم و یحیی و أخذ المیثاق و کیفیة انتقاله من الاصلاب الطیبة الی الارحام الطاهرة و بالعکس و بیان نسبه من الطرفین و ذکر مولد ابراهیم و ذکر القائه فی النار و ذکر الشأم و الارض المقدّسة و ذکر أوّلیة الکعبة و عدد بنائها و من تولی بناءها و فیها ذکر ذی القرنین و یأجوج و مأجوج و الدجال و الخضر و دابة الارض و بدء ظهور زمزم فی زمن اسماعیل و انطماسها بعده و بقائها منطمسة الی زمن عبد المطلب و فیها ذکر یعقوب و یوسف و ذکر قتل شعیاء و تخریب بخت نصر بیت المقدس و قصة قتل زکریا و یحیی و ذکر ظهور زمزم فی زمن عبد المطلب ثانیا (الطلیعة الثالثة) فی ولادة عبد اللّه و نذر عبد المطلب ذبحه و عرض عبد اللّه علیه و تزوّجه آمنة و قصة الخثعمیة و وقائع مدّة الحمل من وفاة عبد اللّه و قصة أصحاب الفیل (و أما الارکان الثلاثة فالرکن الاوّل) فی الحوادث من عام ولادته الی زمان نبوّته و فیه ثلاثة أبواب (الباب الاوّل) فی الوقائع من عام ولادته الی السنة الحادیة عشر من تاریخ ولادته و ما وقع حین الولادة و ذکر الختان و ذکر أسمائه و ألقابه و کناه و شمائله و صفاته و خصائصه و معجزاته و ارضاع الاظآر و عددها و ما وقع عند حلیمة من شق الصدر و غیره و ولادة أبی بکر الصدّیق و فقد حلیمة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی الطریق حین ردّته الی أمّه و وفاة أمّه و ولادة عثمان بن عفان و کفالة عبد المطلب و رمده و استسقاء عبد المطلب و حدیث سیف بن ذی یزن و ذکر سلیمان و بلقیس و وفاة عبد المطلب و کفالة أبی طالب و موت حاتم الطائی و موت کسری أنو شروان و ولایة ابنه هرمز
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:4
السلطنة و خروج أبی طالب عم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی الشأم و حرب الفجار الاوّل و شق الصدر علی قول (الباب الثانی) فی الحوادث من السنة الثانیة عشر من مولده الی السنة الرابعة و العشرین من ارتحال أبی طالب مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی الشام و ذکر رعیه الغنم و مولد عمر بن الخطاب و الفجار الثانی و عزم الزبیر بن عبد المطلب أو العباس لسفر الیمن و خلع هرمز عن السلطنة و قتله و تولی کسری برویز السلطنة و حرب الفجار الثانی عند البعض و تجارة الشأم مع أبی بکر و حلف الفضول و شکایته الی عمه من آت یأتیه منذ لیال و هدم الکعبة و بنائها فی قول بعض العلماء (الباب الثالث) فی الحوادث من السنة الخامسة و العشرین الی السنة الاربعین من مولده صلی اللّه علیه و سلم من خروجه الی الشأم مع میسرة عبد خدیجة و قصة نسطور الراهب و تزوّج خدیجة و ولیمته و ذکر سائر أزواجه اجمالا و ذکر سراریه و أولاده و تزویج بناته و أختانه و ولادة علیّ بن أبی طالب و هدم الکعبة و بنائها و ولادة فاطمة و موت زید بن عمرو بن نفیل و رؤیته الضوء و النور و قتل کسری برویز النعمان بن المنذر (الرکن الثانی) فی الحوادث من ابتداء نبوّته الی زمان هجرته من صفة نزول الوحی و رمی الشیاطین بالشهب و انقصام طاق کسری و أوّل من أسلم و اخفاء الدعوة و وفاة ورقة بن نوفل و اظهار الدعوة و ولادة عائشة و هجرة الحبشة و ایذاء المشرکین و وفاة سمیة بنت حباط و اسلام حمزة و عمر بن الخطاب و وقعة بغاث و تقاسم قریش علی معاداة بنی هاشم و بنی المطلب و نزول سورة الروم و انشقاق القمر و وفاة أبی طالب و خدیجة و ذکر ثقیف و وفود الجنّ و تزوّج سودة و عائشة و بدء اسلام الانصار و ذکر المعراج و فرض الصلوات الخمس و بیعة العقبة الاولی و بیعة العقبة الثانیة و هجرة أبی بکر الی الحبشة و بدء هجرة الاصحاب الی المدینة و مشاورة قریش فی حبسه أو قتله أو اخراجه و اخبار جبریل ایاه بذلک و اذنه له بالهجرة (الرکن الثالث) فی الحوادث من ابتداء نبوّته الی زمان هجرته و وفاته و فیه أحد عشر موطنا (الموطن الأوّل) فی وقائع السنة الاولی من الهجرة و فیه فصلان (الفصل الاوّل) فی خروجه مع أبی بکر من مکة الی الغار و لبثهما فیه ثلاثة أیام و خروجهما من الغار و توجههما الی المدینة و ما وقع لهما فی الطریق من ادراک سراقة و مرورهما بخیمتی أمّ معید و لقیهما بریدة بن الخصیب و لقیهما طلحة بن عبید اللّه و الزبیر بن العوّام فی الطریق و موت البراء ابن معرور و استقبال أهل المدینة و نزولهما بقباء و لبثهما فی بنی عمرو بن عوف و تأسیسه مسجد قباء (الفصل الثانی) فی انتقاله من قباء الی باطن المدینة و أوّل جمعة صلیت فی الاسلام قبل قدومه باطن المدینة و نزوله علی أبی أیوب و سکناه بداره و بناء المسجد و موت کلثوم بن المهدم و اسلام عبد اللّه بن سلام و موت أسعد بن زرارة و ابتداء خدمة أنس و الزیادة فی صلاة الحضر و وعک أبی بکر و الصحابة و اسلام سلمان و المواخاة بین المهاجرین و الانصار و موادعة الیهود و موت العاص بن وائل من مشرکی مکة و بعث زید بن حارثة الی مکة للاتیان بعیاله و ولادة النعمان بن بشیر و ولادة عبد اللّه بن الزبیر و ذکر فاطمة بنت النعمان و تکلم الذئب و ابتداء الغزوات و بعث حمزة بن عبد المطلب الی سیف البحر و سریة عبیدة بن الحارث الی بطن رابغ و بنائه بعائشة و بعث سعد بن أبی وقاص الی الخرار و ابتداء الاذان (الموطن الثانی) فی حوادث السنة الثانیة من الهجرة من صوم عاشوراء و تزوّج علیّ بفاطمة و غزوة الابواء و ودّان و غزوة بواط و غزوة العشیرة و تسکنیة علیّ بأبی تراب و غزوة بدر الاولی و سریة عبد اللّه بن جحش و تحویل القبلة و تجدید مسجد قباء و نزول فرض رمضان و غزوة بدر الکبری و غلبة الروم علی فارس و وفاة رقیة و قتل عمیر بن عدی العصماء و صلاة الفطر و زکاته و فرض زکاة الاموال و غزوة قرقرة الکدر و سریة سالم بن عمیر و غزوة بنی قینقاع و غزوة السویق و موت عثمان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:5
ابن مظعون و صلاة العید و التضحیة و بناء علیّ بفاطمة و موت أمیة بن أبی الصلت (الموطن الثالث) فی وقائع السنة الثالثة من الهجرة من سریة محمد بن سلمة لقتل کعب بن الاشرف و تزوّج عثمان أم کلثوم و غزوة غطفان و غزوة نجران و سریة زید بن حارثة الی قردة و تزوّج حفصة و تزوّج زینب بنت خزیمة و ذکر میلاد الحسن و غزوة أحد و مقتل حمزة و مصعب بن عمیر و أنس بن النضر و ثابت بن دحداح و حنظلة غسیل الملائکة و جحدر بن زیاد و غزوة حمراء الاسد و سرقة طعمة بن الابیرق و علوق فاطمة بالحسین (الموطن الرابع) فی وقائع السنة الرابعة من الهجرة من سریة أبی سلمة الی قطن و وفاته و سریة عبد اللّه بن أنیس الی قتل سفیان بن خالد و سریة المنذر بن عمرو الی بئر معونة و سریة عاصم الی الرجیع و سریة عمرو بن أمیة الضمری الی مکة لقتل أبی سفیان و غزوة بنی النضیر و وفاة زینب بنت خزیمة و غزوة ذات الرقاع و صلاة الخوف فیها و وفاة عبد اللّه بن عثمان و ولادة الحسین بن علی و تعلم زید بن ثابت کتاب الیهود و غزوة بدر الصغری الموعودة و تزوّج أم سلمة و رجم الیهودیین و وفاة فاطمة بنت أسد و تحریم الخمر عند البعض (الموطن الخامس) فی وقائع السنة الخامسة من الهجرة من فک سلمان من الرق و غزوة دومة الجندل و وفاة أم سعد بن عبادة و خسوف القمر و شدّة قریش و وفد بلال بن الحارث المزنی و قدوم ضمام بن ثعلبة و غزوة المریسیع و تسمی غزوة بنی المصطلق أیضا و تنازع جهجاه و قدوم مقبس بن حبابة و نزول آیة التیمم و تزوّج جویریة و افک عائشة و غزوة الخندق و غزوة بنی قریظة و قصة أولاد جابر و تزوّج زینب بنت جحش و نزول آیة الحجاب و زلزلة المدینة و سقوطه عن الفرس و مسابقة الخیل و نزول فرض الحج و النهی عن ادّخار لحوم الاضاحی (الموطن السادس) فی وقائع السنة السادسة من الهجرة من سریة محمد بن مسلمة الی القرظان و قصة ثمامة و کسوف الشمس و غزوة بنی لحیان و بعث أبی بکر الی کراع الغمیم و زیارة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قبر أمّه و غزوة الغابة و سریة عکاشة الی عمرو و سریة محمد بن مسلمة الی ذی القصة و سریة أبی عبیدة بن الجرّاح الی مصارع أصحاب محمد بن مسلمة و سریة زید بن حارثة الی بنی سلیم بالجموم و سریة زید بن حارثة الی العیص و سریة زید بن حارثة الی الطرف و سریة زید بن حارثة الی حسمی و سریة کرز بن جابر الفهری الی العرنیین و سریة زید بن حارثة الی وادی القری و بعث عبد الرحمن بن عوف الی بنی کلب و بعث علیّ بن أبی طالب الی بنی سعد و سریة زید بن حارثة الی أم قرفة و سریة عبد اللّه بن عتیک لقتل أبی رافع و الاستسقاء و سریة عبد اللّه بن رواحة الی أسیر بن رازم الیهودی بخیبر و سریة زید بن حارثة الی مدین و غزوة الحدیبیة و بیعة الرضوان و نزول حکم الظهار و وفاة أم رومان و تحریم الخمر و تزوّج أم حبیبة (الموطن السابع) فی وقائع السنة السابعة من الهجرة من اتخاذ الخاتم و ارسال الرسل الی ملوک الاطراف و سحره صلی اللّه علیه و سلم و بعث أبان بن سعید قبل نجد و اسلام أبی هریرة و غزوة خیبر و سمه بها و استصفاء صفیة و فتح فدک و طلوع الشمس بعد غروبها و فتح وادی القری و لیلة التعریس و البناء بأمّ حبیبة و سریة عمر بن الخطاب الی تربة و بعث أبی بکر الی بنی کلاب و بعث بشر بن سعد الی بنی مرّة و بعث غالب بن عبد اللّه الی المیفعة و بعث بشر ابن سعد الی یمن و جبار و بعث سریة قبل نجد و کتابه الی جبلة بن الایهم و قتل شیرویه أباه و وصول هدیة المقوقس و عمرة القضاء و تزوّج میمونة و سریة ابن أبی العوجاء الی بنی سلیم (الموطن الثامن) فی وقائع السنة الثامنة من الهجرة من اسلام خالد بن الولید و عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة و تزوّج فاطمة بنت الضحاک و سریة غالب بن عبد اللّه اللیثی الی بنی الملوح و سریة غالب بن عبد اللّه الی مصاب اصحاب بشر بن سعد بفدک و اتخاذ المنبر و القصاص
و سریة شجاع بن وهب الی بنی عامر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:6
بالثنی و سریة کعب بن عمیر الغفاری الی ذات الهلاح و سریة عمرو بن العاص الی ذات السلاسل و سریة أبی عبیدة بن الجرّاح الی سیف البحر و سریة أبی قتادة الی خضرة و سریة أبی قتادة الی بطن اضم و سریة عبد اللّه بن أبی حدود الی الغابة و غزوة فتح مکة و اسلام أبی سفیان بن حرب و اسلام أبی قحافة و اسلام حکیم بن حزام و اسلام عکرمة بن ابی جهل و سریة خالد بن الولید عقب فتح مکة الی العزی بنخلة و سریة عمرو بن العاص الی سواع صنم هذیل و سریة سعد بن زید الاشهلی الی مناة صنم الاوس و سریة خالد بن الولید الی بنی خزیمة و غزوة حنین و سریة أبی عامر الی أوطاس و سریة الطفیل ابن عمرو الدوسی الی ذی الکفین و غزوة الطائف و اسلام صفوان بن أمیة و اسلام مالک بن عوف النضری و بعث عمرو بن العاص الی عمان و بعث العلاء الحضرمی الی البحرین و اسلام عروة بن مسعود الثقفی و بعث قیس بن سعد بن عبادة الی ناحیة الیمن و تزوّج ملیکة السکندیة و طلاق سودة و ولادة ابراهیم و ابتداء لوفود و وفاة زینب (الموطن التاسع) فی وقائع السنة التاسعة من الهجرة من بعث عیینة بن حصن الفزاری الی بنی تمیم و بعث الولید بن عقبة بن أبی معیط الی بنی المصطلق و سریة قطبة بن عامر الی خثعم و بعث الضحاک الی بنی کلاب و سریة علقمة الی الحبشة و بعث علی بن أبی طالب الی الفلس صنم طی و سریة عکاشة الی الحباب و اسلام کعب بن زهیر و تتابع الوفود و قصة الایلاء و غزوة تبوک و سریة خالد بن الولید الی اکیدر و کتابه الی هرقل و موت عبد اللّه ذی النجادین و هدم مسجد الضرار و قصة کعب بن مالک و صاحبیه و ارجاء أمرهم و قصة اللعان و اسلام ثقیف و مجی‌ء کتاب ملوک حمیر و رجم الغامدیة و وفاة النجاشی و وفاة أم کلثوم و موت عبد اللّه بن أبیّ بن سلول و حج أبی بکر و قتل فارس ملکهم شهریار بن شیرویه و تملیکهم توران بنت کسری (الموطن العاشر) فی وقائع السنة العاشرة من الهجرة من قدوم عدی بن حاتم و بعث أبی موسی و معاذ بن جبل الی الیمن و بعث خالد بن الولید الی بنی الحارث بنجران و بعث علی بن أبی طالب الی الیمن و بعث جریر بن عبد اللّه البجلی الی تخریب ذی الخلصة و بعث جریر الی ذی الکلاع و بعث أبی عبیدة بن الجرّاح الی نجران و قصة بدیل و تمیم الداری و وفاة ابراهیم و انکساف الشمس یوم مات ابراهیم و ظهور جبریل فی مجلس النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قدوم فیروز الدیلمی و اسلام فروة بن عمرو الجذامیّ و حجة الوداع و مجی‌ء صبی فی حجة الوداع و موت باذان و نزول آیة الاستئذان و موت أبی عامر الراهب (الموطن الحادی عشر) فی وقائع السنة الحادیة عشر من الهجرة من قدوم وفد النخع و الاستغفار لاهل البقیع و سریة أسامة بن زید الی نبی و ذکر الاسود العنسی و ذکر مسیلمة الکذاب و سجاح و طلیحة و ذکر ما وقع قبل مرضه و ما وقع فی مرضه و مدّة مرضه و ذکر سنه و وقت موته و ذکر بیعة أبی بکر و ذکر غسله و تکفینه و الصلاة علیه و قبره و دفنه و الندب علیه و میراثه و ترکته و حکمه فیها و رؤیته فی المنام و ذکر زیارته صلی اللّه علیه و سلم و سائر المزارات بالمدینة (و أما الخاتمة) ففیها فصلان (الفصل الاوّل) فی المتفرّقات من أرقائه و حرسه و خدمه و من کان یضرب الاعناق بین یدیه و ذکر موالیه و أمرائه و رسله و کتابه و مؤذنیه و خطبائه و شعرائه و حداته و ذکر خیله و لقاحه و دوابه و آلات حروبه و لباسه و ذکر من وفد علیه (الفصل الثانی) فی ذکر الخلفاء الراشدین و ذکر خلفاء بنی أمیة و العباسیین.

الطلیعة الاولی فی تعریف النبیّ و الرسول‌

اشارة

* (الطلیعة الاولی من المقدّمة فی تعریف النبیّ و الرسول و اولی العزم و الخاتم و الفرق بینهم و بین البشر و الملک و بین النبیّ و الولی و الساحر و فی أوّل ما خلق اللّه و ما بدأ من أنواره قبل وجوده الصوری و خلق طینته قبل طینة آدم و حدیث صور الأنبیاء و ذکر دلائل نبوّته و علامات رسالته من بشائر الکتب القدیمة و العلماء المتقدّمین و أخبار الجنّ و الکهنة)*
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:7
قال فی شواهد النبوّة اعلم أن النبیّ عبارة عن انسان أنزل علیه شریعة من عند اللّه بطریق الوحی تتضمن تلک الشریعة بیان کیفیة تعبده للّه تعالی فاذا أمر بتبلیغها الی الغیر یسمی رسولا* و فی الفتوحات المکیة النبیّ هو الذی یأتیه الملک بالوحی من عند اللّه یتضمن ذلک الوحی شریعة یتعبد بها فی نفسه فان بعث بها الی غیره کان رسولا* و فی شرح العقائد العضدیة للشیخ جلال الدین الدوانی النبیّ انسان بعثه اللّه الی الخلق لتبلیغ ما أوحاه اللّه إلیه و الرسول قد یستعمل مراد فاله و قد یختص بمن هو صاحب کتاب فیکون أخص من النبیّ* و فی أنوار التنزیل الرسول من بعثه اللّه تعالی بشریعة مجدّدة یدعو الناس إلیها و النبیّ یعمه و من بعثه لتقریر شرع سابق کأنبیاء بنی اسرائیل الذین کانوا بین موسی و عیسی علیهم الصلاة و السلام و لذلک شبه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علماء أمّته بهم حیث قال علماء أمّتی کأنبیاء بنی اسرائیل فالنبی أعم من الرسول و یدل علیه أنه سئل صلی اللّه علیه و سلم عن الأنبیاء فقال مائة ألف و أربعة و عشرون ألفا قیل- کم الرسل منهم قال ثلاثمائة و ثلاثة عشر جما غفیرا* و قیل الرسول من جمع الی المعجزة کتابا منزلا علیه و النبیّ غیر الرسول من لا کتاب له و قیل الرسول من یأتیه الملک بالوحی و النبیّ یقال له و لمن یوحی إلیه فی المنام* و فی العروة الوثقی کل من کان تصرفه فی ظواهر الخلق فهو سلطان و کل من کان تصرفه فی ظواهر الخلق و بواطن المؤمنین به مؤیدا من عند اللّه مستغنیا بنفسه فی التلقی من ربه عن بشر مثله فهو نبیّ فالنبی سلطان فی الظاهر ولیّ فی الباطن مستغن فی ارشاد الخلق عن بشر مثله فاذا اجتمعت السلطنة و الولایة فی شخص واحد انتشر العدل فی الظاهر و الباطن و یتم امر معاش الناس و معادهم علی نحو أکمل و أفضل و الرسول عامّ یطلق علی الملک و البشر و النبیّ خاص لا یطلق الا علی البشر* و فی معالم التنزیل و جملتهم مائة ألف و أربعة و عشرون ألفا و الرسل منهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر کما مر و المذکور فی القرآن باسم العلم ثمانیة و عشرون نبیا* و فی الینابیع روی الکلبی عن کعب الاحبار أن عدد الأنبیاء ألفا ألف و مائتا ألف و خمسة و عشرون ألفا و الرسل ثلاثمائة و ثلاثة عشر* و فی العمدة لم یبعث اللّه نبیا من أهل البادیة قط و لا من النساء و لا من الجنّ و یؤیده قوله تعالی و ما أرسلنا من قبلک الا رجالا نوحی إلیهم من أهل القری و سیجی‌ء الخلاف فی نبوّة النساء فی الباب السابع فی حوادث السنة الخامسة و العشرین من النبوّة* و فی ربیع الابرار للزمخشری عن فرقد السنجی لم یبعث نبیّ قط من مصر من الامصار و انما بعثوا من القری لان أهل الامصار أهل السواد و الریف و أهل القری أرق و عن أبی ذرّ الغفاری قال قلت یا رسول اللّه من أوّل الأنبیاء قال آدم فقلت أ نبیّ مرسل قال نعم ثم قال یا أبا ذرّ أربعة سریانیون آدم و شیث و أخنوخ و هو ادریس و هو أوّل من خط و خاط و نوح و أربعة من العرب هود و صالح و شعیب و نبیک یا أبا ذرّ و أوّل أنبیاء بنی اسرائیل موسی و آخرهم عیسی قلت کم أنزل اللّه من کتاب قال مائة صحیفة و أربعة کتب علی شیث خمسین صحیفة و علی أخنوخ ثلاثین صحیفة و علی ابراهیم عشر صحائف و علی موسی قبل التوراة عشر صحائف و أنزل التوراة و الانجیل و الزبور و الفرقان و لم یذکر آدم فی هذه الروایة* و فی الینابیع و علی آدم عشر صحائف و لم یذکر صحف موسی و قال و أنزل التوراة علی موسی و الزبور علی داود و الانجیل علی عیسی و الفرقان علی نبیکم* و فی المدارک أنزل التوراة و هی سبعون وقر بعیر لم یقرأها کلها الا أربعة موسی و یوشع و عزیر و عیسی علیهم السلام* و فی بحر العلوم و عشرین صحیفة علی ابراهیم و التوراة علی موسی ألف سورة کل سورة ألف آیة و الانجیل علی عیسی و الزبور علی داود و الفرقان علی محمد صلی اللّه علیه و سلم* و فی الانسان الکامل الزبور لفظة سریانیة و هی بمعنی الکتاب فاستعملها العرب حتی أنزل اللّه تعالی و کل شی‌ء فعلوه فی الزبر أی فی الکتب و أنزل الزبور
علی داود آیات مفصلات و لکنه لم یخرجه الی قومه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:8
إلّا جملة واحدة بعد أن کمل اللّه نزوله علیه و کان داود ألطف الناس محاورة و أحسنهم شمائل و کان نحیف البدن قصیر القامة ذا قوّة شدیدة کثیر الاطلاع علی العلوم المستعملة فی زمانه‌

مطلب نفیس فی نغمات داود

* و فی العرائس قال وهب و کعب کان داود علیه السلام أحمر الوجه دقیق الساقین سبط الرأس قلیل الشعر أبیض الجسم طویل اللحیة فیها جعودة حسن الصوت و کان اذا تلا الزبور وقفت الحیوانات حوله من الوحوش و الطیور و کان یهلک الناس فی مجلسه من صوته الحسن و نغمته اللذیذة و الترجیع و الالحان و لم یعط أحد من خلق اللّه مثل صوته و کان یقرأ الزبور تسعین لحنا لحنة منها یفیق المجنون و المغمی علیه و ما صنعت المزامیر و العیدان و البرابط و سائر أنواع الاوتار و الملاهی الاعلی نغماته و أجناس صوته بتعلیم ابلیس و عفاریته انتهی کلام العرائس* و فی کتاب طهارة القلوب للشیخ العارف عبد العزیز الدیرینی یروی أن داود علیه السلام کان اذا أراد أن ینوح علی ذنبه مکث سبعة أیام بلیالیها لا یأکل و لا یشرب و لا یقرب النساء ثم یخرج له منبرا الی البریة ثم یأمر سلیمان علیه السلام أن ینادی بصوت عال من أراد أن یسمع نوح داود فلیأت فتأتی الوحوش من البراری و الآکام و تأتی الهوام من الجبال و الطیر من الاوکار و تخرج العذاری من خدورهنّ و تجتمع الخلائق لذلک الیوم فیأتی داود فیرقی علی المنبر فیحیط به بنو اسرائیل علی طبقاتهم و کل صنف من الخلق علی حدته و سلیمان علیه السلام واقف علی قدمیه عنده فیأخذ داود فی الثناء علی اللّه تعالی فیضجون بالبکاء و الصراخ ثم یأخذ فی ذکر الجنة و النار فیموت خلق کثیر من الناس و الوحوش و الطیور و الهوام ثم یأخذ فی أهوال القیامة و ینوح علی نفسه فیموت من کل صنف طائفة عظیمة فاذا رأی سلیمان کثرة الموتی قال یا أبتاه مزقت المستمعین کل ممزق و ماتت طائفة من بنی اسرائیل و من الوحوش و الطیر و الهوام ثم یأخذ فی الدعاء حتی یقع مغشیا علیه فیحمل الی منزله و تکثر الجنائز فی الناس فیقال هذا قتیل ذکر اللّه تعالی و هذا قتیل خوف اللّه و هذا قتیل ذکر الجنة و هذا قتیل ذکر النار ثم یدخل داود بیت عبادته و یغلق بابه و یقول یا إله داود أ غضبان أنت علی داود و لا یزال یناجی ربه حتی یأتی سلیمان فیستأذن و یدخل و یقدّم إلیه قرصا من شعیر و یقول یا أبت تقوّ بهذا علی ما ترید فیأکل منه ما شاء اللّه تعالی ثم یخرج الی بنی اسرائیل و قال یزید الرقاشی خرج داود مرّة ینوح علی نفسه و معه أربعون ألفا فمات منهم ثلاثون ألفا فما رجع منهم الا عشرة آلاف و کان اذا جاءه الخوف سقط و اضطرب حتی یقعد انسان علی رجلیه و آخر علی صدره لئلا تتفرّق أعضاؤه و مفاصله* و فی الانسان الکامل أنزل اللّه الانجیل علی عیسی باللغة السریانیة و قرئ علی سبعة عشر لغة و أوّل الانجیل‌

دقیقة فی الاب و الام و الابن‌

* باسم الاب و الامّ و الابن* کما أن أوّل القرآن* بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ* و أخذ هذا الکلام قومه علی ظاهره فظنوا أن الاب و الامّ و الابن عبارة عن الروح و مریم و عیسی فحینئذ قالوا ثالث ثلاثة و لم یعلموا أن المراد بالاب هو اسم اللّه و بالامّ کنه الذات المعبر عنها بماهیة الحقائق و بالابن الکتاب و هو الوجود المطلق لانه فرع و نتیجة عن ماهیة الکنه و إلیه أشار فی قوله تعالی و عنده أمّ الکتاب* و فی أنوار التنزیل ان السبب فی وقوع النصاری فی هذه الضلالة أن أرباب الشرائع المتقدّمة کانوا یطلقون الاب علی اللّه باعتبار أنه السبب الاوّل حتی قالوا ان الاب هو الرب الاصغر و اللّه سبحانه هو الرب الاکبر ثم ظنت الجهلة منهم أن المراد به الولادة فاعتقدوا ذلک تقلیدا و لذلک کفر قائله و منع مطلقا حسما لمادّة الفساد* و عن وهب بن منبه قال ان صحف ابراهیم علیه السلام أنزلت فی أوّل لیلة من شهر رمضان و أنزلت التوراة علی موسی علیه الصلاة و السلام لست لیال خلون من شهر رمضان بعد صحف ابراهیم بسبعمائة عام و أنزل الزبور علی داود علیه الصلاة و السلام لا ثنتی عشرة لیلة خلت من شهر رمضان بعد التوراة بخمسمائة عام و أنزل الانجیل علی عیسی علیه الصلاة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:9
و السلام لثلاث عشر علی ما فی الکشاف و قیل لثمان عشرة لیلة خلت من شهر رمضان بعد الزبور بألف عام و مائتی عام و أنزل الفرقان علی محمد صلی اللّه علیه و سلم لاربع و عشرین أو سبع و عشرین لیلة خلت من شهر رمضان بعد الانجیل بستمائة عام و عشرین عاما و اختلف فی کیفیة انزاله علی ثلاثة أقوال أحدها أنه نزل جملة واحدة فی لیلة القدر من اللوح المحفوظ الی السماء الدنیا و أملاه جبریل علی السفرة ثم کان ینزل بعد ذلک علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم نجوما فی عشرین سنة أو فی ثلاث و عشرین سنة أو خمس و عشرین سنة علی حسب الاختلاف فی مدّة اقامته صلی اللّه علیه و سلم بمکة بعد النبوّة فقیل عشر و قیل ثلاثة عشر و قیل خمسة عشر و لم یختلف فی مدّة اقامته بالمدینة انها عشر و اختلفوا فی وقت لیلة القدر فأکثرهم علی انها فی شهر رمضان فی العشر الاواخر فی أوتارها و أکثر الاقوال انها السابعة منها کذا فی الکشاف و هذا أی القول الاوّل أشهر و أصح و إلیه ذهب الاکثرون و یؤیده ما رواه الحاکم فی مستدرکه عن ابن عباس قال أنزل القرآن جملة واحدة الی السماء الدنیا فی لیلة القدر ثم نزل بعد ذلک فی عشرین سنة قال الحاکم صح علی شرط الشیخین* و أخرج النسائی فی تفسیره من جهة حسان بن أبی الاشرس عن سعید بن جبیر عن ابن عباس قال فصل القرآن من الذکر أی أمّ الکتاب و هو اللوح الی بیت العزة فی السماء الدنیا جملة واحدة و اسناده صحیح و حسان بن أبی الاشرس وثقه النسائی و غیره* و القول الثانی انه نزل الی السماء الدنیا فی عشرین لیلة قدر من عشرین سنة و قیل فی ثلاث و عشرین لیلة قدر من ثلاث و عشرین سنة و قیل فی خمس و عشرین لیلة قدر من خمس و عشرین سنة نزل فی کل لیلة قدر انزاله فی کل سنة ثم ینزل بعد ذلک منجما فی جمیع السنة علی سیدنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هذا معنی قول بعض العلماء کان ینزل من القرآن فی کل لیلة قدر من السنة الی السنة ما یکفیه الی مثلها من القابل و کان جبریل ینزل فی لیلة القدر من السماء السابعة الی بیت العزة فی السماء الدنیا ثم ینزل علیه من السماء الدنیا بحسب المصالح و الوقائع الی لیلة القدر من قابل و اذا کان لیلة القدر من قابل أنزل علیه مثل ما أنزل فی لیلة القدر التی قبلها و بهذا أی بالقول الثانی قال مقاتل و الامام أبو عبد اللّه الحلیمی فی المنهاج و الماوردی فی تفسیره* و القول الثالث أنه ابتدئ انزاله فی لیلة القدر ثم نزل بعد ذلک منجما فی أوقات مختلفة من سائر الاوقات و بهذا أی بالقول الثالث قال الشعبی و غیره* و اعلم أنه اتفق أهل السنة علی أن کلام اللّه منزل و اختلفوا فی معنی الانزال فقیل معناه اظهار القرآن و قیل ان اللّه أفهم کلامه جبریل و هو فی السماء و هو عال من المکان و علمه قراءته ثم جبریل أدّاه فی الارض و هو یهبط فی المکان و ذکر النیسابوریّ فی تفسیره کلم اللّه جبریل بالقرآن فی لیلة واحدة و هی لیلة القدر فسمعه جبریل و حفظه بقلبه و جاء به الی السماء الدنیا الی الکتبة فکتبوه ثم نزل علی محمد صلی اللّه علیه و سلم بالنجوم أی الاوقات قال الزرکشی فی البرهان فی التنزیل طریقان أحدهما أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انخلع من صورة البشریة الی صورة الملکیة و أخذه من جبریل و الثانی أن الملک انخلع الی البشریة حتی یأخذه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم منه و الاوّل أصعب الحالین و نقل بعضهم عن السمرقندی حکایة ثلاثة أقوال فی أن المنزل علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ما هو أحدها أنه اللفظ و المعنی و ان جبریل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ و نزل به و ذکر بعضهم أن احرف القرآن فی اللوح المحفوظ کل حرف منها بقدر جبل قاف و ان تحت کل حرف معان لا یحیط بها الا اللّه و هذا معنی قول الغزالی ان هذه الاحرف سترة لمعانیه و الثانی أنه انما نزل جبریل علیه الصلاة و السلام بالمعانی خاصة و أنه صلی اللّه علیه و سلم علم تلک المعانی و عبر عنها بلغة العرب و انما تمسکوا بقوله تعالی نزل به الروح الامین علی قلبک و القول
الثالث أن جبریل علیه السلام انما ألقی علیه المعنی و انه عبر بهذه الالفاظ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:10
بلغة العرب و ان أهل السماء یقرءونه بالعربیة ثم انه نزل به کذلک قیل السرّ فی انزاله حملة الی السماء الدنیا التفخیم لامره و أمر من نزل علیه و ذلک باعلام سکان السموات السبع ان هذا آخر الکتب المنزلة منزل علی خاتم الرسل لا شرف الامم و لقد صرفناه إلیهم لینزله علیهم و لو لا الحکمة الالهیة اقتضت نزوله منجما بسبب الوقائع لاهبط الی الارض جملة فان قیل فی أی زمان نزل جملة الی السماء الدنیا بعد ظهور بنوّة محمد صلی اللّه علیه و سلم أم قبلها قلت قال الشیخ أبو شامة الظاهر أنه قبلها و کلاهما محتمل قیل ان لیلة القدر مما منحه اللّه محمدا صلی اللّه علیه و سلم و اختص به بعد ظهور نبوّته فکیف یمکن نزوله قبل ذلک* و فی بحر العلوم للشیخ نجم الدین عمر النسفی و کتاب البرهان لابی عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الزرکشی قال الامام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبیب من أشرف علوم القرآن علم نزوله و جهاته و ترتیب ما نزل بمکة ابتداء و وسطا و انتهاء و ترتیب ما نزل بالمدینة کذلک و ما اختلفوا فیه فقال بعضهم هو مکی و قال بعضهم هو مدنی و ما نزل مرتین و ما نزل بمکة و حکمه مدنی و ما نزل بالمدینة و حکمه مکی و ما نزل بمکة فی أهل المدینة و ما نزل بالمدینة فی أهل مکة و ما یشبه نزول المکی فی المدنیة و ما یشبه نزول المدنی فی المکیة و ما نزل بالجحفة و ما نزل ببیت المقدس و ما نزل بالطائف و ما نزل بالحدیبیة و ما نزل لیلا و ما نزل نهارا و ما نزل شتاء و ما نزل صیفا و ما نزل مشیعا و ما نزل مفردا و الآیات المدنیات فی السور المکیة و الآیات المکیات فی السور المدنیات و ما حمل من مکة الی المدینة و ما حمل من المدینة الی مکة و ما حمل من المدینة الی أرض الحبشة و ما نزل مجملا و ما نزل مفسرا و ما نزل مرموزا و ما هو ناسخ و ما هو منسوخ فهذه ثلاثون وجها من لم یعرفها و لم یمیز بینها لم یحل له أن یتکلم فی کتاب اللّه*

(ذکر ترتیب ما نزل بمکة)

* روی عن الحسین بن واقد أنه قال أوّل ما نزل من القرآن بمکة اقرأ باسم ربک و قیل أوّل ما نزل سورة الفاتحة کذا فی البرهان و هو ضعیف و فی روایة أورد نزول الفاتحة بعد یأیها المدّثر ثم ن و القلم ثم یأیها المزمّل ثم یأیها المدّثر ثم تبت یدا أبی لهب ثم اذا الشمس کوّرت ثم سبح اسم ربک الاعلی ثم و اللیل اذا یغشی ثم و الفجر ثم و الضحی ثم أ لم نشرح ثم و العصر ثم و العادیات ثم انا أعطیناک الکوثر ثم ألهاکم التکاثر ثم أ رأیت الذی یکذب بالدین ثم قل یأیها الکافرون ثم سورة الفیل ثم الفلق ثم قل أعوذ برب الناس ثم قل هو اللّه أحد ثم و النجم اذا هوی ثم عبس و تولی ثم انا أنزلناه ثم و الشمس و ضحاها ثم و السماء ذات البروج ثم و التین و الزیتون ثم لإیلاف قریش ثم القارعة ثم لا أقسم بیوم القیامة ثم الهمزة ثم و المرسلات ثم ق و القرآن المجید ثم لا أقسم بهذا البلد ثم الطارق ثم اقتربت الساعة ثم ص و القرآن ثم الاعراف ثم الجنّ ثم یس ثم الفرقان ثم الملائکة ثم مریم ثم طه ثم الواقعة ثم الشعراء ثم النمل ثم القصص ثم بنو اسرائیل ثم یونس ثم هود ثم یوسف ثم الحجر ثم الانعام ثم و الصافات ثم لقمان ثم سبأ ثم الزمر ثم حم المؤمن ثم حم السجدة ثم حم عسق ثم حم الزخرف ثم حم الدخان ثم حم الجاثیة ثم حم الاحقاف ثم و الذاریات ثم الغاشیة ثم الکهف ثم النحل ثم نوح ثم ابراهیم ثم الأنبیاء ثم المؤمنون ثم الم تنزیل السجدة ثم الطور ثم الملک ثم الحاقة ثم سأل سائل ثم عم یتساءلون ثم و النازعات ثم اذا السماء انفطرت ثم اذا السماء انشقت ثم الروم* و اختلفوا فی آخر ما نزل بمکة قال ابن عباس العنکبوت و قال الضحاک و عطاء المؤمنون و قال مجاهد ویل للمطففین فهذا ترتیب ما نزل من القرآن بمکة و علیه استقرّت الروایة من الثقات و هی خمس و ثمانون سورة کذا فی بحر العلوم للنسفی و البرهان للزرکشی*

(ذکر ترتیب ما نزل بالمدینة)

* و أوّل ما نزل بالمدینة سورة البقرة ثم الانفال ثم آل عمران ثم الاحزاب ثم الممتحنة ثم النساء ثم اذا زلزلت ثم الحدید ثم سورة محمد صلی اللّه علیه و سلم ثم الرعد ثم الرحمن ثم هل أتی علی الانسان ثم الطلاق ثم لم یکن ثم الحشر ثم اذا جاء نصر اللّه ثم النور ثم الحج
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:11
ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحریم ثم الصف ثم الجمعة ثم التغابن ثم الفتح ثم التوبة ثم المائدة و منهم من یقدّم المائدة علی التوبة و قرأ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم سورة المائدة فی خطبته یوم حجة الوداع فقال أیها الناس ان آخر القرآن نزولا سورة المائدة فأحلوا حلالها و حرّموا حرامها*

(ذکر ما اختلفوا فیه)

* اختلفوا فی ویل للمطففین قال ابن عباس هی مدنیة و قال عطاء هی آخر ما نزل بمکة کما مرّ و قال قتادة سورة المزمّل مدنیة و قال الباقون هی مکیة و اختلفوا فی الفاتحة و سیجی‌ء بیانه فهذا ترتیب ما نزل بالمدینة و هی تسع و عشرون سورة فجمیع ما نزل بمکة خمس و ثمانون سورة کما مرّ و جمیع ما نزل بالمدینة تسع و عشرون سورة علی اختلاف الروایات و قال علقمة و الحسن ما فی القرآن یأیها الناس فهو مکی و ما فیه یأیها الذین آمنوا فهو مدنی و قال نجم الدین عمر النسفی فی بحر العلوم اختلفوا فی فاتحة الکتاب انها مکیة أو مدنیة أو مکیة و مدنیة معا علی ثلاثة أقوال قال علی و ابن عباس و أبیّ بن کعب و مقاتل و قتادة فی جماعة آخرین انها مکیة و قال مجاهد انها مدنیة و ذکر الحسین بن الفضل البجلی و الثعالبی ان مجاهدا انفرد بالقول انها مدنیة*

(ذکر ما نزل مرّتین)

قال بعضهم ان الفاتحة نزلت مرتین مرة بمکة حین فرضت الصلاة و مرة بالمدینة حین حوّلت القبلة و قد صح أنها مکیة لقوله تعالی و لقد آتیناک سبعا من المثانی و القرآن العظیم و هو مکی کذا فی أنوار التنزیل و لتثنیة نزولها سمیت مثانی و هو نظیر قوله تعالی أ لیس اللّه بکاف عبده و هو النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هذه الکفایة فی حقه انه دفع عنه مکر الکفار کما قال و اذ یمکر بک الذین کفروا لیثبتوک الآیة و نزلت هذه الآیة مرة أخری فی شأن خالد بن الولید حین بعثه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لتحریق الشجرة التی کانت العرب یزعمون أن فیها عزی فخوّفه الکفار منها و کانوا یقولون یا عزی خبلیه و جننیه فجاء و قلعها و حرقها و خرجت عزی فقتلها و قال علیه السلام تلک العزی و لن تعبد أبدا* و أما ما نزل بمکة و حکمه مدنی فمنها قوله فی الحجرات یأیها الناس انا خلقناکم من ذکر و أنثی الآیة نزلت بمکة یوم فتحها و هی مدنیة لانها نزلت بعد الهجرة و منها قوله فی المائدة الیوم أکملت لکم دینکم الی قوله الخاسرین نزلت یوم الجمعة و الناس وقوف بعرفات فبرکت ناقته من هیبة القرآن و سورة المائدة مدنیة لنزولها بعد الهجرة و هی عدّة آیات* و أما ما نزل بالمدینة و حکمه مکی فمنها قوله تعالی فی الممتحنة یأیها الذین آمنوا لا تتخذوا عدوّی و عدوّکم أولیاء و هی قصة حاطب بن أبی بلتعة و سارة و الکتاب الذی دفعه الی سارة یخاطب أهل مکة و منها قوله تعالی فی سورة النحل و الذین هاجروا فی اللّه من بعد ما ظلموا الی قوله و یفعلون ما یؤمرون* و فی البرهان الی آخر السورة مدنیات یخاطب بها أهل مکة و منها سورة الرعد یخاطب بها أهل مکة و هی مدنیة و من أوّل براءة الی قوله انما المشرکون نجس خطاب لمشرکی مکة و هی مدنیة فهذا الذی ذکرناه من کلا القسمین من جملة ما نزل بمکة فی أهل المدینة و حکمه مدنی و ما نزل بالمدینة فی أهل مکة و حکمه مکی* و أما ما یشبه تنزیل المدنیة فی السور المکیة فمن ذلک قوله تعالی فی سورة النجم الذین یجتنبون کبائر الاثم و الفواحش الا اللمم کبائر الاثم یعنی کل ذنب عاقبته النار و الفواحش یعنی کل ذنب فیه الحدّ الا اللمم و هو ما بین الحدّین من الذنوب نزلت فی تیهان و المرأة التی راودها عن نفسها فأبت و استقرّت الروایة بما قلنا و الدلیل علی صحته أنه لم یکن بمکة حدّ و لا زجر و منها قوله تعالی فی هود و أقم الصلاة طرفی النهار الآیة نزلت فی أبی مقبل الحسین بن عمیر بن قبیس و المرأة التی اشترت برّا فراودها* و أما ما یشبه تنزیل مکة فی السور المدنیة فمن ذلک قوله تعالی فی الأنبیاء لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا نزلت فی نصاری نجران السید و العاقب و منها سورة و العادیات ضبحا فی روایة الحسین بن واقد و منها قوله تعالی فی سورة الانفال و اذ قالوا اللهم ان کان هذا هو الحق الآیة* و أما ما نزل بالجحفة فقوله تعالی فی سورة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:12
القصص ان الذی فرض علیک القرآن لرادّک الی معاد نزلت بالجحفة فی طریق المدینة و النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مهاجر* و أما ما نزل ببیت المقدس فقوله تعالی فی سورة الزخرف و اسأل من أرسلنا من قبلک من رسلنا أ جعلنا من دون الرحمن آلهة یعبدون نزلت ببیت المقدس فی لیلة أسری به* و فی الکشاف قیل ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم جمع له الأنبیاء لیلة الاسراء فی بیت المقدس و أمّهم و قیل له سلهم فلم یشک و لم یسأل* و فی الینابیع سمع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم آمن الرسول مع الآیة التی بعدها لیلة المعراج من الحق تعالی بلا واسطة* و أما ما نزل بالطائف فقوله عز و جل فی الفرقان أ لم تر الی ربک کیف مدّ الظل الآیة و فی اذا السماء انشقت بل الذین کفروا یکذبون و اللّه أعلم بما یوعون فبشرهم بعذاب ألیم یعنی کفار مکة* و أما ما نزل بالحدیبیة حین صالح النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أهل مکة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لعلی اکتب بسم اللّه الرحمن الرحیم فقال سهیل بن عمرو ما نعرف الرحمن و لو علمنا أنک رسول اللّه لتابعناک فأنزل اللّه تعالی و هم یکفرون بالرحمن الی قوله متاب* و فی الینابیع قوله بل الذین کفروا یکذبون الآیة و قوله و هم یکفرون بالرحمن فی سورة الرعد نزلتا بالحدیبیة فی حق الصلح* و أما ما نزل لیلا فقوله فی أوّل سورة الحج یأیها الناس اتقوا ربکم ان زلزلة الساعة شی‌ء عظیم نزلت لیلا فی غزوة بنی المصطلق و هم حیّ من خزاعة و الناس یسیرون فلم یر أکثر باکیا من تلک اللیلة و منها قوله تعالی فی المائدة و اللّه یعصمک من الناس و ذلک أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کان یحرسه أصحابه کل لیلة فی غزوة و النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی خیمة من أدم فبات علی باب الخیمة حذیفة و سعد فی آخرین فلما أن کان بعد هزیع من اللیل أنزل اللّه علیه الآیة فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الخیمة* و فی البرهان أخرج رأسه من الخیمة و قال یا أیها الناس انصرفوا فقد عصمنی اللّه تعالی* و منها قوله تعالی انک لا تهدی من أحببت قالت عائشة رضی اللّه عنها نزلت هذه الآیة و أنا مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی اللحاف و منها ما نزل لیلة المعراج و هو قوله تعالی آمن الرسول مع الآیة التی بعدها سمعها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لیلة المعراج کما مرّ من روایة الینابیع و نزل علیه أکثر القرآن نهارا* و أما ما نزل فی الشتاء و ما نزل فی الصیف فقد ذکر العلماء ان آیة الکلالة فی أوائل سورة النساء نزلت فی الشتاء و ان الآیة التی فی آخرها نزلت فی الصیف* و أما ما نزل مشیعا فالفاتحة نزلت و معها ثمانون ألف ملک و فی روایة سبعمائة ألف ملک طبقوا ما بین السماء و الارض لهم زجل بالتسبیح فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم سبحان اللّه و خرّسا جدا و منها سورة الانعام نزلت جملة واحدة یشیعها سبعون ألف ملک لهم زجل بالتسبیح و التحمید و کذا فی الکشاف و زاد فی البرهان طبقوا ما بین السماء و الارض فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سبحان اللّه و خرّسا جدا* و قال الزرکشی قد روی ما یخالفه فروی أنها لم تنزل جملة واحدة بل نزل منها آیات بالمدینة اختلفوا فی عددها فقیل ثلاث و هی قوله تعالی قل تعالوا الی آخر الآیات الثلاث و قیل ست آیات و قیل غیر ذلک و سائرها نزل بمکة و نزلت آیة الکرسی و معها ثلاثون ألف ملک و نزلت سورة یس و معها ثلاثون ألف ملک و نزلت و اسأل من أرسلنا من قبلک من رسلنا و معها عشرون ألف ملک* و ذکر الامام أحمد فی مسنده من حدیث معقل بن یسار أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال البقرة سنام القرآن و ذروته نزل مع کل آیة منها ثمانون ملکا و رواه الطبرانی أیضا کذا فی البرهان و سائر القرآن نزل به جبریل علیه الصلاة و السلام مفردا بلا تشییع* و أما الآیات المدنیات فی السور المکیة فمنها سورة الانعام و هی کلها مکیة خلا ستّ آیات استقرّت بذلک الروایات و ما قدروا اللّه حق قدره الآیة نزلت فی مالک بن الصیف من أحبار الیهود و رؤسائهم و الثانیة و الثالثة
و من أظلم ممن افتری علی اللّه کذبا أو قال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:13
أوحی الیّ و لم یوح إلیه شی‌ء* فی الکشاف هو مسیلمة الحنیفی الکذاب أو کذاب صنعاء الاسود العنسی و من قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه هو عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح القرشی أخو عثمان من الرضاعة و ثلاث آیات من أواخرها قل تعالوا الی قوله تتقون و منها سورة الاعراف کلها مکیة خلا ثمان آیات و اسألهم عن القریة الی قوله و إذ نتقنا الجبل فوقهم الآیة و منها سورة ابراهیم مکیة غیر آیتین نزلتا فی قتلی بدر و هما قوله تعالی أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ کُفْراً الآیتین و منها سورة النحل مکیة الی قوله تعالی وَ الَّذِینَ هاجَرُوا فِی اللَّهِ و الباقی مدنیات و منها سورة بنی اسرائیل مکیة غیر قوله تعالی وَ إِنْ کادُوا لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِی أَوْحَیْنا إِلَیْکَ یعنی ثقیفا و غیر قوله تعالی وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِی مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِی مُخْرَجَ صِدْقٍ الآیة و منها سورة الکهف مکیة غیر قوله تعالی وَ اصْبِرْ نَفْسَکَ نزلت فی سلمان الفارسی و منها سورة القصص مکیة غیر آیة و هی قوله تعالی وَ الَّذِینَ آتَیْناهُمُ الْکِتابَ یعنی الانجیل من قبله هم به یؤمنون یعنی بالفرقان نزلت فی أربعین رجلا من مؤمنی أهل الکتاب قدموا من الحبشة مع جعفر بن أبی طالب فأسلموا و منها سورة الزمر مکیة غیر قوله تعالی قُلْ یا عِبادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا الآیة و منها الحوامیم کلها مکیات غیر قوله تعالی فی الاحقاف قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ کانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الآیة نزلت فی عبد اللّه ابن سلام و منها سورة النجم مکیة الا قوله تعالی أَ فَرَأَیْتَ الَّذِی تَوَلَّی الآیة و منها سورة أ رأیت الذی مکیة غیر قوله فویل للمصلین فانها مدنیة کذا قال مقاتل بن سلیمان و أما الآیات المکیات فی السور المدنیة فمنها قوله تعالی فی الانفال وَ ما کانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِیهِمْ یعنی أهل مکة حتی تخرج من بین أظهرهم و منها سورة التوبة مدنیة غیر آیتین لَقَدْ جاءَکُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِکُمْ الی آخر السورة و منها سورة الرعد مدنیة غیر قوله تعالی وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُیِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ الی جمیعا و منها سورة الحج مدنیة غیر أربع آیات مکیات وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ الی قوله عَذابُ یَوْمٍ عَقِیمٍ* و أما ما حمل من مکة الی المدینة فاوّل سورة حملت من مکة الی المدینة سورة یوسف انطلق بها عوف بن عفراء فی الثمانیة الذین قدموا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مکة فأسلموا و هو أوّل من أسلم من الانصار ثم حمل بعدها قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ الی آخرها ثم حمل بعدها الآیة التی فی الاعراف قُلْ یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی رَسُولُ اللَّهِ إِلَیْکُمْ جَمِیعاً الی قوله یهتدون فأسلم علیها طوائف من أهل المدینة* و أما ما حمل من المدینة الی مکة فمن ذلک قوله فی البقرة یسألونک عن الشهر الحرام قتال فیه نزلت فی سریة عبد اللّه بن جحش و قتل ابن الحضرمی ثم حملت آیة الربا من المدینة الی مکة فی حضور ثقیف و بنی المغیرة الی عتاب بن أسید عامل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی مکة فقرأها عتاب علیهم و هی یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ و ذروا ما بقی من الربا فأقرّوا بتحریمه و تابوا و أخذوا رأس المال ثم حملت تسع آیات من سورة براءة من أوّلها قرأها علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه یوم النحر علی الناس ثم حملت من المدینة الی مکة الآیة التی فی النساء و هی قوله الا المستضعفین من الرجال و النساء و الولدان الی قوله عفوّا غفورا* و أما ما حمل من المدینة الی أرض الحبشة فهی ست آیات بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی جعفر بن أبی طالب فی خصومة الرهبان و القسیسین یا أهل الکتاب تعالوا الی کلمة سواء بیننا و بینکم فأسلم النجاشی و أسلموا* و أما المجمل فکقوله وَ أَقِیمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّکاةَ و افعلوا الخیر وَ تُوبُوا إِلَی اللَّهِ جَمِیعاً* و أما المفسر فکقوله و اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْیَةِ انطاکیة إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ أصحاب عیسی إِذْ أَرْسَلْنا إِلَیْهِمُ اثْنَیْنِ ناروض و ماروض فکذبوهما فعززنا بثالث شمعون الصفا قصة اصحاب القریة و مثلهم مشتملة علی المثلین المثل الثانی و هو قوله إِذْ أَرْسَلْنا إِلَیْهِمُ اثْنَیْنِ الی آخره بیان و تفسیر للاوّل و هو قوله إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ الی آخرها کذا فی الکشاف و قوله التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الآیة قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الآیات و قوله اللّه الصمد و فسره بما بعده و
قوله خلق هلوعا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:14
و فسره بما بعده* و أما المرموز فکقوله طه یس و قالوا فی طه بأقاویل قیل خاطب به رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال یا طه و قیل معناه یا رجل و قیل یا بدر و قیل یا طامسا للاشرار یا هاجدا بالاسحار و یاسین یا سید المرسلین و قیل أی یسرنا لک و لامّتک الکتاب المبین و أثبتنا رسالتک بالشهادة و الیمین قد کفی باللّه شهیدا انک سید المرسلین فیکن من الشاکرین و قل الحمد للّه رب العالمین*

و أما الناسخ و المنسوخ‌

ففی أنوار التنزیل نسخ الآیة بیان انتهاء التعبد بقراءتها أو الحکم المستفاد منها أو بهما جمیعا فما نسخت تلاوته ما قال أنس أنزل اللّه فی الذین قتلوا یوم بئر معونة قرآنا قرأناه ثم نسخ بعد و هو بلغوا عنا قومنا انا قد لقینا ربنا فرضی عنا و رضینا عنه و فی روایة عنه و أرضانا و مما نسخت تلاوته و بقی حکمه فیعمل به اذ تلقته الامّة بالقبول ما روی أنه کان فی سورة النور الشیخ و الشیخة اذا زنیا فارجموهما البتة نکالا من اللّه و اللّه علیم حکیم و لهذا قال عمر لو لا أن یقول الناس زاد عمر فی کتاب اللّه لکتبتها بیدی رواه البیهقی و أصله فی الصحیحین و منه قراءة ابن مسعود فی کفارة الیمین فصیام ثلاثة أیام متتابعات بزیادة متتابعات و قراءة ابن عباس فی السرقة فاقطعوا أیمانهما مکان أیدیهما نسخت تلاوتهما فی حیاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بصرف القلوب عن حفظهما إلا قلوب ذینک الراویین أو بالانساء کذا قاله فخر الاسلام* و مما نسخ حکمه و بقیت تلاوته قوله تعالی و علی الذین یطیقونه فدیة نسخ حکمه و هو جواز الفطر مع اعطاء الفدیة و منه قوله تعالی لَکُمْ دِینُکُمْ وَ لِیَ دِینِ و منه قوله تعالی لا یَحِلُّ لَکَ النِّساءُ من بعد فانه منسوخ بما روت عائشة رضی اللّه عنها أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أخبر أباها بأن اللّه تعالی أباح له من النساء ما شاء* و فی الکشاف عن عائشة رضی اللّه عنها ما مات النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حتی أحل اللّه له النساء یعنی ان الآیة قد نسخت و لا یخلو نسخها اما أن یکون بالسنة و اما بقوله انا أحللنا لک أزواجک و ترتیب النزول لیس علی ترتیب المصحف و قوله تعالی فَاقْتُلُوا الْمُشْرِکِینَ فانه نسخ بقوله علیه الصلاة و السلام لا تقتلوا أهل الذمّة و هذان القسمان من قبیل نسخ الکتاب بالسنة کما سیجی‌ء و مما نسخت تلاوته و حکمه معا ما نسخ فی حیات النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالانساء ما روی عن عائشة رضی اللّه عنها أنها قالت کان فیما أنزل عشر رضعات معلومات یحرّمن فنسخن بخمس معلومات* قال الشیخ جلال الدین الدوانی اختلف المسلمون فی جواز نسخ بعض آیات القرآن بعد اتفاقهم قاطبة علی أنه لا یجوز نسخ جمیع القرآن و ذهب بعض الاصولیین کأبی مسلم الاصفهانی و جماعة من الصوفیة الی أنه لیس فی شی‌ء من آیات القرآن منسوخ أصلا و ذهب آخرون الی أن النسخ واقع فی بعض آیات القرآن و جعلوا المنسوخ منها ثلاثة أقسام* الاوّل ما نسخ تلاوته و بقی حکمه ان کان له حکم و الثانی عکسه و الثالث ما نسخنا جمیعا کما مرّ أمثلتها و اعلم أن النسخ کما یکون فی الکتاب یکون فی السنة أیضا مثال نسخ السنة بالسنة قوله صلی اللّه علیه و سلم کنت نهیتکم عن زیارة القبور ألا فزوروها و فی روایة فانها تذکر الموت و مثال نسخ السنة بالکتاب نسخ التوجه الی بیت المقدس فانه صلی اللّه علیه و سلم کان بمکة متوجها الی الکعبة ثم تحوّل بوجهه الی بیت المقدس بالمدینة ثم نسخ بقوله تعالی فولّ وجهک شطر المسجد الحرام و مثال نسخ الکتاب بالسنة ما مرّ من روایة عائشة فی اباحة ما شاء من النساء و من النهی عن قتل أهل الذمّة قال الشیخ جلال الدین الدوانی رأیت فی بعض التفاسیر ان قوله و امسحوا برؤسکم و أرجلکم من هذا القبیل فانه نسخ بالسنة المتواترة فی وجوب الغسل فی الرجلین*

و أوّل من تتبع القرآن و جمعه‌

فی زمن أبی بکر رضی اللّه عنه زید بن ثابت الانصاری تتبع القرآن و جمعه من العسب و الرقاع و اللخاف و صدور الرجال حتی وجد آخر التوبة لقد جاءکم مع خزیمة الانصاری ذی الشهادتین لم یجدها مع أحد غیره فألحقها فی سورتها و کانت الصحف عند أبی بکر حتی توفاه اللّه ثم عند عمر حتی قبض ثم عند حفصة بنت عمر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:15
و العسب بضم المهملتین ثم موحدة جمع عسیب و هی جرید النخل کانوا یکشطون الخوص و یکتسبون فی الطرف العریض و قیل العسب طرف الجریدة العریض الذی لم ینبت علیه الخوص و الذی ینبت علیه الخوص السعف و الرقاع جمع رقعة و قد یکون من جلد أورق أو کاغد و فی روایة و قطع الادیم و اللخاف بکسر اللام ثم خاء معجمة خفیفة و آخره فاء جمع لخفة بفتح اللام و سکون المعجمة و فی روایة و اللخف بضمتین و آخره فاء قال أبو داود و هی الحجارة الرقاق قال الخطابی صفائح الحجارة الرقاق قال الاصمعی فیها عرض ورقة و فسره ابن حجر بالخزف بفتح المعجمة و الزای و هی الآنیة التی تصنع من الطین المشوی و فی روایة قال زید فقدنا آیة من الاحزاب حین نسخنا المصحف قد کنت أسمع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقرأ بها لم أجدها مع أحد الا مع خزیمة الانصاری من المؤمنین رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه علیه فألحقناها فی سورتها و خزیمة هو ذو الشهادتین روی البخاری فی صحیحه عن أنس أن حذیفة قدم علی عثمان و کان یغازی أهل الشأم فی فتح ارمینیة و اذربیجان مع أهل العراق و أفزع حذیفة اختلافهم فی القراءة و قال لعثمان أدرک هذه الامّة قبل أن یختلفوا اختلاف الیهود و النصاری فأرسل عثمان الی حفصة أن أرسلی إلینا الصحف ننسخها فی المصاحف ثم نردّها إلیک فأرسلت إلیه فأمر زید بن ثابت و عبد اللّه بن الزبیر و سعید بن العاص و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها فی المصاحف و قال عثمان لرهط القرشیین الثلاثة اذا اختلفتم أنتم و زید بن ثابت فی شی‌ء من القرآن فاکتبوه بلسان قریش فانما نزل بلسانهم ففعلوا حتی اذا نسخوا الصحف فی المصاحف ردّ عثمان الصحف الی حفصة فأرسل فی کل أفق بمصحف مما نسخوا و أمر بما سواه من القرآن فی کل صحیفة أو مصحف أن یحرق* و اعلم أنه قد اشتهر أن عثمان أوّل من جمع المصاحف و لیس کذلک بل أوّل من جمعها فی مصحف واحد أبو بکر الصدّیق ثم أمر عثمان حین خاف الاختلاف فی القراءة بتحویله منها الی المصاحف هکذا نقله البیهقی کذا فی البرهان‌

ذکر اللغات التی نزل بها کلام اللّه‌

یقال اللغات التی نزل بها کلام اللّه العربیة و العبرانیة و السریانیة القرآن نزل باللغة العربیة و التوراة بالعبرانیة و الزبور و الانجیل بالسریانیة کذا فی الانسان الکامل یعنی ان الانجیل بالسریانیة و فی صحیح البخاری فی قصة ورقة بن نوفل أنه تنصر فی الجاهلیة و کان یکتب الکتاب العبرانی یکتب من الانجیل بالعربیة فیفهم منه أن الانجیل کان بالعبرانیة و فی روایة الزبور باللغة العبرانیة و هو مائة و خمسون سورة فاذا عبر عن کلام اللّه بالعربیة یسمی قرآنا و ان عبر بالعبرانیة یسمی توراة و اذا عبر بالسریانیة یسمی زبورا و انجیلا و هذه العبارات جمیعها کلام اللّه تعالی من غیر خلاف بین العلماء لانها یفهم منها ما یفهم من کلام اللّه الذی هو قائم بالنفس و هو مدلول هذه العبارات فان العلماء أجمعوا علی أن المحفوظ فی الصدور و المقروء بالالسن و المکتوب فی المصاحف یقال له کلام اللّه*

مطلب أولو العزم‌

و أما أولو العزم من الرسل فهم الذین کانوا مأمورین بقتال الکفار و جهاد الفجار بعد تبلیغ الرسالة إلیهم بخلاف النبوّة و الرسالة فان الجهاد لیس بشرط فیهما کما کان فی أوائل بعثة نبینا صلی اللّه علیه و سلم حیث کان یوحی إلیه تارة ان علیک الا البلاغ و وقتا یخاطب بقل الحق من ربکم فمن شاء فلیؤمن و من شاء فلیکفر و فی الاواخر صار مأمورا بالقتال و الجهاد قال اللّه تعالی قاتلوا المشرکین کافة فاقتلوا المشرکین حیث وجدتموهم و اقتلوهم حیث ثقفتموهم* و فی الکشاف أولو العزم أولو الجدّ و الثبات و الصبر قیل هم نوح و ابراهیم و یعقوب و یوسف و أیوب و موسی و داود و عیسی علیهم الصلاة و السلام* و فی المدارک المراد من أولی العزم ما ذکر فی الاحزاب و اذ أخذنا من النبیین میثاقهم و منک و من نوح و ابراهیم و موسی و عیسی ابن مریم* و فی عمدة المعانی أولو العزم هم أصحاب الشرائع و قیل هم نوح و ابراهیم و موسی و عیسی علیهم الصلاة و السلام و قیل ثمانیة عشر نبیا ذکروا فی الانعام فی ثلاث أو أربع آیات متوالیات
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:16
* و أما الخاتم فهو الذی جمع فیه معنی النبوّة و الرسالة و أولو العزمیة و لا یبعث بعده نبیّ و لا ینسخ دینه و شرعه بل یبقی مؤبدا مخلدا* و فی العروة الوثقی کل من کان من أولی العزم مرسل إلیهم و الخاتم الامیّ هو النبیّ المرسل إلیهم سید أولی العزم بحیث لو کان موسی حیا لما وسعه الا اتباعه و یقتدی عیسی بعد نزوله بامام من أمّته*

الفرق بین البشر و الملک‌

و أما الفرق بین البشر و الملک فقد قال النسفی فی عقائده رسل البشر أفضل من رسل الملائکة و رسل الملائکة أفضل من عامّة البشر و عامّة البشر أفضل من عامّة الملائکة و اتفق العلماء علی أن الأنبیاء علیهم الصلاة و السلام أفضل من جمیع البشر و لا یبلغ أحد من الاولیاء و الصدّیقین درجات الأنبیاء و ان کانوا فی أعالی مراتبهم قال أبو یزید البسطامی قدّس اللّه سرّه آخر نهایات الصدّیقین أوّل أحوال الأنبیاء و قال ابن عطاء اللّه أدنی مراتب المرسلین أعلی مراتب الأنبیاء و أدنی مراتب الأنبیاء أعلی مراتب الصدّیقین و أدنی مراتب الصدّیقین أعلی مراتب الشهداء و أدنی مراتب الشهداء أعلی مراتب الصالحین و أدنی مراتب الصالحین أعلی مراتب المؤمنین*

مطلب نفیس فی قولهم أن الولایة أفضل من النبوّة

فما نقل عن بعض الاولیاء من أن الولایة أفضل من النبوّة فمبنیّ علی أن للنبیّ جهتین احداهما جهة الولایة التی هی باطن النبوّة و ثانیتهما جهة النبوّة التی هی ظاهر الولایة فالنبیّ بجهة الولایة یأخذ الفیض و العلی من اللّه تعالی و بجهة النبوّة تبلیغه للخلق و لا شک فی أن الوجه الذی الی الحق أشرف و أفضل من الوجه الذی الی الخلق فالمراد أن جهة ولایة نبیّ أفضل من جهة نبوّته و هو من حیث انه ولیّ أفضل من حیث انه نبیّ لا أن ولایة ولیّ تابع أفضل من نبوّة نبیّ متبوع حتی یلزم أن یکون الولیّ أفضل من النبیّ کما یتوهم القاصرون فان مرتبة الولایة حاصلة للنبیّ علی وجه أکمل من ولایة الولیّ مع أمر زائد و هو مرتبة النبوّة فکل نبیّ ولیّ من غیر عکس* و ما وقع فی کلام محمد بن علی الحکیم الترمذی و ذهب إلیه الشیخ سعد الدین الحموی أیضا من أن نهایة الأنبیاء بدایة الاولیاء فالمراد منه أن نهایة الأنبیاء فی الشرائع بدایة الاولیاء فیها و لما کانت شرائع الأنبیاء تتم و تکمل فی أواخر أحوالهم کما ان نبینا صلی اللّه علیه و سلم فی أواخر أمره قیل له الیوم أکملت لکم دینکم و الولیّ ما لم یأخذ الشریعة بکمالها لم یکن له الشروع فی الولایة فان ما هو للنبیّ فی التشریع فی أواخر الامر للولیّ فی أوّله و لو أن أحدا مثلا سلک جمیع الاحکام النازلة بمکة و لم یلتفت الی الاحکام النازلة بالمدینة لن ینال مرتبة الولایة بل لو أنکر لکفر فبدایة الولایة أن یقبل الشریعة التی هی نهایة أمر النبیّ کذا فی شواهد النبوّة* و فی العروة الوثقی و لا بدّ فی کل حین من مرشد یرشد الخلق خلافة عن النبیّ و لا بدّ للمرشد من التأیید الالهی لیتمکن له تسخیر المسترشدین و افادة المستفیدین و تعلیم المتعلمین و هو العالم الولی الشیخ و الی هذا السرّ أشار النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حیث قال الشیخ فی قومه کالنبیّ فی أمّته و الشیخ ینبغی أن یکون ولیا للّه و الولیّ لا بدّ أن یکون عالما لان اللّه ما اتخذ ولیا جاهلا قط*

الفرق بین النبیّ و الولیّ و الساحر

و أما الفرق بین النبیّ و الولیّ و الساحر أن النبیّ یتحدّی الخلق بالمعجزة و یستعجزهم علی الاتیان بمثلها و یخبرهم عن اللّه تعالی بخرق العادة بها لتصدیقه و لو کان کاذبا لم تنخرق العادة علی یدیه و لو خرقها اللّه علی ید کاذب لخرقها علی أیدی المعارضین للانبیاء و أما الولیّ و الساحر فلا یتحدّیان الخلق و لا یستدلان علی نبوّة و لو ادّعیا شیئا من ذلک لم تنخرق العادة لهما و أما الفرق بین الولیّ و الساحر فمن وجهین أحدهما و هو المشهور اجماع المسلمین علی أن السحر لا یظهر الاعلی ید فاسق و الکرامة لا تظهر الا علی ید ولیّ و لا تظهر علی ید فاسق و بهذا جزم امام الحرمین و أبو سعید المتولی و غیرهما و الثانی أن السحر یکون ناشئا بفعل و مزج و معاناة و علاج و الکرامة لا تفتقر الی ذلک و فی کثیر من الاوقات یقع ذلک اتفاقا من غیر أن یستدعیه أو یشعر به و اللّه أعلم* و فی التفسیر الکبیر للامام النّحریر فخر الدین الرازی اذا ظهر فعل خارق للعادة علی ید انسان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:17
فذلک اما أن یکون مقرونا بالدعوی أولا مع الدعوی و القسم الاوّل و هو أن یکون مقرونا بالدعوی فتلک الدعوی اما أن تکون دعوی الالهیة أو دعوی النبوّة أو دعوی الولایة أو دعوی السحر و طاعة الشیاطین فهذه أربعة أقسام (القسم الاوّل) و هو ادّعاء الالهیة جوّز أصحابنا ظهور خوارق العادات علی یده من غیر معارضة کما نقل أن فرعون کان یدّعی الالهیة و کانت تظهر علی یده خوارق العادات و کما نقل أیضا فی حق الدجال قال أصحابنا و انما جاز ذلک لان شکله و خلقته تدل علی کذبه فظهور الخوارق علی یده لا یفضی الی التلبیس (و القسم الثانی) و هو ادّعاء النبوّة و هذا القسم یکون علی قسمین لانه اما أن یکون ذلک المدّعی صادقا أو کاذبا فان کان صادقا وجب ظهور الخوارق علی یده و هذا متفق علیه بین کل من أقرّ بصحة نبوّة الأنبیاء و ان کان کاذبا لم یجز ظهور الخوارق علی یده و بتقدیر أن تظهر وجب حصول المعارضة (و أما القسم الثالث) و هو ادّعاء الولایة و القائلون بکرامات الاولیاء اختلفوا فی أنه هل یجوز ادّعاء الکرامة ثم انها تحصل علی وفق دعواه أم لا (و القسم الرابع) و هو ادّعاء السحر و طاعة الشیطان فعند أصحابنا یجوز ظهور خوارق العادات علی یده و عند المعتزلة لا یجوز و أما القسم الثانی و هو أن تظهر خوارق العادات علی ید انسان من غیر شی‌ء من الدعاوی فذلک الانسان اما أن یکون صالحا مرضیا عند اللّه و اما أن یکون خبیثا مذنبا و الاوّل هو القول بکرامات الاولیاء و قد اتفق أصحابنا علی جوازها و أنکرها المعتزلة الا أبا الحسین البصری و صاحبه محمود الخوارزمی و أما القسم الثالث و هو أن تظهر خوارق العادات علی ید بعض من کان مردودا عن طاعة اللّه فهذا هو المسمی بالاستدراج قال العلامة الدوانی فی انموذج العلوم ذهب أهل الملل الثلاث الی أن العالم و هو ما سوی اللّه تعالی و صفاته من الجواهر و الاعراض حادث أی کائن بعد ان لم یکن بعدیة حقیقیة لا بالذات فقط بمعنی أنها فی حدّ ذاتها لا تستحق الوجود بل محتاجة الی الغیر فوجودها متأخر عن عدمها بحسب الذات کما تقوله الفلاسفة و یسمونه الحدوث الذاتی و یقسمون کلا من الحدوث و القدم الی ذاتی و زمانی بل بالزمان أیضا بمعنی انها لم تکن فی زمان فوجدت بعد ما لم تکن فیه کما یقوله المتکلمون و یسمونه المحدّثون الحدوث الزمانی بل لیس الحدوث و القدم عندهم الا بهذا المعنی فقط فبعد ما لم یکن فی الاوّل شی‌ء من الممکنات موجودا کما هو فی الحدیث الصحیح کان اللّه و لم یکن معه شی‌ء أوجد اللّه الموجودات علی ما اقتضته حکمته*

أوّل المخلوقات‌

و اختلفت الروایات فی أوّل المخلوقات* ففی روایة نور رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و فی روایة العقل و فی روایة القلم و فی روایة اللوح و منشأ الاختلاف ورود الاخبار المختلفة فی أوّل ما خلق اللّه ففی خبر أوّل ما خلق اللّه نور محمد صلی اللّه علیه و سلم* و فی الانس الجلیل ان اللّه خلق أوّلا نور رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قبل العرش و الکرسی و اللوح و القلم و السماء و الارض و الجنة و النار بألف ألف و ستمائة و سبعین ألف سنة* و فی خبر آخر أوّل ما خلق اللّه العقل فقال له أقبل فأقبل و قال له أدبر فأدبر فقال و عزتی و جلالی بک أعطی و بک أمنع و بک أثیب و بک أعاقب* و فی المشکاة عن أبی هریرة عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لما خلق اللّه العقل قال له قم فقام ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل ثم قال له اقعد فقعد ثم قال له ما خلقت خلقا هو خیر منک و لا أفضل منک و لا أحسن منک بک آخذ و بک أعطی و بک أعرف و بک أعاقب و بک الثواب و علیک العقاب و قد تکلم فیه بعض العلماء رواه البیهقی فی شعب الایمان* و فی خبر آخر أوّل ما خلق اللّه القلم عن عبادة بن الصامت مرفوعا أوّل ما خلق اللّه القلم فقال له اکتب فقال رب ما أکتب قال اکتب مقادیر کل شی‌ء رواه أحمد و الترمذی و صححه فجری القلم بما هو کائن الی یوم القیامة و لذلک قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم جف القلم علی علم اللّه و فی روایة جف القلم بما هو کائن الی یوم القیامة و فی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:18
خبر آخر أوّل ما خلق اللّه اللوح المحفوظ و عن ابن عباس أوّل ما خلق اللّه اللوح المحفوظ بحفظ اللّه بما کتب فیه ما کان و یکون لا یعلم ما فیه الا اللّه*

مطلب اللوح و القلم‌

و فی المدارک محفوظ من وصول الشیطان انتهی و هو من درّة بیضاء دفتاه یاقوتتان حمراوان و هو فی عظم لا یوصف و خلق اللّه له قلما من جوهرة طولها مسیرة خمسمائة عام مشقوق السنّ ینبع منه النور کما ینبع من أقلام أهل الدنیا المداد ثم نودی القلم أن اکتب فاضطرب من هول النداء حتی صار له ترجیع کترجیع الرعد ثم جری فی اللوح بما هو کائن و ما هو فاعله فی الوقت الذی یفعله الی یوم القیامة فامتلأ اللوح و جف القلم سعد من سعد و شقی من شقی و فی طوالع الانوار للبیضاوی القلم یشبه أن یکون العقل الاوّل لقوله علیه الصلاة و السلام أوّل ما خلق اللّه القلم فقال له اکتب فقال ما أکتب فقال القدر ما کان و ما هو کائن الی الابد کما مرّ و اللوح و هو الخلق الثانی یشبه أن یکون العرش أو یکون متصلا به لقوله علیه الصلاة و السلام ما من مخلوق الا و صورته تحت العرش* و فی أنوار التنزیل و قرئ فی لوح بضم اللام و هو الهواء أی ما فوق السماء السابعة الذی فیه اللوح* و فی المدارک اللوح عند الحسن شی‌ء یلوح للملائکة فیقرءونه و عن ابن عباس هو من درّة بیضاء طوله ما بین السماء و الارض و عرضه ما بین المشرق و المغرب قلمه نور و کل شی‌ء فیه مسطور و عن مقاتل هو عن یمین العرش و قیل أعلاه معقود بالعرش و أسفله فی حجر ملک عظیم* و فی المواهب اللدنیة قد اختلف أهل العلم فی أوّل المخلوقات بعد النور المحمدی فقال الحافظ و أبو یعلی الهمدانیّ الاصح أن العرش قبل القلم لما ثبت فی الصحیح عن عبد اللّه بن عمرو قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قدّر اللّه مقادیر الخلق قبل أن یخلق السموات و الارض بخمسین ألف سنة و کان عرشه علی الماء فهذا صریح أن التقدیر وقع بعد خلق العرش و التقدیر وقع عند أوّل خلق القلم لحدیث عبادة بن الصامت کما سبق و روی أحمد و صححه أیضا من حدیث أبی رزین العقیلی مرفوعا ان الماء خلق قبل العرش و روی السدّی بأسانید متعدّدة أن اللّه لم یخلق شیئا مما خلق قبل الماء فیجمع بینه و بین ما قبله بأن أوّلیة القلم بالنسبة الی ما عدا النور المحمدی و الماء و العرش* قیل أوّل شی‌ء کتبه القلم علی اللوح المحفوظ بسم اللّه الرحمن الرحیم انی أنا اللّه لا إله الا أنا محمد عبدی و رسولی من استسلم لقضائی و صبر علی بلائی و شکر علی نعمائی و رضی بحکمی کتبته صدّیقا و بعثته یوم القیامة مع الصدّیقین و من لم یستسلم لقضائی و لم یصبر علی بلائی و لم یشکر علی نعمائی و لم یرض بحکمی فلیختر الها سوای و فی روایة لما أمر اللّه القلم أن یکتب ما کان و ما یکون الی الابد کتب علی سرادق العرش لا إله الا اللّه ثم کتب کل قطرة نازلة من السماء و کل ورق نابت علی الاشجار و کل حبة نابتة فی الارض و کل حصاة علی الارض و کل رزق مقدّر للخلائق و قال فی هذا المعنی شعرا
جری قلم القضاء بما یکون‌فسیان التحرّک و السکون
جنون منک أن تسعی لرزق‌و یرزق فی غشاوته الجنین و فی هذا المعنی قیل
سهل علیک فان الامر مقدورو کل مستأنف فی اللوح مسطور
لا تکثرنّ فخیر القول أصدقه‌ان الحریص علی الدنیا لمغرور وجه الجمع بین الاحادیث المختلفة المذکورة علی تقدیر صحة الکل أن یقال الاوّل الحقیقی نور نبینا صلی اللّه علیه و سلم و أوّلیة العقل و القلم اضافیة یعنی أوّل مخلوق من المجرّدات العقل و من الاجسام القلم أو یقال أوّل العقول العقل الذی لما خلقه اللّه تعالی أمره بالاقبال و الادبار فأطاع ففاز من رب العزة بأنواع الاعزاز و الاکرام و أوّل الاقلام القلم الذی أثبت بأمر اللّه تعالی تقدیرات الاشیاء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:19
فی اللوح المحفوظ و أوّل الانوار نور محمد صلی اللّه علیه و سلم و أهل التحقیق علی أن المراد من هذه الاحادیث شی‌ء واحد لکن باعتبار نسبه و حیثیاته تعدّدت العبارات کما ان الاسود و المائع و البرّاق عبارة عن الحبر لکن باعتبار النسب* و فی شرح المواقف قال بعضهم ان المعلول الاوّل من حیث انه مجرّد تعقل ذاته و مبدؤه یسمی عقلا و من حیث انه واسطة فی صدور سائر الموجودات و نقوش العلوم یسمی قلما و من حیث توسطه فی افاضة أنوار النبوّة و من حیث ان الکمالات المحمدیة من أثر نور سید الأنبیاء صلی اللّه علیه و سلم من حیث انه سبب لحیاته یسمی روحه و سیجی‌ء لهذا زیادة بیان* و فی شواهد النبوّة أن نبینا صلی اللّه علیه و سلم و ان کان آخر الأنبیاء فی عالم الشهادة لکنه أوّلهم فی عالم الغیب قال علیه الصلاة و السلام کنت نبیا و آدم بین الماء و الطین بیانه ان اللّه تعالی فی أزل الآزال کان اللّه و لا شی‌ء معه فجمیع الشؤن من غیر امتیاز من بعض و صورة معلومیة ذلک الشأن تسمی تعینا أوّل و حقیقة محمدیة و حقائق سائر الموجودات کلها أجزاء و تفاصیل فتلک الحقیقة و التجلیات التی وقعت بصورها فی الغیب انما نشأت و انبعثت من التجلی بصور تلک الحقیقة و الصورة الوجودیة لتلک الحقیقة أوّلا فی مرتبة الارواح کانت جوهرا مجرّدا عبر عنه الشارع صلی اللّه علیه و سلم تارة بالعقل و تارة بالقلم و تارة بالنور و تارة بالروح حیث قال صلی اللّه علیه و سلم أوّل ما خلق اللّه العقل و أوّل ما خلق اللّه القلم و أوّل ما خلق اللّه روحی أو نوری و لا شک أن اختلاف العبارات رتبی اذ مرتبة الاوّلیة حقیقة لا تصلح لغیر شی‌ء واحد و الصورة الوجودیة لتلک الحقیقة مرتبة بعد مرتبة حتی انتقلت الی الصورة الجسمانیة العنصریة الانسانیة التی أوّل افرادها آدم فهو و سائر الأنبیاء ما لم یظهروا لصورة جسمانیة عنصریة فی الشهادة لم یوصفوا بالنبوّة بخلاف نبینا صلی اللّه علیه و سلم فانه لما وجد بوجود روحانی بشره و أعلمه بالنبوّة بالفعل و فی کل الشرائع أعطی الحکم له لکن بأیدی الأنبیاء و الرسل الذین کانوا نوّابه کما ان علیا و معاذ بن جبل فی عالم الشهادة ذهبا بنیابته الی الیمن و بلغا الاحکام فانّ ثبوت النبوّة لیس الا باعتبار شرع مقرّر من عند اللّه فجمیع الشرائع شریعته الی الخلق بأیدی نوّابه و لما ظهر بالوجود الجسمانی العنصری نسخ تلک الشرائع التی کان اقتضاها بحسب الباطن فان اختلاف الامم فی الاستعدادات و القابلیات مقتض لاختلاف الشرائع* و فی فصوص الحکم و شرحه و ما کان من نبیّ یأخذ شیئا من الکمالات الا من مشکاة خاتم النبیین و ان تأخر عنهم وجود طینته اذ لا تعلق لمشکاته بوجوده الطینی فانه بحقیقته موجود قبلهم لانه أبو الارواح کما انّ آدم أبو الاشباح* و فی کیفیة خلق نوره صلی اللّه علیه و سلم وردت روایات متعدّدة و حاصل الکل راجع الی أن اللّه تعالی خلق نور محمد صلی اللّه علیه و سلم قبل خلق السموات و الارض و العرش و الکرسی و اللوح و القلم و الجنة و النار و الملائکة و الانس و الجنّ و سائر المخلوقات بکذا کذا ألف سنة و کان یری ذلک النور فی فضاء عالم القدس فتارة یأمره بالسجود و تارة یأمره بالتسبیح و التقدیس و خلق له حجبا و أقامه فی کل حجاب مدّة مدیدة یسبح اللّه تعالی فیه بتسبیح خاص فبعد ما خرج من الحجب تنفس بأنفاس فخلق من أنفاسه أرواح الأنبیاء و الاولیاء و الصدّیقین و الشهداء و سائر المؤمنین و الملائکة کما روی عن جابر بن عبد اللّه الانصاری أنه قال سألت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عن أوّل شی‌ء خلقه اللّه قال هو نور نبیک یا جابر خلقه ثم خلق منه کل خیر و خلق بعده کل شی‌ء و حین خلقه أقامه قدّامه فی مقام القرب اثنی عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام خلق العرش من قسم و الکرسی من قسم و حملة العرش و خزنة الکرسی من قسم و أقام القسم الرابع فی مقام الحب اثنی عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام فخلق الخلق من قسم و اللوح من قسم و الجنة من قسم و أقام القسم الرابع فی مقام الخوف اثنی عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:20
فخلق الملائکة من جزء و خلق الشمس من جزء و خلق القمر و الکواکب من جزء و أقام الجزء الرابع فی مقام الرجاء اثنی عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق العقل من جزء و الحلم و العلم من جزء و العصمة و التوفیق من جزء و أقام الجزء الرابع فی مقام الحیاء اثنی عشر ألف سنة ثم نظر اللّه سبحانه إلیه فترشح النور عرقا فقطرت منه مائة ألف و عشرون ألفا و أربعة آلاف قطرة من النور فخلق اللّه سبحانه من کل قطرة روح نبیّ أو رسول ثمّ تنفّست أرواح الأنبیاء فخلق اللّه من أنفاسهم نور الاولیاء و السعداء و الشهداء و المطیعین من المؤمنین الی یوم القیامة فالعرش و الکرسی من نوری و الکروبیون من نوری و الروحانیون من الملائکة من نوری و ملائکة السموات السبع من نوری و الجنة و ما فیها من النعیم من نوری و الشمس و القمر و الکواکب من نوری و العقل و العلم و التوفیق من نوری و أرواح الأنبیاء و الرسل من نوری و الشهداء و الصالحون من نتائج نوری ثم خلق سبحانه اثنی عشر حجابا فأقام النور و هو الجزء الرابع فی کل حجاب ألف سنة و هی مقامات العبودیة و هی حجاب الکرامة و السعادة و الهیبة و الرحمة و الرأفة و الحلم و العلم و الوقار و السکینة و الصبر و الصدق و الیقین فعبد اللّه ذلک النور فی کل حجاب ألف سنة فلما خرج النور من الحجب رکبه اللّه فی الارض و کان یضی‌ء منه ما بین المشرق و المغرب کالسراج فی اللیل المظلم ثم خلق اللّه آدم فی الارض و رکب فیه النور فی جبینه ثم انتقل منه الی شیث و منه الی یانش و هکذا کان ینتقل من طاهر الی طیب الی أن أوصله اللّه تعالی الی صلب عبد اللّه بن عبد المطلب و منه الی رحم آمنة ثم أخرجنی الی الدنیا فجعلنی سید المرسلین و خاتم النبیین و رحمة للعالمین و قائد الغرّ المحجلین هکذا بدء خلق نبیک یا جابر ذکره البیهقی و أخرج مسلم فی صحیحه من حدیث عبد اللّه بن عمرو بن العاص عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أنه قال ان اللّه عز و جل کتب مقادیر الخلق قبل أن یخلق السموات و الارض بخمسین ألف سنة و کان عرشه علی الماء و من جملة ما کتب فی الذکر و هو أمّ الکتاب أن محمدا خاتم النبیین و عن العرباض بن ساریة عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أنه قال انی عبد اللّه و خاتم النبیین و ان آدم لمنجدل فی طینته و سأخبرکم بأوّل أمری انی دعوة ابراهیم و بشارة عیسی و رؤیا أمی التی رأت حین وضعتنی و قد خرج منها نور أضاءت منه قصور الشأم رواه أحمد و البیهقی و الحاکم و قال صحیح الاسناد کذا فی شرح السنة* قوله لمنجدل فی طینته* یعنی طریحا ملقی علی الارض قبل نفخ الروح فیه عن میسرة الضبی قال قلت یا رسول اللّه متی کنت نبیا قال و آدم بین الروح و الجسد هذا لفظ روایة الامام أحمد و رواه البخاری فی تاریخه و أبو نعیم فی الحلیة و صححه الحاکم و أما ما اشتهر علی الالسنة بلفظ کنت نبیا و آدم بین الماء و الطین فقال الشیخ الحافظ أبو الخیر السخاوی فی کتابه المقاصد الحسنة لم نقف علیه بهذا اللفظ انتهی و قال الحافظ ابن رجب فی اللطائف و بعضهم بروایة متی کتبت نبیا من الکتابة قال کتبت و آدم بین الروح و الجسد فتحمل هذه الروایة مع روایة العرباض بن ساریة علی وجوب نبوّته و ثبوتها و ظهورها فی الخارج فان الکتابة تستعمل فیما هو واجب قال اللّه تعالی کتب علیکم الصیام و کتب اللّه لأغلبن أنا و رسلی و عن أبی هریرة أنهم قالوا یا رسول اللّه متی وجبت لک النبوّة قال و آدم بین الروح و الجسد رواه الترمذی و قال حدیث حسن و روی فی جزء من أمالی ابن سهل القطان عن سهل بن صالح الهمدانیّ قال سألت أبا جعفر محمد بن علی کیف صار محمد صلی اللّه علیه و سلم یتقدّم الأنبیاء و هو آخر من بعث قال ان اللّه تعالی لما أخذ من بنی آدم من ظهورهم ذرّیتهم و أشهدهم علی أنفسهم أ لست بربکم قال فان محمدا صلی اللّه علیه و سلم أوّل من قال بلی و لذلک صار مقدّم الأنبیاء و هو آخر من بعث فان قیل ان النبوّة وصف لا بدّ أن یکون الموصوف به موجودا و انما
یکون بعد بلوغ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:21
الاربعین سنة فکیف بوصف به قبل وجوده و ارساله أجاب الغزالی فی کتاب النفخ و التسویة عن هذا و عن قوله أنا أوّل الأنبیاء خلقا و آخرهم بعثا بأن المراد بالخلق هنا التقدیر دون الایجاد فانه قبل أن ولدته أمّه لم یکن موجودا مخلوقا و لکن الغایات و الکمالات سابقة فی التقدیر لاحقة فی الوجود قال و هو معنی قولهم أوّل الفکرة آخر العمل و آخر العمل أوّل الفکرة و بیانه أن المهندس المقدّر للدار أوّل ما یمثل فی نفسه صورة الدار ثم یقدّر ما یمثل فیحصل فی تقدیره دارا کاملة و آخر ما یوجد من أعماله هی الدار الکاملة فالدار الکاملة هی أوّل الاشیاء فی حقه تقدیرا و آخرها وجودا لان ما قبلها من ضرب اللبنات و بناء الحیطان و ترکیب الجذوع وسیلة الی غایة و کمال و هی الدار فالغایة هی الدار و لأجلها تقدّم الآلات و الاعمال ثم قال و أما قوله کنت نبیا فاشارة الی ما ذکرناه و انه کان نبیا فی التقدیر قبل تمام خلقة آدم علیه الصلاة و السلام لانه لم ینشئ خلق آدم الا لینتزع من ذرّیّته محمدا صلی اللّه علیه و سلم و یستصفیه تدریجا الی أن یبلغ کمال الصفا قال و لا تفهم هذه الحقیقة الا بأن یعلم أن للدار وجودین وجودا فی ذهن المهندس و دماغه و انه ینظر الی صورة الدار خارج الذهن فی الاعیان و الوجود الذهنی سبب الوجود الخارجی العینی فهو سابق لا محالة و کذلک فاعلم أن اللّه تعالی یقدّر ثم یوجد علی وفق التقدیر ذکر هذا کله فی المواهب اللدنیة* و عن کعب الاحبار قال لما أراد اللّه تعالی أن یخلق محمدا صلی اللّه علیه و سلم أمر جبریل فأتاه بالقبضة البیضاء التی هی موضع قبر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فعجنت بماء التسنیم ثم غمست فی انهار الجنة و طیف بها فی السموات و الارض فعرفت الملائکة محمدا صلی اللّه علیه و سلم قبل أن تعرف آدم علیه السلام ثم عجنها بطینة آدم* عن ابن عباس عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أنه قال کنت نورا بین یدی اللّه قبل أن بخلق اللّه عز و جل آدم بألفی عام یسبح ذلک النور و تسبح الملائکة بتسبیحه فلما خلق اللّه آدم ألقی ذلک النور فی صلبه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأهبطنی اللّه الی الارض فی صلب آدم و جعلنی فی صلب نوح فی السفنة و قذف بی فی النار فی صلب ابراهیم ثم لم یزل ینقلنی من الاصلاب الکریمة و الارحام الطاهرة حتی أخرجنی من أبویّ لم یلتقیا علی سفاح قط* و عن علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی قوله تعالی من أنفسکم قال نسبا و صهرا و حسبا لیس فی آبائی من لدن آدم سفاح کلها نکاح قال ابن الکلبی کتبت للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم خمسمائة أمّ فما وجدت فیهنّ سفاحا و لا شیئا مما کان علیه الجاهلیة ذکر هذه الثلاثة فی الشفاء و فی الصفوة عن واثلة بن الاسقع أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال ان اللّه عز و جل اصطفی من ولد ابراهیم اسماعیل و اصطفی من بنی اسماعیل کنانة و اصطفی من کنانة قریشا و اصطفی من قریش بنی هاشم و اصطفانی من بنی هاشم انفرد باخراجه مسلم*

(حدیث صور الأنبیاء)

* عن هشام بن العاصی قال بعثنی أبو بکر الصدّیق رضی اللّه عنه و رجلا من قریش الی هرقل صاحب الروم ندعوه الی الاسلام فلما وصلنا إلیه أمر لنا بمنزل حسن و نزلنا فأقمنا ثلاثا فأرسل إلینا فدخلنا علیه فدعا بشی‌ء کالربعة العظیمة مذهبة فیها بیوت صغار علیها أبواب ففتح بیتا فاستخرج حریرة سوداء فنشرها فاذا فیها صورة حمراء و اذا فیها رجل ضخم العینین عظیم الألیتین لم أر مثل طول عنقه و اذا لیس له لحیة و اذا له ظفیرتان أحسن ما خلق اللّه تعالی فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا آدم علیه الصلاة و السلام و اذا هو أکثر الناس شعرا ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة سوداء فاذا فیها صورة بیضاء و اذا رجل له شعر قطط أحمر العینین ضخم الهامة حسن اللحیة فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا نوح علیه الصلاة و السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة سوداء فاذا فیها رجل شدید البیاض حسن العینین صلب الجبین طویل الخدّ شارع الانف أبیض اللحیة کأنه یتبسم قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا ابراهیم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:22
علیه الصلاة و السلام ثم فتح بابا آخر فاذا فیه صورة بیضاء و اذا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال هل تعرفون هذا قلنا نعم انه محمد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و بکینا قال و اللّه یعلم انه هو ثم قام قائما ثم جلس و قال اللّه بدینکم انه لهو قلنا نعم انه هو کما ننظر إلیه فأمسک ساعة ینظر إلینا ثم قال أما انه کان آخر الصور هو و لکن عجلته لکم لا نظر ما عندکم ثم عاد ففتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة سوداء فاذا فیها صورة أدماء سحماء فاذا رجل جعد قطط غائر العینین حدید النظر عابس متراکب الاسنان مقلص الشفتین کأنه غضبان قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا موسی بن عمران علیه الصلاة و السلام و الی جانبه صورة تشبهه الا أنه مدهان الرأس عریض الجبین فی عینیه قبل قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا هارون بن عمران علیه الصلاة و السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة بیضاء فاذا فیها صورة رجل آدم سبط ربعة کأنه غضبان حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا لوط علیه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة بیضاء فیها صورة رجل أبیض مشرب بحمرة أخفی خفیف العارضین حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا اسحاق علیه الصلاة و السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة بیضاء فیها صورة تشبه صورة اسحاق الا أن علی شفته السفلی خالا قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا یعقوب علیه الصلاة و السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة سوداء فیها صورة رجل أبیض حسن الوجه أقنی الانف حسن القامة یعلو وجهه النور یعرف فی وجهه الخشوع یضرب الی الحمرة فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا اسماعیل جدّ نبیکم صلی اللّه علیه و سلم ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة بیضاء فیها صورة کأنها صورة آدم کأن وجهه الشمس قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا یوسف علیه الصلاة و السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة بیضاء فیها صورة رجل أحمر أحمس الساقین أخفس العینین ضخم البطن ربعة متقلد سیفا قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا داود علیه الصلاة و السلام ثم طواها فاستخرج حریرة بیضاء فیها صورة رجل ضخم الألیتین طویل الرجلین راکب علی فرس فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا سلیمان بن داود علیه الصلاة و السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حریرة سوداء فیها صورة بیضاء و اذا رجل شاب شدید سواد اللحیة کثیر الشعر حسن العینین حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا عیسی ابن مریم علیه الصلاة و السلام قلنا من أین لک هذه الصور فانا نعلم أنها علی ما صوّرت علیها الأنبیاء لانا رأینا صورة نبینا محمد صلی اللّه علیه و سلم مثله فقال ان آدم سأل ربه عز و جل أن یریه الأنبیاء من ولده فأنزل اللّه صورهم و کانت فی خزانة آدم عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنین من مغرب الشمس فدفعت الی دانیال فی خرقة من حریر فهذه بأعیانها الصور التی صوّرها دانیال ثم قال و اللّه ان نفسی طابت و فی غیر هذه الروایة لوددت الخروج عن ملکی و أن أکون عبد السریر ملکه حتی أموت ثم أجازنا و سرّحنا فلما قدمنا علی أبی بکر رضی اللّه عنه حدّثناه بما رأیناه و بما قال لنا و بما أخبرنا فبکی أبو بکر رضی اللّه عنه و قال مسکین لو أراد اللّه به خیرا لفعل قال أخبرنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انهم و الیهود یجدون نعت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال اللّه تعالی یجدونه مکتوبا عندهم فی التوراة و الانجیل روی هذا الحدیث أبو بکر القفال الشاشی عن الحسن صاحب الشافی عن ابراهیم بن الهیثم کذا فی المتقی* و عن کعب الاحبار أنه لما أدرک ابراهیم الوفاة جمع أولاده و هم یومئذ ستة و دعا بتابوت ففتحه و قال أیها الاولاد انظروا الی هذا التابوت فنظروا الی ذلک التابوت فرأوا بیوتا بعدد الأنبیاء کلهم و آخر بیوت الأنبیاء بیت محمد صلی اللّه علیه و سلم من یاقوتة حمراء فاذا هو قائم یصلی و عن یمینه الکهل المطیع أبو بکر الصدّیق رضی اللّه عنه مکتوب علی جبینه هذا أوّل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:23
من یتبعه من أمّته و عن یساره الفاروق عمر بن الخطاب مکتوب علی جبینه قرن من حدید أمین شدید لا تأخذه فی اللّه لومة لائم و من ورائه ذو النورین عثمان بن عفان آخذ بحجزته مکتوب علی جبینه ثالث الخلفاء و من بین یدیه علیّ بن أبی طالب شاهر سیفه علی عاتقه مکتوب علی جبینه هذا أخوه و ابن عمه المؤید بنصر اللّه* و فی المنتقی مکتوب علی جبینه لیث کرّار غیر فرّار یحب اللّه و رسوله و حوله عمومته و الخلفاء و النقباء و الکتیبة الخضراء التی أحدقت بها سلسلة و هم أنصار اللّه و أنصار رسوله یسطع نور من حوا فردوا بهم یوم القیامة مثل نور الشمس فی دار الدنیا رضی اللّه عنهم أجمعین* و فی فردوس الاخبار عن ابن مسعود رضی اللّه عنه یقول سمعت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یقول أنا مدینة العلم و أبو بکر أساسها و عمر حیطانها و عثمان سقفها و علی بابها لا تقولوا فی أبی بکر و عمر و عثمان و علیّ إلّا خیرا ذکره فی فصل الخطاب* و فی بحر العلوم عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أخبرنی جبریل فقال یا محمد لما خلق اللّه آدم و أدخل الروح فی صدره أمرنی أن أخرج تفاحة من جنة عدن فأخرجتها و عصرتها فی حلق آدم فنقط خمس نقط فالنقطة الاولی خلقک منها و الثانیة أبا بکر و الثالثة عمر و الرابعة عثمان و الخامسة علیا و هو قوله تعالی خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا فالبشر أنت و النسب و الصهر أبو بکر و عمر و عثمان و علی* و فی الریاض النضرة عن علیّ رضی اللّه عنه قال قال لی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فیک مثل من عیسی علیه السلام بغضته الیهود حتی بهتوا أمّه و أحبته النصاری حتی أنزلوه بالمنزلة التی لیس بها ثم قال یهلک فیّ رجلان محب مفرط بما لیس فیّ و مبغض یحمله شنئانی علی أن یبهتنی أخرجه أحمد فی المسند و عنه قال لیحبنی أقوام حتی یدخلون النار فی حبی و یبغضنی أقوام حتی یدخلوا النار فی بغضی أخرجه فی المناقب و فی الحدیث أرحمکم بأمّتی أبو بکر و أخوفکم فی دین اللّه عمر و أشدّکم حیاء عثمان و أقضاکم علیّ و لکل نبیّ حواری و حواریّ طلحة و الزبیر ابن عمتی و حیث دار سعد بن أبی وقاص فالحق معه و عبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن و أبو عبیدة أمین اللّه و أمین رسوله ذکره فی العمدة و زاد فی الریاض النضرة و سعید بن زید من أحباء الرحمن* و فی بحر العلوم قال صلی اللّه علیه و سلم أرحمکم بأمّتی أبو بکر و أقواکم فی دین اللّه عمر و أشدّکم حیاء عثمان و أقضاکم علی و أعلمکم بالحلال و الحرام معاذ و أقرأکم لکتاب اللّه أنّی و أفرضکم زید و أشهدکم خزیمة بن ثابت و أعلمکم بالمنافقین حذیفة بن الیمان من أصفیاء الرحمن و سعید بن زید من أحباء الرحمن و عبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن و أبو عبیدة بن الجرّاح أمین اللّه و أمین رسوله و من أراد أن ینظر الی عیسی ابن مریم فلینظر الی زید بن أبی ذرّ و رضیت لامّتی ما رضی لها ابن أمّ عبد و ان الجنة مشتاقة الی سلمان أشوق من سلمان الی الجنة و خالد سیف اللّه و رسوله و حمزة أسد اللّه و أسد رسوله و عباس بن عبد المطلب عمی و صنو أبی و الحسن و الحسین سیدا شباب أهل الجنة و جعفر بن أبی طالب یطیر فی الجنة مع الملائکة حیث شاء و أوّل من یقرع باب الجنة بلال ابن حمامة و أوّل من یستقی من حوضی صهیب و أوّل من یصافح الملائکة فی معازة القیامة أبو الدرداء و أوّل من یأکل ثمرة الجنة أبو الدحداح و عبد اللّه بن عمر من وفد الرحمن و عمار بن یاسر من السابقین و لکل شی‌ء فارس و فارس القرآن عبد اللّه بن عباس و لکل نبیّ خلیل و خلیلی سعد بن معاذ و لکل نبیّ حواری و حواریّ طلحة و الزبیر و لکل نبیّ خادم و خادمی أنس بن مالک و لکل أمّة حکیم و حکیم هذه الامّة أبو هریرة* و فی الاستیعاب و أبو هریرة وعاء للعلم و عند سلمان علم لا یدرک و ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء من ذی لهجة أصدق من أبی ذرّ انتهی و حسان بن ثابت مؤید بروح
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:24
القدس و صوت أبی طلحة فی الجیش خیر من فئة ثم قال أصحابی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم*

(ذکر دلائل نبوّته)

* منها ما ألقی فی التوراة و الانجیل مما قد جمعه العلماء و بینوه و نقله عنهم ثقات منهم عبد اللّه بن سلام و ابنا شعبة ثعلبة و أسید و ابن أمین و مخیریق و کعب الاحبار و أشباههم ممن أسلم من علماء الیهود و بحیرا و نسطور الحکیم و صاحب بصری و ضفاطر و أسقف الشام و الجارود و سلمان و النجاشی و أساقف نجران و غیرهم ممن أسلم من علماء النصاری و قد اعترف بذلک هرقل و صاحب رومة عالم النصاری و رؤساؤهم و مقوقس صاحب مصر و الشیخ صاحبه و ابن صوریا و ابن أخطب و أخوه و کعب بن أسید و الزبیر بن بابا و أبو رافع الاعور و کعب بن الاشرف و لبید بن الاعصم و غیرهم من علماء الیهود ممن حمله الحسد و النفاسة علی البقاء علی الشقاء و الاخبار فی هذا کثیرة لا تنحصر و ما ترادفت به الاخبار عن الرهبان و الاحبار و علماء أهل الکتاب من صفته و صفة أمّته و اسمه و علاماته و ذکر الخاتم الذی بین کتفیه و ما وجد فی ذلک من أشعار الموحدین من المتقدّمین مثل شعر تبع و الاوس بن حارثة و کعب بن لؤیّ و سفیان ابن مجاشع و قس بن ساعدة الایادی و ما ذکر من سیف ذی یزن و غیرهم و ما عرف به من أمر زید بن عمرو ابن نفیل و ورقة بن نوفل و عداس و غیلان الحمیری و شامول عالم الیهود صاحب تبع من صفته و خبره و ما أنذر به الکهان مثل شافع بن کلیب و شق و سطیح و سواد بن قارب و خنافر و أفعی نجران و جدل ابن حجل الکندی و ابن خلصة الدوسی و سعدی بنت کرزین و فاطمة بنت النعمان و من لا یعدّ کثرة و ما ظهر علی ألسنة الاصنام من نبوّته و حلول وقت رسالته و سمع من هواتف الجان و من ذبائح النصب و أجواف الصور و ما وجد من اسمه صلّی اللّه علیه و سلم و الشهادة له بالرسالة مکتوبا فی الحجارة و القبور بالخط القدیم ما أکثره مشهور و اسلام من أسلم بسبب ذلک معروف مذکور و سنذکر فی هذه الطلیعة نبذا منها ان شاء اللّه تعالی* من البشائر ما روی عن کعب الاحبار أنه قال نجد مکتوبا یعنی فی التوراة محمد رسول اللّه عبد مختار لافظ و لا غلیظ و لاصحاب فی الاسواق و لا یجزی بالسیئة السیئة و لکن یعفو و یغفر أمّته الحمادون یکبرون اللّه فی کل مجد و یحمدونه فی کل منزل رعاة للشمس یصلون الصلاة اذا جاء وقتها یأتزرون علی أنصافهم و یتوضّئون علی أطرافهم منادیهم ینادی فی جوّ السماء صفهم فی القتال وصفهم فی الصلاة سواء لهم دویّ فی اللیل کدویّ النحل مولده بمکة و مهاجره بطابة و ملکه بالشام کذا فی المصابیح و قد ورد الثناء علی أمّة محمد صلّی اللّه علیه و سلم فی الکتب السابقة نحو ما فی الانجیل أمّة محمد حلماء رحماء علماء کأنهم فی الفقه أنبیاء الی غیر ذلک کذا فی شرح التعرّف و عن عبد اللّه بن سلام أنه کان یقول انا لنجد صفة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یعنی فی التوراة یا أیها النبیّ انا أرسلناک شاهدا و مبشرا و نذیرا و حرزا للأمّیین أنت عبدی و رسولی سمیتک المتوکل لست بفظ و لا غلیظ و لاصحاب فی الاسواق و لا تدفع السیئة بالسیئة و لکن تعفو و تغفر و لن أقبضک حتی أقیم بک الملة العوجاء بأن یقولوا لا إله الا اللّه و أفتح بک أعینا عمیا و آذانا صما و قلوبا غلفا کذا فی شواهد النبوّة* و من البشائر ما روی عن عبد اللّه بن سلام أنه قال ان فی الجزء الآخر الذی تتم به التوراة آیة من جملتها بالعربیة هکذا جاء اللّه* و فی المواهب اللدنیة تجلی اللّه من طور سیناء و أشرف من ساعیر و استعلن من جبال فاران و هو اسم عبرانی و لیست ألفه الاولی همزة و هی جبال بنی هاشم التی کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یتحنث فی أحدها و فیه فاتحة الوحی و هی ثلاث أجبل أحدها أبو قبیس و الثانی قعیقعان و الثالث حراء و هو شرقی فاران و منفتحه الذی یلی قعیقعان الی بطن الوادی هو شعب بنی هاشم و فیه مولده صلّی اللّه علیه و سلم فی أحد الاقوال قال ابن قتیبة و لیس فی هذا غموض
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:25
لانه أراد مجی‌ء کتابه و نوره کما قال اللّه عز و جل فأتاهم اللّه من حیث لم یحتسبوا أی أتاهم أمره و المعنی بذلک انزال التوراة علی موسی بطور سیناء و سائر أرض الخلیل من الشأم و کان عیسی یسکنها بقریة یقال لها ناصرة و بها سمی من تبعه نصاری* و فی أنوار التنزیل نصاری جمع نصرانی و الیاء فی نصرانی للمبالغة کما فی أحمری سموا بذلک لانهم کانوا معه فی قریة یقال لها نصران أو ناصرة فسموا باسمها انتهی و المراد انزاله الانجیل علی عیسی و هو کنایة عن ظهور أمر الانجیل و لیس بین المسلمین و أهل الکتاب خلاف فی أن فاران هی مکة و المراد انزاله القرآن علی محمد صلّی اللّه علیه و سلم و ظهور أمره و شریعته و اللّه أعلم* و من البشائر ما قاله یعقوب علیه السلام جاء اللّه عز و جل بالبیان من فاران و امتلأت السموات من تسبیح أحمد و أمّته یحمل حبه فی البحر کما یحمله فی البرّ یأتینا بکتاب جدید یعرف بعد خراب بیت المقدس کذا فی شواهد النبوّة* و من کلام شعیاء رأیت راکبین أضاءت لهما الارض أحدهما علی حمار و الآخر علی حمل راکب الحمار عیسی و راکب الجمل نبینا صلّی اللّه علیه و سلم و أیضا فی کلامه یا قوم انی رأیت صورة مثل صورة القمر* و فی وصایا موسی علیه الصلاة و السلام لبنی اسرائیل سیأتیکم نبیّ من بنی اخوتکم أی أعمامکم فله صدّقوا و منه فاسمعوا* و من البشائر أن فی الجزء الثانی من السفر الخامس من التوراة السبعینیة التی اتفق سبعون من أحبار الیهود علی صحتها أنه یخاطب اللّه بها موسی و ترجمتها بالعربیة بهذه العبارة انی أقیم لهم نبیا من بنی اخوتهم مثلک و أجری قولی فیه و یقول لهم ما آمره و الرجل الذی لا یقبل قول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الذی یتکلم باسمی فانی أنتقم منه فیفهم منه أنه یکون ذلک النبیّ من غیر بنی اسرائیل من بنی اخوتهم أی أعمامهم. و أن یکون مثل موسی صاحب عز و شریعة و شوکة و ما هو إلا نبینا صلّی اللّه علیه و سلم فان عیسی لم یکن صاحب شریعة و شوکة لما جاء فی الانجیل حکایة عن عیسی انی ما جئت لتبدیل شرع موسی بل لتکمیله کذا فی شواهد النبوّة* لکن فی أنوار التنزیل ما یدل علی أن شرع عیسی ناسخ لشرع موسی حیث قال فی تفسیر قوله تعالی و لأحل لکم بعض الذی حرّم علیکم فی شریعة موسی کالشحوم و السمک و کل ذی ظفر و لحوم الابل و العمل فی السبت و هو یدل علی أن شرعه ناسخ لشرع موسی و لا یخل ذلک بکونه مصدّقا للتوراة کما لا یعود نسخ القرآن بعضه ببعض علیه بتنافر و تکاذب فان النسخ فی الحقیقة بیان تخصیص فی الازمان* و فی الانسان الکامل ان عیسی نسخ دین موسی لانه أتی بما لم یأت به موسی و ذلک أن اللّه تعالی أنزل التوراة علی موسی فی تسعة ألواح و أمره أن یبلغ سبعة منها و یترک لوحین لان العقول لا تکاد تقبل ما فی ذینک اللوحین فلو أنذر بهما موسی لانتقض ما یطلبه و کان لا یؤمن به رجل واحد فهما مخصوصان بموسی علیه الصلاة و السلام من دون غیره من أهل ذلک الزمان* و کانت الالواح التی أمر بتبلیغها فیها علوم الاوّلین و الآخرین الاعلم محمد صلّی اللّه علیه و سلم و ورثته و علم ابراهیم و علم عیسی علیهما الصلاة و السلام فانه لم تتضمنه التوراة خصوصیة لمحمد صلّی اللّه علیه و سلم و کانت الالواح السبعة التی أمر بتبلیغها من حجر المزمر بخلاف اللوحین فانهما کانا من نور و لکون الالواح السبعة من الحجارة قست قلوبهم فلو أمر موسی بابلاغ اللوحین المختصین به لما کان مبعث عیسی من بعده لان عیسی بلغ سرّ ذینک اللوحین المرقومین فنسخ دین موسی لأنه أتی بما لم یأت به موسی لکنه لما أظهر حکم ذلک ضل قومه من بعد و تعبدوه و قالوا انه ثالث ثلاثة و هو الاب و الامّ و الابن و سموا ذلک بالاقانیم الثلاثة فافترق قومه علی ثلاث فرق الملکائیة أصحاب ملکا الذین ظهروا فی الروم و استولوا علیها و النسطوریة أصحاب نسطور الحکیم الذین ظهروا فی زمن المأمون و تصرّف فی الانجیل بحکم رأیه و الیعقوبیة أصحاب یعقوب* و مما ترجموا من الانجیل أن عیسی قال اذا جاء الفارقلیط فهو یشهد لی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:26
و أنتم تشهدون لی أیضا لکینونتکم معی من أوّل أمری قوله الفارقلیط معناه الحکم السرّ یعرف السرّ و المراد به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قوله یشهد لی صریح بنبوّة محمد صلّی اللّه علیه و سلم اذ لم یشهد للمسیح علیه السلام بالنبوّة و النزاهة عما افتری علیه و بأنه روح اللّه و کلمته وصفیه و رسوله کتاب سوی القرآن و لم تزل الامم تکذب المتبعین للمسیح و الیهود یفترون فی أمره العظائم من البهتان حتی بعث محمد صلّی اللّه علیه و سلم فشهد للمسیح علیه الصلاة و السلام بمثل ما شهد به حواریه الذین کانوا معه من أوّل أمره و المهتدون من أمّته و قال یوحنا أحد الحواریین و هو أحب الخلق الی عیسی أخبرنی المسیح بدین محمد العربی و بشرنی أنه یکون بعده فبشرت به الحواریین فآمنوا به* و فی التوراة و الانجیل دلائل کثیرة غیر ما ذکرنا کذا فی شواهد النبوّة و المنتقی* و مما ترجم أهل الکتاب من أمر داود علیه الصلاة و السلام اللهم ابعث جاعل السنة یجی‌ء یعلم الناس أنه بشر ففهم من هذا أن اللّه أطلع داود علی ما سیقوله النصاری فی المسیح علیه الصلاة و السلام اذا أرسله من انه إله معبود فدعا اللّه سبحانه بأن یبعث محمدا صلّی اللّه علیه و سلم فیعلمهم أنه بشر و مما قاله داود اللهم ابعث مقیم السنة بعد الفترة* و فی مزمور من مزامیر داود علیه الصلاة و السلام ان اللّه أظهر من صهیون اکلیلا محمودا* صهیون اسم مکة و الاکلیل ضرب المثل للرئاسة و الامامة و محمود هو صلّی اللّه علیه و سلم و مما ترجموا فی کتاب شعیاء علیه الصلاة و السلام عبدی الذی سرّت به نفسی أنزل علیه وحیی فیظهر فی الامم عدله یوصیهم بالوصایا لا یضحک و لا یسمع صوته فی الاصوات یفتح العیون العور و الآذان الصم و یحیی القلوب الغلف و ما أعطیه لا أعطی أحدا مشقح یحمد اللّه حمدا مدیدا یأتی من أقصی الارض به تفرح البریة و سکانها یهللون اللّه علی کل شرف و یکبرونه علی کل رایة لا یضعف و لا یغلب و لا یمیل للهوی و لا یذل الصالحین الذین هم کالقصبة الضعیفة بل یقوّی الصدّیقین و هو رکن المتواضعین و هو نور اللّه الذی لا یطفأ سلطانه علی کتفه هذه ترجمة السریانیة و ترجمة العبرانیة علی کتفه علامة النبوّة فهذا کله صریح فی البشارة بمحمد صلّی اللّه علیه و سلم مع ما فیه من ذکر دولة العرب بقوله تفرح البریة و سکانها و أما قوله مشقح فهو محمد صلّی اللّه علیه و سلم لان الشقح بلغتهم الحمد* و من بشائر الکتب أنه جاء فی صحف آدم و ابراهیم و غیرهما من الأنبیاء صفة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و صفة أمّته* و من بشائر الأنبیاء ما روی عن عبد الرحمن بن زید قال قال آدم علیه الصلاة و السلام انی لسید البشر یوم القیامة الا رجلا من ذرّیتی من الأنبیاء یقال له أحمد فضل علیّ باثنتین زوجته عاونته و کانت له عونا و کانت زوجتی عونا علیّ و ان اللّه أعانه علی شیطانه فأسلم و کفر شیطانی* و فی الشفاء حکی أبو محمد المکی و أبو اللیث السمرقندی و غیرهما أن آدم علیه السلام عند معصیته قال اللهم بحق محمد اغفر لی خطیئتی و یروی و تقبل توبتی فقال له من أین عرفت محمدا صلّی اللّه علیه و سلم قال رأیت فی الجنة مکتوبا لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه و یروی عبدی و رسولی فعلمت أنه أکرم خلقک علیک فتاب اللّه علیه و فی روایة أخری فقال آدم لما خلقتنی رفعت رأسی الی عرشک فاذا فیه مکتوب لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه* صلی اللّه علیه و سلم فعلمت أنه لیس أحد أعظم قدرا عندک ممن جعلت اسمه مع اسمک فأوحی اللّه عز و جل إلیه و عزتی و جلالی انه لآخر الأنبیاء من ذرّیتک و لولاه ما خلقتک قال و کان آدم یکنی بأبی محمد و قیل بأبی البشر فحص اللّه سبحانه و تعالی نبینا محمدا صلّی اللّه علیه و سلم بهذا الشرف و أخبر به و ببعثته علی ألسنة الرسل قبل وجوده بدهر طویل و ألزم بذلک الحجة علی عباده و قوّی بصائر من آمن به فللّه الحمد علی ذلک و قیل فی المعنی شعر
بشری لنا معشر الاسلام ان لنامن العنایة رکنا غیر منهدم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:27 لما دعا اللّه داعینا لطاعته‌بأکرم الرسل کنا أکرم الامم و من البشائر ما روی عن أبیّ بن کعب لما قدم تبع المدینة و نزل بقباء بعث الی أحبار الیهود فقال انی مخرب هذا البلد حتی لا یقوم به یهودیة و یرجع الامر الی دین العرب فقال شامول الیهودی و هو یومئذ أعلمهم أیها الملک ان هذا البلد یکون إلیه مهاجر نبیّ من ولد اسماعیل مولده مکة و اسمه أحمد و هذه دار هجرته ان منزلک الذی أنت به یکون به من القتل و الجراح أمر کثیر فی أصحابه قال تبع فمن یقاتله و هو نبیّ کما تزعمون قال یسیر إلیه قوم فیقتلون هنا قال فأین یکون قبره قال بهذا البلد قال فان قوتل فلمن تکون الدائرة قال تکون علیه مرّة و له مرّة و بهذا المکان الذی أنت به غلبته فیقتل به أصحابه مقتلة ثم یقتلون فی مواطن ثم تکون العاقبة له فیظهر فلا ینازعه فی هذا الامر أحد قال و ما صفته قال رجل لیس بالقصیر و لا بالطویل فی عینیه حمرة یرکب البعیر و یلبس الشملة سیفه علی عاتقه لا یبالی من لاقی له أخ و ابن عم أو عم حتی یظهر أمره قال تبع فما لی بهذا البلد من سبیل و ما کان لیکون خرابه علی یدیّ فخرج تبع الاوّل بن عمرو ذی الاذعار بن ابرهة ذی المنار بن الرایش* قال ابن اسحاق الرایش بن عدیّ بن صیفی بن سبأ الاصغر بن کعب بن زید الجمهور بن سهل بن عمرو بن قیس بن معاویة بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عریب بن زهیر بن أبین بن الهمیسع ابن العرفج حمیر بن سبأ الاکبر بن یعرب بن یشجب بن قحطان* قال ابن هشام یشجب بن یعرب ابن قحطان* قال ابن اسحاق و تبان أسعد أبو کرب الذی قدم المدینة و ساق الحبرین من الیهود الی الیمن و عمر البیت الحرام و کساه و کان ملکه قبل ملک ربیعة بن مضر* و فی الوفاء لما قدم المدینة تبع و أراد خرابها جاءه حبران من بنی قریظة یقال لهما سحبت و منبه فقالا أیها الملک انصرف عن هذه البلدة فانها محفوظة و انها مهاجر نبیّ من بنی اسماعیل اسمه أحمد یخرج فی آخر الزمان فأعجب مما سمع منهما و صدّقهما و کف عن أهل المدینة و ستجی‌ء القصة بتمامها* و فی أنوار التنزیل و هو الذی سار بالجیوش و حیر الحیرة و بنی سمرقند و قیل هدمها و قیل لملوک الیمن التبابعة لانهم یتبعون کما قیل لهم الاقیال لانهم یتقیلون و فی الحدیث ما أدری کان تبع نبیا أو غیر نبیّ* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و کان تبع قد جعل طریقه حین أقبل من المشرق علی المدینة و کان قد مرّ بها فی بدائه فلم یهج أهلها فخلف بین أظهرهم ابنا له فقتل غیلة فقدمها و هو مجمع لاخرابها و استئصال أهلها و قطع نخلها فجمع له هذا الحیّ من الانصار و رئیسهم عمرو بن طلحة أخو بنی النجار و طلحة أمّه و هی بنت عامر بن رزیق قال ابن اسحاق و قد کان رجل من بنی عدیّ بن النجار یقال له أحمر عدا علی رجل من أصحاب تبع حین نزل بهم فقتله و ذلک أنه وجده فی عذق له بحدّة فضربه بمنجله فقتله و قال انما التمر لمن أبره فزاد ذلک تبعا حنقا علیهم فاقتتلوا فزعم الانصار أنهم کانوا یقاتلونهم بالنهار و یقرونهم باللیل فیعجبه ذلک منهم فیقول و اللّه ان نفرا فعلوا ذلک لکرام فبینما تبع علی ذلک من حربهم اذ جاء حبران من أحبار الیهود من بنی قریظة و النضیر و النخام و عمرو و هذیل بنو الخزرج بن الصریح بن التومان ابن الصیت بن الیسع بن الحبر بن النخام بن سحوم بن عاز بن عزری بن هارون بن عمران بن یصهر ابن فاهت بن لاوی بن یعقوب و هو اسرائیل بن اسحاق بن ابراهیم خلیل الرحمن عالمان راسخان حین سمعا بما یرید من اهلاک المدینة و أهلها فقالا له أیها الملک لا تفعل فانک ان أبیت الا ما ترید حیل بینک و بینها و لم نأمن علیک عاجل العقوبة فقال لهما و لم ذلک فقالا مهاجر نبیّ یخرج من هذا الحرم من قریش فی آخر الزمان تکون داره و قراره فانتهی تبع و رأی أن لهما علما و فهما و أعجبه ما سمع منهما فانصرف من المدینة و اتبعهما علی دینهما* قال ابن اسحاق و کان تبع و قومه أصحاب أوثان یعبدونها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:28
فتوجه الی مکة و هی طریقة الی الیمن حتی اذا کان بین عسفان و أمج أتاه نفر من هذیل بن مدرکة ابن الیاس بن مضر بن نزار بن معدّ فقالوا أیها الملک أ لا ندلک علی بیت مال داثر أغفلته الملوک قبلک فیه اللؤلؤ و الزبرجد و الیاقوت و الذهب و الفضة قال بلی قالوا بیت مکة یعبده أهلها و یصلون عنده و انما أراد الهذلیون هلاکه بذلک لما عرفوا من هلاک من أراده من الملوک و بغی عنده فلما أجمع لما قالوا أرسل الی الجبرین و سألهما عن ذلک فقالا له ما أراد القوم إلا هلاکک و هلاک جندک ما نعلم بیتا للّه اتخذه لنفسه فی الارض غیره و لئن فعلت ما دعوک إلیه لتهلکنّ و لیهلکنّ من معک جمیعا قال فما ذا تأمر اننی أن أصنع به اذا أنا قدمت علیه قال تصنع عنده ما یصنع أهله تطوف به و تعظمه و تکرمه و تحلق رأسک عنده و تتذلل له حتی تخرج من عنده قال فما یمنعکما أنتما من ذلک قالا أما و اللّه انه لبیت أبینا ابراهیم و انه لکما أخبرناک و لکن أهله حالوا بیننا و بینه بالاوثان التی نصبوها حوله و بالدماء التی یهریقون عنده و هم نجس أهل شرک فعرف نصحهما و صدّق حدیثهما فقرّب النفر من هذیل فقطع أیدیهم و أرجلهم ثم مضی حتی قدم مکة فطاف بالبیت و نحر عنده و حلق رأسه و أقام بمکة ستة أیام فیما یذکرون ینحر بها للناس و یطعم أهلها و یسقیهم العسل و رأی فی المنام أن یکسو البیت فکساه الخصف ثم أراد أن یکسوه أحسن من ذلک فکساه المعافر ثم رأی أن یکسوه أحسن من ذلک فکساه الملاء و الوصائل* و کان تبع فیما یزعمون أوّل من کسا البیت و أوصی به ولاته من جرهم و أمرهم بتطهیره و أن لا یقرّبوه دما و لا میتة و لا میلغا و هی الحائض و جعل له بابا و مفتاحا ثم خرج متوجها الی الیمن بمن معه من جنوده و بالحبرین حتی اذا دخل الیمن دعا قومه الی الدخول فیما دخل فیه فأبوا علیه حتی تحاکموا الی النار التی کانت بالیمن قال ابن اسحاق فیما یرفعه الی طلحة بن عبید اللّه أنه یحدّث أن تبعا لما دنا من الیمن لیدخلها حالت حمیر بینه و بین ذلک و قالوا لا تدخلها علینا و قد فارقت دیننا فدعاهم الی دینه و قال انه خیر من دینکم قالوا فحاکمنا الی النار قال نعم قال و کانت بالیمن فیما یزعم أهلها نار تحکم بینهم فیما یختلفون فیه تأکل الظالم و لا تضرّ المظلوم فخرج قومه بأوثانهم و ما یتقرّبون به فی دینهم و خرج الحبران بمصاحفهما فی أعناقهما متقلدین بهما حتی قعدوا للنار عند مخرجها الذی تخرج منه فخرجت إلیهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها و هابوها فردّهم من حضرهم من الناس و أمروا بالصبر لها حتی غشیتهم فأکلت الاوثان و ما قرّبوها معها و من حمل ذلک من رجال حمیر و خرج الحبران بمصاحفهما فی أعناقهما تعرق جباههما لم تضرّهما النار فصفقت عند ذلک حمیر عن دینها فمن هنالک کان أصل الیهودیة بالیمن قال ابن اسحاق و قد حدّثنی محدّث أن الحبرین و من خرج من حمیر انما تبعوا النار لیردّوها قالوا و من ردّها فهو أولی بالحق فدنا منها رجال حمیر بأوثانهم لیردّوها فدنت منهم لتأکلهم فحادوا عنها و لم یستطیعوا ردّها و دنا منها الحبران بعد ذلک بمصاحفهما و جعلا یتلوان التوراة و تنکص حتی ردّاها الی مخرجها الذی خرجت منه فصفقت عند ذلک حمیر عن دینها و اللّه أعلم أیّ ذلک کان* قال ابن اسحاق و کان فی رئام بیت لهم یعظمونه و ینحرون عنده و یکلمون منه اذ کانوا علی شرکهم فقال الحبران لتسع انما هو شیطان یفتنهم فحل بیننا و بینه قال فشأنکما به فاستخرجا منه فیما یزعم أهل الیمن کلبا أسود و ذبحاه ثم هدما ذلک البیت فبقایاه الیوم فیما ذکر لی بها آثار الدماء التی کانت تهراق عنده*

ذکر خبر أبی عامر الراهب‌

و من أخبار الجنّ ما روی أن أبا عامر الراهب کان و صافا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قبل ظهور أمره و کان قد رغب عن الشرک و طلب الحنیفیة دین ابراهیم و سافر الی جهات شتی فسال أهل الکتاب عن الحنیفیة فأخبره علماؤها بمبعث محمد صلّی اللّه علیه و سلم بملة ابراهیم علیه الصلاة و السلام و نعتوه له فقال أبو عامر انه ذکر لی کاهن بالیمن أنه یذکر الامور المتوقعة الحدوث فتوجهت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:29
إلیه منفردا و سریت فی لیلة قراء فغشینی النوم فما أفقت الا و راحلتی تعسف بی مجهلا حزنا منکرا فراعنی ذلک و أوجست خوفا و تلغت فاذا نیران کالنجوم فنحوتها عسعا و خبطا حتی دنوت منها فاذا هی متقاربة قد حف بها مصطلون لا یشبهون البشر لهم لغط و لم أر بیوتا و لا نعما فقفّ شعری و قامت راحلتی فتغاجت و رجزت فالقیت نفسی عنها و انعطفت تلک الاشخاص زرافات نحوی فصرخت بأندی صوتی أنا عائذ بزعیم هذه الزرافات فأتانی أربعة منهم فحیونی و جلسوا الیّ فاذا صور مشوّهة و مناظر فظیعة فقال لی أحدهم ممن الانسی فقلت رجل من غسان من بنی قیلة قال أین نویت قلت أ لست فی ذمّة جوار قال بلی فلا بأس علیک فأخبرتهم خبری من فصه ثم قلت انا معشر الانس انما نعتمد الکهان لما یأخذونه عنکم من العلم فأخبرونی بطلبتی فأشار ثلاثة منهم الی الرابع و قالوا علی الخبیر سقطت فحصصته بالمسألة فقال أبو من أنت فقلت أبو عامر فقال نعم یا أبا عامر و نعامة عین فدونک علما لیس بالمین یا أبا عامر أقسم بنا عش القفر الغامر بالقطر الهامر لتعملن العناسر الضوامر الی أکرم آمر و أنضح ذا مر و لینزلن من السماء کلام آمر یحش العکص المغامر و یفحم عن السمر السامر یا أبا عامر ان اللّه قد أسفه هیاع دغامر و میاع غوامر و کأن قد ندب هاصر أکاسر و قیاصر و زافی غوایات أعاصر قال أبو عامر فقلت أملک هذا المندوب قال کلا بل نبی شراف کرام واف موطأ الاکناف من بنی هاشم بن عبد مناف فقال أبو عامر أراک تنسبه فهل تصفه لی قال أجل انه لأزهر وضاح لیس بالطویل الملواح و لا بالقصیر الدحداح اذا نظرنا أولاح و اذا أوذی أعرض و أشاح فی عینیه نجلة و لامره و شکلة غیر ممغره و بین کتفیه امره و هو أمی لا یزبر السطره یأتی بالحنیفیة المیسرة فیسعد من قاف أثره سمع أذنی من المجتحة السفرة قال أبو عامر ثم نهض و استتبع الثلاثة فتبعوه فلزمت مکانی سائر لیلتی فلما أصبحت عدت لطیتی* و أبو عامر هذا لم ینفعه اللّه تعالی بما علم من صفة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کان یرتقب بعثة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلما بعث حسده فخذل الناس عنه و لم یؤمن به و هو الذی بنی مسجد الضرار و هو المشار إلیه بقوله تعالی و ارصادا لمن حارب اللّه و رسوله و کان أوّل من أنشب الحرب یوم أحد و دعا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یمیته اللّه طریدا وحیدا فاستجاب اللّه دعاءه فعاود عبادة الاصنام و أقام بمکة الی یوم الفتح ثم فرّ یوم الفتح و لحق بأرض الروم فتنصر و مات بها طریدا وحیدا فنعوذ باللّه من علم لا ینفع و قلب لا یخشع (و من أخبار الکهنة) ما روی أن مرثد بن عبد کلال کان ملکا عظیما رأی فی منامه رؤیا أخافته فی حال منامه فلما استیقظ أنسیها حتی ما تذکر منها شیئا و بقی ارتعاده فی قلبه و استقرّ خوفه فی نفسه فانقلب سروره حزنا فجمع الکهان و استخبرهم فما أخبره أحد برؤیاه و لا بتأویلها الی أن خرج یوما الی الصید فأوغل فی طلبه و انفرد عن أصحابه فرفعت له أبیات فی ذری جبل و قد لفحه الهجیر فعدل الی الابیات و قصد بیتا منها کان منفردا عنها فبرزت إلیه منه عجوز فقالت له انزل بالرحب و السعة و الامن و الدعة و الجفنة المدعدعة و العلبة المترعة فنزل عن جواده و دخل البیت فلما احتجب عن الشمس و خفقت علیه الارواح نام فلم یستیقظ حتی تصرّم الهجیر فجلس یمسح عینیه فاذا بین یدیه فتاة لم یر مثلها فی الجمال فقالت له أیها الملک الهمام هل لک فی الطعام فاشتدّ اشفاقه و خاف علی نفسه لما رأی أنها قد عرفته فتصامم عن کلمتها فقالت له لا حذر فداک البشر فجدّک الاکبر و حظنا بک الاوفر ثم قرّبت إلیه ثریدا و قدیدا و حیسا و قامت تذب عنه حتی انتهی أکله ثم سقته لنا صریغا و ضریبا فشرب ما شاء و جعل یتأمّلها مقبلة و مدبرة فملأت عینه جمالا و قلبه هوی فقال لها ما اسمک یا جاریة قالت له اسمی عفیرا قال لها یا عفیراء من الذی دعوتیه الملک الهمام قالت مرثد عظیم الشأن حاشر الکواهن و الکهان لمعضلة بعل بها الجان قال الملک یا عفیرا أ تعرفین ما تلک المعضلة قالت أجل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:30
أیها الملک الهمام انها رؤیا منام لیست بأضغاث أحلام قال أصبت یا عفیرا فما تلک الرؤیا قالت رأیت أعاصیر زوابع بعضها لبعض تابع فیها لهب لامع و لها دخان ساطع یقفوها نهر متدافع و سمعت فیما أنت سامع دعاء ذی جرس صادع هلموا الی المشارع روی جارع و عذق کارع قال الملک أجل هذه رؤیای فما تأویلها یا عفیرا قالت الاعاصیر الزوابع ملوک تتابع و النهر علم واسع و الداعی نبیّ شافع و الجارع ولیّ تابع و الکارع عدوّ له منازع قال الملک یا عفیرا أسلم هذا النبیّ أم حرب قالت أقسم برافع السماء و منزل الماء من الغماء انه لمبطل الدماء و منطق العقائل نطق الاماء قال الملک الی ما ذا یدعو یا عفیرا قالت الی صلاة و صیام وصلة أرحام و کسر أصنام و تعطیل أزلام و اجتناب آثام قال الملک یا عفیراء من قومه قالت مضر بن نزار و لهم منه نقع مثار یجلی عن ذبح و أسار قال یا عفیراء اذا ذبح قومه فمن أعضاده قالت أعضاده غطاریف یمانیون طائرهم به میمون یغزو بهم فیغزون و یدمث بهم الحزون و الی نصره یعزون* (و من أخبار الکهنة) ما روی أن لهیبا بن مالک اللهبی قال حضرت عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فذکرت الکهانة فقلت یا رسول اللّه نحن أوّل من عرف حراسة السماء و زجر الشیاطین و منعهم من استراق السمع عند قذف النجوم و ذلک أنا اجتمعنا الی کاهن لنا یقال له خطر بن مالک و کان شیخا کبیرا قد أتی علیه من العمر مائة و ثمانون سنة و کان من أعلم کهاننا فقلنا له یا خطر هل عندک علم من هذه النجوم التی یرمی بها فانا قد فزعنا لها و هالنا أمرها و خفنا سوء عاقبتها فقال ائتونی بسحر أخبرکم الخبر بخیر أم ضرر و أمن أم حذر قال لهیب فانصرفنا عنه یومنا ثم أتیناه من الغد فی وجه السحر فاذا هو قائم علی قدمیه شاخص الی السماء بعینیه فنادیناه یا خطر فأومأ إلینا أن اسکتوا فأمسکنا و انقض نجم عظیم من السماء فصرخ الکاهن قائلا أصابه اصابه خامره عقابه عاجله عذابه أحرقه شهابه زایله جوابه یا ویله ما حاله بلبله بلباله عاوده خباله تقطعت حباله و غیرت أحواله ثم أمسک طویلا ثم قال یا معشر بنی قحطان أخبرکم بالحق و البیان أقسمت بالکعبة و الارکان و البلد المؤتمن السکان قد منع السمع عتاة الجان بثاقب یکف ذی سلطان من أجل مبعوث عظیم الشأن یبعث بالتنزیل و القرآن و بالهدی و فاصل الفرقان تبطل به عبادة الاوثان قال لهیب فقلنا له یا خطر انک لتذکر أمرا عجیبا فما ذا تری لقومک قال* أری لقومی ما أری لنفسی* أن یتبعوا خیر نبیّ الانس* برهانه مثل شعاع الشمس* یبعث من مکة دار الحمس* بمحکم التنزیل غیر اللبس* فقلنا له یا خطر و ممن هو فقال و الحیاة و العیش انه لمن قریش ما فی حلمه طیش و لا فی خلقه هیش یکون فی جیش و أیّ جیش من آل قحطان و آل ایش فقلت له بین لنا من أیّ قریش هو قال و البیت ذی الدعائم و الرکن و الاحائم انه لمن نجل هاشم من معشر أکارم یبعث بالملاحم و قتل کل ظالم ثم قال هذا هو البیان أخبرنی به رئیس الجان ثم قال اللّه أکبر جاء الحق و ظهر و انقطع عن الجنّ الخبر ثم سکت و أغمی علیه فما أفاق الا بعد ثلاث و قال لا إله الا اللّه* فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سبحان اللّه لقد نطق عن مثل نبوّة و انه لیبعث یوم القیامة أمّة وحده و اللّه تعالی أعلم‌

* الطلیعة الثانیة من المقدّمة

اشارة

(الطلیعة الثانیة من المقدّمة فی ذکر خلق السموات و الارض و مدّة خلقهما و خلق الملائکة و الجان و ذکر مدّة الدنیا و مدّة هذه الامّة و ابتداء خلق آدم و حوّاء و أخذ المیثاق و کیفیة انتقال نبینا صلّی اللّه علیه و سلم من الاصلاب الطیبة الی الارحام الطاهرة و بالعکس و بیان نسبه من الطرفین و ذکر الشام و الارض المقدّسة و کیفیة ظهور زمزم أوّلا فی زمن ابراهیم و اسماعیل و انطماسها بعدهما و بقائها منطمسة الی زمن عبد المطلب و فیها ذکر یعقوب و یوسف و ذکر قتل شعیا و تخریب بخت نصر بیت المقدس و قصة قتل زکریا و یحیی و ذکر ظهور زمزم فی زمن عبد المطلب ثانیا)*
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:31

* (ذکر خلق السماء و الارض)

* روی عن الحسن خلق اللّه الارض فی موضع بیت المقدس کهیئة النهر علیها دخان أی جوهر ظلمانی ملتزق بها ثم أصعد منها الدخان و خلق منه السموات و أمسک النهر فی موضعه و بسط منه الارض* و فی المدارک و غیره بسط الارض من تحت الکعبة فذلک قوله تعالی کانتا رتقا و هو الالتزاق فخلق جرم الارض مقدّم علی خلق السماء و أما دحوها و بسطها فتأخر لقوله تعالی و الارض بعد ذلک دحاها کذا فی الکشاف و أنوار التنزیل و غیرهما* و فی عرائس الثعلبی قالت العلماء ثم لما أراد اللّه عز و جل أن یخلق السموات خلق جوهرة مثل السموات السبع و الارضین السبع ثم نظر إلیها نظر هیبة فصارت ماء ثم نظر الی الماء فعلا و ارتفع له زبد و دخان فخلق من الزبد الارض و من الدخان السماء لقوله تعالی ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ ثم فتقها بعد ما کانت طبقة واحدة و صیرها سبعا و ذلک قوله تعالی أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ کانتا رتقا ففتقناهما قال الربیع بن أنس سماء الدنیا موج مکفوف و الثانیة من صخرة و الثالثة من حدید و الرابعة من نحاس و الخامسة من فضة و السادسة من ذهب و السابعة من یاقوت* (ذکر مدّة خلقهما)* عن محمد بن سیرین عن رجل من أهل الکتاب أسلم قال ان اللّه تعالی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ وَ إِنَّ یَوْماً عِنْدَ رَبِّکَ کَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ و قال ابن عباس تلک الایام الستة مقدار ستة آلاف سنة انتهی قال اللّه تعالی خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ من الاحد الی الجمعة و تفصیل ذلک فی سورة حم السجدة خلق الارض فی یومین الآیات و فی الحدیث ان اللّه خلق الارض یوم الاحد و الاثنین و خلق الجبال و فی روایة الحدید یوم الثلاثاء و خلق یوم الاربعاء الشجر و الماء و العمران و الخراب و أنواع النباتات و الحیوانات و أقوات أهل الارض و أرزاقهم فتلک أربعة أیام و خلق سبع سماوات فی یومین الآیات فخلق یوم الخمیس السموات و خلق یوم الجمعة الشمس و القمر و النجوم و الملائکة و خلق آدم آخر ساعة من یوم الجمعة آخر الخلق فی الساعات قیل هی الساعة التی تقوم فیها القیامة و خلقهما بالمهملة تعلیما للاناءة و لو أراد أن یخلقهما فی لحظة لفعل کذا فی أنوار التنزیل و غیره* و فی بحر العلوم و المشارق للعلامة مسلم عن أبی هریرة قال أخذ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بیدی فقال خلق اللّه التربة یوم السبت و خلق فیها الجبال یوم الاحد و خلق البحر و فی المشارق الشجر یوم الاثنین* و خلق المکروه یوم الثلاثاء و خلق النور یوم الاربعاء و بث فیها الدواب یوم الخمیس و خلق آدم یوم الجمعة آخر الخلق فی آخر ساعة من ساعات الجمعة فیما بین العصر الی اللیل* و فی صحیح مسلم فی آخر ساعة من النهار و فی البحر أیضا خلق اللّه آدم و زوّجه حوّاء یوم الجمعة و أسکنه الجنة و أهبطه منها و توفاه و ذلک کله یوم الجمعة* و فی العرائس روت الرواة أن اللّه تعالی ابتدأ خلق الاشیاء یوم الاحد الی الخمیس و خلق یوم الخمیس ثلاثة أشیاء السموات و الملائکة و الجنة الی ثلاث ساعات بقیت من یوم الجمعة فخلق فی الساعة الاولی الاوقات و الآجال و فی الثانیة الارزاق و فی الثالثة آدم علیه السلام و قال یحیی بن کثیر خلق اللّه ألف أمّة فأسکن ستمائة البحر و أربعمائة البرّ کذا فی المختصر*

(ذکر خلق الملائکة و الجان)

* فی أنوار التنزیل اختلف العقلاء فی حقیقة الملائکة بعد اتفاقهم علی أنها ذوات موجودة قائمة بأنفسها فذهب أکثر المسلمین الی أنها أجسام لطیفة قادرة علی التشکل بأشکال مختلفة مستدلین بأن الرسل کانوا یرونهم کذلک و قالت طائفة من النصاری هی النفوس الفاضلة البشریة المفارقة للابدان و زعم الحکماء أنها جواهر مجرّدة مخالفة للنفوس الناطقة فی الحقیقة منقسمة الی قسمین قسم شأنهم الاستغراق فی معرفة الحق و التنزه عن الاشتغال بغیره کما وصفهم فی محکم تنزیله فقال یسبحون اللیل و النهار
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:32
لا یفترون و هم العلویون و الملائکة المقرّبون و قسم یدبر الامر من السماء الی الارض علی ما سبق به القضاء و جری به القلم الالهی لا یعصون اللّه ما أمرهم و یفعلون ما یؤمرون و هم المدبرات أمرا فنهم سماویة و منهم أرضیة* و فی بحر العلوم روی عن ابن عباس أنه قال ان اللّه خلق الفلک و خلق تحته بحرا من نار لا دخان لها و خلق منها نوعین من الملائکة خلق من لهبها نوعا و من جمرها نوعا فالذین خلقهم من لهبها سماهم الملائکة و الذین خلقهم من جمرها سماهم جانا قال اللّه تعالی و الجانّ خلقناه من قبل من نار السموم فأسکن الملائکة السماء و أسکن الجان الارض فاختلف النوعان من ثلاثة أوجه أولئک سموا ملائکة و أولئک سموا جانا و أولئک کانوا من نور و هؤلاء من عینها و أولئک أسکنوا السماء و هؤلاء أسکنوا الارض و ابلیس کان منهم لقوله تعالی إِلَّا إِبْلِیسَ کانَ مِنَ الْجِنِ* و فی المدارک عن الحافظ أن الجنّ و الملائکة جنس واحد فمن طهر منهم فهو ملک و من خبث فهو شیطان و من کان بین ذلک فهو جنّ* و فی ربیع الابرار أن صنفا من الملائکة لهم ستة أجنحة فجناحان یلفون بهما أجسادهم و جناحان یطیرون بهما فی الامر من أمور اللّه و جناحان مرخیان علی وجوههم حیاء من اللّه* و فی أصول الامام الصفار سئل رضی اللّه عنه أ تکون الملائکة فی الآخرة فی الجنة قال نعم لانهم یبلغون السلام من اللّه علی المؤمنین کما قال اللّه تعالی و الملائکة یدخلون علیهم من کل باب سلام علیکم بما صبرتم فنعم عقبی الدار* و سئل رضی اللّه عنه أن الملائکة هل یرون ربهم قال لا یرون ربهم سوی جبریل مرّة واحدة فقیل اذا کانوا موحدین لم لا یرون ربهم قال لان الرؤیة فضل اللّه و اللّه تعالی یؤتی الفضل من یشاء کما قال اللّه تعالی و أن الفضل بید اللّه یؤتیه من یشاء و اللّه ذو الفضل العظیم* و سئل رضی اللّه عنه أن الجنّ هل یدخلون الجنة قال کفار الجنّ مع کفار الانس فی النار أبدا کما قال تعالی لأملأنّ جهنم من الجنة و الناس أجمعین و أما مؤمنو الجنّ قال أبو حنیفة رضی اللّه عنه لا یکونون فی الجنة و لا فی النار و لکن فی معلوم اللّه و عند صاحبیه یکونون فی الجنة و لکن لا یرون اللّه تعالی کما ذکرنا فی الملائکة* و فی أنوار التنزیل روی عن ابن عباس أن من الملائکة ضربا یتوالدون یقال لهم الجنّ و منهم ابلیس* و فی کتاب أبی المعین النسفی و قد جاء فی الخبر أن الشیطان اذا فرح علی معصیة بنی آدم یبیض بیضتین فیخرج منها الولد و هذا هو الصحیح و قد جاء فی الخبر أن فی احدی فخذیه فرجا و فی الاخری ذکرا فیجامع نفسه فیخرج منه الولد و هذا غیر صحیح و الصحیح هو الاوّل* و فی أنوار التنزیل و المدارک الجان أبو الجنّ کما ان آدم أبو الانس و قیل الجان ابلیس و یجوز أن یراد به جنس الجنّ خلقه من قبل خلق الانسان أو قبل خلق آدم قوله من نار السموم أی الحرّ الشدید النافذ فی المسام* قیل هذه السموم جزء من سبعین جزأ من سموم النار التی خلق اللّه منها الجان و هو لا ینافی قوله تعالی و خلق الجانّ من مارج من نار المارج النار الصافیة الخالصة من الدخان قوله من نار بیان للمارج فانه فی الاصل للمضطرب من مرج اذا اضطرب و لا یمتنع خلق الحیاة فی الاجرام البسیطة کما لا یمتنع خلقها فی الجواهر المجرّدة فضلا عن الاجسام المؤلفة التی الغالب فیها الجزء الناری فانها أقبل لها من المؤلفة التی الغالب فیها الجزء الارضی و قوله من نار باعتبار الغالب کقوله تعالی خلقکم من تراب* و فی المشکاة الجنّ ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة یطیرون فی الهواء و صنف حیات و کلاب و صنف یحلون و یظعنون رواه فی شرح السنة* و فی بحر العلوم ان اللّه أسکن الجنّ الارض و رکب فیهم الشهوة و کلفهم العبادة فأتی علیهم الزمار فتناسلوا و تنافسوا و تکاسلوا و تفاسدوا و تحاسدوا و تقاتلوا و تعاطوا الحرام و ارتکبوا الآثام فبعث اللّه إلیهم رسولا فعصوه فدعاهم فأبوا و کان فیهم عابد زاهد ففارقهم و صعد جبلا و اتخذ صومعة و جعل یعبد اللّه تعالی و یقول لا طاقة لی بعذاب اللّه و لا قوّة لی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:33
علی عقاب اللّه و کان اسمه یومئذ عزازیل لعزه بالطاعة فعبد اللّه زمانا و بالغ حتی أعجب ذلک ملائکة السماء الدنیا فسألوا اللّه أن یرفعه إلیهم لیفرحوا برؤیته ففرح المطیعین بالمطیعین و انس المحبین بالمحبین و قالوا طاعات جمیع الارض لو قوبلت بطاعة واحد من أهل السماء الدنیا لرجح عمل ذلک الواحد علی عمل هؤلاء و طاعات أهل السماء الدنیا و أهل الارض لو قوبلت بطاعة واحد من ملائکة السماء الثانیة لرجح ذلک علی عمل هؤلاء و کذلک کل سماء علی هذا الاعتبار الی العرش ثم هم یسرّون بعمل أهل الارض و یتقرّبون إلیهم فرفعه اللّه الی السماء الدنیا فاجتهد فیهم و زاد فی الجهد فنظر إلیه أهل السماء الثانیة فأعجبهم فسألوا ما سأل أهل سماء الدنیا ثم کذلک الی أن رفعه اللّه الی العرش و اختلط بحملة العرش و الطائفین حوله و اجتهد حتی أکرم بخزانة العرش و دفع إلیه مفتاحها فکان یطوف حول السموات و معه مفتاح الجنة و کانوا یتقرّبون إلیه و یتنادون فیما بینهم یا خازن الجنة و مقدّم أهل العبادة فلا اغترار بالبرّ فتحت کل برّ شرّ و لا اعتماد بالطاعة ففی کل طاعة آفة* و فی روایة أخری لهذه القصة قال أبیّ بن کعب وجدت فی التوراة ان الجنّ بنی الجان کانوا قبیلة من الملائکة أنزلهم اللّه تعالی الارض و رکب فهم الشهوة فتناسلوا و کثروا فصاروا سبعین ألف قبیلة کل قبیلة سبعون ألف کردوس کل کردوس سبعون ألف نفس کلهم کانوا مطیعین مصلحین حتی مضی علی ذلک زمان فاتفق أن واحدا منهم مرّ بأرض نبت فیها نبات رائق فأعجبه ثم مرّ به بعد أیام فاذا هو قد طال ثم مرّ به بعد زمان فاذا هو قد أورق ثم مرّ به بعد زمان فاذا له عناقید و هو زرحون أعناب و قد أینع فتناوله فاذا هو حلو فعصره و شرب من عصیره و جعل ما بقی فی ظرف فأوکأه ثم طلبه بعد زمان فاذا هو قد اشتدّ و رمی بالزبد و سکن و صار مسکرا فتناول شیئا منه فأخذته الحمیا فزاد حتی سکر و بسط ثم غلبه السکر فوقع فلما صحا أخبر أصحابه بذلک فذهبوا الی تلک الزراجین و أخذوا تلک العناقید و اعتصروا و اتخذوا الخمور و شربوا و اعتادوا ذلک حتی کثر فیهم السکر و وقعوا بذلک فی الزنا و اللواط و القتل و سائر المحرّمات و أفضی بهم ذلک الی الکفر و کان ذلک کله بسبب الخمر و لقد صدق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الخمر أمّ الخبائث و کان فیهم الحارث و هو اسم ابلیس فی الابتداء و قیل کان اسمه عزازیل فاعتزل هو و ألف نفس معه عنهم و اجتمعوا فی موضع یعبدون اللّه و کثر فساد أولئک حتی شکت الارض الی اللّه منهم و سألت اهلاکهم فقال اللّه أنا حلیم و لا أعاجلهم بالعقوبة حتی ألزمهم الحجة و انما یعجل بالعقوبة من یخاف الفوت و اللّه تعالی یمهل و لا یهمل و اذا أخذ فأخذه شدید و أمر اللّه تعالی عزازیل أن یرسل إلیهم واحدا منهم ممن معه یدعوهم الی الایمان و ترک العصیان فأرسل إلیهم سهلوت بن بلاهت فأتاهم و الی الاسلام دعاهم فعصوه و قتلوه فلم یزل یرسل واحدا بعد واحد من الالف و هم یقتلون حتی أرسل آخرهم و هو یوسف بن یاسف فقاسی منهم الشدّة فی طویل مدّة یدعوهم و یؤذونه و یداریهم و یخوّفونه حتی أغلوا دهنا فی مرجل و ألقوه فیه حتی هلک و لم یسلم أحد منهم ثم شکت الارض الی ربها و قالت نال عنادهم النهایة و بلغوا الغایة فاستحقوا العقاب و استوجبوا الاذهاب فبعث اللّه تعالی کردوسا من الملائکة بید کل واحد منهم سیف أو حربة و کان یخرج من أفواههم النیران و أمّر علیهم الحارث فجاءوهم و قاتلوهم و کان الجنّ أولی قوّة و بأس شدید فقاتلوهم و اشتدّ الحرب و الطعن و الضرب بینهم ثم ظفر الملائکة بهم و هزموهم الی المغرب و أرسل اللّه تعالی نارا فأحرقتهم و ریحا فأذرتهم و الی البحار فألقتهم هذا جزاء الکفر و الکفران و عاقبة الذنب و الطغیان* و فی معالم التنزیل ان اللّه خلق السموات و الارض و خلق الملائکة و الجنّ فأسکن الملائکة السماء و أسکن الجن فی الارض و یقال لهم بنو الجان فعبدوا اللّه دهرا طویلا فی الارض* و فی بحر العلوم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:34
أیضا مضی ابلیس و جنده فی طاعة اللّه و عبادته ثلاثمائة سنة انتهی ثم ظهر فیهم الحسد و البغی فأفسدوا و اقتتلوا فبعث اللّه جندا من الملائکة یقال لهم الجنّ و هم خزان الجنان اشتق لهم الاسم من الجنة رئیسهم ابلیس و کان اسمه عزازیل بالسریانیة و بالعبرانیة الحارث فلما عصی غیر اسمه و صورته فقیل له ابلیس لانه أبلس من رحمة اللّه و کان رئیسهم و مرشدهم و أکثرهم علما فهبطوا الی الارض و طردوا الجنّ الی شعوب الجبال و جزائر البحور و سکنوا الارض و خفف اللّه عنهم العبادة و أعطی ابلیس ملک الارض و ملک السماء الدنیا و خزانة الجنة و کان یعبد اللّه تارة فی الارض و تارة فی السماء و تارة فی الجنة فداخله العجب و قال فی نفسه ما أعطانی اللّه هذا الملک إلا لأنی أکرم الملائکة علیه فقال له و لجنده انی جاعل فی الارض خلیفة و ستجی‌ء تتمته ان شاء اللّه تعالی*

(ذکر مدّة الدنیا و ذکر مدّة هذه الامّة)

* ذکر الشیخ جلال الدین السیوطی فی رسالته الکشف عن مجاوزة هذه الامّة الالف أحادیث تدل علی کمیة مدّة الدنیا و مدّة هذه الامّة و هی هذه عن أنس قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عمر الدنیا سبعة أیام من أیام الآخرة قال اللّه تعالی و انّ یوما عند ربک کألف سنة مما تعدّون و عن الضحاک بن رمل الجهنی أنه رأی فی الرؤیا منبرا فیه سبع درجات و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی أعلاها فقصها علیه فقال صلّی اللّه علیه و سلم أما المنبر الذی رأیت فیه سبع درجات و أنا فی أعلاها درجة فالدنیا سبعة آلاف سنة و أنا فی آخرها ألفا أخرجه البیهقی فی الدلائل و أورده السهیلی فی الروض الانف و قال هذا الحدیث و ان کان ضعیف الاسناد فقد روی موقوفا علی ابن عباس من طرق صحاح أنه قال الدنیا سبعة أیام کل یوم ألف سنة و بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی آخرها و صحح أبو جعفر الطبری هذا الاصل و عضده بآثار و قوله فی هذا الحدیث أنا فی آخرها ألفا أی معظم المسألة فی الالف السابعة لیطابق ما سیأتی من أنه بعث فی أواخر الالف السادسة و لو کان بعث فی أوّل الالف السابعة کانت الاشراط الکبری کالدجال و نزول عیسی و طلوع الشمس من مغربها وجدت قبل الیوم بأکثر من مائة سنة لتقوم الساعة عند تمام الالف و لم یوجد شی‌ء من ذلک فدل علی أن الباقی من الالف السابعة أکثر من ثلاثمائة سنة* و قال ابن أبی حاتم فی التفسیر عن ابن عباس قال الدنیا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضی منها ستة آلاف و مائة سنة و لیأتین علیها مئین سنین و لیس علیها موحد* و قال ابن أبی الدنیا فی کتاب ذمّ الامل حدّثنا علیّ بن سعید حدّثنا ضمرة بن هشام قال قال سعید بن جبیر انما الدنیا جمعة من جمع الآخرة و قال عبد بن حمید فی تفسیره حدّثنا محمد بن الفضل عن حماد بن زید عن یحیی بن عتیق عن محمد بن سیرین عن رجل من أهل الکتاب أسلم قال ان اللّه تعالی خلق السموات و الارض فی ستة أیام و ان یوما عند ربک کألف سنة مما تعدّون و جعل أجل الدنیا ستة أیام و جعل الساعة فی الیوم السابع فقد مضت الستة أیام و أنتم فی الیوم السابع* و عن ابن عباس أن الیهود کانوا یقولون ان مدّة الدنیا سبعة آلاف سنة انما نعذب بکل ألف من أیام الدنیا یوما واحدا فی النار و انما هی سبعة أیام معدودات ثم ینقطع العذاب فأنزل اللّه تعالی و قالوا لن تمسنا النار الا أیاما معدودة الی قوله هم فیها خالدون أخرجه ابن جریر و ابن المنذر و ابن أبی حاتم و عن أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انما الشفاعة یوم القیامة لمن عمل الکبائر من أمّتی ثم ماتوا علیها فهم فی الباب الاوّل من جهنم لا تسوّد وجوههم و لا تزرق أعینهم و لا یغلون بالاغلال و لا یقرّنون مع الشیاطین و لا یضربون بالمقامع و لا یطرحون فی الإدراک منهم من یمکث فیها ساعة ثم یخرج و منهم من یمکث فیها یوما ثم یخرج و منهم من یمکث فیها شهرا ثم یخرج و منهم من یمکث فیها سنة ثم یخرج و أطولهم مکثا فیها من یمکث فیها مثل الدنیا منذ خلقت الی یوم أفنیت و ذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:35
سبعة آلاف سنة*

دقیقة فی اختصاص السبعة بأن تکون مدّة الدنیا

قیل الحکمة فی اختصاص السبعة من بین الاعداد بأن تکون مدّة الدنیا هی انها عدد وترها شفع و شفعها وتر و مجموع عدد وترها و شفعها مثل نفسها کما یقال واحد و ثلاثة و خمسة و سبعة و هی عدد وترها و هی شفع و یقال أیضا اثنان و أربعة و ستة و هی عدد شفعها و هی وتر و اذا جمع أجزاء الوتر و الشفع یکون سبعة و لیس فی الاعداد مثله الا أن یکون مضاعفا کمیة مثل سبعین و سبعمائة و سبعة آلاف و لهذا الشرف کان عدد الافلاک و الکواکب السیارة و طبقات الارض و الاقالیم و البحار و أیام الاسبوع و مدّة الدنیا سبعة آلاف سنة و الطواف بالبیت و السعی بین الصفا و المروة و رمی الجمار و أبواب جهنم و درکاتها و امتحان یوسف فی السجن و رؤیا ملک مصر سبع بقرات و الفاتحة سبع آیات و ترکیب ابن آدم سبعة أعضاء و خلقته من سبعة أشیاء قال تعالی و لقد خلقنا الانسان من سلالة من طین الی قوله فتبارک اللّه أحسن الخالقین و رزق الانسان و غذاؤه من سبعة أشیاء قوله تعالی فلینظر الانسان الی طعامه الی قوله و فاکهة و أبا و أمرنا بالسجود علی سبعة أعضاء الی غیر ذلک قال وهب کادت الاشیاء أن تکون سبعا کذا فی عرائس الثعلبی* و عن عبد اللّه ابن عمرو بن العاصی أنه قال ما کان منذ کانت الدنیا رأس مائة سنة الا کان عند رأس المائة أمر فاذا کان رأس مائة خرج الدجال و نزل عیسی ابن مریم فیقتله و یمکث الناس بعد الدجال أربعین سنة تعمر الاسواق و تغرس النخل أخرجه الطبرانی عن أبی هریرة و أخرج أحمد فی مسنده عن عائشة رضی اللّه عنها قالت قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یخرج الدجال فینزل عیسی ابن مریم فیقتله ثم یمکث عیسی فی الارض أربعین سنة اماما عادلا و حکما مقسطا و أخرج الحاکم فی المستدرک عن ابن مسعود عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال ما بین أذنی الدجال أربعون ذراعا فذکر الحدیث الی أن قال ینزل عیسی ابن مریم فیقتله ثم یمکث فی الارض أربعین سنة فیمتعون لا یموت أحد و لا یمرض أحد و یقول لغنمه و دوابه اذهبن فارعین و تمرّ الماشیة بین الزرع لا تأکل سنبلة و الحیات و العقارب لا تؤذی أحدا و السبع علی أبواب الدور لا یؤذی أحدا و یأخذ الرجل المدّ من القمح فیبذر بلا حرث فیجی‌ء منه سبعمائة مدّ فیمکثون فی ذلک الی أن یکسر سدّ یأجوج و مأجوج فیخرجون و یفسدون فیبعث اللّه دابة من الارض فتدخل آذانهم فیصبحون موتی أجمعین و تنتن الارض منهم و یتأذی الناس من نتنهم و یستغیثون الی اللّه فیبعث اللّه عز و جل ریحا یمانیة غبراء تنسف رممهم و تقذف بها الی البحر لا یلبثون الا قلیلا حتی تطلع الشمس من مغربها* و قال ابن أبی شیبة یبلغه الی عبد اللّه بن عمرو قال یمکث الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرین سنة و مائة و أخرج أبو نعیم بن حماد عن کعب قال اذا انصرف عیسی ابن مریم و المؤمنون من یأجوج و مأجوج لبثوا سنوات ثم رأوا کهیئة الهرج و الغبار فاذا هی ریح قد بعثها اللّه لقبض أرواح المؤمنین فتلک آخر عصابة تقبض من المؤمنین و یبقی الناس بعدهم مائة عام لا یعرفون دینا و لا سنة یتهارجون تهارج الحمر علیهم تقوم الساعة و أخرج أبو نعیم عن عبد اللّه بن عمرو قال یرسل اللّه بعد یأجوج و مأجوج ریحا طیبة فتقبض روح عیسی و أصحابه و کل مؤمن علی وجه الارض و یبقی بقایا الکفار و هم شرار الناس مائة سنة و أخرج أبو نعیم عن عبد اللّه بن عمرو قال لا تقوم الساعة حتی تعبد العرب ما کانت تعبد آباؤها عشرین و مائة عام بعد نزول عیسی ابن مریم و بعد الدجال قال الشیخ جلال الدین السیوطی ان هذه الاحادیث و الآثار تدل علی أن مدّة هذه الامّة تزید علی ألف سنة و لا تبلغ الزیادة خمسمائة سنة فما هو المشهور علی ألسنة الناس أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لا یمکث فی قبره ألف سنة باطل لا أصل له و ذلک لانه ورد من طرق متعدّدة أن مدّة الدنیا سبعة آلاف سنة و أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعث فی آخر الالف السادسة کما ذکر و أن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:36
الدجال یخرج علی رأس مائة سنة و ینزل عیسی فیقتله ثم یمکث فی الارض أربعین سنة فیمتعون الی آخر الحدیث المذکور و ورد أن الناس یمکثون بعد طلوع الشمس من مغربها عشرین و مائة سنة و ان بین النفختین أربعین سنة کما أخرجه البخاری و مسلم عن أبی هریرة و أخرجه أبو داود و ابن مردویه عن أبی هریرة و أخرج ابن المبارک عن الحسن قال ما بین النفختین أربعون سنة الاولی یمیت اللّه بها کل حیّ و الاخری یحیی اللّه بها کل میت فهذه مائتا سنة و لا بدّ منها و الباقی الآن من الالف مائة سنة و سنتان و الی الآن لم تطلع الشمس من مغربها و لا خرج الدجال الذی خروجه قبل طلوع الشمس بسنتین و لا ظهر المهدی الذی ظهوره قبل الدجال بسبع سنین و لا وقعت الاشراط التی وقوعها قبل ظهور المهدی و لا بقی ما یمکن خروج الدجال من قرن لانه انما یخرج عند رأس مائة و قبل خروج الدجال مقدّمات تکون فی سنین کثیرة فأقل ما یجوز أن یکون خروجه علی رأس الالف ان لم یتأخر الی مائة بعدها فکیف یتوهم أحد أن الساعة تقوم قبل تمام الالف هذا شی‌ء غیر ممکن بل ان اتفق خروج الدجال علی رأس الالف و هو الذی أبداه بعض العلماء احتمالا مکثت الدنیا بعده أکثر من مائة سنة و هی المائتان المشار إلیهما و الباقی ما بین خروج الدجال و طلوع الشمس من مغربها و لا یدری کم هو و ان تأخر الدجال عن رأس الالف الی مائة أخری کانت المدّة أکثر و لا یمکن أن تکون المدّة ألفا و خمسمائة أصلا* قال الشیخ جلال الدین السیوطی رأیت فی کتاب العلل للامام أحمد بن حنبل أنه قال حدّثنا اسماعیل بن عبد الکریم بن معقل عن منبه حدّثنا عبد الصمد أنه سمع وهبا یقول قد خلا من الدنیا خمسة آلاف سنة و ستمائة سنة انی لأعرف کل زمن منها و من کان فیه من الملوک و الأنبیاء و هذا یدل علی أن مدّة هذه الامّة تزید بنحو أربعمائة سنة تقریبا*

(ذکر ابتداء خلق آدم)

* قال فی معالم التنزیل لما أراد اللّه أن یخلق آدم قال لابلیس و جنده انی جاعل فی الارض خلیفة أی بدلا منکم و رافعکم الیّ فکرهوا ذلک لانهم کانوا أهون الملائکة عبادة و المراد بالخلیفة هاهنا آدم سماه خلیفة لانه خلف الجنّ أی جاء بعدهم و الصحیح أنه خلیفة اللّه فی أرضه لاقامة أحکامه و تنفیذ وصایاه قالوا أ تجعل فیها من یفسد فیها و یسفک الدماء و نحن نسبح بحمدک و نقدّس لک قال انی أعلم ما لا تعلمون* قال النسفی فی بحر العلوم عن وهب بن منبه لما أراه اللّه أن یخلق آدم أوحی الی الارض انی جاعل منک فی الارض خلیفة فمنهم من یطیعنی و منهم من یعصینی فمن أطاعنی أدخلته الجنة و من عصانی أدخلته النار فقالت الارض منی تخلق خلقا یکون للنار قال نعم فبکت الارض فانفجرت منها العیون الی یوم القیامة* قال وهب بعث اللّه إلیها جبریل لیأتیه منها بقبضة من زوایاها الاربع من أسودها و أحمرها و طیبها و خبیثها و سهلها و حزنها فلما أتاها جبریل لیقبض منها قالت الارض انی أعوذ بعزة اللّه الذی أرسلک الیّ من أن تأخذ منی شیئا یکون منه نصیب للنار غدا فرجع جبریل الی مکانه و لم یأخذ من الارض شیئا فقال یا رب استعاذت بک الارض منی فکرهت أن أقدم علیها فقال اللّه تعالی لمیکائیل انطلق فأتنی بقبضة منها من زوایاها الاربع من أسودها و أحمرها و سهلها و حزنها و طیبها و خبیثها فلما انتهی إلیها میکائیل لیقبض منها قالت الارض له کما قالت لجبریل فرجع میکائیل فقال کما قال جبریل فقال اللّه لاسرافیل کما قال لهما فانطلق و رجع و قال مثل ما قالاه من العذر ثم قال لملک الموت انطلق فأتنی بقبضة من الارض کالاوّل فلما أتاها ملک الموت قالت أعوذ بعزة اللّه الذی أرسلک الیّ من أن تقبض منی قبضة یکون للنار فیها نصیب غدا فقال ملک الموت و أنا أعوذ بعزته أن أعصی له أمرا فقبض منها قبضة من زوایاها الاربع من أدیمها الاربع* و فی الحدیث ان اللّه خلق آدم من قبضة قبضها عزرائیل من جمیع الأرض فجاء بنو آدم علی قدر الارض منهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:37
الاحمر و الابیض و الاسود و الاصفر و بین ذلک و السهل و الحزن و الخبیث و الطیب کذا فی المصابیح* و فی الوفا بعث اللّه عزرائیل فقبض منها قبضة و کان ابلیس قد وطئ الارض بقدمیه فصار بعض الارض بین قدمیه و بعض الارض موضع أقدامه فخلقت النفس مما مس قدم ابلیس فصارت مأوی الشرّ و من التربة التی لم یصل إلیها قدم ابلیس أصل الأنبیاء و الاولیاء* قال فی العوارف فکانت درّة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم موضع نظر اللّه تعالی من قبضة عزرائیل لم یمسها قدم ابلیس و قیل لما خاطب اللّه تعالی السموات و الارض بقوله ائتیا طوعا أو کرها الآیة أجاب من الارض موضع الکعبة و من السماء ما یحاذیها* و عن ابن عباس أصل طینة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من سرّة الارض بمکة یعنی الکعبة و هو مشعر بأن ما أجاب من الارض درّته صلّی اللّه علیه و سلم و من الکعبة دحیت الارض فصار النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هو الاصل فی التکوین* و قال فی العوارف عقبه و تربة الشخص مدفنه فکان مقتضی ذلک أن یکون مدفنه هناک لکن قیل لما تموّج الماء رمی الزبد الی النواحی فوقعت جوهرة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی ما یحاذی تربته الشریفة بالمدینة فکان مکیا مدنیا فلمکة الفضل بالبدایة و للمدینة بالاستقرار و النهایة انتهی قال فصعد عزرائیل بالقبضة الی السماء فأمره فجعلها طینا أربعین سنة حتی صار لازبا ثم حمأ مسنونا أربعین سنة ثم ترکه حتی یبس و صار صلصالا أربعین سنة فجعله جسدا موضوعا علی طریق مکة للملائکة الذین یصعدون من الارض الی السماء أربعین سنة فکلما مرّ علیه ملأ عجبوا من حسن صورته و لم یکونوا رأوا قبل ذلک علی صورة آدم شیئا من الصور حتی مرّ به ابلیس فقال الشی‌ء ما خلق اللّه هذا أجوف یأکل الطعام فقال لاصحابه انی لأری صورة مخلوق سیکون له شأن أ رأیتم هذا الذی لم تروا علی صورته شیئا من الخلق ان فضل اللّه علیکم هذا ما ذا أنتم صانعون قالوا نطیع ربنا و لا نعصی له أمرا فقال ابلیس فی نفسه لئن فضل علیّ لا أطیعه و لئن فضلت علیه لأهلکنه هذا ما فی بحر العلوم* و فی المشکاة عن أنس أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لما صوّر اللّه آدم فی الجنة ترکه ما شاء اللّه أن یترک فجعل ابلیس یطوف به ینظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا یتمالک رواه مسلم و عن ابن عباس أن ابلیس مرّ علی جسد آدم و هو ملقی بین الکعبة و الطائف أی بوادی نعمان لا روح فیه فقال لامر ما خلق اللّه هذا ثم دخل من فیه و خرج من دبره و قال انه خلق لا یتمالک لانه أجوف ثم قال للملائکة الذین معه أ رأیتم ان فضل هذا علیکم و أمرتم بطاعته ما ذا تصنعون قالوا نطیع أمر ربنا قال ابلیس فی نفسه و اللّه لو سلطت علیه لاهلکنه و لئن سلط علیّ لأعصینه کذا فی معالم التنزیل* و قال محیی السنة أری هذا الحدیث مشکلا جدّا أی بین حدیثی أنس تناف فقد ثبت بالکتاب و السنة أن آدم خلق من أجزاء الارض فدل علی أنه أدخل الجنة و هو بشر حیّ و قال القاضی الاخبار متظاهرة علی أن اللّه خلق آدم من تراب قبض من وجه الارض و خمر حتی صار طینا ثم ترکه حتی صار صلصالا و کان ملقی بین مکة و الطائف ببطن نعمان لکن لا ینافی ذلک تصویره فی الجنة لجواز أن تکون طینته لما خمرت فی الارض و ترکت فیها حتی مضت علیها الاطوار و استعدّت لقبول الصورة الانسانیة حملت الی الجنة فصوّرت و نفخ فیها الروح کذا ذکره الطیبی فی شرح المشکاة و کذا فی شرح المشارق* و قال وهب روی أن اللّه تعالی قال لعزرائیل أنت تصلح لقبض أولاده و سماه ملک الموت و سلطه علی ذلک و کما جعله لقبض التراب الذی بدأ به خلقهم جعله لقبض أرواحهم و ختم به عمرهم کذا فی بحر العلوم* روی أن عزرائیل لما قبض تلک القبضة من التراب خلط بعضها ببعض و جمعها بین مکة و الطائف فطرت علیها قزعة أربعین سنة من بحر الاحزان و هو بحر تحت العرش یقال له بحر الاحزان و لذا قیل لا یمرّ علی بنی آدم یوم بلا حزن* و فی بهجة النفوس فطرت علیها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:38
الحزن تسعا و ثلاثین سنة ثم مطرت علیها السرور سنة واحدة* و فی العرائس کان آدم جسدا ملقی علی باب الجنة أربعین سنة و کان یمطر علیه الحزن ثم مطر علیه سنة واحدة السرور فلذلک کثرت الغموم فی أولاده و تصیر عاقبتهم الی الفرح و الراحة و فی هذا قیل
أیّ شی‌ء یکون أعجب من ذالو تفکرت فی صروف الزمان
حادثات السرور توزن وزناو البلایا تکال بالقفزان و کان اللّه عز و جل یخمر طینته بید القدرة من غیر مشارکة الغیر فجعل فی جبلته و طبیعته ما أراد و عن ابن مسعود عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال خلق اللّه آدم یوم الجمعة من کل تربة من البلاد رأسه من بیت المقدس و صدره من العراق و مقعده من بابل و یده الیمنی من البیت العتیق و یده الیسری من فارس و رجلیه و قدمیه من أرض الهند و أرض یأجوج و مأجوج فلذلک اختلفت ألوان بنی آدم و فی روایة ابن عباس فرجه من بابل و یدیه من أرض الکعبة و رجلیه من أرض الهند و کلیتیه من أرض الصحراء و عظامه من الجبال و أمعاءه من الجزائر و کبده من أرض الموصل و طحاله من أرض الحجاز و فخذیه من أرض الیمن و بطنة من أرض الطائف و ظهره من أرض الشام و وجهه من أرض الجنة و عینیه من أرض الکوثر و قلبه من نور العرش کذا فی بحر العلوم* و کان فی الاوّل ترابا فعجن بالماء فصار طینا فمکث ما شاء اللّه فصار حمأ أی طینا تغیر و اسودّ من طول مجاورة الماء مسنونا منتنا فخلص فصار سلالة فصوّر فیبس فصار صلصالا أی طینا یابسا غیر مطبوخ یصلصل أی یصوّت اذا نقر ثم غیر ذلک طورا بعد طور حتی سوّاه و نفخ فیه من روحه کذا فی المدارک و أنوار التنزیل*

غریبة من الفتوحات‌

و فی الفتوحات المکیة ان اللّه تعالی لما خلق آدم علیه الصلاة و السلام الذی هو أوّل جسم انسانی تکوّن و جعله أصلا لوجود الاجسام الانسانیة فضلت من خمیر طینته فضلة خلق منها النخلة فهی أخت لآدم علیه السلام و هی لناعمة و سماها الشرع لناعمة و شبهها بالمؤمن و لها أسرار عجیبة دون سائر النبات و فضل من الطینة بعد خلق النخلة قدر السمسمة فی الخلفاء فمدّ اللّه من تلک الفضلة أرضا واسعة الفضاء اذا جعل العرش و ما حواه و الکرسی و السموات و الارضون و ما تحت الثری و الجنات کلها و النار فی هذه الارض کان الجمیع فیها کحلقة ملقاة فی فلاة من الارض و فیها من العجائب و الغرائب ما لا یقدر قدره و یبهر العقول أمره و فی کل نفس یخلق اللّه فیها عوالم یسبحون اللیل و النهار لا یفترون و فی هذه الارض ظهرت عظمة اللّه و عظمت عند المشاهد لها قدرته و کثیر من المجالات العقلیة التی قام الدلیل الصحیح العقلی علی احالتها موجود فی هذه الارض و هی مسرح عیون العارفین العلماء باللّه تعالی و فیها یجولون و خلق اللّه من جملة عوالمها عالما علی صورنا اذا أبصرهم العارف یشاهد نفسه فیهم و قد أشار الی مثل ذلک عبد اللّه بن عباس رضی اللّه عنهما فیما روی عنه فی حدیث هذه الکعبة بیت واحد من أربعة عشر بیتا و ان فی کل أرض من السبع الارضین خلقا مثلنا حتی ان فیهم ابن عباس مثلی و صدقت هذه الروایة عند أهل الکشف*

(ذکر الروح)

* قال فی أنوار التنزیل و یسألونک عن الروح أی الذی یحیی به بدن الانسان و یدبره قل الروح من أمر ربی أی من الابداعیات الکائنة بکن من غیر مادّة و تولد من غیر أصل کأعضاء جسده اذا وجد وجدت بتکوینه علی أن السؤال عن قدمه و حدوثه و قیل مما استأثر اللّه تعالی بعلمه لما روی أن الیهود قالوا لقریش سلوه عن أصحاب الکهف و عن ذی القرنین و عن الروح فان أجاب عنها أو سبکت فلیس بنبیّ و ان أجاب عن بعض و سکت عن بعض فهو نبیّ فسألوه فبین لهم القصتین و أبهم لهم أمر الروح و هو مبهم فی التوراة و قیل جبریل و قیل خلق أعظم من الملک و قیل القرآن و من أمر ربی معناه من وجیه* و فی المواهب اللدنیة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:39
قد اختلف فی المراد بالروح فی قوله و یسألونک عن الروح و الجواب یدل علی أنها شی‌ء موجود مغایر للطبائع و الاخلاط و ترکیبها فهی جوهر بسیط مجرّد لا یحدث الا بمحدث و هو قوله تعالی کن فکان قال هی موجودة محدثة بأمر اللّه و تکوینه و لها تأثیر فی افادة حیاة الجسد و لا یلزم من عدم العلم بکیفیتها المخصوصة نفیه* قال فی فتح الباری قد تنطع قوم و تباینت أقوالهم فقیل هی النفس الداخل الخارج و قیل جسم لطیف یحل فی جمیع البدن و قیل هی الدم و قد بلغت الاقوال فیها المائة و نقل ابن منده عن بعض المتکلمین أن لکل نبیّ خمسة أرواح و لکل مؤمن ثلاثة و قال ابن العربی اختلفوا فی الروح و النفس فقیل متغایران و هو الحق و قیل هما شی‌ء واحد* و عن وهب روی أنه لما تم تخمیر طینة آدم و عدّلت أجزاؤه و سوّیت أعضاؤه أراد اللّه أن ینفخ فیه الروح فأمرها أن تدخل فیه فقالت الروح مدخل بعید القعر مظلم فقال له ادخل ثانیا فقال کذلک فقال له ثالثا فقال کذلک فقال له رابعا ادخل کرها و اخرج کرها کذا فی بحر العلوم* روی أن الروح أدخلت فی جسد آدم الفخاری من قبل رأسه فکل عضو تحل فیه الروح حلولا سریانیا یصیر لحما و دما و لما بلغت دماغه عطس فانتشرت فیه فنزلت لسانه و صدره فألهمه اللّه قوله الحمد للّه فقال اللّه یرحمک ربک یا آدم* قال جعفر بن محمد مکثت الروح فی رأس آدم مائة عام و فی صدره مائة عام و فی ساقیه و قدمیه مائة عام کذا فی المواهب اللدنیة* و عن ابن عباس رضی اللّه عنهما أنه قال لما بلغت الروح صدره و لم تتمکن فیه بعد أراد أن یقوم و فی روایة لما دخلت الروح فی عینیه نظر الی ثمار الجنة و لما وصلت جوفه اشتهی الطعام فأراد أن یقوم الی ثمار الجنة قبل أن تبلغ رجلیه و ذلک قوله تعالی خلق الانسان من عجل و هذه الروایة تشعر بأن خلق آدم کان فی الجنة و قیل خلقه اللّه فی آخر النهار یوم الجمعة فأسرع فی خلقه قبل مغیب الشمس قال یا رب عجل خلقی قبل اللیل فذلک قوله تعالی خلق الانسان من عجل* و فی المدارک و غیره العجل الطین بلغة حمیر قال الشاعر
فی الصخرة الصماء منبته‌و النخل تنبت بین الماء و العجل و فی بهجة الانوار دخلت الروح فی آدم من رجلیه و یقال من دماغه فلما دخلت استدارت فیه مقدار مائتی عام ثم نزلت فی عینیه قیل الحکمة فیه ارادة اللّه تعالی أن ینظر آدم الی بدء خلقه و أصله حتی اذا تتابعت علیه الکرامات لا یدخله الزهو و العجب ثم نزلت الروح خیاشیمه فعطس فقبل فراغ العطاس نزلت الی فمه و لسانه و لقنه بالحمد للّه و ذلک أوّل ما جری علی لسانه فأجابه ربه یرحمک اللّه یا آدم ثم نزلت الی صدره و شراسیفه فعجل بالقیام فلم یتمکن و ذلک قوله تعالی خلق الانسان من عجل فلما وصلت الی جوفه اشتهی الطعام فهو أوّل حرص دخل فی جسد آدم ثم انتشر الروح فی جسده کله فصار لحما و دما و عروقا و عصبا ثم کساه لباسا من ظفر یزداد کل یوم حسنا فلما قارف الذنب بدّل هذا الظفر و بقیت منه بقیة فی أنامله لیتذکر بذلک أوّل حاله و لذلک اذا ضحک الانسان فنظر الی ظفره نسی الضحک فلما أتم اللّه خلق آدم و نفخ فیه الروح قرطقه و شنفه و سوّره و ألبسه من لباس الجنة و زینه بأنواع الزینة فخرج من ثنایاه نور کشعاع الشمس و نور محمد صلّی اللّه علیه و سلم یلمع من جسده کالقمر لیلة البدر ثم رفعه علی سریر و حمله علی أکناف الملائکة و أدخله الجنة کما سیجی‌ء* و فی بحر العلوم فلما نفخ الروح فی آدم صار فی رأسه و عینیه و أذنیه و لسانه ثم صار فی جسده کله حتی بلغ قدمیه فلم یجد منفذا فرجع لیخرج من منخریه فعطس فقال له ربه قل الحمد للّه رب العالمین فقالها آدم فقال یرحمک اللّه و لذلک خلقتک فلما انتهی الی رکبتیه أراد الوثوب فلم یقدر فلما بلغت قدمیه وثب فقال اللّه تعالی و کان الانسان عجولا فصار بشرا و دما و عظما و عروقا و عصبا و احشاء*

(ذکر عیسی و مریم و یحیی)

یقال ان اللّه تعالی خلق من نفسین نفسین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:40
من عطسة آدم عیسی و من عطسة الاسد الهرّة روی أن آدم لما عطس أمر اللّه جبریل بأن یأخذها و فی روایة بکر بن قیس بفیه و أمره بحفظها الی زمان مریم حتی نفخ فیها فحملت بعیسی کذا فی بحر العلوم* و قصتها أنها لما حاضت اعتزلت مکانا شرقیا فی بیت المقدس أو شرقی دارها و لذلک اتخذ النصاری المشرق قبلة فاتخذت من دونهم حجابا و سترا و قعدت فی مشرقه للاغتسال من الحیض محجبة بشی‌ء یسترها و کانت تتحوّل من المسجد الی بیت خالتها أو أختها اذا حاضت و تعود إلیه اذا طهرت فبینما هی فی مغتسلها أتاها جبریل فی صورة شاب أمرد وضی‌ء الوجه جعد الشعر سویّ الخلق لتستأنس بکلامه و لعله لتهیج شهوتها فتنحدر نطفتها الی رحمها فدنا جبریل فنفخ فی جیب درعها فدخلت النفخة فی جوفها کذا فی أنوار التنزیل* قیل فی قوله لتهیج شهوتها فتنحدر نطفتها الی رحمها نظر* و فی المدارک فوصلت النفخة الی بطنها فحملت بعیسی و کانت مدّة حملها ستة أشهر و قیل تسعة أشهر کسائر النساء و قیل ثمانیة و لم یعش مولود وضع لثمانیة أشهر غیره و قیل کان الحمل ساعة واحدة فکما حملته نبذته قاله ابن عباس و قیل حملته فی ساعة و صوّر فی ساعة و وضعته فی ساعة* و فی لباب التأویل وضعته حین زالت الشمس من یومها انتهی و کان سنّ مریم حینئذ ثلاث عشرة سنة و قیل عشر سنین و قد حاضت حیضتین و قیل عشرین سنة کذا فی أنوار التنزیل و المدارک و غیرهما* و فی الباب التأویل کان سنها ست عشرة سنة و کانت قد حاضت حیضتین قبل أن تحمل بعیسی* و فی معالم التنزیل قال أهل التاریخ حملت بعیسی و هی بنت ثلاث عشرة سنة و ولدته ببیت لحم من الارض المقدّسة لمضیّ خمس و ستین سنة من غلبة الاسکندر علی أرض بابل و تکلم فی المهد و هو ابن أربعین یوما و لیلة روی أنه اشار بسبابته و قال بصوت رفیع انی عبد اللّه کذا فی المدارک و فی الحدیث لم یتکلّم فی المهد الا ثلاثة عیسی ابن مریم و صاحب جریج و الصبیّ الذی رأت أمّه راکب دابة فارهة حسن الهیئة فقالت اللهم اجعل ابنی مثله فسمع الصبیّ و هو یرتضع فترک الثدی و قال اللهم لا تجعلنی مثله و رأت جاریة و هم یضربونها و یقولون لها زنیت سرقت و هی تقول حسبی اللّه و نعم الوکیل فقالت أم الصبیّ اللهم لا تجعل ابنی مثلها فترک الصبی الرضاع و قال اللهم اجعلنی مثلها* و جاء فی الخبر أیضا شاهد یوسف و الذی فی قصة أصحاب الاخدود أن صبیا یرتضع قال لامّه حین امتنعت عن النار یا أمّه اصبری فانّک علی الحق فالحصر الذی وقع فی الحدیث فی الثلاثة الاول اما لصحة تکلمهم فی المهد و عدم الاختلاف فیهم و وجوده فیمن عداهم فقیل انهم کانوا کبارا بلغوا حدّ الکلام و اما لان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلّم کان أخبر بما فی علمه مما أوحی اللّه إلیه فی تلک الحالة ثم بعد ذلک أعلمه اللّه بما شاء من ذلک فأخبر به کذا فی شرح المشارق* و فی أنوار التنزیل عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تکلم أربعة صغار ابن ماشطة بنت فرعون و شاهد یوسف و صاحب جریج و عیسی ابن مریم روی أن فرعون لما أمر بقتل ابن الماشطة و جزعت أمّه أنطقه اللّه تعالی فقال یا أمّه لا تجزعی و انظری فوقک فنظرت فرأت الجنة فاطمأنت و أوحی اللّه تعالی الی عیسی ابن مریم علیه السلام علی رأس ثلاثین سنة و کانت نبوّته ثلاث سنین و رفعه اللّه من بیت المقدس لیلة القدر من شهر رمضان و هو ابن ثلاث و ثلاثین سنة* و فی الملل و النحل للشهرستانی عیسی ابن مریم هو المبعوث حقا بعد موسی علیه السلام المبشر فی التوراة و کانت له آیات ظاهرة و بینات زاهرة مثل احیاء الموتی و ابراء الاکمه و الابرص و نفس وجوده و فطرته آیة کاملة علی صدقه و ذلک حصوله من غیر نطفة سابقة و نطقه من غیر تعلیم سالف و جمیع الأنبیاء بلاغهم و و حیهم بعد أربعین سنة و قد أوحی اللّه إلیه انطاقا فی المهد و أوحی إلیه ابلاغا عند الثلاثین و کانت مدّة دعوته ثلاث سنین و ثلاثة أشهر و ثلاثة أیام فلما رفع الی السماء اختلف الحواریون و غیرهم فیه* و فی المدارک عن بعض العلماء أنه مرّ بالروم فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:41
لهم لم تعبدون عیسی قالوا لانه لا أب له قال فآدم أولی لانه لا أبوین له قالوا کان یحیی الموتی قال فحزقیل أولی لان عیسی أحیا أربعة نفر و حزقیل أحیا ثمانیة آلاف فقالوا کان یبرئ الاکمه و الابرص قال فجرجیس أولی لانه طبخ و أحرق ثم قام سالما* و فی المدارک قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ینزل عیسی خلیفة علی أمّتی یدق الصلیب و یقتل الخنزیر و یلبث أربعین سنة و یتزوّج و یولد له ثم یتوفی و کیف تهلک أمّة و أنا فی أوّلها و عیسی فی آخرها و المهدی من أهل بیتی فی وسطها روی أنه قدم جذام و هم أهل مدین فقال النبیّ صلّی اللّه علیه سلم مرحبا بقوم شعیب و أصهار موسی لا تقوم الساعة حتی یتزوّج فیکم المسیح و یولد له* و فی ربیع الابرار عن أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذا أهبط اللّه عیسی من السماء فانّه یعیش فی هذه الامّة ما شاء اللّه ثم یموت بمدینتی هذه و یدفن الی جانب قبر عمر فطوبی لابی بکر و عمر فانهما یحشران بین نبیین کما سیجی‌ء و عاشت أمّه مریم بعد رفعه ست سنین کذا فی معالم التنزیل* و فی أنوار التنزیل و المدارک فی نسب عیسی ابن مریم بنت عمران بن ماثان بن سلیمان ابن داود بن ایشا من نسل یهوذا بن یعقوب و یحیی بن زکریا أمّه سارة بنت عمران أخت مریم فعیسی و یحیی ابنا خالة و أما عمران أبو موسی و هارون فهو عمران بن یصهر بن فاهث بن عاری بن لاوی بن کعب بن یعقوب کذا فی کتاب الاعلام و بین العمرانین ألف و ثمانمائة سنة و قیل کانت مریم من نسل هارون النبیّ أخی موسی علیهما السلام و بینهما ألف سنة و أمّ مریم حنة بنت فاقود امرأة عمران بن ماثان و لما ولدتها لفتها فی خرقة و حملتها الی المسجد و وضعتها عند الاحبار ابناء هارون و هم فی بیت المقدس کالحجبة فی الکعبة فقالت لهم دونکم هذه النذیرة فتنافسوا فیها لانها کانت بنت امامهم و صاحب قربانهم و کان بنو ماثان رءوس بنی اسرائیل و أحبارهم فقال لهم زکریا أنا أحق بها عندی أختها قالوا لا حتی نقترع فانطلقوا و کانوا سبعة و عشرین الی نهر فألقوا فیه أقلامهم و هی الاقلام التی کانوا یکتبون التوراة بها اختاروها للقرعة تبرّکا بها فارتفع قلم زکریا فوق الماء و رسبت أقلامهم فکفلها زکریا و لما رأی من حال مریم فی کرامتها علی اللّه و منزلتها عنده رغب أن یکون له من ایشاع أخت مریم ولد مثلها فی الکرامة علی اللّه و ان کانت عاقرا فقد کانت أمّ مریم کذلک و کان زکریا حینئذ ابن خمس و سبعین سنة أو ثمانین سنة و فی روایة کان له تسع و تسعون سنة فبشره اللّه بیحیی مصدّقا بکلمة من اللّه أی بعیسی مؤمنا به فهو أوّل من آمن بعیسی و ذلک لان أمّه کانت حاملا و قد حملت مریم بعیسی فقالت لها أمّ یحیی یا مریم أ حامل أنت فقالت کیف تقولین ذلک قالت انی أری ما فی بطنی یسجد لما فی بطنک فذلک تصدیقه له و ایمانه به و کان یحیی أکبر من عیسی بستة أشهر و ذلک أن مولد یحیی کان قبل مولد عیسی بستة أشهر ثم قتل یحیی قبل أن یرفع عیسی علیه السلام کذا فی عرائس الثعلبی و ستجی‌ء قصة یحیی علیه السلام و لم یرتکب یحیی سیئة قط و آتاه اللّه الحکم صبیا و هو فهم التوراة و الفقه فی الدین و قبل النبوّة أحکم اللّه عقله فی صباه و استنبأه روی أن الصبیان دعوه الی اللعب و هو صبیّ فقال ما للعب خلقنا* و هذه القصة وقعت فی البین و فصلت اتصال الکلامین فلنرجع الی ما کنا فیه* یقال سمی آدم لانه خلق من أدیم الارض و وجهها لان فی لونه أدمة و هی لون البرّ و قیل لان طینته مخلوقة من الماء و التراب من أدمت بین الشیئین اذا خلطتهما هذا علی تقدیر کونه عربیا کاشتقاق یعقوب من العقب و ادریس من الدرس و ابلیس من الابلاس و أما علی تقدیر کونه أعجمیا و هو الاقرب کآزر و شالخ بدلیل منع الصرف فلا اشتقاق* و فی بحر العلوم للنسفی ان الکلبی ذکر عن أبی صالح عن ابن عباس أنه قال ان آدم لما هبط الی جبل الهند کان رأسه یمسح السحاب فصلع فأورث ولده الصلع و هو المشهور بین المؤرّخین و قالوا کان آدم یصعد الجبل فیسمع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:42
تسبیح الملائکة فقصره اللّه تعالی حتی بلغ ستین ذراعا و هو مخالف لما رواه أبو هریرة عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أنه قال خلق اللّه آدم علی صورته و طوله ستون ذراعا کذا فی حیاة الحیوان* و زاد فی المشکاة فی سبعة أذرع عرضا و فی الصحیحین فکل من یدخل الجنة علی صورة آدم فلم یزل الخلق ینقص حتی الآن کذا فی المشارق و اختلف فی أن المراد ذراع آدم أو الذراع المتعارف بین الناس الآن* و فی حیاة الحیوان فی قوله صلّی اللّه علیه و سلم خلق اللّه آدم علی صورته قال القاضی أبو بکر بن العربی المالکی العلامة یعنی علی صفاته و لیس للّه خلق أحسن من الانسان فان اللّه عز و جل خلقه حیا عالما قادرا مریدا متکلما سمیعا بصیرا مدبرا حکیما و هذه صفات الرب تعالی و عن أبی أمامة أن رجلا سأل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ نبیّا کان آدم قال نعم قال کم بینه و بین نوح قال عشرة قرون صححه ابن حبان* و فی العمدة القرن مائة سنة لما روی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم وضع یده علی رأس غلام و قال سیعیش هذا الغلام قرنا فقیل کم القرن قال مائة سنة فعاش مائة سنة و قیل القرن ثمانون سنة و قیل أربعون سنة* و فی المواهب اللدنیة اختلفوا فی تحدید القرن کم مدّة من الزمان من عشرة أعوام الی مائة و عشرین لکن لم أر من صرّح بالتسعین و لا بمائة و عشرة و ما عدا ذلک فقد قال به قائل* و قال صاحب المحکم القرن هو المتوسط من أعمار أهل کل زمن و هذا أعدل الاقوال روی ان آدم لم یکن له لحیة و انما کانت لبنیه و أوّل من شاب منهم ابراهیم علیه السلام و سیجی‌ء کما ورد فی صفة أهل الجنة جرد مرد علی صورة آدم علیه السلام و روی فی بعض الاخبار أن آدم لما کثر بکاؤه علی فراق الجنة نبتت لحیته و الاصح هو الاوّل کذا فی المتقی*

نفیسة

و فی الخبر سید الصور صورة آدم علیه السلام و سید الملائکة اسرافیل و سید الأنبیاء محمد صلّی اللّه علیه و سلم و سید الشهداء هابیل و سید المؤذنین بلال و سید الشهور رمضان و سید الایام یوم الجمعة و سید اللیالی لیلة القدر و سید المساجد المسجد الحرام و سید البیوت الکعبة و سید الجبال جبل موسی و سید الانعام الثور و سید الطیور النسر و سید الوحوش الابل و سید السباع الاسد کذا فی بحر العلوم* و فیه قال ابن عباس لما قالت الملائکة أ تجعل فیها من یفسد فیها الآیة أراد اللّه أن یظهر فضل آدم علیه السلام فعلمه و أظهر فضله علیهم بعلمه ما لا یعلمونه ثم اختلف فی وجه تعلیمه فقیل انه أرسل إلیه ملکا من غیر هؤلاء و أوحی إلیه بذکر أسماء المخلوقات فسمعها و حفظها و قیل ألهمه فوقع فی قلبه فجری لسانه بما فی قلبه بتسمیة الاشیاء من عنده* و اختلف أیضا فی أنه جری لسانه بتسمیتها بلسان واحد أم بالالسنة کلها فقیل بلسان واحد ثم کل فریق تواضعوا علی غیر ذلک من الالسنة و قیل بالالسنة کلها التی یتکلم بها جمیع الناس الی یوم القیامة* و علم ذلک کله أولاده فلما تفرّقوا تکلم کل قوم منهم بلسان استسهلوه منها و ألفوه ثم أنسوا غیره بعد تطاول الزمان و قیل أصبحوا و کل قوم منهم یتکلمون بلغة قد نسوا غیرها فی لیلة واحدة و اختلفوا فی أنه کان تعلیم الاسماء وحدها أو تعلیمها بمعانیها ان هذا اسمه کذا و یستعمل فی کذا و نفعه کذا و ضرّه کذا قال الربیع بن أنس و أبو العالیة علمه أسماء الملائکة جبرائیل و میکائیل و اسرافیل و عزرائیل و کذا کل ملک* و قال عبد الرحمن بن زید علمه أسماء ذرّیته من وقت آدم الی انقراض العالم و قال ابن عباس و مجاهد و قتادة و الضحاک علمه اسم کل شی‌ء حتی القصعة و القصیعة و المغرفة و قال ابن عباس فی روایة علمه اسم کل عین و کل فعل* و قال مقاتل خلق کل شی‌ء من الحیوان و الجماد و غیرهما ثم علم آدم أسماءها فقال له یا آدم هذا فرس و هذا بغل و هذا حمار حتی أتی الی آخرها و قال سعید بن جبیر اسم کل جنس البعیر و البقرة و الشاة و نحوها و قال أبو موسی الاشعری علمه صنعة کل شی‌ء و قال الضحاک عن ابن عباس علمه أسماء المدن و أسماء القری و أسماء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:43
الطیور و الشجر و أسماء ما کان و ما یکون الی یوم القیامة و قیل أسماء المخلوقات کلها فی الارض و فی السماء من الحیوانات و الجمادات و المطعومات و المشروبات و کل نعیم فی الجنة و قال عکرمة اسم الغراب و الحمامة و قال حمید الشامی أسماء النجوم و قال الحسن البصری علمه کل صنعة فعلمه صنعة الحدید الذی یعمل به فی الزرع عموما فحرث به و سقی حتی بلغ ثم حصده ثم داسه ثم ذرّاه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه* و قال الامام القشیری عموم قوله الاسماء یقتضی الاستغراق و اقتران قوله کلها یوجب الشمول و التحقیق فلما علمه أسماء المخلوقات کلها علی ما قاله المفسرون علمه أسماء الحق لکی یظهر للملائکة محل تخصیصه بأسماء المخلوقات و بذلک القدر بان رجحانه علیهم و أما انفراده بأسمائه سبحانه و تعالی فذلک سرّ لا یطلع علیه ملک* و من لیس له رتبة مساواة آدم فی معرفة أسماء المخلوقات فأی طمع له فی مساواته فی معرفة أسماء الحق و وقوفه علی أسرار الغیب فاذا کان التخصیص بمعرفة أسماء المخلوقات یقتضی أن یصلح لسجود الملائکة فما الظنّ بالتخصیص بمعرفة أسماء الحق تعالی فی استحقاق مزید الاعزاز و الاکرام* ثم عرضهم علی الملائکة أی عرض أصحاب الاسماء أی المسمیات و هم الملائکة و الناس و الجنّ و الشیاطین و غیرهم فاجتمع فی ذلک من یعقل و من لا یعقل فلذلک جمع بالهاء و المیم تغلیبا للعقلاء علی غیرهم و هی قراءة العامّة و فی قراءة أبیّ ثم عرضها و هو یرجع الی الاسماء* قال قتادة لما خلق اللّه تعالی آدم علیه السلام همست الملائکة فیما بینهم و قالت للّه أن یخلق من الخلق ما یشاء و لکن لن یخلق خلقا أفضل و أعلم منا فأظهر اللّه تعالی عجزهم و علم آدم الاسماء و أمر الملائکة فقال أنبئونی بأسماء هؤلاء أی أخبرونی بأسماء هؤلاء المسمیات ان کنتم صادقین أنکم أعلم منه فلما عجزوا عن ذلک قالوا فی جوابه سبحانک لا علم لنا الا ما علمتنا قال وهب بن منبه ألهم اللّه آدم الاسماء فقال یا آدم أنبئهم بأسمائهم فسمی کل أمّة باسمها من البهائم و البقاع و النبات و أمم البرّ علی حدة و أمم البحر علی حدة ثم فتح له السموات فسمی أهل کل سماء بأسمائهم فلما أنبأهم بذلک و علموا فضله و عرفوا عجزهم قال اللّه لهم أ لم أقل لکم انی أعلم غیب السموات و الارض الآیة و لما ظهر فضله علیهم بالعلم أمرهم بخدمته و هو قوله و اذ قلنا للملائکة اسجدوا لآدم* اختلف فی هذا فقیل هم ملائکة الارض الذین هم کانوا مع ابلیس طهر اللّه بهم الارض ممن أفسد فیها من الجان و قیل هم ملائکة السموات السبع و قیل هم جمیع الملائکة و لذا قال کلهم أجمعون و قیل انه خطاب للملائکة و لغیر الملائکة من عالم زمانهم لیسجدوا له جمیعا و الملائکة لما کانوا أشرف العالم حینئذ کان من عداهم تبعا لهم ثم اختلفوا فی تفسیر هذا السجود قیل هو استسخارهم لآدم و ولده لان اللّه تعالی سخر الملائکة له و لهم فی انزال المطر علیهم و حفظ آثارهم و کتب أعمالهم و العروج بها الی السماء لان السجود فی اللغة الفتور و الانکسار و قیل هو التواضع و قیل ان السجود المأمور به کان الایماء دون السجود المستوفی فی الصلاة کالذی یفعله الناس فی لقاء عظمائهم من الخضوع و التواضع لهم تشریفا و تعظیما و لیس بسجود تامّ و نقل هذا عن أبیّ بن کعب و ابن عباس حیث قالا کان ذلک انحناء و لم یکن خرورا و قیل و هو قول الاکثرین و هو الظاهر من السجود هو السجود المستوفی المأمور بمثله فی الصلاة و هو وضع الجبهة علی الارض بدلیل ما فی آیة أخری فقعوا له ساجدین فدل علی أنه أراد به الانحناء التامّ بالخرور و السقوط علی الارض و اختلفوا أیضا فی أنه کان علی الدوام أو مرّة فمن جعله للاستسخار فهو فیه و فی ولده الی قیام الساعة و من جعله تواضعا له فهو له الی آخر عمره و من جعله فعلا واحدا تحیة له فهو مرّة و اختلف أیضا فی قوله لآدم ان الفعل کیف کان فی حقه قیل معناه فعل أقیم له تعظیما له و تشریفا و بیانا لقدره و قیل هو عبادة أقیمت للّه تعالی لانه کان بأمره و کان آدم قبلة لها و فیه بیان قدره و تخصیصه لانه أمر به تشریفا لشأنه و قیل کان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:44
الفعل تحیة له لا عبادة له لانه لا عبادة الا للّه تعالی و قال قتادة کان خدمة للّه تعالی حرمة لآدم کصلاة الجنازة عبادة للّه تعالی دعاء للمیت و قیل معناه اسجدوا لاجل آدم أی شکرا لما خلق من خلق جدید و أصح ذلک کله أنه کان تحیة لآدم علی الخصوص و لو کان عبادة للّه تعالی و آدم قبلة فی ذلک لما استکبر ابلیس و انما کان تحیة له و تعظیما له خاصة فلم یر له ابلیس ذلک الاستحقاق فامتنع عنه و اختلف أیضا فی أن الامر کان خطابا من اللّه للملائکة من غیر واسطة أو کان بواسطة رسول من اللّه إلیهم* و اختلف فی أن هذا النوع من السجود الذی هو تحیة و تعظیم لآدم هل کان مباحا لغیر آدم بحال قیل ما کان مباحا لغیره کما لم یجب لغیره و قیل کان مباحا لغیر آدم الی زمن یعقوب قال تعالی و خرّوا له سجدا و کان آخر من فعل له ذلک ثم نسخ و قیل بل بقی الی زمن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حتی سجدت له الشجرة و الجمل و قال له أصحابه نحن أحق بالسجود لک من هذه الاشیاء فنهاهم عن ذلک و قال لا ینبغی لمخلوق أن یسجد الا للّه تعالی و لو أمرت أحدا أن یسجد لاحد لامرت الزوجة أن تسجد لزوجها* و اختلف أیضا فی معنی الامر بذلک و الحکمة فیه قیل هو لبیان فضیلة العلم و استحقاق العالم خدمة غیره له و قیل هو لبیان ضرر الطعن فی الغیر و قیل هو لبیان استغنائه عن عبادتهم ایاه و انکاره علیهم قولهم و نحن نسبح بحمدک و نقدّس لک فقال لهم لا حاجة لی الی عبادتکم فاخدموا عبدا من عبادی لم یعمل کثیر عمل* قال وهب ابن منبه أوّل من سجد لآدم جبریل فأکرمه اللّه بانزال الوحی علی النبیین خصوصا علی سید المرسلین ثم میکائیل ثم اسرافیل ثم عزرائیل ثم سائر الملائکة و قیل أوّل من سجد لآدم اسرافیل فرفع رأسه و قد ظهر القرآن کله مکتوبا علی جبهته کرامة له علی سبقته علی الائتمار* و أما موضع السجود فقد قیل کان فی الارض و قیل کان فی السماء و أما الوقت فقد قیل کما نفخ فیه الروح سجدوا له لقوله تعالی فاذا سوّیته و نفخت فیه من روحی فقعوا له ساجدین و الفاء للتعقیب و قیل بل کان بعد انباء آدم للملائکة بالاسماء و اظهار فضله علیهم و ایجاب خدمتهم له بسبب العلم و ظاهر نظم الآیة فی سورة البقرة یدل علیه* و فی تفسیر شفاء الصدور لابی بکر النقاش عن بعضهم أنه قال کان سجود الملائکة لآدم مرّتین مرّة کما خلق بدلیل قوله فقعوا له ساجدین و مرّة بعد ظهور فضله علیهم بعد العلم بالاسماء بدلیل ما فی سورة البقرة و هذا قول تفرّد به هذا القائل و لم یوافقه أحد من المفسرین و قالوا لم یکن ذلک إلا مرّة واحدة و الاظهر هو السجود بعد الانباء بالاسماء فأما الفاء فقد تکون للتعقیب مع التراخی کما فی قوله تعالی فأزلهما الشیطان عنها فأخرجهما کان ذلک بعد مدّة و کذا قوله تعالی فتلقی آدم من ربه کلمات فتاب علیه کان بعد مائتی سنة و أما مدّة السجود فقد قیل سجدوا فمکثوا فی سجودهم خمسمائة عام و السجود یتأدّی منا بالوضع و ان قلّ و هذا التخفیف لاحد أمرین اما لضعفنا و اما لعزنا قال اللّه تعالی خلق الانسان ضعیفا و قال و للّه العزة و لرسوله و للمؤمنین فکأنه قال أنت ضعیف فلا أکلفک فوق طاقتک و أنت عزیز فلا أرضی مشقتک فلما رفعوا رءوسهم من السجود بعد خمسمائة سنة رأوا آدم أدخل الجنة فتعجبوا فسجدوا مرّة أخری و هذه السجدة کانت للّه فمکثوا فی سجودهم خمسمائة سنة أیضا فلما رفعوا رءوسهم و رأوا آدم قد أهبط الی الارض و توفی و دفن فی لحده قالوا الهنا و سیدنا مات آدم مع عزه و کرامته فأجیبوا کل نفس ذائقة الموت و من ذلک الوقت الی یومنا هذا قریب من سبعة آلاف سنة لم یرقأ لهم دمع* و فی لیلة المعراج وجد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أهل السموات فی البکاء*

قصة اباء ابلیس‌

و أما قصة اباء ابلیس فلما أمر اللّه الملائکة بالسجود و سجدوا امتنع ابلیس فلم یتوجه الی آدم بل أعرض عنه و ولاه ظهره و انتصب هکذا الی أن سجدوا و وقفوا فی سجودهم مائة سنة و فی روایة خمسمائة سنة و رفعوا رءوسهم و هو قائم معرض لم یندم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:45
من الامتناع و لم یعزم علی الاتباع و لما رأوه خذل و لم یسجد عادوا الی السجود ثانیا فکان هذا للّه و الاوّل لآدم و ابلیس یری ذلک و لم یفعل ما فعلوه و هذا اباؤه*

(ذکر أخذ المیثاق)

* فی معالم التنزیل عن مقاتل و غیره من أهل التفسیر لما خلق اللّه آدم مسح صفحة ظهره الیمنی فأخرج منه ذرّیة بیضاء کهیئة الذرّ یتحرّکون ثم مسح صفحة ظهره الیسری فأخرج منه ذرّیة سوداء کهیئة الذرّ فقال یا آدم هؤلاء ذرّیتک ثم قال لهم أ لست بربکم قالوا بلی فقال للبیض هؤلاء للجنة برحمتی و هم أصحاب الیمین و قال للسود هؤلاء للنار و لا أبالی و هم أصحاب الشمال ثم أعادهم جمیعا فی صلبه و فی الحدیث ردّها إلیه إلّا روح عیسی فانه أمسکه الی وقت خلقه ذکره المقدسی فی تاج المعانی* و فی المشکاة عن أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما خلق اللّه آدم مسح ظهره فسقط من ظهره کل نسمة هو خالقها الی یوم القیامة فجعل بین عینی کل انسان منهم وبیصا من نور ثم عرضهم علی آدم فقال أی رب من هؤلاء فقال ذرّیتک فرأی رجلا منهم فأعجبه و بیص ما بین عینیه فقال أی رب من هذا قال داود قال کم جعلت عمره قال ستین سنة قال رب زده من عمری أربعین سنة فلما انقضی عمر آدم الا أربعین جاءه ملک الموت فقال آدم أ و لم یبق من عمری أربعون سنة قال أ و لم تعطها ابنک داود فجحد آدم فجحدت ذرّیته و نسی آدم فأکل من الشجرة فنسیت ذرّیته و خطئ آدم فخطئت ذرّیته فمن یومئذ أمر بالکتاب و الشهود رواه الترمذی* و فی المشکاة أیضا قال آدم أی رب فانی قد جعلت له من عمری ستین سنة قال أنت و ذاک ثم سکن آدم الجنة ما شاء اللّه ثم أهبط منها و کان آدم یعدّ لنفسه فأتاه ملک الموت فقال له آدم قد عجلت قد کتب لی ألف سنة قال بلی و لکنک جعلت لابنک داود ستین سنة* و فی عرائس الثعلبی قال یا رب کم عمره قال ستون سنة قال یا رب زده فی عمره قال لا الا أن تزید أنت من عمرک فقد جف القلم بأعمار بنی آدم و کان عمر آدم ألف سنة فوهب له من عمره أربعین سنة فکتب اللّه علیه کتابا بذلک و أشهد علیه الملائکة فلما مضی من عمره تسعمائة و ستون سنة جاءه ملک الموت لیقبضه فقال آدم عجلت یا ملک الموت قال ما فعلت بک استوفیت أجلک فقال آدم قد بقی من عمری أربعون سنة قال انک قد وهبتها لابنک داود قال ما بعت و لا وهبت له شیئا فأنزل اللّه الملائکة و أقام الملائکة شهودا ثم ان اللّه تعالی أکمل لآدم ألف سنة و لداود مائة سنة* قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نسی آدم فنسیت ذرّیته و جحد آدم فجحدت ذرّیته فأمر اللّه تعالی بالکتاب و الشهود من حینئذ و أهل القبور محبوسون حتی یخرج أهل المیثاق کلهم من أصلاب الرجال و أرحام النساء فلا تقوم الساعة حتی یولد کل من أخذ علیه المیثاق* و فی بحر العلوم قوله مسح ظهر آدم بیده أی أمر به ملکا ففعل فخرجت ذرّیته کأمثال الذرّ حتی ملئوا العالم و هم کل مولود ولده ذکورهم و اناثهم و أحرارهم و عبیدهم و مؤمنهم و کافرهم و أغنیاؤهم و فقراؤهم و ملوکهم و رعایاهم و علماؤهم و عوامّهم و من ولد میتا و من یموت طفلا و من ینتهی الی الشیب و من کان الی انقراض الدنیا فخرجوا کهیئة الذرّ و رکب اللّه فیهم العقل و السمع و النطق و أخرج الطبقة الاولی عن یمین آدم و هم بیض یتلألئون و قال هؤلاء أهل الجنة و بعمل أهل الجنة یعملون و أخرج الثانیة عن شمال آدم و قال هؤلاء أهل النار و بعمل أهل النار یعملون و هو تفسیر للروایة الاخری السابقة و هی هؤلاء للنار و لا أبالی و هؤلاء للجنة و لا أبالی* و اختلفوا فی موضع أخذ المیثاق قال ابن عباس ببطن نعمان واد الی جنب عرفة و عنه بحراء و قال ابن جبیر کان بنعمان السحاب و هو بقرب عرفات کذا فی بحر العلوم* و فی المشکاة بنعمان یعنی عرفة قال ابن الاثیر نعمان بفتح النون* و فی معجم ما استعجم نعمان بفتح أوّله و اسکان ثانیه وادی عرفة الی منی کثیر الاراک* و فی شفاء الغرام موضع مشهور فوق عرفة علی طریق الطائف من عرفة و فیه مزارع حسنة و فیه أخذ اللّه المیثاق علی ذرّیة آدم علی ما قاله ابن عباس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:46
و روی ابن عباس أیضا بدهناء من أرض الهند و هو الموضع الذی هبط به آدم علیه السلام و قال الکلبی بین مکة و المدینة و الطائف و قیل بعد ما عرج به الی السماء علی سریر من ذهب علی أکتاف الملائکة علی باب الجنة فی صحراء أرضها مسیرة ثلاثین ألف سنة کذا فی بحر العلوم* و قال السدّی أخرج اللّه آدم من الجنة و لم یهبط من السماء ثم مسح ظهره و أخرج منه ذرّیته* روی أن اللّه تعالی أخرجهم جمیعا و صوّرهم و جعل لهم عقولا یعلمون بها و ألسنا ینطقون بها کملهم قبلا یعنی عیانا و قال أ لست بربکم قال الزجاج جاز أن یکون اللّه جعل لامثال الذرّ فهما تعقل به کما قال تعالی قالت نملة یأیها النمل ادخلوا مساکنکم روی أن اللّه تعالی قال لهم اعلموا أنه لا إله غیری و أنا ربکم لا رب لکم غیری لا تشرکوا بی شیئا فانی سأنتقم ممن أشرک بی و لم یؤمن بی و انی مرسل إلیکم رسلا یذکرونکم عهدی و میثاقی و منزل علیکم کتبا فتکلموا جمیعا و قالوا شهدنا أنک ربنا و الهنا لا رب لنا غیرک فأخذ بذلک مواثیقهم ثم کتب آجالهم و أرزاقهم و مصائبهم فلما قرّرهم بتوحیده و أشهد بعضهم علی بعضهم أعادهم الی صلب آدم علیه السلام* و فی الکشاف و أنوار التنزیل و غیرهما فی تفسیر قوله تعالی و اذ أخذ ربک من بنی آدم من ظهورهم ذرّیتهم أی أخرج من أصلابهم نسلهم علی ما یتوالدون قرنا بعد قرن من ظهورهم بدل من بنی آدم بدل بعض و أشهدهم علی أنفسهم أ لست بربکم أی و نصب لهم دلائل ربوبیته و رکب فی عقولهم ما یدعوهم الی الاقرار بها حتی صاروا بمنزلة من قیل لهم أ لست بربکم قالوا بلی فنزل تمکینهم من العلم بها و تمکنهم منزلة الاشهاد و الاعتراف علی طریق التمثیل و یدل علیه قوله تعالی قالوا بلی شهدنا أن تقولوا یوم القیامة أی کراهة أن تقولوا انا کنا عن هذا غافلین* و فی بحر العلوم عن ابن عباس لما خلق اللّه آدم ظهر فی ظهره نور محمد صلّی اللّه علیه و سلم و کانت الملائکة خلفه ینظرون الی ذلک النور فقال آدم یا رب ما لهؤلاء ینظرون من خلفی الی ظهری قال ینظرون الی نور محمد خاتم الأنبیاء الذی أخرجه من ظهرک قال یا رب اجعل نوره بحیث أراه فظهر فی سبابته فقال یا رب هل بقی فی ظهری من هذا النور شی‌ء قال نعم نور أصحابه قال یا رب اجعله فی بقیة أصابعی فجعل نور أبی بکر فی الوسطی و نور عمر فی البنصر و نور عثمان فی الخنصر و نور علیّ فی الابهام و کان آدم ینظر الی تلک الانوار تتلألأ فی خلال أصابع یمینه الی أن أکل من الشجرة و عوتب بذلک فنقل ذلک کله الی ظهره* قال ابن عباس بعث اللّه تعالی الی آدم ملائکة من السماء معهم سریر من ذهب فحملوه علی السریر حتی صعدوا به الی السماء فأدخلوه الجنة ضحوة الجمعة و قال محمد بن علی الترمذی لما أکمل اللّه خلق آدم رفعه علی أکتاف جبریل و میکائیل و اسرافیل و عزرائیل و الملائکة علی سریر من ذهب و یقال من یاقوت أحمر له سبعمائة قائمة فقال لهم طوفوا به فی سماواتی لیری عجائبها فیزداد یقینا فطافوا به مقدار مائة عام حتی وقفوا به علی کل شی‌ء من عجائبها ثم أمرهم أن یحوّلوا وجوههم من العرش إلیه فیسجدوا له ففعلوا و لذلک تحمل جنازة أولاده بأربعة و سئل کعب کم طاف الملائکة بآدم فی السموات مکر ما قال ثلاث مرّات أولیها علی سریر الکرم و الثانیة علی أکتاف الملائکة و الثالثة علی الفرس المیمون و هو مخلوق من المسک الاذفر و له جناحان من الدرّ و الیاقوت و المرجان و جبریل آخذ بلجامها و میکائیل عن یمینه و اسرافیل عن یساره فطافوا به السموات کلها و هو یسلم علی الملائکة عن یمینه و عن شماله فیقول السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته یا ملائکة اللّه و هم یقولون و علیک السلام و رحمة اللّه و برکاته فقال یا آدم هذه تحیتک و تحیة ذرّیتک فیما بینهم الی یوم القیامة

خلق حوّاء

قال وهب و جماعة خلق اللّه حوّاء خارج الجنة ثم أمرها بدخول الجنة ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم خلقها فی الارض و آدم بین مکة و الطائف ثم حملا علی سریر الی الجنة و قال بعضهم خلق اللّه آدم و أمر بحمله علی سریر الی سماء الدنیا فلما وصل الی باب الجنة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:47
وضع السریر و ألقی علیه النعاس و خلقت حوّاء من ضلعه الیسری ثم أمر بدخول الجنة و قال ابن عباس و ابن مسعود و جماعة خلقها فی الجنة بعد دخول آدم فیها فالمرأة أصلها من الجنة و لهذا أبیح لها الحریر و الذهب و هما لاهل الجنة و لهذا لا یمل الزوج من الزوجة الحسناء الصالحة کما لا یمل من نعیم الجنة* و فی تفسیر الثعلبی ان آدم علیه السلام لما هبّ من نومه رآها عنده أو قال عند رأسه کأحسن ما خلق اللّه فقال لها من أنت قالت أنا زوجتک خلقنی اللّه لک تسکن الیّ و أسکن إلیک فقالت الملائکة عند ذلک یا آدم ما هذه قال امرأة قالوا لم سمیت بذلک قال لانها خلقت من المرء قالوا و ما اسمها قال حوّاء قالوا لم سمیت حوّاء قال لانهما خلقت من الحیّ قالوا تحبها قال نعم فقالوا الحوّاء تحبینه قالت لا و فی قلبها أضعاف ما فی قلبه قالوا فلو صدقت امرأة فی حبها لزوجها لصدقت حوّاء* قال ابن عباس ان اللّه تعالی خلق حوّاء من آدم فی الجنة من ضلعه الیسری یقال لها القصیری و کان بین النائم و الیقظان و لو کان فی النوم لم یعلم أنها خلقت منه فلم یعطف علیها و لو کان یقظان لتألم بذلک فلم یعطف علیها قال الشاعر
هی الضلعة العوجاء لست تقیمهاألا ان تقویم الضلوع انکسارها
أ تجمع ضعفا و اقتدارا علی الهوی‌أ لیس عجیبا ضعفها و اقتدارها * و فی بحر العلوم قال اللّه تعالی یا آدم هذه زوجتک خلقتها منک لاجلک أ فترضی قال رضیت هذه لحمی و دمی و زوجتی و قرّة عینی* و فی المواهب اللدنیة فلما استیقظ و رآها سکن إلیها و مدّ یده لها قالت الملائکة مه یا آدم قال و لم و قد خلقها اللّه لی فقالوا حتی تؤدّی مهرها قال و ما مهرها قالوا تصلی علی محمد ثلاث مرّات* و ذکر ابن الجوزی فی کتاب سلوة الاحزان أنه لما رام القرب منها طلبت منه المهر فقال یا رب ما ذا أعطیها قال یا آدم صلّ علی حبیبی محمد بن عبد اللّه عشرین مرّة ففعل* و فی روایة قالت الملائکة مه یا آدم حتی تنکحها فعند ذلک زوّجها اللّه ایاه‌

خطبة نکاح آدم و حوّاء التی خطبها اللّه عز و جل‌

و هذه خطبة نکاح آدم و حوّاء خطبها اللّه تعالی* الحمد ثنائی و العظمة ازاری و الکبریاء ردائی و الخلق کلهم عبیدی و إمائی اشهدوا یا ملائکتی و حملة عرشی و سکان سماواتی انی زوّجت حوّاء أمتی عبدی آدم بدیع فطرتی و صنع یدی علی صداق تقدیسی و تسبیحی و تهلیلی یا آدم اسکن أنت و زوجک الجنة و کلا منها الآیة* و فی المواهب اللدنیة ثم ان اللّه تعالی أباح لهما نعیم الجنة و نهاهما عن شجرة الحنطة و قیل شجرة العنب و قیل شجرة التین کما سیجی‌ء* و قال الضحاک أدخل آدم الجنة عند الضحوة و زاد غیره یوم الجمعة و أخرج منها ما بین الصلاتین فمکث نصف یوم من أیام الآخرة و هی الایام التی کل یوم منها ألف سنة فنصف الیوم خمسمائة سنة و هذا قول ابن عباس و الکلبی و فیه خلاف سیجی‌ء* و عن وهب بن منبه قال اللّه تعالی لآدم علیه السلام یا آدم انطلق فانی قد نصبت لک فی بحبوحة الجنة سریرا لا ینبغی لاحد قبلک و لا بعدک أن یجلس علی مثله طوله ما بین المشرق و المغرب سبع مرّات و له سبعمائة قائمة من قائمة الی قائمة مسیرة مائة عام و کان یجلس علیه آدم فی مقابلة شجرة الخلد و کان یولی وجهه عنها یتوقی أن یدخل علیه ما یسخط ربه و کانت حوّاء معه و لما أسکنهما جنة الخلد نهاهما عن أکل البرّ قال اللّه تعالی و لا تقربا هذه الشجرة فتکونا من الظالمین* و فی بحر العلوم اختلفوا فی هذه الشجرة قال ابن عباس و محمد بن کعب القرظی و الحسن البصری و عطیة و قتادة و محارب بن دثار و مقاتل هی شجرة البرّ الذی جعله اللّه رزق أولاده فی الدنیا و قال السدّی و ابن مسعود و سعید بن جبیر و جعدة بن هبیرة هی الکرمة لافتتان أولاده بها و قال ابن جریج و حکاه عن بعض الصحابة انها التین و قال علیّ رضی اللّه عنه هی شجرة الکافور و قال الکلبی و الدینوری هی شجرة العلم و هی علم الخیر و الشرّ من أکلها علم الاشیاء و قیل علما بالاکل منها ظهور
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:48
عورتهما قال اللّه تعالی بدت لهما سوآتهما و قال محمد بن اسحاق هی شجرة الحنظل و قال أبو مالک هی شجرة النخلة و قال أبو جدعان هی شجرة الخلد التی کانت تتناول منها الملائکة و قال ابن عباس فی روایة هی شجرة الفردوس و کانت فی وسط الجنة فیها من ألوان الثمار کلها و قال الربیع بن أنس کانت شجرة من أکلها أحدث و الجنة لم تکن موضع الحدث و قال أبو منصور لا تعرف ماهیتها الا بالوحی و لا وحی*

صفة شجرة الحنطة

و قال ابن عباس فی صفتها کانت شجرة الحنطة فیا لها من شجرة ما أحسنها و أجملها خلقها اللّه علی أحسن صورة فی الجنة کان من کل ذی لون فی ورقها لون و من کل ذی طعم فی ثمرها طعم و من کل ذی حسن فی صورتها حسن* و فی روایة عنه أوراقها من الحلل و أغصانها من الذهب و ثمارها من نور العرش ألین من الزبد و أحلی من العسل و أشدّ بیاضا من الثلج فاذا کان یوم القیامة یکون ممرّ المؤمنین علیها فیتعجبون من حسنها فتقول لهم الملائکة لا تمکثوا هاهنا فان الجبّار یرید أن یخلع علیکم خلع الزیادة فیتحیرون من حسنها فتنادیهم الملائکة أنتم فی دار البقاء تعجبتم من هذه الشجرة مع وعد الرب ایاکم الزیادة فکیف ملامتکم أباکم فحینئذ یقولون لا لوم علی أبینا* و قال محمد بن علیّ الترمذی کان أصلها السنبلة و علیها من کل لون و ثمر من التین و العنب و سائر الالوان کل حنطة ککلیة البقر أحلی من العسل و ألین من الزبد* و فی روایة الشجرة التی أکل منها آدم شجرة القمح لها سبعة أغصان علی کل غصن سنبلة کل سنبلة ثلاثة أشبار فی کل سنبلة خمس حبات أخذ سنبلة و أخذ منها حبة أکلها آدم و حبة أکلتها حوّاء و الثلاث نزل بها جبریل علی آدم فی الدنیا و قطع کل حبة ستمائة قطعة فأصل قمح الدنیا منها یقال أوّل ما أکل آدم و حوّاء من نعیم الجنة العنب و آخر ما أکلا البرّ* روی أن ابلیس لما رأی بعد ما صار ملعونا أن آدم و حوّاء فی طیب عیش و نعمة و رأی نفسه فی مذلة و نقمة حسدهما فهو أوّل من حسد و تکبر فأراد أن یدخل الجنة لیوسوس إلیهما و ذلک بعد ما أخرج منها فمنعه الخزنة فحلس علی باب الجنة ثلاثمائة سنة من سنی الدنیا و ذلک ثلاث ساعات من ساعات الآخرة و ابلیس و ان صار مطرودا من الجنة و ممنوعا من دخولها لکن لم یمنع من السموات و کان یصعد الی السماء السابعة الی زمن ادریس فلما رفع ادریس الی السابعة منع منها ابلیس و کان لا یمنع من السموات الأخر الی زمان عیسی و لما رفع عیسی الی السماء الرابعة منع منها ابلیس و مما فوقها و کان یصعد الی الثالثة و لما أوحی اللّه الی محمد صلّی اللّه علیه و سلم منع من الثلاث الأخر أیضا فصار ممنوعا من السموات کلها* و فی کیفیة دخوله الجنة اختلاف* قال فی معالم التنزیل و أنوار التنزیل اختلف فی أنه تمثل لهما فقاولهما بذلک أو ألقاه إلیهما بطریق الوسوسة و انه کیف توصل إلیهما بعد ما قیل له اخرج منها فانک رجیم فقیل انه منع من الدخول علی وجه التکرمة کما کان یدخل مع الملائکة و لم یمنع من أن یدخل للوسوسة ابتلاء لآدم و حوّاء علیهما السلام و قیل قام عند الباب فناداهما و قیل تمثل بصورة دابة فدخل و لم تعرفه الخزنة و قیل أرسل بعض أتباعه فأزلهما و قیل دخل فی فم الحیة حتی دخلت به و العلم عند اللّه* و عن وهب ابن منبه کان الطاوس مسکنه شجرة طوبی و کان اذا نشر جناحیه ظلل بهما سدرة المنتهی و کان یقول فی صیاحه أنا الملک المتوّج الذی غمرت فی نعیم الجنة فلا أخرج منها أبدا و شجرة طوبی فی الجنة أصلها فی قصر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لها فی کل قصر غصن کالشمس فی الدنیا لها فی کل دار ضوء* و فی خبر عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان بطحاءها یاقوت أحمر و ترابها مسک أذفر و و حلها عنبر أشهب و کثبانها کافور أبیض و بسرها زمرّد أخضر و اقناؤها سندس و استبرق و زهرتها ریاط صفر و ورقها برود خضر و ثمارها حلل حمر و صنوها زنجبیل و عسل و عشبها زعفران مرتفع یتفجر من أصلها أنهار السلسبیل و الرحیق و المعین و لو سار راکب الجواد فی ظلها مائة عام لم یقطعها و کان الطاوس یسکنها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:49
و یطیر و یخرج من باب الجنة کل یوم مرّة فخرج یوما فاذا شیخ قاعد و هو ابلیس فقال له من أنت قال ابلیس أنا من الملائکة الکروبیین من الصفح الاعلی ممن أعطی علم الغیب جئت أدخل الجنة فأنظر فیها و ما أعدّ اللّه لاولیائه فیها* و فی العرائس وقف ابلیس علی باب الجنة و تعبد هناک ثلاثمائة و ستین سنة انتظارا لأن یخرج منها أحد یأتیه بخبر آدم و حوّاء فبینما هو جالس اذ خرج طائر موشی أی مزین یتبختر و یتمایل فی مشیته فلما رآه ابلیس قال له أیها الخلق الکریم من أنت و ما اسمک فما رأیت فیما رأیت من خلق اللّه عز و جل أحسن منک قال أنا طائر اسمی طاوس قال من أین قال من حدیقة آدم و بستانه قال ما الخبر عن آدم قال هو فی أحسن الحال و أطیب العیش هیئت له الجنان و نحن من خدّامه فقال هل تستطیع أن تدخلنی علیه قال من أنت قال أنا من الکروبیین عندی لآدم نصیحة أرید أن أؤدّیها إلیه قال مالک لا تذهب الی رضوان لیدخلک علیه قال منعنی من الدخول قال ان رضوان لا یمنع أحدا من النصیحة قال نعم و لکن أرید أن أحفیها عنه قال النصیحة لا تکون مخفیة و المخفیة لا تکون نصیحة قال نحن معاشر الکروبیین لا نقول الا سرّا ان فعلت ما أقول أعلمک دعاء لن تشیب بعده أبدا قال ما أقدر علی ذلک و لکن أدلک علی من یقدر علیه قال افعل فجاء الطاوس الی الحیة

صفة الحیة

و کانت یومئذ عظیمة مثل الابل البختی و کانت من أحسن حیوانات الجنة لها أربع قوائم کقوائم الابل من زبرجد أخضر و فیها من کل لون* و فی روایة من بین أحمر و أصفر و أخضر تتلألأ تلألؤ القمر رأسها من الیاقوت و عیناها من الزبرجد و لسانها من الکافور و فی روایة من المسک الابیض و اسنانها من الدرّ و فی روایة نظم اللؤلؤ و ناباها من اللؤلؤ الرطب و فی روایة مثل نابی الابل من المسنک بیضاء الظهر صفراء البطن و فی روایة جسدها من نور و وبرها من زعفران و عنقها کالقضبان الملوّنة و ذوائبها کذوائب الجواری الابکار و عرفها کجناح الطیر فقال لها الطاوس یا حیة ان ملکا علی باب الجنة یقول عندی نصحیة لآدم من یذهب بی إلیه أعلمه دعوة فخرجت الحیة إلیه و قالت لابلیس انی أدخلک الجنة و لکن أتخوّف من لحوق البلاء بی قال ابلیس أنت فی ذمّتی و جواری لا یلحقک مکروه قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اقتلوا الحیة و لو کنتم فی الصلاة و انما أمرهم به ابطالا لذمّة ابلیس فقالت الحیة ان ابلیس بسبب آدم أخرج من الجنة و أنا أخاف أن یصیبنی مثل ما أصابه قال ابلیس أنا أعطیک جوهرة أینما تضعیها تکن لک جنة فأعطاها ابلیس خرزة جعلتها فی فیها فما زالت تلک الخرزة فی قفاها فتخرج باللیل و تخرج تلک الخرزة من فیها و تضعها حیث شاءت فتستضی‌ء بها* و فی العرائس قالت له الحیة کیف أدخلک الجنة و رضوان اذا لا یمکننی من ذلک قال ابلیس أنا أتحوّل ریحا فاجعلینی بین أنیابک فتدخلینی الجنة و هو لا یعلم قالت افعل فتحوّل ریحا و دخل فم الحیة فأطبقت فاها فقال لها ابلیس اذهبی بی الی شجرة البرّ فلما انتهت الحیة الی حیث أمرها به ابلیس جعل ابلیس یتغنی بمزماره فلما سمع آدم و حوّاء صوت المزمار جاءا إلیه یستمعانه فاذا هی الحیة یخرج صوت التغنی من فیها فأعجبهما الصوت فتقدّما إلیه شیئا فشیئا حتی وقفا علیه و هما یحسبان أن الحیة هی التی تتغنی فقال لهما ابلیس تقدما فقالا نهینا عن قرب هذه الشجرة فقال ما نهاکما ربکما عن هذه الشجرة الی آخره و لما لم یقبلا قول ابلیس قاسمهما انی لکما لمن الناصحین قسما مؤکدا فهو أوّل من حلف کاذبا و أوّل من غش فلما سمعا اسم اللّه خدعا و اغترا فدلاهما بغرور

أکل آدم من الشجرة

فسبقت الی الشجرة حوّاء و تناولت منها حبة فأکلتها و جاءت بها الی آدم و قالت انی أکلت منها و ما ضرّتنی و لم یأکل آدم الی مائة سنة و لما لم یر ضررا و لا أثر اعلی حوّاء فبتأویل ظهر له و أمارة ثبتت عنده جعل حبة منها فی فیه فقبل أن یصل طعمها الی حلقه و جرمها الی جوفه بان عنه تاجه و طار من رأسه و تهافتت ثیابه التی کانت علیه من حریر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:50
و استبرق و فی روایة کانت من نور و فی روایة کانت من جنس أظفاره و نودی فی الجنة عصی آدم ربه فغوی* و فی روایة لما دخل ابلیس الجنة دنا من آدم و حوّاء یغنی بمزماره فسمعت حوّاء صوتا حسنا فجاءت و معها آدم ینظران إلیه و کان ابلیس یتغنی بمزماره و ینوح و یبکی نیاحة و بکاء أحزنهما فهو أوّل من ناح فقالا له ما یبکیک قال أبکی علیکما لانکما تموتان و تفنیان و تفارقان ما أنتما علیه من النعمة و الکرامة قالا و ما الموت فنعت ابلیس لهما الموت فقال تذهب الروح و القوّة و تعدم حرکة الاعضاء و لا یبقی للعین رؤیة و لا للاذن سماع و کذلک کل عضو یعطل عن عمله فوقع ذلک فی أنفسهما و اغتما فعند ذلک قال ابلیس هل أدلک علی شجرة الخلد و ملک لا یبلی و أشار الی الشجرة المنهی عنها فقالا قد نهینا عنها قال ما نهاکما ربکما عن هذه الشجرة الا أن تکونا ملکین أو تکونا من الخالدین* و فی روایة حضر ابلیس عند شجرة البرّ و أخذ حبة منها و جاء بها إلیهما و قال انظرا الی هذه لیس فیها فاکهة ألطف و أطیب من هذه فکلا منها فقالا نهینا عنها فقال ما نهاکما ربکما الآیة و قاسمهما انی لکما لمن الناصحین و أیکما بادر الی أکلها فله الغلبة علی صاحبه فسبقت إلیها حوّاء و أخذت منها خمس حبات فأکلت واحدة و خبأت واحدة و أتت الی آدم بثلاثة فقالت له أنا أکلت منها و کانت طیبة الطعم و ما أصابنی منها مضرّة فأخذ آدم الحبات الثلاث فأعطی حوّاء واحدة و أمسک حبتین* قیل لاخفاء حوّاء احدی الحبات من زوجها آدم صار خباء النساء عن أزواجهنّ بعض الاشیاء عادة لهنّ و لامساک آدم لنفسه حبتین من ثلاث و اعطاء حوّاء واحدة منها شرع للذکر مثل حظ الانثیین فی المیراث* و لما أکل آدم طار من رأسه تاجه المکلل بالدرّ و الیاقوت و الجواهر بجناحیه کطائر یطیر و هو ینادی یا آدم طالت حسرتک و ندامتک و انتفض السریر و خرج من تحتهما و قال انی أستحیی من اللّه أن أکون سریرا لمن عصی اللّه و تساقط ما علیهما من السوار و الدملوج و الخلخال و المنطقة المرصعة و نزع عنهما لباسهما و تهافتت ثیابهما و کانت من جنس ظفرهما و کان علی آدم سبعمائة حلة و کانت عورتهما قبل ذلک مستورة و لم یعلما أن لهما قبل ذلک عورة* قال العتابی لم یکونا رأیا عورتهما الی ذلک الوقت و کان علی سوآتهما نور اذا نظرا إلیها غلب ذلک النور علی أبصارهما و منعهما من ابصارهما ایاها فذهب ذلک النور أیضا فبدت لهما سوآتهما فلما رأیاها فزعا و حسبا أن غیرهما أیضا یراها قال الحضرمی بدت لهما و لم تبد لغیرهما لئلا یعلم الاغیار من مکافأة الجنایة ما علما و لو بدا للاغیار لقال بدت منهما و قال القاسم لما ذاقا تناثر لباسهما فلما أکلا بدت لهما سوآتهما و تغیر علیهما کل شی‌ء فی الجنة* و فی روایة عن وهب بن منبه أنه قال لما توسطت الحیة الجنة قالت لابلیس اخرج قال لا أخرج حتی ینطق لسانک بما أرید فأین هذان الخلقان اللذان أدخلا الجنة فان لی إلیهما حاجة قالت هذه حوّاء زوجة آدم و أنا أنیستها و مخدمتها فنطق ابلیس علی لسان الحیة فقال یا حوّاء لم نهاکما ربکما عن تلکما الشجرة قالت لئلا نزعج من الجنة أبدا قال هذه شجرة الخلد من أکل منها خلد قالت فانک أنیستی و مخدمتی اذا عرفت هذا فهلا أخبرتینی قالت الآن أخبرتک فقومی و کلی و أطعمی زوجک لیکون لک الفوز و العز علیه فانی أحلف انی لکما لمن الناصحین فقامت مسرعة الی الشجرة فتناولت سبع حبات و ناولت آدم خمس حبات فقال آدم یا حوّاء فأین العهد الذی أخذه اللّه علینا قالت أو لیست هذه الحیة تحلف لنا باللّه فأکل آدم فلما أکل آدم طار تاجه یخفخف أی یصفق بجناحیه کطائر یطیر و هو ینادی یا آدم طالت حسرتک و ندامتک و انتقض السریر و قال انزل فانی أستحیی من اللّه أن أکون سریرا لمن عصاه کما سبق فولی آدم هاربا فلم یمرّ بشجر و لا نهر الا نادی عصی آدم ربه حتی انتهی الی سدرة المنتهی و هو یهرب فتعلقت به الشجرة و قالت أین من اللّه المهرب و مدّ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:51
یده لیتناول ورقة من أوراقها لیستر بها عورته فارتفعت الورقة فبکی فما قصدا شجرة لیأخذا من أوراقها الا امتنعت عنهما و قالت ما کنت لأستر من کشفه اللّه و دعتهما شجرة التین الی نفسها ترحما علی حالهما فأخذا من ورقها و طفقا یخصفان علیهما من ورق الجنة فیتخرّق و یتفرّق فبکیا و نودی من أعراه اللّه فلا ساتر له و من ترکه فلا ناصر له فتضرّعا و سألا اللّه أن یسترهما فلما أتیاها لیأخذا الورق ثانیا اهتزت لآدم فسقط منها ثلاثة أوراق فجعلها آدم سترة له ثم اهتزت مرّة أخری لحوّاء فتناثرت منها خمسة أوراق فجعلتها حوّاء سترة لها و لذلک شرعت الاکفان للرجال ثلاثة و للنساء خمسة و قال اللّه لشجرة التین لم أعطیتهما الورق فقالت یا رب انک لا تحرم من عصاک الرزق فما یکون لی أن أحرمه الورق فلذلک جعل اللّه شجرة التین بحیث لا یحمل علیها و لا یحرقها الناس و لا تأکل الحیوانات ورقها و قال اللّه تعالی لسائر الاشجار لم لا تدفعن الورق إلیهما فقلن ما کنا لنکسو من أعریته فلذلک جعلها اللّه بحیث یحمل علیها و ورقها یحرقه الناس و تأکل أوراقها الحیوانات فعاتب اللّه آدم و قال له لم أکلت من هذه الشجرة أ لم أنهکما عن هذه الشجرة قال أطعمتنی حوّاء فقال لها لم أطعمته قالت دلتنی الحیة فقال للحیة لم فعلت قالت دلنی الطاوس فقال للطاوس لم فعلت قال أمرنی ابلیس‌

معاقبة إبلیس‌

فعاقب ابلیس و لعنه و غیر صفته و حالته و بدّل اسمه و مکانه و صورته فأوّل ما تغیر منه صورته فقبح غایة القبح و کان له ستمائة ألف جناح مرصع بالجواهر و لباس من نور و کان مدّة ملک الارض و مدّة عالم الملائکة و مدّة خازن الجنان یطیر من العرش الی الثری و أهل السماء و الارض ینظرون إلیه* و کان بدء أمره أنه لما خلقه اللّه تعالی جعله تحت الارضین السبع علی الثری فعبد اللّه تعالی هناک ألف سنة فرفع الی الارض السابعة السفلی فعبد فیها ألفی سنة ثم الی التی فوقها و هی السادسة فعبد فیها ثلاثة آلاف سنة ثم فی الخامسة أربعة آلاف سنة ثم فی الرابعة خمسة آلاف سنة ثم فی الثالثة سنة آلاف سنة ثم فی الثانیة سبعة آلاف سنة ثم فی الاولی ثمانیة آلاف سنة ثم رفع الی السماء الدنیا فعبد فیها تسعة آلاف سنة ثم فی الثانیة عشرة آلاف سنة ثم فی الثالثة احدی عشرة ألف سنة ثم فی الرابعة اثنتی عشرة ألف سنة ثم فی الخامسة ثلاث عشرة ألف سنة ثم فی السادسة أربع عشرة ألف سنة ثم فی السابعة خمس عشرة ألف سنة فذلک کله مائة و عشرون ألف سنة ثم قدّام العرش ضعف ذلک فذلک مائتان و أربعون ألف سنة لم یبق فی السموات و الارض موضع شبر لم یسجد فیه ابلیس فقال الهی هل بقی موضع لم أسجد فیه قال نعم هو فی الارض فاهبط فهبط فقال ما هو قال ذلک آدم فاسجد له فقال هل بقی موضع سوی آدم قال لا قال لم تأمرنی بسجوده و تفضله علیّ قال أنا المختار أفعل ما أشاء و لا أسأل عما أفعل فهابت الملائکة لما سمعوا ذلک و ارتعدوا و ارتعشوا و قیل رأی ابلیس آدم طینا صوّر و وضع بین الطائف و مکة فعظم نفسه لزینته و احتقر آدم لطینته فزالت زینته و تبدّل اسمه و فسد حاله و سقطت منزلته و زال ایمانه و حبطت أعماله و برئ منه ربه قال اللّه تعالی الا ابلیس استکبر أی عدّ نفسه أکبر من أن یخدم غیره و قیل عدّ نفسه أکبر من أن یؤمر بهذا فانه عارض بقوله لم أکن لأسجد لبشر و بقوله أنا خیر منه و قال أبو العالیة لما رکب نوح السفینة اذا هو بابلیس علی کوثلها فقال له و یحک قد غرق الناس من أجلک قال فما تأمرنی قال تب قال سل ربک هل لی توبة فقیل له ان توبته أن یسجد لقبر آدم فقال ترکته حیا و أسجد له میتا و أما الطاوس فغضب اللّه علیه فعاقبه بمسخ رجلیه و تغیر صورته و أما الحیة فغضب اللّه علیها فعاقبها بخمسة أشیاء ألقی عنها القوائم و قال جعلت رزقک فی التراب و جعلتک تمشی علی بطنک و لا یرحمک من یراک و فی روایة سیشدخ رأسک بالحجر من لقیک و جعلها تموت کل سنة فی الشتاء* و أما آدم فلما أکل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:52
من الشجرة المنهیّ عنها ابتلاه اللّه بعشرة أشیاء الاوّل معاتبته ایاه بقوله أ لم أنهکما عن تلکما الشجرة الآیة الثانی الفضیحة فانه لما أصاب الذنب بدت سوأته و تهافت ما علیه من لباس الجنة الثالث أوهن جلده بعد ما کان کالظفر و أبقی من ذلک قدرا علی أنامله لیتذکر بذلک أوّل حاله الرابع أخرجه من جواره و نودی انه لا ینبغی أن یجاورنی من عصانی الخامس الفرقة بینه و بین حوّاء السادس العداوة قال اللّه تعالی بعضکم لبعض عدوّ السابع النداء علیه بالنسیان قال اللّه تعالی فنسی و لم نجد له عزما الثامن تسلیط العدوّ علی أولاده و هو قوله تعالی و أجلب علیهم بخیلک و رجلک التاسع جعل الدنیا سجنا له و لأولاده العاشر التعب و الشقاء و هو قوله عز و جل ان هذا عدوّ لک و لزوجک فلا یخرجنکما من الجنة فتشقی فهو أوّل من عرق جبینه فی التعب‌

الخصال التی ابتلیت بها حوّاء

و أما حوّاء فابتلیت هی و بناتها بهذه العشرة و خمس عشرة خصلة سواهنّ الاولی الحیض یروی أنها لما تناولت الشجرة و ادمتها قال اللّه تعالی ان لک علیّ أن أدمیک و بناتک فی کل شهر مرّة کما أدمیت هذه الشجرة و فی روایة قال أما أنت یا حوّاء فکما أدمیت هذه الشجرة تدمین فی کل شهر* و فی المواهب اللدنیة و لا دمینها فی الشهر مرّتین الثانیة ثقل الحمل الثالثة الطلق و ألم الوضع الرابعة نقصان دینها الخامسة نقصان عقلها السادسة أن میراثها علی النصف من میراث الرجل قال اللّه تعالی للذکر مثل حظ الانثیین السابعة تخصیصهنّ بالعدّة الثامنة جعلهنّ تحت أیدی الرجال قال اللّه تعالی الرجال قوّامون علی النساء التاسعة لیس إلیهنّ من الطلاق شی‌ء و انما هو للرجال العاشرة حرمن من الجهاد الحادیة عشر لیس منهنّ نبیّ قط الثانیة عشر لیس منهنّ سلطان و لا حاکم الثالثة عشر لا تسافر احداهنّ الا مع المحرم الرابعة عشر لا تنعقد بهنّ الجمعة الخامسة عشر لاسلام علیهنّ* و لما دل الطاوس ابلیس لم یظهر شی‌ء من البلاء و حملته الحیة لم تظهر عقوبة و بادرت حوّاء الی الشجرة و أکلت منها لم یتغیر حالها فلما أکل آدم بعد مائة سنة ظهر البلاء فذهبت عن الطاوس النعمة و عن الحیة الصورة و عن حوّاء الصفة و عن آدم الدولة و هذا کله بسبب أکل آدم حبة بالنسیان أو التأویل فما بال من یأکل طول عمره الحرام بالقصد من غیر تأویل و ذلک لان حوّاء و غیرها کانت تبعا و آدم أصلا فلم یؤاخذ التبع بالزلة و الاصل ثابت علی الطاعة فلما زل الاصل أوخذ الاصل و الفرع فکذلک حال العامّة مع الخاصة و حال الاعضاء مع القلب*

خروج آدم من الجنة

ثم قال اللّه لآدم و حوّاء اخرجا من جواری فتضرّع آدم و اعتذر و قال أ تخرجنی من الجنة بخطیئة واحدة فلم تسمع معذرته و قال الهی ان کنت أکلتها بطوعی فعذبنی و ان لم أتعمدها فاغفر لی فلم یقبل منه و قال لا یجاورنی من عصانی أخرج فرفع آدم طرفه الی العرش فاذا مکتوب لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه قال یا رب بحق محمد ابنی اغفر لی فقال یا آدم کیف عرفت محمدا من ذرّیتک قال رأیت اسما مکتوبا مع اسمک علی سرادق العرش لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه فعلمت أن هذا نبیّ کریم علیک قال قد غفرت لک ذنبک بحق محمد و لکن لا یجاورنی من عصانی و جاء آدم الی باب الجنة و لما أراد الخروج نظر فرأی طیب الجنة و بهجتها و شجرة طوبی و أغصان سدرة المنتهی و ظل العرش و نور حضیرة العزة و جمال الحور و بهاء القصور فبکی و ودّع کل واحد منها حتی بکت علیه أشجار الجنة کلها الا العود فقیل له لم لم تبک فقال لم أکن لأبکی علی من عصی اللّه فنودی أن کما عظمت أمرنا عظمناک و لکن هیئناک للاحراق قال یا رب ان عززتنی فما هذا الاحراق و ان تحرقنی فما هذا الاعزاز فنودی أنت عظمتنا فلذلک یعظمونک لکن لما لم یحترق قلبک علی محبنا یحرقونک* و فی بهجة الانوار کان آدم یفرّ من شجرة الی شجرة فلم یقبله إلّا شجرة العود فنودی قد قبلت من عصانی فقال الهی رحمته لانی علمت أن هذا عتاب لا عقاب قال اللّه تعالی لما أقبلت علیه و رحمته لاجلی جعلتک عزیزا فیما بین أولاده حتی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:53
انهم یشترونک بوزن الدرهم و لکن لما قبلت بغیر اذنی فبعزتی و جلالی لأجعلنک بحال لا یخرج منک طیب حتی تحرق بالنار لیکون ذلک الطیب مع الوجع فلما انتهی الی باب الجنة و وضع احدی رجلیه خارج الباب قال بسم اللّه الرحمن الرحیم فقال له جبریل تکلمت بکلمة عظیمة فقف ساعة فربما یظهر من الغیب لطف فنودی جبریل أن دعه حتی یخرج فقال الهی دعاک رحیما فارحمه فقال ان أرحمه لا ینقص من رحمتی شی‌ء و ان یذهب لا یعاب علیه فخلّ عنه حتی یذهب ثم یرجع غدا فی مئات ألوف من أولاده عصاة حتی یشاهد فضلنا علی أولاده و یعلم سعة رحمتنا قال الضحاک أدخل آدم الجنة عند الضحوة و أخرج منها ما بین الصلاتین کما مرّ و ادخال آدم الجنة و اخراجه منها و خلقه کان فی یوم الجمعة کذا فی المشکاة و فی مقدار مکثه فی الجنة خلاف قال ابن عباس مکث آدم فی الجنة نصف یوم من أیام الآخرة و هو خمسمائة عام و هو قول الکلبی و قال الحسن البصری لبث فی الجنة ساعة من نهار و هی مائة و ثلاثون سنة من سنی الدنیا* و فی المختصر الجامع عن وهب بن منبه مکث آدم فی الجنة ست ساعات و قیل خمس ساعات و قیل ثلاث قیل الصحیح انه خلق لمضیّ احدی عشرة ساعة من یوم الجمعة و هو من الایام التی کل یوم منها ألف سنة من سنی الدنیا فبقی قدر أربعین عاما من أعوامنا ثمّ نفخ فیه الروح و بقی فی الجنة بقیة الثانیة عشر ساعة من یوم الجمعة و مقداره ثلاثة و أربعون عاما و أربعة أشهر من أعوامنا ثم هبط الی الارض هذا قول الطبری فخرج آدم و حوّاء من الجنة عریانین جوعانین غریبین معزولین آخذا کل منهما بید الآخر فجاء جبریل و قال لآدم خل یدها فان الملک یأمرک أن تفارقها فلما خلاها فقد کل منهما الآخر فضرب آدم بیده علی فخذه و وضعت حوّاء یدها علی هامتها فجعلا یبکیان هذا یقول وا فرقتاه و هذه تقول و اغربتاه فلذا اذا دهم الرجال أمر غمهم یضربون أیدیهم علی أفخاذهم و اذا دهم النساء شی‌ء همهنّ یضعن أیدیهنّ علی رءوسهنّ و هذا میراث للاولاد عن الجدّ و الجدّة* و فی الانس الجلیل کان هبوط آدم و حوّاء وقت العصر و بین هبوط آدم و الهجرة النبویة ستة آلاف سنة و مائتان و ستة عشر سنة علی حکم التوراة الیونانیة و هی المعتمد عند المحققین من المؤرّخین و فی ذلک خلاف* و فی أنوار التنزیل قلنا اهبطوا بعضکم لبعض عدوّ الخطاب لآدم و حوّاء لقوله تعالی اهبطا منها جمیعا و جمع الضمیر لانهما أصلا الانس فکأنهما الانس کلهم أولهما و لابلیس خرج منها ثانیا بعد ما کان یدخلها للوسوسة أو دخلها مسارقة أو من السماء و هو قول مجاهد و قال ابن عباس و السدّی الخطاب لآدم و حوّاء و ابلیس و الحیة و عن ابن عباس فی روایة أخری الخطاب لهؤلاء الاربعة و الطاوس معهم فصاروا خمسة و هذا الامر و ان انتظم فی کلمة لکن ما کان هبوطهم جملة بل هبط ابلیس حین لعن بدلیل قوله تعالی فی حق ابلیس فاهبط منها و قال فاخرج منها و هبوط آدم و حوّاء و الحمیة و الطاوس کان بعده بکثیر من الزمان و أما المهبط ففی حیاة الحیوان قال کعب الاحبار أهبط اللّه الحیة باصبهان و ابلیس بجدّة و حوّاء بعرفة* و فی معالم التنزیل هبط ابلیس بأیلة و حوّاء بجدّة و هبط آدم بسر ندیب من أرض الهند علی جبل یقال له نود و هو بأعلا الهند نحو الصین جبل عال یراه البحریون من مسافة أیام و فیه أثر قدم آدم مغموسة فی الحجر و یری علی هذا الجبل کل لیلة کهیئة البرق من غیر سحاب و لا بدّ له فی کل یوم من مطر یغسل قدمی آدم و یقال ان الیاقوت الاحمر یوجد علی هذا الجبل تحدّره السیول و الامطار الی الحضیض و به یوجد الماس أیضا و العود* و فی عرائس الثعلبی قال ابن عباس أهبط اللّه آدم علیه السلام الی الارض علی جبل وادی سرندیب و ذلک أن ذروته أقرب ذری جبال الارض الی السماء و کانت رجلاه فی الارض و رأسه فی السماء یسمع دعاء الملائکة و تسبیحهم و کان آدم یأنس بذلک فهابته الملائکة و اشتکت نفسه الی اللّه تعالی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:54
فنقص اللّه قامته الی ستین ذراعا بذراع آدم و کان قبل ذلک یمس رأسه السحاب فصلع و أخذ ولده الصلع انتهی قال ابن اسحاق أهبط آدم و حوّاء علی جبل بالهند یقال له واش عند واد یقال له نهبل عند الوهیج و المندل بلدان من أرض الهند و فی الترمذی فی حدیث الدجال فیطرحهم بالنهبل و هو تصحیف و الصواب بالمیم کذا فی القاموس* و فی بحر العلوم روی أن آدم هبط بالهند و حوّاء بجدّة ساحل مکة و ستجی‌ء قصتهما و ابلیس بساحل بحر أیلة و الحیة باصبهان و الطاوس ببیسان و فیه أیضا فی روایة قال أهبط آدم بالهند و حوّاء بالمزدلفة و ابلیس بکابل و الحیة بسجستان* و عن الحسن قال قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما هبط ابلیس قال و عزتک لا أفارق ابن آدم ما دام الروح فیه قال اللّه تعالی و عزتی و جلالی لا أحجب عنه التوبة حتی یغرغر* و عن أبی سعید الخدری أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال ان الشیطان قال و عزتک لا أبرح أغوی عبادک ما دامت أرواحهم فی أجسادهم قال الرب و عزتی و جلالی و کرمی و ارتفاعی و فی روایة و ارتفاع مکانی لا أزال أغفر لهم ما استغفرونی ذکرهما فی بحر العلوم و فیه کان مهبط آدم علی جبل سرندیب فی شرقی أرض الهند یقال له باشم و یقال له و اشم و یقال نودوا نبّت اللّه علی ذلک الجبل أشجارا و أنبع مائة عین عذبة و جعل ترابها دواء و عرضه مائة فرسخ فی مائة فرسخ و فیه غار فیه عبادهم و قال أیضا هبط آدم من الجنة و رأسه یناغی السماء و کان أوّل شی‌ء رآه آدم من القذر فی الدنیا عطس عطسة فسال أنفه فلما نظر إلیه بکی أربعین عاما للقذر* و فی بحر العلوم أیضا عن وهب بن منبه قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خیر الارض التی أهبط اللّه بها آدم و هی أرض الهند و فی روایة أطیب الارض قال وهب ان آدم علیه السلام کان خصف علیه من ورق الجنة و هی التین فانتفع بها ثم هبط الی الارض حین هبط و هی علیه فلما أصابها ضحی الارض و ریحها یبست تلک الورقة فتحاتت علیه فذرتها الریح فی بلاد الهند فمن هنالک عبقت الهند و فشافیها أصل الطیب* و فی روایة کان علی آدم و حوّاء من أوراق التین قد تسترا بها فتناثرت فی الارض فما أصاب الظبی من أوراق آدم صار مسکا و ما أصاب بقر البحر صار عنبرا و من ورق حوّاء ما أصاب دود القز صار حریرا و ما أصاب النحل صار عسلا فبقیت هذه الاربعة منهما میراثا لاولادهما الی یوم القیامة کذا فی بحر العلوم و فیه أیضا قال وهب لما أهبط اللّه آدم من الجنة کان علی رأسه اکلیل من ریحمان الجنة یظلله من الشمس و علی عورته ورقة التین کما سیجی‌ء قال ابن عباس یبس الاکلیل حین أصابه حرّ الشمس و تساقط منه الورق و ذلک بأرض الهند فنبت منه هذا العود و کل طیب فی الهند فأصله من ذلک الورق و الریحان* و ذکر الکلبی عن أبی صالح عن ابن عباس أنه قال ان آدم هبط الی جبل الهند و کان رأسه یمسح السحاب فصلع فأورث ولده الصلع کما مرّ و کان یقرب منه دواب الوحش الی أن قتل قابیل هابیل و کانت یومئذ وحشیا و امتلأ طیبا ماثمة من شجر و جبل و واد من ریح الجنة فمن ثمة یجاء بالطیب من الهند و کان آدم قائما علی الجبل یسمع أصوات الملائکة و یجد ریح الجنة و أهبط الی الارض و حط الی ستین ذراعا فقال آدم یا رب کنت جارک فی دارک آکل منها رغدا فأهبطتنی علی هذا الجبل المقدّس فکنت أسمع أصوات الملائکة و أجد ریح الجنة و أری ملائکتک کیف یحفون بعرشک فأهبطتنی الی الارض الی ستین ذراعا و ذهبت الریح فأجابه اللّه تعالی یا آدم بمعصیتک کان ذلک ان لی حرما بحیال عرشی فانطلق فابن لی فیه بیتا ثم حف به کما رأیت ملائکتی یحفون بعرشی فهنا لک أستجیب لک و لولدک من کان منهم فی طاعتی فقال یا رب کیف لی بذلک المکان و لا أهتدی فقیض اللّه له ملکا و هو جبریل فتوجه به نحوه و کان آدم و جبریل کلما نزلا مکانا صار قریة و عمرانا و کل مکان تعدّیاه و لم ینزلاه صار
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:55
مفازة و قفارا فقدما مکة و فی روایة صار کل مفازة یقربها آدم خطوة و کان قد قبض له ما کان فی الارض من محاص أو نجد فجعله خطوة و لم یضع قدمه فی شی‌ء من الارض الآصار عمر انا فطوی له المفازة کذا فی بحر العلوم* و فی روضة الاحباب قیل کان تطوی له الارض فی کل خطوة اثنین و خمسین فرسخا حتی بلغ مکة فی زمن قلیل فکل موضع أصابه قدمه صار عمرانا و ما بین قدمیه بقی مفازة و قفارا* و فی العرائس عن ابن عباس ان خطوته مسیرة ثلاثة أیام* و فی روایة کان یمشی بین الجبال و المفازة فکل موضع أصابه قدمه صار قریة عظیمة و کل موضع استقرّ فیه صار مدینة و کل موضع صلّی فیه صار مسجدا جامعا عظیما و ستجی‌ء کیفیة بناء آدم الکعبة و حجه* و لما مضی له فی الدنیا مقدار خمسمائة عام کثر ولده ولد ولده و أرسله اللّه إلیهم یحکم فیهم بحکم اللّه حتی توفاه الموت و أنزل علیه خمسین صلاة فی الیوم و اللیلة و الزکاة و الصوم و الاغتسال من الجنابة و تحریم المیتة و لحم الخنزیر و أنزل اللّه علیه الحروف المقطعة فی احدی و عشرین ورقة و هو کتاب آدم الذی یعلم بها ألف لسان بقدرة اللّه تعالی* قال وهب هبط آدم من الجنة و معه بذر و غرس و اجانة و علی رأسه اکلیل من ریحان الجنة یظلله من الشمس و علی عورته ورقة التین و أعطی العلاة و الکلبتین و ثمانیة أزواج من الابل و البقر و المعز و الضأن و أعطی عصا موسی و قال اللّه تعالی له و لولده* لدوا للموت و ابنوا للخراب* و فی المدارک قیل نزل آدم من الجنة و معه خمسة أشیاء من حدید السندان و الکلبتان و المیقعة و المطرقة و الابرة و روی و معه المرود و المسحاة* و فی بحر العلوم روی أن آدم أهبط و معه خمسة أشیاء أحدها العصا و هی من آس الجنة و سبب ذلک أنه کان یأکل من کل طعام فی الجنة فلا یصیبه شی‌ء فلما أکل الحنطة بقیت فی أسنانه فاحتاج الی التخلیل فأخذ عود آس فتخلل به فبقی معه فهبط و هو معه و توارثته أبناؤه الی أن وصل الی موسی علیه الصلاة و السلام فصارت معجزة له و ثانیها خاتم کان معه فلما سقطت عنه ثیابه و ذهب تاجه أخذه فجعله فی فمه فخرج معه و تناقلته الذرّیة الی أن وصل الی سلیمان علیه السلام فصار قید ملکه و ثالثها الحجر الاسود و هو فی الاصل کان من جواهر الجنة قصده حین زلّ فأخذه و تمسک به فصار حجرا و هبط معه و صار من أرکان الکعبة و رابعها قطعة من عود من شجر لم یبک علیه فعوتب و خوّف بالنار فاعتذر فجعل فیه الطیب و جعل معه قطعة منه و خامسها ورق التین و اری هو و حوّاء بذلک سوآتهما و لما تناثر ذلک و عریا فی الدنیا شکا آدم الی جبریل فجاءه بشاة من الجنة عظیمة لها صوف کثیر و کانت قامة آدم الی قریب من السحاب و حوّاء مدیدة أیضا لکن الشاة کانت کبیرة أیضا و قال لآدم قل لحوّاء تغزل من هذا الصوف و تنسج فمنه لباسک و لباسها فقالت حوّاء کیف وقع هذا العمل علیّ فاغتمت فجعلت نفقتها علی آدم و لذلک لما کانت حوّاء سببا لأکل آدم من القمح و عریه جعل علیها أن تغزل و تکسوه و لما ثقل ذلک علیها جعلت نفقتها علیه و لما ثقل ذلک علیه جعل حظ الزوج فی المیراث ضعف حظ الزوجة فیه فغزلت حوّاء ذلک الصوف و نسجته و اتخذت منه لنفسها درعا و خمارا و لآدم قمیصا و ازارا و کان ذلک أصل اللباس ثم توسع فیه الناس حیث شاءوا و زادوا ما أرادوا* روی أن آدم أوّل ما هبط الی الدنیا قاسی الجوع مدّة ثم أکل الخبز من عمل نفسه و قاسی العری مدّة ثم لبس الصوف من عمل حوّاء*

اتخاذ آدم الدیک لمعرفة الاوقات‌

قال وهب لما قبل اللّه توبة آدم قال یا رب شغلت بطلب الرزق و المعیشة عن التسبیح و العبادة و لست أعرف مقدار ساعات التسبیح من أیام الدنیا فأهبط اللّه علیه دیکا و أسمعه أصوات الملائکة بالتسبیح فهو أوّل داجن اتخذه آدم من الخلق و کان الدیک اذا سمع التسبیح فی السماء سبح فی الارض فیسبح آدم بتسبیحه و قال اللّه یا آدم قل الحمد للّه کثیرا علی کل حال حمدا یوافی نعمه و یکافئ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:56
مزیده فلک به مثل تسبیح الملائکة الذین یسبحون اللیل و النهار لا یفترون* عن معاذ بن جبل أنه قال نهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن قتل الدیک الابیض و قال الدیک الابیض اذا صاح یقول اذکروا اللّه یا غافلین* و روی عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال ان للّه دیکا أبیض تحت العرش و فی روایة ان للّه دیکا رجلاه تحت الارض السفلی و رأسه تحت العرش و له جناحان أبیضان اذا نشرهما جاوزا المشرق و المغرب فاذا جاء وقت الصلاة نشر جناحیه و صرخ بالتسبیح سبحان الملک القدّوس سبحان الحیّ القیوم فیسبح الدیک فی الارض ذلک التسبیح و لما هبط آدم الی الارض اشتبهت علیه أوقات الصلوات فشکا الی جبریل فجاءه بدیک أبیض من الجنة و انه مرّ علی ذلک الملک فعرفه فلما هبط کان یسمع صوت ذلک الملک فیصرخ فیعرفه آدم و قال علیه الصلاة و السلام علیکم بالدیک الابیض فانه مؤذن و حارس و ذلک کله فی بحر العلوم* و قال أبو سعید کان لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دیک أبیض کذا فی سیرة الیعمری* و فی حیاة الحیوان کما سیجی‌ء فی الخاتمة قال ابن عباس بکا آدم و حوّاء علی ما فاتهما من نعیم الجنة مائتی سنة و لم یأکلا و لم یشربا أربعین یوما و لم یقرب آدم حوّاء مائة سنة و قال وهب بن منبه لما هبط آدم الی الارض مکث یبکی ثلاثمائة سنة لا یرقأ له دمع* و قال المسعودی لو أن دموع أهل الارض جمعت لکانت دموع آدم أکثر منها حین أخرجه اللّه من الجنة ذکرها فی المواهب اللدنیة* و عن علقمة بن مرثد و ابن حبان قالا لو أن دموع أهل الارض جمعت لکان دموع داود أکثر منها حین أصاب الخطیئة و لو أن دموع داود و دموع أهل الارض جمعت لکان دموع آدم أکثر منها حین أخرج من الجنة کذا فی بحر العلوم و قال مجاهد بکی آدم مائة عام لا یرفع رأسه الی السماء و أنبت اللّه من دموعه العود الرطب و الزنجبیل و الصندل و أنواع الطیب و بکت حوّاء حتی أنبت اللّه من دموعها القرنفل و الافاوی کذا فی المواهب اللدنیة* و قال شهر بن حوشب بلغنی أن آدم لما أهبط الی الارض مکث ثلاثمائة سنة لا یرفع رأسه الی السماء حیاء من اللّه تعالی* و فی بحر العلوم مکث آدم بالهند مائة سنة لا یرفع رأسه الی السماء یبکی علی خطیئته و جلس جلسة الحزین مائة سنة* و فی عرائس الثعلبی قال الشعبی أنزل ابلیس من السماء مشتمل الصماء علیه عمامة لیس تحت ذقنه منها شی‌ء أعور فی احدی رجلیه نعل* روی ابن المبارک عن خالد الحدّادیّ عن حمید بن هلال قال انما کره التخصر فی الصلاة و التخفف لان ابلیس هبط متخصرا*

(ذکر کیفیة انتقاله صلّی اللّه علیه و سلم من الاصلاب الطیبة الی الارحام الطاهرة و بالعکس)

* قال اللّه تعالی و توکل علی العزیز الرحیم الذی یراک حین تقوم و تقلبک فی الساجدین قال بعض المفسرین منهم ابن عباس و عکرمة أراد حین تقوم بالنبوّة و یری تقلبک فی الساجدین فی أصلاب الموحدین من نبیّ الی نبیّ حتی أخرجک نبیا فی هذه الامّة و بیانها أن آدم علیه السلام کان أوّل فرد من أفراد الانسان و کان سائر أفراده مندرجة فی صلبه بصور الذرّات کما ذکر فی قصة أخذ المیثاق فلما نفخ فیه الروح صار نور نسمة محمد صلّی اللّه علیه و سلم یلمع من جبهته کالشمس المشرقة لاشتمال صلبه علی الجزء الذرّی الذی هو مادّة للبدن العنصری المحمدی* و فی معالم التنزیل کان آدم یسمع من تخطیط أساریر جبهته نشیشا کنشیش الذرّ فقال یا رب ما هذا فنودی یا آدم هذا تسبیح محمد ولدک مزج بمائک لیکون لک ولدا و أنت له أبا فنعم الوالد و نعم المولود ثم انتقل ذلک الجزء الذرّی من صلب آدم الی رحم حوّاء و منها الی صلب شیث و منه الی رحم مخوایله و منها الی صلب أنوش و هکذا کان ینتقل من أصلاب الطاهرین الی أرحام الطاهرات و من أرحام الطاهرات الی أصلاب الطیبین و ذلک النور أیضا کان ینتقل بتبعیة ذلک الجزء الذرّی من جبهة الی جبهة و کان یؤخذ فی کل مرتبة عهد و میثاق علی أن لا یوضع ذلک الجزء الا فی المطهرات فأوّل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:57
من أخذ العهد آدم أخذه من شیث و شیث من أنوش و هو من قینان و هکذا الی أن وصلت النوبة الی عبد اللّه بن عبد المطلب فلما أودع ذلک الجزء فی صلبه لمع ذلک النور من جبهته فظهر له جمال و بهجة حتی کانت نساء قریش یرغبن فی نکاحه و ستجی‌ء قصة الخثعمیة فی الطلیعة الثالثة ان شاء اللّه تعالی و قد أسعد اللّه بتلک السعادة و شرّف بذلک الشرف آمنة بنت وهب فولد منها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم*

(ذکر نسبة أبوی نبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم)

* هو محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصیّ بن کلاب بن مرّة بن کعب بن لؤیّ بن غالب بن فهر بن مالک ابن النضر بن کنانة بن خزیمة بن مدرکة بن الیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان رواه البخاری* قال ابن الاثیر ذکر رزین أنه عن ابن عباس رضی اللّه عنهما و فی سیرة مغلطای الی هنا مجمع علیه و ما فوق ذلک مختلف فیه کما سیجی‌ء*

(ذکر نسبة أمّ نبینا صلّی اللّه علیه و سلم)

* هی آمنة بنت وهب ابن عبد مناف بن زهرة بن کلاب بن مرّة قرشیة* و فی المنتقی زهرة هذه امرأة نسب إلیها ولدها و لا یعرف أبوه فأقیمت فی التذکیر مقام الاب* و فی المواهب اللدنیة و أمّ وهب بن عبد مناف بن زهرة هی عاتکة بنت الاوقص بن مرّة من بنی سلیم ذکره ابن قتیبة و قال أبو عمرو یعرف أبوها أی أبو عاتکة بأبی کبشة و ینسب إلیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیقال ابن أبی کبشة و انما نسب إلیه لانه کان یعبد الشعری و لم یکن أحد من العرب یعبد الشعری غیره خالف فی ذلک جمیع العرب فلما جاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بخلاف ما کان علیه العرب قالوا هذا ابن أبی کبشة و قیل بل نسب الی أبی أمّه وهب و کان یدعی بأبی کبشة و قیل ان أباه من الرضاعة الحارث بن عبد العزی بن رفاعة السعدی زوج حلیمة السعدیة کان یدعی بأبی کبشة کذا فی ذخائر العقبی* و فی المنتقی و جز بن غالب بن الحارث هو أبو کبشة الذی کانت قریش تنسب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم إلیه لانه جدّه من قبل أمّه و هو أوّل من عبد الشعری‌

صفة الشعری‌

و کان یقول الشعری تقطع السماء عرضا و لا أری فی السماء شمسا و لا قمرا و لا نجما یقطع السماء عرضا غیرها و العرب تظنّ أن أحدا لا یعمل شیئا الا بعرق ینزعه شبهه فلما خالف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دین قریش قال مشرکو قریش نزعه أبو کبشة* و فی المتقی أمّ وهب بن عبد مناف بن زهرة أبی آمنة هی قیلة و یقال هند بنت أبی قیلة و قیل عمرة بنت و جز ابن غالب بن الحارث بن عمرو بن ملکان و أمّها سلمی بنت لؤیّ بن غالب بن فهر بن مالک و أمّها ماریة بنت کعب و أمّ و جز بن غالب السلافة بنت راهب بن بکیر و أمّها بنت قیس بن ربیعة و أمّ عبد مناف ابن زهرة حمل بنت مالک و أمّ زهرة بن کلاب أمّ قصیّ و هی فاطمة بنت سعد بن سیل و أمّ آمنة أمّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم برّة بنت عبد العزی بن عثمان بن عبد الدار بن قصی بن کلاب و أمّ برة هی أمّ حبیب بنت أسد بن عبد العزی بن قصیّ بن کلاب قاله ابن قتیبة و قال أبو سعید أمّ سفیان بنت أسد ابن عبد العزی بن قصیّ بن کلاب بن مرّة و أمّ حبیب هی برّة بنت عوف بن عبید بن عویج بن عدیّ ابن کعب بن لؤیّ و أمّ برّة بنت عوف هی قلابة بنت الحارث بن صعصعة بن عائذ بن لحیان من هذیل کذا فی المواهب اللدنیة* و فی المنتقی أمّ برّة بنت عوف بن قلابة بن الحارث بن مالک بن حباشة انتهی و أمّ قلابة هی هند بنت یربوع من ثقیف قاله ابن قتیبة و قال سعد انها بنت مالک بن عثمان من بنی لحیان فالجدّة الاولی و الثانیة و الثالثة من أمّهات أمّه صلّی اللّه علیه و سلم قرشیات و أمّ أبی آمنة سلمیة و الرابعة لحیانیة هذلیة و الخامسة ثقیفیة ففی کل قبیلة من قبائل العرب له علقة نسب کذا فی المواهب اللدنیة و أما فی المنتقی فقال أمّ قلابة أمیمة بنت مالک بن غنم بن لحیان و أمّها دب بنت ثعلبة بن الحارث بن تمیم ابن سعد و أمّها عاتکة بنت عاضرة بن عطیط بن جشم بن ثقیف و أمّها لیلی بنت عوف قال محمد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:58
ابن السائب کتبت للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خمسمائة أمّ فما وجدت فیهنّ سفاحا و لا شیئا مما کان من أمر الجاهلیة کما مرّ منقولا عن الشفاء بروایة ابن الکلبی فان بعض أهل الجاهلیة کانوا اذا أرادوا النکاح یقولون عند الخطبة خطب و یقول أرباب المرأة نسکح و هو عندهم عبارة عن العقد و من أمثالهم أسرع من نکاح أمّ خارجة* و اعلم أن أقوال النسابین و المؤرّخین فی سلسلة نسب نبینا صلی اللّه علیه و سلم الی عدنان متفقة و فیما فوق عدنان خلاف کثیر بحسب کمیة الاعداد و کیفیة الاسماء* قال ابن دحیة أجمع العلماء و الاجماع حجة علی أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انما انتسب الی عدنان و لم یتجاوزه انتهی و اللّه أعلم و للّه درّ القائل
و نسبة عز هاشم من أصولهاو محتدها المرضیّ أکرم محتد
سمت رتبة علیاء أعظم بقدرهاو لم تسم الا بالنبیّ محمد
و یرحم اللّه القائل‌و کم أب قد علا بابن ذری شرف
کما علت برسول اللّه عدنان و عن ابن عباس أنه صلّی اللّه علیه و سلم کان اذا انتسب لم یتجاوز معدّ بن عدنان ثم یمسک و یقول کذب النسابون رواه فی مسند الفردوس لکن قال السهیلی الاصح فی هذا الحدیث أنه من قول ابن مسعود* و فی الاکتفاء عن ابن عباس کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذا انتهی الی عدنان أمسک ثم یقول کذب النسابون قال اللّه تعالی و قرونا بین ذلک کثیرا* روی ابن مسعود أنه کان اذا قرأ أ لم یأتکم نبأ الذین من قبلکم قوم نوح و عاد و ثمود و الذین من بعدهم لا یعلمهم الا اللّه قال کذب النسابون یعنی انهم یدّعون علم الانساب و نفی اللّه علمها عن العباد* و عن ابن عباس أنه قال بین اسماعیل و بین عدنان ثلاثون أبا لا یعرفون* و ذکر أبو الحسن المسعودی و آخرون بین عدنان و ابراهیم نحوا من أربعین أبا و هذا أقرب فان المدّة بینهما طویلة جدّا لکن فی لفظها و ضبطها اختلاف کثیر کذا فی الجواهر المضیئة* و فی المنتقی و عدّ بعضهم بین معدّ و اسماعیل أربعین أبا و فی روایة ثلاثین قرنا لا یعلمهم الا اللّه* و فی مورد اللطافة قیل بین عدنان و بین اسماعیل تسعة آباء و قیل سبعة* و فی الاکتفاء الصحیح المجمع علیه فی نسبه الی عدنان و ما فوق ذلک مختلف فیه و لا خلاف فی أن عدنان من ولد اسماعیل نبیّ اللّه ابن ابراهیم خلیل اللّه علیهما السلام و انما الاختلاف فی عدد من بین عدنان و اسماعیل من الآباء فقلل و مکثر و کذلک من ابراهیم الی آدم علیهما السلام لا یعلم ذلک علی حقیقته الا اللّه تعالی و کذلک الاختلاف فی أن عدنان من ولد ثابت بن اسماعیل أو من ولد قیدار بن اسماعیل و ثابت یروی بالنون و بالثاء المثلثة روی أن مالک بن أنس کان یکره أن ینسب الانسان نفسه أبا أبا الی آدم و کذلک فی حق النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لانه لا یعلم أولئک الآباء الا اللّه تعالی کذا فی معالم التنزیل* و فی سیرة ابن هشام عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تیرح بن یعرب بن یشجب* و فی سیرة مغلطای و قیل یشجب ابن یعرب بن یشجب بن ثابت بن اسماعیل بن ابراهیم خلیل الرحمن بن تارخ و هو آزر بن ناحور بن ساروح بن ارغو بن فالخ بن عیبر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامک بن متوشلخ بن اخنوخ و هو ادریس النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فیما یزعمون و اللّه أعلم و کان أوّل من أعطی النبوّة و خط بالقلم من بنی آدم ابن یرد بن مهلایل بن قینان بن یانش بن شیث بن آدم صلّی اللّه علیه و سلم* قال أبو محمد عبد الملک بن هشام حدّثنا زیاد بن عبد اللّه البکائی عن محمد بن اسحاق المطلبی بهذا الذی ذکرت من نسب محمد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال ابن هشام و حدّثنی خلاد بن قرّة بن خلد السدوسی عن شیبان بن زهیر بن شقیق ابن ثور عن قتادة بن دعامة أنه قال اسماعیل بن ابراهیم خلیل اللّه ابن تارخ و هو آزر بن ناحور بن أسرع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:59
ابن ارغو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامک بن متوشلخ بن اخنخ بن یرد بن مهلائیل بن قاین بن أنوش بن شیث بن آدم صلّی اللّه علیه و سلم و سردا الطبری فی خلاصة السیر النسب النبوی الابوی الی ابراهیم موافقا لما رواه ابن هشام عن البکائی* و فی الصفوة عدنان بن أدد بن الهمیسع بن حمل بن نبت ابن قیدار بن اسماعیل بن ابراهیم و کذا فی المنتقی الا أن فیه قدّم نبتا علی حمل و بعضهم یقول عدنان بن أدّ بن أدد کذا فی دلائل النبوّة* و ابراهیم بن تارخ و هو آزر بن ناحور بن ساروح بن أرغو بن فالخ* و فی بعض الکتب فالغ بن عابر و هو هود بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامک بن متوشلخ بن ادریس بن مهلائیل بن قینان بن أنوش بن شیث بن آدم علیهما السلام* و فی حدیث أمّ سلمة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عدنان بن أدد بن زید بن بری بن اعراق الثرا قالت أمّ سلمة فزید هو الهمیسع و بری هو نبت و اعراق الثرا هو اسماعیل و قیل اعراق الثرا ابراهیم لانهم لما رأوه لم یحترق بالنار قالوا ما هو الا اعراق الثرا و زید بالیاء و قیل بالنون کذا فی دلائل النبوّة*

أولاد آدم الصلبیة

روی عن ابن عباس أنه قال لم یمت آدم حتی بلغ أولاده و أحفاده أربعین ألفا الصلبیة منهم أربعون عشرون منهم ذکورا و عشرون اناثا و قیل الاناث تسع عشرة و الذکور احد و عشرون روی أن حوّاء کانت تلد فی کل بطن توأمین غلاما و جاریة الا فی نوبة شیث فان النور المحمدی لما انتقل من آدم الی حوّاء حملت بشیث وحده لشرف نورا لنبوّة و هو المشهور و قیل کانت لشیث أیضا توأمة* و فی معالم التنزیل کان جمیع ما ولدته حوّاء أربعین ولدا فی عشرین بطنا أوّلهم قابیل و توأمته اقلیمیا و آخرهم عبد المغیث و توأمته أمة المغیث* و اختلفوا فی مولد قابیل و هابیل قال بعضهم غشی آدم حوّاء بعد مهبطهما الی الارض بمائة سنة فولدت له قابیل و توأمته اقلیمیا فی بطن ثم هابیل و توأمته لبودا فی بطن و کان بینهما سنتان* و فی المختصر یقال ان بعد مائة و عشرین سنة من هبوط آدم ولد له ولدان فی بطن واحد قابیل و هابیل فقتل هابیل قابیل علی الروایة الصحیحة لان قابیل اشتق اسمه من قبول قربانه و هابیل من هبل* و هی مخالفة لما هو المشهور و قال محمد بن اسحاق عن بعض أهل العلم بالکتاب الاوّل ان آدم کان یغشی حوّاء فی الجنة قبل أن یصیب الخطیئة فحملت بقابیل و توأمته فلم تجد علیهما وجعا و لا طلقا حین ولدتهما و لم تر معهما دما فلما هبطا الی الارض تغشاها فحملت بهابیل و توأمته فوجدت علیهما الوجع و الطلق و الدم* و فی بحر العلوم أوّل ولد ولد لآدم الحارث و لا أخت معه فی البطن ثم قابیل و معه أخته اقلیمیا ثم هابیل و أخته ابودا ثم اسوف و أخته ثم شیث ثم انثی بعده فی بطن فزوّجها منه اسمها حروث ثم أباد و أخته ثم جنان و أخته ثم کرس و أخته ثم هون و أخته ثم نحود و أخته ثم سندل و أخته ثم بارق و أخته ثم کذا ثم کذا الی تمام أربعین بطنا عند محمد بن اسحاق* و قال وهب بن منبه مائة و عشرون بطنا و قیل خمسمائة بطن لتمام ألف ولد و بقی فیهم و فی أولادهم ألف لسان من العربیة و العبریة و السریانیة و الفارسیة و الترکیة و الرومیة و الهندیة و السغدیة و الخوارزمیة و غیرها*

قتل قابیل هابیل‌

و فی المدارک روی أنه أوحی اللّه الی آدم أن زوّج کل واحد من قابیل و هابیل توأمة الآخر و کانت توأمة قابیل أجمل فحسد علیها أخاه هابیل و سخط فقال لهما آدم قرّ باقر بانا فأیکما قبل قربانه یتزوّجها ففعلا فقبل قربان هابیل بأن نزلت علیه نار فأکلته فازداد قابیل حسد او سخطا فقتله فتکا علی غفلة منه* روی أن قابیل لما قتل أخاه أتاه ابلیس فقال له انما أکلت النار قربان أخیک لانه کان یخدم النار و یعبدها فانصب أنت نارا تکون لک و لعقبک ففعل فقابیل أوّل من سنّ القتل و عبادة النار* و فی بحر العلوم قال وهب کان یولد لحوّاء فی کل بطن ذکر و أنثی فولد قابیل و أخته اقلیمیا ثم ولد هابیل و أخته لبودا فأمر آدم قابیل أن یتزوّج بأخت هابیل و أمر هابیل أن یتزوّج بأخت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:60
قابیل فأبی قابیل و شح بأخته رغبة عن حکم اللّه تعالی و قال أنا أحق بأختی التی ولدت فی بطنی و نحن من أولاد الجنة و هابیل و أخته من أولاد الارض فغضب آدم غضبا شدیدا و قال هذه معصیة للّه تعالی اذهبا فتحاکما الی اللّه تعالی و قرّبا قربانا فأیکما تقبل قربانه فهو أحق باقلیمیا و کان هابیل صاحب غنم یرعاها فی الحرم و قابیل صاحب زرع یزرع خارجا من الحرم فقرب هابیل کبشا من أعظم غنمه و أسمنها و قرب قابیل سنبلا من أسمن زرعه و أطیبه فتقبل اللّه قربان هابیل و کانت تنزل نار من السماء فی سلسلة بیضاء لیس لها و هیج و لا دخان فتقبل قربان المحق و تدع قربان المبطل و لم یتقبل قربان قابیل فقال قابیل لهابیل ما بالک تقبل منک قربانک و لم یتقبل منی قال هابیل ما لی بذلک من علم فامتلأ قابیل بذلک غیظا و حسدا لاخیه فقال هابیل انما یتقبل اللّه من المتقین فقال قابیل لاقتلنک فقال هابیل لم قال لان اللّه تعالی تقبل قربانک و ردّ قربانی فأفلح حجتک و أدحض حجتی و یقول الناس بعد الیوم أنک خیر منی قال هابیل لئن بسطت الیّ یدک لتقتلنی الآیة* و فی العرائس أنکر جعفر الصادق أن یکون آدم زوّج ابنته من ابنه و قال لما أهبط آدم و حوّاء الی الارض و جمع بینهما ولدت حوّاء ابنة سماها عناق فبغت و هی أوّل من بغی علی وجه الارض فسلط اللّه علیها من قتلها فولدت لآدم علی اثرها قابیل ثم ولدت له هابیل فلما أدرک قابیل أظهر اللّه جنیة من الجنّ یقال لها حمالة فی صورة انسیة فأوحی اللّه تعالی الی آدم أن زوّجها من قابیل فزوّجها منه فلما أدرک هابیل أهبط اللّه حوراء فی صورة انسیة و خلق لها رحما و کان اسمها برکة فلما نظر إلیها هابیل وصفها فأوحی اللّه تعالی الی آدم أن زوّج برکة من هابیل ففعل فقال قابیل أ لست بأکبر من أخی و أحق بما فعلت به منه فقال یا بنیّ ان الفضل بید اللّه یؤتیه من یشاء فقال لا و لکنک آثرته بهواک فقال له آدم ان کنت ترید أن تعلم حقیقة ذلک فقرّبا قربانا الی آخر القصة و کان موضع القربان منی و من أجل ذلک صار منی مذبح الناس فلما توجها راجعین و بلغا العقبة أراد قابیل أن یقتل هابیل فلم یدر کیف یقتله فعمد ابلیس الی طائر فرضخ رأسه بحجر و قابیل ینظر إلیه فعمد هو الی أخیه فدمغه بحجر فقتله فحین فعل ذلک أرعش جسده و سقط فی یده و لم یدر کیف یصنع و أصبح نادما و ذلک کان أوّل من قتل و حمله علی ظهره ثلاثة أیام و کان یطوف به حتی تروّح جسده و انتفخ بطنه و ظهرت زهومته* و فی المدارک لما قتله قابیل ترکه بالعراء لا یدری ما یصنع به فخاف علیه السباع فحمله فی جراب علی ظهره سنة حتی أروح و عکفت علیه السباع فبعث اللّه غرابا فأقبل یهوی حتی قتل غرابا آخر و جعل یحفر الارض بمنقاره و یبحث برجلیه ثم ألقاه فی الحفرة ثم أثار التراب علیه حتی و اراه و ابن آدم ینظر إلیه فقال یا ویلتا أعجزت ان أکون الآیة* و فی المدارک روی أنه لما قتله اسودّ جسده و کان أبیض فسأله آدم علیه السلام عن أخیه فقال ما کنت علیه وکیلا فقال بل قتلته و لذا اسودّ جسدک فالسودان من ولده* و فی العرائس کان لهابیل یوم قتل عشرون سنة و اختلفوا فی مصرعه و موضع قتله و قال ابن عباس علی جبل ثور و قال بعضهم علی عقبة حراء و قال جعفر الصادق رضی اللّه عنه بالبصرة فی موضع المسجد الاعظم* و فی بحر العلوم لما رجع آدم من حجه و لم یجد هابیل و سأل عنه و قالوا لا ندری مکث سبعة أیام و لیالیها لا ینام فرأی بعد ذلک فی منامه ولده ینادی یا أبتاه یا أبتاه فاستیقظ و صاح و خرّ مغشیا علیه فجاء جبریل فأخذ برأسه و عزاه بالمصیبة و قال انه کان یصیح عند ما قتل و کذا یخرج من قبره یوم القیامة فقال آدم أنا برئ من قابیل فقال اللّه تعالی و أنا برئ منه أیضا و دل جبریل آدم علی موضع مواراته فأتاه فبحثه فرآه مشدوخا ملطخا بالدماء فنادی یا حسرتاه یا أسفاه یا ولداه فبکی أهل السماء لبکائه و قالوا الآن کان استراح هذا المسکین من بکائه فقال اللّه تعالی دعوه فالدنیا دار البکاء* و فی العرائس صار
قابیل طریدا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:61
شریدا فزعا مرعو بالا یأمن فأخذ بید أخته اقلیمیا و هرب بها الی عدن من أرض الیمن* و فی بحر العلوم بعد ما دفن قابیل أخاه انطلق هاربا حتی أوی الی واد من أودیة الیمن فی شرقی عدن فکمن فیه زمانا و بلغ آدم ما صنع قابیل فوجد آدم هابیل قتیلا و وجد الارض قد نشفت دمه فلعن الارض عند ذلک فمن أجل لعن آدم لا تنشف الارض دما بعد دم هابیل الی یوم القیامة و أنبتت الشوک ثم ان آدم احتمل ابنه علی عنقه زمانا طویلا ید و ربه فی البلاد و لا تجف دموعه ثم دفنه* و فی روایة لم یقتله حتی غاب آدم للحج ففعل ذلک ثم رجع آدم فلم یجد هابیل و وجد سائر أولاده و نوافله قد استقبلوه فقال أین هابیل فاعتل قابیل بشی‌ء ثم ظهر له ذلک فلعن الارض بتنشیف دمه فأخرجت ما کانت نشفت و تزلزلت و هربت السباع الی الجبال و قالوا زال الامن من الناس فقد قتل الاخ أخاه و عق الولد أباه و دعا آدم علی قابیل فأمر اللّه تعالی الارض بأن تخسفه فخسفته الی رکبتیه ثم کان من مناجاته یا رب أنت أرحم الراحمین لا تترک رحمتک لذنبی فأمر اللّه الارض أن تطلقه و أتاه ملک فکسر رجلیه و یدیه و قیده و غله و طاف به مجرورا علی الارض فی الدنیا کلها سبع مرّات و کان یعذب فی هذه الطوفات فی الشتاء بجبال الثلج و فی الصیف بجبال النار ثم رماه بعض أولاده من نوافله بحجر فرضخه فقتله فصار الی النار فبئس القرار قال اللّه تعالی فی حاله فی جهنم و قول أهل النار ربنا أرنا اللذین أضلانا من الجنّ و الانس الآیة* و فی حدیث مقاتل باسناده عن علیّ کرّم اللّه وجهه لما أنکر قابیل قتل هابیل شهدت جوارحه و بعث اللّه ملکا فأخذه و استقبل به الشمس یدور معها حیث دارت یعذبه بالنار فی الصیف و بالزمهریر فی الشتاء ثمانین سنة ثم ألقاه الی الارض ثم أمر بخسفه فی الارض* قال العتابی سلط اللّه علی قابیل الریح حتی ألقته الی أقرب موضع من الشمس و أشدّها حرّا فی الصیف حتی یحترق و فی الشتاء ألقته الی أبعد موضع من الشمس و أشدّها بردا و هکذا یحوّله و یعذبه الی یوم القیامة و هو قول مجاهد* و قیل ان قابیل کان من لقمة آدم التی نهی عنها فی الجنة فظهر ذلک فی ولده فصار اماما للکفرة و الظلمة و یأجوج و مأجوج من نسله* و فی معالم التنزیل لما قتل قابیل هابیل و آدم حینئذ بمکة اشتاک الشجر و تغیرت الاطعمة و حمضت الفواکه و مرّ الماء و اغبرت الارض و عن علیّ رضی اللّه عنه اغبرّت الارض و انتقصت الاشیاء کلها یومئذ طعوم الثمار وضوء الشمس و نور القمر و ریح الریاحین و الطیب و عذوبة الماء و نبت العوسج فقال آدم قد حدث فی الارض شی‌ء فأتی الهند فاذا قابیل قد قتل هابیل فبکی آدم و حوّاء و امتنع من غشیانها و ناح آدم و حوّاء علیه بهذه الابیات و هو أوّل من قال الشعر و اللّه أعلم
تغیرت البلاد و من علیهافوجه الارض مغبرّ قبیح
تغیر کل ذی طعم و لون‌و قلّ بشاشة الوجه الصبیح
فوا أسفا علی هابیل ابنی‌قتیلا قد تضمنه الضریح
و قابیل أذاق الموت هابیل‌فواجزنی لقد فقد الملیح
و جاءت شهلة و لها أنین‌لها بلها و قابلها تصیح
لقتل ابن النبیّ بغیر جرم‌فقلبی عند قتلته جریح
و جاورنا عدوّ لیس یفنی‌لعین لا یموت فنستریح و قالت حوّاء رحمها اللّه تعالی
دع الشکوی فقد هلکا جمیعایهلک لیس بالثمن الربیح
و ما یغنی البکاء عن البواکی‌اذا ما المرء غیب فی الضریح
فبک النفس منک و دع هواهافلست مخلدا بعد الذبیح
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:62
و قال لهما ابلیس لعنه اللّه تعالی
تنح عن البلاد و ساکنیهافبی فی الخلد ضاق بک الفسیح
و کنت بها و زوجک فی رخاءو قلبک من أذی الدنیا مریح
فما زالت مکایدتی و مکری‌الی أن فاتک الخلد الربیح
فلولا رحمة الجبار أضحی‌بکفک من جنان الخلد ریح تابعه الثعلبی فی قول آدم و تفرّد فی قول حوّاء و ابلیس و نقل ابن الاثیر أیضا فی کتاب کامل التاریخ و صاحب زین القصص و غیرهما شعر آدم لکن قال صاحب الکشاف اسناده الی آدم کذب محض و قال الامام فخر الدین الرازی صدق صاحب الکشاف* و فی معالم التنزیل بعد ما نقل الشعر المذکور روی میمون بن مهران عن ابن عباس رضی اللّه عنهما أنه قال من قال ان آدم علیه السلام قال شعرا فقد کذب علی اللّه و رسوله فان محمدا و الأنبیاء کلهم علیهم الصلاة و السلام فی النهی عن الشعر سواء و لکن لما قتل قابیل هابیل رثاه آدم و هو سریانی و قال لشیث یا بنیّ انک وصیی فاحفظ هذا الکلام لیتوارث فیرق الناس علیه فلم یزل ینتقل الی أن وصل الی یعرب بن قحطان و کان یتکلم بالعربیة و السریانیة و هو أوّل من تکلم بالعربیة و کان یقول الشعر و فی القاموس یعرب بن قحطان أبو الیمن و أوّل من تکلم بالعربیة فنظر فی المرثیة فردّ المقدّم الی المؤخر و المؤخر الی المقدّم فوزنه شعرا و زاد فیه أبیاتا منها
و ما لی لا أجود بسکب دمعی‌و هابیل تضمنه الضریح
أری طول الحیاة علیّ غمافهل أنا من حیاتی مستریح و فی معالم التنزیل و لما مضی من عمر آدم مائة و ثلاثون سنة و فی البحر العمیق مائتان و ثلاثون سنة و ذلک بعد قتل هابیل بخمس سنین ولدت له حوّاء شیثا و فی المختصر تفسیره هبة اللّه یعنی انه خلف من هابیل و کذا فی العرائس عن جعفر الصادق* و فی البحر العمیق و کان قیامه بالامر بعد آدم مائتین و ثنتی عشرة سنة و مات و له تسعمائة و اثنتا عشرة سنة و اختلف فی نبوّته* و فی معالم التنزیل ان اللّه تعالی علم آدم جمیع اللغات ثم تکلم کل واحد من أولاده بلغة فتفرّقوا فی البلاد و اختص کل فرقة منهم بلغة و عن محمد بن جریر أن أنساب جمیع بنی آدم الیوم تنتهی الی شیث لان نسل سائر أولاده قد انقطع فی الطوفان‌

* قصة عنق و ابنها عوج‌

و فی معالم التنزیل و العرائس و کانت احدی بنات آدم لصلبه عنق و کان مجلسها جریبا من الارض و فی العرائس و کان کل إصبع من أصابعها ثلاثة أذرع فی عرض ذراعین فی رأس کل اصبع منها ظفران حدیدان مثل المنجلین و کان موضع جلوسها جریبا من الارض و یقال انها أوّل من بغی علی وجه الارض فأرسل اللّه علیها أسودا کالفیلة و ذئابا کالابل و نسورا کالحمر فسلطهم علیها فقتلوها و أکلوا لحمها و شربوا دمها انتهی فولد منها عوج و کان طوله ثلاثة آلاف ذراع و ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثین ذراعا و ثلث ذراع* و فی العرائس کان طول عوج بن عنق ثلاثة و عشرین ألف ذراع و ثلاثمائة و ثلاثة و ثلاثین ذراعا بذراع زمانه و کان یحتجز بالسحاب و یشرب منه و یتناول الحوت من قرار البحر فیشویه بعین الشمس یرفعه إلیها ثم یأکله* و یروی أن الماء طبق ما علی الارض من جبل و فی موضع آخر منه علا الماء علی رءوس الجبال بقدر أربعین ذراعا و قیل خمسة عشر ذراعا و ما جاوز رکبتی عوج* و فی موضع آخر منه کان الماء الی حجزته کما سیجی‌ء* و فی القاموس عوج بن عوق بضمهما رجل ولد فی منزل آدم فعاش الی زمن موسی علیه السلام و ذکر من عظم خلقه شناعة* و فی القاموس أیضا عوق کنوح و الدعوج الطویل و من قال عوج بن عنق فقد أخطأ* و فی الانس الجلیل عوج ابن عناق نسبة لامّه عناق بنت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:63
آدم و هی أوّل من بغی علی وجه الارض و عمل الفجور و السحر و جاهرت بالمعاصی و ولدت عوجا الجبار و لم یغرقه الطوفان و لم یبلغ بعض جسده و طلب السفینة لیغرقها* و فی معالم التنزیل عاش ثلاثة آلاف سنة حتی أهلکه اللّه علی ید موسی و ذلک ان اللّه وعد موسی علیه السلام أن یورثه و قومه الارض المقدّسة و هی الشام* و فی عمدة المعانی الارض المقدّسة أی المطهرة و هی دمشق و فلسطین و بعض الاردن و قیل الشام کلها و سیجی‌ء أمرهم اللّه تعالی بالسیر الی أریحاء من أرض الشام و هی الارض المقدّسة و کان لها ألف قریة و فی کل قریة ألف انسان و کان لا یحمل عنقودا من عنهم الا خمسة أنفس فی خشبة بینهم و یدخل فی شطر الرمانة اذا انزع حبها خمسة أنفس قال ابن عباس اریحاء قریة الجبارین کان فیها قوم من بقیة عاد یقال لهم العمالقة و رأسهم عوج بن عنق و قیل بلقاء* و فی معالم التنزیل سمی أولئک القوم جبارین لامتناعهم لطول قامتهم و قوّة أجسادهم و کانوا من العمالقة و بقیة قوم عاد و قال اللّه یا موسی انی کتبتها لکم دارا و قرارا فاخرج إلیها و جاهد من فیها من العدوّ فانی ناصرک علیهم و خذ من قومک اثنی عشر نقیبا من کل سبط نقیبا کفیلا علی قومه بالوفاء منهم علی ما أمروا به فاختار موسی النقباء و سار ببنی اسرائیل حتی قربوا من أریحاء و بعث هؤلاء النقباء یتجسسون الاخبار و یعلمون علمها فلقیهم رجل من الجبارین یقال له عوج بن عنق و کان طول قامته و عمره ما ذکرنا و علی رأسه خرمة حطب فأخذ النقباء الاثنی عشر و جعلهم فی حزمته و انطلق بهم الی امرأته و قال انظری الی هؤلاء الذین یزعمون أنهم یزیدون قتالنا و طرحهم بین یدیها و قال لأطحننهم فقالت امر أنه بل خل عنهم حتی یخبروا قومهم ففعل ذلک* و روی أنه جعلهم فی کمه و أتی بهم الی الملک فنثرهم بین یدیه و قال الملک ارجعوا فأخبروا بما رأیتم ثم انه جاء و قوّر صخرة من الجبل علی قدر معسکر موسی فرسخا فی فرسخ و حملها لیطبقها علیهم فبعث اللّه الهدهد فقوّر الصخرة بمنقاره فوقعت فی عنقه فصرعته فأقبل موسی و هو مصروع فقتله* و فی الانس الجلیل و العرائس فأرسل اللّه طیرا فنقر الصخرة فنزلت من رأسه الی عنقه و منعته الحرکة فوثب موسی و کانت وثبته عشرة أذرع و طوله عشرة أذرع و طول عصاه مثل ذلک و لم یلحق إلا عرقوبه و هو مصروع و ضرب کعبه فقتله و ترکه بموضعه و أردم علیه التراب و الرمل فکان کالجبل العظیم فی صحراء مصر و جاءت جماعة کثیرة من بنی اسرائیل فقطعوا رأسه بعد جهد جهید بالخناجر و وضعوا ضلعا من أضلاعه علی نیل مصر فجسرهم سنة کذا فی العرائس* و روی أن کل واحد من وثبة موسی و طوله و طول عصاه أربعون ذراعا* و هذه القصة لغرابتها أوردت فی البین فلنرجع الی ما کنا بصدده* روی ان آدم عاش تسعمائة و ستین سنة و قیل ألف سنة و فی حیاة الحیوان کان طول آدم ستین ذراعا و عاش ألف سنة إلّا ستین عاما و فی المختصر إلّا سبعین عاما* و فی الانس الجلیل تسعمائة و ثلاثین سنة و کان وصیه شیث و مدّة مرضه أحد عشر یوما و توفی بمکة یوم الجمعة و صلّی علیه جبریل و اقتدی به الملائکة و بنو آدم* و فی روایة صلّی علیه شیث بأمر جبریل و دفن بمکة فی قبر لحد له فی غار أبی قبیس و هو غار یقال له غار الکنز قاله وهب* و فی العرائس قال ابن اسحاق فی مشارق الفردوس عند قریة هی أوّل قریة کانت فی الارض و کسفت علیه الشمس و القمر تسعة أیام و لیالیها* و فی بحر العلوم عن ابن عباس أنه قال لما فرغ آدم من الحج رجع الی الهند فمات علی نود بالهند و دفن بها و عن ثابت البنانی حفروا لآدم و دفنوه بسر ندیب من الهند فی الموضع الذی أهبط علیه و صححه الحافظ عماد الدین بن کثیر فی تفسیره و الزمخشری فی الکشاف* و فی المدارک لما توفی آدم غسلته الملائکة و حنطته و کفنته فی وتر من الثیاب و حفروا له قبرا و لحد او دفنوه بسر ندیب من الهند و قالوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:64
لبنیه هذه سنتکم و قیل ان قبره فی مغارة بین بیت المقدس و مسجد ابراهیم و عن ابن عمر أنه قال رأسه عند الصخرة و رجلاه عند مسجد الخلیل و توفیت حوّاء بعد آدم بسنة و قیل بثلاثة أیام و دفنت الی جنب آدم فی ذلک الغار و لم یزل قبر آدم هناک الی زمان الطوفان و لما حدث الطوفان حمله نوح و قیل حملهما فی تابوت معه فی السفینة و جعله معترضا بین الرجال و النساء قاله مقاتل* و لما انقضی الطوفان دفنه فی مدفنه الاوّل* و فی روایة ابن عباس دفن ببیت المقدس و قیل عند مسجد الخیف حکاه الذهبی و مسجد الخیف حکاه عروة بن الزبیر* و فی المختصر الجامع قیل ان سام بن نوح أخرجه من السفینة و حمله الی منی و دفنه عند منارة مسجد الخیف* و فی الانس الجلیل نزل جبریل علی آدم اثنتی عشرة مرّة و قام بالامر بعد آدم شیث و یقال شاث و معناه هبة اللّه و یقال عطیة اللّه کذا فی سیرة مغلطای و کانت ولادة شیث بعد مضیّ مائة و عشرین سنة لآدم بعد قتل هابیل بخمس سنین کذا فی کامل التاریخ* و فی روایة کان مولده لمضیّ مائتی سنة و خمس و ثلاثین سنة من عمر آدم و قیل غیر ذلک و کان شیث أجمل أولاد آدم و أشبههم به و أحبهم إلیه و أفضلهم* و قال ابن عباس کان معه توأم و لما حضرت آدم الوفاة عهد الی شیث و علمه ساعات اللیل و النهار و علمه العبادات فی کل ساعة منها و أعلمه بالطوفان و صارت الرئاسة بعد آدم إلیه و أنزل اللّه تعالی علیه خمسین صحیفة و إلیه تنتهی أنساب بنی آدم کلهم الیوم و زوّجه اللّه مخوایله البیضاء بیت آدم فی حیاته و کانت جمیلة کأمّها حوّاء و خطب جبریل و شهدت الملائکة و کان آدم ولیها فولدت أنوش بن شیث و یقال یانش و معناه الصادق و کانت مدّة عمر شیث تسعمائة و اثنتی عشرة سنة و مات لمضیّ ألف و مائة و اثنتین و أربعین سنة من هبوط آدم و دفن فی غار أبی قبیس الی جنب أبویه و انتقلت رئاسة الخلوّ بوصیته الی ابنه یانش و قام مقام أبیه قریبا من ستمائة سنة و عاش تسعمائة و خمسین سنة و قیل کان جمیع عمرة تسعمائة و خمس سنین و کان مولده بعد أن مضی من عمر أبیه شیث ستمائة و خمس سنین کذا فی کامل التاریخ و ولد لا نوش قینن بالقاف و یقال قینان و معناه المتولی ولد من أخت أبیه نعمة بنت شیث بعد مضی تسعین سنة من عمر أنوش کذا فی الکامل* و فی سیرة ابن هشام قاین و قام مقام أبیه قریبا من خمس و تسعین سنة و عاش تسعمائة و اثنتی عشرة سنة کذا فی الکامل و قیل تسعمائة و ثنتین و ستین سنة و ولد لقینان مهلیل بن قینان و یقال مهلائیل و معناه الممدّح و فی الکامل و غیره مهلائیل أوّل من بنی المدن و استخرج المعادن و أمر أهل زمانه باتخاذ المساجد و بنی مدینة بابل بالعراق و مدینة السوس بخوزستان و کانتا أوّل ما بنی علی وجه الارض و ما بنیت قبلهما مدینة و کان مأوی بنی آدم فی المغارات و الغیض کذا فی نظام التواریخ* و فی التوراة أن مهلائیل ولد بعد أن مضی من عمر آدم علیه السلام ثلاثمائة و خمس و تسعون سنة و عاش ثمانمائة و خمسا و تسعین سنة و نسابو الفرس قالوا مهلائیل بن قینان هو شنج الذی ملک الاقالیم السبعة کذا فی کامل التاریخ* و فی نظام التواریخ کثر الناس فی زمان مهلائیل و کان من کثرة الناس فی زحمة ففرّقهم مهلائیل فی أقطار الارض و جاء هو مع أولاد شیث الی أرض بابل* و فی کامل التاریخ مهلائیل هو أوّل من استنبط الحدید و عمل منه الادوات للصناعات و قدّر المیاه فی مواضع المنافع و حض الناس علی الزراعة و اعتماد الاعمال و أمر بقتل السباع الضاریة و اتخاذ الملابس من جلودها و المفارش و بذبح البقر و الغنم و الوحش و أکل لحومها و انه بنی مدینة الریّ و هو أوّل من استخدم الجواری و أوّل من قطع الشجر و عملها فی البناء* ذکروا أنه نزل الهند و تنقل فی البلاد و عقد علی رأسه تاجا و ذکروا أنه قهر ابلیس و جنوده و منعهم الاختلاط بالناس و توعدهم علی ذلک و قتل مردتهم فهربوا من خوفه الی المفاوز و الجبال فلما مات
عادوا و قبل انه سمی شرار الناس شیاطین و استخدمهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:65
و ملک الاقالیم کلها و انه کان بین مولد هو شنج و ملکه و بین موت کیومرث مائتا سنة و ثلاث و عشرون سنة و قال أهل التوراة ان أوّل من اتخذ الملاهی من ولد قابیل رجل یقال له توبال اتخذها فی زمان مهلائیل ابن قینان و اتخذ المزامیر و الطنابیر و الطبول و العیدان و المعازف فانهمک ولد قابیل فی اللهو و ولد لمهلائیل یرد بمثناة تحتیة مفتوحة ثم راء مهملة و ذال معجمة کذا فی الکامل و یقال یارد و یقال الرائذ و معناه الضابط ولد بعد ما مضی من عمر آدم أربعمائة و ستون سنة و کان هو القائم بوصیة أبیه و عاش تسعمائة و ثنتین و ستین سنة و کل هؤلاء ولدوا فی حیاة آدم‌

* (ذکر ملوک الفرس متفرّقة و مشاهیر الأنبیاء و الحکماء الذین کانوا فی أیامهم)

** (ذکر کیومرث)

* فی نظام التواریخ للشیخ ناصر الدین البیضاوی اتفق أهل التواریخ علی أن أوّل الملوک کیومرث و زعم بعض المؤرّخین أن کیومرث هو آدم علیه السلام و لم یصدّقهم الآخرون و أورد الغزالی فی کتاب نصائح الملوک أن کیومرث أخو شیث و قال جماعة ان کیومرث من أولاد نوح و قیل هذا أظهر و علی التقادیر کلها ان کیومرث هو أوّل الملوک فی الارض و یقال ان کیومرث أوّل من بنی المدن ابتنی مدینتین احداهما اصطخر و کان أکثر مقامه بها و الثانیة دماوند و کان یقیم بها أحیانا و عاش ألف سنة و کان ملکه قریبا من أربعین سنة و وصی بملکه لابن ابنه هو شنج‌

(ذکر هوشنج)

* و کان هو شنج صاحب علم و عدل و له کتاب فی الحکمة العملیة و یدّعی الاعاجم أنه نبیّ و من غایة عدله لقبوه بیشداد یعنی کثیر العدل و وضع تاجا علی رأسه و استخرج الحدید من الحجر و صنع منه آلات و زاد فی عمارة اصطخر التی هی دار ملکه و بنی مدینتین بابل وسوس و یقال ان بابل بناء الضحاک و یقال ان هو شنج کان مشتغلا بالعبادة فی الجبال حتی ان بعض الشیاطین ضربوا رأسه بالحجر و هو فی السجود فأهلکوه و کان کیومرث یتضرّع الی اللّه حتی أخبر لیلة فی النوم عن حال هو شنج فقصد کیومرث تلک الجماعة من الشیاطین فأهلکهم و بنی فی مقامهم مدینة بلخ من خراسان کذا فی نظام التواریخ*

(ذکر طهمورث)

* و لما توفی هو شنج قام مقامه سبطه طهمورث الذی هو ولیّ عهده و ملک الاقالیم السبعة و عقد علی رأسه تاجا و کان محمودا فی ملکه مشفقا فی رعیته و انه ابتنی شابور فی فارس و کهن فی مرو و بنی فی خطة اصفهان قمرین و سارویة و نزلها و تنقل فی البلدان و انه وثب علی ابلیس حتی رکبه فطاف علیه فی أدانی الارض و أقاصیها و أفزعه و مردته حتی تفرّقوا و کان أوّل من اتخذ الصوف و الشعر للبس و الفرش و أوّل من اتخذ زینة الملوک من الخیل و البغال و الحمیر و أمر باتخاذ الکلاب لحفظ المواشی و غیرها و أخذ الجوارح للصید و کتب بالفارسیة و ان موارسب ظهر فی أوّل سنة من ملکه و دعا الی ملة الصابئین کذا قال أبو جعفر و غیره من العلماء انه رکب ابلیس و طاف علیه و العهدة علیهم و انما نحن نقلنا ما قالوا قال ابن الکلبی أوّل ملوک الارض من بابل طهمورث و کان للّه مطیعا و کان ملکه أربعین سنة و هو أوّل من کتب بالفارسیة و فی أیامه عبدت الاصنام و أوّل ما عرف الصوم فی ملکه و سببه أن قوما فقراء تعذر علیهم القوت فأمسکوا نهارا و أکلوا لیلا ما یمسک رمقهم و اعتقدوا به تقرّبا الی اللّه تعالی و جاءت الشرائع به کذا فی الکامل* و فی نظام التواریخ وقع فی زمانه قحط فأمر الاغنیاء أن یقنعوا بعشائهم و یعطوا غذاءهم للفقراء فوضع سنة الصوم و یقال ظهر فی زمانه فناء عظیم و کل من مات له حبّ صوّر صورته فبقی منه عبادة الاصنام‌

ذکر ادریس علیه السلام‌

و تزوّج یرد اغثوث و قیل بزوره فولدت له (اخنوخ) ابن یرد بهمزة و حذفها و حاء مهملة مفتوحة و نون و بعد الواو خاء معجمة و قیل بخاءین معجمتین و نون و واو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:66
و فی آخره خاء معجمة کذا فی الکامل* و فی سیرة ابن هشام أهنخ و یقال أخنخ و هو ادریس سمی به لکثرة درسه الکتب فی صحف آدم و شیث کذا فی لباب التأویل و العرائس* و اشتقاقه من الدرس علی تقدیر کونه عربیا و یمنعه منع صرفه* و فی الانس الجلیل أدرک ادریس من حیاة جدّه شیث عشرین سنة و یقال ان ولادته کانت فی زمن آدم قبل وفاته بمائة سنة و قیل حین توفی آدم کان قد مضی من عمر ادریس ثلاثمائة و ستون سنة* و فی المختصر ولد بعد وفاة آدم بمائة و ستین سنة و الجمهور علی أن ادریس أوّل نبیّ بعث بعد آدم بمائتی سنة و ما مضی من عمره فی النبوّة مائة و خمس سنین و أنزل علیه ثلاثون صحیفة و نزل علیه جبریل أربع مرّات کذا فی الانس الجلیل و کان علی شریعة آدم و کان خیاطا و هو أوّل من خط بالقلم* قال أبو الحسین بن فارس فی کتابه فقه اللغة یروی أن أوّل من کتب الکتاب العربی و السریانی و الکتب کلها آدم علیه السلام قبل موته بثلاثمائة سنة کتبها فی طین و طبخه و لما أصاب الارض الغرق وجد کل قوم کتابا فکتبوه فأصاب اسماعیل الکتاب العربی و کان ابن عباس یقول أوّل من وضع الکتاب العربی اسماعیل کذا فی البرهان للزرکشی و کان ادریس أوّل من خاط الثیاب و لبس المخیط و کان من قبله یلبسون الجلود و هو أوّل من نظر فی علم النجوم و الحساب و حکماء الیونان ینسبون إلیه فی علم الهیئة و النجوم و الحساب و یسمونه هرمس الحکیم و هو عظیم عندهم کذا فی نظام التواریخ و هو أوّل أولی العزم و أوّل من اتخذ السلاح و قاتل الکفار و أوّل من اتخذ السبی و الاسر و کان یسیر الی حرب أولاد قابیل و یسبیهم و یستعبدهم و قیل ذلک کله کان فی حیاة آدم* قال العلماء ان ادریس صعد الی السماء و علم دور الافلاک و طبائع الکواکب و خواصها ثم نزل و کان ذلک معراجا له و لما مضی من عمر ادریس ثلاثمائة سنة و ثمان سنین توفی آدم و فی التوراة ان اللّه تعالی رفع ادریس بعد ثلاثمائة سنة و خمس و ستین سنة من عمره بعد أن مضی من عمر أبیه خمسمائة و سبعة و عشرون سنة و عاش أبوه بعد ارتفاعه أربعمائة و خمسا و ثلاثین سنة تمام تسعمائة و ثنتین و ستین سنة و عاش یرد بعد مولد ادریس ثمانمائة سنة کذا فی الکامل و یقال انه قبضت روحه فی السماء الرابعة وصلت علیه الملائکة و بدنه فی السماء الرابعة و تصلی علیه الملائکة کلما هبطت و قیل انه مات ثم أحیاه اللّه و أدخله الجنة و هو فیها الآن و سیجی‌ء و قال قوم انه نبئ بعد آدم بمائتی سنة و رفع و له أربعمائة و خمس و ستون سنة و الاوّل أشهر* و فی لباب التأویل و المدارک و کان سبب رفعه الی السماء الرابعة علی ما قاله کعب الاحبار و غیره أنه سار ذات یوم فی حاجة فأصابه وهج الشمس فقال یا رب انی مشیت یوما فکیف من یحملها مسیرة خمسمائة عام فی یوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها و حرّها فلمّا أصبح الملک وجد من خفة الشمس و حرّها ما لا یعرفه فسأل اللّه عن سبب ذلک فقال ابن عبدی ادریس سألنی أن أخفف عنک حملها و حرّها فأجبته قال یا رب فاجمع بینی و بینه و اجعل بینی و بینه خلة فأذن له حتی أتی ادریس فقال له ادریس اشفع لی عند ملک الموت لیؤخر أجلی فأزداد شکرا و عبادة فقال الملک لا یؤخر اللّه نفسا اذا جاء أجلها و أنا مکلمه فرفعه الی السماء و وضعه عند مطلع الشمس ثم أتی ملک الموت و قال لی إلیک حاجة صدیق لی من بنی آدم یتشفع بی إلیک لتؤخر أجله فقال ملک الموت لیس ذلک الیّ و لکن ان أحببت أعلمته أجله فیقدّم لنفسه قال نعم فنظر فی دیوانه فقال انک کلمتنی فی انسان ما أراه یموت أبدا قال و کیف ذلک قال لا أجده یموت الا عند مطلع الشمس قال أنا أتیتک و ترکته هناک قال انطلق فما أراک تجده الا و قد مات فو اللّه ما بقی من أجل ادریس شی‌ء فرجع الملک فوجده میتا* قال وهب کان یرفع لادریس کل یوم من العبادة مثل ما یرفع لجمیع أهل الارض فی زمانه فعجب منه الملائکة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:67
و حبب إلیهم و اشتاق إلیه ملک الموت فاستأذن ربه فی زیارته فأذن له فقال لملک الموت أذقنی الموت یهن علیّ ففعل باذن اللّه فحیی بعد ساعة ثم رفعه الی السماء و قال أدخلنی النار فأزداد رهبة ففعل ثم قال أدخلنی الجنة فأزداد رغبة ففعل فقال له أخرج الی مقرّک فتعلق بشجرة و قال ما أخرج منها فبعث اللّه ملکا حکما بینهما قال له الملک مالک لا تخرج قال لان اللّه تعالی قال کل نفس ذائقة الموت و قد ذقته و قال و ان منکم الا واردها و قد وردتها و قال و ما هم منها بمخرجین فلست أخرج فأوحی اللّه الی ملک الموت باذنی دخل و بأمری لا یخرج فهو حیّ هنالک* و اختلفوا فی أنه حیّ فی السماء أم میت فقال قوم هو میت و قال قوم هو حیّ و قالوا أربعة من الأنبیاء فی الاحیاء اثنان فی الارض و هما الخضر و الیاس و اثنان فی السماء و هما عیسی و ادریس* و فی فصوص الحکم الیاس هو ادریس کان نبیا قبل نوح و قد رفعه اللّه مکانا علیا فهو فی قلب الافلاک ساکن و هو فلک الشمس ثم بعث الی قریة بعلبک و بعل اسم صنم و بک اسم سلطان تلک القریة و کان هذا الصنم المسمی بعلا مخصوصا بالملک و کان ادریس الذی هو الیاس قد مثل له انفلاق الجبل المسمی لبنان من اللبانة و هی الحاجة عن فرس من نار و جمیع آلاته من نار فلما رآه رکب علیه فسقطت عنه الشهوة فکان عقلا بلا شهوة و لم یبق له تعلق بما یتعلق به الاغراض النفسیة* و فی الکشاف قیل الیاس هو ادریس النبیّ و قراءة ابن مسعود و ان ادریس لمن المرسلین فی موضع الیاس و قرئ ادراس و قیل هو الیاس بن یاسین من ولد هارون النبیّ أخی موسی و بعل علم لصنم کمناة و هبل و قیل کان من ذهب و کان طوله عشرین ذراعا و له أربعة أوجه فتنوا به و عظموه حتی أخدموه أربعمائة سادن و جعلوهم أنبیاء و کان الشیطان یدخل فی جوفه و یتکلم بشریعة الضلال و السدنة یحفظونها و یعلمونها الناس و هم أهل بعلبک من بلاد الشام و به سمیت مدینتهم بعلبک و قیل بعل الرب بلغة الیمن انتهی کلام الکشاف فلما رفع ادریس الی السماء وقع الاختلاف بین الناس و فتر الوحی الی زمان نوح‌

* (ذکر ملک جمشید)

* و فی زمان اخنوخ ملک جمشید و الشید عندهم الشعاع وجم القمر لقبوه بذلک لجماله و هو أخو طهمورث و قیل انه ملک الاقالیم السبعة و سخر له ما فیها من الجنّ و الانس و عقد التاج علی رأسه و أمر بعمل السیوف و الدروع و سائر الاسلحة و آلة الصناع من الحدید و بعمل الابریسم و غزله و القطن و الکتان و کلّ ما یساغ غزله و حیاکته و صبغه ألوانا و لبسه و صنف الناس أربع طبقات طبقة مقاتلة و طبقة فقهاء و طبقة کتابا و صناعا و حرّاثین و اتخذ طبقة منهم خدما کذا فی الکامل* و فی نظام التواریخ زاد جمشید فی عمارة مدینة اصطخر و عظمها حتی کان حدّها من حفرک الی آخر رامجرد مقدار اثنی عشر فرسخا فی الطول و عشرة فراسخ فی العرض و الیوم ظللها و أساطینها باقیة یقال لها چهل مناره أی ذات أربعین مناره و لم یخبر أحد بمثلها فی العالم و لما تم بناؤها سار إلیها مع الملوک و العظماء و فی ساعة بلوغ الشمس نقطة الاعتدال الربیعی جلس علی السریر و وعد الناس بالعدل و الاحسان و سمی ذلک الیوم نوروز یعنی یوم جدید فمدّة ملکه بلغت الی قرب سبعمائة سنة و أبطره الملک و النعمة و غلبته الحماقة و التجبر فدعا الناس الی عبادته و صنع الاصنام علی صورته و بعثها الی أطراف العالم لیعبدوها فسلط اللّه علیه شدّاد بن عاد حتی بعث إلیه ابن أخیه ضحاک بن علوان حتی قلع جمشید و قطعه قطعا قطعا

ذکر متوشلخ‌

و کان ادریس بن یرد قد تزوّج هدانة و یقال ادانة کذا فی الکامل و یقال تزوّج بروحا فولدت له (متوشلخ) بن اخنوخ بفتح المیم و بالتاء المعجمة باثنتین من فوق و بالشین المعجمة و بحاء مهملة و قیل بخاء معجمة کذا فی الکامل و کان لادریس حین تزوّج خمس و ستون سنة و کان متوشلخ أوّل من رکب الفیل و انه سلک رسم أبیه اخنوخ فی الجهاد فعاش بعد ما ولد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:68
لمک سبعمائة سنة و کان مدّة عمر متوشلخ تسعمائة و سبعا و عشرین سنة و قیل غیر ذلک فولد لمتوشلخ لمک ابن متوشلخ و یقال لامک بفتح المیم و کسرها و قیل کان لمتوشلخ ابن آخر غیر لمک یقال له صابی و به سمیت الصابئون و کان لامک رجل أشقر أعطی قوّة و بطشا و نکح بأصح الروایتین شمخاء بنت أنوش و قیل قینوش ابنة مراکیل بن مخویل و یقال مراکیل بن مخاویل أو مخاویل بن اخنوخ و هو ابن مائة و سبع و ثمانین سنة فولدت له (نوحا) ابن لمک علیه السلام و کان له یوم ولد نوح خمسمائة و خمس و تسعون سنة

ذکر نوح علیه السلام‌

و کان مولد نوح بعد موت آدم بمائة و ست و عشرین سنة فبعث اللّه نوحا و هو ابن أربعمائة و ثمانین سنة فدعا قومه مائة و عشرین سنة ثم أمره اللّه تعالی بصنعة الفلک فصنعها و رکبها و هو ابن ستمائة سنة و غرق من غرق ثم مکث بعد السفینة ثلاثمائة و خمسین سنة و روی عن جماعة من السلف انه کان بین آدم و نوح علیهما السلام عشرة قرون کلهم علی ملة الحق و الکفر باللّه حدث فی القرن الذی بعث إلیهم فیه نوح فأرسله اللّه تعالی و هو أوّل نبیّ بعث بالانذار فی الدعاء الی التوحید و هو قول ابن عباس و قتادة کذا فی الکامل* و فی معالم التنزیل و أنوار التنزیل کان لمک و شمخاء أبوا نوح مؤمنین قیل سمی نوحا لکثرة ما ناح علی نفسه* و فی تفسیر القشیری فی الخبر أن نوحا علیه السلام کان اسمه یشکر و لکثرة ما کان یبکی أوحی اللّه إلیه یا نوح کم تنوح فسموه نوحا و ان ذنبه انه کان یوما مرّ بکلب فقال ما أوحشه فأوحی اللّه تعالی إلیه أن اخلق أنت أحسن من هذا فکان یبکی معتذرا من مقالته تلک* و فی حیاة الحیوان کان اسمه عبد الجبار و انما سمی نوحا لنوحه علی ذنوب أمّته* و فی ربیع الابرار بکی نوح ثلاثمائة سنة لقوله ان ابنی من أهلی* و فی الانس الجلیل اسمه عبد الغفار و ولد بعد مضیّ ألف و ستمائة و اثنتین و أربعین سنة من هبوط آدم و کان بعد رفع ادریس الی السماء بمائة و خمس و سبعین سنة* و فی العرائس أرسله اللّه الی ولد قابیل و من تابعهم من ولد شیث و هو ابن خمسین سنة* و فی معالم التنزیل عن ابن عباس أنه بعث بعد أربعین سنة و لبث فی قومه یدعوهم تسعمائة و خمسین سنة فآمن به ثمانون نفسا من الرجال و النساء* قال عون بن شدّاد ان اللّه تعالی أرسل نوحا و هو ابن ثلاثمائة و خمسین سنة فلبث فیهم ألف سنة الا خمسین عاما ثم عاش بعد ذلک ثلاثمائة و خمسین سنة کذا فی الکامل قال ابن عباس و عاش بعد الطوفان ستین سنة و کان عمره ألفا و خمسین سنة و قال مقاتل بعث و هو ابن مائتین و خمسین سنة و کان عمره ألفا و أربعمائة و خمسین سنة و الی هذا القول أشار الزمخشری فی ربیع الابرار روی الضحاک عن ابن عباس أنه قال ان نوحا کان یضرب ثم یلف فی لبد ثم یلقی فی بیته فیرون أنه قد مات ثم یخرج فیدعوهم حتی أیس من ایمان قومه فدعا علیهم فأجاب اللّه دعاءه و أمر أن یصنع الفلک‌

صفة سفینة نوح‌

قال نوح یا رب و ما الفلک قال بیت من خشب یجری علی وجه الماء حتی أغرق أهل معصیتی و أریح أرضی منهم قال یا رب و أین الماء قال یا نوح انی علی ما أشاء قدیر قال یا رب و أین الخشب قال اغرس من الشجر فغرس و أتی علی ذلک أربعون سنة و کف فی تلک المدّة عن الدعاء فلم یدعهم فأعقم اللّه تعالی أرحام نسائهم فلم یولد لهم ولد فلما أدرک الشجر أمره اللّه أن یقطعه فقطعه و جففه و قال یا رب کیف أتخذ هذا البیت قال اجعله أزور علی ثلاث صور رأسه کرأس الدیک و جؤجؤه کجؤجؤ الطیر و ذنبه کذنب الدیک مائلا و اجعلها مطبقة و اجعل لها أبوابا فی جنبها و اجعلها ثلاث طبقات و اجعل طولها ثمانین ذراعا و عرضها خمسین ذراعا قال قتادة و طولها فی السماء ثلاثون ذراعا و الذراع الی المنکب کذا فی حیاة الحیوان و معالم التنزیل* و فی روایة أوحی اللّه تعالی الی نوح أن عجل بصنعة السفینة فقد اشتدّ غضبی علی من عصانی فاستأجر نوح نجارین یعملون معه و أولاده حام و سام و یافث معه ینحتون السفینة فجعل طولها فی هذه الروایة ستمائة و ستین ذراعا و عرضها ثلاثمائة و ثلاثین ذراعا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:69
و علوّها فی السماء ثلاثة و ثلاثین ذراعا و هذا قول ابن عباس* و فی روایة الضحاک و طلاها بالقار من داخلها و خارجها و شدّها بالدسر و هی المسامیر الحدید و فجر له عین القار یغلی غلیانا حتی طلاها به هذا کله فی عرائس الثعلبی و عن زید بن أسلم أنه قال مکث نوح مائة سنة یغرس الاشجار و یقطعها و مائة سنة یعمل الفلک و قیل غرس الشجر أربعین سنة و قطعة أربعین سنة کما مرّ و عن کعب الاحبار أن نوحا عمل السفینة فی ثلاثین سنة و فی روایة لما دنا هلاک قومه أتاه جبریل و قال ان ربک یأمرک أن تصنع الفلک قال و کیف أصنع و لست بنجار قال فان ربک یقول اصنع فانک بعینی* و فی الکشاف کان للّه معه أعینا یکلؤه أن یزیغ فی صنعته عن الصواب و أن یحول بینه و بین عمله أحد من أعدائه فأخذ القدوم فجعل یصنع و لا یخطئ و قیل أوحی اللّه إلیه أن یصنعها مثل جؤجؤ الطائر کما مرّ فلما أمره اللّه أن یصنع الفلک أقبل نوح علی عمل الفلک و لها عن قومه و جعل بقطع الخشب و یضرب الحدید و یهیئ ما یحتاج إلیه الفلک من القار و غیره و جعل قومه یمرّون به و هو فی عمله فیسخرون منه و یقولون یا نوح صرت نجارا بعد النبوّة و روی أنهم کانوا یقولون یا نوح ما ذا تصنع فیقول أصنع بیتا یمشی علی وجه الماء فیضحکون منه استهزاء بعمل السفینة فانه کان یعملها فی برّیة بمهمه فی أبعد موضع من الماء و فی وقت عز الماء عزة شدیدة* و فی روضة الاحباب روی أن نوحا لما أمر باتخاذ السفینة جاء جبریل بشجر الساج و أمره بغرسه فغرسه فأدرک و استوی بعد عشرین سنة أو أربعین سنة و لما أدرک قطعه و ترکه حتی یبس فجاء جبریل فعلمه صنعة السفینة فاشتغل هو و بنوه الثلاثة و أجیر آخر بعمل السفینة* و فی حیاة الحیوان أوّل من اتخذ الکلب للحرس نوح علیه السلام قال یا رب أمرتنی أن أصنع الفلک و أنا فی صناعته أصنع یوما فیجیئون باللیل فیفسدون کل ما عملت فمتی یلتئم لی ما أمرتنی به قد طال علیّ أمری فأوحی اللّه إلیه یا نوح اتخذ کلبا یحرسک فاتخذ نوح کلبا و کان یعمل بالنهار و ینام باللیل فاذا جاء قومه لیفسدوا باللیل هجمهم الکلب فینتبه نوح و یأخذ الهراوة و یثب لهم فینهزمون منه فالتأم له ما أراد* و فی بعض الکتب المنزلة لما أمر اللّه نوحا بقطع الاشجار و قلع الالواح قطعها و قلع منها مائة ألف و أربعة و عشرین ألف لوح بعدد الأنبیاء علیهم السلام و کان علی کل لوح اسم نبیّ من الأنبیاء أوّلهم آدم و آخرهم محمد صلّی اللّه علیه و سلم فکان علی اللوح الاوّل اسم آدم و علی الثانی اسم شیث و علی الثالث اسم ادریس و علی الرابع اسم نوح و علی الخامس اسم هود و علی السادس اسم صالح و علی السابع اسم ابراهیم الی مائة ألف و أربعة و عشرین ألفا و کان کلما قلع لوحا یظهر علیه اسم نبیّ و أوحی اللّه الی نوح انه ناقص من سفینتک أربعة ألواح لا بدّ لها منها لتکمل و ان نهر النیل شجرة فارسل إلیها من یأتی بها فقال نوح لاولاده ذلک فلم یجبه أحد منهم فقیل لنوح أن قل ذلک لعوج بن عنق فانه علیه قویّ و یقدر علی السیر إلیه فقال نوح ذلک لعوج و شرط علیه أن یشبعه فذهب عوج إلیها و جاء بها فقدّم إلیه نوح ثلاثة أقراص من شعیر فضحک عوج متعجبا و قال یا نوح کیف أشبع بهذا و أنا آکل کل یوم اثنی عشر ألف قرص و ما أشبع قیل ان عوج لم یشبع من طعام قط و لم یسع فی لباس قط فقال نوح یا عوج قل بسم اللّه الرحمن الرحیم و کل فقال عوج بسم اللّه و أکل نصف قرص و شبع و بقی قرصان و نصف ثم ان نوحا قلع من تلک الشجرة أربعة ألواح و کمل بها السفینة و کان مکتوبا علی اللوح الاوّل اسم أبی بکر و علی الثانی اسم عمر و علی الثالث اسم عثمان و علی الرابع اسم علیّ رضی اللّه عنهم أجمعین فقال نوح یا جبریل من هؤلاء قال هؤلاء أصحاب محمد خاتم النبیین فکما ان سفینتک لم تکمل بدون هذه الالواح کذلک لم یکمل أمر أمة محمد بدون هؤلاء الاربعة قال ابن عباس اتخذ نوح السفینة فی سنتین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:70
و کان طولها ثلاثمائة ذراع و عرضها خمسین ذراعا و سمکها ثلاثین ذراعا و کانت من خشب الساج و جعل لها ثلاثة بطون فحمل فی البطن الاسفل الوحوش و الهوام و فی البطن الاوسط الدواب و الانعام و رکب هو و من معه من ولد آدم فی البطن الاعلی و جعل الذرّ معه فی الطبقة العلیا شفقة علیها لضعفها لئلا یصل إلیها شی‌ء و حمل معه ما یحتاج إلیه من الزاد* و فی معالم التنزیل انها کانت ثلاث طبقات الطبقة السفلی للدواب و الوحوش و الطبقة الوسطی فیها الانس و الطبقة العلیا فیها الطیر و روی عن الحسن أنه قال کان طولها ألفا و مائتی ذراع و عرضها ستمائة ذراع* و فی بعض الکتب کان عرضها أربعمائة ذراع و لها سبعة أطباق و المعروف أن طولها ثلاثمائة ذراع و اختلفوا فی التنور فی الآیة قال عکرمة و الزهری قیل لنوح اذا رأیت الماء فار علی وجه الارض فارکب السفینة فالمراد بالتنور فی الآیة وجه الارض و روی عن علیّ رضی اللّه عنه أنه قال فار التنور أی طلع الفجر الصبح و قیل فار التنور مثل کنایة عن اشتداد الامر کقولهم حمی الوطیس أی اشتدّ الامر و قال الحسن و مجاهد و الشعبی انه التنور الذی یخبر فیه ابتدأ منه النبوع علی خرق العادة عن ابن عباس کان تنورا من حجارة و قیل من حدید کانت حوّاء تخبز فیه فصار الی نوح فقیل لنوح اذا رأیت الماء یفور من التنور فارکب السفینة أنت و أصحابک* و فی روایة قال نوح یا رب ما علامة الطوفان قال علامته أن یفور تنور امرأتک أو ابنتک و ینبع الماء من بین النار و یرتفع کالقدر و یفور فلما نبع الماء من التنور أخبرته امرأته فرکب* و فی المدارک أخرج سبب الغرق من موضع الحرق لیکون أبلغ فی الانذار و الاعتبار و اختلفوا فی موضع التنور فقال مجاهد و الشعبی کان فی ناحیة الکوفة و قالا اتخذ نوح السفینة فی جوف مسجد الکوفة و کان التنور علی یمین الداخل مما یلی باب کندة و کان فوران الماء منه علما لنوح و انه من ذلک الموضع رکب السفینة و قال مقاتل کان ذلک تنور آدم و کان بالشام فی موضع یقال له عین وردة بقرب بعلبک* و فی انوار التنزیل کان بعین وردة من أرض الجزیرة و عن ابن عباس أنه کان بالهند و أدخل معه کل من آمن به و اختلفوا فی عدد أصحاب السفینة قال قتادة و ابن جریج و محمد بن کعب القرظی لم یکن فی السفینة إلّا ثمانیة نوح و امرأته و ثلاث بنین له سام و حام و یافث و نساؤهم فجمیعهم ثمانیة و قال الاعمش کانوا سبعة نوح و ثلاث بنیه و ثلاث کنائن له و قال ابن اسحاق کانوا عشرة نوح و بنوه سام و حام و یافث و ستة أناس ممن کان آمن به و أزواجهم جمیعا و قال مقاتل کانوا اثنین و سبعین نفرا رجلا و امرأة و بنیه الثلاثة و نساءهم فجمیعهم ثمانیة و سبعون نصفهم رجال و نصفهم نساء و عن ابن عباس کان فی سفینة نوح ثمانون رجلا أحدهم جرهم و حمل نوح معه جسد آدم و جعله معترضا بین الرجال و النساء کما مرّ و أمر نوح أن لا یعلو ذکر علی أنثی ما داموا فی السفینة فأصاب حام امرأته فی السفینة فدعا نوح علیه فغیر اللّه نطفته فجاءت منه السودان و وثب الکلب علی الکلبة فدعا نوح علیهم فقال اللهم اجعلهم عسرا کذا فی العرائس* و عن ابن عباس لما أمر نوح بالحمل فیها قال یا رب کیف أحمل فیها قال من کل زوجین اثنین فحشر اللّه إلیه الوحوش و السباع و الطیر من البرّ و البحر و السهل و الجبل لیحملها قال ابن عباس أرسل اللّه المطر أربعین یوما و لیلة فأقبلت الوحوش و الطیور الی نوح حین أصابها المطر و سخرت له فجعل یضرب بیدیه فی کل جنس فیقع الذکر فی یده الیمنی و الانثی فی یده الیسری فیحملهما فی السفینة و عنه أوّل ما حمل نوح الذرّة* و فی العرائس أوّل ما حمل معه من الطیور الدرّة و آخره الحمار و دخل بصدره و تعلق ابلیس بذنبه فلم تستقل رجلاه فجعل نوح یقول ادخل فینکص حتی قال نوح و یحک ادخل و ان کان الشیطان معک کلمة زلت علی لسانه فلما قالها نوح خلی الشیطان سبیله فدخل و دخل الشیطان معه قال نوح ما أدخلک علیّ یا عدوّ اللّه قال أ لم تقل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:71
ادخل و ان کان الشیطان معک قال اخرج عنی یا عدوّ اللّه قال مالک بد أن تحملنی معک و کان فیما یزعمون فی ظهر الفلک* و فی تفسیر القشیری جاء فی القصة ان ابلیس تعرّض له و قال احملنی معک فی السفینة فأبی نوح علیه السلام فقال یا شقی تطمع فی حملی ایاک و أنت رأس الکفرة فقال ابلیس یا نوح أ ما علمت أن اللّه أنظرنی الی یوم القیامة و لیس ینجو الیوم أحد الا من فی هذه السفینة فأوحی اللّه الی نوح أن احمله و کان ابلیس مع نوح فی السفینة* و فی تفسیر القشیری ان الحیة و العقرب أتیا نوحا فقالتا احملنا فقال نوح لا أحملکما فانکما سبب البلاء و الضرر فقالتا احملنا و نحن نضمن لک أن لا نضرّ أحد اذکرک فمن قرأ حین خاف مضرّتهما سلام علی نوح فی العالمین انا کذلک نجزی المحسنین انه من عبادنا المؤمنین ما ضرّتاه کذا فی حیاة الحیوان* و عن زید بن أسلم عن أبیه أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لما حمل نوح فی السفینة من کل زوجین اثنین قال أصحابه و کیف نطمئن أو تطمئن المواشی و معنا الاسد فألقی اللّه علیه الحمی فکانت أوّل حمی نزلت الی الارض فهو لا یزال محموما و فی هذا المعنی قیل شعر
و ما الکلب محموما و ان طال عمره‌ألا انما الحمی علی الاسد الورد و عن وهب بن منبه لما أمر نوح أن یحمل من کل زوجین اثنین قال یا رب و کیف أصنع بالاسد و البقر و کیف أصنع بالعناق و الذئب و کیف أصنع بالحمام و الهرّة قال من ألقی بینهم العداوة قال أنت یا رب قال فانی أؤلف بینهم فلا یتضرّرون أوردهما فی حیاة الحیوان* و فی أنوار التنزیل حمل فیها من کل نوع من الحیوانات المنتفع بها و قال الحسن لم یحمل نوح الا ما یلد أو یبیض فأمّا ما یتولد من الطین من حشرات الارض کالبق و البعوض و الذبات فلم یحمل منها شیئا فلما دخل و حمل معه من حمل تحرّکت ینابیع الغوط الاکبر و أمطرت السماء کأفواه القرب فجعل الماء ینزل من السماء و ینبع من الارض حتی کثر و اشتدّ و کان بین ارسال الماء و احتمال الماء الفلک أربعون یوما و لیلة فعلا الماء رءوس الجبال بقدر أربعین ذراعا و قیل خمسة عشر ذراعا و لما کثر الماء فی السکک خشیت أمّ الصبیّ علیه و کانت تحبه حبا شدیدا فخرجت به الی الجبل حتی بلغت ثلثه فلما بلغها ارتفعت حتی بلغت ثلثیه فلما بلغها ذهبت حتی استوت علی الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعت الصبیّ بیدیها حتی ذهب الماء بها فلو رحم اللّه منهم أحدا لرحم أمّ الصبیّ* قال الضحاک کان نوح اذا أراد أن یجری السفینة قال بسم اللّه جرت و اذا أراد أن ترسو قال بسم اللّه رست قال اللّه تعالی بسم اللّه مجراها و مرساها ان ربی لغفور رحیم* و فی العمدة من رکب البحر فأمانه من الغرق أن یقول بسم اللّه مجراها و مرساها ان ربی لغفور رحیم و ما قدروا اللّه حق قدره و الارض جمیعا قبضته یوم القیامة و السموات مطویات بیمینه سبحانه و تعالی عما یشرکون و کذا فی المعجم الکبیر للطبرانی و عمل الیوم و اللیلة لابن السنی و مسند أبی یعلی الموصلی* و فی معالم التنزیل و العرائس فلما کثرت أرواث الدواب أوحی اللّه تعالی الی نوح أن اغمز ذنب الفیل فغمزه فوقع منه خنزیر و خنزیرة فأقبلا علی الروث فأکلاه فلما وقع الفأر جعل یفسد فی السفینة و یقرض الحبال لانه توالد فی السفینة فأوحی اللّه إلیه أن اضرب بین عینی الاسد فضرب فخرج من منخره سنور و سنورة فأقبلا علی الفأر* و فی حیاة الحیوان شکوا الفأر فقال الفویسقة تفسد علینا طعامنا و متاعنا فأوحی اللّه تعالی الی الاسد فعطس و فی موضع آخر منها فمسح نوح علیه السلام علی جبهة الاسد فعطس فخرجت الهرّة منه فتخبأت الفأرة منها* و فی روضة الاحباب روی أن السفینة کانت مطبقة و کانت ظلمة الهواء بحیث لا یتمیز النهار من اللیل قال ابن عباس خلق اللّه علی حرف السفینة کهیئة خرزتین نیرتین تتحرّک احداهما کالشمس و الاخری مثل القمر و من حرکتهما یعلم اللیل و النهار و أوقات
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:72
الصلوات* و فی معالم التنزیل ان نوحا کان نجارا صنع السفینة و رکبها لعشر مضت من رجب و جرت بهم السفینة ستة أشهر و مرّت بالبیت و طافت به سبعا و قد رفعه اللّه من العرق و بقی موضعه و فی روایة انها طافت به سبعین مرّة و قد أعتقه اللّه من الغرق* و فی العرائس طافت السفینة بأهلها الارض کلها فی ستة أشهر لا تستقرّ علی شی‌ء حتی أتت الحرم فلم تدخله و دارت بالحرم أسبوعا و قد رفع اللّه البیت الذی کان حجه آدم صیانة له من الغرق و هو البیت المعمور و خبأ جبریل الحجر الاسود فی جبل أبی قبیس فلما طافت السفینة بالحرم ذهبت فی الارض تسیر بهم حتی انتهت الی الجودی و هو جبل بالجزیرة من أرض الموصل فاستقرّت علیه قال مجاهد تشامخت الجبال و تطاولت لئلا ینالها الماء فعلا فوقها خمسة عشر ذراعا و تواضع الجودی لامر ربه فلم یغرق و رست السفینة علیه* و فی الکشاف عن قتادة استقلت بهم السفینة فی رجب لعشر خلون منه و کانت فی الماء خمسین و مائة یوم و استقرّت علی الجودی شهرا و هبط یوم عاشوراء* و فی معالم التنزیل قیل طافت بهم علی تمام وجه الارض مرّتین حتی استوت علی الجودی و هو جبل بالجزیرة بقرب الموصل و قیل بالشام و قیل بآمد روی أن نوحا بعث الغراب لیأتیه بخبر الارض و لینظر هل غرقت البلاد فوقع علی جیفة طافیة علی وجه الماء فاشتغل بها فلم یرجع فدعا علیه نوح بالخوف فعلقت رجلاه و خوّف من الناس فلذلک لم یألف البیوت فبعث الحمامة فجاءت بورق زیتون فی منقارها و لطخت رجلیها بالطین فعلم نوح أن الماء قد غیض و البلاد قد جفت فطوّقها بالخضرة التی فی عنقها و دعا لها بالانس و أن تکون فی أمان و من ثمة تألف البیوت و الآدمیین* و فی حیاة الحیوان ان ورشانا أخبر نوحا علیه السلام بنقص الماء لما کان فی السفینة* و فی معالم التنزیل قیل ما نجا من الکفار من الغرق غیر عوج بن عنق کان الماء الی حجزته کما مرّ و کان سبب نجاته أن نوحا احتاج الی خشب الساج للسفینة و لم یمکنه نقلها فحملها عوج إلیه من الشام و هو بالکوفة فنجاه اللّه من الغرق لذلک کما مرّ* و فی العرائس لما خرج نوح و من معه من السفینة اتخذ بناحیة باقور من أرض الجزیرة موضعا ابتنی هنا لک قریة سموها بسوق ثمانین لانه کان یبنی فیها بیتا لکل انسان ممن معه و هم ثمانون فهی الی الیوم تسمی سوق ثمانین* و فی العرائس قال أهل التاریخ أرسل اللّه الطوفان لثلاث عشرة لیلة خلت من شهر آب من الشهور الرومیة لمضیّ ستمائة سنة من عمر نوح و لتتمة ألفی سنة و فی روایة ثلاثة آلاف سنة و مائتین و ستة و خمسین سنة* و فی المختصر و اثنان و أربعون سنة بدل خمسین سنة من لدن أهبط اللّه آدم علیه السلام و رکب نوح و من معه فی السفینة لعشر خلون من رجب و خرجوا منها فی العاشر من المحرّم فلذلک سمی یوم عاشوراء و أقاموا فی الفلک ستة أشهر فلما هبط نوح و من معه سالمین صام نوح و أمر جمیع من معه من الانس و الوحوش و الدواب و الطیر فصاموا شکرا للّه تعالی و یقال ان نوحا و من معه کانت أظلمت أعینهم فی السفینة من دوام النظر فی الماء فأمر بالاکتحال یوم عاشوراء الذی خرجوا فیه من السفینة عن ابن عباس رضی اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من اکتحل بالاثمد یوم عاشوراء لم ترمد عینه أبدا* و فی الانس الجلیل کان الطوفان بعد هبوط آدم بالفی سنة و مائتین و اثنین و أربعین سنة و عمر نوح ألف و أربعمائة و خمسون سنة و هو الموافق للآیة و فی المختصر ولد نوح فی السنة المائتین و سبع و ثمانین من عمر لک و عاش نوح فی الدنیا تسعمائة و خمسین سنة و ولد بعد وفاة آدم بتسعمائة سنة و ثنتی عشرة سنة و کان الغرق فی سنة ستمائة من عمر نوح و کان بین الطوفان و هبوط آدم ألفان و مائتان و اثنان و أربعون سنة* و فی العرائس عاش نوح بعد الطوفان ثلاثمائة و خمسین سنة و کان جمیع عمره ألف سنة الا خمسین عاما ثم قبضه اللّه إلیه هذا قول أکثر العلماء و کذا هو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:73
فی التوراة و قال عون بن أبی شدّاد عاش نوح علیه السلام بعد الطوفان ألف سنة الا خمسین عاما و قبل الطوفان ثلاثمائة و خمسین سنة فعلی هذا القول کان مبلغ عمر نوح ألفا و ثلاثمائة سنة* و فی ربیع الابرار کان نوح فی بیت من شعر ألفا و أربعمائة سنة فکلما قیل له یا رسول اللّه لو اتخذت بیتا من طین تأوی إلیه قال أنا میت غدا فتارکه فلم یزل فیه حتی فارق الدنیا و یروی أنه قیل لنوح حین حضرته الوفاة کیف رأیت الدنیا قال کبیت له بابان دخلت من أحدهما و خرجت من الآخر* روی أنه لما کثر أولاد نوح و ذراریهم و کانوا ساکنین بعد نوح بالموصل الی بابل سنین و کان کلام جمیعهم بالسریانیة فاقتضت الارادة الالهیة تعمیر البلاد بأصناف العباد فتغایرت ذات لیلة ألسنتهم و تناکرت أفئدتهم فأصبحوا یوما و قد تبلبلت ألسنتهم و تکلم کل واحد منهم باللسان الذی علیه أعقابهم الیوم فلم تعرف فرقة منهم کلام الاخری فحرجوا من بابل کل فرقة بأهلیهم یهیمون فی الارض فتفرّقوا فی البلاد و الاقطار و اتخذوا منها القری و الامصار فتوالدوا فیها و تکاثروا و اشتهر کل مکان باسم ساکنیه* و فی الانس الجلیل لما خرج نوح من السفینة قسم الارض بین أولاده الثلاثة سام و یافث و حام أعطی ساما الحجاز و الیمن و الشام و الجزیرة و أعطی یافثا المشرق و أعطی حاما المغرب* و فی الوفاء عن ابن عباس لما خرج الناس من السفینة نزلوا طرف بابل و کانوا ثمانین نفسا فسمی الموضع سوق الثمانین کما مرّ و طول بابل مسیرة عشرة أیام و اثنی عشر فرسخا فمکثوا بها حتی کثروا و صار ملکهم نمرود بن کنعان بن حام فلما کفروا تبلبلوا و تفرّقت ألسنتهم علی اثنین و سبعین لسانا ففهم اللّه العربیة منهم عملیق و طسم ابنی لاود بن سام بن نوح و عادا و عبیل ابنی عوص بن ارم بن سام و ثمود و جدیس ابنی جائر بن ارم بن سام و قنطور بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام فنزلت عبیل یثرب و یثرب اسم عبیل ثم أخرجوا منها و نزلوا الجحفة فجاءهم سیل أجحفهم منه فسمیت الجحفة و قال أبو القاسم الزجاج أوّل من سکن المدینة عند التفرّق یثرب بن فانیة بن مهلائیل بن عوم بن عبیل بن عوص بن ارم بن سام بن نوح علیه السلام و به سمیت یثرب* و روی عن ابن عباس ما یدل علیه و قال یاقوت کان أوّل من زرع بالمدینة و اتخذ بها النخل و عمر بها الدور و الآطام و اتخذ بها الضیاع العمالیق و هم بنو عملاق بن أرفخشد بن سام بن نوح و کانت العمالیق ممن انبسط فی البلاد فأخذوا ما بین البحرین و عمان و الحجاز الی الشام و مصر و جبابرة الشام و فراعنة مصر منهم* و فی الوفاء الحجاز بالکسر مکة و المدینة و الیمامة و مخالیفها* و فی المختصر و کان أوّل من خرج منهم من بابل ولد یافث بن نوح و کانوا سبعة اخوة منهم الترک و الخوز و الصقالبة و التاریس و منسک و کار و الصین فسلکوا مطلع الشمس مما یلی المشرق و تسوقهم ریح الجنوب و الصبا فتفرّقوا فی تلک الارض الی الشمال و تکلم کل واحد منهم بلسان علیه ولده الآن ثم من بعدهم ولد حام بن نوح و کانوا أیضا سبعة اخوة منهم السند و الهند و الحبش و القبط و البجه فسلکوا و ایمنة عن مطلع الشمس مما یلی الغرب تسوقهم ریح الدبور حتی انتهوا الی بلدان یسمونها بهم الیوم و تکلموا باللسان الذی علیه أولادهم الآن و أقام سام بن نوح ببابل حتی تغیرت أحوالهم و اختلفت أقوالهم و تفرّقت کلمتهم و له أولاد و بنون ذوو جمال و عقل منهم أکبرهم سنا و أکثرهم جمالا و عقلا و أفضلهم کلاما و کمالا عالم بن سام و النضر بن سام و کان أحرصهم عملا و الاسود ابن سام و کان أعزهم نفسا و لهم أولاد کثیرة منهم عراق بن عالم و کرمان بن ایرج بن سام و خراسان ابن عالم و فارس بن أسود و روم بن الاسود و أرمن بن یوزخ بن سام و هیطل بن عالم فطلبوا منه هؤلاء البلاد التی علیها أعقابهم الی الآن فلم یبق فی مملکة بابل الا ولد أرفخشد بن سام بن نوح* و أما ولد ارم بن سام بن نوح احتقروا الناس بما أنعم اللّه علیهم من اللسان العربی و القوّة و البطش عند تبلبل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:74
الالسنة و کانوا سبعة اخوة و هم عاد و کان أعظمهم بطشا و أقواهم و ثمود و صحار و طسم و جدیس و جاشم و وبار و قد احتقروا الناس و ملکوا علی أنفسهم شدید بن عملیق بن عاد و أخاه عملیق العمالقة شدّاد بن عاد و لما وقع التخالف و التبلبل ببابل أوّل من رحل عاد بن ارم و ولده و سار نحو المشرق فسمع منادیا فی الهواء یا عاد خذ یمنة فلذلک سموا بالیمن فسار أمام ولده فسبق الی أرض الیمن و استوطنها و فرّق ولده فیها ثمّ تبعه أخوه ثمود فی أهله و ماله فسار حتی نزل بین الحجاز و الشام و کان ذا ماء و شجر ثم تبعهما أخوهما طسم فی أهله و ماله و ولده و سار نحو عمان و البحرین و هو أمامهم حتی أتی عمان فرأی بلادا واسعة کثیرة الماء و الکلإ فنزلها و فرّق أولاده فیها ثم تبعهم أخوهم جدیس فسار بأهله و ولده حتی أتی الیمامة فرأی بلادا واسعة طیبة التربة قریبة الماء فنزل فیها و کان یسمی اذ ذاک جو فوجه بعض ولده الی هجر فاحتوی علیها فنزل بها ثم تبعهم أخوهم صحار فی ولده و ماله و أهله و لزم السمت الذی سلکه أخوه عاد فسار حتی نزل تهامة و الحجاز و أقام بها و فرّق أولاده فیما بین الطائف الی جبلی طی ثم تبعهم أخوهم جاشم و کان أجملهم وجها فسار أمام قومه یقفو آثار صحار حتی لحقه و قد استوطن تهامة و الحجاز حتی أقام معه بها و تفرّق أولاده فیما بین الحرم الی حدّ سفوان ثم تبعهم أخوهم الاصغر و بار بأهله و سار الی رمل عالج علی شاطئ بحر القلزم بحر کثیر الخیر فهؤلاء العرب السالفة الاولی الذین انقرضوا الی آخرهم و هؤلاء الذین احتقروا الناس لکثرتهم و تفرّقوا و ملکوا علیهم شدید بن عملیق بن عاد و انه کان أشدّ رجل فی الجبابرة من ولد عاد و أعقلهم* و فی نظام التواریخ اعلم أن لارم أخی أرفخشد سبعة بنین عاد و ثمود و صحار و طسم و جدیس و وبار فسار عاد الی الیمن و ثمود الی ما بین الحجاز و الشام و صحار الی أراضی طی و طسم الی عمان و البحرین و جدیس الی أرض یمامة و جاشم الی ما بین الحرم و سفوان و وبار الی أرض سمیت به و کثر أولاد عاد حتی استولوا و کان کبیرهم عملیق بن عاد و لما توفی ملک شدّاد و شدید من أولاد عاد و غلبا فبعث الضحاک الی أرض بابل و فارس لیقهر جمشید فنزل الضحاک هناک و شرع فی الظلم فأرسل اللّه تعالی هود بن خلد بن الخلود بن عیص بن عملیق فدعا عادا فلم یلتفت إلیه شدّاد فأهلکهم اللّه تعالی بالریح العقیم و ملک مرثد بن شدّاد و آمن بهود علیه السلام و کان معه بحضر موت حتی توفیا* قال و کان نوح نبیا مرسلا من أولی العزم و أوّل نبی نسخت شریعته شریعة من قبله فنسخت شریعة آدم و کان ادریس علی شریعة آدم و یدعو الخلق إلیها* و فی معالم التنزیل کان نوح أطول الأنبیاء عمرا و جعلت معجزته فی نفسه فانه عمر ألف سنة أو أکثر و لم ینقص له سنّ و لم تشب له شعرة و لم تنقص له قوّة و لم یصبر نبیّ علی أذی قومه مثل ما صبر هو علی أذی قومه علی طول عمره*

(ذکر الضحاک)

* الفرس تقول له بیوراسب و اژدرهایی و العرب تنقله و تعربه و تسمیه الضحاک فی الکامل قال ابن هشام و ابن الکلبی ملک الضحاک بعد جمشید فیما یزعمون ألف سنة و نزل السواد فی قریة یقال لها برس فی ناحیة طریق الکوفة و ملک الارض کلها و سار بالجور و التعسف و بسط یده فی القتل و کان أوّل من سنّ الصلب و القطع و أوّل من وضع العشور و ضرب الدراهم قال بلغنا أن الضحاک هو النمروذ و ان ابراهیم الخلیل ولد فی زمانه و انه صاحبه الذی أراد احراقه و تزعم الفرس أن الملک لم یکن الا للبطن الذی منه أو شهنج وجم و طهمورث و ان الضحاک کان غاصبا و انه غصب أهل الارض بسحره و خبثه و کان ساحرا فاجرا و یهوّل علیهم بالحیتین اللتین کانتا علی منکبیه و قال کثیر من أهل الکتب ان الذی کان علی منکبیه کانا لحمتین طویلتین کل واحدة منهما کرأس الثعبان و کان یسترهما بالثیاب و یذکر علی طریق التهویل انهما حیتان تقتضیانه الطعام و کانتا تتحرّکان تحت ثوبه اذا جاعتا و لقی الناس منه جهدا شدیدا و ذبح
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:75
الصبیان لان اللحمتین اللتین کانتا علی منکبیه کانتا تضربان فاذا طلاهما بدماغ انسان سکنا و کان یذبح کل یوم رجلین فلم یزل الناس کذلک حتی اذا أراد اللّه اهلاکه وثب رجل من العامّة من أهل اصفهان یقال له کابی الحدّاد بسبب ابنین له أخذهما أصحاب الضحاک بسبب اللحمتین اللتین کانتا علی منکبیه و أخذ کابی بیده عصا فعلق بطرفها جرابا کان معه ثم نصب ذلک العلم و دعا الناس الی مجاهدة الضحاک و محاربته فأسرع الی اجابته خلق کثیر لما کانوا فیه من البلاء و فنون الجور فلما غلب کابی تفاءل الناس بذلک العلم و عظموه و زادوا فیه حتی صار عند ملوک العجم علمهم الاکبر الذی یتبرّکون به و سموه درفش کابیان فسار کابی بمن اتبعه و التفت إلیه فلما أشرف علی الضحاک قذف فی قلب الضحاک منه الرعب فهرب من منازله و خلی مکانه فاجتمع الاعاجم الی کابی و کان افریدون بن القیان مستخفیا من الضحاک فواقی کابی و من معه فاستبشروا بموافاته فملکوه و صار کابی و الوجوه لافریدون أعوانا علی أمره و بعض الفرس یزعم أن افریدون قتله یوم النیروز فقال العجم عند قتله امروز نوروز أی استقبلنا الدهر بیوم جدید فاتخذوه عیدا فلما ملک افریدون و أحکم ما یحتاج إلیه و احتوی علی منازل الضحاک سار کابی أثره فأسره بدماوند فی جبالها و کان أمره یوم المهرجان فقال العجم آمد مهرجان لقتل من کان یذبح*

(ذکر افریدون)

* فی الکامل هو افریدون القیان و هو من ولد جمشید و زعم بعض نسابة الفرس ان نوحا هو افریدون الذی قهر الضحاک و سلب ملکه و زعم بعضهم أن افریدون هو ذو القرنین صاحب ابراهیم الذی ذکره اللّه تعالی فی کتابه العزیز و أما باقی نسابة الفرس فانهم ینسبون افریدون الی جمشید الملک و ان بینهما عشر آباء کلهم یسمون القیان خوفا من الضحاک و انما کانوا یمیزون بألقاب لقبوها و کان یقال لاحدهم القیان صاحب البقر الحمر و القیان صاحب البقر البلق و أشباه ذلک و کان افریدون أوّل من ملک الفیلة و امتطاها و نتج البغال و اتخذ الاوز و الحمام و ردّ المظالم و أمر الناس بعبادة اللّه تعالی و الانصاف و الاحسان و ردّ علی الناس ما کان الضحاک غصبها من الارضین و غیرها الا ما لم یوجد له صاحب فانه وقفه علی المساکین و هو أوّل من نظر فی علم الطب و کان له ثلاثة بنین اسم الاکبر سلم و الثانی طورج و الثالث ایرج فخاف أن یختلفوا بعده فقسم ملکه بینهم أثلاثا و جعل ذلک فی سهام کتب أسماءهم علیها و أمر کل واحد منهم فأخذ سهما فصارت الروم و ناحیة العرب لسلم و صارت الترک و الصین لطورج و صارت العراق و السند و الهند و الحجاز و غیرها لایرج و هو الثالث و کان یحبه و أعطاه التاج و السریر و مات افریدون و نشأت العداوة بین أولاده من بعده و لم یزل التحاسد ینمو بینهم الی أن وثب طورج و سلم علی أخیهما ایرج فقتلاه و ابنین کانا لایرج و ملکا الارض بینهما ثلاثمائة سنة و کان ملک افریدون خمسمائة سنة انتهی فتزوّج نوح عمورة و کانت من الصالحات القانتات فولدت له ساما الصحیح عند أهل الاخبار و أهل التوراة ان ساما و حاما و یافث ولدوا لنوح بعد أن مضی من عمره خمسمائة سنة و قال قتادة و وهب بن منبه ان الناس کلهم من ذرّیة نوح و لذا یقال له آدم الثانی* و فی معالم التنزیل عن ابن عباس لما خرج نوح من السفینة مات من کان معه من الرجال و النساء الا أولاده و نساءهم و نزل جبریل علیه خمسین مرة و قبره بکرک نوح و کان لنوح أربعة بنین الاوّل سام ولد بسلمی قبل الطوفان بثمان و تسعین سنة و هو بکر أبیه و وصیه و ولیّ عهده کذا فی العرائس* و فی روایة کان سام الاوسط و کان یافث أسنّ منه و انما قدّم لان الأنبیاء من نسله و ولد له ارم و أسود و أرفخشد و عویلم و لاود* و سام أبو العرب و فارس و الروم و کان هو القیم بعد نوح فی الارض و من ولده الأنبیاء کلهم عربهم و عجمهم و جعل فی ذرّیته النبوّة و الکتاب و الیمن کلها من ولده و عاد و ثمود و طسم و جدیس و الفرس من ولده و قد مرت الاشارة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:76
إلیه و نزل بنوه سرّة الارض و وسطها و هو الحرم و ما حوله من الیمن الی عمان و فیها بیت المقدس و النیل و الفرات و دجلة و سیحون و هو الذی اختط مدینة القدس و أسس مسجدها و کان ملکا علیها و مات و عمره ستمائة سنة و الثانی یافث و هو أبو الترک و یأجوج و مأجوج و الخوز و الصقالبة و منازلهم شمالی الارض للروم و الصقالبة و ترخان و الترک الی الصین و یأجوج و مأجوج و الثالث حام و سکن هو و بنوه و ذرّیته غربی النیل الی ما وراء و هو أبو السودان من الحبشة و الزنج و النوبة* و الفرنج و القبط من ولد قوط بن حام قیل کان نوح علیه السلام نائما و انکشفت عورته فمرّ به حام فضحک و لم یسترها فلذلک قطع اللّه النبوّة من نسله و جعله و نسله سودا* و فی بهجة الانوار غیر اللّه لون حام ابن نوح اذ نظر الی عورة أبیه و کان أخبر نوح فدعا علیه و سوّده اللّه مثل الزنج و الحبشة و قد مر أن حاما أصاب امرأته فی السفینة فدعا علیه نوح فغیر اللّه نطفته فجاءت منه السودان کذا فی العرائس ثم مرّ به یافث فلم یسترها و لم یضحک ثم مرّ به سام فسترها و لم یضحک فلذلک جعل اللّه النبوّة فی نسله و الرابع یام و یقال له کنعان و هو أیضا ابنه الصلبی عند الجمهور و قیل کان ربیبه و ابن امرأته واغلة و کان هو و أمّه کافرین فغرقا فی الطوفان و لم یبق له نسل و تزوّج سام امرأة لم یوجد مثلها فی الجمال و العفاف فی زمانها فولدت له أرفخشد و یقال انفخشد و معناه مصباح مضی‌ء کذا فی سیرة مغلطای و تسمیه الفرس هوشنک و عاش أرفخشد أربعمائة و خمسا و ستین سنة* و فی الکامل زعم أهل التوراة أن أرفخشد ولد لسام بعد أن مضی من عمره مائة سنة و سنتان و کان جمیع عمر سام ستمائة سنة ثم ولد لارفخشد شالخ بعد أن مضی من عمر أرفخشد خمس و ثلاثون سنة و کان عمر أرفخشد أربعمائة و ثمانیا و ثلاثین سنة و من نسله قحطان و فالغ قیل العبریون من نسل فالغ و العرب من نسل قحطان و کان اسمه یرد* و فی لباب التأویل اسمه یقطن و لا طعامه الناس فی القحط قیل انه یقحط القحوط و یطردها بسخائه فاشتهر بقحطان فتزوّج ارفخشد مرجانة فولدت له شالخ و معناه الرسول و عاش أربعمائة و ستین سنة* و ولد لشالخ عابر و یقال له عیبر بمهملة و مثناة ساکنة ثم موحدة مفتوحة بعد أن مضی من عمر شالخ ثلاثون سنة کاملة و کان عمر شالخ کله أربعمائة و ثلاثا و ثلاثین سنة کذا فی الکامل و یقال عاش أربعمائة و أربعا و ستین سنة و کان ولد بعد مضی ستمائة و تسع و ستین سنة من عمر نوح و عند البعض عابر هو هود النبیّ علیه السلام المبعوث الی عاد الاولی و هم عقب عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح علیه السلام سموا عادا باسم أبیهم کما سموا بنو هاشم باسمه و ثمود و جدیس ابنا عاد بن ارم بن سام بن نوح و طسم و عملاق و أمیم بنو لاود بن سام بن نوح عرب کلهم‌

ذکر ارم‌

کذا فی سیرة ابن هشام نقلا عن ابن اسحاق روی أنه کان لعاد ابنان شدّاد و شدید فلکا و قهرا ثم مات شدید و خلص الامر لشدّاد فلک الدنیا و دانت له ملوکها فسمع بذکر الجنة فبنی ارم علی مثالها فی بعض صحاری عدن فی ثلاثمائة سنة و کان عمرة تسعمائة سنة و هی مدینة عظیمة لم یخلق مثلها فی البلاد و قصورها من الذهب و الفضة و أساطینها من الزبرجد و الیاقوت و فیها أصناف الاشجار و الانهار و لما تم بناؤها سار إلیها بأهل مملکته فلما کان علی مسیرة یوم و لیلة بعث اللّه علیهم صیحة من السماء فهلکوا* و عن عبد اللّه بن قلابة أنه خرج فی طلب ابل له فوقع علیها فحمل ما قدر علیه مماثمة و بلغ خبره معاویة فاستحضره فقص علیه فبعث الی کعب الاحبار فسأله فقال هی ارم ذات العماد و سید خلها رجل من المسلمین فی زمانک أحمر أشقر قصیر علی حاجبه خال و علی عقبه خال یخرج فی طلب ابل له ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال و اللّه هذا ذلک الرجل کذا فی الکشاف و غیره و هو مخالف لما ذکره ابن الجوزی فی الصفوة من أن کعب الاحبار مات سنة ثنتین و ثلاثین فی خلافة عثمان* روی أنه بعث اللّه هودا علیه السلام الی عاد و کانوا قوما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:77
زادهم اللّه فی الخلق بسطة أی طولا فی الاجسام و امتدادا فی القدود أقصرهم ستون ذراعا و أطولهم مائة ذراع و قد تبسطوا فی البلاد ما بین عمان و حضرموت* و فی أنوار التنزیل کانوا یسکنون بالاحقاف بین رمال مشرفة علی البحر بالشحر من الیمن* و فی العرائس الاحقاف هی رمال یقال لها عالج و دهناء و مدین بین عمان و حضرموت و کانت لهم أصنام یعبدونها صدا و صمودا و لهبا فقال لهم هود انی لکم رسول أمین فاتقوا اللّه و أطیعون فکذبوه و قالوا له ما هذا الذی جئت به الا کذب فأمسک اللّه عنهم القطر ثلاث سنین و کان اذا نزل بهم بلاء طلبوا من اللّه الفرج عند بیته الحرام فأوفدوا إلیه قیل ابن عبیر و لقیم بن هذال و عبیل بن صدا بن عاد الاکبر و مرثد بن سعد و هو آمن بهود و کان یکتم ایمانه و أهل مکة اذ ذاک العمالیق أولاد عملیق بن لاود بن سام بن نوح علیه السلام و سیدهم معاویة بن بکیر فنزلوا علیه بظاهر مکة فقال لهم مرثد لن تستقوا حتی تؤمنوا بهود فخلوا مرثدا و خرجوا فقال قیل اللهم اسق عادا کما کنت تسقیه فأنشأ اللّه ثلاث سحابات بیضاء و حمراء و سوداء ثم ناداه مناد من السماء یا قیل اختر لنفسک و لقومک فاختار السوداء علی ظنّ أنها أکثر ماء فخرجت علی عاد من واد لهم فاستبشروا و قالوا هذا عارض ممطرنا فجاء منها ریح شدید و کانت دبورا لقوله علیه السلام نصرت بالصبا و أهلکت عاد بالدبور و کانت فی أیام نحسات و کان ابتداء العذاب یوم الاربعاء آخر الشهر الی الاربعاء الاخری روی أنهم دخلوا فی الشعب و الحفر و تمسک بعضهم ببعض فنزعتهم الریح منها و صرعتهم موتی* و فی أنوار التنزیل بل سلطها اللّه علیهم سبع لیال و ثمانیة أیام حسوما و هی کانت أیام العجوز من صبیحة الاربعاء الی غروب الشمس من الاربعاء الاخری و انما سمیت عجوزا لانها عجز الشتاء أولان عجوزا من عاد تورات فی سرب فانتزعتها الریح فی الثامنة فأهلکتها* روی أن هودا لما أحس بالریح اعتزل بالمؤمنین فی الحضیرة و جاءت الریح فأمالت الاحقاف و هی رمال مستطیلة مرتفعة فی انحناء علی الکفرة و کانوا تحتها سبع لیال و ثمانیة أیام ثم کشفت عنهم و احتملتهم و قذفتهم فی البحر و نجا هود و المؤمنون معه فأتوا مکة فعبدوا اللّه فیها حتی ماتوا* و فی روایة عاش هود بعد هلاک قومه من الکفار خمسین سنة و کان عمره مائة و خمسین سنة و دفن بحضرموت و قیل بالحجر و اللّه أعلم* و کان هود تزوّج میشاصا فولدت له فالغ و یقال فالخ و أخاه قحطان و عاش فالغ ثلاثمائة و تسعا و ثلاثین سنة و کان مولد فالغ بعد الطوفان بمائة و أربعین سنة و کان عمره أربعمائة و أربعا و سبعین سنة ثم ولد لفالغ راغو بعد ثلاثین سنة من عمر فالغ و کان عمره مائتین و ثلاثین سنة کذا فی الکامل و قیل عاش أیضا ثلاثمائة و تسعا و ثلاثین سنة و عند مولد راغو تبلبلت الالسن و تقسمت الارض و تفرّق بنو نوح و ذلک لمضیّ ستمائة و سبعین سنة من الطوفان ثم ولد لراغو شاروخ بعد ما مضی من عمره اثنتان و ثلاثون سنة و کان عمره مائتین و تسعا و ثلاثین سنة و یقال شاروغ بالغین بدل الخاء و اسمه فی التوراة سروعا و عاش ثلاثمائة و ثلاثین سنة ثم ولد لشاروخ ناحور بعد ثلاثین سنة من عمره و کان عمره کله مائتین و ستین سنة و ولد لناحور تارخ بالمثناة فوق و فتح الراء و هو آزر أبو ابراهیم بعد ما مضی من عمره سبع و عشرون سنة و کان عمره کله مائتین و خمسین سنة و ولد له ابراهیم علیه السلام و أنزل اللّه علی ابراهیم عشر صحف کانت کلها أمثالا و کان ما بین الطوفان و مولد ابراهیم ألف و تسع و تسعون سنة و قیل ألف و مائتا سنة و ثلاث و ستون سنة و ذلک بعد خلق آدم بثلاثة آلاف سنة و ثلاثمائة و سبع و ثلاثین سنة و ولد لقحطان بن عابر یعرب و ولد لیعرب یشجب و ولد لیشجب سبأ و ولد لسبأ حمیر و کهلان و عمرو و الاشعر و انمار و مر فولد لعمرو بن سبأ عدیّ و لخم و جذام کذا فی الکامل و عند جمهور المؤرّخین و أصحاب السیر و الانساب أن عدد الاشخاص بین ابراهیم و نوح تسعة و لکن اختلفوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:78
فی کیفیة النطق بالاسماء* و فی الکشاف ما کان بین ابراهیم و نوح إلا نبیان هود و صالح کان قومهما ممن طغی و بغی فأرسل اللّه تعالی إلیهم رسولا فکذبوه فأهلکهم اللّه تعالی* و فی الکامل هذان الحیان من ولد ارم بن سام بن نوح أحدهما عاد و الآخر ثمود فهو عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح و هو عاد الاولی و کانت مساکنهم ما بین الشحر و عمان و حضرموت بالاحقاف و کانوا جبارین طوال القامة لم یکن مثلهم قال اللّه تعالی و اذکروا اذ جعلکم خلفاء من بعد قوم نوح و زادکم فی الخلق بسطة فأرسل اللّه هود بن عبید بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص و کانوا أهل أوثان ثلاثة یقال لاحدهم صمام و للآخر صمود و الثالث الهبا و أما عاد الاخیرة التی بقیت بعد عاد الاولی و کانوا بمکة و هم معاویة و عبید و عمرو و عامر و عمیر بنو التیم* و فی تاریخ الفرس ملک الروم مرثد بن شدّاد و آمن بهود و کان معه بحضرموت فتوفی هناک و أما ثمود فهم ولد ثمود بن جاثر بن ارم بن سام بن نوح و کانت مساکنهم بالحجر بین الحجاز و الشام و کانوا بعد عاد قد کثروا و کذبوا و عتوا فبعث اللّه تعالی إلیهم صالح بن عبید بن اسف بن مانح ابن جاور بن ثمود فلم یقبلوا فأتتهم صیحة من السماء فأهلکهم اللّه تعالی کذا فی الکامل* و فی بعض الکتب ولد لفالغ شالخ و لشالخ اشروع و لاشروع ارغو و لارغو ناحور و لناحور تارحّ و هو آزر فتزوّج نونان و فی روایة أدنا بنت نمروذ فولدت له ابراهیم روی انه کان لآزر ثلاثة بنین ابراهیم علیه السلام و ستجی‌ء ولادته و هاران أبو لوط و ناحور جدّ لقمان فولد لنا حور باعورا و لباعورا لقمان و هو ابن أخت أیوب أو ابن خالته* و فی لباب التأویل قال وهب بن منبه کان أیوب رجلا من الروم و هو أیوب بن أموص بن رازح بن روم ابن عیص بن اسحاق بن ابراهیم و کانت أمّه من ولد لوط*

ذکر لقمان‌

و فی العمدة لقمان بن باعورا بن ناحور بن آزر* و فی أنوار التنزیل ان لقمان کان من ولد آزر عاش ألف سنة حتی أدرک داود و أخذ منه العلم و کان یفتی قبل مبعث داود فلما بعث داود قطع الفتوی فقیل له فی ذلک فقال أ لا اکتفی اذا کفیت و قیل کان لقمان خیاطا و قیل کان نجارا و قیل راعیا و قیل کان قاضیا فی بنی اسرائیل* و قال عکرمة و الشعبی کان نبیا و الجمهور علی أنه کان حکیما و لم یکن نبیا و قیل خیر بین الحکمة و النبوّة فاختار الحکمة و هی الاصابة فی القول و العمل و قیل تلمذ لالف نبیّ و تلمذ له ألف نبیّ و من حکمته أن داود قال له یوما کیف أصبحت قال أصبحت فی ید غیری فتفکر داود فیه فصعق صعقة و انه أمره بأن یذبح شاة و یأتی بأطیب مضغتین منها فأتی باللسان و القلب ثم بعد أیام أمره بأن یأتی بأخبث مضغتین فیها فأتی بهما فسأله عن ذلک فقال هما أطیب شی‌ء اذا طابا و أخبث شی‌ء اذا خبثا* و اسم ابنه المذکور فی القرآن أنعم أو مشکم أو ماثان انتهی قیل ان لقمان جمع فی الحکمة أربعمائة ألف کلمة و اختار منها أربع کلمات ثنتان منها مما یذکر و لا ینسی و هما اللّه و الموت و ثنتان مما ینسی و لا یذکروهما احسانک الی الخلق و اساءة الخلق إلیک و اللّه تعالی أعلم بالصواب*

(ذکر مولد ابراهیم علیه السلام)

* روی أن ابراهیم علیه السّلام ولد فی زمن نمرود ابن کنعان بن کوش بن سام بن نوح و کان مولده لیلة الجمعة لیلة عاشوراء لمضیّ ألف و إحدی و ثمانین سنة من الطوفان و کان الطوفان بعد هبوط آدم بألفین و مائتین و اثنتین و أربعین سنة کما مرّ* و فی العرائس کان بین الطوفان و بین مولد ابراهیم ألف و مائتان و اثنتان و أربعون سنة و قیل ألف و مائتان و ثلاثون سنة و ذلک بعد خلق آدم علیه السلام بثلاثة آلاف سنة و ثمانمائة سنة و سبع و ثلاثین سنة* و فی الکامل قال جماعة ان نمروذ بن کنعان ملک مشرق الارض و مغربها هذا قول یدفعه أهل العلم بالسیر و أخبار الملوک الماضین و ذلک أنهم لا ینکرون أن مولد ابراهیم علیه السلام کان أیام الضحاک الذی ذکرنا بعض أخباره فیما مضی و انه کان ملک شرق الارض و غربها و قول القائل ان الضحاک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:79
الذی ملک الارض هو نمروذ لیس بصحیح لان أهل العلم بالمتقدّمین یذکرون أن نسب نمروذ فی النبط معروف و نسب الضحاک فی الفرس مشهور و انما الضحاک استعمل نمروذ علی السواد و ما اتصل به یمنة و یسرة و جعله و ولده عمالا علی ذلک و کان هو ینتقل فی البلاد و کان وطنه و وطن أجداده دماوند من جبال طبرستان و هناک رمی به افریدون حین ظفر و کذلک بخت نصر ذکر بعضهم أنه ملک الارض جمیعها و لیس کذلک و انما کان أصبهبد ما بین الاهواز الی أرض الروم من غربی دجلة من قبل لهراسب لان لهراسب کان مشتغلا بقتال الترک مقیما بازائهم ببلخ و هو بناها لتطاول مقامه هناک لحرب الترک و لم یملک أحد شبرا من الارض مستقلا برأسه فکیف الارض جمیعها و انما تطاولت مدّة نمروذ بالسواد أربعمائة سنة ثم رجل من نسله بعد هلاکه یقال له نبط بن قعود مائة سنة ثم کداوص بن نبط مائة و عشرین سنة ثم النمروذ بن یابش سنة و شهرا أیام الضحاک فظنّ الناس فی نمروذ ما ذکرنا فلما ملک افریدون و قهر الازدهایی قتل نمروذ بن یابش و شرد النبط و قتل منهم مقتلة عظیمة انتهی کلام الکامل* و بین مولد ابراهیم و هجرة نبینا صلّی اللّه علیه و سلم ألفان و ثمانمائة و ثلاث و تسعون سنة علی اختیار المؤرّخین و الاختلاف فی ذلک کثیر و لما سقط ابراهیم الی الارض نزل جبریل و قطع سرّته و أذن فی أذّنه و کساه ثوبا أبیض و یوم ولادته سمع نمروذ من تحت سریره الذی هو جالس علیه انتفاضا شدیدا و سمع هاتفا یقول تعس من کفر باله ابراهیم فقال نمروذ لآزر أسمعت ما سمعت قال نعم قال فمن ابراهیم قال آزر لا أعرفه فأرسل الی السحرة و الکهنة و سألهم عن ابراهیم فلم یجیبوه بشی‌ء مع علمهم به و رأی نمروذ أن القمر قد طلع من ضلع آزر و بقی نوره کالعمود الممدود بین السماء و الارض و سمع قائلا یقول جاء الحق و زهق الباطل و نظر الی الاصنام و هی متنکسة عن کراسیها فاستیقظ فزعا و قص رؤیاه علی آزر فخاف آزر علی نفسه منه و قال انما ذلک لکثرة عبادتی لها و کان نمروذ بلیدا جبانا فرضی بقول آزر و سکت و اختلف فی مولد ابراهیم قیل بالسوس من أرض الاهواز و قیل ببابل* و فی العمدة هی بابل العراق و سمیت بذلک لتبلبل الالسن بها عند سقوط صرح نمروذ و قیل ولد بکوثی بضم أوّله و بالثاء المثلثة مقصورا و هی بالعراق معلومة بسواد الکوفة و قیل ولد بکسکر* و فی القاموس کسکر کجعفر کورة قصبتها واسط و قیل ولد بحرّان و لکن أباه نقله الی بابل أرض نمروذ بن کنعان* و فی معالم التنزیل قال أهل التفسیر ولد ابراهیم علیه السّلام فی زمن نمروذ بن کنعان و کان نمروذ أوّل من وضع التاج علی رأسه و تجبر و طغی فی الارض و دعا الناس الی عبادته و کان له کهان و منجمون فقالوا له انه سیولد فی بلدک فی هذا العام غلام یغیر دین أهل الارض و یکون هلاکک و زوال ملکک علی یدیه و یقال انهم وجدوا ذلک فی کتب الأنبیاء* و قال السدّی رأی نمروذ فی منامه کأن کوکبا طلع فذهب بضوء الشمس و القمر حتی لم یبق لهما نور ففزع من ذلک فزعا شدیدا فدعا السحرة و الکهنة و سألهم عن ذلک فقالوا هو مولود یولد فی ناحیتک فی هذه السنة فیکون هلاکک و زوال ملکک و أهل بیتک علی یدیه فأمر بذبح کل غلام یولد فی ناحیته تلک السنة و أمر بعزل الرجال عن النساء و جعل علی کل عشرة رجلا فان حاضت المرأة خلی بینها و بین زوجها لانهم کانوا لا یجامعون فی الحیض فاذا طهرت حال بینهما فرجع آزر فوجد امرأته قد طهرت من الحیض فواقعها فحملت بابراهیم* و قال محمد بن اسحاق بعث نمروذ الی کل امرأة حبلی بقریته فحبسها الا ما کان من أمّ ابراهیم فانه لم یعلم بحبلها لانها کانت جاریة حدیثة السنّ لم یعرف الحمل فی بطنها* و قال السدّی خرج نمروذ بالرجال الی المعسکر و نحاهم عن النساء تخوّفا من ذلک المولود أن یکون فمکث کذلک ما شاء اللّه ثم بدت له حاجة الی المدینة فلم یأتمن علیها أحدا من قومه الا آزر فبعث إلیه و دعاه و قال له ان لی حاجة أحب أن أوصیک بها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:80
و لا أبعثک الا لثقتی بک فأقسم علیه أن لا یدنو من أهله فقال آزر أنا أشح علی دینی من ذلک فأوصاه بحاجته فدخل المدینة و قضی حاجته ثم قال لو دخلت علی أهلی فنظرت إلیهم فلما نظر الی أمّ ابراهیم لم یتمالک حتی واقعها فحملت بابراهیم* قال ابن عباس لما حملت أمّ ابراهیم قالت الکهان لنمروذ ان الغلام الذی أخبرناک به قد حملت أمّه اللیلة به فأمر نمروذ بذبح الغلمان فلما دنت ولادة أمّ ابراهیم و أخذها المخاض خرجت هاربة مخافة أن یطلع علیها فیقتل ولدها فوضعته فی نهر یابس ثم لفته فی خرقة و وضعته فی حلفاء و رجعت فأخبرت زوجها بأنها ولدت و ان الولد فی موضع کذا فانطلق أبوه و أخذه من ذلک المکان و حفر له سربا عند نهر فواراه فیه و سدّ علیه بابه بصخرة مخافة السباع و کانت أمّه تختلف إلیه فترضعه و قال محمد بن اسحاق لما وجدت أمّ ابراهیم الطلق خرجت لیلا الی مغارة کانت قریبة منها فولدت فیها ابراهیم و أصلحت من شأنه ما یصنع للمولود ثم سدّت علیه فم المغارة و رجعت الی بیتها ثم کانت تطالعه لتنظر ما فعل فتجده حیا یمص فی ابهامه یقال ان تلک المغارة فی قریة برس من بلاد الکوفة* روی أن أمّ ابراهیم قالت ذات یوم لأنظرنّ الی أصابعه فوجدته یمص من اصبع ماء و من اصبع لبنا و من اصبع عسلا و من اصبع تمرا و من اصبع سمنا* و قال محمد بن اسحاق کان آزر قد سأل أمّ ابراهیم عن حملها ما فعل به قالت قد ولدت غلاما فمات فصدّقها و سکت عنها و کان الیوم علی ابراهیم فی الشباب کالشهر و الشهر کالسنة فلم یمکث ابراهیم فی المغارة الا خمسة عشر شهرا حتی قال لامّه أخرجینی فأخرجته عشاء فنظر و تفکر فی خلق السموات و الارض و قال ان الذی خلقنی و رزقنی و أطعمنی و سقانی لربی الذی ما لی إله غیره و کان أبوه و قومه یعبدون الاصنام و الشمس و القمر و الکواکب و فی روایة کانوا یعظمون النجوم و یعبدونها و یرون أن الامور کلها إلیها ثم نظر الی السماء فرأی کوکبا فقال هذا ربی علی وجه الاستفهام الانکاری بحذف أداته ثم أتبعه بصره ینظر إلیه حتی غاب فقال لا أحب الآفلین* و فی أنوار التنزیل رآه ابراهیم زمان مراهقته و أوّل أوان بلوغه ثم رأی القمر بازغا مبتدئا فی الطلوع فقال هذا ربی و أتبعه بصره ینظر إلیه حتی غاب ثم طلعت الشمس و هکذا الی آخره ثم رجع الی أبیه آزر و قد استقامت وجهته و عرف ربه و برئ من دین قومه فأخبره أنه ابنه و أخبرته أمّ ابراهیم أنه ابنه و أخبرته بما کانت صنعت فی شأنه فسرّ آزر بذلک و فرح فرحا شدیدا و قیل انه کان فی السرب سبع سنین و قیل ثلاث عشرة سنة و قیل سبع عشرة سنة قالوا فلما شب ابراهیم و هو فی السرب قال لامّه من ربی قالت أنا قال فمن ربک قالت أبوک قال فمن رب أبی قالت نمروذ قال فمن رب نمروذ قالت له اسکت فسکت ثم رجعت الی زوجها فقالت أ رأیت الغلام الذی کنا نحدّث أنه یغیر دین أهل الارض فانه ابنک ثم أخبرته بما قال فأتاه أبوه فقال له ابراهیم یا أبتاه من ربی قال أمّک قال فمن رب أمی قال أنا قال فمن ربک قال نمروذ قال فمن رب نمروذ فلطمه لطمة شدیدة و قال له اسکت فلما جنّ علیه اللیل دنا من باب السرب فنظر من خلال الصخرة فأبصر کوکبا فقال هذا ربی و یقال انه قال لابویه أخرجانی فأخرجاه من السرب و انطلقا به حتی غابت الشمس فنظر ابراهیم الی الابل و الخیل و الغنم فسأل أباه ما هذه فقال ابل و خیل و غنم فقال ما لهذه بدّ من أن یکون لها رب و خالق ثم نظر الی المشتری و قد طلع و یقال الزهرة و کانت تلک اللیلة فی آخر الشهر فتأخر طلوع القمر فیها فرأی الکوکب قبل القمر ثم القمر ثم الشمس بعده فقال فی کلّ هذا ربی الی آخره ثم قال یا قوم انی برئ مما تشرکون انی وجهت وجهی للذی فطر السموات و الارض حنیفا و ما أنا من المشرکین روی أنه لما رجع ابراهیم الی أبیه و صار من الشباب بحالة سقط عنه طمع الذباحین ضمه آزر الی نفسه و جعل آزر یصنع الاصنام و یعطیها ابراهیم لیبیعها فیذهب بها ابراهیم و ینادی من یشتری ما یضرّه و لا ینفعه فلا
یشتریها أحد فاذا بات ذهب بها الی نهر فصوّب فیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:81
رءوسها و قال اشربی استهزاء بقومه و بما هم فیه من الضلالة حتی فشا استهزاؤه بها فی قومه و أهل قریته فحاجه قومه و جادلوه فی دینه قال أ تحاجونی فی اللّه و قد هدان و خوّفوه من آلهتهم فقالوا له احذر الاصنام فانا نخاف أن تمسک بسوء من خبل أو جنون بعیبک ایاها فقال لهم و لا أخاف ما تشرکون به و قال لابیه و قومه ما هذه التماثیل و الصور یعنی الاصنام التی أنتم لها عاکفون مقیمون علی عبادتها قالوا وجدنا آباءنا لها عابدین فاقتدینا بهم قال لقد کنتم أنتم و آباؤکم فی ضلال مبین و خطائین بعبادتکم ایاها قالوا له أ جئتنا بالحق و الجدّ أم أنت من اللاعبین الهازلین قال بل ربکم رب السموات و الارض و خالقهنّ و تالله لاکیدنّ أصنامکم و لأمکرنّ بها بعد أن تولوا مدبرین أی تدبروا منطلقین الی عیدکم* قال السدّی کان لهم فی کل سنة عید و مجمع و کانوا یدخلون علی أصنامهم و یفرشون لهم الفرش و یضعون بین أیدیهم الطعام قبل خروجهم الی عیدهم یزعمون التبرّک علیهم و اذا انصرفوا من عیدهم دخلوا علی الاصنام فسجدوا لها و أکلوا الطعام ثم عادوا الی منازلهم فلما کانت اللیلة التی من غدها عیدهم قالوا لإبراهیم أ لا تخرج معنا غدا الی عیدنا فنظر الی النجوم فقال انی سقیم* قال ابن عباس مطعون و کانوا یفرّون من الطاعون فرارا عظیما و کانوا یتعاطون علم النجوم فعاملهم من حیث کانوا لئلا ینکروا علیه و ذلک أنه أراد أن یکایدهم فی أصنامهم و یلزمهم الحجة فی أنها غیر معبودة فلما کان ذلک العید من غد تلک اللیلة قال أبو ابراهیم له یا ابراهیم لو خرجت معنا لی أعیدنا أعجبک دیننا فخرج معهم ابراهیم فلما کان ببعض الطریق ألقی نفسه و قال انی سقیم قال ابن عباس اشتکی رجلیّ فتولوا عنه مدبرین الی عیدهم فلما مضوا نادی فی آخرهم و قد بقی فی ضعفة الناس تالله لاکیدنّ أصنامکم فسمعوها منه ثم رجع ابراهیم الی بیت الآلهة و هنّ فی بهو عظیم مستقبل باب البهو صنم عظیم الی جنبه صنم أصغر منه و الاصنام بعضها الی جنب بعض کل صنم یلیه أصغر منه الی باب البهو و إذا هم جعلوا طعاما و وضعوه بین أیدی الآلهة و قالوا اذا رجعنا و بارکت الآلهة فی طعامنا أکلنا فلما نظر إلیهم ابراهیم و الی ما بین أیدیهم قال لهم علی طریق الاستهزاء أ لا تأکلون فلما لم تجبه قال ما لکم لا تنطقون فجعل یضربهنّ و یکسرهنّ بفأس فی یده حتی جعلهم جذاذا و کسرهم قطعا فلما لم یبق الا الصنم الاکبر علق الفأس فی عنقه ثم خرج و کانت اثنتین و سبعین صنما بعضها من ذهب و بعضها من فضة و بعضها من رصاص و من حدید و من خشب و حجر و کان الصنم الاکبر من الذهب مکلل بالجواهر و فی عینیه یاقوتتان تتقدان و لما أخبر القوم صنیع ابراهیم بآلهتهم رجعوا من عیدهم و أقبلوا إلیه مسرعین لیأخذوه فلما دخلوا بیت الآلهة و رأوا الاصنام جذاذا قالوا من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمین المجرمین قال الذین سمعوا قول ابراهیم و تاللّه لاکیدنّ أصنامکم سمعنا فتی یذکرهم یقال له ابراهیم* قال مجاهد و قتادة لم یسمع ذلک القول من ابراهیم الا واحد منهم فأفشاه علیه فقال أنا سمعت فتی یذکرهم بالسوء و یعیبهم یقال له ابراهیم أظنّ أنه صنع هذا فبلغ ذلک نمروذ الجبار و أشراف قومه قالوا فأتوا به و أحضروه علی أعین الناس یعنی ظاهرا بمرأی منهم لعلهم یشهدون علیه بالذی فعل أو یحضرون عقابه و ما یصنع به فلما أتوا به قالوا له أ أنت فعلت هذا بآلهتنا یا ابراهیم قال بل فعله کبیرهم هذا غضب من أن تعبدوا معه هذه الصغار و هو أکبر منها فکسرهنّ و أراد بذلک ابراهیم اقامة الحجة علیهم و الزامهم و قال لهم فاسألوهم ان کانوا ینطقون حتی یخبروا بمن فعل هذا فرجعوا الی أنفسهم و عقولهم و تفکروا بقلوبهم فأجری اللّه الحق علی لسانهم فقالوا ما نراه الا کما قال انکم أنتم الظالمون بعبادتکم من لا یتکلم ثم أدرکتم الشقاوة فرجعوا الی حالتهم الاولی و قالوا لقد علمت ما هؤلاء ینطقون فکیف نسألهم فلما اتجهت الحجة لإبراهیم قال أ فتعبدون من دون اللّه ما لا ینفعکم شیئا ان عبدتموه و لا یضرّکم ان ترکتم عبادته أ لیس لکم عقل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:82
تعرفون به هذا فلما لزمت الحجة نمروذ و قومه و عجزوا عن الجواب اذ لقن اللّه ابراهیم و ألهمه ما ألزمهم الحجة و غلبهم فی المحاجة مالوا الی المکر و المضارّة فأرادوا أن یحرّقوه فقالوا ابنوا له بنیانا فألقوه فی الجحیم أی فی النار الشدیدة الوقود و حرّقوه و انصروا آلهتکم و الذی أشار الی احراقه رجل من أکراد فارس اسمه هیزن فخسف اللّه به الارض فهو یتجلجل فیها الی یوم القیامة و قیل قاله نمروذ*

(ذکر القاء ابراهیم فی النار)

* روی أنهم حین هموا باحراقه حبسوه ثم بنوا له بنیانا کالحضیرة و قیل بنوا أتونا بقریة یقال لها کوثی و هی قریة بأرض العراق من سواد الکوفة کما مرّ و قال مقاتل بنوا حائطا طوله فی السماء ثلاثون ذراعا و عرضه عشرون ذراعا و فی الحدائق طول جداره ستون ذراعا ثم جمعوا له من صلاب الحطب و من أصناف الخشب مدّة حتی کان الرجل یمرض فیقول لو عافانی اللّه لأجمعنّ حطبا لإبراهیم و کانت المرأة تنذر فی بعض ما تطلب لئن أصابته لتحتطبن فی نار ابراهیم و کان الرجل یوصی بشراء الحطب و القائه فیها و کانت المرأة تغزل و تشتری الحطب له و تحتسب فیه قال ابن اسحاق کانوا یجمعون الحطب شهرا و فی الحدائق أربعین لیلة فلما جمعوا ما أرادوا أشعلوا فی کل ناحیة من الحطب نارا فاشتعلت نار عظیمة شدیدة حتی کادت الطیر تحترق فی الجوّ* و فی الحدائق فارتفع لهبها و سطع دخانها حتی أظلمت علیهم المدینة حتی کان یسمع وهج النار من مسیرة لیلة* و فی روایة کانت الطیر لتمرّ بها فتحترق من شدّة وهجها فأوقدوا علیها سبعة أیام روی أنهم لم یعلموا کیف یلقونه فیها فجاء ابلیس و علمهم علم المنجنیق فعملوه* قیل ان نمروذ لما أخرج ابراهیم من السجن لیحرقه حاجه فی ربه فقال له من ربک الذی تدعو إلیه قال ربی الذی یحیی و یمیت قال أنا أحیی و أمیت فدعا برجلین فقتل أحدهما و استحیا الآخر فجعل ترک القتل احیاء یرید أعفی عن القتل و أقتل و کان الاعتراض عتیدا و لکن ابراهیم لما سمع جوابه الاحمق لم یحاجه فیه بل انتقل الی حجة أخری أوضح من الاولی و أتی بدلیل لا یقدر فیه علی نحو ذلک الجواب لیبهته أوّل شی‌ء فقال فان اللّه یأتی بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت نمروذ کذا فی الکشاف ثم انهم عمدوا الی ابراهیم فرفعوه الی رأس البنیان و قیدوه ثم وضعوه فی المنجنیق مقیدا مغلولا فصاحت السماء و الارض و من فیهما من الملائکة و جمیع الخلق الا الثقلین صیحة واحدة أی رب ابراهیم خلیلک یلقی فی النار و لیس فی الارض أحد یعبدک غیره فأذن لنا فی نصرته فقال اللّه عز و جل انه خلیلی لیس لی خلیل غیره و انما أنا إلهه و لیس له إله غیری فان استعان بشی‌ء منکم أو دعاه لینصره فقد أذنت له فی ذلک و ان لم یدع غیری فأنا أعلم به و أنا ولیه فخلوا بینی و بین خلیلی فلما أرادوا القاءه أتاه خازن المیاه فقال ان أردت أخمدت النار و أتاه خازن الریاح فقال ان شئت طیرت النار فی الهواء فقال ابراهیم لا حاجة بی إلیکم حسبی اللّه و نعم الوکیل* و روی عن کعب أن ابراهیم حین أوثقوه لیلقوه فی النار قال لا إله الا أنت سبحانک لک الحمد و لک الملک لا شریک لک ثم رموه بالمنجنیق فی النار فاستقبله جبریل فقال یا ابراهیم هل لک حاجة قال أما إلیک فلا قال جبرئیل فسل ربک قال ابراهیم حسبی من سؤالی علمه بحالی* و فی المدارک فرموه فیها و هو یقول حسبی اللّه و نعم الوکیل عن ابن عباس انما نجی ابراهیم بقوله حسبی اللّه و نعم الوکیل قال شعیب الجبائی ألقی ابراهیم فی النار و هو ابن ست عشرة سنة* و فی روایة ثلاثین سنة بعد أن حبسه ثلاث عشرة سنة قال کعب الاحبار جعل کل شی‌ء یطفئ عنه النار الا الوزغ فانه ینفخ فی النار*

فائدة فی قتل الوزغ‌

و فی الصحیحین أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أمر بقتل الوزغ و سماه فویسقا و قال کان ینفخ علی ابراهیم النار* و فی سح السحابة فی افراد مسلم عن أبی هریرة من قتل وزغا فی أوّل ضربة کتب له مائة حسنة و فی الثانیة دون ذلک و فی الثالثة دون ذلک و ذکر صاحب الآثار أن الوزغ أصم قالوا السبب فی صممه أنه کان ینفخ فی نار ابراهیم علیه السلام فصم بذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:83
و برص کذا فی حیاة الحیوان* و فی نهایة ابن الاثیر الوزغ جمع وزغة بالتحریک و هی التی یقال لها سام أبرص جمعها أوزاغ و وزغان* و فی حدیث عائشة لما احترق بیت المقدس کانت الاوزاغ تنفخه و من هاهنا یقال ان فساد الآباء یضرّ بالاولاد کالوزغ و ان صلاح الآباء یسری فی الاولاد و ان کان من غیر ذوی العقول کما فی حمام الحرم فان من آبائه ما حمی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم الغار فدعا لها و فرض جزاء قتلها قال فنادی جبریل یا نار کونی بردا و سلاما علی ابراهیم فجعل اللّه ببرکة قول ابراهیم علیه السلام حسبی اللّه و نعم الوکیل الحضیرة روضة* قال ابن عباس لو لم یقل و سلاما لمات ابراهیم من بردها و انقلاب النار هواء طیبا لیس بمحال الا انه علی خلاف المعتاد فهو اذا من معجزاته و قیل کانت النار بحالها لکن اللّه دفع أذاها عنه کما یری فی السمندل و خزنة النار* و فی المدارک أنّ اللّه نزع عنها طبعها الذی طبعها علیه من الحرّ و الاحراق و أبقاها علی الاضاءة و الاشراق و هو علی کل شی‌ء قدیر و من المعروف فی الآثار أنه لم یبق یومئذ نار فی الارض الا طفئت فلم ینتفع فی ذلک الیوم بنار فی العالم* و فی الحدائق فبردت یومئذ علی أهل المشرق و المغرب فلم ینضج بها کراع و لو لم یقل علی ابراهیم لبقیت ذات برد أبدا فأخذت الملائکة بضبعی ابراهیم فأقعدوه علی الارض فاذا عین ماء عذب و ورد أحمر و نرجس قال کعب الاحبار ما أحرقت النار من ابراهیم الاوثاقه قالوا و کان فی ذلک الموضع سبعة أیام قال ابراهیم ما کنت فی أیام قط أنعم من الایام التی کنت فی النار* قال ابن یسار و بعث اللّه ملک الظل فی صورة ابراهیم فقعد فیها الی جنب ابراهیم یؤنسه قال و بعث اللّه جبریل بقمیص من حریر الجنة و طنفسة فألبسه و أقعده علی الطنفسة و قعد معه یحدّثه و قال جبریل یا ابراهیم ان ربک یقول لک أ ما علمت أن النار لا تضرّ أحبابی ثم ان نمروذ أشرف علی ابراهیم و اطلع من صرح له ینظر إلیه فرآه جالسا فی روضة و معه جلیس من الملائکة قاعدا الی جنبه و ما حوله نار تحرق الحطب فناداه یا ابراهیم کبر إلهک الذی بلغت قدرته أن حال بینک و بین ما أری یا ابراهیم هل تستطیع أن تخرج منها قال نعم قال هل تخشی ان قمت أن تضرّک النار قال لا قال فقم و اخرج منها فقام ابراهیم یمشی فیها حتی خرج إلیه فقال له یا ابراهیم من الرجل الذی رأیته معک فی مثل صورتک قاعدا الی جنبک قال ذلک ملک الظل أرسله الیّ ربی لیؤنسنی فیها فقال نمروذ یا ابراهیم انی مقرّب الی إلهک قربانا لما رأیت من قدرته و عزته فیما صنع معک حین أبیت الا عبادته و توحیده انی ذابح له أربعة آلاف بقرة فقال ابراهیم اذا لا یقبل اللّه منک ما کنت علی دینک حتی تفارقه الی دینی فقال لا أستطیع ترک ملکی و لکن سوف أذبحها فذبحها نمروذ و کف عن ابراهیم* و جاء فی بعض الروایات انه کان لنمروذ بنت یقال لها رغضة استأذنت أباها أن تذهب و تنظر الی ابراهیم حین ألقی فی النار فقال لها نمروذ یا بنتاه ان ابراهیم قد صار رمادا فبالغت حتی أذن لها نمروذ فلما نظرت الی ابراهیم رأته فی أطیب عیش و أحسن حال فقالت یا ابراهیم أ لا تحرقک النار قال من کان فی قلبه معرفة اللّه و علی لسانه بسم اللّه الرحمن الرحیم لا تحرقه النار قالت أ فتأذن لی أن أدخلها قال قولی لا إله الا اللّه ابراهیم خلیل اللّه ثم ادخلی و لا تخافی فلما قالتها خمدت النار فدخلتها و أسلمت ثم رجعت الی أبیها و قد سمع أبوها قولها فنصحها فلم تقبل فعذبها بمسامیر من حدید فأمر اللّه جبریل حتی رفعها من بین أطهرهم ثم جاء بها الی ابراهیم و ذلک بعد ما هاجر من أرض نمروذ فزوّجها ابراهیم من ابنه مدین فحملت منه عشرین بطنا أکرمهم اللّه بالنبوّة

ذکر صرح نمرود

قال الثعلبی لما حاج ابراهیم نمروذ فی ربه قال نمروذ ان کان ما یقول ابراهیم حقا فلا أنتهی حتی أصعد الی السماء فأعلم ما فیها فبنی صرحا عظیما ببابل و رام الصعود الی السماء لینظر الی إله ابراهیم و اختلف فی طول الصرح فی السماء فقیل خمسة آلاف ذراع و قیل فرسخان ثم عمد الی أربعة أفراخ من النسور
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:84
فرباها و أطعمها اللحم و الخبز حتی شبت و کبرت* و فی الکامل لابن الاثیر فرباهنّ بالخمر و اللحم حتی کبرن و اتخذ تابوتا من خشب و جعل له بابا من أعلا و بابا من أسفل ثم جوّع النسور و نصب خشبات أربع فی أطراف التابوت و جعل علی رءوسها لحما أحمر فوق التابوت و قعد هو فی التابوت و أقعد معه رجلا آخر و حمل معه القوس و النشاب و أمر بالنسور فربطت فی أطراف التابوت من أسفل* و فی روایة و ربط التابوت بأرجل النسور ثم خلی عن النسور فطرن و صعدن طمعا فی اللحم کلما رأین اللحم طرن إلیه فطارت النسور یوما أجمع حتی أبعدن فی الهواء فقال نمروذ لصاحبه افتح الباب الأعلی فانظر الی السماء هل قربنا منها ففتح و نظر فقال ان السماء کهیئتها ثم قال له افتح الباب الاسفل فانظر الی الارض کیف تراها ففتح و نظر فقال أری الارض مثل اللجة و الجبال مثل الدخان قال فطارت النسور یوما آخر و ارتفعت حتی حالت الریح بینها و بین الطیران فقال نمروذ لصاحبه افتح الباب الأعلی ففتح فاذا السماء کهیئتها و فتح الباب الاسفل فاذا الارض سوداء مظلمة و نودی أیها الطاغی أین ترید فأمر عند ذلک صاحبه فرمی بسهم قال عکرمة و کان معه فی التابوت غلام قد حمل القوس و النشاب فأخذ منه القوس فرمی بسهم فعاد إلیه السهم ملطخا بالدم فقال کفیت شغل إله السماء و اختلف فی ذلک السهم بأی شی‌ء تلطخ فقیل بدم سمکة قذفت نفسها من بحر معلق فی الهواء فلذا رفع الذبح عن السمک و قیل بدم طائر أصابه السهم فتلطخ بدمه و ذلک استدراج و مکر من اللّه تعالی و لما رجع إلیه السهم ملطخا أمر نمروذ صاحبه أن یصوّب الخشبات المنصوبة فوق التابوت الی أسفل و ینکس اللحم ففعل فهبطت النسور بالتابوت فسمعت الجبال هفیف التابوت و النسور ففزعت و ظنت أنه قد حدث حدث فی السماء و ان الساعة قد قامت فکادت تزول عن أماکنها فذلک قوله تعالی و ان کان مکرهم لتزول منه الجبال و حکی ذلک عن علیّ فی معنی الآیة أی أنها نزلت فی نمروذ الجبار الذی حاج ابراهیم فی ربه کذا فی معالم التنزیل و استبعد بعض العلماء هذه الحکایة و قال لان الخطر فیه عظیم و لا یکاد عاقل أن یقدم علی مثل هذا الامر العظیم و لیس فیه خبر صحیح یعتمد علیه و لا مناسبة لهذه الحکایة بتأویل الآیة کذا فی لباب التأویل* و کان طیرانهنّ من بیت المقدس و وقوعهنّ فی جبل الدخان فلمّا رأی أنه لا یطیق شیئا أخذ فی بنیان الصرح ثم أرسل اللّه ریحا علی صرح نمروذ فألقت رأسه فی البحر فانکفأت بیوتهم و أخذت الرجفة نمروذ و تبلبلت ألسن الناس حین سقط الصرح من الفزع فتکلموا بثلاثة و سبعین لسانا فلذلک سمیت بابل أی لتبلبل الالسن بها و کان لسان الناس قبل ذلک سریانیا کذا فی الکامل* و فی بحر العلوم لما ملک نمروذ کل الارض و طغی و اتخذ النسور و صعد الهواء یطلب ملک السماء و عمل صرحا و زعم أنه یحارب إله السماء و رمی نزل جبریل و قال لإبراهیم ان اللّه تعالی یقول لک اختر لمحاربتک ما شئت من الجیوش فانی معین لک علی ما عنیت فاختار البعوض فأوحی اللّه تعالی الی ابراهیم لو لم تختر هذا لاهلکناه بشی‌ء لا یزن سبعون من ذلک جناح بعوضة فعبی نمروذ جیشه أربعة فراسخ فی أربعة فراسخ فأمر اللّه ملک البعوض حتی أخرج جیش البعوض فخرجت بحیث ملأت الهواء و سترت السماء فوقعت فیهم فأکلت خناجرهم و دروعهم و أسلحتهم و شعورهم و جلودهم و لحومهم و عظامهم فهرب نمروذ و دخل صرحه فسلط اللّه علیه شق بعوضة فجعل یطیر فی وجهه سبعة أیام و هو یقصد أخذها فلا یقدر علیها ثم جلست علی شفته فعضتها فورمت ثم دخلت أنفه فاجتهدوا فی اخراجها بکل حیلة فلم یقدروا و کانت تأکل دماغه و هو یحتال بکل علاج فلا یقدر علی الاخراج* و فی روایة کعب أنها بقیت فی دماغه أربعمائة سنة کذا فی العرائس و کان عمره قبل ذلک فی ملکه أربعمائة سنة و لو تاب لتاب اللّه علیه لکن تمادی فی العناد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:85
و أصر علی الفساد و ما اللّه یرید ظلما للعباد* و کان أمر بمدقة فأحضرت فکان یضرب بها علی رأسه بقوّة فتسکن البعوضة لذلک ساعة فیستریح به ثم تعود الی أن دخل علیه بعض من خواصه یوما فأمر بضربه فضربه بالمدقة و بالغ فشج رأسه و دمغ فزهق الملعوب و قیل ضجر الملعون فضرب رأسه بالجدار حتی انشقت هامته و قامت قیامته فأمر اللّه جبریل فخسف بصرحه و بما فیه الارض فهو یتجلجل فیها الی یوم القیامة* و فی حیاة الحیوان قال وهب بن منبه لما أرسل اللّه تعالی البعوض علی نمروذ اجتمع منه فی عسکره ما لا یحصی عددا فلما عاین نمروذ ذلک انفرد عن جیشه و دخل بیته و أغلق الابواب و أرخی الستور و نام علی قفاه متفکرا فدخلت بعوضة فی أنفه و منخره و صعدت الی دماغه فتغذت بدماغه أربعین یوما الی أن کاد یضرب برأسه الارض و کان أعز الناس عنده من یضرب رأسه ثم سقطت منه کالفرخ و هی تقول کذلک یسلط اللّه رسله علی من یشاء من عباده ثم هلک حینئذ* قال ابن اسحاق و لما نجی اللّه ابراهیم من نمروذ الجبار و احراق النار استجاب له رجال من قومه حین رأوا ما صنع اللّه به من جعل النار علیه بردا و سلاما و أسلم خلق کثیر علی خوف من نمروذ و قومه و آمن له لوط و قیل هو أوّل من صدّقه و کان ابن أخیه هاران و هو لوط بن هاران بن تارخ و هاران أخو ابراهیم و کان له أخ ثالث یقال له ناحور و هو جدّ لقمان الحکیم کما مرّ و قیل أوّل من آمن بابراهیم بعد خروجه من النار سارة بنت هاران قالت یا ابراهیم آمنت باله جعل النار علیک بردا و سلاما فقالت أم ابراهیم أ لا تخشین قتلک قالت کیف أخاف و قد آمنت برب ابراهیم و لما رجع ابراهیم الی منزله نکحها و کانت من أجمل نساء أهل زمانها قیل کان حسن یوسف ثلث حسن سارة و اختلف المؤرّخون فی هاران أبی سارة فبعضهم علی أنه ملک حرّان و نکح ابراهیم ابنته سارة حین هاجر من وطنه الی حرّان و قال بعضهم هو أخو ابراهیم و کان نکاح بنت الاخ جائزا فی شریعتهم و بعضهم علی أنه هاران الاکبر عم ابراهیم و کان اسم عمه و أخیه متوافقین و اللّه أعلم* و فی عرائس الثعلبی سارة بنت ناحور روی أن النمروذ بینما کانوا یأتمرون أن یکیدوا لإبراهیم کیدا و یعذبوه بنوع آخر فأخبره بمکرهم ابن أخیه لوط بن هاران فخرج من کوثی أرض العراق مهاجرا الی ربه و سار بأهله سارة و معه لوط یلتمس الفرار بدینه و الامان علی عبادة ربه و خرج معهم آزر أبو ابراهیم و کان مقیما علی کفره و لما نزلوا حران مات بها آزر علی کفره فمکث بها ابراهیم ما شاء اللّه ثم خرج منها بمن معه فنزل الرها و یقال بعلبک ثم خرج منها الی الشام فوجد بها الجوع فسار الی مصر فوجدوا فیها فرعونا من فراعنتها یقال له سنان بن علوان من أولاد سام بن نوح علیه السلام ثم خرجوا الی الشام فنزل ابراهیم السبع من أرض فلسطین و هی بریة الشام و نزل لوط الاردن فأرسله اللّه نبیا الی أهل سدوم و ما یلیها و کانوا أهل کفر و فواحش و سیجی‌ء بقیة قصة لوط و قال مقاتل هاجر ابراهیم و هو ابن خمس و سبعین سنة*

ذکر سارة

روی أن ابراهیم لما هاجر من أرض بابل اتخذ تابوتا لسارة و کانت من أحسن النساء وجها تشبه حوّاء فی حسنها فأدخلها التابوت و حملها معه و کان ممرّه علی عشار فعشر ماله حتی بلغ التابوت فقال افتحه حتی أقوّم ما فیه و أعشره قال ابراهیم لا یمکننی فتحه هب أن ما فیه کله دیباج و حریر فاعشره فأبی ذلک قال هب أنه دراهم و دنانیر و جواهر فأعشرها فأبی الا الفتح ففتح ابراهیم باب التابوت فاذا فیه امرأة حسناء لم یر الناس مثلها فأخبر بها ملکه و کان یمیل الی النساء قال السهیلی اسمه صاروف ملک الاردن و کانت هاجر له فسأل ابراهیم من أین لک هذه المرأة قال هی أخت لی و خاف أن لو قال امرأتی یقتله و أراد بالاخت الاخت فی الاسلام فأرسل إلیها فأخذها منه عجبا منه لجمالها فأدخلها فی قصره و بقی ابراهیم خارج القصر متحیرا فجعل اللّه حیطان القصر شفافة کالزجاج حتی یری ابراهیم باطنها من ظاهرها فلما دنا الملک منها رأی وجها لم یر مثله قط فمدّ یده إلیها لیضمّها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:86
الی نفسه فیبست یده و جعل سقف البیت و جدر انه تتحرّک فخاف علی نفسه فابتدر الی صحن الدار فانهدم البیت فسألها الملک فأخبرته أنها امرأة ابراهیم و انه رجل صالح فقال لها ادعی اللّه أن یعافینی و یبرئ یدی فدعت فشفیت ثم هم بهما فیبست یداه و قیل فصر مکانه و هکذا الی ثلاث مرّات ثم وهب لها جاریة اسمها هاجر*

ذکر هاجر

قال ابن هشام تقول العرب هاجر و آجر فتبدل الالف من الهاء کما قالوا هراق الماء و أراق الماء و غیره و هاجر من أهل أرض مصر* قال ابن لهیعة هاجر من أرض العرب من قریة کانت أمام القری من أرض مصر کذا فی سیرة ابن هشام یقال ان هاجر کانت قبل الرق بنت ملک من ملوک القبط فأخدمها ایاها و خلی سبیلها و قال هذه لک لما نظرت الی شعرک و کان ابراهیم یری تلک الاحوال من وراء الجدار و کان لا یولد له من سارة ولد فوهبت هاجر له و قالت عسی اللّه أن یرزقک منها ولدا فحملت هاجر باسماعیل و ولدته* و فی سیرة مغلطای تفسیره مطیع اللّه و هو الذبیح و یلقب اعراق الثری و أما لوط بن هاران بن تارخ فنزل المؤتفکة و بینها و بین السبع منزل ابراهیم مسیرة یوم و لیلة* و فی أنوار التنزیل المؤتفکات قریات قوم لوط ائتفکت بهم أی انقلبت فصار عالیها سافلها و أمطروا حجارة من سجیل* و فی ضبط أسمائها اختلاف ففی العمدة المؤتفکات مدائن قوم لوط و هی سادوما و داروما و عامورا و صبورا و سدوم قیل کانت فی أرض العجم فی مفازة بین سجستان و کرمان و لم یتحقق بل التحقیق أنها کانت فی أرض العرب و کانت خمس مدائن صنعه و صعوه و عمره و حزره و سدوم* و فی بعض التفاسیر سدوما و هی أعظم مدائنهم و عامورا و داروما و صابورا و صعورا و کان فی کل مدینة ألف ألف انسان فبعث اللّه لوطا إلیهم قال اللّه تعالی و نجیناه و لوطا الی الارض التی بارکنا فیها للعالمین یعنی الشام بارک اللّه فیها بالخصب و کثرة الاشجار و الاثمار و الانهار یطیب فیها عیش الغنیّ و الفقیر و بعث اللّه أکثر الأنبیاء منها* عن أبیّ بن کعب انما سماها اللّه مبارکة لانه ما من ماء عذب الا و ینبع أصله من تحت صخرة بیت المقدس و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول انها ستکون هجرة بعد هجرة فخیار الناس الی مهاجر ابراهیم* و فی الحدیث طوبی لاهل الشام قیل و لم ذلک قال لان ملائکة الرحمن باسطة أجنحتها علیه کذا فی العمدة* و فی الکشاف قیل کانت المؤتفکة خمس مدائن و قیل کانوا أربعة آلاف بین الشام و المدینة فأمطر اللّه علیهم الکبریت و النار و قیل خسف بالمقیمین و أمطرت الحجارة علی مسافریهم و شذاذهم و قیل أمطرت علیهم ثم خسف بهم و روی أن تاجرا منهم کان فی الحرم فوقف له الحجر أربعین یوما حتی قضی تجارته و خرج من الحرم فوقع علیه* و فی العرائس جاءه الحجر لیصیبه فمنعته ملائکة الحرم و ردّوه و قالوا له ارجع فان الرجل فی حرم اللّه فحجز الحجر و بقی خارجا عن مکة أربعین یوما معلقا فی السماء فلما قضی الرجل حاجته و خرج من الحرم أصابه الحجر فقتله* و فی لباب التأویل قال ابن جریج کان فی قری قوم لوط أربعة آلاف ألف و فیه أیضا قری قوم لوط خمس مدائن أکبرها سدوم و هی المؤتفکات و یقال کان فیها أربعمائة ألف و قیل أربعة آلاف ألف* و فی العرائس کانت مدائن قوم لوط خمسا سادوما و عامورا و داروما و صبورا ثم سدوم کما مرّ من روایة العمدة و هی القریة العظمی و کان فی هذه القریة أربعون ألف فقیر فلما أصبحوا أدخل جبریل جناحه تحت قراهم الاربع و فی کل قریة مائة ألف أو یزیدون ثم رفعها علی خافقة من جناحه و فی روایة فاقتلع أرضهم من سبع أرضین فحملها حتی بلغ بها الی السماء الدنیا حتی سمع أهل السماء الدنیا نباح کلابهم و صراخ دیوکهم و لم یکفأ لهم اناء و لم ینتبه نائم ثم قلبها و جعل عالیها سافلها فلهذا سمیت المؤتفکات أی المنقلبات و کان هؤلاء یأتون الذکران و ما سبقهم بها أحد من العالمین و أما القریة الخامسة فانها نجت من العذاب لانها آمنت و کانت امرأة لوط موالیة لاهل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:87
سدوم و سمعت بالهدّة فالتفتت و قالت وا قوماه فأتاها حجر فقتلها و قال خلف مسخت حجرا و کانت تسمی هلسفع و قیل واعلة و عن ابن عیاش قال سألت أبا جعفر أعذب اللّه نساء قوم لوط بذنوب رجالهم قال ان اللّه تعالی أعدل من ذلک و انما استغنی الرجال بالرجال و النساء بالنساء فوجبت العقوبة علیهم جمیعا و عن ابن سعید قال انما فعل ذلک من قوم لوط نیف و ثلاثون رجلا لا یبلغون الاربعین فأهلکهم اللّه تعالی جمیعا و کان ذلک بعد ما مضی تسع و تسعون سنة من عمر ابراهیم علیه السلام*

(ذکر الشام و الارض المقدّسة و القدس و الخلیل)

* فی الانس الجلیل فی تاریخ القدس و الخلیل أن الاوائل قسموا الشام خمسة أقسام الشام الاولی فلسطین بکسر الفاء و فتح اللام سمیت بذلک لان أوّل من نزلها فلسطین من أولاد یونان بن یافث بن نوح و واسطة بلدها الرملة فهی أرض سهلة کثیرة الاشجار و النخیل و حولها مزارع و مغارس کثیرة و هی من جملة الثغور فان البحر المالح قریب منها نحو نصف برید من جهة الغرب و کانت فی عهد بنی اسرائیل متسعة عظیمة البناء و کان جالوت أحد جبابرة الکنعانیین ملکه بجوار فلسطین* و فی أنوار التنزیل أن جالوت و من معه من العمالقة کانوا یسکنون ساحل بحر الروم بین مصر و فلسطین فظهروا علی بنی اسرائیل فأخذوا دیارهم و سبوا أولادهم و أسروا من أولاد الملوک أربعمائة و أربعین و ان یونس أقام بها ثم توجه الی بیت المقدس یعبد اللّه فیه و بظاهرها من جهة الشمال علی مسافة قریبة منها لدّ و کان منزلا جمیلا فیه ناس یعمرونه و کانت تنزل فیه القوافل الواصلة من مصر الی الشام و فی الحدیث ان عیسی ابن مریم یقتل الدجال بباب لد و کان بلد کنیسة محکمة البناء و للنصاری بها اعتقاد و قد خربها الملک صلاح الدین و بظاهر لدّ من جهة المشرق مشهد یقال ان به قبر عبد الرحمن بن عوف الصحابی و أوّل حدود فلسطین من طریق مصرامج و هو العریش ثم یلیها غزة ثم رملة و من مدن فلسطین ایلیاء بالمدّ ککبریاء و حکی فیها القصر و هی مدینة بیت المقدس و من أسمائها شلم بالشین المعجمة و تشدید اللام و یروی بالمهملة و کسر اللام و یروی سلم معناه بالعبرانیة دار السلام* و فی بعض الکتب دعیت بیت المقدس اوری سلم و دعیت الجنة دار السلام و صهیون بکسر الصاد کذا فی الانس الجلیل و بینها و بین الرملة ستة فراسخ و هی ثمانیة عشر میلا صخار و وهاد و من مدن فلسطین عسقلان و نابلس و مدینة ابراهیم الخلیل و مسافة فلسطین من امج الی حدّ اللجون للراکب المجدّ یومان و أما سیر الاثقال فأکثر من أربعة أیام و عرضها من یافا الی أریحاء مسافة یومین و اللّه أعلم و الشام الثانیة الحوران و مدینته العظمی طبریة و الشام الثالثة الغوطة و مدینتها العظمی دمشق و الشام الرابعة حمص و توابعها و الشام الخامسة قنسرین و مدینته العظمی حلب و أما قسمة حدود الارض المقدّسة من الشام فحدّها القبلی أرض الحجاز یفصل بینهما جبال سوری و هی جبال منیعة بینها و بین أیلة نحو مرحلة و سطح أیلة هو أوّل حدود الحجاز و هی من تیه بنی اسرائیل و بینها و بین بیت المقدس نحو ثمانیة أیام بسیر الاثقال* و فی الکشاف بلاد التیه ما بین بیت المقدس الی قنسرین و هی اثنا عشر فرسخا فی ثمانیة فراسخ و حدّها الشرقی من بعد دومة الجندل بریة السماوة و هی کبیرة ممتدّة الی العراق ینزلها عرب الشام و مسافتها عن بیت المقدس نحو مسافة أیلة و حدّها الشمالی مما یلی الشرق نهر الفرات علی قول الحافظ الذهبی مؤرّخ الشام و مسافته عن بیت المقدس نحو عشرین یوما بسیر الاثقال فیدخل فی هذا الحدّ المملکة الشامیة بکمالها و حدّها الغربی بحر الروم و هو البحر المالح و مسافته من بیت المقدس من جهة فلسطین نحو یومین و حدّها الجنوبی رملة مصر و العریش و مسافته من بیت المقدس نحو خمسة أیام بسیر الاثقال ثم یلیه تیه بنی اسرائیل و طور سیناء و یمتدّ من تلک الجهة الی تبوک ثم الی دومة الجندل المتصلة بالحدّ الشرقی و من الارض
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:88
المقدّسة أریحاء و اذرعات و تیماء و نابلس و أریحاء مدینة الجبارین و هی شرقی بیت المقدس بقرب نهر الاردن و هو النهر المذکور فی القرآن فی قوله تعالی ان اللّه مبتلیکم بنهر فی قصة طالوت و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قد اجلی الیهود من المدینة فخرجوا الی الشام الی أذرعات و أریحاء و أجلی آخرهم عمر بن الخطاب من أرض الحجاز الی تیماء و أریحاء و قد صارت أریحاء قریة من قری بیت المقدس و نابلس مدینة بالارض المقدّسة مقابل بیت المقدس من جهة الشمال مسافتها عنه نحو یومین بسیر الاثقال خرج منها کثیر من العلماء و هی کثیرة الاعین و الاشجار و الفواکه معظم الاشجار فیها الزیتون و أما حدود بیت المقدس عرفا مما یطلق علیه عمل القدس و یسوغ لقضاة القدس الحکم فیه فمن جهة القبلة عمل بلد ابراهیم علیه السلام و یفصل بینهما قریة سبعین و ما حاذاه من عمل القدس و من جهة المشرق نهر الاردن المذکور فی قصة طالوت و من جهة الشمال مدینة نابلس یفصل بینهما قریتا سنجل و عزرن و هما من أعمال القدس و تتمة الحدّ رأس وادی بنی زید و هو من أعمال الرملة و من جهة الغرب مما یلی الرملة قریة بیت نوبة و هی من أعمال القدس و مما یلی مدینة غزة قریة عجورا بالراء المهملة و هی من أعمال غزة و غزة من أحسن المدن المجاورة لبیت المقدس و فیها ولد سلیمان ابن داود علیهما الصلاة و السلام و الامام الشافعی محمد بن ادریس رضی اللّه عنه و هی من الثغور أیضا فان البحر المالح قریب منها و هی کثیرة الاشجار و النخیل و الفواکه و عن ابن الزبیر طوبی لمن سکن احدی العروسین عسقلان و غزة

* (ذکر أولیة البیت الحرام و رکنه المستلم و المقام و من تولی بناءه من الملائکة و الأنبیاء الکرام و من دونهم من سائر الامم و الانام و بدء ظهور زمزم فی عهد اسماعیل علیه السلام)

* قال اللّه تعالی ان أوّل بیت وضع للناس للذی ببکة مبارکا و هدی للعالمین الآیة* و فی الصحیح من حدیث أبی ذرّ الغفاری أنه سأل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أی مسجد وضع فی الارض أوّل فقال له المسجد الحرام قال قلت ثم أی قال المسجد الاقصی قال قلت کم بینهما قال أربعون عاما و ذکر الزبیر بن بکار باسناده الی جعفر الصادق أن رجلا سأل أبا محمد الباقر بمکة فی لیالی العشر قبل الترویة فی الحجر و کان السائل الخضر فقال له یا أبا جعفر أخبرنی عن بدء خلق هذا البیت کیف کان قال بدء خلق هذا البیت ان اللّه تعالی قال للملائکة انی جاعل فی الارض خلیفة فردّوا علیه أ تجعل فیها من یفسد فیها الآیة و غضب علیهم فعاذوا بالعرش فطافوا حوله سبعة أطواف یسترضون ربهم فرضی عنهم و قال لهم ابنوا لی فی الارض بیتا فیعوذ به من سخطت علیه من بنی آدم و یطوفون حوله کما فعلتم بعرشی فأرضی عنهم فبنوا له هذا البیت فهذا بدء خلق هذا البیت قال الازرقی فی تاریخه ان ذلک قبل خلق آدم لما روی عن زین العابدین علی بن الحسین أن اللّه تعالی وضع بیتا تحت العرش و هو البیت المعمور و أمر الملائکة أن یطوفوا به ثم أمر الملائکة الذین هم سکان الارض أن یبنوا فی الارض بیتا بحیاله علی قدره و مثاله فبنوا و أمر من فی الارض أن یطوفوا به کما یطوف أهل السماء بالبیت المعمور* و فی حدیث جعفر الصادق المتقدّم فقال الرجل یا أبا جعفر فما بدء خلق هذا الرکن فقال ان اللّه تبارک و تعالی لما خلق الخلق قال لبنی آدم أ لست بربکم قالوا بلی و أقروا و أجری نهرا أحلی من العسل و ألذ من الزبد ثم امر القلم فاستمدّ من ذلک النهر فکتب اقرارهم و ما هو کائن الی یوم القیامة ثم ألقم ذلک الکتاب هذا الحجر فهذا الاستلام الذی تری انما هو بیعة علی اقرارهم بالذی کانوا أقرّوا به* و قال جعفر بن محمد کان أبی اذا استلم الرکن قال اللهم أمانتی أدّیتها و میثاقی وفیت به لیشهد لی عندک بالوفاء* و خرج الترمذی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:89
من حدیث عبد اللّه بن عباس و صححه قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نزل الحجر الاسود من الجنة و هو أشدّ بیاضا من اللبن فسوّدته خطایا بنی آدم* و فی تاریخ الازرقی فاسودّ من لمس الحیض فی الجاهلیة* و من حدیث عبد اللّه بن عمر موقوفا و مرفوعا قال الرکن و المقام یاقوتتان من یاقوت الجنة طمس اللّه نورهما و لو لم یطمس نورهما لأضاءا ما بین المشرق و المغرب* و من حدیث ابن عباس أیضا قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الحجر الاسود و اللّه لیبعثنه اللّه یوم القیامة له عینان یبصر بهما و لسان ینطق به یشهد علی من استلمه بحق* و فی الخبر الرکن و المقام یاقوتتان من یواقیت الجنة انزلا فوضعا علی الصفا فأضاء نورهما لاهل الارض ما بین المشرق و المغرب کما یضی‌ء المصباح فی اللیل المظلم یؤمن الروعة و یستأنس بهما و یبعثان یوم القیامة و هما فی العظم مثل أبی قبیس یشهدان لمن وافاهما بالوفاء و رفع النور عنهما و غیر حسنهما و وضعا حیث هما فیه* و ذکر أبو جعفر محمد بن جریر الطبری من حدیث عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه یقول ان آدم علیه السلام لما أهبط الی الارض فرأی سعتها و لم یر فیها أحدا غیره قال یا رب ما لأرضک هذه عامر یسبح و یقدّس لک غیری قال اللّه تعالی انی سأجعل فیها من ولدک من یسبح بحمدی و یقدّسنی و سأجعل فیها بیوتا یرفع فیها ذکری و یسبح فیها خلقی و یذکر فیها اسمی و سأجعل بیتا من تلک البیوت أخصه بکرامتی و أوثره باسمی و أسمیه بیتی و علیه وضعت جلالی ثم انا مع ذلک فی کل شی‌ء أجعل ذلک البیت حرما آمنا یتحرّم بحرمته من حوله و من تحته و من فوقه و من حرمه بحرمتی استوجب بذلک کرامتی و من أخاف أهله فقد أخفر ذمّتی و أباح حرمتی أجعله أوّل بیت وضع للناس ببطن مکة مبارکا یأتونه شعثا غبرا علی کل ضامر من کل فج عمیق یزجون بالتلبیة زجیجا و یثجون بالبکاء ثجیجا و یعجون بالتکبیر عجیجا فمن اعتمره لا یرید غیره فقد وفد الیّ و زارنی و ضافنی و حق علی الکریم أن یکرم وفده و أضیافه و أن یسعف کلا بحاجته تعمره یا آدم ما کنت حیا ثم تعمره الامم و القرون من الأنبیاء من ولدک أمّة بعد أمّة و قرنا بعد قرن* و فی حدیث ابن عباس بعد قوله و یسبح فیها خلقی و سأبوّئک منها بیتا أخصه بکرامتی و أحوزه لنفسی و أوثره علی بیوت الارض کلها و أحرزه بحرمی و أجعله أحق بیوت الارض کلها عندی و أولی بکرامتی أضعه فی البقعة التی اخترت لنفسی فانی اخترت مکانه یوم خلقت السموات و الارض* و عن عطاء و قتادة ان آدم علیه السلام لما أهبطه اللّه من الجنة و فقد ما کان یسمعه و یأنس إلیه من أصوات الملائکة و تسبیحهم استوحش حتی شکا ذلک الی اللّه تعالی فی دعائه و صلاته فوجهه الی مکة و أنزل اللّه تعالی یاقوتة من یاقوت الجنة لها بابان من زمرّد أخضر باب شرقی و باب غربی فکانت علی موضع البیت الآن و قال اللّه یا آدم انی أهبطت لک بیتا تطوف به کما یطاف حول العرش و تصلی عنده کما یصلی عند عرشی فانطلق إلیه آدم فطاف به هو و من بعده من الأنبیاء الی أن کان الطوفان فرفعت تلک الیاقوتة حتی أمر اللّه ابراهیم علیه السلام ببناء البیت فبناه فذلک قوله تعالی و اذ بوّأنا لإبراهیم مکان البیت الآیة* و فی زبدة الاعمال مختصر تاریخ الازرقی عن عثمان بن ساج قال بلغنی أن عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه قال لکعب یا کعب أخبرنی عن البیت الحرام قال کعب أنزل اللّه تعالی من السماء یاقوتة مجوّفة مع آدم فقال یا آدم ان هذا بیتی أنزلته معک یطاف حوله کما یطاف حول عرشی و یصلی حوله کما یصلی حول العرش و نزل معه الملائکة فرفعوا قواعده من الحجارة ثم وضع البیت علیها و کان آدم یطوف حوله کما یطاف حول العرش و یصلی عنده کما یصلی عند العرش فلما أغرق اللّه تعالی قوم نوح رفعه اللّه تعالی الی السماء و بقیت قواعده* و عن عثمان بن ساج عن وهب أنه وجد فی التوراة أن بیتا فی السماء بحیال الکعبة اسمه رضاض و هو البیت المعمور یرده کل یوم سبعون ألف ملک لا یعودون
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:90
إلیه أبدا و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم البیت الذی فی السماء یقال له الضراح و هو مثل بناء البیت الحرام و لو سقط لسقط علیه یدخله کل یوم سبعون ألف ملک لا یعودون إلیه الی یوم القیامة* و عن ابن عباس ان اللّه تعالی أوحی الی آدم ان لی حرما بحیال عرشی فانطلق فابن لی بیتا فیه ثم جف به کما رأیت الملائکة یحفون بعرشی فهنا لک استجیب لک و لولدک من کان منهم علی طاعتی فقال آدم أی رب و کیف لی بذلک لست أقوی علیه و لا أهتدی لمکانه فقیض اللّه له ملکا فانطلق به نحو مکة فکان آدم علیه السلام اذا مرّ بروضة أو مکان یعجبه قال للملک انزل بناها هنا فیقول له الملک أمامک حتی قدم مکة فبنی البیت من خمسة أجبل من طور سیناء و حراء و طور زیتاء و من لبنان و الجودی* و فی روایة وهب بن منبه و ثبیر و أحد بدل لبنان و الجودی انتهی* و بنی قواعده من حراء فلما فرغ من بنائه خرج به الملک الی عرفات فأراه المناسک کلها التی یفعلها الناس الیوم* و فی روایة قال ابن عباس انما سمی عرفات جمعا لانه اجتمع بها آدم و حوّاء* و فی أنوار التنزیل انما سمی الموقف عرفة لان آدم و حوّاء التقیا فیه فتعارفا أو لانه نعت لإبراهیم علیه السلام فلما أبصره عرفه أو لانّ جبریل کان یدور به فی المشاعر فلما رآه قال عرفت أو لانّ الناس یتعارفون فیه* و عرفات للمبالغة فی ذلک و هی من الاسماء المرتجلة الا أن یجعل جمع عرفة فحج آدم و أقام المناسک قال وهب بن منبه تلقته الملائکة بالابطح فرحبت به و قالت یا آدم انا لننتظرک و لقد حججنا هذا البیت قبلک بألفی عام ثم قدم به الملک مکة فطاف بالبیت أسبوعا ثم رجع الی أرض الهند فمات بها* و فی روایة عن ابن عباس حج آدم من الهند أربعین حجة قال أبو یحیی قلت لابن عباس أ کان یرکب آدم قال أی شی‌ء یحمله فو اللّه ان خطوته مسیرة ثلاثة أیام کذا فی العرائس* و ذکر الواقدیّ عن أبی بکر بن سلیمان بن أبی خیثمة العدوی قال قلت لابی جهم بن حذیفة یا عمّ حدّثنی عن بناء البیت و نزول آدم علیه السلام الحرم قال یا ابن أخی سلنی علی نشاط منی فانی أعلم ما لا یعلمه غیری فمکثت شهرا أذکره المرّة بعد المرّة فیقول مثل قوله الاوّل و کان قد کبر ورق و ضعف فدخلت علیه یوما و هو مسرور فقال اسمع حدیثک الذی سألتنی عنه ان البیت حذاؤه حزم فی السماء السابعة و فی الارض السابعة یعنی ان ما یقابله حرم* روی النووی فی إیضاح المناسک عن مجاهد ان هذا البیت أربعة عشر بیتا فی کل سماء بیت و فی کل أرض بیت بعضهنّ مقابل بعض* و عن لیث بن معاذ قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هذا خامس عشر بیتا سبعة منها فی السماء الی العرش و سبعة منها الی تخوم الارض السفلی و أعلاها الذی فی العرش البیت المعمور و لکل بیت منها حرم کحرم هذا البیت لو سقط منها بیت لسقط بعضها علی بعض الی تخوم الارض السفلی و لکل بیت من أهل السماء و أهل الارض من یعمره کما یعمر هذا البیت ذکره فی زبدة الاعمال* قال أبو جهم و ان آدم علیه السلام أمر بأساسه فبناه هو و حوّاء و أسساه بصخر أمثال الخلفات یعنی النوق التی فی بطونها أجنة واحدتها خلفة أذن اللّه للصخر أن یطیعهما ثم نزل البیت من السماء من ذهب أحمر و وکل به من الملائکة سبعون ألف ملک فوضعوه علی أس آدم علیه السلام و نزل الرکن و هو یومئذ درّة بیضاء فوضع موضعه الیوم من البیت و طاف به آدم و صلّی فیه فلما مات آدم علیه السلام ولیه بعده ابنه شیث فکان کذلک حتی حجه نوح علیه السلام فلما کان الغرق یعنی الطوفان بعث اللّه تعالی سبعین ألف ملک فرفعوه الی السماء کی لا یصیبه الماء النجس و بقیت قواعده و جاءت السفینة فدارت به سبعا ثم دثر البیت فلم یحجه من بین نوح و بین ابراهیم أحد من الأنبیاء علیهم الصلاة و السلام* و فی شفاء الغرام عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعث اللّه عز و جل جبریل الی آدم و حوّاء فقال لهما ابنیا لی بیتا فحط
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:91
لهما جبریل فجعل آدم یحفر و حوّاء تنقل التراب حتی أصابه الماء نودی من تحته حسبک یا آدم فلما بناه أوحی اللّه تعالی إلیه أن یطوف به و قیل له أنت أوّل الناس و هذا أوّل بیت تناسخته القرون* و فی تشویق الساجد فهبطت علی آدم الملائکة فحفر حتی بلغ الارض السابعة فقذفت الملائکة فیه الصخر حتی أشرف علی وجه الارض و هبط بیاقوتة حمراء لها أربعة أرکان بیض فوضعها علی الاساس فلم تزل الیاقوتة کذلک حتی کان زمن الغرق فرفعها اللّه سبحانه و تعالی* و فی تاریخ الازرقی عن مقاتل یرفع الحدیث الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی حدیث حدّثه به آدم قال أی رب انی أعرف شقوتی انی لا أری شیئا من نورک فأنزل اللّه البیت المعمور علی عرض البیت و موضعه من یاقوتة حمراء و لکن طولها کما بین السماء و الارض و أمره أن یطوف بها و أذهب اللّه عنه الغم الذی کان یجده قبل ذلک ثم رفع علی عهد نوح علیه السلام کذا فی شفاء الغرام* و فی بحر العلوم أنزل اللّه خیمة من خیام الجنة فوضعها له بمکة موضع البیت قبل أن تکون الکعبة و تلک الخیمة یاقوتة حمراء من یواقیت الجنة فیها ثلاث قنادیل من ذهب لها بابان شرقی و غربی من ذهب منظومان من درّ الجنة فیها نور یلتهب من الجنة و نزل معها الرکن یومئذ و هو یاقوتة بیضاء من یواقیت الجنة و کان کرسیا لآدم یجلس علیه* و فی بهجة الانوار ان الحجر الاسود کان فی الابتداء ملکا صالحا و لما خلق اللّه آدم زینه و أسکنه الجنة و أباح له الجنة کلها الا الشجرة التی نهاه اللّه عنها و شرط معه و أشهد علی ذلک ملکا و ذلک قوله تعالی و لقد عهدنا الی آدم من قبل فنسی و لم نجد له عزما ثم جعل ذلک الملک موکلا علی آدم حتی لا ینسی عهد ربه و کلما خطر بباله أن یأکل من الشجرة نهاه الملک فلما قدّر اللّه أن یأکل منها غاب عنه الملک فأکلا منها فطارت عنه الحلل و أخرج من الجنة فلما رجع الملک وجده قد نقض عهد ربه فنظر اللّه الی ذلک الملک بالهیبة فصار جوهرا و ذلک أن اللّه تعالی لم یرض عن الملک غیبته و قال له أنت هتکت ستر آدم و عزتی و جلالی لأجعلنک حجرا أ لا تری انه جاء فی الحدیث ان الحجر الاسود یأتی یوم القیامة و له ید و لسان و أذن و عین لانه کان فی الابتداء ملکا* قال وهب ان آدم لما صار بمکة حرسه اللّه و حرس تلک الخیمة بالملائکة یحرسونه و یذودون عنه سکان الارض و سکانها یومئذ الجنّ و الشیاطین فلا ینبغی لهم أن ینظروا الی شی‌ء من الجنة لانّ من ینظر الی شی‌ء من الجنة وجبت له الجنة و الارض یومئذ طاهرة نقیة طیبة لم تنجس و لم یسفک فیها الدماء و لم تعمل فیها الخطایا فمن أجل ذلک جعلها اللّه مستقرّ الملائکة و جعلهم فیها کما کانوا فی السماء یسبحون اللیل و النهار لا یفترون و کان موقفهم علی أعلام الحرم صفا واحدا مستدیرا محیطا بالحرم و الحل کله من خلفهم و الحرم کله دونهم* و قال ابن عباس ان للحرم حرمة البیت الی السموات ثم الی العرش و الی الارض السفلی فلا یجوزها جنّ و لا شیطان من أجل مقام الملائکة حرم اللّه الحرم حتی الیوم و وضعت أعلامه حیث کان مقام الملائکة* و فی مناسک السروجی أوّل من حدّد الحرم آدم علیه السلام خوفا من الشیاطین فخفت ملائکة علی حدوده تمنع الشیاطین ثم حدّده ابراهیم علیه السلام و جبریل یریه مواضعه ثم قضی ثم أمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کعب بن أسد بذلک ثم حدّده عمر ثم عثمان ثم معاویة رضی اللّه عنهم ثم عبد الملک بن مروان لما حج قال أبو جعفر الهندوانی مقدار الحرم من جانب المشرق ستة أمیال و من الجانب الثانی اثنا عشر میلا قال صاحب المحیط و فیه نظر فان ذلک هو التنعیم قریب من ثلاثة أمیال و من الجانب الثالث ثمانیة عشر میلا و من الجانب الرابع أربعة و عشرون میلا و حدّه المحرّر من طریق المدینة دون التنعیم عند بیوت نفار بکسر النون و بالفاء علی ثلاثة أمیال و من طریق الیمن اضاة لبن فی ثنیة لبن علی وزن قناة و لبن بکسر اللام و بالباء الموحدة علی سبعة أمیال و من طریق العراق علی ثنیة جبل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:92
بالمنقطع علی سبعة أمیال و من طریق الجعرّانة فی شعب آل عبد اللّه بن خالد علی تسعة أمیال بالتاء قبل السین و من طریق جدّة منقطع الاعشاش جمع عش علی عشرة أمیال و من طریق الطائف علی عرفات من بطن نمرة علی سبعة أمیال هکذا ذکره الازرقی و جماعة غیر أن الازرقی قال فی حدّه من طریق الطائف أحد عشر میلا و أکثرهم قالوا سبعة أمیال قال و ان خیمة آدم لم تزل فی مکانها حتی قبض اللّه آدم ثم رفعها اللّه و بنی بنو آدم بعده فی موضعها بیتا من الطین و الحجارة فلم یزل معمورا یعمرونه هم و من بعدهم حتی کان زمن الطوفان فنسفه الغرق و قیل الذی عمرها من أولاده شیث فانطمس فی الطوفان و مکانها تل أحمر و لما غرق خفی مکانه حتی بعث اللّه خلیله ابراهیم علیه السلام و طلب الاساس الذی وضعه بنو آدم فی موضع الخیمة فوجد فرفع القواعد و ان حوّاء هبطت بجدّة و هی ساحل مکة و حرم اللّه علیها دخول الحرم و النظر الی خیمة آدم و الی شی‌ء من مکة من أجل خطیئتها التی أخطأتها و یقال أردت أن تدخل معه فمنعها آدم و قال إلیک عنی حرمت الجنة بسببک فتریدین أن تحرمینی هذا و قال وهب کان آدم اذا أراد لقاءها لیلم بها للولد خرج من الحرم کله حتی یلقاها فی الحل و لم تزل مکة دار آدم مذ نزلها الی أن توفاه اللّه تعالی* و فی الاکتفاء ان شیث بن آدم هو أوّل من بنی الکعبة و انها کانت قبل أن یبنیها خیمة من یاقوتة حمراء یطوف بها آدم یأنس بها لانها أنزلت إلیه من الجنة فرفعت و کان قد حج الی موضعها من الهند* و فی الخبر أن موضعها کان غثاء علی الماء قبل أن یخلق اللّه السموات و الارض فلما بدأ اللّه خلق الاشیاء خلق التربة قبل السماء فلما خلق السماء و قضاهنّ سبع سماوات دحا الارض أی بسطها و انما دحاها من تحت الکعبة فلذلک سمیت مکة أمّ القری* و قال وهب بن منبه خلق اللّه الکعبة قبل سائر الارض بألفی عام و خلق اللّه الارض قبل آدم بألفی عام و دحیت الارض من تحت البیت المعمور من موضع الکعبة قبل أن تکون الکعبة و نشر السماء من فوقه و قد مرّ فی أوّل الکتاب مثله تزور الملائکة الکعبة کل یوم سبعون ألفا لا یعودون إلیها أبدا و فی کل لیلة کذلک و کان ابتداء حجهم الکعبة قبل آدم بألفی عام کذا فی بحر العلوم* و ذکر ابن هشام أن الماء لم یصل الکعبة حین الطوفان و لکن قام حولها و بقیت هی فی هواء الی السماء و ان نوحا قال لاهل السفینة و هی تطوف بالبیت الکریم انکم فی حرم اللّه و حول بیته فأحرموا للّه و لا یمس أحد امرأة و جعل بینهم و بین النساء حاجزا فتعدّی حام فدعا علیه بأن یسوّد اللّه ذرّیته فأجابه اللّه علی وفق ما دعا و اسودّ کوش بن حام و ولده الی یوم القیامة و قد مرّ نحوه و قد قیل فی سبب دعوته غیر هذا* و یروی أنه لما نضب ماء الطوفان بقی مکان البیت ربوة من مدرة فحج إلیه بعد ذلک هود و صالح و من آمن معهما و أن یعرب قال لهود علیه السلام أ لا تبنیه قال انما یبنیه نبی کریم یأتی من بعدی یتخذه الرحمن خلیلا قال أبو الجهم من حدیث الواقدی حتی أراد اللّه بابراهیم ما أراد فولد له اسماعیل و هو ابن تسعین سنة فکان بکر أبیه* و قال أهل الاخبار ان هاجر کانت لسارة فوهبتها لإبراهیم اذ لم یولد له ولد منها و قالت عسی اللّه أن یرزقک منها ولدا فحملت هاجر باسماعیل فلما ولدته کان نور محمد صلّی اللّه علیه و سلم لامعا من جبهته کما مرّ فغارت سارة و قیل ان ابراهیم أخبر سارة بأن اللّه وعده أن یرزقه ولدا طیبا و کانت ترجو أن یکون الولد منها فلما حملت هاجر باسماعیل و ولدته و ظهر نور محمد صلّی اللّه علیه و سلم فی وجهه اغتمت سارة و حزنت حزنا شدیدا و غارت علیها غیرة ضاق بها صدرها فناشدت ابراهیم أن یخرجها من عندها و جوارها فأوحی اللّه تعالی الی ابراهیم أن یطیع سارة فی کل ما تقول و تأمر فی هاجر و اسماعیل و حلفت سارة علی أن تقطع ثلاثة من أعضاء هاجر فلما علمت به هاجر تمنطقت و تهیأت للفرار* قال ابن عباس أوّل من اتخذ من النساء المنطقة أمّ اسماعیل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:93
اتخذت منطقا لیعفی أثرها علی سارة فأمر ابراهیم سارة ان تبرّ قسمها بثقب أذنیها و خفاضها ففعلت فصار ثقب الاذان و الخفاض سنة فی النساء کذا فی شفاء الغرام* و فی الانس الجلیل غارت منها سارة فحلفت أن تملأ یدها من دمها فقال ابراهیم خدنیها و اختنیها لکی یکون سنة بعد کما و تتخلصین من یمینک ففعلت فکانت هاجر أوّل من اختتنت من النساء و ابراهیم أوّل من اختتن من الرجال* و قال السهیلی هاجر أوّل امرأة ثقبت اذنها و أوّل من خفض من النساء و أوّل من جرّ ذیلها و مع ذلک لم یسکن جاش سارة و لم تزل تغیر علیها و تغتم حتی آل الامر الی أن هاجر ابراهیم بهاجر و اسماعیل الی الارض التی هی الآن حرم مکة* و فی العرائس قال العلماء من أهل الکتب حملت سارة باسحاق و قد کانت هاجر حملت باسماعیل فوضعتا معا و مشی الغلامان ینتضلان و کان ابراهیم قد سابق بینهما فسبق اسماعیل اسحاق فأخذه ابراهیم و قبله و وضعه علی رکبته فقالت له سارة تجلس اسماعیل علی رکبتک دون ولدی اسحاق ولی علیک أن لا تسوأنی و لا تغایرنی و أخذها ما یأخذ النساء من الغیرة فحلفت أن لا بدّ لها ما تغیر خلقها و لتقطعنّ بضعة منها فلما سکن غضبها و ثاب إلیها عقلها ندمت علی ما کان منها من الیمین و بقیت حائرة فی ذلک فقال لها ابراهیم اخفضیها و اثقبی أذنیها ففعلت فصار ذلک سنة فی النساء قالوا ثم ان اسماعیل و اسحاق اقتتلا ذات یوم کما یفعله الصبیان فغضبت سارة علی هاجر و قالت لا تساکنینی بعد یومک هذا ثم أمرت ابراهیم أن یحوّلها و یغرّبها فأوحی اللّه الی ابراهیم أن ائت بهاجر و ابنها الی مکة ففعل و سیأتی التصریح بأن اسماعیل أکبر من اسحاق* و فی الاکتفاء لما أراد اللّه عز و جل أن یبوّئ لإبراهیم مکان البیت و أعلامه أوحی إلیه یأمره بالمسیر الی بلده الحرام فرکب ابراهیم البراق و حمل اسماعیل أمامه و هو ابن سنتین و قیل و هی ترضعه و هاجر خلفه و معه جبریل یدله علی موضع البیت و معالم الحرم* و فی زبدة الاعمال عن عثمان بن ساج قال بلغنا و اللّه أعلم أن ابراهیم خلیل الرحمن علیه السلام عرج به الی السماء فنظر الی الارض مشارقها و مغاربها و ذلک قوله تعالی و کذلک نری ابراهیم ملکوت السموات و الارض و لیکون من الموقنین فاختار موضع الکعبة فقالت له الملائکة یا خلیل الرحمن اخترت حرم اللّه فی الارض قال فبناه من حجارة سبعة أجبل و یقال خمسة فکانت الملائکة تأتی بالحجارة الی ابراهیم علیه السلام من تلک الجبال* و فی تفسیر القشیری و حیاة الحیوان و غیرهما أن ابراهیم لما هاجر بولده اسماعیل و أمّ ولده هاجر الی مکة مرّ علی قوم من العمالقة فوهبوا لإسماعیل عشرة أعنز فجمیع أعنز مکة من نسلها* و فی الاکتفاء کان لا یمرّ بقریة الا قال ابراهیم بهذه أمرت یا جبریل فیقول لا حتی قدم به مکة و هی اذ ذاک عضاه و سلم و سمر و العمالیق یومئذ حول الحرم و هم أوّل من نزل مکة و یسکنون بعرفة و کانت المیاه یومئذ قلیلة و کان موضع البیت قد دثر و هو ربوة حمراء مدرة و هو مشرف علی ما حوله فقال جبریل حین دخل من کداء و هو الجبل الذی یطلعک علی الحجون و المقبرة بهذا أمرت قال ابراهیم بهذا أمرت قال نعم فانتهی الی موضع البیت فعمد ابراهیم الی موضع الحجر فآوی فیه هاجر و اسماعیل و أمر هاجر أن تتخذ عریشا* و فی معالم التنزیل فوضعهما ابراهیم عند البیت عند دوحة فوق زمزم فی أعلا المسجد و لیس بمکة یومئذ أحد و لیس بها ماء و لا عمارة و لا زراعة* و فی روایة وضعهما عند تل ستبنی الکعبة علیه* و فی الاکتفاء فلما أراد ابراهیم أن یخرج و رأت أمّ اسماعیل أنه لیس بحضرتها أحد من الناس و لا ماء ظاهر ترکت ابنها فی مکانه و تبعت ابراهیم فقالت یا ابراهیم الی من تدعنا فسکت عنها حتی اذا دنا من کداء قال الی اللّه عز و جل أدعکم قالت فاللّه أمرک بهذا قال نعم قالت فحسبی ترکتنا الی کاف و انصرفت هاجر الی ابنها و خرج ابراهیم حتی وقف علی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:94
کداء و لا بناء و لا ظل و لا شی‌ء یحول دون ابنه فنظر إلیه فأدرکه ما یدرک الوالد من الرحمة لولده فقال ربنا انی أسکنت من ذرّیتی بواد غیر ذی زرع عند بیتک المحرّم ربنا لیقیموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوی إلیهم و ارزقهم من الثمرات لعلهم یشکرون* و فی روایة فانطلق ابراهیم حتی اذا کان عند الثنیة حیث لا یرونه استقبل بوجهه الی البیت بهذه الدعوات* و عن مجاهد لو قال أفئدة الناس لزحمتکم علیه فارس و الروم* و فی الکشاف قیل لو لم یقل من لازدحموا علیها حتی الروم و الترک و الهند* و فی أنوار التنزیل لحجت الیهود و النصاری و المجوس* و فی الاکتفاء ثم انصرف ابراهیم راجعا الی الشام و رجعت أمّ اسماعیل الی ابنها و عمدت هاجر فجعلت عریشا فی موضع الحجر من سمر و ثمام ألقته علیه و معها شنّ فیه ماء* و فی روایة وضع عندهما جرابا فیه تمر و سقاء فیه ماء* و فی الاکتفاء فلما نفد الماء عطش اسماعیل و عطشت أمّه فانقطع لبنها فأخذ اسماعیل کهیئة الموت فظنت أنه میت فجزعت و خرجت جزعا أن تراه علی تلک الحالة و قالت یموت و أنا غائبة عنه أهون علیّ و عسی اللّه أن یجعل لی فی ممشای خیرا فانطلقت فنظرت الی جبل الصفا فأشرفت علیه تستغیث ربها و تدعوه ثم انحدرت الی المروة فلما کانت فی الوادی خبت حتی انتهت الی المروة* و فی روایة لما بلغت بطن الوادی غاب الولد عن عینها فرفعت طرف درعها ثم سعت سعی الانسان المجهود حتی جاوزت الوادی ثم أتت المروة فقامت علیها قال ابن عباس قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلذلک سعی الناس بینهما یعنی صار ذلک من شعائر الحج* و فی الاکتفاء فعلت ذلک مرّات کلما أشرفت علی الصفا نظرت الی ابنها فتراه علی حاله و اذا أشرفت علی المروة فمثل ذلک و کان ذلک أوّل سعی بین الصفا و المروة و کان من قبلها یطوفون بالبیت و لا یسعون بین الصفا و المروة و لا یقفون المواقف حتی کان ابراهیم فلما کان الشوط السابع و یئست سمعت صوتا فاستمعت فلم تسمع الا الاوّل فظنت أنه شی‌ء عرض لسمعها من الظمأ و الجهد فنظرت الی ابنها فاذا هو یتحرّک فأقامت علی المروة ثم سمعت الصوت الاوّل فقالت انی سمعت صوتک فأعجبنی فان کان عندک خیر فأغثنی فانی قد هلکت و هلک ما عندی* و فی روایة قالت أیها الذی قد سمعت ان کان عندک غوث فأغثنی و کان الصائت جبریل انتهی فخرج الصوت یصوّت بین یدیها و خرجت تتلوه قد قویت له نفسها حتی انتهی الصوت عند رأس اسماعیل ثم بدا لها جبریل فانطلق بها حتی وقف علی موضع زمزم فضرب بعقبه مکان البئر فظهر الماء فوق الارض حین فحص بعقبه* و فی الحدائق فبحث بعقبه أو قال بجناحه علی شک الراوی و فارت بالرواء و جعلت أمّ اسماعیل تحظر الماء بالتراب و تحوضه خشیة أن یفوتها قبل أن تأتی بشنها فاستقت و بادرت الی ابنها فسقته* قال ابن عباس قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یرحم اللّه أمّ اسماعیل لو ترکت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لکانت عینا معینا* و فی الاکتفاء فشربت فاذا ثدیاها یتقطران لبنا فکان ذلک اللبن طعاما و شرابا لإسماعیل و کانت تجتزی بماء زمزم فقال الملک لا تخافی أن ینفد هذا الماء و أبشری فان ابنک سیشب و یأتی أبوه من الشام فیبنون هاهنا بیتا یأتیه عباد اللّه من أقطار الارضین ملبین للّه جل ثناؤه شعثا غبرا فیطوفون به و یکون هذا الماء شرا بالضیفان اللّه عز و جل الذین یزورون بیته فقالت فی جوابه بشرک اللّه بکل خیر و طابت نفسها و حمدت اللّه تعالی و أقبل غلامان من العمالیق یرید ان بعیرا لهما ما أخطأ هما و قد عطشا و أهلهما بعرفة فنظر الی طیر تهوی قبل الکعبة فاستنکرا ذلک و قالا أنی یکون الطیر علی غیر ماء فقال أحدهما لصاحبه أمهل حتی نبرد ثم نسلک فی مهوی الطیر فأبردا ثم تروّحا فاذا الطیر ترد و تصدر فاتبعا الواردة منها حتی وقفا علی أبی قبیس فنظر الی الماء و الی العریش فنزلا و کلما هاجر و سألاها متی نزلت فأخبرتهما و قالا لمن هذا الماء فقالت لی و لا بنی فقالا من حفره فقالت سقانا اللّه عز و جل فعرفا أن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:95
أحدا لا یقدر أن یحفر هناک ماء و عهدهما بما هناک قریب و لیس به ماء فرجعا الی أهلهما من لیلتهما فأخبراهم فتحوّلوا حتی نزلوا معها علی الماء فأنست بهم و معهم الذرّیة فنشأ اسماعیل مع ولد انهم و کان ابراهیم یزور هاجر فی کل شهر علی براق یغدو غدوة فیأتی مکة ثم یرجع فیقیل فی منزله بالشام فزارها بعد و نظر الی من هناک من العمالیق و الی کثرتهم و غمارة الماء فسرّ بذلک و لما بلغ اسماعیل أن یسعی مع ابراهیم فی أشغاله و یعینه فی حوائجه و أعماله و ذلک حین کان ابن ثلاث عشرة سنة و قیل ابن سبع سنین و قیل أربع سنین رأی ابراهیم فی المنام أنه یذبحه*

ذکر الاختلاف فی الذبیح‌

و اختلف علماء الاسلام فی هذا الغلام الذی أمر ابراهیم بذبحه بعد اتفاق أهل الکتابین علی أنه اسحاق فقال قوم انه اسحاق و إلیه ذهب من الصحابة عمر و علیّ و ابن مسعود و من التابعین و أتباعهم کعب و سعید بن جبیر و قتادة و مسروق و عکرمة و عطاء و مقاتل و الزهری و السدّی و هو روایة عن ابن عباس و قالوا کانت هذه القصة بالشام* روی عن سعید بن جبیر أنه قال أری ابراهیم ذبح اسحاق فی المنام فسار به مسیرة شهر فی غدوة واحدة حتی أتی به الی المنحر بمنی فلما أمر بذبح الکبش ذبحه و ساربه مسیرة شهر فی روحة واحدة و طویت له الاودیة و الجبال و قال آخرون هو اسماعیل و إلیه ذهب عبد اللّه بن عمر و هو قول سعید بن المسیب و الشعبی و الحسن البصری و مجاهد و الربیع بن أنس و محمد بن کعب القرظی و الکلبی و هو روایة عن عطاء بن أبی رباح و یوسف بن ماهک عن ابن عباس قال المفسدی اسماعیل و کلا القولین یروی عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* حجة من قال الذبیح اسحاق قوله تعالی فبشرناه بغلام حلیم فلما بلغ معه السعی أمر بذبح من بشر به و لیس فی القرآن أنه بشر بولد سوی اسحاق کما قال فی سورة هود فبشرناها باسحاق و ما روی فی الحدیث یوسف بن یعقوب اسرائیل اللّه ابن اسحاق ذبیح اللّه و ما روی أن یعقوب لما بلغه أن بنیامین أخذ بمصر بعلة السرقة کتب الی العزیز الریان و هو یومئذ یوسف* بسم اللّه الرحمن الرحیم من یعقوب اسرائیل اللّه ابن اسحاق ذبیح اللّه و سیجی‌ء تمامه* و حجة من قال ان الذبیح هو اسماعیل أن اللّه ذکر البشارة باسحاق بعد الفراغ من قصة المذبوح فقال و بشرناه باسحاق نبیا من الصالحین فدل علی أن المذبوح غیره و أیضا قال اللّه تعالی فی سورة هود فبشرناها باسحاق و من وراء اسحاق یعقوب و کما بشر ابراهیم باسحاق بشر بابنه یعقوب فکیف یأمره بذبح اسحاق و قد وعد له نافلة منه* و فی أنوار التنزیل و لان البشارة باسحاق کانت مقرونة بولادة یعقوب منه فلا یناسبها الامر بذبحه مراهقا و لان قرنی الکبش کانا منوطین بالکعبة فی أیدی بنی اسماعیل الی أن احترق البیت و احترق القرنان فی أیام ابن الزبیر و الحجاج و لم یکن اسحاق ثمة* قال الشعبی رأیت قرنی الکبش منوطین بالکعبة* و عن ابن عباس قال و الذی نفسی بیده لقد کان أوّل الاسلام و ان رأس الکبش لمعلق بقرنیه من میزاب الکعبة و قد و خش یعنی یبس و صار ردیئا* قال الاصمعی سألت عمرو بن العلاء عن الذبیح اسحاق أو اسماعیل فقال یا أصیمع أین ذهب عقلک متی کان اسحاق بمکة و انما کان اسماعیل بمکة و هو الذی بنی البیت مع أبیه و لان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال أنا ابن الذبیحین یعنی جدّه اسماعیل و أباه عبد اللّه حیث عرضه عبد المطلب علی الذبح* قال ابن القیم و مما یدل علی أن الذبیح اسماعیل أنه لا ریب أن الذبح کان بمکة و لذا جعل القرابین یوم النحر بها کما جعل السعی بین الصفا و المروة و رمی الجمرات بها تذکرة بشأن اسماعیل و أمّه و اقامة لذکر اللّه تعالی و معلوم أن اسماعیل و أمّه هما اللذان بمکة دون اسحاق و أمّه و لو کان الذبح بالشام کما یزعم أهل الکتاب و من تلقی عنهم لکانت القرابین و النحر بالشام لا بمکة و روی ما ذکره المعافی بن زکریا أن عمر بن عبد العزیز سأل رجلا أسلم من علماء الیهود أیّ ابنی ابراهیم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:96
أمر بذبحه فقال و اللّه یا أمیر المؤمنین ان الیهود لیعلمون أنه اسماعیل و لکنهم یحسدونکم معشر العرب أن یکون أبا لکم للفضل الذی ذکر عنه فهم یجحدون ذلک و یزعمون أنه اسحاق لان اسحاق أبوهم کذا فی المواهب اللدنیة*

قصة الذبح‌

و أما قصة الذبح فقال السدّی لما دعا ابراهیم ربه فقال رب هب لی من الصالحین و بشر به قال هو اذا ذبیح اللّه فلما ولد و بلغ معه السعی قیل له أوف بنذرک هذا هو السبب فی أمر اللّه ایاه بذبح ابنه فقال عند ذلک لإسماعیل انطلق نقرب قربانا للّه عز و جل و أخذ سکینا و حبلا و انطلق معه حتی ذهب به بین الجبال فقال له الغلام یا أبت أین قربانک فقال یا بنیّ انی أری فی المنام أنی أذبحک فانظر ما ذا تری قال یا أبت افعل ما تؤمر* قال ابن اسحاق کان ابراهیم اذا زار هاجر و اسماعیل حمل علی البراق فیغدو من الشام فیقیل بمکة و یروح من مکة فیبیت عند أهله بالشام حتی اذا بلغ اسماعیل معه السعی أمر فی المنام أن یذبحه و ذلک أنه رأی لیلة الترویة کان قائلا یقول له ان اللّه یأمرک بذبح ابنک هذا فلما أصبح روّی فی نفسه أی فکر من الصباح الی الرواح أمن اللّه هذا الحلم أو من الشیطان فمن ثمة سمی یوم الترویة فلما أمسی رأی فی المنام ثانیا فلما أصبح عرف أن ذلک من اللّه فمن ثمة سمی یوم عرفة و قال مقاتل رأی فی المنام ثلاث لیال متتابعات فلما تیقن ذلک أخبر به ابنه قال ابن اسحاق و غیره لما أمر ابراهیم بذلک قال لابنه خذ الحبل و المدیة ننطلق الی هذا الشعب نحتطب فأخذهما فانطلقا حتی اذا کان ببعض الطریق عرض لهما الشیطان* و عن کعب الاحبار و ابن اسحاق لما أمر ابراهیم بذبح ابنه قال الشیطان لئن لم أفتن عند هذا آل ابراهیم لا أفتن منهم أحدا أبدا فتمثل رجلا و أتی أمّ الغلام فقال لها هل تدرین أین ذهب ابراهیم بابنک قالت ذهب به یحتطبان من هذا الشعب قال لا و اللّه ما ذهب به الا لیذبحه قالت کلا هو أرحم به و أشدّ حبا من ذلک قال انه یزعم أن اللّه أمره بذلک قالت فان کان ربه أمره بذلک فقد أحسن أن یطیع ربه فخرج الشیطان من عندها حتی أدرک الابن و هو یمشی علی أثر أبیه فقال یا غلام هل تدری أین یذهب بک أبوک قال نحتطب لاهلنا من هذا الشعب قال و اللّه ما یرید الا أن یذبحک قال و لم قال زعم أن ربه أمره بذلک قال فلیفعل ما أمره به ربه سمعا و طاعة فلما امتنع منه الغلام أقبل علی ابراهیم فقال له أین ترید أیها الشیخ قال أرید هذا الشعب لحاجة لی فیه قال و اللّه انی لأری أن الشیطان قد جاءک فی منامک فأمرک بذبح ابنک هذا فعرفه ابراهیم فقال إلیک عنی یا عدوّ اللّه فو اللّه لأمضین أمر ربی فرجع ابلیس بغیظه لم ینل من ابراهیم و آله شیئا مما أراد و قد امتنعوا منه بعون اللّه عز و جل* و روی أبو الطفیل عن ابن عباس أن ابراهیم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشیطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه ابراهیم ثم ذهب الی جمرة العقبة فعرض له الشیطان فرماه بسبع حصیات حتی ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطی فرماه بسبع حصیات حتی ذهب ثم أدرکه عند الجمرة الکبری فرماه بسبع حصیات حتی ذهب ثم مضی ابراهیم لامر اللّه عز و جل فلما خلا بابنه فی شعب ثبیر أخبره بما أمر به قال له ابنه یا أبت افعل ما تؤمر ستجدنی ان شاء اللّه من الصابرین فلما أسلما أی انقادا لامر اللّه تعالی و تله للجبین أی صرعه علی الارض قال ابن عباس أضجعه علی جبینه علی الارض* و فی أنوار التنزیل صرعه علی شقه فوقع جبینه علی الارض و هو أحد جانبی الجبهة قالوا قال له ابنه الذی أراد ذبحه یا أبت اشدد رباطی حتی لا أضطرب و اکفف عنی ثیابک حتی لا ینتضح علیها من دمی فینقص من أجری و تراه أمی فتحزن و اشحذ شفرتک و أسرع مر السکین علی حلقی فانه أهون علیّ فان الموت شدید و اذا أنیت أمی فاقرأ علیها السلام منی فان رأیت أن تردّ قمیصی علی أمی فانه عسی أن یکون أسلی لها قال له ابراهیم نعم العون أنت یا بنیّ علی أمر اللّه ففعل ابراهیم ما وصاه به ابنه ثم أقبل ابراهیم علیه فقبله و قد ربطه و هو یبکی و الابن یبکی و قد فتحت أبواب السماء و الملائکة ینظرون و یبکون و یقولون حق له أن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:97
یتخذه اللّه خلیلا ثم انه وضع السکین علی حلقه فلم یحز السکین فشحذه بالحجر مرّتین أو ثلاثا حتی صار کشعلة النار و کل ذلک لم یقطع* و فی أنوار التنزیل روی أنه أمرّ السکین بقوّته علی حلقه مرارا فلم یقطع* قال السدّی ضرب اللّه صفیحة من نحاس علی حلقه فقال الابن عند ذلک یا أبت کبنی علی وجهی لئلا تری فیّ تغیرا فتدرکک رقة فتحول بینک و بین أمر اللّه و أنا لا أنظر الی الشفرة فأجزع ففعل ذلک ابراهیم ثم وضع السکین علی قفاه فانقلب السکین و کان ذلک عند الصخرة بمنی أوفی الموضع المشرف علی مسجده أو المنحر الذی ینحر فیه الیوم و نودی أن یا ابراهیم قد صدّقت الرؤیا فنظر ابراهیم فاذا هو بجبریل و معه کبش أملح أقرن فقال هذا فداء لابنک فاذبحه دونه فکبر جبریل و کبر الکبش و کبر ابراهیم و کبر ابنه فأخذ ابراهیم الکبش و أتی به المنحر من منی فذبحه* قال أکثر المفسرین کان ذلک الکبش رعی فی الجنة أربعین خریفا و عن ابن عباس الکبش الذی ذبحه ابراهیم هو الذی قرّبه ابن آدم هابیل فتقبل منه قال الحسن ما فدی اسماعیل إلّا بتیس من الاروی* و فی أنوار التنزیل و علی أهبط علیه من ثبیر و روی أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصیات حتی أخذه فصار سنة*

تزوّج اسماعیل و زیارة أبیه ابراهیم له‌

و فی الاکتفاء و لما بلغ اسماعیل علیه السلام مبلغ الرجال تزوّج امرأة من العمالیق فجاء ابراهیم زائرا لإسماعیل و اسماعیل فی ماشیته یرعاها و یخرج متنکبا قوسه فیرمی الصید مع رعیته فجاء ابراهیم علیه السلام الی منزله فقال السلام علیکم یا أهل البیت فسکتت فلم تردّ الا أن تکون ردّت فی نفسها فقال هل من منزل فقالت لا و هائم اللّه اذا قال فکیف طعامکم و شرابکم و شاؤکم فذکرت جهدا فقالت أما الطعام فلا طعام و أما الشاة فانما نحلب الشاة بعد الشاة المصرّاة و أما الماء فعلی ما تری من الغلظ قال فأین رب البیت قالت فی حاجته قال فاذا جاء فأقرئه السلام و قولی له غیر عتبة بیتک ثم رجع ابراهیم الی منزله و أقبل اسماعیل راجعا الی منزله بعد ذلک بما شاء اللّه عز و جل فلمّا انتهی الی منزله سأل امرأته هل جاءک أحد فأخبرته بابراهیم و قوله و ما قالت له* و فی روایة قالت جاءنی شیخ صفته کذا و کذا کالمستخفة بشأنه ففارقها و أقام ما شاء اللّه أن یقیم و کانت العمالیق هم ولاة الحکم بمکة فضیعوا حرمة الحرم و استحلوا منه أمورا عظاما و نالوا ما لم یکونوا ینالون فقام فیهم رجل منهم یقال له عموق فقال یا قوم أبقوا علی أنفسکم فقد رأیتم و سمعتم من أهلک من هذه الامم فلا تفعلوا و تواصلوا و لا تستخفوا بحرم اللّه عز و جل و موضع بیته فلم یقبلوا ذلک منه و تمادوا فی هلکة أنفسهم ثم ان جرهما و قطورا و هما ابنا عم خرجوا سیارة من الیمن أجدبت البلاد علیهم فساروا بذراریهم و أموالهم فلما قدموا مکة رأوا فیها ماء معینا و شجرا ملتفا و نباتا کثیرا وسعة من البلاد و دفئا فی الشتاء فقالوا ان هذا الموضع یجمع لنا ما نرید فأعجبهم و نزلوا به و کان لا یخرج من الیمن قوم الا و لهم ملک یقیم أمرهم سنة فیهم جروا علیها و اعتادوها و لو کانوا نفرا یسیرا فکان مضاض بن عمرو علی قومه من جرهم و کان علی قطورا السمیدع بن هوثر فنزل مضاض بجرهم أعلا مکة و کان حوزهم وجه الکعبة الرکن الاسود و المقام و موضع زمزم مصعدا یمینا و شمالا و قیقعان الی أعلا الوادی و نزل السمیدع بقطوراء أسفل مکة و أجیادا و کان حوزهم ظهر الکعبة و الرکن الیمانی و الغربی و الاجیادین و الثنیة الی الرمضة فلما جازوا ذهبت العمالیق الی أن ینازعوهم أمرهم فعلت أیدیهم علی العمالیق و أخرجوهم من الحرم کله فصاروا فی أطرافه لا یدخلونه و جعل مضاض و السمیدع یقطعان المنازل لمن ورد علیهما من قومهما فکثروا و أثروا فکان مضاض یعشر کل من دخل مکة من أعلاها و السمیدع بعشر کل من دخل من أسفلها و کلّ علی قومه لا یدخل أحدهما علی صاحبه و کانوا عربا و کان اللسان عربیا و نشأ اسماعیل فیهم و أخذ بلسانهم و تعلم العربیة منهم و کان أنفسهم و أعجبهم و کان ابراهیم یزور اسماعیل فلما نظر الی جرهم نظر الی لسان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:98
عجیب و اعراب و سمع کلاما حسنا فقول ابن عباس أوّل من تکلم بالعربیة اسماعیل فالمراد منه أنه أوّل من تکلم بالعربیة الفصیحة البلیغة اسماعیل و مع أنه تعلم أصل اللغة منهم فاقهم فی الفصاحة و البلاغة و نظر اسماعیل الی رعلة بنت مضاض بن عمرو فأعجبته فحطبها الی أبیها فتزوّجها فجاء ابراهیم زائرا لإسماعیل فجاء الی بیت اسماعیل فقال السلام علیکم أهل البیت و رحمة اللّه و برکاته فقامت إلیه المرأة فردّت علیه و رحبت به فقال کیف عیشکم و لبنکم و ماشیتکم فقالت خیر عیش نحمد اللّه عز و جل نحن فی لبن کثیر و لحم کثیر و ماء طیب قال هل من حب قالت یکون ان شاء اللّه و نحن فی نعم قال بارک اللّه لکم قال أبو الجهم فکان أبی یقول لیس أحد یخلی عن اللحم و الماء بغیر مکة الا اشتکی بطنه و لعمری لو وجد عندها حبا لدعا فیه بالبرکة فکانت أرض زرع و یقال ان ابراهیم قال لها ما طعامکم قالت اللحم و اللبن قال فما شرابکم قالت اللبن و الماء قال بارک اللّه لکم فی طعامکم و شرابکم فاللبن طعام و شراب قالت فانزل رحمک اللّه فاطعم و اشرب قال انی لا أستطیع النزول قالت فانی أراک شعثا أ فلا أغسل رأسک و أدهنه قال بلی ان شئت فجاءته بالمقام و هو یومئذ حجر رطب أبیض مثل المهاة ملقی فی بیت اسماعیل فوضع علیه قدمه الیمنی و قدّم إلیها رأسه و هو علی دابته فغسلت شق رأسه الایمن فلما فرغت حوّلت له المقام حتی وضع علیه قدمه الیسری و قدّم إلیها رأسه فغسلت بشق رأسه الایسر فالاثر الذی فی المقام من ذلک* قال أبو الجهم فقد رأیت موضع العقب و الاصبع و عن الواقدی من غیر حدیث أبی الجهم أن أبا سعید الخدری سأل عبد اللّه بن سلام عن الاثر الذی فی المقام فقال کانت الحجارة علی ما هی علیه الیوم الا أن اللّه جل ثناؤه أراد أن یجعل المقام آیة من آیاته قال أبو الجهم فلما فرغت یعنی المرأة من غسل رأس ابراهیم علیه السلام قال لها اذا جاء اسماعیل فقولی له أثبت عتبة بابک فان صلاح المنزل العتبة فلما جاء اسماعیل قال لها هل جاءک أحد بعدی فأخبرته بابراهیم و ما صنعت به ثم قال هل قال لک أن تقولی شیئا قالت قال لی أثبت عتبة بابک فان صلاح المنزل العتبة ففرح اسماعیل و قال أ تدرین من هو قالت لا قال هذا خلیل اللّه ابراهیم أبی و أما قوله أثبت عتبة بابک فقد أمرنی أن أقرّک و قد کنت علیّ کریمة و قد ازددت علیّ کرامة فصاحت و بکت فقال مالک قالت أن لا أکون علمت من هو فأکرمه و أصنع به غیر الذی صنعت فقال لها اسماعیل لا تبکی و لا تجزعی فقد أحسنت و لم تکونی تقدیرین أن تفعلی فوق الذی فعلت و لم یکن لیزیدک علی الذی صنع بک فولدت لإسماعیل عشرة ذکور نابت أحدهم کذا فی الاکتفاء و شفاء الغرام* و فی سیرة ابن هشام عن محمد بن اسحاق قال ولد اسماعیل بن ابراهیم اثنا عشر رجلا و هم نابت و کان أکبرهم و قیدر و اذبل و منشی و مشمع و ماشی و ذما و أزد و طیما و أیطور و نبش و قیذما و أمّهم بنت مضاض بن عمرو الجرهمی قال ابن هشام و یقال مضاض و جرهم من قحطان و قحطان أبو الیمن کلها و إلیه یجتمع نسبها ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح و قال ابن اسحاق جرهم بن یقطن بن عیبر بن شالخ و قحطان بن عیبر بن شالخ و قال ابن هشام العرب کلها من اسماعیل و قحطان و بعض الیمن یقول قحطان من ولد اسماعیل و یقول اسماعیل أبو العرب کلها

بناء الکعبة

فلما بلغ اسماعیل ثلاثین سنة و قیل عشرین و قیل ستا و عشرین و ابراهیم یومئذ ابن مائة سنة و هو بالشام أوحی اللّه عز و جل إلیه أن ابن لی بیتا قال ابراهیم رب أین أبنیه فأوحی اللّه إلیه أن اتبع السکینة و هی ریح لها وجه و جناحان و مع ابراهیم الملک و الصرد فانتهوا بابراهیم الی مکة فنزل اسماعیل الی الموضع الذی بوّأه اللّه عز و جل ابراهیم* و فی روایة بعث اللّه السکینة لتدله علی موضع البیت و هی ریح خجوج لها رأسان شبه الحیة یتبع أحدهما صاحبه و أمر ابراهیم أن یبنی حیث تستقرّ السکینة فتبعها ابراهیم حتی أتیا مکة فتطوّقت السکینة علی موضع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:99
البیت کتطوّق الحیة فکنت ما حول البیت عن الاساس هذا قول علیّ* و فی حیاة الحیوان قیل لما خرج ابراهیم من الشأم لبناء البیت کانت السکینة معه و الصرد دلیله علی موضع البیت و السکینة بمقداره فلما صار الی الموضع وقفت السکینة علی موضع البیت و نادت ابن یا ابراهیم علی مقدار ظلّی* و قال ابن عباس بعث اللّه سحابة علی قدر الکعبة فجعلت تسیر و ابراهیم یمشی فی ظلها الی أن وافت مکة و وقفت علی موضع البیت فنودی منها یا ابراهیم أن ابن علی ظلها لا تزد و لا تنقص کذا فی الکشاف* و فی روایة أن ابراهیم لما أمر بالبناء أقبل من أرمینیة علی البراق و معه السکینة و هی ریح هفافة أی ساکنة طیبة لها وجه یتکلم و معها ملک یدلها علی موضع البیت حتی انتهی الی مکة و بها اسماعیل و هو یومئذ ابن عشرین أو ثلاثین سنة و قد توفیت أمّه قبل ذلک و دفنت فی موضع الحجر* و فی زبدة الاعمال قال ابن جریج ماتت أمّ اسماعیل قبل أن یرفع البیت ابراهیم و اسماعیل و دفنت فی موضع الحجر* و فی الاکتفاء و موضع البیت ربوة حمراء مدرة مشرفة علی ما حولها فحفر ابراهیم و اسماعیل علیهما السلام و لیس معهما غیرهما* و فی العمدة و قیل یعینه سبعة أملاک انتهی فحفرا أساس البیت یریدان أساس آدم الاوّل فحفرا عن ربض البیت یعنی حوله فوجدا صخارا عظاما کل صخرة لا یطیقها الا ثلاثون رجلا و حفرا حتی بلغا أساس آدم ثم بنیا علیه و حلقت السکینة أو قال طوّقت کأنها سحابة علی موضع البیت فقالت ابن علیّ فلذلک لا یطوف بالبیت أحد أبدا نافر و لا جبار الا رؤیت علیه السکینة فکان ابراهیم یبنی و اسماعیل ینقل الحجارة علی رقبته و یناوله* و فی العرائس کان اسماعیل عربیا و ابراهیم عبرانیا فعلم اللّه هذا لسان هذا فکان ابراهیم یقول لإسماعیل بالعبرانیة هات لی کببا أی هات لی حجرا فیقول اسماعیل هاک فخذه فلما ارتفع البناء قرّب له المقام فکان ابراهیم یقوم علیه و یبنی و یحوّله اسماعیل فی نواحی البیت* و فی أنوار التنزیل و اسماعیل کان یناوله الحجر لکنه لما کان له مدخل فی البناء عطف علیه فی الآیة و هی و اذ یرفع ابراهیم للقواعد من البیت و اسماعیل و قیل کانا یبنیان فی الطرفین أو علی التناوب قال ابن عباس انما بنی البیت من خمسة أجبل طور سیناء و طور زیتاء و لبنان و هو جبل بالشأم و الجودی و هو جبل بالجزیرة و بنیا قواعده من حراء و هو جبل مکة کذا فی الکشاف الا أن فیه أسسه من حراء بدل و بنیا قواعده و یروی أنه أسس البیت من ستة أجبل أبی قبیس و الطور و القدس و ورقان و رضوی و أحد و قیل من خمسة أجبل من حراء و ثبیر و لبنان و الطور و الجبل الاحمر و اللّه أعلم* و فی الاکتفاء فبنی ابراهیم و اسماعیل البیت فجعل طوله فی السماء تسعة أذرع و عرضه ثلاثین ذراعا و هو خلاف المتعارف و طوله فی الارض اثنین و عشرین ذراعا و أدخل الحجر و هو سبعة أذرع فی البیت و کان قبل ذلک زر بالغنم اسماعیل* و فی البحر العمیق و یسمی الحجر حظیرة اسماعیل لان الحجر قبل بناء الکعبة کان زر بالغنم اسماعیل* قال أبو الولید الازرقی جعل ابراهیم الخلیل علیه السلام طول بناء الکعبة فی السماء تسعة أذرع و طولها فی الارض ثلاثین ذراعا و عرضها فی الارض ثلاثة و عشرین ذراعا و کانت غیر مسقفة کذا فی إیضاح المناسک* و فی تشویق الساجد جعل ابراهیم و اسماعیل طول بناء الکعبة فی السماء تسعة أذرع و طولها فی الارض من الرکن الاسود الی الرکن العراقی الذی عند الحجر من صوب المشرق و یسمی الرکن الشامی أیضا اثنین و ثلاثین ذراعا و جعل عرض ما بین الرکن العراقی الی الرکن الشامی الذی عند الحجر من جهة المغرب و یسمی الرکن العراقی أیضا اثنین و عشرین ذراعا و جعل طول ظهرها أی من الرکن الغربی الی الرکن الیمانی أحدا و ثلاثین ذراعا و جعل ما بین الرکنین الیمانی و الاسود عشرین ذراعا فلذلک سمیت الکعبة لانها علی خلقة الکعب و کذلک بنیان أساس ابراهیم و جعل بابها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:100
ملصقا بالارض غیر مبوّب و جعل الی جنب البیت عریشا من أراک تقتحمه العنز و کان زر بالغنم اسماعیل* و فی الاکتفاء و انما بناه بحجارة بعضها علی بعض و لم یجعل له سقفا و جعل له بابا و حفر بئرا عند بابه خزانة للبیت یلقی فیها ما أهدی للبیت* و فی البحر العمیق قال ابن اسحاق ان البئر التی کانت فی جوف الکعبة کان علی یمین من دخلها و کان عمقها ثلاثة أذرع حفرها ابراهیم و اسماعیل لیکون فیها ما یهدی للکعبة و کان اسم البئر أخسف و فی روایة هو الجب الذی نصب علیه عمرو بن لحیّ هبل الصنم الذی کان قریش تعبده و تستقسم عنده بالازلام حین جاء به من الهیت أرض الجزیرة* قال ابن هشام حدّثنی بعض أهل العلم أن عمرو بن لحیّ بن قمعة بن الیاس خرج من مکة الی الشام فی بعض أموره فلما قدم مآب من أرض البلقاء و بها یومئذ العمالیق و هم ولد عملاق و یقال عملیق بن لاود بن سام بن نوح رآهم یعبدون الاصنام فقال لهم ما هذه الاصنام التی أراکم تعبدون فقالوا له هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا و نستنصرها فتنصرنا فقال لهم أ فلا تعطوننی منها صنما فأسیر به الی أرض العرب فیعبدونه فأعطوه صنما یقال له هبل فقدم به مکة فنصبه و أمر الناس بعبادته و تعظیمه* قال ابن اسحاق یرفعه الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال رأیت عمرو بن لحیّ یجرّ قصبه فی النار انتهی و جعل ابراهیم الرکن علما للناس فذهب اسماعیل الی الوادی یطلب حجرا و نزل جبریل بالحجر الاسود و کان قد رفع الی السماء حین غرقت الارض کما رفع البیت فوضعه ابراهیم موضع الرکن و جاء اسماعیل بالحجر من الوادی فوجد ابراهیم قد وضع الحجر فقال من أین لک هذا و من جاءک به قال ابراهیم من لم یکلنی إلیک و لا الی حجرک* و فی روایة تمخض أبو قبیس فانشق عنه و قد خبئ فیه من أیام الطوفان و کان یاقوته حمراء و قیل یاقوتة بیضاء من الجنة فلما مسته الحیض فی الجاهلیة اسودّ کذا فی الکشاف و قد مرّ مثله* و فی روایة و هو یومئذ یتلألأ تلألؤا من شدّة بیاضه فأضاء نوره شرقا و غربا و یمینا و شمالا و کان نوره یضی‌ء الی منتهی أنصاب الحرم من کل ناحیة من نواحی الحرم* و فی حیاة الحیوان عن عبد اللّه بن عمر قال نزل الرکن الاسود فوضع علی أبی قبیس کأنه مهاة بیضاء فمکث أربعین سنة ثم وضع علی قواعد ابراهیم و عن الواقدیّ أیضا عن ابن الزبیر أنه یقول ان ابراهیم ابتغی الحجر فناداه من فوق أبی قبیس ألا أنا هذا ودیعة فرقی ابراهیم إلیه فأخذه فوضعه فی موضعه الذی هو فیه الیوم و کان اللّه جل ثناؤه لما غرقت الارض استودع أبا قبیس الرکن و قال اذا رأیت خلیلی یبنی لی بیتا فأعطه الرکن و عن غیر ابن الزبیر أن أبا قبیس لذلک کان یسمی فی الجاهلیة الامین لوفائه بما استودعه اللّه ایاه و یروی أنه کان بین بنائه و بین أن یبعث اللّه محمدا صلّی اللّه علیه و سلم ثلاثة آلاف سنة*

(ذکر ذی القرنین الاکبر)

* یروی أن ذا القرنین قدم مکة و هما یبنیان فقال ما هذا فقالا نحن عبدان مأموران بالبناء قال فهاتا البینة علی ما تدّعیان فقامت خمسة أکبش فقلن نشهد أن ابراهیم و اسماعیل عبدان مأموران بالبناء فقال رضیت و سلمت و مضی* و فی کتاب القری عن عطاء بن السائب أنه قال ان ابراهیم علیه السلام رأی رجلا یطوف بالبیت فأنکره فسأله ممن أنت قال من أصحاب ذی القرنین قال و أین هو قال بالابطح فتلقاه ابراهیم و اعتنقه فقیل لذی القرنین لم لا ترکب قال ما کنت لأرکب و هذا یمشی فحج ماشیا قاله الازرقی* و فی أنوار التنزیل و المدارک ذو القرنین هو الاسکندر الرومی الذی ملک الدنیا قیل ملک الدنیا مؤمنان ذو القرنین و سلیمان و کافران نمروذ و بخت نصر و قیل کان بعد نمروذ قاله مجاهد و قال ابن اسحاق لم یملک تمام الارض الا ثلاثة من الملوک نمروذ و ذو القرنین و سلیمان* و فی المدارک أن شدّاد بن عاد أیضا ملک الدنیا* و فی أنوار التنزیل ملک المعمورة* و فی المدارک قیل کان ذو القرنین عبدا صالحا ملکه اللّه الارض و أعطاه العلم و الحکمة و سخر له النور و الظلمة فاذا صار
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:101
یهدیه النور من أمامه و تحوطه المظلمة من ورائه* و فی الینابیع کان له علمان أبیض و أسود و جعل اللّه معجزته فیهما فجعل ضوء النهار فی الابیض و ظلمة اللیل فی الاسود فاذا أراد الضوء و النهار فی اللیلة المظلمة ینصب العلم الابیض فیصیر اللیل مثل النهار المضی‌ء و اذا أراد الظلمة و اللیل فی النهار ینصب العلم الاسود فیصیر النهار مثل اللیلة المظلمة و اذا أراد فی وقت المحاربة أن یلقی الظلمة فی عسکر العدوّ یفعل فیکون النهار علیهم مظلما کاللیل و یبقی الضیاء و النهار فی عسکره فینهزم العدوّ و اذا سار یهدیه النور من أمامه و تحوطه الظلمة من ورائه کما مرّ لئلا یقدر علی عسکره قاصد من ورائه* و فی المدارک قال علیه السلام بدء أمره أنه وجد فی الکتب أن أحدا من أولاد سام یشرب من عین الحیاة فیخلد فجعل یسیر فی طلبها و الخضر وزیره و ابن خالته و کان فی مقدّمته فظفر و شرب و لم یظفر ذو القرنین* و فی الینابیع قال له شیخ انی قرأت فی وصیة آدم لابنه شیث علیهما السلام ان للّه تعالی ظلمة علی وجه الارض من جانب المغرب و فیها عین الحیاة فقصد جانب المغرب* و فی المدارک قیل کان ذو القرنین نبیا و قیل ملکا من الملائکة و عن علیّ أنه قال لیس بملک و لا نبیّ و لکن کان عبدا صالحا ضرب علی قرنه الایمن فی طاعة اللّه فمات ثم بعثه اللّه فضرب علی قرنه الا یسر فمات فبعثه اللّه فسمی ذا القرنین و فیکم مثله أراد نفسه و الاصح الذی علیه الاکثرون أنه کان ملکا صالحا عادلا و انه بلغ أقصی المغرب و المشرق و الشمال و هذا هو القدر المعمور من الارض کذا فی لباب التأویل* و قال علیه السلام سمی ذا القرنین لانه طاف قرنی الدنیا یعنی جانبیها شرقها و غربها و قیل کان له قرنان أی ضفیرتان أو انقرض فی أیامه قرنان من الناس أو لانه ملک الروم و فارس أو الروم و الترک أو کان لناجه قرنان أو علی رأسه ما یشبه القرنین أو کان کریم الطرفین أبا و أمّا* و فی أنوار التنزیل یحتمل أنه نعت بذلک لشجاعته کما یقال الکبش للشجاع کأنه ینطح أقرانه و اختلف فی نبوّته مع الاتفاق علی إیمانه و صلاحه* و فی الینابیع ذکر الثعالبی فی تفسیره عن وهب بن منبه أن ذا القرنین کان رجلا من الاسکندریة و کان ابن عجوزة و لم یکن من الاعیان لکن تربی فی الادب و بلغ الفضل و کان له الحلم و المروءة و العفة و الاخلاق الحمیدة رأی فی المنام أنه دنا من الشمس و أخذ بقرنیها أی جانبیها شرقها و غربها و لما قص رؤیاه قالوا له ذو القرنین* و فی العمدة کان اسم ذی القرنین الاسکندر من ولد یونان بن تارخ بن یافث بن نوح* و فی معالم التنزیل اختلفوا فی اسم ذی القرنین قیل اسمه مرزبان بن مرزبة الیونانی من ولد یونان بن یافث بن نوح و قیل اسمه الاسکندر بن فیلقوس الرومی و کان ولد عجوزة لیس لها ولد غیره* و نقل الامام فخر الدین الرازی فی تفسیره عن أبی الریحان السروری المنجم أنه من حمیر و اسمه أبو کرب شمس بن عمیر بن أفرینس الحمیری قال أبو الریحان یشبه أن یکون هذا القول أقرب لان الاذواء کانوا من الیمن و هم الذین لا تخلو أسامیهم من ذی کذی المنار و ذی نواس و ذی النون و ذی رعین و غیرهم و اختلفوا فی زمانه قیل کان فی زمن ثمود و کان عمره ألفا و ستمائة سنة و قال وهب هو کان فی فترة بین عیسی و محمد علیهما الصلاة و السلام* و فی المختصر الجامع ان ذا القرنین اثنان أکبر و أصغر أما ذو القرنین الاکبر فهو المذکور فی القرآن هو من ولد سام بن نوح و لقی ابراهیم و کان فی زمنه و طاف البلاد و الخضر علی مقدّمته و بلغ معه نهر الحیاة فشرب من ماء الحیاة و هو لا یعلم فخلد و هو الآن حیّ و هو قول الطبری و سدّ علی یأجوج و مأجوج و بنی الاسکندریة و قال ابن عباس کان اسمه عبد اللّه بن الضحاک*

ذکر ذی القرنین الاصغر

و أما ذو القرنین الاصغر فهو الاسکندر الیونانی و هو الذی قتل دارا و سلب ملکه و تزوّج بابنته و اجتمع له الروم و فارس و لهذا سمی ذا القرنین و یقال انه دخل الظلمات مما یلی القطب الشمالی و طلب عین الخلد و سار فیها ثمانیة عشر یوما ثم رجع الی العراق* و فی الملل و النحل لمحمد بن عبد الکریم الشهرستانی الاسکندر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:102
الحکیم الرومی هو ذو القرنین الملک و لیس هو المذکور فی القرآن لان تعظیم اللّه ایاه یوجب الحکم بأن مذهب أرسطاطالیس حق و صدق و ذلک مما لا سبیل إلیه بل هو ابن فیلقوس الملک و کان مولده فی السنة الثالثة عشر من ملک دارا الاکبر سلمه أبوه الی أرسطاطالیس الحکیم المقیم بمدینة ایثناش فأقام عنده خمس سنین یتعلم منه الحکمة و الادب حتی بلغ أحسن المبالغ و نال من الفلسفة مثل سائر تلامذته فاستردّه والده حین استشعر من نفسه علة خاف منها فلما وصل إلیه جدّد العهد له و استولت علیه العلة فتوفی منها و استقل الاسکندر بأعباء الملک و له حکم کثیرة* و فی لباب التأویل ذکر وهب بن منبه أن ذا القرنین کان رجلا من الروم ابن عجوز فلما بلغ کان عبدا صالحا قال اللّه له انی باعثک الی أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بینهما طول الارض احداهما عند مغرب الشمس یقال لها ناسک و الاخری عند مطلعها یقال لها منسک و أمتان بینهما عرض الارض احداهما فی القطر الایمن یقال لها هاویل و الاخری فی القطر الایسر یقال لها تأویل و أمم فی وسط الارض منهم الجنّ و الانس و یأجوج و مأجوج فقال ذو القرنین بأیّ قوّة أکابرهم و بأیّ جمع أکاثرهم و بای لسان أناطقهم قال اللّه تعالی انی سأطوّقک و أبسط لسانک و أشدّ عضدک فلا یهولنک شی‌ء و ألبسک الهیبة فلا یرو عنک شی‌ء و أسخر لک النور و الظلمة و أجعلهما من جنودک فالنور یهدیک من أمامک و الظلمة تحوطک من ورائک فانطلق حتی أتی مغرب الشمس فوجد جمعا و عددا لا یحصیه الا اللّه و هم ناسک فکابرهم بالظلمة حتی جمعهم فی مکان واحد فدعاهم الی اللّه و عبادته فمنهم من آمن به و منهم من صدّ عنه فعمد الی الذین تولوا عنه فأدخل علیهم الظلمة فدخلت أجوافهم و بیوتهم فدخلوا فی دعوته فجند من أهل المغرب جندا عظیما و انطلق یقودهم و الظلمة تسوقهم حتی أتی هاویل ففعل بهم کفعله فی ناسک ثم مضی حتی أتی منسک ففعل بهم کفعله بالامّتین و جند منهم جندا ثم أخذ ناحیة الارض الیسری فأتی تاویل ففعل بهم کفعله فیما قبلها ثم عمد الی الامم التی فی وسط الارض فلما کان مما یلی منقطع الترک مما یلی المشرق قالت له أمّة صالحة من الانس یا ذا القرنین ان بین هذین الجبلین خلقا أشباه البهائم یفترسون الدواب و الوحوش کالسباع و یأکلون الحیات و العقارب و کل ذی روح خلق فی الارض و لیس یزداد خلق کزیادتهم فلا نشک أنهم سیملئون الارض و یظهرون علیها فیفسدون فیها فهل نجعل لک خرجا علی أن تجعل بیننا و بینهم سدّا قال ما مکنی فیه ربی خیر فأعدوا لی الصخور و الحدید و النحاس حتی أعلم علمهم فانطلق حتی توسط بلادهم فوجدهم علی مقدار واحد یبلغ الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا لهم مخالیب و أضراس کالسباع و لهم هلب شعر یواری أجسادهم و یتقون به من الحرّ و البرد و لکل واحد أذنان عظیمتان یفترش احداهما و یلتحف بالاخری یصیف فی واحدة و یشتو فی أخری یتسافدون تسافد البهائم حیث التقوا فلما عاین ذو القرنین ذلک انصرف الی بین الصدفین فقاس ما بینهما و حفر له الاساس حتی بلغ الماء فذلک قوله تعالی قالوا یا ذا القرنین ان یأجوج و مأجوج مفسدون فی الارض* و فی أنوار التنزیل فسار حتی اذا بلغ مغرب الشمس أی منتهی العمارة من نحو المغرب و کذا المطلع وجدها تغرب فی عین حامئة أی حارّة أو حمئة من حمأت البئر اذا صارت فیها الحمأة أی فی ماء و طین لعله بلغ ساحل المحیط فرآها کذلک اذ لم یکن فی مطمح بصره غیر الماء و کذلک من کان فی البحر یری فی مطمح بصره کأنها تغرب فی البحر و کذلک من کان فی البرّ أو الجبل لا أن جرم الشمس تغرب فی عین اذ جرم الشمس أکبر من أن یسعها عین و لا تتزایل عن فلکها و لذلک قال وجدها تغرب و لم یقل و کانت تغرب و وجد عند تلک العین قوما کفّارا عراة من الثیاب لباسهم جلود الوحوش و الصید و طعامهم ما لفظه البحر فخیره اللّه بین أن یعذبهم بالقتل علی کفرهم و بین أن یحسن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:103
إلیهم بالارشاد و تعلیم الشرائع ثم اتبع سببا أی طریقا یوصله الی المشرق فسار حتی اذا بلغ مطلع الشمس أی الموضع الذی تطلع علیه الشمس أوّلا من معمورة الارض وجدها فی نظره تطلع علی قوم لم نجعل لهم من دونها سترا من اللباس أو البنیان فان أرضهم لا تمسک الابنیة و انهم اتخذوا الاسراب بدل الابنیة ذکر أبو اللیث کانوا عراة عماة عن الحق فی مکان لا یستقرّ فیه البناء و لیس فیه شجر و لا جبل* و قال قتادة هم الزنج کانوا فی مکان لا ینبت فیه النبات کذلک أی کان أمر ذی القرنین فی أهل المشرق کأمره فی أهل المغرب من التخییر و الاختبار أو صفة هؤلاء القوم مثل ذلک القوم الذی تغرب علیهم الشمس من الکفر و الحکم أو أمر ذی القرنین کما وصفناه فی رفعة المکان و بسطة الملک ثم اتبع طریقا ثالثا معترضا بین المشرق و المغرب آخذا بین الجنوب و الشمال فسار حتی اذا بلغ بین السدّین*

سدّ الاسکندر

فی أنوار التنزیل أی بین الجبلین المبنی بینهما سدّه و هما جبلا أرمینیة و اذربیجان و قیل جبلان فی آخر الشمال فی منقطع أرض الترک منیفان من ورائهما یأجوج و مأجوج* و فی المدارک و هذا المکان فی منقطع أرض الترک مما یلی المشرق* و فی الینابیع هما جبلان قبل المشرق رفیعان بحیث یعجز الخلق عن صعودهما و بلوغ قللهما و کان بینهما واد کبیر و من دونهما قوم لا یکادون یفقهون قولا فقال مترجمهم لذی القرنین ان یأجوج و مأجوج مفسدون فی الارض* عن الکلبی کانا فیما یلی بنات نعش و قیل السدّ وراء بحر الروم و قیل بناحیة أرمینیة و قیل ارتفاعه مقدار مائتی ذراع و عرضه خمسون ذراعا* و فی المدارک بعد ما بینهما مائة فرسخ* و فی الینابیع جاء فی بعض الروایات طوله مائة فرسخ و عرضه خمسون فرسخا* و فی روایة فرسخ فی فرسخ* و فی لباب التأویل قیل ان عرضه خمسون ذراعا و ارتفاعه مائة ذراع و طوله فرسخ* و فی أنوار التنزیل فحفر الاساس حتی بلغ الماء و جعل الاساس من الصخر و النحاس المذاب و البنیان من زبر الحدید أی القطع الکبار من الحدید بینهما الحطب و الفحم حتی ساوی أعلا الجبلین ثم وضع فیه المنافیخ فنفخوا فیه حتی صارت کالنار فصب النحاس المذاب علیها فاختلط و التصق بعضه ببعض و صار جبلا صلدا و قیل بناه من الصخر مرتبطا بعضها ببعض بکلالیب من حدید و نحاس مذاب فی تجاویفها کذا فی أنوار التنزیل و المدارک* و فی الینابیع عن الکلبی حفروا حتی وصلوا الماء فوضعوا قطعة من حدید و قطعة من نحاس و قطعة من صفر بعضها فوق بعض یعنی سافا من حدید و سافا من نحاس و سافا من صفر بعضها فوق بعض و وضعوا الحجارة فی وسطها و الحطب فی خلالها حتی ارتفع الی أعلا الجبل ثم وضعوا المنافیخ الکبار و کان یعمل فیه أربعون ألف عملة فصار بناء رفیعا لا یقدر الطیر أن یطیر من أعلاه ثم نفخوا فیه حتی صار مثل النار ثم صب علیه النحاس المذاب حتی سدّ التجاویف و الثقب و جعلوه أملس حتی لا یقدر علی تسوّره و ترکوه حتی برد فظهر فیه خطوط خط أسود من الحدید و خط أحمر من النحاس و خط أصفر من الصفر*

ذکر یأجوج و مأجوج‌

و روی أن رجلا جاء الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه انی رأیت ردم یأجوج و مأجوج یعنی السدّ قال صفه لی کیف هو أو قال کیف رأیته قال کالبرد المحبر المخطط طریقة سوداء و طریقة حمراء و فی روایة قال طریقة بیضاء و طریقة سوداء قال علیه السلام أجل رأیته* و فی أنوار التنزیل یأجوج و مأجوج قبیلتان من ولد یافث بن نوح و قیل یأجوج من الترک و مأجوج من الجیل* و قال السدّی الترک طائفة من یأجوج و مأجوج خرجت تغیر فجاء ذو القرنین فضرب السدّ فبقیت خارجة فسموا الترک بذلک لانهم ترکوا خارجین و قیل کانوا یخرجون أیام الربیع فلا یترکون شیئا أخضر الا أکلوه و لا یابسا الا حملوه و قیل کانوا یأکلون الناس و لا یموت أحدهم حتی ینظر الی ألف ذکر من صلبه کلهم قد حمل السلاح و قیل هم علی صنفین طوال مفرط الطول و قصار معرط القصر کذا فی المدارک و عن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:104
علیّ أنه قال منهم من طوله شبر و منهم من هو مفرط قی الطول و أخفاه تسحبان فی الارض و اذا نام یفترش احداهما و یلتحف بالاخری* و فی ربیع الابرار عن ابن عباس یأجوج و مأجوج شبر و شبران و ثلاثة أشبار و هم من ولد آدم و قال کعب هم نادرة فی بنی آدم و ذلک أن آدم احتلم ذات یوم و امتزجت نطفته بالتراب فخلق اللّه من ذلک الماء یأجوج و مأجوج فهم یتصلون بنا مر جهة الاب دون الامّ کذا فی لباب التأویل و فیه نظر لما روی أن الأنبیاء لا یحتلمون* و عن ثوبان أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال ان یأجوج و ماجوج أمّتان کل أمّة اربعة آلاف فوج قلت صفهم یا رسول اللّه کیف صفتهم قال هم ثلاثة أصناف صنف علی مثال الابل و طول قامتهم کطول الارز و الارز شجر بالشام یکون طوله مائة و عشرین ذراعا فی السماء و صنف منهم عرضه و طوله سواء عشرین و مائة ذراع و هؤلاء لا یقوم لهم جبل و لا حدید و صنف منهم یفترش احدی أذنبه و یلتحف بالاخری لا یمرون بفیل و لا وحش و لا خنزیر الا أکلوه و من مات منهم أکلوه* و فی بعض الروایات علی أبدانهم شعر کشعر البهائم و لهم مخالیب و أنیاب کالسباع و أصواتهم کأصوات الذئاب و صورهم کصور الانسان و طعامهم حشرات الارض و الثعبان و التمساح فیخرج کل سنة تمساح من البحر* و فی روایة أخری تأتی إلیهم حیات من البرّ فیأکلونها* و فی روایة یبعث اللّه علیهم کل سنة سحابة فتمطر فی أرضهم حیة عظیمه یأکلون منها و تکفیهم الی الاخری و أی سنة تأتیهم فیها واحدة تکون جدبا و غلاء علیهم و أی سنة تأتیهم اثنتان تکون وسطی و أی سنة تأتی ثلاثة تکون رخاء وسعة علیهم* و فی حیاة الحیوان التنین ضرب من الحیات کأکبر ما یکون منها کنیته أبو مرداس و هو أیضا نوع من السمک* قال القزوینی فی عجائب المخلوقات انه شر من الکوسج فی فمه أنیاب مثل أسنة الرماح و هو طویل کالنخلة السحوق أحمر العینین مثل الدم واسع الفم و الجوف برّاق العینین یبتلع کثیرا من الحیوان یخافه حیوان البرّ و البحر اذا تحرک تموّج البحر لشدّة قوّته فأوّل أمره یکون حیة متمردة تأکل من دواب البرّ ما تری فاذا کثر فسادها احملها ملک فالقاها فی البحر تفعل بدواب البحر ما کانت تفعل بدواب البر فیعظم بدنها فیبعث اللّه ملکا یحملها و یلقیها الی یأجوج و مأجوج روی عن بعضهم أنه رأی تنینا طوله نحو من فرسخین و لونه مثل لون النمر مفلسا مثل فلوس السمک بجناحین عظیمین علی هیئة جناح السمک رأسه کرأس الانسان لکنه کالتل العظیم أذناه طویلتان و عیناه مدوّرتان تبرقان جدّا* و فی روایة طعام یأجوج و مأجوج شوک یابس یکون ببلاد العرب منه کثیر یدقونه و یجعلون منه طعامهم و لا دین لهم و لا یعرفون اللّه و قبل أن یصل الاسکندر الی ذلک المکان بشهرین خرج بعضهم الی المسلمین و قتلوا بعضهم و أخذوا کل ما وجدوا منها الطعام و غیره* و عن أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال ان یأجوج و مأجوج یحفرون الردم کل یوم حتی اذا کانوا یرون شعاع الشمس* و فی روایة أخری یلعقون السدّ بألسنتهم فیجعلونه رقیقا کقشر البیض حتی اذا انتهی قال الذی علیهم ارجعوا فستغفرونه غدا فیعیده اللّه کما کان حتی اذا بلغ مدّته قال الذی علیهم ارجعوا فستحفرونه غدا ان شاء اللّه تعالی فیعودون إلیه فیجدونه کهیئته حین ترکوه فیحفرون و یخرجون الی الناس فینشفون المیاه و یتحصن الناس فی حصونهم و ینتشرون فی الارض و لم یسلطوا علی أربعة مساجد مسجد المدینة و المسجد الحرام و مسجد بیت المقدس و مسجد طور سیناء و کثرتهم بحیث اذا خرجوا تکون مقدّمتهم بالشام و ساقتهم بخراسان یشربون میاه المشرق و یمرّ أوائلهم علی بحیرة طبرته فیشربون ما فیها و یمرّ أواخرهم فیقولون لقد کان بهذه مرة ماء و خروجهم من أمارات تکون بین یدی الساعة کخروج الدجال و دابة الارض و غیر ذلک و سیأتی ذکر دابة الارض و اللّه أعلم*

(ذکر خروج الدجال)

* عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن الدجال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:105
یخرج من أرض بالعراق کثیرة السباخ یقال لها کوثی* و فی المشکاة عن النواس بن سمعان قال ذکر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الدجال قال ان یخرج و أنا فیکم فأنا حجیجه دونکم و ان یخرج و لست فیکم فکل امرئ حجیج نفسه و اللّه خلیفتی علی کل مسلم و أقول انه شاب قطط عینه طافئه کأنی أشبهه بعبد العزی بن قطن فمن أدرکه منکم فلیقرأ فواتح سورة الکهف فانها حرز لکم من فتنته و انی لا خاله خارجا ما بین الشام و العراق فعاث یمینا و عاث شمالا یا عباد اللّه فاثبتوا قلنا یا رسول اللّه و ما لبثه فی الارض قال أربعون یوما یوم کسنة و یوم کشهر و یوم کجمعة و سائر أیامه کأیامکم قلنا یا رسول اللّه فذلک الیوم الذی کسنة أ یکفینا فیه صلاة یوم قال لا أقدروا له قدره قلنا یا رسول اللّه و ما اسراعه فی الارض قال کالغیث استدبرته الریح فیأتی علی قوم فیدعوهم فیؤمنون به فیأمر السماء فتمطر و الارض فتنبت فتروح علیهم سارختهم أطول ما کانت ذری و أسبغه ضروعا و أمدّه خواصر ثم یأتی القوم فیدعوهم فیردّون علیه قوله فینصرف عنهم فیصبحون ممحلین لیس بأیدیهم شی‌ء من أموالهم و یمرّ بالخربة فیقول لها أخرجی کنوزک فتتبعه کنوزها کیعاسیب النحل ثم یدعو رجلا ممتلئا شبابا فیضربه بالسیف فیقطعه حزلتین رمیة الغرض ثم یدعوه فیقبل و یتهلل وجهه یضحک فبینما هو کذلک اذ بعث اللّه المسیح عیسی ابن مریم فینزل عند المنارة البیضاء شرقی دمشق بین مهروذتین واضعا کفیه علی أجنحة ملکین اذا طأطأ رأسه قطر و اذا رفع تحدر منه مثل الجمان کاللؤلؤ فلا یحل لکافر یجد ریح نفسه إلا مات و نفسه ینتهی حیث ینتهی طرفه فیطلبه حتی یدرکه بباب لدّ فیقتله* و فی روایة فاذا رآه عدوّا للّه ذاب کما یذوب الملح فی الماء فلو ترکه لذاب حتی یهلک و لکنه یقتله بیده فیریهم دمه فی حربته أخرجه الامام الحافظ أبو عمرو الدانی فی مسنده و روی أن التسبیح و التهلیل یجزی عن الطعام فی زمن الدجال و یعیش بالتسبیح و التکبیر و یجزی ذلک مجزی الطعام* و فی صحیح مسلم یجزی المسلمین من الطعام التسبیح و التهلیل فقیل یا رسول اللّه انا لنعجن عجینا فانخبزه حتی نجوع فکیف بالمؤمن یومئذ قال یجزیهم ما یجزی أهل السماء من التسبیح و التهلیل قال ثم یأتی الی عیسی قوم قد عصمهم اللّه فیمسح عن وجوههم و یحدّثهم بدرجاتهم فی الجنة فبینما هو کذلک اذ أوحی اللّه الی عیسی انی قد أخرجت عبادا لی لا یدان لاحد یقاتلهم فحرز عبادی الی الطور فیبعث اللّه یأجوج و مأجوج و هم من کل حدب ینسلون فیمرّ أوائلهم علی بحیرة طبریة فیشربون ما فیها و یمرّ آخرهم فیقول لقد کان بهذه مرة ماء ثم یسیرون حتی ینتهوا الی جبل الخمر و هو جبل بیت المقدس فیقولون لقد قتلنا من فی الارض هم فلنقتل من فی السماء فیرمون نشابهم الی السماء فیردّ اللّه نشابهم مخضوبة دماء و یحصر نبیّ اللّه و أصحابه حتی یکون رأس الثور لاحدهم خیر من مائة دینار لاحدکم الیوم فیرغب نبیّ اللّه عیسی و أصحابه الی اللّه فیرسل اللّه علیهم النغف فی رقابهم فیصبحون موتی کموت نفس واحدة ثم یهبط نبیّ اللّه عیسی و أصحابه فلا یجدون فی الارض موضع شبر الا ملأه زهمهم و نتنهم فیرغب نبیّ اللّه عیسی و أصحابه الی اللّه فیرسل اللّه طیرا کأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم بالبهیل و یستوقد المسلمون فی قسیهم و نشابهم و جعابهم سبع سنین ثم یرسل اللّه مطر الا یکنّ منه بیت مدر و لا وبر فیغسل الارض حتی یترکها کالزلفة ثم یقال للارض أنبتی ثمرتک و ردّی برکتک فیومئذ تأکل العصابة من رمانة و یستظلون بقحفها و یبارک اللّه فی الرسل حتی ان اللقحة من الابل لتکفی الفئام من الناس و اللقحة من البقر لتکفی القبیلة و اللقحة من الغنم لتکفی الفخذ من الناس فبینما هم کذلک اذ بعث اللّه ریحا طیبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح کل مؤمن و کل مسلم فتبقی شرار یتهارجون فیها تهارج الحمر فعلیهم تقوم الساعة رواه مسلم الا الروایة الثانیة و هی قوله تطرحهم بالبهیل الی قوله سبع سنین رواه الترمذی و هذا وقع فی البین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:106
فلنذکر بقیة ما یتعلق بالاسکندر و الخضر*

آثار الاسکندر

روی انّ من آثار الاسکندر الاسکندریة بالمغرب بقرب مصر و هی من عجائب البلدان و فیها بنیان عجیب و منار علی أربع أساطین طوله ثلاثمائة ذراع و کان فی القدیم علی ذلک المنار مرآة کبیرة صنعها یلیناس الحکیم تلمیذ أرسطاطالیس الحکیم تلمیذ أفلاطون یطلع بها علی القسطنطینیة و بلاد الروم و الفرنج و فیها اسطوانة تستدیر الدهر کله و منها دمشق بالشام و هراة بخراسان و سمرقند بما وراء النهر و برذع باذربیجان و لما دنت وفاته قسم الممالک لملوک الطوائف لا ینقاد بعضهم لبعض و لم یقدروا أن یحکموا علی الروم التی هی مقام آبائه و مولده و منشأه فبقیت سالمة عن الفتن* و فی المختصر الجامع بنی الاسکندر اثنتی عشرة مدینة و سماها کلها الاسکندریة و مات بناحیة السواد فی موضع یقال له شهرزور و حمل فی تابوت من ذهب الی أمّه بالاسکندریة و قبره هناک و کان عمره ستا و ثلاثین سنة بالاتفاق و مدّة ملکه أربع عشرة سنة و قیل ثلاث عشرة و قیل اثنتا عشرة سنة قیل کان قبل المسیح بثلاثمائة و ثلاث و ستین سنة*

(ذکر الخضر علیه السلام)

* فی شواهد التوضیح فی شرح جامع الصحیح لابن الملقن الکلام علیه فی مواضع (أحدها) فی ضبطه و هو بفتح أوّله و کسر ثانیه و یجوز کسر أوّله و اسکان ثانیه کما فی کبد (و ثانیها) فی سبب تسمیته بذلک قال البخاری لانه جلس علی فروة بیضاء فقام عنها و هی تهتز من خلفه خضراء و الفروة الارض الیابسة أو الحشیش الیابس قال ابن الفارسی الفروة کل نبات مجمع اذا یبس قال الخطابی الفروة وجه الارض اذا أنبتت و اخضرّت بعد أن کانت جرداء و فیه قول آخر لانه اذا جلس اخضر ما حوله (و ثالثها) فی اسمه و فیه أقوال فی قول أن اسمه بلیا بباء موحدة مفتوحة ثم لام ساکنة ثم مثناة تحتیة ابن ملکان بفتح المیم و سکون اللام ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح حکاه ابن قتیبة عن وهب ابن منبه و حکی ابن الجوزی عن ابن وهب أبلیا بدل بلیا و کان أبوه من الملوک* و فی أنوار التنزیل اسم الخضر بلیان بن ملکان و قیل الیسع و قیل الیاس و فی قول اسمه الخضر بن عامیل قاله کعب الاحبار و فی قول أرمیا بن حزقیا قاله ابن اسحاق و وهاه الطبری و قال أرمیا کان فی زمن بخت نصر و بین عهد موسی و بخت نصر زمن طویل و فی قول الیاس قاله یحیی بن سلام و وهاه ابن اسحاق و فی قول الیسع قاله مقاتل و سمی بذلک لان علمه وسع ست سماوات و ست أرضین و وهاه ابن الجوزی و قال الیسع اسم عجمی لیس بمشتق و فیه قول سادس اسمه أحمد حکاه القشیری و وهاه ابن دحیة فانه لم یسم أحد قبل نبینا صلّی اللّه علیه و سلم بذلک و السابع أن اسمه عامر حکاه ابن دحیة فی کتاب مرج البحرین و فی قول انه خضرون ولد عیص حکاه ابن دحیة و روی الکلبی عن أبی صالح أنه من ولد آدم* و فی لباب التأویل اسمه خضرون بن قابیل بن آدم و عن سعید قال أمه رومیة و أبوه فارسی و قیل انه أبو العباس (و رابعها) فی أیّ وقت کان روی الضحاک عن ابن عباس قال الخضر بن آدم لصلبه و قال الطبری انه الرابع من أولاده و قیل انه من ابن قابیل سبط هارون و کذا قال ابن اسحاق و روی محمد بن أیوب عن ابن لهیعة أنه ابن فرعون موسی و فی القاموس فرعون والد الخضر أو ابنه فیما حکاه النقاش و تاج القرّاء فی تفسیریهما و العهدة علیهما و قال عبد اللّه بن سودون انه من ولد فارس و قیل کان فی أیام افریدون بن اینیان من ملوک فارس قبل موسی و کان علی مقدمة ذی القرنین الاکبر و بقی الی زمان موسی علیه السلام کذا فی الکشاف و أنوار التنزیل و قیل کانت ولادته قبل ابراهیم و لکن أعطی النبوّة بعد یعقوب و یوسف و الاسباط قال الطبری کان فی أیام افریدون کما مر قال و قیل کان علی مقدّمة ذی القرنین الاکبر الذی کان فی أیام الخلیل علیه السلام و هو عند علماء الکتب ذو القرنین الاوّل حیّ الی الآن کذا فی الکامل و ذو القرنین الاکبر عند قوم هو افریدون و قال أهل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:107
الکتاب انه ابن خالة ذی القرنین و وزیره و انه شرب من عین الحیاة و ذکر الثعلبی أیضا اختلافا هل کان فی زمن الخلیل أم کان بعده بقلیل أو بکثیر* و ذکر بعضهم أنه کان فی زمن سلیمان علیه السلام و انه المراد بقوله تعالی قال الذی عنده علم من الکتاب حکاه الداودی و اختلف فیه هل کان نبیا أو ولیا علی قولین و بالثانی جزم القشیری و اختلف أیضا هل کان مرسلا أم لا علی قولین و أغرب ما قیل انه من الملائکة و الصحیح أنه نبیّ و جزم به جماعة و قال الثعلبی هو نبیّ علی جمیع الاقوال هو معمر محجوب عن الابصار و صححه ابن الجوزی أیضا لقوله تعالی حکایة عنه و ما فعلته عن أمری فدل علی أنه نبی أوحی إلیه و انه أعلم من موسی (و خامسها) فی حیاته و قد أنکرها جماعة منهم البخاری و ابراهیم الحربی و ابن المنادی و أفردها ابن الجوزی فی تألیف له و المختار بقاؤها و قال ابن الصلاح هو حیّ عند جماهیر العلماء و الصالحین و العامة معهم فی ذلک و انما أنکرها بعض المحدّثین و قیل انه لا یموت الا فی آخر الزمان حین یرفع القرآن* و فی صحیح مسلم فی حدیث الدجال أنه یقتل رجلا ثم یحییه قال ابراهیم ابن سنین راوی کتاب مسلم انه الخضر و کذا قال معمر فی مسنده و ذکر الشیخ علاء الدولة السمنانی فی العروة الوثقی کنیته و لقبه و اسمه هکذا أبو العباس الخضر علیه السلام أعنی بلیان بن ملکان ابن سمعان و أورد له فیها حدیثین سمعهما عنه عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أحدهما قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ما من مؤمن قال صلّی اللّه علی محمد إلا نضر اللّه قلبه و نوّره و الثانی قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اذا رأیت الرجل لجوجا معجبا برأیه فقد تمت خسارته* و فی کتاب القرّاء عن ابن عباس قال یلتقی الخضر و الیاس فی کل عام فی الموسم فیلحق کل منهما رأس صاحبه و یفترقان عن هذه الکلمات بسم اللّه ما شاء اللّه لا یسوق الخیر الا اللّه ما شاء اللّه لا یصرف السوء الا اللّه ما شاء اللّه ما کان من نعمة فمن اللّه ما شاء اللّه لا حول و لا قوّة الا باللّه قال فمن قالها حین یصبح و حین یمسی ثلاث مرّات عوفی من السرق و الحرق و الغرق و أحسبه قال و من السلطان و الشیطان و الحیة و العقرب اخرجه أبو ذر* و فی العرائس عن ابن اسحاق الخضر من ولد فارس و الیاس من بنی اسرائیل* و فی زبدة الاعمال عن عبد اللّه رضی اللّه عنه سکن الخضر بیت المقدس فیما بین باب الرحمة الی باب الاسباط و هو یصلی کل جمعة فی خمسة مساجد فی المسجد الحرام و فی مسجد المدینة و فی مسجد بیت المقدس و فی مسجد قباء و یصلی کل لیلة جمعة فی مسجد الطور و یأکل کل جمعة أکلتین من کماءة و کرفس و یشرب من زمزم و من جب سلیمان الذی ببیت المقدس و یغتسل من عین سلوان أخرجه الحافظ أبو القاسم بن عساکر* و فی ربیع الابرار من الأنبیاء أربعة أحیاء اثنان فی السماء عیسی و ادریس و اثنان فی الارض الیاس و الخضر فالیاس فی البرّ و الخضر فی البحر و هما یجتمعان کل لیلة علی ردم ذی القرنین یحرسانه و یحجان کل سنة و لا یراهما الا من شاء اللّه و أکلهما الکرفس و الکماءة و هذه القصة وقعت فی البین و قطعت اتصال حدیث ابراهیم علیه السلام فلنرجع الآن إلیه*

بقیة اخبار ابراهیم علیه السلام‌

و فی الاکتفاء قال أبو الجهم و لما فرغ ابراهیم من بناء البیت و أدخل الحجر فی البیت جعل المقام لاصقا بالبیت عن یمین الداخل فلما کان زمن قریش قصر الخشب علیهم فأخرجوا الحجر و قیل قصرت النفقة من الحلال کما سیجی‌ء و کان ما أخرجوا منه سبعة أذرع و أمر ابراهیم بعد فراغه أن یؤذن فی الناس بالحج فقال یا رب و ما یبلغ صوتی قال اللّه عز و جل أذن فمنک النداء و علیّ البلاغ فارتفع علی المقام و هو یومئذ ملصق بالبیت فارتفع به المقام حتی کان کأطول الجبال فنادی و أدخل اصبعیه فی اذنیه و أقبل بوجهه شرقا و غربا یقول أیها الناس کتب علیکم الحج الی البیت العتیق فأجیبوا ربکم فأجابه من تحت البحور السبعة و من بین المشرق و المغرب الی منقطع التراب من أطراف الارض کلها لبیک اللهم لبیک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:108
أ فلا تراهم یأتون یلبون فمن حج من یومئذ الی یوم القیامة فهو ممن استجاب للّه عز و جل و ذلک قوله تعالی فیه آیات بینات مقام ابراهیم یعنی نداء ابراهیم علی المقام بالحج فهی الآیة* قال الواقدی و قد روی أن الآیة هی أثر ابراهیم علی المقام* و فی أنوار التنزیل و غیره روی أن ابراهیم صعد أبا قبیس فقال یا أیها الناس حجوا بیت ربکم* و فی العرائس فعلا ثبیر و نادی یا عباد اللّه الی آخره فأسمعه اللّه تعالی من فی أصلاب الرجال و أرحام النساء فیما بین المشرق و المغرب ممن سبق فی علمه أن یحج و کان بناء الکعبة بعد أن مضی مائة سنة من عمر ابراهیم علیه السلام و یکون بالتقریب بین بناء الکعبة و بین الهجرة النبویة ألفان و سبعمائة و ثلاث و تسعون سنة قال أبو الجهم فلما فرغ ابراهیم من الاذان ذهب به جبریل فأراه الصفا و المروة و أقامه علی حدود الحرم و أمره أن ینصب علیها الحجارة ففعل ابراهیم ذلک و کان أوّل من أقام أنصاب الحرم و یریه ایاها جبریل فلما کان الیوم السابع من ذی الحجة خطب ابراهیم علیه السلام بمکة حین زاغت الشمس قائما و اسماعیل جالس ثم خرجا من الغد یمشیان علی أقدامهما یلبیان محرمین مع کل واحد منهما أداوة یحملها و عصا یتوکأ علیها فسمی ذلک الیوم یوم الترویة فأتیا منی فصلیا بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء و الصبح و کانا نزلا فی الجانب الایمن ثم أقاما حتی طلعت الشمس علی ثبیر ثم خرج یمشی هو و اسماعیل حتی أتیا عرفة و جبریل معهما یریهما الاعلام حتی نزلا بنمرة و جعل یریه أعلام عرفات و کان ابراهیم قد عرفها قبل ذلک فقال ابراهیم قد عرفت فسمیت عرفات فلما زاغت الشمس خرج بهما جبریل حتی انتهی بهما الی موضع المسجد الیوم فقام ابراهیم فتکلم بکلمات و اسماعیل جالس ثم جمع بین الظهر و العصر ثم ارتفع بهما الی الهضبات فقاما علی أرجلهما یدعو ان الی أن غابت الشمس و ذهب الشعاع ثم دفعا من عرفة علی أقدامهما حتی انتهیا الی جمع فنزلا فصلی ابراهیم المغرب و العشاء فی ذلک الموضع الذی یصلی فیه الیوم ثم باتا حتی اذا طلع الفجر وقفا علی قزح فلما أسفرا قبل طلوع الشمس دفعا علی أرجلهما حتی انتهیا الی محسر فأسرعا حتی قطعاه ثم عادا الی مشیهما الاوّل ثم رمیا جمرة العقبة بسبع حصیات حملاها من جمع ثم نزلا من منی فی الجانب الایمن ثم ذبحا فی المنحر الیوم و حلقا رءوسهما ثم أقاما أیام منی یرمیان الجمار حین تزیغ الشمس ماشیین ذاهبین راجعین و صدرا یوم الصدر فصلیا الظهر بالابطح و کل هذا یریه جبریل علیه السلام* قال أبو الجهم فلما فرغ ابراهیم من الحجّ انطلق الی منزله بالشام و کان یحج البیت کل عام و حجته سارة و حجه اسحاق و یعقوب و الاسباط و الأنبیاء و هلم جرّا و حجه موسی بن عمران علیه السلام روی الواقدی باسناد له الی ابن عباس قال مرّ موسی علیه السلام بصفاح الروحاء یلبی تجاوبه الجبال علیه عباءتان قطوانیتان من عباء الشام و عن جابر بن عبد اللّه رضی اللّه عنه قال حج هارون نبیّ اللّه البیت فمرّ بالمدینة یرید الشام فمرض بالمدینة فأوصی أن یدفن بأصل أحد و لا یعلم به الیهود مخافة أن ینبشوه فدفنوه فقبره هناک* و عن ابن عباس أن الحواریین کانوا اذا بلغوا الحرم نزلوا یمشون حتی یأتوا البیت* و عن ابن الزبیر أن الحواریین خلعوا نعالهم حین دخلوا الحرم اعظاما أن ینتعلوا فیه ثم توفی ابراهیم خلیل اللّه علیه السلام بعد أن وجه إلیه ملک الموت فاستنظره ابراهیم ثم عاد إلیه لما أراد اللّه قبضه فأخبره بما أمر به فسلم ابراهیم لامر اللّه عز و جل فقال ملک الموت یا خلیل اللّه علی أی حال تحب أن أقبضک فقال تقبضنی و أنا ساجد فقبضه و هو ساجد فصعد بروحه الی اللّه عز و جل و دفن ابراهیم علیه السلام بالشام و عاش اسماعیل بعد أبیه ما شاء اللّه و کانت ولایة البیت له ما دام فی حیاته و توفی بمکة و دفن داخل الحجر مما یلی باب الکعبة و هناک قبر أمه هاجر و دفن معها و کانت توفیت قبله* و فی البحر العمیق سأل الفقیه اسماعیل الحضرمی الشیخ محب الدین الطبری عن البلاطة الخضراء التی فی الحجر فأجاب الشیخ بأن البلاطة الخضراء قبر اسماعیل علیه السلام قال و یشبر من رأس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:109
البلاطة الی ناحیة الرکن الغربی مما یلی باب بنی سهم و هو الذی یقال له الیوم باب العمرة ستة أشبار فعند انتهائها یکون رأس اسماعیل علیه السلام انتهی ثم ان العمالیق بنوا الکعبة بعد ابراهیم علیه السلام و بعض المؤرّخین یقدمون بناء جرهم علی بناء العمالقة و اللّه أعلم* و لما توفی اسماعیل ولی البیت بعده ولده نابت و قام مقامه ما شاء اللّه أن یلیه و لم یله أحد من ولده غیره و کان أکبرهم* ثم مات نابت فدفن فی الحجر مع أمه رعلة بنت مضاض فولی البیت بعده جدّه مضاض بن عمرو الجرهمی و ضم بنی نابت و بنی اسماعیل إلیه و لما مات مضاض بقیت ولایة البیت فی أیدی أخواله من جرهم فقاموا علیه فکانت جرهم ولاة البیت و حجابه و ولاة الاحکام بمکة لغلبتهم و استیلائهم و کان البیت قد دخله السیل من أعلاه فانهدم فاعادته جرهم علی بناء ابراهیم و کان طوله فی السماء تسعة أذرع قال بعض أهل العلم الذی بنی البیت الحرام لجرهم أبو الجدرة عمرو فسمی الجادر و یسمی بنوه الجدرة* و فی شفاء الغرام ذکر المسعودی ما یفضی الی أن الذی بنی الکعبة من جرهم هو الحارث بن مضاض الاصغر و جعلت جرهم للبیت مصراعین و قفلا ثم ان جرهم و قطورا بغی بعضهم علی بعض و تنافسوا الملک بها حتی شبت الحرب بینهم علی الملک و بنو اسماعیل و بنو نابت یومئذ مع مضاض و إلیه ولایة الامر و ولایة البیت دون السمیدع فلم یزل البغی بینهم حتی سار بعضهم الی بعض فخرج مضاض بن عمرو من قعیقعان فی کتیبته سائر الی السمیدع و مع کتیبته عدّتها من الرماح و الدرق و السیوف و الجعاب تقعقع معه و قیل ما سمی قعیقعان الا لذلک و خرج السمیدع بقطوراء من أجیاد و معه الخیل الجیاد و الرجال و قیل ما سمی أجیادا الا لخروج الخیل الجیاد مع السمیدع منه* و غیر ابن اسحاق یقول انما سمی أجیادا لان مضاضا ضرب فی ذلک المواضع أجیاد مائة رجل من العمالقة و قیل بل أمر بعض الملوک غیر مسمی بضرب رقاب فیه فکان یقول السیافة توسط الاجیاد و هذا و نحوه أصح فی تسمیة الموضع باجیاد مما قال ابن اسحاق قال فالتقوا بفاضح فاقتتلوا قتالا شدیدا فقتل السمیدع و فضحت قطورا فیقال ما سمی فاضح فاضحا الا لذلک ثم ان القوم تداعوا الی الصلح فساروا حتی نزلوا المطابخ شعبا بأعلی مکة یقال له شعب عبد اللّه بن عامر ابن کریز فنزلوا بذلک الشعب فاصطلحوا به و أسلموا الامر الی مضاض بن عمرو فلما جمع إلیه أمر مکة و صار ملکها له دون السمیدع نحر للناس و أطعمهم فأطبخ الناس و أکلوا فیقال ما سمیت المطابخ المطابخ الا لذلک و قال ابن اسحاق و قد زعم بعض أهل العلم انها سمیت بذلک لما کان تبع نحر بها و أطعم بها و کانت منزله قال و کان الذی کان بین مضاض و السمیدع أوّل بغی کان بمکة فیما یزعمون فقال مضاض فی تلک الحرب یذکر السمیدع و قتله و بغیه و التماسه ما لیس له
و نحن قتلنا سید الحیّ عنوةفأصبح فیها و هو حیران موجع
و ما کان یبغی أن یکون سوی انالها ملک حتی أتانا السمیدع
فذاق وبالا حسین حاول ملکناو عالج منا غصة تتجرّع
فنحن عمرنا البیت کنا ولاته‌نحاول عنه من أتانا و ندفع
و ما کان یبغی أن یلی ذاک غیرناو لم یک حیّ قبلنا ثم یمنع
و کنا ملوکا فی الدهور التی مضت‌ورثنا ملوکا لا ترام و توضع قال ثم نشر اللّه بنی اسماعیل بمکة و أخوالهم من جرهم اذ ذاک ولاة البیت و الحکام بمکة و کانوا کذلک بعد نابت بن اسماعیل فلما ضاقت علیهم مکة و کثروا بها انبسطوا فی الارض فابتغوا المعایش و التفسح فی الارض فلا یأتون قوما و لا ینزلون بلدا الا أظهرهم اللّه عز و جل علیهم بذنبهم فوطئوهم و غلبوهم حتی ملکوا البلاد و نفوا عنها العمالیق و جرهم علی ذلک بمکة ولاة البیت لا ینازعهم ایاه بنو اسماعیل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:110
لخؤولتهم و قرابتهم و اعظام الحرم أن یکون به بغی أو قتال ثم ان جرهما بغوا بمکة و استحلوا حلالا من الحرمة و ارتکبوا أمورا عظاما و أحدثوا فیها احداثا لم تکن فقام مضاض بن عمرو بن الحارث و هو مضاض الاصغر فیهم خطیبا فقال یا قوم احذروا البغی فانه لا بقاء لاهله قد رأیتم من کان قبلکم من العمالیق استخفوا بالحرم فلم یعظموه و تنازعوا بینهم و اختلفوا حتی سلطکم اللّه علیهم فأخرجتموهم فتفرقوا فی البلاد فانکم ان فعلتم ذلک تخوّفت علیکم أن تخرجوا منه خروج ذل و صغار فقال قائل منهم یقال له مجدع من الذی یخرجنا منه ألسنا أعز العرب و أکثرهم رجالا و أموالا و سلاحا فقال مضاض اذا جاء الامر بطل ما تقولون فلم یقصروا عن شی‌ء مما کانوا یصنعون و کان للبیت خزانة بئر فی بطنها یلقی فیها الحلی و المتاع الذی یهدی له و هو یومئذ لا سقف له و تواعد له خمسة نفر من جرهم أن یسرقوا ما فیه فقام علی کل زاویة من البیت رجل منهم و اقتحم الخامس فجعل اللّه عز و جل أعلاه أسفله و سقط منکسا فهلک و فرّ الاربعة الأخر* قال أهل العلم ان جرهما لما طغت فی الحرم دخل منهم رجل و امرأة یقال لهما أساف بن بغی و نائلة بنت دیک البیت ففجرا فیه فمسخهما اللّه تعالی حجرین فأخرجا من الکعبة فنصبا علی الصفا و المروة لیعتبر بهما من رآهما و لیزدجر الناس عن مثل ما ارتکبا و یقال ان الرجل من جرهم و المرأة من قطورا ثم لم یزل أمرهما یندرس و یتقادم حتی صارا صنمین یعبدان و قال بعض أهل العلم انه لم یفجر بها فی البیت و انما قبلها و قیل ان عمرو بن لحیّ دعا الناس الی عبادتهما و قال انما نصبا هاهنا لان آباءکم و من کان قبلکم کانوا یعبدونهما و انما ألقاه علیه ابلیس و کان عمرو فیهم شریفا مطاعا متبعا و قد اختلف أهل العلم فی نسبهما و المشهور أن الرجل أساف بن سهیل و المرأة نائلة بنت عمرو بن دیک و لم یزالا یعبدان و یستملهما الطائف اذا فرغ حتی کان یوم الفتح فکسرا* و فی شفاء الغرام اختلف أهل الاخبار فیمن أخرج جرهما من مکة اختلافا یعسر التوفیق بینه قیل ان بنی بکر بن عبد منات بن کنانة و غبشان ابن خزاعة أخرجوا جرهما من مکة لبغیهم فیها کما سیجی‌ء و قیل ان بنی عمرو بن عامر ماء السماء أخرجوا جرهما من مکة حین لم یترک جرهم بنی عمرو بن عامر أن یقیموا عندهم بمکة حتی یصل إلیهم روّادهم و قیل ان عمرو بن ربیعة بن حارثة بن عمرو أخرج جرهما حین طلب حجابة البیت لسیادته و شرفه و قیل ان بنی اسماعیل أخرجوا جرهما من مکة بعد أن سلط اللّه علی جرهم آفات من الرعاف و النمل الذی فنی به أکثر من أصابهم بمکة و قیل ان اللّه سلط علی الذین یلون البیت من جرهم دواب شبیهة بالنغف فهلک منهم ثمانون کهلا فی لیلة واحدة سوی الشباب حتی جلوا من مکة الی أطم و القول الاوّل ذکره ابن اسحاق لانه قال ثم ان جرهما لما بغوا فی مکة و استحلوا حلالا من الحرمة و ظلموا من دخلها من غیر أهلها و أکلوا مال الکعبة الذی یهدی لها فرّق أمرهم و کان ملکهم یومئذ عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمی فلما رأت بنو بکر بن عبد منات بن کنانة و غبشان من خزاعة ذلک أجمعوا لحربهم و اخراجهم من مکة فآذنوهم بالحرب فاقتتلوا هم و ایاهم فغلبتهم بنو بکر و غبشان فنفوهم من مکة و کانت مکة فی الجاهلیة لا تقرّ فیها ظلما و لا بغیا لا یبغی فیها أحد الا أخرجته یقال ما سمیت مکة بالناسة بالنون و السین المهملة الا أنها تنسّ من ألحد فیها ای تطرده و تنفیه أو لقلة مائها و النس الیبس کذا قاله الماوردی و لا یریدها ملک یستحل حرمتها الا هلک و یقال ما سمیت باسة بالباء الموحدة و السین المهملة الا لانها تبسّ من ألحد فیها أی تحطمه و منه قوله تعالی و بست الجبال بسا کذا ذکرهما أی الروایتین بالنون و الباء فی زبدة الاعمال* و یقال ما سمیت ببکة الا لانها تبک أعناق الجبابرة اذا أحدثوا فیها شیئا أی تدقها و ما قصدها جبار الا قصمه اللّه تعالی أو من الازدحام أی ازدحام الناس فیها یبک بعضهم بعضا أی یدفع فی ازدحام الطواف و عن ابن عباس أنه قال مکة من الفج الی التنعیم و بکة
من البیت الی البطحاء و قال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:111
عکرمة البیت و ما حوله بکة و ما وراء ذلک مکة و قیل بکة موضع البیت و ما سوی ذلک مکة و قال الضحاک ان مکة و بکة اسمان مترادفان لهذا البلد و الباء بدل من المیم و قیل بکة بالباء الموحدة موضع البیت و فی روایة اسم البیت و قیل مکة اسم المدینة أو قال القریة سمیت بکة بمکة لانها تمک الذنوب أی تذیبها و قیل لانها یؤمّها الناس من کل ناحیة و کل مکان فکأنها تجذبها و هذه الاقوال ترجع الی قول العرب امتک الفصیل ضرع أمّه اذا امتصه و جذب بفیه ما فیه هکذا فی زبدة الاعمال* و فی سیرة مغلطای تسمی أیضا الرأس و صلاح و أمّ رحم و کوبا و أمّ القری و الحاطمة و العرش و طیبة قال ابن اسحاق فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمی بغز الی الکعبة و بحجر الرکن فدفنها فی زمزم و انطلق هو و من معه من جرهم الی الیمن قال المسعودی فی أخبار الفرس و کانت الفرس تهدی الی الکعبة أموالا فی صدر الزمان و جواهر و قد کان ساسان بن بابک و قیل اسفندیار أهدی غزالین من ذهب و جوهر و سیوفا و ذهبا کثیرا قد دفن فی زمزم قال فحزنت جرهم علی ما فارقوا من أمر مکة و ملکها حزنا شدیدا فقال عمرو بن الحارث بن مضاض فی ذلک و لیس بمضاض الاکبر شعر
کأن لم یکن بین الحجون الی الصفاأنیس و لم یسمر بمکة سامر
بلی نحن کنا أهلها فأزالناصروف اللیالی و الحدود العوابر
و کنا ولاة الامر من بعد نابت‌نطوف بذاک البیت و الخیر ظاهر
و نحن ولینا البیت من بعد نابت‌بعز فما یحظی لدینا المکاثر
ملکنا فعززنا فأعظم بملکناو لیس لحیّ غیر ناثم فاخر
فانکح جدی غیر شخص علمته‌فأبناؤه منا و نحن الاصاهر * قال الفاسی فی شفاء الغرام أفاد المسعودی أمورا لم یفدها غیره فیما علمته منها کون السمیدع و قومه من العمالیق و منها أنهم قدموا مکة قبل جرهم قیل یجوز أن تکون طائفة من العمالیق ولوا مکة قبل جرهم و طائفة من العمالیق غیر الاوّلین ولوا مکة مع جرهم و منها ما ذکره فی مدّة جرهم و أفاد فی تاریخه أن أوّل من ملک من ملوکهم بمکة مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقیب بن هنی ابن بنت جرهم بن قحطان مائة سنة ثم کانت ولایة البیت بعده لابنه عمرو بن مضاض مائة و عشرین سنة ثم ملک الحارث بن عمرو مائة سنة و قیل دون ذلک ثم ملک بعده عمرو بن الحارث مائة سنة ثم ملک بعده مضاض الاصغر بن عمرو ابن الحارث بن عمرو بن مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقیب بن هنی ابن بنت جرهم بن قحطان أربعین سنة انتهی* و قیل کانت ولایة البیت بعد نابت بن اسماعیل فی جرهم ثلاثمائة و قیل خمسمائة سنة و قیل ستمائة سنة* و فی شفاء الغرام ذکر ابن هشام أن جرهما هو ابن قحطان أبو الیمن و إلیه یجتمع نسبها ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن نوح و قیل ان جرهما ابن ملک من الملائکة قال ابن عباس کان الملک من الملائکة اذا أذنب ذنبا عظیما أهبط الی الارض و نزعت منه روحانیة الملائکة و جعل فی خلق بنی آدم فأذنب ملک من الملائکة یقال له عذرا أو نحوها ذنبا فکان فی الهواء ثم هبط مکة فتزوّج امرأة من العمالیق فولدت جرهما فذلک قول الحارث بن مضاض
لا همّ ان جرهما عبادک‌و الناس طرف و هم تلادک ثم بنی البیت قصی بن کلاب بعد ما انقرضت العمالقة و جرهم و خلفتهم فیها قریش و استولت علی الحرم لکثرتهم بعد القلة و عزهم بعد الذلة و کان قصی أوّل من جدّدها من قریش بعد ابراهیم و سقفها بخشب الدوم و جرید النخل کذا فی شفاء الغرام ثم بعد قصی بن کلاب بنی البیت قریش و کان ذلک قبل المبعث بخمس سنین و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حضر هذا البناء و هو ابن خمس و ثلاثین سنة و کان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:112
مولد فاطمة الزهراء تلک السنة کما سیجی‌ء قال ابن اسحاق کانت الکعبة فی عهد قریش وضیمة فوق القامة و لم تکن مسقفة و یخالفه ما مرّ أن قصی بن کلاب بناها مسقفة بخشب الدوم و جرید النخل فهدمتها قریش و بنتها مسقفة و سبب ذلک أنه کان فی جوفها بئر یکون فیها أموال الکعبة فدخلها جماعة لیلا فسرقوها* و فی سیرة ابن هشام و کان الذی وجد عنده الکنز دویک مولی لبنی ملیح بن عمرو من خزاعة و یقال کانت امرأة منهم جمرت الکعبة فطارت شرارة من مجمرتها فتعلقت بثیاب الکعبة فوهن البیت من ذلک فهابوا انهدامه و کان البحر قد ألقی سفینة الی جدّة لرجل من تجار الروم فتحطمت فاشترت قریش خشبها فأعدّوه لسقفها و کان بمکة رجل قبطی نجار فتهیأ لهم فی أنفسهم بعض ما یصلحها و کانت حیة تخرج کل یوم من بئر الکعبة التی کانت یطرح فیها ما یهدی لها فتشرف علی جدار الکعبة و کانت مما یهابونها و ذلک أنه کان لا یدنو منها أحد الا تحرّکت و نشت و فتحت فاها فکانوا یهابونها فبینما هی یوما تشرف علی جدار الکعبة کما کانت تصنع بعث اللّه إلیها طیرا فاختطفها فذهب بها فقالت قریش انا لنرجو أن یکون اللّه قد رضی ما أردنا کذا فی سیرة ابن هشام* و فی روایة لما شرعوا فی نقض البناء و هدمها خرجت علیهم الحیة التی کانت فی بطنها تجرسها سوداء الظهر بیضاء البطن رأسها مثل رأس الجدی فمنعتهم عن ذلک فلما رأوا ذلک اعتزلوا عند مقام ابراهیم و کان یومئذ فی مکانه الذی هو فیه الیوم فتشاوروا فقال لهم الولید بن المغیرة یا قوم أ لستم تریدون بها الاصلاح قالوا بلی قال فان اللّه لا یهلک المصلحین و لکن لا تدخلوا فی عمارة بیت ربکم الا من طیب أموالکم و جنبوه الخبیث فان اللّه طیب لا یقبل الا طیبا* و فی أسد الغابة قال یا معشر قریش لا تدخلوا فی بنیانها من کسبکم الا طیبا لا تدخلوا فیها مهر بغی و لا ربا و لا مظلمة و قیل ان أبا وهب بن عمرو قال هذا ففعلوا و دعوا و قالوا اللهم ان کان لک فی هدمها رضی فأتمه و اشغل عنا هذا الثعبان فأقبل طائر من جوّ السماء کهیئة العقاب ظهره أسود و بطنه أبیض و رجلاه صفراوان و الحیة علی جدار البیت فاغرة فاها فأخذ برأسها ثم طار بها حتی أدخلها أجیاد الصغری قالت قریش انا لنرجو أن اللّه قد قبل عملکم و نفقتکم* و فی حیاة الحیوان الثعبان الذی فی جوف الکعبة اختطفه العقاب حین أراد قریش بناء البیت الحرام و ان الطائر حین اختطفها ألقاها بالحجون فالتقمتها الارض فهی الدابة التی تخرج عند الصفا تکلم الناس*

(ذکر دابة الارض)

* عن عبد اللّه بن عمر رضی اللّه عنهما أنه قال تخرج دابة الارض حین یترک الامر بالمعروف و النهی عن المنکر* و فی لباب التأویل عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول ان أوّل الآیات خروجا طلوع الشمس من مغربها و خروج الدابة علی الناس ضحی و أیتهما کانت قبل صاحبتها فالاخری علی أثرها قریبا و عن أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تخرج الدابة و معها خاتم سلیمان و عصا موسی فتجلو وجه المؤمن و تخطم أنف الکافر بالخاتم حتی ان أهل الجوان لیجتمعون فیقول هذا یا مؤمن و یقول هذا یا کافر و یقول هذا یا کافر و هذا یا مؤمن أخرجه الترمذیّ و قال حدیث حسن* و روی البغوی باسناد الثعلبی عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال یکون للدابة ثلاث خروجات من الدهر فتخرج خروجا بأقصی الیمن فیفشو ذکرها بالبادیة و لا یدخل ذکرها القریة یعنی مکة ثم تمکث زمانا طویلا ثم تخرج خرجة أخری قریبا من مکة فیفشو ذکرها بالبادیة و یدخل ذکرها القریة یعنی مکة ثم بینا الناس یوما فی أعظم المساجد علی اللّه حرمة و أکرمها علی اللّه یعنی المسجد الحرام لم یرعهم الا و هی فی ناحیة المسجد تدنو کذا و تدنو کذا قال عمرو ما بین الرکن الاسود الی باب بنی مخزوم عن یمین الخارج فی وسط من ذلک فارفض الناس عنها و یثبت لها عصابة عرفوا أنهم لم یعجزوا اللّه فخرجت علیهم تنقض رأسها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:113
من التراب فمرت بهم فجلت وجوههم حتی ترکتها کأنها الکواکب الدرّیة ثم ولت فی الارض لا یدرکها طالب و لا یعجزها هارب حتی ان الرجل لیقوم فیتعوّذ منها بالصلاة فتأتیه من خلفه و تقول یا فلان الآن تصلی فیقبل علیها بوجهه فتمسه فی وجهه فیتجاور الناس فی دیارهم و یصطحبون فی أسفارهم و یشترکون فی الاموال یعرف الکافر من المؤمن فیقال للمؤمن یا مؤمن و یقال للکافر یا کافر* و باسناد الثعلبی عن حذیفة بن الیمان ذکر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الدابة قلت یا رسول اللّه من أین تخرج قال من أعظم المساجد حرمة علی اللّه* بینما عیسی علیه السلام یطوف بالبیت و معه المسلمون اذ تضطرب و تنشق الصفا مما یلی المسعی و تخرج الدابة من الصفا أوّل ما یبدو منها رأسها ملعة ذات وبر و ریش لن یدرکها طالب و لن یفوتها هارب تسم الناس مؤمنا و کافرا أما المؤمن فتترک وجهه کأنه کوکب درّیّ و تکتب بین عینیه مؤمن و أما الکافر فتنکت بین عینیه نکتة سوداء و تکتب بین عینیه کافر* و روی عن ابن عباس أنه قرع الصفا بعصاه و هو محرم و قال ان الدابة لتسمع قرع عصای هذه* و عن ابن عمر قال تخرج الدابة لیلة جمع و الناس یسیرون الی منی* و عن أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال بئس الشعب شعب أجیاد مرّتین أو ثلاثا قیل و لم ذلک یا رسول اللّه قال تخرج منه الدابة تصرخ ثلاث صرخات یسمعها من بین الخافقین* و روی عن أبی الزبیر أنه وصف الدابة فقال رأسها رأس الثور و عینها عین الخنزیر و اذنها اذن الفیل و قرنها قرن ایل بفتح الهمزة و کسر المثناة التحتیة و فتحها الوعل و صدرها صدر أسد و لونها لون نمر و خاصرتها خاصرة هرّ و ذنبها ذنب کبش و قوائمها قوائم بعیر بین کل مفصلین اثنا عشر ذراعا* و عن عبد اللّه بن عمرو قال تخرج الدابة من شعب فیمس رأسها السحاب و رجلاها فی الارض* و روی عن علیّ قال لیست الدابة لها ذنب و لکن لها لحیة و قال وهب وجهها وجه رجل و سائر خلقها کخلق الطیر فتخبر من رآها أن أهل مکة کانوا بمحمد و القرآن لا یوقنون* و فی العمدة فی الحدیث دابة الارض طولها ستون ذراعا* و فی الینابیع عن عبد اللّه بن عمر قال انها تخرج بالطائف و کان عبد اللّه بن عمر بالطائف فضرب برجله الارض قال تخرج من هذه الارض* و فی روایة عنه قال تخرج من غار فی جبل صنعاء فتخرج حتی لو عدا الفرس السریع العدو ثلاثة أیام و لیالیها لم یجاوز رأسها و ما خرج بعد ثلثها من الارض و قیل لا تخرج الا رأسها و رأسها یبلغ عنان السماء و قال الضحاک الدابة تشبه البغل تدور حول الدنیا و بیدها عصا فتضرب الناس بها فاذا ضربت علی رأس الکافر یظهر خط أسود مکتوب فیه هذا کافر باللّه و اذا ضربت علی رأس المؤمن یظهر خط أخضر مکتوب فیه هذا مؤمن باللّه* و فی روایة دابة الارض تقبل علی الکافرین فتقول لهم أیها الکافرون مصیرکم الی النار ثم تقبل علی المؤمنین فتقول لهم مصیرکم الی الجنة* قال السدّی تکلم الناس و تخبرهم ببطلان جمیع الادیان الا دین الاسلام* و فی روایة طولها ستون ذراعا و انها تنکت فی وجه الکافر نکتة سوداء فتفشو فی وجهه حتی یسودّ وجهه و تنکت فی وجه المؤمن نکتة بیضاء فتفشو فی وجهه حتی یبیض وجهه و یتبایعون فی الاسواق فیعرفون المؤمن من الکافر و روی عن مقاتل ان رأسها تخرج من الصفا حتی یری أهل المشرق و المغرب رأسها و عنقها فلما رأوها تتواری حیث خرجت فلما مضت من النهار ست ساعات تضطرب الارض اضطرابا عظیما فیبیت الناس تلک اللیلة علی تخوّف و لما أصبحوا یکثر صیاح الناس و یفشو فیهم الخبر بأن الدجال قد خرج فیهرب الناس الی بیت المقدس و یتبعه ستون ألف یهودی علیهم طیالسة زرق علی رءوسهم و یستوفی تمام الارض فی أربعین یوما و تطوی الارض تحت قدمیه و اذا أراد أن یدخل مکة فتضرب الملائکة وجهه و ظهره و تمنعه عن دخولها و کذا تمنعه عن المدینة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:114
و حین یصل بیت المقدس ینزل عیسی ابن مریم و بیده حربة فیضربه بها فیقتله فیقع قتال عظیم بین المسلمین و بین الیهود و تکون الغلبة للمسلمین حتی ان الحجر و الشجر یخبر المؤمن بأن خلفه کافر لیقتله* و فی روایة لا یبقی شجر و لا حائط یتواری به الیهود الا قال یا مؤمن اقتل هذا غیر الغرقد فانه من شجرهم* و فی روایة و لا یبقی شی‌ء مما خلق اللّه عز و جل یتواری به الیهود لا حجر و لا شجر و لا حائط الا أنطق اللّه ذلک الشی‌ء فقال یا عبد اللّه المسلم هذا یهودی فاقتله الا الغرقد فانه من شجر الیهود لا ینطق فبینما هم کذلک اذا جاء الخبر بأن الحبشة قد خرجت و قصدت الکعبة فیبعث عیسی الی مکة من یأتی بالخبر فقبل أن یأتی بالخبر یقبض عیسی و یصلی علیه رجل من هذه الامة اسمه المهدی* و فی ربیع الابرار بلغنا أن عیسی ابن مریم علیه السلام تکون هجرته اذا نزل من السماء الی المدینة فیستوطنها حتی یأتی أمر اللّه و فیه أیضا روی أبو هریرة عنه علیه السلام اذا أهبط اللّه عیسی ابن مریم من السماء فانه یعیش فی هذه الامة ما شاء اللّه ثم یموت بمدینتی هذه و یدفن الی جانب قبر عمر فطوبی لابی بکر و عمر فانهما یحشران بین نبیین و بعد ذلک یخرج یأجوج و مأجوج و تاویل و تاریس و منسک و یغلبون الناس کلهم ثم تطلع الشمس و القمر من المغرب متکدرین کأنهما ثوران أسودان مقطوعا العنق و یرتفعان الی وسط السماء ثم رجعان و یغربان فیغلب یأجوج و مأجوج و یختبئ المسلمون فی المساجد فیمیت اللّه یأجوج و مأجوج کما سبق فیخبر المسلمون بموتهم و لا یصدّقون حتی یروهم بأعینهم فیرسل اللّه الطیر حتی تطرحهم حیث یشاء ثم یرسل اللّه ریحا طیبة حمراء من قبل الیمن فتقبض روح کل مسلم تصیبه و لا یبقی أحد فیمضی علی ذلک مائة سنة أو أربعون سنة ثم تقوم الساعة* و فی خبر آخر عن حذیفة بن الیمان أن الاوّل خروج الدجال ثم نزول عیسی ثم طلوع الشمس من مغربها ثم خروج دابة الارض و بعد ذلک لم تلبث الدنیا مقدار أن یلقح أحد رمکته و یرکب فلوها*

أشراط الساعة

و قال بعضهم أشراط الساعة عشرة و قد مضی خمس منها و هی خروج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و انشقاق القمر و الدخان و اللزام و البطشة و کلاهما عذاب یوم بدر قال اللّه تعالی یوم نبطش البطشة الکبری و قال اللّه تعالی ان عذابها کان غراما أی لزاما و بقی خمس و هی خروج یأجوج و مأجوج و خروج الدجال و طلوع الشمس من مغربها و نزول عیسی علیه السلام و خروج دابة الارض و هو آخرها و هی روایة عبد اللّه بن مسعود کذا فی الینابیع و هذا الکلام وقع فی البین و قطع اتصال الکلام فی بناء الکعبة فلنرجع إلیه*

بقیة أخبار بناء الکعبة

روی أنه لما انکسرت السفینة فی نواحی جدّة خرج إلیها الولید ابن المغیرة فی نفر من قریش فاشتروا خشبها کما مرّ و کلموا رئیس السفینة و کان اسمه باقوم الرومی* و فی سیرة مغلطای ان باقوم النجار النبطی الذی قیل انه هو الذی عمل منبره علیه السلام من طرفاء الغابة و قیل الذی عمل منبره علیه السلام اسمه مینا و قیل ابراهیم و قیل صباح و قیل باقول و قیل میمون و قیل قبیصة فیما ذکره ابن بشکوال و کان بناء حاذقا فقالوا له لو بنینا بیت ربنا و قدم الباقون معهم فأمروا بالحجارة فجمعت و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ ابن خمس و ثلاثین سنة کما جزم به ابن اسحاق و غیر واحد من العلماء و قیل ابن خمس و عشرین کما جزم به موسی بن عقبة فی مغازیه و ابن جماعة فی منسکه و کان صلی اللّه علیه و سلم ینقل معهم الحجارة و کانوا یضعون أزرهم علی عواتقهم و یحملون الحجارة علیها ففعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فسقط علی الارض من قیام فنودی عورتک و کان ذلک أوّل ما نودی فقال أبو طالب یا ابن أخی اجعل ازارک علی رأسک فقال ما أصابنی الا فی تعری فما رؤیت لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عورة رواه البخاری* و فی سیرة ابن هشام قال ان قریشا تجزأت الکعبة و اقترعوا علیها فکان شق الباب لبنی عبد مناف و بنی زهرة و کان ما بین الرکن الاسود و الرکن الیمانی لبنی مخزوم و تیم و قبائل من قریش انضموا إلیهم و کان ظهر الکعبة لبنی جمح و سهم ابنی عمرو بن هصیص بن کعب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:115
ابن لؤیّ و کان شق الحجر و هو الحطیم لبنی عبد الدار بن قصیّ و لبنی أسد بن عبد العزی بن قصی و لبنی عدی بن کعب بن لؤیّ* و فی سیرة ابن هشام ثم ان الناس هابوا هدمها و فزعوا منه فقال لهم الولید بن المغیرة أنا أبدأکم فی هدمها فأخذ المعول ثم قام علیها و هو یقول اللهم لم نرع و یقال لم نزغ اللهم لا نرید الا الخیر ثم هدم من ناحیة الرکنین فتربص الناس تلک اللیلة فقالوا ننظر فان أصیب لم نهدم منها شیئا و رددناها کما کانت و ان لم یصبه شی‌ء فقد رضی اللّه بما صنعنا هدمنا فأصبح الولید من لیلته غادیا علی عمله فهدم و هدم الناس معه حتی انتهی الهدم بهم الی الاساس أساس ابراهیم فوصلوا الی حجارة خضر کالاسنمة آخذ بعضها بعضا* و فی روایة لما بلغوا الاساس الذی رفع علیه ابراهیم و اسماعیل علیهما السلام القواعد من البیت فأبصروا الحجارة کأنها الابل الخلف لا یطیق الحجر منها ثلاثون رجلا و قد تشبک بعضها ببعض فأدخل الولید بن المغیرة عتلته بین حجرین انفلقت منه فلقة فأخذها وهب بن عمرو ابن عائذ بن عمران بن مخزوم ففرّت من یده حتی عادت مکانها و طارت من تحتها برقة کادت أن تخطف الابصار و رجفت مکة بأسرها* و فی روایة أدخل الولید بن المغیرة عتلته بین حجرین لیقلع بها أحدهما فلما تحرّک الحجر رجفت مکة بأسرها فلما رأوا ذلک أمسکوا عن أن ینظروا الی ما تحت ذلک* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و حدثت أن قریشا وجدوا فی الرکن کتابا بالسریانیة فلم یدروا ما هو حتی قرأه لهم رجل من یهود فاذا هو أنا اللّه ذو بکة خلقتها یوم خلقت السموات و الارض و صوّرت الشمس و القمر و حففتها بسبعة أملاک حنفاء لا تزول حتی یزول أخشباها مبارک لاهلها فی الماء و اللبن و قال ابن اسحاق و حدثت أنهم وجدوا فی المقام کتابا فیه مکة بیت اللّه الحرام یأتیها رزقها من ثلاثة سبل لا یحلها رجل من أهلها* ثم قلت بهم النفقة فلم تبلغ عمارة البیت کله فتشاوروا فی ذلک فأجمع رأیهم علی أن یقصروا من قواعد ابراهیم و یحجروا ما یقدرون علیه من بناء البیت و یترکوا بقیته فی الحجر علیه جدار مدار یطوف الناس من ورائه ففعلوا ذلک و بنوا فی بطن الکعبة أساسا یبنون علیه من شق الحجر و ترکوا من ورائه من فناء البیت سبعة أذرع أو ستة و شبرا فبنوا علی ذلک فلما وضعوا أیدیهم فی بنائها قالوا ارفعوا بابها من الارض حتی لا تدخلها السیول و لا ترقی الا بسلم و لا یدخلها الا من أردتم و ان کرهتم أحدا دفعتموه ففعلوا ذلک و یقال ان الذی قال لهم ذلک أبو حذیفة بن المغیرة* قال ابن اسحاق ثم ان قبائل قریش جمعت الحجارة لبنائها کل قبیلة علی حدة فبنوا سافا من حجر و سافا من خشب بین الحجارة فکان الخشب خمسة عشر مدماکا و الحجارة ستة عشر مدماکا و جعلوا طولها فی السماء ثمانیة عشر ذراعا* و فی سیرة ابن هشام کانت الکعبة علی عهد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثمانیة عشر ذراعا فلما بلغوا موضع الرکن الاسود اختصمت قریش فی أنّ أیّ القبائل یلی رفعه و کثر الکلام فمکثت قریش علی ذلک أربع لیال أو خمسا فاقتضی الحال بینهم أن یحکموا أوّل من یطلع من هذا السفح* و فی المنتقی ثم اتفقوا علی أن أوّل رجل یدخل من باب بنی شیبة یکون هو الذی یضعه موضعه فاذا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد طلع فقالوا هذا الامین قد رضینا بحکمه ثم أخبروه الخبر فبسط رداءه ثم وضع الحجر الاسود فیه ثم أمر سید کل قبیلة أن یأخذ طرفا من الثوب* و فی سیرة ابن هشام قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هلم الیّ ثوبا فأتی به فأخذ الرکن فوضعه فیه بیده ثم قال لتأخذ کل قبیلة بناحیة من الثوب ثم ارفعوا جمیعا ففعلوا حتی اذا بلغوا به موضعه وضعه هو بیده ثم بنی علیه انتهی فذهب رجل من أهل نجد لیناول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حجرا یشدّ به الحجر الاسود فقال العباس بن عبد المطلب لا و نحاه و ناول العباس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حجرا فشدّ به الرکن فغضب النجدی حین نحی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیس یبنی معنا فی البیت إلا منا ثم بنی حتی انتهوا الی موضع الخشب و سقفوا البیت و جعلوا فیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:116
ست دعائم فی صفین فی کل صف ثلاث دعائم من الشق الشامیّ الذی یلی الحجر الی الشق الیمانی و جعلوا درجة من خشب فی بطنها من الرکن الشامی یصعد فیها الی ظهرها و زوّقوا سقفها و جدر انها من بطنها و دعائمها و جعلوا فی دعائمها صور الأنبیاء و الملائکة و الشجر و لما کان یوم الفتح أمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بطمس تلک الصور فطمست و جعلوا لها بابا واحدا فکان یغلق و یفتح و کانوا قد أخرجوا ما کان فی البیت من حلی و مال و جعلوه عند أبی طلحة و أخرجوا هبلا و نصبوه عند المقام حتی فرغوا من بناء البیت و ربطوا ذلک المال فی الجب و نصبوا هبلا مکانه کما کان قبل ذلک و کسوها حین فرغوا من بنائها خبرات یمانیة* و فی سیرة ابن هشام و کانت الکعبة تکسی القباطی ثم کسیت البرود و أوّل من کساها الدیباج الحجاج بن یوسف ثم بنی الکعبة بعد قریش عبد اللّه بن الزبیر بعد أن هدمها کلها و سببه توهن الکعبة من حجارة المنجنیق التی اصابتها حین حوصر ابن الزبیر بمکة اذ تحصن فی المسجد الحرام أوّل مرّة قبل حصار الحجاج حاصره الحصین بن نمیر السکونی فی أوائل سنة أربع و ستین من الهجرة بأمر یزید بن معاویة کما سیجی‌ء فی الموطن الثانی فی خلافة عبد اللّه بن الزبیر روی أن أوّل حجر منها لما وقع علی الکعبة سمع لها أنین کأنین الریض آه آه و مما أصابها من ذلک من الحریق بسبب النار التی أوقدها بعض أصحاب ابن الزبیر فی خیمة له فصارت الریاح تلهب تلک النار فأحرقت کسوة الکعبة و الساج الذی جعل فی سافات جدارها حین عمرتها قریش فضعفت جدران الکعبة حتی انها لتنقضّ من أعلاها الی أسفلها و یقع الحمام علیها فتتناثر حجارتها و لما زال الحصار عن ابن الزبیر لأدبار الحصین بن نمیر من مکة بعد أن بلغه خبر موت یزید بن معاویة رأی ابن الزبیر أن یهدم الکعبة و یبنیها فوافقه علی ذلک نفر قلیل منهم جابر بن عبد اللّه و جبیر بن عمیر و کره ذلک نفر کثیر منهم عبد اللّه بن عباس و لما أجمع علی هدمها خرج کثیر من أهل مکة الی منی فأقاموا بها ثلاثا مخافة أن یصیبهم عذاب بسبب هدمها و أمر ابن الزبیر جماعة من الحبشة فهدمتها رجاء أن یکون فیهم الذی أخبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنه یهدمها فهدمت الکعبة أجمع حتی بلغت الارض و کان هدم ابن الزبیر لها یوم السبت النصف من جمادی الآخرة سنة أربع و ستین* و فی روایة لما أمر ابن الزبیر بهدمها ما اجترأ علی ذلک أحد فلما رأی ذلک علاها هو بنفسه و أخذ المعول و جعل یهدمها و یرمی أحجارها فلما رأوا أنه لا یصیبه شی‌ء اجترءوا فصعدوا و هدموا حتی بلغوا الاساس الاوّل فقال لهم زیدوا فقالوا قد رأینا صخورا معمولة أمثال الابل الخلف قال یزید بن رومان شهدت ابن الزبیر حین هدمه و بناه و أدخل فیه من الحجر و قد رأیت أساس ابراهیم کأسنمة الابل فقال ابن الزبیر زیدوا و احفروا فلما زادوا بلغوا هواء من نار تلقاهم فقال ما لکم قالوا لسنا نستطیع أن نزید رأینا أمرا عظیما فقال لهم ابنوا علیه قال عطاء یرون أن ذلک الصخر من بناء آدم علیه السلام* و فی العرائس هدم عبد اللّه بن الزبیر الکعبة حتی ساواها بالارض و کان الناس یطوفون بها من وراء الاساس و یصلون الی موضعها و جعل الحجر الاسود فی صندوق عنده و قفل علیه و کان قد تصدّع و انکسر بثلاث فرق من الحریق الذی أصاب الکعبة فانشطت منه شطیة کانت عند بعض آل شیبة بعد ذلک بدهر طویل فشدّه ابن الزبیر بالفضة الا تلک الشطیة من أعلاه بین موضعها فی أعلی الرکن فلما بلغ البناء موضع الرکن جاء ابن الزبیر حتی وضعه بنفسه و قیل وضعه ابنه عیاد و شدّه بالفضة و ذکر الازرقی ان عبد اللّه بن الزبیر أمر ابنه عبادا و جبیر بن شیبة أن یجعلا الرکن فی ثوب واحد و یخرجانه و هو یصلی بالناس فی صلاة الظهر فی یوم شدید الحرّ لئلا یعلم الناس بذلک فیتنافسوا فی وضعه فیه ففعلا ذلک و قیل وضعه حمزة بن عبد اللّه بن الزبیر بأمر أبیه* و فی تاریخ الازرقی کان ابن الزبیر ربط الرکن الاسود بالفضة لما أصابه من الحریق و کانت الفضة قد تزلزلت و تقلقلت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:117
حول الحجر حتی خافوا علیه أن ینقض فلما اعتمر هارون الرشید و جاور فی سنة تسع و ثمانین و مائة أمر بالحجارة التی هی بینها و بین الحجر الاسود فثقبت بالماس من فوقها و من تحتها ثم أفرغ فیها الفضة کذا فی شفاء الغرام و جعل لها بابین شرقیا و غربیا یدخل من الشرقی و یخرج من الغربی و بناها علی قواعد ابراهیم و أدخل فیها ما نقصته قریش من الحجر و زاد فی طولها فی السماء تسعه أذرع أخری فضار ارتفاعها سبعا و عشرین ذراعا و لم تزل کذلک حتی قتل ابن الزبیر و لما فرغ من بنائها خلقها من داخلها و خارجها و من أعلاها الی أسفلها بالمسک و العنبر* و فی إیضاح المناسک أن ابن الزبیر خلق حول الکعبة کله و عن عائشة لأن أطیب الکعبة أحب الیّ من أن أهدی لها ذهبا أو فضة و کساها القباطی و الدیباج و قال من کانت لی علیه طاعة فلیخرج و لیعتمر من التنعیم فمن قدر علی أن ینحر بدنة فلیفعل و من لم یقدر فلیذبح شاة و من لم یقدر فلیتصدّق بقدر قدرته و خرج ماشیا و خرج الناس معه مشاة حتی اعتمروا من التنعیم شکرا للّه تعالی و لم یر یوم أکثر عتیقا و لا أکثر بدنة منحورة و لا شاة مذبوحة و لا صدقة منه فی ذلک الیوم و نحر ابن الزبیر مائة بدنة* و أما بناء الحجاج ابن یوسف الثقفی فما روی أنه بناها بأمر عبد الملک بن مروان حین أرسله الی حرب عبد اللّه بن الزبیر فحاصره الحجاج بمکة و قتله و صلبه بالحجون سنة أربع و سبعین و ولی الحجاج الحجاز من قبل عبد الملک بن مروان کذا فی العرائس و سیجی‌ء فی الفصل الثانی من الموطن الاوّل و أن الحجاج بعد ما حاصر ابن الزبیر و ظفر به کتب الی عبد الملک بن مروان یخبره أن ابن الزبیر زاد فی الکعبة ما لیس منها و أحدث فیها بابا آخر و استأذنه فی ردّ ذلک علی ما کانت علیه فی الجاهلیة فکتب إلیه عبد الملک أن یسدّ بابها الغربی و یهدم ما زاد فیها ابن الزبیر من الحجر ففعل ذلک الحجاج فبناؤه فی الکعبة الجدار الذی من جهة الحجر بسکون الجیم و الباب الغربی المسدود فی ظهر الکعبة عند الرکن الیمانی و ما تحت عتبة الباب الشرقی و هو أربعة أذرع و شبر علی ما ذکره الازرقی و ترک بقیة الکعبة علی بناء ابن الزبیر و کان ذلک فی سنة أربع و سبعین من الهجرة علی ما ذکره ابن الاثیر کذا فی شفاء الغرام* و فی العرائس فنقض الحجاج بنیان الکعبة الذی بناه ابن الزبیر بأمر عبد الملک و أعادها الی بنائها الاوّل بمشهد من مشایخ قریش فهی الیوم علی ما بناه الحجاج*

عدّة بناء الکعبة

و فی البحر العمیق اعلم أن الکعبة بنیت سبع مرّات الاولی بناء الملائکة أو آدم علی الخلاف الثانیة بناء ابراهیم الثالثة بناء العمالقة الرابعة بناء جرهم الخامسة بناء قریش قبل الاسلام بخمسة أعوام و قد حضر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هذا البناء السادسة بناء عبد اللّه بن الزبیر السابعة بناء الحجاج بن یوسف الثقفی و هو الذی من ناحیة حجر اسماعیل الذی هو موجود الیوم* و فی شفاء الغرام لا شک أن الکعبة بنیت مرارا و قد اختلف فی عدد بنائها و یتحصل من مجموع ما قیل فیه أنها بنیت عشر مرّات منها بناء الملائکة و منها بناء آدم و منها بناء أولاده و منها بناء ابراهیم و منها بناء العمالیق و منها بناء جرهم و منها بناء قصیّ بن کلاب و منها بناء قریش و منها بناء ابن الزبیر و منها بناء الحجاج و وجدت بخط عبد اللّه بن عبد الملک المرجانی ان عبد المطلب جدّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بنی الکعبة بعد قصیّ و قبل بناء قریش و لم أر ذلک لغیره و أخشی أن یکون ذلک و هما و اللّه أعلم* و فی تشویق الساجد أن الحجاج هدم الکعبة و بناها و لم یغیر طولها فی السماء و نقص طولها فی الارض مما یلی الحجر منها ستة أذرع و فی روایة سبعة أذرع ترکها فی الحجر و بناها علی أساس قریش فالدرجة التی فی بطنها الیوم و البابان اللذان علیها الیوم هما من عمل الحجاج قال و استمرّت الکعبة الی یومنا هذا علی بناء الحجاج و سیبقی هذا البناء الی أن تخربها الحبشة و تقلعها حجرا حجرا کما ورد فی الحدیث و فی خبر آخر تجی‌ء الحبشة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:118
و یخربونها خرابا لا تعمر بعده أبدا و هم الذین یستخرجون کنزه أخرجه الحاکم فی مستدرکه* و فی المستدرک أیضا أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال لیحجن هذا البیت و لیعتمرن بعد خروج یأجوج و مأجوج قال العلماء لا یغیر هذا البناء و یروی أن الخلیفة هارون الرشید و قیل أبوه المهدی و قیل جدّه المنصور أراد أن یغیر ما صنعه الحجاج فی الکعبة و أن یردّها الی ما صنع ابن الزبیر فنهاه عن ذلک الامام مالک بن أنس و قال نشدتک اللّه یا أمیر المؤمنین لا تجعل بیت اللّه ملعبة للملوک لا یشاء أحد منهم أن یغیره الا غیره أو قال الا نقضه و بناه فتذهب هیبته من قلوب الناس کذا فی شفاء الغرام*

نقل الحجر الاسود

و ذکر أهل التاریخ أن عبد اللّه أبا طاهر القرمطی و هو منسوب الی رجل یقال له حمدان قرمط و هی احدی قری واسط و سیجی‌ء فی الخاتمة فی خلافة المقتدر باللّه وافی مکة فی سابع ذی الحجة و قیل فی ثامنه سنة سبع عشرة و ثلاثمائة فی خلافة المقتدر باللّه و فعل فیها هو و أصحابه أمورا منکرة منها أن بعضهم ضرب الحجر الاسود بدبوس فکسره ثم قلعه و قیل قلعه جعفر بن علاج البناء بأمر أبی طاهر یوم الاثنین بعد الصلاة لاربع عشرة لیلة خلت من ذی الحجة من السنة المذکورة و قلع الباب و أصعد رجلا من أصحابه لیقلع المیزاب فتردی و مات و أخذ اسلاب اهل مکة و الحجاج و انصرف و معه الحجر الاسود و علقه علی الاسطوانة السابعة من الجانب الغربی من جامع الکوفة ظنا منه أن الحج ینتقل الی الکوفة ثم حمل الی بلاد هجر و بقی عند القرامطة اثنین و عشرین سنة الا أربعة أیام کذا قال المسیحی و قیل إلّا شهرا و قیل ثمانیة و عشرین سنة* و فی العرائس قلع القرمطی صاحب البحرین لعنه اللّه الحجر الاسود عام أوقع بالحجیج بمکة فذهب به مع أسری من الحجاج الی البحرین و کان الامیر یحکم الترکی مدبرا للخلافة ببغداد بذل للقرمطی خمسین ألف دینار لیردّه فأبوا و قالوا أخذناه بأمر و لا نردّه الا بأمر* و قیل ان المطیع للّه العباسی اشتراه بثلاثین ألف دینار من القرامطة کذا قال ابن جماعة فی منسکه و فیه نظر لان أبا طاهر مات قبل خلافة المطیع فی سنة اثنین و ثلاثین و ثلاثمائة علی ما ذکره ابن الاثیر و غیره و قیل ان أبا طاهر باعه من المقتدر باللّه بثلاثین ألف دینار و أعید الی موضعه من البیت فی خلافة المطیع للّه لخمس خلون من ذی الحجة سنة تسع و ثلاثین و ثلاثمائة و بقی موضع الحجر الاسود من الکعبة خالیا مدّة بقائه عند القرامطة یضع الناس فیه أیدیهم للتبرّک الی حین ردّ الی موضعه من الکعبة المعظمة و ذلک فی یوم الثلاثاء یوم النحر سنة تسع و ثلاثین و ثلاثمائة علی ما ذکره المسیحی روی أنه لما أخذه القرمطی هلک تحته أربعون جملا و لما أعید أنفذ علی قعود أعجف فسمن تحته و زاد جسمه الی مکة و ذکر المسیحی أن الذی وافی به مکة سنبر ابن الحسن القرمطی و ان سنبر لما صار بفناء الکعبة و معه أمیر مکة أظهر الحجر من سفط و علیه ضبات من فضة و قد عملت من طوله و من عرضه تضبط شقوقا حدثت علیه بعد انقلاعه و أحضر معه جصا لیشدّ به فوضع سنبر الحجر بیده و شدّه الصانع بالجص و قال سنبر لما ردّه أخذناه بقدرة اللّه و رددناه بمشیئة اللّه تعالی و نظر الناس الی الحجر فتنافسوه و قبلوه و استلموه و حمدوا اللّه تعالی و کان ردّ الحجر الی موضعه قبل حضور الناس لزیارة الکعبة یوم النحر و سیجی‌ء فی الخاتمة فی خلافة المقتدر باللّه و أما ما صنعه الحجبة بالحجر الاسود بأثر ردّ القرمطی له فذکر المسیحی أنه فی سنة أربعین و ثلاثمائة قلع الحجبة الحجر الاسود الذی نصبه سنبر و جعلوه فی الکعبة خوفا علیه و أحبوا أن یجعلوا له طوقا من فضة یشدّ به کما کان قدیما حین عمله ابن الزبیر فأخذ فی اصلاحه صانعان صادقان فعملا له طوقا من فضة و أحکماه و نقل المسیحی عن محمد بن نافع الخزاعی أن مبلغ ما علی الحجر الاسود من الطوق و غیره ثلاثة آلاف و سبعمائة و تسعون درهما و نصف علی ما قیل انتهی و هذه الحلیة غیر حلیة الحجر الاسود الآن لان داود بن عیسی الحسنی أمیر مکة أخذ طوق الحجر الاسود قبل عزله من مکة فی سنة خمس و ثمانین و خمسمائة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:119
علی ما ذکره أبو شامة و غیره و لم أتحقق أن الحجر الاسود قلع من موضعه بعد ردّ القرامطة له الی یومنا هذا غیر أن بعض الفقهاء المصریین أخبرنی أن الحجر قلع من موضعه سنة احدی و ثمانین و سبعمائة و أما ما أصاب الحجر الاسود بعد فتنة القرامطة له من بعض الملاحدة مثلهم فذکر أبو عبد اللّه محمد بن علی بن عبد الرحمن أنه فی سنة ثلاث عشرة و أربعمائة یوم النفر الاوّل قام رجل فقصد الحجر الاسود فضربه ثلاث ضربات بدبوس فتشقق وجه الحجر من تلک الضربات و تساقطت منه شطایا مثل الاظفار و خرج مکسره أسمر یضرب الی الصفرة محببا مثل الخشخاش فأقام الحجر علی ذلک یومین ثم ان بنی شیبة جمعوا الفتات و عجنوها بالمسک و اللک و حشوا الشقوق و طلوها بطلاء من ذلک و ذکر ابن الاثیر هذه الحادثة فی أخبار سنة أربع عشرة و أربعمائة ثم بعث الولید بن عبد الملک الی والیه علی مکة خالد بن عبد اللّه القشیری بستة و ثلاثین ألف دینار فضرب منها علی باب الکعبة صفائح الذهب و علی میزاب الکعبة و علی الاساطین التی فی بطنها و علی الارکان التی فی جوفها فکل ما علی الارکان و المیزاب من الذهب فهو من عمل الولید و هو أوّل من ذهب البیت فی الاسلام و أما ما کان علی الباب من عمل الولید فبقی کذلک الی أن رق و تفرّق فرفع ذلک للمعتصم محمد بن الرشید فی خلافته فأرسل الی سالم بن الجرّاح عامله علی مکة بثمانیة عشر ألف دینار لیضرب بها صفائح علی باب الکعبة فقلع ما کان علی الباب من الصفائح و زاد علیه الثمانیة عشر ألف دینار فضرب الصفائح التی علیه الیوم و حلقتا الباب و العتبة کلها من عمل أمیر المؤمنین المعتصم محمد بن الرشید فالذی علی الباب من الذهب ثلاثة و ثلاثون ألف مثقال و عمل للولید بن عبد الملک الرخام الاخضر و الابیض و الاحمر فی بطنها مؤزرا به جدرانها و فرشها بالرخام فجمیع ما فی الکعبة من الرخام هو من عمل الولید بن عبد الملک و هو أوّل من فرشها بالرخام و أزّر به جدرانها و هو أوّل من زخرف المساجد*

أوّل من کسا الکعبة

قال الازرقی قال ابن جریج کان تبع أوّل من کسا البیت کسوة کاملة أری فی المنام أن یکسوها فکساها الایطاع ثم أری أن یکسوها فکساها الوصائل و هی ثیاب مخططة یمانیة کذا فی الصحاح* و فی إیضاح النووی الوصائل ثیاب حبرة من عصب الیمن* و فی الوفاء اسم تبع الذی کسا الکعبة أسعد* و فی شفاء الغرام کسیت الکعبة فی الجاهلیة و الاسلام أنواعا من الکساء منها الخصف و المغافر و الملاء و الوصائل و العصب کساها کلها تبع الحمیری و کان مؤمنا و قد سبق ذکره و کساها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثیابا یمانیة و کساها أبو بکر و عمرو عثمان قباطی من مصر و کساها معاویة و ابن الزبیر رضی اللّه عنهم و من بعدهم کذا روی الازرقی و کانت تکسی یوم عاشوراء ثم صار معاویة یکسوها فی السنة مرّتین ثم کان المأمون یکسوها ثلاث مرّات فیکسوها الدیباج الاحمر یوم الترویة و القباطی یوم هلال رجب و الدیباج الابیض یوم سبع و عشرین من رمضان و هذا الابیض ابتدأه المأمون سنة ست و مائتین حین قالوا له الدیباج الاحمر یتخرّق قبل الکسوة الثانیة فسأل عن أحسن ما تکون الکعبة فیه قیل الدیباج الابیض ففعله و کان عبد اللّه بن الزبیر یجمر الکعبة کل یوم برطل من الطیب و یوم الجمعة برطلین و أجری معاویة للکعبة الطیب لکل صلاة و أجری الزیت لقنادیل المسجد الحرام من بیت المال*

ذرع الکعبة

و فی تشویق الساجد أما ذرع الکعبة الشریفة و ذرع ما بین الارکان و غیرهما فاعلم أن الذراع أربع و عشرون أصبعا مضمومة سوی الابهام بعدد حروف لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه و الاصبع ست شعیرات و الشعیرة ست شعرات من شعر البغل و ذرع الکعبة الشریفة الیوم ارتفاعها الی السماء سبعة و عشرون ذراعا و ربع ذراع و من الرکن الاسود الی الرکن العراقی ثلاثة و عشرون ذراعا و ربع ذراع و من الرکن العراقی الی الرکن الشامی اثنان و عشرون ذراعا و من الرکن الشامی الی الرکن الیمانی أربعة و عشرون ذراعا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:120
و شبر و الشبر اثنا عشر أصبعا و من الرکن الیمانی الی الرکن الاسود أحد و عشرون ذراعا و شبر* و فی إیضاح النووی الکعبة الیوم طولها فی السماء سبعة و عشرون ذراعا و أما طولها فی الارض و هو ما بین الرکن الاسود و الرکن العراقی الذی یلی باب الحجر الذی یلی المقام فخمسة و عشرون ذراعا و بین الیمانی و الغربی کذلک و أما عرضها و هو ما بین الرکنین الیمانی و الاسود فعشرون ذراعا و بین الشامی و الغربی أحد و عشرون ذراعا* قال العبد الضعیف حسین بن محمد الدیار بکری غفر اللّه لهما أنا لما ذرعت بین أرکان الکعبة الشریفة و غیرها فی شوّال سنة احدی و ثلاثین و تسعمائة وجدت بعضها مخالفا لما فی التشویق و الایضاح فوجدت بین الرکن الاسود و العراقی أربعة و عشرین ذراعا و نصف ذراع مخالفا لما فی الکتابین معا و بین العراقی و الغربی أحدا و عشرین ذراعا موافقا لما فی الایضاح و بین الغربی و الیمانی خمسة و عشرین ذراعا کما فی الایضاح أیضا و بین الیمانی و الاسود أحدا و عشرین ذراعا و سبع أصابع مخالفا لما فی الکتابین معا* و فی تشویق الساجد و عرض جدار الکعبة ذراعان و لها سقفان أحدهما فوق الآخر و فیها ثلاثة أعمدة مصطفة علی طولها کلها من خشب الساج و عرض الباب أربعة أذرع و ارتفاع الباب و طوله الی السماء ستة أذرع و عشرة أصابع و الباب فی الجدار الشرقی و الباب من خشب الساج مضبب بصفائح من الفضة و عرض سطح الکعبة ثمانیة عشر ذراعا فی خمسة عشر ذراعا و المیزاب فی وسط الجدار الذی یلی الحجر و عرض الملتزم و هو ما بین الباب و الحجر الاسود أربعة أذرع و ارتفاع الحجر الاسود من الارض ثلاثة أذرع إلّا سبعة أصابع و عرض القدر الذی یری منه شبر و أربعة أصابع مضمومة* قال حسین بن محمد أنا وجدت عرض الملتزم أربعة أذرع و ستة أصابع و ارتفاع ما تحت عتبة الباب من الارض أربعة أذرع و ثلاثة أصابع و عرض المستجار و هو ما بین الرکن الیمانی الی الباب المسدود فی ظهر الکعبة مقابلا للملتزم أربعة أذرع و خمسة أصابع و یسمی ذلک الموضع مستجارا من الذنوب و عرض الباب المسدود ثلاثة أذرع و نصف ذراع* و فی الایضاح و أما الحجر فهو محوط مدوّر علی صورة نصف دائرة و هو خارج من جدار البیت فی صوب الشام و هو کله أو بعضه من البیت ترکته قریش حین بنت البیت و أخرجته عن بناء ابراهیم و صار له جدار قصیر و روی عن عائشة رضی اللّه عنها أنها نذرت ان فتح اللّه تعالی مکة علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تصلی فی البیت رکعتین فلما فتحت مکة أخذ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بیدها و أدخلها الحطیم و قال صلّی هاهنا فان الحطیم من البیت الا أن قومک قصرت بهم النفقة فأخرجوه من البیت و لو لا حدثان عهد قومک بالجاهلیة لنقضت بناء الکعبة و أظهرت قواعد الخلیل و أدخلت الحطیم فی البیت و ألصقت العتبة بالارض و جعلت له بابین شرقیا و غربیا و لئن عشت الی قابل لأفعلنّ ذلک و لم یعش و لم یفرغ لذلک الخلفاء الراشدون حتی کان فی زمن عبد اللّه بن الزبیر و کان سمع الحدیث من عائشة ففعل ذلک و أظهر قواعد الخلیل بمحضر من الناس و أدخل الحطیم فی البیت فلما قتل کره الحجاج أن یکون بناء البیت علی ما فعله ابن الزبیر فنقض بناء البیت و أعاده علی ما کان فی الجاهلیة کذا فی شرح الوقایة* قال الازرقی فی تاریخ مکة الحجر ما بین الرکن الشامی و الغربی و أرضه مفروشة برخام و هو مستو بالشاذروان الذی تحت ازار الکعبة و عرضه من جدار الکعبة الذی تحت المیزاب الی جدار الحجر سبعة عشر ذراعا و ثمانیة أصابع و ذرع ما بین بابی الحجر عشرون ذراعا و ذرع جداره من داخله فی السماء ذراع و أربعة عشر أصبعا و ذرعه مما یلی الباب الذی یلی المقام ذراع و عشرون أصبعا و ذرعه من خارجه مما یلی الرکن الشامی ذراع و ستة عشر أصبعا و طوله فی وسطه فی السماء ذراعان و ثلاثة أصابع و عرض الجدار ذراعان الا إصبعین و ذرع تدویر الحجر من داخله ثمانیة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:121
و ثلاثون ذراعا و من خارجه أربعون ذراعا و ستة أصابع و طول الشاذروان فی السماء ستة عشر أصبعا و عرضه ذراع و ذرع طوفة واحدة حول الکعبة و الحجر مائة ذراع و ثلاثة و عشرون ذراعا و اثنا عشر أصبعا أقول و ما ذرعته مخالف لبعض هذا أیضا و سیجی‌ء و أما الشاذر و ان فهو الاحجار اللاصقة بجدار الکعبة علیها البناء المسنم القصیر المرخم من جوانبها الثلاثة الشرقی و الغربی و الیمانی و بعض حجارة الجانب الشرقی لا بناء علیه و هو شاذر و ان أیضا و أما الاحجار اللاصقة بجدار الکعبة التی تلی الحجر فلیس بشاذر و ان لان موضعها من الکعبة بلا ریب کذا فی شفاء الغرام* قال العبد الضعیف حسین بن محمد الدیار بکری أنا ذرعت ذلک فوجدت طول الشاذر و ان فی السماء فی بعض المواضع ذراعا و ستة أصابع و فی بعضها ذراعا و أربعة أصابع و عرضه فی بعض المواضع اثنین و عشرین اصبعا و فی بعضها ثمانیة عشرا صبعا و الشاذر و ان لیس من الکعبة عند الائمة الحنفیة بل هو عارض ملصق بأصل الجدار لاحکامه و من البیت عند الائمة الشافعیة و هو المقدار الذی ترک من عرض الاساس خارجا من الجدار خالیا عن البناء الطویل فان قریشا لما رفعت الاساس بمقدار ثلاثة أصابع من وجه الارض نقصوا عرض الجدار عن الاساس و أما خبر عمارة الحجر فروی أن المنصور العباسی لما حج دعا زیاد بن عبید اللّه الحارثی أمین مکة فقال انی رأیت الحجر حجارته بادیة فلا أصبحنّ حتی یصیر جدار الحجر بالرخام فدعا زیاد بالعمال فعملوا علی السراج قبل أن یصبح و کان قبل ذلک مبنیا بحجارة بادیة لیس علیه رخام و کان ذلک فی سنة احدی و أربعین و مائة ثم ان المهدی بعد ذلک فی سنة احدی و ستین و مائة جدّد رخامه برخام حسن قال صاحب شفاء الغرام لم یذکر الازرقی السنة التی أمر فیها المنصور بعمل رخامه* قال العبد الضعیف مؤلف الکتاب حسین بن محمد الدیار بکری عفا اللّه عنه و عن أسلافه لما ذرعت وجدت عرض الحجر من تحت ازار الکعبة الی جدار الحجر سبعة عشر ذراعا و سبعة عشر أصبعا و ما بین بابی الحجر عشرین ذراعا و تسعة عشر أصبعا و عرض کل من بابی الحجر خمسة أذرع و أربعة عشر أصبعا و وجدت ارتفاع جدار الحجر من الارض ذراعین و ثمانیة أصابع و عرض جدار الحجر ذراعین و أحدا و عشرین أصبعا و وجدت ذرع تدویر جدار الحجر من داخله أربعة و ثلاثین ذراعا و سبعة عشر أصبعا و من خارجه أربعة و أربعین ذراعا و أربعة أصابع فذرع طوفة واحدة حول الکعبة و الحجر علی ما ذرعه مائة و سبعة و أربعون ذراعا و ثلاثة أصابع* و فی شفاء الغرام من فضائل الحطیم أن فیه قبر تسعة و تسعین نبیا عن عبد اللّه بن ضمرة السلولی یقول ما بین الرکن الی المقام الی زمزم قبر تسعة و تسعین نبیا جاء و احجاجا فقبضوا هناک* و عن محمد بن سائط عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من الأنبیاء اذا هلکت أمته لحق بمکة فیعبد اللّه تعالی فیها حتی یموت فمات بها نوح و هود و صالح و شعیب علیهم السلام و قبورهم بین زمزم و الحجر* و فی العمدة فی الحدیث ما من نبیّ هرب من قومه الا هرب الی مکة فیعبد اللّه فیها حتی یموت فمات بها نوح و هود و صالح و شعیب ذکر الازرقی خبرا یقتضی أن یکون فی الحطیم قبر تسعین نبیا قال مقاتل فی المسجد الحرام بین زمزم و الرکن قبر تسعین نبیا منهم هود و صالح و اسماعیل و قبر آدم و ابراهیم و اسحاق و یعقوب و یوسف علیهم السلام فی بیت المقدس عن ابن اسحاق قال کان من حدیث جرهم و بنی اسماعیل لما توفی اسماعیل دفن فی الحجر مع أمه و زعموا أنها فیه دفنت حین ماتت قال المسعودی قبض اسماعیل و له من العمر مائة و سبع و ثلاثون سنة و دفن فی المسجد الحرام جیال الموضع الذی فیه الحجر الاسود کذا فی شفاء الغرام و طول الحفیرة المرخمة الملاصقة للکعبة فی المطاف من جهة الشرق ثمانیة أشبار و سبعة أصابع مضمومة روی أنّ الفقیه اسماعیل الحضرمی لما حج الی مکة سأل الشیخ محب الدین الطبری عن الحفیرة الملاصقة للکعبة فی المطاف فأجاب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:122
الشیخ محب الدین بأن الخفیرة مصلی جبریل بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و قال الشیخ عز الدین بن عبد السلام الحفیرة الملاصقة للکعبة بین الباب و الحجر هی المکان الذی صلّی فیه جبریل علیه السلام بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الصلوات الخمس فی الیومین حین فرضها اللّه علی أمته قال القاضی عز الدین ابن جماعة فی مناسکه الکبری و لم أر ذلک لغیره و فیه بعد لان ذلک لو کان صحیحا لنبهوا علیه بالکتابة فی الحفیرة و لما اقتصروا علی التنبیه علی من أمر بعمل المطاف انتهی کلامه و لیس هذا بلازم لانه یحتمل أن یکون الامر کما قال عز الدین بن عبد السلام و لا یلزم التنبیه بالکتابة علیه و الشیخ عز الدین ناقل و هو حجة علی من لم ینقل کذا فی البحر العمیق و أما مقام ابراهیم علیه السلام فقال عز الدین بن جماعة و حرّرت لما کنت بمکة سنة ثلاث و خمسین و سبعمائة مقدار ارتفاع المقام من الارض فکان نصف ذراع و ربع ذراع و ثمن ذراع بالذراع المستعمل فی زماننا بمصر فی القماش و أعلی المقام مربع من کل جهة نصف ذراع و ربع ذراع و موضع عرض القدمین فی المقام ملبس بفضة و عمقه من فوق الفضة سبعة قراریط و نصف قیراط من ذراع القماش و المقام یومئذ فی صندوق من حدید حوله شباک من حدید و عرض الشباک عن یمین المصلی و یساره خمسة أذرع و ثمن ذراع و طوله الی جهة الکعبة خمسة أذرع إلا قیراطین و خلف الشباک المصلی و هو محوز بعمودین من حجارة و حجرین من جانبی المصلی و طول المصلی خمسة أذرع و سدس ذراع و من شباک الصندوق الذی هو داخل المقام الی شاذروان الکعبة عشرون ذراعا و ثلثا ذراع و ثمن ذراع کل ذلک بالذراع المتقدّم ذکره انتهی کلام ابن جماعة کذا فی البحر العمیق و من الحجر الاسود الی المقام سبعة و عشرون ذراعا و فی السروجی تسعة و عشرون ذراعا و بین المقام و بین الصفا مائة و أربع و ستون ذراعا و ذرع بئر زمزم من أعلاها الی أسفلها أعنی عمقها سبع و ستون ذراعا و عرض رأس البئر أربعة أذرع و من الکعبة الی بئر زمزم ثلاث و ثلاثون ذراعا و ما بین المقام الی بئر زمزم احد و عشرون ذراعا و أما عرض البلاط المفروش بالمطاف فمن صوب المشرق و باب السلام من شباک مقام ابراهیم الی شاذر و ان الکعبة مقابلا له أربع و أربعون قدما و من صوب الشمال و المقام الحنفی من طرف المطاف الی جوار الحجر مقابلا له ثمان و أربعون قدما و من صوب المغرب و المقام المالکی من طرف المطاف الی شاذر و ان الکعبة خمس و ستون قدما و هو أبعد الجوانب من الکعبة و من صوب الجنوب و المقام الحنبلیّ من طرف المطاف الی الشاذروان الذی تحت الحجر الاسود سبع و أربعون قدما*

مقامات الائمة و مصلاهم‌

و أما مقامات الائمة الاربعة و مصلاهم فمقام الشافعی من صوب المشرق مستقبلا الی وجه الکعبة خلف مقام ابراهیم و أما مقام الحنفی فمن جهة الشمال مستقبلا الی المیزاب و هو قبلة أهل المدینة و أما مقام المالکی فمن جهة المغرب و أما مقام الحنبلیّ فمن جهة الجنوب و أبی قبیس مستقبلا الی الحجر الاسود و المقامات الاربع المذکورة کلها وراء المطاف و خلف بئر زمزم قبة الفرّاشین و الشموع و خلف قبة الفرّاشین قبة أخری و هی سقایة العباس* و أما المسجد الحرام فکان فناء حول الکعبة للطائفین و لم یکن له علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبی بکر رضی اللّه عنه جدار یحیط به و انما کانت الدور محدقة به و بین الدور أبواب یدخل الناس منها من کل ناحیة فلما استخلف عمر بن الخطاب و کثر الناس وسع المسجد و اشتری دورا فهدمها و أدخلها فیه ثم أحاط علیه جدارا قصیرا دون القامة و کانت المصابیح توضع علیه فکان عمر أوّل من اتخذ الجدار للمسجد الحرام ثم لما استخلف عثمان ابتاع المنازل فی سنة ست و عشرین و وسع الحرم بها أیضا و بنی المسجد و الاروقة فکان عثمان أوّل من اتخذ للمسجد الحرام الاروقة ثم ان عبد اللّه بن الزبیر زاد فی المسجد زیادة کثیرة و اشتری دورا من جملتها بعض دار الازرقی اشتری ذلک ببضع عشرة ألف دینار و أدخلها فیه ثم عمره
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:123
بعده عبد الملک بن مروان و لم یزد فیه لکن رفع جدار المسجد و سقفه بالساج المزخرف و عمره عمارة حسنة ثم ان الولید بن عبد الملک وسع المسجد و حمل إلیه أعمدة الحجارة و الرخام ثم ان المنصور زاد فی المسجد فی شقه الشامی و بناه و جعل فیه أعمدة الرخام ثم زاد المهدی بعده مرّتین احداهما بعد سنة ستین و مائة و الثانیة سنة سبع و ستین و مائة الی سنة تسع و ستین و مائة و فیها توفی المهدی و استقرّ بناؤه الی یومنا هذا و کانت الکعبة فی جانب من المسجد فأحب أن تکون فی الوسط فاشتری الدور من الناس و وسطها کذا ذکره النووی فی الایضاح و فی البحر العمیق زیادة المهدی الزیادة التی تلی دار الندوة* و فی البحر العمیق حج المهدی أمیر المؤمنین سنة ستین و مائة و أمر بأساطین الرخام فنقلت فی السفن من الشام حتی أنزلت بجدّة ثم جرت علی العجل من جدّة الی مکة و جعلت أساطین* و فی البحر العمیق عن أبی هریرة قال انا لنجد فی کتاب اللّه تعالی أن حدّ المسجد الحرام من الحزورة الی المسعی* و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال أساس المسجد الحرام الذی وضعه ابراهیم علیه السلام من الحزورة الی المسعی الی مخرج سیل أجیاد قال و المهدی وضع المسجد علی المسعی* و عن عطاء بن أبی رباح المسجد الحرام الحرم کله و أما طول المسجد الحرام فهو من باب بنی شیبة المشهور بباب السلام فی الجدار الشرقی للمسجد الی باب العمرة فی الجدار الغربی فأربعمائة ذراع و أربعة أذرع کذا فی البحر العمیق فذلک مائتان و ثمانون خطوة و أما عرضه و هو من باب بنی مخزوم المشهور بباب الصفا فی الجدار الجنوبی للمسجد الی الجدار الاصلی له فی جهة الشمال الذی عند باب دار الندوة فثلاثمائة ذراع و أربعة أذرع کذا فی البحر العمیق فذلک مائتان و ست خطوات و فی السروجی ثلاثمائة ذراع و عشرة أذرع و اللّه أعلم*

(ذکر عدد أبواب المسجد الحرام)

* فی البحر العمیق عدد أبوابه الیوم تسعة عشر بتقدیم التاء علی السین تنفتح علی ثمانیة و ثلاثین مدخلا فی جدرانه الاربع أما أبوابه فی جداره الشرقی فأربعة* الاوّل باب بنی شیبة و یقال له باب السلام و باب بنی عبد شمس بن عبد مناف و به کان یعرف فی الجاهلیة و الاسلام عند أهل مکة و فیه ثلاثة مداخل قال الازرقی و هو الذی کان یدخل منه الخلفاء* النانی باب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و یعرف الیوم بباب الجنائز و انما قیل له باب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان یخرج منه الی بیت خدیجة رضی اللّه عنها و فیه مدخلان* الثالث باب العباس بن عبد المطلب و عنده علم المسعی من خارج و فیه ثلاثة مداخل و سماه صاحب النهایة و ابن الحاج باب الجنائز و لعله کانت یصلی علیها فیه* الرابع باب علی و فیه ثلاثة مداخل* و أما أبوابه فی جداره الجنوبی فسبعة* الاوّل باب بنی عائد و یقال له الیوم باب بازان و فیه مدخلان* الثانی باب بنی سفیان بن الاسد و یقال له الیوم باب البغلة و فیه مدخلان و سماه صاحب النهایة باب الحناطین* الثالث باب بنی مخزوم و یقال له الیوم باب الصفا و فیه خمسة مداخل* الرابع باب أجیاد الصغیر و فیه مدخلان* الخامس باب المجاهدیة و فیه مدخلان و یقال له باب الرحمة و هو من أبواب بنی مخزوم و کذا باب أجیاد الصغیر کذا ذکره الازرقی فیهما* السادس باب مدرسة الشریف عجلان بن رمیثة و فیه مدخلان و یقال له باب بنی تمیم و سماه صاحب النهایة باب العلافین* السابع باب أمّ هانئ بنت أبی طالب و فیه مدخلان و هذا الباب مما یلی دور بنی عبد شمس و بنی مخزوم و یقال لهذا الباب باب الملاعبة و یقال له باب العرج علی ما وجد بخط الاقشهری و سماه صاحب النهایة باب أبی جهل* و أما أبوابه فی جداره الغربی فثلاثة الاوّل باب الحزورة و هو الذی یلی المنارة التی تلی أجیاد الکبیر سمی باب الحزورة باسم أمة لرجل یقال له وکیع بن سلمة و کان إلیه أمر البیت فبنی فیه ضریحا جعل فیه أمة یقال لها حزورة کذا فی شفاء الغرام و سیجی‌ء ذلک فی ذکر ظهور زمزم و عامة أهل مکة یسمونه باب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:124
عزورة بالعین و انما هی بالحاء المهملة و فیه مدخلان قال الازرقی و یقال له باب حکیم بن حزام و بنی الزبیر بن العوّام و الغالب علیه باب الحزامیة* الثانی باب ابراهیم و کان فیه فی الزمن السابق مدخلان أحدهما کبیر و أما الیوم فدخل واحد کبیر و ذکر أبو عبیدة البکری أن ابراهیم المنسوب إلیه هذا الباب هو خیاط کان عنده علی ما قیل و نسبه سعد الدین الاسفراینی فی کتاب زبدة الاعمال فقال ابراهیم الاصبهانی و بعضهم ینسبه الی ابراهیم الخلیل علیه السلام و لا وجه لخصوصیته دون سائر الابواب و اللّه أعلم قال الازرقی و یقال له باب الخیاطین* الثالث باب بنی سهم و یعرف الیوم بباب العمرة و هو مدخل واحد و أما أبوابه فی جداره الشمالی فخمسة* الاوّل باب سدّة الوهوط و یقال له باب عمرو ابن العاص و هو مدخل واحد صغیر* الثانی باب دار العجلة و هو مدخل واحد صغیر* الثالث باب دار الندوة و هو مدخل واحد* الرابع باب زیادة دار الندوة قال الازرقی و هو باب دار شیبة بن عثمان یسلک منه الی السویقة و فیه مدخلان* الخامس باب الزریبة و هو مدخل واحد صغیر کذا ذکره فی البحر العمیق*

(ذکر عدد الاساطین التی فی المسجد الحرام)

* فی البحر العمیق الاساطین التی حول المسجد الحرام غیر ما فی الزیادتین أربعمائة اسطوانة و تسع و ستون اسطوانة بتقدیم التاء علی السین و هی مصفوفة فی کل جانب من جوانبه الاربع ثلاثة صفوف و أما عدد أساطین زیادة باب ابراهیم فسبع و عشرون اسطوانة و أما عدد أساطین زیادة باب دار الندوة فست و ستون اسطوانة و أما الاساطین التی حول المطاف لتعلیق القنادیل فثلاث و ثلاثون اسطوانة منها اسطوانتان من حجارة و هما اللتان تلیان مقام ابراهیم من جانبیه و البواقی و هی احدی و ثلاثون اسطوانة من صفر و اللّه أعلم*

عدد منائر المسجد الحرام‌

و أما منائر المسجد الحرام فست أربع منها فی زوایاه الاربع و واحدة فی زیادة باب دار الندوة و واحدة فی مدرسة قایتبای المتصلة بجدار المسجد*

فضیلة مکة

و أما الفضیلة فاعلم أن العلماء اختلفوا فی أن مکة حرسها اللّه تعالی أفضل أم المدینة فعند أبی حنیفة و الشافعی رحمهما اللّه أن مکة أفضل من المدینة سوی موضع قبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قال مالک المدینة أفضل من مکة و أما المجاورة بمکة فقد اختلف علماء الدین فی ذلک فذهب أبو حنیفة و بعض أصحاب الشافعی من المحتاطین فی دین اللّه من أرباب القلوب الی أن المقام بها مکروه لقوله علیه السلام من فرغ من حجه فلیعجل الرجوع الی أهله فانه أعظم لاجره و لان کثرة المشاهدة توجب التبرّم و تقلل الحرمة من حیث العادة و لهذا قال صلّی اللّه علیه و سلم لابی هریرة یا أبا هریرة زر غبا تزدد حبا و قال عمر رضی اللّه عنه لما فرغ من نسک الحج یا أهل الیمن یمنکم و یا أهل الشام شامکم و یا أهل العراق عراقکم* و قد روی أن عمر رضی اللّه عنه همّ أن یمنع الناس عن کثرة الطواف و قال خشیت أن یأنس الناس هذا البیت فتزول هیبته من صدورهم و قال ابن عباس رضی اللّه عنه حین اختار المقام من مکة الی الطائف و حوالیه لأن أذنب خمسین و فی ربیع الابرار سبعین ذنبا برکبة أحب الیّ من أن أذنب ذنبا واحدا بمکة و الرکبة موضع بین مکة و الطائف بقرب الطائف کثیر العشب و الماء* و قال ابن مسعود رضی اللّه عنه ما من بلد یؤاخذ العبد فیه بالهمة قبل العمل الا مکة و تلا هذه الآیة و المسجد الحرام الذی جعلناه للناس سواء العاکف فیه و الباد و من یرد فیه بالحاد بظلم نذقه من عذاب ألیم أی و من یرد المیل عن الحق بمجرّد النیة و الارادة و الالحاد المیل و الباء فیه زائدة کما فی قوله تعالی تنبت بالدهن و قال ان السیئات تتضاعف کما تتضاعف الحسنات فیه لان الباء للمصاحبة و لیست بزائدة* و قال أبو یوسف و محمد و جماعة من أصحاب الشافعی و غیرهم من العلماء انه یجوز ذلک من غیر کراهة لقوله تعالی و طهر بیتی للطائفین و القائمین مطلقا و لقوله صلّی اللّه علیه و سلم مکة و المدینة ینفیان الذنوب کما ینفی الکیر خبث
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:125
الحدید الا فمن صبر علی حرّها و لأوائها و شدّتها کنت له شهیدا أو شفیعا یوم القیامة* و لما ورد فی الاحادیث أن المقام بمکة سعادة و الخروج منها شقاوة ثم بعض العلماء من المحتاطین فی الدین یکرهون أیضا المنع من الاقامة و المجاورة لانه منع من الطاعة و العبادة و یحتمل أن المجاور یفی بحقّ الکعبة و ما یتعلق به من التعظیم و الحرمة و الحاصل أن من لم یقدر علی الوفاء بحقه کما یجب فترک المقام و المجاورة أفضل له لما فیه من وجود التقصیر و التبرّم و الاخلال بحرمته و تعظیمه و توقیره کما هو المشهور و من قدر علی المجاورة و المقام بها علی وجه یتمکن من الوفاء بحقه و حرمته و تعظیمه علی وجه تبقی تلک الحرمة فی عینه کما دخل فیها فهیهات هیهات فذلک الفوز الکبیر و الفضل الکثیر الذی لا یوازیه شی‌ء کما نطق به سید البشر صلوات اللّه و سلامه علیه النظر الی الکعبة عبادة و من نظر الی البیت ایمانا و احتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخر و من نظر الی البیت من غیر طواف و لا صلاة تطوّعا فذلک عند اللّه أفضل من عبادة سنة صیام نهارها و قیام لیلها و عن ابن عباس أنه قال لا أعلم علی وجه الارض بلدة یکتب لمن نظر الی بعض بنیانها عبادة الدهر و صیام الدهر الا مکة* و قال صلّی اللّه علیه و سلم صلاة فی مسجدی هذا أفضل من ألف صلاة فیما سواه من المساجد الا المسجد الحرام فان صلاة فی المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة اذا صلاها وحده و ان صلاها فی جماعة فان صلاته بألفی ألف صلاة و خمسمائة ألف صلاة و صلاة الرجل فی المسجد الحرام کله اذا صلاها وحده بمائة ألف صلاة فاذا صلاها فی جماعة فصلاته بألفی ألف صلاة و خمسمائة ألف صلاة فذلک خمسة و عشرون مرّة مائة ألف صلاة و عن أنس بن مالک قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صلاة الرجل فی بیته بصلاة و صلاته فی مسجد القبائل بخمس و عشرین صلاة و صلاته فی المسجد الذی یجمع فیه بخمسمائة صلاة و صلاته فی المسجد الاقصی بخمسین ألف صلاة و صلاته فی مسجدی بخمسین ألف صلاة و صلاته فی المسجد الحرام بمائة ألف صلاة رواه ابن ماجه و من جلس مستقبل الکعبة ساعة واحدة ایمانا و احتسابا للّه و رسوله و تعظیم القبلة کان له مثل أجر الحاجین و المعتمرین و المجاهدین و المرابطین فی سبیل اللّه و ان اللّه ینظر الی خلقه فی کل یوم ثلاثمائة و ستین نظرة فأوّل من ینظر إلیه منهم أهل حرمه و أمنه فمن رآه طائفا غفر له و من رآه قائما غفر له و من رآه جالسا مستقبل الکعبة غفر له فتقول الملائکة الهنا و سیدنا ما بقی الا النائمون فیقول ألحقوهم بهم فهم جیران بیتی ألا و ان أهل مکة هم أهل اللّه و جیران بیته و حملة القرآن هم أهل اللّه و خاصته و قال صلّی اللّه علیه و سلم من اعتمر فی شهر رمضان عمرة فکأنما حج معی و عن ابن عباس عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال عمرة فی رمضان تعدل حجة و من صام شهر رمضان بمکة فصام کله و قام منه ما تیسر کتب اللّه له مائة ألف شهر رمضان بغیرها و کان له بکل یوم مغفرة و شفاعة و بکل لیلة مغفرة و شفاعة و بکل یوم و لیلة حملان فرس فی سبیل اللّه و فی روایة ابن ماجه قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من أدرک رمضان بمکة فصامه و قام منه ما تیسر له کتب اللّه له مائة ألف شهر رمضان فیما سواها و کتب له بکل یوم و لیلة عتق رقبة و کل یوم حملان فرس فی سبیل اللّه و فی کل یوم حسنة و فی کل لیلة حسنة* و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عمرة فی رمضان تقضی حجة أو حجة معی رویاه و هذا لفظ مسلم* و عن عبد اللّه بن عمر رضی اللّه عنهما قال سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول من طاف بالبیت و صلّی رکعتین کان کعتق رقبة رواه ابن ماجه و قال النسائی من طاف سبعا فهو کعدل رقبة و عن أبی هریرة أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال من طاف بالبیت سبعا لا یتکلم الا بسبحان اللّه و الحمد للّه و
لا إله الا اللّه و اللّه أکبر و لا حول و لا قوّة الا باللّه العلیّ العظیم محیت عنه عشر سیئات و کتبت له عشر حسنات و رفع له عشر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:126
درجات و من طاف فتکلم و هو فی تلک الحال خاض فی الرحمة برجلیه کخائض الماء برجلیه رواه ابن ماجه و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من طاف بالبیت خمسین مرّة خرج من ذنوبه کیوم ولدته أمّه رواه الترمذی* و فی رسالة الحسن البصری عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من دخل البیت دخل فی رحمة اللّه و فی حمی اللّه و فی أمن اللّه و من خرج خرج مغفورا له و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من دخل البیت دخل فی حسنة و خرج من سیئة مغفورا له رواه البیهقی و غیره أوردهما فی البحر العمیق و عن عبد اللّه بن عمیر أن ابن عمر کان یزاحم علی الرکنین فقلت یا أبا عبد الرحمن انک تزاحم علی الرکنین زحاما ما رأیت أحدا من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یزاحم علیه قال ان أفعل فانی سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول ان مسحهما کفارة للخطایا* و فی روایة النسائی یحبط الخطیئة و سمعته یقول من طاف بهذا البیت أسبوعا فأحصاه کان کعتق رقبة و سمعته یقول لا یضع قدما و لا یرفع أخری الا حط اللّه بها عنه خطیئة و کتب له بها حسنة رواه الترمذی* و عن ابن عباس أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال الطواف حول البیت مثل الصلاة الا انکم تتکلمون فیه فمن تکلم فلا یتکلم الا بخیر رواه الترمذی* و فی ربیع الابرار عن وهب ابن الورد کنت لیلة فی الحجر أصلی فسمعت کلا ما بین الکعبة و الاستار الی اللّه أشکو ثم إلیک یا جبریل ما ألقی من الطائفین حولی من تفکههم بالحدیث و لغوهم و لهوهم لئن لم ینتهوا لأنتفضنّ انتفاضة یرجع کل حجر منی الی الجبل الذی قلع منه و قال أبو غفار طفت مع أنس بن مالک فی مطر فلما قضینا الطواف أتینا المقام فصلینا رکعتین فقال لنا أنس ائتنفوا العمل فقد غفر لکم هکذا قال لنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و طفنا معه فی مطر أخرجه ابن ماجه و عن أبی هریرة أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال و کل اللّه به سبعین ملکا یعنی الرکن الیمانی فمن قال اللهم انی أسألک العفو و العافیة فی الدنیا و الآخرة ربنا آتنا فی الدنیا حسنة و فی الآخرة حسنة و قنا عذاب النار قالوا آمین* و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من فاوضه یعنی الرکن الاسود فانما یفاوض ید الرحمن رواه ابن ماجه و عن عائشة رضی اللّه عنها أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال ما من یوم أکثر أن یعتق اللّه عز و جل فیه عبدا من النار من یوم عرفة و انه لیدنو ثم یباهی الملائکة فیقول ما أراد هؤلاء رواه مسلم و النسائی زاد النسائی أو أمة یعنی عبدا أو أمة و عن عباس بن مرداس أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دعا لامته عشیة عرفة بالمغفرة فأجیب انی قد غفرت لهم ما خلا الظالم فانی آخذ للمظلوم منه قال أی رب ان شئت أعطیت المظلوم من الجنة و غفرت للظالم فلم یجب عشیة عرفة فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجیب الی ما سأل قال فضحک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أو قال تبسم فقال أبو بکر و عمر رضی اللّه عنهما بأبی أنت و أمی ان هذه الساعة ما کنت تضحک فیها فما الذی أضحکک أضحک اللّه سنک قال ان عدوّ اللّه ابلیس لما علم أن اللّه عز و جل قد استجاب دعائی و غفر لامّتی أخذ التراب فجعل یحثو علی رأسه و یدعو بالویل و الثبور فأضحکنی ما رأیت من جزعه رواه ابن ماجه* و فی ربیع الابرار عن محمد بن قیس بن مخرمة یرفعه من مات فی أحد الحرمین بعثه اللّه یوم القیامة آمنا روی أن حجة غیر مقبولة خیر من الدنیا و ما فیها و یقال الذی لا یقبل حجه منه یخرج من ذنوبه کیوم ولدته أمه و الذی یقبل اللّه منه فقد فاز* قال مؤلف الکتاب حسین بن محمد الدیار بکری فالطمع فی احراز هذه الفضائل جرّ ذیلی الی المجاورة بها مع اعترافی بأنی غیر موف بحقها کما ینبغی‌

رجع الی ذکر أحوال ابراهیم‌

هذا فلنرجع الی أحوال ابراهیم علیه السلام* ففی الانس الجلیل فی تاریخ القدس و الخلیل أقام ابراهیم علیه السلام بین الرملة و ایلیا بموضع یعرف بوادی السبع و هو شاب لا مال له و أقام فیه حتی کثر ماله و شاخ و ضاق علی أهل الموضع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:127
موضعه من کثرة ماله و مواشیه فقالوا له ارحل عنا فقد آذیتنا بمالک أیها الشیخ الصالح و کانوا یسمونه بذلک فقال لهم نعم فلما همّ بالرحیل قال بعضهم لبعض جاءنا و هو فقیر و قد جمع عندنا هذا المال کله فلو قلنا له أعطنا شطر مالک و خذ الشطر فقالوا له ذلک فقال لهم صدقتم جئت و کنت شابا فردّوا علیّ شبابی و خذوا ما شئتم من مالی فخصمهم و رحل فلما کان وقت ورود الغنم الماء جاءوا یستقون فاذا الآبار قد جفت فقال بعضهم لبعض الحقوا الشیخ الصالح و اسألوه الرجوع الی موضعه فانه ان لم یرجع هلکنا و هلکت مواشینا فلحقوه فوجدوه بالموضع الذی یعرف بالمغارة و سألوه أن یرجع فقال انی لست براجع و دفع لهم سبع شیاه من غنمه و قال اذهبوا بها معکم فانکم اذا أوردتموها البئر ظهر الماء حتی یکون عینا معینا ظاهرا کما کان و اشربوا و لا تقربها امرأة حائض فرجعوا بالاعنز فلما وقفت علی البئر ظهر الماء فکانوا یشربون منها و هی علی تلک الحالة و أتت امرأة حائض و اغترفت فغاض ماؤها و رحل ابراهیم علیه السلام و نزل اللجون فأقام بها ما شاء اللّه ثم أوحی اللّه إلیه أن انزل ممری فرحل و نزل علیه جبریل و میکائیل بممری و هما یریدان قوم لوط فخرج ابراهیم لیذبح العجل فانفلت منه و لم یزل حتی دخل مغارة حبرون فنودی یا ابراهیم سلم علی عظام أبیک آدم فوقع ذلک فی نفسه ثم ذبح العجل و قرّبه إلیهم و کان شأنه ما قص اللّه عز و جل فی کتابه فمضی ابراهیم معهم الی قریب من دیار لوط فقالوا له اقعد هاهنا فقعد و سمع صوت الدیک فی السماء فقال هو الحق الیقین فأیقن بهلاک القوم فسمی ذلک الموضع مسجد الیقین و هو علی نحو فرسخ من بلد ابراهیم علیه السلام ثم رجع ابراهیم*

أوّل من شاب ابراهیم‌

قال أهل السیر أوّل من شاب من بنی آدم ابراهیم علیه السلام و لما رأی الشیب فی لحیته قال یا رب ما هذا أجیب بأنه وقار قال رب زدنی و قارا و فی روایة قال الحمد للّه الذی بیض القار و سماه الوقار* و فی کتاب المغازی لابن قتیبة لما ولد اسحاق من سارة تعجب الکنعانیون فقالوا أ لا ترون هذا العجوز و العجوزة تبنیا لقیطا و لم یکونوا یصدّقون أن یولد لإبراهیم ولد اذ عمره تجاوز المائة فجعل اللّه صورة اسحاق شبیهة بابراهیم بحیث لما التحی لم یفرق بین الاب و الابن فجعل اللّه الشیب علامة لإبراهیم یمتاز به عن اسحاق* و فی شفاء الغرام و العرائس عاشت سارة مائة و سبعا و عشرین سنة* و فی العرائس ماتت سارة بالشأم بقریة الجبابرة من أرض کنعان فی حبرون فدفنت بمزرعة اشتراها ابراهیم و کانت هاجر قد ماتت قبل سارة بمکة و دفنت فی الحجر* قیل عاش ابراهیم بعد سارة خمسین سنة* و فی الانس الجلیل عن کعب الاحبار أوّل من دفن فی حبرون سارة و ذلک لما ماتت خرج ابراهیم یطلب موضعا لیقبرها فیه رجاء أن یجد بقرب ممری موضعا فمضی الی عفرون و کان ملک الموضع و کان مسکنه حبری فقال له ابراهیم بعنی موضعا أقبر فیه من مات من أهلی فقال عفرون قد أبحتک ادفن حیث شئت من أرضی قال انی لا أحب الا بالثمن فقال له أیها الشیخ الصالح ادفن حیث شئت من أرضی فأبی علیه و طلب منه المغارة فقال له أبیعکها بأربعمائة درهم وزن کل درهم خمسة دراهم و کل مائة درهم ضرب ملک و أراد بذلک التشدید علیه کیلا یجد فیرجع الی قوله و خرج ابراهیم من عنده فاذا جبریل فقال له ان اللّه قد سمع مقالة الجبار و هذه الدراهم ادفعها إلیه فأخذها ابراهیم و دفعها الی الجبار فقال له من أین لک هذه الدراهم فقال له من عند الهی و خالقی و رازقی فأخذها منه و حمل ابراهیم سارة و دفنها فی المغارة فکانت أوّل من دفن فیها و توفیت و هی بنت مائة و سبع عشرة سنة و قیل مائة و سبع و عشرین سنة و عاش ابراهیم مائتی سنة و علیه أکثر العلماء و قیل مائة و خمسا و تسعین سنة و قیل مائة و خمسا و سبعین سنة کذا فی الحدائق*

(ذکر وفاة ابراهیم علیه السلام)

* قال أهل السیر لما أراد اللّه قبض روح ابراهیم أرسل إلیه ملک الموت فی صورة شیخ هرم فأطعمه فجعل الشیخ یأخذ اللقمة لیضعها فی فیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:128
فیدخلها فی عینه و أذنه ثم یدخلها فاه و کان یسیل لعابه المخلوط بالطعام علی لحیته و صدره فاذا دخل الطعام بطنه یخرج من دبره و کان ابراهیم قد سأل ربه أن لا یقبض روحه حتی یکون هو الذی یسأل الموت فقال للشیخ حین رأی حاله یا شیخ مالک تصنع هکذا قال یا ابراهیم الکبر قال ابن کم أنت قال فزاد علی عمر ابراهیم سنتین قال ابراهیم أنا بینی و بینک سنتان فاذا بلغت ذلک صرت مثلک قال نعم فوقعت الکراهة فی نفس ابراهیم فقال ابراهیم اللهم اقبضنی إلیک قبل ذلک فقام ذلک الشیخ و کان ملک الموت فقبض روحه کذا روی عن کعب الاحبار و حکی غیر ذلک* و فی الحدائق عن وهب بن منبه قال له ملک الموت یا خلیل اللّه علی أیّ حال تحب أن أقبض روحک فقال اقبض روحی و أنا ساجد فقبض روحه و هو ساجد قیل مات من الأنبیاء فجأة ثلاثة ابراهیم و داود و سلیمان علیهم السلام* و عن عائشة رضی اللّه عنها و ابن مسعود رضی اللّه عنه موت الفجأة راحة للمؤمن و أخذة غضب أو أسف للکافر کذا فی النجم الوهاج* و لما توفی ابراهیم دفنه اسحاق بحذاء سارة من جهة الغرب ثم توفیت ربقة زوجة اسحاق فدفنت فیها بازاء سارة من جهة القبلة ثم توفی اسحاق فدفن بحیال زوجته من جهة الغرب ثم توفی یعقوب فدفن عند باب المغارة و هو بحیال قبر ابراهیم من جهة الشمال ثم توفیت لبقا زوجة یعقوب فدفنت بحیاله من جهة المشرق بازاء کل نبیّ زوجته فاجتمع أولاد یعقوب و العیص و اخوته و قالوا ندع باب المغارة مفتوحا و کل من مات منا دفناه بها فتشاجروا فرفع أحد اخوة العیص و فی روایة أحد أولاد یعقوب یده و لطم العیص لطمة فسقط رأسه فی المغارة فحملوا جثته و دفن بغیر رأس و بقی الرأس فی المغارة و حوّطوا علیها و عملوا فیها علامات القبور فی کل موضع و کتبوا علیه هذا قبر ابراهیم هذا قبر سارة هذا قبر اسحاق هذا قبر ربقة هذا قبر یعقوب هذا قبر زوجته لبقا و خرجوا عنه و أطبقوا بابه و کل من جاء إلیه یطوف به و لا یصل إلیه حتی جاءت الروم بعد ذلک ففتحوا له بابا و دخلوا إلیه و بنوا فیه کنیسة ثم أظهر اللّه الاسلام بعد ذلک و ملک المسلمون تلک الدیار و هدموا الکنیسة و بالقرب من مدینة ابراهیم قریة تسمی سیعیر و هی الفاصلة بین عمل الخلیل و عمل القدس و بها قبر بداخل مسجدها یقال انه قبر العیص علیه السلام و قد اشتهر ذلک عند الناس و صار یقصد للزیارة و اللّه أعلم و عن وهب بن منبه أنه قال أصبت علی قبر ابراهیم علیه السلام مکتوبا خلفه فی حجر رجز* غرّ جهولا أمله* یموت من جا أجله* لم تغن عنه حیله*

صورة ما کتبه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لتمیم الداری‌

و أقطع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لتمیم الداری الارض التی بها بلد ابراهیم و ما حوله من الاراضی و کتب له ذلک فی قطعة أدم من خف أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه بخطه و قد وجدت فی صندوق تلک القطعة و قد صارت رثة و فیها أثر الکتابة و معها ورقة مکتوبة بخط أمیر المؤمنین المستنجد باللّه العباسی صورته هکذا الحمد للّه هذه نسخة کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الذی کتبه لتمیم الداری و اخوته فی سنة تسع من الهجرة بعد منصرفه من غزوة تبوک فی قطعة أدم من خف أمیر المؤمنین علیّ بخطه نسخته کهیئته بسم اللّه الرحمن الرحیم هذا ما أنطی محمد رسول اللّه لتمیم الداری و اخوته حبرون و المرطوم و بیت عینون و بیت ابراهیم و ما فیهنّ نطیة بت بینهم و نفذت و سلمت ذلک لهم و لا عقابهم فمن آذاهم آذاه اللّه فمن آذاهم لعنه اللّه شهد عتیق بن أبی قحافة و عمر ابن الخطاب و عثمان بن عفان و کتب علیّ بن أبی طالب و شهد* و قد نسخت ذلک من خط المستنجد باللّه کهیئته و لعل هذا أصح ما قیل فیه و اللّه أعلم* و فی مزیل الخفاء أسلم تمیم الداری سنة تسع من الهجرة و کان نصرانیا قبل ذلک روی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أقطع قریة ابراهیم و هی حبرون بأسرها لتمیم الداری قبل أن یفتح اللّه علی المسلمین الشام و کتب له بذلک کتابا و جاء الی أبی بکر و أجاز له کتاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کذا جاء الی عمر فأجاز له بعد الفتوح ما أجاز له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و تلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:129
القریة تعرف الآن بالخلیل اسم ثاویها علیه السلام و هی قبلی بیت المقدس مستدیرة حول المسجد من الجهات الاربع و بناؤها محدث بعد بناء السور السلیمانی الذی هو المسجد بزمان طویل فان المغارة فی زمن ابراهیم کانت فی صحراء و لم یکن هناک بناء و کان ابراهیم مقیما بممری فی مخیمه و هی بالقرب من بلد ابراهیم من جهة الشمال و هی أرض بها عین ماء و کروم و استمرّ الحال علی ذلک بعد وفاة ابراهیم الی أن بنی سلیمان السور علی القبور الشریفة* روی أنه أمر الجنّ فبنوه بغیر باب و مخرج و لما تم السور أمر الریح حتی رفعته من فوق السور و ألقته الی الخارج فبقی السور کذلک من غیر مدخل الی أن ثقب الروم أحجاره بالنار و الخل و جعلوا له بابا ثم اختطت المدینة بعد ذلک و أوّل من اختط البناء حول السور رجل من الرامة من ذوی الاموال من بنی اسرائیل اسمه یوسف الرامی أدرک زمن عیسی علیه السلام و آمن به فبنی بالقرب من السور السلیمانی بیوتا للسکنی تبرّکا بقبور الأنبیاء علیهم السلام ثم تتابع البناء قلیلا قلیلا فصارت هناک مدینة و هی محیطة بالمسجد من الجهات الاربع فبعضها مرتفع علی رأس جبل و هو شرقی المسجد یسمی بیلون و بعضها منخفض فی واد هو غربی المسجد أما بناء السور السلیمانی فانه بنی عقب بناء بیت المقدس و أما بناء مدینة ابراهیم فانه بعد زمن عیسی و من رفع عیسی الی السماء الی آخر سنة تسعمائة و خمس و ثلاثین من الهجرة ألف و خمسمائة سنة و ثلاث و ثلاثون سنة و أما حدود بلد ابراهیم المنسوبة إلیه عرفا فمن جهة القبلة منزلة الملح علی درب الحجاز و قباب الشاوریة و هی قریة منسوبة الی بنی شاور من أمراء عرب جرم و من جهة المشرق عین جدی من عمل بلد ابراهیم و بحرة لوط و هذا الحدّ هو الفاصل بین عمل بلد ابراهیم و عمل مدینة الکرک و من جهة الشمال عمل القدس یفصل بینهما قریة ساعیر و ما حاذاها و من جهة الغرب مما یلی الرملة و ما یحاذیها قریة زکریا و هی من أعمال الخلیل و من جملة وقفه و مما یلی غزوة و ما یحاذیها قریة سیسمح المجاورة لقریة السکریة و بلاد بنی عبد و هی من أعمال الخلیل و أما المسافة بین مدینة ابراهیم و بین بیت المقدس فهی قریبة من بریدین بینهما بیت لحم و هی قریة علی نحو ربع برید من القدس من جهة القبلة و غالب سکان هذه القریة فی عصرنا نصاری و بها کنیسة محکمة البناء فیها ثلاثة محاریب مرتفعة أحدها موجه الی جهة القبلة و الثانی الی جهة المشرق و الثالث الی جهة الصخرة و سقفها خشب مرتفعة علی خمسین عمودا من الصخر الاصفر الصلب غیر السواری المبنیة بالاحجار و أرضها مفروشة بالرخام و علی ظاهر سطحها رصاص فی غایة الاحکام و هی من بناء هیلانة أمّ قسطنطین و فی داخلها مولد عیسی علیه السلام فی مغارة بین المحاریب الثلاثة و للنصاری بها اعتناء یأتون إلیها من بلاد الفرنج و غیرها بالاموال للرهابین المقیمین بالدیر المجاورین للکنیسة و أما قبر مریم ففی بیت المقدس فی کنیسة فی ذیل جبل طور زیتاء تسمی الجیسمانیة خارج باب الاسباط و هو مکان یقصده الناس للزیارة من المسلمین و النصاری و هذه الکنیسة من بناء هیلانة و بین بیت المقدس و بیت لحم قبر راحیل أمّ یوسف علیه السلام الی جنب الطریق فی قبة موجهة الی جهة صخرة بیت المقدس و اللّه أعلم*

(ذکر ختن ابراهیم علیه السلام)

* فی الانس الجلیل عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال اختتن ابراهیم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو ابن ثمانین سنة بالقدوم بالتخفیف و التشدید* و فی العرائس اختتن ابراهیم بقدوم فی موضع یقال له قدوم و هو ابن مائة و عشرین سنة و عاش بعد ذلک ثمانین سنة و روی عنه صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال ربط ابراهیم علیه السلام غرلته و جمعها إلیه و مدّها قدّامه و ضرب قدومه بعود کان معه فندرت بین یدیه بلا ألم و لادم و ختن اسماعیل و هو ابن ثلاث عشرة سنة و ختن اسحاق و هو ابن سبعة أیام و عن عکرمة اختتن ابراهیم و هو ابن ثمانین سنة فأوحی اللّه تعالی إلیه انک أکملت ایمانک الا بضعة من جسدک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:130
فألقها فختن نفسه بالفأس و سبب اختتانه أنه أمر بقتال العمالقة فقاتلهم فقتل خلق کثیر من الفریقین فلم یعرف ابراهیم أصحابه لیدفنهم فأمر بالختان لیکون علامة للمسلم و ختن نفسه بالقدوم* و عن ابن عباس رضی اللّه عنهما أنه قال أوّل من سمانا مسلمین ابراهیم علیه الصلاة و السلام و هو أوّل من ضرب بالسیف من الأنبیاء و قیل أوّل من ضرب بالسیف ادریس کما مرّ و کسر الاصنام و اختتن و لبس السراویل و النعلین و رفع یدیه فی الصلاة فی کل خفض و رفع و صلّی أوّل النهار أربع رکعات و جعلهنّ علی نفسه فسماه اللّه وفیا و هو أوّل من أضاف الضیف و ثرد الثرید و فرق الشعر و استنجی بالماء و قلم الظفر و قص الشارب و نتف الابط و أوّل من استاک و تمضمض و استنشق و حلق العانة و أوّل من صافح و عانق و قبل بین العینین موضع السجود و أوّل من شاب فقال ما هذا فقال اللّه وقار فقال رب زدنی وقارا فما برح حتی ابیضت لحیته*

(ذکر أولاد ابراهیم علیه السلام)

* فی معالم التنزیل ولد لإبراهیم ثمانیة بنین اسماعیل سمی به لان ابراهیم کان یدعو اللّه أن یرزقه ولد او یقول اسمع یا ایل و ایل هو اللّه و لما رزق ولدا سماه به و أمّه هاجر القبطیة أم ولد و اسحاق و أمّه سارة حملت به لیلة خسف اللّه بقوم لوط و ولدته و لها تسعون سنة و من ولده الروم و الیونان و الارمن و من یجری مجراهم و بنو اسرائیل و مدین و مدان و نیشان و زمران و یشبق و یشرخ و هؤلاء الستة أمهم قطورا بنت یقطن الکنعانیة* و فی الانس الجلیل و العرائس تزوّجها ابراهیم بعد موت سارة ثم تزوّج امرأة أخری من العرب اسمها حجور بنت أهیب فولدت له خمسة بنین کیسان و سروح و أمیم و لوطا و یاسن فکان جمیع أولاد ابراهیم ثلاثة عشر مع اسماعیل و اسحاق و کان اسماعیل أکبر أولاده فأنزله أرض الحجاز و اسحاق أرض الشام و فرّق سائر أولاده فی البلاد* و فی أنوار التنزیل و بنو ابراهیم کانوا أربعة اسماعیل و اسحاق و مدین و مدان و قیل ثمانیة و قیل أربعة عشر قال ابن عباس ولد اسماعیل لإبراهیم و هو ابن تسع و تسعین سنة و قیل ست و ثمانین سنة و ولد اسحاق له و هو ابن مائة و اثنتی عشرة سنة قال سعید بن جبیر بشر ابراهیم باسحاق و هو ابن مائة و سبع عشرة سنة* و فی شفاء الغرام ان اسماعیل أکبر من اسحاق بأربعة عشر سنة و کذا ذکره السخاوی فی الاصل الاصیل فی تحریم النقل من التوراة و الانجیل* و فی الانس الجلیل لم یمت ابراهیم حتی بعث اللّه اسحاق الی أرض الشام و بعث یعقوب الی أرض کنعان و اسماعیل الی جرهم و قبائل الیمن و الی العمالیق و لوطا الی سدوم و کانوا أنبیاء علی عهد ابراهیم* و فی معالم التنزیل یقال ان اللّه لم یبعث نبیا بعد ابراهیم الا من نسله و فیه أیضا قال ابن عباس کل الأنبیاء من بنی اسرائیل الا عشرة و هم نوح و هود و صالح و شعیب و لوط و ابراهیم و اسماعیل و اسحاق و یعقوب و محمد صلّی اللّه علیه و سلم قیل و آدم و شیث و ادریس و اسرائیل هو یعقوب بن اسحاق بن ابراهیم و لما مضی من عمر اسحاق ستون سنة ولد له عیص و یعقوب و هما توأمان أما عیص فهو أبو أیوب النبیّ علیه السلام و کان ذا قوّة و یحب القنص و أما یعقوب فأعطی النبوّة قیل سمی به لانه خرج من بطن أمه عقب عیص و قیل لکثرة عقبه کذا فی العمدة هذا علی تقدیر کونه عربیا و اما علی تقدیر کونه أعجمیا و هو الاصح لعدم صرفه فلا اشتقاق له کما مرّ فی آدم* و فی عرائس الثعلبی و أما اسحاق علیه السلام فانه نکح ربقة بنت سویل فولدت له عیصا و یعقوب فی بطن واحد و کان لهما قصة عجیبة علی ما ذکر قال حملت ربقة امرأة اسحاق بغلامین فی بطن واحد فلما أرادت أن تضع اقتتلا فی بطنها و أراد یعقوب أن یخرج قبل عیص فقال عیص و اللّه لئن خرجت قبلی لا تحرّکنّ فی بطنها فأقتلها فتأخر یعقوب و خرج عیص قبله فسمی عیصا لانه عصی و خرج قبل یعقوب و سمی یعقوب لانه خرج ماسکا بعقب عیص و کان یعقوب أکبرهما فی البطن فلما کبر الغلامان کان عیص أحب الی أبیه و یعقوب أحب الی أمه و کان عیص صاحب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:131
صید فلما کبر اسحاق و عمی قال لابنه عیص یا بنیّ أطعمنی لحم صید و ادن منی أدع لک بدعاء دعا لی به أبی ابراهیم و کان عیص أشعر و یعقوب أجرد فخرج عیص فی طلب الصید و سمعت أمهما الکلام فأتت یعقوب فقالت له یا بنیّ اذهب الی الغنم و اذبح سخلة ثم اشوها و قدّمها لابیک و قل یا أبتاه کل من لحم الصید الذی طلبت و قل انی ابنک عیص ففعل یعقوب ذلک و قدّم الشاة بین یدیه و قال یا أبتاه کل من لحم الصید الذی طلبت فقال له من أنت قال ابنک عیص فادع لی قال قدّم طعامک فقدّمه فأکل منه فقال ادن منی فدنا منه فدعا له بأن یکون من ذریته الأنبیاء و الملوک و قام یعقوب و أتی عیص فقال یا أبتاه قد أتیتک بالصید الذی أردت قال یا بنیّ انه قد سبقک أخوک یعقوب فاشتدّ غیظه و قال لاقتلنّ یعقوب فقال یا بنیّ لا تحزن قد بقیت لی دعوة فادن منی لادعو لک بها فدنا منه فدعا له بأن تکون ذریته بعدد التراب و لم یملکهم أحد قالوا و خافت أم یعقوب علیه من أخیه عیص فقالت له یا بنیّ الحق بخالک و کن عنده فانطلق یعقوب الی خاله یسری باللیل و یکمن بالنهار فلهذا سمی اسرائیل أی لانه سری و قیل غیر ذلک فأتی یعقوب خاله و کان اسحاق قد أوصی یعقوب أن لا ینکح امرأة من الکنعانیین و أمره أن یتزوّج من بنات خاله لیان بن ناهد فلما استقرّ یعقوب عند خاله خطب ابنته فقال له خاله هل لک من مال أزوّجک علیه قال لا و لکنی أخدمک حتی تستوفی صداق ابنتک قال صداقها أن تخدمنی سبع حجج قال یعقوب نعم و لکن شرطی معک أن تزوّجنی راحیل قال له خاله ذلک بینی و بینک فرعی له یعقوب سبع سنین فلما وفاه شرطه زوّجه ابنته الکبری غیر راحیل و کان اسمها لیا فلما أصبح یعقوب وجد غیر ما شرط له فأتی خاله و هو فی نادی قومه و قال یا خال خدعتنی و غررتنی و استحللت عملی و أدخلت علیّ غیر امرأتی فقال له خاله یا ابن اختی أ لست منی و أنا منک أردت أن تدخل علیّ العار أ رأیت أحدا زوّج ابنته الصغری قبل الکبری و لکن اخدمنی سبع سنین أخری و أنا ازوّجک ابنتی الاخری و کان الناس یجمعون بین الاختین الی أن بعث اللّه نبیه موسی علیه السلام و أنزل علیه التوراة* و فی الکشاف تزوّج یعقوب راحیل بعد موت اختها لیا قالوا فرعی یعقوب لخاله سبع سنین اخری و زوّجه ابنته الاخری و هی راحیل فولدت له لیا أربعة أسباط روبیل و یهوذا و شمعون و لاوی و ولدت راحیل یوسف و بنیامین و هو بالعبرانیة المشکل و کان لیان دفع الی ابنتیه حین زوّجهما بیعقوب جاریتین اسم احداهما زلفة و الاخری بلهة فوهبتا له الجاریتین و ولدت کل واحدة منهما ثلاثة أسباط فولدت زلفة دان و بفتالی و ریالون و ولدت بلها جاد و یسحر و ذنبه* و فی الکشاف و غیره غیر هذا و سیجی‌ء فکان عدّة بنی یعقوب اثنی عشر ولدا و هم الاسباط سموا بذلک لان کل واحد منهم والد قبیلة و السبط بکلام العرب الشجرة الملتفة الکثیرة الاغصان و الاوراق فالاسباط من بنی اسرائیل و الشعوب من العجم و القبائل من العرب* قالوا ثم ان یعقوب فارق خاله لیان و معه امرأتاه و جاریتاه المذکورتان الی منزل أبیه من فلسطین خوفا من أخیه عیص فلم یر منه إلّا خیرا فتألفه و نازله و تلطف له حتی نزل له و تنقل الی السواحل ثم عبر الروم فاستوطنها فصار ذلک له و لولده من بعده* قال ابن اسحاق تزوّج عیص ابنة عمه نسیمة بنت اسماعیل علیه السلام فولدت له فی بلاد الروم ولد اسماه الاصفر و تناسل منه الروم فالروم کلهم من بنی الاصفر قالوا و عاش اسحاق بعد ما ولد له عیص و یعقوب مائة سنة و توفی و له من العمر مائة و ستون سنة و دفن بالارض المقدّسة عند قبر ابراهیم علیه السلام فی مزرعة حبرون و هی التی اشتراها ابراهیم علیه السلام کذا روی عن عبد اللّه بن سلام و کذلک العیص و یعقوب دفنا فی تلک المزرعة عند قبر ابراهیم علیه السلام و أما قبر یوسف علیه السلام فهو خارج المغارة فی بطن الوادی*

(ذکر نبذة من قصة یعقوب و یوسف علیهما السلام)

* روی أنه لما بلغ عمر یعقوب ثلاثا و سبعین سنة ولد له
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:132
من راحیل یوسف و لما بلغ یعقوب تسعین سنة فقد عنه یوسف و کان فی فراقه أربعین سنة أو ثمانین سنة قال الثعلبی کان یوسف أبیض اللون حسن الوجه جعد الشعر ضخم العینین و کان أهداب عینیه مثل قوادم النسور مستوی الخلق غلیظ الساقین و الساعدین و العضدین خمیص البطن صغیر السرّة أقنی الانف بخدّه الایمن خال أسود و بین عینیه شامة و کان اذا تبسم رؤی النور فی ضواحکه* و فی المدارک کان فضل یوسف علی الناس فی الحسن کفضل القمر لیلة البدر علی نجوم السماء و کان اذا سار فی أزقة مصر یری تلألؤ وجهه علی الجدران کما یتلألأ نور الشمس وضوء القمر علی الجدران و کان یشبه آدم یوم خلقه ربه و قیل ورث الجمال من جدّته سارة و کانت قد أعطیت سدس الحسن* و فی العرائس قیل انه ورثه من جدّه اسحاق و اسحاق ورث الحسن من سارة و سارة ورثت الحسن من حوّاء علیهم السلام و فی الحدیث أعطی یوسف شطر الحسن* و فی روایة قسم اللّه لیوسف من الحسن و الجمال ثلثی حسن الخلق و قسم بین سائر الخلق الثلث قال وهب بن منبه الحسن عشرة أجزاء تسعة منه لیوسف و واحد منه بین الناس و لما بلغ یوسف ثنتی عشرة سنة رأی فی المنام أحد عشر کوکبا و الشمس و القمر له ساجدین کذا فی تفسیر الحدادی* و قیل کان ابن سبع عشرة سنة و قیل ابن سبع سنین کذا فی لباب التأویل و الکشاف و العرائس* روی جابر أن یهود یا سأل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عن النجوم التی رآها یوسف فقال جریان و کذا فی کتاب الاعلام و لباب التأویل و الطارق و الذیال و قابس و عمودان و الفلیق و المصبح و الضروح و الفرغ و وثاب و ذو الکتفین فقال الیهودی ای و اللّه انها لا سماؤها فأسلم کذا فی الکشاف* و أما أسماء أولاد یعقوب فهی روبیل و هو أکبرهم و شمعون و لاوی و یهوذا و ریالون و یشجر و دینه و أمّ هؤلاء السبعة لیا بنت لیان و هی ابنة خال یعقوب و ولد له من سرّیتین زلفة و بلهه أربعة بنین دان و یفتالی و جاد و آشر ثم توفیت لیا فتزوّج اختها راحیل فولدت له یوسف و بنیامین و ماتت راحیل من نفاس بنیامین و قیل جمع بین الاختین و لم یکن الجمع حینئذ محرما الی زمان موسی و نزول التوراة کذا فی العرائس و قد مرّ فعلی ما فی الکشاف یکون جملة أولاد یعقوب ثلاثة عشر لا اثنی عشر کما لا یخفی بخلاف ما فی العرائس فانه اثنا عشر کما مرّ* و فی أنوار التنزیل ذکر أسامی أولاد یعقوب هکذا روبین بالنون و شمعون و لاوی و یهودا و یشنوخون و زبولون و دونی و لقنونی و کؤدی و أوشیر و بنیامین و یوسف و کان یعقوب شدید الحبّ لیوسف فحسدوه علیه و زادهم حسدا بلوغهم خبر رؤیاه و قالوا ما رضی أن تسجد له اخوته حتی یسجد له أبواه فأجمعوا أن یکیدوا له کیدا فسألوا أباهم أن یرسله معهم لیرتعوا و یلعبوا فتعلل یعقوب بالخوف علیه من أکل الذئب فألحوا و بالغوا حتی أرسله معهم فذهبوا مجمعین علی القائه فی الجب أی البئر و اختلفوا فی مکان الجب* قال وهب و مقاتل هو فی أرض لیزد علی ثلاثة فراسخ من منزل یعقوب و کان معروفا یرد علیه المسافرون و قال قتادة هو بئر بیت المقدس* و فی العرائس کان ذلک الجب بین القدس و طبریة علی قارعة الطریق و کان جبا و حشا مظلما ضیق الفم واسع السفل یهلک من طرح فیه و کان ماؤه مالحا و کان الجب من حفر سام بن نوح و یسمی جب الاخیار قال و لما برزوا الی البریة أظهروا له العداوة و ضربوه و کادوا یقتلونه فمنعهم یهودا فلما أراد و القاءه فی الجب تعلق بثیابهم فنزعوها من یدیه فتعلق بشفیر البئر فربطوا یدیه الی عنقه بعد أن نزعوا عنه قمیصه لیلطخوه بالدم فیحتالوا به علی أبیهم و دلوه فی البئر فلما توسط البئر قطعوا الحبل حتی یسقط و یموت فأخرج اللّه له علی وجه الماء صخرة ململمة لینة کالعجین فسقط علیها کذا فی العرائس* و فی روایة کان فی البئر ماء فسقط فیه ثم أوی الی صخرة فقام علیها و هو یبکی و عن ابن عباس کان یوسف یوم ألقی فی الجب ابن سبع سنین قاله ابن السائب و قال الحسن ابن اثنتی عشرة سنة و قیل ثمانی عشرة سنة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:133
و قد مرّ و مکث فی الجب ثلاثة أیام و کان اخوته یرعون حول البئر و کان یهودا یأتیه بالطعام خفیة و یروی أن ابراهیم حین ألقی فی النار جرد عن ثیابه فأتاه جبریل بقمیص من حریر الجنة فألبسه ایاه فدفعه ابراهیم الی اسحاق و اسحاق الی یعقوب فجعله یعقوب فی تمیمة و علقها فی عنق یوسف فأخرجه جبریل و ألبسه ایاه روی أنهم ذبحوا سخلة و لطخوا قمیصه بدمها و زلّ عنهم أن یمزقوه* و روی أن یعقوب لما سمع بخبر یوسف صاح بأعلی صوته و قال أین القمیص فأخذه و ألقاه علی وجهه و بکی حتی خضب وجهه بدم القمیص و قال تاللّه ما رأیت کالیوم ذئبا أحلم من ذئب أکل ابنی و لم یمزق علیه قمیصه قال بل سوّلت لکم أی زینت و سهلت لکم أنفسکم أمرا عظیما ارتکبتموه فصبر جمیل و اللّه المستعان علی ما تصفون و جاءت سیارة رفقة تسیر من قبل مدین الی مصر و ذلک بعد ثلاثة أیام من القاء یوسف فی الجب فأخطئوا الطریق هائمین فنزلوا قریبا من الجب فی قفر بعید من العمران و کان ماء الجب ملحا فعذب حین ألقی فیه یوسف فأرسلوا واردهم الذی یرد الماء لیستقی للقوم اسمه مالک بن ذعر الخزاعی من العرب العرباء و لم یکن له ولد فسأل یوسف أن یدعو له بالولد فدعا له فرزق اثنی عشر ولدا أعقب کل واحد قبیلة کذا فی کتاب الاعلام فأدلی دلوه لیملأها فتشبث یوسف بالدلو فنزعه فجاء اخوة یوسف و قالوا هذا الغلام لناقد أبق فاشتروه منا و سکت یوسف مخافة أن یقتلوه فباعوه بثمن بخس أی مبخوس ناقص عن القیمة نقصا ظاهرا دراهم معدودة اشارة الی القلة و کانت عادتهم أنهم لا یزنون الا ما بلغ أوقیة و هی أربعون درهما و قال ابن عباس کانت الدراهم المعدودة أربعین درهما کذا فی لباب التأویل و یروی أن اخوته اتبعوهم و قالوا لهم استوثقوا منه لا یأبق و لما ذهبوا الی مصر اشتراه العزیز الذی کان علی خزائن مصر و اسمه قطفیر أو اطفیر* و فی لباب التأویل قال ابن عباس لما دخلوا مصر لقی قطفیر مالک بن ذعر فاشتری یوسف منه بعشرین دینارا و زوج نعل و ثوبین أبیضین* و قال وهب بن منبه قدمت السیارة بیوسف مصر و دخلوا به السوق یعرّضونه للبیع فترافع الناس فی ثمنه حتی بلغ ثمنه وزنه ذهبا و وزنه فضة و وزنه مسکا و وزنه حریرا و کان وزنه أربعمائة رطل و کان عمره حینئذ ثلاث عشرة سنة أو سبع عشرة سنة فابتاعه قطفیر بهذا الثمن انتهی و الملک یومئذ الریان بن الولید العملیقی یعنی من أولاد عملیق بن لاود بن ارم بن سام بن نوح قد آمن بیوسف و مات فی حیاته و قیل کان الملک فی أیام یوسف فرعون موسی و هو مصعب بن ریان أو ابنه ولید بن مصعب عاش أربعمائة سنة و بقی الی زمان موسی بدلیل قوله و لقد جاءکم یوسف من قبل بالبینات و المشهور أن فرعون موسی من أولاد فرعون یوسف من بقایا عاد و الآیة من قبیل خطاب الابناء بأحوال الآباء* و فی کتاب الاعلام کل من ولی مصر و القبط فهو فرعون قال المسعودی لا یعرف تفسیر فرعون بالعربیة و کنیته أبو مرّة و أخوه قابوس بن مصعب هو الذی کان بعد الریان و لما هلک فرعون و قومه فی الیمّ ملکت مصر امرأة یقال لها دلوکة و لها فیها آثار عجیبة و کان فرعون موسی أحمر قصیرا أزرق کما ان أشقی ثمود عاقر ناقة صالح قدار بن سالف کان کذلک*

عجائب فرعون‌

و فی لباب التأویل کان لفرعون أربع عجائب کانت لحیته خضراء ثمانیة أشبار و قامته سبعة أشبار و لحیته أطول منه بشبر و عمره اربعمائة سنة و کان له فرس اذا صعد الجبل قصرت یداه و طالت رجلاه و اذا انحدر یکون علی ضدّ ذلک و کان یجری النیل بأمره کما قال و هذه الانهار تجری من تحتی و لاجل هذه الاربعة ادّعی الربوبیة انتهی و کان فرعون طاغیا عاتیا ادّعی الالوهیة و قال أنا ربکم الاعلی و قال یأیها الملأ ما علمت لکم من إله غیری* و فی الکشاف کان بین القولین أربعون سنة و کان له وزیر یقال له هامان فقال له أوقد لی یا هامان علی الطین و اطبخ الآجر قیل انه أوّل من اتخذ الآجر و بنی به فاجعل لی صرحا قصرا عالیا لعلی أطلع الی إله موسی أنظر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:134
إلیه و أقف علی حاله و انی لأظنه یعنی موسی من الکاذبین فی زعمه ان للارض و الخلق الها غیری و انه رسوله* و فی معالم التنزیل قال أهل التفسیر لما أمر فرعون وزیره ببناء الصرح جمع هامان العمال و الفعلة حتی اجتمع خمسون ألف بناء سوی الاتباع و الاجراء و من یطبخ الآجر و الجص و ینجر الخشب و یضرب المسامیر فرفعوه و شیدوه حتی ارتفع ارتفاعا لم یبلغه بنیان أحد من الخلق و أراد اللّه عز و جلّ أن یفتنهم فیه فلما فرغوا منه ارتقی فرعون فوقه فأمر بنشابة فرمی بها نحو السماء فردّت إلیه و هی متلطخة دما فقال قد قتلت إله موسی و کان فرعون یصعد علی البراذین قیل کانت تقصر ید البراذین حین یصعد و تطول رجلاه وقت الهبوط علی عکس ذلک کما مرّ فتنة من اللّه و استدراجا فبعث اللّه عز و جلّ جبریل جنح غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منها علی عسکر فرعون فقتلت منهم ألف ألف رجل و وقعت قطعة فی البحر و قطعة فی الغرب و لم یبق أحد ممن عمل فیه شیئا الا هلک و فرعون لقب ملک العمالقة و القبط ککسری و قیصر و النجاشی لملوک الفرس و الروم و الحبشة* و فی المدارک یقال لملوک مصر الفراعنة کما یقال لملوک فارس أکاسرة و اسم فرعون قابوس أو الولید بن مصعب بن ریان* و فی العمدة اسم فرعون قابوس و قیل کیکاوس و قیل حقیق أی جدیر انتهی* و فی زمانه بعث شعیب النبیّ علیه السلام الی أولاد مدین بن اسماعیل بن ابراهیم و بعث موسی و هارون علیهما السلام الی فرعون و کان اسمه الولید بن مصعب و کان من أولاد عاد و کان شدّاد أرسله حاکما الی مصر* روی أن یوسف لما اشتراه العزیز کان ابن سبع عشرة سنة و قال الذی اشتراه من مصر یعنی قطفیر من أهل مصر لامرأته و کان اسمها راغیل و قیل زلیخا اکرمی مثواه منزله و مقامه عندک قال ابن مسعود أفرس الناس ثلاثة العزیز فی یوسف حیث قال أکرمی مثواه الی آخره و ابنة شعیب فی موسی حیث قالت یا أبت استأجره الی آخره و أبو بکر فی عمر حیث استخلفه بعده کذا فی لباب التأویل و أقام یوسف فی منزله فی بیت امرأته زلیخا ثلاث عشرة سنة کما مرّ و هی کانت بنت خمس عشرة سنة و عشقت یوسف و راودته التی هو فی بیتها عن نفسه أی طلبت منه المواقعة و تمحلت له من راد یرود اذا جاء و ذهب و غلقت الابواب قیل کانت سبعة و التشدید للتکثیر أو للمبالغة فی ایثاق الابواب و قالت هیت لک أی أقبل و بادر أو تهیأت لک هیت اسم فعل بنی علی الفتح کبناء أین و اللام للتبیین أی لک أقول کما تقول هلمّ لک قال معاذ اللّه انه أی الشأن و الحدیث ربی و سیدی و مالکی یرید قطفیر أحسن مثوای مقامی فلا أخونه فی أهله و لقد همت به و همّ بها قصدت مخالطته و قصد مخالطتها و الهمّ بالشی‌ء قصده و العزم علیه و منه الهمام و هو الذی اذا همّ بشی‌ء أمضاه و لم ینکل عنه* و فی أنوار التنزیل المراد بهمه میل الطبع و منازعة الشهوة لشبق الغلمة لا المیل الاختیاری و ذلک مما لا یدخل تحت التکلیف و الحقیق بالمدح و الاجر الجزیل من اللّه سبحانه و تعالی من یکف نفسه عن الفعل عند قیام هذا الهم الاختیاری أو المراد بهمه مشارفة الهم کقولک قتلته لو لم أخف اللّه لو لا أن رأی برهان ربه فی قبح الزنا و سوء عاقبته و لا یجوز أن یجعل و همّ بها جواب لو لا فانها فی حکم أدوات الشرط و للشرط صدر الکلام فلا یتقدّم علیها جوابها بل الجواب محذوف یدل علیه و هم بها کقولک هممت بقتله لو لا انی خفت اللّه معناه انی لو لا خفت اللّه لقتلته* و فی الکشاف و قد فسرهم یوسف بأنه حل الهمیان و جلس منها مجلس المجامع و بأنه حلّ تکة سراویله و قعد بین شعبها الاربع و هی مستلقیة علی قفاها و فسر البرهان بأنه سمع صوتا ایاک و ایاها فلم یکترث له فسمع ثانیا فلم یعمل به فسمع ثالثا أعرض عنها فلم ینجع فیه حتی مثل له یعقوب عاضا علی أنملته و قیل ضرب بیده فی صدره فخرجت شهوته من أنامله* و قیل ولد لکلّ من ولد یعقوب اثنا عشر ولدا الا یوسف فانه ولد له احد عشر ولدا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:135
من أجل ما نقص من شهوته حین همّ و قیل صیح به یا یوسف لا تکن کطائر کان له ریش فلما زنا أی سفد غیر أنثاه قعد لا ریش له و قیل بدت کف فیما بینهما لیس لها عضد و لا معصم مکتوب فیها و انّ علیکم لحافظین کراما کاتبین فلم ینصرفه ثم رأی فیها و لا تقربوا الزنا انه کان فاحشة و ساء سبیلا فلم ینته ثم رأی فیها و اتقوا یوما ترجعون فیه الی اللّه فلم ینجع فیه فقال اللّه لجبریل أذرک عبدی قبل أن یصیب الخطیئة فانحط جبریل و هو یقول یا یوسف أ تعمل عمل السفهاء و أنت مکتوب فی دیوان الأنبیاء و قیل رأی تمثال العزیز قطفیر و قیل قامت المرأة الی صنم کان هناک فترته و قالت أستحیی أن یرانا فقال یوسف استحییت ممن لا یسمع و لا یبصر و لا أستحیی من السمیع البصیر العلیم بذات الصدور و هذا و نحوه مما یورده أهل الحشو و الجبر الذین دینهم بهت اللّه و أنبیائه و أهل العدل و التوحید لیسوا من مقالاتهم و روایاتهم بسبیل و لو صدرت من یوسف أدنی زلة لنعیت علیه و ذکرت توبته و استغفاره کما نعیت علی آدم علیه السلام زلته و علی داود و علی نوح و علی أیوب و علی ذی النون و ذکرت توبتهم و استغفارهم کیف و قد أثنی اللّه علیه و سماه مخلصا انتهی و استبقا الباب أی ابتدرا إلیه یفرّ منها یوسف فأسرع یرید الباب لیخرج و أسرعت وراءه لتمنعه الخروج أراد بالباب الباب البرّانی الذی هو المخرج من الدار و المخلص فلا یرد أن یقال کیف وجد الباب مفتوحا و قد جمعه فی قوله و غلقت الابواب* روی کعب أنه لما هرب یوسف جعل فراش القفل یتناثر و یسقط حتی خرج من الابواب و قدّت قمیصه من دبر اجتذبته فانقدّ أی انشق طولا حتی هرب منها الی الباب و تبعته تمنعه و ألفیا سیدها أی وجدا زوجها و بعلها و هو قطفیر لدی الباب تقول المرأة لبعلها سیدی و انما لم یقل وجدا سیدهما لان ملک یوسف لم یصح فلم یکن سیدا له علی الحقیقة و قیل ألفیاه مقبلا یرید أن یدخل فنزهت نفسها و قالت ما جزاء من أراد بأهلک سوءا زنا الا أن یسجن أی یحبس أو عذاب ألیم مؤلم بأن یضرب قال یوسف متبرّئا هی راودتنی عن نفسی و شهد شاهد من أهلها ابن عمّ لها* روی أنه کان فی المهد و عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تکلم فی المهد أربعة و هم صغار ابن ماشطة فرعون و شاهد یوسف و صاحب جریج و عیسی و قال نسوة فی المدینة مصر أی قال جماعة من النساء و کنّ خمسا امرأة الساقی و امرأة الخباز و امرأة صاحب الدواب و امرأة صاحب السجن و امرأة الحاجب امرأة العزیز تراود فتاها عبدها عن نفسه قد شغفها حبا تمییز* فی الکشاف شغفها خرق حبه شغاف قلبها حتی وصل الی الفؤاد و الشغاف حجاب القلب و قیل جلدة رقیقة یقال لها لسان القلب فلما سمعت بمکرهنّ بغیبتهنّ و سوء مقالتهنّ و قولهنّ امرأة العزیز عشقت عبدها الکنعانی أرسلت إلیهنّ دعتهنّ* قیل دعت أربعین امرأة فیهنّ الخمس المذکورات و أعتدت أعدّت و هیأت لهنّ متکأ ما یتکئن علیه من نمارق و عن مجاهد متکأ طعاما یحزّ حزا و قرئ متکا بغیر همز و هو الاترج* و قال وهب أترجا و موزا و بطیخا و آتت أعطت کل واحدة منهنّ سکینا و قالت لیوسف اخرج علیهنّ فلما رأینه أکبرنه أعظمنه و قطعن جرحن أیدیهنّ بالسکاکین و لم یشعرن بالالم لشغل قلبهنّ بیوسف و قلن حاش للّه تنزیها له اللام للتبیین نحو قولک سقیا لک ما هذا أی یوسف بشرا ان هذا ما هذا الا ملک کریم قالت امرأة العزیز لما رأت ما حلّ بهنّ فذلکنّ الذی لمتننی فیه فی حبه بیان لعذرها و لقد راودته عن نفسه فاستعصم فامتنع و لئن لم یفعل ما آمره أی ما آمر به فحذف الجار و الضمیر للموصول أو أمری ایاه ای موجب أمری و مقتضاه علی أن ما مصدریة لیسجننّ و لیکونا من الصاغرین من الذلیلین قلن له أطع مولاتک و لم یطعها فسجن بسببها سبع سنین علی قول الجمهور و دخل معه السجن فتیان عبدان للملک شرابیه و خبازه بتهمة السم* و فی کتاب الاعلام اسم أحدهما شرهم و الآخر برهم فتحا لما فقال الشرابیّ انی رأیت کأنی فی بستان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:136
فاذا بأصل حبلة علیها ثلاثة عنا قید من عنب فقطفتها و عصرتها فی کأس الملک و سقیته و قال الخباز رأیت کان فوق رأسی ثلاث سلال فیها أنواع الاطعمة فاذا سباع الطیر تنهش منها فقالا له نبئنا بتأویله فأوّل یوسف رؤیا الشرابی بأنه یعود الی عمله و یسقی سیده خمرا و أوّل رؤیا الخباز بأنه یقتل* روی أنه قال للاوّل ما رأیت من الکرمة هو الملک و حسن حالک عنده و أما القضبان الثلاثة فانها ثلاثة أیام تمضی فی السجن ثم تخرج و تعود الی ما کنت علیه من عملک اذکرنی و صفنی عند الملک بصفتی و قص علیه قصتی لعله یرحمنی و یخلصنی من هذه الورطة و فی الحدیث رحم اللّه أخی یوسف لو لم یقل اذکرنی عند ربک لما لبث فی السجن سبعا و قال للثانی ما رأیت من السلال الثلاث ثلاثة أیام ثم تخرج و تقتل و کان أمرهما کما قال* و لما دنا فرج یوسف رأی ملک مصر الریان بن الولید رؤیا عجیبة هالته رأی سبع بقرات سمان خرجن من نهر یابص و سبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان و رأی سبع سنبلات خضر انعقد حبها و سبعا أخر یابسات قد استحصدت و أدرکت فالتوت الیابسات علی الخضر حتی غلبن علیها فاستعبرها الملک و قال یأیها الملأ أفتونی فی رؤیای فلم یجد فی قومه من یحسن عبارتها و قالوا أضغاث أحلام أی تخالیط منامات باطلة و لیس لنا بها علم و لما استفتی الملک فی رؤیاه و أعضل علی الملأ تأویلها و عجزوا عنها تذکر الناجی بعد مدّة طویلة یوسف و تأویله رؤیاه و رؤیا صاحبه و طلبه إلیه أن یذکره عند الملک فقال أنا اخبرکم بمن عنده تأویلها فأرسلوه فانطلق الی یوسف و قص علیه رؤیا الملک و استعبره فقال أیها الصدّیق أفتنا فی سبع بقرات سمان الی آخر ما رآه الملک فتأوّل یوسف البقرات السمان و السنبلات الخضر بسنین مخاصیب و العجاف و الیابسات بسنین مجدبة ثم بشرهم بعد الفراغ من تأویل الرؤیا بأن العام الثامن یجی‌ء مبارکا کثیرا لخیر غزیر النعم و ذلک بعد أربع عشرة سنة من وقت استفتاء الرؤیا* قیل کان ابتداء بلاء یوسف فی الرؤیا ثم کان سبب نجاته أیضا الرؤیا فلما رجع المستعبر الی الملک بخبر یوسف و تأویله الرؤیا قال ائتونی به استخلصه لنفسی فجاءه الرسول لیخرجه من السجن و کان معه سبعون حاجبا و سبعون مرکبا و بعث الملک إلیه لباس الملوک فقال أجب الملک فخرج من السجن و دعا لاهله فقال اللهم أعطف علیهم قلوب الاخیار و لا تعمّ علیهم الاخبار فهم أعلم الناس بالاخبار فی الواقعات و کتب علی باب السجن هذه منازل البلوی و قبور الاحیاء و شماتة الاعداء و تجربة الاصدقاء ثم اغتسل و تنظف من درن السجن و لبس ثیابا جددا فلما دخل علی الملک قال اللهم انی اسألک بخیرک من خیره و أعوذ بعزتک و قدرتک من شرّه ثم سلم علیه و دعا له بالعبرانیة فقال ما هذا اللسان قال لسان آبائی و کان الملک یتکلم بسبعین لسانا فکلمه بها فأجابه بجمیعها فتعجب منه فقال أیها الصدّیق انی أحب أن اسمع رؤیای منک قال رأیت بقرات فوصف لونهنّ و أحوالهنّ و مکان خروجهنّ و وصف السنابل و ما کان منها علی الهیئة التی رآها الملک و قال من حقک أن تجمع الطعام بالاهراء فیأتیک الخلق من النواحی و یمتارون منک و یجتمع لک من الکنوز ما لم یجتمع لاحد قبلک قال الملک و من لی بهذا الامر و من یجمعه قال یوسف اجعلنی علی خزائن الارض أی ولنی خزائن أرضک یعنی مصر* و فی الحدیث رحم اللّه أخی یوسف لو لم یقل اجعلنی علی خزائن الارض لاستعمله من ساعته و لکنه أخر ذلک سنة* روی أن الملک توجه و ختمه بخاتمه و رداه بسیفه و وضع له سریرا من ذهب مکللا بالدرّ و الیاقوت فقال له أما السریر فاشدد به ملکک و أما الخاتم فدبر به أمرک و أما التاج فلیس من لباسی و لا من لباس آبائی فاستوزره الریان و هو ابن ثلاثین سنة أو ثلاث و ثلاثین سنة قیل توفی جدّه اسحاق حینئذ و عمره مائة و ثمانون سنة و کان ضریرا و دفن عند قبر أبیه و أوتی یوسف الحکمة و العلم و هو ابن ثلاث و ثلاثین سنة* و فی تفسیر الحدّادی فی قوله تعالی و لما بلغ أشدّه قال ابن عباس و لما بلغ ثمانی عشرة سنة آتیناه النبوّة و لما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:137
استوزر دانت له الملوک و فوّض إلیه الامر و کان الملک کالتابع له یصدر عن رأیه و لا یعترض علیه فی کل ما رأی و عزل قطفیر ثم مات قطغیر بعده فزوّجه الملک امرأته زلیخا فلما دخل علیها قال لها أ لیس هذا خیرا مما طلبت فوجدها عذراء و کان العزیز عنینا فولدت لیوسف ولدین إفرائیم و میشا و ولد لأفرائیم نون و لنون یوشع فتی موسی و أقام یوسف العدل بمصر و أحبه الرجال و النساء و أسلم علی یدیه الملک و کثیر من الناس و باع من أهل مصر فی سنی القحط الطعام بالدراهم و الدنانیر فی السنة الاولی حتی لم یبق معهم شی‌ء منها ثم بالحلی و الجواهر فی السنة الثانیة ثم بالدواب فی الثالثة ثم بالعبید و الاماء فی الرابعة ثم بالدور و العقار فی الخامسة ثم بأولادهم فی السادسة ثم برقابهم فی السابعة حتی استرقهم جمیعا ثم أعتق أهل مصر عن آخرهم و ردّ علیهم أملاکهم و کان لا یبیع لاحد من الممتارین أکثر من حمل بعیر و أصاب أهل کنعان ما أصاب أهل مصر من الجهد فأرسل یعقوب بنیه لیمتاروا منها فجاء اخوة یوسف فدخلوا علیه فعرفهم و هم له منکرون لتبدّل الزیّ أو لانه کان وراء حجاب أو لطول المدّة و هی أربعون سنة* روی أنه لما رآهم تکلموا بالعبرانیة قال لهم أخبرونی من أنتم و ما شأنکم قالوا نحن قوم رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال لعلکم جئتم عیونا تنظرون عورة بلادی قالوا معاذ اللّه نحن بنو نبی حزین لفقد ابن کان أحبنا إلیه و قد أمسک اخاله من أمه یستأنس به فقال ائتونی به ان صدقتم و قال و من یشهد لکم انکم لستم بعیون و ان الذی تقولون حق قالوا اننا ببلاد لا یعرفنا فیها أحد فیشهد قال فدعوا بعضکم عندی رهینة و ائتونی بأخ لکم من أبیکم و هو یحمل رسالة ابیکم حتی أصدّقکم فاقترعوا عودا فیهم فأصابت القرعة شمعون و کان أحسنهم رأیا فی یوسف فخلفوه عنده و جهزهم و أعطی کل واحد حمل بعیر و قال ائتونی بأخ لکم من أبیکم قالوا سنراود عنه أباه أی سنخادعه و نحتال علیه حتی ننزعه من یده فلما رجعوا الی أبیهم بالطعام و أخبروه بما فعل یوسف قالوا یا أبانا منع منا الکیل فأرسل معنا أخانا نکتل و إنا له لحافظون عن ان یناله مکروه قال هل آمنکم علیه الا کما أمنتکم علی أخیه من قبل و قال لن ارسله معکم حتی تؤتونی موثقا عهدا من اللّه بأن تحلفوا لی باللّه لتأتننی به الا أن یحاط بکم و تغلبوا فلم تطیقوا به فلما آتوه موثقهم و حلفوا باللّه رب محمد دفع بنیامین إلیهم و قال اللّه علی ما نقول وکیل و قال فاللّه خیر حفظا و هو أرحم الراحمین* قال کعب لما قال فاللّه خیر حفظا قال اللّه بعزتی و جلالی لاردّن علیک کلیهما و وصاهم أن لا یدخلوا من باب واحد بل یدخلوا من أبواب متفرّقة الجمهور علی أنه خاف علیهم العین لجمالهم و جلالة أمرهم فالعین حق وجوده بأن یحدث اللّه عند النظر الی الشی‌ء و الاعجاب به نقصانا فیه و خللا* و قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان العین لتدخل الجمل القدر و الرجل القبر و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یعوّذ الحسن و الحسین فیقول أعیذ کما بکلمات اللّه التامة من کل شیطان و هامة و من کل عین لامّة فلما دخلوا علی یوسف قالوا له هذا أخونا قد جئنا به قال أحسنتم و آوی و ضم إلیه أخاه بنیامین فأنزلهم و أحسن مثواهم و أضافهم و أکرم نزلهم و مقراهم و أجلس کل اثنین منهم علی مائدة فبقی بنیامین وحده فبکی و قال لو کان أخی یوسف حیا لأجلسنی معه فقال یوسف بقی أخوکم وحیدا فأجلسه معه علی مائدته و جعل یواکله و قال أ تحب أن أکون أخاک بدل أخیک الهالک قال من یجد أخا مثلک و لکن لم یلدک یعقوب و لا راحیل فبکی یوسف و عانقه و قال انی أنا أخوک یوسف فلا تبتئس و لا تحزن بما کانوا یعملون بنا فیما مضی فان اللّه قد أحسن إلینا و جمعنا علی خیر و لا تعلّمهم بما أعلمتک* روی أن بنیامین قال لیوسف فأنا لا أفارقک قال یوسف قد علمت اغتمام والدی بی فاذا حبستک ازداد غمه و لا سبیل الی ذلک الا أن أنسبک الی ما لا یجمل قال لا أبالی افعل ما بدا لک قال فانی أدس صاعی فی رحلک ثم أنادی علیک بأنک سرقته لیتهیأ لی
ردّک بعد تسریحک معهم قال افعل فلما جهزهم بجهازهم و هیأ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:138
أسبابهم و أوفی الکیل لهم جعل السقایة یعنی مشربة یسقی بها و هی الصواع قیل کان یسقی بها الملک ثم جعلت صاعا یکال بها العزة الطعام و کان یشبه الطاس من فضة أو ذهب فدسوه فی رحل بنیامین* روی أنهم ارتحلوا و أمهلهم یوسف حتی انطلقوا ثم أمر بهم فأدرکوا و حبسوا ثم نادی مناد أیتها العیر و هی الابل التی علیها الاحمال لانها تعیر أی تذهب و تجی‌ء و المراد أصحاب العیر انکم لسارقون کنایة عن سرقتهم ایاه من أبیه قالوا و أقبلوا علیهم ما ذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملک و لمن جاء به حمل بعیر قال المؤذن و أنا به زعیم یرید أنا بحمل البعیر کفیل أؤدّیه الی من جاء به و أراد وسق بعیر من طعام جعلا لمن حصله قالوا تاللّه قسم فیه معنی التعجب مما نسب إلیهم ما جئنا لنفسد فی الارض* روی أنهم حین دخلوا کان أفواه رواحلهم مشدودة لئلا تتناول زرعا أو طعاما لاحد من أهل السوق و ما کنا سارقین قالوا فما جزاء الصواع أی سرقته ان کنتم کاذبین فی جحودکم و ادعائکم البراءة منها قالوا جزاء سرقته أخذ من وجد فی رحله و کان حکم السارق فی آل یعقوب أن یسترق سنة فبدأ بتفتیش أوعیتهم قبل وعاء أخیه بنیامین لنفی التهمة حتی بلغ وعاء فقال ما أظنّ هذا أخذ شیئا فقالوا و اللّه لا یترک حتی تنظر فی رحله فانه أطیب لنفسک و أنفسنا ثم استخرج الصواع من وعاء أخیه قالوا ان یسرق فقد سرق أخ له من قبل أرادوا یوسف قیل دخل کنیسة فأخذ تمثالا صغیرا من ذهب کانوا یعبدونه فدفنه و قیل کان فی المنزل دجاجة فأعطاها السائل و قیل کانت منطقة لإبراهیم یتوارثها أکابر ولده فورثها اسحاق ثم وقعت الی ابنته و کانت أکبر أولاده فحضنت یوسف و هی عمته بعد وفاة أمه و کانت لا تصبر عنه فلما شب أراد یعقوب أن ینتزعه منها فعمدت الی المنطقة فحزمتها علی یوسف تحت ثیابه و قالت قد فقدت منطقة اسحاق فانظروا من أخذها ففتشوا فوجدوها محزومة علی یوسف فقالت انه لی سلم أفعل به ما شئت فحلاه یعقوب عندها حتی ماتت یقال فلان سلم فی أیدی بنی فلان أی أسیر* و روی أنهم لما استخرجوا الصواع من رحل بنیامین نکس اخوته رءوسهم حیاء و أقبلوا علیه فقالوا له فضحتنا و سوّدت وجوهنا یا بنی راحیل ما یزال لنا منکم بلاء متی أخذت هذا الصواع فقال بنو راحیل لا یزال منکم علیهم بلاء ذهبتم بأخی فأهلکتموه فأسرّ یوسف فی نفسه مقالتهم قد سرق أخ له من قبل و تغافل عنها کأن لم یسمعها و لما أخذ بنیامین بعلة السرقة قالوا له یأیها العزیز ان له أبا شیخا کبیرا فخذ أحدنا مکانه أی بدله فأبی و قال معاذ اللّه أن نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فلما استیأسوا من یوسف و اجابته انفردوا عن الناس متناجین فی تدبیر أمرهم علی أیّ صفة یذهبون و ما ذا یقولون لابیهم فی شأن اخیهم قال کبیرهم فی السنّ و هو روبیل أو فی العقل و هو یهوذا أو رئیسهم و هو شمعون أ لم تعلموا أن أباکم قد أخذ علیکم موثقا من اللّه و من قبل ما فرّطتم و قصرتم فی شأن یوسف فلن أبرح الارض أی لن أفارق أرض مصر حتی یأذن لی أبی فی الانصراف إلیه أو یحکم اللّه لی فی الخروج منها او بالموت او بقتالهم ارجعوا الی ابیکم فقولوا یا أبانا ان ابنک سرق و ما شهدنا علیه بالسرقة الا بما علمنا من سرقته و ما کنا للغیب حافظین أی ما علمنا انه سیسرق حین أعطیناک المواثیق و اسأل اهل مصر عن کنه القصة و اصحاب العیر و کانوا قوما من کنعان من جیران یعقوب و انا لصادقون فی قولنا فرجعوا الی ابیهم فقالوا له ما قال لهم اخوهم قال یعقوب بل سوّلت و سهلت لکم أنفسکم أمرا أردتموه و الا فمن أدری ذلک الرجل ان السارق یسترق لو لا فتواکم و تعلیمکم فصبر جمیل عسی اللّه أن یأتینی بهم جمیعا أی بیوسف و اخیه و کبیرهم و تولی و أعرض عنهم کراهة لما جاءوا به و قال یا اسفا علی یوسف الاسف اشدّ الحزن و الحسرة و الالف بدل عن یاء الاضافة و ابیضت عیناه من الحزن أی اذا کثر الاستعبار محقت العبرة سواد العین و قلبته الی بیاض کدر قیل قد عمی بصره و قیل یدرک ادراکا ضعیفا قیل ما جفت عینا یعقوب من وقت فراق یوسف الی حین لقائه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:139
ثمانین سنة أو أربعین سنة کذا فی المدارک* و فی الکشاف عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انه سأل جبریل ما بلغ من وجد یعقوب علی یوسف قال وجد سبعین ثکلی قال فما کان له من الاجر قال اجر مائة شهید و ما ساء ظنه باللّه ساعة قط* و فی الکشاف عن الحسن انه بکی علی ولده او غیره فقیل له فی ذلک فقال ما رأیت اللّه جعل الحزن عارا علی یعقوب و یجوز للنبیّ ان یبلغ به الجزع ذلک المبلغ لان الانسان مجبول علی ان لا یملک نفسه عند الحزن فلذلک حمد صبره و لقد بکی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی ولده ابراهیم و قال القلب یجزع و العین تدمع و لا نقول ما یسخط الرب و انا علیک یا ابراهیم لمحزونون و انما المذموم الصیاح و النیاح و لطم الصدور و الوجوه و تمزیق الثیاب* قیل ان یعقوب اشتری جاریة مع ولدها فباع ولدها فبکت حتی عمیت و روی انه رأی ملک الموت فی منامه فسأله هل قبضت روح یوسف فقال لا و اللّه هو حیّ فاطلبه و علمه هذا الدعاء* یا ذا المعروف الدائم الذی لا ینقطع معروفه ابدا و لا یحصیه غیره فرّج عنی* فقال یا بنیّ اذهبوا فتحسسوا من یوسف و اخیه و لا تیأسوا من روح اللّه أی لا تقنطوا من رحمة اللّه فخرجوا من عند أبیهم راجعین الی مصر فلما دخلوا علی یوسف قالوا یأیها العزیز مسنا و اهلنا الضرّ الهزال من شدّة الجوع و جئنا ببضاعة مزجاة حقیرة یدفعها کل تاجر رآها رغبة عنها و احتقارا لها قیل کانت دراهم زیوفا لا تؤخذ الا بوضیعة و قیل کانت صوفا و سمنا فأوف لنا الکیل و تصدّق علینا و لما قالوا مسنا و اهلنا الضرّ و تضرّعوا إلیه و طلبوا أن یتصدّق علیهم ارفضت عیناه و لم یتمالک أن عرّفهم نفسه حیث قال هل علمتم ما فعلتم بیوسف و أخیه اذ أنتم جاهلون و قیل أدّوا إلیه کتاب یعقوب من یعقوب اسرائیل اللّه بن اسحاق ذبیح اللّه بن ابراهیم خلیل اللّه الی عزیز مصر أما بعد فانا أهل بیت موکل بنا البلاء فأما جدّی فشدّت یداه و رجلاه و رمی به فی النار لیحرق فنحاه اللّه و جعلت النار بردا و سلاما و أما أبی فوضع السکین فی قفاه لیقتل ففداه اللّه و أما أنا فکان لی ابن و کان أحب اولادی فذهب به اخوته الی البریة ثم أتوا بقمیصه ملطخا بالدم و قالوا قد أکله الذئب فذهبت عینای من بکائی علیه ثم کان لی ابن و کان أخاه من أمه و کنت أتسلی به فذهبوا به ثم رجعوا و قالوا انه سرق و انک حبسته و انا أهل بیت لا نسرق و لا نلد سارقا فان رددته علیّ و الا دعوت علیک دعوة تدرک السابع من ولدک و السلام* فلما قرأ یوسف الکتاب لم یتمالک و عیل صبره فقال لهم هل علمتم ما فعلتم بیوسف و أخیه* و روی أنه لما قرأ الکتاب بکی و کتب الجواب اصبر کما صبروا تظفر کما ظفروا* و فی روایة مکتوب یعقوب أخصر مما ذکر کتب بسم اللّه الرحمن الرحیم من یعقوب اسرائیل اللّه بن اسحاق ذبیح اللّه بن ابراهیم خلیل اللّه الی العزیز ریان أما بعد فانا أهل بیت مولع بنا البلاء أما جدّی ابراهیم خلیل اللّه ابتلی بالنار فأنجاه اللّه و اما أبی اسحاق ابتلی بالذبح ففداه اللّه و أما أنا فکان لی قرّة عین من أولادی ابتلیت بفراقه حتی عمیت و کان له أخ کلما هاج بی شوقی ضممته الی صدری و الآن محبوس عندک بعلة السرقة و اعلم انی لا أکون سارقا و لا ألد سارقا فان تفضلت بردّه فلک فی ذلک الاجر و الثواب یوم الحساب و کتب یوسف فی جوابه بعبارة أطول مما ذکر قیل کان باملاء جبریل کتب بسم اللّه الرحمن الرحیم کتابی هذا الی یعقوب اسرائیل اللّه بن ذبیح اللّه بن خلیل اللّه من العزیز ریان أما بعد فقد وصل الیّ کتابه بما وصف من حال آبائه و بلائه و ابتلائه بفراق اولاده فوقفت علیه فعلیه بالصبر الجمیل أما جدّک ابراهیم ابتلی بالنار صبر فظفر و أما أبوک اسحاق ابتلی بالذبح صبر فظفر و أنت ابن الصابرین فاصبر کما صبروا تظفر کما ظفروا و السلام علی من اتبع الهدی و معنی فعلهم بأخی یوسف تعریضهم ایاه للغم بافراده عن أخیه لابیه و أمه و ایذائهم ایاه بأنواع الاذی قال اخوة یوسف أ إنک لانت یوسف قال أنا یوسف و هذا أخی قد منّ الله
علینا الآن بالالفة بعد الفرقة قالوا تاللّه لقد آثرک اللّه علینا أی اختارک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:140
و فضلک علینا بالعلم و التقوی و الصبر و الحسن و ان کنا لخاطئین قال لا تثریب علیکم الیوم یغفر اللّه لکم و هو أرحم الراحمین* روی ان اخوة یوسف لما عرفوه أرسلوا إلیه انک تدعونا الی طعامک بکرة و عشیا و نحن نستحیی منک لما فرط منافیک فقال یوسف ان اهل مصر و ان ملکت فیهم فانهم ینظرون الیّ بالعین الاولی و یقولون سبحان من بلغ عبدا بیع بعشرین درهما ما بلغ و لقد شرفت الآن بکم حیث علم الناس أنی من حفدة ابراهیم اذهبوا بقمیصی هذا قیل هو القمیص المتوارث الذی کان فی تعویذ یوسف و کان من الجنة أمره جبریل أن یرسله الی ابیه فان فیه ریح الجنة لا یقع علی مبتلی و لا سقیم إلا عوفی قال فألقوه علی وجه أبی یأت بصیرا أی یأت الیّ و هو بصیر قال یهوذا أنا احمل قمیص الشفاء کما ذهبت بقمیص الجفاء قیل حمله و هو خاف حاسر من مصر الی کنعان و بینهما ثمانون فرسخا و قال لهم یوسف ائتونی بأهلکم اجمعین لینعموا بآثار ملکی کما اغتموا بأخبار هلکی و لما فصلت العیر و خرجت من عریش مصر قال ابوهم و هو فی کنعان لولد ولده و من حوله من قومه انی لأجد ریح یوسف لو لا أن تفندون أوجد اللّه ریح القمیص حین اقبل من مسیرة ثمانیة ایام فلما أن جاء البشیر و هو یهوذا ألقی القمیص علی وجهه فارتدّ بصیرا* و روی أن یعقوب سأل البشیر کیف یوسف فقال هو ملک مصر قال ما أصنع بالملک علی أیّ دین ترکته قال علی دین الاسلام قال الآن تمت النعمة ثم ان یوسف وجه الی ابیه جهازا و مائتی راحلة لیتجهز هو و من معه فلما بلغ قریبا من مصر خرج یوسف و الملک فی أربعة آلاف من الجند و العظماء و أهل مصر بأجمعهم فتلقوا یعقوب و هو یمشی و یتوکأ علی یهوذا فلما دخلوا علی یوسف و ذلک قبل دخولهم مصر حین استقبلهم نزل بهم فی مضرب أو قصر کان له ثمة فدخلوا علیه آوی إلیه ابویه أی ضمهما و اعتنقهما إلیه قیل کانت أمه باقیة و قیل کانت أمه ماتت و تزوّج یعقوب خالته و الخالة أمّ کما ان العمّ أب* روی انه لما لقیه یعقوب قال السلام علیک یا مذهب الاحزان قال له یوسف بعد ردّ السلام علیه یا ابت بکیت علیّ حتی ذهب بصرک أ لم تعلم أن القیامة تجمعنا فقال بلی و لکن خشیت ان یسلب دینک فیحال بینی و بینک* قیل ان یعقوب و ولده دخلوا مصر و هم اثنان و سبعون ما بین رجل و امرأة و خرجوا منها مع موسی و مقاتلتهم ستمائة ألف و خمسمائة و بضعة و سبعون رجلا سوی الذرّیة و الهرمی و کانت الذرّیة ألف ألف و مائتی ألف و لما دخلوا مصر و جلس یوسف فی مجلسه مستویا علی سریره و اجتمعوا إلیه أکرم أبویه فرفعهما علی السریر و خرّوا له سجدا یعنی الاخوة الاحد عشر و الابوین* ذکر المفسرون ان اللّه أحیا أمّ یوسف تحقیقا لرؤیاه و اللّه علی کل شی‌ء قدیر و کانت السجدة عندهم جائزة جاریة مجری التحیة و التکرمة کالقیام و المصافحة و تقبیل الیدین قال الزجاج کانت سنة التعظیم فی ذلک الوقت أن یسجد للمعظم و قیل کانت الانحناء دون تعفیر الجبهة و خرورهم سجدا یأباه و قیل خرّوا لاجل یوسف سجدا للّه شکرا و فیه أیضا نبوة و اختلف فی استنبائهم و قال یوسف یا أبت هذا تأویل رؤیای من قبل قد جعلها ربی حقا صادقة و کان بین الرؤیا و بین التأویل أربعون سنة و هو قول ابن عباس و أکثر المفسرین أو ثمانون سنة و هو قول الحسن البصری و سیجی‌ء و قیل ست و ثلاثون و قیل اثنتان و عشرون سنة* قال مجاهد أخرج یوسف من عند یعقوب و هو ابن ست سنین و جمع بینهما و هو ابن أربعین سنة* و عن الحسن قال ألقی یوسف فی الجبّ و هو ابن سبع عشرة سنة و کان فی العبودیة ثمانین سنة و عاش بعد ذلک ثمانیة و عشرین سنة و توفی و هو ابن مائة و عشرین سنة کذا فی العرائس* قال و أقام یعقوب مع یوسف أربعا و عشرین سنة بأغبط حال و أهنأ عیش و أتم سرور و قیل سبع عشرة سنة ثم حضرته الوفاة و أوصی یوسف أن یحمله الی الشام و یدفنه فی الارض المقدّسة عند أبیه وجده ففعل ذلک و جعله فی تابوت من ساج و حمله الی بیت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:141
المقدس و خرج معه یوسف و عظماء أهل مصر و وافق یوم موته یوم موت أخیه عیص فدفنا فی قبر واحد و کان عمرهما جمیعا مائة و سبعة و أربعین سنة و کانا توأمین ولدا فی یوم واحد و ماتا فی یوم واحد و قبرا فی قبر واحد ثم عاد یوسف الی مصر و عاش بعد أبیه ثلاثا و عشرین سنة کما مرّ قاله الثعلبی فی العرائس و القاضی البیضاوی فی أنوار التنزیل و کذا فی المدارک فلما تم أمر یوسف طلبت نفسه الملک الدائم فتمنی الموت قیل ما تمناه نبیّ قبله و لا بعده فقال رب قد آتیتنی من الملک و علمتنی من تأویل الاحادیث فاطر السموات و الارض أنت ولیی فی الدنیا و الآخرة توفنی مسلما و ألحقنی بالصالحین فلما حضرته الوفاة جمع قومه من بنی اسرائیل و عرّفهم بحضور أجله و کانوا ثمانین رجلا فقالوا له یا نبیّ اللّه انا نحب أن تعلمنا بما یؤول إلیه أمرنا بعد خروجک من بین أظهرنا فی أمر دیننا و ملتنا قال لهم یوسف ان امورکم لم تزل مستقیمة علی ما أنتم علیه من أمر دینکم حتی یظهر علیکم رجل جبار من القبط یدّعی الربوبیة فیقهرکم و یغلبکم و یذبح أبناءکم و یستحیی نساءکم و یسومکم سوء العذاب و تمدّ أیامه أیاما مدیدة ثم یخرج من بنی اسرائیل من ولد أخی لاوی رجل اسمه موسی بن عمران رجل جعد الشعر آدم اللون فینجیکم اللّه تعالی به من أیدی القبط قال فجعل کل رجل من بنی اسرائیل یسمی ولده عمران رجاء أن یکون ذلک النبیّ منه‌

دیک یوسف‌

قالوا و کان لیوسف دیک قد عمر خمسمائة سنة فقال لهم یوسف یستقیم أمرکم ما دام هذا الدیک یصرخ فیکم فاذا ولد هذا الجبار سکت فلا یصرخ مدّة ولایته حتی اذا انقضت أیامه و أذن بمولد هذا النبیّ صرخ کما کان یصرخ أوّلا فذلک علامة انقضاء ملکه و ظهور نبیّ اللّه فی الارض قال فلم یزالوا علی ما هم علیه الی أن سکت صراخ الدیک فوجموا و اکتأبوا و انهدمت أرکان دینهم و طلع ما أعلمهم به یوسف من ولادة الجبار و ظهوره فاعتزلوا الدیک و اجمعین الی أن عاد الدیک الی صراخه فاستبشروا و فرحوا و تصدّقوا و أیقنوا بالفرج و کان یوسف علیه السلام قد أوصی قبل موته أخاه یهوذا و استخلفه علی بنی اسرائیل و لما توفاه اللّه طیبا طاهرا بروح و ریحان تخاصم فیه أهل مصر و تشاحوا فی دفنه کلّ یحب أن یدفن فی محلتهم حتی هموا بالقتال فاجتمع رأیهم علی أن یعملوا له صندوقا من مرمر و یجعلوه فیه و یدفنوه فی النیل بمکان یمرّ علیه الماء ثم یصل الی مصر لیکونوا سواء فی الانتفاع ببرکته ففعلوا و قد توارثت الفراعنة من العمالیق بعد یوسف و لم تزل بنو اسرائیل تحت أیدیهم علی بقایا دین یوسف و آبائه و لم یزل یوسف مدفونا فی النیل حتی استخرجه موسی و بینهما أربعمائة سنة و حمله الی الشام حین خرج ببنی اسرائیل من مصر و دفنه بأرض کنعان خارج الحصن حیث هو الیوم فلذلک تنقل الیهود موتاهم الی الشام کذا فی عرائس الثعلبی* و سبب استخراجه أنه لما دنا هلاک فرعون أمر اللّه تعالی موسی علیه السلام ان یسری ببنی اسرائیل لیلا فأمر موسی قومه أن یسرجوا فی بیوتهم السرج حتی الصبح و ألقی اللّه الموت علی القبط فمات کل بکر لهم فاشتغلوا بدفنهم حین أصبحوا حتی طلعت الشمس و خرج موسی فی ستمائة ألف و عشرین ألف مقاتل لا یعدّون ابن العشرین لصغره و لا ابن الستین لکبره* و عن ابن مسعود رضی اللّه عنه کان أصحاب موسی ستمائة ألف مقاتل و سبعین ألفا و عن عمرو بن میمون قال کانوا ستمائة ألف مقاتل و کان یعقوب و أهل بیته یوم دخول مصر سبعین نفسا و بین دخول یعقوب و أهله مصر و بین خروج بنی اسرائیل منها علی ما قیل أربعمائة سنة و ست و ثلاثون سنة فلما أرادوا السیر ضرب علیهم التیه فلم یدروا أین یذهبون*

نقل صندوق یوسف‌

و فی العرائس لما خرجوا من مصر أظلمت علیهم الارض و تاهوا و ضلوا عن الطریق فسأل موسی مشایخ بنی اسرائیل و علماءهم عن ذلک فقالوا ان یوسف علیه السلام لما حضره الموت أخذ علی اخوته عهدا أن لا یخرجوا من مصر حتی یخرجوه معهم* و فی العمدة أوصی أن لا یخرجوا حتی ینقلوا عظامه معهم قالوا فلذلک انسدّ علیهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:142
الطریق فسألهم عن موضع قبره فلم یعلموا فقام موسی ینادی أنشدکم اللّه کل من یعلم قبر یوسف الا أخبرنی به و من لم یعلم فصمت اذناه عن قولی فکان یمرّ بین الرجلین ینادی فلا یسمعان صوته حتی سمعته عجوز یقال لها مریم بنت ما موسی فقالت أ رأیتک ان دللتک علی قبره أ تعطینی کل ما سألتک فأبی علیها فقال حتی أسأل ربی فأمره اللّه بایتاء سؤلها فقالت انی عجوز کبیرة لا أستطیع المشی ما حملنی و أخرجنی من مصر هذا فی الدنیا و أما فی الآخرة فاسألک أن لا تنزل غرفة من الجنة الا نزلتها معک قال نعم قالت انه فی جوف الماء فی النیل فادفع اللّه حتی یحسر عنه الماء فدعا اللّه فحسر عنه الماء و دعا أن یؤخر طلوع الفجر الی أن یفزغ من أمر یوسف فحفر موسی ذلک الموضع و استخرجه فی صندوق من مرمر و حمله حتی دفنه بالشام فلما أخرج التابوت ظهر الضوء و فتح لهم الطریق فاهتدوا و ساروا و موسی علی ساقتهم و هارون علی مقدّمتهم و علم بهم فرعون فجمع قومه و أمرهم أن لا یخرجوا فی طلب بنی اسرائیل حتی یصیح الدیک فو اللّه ما صاح دیک تلک اللیلة فخرج فرعون فی طلب بنی اسرائیل و علی مقدّمته هامان فی ألف ألف و ستمائة ألف و کان فیهم سبعون ألفا من دهم الخیل سوی سائر الشباب فکان فرعون یکون فی الدهم و قیل کان فرعون فی سبعة آلاف ألف و کان بین یدیه مائة ألف ناشب و مائة ألف أصحاب حراب و مائة ألف أصحاب اعمدة فسارت بنو اسرائیل حتی وصلوا الی البحر و الماء فی غایة الزیادة و نظروا فاذا هم بفرعون حین أشرقت الشمس فبقوا متحیرین و قالوا یا موسی کیف نصنع و أین ما وعدتنا هذا فرعون خلفنا ان أدرکنا قتلنا و البحر أمامنا ان دخلناه غرقنا قال اللّه تعالی فلما تراءی الجمعان قال أصحاب موسی انا لمدرکون قال موسی کلا ان معی ربی سیهدین فأوحی اللّه إلیه أن اضرب بعصاک البحر فضربه فلم یطعه فأوحی اللّه إلیه أن کنه فضربه و قال انفلق ابا خالد باذن اللّه فانفلق فکان کل فرق کالطود العظیم فظهر فیه اثنا عشر طریقا لکل سبط طریق و ارتفع الماء بین کل طریقین کالجبل و أرسل اللّه الریح و الشمس علی قعر البحر حتی صار یبسا فخاضت بنو اسرائیل البحر کل سبط فی طریق و عن جانبیهم الماء کالجبل الضخم و لا یری بعضهم بعضا فخافوا و قال کل سبط قد قتل اخواننا فأوحی اللّه عز و جل الی جبال الماء ان تشبکی فصار الماء شبکات کالطاقات یری بعضهم بعضا و یسمع بعضهم کلام بعض حتی عبروا البحر سالمین فذلک قوله تعالی و اذ فرقنا بکم البحر فأنجیناکم من آل فرعون و الغرق و أغرقنا آل فرعون و ذلک ان فرعون لما وصل الی البحر و رآه منفلقا قال لقومه انظروا الی البحر انفلق من هیبتی حتی أدرک عبیدی الذین أبقوا ادخلوا البحر فهاب قومه أن یدخلوه و قیل قالوا ان کنت ربا فادخل البحر کما دخل موسی و کان فرعون علی حصان ادهم و لم یکن فی خیل فرعون فرس انثی فجاءه جبریل علی فرس انثی و دفق فتقدّمهم و خاض البحر فلما شم ادهم فرعون ریحها اقتحم البحر فی اثرها و لم یملک فرعون من امره شیئا و هو لا یری فرس جبریل و اقتحمت الخیول خلفه البحر و جاء میکائیل علی فرس خلف القوم یشدّهم و یسوقهم حتی لا یشذّ رجل منهم و یقول لهم الحقوا بأصحابکم حتی خاضوا کلهم البحر و خرج جبریل من البحر و همّ أوّلهم بالخروج فأمر اللّه البحر أن یأخذهم فالتطم علیهم و أغرقهم اجمعین و کان بین طرفی البحر أربع فراسخ و هو بحر قلزم طرف من بحر فارس قال قتادة هو بحر وراء مصر یقال له اساف* و فی انوار التنزیل و المدارک هو القلزم او النیل* و فی تفسیر الحدّادی هذا البحر هو القلزم یسلک الناس فیه من الیمن الی مصر* و فی القاموس قلزم بلد بین مصر و مکة قرب جبل و إلیه یضاف بحر القلزم لانه علی طرفه و کان ذلک بمر أی من بنی اسرائیل و لما أخبر موسی قومه بهلاک فرعون و قومه قالت بنو اسرائیل ما مات فرعون فأمر اللّه البحر فألقی فرعون فی الساحل أحمر قصیرا کأنه ثور فرآه بنو اسرائیل فمن ذلک الوقت لا یقبل البحر میتا أبدا* و فی انوار التنزیل قیل ان موسی لبث
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:143
فی القبط ثلاثین سنة ثم خرج الی مدین عشر سنین ثم عاد إلیهم یدعوهم الی اللّه تعالی ثلاثین سنة ثم بقی بعد الغرق خمسین سنة فعلی هذا یکون عمره مائة و عشرین سنة و هارون کان اکبر من موسی بثلاث سنین و کذا فی الکشاف* و روی انه کانت النبوّة و الملک متصلین بالشام و نواحیها لولد اسرائیل بن اسحاق الی أن زال عنهم بالفرس و الروم بعد یحیی بن زکریا و بعد عیسی علیهم السلام* و فی الکامل نبئ موسی فی عهد منوجهر و کان ملک منوجهر بعد جدّه افریدون و کان منوجهر من ولد ایرج بن افریدون و کان مولده بدنباوند و قیل بالریّ* و فی الکامل قیل موسی هو موسی بن عمران بن یصهر بن لاوی بن یعقوب ابن اسحاق بن ابراهیم و أمّ موسی یوحانذ و اسم امرأته صفورا ابنة شعیب النبیّ علیه السلام و کان فرعون مصر فی أیامه قابوس بن مصعب بن معاویة صاحب یوسف الثانی و کانت امرأته آسیة ابنة مزاحم بن عبید بن الریان بن الولید فرعون یوسف الاوّل* و کان من مولد موسی الی أن خرج بنو اسرائیل من مصر ثمانون سنة ثم صار الی التیه بعد ان مضی و عبر البحر و کان مقامهم هناک الی أن خرجوا مع یوشع بن نون أربعین سنة و کان ما بین مولد موسی الی وفاته فی التیه مائة و عشرین سنة و کان اسم فرعون موسی فیما ذکر الولید بن مصعب*

ذکر منوجهر سبط ایرج‌

و فی نظام التواریخ للشیخ ناصر الدین البیضاوی ان منوجهر سبط ایرج بن افریدون لما توفی افریدون قام مقامه و ولی عهده منوجهر و عین لکل بلاد حاکما و لکل قریة دهقانا و حفر الفرات و أجری الماء الی العراق و عمل البساتین و غرس أنواع الاشجار و اشتغل بعمارة الملک و لما بلغت مدّة ملکه ستین سنة قصده افراسیاب بالعسکر العظیم فهرب منه منوجهر الی طبرستان و لم یتبعه افراسیاب فوقع الصلح بینهما علی أن یکون ما وراء جیحون و هو نهر بلخ لافراسیاب فرجع و فی زمان منوجهر أرسل اللّه تعالی شعیبا الی أولاد مدین بن اسماعیل بن ابراهیم و بعث موسی و هارون الی فرعون و کان اسمه ولید بن مصعب و کان من أولاد عاد الذین بعثهم شدّاد لحکومة مصر و قصتهم معروفة مشهورة و بعد وفاة منوجهر سار أفراسیاب الی فارس و اشتغل بقتل العباد و تخریب البلاد و مدّة ملکه عشر سنین الی ان خرج زاب بن طهماسب من اسباط منوجهر و هرب منه افراسیاب الی حدود بلاده و اشتغل زاب باصلاح ما أفسده و خرّبه أفراسیاب و أجری نهر الماء الی العراق و یسمی ذلک زابین و اشتغل بالعدل و الانصاف ثلاثین سنة و فوّض ملکه الی ابن أخیه کرشاسف بن کشتاسف الذی کانت أمه بنت بنیامین بن یعقوب و کان ملکه عشر سنین و کان رستم المشهور بدلستان من نسله* و فی الکامل و لما هلک منوجهر ملک فارس أفراسیاب من نسل رستم ملک علی مملکة فارس و عظم ظلمه و خرب ما کان عامرا و دفن الانهار و القنا و قحط الناس سنة خمس من ملکه الی أن خرج من مملکة فارس و لم تزل الناس منه فی أعظم بلیة الی أن ملک روذ بن طهماسب و طرد أفراسیاب الترک عن مملکة فارس حتی ردّه الی الترک بعد حروب بینهما فکان أفراسیاب علی اقلیم بابل و مملکة الفرس اثنتی عشرة سنة من لدن توفی منوجهر الی أن أخرج عنها رود و أمر باصلاح ما کان افراسیاب أفسده من مملکتهم و بعمارة الحصون و أخرج المیاه التی غوّر طرقها حتی عادت البلاد الی أحسن ما کانت و وضع عن الناس الخراج سبع سنین و عمرت البلاد فی ملکه* ثم ملک بعد رود کیقباد ابن زاع بن مبشر بن نود بن منوجهر و قدّر میاه الانهار و العیون لشرب الارض و سمی البلاد بأسمائها و حدّدها بحدودها و أخذ العشر من غلاتها لارزاق الجند و کان کیقباد حریصا علی عمارة البلاد و جرت بینه و بین الترک حروب کثیرة و کان مقیما بقرب نهر بلخ و هو جیحون لمنع الترک عن طرق شتی من بلاده و کان ملکه مائة سنة* و من الأنبیاء الذین کانوا فی زمان کیقباد حزقیل و الیاس و الیسع و شمویل علیهم السلام ثم ملک بعد کیقباد ابن ابنه کیکاوس بن کبیسة بن کیقباد فلما ملک حمی بلاده و قتل جماعة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:144
و کان ملکه مائة و خمسین سنة و من الأنبیاء و الحکماء الذین کانوا فی زمان کیکاوس داود و سلیمان و لقمان الحکیم و من آثاره الرصد الذی ببابل* و ملک بعد کیکاوس ابن ابنه کیخسرو و کان ملکه ستین سنة* و من مشاهیر الحکماء الذین کانوا فی عصر کیخسرو فیثاغورس الذی کان تلمیذ داود و لقمان الحکیم روی أن کیخسرو لما حضرته الوفاة عهد الی ابن عمه کهراسب بن کرخی بن کیکاوس فهو ابن ابن کیکاوس فلما ملک اتخذ سریرا من ذهب فکاله بأنواع الجواهر و بنیت له بأرض خراسان مدینة بلخ و سماها الحسناء و دوّن الدواوین و قوّی ملکه باتخاذ الجنود و عمر الارض و جبا الخراج لارزاق الجند و اشتدّت شوکة الجند فنزل مدینة بلح لقتالهم و کان محمودا عند أهل مملکته شدید القمع للملوک المجاورین له شدید التفقد لاصحابه بعید الهمة عظیم البنیان ثم انه تنسک و فارق الملک و اشتغل بالعبادة و استخلف ابنه کشتاسف فی الملک و کان ملک کهراسب مائة و عشرین سنة و من الأنبیاء الذین کانوا فی عهد کهراسب أرمیا و عزیر علیهما السلام کذا فی نظام التواریخ* و ملک بعده کشتاسب بن کهراسب و فی أیام کشتاسب ظهر زرادشت الذی ادّعی النبوّة و تبعه المجوس و کان زرادشت من أهل فلسطین یخدم لبعض تلامذة ارمیا النبیّ خاصا به فخانه و کذب علیه فدعا اللّه تعالی علیه فبرص و لحق ببلاد أذربیجان و شرع بها دین المجوس و قیل انه کان من العجم و صنف کتابا و طاف به الارض فما عرف أحد معناه و زعم أنه لغة سمائیة خوطب بها و سماه أمتا فسار الی اذربیجان الی فارس فلم یعرفوا ما فیه و لم یقبلوه فسار الی الهند و عرضه علی ملوکها ثم أتی الصین و الترک فلم یقبله احد و أخرجوه من بلادهم و قصد فرغانة و أراد ملکها أن یقتله فهرب منه و قصد کشتاسب بن کهراسب فأمر بحبسه فحبس مدّة و شرح زرادشت کتابه و سماه زند و معناه النفیس ثم شرح النفیس بکتاب سماه بازند یعنی تفسیر التفسیر و فیه علوم مختلفة کالریاضات و أحکام النجوم و الطب و غیر ذلک من اخبار القرون الماضیة و کتب الأنبیاء و فی کتابه تمسکوا بما جئتکم به الی أن یجیئکم صاحب الجمل الاحمر یعنی محمدا صلّی اللّه علیه و سلم و ذلک علی رأس ألف سنة و بسبب ذلک وقعت البغضاء بین المجوس و العرب ثم ان کشتاسف أحضر زرادشت و هو ببلخ فلما قدم علیه شرع له دینه فأعجبه و اتبعه و قهر الناس علی اتباعه و قتل منهم خلقا کثیرا حتی قبلوه و أما المجوس فیزعمون أن أصله من أذربیجان و انه نزل علی هذا الملک من سقف ایوانه و بیده کبة من نار یلعب بها و لا تحرقه و کل من أخذها بیده لم تحرقه و اتبعه الملک و دان بدینه و بنی بیوت النیران فی البلاد و اشعل تلک النیران فی بیوتهم و أما المجوس فیزعمون أن النیران التی فی بیوت عبادتهم من تلک النار الی الآن و کذبوا فان النار التی للمجوس طفئت فی جمیع البیوت لما بعث اللّه تعالی نبینا محمدا صلّی اللّه علیه و سلم و کان ظهور زرادشت بعد مضی ثلاثین سنة من ملک کشتاسب و أتاه بکتاب زعم انه وحی من اللّه تعالی فکتب فی جلد اثنتی عشرة ألف بقرة حفرا و نقشا بالذهب و جعله کشتاسب فی موضع باصطخر و منع تعلیمه للعامة و کان کشتاسب و آباؤه قبله یدینون بدین الصابئة* و من الحکماء الذین کانوا فی زمان کشتاسب سقراط العابد تلمیذ فیثاغورس و جاماسب المشهور فی علم النجوم کذا فی نظام التواریخ‌

* (ذکر بخت نصر)

* فی الکامل قد اختلف العلماء فی الوقت الذی أرسل فیه بخت نصر علی بنی اسرائیل فقیل کان فی عهد ارمیا و دانیال و حنینا و عزاریا و مسائل و قیل انما أرسله اللّه تعالی علی بنی اسرائیل لما قتلوا یحیی بن زکریا و الاوّل أکثر* و ملک بهمن بن اسفندیار و کانت أمه من أولاد طالوت و لما ملک بهمن أمر علی بابل ابرش من أسباط جاماسب بن کهراسب الذی کانت أمه بنت واحد من أنبیاء بنی اسرائیل و أمره أن یبعث جمیع بنی اسرائیل الی بیت المقدس و یعطی رئاستهم من أرادوا فجمع ابرش بنی اسرائیل و أعطی رئاستهم باتفاقهم دانیال و بعثهم الی مقامهم و أمر بعمارة بیت المقدس و کانت مدّة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:145
ملکه مائة و اثنتی عشرة سنة و کان ذیمقراطیس الحکیم و بقراط الطبیب فی عصره* و ملک دار ابن بهمن ابن اسفندیار و بنی مدینة بفارس سماها دارا بجرد و کان ملکه اثنتین و عشرین سنة و کان أفلاطون الالهی تلمیذ سقراط العابد فی زمان دارا* و ملک بعده ابنه دارا بن داراوینی بأرض الجزیرة بقرب نصیبین مدینة مشهورة الی الآن و کان ملکه أربع عشرة سنة و من حکماء عصره ارسطاطالیس تلمیذ
افلاطون*

(ذکر الاسکندر الملقب بذی القرنین)

* فی الکامل کان فیلقوس أبو الاسکندر الیونانی من أهل بلدة یقال لها مقدونیة کان ملکا علیها و علی بلاد اخری فصالح دارا علی خراج یحمله فیلقوس إلیه کل سنة فلما هلک فیلقوس ملک بعده ابنه الاسکندر و استولی علی بلاد الروم أجمع و قوی علی دارا و لم یحمل إلیه من الخراج شیئا و کان الذی یحمله بیضا من ذهب فسخط علیه دارا و کتب إلیه یؤنبه بسوء صنیعه فی ترک حمل الخراج فوقعت المحاربة بینهما حتی قتل دارا و ظفر الاسکندر و لما مات الاسکندر عرض الملک علی ابنه الاسکندروس فأبی و اختار العبادة و ملک الیونان فیما قیل بطلیموس ابن مرغوس و کان ملکه ثمانیا و ثلاثین سنة ثم ملک بعده بطلیموس دمیانوس أربعین سنة ثم ملک بعده بطلیموس أو دایماطس أربعا و عشرین سنة ثم ملک بعده بطلیموس فیلا قطر احدی و عشرین سنة ثم ملک بعده بطلیموس افیغالس اثنتین و عشرین سنة ثم ملک بعده بطلیموس او دایماطس سبعا و عشرین سنة ثم ملک بعده بطلیموس من بناطر سبع عشرة سنة ثم ملک بعده بطلیموس الاخشندر احدی عشرة سنة ثم ملک بعده بطلیموس أخنعی ثمان سنین ثم ملکت بعده قالونطری سبع عشرة سنة و هی من الحکماء و هؤلاء کلهم من الیونان و کل من کان بعد الاسکندر کان یدعی بطلیموس کما کان یدعی ملوک الفرس أکاسرة و ملوک الروم قیاصرة* و قال بعض العلماء ان بطلیموس صاحب المجسطی و غیره من الکتب لم یکن من هؤلاء الملوک و انما کان أیام ملوک الروم ثم ملک الشام فیما قیل بعد قالوا نطری ملک الروم و کان أوّل من ملک منهم جانوس بن مرکوس خمسین سنة* ثم ملک بعده اغسطوس ستا و خمسین سنة و لما مضی من ملکه اثنتان و أربعون سنة ولد عیسی ابن مریم علیه السلام و قیل کان بین مولده و قیام الاسکندر ثلاثمائة سنة و ثلاث سنین کذا فی الکامل* و فی نظام التواریخ من الأنبیاء الکبار الذین کانوا فی أیام الملوک الاشکانیین جرجیس النبیّ فی الجزیرة و زکریا و یحیی و عیسی علیهم السلام فی الشام* و من الحوادث الکائنة فی أیامهم واقعة أصحاب الکهف و عیسی بعث فی أیام شابور ابن اشکان و هذا وقع فی البین و قطع اتصال الکلامین فلنرجع لما کنا فیه*

بقیة قصة اسماعیل علیه السلام‌

روی ان اسماعیل کان ابن تسع و ثمانین سنة حین توفی ابراهیم* و فی حیاة الحیوان انّ أوّل من رکب الخیل اسماعیل علیه السلام و لذلک سمیت العراب و کانت قبل ذلک وحشیة کسائر الوحوش و لذلک قال نبینا صلّی اللّه علیه و سلم ارکبوا الخیل فانها میراث أبیکم اسماعیل و تزوّج اسماعیل فی حیاة ابراهیم رعلة بنت عمرو فولدت له اثنی عشر ابنا أو عشرة و کان اکبرهم نابت* و فی المنتقی کان أحدهم قیدار و فی العرائس قال العلماء لما کبر اسماعیل و بلغ النکاح تزوّج امراة یقال لها السیدة بنت مضاض الجرهمیة و هی التی قال لها ابراهیم اذا جاء زوجک قولی له قد أصلحت عتبة بابک و قد رضیتها لک فولدت لإسماعیل اثنی عشر ولدا منهم نابت و قیدار و منهم العرب و قیل التی تزوّجها اسماعیل هالة بنت الحارث ابن عمرو الجرهمی* و روی ان اللّه بعث اسماعیل الی مارب من الیمن و حضرموت فدعاهم الی الاسلام خمسین سنة فآمن له قلیل منهم و کان عمره مائة و سبعا و ثلاثین سنة و لما حضرته الوفاة أوصی الی أخیه اسحاق أن یزوّج بنته نسیمة للعیص ففعل و توفی اسماعیل بمکة و دفن فی الحجر مع امّه هاجر و تقول العرب هاجر و آجر فیبدلون الالف من الهاء کما قالوا هراق الماء و أراق الماء و غیره و هاجر کانت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:146
من أرض مصر قال ابن لهیعة أمّ اسماعیل هاجر من أمّ العرب قریة کانت أمام الغرما من أرض مصر و أمّ ابراهیم ماریة سریة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الّتی أهداها له المقوقس بن حقن من کورة أنصنا کذا فی سیرة ابن هشام و کان قیدار قد أعطی سبع خصال البأس و الشدّة و الصراع و الرمی و القنص و الفروسیة و اتیان النساء و کان صاحب ضفیرتین یخرج کل یوم الی قنصه و کان یسمع من قنصه ظبیة کان أو طیر الا تذبحنی حتی تسمی اللّه و لا تأکل مما لم یذکر اسم اللّه علیه و کان قد تزوّج مائة امرأة من بنات اسحاق فی سنة یظنّ ان المطهرات التی أمر بنکاحهنّ من ولد اسحاق طمعا أن یولد له منهنّ ولد و لم یحبلن فرجع یوما من قنصه و قد عیرته وحوش الجبال و نادته یا قیدار لو هممت بهذا النور الذی فی وجهک أن تضعه فی مستودعه لکان أفضل لک من اقتنائنا و قنصنا فاتق إله ابراهیم و قد آن لک أن یخرج نور أبی القاسم صلّی اللّه علیه و سلم من ظهرک فرجع قیدار الی أهله فزعا مرعوبا فحلف باله ابراهیم أن لا یأکل طیبا و لا یشرب باردا و لا یأتی أنثی حتی یأتیه بیان ما سمع من ألسن الوحوش فبینما هو قاعد مغموم اذ هبط علیه ملک من السماء فی صورة شاب فسلم علیه و قال یا قیدار قد ملکت الارض و قد أعطیت قوّة ابن عمک عیص و قد نقل إلیک نور محمد صلّی اللّه علیه و سلم و انه کائن لک ولد من غیر نسل اسحاق فلو قرّبت لآله ابراهیم قربانا یبین لک التزویج فقام قیدار فانطلق الی البقعة التی ربط فیها اسماعیل حین أرید ذبحه فقرب سبعمائة کبش و قال الهی ان کنت رازقی ولدا فتقبل قربانی و بین لی من أین أتزوّج و کان کلما ذبح کبشا نزلت نار من السماء فی سلسلة بیضاء فتحمل ذلک القربان الی السماء فلم یزل کذلک حتی نودی من السماء و قیل نودی من ورائه أن یکفیک یا قیدار قد استجیب دعاؤک و تقبل قربانک انطلق الی شجرة الوغد فنم فی أصلها و انته الی ما تؤمر به فی مناسک فانطلق قیدار فنام فی أصلها فهتف به هاتف فی منامه فقال له یا قیدار ان هذا النور الذی فی وجهک نور محمد صلّی اللّه علیه و سلم و هو النور الذی فتح اللّه به الانوار و خلق الدنیا لاجله و انه عربی لا ینبغی أن یجری الا فی العربیات فابتغ لنفسک عربیة و لیکن اسمها الغاضرة فانتبه قیدار مسرورا و وجه فی شرق الارض و غربها من یطلبها له حتی وجد الغاضرة بنت ملک الجرهمیین و کان من ولد ذهل بن عمرو بن یعرب بن قحطان الذی هو من نسل شیث فتزوّجها قیدار فولد له منها حمل و کانت ولادة حمل فی زمن یعقوب و انه قال انی لأجد فی صحف جدّی ابراهیم علیه السلام أنه یجری نور هذا الحبیب المصطفی فی الرجال و النساء من نسل شیث لا یخالطه أحد من نسل قابیل کذا فی المنتقی* و لما ترعرع حمل أخذ قیدار بیده بعد ما أخذ علیه العهد و المیثاق فی رعایة نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ذهب به حتی اذا صار علی جبل ثبیر استقبله ملک الموت فی صورة رجل شاب و سلم علیه و قال له یا قیدار ناولنی أذنک لا سارّک فتقدّم إلیه لیسارّه فقبض روحه من اذنه فخرّ میتا فغضب ابنه حمل و قال یا هذا قتلت أبی قال له ملک الموت یا غلام انظر الی أبیک أمیت هو فانکب لینظر الی أبیه فغاب ملک الموت عن عینه فالتفت حمل عن یمینه و شماله فلم یر احدا فعلم أنه ملک الموت و قیض اللّه له واحدا من أولاد اسرائیل فغسل أباه و کفنه و فی جبل ثبیر دفنه و بقی حمل یتیما یکلأه اللّه و یرعاه حتی بلغ فتزوّج امرأة من قومه یقال لها سعیدة فولد له منها نبت و فیه نور رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخذ یسیر بسیرة حسنة یحب القنص و یتبع آثار آبائه فولد له الهمیسع و لهمیسع أدد و انما سمی أدد لانه کان مدید الصوت طویل العز و الشرف و قیل أوّل من تعلم بالقلم من ولد اسماعیل أدد فضل بالکتابة علی اهل زمانه فولد له عدنان کذا فی سیرة مغلطای و انما سمی عدنان لان أعین الجنّ و الانس کانت إلیه و أراد و اقتله و
قالوا لئن ترکنا هذا الغلام حتی یدرک مدارک الرجال لیخرجنّ من ظهره من یسود الناس فوکل اللّه عز و جل به من یحفظه و لم تعلم ملته و کان فیه نور
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:147
رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الاکتفاء و من عدنان تفرّقت القبائل من ولد اسماعیل فولد لعدنان ابنان معدّ بن عدنان وعک بن عدنان* و فی غیره تزوّج عدنان امرأة من قومه یقال لها الامینة فولدت له معدّا انتهی فصارعک فی دار الیمن لان عکا تزوّج فی الاشعریین منهم و أقام فیهم فصارت الدار و اللغة واحدة و الاشعریون هم بنو أشعر بن نبت بن أدد بن زید بن همیسع بن عمرو ابن عریب بن یشجب بن زید بن کهلان بن سبأ بن یشجب بن یعرب بن قحطان و قحطان عند جمهور العلماء بالنسب أبو الیمن کلها و إلیه یجتمع نسبها و العرب کلها عندهم من ولد اسماعیل و قحطان* قال ابن اسحاق و جماعة ان قحطان هو ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح علیه السلام و بعض أهل الیمن یقول قحطان من ولد اسماعیل و اسماعیل أبو العرب کلها و اللّه أعلم و أما معدّ بن عدنان ففیه نور رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لم تعرف ملته و انما سمی معدّا لانه کان صاحب حروب و غارات علی بنی اسرائیل و لم یحارب أحدا الارجع بالنصر و الظفر* و فی الاکتفاء ذکر الزبیر بن بکار أن بخت نصر لما أمر بغز و بلاد العرب و ادخال الجنود علیهم فیها و قتل مقاتلتهم لانتهاکهم معاصی اللّه تعالی و استحلالهم محارمه و قتلهم أنبیاء و ردّهم رسالاتهم امر ارمیا بن حلقیا و کان فیما ذکر نبیّ بنی اسرائیل فی ذلک الزمان أن ائت معد بن عدنان الذی من ولده محمد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خاتم النبیین فأخرجه عن بلاده و احمله معک الی الشام و تول أمره قبلک و یقال بل المحمول عدنان و الاوّل أکثر* و فی حدیث ابن عباس ان اللّه بعث ملکین فاحتملا معدّا فلما أدبر الامر ردّاه فرجع الی موضعه من تهامة بعد ما رفع اللّه بأسه عن العرب فکان بمکة و ناحیتها مع أخواله من جرهم و بها منهم بقیة و هم ولاة البیت یومئذ فاختلط بهم و ناکحهم فولد معد بن عدنان نفرا منهم قضاعة و کان بکره الذی به یکنی فیما یزعمون و قنص بضم القاف و فتحها و فتح النون کذا ضبطه الحافظ عبد الکریم و نزار و ایاد أما قضاعة فتیامنت الی حمیر بن سبأ یروی انه واضع الخط العربی قال ابن هشام أوّل من کتب الخط العربی حمیر بن سبأ علمه مناما قال ابن عبد البر عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أوّل من کتبه اسماعیل علیه السلام قال شارح القصیدة العقیلیة للشاطبی هو الخط الکوفی استنبط منه نوع نسب الی ابن مقلة ثم آخر نسب الی علیّ بن البوّاب و علی هذا استقرّ رأی الکتاب انتهی و انتمت قضاعة الی ابن حمیر مالک بن حمیر حتی قال قائلهم یفتخر بذلک
نحن بنو الشیخ الهجان الازهرقضاعة بن مالک بن حمیر
و النسب المعروف غیر المنکر
و أنکر کثیر من الناس منتماهم هذا و أما قنص بن معد فهلکت بقیتهم فیما زعموا و کان منهم النعمان بن المنذر ملک حمیر و قد ذکر أیضا فی بنی معد الضحاک بن معد* ذکر الزبیر باسناد له الی مکحول قال اغار الضحاک ابن معدّ علی بنی اسرائیل فی أربعین رجلا من بنی معد علیهم دراریع الصوف خاطمی خیلهم بحبال اللیف فقتلوا و سبوا و ظفروا فقالت بنو اسرائیل یا موسی ان بنی معدا غاروا علینا و هم قلیل فکیف لو کانوا کثیرا و أغاروا علینا و أنت بیننا فادع اللّه علیهم فتوضأ و صلّی و کان اذا أراد حاجة من اللّه صلّی ثم قال یا رب ان بنی معد أغاروا علی بنی اسرائیل فقتلوا و سبوا و ظفروا فسألونی ان أدعوک علیهم فقال اللّه لا تدع علیهم فانهم عبادی و انهم ینتهون عند أوّل أمری و ان فیهم نبیا أحبه و أحب أمته قال یا رب ما بلغ محبتک له قال اغفر له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخر قال یا رب ما بلغ محبتک لامته قال یستغفرنی مستغفرهم فاغفر له و یدعونی داعیهم فاستجیب له قال یا رب فاجعلهم من أمتی قال نبیهم منهم قال یا رب فاجعلنی منهم قال تقدّمت و استأخروا قال الزهری و حدّثنی علیّ بن المغیرة قال لما بلغ بنو معدّ عشرین رجلا أغاروا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:148
علی عسکر موسی علیه السلام فدعا علیهم فلم یجب فیهم ثلاث مرّات فقال یا رب دعوتک علی قوم فلم تجبنی فیهم بشی‌ء فقال یا موسی دعوتنی علی قوم منهم خیرتی فی آخر الزمان* و أما نزار بن معد فلم تدر ملته و فیه نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و انما سمی نزارا بکسر النون من النزر و هو القلیل لان معدا نظر الی نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی وجهه فقرّب له قربانا عظیما و قال لقد استقللت لک هذا القربان و انه نزر قلیل فسمی نزار او خرج أجمل أهل زمانه و أکثرهم عقلا* و فی الوفاء یقال ان قبر نزار بن معد و قبر ابنه ربیعة بن نزار بذات الجیش قرب المدینة و تزوّج امرأة یقال لها عبیدة فولدت له مضر و کان مسلما علی ملة ابراهیم و فیه نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و انما سمی مضر لانه أخذ بالقلب و لم یکن یراه أحد الا أحبه یقال انه هو أوّل من سنّ الحداء للابل و کان من أحسن الناس صوتا و قیل بل أوّل من سنّ الحداء للابل عبد له ضرب مضر یده ضربا وجیعا فقال یا یداه یا یداه فشرع یحدو و کان حسن الحداء* و فی الاکتفاء ولد نزار بن معدّ أربعة بنین مضر و ربیعة و أنمارا و ایادا و إلیه دفع أبوه حجابة الکعبة فیما ذکره الزبیر و أمهم سودة بنت عک بن عدنان و قیل هی أمّ مضر خاصة و أم اخوته الثلاثة اختها شقیقة بنت عک بن عدنان و قد قیل ان ایادا شقیق لمضر أمهما معا سودة فأنمار هو أبو بجیلة و خثعم و قد تیامنت بجیلة الا من کان منهم بالشام و المغرب فانهم علی نسبهم الی أنمار بن نزار و جریر بن عبد اللّه صاحب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سید من سادات بجیلة و له یقول القائل
لو لا جریر هلکت بجیله‌نعم الفتی و بئست القبیلة و کذا تیامنت الدار أیضا بخثعم و هم بنو قیل بن أنمار و انما خثعم جبل تحالفوا عنده فسموا به و هم بالسراة علی نسبهم الی أنمار و لذا لما کانت بین مضر و الیمن فیما هنالک حرب کانت خثعم مع الیمن علی مضر

قصة الافعی الجرهمی‌

و یروی أن نزارا لما خضرته الوفاة قسم ماله بین بنیه الاربعة مضر و ربیعة و ایاد و انمار فقال هذه القبة لقبة کانت له حمراء من أدم و ما أشبهها من المال لمضر و هذا الخباء الاسود و ما أشبهه لربیعة و هذه الخادم و کانت شمطاء و ما أشبهها لإیاد و هذه البدرة و المجلس لانمار یجلس فیه و قال لهم ان أشکل علیکم الامر فی ذلک و اختلفتم فی القسمة فعلیکم بالافعی الجرهمی و کان بنجران فلما مات نزار اختلفوا بعده و أشکل أمر القسمة علیهم فتوجهوا الی الافعی فبینما هم فی مسیرهم إلیه اذر أی مضر کلأ قد رعی فقال ان البعیر الذی رعی هذا لأعور و قال ربیعة و هو أزور و قال ایاد و هو أبتر و قال أنمار و هو شرود فلم یسیروا الا قلیلا حتی لقیهم رجل توضع به راحلته فسألهم عن البعیر فقال مضر أ هو أعور قال نعم قال ربیعة أ هو أزور قال نعم قال ایاد أ هو أبتر قال نعم قال أنمار أ هو شرود قال نعم هذه و اللّه صفة بعیری دلونی علیه فحلفوا له أنهم ما رأوه فلزمهم و قال کیف أصدّقکم و أنتم تصفون بعیری بصفته فساروا حتی و صلوا نجران و نزلوا بالافعی الجرهمی فنادی صاحب البعیر هؤلاء أصابوا بعیری فانهم وصفوا لی صفته ثم قالوا لم نره أیها الملک فقال الافعی کیف وصفتموه و لم تروه فقال مضر رأیته یرعی جانبا و یدع جانبا فعرفت انه أعور و قال ربیعة رأیت احدی یدیه ثابتة الاثر و الاخری فاسدة الاثر فعلمت أنه أفسدها بشدّة وطئه لازوراره و قال ایاد عرفت بتره باجتماع بعره و لو کان ذیالا لمصع به و قال أنمار عرفت انه شرود لانه کان یثوی فی المکان الملتف نبته ثم یجوزه الی مکان أرق منه و أخبث قال الافعی للشیخ لیسوا بأصحاب بعیرک فاطلبه ثم سألهم من هم فأخبروه فرحب بهم و قال تحتاجون الیّ و أنتم کما أری ثم خرج عنهم و أرسل لهم طعاما و شرابا فأکلوا و شربوا فقال مضر لم أر کالیوم خمرا أجود لو لا انها نبتت علی قبر و قال ربیعة لم أر کالیوم لحما أطیب لو لا انه ربی بلبن کلبة و قال ایاد لم أر کالیوم خبزا اجود لو لا ان التی عجنته حائض و قال أنمار لم أر کالیوم رجلا أسری لو لا انه لیس لابیه الذی یدعی له و کان الافعی و کل بهم من یسمع کلامهم فأعلمه بما سمع منهم فطلب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:149
صاحب شرابه و قال الخمر التی جئت بها ما قصتها قال هی من حبلة غرستها علی قبر أبیک لم یکن عندنا شراب أطیب منها و سأل الراعی عن امر اللحم قال لحم شاة أرضعتها من لبن کلبة و لم یکن فی الغنم اسمن منها فدخل داره و سأل الامة التی عجنت العجین فأخبرته انها کانت حائضا فأتی أمه و سأل منها فأخبرته انهما کانت تحت ملک لا یولد له ذرّیة فکرهت أن یذهب الملک فأمکنت رجلا نزل بهم من نفسها فوطئها فأتت به فعجب من أمرهم و دس علیهم من یسألهم عما قالوا فقال مضر انما علمت انها من کرمة غرست علی قبر لان الخمر اذا شربت أزالت الهمّ و هذه بخلاف ذلک لاننا لما شربناها دخل علینا الغم* و فی الاکتفاء قال مضر لانه أصابنا عطش شدید و قیل لان الکرم اذا نبت علی قبور یکون انفعاله قلیلا و قال ربیعة انما علمت انه لحم شاة رضعت من کلبة لان لحم الضأن و سائرا للحوم یکون شحمها فوق اللحم الا لحم الکلب فانه عکس ذلک فرأیته موافقا له فعلمت أنه لحم شاة رضعت من کلبة فاکتسب اللحم منها هذه الخاصیة* و فی الاکتفاء قال ربیعة لان لحم الکلب یعلو شحمه و قیل لانی شممت منه رائحة الکلبة و قال ایاد انما علمت أن الملک لیس لابیه الذی یدعی إلیه لانه صنع طعاما و لم یأکل معنا فعرفت ذلک من طباعه لان أباه لم یکن کذلک و قال انمار انما علمت أن الخبز عجنته حائض لان الخبز اذافت انتفش فی الطعام و هو بخلاف ذلک فقال ما هؤلاء الا شیاطین ثم أتاهم فقال لهم قصوا علیّ قصتکم فقصوا علیه ما أوصی به أبوهم و ما کان من اختلافهم فقال ما أشبه القبة الحمراء من مال فهو لمضر فصارت إلیه الدنانیر و الابل و هی حمر فسمیت مضر الحمراء قال و ما أشبه الخباء الاسود من دابة و مال فهو لربیعة فصارت له الخیل و هی دهم فسمی ربیعة الفرس قال و ما أشبه الخادم و کانت شمطاء من مال فیه بلق فهو لإیاد فصارت له الماشیة البلق و قضی لانمار بالدراهم و الارض فساروا من عنده علی ذلک* و کان یقال ربیعة و مضر هما الصریحان من ولد اسماعیل و روی میمون بن مهران عن عبد اللّه بن عباس رضی اللّه تعالی عنهما أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لا تنسبوا مضر و ربیعة فانهما کانا من المسلمین و قال صلّی اللّه علیه و سلم فیما روی عنه اذا اختلف الناس فالحق مع مضر و سمع صلّی اللّه علیه و سلم قائلا یقول
انی امرؤ حمیری حین تنسبنی‌لا من ربیعة آبائی و لا مضرا فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ذلک أبعد لک من اللّه تعالی و رسوله و مما یؤثر من حکم مضر بن نزار و وصایاه من یزرع شرّا یحصد ندامة و خیر الخیر أعجله فاحملوا أنفسکم علی مکروهها فیما أصلحکم و اصرفوا عن هواها فیما أفسدها و لیس بین الاصلاح و الافساد إلّا صبر فواق* و تزوّج مضر خزیمة فولدت له الیاس بکسر الهمزة عند ابن الانباری و بفتحها عند قاسم بن ثابت ضدّ الرجاء و اللام فیه للتعریف و الهمزة للوصل قال السهیلی هذا أصح کذا فی المواهب اللدنیة و اسم الیاس حبیب کذا فی سیرة مغلطای و فیه نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و انما سمی الیاس لان مضر کان قد کبر و لم یولد له ولد فولد علی الکبر و الیأس فسماه الیاس* و فی حیاة الحیوان کان الیاس مؤمنا و کان یسمع من صلبه تلبیة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بالحج فیتعجب منه* و فی عبارة المنتقی و کان یسمع أحیانا من ظهره دوی تلبیة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لم تزل العرب تعظم الیاس بن مضر تعظیم أهل الحکمة کلقمان و أشباهه و کان یدعی کبیر قومه و سید عشیرته و لا یقطع أمر و لا یقضی لهم دونه* و فی الاکتفاء فولد مضر بن نزار ابنین الیاس بن مضر و غیلان بن مضر قال الزبیر أمهما الخنفاء بنت ایاد بن معد و قال ابن هشام أمهما جرهمة و لما أدرک الیاس بن مضر أنکر علی بنی اسماعیل ما غیروا من سنن آبائهم و سیرهم و بان فضله علیهم و ألان جانبه لهم حتی جمعهم و ردّهم علی سنن آبائهم و هو أوّل من أهدی البدن الی البیت أو فی زمانه و أوّل من وضع الرکن للناس بعد هلاکه حین غرق البیت و انهدم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:150
زمن نوح علیه السلام فکان أوّل من سقط علیه الیاس أوفی زمانه فوضعه فی زاویة البیت للناس و من الناس من یقول انما هلک الرکن بعد ابراهیم و اسماعیل علیهما السلام و هو الاشبه ان شاء اللّه تعالی فتزوّج الیاس بن مضر امرأة یقال لها مخة* و فی حیاة الحیوان خندف فولدت له مدرکة و کان اسمه عامرا قال ابن اسحاق و یقال عمرو و انما سمی مدرکة لانه أدرک کل عز کان فی آبائه و فیه نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الاکتفاء فولد الیاس بن مضر ثلاثة نفر مدرکة و طابخة وقعة و أمهم خندف بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة و اسمها لیلی و اسم مدرکة عامر و اسم طابخة عمرو و اسم قمعة عمیر و انما حالت أسماؤهم الی الذی ذکرناه أوّلا عنهم فیما ذکروا أن أرنبا أنفرت ابل الیاس بن مضر فصاح ببنیه هؤلاء أن یطلبوا الابل و الارنب فأما عمیر فاطلع من المظلة ثم قمع فسمی قمعة و خرج عامر و عمرو فی آثار الابل و خرجت أمهم لیلی تسعی خلفهم فقال لها زوجها الیاس أین تخندفین أی تسعین فسمیت خندف و مرّ عامر و عمرو بظبی فرماه عمرو فقتله و یقال بل رمی الارنب التی نفرت الابل فقال له عامر اطبخ صیدک و أنا أکفیک الابل فطبخ عمرو فسمی طابخة و أدرک الابل عامر فسمی مدرکة و اشتهر بنو خندف هؤلاء بأمهم خندف للذی سار من فعلها فی الناس و کانت وفاة الیاس یوم الخمیس فولد مدرکة بن الیاس نفرا منهم خزیمة بن مدرکة و هذیل بن مدرکة و أمهما امرأة من قضاعة قیل هی سلمی بنت سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة و قیل غیر ذلک کذا فی الاکتفاء و قال فی غیره اسم أم خزیمة قزیمة و انما سمی خزیمة تصغیر خزمة لانه خزم نور آبائه و فیه نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فبقی سنین لا یدری کیف یتزوّج حتی أری فی منامه أن تزوّج برّة بنت طابخة فتزوّجها و کانت یومئذ سیدة قومها فی الحسن و الجمال فولدت له کنانة* و فی الاکتفاء فولد خزیمة بن مدرکة کنانة و أسدا و أسدة و الهون و أم کنانة منهم عوانة بنت سعد بن قیس بن غیلان بن مضر و قیل هند بنت عمرو بن قیس ابن غیلان قرأته بخط أحمد بن یحیی بن جابر و أمّ سائر بنیه برة بنت مرّ أخت تمیم بن مر بن أد بن طابخة و فی کنانة نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و انما سمی کنانة لانه لم یزل فی کن من قومه فتزوّج کنانة ریحانة فولدت له النضر بن کنانة و اسمه قیس کذا فی المنتقی و المواهب اللدنیة و انما سمی النضر لنضارة وجهه و جماله* و فی ذخائر العقبی أم النضر برة بنت مرّ أخت تمیم بن مر فهی مریة و ثالثة عشر من الجدّات الابویات النبویات فتمیم أخوال قریش لان قریشا من النضر تقرّشت* و فی المنتقی هو الذی اختاره اللّه تعالی بالبسط و سماه قریشا و کل من ولد من النضر فهو قرشی و من لم یلده النضر فلیس بقرشی* و فی أنوار التنزیل و قریش ولد النضر بن کنانة منقول من تصغیر قرش و هو دابة عظیمة فی البحر تعبث بالسفن و لا تطاق الا بالنّار فسموا بها لانها تأکل و لا تؤکل و تعلو و لا تعلی و تصغیر الاسم للتعظیم و کذا عبارة المدارک بعینها الا أن فیها سموا بذلک لشدّتهم و منعتهم تشبیها بها و عن ابن عباس و قد سئل عن سبب تسمیتهم قریشا قال بدابة فی البحر من أحسن دوابه لا تدع شیئا من الغث و السمین الا أتت علیه یقال لها القرش و أنشد الجمحی
و قریش هی التی تسکن البحربها سمیت قریش قریشا
سلطت بالعلوّ فی لجة البحرعلی ساکنی البحور جیوشا
تأکل الغث و السمین و لاتترک منهم لذی الجناحین ریشا
هکذا فی البلاد حی قریش‌یأکلون البلاد أکلا کمیشا
و لهم آخر الزمان نبیّ‌یکثر القتل فیهم و الخموشا
تملأ الارض خیله و رجال‌یحشرون المطیّ حشر الملیشا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:151
و قیل من القرش و هو الجمع و الکسب لانهم کانوا کاسبین بتجاراتهم و ضربهم فی البلاد* و فی ذخائر العقبی قریش هو فهر بن مالک و قیل النضر بن کنانة و هو قول ابن اسحاق* و فی المواهب اللدنیة و اسم فهر بن مالک قریش و إلیه تنسب قریش فما کان فوقه فکنانی لا قرشی و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق فولد کنانة بن خزیمة أربعة نفر النضر بن کنانة و مالک بن کنانة و عبد مناة بن کنانة و ملکان ابن کنانة فأم النضر برّة بنت مرّ بن أد بن طابخة بن الیاس بن مضر و سائر بنیه لامرأة أخری قال ابن هشام أمّ النضر و مالک و ملکان برّة بنت مر و أمّ عبد مناة هالة بنت سوید بن الغطریف من أسد شنوءة سموا شنوءة لشنآن کان بینهم و الشنآن البغض قال ابن هشام النضر هو قریش فمن کان من ولده فهو قرشی و من لم یکن من ولده فلیس بقرشی* و فی الاکتفاء فولد کنانة بن خزیمة جماعة منهم النضر و به کان یکنی و نضر و مالک و ملکان و عمرو و عامر و أمهم برة بنت مر خلف علیها کنانة بعد أبیه خزیمة علی ما کانت الجاهلیة تفعله فی الجاهلیة اذا مات الرجل خلف علی زوجته أکبر بنیه من غیرها فنهی اللّه تعالی عن ذلک بقوله و لا تنکحوا ما نکح آباؤکم من النساء الا ما قد سلف و یقال ان برّة هذه أهدیت أوّلا الی خزیمة بن مدرکة قالت له انی رأیت فی المنام کأنی ولدت غلامین من خلاف بینهما سائبا فبینما أنا أتأمّلهما اذا أحدهما أسد یزأر و الآخر قمر ینیر فأتی خزیمة کاهنة بتهامة فقص علیها الرؤیا فقالت لئن صدقت فی رؤیاها لتلدنّ منک غلاما یکون لولده قلوب باسلة ثم لتموتن عنها فیخلف علیها ابن لک فتلد منه غلاما یکون لولده عدل و عدد و قروم مجد و عز الی آخر الابد ثم توفی خزیمة فخلف علیها کنانة بعد أبیه فولدت له النضر و اخوته و أتی أباه کنانة آت و هو نائم فی الحجر فقیل له تخیر یا أبا النضر بین الصهیل و الهدر و عمارة الجدر و عز الدهر فقال کل یا رب فصار هذا کله فی قریش* قال الشیخ تاج الدین عبد الباقی بن العمک الیمنی فی کتاب غریب الشفاء و لنذکر هنا فائدة جلیلة و هی الذی علیه أکثر أهل السیر أن کنانة خلف علی برّة بعد أبیه خزیمة علی عادة أهل الجاهلیة فی أن أکبر ولد الرجل یخلف علی زوجته اذا لم یکن منها و هو مشکل لان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول کلنا نکاح لیس فینا سفاح ما ولدت من سفاح أهل الجاهلیة و ذکر السهیلی و غیره أعذارا منها أن اللّه تعالی یقول و لا تنکحوا ما نکح آباؤکم من النساء الا ما قد سلف أی ما قد سلف تحلیل ذلک قبل الاسلام و فائدة هذا الاستثناء أن لا یعاب نسب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لیعلم أنه لیس فی أجداده سفاح أ لا تری انه لم یقل فی شی‌ء نهی عنه فی القرآن الا ما قد سلف الا فی هذه الآیة و فی الجمع بین الاختین و ما عدا ذلک فلا* و ذکر الحافظ أبو عثمان عمرو بن بحر فی کتاب له سماه کتاب الاصنام قال و خلف کنانة بن خزیمة بن مدرکة علی زوجة أبیه بعد وفاته و هی برة بنت أدّبن طابخة بن الیاس بن مضر و هی أمّ أسد بن الهون بن خزیمة و لم تلد لکنانة ولدا و کانت ابنة أخیها و هی برة بنت مرّ بن طابخة تحت کنانة بن خزیمة فولدت له النضر بن کنانة قال و انما غلط کثیر من الناس لما سمعوا ان کنانة خلف علی زوجة أبیه برّة لاتفاق اسمهما و تقارب نسبهما قال هذا الذی علیه مشایخنا من أهل العلم بالنسب قال و معاذ اللّه أن یکون أصاب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مقت نکاح و قال من اعتقد غیر ذلک فقد أخطأ و شک فی الخبر و یؤید ذلک قوله صلّی اللّه علیه و سلم تنقلت فی الاصلاب الزکیة الی الارحام الطاهرة* قلت و یؤید ذلک ما روی عن ابن عباس رضی اللّه عنهما فی تفسیر قوله تعالی و تقلبک فی الساجدین أی من نبیّ الی نبیّ حتی أخرجتک نبیا انتهی فعلی هذا التقدیر لم تکن رؤیا برة المذکورة سابقا من انها رأت فی المنام کأنها ولدت غلامین الی آخرها ثابتة صحیحة و
النضر هو جماع قریش فی قول طائفة من أهل العلم بالنسب و الاکثر علی ان فهر بن مالک بن النضر هو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:152
قریش فمن کان من ولده فهو قرشی و من لم یکن من ولده فلیس بقرشی و ذکر الزبیر أن هذا هو رأی کل من أدرک من نساب قریش* و فی المنتقی و النضر هو الذی رأی فی منامه و هو نائم فی الحجر شجرة خضراء خرجت من ظهره و لها أغصان بعدد الاوّلین و الآخرین و قد ارتفع بعض أغصانها الی السماء و له نور فی نور الشمس و قد تعلق به قوم بیض الوجوه من لدن ظهره فلما انتبه أتی الکاهنة فأخبرها بذلک فقالت لئن صدقت رؤیاک لقد صرف إلیک العز و خصصت باسم و نسب لم یخص به من کان قبلک فتزوّج النضر ابن کنانة هند بنت عدوان بن عمرو بن قیس بن غیلان فهی قیسیة و ثانیة عشر من الجدات النبویات الابویات فولدت له مالکا و انما سمی مالکا لانه ملک العرب* و فی سیرة ابن هشام فولد النضر ابن کنانة رجلین مالک بن النضر و یخلد بن النضر فأم مالک عاتکة بنت عدوان بن عمرو بن قیس بن غیلان و لا أدری أ هی أم یخلد أولا قال ابن هشام و الصلت بن النضر فیما قال أبو عمرو الدانی أمهم جمیعا بنت سعد ابن ظرب العدوانی عدوان بن عمرو بن قیس بن غیلان* و فی الاکتفاء فولد النضر بن کنانة مالکا و یخلد و الصلت انتهی و تزوّج مالک جندلة بنت الحارث بن جندل بن عامر بن سعد بن الحارث بن مضاض الجرهمی فهی جرهمیة و حادیة عشرة من الجدّات النبویات فولدت له فهر بن مالک و هو جماع قریش عند الاکثر* قال الزبیر قد أجمع النساب من قریش و غیرهم علی أن قریشا انما تفرّقت عن فهر* و فی الاکتفاء و یقال ان قریشا هو اسمه الذی سمته به امّه و لقبته فهرا فتزوّج سلمی بنت سعد ابن هذیل فهی هذلیة و عاشرة الجدّات النبویات فولدت له غالبا* و فی الاکتفاء فولد فهر بن مالک غالبا و محاربا و الحارث و أسدا و أختهم جندلة و أمهم جمیعا لیلی بنت سعد بن هذیل بن مدرکه فتزوّج غالب وحشیة بنت مدلج بن مرّة بن عبد مناف بن کنانة فهی کنانیة و تاسعة الجدّات النبویات فولدت له لویا بالهمز تصغیر اللأی و هو الثور* و فی الاکتفاء فولد غالب بن فهر لؤیا و تیما و هو الازرم کان منقوص الذقن و یقال لقومه بنو الازرم و أمهما فی قول ابن اسحاق سلمی بنت عمر و الخزاعی و فی قول الزبیر عاتکة بنت یخلد بن النضر* قال ابن هشام و قیس بن غالب و أمه سلمی بنت کعب بن عمرو الخزاعی فتزوّج لؤیّ بن فهر سلمی بنت محارب من فهم أو فهر الخط فی الاصل توهم فهی فهمیة أو فهریة و ثامنة الجدّات النبویات فولدت کعبا و کان یوم الجمعة یسمی یوم العروبة فکعب أوّل من سماه الجمعة لاجتماع قومه إلیه فیه فیخطبهم و یذکرهم بمبعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و یعلمهم بأنه من ولده و یأمرهم باتباعه و الایمان به و ینشد فی ذلک أبیاتا منها قوله
یا لیتنی شاهد نجواء دعوته‌اذا قریش تبغی الحق خذلانا و فی الاکتفاء فولد لؤیّ بن غالب کعبا و عامرا و سامة و عوفا و سعدا و خزیمة* و فی سیرة ابن هشام فأم کعب و عامر و سامة ماویة بنت کعب بن القین بن جسر بن قضاعة* قال ابن هشام و یقال و الحارث بن لؤیّ و هم جشم بن الحارث بن هزان بن ربیعة و أمّ بنی لؤیّ کلهم إلا عامر بن لؤیّ ماویة بنت کعب بن القین بن جسر و أمّ عامر بن لؤیّ مخشبة بنت شیبان بن محارب بن فهر فدخل بنو خزیمة فی شیبان بن ثعلبة و یسمون فیهم بعائدة و هی امرأة من الیمن کانت أمّ بنی عبید بن خزیمة بن لؤیّ فنسبوا إلیها و کذلک دخل بنو سعد أیضا فی شیبان بن ثعلبة و یسمون فیهم ببنانة خاضنة کانت لهم من بنی القین من قضاعة و قیل بنت النمر بن قاسط من ربیعة فنسبوا إلیها* قال ابن اسحاق و أما سامة بن لؤیّ فخرج الی عمان و یزعمون ان عامر بن لؤیّ أخرجه و ذلک انه کان بینهما شی‌ء ففقأ سامة عین عامر فأخافه عامر فخرج الی عمان فیزعمون ان سامة بن لؤیّ بینما هو یسیر علی ناقته اذ وضعت رأسها ترتع فأخذت حیة بمشفرها فهصرتها حتی وقعت النافة لشقها ثم نهشت سامة فی ساقة فقتلته* قال ابن اسحاق و أما عوف بن لؤیّ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:153
فانه خرج فیما یزعمون فی رکب من قریش حتی اذا کان فی أرض غطفان بن سعد بن قیس بن غیلان أبطأ به فانطلق من کان معه من قومه فأتاه ثعلبة بن سعد و هو أخوه فی نسب بنی ذبیان ثعلبة بن سعد ابن ذبیان بن بغیض بن ریث بن غطفان فحبسه و الطاطه و آخاه و زوّجه فانتسب بتلک المؤاخاة الی سعد ابن ذبیان الی ثعلبة و ثعلبة فیما یزعمون هو القائل
احبس علیّ ابن لؤیّ جملک‌ترکک القوم و لا منزل لک و أما کعب بن لؤیّ و عامر بن لؤیّ فهما أهل الحرم و صریح ولد لؤیّ و کان کعب منهما عظیم القدر فی العرب و أرّخوا بموته اعظاما له الی ان کان عام الفیل فأرّخوا به و کان بین موته و الفیل فیما ذکروا خمسمائة سنة و عشرون سنة کذا فی الاکتفاء* و فی شواهد النبوّة بین موت کعب و مبعث نبینا صلّی اللّه علیه و سلم خمسمائة و ستون سنة و تزوّج کعب و حشیة بنت شیبان بن محارب من فهم فهی فهمیة أیضا و سابعة الجدّات النبویات فولدت له مرّة* و فی الاکتفاء فولد کعب بن لؤیّ مرّة و هصیصا و عدیا و أمهم و حشیة بنت شیبان بن محارب بن فهم بن مالک و قیل ان أمّ عدی وحده امرأة من فهم و هی حبیبة بنت بجالة بن سعد بن فهم بن عمرو بن قیس بن غیّلان بن مضر بن نزار فتزوّج مرّة نعمی بنت سریر بن ثعلبة بن الحارث بن مالک بن کنانة فهی کنانیة و سادسة الجدّات النبویات الابویات فولدت له کلابا و اسمه حکیم و قیل عروة کذا فی سیرة مغلطای و المواهب اللدنیة و هو اما منقول من المصدر الذی فی معنی المکالبة نحو کالبت العدوّ مکالبة و کلابا و اما من الکلاب جمع کلب لانهم یریدون الکثرة کما یسمون بسباع*

نفیسة فی تسمیة العرب أولادها بشر الاسماء

و سئل اعرابی لم تسمون أولادکم بشرّ الاسماء نحو کلب و ذئب و عبیدکم بأحسن الاسماء نحو مرزوق و رباح فقال انما نسمی أبناءنا لاعدائنا و عبیدنا لانفسنا یریدون ان الابناء عدّة للاعداء و سهام فی نحورهم فاختاروا لهم هذه الاسماء* و فی الاکتفاء فولد مرّة بن کعب کلابا و تیما و یقطة قال ابن اسحاق فأم کلاب هند بنت سریر بن ثعلبة بن الحارث بن مالک ابن کنانة بن خزیمة و أم یقطة البارقیة امرأة من بارق الاسد من الیمن و یقال هی أم تیم و یقال تیم لهند بنت سریر بن کلاب کذا فی سیرة ابن هشام فتزوّج کلاب فاطمة بنت سعد من ازد السراة فهی أزدیة و خامسة الجدّات النبویات* فولدت له قصیا و اسمه زید و قال الشافعی یزید فیما حکاه أبو احمد کذا فی سیرة مغلطای و فیه نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و فی الاکتفاء فولد کلاب رجلین قصیا و زهرة و أمهما فاطمة بنت سعد ابن سیل أحد الجدرة من خثعمة الاسد من الیمن و اسم سیل خیر و انما سمی سیلا لطوله و سیل اسم جبل و هو خیر بن حماله بن عوف بن غنم بن عامر الجادر بن عمرو بن خثعمة بن یشکر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نضر بن الازد و سمی عامر الجادر لانه بنی جدار الکعبة کان و هی من سیل أتی أیام ولایة جرهم البیت و کان عامر تزوّج منهم بنت الحارث بن مضاض و قیل لولده الجدرة لذلک و ذکر الشرقی بن القطامی أن الحاج کانوا یتمسحون بها و یأخذون من طینها و حجارتها تبرّکا بذلک فان عامرا هذا کان موکلا باصلاح ما شعث من جدرها فسمی الجادر و اللّه أعلم و سعد بن سیل جدّ قصی بن کلاب هو أوّل من حلی السیف بالفضة و الذهب و أهدی الی کلاب بن مرّة مع ابنته فاطمة سیفین محلیین فجعلا فی خزانة الکعبة و قصی هو الذی جمع اللّه به قریشا و کان اسمه زیدا فسمی مجمعا لما جمع من أمرها قال الشاعر
أبوکم قصیّ کان یدعی مجمعابه جمع اللّه القبائل من فهر و سمی قصیا تصغیر قصی لتقصیه أی تبعده عن بلاد قومه فی بلاد قضاعة مع أمه فاطمة بعد وفات أبیه کلاب بن مرّة و ذلک انه لما هلک أبوه کلاب بن مرّة خلف ولدیه زهرة و قصیا مع أمهما فاطمة بنت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:154
سعد بن سیل بن عذره و زهرة حینئذ رجل و قصی فطیم فقدم مکة بعد مهلک کلاب حاج من قضاعة فیهم ربیعة بن حزام بن ضبة بن عبد کبیر بن عذره فتزوّج فاطمة بنت سعد فاحتملها الی بلاده فاحتملت ابنها قصیا لصغره و أقام زهرة فی قومه فولدت فاطمة لربیعة رزاحا فکان أخا قصی لامه و کان لربیعة بنون ثلاثة من امرأة اخری و هم حن و محمود و جلهمة بنی ربیعة و أقام قصی مع أمه فی أرض قضاعة لا ینسب الا الی ربیعة ابن حزام الی أن کبر و خرج فی حاج قضاعة فی الشهر الحرام حتی قدم مکة الی قومه و هذا سبب تسمیته قصیا فخرج قصی شابا جمیلا و رجلا جلد او عالم قریش و أقومها بالحق و أوّل من ولی سدانة البیت الکعبة من قریش* قال ابن اسحاق بعد اخراج جرهم و قطورا من مکة ثم ان غبشان من خزاعة ولیت البیت دون بنی بکر بن عبد مناة و کان الذی یلیه منهم عمرو بن الحارث الغبشانی و قریش اذ ذاک حلول و صرم و بیوتات متفرّقون فی قومهم من بنی کنانة فولیت خزاعة البیت یتوارثون ذلک کابرا عن کابر حتی کان آخرهم حلیل بن حبشیة علی لفظ المنسوب الی حبشة قال ابن هشام و یقال حبشة یعنی بضم الحاء و سکون الباء الموحدة ابن سلول بن کعب بن عمرو الخزاعی* و فی الاکتفاء و خطب قصی الی حلیل ابنته حبی فعرف حلیل النسب و رغب فی الرجل فزوّجه و حلیل یومئذ یلی أمر مکة و الحکم فیها و حجابة البیت فأقام قصی معه بمکة و ولدت له حبی أربعة بنین عبد الدار و عبد مناف و عبد العزی و عبدا فلما انتشر ولد قصی و کثر ماله و عظم شرفه هلک حلیل و رأی قصی أنه أولی بالکعبة و بأمر مکة من خزاعة و بنی بکر و ان قریشا فرع اسماعیل و ابراهیم علیهما السلام و صریح ولده فکلم رجالا من قریش و بنی کنانة و دعاهم الی اخراج خزاعة و بنی بکر من مکة فأجابوه الی ذلک فکتب عند ذلک قصی الی أخیه من أمه رزاح بن ربیعة یدعوه الی نصرته و القیام معه فخرج رزاح و معه اخوته لابیه حن و محمود و جلهمة فیمن تبعهم من قضاعة فی حاج العرب و هم مجمعون لنصر قصی و القیام معه فلما اجتمع الناس بمکة و فرغوا من الحج و لم یبق الا أن یصدر الناس کان أوّل ما تعرض له قصی من المناسک أمر الاجازة للناس بالحج و کانت صوفة هی التی تلی ذلک مع الدفع بهم من عرفة و رمی الجمار و هم ولد غوث بن مرفولی غوث الاجازة بالناس و تحیز بهم اذا نفروا و اذا کان یوم النفر أتوا لرمی الجمار و رجل من صوفة یرمی للناس لا یرمون حتی یرمی فاذا فرغوا من رمی الجمار و أرادوا النفر من منی أخذت صوفة بجانبی العقبة فحبسوا الناس و قالوا جیزی صوفة فلم یجز أحد حتی یمرّوا فاذا نفدت و مضت خلی سبیل الناس و انطلقوا بعدهم و کانت اجازة الافاضة من المزدلفة فی عدوان بن عمرو بن قیس بن غیلان یتوارثون کابرا عن کابر حتی کان آخرهم الذی قام علیه الاسلام أبو السیارة عمیله بن أعزل ذکروا أنه أجاز علیها أربعین سنة و عزم قصی علی انتزاع ذلک من أیدیهم فأتاهم بمن معه من قومه من قریش و کنانة و قضاعة عند العقبة فقال لنحن أولی بهذا الامر منکم فقاتلوه فاقتتل الناس قتالا شدیدا ثم انهزمت صوفة و غلبهم قصی علی ما کان بأیدیهم من ذلک و انحازت عند ذلک خزاعة و بنو بکر و عرفوا أنه سیمنعهم کما منع صوفة و انه سیحول بینهم و بین الکعبة و أمر مکة فلما انحازوا عنه ناواهم و أجمع لحربهم و خرجت له خزاعة و بنو بکر فالتقوا فاقتتلوا قتالا شدیدا بالابطح حتی کثرت القتلی فی الفریقین جمیعا و فشت الجراحة فیهم و أکثرها فی خزاعة ثم انهم تداعوا الی الصلح و الی أن یحکموا بینهم رجلا من العرب فحکموا یعمر بن عوف بن کعب بن عامر ابن لیث بن بکر بن عبد مناف بن کنانة فقضی بینهم ان قصیا أولی بالکعبة و أمر مکة من خزاعة و ان کل دم أصابه قصی من خزاعة و بنی بکر موضوع یشدخه تحت قدمیه و أن ما أصابت خزاعة و بنو بکر من قریش و کنانة و قضاعة ففیه الدیة مؤدّاة و أن یخلی بین قصی و بین الکعبة و مکة فسمی بعمرو بن
عوف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:155
یومئذ الشداخ لما شدخ من الدماء و وضع منها* قال ابن اسحاق فولی قصی البیت و أمر مکة و جمع قومه من منازلهم الی مکة و تملک علی قومه و أهل مکة فملکوه فکان قصی أوّل بنی کعب أصاب ملکا أطاع له به قومه فکانت إلیه الحجابة و السقایة و الرفادة و الندوة و اللواء فحاز شرف مکة کله و قطع مکة أرباعا بین قومه فأنزل کل قوم من قریش منازلهم من مکة التی أصبحوا علیها و یزعم الناس ان قریشا هابوا قطع الشجر من الحرم فی منازلهم فقطعها قصی بیده و أعوانه فسمته قریش مجمعا لما جمع من أمرها و تیمنت بأمره فما نکحت امرأة و لا تزوّج رجل من قریش و لا یتشاورون فی أمر نزل بهم و لا یعقد لواء الحرب قوم غیرهم الا فی داره یعقده لهم بعض أولاده و لا یعذر غلام الا فی داره و لا تدرّع جاریة من قریش الا فی بیته یشق علیها فیها درعها اذا بلغت ذلک ثم تدرعه ثم ینطلق بها الی أهلها و لا یخرج عیر من قریش فیرحلون الا من داره و لا یقدمون الا نزلوا فی داره فکان أمره فی حیاته و بعد موته کالدین المتبع لا یعمل بغیره و اتخذ لنفسه دار الندوة قیل کانت فی جهة الحجر و المیزاب عند المقام الحنفی الیوم و جعل بابها الی مسجد الکعبة ففیها کانت قریش تقضی امورها و لم یکن یدخلها من قریش من غیر ولد قصی الا ابن أربعین سنة و کان یدخلها ولده کلهم و حلفاؤهم و لما فرغ قصی من حربه انصرف أخوه رزاح الی بلاده بمن معه من قومه* و عن محمد بن جبیر بن مطعم ان قصی بن کلاب کان یعشر من یدخل مکة من غیر أهلها فهذا حدیث قصی فی ولایة البیت بعد حلیل بن حبشیة و اخراج خزاعة عنه و خزاعة تزعم أن حلیلا أوصی بذلک قصیا و أمره به حین انتشر له من ابنته من الولد و قال أنت أولی بالکعبة و بالقیام علیها و بأمر مکة من خزاعة فعند ذلک طلب قصی ما طلب* قال ابن اسحاق و لم یسمع ذلک من غیرهم و اللّه أعلم و قد سمع فی سبب ولایة قصی وجه آخر و هو أنه قال أبو عبیدة زعم ناس من خزاعة کان حلیل آخر من ولی البیت من خزاعة فلما ثقل جعل ولایة البیت الی ابنته حبی فقالت له قد علمت انی لا أقدر علی فتح الباب و اغلاقه قال انی أجعل الفتح و الاغلاق الی رجل یقوم لک فجعله الی رجل خزاعی یقال له أبو غبشان بفتح الغین المعجمة و ضمها و هو سلیم بن عمرو بن لؤیّ بن ملکان و هو الذی ولی سدانة الکعبة قبل قریش فاجتمع مع قصی فی شرب بالطائف فأسکره قصی ثم اشتری مفاتیح بیت اللّه الحرام منه بزق خمر و فی روایة بزق خمر و کبش و فی روایة بزق خمر و قعود و أشهد علیه و دفع المفاتیح الی ابنه عبد الدار و طیره الی مکة فلما أفاق أبو غبشان ندم من المبیع أو ندّمه قومه و عابوا علیه فجحد البیع و قال انما رهنته بحقه فضرب به الامثال فی الحمق و الندم و خسارة الصفقة فقالوا أخسر من صفقة أبی غبشان فذهب مثلا کذا فی القاموس ثم وقع الحرب بین قصی و ابی غبشان و قومهما قریش و خزاعة فذلک قول الشاعر
أبو غبشان أظلم من قصیّ‌و أظلم من بنی فهر خزاعة
فلا تلحوا قصیا فی شراه‌و لوموا شیخکم ان کان باعه و نصر قصیا رجال من قومه قریش و بنی کنانة و قضاعة و بعد قتال شدید استقرّ الامر علی قصی فتزوّج قصی عاتکة بنت فالخ بن ملیک بن فالخ بن ذکوان من بنی سلیم فولدت له عبد مناف* و قال أبو الیقظان أم عبد مناف حبی بنت حلیل الخزاعی فأمّ عبد مناف سلمیة و قیل خزاعیة فهی رابعة الجدّات النبویات* و فی الاکتفاء فولد قصی بن کلاب أربعة بنین و بنتین عبد مناف و اسمه المغیرة و عبد الدار و عبد العزی و عبد او تخمر و برة و أمهم جمیعا حبی بنت حلیل بن حبشیة قال ابن هشام و یقال حبشیة بن سلول و فی سیرة ابن هشام سلول بن کعب بن عمرو الخزاعی* قال الزبیر بن بکار لما ولد لقصی أوّل ولده سماه عبد مناة ثم نظر فاذا هو موافق لاسم عبد مناف بن کنانة فأحاله الی عبد مناف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:156
و ساد عبد مناف فی حیاة أبیه و کان مطاعا فی قریش و هو الذی یدعی القمر لجماله و اسمه المغیرة و کنیته أبو عبد شمس و مناة اسم صنم و ذکر الزبیر عن موسی بن عقبة انه وجد کتابا فی حجر فیه أنا المغیرة بن قصی آمر بتقوی اللّه وصلة الرحم و ایاه عنی القائل بقوله
کانت قریش بیضة فتقلقلت‌فالمح خالصه لعبد مناف و عن الواقدی أنه قال مات قصی بمکة فدفن بالحجون فتدافن الناس بعده بالحجون و کان نور رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی عبد مناف و کان فی یده لواء نزار و قوس اسماعیل* و فی شفاء الغرام فلم تزل السقایة و الرفادة و القیادة لعبد مناف بن قصی یقوم بها حتی توفی* قال ابن هشام هلک عبد مناف بغزة من أرض الشام تاجرا و قد تزوّج عاتکة بنت مرّة بن هلال بن فالخ بن ذکوان من بنی سلیم فهی سلمیة أیضا و ثالثة الجدّات النبویات الابویات فولدت له هاشما و اسمه عمرو* و فی الاکتفاء فولد عبد مناف أربعة نفر هاشما و عبد شمس و المطلب و نوفلا کلهم لعاتکة بنت مرّة بن هلال بن فالخ بن ذکوان بن ثعلبة بن بهثة ابن سلیم بن منصور بن عکرمة بن حفصة بن قیس بن غیلان بن مضر الا نوفلا فلیس منهم فانه لوافدة بنت عمرو المازنیة مازن بن منصور بن عکرمة* قال ابن هشام و أبو عمرو و تماضر و قلابة و حبیبة و ریطة و أمّ الاخثم و أمّ سفیان بنو عبد مناف فأم أبی عمرو و ریطة امرأة من ثقیف و أمّ سائر النساء عاتکة بنت مرّة بن هلال أمّ هاشم بن عبد مناف و أمها صفیة بنت حوزة بن عمرو بن سلول بن صعصعة بن معاویة ابن بکر بن هوازن و أمّ صفیة بنت عائذ اللّه بن سعد العشیرة بن مذحج* و فی المنتقی کان لعبد مناف خمسة بنین و سبع بنات* و فی شفاء الغرام ولد عبد مناف بن قصی خمسة نفر عمرو و هاشم و عبد شمس و المطلب و نوفل فعدّ عمرا و هاشما اثنین و فی غیر شفاء الغرام عدّهما واحدا و سیجی‌ء تحقیقه* و فی روضة الاحباب کان لعبد مناف أربعة بنین هاشم و عبد شمس و المطلب و نوفل کأنه عدّ عمرا و هاشما واحدا أما هاشم فهو جدّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و اسمه عمرو و یقال له عمرو العلا أیضا لعلوّ مرتبته و لقبه هاشم لانه کان یهشم الثرید لاهل مکة أیام القحط و الهشم کسر الشی‌ء الیابس کذا فی القاموس* و لما توفی عبد مناف ولی بعده هاشم السقایة و الرفادة أما السقایة فحیاض من أدم کانت علی عهد قصی توضع بفناء الکعبة و یستقی فیها الماء العذب من الآبار و یسقاه الحاج و أما الرفادة فخرج کانت تخرجه قریش فی الجاهلیة من أموالها فی کل موسم فتدفعه الی قصی فتصنع به طعاما للحاج و یأکل منه من لم یکن له سعة و لا زاد و کان عبد مناف یعمل به بعده و کان هاشم یعمل به بعد أبیه فیطعم الناس فی کل موسم ما یجتمع عنده من ترافد قریش فلم یزل علی ذلک من أمره حتی أصاب الناس سنة جدب شدید فخرج هاشم الی الشام فاشتری بما اجتمع عنده من المال دقیقا و کعکا فقدم مکة فی الموسم فهشم الخبز و الکعک و نحر الجزور و طبخ و جعله ثریدا و أطعم الناس و کانوا فی مجاعة شدیدة حتی أشبعهم فسمی لذلک هاشما* و قال عطاء عن ابن عباس انهم کانوا فی ضرّ و مجاعة شدیدة حتی جمعهم هاشم علی الرحلتین یعنی فی الشتاء الی الیمن و فی الصیف الی الشام و کانوا یقسمون ربحهم بین الفقیر و الغنی حتی کان فقیرهم کغنیهم و قال الکلبی کان أوّل من حمل السمراء من الشام و رحل إلیها الابل هاشم بن عبد مناف و فی ذلک یقول ابن الزبعری السهمی
قل للذی طلب السماحة و الندی‌هلا مررت بآل عبد مناف
هلا مررت بهم ترید قراهم‌منعوک من ضرّ و من اتلاف
الرائشین و لیس یوجد رائش‌و القائلین هم للاضیاف
و الخالطین فقیرهم بغنیهم‌حتی یکون فقیرهم کالکافی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:157 و القائلین لکل وعد صادق‌و الراحلین برحلة الایلاف
سفرین سهما له و لقومه‌سفر الشتاء و رحلة الاصیاف
عمرو العلا هشم الثرید لقومه‌و رجال مکة مسنتون حجاف و فی روایة
عمرو العلا هشم الثرید لمعشرکانوا بمکة مسنتین عجاف و کان عبد المطلب بعد هاشم یلی الرفادة فلما توفی قام بذلک أبو طالب فی کل موسم حتی جاء الاسلام و هو علی ذلک و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قد أرسل بمال یعمل به الطعام مع أبی بکر حین حج بالناس سنة تسع من الهجرة ثم عمل به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی حجة الوداع سنة عشر ثم قام بذلک أبو بکر رضی اللّه عنه فی خلافته ثم عمر ثم عثمان ثم علی و هلم جرّا و هو طعام الموسم الذی کان الخلفاء یطعمونه أیام الحج بمکة و بمنی حتی تنقضی أیام الموسم کذا فی شفاء الغرام* قال ابن اسحاق کان أوّل بنی عبد مناف هلاکا هاشم هلک بغزة من أرض الشام و اختلف فی سنه حین مات فقیل عشرون سنة و قیل خمس و عشرون سنة و أما عبد شمس فهو الجدّ الاعلی لابی سفیان بن حرب بن أمیة ابن عبد شمس و به کان یکنی عبد مناف* و فی شفاء الغرام قیل ان هاشما و عبد شمس توأمان و ان أحدهما ولد قبل الآخر قیل ان الاوّل هاشم و ان اصبع أحدهما ملتصقة بجبهة صاحبه فنحیت فسال الدم فقیل یکون بینهما دم* و فی روضة الاحباب کان جباههما متلاصقتین فکلما عالجوا فی فکهما لم یقدروا حتی فصلوهما بالسیف فبلغ الخبر بعض عقلاء العرب فقال کان ینبغی أن یفصلوهما بشی‌ء آخر فاذا لم یفعلوا فلا تزال تکون العداوة و السیف فی أولادهما فکان کما قال و لما توفی عبد مناف ولی القیادة بعده من بنیه عبد شمس فمات عبد شمس بعد هاشم بمکة فولی القیادة بعده ابنه أمیة ثم بعده حرب بن أمیة فقاد الناس یوم عکاظ فی حرب قریش و قیس عیلان و فی الفجارین الاوّل و الثانی و قاد الناس قبل ذلک بذات نکیف کأمیر موضع بناحیة یلملم و یوم نکیف معروف و نکیف موضع معروف کان به وقعة فهزمت قریش بنی کنانة انتهی و الاحابیش یومئذ مع بنی بکر تحالفوا علی جبل یقال له الحبشی علی قریش فسموا الاحابیش بذلک* و فی کتاب القری الحبشی بضم الحاء المهملة و سکون الباء الموحدة و کسر الشین و تشدید الیاء جبل قریب من مکة قاله ابن الاثیر و قال الحافظ أبو عمرو علی عشرة امیال من مکة و قال الصاغانی علی ستة أمیال و قال الجوهری جبل بأسفل مکة و کان أبو سفیان بن حرب یقود قریشا بعد أبیه حتی کان یوم بدر فقاد الناس عتبة بن ربیعة بن عبد شمس و کان أبو سفیان فی العیر یقود الناس فلما کان یوم أحد قاد الناس أبو سفیان و قاد الناس یوم الاحزاب و کانت آخر وقعة لقریش حتی جاء الاسلام و فتح مکة فأسلم و أما المطلب فهو الجدّ الاعلی للامام الشافعی مات بعد عبد شمس بردمان من أرض الیمن و أما نوفل فهو جدّ جبیر بن مطعم مات بعد المطلب بسلمان من ناحیة العراق* و فی المنتقی کان هاشم أفخر قومه و أعلاهم و کانت مائدته منصوبة لا ترفع فی السرّاء و الضرّاء و کان یحمل ابن السبیل و یؤوی الخائف و کان نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی وجهه یتوقد شعاعه و یتلألأ ضیاؤه و لا یراه حبر من الاحباء إلا قبل یدیه و لا یمرّ بشی‌ء إلّا سجد إلیه تفد إلیه قبائل العرب و وفود الاحبار یحملون بناتهم یعرضون علیه لیتزوّج بهنّ حتی بعث إلیه هرقل ملک الروم و قال ان لی ابنتا لم تلد النساء أجمل منها و لا أبهی وجها فاقدم الیّ حتی أزوجکها فقد بلغنی جودک و کرمک و انما أراد بذلک نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الموصوف عندهم فی الانجیل و کان هاشم یأبی و کان ینطلق الی جبل ثبیر یسأل إله السماء ثم یرجع الی الاصنام و کان اذا أراد أن یدخل علیها یدرکه جبریل فینزع نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من ظهره فلم یزل هاشم کذلک حتی أری فی منامه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:158
أن تزوّج سلمی بنت عمرو بن زید بن لبید بن خداش بن عامر بن غنم بن عدی بن النجار فهی نجاریة و ثانیة الجدّات الابویات النبویات و کانت قبل هاشم تحت أحیحة بن الجلاح فولدت له عمرو بن أحیحة و هو أخو عبد المطلب لامه و کانت فی زمانها کخدیجة فی زمانها لها عقل و حلم فولدت له عبد المطلب اسمه شیبة الحمد و قیل عامر کذا فی سیرة مغلطای و فیه نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الاکتفاء فولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر و خمس نسوة عبد المطلب و أسدا و هو أبو فاطمة أمّ علیّ رضی اللّه عنه و أبا صیفی و اسمه عمرو کذا فی الحدائق و نضلة و الشفاء و خالدة و صفیة و رقیة و حمنة و أمّ عبد المطلب منهم سلمی بنت عمرو بن زید بن لبید بن خداش بن عامر بن غنم بن عدیّ بن النجار و اسم النجار تیم بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج و أمها عمیرة بنت صخر بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار و أمّ عمیرة سلمی بنت عبد الاشهل النجاریة و أم أسد قیلة بنت عامر بن مالک الخزاعی و أم أبی صیفی و حمنة هند بنت عمرو بن ثعلبة الخزرجیة و أم نضلة و الشفاء امرأة من قضاعة و أم خالدة و صفیة واقدة بنت أبی عدی المازنیة و اسم عبد المطلب شیبة و یقال له أیضا شیبة الحمد سمی بها لانه کان حین ولد کان وسط رأسه أبیض و قیل اسمه عامر و هو قول ابن قتیبة و تابعه علیه المجد الشیرازی و انما سمی عبد المطلب لانه کان طفلا حین توفی أبوه فرباه عمه المطلب بن عبد مناف و کان من عادة العرب أن تقول لیتیم کان فی حجر واحد هو عبده و قیل لما دنت وفاة أبیه هاشم بمکة و کان عبد المطلب حینئذ بالمدینة قال لاخیه المطلب أدرک عبدک الذی بیثرب فسمی عبد المطلب* و فی المنتقی لانّ هاشما خرج الی الشام فی تجارة فمرّ بالمدینة فرأی سلمی بنت عمرو و یقال بنت زید بن عمرو النجاری فأعجبته فحطبها الی أبیها فأنکحه ایاها و شرط علیه أن لا تلد ولدا الا فی أهلها ثم مضی هاشم لوجهه قبل أن یبنی بها ثم انصرف راجعا من الشام فبنی بها فی أهلها بیثرب ثم ارتحل الی مکة و حملها معه فلما أثقلت ردّها الی أهلها و مضی الی الشام و مات بغزة فولدت له عبد المطلب فمکث بیثرب سبع سنین أو ثمان ثم ان رجلا من بنی الحارث ابن عبد مناف مرّ بیثرب فاذا بغلمان ینتضلون فجعل شیبة اذا خسق قال أنا ابن هاشم أنا ابن سید البطحاء فقال له الحارثی من أنت قال أنا شیبة بن هاشم بن عبد مناف فلما أتی الحارثی مکة أخبر بذلک المطلب فقال المطلب و اللّه لا أرجع الی أهلی حتی آتی به فقال له الحارثی هذه راحلتی بالفناء فارکبها فرکبها المطلب و ورد یثرب عشاء حتی أتی عدی بن النجار فاذا غلمان یضربون کرة بین ظهری مجلس فعرف ابن أخیه فقال للقوم أ هذا ابن هاشم قالوا نعم هذا ابن أخیک فان کنت تؤثر أخذه فالساعة قبل أن تعلم به أمه فانها ان علمت لم تدعک و حالت بینک و بینه فدعاه المطلب فقال یا ابن أخی أنا عمک و قد أردت الذهاب بک الی قومک و اناخ راحلته فجلس علی عجز الناقة فانطلق به و لم تعلم أمه حتی کان اللیل فقامت تدعوه فأخبرت ان عمه ذهب به و قدم المطلب مکة* و فی سیرة ابن هشام خرج إلیه عمه المطلب لیقبضه فیلحقه ببلده و قومه فقالت له أمه لست بمرسلة معک و قال شیبة لعمه المطلب فیما یزعمون لست بمفارقها الا أن تأذن لی فأذنت له و دفعته إلیه فاحتمله فدخل به مکة مردفه معه علی بعیره فقالت قریش عبد المطلب ابتاعه فیها سمی شیبة عبد المطلب فقال المطلب و یحکم انما هو ابن أخی هاشم قدمت به من المدینة* و فی المنتقی لما قدم به المطلب من المدینة کان أردفه علی راحلته و قد أثرت فیه الشمس و علیه اخلاق ثیاب و قدم به مکة ضحوة و الناس فی مجالسهم فجعلوا یقولون له من هذا وراءک فیقول عبدی و کره ان یقول ابن أخی و هو هیئة بذلة فاشتهر بعبد المطلب فلما أدخله و أحسن من حاله أظهر أنه ابن أخیه هذا ما قیل فی وجه تسمیته بعبد المطلب* و فی سیرة ابن هشام هلک المطلب بردمان
من الیمن قیل لیس الیوم علی وجه الارض هاشمی الا من أولاد عبد المطلب اذ لم یبق من سائر أولاد هاشم نسل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:159
قال السهیلی ان عبد المطلب أوّل من خضب بالسواد من العرب قال ابن الاثیر هو أوّل من تحنث بحراء و کان اذا دخل شهر رمضان صعد حراء و أطعم المساکین و قال ابن قتیبة یرفع من مائدة عبد المطلب للوحوش و الطیر فی رءوس الجبال فیقال له الفیاض لجوده و مطعم طیر السماء و کان مجاب الدعوة فتزوّج فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمرو بن مخزوم و أمهرها مائة ناقة کوماء و عشرة أواق من ذهب فهی مخزومیة و جدة أولی للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ذکر ذلک ابن قتیبة فی کتاب المعارف فجملة نسوة تزوّجهنّ عبد المطلب خمس فولدن له اثنی عشرا بنا علی ما فی الصفوة أو ثلاثة عشر علی ما فی الذخائر للعقبی أو عشرة علی ما فی سیرة ابن هشام و الاکتفاء و ست بنات باتفاق الکل* أما البنون ففی الصفوة قال ابن السائب هم اثنا عشر الحارث و الزبیر و أبو طالب و حمزة و أبو لهب و الغیداقی و المقوّم و ضرار و العباس و قثم و حجل و اسمه المغیرة و عبد اللّه* و فی سیرة مغلطای یقال حجل و غیداق واحد و یقال عبد اللّه و المقوّم واحد و قال غیره أحد عشر و لم یذکر قثما و قال اسم الغیداق حجل بتقدیم الجیم و هو السقاء الضخم* و قال الدارقطنی بتقدیم الحاء و کذا فی أسد الغابة و هو القید و الخلخال کذا فی المواهب اللدنیة

أعمامه صلّی اللّه علیه و سلم‌

و فی ذخائر العقبی و کان له اثنا عشر عما بنو عبد المطّلب أبوه صلّی اللّه علیه و سلم ثالث عشرهم الحارث و أبو طالب و اسمه عبد مناف و الزبیر و یکنی أبا الحارث و حمزة و أبو لهب و اسمه عبد العزی و الغیداق و المقوّم و ضرار و العباس و قثم و عبد الکعبة و حجل و یسمی المغیرة و قیل کانوا أحد عشر فأسقط المقوّم و قیل هو عبد الکعبة و قیل عشر فأسقط الغیداق و حجلا و قیل تسعة فأسقط قثم و لم یذکر ابن قتیبة و ابن اسحاق و أبو سعید غیره* و فی أسد الغابة عبد الکعبة درج صغیرا و ضرار مات صغیرا و قثم هلک صغیرا و الغیداق اسمه نوفل و أمه ممنعة بنت عمرو بن مالک الخزاعیة و فی روایة الغیداق لقب حجل لقب به لکثرة خیره قال ابن اسحاق عبد اللّه أصغر بنی عبد المطلب و الصواب بنی أمه و الا فحمزة و العباس أصغر منه کذا فی سیرة مغلطای و أما البنات الست فعاتکة و أمیمة و البیضاء و هی أمّ حکیم و برة وصفیة و أروی و هؤلاء الاولاد لعبد المطلب من امهات شتی فحمزة و المقوّم و حجل وصفیة لام و هی هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة و العباس و ضرار و قثم لأمّ و هی نتیلة بنت خباب بن کلیب بن مالک بن عمرو بن عامر و الحارث من صفیة بنت جندب من بنی عامر بن صعصعة و أبو لهب من لبنا بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشیة بن سلول بن کعب الخزاعی و لم یکن لهما اناثی و عبد اللّه أبو النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أبو طالب و الزبیر و عبد الکعبة و البیضاء و امیمة و برة و عاتکة لأمّ و هی فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمرو بن مخزوم و امها صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم بن یقطة بن مرّة بن کعب و أمّ صخرة تخمر بنت عبد بن قصی بن کلاب و لم یعقب من الذکور الا خمسة الحارث و العباس و أبا طالب و أبا لهب و عبد اللّه و کان أکبرهم الحارث و به کان یکنی عبد المطلب شهد معه حفر زمزم و من ولده و ولد ولده جماعة لهم صحبة و سیأتی ذکرهم و لم یدرک الاسلام من الذکور غیر أربعة أبو طالب و أبو لهب و حمزة و العباس و لم یسلم غیر حمزة و العباس و من البنات لم تسلم الا صفیة بلا خلاف و اختلف فی أروی و عاتکة فی الصفوة قال محمد بن سعد أسلمتا و هاجرتا الی المدینة و قال غیره لم یسلم منهنّ الا صفیة* و فی ذخائر العقبی فذهب أبو جعفر العقیلی الی اسلامهما و عدّهما فی الصحابة و ذکر الدارقطنی عاتکة فی جملة الاخوة و الاخوات و لم یذکرا روی و أما محمد بن اسحاق و غیره فذکروا أنه لم یسلم من عماته صلّی اللّه علیه و سلم غیر صفیة و قد صح أن جملة أولاد أعمامه الذکور من أسلم و من لم یسلم خمسة و عشرون اثنان منهم لم یسلما طالب بن أبی طالب و عتیبة بن أبی لهب و الباقون أسلموا و لهم صحبة تفصیلهم أربعة أولاد لابی طالب طالب و مات کافرا و عقیل و جعفر و علی و عشرة للعباس الفضل و عبد اللّه و عبید اللّه و قثم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:160
و عبد الرحمن و معبد و کثیر و الحارث و عون و تمام و خمسة للحارث أبو سفیان و نوفل و ربیعة و المغیرة و عبد شمس و ابن للزبیر عبد اللّه و ثلاثة لابی لهب عتبة و عتیبة مات کافرا و معتب و ابنان لحمزة عمارة و یعلی و الاناث عشرة تفصیلهنّ ابنتان لابی طالب أمّ هانی و جمانة و ثلاث للعباس أمّ حبیب و صفیة و أمینة و بنت للحارث أروی و ابنتان للزبیر ضباعة و أمّ حکیم و بنت لابی لهب درّة و بنت الحمزة امامة و قد صح أن جملة أولاد العمات أحد عشر رجلا و ثلاث بنات عرفن أما الرجال فعامر بن البیضاء من کریز بن ربیعة و عبد اللّه و زهیر ابنا عاتکة من أبی أمیّة المخزومی و أبو سلمة بن برّة من عبد الاسد المخزومی و عبد اللّه و عبید اللّه و أبو أحمد بنو أمیمة من جحش و طلیب بن أروی من عمیر بن وهب و الزبیر و السائب و عبد اللّه بنو صفیة من العوّام کلهم أسلموا و ثبتوا علی الاسلام الا عبید اللّه بن جحش و أما الاناث فزینب و أمّ حبیبة و حمنة بنات أمیمة من جحش و ذکرت لأمّ حکیم بنات لم یذکر عددهنّ و لا اسلامهنّ و لا أسامیهنّ و سیجی‌ء ذکر أولاد الاعمام و العمات مفصلا* ذکر الذکور من أولاد عبد المطلب* أما عبد اللّه بن عبد المطلب أبو النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فسیجی‌ء ذکر ولادته و تزوّجه و وفاته و غیر ذلک فی الطلیعة الثالثة من المقدّمة فلیطلب ثمة* ذکر الحارث بن عبد المطلب و أولاده* و هو أکبر أولاد عبد المطلب و به کان یکنی و جملة أولاده ستة أبو سفیان و نوفل و ربیعة و المغیرة و عبد شمس و أروی خمسة ذکورا أما أبو سفیان بن الحارث فهو ابن عمّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أخوه من الرضاعة أرضعتهما حلیمة السعدیة أیاما قیل اسمه المغیرة و لم یذکر الدارقطنی غیره و قیل اسمه کنیته و المغیرة اخوه امّه غزیة بنت قریش بن طریف من ولد فهر بن مالک و کان ترب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یألفه الفا شدیدا قبل النبوّة فلما بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عاداه و هجاه و هجا أصحابه و کان شاعرا ذکره ابن اسحاق فلما کان عام الفتح ألقی اللّه فی قلبه الاسلام فخرج متنکرا و تصدی لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأعرض عنه فتحوّل الی الجانب الآخر فأعرض عنه قال فقلت أنا مقتول قبل أن اصل إلیه فأسلمت و ذلک بطریق الابواء کذا فی الصفوة* و فی ذخائر العقبی أسلم أبو سفیان عام الفتح و حسن اسلامه و یقال انه ما رفع رأسه الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حیاء منه و أسلم معه ولده جعفر لقیا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالابواء و أسلما قبل دخوله مکة و قیل بل لقیه هو و عبد اللّه بن أمیة بین السقیا و العرج فأعرض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عنهما فقالت أمّ سلمة لا یکن ابن عمک و أخو ابن عمتک أشقی الناس بک و قال له علیّ بن أبی طالب ائت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من قبل وجهه فقل له ما قال اخوة یوسف لیوسف تاللّه لقد آثرک اللّه علینا و ان کنا الخاطئین فانه لا یرضی أن یکون أحسد أحسن قولا منه ففعل ذلک أبو سفیان فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الیوم یغفر اللّه لکم و هو أرحم الراحمین قال أبو سفیان و خرجت معه شهدت فتح مکة و حنینا فلما لقینا العدوّ بحنین اقتحمت عن فرسی و بیدی السیف صلتا و اللّه یعلم انی أرید الموت دونه و هو ینظر الیّ فقال العباس یا رسول اللّه أخوک و ابن عمک أبو سفیان فارض عنه فقال فعلت فغفر اللّه له کل عداوة عادانیها ثم التفت الیّ و قال أخی لعمری فقبلت رجله فی الرکاب کذا فی الصفوة* و فی ذخائر العقبی کان أبو سفیان ممن ثبت مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لم یفرّ و لم تفارق یده لجام بغلة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أو غرزه علی اختلاف فی النقل حتی انصرف الناس و کان یشبه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و یقال ان الذین کانوا یشبهون النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم جعفر بن أبی طالب و الحسن بن علی و قثم بن
العباس و أبو سفیان بن الحارث و السائب بن عبید بن عبد بن نوفل بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف و عبد اللّه بن جعفر فهم ستة و قیل و عبد اللّه بن نوفل بن الحارث فهم سبعة و کان صلّی اللّه علیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:161
و سلم یحب أبا سفیان بن الحارث و شهد له بالجنة و عن عروة عن أبیه أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال أبو سفیان بن الحارث من شباب أهل الجنة أو سید فتیان أهل الجنة رواه ابن عمرو عن أبی حیة البدری أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال أبو سفیان خیر أهلی أو من خیر أهلی خرّجه أبو عمرو و ذکر الدارقطنی انه صلّی اللّه علیه و سلم قاله یوم حنین کذا فی ذخائر العقبی و عن ابن اسحاق لما حضر أبا سفیان ابن الحارث الوفاة قال لاهله لا تبکوا علیّ فانی لم انتطف بخطیئة منذ أسلمت قال أهل السیر مات أبو سفیان ابن الحارث بالمدینة بعد ان استخلف عمر بسنة و سبعة أشهر و یقال بل مات سنة عشرین و قیل توفی بسنة خمس عشرة و صلّی علیه عمر و دفن بالبقیع قاله ابن قتیبة و قال أبو عمرو دفن فی دار عقیل بن أبی طالب و کان هو الذی حفر قبر نفسه قبل أن یموت بثلاثة أیام و سبب موته انه کان فی رأسه ثؤلول فحلقه الحلاق فقطعه فلم یزل مریضا حتی مات بعد مقدمه من الحج و کان له من الولد عبد اللّه بن أبی سفیان بن الحارث بن عبد المطلب القرشی الهاشمی رأی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و روی عنه و کان معه مسلما بعد الفتح و جعفر بن أبی سفیان بن الحارث ذکر أهل بیته أنه شهد حنینا مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ذکره ابن هشام و غیره و قطع به الدارقطنی و انه لم یزل مع أبیه ملازما لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی قبض و توفی جعفر فی خلافة معاویة و أبو الهیاج بن أبی سفیان قیل اسمه عبد اللّه و قیل علیّ و عاتکة بنت أبی سفیان بن الحارث تزوّجها معتب بن أبی لهب فولدت له و أما نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و یکنی أبا الحارث و کان أسنّ من اخوته و من جمیع من أسلم من بنی هاشم حتی من حمزة و العباس أسر یوم بدر ففداه العباس و قیل بل فدی نفسه قیل أسلم و هاجر أیام الخندق و قیل أسلم یوم فدی نفسه و عن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل قال لما اسر نوفل بن الحارث ببدر قال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم افد نفسک قال ما لی شی‌ء افتدی به قال افد نفسک برماحک التی بحدّة فقال و اللّه ما علم أحد أن لی بحدّة رماحا غیری بعد اللّه أشهد أنک رسول اللّه و فدی نفسه بها و کانت ألف رمح ذکره أبو عمرو و شهد نوفل مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فتح مکة و حنینا و الطائف و کان ممن ثبت یوم حنین مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أعان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بثلاثة آلاف رمح فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کأنی أری رماحک تقصف أصلاب المشرکین و آخی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بینه و بین العباس بن عبد المطلب و کانا شریکین فی الجاهلیة متفاوضین فی المال متحابین توفی بالمدینة سنة خمس عشرة فی خلافة عمر و صلّی علیه عمر بعد أن شیعه الی البقیع و وقف علی قبره حتی دفن و کان له من الولد الحارث و عبد اللّه و عبید اللّه و المغیرة و سعید و عبد الرحمن و ربیعة بنو نوفل فأما الحارث بن نوفل فهو الذی کان یقال له ببه لأنّ أمه هند ابنة أبی سفیان بن حرب بن أمیة کانت ترقصه و هو طفل و تقول
لانکحنّ ببه* جاریة خدبة* مکرمة محبة* تجبّ أهل الکعبة
ببة لقب له و خدبة أی غلیمة سمینة و الخدب هو العظیم الجافی و کان قد اصطلح علیه أهل البصرة حین توفی یزید بن معاویة و خرج مع ابن الاشعث فلما هزم هرب الی عمان و مات بها* قال الواقدی کان الحارث بن نوفل علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رجلا فأسلم عند اسلام أبیه نوفل و ولد له علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ولده عبد اللّه فأتی به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فحنکه و دعا له و کانت تحته درّة بنت أبی لهب بن عبد المطلب و استعمله النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی بعض أعماله بمکة و استعمله أبو بکر أیضا قاله الدارقطنی و قیل ان أبا بکر ولی الحارث بن نوفل مکة و انتقل الحارث من المدینة الی البصرة و اختط بها دارا فی ولایة عبد اللّه بن عامر و مات بها فی آخر خلافة عثمان و أما المغیرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و یکنی أبا یحیی فولد له علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:162
بمکة قبل الهجرة و قیل بعدها و لم یدرک من حیاة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم غیر ست سنین و هو الذی تلقی عبد الرحمن بن ملجم المرادی حین ضرب علیا علی هامته بسیفه فصرعه فلما هم الناس به حمل علیهم بسیفه ففرّجوا له فتلقاه المغیرة بن نوفل بقطیفة فرماها علیه و احتمله و ضرب به الارض و قعد علی صدره و انتزع سیفه عنه و کان ایدا ثم حمل ابن ملجم و حبس الی أن مات علیّ رضی اللّه عنه فقتل کما سیجی‌ء فی الخاتمة و الاید القوّة و منه ذا الاید انه أوّاب و کان المغیرة هذا قاضیا فی زمن عثمان و شهد مع علیّ صفین و تزوّج امامة بنت أبی العاص بن الربیع بعد علیّ بن أبی طالب و ولد یحیی منها و روی المغیرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قیل ان حدیثه مرسل و لم یسمع من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم شیئا و من ولده عبد الملک بن المغیرة بن نوفل روی عنه الزهری و عبد الرحمن الاعرج و عمران ابن أبی أویس و أما عبد اللّه بن نوفل بن الحارث فکان جمیلا و کان یشبه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان أوّل من ولی القضاء بالمدینة فی خلافة معاویة و أما أخواه عبید اللّه و سعید فقد روی عنهما العلم و أما عبد الرحمن و ربیعة ابنا نوفل فلا لقیة لهما و لا روایة ذکر ذلک الدارقطنی فی کتاب روایة الاخوة و الاخوات* و أما ربیعة بن الحارث بن عبد المطلب و یکنی أبا أروی فکانت له صحبة و هو الذی قال فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم فتح مکة ألا ان کل مأثرة کانت فی الجاهلیة تحت قدمی و دماء الجاهلیة موضوعة و ان أوّل دم أضع دم ابن ربیعة بن الحارث و ذلک انه قتل لربیعة ابن الحارث فی الجاهلیة ولد یسمی آدم و قیل تمام فأبطل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الطلب به فی الاسلام و لم یجعل لربیعة فی ذلک تبعة و کان ربیعة هذا أسنّ من العباس فیما ذکر بسنتین ذکره أبو عمرو و غیره و قال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم نعم الرجل ربیعة لو قصر من شعره و شمر من ثوبه و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أطعمه مائة وسق من خیبر کل عام ذکره الدارقطنی فی کتاب الاخوة و الاخوات و کان شریک عثمان فی التجارة ذکره ابن قتیبة توفی سنة ثلاث و عشرین فی خلافة عمر و روی عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أحادیث و له من الولد بنون و بنات فالبنون العباس بن ربیعة و عبد المطلب بن ربیعة و عبد اللّه بن ربیعة ذکر عبد اللّه هذا أبو عمرو فی باب عبد اللّه بن عباس فیمن شهد مع علیّ صفین و غیرها و لم یفرده بالذکر و ذکره الدارقطنی فی باب الاخوة من ولد ربیعة بن الحارث و ذکر من ولده أیضا الحارث و أمیة و عبد شمس و من ولده أیضا آدم بن ربیعة و هو الذی کان مسترضعا فی هذیل و کان العباس بن ربیعة ذا قدر و أقطعه عثمان دارا بالبصرة و أعطاه مائة ألف درهم و شهد صفین مع علی و کان تحته أمّ فراس بنت حسان بن ثابت فولدت له أولادا و عقبه کثیر ذکره ابن قتیبة و أما البنات فلم یذکر اسماء هنّ عند ذکرهنّ و ذکر أبو عمرو فی باب هند بنت ربیعة بن الحارث بن عبد المطلب انها ولدت علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ذکر الدارقطنی أن اسمها أروی قال و قیل هند تزوّجها حبان ابن منقد الانصاری النجاری فولدت له واسعا و یحیی ابنی حبان و لم أظفر بأسماء باقیهنّ و لا بکنیتهنّ غیر انهنّ ذکرن علی سبیل الجمع کما قدّمنا کذا فی ذخائر العقبی* و أما عبد شمس بن الحارث بن عبد المطلب و سماه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عبد اللّه فمات بالصفراء فی حیاة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کفنه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی قمیصه و قال فی حقه سعید أدرکته السعادة قاله الدارقطنی فی کتاب الاخوة و الاخوات و البغوی فی معجمه و لیس له عقب و قال ابن قتیبة عقبه بالشام یقال لهم الموزة لقلتهم لانهم لا یکادون یزیدون علی ثلاثة* و فی شرح الکرمانی عبیدة بن الحارث کان أسنّ من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و
سلم بعشر سنین أسلم قبل دخوله دار الارقم شهد بدرا و جرح بها و تأخرت وفاته حتی وصل وادی الصفراء فدفن بها و هو ابن ثلاث و ستین سنة و سیجی‌ء فی غزوة بدر ان شاء اللّه تعالی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:163
و أما المغیرة بن الحارث بن عبد المطلب فله صحبة و قد قیل ان أبا سفیان بن الحارث اسمه المغیرة و الصحیح أنه أخوه و ذکر الدارقطنی أمیة بن الحارث مکان المغیرة بن الحارث و قال لا عقب له و لا روایة و أما أروی بنت الحارث فذکرها ابن قتیبة و أبو سعد فی ولده و لم یذکرها أبو عمرو فلعله لم یثبت عنده اسلامها و ذکرها الدارقطنی فی کتاب الاخوة و الاخوات و ذلک دلیل اسلامها لانه لم یذکر فیه الا من أسلم قال و تزوّجها أبو وداعة بن صبرة السهمی فولدت له المطلب و أبا سفیان بن أبی وداعة*

(ذکر أبی طالب و أولاده)

* و اسمه عبد مناف و جملة أولاده ستة أربعة ذکور طالب و مات کافرا فی غزوة بدر حین وجهه المشرکون الی حرب المسلمین و هو أکبر ولده و به کان یکنی و عقیل و جعفر و علی و بنتان أمّ هانی و جمانة أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف و کان علیّ أصغرهم و کان جعفر أسنّ منه بعشر سنین و عقیل أسنّ من جعفر بعشر سنین و طالب أسنّ من عقیل بعشر سنین ذکره ابن قتیبة و أبو سعید و أبو عمرو و أما علی فسیجی‌ء ذکره فی الخاتمة فی ذکر الخلفاء و أما جعفر فقد تقدّم ذکر أمه و یکنی أبا عبد اللّه أسلم قدیما و هاجر الی الحبشة الهجرة الثانیة و معه زوجته أسماء بنت عمیس و ولدت ثمة بنیه عبد اللّه و محمدا و عونا فلم یزل هنا لک حتی قدم علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو بخیبر سنة سبع فحصلت له الهجرتان و أما ذکر جواره فی أرض الحبشة و ما جری له مع النجاشی فسیجی‌ء فی الرکن الثانی فی حوادث السنة الخامسة من النبوّة و سیجی‌ء ذکر وفاته و بعض أحواله فی الموطن الثامن فی سریة مؤتة ان شاء اللّه تعالی و أما عقیل بن أبی طالب فلم یزل اسمه فی الجاهلیة و الاسلام عقیلا و یکنی أبا یزید أمه فاطمة بنت أسد قال العذری و کان عقیل قد خرج مع کفار قریش یوم بدر مکرها فأسر ففداه عمه العباس ثم أتی مسلما قبل الحدیبیة و شهد غزوة مؤتة ذکره أبو عمرو و روی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال له یا أبا یزید انی أحبک حبین حبا لقرابتک منی و حبا لما کنت أعلم من حب عمی ایاک خرجه أبو عمرو و البغوی و کان عقیل أنسب قریش و أعلمهم بأیامها و لکنه کان مبغضا إلیهم لانه کان یعدّ مسلویهم و کانت له قطیفة تفرش له فی مسجد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یصلی علیها و یجتمع إلیه فی علم النسب و أیام العرب و کان أسرع الناس جوابا و أحضرهم مراجعة فی القول و أبلغهم فی ذلک خرجه أبو عمرو و عن جعفر بن محمد عن أبیه أن عقیلا جاء الی علیّ بالعراق فسأله فقال له ان أحببت أن أکتب لک الی مالی بینبع فأعطیتک منه فقال عقیل لا ذهبن الی رجل هو أوصل لی منک فذهب الی معاویة فعرف ذلک له خرجه البغوی قال أبو عمرو و کان عقیل غاضب علیا و خرج الی معاویة و اقام عنده فزعموا ان معاویة قال یوما بحضرته هذا أبو یزید لو لا علمه بأبی خیر له من أخیه لما أقام عندنا و ترکه فقال عقیل أخی خیر لی فی دینی و أنت خیر لی فی دنیای و قد آثرت دنیای و أسأل اللّه خاتمة خیر و توفی عقیل فی خلافة معاویة و لم یوقف علی السنة التی مات فیها ذکره ابن الضحاک* و أما أم هانی فاسمها فاختة و قیل هند أسلمت یوم الفتح حکاه أبو عمرو و تزوّجها هبیرة بن أبی وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم و ولدت له أولاد او هرب الی نجران و مات مشرکا و هی التی صلّی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی بیتها عام الفتح الضحی ثمان رکعات فی ثوب واحد مخالفا بین طرفیه و قال لها قد أجرنا من أجرت یا أم هانی متفق علیه و عن ابن عباس دخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی أم هانی بنت أبی طالب یوم الفتح و کان جائعا فقالت یا رسول اللّه ان أصهار الی قد لجئوا الیّ و ان علیّ بن أبی طالب لا تأخذه فی اللّه لومة لائم و انی أخاف أن یعلم بهم فیقتلهم فاجعل من دخل دار أم هانی آمنا حتی یسمع کلام اللّه فأمنهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال أجرنا من أجارت أم هانی فقال هل عندک من طعام نأکله فقالت لیست عندی إلا کسر یابسة و انی لاستحیی ان أقدمها إلیک قال هلمیهنّ فکسرهنّ فی ماء و ملح فقال هل من ادام فقالت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:164
ما عندی یا رسول اللّه الا شی‌ء من خل فقال هلمیه فصبه علی طعامه فأکل منه ثم حمد اللّه ثم قال نعم الادام الخل یا أم هانی لا یفقر بیت فیه خل خرجه بهذا السیاق الطبرانی و جماعة* و أما جمانة فذکرها ابن قتیبة و أبو سعید فی شرف النبوّة فی أولاد أبی طالب أمها فاطمة بنت أسد و أما أبو عمرو فلم یذکرها فلعله لم یثبت عنده اسلامها و ذکرها الدارقطنی فی کتاب الاخوة و الاخوات و لم یذکر فیه الا من أسلم فدل علی أنه صح عنده اسلامها قال و تزوّجها ابن عمها أبو سفیان بن الحارث بن عبد المطلب و ولدت له قال و لم یسند منها شی‌ء و هذا القول دلیل علی صحة اسلامها اذ من لم یسلم لم یوصف بذلک اثباتا و لا نفیا*

(ذکر الزبیر و أولاده)

* و یکنی أبا الحارث و کان من أشراف قریش و جملة أولاده ثلاثة عبد اللّه و ابنتان أمّ الحکیم و یقال أمّ حکیم و ضباعة أما عبد اللّه بن الزبیر فأمه عاتکة بنت أبی وهب بن عمرو بن عائذ المخزومیة أدرک الاسلام و أسلم و ثبت مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم حنین فیمن ثبت یومئذ ذکره الدارقطنی و قتل یوم أجنادین فی خلافة أبی بکر شهیدا و وجد حوله عصبة من الروم قد قتلهم ثم أثخنته الجراحة فمات بها و ذکر الواقدی ان أوّل قتیل قتل من الروم بطریق معلم برز و دعا الی البراز فبرز إلیه عبد اللّه بن الزبیر بن عبد المطلب و اختلفا ضربات ثم قتله عبد اللّه و لم یتعرّض لسلبه ثم برز آخر یدعو الی البراز فبرز إلیه فاقتتلا بالرمحین ساعة ثم صارا الی السیفین فضربه عبد اللّه علی عاتقه و هو یقول خذها و أنا ابن عبد المطلب فأثبته و قطع سیفه الدرع و أسرع فی منکبه ثم ولی الرومی منهزما فعزم علیه عمرو بن العاص أن لا یبارز فقال عبد اللّه انی و اللّه ما أجد لی صبرا فلما اختلطت السیوف و أخذ بعضها بعضا وجد فی ربضة من الروم عشرة حوله قتلی و هو مقتول بینهم و کان سنه نحوا من ثلاثین سنة و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول له ابن عمی و حبی و منهم من یقول کان یقول ابن امی و لم یعقب قاله ابن قتیبة و أما بنتا الزبیر بن عبد المطلب فضباعة بنت الزبیر و هی التی أمرها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالاشتراط فی الحج و کانت تحت المقداد بن الاسود و أمّ الحکیم و کانت تحت ربیعة بن الحارث بن عبد المطلب قاله ابن قتیبة ذکرهما ابو عمرو فی باب أخیهما عبد اللّه بن الزبیر*

(ذکر حمزة بن عبد المطلب)

* و أمه هالة بنت وهب و قد تقدّم ذکرها و کان أخا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الرضاعة أرضعتهما و عبد اللّه بن عبد الاسد ثویبة بلبن ابنها مسروح و کانت ثویبة مولاة لابی لهب و قال ابن قتیبة امراة من أهل مکة و لا تضاد بین کونها مولاة و امرأة من أهل مکة و کان أسنّ من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بأربع سنین قال أبو عمرو و هذا یردّه ما تقدّم ذکره آنفا من تقیید رضاع ثویبة بلبن ابنها مسروح اذ لا رضاع الا فی حولین و لو لا التقیید بذلک امکن حمل الرضاع علی زمانین مختلفین قلت و یمکن أن تکون أرضعت حمزة فی آخر سنتیه فی اوّل رضاع ابنها و ارضعت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی اوّل سنتیه فی آخر رضاع ابنها فیکون أکبر بأربع سنین و قیل کان اسنّ بسنتین و لم یزل اسمه فی الجاهلیة و الاسلام حمزة و یکنی ابا عمارة و ابا یعلی کنیتان له بابنیه عمارة و یعلی و کان یدعی اسد اللّه و اسد رسوله و عن یحیی ابن عبد الرحمن بن أبی لبیبة عن ابیه عن جدّه ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال و الذی نفسی بیده انه لمکتوب عند اللّه عز و جل فی السماء السابعة حمزة اسد اللّه و اسد رسوله خرجه البغوی فی معجمه و کان اسلامه فی السنة الثانیة من المبعث و قیل فی السادسة بعد دخوله علیه السلام دار الارقم و قیل قبل اسلام عمر بثلاثة ایام و سیجی‌ء فی الرکن الثانی عن عبد الرحمن بن عابس عن ابیه قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خیر أعمامی حمزة خرجه الحافظ الدمشقی عن جابر قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سید الشهداء یوم القیامة حمزة بن عبد المطلب و رجل قام الی امام جائر فأمره و نهاه فقتله خرّجه ابن السرّی و فی روایة حمزة خیر الشهداء و عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ لا انبئکم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:165
بأفضل الشهداء عند اللّه بعد حمزة بن عبد المطلب قالوا بلی یا رسول اللّه قال رجل أتی أمیرا جائرا فأمره بالمعروف و نهاه عن المنکر فان هو لم یقتله لم یجر علیه ذنب ما کان حیا و ان هو قتله کان من افضل الشهداء عند اللّه عز و جل بعد حمزة بن عبد المطلب خرجه الحلبی و ذکر مقتله سیجی‌ء فی الموطن الثالث فی غزوة احد کان له من الولد عمارة أمه خولة بنت قیس بن فهر بن مالک النجاری* و یعلی قال مصعب لم یعقب واحد من ولد حمزة و کان یعلی قد ولد له خمسة رجال و ماتوا کلهم من غیر عقب و توفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لکل واحد منهما اعوام و لم تحفظ لواحد منهما روایة و کان له ابنة یقال لها أمّ ابیها قاله ابن قتیبة و قال صاحب الصفوة اسمها أمامة امّها زینب بنت عمیس الخثعمیة و کانت تحت عمرو بن ابی سلمة المخزومی ربیب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هی التی اختصم فی حضانتها علیّ و جعفر و زید فقال علی ابنة عمی و قال جعفر ابنة عمی و خالتها تحتی و قال زید ابنة اخی فقضی بها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لخالتها و قال الخالة بمنزلة الامّ اخرجاه و فیه دلالة علی ان من نکحت قریبا لا یسقط حقها من الحضانة و عن علی رضی اللّه عنه قلت لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ لا تتزوّج ابنة حمزة فانها احسن فتاة فی قریش فقال أ لیس قد علمت انها ابنة أخی من الرضاعة و ان اللّه عز و جل قد حرم من الرضاعة ما حرّم من النسب خرجه البغوی فی معجمه*

(ذکر العباس بن عبد المطلب و إسلامه)

* أمه نتیلة و یقال لها نتلة و قد تقدّم ذکرها و یقال انها أوّل عربیة کست البیت الحرام الدیباج و أصناف الکسوة و ذلک ابن العباس ضل و هو صبی فنذرت ان وجدته أن تکسو البیت الحرام فوجدته ففعلت و لم یزل اسمه العباس و یکنی ابا الفضل* ذکر صفته* و کان رضی اللّه عنه جمیلا جسیما و سیما ابیض بضا له ضفیرتان معتدل القامة و قیل کان طوالا عن جابر أن الانصار لما ارادوا أن یکسوا العباس حین اسر یوم بدر فلم یصلح علیه قمیص الا قمیص عبد اللّه ابن ابیّ بن سلول فکساه ایاه فلما مات عبد اللّه بن ابیّ بن سلول ألبسه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قمیصه و تفل علیه من ریقه قال سفیان فظنّ انه مکافأة لقمیص العباس خرّجه ابن الضحاک و ابو عمرو و کان مولده قبل الفیل بثلاث سنین و کان اسنّ من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بسنتین و قیل بثلاث* و عن أبی رزین قال قیل للعباس أیکما اکبر أنت أو النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال هو اکبر منی و انا ولدت قبله خرجه ابن الضحاک و هو اصغر أولاد عبد المطلب غیر عبد اللّه کذا فی المواهب اللدنیة* و عن ابن عمر مثله خرجه البغوی فی معجمه و غیره و کان العباس فی الجاهلیة رئیسا فی قریش و إلیه عمارة المسجد الحرام و السقایة بعد أبی طالب أما السقایة فمعروفة و اما عمارة المسجد الحرام فکان لا یدع أحدا یشبب فیه و لا یقول فیه هجر او کانت قریش قد اجتمعت و تعاقدت علی ذلک فکانوا له عونا علیه و أسلموا ذلک إلیه ذکره الزبیر ابن بکار و غیره من علماء النسب حکاه ابو عمرو و التشبیب ترقیق الشعر بذکر النساء و کأنه أراد انشاد ذلک فی المسجد و الهجر بالضم الهذیان و القول الباطل و یطلق علی الکلام الفاحش و ذکر شهوده بیعة العقبة سیجی‌ء فی الرکن الثانی* (ذکر اسلامه)* قال اهل العلم بالتاریخ کان اسلام العباس قدیما و کان یکتم اسلامه و خرج مع المشرکین یوم بدر فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من لقی العباس فلا یقتله فانه خرج مستکرها فأسره ابو الیسر کعب بن عمرو ففادی نفسه و رجع الی مکة ثم أقبل الی المدینة مهاجرا قاله ابو سعید و قیل انه أسلم یوم بدر فاستقبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم الفتح بالابواء و کان معه یوم فتح مکة و به ختمت الهجرة و قال أبو عمرو أسلم قبل فتح خیبر و کان یکتم اسلامه و یسرّ بما یفتح اللّه علی المسلمین و أظهر اسلامه یوم فتح مکة و شهد حنینا و الطائف و تبوک و یقال ان اسلامه کان قبل بدر و کان یکتب بأخبار المشرکین الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان المسلمون بمکة یثقون به و کان یحب القدوم علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فکتب إلیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان مقامک بمکة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:166
خیر لک و عن شرحبیل بن سعد قال لما بشر أبو رافع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم باسلام العباس بن عبد المطلب أعتقه خرجه أبو القاسم السهمی فی الفضائل* و فی المواهب اللدنیة قال علیه الصلاة و السلام للعباس یا عم لا ترم منزلک أنت و بنوک غدا حتی آتیک فان لی فیکم حاجة فلما أتاهم اشتمل علیهم بملاءته ثم قال یا رب هذا عمی و صنو أبی و هؤلاء أهل بیتی فاسترهم من النار کستری ایاهم بملاءتی هذه قال فأمّنت أسکفة الباب و حوائط البیت فقالت آمین آمین آمین رواه ابن غیلان و أبو القاسم حمزة و السهمی و رواه ابن السری و فیه فما بقی فی البیت مدرة و لا باب الا أمّن* (ذکر وفاته)* توفی رضی اللّه عنه فی خلافة عثمان قبل مقتله بسنتین بالمدینة یوم الجمعة لاثنتی عشرة لیلة و قیل لا ربع عشرة لیلة خلت من رجب و لم یذکر صاحب الصفوة غیره و قیل من رمضان سنة اثنتین و ثلاثین و قیل ثلاث و ثلاثین و هو ابن ثمان و ثمانین سنة و قیل سبع و ثمانین سنة بعد أن کف بصره أدرک منها فی الاسلام اثنتین و ثلاثین سنة و صلّی علیه عثمان و دفن بالبقیع و دخل فی قبره ابنه عبد اللّه* مرویاته فی کتب الحدیث خمسة و ثلاثون حدیثا* (ذکر ولده)* و کان له من الذکور تسعة و سیجی‌ء فی روایة الزبیر بن بکار انهم عشرة و من الاناث ثلاث الفضل و عبد اللّه و عبید اللّه و عبد الرحمن و قثم و معبد و أمّ حبیب أمّهم أم الفضل اسمها لبابة الکبری بنت الحارث بن حرب الهلالیة و تمام و کثیرا بنا العباس لأمّ ولد و الحارث أمه هذلیة قاله الطبرانی و قال صاحب الصفوة أمه حجیلة بنت جندب و آمنة و أمّ کلثوم و صفیة لامهات أولاد قاله هشام بن الکلبی و صبیح و مسهرا بنا العباس و لم یتابع علی ذلک و قال ابراهیم المزنی و لبابة و أمینة ذکر ذلک کله الدارقطنی فی کتاب الاخوة و الاخوات و تابعه غیره علی أکثره*

ذکر الفضل بن عباس‌

أما الفضل بن العباس فکان أکبر ولده و به کان یکنی أمه أم الفضل لبابة الکبری بنت الحارث الهلالیة أخت میمونة زوج النبیّ علیه السلام و قد روی أنها أوّل امرأة أسلمت بعد خدیجة بمکة خرجه البغوی و لم یزل اسمه الفضل فی الجاهلیة و الاسلام و یکنی أبا عبد اللّه و قیل أبا محمد و کان أجمل الناس وجها و عن جابر أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لما دفع من المزدلفة الی منی أردف الفضل بن العباس و کان رجلا حسن الشعر أبیض و سیما فمرت ظعن یجرین فجعل الفضل ینظر إلیهنّ فوضع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یده علی وجه الفضل فحوّل الفضل وجهه الی الشق الآخر ینظر فحوّل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یده من الشق الآخر علی وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ینظر خرجه مسلم* و فی بعض الطرق فقال العباس لویت عنق ابن عمک یا رسول اللّه فقال رأیت شابا و شابة فلم آمن الشیطان علیهما قال أهل العلم بالتاریخ غزا الفضل مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مکة و حنینا و ثبت یومئذ و شهد حجة الوداع و أردفه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خلفه فیها علی ما تقدّم و هو الذی کان یصب الماء فی غسل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و علیّ یغسله* (ذکر وفاته) قال أبو عمرو اختلف فی وفاته فقیل أصیب بأجنادین فی خلافة أبی بکر سنة ثلاث عشرة* و فی ذخائر العقبی أجنادین بفتح الهمزة و سکون الجیم و بالنون و فتح الدال المهملة و قد تکسر الموضع المعروف من نواحی دمشق و کانت بها الوقعة بین المسلمین و الروم و کان الامیر بها عمرو ابن العاص و أبو عبیدة و یزید بن أبی سفیان و شرحبیل بن حسنة کل منهم علی طائفة و قیل ان عمرا کان الامیر علیهم کلهم و قیل انه قتل یوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة أیضا و قیل مات بطاعون عمواس و هو أوّل طاعون کان فی الاسلام بالشام سنة ثمان عشرة فی خلافة عمرو قیل انه قتل یوم الیرموک فی خلافة أبی بکر ذکره الدارقطنی و غیره* (ذکر ولده)* توفی رضی اللّه عنه و لم یترک ولدا غیر ابنة تزوّجها الحسن ابن علی ثم فارقها فتزوّجها أبو موسی الاشعری فولدت له موسی و مات عنها فتزوّجها عمر بن طلحة بن عبد اللّه و قیل ان الفضل خلف ابنا یقال له عبد اللّه و لم یثبت ذکر ذلک جمیعه الدارقطنی فی کتاب الاخوة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:167
و الاخوات و نابعه غیره علی بعضه*

ذکر عبد اللّه بن عباس‌

و أما عبد اللّه بن عباس فهو الحبر و یکنی أبا العباس و لم یزل اسمه عبد اللّه أمه أمّ الفضل ولد قبل الهجرة بثلاث سنین بالشعب قبل خروج بنی هاشم منه* و ذکر الطائی ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حنکه بریقه و دعا له و قال اللهم بارک فیه و انشر منه و علمه الحکمة و سماه ترجمان القرآن و کان یوم توفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابن ثلاث عشرة سنة روی ذلک عنه و روی عنه أیضا أنه قال توفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أنا ابن عشر سنین و قد قرأت المحکم یعنی المفصل* و فی روایة و أنا ابن خمس عشرة و أنا ختین و لعله الاشبه اذ روی عنه أنه قال فی حجة الوداع و أنا قد ناهزت الاحتلام و صحح أبو عمرو القول الاوّل و هو ظاهر اختیار الدارقطنی* (ذکر صفته)* و کان طویلا أبیض مشربا بشقرة جسیما و سیما صبیح الوجه و کان یصفر لحیته و قیل کان یخضب بالحناء و کان له و فرة خرجه ابن الضحاک قال ابن اسحاق رأیت ابن عباس بمنی طویل الشعر فعرفت انه قصر و لم یحلق و علیه ازار و علیه رداء أصفر و کان یخضب بالسواد و هذا مغایر لما تقدّم من خضابه و لعله کان یفعل هذا مرّة و هذا اخری فیروی کل ما بلغه* قال أبو عمرو شهد عبد اللّه بن عباس مع علیّ الجمل وصفین و النهروان و کان ممن شهد ذلک مع علیّ الحسن و الحسین و محمد بنوه و عقیل اخوه و عبید اللّه و قثم ابنا عمه العباس و عبد اللّه و محمد و عون بنو جعفر و المغیرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و عبید اللّه بن ربیعة بن عبد المطلب ذکره أبو عمرو فی ذکر عبد اللّه بن عباس رضی اللّه عنهم* عن عبد اللّه ابن عباس عن أمّ الفضل قالت لما وضعته أتیت به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأذن فی أذنه الیمنی و أقام فی أذنه الیسری ولته من ریقه و سماه عبد اللّه و قال فاذهبی بأبی الخلفاء أخرجه أبو القاسم السهمی فی الفضائل* (ذکر وفاته)* توفی رضی اللّه عنه بالطائف سنة ثمان و ستین أیام ابن الزبیر و هو ابن سبعین و قیل احدی و سبعین و قیل أربع و سبعین و صلّی علیه محمد بن الحنفیة و کبر علیه أربعا و قال الیوم مات ربانی هذه الامة و ضرب علی قبره فسطاطا ذکر ذلک أبو عمرو و البغوی فی معجمه و فی روایة عنه ربانی العلم* و عن سعید بن جبیر قال مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته فجاء طائر لم یر علی مثل خلقته فدخل فی نعشه و لم یر خارجا منه فلما دفن تلیت هذه الآیة یأیتها النفس المطمئنة ارجعی الی ربک راضیة مرضیة الآیة خرجه ابن عرفة العبدی و روی ابن الزبیر مثله و عن غیلان بن عمرو بن أبی سوید قال شهدت جنازة ابن عباس بالطائف فلما حملناه جاء طائر أبیض فدخل فی أکفانه و لم نره خرج خرجه البغوی فی معجمه و یروی أن طائرا أبیض خرج من قبره فتأوّلوه علمه خرج الی الناس و عن أبی بکر بن أبی عاصم ان ابن عباس مات بمکة خرجه ابن الضحاک و المشهور انه مات بالطائف و دفن بها و قبره معروف ثمة مرویاته فی کتب الاحادیث ألف و ستمائة و ستون حدیثا* (ذکر ولده)* کان له من الولد العباس و به کان یکنی و علیّ السجاد و الفضل و محمد و عبید اللّه و لبابة و أسماء

ذکر عبید اللّه بن عباس‌

(أما عبید اللّه بن عباس) أمه أمّ الفضل و کان أصغر من أخیه عبد اللّه قیل انه رأی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و سمع منه و حفظ عنه و استعمله علی بن أبی طالب علی الیمن و أمره علی الموسم فحج بالناس سنة ست و ثلاثین أو سبع و ثلاثین فلما کان سنة ثمان و ثلاثین بعثه أیضا علی الموسم و بعث معاویة ذلک العام یزید بن شجرة الرهاوی لیقیم الحج فاجتمعا فسأل کل واحد منهما صاحبه أن یسلم له فأبی و اصطلحا علی أن یصلی بالناس شیبة بن عثمان و روی أن معاویة بعث الی الیمن بشر بن أرطاة العامری و علیها عبید اللّه بن عباس من قبل علیّ فتنحی عبید اللّه و استولی بشر علیها فبعث علیّ حارثة بن قثامة السعدی فهرب بشر و رجع عبید اللّه بن عباس فلم یزل علیها حتی قتل علی و کان عبید اللّه أحد الاجواد و کان یقال من أراد الجمال و الفقه و السخاء فلیأت دار العباس الجمال للفضل و الفقه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:168
لعبد اللّه و السخاء لعبید اللّه و مات عبید اللّه بن عباس سنة ثمان و خمسین* و قال الواقدی و الزبیر توفی فی المدینة فی أیام یزید بن معاویة و قال مصعب مات بالیمن و الاوّل أصح و قال الحسن مات سنة سبع و ثمانین فی خلافة عبد الملک و اللّه أعلم*

ذکر قثم بن العباس‌

و أما قثم بن العباس أمه أمّ الفضل أیضا و هو رضیع الحسن بن علی و کان قثم یشبه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و عن ابن عباس قال و أخذ العباس ابنا له یقال له قثم فوضعه علی صدره و هو یقول* حبی قثم شبیه ذی الانف الاشم بنی ذی النعم یرغم من رغم خرجه ابن الضحاک و عن ابن عباس قال آخر الناس عهدا برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قثم و ذلک انه کان آخر من خرج من قبره ممن نزل فیه خرجه أبو عمرو و خرجه ابن الضحاک مختصرا و قد ادعی المغیرة ذلک فأنکر ذلک ابن عباس فقال آخر الناس عهدا برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قثم بن العباس و روی عن علیّ مثل ذلک فی انه أنکر ما ادعاه المغیرة و قال آخر الناس عهدا برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قثم بن العباس و ولی علیّ ابن أبی طالب قثم مکة و لم یزل والیا علیها حتی قتل علیّ و کان و لاها قبله أبا قتادة الانصاری ثم عزله و ولی قثم و قال الزبیر استعمل علیّ قثم علی المدینة رواه عنه أبو اسحاق السباعی و غیره و استشهد قثم بسمرقند و کان خرج إلیها مع سعید بن عثمان بن عفان زمن معاویة ذکره الدارقطنی و أبو عمرو و قال الضحاک مات فی خلافة عثمان بن عفان و قبره خارج سور سمرقندی فی قبة عالیة معروفة بمزار شاه زنده یعنی السلطان الحیّ*

ذکر عبد الرحمن و کثیر و تمام أولاد العباس‌

و أما عبد الرحمن بن عباس فامّه أمّ الفضل أیضا ولد علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قتل هو و أخوه معبد بافریقیة شهیدین فی خلافة عثمان سنة خمس و ثلاثین مع عبد اللّه بن سعد بن ابی سرح قاله مصعب* و قال ابن الکلبی قتل عبد الرحمن بالشام و ذکره الدارقطنی* و أما معبد بن عباس و یکنی أبا العباس فأمه أمّ الفضل أیضا ولد علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لم یحفظ عنه شیئا و استعمله علیّ رضی اللّه عنه علی مکة و قتل بافریقیة کما تقدّم ذکره آنفا و یقال ما من اخوة اشدّ تباعدا قبورا من بنی العباس من أمّ الفضل ذکره الدارقطنی* و أما کثیر بن عباس أمه أمّ ولد رومیة اسمها سبا و قیل أمه حمیریة و یکنی أبا تمام ولد قبل وفاة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بأشهر فی سنة عشر من الهجرة و کان فقیها ذکیا فاضلا روی عنه ابن شهاب و عبد الرحمن الاعرج ذکره أبو عمرو* و أما تمام بن عباس فأمه سبأ أمّ کثیر المذکورة آنفا ولد علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و روی عنه قوله صلّی اللّه علیه و سلم لا تدخلوا علیّ قلحا استاکوا فلولا ان اشق علی أمتی لامرتهم بالسواک عند کل صلاة خرجه البغوی فی معجمه و خرج أبو عمرو الی قوله استاکوا و لم یذکر ما بعده و کان تمام والیا لعلیّ علی المدینة و کان قد استخلف قبله سهل بن حنیف حین توجه الی العراق ثم عزله و استجلبه لنفسه و ولی تماما ثم عزله و ولی أبا أیوب الانصاری ثم شخص أبو أیوب الی علیّ و استخلف رجلا من الانصار فلم یزل والیا الی أن قتل علیّ بن أبی طالب رضی اللّه عنه ذکر ذلک کله أبو عمرو* و قال الزبیر بن بکار کان تمام أشدّ الناس بطشا و له عقب و قال الزبیر کان للعباس عشرة بنین ستة منهم من أمّ الفضل أمامة بنت الحارث الهلالیة و هذا یخالف ما سبق من ان اسم أمّ الفضل لبابة قال عبد اللّه بن یزید الهلالی
ما ولدت نجیبة من فحل‌کستة من بطن أمّ الفضل
أکرم بها من کهلة و کهل
الفضل و عبد اللّه و عبید اللّه و قثم و معبد و عبد الرحمن و سابعتهم أمّ حبیب شقیقتهم و عون بن عباس قال أبو عمرو و لم أقف علی اسم أمه و تمام و کثیر لأمّ ولد و الحارث أمه من هذیل فهؤلاء عشرة أولاد للعباس و کان تمام أصغرهم و کان العباس یحمله و یقول
تموا بتمام فصاروا عشرةیا رب فاجعلهم کراما بررة
و اجعل لهم ذکرا و أثم الشجرة
ذکر ذلک أبو عمرو و هذا یضادّ ما تقدّم فی کثیر لانه ذکر أن کثیرا ولد قبل وفاة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:169
بأشهر و ذکر أن تماما روی عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فیکون کثیر أصغر منه قطعا الا أن یکون هذا من قول الزبیر بن بکار و غیره یخالفه فیه و قد ذکر أبو عمرو عونا و الحارث فی ولد العباس و ذکر أن أم الحارث هذلیة و قد تقدّم ذکر الدارقطنی ذلک فی فضل ولد العباس اجمالا* قال صاحب الصفوة و اسمها حجیلة بنت جندب و لم یذکر ابن قتیبة عونا فی ولد العباس و ذکر الحارث و قال أمه أمّ ولد و تابعه أبو سعید فی شرف النبوّة*

(ذکر الاناث من ولد العباس)

* و هنّ أربع أم حبیب لبابة و یقال لها أمّ حبیبة أمها أمّ الفضل و قد روی من حدیث أم الفضل ان النبیّ صلّی اللّه علیه قال لو بلغت أمّ حبیبة بنت العباس و اناحی لتزوّجتها فتوفی قبل ان تبلغ فتزوّجها الاسود بن سفیان بن عبد الاسد بن هلال المخزومی ذکره أبو عمرو و روی الدارقطنی تزوّجها الاسود بن عبد الاسد أخو أبی سلمة فولدت له رزق بن الاسود و لبابة بنت الاسود و صفیة و أمینة قاله الدارقطنی ذکره ابن قتیبة و أبو سعد و قالا تمام و کثیر و الحارث و صفیة و أمینة لامهات أولا دشتی و أما أبو عمرو فلم یذکر انثی غیر أمّ حبیبة و قال صاحب الصفوة تمام و کثیر و صفیة و أمیمة أمهم أمّ ولد فجعل أمّ الاربعة واحدة و قال أمیمة و لعله تصحیف من الناسخ و ذکر الدارقطنی ان أمینة تزوّجها عیاش بن عتبة بن أبی لهب فولدت له الفضل الشاعر قال و لا روایة لها و لا لصفیة بنت العباس و أمّ حبیب و أمّ کلثوم روی عنهما محمد بن ابراهیم التیمی ذکر الدارقطنی فی مناقب العباس أمّ کلثوم کذا فی ذخائر العقبی*

(ذکر أبی لهب)* بن عبد المطلب‌

اسمه عبد العزی قیل کناه به أبوه لحسنه و اشراق وجهه و کانت وجنتاه کأنهما تلتهبان النار کذا فی العمدة و جملة أولاده اربعة عتبة و عتیبة و معتب و درة* و فی حدیث أبی هزیرة جاءت سبیعة بنت أبی لهب الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالت یا رسول اللّه ان الناس یقولون أنت بنت حطب النار الحدیث فان کانت سبیعة و درة واحدة فأولاده أربعة و ان کانت غیرها فهم خمسة ثلاثة ذکور و بنتان أسلموا یوم الفتح و لهم صحبة و عتیبة قتله الاسد بالزرقاء کافرا و سیجی‌ء ذکره فی مناقب أمّ کلثوم ابنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الباب الثالث فی السنة الخامسة و العشرین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم و أما عتبة و معتب فأمهما أمّ جمیل بنت حرب بن أمیة حمالة الحطب أخت أبی سفیان أسلما یوم الفتح و کانا قد هربا من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم روی عبد اللّه بن عباس عن أبیه عباس بن عبد المطلب قال لما قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مکة فی عام الفتح قال لی یا عباس أین ابنا أخیک عتبة و معتب لا أراهما قال قلت یا رسول اللّه تنحیا فیمن تنحی من مشرکی قریش فقال اذهب إلیهما فأتنی بهما قال العباس فرکبت إلیهما بعرفة فقلت ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یدعو کما فرکبا معی فقد ما علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدعاهما الی الاسلام فأسلما و بایعا قاله أبو موسی و فی روایة فسرّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم باسلامهما و دعا لهما و قال أبو عمرو شهد معتب و عتبة حنینا مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و فقئت عین معتب بحنین و کانا فیمن ثبت و لم ینهزم و شهدا معه الطائف و لم یخرجا من مکة و لم یأتیا المدینة و لهما عقب* قال الزبیر بن بکار شهد عتبة و عتیبة ابنا أبی لهب حنینا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کانا فیمن ثبت و أقاما بمکة أخرجه أبو عمرو و أبو موسی ان ثبت و ما أراه قول الزبیر یرد علیه کذا فی أسد الغابة و سیجی‌ء ذکر تزوّج عتبة و عتیبة بنتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رقیة و أمّ کلثوم و فراقهما ایاهما قبل الدخول و اما درة بنت أبی لهب فأسلمت و کانت عند نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب ولدت له عقبة و الولید و أبا سلمة و روت عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* عن أبی هریرة ان سبیعة بنت أبی لهب شکت الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذی الناس لها و قولهم بنت حطب النار لعلی هذه اسمها و ذاک لقب لها اذ لم یذکر أبو عمرو و غیره فی أولاده غیر هؤلاء و ذکر الدارقطنی فی کتاب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:170
الاخوة و الاخوات فی أولاده عتبة و معتبا و درّة و خالدة و عزة بنو أبی لهب و قال و لا روایة لهما یعنی عزة و خالدة*

(ذکر الاناث من أولاد عبد المطلب)

* أما أم حکیم البیضاء فهی شقیقة عبد اللّه أبی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أبی طالب و الزبیر و عبد الکعبة و أمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ و قد تقدّم ذکرها کانت عند کریز بن ربیعة بن حبیب بن عبد شمس بن عبد مناف ولدت له عامر او بنات لم یذکر عددهنّ و لا أسماءهنّ و لا اسلامهنّ* فی أسد الغابة فولدت له أروی أمّ عثمان و أمّ عامر بن کریز أما غامر فأسلم یوم فتح مکة و بقی الی خلافة عثمان و هو والد عبد اللّه بن عامر بن کریز الذی ولاه عثمان العراق و خراسان و کان عمره اربعا و عشرین سنة ذکره ابو عمرو و اما عاتکة المختلف فی اسلامها فأمها أیضا فاطمة بنت عمرو بن عائذ فتکون شقیقة عبد اللّه ابی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و ابی طالب و کانت تحت أبی أمیّة بن المغیرة المخزومی فولدت له عبد اللّه و زهیرا ابنا أبی أمیّة و کلاهما ابنا عمّ أبی جهل و اخوا أمّ سلمة زوج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لابیها هکذا ذکره ابو عمرو و ذکر أن أمّ أمّ سلمة عاتکة بنت عامر بن ربیعة بن مالک بن خزیمة بن علقمة بن فراس و أن أمّ عبد اللّه و زهیر عاتکة بنت عبد المطلب عمة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و اما ابو سعید فذکر فی شرف النبوّة ان أمّ سلمة بنت عمة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عاتکة بنت عبد المطلب فتکون اخت عبد اللّه و زهیر لأبویهما و الاوّل اثبت لان معه زیادة علم و الثانی لعله اشتبه علیه فأما عبد اللّه فأسلم و کان قبل اسلامه شدید العداوة للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و للمسلمین و هو الذی قال لن نؤمن لک حتی تفجر لنا من الارض ینبوعا الی أو یکون لک بیت من زخرف ثم انه خرج مهاجرا الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلقیه فی الطریق بین السقیا و العرج مریدا لمکة عام الفتح فتلقاه فأعرض النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عنه مرة بعد أخری حتی دخل علی اخته أمّ سلمة و سألها ان تشفع له فشفعت فشفعها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأسلم و حسن اسلامه و شهد مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتح مکة مسلما و حنینا و الطائف فرمی یوم الطائف بسهم فقتل و مات شهیدا و هو الذی قال له المخنث فی بیت أمّ سلمة یا عبد اللّه ان فتح علیکم الطائف غدا فانی أدلک علی ابنة غیلان فانها تقبل باربع و تدبر بثمان و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عندها فقال لا یدخلنّ هذا علیکم* و فی روایة من حدیث عائشة رضی اللّه عنها قالت کان یدخل علی ازواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مخنث قالت و کانوا یعدونه من غیر أولی الاربة فذکرت معنی ما تقدّم و زادت فقال صلّی اللّه علیه و سلم أری هذا ما هاهنا لا یدخل علیکم فحجبوه و قوله تقبل بأربع أی بأربع عکن فی بطنها و تدبر بثمان لان کل عکنة لها طرفان و سیجی‌ء فی غزوة الطائف و اما زهیر بن ابی أمیة فقد عدّ فی المؤلفة قلوبهم* و اما برة بنت عبد المطلب فأمها فاطمة أیضا و کانت عند أبی رهم بن عبد العزی العامری فولدت له ابا سبرة ثم خلف علیها بعده عبد الاسد بن هلال المخزومی فولدت له ابا سلمة بن عبد الاسد الذی کانت عنده أمّ سلمة قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قیل کانت أوّلا عند عبد الاسد ثم خلف علیها أبو رهم و لم یذکر أبو سعد غیره و الوجهان ذکرهما أبو عمرو و اسم أبی سلمة عبد اللّه اسلم و هاجر الی أرض الحبشة الهجرتین و هو أوّل من هاجر الی الحبشة و معه زوجته أمّ سلمة ثم هاجر الی المدینة و هو أوّل من هاجر إلیها و کانت هجرته قبل بیعة العقبة لما آذته قریش حین قدم من الحبشة و قد بلغه اسلام من أسلم من الانصار فخرج إلیها مهاجرا و شهد بدرا و جرح یوم أحد جرحا اندمل ثم انتقض علیه فمات منه و تزوّج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعده زوجته أمّ سلمة عن أمّ سلمة قالت دخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی أبی سلمة و قد شق بصره فأغمضه و قال ان الروح اذا قبض تبعه البصر فصاح ناس من أهله فقال لا تدعوا علی أنفسکم الا بخیر فان
الملائکة تؤمّن علی ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لابی سلمة و ارفع درجته فی المهدیین و اخلفه فی عقبه فی الغابرین و اغفر لنا و له
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:171
یا رب العالمین اللهم افسح له فی قبره و نوّر له قبره اخرجاه و خرجه ابو حاتم و قال فی المقرّبین مکان المهدیین* و اما امیمة بنت عبد المطلب فأمها أیضا فاطمة بنت عمرو بن عائذ و کانت تحت جحش بن رئاب اخی بنی تمیم بن ذود بن اسد بن خزیمة فولدت له عبد اللّه و عبید اللّه و ابا احمد و زینب و أمّ حبیبة و حمنة أولاد جحش بن رئاب اسلموا کلهم و هاجر الذکور الثلاثة الی ارض الحبشة فأما عبید اللّه فتنصر و بانت منه زوجته أمّ حبیبة بنت ابی سفیان بن حرب و مات عبید اللّه علی النصرانیة بالحبشة و تزوّجها رسول اللّه و اما ابو احمد و اسمه عبد و قیل ثمامة و الاوّل اصح کان سلفا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کانت تحته الفارغة بنت ابی سفیان بن حرب اخت أمّ حبیبة و مات بعد وفاة اخته زینب و کانت وفاته سنة عشرین و اما عبد اللّه فهاجر الهجرتین عن الشعبی قال أوّل لواء عقده رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لعبد اللّه بن جحش* و قال ابن اسحاق بل لواء عبیدة بن الحارث* و قال المداینی بل لواء حمزة و عبد اللّه هذا أوّل من سنّ الخمس فی الغنیمة للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قبل أن یفرض ثم افترض بعد ذلک و انما کان قبل ذلک المرباع و شهد عبد اللّه بدرا و أحدا و استشهد بها و سیجی‌ء فی الموطن الثالث فی غزوة أحد* عن عبد اللّه بن مسعود قال استشار رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عبد اللّه بن جحش و أبا بکر و عمر رضی اللّه عنهم فی أساری بدر* و اما البنات فأسلمن کلهنّ و لهنّ صحبة و تزوّج صلّی اللّه علیه و سلم منهنّ زینب کما سیجی‌ء و أما حمنة فکانت تحت مصعب بن عمیر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار العبدری و کان من فضلاء الصحابة فلما قتل تزوّجها طلحة بن عبید اللّه فولدت له محمدا و عمران و هی التی استحیضت و سألت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و حدیثها فی باب الاستحاضة مشهور و اما أمّ حبیبة و یقال أمّ حبیب کانت تحت عبد الرحمن بن عوف و کانت تستحاض أیضا و أهل السیر یقولون المستحاضة حمنة و الصحیح عند أهل الحدیث انهما استحیضتا و قد قیل ان زینب أیضا کانت تستحاض* و أما أروی بنت عبد المطلب المختلف فی اسلامها فأمها صفیة بنت جندب أمّ الحارث بن عبد المطلب و هی شقیقته و کانت تحت عمیر بن وهب ابن عبد بن قصی فولدت له طلیبا ثم خلف علیها کلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصی و أسلم طلیب و کان سببا فی اسلام أمه* و ذکر الواقدی أن طلیبا أسلم فی دار الارقم ثم حرج فدخل علی أمه أروی بنت عبد المطلب فقال تبعت محمدا و أسلمت للّه عز و جلّ فقالت انّ أحق من واددت و عضدت ابن خالک و اللّه لو قدرنا علی ما قدرت علیه الرجال لمنعناه و ذبینا عنه فقال لها طلیب ما یمنعک أن تسلمی و تتبعیه فقد أسلم أخوک حمزة فقالت انظر ما تصنع أخواتی ثم أکون من احداهنّ قال فقلت انی أسألک باللّه الا أتیته فسلمت علیه و صدقته و شهدت أن لا إله الا اللّه قالت فانی أشهد أن لا إله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه ثم کانت بعده تعضد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بلسانها و تحض علی نصرته و القیام بأمره و هذا دلیل قول من قال انها أسلمت و هاجر طلیب الی أرض الحبشة و شهد بدرا فی قول ابن اسحاق و الواقدی* قال الزبیر بن بکار کان طلیب من المهاجرین الاوّلین شهد بدرا و قتل باجنادین شهیدا و لا عقب له و قال مصعب قتل یوم الیرموک* و أما صفیة بنت عبد المطلب فأسلمت باتفاق و شهدت الخندق و قتلت رجلا من الیهود و ضرب لها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بسهم و روت عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حدیثا واحدا رواه عنها ابنها الزبیر بن العوام ذکر ذلک الدارقطنی أمها هالة بنت وهیب بن عبد مناف بن زهرة شقیقة حمزة و المقوّم و حجل و کانت فی الجاهلیة تحت الحارث بن حرب بن أمیة بن عبد شمس ثم هلک عنها فخلف علیها العوام بن خویلد اخو خدیجة بنت خویلد زوج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فولدت له الزبیر و السائب و عبد الکعبة* و
لما مات النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم رثته بأبیات منها هذا البیت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:172 ألا یا رسول اللّه کنت رجاءناو کنت بنا برّا و لم تک جافیا و ستجی‌ء فی الموطن الحادی عشر فی وفاة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بتمامها روی هذه الابیات الحافظ السلفی بسنده عن هشام بن عروة و توفیت صفیة بالمدینة فی خلافة عمر سنة عشرین و لها ثلاث و سبعون سنة و دفنت بالبقیع و یقال بفناء دار المغیرة بن شعبة*

ذکر الزبیر بن العوّام‌

اشارة

و أما ابنها الزبیر فأسلم قدیما و هو ابن ثمان سنین و قیل ابن ست عشرة سنة و هاجر الی أرض الحبشة الهجرتین جمیعا و لم یتخلف عن غزوة غزاها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو أوّل من سل سیفا فی سبیل اللّه و کان علیه یوم بدر ریطة صفراء معتجرا بها و کان علی المیمنة فنزلت الملائکة علی سیماه و ثبت مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم أحد و بایعه علی الموت* (ذکر صفته)* کان أبیض طویلا و یقال لم یکن بالطویل و لا بالقصیر الی الخفة فی اللحم ما هو و یقال کان أسمر اللون أشعر خفیف العارضین* (ذکر أولاده)* کان له من الولد عبد اللّه و عروة و المنذر و عاصم و المهاجر و خدیجة الکبری و أمّ الحسن و عائشة أمهم أسماء بنت أبی بکر و خالد و عمرو و حبیبة و سودة و هند أمهم أمّ خالد و هی أمة اللّه بنت خالد بن سعید بن العاص و مصعب و حمزة و رملة أمهم الرباب بنت أنیف بن عبید و عبیدة و جعفر أمهما زینب أمّ کلثوم بنت عقبة بن أبی معیط و خدیجة الصغری أمها الحلال بنت قیس* و عن أبی الاسود قال أسلم الزبیر ابن العوّام و هو ابن ثمان سنین و هاجر و هو ابن ثمانی عشرة سنة و کان عمّ الزبیر یجعل الزبیر فی حصر و یدخن علیه بالنار و هو یقول له ارجع الی الکفر فیقول الزبیر لا أکفر أبدا* و عن أبی الاسود محمد بن عبد الرحمن نوفل قال کان اسلام الزبیر بعد أبی بکر رابعا أو خامسا* و عن عبد اللّه بن الزبیر قال جمع لی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أبویه یوم أحد یقول فداک أبی و أمی أخرجاه فی الصحیحین عن جابر بن عبد اللّه قال لما کان یوم الخندق ندب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الناس فانتدب الزبیر فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لکل نبیّ حواری و حواریّ الزبیر أخرجاه فی الصحیحین عن سعید بن المسیب قال أوّل من سل سیفا فی ذات اللّه الزبیر بن العوّام بینما هو فی مکة اذ سمع نغمة أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قد قتل فخرج عریانا ما علیه شی‌ء فی یده السیف صلتا فتلقاه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کفة کفة فقال له مالک یا زبیر قال سمعت انک قد قتلت قال فما کنت صانعا قال أردت و اللّه ان استعرض أهل مکة فدعا له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و عن مصعب بن الزبیر قال قاتل الزبیر مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو ابن اثنتی عشرة سنة فکان یحمل علی القوم* عن نهیک قال کان للزبیر ألف مملوک یؤدّون الضریبة لا یدخل بیت ماله منها درهم یقول یتصدّق بها* و فی روایة اخری فکان یقسمه کل لیلة ثم یقوم الی منزله و لیس معه منها شی‌ء و عن علیّ بن زید قال أخبرنی من رأی الزبیر و ان فی صدره کأمثال العیون من الطعن و الرمی*

(ذکر مقتله)

* قتل الزبیر یوم الجمل و هو ابن خمس و سبعین سنة و یقال ستین و یقال بضع و خمسین و یقال نیف و ستین قتله ابن جرموز* و عن ذر قال استأذن ابن جرموز علی علیّ و أنا عنده فقال علی بشر قاتل ابن صفیة بالنار ثم قال سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول لکل نبی حواری و حواریّ الزبیر* و عن عبد اللّه بن الزبیر قال جعل الزبیر یوم الجمل یوصینی بدینه و یقول ان عجزت عن شی‌ء منه فاستعن علیه بمولای فقال فو اللّه ما دریت ما أراد حتی قلت یا أبت من مولاک قال اللّه قال و اللّه ما وقعت فی کربة من دینه الا قلت یا مولی الزبیر اقض عنه فیقضیه و انما کان دینه الذی علیه ان الرجل کان یأتیه بالمال فیستودعه ایاه فیقول الزبیر لا و لکنه سلف فانی أخشی علیه الضیعة قال فحسب ما علیه من الدین فوجدته ألفی ألف و مائتی ألف فقتل و لم یدع دینارا و لا درهما الا أرضین بعتها و قضیت دینه فقال بنو الزبیر فاقسم بیننا میراثنا قلت لا و اللّه لا اقسم بینکم حتی أنادی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:173
بالموسم أربع سنین ألا من کان له علی الزبیر دین فلیأتنا فلنقضه فجعل کل سنة ینادی بالموسم فلما مضی أربع سنین قسم بینهم و کان للزبیر أربع نسوة فأصاب کل امرأة ألف ألف و مائتا ألف انفرد باخراج هذا الحدیث البخاری کذا فی الصفوة* و أما السائب بن صفیة فأسلم و شهد أحدا و الخندق و سائر المشاهد مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قتل یوم الیمامة شهیدا* و أما عبد الکعبة فذکره أبو عمرو فی أولاد صفیة کذا فی ذخائر العقبی*

(ذکر قتل شعیاء و تخریب بخت نصر بیت المقدس و قصة قتل زکریا و یحیی)

* فی معالم التنزیل قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان بنی اسرائیل لما اعتدوا و قتلوا الأنبیاء بعث اللّه علیهم ملک فارس بخت نصر و کان اللّه ملکه سبعمائة سنة فسار إلیهم حتی حل بیت المقدس فحاصرها و فتحها و قتل علی دم یحیی بن زکریا سبعین ألفا ثم سبی أهلها* و فی العمدة قتل مائتی ألف و سبعین ألفا و سبی مثل ذلک و أحرق التوراة و خرب بیت المقدس* و فی أنوار التنزیل و غیره ان اللّه تعالی أوحی الی بنی اسرائیل فی التوراة انکم لتفسدنّ فی الارض مرّتین افساد المرّة الاولی مخالفتهم أحکام التوراة و قتل شعیا و ثانیتهما قتل زکریا و یحیی و قصد قتل عیسی علیه السلام* و فی المدارک أولاهما قتل زکریا و حبس أرمیا علیهما السلام حین أنذرهم بسخط اللّه و الاخیرة قتل یحیی بن زکریا و قصد قتل عیسی علیهم السلام قیل و فی کون أولاهما قتل زکریا نظر و قیل روایة من روی أن بخت نصر غزا بنی اسرائیل عند قتل یحیی بن زکریا غلط عند أهل السیر بل هم مجمعون علی أن بخت نصر غزا بنی اسرائیل عند قتلهم شعیا فی عهد أرمیا و من وقت أرمیا و تخریب بخت نصر بیت المقدس الی مولد یحیی بن زکریا اربعمائة و إحدی و ستون سنة و ذلک انه من لدن تخریب بخت نصر الی حین عمرانه فی عهد کرش بن اخشورش أصبهبد بابل من قبل بهمن بن اسفندیار بن کشتاسف بن لهراسف سبعون سنة ثم بعد عمرانه الی ظهور الاسکندر علی بیت المقدس ثمان و ثمانون سنة ثم بعد مملکته الی مولد یحیی بن زکریا ثلاثمائة و ثلاث و ستون سنة و الصحیح ما قاله محمد بن اسحاق من ان افسادهم فی المرّة الاولی قتل شعیا بن الشجرة و ارتکابهم المعاصی و قوله تعالی بعثا علیکم عبادا لنا* قال ابن اسحاق هم بخت نصر البابلی و أصحابه و هو الاظهر و اللّه أعلم* و فی أنوار التنزیل هم بخت نصر عامل لهراسب علی بابل و جنوده و قیل جالوت الجزری و قیل سنجاریب من أهل ینوی* و فی الکشاف سنحاریب یروی بالجیم و بالحاء المهملة* و فی لباب التأویل قال ابن اسحاق کانت بنو اسرائیل فیهم الاحداث و الذنوب و کان اللّه فی ذلک متجاوزا عنهم محسنا إلیهم و کان أوّل ما نزل بهم بسبب ذنوبهم أن ملکا منهم کان یدعی صدیقة و کان اللّه تعالی اذا ملک علیهم ملکا بعث معه نبیا یسدّده و یرشده و لا ینزل علیه کتابا انما یؤمرون باتباع التوراة و الاحکام التی فیها فلما ملک صدیقة بعث اللّه معه شعیا بن أمضیا و ذلک قبل مبعث زکریا و یحیی و عیسی و شعیا هو الذی بشر بعیسی و محمد علیهما السلام فقال ابشر أو روی شلم و هو اسم بیت المقدس ألا انه یأتیک راکب الحمار و بعده صاحب البعیر فملک ذلک الملک یعنی صدیقة بنی اسرائیل و بیت المقدس زمانا فلما انقضی ملکه عظمت الاحداث بینهم و کان معه شعیا فبعث اللّه سنجاریب ملک بابل و معه ستمائة ألف رایة فلم یزل سائرا حتی نزل حول بیت المقدس و الملک صدیقة مریض من قرحة کانت فی ساقه فجاء شعیا النبیّ إلیه و قال یا ملک بنی اسرائیل ان سنجاریب ملک بابل قد نزل بک هو و جنوده و قدها بهم الناس و فرقوا منهم فکبر ذلک علی الملک و قال یا نبیّ اللّه هل أتاک من اللّه وحی فیما حدث فتخبرنا به و کیف یفعل اللّه بنا و بسنجاریب و جنوده فقال شعیا لم یأتنی وحی فی ذلک و بینما هم علی ذلک أوحی اللّه الی شعیا النبیّ ان ائت ملک بنی اسرائیل فمره أن یوصی وصیته و یستخلف علی ملکه من یشاء من أهل بیته فأتی شعیا ملک بنی اسرائیل فقال ان ربک قد أوحی الیّ أن آمرک أن توصی وصیتک و تستخلف من
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:174
شئت من أهل بیتک علی ملکک فانک میت فلما قال ذلک شعیا لصدیقه الملک أقبل علی القبلة فصلی و دعا فقال و هو یبکی و یتضرّع الی اللّه یقلب مخلص اللهم رب الارباب و إله الآلهة یا قدّوس المقدّس یا رحمن یا رحیم یا رءوف الذی لا تأخذه سنة و لا نوم اذکرنی بعملی و فعلی و حسن قضائی علی بنی اسرائیل و ذلک کله کان منک و أنت أعلم به منی سرّی و علانیتی لک فاستجاب اللّه له و کان عبدا صالحا فأوحی اللّه الی شعیا أن یخبر صدیقة ان ربه قد استجاب له و رحمه و أخر أجله خمس عشرة سنة و أنجاه من عدوّه سنجاریب فأتاه شعیا فأخبره فلما قال له ذلک انقطع عنه الحزن و خرّ ساجدا و قال الهی و إله آبائی لک سجدت و سبحت و کرّمت و عظمت أنت الذی تعطی الملک من تشاء و تنزع الملک ممن تشاء و تعز من تشاء و تذل من تشاء عالم الغیب و الشهادة أنت الاوّل و الآخر و الظاهر و الباطن و أنت ترحم و تستجیب دعوة المضطرّین أنت الذی اجبت دعوتی و رحمت تضرّعی فلما رفع رأسه اوحی اللّه الی شعیا ان قل للملک صدیقة فیامر عبدا من عبیده فیأتیه بماء التین فیجعله علی قرحته فیشفی فیصبح و قد برأ ففعل ذلک فشفی فقال الملک لشعیا سل ربک أن یجعل لنا علما بما هو صانع بعدوّنا هذا قال اللّه لشعیا قل له انی قد کفیتک عدوّک و انجیتک منهم فانهم سیصبحون موتی کلهم الا سنجاریب و خمسة نفر من کتابه فلما أصبحوا جاء صارخ یصرخ علی باب المدینة یا ملک بنی اسرائیل ان اللّه قد کفاک عدوّک فاخرج فان سنجاریب و من معه هلکوا فخرج الملک و التمس سنجاریب فلم یوجد فی الموتی فبعث الملک فی طلبه فأدرکه الطلب فی مغارة و معه خمسة نفر من کتابه أحدهم بخت نصر فجعلوهم فی الجوامع ثم أتوا بهم الملک فلما رآهم خرّ ساجدا للّه تعالی من حین طلعت الشمس الی العصر ثم قال لسنجاریب کیف رأیت فعل ربنا بکم أ لم یقتلکم بحوله و قوّته و نحن و أنتم غافلون* فقال سنجاریب قد أتانی خبر ربکم و نصره ایاکم و رحمته التی یرحمکم بها قبل ان أخرج من بلادی فلم أطع مرشدا و لم یلقنی فی الشقوة الا قلة عقلی فلو سمعت أو عقلت ما غزوتکم فقال الملک صدیقة الحمد للّه رب العالمین الذی کفاناکم بما شاء ان ربنا لم یبقک و من معک للکرامة بک و لکنه انما أبقاک و من معک لتزدادوا شقوة فی الدنیا و عذابا فی الآخرة و لتخبروا من وراءکم بما رأیتم من فعل ربنا بکم فتنذروا من بعدکم و لو لا ذلک لقتلتک و من معک ولد مک و دم من معک أهون علی اللّه من دم قراد لو قتلت* ثم ان ملک بنی اسرائیل أمر أمیر حرسه أن یقذف فی رقابهم الجوامع ففعل و طاف بهم سبعین یوما حول بیت المقدس و ایلیا و کان یرزقهم فی کل یوم خبزتین من شعیر فقال سنجاریب للملک صدیقة القتل خیر مما یفعل بنا فأمر بهم الی السجن فأوحی اللّه الی شعیا النبیّ ان قل لملک بنی اسرائیل یرسل سنجاریب و من معه لینذروا من وراءهم و لیکرمهم و لیحملهم حتی یبلغوا بلادهم فبلغ ذلک شعیا للملک ففعل فخرج سنجاریب و من معه حتی قدموا بابل فلما قدموا جمعوا الناس فأخبروهم کیف فعل اللّه تعالی بجنوده فقال له کهانه و سحرته یا ملک بابل قد کنا نقص علیک خبر ربهم و خبر نبیهم و وحی اللّه الی نبیهم فلم تطعنا و هی أمة لا یستطیعها أحد مع ربهم و کان أمر سنجاریب تخویفا لبنی اسرائیل ثم کفاهم اللّه تعالی ذلک تذکرة و عبرة ثم ان سنجاریب لبث بعد ذلک سبع سنین ثم مات و استخلف علی ملکه ابن ابنه بخت نصر فعمل بعمله و قضی بقضائه فلبث سبع عشرة سنة* ثم قبض اللّه ملک بنی اسرائیل صدیقة فخرج أمراء بنی اسرائیل فتنافسوا فی الملک حتی قتل بعضهم بعضا و شعیا نبیهم معهم لا یقبلون منه فلما فعلوا ذلک قال اللّه لشعیا قم فی قومک أوح علی لسانک و لما قام أنطق اللّه لسانه بالوحی و ألهمه فی الوقت خطبة بلیغة بین لهم فیها ثواب الطاعة و عقاب المعصیة و وعظهم و ناصحهم و أمرهم بالمعروف و نهاهم عن المنکر و بشر فیها بنبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم و بین سیرته و سیرة أمته و لما فرغ من مقالته عدوا علیه
لیقتلوه فهرب منهم فلقیته شجرة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:175
فانغلقت له فدخل فیها فأدرکه الشیطان فأخذ هدبة من ثوبه فأراهم ایاها فوضعوا المنشار فی وسطها فنشروها حتی قطعوها و قطعوه فی وسطها و مثل هذا منقول فی قتل زکریا أیضا کما سیجی‌ء و استخلف اللّه علی بنی اسرائیل بعد ذلک رجلا یقال له ناشیة بن أموص و بعث لهم أرمیا بن حلقیا نبیا و کان من سبط هارون بن عمران و ذکر ابن اسحاق انه الخضر و اسمه ارمیا سمی الخضر لانه جلس علی فروة بیضاء فقام عنها و هی تهتز خضراء فبعث اللّه أرمیا الی ذلک الملک یسدّده و یرشده ثم عظمت الاحداث فی بنی اسرائیل و رکبوا المعاصی و استحلوا المحارم فأوحی اللّه الی أرمیا أن ائت قومک من بنی اسرائیل فاقصص علیهم ما آمرک به و ذکرهم نعمتی و عرّفهم باحداثهم فقال أرمیا انی ضعیف ان لم تقوّنی عاجز ان لم تبلغنی مخذول ان لم تنصرنی* قال اللّه تعالی أ و لم تعلم أن الامور کلها تصدر عن مشیئتی و ان القلوب و الالسنة بیدی أقلبها کیف شئت انی معک و لن یصل إلیک شی‌ء و انا معک فقام أرمیا و لم یدر ما یقول فألهمه اللّه عز و جل فی الوقت خطبة بلیغة بین لهم فیها ثواب الطاعة و عقاب المعصیة و قال فی آخرها عن اللّه عز و جل و انی جلفت بعزتی لا قضین لهم فتنة یتحیر فیها الحلیم و لأسلطنّ علیهم جبارا قاسیا ألبسه الهیبة و أنزع من صدره الرحمة یتبعه عدد مثل سواد اللیل المظلم* ثم أوحی اللّه الی أرمیا انی مهلک بنی اسرائیل بیافث و یافث أهل بابل فسلط علیهم بخت نصر فخرج فی ستمائة ألف رایة و دخل بیت المقدس و أمر جنوده أن یملأ کل رجل منهم ترسه ترابا ثم یقذفه فی بیت المقدس ففعلوا حتی ملؤه ثم أمرهم أن یجمعوا من فی بلدان بیت المقدس کلهم فاجتمع عنده کل صغیر و کبیر من بنی اسرائیل فاختار منهم سبعین ألف صبی فلما خرجت غنائم جنده و أراد أن یقسمها فیهم قالت له الملوک الذین کانوا معه أیها الملک لک غنائمنا کلها و اقسم بیننا هؤلاء الصبیان الذین اخترتهم من بنی اسرائیل فقسمهم بین الملوک الذین کانوا معه فأصاب کل رجل منهم أربعة غلمة و فرّق من بقی من بنی اسرائیل ثلاث فرق ثلثا أقرّ بالشام و ثلثا سبی و ثلثا قتل و ذهب بابنه بیت المقدس و بالصبیان السبعین ألف حتی قدم بابل و کانت هذه الوقعة الاولی التی أنزل اللّه عز و جل ببنی اسرائیل بظلمهم فذلک قوله تعالی فاذا جاء وعد اولاهما بعثنا علیکم عبادا لنا أولی بأس شدید یعنی بخت نصر و أصحابه* ثم ان بخت نصر اقام فی سلطانه ما شاء اللّه ثم رأی رؤیا عجیبة اذ رأی شیئا أصابه فأنساه الذی رأی و سألهم عنها فدعا دانیال و حنانیا و عزاریا و میشائل و کانوا من ذراری الأنبیاء و سألهم عنها فقالوا أخبرنا بها نخبرک بتأویلها قال ما أذکرها و لئن لم تخبرونی بها و بتأویلها لانزعنّ أکتافکم فخرجوا من عنده فدعوا اللّه و تضرّعوا إلیه فأعلمهم اللّه الذی سألهم عنه فجاءوه فقالوا رأیت تمثالا قدماه و ساقاه من فخار و رکبتاه و فخذاه من نحاس و بطنه من فضة و صدره من ذهب و رأسه و عنقه من حدید قال صدقتم قال فبینما تنظر إلیه و قد أعجبک أرسل اللّه صخرة من السماء فدقته فهی التی أنستکها قال صدقتم فما تأویلها قالوا تأویلها انک أریت ملک الملوک بعضهم کان ألین ملکا و بعضهم کان أحسن ملکا و بعضهم کان أشدّ ملکا الفخار أضعفه ثم فوقه النحاس أشد منه ثم فوق النحاس الفضة أحسن من ذلک و أفضل و الذهب أحسن من الفضة و أفضل ثم الحدید ملکک فهو أشدّ و اعز مما کان قبله و الصخرة التی رأیت أرسل اللّه من السماء فدقته نبی یبعثه اللّه من السماء فیدق ذلک اجمع و یصیر الامر إلیه ثم ان أهل بابل قالوا البخت نصر أ رأیت هؤلاء الغلمان من بنی اسرائیل الذی سألناک أن تعطیناهم ففعلت فانا قد أنکرنا نساءنا منذ کانوا معنا لقد رأینا نساءنا انصرفت وجوههم عنا إلیهم فأخرجهم من بین اظهرنا أو اقتلهم فقال شأنکم بهم فمن احب ان یقتل من کان فی یده فلیفعل فلما قربوهم للقتل بکوا و تضرّعوا الی اللّه عز و جل و قالوا یا ربنا أصابنا البلاء بذنوب غیرنا فوعدهم ان یحییهم فقتلوا الا من کان منهم مع بخت نصر منهم دانیال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:176
و حنانیا و عزاریا و میشائل* ثم لما أراد اللّه تعالی هلاک بخت نصر انبعث فقال لمن فی یدیه من بنی اسرائیل أ رأیتم هذا البیت الذی اخربت و الناس الذین قتلت من هم و ما هذا البیت قالوا هذا بیت اللّه و هؤلاء أهله کانوا من ذراری الأنبیاء فظلموا و تعدّوا فسلطت علیهم بذنوبهم و کان ربهم رب السموات و الارض و رب الخلائق کلهم یکرمهم و یعزهم فلما فعلوا ما فعلوا أهلکهم اللّه و سلط علیهم غیرهم فاستکبر بخت نصر و تجبر و ظنّ أنه بجبروته فعل ذلک ببنی اسرائیل* قال فأخبرونی کیف لی أن أطلع الی السماء العلیا فأقتل من فیها و اتخذها ملکا فانی قد فرغت من أهل الارض قالوا ما یقدر علیها أحد من الخلائق قال لتفعلنّ أو لأقتلنکم عن آخرکم فبکوا و تضرّعوا الی اللّه عز و جل فبعث اللّه عز و جل بقدرته بعوضة فدخلت منخره حتی عضت أمّ دماغه فما کان یقرّ و لا یسکن حتی یوجأ له رأسه علی أمّ دماغه فلما مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة علی أمّ رأسه لیری اللّه العباد قدرته و نجی اللّه من بقی من بنی اسرائیل فی یده و ردّهم الی الشام فبنوا فیه و کثروا حتی کانوا علی أحسن ما کانوا علیه و یزعمون ان اللّه تعالی احیا أولئک الذین قتلوا فلحقوا بهم ثم انهم لما دخلوا الشام دخلوها و لیس معهم من اللّه عهد کانت التوراة قد احترقت و کان عزیر من السبایا الذین کانوا ببابل فلما رجع الی الشام جعل یبکی لیله و نهاره و خرج عن الناس فبینا هو کذلک اذ جاء رجل فقال له یا عزیر ما یبکیک قال أبکی علی کتاب اللّه و عهده الذی کان بین أظهرنا الذی لا یصلح دیننا و آخرتنا غیره قال أ فتحب أن یردّ إلیک ارجع فصم و تطهر و طهر ثیابک ثم موعدک هذا المکان غدا فرجع عزیر فصام و تطهر و طهر ثیابه ثم عمد الی المکان الذی وعده فجلس فیه فأتی ذلک الرجل باناء فیه ماء و کان ملکا بعثه اللّه إلیه فسقاه الملک من ذلک الاناء فمثلت له التوراة فی صدره فرجع الی بنی اسرائیل فوضع لهم التوراة فأحبوه حبا لم یحبوا حبه شیئا قط* ثم قبضه اللّه تعالی فجعلت بنو اسرائیل بعد ذلک یحدثون الاحداث و یعود اللّه علیهم و یبعث فیهم الرسل ففریقا یکذبون و فریقا یقتلون حتی کان آخر من بعث إلیهم من انبیائهم زکریا و یحیی و عیسی علیهم السلام و کانوا من بیت آل داود فزکریا مات و قیل قتل و المشهور انه نشر بالمنشار و قصدوا عیسی لیقتلوه فرفعه اللّه من بین أظهرهم و قتلوا یحیی و سیجی‌ء کیفیة قتله فلما فعلوا ذلک بعث اللّه علیهم ملکا من ملوک بابل یقال له خردوش فصار إلیهم بأهل بابل حتی دخل علیهم الشام فلما ظهر علیهم أمر رأسا من رؤساء جنوده یقال له بیورزاذان صاحب القتل فقال له انی کنت قد حلفت بالهی لئن أنا طفرت علی أهل بیت المقدس لاقتلنهم حتی یسیل الدم فی وسط عسکری فأمره أن یقتلهم حتی یبلغ ذلک منهم* ثم ان بیورزاذان دخل بیت المقدس فقام فی البقعة التی کانوا یقربون فیها قربانهم فوجد دما یغلی فسألهم عنه فقال یا بنی اسرائیل ما شأن هذا الدم یغلی أخبرونی خبره فقالوا هذا دم قربان لنا قربناه فلم یقبل منا فلذلک یغلی و لقد قربنا القربان من ثمانمائة سنة فتقبل منا الا هذا فقال ما صدقتمونی فقالوا لو کان کأوّل زماننا لقبل منا و لکن قد انقطع منا الملک و النبوّة و الوحی فلذلک لم یقبل منا فذبح بیورزاذان منهم علی ذلک الدم سبعمائة و سبعین روحا من رءوسهم فلم یهدأ الدم فأمر بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحهم علی الدم فلم یهدأ فأمر بسبعة آلاف من شیبهم و أزواجهم فذبحهم علی الدم فلم یهدأ* فلما رأی بیورزاذان ان الدم لا یهدأ قال لهم یا بنی اسرائیل ویلکم أصدقونی و اصبروا علی أمر ربکم فقد طال ما ملکتم فی الارض تفعلون ما شئتم قبل أن لا أترک منکم نافخ نار من ذکر و لا انثی الا قتلته فلما رأوا الجهد و شدّته صدقوه الخبر فقالوا ان هذا دم نبیّ کان ینهانا عن امور کثیرة من سخط اللّه فلو کنا اطعناه کنا أرشدنا و کان یخبرنا عن امرکم فلم نصدقه فقتلناه فهذا دمه قال لهم بیورزاذان ما کان اسمه قالوا یحیی بن زکریا قال الآن صدقتمونی لمثل هذا ینتقم ربکم منکم* فلما رأی بیورزاذان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:177
انهم صدقوه خرّ ساجدا و قال لمن حوله أغلقوا أبواب المدینة و أخرجوا من کان هاهنا من جیش خردوش و خلافی بنی اسرائیل ثم قال یا یحیی بن زکریا یا قد علم ربی و ربک ما أصاب قومک من أجلک و ما قتل منهم فاهدأ باذن ربک قبل أن لا أبقی من قومک أحدا فهدأ الدم باذن اللّه تعالی و رفع بیورزاذان عنهم القتل و قال آمنت بما آمنت به بنو اسرائیل و أیقنت انه لا رب غیره و قال لبنی اسرائیل ان خردوش أمرنی أن أقتل منکم حتی تسیل دماؤکم وسط عسکره و انی لا أستطیع أن اعصیه قالوا له افعل ما أمرت به فأمرهم فخندقوا خندقا و أمرهم بأموالهم من الخیل و البغال و الحمیر و الابل و البقر و الغنم فذبحها حتی سال الدم فی العسکر و امر بالقتلی الذین قتلوا قبل ذلک فطرحوا علی ما قتلوا من المواشی فلم یظنّ خردوش الا أن ما فی الخندق من دماء بنی اسرائیل فلما بلغ الدم عسکره ارسل الی بیورزاذان أن ارفع عنهم القتل ثم انصرف الی بابل و قد أفنی بنی اسرائیل أولاد و هی الوقعة الاخیرة التی انزل اللّه ببنی اسرائیل فی قوله لتفسدن فی الارض مرّتین فکانت الوقعة الاولی بخت نصر و جنوده و الاخیرة خردوش و جنوده و کانت اعظم الوقعتین فلم یقم لهم بعد ذلک رایة و انتقل الملک بالشام و نواحیها الی الروم و الیونانیین الا أن بقایا بنی اسرائیل کثیر و کانت لهم الرئاسة ببیت المقدس و نواحیها علی وجه الملک و کانوا فی نعمة الی أن بدلوا و أحدثوا فسلط اللّه علیهم ططوس بن اسبیانوس الرومی فأخرب بلادهم و طردهم منها و نزع اللّه عنهم الملک و الرئاسة و ضرب علیهم الذلة فلیسوا فی أمة الا و علیهم الصغار و الجزیة فبقی بیت المقدس خرابا الی خلافة عمر بن الخطاب فعمره المسلمون بأمره* روی أن زکریا بن برخیا و عمران بن ماثان کانا متزوّجین بأختین احداهما عند زکریا و هی أشاع بنت فاقوذ أمّ یحیی و الاخری عند عمران و هی حنة بنت فاقوذ أمّ مریم أمّ عیسی* و فی العرائس و المختصر أن بنی اسرائیل اتهموا زکریا بمریم فهرب منهم فدخل من خوفه جوف شجرة فقطعوها بالمنشار و فلقوها به فلقتین طولا و یقال انه مات موتا و کان زکریا ابن برخیا من ولد سلیمان بن داود علیهما السلام* و فی الکامل لما قتل یحیی علیه السلام و سمع أبوه بقتله فرّ هاربا فدخل بستانا عند بیت المقدس فیه اشجار فأرسل الملک فی طلبه فمرّ زکریا بشجرة فنادته الیّ یا نبیّ اللّه فلما أتاها انشقت فدخلها و انطبقت علیه فبقی فی وسطها فأتی عدوّ اللّه ابلیس لعنه اللّه فأخذ هدب ردائه فأخرجه من الشجرة لیصدّقوه اذا أخبرهم ثم لقی الطلب فقال لهم ما تریدون فقالوا نلتمس زکریا فقال انه سحر هذه الشجرة فانشقت له فدخلها فقالوا لا نصدّقک قال انی آتی بعلامة تصدّقونی بها و أراهم طرف ردائه فقطعوا الشّجرة و شقوها بالمنشار فمات زکریا فیها*

سبب قتل یحیی علیه السلام‌

و قیل فی سبب قتل یحیی علیه السلام ان ملک بنی اسرائیل کان یکرمه و یدنی مجلسه و ان الملک هوی بنت امرأته و قال ابن عباس ابنة أخیه فسأل یحیی تزویجها فنهاه عن نکاحها فبلغ ذلک أمها فحقدت علی یحیی و عمدت حین جلس الملک علی شرابه فألبستها ثیابا رقاقا حمرا و طیبتها و ألبستها الحلی و أرسلتها الی الملک و أمرتها أن تسقیه فان رادوها عن نفسها أبت علیه حتی یعطیها ما سألته فاذا أعطاها ما سألت سألت رأس یحیی بن زکریا أن یؤتی به فی طست ففعلت فلما راودها قالت لا أفعل حتی تعطینی ما أسألک قال فما تسألینی قالت رأس یحیی بن زکریا فی هذا الطست فقال ویحک سلینی غیر هذا قالت ما ارید غیر هذا فلما أبت علیه بعث فأتی برأسه حتی وضع بین یدیه و الرأس تتکلم تقول لا یحل لک فلما أصبح اذا دمه یغلی فأمر بتراب فألقی علیه فرقی الدم یغلی فلا زال یلقی علیه التراب و هو یغلی حتی بلغ سور المدینة و هو فی ذلک یغلی و یرقی فسلط اللّه علیهم ملک بابل خردوش فخرب بیت المقدس و قتل سبعین ألفا حتی سکن هکذا ذکر فی لباب التأویل و اما فی غیره فقد ذکر وجه آخر فی قتله و ذکر بعض احواله و جاء فی الخبر ان الشمس بکت علی یحیی علیه السلام اربعین صباحا و کان بکاؤها ان طلعت حمراء و غربت حمراء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:178
و یروی أن یحیی بن زکریا سید الشهداء یوم القیامة و قائدهم الی الجنة و ذابح الموت یوم القیامة* و فی الفتوحات قال الشارع و هو الصادق صاحب العلم الصحیح و الکشف الصریح ان الموت یجاء به یوم القیامة فی صورة کبش أملح یعرفه الناس و لا ینکره أحد فیذبح بین الجنة و النار و روی أن یحیی علیه السلام هو الذی یضجعه و یذبحه بشفرة تکون فی یده و الناس ینظرون إلیه* و فی معالم التنزیل ذکر وهب بن منبه ان اللّه مسخ بخت نصر نسرا فی الطیر ثم مسخه ثورا فی الدواب ثم مسخه أسدا فی الوحوش و کان مسخه اللّه سبع سنین و قلبه فی ذلک قلب انسان ثم ردّ اللّه إلیه ملکه فآمن فسئل وهب أ کان بخت نصر مؤمنا قال وجدت أهل الکتاب اختلفوا فیه فمنهم من قال مات مؤمنا و منهم من قال احرق بیت المقدس و کتبه و قتل الأنبیاء فغضب اللّه علیه فلم یقبل توبته و ذکر السدّی هلاک بخت نصر بوجه آخر غیر ما ذکر من اهلاک البعوضة فقال لما رجع الی صورته بعد المسخ و ردّ اللّه إلیه ملکه کان دانیال و أصحابه أکرم الناس فحسدهم المجوس و قالوا لبخت نصر ان دانیال اذا شرب خمرا لم یملک نفسه أن یبول و کان ذلک عارا عندهم فجعل لهم طعاما و شرابا فأکلوا و شربوا و قال للبوّاب انظر أوّل من یخرج یبول فاضربه بالطیر زین فان قال لک أنا بخت نصر فقل له کذبت بخت نصر أمرنی فکان أوّل من قام للبول بخت نصر فلما رآه البوّاب شدّ علیه فقال أنا بخت نصر فقال کذبت بخت نصر أمرنی فضربه فقتله*

نقش خاتم دانیال‌

و فی نهایة الکفایة فی شرح الهدایة کان علی خاتم دانیال صورة أسد و لبوة بوزن سمرة و هی انثی الاسد و بینهما صبی یلحسانه فلما نظر إلیه عمر اغر و رقت عیناه أی دمعتا و أصل ذلک ان بخت نصر حیث استولی أخبر أن بعض ما یولد فی زمانک یقتلک فکان یتتبع قتل الصبیان فیقتلهم فلما ولد دانیال ألقته أمه فی غیضة رجاء أن ینجو من القتل فقیض اللّه تعالی له اسدا یحفظه و لبوة ترضعه و هما یلحسانه فأراد دانیال بهذا النقش علی خاتمه أن یحفظ منة اللّه علیه* و فی حیاة الحیوان قالوا قبر دانیال بنهر السوس و وجده أبو موسی الاشعری فأخرجه و کفنه و صلّی علیه ثم قبره بنهر السوس و أجری علیه الماء* و عن أبی الزناد أنه قال رأیت فی ید أبی بردة بن أبی موسی الاشعری خاتما نقش فصه أسدان بینهما رجل و هما یلحسانه قال أبو بردة هذا خاتم دانیال أخذه أبو موسی الاشعری حین وجده یوم دفنه‌

* (ذکر ظهور زمزم فی زمن عبد المطلب ثانیا)

* و کانت مدفونة بعد جرهم زها خمسمائة سنة لا یعرف مکانها کما یجی‌ء* و فی سیرة مغلطای سمیت زمزم بذلک لانها زمت بالتراب أو لزمزمة الماء فیها* و فی سیرة ابن هشام و هی دفن بین صنمی قریش اساف و نائلة عند منحر قریش کانت جرهم دفنتها حین ظعنوا من مکة و هی بئر اسماعیل بن ابراهیم التی سقاه اللّه حین ظمئ و هو صغیر فالتمست له أمه ماء فلم تجده فقامت علی الصفا تدعو اللّه و تستسقیه لإسماعیل ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلک و بعث اللّه جبریل فهمزها بعقبه فی الارض فظهر الماء و سمعت أمه أصوات السباع فخافت علیه فأقبلت تشتدّ نحوه فوجدته یفحص بیدیه عن الماء تحت خدّه و یشرب فجعلته حبسا کما مرّ فی ابتداء ظهور زمزم* و فی المواهب اللدنیة أن الجرهمی عمرو بن الحارث لما أحدث قومه بحرم اللّه الحوادث قیض اللّه لهم من أخرجهم من مکة فعمد عمرو الی نفائس فجعلها فی زمزم و بالغ فی طمها و فرّ الی الیمن بقومه فلم تزل زمزم من ذلک العهد مجهولة الی ان رفعت الحجب برؤیا منام رآها عبد المطلب دلته علی حفرها بامارات علیها قال ابن هشام فی سیرته حدّثنا زیاد بن عبد اللّه البکائی عن محمد بن اسحاق المطلبی قال بینما عبد المطلب بن هاشم نائم فی الحجر اذ أتی فأمر بحفر زمزم* و فی روایة ان زمزم بقیت منطمسة بعد جرهم زها خمسمائة سنة لا یعرف مکانها الی أن بلغت نوبة حکومة مکة و رئاسة أهلها عبد المطلب و تعلقت ارادة اللّه القدیمة باظهارها فأمر عبد المطلب فی المنام بحفرها* و فی سیرة ابن هشام کان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:179
أوّل ما بدأ به عبد المطلب من حفرها کما روی عن عبد اللّه بن زریق الغافقی أنه سمع علیّ بن أبی طالب یحدث حدیث زمزم حین أمر عبد المطلب بحفرها* قال قال عبد المطلب انی لنائم فی الحجر اذ أتانی آت فقال احفر طیبة قلت و ما طیبة قال قال ثم ذهب عنی فلما کان الغد رجعت الی مضجعی فنمت فیه فجاءنی فقال احفر برة قلت و ما برة ثم ذهب عنی فلما کان الغد رجعت الی مضجعی فنمت فیه فجاءنی فقال احفر المضنونة قلت و ما المضنونة ثم ذهب عنی فلما کان الغد رجعت الی مضجعی فنمت فیه فجاءنی فقال احفر زمزم قال قلت و ما زمزم قال لا تنزف أبدا و لا تذم تسقی الحجیج الاعظم و هی بین الفرث و الدم عند نقرة الغراب الاعصم عند قریة النمل و کذا أورده ابن الجوزی فی الحقائق الا انه لم یذکر عند قریة النمل و زاد بعد نقرة الغراب الاعصم قوله و هی شرف لک و لولدک و کان غراب أعصم لا یبرح عند الذبائح مکان الفرث و الدم* قال ابن اسحاق فلما بین له شأنها و دل علی موضعها و عرف أنه قد صدق غدا بمعوله و معه ابنه الحارث بن عبد المطلب لیس له یومئذ ولد غیره فجعل یحفر ثلاثة أیام حتی بدا له کذا فی الحقائق فلما بدا لعبد المطلب الطی کبر و قال هذا لطوی اسماعیل فعرفت قریش انه قد أدرک حاجته فقاموا إلیه فقالوا یا عبد المطلب انها بئر أبینا اسماعیل و ان لنا فیها حقا فأشرکنا معک فیها قال ما أنا بفاعل ان هذا الامر قد خصصت به دونکم و أعطیته من بینکم قالوا له فأنصفنا فانا غیر تارکیک حتی نخاصمک فیها قال فاجعلوا بینی و بینکم من شئتم أحاکمکم إلیه قالوا کاهنة بنی سعد بن هذیم قال نعم و کانت باشراف الشام فرکب عبد المطلب و معه نفر من بنی أمیة من بنی عبد مناف و رکب من کل قبیلة من قریش نفر قال و الارض اذ ذاک مفازة فخرجوا حتی اذا کانوا ببعض تلک المفاوز بین الحجاز و الشام فنی ماء عبد المطلب و أصحابه فظمئوا حتی أیقنوا بالهلکة فاستسقوا من معهم من قبائل قریش فأبوا علیهم و قالوا انا بمفازة نخشی علی أنفسنا مثل ما أصابکم فلما رأی عبد المطلب ما صنع القوم و ما یتخوّف علی نفسه و أصحابه قال فما ذا ترون قالوا ما رأینا الا تبع لرأیک فمرنا بما شئت قال فانی أری أن یحفر کل رجل منکم حفیرة لنفسه بما بکم الآن من القوّة فکلما مات رجل دفنه أصحابه فی حفرته ثم واروه حتی یکون آخرکم رجلا واحدا فضیعة رجل واحد أیسر من ضیعة رکب جمیعا قالوا نعم ما أمرت به فقام کل رجل منهم فخفر حفرته ثم قعدوا ینتظرون الموت عطشا ثم ان عبد المطلب قال لاصحابه و اللّه ان القاءنا بأیدینا هکذا للموت لا نضرب فی الارض و نبتغی لا نفسنا لعجز فعسی اللّه أن یرزقنا ماء ببعض البلاد ارتحلوا فارتحلوا حتی اذا فرغوا و من معهم من قبائل قریش ینظرون إلیهم ما هم فاعلون تقدّم عبد المطلب الی راحلته فرکبها فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عین ماء عذب فکبر عبد المطلب و کبر أصحابه ثم نزل فشرب و شرب أصحابه و استقوا حتی ملئوا أسقیتهم ثم دعا القبائل من قریش و قال هلمّ الی الماء فقد سقانا اللّه فاشربوا و استقوا فجاءوا فشربوا و استقوا ثم قالوا قد و اللّه قضی لک علینا یا عبد المطلب و اللّه لا نخاصمک فی زمزم أبدا ان الذی سقاک هذا الماء بهذه الفلاة هو الذی سقاک زمزم فارجع الی سقایتک راشدا فرجع و رجعوا معه و لم یصلوا الی الکاهنة و خلوا بینه و بینها* قال ابن اسحاق فهذا الذی بلغنی من حدیث علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه فی زمزم و قد سمعت من یحدّث عن عبد المطلب أنه قیل له حین أمر بحفر زمزم
ثم ادع بالماء الروا غیر الکدرتسقی حجیج اللّه فی کل مبر
لیس یخاف منه شی‌ء ما عمر
فخرج عبد المطلب حین قیل له ذلک الی قریش فقال تعلمون انی قد أمرت أن أحفر زمزم قالوا فهل بین لک أین هی قال لا قالوا فارجع الی مضجعک الذی رأیت فیه ما رأیت فان یک حقا من اللّه یبین لک أین هی و ان یکن من الشیطان فلن یعود إلیک فرجع عبد المطلب الی مضجعه فنام فیه فأتی فقیل له احفر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:180
زمزم فانک ان حفرتها لم تندم و هی تراث من أبیک الاعظم لا تنزف أبدا و لا تذم تسقی الحجیج الاعظم مثل نعام حافل لم یقم ینذر فیها ناذر لمنعم تکون میراثا و عقدا محکم لیس کبعض ما قد تعلم و هی بین الفرث و الدم* قال ابن هشام هذا الکلام و الکلام الذی قبله فی حدیث علیّ فی حفر زمزم من قوله لا تنزف أبدا و لا تذم الی قریه عند قریة النمل عندنا سجع و لیس بشعر* قال ابن اسحاق فزعموا انه حین قیل له ذلک قال و أین هی قیل له عند قریة النمل حیث ینقر الغراب غدا فاللّه أعلم أیّ ذلک کان* و فی بعض الکتب فرأی فی المنام یقال له زمزم و ما زمزم هزمة جبریل برجله و سقیا اسماعیل و أهله زمزم البرکات تروی الرماق الواردات شفاء سقام و خیر طعام و أری مرّة اخری قیل له احفر تکتم بین الفرث و الدم و عند نقر الغراب الاعصم و فی قریة النمل مستقبل الاصنام الحمر و فی القاموس تکتم علی ما لم یسم فاعله اسم بئر زمزم کمکتوم و فی الحدیث الغراب الاعصم الذی احدی رجلیه بیضاء رواه ابن أبی شیبة و قیل أحمر المنقار و الرجلین رواه الحاکم فی مستدرکه و فی الاحیاء الاعصم أبیض البطن و قال غیره أبیض الجناحین و قیل أبیض الرجلین کذا فی حیاة الحیوان فقام عبد المطلب فمشی حتی جلس فی المسجد ینتظر ما سمی له من الآیات فنحرت بقرة بالحزورة و هی بأسفل مکة سمیت باسم أمة لرجل یقال له وکیع بن سلمة و کان إلیه أمر البیت فبنی فیه ضریحا جعل فیه أمة یقال لها خرورة و جعل فیه سلما یرقاه و یقول بزعمه انه یناجی ربه کذا فی شفاء الغرام فبینما تنحر البقرة انفلتت منحورة عن جازرها بحشاشة نفسها حتی غلبها الموت فی المسجد فی موضع زمزم فجزرت فی مکانها حتی احتمل لحمها فأقبل غراب یهوی حتی وقع فی الفرث و الدم فبحث عن قریة النمل فقام عبد المطلب یحفر هناک فجاءت قریش فقالوا له لم تحفر فی مسجدنا فقال انی لحافر هذه البئر و مجاهد من صدّنی عنها فطفق یحفر هو و ابنه الحارث و لیس له یومئذ ولد غیره فسفه علیهما ناس من قریش و نازعوهما و قاتلوهما حتی اذا اشتدّ علیه الاذی نذر لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتی یمنعوه و سهل اللّه له حفر زمزم لینحرنّ أحدهم للّه عند الکعبة کذا فی أنوار التنزیل* و عبارة المواهب اللدنیة فمنعته قریش من ذلک قالوا لم تحفر هنالک فآذاه من السفهاء من آذاه و اشتدّ بذلک بلواه و معه ولده الحارث و لم یکن له ولد سواه فنذر لئن جاءه عشر بنین و صاروا له أعوانا لیذبحنّ أحدهم للّه قربانا فأعان اللّه عبد المطلب حتی غلب مع ابن واحد علی سائر قریش فامتنعوا عنه* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق فغدا عبد المطلب و معه ابنه الحارث و لیس له یومئذ ولد غیره فوجد قریة النمل و وجد الغراب ینقر عندها بین الوثنین اساف و نائله اللذین کانت قریش تنحر عندهما ذبائحها فجاء بالمعول و قام لیحفر حیث أمر فقامت إلیه قریش حین رأوا جدّه و قالوا و اللّه لا نترکک تحفر بین و ثنینا اللذین ننحر عندهما فقال عبد المطلب لابنه الحارث دعنی حتی أحفر فو اللّه لا مضین لما أمرت به فلما عرفوا أنه غیر نازع خلوا بینه و بین الحفر و کفوا عنه فلم یحفر الا یسیرا حتی بدا له الطی فکبر و عرف أنه قد صدق فلما تمادی به الحفر وجد فیها غزالین من ذهب و هما الغزالان اللذان دفنتهما جرهم فیها حین خرجت من مکة و وجدت فیها أسیافا قلعیة و أدراعا فقالت له قریش یا عبد المطلب لنا معک فی هذا شرک و حق قال لا و لکن هلم الیّ أمر نصف بینی و بینکم نضرب علیها بالقداح قالوا و کیف تصنع قال أجعل للکعبة قد حین ولی قد حین و لکم قد حین فمن خرج قدحاه علی شی‌ء کان له و من تخلف قدحاه فلا شی‌ء له قالوا أنصفت فجعل قدحین أصفرین للکعبة و قد حین أسودین لعبد المطلب و قد حین أبیضین لقریش ثم اعطوها صاحب القداح الذی یضرب بها عند هبل و هبل صنم فی جوف الکعبة علی بئر و کانت تلک البئر هی التی یجمع فیها ما یهدی للکعبة و کان أعظم أصنامهم و هو الذی یعنی أبو سفیان بن حرب یوم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:181
أحد حین قال اعل هبل أی ظهر دینک و قام عبد المطلب یدعو اللّه و ضرب صاحب القداح فخرج الاصفران علی الغزالین للکعبة و خرج الاسودان علی الاسیاف و الادراع لعبد المطلب و تخلف قدحا قریش فضرب عبد المطلب الاسیاف بابا للکعبة و ضرب فی الباب الغزالین من ذهب فکان أوّل ذهب حلیته الکعبة فیما یزعمون* و فی شفاء الغرام أوّل من علق المعالیق بالکعبة فی الجاهلیة علی ما قیل عبد المطلب علقها بالغزالین من الذهب اللذین وجدهما فی زمزم حین حفرها و کانا معلقین مدّة حتی سرقوهما*

سرقة الغزالین من الکعبة

و قصته أن جماعة من قریش کانوا فی لیلة من اللیالی یشربون الخمر و فیهم أبو لهب و معهم القیان و لما فنیت أسباب طربهم عمدوا الی باب الکعبة و سرقوا الغزالین و باعوهما من تجار قدموا مکة بالخمر و غیرها و اشتروا بثمنهما جمیع ما فی العیر من الخمر بالمرة و اشتغلوا بالطرب و اللهو شهرا و لم یدر من سرق حتی مرّ العباس بن عبد المطلب فی لیلة من اللیالی بباب الدار التی تلک الجماعة فیها فسمع القیان یغنین بقصة سرقة الغزالین من باب الکعبة و بیعهما من أهل القافلة و أخبر بها العباس قریشا فأخذوهم و ضربوهم و قطعوا أیدی بعضهم ثم ان عبد المطلب أقام سقایة زمزم للحاج‌

* (ذکر بئار قبائل قریش بمکة)

* قال ابن هشام و کانت قریش قبل حفر زمزم قد احتفرت بئارا بمکة فیما حدّثنی زیاد بن عبد اللّه عن محمد بن اسحاق قال حفر عبد شمس بن عبد مناف الطوی و هی البئر التی بأعلی مکة عند البیضاء دار محمد بن یوسف الثقفی و حفر هاشم بن عبد مناف بذر و هی البئر التی عند المستند حطم الخندمة و هی علی فم شعب أبی طالب و زعموا أنه قال حین حفرها لأجعلنها بلاغا للناس قال ابن هشام و قال الشاعر
سقی اللّه أمواها عرفت مکانهاجرابا و ملکوما و بذر و الغمرا قال ابن اسحاق و حفر سجلة و هی بئر المطعم بن عدیّ بن نوفل بن عبد مناف التی یسقون علیها الیوم تزعم بنو نوفل أن المطعم بن عدی ابتاعها من أسد بن هاشم و تزعم بنو هاشم أنه و هبها له حین ظهرت زمزم فاستغنوا بها عن تلک الآبار و حفر أمیة بن عبد شمس الحفر لنفسه و حفرت بنو أسد بن عبد العزی شفیة و هی بئر بنی أسد و حفرت بنو عبد الدار أمّ احزاد و حفرت بنو جمح السنبلة و هی بئر خلف بن وهب و حفرت بنو سهم الغمر و هی بئر بنی سهم و کانت آبار حفائر خارجة من مکة قدیمة من عهد مرّة بن کعب بن کلاب بن مرّة و کبراء قریش الاوائل منها یشربون و هی رم و رم بئر مرّة بن کعب و حم و خم بئر بنی کلاب بن مرّة و الحفر* و قال حذیفة بن غانم أخو بنی عدی بن کعب بن لؤیّ قال ابن هشام و هو ابن أبی جهم بن حذیفة
و قد ما غنینا قیل ذلک حقبةو لا نستقی الا بخم أو الحفر قال ابن اسحاق فعفت زمزم علی البئار التی کانت قبلها یستقی علیها الحاج و انصرف الناس إلیها لمکانها من المسجد الحرام و لفضلها علی ما سواها من المیاه و لانها بئر اسماعیل بن ابراهیم علیهما السلام و افتخرت بها بنو عبد مناف علی قریش کلها و علی سائر العرب* و فی البحر العمیق فلم یزل هاشم ابن عبد مناف یسقی الحاج حتی توفی فقام بأمر السقایة بعده عبد المطلب بن هاشم فلم یزل کذلک حتی حفر زمزم فعفت علی آبار مکة فکان منها شرب الحاج و کانت لعبد المطلب ابل کثیرة اذا کان الموسم جمعها ثم سقی لبنها بالعسل فی حوض من أدم عند زمزم و یشتری الزبیب فینبذه بماء زمزم و یسقیه الحاج لیکسر غلظ ماء زمزم و کانت اذ ذاک غلیظة جدّا و کان للناس اذ ذاک فی بیوتهم أسقیة فیها الماء من هذه الآبار ینبذون فیها القبضات من الزبیب و التمر لتکسر عنهم غلظ ماء آبار مکة و کان الماء العذب بمکة عزیزا لا یوجد الا لإنسان یستعذب له من بئر میمون خارج مکة فلبث عبد المطلب یسقی الناس حتی توفی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:182
فقام بأمر السقایة بعده العباس بن عبد المطلب فلم تزل فی یده و کان للعباس کرم بالطائف و کان یحمل ربیبه إلیها و کان یداین أهل الطائف و یقتضی منهم الزبیب فینبذ ذلک کله و یسقیه الحاج أیام الموسم فدخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مکة یوم الفتح فقبض السقایة من العباس بن عبد المطلب و الحجابة من عثمان بن طلحة ثم ردّهما علیهما و سیجی‌ء فی الموطن الثامن فی فتح مکة ان شاء اللّه تعالی‌

* (الطلیعة الثالثة فی ولادة عبد اللّه و نذر عبد المطلب ذبحه‌

اشارة

و عرضه علیه و تزوّج آمنة)* و قصة الخثعمیة و وقائع مدّة الحمل من وفاة عبد اللّه و قصة أصحاب الفیل)*

* (ذکر ولادة عبد اللّه)

قال أصحاب السیر و التواریخ کانت ولادة عبد اللّه بن عبد المطلب لا ربع و عشرین سنة مضت من ملک کسری أنو شروان و کان یوم ولد عبد اللّه علم بمولده جمیع أحبار الشام و ذلک انه کانت عندهم جبة صوف بیضاء و کانت الجبة مغموسة فی دم یحیی بن زکریا و کانوا قد وجدوا فی کتبهم اذا رأیتم الجبة البیضاء و الدم یقطر منها فاعلموا أن أبا محمد المصطفی قد ولد تلک اللیلة و قدموا بأجمعهم الی الحرم و أرادوا أن یغتالوا بعبد اللّه فصرف اللّه شرّهم عنه و رجعوا الی بلادهم و لم یکن یقدم علیهم أحد من الحرم الا سألوه عن عبد اللّه فیقولون ترکنا نورا یتلألأ فی قریش فتقول الاحبار لیس ذلک النور لعبد اللّه انما ذلک النور لمحمد علیه السلام قال فخرج عبد اللّه أجمل قریش فشغفت به کل نساء قریش و کدن أن تذهل عقولهنّ فلقی عبد اللّه فی زمنه من النساء ما لقی یوسف فی زمنه من امرأة العزیز و کان عبد اللّه یخبر أباه بما یری من العجائب یقول یا أبت انی اذا خرجت الی بطحاء مکة و صرت علی جبل ثبیر خرج من ظهری نوران أخذ أحدهما شرق الارض و الآخر غربها ثم ان ذینک النورین یستدیران حتی یصیرا کالسحابة ثم تنفرج لهما السماء فیدخلان فیها ثم یخرجان ثم یرجعان الیّ فی لمحة واحدة و انی لاجلس فی الموضع فأسمع فیه من تحتی سلام علیک أیها المستودع ظهره نور محمد صلّی اللّه علیه و سلم و انی لاجلس فی الموضع الیابس أو تحت الشجرة الیابسة فتخضرّ و تلقی علیّ أغصانها فاذا قمت و ترکتها عادت الی ما کانت فقال له عبد المطلب أبشر یا بنی فانی أرجو أن یخرج اللّه من ظهرک المستودع المکرم فانا قد وعدنا ذلک و انی رأیت قبلک رؤیا کلها تدل علی انه یخرج من ظهرک أکرم العالمین و کان عبد اللّه أبو النبیّ کلما أصبح و ذهب لیدخل علی صنمهم الاکبر و هو اللات و العزی صاح کما تصیح الهرّة و نطق و هو یقول ما لنا و لک أیها المستودع ظهره نور محمد الذی یکون هلاکنا و هلاک أصنام الدنیا علی یدیه*

(ذکر نذر عبد المطلب ذبح عبد اللّه و عرضه علیه)

* قال ابن اسحاق و کان عبد المطلب نذر حین لقی من قریش ما لقی عند حفر زمزم لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتی یمنعوه لینحرنّ أحدهم للّه عند الکعبة کما مرّ فلمّا توافی بنوه عشرة و عرف أنهم سیمنعونه جمعهم* و فی الحدائق روی قبیصة عن ذؤیب عن ابن عباس قال لما رأی عبد المطلب قلة أعوانه فی حفر زمزم نذر لئن أکمل اللّه له عشرة ذکور لیذبحنّ أحدهم فلما تکاملوا عشرة جمعهم ثم أخبرهم بنذره و دعاهم الی الوفاء بذلک فأطاعوه و قالوا کیف نصنع قال لیأخذ کل واحد منکم قدحا و لیکتب فیه اسمه ثم لیأتنی به ففعلوا ثم أتوه فدخل بهم علی هبل فی جوف الکعبة و کان هبل علی البئر التی یجمع فیها ما یهدی الی الکعبة کما مرّ و قال لقیم الصنم و فی الحدائق قال للسادن اضرب بقداح هؤلاء فلما أخذ لیضرب قام عبد المطلب عند الکعبة یدعو اللّه و یقول اللهمّ انی نذرت لک نحر أحدهم و انی أقرع بینهم فأصب بذلک من شئت ثم ضرب السادن القداح فخرج القدح علی عبد اللّه و أخذ عبد المطلب بیده و أخذ الشفرة ثم أقبل به الی اساف و نائلة فقامت إلیه قریش من أندیتها و قالوا ما ترید أن تصنع قال أذبحه قالوا لا ندعک أن تذبحه حتی تعذر فیه الی ربک و لئن فعلت هذا لا یزال الرجل یأتی بابنه فیذبحه و یکون سنة و قالوا له انطلق الی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:183
فلانة الکاهنة بالحجاز ذکر الحافظ عبد الغنی أن اسمها قطبة و ذکر ابن اسحاق ان اسمها سجاح فقالوا لعلها أن تأمرک بأمر فیه فرج لک فانطلقوا حتی أتوها بخیبر فقص علیها عبد المطلب القصة فقالت لهم کم الدیة فیکم قالوا عشرة من الابل قالت فارجعوا الی بلادکم ثم قربوا صاحبکم و قرّبوا عشرة من الابل ثم اضربوا علیه و علیها بالقداح فان خرجت علی صاحبکم فزیدوا فی الابل ثم اضربوا أیضا و هکذا حتی یرضی ربکم فاذا خرجت علی الابل فانحروها فقد رضی ربکم و نجا صاحبکم فرجع القوم الی مکة فقرّبوا عبد اللّه و عشرة من الابل فخرجت علی عبد اللّه فزادوا عشرة فخرجت علی عبد اللّه فلم یزالوا یزیدون عشرا عشرا الی أن جعلوها مائة فخرجت علی الابل فقالوا قد رضی ربکم فقال عبد المطلب لا و اللّه حتی أضرب علیها و علیه ثلاث مرات ففعل فخرجت علی الابل ففداه بمائة من الابل و لذلک صارت الدیة مائة من الابل* و فی سیرة مغلطای أوّل من سنّ الدیة عبد المطلب و قیل القلمس و قیل أبو سیارة انتهی فنحرت ثم ترکت لا یصدّ عنها انسان و لا طائر و لا سبع ثم انصرف عبد المطلب بابنه و لهذا قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أنا ابن الذبیحین کما ذکره الزمخشری فی الکشاف و عند الحاکم فی المستدرک قال أعرابی یا رسول اللّه عد علیّ مما أفاء اللّه علیک یا ابن الذبیحین فتبسم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لم ینکر علیه و المراد بالذبیحین عبد اللّه و اسماعیل اذ عرضا علی الذبح* و ذهب بعض العلماء الی أن الذبیح اسحاق فان صح هذا فالعرب تجعل العمّ أبا کذا فی المواهب اللدنیة* و قد استشکل بعض الناس ان عبد المطلب نذر نحر أحد بنیه اذا بلغوا عشرا و قد کان تزوّج هالة أمّ ابنه حمزة بعد وفائه بنذره فحمزة و العباس انما ولدا بعد الوفاء بنذره و انما کان أولاده عشرة* قال السهیلی و لا اشکال فی هذا فان جماعة من العلماء قالوا کان أعمام النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اثنی عشر فان صح هذا فلا اشکال فی الخبر و ان صح قول من قال کانوا عشرة لا یزیدون فالولد یقع علی البنین و بینهم حقیقة لا مجازا و کان عبد المطلب قد اجتمع له من ولده و ولد ولده عشرة رجال حین و فی بنذره و یقع أیضا فی بعض السیر أن عبد اللّه أصغر بنی أبیه عبد المطلب کذا قاله ابن اسحاق و هو غیر معروف و لعل الروایة أصغر بنی أمه و الا فحمزة کان أصغر من عبد اللّه و العباس أصغر من حمزة کذا فی سیرة مغلطای* و روی عن العباس أنه قال أذکر مولد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أنا ابن ثلاثة أعوام أو نحوها فجی‌ء به حتی نظرت إلیه و جعل النسوة یقلن لی قبل أخاک فقبلته فکیف یصح أن یکون عبد اللّه هو الاصغر و لکن رواه البکائی و لروایته وجه و هو أن یکون أصغر ولد أبیه حین أراد نحره ثم ولد له بعد ذلک حمزة و العباس انتهی و هذا أیضا علی تقدیر أن یکون أولاد عبد المطلب اثنی عشر*

(ذکر تزوّج عبد اللّه آمنة)

تاریخ الخمیس، دیار البکری ج‌1 183 (ذکر تزوج عبد الله آمنة) ..... ص : 183
روی أنه خرج عبد اللّه یوما الی قنصه و قد قدم علیه تسعون رجلا من أحبار یهود الشام معهم السیوف المسمومة یریدون أن یغتالوه و یقتلوه و کان وهب بن عبد مناف أبو آمنة صاحب قنص أیضا* قال فلما نظرت الی الاحبار قد أحدقوا بعبد اللّه و عبد اللّه یومئذ وحده تقدّمت إلیه لاعینه علیهم فنظرت الی رجال لا یشهون رجال الدنیا علی خیل شهب قد حملوا علی الاحبار حتی هزموهم عن عبد اللّه فلما رأی ذلک وهب بن عبد مناف من عبد اللّه رغب فیه و قال لن یستقیم لا بنتی آمنة زوج غیر هذا و قد کان خطبها اشراف قریش و کانت آمنة تأبی ذلک و تقول یا أبت لم یأن لی التزویج فرجع وهب الی أهله فأخبرها بما کان من عبد اللّه و قال انه أجمل قریش و اوسطهم نسبا و انی لا أحب لا بنتی آمنة زوجا غیره فانطلقی إلیه فأعرضی ابنتی علیه لعله یتزوّجها قال فانطلقت أمّ آمنة حتی دخلت علی عبد المطلب فعرضت علیه ابنتها فقال عبد المطلب لم یعرض علیّ امرأة تستقیم لابنی غیرها فتزوّجها عبد اللّه فلیلة بنی عبد اللّه بها لم تبق امرأة فی قریش الا مرضت قال عبد اللّه بن عباس عن أبیه عباس ان لیلة بنی عبد اللّه بآمنة أحصینا مائتی امرأة من بنی مخزوم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:184
و عبد شمس و عبد مناف متن و خرجن من الدنیا و لم یتزوّجن أسفا علی ما فاتهنّ من عبد اللّه و کان عبد اللّه یوم تزوّجها ابن ثلاثین سنة و قیل ابن خمس و عشرین سنة و قیل سبع عشرة و لم یذکر القول الاخیر فی الصفوة و ذخائر العقبی* قال أبو عمرو و خرج أبوه عبد المطلب الی وهب بن عبد مناف فزوّجه آمنة ابنة وهب و قیل کانت آمنة فی حجر عمها وهیب بن مناف فأتاه عبد المطلب فخطب إلیه ابنته هالة بنت وهیب لنفسه و خطب آمنة بنت وهب لابنه عبد اللّه فتزوّجاهما فی مجلس واحد فولدت آمنة لعبد اللّه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ولدت هالة لعبد المطلب حمزة و صفیة و لم یکن لآمنة أخ و لا اخت فلذلک لم یکن لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خال و لا خالة و انما بنو زهرة یقولون نحن اخواله لان أمّه آمنة منهم و لم یکن لعبد اللّه و لا لآمنة ولد غیره صلّی اللّه علیه و سلم فلذلک لم یکن له أخ و لا اخت لکن کان له ذلک من الرضاعة و سیأتی ذکرهم کذا فی ذخائر العقبی فأعطی اللّه آمنة من الجمال و الکمال ما کانت تدعی به حکیمة قومها فبقیت مع عبد اللّه مدّة سنین لا یؤذن لنور رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن یخرج من عبد اللّه الی آمنة و قد طالت الفترة و انقطع أخبار السماء و اندرس ذکر النبوّة فلا أمیر ینتجب و لا رسول یصطفی برسالات ربه و الارض مشوبة بالاصنام و قد نبذ الناس الطاعة و اقتدوا بالظلم و الجهالة منهمکین فی عبادة الاوثان*

(ذکر قصة الخثعمیة الکاهنة)

* فی الصفوة جرت لعبد اللّه قصة الخثعمیة قبل حمل آمنة برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن ابی الفیاض الخثعمی قال مرّ عبد اللّه بن عبد المطلب بامرأة من خثعم یقال لها فاطمة بنت مرّة و کانت من أجمل النساء و اشبهها و أعفها و کانت قد قرأت الکتب فرأت نور النبوّة فی وجه عبد اللّه فقالت یا فتی من أنت فأخبرها فقالت هل لک ان تقع علیّ و أعطیک مائة من الابل فنظر إلیها و قال
أما الحرام فالممات دونه‌و الحلّ لا حلّ فأستبینه
فکیف بالامر الذی تنوینه‌یحمی الکریم عرضه و دینه ثم مضی الی امرأته آمنة فکان معها ثم ذکر الخثعمیة و جمالها و ما عرضت علیه فأقبل إلیها فلم یر منها من الاقبال علیه آخرا کما رأی منها أوّلا فقال هل لک فیما قلت قالت* قد کان ذلک مرّة فالیوم لا* فذهبت مثلا قالت أی شی‌ء صنعت بعدی قال وقعت علی زوجتی آمنة بنت وهب قالت انی و اللّه لست بصاحبة ریبة و لکنی رأیت نور النبوّة فی وجهک فأردت أن یکون ذلک فیّ و أبی اللّه الا أن یجعله حیث جعله* و فی سیرة مغلطای تعرّضت لعبد اللّه امرأة من بنی أسد اسمها رقیقة و یقال قتیلة بنت نوفل تکنی أمّ قتال و یقال اسمها فاطمة بنت مرّة و یقال لیلی العدویة و یقال امرأة من تبالة و یقال من خثعم و یقال کانت یهودیة قال أبو أحمد الحاکم کان سنّ عبد اللّه اذ ذاک ثلاثین سنة و فی المواهب اللدنیة و عند أبی نعیم و الخرائطی و ابن عساکر من طریق عطاء عن ابن عباس لما خرج عبد المطلب بابنه عبد اللّه لیزوّجه مرّ به علی کاهنة من تبالة متهوّدة قد قرأت الکتب یقال لها فاطمة بنت مرّة الخثعمیة الی آخر ما ذکر* عن أبی یزید المدینی أن عبد اللّه لما مرّ بالخثعمیة قالت له هل لک فیّ قال نعم حتی أرمی الجمرة فانطلق فرمی الجمرة ثم أتی امرأته آمنة ثم ذکر الخثعمیة فأتاها فقالت هل أتیت امرأة بعدی قال نعم آمنة قالت فلا حاجة لی فیک انک مررت و بین عینیک نور ساطع الی السماء فلما وقعت علیها ذهب فأخبرها أنها قد حملت بخیر أهل الارض* و فی المواهب اللدنیة أیضا و لما انصرف عبد اللّه مع أبیه من نحر الابل حین و فی بنذره مرّ علی المرأة من بنی اسد بن عبد العزی و بنی عبد الکعبة و اسمها قتیلة بضم القاف و فتح المثناة الفوقیة و یقال رقیقة بنت نوفل أخت ورقة بن نوفل فقالت له حین نظرت الی وجهه و کان أحسن رجل فی قریش لک مثل الابل التی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:185
نحرت عنک وقع علیّ الآن لما رأت فی وجهه من نور النبوّة و رجت أن تحمل بهذا النبیّ الکریم صلّی اللّه علیه و سلم فقال لها أنا مع أبی و لا أستطیع خلافه و لا فراقه و قیل أجابها بقوله* أما الحرام فالممات دونه* و الحلّ لا حلّ فاستبینه* فکیف بالامر الذی تبغینه* یحمی الکریم عرضه و دینه* کما مرّ*

(ذکر حمل آمنة برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم)

* فلما کانت اللیلة التی أذن اللّه عز و جل للنور المحمدی أن یخرج من عبد اللّه الی آمنة اهتزت الملائکة فرحا و ذلک لیلة الجمعة فی شعب أبی طالب عند الجمرة الوسطی کذا فی المنتقی* و فی سیرة الیعمری حملت به آمنة فی أیام التشریق عند الجمرة الوسطی انتهی و فی المواهب اللدنیة زعموا أنه وقع علیها یوم الاثنین أیام منی فی شعب أبی طالب عند الجمرة الوسطی قال أبو أحمد الحاکم کان سنه اذ ذاک ثلاثین سنة و کذا فی سیرة مغلطای فحملت برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أمر اللّه خازن الجنة أن یفتح أبواب الجنان تعظیما لنور محمد صلّی اللّه علیه و سلم و هبط جبریل بلوائه الاخضر و نصبه علی ظهر الکعبة* و فی المواهب اللدنیة و لما حملت آمنة برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ظهر لحمله عجائب و وجد لایجاده غرائب فذکروا أنه لما استقرّت نطفته الزکیة و درّته المحمدیة فی صدفة آمنة القرشیة نودی فی الملکوت و معالم الجبروت أن عطروا جوامع القدس الاسنی و بخروا جهات الشرف الاعلی و افرشوا سجادات العبادات فی صفف الصفاء لصوفیة الملائکة المقرّبین أهل الصدق و الوفاء فقد انتقل النور المکنون الی بطن آمنة ذات العقل الباهر و الفخر المصون قد خصها اللّه تعالی القریب المجیب بهذا الصدر المصطفی الحبیب لانها أفضل قومها حسبا و أنجب و أزکاهم أصلا و فرعا و أطیب* و قال سهل بن عبد اللّه التستری فیما رواه الخطیب البغدادی الحافظ لما أراد اللّه خلق محمد صلّی اللّه علیه و سلم فی بطن أمه آمنة لیلة رجب و کانت لیلة جمعة أمر اللّه تعالی تلک اللیلة خازن الجنان أن یفتح الفردوس و نادی مناد فی السموات و الارض ألا انّ النور المخزون الذی یکون منه النبیّ الهادی فی هذه اللیلة یستقرّ فی بطن أمّه الذی فیه یتمّ خلقه و یخرج الی الناس بشیرا و نذیرا* و فی روایة کعب الاحبار أنه نودی تلک اللیلة فی السماء و صفاحها و الارض و بقاعها أن النور المکنون الذی منه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یستقرّ اللیلة فی بطن أمه فیا طوبی لها ثم یا طوبی لها قوله طوبی الطیب و الحسنی و الخیر و الخیرة قاله فی القاموس* و قال غیره فرح و قرّة عین* و قال الضحاک عطیة* و قال عکرمة نعم و فی الحدیث طوبی لاهل الشام فان الملائکة باسطة أجنحتها علیها فالمراد بها هنا فعلی من الطیب و غیره مما ذکرنا لا الجنة و لا الشجرة و یحتمل أن یفسر بالجنة* فأصبحت یومئذ أصنام الدنیا منکوسة و کانت قریش فی جدب شدید و ضیق عظیم فاخضرّت الارض و حملت الاشجار و أتاهم الرفد من کل جانب فسمیت تلک السنة التی حمل فیها برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سنة الفتح و الابتهاج و کان قد أذن اللّه تلک السنة لنساء الدنیا أن یحملن ذکورا کرامة لمحمد صلّی اللّه علیه و سلم و أصبح عرش ابلیس لعنه اللّه منکوسا و الملک علی رأسه یغطسه فی مضیق البحار أربعین صباحا فانقلب أسود محترقا* و أخرج أبو نعیم عن ابن عباس قال کان من دلالات حمل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان کل دابة فی قریش نطقت تلک اللیلة باذن اللّه عز اسمه و قالت حمل بمحمد* و فی روایة برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و رب الکعبة و هو أمان الارض و سراجها* و فی المواهب اللدنیة و هو أمان الدنیا و سراج أهلها و لم تبق کاهنة فی قریش و لا فی قبیلة من قبائل العرب الا علمت بحمله و لم یبق سریر لملک من ملوک الارض الا أصبح منکوسا و مرّت وحوش المشرق الی وحوش المغرب بالبشارات و کذلک أهل البحار یبشر بعضهم بعضا و له فی کل شهر من شهور حمله نداء فی الارض و نداء فی السماء أن ابشروا فقد آن أن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:186
یظهر أبو القاسم صلّی اللّه علیه و سلم میمونا مبارکا انتهی کلام المواهب اللدنیة وکلت ألسنة الملوک حتی لم یقدروا فی ذلک الیوم علی التکلم* و فی الصفوة روی عن یزید بن عبد اللّه بن وهب بن زمعة عن عمته قالت کنا نسمع أن آمنة لما حملت برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کانت تقول ما شعرت أنی حملت و لا وجدت له ثقلا و لا وحما کما تحد النساء الا انی أنکرت رفع حیضتی و أتانی آت و أنا بین النوم و الیقظة أو قالت بین النائمة و الیقظانة فقال هل شعرت بأنک حملت فکأنی أقول ما أدری قال انک حملت بسید هذه الامة و نبیها کذا ذکر ابن اسحاق فی کتاب المغازی* و فی روایة بسید الانام قالت و ذلک یوم الاثنین فکان ذلک مما یقن أو حقق عندی الحمل تم أمهلنی حتی اذا دنا وقت ولادتی أتانی ذلک الآتی فقال قولی أعیذه بالصمد الواحد من شرّ کل حاسد و فی المواهب اللدنیة بغیر لفظ الصمد ثم سمیه محمدا قالت فکنت أقول ذلک فذکرت ذلک لنسائی فقلن لی تعلقی حدیدا فی عضدیک و فی عنقک قالت ففعلت فلم ینزل علیّ أیاما فأجده قد قطع فکنت لا أتعلقه و عن أبی جعفر محمد بن علیّ قال أمرت آمنة و هی حامل برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن تسمیه أحمد* و فی روایة عن ابن اسحاق سمیه محمدا و علقی علیه هذه التمیمة قالت فانتبهت و عند رأسی صحیفة من ذهب مکتوب فیها هذه النسخة
أعیذه بالواحد من شرّ کل حاسد و کل خلق رائد من قائم و قاعد عن السبیل حائد
علی الفساد جاهد من نافث أو عاقد و کل خلق مارد یأخذ بالمراصد فی طرق الموارد
قال الحافظ عبد الرحیم العراقی هکذا ذکر هذه الابیات بعض أهل السیر و جعلها من حدیث ابن عباس و لا أصل لها کذا فی المواهب اللدنیة و فی روایة أبی نعیم من حدیث ابن عباس قال کانت آمنة تحدّث و تقول أتانی آت حین مرّ من حملی ستة أشهر فی المنام و قال لی یا آمنة انک حملت بخیر العالمین فاذا ولدتیه فسمیه محمدا و اکتمی شأنک فاذا وقع علی الارض فقولی أعیذه بالواحد من شرّ کل حاسد فی کل برّ غامد و کل عبد رائد حتی أراه قد أتی المشاهد و ان آیة ذلک أن یخرج معه نور یتلألأ یملأ قصور بصری من أرض الشام فاذا وقع فسمیه محمدا و ان اسمه فی التوراة و الانجیل أحمد یحمده أهل السماء و أهل الارض و اسمه فی القرآن محمد فسمیه بذلک* و فی مورد اللطافة و سیرة مغلطای و لما شاع قبل ولادته أن نبیا اسمه محمد هذا ابان ظهوره سمی جماعة زها خمسة عشر أبناءهم محمدا رجاء أن یکون هو منهم محمد بن سفیان بن مجاشع و محمد بن احیحة بن الجلاح و محمد بن حمران و محمد بن مسلمة الانصاری و فیه نظر و محمد بن براء البکری و محمد بن خزاعی السلمی و محمد بن عدی ابن ربیعة بن سعد المنقری و محمد بن عثمان بن ربیعة السعدی و أظنهما واحدا و محمد الاسدی و محمد الفقیمی و محمد بن عتوارة اللیثی و محمد بن حرمان العمری و محمد بن خولی الهمدانیّ و محمد بن یزید بن ربیعة و محمد بن أسامة بن مالک فقالت أمه و اللّه لقد رأیت فی النوم و هو فی بطنی أنه خرج منی نور أضاءت منه قصور الشام و قالت لقد علقت فما وجدت له مشقة حتی وضعته و فی المواهب اللدنیة و اختلف فی مدّة الحمل به فقیل تسعة أشهر و قیل عشرة و قیل ثمانیة و قیل سبعة و قیل ستة* و من وقائع مدّة حمله وفاة عبد اللّه أبی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی اسد الغابة لابن الاثیر توفی أبوه عبد اللّه و أمه حامل به و فی المواهب اللدنیة و لما تم لها من حملها شهران و قیل قبل ولادته بشهرین کذا فی سیرة مغلطای توفی عبد اللّه و قیل توفی و هو فی المهد قاله الدولابی و عن أبی خیثمة و هو ابن شهرین و قیل و هو ابن سبعة أشهر و قیل و هو ابن ثمانیة و عشرین شهرا و کذا فی سیرة الیعمری و الراجح المشهور هو الاوّل انتهی و یؤید کونه فی المهد الرجز المنقول عن عبد المطلب حین توفی قال لابی طالب
أوصیک یا عبد مناف بعدی‌بموتم و هو ضجیع المهد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:187
و ذکر أهل السیران آمنة بنت وهب لم تحمل حملا و لا ولدت ولدا غیره و کذا أبوه عبد اللّه لم یبلغنا انه ولد له ولد غیره صلّی اللّه علیه و سلم و فی الصفوة قال محمد بن کعب خرج عبد اللّه بن عبد المطلب الی الشام فی تجارة مع جماعة من قریش فلما رجعوا مرّوا بالمدینة و عبد اللّه کان مریضا فتخلف بالمدینة عند أخواله بنی عدی بن النجار فأقام عندهم مریضا شهرا و مضی أصحابه و قدموا مکة فأخبروا عبد المطلب فبعث إلیه ولده الحارث أو الزبیر علی قول ابن الاثیر فوجده قد توفی و دفن فی دار النابغة و هو رجل من بنی عدی* و فی المواهب اللدنیة دفن بالابواء فرجع الحارث الی مکة فأخبر أباه فوجد علیه وجدا شدیدا و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ حمل و قیل بعثه عبد المطلب الی یثرب یمتار له تمرا منها فتوفی بها و لعبد اللّه یوم توفی خمس و عشرون سنة و قیل غیر ذلک و قالت آمنة زوجته ترثیه
عفا جانب البطحاء من آل هاشم‌و جاور لحدا خارجا فی الغماغم
دعته المنایا دعوة فأجابهاو ما ترکت فی الناس مثل ابن هاشم
عشیة راحوا یحملون سریره‌تعاوره أصحابه فی التزاحم
فان یک غالته المنایا و ریبهافقد کان معطاء کثیر التراحم و لما توفی عبد اللّه قالت الملائکة الهنا و سیدنا بقی نبیک یتیما فقال اللّه أناله حافظ و نصیر* و فی بعض الکتب لما مات أبوه وصف فی السماء بالیتیم و أعلی الیتم ما توفی الوالد و الولد فی بطن الامّ فقالت الملائکة الهنا و سیدنا صار نبیک بلا أب فبقی من غیر حافظ و مرب قال اللّه تعالی أنا ولیه و حافظه و حامیه و ربه و عونه و رازقه و کافیه فصلوا علیه و تبرکوا باسمه و سیجی‌ء وفاة أمّه فی الباب الاوّل من الرکن الاوّل و ترک عبد اللّه جاریة یقال لها أم أیمن برکة الحبشیة بنت ثعلب بن حصین بن مالک غلبت علیها کنیتها و کنیت باسم ابنها أیمن الحبشی ماتت فی خلافة عثمان و خمسة أجمال و قطیع غنم فورث ذلک النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کانت أمّ أیمن تحضنه* و من حوادث مدّة حمله قصة أصحاب الفیل من برکة الحمل به و قرب أوان وضعه أهلک اللّه أصحاب الفیل و جعل کیدهم فی تضلیل فیها دلالة ظاهرة علی قدرة اللّه تعالی و عزة نبیه و شرف رسوله صلّی اللّه علیه و سلم فانها من الارهاصات إذ روی أنها وقعت فی السنة التی ولد فیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فسبحان من خصه بأعظم الفضائل و میزه عن خلقه بأکرم الخصائل و شرّفه و رفع قدره و کرمه و شرح صدره و جعل کل حال من أحواله آیة باهرة و کل طور من أطواره معجزة ظاهرة صلوات اللّه تعالی و سلامه علیه و زاده فضلا و کرما و شرفا لدیه* قال الامام فخر الدین الرازی مذهبنا أنه یجوز تقدیم المعجزات علی زمان البعثة تأسیسا و ارهاصا و لذلک کانت الغمامة تظله علیه السلام یعنی قبل البعثة و خالفه السید الشریف تبعا لغیره فاشترط فی المعجزة أن لا تتقدّم علی الدعوی بل تکون مقارنة لها فما وقع من الخوارق قبل دعوی الرسالة فانها لیست بمعجزات انما هی کرامات ظهورها علی الاولیاء جائز و الأنبیاء قبل نبوّتهم لا یقصرون عن درجة الاولیاء فیجوز ظهورها علیهم أیضا و حینئذ تسمی ارهاصا أی تأسیسا للنبوّة صرّح به العلامة السید الجرجانی فی شرح المواقف و غیره و هو مذهب جمهور أئمة الاصول و غیرهم (فان قلت) الحجاج خرب الکعبة و لم یحدث شی‌ء مثل ما حدث لا برهة من البلاء (الجواب) أن ذلک وقع ارهاصا لامر نبینا صلّی اللّه علیه و سلم و الارهاص انما یحتاج إلیه قبل قدومه علیه السلام فلما ظهر و تأکدت نبوّته بالدلائل القطعیة لا حاجة الی شی‌ء من ذلک و اللّه أعلم کذا فی المواهب اللدنیة روی انه لما کان المحرّم سنة ثلاث و ثمانین و ثمانمائة من تاریخ ذی القرنین و کان قد مضی من ملک کسری أنوشروان اثنتان و أربعون سنة و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حملا فی بطن أمه حضر ابرهة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:188
ابن الصباح الاشرم یرید هدم الکعبة*

قصة أصحاب الفیل‌

و قصته أنه لما غلب علی الیمن و ملکها من قبل أصحمة النجاشی رأی الناس یتجهزون أیام الموسم للحج فسأل أین تذهب الناس قالوا یحجون بیت اللّه بمکة قال و مم هو قیل من الحجارة قال و المسیح لأبنین لکم خیرا منه فبنی لهم کنیسة بصنعاء الیمن و سماها القلیس عملها بالرخام الابیض و الاحمر و الاسود و الاصفر و حلاها بالذهب و الفضة و أنواع الجواهر* و فی حیاة الحیوان سمیت بقلیس لارتفاع بنائها و کلفهم فیها أنواع السخر و نقل إلیها الرخام المجزع و الحجارة المنقوشة بالذهب و الفضة من قصر بلقیس صاحبة سلیمان علیه السلام و کان من موضع هذه الکنیسة علی فراسخ و نصب فیها صلبانا من الذهب و الفضة و منابر من العاج و غیره انتهی فلما أراد أن یصرف إلیها الحاج کتب الی النجاشی انی بنیت کنیسة باسم الملک لم یکن مثلها قبلها و ارید أن أصرف إلیها حج العرب و أمنع الناس من الذهاب الی مکة* و لما اشتهر هذا الخبر بین العرب خرج رجل من کنانة متعصبا فقعد فیها فأغضبه ذلک و هو قول ابن عباس و قیل أججت رفقة من العرب نارا و کان فی عمارة القلیس خشب مموّه فحملتها الریح إلیها فأحرقتها فحلف لیهد منّ الکعبة و هو قول مقاتل و سیجی‌ء و قیل کان نفیل الخثعمی یتعرّض لها بالمکروه فأمهل حتی کان لیلة من اللیالی و لم یر أحدا یتحرّک فجاء بعذرة فلطخ بها قبلتها و جمع جیفا فألقاها فیها فأخبر أبرهة بذلک فغضب غضبا شدیدا و قال انما فعلت هذه العرب تعصبا لبیتهم لأنقضنه حجرا حجرا و کتب الی النجاشی یخبره بذلک و سأله أن یبعث إلیه بفیله محمود و کان فیلا أبیض عظیما قویا لم یر فی الارض مثله فلما قدم الفیل الی أبرهة خرج بالجیش العظیم و معه اثنا عشر فیلا غیره و قیل عشرة و قیل ثمانیة و قیل کانوا ألف فیل و قیل کان وحده* و فی تفسیر النهر لابی حیان أصحاب الفیل أبرهة بن الصباح الحبشی و من کان معه من جنوده و الظاهر أنه فیل واحد و کان العسکر ستین ألفا لم یرجع أحد منهم الا أمیرهم فی شرذمة قلیلة فلما أخبروا بما رأوا هلکوا* و فی سیرة ابن هشام فسمعت العرب بخروج أبرهة لتخریب البیت فأعظموه و فظعوا به و رأوا جهاده حقا علیهم حین سمعوا بأنه یرید هدم الکعبة بیت اللّه الحرام و کان یخرج إلیه کل من کان له قوّة و استطاعة فی الحرب فخرج إلیه رجل کان من أشراف الیمن و ملوکهم یقال له ذو نفر فی قومه و من أجابه من سائر العرب ثم عرض له فقاتله فهزم ذو نفر و أصحابه و أخذ ذو نفر و أتی به أسیرا فأراد قتله ثم ترکه و حبسه عنده فی وثاق و کان ابرهة رجلا حلیما ثم مضی ابرهة فی وجهه حتی اذا کان بأرض خثعم عرض له نفیل بن حبیب الخثعمی فی قبیلتی خثعم شهران و ناهش و من تبعه من قبائل العرب فقاتله فهزمه ابرهة و أخذ نفیل أسیرا فلما همّ بقتله قال له نفیل أیها الملک لا تقتلنی فانی دلیلک بأرض العرب فخلی سبیله و خرج به معه یدله حتی اذا مرّ بالطائف خرج إلیه مسعود بن معتب بن مالک الثقفی فی رجال من ثقیف فقال له أیها الملک انما نحن عبیدک سامعون لک مطیعون لیس عندنا خلاف و لیس بیتنا هذا البیت الذی ترید یعنون اللات انما ترید البیت الذی بمکة و نحن نبعث معک من یدلک علیه فتجاوز عنهم و اللات بیت لهم بالطائف کانوا یعظمونه نحو تعظیم الکعبة فبعثوا معه أبا رغال یدله علی الطریق الی مکة فخرج ابرهة و معه أبو رغال حتی أنزله المغمس بفتح المیم الثانیة و تشدیدها و قیل بکسرها قیل هو علی ثلثی فراسخ من مکة بطریق الطائف فمات هناک أبو رغال فدفن فیه فرجمت العرب قبره فهو القبر الذی یرحمه الناس بالمغمس الی الیوم و دفن معه غصنان من ذهب و ذکر أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مرّ بالقبر فی غزوة الطائف فأمر باستخراج الغصنین منه فاستخرجا و سیجی‌ء فی غزوة الطائف* و روی أبو علیّ بن السکن فی سننه الصحاح أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان اذا کان بمکة و أراد أن یقضی حاجة الانسان خرج
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:189
الی المغمس فلما نزل ابرهة المغمس بعث رجلا من الحبشة یقال له الاسود بن مقصود علی خیل له و أمره بالغارة علی الناس فمضی حتی انتهی الی مکة فساق إلیه أموال أهل تهامة و غیرهم فأصاب فیها مائتی بعیر لعبد المطلب بن هاشم و هو یومئذ کبیر قریش و سیدها و فی المواهب اللدنیة فاستاق ابل قریش و غنمها و کان لعبد المطلب فیها اربعمائة ناقة فرکب عبد المطلب فی قریش حتی طلع جبل ثبیر فاستدارت دائرة غرّة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی جبینه کالهلال و اشتدّ شعاعها علی البیت الحرام مثل السراج فلما نظر عبد المطلب الی ذلک قال یا معشر قریش ارجعوا فقد کفیتم هذا الامر فو اللّه ما استدار هذا النور منی الا أن یکون الظفر لنا فرجعوا متفرّقین و همّ أهل الحرم بقتاله ثم عرفوا ان لا طاقة لهم به فترکوه* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق فهمت قریش و کنانة و هذیل و من کان بذلک الحرم لقتاله ثم عرفوا أنه لا طاقة لهم به فترکوا ذلک و بعث ابرهة حناطة الحمیری الی مکة و قال له سل عن سید أهل هذا البلد و شریفهم ثم قل له ان الملک یقول انی لم آت لحربکم انما جئت لهدم هذا البیت فان لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لی بدمائکم فان هو لم یرد حربی فأتنی به فلما دخل حناطة مکة سأل عن سید قریش و شریفها فقیل له عبد المطلب بن هاشم فجاءه فقال له ما أمر به ابرهة فقال له عبد المطلب و اللّه ما نرید حربه و ما لنا بذلک من طاقة فقال له حناطة فانطلق إلیه فانه أمرنی أن آتیه بک* و فی المواهب اللدنیة روی أن رسول ابرهة لما دخل الی مکة و نظر الی وجه عبد المطلب خضع و تلجلج لسانه و خرّ مغشیا علیه فکان یخور کما یخور الثور عند ذبحه فلما أفاق خرّ ساجدا لعبد المطلب و قال أشهد انک سید قریش* قال ابن اسحاق ثم انطلق مع حناطة عبد المطلب و معه بعض بنیه فکلم أنیس سائس الفیل ابرهة فقال أیها الملک هذا سید قریش ببابک یستأذن علیک و هو صاحب عین مکة و هو یطعم الناس فی السهل و الوحوش و الطیور فی رءوس الجبال قال فأذن له ابرهة و کان عبد المطلب أوسم الناس و أجملهم و أعظمهم فلما رآه ابرهة عظم فی عینه فأجله و أکرمه عن أن یجلس تحته و کره أن تراه الحبشة یجلسه معه علی سریرة لمکه فنزل ابرهة عن سریره و جلس علی بساطه و أجلسه معه الی جنبه ثم قال لترجمانه قل له ما حاجتک فقال له ذلک الترجمان فقال حاجتی أن یردّ علیّ الملک مائتی بعیر لی أصابها فلما قال له ذلک قال ابرهة لترجمانه قل له کنت أعجبتنی حین رأیتک ثم قد زهدت فیک حین کلمتنی أ تکلمنی فی مائتی بعیر أصبتها لک و تترک بیتا هو دینک و دین آبائک قد جئت لهدمه لا تکلمنی فیه قال عبد المطلب أنا رب الابل و ان للبیت ربا سیمنعه قال ما کان لیمتنع منی قال أنت و ذاک و کان فیما یزعم بعض أهل العلم قد ذهب مع عبد المطلب الی ابرهة حین بعث إلیه حناطة یعمر بن تبالة بن عدی بن الدیل بن بکر بن عبد مناة بن کنانة و هو یومئذ سید بنی بکر و خویلد بن واثلة الهذلی و هو یومئذ سید هذیل فعرضوا علی ابرهة ثلث أموال تهامة علی أن یرجع عنهم و لا یهدم البیت فأبی علیهم فاللّه أعلم أ کان ذلک أم لا* و فی المواهب اللدنیة روی أنه لما حضر عبد المطلب عند أبرهة أمر سائس فیله الابیض العظیم الذی کان لا یسجد للملک ابرهة کما تسجد سائر الفیلة أن یحضره بین یدیه فلما نظر الفیل الی وجه عبد المطلب برک کما یبرک البعیر و خرّ ساجدا و أنطق اللّه الفیل فقال السلام علی النور الذی فی ظهرک یا عبد المطلب فی ظاهر قوله فاستدارت غرة نور رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی جبین عبد المطلب کالهلال الی آخره و قوله أنطق اللّه الفیل فقال السلام علی النور الذی فی ظهرک یا عبد المطلب نظر لان عبد اللّه حینئذ کان موجودا فیکون النور منتقلا إلیه و فی سیرة ابن هشام عن ابن اسحاق فردّ أبرهة علی عبد المطلب الابل التی أصاب له فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب الی قریش فأخبرهم الخبر و أمرهم بالخروج من مکة و التحرّز فی شعف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:190
الجبال و الشعاب تخوّفا علیهم من معرة الجیش ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الکعبة و قام معه نفر من قریش یدعون اللّه و یستنصرونه علی ابرهة و جنده فقال عبد المطلب و هو آخذ بحلقة الباب
لا همّ ان العبد یمنع رحله فامنع حلالک* لا یغلبنّ صلیبهم* و محالهم عدوا محالک
قال ابن هشام هذا ما صح لی منها و زاد غیره
و انصر علی آل الصلیب و عابدیه الیوم آلک* جروا جموع بلادهم* و الفیل کی یسبوا عیالک عمدوا حماک بکیدهم* جهلا و ما رقبوا جلالک* ان کنت تارکهم و کعبتنا فأمر ما بدا لک
غیره
یا رب لا أرجو لهم سواکایا رب فامنع منهم حماکا
ان عدوّ البیت من عاداکافامنعهم أن یخربوا قراکا العرب تحذف الالف و اللام من اللهم و تکتفی بما بقی و الحلال متاع البیت و أراد به سکان الحرم و المحال الکید و القوّة کذا فی حیاة الحیوان* روی أنه لما التفت عبد المطلب و هو یدعو فاذا هو بطیر من نحو الیمن فقال و اللّه انها لطیر غریبة ما هی بنجدیة و لا تهامیة* قال ابن اسحاق ثم أرسل حلقة باب الکعبة و انطلق هو و من معه من قریش الی شعف الجبال فتحرزوا فیها ینتظرون ما أبرهة فاعل بمکة اذا دخلها فلما أصبح أبرهة تهیأ لدخول مکة و هیأ فیله و عبی جیشه و کان اسم الفیل محمودا و أبرهة مجمع لهدم الکعبة ثم الانصراف الی الیمن فلما وجهوا الفیل الی مکة أقبل نفیل بن حبیب قال السهیلی نفیل بن عبد اللّه بن جزء بن عامر بن مالک حتی قام الی جنب الفیل ثم أخذ باذنه فقال له ابرک محمودا و ارجع راشدا من حیث جئت فانک فی بلد اللّه الحرام ثم أرسل اذنه فبرک الفیل و خرج نفیل ابن حبیب یشتدّ حتی أصعد فی الجبل و ضربوا الفیل لیقوم فأبی فضربوا رأسه بالطبرزین لیقوم فأبی فأدخلوا محاجن لهم فی مراقه فبزغوه بها لیقوم فأبی فوجهوه راجعا الی الیمن فقام یهرول و وجهوه الی الشام ففعل مثل ذلک و وجهوه الی المشرق ففعل مثل ذلک و وجهوه الی مکة فبرک قال أمیة ابن الصلت
ان آیات ربنا بینات‌ما یماری بهنّ الا الکفور
حبس الفیل بالمغمس حتی‌ظلّ یحبو کأنه معقور و أرسل اللّه علیهم طیرا من البحر أمثال الخطاطیف قاله ابن اسحاق و قال ابن عباس کانت لهم خراطیم کخراطیم الطیر و أکف کأکف الکلاب و قال عکرمة کانت لهم رءوس کرءوس السباع و اختلفوا فی ألوانها علی ثلاثة أقوال أحدها انها کانت خضرا قاله عکرمة و سعید بن جبیر و الثانی سودا قاله عبید بن عمیر و الثالث بیضا قاله قتادة کذا فی زاد المسیر فی علم التفسیر لابن الجوزی مع کل طائر منها ثلاثة أحجار تحملها حجر فی منقاره و حجران فی رجلیه أمثال الحمص و العدس و فی أنوار التنزیل و غیره أکبر من العدسة و أصغر من الحمصة* عن ابن عباس أنه رأی منها عند أم هانی نحو قفیز مخططة کالجزع الظفاری فرمتهم بها و کان الحجر یقع علی رأس الرجل فیخرج من دبره و ان کان راکبا یخرج من أسفل مرکبه فیهلکان جمیعا فلا یصیب منهم أحدا الا هلک و علی کل حجر اسم من یقع علیه و لیس کلهم أصیب و خرجوا هاربین یبتدرون الطریق الذی منه جاءوا و یسألون نفیل بن حبیب لیدلهم علی الطریق الی الیمن فقال نفیل حین رأی ما أنزل اللّه بهم من نقمته
أین المفرّ و الاله الطالب‌و الاشرم المغلوب لیس الغالب قوله لیس الغالب من غیر روایة ابن اسحاق قال ابن اسحاق و قال نفیل أیضا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:191 أ لا حییت عنا یا ردینانعمناکم مع الاصباح عینا
أتانا قابس منکم عشاءفلم یقدر لقابسکم لدینا
ردینة لو رأیت و لا تریه‌لدی جنب المحصب ما رأینا
اذا لعذرتنی و حمدت أمری‌و لم تأس علی ما فات بینا
حمدت اللّه اذ أبصرت طیراو خفت حجارة تلقی علینا
فکل القوم یسأل عن نفیل‌کأنّ علیّ للحبشان دینا فخرجوا بکل طریق یتساقطون و یهلکون علی کل منهل و فی تفسیر زاد المسیر لابن الجوزی ثم ان عبد المطلب بعث ابنه عبد اللّه علی فرس ینظر الی القوم فرجع یرکض و یقول هلک القوم و خرج عبد المطلب و أصحابه فغنموا أموالهم انتهی و أصیب ابرهة فی جسده و خرجوا به معهم یسقط أنملة أنملة کلما سقطت منه أنملة اتبعتها منه مدّة تمت قیحا و دما* و فی المواهب اللدنیة و أصیب أبرهة فی جسده بداء فتساقط أنامله أنملة أنملة و سال منه الصدید و القیح و الدم و فی الکشاف و دوی أبرهة أی مرض فتساقطت أنامله و آرابه غضوا عضوا حتی قدموا به صنعا و هو مثل فرخ الطائر فما مات حتی انصدع صدره عن قلبه فیما یزعمون و فی زاد المسیر انصدع صدره قطعتین عن قلبه فهلک و عن عکرمة ما أصابته جدریة و هو أوّل جدریّ ظهر قال ابن اسحاق و حدّثنی یعقوب بن عتبة انه حدث ان أوّل ما رؤیت الحصبة و الجدری بأرض العرب ذلک العام و انه أوّل ما رؤی بها مرائر الشجر الحرمل و الحنظل و العشر ذلک العام و فی الکشاف و المدارک و انفلت وزیره أبو یکسوم و فی سیرة ابن هشام کان أبرهة یکنی أبا یکسوم قاله ابن اسحاق و فی تفسیر أبی اللیث السمرقندی کنیة أبرهة أبو یکسوم و اسم الفیل محمود و کنیته أبو العباس و فی زاد المسیر أبو یکسوم من کبراء أصحاب النجاشی قاله مقاتل و قیل کان أبرهة صاحب جیشه و قیل وزیره فسار أبو یکسوم و طائر یحلق فوق رأسه و هو لا یشعر به حتی بلغ النجاشی فأخبره بما أصابهم فلما أتمّ کلامه رماه الطائر فوقع علیه الحجر فخرّ میتا فأری النجاشی کیف کان هلاک أصحابه و فی معالم التنزیل و زعم مقاتل بن سلیمان ان السبب الذی جرّ أصحاب الفیل ان فتیة من قریش خرجوا تجارا الی أرض النجاشی فدنوا من ساحل البحر و ثمة بیعة للنصاری تسمیها قریش الهیکل فنزلوا فأججوا نارا فاشتووا فلما ارتحلوا ترکوا النار کما هی فی یوم عاصف فهاجت الریح فاضطرم الهیکل نارا فانطلق الصریخ الی النجاشی فأسف غضبا للبیعة فبعث أبرهة لهدم الکعبة و قال فیه انه کان بمکة یومئذ أبو مسعود الثقفی و کان مکفوف البصر یصیف بالطائف و یشتو بمکة و کان رجلا نبیها نبیلا تستقیم الامور برأیه و کان خلیلا لعبد المطلب فقال له عبد المطلب ما ذا عندک هذا یوم لا یستغنی فیه عن رأیک فقال أبو مسعود لعبد المطلب اعمد الی مائة من الابل فاجعلها للّه فقلدها نعلا ثم ابثثها فی الحرم لعل بعض هذه السودان یعقر منها فیغضب رب هذا البیت فیأخذهم ففعل ذلک عبد المطلب فعمد القوم الی تلک الابل فحملوا علیها و عقروا بعضها و جعل عبد المطلب یدعو فقال أبو مسعود ان لهذا البیت ربا یمنعه فقد نزل تبع ملک الیمن صحن هذا البیت و أراد هدمه فمنعه اللّه و ابتلاه و أظلم علیه ثلاثة أیام فلما رأی تبع ذلک کساه القباطی البیض و عظمه و نحر له جزورا فانظر نحو البحر فنظر عبد المطلب فقال أری طیرا بیضا نشأت من شاطئ البحر فقال ارمقها ببصرک أین قرارها قال أراها تدارأت علی رءوسنا قال هل تعرفها قال و اللّه ما أعرفها و ما هی بنجدیة و لا تهامیة و لا عربیة و لا شامیة قال ما قدّها قال أشباه الیعاسیب فی سناقیرها حصی کأنها حصی الخذف قد أقبلت کاللیل یکسع بعضها بعضا أمام کل رفقة طیر یقودها أحمر المنقار
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:192
أسود الرأس طویل العنق فجاءت حتی اذا حاذت معسکر القوم رکدت فوق رءوسهم فلما توافت الرجال کلها أهالت الطیر ما فی مناقیرها علی من تحتها مکتوب فی کل حجر اسم صاحبه ثم انها انصاغت راجعة من حیث جاءت فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل فمشیا ربوة فلم یؤنسا أحدا ثم دنوا ربوة فلم یسمعا حسا فقال بات القوم سامدین فأصبحوا نیاما فلما دنوا من عسکر القوم فاذا هم خامدون فکان یقع الحجر علی بیضة أحدهم فیخرقها حتی یقع فی دماغه و یخرق الفیل و الدایة و یغیب الحجر فی الارض من شدّة وقعه فعمد عبد المطلب فأخذ فأسا من فوسهم فحفر حتی أعمق فی الارض فملأه من الذهب الاحمر و الجواهر و حفر لصاحبه فملأه ثم قال لابی مسعود هات فاختر إن شئت حفرتی و ان شئت حفرتک و ان شئت فهما لک معا* فقال أبو مسعود اختر لی علی نفسک فقال عبد المطلب انی لم أک اجعل أجود المتاع الا فی حفرتی فهو لک و جلس کل واحد منهما علی حفرته و نادی عبد المطلب فی الناس فتراجعوا و أصابوا من فضلهما حتی ضاقوا به ذرعا و ساد عبد المطلب بذلک قریشا و أعطته المقادة فلم یزل عبد المطلب و أبو مسعود فی أهلیهما فی غنی من ذلک المال و دفع اللّه عن کعبته* و اختلفوا فی تاریخ عام الفیل فقال مقاتل کان قبل مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بأربعین سنة* و قال الکلبی بثلاث و عشرین سنة و الاکثرون علی انه کان فی العام الذی ولد فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انتهی کلام معالم التنزیل* و فی الکشاف ان أهل مکة احتووا علی أموالهم و الی هذه القصة أشار النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بقوله ان اللّه حبس عن مکة الفیل و سلط علیها رسوله و المؤمنین قیل کان أبرهة هذا جدّ النجاشی الذی کان فی زمن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کان مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعد هلاک أصحاب الفیل بخمسین یوما و قیل غیر ذلک کما سیجی‌ء فی تاریخ ولادته فی الرکن الاوّل* و عن عائشة رضی اللّه عنها قالت رأیت قائد الفیل و سائسه بمکة أعمیین مقعدین یستطعمان* روی أنه أرسل اللّه سیلا فذهب بهم الی البحر فلما هلک أبرهة و مزق الحبشة کل ممزق أقفر ما حول هذه الکنیسة و کثرت السباع حولها و الحیات فلا یستطیع أحد أن یأخذ منها شیئا الی زمان أبی العباس السفاح فذکروا له أمرها فبعث إلیها أبا العباس بن الربیع عامله علی الیمن و معه أهل الحزم و الجلادة فخربها و حصلوا منها مالا کثیرا ثم بعد ذلک عفار سمها و انقطع خبرها کذا فی حیاة الحیوان*

مسیر سیف بن ذی یزن الی قیصر و کسری‌

و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق فلما هلک أبرهة ملک الحبشة بعده ابنه یکسوم بن أبرهة و به کان یکنی فلما هلک یکسوم بن أبرهة ملک الیمن فی الحبشة أخوه مسروق بن أبرهة فلما طال البلاء علی أهل الیمن خرج سیف بن ذی یزن الحمیری و کان یکنی بأبی مرّة حتی قدم علی قیصر ملک الروم فشکی إلیه ما هم فیه و سأله أن یخرجهم عنه و یلیهم هو و یبعث إلیهم من شاء من الروم فیکون له ملک الیمن فلم یشکه فخرج حتی أتی النعمان بن المنذر و هو عامل کسری علی الحیرة و ما یلیها من أرض العراق فشکی إلیه أمر الحبشة فبعثه النعمان مع وفده الی کسری فدخل علیه ثم قال أیها الملک غلبنا علی بلادنا الاغربة قال کسری أی الاغربة الحبشة أم السند قال بل الحبشة فجئتک لتنصرنی و یکون ملک بلادی لک* قال کسری بعدت بلادک مع قلة خیرها فلم أکن لا ورط جیشا من فارس بأرض العرب لا حاجة لی بذلک ثم أجازه بعشرة آلاف درهم واف و کساه کسوة حسنة* فلما قبض ذلک سیف خرج فجعل ینثر ذلک الورق للناس فبلغ ذلک الملک فقال ان لهذا لشأنا ثم بعث إلیه فقال له عمدت الی حباء الملک تنثره للناس فقال و ما أصنع بهذا ما جبال أرضی التی جئت منها الا ذهبا و فضة یرغبه فیها فجمع کسری مرازبته فقال ما ذا ترون فی أمر هذا الرجل فقال قائل أیها الملک ان فی سجونک رجالا قد حبستهم للقتل فلو أنک بعثتهم معه فان یهلکوا کان ذلک الذی أردت بهم و ان یظفروا کان ملکا ازددته فبعث معه کسری من کان فی سجونه و کانوا ثمانمائة رجل و استعمل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:193
علیهم و هرز و کان ذا سنّ فیهم و أفضلهم حسبا و بیتا فخرج فی ثمان سفائن فغرقت سفینتان و وصل الی ساحل عدن ست سفائن* فجمع سیف الی و هرزمن استطاع من قومه و قال له رجلی مع رجلک حتی نموت جمیعا أو نظفر جمیعا قال و هرز أنصفت و خرج إلیه مسروق بن أبرهة ملک الیمن و جمع إلیه جنده فأرسل إلیهم و هرز ابنا له لیقاتلهم فیختبر قتالهم فقتل ابن و هرز فزاده ذلک حنقا علیهم فلما تواقف الناس علی مصافهم قال و هرز أرونی ملکهم فقالوا له أ تری رجلا علی الفیل عاقدا تاجه علی رأسه بین عینیه یاقوتة حمراء قال نعم قالوا ذاک ملکهم قال اترکوه فوقفوا طویلا ثم قال علام هو قالوا تحوّل علی الفرس قال اترکوه فوقفوا طویلا ثم قال علام هو قالوا علی البغلة قال و هرز بنت الحمارة ذلّ و ذلّ ملکه انی سأرمیه فان رأیتم أصحابه لم یتحرّکوا فاثبتوا حتی أوذنکم فانی قد أخطأت الرجل و ان رأیتم القوم قد استداروا و لا ثوابه فقد أصبت الرجل فاحملوا علیهم ثم وتر قوسه و کانت فیما یزعمون لا یوترها غیره من شدّتها فأمر بحاجبیه فعصبا له ثم رماه فصک الیاقوتة التی بین عینیه فتغلغلت النشابة فی رأسه حتی خرجت من قفاه و نکس عن دابته و استدارت الحبشة و لاثت به و حملت علیهم الفرس و انهزموا فقتلوا و هربوا فی کل وجه و أقبل و هرز لیدخل صنعاء حتی اذا أتی بابها فوجده قصیر الا تدخله الرایة مستقیمة قال لا تدخل رایتی منکسة أبدا اهدموا الباب فهدم ثم دخلها ناصبا رایته* قال ابن اسحاق فأقام و هرز و الفرس بالیمن فمن بقیة ذلک الجیش من الفرس الابناء الذین بالیمن الیوم قال ابن هشام طاوس الیمانی من هؤلاء الابناء*

سبب تملک الحبشة الیمن‌

قال ابن اسحاق و کان ملک الحبشة بالیمن بین أن دخلها أرباط الی أن قتلت الفرس مسروق بن أبرهة و أخرجت الحبشة اثنتین و سبعین سنة توارث ذلک أربعة أرباط ثم أبرهة ثم یکسوم بن ابرهة ثم مسروق بن أبرهة* قال ابن هشام ثم مات و هرز فأمر کسری ابنه المرزبان بن و هرز علی الیمن ثم مات المرزبان فأمر کسری ابنه التینجان بن المرزبان علی الیمن ثم مات التینجان فأمر کسری ابن التینجان علی الیمن ثم عزله و أمّر باذان فلم یزل علیها حتی بعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و سیجی‌ء اسلام باذان فی الموطن الثالث* فی سیرة ابن هشام ذکر ابن اسحاق کیفیة تملک أرباط الیمن أوّلا و سبب ملک الحبشة بها فقال روی أن أهل نجران کانوا أهل شرک یعبدون الاوثان و کان فی قریة من قراها قریبة من نجران و نجران القریة العظمی التی إلیها جماع تلک البلاد ساحر یعلم غلمان أهل نجران السحر فلما نزلها قیمیون و لم یسموه لی باسمه الذی سماه به وهب بن منبه قالوا رجل نزلها ابتنی خیمة بین نجران و بین تلک القریة التی بها الساحر فجعل أهل نجران یرسلون غلمانهم الی ذلک الساحر یعلمهم السحر فبعث إلیه التامر ابنه عبد اللّه بن التامر مع غلمان أهل نجران فکان اذ امر بصاحب الخیمة أعجبه ما یری من صلاته و عبادته فجعل یجلس إلیه و یسمع منه حتی أسلم فوحد اللّه و عبده و جعل یسأله عن شرائع الاسلام حتی اذا فقه فیه جعل یسأله عن الاسم الاعظم و کان یعلمه فکتمه ایاه و قال له یا ابن أخی انک ان تحمله أخش ضعفک عنه و التامر أبو عبد اللّه لا یظنّ الا أن ابنه یختلف الی الساحر کما یختلف الغلمان فلما رأی عبد اللّه أن صاحبه قد ضنّ به عنه و تخوّف ضعفه فیه عمد الی قداح فجمعها ثم لم یبق للّه اسما یعلمه الا کتبه فی قدح لکل اسم قدح حتی اذا أحصاها أوقد لها نارا ثم جعل یقذفها فیها قدحا قدحا حنی اذا مرّ بالاسم الاعظم قذف فیها بقدحه فوثب القدح حتی خرج منها لم تضرّه النار شیئا فأخذه ثم أتی به صاحبه فأخبره أنه قد علم الاسم الاعظم الذی کتمه قال و ما هو قال هو کذا و کذا قال و کیف علمته فأخبره بما صنع فقال أی ابن أخی قد أصبته فأمسک علی نفسک ما أظنّ أن تفعل فجعل عبد اللّه بن التامر اذا دخل نجران لم یلق أحدا به ضرّ الا قال له یا عبد اللّه أ توحد اللّه و تدخل معی فی دینی و أدعو اللّه فیعافیک مما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:194
أنت فیه من البلاء فیقول نعم فیوحد اللّه و یسلم و یدعو له فیشفی حتی لم یبق بنجران أحد به ضرّ الا أتاه فاتبعه علی أمره فدعا له فعوفی فرفع شأنه الی ملک نجران فدعاه و قال أفسدت علیّ أهل قریتی و خالفت دینی و دین آبائی لأمثلنّ بک قال لا تقدر علی ذلک قال فجعل یرسل به الی الجبل الطویل فیطرح عن رأسه فیقع الی الارض لیس به بأس و جعل یبعث به الی میاه نجران بحور لا یقع فیها شی‌ء الا هلک فیلقی فیها فیخرج لیس به بأس فلما غلبه قال له عبد اللّه بن التامر انک و اللّه لا تقدر علی قتلی حتی توحد اللّه فتؤمن بما آمنت به فانک ان فعلت ذلک سلطت علیّ فتقتلنی قال فوحد اللّه ذلک الملک و شهد شهادة عبد اللّه بن التامر ثم ضربه بعصا فی یده فشجه شجة غیر کبیرة فقتله و هلک الملک مکانه و استجمع أهل نجران علی دین عبد اللّه بن التامر و کان علی ما جاء به عیسی من الانجیل و حکمه ثم أصابهم ما أصاب أهل دینهم من الاحداث فمن هنالک کان أصل النصرانیة بنجران* قال ابن اسحاق فهذا حدیث محمد بن کعب القرظی و بعض أهل نجران عن عبد اللّه بن التامر و اللّه أعلم*

نادرة

قال ابن اسحاق حدّثنی عبد اللّه بن أبی بکر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حدث أن رجلا من أهل نجران فی زمان عمر بن الخطاب حفر خربة من خراب نجران لبعض حاجته فوجدوا عبد اللّه بن التامر تحت دفن منها قاعدا واضعا یده علی ضربة فی رأسه ممسکا علیها بیده فاذا أخرت یده عنها تشعبت دما و اذا أرسلت یده ردّها علیها فأمسک دمها فی یده خاتم مکتوب فیه ربی اللّه فکتب الی عمر بن الخطاب یخبره بأمره فکتب إلیهم عمر أن أقرّوه علی حاله و ردّوا علیه الدفن الذی کان علیه ففعلوا* و فی أنوار التنزیل روی أن ملکا کان له ساحر فلما کبر ضم إلیه غلاما لیعلمه السحر و کان فی طریق الغلام راهب فسمع منه و مال قلبه إلیه فرأی فی طریقه ذات یوم حیة قد حبست الناس فأخذ حجرا و قال اللهم ان کان الراهب أحب إلیک من الساحر فاقتلها فقتلها و کان الغلام بعد ذلک یبرئ الاکمه و الابرص و یشفی من الادواء و عمی جلیس للملک فأبرأه فسأله الملک عمن أبرأه فقال ربی فغضب و عذبه فدلّ علی الغلام فعذبه فدلّ علی الراهب فلم یرجع الراهب عن دینه فقدّ بالمنشار فأتی بالغلام فأرسل الی جبل لیطرح من ذروته فدعا فرجف بالقوم فهلکوا و نجا و أجلسه فی سفینة لیغرق و عبارة المدارک فذهبوا به الی قرقور فلججوا به لیغرقوه فدعا فانکفأت السفینة بمن معه فغرقوا فنجا فقال للملک لست بقاتلی حتی تجمع الناس فی صعید واحد و تصلبنی علی جذع و تأخذ سهما من کنانتی و تقول بسم اللّه رب الغلام ثم ترمینی به فرماه فوقع فی صدغه فوضع یده علیه فمات فقال الناس آمنا برب الغلام فقیل للملک نزل بک ما کنت تحذر فأمر بأخادید أوقدت فیها النیران فمن لم یرجع منهم عن دینه طرحه فیها حتی جاءت امرأة معها صبی فتقاعست فقال الصبی یا أماه اصبری فانک علی الحق فألقی الصبی و أمه فیها* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما تنصر أهل نجران سار إلیهم ذو نواس الیهودی فدعاهم الی الیهودیة و خیرهم بین ذلک و القتل فاختاروا القتل فخدّ لهم الاخدود و حرّقهم بالنار و قتل بالسیف و مثل بهم حتی قتل منهم قریبا من عشرین ألفا ففی ذی نواس و جنده ذلک أنزل اللّه قتل أصحاب الاخدود الی آخر الآیة* قال ابن هشام الاخدود الحفر المستطیل فی الارض کالخندق و الجدول و نحوه و جمعه أخادید* قال ابن اسحاق و أفلت منهم رجل من سبأ یقال له دوس ذو ثعلبان علی فرس له فسلک الرمل فأعجزهم فمضی علی وجهه ذلک حتی أتی قیصر صاحب الروم فاستنصره علی ذی نواس و جنوده و أخبره بما بلغ منهم فقال له بعدت بلادک منا و لکنی أکتب لک الی ملک الحبشة فانه علی هذا الدین و هو أقرب الی بلادک فکتب إلیه یأمره بنصره و الطلب بثاره فقدم دوس علی النجاشی بکتاب قیصر فبعث معه سبعین ألفا من الحبشة و أمّر علیهم رجلا منهم یقال له اریاط و معه فی جنده أبرهة الاشرم فرکب اریاط البحر حتی نزل بساحل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:195
الیمن و معه دوس و سار إلیه ذو نواس فی حمیر و من أطاعه من قبائل الیمن فلما التقوا انهزم ذو نواس و أصحابه فلما رأی ذو نواس ما نزل به و بقومه وجه فرسه فی البحر ثم ضربه فدخل به فخاض به ضحضاح البحر حتی أفضی به الی غمره فأدخله فیه فکان آخر العهد به و دخل اریاط الیمن فلکها* قال ابن اسحاق فأقام اریاط بالیمن ستین فی سلطانه ذلک ثم نازعه فی أمر الحبشة بالیمن أبرهة الحبشی حتی تفرّقت الحبشة علیهما فانحاز الی کل واحد منهما طائفة منهم ثم سار أحدهما الی الآخر فلما تقارب الناس أرسل أبرهة الی اریاط انک لا تصنع أن تلقی الحبشة بعضها ببعض حتی تفنیها شیئا بعد شی‌ء فابرز الیّ و أبرز إلیک فأینا أصاب صاحبه انصرف إلیه جنده فأرسل إلیه اریاط أنصفت فخرج إلیه أبرهة و کان رجلا لحیما قصیرا و کان ذا دین فی النصرانیة و خرج إلیه اریاط و کان رجلا جمیلا طویلا و فی یده حربة له و خلف أبرهة غلام له یقال له عتودة و یروی بعضهم عیودة بالیاء یمنع ظهره فرفع اریاط الحربة فضرب بها أبرهة یرید بها نافوخه فوقعت الحربة علی جبهة أبرهة فشرمت حاجبه و انفه و عینه و شفته فبذلک سمی أبرهة الاشرم و حمل عتودة علی اریاط من خلف أبرهة فقتله و انصرف جند اریاط الی أبرهة فاجتمعت علیه الحبشة بالیمن و ودی أبرهة اریاط فلما بلغ ذلک النجاشی غضب غضبا شدیدا و قال عدا علی أمیری فقتله من غیر أمری ثم حلف لا یدع أبرهة حتی یطأ بلاده و یجز ناصیته فحلق أبرهة رأسه و ملأ جرابا من تراب الیمن ثم بعث به الی النجاشی ثم کتب إلیه أیها الملک انما کان اریاط عبدک و أنا عبدک اختلفنا فی أمرک و کل طاعته لک الا أنی کنت أقوی علی أمر الحبشة و أضبط لها و أسوس منه و قد حلقت رأسی کله حین بلغنی قسم الملک و بعثت إلیه بجراب من تراب أرضی لیضعه تحت قدمیه فتبرّ قسمه فیّ فلما انتهی ذلک الی النجاشی رضی عنه و کتب إلیه أن اثبت بأرض الیمن حتی یأتیک أمری و أقام أبرهة بالیمن* و فی تفسیر أبی اللیث السمرقندی فقال أبرهة لعتودة حین قتل اریاط یا عتودة احکم یعنی احکم علیّ بما شئت قال عتودة حکمی أن لا یدخل عروس من بیت أهل الیمن علی زوجها حتی أصیبها قبله قال ذلک لک فقام أبرهة بالیمن و غلامه عتودة یصنع بالیمن ما کان أعطاه من حکمه حینا ثم عدا علیه رجل من حمیر أو من خثعم فقتله فلما بلغ أبرهة قتله و کان رجلا حلیما و رعا فی دینه من النصرانیة فقال قد آن لکم یا أهل الیمن أن یکون منکم رجل حازم یأنف مما یأنف منه الرجال انی و اللّه لو علمت حین حکمته أنه یسأل الذی سأل ما حکمته و أیم اللّه لا یؤخذ منکم فیه عقل و لا قود ثم بنی القلیس بصنعاء کما ذکرنا و اللّه أعلم‌

* (الرکن الاوّل فی الحوادث من عام ولادته الی زمان نبوّته‌

اشارة

و فیه ثلاثة أبواب‌

الباب الاوّل فی الحوادث من عام ولادته الی السنة الحادیة عشر من تاریخ ولادته‌

اشارة

و فیه ذکر خالد بن سنان و حنظلة بن صفوان و ما وقع لیلة میلاده و ما وقع حین الولادة و ذکر الختان و ذکر أسمائه و القابه و کناه و شمائله و صفاته و خصائصه و معجزاته و ارضاع الاظآر و عددها و ما وقع عند حلیمة من شق الصدر و غیره و ولادة أبی بکر و ردّ حلیمة الی أمه و فقده فی الطریق و وفاة أمه و کفالة عبد المطلب و حدیث سیف بن ذی یزن و رمده و استسقاء عبد المطلب و ذکر سلیمان و بلقیس و وفاة عبد المطلب و کفالة أبی طالب و موت حاتم الطائی و موت کسری أنوشروان و ولایة ابنه هرمز و خروج أبی طالب به الی الشام و حرب الفجار الاوّل و شق الصدر علی قول)*

* (ذکر تاریخ ولادته)

فی المواهب اللدنیة اختلف فی عام ولادته صلّی اللّه علیه و سلم فالاکثرون علی أنه عام الفیل و به قال ابن عباس* و من العلماء من حکی الاتفاق علیه و قال و کل قول یخالفه فهو و هم و قال ابن الجوزی فی الصفوة اتفقوا علی أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ولد بمکة یوم الاثنین فی شهر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:196
ربیع الاوّل عام الفیل و بعد ما اتفقوا علی أن ولادته کانت فی عام الفیل اختلفوا فیما مضی من ذلک العام ففی المنتقی قال ابن عباس ولد یوم الفیل و کان قدوم الفیل یوم الاحد لخمس خلون من المحرّم کذا فی سیرة مغلطای و هلاک أصحابه لثلاث عشرة لیلة بقیت من المحرم و کان أوّل المحرم تلک السنة یوم الجمعة و ذلک فی عهد کسری أنوشروان بن قباد بن فیروز بن یزدجرد بن بهرام جور لمضیّ اثنتین و أربعین سنة و فی أسد الغابة لاربعین سنة من ملکه و عاش کسری بعد مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سبع سنین و ثمانیة أشهر و کان ملکه سبعا أو ثمانیا و أربعین سنة و ثمانیة أشهر کذا قاله ابن الاثیر و فی المنتقی کانت وفاة عبد المطلب فی ملک هرمز بن أنوشروان و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ کان ابن ثمان سنین و قیل غیر ذلک و فی شواهد النبوّة عاش کسری أنوشروان بعد مولده صلّی اللّه علیه و سلم اثنتین و عشرین سنة و اللّه أعلم و فی المواهب الدنیة المشهور أنه ولد بعد الفیل بخمسین یوما و إلیه ذهب السهیلی فی جماعة و فی المنتقی أیضا قال بعضهم ولد بعد الفیل بخمسین یوما و کان بین الفیل و الفجار عشرون سنة و کان بین بنیان الکعبة و الفجار خمس عشرة سنة و فی المواهب اللدنیة و قیل بعده بخمسة و خمسین یوما حکاه الدمیاطی فی آخرین و فی المنتقی عن أبی جعفر محمد بن علی قال ولد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم الاثنین لعشر خلون من ربیع الاوّل و کان قدوم الفیل للنصف من المحرم فبین الفیل و بین مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خمس و خمسون لیلة* و فی المواهب اللدنیة و قیل بعده بشهر و قیل بأربعین یوما و قیل بشهرین و عشرة أیام و قیل بعشرین سنة و قیل بثلاثین سنة و قیل بأربعین سنة و قیل بسبعین سنة و قیل غیر ذلک کذا فی مورد اللطافة* و فی سیرة مغلطای و قیل بخمسین یوما و قیل بشهرین و ستة أیام و قیل لثنتی عشرة لیلة خلت من رمضان سنة ثلاث و عشرین من غزوة أصحاب الفیل و قیل بعد الفیل بعشر سنین و یروی هذا القول عن الزهری و لا یصح و قیل قبل الفیل بخمس عشرة سنة و قیل غیر ذلک و المشهور أنه بعد الفیل لان قصة الفیل کانت توطئة و ارهاصا لنبوّته و تقدمة و أساسا لظهور بعثته و الا فاصحاب الفیل کما قاله ابن القیم کانوا نصاری أهل کتاب و کان دینهم خیرا من دین أهل مکة اذ ذاک لانهم کانوا عبدة الاوثان فنصرهم اللّه علی أهل الکتاب نصرا لا صنع للبشر فیه ارهاصا و تقدمة للنبیّ الذی خرج من مکة و تعظیما للبلد الحرام و اختلف أیضا فی الشهر الذی ولد فیه و المشهور أنه ولد فی شهر ربیع الاوّل و هو قول جمهور العلماء و نقل ابن الجوزی الاتفاق علیه کما مر و فیه نظر فقد قیل ولد یوم عاشوراء و قیل فی صفر و قیل فی ربیع الآخر و قیل فی رجب و قیل فی رمضان و روی عن ابن عمر باسناد لا یصح و هو موافق لمن قال ان آمنة حملت به فی أیام التشریق و أغرب من قال ولد یوم عاشوراء و کذا اختلف أیضا فی أیّ یوم من الشهر ولد فقیل انه غیر معین و انما ولد یوم الاثنین من ربیع الاوّل من غیر تعیین و الجمهور علی أنه یوم معین منه فقیل للیلتین خلتا منه و قیل لثمان خلت منه قال الشیخ قطب الدین القسطلانی و هو اختیار أکثر أهل الحدیث و نقله عن ابن عباس و جبیر بن مطعم و هو اختیار أکثر من له معرفة بهذا الشأن و اختاره الحمیدی و شیخه ابن حزم و حکی القضاعی فی عیون المعارف اجماع أهل الزیج علیه و رواه الزهری عن محمد بن جبیر بن مطعم و کان عارفا بالنسب و أیام العرب أخذ ذلک عن أبیه جبیر و قیل لعشر و قیل لاثنتی عشرة لیلة و علیه عمل أهل مکة فی زیارتهم موضع مولده فی هذا الوقت و قیل لسبع عشرة و قیل لثمان بقین منه و قیل ان هذین القولین غیر صحیحین عمن حکیا عنه بالکلیة و المشهور أنه ولد فی ثانی عشر ربیع الاوّل و هو قول ابن اسحاق و غیره و انما کان فی شهر ربیع الاوّل علی الصحیح و لم یکن
فی المحرم و لا فی رجب و لا فی رمضان و لا فی غیرها من الاشهر ذوات الشرف لانه صلّی اللّه علیه و سلم لا یتشرّف بالزمان و انما الزمان یتشرّف به کالا ما کن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:197
فلو ولد فی شهر من الشهور المذکورة لتوهم أنه تشرّف بها فجعل اللّه مولده فی غیرها لیظهر عنایته به و کرامته علیه و اذا کان یوم الجمعة الذی خلق اللّه فیه آدم علیه السلام خص بساعة لا یصادفها عبد مسلم یسأل اللّه خیرا الا أعطاه ایاه فما ظنک بالساعة التی ولد فیها سید المرسلین و لم یجعل اللّه تعالی فی یوم الاثنین یوم مولده علیه السلام من التکلیف بالعبادات ما جعل فی یوم الجمعة المخلوق فیه آدم من الجمعة و الخطبة و غیر ذلک اکراما لنبیه صلّی اللّه علیه و سلم بالتخفیف عن أمته بسبب عنایته وجوده قال اللّه تعالی و ما أرسلناک الا رحمة للعالمین و من جملة ذلک عدم التکلیف* و اختلف أیضا فی الوقت الذی ولد فیه و المشهور أنه یوم الاثنین فعن قتادة الانصاری انه صلّی اللّه علیه و سلم سئل عن صیام الاثنین قال ذلک یوم ولدت فیه و أنزل علیّ فیه النبوّة رواه مسلم و هذا یدل علی أنه صلّی اللّه علیه و سلم ولد نهارا*

ذکر یوم ولادته‌

و فی المسند عن ابن عباس قال ولد صلّی اللّه علیه و سلم یوم الاثنین و استنبئ یوم الاثنین و خرج مهاجرا من مکة الی المدینة یوم الاثنین و دخل المدینة یوم الاثنین و رفع الحجر یوم الاثنین و قبض یوم الاثنین انتهی و کذا فتح مکة و نزول سورة المائدة یوم الاثنین* و قد روی ولد عند طلوع الفجر فعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال کان بمرّ الظهران راهب من أهل الشام یسمی عیصی و کان یقول یوشک أن یولد منکم یا أهل مکة مولود تدین له العرب و یملک العجم هذا زمانه فکان لا یولد مولود بمکة الا یسأل عنه فلما کان صبیحة الیوم الذی ولد فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خرج عبد المطلب حتی أتی عیصی فناداه فأشرف علیه فقال له عیصی کن أباه فقد ولد ذلک المولود الذی کنت أحدّثکم عنه یوم الاثنین و یبعث یوم الاثنین و یموت یوم الاثنین قال ولد لی اللیلة مع الصبح مولود قال فما سمیته قال محمدا قال و اللّه لقد کنت أشتهی أن یکون هذا المولود فیکم أهل هذا البیت بثلاث خصال نعرفه فقد أتی علیهنّ منها أنه طلع نجمه البارحة و انه ولد الیوم و ان اسمه محمد رواه جعفر بن أبی شیبة و خرّجه أبو نعیم فی الدلائل بسند فیه ضعف و قیل کان وضعه صلّی اللّه علیه و سلم عند طلوع الغفر من منازل القمر و هی ثلاثة أنجم صغار ینزلها القمر و هو مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و وافق ذلک من الشهور الشمسیة نیسان و هو برج الحمل و کان لعشرین درجة مضت منه*

ذکر طالع ولادته‌

و فی روضة الاحباب نقل عن أبی معشر البلخی و هو من مهرة علماء النجوم أنه استخرج طالع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عشرین درجة من الجدی حین کان زحل و المشتری فی ثلاث درج من العقرب مقترنین فی درجة وسط السماء و المرّیخ فی بیته فی الحمل و الشمس أیضا فی الحمل فی الشرف و الزهرة فی الحوت فی الشرف و عطارد أیضا فی الحوت و القمر فی أوّل المیزان و الرأس فی الجوزاء فی الشرف و الذنب فی القوس فی الشرف فی بیت الاعداد* و فی المواهب اللدنیة و قیل ولد لیلا فعن عائشة کان بمکة یهودی یتجر فیها و لما کانت اللیلة التی ولد فیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال یا معشر قریش هل ولد فیکم اللیلة مولود قالوا لا نعلمه قال انظروا یا معشر قریش و أحصوا ما أقول لکم ولد اللیلة بنی هذه الامة الاخیرة بین کتفیه علامة فیها شعرات متواترات کأنهنّ عرف فرس* و فی شواهد النبوّة و لا یشرب اللبن لیلتین متتابعتین لان عفریتا من الجنّ یجعل اصبعه فی فیه فیمنعه من شرب اللبن فتصدّع القوم من مجالسهم و هم یتعجبون من حدیثه فلما صاروا فی منازلهم ذکروه لاهالیهم فقیل لبعضهم ولد لعبد اللّه بن عبد المطلب اللیلة غلام سماه محمدا فأتوا الیهودی فی منزله فقالوا له أعلمت أنه ولد فینا مولود فقالوا اذهبوا بنا إلیه فخرجوا بالیهودی حتی أدخلوه علی أمه فقالوا أخرجی لنا ابنک فأخرجته و کشفوا عن ظهره فرأی تلک السامة فوقع الیهودی مغشیا علیه فلما أفاق قالوا مالک ویلک قال ذهبت و اللّه النبوّة من بنی اسرائیل رواه الحاکم و زاد فی المنتقی و خرج الکتاب من أیدیهم و هذا مکتوب بقتلهم و تدمیر أخیارهم فازت العرب بالنبوّة أ فرحتم یا معشر قریش أما و اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:198
لیسطونّ بکم سطوة یخرج نبؤها من المشرق الی المغرب* قال الشیخ الزرکشی و الصحیح ان ولادته صلّی اللّه علیه و سلم کانت نهارا قال و أما ما روی من تدلی النجوم فضعفه ابن دحیة لاقتضائه أن الولادة کانت لیلا قال و هذا لا یصح أن یکون تعلیلا فان زمان النبوّة صالح للخوارق و یجوز أن تسقط النجوم نهارا انتهی فاذا قلنا أنه صلّی اللّه علیه و سلم ولد لیلا فلیلة مولده أفضل من لیلة القدر من وجوه ثلاثة* أحدها أن لیلة المولد لیلة ظهوره صلّی اللّه علیه و سلم و لیلة القدر معطاة له و ما شرف بظهور ذات المشرف من أجله أشرف مما شرف بسبب ما أعطیه و لا نزاع فی ذلک فکانت لیلة المولد بهذا الاعتبار أفضل* الثانی ان لیلة القدر تشرفت بنزول الملائکة فیها و لیلة مولده تشرفت بظهوره فیها صلّی اللّه علیه و سلم و من تشرّفت به لیلة المولد أفضل ممن تشرّفت به لیلة القدر علی الاصح المرتضی فتکون لیلة المولد أفضل* و الثالث ان لیلة القدر وقع فیها التفضل علی أمة محمد صلّی اللّه علیه و سلم و لیلة المولد الشریف وقع التفضل فیها علی جمیع الموجودات فهو الذی بعثه اللّه رحمة للعالمین فعمت به النعمة علی جمیع الخلائق فکانت لیلة المولد أعمّ نفعا فکانت أفضل فسبحان من جعل مولده للقلوب ربیعا و حسنه بدیعا
شعر
یقول لنا لسان الحال منه‌و قول الحق یعذب للسمیع
فوجهی و الزمان و شهر وضعی‌ربیع فی ربیع فی ربیع

مکان ولادته‌

و اختلف أیضا فی مکان ولادته صلّی اللّه علیه و سلم قیل ولد بمکة فی الدار التی کانت لمحمد بن یوسف الثقفی أخی الحجاج و یقال بالشعب و یقال بالردم و یقال بعسفان کذا فی المواهب اللدنیة و سیرة مغلطای و قال فی غیره و تلک الدار فی زقاق بمکة معروف بزقاق المولد فی شعب مشهور بشعب بنی هاشم من الطرف الشرقی لمکة تزار و یتبرک بها الی الآن و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ورث تلک الدار فوهبها لعقیل بن أبی طالب زمن الهجرة فلم تزل فی ید عقیل حتی توفی و بعد وفاته باعها أولاده من محمد ابن یوسف الثقفی أخی الحجاج بن یوسف و أدخل ذلک البیت أی مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی داره التی یقال لها البیضاء و لم تزل کذلک حتی حجت خیزران جاریة المهدی أم هارون الرشید فأفرزت ذلک البیت عن تلک الدار و جعلته مسجدا یصلی فیه*

بیان التواریخ‌

قال صاحب جامع الاصول و غیره حین ولد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کان قد مضی من وفاة الاسکندر الرومی ثمانمائة و اثنتان و ثمانون سنة و فی المنتقی بین مولد نبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم و بین آدم مدّة مختلف فیها فعلی ما روی الواقدی أربعة آلاف و ستمائة سنة و قال قوم ستة آلاف سنة و مائة و ثلاث عشرة سنة* و فی روایة أبی صالح عن ابن عباس خمسة آلاف و خمسمائة سنة* قال مؤلف المنتقی شاهدت فی کتب التفاسیر ان من آدم الی نوح ألف سنة و قیل ألفا سنة و من نوح الی ابراهیم ألفا سنة و ستمائة و أربعون سنة کما ذکره فی الکشاف و من ابراهیم الی موسی ألف سنة و من موسی الی عیسی ألفا سنة و من عیسی الی نبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم خمسمائة و ستون سنة أو ستمائة سنة فتکون الجملة ثمانیة آلاف و مائتین و أربعین سنة* و نقل ابن الجوزی فی التلقیح عن ابن عباس و محمد بن اسحاق انه کانت من زمان عیسی الی مولد نبینا علیهما السلام ستمائة سنة و فی روایة خمسمائة و ثمان و سبعون سنة مما رفع عیسی الی السماء و نقل ان ذلک بعد هبوط آدم بستة آلاف و ثلاث و أربعین سنة* و فی شواهد النبوّة من مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی زمن عیسی ستمائة و عشرون سنة و من عیسی الی داود ألف و مائتا سنة و من داود الی موسی خمسمائة سنة و من موسی الی ابراهیم سبعمائة و سبعون سنة و من ابراهیم الی نوح ألف و أربعمائة و عشرون سنة و من الطوفان الی آدم ألف و مائتان و أربعون سنة فالجملة ستة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:199
آلاف و سبعمائة و خمس و ستون سنة* و فی صحیح البخاری عن سلمان أنه قال فترة ما بین عیسی و محمد صلی اللّه علیه و سلم ستمائة سنة و من عیسی الی موسی ألفا سنة و من موسی الی ابراهیم ألف سنة و من ابراهیم الی نوح ألفا سنة و ستمائة و أربعون سنة و من نوح الی آدم ألف سنة و قیل ألفا سنة و فی أنوار التنزیل ان بین عیسی و موسی ألفا سنة و سبعمائة سنة و ألف نبی* و فی المشکاة عن أبی هریرة أنه قال لیس بین عیسی و بین نبینا صلّی اللّه علیه و سلم نبی و فی الکشاف و أنوار التنزیل الفترة بین عیسی و محمد علیهما السلام ستمائة أو خمسمائة و تسع و ستون سنة و أربعة أنبیاء ثلاثة من بنی اسرائیل و واحد من العرب خالد بن سنان العبسی فکان ارسال نبینا صلّی اللّه علیه و سلم علی فترة حین انطمست آثار الوحی* و فی حیاة الحیوان و کان حنظلة بن صفوان فی زمن الفترة بین عیسی و محمد علیهما السلام‌

* (ذکر خالد بن سنان العبسی و حنظلة بن صفوان)

فأما خالد بن سنان فروی أنه کان فی عهد کسری أنوشروان و کان یدعو الناس الی دین عیسی و کان بأرض بنی عبس و أطفأ النار التی کانت تخرج من بئر هناک و تحرق من لقیته من عابری سبیل أو غیرهم* و فی المختصر خالد بن سنان العبسی کان نبیا من ولد اسماعیل و کان بعد المسیح بثلاثمائة سنة و هی الفترة* روی عن ابن عباس أنه قال ظهرت نار بالبادیة بین مکة و المدینة فی الفترة فسمتها العرب بد او کادت طائفة منهم أن تعبدها مضاهاة للمجوس و فی الکامل لابن الاثیر کان فی الفترة خالد بن سنان العبسی قیل کان نبیا و من معجزاته ان نارا ظهرت بأرض العرب فافتتنوا بها و کادوا یتمجسون فأخذ خالد عصاه و دخلها حتی توسطها ففرّقها و هو یقول بدا بدا کل هدی مؤدّی الی اللّه الاعلی لأدخلنها و هی تلظی و لاخرجنّ منها و ثیابی تندی ثم انها طفئت و هو فی وسطها* و فی الوفاء روی ابن أبی شیبة فی خبر من طرق ملخصة انه کان بأرض الحجاز نار یقال لها نار الحدثان فی حرّة بأرض بنی عبس تعشی الابل بضوئها من مسیرة ثمان لیال و ربما خرج منها العنق و ذهب فی الارض فلا یبقی شیئا الا أکله ثم یرجع حتی یعود الی مکانه و ان اللّه تعالی أرسل إلیها خالد بن سنان فقال لقومه یا قوم ان اللّه أمرنی أن أطفئ هذه النار التی قد أضرت بکم فلیقم معی من کل بطن رجل فخرج بهم حتی انتهی الی النار فخط علیهم خطا ثم قال ایاکم أن یخرج أحد منکم من هذا الخط فیحترق و لا ینوّهنّ باسمی فأهلک و جعل یضرب النار و یقول بدا بدا کل هدی للّه مؤدّی حتی عادت من حیث جاءت و خرج یتبعها حتی ألجأها فی بئر فی وسط الحرة منها تخرج النار فانحدر فیها خالد و فی یده درة فاذا هو بکلاب تحتها فرضهنّ بالحجارة و ضرب النار حتی أطفأها اللّه علی یده و معهم ابن عم لهم فجعل یقول هلک خالد فخرج و علیه بردان ینطفان من العرق و هو یقول کذب ابن راعیة المعزی لأخرجنّ منها و ثیابی تندی فسمی بنو ذلک الرجل ببنی راعیة المعزی الی الیوم* و فی روایة ان قومه سالت علیهم نار من حرة النار فی ناحیة خیبر و الناس فی وسطها و هی تأتی من ناحیتین جمیعا فحافها الناس خوفا شدیدا* و فی روایة تخرج من شعب فی شق جبل من حرّة یقال لها حرة أشجع فقال لهم خالد بن سنان ابعثوا معی انسانا حتی أطفئها من أصلها فخرج معه راعی غنم هو ابن راعیة المعزی حتی جاء غارا تخرج منه النار* و فی روایة انها کانت تخرج من بئر ثم قال خالد أمسک ثوبی ثم دخل فی الغار و فی روایة انطلق فی ناس من قومه حتی أتاها و قال لهم ان أبطأت عنکم فلا تدعونی باسمی فخرجت کأنها خیل شقر یتبع بعضها بعضا فاستقبلها خالد فجعل یضربها بعصاه و هو یقول هدیا هدیا کل بهنّ مؤدّی زعم ابن راعیة المعزی انی لا أخرج منها و ثیابی تندی حتی دخل معها الشعب فأبطأ علیهم فقال بعضهم لو کان حیا لخرج إلیکم فقالوا انه قد نهانا أن ندعوه باسمه قالوا ادعوه باسمه فو اللّه لو کان حیا لخرج إلیکم بعد فدعوه باسمه فخرج و هو آخذ برأسه فقال أ لم أنهکم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:200
أن تدعونی باسمی فقد و اللّه قتلتمونی احملونی ادفنونی فاذا مرّت بکم حمر معها حمار أبتر* و فی روایة فاذا دفنتمونی فأتی علیّ ثلاثة أیام و فی روایة حول فأتوا قبری فارصدوه فاذا عرضت لکم عانة من حمر وحش و بین یدیها عیر فانبشونی و فی روایة فارموه و اذبحوا علی قبری ثم انبشوا قبری* و فی الکامل یقدمها غیر أبتر فیضرب قبری بحافره فاذا رأیتم ذلک فانبشوا قبری فانی أقوم فأخبرکم بجمیع ما هو کائن الی یوم القیامة فلما مات دفنوه فأتوا القبر بعد ثلاثة أیام و سخت لهم الحمر قال فرموه و ذبحوا علی قبره و أرادوا نبشه فمنعهم قوم من أهل بیته و قالوا لا ندعکم تنبشون صاحبنا فنعیر بذلک و ندعی بنی المنبوش و فی روایة فتکون سنة علینا فترکوه و فی روایة لابن القعقاع بن خلید العبسی عن أبیه عن جدّه قال بعث اللّه خالد بن سنان نبیا الی بنی عبس فدعاهم الی اللّه فکذبوه فقال قیس بن زهیر ان دعوت فأسلت علینا هذه الحرّة نارا اتبعناک فانک انما تخوّفنا بالنار و ان لم تسل نارا کذبناک قال فذلک بینی و بینکم قالوا نعم قال فتوضا ثم قال اللهمّ انّ قومی کذبونی و لم یؤمنوا برسالتی الا أن تسیل علیهم هذه الحرّة نارا فأسلها علیهم نارا قال فطلع مثل رأس الحریش ثم عظمت حتی عرضت أکثر من میل فسالت علیهم فقالوا یا خالد ارددها فانا مؤمنون بک فتناول عصا ثم استقبلها بعد ثلاث لیال فدخل فیها فضربها بالعصا فلم یزل یضربها حتی رجعت فقال فرأیتنا نعشی الابل علی ضوئها ضلعا الربذة و بین ذلک ثلاث لیال* روی ان خالدا کان اذا أراد أن یستسقی یدخل رأسه فی جیبه فتمطر و لا یمسک المطر حتی یرفعه کذا فی الوفاء*

ذکر حنظلة بن صفوان‌

و أما حنظلة بن صفوان فقیل بعثه اللّه الی أصحاب الرس و هم قوم ابتلاهم اللّه بطیر عظیم لها عنق طویل من أحسن الطیر کان فیها من کل لون و سموها عنقاء لطول عنقها و کانت تسکن جبلهم الذی یقال له فتح أو دمخ مصعده فی السماء میل و کانت تنقض علی صبیانهم فتخطفهم اذا أعوزها الصید و یقال لها عنقاء مغرب لانها تغرب بکل ما اختطفته و انقضت علی جاریة قد ترعرعت و ضمتها الی جناحین لها صغیرین غیر جناحیها الکبیرین ثم ذهبت بها فضربتها العرب مثلا فقالوا طارت به العنقاء فشکوا الی نبیهم حنظلة بن صفوان فدعا علیها فأصابتها الصاعقة فأهلکتها ثم انهم قتلوا حنظلة فأهلکوا و قیل أصحاب الرس قوم کانوا یعبدون الاصنام فبعث اللّه إلیهم شعیبا فکذبوه فبینما هم حول الرس و هی البئر غیر المطویة فانهارت فخسف بهم و بدیارهم و قیل الرس قریة بفلج الیمامة کان فیها بقایا ثمود فبعث اللّه إلیهم نبیا فقتلوه فهلکوا و قیل الاخدود و قیل بئر بانطاکیة فقتلوا فیها حبیبا البحار و قیل قوم کذبوا بینهم و رسوه أی دسوه فی بئر ذکره فی أنوار التنزیل ببعض تغییر و فی العمدة الرس بئر بأذربیجان* و فی المختصر حنظلة بن صفوان کان نبیا بعد خالد بن سنان بمائة سنة و یقال انه من ولد اسماعیل و أرسل الی قبیلتین یقال لاحداهما قدمان و للاخری رعویل فأرسله اللّه إلیهم فعصوه و قتلوه و أنزل اللّه فیهم فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها یرکضون الآیة*

(ذکر ما وقع لیلة میلاده علیه السلام)

* فی لیلة میلاده صلّی اللّه علیه و سلم صارت الشیاطین و کبیرهم ابلیس محجوبة من السماء مرمیة بالشهب الثواقب و کانت قبل تصعد فتسترق السمع قال الشیخ الزرندی فی کتاب الاعلام کان من أعظم الحوادث عند مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انشقاق ایوان کسری ثم بقاؤه کذلک الی زماننا سنة ست و أربعین و سبعمائة ثم اللّه أعلم الی أیّ زمان یبقی* روی مخزوم بن هانئ المخزومی عن أبیه و کانت له مائة و خمسون سنة قال لما ولد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ارتجس ایوان کسری أنوشروان فسقطت منه أربع عشرة شرفة و کانت له اثنتان و عشرون شرفة و انشق بحیث سمع صوته و بقی کذلک آیة و خمدت نار فارس و لم تخمد قبل ذلک بألف سنة و غاضت بحیرة ساوة و هی بین همدان و قم و کانت أکثر من ستة فراسخ فی الطول و العرض و کانت یعبر عنها بالسفینة و بقیت کذلک ناشفة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:201
یابسة علی هؤلاء القوم حتی بنیت موضعها مدینة ساوة الباقیة الیوم و رأی الموبدان کأنّ إبلا صعابا تقود خیلا عرابا حتی عبرت دجلة و انتشرت فی بلاد فارس فلما أصبح تجلد کسری و جلس علی سریر ملکه و لبس تاجه و أرسل الی موبدان فقال یا موبدان انه سقط من ایوانی أربع عشرة شرفة و خمدت نار فارس و لم تحمد قبل الیوم بألف سنة فقال الموبذان و أنا أیها الملک قد رأیت کانّ ابلا صعابا تقود خیلا عرابا حتی عبرت دجلة و انتشرت فی بلاد فارس قال فما تری ذلک یا موبذان و کان موبذان أعلمهم قال حدث یکون من جانب العرب* فکتب حینئذ من کسری ملک الملوک الی النعمان بن المنذر أن ابعث الیّ رجلا من العرب یخبرنی عما أسأله عنه فبعث إلیه عبد المسیح بن حیان بن عمرو الغسانی قیل کان له من العمر قریب من أربعمائة سنة فقال له کسری یا عبد المسیح هل عندک علم بما أرید أن أسألک عنه فقال یسألنی الملک فان کان عندی منه علم أعلمته و الا فأعلمته بمن علمه عنده فأخبره به فقال علمه عند خال لی یسکن مشارف الشام یقال له سطیح* و فی سیرة ابن هشام اسم سطیح ربیع بن ربیعة بن مازن ابن مسعود بن ذئب بن عدی بن مازن بن غسان روی أن سطیحا الغسانی کاهن بنی ذئب کان کاهنا لم یکن مثله من بنی آدم و کان مخلوقا عجیبا* و فی کتاب الحسنی عن ابن عباس ان اللّه خلق سطیحا الغسانی کلحم علی و ضم لیس له عظم و لا عصب الا الجمجمة و الکفین و لم یتحرّک منه الا اللسان قیل لکونه مخلوقا من ماء امرأتین و لم یقدر علی القیام و القعود الا انه وقت غضبه یمتلئ من الریح فیجلس و کان وجهه فی صدره لم یکن له رأس و عنق و قد عمل له سریر من السعف و الجرید و الخوص فاذا أرید نقله الی مکان یطوی من رجلیه الی ترقوته کما یطوی الثوب فیوضع علی ذلک السریر فیذهب به الی حیث یشاء و اذا أرید تکهنه و اخباره عن المغیبات یحرّک کما یحرّک و طب المخیض فینتفخ و یمتلئ و یعلوه النفس فیخبر عن المغیبات و کان یسکن الجابیة و هی مدینة من مشارف الشام* و فی حیاة الحیوان روی انه ولد شق و سطیح فی الیوم الذی ماتت فیه ظریفة الکاهنة امرأة عمرو بن عامر و دعت بسطیح قبل أن تموت فتفلت فی فیه و أخبرت انه سیخلفها فی علمها و کهانتها و دعت بشق ففعلت به مثل ذلک ثم ماتت و قبرها بالجحفة* و فی سیرة ابن هشام شق بن صعب بن یشکر بن رهم بن أفرک بن قسر بن عبقر بن انمار ابن نزار و انمار أبو بجیلة و خثعم و کان شق شق انسان له ید واحدة و رجل واحدة و عین واحدة ذکر أن أبا الفرج بن خالد بن عبد اللّه القشیری کان من ولد شق هذا قیل کانت ولادة سطیح فی أیام سیل العرم و خرج من المأرب مع رهط من الازد فی أیام تفرق الناس منها و عاش الی زمان ولادة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فکان له من العمر قریب من ستمائة سنة و فیه نظر* روی عن وهب بن منبه سئل سطیح من أین لک علم الکهانة قال ان لی قرینا من الجنّ کان قد استمع أخبار السماء فی زمان کلم اللّه موسی فی الطور فیقول لی من ذلک أشیاء و أنا أقولها للناس انتهی* قال کسری لعبد المسیح اذهب إلیه فاسأله و أخبرنی بما یخبرک به فخرج عبد المسیح حتی قدم علی سطیح و هو مشرف علی الموت فأنشد عبد المسیح رجزا فلما سمعه سطیح رفع رأسه إلیه و قال عبد المسیح من بلد نزیح علی جمل مشیح جاء الی سطیح و قد وافاه علی ضریح بعثک ملک ساسان لارتجاس الایوان و خمود النیران و رؤیا الموبذان رأی ابلا صعابا تقود خیلا عرابا قد قطعت دجلة و انتشرت فی بلاد فارس یا عبد المسیح اذا ظهرت التلاوة و بعث صاحب الهراوة و غاضت بحیرة ساوة و فاض وادی سماوة و خمدت نیران فارس لم یکن بابل للفرس مقاما و لا الشام لسطیح شاما یملک منهم ملوک و ملکات علی عدد الشرفات ثم یکون هنآت و کل ما هو آت آت ثم مات* و فی معجم ما استعجم السماوة بفتح أوّله و تخفیف المیم مفازة بین الکوفة و الشام و قیل بین الموصل و الشام و هی من أرض کلب* و
قال أبو حاتم عن الاصمعی و غیره
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:202
السماوة قلیل العرض طویلة قیل سمیت بذلک لعلوّها و ارتفاعها انتهی فرجع عبد المسیح الی کسری و أخبره بما قال سطیح قال کسری الی أن یملک منا أربعة عشر ملکا کانت أمور قال فملک منهم عشرة فی أربع سنین و ملک الباقون الی زمان خلافة عثمان کذا فی المنتقی* روی أن عبد المسیح هذا هو الذی صالح خالد بن الولید علی الحیرة و کان ذلک المال أوّل مال ورد علی أبی بکر الصدّیق* و فی نظام التواریخ لما ملک کسری أنوشروان عمل بوصایا أردشیر و استوزر بزرجمهر و شاور معه و مع سائر الوزراء فی أمر مزدک الملحد الذی أنشأ مذهب الاباحة و سماه مذهب العدل و رفع العبادة عن الخلق و رخص للناس فی أن یتصرّف بعضهم فی حرم بعض و أموالهم و خدع قباد بن فیروز حتی صار مطواعا له فلما شاور کسری مع الوزراء استقرّ رأیهم علی أن یرفعوه بالمکر و الحیلة فقربه کسری و عزه و علم تفصیل اتباعه بلطائف الحیل و بعث الی نوّابه و أمرهم أن یقتلوا اتباعه یوم المهرجان فأحضروا یوم المهرجان مزدک و أتباعه و قتلهم و قتل کسری بیده مزدک و فی أیامه استمدّه سیف بن ذی یزن من أبناء ملوک حمیر فأمدّه علی مسروق بن ابرهة الذی نزل فی شأن أبیه سورة الفیل و استخلص منهم الیمن و کانت مدّة کسری سبعا و أربعین سنة و أربعة أشهر* و من حوادث لیلة میلاده ما وقع من زیادة حراسة السماء بالشهب و قطع رصد الشیاطین و منعهم من استراق السمع و لقد أحسن السقراطیسی حیث قال
ضاءت لمولده الآفاق و اتصلت‌بشری الهواتف فی الاشراق و الطفل
و صرح کسری تداعی من قواعده‌و انقض منکسر الارجاء ذا میل
و نار فارس لم توقد و ما خمدت‌مذالف عام و نهر القوم لم یسل
خرّت لمبعثه الاوثان و انبعثت‌ثواقب الشهب ترمی الجنّ بالشعل و من حوادث لیلة میلاده صلّی اللّه علیه و سلم ما نقل عن عبد المطلب أنه قال لیلة میلاد محمد کنت فی الطواف فلما مضی نصف اللیل رأیت الکعبة سجدت نحو مقام ابراهیم و سمعت صوت التکبیر اللّه أکبر اللّه أکبر الآن طهرت من أنجاس المشرکین و أرجاس الجاهلیة ثم تساقطت الاصنام و أنا أنظر الی هبل الذی هو أکبر الاصنام فرأیته سقط منکسا علی الحجر و نادی مناد ألا ان آمنة قد ولدت محمدا کذا فی شواهد النبوّة*

(ذکر بعض ما وقع حین الولادة)

* فی المواهب اللدنیة روی عن آمنة أمّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انها قالت کانت ولادتی یوم الاثنین و لما أخذنی ما یأخذ النساء و لم یعلم بی أحد لا ذکر و لا أنثی و انی لوحیدة فی المنزل و عبد المطلب فی طوافه فسمعت وجبة عظیمة و صوت زلزلة شدیدة و أمرا عظیما فأخذنی الرعب و هالنی ثم رأیت کانّ جناح طائر أبیض قد مسح علی فؤادی فذهب عنی الروع و کل وجع کنت أجده ثم التفت و اذا أنا بشربة بیضاء ظننتها لبنا و کنت عطشی فشربتها فاذا هی أحلی من العسل فأضاء منی نور غالب* و فی روایة فأصابنی نور عال ثم رأیت نسوة کالنخل طولا کأنهنّ من بنات عبد مناف یحدقن بی و أنا أتعجب من ذلک و أقول وا غوثاه من این علمن هؤلاء بی و فی غیر هذه الروایة فقلن لی نحن آسیة امرأة فرعون و مریم ابنة عمران و هؤلاء من الحور العین و اشتدّ بی الامر و انا اسمع الوجبة فی کل ساعة اعظم و اهول مما تقدّم فبینا انا کذلک اذا بدیباج ابیض مدّ بین السماء و الارض و اذا بقائل یقول خذاه عن اعین الناس قالت و رأیت رجالا قد وقفوا فی الهواء بأیدیهم اباریق من فضة ثم نظرت فاذا انا بقطعة من طیر قد اقبلت حتی غطت حجرتی مناقرها من الزمرّد و اجنحتها من الیاقوت فکشف اللّه عن بصری فرأیت مشارق الارض و مغاربها و رایت ثلاثة اعلام مضروبات علما بالمشرق و علما بالمغرب و علما علی ظهر الکعبة فأخذنی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:203
المخاض فوضعت محمدا صلّی اللّه علیه و سلم فنظرت إلیه فاذا هو ساجد قد رفع اصبعیه الی السماء کالمتضرّع المبتهل ثم رایت سحابة بیضاء قد أقبلت من السماء حتی غشیته فغیبته عنی فسمعت منادیا ینادی طوفوا به مشارق الارض و مغاربها و أدخلوه البحار لیعرفوه باسمه و نعته و صورته و یعلموا انه سمی فیها الماحی لا یبقی شی‌ء من الشرک الا محی فی زمنه ثم تجلت عنه فی أسرع وقت الحدیث و هو مما تکلم فیه* و روی الخطیب البغدادی بسنده أن آمنة قالت لما وضعته علیه السلام رأیت سحابة بیضاء عظیمة لها نور أسمع فیها صهیل الخیل و خفقان الاجنحة و کلام الرجال حتی غشیته و غیب عنی فسمعت منادیا ینادی طوفوا بمحمد صلّی اللّه علیه و سلم جمیع الارض و اعرضوه علی کل روحانی من الجنّ و الانس و الملائکة و الطیور و الوحوش و أعطوه خلق آدم و معرفة شیث و شجاعة نوح و خلة ابراهیم و لسان اسماعیل و رضا اسحاق و فصاحة صالح و حکمة لوط و بشری یعقوب و شدّة موسی و صبر أیوب و طاعة یونس و جهاد یوشع و صوت داود و حب دانیال و وقار الیاس و عصمة یحیی و زهد عیسی و اغمسوه فی اخلاق النبیین قالت ثم انجلت عنی فاذا به قد قبض علی حریرة خضراء مطویة طیا شدیدا ینبع من تلک الحریرة ماء فاذا قائل یقول بخ بخ قبض محمد صلّی اللّه علیه و سلم علی الدنیا کلها لم یبق خلق من أهلها الا دخل طائعا فی قبضته* قالت ثم نظرت إلیه فاذا به کالقمر لیلة البدر و ریحه یسطع کالمسک الاذفر و اذا بثلاثة نفر فی ید أحدهم ابریق من فضة و فی ید الثانی طست من زمرد أخضر و فی ید الثالث حریرة بیضاء فنشرها فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرین دونه فغسله من ذلک الابریق سبع مرات ثم ختم بین کتفیه بالخاتم و لفه فی الحریر ثم احتمله بین أجنحته ساعة ثم ردّه الیّ رواه أبو نعیم عن ابن عباس و فیه نکارة* و روی الحافظ أبو بکر بن عائذ فی کتاب المولد کما نقله الشیخ بدر الدین الزرکشی فی شرح بردة المدیح عن ابن عباس لما ولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال فی اذنه رضوان خازن الجنان أبشر یا محمد فما بقی لنبیّ علم الا و قد أعطیته فأنت أکثرهم علما و أشجعهم قلبا و روی الطبرانی انه لما وقع الی الارض وقع مقبوضة أصابع یدیه مشیرا بالسبابة کالمسبح بها* و فی شواهد النبوّة روی انه صلّی اللّه علیه و سلم لما وقع علی الارض رفع رأسه و قال بلسان فصیح لا إله الا اللّه و انی رسول اللّه و عن فاطمة بنت عبد اللّه أمّ عثمان بن أبی العاص قالت لما حضرت ولادة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رأیت البیت حین وقع قد امتلأ نورا و رأیت النجوم تدنو حتی ظننت انها ستقع علیّ رواه البیهقی* و أخرج أحمد و البزار و الطبرانی و الحاکم و البیهقی عن العرباض بن ساریة کما ذکر فی اوّل الکتاب ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال انی عبد اللّه و خاتم النبیین و ان آدم لمنجدل فی طینته و سأخبرکم عن ذلک أنا دعوة ابراهیم و بشارة عیسی و رؤیا أمی التی رأت و کذلک أمهات الأنبیاء یرین و ان أمّ رسول اللّه رأت حین وضعته نورا أضاءت له قصور الشام* قال الحافظ ابن حجر صححه ابن حبان و الحاکم و اخرج ابو نعیم عن بردة عن مرضعته فی بنی سعد أن آمنة قالت رأیت کأنه خرج من فرجی شهاب أضاءت له الارض حتی رأیت قصور الشام* و عن همام بن یحیی عن اسحاق بن عبد اللّه ان أمّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت لما ولدته خرج من فرجی نور أضاء له قصور الشام فولدته نظیفا ما به قذر رواه ابن سعد* و اخرج ابو نعیم عن عبد الرحمن بن عوف عن أمه الشفاء قالت لما ولدت آمنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم وقع علی یدی فاستهل فسمعت قائلا یقول رحمک اللّه و أضاءت لی ما بین المشرق و المغرب حتی نظرت الی بعض قصور الروم قالت ثم ألبنته و أضجعته فلم أنشب أن غشیتنی ظلمة و رعب و قشعریرة ثم غیب عنی فسمعت قائلا یقول أین ذهبت به قال الی المشرق قالت فلم یزل الحدیث منی علی بال حتی بعثه اللّه فکنت فی أوّل الناس اسلاما ذکرهما فی المواهب اللدنیة و ذکر فی
غیره عن أبی بکر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:204
ابن البراء قال قالت آمنة ولدته جاثیا علی رکبتیه ینظر الی السماء ثم قبض قبضة من الارض فأهوی ساجدا و غطیت علیه اناء فوجدته قد تفلق الاناء علیه و هو یمص ابهامه تشخب لبنا* و فی المنتقی ورد أنه صلی اللّه علیه و سلم لما ولد وقع جاثیا علی رکبتیه و خرج معه نور أضاءت له قصور الشام و أسواقها حتی رأیت أعناق الایل ببصری رافعا رأسه الی السماء فحقق اللّه بذلک رؤیا أمه* و فی المواهب اللدنیة قال فی اللطائف و خروج هذا النور عند وضعه اشارة الی ما یجی‌ء به من النور الذی اهتدی به أهل الارض و زال به ظلمة الشرک کما قال تعالی قد جاءکم من اللّه نور و کتاب مبین یهدی به اللّه من اتبع رضوانه سبل السلام و یخرجهم من الظلمات الی النور باذنه* و أما اضاءة قصور بصری بالنور الذی خرج معه فهو اشارة الی ما خص الشام من نور نبوّته فانها دار ملکه کما ذکر کعب ان فی الکتب السالفة محمد رسول اللّه مولده مکة و مهاجره یثرب و ملکه بالشام و لهذا اسری به صلّی اللّه علیه و سلم الی الشام الی بیت المقدس کما هاجر قبله ابراهیم علیه السلام الی الشام و بها ینزل عیسی ابن مریم علیهما السلام و هی أرض المحشر و المنشر* و فی المنتقی کانت سنتهم فی المولود اذا ولد فی استقبال اللیل کفئوا علیه قدرا حتی یصبح ففعلوا ذلک بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأصبحوا و قد انشق عنه القدر و هو شاخص ببصره الی السماء و فیه أیضا روی أنها لما ولدته صلّی اللّه علیه و سلم أرسلت الی عبد المطلب و جاءه البشیر و هو جالس فی الحجر معه ولده و رجال من قومه فأخبره أن آمنة ولدت غلاما فسرّ بذلک عبد المطلب و قام هو و من کان معه و دخل علیها فأخبرته بکل ما رأت و ما قیل لها و ما أمرت به فأخذه عبد المطلب فأدخله جوف الکعبة و قام عندها یدعو اللّه و یشکره بما أعطاه فقال یومئذ
الحمد للّه الذی أعطانی‌هذا الغلام الطیب الاردان
قد ساد فی المهد علی الغلمان‌أعیذه بالبیت ذی الارکان
حتی أراه بالغ البیان‌أعیذه من شرّ ذی شنآن
من حاسد مضطرب العینان
روی أنه لما ولد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أمر عبد المطلب بجزور فنحرت و دعا رجالا من قریش فحضروا و طعموا* و فی بعض الکتب کان ذلک یوم سابعه یعنی عقیقته فلما فرغوا من أکله قالوا ما سمیته قال سمیته محمدا قالوا لم رغبت عن أسماء آبائه قال أردت أن یکون محمودا فی السماء للّه و فی الارض لخلقه قیل بل سمته بذلک أمه لما رأته و قیل لها فی شأنه و یمکن أن یجمع بین القولین بأن یقال نقلت أمه لجدّه ما رأته فسماه به فوقعت التسمیة منه و اذا کانت هی سببها یصح القول بأنها سمته به*

(ذکر ختانه صلّی اللّه علیه و سلم)

اختلف فی ختانه علی ثلاثة أقوال و سیجی‌ء* جمهور أهل السیر و التواریخ علی انه صلّی اللّه علیه و سلم ولد معذورا مسرورا أی مختونا مقطوع السرّ و سیجی‌ء بیان الاعذار و أعجب ذلک عبد المطلب و حظی عنده و قال لیکونن لا بنی هذا شأن* و فی المواهب اللدنیة روی من حدیث أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند ابن عساکر و روی الطبرانی فی الاوسط و أبو نعیم و الخطیب و ابن عساکر من طرق عن أنس بن مالک أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال من کرامتی علی ربی انی ولدت مختونا و لم یر أحد سوأتی و صححه أیضا فی المختارة* و عن ابن عمر قال ولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مسرورا مختونا رواه ابن عساکر قال الحاکم فی المستدرک تواترت الاخبار أنه صلّی اللّه علیه و سلم ولد مختونا انتهی و تعقبه الحافظ الذهبی فقال ما أعلم صحة ذلک فکیف یکون متواترا* أجیب باحتمال أن یکون أراد بتواتر الاخبار اشتهارها و کثرتها فی السیر لا من طریق السند المصطلح علیه عند أئمة الحدیث و لکن قد حکی الحافظ زین الدین العراقی ان الکمال بن العدیم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:205
ضعف أحادیث کونه علیه السلام ولد مختونا و قال انه لا یثبت فی هذا شی‌ء من ذلک و أقرّه علیه و به صرّح ابن القیم ثم قال لیس هذا من خصائصه صلّی اللّه علیه و سلم فان کثیرا من الناس ولد مختونا و حکی الحافظ ابن حجر أن العرب تزعم أن الغلام اذا ولد فی القمر فسخت قلفته أی اتسعت فیصیر کالمختون و فی الوشاح لابن درید قال ابن الکلبی بلغنا أن آدم خلق مختونا و اثنی عشر نبیا بعده خلقوا مختونین آخرهم محمد صلّی اللّه علیه و سلم شیث و ادریس و نوح و سام و لوط و یوسف و موسی و سلیمان و شعیب و یحیی و هود و محمد صلوات اللّه و سلامه علیهم أجمعین* و ذکر ابن الجوزی عن کعب الاحبار ان ثلاثة عشر من الأنبیاء خلقوا مختونین و عدّ الأنبیاء المذکورین غیر هود و ذکر عیسی مکانه و قال محمد بن حبیب الهاشمی هم أربعة عشر و عدّ الأنبیاء المذکورین غیر هود و عیسی و ذکر زکریا و حنظلة بن صفوان کذا فی مریل الخلفاء* و فی المواهب اللدنیة و فی هذه العبارة تجوّز لان الختان هو القطع و هو غیر موجود لان اللّه تعالی یوجد ذلک علی هذه الهیئة من غیر قطع فیحمل الکلام باعتبار أنه علی صفة المقطوع و قد حصل من الاختلاف فی ختانه ثلاثة أقوال کما أشرنا إلیه سابقا أحدها انه ولد مختونا کما تقدّم الثانی انه ختنه جدّه عبد المطلب یوم سابعه و صنع له مأدبة و سماه محمدا رواه الولید بن مسلم بسنده الی ابن عباس و حکاه ابن عبد البرّ فی التمهید و ابن الاثیر فی اسد الغابة الثالث انه ختن عند حلیمة کذا ذکره ابن القیم و الدمیاطی و مغلطای قالا ان جبریل ختنه حین طهر قلبه و کذا أخرجه الطبرانی فی الاوسط و أبو نعیم من حدیث أبی بکرة و قال الذهبی و هذا منکر* و اعلم أن الختان هو قطع القلفة التی تغطی الحشفة من الرجل و قطع بعض الجلدة التی فی أعلی الفرج من المرأة و یسمی ختان الرجل اعذارا بالعین المهملة و الذال المعجمة و الراء و ختان المرأة خفضا بالخاء المعجمة و الفاء و الضاد المعجمة و فی القاموس خفاض کختان لفظا و معنی* و اختلف العلماء هل هو واجب أو سنة فذهب أکثرهم الی أنه سنة و هو قول أبی حنیفة و مالک و بعض أصحاب الشافعی و ذهب الشافعی الی وجوبه و هو مقتضی قول سحنون من المالکیة و ذهب بعض أصحاب الشافعی الی أنه واجب فی حق الرجال و سنة فی حق النساء و احتج من قال انه سنة بحدیث أبی الملیح بن اسامة عن أبیه أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال الختان سنة للرجال مکرمة للنساء رواه أحمد فی مسنده و البیهقی و أجاب من أوجبه بأنه لیس المراد بالسنة هنا خلاف الواجب بل المراد به الطریقة و احتجوا علی وجوبه بقوله تعالی أن اتبع ملة ابراهیم حنیفا و ثبت فی الصحیح من حدیث أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اختتن ابراهیم علیه السلام و هو ابن ثمانین سنة بالقدوم و بما روی أبو داود من قوله علیه السلام للرجل الذی أسلم ألق عنک شعار الکفر و اختتن و احتج القفال بوجوبه بأن بقاء القلفة تحبس النجاسة و تمنع صحة الصلاة فیجب و قال الامام فخر الدین الرازی الحکمة فی الختان أن الحشفة قوی الحس فما دامت مستورة بالقلفة تقوی اللذة عند المباشرة فاذا قطعت القلفة تصلبت الحشفة فضعفت اللذة و هو اللائق بشریعتنا تقلیلا للذة لا قطعا کما فعله المانویة فذلک افراط و ابقاء القلفة تفریط فالعدل الختان* و فی الملل و النحل لمحمد بن عبد الکریم الشهرستانی المانویة أصحاب مانی بن فاتک الحکیم الذی ظهر فی زمان سابور بن أردشیر و قتله بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشیر و ذلک بعد عیسی علیه السلام أخذ دینا بین المجوسیة و النصرانیة و کان لا یقول بنبوّة عیسی و لا بنبوّة موسی علیهما السلام و حکی محمد بن هارون المعروف بأبی عیسی الورّاق و کان فی الاصل مجوسیا عارفا بمذاهب القوم ان الحکیم مانی زعم ان العالم مصنوع مرکب من أصلین قدیمین أحدهما نور و الآخر ظلمة و انهما أزلیان لم یزولا و لا یزالا و أنکر وجود شی‌ء الا من أصل قدیم انتهی و إذا قلنا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:206
بوجوب الختان فحمل الوجوب بعد البلوغ علی الصحیح من مذهب الشافعی لما روی البخاری فی صحیحه عن ابن عباس انه سئل مثل من أنت حین قبض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال أنا یومئذ مختون و کانوا لا یختنون الرجل حتی یدرک قال بعض اصحاب الشافعی یجب علی الولیّ أن یختن الصبی قبل البلوغ و اللّه أعلم*

أسماؤه صلّی اللّه علیه و سلم‌

أما أسماؤه صلّی اللّه علیه و سلم فکثیرة بعضها ورد فی القرآن المجید و بعضها فی الاحادیث الصحیحة و بعضها فی کتب الأنبیاء أما ما فی القرآن فمنها محمد و أحمد و الرسول و النبیّ و الشاهد و البشیر و النذیر و المبشر و المنذر و الداعی الی اللّه و السراج المنیر و الرءوف و الرحیم و المصدّق و المذکر و المزمل و المدّثر و عبد اللّه و الکریم و الحق و المبین و النور و خاتم النبیین و الرحمة و النعمة و الهادی و طه و یس علی قول بعض المفسرین و أما ما فی الاحادیث غیر ما ذکرناه فمنها الماحی و الحاشر و العاقب و المقفی و نبیّ الرحمة و نبیّ التوبة و نبیّ الملاحم و رحمة مهداة و القتال و المتوکل و الفاتح و الخاتم و المصطفی و الامی و القثم أی جامع الخیر قال ابن الجوزی هو مشتق من القثم و هو الاعطاء یقال قثم له من العطاء یقثم اذا أعطاه کذا فی المواهب اللدنیة* و أماما فی کتب الأنبیاء فمنها الضحوک و حمیالها أو حمطایا و أحید و بارقلیط و فارقلیط و فارقلیطا و ماذماذ و المشفح و المنحمنا و المختار و روح الحق و مقیم السنة و المقدّس و حرز الامیین و معلوم أن أکثر الاسماء المذکورة صفات و اطلاق الاسم علیها مجاز فی المواهب اللدنیة قوله حمیاطا بفتح الحاء المهملة ثم میم ساکنة فمثناة تحتیة فألف فطاء مهملة فألف قال أبو عمرو سألت بعض من أسلم من الیهود عنه فقال معناه یحمی الحرم من الحرام و یوطئ الحلال فأما حمطایا فبفتح الحاء المهملة و سکون المیم قال الهروی أی حامی الحرم فأما أحید فهو بهمزة مضمومة ثم حاء مهملة مکسورة ثم مثناة تحتیة ساکنة ثم دال مهملة قال القسطلانی کذا وجدته فی بعض نسخ الشفاء المعتمدة و المشهور ضبطه بفتح الهمزة و کسر الحاء المهملة و بفتح المثناة التحتیة و فی نسخة بفتح الهمزة و کسر الحاء و سکون المثناة فقال النووی فی کتاب تهذیب الاسماء و اللغات عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اسمی فی القرآن محمد و فی الانجیل أحمد و فی التوراة أحید و انما سمیت أحید لانی أحید عن أمتی نار جهنم* و أما بارقلیط و فارقلیط بالموحدة التحتیة و بالفاء و فتح الراء و القاف و سکون الراء مع فتح القاف و بکسر الراء و سکون القاف و غیر منصرف للعجمة و العلمیة فوقع فی انجیل یوحنا و معناه روح الحق و قال ثعلب معناه الذی یفرق بین الحق و الباطل و انما قال فی انجیل یوحنا لان عیسی لم تظهر دعوته فی عصره و انما أخذ الانجیل عن أربعة من الحواریین متی و یوحنا و مرقس و لوقا* تکلم کل واحد من هؤلاء بعبارة عبرها للامة الذین تابعوه دعاهم بلغتهم نجلها أی ولدها مما سمع من المسیح علیه السلام و لذلک اختلفت الاناجیل الاربعة اختلافا شدیدا کذا فی المنتقی* و فی نهایة ابن الاثیر فی صفته علیه السلام ان اسمه مکتوب فی الکتب السالفة فارقلیطا أی یفرق بین الحق و الباطل* و أما ماذماذ بمیم ثم ألف ثم ذال معجمة منوّلة ثم میم ثم ألف ثم ذال معجمة قال القسطلانی کذا رأیته لبعض العلماء و نقل العلامة الحجازی فی حاشیته علی الشفاء بضم المیم و اشمام الهمزة ضمة بین الواو و الالف ممدودا و قال نقلته عن رجل أسلم من علماء بنی اسرائیل و قال معناه طیب طیب و لا ریب أنه أطیب الطیبین و حسبک أنه کان یؤخذ من عرقه لیتطیب به و أما المشفح فهو بضم المیم و بالشین المعجمة و بالفاء المشدّدة المفتوحتین ثم حاء مهملة و روی بالقاف بدل الفاء من الشفح و الشقح و هما بالسریانیة الحمد* و أما المنحمنا فهو بضم المیم و سکون النون و فتح الحاء المهملة و کسر المیم و تشدید النون الثانیة المفتوحة مقصورا و ضبطه بعضهم بفتح المیمین فمعناه بالسریانیة محمد* ذکر الحسین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:207
ابن محمد الدامغانی فی کتاب شوق العروس و أنس النفوس نقلا عن کعب الاحبار أنه قال اسم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم عند أهل الجنة عبد الکریم و عند أهل النار عبد الجبار و عند أهل العرش عبد الحمید و عند سائر الملائکة عبد المجید و عند الأنبیاء عبد الوهاب و عند الشیطان عبد القهار و عند الجنّ عبد الرحیم و فی الجبال عبد الخالق و فی البرّ عبد القادر و فی البحر عبد المهیمن و عند الحیتان عبد القدّوس و عند الهوام عبد الغیاث و عند الوحوش عبد الرزاق و عند السباع عبد السلام و عند البهائم عبد المؤمن و عند الطیور عبد الغفار و فی التوراة موذموذ و فی الانجیل طاب طاب و فی الصحف عاقب و فی الزبور فاروق و عند اللّه طه و یس و عند المؤمنین محمد صلی اللّه علیه و سلم ذکر هذا کله القسطلانی فی المواهب اللدنیة و ذکر فیه من الاسماء و الالقاب و الکنی ما یزید علی أربعمائة* قال ابن دحیة أسماؤه تقرب من الثلاثمائة و انتهی بها بعض الصوفیة الی ألف کذا فی سیرة مغلطای*

ألقابه صلّی اللّه علیه و سلم‌

و أما ألقابه صلّی اللّه علیه و سلم فکثیرة مثل صاحب البراق و صاحب التاج المراد به العمامة لان العمائم تیجان العرب و صاحب المعراج و صاحب الهراوة و النعلین و صاحب الخاتم و العلامة و صاحب البرهان و الحجة و صاحب الحوض المورود و المقام المحمود و صاحب الوسیلة و صاحب الفضیلة و صاحب الدرجة الرفیعة و صاحب الشفاعة و سید أولاد آدم و سید المرسلین و امام المتقین و قائد الغرّ المحجلین و حبیب اللّه و خلیل اللّه و العروة الوثقی و الصراط المستقیم و النجم الثاقب و رسول رب العالمین و المصطفی و المجتبی و المزکی* و أما کنیته صلّی اللّه علیه و سلم المشهورة فأبو القاسم لانّ أکبر أولاده القاسم و العرب تکنی الشخص غالبا بأکبر أولاده* و قال صلّی اللّه علیه و سلم سموا باسمی و لا تکنوا بکنیتی فانما أنا قاسم أوفانی أبو القاسم أقسم بینکم و قال أبو هریرة لما ولد ابراهیم من ماریة لقی جبریل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال له السلام علیک یا أبا ابراهیم رواه أحمد و روی هذا الحدیث عن أنس أیضا تغییر یسیر کما سیجی‌ء فی مولد ابراهیم فی الموطن الثامن و یکنی بأبی الارامل فیما ذکره ابن دحیة و بأبی المؤمنین فیما ذکره غیره و اللّه أعلم*

(ذکر شمائله و صفاته)

* کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أحسن الناس وجها و أحسنهم خلقا* و عن أنس کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ربعة من القوم لیس بالقصیر و لا بالطویل البائن و فی روایة الذاهب و فی روایة علیّ لم یکن بالطویل الممغط و لا بالقصیر المتردّد کان ربعة من القوم و فی روایة و هو الی الطول أقرب و فی روایة أطول من المربوع و أقصر من المشذب* و فی روایة مربوعا و مع ذلک لم یکن یماشیه أحد ینسب الی الطول الا طاله و فی روایة اذا جاء مع القوم غمرهم و کان فخما مفخما یتلألأ وجهه تلألؤ القمر لیلة البدر أزهر اللون کانّ الشمس تجری فی وجهه أبیض مشربا بیاضه بحمرة* و فی روایة أزهر لیس بالابیض الامهق و لا بالادم و فی روایة أبیض ملیح الوجه ملیحا مقصدا و فی روایة حسن الوجه أسمر اللون عظیم الهامة و فی روایة ضخم الرأس و فی روایة علی رضی اللّه عنه لیس بالمطهم و لا بالمکلثم و کان فی وجهه تدویر و فی روایة کانّ علی وجهه مثل الشمس و القمر مستدیر سهل الخدّین واسع الجبین أزج الحواجب سوابغ من غیر قرن و فی روایة أبلج بینهما عرق یدرّه الغضب أنجل و فی روایة عظیم العینین أدعج و فی روایة أسود الحدق أشکل العینین و فی روایة مشرب العینین حمرة أهدب الاشفار و کان یری من خلفه کما یری من قدّامه و فی روایة مسلم من أمامه* قال بعض العلماء و هو مختار بن محمود کان بین کتفیه عینان مثل سمّ الخیاط یبصر بهما و لا یحجبهما الثیاب و قال بعضهم ان اللّه خلق له ادراکا فی قفاه یبصر به من وراءه و یری فی اللیل و الظلمة کما یری بالنهار و الضوء رواه البیهقی و البخاری و انه رأی اللّه بعینه علی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:208
الخلاف کذا فی المواهب اللدنیة و کان یری فی الثریا أحد عشر نجما قال أحمد بن حنبل و جمهور العلماء ان هذه الرؤیة رؤیة عین حقیقة و ذهب بعضهم الی ردّها الی العلم و الظواهر بخلافه و لا احالة فی ذلک و هی من خواص الأنبیاء کما روی عن أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انه قال لما تجلی اللّه لموسی علیه السلام کان یبصر النملة علی الصفاء فی اللیلة الظلماء مسیرة عشرة فراسخ و لا یبعد علی هذا أن یختص نبینا صلّی اللّه علیه و سلم بما ذکرناه من هذا الباب بعد الاسراء لما رأی من آیات ربه الکبری کذا فی الشفاء* خافض الطرف نظره الی الارض أطول من نظره الی السماء جل نظره الملاحظة و فی سیرة الیعمری و کان تنام عیناه و لا ینام قلبه انتظارا للوحی و کذا فی البخاری و اذا نام نفخ و لا یغط أقنی العرنین له نور یعلوه یحسبه من لم یتأمله أشم ضلیع الفم مفلج الاسنان أشنب اذا افتر ضاحکا افتر عن مثل حب الغمام أو مثل سنا البرق جل ضحکه التبسم و فی روایة أفلج الثنیتین اذا تکلم رؤی کالنور یخرج من ثنایاه و قال شمر عظیم الاسنان و کان ریقه یعذب الماء الملح رواه أبو نعیم و یجزی الرضیع رواه البیهقی و ما تثاءب قط کما رواه ابن أبی شیبة و البخاری فی تاریخه و أخرج الخطابی قال ما تثاءب نبیّ قط و یؤید ذلک ان التثاؤب من الشیطان رواه البخاری طویل السکوت لا یتکلم فی غیر حاجة و یتکلم بجوامع الکلم کلامه فصل لا فضول و لا تقصیر* و فی روایة علیّ رضی اللّه عنه أسیل الخدّ کث اللحیة علی شفته السفلی خال و فی روایة تملأ صدره عظیم الجمة الی شحمة أذنیه و فی روایة له شعر یضرب منکبیه و فی روایة بین أذنیه و عاتقه و فی روایة أنس رجل الشعر لیس بالسبط و لا بالجعد القطط و فی روایة علیّ کان جعدا رجلا ذا أربع غدائر و فی روایة ذا ضفائر أربع و للترمذی کان شعره فوق الجمة و دون الوفرة و لابی داود فوق الوفرة و دون الجمة و لیس فی رأسه و لحیته حین توفی عشرون شعرة بیضاء و فی روایة أنس ما عددت فی رأسه و لحیته الا أربع عشرة شعرة بیضاء* قال أبو بکر یا رسول اللّه قد شبت فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شیبتنی هود و الواقعة و المرسلات و عمّ یتساءلون و اذا الشمس کوّرت رواه الترمذی و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد شمط مقدّم رأسه و لحیته و اذا ادّهن لم یتبین و اذا شعث رأسه تبین و کان فی عنفقته شعرات بیض* و عن أنس أنه صلّی اللّه علیه و سلم لم یخضب و انما کان البیاض فی عنفقته و فی الصدغین و فی الرأس یبدو و عنه رأیت شعر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مخضوبا و سئل أبو هریرة هل خضب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال نعم* و فی روایة أخرجت أمّ سلمة شعرا من شعر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مخضوبا و فی روایة أرت شعره صلّی اللّه علیه و سلم أحمر و رأی ربیعة بن عبد الرحمن شعرا من شعره صلّی اللّه علیه و سلم أحمر فسأل فقیل احمرّ من الطیب و کان صلّی اللّه علیه و سلم یترجل غبا و فی روایة کان یکثر دهن رأسه و تسریح لحیته و حلق صلّی اللّه علیه و سلم فی حجة الوداع و فی روایة بمنی بعد ما نحر جانبه الایمن ثم الایسر ثم بقیة الرأس کما سیجی‌ء فی الموطن العاشر و قصر عن رأسه بمشقص و هو علی المرأة و کان صلّی اللّه علیه و سلم یقص أو یأخذ من شاربه رواه الترمذی عن ابن عباس و عنده أیضا من حدیث زید بن أرقم قال صلّی اللّه علیه و سلم من لم یأخذ من شاربه فلیس منا و قال صلّی اللّه علیه و سلم الفطرة خمس الختان و الاستحداد و قص الشارب و تقلیم الاظفار و نتف الابط* و فی شرح السنة أنه صلّی اللّه علیه و سلم کان یقص شاربه و یأخذ من أظفاره قبل أن یروح الی صلاة الجمعة* و فی الشرعة أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان یقص من لحیته من عرضها و طولها و یفعل ذلک فی الخمیس و الجمعة* و عن أنس أنه صلّی اللّه علیه و سلم کان لا یتنور
فاذا کثر شعره حلقه و کان صلّی اللّه علیه و سلم أحسن الناس عنقا کانّ عنقه جید دمیة أو ابریق فضة فی صفاء فضة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:209
و فی روایة أبیض کأنما صیغ من فضة معتدل الخلق بادنا متماسک البدن کأنّ عرقه اللؤلؤ و کان یؤخذ من عرقه لیتطیب به و اذا مرّ بسکة یبقی أثر الطیب فیها زمانا و ثبت فی الصحیح أن ابطه کان نظیفا طیب الرائحة و لم تکن له رائحة کریهة و کان ضرب اللحم سواء البطن و الصدر عریض الصدر و فی روایة واسع الصدر بعید ما بین المنکبین و للنسائی عریض عظم المنکبین و للترمذی ضخم الکرادیس و فی روایة ضخم العظام و فی روایة جلیل المشاش و الکتد بین کتفیه خاتم النبوّة مثل زرّ الحجلة کذا فی البخاری و فی مسلم جمع علیه خیلان کأنها الثآلیل السود عند نغض کتفه و روی عند غضروف کتفه الیسری و فی کتاب أبی نعیم الایمن و فی مسلم کبیضة الحمامة و فی صحیح الحاکم شعر مجتمع و فی البیهقی مثل السلعة و فی الشمائل بضعة ناشزة و فی حدیث عمرو بن أخطب کشی‌ء یختم به و فی تاریخ ابن عساکر مثل البندقة و فی الترمذی و دلائل البیهقی کالتفاحة* و فی الروض و سیرة ابن هشام و حیاة الحیوان کأثر المحجمة القابضة علی اللحم و فی تاریخ ابن خیثمة شامة خضراء محتفرة فی اللحم و فیه أیضا شامة سوداء تضرب الی الصفرة حولها شعرات متراکبات کأنها عرف الفرس و فی تاریخ القضاعی ثلاث شعرات مجتمعات و فی کتاب الترمذی الحکیم کبیضة الحمام مکتوب فی باطنها اللّه وحده لا شریک له و فی ظاهرها توجه حیث شئت فانک منصور و فی کتاب المولد لابن عائذ کان نورا یتلألأ* و فی سیرة ابن أبی عاصم عذرة کعذرة الحمام قال أبو أیوب یعنی قرطمة الحمام فی القاموس قرطمتا الحمام بکسر القاف نقطتان علی أصل منقاره* و فی تاریخ نیسابور مثل البندقة من لحم مکتوب علیه باللحم محمد رسول اللّه و فی روایة عن صفیة بنت عبد المطلب مکتوب علیه لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه کذا فی حیاة الحیوان نقلا عن دلائل النبوّة للبیهقی* و عن عائشة کتینة صغیرة تضرب الی الدهمة و کان مما یلی الفقار قالت فلمسته حین توفی فوجدته قد رفع حکی هذا کله الحافظ مغلطای کذا فی المواهب اللدنیة* و فی حیاة الحیوان عن الواقدی عن شیوخه انهم قالوا لما شک فی موت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم وضعت أسماء بنت عمیس یدها بین کتفیه فقالت توفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد رفع الخاتم من بین کتفیه و کان هذا الذی عرف به موت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* قال فی فتح الباری ما ورد من أن الخاتم کان کأثر محجم أو کالشامة السوداء أو الخضراء مکتوب علیها محمد رسول اللّه أو سرفانک المنصور أو لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه لم یثبت منها شی‌ء قال لا تغترّ بما وقع فی صحیح ابن حبان فانه غفل حیث صحح ذلک و قال الهیتمی فی مورد الظمآن بعد أن أورد الحدیث و لفظه مثل البندقة من اللحم مکتوب علیه محمد رسول اللّه مما اختلط علی بعض الرواة خاتم النبوّة بالخاتم الذی کان یختم به و بخط الحافظ ابن حجر علی الهامش البعض المذکور هو اسحاق بن راهویه قاضی سمرقند و هو ضعیف (قوله) زرّ الحجلة بالحاء المهملة و الجیم قال النووی هو واحد الحجال و هو بیت کالقبة لها ازرار کبار و عری هذا هو الصواب و قال بعضهم المراد بالحجلة الطائر المعروف و زرّها بیضها و أشار إلیه الترمذی و أنکره علیه العلماء (قوله) جمع بضم الجیم و اسکان المیم أی کجمع الکف و هو صورته بعد أن یجمع الاصابع و یضمها (قوله) الخیلان جمع خال و هو الشامة علی الجسد (قوله) نغض بالنون و الغین و الضاد المعجمتین قال النووی النغض بضم النون و فتحها و الناغض أعلا الکتف و قیل هو العظم الرقیق الذی علی طرفه و قیل ما یظهر منه عند التحرّک سمی ناغضا لتحرّکه (قوله) بضعة ناشزة بالمعجمة و الزای أی قطعة لحم مرتفعة علی جسده و هذا الخاتم هو أثر الملکین بین کتفیه حین شقا صدره الشریف و خیط حتی التأم کما کان و ختم بین کتفیه فبقی أثر الختم فی ظهره کما بقی أثر الخیط فی صدره* و فی دلائل أبی نعیم لما ولد ذکرت أمه أن الملک غمسه فی الماء الذی أنبعه ثلاث غمسات ثم أخرج صرة من حریر أبیض فاذا فیها خاتم فضرب علی کتفه کالبیضة المکنونة تضی‌ء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:210
کالزهرة و قیل ولد به و اللّه أعلم ذکر ذلک کله فی المواهب اللدنیة* و روی الحاکم فی مستدرکه عن وهب ابن منبه أنه قال لم یبعث اللّه نبیا الا و قد کانت شامة النبوّة فی یده الیمنی الا أن یکون نبینا صلّی اللّه علیه و سلم فانّ شامة النبوّة بین کتفیه* و فی حیاة الحیوان ان خاتم النبوّة لم یکن قبل شق الصدر و قد مرّ قال السهیلی الحکمة فی خاتم النبوّة علی جهة الاعتبار أنه لما ملئ قلبه صلّی اللّه علیه و سلم حکمة و یقینا ختم علیه کما یختم علی الوعاء المملوء مسکا أو درّا و أما وضعه عند نغض الکتف فلانه صلّی اللّه علیه و سلم معصوم من وسوسة الشیطان و ذلک الموضع یوسوس لابن آدم لانه یحاذی قلبه و کان صلّی اللّه علیه و سلم عبل العضدین و الذراعین و الا سافل أنور المتجرّد أجرد ذا مسربة و فی روایة دقیق المسربة و فی روایة طویل المسربة موصول ما بین اللبة و السرّة بشعر یجری کالخط و فی روایة کالقضیب لم یکن فی صدره و لا فی بطنه شعر غیرها عاری الثدیین و البطن مما سوی ذلک أشعر الذراعین و المنکبین و أعالی الصدر طویل الزندین و فی روایة سبط القصب رحب الراحة شثن الکفین و القدمین أی غلیظ أصابعهما رواه الترمذی و فی روایة ضخم الیدین و القدمین سبط أو بسط الکفین و فی روایة رحب الکفین طویل اصبع قدمیه السبابة علی سائر أصابعه قالت میمونة بنت کردم رأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بمکة و هو علی ناقته و أنا مع أبی فدنا منه أبی فأخذ بقدمه فاستقرّ له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أی أمسک عن مسیره قالت فاستطولت أصبع قدمیه السبابة علی سائر أصابعه رواه أحمد و الترمذی قال الحافظ ابن حجر انما ذلک فی أصابع رجلیه فقط دون الید* و عن جابر بن سمرة کانت خنصر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من رجله متظاهرة رواه البیهقی کذا فی المواهب اللدنیة و کان فی ساقه خموش منهوس العقب سائل أو شائل الاطراف خمصان الاخمصین مسیح القدمین ینبو عنهما الماء ذریع المشیة اذا مشی تقلع کأنما ینحط فی صبب و کان لا یؤثر فی الرمل نعله و تلین الصخرة تحت قدمیه و کان لا ظل له فی شمس و لا قمر و لا یقع الذباب علی جسده و لا ثیابه و لا یمص دمه البعوض کذا نقل الامام فخر الدین الرازی و لا یقمل ثوبه قط و قال ابن سبع فی الشفاء و السبتی فی أعذب الموارد و أطیب الموالد لم یکن القمل یؤذیه تعظیما له و تکریما لکن یشکل علیه بما رواه أحمد و الترمذی فی الشمائل عن عائشة رضی اللّه عنها کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یفلی ثوبه و یحلب شاته کذا فی المواهب اللدنیة* و اذا أراد أن یتغوّط انشقت له الارض فابتلعت غائطه و بوله و فاحت لذلک رائحة طیبة کذا فی الشفاء و کان یتبرک ببوله و دمه و کان یسبق أصحابه فی المشی و یبدأ من لقیه بالسلام و کان متواصل الاحزان دائم الفکرة لیست له راحة دمثا لیس بالجافی و لا المهین یعظم النعمة و ان دقت لا یذم شیئا منها و لا یذم ذواقا و لا یمدحه و لا تغضبه الدنیا و لا ما کان لها و لا یغضب لنفسه و لا ینتصر لها و اذا غضب أعرض و أشاح و اذا فرح غض طرفه أجود الناس صدرا و فی روایة أرحب الناس صدرا و أصدقهم لهجة و أوفاهم ذمّة و ألینهم عریکة و أکرمهم عشرة و أحلمهم و أشدّهم بأسا أشدّ حیاء من العذراء فی خدرها لا یثبت بصره فی وجه أحد قالت عائشة ما أتی أحدا من نسائه الا متقنعا یرخی الثوب علی رأسه و لم أر منه و لا رأی منی کذا فی سیرة مغلطای من رآه بدیهة هابه و من خالطه معرفة أحبه روی أنه دخل علیه رجل فقام بین یدیه فأخذته رعدة من هیبته فقال له هوّن علیک فانی لست بملک و لا جبار و انما أنا ابن امرأة من قریش تأکل القدید بمکة فنطق الرجل بحاجته کذا فی المواهب اللدنیة*

مزاحه صلّی اللّه علیه و سلم‌

و فی سیرة الیعمری و کان یمزح و لا یقول الا الحق جاءته امرأة فقالت یا رسول اللّه احملنی علی جمل قال انما أحملک علی ولد الناقة قالت لا یطیقنی قال لا أحملک الا علی ولد الناقة قالت لا یطیقنی فقال لها الناس و هل الجمل الا ولد الناقة و جاءت امرأة فقالت یا رسول اللّه ان زوجی مریض و هو یدعوک فقال لعل زوجک الذی فی عینه بیاض فرجعت و فتحت عین زوجها فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:211
مالک فقالت أخبرنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان فی عینک بیاضا فقال و هل أحد الا و فی عینه بیاض و قالت اخری یا رسول اللّه ادع اللّه أن یدخلنی الجنة فقال یا أمّ فلان ان الجنة لا یدخلها عجوز فولت المرأة و هی تبکی فقال علیه السلام انها لا تدخلها و هی عجوز ان اللّه یقول انا أنشأنا هنّ إنشاء فجعلنا هنّ أبکارا عربا أترابا* و فی سیرة الیعمری و کان أرحم الناس یصغی الاناء للهرة فما یرفعه حتی تروی رحمة لها و یمسح وجه فرسه بکمه أو ردائه و کان أشجع الناس و أسخاهم و أجودهم ما سئل شیئا فقال لا و لا یبیت فی بیته درهم و لا دینار فان فضل شی‌ء و لم یجد من یأخذه و جاء اللیل لم یرجع الی منزله حتی یبرأ منه الی من یحتاج إلیه لا یأخذ مما آتاه اللّه الا قوت أهله عاما فقط من أیسر ما یجد من التمر و الشعیر ثم یؤثر من قوت أهله حتی ربما یحتاج قبل انقضاء العام و کان أعف الناس و أشدّهم اکراما لاصحابه لا یمدّ رجلیه بینهم و یوسع علیهم اذا ضاق المکان و لم تکن رکبتاه تتقدّمان رکبة جلیسه و یخدم من خدمه و له عبید و إماء لا یترفع علیهم فی مأکل و لا فی ملبس قال أنس خدمته نحوا من عشر سنین فو اللّه ما صحبته فی حضر و لا سفر لا خدمه الا کانت خدمته لی أکثر من خدمتی له* و فی المشکاة عن أنس قال خدمت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أنا ابن ثمان سنین خدمته عشر سنین فما لا منی علی شی‌ء قط أتی فیه علی یدی فان لا منی لائم من أهله قال دعوه فانه لو قضی شی‌ء کان هذا لفظ المصابیح و رواه البیهقی فی شعب الایمان مع تغییر یسیر و کان صلّی اللّه علیه و سلم فی سفر فأمر باصلاح شاة فقال رجل یا رسول اللّه علیّ ذبحها و قال آخر علیّ سلخها و قال آخر علیّ طبخها فقال صلّی اللّه علیه و سلم و علیّ جمع الحطب فقالوا یا رسول اللّه نحن نکفیک فقال قد علمت انکم تکفونی و لکنی أکره أن أتمیز عنکم فان اللّه بکره من عبده أن یراه متمیزا بین أصحابه فقام فجمع الحطب و کان یحب الفأل و یکره التطیر و اذا جاء ما یحب قال الحمد للّه رب العالمین و اذا جاء ما یکره قال الحمد للّه علی کل حال* و فی الشفاء کان صلی اللّه علیه و سلم یحب الطیب و الرائحة الحسنة و یستعملها کثیرا و یحض علیها و یقول حبب الیّ من دنیاکم ثلاث النساء و الطیب و جعلت قرّة عینی فی الصلاة* و فی سیرة الیعمری و کان یحب الطیب و یکره الرائحة الکریهة و یقول ان اللّه جعل لذتی فی النساء و الطیب و جعل قرّة عینی فی الصلاة و عن أنس أنه صلّی اللّه علیه و سلم کان یدور علی نسائه فی الساعة من اللیل و النهار و هنّ احدی عشرة قال أنس و کنا نتحدّث أنه أعطی قوّة ثلاثین رجلا خرّجه النسائی و روی نحوه عن أبی رافع و عن طاوس أعطی علیه السلام قوّة أربعین رجلا و مثله عن صفوان بن سلیم و عند الاسماعیلی عن معاذ قوّة أربعین زاد أبو نعیم عن مجاهد کل رجل من رجال أهل الجنة* و عن أنس مرفوعا یعطی المؤمن فی الجنة قوّة مائة قال الترمذی صحیح غریب فاذا ضربنا أربعین فی مائة بلغت أربعة آلاف مع قناعته صلی اللّه علیه و سلم فی الاکل کذا فی المواهب اللدنیة* و قالت سلمی مولاته طاف النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی نسائه التسع و تطهر من کل واحدة منهنّ قبل أن یأتی الاخری و قد حفظه اللّه من الاحتلام فعن ابن عباس قال ما احتلم نبیّ قط و انما الاحتلام من الشیطان رواه الطبرانی و قد قال سلیمان علیه السلام لأطوفنّ اللیلة علی مائة امرأة أو تسع و تسعین امرأة و انه فعل ذلک* قال ابن عباس کان فی ظهر سلیمان ماء مائة رجل و کانت له ثلاثمائة امرأة و ثلاثمائة سریة و کان لداود علیه السلام علی زهده و أکله من عمل یده تسع و تسعون امرأة و تمت بزوجة اوریا مائة کذا فی الشفاء*

مصارعته علیه السلام‌

و کانت لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قوّة لم تقاوم روی أنه صارعه صلّی اللّه علیه و سلم جماعة منهم رکانة بن عبد زید و هو أشدّ أهل وقته و کان دعاه الی الاسلام فصرعه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأسلم یوم الفتح و توفی سنة أربعین و صارع أبا رکانة فی الجاهلیة و کان شدیدا فعاوده ثلاث مرّات کل ذلک صرعه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:212
کذا ذکره فی الشفاء و صارع أبا جهل و لا یصح و أبا الاشد و اسمه الاسید بن کلدة الجمحی قاله السهیلی و فی أنوار التنزیل یبسط تحت قدمه أدیم عکاظی و فی المواهب اللدنیة کان یجعل تحت قدمیه جلد البقرة و یجذبه فوق عشرة فیتقطع و لا یزال قدماه و یزید بن رکانة أو رکانة بن یزید علی الشک رواه البیهقی و أبو داود فی مراسیله کذا فی مزیل الخفاء و کان صلّی اللّه علیه و سلم أکثر الناس تبسما و أحسنهم بشرا و کان یعصب علی بطنه الحجر من الجوع و آتاه اللّه تعالی مفاتیح خزائن الارض فلم یقبلها و لما شکی الاصحاب إلیه الجوع یوم الخندق و رفعوا عن بطونهم عن حجر حجر رفع صلّی اللّه علیه و سلم عن بطنه عن حجرین کما سیجی‌ء
و شدّ من سغب أحشاءه و طوی‌تحت الحجارة کشحا مترف الادم و یشرب قاعدا و ربما شرب قائما و یتنفس ثلاثا مبینا للاناء و کان ینظر فی المرآة و یزجل جمته و یمتشط و ربما نظر فی الماء و یسوّی فیه جمته فقیل له فی ذلک فقال ان اللّه یحب من عبده اذا خرج لاخوانه أن یتهیأ لهم کذا فی المنتقی و کان لا یجلس و لا یقوم الا علی ذکر اللّه و اذا انتهی الی القوم جلس حیث ینتهی به المجلس* و فی الشفاء عن أبی امامة قال خرج علینا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم متوکئا علی عصا فقمنا له فقال لا تقوموا کما تقوم الاعاجم یعظم بعضهم بعضا انما أنا عبد آکل کما یأکل العبد و أجلس کما یجلس العبد و اذا جلس فی المجلس احتبی بیدیه و کذلک کان أکثر جلوسه محتبیا و عن جابر بن سمرة أنه تربع و ربما جلس القرفصاء کذا فی الشفاء و کان خلقه القرآن یرضی برضاه و یسخط بسخطه و کان فیما ذکره المحققون مجبولا علی الاخلاق الحمیدة و الآداب الشریفة من أصل خلقته و بدوّ فطرته و لم یحصل له باکتساب و لا ریاضة إلّا بجود الهی و خصوصیة ربانیة و کذا سائر الأنبیاء علیهم السلام و عن عائشة رضی اللّه عنها ما دعاه أحد من أصحابه و لا من أهل بیته الا قال لبیان أوردهما فی الشفاء و کان یفلی ثوبه و یخصف نعله* و فی سیرة الیعمری و کان یلبس الصوف و ینتعل المخصوف و یرقع ثوبه و یخدم نفسه و یحلب شاته و یوقد ناره و یکنس داره* و فی الشفاء یقمّ البیت و یکرم ضیفه و یحفظ جاره و یعقل ناقته أو بعیره* و فی سیرة الیعمری و کان فی سفر و نزل للصلاة ثم کرّ راجعا فقیل یا رسول اللّه أین ترید فقال أعقل ناقتی قالوا نحن نعقلها قال لا یستعن أحدکم بالناس و لو فی قضمة سواک* و فی سیرة مغلطای و کان لا یأکل متکئا و لا علی خوان و لا فی سکرجة و لا خبز له مرقق أکل البطیخ بالرطب و القثاء بالرطب و قال یکسر حرّ هذا برد هذا و برد هذا حرّ هذا و کان یحب الحلوی و العسل و أحب الشراب إلیه الحلو البارد* و فی الشفاء و یعلف ناضحه و یأکل مع الخادم و یعجن معها و یحمل بضاعته من السوق و یکون فی مهنة أهله و یقطع معهنّ اللحم و یرکب الفرس و البغل و الحمار و یردف خلفه عبده أو غیره و فی الشفاء و کان یوم بنی قریظة علی حمار مخطوم بحبل من لیف علیه اکاف*

لطیفة

و فی سیرة الیعمری و لا یدع أحدا یمشی معه و هو راکب حتی یحمله روی انه رکب یوما حمارا عریا الی قباء و أبو هریرة معه فقال یا أبا هریرة أحملک فقال ما شئت یا رسول اللّه فقال ارکب و کان فی أبی هریرة ثقل فوثب لیرکب فلم یقدر علی ذلک فاستمسک برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فوقعا جمیعا ثم رکب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا أبا هریرة أحملک فقال ما شئت یا رسول اللّه فقال ارکب فلم یقدر علی ذلک فتعلق برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فوقعا جمیعا فرکب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم قال یا أبا هریرة أحملک فقال لا و الذی بعثک بالحق نبیا لاصرعتک ثالثا و ذکره المحب الطبری أیضا فی مختصر السیرة الا أن فیه لارمیتک بدل لا صرعتک کذا فی المواهب اللدنیة و الکلام فی بسط شمائله و تعدید أخلاقه کثیر و بحر خصائصه و أوصافه زاخر غزیر لکن أتینا فیه بالمعروف من الصفات مما هو فی الصحیح و المشهور من المصنفات و اقتصرنا فی ذلک بقلّ من کل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:213
و اکتفینا بغیض من فیض*

(ذکر خصائصه علیه السلام)

اشارة

* قد جمع بعضها الشیخ جلال الدین السیوطی فی رسالة سماها انموذج اللبیب فی خصائص الحبیب و قال و هی منحصرة فی قسمین*

(القسم الاوّل) فی الخصائص التی اختص بها عن جمیع الأنبیاء و لم یؤتها نبیّ قبله و هی أربعة أنواع‌

* (النوع الاوّل ما اختص به فی ذاته فی الدنیا)

اختص صلّی اللّه علیه و سلم بأنه اوّل النبیین خلقا و بتقدّم نبوّته فکان نبیا و آدم منجدل فی طینته و تقدّم أخذ المیثاق علیه و انه أوّل من قال بلی یوم أ لست بربکم و خلق آدم و جمیع المخلوقات لاجله و کتابة اسمه الشریف علی العرش و کل سماء و الجنان و ما فیها و سائر ما فی الملکوت و ذکر الملائکة له فی کل ساعة و ذکر اسمه فی الاذان فی عهد آدم و فی الملکوت الاعلی و أخذ المیثاق علی النبیین آدم فمن بعده أن یؤمنوا به و ینصروه و التبشیر به فی الکتب السابقة و نعته فیها و نعت أصحابه و خلفائه و أمّته و حجب ابلیس من السموات لمولده و شق صدره فی أحد القولین و هو الاصح و جعل خاتم النبوّة بظهره بازاء قلبه حیث یدخل الشیطان و سائر الأنبیاء کان الخاتم فی یمینهم و بأنّ له ألف اسم و باشتقاق اسمه من اسم اللّه و بأنه سمی من أسماء اللّه بنحو سبعین اسما و بأنه سمی أحمد و لم یستم به أحد قبله و قد عدّت هذه من الخصائص فی حدیث مسلم و باظلال الملائکة فی سفره و بأنه أرجح الناس عقلا و بأنه أوتی کل الحسن و لم یؤت یوسف الا الشطر و بغطه ثلاثا عند ابتداء الوحی و برؤیته جبریل فی صورته التی خلق علیها عدّ هذه البیهقی و بانقطاع الکهانة لمبعثه و حراسة السماء من استراق السمع و الرمی بالشهب عدّ هذه ابن سبع و باحیاء أبویه له حتی آمنا به و قد مرّ فی ذکر نسبه و بوعده بالعصمة من الناس و بالاسراء و ما تضمنه من اختراق السموات السبع و العلوّ الی قاب قوسین و بوطئه مکانا ما وطئه نبی مرسل و لا ملک مقرب و احیاء الأنبیاء له و صلاته اماما بهم و بالملائکة و باطلاعه علی الجنة و النار عدّ هذه البیهقی و رؤیته من آیات ربه الکبری و حفظه حتی ما زاغ البصر و ما طغی و رؤیته للباری تعالی مرّتین و قتال الملائکة معه و سیرهم معه حیث سار یمشون خلف ظهره و بایتائه الکتاب و هو أمیّ لا یقرأ و لا یکتب و بأن کتابه معجز و محفوظ من التبدیل و التحریف علی ممرّ الدهور و مشتمل علی ما اشتمل علیه جمیع الکتب و زیادة و جامع لکل شی‌ء و مستغن عن غیره و میسر للحفظ و نزل منجما و علی سبعة أحرف من سبعة أبواب و بکل لغة عدّ هذه ابن النقیب و أعطی من کنز العرش و لم یعط منه أحد و خص بالبسملة و الفاتحة و آیة الکرسی و خواتیم سورة البقرة و السبع الطوال و المفصل و بأن معجزته مستمرة الی یوم القیامة و هو القرآن و معجزات سائر الأنبیاء انقرضت لوقتها و بأنه أکثر الأنبیاء معجزات فقد قیل انها تبلغ ألفا و قیل ثلاثة آلاف سوی القرآن فان فیه ستین ألف معجزة تقریبا* قال الحلیمی و فیها مع کثرتها معنی آخر و هو انه لیس فی شی‌ء من معجزات غیره ما ینحو نحو اختراع الاجسام و انما ذلک فی معجزات نبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم خاصة و بأنه جمع له کل ما أوتیه الأنبیاء من معجزات و فضائل و لم یجمع ذلک لغیره بل اختص کلّ بنوع و أوتی انشقاق القمر و تسلیم الحجر و حنین الجذع و نبع الماء من بین الاصابع و لم یثبت لواحد من الأنبیاء مثل ذلک ذکره ابن عبد السلام و بأنه خاتم النبیین و آخرهم بعثا فلا نبی بعده و شرعه مؤید الی یوم القیامة لا ینسخ و ناسخ لجمیع الشرائع قبله و لو أدرکه الأنبیاء لوجب علیهم اتباعه و فی کتابه الناسخ و المنسوخ و بعموم الدعوة للناس کافة و انه أکثر الأنبیاء تابعا و أرسل الی الجنّ بالاجماع و الی الملائکة فی أحد القولین و رجحه السبکی و بعثه رحمة للعالمین حتی للکافر بتأخیر العذاب و لم یعاجلوا بالعقوبة کسائر الامم المکذبة و بأن اللّه أقسم بحیاته و أقسم علی رسالته و تولی الردّ علی أعدائه عنه و خاطبه بألطف ما خاطب به الأنبیاء و قرن اسمه باسمه فی کتابه و فرض علی العالم طاعته و التأسی به فرضا مطلقا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:214
لا شرط فیه و لا استثناء و وصفه فی کتابه عضوا عضوا قلبه بقوله ما کذب الفؤاد ما رأی و قوله نزل به الروح الامین علی قلبک و لسانه بقوله و ما ینطق عن الهوی و قوله فانما یسرناه بلسانک و بصره بقوله ما زاغ البصر و ما طغی و وجهه بقوله قد نری تقلب وجهک فی السماء و یده و عنقه بقوله و لا تجعل یدک مغلولة الی عنقک و ظهره و صدره بقوله أ لم نشرح لک صدرک و وضعنا عنک وزرک الذی أنقض ظهرک کذا فی المواهب اللدنیة و لم یخاطبه فی القرآن باسمه بل یأیها النبیّ یأیها الرسول و حرّم علی الامة نداءه باسمه و فرض علی من ناجاه أن یقدّم بین یدی نجواه صدقة ثم نسخ ذلک و لم یره فی أمته شیئا یسوؤه حتی قبضه بخلاف سائر الأنبیاء و انه حبیب الرحمن و جمع له بین المحبة و الخلة و بین الکلام و الرؤیة و کلمه عند سدرة المنتهی و کلم موسی بالجبل عدّ هذه ابن عبد السلام و جمع بین القبلتین و الهجرتین و جمعت له الشریعة و الحقیقة و لم یکن للانبیاء الا احداهما بدلیل قصة موسی مع الخضر و قوله انی علی علم لا ینبغی لک أن تعلمه و أنت علی علم لا ینبغی لی أن أعلمه و نصر بالرعب مسیرة شهر أمامه و شهر خلفه و أوتی جوامع الکلم و أوتی مفاتیح خزائن الارض و لقیه الخازن علی فرس أبلق علیه قطیفة من سندس و کلم بأصناف جمیع الوحی عدّ هذه ابن عبد السلام و هبط اسرافیل علیه و لم یهبط علی نبیّ قبله عدّ هذه ابن سبع و جمع له بین النبوّة و السلطنة و لم یجمع لنبیّ قبله عدّ هذه الغزالی فی الاحیاء و أوتی علم کل شی‌ء الا الخمس التی فی آیة ان اللّه عنده علم الساعة و قیل انه أوتیها أیضا و أمر بکتمها و الخلاف جار فی الروح أیضا و بین له فی أمر الدجال ما لم یبین لاحد و وعد بالمغفرة و هو یمشی حیا صحیحا و رفع ذکره فلا یذکر اللّه جل جلاله فی أذان و لا خطبة و لا تشهد الا ذکر معه و عرض علیه أمّته بأسرهم حتی رآهم و عرض علیه ما هو کائن فی أمته حتی تقوم الساعة و هو سید ولد آدم و أکرم الخلق علی اللّه فهو أفضل من المرسلین و جمیع الملائکة المقرّبین و أید بأربعة و زراء جبریل و میکائیل و أبی بکر و عمر و أعطی من أصحابه أربعة عشر نجیبا و کل نبیّ أعطی سبعة و أسلم قرینه و کانت أزواجه عونا له و بناته و زوجاته أفضل نساء العالمین و ثواب أزواجه و عقابهنّ مضاعف و أصحابه أفضل العالمین الا النبیین و مسجده أفضل المساجد و بلده أفضل البلاد بالاجماع ما عدا مکة و علی أحد القولین فیها و هو المختار و یسأل عنه المیت فی قبره و استأذن ملک الموت علیه و لم یستأذن علی نبیّ قبله و حرم نکاح أزواجه من بعده و أمة وطئها و البقعة التی دفن فیها أفضل من الکعبة و من العرش و یحرم التکنی بکنیته و یجوز أن یقسم علی اللّه به و لیس ذلک لاحد ذکر هذه ابن عبد السلام و لم تر عورته قط و لو رآها أحد طمست عیناه و لا یجوز علیه الخطأ عدّ هذه ابن أبی هریرة و الماوردی قال قوم و لا النسیان حکاه النووی فی شرح مسلم*

(النوع الثانی ما اختص به فی شرعه و أمته فی الدنیا)

* اختص صلّی اللّه علیه و سلم باحلال الغنائم و جعل الارض کلها مسجدا و لم تکن الامم تصلی الا فی البیع و الکنائس و التراب طهورا و هو التیمم و بالوضوء فی أحد القولین و هو الاصح فلم یکن الا للانبیاء دون أممهم و بمجموع الصلوات الخمس و لم تجمع لاحد قبله و بالعشاء و لم یصلها أحد و بالاذان و الاقامة و افتتاح الصلاة بالتکبیر و بالتأمین و بالرکوع فیما ذکره جماعة من المفسرین و بقول اللهم ربنا لک الحمد و باستقبال الکعبة و بالصف فی الصلاة کصفوف الملائکة و بالجماعة فی الصلاة کما یفهم من کلام ابن فرشته فی شرح المجمع و بتحیة السلام و بالجمعة و بساعة الاجابة و بعید الاضحی و بشهر رمضان و ان الشیاطین تصفد فیه و ان الجنة تزین فیه و ان خلوف فم الصائمین فیه أطیب عند اللّه تعالی من ریح المسک و تستغفر لهم الملائکة حتی یفطروا و یغفر لهم فی آخر لیلة منه و بالسحور و تعجیل الفطر و اباحة الاکل و الشرب و الجماع لیلا الی الفجر و کان محرما علی من قبلنا بعد النوم و کذا کان فی صدر الاسلام و بلیلة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:215
القدر کما قاله النووی فی شرح المهذب و بجعل صوم عرفة کفارة سنتین لانه سنته و صوم عاشوراء کفارة سنة لانه سنة موسی و غسل الیدین بعد الطعام بحسنتین لانه شرعه و قبله بحسنة لانه شرع التوراة و بالاسترجاع عند المصیبة و بالحوقلة و باللحد و لاهل الکتاب الشق و بالنحر و لهم الذبح فیما قاله مجاهد و عکرمة و بالعذبة فی العمامة و هی سیماء الملائکة و بالاتزار فی الاوساط و ان أمّته خیر الامم و آخر الامم ففضحت الامم عندهم و لم یفضحوا و اشتق لهم اسمان من أسماء اللّه المسلمون و المؤمنون و سمی دینهم الاسلام و لم یوصف بهذا الوصف الا الأنبیاء دون أممهم و رفع عنهم الاصر الذی کان علی الامم قبلهم و أحل لهم کثیر مما شدّد علی من قبلهم و لم یجعل علیهم فی الدین من حرج و رفع عنهم المؤاخذة بالخطإ و النسیان و ما استکرهوا علیه و حدیث النفس و ان من همّ منهم بسیئة و لم یفعلها لم تکتب سیئة فان عملها کتبت سیئة واحدة و من همّ بحسنة و لم یعملها تکتب حسنة فان عملها کتبت عشرا و وضع عنهم قتل النفس فی التوبة و قرض موضع النجاسة و ربع المال فی الزکاة و شرع لهم نکاح أربع و رخص لهم فی نکاح غیر ملتهم و فی نکاح الامة و فی مخالطة الحائض سوی الوطء و فی اتیان المرأة علی أی شق شاء و شرع لهم التخییر بین القصاص و الدیة و حرّم علیهم کشف العورة و التصویر و شرب المسکر و عصموا من الاجتماع علی ضلالة و اجماعهم حجة و اختلافهم رحمة و کان اختلاف من قبلهم عذابا و الطاعون لهم شهادة و رحمة و کان علی الامم عذابا و ما دعوا به استجیب لهم و یأکلون صدقاتهم فی بطونهم و یثابون علیها و یجعل لهم الثواب فی الدنیا مع ادّخاره فی الآخرة و یغفر لهم الذنوب بالاستغفار و وعدوا أن لا یهلکوا بجوع و لا بعدوّ من غیرهم یستأصلهم و لا بغرق و لا یعذبوا بعذاب عذب به من قبلهم و اذا شهد الاثنان منهم لعبد بخیر وجبت له الجنة و کان الامم السالفة اذا شهد منهم مائة ردّهم و هم أقل الامم عملا و أکثرهم أجرا و أقصرهم أعمارا و أوتوا العلم الاوّل و العلم الآخر و فتح علیهم خزائن کل شی‌ء حتی العلم و أوتوا الاسناد و الانساب و الاعراب و تصنیف الکتب و لا تزال طائفة منهم علی الحق حتی یأتی أمر اللّه و فیهم أقطاب و أوتاد و نجباء و أبدال و منهم من یصلی اما ما بعیسی ابن مریم و منهم من یجری مجری الملائکة فی الاستغناء عن الطعام بالتسبیح و یقاتلون الدجال و علماؤهم کأنبیاء بنی اسرائیل و تسمع الملائکة فی السماء أذانهم و تلبیتهم و هم الحامدون للّه علی کل حال و یکبرون علی کل شرف و یسبحون عند کل هبوط و یقولون عند ارادة الامر أفعل ان شاء اللّه و اذا غضبوا هللوا و اذا تنازعوا سبحوا و مصاحفهم فی صدورهم و سابقهم سابق و مقتصدهم ناج و ظالمهم مغفور له و لیس أحد منهم الامر حوما و یلبسون ألوان ثیاب أهل الجنة و یراعون الشمس للصلاة و هم أمة وسط عدول بتزکیة اللّه و تحضرهم الملائکة اذا قاتلوا و افترض علیهم ما افترض علی الأنبیاء و الرسل و هو الوضوء و الغسل من الجنابة و الحج و الجمعة و الجهاد و أعطوا من النوافل ما أعطی الأنبیاء و قال اللّه فی حق غیرهم و من قوم موسی أمة یهدون بالحق و به یعدلون و قال فی حقهم و ممن خلقنا أمّة یهدون بالحق و به یعدلون و نودوا فی القرآن بیا أیها الذین آمنوا و نودیت الامم فی کتبهم بیا أیها المساکین و شتان ما بین الخطابین*

(النوع الثالث فیما اختص به فی ذاته فی الآخرة)

* اختص صلّی اللّه علیه و سلم بأنه أوّل من تنشق الارض عنه و أوّل من یفیق من الصعقة و بأنه یحشر فی سبعین ألف ملک و یحشر علی البراق و یؤذن باسمه فی الموقف و یکسی فی الموقف أعظم الحلل من الجنة و بأنه یقوم عن یمین العرش و بالمقام المحمود و ان بیده لواء الحمد و آدم و من دونه تحت لوائه و انه امام النبیین یومئذ و قائدهم و خطیبهم و أوّل من یؤذن له بالسجود و أوّل من یرفع رأسه و أوّل من ینظر الی اللّه تعالی و أوّل شافع و أوّل مشفع و بالشفاعة العظمی فی فصل القضاء و بالشفاعة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:216
فی ادخال قوم الجنة بغیر حساب و بالشفاعة فیمن استحق النار أن لا یدخلها و بالشفاعة فی رفع درجات ناس فی الجنة کما جوّز النووی اختصاص هذه و التی قبلها به و وردت الاحادیث به فی التی قبل و بالشفاعة فیمن خلد فی النار من الکفار أن یخفف عنهم العذاب و بالشفاعة فی أطفال المشرکین أن لا یعذبوا و انه أوّل من یجیز علی الصراط و ان له فی کل شعرة من رأسه و وجهه نورا و لیس للانبیاء الا نوران و یؤمر أهل الجمع بغض أبصارهم حتی تمرّا بنته علی الصراط و انه أوّل من یقرع أبواب الجنة و أوّل من یدخلها و بعده أمّته و بالکوثر و الوسیلة و هی أعلی درجة فی الجنة و قوائم منبره رواتب الجنة و منبره علی ترعة من ترع الجنة و ما بین قبره و منبره روضة من ریاض الجنة و لا یطلب منه شهید علی التبلیغ و یطلب من سائر الأنبیاء و کل سبب و نسب منقطع یوم القیامة الا سببه و نسبه فقیل معناه ان أمّته ینسبون إلیه یوم القیامة و أمم سائر الأنبیاء لا ینسبون إلیهم و قیل ینتفع یومئذ بالنسبة إلیه و لا ینتفع بسائر الانساب*

(النوع الرابع ما اختص به فی أمّته فی الآخرة)

* اختص صلّی اللّه علیه و سلم بأن أمّته أوّل من تنشق عنهم الارض من الامم و یأتون یوم القیامة غرّا محجلین من آثار الوضوء و یکونون فی الموقف علی کوم عال و لهم نوران کالانبیاء و لیس لغیرهم الانور واحد و لهم سیماء فی وجوههم من أثر السجود و یسعی نورهم بین أیدیهم و یؤتون کتبهم بایمانهم و عجل اللّه عذابها فی الدنیا و فی البرزخ لتوافی القیامة ممحصة الذنوب و تدخل قبورها بذنوبها و تخرج منها بلا ذنوب تمحص عنها باستغفار المؤمنین لها و لها ما سعت و ما سعی لها و لیس لمن قبلهم الا ما سعی قاله عکرمة و یقضی لهم قبل الخلائق و یغفر لهم المقحمات و هم أثقل الناس میزانا و نزلوا منزلة العدول من الحکام فیشهدون علی الناس ان رسلهم بلغتهم و یدخلون الجنة قبل سائر الامم و یدخل منهم الجنة سبعون ألفا بغیر حساب و أطفالهم کلهم فی الجنة و لیس ذلک لسائر الامم فی أحد احتمالین للسبکی فی تفسیره و ذکر الامام فخر الدین الرازی ان من کانت معجزته أظهر یکون ثواب أمّته اقل قال السبکی الا هذه الامّة فان معجزات نبینا أظهر و ثوابنا أکبر من سائر الامم*

(القسم الثانی فی الخصائص التی اختص بها عن أمّته)

اشارة

* منها ما علم مشارکة الأنبیاء له فیها و منها ما لم یعلم و هو أربعة أنواع*

(النوع الاوّل ما اختص به من الواجبات و الحکمة فیه زیادة الزلفی و الدرجات)

* خص صلّی اللّه علیه و سلم بوجوب صلاة الضحی و الوتر و التهجد أی صلاة اللیل و السواک و الاضحیة و المشاورة علی الاصح فی السنة و رکعتی الفجر لحدیث فی المستدرک و غیره و غسل الجمعة ورد فی حدیث ضعیف و أربع عند الزوال ورد عن سعید بن المسیب و مصابرة العدوّ و ان کثر عددهم و زادوا علی الضعف و تغییر المنکر و لا یسقط النهی عنه للخوف و قضاء دین من مات من المسلمین معسرا علی الصحیح و قیل کان یفعله تکرّما لا وجوبا کذا فی سیرة مغلطای و تخییر نسائه فی فراقه و اختیاره علی الصحیح و امساکهنّ بعد أن اخترنه فی أحد الوجهین و ترک التزوّج علیهنّ و التبدّل بهنّ ثم نسخ ذلک لتکون المنة له صلّی اللّه علیه و سلم و أن یقول اذا رأی ما یعجبه لبیک ان العیش عیش الآخرة فی وجه حکاه فی الروضة و أصلها و ان یؤدّی فرض الصلاة کاملة لا خلل فیها فیما ذکره الماوردی و غیره و اتمام کل تطوّع شرع فیه حکاه فی الروضة و أصلها و ان یدفع بالتی هی أحسن و کلف من العلم وحده ما کلف الناس بأجمعهم و کان مطالبا برؤیة مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس و الکلام ذکر الثلاثة ابن سبع و ابن القاص فی تلخیصه و کان یؤخذ عن الدنیا حالة الوحی و لا یسقط عنه الصوم و الصلاة و سائر الاحکام ذکره فی زوائد الروضة عن ابن القاص و القفال و جزم به ابن سبع و کان یغان علی قلبه فیستغفر اللّه سبعین مرّة ذکره ابن القاص و نقله ابن الملقن فی الخصائص*

(النوع الثانی ما اختص به من المحرّمات)

* خص صلّی اللّه علیه و سلم بتحریم الزکاة و الصدقة علیه و فی صدقة التطوّع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:217
قولان کذا فی سیرة مغلطای و تحریم الزکاة علی آله قیل و الصدقة أیضا و علیه المالکیة و علی موالی آله فی الاصح و تحریم کون آله عمالا علی الزکاة فی الاصح و صرف النذر و الکفارة إلیهم و أکل ثمن أحد من ولد اسماعیل ورد به حدیث فی المسند و لم أرمن تعرّض له و أکل ماله رائحة کریهة کالثوم و البصل و الکرّاث و قیل مکروه و اذا شرع فی تطوّع لزمه اتمامه کذا فی سیرة مغلطای و الاکل متکئا فی أحد الوجهین فیهما و الاصح فی الروضة کراهیتهما و تحریم الکتابة و الشعر* قال الماوردی و کذا روایته و القراءة فی الکتاب و نزع لامته اذا لبسها حتی یقاتل أو یحکم اللّه بینه و بین عدوّه و قیل مکروه و کذلک الأنبیاء و المنّ لیستکثر و مدّ العین الی ما متع به الناس و خائنة الاعین و هی الایماء الی مباح من قتل أو ضرب علی خلاف ما یظهر و کذلک الأنبیاء و أن یخدع فی الحرب فیما ذکره ابن القاص و خالفه الجمهور و الصلاة علی من علیه دین ثم نسخ و امساک کارهته و تحرم علیه مؤیدا فی أحد الوجهین و نکاح من لم تهاجر فی أحد الوجهین و نکاح الکتابیة قیل و التسرّی بها و نکاح الامة المسلمة و لو قدّر نکاحه أمة کان ولده منها حرّا و لا یلزم قیمته و لا یشترط فی حقه حینئذ خوف العنت و لا فقد الطول و له الزیادة علی واحدة* قال امام الحرمین و لو قدر نکاح الغرور فی حقه لا یلزمه قیمة الولد قال ابن الرفعة و فی تصوّر ذلک فی حقه نظر و کان اذا خطب فردّ لم یعد کذا فی حدیث مرسل فیحتمل التحریم و الکراهة قیاسا علی امساکه کارهته و لم أرمن تعرّض له و عدّ ابن سبع من خصائصه تحریم الاغارة اذا سمع التکبیر*

(النوع الثالث ما اختص به من المباحات)

* اختص صلّی اللّه علیه و سلم باباحة المکث فی المسجد جنبا و فیها خلاف و انه لا ینقض وضوءه بالنوم مضطجعا و لا باللمس أی بلمس المرأة و الذکر فی أحد الوجهین و هو الاصح و اباحة الصلاة بعد العصر و حمل الصغیر فی الصلاة فیما ذکر بعضهم و بالصلاة علی الغائب عند أبی حنیفة و بجواز صلاة الوتر علی الراحلة مع وجوبه علیه ذکره فی شرح المهذب و بالامامة جالسا فیما ذکره قوم و القبلة فی الصوم مع قوّة شهوته و الوصال و اباحة دخول مکة بغیر إحرام و استمرار الطیب فی الاحرام فیما ذکره المالکیة و قهر من شاء علی طعامه و شرابه و یجب علی مالکهما البذل و ان یفدی بمهجته مهجة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و اباحة النظر الی الاجنبیات و الخلوة بهنّ و نکاح أکثر من أربع نسوة و کذلک الأنبیاء و النکاح بلفظ الهبة و بلا مهر ابتداء و انتهاء و بلا ولی و بلا شهود و فی حال الاحرام و بغیر رضا المرأة فلو رغب فی نکاح امرأة خلیة لزمها الاجابة و حرم علی غیره خطبتها أو مزوّجة وجب علی زوجها طلاقها لینکحها و کان له تزویج المرأة ممن شاء بغیر اذنها و اذن ولیها و تزوّجها لنفسه و تولی الطرفین بغیر اذنها و لا اذن ولیها و له اجبار الصغیرة من غیر بناته و زوّج ابنة حمزة مع وجود عمها العباس و قدّم علی الاقرب و قال لأمّ سلمة مری ابنک أن یزوّجک فزوّجها و هو یومئذ صغیر لم یبلغ و زوّجه اللّه بزینب فدخل علیها بتزویج اللّه بغیر عقد من نفسه و عبر فی الروضة عن هذه بقوله و کانت المرأة تحل له بتحلیل اللّه و له نکاح المعتدّة من غیره فی وجه حکاه الرافعی و الجمع بین المرأة و اختها و عمتها و خالتها فی أحد الوجهین و بین المرأة و ابنتها فی وجه حکاه الرافعی و عتق أمته و جعل عتقها صداقها و نکاح من لم تبلغ فیما ذکره ابن شبرمة لکن الاجماع علی خلافه و ترک القسم بین أزواجه فی أحد الوجهین و هو المختار و لا یجب علیه نفقتهنّ فی وجه کالمهر و علی الوجوب لا یتقدّر و لا ینحصر طلاقه فی الثلاث فی أحد الوجهین و علی الحصر قیل تحل له من غیر محلل و قیل لا تحل له أبدا و مرجع غالب هذه الخصائص الی أن النکاح فی حقه کالتسرّی فی حقنا و حرّم أمته فلم تحرم علیه و لم تلزمه کفارة و کان له أن یستثنی فی کلامه بعد حین منفصلا و اصطفاء ما شاء من الغنیمة قبل القسمة من جاریة و غیرها و خمس خمس الفی‌ء و الغنیمة و أربعة أخماس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:218
الفی‌ء و أن یحمی الموات لنفسه و لا ینقض ما حماه و القتال بمکة و القتل بها و القتل بعد الامان و لعن من شاء بغیر سبب و یکون له رحمة و القضاء بعلمه و فی غیره خلاف و لنفسه و لولده و أن یشهد لنفسه و لولده و أن یقبل شهادة له و لولده و قبول الهدیة بخلاف غیره من الحکام و لا تکره له الفتوی و القضاء فی حال الغضب ذکره النووی فی شرح مسلم و کان له أن یدعو لمن شاء بلفظ الصلاة و لیس لنا أن نصلی الاعلی نبیّ أو ملک و ضحیک عن أمّته و لیس لاحد أن یضحی عن الغیر بغیر اذنه و أکل من طعام الفجأة مع نهیه عنه ذکر هذه ابن القاص و أنکرها البیهقی و قال انه مباح للامة و النهی لم یثبت و له قتل من سبه و هجاه عدّ هذه ابن سبع و کان یقطع الاراضی قبل فتحها لان اللّه ملکه الارض کلها و أفتی الغزالی بکفر من عارض أولاد تمیم الداری فیما أقطعهم و قال انه صلّی اللّه علیه و سلم کان یقطع أرض الجنة فأرض الدنیا أولی‌

* (النوع الرابع ما اختص به من الکرامات و الفضائل)

اختص صلّی اللّه علیه و سلم بمنصب الصلاة و بأنه لا یورث و کذلک الأنبیاء و بأن ماله باق بعد موته علی ملکه ینفق منه علی أهله فی أحد الوجهین و صححه امام الحرمین و انه لو قصده ظالم وجب علی من حضره أن یبذل نفسه دونه حکاه فی زوائد الروضة عن جماعة من الاصحاب و تحریم رؤیة أشخاص أزواجه فی الازر کما صرّح به القاضی عیاض و غیره و کشف وجوههنّ و أکفهنّ لشهادة أو غیرها و سؤالهنّ مشافهة و انهنّ أمهات المؤمنین و وجوب جلوسهنّ بعده فی البیوت و تحریم خروجهنّ و لو لحج أو عمرة فی أحد القولین و أباح لهنّ و له الجلوس فی المسجد مع الحیض و الجنابة و ان تطوّعه فی الصلاة قاعدا کتطوّعه قائما و ان عمله له نافلة و یخاطبه المصلی بقوله السلام علیک أیها النبیّ و رحمة اللّه و لا یخاطب غیره و کان یجب علی من دعاه و هو فی الصلاة أن یجیبه و لا تبطل صلاته و کذلک الأنبیاء و من تکلم و هو یخطب بطلت جمعته و النکاح فی حقه عبادة مطلقا کما قاله السبکی و هو فی حق غیره لیس بعبادة عند نابل من المباحات و العبادة عارضة و الکذب علیه کبیرة لیس کالکذب علی غیره* و قال الجوینی ردّة و من کذب علیه لم تقبل روایته أبدا و ان تاب فیما ذکره خلائق من أهل الحدیث و یحرم التقدّم بین یدیه و رفع الصوت فوق صوته و الجهر له بالقول و نداؤه من وراء الحجرات و الصیاح به من بعید و طهارة دمه و بوله و غائطه و یستشفی بها و لا خلاف فی طهارة شعره فی غیره خلاف و العصمة من کل ذنب و لو صغیرا أو سهوا و کذلک الأنبیاء و ینزه عن فعل المکروه و محبته فرض و تجب محبة أهل بیته و أصحابه و من استهان به کفر أو زنا بحضرته و من سبه قتل و کذلک الأنبیاء و لم تبغ امرأة نبیّ قط و من قذف أزواجه فلا توبة له البتة کما قاله ابن عباس و غیره و یقتل کما نقله القاضی عیاض و فی قول یختص القتل بمن سب عائشة و یحدّ فی غیرها حدّین و کذا من قذف أمّ أحد من أصحابه و أولاد بناته ینسبون إلیه و لا یتزوّج علی بناته و من صاهره من الجانبین لم یدخل النار و لا یجتهد فی محراب صلّی إلیه لا فی یمنة و لا یسرة و یختص صلاة الخوف بعهده فی قول أبی یوسف و المزنی و یجل منصبه عن الدعاء له بالرحمة فیما ذکره جماعة و یحرم النقش علی نقش خاتمه و لا یقول فی الغضب و الرضا الا حقا و رؤیاه وحی و کذلک الأنبیاء و لا یجوز علی الأنبیاء الجنون و لا الاغماء الطویل الزمن فیما ذکره الشیخ أبو حامد فی تعلیقه و جزم به البلقینی فی حواشی الروضة و نبه السبکی علی أن اغماءهم یخالف اغماء غیرهم کما خالف نومهم نوم غیرهم و لا العمی فیما ذکره السبکی و یخص من شاء بما شاء من الاحکام کجعله شهادة خزیمة بشهادة رجلین و ترخیصه فی ارضاع سالم و هو کبیر* عن عائشة ان سالما مولی أبی حذیفة کان مع أبی حذیفة و أهله فی بیتهم فأتت سهیلة بنت سهل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالت ان سالما بلغ ما یبلغ الرجال و عقل ما عقلوا و انه یدخل علینا و انی أظنّ ان فی نفس أبی حذیفة من ذلک شیئا فقال لها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أرضعیه تحرمی علیه و یذهب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:219
ما فی نفس أبی حذیفة فرجعت إلیه فقالت انی قد أرضعته فذهب الذی فی نفس أبی حذیفة کذا فی أسد الغابة و فی النیاحة لتلک المرأة و فی تعجیل صدقة عامین للعباس و فی ترک الاحداد لاسماء بنت عمیس و فی الجمع بین اسمه و کنیته للولد الذی یولد لعلی و فی الاضحیة بالعناق لابی بردة بن نیار و فی نکاح ذلک الرجل بما معه من القرآن فیما ذکره جماعة و ورد به حدیث مرسل و أصام أطفال أهل بیته و هم رضعاء و کان یحرم علی الصحابة اذا کانوا معه علی أمر جامع أن یذهبوا حتی یستأذنوه و کانوا یقولون له بأبی أنت و أمی و لا یقال لغیره فیما ذکره بعضهم و کان یری من خلفه کما یری من أمامه و یری باللیل و فی الظلمة کما یری بالنهار و الضوء و ریقه یعذب الماء الملح و یجزئ الرضیع و إبطه أبیض غیر متغیر اللون و لا شعر علیه و یبلغ صوته و سمعه ما لا یبلغه غیره و تنام عینه و لا ینام قلبه و ما تثاءب قط و لا احتلم قط و کذلک الأنبیاء فی الثلاثة و عرقه أطیب من المسک و کان اذا مشی مع الطویل طاله و اذا جلس یکون کتفه أعلی من جمیع الجالسین و لم یقع ظله علی الارض و لا رؤی له ظل فی شمس و لا قمر و لا یقع علی ثیابه ذباب قط و لا أذاه القمل و لم یکن لقدمه أخمص و کانت خنصر رجله متظاهرة و کانت الارض تطوی له اذا مشی و أوتی قوّة أربعین فی الجماع و البطش* و عن أنس قال فضلت علی الناس بأربع بالسماحة و الشجاعة و کثرة الجماع و شدّة البطش کذا فی سیرة مغلطای و لم یر له أثر قضاء حاجة بل کانت الارض تبتلعه و کذلک الأنبیاء و لم یقع فی نسبه من لدن آدم سفاح و نکست الاصنام لمولده و ولد مختونا و مقطوع السرّة و نظیفا ما به قذر و وقع الی الارض ساجدا رافعا اصبعه کالمتضرّع المبتهل و رأت أمه عند ولادته نورا خرج منها أضاء له قصور الشام و کذلک أمهات النبیین یرین و کان مهده یتحرّک بتحریک الملائکة ذکر هذه ابن سبع و کان القمر یناغیه فی مهده و یمیل حیث أشار إلیه و تکلم فی المهد و تظله الغمامة فی الحرّ و کان یمیل إلیه فی‌ء الشجرة اذا سبق إلیه و کان یبیت جائعا و یصبح طاعما یطعمه ربه و یسقیه من الجنة و کان یوعک کما یوعک رجلان لمضاعفة الاجر وردت إلیه الروح بعد ما قبض ثم خیر بین البقاء فی الدنیا و الرجوع الی اللّه فاختار الرجوع إلیه و کذلک الأنبیاء و أرسل إلیه ربه جبریل ثلاثة أیام فی مرضه یسأله عن حاله و سمع صوت ملک الموت باکیا علیه ینادی وا محمداه و صلّی علیه ربه و صلّی علیه الناس أفواجا بغیر امام و بغیر دعاء الجنازة المعروف و ترک بلا دفن ثلاثة أیام و دفن فی بیته حیث قبض و کذلک الأنبیاء و فرش له فی لحده قطیفة و الامران فی حقنا مکروهان و أظلمت الارض یوم موته و لا یضغط فی قبره و کذلک الأنبیاء و لا یسلم من الضغطة لا صالح و لا غیره سواهم و تحرم الصلاة علی قبره و اتخاذه مسجدا و لا یبلی جسده و کذلک الأنبیاء لا تأکل لحومهم الارض و لا السباع و لا خلاف فی طهارة میتتهم و فی غیرهم خلاف و لا یجری فی أطفالهم التوقف الذی لبعضهم فی غیرهم و لا یجوز للمضطر أکل میتة نبی و هو حی فی قبره یصلی فیه باذان و اقامة و کذلک الأنبیاء و لهذا قیل لا عدة علی أزواجه و وکل بقبره ملک یبلغه صلاة المصلین علیه و تعرض علیه أعمال أمته و یستغفر لهم و المصیبة بموته عامة لامّته الی یوم القیامة و من رآه فی المنام فقد رآه حقا فان الشیطان لا یتمثل فی صورته و من أمره بأمر فی المنام وجب علیه امتثاله فی أحد الوجهین و استحب فی الآخر و قراءة أحادیثه عبادة یثاب علیها کقراءة القرآن فی أحد الروایتین و لا تأکل النار شیئا مس وجهه و کذلک الأنبیاء و التسمی باسمه میمون و نافع فی الدنیا و الآخرة و یکره أن یحمل فی الخلاء ما کتب علیه اسمه و یستحب الغسل لقراءة حدیثه و الطیب و لا ترفع عنده الاصوات و یقرأ علی مکان عال و یکره لقارئه أن یقوم لاحد و حملته لا تزال وجوههم
نضرة و اختصوا بالتلقیب بالحفاظ و امراء المؤمنین من بین سائر العلماء و یجعل کتبه علی کرسی کالمصحف و تثبت الصحبة لمن اجتمع به صلّی اللّه علیه و سلم لحظة بخلاف التابعی مع الصحابة فلا تثبت الا بطول
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:220
الاجتماع معه علی الاصح عند أهل الاصول و الفرق عظم منصب النبوّة و نورها فبمجرّد ما یقع بصره علی الاعرابی الجلف ینطق بالحکمة و أصحابه کلهم عدول فلا یبحث عن عدالة أحد منهم کما یبحث عن سائر الرواة و لا یکره للنساء زیارة قبره کما یکره لهنّ سائر القبور بل تستحب کما قاله العراقی فی نکته انه لا شک فیه و المصلی بمسجده لا یبصق عن یساره کما هو السنة فی سائر المساجد و اللّه أعلم* وجدت مکتوبا أن جملة الخصائص أربعمائة و أربعون حدیثا التی اختص بها عن الأنبیاء مائتان و أربعون و التی اختص بها عن الامّة مائتان ثم ألحقت بها زیادات بعد ذلک فقاربت الخمسمائة*

(ذکر معجزاته صلّی اللّه علیه و سلم المذکورة فی هذا الباب مجموعة)

* منها القرآن و هو أعظمها و أدومها و شق الصدر و اخباره عن بیت المقدس و انشقاق القمر و سیجی‌ء فی السنة التاسعة من المبعث و ان الملأ من قریش تعاقدوا علی قتله فخرج علیهم فخفضوا أبصارهم و سقطت أذقانهم فی صدورهم فأقبل حتی قام علی رءوسهم فقبض قبضة من تراب و قال شاهت الوجوه و حصبهم فما أصاب رجلا منهم شی‌ء من تلک الحصباء الا قتل یوم بدر و رمی یوم حنین بقبضة من تراب فی وجوه القوم فهزمهم اللّه تعالی و نسج العنکبوت علی الغار و ما کان من أمر سراقة بن مالک اذ تبعه فی الهجرة فساخت قوائم فرسه فی الارض الجلد و مسح علی ظهر عناق لم ینز علیها الفحل فدرّت و دعوته لأمّ معبد و دعوته لعمر ان اللّه یعز به الاسلام و دعوته لعلی أن یذهب عنه الحرّ و البرد و تفل فی عینیه یوم خیبر و هو أرمد فعوفی من ساعته و لم یرمد بعد ذلک و ردّ عین قتادة بن النعمان بعد أن سالت علی خدّه فکانت أحسن عینیه و ذلک یوم أحد کذا فی المستدرک و فی روایة یوم بدر* و قال الدمیاطی بالخندق قال السهیلی فکانت لا ترمد الا اذا رمدت الاخری و عند الدارقطنی حدقتاه و استغربه کذا فی سیرة مغلطای* و دعا لجمل جابر فصار سابقا بعد أن کان مسبوقا و دعا لانس بطول العمر و کثرة المال و الولد فمات و له من العمر مائة و ثلاث سنین و قیل تسع و تسعون سنة قال ابن عبد البرّ و هو أصح یقال انه ولد له مائة ولد و قیل ثمانون منهم ثمانیة و سبعون ذکرا و اثنتان انثی و فی تمر جابر بالبرکة فأوفی غرماءه و فضل ثلاثون وسقا و استسقی صلّی اللّه علیه و سلم فطروا أسبوعا ثم استصحی لهم فانجاب السحاب و دعا علی عتبة أو عتیبة بن أبی لهب فأکله الاسد بالزرقاء من الشام و شهدت له الشجرة بالرسالة فی خبر الاعرابی الذی دعاه الی الاسلام فقال هل من شاهد علی ما تقول فقال نعم هذه الشجرة ثم دعاها فأقبلت فاستشهدها فشهدت أنه کما قال ثلاثا ثم رجعت الی منبتها و أمر شجرتین فاجتمعتا ثم افترقتا و أمر انسانا أن ینطلق الی نخلات فیقول لهنّ أمرکن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن تجتمعن فاجتمعن فلما قضی حاجته خلفها أمره أن یأمرهنّ بالعود الی أماکنهنّ فعدن و نام فجاءت شجرة تشق الارض حتی قامت علیه فلما استیقظ ذکر له ذلک فقال هی شجرة استأذنت ربها فی أن تسلم علیّ فأذن لها و بینما هو یسیر لیلا علی راحلته بواد بقرب الطائف فی منصرفه عن غزوة الطائف اذ غشی سدرة فی سواد اللیل و هو فی و سن النوم فانفرجت له السدرة نصفین فمرّ بین نصفها و بقیت منفرجة علی حالها و سیجی‌ء فی غزوة الطائف و سلم علیه الشجر و الحجر لیالی بعث السلام علیک یا رسول اللّه و قال انی لاعرف حجرا کان یسلم علیّ بمکة قبل أن أبعث انی لا عرفه الآن خرجه مسلم من حدیث جابر بن سمرة و قد اختلف فی هذا الحجر فقیل هو الحجر الاسود و قیل حجر غیره بزقاق یعرف به بمکة و الناس یتبرکون بلمسه و یقولون انه الذی کان یسلم علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم متی اجتاز به* و حکی عن أبی جعفر المیانشی أنه قال أخبرنی کل من لقیته بمکة ان هذا الحجر یعنی المذکور هو الذی کلم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی التفسیر الکبیر للامام النحریر فخر الدین الرازی روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم کان علی شط ماء و قعد عکرمة بن أبی جهل و قال ان کنت صادقا فادع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:221
ذلک الحجر الذی فی الجانب الآخر فلیسبح و لا یغرق فأشار إلیه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فانقلع الحجر من مکانه و سبح حتی صار بین یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و شهد له بالرسالة فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یکفیک هذا فقال حتی یرجع الی مکانه* قال القسطلانی و لم أره لغیره و اللّه أعلم بحاله کذا فی المواهب اللدنیة و حنّ إلیه الجذع و سبح الحصی فی کفه و کذلک الطعام کان یسمع تسبیحه و هو یؤکل و أخبرته الشاة یسمها* و فی روایة أبی داود أکل من شاة لقمة ثم قال ان هذه تخبرنی انها أخذت بغیر اذن أهلها فنظر فاذا هو کما قال کذا فی سیرة مغلطای و شکا إلیه البعیر قلة العلف و کثرة العمل و سألته الظبیة أن یخلصها من الحبل لترضع أولادها و تعود فخلصها فنطقت بالشهادتین و أخبر عن مصارع المشرکین یوم بدر فلم یعد أحد منهم مصرعه و أخبر أن طائفة من أمّته یغزون فی البحر و ان أمّ حزام بنت ملحان منهم فکان کذلک و قال لعثمان تصیبه بلوی شدیدة فکانت و قتل و قال للانصار انکم ستلقون بعدی أثرة فکانت زمان معاویة و قال فی الحسن هذا سید و لعلّ اللّه سیصلح به بین فئتین من المسلمین و أخبر بقتل عبهلة ذی الخمار و هو الاسود العنسی الکذاب و هو بصنعاء الیمن لیلة قتل و بمن قتله* و قال لثابت ابن قیس تعیش حمیدا و تقتل شهیدا فبلغه انه مات فقال ان الارض لا تقبله فکان کذلک و قال لرجل یأکل بشماله کل بیمینک فقال لا أستطیع فقال له لا استطعت فلم یطق أن یرفعها الی فیه بعد و دخل مکة عام الفتح و الاصنام معلقة حول الکعبة و بیده قضیب فجعل یشیر إلیها و یقول جاء الحق و زهق الباطل و هی تتساقط و شهد الضب برسالته و شهد الذئب بنبوّته رواه أبو سعید عن ابن حبان کذا فی سیرة مغلطای و أطعم ألفا من صاع من شعیر و بهیمة فی بیت جابر بالخندق فشبعوا و الطعام أکثر مما کان و أطعمهم من تمر یسیر و جمع فضل الازواد علی النطع فدعا لها بالبرکة ثم قسمها فی العسکر فقامت بهم و أتاه أبو هریرة بتمرات قد صفهنّ فی یده و قال ادع اللّه لی فیهنّ بالبرکة ففعل* قال أبو هریرة فأخرجت من ذلک التمر کذا کذا وسقا فی سبیل اللّه و کنا نأکل منه و نطعم حتی انقطع فی زمن عثمان و دعا أهل الصفة لقصعة ثرید قال أبو هریرة فجعلت أتطاول لیدعونی حتی قام القوم و لیس فی القصعة الا الیسیر فی نواحیها فجمعه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فصار لقمة فوضعها علی أصابعه و قال کل بسم اللّه فو الذی نفسی بیده ما زلت آکل منها حتی شبعت* و نبع الماء من بین أصابعه بالحدیبیة حتی شرب القوم و توضأ و اوهم ألف و أربعمائة و أتی بقدح فیه ماء فوضع أصابعه فی القدح فلم یسع فوضع أربعة منها و قال هلموا فتوضئوا کلهم و هم ما بین السبعین الی الثمانین و مرّة أخری و هم ثلاثمائة و حدیث المزادتین اللتین لم ینقصا قال عمران شربنا منهما و نحن نحو الاربعین* و ورد فی غزوة تبوک علی ماء لا یروی واحدا و القوم عطاش فشکوا إلیه فأخذ سهما من کنانته و أمر بغرزه فیه ففار الماء و ارتوی القوم و کانوا ثلاثین ألفا و شکی القوم ملوحة فی مائهم فجاء فی نفر من أصحابه حتی وقف علی بئرهم فتفل فیه فتفجر بالماء العذب المعین و أتته امرأة بصبی لها أقرع فمسح علی رأسه فاستوی شعره و ذهب داؤه فسمع أهل الیمامة بذلک فأتت امرأة الی مسیلمة بصبی لها فمسح علی رأسه فصلع و بقی الصلع فی نسله و انکسر سیف عکاشة فی یوم بدر فأعطاه جذلا من حطب فصار فی یده سیفا و لم یزل بعد ذلک عنده و عرت کدیة بالخندق و عسر أن یأخذها المعول فضربها فصارت کثیبا أهیل و مسح علی رجل أبی رافع و قد انکسرت فکأنه لم یشکها قط* و فی البخاری أصیبت رجل عبد اللّه بن عتیک فبرأ بمسحته من حینها و جاء الطفیل بن عمرو الدوسی و کان شریفا فأسلم و قال یا رسول اللّه انی امرؤ مطاع فی قومی و أنا راجع إلیهم و داعیهم الی الاسلام فادع اللّه أن یجعل لی آیة تکون لی عونا علیهم فدعا له فطلع نور بین عینیه مثل المصباح حتی أشرف علی قومه
قال فقلت اللهمّ فی غیر وجهی انی أخشی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:222
أن یظنوا انها مثلة وقعت فی وجهی لفراقی دینهم فتحوّل النور فوقع فی رأس سوطی کالقندیل المعلق فأسلم علی یده ناس* و من معجزاته احیاء الموتی باذن اللّه و اسماع الاصم و ردّ الشمس و قلب الاعیان و الاطلاع علی الغیب و ظلّ الغمام و ابراء الآلام کذا ذکره فی سیرة مغلطای و معجزاته صلّی اللّه علیه و سلم أکثر من ان یحصرها کاتب أو یجمعها دیوان کذا ذکره فی سیرة الیعمری*

(ذکر ارضاع الاظآر و عددها و ما وقع عند حلیمة)

* قال أهل السیر أرضعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أمّه آمنة ثلاثة أیام و قیل سبعة ثم أرضعته ثویبة الاسلمیة جاریة أبی لهب أیاما قبل قدوم حلیمة من قبیلتها ثم أرضعته حلیمة* روی انها أرضعت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثمان نسوة غیر آمنة ثویبة و حلیمة و خولة بنت المنذر ذکرها أبو الفتح الیعمری و أم أیمن ذکرها أبو الفتح عن بعضهم و المعروف انها من الحواضن و امرأة سعدیة غیر حلیمة ذکرها ابن القیم فی الهدی و ثلاث نسوة اسم کل واحدة منهنّ عاتکة نقله السهیلی عن بعضهم فی قوله صلّی اللّه علیه و سلم أنا ابن العواتک من سلیم کذا فی مزیل الخفا* و فی حیاة الحیوان العواتک ثلاث نسوة کنّ من أمّهات النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و فی نهایة ابن الاثیر العواتک جمع عاتکة و أصل العاتکة المتضمخة بالطیب و العواتک ثلاث نسوة کنّ أمّهات النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم احداهنّ عاتکة بنت هلال بن فالخ بن ذکوان و هی أم عبد مناف بن قصی و الثانیة عاتکة بنت مرّة بن هلال بن فالخ و هی أمّ هاشم بن عبد مناف* و الثالثة عاتکة بنت الاوقص ابن مرّة بن هلال و هی أمّ وهب أبی آمنة أمّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فالاولی من العواتک عمة الثانیة و الثانیة عمة الثالثة و بنو سلیم تفخر بهذه الولادة و المشهور انه أرضعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ظئران* الظئر الاولی ثویبة الاسلمیة جاریة أبی لهب و فی شواهد النبوّة عن ابن عباس أرضعته ثویبة بعد مضی ثلاثة أیام من مولده الی أن قدمت حلیمة من قبیلتها بعد أربعة أشهر و کانت ثویبة قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب و أرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الاسد المخزومی* و فی المواهب اللدنیة أرضعته صلی اللّه علیه و سلم ثویبة عتیقة أبی لهب أعتقها حین بشرته بولادته صلّی اللّه علیه و سلم و کانت تدخل علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیکرمها أیضا و تکرمها خدیجة و هی یومئذ أمّه* و فی الاستیعاب قال أحمد بن محمد أعتقها أبو لهب بعد ما هاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة فأثابه اللّه علی ذلک بأن سقاه اللّه لیلة کل اثنین فی مثل نقرة الابهام کذا فی سیرة مغلطای و المنتقی و کان صلی اللّه علیه و سلم یبعث إلیها من المدینة بکسوة و صلة حتی ماتت بعد فتح خیبر* و فی سیرة مغلطای سنة سبع من الهجرة فبلغ وفاتها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و سأل عن ابنها مسروح فقیل مات فسأل عن قرابتها فقیل لم یبق منهم أحد ذکره أبو عمرو کذا فی ذخائر العقبی* قال أبو نعیم الاصفهانی انه قد اختلف فی اسلامها* و فی سیرة مغلطای قال أبو نعیم لا أعلم أحدا أثبت اسلامها غیر ابن مندة عن عروة لما مات أبو لهب رآه أخوه العباس فی المنام بعد سنة فقال له ما ذا لقیت یا أبا لهب قال ما رأیت بعدکم روحا غیر أنی سقیت من هذه یعنی من عتق ثویبة لأمر محمد و أشار الی ما بین الابهام و السبابة و فی روایة و أشار الی النقرة التی فی الابهام* و فی المواهب اللدنیة و قد رؤی أبو لهب بعد موته فی النوم فقیل له ما حالک فقال فی النار الا أنه خفف عنی کل لیلة اثنین و أمص من بین اصبعیّ هاتین ماء و أشار برأس اصبعه و ان ذلک باعتاقی ثویبة عند ما بشرتنی بولادة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و بارضاعها له* و فی الاکتفاء قال ما لقیت بعدکم راحة الا ان العذاب یخفف عنی الی آخر ما ذکر قال ابن الجوزی فاذا کان هذا أبو لهب الکافر الذی أنزل القرآن بذمّه جوزی فی النار بفرحة لیلة مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فما حال المسلم الموحد من أمّته علیه السلام یسرّ بمولده و یبذل ما تصل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:223
إلیه قدرته فی محبته صلّی اللّه علیه و سلم لعمری انما یکون جزاؤه من الکریم أن یدخله بفضله جنات النعیم و لا یزال أهل الاسلام یحتفلون بشهر مولده علیه السلام و یعملون الولائم و یتصدّقون فی لیالیه بأنواع الصدقات و یظهرون السرور و یزیدون فی المبرات و یعتنون بقراءة مولده الکریم و یظهر علیهم من برکاته کل فضل عمیم* و مما جرّب من خواصه انه أمان فی ذلک العام و بشری عاجلة بنیل البغیة و المرام و لقد أطنب ابن الحاج فی المدخل فی الانکار علی ما أحدثه الناس من البدع و الاهواء و التغنی بالآلات المحرّمة عند عمل المولد الشریف فاللّه تعالی یثیبه علی قصده الجمیل و یسلک بنا سبیل السنة فانه حسبنا و نعم الوکیل* الظئر الثانیة أمّ کبشة حلیمة بنت أبی ذؤیب عبد اللّه بن الحارث بن شحنة بن جابر ابن رزام بن ناضرة بن سعد بن بکر بن هوازن بن منصور بن عکرمة بن حفصة بن قیس بن عیلان ابن مضر و هی التی أرضعته حتی أکملت رضاعه بلبن زوجها الحارث بن عبد العزی بن رفاعة بن ملآن بن ناضرة بن قصیة بن عیلان بن مضر* و فی المواهب اللدنیة لما ولد صلّی اللّه علیه و سلم قیل من یکفل هذه الدرّة الیتیمة التی لا یوجد لها مثل و لا قیمة قالت الطیور نحن نکفله و نغنم خدمته العظیمة و قالت الوحوش نحن أولی بذلک نثال شرفه و تعظیمه فنادی لسان القدرة أن یا جمیع المخلوقات ان اللّه کتب فی سابق حکمته القدیمة ان نبیه الکریم یکون رضیعا لحلیمة الحلیمة* روی عن مجاهد أنه قال قلت لابن عباس أوقد تنازعت الطیور فی ارضاع محمد صلّی اللّه علیه و سلم فقال ای و اللّه و کل نساء الجنّ و ذلک انه لما نادی الملک فی سماء الدنیا هذا محمد سید الأنبیاء طوبی لثدی أرضعته تنافست الجنّ و الطیر فی ارضاعه فنودیت أن کفوا فقد أجری اللّه ذلک علی أیدی الانس فخص اللّه تعالی بتلک السعادة و شرف بذلک الشرف حلیمة بنت أبی ذؤیب* روی انه کان من عادة أشراف قریش و دیدن صنادیدهم أن یدفعوا أولادهم الرضعاء الی المراضع لیتیسر اشتغال نسائهم بالازواج فی کل الحال بحضور القلب و فراغ البال و لازدیاد النسل و الاولاد و بقائهم مصونة عن مضرة الغیل و الفساد و لنشوهم فی القبائل المعروفة بلادهم بطیب الهواء و قلة الرطوبة و عذوبة الماء اذ لها مدخل عظیم و تأثیر بلیغ فی فصاحة المولود و لهذا قال صلّی اللّه علیه و سلم أنا أعربکم أنا من قریش و استرضعت فی بنی سعد بن بکر و کانت مشهورة بین العرب بکمال الجود و تمام الشرف و کانت نساء القبائل التی حوالی مکة و نواحی الحرم یأتینها فی کل عام مرّتین ربیعا و خریفا یلتمسن الرضعاء و یذهبن بهم الی بلادهنّ حتی تتمّ الرضاعة* و فی المواهب اللدنیة قالت حلیمة فیما رواه ابن اسحاق و ابن راهویه و أبو یعلی و الطبرانی و البیهقی و أبو نعیم قدمت مکة فی نسوة من بنی سعد بن بکر نلتمس الرضعاء فی سنة شهباء فقدمت علی أتان لی و معی صبی لی و شارف لنا و اللّه ما تبض بقطرة لبن و ما ننام لیلنا ذلک أجمع مع صبینا ذاک لا یجد فی ثدیی ما یغنیه و لا فی شارفنا ما یغذیه فقدمنا مکة فو اللّه ما علمت منا امرأة الا و قد عرض علیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتأباه اذا قیل یتیم فو اللّه ما بقی من صواحبی امرأة الا أخذت رضیعا غیری فلم أجد غیره قلت لزوجی و اللّه انی لاکره أن أرجع من بین صواحبی لیس معی رضیع لانطلقنّ الی ذلک الیتیم فلآخذنه فذهبت فاذا به مدرج فی ثوب صوف أبیض من اللبن یفوح منه رائحة المسک و تحته حریرة خضراء و هو راقد علی قفاه یغط فأشفقت أن أوقظه من نومه لحسنه و جماله فدنوت منه رویدا فوضعت یدی علی صدره فتبسم ضاحکا و فتح عینیه ینظر الیّ فخرج من عینیه نور حتی دخل خلال السماء و أنا أنظر إلیه فقبلته بین عینیه و أعطیته ثدیی الایمن فأقبل علیه بما شاء من اللبن فحوّلته الی الایسر فأبی و کانت تلک بعد عادته* قال العلماء فأعلمه اللّه ان له شریکا فألهمه العدل فروی و روی أخوه ثم أخذته فما هو الا أن جئت به رحلی فقام صاحبی تعنی زوجها الی شارفنا تلک فاذا انها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:224
لحافل فحلب منها ما شرب و شربت حتی روینا و یتنا بخیر لیلة فقال صاحبی یا حلیمة و اللّه انی لاراک أخذت نسمة مبارکة أ لم تری ما بتنا به اللیلة من الخیر و البرکة حین أخذناه فلم یزل اللّه یزیدنا خیرا و فی روایة ذکرها ابن طغربک فی النطق المفهوم فلما نظر صاحبی الی هذا قال اسکتی و اکتمی أمرک فن لیلة ولد هذا الغلام أصبحت الاحبار قوّاما علی أقدامها لا یهنأ لها عیش النهار و لا نوم اللیل* و فی شواهد النبوّة قالت حلیمة فلما ذهبت بمحمد الی منزلی مکثنا بمکة ثلاث لیال انتهی قالت حلیمة فودّعت النساء بعضهنّ بعضا و ودّعت أنا أم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم رکبت أتانی و أخذت محمدا صلّی اللّه علیه و سلم بین یدیّ قالت فنظرت الی الاتان و قد سجدت نحو الکعبة ثلاث سجدات و رفعت رأسها الی السماء ثم مشت حتی سبقت دواب الناس الذین کانوا معی و صار الناس یتعجبون منی و تقول النساء لی و هنّ ورائی یا بنت أبی ذؤیب أ هذه أتانک التی کنت علیها و أنت جائیة معنا تخفضک طور او ترفعک أخری فأقول تاللّه انها هی فیتعجبن منها و یقلن ان لها لشأنا عظیما قالت فکنت أسمع أتانی تنطق و تقول و اللّه ان لی لشأنا ثم شأنا بعثنی اللّه بعد موتی و ردّ لی سمنی بعد هزالی ویحکنّ یا نساء بنی سعد انکنّ لفی غفلة عظیمة و هل تدرین من علی ظهری علی ظهری خیر النبیین و سید المرسلین و خیر الاوّلین و الآخرین و حبیب رب العالمین* روی انه لما سلمته أمه الی حلیمة السعدیة لترضعه و قامت عکاطة انطلقت به حلیمة الی عرّاف من هذیل یریه الناس صبیانهم فلما نظر إلیه صاح یا معشر هذیل یا معشر العرب فاجتمع الناس من أهل الموسم فقال اقتلوا هذا الصبی فانسلت به حلیمة فجعل الناس یقولون أی صبیّ فیقول هذا الصبی فلا یرون شیئا قد انطلقت به أمه فیقال ما هو فیقول رأیت غلاما و اللّه لیقتلنّ أهل دینکم و لیکسرن آلهتکم و لیظهرنّ أمره علیکم فطلب بعکاظة فلم یوجد و رجعت به حلیمة الی منزلها فکانت بعد لا تعرض لعرّاف کذا فی المنتقی قالت حلیمة فیما ذکر ابن اسحاق و غیره ثم قدمنا منازل بنی سعد و لا أعلم أرضا من أرض اللّه أجدب منها فکانت غنیمتی تروح علیّ حین قدمنا به شباعا لبنا فنحلب و نشرب و ما یحلب انسان قطرة لبن و لا یجدها فی ضرع حتی کان الحاضرون من قومنا یقولون لرعاتهم ویلکم ما بال أغنام حلیمة تحمل و تحلب و أغنامنا لا تحمل و لا تضع و لا تأتی بخیر اسرحوا حیث یسرح راعی غنم بنت أبی ذؤیب فتروح أغنامهم جیاعا ما تبض بقطرة لبن و تروح أغنامی شباعا لبنا حتی انا نتفضل علی قومنا و کانوا یعیشون فی أکنافنا فللّه درّها من برکة کثرت بها مواشی حلیمة و نمت و ارتفع قدرها به و سمت و لم تزل حلیمة تتعرّف الخیر و السعادة و تفوز منه بالحسنی و زیادة کما قیل
لقد بلغت بالهاشمیّ حلیمةمقاما علا فی ذروة العز و المجد
و زادت مواشیها و أخصب ربعهاو قد عمّ هذا السعد کل بنی سعد و قال ابن الطرمّاح رأیت فی کتاب الترقیص لأبی عبد اللّه بن المعلی الازدی أنّ من شعر حلیمة مما کانت ترقص به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم
یا رب اذ أعطیته فأبقه‌و أعله الی العلی و أرقه
و ادحض أباطیل العدی بحقه
و عند غیره و کانت الشیماء أخته من الرضاعة تحضنه و ترقصه و تقول
هذا أخیّ لم تلده أمی* و لیس من نسل أبی و عمی* فدیته من مخول معمّ* فأنمه اللهم فیما تنمی و أخرج البیهقی فی المائتین و الخطیب و ابن عساکر فی تاریخهما و ابن طغربک السیاف فی النطق المفهوم عن العباس بن عبد المطلب قال قلت یا رسول اللّه دعانی للدخول فی دینک أمارة لنبوّتک رأیتک فی المهد تناغی القمر و تشیر إلیه بإصبعک فحیث أشرت إلیه مال قال انی کنت أحدّثه و یحدّثنی و یلهینی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:225
عن البکاء و أسمع وجبته حین یسجد تحت العرش* قال البیهقی تفرّد به أحمد بن ابراهیم الجیلی و هو مجهول و قال الصابونی و هذا حدیث غریب الاسناد و المتن فی المعجزات حسن و المناغاة المحادثة وفد ناغت الامّ صبیها لاطفته و شاغلته بالمحادثة و الملاعبة* و فی فتح الباری عن سیرة الواقدی أنه صلّی اللّه علیه و سلم تکلّم فی أوائل ما ولد و ذکر ابن سبع فی الخصائص ان مهده کان یتحرّک بتحریک الملائکة کذا فی المواهب اللدنیة* و فی المنتقی قالت حلیمة و من العجائب انی ما رأیت له بولا و لا غسلت له وضوء اقط و کانت له طهارة و نظافة و کان له فی کل یوم وقت واحد یتوضأ فیه و لا یعود حتی یکون وقته من الغد و لم یکن شی‌ء أبغض إلیه من ان یری جسده مکشوفا فکنت اذا کشفت عن جسده یصیح حتی أستره علیه و کان لا یبکی قط و لم یسئ خلقه* و فی شواهد النبوّة روی ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما صار ابن شهرین کان یتزحلف مع الصبیان الی کل جانب و فی ثلاثة أشهر کان یقوم علی قدمیه و فی أربعة أشهر کان یمسک الجدار و یمشی و فی خمسة أشهر حصل له القدرة علی المشی و لمّا تمّ له ستة أشهر کان یسرع فی المشی و فی سبعة أشهر کان یسعی و یعد و الی کل جانب و لما مضی علیه ثمانیة أشهر کان یتکلم بحیث یفهم کلامه و فی تسعة أشهر شرع یتکلم بکلام فصیح و فی عشرة أشهر کان یرمی السهام مع الصبیان و فی المواهب اللدنیة أخرج البیهقی و ابن عساکر عن ابن عباس قال کانت حلیمة تحدّث انها أوّل ما فطمت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تکلم فقال اللّه أکبر کبیرا و الحمد للّه کثیرا و سبحان اللّه بکرة و أصیلا* و فی المنتقی قالت و انتبهت لیلة من اللیالی فسمعته یتکلم بکلام لم أسمع کلاما قط أحسن منه یقول لا إله الا اللّه قدّوسا قدّوسا نامت العیون و الرحمن لا تأخذه سنة و لا نوم و هو أوّل ما تکلم به و کنت أتعجب من ذلک فلما بلغ المنطق لم یمس شیئا الا قال بسم اللّه و لم یتناول بیساره و کان یتناول بیمینه و کنت قد اجتنبت الزوج لا اغتسل منه هیبة لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی تمت له سنتان کاملتان فبینما هو قاعد فی حجری ذات یوم اذ مرت به غنیماتی فأقبلت شاة من الغنم حتی سجدت له و قبلت رأسه فرجعت الی صواحبها و کان ینزل علیه کل یوم نور کنور الشمس فیغشاه ثم ینجلی عنه و فی المواهب اللدنیة فلما ترعرع کان یخرج فینظر الی الصبیان یلعبون فیجتنبهم* و فی المنتقی و کان أخواه من الرضاعة یخرجان فیمرّان بالغلمان فیلعبان معهم فاذا رآهم محمد صلّی اللّه علیه و سلم اجتنبهم و أخذ بیدی أخویه و قال لهما انا لم نخلق لهذا* و فی المواهب اللدنیة و قد روی ابن سعد و أبو نعیم و ابن عساکر عن ابن عباس قال کانت حلیمة لا تدعه یذهب مکانا بعیدا فغفلت عنه فخرج مع أخته الشیماء فی الظهیرة الی البهم فخرجت حلیمة تطلبه حتی وجدته مع أخته فقالت تخرجین به فی هذا الحر فقالت أخته یا أمه ما وجد أخی حرّا رأیت غمامة تظلّ علیه اذا وقف وقفت و اذا سار سارت حتی انتهی الی هذا الموضع و کان صلّی اللّه علیه و سلم یشب شبابا لا یشبه الغلمان حتی کان غلاما جفرا فی سنتین*

شق صدره علیه السلام‌

و فی السنة الثالثة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم وقع شق الصدر قالت حلیمة فلما مضت سنتاه و فصلته قدمنا به علی أمه و نحن أحرص شی‌ء علی مکثه فینا لما نری من برکته و کلمنا أمّه و قلنا لو ترکتیه عندنا حتی یغلظ فانا نخشی علیه و باء مکة و لم نزل بها حتی ردّته معنا فرجعنا به فو اللّه انه لبعد مقدمنا بشهرین أو ثلاثة مع أخیه من الرضاعة لفی بهم لنا و قد بعدا قدر غلوّه سهم خلف بیوتنا اذ أتانا أخوه یشتدّ فی عدوه فقال ذاک أخی القرشی قد جاءه رجلان علیهما ثیاب بیض فأضجعاه و شقا بطنه فخرجت أنا و أبوه نشتدّ نحوه فوجدناه قائما منتقعا لونه فاعتنقه أبوه و قال أی بنی ما شأنک قال جاءنی رجلان علیهما ثیاب بیض فأضجعانی فشقا بطنی ثم استخرجا منه شیئا فطرحاه ثم ردّاه کما کان فرجعنا به معنا فقال أبوه یا حلیمة لقد خشیت أن یکون ابنی قد أصیب فانطلقی نردّه الی أهله قبل أن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:226
یظهر به ما نتخوّف قالت حلیمة فاحتملناه حتی قدمنا به الی امّه فقالت ما ردّ کما به فقد کنتما حریصین علیه قلنا نخشی علیه الاتلاف و الاحداث فقالت ما ذاک بکما فأصدقانی ما شأنکما فلم تدعنا حتی أخبرناها خبره فقالت أخشیتما علیه الشیطان کلا و اللّه ما للشیطان علیه سبیل و انه لکائن لا بنی هذا شأن فدعاه عنکما* و فی المواهب اللدنیة و قد وقع شق صدره الشریف مرّة أخری عند مجی‌ء جبریل له بالوحی فی غار حرا و مرّة اخری عند الاسراء و روی الشق أیضا و هو ابن عشر و نحوها و روی فی الخامسة و لا یثبت*

رعیه علیه السلام للغنم‌

و فی روایة عن حلیمة أنها قالت لمّا تمّ له ثلاث سنین قال لی یوما یا امّه ما لی لا أری أخویّ بالنهار قلت له یا بنیّ انهما یرعیان غنیمات لنا فی موضع کذا قال فما لی لا أخرج معهما قلت له تحب ذلک قال نعم فلما أصبح دهنته و کحلته و علقت فی عنقه خیطا فیه جزع یمانیة فنزعها ثم قال لی مهلا یا أمه فان معی من یحفظنی قالت ثم دعوت یا بنیّ فقلت لهما أوصیکما بمحمد خیرا لا تفارقاه و لیکن نصب أعینکما فخرج مع أخویه فی الغنم حتی وصلا الی مکان الرعی فبینا هو قائم معهما اذ هبط جبریل و میکائیل* و فی المنتقی فبینما هم یترامون بالجلة یعنی البعر انتهی و معهما طست من ذهب فیه ماء و ثلج فاستخرجاه من الغنم و الصبیة و أضجعاه و شقا بطنه و شرحا صدره و استخرجا منه نکتة سوداء فغسلاه بذلک الماء و الثلج و حشوا بطنه نورا و مسحا علیه و عاد کما کان قالت فلما رأی أخواه ذلک أقبل أحدهما اسمه ضمرة یعدو و قد علاه النفس و هو یقول یا أمّه أدرکی أخی محمدا و ما أراک تدرکینه قالت فقلت و ما ذاک قال أتاه رجلان علیهما ثیاب خضر فاستخرجاه من بیننا و بین الغنم فأضجعاه و شقا بطنه قالت فخرجت أنا و أبوه و نسوة من الحیّ فاذا أنا به صلّی اللّه علیه و سلم قائما ینظر الی السماء کانّ الشمس تطلع من وجهه فالتزمه أبوه و اللّه لکأنما غمس فی المسک غمسة و قال له أبوه یا بنی مالک قال خیر یا أبت أتانی رجلان انقضا علیّ من السماء کما ینقض الطائر فأضجعانی و شقا بطنی و حشوا بشی‌ء کان معهما ما رأیت ألین منه و لا أطیب ریحا و مسحا علی بطنی فعدت کما کنت روی أنه بقی أثر الشق ما بین مفرق صدره الی منتهی عانته کأنه الشراک* قال أنس و قد کنت أری أثر ذلک المخیط فی صدره صلّی اللّه علیه و سلم دائما* و فی الشفاء ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمّته فوزننی فرجحتهم ثم قال زنه بمائة من امّته فوزننی بهم فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمّته فوزننی بهم فوزنتهم ثم قال دعه عنک فلو و زنته بامّته کلها لوزنها و طارا حتی دخلا فی السماء* و فی روایة قال أحدهما لصاحبه اجعله فی کفة و اجعل ألفا من امّته فی کفة فاذا أنا أنظر الی الالف فوقی أشفقت أن یخرّ علیّ بعضهم فقالوا لو أنّ أمّته وزنت به لمال بهم ثم انطلقا و ترکانی* و فی روایة قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان ملکین جاءانی فی صورة کرکیین معهما ثلج و برد و ماء بارد فشق أحدهما صدری و مج الآخر بمنقاره فغسله* و فی حیاة الحیوان عن أبی ذرّ أنه قال یا رسول اللّه کیف علمت انک نبیّ و بم علمت حتی استیقنت قال یا أبا ذرّ أتانی ملکان فوقع أحدهما بالارض و کان الآخر بین السماء و الارض فقال أحدهما لصاحبه أ هو هو قال هو هو قال فوزننی برجل فرجحته ثم قال زنه بعشرة فوزننی بعشرة فرجحتهم ثم قال زنه بمائة فوزننی بمائة فرجحتهم ثم قال أحدهما لصاحبه شق بطنه فشق بطنی فأخرج قلبی فأخرج منه مغمز الشیطان و علق الدم ثم قال أحدهما لصاحبه اغسل بطنه غسل الاناء و اغسل قلبه غسل الملا ثم قال أحدهما لصاحبه خط بطنه فخاط بطنی و جعل الخاتم بین کتفیّ کما هو الآن و ولیا عنی فکأنی أعاین الامر معاینة* و فی الحدیث ان خاتم النبوّة لم یکن قبل ذلک انتهی قالت حلیمة فحملناه الی خیم لنا فقال الناس اذهبوا به الی کاهن حتی ینظر إلیه و یداویه فقال محمد صلّی اللّه علیه و سلم ما بی شی‌ء مما تذکرون و انی أری نفسی سلیمة و فؤادی صحیحا بحمد اللّه قال الناس أصابه لمم أو طائف من الجنّ قالت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:227
فغلبونی علی رأیی حتی انطلقت به الی الکاهن فقصصت علیه قصته من أوّلها الی آخرها قال دعینی أنا أسمع من الغلام فان الغلام أبصر بأمره منکم تکلم یا غلام قالت فقص ابنی محمد قصته من أوّلها الی آخرها فوثب الکاهن قائما علی قدمیه و ضمه الی صدره و نادی بأعلی صوته یا آل العرب یا آل العرب من شرّ قد اقترب اقتلوا هذا الغلام و اقتلونی معه فانکم ان ترکتموه و أدرک مدرک الرجال لیسفهنّ أحلامکم و لیبدلنّ أدیانکم و لیعونکم الی رب لا تعرفونه و دین تنکرونه* قالت فلما سمعت مقالته انتزعته من یده و قلت أنت أعته و أجنّ من ابنی و لو علمت ان هذا یکون منک ما أتیتک به اطلب لنفسک من یقتلک فانا لا نقتل محمدا فاحتملته فأتیت به منزلی فما بقی یومئذ بیت فی بنی سعد الّا وجد منه ریح المسک و کان ینقض علیه فی کل یوم طیران أبیضان یغیبان فی ثیابه و لا یظهران فلما رأی أبوه ذلک قال لی یا حلیمة انا لا نأمن علی هذا الغلام و خشیت علیه من تباع الکهنة فألحقیه بأهله قبل أن یصیبه عندنا شی‌ء قالت فلما عزمت علی ذلک سمعت صوتا فی جوف اللیل ینادی ذهب ربیع الخیر و أمان بنی سعد هنیئا لبطحاء مکة اذا کان مثلک فیها یا محمد فالآن قد أمنت أن تخرب أو یصیبها بؤس بدخولک إلیها یا خیر البشر قالت فلما أصبحت رکبت اتانی و وضعت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بین یدی فلم أکن أقدر مما کنت انادی یمنة و یسرة حتی انتهیت الی الباب الاعظم من أبواب مکة و علیه جماعة مجتمعون فنزلت لا قضی حاجتی و أنزلت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فغشیتنی کالسحابة البیضاء و سمعت صوتا شدیدا ففرعت و جعلت ألتفت یمنة و یسرة و نظرت فلم أر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فصحت یا معشر قریش الغلام الغلام قالوا و ما الغلام قلت محمد ابن آمنة فجعلت أبکی و أنادی وا محمداه فبینا أنا کذلک اذا أنا بشیخ کبیر قد استقبلنی فقال لی مالک أیتها السعدیة قلت ان لی لقصة عجیبة محمد ابن آمنة أرضعته ثلاث سنین لا افارقه لیله و لا نهاره فعیشنی اللّه به و أنضر وجهی و جئت لأؤدّی الی امّه الامانة لیخرج من عهدی و امانتی فاختلس منی اختلاسا قبل أن یمس قدمه الارض فقال الشیخ لا تبکی أیتها السعدیة ادخلی علی هبل فتضرّعی إلیه فلعله یردّه علیک فانّه القوی علی ذلک العالم بأمره فقلت أیها الشیخ کأنک لم تشهد ولادة محمد لیلة ولد ما نزل باللات و العزی فقال لی أیتها السعدیة انی أراک جزعة و أنا ادخل علی هبل و اذکر أمرک له فقد قطعت اکبادنا ببکائک ما لأحد من الناس علی هذا صبر قالت فقعدت مکانی متحیرة و دخل الشیخ علی هبل و عیناه تذرفان بالدموع فسجد له طویلا و طاف به اسبوعا ثم نادی یا عظیم المنّ یا قویا فی الاموران منتک علی قریش کثیرة و هذه السعدیة مرضعة محمد تبکی قد قطع بکاؤها الانیاط فان رأیت ان تردّه علیها ان شئت* قالت فارتج و اللّه الصنم و تنکس و مشی علی رأسه و سمعت منه صوتا یقول أیها الشیخ أنت فی غرور ما لی و لمحمد و انما یکون هلاکنا علی یدیه و ان رب محمد لم یکن لیضیعه بل یحفظه أبلغ عبدة الاوثان ان معه الذبح الاکبر الا أن یدخلوا فی دینه قالت فخرج الشیخ فزعا مرعوبا تسمع لسنه قعقعة و لرکبتیه اصطکاک قال لی یا حلیمة ما رأیت من هبل مثل هذا قط فاطلبی ابنک انی لأری ان یکون لهذا الغلام شأن عظیم قالت فقلت لنفسی کم تکتمین امره من عبد المطلب اخبریه الخبر قبل أن یأتیه من غیرک قالت فدخلت علی عبد المطلب فلما نظر الیّ قال لی یا حلیمة ما لی اراک جزعة باکیة و لا اری معک محمدا قالت فقلت یا أبا الحارث جئت بمحمد و هو أسر ما کان فلما صرت علی الباب الاعظم من ابواب مکة نزلت لاقضی حاجتی فاختلس منی اختلاسا قبل ان یمس قدمه الارض فقال لی اقعدی یا حلیمة ثم علا الصفا فنادی یا آل غالب یعنی آل قریش فاجتمع إلیه الرجال فقالوا له قل یا أبا الحارث فقد أجبناک قال لهم ان ابنی محمدا فقد قالوا له فارکب یا أبا الحارث حتی نرکب معک قالت فرکب عبد المطلب و رکب الناس معه فأخذ أعلا مکة و انحدر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:228
بأسفلها فلما لم یر شیئا ترک الناس و اتزر بثوب و ارتدی بآخر و اقبل الی البیت الحرام فطاف به اسبوعا و أنشأ یقول
یا رب ردّ راکبی محمداردّ الیّ و اتخذ عندی یدا
أنت الذی جعلته لی عضدایا رب ان محمد لم یوجدا
فجمع قومی کلهم تبدّدا
قال فسمعنا منادیا ینادی من جوّ الهواء یا معشر الناس لا تضجوا فان لمحمد ربا لا یضیعه و لا یخذله قال عبد المطلب یا أیها الهاتف من لنا به و این هو قال بوادی تهامة فأقبل عبد المطلب راکبا متسلحا فلما صار فی بعض الطریق تلقاه ورقة بن نوفل فصارا جمیعا یسیران فبیناهم کذلک اذا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تحت شجرة* و فی روایة بینا ابو مسعود الثقفی و عمرو بن نوفل یدوران علی رواحلهما اذا هما برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قائما عند شجرة الطلحة و هی الموز یتناول من ورقها فأقبل إلیه عمرو و هو لا یعرفه فقال له من أنت یا غلام فقال انا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم فاحتمله بین یدیه علی الراحلة حتی اتی به عبد المطلب* روی عن ابن عباس انه قال لما ردّ اللّه محمدا علی عبد المطلب تصدّق بألف ناقة کوماء و خمسین رطلا من ذهب ثم جهز حلیمة بأفضل الجهاز* و فی هذه السنة الثالثة من مولده علیه السلام ولد أبو بکر الصدّیق رضی اللّه عنه بمنی کذا فی زبدة الاعمال و سیجی‌ء فی الخاتمة ذکر خلافته و ما وقع فیها و ذکر وفاته ان شاء اللّه تعالی* و فی السنة الرابعة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم أیضا وقع شق الصدر قد ذکر أن شق الصدر کان فی السنة الثالثة من مولده صلی اللّه علیه و سلم و قیل کان فی الرابعة علی ما روی محمد بن سعد قال مکث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عندهم سنتین حتی فطم فقدموا به علی امّه زائرین لها به و أخبرتها حلیمة خبره و ما رأوا من برکته فقالت آمنة ارجعی بابنی فانی أخاف علیه و باء مکة فو اللّه لیکونن له شأن فرجعت به حلیمة مرّة ثانیة و مکث عندهم سنتین بعد الفطام أیضا فلما کان ابن أربع سنین أتاه ملکان فشقا بطنه و ذکر قصة ذلک الی آخرها ثم نزلت به حلیمة الی آمنة و أخبرتها ثم رجعت به مرّة ثالثة و کان عندها سنة اخری و نحوها لا تدعه یذهب مکانا بعید الا و هی تلخطه ثم رأت غمامة تظلله اذا وقف وقفت و اذا سار سارت فأفزعها ذلک أیضا من أمره فقدمت به الی امّه لتردّه و هو ابن خمس سنین کذا فی الصفوة* و فی حیاة الحیوان فأقام فی بنی سعد خمس سنین فاضلته فی الناس فالتمسته فلم تجده و ذکر نحو ما تقدّم فی الاختلاس منها و فی روایة ان عبد المطلب بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی حاجة ففقد الطریق فقال اللهم أدرکنی محمدا القصة کما مرّت* روی أن حلیمة قدمت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مکة بعد تزوّجه خدیجة فشکت إلیه جدب البلاد و هلاک المواشی فکلم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خدیجة فأعطتها بعیرا و أربعین شاة و انصرفت الی أهلها ثم قدمت علیه بعد الاسلام فأسلمت هی و زوجها و بایعهما* و فی ذخائر العقبی عن عطاء بن یسار قال جاءت حلیمة بنت عبد اللّه أمّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من الرضاعة إلیه یوم حنین فقام إلیها و بسط رداءه لها فجلست علیه* و فی المنتقی ورد فی الحدیث استأذنت امرأة علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کانت أرضعته فلما دخلت علیه قال أمی أمی و عمد الی ردائه فبسطه لها فقعدت علیه و روی أنها جاءت الی أبی بکر بعده فأکرمها و الی عمر فأکرمها و روت عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم روی عنها عبد اللّه بن جعفر خرجه أبو عمرو* و فی مزیل الخفاء صحح ابن حبان و غیره حدیثا دل علی اسلامها و قیل لم یثبت اسلامها* قال الحافظ الدمیاطی حلیمة لم تعرف لها صحبة و اخوته من الرضاعة حمزة و أبو سلمة بن عبد الاسد أرضعتهما مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثویبة جاریة أبی لهب بلبن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:229
ابنها مسروح کما تقدّم و مسروح بن ثویبة و أبو سفیان بن الحارث بن عبد المطلب أرضعته و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حلیمة السعدیة و عبید اللّه و أنیسة و حذافة و تعرف بالشیماء أولاد حلیمة السعدیة ذکر ذلک أبو سعد و غیره* قال الطبری لم أظفر بذکر ثویبة و ابنها و لعلهما لم یسلما فلذلک لم یذکرهما أبو عمرو و کذلک لم یذکر من أولاد حلیمة غیر الشیماء و اسمها حذاقة و انما غلب لقبها فلا تعرف فی قومها الا به و قد ذکر أنها کانت تحضن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مع امّها قال و روی أن خیلا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أغاروا علی هوازن فأخذوها فی جملة السبی فقالت لهم أنا اخت صاحبکم فلما قدموا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت له یا محمد أنا اختک و عرفته بعلامة عرفها فرحب بها و بسط لها رداءه و أجلسها علیه و دمعت عیناه و قال صلّی اللّه علیه و سلم ان أحببت فأقیمی عندی مکرمة محببة و ان أحببت أن ترجعی الی قومک وصلتک قالت بل أرجع الی قومی فأسلمت و أعطاها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثلاثة أعبد و جاریة و نعما و شاء کثیرا ذکره أبو عمرو و ابن قتیبة کذا فی ذخائر العقبی* و من وقائع السنة الخامسة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم ما روی عن أبی حازم أنه قال قدم کاهن مکة و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابن خمس سنین و قدمت به ظئره الی عبد المطلب و کانت تأتیه به کل عام فنظر إلیه الکاهن مع عبد المطلب فقال یا معشر قریش اقتلوا هذا الصبی فانه یفرقکم و یقتلکم فهرب به عبد المطلب فلم تزل قریش تخشی من أمره ما کان حذرهم الکاهن*

وفاة آمنة

و فی السنة السادسة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم وفاة آمنة* فی المواهب اللدنیة لما بلغ صلّی اللّه علیه و سلم ست سنین و قیل أربع و قیل خمس و قیل سبع و قیل تسع و قیل اثنتی عشرة سنة و شهر او عشرة أیام ماتت أمّه بالابواء و قیل بشعب أبی ذئب بالحجون* و فی القاموس و دار رابعة بمکة فیها مدفن آمنة أمّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و فی ذخائر العقبی قال ابن سعد دفنت أمّه صلّی اللّه علیه و سلم بمکة و ان أهل مکة یزعمون ان قبرها فی مقابر أهل مکة من الشعب المعروف بشعب أبی ذئب رجل من سراة بنی عمرو و قیل قبرها فی دار رابعة فی المعلاة بثنیة أذاخر عند حائط حلما* و فی المواهب اللدنیة و أخرج ابن سعد عن ابن عباس و عن الزهری و عن عاصم بن عمر ابن قتادة دخل حدیث بعضهم فی بعض قالوا لما بلغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ست سنین خرجت به أمّه الی أخواله بنی عدی بن النجار بالمدینة تزورهم و معها أمّ أیمن فنزلت به دار التابعة و هو رجل من بنی النجار و کان قبر عبد اللّه أبی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی تلک الدار فأقامت به شهرا عندهم و کان صلّی اللّه علیه و سلم یذکر أمورا کانت فی مقامه ذلک و نظر الی الدار فقال هاهنا نزلت بی امی و أحسنت العوم فی بئر بنی عدی بن النجار و کان قوم من الیهود یختلفون علیّ ینظرون الیّ قالت أمّ أیمن فسمعت أحدهم یقول هو نبی هذه الامّة و هذه دار هجرته فوعیت ذلک کله من کلامهم ثم رجعت أمّه الی مکة فلما وصلوا الابواء و هو موضع بین مکة و المدینة توفیت* و روی أبو نعیم من طریق الزهری عن اسماء بنت رهم عن أمّها قالت شهدت آمنة أمّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی علتها التی ماتت بها و محمد صلّی اللّه علیه و سلم غلام یفع له خمس سنین فنظرت الی وجهه ثم قالت
بارک فیک اللّه من غلام‌یا ابن الذی من حومة الحمام
نجا بعون الملک العلام‌فودی غداة الضرب بالسهام
بمائة من ابل سوام‌ان صح ما أبصرت فی المنام
فأنت مبعوث الی الانام‌من عند ذی الجلال و الاکرام
تبعث فی الحل و فی الحرام‌تبعث فی التحقیق و الاسلام
دین أبیک البر ابراهام‌فاللّه انهاک عن الاصنام
ان لا توالیها مع الاقوام تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:230
ثم قالت کل حیّ میت و کل جدید بال و کل کبیر یفنی و أنا میتة و ذکری باق و قد ترکت خیرا و ولدت طهرا ثم ماتت قالت فکنا نصمع نوح الجنّ علیها فحفظنا من ذلک هذه الابیات
نبکی الفتاة البرّة الامینةذات الجمال العفة الرزینة
زوجة عبد اللّه و القرینةأمّ نبی اللّه ذی السکینة
و صاحب المنبر بالمدینةصارت لدی حفرتها رهینة

احیاء أبویه صلّی اللّه علیه و سلم‌

و فی الحدائق لابن الجوزی لما مرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالابواء فی عمرة الحدیبیة و فی المنتقی و غیره فی غزوة بنی لحیان قال ان اللّه قد أذن لمحمد فی قبر أمّه فأتاه فأصلحه و بکی عنده و بکی المسلمون لبکائه فقیل له فی ذلک فقال أدرکتنی رحمة رحمتها فبکیت و أخرج مسلم فی افراده من حدیث أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال استأذنت ربی أن أستغفر لامی فلم یأذن لی و استأذنته ان أزور قبرها فأذن لی و سیجی‌ء فی الموطن السادس* و فی الاستیعاب استرضع له صلّی اللّه علیه و سلم فی بنی سعد بن بکر حلیمة بنت أبی ذؤیب السعدیة و ردّته ظئره حلیمة الی أمّه آمنة بنت وهب بعد خمس سنین و یومین من مولده و ذلک سنة ست من عام الفیل فأخرجته أمّه الی أخوال أبیه بنی النجار تزورهم به بعد سبع سنین من عام الفیل و توفیت أمّه بعد ذلک بشهر بالابواء و معها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقدمت به أمّ أیمن مکة بعد موت أمّه بخمسة أیام روی أنها آمنت بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعد موتها* قال الشیخ جلال الدین السیوطی فی رسالته المسماة بالدرجة المنیفة فی الآباء الشریفة و ذهب جمع کثیر من الائمة الاعلام الی ان أبوی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ناجیان محکوم لهما بالنجاة فی الآخرة و هم أعلم الناس بأقوال من خالفهم و قال بغیر ذلک و لا یقصرون عنهم فی الدرجة و من أحفظ الناس للاحادیث و الآثار و انقد الناس بالادلة التی استدل بها أولئک فانهم جامعون لانواع العلوم و متضلعون من الفنون خصوصا الاربعة التی استمدّ منها هذه المسألة فانها مبنیة علی ثلاث قواعد کلامیة و أصولیة و فقهیة و قاعدة رابعة مشترکة بین الحدیث و اصول الفقه مع ما یحتاج إلیه من سعة الحفظ فی الحدیث و صحة النقل له و طول الباع فی الاطلاع علی ما تقول الائمة و جمع متفرّقات کلامهم فلا یظنّ بهم انهم لم یقفوا علی الاحادیث التی استدل بها أولئک معاذ اللّه بل وقفوا علیها و خاضوا غمرتها و أجابوا عنها بالاجوبة المرضیة التی لا یردّها منصف و أقاموا لما ذهبوا إلیه ادلة قاطعة کالجبال الرواسی و الفریقان أئمة أکابر أجلاء* و اختلف القائلون بالنجاة فی مدرک ذلک علی ثلاث درجات الدرجة الاولی ان اللّه تعالی أحیاهما له فآمنا به و ذلک فی حجة الوداع لحدیث فی ذلک ورد عن عائشة روی المحب الطبری فی ذخائر العقبی بسنده عن عائشة رضی اللّه عنها انها قالت ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نزل الحجون کئیبا حزینا فأقام به ما شاء اللّه ثم رجع مسرورا قال سألت ربی فأحیا لی أمی فآمنت بی ثم ردّها و رواه أبو حفص بن شاهین فی کتاب الناسخ و المنسوخ له بلفظ قالت عائشة حج بنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حجة الوداع فمرّ بی علی عقبة الحجون و هو باک حزین مغتمّ فبکیت لبکائه ثم انه نزل فقال یا حمیراء استمسکی فاستندت الی جنب البعیر فمکث ملیا ثم عاد الیّ و هو متبسم فقال ذهبت لقبر أمی فسألت ربی أن یحیها فأحیاها فآمنت بی و کذا روی من حدیث عائشة أیضا أحیا اللّه أبویه حتی آمنا به أورده السهیلی فی شرح السیرة و الخطیب فی السابق و اللاحق و ابن شاهین فی الناسخ و المنسوخ و الدارقطنی و ابن عساکر کلاهما فی غرائب مالک و البغوی فی تفسیره و المحب الطبری فی خلاصة السیر و أورده البیهقی فی الروض الانف من وجه آخر بلفظ و اسناده ضعیف و قد مال إلیه ابن شاهین و الطبری و السهیلی و کذا القرطبی و ابن المنذر و نقله ابن سید الناس عن بعض أهل العلم و قال به الصلاح الصفدی فی نظم له و الحافظ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:231
شمس الدین بن ناصر الدین الدمشقی فی أبیات له و جعلوه ناسخا لما خالفه من الاحادیث لتأخره و لم یبالوا بضعفه لانّ الحدیث الضعیف یعمل به فی الفضائل و المناقب و هذه منقبة و قد أید بعضهم هذا الحدیث بالقاعدة التی اتفق علیها الائمة انه ما أوتی نبی معجزة الا و أوتی نبینا صلّی اللّه علیه و سلم مثلها و قد أحیا اللّه لعیسی الموتی من قبورهم فلا بدّ أن یکون لنبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم مثل ذلک و لم یرد من هذا النوع الا هذه القصة و لم یستبعد ثبوتها و ان کان له من هذا النمط نطق الذراع و حنین الجذع الا أن هذه غیر ما وقع لعیسی فهو أشبه بالمماثلة و لا شک أن من الطرق التی یعتضد بها الحدیث الضعیف موافقته القواعد المقررة* قال الحافظ شمس الدین بن ناصر الدین الدمشقی
حبا اللّه النبیّ مزید فضل‌علی فضل و کان به رءوفا
فأحیا امّه و کذا أباه‌لایمان به فضلا لطیفا
فسلم فالقدیم بذا قدیرو ان کان الحدیث به ضعیفا قال الشیخ أحمد القسطلانی فی المواهب اللدنیة قال السهیلی ان فی اسناده مجاهیل قال ابن کثیر انه حدیث منکر جدا و سنده مجهول* و قال ابن دحیة هذا الحدیث موضوع یردّه القرآن و الاجماع انتهی و تعقبه عالم آخر بأنه لم یر احدا صرّح بأن الایمان بعد انقطاع العمل بالموت ینفع صاحبه فان ادّعی أحد الخصوصیة فعلیه الدلیل و قد سبقه بذلک أبو الخطاب بن دحیة و عبارته من مات کافرا لم ینفعه الایمان بعد الرجعة بل لو آمن عند المعاینة لم ینفعه ذلک فکیف بعد الاعادة انتهی و تعقبه القرطبی فی التذکرة بأن فضائله صلّی اللّه علیه و سلم و خصائصه لم تزل تتوالی و تتابع الی حین مماته فیکون هذا مما خصه اللّه به و أکرمه و لیس احیاؤهما و ایمانهما ممتنعا عقلا و لا شرعا فقد ورد فی الکتاب العزیز احیاء قتیل بنی اسرائیل و اخباره بقاتله* و کان عیسی علیه السلام یحیی الموتی و کذلک نبینا صلّی اللّه علیه و سلم أحیا اللّه علی یده جماعة من الموتی* و ذکر المفسرون ان اللّه أحیا أمّ یوسف تحقیقا لرؤیاه و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أحق بذلک و اللّه علی کل شی‌ء قدیر و الظنّ باللّه جمیل و لیس تعجز قدرته عن ذلک* قال السهیلی و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أهل لان یخصه اللّه تعالی بما شاء و مثل هذا ذکر ابن سید الناس فی سیرته و أجاد و اذا ثبت هذا فما یمتنع ایمانهما بعد احیائهما و یکون ذلک زیادة فی کرامته و فضیلته ثم قال و قوله من مات کافرا لم ینفعه الایمان بعد الرجعة الی آخره مردود بما روی فی الخبران اللّه ردّ الشمس علی نبیه صلّی اللّه علیه و سلم بعد مغیبها ذکره الطحاوی و قال انه حدیث ثابت فلو لم یکن رجوع الشمس نافعا و انه لا یتجدّد به الوقت لما ردّها علیه فکذلک یکون احیاء أبوی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم نافعا لایمانهما و تصدیقهما بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انتهی و قد طعن بعضهم فی حدیث ردّ الشمس* الدرجة الثانیة قال السیوطی انهما لم یبلغا الدعوة لانهما کانا فی زمن فترة عم الجهل فیها المشرق و المغرب فلم یکن اذ ذاک أحد یبلغ الدعوة علی وجهها و لا من یدری شیئا من الشرائع مع ضمیمة انهما قبضا فی حداثة السنّ و لم یبلغا سنا یحتمل الوقوف علی الاخبار و التفحص عنها بالاسفار فان والده کما صحح الحافظ صلاح الدین العلائی انه عاش نحو ثمان عشرة سنة و والدته عاشت نحو العشرین تقریبا مع زیادة انها مخدّرة مصونة محجوبة فی البیت لا تجتمع بالرجال و لا تجد من یخبرها و اذا کان النساء الیوم مع فشو الاسلام و الفقه شرقا و غربا لا یدرین غالب أحکام الشریعة لعدم مخالطتهنّ الفقهاء فما ظنک بزمان الجاهلیة و الفترة* و قد اختلف عبارة الاصحاب فیمن لم تبلغه الدعوة فأحسنها من قال فیها ناج و قال بعض الاصحاب مسلم و قال الغزالی التحقیق أن یقال فی معنی المسلم و استدلوا علی ذلک بثمان آیات من القرآن قوله تعالی و ما کنا معذبین حتی نبعث رسولا و بستة أحادیث منها ما أخرجه الامام أحمد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:232
و اسحاق بن راهویه فی مسندیهما و البیهقی فی الاعتقاد و صححه عن الاسود بن شرح* و عن أبی هریرة أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال أربعة یحتجون یوم القیامة رجل أصم لا یسمع شیئا و رجل أحمق و رجل هرم و رجل مات فی فترة الی ان قال و أما الذی مات فی الفترة فیقول رب ما أتانی لک رسول فیأخذ مواثیقهم لیطیعنه فیرسل إلیهم أن ادخلوا النار فمن دخلها کانت علیه بردا و سلاما و من لم یدخلها یسحب إلیها و ما أخرجه البزار فی مسنده عن أبی سعید الخدری قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یؤتی بالهالک فی الفترة و المعتوه و المولود فیقول الهالک فی الفترة لم یأتنی کتاب و لا رسول و یقول المعتوه أی رب لم تجعل لی عقلا أعقل به خیرا و لا شرّا و یقول المولود لم أدرک العمل فیرفع لهم نار فیقال لهم ردوها فیدخلها من کان فی علم اللّه سعیدا لو أدرک العمل و یمسک عنها من کان فی علم اللّه شقیا لو أدرک العمل فیقول تبارک و تعالی ایای عصیتم فکیف برسلی بالغیب و ما أخرجه عبد الرزاق و ابن جریر و ابن أبی حاتم و ابن المنذر فی تفاسیرهم بسند صحیح عن أبی هریرة قال اذا کان یوم القیامة جمع اللّه أهل الفترة و المعتوه و الاصم و الابکم و الشیوخ الذین لم یدرکوا الاسلام ثم أرسل إلیهم رسولا أن ادخلوا النار فیقولون کیف و لم یأتنا رسل و لا کتاب و أیم اللّه لو دخلوها لکانت علیهم بردا و سلاما ثم یرسل إلیهم فیطیعه من کان یرید أن یطیعه قال أبو هریرة اقرءوا ان شئتم و ما کنا معذبین حتی نبعث رسولا و حدیث رابع أخرجه الحاکم فی مستدرکه من حدیث ثوبان و قال صحیح علی شرط الشیخین و أقرّه الذهبی و خامس أخرجه البزار و أبو یعلی من حدیث أنس و سادس أخرجه أبو نعیم من حدیث معاذ بن جبل* قال العلماء هذه الآیات و الاحادیث ناسخة لکل ما خالفها من الاحادیث الثابتة فی البخاری و مسلم و غیرهما کما أن الاحادیث الواردة فی أطفال المشرکین انهم فی النار منسوخة بقوله تعالی و لا تزر وازرة وزر أخری و الاحادیث الواردة بخلاف ذلک و قد مشی علی هذا المدرک جماعة آخرهم امام الحفاظ فی زمانه قاضی القضاة شهاب الدین بن حجر فقال الظنّ بآبائه صلّی اللّه علیه و سلم کلهم یعنی الذین ماتوا قبل البعثة انهم یطیعونه عند الامتحان لتقرّبهم عینه صلّی اللّه علیه و سلم انتهی و یدل له من الحدیث ما أخرجه ابن جریز فی تفسیره عن ابن عباس فی قوله تعالی و لسوف یعطیک ربک فترضی قال من رضا محمد صلّی اللّه علیه و سلم أن لا یدخل أحد من أهل بیته النار و ما أخرجه الحاکم و صححه عن ابن مسعود أنه صلّی اللّه علیه و سلم سئل عن أبویه فقال ما سألتهما ربی فیعطینی فیهما و انی لقائم یومئذ المقام المحمود فهذا یلوح بأنه یترجی الشفاعة عند الامتحان و لو لا عدم بلوغ الدعوة لم تکن هذه الشفاعة لان الشفاعة لا تکون لمن بلغته الدعوة و عاند و قد صرّح بهذا التلویح فی حدیث أخرجه البزار فی فوائده بسند ضعیف عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اذا کان یوم القیامة شفعت لابی و أمی و عمی أبی طالب و أخ لی فی الجاهلیة* أورد المحب الطبری و هو من الحفاظ و الفقهاء فی کتاب ذخائر العقبی فی مناقب ذوی القربی و قال ان ثبت فهو مؤوّل فی أبی طالب علی ما ورد فی الصحیح من تخفیف العذاب عنه بشفاعته انتهی فاحتاج الی تأویله فی أبی طالب لانه أدرک البعثة و لم یسلم و قد مرّ اختلاف عبارة الاصحاب فیمن لم تبلغه الدعوة حیث قال و أحسنها من قال فیها ناج و قال بعض الاصحاب مسلم و قال الغزالی التحقیق أن یقال فی معنی المسلم قال القسطلانی فی المواهب اللدنیة و فی صحیح مسلم أن رجلا قال یا رسول اللّه أین أبی قال فی النار فلما قفاه دعاه و قال ان أبی و أباک فی النار* قال النووی فیه أن من مات علی الکفر فهو فی النار و لا تنفعه قرابة المقربین و فیه أن من مات فی الفترة علی ما کانت علیه العرب من عبادة الاوثان فهو فی النار و لیس فی هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة فان هؤلاء کانت قد بلغتهم دعوة ابراهیم و غیره من الأنبیاء و قال
الامام فخر الدین الرازی من مات مشرکا فهو فی النار و ان مات قبل البعثة لان المشرکین کانوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:233
قد عیروا الحنیفیة دین ابراهیم و استبدلوا بها الشرک و ارتکبوه و لیس معهم حجة من اللّه به و لم یزل معلوما من دین الرسل کلهم من أوّلهم الی آخرهم قبح الشرک و الوعید علیه فی النار و أخبار عقوبات اللّه لاهله متداولة بین الامم قرنا بعد قرن فللّه الحجة البالغة علی المشرکین فی کل وقت و حین و لو لم یکن الا ما فطر اللّه عباده علیه من توحید ربوبیته لکفی فانه یستحیل فی کل فطرة و عقل أن یکون معه إله آخر و ان کان اللّه سبحانه لا یعذب بمقتضی هذه الفطرة وحدها فلم تزل دعوة الرسل الی التوحید فی الارض معلومة لاهلها فالمشرک مستحق للعذاب فی النار لمخالفته دعوی الرسل و هو مخلد فیها دائما کخلود أهل الجنة فی الجنة و قد تعقب العلامة أبو عبد اللّه الابوی من المالکیة فیما وضعه علی صحیح مسلم قول النووی و فیه أن من مات فی الفترة علی ما کانت علیه العرب من عبادة الاوثان فی النار الی آخره بما معناه تأمّل ما فی کلامه من التنافی فان من بلغتهم الدعوة لیسوا من أهل الفترة لان أهل الفترة هم الامم الکائنة بین أزمنة الرسل الذین لم یرسل إلیهم الرسول الاوّل و لا أدرکوا الثانی کالاعراب الذین لم یرسل إلیهم عیسی علیه السلام و لا لحقوا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فالفترة بهذا التفسیر تشمل ما بین کل رسولین کالفترة بین نوح و هود و لکن الفقهاء اذا تکلموا فی الفترة فانما یعنون التی بین عیسی و نبینا علیهما السلام و ذکر البخاری عن سلمان أنها کانت ستمائة سنة و لما دلت القواطع علی أنه لا تعذیب حتی تقوم الحجة علمنا أنهم غیر معذبین* فان قیل قد صحت أحادیث بتعذیب أهل الفترة کحدیث رأیت عمرو بن لحی یجرّ قصبه فی النار و رأیت صاحب المحجن فی النار و هو الذی کان یسرق الحاج بمحجنه فاذا أبصر به قال لیس کما تقولون و انما یتعلق بمحجنی* أجیب بأجوبة أحدها أنها اخبار آحاد فلا تعارض القطع* الثانی قصر التعذیب علی هؤلاء و اللّه أعلم بالسبب* الثالث قصر التعذیب المذکور فی هذه الاحادیث علی من بدّل و غیر من أهل الفترة بما لا یعذر به من الضلال کعبادة الاوثان و تغییر الشرائع فان أهل الفترة ثلاثة أقسام* الاوّل من أدرک التوحید ببصیرته ثم من هؤلاء من لم یدخل فی شریعة کقس بن ساعدة و زید بن عمرو بن نفیل و منهم من دخل فی شریعة حق قائمة الرسم کتبع و قومه من حمیر و أهل نجران و ورقة بن نوفل و عمه عثمان بن الحویرث* القسم الثانی من أهل الفترة و هم من بدل و غیر فأشرک و لم یوحد و شرع لنفسه فحلل و حرّم و هم الاکثر کعمرو بن لحی أوّل من سنّ للعرب عبادة الاصنام و شرع الاحکام فبحر البحیرة و سیب السائبة و وصل الوصیلة و حمی الحام و تبعته العرب فی ذلک و غیره مما یطول ذکره* و فی أنوار التنزیل اذ انتحت الناقة خمسة أبطن آخرها ذکر بحروا اذنها أی شقوها و خلوا سبیلها فلا ترکب و لا تحلب* و فی المدارک و لا تطرد من ماء و لا مرعی و اسمها البحیرة انتهی و کان الرجل منهم یقول ان شفیت و فی المدارک من مرضی أو قدمت من سفری فناقتی سائبة و یجعلها کالبحیرة فی تحریم الانتفاع بها* و فی المدارک قیل کان الرجل اذا أعتق عبدا قال هو سائبة فلا عقل بینهما و لا میراث و فی الصحاح سیبت الدابة ترکتها تسیب حیث شاءت أی تجری و السائبة الناقة التی کانت تسیب فی الجاهلیة لنذر و نحوه و قد قیل هی أم البحیرة کانت الناقة فی الجاهلیة اذا ولدت عشرة أبطن کلهم اناث سیبت و لم ترکب و لم یشرب لبنها الا ولدها و الضیف حتی تموت فاذا ماتت أکلها الرجال و النساء جمیعا و بحرت اذن بنتها الصغیرة فتسمی البحیرة و هی بمنزلة أمّها فی أنها سائبة و فی القاموس الناقة کانت تسیب فی الجاهلیة لنذر و نحوه أو کانت اذا ولدت عشرة أبطن کلهم اناث سیبت أو کان الرجل اذا قدم من سفر بعید أو نجت دابة من مشقة أو حرب قال هی سائبة أو کان ینزع من ظهرها فقارة أو عظما و کانت لا تمنع من ماء و کلأ و لا ترکب* و فی أنوار التنزیل و اذا ولدت الشاة انثی فهی لهم و ان ولدت ذکرا فهو لآلهتهم و ان ولدتهما وصلت الانثی أخاها فلا یذبح لها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:234
الذکر و اذ انتحت من صلب الفحل عشرة أبطن حرموا ظهره و لم یمنعوه من ماء و لا مرعی و قالوا قد حمی ظهره* و فی المدارک و کانت الشاة اذا ولدت سبعة أبطن فان کان السابع ذکرا أکله الرجال و ان کان انثی أرسلت فی الغنم و کذا ان کان ذکرا و انثی و قالوا وصلت أخاها فهی بمعنی الواصلة انتهی* (القسم الثالث من أهل الفترة)* و هم من لم یشرک و لم یوحد و لا دخل فی شریعة نبی و لا ابتکر لنفسه شریعة و لا اخترع دینا بل بقی عمره علی حال غفلة من هذا کله و فی الجاهلیة من کان علی ذلک و اذا انقسم أهل الفترة الی الثلاثة الاقسام فیحمل من صح تعذیبه علی أهل القسم الثانی لکفرهم بما تعدّوا به من الخبائث و اللّه تعالی سمی جمیع هذا من القسم کفارا و مشرکین فانا نجد القرآن کلما حکی حال أحد سجل علیهم بالکفر و الشرک کقوله تعالی ما جعل اللّه من بحیرة ثم قال و لکنّ الذین کفروا یفترون علی اللّه الکذب* و القسم الثالث هم أهل الفترة حقیقة و هم غیر معذبین و أما أهل القسم الاوّل کقس بن ساعدة و زید بن عمرو فقد قال علیه السلام فی کل منهما انه یبعث أمّة وحده و أما عثمان بن الحویرث و تبع و قومه و أهل نجران فحکمهم حکم أهل الدین الذی دخلوا فیه ما لم یلحق أحد منهم الاسلام الناسخ لکل دین انتهی ملخصا* الدرجة الثالثة قال الشیخ جلال الدین السیوطی ان أبوی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کانا علی التوحید و دین ابراهیم کما کان کذلک طائفة من العرب کزید بن عمرو بن نفیل و قس بن ساعدة و ورقة بن نوفل و عمیر بن حبیب الجهنی و عمرو بن عنبسة فی جماعة آخرین و هذه طائفة ذکرها الامام فخر الدین الرازی و زاد أن آباء النبیّ کلهم الی آدم علی التوحید لم یکن فیهم شرک قال مما یدل علی أن آباء محمد صلّی اللّه علیه و سلم ما کانوا مشرکین قوله علیه السلام لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرین الی أرحام الطاهرات و قال تعالی انما المشرکون نجس فوجب أن لا یکون أحد من أجداده مشرکا* قال و من ذلک قوله تعالی الذی یراک حین تقوم و تقلبک فی الساجدین معناه انه کان ینقل نوره من ساجد الی ساجد قال و بهذا التقریر فالآیة دالة علی أن جمیع آباء محمد صلّی اللّه علیه و سلم کانوا مسلمین قال و حینئذ یجب القطع بأن والد ابراهیم ما کان من الکافرین و ان آزر لم یکن والده و انما ذلک عمه أقصی ما فی الباب أن یحمل قوله و تقلبک فی الساجدین علی وجوه اخری فاذا وردت الروایات بالکل و لا منافاة بینها وجب حمل الآیة علی الکل و بذلک ثبت أن والد ابراهیم ما کان من عبدة الاوثان و ان آزر لم یکن والده بل کان عمه انتهی ملخصا و وافقه علی الاستدلال بالآیة الثانیة بهذا المعنی الامام الماوردی صاحب الحاوی الکبیر من أئمة أصحاب الشافعی و قد وجدت ما یعضد هذه المقالة من الادلة ما بین مجمل و مفصل فالمجمل دلیله مرکب من مقدّمتین* احداهما أن الاحادیث الصحیحة دلت علی أن کل أصل من اصوله صلّی اللّه علیه و سلم من آدم الی أبیه خیر أهل زمانه* و الثانیة ان الاحادیث و الآثار دلت علی أنه لم تخل الارض من عهد نوح الی بعثة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من ناس علی الفطرة یعبدون اللّه و یوحدونه و یصلون له و بهم تحفظ الارض و لولاهم هلکت الارض و من علیها* و من أدلة المقدّمة الاولی حدیث بعثت من خیر قرون بنی آدم قرنا فقرنا حتی بعثت من القرن الذی کنت فیه و فی سنن البیهقی ما افترق الناس فرقتین الا جعلنی اللّه فی خیرهما و أخرجت من بین أبویّ فلم یصبنی شی‌ء من عهد الجاهلیة و خرجت من نکاح و لم أخرج من سفاح من لدن آدم حتی انتهیت الی أبی و أمی فأنا خیرکم نفسا و خیرکم أبا و لا فخر* و حدیث أبی نعیم و غیره لم یزل اللّه ینقلنی من الاصلاب الطیبة الی الارحام الطاهرة مصفی مهذبا ما تتشعب شعبتان الا کنت فی خیرهما فی أحادیث کثیرة* و من أدلة المقدمة الثانیة ما أخرجه عبد الرزاق فی المصنف و ابن المنذر فی تفسیره بسند صحیح علی شرط الشیخین عن علی ابن أبی طالب قال لم یزل علی وجه الارض من یعبد اللّه علیها و
أخرج الامام أحمد ابن حنبل فی الزهد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:235
و الجلال فی کرامات الاولیاء بسند صحیح علی شرط الشیخین عن ابن عباس قال ما خلت الارض من بعد نوح من سبعة یدفع اللّه بهم عن أهل الارض فی آثار أخر و اذا قرنت بین المقدمتین أنتج منهما قطعا ان آباء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم یکن فیهم مشرک لانه قد ثبت فی کل منهم أنه خیر قرنه فان کان الناس الذین هم علی الفطرة هم آباؤهم فهو المدّعی و ان کانوا غیرهم و علی الشرک لزم أحد أمرین اما أن یکون المشرک خیرا من المسلم و هو باطل بنص القرآن و الاجماع و اما أن یکون غیرهم خیرا منهم و هو باطل لمخالفته الاحادیث الصحیحة فوجب قطعا أن لا یکون فیهم مشرک لیکونوا خیر أهل الارض کل فی قرنه هذا ما قاله السیوطی و قال القسطلانی فی المواهب اللدنیة و یتعقب بأنه لا دلالة فی قوله تعالی و تقلبک فی الساجدین علی ما ادّعاه لما ذکر البیضاوی فی تفسیره ان معنی الآیة و تردّدک فی تصفح أحوال المجتهدین لما روی أنه لما نسخ فرض قیام اللیل طاف علیه السلام تلک اللیلة بیوت أصحابه لینظر ما یصنعون حرصا علی کثرة طاعاتهم فوجدها کبیوت الزنابیر لما یسمع لها من دندنتهم بذکر اللّه تعالی و قد ورد النص بأن أبا ابراهیم علیه السلام مات علی الکفر کما صرّح به البیضاوی و غیره قال اللّه تعالی فلما تبین له أنه عدوّ للّه تبرّ أمنه و أما قوله انه کان عمه فعدول عن الظاهر من غیر دلیل انتهی* و نقل الامام أبو حیان فی البحر عند تفسیر و تقلبک فی الساجدین أن الرافضة هم القائلون بأن آباء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کانوا مؤمنین مستدلین بقوله تعالی و تقلبک فی الساجدین و بقوله صلّی اللّه علیه و سلم لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرین الحدیث انتهی* و عن ابن جریر عن علقمة بن مرثد عن سلیمان عن أبیه أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما قدم مکة أتی رسم قبر فجلس إلیه فجعل یخاطب ثم قام مستعبرا فقلنا یا رسول اللّه انا رأینا ما صنعت قال انی استأذنت ربی فی زیارة قبر أمی فأذن لی و استأذنته فی الاستغفار فلم یأذن لی فما رؤی باکیا أکثر من یومئذ* و روی ابن أبی حاتم فی تفسیره عن عبد اللّه بن مسعود أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أتی الی المقابر فاتبعناه فحاء حتی جلس الی قبر منها فناجاه طویلا ثم بکی فبکینا لبکائه ثم قام فقام إلیه عمر بن الخطاب فدعاه ثم دعانا فقال ما أبکاکم قلنا بکینا لبکائک فقال ان القبر الذی جلست عنده قبر آمنة و انی استأذنت ربی فی زیارتها فأذن لی و استأذنته فی الدعاء لها فلم یأذن لی و أنزل علیّ ما کان للنبیّ و الذین آمنوا أن یستغفروا للمشرکین و لو کانوا أولی قربی فأخذنی ما یأخذ الولد عند الولد و رواه الطبرانی فی حدیث ابن عباس* و فی مسلم استأذنت ربی أن أستغفر لامی فلم یأذن لی و استأذنته فی ان أزور قبرها فأذن لی فزوروا القبور فانها تذکر الآخرة* قال القاضی عیاض بکاؤه علیه السلام علی ما فاتهما من ادراک أیامه و الایمان به انتهی کلام القسطلانی* و قال السیوطی فی الدرجة المنیفة أخرج البزار فی مسنده و ابن جریر و ابن أبی حاتم و ابن المنذر فی تفاسیرهم و الحاکم فی المستدرک و صححه عن ابن عباس فی قوله تعالی کان الناس أمّة واحدة قال بین آدم و نوح عشرة قرون کلهم علی شریعة من الحق فاختلفوا فبعث اللّه النبیین و أخرج ابن أبی حاتم عن قتادة فی الآیة قال ذکر لنا انه کان بین آدم و نوح عشرة قرون کلهم علماء بهدی و علی شریعة من الحق ثم اختلفوا بعد ذلک فبعث اللّه نوحا و کان أوّل رسول أرسله اللّه الی أهل الارض* و فی التنزیل حکایة عن نوح علیه السلام انه قال رب اغفر لی و لوالدیّ و لمن دخل بیتی مؤمنا فثبت بهذا ایمان اجداده صلّی اللّه علیه و سلم من آدم الی نوح و ولد نوح سام مؤمن بنص القرآن و الاجماع لانه نجامع أبیه فی السفینة و لم ینج فیها الا مؤمن فی التنزیل و جعلنا ذرّیته هم الباقین بل ورد فی أثر أنه کان نبیا و ولده أرفخشد نص علی ایمانه فی أثر عن ابن عباس أخرجه ابن سعد فی الطبقات من طریق الکلبی و أما آزر فالارجح کما قال الرازی انه عمّ ابراهیم علیه السلام لا أبوه و قد سبقه الی ذلک جماعة
من السلف* فروینا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:236
بالاسانید عن ابن عباس و مجاهد و ابن جریر و السدّی قالوا لیس آزر أبا ابراهیم انما هو ابراهیم بن تارخ و وقفت علی أثر فی تفسیر ابن المنذر صرّح فیه بأنه عمه فثبت بما قرّرناه ان الاجداد الشریفة من آدم الی ابراهیم منصوص علی ایمانهم و متفق علیهم الا الخلاف الذی فی آزر من حیثیة کونه أبا أو عما فان کان أبا استثنی من الاجداد و ان کان عما خرج منها و سلمت السلسلة فأما من بعد ابراهیم و اسماعیل فقد اتفقت الاحادیث الصحیحة و نصوص العلماء علی أن العرب من بعد ابراهیم کلهم علی دینه لم یکفر منهم أحد قط و لم یعبد صنما الی عهد عمرو بن لحیّ الخزاعی فانه أوّل من غیر دین ابراهیم علیه السلام و عبد الاصنام و سیب السوائب* و أخرج البخاری و مسلم عن أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رأیت عمرو بن عامر الخزاعی یجرّ قصبه فی النار کان أوّل من سیب السوائب و أخرج ابن جریر فی تفسیره عن أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رأیت عمرو بن لحیّ بن قمعة بن خندف یجرّ قصبه فی النار انه أوّل من غیر دین ابراهیم علیه السلام* و أخرج أحمد فی مسنده عن ابن مسعود عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال ان أوّل من سیب السوائب و عبد الاصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر و انی رأیته یجرّ قصبه فی النار* قال الشهرستانی فی الملل و النحل کان دین ابراهیم قائما و التوحید فی صدر العرب شائعا و أوّل من غیره و اتخذ عبادة الاصنام عمرو بن لحی* و قال الحافظ عماد الدین بن کثیر کانت العرب علی دین ابراهیم الی أن ولی عمرو بن عامر الخزاعی مکة و انتزع ولایة البیت من أجداد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأحدث عمرو المذکور عبادة الاوثان و شرع للعرب الضلالات و زاد فی التلبیة بعد قوله لا شریک لک قوله الا شریکا هو لک تملکه و ما ملک فهو أوّل من قال ذلک و تبعته العرب علی الشرک فشابهوا بذلک قوم نوح یعنی فی احداث الکفر بعد ان کان سلفهم علی الایمان و فیهم علی ذلک بقایا علی دین ابراهیم علیه السلام* و قد أخرج ابن حبیب فی تاریخه عن ابن عباس کان عدنان و معد و ربیعة و مضر و خزیمة و أسد علی ملة ابراهیم فلا تذکروهم الا بخیر و أخرج ابن سعد فی الطبقات من مرسل عبد اللّه بن خالد قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تسبوا مضر فانه کان قد أسلم* و فی الروض الانف للسهیلی یذکره عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لا تسبوا الیاس فانه کان مؤمنا و ذکر أنه کان یسمع فی صلبه تلبیة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بالحج و فیه أیضا ان کعب بن لؤیّ أوّل من جمع یوم العروبة فکانت قریش تجتمع إلیه فی هذا الیوم فیخطبهم و یذکرهم بمبعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و یعلمهم أنه من ولده و یأمرهم باتباعه و الایمان به و ینشد فی هذا أبیاتا منها
یا لیتنی شاهد نجواء دعوته‌اذا قریش تبغی الحق خذلانا قال السهیلی و قد ذکر الماوردی هذا الخبر عن کعب فی کتاب الاعلام له* قلت و أخرجه أبو نعیم فی دلائل النبوّة فثبت بهذا التقریر أن أجداد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من ابراهیم الی کعب بن لؤیّ و ولده مرّة منصوص علی ایمانهم و لم یختلف فیهم اثنان و بقی بین مرّة و بین عبد المطلب أربعة آباء و هم کلاب و قصی و عبد مناف و هاشم و لم أظفر فیهم بنقل لا بهذا و لا بهذا و بقی ثلاثة أدلة متعلقة بعقب ابراهیم المنظومین فی سلسلة النسب الشریف* أحدها قوله تعالی و اذ قال ابراهیم لابیه و قومه اننی براء مما تعبدون الا الذی فطرنی فانه سیهدین و جعلها کلمة باقیة فی عقبه و خرج عبد بن حمید عن ابن عباس فی قوله تعالی و جعلها کلمة باقیة فی عقبه قال شهادة ان لا إله الا اللّه و التوحید لا یزال فی ذرّیته من یقولها من بعده* و أخرج ابن المنذر عن ابن جریج فی قوله تعالی و جعلها کلمة باقیة فی عقبه قال فی عقب ابراهیم فلم یزل بعد من ذرّیة ابراهیم من یقول لا إله الا اللّه* و أخرج عبد الرزاق و ابن المنذر عن قتادة فی قوله و جعلها کلمة باقیة فی عقبه قال الاخلاص و التوحید لا یزال فی ذرّیته من یوحد اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:237
و یعبده* و ثانیها قوله تعالی رب اجعلنی مقیم الصلاة و من ذرّیتی أخرج المنذری عن ابن جریر فی قوله تعالی رب اجعلنی مقیم الصلاة و من ذرّیتی قال فلن یزال من ذرّیة ابراهیم ناس علی الفطرة یعبدون اللّه و ثالثها قوله تعالی و اذ قال ابراهیم رب اجعل هذا البلد آمنا و اجنبنی و بنیّ أن نعبد الاصنام أخرج ابن جریر عن مجاهد فی هذه الآیة قال فاستجاب اللّه لإبراهیم دعوته فی ولده فلم یعبد أحد من ولده صنما فقبل دعوته و استجاب اللّه له و جعل هذا البلد آمنا و رزق أهله من الثمرات و جعله اماما و جعل من ذرّیته من یقیم الصلاة* و أخرج ابن أبی حاتم عن سفیان بن عیینة انه سئل هل عبد أحد من ولد اسماعیل الاصنام قال لا أ لم تسمع قوله تعالی و اجنبنی و بنیّ أن نعبد الاصنام قیل کیف لم یدخل ولد اسحاق و سائر ولد ابراهیم قال لانه دعاء لاهل البلد خاصة أن لا یعبدوا اذا أسکنهم فقال اجعل هذا البلد أن یخص بذلک و قال و اجنبنی و بنیّ أن نعبد الاصنام فیه فقد خص أهله دون غیره و ما قررناه من الادلة و النقول مصداق ما قاله فخر الدین و ما أحسن قول الحافظ شمس الدین بن ناصر الدین الدمشقی کما ذکرنا من قوله
تنقل أحمد نورا عظیماتلألأ فی جباه الساجدینا
تقلب فیهم قرنا فقرناالی أن جاء خیر المرسلینا و لم یبق بعد المذکورین الا عبد المطلب و فیه خلاف بین الناس و الاحسن فی شأنه انه لم تبلغه الدعوة قال الشهرستانی ظهر نور النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی أساریر عبد المطلب بعض الظهور و ببرکة ذلک النور ألهم النذر فی ذبح ولده و ببرکته قال لابرهة ان لهذا البیت ربا یحفظه و منه قال و قد صعد أبا قبیس
لا همّ ان المرء یمنع رحله فامنع رحالک‌لا یغلبنّ صلیبهم
و محالهم عدوا محالک
فانصر علی آل الصلیب و عابدیه الیوم آلک
قال و ببرکة ذلک النور کان یأمر ولده بترک الظلم و البغی و یحثهم علی مکارم الاخلاق و ینهاهم عن ذیئات الامور و ببرکة ذلک النور کان یقول فی وصایاه انه لن یخرج من الدنیا ظلوم حتی ینتقم منه و تصیبه عقوبة الی أن هلک رجل ظلوم لم تصبه عقوبة فقیل لعبد المطلب فی ذلک ففکر و قال و اللّه ان وراء هذه الدار دارا یجزی فیها المحسن باحسانه و یعاقب فیها المسی‌ء باساءته فهذا یدل علی أنه لم تبلغه الدعوة علی وجهها و لم یجد من یعرفه حقیقة ما جاءت به الرسل فانه لو وجد من یخبره بأن الأنبیاء جاءت بالبعث لم یکن فی غفلة منه حتی وقعت هذه الواقعة فتفکر فیها فاستدل بها علی أن ثمة دارا أخری و فیه قول ساقط ان اللّه أحیاه حتی آمن بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حکاه ابن سید الناس فی السیرة و غیره و هو مردود و لا أعرفه عن أحد من أئمة السنة انما یحکی عن بعض الشیعة و هو قول لا دلیل علیه و لم یرد فیه قط حدیث لا ضعیف و لا غیره و بهذا فارق قول الامام فخر الدین فان القائل بذلک یدّعی ان عبد المطلب أحیی و آمن بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و صار علی ملته و الامام فخر الدین لا یقول بهذا بل یقول انه کان فی الاصل علی ملة ابراهیم من غیر أن یحصل له دخول فی هذه الملة و یعضد ذلک فی أمّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما أخرجه أبو نعیم فی دلائل النبوّة بسند ضعیف من طریق الزهری عن أمّ سماعة بنت أبی رهم عن أمّها قالت شهدت أمّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی علتها التی ماتت فیها و محمد غلام یفع له خمس سنین عند رأسها فنظرت الی وجهه ثم قالت بارک فیک اللّه من غلام الی آخر ما سبق عند موتها من الابیات و مرثیة الجنّ فأنت تری هذا الکلام منها صریحا فی النهی عن موالاة الاصنام مع الاقوام و الاعتراف بدین ابراهیم و ببعث ولدها الی الانام من عند ذی الجلال و الاکرام بالاسلام و هذه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:238
الالفاظ منافیة للشرک انی استقریت أمّهات الأنبیاء فوجدت أکثرهنّ منصوصا علی ایمانها و من لم ینص علیها سکت عنها فلم ینقل فیها شی‌ء البتة و الظاهر ان شاء اللّه تعالی و کانّ السرّ فی ذلک ما یرینه من النور کما ورد فی الحدیث أخرج أحمد و البزار و الطبرانی و الحاکم و البیهقی عن العرباض بن ساریة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال انی عبد اللّه خاتم النبیین و ان آدم لمنجدل فی طینته و سأخبرکم عن ذلک أنا دعوة ابراهیم و بشارة عیسی و رؤیا أمی التی رأت و کذلک أمّهات النبیین یرین و ان أمّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رأت حین وضعته نورا أضاءت قصور الشام منه* قلت و لا شک أن الذی رأته أمّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی حال حملها به و ولادتها من الآیات أکثر و أعظم مما رآه أمّهات الأنبیاء* قال السیوطی نقلت من مجموع بخط الشیخ کمال الدین السبکی والد الشیخ الامام تقیّ الدین ما نصه سئل القاضی أبو بکر بن العربی عن رجل قال ان آباء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی النار فأجاب بأنه ملعون لان اللّه تعالی قال ان الذین یؤذون اللّه و رسوله لعنهم اللّه فی الدنیا و الآخرة و أعدّ لهم عذابا مهینا و لا اذی أعظم من أن یقال عن أبیه فی النار انتهی بلفظه و أورد المحب الطبری فی ذخائر العقبی عن أبی هریرة قال جاءت سفینة بنت أبی لهب الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالت یا رسول اللّه ان الناس یقولون لی أنت بنت حطب النار فقام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال ما بال أقوام یؤذوننی فی قرابتی من آذی قرابتی فقد آذانی و من آذانی فقد آذی اللّه* و فی ربیع الابرار للزمخشری لقی رجل من المهاجرین العباس بن عبد المطلب فقال یا أبا الفضل رأیت عبد المطلب بن هاشم و القیطلة کاهنة بنی سهم جمعهما اللّه فی النار فصفح عنه ثم قال له فصفح عنه فلما کانت الثالثة رفع یده فوجأ انفه فانطلق الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما رآه قال ما هذا قال العباس فأرسل إلیه و قال ما أردت برجل من المهاجرین فقص علیه القصة و قال ما ملکت نفسی و ما ایاه أردت و لکن أرادنی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما بال أحدکم یؤذی أخاه فی شی‌ء و ان کان حقا* و أخرج أبو نعیم فی الحلیة من طریق عبد اللّه ابن یونس قال سمعت بعض شیوخنا یذکر أن عمر بن عبد العزیز أتی بکاتب یخط بین یدیه و کان مسلما و کان أبوه کافرا فقال عمر للذی جاء به لو کنت جئت به من أبناء المهاجرین فقال الکاتب قد کان أبو رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ذکر کلمة اسقطتها انا فغضب عمرو قال لا تخط بین یدیّ بقلم أبدا و أخرج شیخ الاسلام الهروی فی کتاب ذم الکلام من طریق ابن أبی جمیلة قال قال عمر بن عبد العزیز لسلیمان ابن سعد بلغنی أن أباک عاملنا کان کذا و کذا و هو کافر قال کان أبو رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ذکر ما بعد الکلام و أسقطته أنا فغضب عمر غضبا شدیدا و عزله عن الدواوین و ذکر القاضی تاج الدین السبکی فی کتابه الترشیح قال قال الشافعی رضی اللّه عنه فی بعض نصوصه و قطع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم امرأة لها شرف فکلم فیها فقال لو سرقت فلانة لامرأة شریفة لقطعت یدها* قال ابن السبکی فانظر الی قوله فلانة و لم یبح باسم فاطمة تأدّبا معها ان یذکرها فی هذا المعرض و ان کان أبوها صلّی اللّه علیه و سلم قد ذکرها لانه یحسن منه ما لا یحسن منا انتهی کلام السبکی و قد جری علی الادب الامام ابو داود صاحب السنن فانه یخرج فی سننه حدیثا فی آخر شی‌ء یتعلق بعبد المطلب فلما انتهی الی ذکره قال فذکر تشدید ا و لم یصرح بشی‌ء و الحدیث مبهم فی مسند أحمد و سنن النسائی و هذا و أمثاله ارشاد من هؤلاء الائمة و تعلیم لنا ان نسکت عن التلفظ بمثل ذلک تأدّبا انتهی کلام السیوطی قیل التوفیق بین دفن امّه بالابواء و کون قبرها بها و بین کون قبرها بمکة علی تقدیر صحة الحدیثین ان یقال یحتمل أن تکون دفنت بالابواء أوّلا و کان قبرها هناک ثم نبشت و نقلت الی مکة و اللّه أعلم* و فی السنة
السادسة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم ولد عثمان بن عفان و فی الاستیعاب ولد عثمان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:239
ابن عفان فی السنة السادسة بعد الفیل و قیل غیر ذلک*

کفالة عبد المطلب له علیه السلام‌

و فی السنة السابعة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم کفالة عبد المطلب لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* روی نافع بن جبیر أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان مع امّه آمنة بنت وهب فلما توفیت ضمه إلیه جدّه عبد المطلب ورق علیه رقة لم یرقها علی ولده و کان یقربه منه و یدخل علیه اذا خلا و اذا نام و کان یجلس علی فراشه و اولاده کانوا لا یجلسون علیه* قال ابن اسحاق حدّثنی العباس بن عبد اللّه بن معبد عن بعض اهله قال کان یوضع لعبد المطلب فراش فی ظل الکعبة و کان لا یجلس علیه احد من بنیه اجلالا له و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یأتی حتی یجلس علیه فتذهب أعمامه یؤخرونه فیقول عبد المطلب دعوا ابنی و یمسح علی ظهره و یقول انّ لابنی هذا لشأنا کذا قال ابن الاثیر فی أسد الغابة و قال قوم من بنی مدلج و هم مشهورون بالقیافة یا عبد المطلب احتفظ به فانا لم نر قد ما أشبه بالقدم التی فی مقام ابراهیم منه فقال عبد المطلب لابی طالب اسمع ما یقول هؤلاء فی ابن أخیک و قال لأمّ أیمن و کانت تحضنه لا تغفلی عن ابنی فان أهل الکتاب یزعمون انه نبی هذه الامّة و کان عبد المطلب لا یأکل طعاما الا قال علیّ بابنی فیؤتی به إلیه فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصی أبا طالب بحفظ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم*

رمده علیه السلام‌

و من وقائع هذه السنة ما روی انه أصاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رمد شدید فعولج بمکة فلم یغن عنه فقیل لعبد المطلب ان فی ناحیة عکاظ راهبا یعالج الاعین فرکب إلیه فناداه و دیره مغلق فکان لا یجیبه فتزلزل به دیره حتی خاف أن یسقط علیه فخرج مبادرا و قال یا عبد المطلب ان هذا الغلام نبی هذه الامّة و لو لم أخرج إلیک لخرّ دیری و ارجع به و احفظوه لا یغتاله بعض أهل الکتاب ثم عالج*

استسقاء عبد المطلب‌

و فی هذه السنة استسقی عبد المطلب مع قریش روی عن رقیقة بنت صیفی بن هاشم أنها قالت تتابعت علی قریش سنون حتی یبست الضروع و دقت العظام فبینا أنا راقدة فاذا بهاتف صیت یصرخ بصوت ضخم یقول یا معشر قریش ان هذا النبیّ المبعوث منکم هذا ابان نجومه فحیّ هلا بالحیا و الخصب ألا فانظروا منکم رجلا طوالا عظاما أبیض و ضاء أشم العرنین سهل الخدّین له فخر یکظم علیه و یروی رجلا وسیطا عظاما جساما أوطف الاهداب ألا فلیخلص هو و ولده ولید لف إلیه من کل بطن رجل ألا فلیشنوا من الماء و لیسموا من الطیب و لیطوفوا بالبیت سبعا و فیهم الطیب الطاهر لذاته ألا فلیستسق الرجل و لیؤمّن القوم ألا فغثتم اذا ما شئتم قالت فأصبحت مذعورة قد قف جلدی و وله عقلی و قصصت رؤیای علی أهل الحرم ان بقی أبطحی الا قال هذا شیبة الحمد و شیبة الحمد اسم عبد المطلب و تتاءمت عنده قریش و انقض إلیه من کل بطن رجل فشنوا الماء و مسوا من الطیب و طافوا بالبیت سبعا و رفع ابنه محمدا صلّی اللّه علیه و سلم علی عاتقه و هو یومئذ ابن سبع سنین و ارتقوا أبا قبیس فدعا و استسقی و أمّن القوم قالت فما وصلوا البیت حتی انفجرت السماء بمائها و امتلأ الوادی قالت سمعت شیوخ العرب یقولون لعبد المطلب هنیئا لک یا أبا البطحاء و فی ذلک تقول رقیقة
بشیبة الحمد أسقی اللّه بلدتنالما فقدنا الحیا و اجلوّذ المطر
فجاء بالماء جوبی له سبل‌سحا فعاشت به الانعام و الشجر کذا فی الحدائق لابن الجوزی قولها اجلوّذ المطر أی امتدّ وقت تأخره و انقطاعه و الجوبة هی الحفیرة المستدیرة الواسعة و کل منفتق بلا بناء جوبة کذا فی نهایة ابن الاثیر*

تبشیر سیف الحمیری عبد المطلب‌

و فی هذه السنة خروج عبد المطلب لتهنئة سیف بن ذی یزن الحمیری بالملک و تبشیر سیف عبد المطلب بأنه سیظهر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من نسله* روی عن زرعة بن سیف بن ذی یزن الحمیری أنه قال لما ظهر جدّی سیف علی الحبشة و ذلک بعد مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بسنتین أتته وفود العرب و أشرافها و شعراؤها لتهنئته و أتاه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:240
وفود قریش فیهم عبد المطلب بن هاشم و أمیة بن عبد شمس و عبد اللّه بن جذعان و أسد بن عبد العزی و وهب بن عبد مناف و قصی بن عبد الدار و هو فی رأس قصر یقال له غمدان* و فی القاموس غمدان کعثمان قصر بالیمن بناه لیشرح بن الحارث بن صیفی بن سبأ جدّ بلقیس بأربعة وجوه أحمر و أصفر و أبیض و أخضر و بنی داخله قصرا بسبعة سقوف بین کل سقف أربعون ذراعا و سیجی‌ء ذکر سلیمان و بلقیس و ذکر الحصون الثلاثة فی آخر الباب و غمدان هو الذی یقول فیه أمیة بن أبی الصلت الثقفی یمدح ابن ذی یزن الحمیری
اشرب هنیئا علیک التاج مرتفعافی رأس غمدان دارا منک مجلالا
اشرب هنیئا فقد شالت نعامتهم‌و أسبل الیوم فی بردیک اسبالا
تلک المکارم لاقعبان من لبن‌شیبا بماء فعادا بعد أبوالا و کان الملک یومئذ فی أعظم هیئاته متضمخا بالعنبر ینطف و بیص المسک فی مفرق رأسه و علیه بردان من برود الیمن أخضر ان مرتد بأحدهما متزر بالآخر عن یمینه الملوک و عن شماله الملوک و أبناء الملوک و المقاول فأخبر بمکانهم فأذن لهم فدخلوا علیه فدنا عبد المطلب فاستأذنه فی الکلام فقال ان کنت ممن یتکلم بین یدی الملوک فقد أذناک فقال ان اللّه عز و جل أحلک أیها الملک محلا رفیعا باذخا شامخا منیعا و أنبتک نباتا طابت أرومته و عظمت جرثومته و ثبت أصله و بسق فرعه فی أطیب موطن و أکرم معدن و أنت أبیت اللعن ملک العرب و نابها و ربیعها الذی به تخصب و أنت أیها الملک ملک العرب و فی روایة رأس العرب الذی ینقاد و عمودها الذی علیه العماد و معقلها الذی یلجأ إلیه العباد سلفک خیر سلف و أنت لنا منه خیر خلف فلن یهلک من أنت خلفه و لن یخمد ذکر من أنت سلفه نحن أهل حرم اللّه و سدنة بیته أشخصنا إلیک الذی أبهجنا لکشفک الکرب الذی قدحنا فنحن وفد التهنیة لا وفد التعزیة* فقال له الملک من أنت أیها المتکلم فقال انا عبد المطلب ابن هاشم قال ابن أختنا قال نعم قال ادن ثم أقبل علیه و علی القوم فقال مرحبا و أهلا و ناقة و رحلا فأرسلها مثلا و کان أوّل من تکلم بها و مستناخا سهلا و ملکا ربحلا یعطی عطاء جزلا قد سمع الملک مقالتکم و عرف قرابتکم و قبل وسیلتکم و أنتم أهل اللیل و النهار لکم الکرامة ما أقمتم و الحباء اذا ظعنتم انهضوا الی دار الضیافة و الوفود و أجری علیهم الانزال و أقاموا بعد ذلک شهرا لا یصلون إلیه و لا یؤذن لهم بالانصراف ثم ان الملک انتبه لهم انتباهة فأرسل الی عبد المطلب فأدناه ثم قال له یا عبد المطلب انی مفوّض إلیک من سر علمی أمرا لو غیرک یکون لم أبح له به و لکن رأیتک معدنه فأطلعتک طلعته فلیکن عندک مطویا حتی یأذن اللّه عز و جل فیه انی أجد فی الکتاب المکنون و العلم المخزون فلیکن الذی أخرناه لا نفسنا و احتجبناه دون غیرنا خیرا عظیما و خطرا جسیما فیه شرف الحیاة و فضیلة الوفاة للناس عامة و لرهطک کافة و لک خاصة فقال عبد المطلب لقد أبت بخیر ما آب أیها الملک بمثله وافد قوم و لو لا هیبة الملک و اجلاله و اعظامه لسألته من سرّه ایاه ما أزداد به سرورا فقال الملک هذا حینه الذی یولد فیه ولد اسمه محمد یموت أبوه و امّه و یکفله جدّه و عمه و قد ولدناه مرارا و اللّه عز و جل باعثه جهارا و جاعل له منا انصارا یعزّ بهم أولیاءه و یذل بهم أعداءه و یضرب لهم الناس عن عرض و یستبیح بهم کرائم أهل الارض تخمد به النیران و یعبد به الرحمن و یزجر الشیطان و تکسر الاوثان قوله فصل و حکمه عدل یأمر بالمعروف و یفعله و ینهی عن المنکر و یبطله* فقال عبد المطلب عز جارک و دام ملکک و علا کعبک فهل الملک سارّی بافصاح فقد أوضح لی بعض الایضاح فقال له ابن ذی یزن و البیت ذی الحجب و العلامات علی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:241
النصب انک جدّه یا عبد المطلب من غیر کذب* قال فخرّ عبد المطلب ساجدا لاجل هذا الخبر فقال له ابن ذی یزن ارفع رأسک ثلج صدرک و علا کعبک فهل أحسست بشی‌ء مما ذکرت لک قال نعم أیها الملک کان لی ابن و کنت به معجیا و علیه رفیقا و به شفیقا و انی زوّجته کریمة من کرائم قومی آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فجاءت بغلام سمیته محمدا مات أبوه و امّه و کفلته أنا و عمه فقال له الملک ان هذا الغلام هو الذی قلت لک علیه فاحفظ ابنک و احذر علیه من الیهود فانهم له أعداء و لن یجعل اللّه لهم علیه سبیلا و اطو ما ذکرت لک دون هؤلاء الرهط الذین معک فانی لست آمن أن تدخلهم النفاسة فی أن تکون لک الرئاسة فینصبون لک الحبائل و یبتغون لک الغوائل و هم فاعلون ذلک أو أبناؤهم من غیر شک و لو انی أعلم ان الموت غیر مجتاحی قبل مبعثه لسرت إلیه بخیلی و رجلی حتی أجعل یثرب دار ملکی فانی أجد فی الکتاب الناطق و العلم السابق أن یثرب دار استحکام أمره و أهل نصرته و موضع قبره و لو لا انی أقیه الآفات و أحذر علیه العاهات لا علنت علی حداثة سنه أمره و لا وطأت أسنان العرب کعبه و لکنی صارف ذلک إلیک بمن معک ثم دعا بالقوم و أمر لکل واحد بعشرة أعبد سود و عشرا ماء سود و حلتین من حلل البرود و خمسة أرطال ذهب و عشرة أرطال فضة و کرش مملوء عنبرا و مائة من الابل و أمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلک و قال اذا کان الحول فانبئنی بما یکون منه فمات سیف بن ذی یزن قبل ان یحول علیه الحول قال عبد اللّه اسناد هذا متصل مشهور من حدیث أولاد سیف بحمص و عقبهم بها*

(ذکر سلیمان و بلقیس ملکة الیمن و سبأ و نبذ من أخبارهما)

اشارة

* روی أنه کان لداود علیه السلام تسعة عشر ابنا و أوتی سلیمان علیه السلام النبوّة و الحکم و العلم دون سائر أولاده* و من معجزاته انه علم منطق الطیر و کان یفهم عنها کما یفهم بعضها عن بعض* و فی أنوار التنزیل النطق و المنطق فی المتعارف کل لفظ یعبر به عما فی الضمیر مفردا کان أو مرکبا و قد یطلق لکل ما یصوت به علی التسبب أو التصوّت کقولهم نطقت الحمامة و منه الناطق و الصامت للحیوان و الجماد فان الاصوات الحیوانیة من حیث انها تابعة للتخیلات منزلة منزلة العبارات سیما و فیها ما یتفاوت باختلاف الاغراض بحیث یفهمها ما من جنسه و لعل سلیمان علیه السلام مهما سمع صوت حیوان علم بقوّته القدسیة التخیل الذی صوّته و الغرض الذی توخاه به* و من ذلک ما روی انه صاحت فاختة فأخبر أنها تقول لیت الخلق لم یخلقوا و مر ببلبل یصوّت و یترقص فقال یقول اذا أنا اکلت نصف تمرة فعلی الدنیا العفا* و فی انوار التنزیل فلعله کان صیاح الفاختة من مقاساة شدّة و تألم قلب و صوت البلبل عن شبع و فراغ بال و صاح طاوس فقال یقول کما تدین تدان و صاح هدهد فقال انه یقول من لا یرحم لا یرحم و صاح صرد فقال یقول استغفروا اللّه یا مذنبین و صاح خطاف فقال یقول قدّموا خیرا تجدوه و صاحت رخمة فقال تقول سبحان ربی الاعلی ملأ سمائه و ارضه و صاح ورشان فقال یقول لدوا للموت و ابنوا للخراب و صاح قمری فأخبر انه یقول سبحان ربی الاعلی الوهاب و قال ان الحدأة تقول کل شی‌ء هالک الا وجهه و القطاة تقول من سکت سلم و الدیک یقول اذکروا اللّه یا غافلین و النسر یقول یا ابن آدم عش ما شئت آخرک للموت و العقاب یقول فی البعد من الناس انس و الضفدع یقول سبحا ربی القدّوس* روی ان معسکر سلیمان علیه السلام کان مائة فرسخ فی مائة فرسخ خمسة و عشرون للجنّ و خمسة و عشرون للانس و خمسة و عشرون للطیر و خمسة و عشرون للوحوش و کان له بیت من قواریر مرتفع علی الخشب فیه ثلاثمائة منکوحة و سبعمائة سریة و قد نسجت له الجنّ بساطا من ذهب و ابریسم فرسخ فی فرسخ و کان یوضع منبر فی وسطه و کراسی من ذهب و فضة فیقعد الأنبیاء علی کراسی الذهب و العلماء علی کراسی الفضة و حولهم الناس و الجنّ و الشیاطین و تظلله الطیر بأجنحتها حتی لا تقع علیه الشمس و ترفع ریح الصبا البساط
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:242
فتسیر به مسیرة شهر بالغداة و مسیرة شهر بالعشیّ قال اللّه تعالی غدوّها شهر و رواحها شهر أی جریها بالغداة مسیرة شهر و جریها بالعشیّ کذلک فکان یغدو من دمشق فیقیل باصطخر فارس و بینهما مسیرة شهر للراکب المسرع و یروح من اصطخر فیبیت بکابل و بینهما مسیرة شهر للراکب المسرع و قیل کان یتغدّی بالری و یتعشی بسمرقند کذا فی المدارک و یروی أنه کان یأمر الریح العاصف تحمله و یأمر الرخاء تسیره فأوحی اللّه إلیه و هو یسیر بین السماء و الارض انی قد زدت فی ملکک لا یتکلم أحد بشی‌ء الا ألقته الریح فی سمعک و کانت الریح تحمله من مسافة ثلاثة امیال فیحکی أنه مرّ بحرّاث فقال لقد اوتی آل داود ملکا عظیما فألقته الریح فی اذنه فنزل و مشی الی الحراث و قال انما مشیت إلیک لئلا تتمنی ما لا تقدر علیه ثم قال لتسبیحة واحدة یقبلها اللّه خیر مما أوتی آل داود* و فی معالم التنزیل روی عن وهب بن منبه و عن کعب الاحبار قالا کان سلیمان اذا رکب حمل أهله و خدمه و حشمه و قد اتخذ مطابخ و مخابز تحمل فیها تنانیر الحدید و قدور عظام یسع کل قدر عشر جزائر و قد اتخذ میادین الدواب أمامه فیطبخ الطباخون و یخبز الخبازون و تجری الدواب بین یدیه بین السماء و الارض و الریح تهوی بهم* و فی المدارک و کانت الریح تحمل سلیمان و جنوده علی بساط بین السماء و الارض فسار من اصطخر الی الیمن فسلک مدینة الرسول صلّی اللّه علیه و سلم فقال هذه دار هجرة نبی یخرج فی آخر الزمان طوبی لمن آمن به و طوبی لمن اتبعه ثم مضی سلیمان حتی مرّ بوادی السریر و هو واد من الطائف فأتی علی وادی النمل هکذا قال کعب قال انه واد بالطائف* و قال قتادة و مقاتل هو أرض بالشام و قیل واد کان تسکنه الجنّ و أولئک النمل مراکبهم* و قال أیوب الحموی کان نمل ذلک الوادی کأمثال الذئاب و قیل کالبخاتی و المشهور أنه النمل الصغیر* و قال الشعبی کانت تلک النملة ذات جناحین و قیل کانت نملة عرجاء اسمها طاخیة قاله الضحاک أو منذرة قاله فی المدارک* و قال مقاتل اسمها خرما و یقال شاهدة عن قتادة أنه دخل الکوفة فالتفت علیه الناس فقال سلوا ما شئتم فسأله أبو حنیفة و هو شاب عن نملة سلیمان أ کانت ذکرا أم انثی فأفحم فقال أبو حنیفة کانت انثی فقیل له بم عرفت قال بقوله تعالی قالت نملة و لو کانت ذکرا لقال قال نملة و ذلک ان النملة مثل الحمامة فی وقوعها علی الذکر و الانثی فیمیز بینهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذکر و حمامة انثی أو هو أو هی فقالت النملة یأیها النمل ادخلوا مساکنکم لا یحطمنکم أی لا یکسرنکم سلیمان و جنوده و هم لا یشعرون فألقت الریح قولها فی سمع سلیمان من ثلاثة أمیال فتبسم متعجبا من حذرها و اهتدائها لمصالحها و نصیحتها للنمل روی ان النملة أحست بصوت الجنود و لا تعلم أنهم فی الهواء فأمر سلیمان الریح فوقفت لئلا یذعر حتی دخلن مساکنهنّ روی أن سلیمان لما أتی إلیها قال لها حذرت أیها النملة ظلمی أ ما علمت أنی نبی عادل حیث قلت لا یحطمنکم سلیمان و جنوده فقالت أ ما سمعت قولی و هم لا یشعرون مع انی لم أرد حطم النفوس و انما أردت حطم القلوب حیث یتمنین ما أعطیت فیشتغلن بالنظر إلیک عن التسبیح فقال لها عظینی قالت هل علمت لم سمی أبوک داود قال لا قالت لانه داوی جرحه فزاد و هل تدری لم سمیت سلیمان قال لا قالت لانک سلیم الصدر و کنت بسلامة صدرک و آن لک أن تلحق بأبیک داود و هل تدری لم سخر اللّه لک الریح قال لا قالت أخبرک اللّه ان الدنیا کلها ریح و هل تدری لم جعل ملکک فی فص الخاتم قال لا قالت أعلمک اللّه ان الدنیا لا تساوی بقطعة حجر ثم قال لها سلیمان یا نملة جندی أکثر أم جندک قالت جندی قال سلیمان أرینی جندک فنادت جنسا واحدا من جندها فخرجوا سبعین یوما حتی امتلأت البراری و الجبال و الاودیة قال هل بقی من جندک شی‌ء قالت یا سلیمان ما خرج بعد جنس واحد و ان لی مثل هذا سبعین جنسا* و فی معالم التنزیل ذکر العلماء ان سلیمان لما فرغ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:243
من بناء بیت المقدس عزم الی الخروج الی أرض الحرم فتجهز للمیر و استصحب من الانس و الجنّ و الشیاطین و الطیور و الوحوش ما یبلغ معسکره مائة فرسخ فحملتهم الریح فوافی الحرم و حج و أقام به ما شاء اللّه و کان ینحر کل یوم طول مقامه خمسة آلاف ناقة و یذبح خمسة آلاف ثور و عشرین ألف شاة و قال لمن حضره من أشراف قومه هذا مکان یخرج منه نبی عربی صفته کذا و کذا یعطی النصرة علی جمیع من ناواه و تبلغ هیبته مسیرة شهر القریب و البعید فی الحق عنده سواء لا تأخذه فی اللّه لومة لائم قال فقالوا فبأیّ دین یدین یا نبیّ اللّه فقال یدین بدین الحنیفیة و طوبی لمن أدرکه و آمن به فقالوا کم بین خروجه و بین زماننا یا نبیّ اللّه قال مقدار ألف عام فلیبلغ الشاهد منکم الغائب فانه سید الأنبیاء و خاتم الرسل قال فأقام بمکة حتی قضی نسکه ثم خرج من مکة صباحا و سار نحو الیمن فوافی صنعاء وقت الظهیرة و الزوال و ذلک مسیرة شهر فرأی أرضا حسناء تزهو خضرتها فأعجبته نزاهتها فأحب النزول لیصلی یتغدّی فنزل سلیمان و دخل وقت الصلاة و کان نزل علی غیر ماء فسأل الانس و الجنّ و الشیاطین عن الماء فلم یعلموا فتفقد الهدهد و کان الهدهد رائده و قافیه لانه یحسن طلب الماء*

قصة الهدهد

عن ابن عباس الهدهد یری الماء من تحت الارض کما یری الماء فی الزجاجة و یعرف قربه و بعده فینقر الارض ثم تجی‌ء الشیاطین فیلجونه فیستخرجون الماء فتفقده لذلک* قال سعید بن جبیر فلما ذکر ابن عباس هذا قال له نافع بن الازرق یا وصاف انظر ما تقول ان الصبی منا یضع الفخ و یحثو علیه التراب فیجی‌ء الهدهد و لا ینظر الفخ حتی یقع فی عنقه فقال له ابن عباس و یحک ان القدر اذا جاء حال دون البصر* و فی روایة اذا نزل القضاء و القدر ذهب اللب و عمی البصر و کان الهدهد حین نزل سلیمان قال ان سلیمان قد اشتغل بالنزول فارتفع الی السماء و انظر الی طول الارض و عرضها فارتفع فنظر یمینا و شمالا فرأی بستانا لبلقیس فمال الی الخضرة فوقع فیه فاذا بهدهد فهبط عنده و کان اسم هدهد سلیمان یعفور و اسم هدهد الیمن عنفیر فقال عنفیر الیمن لیعفور سلیمان من أین أقبلت و أین ترید قال أقبلت من الشام مع صاحبی سلیمان ابن داود قال و من سلیمان قال ملک الجنّ و الانس و الشیاطین و الطیر و الوحوش و الریاح فمن أین أنت قال أنا من هذه البلاد قال و من ملکها قال امرأة یقال لها بلقیس فان کان لصاحبک ملک عظیم فلیس ملک بلقیس دونه فانها ملکة الیمن کلها و تحت یدها اثنا عشر قائدا تحت کل قائد مائة ألف مقاتل فهل أنت منطلق معی حتی تنظر الی ملکها قال أخاف أن یتفقدنی سلیمان فی وقت الصلاة اذا احتاج الی الماء* قال الهدهد الیمانی ان صاحبک یسرّه أن تأتیه بخبر هذه الملکة فانطلق و نظر الی بلقیس و ملکها و ما رجع الی سلیمان الا وقت العصر* و فی روایة کان سبب تفقده الهدهد و سؤاله عنه اخلاله بالنوبة و ذلک ان سلیمان کان اذا نزل منزلا یظله و جنده الطیر من الشمس فأصابته الشمس من موضع الهدهد* و فی المدارک وقعت نفحة من الشمس علی رأس سلیمان فنظر فرأی موضع الهدهد خالیا فدعا عریف الطیر و هو النسر فسأله فقال أصلح اللّه الملک ما أدری أین هو و ما أرسلته مکانا فغضب سلیمان عند ذلک و قال لأعذبنه عذابا شدیدا الآیة* و اختلفوا فی العذاب الذی أوعده به فأظهر الاقاویل بنتف ریشه و ذنبه و القائه فی الشمس أو حیث النمل تأکله* و قال مقاتل بن حبان بتطلیته بالقطران و تشمیسه و قیل بالتفریق بینه و بین ألّفه و قیل بالزامه خدمة أقرانه و قیل بالحبس مع أضداده و قیل أضیق السجون معاشرة الاضداد و قیل بایداعه القفص و حل له تعذیب الهدهد لما رأی فیه من المصلحة ثم دعا سلیمان العقاب سید الطیر فقال علیّ بالهدهد الساعة فرفع العقاب نفسه دون السماء حتی التزق بالهواء فنظر الی الدنیا کالقصعة بین یدی أحدکم ثم التفت یمینا و شمالا فاذا هو بالهدهد مقبل من نحو الیمن فانقض العقاب نحوه یریده فلما رأی الهدهد ذلک علم أن العقاب یقصده بسوء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:244
فنا شده فقال بحق الذی قوّاک و أقدرک علیّ الا رحمتنی و لم تتعرّض لی بسوء فولی عنه العقاب و قال له ویلک ثکلتک امّک ان نبیّ اللّه قد حلف أن یعذبک أو یذبحک ثم طارا متوجهین نحو سلیمان فلما انتهیا الی المعسکر تلقاه النسر و الطیر فقالوا له ویلک أین غبت فی یومک هذا فلقد توعدک نبیّ اللّه و أخبروه بما قال سلیمان فقال الهدهد و ما استثنی رسول اللّه قالوا بلی قال أو لیأتینی بسلطان مبین قال نجوت اذا ثم انطلق العقاب و الهدهد حتی أتیا سلیمان و کان قاعدا علی کرسیه فقال العقاب قد أتیتک به یا نبیّ اللّه فلما قرب الهدهد منه طأطأ رأسه و أرخی ذنبه و جناحیه یجرّها علی الارض تواضعا لسلیمان فلما دنا منه أخذ برأسه فمدّه إلیه و قال أین کنت لأعذبنک عذابا شدیدا قال له الهدهد یا نبیّ اللّه اذکر وقوفک بین یدی اللّه عز و جل فلما سمع سلیمان ذلک ارتعد فرقا و عفا عنه ثم سأله فقال ما الذی أبطأک عنی فقال الهدهد أحطت بما لم تحط به أی علمت شیئا من جمیع جهاته یعنی حال سبأ ألهم اللّه الهدهد فکافح سلیمان بهذا الکلام مع ما أوتی من فضل النبوّة و العلوم الجمة ابتلاء له فی علمه و فیه دلیل علی ابطال قول الرافضة ان الامام لا یخفی علیه شی‌ء و لا یکون فی زمانه أعلم منه کذا فی المدارک* و فی أنوار التنزیل مخاطبته ایاه بذلک تنبیه علی أن فی أدنی خلق اللّه من أحاط علما بما لم یحط به أعلاه لیتحاقر إلیه نفسه و یتصاغر لدیه علمه قال و جئتک من سبأ بنبإ یقین السبأ أولاد سبأ بن یشجب بن یعرب بن قحطان و فی أنوار التنزیل مواضع سکنی سبأ بالیمن یقال لها مأرب بینها و بین صنعاء مسیرة ثلاث و لما قال الهدهد و جئتک من سبأ بنبإ یقین قال سلیمان و ما ذاک قال انی وجدت امرأة یعنی بلقیس بنت شرحبیل بن مالک ابن الریان کذا فی أنوار التنزیل و المدارک* و فی لباب التأویل و تفسیر الثعالبی من نسل یعرب بن قحطان و کان أبوها ملکا عظیم الشأن قد ولد له أربعون ملکا هی آخرهم و کان یملک أرض الیمن کلها و کان یقول لملوک الاطراف لیس أحد منکم کفوا لی و أبی أن یتزوّج فیهم فخطب الی الجنّ فزوّجوه امرأة منهم یقال لها ریحانة بنت السکن* قیل فی سبب وصوله الی الجنّ حین خطب إلیهم أنه کان کثیر الصید فربما اصطاد الجنّ و هم علی صور الظباء فیخلی عنهم فظهر له ملک الجنّ و شکره علی ذلک و اتخذه صدیقا فخطب ابنته فزوّجه ایاها و قیل انه خرج متصیدا فرأی حیتین تقتتلان بیضاء و سوداء و قد ظهرت السوداء علی البیضاء فقتل السوداء و حمل البیضاء و صب علیها الماء فأفاقت فأطلقها فلما رجع الی داره و جلس وحده فاذا معه شاب جمیل فخاف منه فقال لا تخف انا الحیة البیضاء التی أحییتنی و الاسود الذی قتلته هو عبد لنا تمرّد علینا و قتل عدّة منا و عرض علیه المال فقال المال لا حاجة لی فیه و لکن ان کان لک بنت فزوّجنیها فزوّجه ابنته فولدت له بلقیس و جاء فی الحدیث ان أحد أبوی بلقیس کان جنیا فلما مات أبو بلقیس طمعت فی الملک و لم یکن له ولد غیرها فطلبت من قومها أن یبایعوها فاطاعها قوم و أبی آخرون و ملکوا علیهم رجلا آخر یقال انه ابن أخی الملک و کان خبیثا أساء السیرة فی أهل مملکته حتی کان یمدّ یده الی حرم رعیته و یفجر بهنّ فأراد قومه خلعه فلم یقدروا علیه فلما رأت بلقیس ذلک أدرکتها الغیرة فأرسلت إلیه تعرض نفسها فأجابها و قال ما منعنی أن أبتدئک بالخطبة الا الیأس منک فقالت لا أرغب عنک لانک کفؤ کریم فاجمع رجال أهلی و اخطبنی فجمعهم و خطبها فقالوا لا نری تفعل فقال بلی انها قد رغبت فیّ فذکروا ذلک لها فقالت نعم فزوّجوها منه فلما زفت إلیه خرجت فی أناس کثیرة من حشمها و خدمها و لما خلت سقته الخمر حتی سکر ثم قتلته و حزت رأسه و انصرفت الی منزلها من اللیل فلما أصبحت أرسلت الی وزرائه و أحضرتهم و قرعتهم و قالت لهم أ ما کان فیکم من یأنف لکریمته أو کرائم عشیرته ثم أرتهم ایاه قتیلا و قالت اختاروا رجلا تملکونه علیکم فقالوا لا نرضی غیرک فملکوها و علموا أن ذلک النکاح کان مکرا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:245
و خدیعة منها* و عن أبی بکرة قال لما بلغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان أهل فارس قد ملکوا علیهم بنت کسری قال لن یفلح قوم و لوا أمرهم امرأة*

قصة ملک الیمن أبی بلقیس و سبب وصوله الی الجنّ‌

و فی الینابیع أورد فی قصة المهاجرین ان الملک خرج یوما الی القنص فرأی شابا جمیلا واقفا علی الطریق فقال للملک هل تعرفنی قال لا قال أنا الحیة البیضاء الذی أنجیتنی و الاسود الذی قتلته کان عبدا لنا تمرّد علینا فأنا أرید أن أکافئک بما فعلت قیل عرض علی الملک تعلیم علم الطب فأبی فقال أدلک علی الدفائن و الکنوز فلم یقبل فقال ان أبیت هذین فلی بنت جمیلة لم یکن فی بنی آدم مثلها فی الجمال فان شئت أزوّجکها لکن بشرط أن لا تسألها عما تفعل هی فانک ان سألتها عما فعلت ثلاث مرّات غابت عنک و لم ترها بعد ذلک فقبل الملک الشرط فتزوّجها و رجع بها الی منزله فحملت منه ببنت و لما ولدتها ظهرت نار فقذفتها فیها فقال الملک لم فعلت هذا قالت أ ما شرطت أن لا تسألنی عما أفعل فهذه واحدة من الثلاث فاحفظها ثم ولدت له ابنا فجاء کلب فوضعته فی فیه فذهب به الکلب فصاح الملک و قال لم فعلت فقالت أ لم نشترط أن لا تسألنی عما أفعل فهاتان ثنتان و کان فی ذلک الزمان ملک و فی غیر الینابیع اسم هذا الملک ذو عوان و اسم أبی بلقیس بو شرح و کان بینهما عداوة و شرّ و لم یظفر أحدهما علی الآخر فاحتال ذو عوان و اصطلح مع الملک بو شرح و صنع له طعاما فدعاه إلیه فحضره بوشرح و معه امرأته الجنیة فلما وضع الطعام بین یدی الملک ألقت المرأة فیه الروث فرفع الملک یده عن الطعام و قال لم فعلت فقالت أ ما شرطت أن لا تسألنی عما أفعل فهذه الثالثة و سأخبرک بتأویل ما فعلت* أما النار و الکلب اللذان رأیتهما فهما ظئران فسلمت إلیهما الولدین لئلا یکون لی تعب فی تربیتهما فاذا کبرا یردّ انهما علیک و أما الروث الذی ألقیت فی طعامک ففعلته لئلا تأکل من ذلک الطعام المسموم فتهلک فانهم قد سموه فقالت ذلک تأویل ما فعلت و غابت یقال مات الابن عند ظئره و البنت لما ترعرعت ردّت الی أبیها و هی بلقیس* و ذکر فی القصص هذه القصة بوجه آخر و قال اسم الملک یعنی أبا بلقیس بو شرح و کان له عدوّ من الملوک اسمه ذو عوان فقصد ملکه و تقدّم إلیه مسافة عشرین منزلا فلم یکن للملک بوشرح بدّ من حربه فخرج إلیه و سلک مفازة کانت مسیرة ستة أیام و لم یکن فیها ماء و کان سبب قصد ذی عوان مملکة بوشرح انه کان له وزیر من أهل بلاد ذی عوان متفق معه کلمتهما واحدة فبعث الوزیر إلیه أن سر الی هذه البلاد حتی یخرج إلیک الملک بو شرح فأسلمه إلیک فتقتله فتکون بلاد الیونان خالصة لک من دونه فقبل ذو عوان قول الوزیر و بعث إلیه بقارورة من السم الناقع لیجعله فی طعام بوشرح و عسکره و میاههم حین سلکوا المفازة فیهلکوا ففعله الوزیر فعلمت به المرأة الجنیة و لم یطلع علیه غیرها فلما سلک بوشرح و عسکره الجبانة منزلا عمدت المرأة الی القرب فصبت المیاه و الی الدقیق فذرته فی الریاح و الی سائر الازواد فضیعتها فغضب علیها الملک و قال لم فعلت هذا قالت أ ما شرطت أن لا تسألنی عما أفعل فهذه الثالثة فأخبرته بأنها کانت مسمومة و قالت فان شئت أن یظهر لک صدق ما قلته فاجمع شیئا مما بقی فی القرب ثم اسقه وزیرک ففعل فمات الوزیر من ساعته ثم دعت المرأة بالبنت فأحضرت فدفعتها الی أبیها و کان الابن مات عند ظئرها ثم غابت المرأة و سمی الملک هذه البنت بلقیس و استخلفها علی ملکه بعد موته* و فی الینابیع فنشأت بلقیس و صارت امرأة ذات جمال و رأی و تدبیر فجلست علی سریر الملک مکان أبیها فأطاعها الملوک فکانت تجلس من کل أسبوع یوما للحکومة و تحجب عن الناس ترخی ستورا رقیقة دون الناس بحیث تراهم و لا یرونها و الناس وقوف فی حضرتها مطرقین رءوسهم من هیبتها و اذا کان لاحد عندها حاجة یسجد لها أوّلا ثم یعرض حاجته فی حضرتها فتحکم بها بلقیس و اذ فرغت من الحکومة و انصاف المظلوم من الظالم تدخل بیتها السابع و تغلق علیها الابواب و تحرسها ألوف من الحرس انتهی* و کانت بلقیس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:246
و قومها مجوسیین یعبدون الشمس و لها عرش أی سریر عظیم ضخم* قال ابن عباس کان ثلاثین ذراعا فی ثلاثین ذراعا عرضا و سمکا* و قال مقاتل ثمانین ذراعا فی ثمانین طولا و عرضا و طوله فی الهواء ثمانین ذراعا و قیل کان طوله ثمانین ذراعا و عرضه أربعین ذراعا و ارتفاعه ثلاثین ذراعا و کان من ذهب و فضة مرصعا بأنواع الجواهر بالدر و الیاقوت الاحمر و الزبرجد الاخضر و قوائمه من یاقوت أحمر و أخضر و درّ و زمرّد علیه سبعة أبیات علی کل بیت باب مغلق*

بقیة قصة الهدهد

فلما فرغ الهدهد من کلامه قال له سلیمان سننظر أصدقت فیما أخبرت أم کنت من الکاذبین ثم کتب سلیمان کتابا صورته من عبد اللّه سلیمان ابن داود الی بلقیس ملکة سبأ بسم اللّه الرحمن الرحیم السلام علی من اتبع الهدی أما بعد فلا تعلوا علیّ و أتونی مسلمین و طبعه بالمسک و ختمه بخاتمه و قال للهدهد اذهب بکتابی هذا فألقه الی بلقیس و قومها ثم تول و تنح عنهم الی مکان قریب بحیث تراهم و لا یرونک لیکون ما یقولون بمسمع منک و مرأی فأخذ الهدهد الکتاب بمنقاره و طار به و کانت بلقیس بأرض یقال لها مأرب من صنعاء علی ثلاثة ایام فوافاها فی قصرها و قد غلقت الابواب و کانت اذا رقدت غلقت الابواب و أخذت المفاتیح فوضعتها تحت رأسها فأتاها الهدهد و هی مستلقیة علی قفاها راقدة فدخل الهدهد علیها من کوّة و ألقی الکتاب علی نحرها بحیث لم تشعر به و تواری فی الکوّة فانتبهت بلقیس فزعة هذا قول قتادة* و قال مقاتل حمل الهدهد الکتاب بمنقاره حتی وقف علی رأس المرأة و حولها القادة و الجنود فرفرف ساعة و الناس ینظرون حتی رفعت المرأة رأسها فألقی الکتاب فی حجرها* و قال ابن منبه و ابن زید کانت لها کوّة مستقبلة الشمس تقع الشمس فیها حین تطلع فاذا نظرت إلیها سجدت لها فجاء الهدهد الکوّة فسدّها بجناحیه فارتفعت الشمس و لم تعلم فلما استبطأت الشمس قامت تنظر فرمی بالصحیفة إلیها فأخذت بلقیس الکتاب و کانت قارئة فلما رأت الختم ارتعدت لان ملک سلیمان کانت فی خاتمه و عرفت أن الذی أرسل الکتاب أعظم ملکا منها و جمعت الملأ من قومها و هم اثنا عشر ألف قائد مع کل قائد مائة ألف مقاتل* و عن ابن عباس قال کان مع بلقیس مائة ألف قیل مع کل قیل مائة ألف مقاتل و القیل الملک دون الملک الاعظم و قال قتادة و مقاتل کان أهل مشورتها ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا کل رجل منهم علی عشرة آلاف فجاءوا و أخذوا مجالسهم فقالت لهم بلقیس خاضعة خائفة یأیها الملأ انی القی الیّ کتاب کریم حسن مضمونه و ما فیه أو مرسله أو لغرابة شأنه أو مختوم عن ابن عباس عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کرامة الکتاب ختمه و کذا قال عکرمة و لذا قیل من کتب الی أخیه کتابا و لم یختمه فقد استخف به أو مصدّر بالبسملة قالت یأیها الملأ أفتونی و اشیروا علیّ فی أمری قالوا نحن أولو قوّة و أولو بأس شدید و الامر إلیک فانظری ما ذا تأمرین قالت انی مرسلة إلیهم بهدیة فناظرة أی منتظرة بم یرجع المرسلون بقبولها أو ردّها لانها عرفت عادة الملوک و حسن مواقعة الهدایا عندهم فان کان ملکا قبلها و انصرف عنا و ان کان نبیا ردّها و لم یرض منا الا أن نتبعه علی دینه فبعثت خمسمائة غلام علیهم ثیاب الجواری و زیهنّ و حلیهنّ و جعلت فی سواعدهم أساور من ذهب و فی أعناقهم أطواقا من ذهب و فی آذانهم أقراطا و شنوفا مرصعات بأنواع الجواهر راکبی خیل برذون مغشاة بالدیباج محلاة اللجم و السرج بالذهب المرصع بالجواهر و خمسمائة جاریة علی رماک فی زی الغلمان من الاقبیة و المناطق و خمسمائة لبنة من ذهب و خمسمائة لبنة من فضة و تاجا مکللا بالدر و الیاقوت و أرسلت إلیه المسک و العنبر و العود و حقة فیها درة ثمینة عذراء غیر مثقوبة و جزعة مثقوبة معوجة الثقب و بعثت رسلا من قومها أصحاب رأی و عقل و امرت علیهم رجلا من اشراف قومها یقال له المنذر بن عمرو و کتبت کتابا فیه نسخة الهدایا و قالت فیه ان کنت نبیا فمیز بین الوصفاء و الوصائف و أخبر بما فی الحقة قبل أن تفتحها و اثقب الدرة ثقبا مستویا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:247
و اسلک فی الخرزة خیطا من غیر علاج انس و لا جنّ* و امرت بلقیس الغلمان فقالت اذا کلمکم سلیمان فکلموه بکلام تأنیث و تخنیث یشبه کلام النساء و امرت الجواری ان یکلمنه بکلام فیه غلظة یشبه کلام الرجال ثم قالت للمنذر ان نظر إلیک نظر غضبان فهو ملک فلا یهولنک منظره و ان رأیته بشاشا لطیفا فهو نبیّ فأقبل الهدهد مسرعا فأخبر سلیمان الخبر کله و فی انوار التنزیل و قد سبق جبریل بالحال فأمر سلیمان الجنّ فضربوا لبنات الذهب و الفضة و فرشوا فی میدان بین یدیه طوله سبعة فراسخ* و فی معالم التنزیل أمرهم أن یبسطوا من موضعه الذی هو فیه الی تسعة فراسخ میدانا واحدا بلبنات الذهب و الفضة و جعلوا حول المیدان حائطا شرفه من الذهب و الفضة و أمر الشیاطین فأتوا بأحسن الدواب فی البرّ و البحر فربطوها عن یمین المیدان و عن یساره علی لبنات الذهب و الفضة و ألقوا علوفتها فیها و أمر بأولاد الجنّ و هم خلق کثیر فأقاموا عن الیمین و عن الیسار* ثم قعد سلیمان فی مجلسه علی سریره و وضع له أربعة آلاف کرسی عن یمینه و مثله عن یساره و اصطفت الشیاطین صفوفا فراسخ و الانس صفوفا فراسخ و الوحوش و السباع و الطیر و الهوام کذلک فلما دنا الرسل و وصلوا معسکره و المیدان و رأوا عظمة شأن سلیمان و ملکه و رأوا الدواب التی لم تر عینهم مثلها تروث علی لبن الذهب و الفضة تقاصرت إلیهم أنفسهم فرموا بما معهم من الهدایا و فی بعض الروایات ان سلیمان لما أمر بفرش المیدان بلبنات الذهب و الفضة أمرهم أن یترکوا علی طریقهم موضعا علی قدر اللبنات التی معهم فلما رأت الرسل موضع اللبنات خالیا و کل الارض مفروشة خافوا أن یتهموا بذلک فطرحوا کل ما معهم فی ذلک المکان فلما نظروا الی الشیاطین رأوا منظرا عجیبا ففزعوا فقال لهم الشیاطین جوزوا فلا بأس علیکم و کانوا یمرّون علی کردوس من الجنّ و الانس و الطیر و السباع و الوحوش حتی وقفوا بین یدی سلیمان فنظر إلیهم نظرا حسنا بوجه طلق فقال ما وراءکم فأخبره رئیس القوم و أعطاه کتاب الملکة فنظر فیه ثم قال أین الحقة فأتی بها فحرکها فجاء جبریل و أخبره بما فی الحقة فقال ان فیها درّة ثمینة غیر مثقوبة و جزعة مثقوبة معوجة الثقب فقال الرسول صدقت فاثقب الدرة و أدخل الخیط فی الخرزة فقال سلیمان من لی بثقبها فسأل سلیمان الانس و الجنّ فلم یکن عندهم علم ذلک ثم سأل الشیاطین فقالوا أرسل الی الارضة فجاءت الارضة فأخذت شعرة فی فیها و دخلت فیها ثم خرجت من الجانب الآخر فقال لها سلیمان ما حاجتک فقالت تصیر رزقی فی الشجر فقال لک ذلک و روی أنه جاءت دودة تکون فی الصفصاف فقالت أنا أدخل الخیط فی الثقب علی أن یکون رزقی فی الصفصاف فجعل لها ذلک فأخذت الخیط بفیها فدخلت الثقب و خرجت من الجانب الآخر ثم قال من لهذا الخرزة یسلکها فی الخیط فقالت دودة بیضاء أنا لها یا رسول اللّه فأخذت الدودة الخیط بفیها و ثقبتها و دخلت الثقب حتی خرجت من الجانب الآخر فقال لها سلیمان ما حاجتک قالت تجعل رزقی فی الفواکه قال لک ذلک و دعا بالماء فکانت الجاریة تأخذ الماء فی یدها و تجعله فی الاخری ثم تضرب به وجهها و الغلام کما یأخذ الماء یضرب به وجهه ثم ردّ الهدیة و قال للمنذر ارجع إلیهم فلنأتینهم بجنود لا قبل لهم بها و لا طاقة و لنخرجنهم منها من سبأ أذلة بذهاب عزهم و هم صاغرون أسراء مهانون فلما رجع إلیها رسولها بالهدایا و قص علیها القصة قالت هو نبی و ما لنا به طاقة و بعثت الی سلیمان انی قادمة إلیک بملوک قومی لا نظر ما الذی تدعو إلیه ثم جعلت عرشها فی آخر سبعة أبیات بعضها فی بعض فی آخر قصر من سبعة قصور لها ثم أغلقت دونه الابواب و وکلت به حرسا یحفظونه فشخصت إلیه فی اثنی عشر ألف قیل تحت کل قیل ألوف کثیرة حتی بلغت علی رأس فراسخ قال ابن عباس کان سلیمان علیه السلام رجلا مهیبا لا یبتدأ بشی‌ء حتی یکون هو الذی سأل عنه فخرج یوما فجلس علی سریر ملکه فرأی رهجا أی غبارا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:248
قریبا منه فقال ما هذا قالوا بلقیس نزلت منا بهذا المکان و کانت علی مسیرة فرسخ من سلیمان* قال ابن عباس و کان بین الحیرة و الکوفة فأقبل سلیمان حینئذ علی جنده فقال یأیها الملأ أیکم یأتینی بعرشها قبل أن یأتونی مسلمین أراد بذلک أن یریها بعض العجائب الدالة علی عظیم القدرة و صدقه فی دعوی النبوّة و یختبر عقلها بأن تنکر أو أراد أن یأخذه قبل أن تسلم فانها اذا أتت مسلمة لم یحل أخذه الا برضاها قال عفریت من الجنّ خبیث مارد قوی* قال وهب اسمه کوذی و قیل ذکوان و قیل هو صخر الجنی و کان بمنزلة جبل یضع قدمه عند منتهی طرفه أنا آتیک به قبل أن تقوم من مقامک مجلسک للحکومة و کان یجلس الی نصف النهار و انی علی حمله لقویّ أمین لا اختزل منه شیئا و لا أبد له فقال سلیمان أرید أسرع من هذا قال الذی عنده علم من الکتاب أی ملک بیده کتاب المقادیر أرسله اللّه عند قول العفریت* و فی معالم التنزیل هو ملک من الملائکة أید اللّه به نبیه سلیمان أو جبریل أو الخضر أو سلیمان نفسه أو آصف بن برخیا وزیره أو کاتبه هو الاصح و علیه الجمهور و کان صدّیقا یعلم الاسم الاعظم الذی اذا دعی به أجاب و هو یا حیّ یا قیوم قاله الکلبی أو یا ذا الجلال و الاکرام قاله مجاهد و مقاتل أویا الهنا و إله کل شی‌ء الها واحدا لا إله الا أنت ائتنی بعرشها و قوله أنا آتیک به قبل أن یرتدّ إلیک طرفک أی انک ترسل طرفک الی شی‌ء فقبل ان تردّه أحضر عرشها فتبصره بین یدیک قال مجاهد یعنی ادامة النظر حتی یرتدّ الطرف خاسئا* یروی ان آصف قال لسلیمان حین صلّی مدّ عینیک حتی ینتهی طرفک فمدّ سلیمان عینیه فنظر نحو الیمن و دعا آصف فبعث اللّه الملائکة فحملوا السریر من تحت الارض یخدون خدّا حتی انخرقت الارض بالسریر بین یدی سلیمان* قال الکلبی خرّ آصف ساجدا و دعا باسم اللّه الاعظم فغار عرشها فی مکانه تحت الارض ثم نبع عند کرسی سلیمان بقدرة اللّه تعالی قبل أن یرتدّ طرفه قیل کانت المسافة مقدار شهرین کذا فی معالم التنزیل و قال محمد بن المنکدر لما قال عالم بنی اسرائیل الذی آتاه اللّه علما و فهما أنا آتیک به قبل أن یرتدّ إلیک طرفک قال سلیمان هات قال أنت النبیّ ابن النبیّ و لیس أحد أوجه عند اللّه منک فان دعوت اللّه و طلبت إلیه کان عندک قال صدقت ففعل ذلک فجی‌ء بالعرش فی الوقت فلما رأی العرش مستقرّا عنده حاصلا بین یدیه ثابتا لدیه غیر مضطرب قال هذا من فضل ربی أی التمکن من احضار العرش فی مدّة ارتداد الطرف من مأرب الی الشام کذا فی معالم التنزیل و قال فی أنوار التنزیل من مسیرة شهرین بنفسه أو بغیره ثم قال سلیمان نکروا لها عرشها غیروا هیئته و شکله أی اجعلوا مقدّمه مؤخره و أعلاه أسفله و اجعلوا مکان الجوهر الاحمر أخضر و مکان الاخضر أحمر ننظر أ تهتدی الی معرفة عرشها و قد خلفته فی مأرب وراءها مغلقة علیه الابواب موکلة علیه الحراس أوالی الجواب الصواب اذا سئلت عنه أم لا* فلما جاءت بلقیس قیل لها أ هکذا عرشک قالت کأنه هو فأجابت أحسن جواب و لم تقل هو لاحتمال أن یکون مثله و ذلک من کمال عقلها* و فی المدارک و لم تقل هو و لا لیس به و ذلک من رجاحة عقلها حیث لم تقطع فی المحتمل للامرین أو لما شبهوا علیها بقولهم أ هکذا عرشک شبهت علیهم بقولها کأنه هو مع أنها علمت أنه عرشها قیل لها ادخلی الصرح أی القصر أو صحن الدار فلما رأته ظنته ماء راکدا فکشفت عن ساقیها* روی أن سلیمان أمر قبل قدومها فبنی علی طریقها قصر صحنه من زجاج أبیض و أجری من تحته الماء و ألقی فیه حیوانات البحر من السمک و غیره و قیل اتخذ صحنا من قواریر و جعل تحتها تماثیل من الحیتان و الضفادع فکان الواحد اذا رآه ظنه ماء کذا فی معالم التنزیل و وضع سریره فی صدره فجلس علیه و عکف الطیر علیه و الجنّ و الانس و انما فعل ذلک لیزیدها اعظاما لامره و تحقیقا لنبوّته و قیل ان الجنّ کرهوا أن یتزوّجها سلیمان فتفشی إلیه بأسرارهم لان أمّها کانت جنیة و قیل خافوا أن یولد منها ولد فیجتمع له فطنة الجنّ و الانس فیخرجوا من ملک سلیمان الی ملک أشدّ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:249
منه* و فی معالم التنزیل و اذا ولدت له ولدا لا ینفکون من تسخیر سلیمان و ذرّیته من بعده فقالوا له ان فی عقلها شیئا و هی شعراء الساقین و رجلها کحافر الحمار فاختبر سلیمان عقلها بتنکیر العرش کما فعلت هی بالوصفاء و الوصائف و اتخذ الصرح لیتعرّف ساقها و رجلها فکشف عنهما فاذا هی أحسن الناس ساقا و قدما الا أنها شعراء الساقین* و لما رأی سلیمان ذلک صرف بصره عنها ثم قال لها ان ما تظنینه ماء صرح ممرّد مملس مستو من الزجاج و منه الامرد فأراد سلیمان أن یتزوّجها فکره شعرها فعملت له الشیاطین النورة و الحمام فکانت النورة و الحمامات من یومئذ کذا فی معالم التنزیل و عن أبی موسی أوّل من اتخذ الحمامات سلیمان بن داود کذا قاله الثعلبی فلما تزوّجها سلیمان أقرّها علی ملکها و أمر الجنّ فابتنوا له بأرض الیمن ثلاثة حصون لم یر مثلها ارتفاعا و حسنا و هی بینون و سلحین و غمدان* فی معجم ما استعجم سلحین بکسر أوّله و اسکان ثانیه بعده حاء مهملة مکسورة علی وزن فعلین موضع بالیمن و هو قصر سبأ بالمأرب ثم کان سلیمان یزورها فی کل شهر مرّة بعد أن ردّها الی ملکها و یقیم عندها ثلاثة أیام یبکر من الشام الی الیمن و من الیمن الی الشام و ولدت له فیما ذکر* و فی حیاة الحیوان فولدت له غلاما سماه داود و مات فی حیاته* و روی عن وهب أنه قال زعموا أن بلقیس لما أسلمت قال لها سلیمان اختاری رجلا من قومک أزوّجک ایاه قالت و مثلی یا نبیّ اللّه ینکح الرجال و قد کان لی فی قومی من الملک و السلطان ما کان قال نعم انه لا یکون فی الاسلام الا ذلک و لا ینبغی لک أن تحرّمی ما أحل اللّه لک فقالت زوّجنی ان کان و لا بدّ من ذلک ذا تبع ملک همدان فزوّجه ایاها ثم ردّها الی الیمن و سلط زوجها ذا تبع علی الیمن و دعا زوبعة أمیر جنّ الیمن و قال اعمل لذی تبع ما استعملک فیه فلم یزل بها ملکا یعمل له فیها ما أراد حتی مات سلیمان فلما أن جاء الحول و تبینت الجنّ موت سلیمان أقبل رجل منهم فسلک تهامة حتی اذا کان فی جوف الیمن صرخ بأعلی صوته یا معشر الجنّ ان الملک سلیمان قد مات فارفعوا أیدیکم فرفعوا أیدیهم و تفرّقوا و انقضی ملک ذی تبع و ملک بلقیس مع ملک سلیمان* و فی أنوار التنزیل قد اختلف فی أنه تزوّجها أو زوّجها من ذی تبع ملک همدان و اللّه أعلم*

(حدیث وفاة بلقیس)

* قال وهب أقامت بلقیس سبع سنین و سبعة أشهر ثم توفیت فدفنت تحت حائط بمدینة تدمر من أرض الشام و لم یعلم أحد بموضع قبرها الی أیام الولید ابن عبد الملک بن مروان قال أبو موسی بن نصر بعثت فی خلافته الی مدینة تدمر و معی العباس بن الولید ابن عبد الملک فجاء مطر عظیم فانهار بعض حائط بمدینة تدمر فانکشفت الارض عن تابوت طوله ستون ذراعا متخذ من حجر أصفر کأنه الزعفران مکتوب علیه هذا مدفن تابوت بلقیس الصالحة زوجة سلیمان ابن داود أسلمت لسنة عشرین خلت من ملکه و تزوّج بها یوم عاشوراء و توفیت یوم الاثنین من شهر ربیع سنة سبع و عشرین خلت من ملکه و دفنت لیلا تحت حائط بمدینة تدمر لم یطلع علی دفنها انس و لا جان الا من دفنها قال فرفعنا غطاء التابوت و اذا هی غضة کأنها دفنت فی لیلتها فکتبنا بذلک الی الولید فأمر بترکه فی مکانه و أن یبنی علیه بالصخر و المرمر کذا فی کتاب قصص الأنبیاء تألیف الامام أبی الحسین محمد ابن عبد اللّه الکسائی*

(ذکر صفة کرسی سلیمان علیه السلام)

* روی أن سلیمان أمر الجنّ باتخاذ کرسی له لیجلس علیه للقضاء و أمر أن یعمل بدیعا مهولا مهیبا بحیث لو رآه مبطل أو شاهد زور ارتعد من الهیبة فعملوه له من أنیاب الفیل و زینوه بالیواقیت و اللؤلؤ و الزبرجد و حفوه بأربع نخلات من ذهب شماریخها الیاقوت الاحمر و الزبرجد الاخضر و علی رأس نخلتین منها طاوسان من ذهب و علی الآخر بین نسران من ذهب و جعلوا بین جنبی الکرسی فی أسفله أسدین من ذهب علی رأس کل واحد منهما عمود من الزبرجد الاخضر و عقدوا علی النخلات أشجار کروم من الذهب الاحمر فاذا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:250
أراد أن یصعد بسط الاسدان له ذراعیهما کذا فی أنوار التنزیل و المدارک و اذا وضع رجله علی الدرجة السفلی یستدیر الکرسی بما فیه دوران الرحی و ینشر النسران و الطاوسان أجنحتهما و یبسط الاسدان ذراعیهما و یضربان الارض بأذنابهما و کذا یفعلان فی کل درجة یصعدها فاذا استوی بأعلاه أخذ النسران تاجه فوضعاه علی رأسه و اذا قعد أظله النسران بأجنحتهما ثم یستدیر الکرسی بما فیه و النسران و الطاوسان و الاسدان ینضحان علی رأسه المسک و العنبر ثم یتناول حمامة من ذهب فیه التوراة فیفتحها سلیمان فیقرأها علی الناس و کان التصویر مباحا حینئذ کذا فی المدارک و یجلس علماء بنی اسرائیل علی کراسی الذهب و عظماء الجنّ علی کراسی الفضة و یتقدّم الناس إلیه للقضاء و اذا دعا بالبینات و تقدّمت الشهود لاقامة الشهادات دار الکرسی بما فیه دوران الرحی و الذی یدیر الکرسی تنین عظیم من ذهب فاذا دار الکرسی بسط الاسدان أیدیهما یضربان الارض بأذنابهما و ینشر النسران و الطاوسان أجنحتهما فتفزع الشهود فلا یشهدون الا بالحق* و هذا شأن کرسی سلیمان و عجائبه و هو مما عمله صخر الجنی* و فی المدارک روی أن افریدون جاء لیصعد کرسیه فلما دنا ضرب الاسدان ساقه فکسراها فلم یجترئ أحد بعده أن یدنو منه* و فی روایة لما مات سلیمان أخذ ذلک الکرسی بخت نصر فأراد أن یصعد علیه و لم یکن له علم بالصعود علیه فلما وضع قدمه علی الدرجة رفع الا سدیده الیمنی و ضرب ساقه ودق قدمه فلم یزل یتوجع منها حتی مات و بقی الکرسی بانطاکیة حتی غزا أکداس ابن کداس فهزم خلیفة بخت نصر و ردّ الکرسی الی بیت المقدس فلم یستطع أحد من الملوک الجلوس علیه و الاستمتاع به فوضع تحت الصخرة و غاب فلا یعرف له خبر و لا أثر و لا یدری أین هو*

سبب سلب ملک سلیمان‌

و فی معالم التنزیل کان سبب سلب ملک سلیمان ما ذکره محمد بن اسحاق و غیره عن وهب بن منبه أنه قال لما سمع سلیمان بمدینة فی جزیرة من جزائر البحر یقال لها صیدون بها ملک عظیم الشأن لم یکن للناس إلیه سبیل لمکانه فی البحر و کان اللّه قد آتی سلیمان فی ملکه سلطانا لا یمتنع علیه شی‌ء فی برّ و لا بحر الا یرکب إلیه الریح فخرج الی تلک المدینة تحمله الریح علی ظهر الماء حتی نزل بها بجنوده من الجنّ و الانس فقتل ملکها و استأصل ما فیها و أصاب بنتا لذلک الملک یقال لها جرادة لم یر مثلها حسنا و لا جمالا فاصطفاها لنفسه و دعاها الی الاسلام فأسلمت علی جفاء منها و قلة وفق و أحبها حبا لم یحبه شیئا من نسائه و کانت علی منزلتها عنده لا یذهب حزنها و لا یرقأ دمعها فشق ذلک علی سلیمان فقال لها و یحک ما هذا الحزن الذی لا یذهب و الدمع الذی لا یرقأ قالت انی أذکر أبی و اذکر ملکه و أذکر ما کان فیه و ما أصابنی فیحزننی ذلک فقال سلیمان قد أبدلک اللّه به ملکا هو أعظم من ملکه و سلطانا هو أعظم من سلطانه و هداک للاسلام و هو خیر من ذلک کله قالت انه کذلک و لکنی اذا ذکرته أصابنی ما تری من الحزن فلو أنک أمرت الشیاطین فصوّروا صورته فی داری التی أنا فیها أراها بکرة و عشیا لرجوت أن یذهب ذلک حزنی و أن أتسلی برؤیته عن بعض ما أجد فی نفسی فأمر سلیمان علیه السلام الشیاطین فقال مثلوا لها صورة أبیها فی دارها حتی لا تنکر منه شیئا فمثلوها لها حتی نظرت الی أبیها بعینه الا انه لا روح فیه فعمدت إلیه حین صنعوه فأزرته و قمصته و عممته بمثل ثیابه التی کان یلبس ثم کانت اذا خرج سلیمان من دارها تغدو إلیه فی ولائدها حتی تسجد له و یسجدون له کما کانت تصنع به فی ملکه و تروح کل عشیة و صباح بمثل ذلک و سلیمان لا یعلم بشی‌ء من ذلک أربعین صباحا و بلغ ذلک آصف بن برخیا و کان صدّیقا و کان لا یردّ عن أبواب سلیمان أیّ وقت أراد دخول بیت من بیوته دخل کان حاضرا سلیمان أو کان غائبا فأتاه فقال یا نبیّ اللّه کبر سنی و دق عظمی و نفد عمری و قد حان منی ذهاب أیامی و قد أحببت أن أقوم مقاما قبل الموت أذکر فیه ما مضی من أنبیاء اللّه و اثنی علیهم بعلمی فیهم و أعلم الناس بما کانوا یجهلون من کثیر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:251
أمورهم فقال افعل فجمع له سلیمان الناس فقام فیهم خطیبا فذکر من مضی من أنبیاء اللّه و اثنی علی کل نبیّ بما فیه و ذکر ما فضله اللّه به حتی انتهی الی سلیمان فقال ما کان أحلک و أورعک فی صغرک و أفضلک فی صغرک و أحکم أمرک فی صغرک و أبعدک عن کل ما یکره فی صغرک ثم انصرف فوجد سلیمان فی نفسه من ذلک شیئا ملأه غضبا و غیظا فلما دخل سلیمان داره أرسل إلیه فقال یا آصف ذکرت من مضی من انبیاء اللّه بما اثنیت علیهم خیرا فی کل زمان و علی کل حال من أمرهم فلما ذکرتنی جعلت تثنی علیّ خیرا فی صغری و سکت عما سوی ذلک من أمری فی کبری فما الذی حدث فی آخر أمری فقال ان غیر اللّه لیعبد فی دارک منذ أربعین صباحا فی هوی امرأة فقال فی داری قال فی دارک فقال انا للّه و انا إلیه راجعون لقد عرفت انک ما قلت الذی قلت الا عن شی‌ء بلغک فرجع سلیمان الی داره و کسر ذلک الصنم و عاقب تلک المرأة و ولائدها ثم أمر بثیاب الطهارة فأتی بثیاب لا یغزلها الا الابکار و لا ینسجها الا الابکار و لا یغسلها الا الابکار و لم تمسها امرأة قد رأت الدم فلبسها ثم خرج الی فلاة من الارض وحده فأمر برماد ففرش له ثم أقبل تائبا الی اللّه عز و جل حتی جلس علی ذلک الرماد و تمعک فیه بثیابه تذللا للّه عز و جل و تضرعا إلیه یبکی و یدعو اللّه و یستغفر مما کان فی داره فلم یزل کذلک یومه حتی أمسی ثم رجع الی داره و کانت له أمّ ولد یقال لها الامینة کان اذا دخل مذهبه أو أراد اصابة امرأة من نسائه وضع خاتمه عندها حتی یتطهر و کان لا یمس خاتمه الا و هو طاهر و کان ملکه فی خاتمه فوضعه یوما عندها ثم دخل مذهبه فأتاها الشیطان صاحب البحر و اسمه صخر علی صورة سلیمان لا تنکر منه شیئا فقال خاتمی یا أمینة فناولته ایاه فجعله فی یده ثم خرج حتی جلس علی سریر سلیمان و عکفت علیه الطیر و الجنّ و الانس و خرج سلیمان فأتی الامینة و قد غیرت حالته و هیئته عند کل من رآه فقال یا أمینة خاتمی قالت له من أنت قال أنا سلیمان بن داود قالت کذبت قد جاء سلیمان و أخذ خاتمه و هو جالس علی سریر ملکه فعرف سلیمان ان خطیئته قد أدرکته فخرج و هو خائف و جعل یقف علی الدار من دور بنی اسرائیل و یقول أنا سلیمان بن داود فیحثون علیه التراب و یسبونه و یقولون انظروا الی هذا المجنون أی شی‌ء یقول یزعم انه سلیمان فلما رأی سلیمان ذلک عمد الی البحر فکان ینقل الحیتان لاصحاب البحر الی السوق فیعطونه کل یوم سمکتین فاذا أمسی باع احدی سمکتیه بأرغفة و شوی الاخری فأکلها فمکث کذلک أربعین صباحا عدّة ما کان الوثن یعبد فی داره و انکر آصف و عظماء بنی اسرائیل حکم عدوّ اللّه الشیطان فی تلک الاربعین یوما فقال آصف یا معشر بنی اسرائیل هل رأیتم من اختلاف حکم نبیّ اللّه سلیمان بن داود ما رأیت قالوا نعم قال أمهلونی حتی أدخل علی نسائه فأسألهنّ هل انکرن شیئا منه من خاصة أمره ما أنکرنا فی عامة أمر الناس و علانیته فدخل علی نسائه فقال ویحکنّ هل أنکرتن من أمر ابن داود إلیه راجعون ان هذا لهو البلاء المبین ثم خرج علی بنی اسرائیل فقال ما فی الخاصة أکثر مما فی العامة فلما مضی أربعون صباحا طار ذلک الشیطان من مجلسه ثم مرّ بالبحر فقذف الخاتم فیه فبلعته سمکة فأخذها بعض الصیادین و قد عمل له سلیمان صدر یومه ذلک حتی اذا کان العشی أعطاه سمکتیه فأعطی السمکة التی بلعت الخاتم و خرج سلیمان بسمکتیه فباع التی لیس فی بطنها الخاتم بالارغفة ثمّ عمد الی السمکة الاخری فبقرها لیشویها فاستقبله خاتمه فی جوفها فأخذه و جعله فی یده و وقع ساجد اللّه تعالی فعکفت علیه الطیر و الجنّ و أقبل علیه الناس و عرف الذی قد کان دخل علیه مما کان أحدث فی داره و رجع إلیه ملکه و أظهر التوبة من ذنبه و أمر الشیاطین فقال ائتونی بصخر فأتوه به فأخذه بعد أن جاءوا به إلیه فجاب له صخرة فأدخله فیها ثم سدّ علیه بأخری ثم أوثقه فیها بالحدید و سبک علیه بالرصاص
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:252
ثم أمر به فقذف فی البحر* هذا حدیث وهب بن منبه و قال الحسن ما کان اللّه لیسلط الشیاطین علی نساء الأنبیاء* و فی أنوار التنزیل نفذ حکمه فی کل شی‌ء الا فیه و فی نسائه* و فی کتاب أبی المعین النسفی و ما یروی أن سلیمان زال ملکه أربعین یوما و ان الشیاطین تواصلوا الی نسائه و جواریه فتولد الاکراد الذین یسکنون الجبال فلما عاد إلیه ملکه عزلهم عن نفسه قلنا غیر صحیح و الصحیح انه ماتوا صلوا الی نسائه و جواریه انتهی و کان سلیمان یدور علی البیوت و یتکفف الی آخر ما ذکر* قال السدّی کان سبب فتنة سلیمان انه کانت له امرأة منهنّ یقال لها جرادة هی أبر نسائه و آمنهنّ عنده و کان یأتمنها علی خاتمه اذا أتی الی حاجته فقالت له یوما ان أخی بینه و بین فلان خصومة و انا احب ان تقضی له اذا جاءک فقال نعم فلما تحاکما عنده أحب أن یکون الحق لاهل جرادة فابتلی بقوله فأعطاها خاتمه و دخل المخرج فجاء الشیطان فی صورته فأخذه و جلس علی مجلس سلیمان و خرج سلیمان فسألها خاتمه قالت أ لم تأخذه قال لا فخرج مکانه و مکث الشیطان یحکم بین الناس اربعین یوما فأنکر الناس حکمه فاجتمع قراء بنی اسرائیل و علماؤهم حتی دخلوا علی نسائه فقالوا انا قد انکرنا هذا فان کان سلیمان فقد ذهب عقله فبکی النساء عند ذلک فأقبلوا حتی أحدقوا به و نشروا التوراة فقرءوها فطار من بین ایدیهم حتی وقع علی شرفة و الخاتم معه ثم طار حتی ذهب الی البحر فوقع الخاتم منه فی البحر فابتلعه حوت و اقبل سلیمان حتی انتهی الی صیاد فی البحر و هو جائع فاشتدّ جوعه فاستطعمه من صیده و قال انا سلیمان فقام إلیه بعضهم بعصا فضربه فشجه فجعل یغسل دمه علی شاطئ البحر فلام الصیادون صاحبهم الذی ضربه و أعطوه سمکتین مما قد مذر عندهم فشق بطنهما و جعل یغسلهما فوجد خاتمه فی بطن احداهما فلبسه فردّ اللّه علیه ملکه و بهاءه و حامت علیه الطیر فعرف القوم انه سلیمان فقاموا یعتذرون إلیه مما صنعوا فقال ما احمدکم علی عذرکم و لا الومکم علی ما کان منکم هذا امر کان لا بدّ منه ثم جاء حتی اتی ملکه و امر فأتی بالشیطان الذی اخذ خاتمه و جعله فی صندوق من حدید و اطبق علیه و اقفل علیه بقفل و ختم علیه بخاتمه و امر به فألقی فی البحر فهو حیّ کذلک حتی تقوم الساعة* و فی بعض الروایات ان سلیمان علیه السلام لما افتتن سقط الخاتم من یده و کان فیه ملکه فأخذه سلیمان لیجعله فی یده فسقط فأیقن سلیمان بالفتنة فبینما هو کذلک مفکر اذ دخل آصف فذکر له قصته فقال له آصف انک مفتون بذنبک و الخاتم لا یتماسک فی یدک أربعین یوما ففرّ الی اللّه تائبا فانی اقوم مقامک و أسیر بسیرتک الی ان یتوب اللّه علیک ففرّ سلیمان هاربا الی ربه و اخذ آصف الخاتم فوضعه فی اصبعه فثبت فأقام آصف فی ملکه یسیر بسیرته اربعین یوما الی أن ردّ اللّه علی سلیمان ملکه فجلس علی کرسیه و اعاد الخاتم فی یده فثبت* و فی انوار التنزیل خطیئة سلیمان تغافله عن حال اهله لان اتخاذ التماثیل کان جائزا حینئذ و سجود الصورة بغیر علمه لا یضرّه* و فی المدارک اما ما یروی من حدیث الخاتم و الشیطان و عبادة الوثن فی بیت سلیمان فمن اباطیل الیهود*

وفاة سلیمان‌

و روی ان داود ملک اربعین سنة و أسس بناء بیت المقدس فی موضع فسطاط موسی علیه السلام فمات یوم السبت أواخر سنة و أسس بناء بیت المقدس فی موضع فسطاط موسی علیه السلام فمات یوم السبت أواخر سنة خمس و ثلاثین و خمسمائة لوفاة موسی قبل تمام بیت المقدس فوصی به سلیمان فاستعمل الجنّ فی عمارته فلم یتم بعد اذ علم بدنوّ أجله* و فی معالم التنزیل کان لا یصبح سلیمان یوما الا نبتت فی محرابه ببیت المقدس شجرة فسألها ما اسمک فتقول اسمی کذا فیقول لایّ شی‌ء أنت فتقول لکذا و کذا فیأمر بها فتقطع فان کانت نبتت لغرس غرسها و ان کانت لدواء کتبت حتی نبتت الخرّوبة فقال لها ما أنت قالت الخروبة قال لای شی‌ء نبت قالت لخراب مسجدک قال سلیمان ما کان اللّه لیخربه و انا حیّ أنت الذی علی منبتک هلاکی و خراب بیت المقدس فنزعها و غرسها فی حائط له فأراد أن یعمی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:253
علی الجنّ موته لیتموا المسجد فقال اللهم عمّ علی الجنّ موتی حتی یعلم الانس ان الجنّ لا یعلمون الغیب و کانت الجنّ تخبر الانس انهم یعلمون من الغیب اشیاء و یعلمون ما فی غد و دعا الجنّ فبنوا علیه صرحا من قواریر لیس له باب فقام یصلی متکئا علی عصاه فقبض روحه و هو متکئ علیها فبقی کذلک حتی اکلتها الارضة فخرّ ثم فتحوا عنه و أرادوا أن یعرفوا وقت موته فوضعوا الارضة علی العصا فأکلت یوما و لیلة مقدارا فحسبوا علی ذلک فوجدوه قد مات منذ سنة* ذکر أهل التاریخ أن سلیمان کان عمره ثلاثا و خمسین سنة و مدّة ملکه أربعون سنة* و فی المدارک قیل فتن سلیمان بعد ما ملک عشرین سنة و ملک بعد الفتنة عشرین سنة و ملک بعد وفاة أبیه داود و هو ابن ثلاث عشرة سنة و روی عمره اثنتا عشرة سنة و کان مولده بغزة و ابتداؤه فی بناء بیت المقدس لا ربع مضین من ملکه و أقام فی عمارة بیت المقدس سبع سنین و فرغ منه فی السنة الحادیة عشر من ملکه و هذا ینافی ما تقدّم آنفا من قوله فلم یتم بعد اذ علم بدنوّ أجله و کان من هبوط آدم الی الطوفان الفان و مائتان و اثنتان و أربعون سنة و من الطوفان الی وفاة سام بن نوح خمسمائة سنة و من وفاة سام الی بناء سلیمان بیت المقدس ألف و ستمائة و اثنتان و سبعون سنة فیکون من هبوط آدم الی ابتداء سلیمان بناء بیت المقدس أربعة آلاف و أربعمائة و أربع عشرة سنة و بین عمارة بیت المقدس و الهجرة النبویة ألف و ثمانمائة و قریب من ستین سنة*

وفاة عبد المطلب‌

و من وقائع السنة الثامنة وفاة عبد المطلب و اختلف فی سن عبد المطلب حین مات فقال السهیلی ان عبد المطلب مات و عمره مائة و عشرون سنة* و قال ابن جبیر عمره خمس و تسعون سنة و قیل مائة و عشر سنین و قیل مائة و أربعون سنة و قیل ثنتان و ثمانون سنة ذکر هذه الاقاویل الاربعة الاخیرة مغلطای فی سیرته و قد عمی قبل موته و دفن علی ما ذکره ابن عساکر بالحجون کذا فی شفاء الغرام و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ ابن ثمان سنین و شهر و عشرة أیام کذا فی نور العیون للیعمری* و فی سیرة مغلطای و قیل ثمان سنین و سئل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أتذکر موت عبد المطلب قال نعم انا یومئذ ابن ثمان سنین* و فی المواهب اللدنیة و سیرة مغلطای قیل کان ابن تسع سنین و قیل عشر و قیل ست و قیل ثلاث و فیه نظر قالت أمّ أیمن رأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یبکی خلف جنازة عبد المطلب و فی المنتقی توفی عبد المطلب فی ملک کسری هرمز بن أنوشروان*

کفالة أبی طالب له صلّی اللّه علیه و سلم‌

و من وقائع السنة الثامنة کفالة أبی طالب لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم روی أنه لما مات عبد المطلب کفل أبو طالب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ضمه إلیه و ذلک لان أبا طالب و عبد اللّه أبا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کانا من أمّ واحدة و هی فاطمة بنت عمرو و کان الزبیر عمّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أیضا من أمّهما لکن کفالة أبی طالب اما بوصیة عبد المطلب و اما لانّ الزبیر و أبا طالب اقترعا فخرجت القرعة لابی طالب و اما لانّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اختار أبا طالب لکثرة مؤانسته و شفقته قیل بل کفله الزبیر حتی مات ثم کفله أبو طالب و هذا غلط لان الزبیر شهد حلف الفضول بعد موت عبد المطلب و لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نیف و عشرون سنة و أجمع العلماء أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شخص مع عمه أبی طالب الی الشام بعد موت عبد المطلب بأقل من خمس سنین فهذا یدل علی أن أبا طالب کفله ذکره ابن الاثیر فی أسد الغابة* و روی أن أبا طالب کان فقیرا و کان یحبه حبا شدیدا و کان لا یحب أولاده کذلک و کان لا ینام الا الی جنسه و یخرج معه متی یخرج* و فی المواهب اللدنیة و قد أخرج ابن عساکر عن جلهمة بن عرفة قال قدمت مکة و هم فی قحط فقالت قریش یا أبا طالب أقحط الوادی و أجدب العیال و هلکت المواشی فهلم استسق فخرج أبو طالب و معه غلام کأنه شمس دجنّ تجلت عنه سحابة قتماء و ما زال یسعی و الغلام معه فلما صارا بازاء الکعبة و حوله اعیلمة فألصق الغلام ظهره
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:254
بالکعبة و لا زال یشیر بإصبعه و ما فی السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا و هاهنا و أغدق و اغدودق و انفجر الوادی و أخصب النادی و البادی و فی ذلک یقول أبو طالب
و أبیض یستسقی الغمام بوجهه‌ثمال الیتامی عصمة للارامل الثمال بکسر المثلثة الملجأ و الغیاث و عصمة الارامل أی یمنعهم من الضیاع و الحاجة و الارامل المساکین من الرجال و النساء و یقال لکل واحد من الفریقین علی انفراده أرمل و هو بالنساء أخص و أکثر استعمالا و الواحد أرمل و أرملة و هذا البیت من أبیات قصیدة لابی طالب ذکرها ابن اسحاق بطولها و هی أکثر من ثمانین بیتا انتهی* و أنشأ أبو طالب فی مدح النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أبیاتا منها هذا البیت
و شق له من اسمه لیجله‌فذو العرش محمود و هذا محمد و حسان بن ثابت ضمن شعره هذا البیت فقال
أ لم تر أن اللّه أرسل عبده‌بآیاته و اللّه أعلی و أمجد
أغر علیه للنبوّة خاتم‌من اللّه مشهود یلوح و یشهد
و ضم الا له اسم النبیّ الی اسمه‌اذا قال فی الخمس المؤذن أشهد
و شق له من اسمه لیجله‌فذو العرش محمود و هذا محمد
نبیّ أتانا بعد یأس و فترةمن الدین و الاوثان فی الارض تعبد
و أرسله ضوأ منیرا و هادیایلوح کما لاح الصقیل المهند و کان اذا أکل عیال أبی طالب جمیعا أو فرادی لم یشبعوا و اذا أکل معهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شبعوا و کان الصبیان یصبحون رمصا شعثا و یصبح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صقیلا دهینا کحیلا و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یبغض حضور الاصنام و الاعیاد مع قومه* روی ان بوانة کانت صنما یحضره قریش فی کل سنة یوما و یعظمونه و یعبدونه و یجعلونه عیدا و تنسک له النسائک و یحلقون رءوسهم عنده و یعکفون عنده الی اللیل و کان أبو طالب یحضره مع قومه و کان یکلم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یحضر ذلک العید مع قومه فیأبی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فغضب أبو طالب و أعمامه علیه فلم یزالوا به حتی ذهب فغاب عنهم ما شاء اللّه ثم رجع إلیهم مرعوبا فزعا فقالوا له ما الذی رأیت قال انی کل ما دنوت من صنم منها تمثل لی رجل أبیض طویل یصیح بی وراءک یا محمد لا تمسه فاعاد الی عیدهم بعد ذلک و کان لم یأکل مما ذبح علی النصب و هذا یدل علی أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان یعبد اللّه وحده قبل أن یوحی إلیه لانه کان من ورثة دعوة ابراهیم و اسماعیل علیهما السلام* قال العلامة الدوانی فی تفسیر قل یأیها الکافرون اختلف الاصولیون فی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هل کان متعبدا بشریعة من قبله أولا فقیل انه کان متعبدا بشریعة موسی و قیل بشریعة عیسی و قیل بشریعة ابراهیم و قیل بشریعة نوح علیهم السلام و قیل انه لم یکن متعبدا فالمختار انه کان متعبدا قبل البعث لما ثبت أنه کان متعبدا فی غار حراء و التعبد لا یکون الا بشریعة لان الحاکم هو الشرع عند أهل الحق و علی مذهب المعتزلة القائلین بحکم العقل الامر أظهر اذ العبادة لا تتوقف علی هذا التقدیر علی شریعة و الحاصل انه کان یتحنث فی غار حراء أی یتعبد اللیالی ذوات العدد فلا جرم تکون هذه العبادة للّه تعالی لا غیر اذ الأنبیاء معصومون عن الکفر قبل البعثة بالاتفاق* روی عن علیّ رضی اللّه عنه أنه قال قیل لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یا رسول اللّه هل عبدت غیر اللّه قال لا قیل فهل شربت خمرا قط قال لا ثم قال ما زلت أعرف ان الذی هم علیه کفر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:255
و ما کنت أدری ما الکتاب و لا الایمان و کذلک سائر الأنبیاء اذ لم ینقل ناقل من المسلمین و لا من أهل الکتاب ان أحدا من الأنبیاء کان یعبد سوی اللّه تعالی قبل أن یوحی إلیه* و ورد فی تفسیر قوله تعالی و وجدک ضالا فهدی أی غیر مهتد الی تفاصیل الملة الحنیفیة و کان یسمع بأنها ملة أبیه ابراهیم الخلیل فطفق یطلبها و لا یهتدی الی تفاصیلها فهداه اللّه منها الی سواء السبیل و کان موسی مؤمنا حین قتل القبطی باخبار اللّه ایانا فقال تعالی قال رب انی ظلمت نفسی فاغفر لی فغفر له و قال رب بما أنعمت علیّ فلن أکون ظهیرا للمجرمین ثم أخبر عنه قال فعلتها اذا و أنا من الضالین فعلمنا ان ضلاله کان من شرائع الاحکام الحلال و الحرام و التکالیف التی لا تعرف الا بتوفیق و کان العلم بتفاصیل الشرائع قد درس فی عصر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لم یذهب بالتوحید علی جماعة منهم ورقة بن نوفل و زید بن نفیل و أبو ذرّ الغفاری و کان منهم أمیة بن أبی الصلت فارتدّ و عتبة بن ربیعة ثم ارتدّ و أبو عامر الراهب بن صیفی ثم ارتدّ حسدا للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم*

موت حاتم الطائی و موت کسری أنوشروان‌

و من وقائع هذه السنة موت حاتم الطائی و هو حاتم بن عبد اللّه ابن سعد بن الحشرج بن امرئ القیس و هو حاتم المشهور الذی یضرب به المثل فی الجود و الکرم* و من وقائع هذه السنة موت کسری أنوشروان و ولایة ابنه هرمز السلطنة* و فی نظام التواریخ کان هرمز بن أنوشروان ملکا ذا عدل و رأی و لکن کان یستحقر الناس ذوی الحسب و النسب و یولی الاراذل و الدون و کان ملکه احدی عشرة سنة و أربعة أشهر و قیل قبر أنوشروان بالجبل الاحمر* و من وقائع السنة التاسعة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم ما جاء فی بعض الروایات أن أبا طالب خرج برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی بصری من الشام و هو ابن تسع سنین* و فی معجم ما استعجم بصری بضم أوّله و اسکان ثانیه و فتح الراء المهملة مدینة حوران*

ذکر حرب الفجار

و من وقائع السنة العاشرة من مولده صلّی اللّه علیه و سلم الفجار الاوّل و هو قتال بعکاظ و کان الحرب فیه ثلاثة أیام و فی دلائل النبوّة الفجار اثنان أما الفجار الاوّل فکانت وقعته و لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عشر سنین و کانت الحرب فیه ثلاث مرات أما المرّة الاولی فسببها ان بدر بن مغیث الغفاری ممن کان یفخر علی الناس فبسط یوما رجله و قال أنا أعز العرب فمن زعم أنه أعز منی فلیضربها بالسیف فوثب رجل من بنی نضر بن معاویة یقال له الاحمر بن مازن فضربه بالسیف علی رکبته و اندرها فاقتتلوا* و أما المرّة الثانیة فکان سببها ان امرأة من بنی عامر کانت جالسة بسوق عکاظ فطاف بها شاب من قریش من بنی کنانة و کان معه وفقة فسألوها أن تکشف عن وجهها فأبت فقام أحدهم فجلس خلفها فعقد طرف درعها الی ما فوق عجزها بشوکة فلما قامت انکشف دبرها فضحکوا منها فقالوا منعتینا النظر الی وجهک وجدت لنا بالنظر الی دبرک و جاء مثلها فی سبب غزوة بنی قینقاع أیضا کما سیجی‌ء فی الموطن الثانی فنادت المرأة یا آل عامر فثاروا بالسلاح و اقتتلوا مع بنی کنانة فوقع بینهما دم فتوسطها حرب بن أمیة و أرضی بنی کنانة من مثلة صاحبهم* و أما المرّة الثالثة فکان سببها انه کان لرجل من بنی جشم بن عامر دین علی رجل من بنی کنانة فلواه به فجرت بینهما خصومة فاقتتل الحیان و حمل بن جدعان ذلک فی ماله و کان ذا مال و ثروة و سنذکر سبب ثروته و هذه الایام لم یحضرها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أما الفجار الآخر فحضر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعض أیامه کما سیجی‌ء فی الباب الثانی فی حوادث السنة الرابعة عشر من مولده صلی اللّه علیه و سلم*

سبب ثروة عبد اللّه بن جدعان‌

و أما سبب ثروة عبد اللّه بن جدعان فانه کان فی ابتداء أمره صعلوکا ترب الیدین و کان مع ذلک شریرا فاتکا لا یزال یجنی الجنایات فیعقل عنه أبوه و قومه حتی أبغضته عشیرته و نفاه أبوه و حلف أن لا یؤویه أبدا فخرج فی شعاب مکة حائرا مائرا یتمنی الموت أن ینزل به فرأی شقا فی جبل فظنّ أنّ فیه حیة فتعرض للشق یرجو أن یکون فیه ما یقتله فیستریح فلم یر شیئا فدخل فیه فاذا فیه ثعبان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:256
عظیم له عینان یتقد ان کالسراج فحمل علیه الثعبان فتقدّم فأفرج إلیه فانساب إلیه مستدیرا بدارة عند بیت ثم خطا خطوة أخری فصفر به الثعبان فأقبل إلیه کالسهم فأفرج له فانساب عنه فوقف ینظر و یتفکر فی أمره فوقع فی نفسه انه مصنوع فأمسکه بیده فاذا هو مصنوع من ذهب و عیناه یاقوتتان فکسره و أخذ عینیه و دخل البیت فاذا جثث طوال علی سریر لم یر مثلهم طولا و لا عظما و عند رءوسهم لوح من فضة فیه تاریخهم فاذا هم رجال من ملوک حمیر و آخرهم موتا الحارث بن مضاض صاحب العذبة الطویلة فاذا علیهم ثیاب من وشی لا یمس منها شی‌ء الا انتثر کالهباء من طول الزمان مکتوب فی اللوح عظات* قال ابن هشام کان اللوح من رخام و کان فیه آنا نفیلة بن عبد المدان ابن حشرم بن عبد یالیل بن جرهم بن فحطان بن نبیّ اللّه هود عشت خمسمائة عام و قطعت غور الارض باطنها و ظاهرها فی طلب الثروة و المجد و الملک فلم یکن ذلک ینجینی من الموت و اذا فی وسط البیت کوم عظیم من الیاقوت و اللؤلؤ و الذهب و الفضة و الزبرجد فأخذ منه ما أخذ ثم علم الشق بعلامة و أغلق بابه بالحجارة و أرسل الی أبیه بالمال الذی خرج به منه یسترضیه و یستعطفه و وصل عشیرته کلهم فسادهم و جعل ینفق من ذلک الکنز و یطعم الناس و یفعل المعروف و کانت جفنته یأکل منها الراکب علی البعیر و سقط فیها صبی فغرق و مات*

نفیسة

و فی غریب الحدیث لابن قتیبة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال کنت استظل بجفنة عبد اللّه بن جدعان صکة عمی یعنی فی الهاجرة و سمیت الهاجرة صکة عمی لخبر ذکره أبو حنیفة و هو أن عمیا رجل من عدوان و قیل من ایاد و کان فقیه العرب فی الجاهلیة فقدم فی قوم معتمرا أو حاجا فلما کان علی مرحلتین من مکة قال لقومه و هم فی وسط الظهیرة من أتی مکة غدا فی مثل هذا الوقت کان له أجر عمرتین فصکوا الابل صکة شدیدة حتی أتوا مکة من الغد و عمی تصغیر أعمی علی الترخیم و حذف الزائدة فسمیت الظهیرة صکة عمی و عبد اللّه بن جدعان تیمی یکنی أبا زهیر و هو ابن عمّ عائشة أمّ المؤمنین قالت عائشة رضی اللّه عنها یا رسول اللّه انه کان یطعم الطعام و یقری الضیف و یفعل المعروف هل ینفعه ذلک یوم القیامة قال صلّی اللّه علیه و سلم انه لم یقل یوما رب اغفر لی خطیئتی یوم الدین کذا قاله السهیلی فی الروض الانف* و فی کتاب ریّ العاطش و أنس الواحش لاحمد بن عمار أن ابن جدعان ممن حرّم الخمر فی الجاهلیة بعد ان کان بها مغری و ذلک انه سکر لیلة فصار یمدّ یده و یقبض علی ضوء القمر لیأخذه فضحک منه جلساؤه فأخبر بذلک حین صحا فحلف أن لا یشربها أبدا فلما کبر و هرم أراد بنو تیم أن یمنعوه من تبذیر ماله و لاموه فی العطاء فکان یدعو الرجل فیدنو فاذا دنا منه لطمه لطمة خفیفة ثم یقول له قم فانشد لطمتک و اطلب دیتها فاذا فعل ذلک أعطته بنو تیم من مال ابن جدعان کذا فی حیاة الحیوان* و مما یناسب صکة عمی رمی البعرة علی رأس الحول عن أمّ سلمة تقول جاءت امرأة الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقالت یا رسول اللّه ان ابنتی توفی عنها زوجها و قد اشتکت عیها أ فنکحلها فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا مرّتین أو ثلاثا کل ذلک یقول لا ثم قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انما هی أربعة أشهر و عشر و قد کانت إحداکنّ فی الجاهلیة ترمی بالبعرة علی رأس الحول قالت زینب کانت المرأة اذا توفی عنها زوجها دخلت حفشا و لبست شری ثیابها و لم تمس طیبا حتی تمرّ بها سنة ثم تؤتی بدابة حمار أو شاة فتقتض به فقلما تقتض بشی‌ء الا مات ثم تخرج فتعطی بعرة فترمی بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طیب أو غیره الحفش بکسر الحاء و سکون الفاء البیت الصغیر جدّا سئل مالک ما معنی تقتض قال تمسح به جلدها کذا فی صحیح البخاری*

أول ما رأی علیه السلام من أمر النبوّة

و من وقائع السنة الحادیة عشر من مولده صلّی اللّه علیه و سلم ما روی عن أبی بن کعب ان أبا هریرة سأل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان جریا أن یسأل عن أشیاء لا یسأله عنها غیره فقال یا رسول اللّه ما أوّل ما رأیت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:257
من أمر النبوّة فاستوی جالسا و قال قد سألت یا أبا هریرة انی لفی صحراء ابن عشر سنین و أشهر و اذا بکلام فوق رأسی فاذا برجل یقول لرجل هو هو فاستقبلانی بوجوه لم أرها لخلق قط و أرواح لم أجدها من خلق قط و ثیاب لم أرها علی خلق قط فأقبلا الیّ یمشیان حتی أخذ کل واحد منهما بعضدی لا أجد لاحدهما مسا فقال أحدهما لصاحبه اضجعه فأضجعانی بلا قصر و لا هصر فقال أحدهما لصاحبه افلق صدره فنجد أحدهما الی صدری ففلقه فیما أری بلا دم و لا وجع فقال له أخرج الغل و الحسد فأخرج شیئا کرضة العلقة ثم نبذها فقال له أدخل الرأفة و الرحمة فاذا مثل الذی اخرج شبه الفضة ثم هز ابهام رجلی فقال اعد و اسلم فرجعت أعدو رأفة علی الصغیر و رحمة علی الکبیر و اللّه أعلم‌

* (الباب الثانی فی الحوادث من السنة الثانیة عشر الی السنة الرابعة و العشرین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم‌

اشارة

من ارتحال أبی طالب معه الی الشام و ذکر رعیه الغنم و الفجار الثانی و عزم الزبیر ابن عبد المطلب أو العباس لسفر الیمن و خلع هرمز من السلطنة و قتل هرمز و تولی کسری برویز السلطنة و الفجار الثانی عند البعض و ولادة عمر بن الخطاب و صحبته صلّی اللّه علیه و سلم مع أبی بکر یرید ان الشام و حلف الفضول و شکایته الی عمه أبی طالب من آت یأتیه منذ لیال و هدم الکعبة و بنائها عند بعض العلماء)*

* خروجه علیه السلام مع أبی طالب الی الشام‌

و من حوادث السنة الثانیة عشر من مولده علیه السلام ارتحال أبی طالب معه الی الشام* فی حیاة الحیوان خرج أبو طالب معه الی الشام و هو ابن اثنتی عشرة سنة* و فی المواهب اللدنیة و لما بلغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اثنتی عشرة سنة خرج مع عمه أبی طالب الی الشام* و قال ابن الاثیر فی أسد الغابة انّ أبا طالب سار الی الشام و أخذ معه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان عمره اثنتی عشرة سنة و قیل تسع سنین و الاوّل أکثر* و فی الصفوة قال أهل السیر و التواریخ لما أتت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اثنتا عشرة سنة و شهران و عشرة أیام* و فی سیرة مغلطای و شهر و قیل لعشر خلون من ربیع الاوّل سنة ثلاث عشرة من الفیل ارتحل به أبو طالب الی الشام و کذا فی سیرة الیعمری فیکون خروجه علی هذا فی السنة الثالثة عشر و کان أبو طالب لم یرد أن یذهب به معه لکن لما تهیأ للرحیل و أجمع للسیر هبّ له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخذ بزمام ناقته و قال یا عم الی من تکلنی لا أب لی و لا أم فرق له أبو طالب فقال و اللّه لأخرجن به معی و لا یفارقنی و لا أفارقه أبدا فخرج به معه و ذلک فی المرة الاولی فسار الرکب حتی نزلوا قریة من قری الشام یقال لها کفر و منها الی بصری ستة أمیال أو ثمانیة و کان یسکنها راهب یقال له بحیرا بفتح الموحدة و کسر المهملة و سکون التحتیة آخره راء مقصورة قاله الذهبی رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قبل البعث و آمن به ذکره ابن منده و أبو نعیم فی الصحابة* و قال السهیلی وقع فی سیرة الزهری انه کان حبرا من یهود تیما* و فی المسعودی انه کان من عبد القیس و اسمه جرجیس و یکون فی صومعة له و لذا اشتهرت تلک القریة بدیر بحیرا و کان ذا علم فی النصرانیة و لم یزل فی تلک الصومعة راهب من علماء النصاری یصیر إلیه علمهم عن کتاب یدرسونه فیما یزعمون یتوارثونها کابرا عن کابر فلما نزلوا ببحیر انزلوا منزلا قریبا من صومعته قد کانوا ینزلونه قبل ذلک کلما مرّوا به و لا یکلمهم بحیرا حتی اذا کان ذلک العام و نزلوه صنع لهم طعاما ثم دعاهم و انما حمله علی دعائهم انه رأی حین طلعوا علی تلک الاماکن غمامة تظل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من بین القوم حتی نزلوا تحت الشجرة ثم نظر الی تلک الغمامة أظلت تلک الشجرة و أخصت أغصان تلک الشجرة علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حین استظل تحتها فلما رأی بحیرا ذلک نزل من صومعته و أمر بالطعام فأرسل إلیهم فقال صنعت لکم طعاما یا معشر قریش
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:258
و أنا أحب أن تحضروه کلکم و لا یتخلف منکم صغیر و لا کبیر و لا حر و لا عبد فانّ هذا شی‌ء تکرموننی به فقال رجل ان لک لشأنا یا بحیرا ما کنت تصنع بنا هذا قبل فما شأنک الیوم فقال انی أحببت أن أکرمکم فلکم حق علیّ فاجتمعوا إلیه و تخلف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من بین القوم فی رحالهم تحت الشجرة لحداثة سنه اذ لیس فی القوم أصغر منه فلما نظر بحیرا الی القوم و لم یر الصفة التی یعرفها و یجدها عنده و جعل ینظر فلا یری الغمامة علی أحد من القوم و یراها متخلفة فوق الشجرة علی رأس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا معشر قریش فلا یتخلفن أحد منکم عن طعامی قالوا ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا فی الرحال فقال ادعوه فلیحضر طعامی فما أقبح أن تحضروا و یتخلف رجل واحد منکم مع انی أراه من أنفسکم فقال القوم هو و اللّه من أوسطنا نسبا و هو ابن أخی هذا الرجل یعنون أبا طالب و هو من ولد عبد المطلب فقام الحارث بن عبد المطلب فقال و اللّه ان کان من اللؤم أن یتخلف ابن عبد المطلب من بیننا ثم احتضنه الحارث و أقبل به حتی أجلسه علی الطعام و الغمامة تسیر علی رأسه و جعل بحیرا یلحظه لحظا شدیدا و ینظر الی أشیاء فی جسده قد کان یجدها عنده فی صفته فلما تفرّقوا عن الطعام قام إلیه الراهب فقال یا غلام أسألک بحق اللات و العزی الا أخبرتنی عما أسألک فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تسألنی باللات و العزی فو اللّه ما أبغضت شیئا بغضهما قال باللّه الا أخبرتنی عما أسألک عنه قال سلنی عما بدا لک فجعل یسأله عن أشیاء من حاله حتی نومه فجعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یخبره فیوافق ذلک ما عنده ثم جعل ینظر بین عینیه ثم کشف عن ظهره فرأی خاتم النبوّة بین کتفیه علی الصفة التی عنده فقبل موضع الخاتم قالت قریش ان لمحمد عند الراهب لقدرا و جعل أبو طالب یخاف علی ابن أخیه لما یری من الراهب قال الراهب لابی طالب ما هذا الغلام منک قال ابنی قال ما هو ابنک و ما ینبغی لهذا الغلام أن یکون أبوه حیا قال ابن أخی قال فما فعل أبوه قال هلک و أمّه حبلی قال فما فعلت أمّه قال توفیت قریبا قال صدقت ارجع بابن أخیک الی بلده و احذر علیه الیهود فو اللّه لئن رأوه و عرفوا منه ما أعرف لیقصدنّ قتله فانه کائن لابن أخیک هذا شأن عظیم نجده فی کتبنا و ما روینا عن آبائنا و اعلم انی قد أدّیت إلیک النصیحة فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سریعا و کان رجال من الیهود قد رأوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و عرفوا صفته فأرادوا أن یغتالوه فذهبوا الی بحیرا فذاکروه أمره فنهاهم أشد النهی و قال لهم أ تجدون صفته قالوا نعم قال فما لکم إلیه سبیل فصدّقوه و ترکوه و رجع أبو طالب الی مکة سالما فما خرج به سفرا بعد ذلک خوفا علیه کذا فی المنتقی* و فی المشکاة عن أبی موسی قال خرج أبو طالب الی الشام و خرج معه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی أشیاخ من قریش فلما أشرفوا علی الراهب هبطوا فحلوا رحالهم و هبط إلیهم الراهب و کانوا قبل ذلک یمرّون به فلا یخرج إلیهم قال فهم یحلون رحالهم فجعل یتخللهم الراهب حتی جاء فأخذ بید رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال هذا سید العالمین هذا رسول رب العالمین یبعثه رحمة للعالمین فقال له أشیاخ قریش ما علمک فقال انکم حین أشرفتم من العقبة لم یبق شجر و لا حجر الا خرّ ساجدا و لا یسجدان الا لنبیّ و انی أعرفه بخاتم النبوّة أسفل من غضروف کتفه مثل التفاحة ثم رجع و صنع لهم طعاما فلما أتاهم به و کان هو فی رعیة الابل فقال ارسلوا إلیه فأقبل و علیه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوا الی فی‌ء شجرة فلما جلس مال فی‌ء الشجرة علیه فقال انظروا الی فی‌ء الشجرة مال علیه فقال أنشدکم باللّه أیکم ولیه قالوا ابو طالب فلم یزل یناشده حتی ردّه أبو طالب و بعث معه أبو بکر بلالا و زوّده الراهب من الکعک و الزیت رواه الترمذی* و فی حیاة الحیوان قال الحافظ الدمیاطی و فی الحدیث و هم فی قوله بعث
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:259
معه أبو بکر بلالا اذ لم یکونا معه و لم یکن بلال أسلم و لا ملکه أبو بکر بل کان أبو بکر حینئذ لم یبلغ عشر سنین و لم یملک أبو بکر بلالا الا بعد ذلک بأکثر من ثلاثین سنة و کذا ضعفه الذهبی* قال ابن حجر رجال هذا الحدیث ثقات و لیس فیه منکر سوی قوله و بعث معه أبو بکر بلالا فیحمل علی انه مدرج فیه مقتطعة من حدی آخر و هما من أحد رواته* و فی المواهب اللدنیة قال الذهبی فی تجرید الصحابة انّ بحیرا رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قبل البعث و آمن به و ذکره ابن منده و أبو نعیم فی الصحابة و هذا کما سبق یبتنی علی تعریفهم الصحابة بمن رآه صلّی اللّه علیه و سلم و هل المراد حال النبوّة أو أعم من ذلک حتی یدخل فیه من رآه قبل النبوّة و مات قبلها علی دین الحنیفیة و هو محل نظر*

(ذکر رعیه صلی اللّه علیه و سلم الغنم)

* فی الصفوة عن أبی هریرة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال ما بعث اللّه نبیا إلّا رعی الغنم فقال أصحابه و أنت قال نعم کنت أرعاها علی قراریط لأهل مکة انفرد باخراجه البخاری و قد رواه سعید بن أبی أحیحة فقال فیه کنت أرعاها لأهل مکة بالقراریط* قال سوید بن سعید یعنی کل شاة بقیراط* و قال الجریری القراریط موضع و لم یرد بذلک القراریط من الفضة و ذکر مغلطای رعیه الغنم فی سیرته فی سنة عشرین و قال کان یرعی غنم أهله بأجیاد علی قراریط

* ولادة عمر رضی اللّه عنه‌

و فی السنة الثالثة عشر من مولده صلّی اللّه علیه و سلم ولد عمر بن الخطاب و فی الاستیعاب ولد عمر بعد الفیل بثلاث عشرة سنة* و روی أسامة بن زید بن أسلم عن أبیه عن جدّه قال سمعت عمر یقول ولدت قبل الفجار الاعظم بأربع سنین* و فی بعض الکتب أورد ولادة عمر فی سنة احدی و عشرین من مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کذا یفهم من کلام صاحب الصفوة*

حرب الفجار الآخر

و من حوادث السنة الرابعة عشر من مولده صلّی اللّه علیه و سلم الفجار الآخر* قال ابن هشام لما بلغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة هاجت حرب الفجار بین قریش و من معها من کنانة و بین قیس عیلان و هو من أعظم أیام العرب و کان الذی أهاجها ان عروة الرحال بن عتیبة بن ربیعة بن جعفر بن کلاب بن ربیعة بن عامر بن صعصعة بن معاویة بن بکر بن هوازن أجار لطیمة للنعمان بن المنذر فقال له البراض بن قیس أحد بنی ضمرة بن بکر بن عبد منات بن کنانة أ تجیرها علی کنانة قال نعم و علی الخلق فخرج عروة الرحال و خرج البراض یطلب غفلته حتی اذا کان بتیمن ذی ظلال بالعالیة غفل عروة فوثب علیه البراض فقتله فی الشهر الحرام فلذلک سمی الفجار فأتی آت قریشا فقال انّ البراض قد قتل عروة و هو فی الشهر الحرام بعکاظ فارتحلوا و هوازن لا تشعر ثم بلغهم الخبر فاتبعوهم فأدرکوهم قبل أن یدخلوا الحرم فاقتتلوا حتی جاء اللیل و دخلوا الحرم فأمسکت عنهم هوازن ثم التقوا بعد هذا الیوم أیاما عدیدة و القوم یتساندون و علی کل قبیل من قریش و کنانة رئیس منهم و علی کل قبیل من قیس رئیس منهم و شهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعض أیامهم و هو یوم النخلة و هو من أعظم أیام الفجار و کذا فی أسد الغابة لابن الاثیر أخرجه أعمامه معهم و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کنت أنبل علی أعمامی یوم الفجار ای کنت أناولهم النبل و أردّ علیهم نبل عدوّهم اذا رموهم بها و یحفظ متاعهم و کان لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ أربع عشرة سنة و یقال عشرین سنة کذا فی دلائل النبوّة* قال ابن اسحاق هاجت حرب الفجار و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابن عشرین سنة و قد حضره و رمی فیه مع أعمامه بأسهمهم و انما سمی حرب الفجار بما استحل هذان الحیان یعنی کنانة و قیس عیلان فیه من المحارم بینهم و کان قائد قریش و کنانة حرب بن أمیة بن عبد شمس فکان الظفر فی أوّل النهار لقیس علی کنانة حتی اذا کان وسط النهار کانت الظفر لکنانة علی قیس* قال ابن اسحاق کان الفجار الآخر بعد الفیل بعشرین سنة فلم یکن فی الحرب یوم أعظم و لا أذهب ذکرا فی الناس منه وقع بین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:260
قریش و الفها من کنانة و بین قیس عیلان فالتقوا بعکاظ کذا فی شفاء الغرام و قیل انه شهد یوم شمطة أیضا و هو من أعظم أیام الفجار و کانت الهزیمة فیه علی قریش و هذا لیس بشی‌ء کذا فی أسد الغابة* و فی السنة الخامسة عشر من مولده علیه السلام ولد أبو طلحة الانصاری کذا فی سیرة مغلطای* و من حوادث السنة السادسة عشر من مولده صلّی اللّه علیه و سلم عزم الزبیر بن عبد المطلب أو العباس لسفر الیمن للتجارة و لما تهیأ لذلک التمس من أبی طالب أن یبعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم معه رجاء أن یناله من برکته فبعثه أبو طالب مع عمه الی الیمن و رأی منه فی الطریق کثیرا من الخوارق کذا فی روضة الاحباب* و فی السنة السابعة عشر ولد حاطب بن أبی بلتعة* و من حوادث هذه السنة انه وثب العظماء و الاشراف بالمدائن و خلعوا هرمز لظلمه و سملوا عینیه و ترکوه* و فی السنة الثامنة عشر ولد خباب بن الارت و محمد بن مسلمة الانصاری کذا فی سیرة مغلطای* و من حوادث السنة التاسعة عشر من مولده صلّی اللّه علیه و سلم قتل هرمز الظالم بن أنوشروان العادل بعد خلعه و کانت ولایة هرمز احدی عشرة سنة و سبعة أشهر و عشرة أیام و قیل اثنتی عشرة سنة*

ولایة کسری برویز

و فی هذه السنة تولی الملک کسری برویز بن هرمز بن أنوشروان بن قباد من الملوک الساسانیة و هم أحد و ثلاثون ملکا و مدّة ملکهم خمسمائة و سبع و عشرون سنة و معنی برویز بالعربیة المظفر و الفرس یسمونه خسرو* و لما تقر ملکه قتل الذین قتلوا أباه هرمز و الغرس بالغوا فی ملکه و سلطنته لکن الروایة المعتمد علیها مثل روایة حمزة الاصبهانی و غیره انها کانت له احدی عشرة ألف جوار من المطربة و الخدمة و ستة آلاف خادم و حارس و عشرین ألفا و خمسمائة من الافراس البراذن و العربیة و الزومیة و بغال الرکوب و تسعمائة و ستین فیلا فی حضرته سوی التی کانت فی البلاد و الامصار و أطراف مملکته* و فی حیاة الحیوان ان کسری برویز کان له خمسون ألف دابة و اثنا عشر ألف زوجة و قیل ثلاثة آلاف امرأة و حین یرکب کان یمشی معه مائتا ألف انسان معهم المجامر و المعاطر یشم منها الروائح الطیبة و المشمومات العبقة و کان له ألف ممن یحملون الماء مع دوابهم معدین لرش الماء فی طرقه لاطفاء الغبار و کان رجلا حسن الوجه حسن الشمائل شجاعا ذا قوّة بدنیة و شهوانیة و کانت له قطعة ذهب لین قابل للتشکل بأشکال مختلفة کالشمعة یصنع منها ما یرید من الاشکال من غیر مساس النار و کانت له قصعة اذا شرب ماؤها تمتلئ بنفسها من غیر أن یملأها أحد و کانت عنده مثال ید و کف من عاج لها خمس أصابع منبسطة و حین ولادة مولود له یلقی ذلک العاج فی الماء فاذا ولد المولود تنقبض أصابع العاج فتعرف ولادته فیخرج المنجم طالع المولود و لا یحتاج الی أن یسأل عن ولادته أحدا قیل فی عهده ولد الفیل بخراسان و لم یکن هناک للفیل ولادة* روی انه أصاب کنزا أتی به الریح و قصته انها وقعت بین کسری و قیصر مخالفة فقصد کسری ملکه و سار إلیه حتی نزل ساحل البحر فخاف قیصر و حمل خزائن آبائه و أجداده فی السفن فأدّتها الریح الی کسری و لما مضی من ملکه تسع عشرة أو عشرون سنة نزل الوحی الی نبینا محمد صلّی اللّه علیه و سلم و لما مضی من النبوّة تسع عشرة سنة کتب إلیه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و دعاه الی الاسلام فأبی و مزق الکتاب فلما سمع النبیّ علیه السلام بذلک دعا علیه فقال مزق اللّه ملکه کما مزق کتابی فوقع فی ملکه تزلزل و فتنة فخرج علیه ابنه شیرویه و قتله و مدّة ملکه ثمان و ثلاثون سنة و سیجی‌ء فی الموطن السادس فی ارسال الرسل الی ملوک الاطراف* و من حوادث سنة عشرین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم حرب الفجار الثانی عند بعض الرواة فی شوّال و قد سبق ذکره*

صحبة أبی بکر للنبی فی تجارة الی الشام‌

و من وقائع هذه السنة ما روی عن ابن عباس ان أبا بکر رضی اللّه عنهما صحب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو ابن ثمانی عشرة سنة و النبیّ صلّی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:261
علیه و سلم ابن عشرین سنة و هم یریدون الشام فی تجارة حتی نزلوا منزلا فیه سدرة فجلس النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی ظلها و مضی أبو بکر الی راهب یقال له بحیرا یسأله عن شی‌ء فقال من الرجل الذی فی ظل السدرة قال أبو بکر ذلک محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب فقال بحیرا هو و اللّه نبیّ ما استظلّ تحتها بعد عیسی ابن مریم الا محمد فوقع فی قلب أبی بکر الیقین و التصدیق قبل ما نبئ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی المنتقی هذا السفر هو الذی کان مع أبی طالب فان أبا بکر حینئذ کان معه*

ذکر حلف الفضول‌

و فی هذه السنة وقع حلف الفضول و ذلک ان قریشا کانت تتظالم فی الحرم فقام عبد اللّه بن جدعان و الزبیر بن عبد المطلب فدعوا الناس الی التحالف علی التناصر و الاخذ للمظلوم من الظالم فأجابوهما و تحالفوا فی دار ابن جدعان و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شهدت حلفا فی دار ابن جدعان ما أحب أنّ لی به حمر النعم و لو دعیت لاجبت فقال قوم من قریش هذا و اللّه فضل من الحلف فسمی حلف الفضول* و قال آخرون تحالفوا علی مثال حلف تحالف علیه قوم من جرهم فی هذا الامر أن لا یروا ظلما ببطن مکة الا غیروه و أسماؤهم الفضیل بن شراعة و الفضل بن قضاعة و الفضل بن بضاعة* قال ابن الجوزی و انما سمی حلف الفضول لانه کان رجال یردّون المظالم یقال لهم فضیل و فضال و مفضل و فضل فلذلک سمی حلف الفضول* و عن حکیم بن حزام أنه قال کان حلف الفضول منصرف قریش من الفجار و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حینئذ ابن عشرین سنة و قیل کان الفجار فی شوّال هذه السنة و هذا الحلف فی ذی القعدة و کان أشرف حلف قط*

شکواه علیه السلام الی عمه أبی طالب مما یأتیه‌

و من حوادث هذه السنة ما روی أنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شکی الی عمه أبی طالب و هو یومئذ ابن عشرین سنة فقال یا عمّ انی منذ لیال یأتینی آت معه صاحبان له فینظرون الیّ و یقولون هو هو و لم یأن له فقد هالنی ذلک فقال یا ابن أخی لیس بشی‌ء حلمت ثم رجع إلیه بعد ذلک فقال یا عمّ سطا بی الرجل الذی ذکرت لک فأدخل یده فی جوفی حتی انی لأجد بردها فخرج به عمه أبو طالب الی رجل من أهل الکتاب یتطبب بمکة فحدّثه حدیثه و قال عالجه فصوّب به الرجل و صعد و کشف عن قدمیه و نظر بین کتفیه و قال یا عبد مناف ابنک هذا طیب للخیر فیه علامات ان ظفرت به الیهود قتلته و لیس المرئی من الشیطان و لکنه من النوامیس الذی ینجسون القلوب للنبوّة فرجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و رأی فی منامه أنّ رجلا وضع یده علی منکبیه ثم أدخل یده و أخرج قلبه ثم قال طیب فی جسد طیب ثم ردّه فاستیقظ* و قال صلّی اللّه علیه و سلم ثم رأیت و أنا نائم سقف البیت الذی أنا فیه نزعت منه خشبة و أدخل فیه سلم و نزل منه الیّ رجلان فجلس أحدهما جانبا و الآخر الی جنبی ثم استخرج قلبی فقال نعم القلب قلبه قلب رجل صالح و نبیّ مبلغ ثم ردّا قلبی مکانه و ضلعی فاستیقظت و السقف علی حاله* و فی سنة اثنتین و عشرین من مولده علیه السلام ولد ابن مسعود و فی سنة ثلاث و عشرین ولد سعد بن أبی وقاص و فی سنة أربع و عشرین ولد الزبیر فیما قاله العقبی کذا فی سیرة مغلطای* و من حوادث السنة الثالثة و العشرین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم هدم الکعبة و بناؤها فی قول بعض العلماء کما سیجی‌ء

* (الباب الثالث فی الحوادث من السنة الخامسة و العشرین الی السنة الاربعین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم‌

اشارة

من خروجه الی الشام فی المرّة الثانیة مع میسرة عبد خدیجة و قصة نسطور الراهب و تزوّج خدیجة و ولیمته و ذکر سائر أزواجه اجمالا و ذکر سراریه و أولاده* و تزویج بناته و أختانه و هدم قریش الکعبة و بنائها و ولادة فاطمة و موت زید بن عمرو بن نفیل و رؤیته الضوء و النور و قتل کسری برویز النعمان بن المنذر)*

* خروجه علیه السلام مع میسرة الی الشام‌

و فی السنة الخامسة و العشرین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم خروجه الی الشام فی المرّة الثانیة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:262
مع میسرة عبد خدیجة لاربع عشرة لیلة بقیت من ذی الحجة و تزوّجها بعد ذلک شهرین و خمسة و عشرین یوما فی عقب صفر سنة ست و عشرین* روی أنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما بلغ خمسا و عشرین سنة قال له أبو طالب أنا رجل معیل لا مال لی و قد اشتدّ الزمان و هذه عیر قومک قد حضر خروجها الی الشام و خدیجة بنت خویلد تبعث رجالا من قومک فی تجارتها فلو ذهبت إلیها و قلت لها فی ذلک لعلّها تقبل و بلغ خدیجة ذلک فأرسلت الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی ذلک و قالت أعطیک ضعف ما أعطی رجلا من قومک* و فی روایة أتاها أبو طالب فقال لها هل لک أن تستأجری محمدا فقد بلغنا انک استأجرت فلانا ببکرین و لسنا نرضی لمحمد دون أربع بکرات فقالت خدیجة لو سألت ذلک لبعید بغیض فعلنا فکیف و قد سألت لحبیب قریب فقال أبو طالب للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هذا رزق ساقه اللّه إلیک فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مع غلامها میسرة* و فی روایة کانت بین خزیمة بن حکیم السلمی ثم البهزی و بین خدیجة قرابة فوجهته مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و غلام لها یقال له میسرة فی تجارة الی بصری من أرض الشأم فساروا حتی اذا کانوا بین الشام و الحجاز أعیا علی میسرة بعیران لخدیجة و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی أوّل الرکب فخاف میسرة علی نفسه و علی البعیرین فانطلق یسعی الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبره بذلک فأقبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی البعیرین فوضع یده علی أخفافهما و عوّذهما فانطلق البعیران یسعیان فی أوّل الرکب و لهما رغاء فلما رأی خزیمة ذلک علم أنّ له شأنا عظیما فحرص علی ملازمته و محافظته فلما دخلوا الشأم نزلوا بصری عند صومعة بحیرا و کان فیها یومئذ راهب من رهبان الشأم یقال له نسطور فنزل الناس متفرّقین و نزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تحت شجرة یابسة نخر عودها و لما اطمأنّ تحتها اخضرت و أنورت و اعشوشب ما حولها و أینع ثمرها و تدلت أغصانها فرفرفت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان ذلک بعین الراهب فلم یتمالک أن انحدر من صومعته و قال له باللات و العزی ما اسمک فقال إلیک عنی ثکلتک أمّک ما تکلمت العرب بکلمة أثقل علیّ من هذه الکلمة و کان ذلک مکرا من الراهب و کان معه حین نزل من صومعته رق أبیض فجعل ینظر فیه مرّة و الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أخری ثم أکب ینظر فیه ملیا فقال هو هو و منزل الانجیل فلما سمع ذلک خزیمة ظنّ أنّ الراهب یرید بالنبیّ صلی اللّه علیه و سلم مکرا فأخذ بمقبض سیفه فانتزعه و جعل یصیح بأعلی صوته یا آل غالب یا آل غالب فأقبل الناس یهرعون إلیه من کل ناحیة یقولون ما الذی راعک ما الذی أفزعک فلما نظر الراهب الی ذلک أقبل یسعی الی صومعته فدخل فیها و أغلق علیه بابها ثم أشرف علیهم فقال یا قوم ما الذی راعکم منی فو الذی رفع السموات بغیر عمد ما نزل بی رکب هو أحب الیّ منکم و انی لا جد فی هذه الصحیفة أنّ النازل تحت هذه الشجرة و أشار بیده الی الشجرة التی تحتها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هو رسول رب العالمین یبعثه اللّه بالسیف المسلول و بالذبح الاکبر و هو خاتم النبیین فمن أطاعه نجا و من عصاه غوی ثم أقبل علی خزیمة فقال ما تکون من هذا الرجل أرجلا من قومه قال لا و لکن خادم له و حدّثه بحدیث البعیرین فقال له الراهب أیها الرجل انه النبیّ الذی یبعث فی آخر الزمان و انی أجد فی هذه الصحیفة أنه یظهر علی البلاد و ینصر علی العباد و لا تردّ له رایة و لا تدرک له غایة و انّ له أعداء أکثرهم الیهود أعداء اللّه فاحذرهم علیه فأسرّ خزیمة ذلک فی نفسه ثم أقبل الراهب علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا محمد انی لأری فیک شیئا ما رأیته فی أحد من الناس انی لأحسبک النبیّ الذی یخرج من تهامة و انک لصریح فی میلادک و لأمین فی أنفس قومک و انی لاری علیک محبة من الناس و انی مصدّقک فی قولک و ناصرک علی عدوّک فانطلق الرکب یؤمّون الشأم ثم باع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:263
النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سلعته فوقع بینه و بین رجل نزاع فقال له الرجل احلف باللات و العزی فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما حلفت بهما قط و انی لأمر فأعرض عنهما فقال الرجل القول قولک ثم قال لمیسرة هذا و اللّه نبیّ تجده أحبارنا منعوتا فی کتبهم و کان میسرة اذا کانت الهاجرة و اشتدّ الحریری ملکین یظلان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الشمس و کان اللّه قد ألقی علیه المحبة من میسرة و کان کأنه عبد له فوعی ذلک کله میسرة فباعوا تجارتهم و ربحوا ضعف ما کانوا یربحون فلما رجعوا و کانوا بمرّ الظهران تقدّم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و دخل مکة فی وقت الظهیرة و خدیجة فی علیة لها فرأت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو علی بعیره و ملکان یظلان علیه فأرته النساء فعجبن لذلک و دخل علیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فخبرها بما ربحوا فسرّت بذلک خدیجة ثم قدم میسرة و دخل علیها فأخبرته بما رأت فقال میسرة قد رأیت هذا منذ خرجنا من الشأم و أخبرها بالربح و بما شاهد من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و بما قال الراهب نسطور و بما قال الآخر الذی حالفه فی البیع فأضعفت لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ضعف ما سمت له و کانت خدیجة امرأة عاقلة شریفة مع ما أراد اللّه بها من الکرامة و الخیر و هی یومئذ أفضلهم نسبا و أعظمهم شرفا و أکثرهم مالا و قومها کانوا حراصا علی نکاحها و لکن شرّفها اللّه بنکاح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أمّا خزیمة فرجع الی بلاده و قال لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اذا سمعت بخروجک أتیتک و وفد علی رسول اللّه مسلما بعد فتح مکة و اللّه أعلم*

(ذکر من خطب خدیجة و من تزوّجها قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم)

* فی المنتقی* روی أنّ خدیجة ذکرت أوّل ما ذکرت للازواج لورقة بن نوفل و لم یقض بینهما نکاح و فی السمط الثمین قال ابن شهاب تزوّجت خدیجة قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم رجلین الاوّل منهما عتیق بن عائذ ابن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم فولدت له جاریة اسمها هند فأسلمت و تزوّجت* و فی سیرة مغلطای ولدت له عبد اللّه و قیل عبد مناف ثم خلف علیها بعده أبو هالة النباش التمیمی و هو من بنی أسد بن عمرو فولدت له رجلا یقال له هند و امرأة یقال لها هالة من النباش بن زرارة و یکنی أبا هالة و یقال له هند* و فی سیرة مغلطای فولدت له هندا و الحارث و زینب و کانت تکنی أمّ هند و تدعی الطاهرة* و فی المنتقی فولدت له هندا و هالة و هما ذکران قال محمد بن اسحاق تزوّجت و هی بکر عتیق بن عائذ ثم هلک عنها فتزوّجها أبو هالة النباش بن زرارة أحد بنی عامر بن تمیم حلیف بنی عبد الدار فولدت له رجلا و امرأة ثم هلک عنها* و قال الدّارقطنی أبو هالة مالک بن النباش بن زرارة و عن قتادة مثله و قال أبو هالة هند بن زرارة بن النباش فولدت له هند بن هند* و فی المنتقی اسم أبی هالة هند* و روی عن ابن شهاب أنه قال تزوّجها أوّلا أبو هالة ثم بعده عتیق ذکره الدولابی و أبو عمرو و صحح أبو عمرو قول ابن شهاب الثانی و لم یذکر ابن قتیبة غیر الاوّل*

(ذکر هند بن هند)

* و هو ابن خدیجة قال ابن قتیبة و أبو سعید و أبو عمرو عاش هند بن هند ربیب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مسلما الی أن قتل مع علیّ یوم الجمل قاله الزبیر بن بکار* و قیل مات بالبصرة فی الطاعون فازدحم الناس علی جنازته و ترکوا جنائزهم و قالوا ربیب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان فصیحا بلیغا وصافا وصف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأحسن و أتقن و کان یقول أنا أکرم الناس أبا و أمّا و أخا و أختا ابی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أمی خدیجة و أخی القاسم و أختی فاطمة رضی اللّه عنهم أجمعین* و أمّا الجاریتان المذکورتان فی أولاد خدیجة من قبل رسول اللّه فلم أظفر من أخبارهما بشی‌ء و اللّه أعلم*

تزوّجه علیه السلام خدیجة

و فی هذه السنة الخامسة و العشرین بعد قدومه صلّی اللّه علیه و سلم من سفر الشأم بشهرین و خمسة و عشرین یوما تزوّج کما مرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خدیجة بنت خویلد بن أسد بن عبد العزی بن قصی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:264
ابن کلاب القرشیة الاسدیة* قال الزبیر بن بکار کانت تدعی فی الجاهلیة الطاهرة و أمها فاطمة بنت زائدة بن الاصم بن جندب بن هرم بن رواحة بن حجر بن معیص بن لؤیّ قال میسرة عبد خدیجة* و فی الحدائق قالت نفیسة بنت منبه بدل میسرة عبد خدیجة أرسلتنی خدیجة دسیسا الی محمد صلی اللّه علیه و سلم بعد أن رجع من الشأم فقلت یا محمد ما یمنعک أن تتزوّج قال ما بیدی ما أتزوّج به قلت فان کفیت ذلک و دعیت الی الجمال و المال و الشرف و الکفاءة أ لا تجیب قال فمن هی قلت خدیجة قال و کیف لی بذلک قلت علیّ قال افعلی فذهبت الی خدیجة و أخبرتها فأرسلت الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن ائت لساعة کذا و کذا فدخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتزوّجها و هو یومئذ ابن خمس و عشرین سنة و علیه الاکثر و قیل و شهرین و عشرة أیام و قیل احدی و عشرین ستة و قیل ثلاثین* و قال ابن جریج و له سبع و ثلاثون سنة* و قال البراقی تسع و عشرون قد راهق الثلاثین کذا فی سیرة مغلطای و خدیجة بنت أربعین سنة و قیل خمس و أربعین و قیل ثلاثین و قیل ثمان و عشرین کذا فی سیرة مغلطای و أقامت معه أربعا و عشرین سنة* قال ابن اسحاق زوّجه ایاها أبوها خویلد بن أسد و یقال أخوها عمرو بن خویلد کذا فی السمط الثمین* و فی المنتقی زوّجها عمها عمرو بن أسد و سیجی‌ء* روی ابن شهاب الزهری أنه قیل لخویلد بن أسد بن عبد العزی و هو ثمل من الخمر هذا ابن أخیک محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب یخطب خدیجة و قد رضیت فدعاه فسأله عن ذلک فخطب إلیه فأنکحه فخلقت خدیجة أباها و حلت علیه حلة و دخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بها فلما صحا الشیخ من سکرته قال ما هذا الخلوق و ما هذه الحلة قالت ابنته أخت خدیجة هذه حلة کساکها ابن أخیک محمد ابن عبد اللّه بن عبد المطلب أنکحته خدیجة و دخل علیها فأنکر ذلک الشیخ ثم صار الی أن سلم و استحیا* و فی المنتقی قال الواقدی هذا غلط و الصحیح عندنا المحفوظ عند أهل العلم أنّ عمها عمرو بن أسد زوّجها و انّ أباها مات قبل الفجار* و عن ابن عباس قال انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ذکر لخدیجة فصنعت طعاما و شرابا و دعت أباها و نفرا من قریش فطعموا و شربوا فقالت خدیجة لابیها انّ محمد ابن عبد اللّه یخطبنی فزوّجها ایاه فخلقته و ألبسته حلة و کذلک کانوا یصنعون اذا زوّجوا نساءهم خرجهما الدولابی* و عن جابر بن سمرة أو غیره قال کانت خدیجة تبعث الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بالشی‌ء لیبعث به الی أبیها حتی یرغب فیه فیزوّجه خرجه ابن السری کذا فی السمط الثمین* و قد روی ابن اسحاق فی قصة التزویج ما تقدّم و زاد فی طریق آخر و حضر أبو طالب و رؤساء مضر فخطب أبو طالب فقال الحمد للّه الذی جعلنا من ذریة ابراهیم و زرع اسماعیل و ضئضئ معدّ و عنصر مضر و جعلنا حضنة بیته و سوّاس حرمه و جعل لنا بیتا محجوجا و حرما آمنا و جعلنا الحکام علی الناس ثم انّ ابن أخی هذا محمد بن عبد اللّه لا یوزن به رجل من قریش الارجح و ان کان فی المال قلّ فانّ المال ظل زائل و أمر حائل و محمد من قد عرفتم قرابته و قد خطب خدیجة بنت خویلد و بذل لها ما آجله و عاجله من مالی کذا و هو و اللّه بعد هذا له نبأ عظیم و خطر جلیل جسیم فتزوّجها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و فی المنتقی فلما أتمّ أبو طالب خطبته تکلم ورقة بن نوفل فقال الحمد للّه الذی جعلنا کما ذکرت و فضلنا علی ما عددت فنحن سادة العرب و قادتها و أنتم أهل ذلک کله لا تنکر العشیرة فضلکم و لا یردّ أحد من الناس فخرکم و شرفکم و قد رغبنا فی الاتصال بحبلکم و شرفکم فاشهدوا علیّ معاشر قریش بأنی قد زوّجت خدیجة بنت خویلد من محمد بن عبد اللّه علی أربعمائة دینار ثم سکت ورقة و تکلم أبو طالب و قال قد أحببت أن یشرکک عمها فقال عمها اشهدوا علیّ یا معشر قریش أنی قد أنکحت محمد بن عبد اللّه خدیجة بنت خویلد و شهد علی ذلک صنادید قریش* و
فی السمط
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:265
الثمین و أصدقها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عشرین بکرة و لا تضادّ بین هذا و بین ما یقال ان أبا طالب أصدقها اذ یجوز أن یکون أبو طالب أصدقها و زاد صلّی اللّه علیه و سلم ذلک فی صداقها فکان الکل صداقا و قد ذکر الدولابی و غیره أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أصدق خدیجة اثنتی عشرة أوقیة ذهب و فی المنتقی الصداق أربعمائة دینار و یکون ذلک أیضا زیادة علی ما تقدّم*

(ذکر ولیمته صلّی اللّه علیه و سلم)

* ذکر الملا فی سیرته أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما تزوّج خدیجة ذهب لیخرج فقالت له خدیجة الی أین یا محمد اذهب و انحر جزورا أو جزورین و أطعم الناس ففعل ذلک صلّی اللّه علیه و سلم و هی أوّل ولیمة أولها صلّی اللّه علیه و سلم* و فی المنتقی فأمرت خدیجة جواریها أن یرقصن و یضربن بالدفوف و قالت یا محمد مر عمک أبا طالب ینحر بکرة من بکراتک و أطعم الناس علی الباب و هلمّ فقل مع أهلک فأطعم الناس و دخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال مع أهله خدیجة فأقر اللّه عینه و فرح أبو طالب فرحا شدیدا و قال الحمد للّه الذی اذهب عنا الکروب و دفع عنا الهموم و عاشت خدیجة بعد النکاح اربعا و عشرین سنة و خمسة اشهر و ثمانیة ایام و قیل خمس عشرة سنة قبل الوحی و الباقیة بعده و ولدت للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أولاده کلهم الا ابراهیم فانه من ماریة القبطیة و ستجی‌ء وفاة خدیجة فی الموطن الخامس من حوادث السنة العاشرة من النبوّة*

(ذکر تزوّجه علیه السلام أمّهات المؤمنین‌

و عددهنّ اجمالا و سیجی‌ء تفضیل کل منهنّ فی محله ان شاء اللّه تعالی)* قال المحب الطبری فی السمط الثمین فی مناقب أمّهات المؤمنین جملة المشهورات المتفق علیهنّ احدی عشرة امرأة ست من قریش و أربع عربیات و واحدة غیر عربیة من بنی اسرائیل من سبط هارون ابن عمران تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أوّلا خدیجة بنت خویلد بن أسد بن عبد العزی ابن قصی بن کلاب بن مرّة بن کعب بن لؤیّ القرشیة الاسدیة أمّها فاطمة بنت زائدة بن الاصم و هی سیدة النساء و أسبقها نکاحا و اسلاما و قد سبق ذکر تزوّجها و صداقها قریبا و لا خلاف فی ان أوّل امرأة تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خدیجة و لم یتزوّج قبلها و لا علیها حتی ماتت و اختلفوا فی ترتیب البواقی مع الاتفاق علی نکاح جملتهنّ* و فی المواهب اللدنیة و خرج الامام أحمد عن ابن عباس انه صلّی اللّه علیه و سلم قال أفضل نساء أهل الجنة خدیجة بنت خویلد و فاطمة بنت محمد و مریم ابنة عمران و آسیة امرأة فرعون قال شیخ الاسلام زکریا الانصاری فی بهجة الحاوی و أفضلهنّ خدیجة و عائشة و فی أفضلهما خلاف صحح ابن العماد تفضیل خدیجة لما ثبت أنه صلّی اللّه علیه و سلم قال لعائشة حین قالت له قد رزقک اللّه خیرا منها لا و اللّه ما رزقنی اللّه خیرا منها آمنت بی حین کذبنی الناس و أعطتنی مالها حین حرمنی الناس و سئل ابن داود أیهما أفضل فقال عائشة أقرأها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم السلام من جبریل و خدیجة أقرأها جبریل من ربها السلام علی لسان محمد فهی أفضل قیل له فمن أفضل خدیجة أم فاطمة قال ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال فاطمة بضعة منی فلا أعدل ببضعة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أحدا و یشهد له قوله صلّی اللّه علیه و سلم أ ما ترضین أن تکونی سیدة نساء أهل الجنة الا مریم و احتج من فضل عائشة بأنها فی الآخرة مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی الدرجة و فاطمة مع علیّ فیها و سئل السبکی عن ذلک قال الذی نختاره و ندین اللّه به أن فاطمة بنت محمد أفضل ثم أمّها خدیجة ثم عائشة و أما خبر الطبرانی خیر نساء العالمین مریم ابنة عمران ثم خدیجة بنت خویلد ثم فاطمة بنت محمد ثم آسیة امرأة فرعون فأجاب عنه ابن العماد بأن خدیجة انما فضلت فاطمة باعتبار الامومة لا باعتبار السیادة و اختار السبکی ان مریم أفضل من خدیجة لهذا الخبر و للاختلاف فی نبوّتها* قال القونوی فی شرح عقیدة الطحاوی لا بدّ و أن یکون الرسول ذکر اخلافا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:266
للاشعری فانه یجوّز ذلک للنساء* قال ابن حجر و من النساء من نبئ و هنّ ست حوّاء و سارة و هاجر و مریم و أمّ موسی و آسیة امرأة فرعون* و فی قصیدة بدء الامالی* و ما کانت نبیا قط انثی و فی شرحها و قد وقع الاختلاف فی نبوّة أربع نسوة مریم و آسیة و سارة و هاجر و الصحیح عدم نبوّتهنّ و من قال ان مریم کانت نبیا فقد ردّ قوله* و فی أنوار التنزیل الاجماع علی أنه لم تستنبأ امرأة لقوله تعالی و ما أرسلنا من قبلک الا رجالا الآیة انتهی* و قال أبو أمامة بن النقاش ان سبق خدیجة و تأثیرها فی أوّل الاسلام و موازرتها و نصرتها و قیامها للّه بمالها و نفسها لم یشرکها فیه أحد لا عائشة و لا غیرها من أمّهات المؤمنین و تأثیر عائشة فی آخر الاسلام و حمل الدین و تبلیغه الی الامّة و ادراکها من الامّة لم یشرکها فیه أحد لا خدیجة و لا غیرها مما تمیزت به عن غیرها* و تزوّج عائشة بنت أبی بکر ابن أبی قحافة القرشیة بمکة و هی بنت ست سنین و قیل سبع و دخل بها فی المدینة و هی بنت تسع و قیل عشر سنین و کان مولدها سنة أربع من النبوّة قاله مغلطای و غیره کذا فی المواهب اللدنیة و أمّها أمّ رومان بنت عامر بن عویمر و تکنی عائشة أمّ عبد اللّه بعبد اللّه بن الزبیر ابن اختها أسماء بنت أبی بکر و هو الصحیح* و یروی أنها أسقطت من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سقطا و لم یثبت زوّجها منه أبوها و أصدقها أربعمائة درهم و کانت أحب نساء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کانت اذا هوت الشی‌ء تابعها علیه و فقدها علیه السلام فی بعض أسفاره فقال وا عروساه خرجه أحمد کذا فی المواهب اللدنیة و سودة بنت زمعة بن قیس بن عبد شمس القرشیة أمّها شموس بنت قیس بن زید زوّجه ایاها سلیط ابن عمرو و یقال أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس و أصدقها أربعمائة درهم و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تحت ابن عم لها یقال له سکران بن عمرو تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بمکة بعد موت خدیجة قبل أن یعقد صلّی اللّه علیه و سلم علی عائشة هذا قول قتادة و أبو عبیدة و لم یذکر ابن قتیبة غیره و قال عبد اللّه بن محمد بن عقیل تزوّجها بعد عائشة روی القولان عن ابن شهاب* و حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفیل القرشیة أمّها زینب بنت مظعون بن حبیب زوّجها أبوها و أصدقها أربعمائة درهم و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تحت حبیش بن حذافة السهمی فهاجرت معه الی المدینة فمات بها عنها بعد الهجرة عند مقدم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من بدر فخلف علیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و زینب بنت خزیمة بن الحارث العربیة الهلالیة و کانت اخت میمونة بنت الحارث لامّها زوّجه ایاها قبیصة بن عمرو الهلالی و أصدقها أربعمائة درهم و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تحت عبد اللّه بن جحش قتل یوم أحد و قیل یوم بدر کما سیجی‌ء* و أمّ سلمة هند و قیل رملة و الاوّل أصح بنت أبی أمیة سهیل و یعرف بزاد الراکب القرشیة امّها عاتکة بنت عامر بن ربیعة بن مالک بن خزیمة بن علقمة بن فراس و من قال عاتکة بنت عبد المطلب فجعلها بنت عمة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقد أخطأ و انما هی بنت زوجها و أخواها لابیها عبد اللّه و زهیرا بنا عمة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کانت أمّ سلمة من أجمل النساء خرجه أبو جهم العلاء الباهلی* و قال أبو عمرو تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أمّ سلمة سنة اثنتین بعد وقعة بدر عقد علیها فی شوّال و بنی بها فی شوّال و اللّه أعلم و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند ابی سلمة بن عبد الاسد و أمّه عمة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم برّة بنت عبد المطلب فولدت له سلمة و عمرا و رقیة و زینب ذکره ابن اسحاق و سیجی‌ء تفصیل نکاحها و وفاتها و ذکر أولادها فی الموطن الرابع زوّجه ایاها ابنها سلمة و أصدقها فراشا حشوه لیف و قدحا و صحفة و مجشة و ذکر الملا فی سیرته أن ابنها حال تزویجها کان غلاما لم
یبلغ و لا أراه یصح و اللّه تعالی أعلم و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند أبی سلمة بن عبد الاسد* و زینب بنت جحش بن رباب العربیة أمّها أمیمة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:267
بنت عبد المطلب کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زوّجها من زید بن حارثة فلما طلقها زید تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سنة خمس من الهجرة و قیل سنة ثلاث زوّجه ایاها أخوها ابو أحمد ابن جحش و أصدقها اربعمائة درهم* و جویریة بنت الحارث بن ابی ضرار الخزاعیة المصطلقیة العربیة قال ابن هشام اشتراها صلّی اللّه علیه و سلم من ثابت بن قیس و اعتقها و تزوّجها و أصدقها أربعمائة درهم و یقال أسلم أبوها و زوّجه ایاها و أصدقها أربعمائة درهم* و أمّ حبیبة رملة بنت أبی سفیان صخر بن حرب بن أمیة بن عبد شمس القرشیة الامویة أمّها صفیة بنت ابی العاص عمة عثمان بن مظعون زوّجه ایاها خالد بن سعید بن العاص بالحبشة و أصدقها النجاشی عنه أربعمائة دینار و هو الذی خطبها علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند عبید اللّه بن جحش* وصفیة بنت حیی بن اخطب الغیر العربیة من بنی اسرائیل من سبط هارون بن عمران من بنی النضیر امّها برّة بنت شمول و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند سلام بن مشکم و کان شاعرا ثم خلف علیها کنانة ابن أبی الحقیق و کان شاعرا أیضا قتل یوم خیبر ثم تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی سنة سبع من الهجرة و کانت من سبایا خیبر اصطفاها لنفسه و جعل عتقها صداقها* و میمونة بنت الحارث العربیة الهلالیة أمّها هند بنت عوف بن زهیر کان اسمها برّة سماها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم میمونة و هی خالة ابن عباس و خالد بن الولید و اخواتها أمّ الفضل لبابة الکبری زوج العباس بن عبد المطلب أمّ عبد اللّه بن عباس و لبابة الصغری زوج الولید بن المغیرة المخزومی أمّ خالد بن الولید و عصماء بنت الحارث کانت تحت أبی بن خلف الجمحی فولدت له أبا أبی و عزة بنت الحارث کانت تحت زیاد بن عبد اللّه بن مالک الهلالی فهؤلاء اخواتها لابیها و اخواتها لامّها اسماء بنت عمیس کانت تحت جعفر بن أبی طالب فولدت له عبد اللّه و محمدا و عونا ثم خلف علیها ابو بکر فولدت له محمدا ثم خلف علیها علیّ فولدت له یحیی و سلمی بنت عمیس اخت اسماء کانت تحت حمزة بن عبد المطلب فولدت له امة اللّه بنت حمزة ثم خلف علیها شدّاد بن اسامة بن الهادی اللیثی فولدت له عبد اللّه و عبد الرحمن و سلامة بنت عمیس اخت اسماء کانت تحت عبد اللّه بن کعب بن منبه الخثعمی و زینب بنت خزیمة زوج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ذکر جمیعه ابو عمرو* و کان یقال اکرم عجوز فی الارض أصهارا هند بنت عوف أصهارها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ابو بکر الصدّیق و حمزة و العباس ابنا عبد المطلب و جعفر و علی ابنا أبی طالب و شدّاد بن الهادی ذکره ابو سعید فی شرف النبوّة کذا فی السمط الثمین زوّجه ایاها العباس بن عبد المطلب و أصدقها العباس عنه اربعمائة درهم* هذا ما نقله ابن اسحاق من انّ صداقه صلی اللّه علیه و سلم لاکثر نسائه اربعمائة درهم و قد روی مسلم عن عائشة قالت کان صداق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لاکثر نسائه اثنتی عشرة اوقیة و نشا قالت أ تدری ما النش قلت لا قالت نصف اوقیة فذلک خمسمائة درهم فذاک صداق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لازواجه و هذا اولی بالصحة لانه متفق علی صحته و لان راویه معه زیادة علم کذا فی السمط الثمین* و ماتت خدیجة و زینب بنت خزیمة فی حیاته و توفی صلّی اللّه علیه و سلم عن التسع البواقی بلا خلاف و عن أمّ ولد هی ماریة بنت شمعون القبطیة أمّ ابراهیم و قد ذکر أنه صلّی اللّه علیه و سلم تزوّج نسوة غیر من تقدّم ذکره و جملتهنّ اثنتا عشرة امرأة* الاولی الواهبة نفسها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و اختلف من هی فقیل أمّ شریک القرشیة العامریة اسمها غزیة بضم الغین المعجمة و فتح الزای و تشدید المثناة التحیّة بنت داود کذا فی المواهب اللدنیة* و فی بعض الکتب بنت دودان و قیل بنت جابر بن عوف من بنی عامر بن لؤیّ و کان ذلک بمکة و کانت قبله صلّی اللّه علیه و سلم تحت ابی العسکر بن تمیم بن الحارث الازدی فولدت له شریکا و قیل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:268
کانت تحت الطفیل بن الحارث فولدت له شریکا و الاوّل اصح و طلقها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و اختلف فی دخوله بها و قیل هی أمّ شریک غزیة الانصاریة من بنی النجار* قال ابو عمرو الصواب غزیلة و قد عدّها احمد بن صالح المصری فی ازواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هذا ما ذکره ابو عمرو و ما خلا الطلاق فحکاه الفضائلی الرازی* و قال صاحب الصفوة هی أمّ شریک غزیة بنت جابر الدوسیة قال و الاکثرون علی انها هی التی وهبت نفسها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلم یقبلها فلم تتزوّج حتی ماتت و عن ابن عباس وهبت نفسها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بغیر مهر فقبلها و دخل علیها خرجه فی الصفوة و ذکر ابن قتیبة فی المعارف عن أبی الیقظان قال ابن الواهبة نفسها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خولة بنت حکیم السلمی و یجوز أن تکونا و هبتا انفسهما من غیر تضادّ* عن عروة بن الزبیر قال کانت خولة بنت حکیم من اللائی وهبن أنفسهنّ للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالت عائشة أ ما تستحیی المرأة ان تهب نفسها للرجل فلما نزلت ترجئ من تشاء منهنّ و تؤوی إلیک الآیة قالت عائشة یا رسول اللّه ما أری ربک الا یسارع فی هواک رواه الشیخان و هذه خولة هی زوجة عثمان بن مظعون و یجوز أن یکون وقع منها ذلک قبل عثمان و کذلک حکاه الفضائل الرازی قال فلما ارجأها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تزوّجها عثمان و یجوز أن یکون وقع ذلک منها بعد وفاته* و فی الکشاف و غیره من التفاسیر اختلف فی انه هل اتفق أن تهب امرأة نفسها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لم تطلب مهرا أم لا عن ابن عباس لم یکن عنده أحد منهنّ* و آیة و امرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبیّ بیان حکم فی المستقبل و القائل باتفاق ذلک ذکر أربعا میمونة بنت الحارث و زینب بنت خزیمة الانصاریة و أمّ شریک بنت جابر و خولة بنت حکیم* الثانیة خولة بنت الهذیل بن هبیرة تزوّجها صلّی اللّه علیه و سلم فیما ذکره الجرجانی فی النسابة و هلکت فی الطریق قبل وصولها إلیه ذکره أبو عمرو و أبو سعید* الثالثة عمرة بنت یزید ابن الجون بفتح الجیم الکلابیة ثم الوحیدیة و قیل عمرة بنت یزید بن عبید بن أوس بن کلاب الکلابیة* قال أبو عمرو هذا اصح تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتعوّذت منه حین أدخلت علیه فقال لها لقد عذت بمعاذ فطلقها و أمر صلّی اللّه علیه و سلم اسامة بن زید فمتعها بثلاثة أثواب* قال أبو عمرو هکذا روی عن عائشة رضی اللّه عنها و قال قتادة کان ذلک فی امرأة من بنی سلیم و قال أبو عبیدة انما ذلک لاسماء بنت النعمان بن الجون و هکذا ذکره ابن قتیبة و سیأتی ان شاء اللّه تعالی و قال فی عمرة هذه ان أباها وصفها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم قال و أزیدک انها لم تمرض قط فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما لهذه عند اللّه من خیر ثم طلقها* و فی المنتقی قال عمرة هذه بنت القرطاء و قیل انه تزوّجها فقال أبوها ذلک فطلقها و لم یبن بها* الرابعة أسماء بنت النعمان بن الجون بفتح الجیم ابن شراحیل* و فی المنتقی و قیل أمیمة بنت النعمان بن شراحیل و قیل بنت النعمان بن الاسود بن الحارث بن شراحیل من کندة و أجمعوا علی أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تزوّجها و اختلفوا فی قصة فراقه صلّی اللّه علیه و سلم لها فقال قتادة و أبو عبیدة انه صلّی اللّه علیه و سلم لما دعاها قالت تعال أنت و أبت أن تجی‌ء* و قال بعضهم قالت أعوذ باللّه منک فقال صلّی اللّه علیه و سلم قد عذت بمعاذ و قد أعاذک اللّه منی* و فی المنتقی أعذتک الحقی باهلک و عن عائشة رضی اللّه عنها قال ان ابنة الجون لما دخلت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و دنا منها قالت أعوذ باللّه منک فقال صلّی اللّه علیه و سلم لقد عذت بعظیم الحقی بأهلک أخرجه البخاری و قیل ان نساءه صلّی اللّه علیه و سلم علمنها ذلک فانها کانت من أجمل النساء فخفن أن تغلبهنّ علیه فقلن لها انه یحب اذا دنا منک أن تقولی أعوذ باللّه منک فلما دنا منها قالت أعوذ باللّه منک فقال صلّی اللّه علیه و سلم قد عذت بمعاذ و
طلقها ثم سرحها الی أهلها و کانت تسمی نفسها الشقیة* و قال الجرجانی قلن لها اذا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:269
أردت أن تحظی عنده تعوّذی باللّه منه فقالت ذلک فصرف وجهه صلّی اللّه علیه و سلم عنها و قال لها الحقی بأهلک فخلف علیها المهاجر بن أبی أمیة المخزومی فأراد عمر رضی اللّه عنه أن یحدّها فقالت لم یدخل بی و أقامت له البینة علی ذلک ثم خلف علیها قیس بن مکشوح المرادی* و قال أبو الیقظان فیما حکاه ابن قتیبة لما دخل علیها قال لها هبی لی نفسک قالت و هل تهب الملیکة نفسها للسوقة فأهوی بیده لیضعها علیها لتسکن فقالت أعوذ باللّه منک فقال صلّی اللّه علیه و سلم لقد عذت بمعاذ ثم سرّحها و متعها و قیل المتعوّذة امرأة غیرها* قال أبو عبیدة و یجوز أن تکونا تعوّذتا منه صلّی اللّه علیه و سلم و قال آخرون کان بأسماء وضح فقال الحقی بأهلک* قال ابن شهاب فارق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أخت بنی الجون من أجل بیاض کان بها* قال أبو عمرو و الاختلاف فی الکندیة کثیر جدّا و قد قیل فی اسمها أمیة و لم یذکر ابن قتیبة غیره و قیل أمامة و الوجهان حکاهما أبو عمرو* الخامسة ملیکة بنت کعب اللیثیة قال أبو سعید و لما دخل صلّی اللّه علیه و سلم علیها قال لها هبی لی نفسک القصة المتقدّمة آنفا الی آخرها عن ابن قتیبة و حکاها أبو سعید فی هذه و الاصح أنها تعوّذت من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ففارقها قبل أن یدخل بها و قیل دخل بها و ماتت عنده حکاه الفضائلی و الاوّل أصح* السادسة فاطمة بنت الضحاک بن سفیان الکلابی تزوّجها صلّی اللّه علیه و سلم بعد وفاة ابنته زینب و خیرها حین نزلت آیة التخییر فاختارت الدنیا ففارقها صلّی اللّه علیه و سلم فکانت بعد ذلک تلتقط البعر و تقول هی الشقیة اختارت الدنیا هکذا رواه ابن اسحاق* قال أبو عمرو و هذا عندنا غیر صحیح لان ابن شهاب یروی عن عروة عن عائشة قالت ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حین خیرت أزواجه بدأ بها فاختارت اللّه و رسوله و تابع أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی ذلک* و قال قتادة و عکرمة کان عنده صلّی اللّه علیه و سلم عند التخییر تسع نسوة و هنّ اللواتی توفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عنهنّ و قد قیل ان الضحاک بن سفیان عرض علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابنته و قال انها لم تصدع قط فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا حاجة لی بها و قیل انه صلّی اللّه علیه و سلم تزوّجها سنة ثمان ذکر ذلک کله أبو عمرو و أبو سعید و بعضه عند ابن قتیبة* و فی المنتقی و قیل انها هی التی قالت أعوذ باللّه منک فقال صلّی اللّه علیه و سلم قد عذت بمعاذ* السابعة غالیة بنت ظبیان بن عمر بن عوف الکلابیة تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کانت عنده ما شاء اللّه تعالی ثم طلقها و قلّ من ذکرها ذکر ذلک أبو عمرو و قال أبو سعید طلقها صلّی اللّه علیه و سلم حین أدخلت علیه* الثامنة قتیلة بضم القاف و فتح المثناة الفوقیة و سکون المثناة التحتیة بنت قیس بن معدی کرب الکندیة اخت الاشعث بن قیس الکندی و یقال قیلة و الصواب قتیلة زوّجه ایاها أخوها فی سنة عشر ثم انصرف الی حضر موت فحملها و قبض صلّی اللّه علیه و سلم فی سنة احدی عشرة قبل قدومها علیه من بلدها حضر موت و قبل خروجها من الیمن و قبل دخوله بها قاله الجرجانی و قیل تزوّجها صلّی اللّه علیه و سلم قبل وفاته بشهرین قال قائلون ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قبل وفاته بشهرین أوصی بأن تخیر فان شاءت ضرب علیها الحجاب فکانت من أمّهات المؤمنین و ان شاءت الفراق فلتنکح من شاءت فاختارت النکاح فتزوّجها عکرمة بن أبی جهل بحضر موت فبلغ ذلک أبا بکر فقال هممت أن أحرق علیها بیتها فقال له عمر ما هی من أمّهات المؤمنین ما دخل بها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لا ضرب علیها الحجاب* و قال بعضهم لم یوص فیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بشی‌ء و لکنها ارتدت حین ارتد أخوها و بذلک احتج عمر علی أبی بکر انها لیست من امّهات المؤمنین بارتدادها و لم تلد لعکرمة و فیها اختلاف کثیر ذکر ذلک کله أبو عمرو و بعضه أبو سعید و الفضائلی الرازی التاسعة سبأ بنت أبی الصلت السلمیة تزوّجها رسول الله
صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:270
و مات قبل أن یدخل بها* و قال ابن اسحاق طلقها صلّی اللّه علیه و سلم قبل أن یدخل بها حکاهما أبو عمرو و لم یحک أبو سعید غیر الاوّل العاشرة شراف بفتح الشین و تخفیف الراء و بالفاء بنت خلیفة الکلبیة اخت دحیة الکلبی تزوّجها صلّی اللّه علیه و سلم فهلکت قبل دخوله بها ذکره أبو عمرو و غیره و فی المنتقی أساف مکان شراف الحادیة عشر خولة بنت حکیم الانصاریة الاوسیة التی وهبت نفسها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ذکرها أحمد بن صالح المصری فی أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* قال أبو عمرو و لم یذکرها غیره فیما علمت* و قال أبو سعید و الفضائلی لیلی بنت خطیم الانصاریة بفتح الخاء المعجمة و کسر الطاء المهملة أخت قیس تزوّجها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کانت غیورا فاستقالته صلی اللّه علیه و سلم فأقالها فأکلها الذئب و قیل هی التی وهبت نفسها له صلّی اللّه علیه و سلم* و فی المنتقی لیلی بنت الخطیم الانصاریة ضربت ظهره صلّی اللّه علیه و سلم فقال علیه السلام أکلک الاسد ثم تزوّجها فقالت أقلنی فأقالها فأکلها الذئب الثانیة عشر امرأة من غفار تزوّجها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فرأی بکشحها بیاضا فقال الحقی بأهلک و لم یأخذ صلّی اللّه علیه و سلم مما آتاها شیئا خرجه أحمد* و فی المنتقی عمرة بنت یزید رأی بها بیاضا فقال دلستم علیّ فردّها فهؤلاء جملة من ذکر من أزواجه علیه السلام و فارقهنّ فی حیاته بعضهنّ قبل الدخول و بعضهنّ بعده علی ما قرّرناه فیکون جملة من عقد صلّی اللّه علیه و سلم علیهنّ ثلاثا و عشرین امرأة دخل صلّی اللّه علیه و سلم ببعضهنّ دون بعض مات عنده صلّی اللّه علیه و سلم منهنّ بعد الدخول خدیجة بنت خویلد و زینب بنت خزیمة رضی اللّه عنهما و ماتت منهنّ قبل الدخول اثنتان اخت دحیة و بنت الهذیل باتفاق و اختلف فی ملیکة و سبأ هل ماتتا أو طلقهما مع الاتفاق علی انه صلّی اللّه علیه و سلم لم یدخل بهما و فارق صلّی اللّه علیه و سلم بعد الدخول باتفاق بنت الضحاک و بنت ظبیان و قبل الدخول باتفاق عمرة و أسماء الغفاریة و اختلف فی أمّ شریک هل دخل صلّی اللّه علیه و سلم بها مع الاتفاق علی الفرقة و المستقیلة التی جهل حالها فالمفارقات باتفاق سبع و اثنتان علی خلف و المیتات فی حیاته باتفاق أربع و مات صلّی اللّه علیه و سلم عن عشر واحدة لم یدخل بها و ذکر أبو سعید فی شرف النبوّة ان جملة أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم احدی و عشرون امرأة طلق منهنّ ستا و ماتت عنده خمس و توفی عن عشر واحدة لم یدخل بها و کان یقسم لتسع فی الصحیحین عن ابن عباس انه علیه السلام کان یقسم لثمان و لا یقسم لواحدة* قال عطاء هی صفیة بنت حیی بن أخطب و لقوله تعالی ترجئ من تشاء منهنّ و تؤوی إلیک من تشاء ترجئ بهمزة و بغیر همزة تؤخر و تؤوی تضم یعنی تترک مضاجعة من تشاء و تضاجع من تشاء* روی انه أرجی منهنّ سودة و جویریة و صفیة و میمونة و أمّ حبیبة و کان یقسم لهنّ ما شاء کما شاء و کانت ممن آوی إلیه عائشة و حفصة و أمّ سلمة و زینب أرجی خمسا و آوی أربعا کذا فی الکشاف و کذا ذکره المنذری*

(ذکر من خطب صلّی اللّه علیه و سلم من النساء و لم یعقد علیهنّ)

* و قد روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم خطب عدّة نسوة الاولی منهن امرأة من بنی مرّة بن عوف ابن سعد بن دینار* قال أبو الیقظان خطبها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی أبیها فقال ان بها برصا و هو کاذب فرجع فوجدها برصاء و یقال ان ابنها شبیب بن البرصاء بن الحارث بن عوف المزنی ذکره ابن قتیبة کما قاله الطبری و عند ابن الاثیر فی جامع الاصول عمرة بنت الحارث بن عوف خطبها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال أبوها ان بها سوءا و لم یکن بها سوء فرجع إلیها أبوها و قد برصت و یقال هی أمّ شبیب بن البرصاء الشاعر الثانیة امرأة قرشیة یقال لها سودة خطبها صلّی اللّه علیه و سلم و کانت مصبیة فقالت أخاف ان تضغو صبیتی أی یصیحوا و یبکوا عند رأسک فدعا صلّی اللّه علیه و سلم لها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:271
و ترکها الثالثة امراة تدعی صفیة بنت بشامة بفتح الموحدة و تخفیف الشین المعجمة و کان صلّی اللّه علیه و سلم أصابها فی سبی فخیرها بین نفسه الکریمة و بین زوجها فاختارت زوجها الرابعة لم یذکر اسمها قیل انه صلّی اللّه علیه و سلم خطبها فقالت أستأمر أبی فلقیت أباها فأذن لها فعادت الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال لها قد التحفنا غیرک الخامسة أمّ هانئ فاختة او هند علی اختلاف فی اسمها بنت أبی طالب اخت علیّ خطبها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالت انی امرأة مصبیة و اعتذرت إلیه فعذرها صلّی اللّه علیه و سلم* و عن أبی صالح عن أمّ هانئ بنت أبی طالب قالت خطبنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فاعتذرت إلیه فعذرنی فأنزل اللّه تعالی انا أحللنا لک ازواجک اللاتی آتیت أجورهنّ و ما ملکت یمینک مما افاء اللّه علیک و بنات عمک و بنات عماتک و بنات خالک و بنات خالاتک اللاتی هاجرن معک و امرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبیّ الآیة قالت فلم أکن أحل له لانی لم أهاجر کنت من الطلقاء خرجه الترمذی* و فی روایة عند غیره عن ابی صالح عن أمّ هانئ قالت نزلت هذه الآیة فأراد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان یتزوّجنی فنهی عنی لانی لم اهاجر السادسة ضباعة بالضاد المعجمة و تخفیف الموحدة و بالعین المهملة بنت عامر بن قرط بضم القاف و سکون الراء و بالطاء المهملة ابن سلمة خطبها صلّی اللّه علیه و سلم الی ابنها سلمة بن هاشم فقال حتی أستأمرها فقیل للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انها قد کبرت فلما عاد و قد أذنت له سکت عنها صلّی اللّه علیه و سلم و لم ینکحها ذکر الخمس الفضائلی الرازی قال و عرض علیه صلّی اللّه علیه و سلم اثنتان فامتنع لقیام مانع و أمامة بنت حمزة و هی السابعة فقال صلّی اللّه علیه و سلم هی ابنة أخی من الرضاعة و عزة بنت أبی سفیان و هی الثامنة عرضتها اختها أمّ حبیبة علیه صلّی اللّه علیه و سلم فقال لا تحل لی لمکان أختها أمّ حبیبة هذا یضادّ ما مرّ فی خصائصه صلّی اللّه علیه و سلم فی الفصل الثانی من الطلیعة الثالثة من اختصاصه باباحة الجمع بین المرأة و أختها* و فی المواهب اللدنیة و قیل تزوّج صلّی اللّه علیه و سلم الجندعیة بضم الجیم و سکون النون و ضم الدال و بالعین المهملة امرأة من جندع و هی ابنة جندب بن ضمرة و لم یدخل بها و أنکره بعض الرواة فهؤلاء النساء اللاتی ذکر انه صلّی اللّه علیه و سلم تزوّجهنّ أو خطبهنّ أو دخل بهنّ أو لم یدخل بهنّ أو عرضن علیه و اللّه أعلم*

(ذکر سراریه)

* قال أبو عبیدة کان له صلّی اللّه علیه و سلم سراری أربع ماریة القبطیة و ریحانة و جاریة أخری وهبتها له صلّی اللّه علیه و سلم زینب بنت جحش و أخری جمیلة أصابها صلّی اللّه علیه و سلم فی بعض السبی فأما ماریة القبطیة بنت شمعون بالشین المعجمة فأهداها له صلّی اللّه علیه و سلم المقوقس القبطی صاحب الاسکندریة و مصر و هی من انصنا قریة من اعمال مصر ذکره فی فتوح مصر و المقوقس ملک انصنا* قال ابن لهیعة ماریة من حفن من کورة انصنا کذا فی سیرة ابن هشام و اهدی معها أختها سیرین بکسر السین المهملة و سکون المثناة التحتیة و کسر الراء و بالیاء الساکنة و بالنون آخرها و خصیا یقال له مأبور و ألف مثقال ذهبا و عشرین ثوبا من قباطی مصر و بغلة شهباء و هی دلدل و حمارا أشهب و هو عفیر و یقال یعفور و عسلا من عسل بنها فأعجب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و دعا فی عسل بنها بالبرکة* قال ابن الاثیر بنها بکسر الباء و سکون النون قریة من قری مصر بارک النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی عسلها و الناس الیوم یفتحون الباء کذا فی المواهب اللدنیة فوهب صلّی اللّه علیه و سلم سیرین لحسان بن ثابت و هی أمّ عبد الرحمن بن حسان و أما ماریة فاستولدها صلّی اللّه علیه و سلم فولدت له ابراهیم فقال صلّی اللّه علیه و سلم أعتقها ولدها فتوفیت ماریة فی خلافة عمر سنة ست عشرة و دفنت بالبقیع و کان عمر یحشر الناس بنفسه لشهود جنازتها و صلّی علیها و أما ریحانة فهی ابنة شمعون بن زید من بنی قریظة و قیل من بنی النضیر و الاوّل أظهر و ماتت قبل وفاة النبیّ صلّی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:272
علیه و سلم مرجعه من حجة الوداع سنة عشر و دفنت بالبقیع و کان صلّی اللّه علیه و سلم سباها و وطئها بملک الیمین و قیل أعتقها و تزوّجها فی سنة ست و لم یذکر ابن الاثیر غیره و کانت قبله تحت رجل من بنی قریظة فسباها و تزوّج بها و قال الزهری استسرّها ثم أعتقها فلحقت بأهلها ذکر ذلک کله أبو عمرو و صاحب الصفوة الرازی و أما المسبیة و الموهوبة فذکرهما صاحب الصفوة و الفضائلی و لم یذکرا من أخبارهما شیئا و اللّه أعلم و فضلت زوجاته صلّی اللّه علیه و سلم علی النساء و ثوابهنّ و عقابهنّ مضاعفان و لا یحل سؤالهنّ الا من وراء حجاب و أزواجه أمّهات المؤمنین سواء من مات عنها أو ماتت عنه و هی تحته فی تحریم نکاحهنّ و وجوب احترامهنّ لا فی نظرة و لا فی خلوة و لا یقال بناتهنّ أخوات المؤمنین و لا آباؤهنّ و لا أمّهاتهنّ اجداد و جدّات و لا اخوتهنّ و لا أخواتهنّ أخوال و خالات کذا فی المواهب اللدنیة* و فی سیرة مغلطای زوجاته اللاتی عقد علیهنّ أو خطبهنّ أو عرضن علیه و لم یدخل بهنّ أسماء بنت الصلت السلمیة و أسماء بنت النعمان و قیل بنت الاسود الکندیة و عمرة بنت الحارث المزنیة و أمامة و یقال عمارة بنت حمزة و آمنة بنت الضحاک بن سفیان و أمیمة بنت شراحیل و حبیبة بنت سهل و حمدة بنت الحارث و خولة بنت حکیم و یقال خویلة السلمیة و خویلة بنت هذیل الثعلبیة و سلمی بنت نجدة اللیثیة و سناء بنت سفیان الکلابیة و سناء بنت الصلت السلمیة* و فی تاریخ أمراء خراسان للسلامی سناء بنت أسماء السلمیة عمة عبد اللّه ابن حازم أمیر خراسان تزوّج بها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلما سمعت بذلک ماتت فرحا انتهی و سودة القرشیة و شرافة بنت خلیفة الکلبیة وصفیة بنت بشارة بن نضلة و ضباعة بنت عامر و الغالیة بنت ظبیان و عمرة بنت یزید الکلابیة و عمرة بنت معاویة الکندیة و غزیة بنت حکیم العامریة و فاختة بنت أبی طالب و فاطمة بنت شریح و فاطمة بنت الضحاک الکلابیة و قیلة بنت قیس بن معدی کرب و قتیلة بنت الحارث الشاعرة و لیلی بنت الخطیم و لیلی بنت حکیم و ملیکة بنت داود و ملیکة بنت کعب* و قال الواقدی دخل بها و توفیت عنده فی شهر رمضان سنة ثمان و هند بنت یزید و أم حبیب ابنة عمة العباس و نعامة العنبریة و أمّ شریک الانصاریة و أمّ شریک الغفاریة*

(ذکر أولاده صلّی اللّه علیه و سلم و کمیتهم و موالیدهم و ما اتفق علیه منهم و ما اختلف فیه)

* و جملة ما اتفق علیه ستة ابنان القاسم و ابراهیم و أربع بنات زینب و رقیة و أمّ کلثوم و لا یعرف لها اسم و انما تعرف بکنیتها و فاطمة و کلهنّ أدرکن الاسلام و هاجرن معه و اختلف فیما سوی هؤلاء قیل لم یکن له صلّی اللّه علیه و سلم سواهم حکاه أبو عمرو و المشهور خلافه* قال ابن اسحاق کان له صلّی اللّه علیه و سلم الطاهر و الطیب أیضا فیکون علی هذا جملتهم ثمانیة أربعة ذکور و أربع اناث* و قال الزبیر بن بکار کان له غیر ابراهیم و القاسم عبد اللّه مات صغیرا بمکة و یقال له الطیب و الطاهر ثلاثة أسماء و هو قول أکثر أهل النسب قاله أبو عمرو* و قال الدّارقطنی و هو الاثبت و سمی بالطیب و الطاهر لانه ولد بعد النبوّة فیکون علی هذا جملتهم سبعة ثلاثة ذکور و کذا قاله ابن الجوزی فی الحدائق و قیل عبد اللّه غیر الطیب و الطاهر حکاه الدّارقطنی و غیره فعلی هذا تکون جملتهم تسعة خمسة ذکور و أربعة اناث و قیل کان له صلّی اللّه علیه و سلم الطیب و المطیب ولدا فی بطن و الطاهر و المطهر ولدا فی بطن ذکره صاحب الصفوة فیکونون علی هذا احد عشر و قیل ولد له صلّی اللّه علیه و سلم ولد قبل المبعث یقال له عبد مناف فیکونون علی هذا اثنی عشر و هذا القائل یقول أولاده کلهم سوی هذا ولدوا فی الاسلام بعد المبعث* و قال ابن اسحاق ولد أولاده کلهم غیر ابراهیم قبل الاسلام و هلک البنون قبل الاسلام و هم یرضعون و قد تقدّم من قول غیره أن عبد اللّه ولد بعد النبوّة فلذلک سمی بالطیب و الطاهر فیحصل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:273
من مجموع الاقوال علی ثمانیة ذکور اثنان متفق علیهما القاسم و ابراهیم و ستة مختلف فیهم عبد مناف و عبد اللّه و الطیب و المطیب و الطاهر و المطهر و الاصح انهم ثلاثة ذکور و أربع بنات متفق علیهنّ و کلهم من خدیجة بنت خویلد الا ابراهیم و عن هشام بن عروة عن أبیه ولدت خدیجة للنبیّ عبد العزی و عبد مناف و القاسم قلت لهشام فأین الطیب و الطاهر فقال هذا ما وضعتم أنتم یا أهل العراق فأما أشیاخنا فقالوا عبد العزی و عبد مناف و القاسم و لا یجعل عبد العزی علی هذه الروایة تاسعا لان رواتها تنفی ما سوی الثلاثة بخلاف ما تقدّم و هذا خرجه أبو الجهم الباهلی و کان أکبر ولده صلّی اللّه علیه و سلم القاسم و به کان صلّی اللّه علیه و سلم یکنی و عاش حتی مشی و قیل عاش سنتین و قال مجاهد مکث سبع لیال ثم هلک ذکره ابن قتیبة و قیل بلغ أن یرکب الدابة و یسیر علی النجیب و مات قبل البعث أو بعده علی الخلاف المتقدّم و هو أوّل من مات من ولده ثم ولد له صلّی اللّه علیه و سلم زینب ثم عبد اللّه ثم أمّ کلثوم ثم فاطمة ثم رقیة و قیل اوّل من ولد له صلّی اللّه علیه و سلم زینب ثم القاسم ثم أمّ کلثوم ثم فاطمة ثم رقیة ثم عبد اللّه و قیل رقیة اکبر من أمّ کلثوم و هو الاشبه لان عثمان تزوّجها أوّلا فی اوّل اسلامه ثم أمّ کلثوم بعدها بعد وقعة بدر و الظاهر ان الکبیرة تزوّج اوّلا و ان جاز خلافه و الاکثر علی أن فاطمة اصغرهنّ سنا و لا خلاف ان زینب اکبرهنّ سنا قاله ابو عمرو*

(ذکر زینب رضی اللّه عنها)

اشارة

* قد تقدّم انها اکبر بناته صلّی اللّه علیه و سلم بلا خلاف الا ما لا یصح و انما الخلاف فیها و فی القاسم أیهما ولد أوّلا قال ابن اسحاق سمعت عبد اللّه بن محمد بن سلیمان یقول ولدت زینب بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی سنة ثلاثین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم و ادرکت الاسلام و اسلمت و هاجرت و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم محبا لها*

(ذکر من تزوّجها)

* و کان تزوّجها ابن خالتها ابو العاص ابن الربیع بن عبد العزی بن عبد شمس بن عبد مناف فی الجاهلیة و اسمه لقیط و علیه الاکثر و قیل هشیم و قیل مهشم و فی المنتقی اسمه القاسم أمّه هالة بنت خویلد اخت خدیجة لابیها و امّها قاله الدّارقطنی فخدیجة خالته و عن عائشة قالت کان أبو العاص من رجال مکة المعدودین مالا و تجارة و أمانة فقالت خدیجة لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زوّجه و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا یخالفها و ذلک قبل أن ینزل علیه الوحی فزوّجه زینب فلما أکرم اللّه نبیه بنبوّته آمنت خدیجة و بناته فلما نادی قریشا بأمر اللّه تعالی أتوا أبا العاص بن الربیع فقالوا له فارق صاحبتک و نحن نزوّجک بأی امرأة شئت من قریش فقال لا و اللّه لا أفارق صاحبتی و ما یسرّنی ان لی بامرأتی أفضل امرأة من قریش و عن عائشة قالت کان الاسلام فرق بین زینب و بین أبی العاص الا أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا یقدر أن یفرق بینهما و کان مغلوبا بمکة*

(ذکر هجرتها)

* عن عروة بن الزبیر عن عائشة ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لما قدم المدینة خرجت ابنته زینب من مکة مع کنانة أو ابن کنانة ترید المدینة فخرجوا فی اثرها فأدرکها هبار بن الاسد فجعل یطعن بعیرها برمحه حتی صرعها فألقت ما فی بطنها و أهریقت دما و سیجی‌ء فی غزوة بدر فاشتجر فیها بنو هاشم و بنو أمیة فقالت بنو هاشم نحن أحق بها و قالت بنو أمیة نحن أحق بها لکونها تحت ابن عمهم أبی العاص فکانت عند هند فکانت تقول لها هذا فی سبب أبیک فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لزید بن حارثة أ لا تنطلق فتجیئنی بزینب قال بلی یا رسول اللّه قال فخذ خاتمی فأعطها فانطلق زید فلم یزل یتلطف حتی لقی راعیا فقال لمن ترعی قال لابی العاص فقال فلمن هذه الغنم قال لزینب بنت محمد فسار معه شیئا ثم قال هل لک أن اعطیک شیئا تعطیها ایاه و لا تذکره لاحد قال نعم فأعطاه الخاتم فانطلق الراعی فأدخل غنمه و أعطاها الخاتم فعرفته فقالت من أعطاک هذا قال رجل قالت فأین ترکته قال مکان کذا و کذا فسکتت حتی اذا کان اللیل خرجت إلیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:274
فلما جاءته قال لها زید ارکبی بین یدی علی بعیری قالت لا و لکن ارکب أنت بین یدی فرکب و رکبت خلفه حتی أتت المدینة فکان علیه السلام یقول هی أفضل بناتی أصیبت فیّ فبلغ ذلک علیّ بن الحسین فانطلق الی عروة فقال ما حدیث بلغنی عنک تحدثه تنتقص به حق فاطمة* قال عروة ما أحب ان لی ما بین المشرق و المغرب و انی انتقص فاطمة حقا هولها و أما بعد ذلک علیّ أنی لا أحدّث به أحدا خرجه الدولابی* و قد روی أن أبا العاص لما أسر یوم بدر و فدی نفسه فأطلق أخذ علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم العهد ان ینفذها إلیه اذا عاد الی مکة ففعل فجاءت مهاجرة الی المدینة خرجه الفضائلی و لعل الهجرة الاولی کانت بارسال أبی العاص فلما منعتها قریش خرج زید و أتی بها و لا تضاد بینهما و سیجی‌ء ذکر اسلام زوجها أبی العاص و حکم نکاحها بعد الاسلام*

(ذکر وفاتها)

* ماتت زینب فی حیاة أبیها فی سنة ثمان من الهجرة و سیجی‌ء فی الموطن الثامن و کان سبب وفاتها سقوطها من بعیرها لما طعنه هبار علی ما تقدّم و سقطت علی صخرة و أهریقت دما و لم تزل مریضة بذلک حتی ماتت قاله أبو عمرو* و عن ابن عمر زاد أنه لما دفن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابنته زینب جلس عند القبر فتربد وجهه ثم سری عنه فسأله أصحابه عن ذلک فقال ذکرت ابنتی زینب و ضعفها و عذاب القبر فدعوت اللّه ففرج عنها و أیم اللّه لقد ضمت ضمة سمعها ما بین الخافقین خرجه سعید ابن منصور فی سننه و کان زوجها أبو العاص محبا لها فقال و هو متوجه فی بعض اسفاره الی الشام
ذکرت زینب لما ورکت ارمافقلت سقیا لشخص یسکن الکرما
بنت الامین جزاها اللّه صالحةو کل بعل سینبی بالذی علما ثم تزوّج أبو العاص بنت سعید بن العاص و هلک بالمدینة فی خلافة عثمان و أوصی الی الزبیر بن العوّام*

(ذکر ولدها)

* قال أبو عمرو و غیره ولدت زینب من أبی العاص غلاما یقال له علی توفی و قد ناهز الحلم و کان ردیف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی ناقته یوم الفتح و جاریة یقال لها امامة و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یحبها و کان یحملها فی الصلاة علی عاتقه فاذا رکع وضعها و اذا رفع رأسه من السجودا عادها و تزوّجها علی بن أبی طالب بعد فاطمة و قیل ان فاطمة کانت أوصته بذلک ذکره الدّارقطنی و زوّجها منه الزبیر بن العوام و کان أبوها اوصی بها إلیه فولدت له ولد اسماه محمدا و قیل قتل عنها و لم تلد له ذکره الدّارقطنی فلما قتل علیّ تزوّجها المغیرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و کان علیّ قد أمره بذلک بعده لانه خاف أن یتزوّجها معاویة فتزوّجها فولدت له یحیی و به کان یکنی و ماتت عنده قیل فی سنة خمسین من الهجرة* و روی أن علیا قال لها حین حضرته الوفاة انی لا آمن أن یخطبک یعنی معاویة فان کان لک فی الرجال حاجة فقد رضیت لک المغیرة بن نوفل عشیرا فلما انقضت عدّتها کتب معاویة الی مروان یأمره أن یخطبها علیه و یبذل لها مائة ألف دینار فلما خطبها أرسلت الی المغیرة بن نوفل ان هذا أرسل یخطبنی فان کان لک بنا حاجة فأقبل فأقبل و خطبها الی الحسن بن علیّ فزوّجها منه خرج جمیع ذلک أبو عمرو و ذکر الدولابی أن علیا لما أصیب ولت أمرها المغیرة بن نوفل فقال المغیرة بن نوفل اشهدوا أنی قد تزوّجتها و أصدقتها کذا و کذا*

(ذکر رقیة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم)

اشارة

* ذکر الزبیر بن بکار و غیره انها أکبر بناته صلّی اللّه علیه و سلم و صححه الجرجانی النسابة و قد تقدّم أن الاصح و الذی علیه الاکثر أن زینب أکبرهنّ ولدت رقیة و لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثلاث و ثلاثون سنة*

(ذکر من تزوّجها)

* کانت رقیة تحت عتبة بن أبی لهب و اختها أمّ کلثوم تحت أخیه عتیبة فلما نزلت تبت یدا أبی لهب و تب قال لهما رأسی من رأسکما حرام ان لم تفارقا ابنتی محمد ففارقاهما و لم یکونا دخلا بهما فتزوّج رقیة عثمان ابن عفان بمکة و هاجر بها الهجرتین الی أرض الحبشة ثم الی المدینة و کانت ذات جمال رائع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:275
و فی حیاة الحیوان لما هاجر بها الی ارض الحبشة کان فتیان أهل الحبشة یتعرّضون لها و یتعجبون من جمالها فأذاها ذلک فدعت علیهم فهلکوا جمیعا ذکر الدولابی ان تزویج عثمان رقیة کان فی الجاهلیة و ذکر غیره ما یدل علی أن تزویجه ایاها کان بعد اسلامه و عن عائشة رضی اللّه عنها أتت قریش عتبة بن أبی لهب فقالوا له طلق ابنة محمد و نحن نزوّجک أیّ امرأة شئت من قریش فقال ان زوّجتمونی ابنة أبان ابن سعید بن العاص أو ابنة سعید بن العاص فارقتها فزوّجوه ففارقها و لم یکن دخل بها فاخرجها اللّه من یده کرامة لها و هوانا له و خلف علیها عثمان بن عفان*

(ذکر تزویج عثمان رقیة)

* کان بوحی من اللّه تعالی و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان اللّه أوحی الیّ أن ازوّج کریمتیّ عثمان بن عفان خرجه الطبرانی فی معجمه و خرج خیثمة بن سلیمان عن عروة بن الزبیر و زاد بعد قوله کریمتی یعنی رقیة و أمّ کلثوم*

(ذکر هجرتها)

* کانت رقیة ممن هاجرت الهجرتین عن أنس قال أوّل من هاجر الی ارض الحبشة عثمان و خرج معه بابنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأبطأ علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خبرهما فجعل یتوکف الخبر فقدمت امرأة من قریش فسألها فقالت رأیتها فقال علی أی حال رأیتها فقالت رأیتها و قد حملها علی حمار من هذه الدواب و هو یسوقها فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم صحبهما اللّه ان کان عثمان لأوّل من هاجر الی اللّه عز و جل بعد لوط خرجه خیثمة بن سلیمان و الملا*

(ذکر وفاتها)

* عن ابن شهاب انها کانت اصابتها الحصبة فمرضت و تخلف علیها عثمان فلم یشهد بدرا و ماتت بالمدینة و جاء زید بن حارثة بشیرا بفتح بدر و عثمان قائم علی قبر رقیة خرجه أبو عمرو قال لا خلاف أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ضرب لعثمان بسهمه من بدر و أخرجه عن ابن عباس قال لما عزی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بابنته رقیة قال الحمد للّه دفن البنات من المکرمات خرجه الدولابی و کانت وفاتها لسنة و عشرة أشهر و عشرین یوما من مقدمه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة ذکره ابن قتیبة*

(ذکر ولدها)

* ولدت رقیة لعثمان بالحبشة ولد اسماه عبد اللّه و کان یکنی به قال مصعب و بلغ الغلام ست سنین فنقر عینه دیک فتورّم وجهه و مرض و مات و قال غیره و صلّی علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و نزل فی حفرته أبوه عثمان و ذکر الدولابی انه مات و هو رضیع و قال قتادة لم تلد رقیة لعثمان و هو غلط و الاصح ما تقدّم و ستجی‌ء وفاة عبد اللّه بن عثمان فی الموطن الرابع*

(ذکر أمّ کلثوم بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم)

اشارة

* و هی ممن عرف بکنیته و لم یعرف لها اسم و قد تقدّم ذکر الخلاف فی أیهما أکبر هی أم رقیة و هی أکبر سنا من فاطمة*

(ذکر من تزوّجها)

* و قد تقدّم قبله أن عتیبة بن أبی لهب کان تزوّجها ثم فارقها قبل دخوله بها فخلف علیها عثمان بن عفان بعد موت اختها رقیة و عن قتادة أن عتیبة فارق أمّ کلثوم و لم یبن بها ثم جاء الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال له کفرت بدینک و فارقت ابنتک لا تحبنی و لا أحبک ثم سطا علیه و شق قمیصه و هو خارج نحو الشأم تاجرا فقال له علیه السلام أما انی أسأل اللّه أن یسلط علیک کلبه فخرج فی تجر من قریش حتی نزلوا مکانا من الشأم یقال له الرزقاء لیلا فأطاف بهم الاسد تلک اللیلة فجعل عتیبة یقول یا ویل أمی هو و اللّه آکلی کما دعا علیّ محمد أ قاتلی ابن أبی کبشه و هو بمکة و انا بالشأم فعدی علیه الاسد من بین القوم فأخذ برأسه ففدغه و عن عروة بن الزبیر أن عتیبة لما أراد الخروج الی الشام أتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا محمد هو یکفر بالذی دنا فتدلی فکان قاب قوسین أو أدنی ثم تفل و ردّ التفلة علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال صلی اللّه علیه و سلم اللهم سلط علیه کلبا من کلابک و أبو طالب حاضر فوجم لها فقال ما کان أغناک عن دعوة ابن أخی ثم خرج الی الشام فنزلوا منزلا و أشرف علیهم راهب من الدیر فقال أرض مسبعة فقال أبو لهب یا معشر قریش أعینونا هذه اللیلة فانی اخاف دعوة محمد فجمعوا أحمالهم و فرشوا لعتبة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:276
فی اعلاها و باتوا حوله فجاء الاسد فجعل یتشمم وجوههم ثم ثنا ذنبه فوثب فضربه ضربة واحدة فخدشه فقال قتلنی و مات و روی أن الاسد أقبل یتخطاهم حتی أخذ برأس عتیبة ففدغه خرجه الدولابی و فیه قال حسان بن ثابت
من یرجع العام الی أهله‌فما أکیل السبع بالراجع هذا هو المشهور من أن جملة أولاد أبی لهب أربعة عتبة و عتیبة و معتب و درّة أسلموا یوم الفتح و لهم صحبة و قد مرّ الکلام فی سبیعة بنت أبی لهب و عتیبة قتله الاسد کما ذکر و بعضهم عکس الامر و قال ان عتیبة المصغر هو الذی أسلم و عتبة المکبر هو الذی قتله الاسد و علی هذا بنی القاضی عیاض کلامه فی الشفاء کذا فی مزیل الخفاء*

(ذکر کیفیة تزویج أمّ کلثوم عثمان)

* عن سعید بن المسیب قال آم عثمان من رقیة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و آمت حفصة بنت عمر من زوجها فمرّ عمر بعثمان فقال له هل لک فی حفصة و کان عثمان قد سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یذکرها فلم یجبه فذکر ذلک عمر للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هل لک فی خیر من ذلک أتزوّج أنا حفصة و أزوّج عثمان خیرا منها أمّ کلثوم خرجه أبو عمرو و قال حدیث صحیح و عن ربعی بن خراش عن عثمان انه خطب الی عمرا بنته فردّه فبلغ ذلک النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلما راح إلیه عمر قال یا عمر أدلک علی خیر لک من عثمان و أدل عثمان علی خیر له منک قال نعم یا نبیّ اللّه قال تزوّجنی ابنتک و أزوّج عثمان ابنتی خرجه الحجندی*

(ذکر أن تزویجه ایاها کان بوحی من اللّه تعالی و أمر منه)

* تقدّم فی تزویج رقیة طرف منه و عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أتانی جبریل فأمرنی أن أزوّج عثمان ابنتی و قالت عائشة کن لما لا ترجو أرجی منک لما ترجو فان موسی علیه السلام خرج یلتمس نارا فرجع بالنبوّة خرجه الحافظ أبو نعیم البصری و عن أبی هریرة قال لقی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عثمان عند باب المسجد فقال یا عثمان هذا جبریل أخبرنی أن اللّه تعالی قد أمرنی أن أزوّجک أم کلثوم بمثل صداق رقیة و علی مثل صحبتها خرجه ابن ماجه القزوینی و الحافظ أبو القاسم الدمشقی و الامام أبو الخیر القزوینی الحاکمی و عنه قال قال عثمان لما ماتت امرأته بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بکیت بکاء شدیدا فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما یبکیک قلت أبکی علی انقطاع صهری منک قال فهذا جبریل یأمرنی بأمر اللّه أن أزوّجک أختها و عن ابن عباس معناه و فیه و الذی نفسی بیده لو أن عندی مائة بنت تموت واحدة بعد واحدة زوّجتک أخری حتی لا یبقی بعد المائة شی‌ء هذا جبریل أخبرنی ان اللّه عز و جل یأمرنی أن أزوّجک اختها و أن أجعل صداقها مثل صداق اختها أخرجهما الفضائلی الرازی*

(ذکر وفاة أمّ کلثوم)

* ماتت أمّ کلثوم فی سنة تسع من الهجرة و صلّی علیها أبوها صلّی اللّه علیه و سلم و نزل فی حفرتها علیّ و الفضل و أسامة بن زید روی أن أبا طلحة الانصاری استأذن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی أن ینزل معهم فأذن له ذکره أبو عمرو و عن أنس قال شهدنا بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جالس علی القبر فرأیت عینیه تدمعان فقال هل فیکم من أحد لم یقارف اللیلة فقال أبو طلحة أنا فقال انزل فی قبرها فنزل خرجه البخاری و لا تضادّ بین هذا و بین ما تقدّم بل یجوز أن یکون استأذن أوّلا فقال صلّی اللّه علیه و سلم ذلک لیثبت لابی طلحة موجب اختصاصه بالنزول و قد رویت هذه القصة فی رقیة و هو و هم فان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم یکن حال دفنها حاضرا بل کان فی غزوة بدر کما تقدّم و غسلتها اسماء بنت عمیس و صفیة بنت عبد المطلب و شهدت أمّ عطیة غسلها و روت قول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اغسلیها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أکثر من ذلک ان رأیتن ذلک بماء و سدر و اجعلن فی الآخرة کافورا أو شیئا من کافور فاذا فرغتن آذننی فلما فرغنا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:277
آذناه فألقی إلینا حقوه و قال أشعریها ایاه قالت و مشطناها ثلاثة قرون و ألقیناها خلفها و عنها أنه صلّی اللّه علیه و سلم قال ابد أن بمیامنها و مواضع السجود منها اخرجاهما أی البخاری و مسلم و عن لیلی بنت قائف الثقفیة قالت کنت ممن غسل أمّ کلثوم بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فکان أوّل ما اعطانا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت فی الثوب الآخر قالت و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جالس علی الباب معه کفنها فنا و لنا ثوبا ثوبا خرجه الدولابی*

(ذکر فاطمة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم)

اشارة

* فی الصفوة ولدت فاطمة و قریش تبنی الکعبة قبل النبوّة بخمس سنین و هی اصغر بناته و فی ذخائر العقبی و کانت ولادتها قبل النبوّة بخمس سنین و قریش تبنی الکعبة و ولدت الحسن و لها احدی عشرة سنة بعد الهجرة بثلاث سنین قال أبو عمرو ولدت فاطمة سنة احدی و أربعین من مولده علیه السلام و هو مغایر لما رواه ابن اسحاق انّ أولاده کلهم ولدوا قبل النبوّة الا ابراهیم* و عن أبی جعفر قال دخل العباس علی علیّ و فاطمة و أحدهما یقول للآخر أینا أکبر فقال العباس ولدت یا علی قبل بناء قریش البیت بسنوات و ولدت أنت و قریش تبنی البیت و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابن خمس و ثلاثین سنة قبل النبوّة بخمس سنین خرجه الدولابی و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یحب فاطمة حبا شدیدا و عن عائشة قالت قلت یا رسول اللّه مالک اذا قبلت فاطمة جعلت لسانک فی فیها فکأنک ترید أن تلعقها عسلا فقال صلّی اللّه علیه و سلم انه لما أسری بی أدخلنی جبریل الجنة فناولنی تفاحة فأکلتها فصارت نطفة فی ظهری فلما نزلت من السماء واقعت خدیجة ففاطمة من تلک النطفة فکلما اشتقت الی تلک النطفة قبلتها خرجه أبو سعد فی شرف النبوّة و روی الملا فی سیرته انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال أتانی جبریل بتفاحة من الجنة فأکلتها فواقعت خدیجة فحملت بفاطمة و فی روایة قالت عائشة انک تکثر تقبیل فاطمة فقال صلّی اللّه علیه و سلم انّ جبریل لیلة أسری بی أدخلنی الجنة فأطعمنی من جمیع ثمارها فصار ماء فی صلبی فحملت خدیجة بفاطمة فاذا اشتقت الی تلک الثمار قبلت فاطمة فأصبت من رائحتها جمیع تلک الثمار التی أکلتها خرجه الفضل بن خیرون کذا فی ذخائر العقبی و هذه الروایات تقتضی کون ولادة فاطمة بعد البعثة لان الاسراء کان بعد البعثة و قد صرح أبو عمرو بأنّ ولادة فاطمة کانت سنة احدی و أربعین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم کما نقلنا آنفا من سیرة مغلطای*

(ذکر وصیتها الی أسماء بنت عمیس بما تصنعه بعد موتها)

* عن أمّ جعفر أنّ فاطمة رضی اللّه عنها قالت لاسماء بنت عمیس انی قد استقبحت ما یصنع بالنساء انه یطرح علی المرأة الثوب فیصفها قالت أسماء یا ابنة رسول اللّه أ لا أریک شیئا رأیته بأرض الحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت علیها ثوبا فقالت فاطمة ما أحسن هذا و أجمله تعرف به المرأة من الرجل فاذا أنا مت فاغسلینی أنت و علیّ و لا یدخل علیّ أحد غیرک فلما توفیت جاءت عائشة تدخل فقالت أسماء لا تدخلی فشکت الی أبی بکر فقالت انّ هذه الخثعمیة تحول بیننا و بین بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء أبو بکر رضی اللّه عنه فوقف و قال یا أسماء ما حملک علی أن منعت أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یدخلن علی بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و جعلت لها مثل هودج العروس فقالت أمرتنی أن لا یدخل علیها أحد و أریتها هذا الذی صنعت و هی حیة فأمرتنی أن أصنع ذلک لها* قال أبو بکر رضی اللّه عنه اصنعی ما أمرتک ثم انصرف و غسلها علیّ و أسماء خرجه أبو عمرو و خرج الدولابی معناه مختصرا و ذکر أنها لما أرتها النعش تبسمت و ما رؤیت متبسمة یعنی بعد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الا یومئذ و عن أمّ سلمی قالت اشتکت فاطمة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:278
فرضناها فأصبحت یوما کأمثل ما رأیناها فی شکواها فخرج علی بن أبی طالب لبعض حاجته قالت فاطمة اسکبی لی یا أمه غسلا فسکبت لها غسلا فاغتسلت کأحسن ما کنت أراها تغتسل قالت ثم قالت یا أمه ناولینی ثیابی الجدد قالت فناولتها ثم جاءت الی البیت الذی کانت فیه فقالت قدّمی فراشی وسط البیت و اضطجعت و وضعت یدها الیمنی تحت خدّها ثم استقبلت القبلة ثم قالت یا أمه انی مقبوضة الآن فلا یکشفنی أحد و لا یغسلنی أحد قالت فقبضت مکانها قالت و دخل علیّ فأخبرته بالذی قالت و بالذی أمرتنی فقال علیّ و اللّه لا یکشفها أحد فاحتملها فدفنها بغسلها ذلک و لم یکشفها و لا غسلها أحد خرجه أحمد فی المناقب و الدولابی و اللفظ له و هو مضادّ لخبر أسماء المتقدّم* قال أبو عمرو فاطمة أوّل من غطی نعشها من النساء فی الاسلام علی الصفة المذکورة فی خبر أسماء المتقدّم ثم بعدها زینب بنت جحش صنع لها ذلک أیضا*

(ذکر تاریخ وفاتها و سنها یوم ماتت)

* فی الصفوة توفیت فاطمة بعد وفاة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بستة أشهر فی لیلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة احدی عشرة من الهجرة و هی بنت ثمان و عشرین سنة و نصف* و عن الزهری ماتت فاطمة بعد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بثلاثة أشهر* و عن عائشة قالت کان بین النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و بین فاطمة شهران و الاوّل أصح* و فی ذخائر العقبی قیل توفیت بعده صلّی اللّه علیه و سلم بثمانیة أشهر و قیل بمائة یوم و قیل بسبعین ذکره أبو عمرو* و فی الصفوة و هی یوم ماتت بنت ثمان و عشرین سنة و نصف سنة* و فی ذخائر العقبی و هی ابنة تسع و عشرین سنة قاله المداینی* و قال عبد اللّه بن حسن ابن علی بن أبی طالب ابنة ثلاثین سنة* و قال الکلبی خمس و ثلاثین حکاه أبو عمرو و قیل ثمان و عشرین حکاه الرازی و علی الاقوال کلها سوی قول مغلطای المتقدّم یکون مولدها قبل النبوّة* و ذکر الامام أبو بکر أحمد بن نصر بن عبد اللّه الدراع فی کتاب تاریخ موالید أهل البیت أنها توفیت و هی ابنة ثمان عشرة سنة و خمسة و سبعین یوما منها بمکة ثمان سنین و الباقی بالمدینة و عاشت بعد أبیها خمسة و سبعین یوما و فی روایة أربعین یوما*

(ذکر من غسلها و من صلّی علیها و من دخل قبرها)

* فی الصفوة غسلها علیّ و صلّی علیها و قالت عمرة صلّی علیها العباس و دفنت لیلا کذا فی ذخائر العقبی و فیه و خرج البصری من حدیث مالک بن أنس أنه صلّی علیها أبو بکر و دخل بها فی قبرها علیّ و الفضل و کانت أشارت علی علیّ أن یدفنها لیلا* و عن مالک بن جعفر بن محمد عن أبیه عن جدّه علی بن الحسین قال ماتت فاطمة بین المغرب و العشاء فحضرها أبو بکر و عمر و عثمان و الزبیر و عبد الرحمن بن عوف فلما وضعت لیصلی علیها قال علیّ تقدّم یا أبا بکر قال و أنت شاهد یا أبا الحسن قال نعم تقدّم فو اللّه لا یصلی علیها غیرک فصلی علیها أبو بکر رضی اللّه عنهم أجمعین و دفنت لیلا خرجه البصری و خرجه ابن النعمان فی الموافقة و فی بعض طرقه فکبر علیها أربعا و هذا مغایر لما جاء فی الصحیح أنّ علیا لم یبایع أبا بکر حتی ماتت فاطمة و طریان هذا مع عدم البیعة یبعد فی الظاهر و الغالب و ان جاز أن یکونوا لما سمعوا بموتها حضروها فاتفق ذلک ثم بایع بعده کذا فی الریاض النضرة للمحب الطبری*

(ذکر موضع قبرها)

* ذکر الحافظ أبو عمرو بن عبد البر أنّ الحسن لما توفی دفن الی جنب أمّه فاطمة و قبر الحسن معروف بجنب قبر العباس و لا یذکر لفاطمة ثمة قبر فتکون علی هذا مع الحسن فی قبة العباس فینبغی أن یسلم علیها هناک* و روی أنّ أبا العباس المرسی کان اذا زار البقیع وقف أمام قبلة قبة العباس و سلم علی فاطمة رضی اللّه عنها و یذکر أنه کشف له عن قبرها ثمة و عن عبد اللّه بن جعفر بن محمد انه کان یقول قبر فاطمة فی بیتها الذی أدخله عمر بن عبد العزیز فی المسجد مرویاتها فی کتب الاحادیث ثمانیة عشر حدیثا المتفق علیه منها واحد و الباقی فی سائر الکتب*

(ذکر ولد فاطمة)

* عن اللیث بن سعد قال تزوّج علیّ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:279
فاطمة فولدت له حسنا و حسینا و محسنا و زینب و أمّ کلثوم و رقیة فاتت رقیة و لم تبلغ و قال غیره ولدت حسنا و حسینا و محسنا فهلک محسن صغیرا و أمّ کلثوم و زینب و لم یذکر رقیة و لم یتزوّج علیها حتی ماتت و لم یکن لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عقب الا من ابنته فاطمة رضی اللّه عنها و أعظم بها معجزة ذکره المحب الطبری فی ذخائر العقبی* و سیجی‌ء ذکر الحسن و الحسین فی الموطن الثالث و الرابع و ذکر زینب و أمّ کلثوم بنتی فاطمة فی أولاد علیّ فی الخاتمة فی ذکر الخلفاء* و فی سنة ست و عشرین ولد طلحة ابن عبید اللّه و فی سنة سبع و عشرین ولد سعید بن زید* و فی سنة تسع و عشرین ولد کعب بن عجرة کذا فی سیرة مغلطای و فی السنة الثلاثین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم ولد علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه فی الکعبة قال ابن اسحاق أوّل ذکر آمن باللّه و رسوله علی بن أبی طالب و هو یومئذ ابن عشر سنین و عن أنس بن مالک استنبئ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم الاثنین و صلّی علیّ یوم الثلاثاء ثانی مبعثه و کان الاستنباء علی رأس أربعین سنة فتکون ولادة علیّ فی السنة الثلاثین من مولد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کذا ذکره فی الاستیعاب و أسد الغابة* و فی شواهد النبوّة کانت ولادة علی بمکة بعد عام الفیل بسبع سنین و قیل کانت ولادته فی الکعبة و فی وقت بعثة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان ابن خمس عشرة سنة و قیل ثلاث عشرة و قیل عشر سنین و قیل تسع سنین و الاوّل أصح أی ولادته بعد عام الفیل بسبع سنین أصح انتهی کلام شواهد النبوّة* و هذه الاقوال کلها فی الاستیعاب و أسد الغابة و قیل الذی ولد فی الکعبة عند أهل التاریخ هو حکیم بن حزام أقول لا مانع من ولادة کلیهما فی الکعبة المشرّفة و فی هذه السنة الثلاثین ولد شریح القاضی و فی سنة احدی و ثلاثین ولد أبو هریرة و فی سنة اثنتین و ثلاثین ولد بلال بن الحارث المزنی و فی سنة ثلاث و ثلاثین ولد سعید ابن عامر بن جذیم و فی سنة أربع و ثلاثین ولد معاویة بن أبی سفیان و معاذ بن جبل کذا فی سیرة مغلطای و فی السنة الخامسة و الثلاثین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم هدمت قریش الکعبة ثم بنتها کما سبق فی ذکر أوّلیة الکعبة* و فی الدلائل لابی نعیم کان بین عام الفیل و الفجار أربعون سنة و بین الفجار و بنیان الکعبة خمس عشرة سنة و فی تاریخ یعقوب کان بناؤها فی سنة خمس و عشرین من الفیل و وضع علیه السلام الرکن الیمانی بیده یوم الاثنین کذا فی سیرة مغلطای و فی هذه السنة الخامسة و الثلاثین ولدت فاطمة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قد مرّ ذکرها فی السنة الخامسة و العشرین من مولده علیه السلام فی ذکر أولاده و فی هذه السنة مات زید بن عمرو بن نفیل و فی سیرة مغلطای أورد موت زید بن عمرو فی السنة الرابعة روی عن عامر بن ربیعة أنه قال کان زید بن عمرو بن نفیل یطلب الدین و کره النصرانیة و الیهودیة و عبادة الاوثان و الاحجار و أظهر خلاف قومه و اعتزل آلهتهم و ما کان یعبد آباؤهم فلا یأکل ذبائحهم و هذان البیتان من أشعاره
أربا واحدا أم ألف رب‌أدین اذا تقسمت الامور
ترکت اللات و العزی جمیعاکذلک یفعل الرجل البصیر قال عامر قال لی زید یا عامر انی خالفت قومی و اتبعت ملة ابراهیم و ما کان یعبده و اسماعیل من بعده و کانوا یصلون الی هذه القبلة و أنا أنتظر نبیا من ولد اسماعیل یبعث لا أرانی أدرکه و أنا أو من به و أصدّقه و أشهد أنه نبیّ فان طالت بک مدّة فرأیته فأقرئه منی السلام قال عامر فلما نبئ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أسلمت و أخبرته بقول زید و أقرأته منه السلام فردّ صلّی اللّه علیه و سلم علیه السلام و ترحم علیه و قال لقد رأیته فی الجنة یسحب ذیولا* و فی سنة ست و ثلاثین ولد عبد اللّه بن عمرو ابن العاص و جابر و أبو قتادة و أبو أسید الساعدی کذا فی سیرة مغلطای* و من وقائع السنة الثامنة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:280
و الثلاثین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم أنه رأی الضوء و النور و کان یسمع الصوت و لا یدری ما هو* و فی السنة التاسعة و الثلاثین ولد واثلة بن الاسقع ذکره العتقی کذا فی سیرة مغلطای* و من وقائع السنة الاربعین من مولده صلّی اللّه علیه و سلم قتل کسری برویز النعمان بن المنذر لغضب کان علیه قتله قبل المبعث بسبعة أشهر و اللّه سبحانه و تعالی أعلم‌

* (الرکن الثانی فی الحوادث من ابتداء نبوّته الی زمان هجرته‌

اشارة

من صفة نزول الوحی و رمی الشیاطین بالشهب و انفصام طاق کسری و أوّل من أسلم و اخفاء الدعوة و وفاة ورقة بن نوفل و اظهار الدعوة و ولادة عائشة و هجرة الحبشة و ایذاء المشرکین و ولادة أسامة بن زید و وفاة سمیة بنت حباط و اسلام حمزة و عمر بن الخطاب و وقعة بغاث و تقاسم قریش علی معاداة بنی هاشم و بنی المطلب و نزول سورة الروم و انشقاق القمر و وفاة أبی طالب و خدیجة و ذکر ثقیف و وفود الجنّ و تزوّج سودة و عائشة و بدء اسلام الانصار و ذکر المعراج و فرض الصلوات الخمس و بیعة العقبة الاولی و بیعة العقبة الثانیة و هجرة أبی بکر الی الحبشة و ابتداء هجرة الاصحاب الی المدینة و مشاورة قریش فی حبسه أو قتله أو اخراجه و اخبار جبریل ایاه بذلک و اذنه له بالهجرة)*

نزول الوحی و کیفیته‌

من حوادث السنة الاولی من النبوّة نزول الوحی و کیفیته روی أنه لما تمّ لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أربعون سنة و دخل فی السنة الحادیة و الاربعین بیوم واحد أوحی اللّه تعالی إلیه و ذلک سنة عشرین من ملک کسری أبرویز بن هرمز بن کسری أنوشروان ملک الفرس کذا فی المنتقی و أسد الغابة* و فی المواهب اللدنیة و لما بلغ أربعین سنة قیل و أربعین یوما و قیل و عشرة أیام و قیل و شهرین یوم الاثنین لسبع عشرة لیلة خلت من شهر رمضان و قیل لسبع و قیل لاربع و عشرین لیلة و قال ابن عبد البرّ یوم الاثنین لثمان من ربیع الاوّل و کذا قاله أبو عمرو و زاد سنة احدی و أربعین من عام الفیل و فی تاریخ الفسوی علی رأس خمس عشرة سنة من بنیان الکعبة و ضعفه و عن مکحول بعد ثنتین و أربعین سنة کذا فی سیرة مغلطای و قال ابن المسیب بعثه اللّه عز و جل و له ثلاث و أربعون سنة فأقام بمکة عشرا و بالمدینة عشرا و قیل انه کتم أمره ثلاث سنین و کان یدعو مستخفیا الی أن أنزل اللّه تعالی و أنذر عشیرتک الاقربین فأظهر الدعوة کذا فی أسد الغابة و سیجی‌ء زیادة علی هذا و فی المواهب اللدنیة کان ابتداء المبعث فی رجب و فی کتاب المنتقی نزل علیه القرآن و هو ابن خمس و أربعین لسبع و عشرین من رجب قاله الحسین و جمع بأنّ ذلک حین حمی الوحی و تتابع کذا فی سیرة مغلطای و قال بعض علماء الحدیث ابتداء الوحی الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان فی المنام فی ربیع الاوّل فی السنة الحادیة و الاربعین و ابتداء الوحی إلیه فی الیقظة و نزول القرآن کان فی رمضان تلک السنة و عن أنس بن مالک أنه قال بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی رأس أربعین و الصحیح من الروایات أنّ أوّل ما بدئ به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من الوحی الرؤیا الصادقة فی النوم فکان لا یری رؤیا إلّا جاءت مثل فلق الصبح کما سیجی‌ء من حدیث عائشة فانّ المدّة التی کان یوحی إلیه فی المنام فیها ستة أشهر الی أن استعلن له جبریل فقول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الرؤیا الصادقة جزء من ستة و أربعین جزأ من النبوّة معناه أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حین بعث أقام بمکة ثلاث عشرة سنة و أقام بالمدینة عشر سنین فذلک ثلاث و عشرون سنة کاملة فاذا قسمت مدّة الوحی إلیه فی الیقظة و هی ثلاث و عشرون سنة الی مدّة الوحی إلیه فی المنام و هی ستة أشهر وجدت مدّة بعثه الی حین وفاته علی هذا ستة و أربعین جزأ فاتضح معنی الحدیث و روی عن محمد بن أحمد بن عبد البر أنه قال بعث اللّه محمدا صلّی اللّه علیه و سلم و له یومئذ أربعون سنة فأتاه جبریل لیلة السبت و لیلة الاحد ثم ظهر له بالرسالة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:281
یوم الاثنین لسبع عشرة لیلة خلت من رمضان بحراء و هو أوّل موضع نزل فیه القرآن نزل اقرأ باسم ربک الذی خلق خلق الانسان من علق اقرأ و ربک الاکرم الذی علم بالقلم علم الانسان ما لم یعلم الی هذا ثم بحث أی ضرب جبریل بعقبه فی الارض فنبع منها ماء فعلمه الوضوء و الصلاة رکعتین و قیل ثم جاء جبریل فی یوم الثلاثاء ثانی مبعثه فوافاه بأعلی مکة فهمز جبریل بعقبه ناحیة الوادی فنبع عین ماء فتوضأ و أری رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الوضوء ثم قام جبریل فصلی به رکعتین و أراه الصلاة و فی ذلک الیوم فرض علیه الوضوء و الصلاة ثم فارقه جبریل و عاد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی خدیجة فأخبرها فغشی علیها من الفرح ثم أخذ بیدها و أتی بها الی العین فتوضأ لیریها الوضوء فتوضأت ثم قام فصلی وصلت معه و کانت أوّل من آمن و أوّل من صلّی فکانت ذلک أوّل فرضها رکعتین ثم انّ اللّه تعالی أقرّها فی السفر کذلک و أتمها فی الحضر* و قال مقاتل کانت الصلاة أوّل فرضها رکعتین بالغدوة و رکعتین بالعشیّ لقوله تعالی و سبح بالعشیّ و الابکار* قال فی فتح الباری کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قبل الاسراء یصلی قطعا و کذلک أصحابه و لکن اختلف هل افترض قبل الخمس شی‌ء من الصلاة أم لا فقیل انّ الفرض کان صلاة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها و الحجة علیه قوله تعالی و سبح بحمد ربک قبل طلوع الشمس و قبل غروبها انتهی* و قال النووی أوّل ما وجب الانذار و الدعاء الی التوحید ثم فرض اللّه من قیام اللیل ما ذکر فی أوّل سورة المزمّل ثم نسخه بما فی آخرها ثم نسخه بایجاب الصلوات الخمس لیلة الاسراء کذا فی المواهب اللدنیة* و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یا خدیجة هذا جبریل یقرئک السلام من ربک فقالت خدیجة اللّه السلام و منه السلام و علی جبریل السلام و عن أبی هریرة قال أتی جبریل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه هذه خدیجة قد أتت معها اناء فیه ادام أو طعام أو شراب فاذا أتتک فاقرأ علیها السلام من ربها و منی و بشرها ببیت فی الجنة من قصب لا صخب فیه و لا نصب رواه البخاری* و روی أبو قتادة عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنه سئل عن صوم الاثنین فقال ذلک یوم ولدت فیه و یوم بعثت فیه و اختلفوا فی أنّ نزول القرآن فی أی الاثانین کان علی خمسة أقوال* أحدها لسبع خلت من رمضان و قد ذکرناه* و الثانی لاربع و عشرین لیلة خلت من رمضان رواه قتادة* و الثالث للثامنة عشرة لیلة خلت من رمضان رواه أبو أیوب عن أبی قلابة* و الرابع انه کان فی رجب* روی عن أبی هریرة قال من صام یوم سبع و عشرین من رجب کتب اللّه له صیام ستین شهرا و هذا الیوم الذی نزل فیه جبریل علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالرسالة أوّل یوم هبط فیه* و الخامس انه الثانی من ربیع الاوّل* و عن عائشة أنها قالت أوّل ما بدئ به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الوحی الرؤیا الصادقة و کان لا یری رؤیا إلّا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إلیه الخلاء فکان یأتی حراء فیتحنث فیه و هو التعبد اللیالی ذوات العدد و یتزوّد لذلک ثم یرجع الی خدیجة فتزوّده لمثلها حتی اذا جاء الحق و هو فی غار حراء فجاءه الملک فیه و قال اقرأ فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما أنا بقارئ فأخذنی فغطنی حتی بلغ منی الجهد ثم أرسلنی فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذنی فغطنی الثانیة حتی بلغ منی الجهد ثم أرسلنی فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذنی فغطنی الثالثة حتی بلغ منی الجهد ثم أرسلنی فقال اقرأ باسم ربک الذی خلق حتی بلغ ما لم یعلم فرجع بها یرجف فؤاده حتی دخل علی خدیجة فقال زمّلونی زمّلونی فزمّلوه حتی ذهب عنه الروع* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق فی حدیث حدّثه حتی اذا کان شهر رمضان خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی حراء کما کان یخرج لجواره و معه أهله حتی اذا کانت اللیلة التی أکرمه اللّه فیها بالرسالة و رحم العباد بها جاءه جبریل بأمر اللّه تعالی قال رسول اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:282
صلی اللّه علیه و سلم فجاءنی و أنا نائم بنمط من دیباج فیه کتاب فقال اقرأ قال فقلت ما اقرأ قال فغتنی به بالتاء مکان الطاء فی الروایة السابقة حتی ظننت انه الموت ثم أرسلنی فقال اقرأ و هکذا الی ثلاث مرّات ثم قال له اقرأ باسم ربک الذی خلق الی قوله ما لم یعلم قال قرأتها ثم انتهی فانصرف عنی و هببت من نومی فکأنما کتب فی قلبی کتابا الی آخر الحدیث* و فی المنتقی فقال یا خدیجة ما لی فأخبرها الخبر و قال خشیت علیّ فقالت له کلا ابشر فو اللّه لا یخزیک اللّه أبدا انک لتصل الرحم و تصدق الحدیث و تحمل الکل و تقرئ الضیف و تعین علی نوائب الحق ثم انطلقت به خدیجة حتی أتت به ورقة بن نوفل و هو ابن عم خدیجة و کان امرأ تنصر فی الجاهلیة و کان یکتب الکتاب العربی* و فی روایة العبرانی یکتب بالعربیة من الانجیل ما شاء اللّه أن یکتب و کان شیخا کبیرا قد عمی فقالت له خدیجة أی ابن عم اسمع من ابن أخیک و قیل انّ خدیجة قالت لابی بکر یا عتیق اذهب الی ورقة بن نوفل کذا فی سیرة مغلطای فقال ورقة یا ابن أخی ما تری فأخبره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال ورقة هذا الناموس الاکبر الذی أنزل اللّه تعالی علی موسی یا لیتنی فیها جذعا أکون حیا حین یخرجک قومک فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أو مخرجیّ هم قال نعم لم یأت رجل قط بما جئت به إلا عودی و ان یدرکنی یومک أنصرک نصرا مؤزرا فلم ینشب ورقة ان توفی و فتر الوحی فترة حتی حزن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حزنا غدا منه مرارا کی یتردّی من رءوس شواهق الجبال فکلما أوفی بذروة جبل لکی یلقی نفسه منه تبدی له جبریل فقال یا محمد انک رسول اللّه فیسکن له جاشه و تقرّ عینه فیرجع فاذا طالت علیه فترة الوحی غد المثل ذلک فاذا أوفی بذروة جبل تبدی له جبریل فقال له مثل ذلک* و فی المواهب اللدنیة فترة الوحی عبارة عن تأخره مدّة من الزمان و ذلک لیذهب عنه ما کان یجده علیه السلام من الروع و لیحصل له الشوق الی العود و کانت مدّة فترة الوحی ثلاث سنین کما جزم به ابن اسحاق* و فی تاریخ الامام أحمد و یعقوب بن سفیان عن الشعبی أنزل علیه النبوّة و هو ابن أربعین سنة فقرن بنبوّته اسرافیل ثلاث سنین قبل جبریل فکان یعلمه الکلمة و الشی‌ء و لم ینزل علیه القرآن علی لسانه فلما مضت ثلاث سنین قرن بنبوّته جبریل فنزل علیه القرآن علی لسانه عشرین سنة کذا رواه ابن سعد و البیهقی فقد تبین انّ نبوّته علیه السلام کانت متقدّمة علی رسالته کما قال أبو عمرو و غیره کما حکاه أبو أمامة بن النقاش فکان فی نزول سورة اقرأ نبوّته و فی نزول سورة المدّثر رسالته بالنذارة و البشارة و التشریع و هذا قطعا متأخر عن الاوّل لانه لما کانت سورة اقرأ متضمنة لذکر أطوار الآدمی من الخلق و التعلیم و الافهام ناسب أن یکون أوّل سورة أنزلت و هذا هو الترتیب الطبیعی* و فی المواهب اللدنیة أیضا قد ذکر ابن عادل فی تفسیره انّ جبریل علیه السلام نزل علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أربعة و عشرین ألف مرّة و نزل علی آدم اثنتی عشرة مرّة و علی ادریس أربع مرّات و علی نوح خمسین مرّة و علی ابراهیم اثنتین و أربعین مرّة و علی موسی أربعمائة و علی عیسی عشر مرّات و زاد غیره ثلاث مرّات فی صغره و سبع مرّات فی کبره* و قال علیه السلام فی حدیث فترة الوحی بینا أنا أمشی اذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصری فاذا الملک الذی جاءنی بحراء جالس علی کرسی بین السماء و الارض فرعبت منه فرجعت فقلت زمّلونی زمّلونی فأنزل اللّه تعالی یأیها المدّثر قم فأنذر و ربک فکبر و ثیابک فطهر و الرجز فاهجر فحمی الوحی و تتابع* و جاء فی التفاسیر ان أبا میسرة قال کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذا برز سمع منادیا ینادی یا محمد فیمرّ هاربا فقال ورقة بن نوفل اذا سمعت فاثبت حتی تدری ما یقال لک فبرز فنودی فقال لبیک فقیل له قل أشهد أن لا إله الا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه فقالها فقیل له قل الحمد للّه رب العالمین و قرأ سورة الحمد الی آخرها و المروی فی الصحیح الثابت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:283
انّ اقرأ باسم ربک أوّل ما نزل من القرآن و ان صح هذا الحدیث عن أبی میسرة فلعل الملک أسمعه ذلک قبل أن یظهر له بحراء ثم کان الذی بدئ به من الوحی بعد ظهور الملک و حصول العلم بأنه رسول اللّه إلیه الآیات من أوّل سورة اقرأ* روی عن خدیجة أنها قالت لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیما تثبته فیما أکرمه اللّه به من نبوّته یا ابن عم أ تستطیع أن تخبرنی بصاحبک هذا الذی یأتیک اذا جاءک قال نعم فجاء جبریل فقال یا خدیجة هذا جبریل قد جاءنی قالت فقم فاجلس علی فخذی الیسری فقام فجلس فقالت هل تراه قال نعم قالت فتحوّل الی فخذی الیمنی فتحوّل فقالت هل تراه قال نعم قالت فتحوّل فاجلس فی حجری فجلس قالت هل تراه قال نعم فألقت خمارها و قالت هل تراه قال لا قالت یا ابن عم اثبت و ابشر فو اللّه انه الملک و ما هو بشیطان* و روی انه أوّل ما تراءی له جبریل أتاه من خلفه فضربه برجله فاستوی جالسا و نظر یمینا و شمالا فلم یر أحدا ثم أتاه فضربه برجله ثم قال قم یا محمد فاذا برجل یسیر بین یدیه و النبیّ صلی اللّه علیه و سلم تبعه ثم أخرجه من باب الصفا فلما کان بین الصفا و المروة أنشب رجله فی الارض و مد رأسه الی السماء و نشر جناحیه فملأ بهما ما بین المشرق و المغرب فاذا رجلاه مغموستان فی صفرة و اذا جناحاه مغموستان فی خضرة علیه وشاحان من یاقوت أحمر أجلی الجبین واضح الجبهة براق الثنایا شعره کالمرجان شعر رأسه حبک مکتوب بین عینیه لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه فلما نظر إلیه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم رعب من عظم خلقه فقال له من أنت رحمک اللّه فانی لم أر شیئا قط أعظم منک خلقا و لا أحسن منک وجها قال أنا جبریل أنا الروح الامین الی جمیع النبیین* و فی سیرة مغلطای قال ابشر یا محمد أنا جبریل أرسلت إلیک و أنت رسول هذه الامّة اقرأ یا محمد قال ما أقرأ و لم أقرأ قط فأخرج جبریل من تحت جناحه درنوکا من درانیک الجنة منسوجا بالدرّ و الیاقوت فوضعه علی وجه محمد صلی اللّه علیه و سلم ثم غمه حتی کاد أن یغشی علیه ثم خلی عنه ثم قال اقرأ یا محمد قال و ما أقرأ و ما قرأت شیئا قط فعاد إلیه بالدرنوک فصنع به ما صنع فی المرّة الاولی فلما أفاق قال اقرأ یا محمد فتمنی الموت مما صنع به و خاف أن یقول لا أقرأ فیعود علیه بالدرنوک قال اقرأ باسم ربک الذی خلق خلق الانسان من علق الی آخر السورة ثم قال لی انزل عن الجبل فنزلت معه الی قرار الارض فأجلسنی علی درنوک و علیه ثوبان أخضران کذا فی سیرة مغلطای ثم همز بعقبه الارض فنبعت عین ماء فتوضأ و توضأ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و صلّی و صلّی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم معه یقتدی بصنعه فکان ذلک أوّل فرض الصلاة رکعتین رکعتین ثم انّ اللّه تعالی أقرّهما فی السفر و أتمها فی الحضر* قال مقاتل کانت الصلاة أوّل فرضها رکعتین بالغداة و رکعتین بالعشی کما مرّ فی سیرة مغلطای ثم غاب عنه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قلت لما غاب عنی انی شاعر أو مجنون و لم یکن شی‌ء أبغض الیّ من شاعر أو مجنون فقلت لا صعدن الی قلة هذا الجبل فأرمی نفسی فأموت فاذا أنا بجبریل قد سدّ ما بین خافقی السماء و هو یقول أین ترید یا محمد أنا خلیلک و أخوک جبریل فشغلنی ما رأیت من جبریل علیه السلام عما کنت هممت بنفسی فانحدرت من الجبل فأتیت باب خدیجة فدققت الباب فوثبت خدیجة الی الباب ففتحت لی الباب فلما أن نظرت الیّ استقبلتنی و اعتنقتنی و قبلت ما بین عینیّ و قالت فداک أبی و أمی أری لوجهک نورا لم أر مثله قط و أشم منک ریحا لم أشم مثلها قط فما الذی رأیت فأخبرها الخبر فقالت هذه کرامة اللّه ایاک فأجلست رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لم تدعه یخرج و قالت یا محمد اذا اتاک فأخبرنی فلما أتاه جبریل قال أتانی قالت هاهنا الیّ فأقعدته علی فخذها الیسری قالت هل تراه قال نعم ثم أقعدته علی فخذها الیمنی قالت هل تراه قال نعم ثم أدخلته بین جلدها و درعها و أخرجت رأسه من جیبها و ألقت خمارها عن رأسها و تحسرت و قالت هل
تراه قال لا قالت کما أنت یا محمد حتی آتی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:284
ورقة بن نوفل فأتته و قالت نعمت صباحا یا ابن عم و کانت هذه تحیة الجاهلیة بمنزلة السلام علیک قال لها أ خدیجة أنت و کان ورقة قد عمی من الکبر قالت نعم قال مالک یا سیدة نساء قریش قالت أخبرنی عن جبریل ما هو قال قدّوس قدّوس ما ذکر جبریل فی بلدة لا یعبدون فیها اللّه قالت انّ محمد بن عبد اللّه أخبرنی انه أتاه قال فان کان جبریل هبط الی هذه الارض لقد أنزل اللّه إلیها خیرا عظیما هو الناموس الاکبر الذی أتی موسی و عیسی بالرسالة و الوحی قالت فأخبرنی هل تجد فیما قرأت من التوراة و الانجیل انّ اللّه یبعث نبیا فی هذا الزمان قال نعم یبعث اللّه نبیا فی هذا الزمان یکون یتیما فیؤویه اللّه و فقیرا فیغنیه اللّه تکفله امرأة من قریش أکثرهم حسبا فقال لها نعتها مثل نعتک یا خدیجة قالت فهل تجد غیرها قال نعم انه یمشی علی الماء کما مشی عیسی ابن مریم و تکلمه الموتی کما کلمت عیسی ابن مریم و تسلم علیه الحجارة و تشهد له الاشجار و أخبرها بنحو قول بحیرا ثم انصرفت عنه و أتت عداسا الراهب و کان شیخا کبیر السن و قد وقع حاجباه علی عینیه من الکبر فقالت أنعم صباحا یا عداس قال و کانّ هذا الکلام کلام خدیجة سیدة نساء قریش قالت أجل قال هلموا الیّ العمامة لأرفع بها حاجبی لا نظر الی خدیجة ففعلوا فقال ادنی منی فقد ثقل سمعی فدنت منه ثم قالت یا عداس أخبرنی عن جبریل ما هو و سألت بمثل ما سألت ورقة فأجابها بمثل ما أجابها ورقة و قال فی آخره و لکن یا خدیجة ان الشیطان ربما عرض للعبد فأراه أمورا فخذی کتابی هذا فانطلقی به الی صاحبک فان کان مجنونا فانه سیذهب عنه و ان کان من اللّه فلن یضرّه فانطلقت بالکتاب معها فلما دخلت منزلها اذا هی برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مع جبریل قاعد یقرئه هذه الآیات ن و القلم و ما یسطرون* ما أنت بنعمة ربک بمجنون* و انّ لک لاجرا غیر ممنون و انک لعلی خلق عظیم* فستبصر و یبصرون بأیکم المفتون* أی المجنون فلما سمعت خدیجة قراءته اهتزت فرحا ثم قالت للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فداک أبی و أمی امض معی الی عداس فقام معها الی عداس فلما أن سلم علیه أدناه و کشف عن ظهره فاذا خاتم النبوّة یلوح بین کتفیه فلما نظر عداس إلیه خرّ ساجدا یقول قدّوس قدّوس أنت و اللّه النبیّ الذی بشر بک موسی و عیسی أما و اللّه یا خدیجة لیظهرن له أمر عظیم و نبأ کبیر فو اللّه یا محمد ان عشت حتی تؤمر بالدعاء لا ضربن بین یدیک بالسیف هل أمرت بشی‌ء بعد قال لا قال ستؤمر ثم تؤمر ثم تکذب ثم یخرجک قومک فشق ذلک علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال یا عداس و انهم لیخرجونی قال نعم ما جاء و اللّه أحد بمثل ما جئت به الا أخرجه قومه و کان قومه أشدّ الناس علیه و اللّه ینصرک و ملائکته ثم انصرف عنه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم*

(صفة نزول الوحی)

* عن عائشة ان الحارث بن هشام سأل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه کیف یأتیک الوحی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أحیانا یأتینی مثل صلصلة الجرس و هو أشدّ علیّ فیفصم عنی و قد وعیت عنه ما قال و أحیانا یتمثل لی الملک رجلا فیکلمنی فأعی ما یقول قالت عائشة و لقد رأیته ینزل علیه الوحی فی الیوم الشدید البرد فیفصم عنه و ان جبینه لیتفصد عرقا* و فی الحدیث أنه صلّی اللّه علیه و سلم أوحی إلیه و هو علی ناقته فبرکت و وضعت جرانها بالارض فما تستطیع أن تتحرّک و انّ عثمان رضی اللّه عنه کان کاتب الوحی یکتب للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لا یستوی القاعدون الآیة و فخذ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی فخذ عثمان فجاء ابن أمّ مکتوم فقال یا رسول اللّه ان بی من العذر ما تری فغشیه الوحی فثقلت فخذه علی فخذ عثمان حتی قال خشیت أن یرضها و أنزل اللّه غیر أولی الضرر* و روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم کان اذا نزل علیه الوحی وجد منه ألما شدیدا و یتصدّع رأسه* و فی هذه السنة کانت وقعة قار بین ربیعة و الفرس و ولد رافع بن خدیج قاله العتقی کذا فی سیرة مغلطای*

رمی الشیاطین بالشهب‌

(و من حوادث مبعثه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:285
صلی اللّه علیه و سلم رمی الشیاطین بالشهب بعد عشرین یوما من المبعث) عن ابن عباس قال لما بعث اللّه محمدا صلّی اللّه علیه و سلم دحر الشیاطین و رموا بالکواکب و کانوا قبل یستمعون لکل قبیلة من الجن مقعد یستمعون فیه و قال ابلیس هذا أمر حدث فی الارض ائتونی من کل أرض بتربة فکان یؤتی بالتربة فیشمها و یلقیها حتی أتی بتربة تهامة فشمها و قال هاهنا الحدث* و فی المنتقی أوّل من فزع لذلک أهل الطائف فجعلوا یذبحون لآلهتهم من کان له ابل أو غنم کل یوم حتی کادت أن تذهب أموالهم ثم تناهوا و قال بعضهم لبعض أ لا ترون معالم السماء کما هی لا یذهب منها بشی‌ء* و فی المدارک الجمهور علی انّ ذلک لم یکن قبل مبعث محمد صلّی اللّه علیه و سلم و قیل کان فی الجاهلیة و لکن الشیاطین کانت تسترق فی بعض الاوقات فمنعوا من الاستراق أصلا بعد مبعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و سیجی‌ء فی حوادث السنة العاشرة من النبوّة*

انفصام طاق کسری‌

و من حوادث مبعثه صلّی اللّه علیه و سلم ما روی انه لما بعث اللّه نبیه صلّی اللّه علیه و سلم أصبح کسری برویز ذات غداة و قد انفصمت طاق ملکه من وسطها فلما رأی ذلک أحزنه و قال شاهی بشکست یقول الملک انکسر ثم دعا کهانة و سحرته و منجمیه و قال انظروا فی ذلک الامر فنظروا ثم قالوا لیخرجن من الحجاز سلطان یبلغ المشرق و المغرب و تخصب منه الارض کأفضل ما أخصبت من ملک کان قبله* و فی دلائل النبوّة و شواهد النبوّة ان کسری کان بنی علی الدجلة بناء عظیما و أنفق فی عمارته مالا کثیرا فأصبح یوما فرأی ایوانه قد انصدع و خرب الماء البنیان و کان له ثلاثمائة و ستون رجلا من الحزاة العلماء و من الکهنة و السحرة و المنجمین و کان فیهم رجل من العرب اسمه السائب بعث به إلیه باذان من الیمن و کان یعتاف اعتیاف العرب قلما تخطئ أحکامه فجمعهم کسری و قال لهم انکسر ایوانی و خرب الماء بنیانی علی دجلة من غیر سبب ظاهر فانظروا فیه فخرجوا من عند کسری لینظروا فی ذلک الامر فوجدوا طرق الکهانة و السحر و النجوم مسدودة علیهم فبات السائب فی لیلة ظلماء علی ربوة من الارض یرمق برقا نشأ من أرض الحجاز ثم استطار حتی بلغ المشرق فلما أصبح رأی ما تحت قدمیه فاذا هی خضراء فقال فیما یعتاف لئن صدق ما أری لیخرجن من الحجاز سلطان یبلغ المشرق و تخصب عنه الارض کأفضل ما أخصبت عن ملک کان قبله فلما اجتمع الحزاة قال بعضهم لبعض و اللّه ما حال بینکم و بین علمکم الا أمر جاء من السماء و انه لنبی بعث أو هو سیبعث من الحجاز یسلب ملک کسری و یبلغ سلطانه المشرق و لئن نعیتم الی کسری ملکه لیقتلنکم فأقیموا بینکم أمرا تقولونه فجاءوا کسری فقالوا له انا قد نظرنا فی هذا فوجدنا حسابک الذین وضعت علی حسابهم طاق ملکک قد أخطئوا فوضعوه علی النحوس و انا سنحسب لک حسابا تضع علیه بنیانک فلا یزول قال فاحسبوا فحسبوا ثم قالوا له ابنه فبنی فعمل فی دجلة ثمانیة أشهر و أنفق فیها من الاموال ما لا یدری ما هو فلما تمّ البنیان قال لهم اجلس علی سورها قالوا نعم فعمل مأدبة و اجتمع أمراؤه و أرکان دولته فأمر بالبسط و الفرش و الریاحین فوضعت علیها فبینما هم هناک انتسفت دجلة البنیان من تحته و غرق الناس و ما فیه فلم یستخرج کسری الا بآخر رمق فلما أخرج تغیظ لهم و غضب علی الحزاة و قتل منهم قریبا من مائة و قال تلعبون بی و قال الباقون أیها الملک أخطأنا کما أخطأ الذین من قبلنا و لکن نحسب لک حسابا حتی تضعه علی الوفاق من السعود قال انظروا فحسبوا له ثم قالوا له ابنه فبنی و أنفق من الاموال ما لا یدری ما هو ثمانیة أشهر فلما تمّ قال لهم أخرج فاقعد قالوا نعم فرکب برذونا و خرج فبینا هو یسیر علیها اذ انتسفت دجلة البنیان فلم یدرک کسری الا بآخر رمق فدعاهم فقال و اللّه لآمرن علی آخرکم و لا نزعن أکتافکم و لأطرحنکم بین أیدی الفیلة أو لتصدقنی ما هذا الامر الذی تلقون علیّ قالوا نکذبک أیها الملک حین خرجنا من عندک لننظر فی علمنا فوجدنا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:286
الارض قد أظلمت علینا بالاقطار و سدّت علینا طرق علمنا و لم یمض لعالم منا علمه فعرفنا انّ هذا الامر حدث من السماء و انه قد بعث نبیّ من الحجاز أو سیبعث فیکون سببا لزوال ملکک فلما سمع کسری ذلک ترکهم و لها عنهم و عن دجلة حین غلبته* روی عن الحسن البصری أنّ أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالوا یا رسول اللّه ما حجة اللّه علی کسری فیک قال بعث اللّه ملکا فأخرج یده من سور جدار بیته الذی هو فیه تلألأ نورا فلما رأی ذلک فزع فقال لا ترع یا کسری انّ اللّه قد بعث رسولا و أنزل إلیه کتابا فاتبعه تسلم دنیاک و آخرتک قال سأنظر و سیجی‌ء فی الموطن السابع مثل هذا و کیفیة هلاک کسری*

(ذکر أوّل من أسلم)

* و فیه اختلاف و المشهور انه أبو بکر و قیل علیّ و من النساء خدیجة و من الموالی زید ثم أسلم بلال و قیل أوّل من أسلم من الرجال أبو بکر و من الصبیان علیّ و من النساء خدیجة ثم الزبیر و عثمان و ابن عوف و سعد و طلحة و قیل أوّل من أسلم بعد خدیجة أبو بکر الصدّیق و هو قول العباس و ابراهیم النخعی و الشعبی کذا فی معالم التنزیل* و فی الاستیعاب و أسد الغابة عن الحسن و غیره أوّل من أسلم علیّ* و سئل محمد بن کعب القرظی عن أوّل من أسلم علیّ أو أبو بکر قال سبحان اللّه علیّ أوّلهما اسلاما و انما اشتبه علی الناس لانّ علیا أخفی اسلامه عن أبی طالب و أبو بکر أسلم و أظهر اسلامه و قیل ینبغی أن یقال أوّل من آمن ورقة بن نوفل کذا فی مزیل الخفاء* و فی الکشاف آمن برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أی قیل النبوّة ورقة ابن نوفل و تبع الاکبر و حبیب بن شراجیل النجار و کان ینحت الاصنام و آمن برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و بینهما ستمائة سنة و لم یؤمن بنبی أحد الا بعد ظهوره قیل کان فی غار یعبد اللّه فلما بلغه خبر رسل عیسی أتاهم و أظهر دینه و قاول الکفرة فقالوا أ و أنت تخالف دیننا فوثبوا علیه فقتلوه و قیل تواطئوه بأرجلهم حتی خرج قصبه من دبره و قیل رجموه و هو یقول اللهمّ اهد قومی و قبره فی سوق انطاکیة فلما قتل غضب اللّه علیهم فأهلکهم بصیحة جبریل علیه السلام* و عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سباق الامم ثلاثة لم یکفروا باللّه طرفة عین علی بن أبی طالب و صاحب یس و مؤمن آل فرعون* و قال ابن اسحاق کان أوّل من تبع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خدیجة بنت خویلد زوجته ثم کان أوّل ذکر آمن به علیّ و هو یومئذ ابن عشر سنین* و فی الریاض النضرة بعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم الاثنین و أسلم علیّ یوم الثلاثاء خرجه البغوی فی معجمه* و عن رافع قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعثت یوم الاثنین وصلت خدیجة آخر یوم الاثنین و صلّی علیّ یوم الثلاثاء من الغد ثم زید بن حارثة ثم أبو بکر و هو یومئذ ابن ثمان و ثلاثین سنة کذا فی المدارک و قیل سبع و ثلاثین فلما أسلم أبو بکر جعل یدعو الی الاسلام فأسلم علی یدیه الزبیر بن العوّام و عثمان بن عفان و طلحة بن عبید اللّه و سعد بن أبی وقاص و عبد الرحمن بن عوف کذا فی شرح المقاصد* و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما دعوت أحدا الی الاسلام الا کانت عنده کبوة و تردّد الا أبا بکر ما أعتم حین ذکرته له و ما تردّد فیه* و فی أسد الغابة عن خالد الجهنی عن عبد اللّه بن مسعود قال قال أبو بکر انه خرج الی الیمن قبل أن یبعث النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال فنزلت علی شیخ من الازد عالم قد قرأ الکتب و علم من علم الناس کثیرا فلما رآنی قال أحسبک حرمیا قال أبو بکر قلت نعم أنا من أهل الحرم قال و أحسبک قرشیا قال قلت نعم و أنا من قریش قال و أحسبک تیمیا قال قلت نعم و أنا من تیم بن مرّة أنا عبد اللّه بن عثمان من ولد کعب ابن سعد بن تیم بن مرّة قال بقیت لی فیک واحدة قلت و ما هی قال تکشف لی عن بطنک قلت لا أفعل أو تخبرنی لم ذاک قال أجد فی العلم الصحیح الصادق انّ نبیا یبعث فی الحرم یعاونه علی أمره فتی و کهل أمّا الفتی فخوّاض غمرات و دفاع معضلات و أمّا الکهل فأبیض نحیف علی بطنه شامة و علی فخذه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:287
الیسری علامة و ما علیک أن ترینی ما سألتک فقد تکاملت لی فیک الصفة الا ما خفی علیّ* قال أبو بکر فکشفت له بطنی فرأی شامة سوداء فوق سرّتی فقال أنت هو و رب الکعبة و انی متقدّم إلیک فی أمر فاحذره قال أبو بکر قلت و ما هو قال ایاک و المیل عن الهدی و تمسک بالطریق الوسطی و خف اللّه فیما خوّلک و أعطاک قال أبو بکر فقضیت بالیمن أربی ثم أتیت الشیخ لأودّعه فقال أ حامل عنی أبیاتا من الشعر قلتها فی ذلک النبیّ قلیت نعم فذکر أبیاتا قال أبو بکر فقدمت مکة و قد بعث صلی اللّه علیه و سلم فجاءنی عقبة بن أبی معیط و شیبة بن ربیعة و أبو جهل و أبو البختری و صنادید قریش فقلت لهم هل نابتکم نائبة أو ظهر فیکم أمر قالوا یا أبا بکر أعظم الخطب یتیم أبی طالب یزعم انه نبیّ و لو لا أنت ما انتظرنا به فإذ قد جئت فأنت الغایة و الکفایة* قال أبو بکر فصرفتهم علی أحسن مس و سألت عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقیل لی فی منزل خدیجة فقرعت علیه الباب فخرج الیّ فقلت یا محمد فقدت من منازل أهلک و ترکت دین آبائک و أجدادک قال یا أبا بکر انی رسول اللّه إلیک و الی الناس کلهم فآمن باللّه قلت و ما دلیلک علی ذلک قال الشیخ الذی لقیته بالیمن قلت و کم من شیخ لقیت بالیمن قال الشیخ الذی أفادک الابیات قلت و من خبرک بهذا یا حبیبی قال الملک المعظم الذی یأتی الأنبیاء قبلی قلت مدّ یدک فأنا أشهد أن لا إله الا اللّه و انک رسول اللّه قال ابو بکر فانصرفت و ما بین لابتیها اشدّ سرورا من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم باسلامی* و عن مجاهد قال اوّل من اظهر الاسلام سبعة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ابو بکر و بلال و خباب و صهیب و عمار و سمیة أمّ عمار کذا فی الصفوة* و عن عائشة رضی اللّه عنها قالت خرج ابو بکر رضی اللّه عنه یرید رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان له صدیقا فی الجاهلیة فلقیه قال یا ابا القاسم فقدت من مجالس قومک و اتهموک بالعیب لآبائها و أدیانها فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انی رسول اللّه أدعو الی اللّه فلما فرغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أسلم ابو بکر فانصرف عنه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ما بین الاخشبین اکثر منه سرورا باسلام ابی بکر فمضی ابو بکر فراح بعثمان و طلحة بن عبید اللّه و الزبیر بن العوّام و سعد بن ابی وقاص فأسلموا ثم جاء الغد بعثمان بن مظعون و ابی عبیدة بن الجراح و عبد الرحمن بن عوف و ابی سلمة ابن عبد الاسد و الارقم بن ابی الارقم فأسلموا کذا فی المنتقی*

(ذکر ما وقع فی السنة الثانیة و الثالثة من النبوّة من اخفاء الدعوة)

* روی انه کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یستر النبوّة و یدعو الی الاسلام فی السرّ ثلاث سنین و کان ابو بکر أیضا یدعو من یثق به من قومه فلما مضت من النبوّة ثلاث سنین نزل قوله تعالی فاصدع بما تؤمر فأظهر الدعوة الی الاسلام* و روی عن عروة بن الزبیر و غیره من اهل العلم انه کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من حین انزل علیه اقرأ باسم ربک الی ان کلف الدعوة و اظهارها و أنزل فاصدع بما تؤمر و أنذر عشیرتک الاقربین ثلاث سنین لا یظهر الدعوة فی تلک المدّة الا للمختصین ثم أعلن و صدع بما یأمر اللّه تعالی به نحو عشر سنین بمکة* و فی السنة الثانیة أو الثالثة من النبوّة توفی ورقة بن نوفل ابن عم خدیجة فی حدیث عائشة رضی اللّه عنها فی الصحیحین انّ الوحی تتابع فی حیاة ورقة و انه آمن به* و قال الذهبی الاظهر انه مات بعد النبوّة و قبل الرسالة أی قبل اظهار الدعوة و نزول فاصدع بما تؤمر و أخواتها* و فی المنتقی أورد وفاة ورقة بن نوفل فی السنة الرابعة من النبوّة* و فی السنة الرابعة من النبوّة کان اظهار الدعوة و فی صحیح مسلم عن أبی هریرة أنه قال لما نزلت هذه الآیة و أنذر عشیرتک الاقربین دعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قریشا فاجتمعوا نعم و خص و قال یا بنی کعب بن لؤیّ أنقذوا أنفسکم من النار یا بنی عبد شمس أنقذوا أنفسکم من النار یا بنی عبد مناف أنقذوا أنفسکم من النار یا بنی هاشم أنقذوا أنفسکم من النار یا بنی عبد المطلب أنقذوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:288
أنفسکم من النار یا فاطمة أنقذی نفسک من النار فانی لا أملک لکم من اللّه شیئا غیر ان لکم رحما سأبلها ببلالها ذکره المحب الطبری فی ذخائر العقبی* و فی أنوار التنزیل لما نزلت و أنذر عشیرتک الاقربیین صعد الصفا و ناداهم فخذا فخذا فاجتمعوا إلیه فقال صلّی اللّه علیه و سلم لو أخبرتکم أن بسفح هذا الجبل خیلا أ کنتم مصدقیّ قالوا نعم قال صلّی اللّه علیه و سلم فانی نذیر لکم بین یدی عذاب شدید قال أبو لهب تبا لک أ لهذا دعوتنا و أخذ حجرا لیرمیه فنزلت تبت یدا أبی لهب و کذا فی النهر الا أن فیه قال یا صفیة بنت عبد المطلب یا فاطمة بنت محمد لا أغنی عنکما من اللّه شیئا سلانی من مالی ما شئتم ثم صعد الصفا فنادی بطون قریش یا فلان یا فلان* و فی روایة صاح بأعلی صوته یا صباحاه فاجتمعوا إلیه من کل وجه فقال لهم أ رأیتم لو قلت لکم انی أنذرکم خیلا بسفح هذا الجبل أ کنتم مصدقیّ الی آخر ما ذکر و فیه أ لهذا جمعتنا فافترقوا عنه و لما سمعت أمّ جمیل سورة تبت أتت أبا بکر و هو مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی المسجد و بیدها فهر و قالت بلغنی أنّ صاحبک هجانی و لا فعلن فأعمی اللّه بصرها عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال لها أبو بکر هل ترین معی أحدا فقالت أ تهزأ بی لا أری غیرک و ان کان صاحبک شاعرا فأنا مثله أقول* مذمما أبینا و دینه قلینا و أمره عصینا فسکت أبو بکر و مضت هی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لقد حجبنی عنها ملائکة فما رأتنی و کفانی اللّه شرّها و ذکر أنها ماتت مخنوقة بحبلها و ابو لهب رماه اللّه بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع لیال و أمّ جمیل بنت حرب اخت ابی سفیان امرأة ابی لهب کانت عوراء و یقال لها حمالة الحطب لانها کانت تحمل الحطب الذی هو الشوک لتؤذی بالقائه فی طریق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و اصحابه لتعقرهم فذمت بذلک و سمیت حمالة الحطب و قیل حطب المشی بالنمیمة* و عن الزهری قال دعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الاسلام سرّا و جهرا فاستجاب اللّه من أحداث الرجال و ضعفاء الناس حتی کثر من آمن به و کفار قریش غیر منکرین لما یقول فکانوا اذا مر علیهم فی مجالسهم یشیرون إلیه ان غلام بنی عبد المطلب لیکلم من السماء و کان کذلک حتی عاب آلهتهم التی یعبدونها من دون اللّه و ذکر هلاک آبائهم الذین کانوا علی الکفر فشنعوا لرسول صلّی اللّه علیه و سلم عند ذلک و عادوه* و عن طارق بن عبد اللّه المحاربی قال رأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بسوق ذی المجاز و انا فی بیاعة لی مرّ و علیه حلة حمراء و هو ینادی بأعلی صوته یا أیها الناس قولوا لا إله الا اللّه تفلحوا و رجل یتبعه بالحجارة قد أدمی کعبیه و عرقوبیه و هو یقول أیها الناس لا تطیعوه فانه کذاب قلت من هذا قالوا غلام بنی عبد المطلب قلت فمن هذا الذی یتبعه قالوا عمه عبد العزی* و فی السنة الخامسة أو الرابعة من النبوّة ولدت عائشة بنت ابی بکر بمکة و امّها أمّ رومان کذا قاله الحافظ مغلطای و غیره کذا فی المواهب اللدنیة*

هجرة الحبشة الاولی‌

و فی هذه السنة وقعت هجرة الحبشة الاولی و ذلک انه لما ظهر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالنبوّة لم تنکر علیه قریش و لما سب آلهتهم و عابها قال العتقی و کان ذلک فی سنة اربع انکروا و بالغوا فی اذی المسلمین فأمرهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالخروج الی الحبشة و قال انّ بها ملکا لا یظلم الناس ببلاده فتحوزوا عنده حتی یأتیکم اللّه بفرج منه کذا فی الصفوة فخرج قوم و ستر الباقون اسلامهم* و فی المواهب اللدنیة خرج فی رجب سنة خمس من النبوّة مهاجرا ناس ذو عدد منهم من هاجر بأهله و منهم من هاجر بنفسه و کانوا احد عشر رجلا و اربع نسوة و قیل خمس نسوة و قیل و امرأتان و امیرهم عثمان بن مظعون و انکر ذلک الزهری و قال لم یکن لهم امیر و خرجوا مشاة الی البحر فاستأجروا سفینة بنصف دینار انتهی* و فی المنتقی و کانت ارض الحبشة متجرا لقریش فخرجوا متسللین سرّا فصادف وصولهم الی البحر سفینتین للتجارة فحملوهم فیهما الی ارض الحبشة و کان مخرجهم فی رجب السنة الخامسة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:289
من النبوّة و خرجت قریش فی آثارهم ففاتوهم* و فی المواهب اللدنیة کان اوّل من خرج عثمان ابن عفان مع امرأته رقیة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و اخرج سفیان بسند موصول الی انس قال أبطأ علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خبرهما فقدمت امرأة فقالت قد رأیتهما و قد حمل عثمان امرأته علی حمار قال انّ عثمان لاوّل من هاجر بأهله بعد لوط فلما رأت قریش استقرارهم بالحبشة و أمنهم أرسلوا عمرو بن العاص و عبد اللّه بن ابی ربیعة بهدایا و تحف من بلادهم الی النجاشی و اسمه اصحمة بن بحری و قیل مکحول بن صصة*

فائدة فی أسماء ملوک الجهات‌

و النجاشی اسم لکل من ملک الحبشة و تسمیه المتأخرون الابحری و کذلک خاقان لمن ملک الترک و قیصر لمن ملک الروم و تبع لمن ملک الیمن و ان ترشح للملک سمی قیلا و بطلمیوس لمن ملک الیونان و القیطون لمن ملک الیهود هکذا قاله ابن خردادیه و المعروف مالخ ثم رأس الجالوت و النمرود لمن ملک الصابئة و دهمن و یعفور لمن ملک الهند و غانة لمن ملک الزنج و فرعون لمن ملک مصر و الشأم فان اضیف إلیهما الاسکندریة سمی العزیز و یقال المقوقس و کسری لمن ملک العجم و الاخشید لمن ملک فرغانة و النعمان لمن ملک العرب من قبل العجم و جالوت لمن ملک البربر کذا فی سیرة مغلطای* قال و کان معهما عمارة بن الولید لیردّهم الی قومهم فأبی ذلک و ردّهما خائبین بهدیتهما و سیجی‌ء تفصیله فأقاموا عند النجاشی آمنین فلما نزلت سورة و النجم سجد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی آخر السورة و سجد معه المشرکون* روی انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قرأ ینادی قومه سورة و النجم فلما بلغ قوله تعالی و مناة الثالثة الاخری سمعت تلک الغرانیق العلی منها الشفاعة ترتجبی و کانت هذه المسموعة بادخال الشیطان فی اثناء قراءة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بأن سکت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند قوله و مناة الثالثة الاخری فتکلم الشیطان بهذه الکلمات متصلا بقراءة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و خلط صوته بصوته محاکیا نغمة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فظنّ ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هو الذی یتکلم بها فیکون هذا القاء من الشیطان فی قراءة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کذا فی شرح المواقف و المدارک و انوار التنزیل و غیرها* قال القاضی عیاض و هذا احسن وجوه التأویل فیه و کذا استحسن ابن العربی هذا التأویل و قد سبق الی ذلک الطبری مع جلالة قدره و سعة علمه و شدّة ساعده فی النظر فصوّب علی هذا المعنی کذا فی المواهب اللدنیة فأنزل اللّه تعالی و ما ارسلنا من قبلک من رسول و لا نبیّ الا اذا تمنی القی الشیطان فی أمنیته ای فی تلاوته قال الشاعر
تمنی کتاب اللّه اوّل لیلةتمنی داود الزبور علی رسل و کان الشیطان یبصر و یتکلم فیسمع کلامه فی زمن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لما سجد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی آخر السورة سجد معه المشرکون فبلغ ذلک أهل الحبشة فقالوا ان کانوا قد آمنوا فلنرجع الی عشائرنا و کانوا قد خرجوا فی رجب و اقاموا بالحبشة شعبان و رمضان و قدموا فی شوّال فلقیهم رکب فسألوهم فقالوا ذکر محمد آلهتهم فتابعوه ثم عاد عن ذکرها فعادوا له بالشرّ فلم یدخل أحد منهم مکة الا بجوار الا ابن مسعود فانه مکث قلیلا ثم رجع الی أرض الحبشة فسطت بهم عشائرهم فآذوهم فأذن لهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الخروج مرّة أخری الی أرض الحبشة فخرج خلق کثیر* قال محمد بن اسحاق من لحق من المسلمین بأرض الحبشة سوی أبنائهم الذین خرجوا بهم صغارا و ولدیها نیف و ثلاثون رجلا و من النساء احدی عشرة امرأة قرشیة و سبع غرائب فلما سمعوا بمهاجر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة رجع منهم ثلاثة و ثلاثون رجلا و ثمان نسوة فمات منهم رجلان بمکة و حبس منهم سبعة و شهد بدرا منهم اربعة و عشرون و فی الصفوة و المنتقی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:290
عن أمّ سلمة أنها قالت انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما فتن أصحابه بمکة أشار علیهم أن یلحقوا بأرض الحبشة و قال انّ بها ملکا لا یظلم الناس ببلاده کما مرّ فخرجنا ارسالا و لما نزلنا بأرض الحبشة جاورنا بها خیر جار النجاشی أمنا علی دیننا و عبدنا اللّه لا نؤذی فلما بلغ ذلک قریشا ائتمروا أن یبعثوا الی النجاشی فینا رجلین جلدین من قریش و أن یهدوا الی النجاشی هدایا مما یستظرف من متاع مکة من الادم و غیره و کان الادم یعجب النجاشی أن یهدی إلیه ففعلوا و جمعوا له أدما کثیرا و لم یترکوا من بطارقته بطریقا الا أهدوا له هدیة ثم بعثوا بذلک عبد اللّه بن أبی ربیعة المخزومی و عمرو بن العاص و قالوا لهما ادفعا الی کل بطریق هدیته قبل أن تکلما النجاشی ثم قدّما الی النجاشی هدایاه ثم سلاه أن یسلمهم إلیکما قبل أن یکلمهم فخرجا و لما قدما دفعا الی کل بطریق هدیته و قالا انه قد صبأ الی بلد الملک منا غلمان سفهاء فارقوا دین قومهم و لم یدخلوا فی دین الملک و جاءوا بدین مبتدع و قد بعثنا الی الملک فیهم أشراف قومهم لیردّ و هم إلیهم فاذا کلمنا الملک فیهم فأشیروا علیه أن یسلمهم إلینا و لا یکلمهم فقالوا نعم ثم قربا هدایاهم الی النجاشی فقبلها منهم ثم کلماه فقالوا له أیها الملک انه قد صبا الی بلدک منا غلمان سفهاء فارقوا دین قومهم و لم یدخلوا فی دین الملک و جاءوا بدین مبتدع لا نعرفه نحن و لا أنت و قد بعثنا فیهم أشراف قومهم من آبائهم و أعمامهم و عشائرهم لتردّهم إلیهم فقال بطارقته صدقوا أیها الملک فارددهم و أسلمهم إلیهما فغضب النجاشی ثم قال لا و اللّه لا أسلم إلیکما قوما جاورونی و نزلوا بلادی و لجئوا الیّ و اختارونی علی من سوای حتی أدعوهم و أسألهم ما یقول هذان فی أمرهم فان کانوا کما یقولان سلمتهم إلیهما و ان کانوا غیر ذلک منعتهم منهما و أحسنت جوارهم ما جاورونی فأرسل الی أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدعاهم فلما أن جاء رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل اذا جئتموه قالوا نقول و اللّه ما علمنا و ما أمرنا به نبینا صلّی اللّه علیه و سلم کائن فی ذلک ما هو کائن و أرسل النجاشی فجمع بطارقته و أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله فلما جاءوه سألهم فقال انّ هؤلاء یزعمون انکم فارقتم دینهم فأخبرونی ما هذا الدین الذی فارقتم فیه قومکم و لم تدخلوا فی دینی و لا فی دین آخر من هذه الامم‌

مکالمة جعفر مع النجاشی‌

فتکلم جعفر بن أبی طالب فقال أیها الملک کنا أهل جاهلیة لا نعرف اللّه و لا رسوله نعبد الاصنام و نأکل المیتة و نأتی الفواحش و نقطع الارحام و نسی‌ء الجوار یأکل القوی منا الضعیف فکنا علی ذلک حتی بعث اللّه إلینا رسولا منا نعرف نسبه و صدقه و أمانته و عفافه فدعانا الی اللّه عز و جل لنوحده و نعبده و نخلع ما کنا نعبد نحن و آباؤنا من دونه من الحجارة و الاوثان و أمرنا بالمعروف و نهانا عن المنکر و أمرنا بصدق الحدیث و أداء الامانة وصلة الرحم و حسن الجوار و الکف عن المحارم و الدماء و أمرنا بالصلاة و الزکاة و الصیام و الصدقة و کل ما یعرف من الاخلاق الحسنة و نهانا عن الزنا و الفواحش و قول الزور و أکل مال الیتیم و قذف المحصنة و کل ما یعرف من السیئات و تلی علینا تنزیلا لا یشبهه شی‌ء فصدّقناه و آمنا به و عرفنا أنّ ما جاء به هو الحق من عند اللّه فعبدنا اللّه وحده لا نشرک به شیئا و حرمنا ما حرم علینا و أحللنا ما أحل لنا ففارقنا عند ذلک قومنا فعدا علینا قومنا فآذونا و فتنونا عن دیننا لیردّونا الی عبادة الاوثان و أن نستحل ما کنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا و ظلمونا و حالوا بیننا و بین دیننا و بلغنا ما نکره و لم نقدر علی الامتناع أمرنا نبینا صلّی اللّه علیه و سلم أن نخرج الی بلادک اختیارا لک علی من سواک و رغبنا فی جوارک و رجونا أن لا نظلم عندک أیها الملک فقال له النجاشی هل معکم مما جاءکم به عن اللّه عز و جل شی‌ء فقال له جعفر نعم قال فاقرأه علیّ فقرأ علیه صدرا من کهیعص فبکی و اللّه النجاشی حتی اخضلت لحیته و بکت أساقفته حتی اخضلت لحاهم و مصاحفهم ثم قال النجاشی و اللّه انّ هذا الکلام و الکلام الذی جاء به موسی لیخرجان من مشکاة واحدة ثم قال انطلقا و اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:291
لا أسلمهم إلیکما أبدا و لا أخلی بینکما و بینهم فألحقا بشأنکما فخرجا من عنده مقبوحین مردودا أمرهما علیهما* و فی ذخائر العقبی عن جعفر قال فقال لهما النجاشی أ عبیدهم لکم قالوا لا قال فلکم علیهم دین قالوا لا قال فخلوا سبیلهم انتهی قالت أمّ سلمة فلما خرجا قال عمرو بن العاص و اللّه لآتینه غدا أعیبهم بما أستأصل به خضراءهم أو قال یقول أبید به خضراءهم فقال عبد اللّه بن أبی ربیعة و هو أتقی الرجلین فینا لا تفعله فانّ لهم أرحاما* و فی المنتقی فانّ للقوم رحما و ان کانوا قد خالفوا فما نحب أن یبلغ ذلک منهم فقال و اللّه لاخبرنه أنهم یزعمون أنّ عیسی ابن مریم عبد فلما کان الغد غدا إلیه و دخل علیه فقال له أیها الملک انهم یخالفونک و یقولون فی عیسی ابن مریم قولا عظیما یزعمون أنه عبد فارسل إلیهم و أسألهم عما یقولون* و فی ذخائر العقبی قال النجاشی ان لم یقولوا فی عیسی مثل قولی لم أدعهم فی أرضی ساعة من نهار فأرسل إلینا و کانت الدعوة الثانیة أشدّ علینا من الاولی انتهی قالت أمّ سلمة فأرسل النجاشی إلیهم قالت أمّ سلمة فما نزل بنا قط مثلها فاجتمعوا فقال بعضهم لبعض هل عرفتم أنّ عیسی إلهه الذی یعبده و قد عرفتم أنّ نبیکم جاءکم بأنّه عبد و انّ ما یقولون هو الباطل فما ذا تقولون قالوا نقول و اللّه فیه ما قال اللّه عز و جل و ما جاء به نبینا کائن فی ذلک ما هو کائن فلما دخلوا علیه قال لهم ما ذا تقولون فی عیسی ابن مریم فقال له جعفر نقول فیه ما جاء به نبینا انه عبد اللّه و رسوله و روحه و کلمته ألقاها الی مریم العذراء البتول فضرب النجاشی بیده الی الارض فأخذ منها عودا فقال ما عدا عیسی ابن مریم ما تقولون مثل هذا العود فنخرت أساقفته أی تکلمت بلغتهم قال لهم النجاشی و ان نخرتم ثم قال للمسلمین اذهبوا فأنتم سئوم بأرضی و السئوم الآمنون من سبکم غرم من سبکم غرم غرم ما أحب انی آذیت منکم رجلا و انّ لی دبرا من الذهب و الدبر بلسانهم الجبل ردّوا علیهما هدایاهما فلا حاجة لی بها فو اللّه ما أخذ اللّه منی رشوة حین ردّ علیّ ملکی و ما أطاع فیّ الناس فأطیعهم فیه فردّوا علیهما هدایاهما فخرجا خائبین* و فی روایة قال النجاشی للمسلمین مرحبا بکم و بمن جئتم من عنده و أنا أشهد أنه رسول اللّه و أنه الذی بشر به عیسی و لو لا ما أنا فیه من الملک لآتینه حتی أقبل نعله* و فی ذخائر العقبی عن جعفر قال فقال النجاشی ادع لی فلانا القس و فلانا الراهب فأتاه أناس منهم قال فقال ما تقولون فی عیسی ابن مریم قالوا أنت أعلمنا بما نقول فقال النجاشی و أخذ شیئا من الارض ما عدا عیسی علیه السلام ما قال هؤلاء بمثل هذا قال لهم أ یؤذیکم أحد قالوا نعم فأمر منادیا فنادی من آذی أحدا منهم فأغرموه أربعة دراهم ثم قال أ یکفیکم قلنا لا قال فاضعفوها* قال فلما هاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و خرج الی المدینة و ظهر بها أتیناه فقلنا انّ صاحبنا قد خرج الی المدینة فظهر بها و قتل الذین کنا حدّثناک عنهم و قد أردنا الرحیل فزوّدنا فدفع إلینا ما یحملنا و أحسن إلینا ثم قال أخبر صاحبک بما صنعت إلیکم و هذا صاحبی معکم و أنا أشهد أن لا إله الا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه قال و قل له یستغفر لی* قال جعفر فخرجنا حتی أتینا المدینة فتلقانی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فاعتنقنی ثم قال ما أدری أنا أ بفتح خیبر أفرح أم بقدوم جعفر و وافق ذلک فتح خیبر ثم جلس فقام رسول النجاشی فقال هذا جعفر فاسأله ما صنع به صاحبنا فقال له نعیم فعل بنا و حملنا و زوّدنا و شهد أن لا إله الا اللّه و أنک رسول اللّه و قال قل له یستغفر لی فقام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتوضأ و دعا ثلاث مرّات اللهمّ اغفر للنجاشی فقال المسلمون آمین* قال جعفر فقلت للرّسول و أخبر صاحبک بما قد رأیت من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خرجه المخلص الذهبی و البغوی فی معجمه عن أمّ سلمة*

قصة تولیة النجاشی‌

معنی قول النجاشی ما أخذ اللّه منی رشوة حین ردّ علیّ ملکی فآخذ الرشوة و ما أطاع الناس فیّ فأطیع الناس فیه انه لم یکن لابیه ولد غیره و کان أبوه ملک قومه و کان للنجاشی عمّ له من صلبه اثنا عشر رجلا و کانوا أهل بیت مملکة الحبشة قالت الحبشة فیما بینها لو قتلنا أبا النجاشی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:292
ثم ملکنا أخاه فتوارث ملکه بنوه فانهم اثنا عشر رجلا لبقی ملک الحبشة زمانا فعدوا علی أبی النجاشی فقتلوه ثم ملکوا أخاه و نشأ النجاشی مع عمه و کان لبیبا حاذقا فغلب علی أمر عمه و نزل منه کل منزل فلما رأت الحبشة مکانه منه قالت و اللّه لقد غلب هذا الفتی علی أمر عمه و انا لنتخوّف أن یملکه علینا و ان ملکه علینا لیقتلنا أجمعین لقد عرف أنا قتلنا أباه فمشوا الی عمه فقالوا انا قتلنا أنا هذا الغلام و قد عرف انا قتلناه و ملکناک علینا و نحن نتخوّفه علی أنفسنا فاقتله أو أخرجه من بلادنا فقال و یحکم قتلتم أباه بالامس و أقتله الیوم اذهبوا فأخرجوه من بلادکم فبیعوه فی هذا السوق فأخرجوه الی السوق فأقاموه فیه فجاء تاجر فاشتراه بستمائة درهم فألقاه فی سفینته فانطلق حتی اذا کان العشیّ من ذلک الیوم هاجت سحابة من سحائب الخریف فخرج عمه یستمطر فأصابته صاعقة فأهلکته فرجعوا الی بنیه فاذا هم لیس فیهم خیر فقالت الحبشة بعضهم لبعض هلک و اللّه ملککم تعلمون انّ ملککم الذی بعتموه فان کان لکم فی ملککم حاجة فأدرکوه فخرجوا فی طلبه فأدرکوا التاجر فأخذوه منه ثم جاءوا به فقعدوا علیه التاج و أقعدوه علی سریر الملک فملکوه فجاءهم التاجر الذی باعوه منه فقال أعطونی دراهمی کما أخذتم غلامی قالوا لا و اللّه لا نفعل قال و اللّه لأشکونّ منکم عند الملک فجاء فجلس بین یدی الملک فقال أیها الملک انی ابتعت غلاما ثم أتانی باعته فانتزعوه منی فسألتهم مالی فأبوا أن یعطونی فنظر النجاشی إلیه فقال و اللّه لتعطنه ماله أو لیضعن عبده یده فی یده فیذهب به حیث شاء فقالوا بل نعطیه ماله و کان هذا أوّل ما اختبر من صلابته و عدله و هذا قوله ما أخذ اللّه منی رشوة حین ردّ علیّ ملکی فآخذ الرشوة و ما أطاع الناس فیّ فأطیع الناس فیه ذکره ابن اسحاق عن عائشة* و فی روایة بعث قریش عمرو بن العاص و عمارة بن الولید* و فی معالم التنزیل بن أبی معیط بدل الولید الی النجاشی فذکر نحو الحدیث المتقدّم قال و کان عمرو رجلا فقیرا و عمارة رجلا جمیلا فأقبلا فی البحر الی النجاشی فشربوا و مع عمرو امرأته فلما ثملوا من الخمر قال عمارة لعمرو مر امرأتک فلتقبلنی فقال له عمرو أ لا تستحیی فأخذ عمارة عمرا یرمی به فی البحر فجعل عمرو یناشده حتی أدخله السفینة فحقد عمرو علی عمارة و مکر به فقال یا عمارة انک لرجل جمیل فاذهب الی امرأة النجاشی و تحدّث عندها اذا خرج زوجها فانّ ذلک عون لنا فی حاجتنا فراسلها عمارة حتی دخل علیها فانطلق عمرو الی النجاشی فقال انّ صاحبی هذا صاحب نساء و انه یرید أهلک فبعث النجاشی الی بیته فاذا عمارة عند أهله فأمر به فنفخ فی احلیله أی سحره فطار مع الوحش* و فی روایة ثم ألقاه فی جزیرة من جزائر البحر فجنّ و استوحش مع الوحش کذا فی المنتقی*

(ذکر بعض ما لقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من ایذاء المشرکین)

* و لما خرج المسلمون الی الحبشة و منع اللّه تعالی نبیه بعمه أبی طالب و رأت قریش أن لا سبیل لهم علیه رموه بالکهانة و السحر و الجنون و الشعر ثم بالغوا فی أذاه فمن ایذائهم ما روی أن نبینا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بینما هو بفناء الکعبة اذ أقبل عقبة بن أبی معیط فأخذ بمنکب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لوی ثوبه فی عنقه فخنقه خنقا شدیدا فأقبل أبو بکر فأخذ بمنکبه و دفعه عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قال أ تقتلون رجلا أن یقول ربی اللّه و قد جاءکم بالبینات من ربکم* و روی عن عائشة أنها قالت عاد أبو بکر و قد صدعوا فرق رأسه مما جذبوه بلحیته و کان رجلا کثیر الشعر* و فی معالم التنزیل لما بزق عقبة بن أبی معیط فی وجه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عاد بزاقه فی وجهه فاحترق خدّاه و کان أثر ذلک فیه حتی الموت* و عن عبد اللّه أنه قال ما رأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دعا علی قریش غیر یوم واحد فانه کان یصلی و رهط من قریش جلوس و سلا جزور قریب منه فقالوا من یأخذ هذا فیلقیه علی ظهره فقال عقبة بن أبی معیط أنا فأخذه فألقاه علی ظهره فلم یزل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:293
ساجدا حتی جاءت فاطمة فألقته عن ظهره فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اللهمّ علیک بالملإ من قریش اللهمّ علیک بعتبة بن ربیعة اللهمّ علیک بشیبة بن ربیعة اللهمّ علیک بأبی جهل بن هشام اللهمّ علیک بعقبة بن أبی معیط اللهمّ علیک بأبیّ بن خلف أو أمیة بن خلف* قال عبد اللّه فلقد رأیتهم قتلوا یوم بدر جمیعا ثم سحبوا الی القلیب غیر أمیة فانه کان رجلا ضخما فتقطع و لما کثر أنواع الاذی من المشرکین استتر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مع أصحابه فی دار الا رقم بن أبی الارقم بن أسد و أقاموا فی تلک الدار شهرا و هم تسعة و ثلاثون رجلا* و فی الصفوة أرقم بن أبی الارقم أسلم بعد ستة نفر و کان داره بمکة علی الصفا فیها استتر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و دعا الناس فیها الی الاسلام و تصدّق بها الارقم علی ولده فلم یزل المنصور یرغب ولده فی المال حتی باعه ایاها ثم أعطاها المهدی الخیزران و قد یقال هی بأصل الصفا و یقال عند الصفا فالکل واحد و هی التی تسمی الآن بدار الخیزران* و فی کتاب الغزی کان صلّی اللّه علیه و سلم مستترا فیها فی بدء الاسلام و کان بها اجتماع من أسلم من الصحابة و بها أسلم عمر و حمزة و غیرهما و منها ظهر الاسلام قاله العقبی* و فی هذه السنة ولد أسامة بن زید و أنس بن مالک و المغیرة بن شعبة الثقیفی و أبو موسی الاشعری و زید بن خالد الجهنی و حبیب بن مسلمة الفهری کذا فی سیرة مغلطای* و فی هذه السنة توفیت سمیة بنت حباط مولاة أبی حذیفة بن المغیرة و هی أمّ عمار بن یاسر أسلمت بمکة قدیما و کانت ممن یعذب فی اللّه عز و جل لترجع عن دینها فلم ترجع فمرّ بها أبو جهل فطعنها فی قلبها فماتت و کانت عجوزا کبیره فهی أوّل شهیدة فی الاسلام و فی السنة السادسة من النبوّة أسلم حمزة بن عبد المطلب و عمر بن الخطاب و قد قیل أسلما فی سنة خمس کذا فی المنتقی و کان اسلام حمزة قبل اسلام عمر بثلاثة أیام بعد دخول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم دار الارقم کذا فی الصفوة*

(ذکر اسلام حمزة)

* أما سبب اسلام حمزة فهو انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان جالسا عند الصفا فمرّ به أبو جهل فشتمه و أذاه و قال فیه بعض ما یکره من العیب لدینه و التضعیف لامره فلم یکلمه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و اذا مولاة لعبد اللّه بن جدعان فی مسکن لها تسمع ذلک ثم انصرف أبو جهل عنه فعمد الی نادی قریش عند الکعبة فجلس معهم فلم یلبث حمزة بن عبد المطلب ان أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنصه و کان اذا رجع من قنصه لم یصل الی أهله حتی یطوف بالکعبة و کان اذا فعل ذلک لم یمرّ علی ناد من قریش الا وقف و سلم و تحدّث معهم فلما مرّ بالمولاة و قد رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی بیته قالت له یا أبا عمارة لو رأیت ما لقی ابن أخیک محمد آنفا من ابی الحکم بن هشام وجده هاهنا جالسا فأذاه و سبه و بلغ منه ما یکره ثم انصرف عنه و لم یکلمه محمد فاحتمل حمزة الغضب لما أراد اللّه به من کرامته و کان أعزفتی فی قریش و اشدّها شکیمة فخرج یسعی لم یقف علی احد معدا لابی جهل اذا لقیه أن یوقع به فلما دخل المسجد نظر إلیه جالسا فی القوم فأقبل نحوه حتی اذا قام علی رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منکرة و قال أ تشتمه و أنا علی دینه أقول ما یقول فاردد ذلک علیّ ان استطعت فقامت رجال من بنی مخزوم الی حمزة لینصروا أبا جهل فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة فانی و اللّه سبیت ابن أخیه سبا قبیحا و تم حمزة علی اسلامه و علی مبایعة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلما أسلم حمزة عرفت قریش ان رسول اللّه قد عز و امتنع و ان حمزة سیمنعه فکفوا عن بعض ما کانوا ینالون من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و فی المواهب اللدنیة قال حمزة حین أسلم
حمدت اللّه حین هدی فؤادی‌الی الاسلام و الدین الحنیفی
لدین جاء من رب عزیزخبیر بالعباد بهم لطیف
اذا تلیت رسائله علیناتحدّر دمع ذی اللب الخصف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:294 رسائل جاء أحمد من هداهابآیات مبینة الحروف
و أحمد مصطفی فینا مطاع‌فلا تغشوه بالقول العنیف
فلا و اللّه نسلّمه لقوم‌و لما نقض فیهم بالسیوف و عند غیر ابن اسحاق ان کلام أبی جهل للنبی صلّی اللّه علیه و سلم کان عند الحجون و انه صب التراب علی رأس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و وطئ برجله علی عاتقه و ان المرأة التی اخبرت حمزة سلمی مولاة صفیة بنت عبد المطلب و انه قال لها أنت رأیت هذا الذی تقولین قالت نعم فدخل سریعا فنظر الی الخلق لا یتکلم یعرف فی وجهه الغضب حتی وقف علی أبی جهل فحمل علیه بالقوس فضربه ضربة أوضحت فی رأسه و ذکر ما مضی بعده و قال قال حمزة أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و اللّه لا انزع فامنعونی ان کنتم صادقین* و خرج صاحب الصفوة ذکر الایضاح بالقوس حین بلغه ما نال أبو جهل من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا غیر و کان اسلامه فی السنة الثانیة من المبعث و قیل کان اسلامه بعد دخول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم دار الا رقم فی السنة السادسة من المبعث و لم یذکر فی الصفوة غیره و ذکر الحافظ أبو القاسم الدمشقی ان اسلامه کان یوم ضرب ابو بکر حین ظهر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قبل اسلام عمر من دار الا رقم و روی ان ذلک کان قبل اسلام عمر بثلاثة ایام و التوفیق بین الاحادیث کلها ممکن کذا فی ذخائر العقبی و فی المنتقی و کان حمزة بن عبد المطلب أسلم یوم ضرب أبو بکر و ذلک ان اصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و رضی عنهم لما اجتمعوا و کانوا تسعة و ثلاثین رجلا ألح أبو بکر علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الظهور فقال یا أبا بکر انا قلیل فلم یزل یلح علیه حتی ظهر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی نواحی المسجد و قام أبو بکر فی الناس خطیبا و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جالس و کان أوّل خطیب دعا الی اللّه عز و جل و الی رسوله صلّی اللّه علیه و سلم و ثار المشرکون علی أبی بکر و علی المسلمین یضربونهم فی نواحی المسجد ضربا شدیدا و وطئ أبو بکر و ضرب ضربا شدیدا و دنا منه الفاسق عتبة بن ربیعة فجعل یضربه بنعلین مخصوفتین و یحرّفهما بوجهه و أثر علی وجه أبی بکر حتی ما یعرف أنفسه من وجهه و جاءت بنو تیم تتعادی فأجلوا المشرکین عن ابی بکر و حملوا أبا بکر فی ثوب حتی أدخلوه بیته و لا یشکون فی موته و رجعت بنو تیم فدخلوا المسجد فقالوا و اللّه لئن مات أبو بکر لنقتلنّ عتبة و رجعوا الی أبی بکر فجعل أبو قحافة و بنو تیم یکلمون أبا بکر حتی أجابهم فتکلم آخر النهار فقال ما فعل برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فمسوه بألسنتهم و عذلوه ثم قاموا و قالوا لأمّ الخیر انظری أن تطعمیه شیئا أو تسقیه ایاه فلما خلت به و ألحت علیه جعل یقول ما فعل برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت و اللّه ما لی علم بصاحبک قال فاذهبی الی أمّ جمیل بنت الخطاب فأسألها عنه فخرجت حتی جاءت الی أم جمیل فقالت ان أبا بکر یسألک عن محمد بن عبد اللّه قالت ما أعرف أبا بکر و لا محمد بن عبد اللّه و ان تحبی أن أمضی معک الی ابنک فعلت قالت نعم فمضت معها حتی وجدت أبا بکر صریعا دنفا فرنت أم جمیل و أعلنت بالضّیاح و قالت ان قوما نالوا منک هذا لاهل فسق و انی لارجو أن ینتقم اللّه لک قال فما فعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت هذه امّک تسمع قال فلا عین علیک منها قالت سالم صالح قال فأین هو قالت فی دار الا رقم قال فان للّه تبارک و تعالی علیّ ألیة أن لا أذوق طعاما أو شرابا أو آتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الصحاح الالیة الیمین علی وزن فعیلة و الجمع ألا یا قال الشاعر
قلیل الا لا یا حافظ لیمینه‌و ان سبقت منه الالیة برّت فأمهلنا حتی هدأت الرجل و سکن الناس خرجنا به یتکئ علینا حتی أدخلناه علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأکب علیه فقبله و أکب علیه المسلمون ورق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رقة شدیدة فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:295
أبو بکر رضی اللّه عنه بأبی و أمی لیس بی الا ما نال الفاسق من وجهی هذه أمی بره بوالدیها و أنت مبارک فادعها الی اللّه تعالی و ادع اللّه لها عسی أن یستنقذها بک من النار فدعا لها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم دعاها الی اللّه عز و جل فأسلمت فأقاموا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شهرا و هم تسعة و ثلاثون رجلا قال و کان أسلم حمزة یومئذ یوم ضرب أبو بکر کما مرّ*

(ذکر اسلام عمر)

* فی الاکتفاء قال ابن اسحاق کان اسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الحبشة و بعد حمزة بثلاثة أیام فیما قاله أبو نعیم کذا فی سیرة مغلطای* و فی سبب اسلام عمر أقوال أشهرها ما روی ان قریشا اجتمعت فتشاورت فی امر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالوا أی رحل یقتل محمدا فقال عمر بن الخطاب أنا لها فقالوا أنت لها یا عمر فخرج متقلدا السیف فی طلب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مع أصحابه فی منزل حمزة فی الدار التی فی أصل الصفا فلما خرج عمر الی الصفالقیة سعد بن أبی وقاص الزهری فقال أین ترید یا عمر فقال أرید أن أقتل محمدا قال أنت أحقر و أصغر من ذلک فکیف تأمن فی بنی هاشم و بنی زهرة و قد قتلت محمدا* و فی روایة قال له سعد أ ترید أن تقتل محمدا و یدعک بنو عبد مناف أن تمشی علی الارض فقال له عمر ما اراک الا قد صبأت و ترکت الدین الذی أنت علیه و فی روایة قال له عمر لعلک قد صبأت الی محمد فابدأ بک فأقتلک و عند ذلک قال سعدا علم انی آمنت بمحمد و اشهد ان لا إله الا اللّه و أن محمدا رسول اللّه فسلّ عمر سیفه و کشف سعد عن سیفه فشدّ کل واحد منهما علی الآخر حتی کاد أن یختلطا فقال سعد مالک یا عمر لا تصنع هذا باختک آمنة بنت الخطاب و فی المواهب اللدنیة فاطمة بنت الخطاب و زوجها سعید ابن زید بن عمرو بن نفیل فقال أسلما قال نعم فترکه عمر و سار الی منزل آمنة و فی الصفوة قال سعد أ فلا ادلک علی العجب یا عمران اختک و ختنک قد صبیا و ترکا دینک الذی أنت علیه فمشی عمر مسرعا حتی أتاهما و عندهما رجل من الانصار یقال له خباب بن الارت و هم یقرءون سورة طه فلما سمع خباب حس عمر تواری فی البیت فدخل عمر علیهما فقال ما هذه الهینمة التی سمعتها عندکم فقالا ما عدا حدیثا حدّثناه بیننا قال فلعلکما قد صبأتما فقال له ختنه أ رأیت یا عمر ان کان الحق فی غیر دینک فوثب عمر علی ختنه سعید و بطش بلحیته فتواثبا و کان عمر رجلا شدیدا قویا فضرب بسعید الارض و جلس علی صدره فجاءت اخته فدفعته عن زوجها فلطمها عمر لطمة شج بها وجهها و فی الصفوة فنفحها نفحة بیده فدمی وجهها فلما نظرت الی الدم علی وجهها غضبت و قالت یا عدوّ اللّه أ تضربنی علی أن أوحد اللّه قال نعم أو قالت یا عمران کان الحق فی غیر دینک أشهد أن لا إله الّا اللّه و ان محمدا رسول اللّه لقد أسلمنا علی رغم انفک فاصنع ما أنت صانع فلما سمعها عمر ندم و قام من صدر زوجها فقعد ناحیة ثم قال اعرضوا علیّ الصحیفة التی کنتم تدرسونها* و فی الصفوة أعطونی هذا الکتاب الذی عندکم فأقرأه و کان عمر یقرأ الکتب قالت اخته لا أفعل قال و یحک قد وقع فی قلبی ما قلت فأعطنیها انظر إلیها و أعطیک من المواثیق ان لا اخونک حتی تحرزیها حیث شئت قالت له اخته انک رجس فانطلق فاغتسل أو توضأ فانه کتاب لا یمسه الا المطهرون فخرج عمر لیغتسل و خرج إلیها خباب بن الارت فقال أ تدفعین کتاب اللّه الی عمر و هو کافر قالت نعم انی أرجو أن یهدی اللّه أخی فدخل خباب البیت و جاء عمر فدفعت إلیه الصحیفة فاذا فیها بسم اللّه الرحمن الرحیم طه ما أنزلنا علیک القرآن لتشقی الی قوله اننی أنا اللّه لا إله الا أنا فاعبدنی و أقم الصلاة لذکری فقال عمر عند هذه ینبغی لمن یقول هذا ان لا یعبد معه غیره فقال عمر دلونی علی محمد فلما سمع خباب قول عمر خرج من البیت فقال ابشر یا عمر فانی أرجو أن یکون قد سبقت فیک دعوة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم البارحة قال اللهم أعز الاسلام بعمر بن الخطاب أو بأبی جهل بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:296
هشام* و فی سیرة مغلطای اللهم أید الاسلام بأبی جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب و فی کتاب الحاکم اللهم أید الاسلام بعمر بن الخطاب و لم یذکر أبا جهل* ذکر الدّارقطنی ان عائشة قالت انما قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اللهم عز عمر بالاسلام لان الاسلام یعز و لا یعز فقال عمر یا خباب انطلق بنا الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقام خباب و سعید معه حتی أتوا منزل حمزة دار الا رقم التی بأصل الصفا فدقوا الباب فخرج بعض الاصحاب فنظر فی شق الباب فرجع الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه هذا عمر نعوذ باللّه من شرّه فقال افتحوا له الباب فان جاء بخیر قبلناه و ان جاء بشرّ قتلناه و فی الصفوة فانطلق عمر حتی أتی الدار و علی الباب حمزة و طلحة و ناس من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلما رأی حمزة و جل القوم من عمر قال نعم هذا عمر فان یرد اللّه بعمر خیرا یسلم و یتبع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و ان یرد غیر ذلک یکن قتله علینا هینا قال و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم داخل یوحی إلیه ففتح لعمر الباب فدخل فاستقبله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی صحن الدار فأخذ بمجامع ثوبه و حمائل سیفه و فی المنتقی أخذ ساعده و انتهزه فارتعد عمر هیبة لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و جلس فقال أما أنت منتهیا یا عمر حتی ینزل اللّه بک ما أنزل بالولید بن المغیرة یعنی الخزی و النکال اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الدین بعمر بن الخطاب فقال عمر اشهد انک رسول اللّه و قال اخرج یا رسول اللّه و عن ابن عباس سئل عمر عن وجه تسمیته الفاروق فأخبر أن حمزة أسلم قبله بثلاثة أیام ثم شرح اللّه صدره للاسلام فقال اللّه لا إله الا هو له الاسماء الحسنی فما فی الارض نسمة أحب إلیه من نسمة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال لاخته أین رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت فی دار الا رقم عند الصفا فأتی عمر الدار و حمزة فی أصحابه جلوس فی الدار و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی البیت فضرب عمر الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة ما لکم قالوا عمر بن الخطاب فخرج إلیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخذ بمجامع ثیابه ثم نثره نثرة فما تمالک عمران وقع علی رکبتیه فقال ما أنت بمنته یا عمر فقال أشهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شریک له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله فکبر أهل الدار تکبیرة سمعها أهل المسجد فقال یا رسول اللّه ألسنا علی الحق ان متنا و إن حیینا قال بلی و الذی نفسی بیده انکم علی الحق ان متم و ان حییتم فقال ففیم الاخفاء* و فی المنتقی قال یا رسول اللّه علام نخفی دیننا و نحن علی الحق و هم علی الباطل فقال یا عمر انا قلیل فقد رأیت ما لقینا فقال عمر و الذی بعثک بالحق لا یبقی مجلس جلست فیه بالکفر الا جلست فیه بالایمان ثم خرج فی صفین حمزة فی أحدهما و عمر فی الآخر له کدید ککدید الطحین حتی دخلوا المسجد فنظر قریش الی عمر و الی حمزة فأصابتهم کآبة لم یصبهم مثلها فسماه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ الفاروق* و فی المنتقی و لما أسلم عمر قال یا رسول اللّه لا ینبغی أن نکتم هذا الدین أظهر دینک یا محمد فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و معه المسلمون و عمر امامهم و معه سیفه ینادی لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه حتی دخل المسجد الحرام فنظرت قریش فقالوا لقد أتاکم عمر مسرورا قالوا ما وراءک یا عمر قال ورائی لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه فان تحرّک أحد منکم لأمکنن سیفی منه ثم تقدّم امام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یطوف و یحمیه حتی فرغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من طوافه* و فی المواهب اللدنیة قال عمر بعد ما أسلم ثم خرجت فذهبت الی رجل لم یکن یکتم السرّ فقلت له انی صبأت قال فرفع صوته بأعلاه ألا انّ ابن الخطاب قد صبأ فما زال الناس یضربونی و أضربهم فقال خالی ما هذا قیل ابن الخطاب فقام علی الحجر و أشار بکمه فقال ألا انی قد أجرت ابن أختی فانکشف الناس
عنی فما زلت أضرب و أضرب حتی أعز اللّه الاسلام* و فی الصفوة عن ابن عمر أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم دعا لعمر فقال اللهم أعز الاسلام
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:297
بأحب الرجلین إلیک بعمر بن الخطاب أو بأبی جهل بن هشام* و فی المنتقی کانت الدعوة یوم الاربعاء فسبقت فی عمر فأسلم یوم الخمیس ثم خرج عمر و طاف بالبیت ثم مرّ بقریش و هی تنظره فقال أبو جهل ابن هشام زعم فلان انک صبأت فقال عمر أشهد أن لا إله الا اللّه و أنّ محمدا عبده و رسوله فوثب المشرکون علیه فوثب عمر علی عتبة بن ربیعة و برک علیه و جعل یضربه و أدخل اصبعیه فی عینیه فجعل عتبة یصیح فتنحی الناس عنه فقام عمر فجعل لا یدنو منه الا أحد شریف و جعل حمزة یکشف الناس عنه و یضرب فیهم حتی أحجم الناس عنه و اتبع عمر المجالس التی کان یجلس فیها فأظهر الایمان غیر هائب و لا خائف فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و عمر أمامه و حمزة بن عبد المطلب رضی اللّه عنهما حتی طاف بالبیت و صلّی الظهر معلنا ثم انصرف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی دار الارقم* و فی الصفوة أسلم عمر و هو ابن ست و عشرین سنة بعد أربعین و فی العمدة قیل کان أسلم ثلاثة و ثلاثون رجلا و ست نسوة ثم أسلم عمر و قال سعید بن المسیب بعد أربعین رجلا و عشر نسوة و قال عبد اللّه بن ثعلبة بعد خمسة و أربعین رجلا و احدی عشرة امرأة* و فی المواهب اللدنیة و کان المسلمون اذ ذاک بضعة و أربعین رجلا و احدی عشرة امرأة* و عن داود ابن الحصین و الزهری قالا لما أسلم عمر نزل جبریل فقال یا محمد استبشر أهل السماء باسلام عمر رواه ابن ماجه کذا فی المواهب اللدنیة الا أن فیه روی عن ابن عباس* و قال ابن مسعود ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر* و قال صهیب لما أسلم عمر جلسنا حول البیت حلقا و طفنا و انتصفنا ممن غلظ علینا* و فی المواهب اللدنیة أسلم عمر بن الخطاب بعد حمزة بثلاثة أیام فیما قاله أبو نعیم بدعوته صلّی اللّه علیه و سلم اللهمّ أعز الاسلام بأبی جهل أو بعمر بن الخطاب*

وقعة بعاث‌

و فی السنة السابعة من النبوّة وقعت وقعة بعاث فی القاموس بعاث بالعین و الغین موضع قرب المدینة و یومه معروف و فی شرح الکرمانی لصحیح البخاری بعاث بضم الموحدة و تخفیف المهملة و بالمثلثة اسم بقعة بقرب المدینة وقع فیها حرب بین الأوس و الخزرج و سببه قتل مجدر بن زیاد سوید بن الصامت کما سیجی‌ء فی الموطن الثالث فی غزوة أحد قیل هاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة بعد بعاث بست سنین و قیل بخمس‌

* تقاسم قریش علی معاداة بنی هاشم و بنی المطلب‌

و فی السنة السابعة من النبوّة کما فی حیاة الحیوان أو الثامنة منها علی ما فی المنتقی تقاسمت قریش و تعاهدت علی معاداة بنی هاشم و بنی المطلب و فی الاستیعاب بعد المبعث بست سنین و قیل بخمس و فی المناسک للکرمانی و کان اجتماعهم و تحالفهم فی خیف بنی کنانة بالابطح و یسمی محصبا و هو بأعلا مکة عند المقابر* و فی المواهب اللدنیة و لما رأت قریش عز النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بمن معه و عز أصحابه بالحبشة و اسلام عمر و فشوّ الاسلام فی القبائل أجمعوا علی أن یقتلوا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فبلغ ذلک أبا طالب فجمع بنی هاشم و بنی المطلب و أدخلوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شعبهم و منعوه ممن أراد قتله فأجابوه لذلک حتی کفارهم فعلوا ذلک حمیة علی عادة الجاهلیة فلما رأت قریش ذلک اجتمعوا و ائتمروا أن یکتبوا کتابا یتعاقدون فیه علی بنی هاشم و بنی المطلب أن لا یناکحوهم و لا یبایعوهم و لا یخالطوهم و لا یقبلوا منهم صلحا أبدا حتی یسلموا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم للقتل و کتبوا فی صحیفة بخط منصور بن عکرمة بن هشام و قیل بغیض بن عامر فشلت یده و علقوا الصحیفة فی جوف الکعبة هلال المحرم سنة سبع من النبوّة و انحاز بنو هاشم و بنو المطلب الی أبی طالب و دخلوا معه شعبه الا أبا لهب فکان مع قریش و أقاموا علی ذلک سنتین أو ثلاثا* و قال أبو سعد سنتین حتی جهدوا و کانت قریش قد قطعت عنهم المیرة و المادّة و کان لا یصل إلیهم شی‌ء إلّا سرّا و کانوا لا یخرجون الا من موسم الی موسم* و فی المواهب اللدنیة ثم قام رجال فی نقض الصحیفة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:298
فأطلع اللّه نبیه علی أمر الصحیفة علی ان الارضة أکلت جمیع ما فیها من القطیعة و الظلم فلم تدع الا اسم اللّه فقط فأخبرهم أبو طالب بذلک فلما أنزلت لتمزق وجدت کما قال علیه السلام فأخرجوهم من الشعب و ذلک فی السنة العاشرة* و أورد فی المنتقی تقاسم قریش علی معاداة بنی هاشم و بنی المطلب فی السنة الثامنة من النبوّة* و فی سیرة الیعمری حاصره أهل مکة فی الشعب فأقام محصورا دون ثلاث سنین هو و أهل بیته و خرج من الشعب و له تسع و أربعون سنة* و فی الاستیعاب حصرتهم قریش فی الشعب بعد المبعث بست سنین و مکثوا فی ذلک الحصار ثلاث سنین و خرجوا منه فی أوّل سنة خمسین من عام الفیل و توفی أبو طالب بعد ذلک بستة أشهر و توفیت خدیجة بعده بثلاثة أیام و قد قیل غیر ذلک و ولد عبد اللّه بن عباس فی الشعب قبل خروج بنی هاشم منه و قیل انه ولد قبل الهجرة بثلاث سنین و کان ابن ثلاث عشرة سنة یوم مات رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم*

نزول سورة الروم‌

و فی السنة الثامنة من النبوّة نزلت الم غلبت الروم الآیة روی انه بعث قیصر رجلا یسمی قطمة بجیش الروم و بعث کسری برویز شهریزاد فالتقیا بأذرعات و بصری و هی بأدنی الشام فغلب فارس علی الروم فبلغ الخبر مکة فشق ذلک علی المسلمین و کرهوه لان فارس مجوس لا کتاب لهم و کانوا یجحدون البعث و یعبدون الاصنام و الروم أهل کتاب و فرح المشرکون بذلک و قالوا أنتم و النصاری أهل کتاب و نحن و فارس أمّیون و قد ظهر اخواننا من فارس علی اخوانکم من الروم فان قاتلتمونا لنظهرنّ نحن علیکم فنزلت الم غلبت الروم فی أدنی الارض الی قوله فی بضع سنین فخرج بها أبو بکر الی المشرکین و قال لتظهرنّ الروم علی فارس بعد بضع سنین فقال أبی بن خلف کذبت فتراهنا علی عشر قلائص من کل واحد منهما و جعلا الاجل ثلاث سنین فأخبر أبو بکر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بذلک فقال زد فی الخطر و أبعد فی الاجل فجعلا مائة قلوص الی تسع سنین فلما خشی أبی أن یخرج أبو بکر من مکة أتاه فلزمه و قال انی أخاف أن تخرج من مکة فأقم لی کفیلا فکفل له ابنه عبد الرحمن بن أبی بکر فلما أراد أبی أن یخرج الی أحد أتاه عبد الرحمن بن أبی بکر فلزمه قال لا و اللّه لا أدعک تخرج حتی تعطینی کفیلا فأعطاه کفیلا ثم خرج الی أحد فقتل بید رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أی مات من جرح جرحه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم له فی أحد و غلبت الروم علی فارس یوم الحدیبیة فأخذ أبو بکر مال الخطر من کفیل أبی و ورثته و جاء به الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال تصدق به و کان ذلک قبل تحریم القمار* و هذه آیة بینة علی صحة نبوّته صلّی اللّه علیه و سلم و علی ان القرآن من عند اللّه تعالی لانها نبأ عن الغیب کذا ذکره فی المنتقی*

انشقاق القمر

و فی السنة التاسعة من المبعث کان انشقاق القمر* فی المواهب اللدنیة ان انشقاق القمر کان بمکة قبل الهجرة بنحو خمس سنین قال العلامة ابن السبکی فی شرحه لمختصر ابن الحاجب الصحیح عندی ان انشقاق القمر متواتر منصوص علیه فی القرآن مروی فی الصحیحین و غیرهما من طرق حدیث شعبة بن سلیمان عن ابراهیم عن أبی معمر عن ابن مسعود ثم قال و له طرق أخر شتی بحیث لا یمتری فی تواتره انتهی و جاءت أحادیث انشقاق القمر فی روایات صحیحة من جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود و علیّ و حذیفة بن جبیر بن مطعم و ابن عمر و أنس و ابن عباس و غیرهم* و فی الصحیحین من حدیث أنس ان أهل مکة سألوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یریهم آیة فأراهم انشقاق القمر شقتین حتی رأوا حراء بینهما قوله شقتین بکسر الشین المعجمة أی نصفین و أنس و ان لم یشاهد القصة لانه اذ ذاک کان ابن أربع سنین أو خمس بالمدینة لکن یجوز أن یکون حمل الحدیث عمن شاهدها* و من حدیث ابن مسعود قال انشق القمر علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فرقتین فرقة فوق الجبل و فرقة دونه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اشهدوا* و فی روایة الترمذی من حدیث ابن عمر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:299
فی قوله تعالی اقتربت الساعة و انشق القمر قال قد کان ذلک علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انشق فلقتین فلقة دون الجبل و فلقة خلف الجبل فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اشهدوا* و قال مجاهد انشق القمر فبقیت فرقة و ذهبت فرقة من وراء الجبل* و قال ابن زید لما انشق القمر کان یری نصفه علی فعیفعان و النصف الآخر علی أبی قبیس کذا فی دلائل النبوّة و عند الامام أحمد من حدیث جبیر بن مطعم فصار فرقتین فرقة علی هذا الجبل و فرقة علی هذا الجبل فقالوا سحرنا محمدا فقالوا ان کان سحرنا فانه لا یستطیع أن یسحر الناس* و عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال فقال کفار قریش هذا سحر ابن أبی کبشة قال فقالوا انظروا ما یأتیکم به السفار فان محمدا لا یستطیع أن یسحر الناس کلهم قال فجاء السفار فأخبروهم بذلک رواه أبو داود و الطیالسی و رواه البیهقی بلفظ انشق القمر بمکة فقالوا أسحرکم ابن أبی کبشة فسألوا السفار و قد قدموا من کل وجه فقالوا رأیناه و عند أبی نعیم عن ابن عباس قال لما اجتمع المشرکون الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم منهم الولید بن المغیرة و أبو جهل ابن هشام و العاص بن وائل و الاسود بن المطلب و النضر بن الحارث و نظراؤهم فقالوا للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان کنت صادقا فشق لنا القمر فرقتین فسأل ربه فانشق* و عند البخاری مختصرا من حدیث ابن عباس بلفظ ان القمر انشق علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ابن عباس و ان لم یشاهد القصة لانه لم یولد اذ ذاک ففی بعض طرقه انه حمل الحدیث عن ابن مسعود و عند مسلم من حدیث شعبة عن قتادة بلفظ فأراهم انشقاق القمر مرّتین و کذا فی مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ مرّتین و اتفق الشیخان علیه من روایة شعبة عن قتادة بلفظ فرقتین کما فی حدیث جبیر عند أحمد و فی حدیث ابن عمر فلقتین باللام کما مرّ و فی لفظ فی حدیث جبیر فانشق باثنتین* و فی روایة عن ابن عباس عند أبی نعیم فی الدلائل فصار قمرین و وقع فی نظم السیرة للحافظ أبی الفضل العراقی و انشق مرّتین بالاجماع* قال الحافظ ابن حجر و أظنّ قوله بالاجماع یتعلق بالشق لا بمرّتین فانی لا أعلم من جزم من علماء الحدیث بتعدّد الانشقاق فی زمنه صلّی اللّه علیه و سلم و لعلّ قائل مرّتین أراد فرقتین و قد وقع فی روایة البخاری من حدیث ابن مسعود و نحن بمنی و هذا لا یعارض قول أنس ان ذلک کان بمکة لانه لم یصرّح بأنه علیه السلام کان لیلتئذ بمکة فالمراد ان الانشقاق کان و هم بمکة قبل أن یهاجروا الی المدینة هذا ما وقع فی المواهب اللدنیة* و فی شواهد النبوّة انشق القمر بحیث کانت فلقة منه علی أبی قبیس و فلقة علی الجبل الآخر* و فی المواهب اللدنیة و ما یذکره بعض القصاص ان القمر دخل فی جیب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و خرج من کمه فلیس له أصل کما حکاه الشیخ بدر الدین الزرکشی عن شیخه العماد بن کثیر*

وفاة أبی طالب‌

و فی السنة العاشرة من النبوّة أوّل ذی القعدة و قیل للنصف من شوّال السنة الثامنة کذا فی الاستیعاب مات أبو طالب بعد ما خرج من الحصار بالشعب بثمانیة أشهر و أحد و عشرین یوما کذا فی سیرة الیعمری* و فی حیاة الحیوان مات أبو طالب و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ابن تسع و أربعین سنة و ثمانیة أشهر و أحد عشر یوما و أبو طالب ابن بضع و ثمانین سنة* و فی المواهب اللدنیة ابن سبع و ثمانین سنة و قیل مات فی نصف شوّال من السنة العاشرة* و قال ابن الجوزی قبل هجرته علیه السلام بثلاث سنین انتهی* و روی عن سعید بن المسیب عن أبیه أنه قال لما حضر أبا طالب الوفاة جاءه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فوحد عنده عبد اللّه بن أمیة و أبا جهل بن هشام فقال یا عم قل لا إله الا اللّه کلمة أشهد لک بها عند اللّه فقال له أبو جهل یا أبا طالب أ ترغب عن ملة عبد المطلب فلم یزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یعرضها علیه و یقول یا عم قل لا إله الا اللّه أشهد لک بها عند اللّه و یقولان له یا أبا طالب أ ترغب عن ملة عبد المطلب حتی کان آخر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:300
کلمة تکلم بها أبو طالب أنا أموت علی ملة عبد المطلب ثم مات* و فی المواهب اللدنیة روی انه علیه السلام کان یقول له عند موته یا عم قل لا إله الا اللّه کلمة أستحل لک بها الشفاعة یوم القیامة فلما رأی أبو طالب حرص رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال له یا ابن أخی و اللّه لو لا مخافة قریش یقولون انی انما قلتها جزعا من الموت لقلتها لا أقولها الا لأسرّک بها فلما تقارب من أبی طالب الموت نظر العباس إلیه یحرّک شفتیه فأصغی إلیه باذنه فقال یا ابن أخی و اللّه لقد قال أخی الکلمة التی أمرته بها فقال صلی اللّه علیه و سلم انی لم أسمعه قال و لم یکن العباس حینئذ مسلما کذا فی روایة ابن اسحاق انه أسلم عند الموت و رواه البیهقی فی الدلائل من طریق یونس بن بکیر عن ابن اسحاق و قال البیهقی انه منقطع و الصحیح من الحدیث قد أثبت لأبی طالب الوفاة علی الکفر و الشرک کما رویناه فی صحیح البخاری من حدیث سعید بن المسیب حتی قال أبو طالب آخر ما کلمهم علی ملة عبد المطلب و أبی أن یقول لا إله الا اللّه قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لأستغفرنّ لک ما لم أنه عنه فأنزل اللّه تعالی ما کان للنبیّ و الذین آمنوا أن یستغفروا للمشرکین و لو کانوا أولی قربی و أنزل اللّه فی أبی طالب فقال لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انک لا تهدی من أحببت و لکن اللّه یهدی من یشاء* و أجیب أیضا بأنّ أبا طالب لو قال کلمة التوحید لما نهی اللّه نبیه عن الاستغفار له* و فی أنوار التنزیل الجمهور علی انّ قوله تعالی انک لا تهدی من أحببت و لکن اللّه یهدی من یشاء نزلت فی أبی طالب فانه لما احتضر جاءه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال یا عم قل لا إله الا اللّه کلمة أحجاج لک بها عند اللّه قال یا ابن أخی لقد علمت انک لصادق و لکن أکره أن یقال جزع عند الموت فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لاستغفرنّ لک ما لم أنه عنه فاستغفر له بعد موته حتی نزلت ما کان للنبیّ و الذین آمنوا أن یستغفروا للمشرکین و لو کانوا أولی قربی من بعد ما تبین لهم أنهم اصحاب الجحیم و قیل اراد أن یستغفر لامّه فنهی عن ذلک کذا فی العمدة* و فی المواهب اللدنیة و فی الصحیح عن ابن عباس انه قال لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان ابا طالب کان یحوطک و ینصرک فهل نفعه ذلک قال نعم وجدته فی غمرات من النار فأخرجته الی ضحضاح و فی روایة یونس عن ابن اسحاق زیادة قال یغلی منها دماغه حتی یسیل علی قدمیه انتهی* و عن ابی سعید الخدری ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ذکر عنده عمه ابو طالب فقال لعله تنفعه شفاعتی یوم القیامة فیجعل فی ضحضاح یبلغ کعبه و یغلی منه دماغه* و عن ابن عباس ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال اهون اهل النار عذابا ابو طالب و هو منتعل بنعلین یغلی منهما دماغه* روی الاحادیث الثلاثة مسلم و روی البخاری أیضا حدیث الضحضاح و لفظه ما اغنیت عن عمک فانه کان یحوطک و یغضب لک قال نعم هو فی ضحضاح من النار و لو لا انا لکان فی الدرک الاسفل من النار قیل انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مسح ابا طالب بعد موته و أنسی تحت قدمیه و لذا ینتعل بنعلین من النار

وصیة أبی طالب‌

و فی المواهب اللدنیة* حکی عن هشام بن السائب الکلبی او ابنه انه قال لما حضر ابا طالب الوفاة جمع إلیه وجوه قریش فأوصاهم فقال یا معشر قریش انتم صفوة اللّه من خلقه الی أن قال و انی اوصیکم بمحمد خیرا فانه الامین فی قریش و الصدّیق فی العرب و هو الجامع لکل ما اوصیکم به و قد جاء بأمر قبله الجنان و انکره اللسان مخافة الشنآن و ایم اللّه کأنی انظر الی صعالیک العرب و اهل الوبر و الاطراف و المستضعفین من الناس قد اجابوا دعوته و صدّقوا کلمته و اعظموا امره فخاض بهم غمرات الموت و صارت رؤساء قریش و صنادیدها أذنابا و دورها خرابا و ضعفاؤها أربابا و انّ أعظمهم علیه أحوجهم إلیه و أبعدهم منه أحظاهم عنده قد محضته العرب ودادها و أصفت له فؤادها و أعطته قیادها یا معشر قریش کونوا له ولاة و لحزبه حماة و اللّه لا یسلک أحد سبیله الارشد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:301
و لا یأخذ أحد بهدیه إلّا سعد و لو کان لنفسی مدّة و لا جلی تأخر لکففت عنه الهزاهز و لدفعت عنه الدواهی ثم هلک* و روی عن علیّ انه قال لما مات أبو طالب أخبرت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بموته فبکی ثم قال اذهب فاغسله و کفنه و واره غفر اللّه له و رحمه ففعلت و جعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یستغفر له أیاما و لا یخرج من بیته حتی نزل جبریل بهذه الآیة ما کان للنبیّ و الذین آمنوا الآیة و قال علیّ فأمرنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فاغتسلت و کان علیّ اذا غسل المیت اغتسل* قال ابن عباس عارض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جنازة أبی طالب و قال وصلتک رحم و جزاک اللّه خیرا یا عمّ* و فی معالم التنزیل الکفر علی أربعة أنواع کفر الانکار و کفر الجحود و کفر النفاق و کفر العناد أمّا کفر الانکار فهو أن لا یعرف اللّه بالقلب و لا یعترف باللسان و أمّا کفر الجحود فهو أن یعرف اللّه بقلبه و لکن لا یقرّ بلسانه ککفر ابلیس و کفر الیهود بمحمد صلّی اللّه علیه و سلم من هذا القبیل قال اللّه تعالی فلما جاءهم ما عرفوا کفروا به أی جحودا و أمّا کفر النفاق فهو أن یقرّ باللسان و لم یعتقد بالقلب و أمّا کفر العناد فهو أن یعرف اللّه بقلبه و یعترف بلسانه و لکن لا یدین به و لا یکون منقادا و مطیعا له ککفر أبی طالب فانه قال
و لقد علمت بأنّ دین محمدمن خیر أدیان البریة دینا
لو لا الملامة أو حذار مسبةلوجدتنی سمحا بذاک مبینا
و دعوتنی و عرفت أنک ناصحی‌و لقد صدقت و کنت فیه أمینا و جمیع الانواع الاربعة المذکورة سواء فی انّ اللّه تبارک و تعالی لا یغفر لاصحابها اذا ماتوا علیها نعوذ باللّه منها*

وفاة خدیجة الکبری‌

و فی هذه السنة العاشرة من النبوّة کانت وفاة خدیجة الکبری رضی اللّه عنها* روی أنّ خدیجة لما مرضت مرض الموت دخل علیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال لها یا خدیجة أ ما علمت انّ اللّه قد زوّجنی معک فی الجنة مریم بنت عمران و کلثوم أخت موسی و آسیة امرأة فرعون قالت فعل ذلک یا رسول اللّه قال نعم قالت بالرفاء و البنین* قال أبو حاتم و أبو عمرو و الدولابی ماتت خدیجة بمکة قبل هجرة المصطفی الی المدینة بثلاث سنین* و فی سیرة مغلطای بخمس سنین و قیل بأربع و قیل بعد الاسراء فکان علیه السلام یسمی ذلک العام عام الحزن انتهی و حکی أبو عمرو أنّ خدیجة توفیت فی شهر رمضان و دفنت بالحجون و هی ابنة خمس و ستین سنة و ستة أشهر کذا فی الصفوة* و قال الطبری فی السمط الثمین و هی ابنة أربع و ستین سنة و ستة أشهر و للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند وفاتها تسع و أربعون سنة و ثمانیة أشهر و أربعة عشر یوما* و قال صاحب الصفوة و نزل صلّی اللّه علیه و سلم فی حفرتها و لم یکن یومئذ سنة الجنازة الصلاة علیها* قال ابن اسحاق هلکت خدیجة و أبو طالب فی عام واحد و کان هلاکهما بعد عشر سنین مضت من مبعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و عن عروة ابن الزبیر قال توفیت خدیجة قبل أن تفرض الصلاة و ذکر الملا فی سیرته أنّ موت خدیجة بعد موت أبی طالب بثلاثة أیام و کذا فی سیرة الیعمری و حیاة الحیوان و السمط الثمین و أسد الغابة و زاد فیه و قیل بعده بشهر و قیل کان بینهما شهر و خمسة أیام و قیل خمسون یوما و قیل انها ماتت قبل أبی طالب انتهی ما فی أسد الغابة و قیل بخمسة أشهر فی رمضان بعد المبعث بعشر سنین علی الصحیح ماتت خدیجة و کانت مدّة اقامتها معه صلّی اللّه علیه و سلم بعد ما تزوّجها خمسا و عشرین سنة علی الصحیح کذا فی المواهب اللدنیة أو قیل أربعا و عشرین سنة و ستة أشهر و کان موتها قبل الهجرة بثلاث سنین و ثلاثة أشهر و نصف و قیل قبل الهجرة بسنة و اللّه أعلم* و قال عروة ما ماتت خدیجة الا بعد الاسراء و بعد أن صلت الفریصة مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کذا فی أسد الغابة* و فی کتاب الغزی توفیت خدیجة فی دارها التی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:302
تسمی دار خزیمة و کانت مسکن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و فیها ولدت خدیجة أولادها من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لم یزل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مقیما فیها حتی هاجر فأخذها عقیل ثم اشتراها معاویة و هو خلیفة فجعلها مسجدا یصلی فیه و یعرف الیوم بمولد فاطمة و هو أفضل موضع بمکة بعد المسجد الحرام* ثم بعد أیام من موت خدیجة تزوّجه علیه السلام بسودة کذا فی المواهب اللدنیة روی عن عبد اللّه بن ثعلبة قال لما توفی أبو طالب و خدیجة و کان بینهما ثلاثة أیام کما مرّ و هو المشهور و قیل شهر و خمسة أیام اجتمعت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مصیبتان فلزم بیته و قلّ الخروج و نالت قریش منه ما لم تسکن تنال فبلغ ذلک أبا لهب فجاءه فقال یا محمد امض لما أردت و اصنع ما کنت صانعا حین کان أبو طالب حیا فقام أبو لهب بحمایته و معونته و لم یتعرّض له أحد من خوف أبی لهب حتی جاء عقبة بن أبی معیط و أبو جهل الی أبی لهب فقالا له أخبرک ابن أخیک أین مدخل أبیک فقال له أبو لهب یا محمد أین مدخل عبد المطلب قال مع قومه فخرج أبو لهب إلیهما فقال سألته فقال مع قومه فقالا یزعم أنه فی النار فقال أبو لهب یا محمد أ یدخل عبد المطلب النار فقال نعم و من مات علی مثل ما مات علیه عبد المطلب دخل النار فقال أبو لهب یا محمد و اللّه لا برحت لک عدوّا أبدا و أنت تزعم أنّ عبد المطلب فی النار فاشتدّ علیه أبو لهب و سائر قریش لما عرفوا و ظاهر قوله فقام أبو لهب بحمایته و معاونته یخالف ما مرّ فی السنة الرابعة من النبوّة من قوله تبا لک أ لهذا دعوتنا الی آخره*

خروجه علیه السلام الی الطائف و الی ثقیف‌

و فی هذه السنة خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الطائف و الی ثقیف بعد ثلاثة أشهر من موت خدیجة فی لیال یستنصرهم* و فی روایة لثلاث بقین من شوّال سنة عشر من النبوّة لما ناله من قریش بعد موت أبی طالب و خدیجة و هو مکروب فلا جرم جعل اللّه الطائف متنفسا لاهل الاسلام ممن ضاق بمکة الی یوم القیامة فهی راحة الامّة و متنفس کل ذی ضیق و غمة سنة اللّه فی الذین خلوا من قبل و لن تجد لسنة اللّه تبدیلا* و روی عن محمد بن جبیر بن مطعم قال لما توفی أبو طالب بالغت قریش فی ایذاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حینئذ الی الطائف و معه زید بن حارثة و فی معالم التنزیل خرج وحده و ذلک فی لیال بقین من شوّال السنة العاشرة من النبوّة فأقام بالطائف شهرا کذا فی حیاة الحیوان* و قال ابن سعد عشرة أیام کذا فی المواهب اللدنیة لا یدع أحدا من أشراف ثقیف إلّا جاءه و کلمه و دعاه الی اللّه فلم یجیبوه الی طلبته و قالوا یا محمدا خرج من بلدنا و ألحق بمحابک من الارض قال محمد بن کعب القرظی لما انتهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الطائف عمد الی نفر من ثقیف هم یومئذ سادة ثقیف و أشرافهم و هم اخوة ثلاثة عبد یا لیل بمثناة تحتیة بعدها ألف ثم لام مکسورة ثم مثناة تحتیة ساکنة ثم لام و مسعود و حبیب بنو عمرو بن عمیر کذا فی المنتقی و فی المواهب اللدنیة غیر هذا و عند أحدهم امرأة من قریش من بنی جمح فجلس إلیهم فدعاهم الی اللّه عز و جل و کلمهم بما جاءهم به من نصرته علی الاسلام و القیام معه علی من خالفه من قومه فقال أحدهم هو یمرط ثیاب الکعبة ان کان اللّه أرسلک و قال الآخر أ ما وجد اللّه أحدا یرسله غیرک و قال الثالث و اللّه لا أکلّمک کلمة أبدا لئن کنت رسولا من اللّه کما تقول لانت أعظم خطرا من أن أردد علیک الکلام و ان کنت تکذب ما ینبغی لی أن أکلمک فقام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من عندهم و قد یئس من حیر ثقیف فقال لهم اذ فعلتم ما فعلتم فاکتموا علیّ و کره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یبلغ قومه ذلک فلم یفعلوا و أغروا به سفهاءهم و عبیدهم یسبونه و یصیحون به حتی اجتمع الناس علیه فجعلوا یرمونه بالحجارة حتی انّ رجلیه لتدمیان* و فی المواهب اللدنیة قال موسی بن عقبة رجموا عراقیبه بالحجارة حتی اختضبت نعلاه بالدماء و زاد غیره و کان اذا أذلقته الحجارة قعد الی الارض
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:303
فیأخذونه بعضدیه فیقیمونه فاذا مشی رجموه و هم یضحکون و زید بن حارثة یقیه بنفسه حتی لقد شج فی رأسه شجاجا و ألجئوا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی حائط لعتبة و شیبة ابنی ربیعة و رجع عنه من کان یتبعه من سفهاء ثقیف و عمد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی ظل شجرة فجلس فیه محزونا و ابنا ربیعة کانا فی الحائط ینظران إلیه فلما رأیا ما لقیه من سفهاء ثقیف تحرّکت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانیا یقال له عداس فقالا له خذ قطفا من هذا العنب وضعه فی ذلک الطبق ثم اذهب به الی ذلک الرجل و قل له یأکل منه ففعل عداس ثم أقبل به حتی وضعه بین یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلما وضع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یده قال بسم اللّه الرحمن الرحیم ثم أکل فنظر عداس الی وجهه ثم قال انّ هذا الکلام ما یقوله أهل هذا البلد فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و من أی البلاد أنت و ما دینک قال أنا نصرانی و أنا رجل من أهل نینوی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أمن قریة الرجل الصالح یونس بن متی قال و ما یدریک ما یونس بن متی قال ذلک أخی کان نبیا و أنا نبیّ فأکب عداس علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقبل رأسه و یدیه و قدمیه و أسلم و ینظر إلیه ابنا ربیعة فیقول أحدهما للآخر أما غلامک فقد أفسده علیک فلما جاءهما عداس قالا له ویلک یا عداس مالک تقبل رأس هذا الرجل و یدیه و قدمیه قال یا سیدی ما فی الارض خیر من هذا الرجل لقد أخبرنی بأمر لا یعلمه الا نبی ثم انصرف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الطائف حین یئس من خیر ثقیف*

ذکر وفود الجنّ‌

و لما نزل نخلة و هو موضع علی لیلة من مکة صرف إلیه سبعة من جنّ نصیبین مدینة بالشام و قد قام فی جوف اللیل یصلی و فی الصحیح انّ الذی آذنه صلّی اللّه علیه و سلم بالجنّ لیلة الجنّ شجرة کذا فی المواهب اللدنیة و أقام بنخلة أیاما ثم دخل مکة فی جوار مطعم بن عدیّ* و فی أسد الغابة و لما عاد من الطائف أرسل الی مطعم بن عدیّ یطلب منه أن یجیره فأجاره فدخل المسجد معه و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یشکرها له و کان دخوله من الطائف لثلاث و عشرین لیلة خلت من ذی القعدة* و فی هذه السنة جاءت وفود الجنّ الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* فی حیاة الحیوان لما بلغ عمره خمسین سنة و فی سیرة الیعمری خمسین سنة و ثلاثة أشهر قدم علیه جنّ نصیبین فأسلموا* و فی الاستیعاب کان رجوعه من الطائف الی مکة سنة احدی و خمسین من الفیل و فیها قدم علیه جنّ نصیبین بعد ثلاثة أشهر* و عن ابن عباس قال انطلق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی طائفة من أصحابه عامدین سوق عکاظ و قد حیل بین الشیاطین و بین خبر السماء و أرسلت علیهم الشهب فرجعت الشیاطین الی قومهم فقالوا ما لکم قالوا حیل بیننا و بین خبر السماء و أرسلت علینا الشهب قالوا ما حال بینکم و بین خبر السماء الا شی‌ء حدث فاضربوا مشارق الارض و مغاربها فانظروا ما هذا الذی حال بینکم و بین خبر السماء فنهض سبعة نفر من أشراف جنّ نصیبین أو نینوی منهم زوبعة أمیر الجنّ فضربوا حتی بلغوا تهامة ثم اندفعوا الی وادی نخلة فوافوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو یصلی بأصحابه صلاة الفجر* و فی المدارک و هو قائم فی جوف اللیل یصلی أو فی صلاة الفجر* و فی أنوار التنزیل روی أنهم وافوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بوادی نخلة و هو موضع علی لیلة من مکة عند منصرفه من الطائف یقرأ فی تهجده انتهی* فلما سمعوا القرآن استمعوا له و هو یقرأ سورة الجنّ کذا فی سیرة مغلطای فأولئک حین رجعوا الی قومهم قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا یهدی الی الرشد فآمنا به و لن نشرک بربنا أحدا و أنزل اللّه علی نبیه قل أوحی الیّ أنه استمع نفر من الجنّ کذا فی الصحیحین* و فی المواهب اللدنیة قال الحافظ ابن کثیر هذا صحیح لکن قوله انّ الجنّ کان استماعهم تلک اللیلة فیه نظر فانّ الجنّ کان استماعهم فی ابتداء الایحاء* و فی أنوار التنزیل فی سورة الاحقاف فی قوله تعالی قالوا یا قومنا انا سمعنا کتابا أنزل من بعد موسی قیل انما قالوا ذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:304
لانهم کانوا یهودا و ما سمعوا بأمر عیسی و عن عائشة أنها سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول انّ الملائکة تنزل فی العنان و هو السحاب فتذکر الامر قضی فی السماء فتسترق الشیاطین السمع فتوحیه الی الکفار فیکذبون معها مائة کذبة من عند أنفسهم رواه البخاری* و عن ابن عباس قال کان الجنّ یستمعون الوحی فیسمعون الکلمة فیزیدون فیها عشرا فیکون ما سمعوه حقا و ما زادوه باطلا کذا قاله أحمد و کانت النجوم لا یرمی بها قبل ذلک فلما بعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان أحدهم لا یقعد مقعدا إلّا رمی بشهاب یحرق ما أصاب فشکوا ذلک الی ابلیس فقال ما هذا الامن أمر حدث فبعث جنوده فاذا هم بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یصلی بین جبلی نخلة فأتوه فأخبروه فقال ما هذا الحدث الذی حدث فی الارض کذا فی الصفوة* و فی معالم التنزیل روی أنهم لما رجموا بالشهب بعث ابلیس سرایاه لیعرف الخبر فکان أوّل بعث بعث رکب من أهل نصیبین و هم أشراف الجنّ و سادتهم و بعث الی تهامة یقال انهم کانوا من بنی الشیصبان و هم أکثر الجنّ عددا و هم عامّة جنود ابلیس فلما رجعوا قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا* و اختلفوا فی عدد أولئک النفر فقال ابن عباس کانوا سبعة من جنّ نصیبین فجعلهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رسلا الی قومهم* و فی العمدة ثلاثة من أهل نجران و أربعة من أهل نصیبین و قال قوم کانوا تسعة و کان زوبعة من التسعة الذین استمعوا القرآن و فی العمدة أیضا و هم تسعة من جنّ نصیبین استمعوا القرآن و أجابوا دعوة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أسماؤهم حسا و بسا و شاصرا و ناصرا و أزد و أنین و أحتب و صخب و زوبعة* و فی الصفوة و هذا الحدیث أی حدیث رجم الشیاطین بالشهب یدل علی انّ النجوم و لم یرم بها الا لمبعث نبینا صلّی اللّه علیه و سلم و قد روی الزهری أنه کان یرمی بها قبل ذلک و لکنها غلظت حین بعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قد مرّ مثله فی هذا الرکن الثانی فی مبعثه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی المدارک عن سعید ابن جبیر ما قرأ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی الجنّ و لا رآهم و انما کان یتلو فی صلاته فمرّوا به فوقفوا مستمعین و هو لا یشعر فأنبأه اللّه باستماعهم و قیل بل أمر اللّه رسوله أن ینذرهم و یقرأ علیهم فصرف إلیه نفرا منهم و قال انی أمرت أن أقرأ علی الجنّ و کان ذلک بمکة بشعب الحجون الی آخر الحدیث المروی عن عبد اللّه بن مسعود کما سیجی‌ء الآن* و فی المنتقی قال العلماء انّ الجنّ أتوا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مرّتین احداهما بنخلة کما مرّ آنفا و الثانیة بمکة و هی ما روی انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أمر أن ینذر الجنّ و یدعوهم الی اللّه و یقرأ علیهم القرآن فصرف اللّه إلیه نفرا من الجنّ من نینوی و جمعوهم له فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انی أمرت أن أقرأ علی الجنّ اللیلة فأیکم یتبعنی قالها ثلاثا فالصحابة أطرقوا فاتبعه عبد اللّه بن مسعود و قال عبد اللّه و لم یحضر معنا أحد فانطلقنا حتی اذا کنا بأعلا مکة دخل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم شعبا یقال له شعب الحجون و خط لی خطا و قال لی لا تخرج عنه حتی أعود إلیک ثم انطلق حتی قام فافتتح القرآن فجعلت أری مثل النسور تهوی و سمعت لغطا شدیدا حتی خفت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و غشیته أسودة کثیرة حالت بینی و بینه حتی ما أسمع صوته ثم طفقوا یتقطعون کقطع السحاب ذاهبین ففرغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مع الفجر ثم انطلق الیّ و قال أنمت قلت لا یا رسول اللّه و لقد هممت مرارا أن أستغیث بالناس حین سمعتک تقرع بعصاک تقول اجلسوا قال و لو خرجت لم آمن علیک أن یختطفک بعضهم ثم قال هل رأیت شیئا قلت نعم رأیت رجالا سودا مستثفری ثیاب بیض فقال أولئک جنّ نصیبین* و فی المدارک کانوا اثنی عشر ألفا و السورة التی قرأها علیهم اقرأ باسم ربک انتهی قال صلّی اللّه علیه و سلم سألونی المتاع و المتاع الزاد فمتعتهم بکل عظم حائل و ورثة و بعرة فقالوا یا رسول اللّه یقذرها الناس فنهی صلّی اللّه علیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:305
و سلم أن یستنجی بالعظم و الروث قال فقلت یا رسول اللّه و ما یغنی ذلک عنهم قال انهم لا یجدون عظما الا وجدوا علیه لحمه یوم أکل و لا روثة الا وجدوا فیها حبها یوم أکلت فقلت یا رسول اللّه سمعت لغطا شدیدا قال ان الجنّ تدارأت فی قتیل قتل بینهم فتحاکموا الیّ فقضیت بینهم بالحق ثم تبرّز رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم أتانی فقال هل معک ماء فقلت یا رسول اللّه لیس معی الا أداوة فیها شی‌ء من نبیذ التمر فاستدعاه فصببت علی یده فتوضأ فقال تمرة طیبة و ماء طهور کذا فی المنتقی و فی کتاب الغزی بأعلا مکة مسجد یقال له مسجد الجنّ و مسجد البیعة أیضا یقال ان الجنّ بایعوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هناک و فی مقابل مسجد الجنّ مسجد یقال له مسجد الشجرة یقال ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم دعا شجرة کانت فی ذلک المسجد فأقبلت تخط الارض حتی وقفت بین یدیه ثم أمرها فرجعت‌

* تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم سودة و عائشة

و فی شوّال هذه السنة تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سودة و عائشة فی أسد الغابة لابن الاثیر تزوّج صلّی اللّه علیه و سلم بعد خدیجة سودة بنت زمعة قال الزهری تزوّجها قبل عائشة و هو بمکة و بنی بها بمکة أیضا و قال غیره تزوّج عائشة قبل سودة و انما ابتنی بسودة قبل عائشة لصغر عائشة و تزوّج عائشة بمکة و بنی بها بالمدینة سنة اثنتین* و فی المواهب اللدنیة تزوّج سودة بمکة بعد موت خدیجة قبل أن یعقد علی عائشة هذا قول قتادة و أبی عبیدة و لم یذکر ابن قتیبة غیره و یقال تزوّجها بعد عائشة و یجمع بین القولین بأنه صلّی اللّه علیه و سلم عقد علی عائشة قبل سودة و دخل بسودة قبل عائشة و التزویج یطلق علی کل واحد من العقد و الدخول و ان کان المتبادر الی الفهم من التزویج العقد دون الدخول و فی سیرة الیعمری تزوّج عائشة بمکة قبل الهجرة بسنتین و قیل بثلاث و هی بنت ست أو سبع و للبخاری توفیت خدیجة قبل مخرج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بثلاث سنین فلبث سنتین أو قریبا من ذلک و نکح عائشة و هی بنت ست ثم بنی بها و هی بنت تسع سنین روی أنه لما ماتت خدیجة جاءت خولة بنت حکیم امرأة عثمان بن مظعون فقالت یا رسول اللّه الا تزوّج قال من قالت ان شئت بکرا و ان شئت ثیبا قال فمن البکر قالت ابنة أحب خلق اللّه إلیک بنت أبی بکر قال و من الثیب قالت سودة بنت زمعة قد آمنت بک و اتبعتک علی ما تقول قال فاذهبی فاذکریهما علیّ فدخلت بیت أبی بکر و قالت یا أم رومان ما ذا أدخل اللّه علیکم من الخیر و البرکة قالت و ما ذاک قالت أرسلنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أخطب علیه عائشة قالت انتظری أبا بکر حتی یأتی فجاء أبو بکر فقالت ما ذا أدخل اللّه علیکم من الخیر و البرکة قال و ما ذاک قالت أرسلنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أخطب علیه عائشة قال و هل تصلح له انما هی ابنة أخیه فرجعت الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فذکرت له ذلک قال ارجعی إلیه فقولی له أنا أخوک و أنت أخی فی الاسلام و ابنتک تصلح لی فرجعت فذکرت ذلک له فقال انتظری قالت أمّ رومان ان مطعم بن عدی قد کان ذکرها علی ابنه فو اللّه ما وعد وعدا قط فاخلفه قط تعنی أبا بکر فدخل أبو بکر علی مطعم بن عدی و عنده امرأته أمّ الفتی فقالت یا ابن أبی قحافة لعلک مصبئ صاحبنا تدخله فی دینک الذی أنت علیه ان تزوّج ابنه ابنتک فقال أبو بکر لمطعم بن عدی أقول هذه تقول قال انها تقول ذلک فخرج من عنده و قد أذهب اللّه ما کان فی نفسه من عدته التی وعده فرجع فقال لخولة ادعی لی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدعته فزوّجها ایاه و عائشة یومئذ بنت ست سنین کما مرّ ثم خرجت خولة فدخلت علی سودة بنت زمعة فقالت ما ذا أدخل اللّه علیک من الخیر و البرکة قالت و ما ذاک قالت أرسلنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أخطبک علیه قالت وددت أن یکون ذلک ادخلی علی أبی و اذکری ذلک له و کان شیخا کبیرا و قد تخلف عن الحج فدخلت علیه فذکرت له ذلک قال کفؤ کریم فدعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فزوّجها ایاه فجاء أخوها عبد اللّه بن زمعة من الحج فجعل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:306
یحثی فی رأسه التراب فقال بعد أن أسلم لعمری انی سفیه یوم أحثی فی رأسی التراب أن تزوّج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سودة بنت زمعة کذا فی المنتقی* روی ان سودة بنت زمعة بن قیس بن عبد شمس کانت قد أسلمت بمکة فی أوائل البعثة و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم زوجة ابن عمها سکران بن عمرو بن عبد شمس و ولدت له ابنا اسمه عبد الرحمن قتل فی حرب جلولا و هو اسم قریة من قری فارس و تلک الحرب وقعت هناک و سکران عدّ من الصحابة و کانت سودة هاجرت مع زوجها سکران الی الحبشة و بعد مدّة عادت الی مکة و رأت فی المنام ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أتاها و وضع رجله علی رقبتها فلما انتبهت أخبرت زوجها قال ان صدقت فانا أموت و یتزوّجک محمد ثم رأت فی المنام انها اتکأت و وقع علیها القمر من السماء فأخبرت بها زوجها قال ان کنت صدقت فأنا أموت قریبا و تتزوجین زوجا آخر فمرض فی ذلک الیوم و مات بعد أیام ثم تزوّجها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی السنة العاشرة من النبوّة بعد وفاة خدیجة مرویات سودة فی الکتب المتداولة خمس أحادیث واحد منها فی البخاری و الباقیة مرویة فی السنن الاربع و توفیت فی آخر خلافة عمر و قیل فی زمان معاویة و الاوّل أشهر*

ابتداء اسلام الانصار و بیعة العقبة الاولی‌

و فی السنة الحادیة عشر من النبوّة کان ابتداء اسلام الانصار روی ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان یخرج و یتبع آثار الناس فی منازلهم بعکاظ و مجنة و ذی المجاز فی الموسم و یقول من یؤوینی من ینصرنی حتی أبلغ رسالة ربی فله الجنة و فی سیرة مغلطای فلا یجد أحدا ینصره و لا یجیبه حتی انه لیسأل عن القبائل و منازلها قبیلة قبیلة فیردّونه أقبح ردّ و یؤذونه و یقولون قومک أعلم بک و کان ممن سمی لنا من تلک القبائل بنو عامر بن صعصعة و محارب بن حفصة و فزارة و غسان و مرّة و حنیفة و سلّم و عبس و بنو نضر و البکاء و کندة و کعب و الحارث بن کعب و عذرة و الحضارمة الی أن أراد اللّه اطهار دینه فساقه علیه الصلاة و السلام الی هذا الحی من الانصار و هو لقب اسلامی لنصرتهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و انما کانوا یسمون أولاد قیلة و الاوس و الخزرج فأسلم اثنان أسعد بن زرارة و قیس بن ذکوان انتهی کلام مغلطای فخرج فی هذا الموسم یعرض نفسه علی القبائل کما کان یصنع فی کل موسم فبینا هو عند العقبة اذ لقی جماعة من الخزرج فقال من انتم قالوا من الخزرج قال أ فلا تجلسون حتی أکملکم قالوا بلی فجلسوا معه فدعاهم الی اللّه عز و جل و عرض علیهم الاسلام و تلا علیهم القرآن و کان أولئک قد سمعوا من الیهود انه قد أظلنا زمان نبیّ یبعث* و فی المواهب اللدنیة کان من صنع اللّه ان الیهود کانوا معهم فی بلادهم و کانوا أهل کتاب و کان الاوس و الخزرج أکثر منهم فکانوا اذا کان بینهم شی‌ء قالوا ان نبیا سیبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلکم معه فلما کلمهم قال بعضهم لبعض و اللّه انه النبیّ الذی یعدکم به الیهود فلا یسبقنکم إلیه فأسلم منهم ستة نفر کلهم من الخزرج و هم أبو أمامة أسعد بن زرارة و عوف بن الحارث بن رفاعة و هو ابن عفراء و رافع بن مالک بن العجلان و قطبة بن عامر بن حدیدة و عقبة بن عامر بن نابی و جابر بن عبد اللّه بن ذئاب فقال لهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تمنعون ظهری حتی أبلغ رسالة ربی فقالوا یا رسول اللّه انما کانت بعاث العام الاوّل یوم من أیامنا اقتتلنا به و ان تقدم و نحن کذلک لا یکون لنا علیک اجتماع فدعنا حتی نرجع الی عشائرنا لعل اللّه یصلح ذات بیننا و ندعوهم الی ما دعوتنا و موعدنا و موعدک الموسم العام القابل و انصرفوا الی بلادهم و یسمی هذا ابتداء اسلام الانصار و مقتضی ما سنذکره بعد المعراج أن تسمی هذه بیعة العقبة الاولی کذا فی الوفاء و لما قدموا المدینة علی قومهم ذکروا لهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و دعوهم الی الاسلام حتی فشافیهم الاسلام فلم یبق دار من دور الانصار الا فیها ذکر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم*

ذکر قصة المعراج‌

و فی السنة الثانیة عشر من النبوّة وقع المعراج و ما تضمنه و فرضت الصلوات الخمس فی الاسراء و ستجی‌ء کیفیتها و فی الاستیعاب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:307
و سیرة مغلطای بعد سنة و نصف من حین رجوعه من الطائف قاله ابن قتیبة* و قال ابن شهاب عن ابن المسیب قبل خروجه الی المدینة بسنة* و فی المواهب اللدنیة لما کان فی شهر ربیع الاوّل أسری بروحه و جسده یقظة من المسجد الحرام الی المسجد الاقصی ثم عرج به من المسجد الاقصی الی فوق سبع سماوات و رأی ربه بعین رأسه و أوحی إلیه ما أوحی و فرض علیه الصلوات الخمس ثم انصرف فی لیلته الی مکة فأخبر بذلک فصدّقه الصدّیق و کل من آمن باللّه و کذبه الکفار و استوصفوه مسجد بیت المقدس فمثله اللّه له فجعل ینظر إلیه و یصفه و سیجی‌ء تفصیل ذلک کله* اختلف العلماء فی الاسراء هل هو اسراء واحد فی لیلة واحدة یقظة أو مناما أو إسراءان کل واحد فی لیلة مرّة بروحه و بدنه یقظة و مرّة مناما أو یقظة بروحه و جسده من المسجد الحرام الی المسجد الاقصی ثم مناما من المسجد الاقصی الی العرش أو هی أربع إسراءات* و فی سیرة مغلطای اختلف فی المعراج و الاسراء هل کانا فی لیلة واحدة أم لا و هل کانا أو أحدهما یقظة أو مناما و هل کان المعراج مرّة أو مرّات و الصحیح ان الاسراء کان فی الیقظة بجسده و انه مرّات متعدّدة و انه رأی ربه بعین رأسه صلّی اللّه علیه و سلم* و اختلف فی تاریخ الاسراء فی أی سنة کان و فی أی شهر و فی أی یوم من الشهر و فی أی لیلة من الاسبوع فأما سنة الاسراء فقال الزهری کان ذلک بعد المبعث بخمس سنین حکاه القاضی عیاض و رجحه القرطبی و النووی و قیل قبل الهجرة بسنة قاله ابن حزم و ادّعی فیه الاجماع رواه ابن الاثیر فی أسد الغابة عن ابن عباس و أنس و حکاه البغوی فی معالم التنزیل عن مقاتل و قیل قبل الهجرة بسنة و خمسة أشهر قاله السدّی و أخرجه من طریق الطبری و البیهقی فعلی هذا یکون فی شوّال و فی أسد الغابة قال السدّی قبل الهجرة بستة أشهر و قیل کان قبل الهجرة بسنة و ثلاثة أشهر فعلی هذا یکون فی ذی الحجة و به جزم ابن فارس و قیل قبل الهجرة بثلاث سنین ذکره ابن الاثیر کذا فی المواهب اللدنیة* و أما شهر الاسراء فقیل ربیع الاوّل قاله ابن الاثیر و النووی فی شرح مسلم و قیل ربیع الآخر قاله الحربی و النووی فی فتاویه و قیل رجب حکاه ابن عبد البرّ و قبله ابن قتیبة و به جزم النووی فی الروضة و عن الواقدی رمضان و عن السدّی و الماوردی شوّال و عن ابن فارس ذو الحجة کما مرّ و أما ان الاسراء فی أی یوم من الشهر کان فعن ابن الاثیر لیلة سبع من ربیع الاوّل و عن الحربی فی ثالث عشری ربیع الآخر و قیل لیلة سبع و عشرین من ربیع الآخر و عن الواقدی فی سابع عشر من رمضان و أما لیلة الاسراء فقیل لیلة الجمعة و قیل لیلة السبت و عن ابن الاثیر لیلة الاثنین و قال ابن دحیة ان شاء اللّه یکون لیلة الاثنین لیوافق المولد و المبعث و المعراج و الهجرة و الوفاة فان هذه أطوار الانتقالات وجودا و نبوّة و معراجا و هجرة و وفاة کذا فی المواهب اللدنیة* و فی سیرة الیعمری و لما بلغ احدی و خمسین سنة و تسعة أشهر أسری به من بین زمزم و المقام و کذا فی حیاة الحیوان و انما کان لیلا لتظهر الخصوصیة بین جلیس الملک لیلا و جلیسه نهارا و اختلف فی الموضع الذی أسری به منه صلّی اللّه علیه و سلم فقیل أسری به من بیته و قیل من بیت أمّ هانئ بنت أبی طالب لما روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم کان نائما فی بیت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسری به و رجع من لیلته و قص القصة علیها و قال مثل لی النبیون فصلیت بهم و بیتها بین الصفا و المروة و من قال هذین القولین قال الحرم کله مسجد و المراد بالمسجد الحرام فی الآیة الحرم و عن ابن عباس الحرم کله مسجد و قیل أسری به من المسجد الحرام و المراد بالمسجد فی الآیة هو المسجد نفسه و هو ظاهر فقد قال صلّی اللّه علیه و سلم بینا انا فی المسجد الحرام فی الحجر عند البیت بین النائم و الیقظان اذ أتانی جبریل بالبراق و قد عرج بی الی السماء فی تلک اللیلة قیل الحکمة فی المعراج ان اللّه تعالی أراد أن یشرف
بأنوار محمد صلّی اللّه علیه و سلم السموات کما شرف ببرکاته الارضین فسری به الی المعراج و سئل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:308
أبو العباس الدینوری لم أسری بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی البیت المقدس قبل ان عرج به الی السماء فقال لان اللّه تعالی کان یعلم ان کفار قریش کانوا یکذبونه فیما یخبرهم به من أخبار السموات فأراد أن یخبرهم من الارض قد بلغوها و عاینوها و علموا ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم یدخل بیت المقدس قط فلما أخبرهم بأخبار بیت المقدس علی ما هو علیه لم یمکنهم ان یکذبوه فی أخبار السماء بعد أن صدّقوه فی أخبار الارض* و اختلف السلف و العلماء فی أنه هل کان اسراء بروحه أو جسده علی ثلاثة أقوال أحدها انه ذهبت طائفة الی انه اسراء بالروح و انه رؤیا منام مع اتفاقهم علی أن رؤیا الأنبیاء وحی و حق و الی هذا ذهب معاویة و حکی عن الحسن فی غیر المشهور و حجتهم قوله تعالی و ما جعلنا الرؤیا التی أریناک الآیة و ما حکوا عن عائشة ما فقدت جسد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قوله صلّی اللّه علیه و سلم بینا أنا نائم و قول أنس و هو نائم فی المسجد الحرام و ذکر القصة ثم قال فی آخرها فاستیقظت و أنا بالمسجد الحرام* و فی العروة الوثقی و حدیث عائشة صحیح فی المعراج الذی اتفق للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی فراشها فی المدینة و قالت ما فقدت جسد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قول ابن عباس أیضا صحیح فی المعراج المکی الذی أخبر به نص التنزیل بقوله سبحان الذی أسری بعبده الآیة لقوله تعالی ثم دنا فتدلی فکان قاب قوسین أو أدنی* و الثانی انه ذهب معظم السلف و المسلمین الی انه اسری بروحه و جسده و فی الیقظة و هذا هو الحق و هو قول ابن عباس و جابر و انس و حذیفة و عمر و ابی هریرة و مالک بن صعصعة و ابی حبة البدری و ابن مسعود و الضحاک و سعید بن جبیر و قتادة و ابن المسیب و ابن شهاب و ابن زید و الحسن فی المشهور و ابراهیم و مسروق و مجاهد و عکرمة و ابن جریج و هو قول الطبری و ابن حنبل و جماعة عظیمة من المسلمین و هذا قول أکثر المتأخرین من الفقهاء و المحدّثین و المتکلمین و المفسرین* و الثالث انه فی المنام قالت طائفة کان الاسراء بالجسد یقظة الی بیت المقدس و الی السماء بالروح فی المنام قال القاضی عیاض الحق و الصحیح انه اسراء بالجسد و الروح فی القصة کلها و علیه تدل الآیة و صحیح الاخبار و لا یعدل عن الظاهر و الحقیقة الی التأویل الا عند الاستحالة و لیس فی الاسراء بجسده و حال یقظته استحالة اذ لو کان منا ما لقال بروح عبده و لم یقل بعبده و قوله ما زاع البصر و ما طغی و لو کان منا ما لما کان فیه آیة و لا معجزة و لما استبعده الکفار و لا کذبوه فیه و لا ارتدّ به ضعفاء من أسلم و افتتنوا به اذ مثل هذا من المنامات لا ینکر بل لم یکن ذلک منهم الا و قد علموا ان خبره انما کان عن جسمه و حال یقظته الی ما ذکر فی الحدیث من ذکر صلاته بالانبیاء ببیت المقدس فی روایة انس أو فی السماء علی ما روی غیره و ذکر مجی‌ء جبریل له بالبراق و خبر المعراج و استفتاح السماء فیقال من معک فیقول محمد و لقائه الأنبیاء فیها و خبرهم معه و ترحیبهم به و شأنه فی فرض الصلاة و مراجعته مع موسی فی ذلک و وصوله الی سدرة المنتهی و دخوله الجنة و رؤیته فیها ما ذکره* قال ابن عباس هی رؤیا عین رآها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لا رؤیا منام* و عن الحسن بینا أنا جالس فی الحجر جاءنی جبریل فهمزنی بعقبه فقمت فجلست فلم أر شیئا فعدت لمضجعی و ذکر ذلک ثلاثا فقال فی الثالثة فأخذ بعضدی فجرّنی الی باب المسجد فاذا بدابة و ذکر خبر البراق* و عن أم هانئ قالت ما أسری برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الا و هو فی بیتی تلک اللیلة صلّی العشاء الآخرة و نام فلما کان قبیل الفجر أهبنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما صلّی الصبح و صلینا معه قال یا أم هانئ لقد صلیت معکم العشاء الآخرة کما رأیت بهذا الوادی ثم جئت بیت المقدس و صلیت فیه ثم صلیت الغداة معکم الآن کما ترون فهذا کله بین فی انه بجسمه صلّی اللّه علیه
و سلم* و عن أبی بکر من روایة شدّاد بن أوس عنه انه قال للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لیلة اسری به طلبتک یا رسول اللّه البارحة فی مکانک فلم أجدک فأجابه ان جبریل حمله الی المسجد الاقصی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:309
و عن عمر قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صلیت لیلة أسری بی مقدّم المسجد ثم دخلت الصخرة فاذا بملک قائم معه آنیة ثلاث و ذکر الحدیث و هذه التصریحات ظاهرة غیر مستحیلة فتحمل علی ظواهرها و عن أبی ذر عنه صلّی اللّه علیه و سلم فرج سقف بیتی و أنا بمکة فنزل جبریل فشرح صدری ثم غسله بماء زمزم الی آخر القصة ثم أخذ بیدی فعرج بی قیل الحق ان المعراج مرّتان مرّة فی النوم و أخری فی الیقظة قال محیی السنة و ما أراه اللّه فی النوم قبل الوحی ثم عرج به فی الیقظة بعد الوحی بسنة تحقیقا لرؤیاه کما انه رأی فتح مکة فی المنام سنة ست من الهجرة ثم کان تحقیقه سنة ثمان کذا فی شرح المشکاة للطیبی روی ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حدّث عن لیلة أسری به قال بینا هو یصلی فی الحطیم أو فی الحجر مضطجعا اذ أتاه آت فشق ما بین ثغرة نحره الی شعر عانته فاستخرج قلبه ثم أتی بطست من ذهب مملوءة ایمانا فغسل قلبه ثم حشی ثم أعید الی مکانه* قیل الحکمة فی شق الصدر مرّتین أما فی الصغر فلیصیر قلبه کقلوب الأنبیاء فی الانشراح و أما فی الاسراء فلیصیر حاله کحال الملائکة و قیل شرح الصدر فی صباه لاستخراج الهوی منه و فی الاسراء لاستدخال الایمان فیه ثم أتی بدابة طویلة بیضاء تسمی البراق و فی حیاة الحیوان کان البراق أبیض و بغلته شهباء و هی التی أکثرها بیاض اشارة الی تخصیصه بأشرف الالوان و سمی براقا لنصوع لونه و شدّة بریقه و قیل لسرعة حرکته تشبیها ببرق السحاب* و قال القاضی غیاض لکونها ذات لونین و فی الصحیح انه دابة دون البغل و فوق الحمار أبیض بضع خطوه عند أقصی طرفه* قال صاحب المنتقی الحکمة فی کونه علی هیئة بغل و لم یکن علی هیئة فرس التنبیه علی أن الرکوب فی سلم و أمن لا فی حرب و خوف أو لاظهار الآیة فی الاسراع العجیب فی دابة لا یوصف شکلها بالاسراع و یؤخذ من قوله یضع خطوه عند أقصی طرفه انه أخذ من الارض الی السماء فی خطوة واحدة و الی السموات السبع فی سبع خطوات و به یردّ علی من استبعد من المتکلمین احضار عرش بلقیس فی لحظة واحدة و قال انه أعدم ثم أوجد و علله بأن المسافة البعیدة لا یمکن قطعها فی هذه اللحظة و هذا أوضح دلیل علی الرد علیه و کانت مضطربة الاذنین وجهها کوجه الانسان و جسدها کجسد الفرس ناصیتها من یاقوت أحمر عیناها کالزهرة أذناها من زمرد أخضر* و فی روایة أذناها کأذن الفیل و عنقها کعنق البعیر و صدرها کصدر البغل* و فی روایة و صدرها کأنه من یاقوت أحمر و ظهرها کأنه صفرة البیضة یبرق من غایة صفائه لها جناحان کجناح النسر فیهما من کل لون نصفها الاوّل من کافور و الآخر من مسک و قوائمها کقوائم الثور و فی روایة کقوائم الفرس و فی روایة کقوائم البعیر و حوافرها کحوافر الثور و فی روایة أظلافها کظلف البقر و ذنبها کذنب البقر و فی روایة کذنب البعیر و فی روایة کذنب الغزال لا ذکر و لا أنثی عدوها کالریح و خطوها کالبرق لجامها و سرجها من در مضروب علی سرجها حجلة من نور کأنها یاقوت أحمر و فی روایة علیها سرج من سروج الجنة و فی روایة و علی فخذیها ریشتان یستران ساقیها* و فی زبدة الاعمال لها جناحان فی فخذیها قیل هی البراق التی رکبها جبریل و الأنبیاء علیهم السلام یرکبونها* و فی حیاة الحیوان روی ان ابراهیم علیه السلام کان یزور ولده اسماعیل علی البراق و انه رکب هو و اسماعیل و هاجر حین أتی بهما الی البیت الحرام و من غایة سرعته و خفة مشیه یضع قدمیه أو خطوه عند أقصی طرفه و فی روایة یقع حافره عند أقصی طرفه و فی روایة عند منتهی طرفه و فی روایة خطوها عند منتهی البصر لا تمرّ بشی‌ء و لا یجد ریحها شی‌ء الا حیی ثم ان البراق و ان کان یرکبها الأنبیاء لکن لم تتصف بوضع الحافر عند منتهی طرفها الا عند رکوب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کذا فی المنتقی* و فی روایة أتاه جبریل و معه خمسون ألف ملک لهم زجل بالتسبیح و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی بیت أمّ هانئ و معه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:310
میکائیل فقال قم یا محمد فان الجبار یدعوک و أخذ جبریل بیده و أخرجه من المسجد الحرام فاذا هو بالبراق واقفا بین الصفا و المروة فقال له جبریل ارکب یا محمد هذه براق ابراهیم التی کان یجئ علیها الی طواف الکعبة فأخذ جبریل رکابها و میکائیل عنانها فأراد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یرکبها و فی روایة فذهب یرکبها فاستصعبت علیه قیل استصعابها لبعد العهد بالانبیاء لطول الفترة بین عیسی و محمد و هذا مبنی علی أن الأنبیاء علیهم السلام رکبوها و فیه خلاف و قیل لانها لم تذلل قبل ذلک و لم یرکبها أحد و قیل تیها و زهوا برکوب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کذا فی مزیل الخفاء فقال لها جبریل اسکنی فو اللّه ما رکبک عبد أکرم علی اللّه من محمد و فی روایة قال لها جبریل أ بمحمد تفعلی هذا فارفض عرقا کذا فی الشفاء فرکبها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی حیاة الحیوان اختلف الناس هل رکب جبریل معه علیه فقیل نعم کان ردیفه صلّی اللّه علیه و سلم و قیل لا لان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم المخصوص بشرف الاسراء و انطلق به جبریل حتی أتی به بیت المقدس فربطها بالحلقة التی ربط بها الأنبیاء دوابهم ثم دخل المسجد الاقصی فصلی بهم رکعتین فانطلق به جبریل الی الصخرة فصعد به علیها فاذا معراج الی السماء لم یر مثله حسنا و منه تعرج الملائکة و قیل تعرج منه الارواح اذا قبضت فلیس شی‌ء أحسن منه اذا رآه أرواح المؤمنین لم تتمالک أن تخرج و هو الذی یمدّ إلیه میتکم عینیه اذا احتضر کذا فی سیرة ابن هشام أصله و فی روایة أحد طرفیه علی صخرة بیت المقدس و أعلاه ملصق و فی روایة و الآخر ملصق بالسماء احدی جنبتیه یاقوتة حمراء و الاخری زبرجدة خضراء درجة له من فضة و درجة من ذهب و درجة من زمرّد مکال بالدرّ و الیواقیت* و فی کیفیة عروجه الی السماء اختلاف قیل عرج به الی السماء علی البراق اظهارا لکرامته و لم یزل راکبا اظهارا لقدرته تعالی و قیل نزل أیضا راکبا علی البراق کما روی عن حذیفة ما زایل ظهر البراق حتی رجع و قیل احتمله جبریل علی جناحه ثم ارتفع به الی السماء من ذلک المعراج حتی أتی السماء الدنیا فاستفتح قیل من هذا قال جبریل قیل و من معک قال محمد قیل و قد أرسل إلیه قال نعم قیل مرحبا فنعم المجی‌ء جاء ففتح فلما دخل فاذا رجل قاعد علی یمینه أسودة و علی یساره أسودة اذا نظر قبل یمینه ضحک و اذا نظر قبل یساره بکی فقال جبریل هذا أبوک آدم فسلم علیه فسلم فردّ علیه السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح و النبیّ الصالح ثم قال جبریل هذا آدم و هذه الاسودة عن یمینه و شماله نسم بنیه فأهل الیمین هم أهل الجنة و الاسودة التی عن شماله أهل النار ثم صعد الی السماء الثانیة و هکذا کان یستفتح جبریل فی کل سماء فیفتح فیدخل فیری فیها نبیا ففی الثانیة یحیی و عیسی و هما ابنا خالة و فی الثالثة یوسف و فی الرابعة ادریس و فی الخامسة هارون و فی السادسة موسی فلما اجتاز عنه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بکی قیل له ما یبکیک قال أبکی لان غلاما بعث بعدی یدخل اللّه الجنة من أمّته أکثر ممن یدخلها من أمّتی ثم صعد الی السماء السابعة فرأی فیها ابراهیم ثم رفعت له سدرة المنتهی فاذا نبقها مثل قلال هجر و ورقها کآذان الفیلة فاذا أربعة انهار نهران باطنان و نهران ظاهران قال جبریل أما الباطنان فنهران فی الجنة و أما الظاهران فالنیل و الفرات* و فی الکشاف سدرة المنتهی هی شجرة نبق فی السماء السابعة عن یمین العرش ثمرها کقلال هجر و ورقها کآذان الفیول تتبع من أصلها الانهار التی ذکرها اللّه فی کتابه یسیر الراکب فی ظلها سبعین عاما لا یقطعها* و فی المدارک وجه تسمیتها کأنها فی منتهی الجنة و آخرها و قیل لم یجاوزها أحد و إلیها ینتهی علم الملائکة و غیرهم و لا یعلم أحد ما وراءها و قیل تنتهی إلیها أرواح الشهداء* و فی بعض الروایات انها فی السماء السادسة* قال القاضی عیاض کونها فی السابعة هو الاصح و قال النووی یمکن الجمع بأن أصلها فی السادسة و معظمها فی السابعة ثم رفع له البیت المعمور و هو بیت فی السماء السابعة محاذ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:311
للکعبة یدخله کل یوم سبعون ألف ملک و لا یعودون إلیه هکذا فی الصحیحین و غیرهما من کتب الاحادیث یذکر البیت المعمور بعد سدرة المنتهی و أما فی الکشاف و غیره من کتب التفاسیر فالبیت المعمور الضراح فی السماء الرابعة حیال الکعبة و قیل فی الاولی و قیل فی السادسة و لمسلم فی صحیحه بعد صعوده الی السماء السابعة رأی فیها ابراهیم مسند اظهره الی البیت المعمور و سلم علی کل منهم اذا رآه و هو یردّ ثم یقول مرحبا بالاخ الصالح و النبیّ الصالح الا آدم و ابراهیم فانهما قالا بالابن الصالح کما مرّ فی السماء الدنیا* و فی روایة عن طریق ابن عباس ثم عرج به حتی ظهر مستوی یسمع فیه صریف الاقلام ثم أتی باناء من خمر و اناء من عسل و اناء من لبن فأخذ اللبن فقال جبریل هی الفطرة التی أنت علیها و أمتک* و فی روایة بعد استصعاب البراق فرکبها حتی أتی الحجاب الذی یلی الرحمن تعالی فبینا هو کذلک اذ خرج ملک من الحجاب فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یا جبریل من هذا قال و الذی بعثک بالحق انی لا قرب الخلق مکانا و ان هذا الملک ما رأیته منذ خلقت قبل ساعتی هذه و لما جاوز سدرة المنتهی قال له جبریل تقدّم یا محمد فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تقدّم أنت یا جبریل أو کما قال قال جبریل یا محمد تقدّم فانک أکرم علی اللّه منی فتقدّم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و جبریل علی أثره حتی بلغه الی حجاب منسوج بالذهب فحرکه جبریل فقیل من هذا قال جبریل قیل و من معه قال محمد قال ملک من وراء الحجاب اللّه أکبر اللّه أکبر قیل من وراء الحجاب صدق عبدی أنا أکبر أنا أکبر فقال ملک أشهد أن لا إله الا اللّه فقیل من وراء الحجاب صدق عبدی أنا اللّه لا إله الا أنا فقال ملک أشهد أن محمدا رسول اللّه فقیل من وراء الحجاب صدق عبدی أنا أرسلت محمدا فقال ملک حیّ علی الصلاة حیّ علی الفلاح فقیل من وراء الحجاب صدق عبدی دعا الیّ عبدی فأخرج ملک یده من وراء الحجاب فرفعه فتخلف جبریل عنه هناک* و فی روایة فما زال یقطع مقاما بعد مقام و حجابا بعد حجاب حتی انتهی الی مقام تخلف عنه فیه جبریل فقال یا جبریل لم تخلفت عنی قال یا محمد و ما منا الا له مقام معلوم لو دنوت أنملة لاحترقت و فی هذه اللیلة بسبب احترامک وصلت الی هذا المقام و الا فمقامی المعهود عند السدرة فمضی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم وحده و کان یقطع الحجب الظلمانیة حتی جاوز سبعین ألف حجاب غلظ کل حجاب مسیرة خمسمائة سنة و ما بین کل حجاب أیضا مسیرة خمسمائة سنة فوقف البراق عن المسیر فظهر له رفرف أخضر غلب نوره علی نور الشمس فرفع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی ذلک الرفرف و ذهب به الی قرب العرش* و فی روایة کان یقال له ادن منی ادن منی حتی قیل له فی تلک اللیلة ألف مرة یا محمد ادن منی ففی کل مرة منها کان یترقی حتی بلغ مرتبة دنا و منها ترقی الی مرتبة فتدلی و منها ترقی حتی وصل الی منزله قاب قوسین أو أدنی کما قال تعالی ثم دنا أی دنا محمد الی ربه تعالی أی قرب بالمنزلة و المرتبة لا بالمکان فانه تعالی منزه عنه و انما هو قرب المنزلة و الدرجة و الکرامة و الرأفة فتدلی أی سجد له تعالی لانه کان قد وجد تلک المرتبة بالخدمة فزاد فی الخدمة و فی السجدة عدة القرب و لهذا قال صلّی اللّه علیه و سلم أقرب ما یکون العبد من ربه أن یکون ساجدا قال بعض أهل التحقیق ثم دنا اشارة الی مقام نفسه الزکیة فتدلی اشارة الی مقام قلبه المطهر فکان قاب قوسین اشارة الی مقام روحه الطیب أو أدنی اشارة الی مقام سرّه المنوّر نفسه فی مقام الخدمة و قلبه فی مقام المحبة و روحه فی مقام القربة و سرّه فی مقام المشاهدة حیاة نفسه بالخدمة و صفاء قلبه بالمحبة و بقاء روحه بالقربة و غذاء سرّه بالمشاهدة لو نظرت نفسه الی وجوده لبقیت بلا خدمة و لو نظر قلبه الی نفسه لبقی بلا محبة و لو نظرت روحه الی قلبه لبقی بلا قربة و لو نظر سرّه الی روحه لبقی بلا مشاهدة و سئل أبو الحسین النوری عن معنی هذه الآیة أجاب بأنه لم یسعه جبریل فمن النوری ثم قال
(دنا) فی الافهام
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:312
القاصرة یقال اذا کان لشخص بعد عن شی‌ء و لا بعد ثمة (فتدلی) یقال اذا کان مکان و لا مکان ثمة (فکان) عبارة عن الزمان و لا عبارة و لا زمان ثمة (قاب قوسین) اشارة الی المقدار و لا اشارة و لا مقدار ثمة (أو) کلمة شک و لا شک ثمة (أدنی) مبالغة فی أن قرب شخص أقرب من الآخر و لا أدنی معه ثمة فان العبارة و الافهام قاصرة من ادراک تقریر ذلک و لم یعبر أهل المعرفة عن ذلک المقام الا بهذا المقدار دنا عبدا فتدلی فردا دنا مکیا فتدلی ملکیا دنا قرشیا فتدلی عرشیا دنا مجاهدا فتدلی مشاهدا دنا طالبا فتدلی و اصلا دنا و معه الرحمة فتدلی و معه المرحمة دنا افتقارا فتدلی افتخارا دنا منادیا فتدلی مناجیا دنا مادحا فتدلی ممدوحا دنا شاکرا فتدلی مشکورا و قیل أحدهما صفة اللّه و الاخری صفة محمد صلّی اللّه علیه و سلم و معناه کان هو یتقرّب الی اللّه و اللّه یقربه و کان هو یتکلم و اللّه یسمعه و کان هو یسأله و اللّه یعطیه و کان هو یشفع و اللّه یشفعه فکان قاب قوسین أو أدنی کنایة عن تأکید القریة و تقریر المحبة و بسبب التقریب الی الفهم أدّی فی صورة التمثیل و هذا مقام لیس فوقه مقام و للسالکین من الامّة المرحومة المحمدیة من هذا المقام نصیب کما ورد بیانه فی الحدیث القدسی لا یزال عبدی یتقرب الیّ بالنوافل حتی أحبه فاذا أحببته کنت سمعه الذی یسمع به و بصره الذی یبصر به و یده التی یبطش بها و رجله التی یمشی بها و لهذا کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذا ضجر و ضاق صدره عن الخلق یقول أرحنا یا بلال و یقول جعلت قرّة عینی فی الصلاة و لذا قیل الصلاة معراج المؤمن کذا فی روضة الاحباب* و اختلف فی مناجاته تعالی و کلامه مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقوله تعالی فأوحی الی عبده ما أوحی الی ما تضمنته الاحادیث فأکثر المفسرین علی أن الموحی اللّه الی جبریل و جبریل الی محمد* و ذکر عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال أوحی اللّه إلیه بلا واسطة و نحوه عن الواسطی و علی هذا ذهب بعض المتکلمین الی أن محمدا صلّی اللّه علیه و سلم کلم ربه فی الاسراء و حکی عن الاشعری و عن ابن مسعود و ذکر النقاش عن ابن عباس فی قصة الاسراء عنه صلّی اللّه علیه و سلم فی قوله دنا فتدلی قال فارقنی جبریل فانقطعت الاصوات عنی فسمعت کلام ربی و هو یقول لیهدأ روعک یا محمد أدن أدن و فی قوله تعالی و ما کان لبشر أن یکلمه اللّه الآیة قالوا هی علی ثلاثة أقسام من وراء حجاب کتکلیم موسی و بارسال الملائکة کحال جمیع الأنبیاء و أکثر أحوال نبینا علیه و علیهم السلام* الثالث قوله وحیا و لم یبق من أقسام الکلام الا المشافهة مع المشاهدة ثم انه تعالی أخفی من الخلق کل ما نسب إلیه فی تلک اللیلة اشارة الی أنه حبیبه الخاص فقال فی حال مشاهدته لسدرة المنتهی اذ یغشی السدرة ما یغشی و فی الآیات التی أراه لقد رأی من آیات ربه الکبری و فی التکلم معه فأوحی الی عبده ما أوحی أی أوحی الی عبده محمد فی ذلک المقام* و للعلماء فی بیان ما أوحی خلاف قال بعضهم و هم أهل الاحتیاط الاقرب الی الصواب أن لا یعین لانه لو کانت الحکمة و المصلحة فی اظهاره و تعیینه لما أبهمه و قال الآخرون لا بأس بذکر ما بلغنا فی خبر أو أثر أو من جهة الاستدلال و الاستنباط و من ذلک ما ورد فی حدیث صحیح ثلاثة أشیاء أحدها فریضة الصلوات الخمس و هذا دلیل علی أن أفضل الاعمال الصلوات الخمس لانها فرضت فی لیلة المعراج بغیر واسطة جبریل و الثانی خواتیم سورة البقرة و الثالث أن یغفر لامّة محمد صلّی اللّه علیه و سلم کل الذنوب غیر الشرک* و ورد فی حدیث آخر رأیت ربی فی أحسن صورة أی صفة فقال فیم یختصم الملأ الا علی یا محمد قلت أنت أعلم أی رب فتجلی لی بالتجلی الخاص الذی عبر عنه صلّی اللّه علیه و سلم بهذه العبارة فوضع کفه بین کتفیّ فوجدت بردها بین ثدییّ فعلمت ما فی السماء و الارض ثم قال فیم یختصم الملأ الاعلی یا محمد قلت فی الکفارات و الدرجات قال و ما الکفارات قلت المشی علی الاقدام الی الجماعات و الجلوس فی المساجد خلف الصلوات و ابلاغ الوضوء أماکنه فی المکاره من یفعل ذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:313
یعش بخیر و یمت بخیر و یخرج من خطیئته کیوم ولدته أمّه ثم قیل له اذا صلیت الصلاة قل اللهمّ انی اسألک الطیبات و ترک المنکرات و فعل الخیرات و حب المساکین و ان تغفر لی و ترحمنی و تتوب علی و اذا اردت بقوم أو بعبادک فتنة فتوفنی أو فاقبضنی غیر مفتون ثم قال و ما الدرجات یا محمد قلت افشاء السلام و اطعام الطعام و الصلاة باللیل و الناس نیام و فی حدیث آخر أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما فاز بالقرب و الکرامة فی تلک اللیلة قیل یا محمد انا و أنت و ما سوی ذلک خلقتها لاجلک فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أنت و انا و ما سوی ذلک ترکتها لاجلک و قیل اوحی اللّه إلیه کن آیسا من الخلق فلیس بأیدیهم شی‌ء و اجعل صحبتک معی فان مرجعک الیّ و لا تجعل قلبک متعلقا بالدنیا فما خلقتک لها* و فی المدارک الذی أوحی إلیه انّ الجنة محرّمة علی الأنبیاء حتی تدخلها أنت و علی الامم حتی تدخلها أمّتک* و فی روایة عنه صلّی اللّه علیه و سلم بعد ما تخلف عنه جبریل انه تجاوز ذلک المقام مقدار خمسمائة عام حتی سمع داعیا یقول تقدّم یا أکرم الخلق علی اللّه فتقدّم حتی بلغ امام العرش و رأی عظمته فاعتراه خوف و استولی علیه رعب فسمع النداء یقول ادن یا محمد فدنا فقطرت علیه من العرش قطرة ما أخطأت فمه فوقعت علی لسانه فکانت أحلی من کل شی‌ء فأراه اللّه بها علم الاوّلین و الآخرین فحصلت للسانه طلاقة بعد ما اعتراه عی و کلالة من مشاهدة عظمة اللّه و هیبته ثم سمع النداء یقول حیّ ربک فألهمه اللّه تعالی أن قال* التحیات المبارکات الصلوات الطیبات للّه و فی روایة التحیات للّه و الصلوات و الطیبات فسمع اللّه یقول السلام علیک أیها النبیّ و رحمة اللّه و برکاته قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم السلام علینا و علی عباد اللّه الصالحین فقالت الملائکة أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد أن محمدا عبده و رسوله* و فی روایة وحده لا شریک له و أشهد انّ محمدا عبده و رسوله ثم أعطی خواتیم سورة البقرة و وقع له فی تلک اللیلة کلمات و مقالات مع ربه تعالی یطول الکلام بذکرها فاقتصرنا علی نبذ منها* و فی الشفاء عن أبی حمراء قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما أسری بی الی السماء اذا علی العرش مکتوب لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه أیدته بعلیّ ثم فرضت علیه و علی أمّته فی کل یوم و لیلة خمسین صلاة و ستجی‌ء کیفیتها* و اختلف أیضا فی رؤیة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ربه تعالی فأنکرتها عائشة* روی عن مسروق أنه قال لعائشة یا أمّ المؤمنین هل رأی محمد صلّی اللّه علیه و سلم ربه قالت لقد قف شعری مما قلت ثم قرأت لا تدرکه الابصار الآیة و قال جماعة بقول عائشة و هو المشهور عن ابن مسعود و مثله عن أبی هریرة فی قوله ما کذب الفؤاد ما رأی انه رأی جبریل له ستمائة جناح و یؤید ذلک ما قال أبو ذرّ سألت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هل رأیت ربک قال نور أنی أراه* و فی العروة الوثقی قال أبو ذرّ سألته عن رؤیة ربه لیلة المعراج قال لا بل نورا أری* و فی معالم التنزیل و المدارک انّ جبریل کان یأتی النبیّ صلّی اللّه علیهما و سلم فی صورة الآدمیین کما کان یأتی النبیین فسأله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یریه نفسه علی صورته التی جبل علیها فأراه نفسه مرّتین مرّة فی الارض و مرّة فی السماء امّا ما فی الارض ففی الافق الاعلی و المراد بالاعلی جانب المشرق* و فی المشکاة بروایة الترمذی و مرّة فی أجیاد* و فی نهایة الجزری الاجیاد موضع بأسفل مکة معروف من شعابها انتهی و ذلک أی بیان رؤیته فی الافق الاعلی انّ محمدا صلی اللّه علیه و سلم کان بحراء فطلع له جبریل من المشرق و له ستمائة جناح فسدّ الافق الی المغرب فخرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مغشیا علیه فنزل جبریل فی صورة الآدمیین فضمه الی نفسه و جعل یمسح الغبار عن وجهه و هو قوله ثم دنا فتدلی و أمّا ما فی السماء فعند سدرة المنتهی و لم یره أحد من الأنبیاء علی تلک الصورة الا محمد صلّی اللّه علیه و سلم* و فی المدارک و ذلک لیلة المعراج و قال بامتناع
رؤیته
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:314
فی الدنیا جماعة من الفقهاء و المحدّثین و المتکلمین* و عن ابن عباس أنه رآه سبحانه بعین رأسه* و روی عطاء عنه أنه رآه بقلبه کذا ذکرهما فی المدارک* و عن أبی العالیة أنه رآه بفؤاده مرّتین* و ذکر ابن اسحاق أنّ ابن عمر أرسل الی ابن عباس یسأله هل رأی محمد ربه فقال نعم و الاشهر عنه أنه رأی ربه بعینه* قال الماوردی قیل انّ اللّه تعالی قسم کلامه و رؤیته بین موسی و محمد فرآه محمد مرّتین و کلمه موسی مرّتین* قال عبد اللّه بن الحارث اجتمع ابن عباس و کعب بعرفة فقال ابن عباس امّا نحن بنی هاشم فنقول انّ محمدا رأی ربه مرّتین فکبر کعب حتی جاوبته الجبال و قال انّ اللّه قسم رؤیته و کلامه بین محمد و موسی فکلمه موسی و رآه محمد بقلبه* و روی شریک عن أبی ذرّ فی تفسیر الآیة ما کذب الفؤاد ما رأی قال رأی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ربه* و حکی السمرقندی عن محمد بن کعب القرظی و ربیع بن أنس أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سئل هل رأیت ربک قال رأیته بفؤادی و لم أره بعینی* و حکی عبد الرزاق أنّ الحسن کان یحلف باللّه لقد رأی محمد ربه* و حکی ابن اسحاق أنّ مروان سأل أبا هریرة هل رأی محمد ربه فقال نعم* و حکی النقاش عن أحمد بن حنبل أنه قال أنا أقول بحدیث ابن عباس بعینه رآه رآه حتی انقطع نفسه یعنی نفس أحمد* و قال سعید بن جبیر لا أقول رآه و لا لم یره* و قال أبو الحسن علی بن اسماعیل الاشعری و جماعة من أصحابه أنه رأی اللّه ببصره و عینی رأسه و وقف بعض المشایخ فی هذا کما وقف ابن جبیر و قال لیس علیه دلیل واضح و لکنه جائز* قال القاضی أبو الفضل و الحق الذی لا امتراء فیه انّ رؤیته تعالی فی الدنیا جائزة عقلا اذ کل موجود فرؤیته جائزة غیر مستحیلة و لیس فی الشرع دلیل قاطع علی استحالتها و لکن وقوعه و مشاهدته من الغیب الذی لا یعلمه الا من علمه اللّه تعالی ثم بعد ما فرضت علیه خمسون صلاة أذن له بالرجوع فرجع من حیث جاء حتی بلغ منزل جبریل فقال له جبریل ابشر یا محمد فانک خیر خلق اللّه و مصطفاه بلغک اللیلة الی مرتبة لم یبلغها أحدا من خلقه قط لا ملکا مقربا و لا نبیا مرسلا هنیئا لک هذه الکرامة ثم ذهب به جبریل الی الجنة و النار. و أراه منازلهما و ما فی الجنة من الحور و القصور و الغلمان و الولدان و الاشجار و الاثمار و الازهار و الانهار و البساتین و الریاحین و الریاض و الحیاض و الغرف و الشرف و ما فی النار من السلاسل و الاغلال و الانکال و الحیات و العقارب و الزفیر و الشهیق و الغساق و الیحموم و تفاصیلها تؤدّی الی التطویل* ثم رجع فمرّ بموسی فسأله بما أمرت قال أمرت بخمسین صلاة کل یوم و لیلة قال ان أمّتک لا تستطیع و انی و اللّه قد جربت الناس قبلک و عالجت بنی اسرائیل أشدّ المعالجة فارجع الی ربک فسله التخفیف لامّتک فرجع و قال یا رب خفف عن أمّتی فوضع عنه ربه عشرا فرجع الی موسی فقال مثله فرجع الی ربه فوضع عنه عشرا فلم یزل یرجع بین ربه و بین موسی حتی قال یا محمد إنهنّ خمس صلوات کل یوم و لیلة لکل صلاة عشر فذلک خمسون صلاة و من همّ بحسنة فلم یعملها کتبت له حسنة فان عملها کتبت له عشرا و من همّ بسیئة فلم یعملها لم نکتب شیئا فان عملها کتبت سیئة واحدة* فرجع الی موسی فقال بم أمرت قال بخمس صلوات کل یوم قال ان أمّتک لا تستطیع خمس صلوات فارجع الی ربک فسله التخفیف قال سألت ربی حتی استحییت و لکنی أرضی و أسلم و لما جاوز عن موسی سمع منادیا ینادی فیقول أمضیت فریضتی و خففت عن عبادی و هی خمس و هنّ خمسون ثم یقول یا محمد قد جعلت صلاتک و صلاة أمّتک قیاما و رکوعا و سجودا و تشهدا و قراءة و تسبیحا و تهلیلا تشتمل عبادتهم علی سائر عبادات الملائکة من لدن عرشی الی منتهی الثری فیکون لهم بالقیام ثواب القائمین و بالرکوع ثواب الراکعین و بالسجود ثواب الساجدین و بالتشهد ثواب المتشهدین و لهم بالقراءة و التسبیح ثواب المسبحین و القارئین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:315
و بالتهلیل ثواب المهللین ولدیّ مزید کذا فی المنتقی* و روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم لما رجع کان جبریل علیه السلام رفیقه حتی دخل بیت أمّ هانئ* و روی عمر بن الخطاب عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال ثم رجعت الی خدیجة و ما تحوّلت عن جانبها* و فی روایة عاد صلّی اللّه علیه و سلم الی بیت المقدس و معه جبریل حتی أتی به مکة الی فراشه و بقیت من اللیل ساعات* و فی زین القصص عن عمار کان زمان ذهابه و مجیئه ثلاث ساعات* و عن وهب بن منبه و محمد بن اسحاق أربع ساعات و اللّه اعلم* و عن عائشة انها قالت لما اسری بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اصبح یحدّث بذلک فارتدّ ناس ممن کان آمن به و ضعف ایمانهم و إلیه اشار قوله تعالی و ما جعلنا الرؤیا التی اریناک الا فتنة للناس و سبب ارتدادهم انهم کانوا یرون العیر تذهب شهرا من مکة الی الشأم مدبرة و تجی‌ء شهرا مقبلة فاستحالوا عند عقولهم القاصرة قطع تلک المسافة البعیدة فی زمان قلیل ببعض اللیل فارتدّوا و الاستحالة مدفوعة لما ثبت فی الهندسة ان ما بین طرفی قرص الشمس ضعف ما بین طرفی کرة الارض مائة و نیفا و ستین مرّة ثم انّ طرفها الاسفل یصل موضع طرفها الاعلی فی أقل من ثانیة و قد برهن فی الکلام ان الاجسام متساویة فی قبول الاعراض و اللّه تعالی قادر علی کل الممکنات فیقدر أن یخلق مثل هذه الحرکة السریعة فی بدن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أو فیما یحمله و التعجب من لوازم المعجزات کذا فی أنوار التنزیل و أیضا قال أهل الهیئة ان الفلک الاعظم فی مقدار زمان یتلفظ الانسان بلفظة واحدة یقطع ألفا و اثنین و ثلاثین فرسخا* و روی أنه لما رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیلة أسری به و کان بذی طوی قال یا جبریل ان قومی لا یصدّقونی قال یصدّقک أبو بکر و هو الصدّیق* و عن ابن عباس أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لما أصبح جلس فی الحجر معتزلا حزینا لما انه کان یعلم ان قومه یکذبونه فبینما هو جالس کذلک اذ مرّ به أبو جهل فجلس إلیه فقال له کالمستهزئ یا محمد هل استفدت من شی‌ء جدید قال نعم سافرت البارحة* و فی روایة أسری بی اللیلة الی بیت المقدس و منه الی السموات قال أبو جهل سافرت اللیلة الی بیت المقدس و أصبحت بین أظهرنا بمکة قال نعم فلم یر أبو جهل أنه ینکر ذلک مخافة أن یجحده الحدیث قال أ تحدّث قومک بما حدّثتنی قال نعم فصاح أبو جهل یا معشر بنی کعب بن لؤیّ هلموا فانتقضت المجالس فجاءوا حتی جلسوا إلیهما قال فحدّث قومک بما حدّثتنی قال نعم أسری بی اللیلة قالوا الی أین قال الی بیت المقدس قالوا ثم أصبحت بین أظهرنا قال نعم فوقعوا فی التعجب و الاستغراب و قالوا ان هذا لشی‌ء عجاب و بعضهم من کثرة انکارهم یصفقون و بعضهم من قلة اعتبارهم یضحکون و بعضهم یضعون أیدیهم علی رءوسهم تعجبا فان هذا الامر یری عندهم محالا و عجبا و ارتدّ ناس ممن کان قد آمن به و صدّقه* و عن عائشة رضی اللّه عنها سعی رجال من المشرکین و هم أبو جهل و أتباعه الی أبی بکر فقالوا له هل لک فی صاحبک یزعم انه أسری به الی بیت المقدس و منه الی السموات فقال أو قال ذلک قالوا نعم قال لئن قال ذلک لقد صدق قالوا أ تصدّقه أنه ذهب الی الشأم و رجع قبل أن یصبح قال نعم انی أصدّقه فیما هو أبعد من ذلک أصدّقه بخبر السماء فی غدوة و روحة* قال بعضهم فمن ذلک الیوم سمی أبو بکر صدّیقا* و عن أبی هریرة أنه قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لقد رأیتنی فی الحجر و قریش تسألنی عن مسرای فسألتنی عن أشیاء من بیت المقدس لم أثبتها فکربت کربا ما کربت مثله قط فرفعه اللّه لی أنظر إلیه فما یسألوننی عن شی‌ء الا أنبأتهم و نحوه عن جابر کذا فی الشفاء* و عن عائشة قالوا یا محمد هل تستطیع أن تنعت لنا المسجد الاقصی فشرع ینعت حتی اذا التبس قال فجی‌ء بالمسجد و أنا أنظر إلیه حتی وضع دون دار عقیل فنعت المسجد و أنا أنظر إلیه فقال القوم امّا النعت فو اللّه لقد أصاب فیه و هذا أبلغ فی المعجزة و لا استحالة فیه فقد أحضر عرش بلقیس فی طرفة عین فقالوا
أخبرنا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:316
عن عیرنا فهی أهم إلینا من ذلک هل لقیت منها شیئا قال نعم مررت علی عیر بنی فلان و هی بالروحاء و قد أضلوا بعیرا لهم و هم فی طلبه و فی رحالهم قدح من ماء فعطشت فأخذته و شربته ثم وضعته فسلوهم هل وجدوا الماء فی القدح حین رجعوا قالوا هذه آیة* قال و مررت بعیر بنی فلان و فلان راکبان قلوصا لهما* و فی روایة قعودا لهما بذی مر فنفر البعیر منی فرمی بفلان فانکسرت یده فسلوهما عن ذلک فقالوا هذه آیة أخری قالوا أخبرنا عن عیرنا قال مررت بها بالتنعیم قالوا فما عدّتها و اجمالها و هیئتها فقال کنت فی شغل عن ذلک ثم مثل لی بعدّتها و اجمالها و من کان فیها و کانوا بالجرورة قال نعم هیئتها کذا و کذا و فیها فلان و فلان یقدمها جمل أورق علیه غرارتان مخططتان یطلع عند طلوع الشمس* و فی المواهب اللدنیة یقدمهم جمل آدم علیه مسح أسود و غرارتان سودا و ان قالوا هذه آیة أخری ثم خرجوا نحو ثنیة کداء حتی یکذبونه فاذا بقائل یقول هذه الشمس قد طلعت و قال الآخر هذه العیر قد أقبلت کما قال محمد یقدمها فلان و فلان کذا فی المنتقی* و فی روایة البیهقی أشرف الناس ینتظرون حتی اذا کان قریب من نصف النهار أقبلت العیر فلم یؤمنوا و قالوا ما سمعنا بمثل هذا قط ان هذا إلّا سحر مبین* و فی روایة سألوه أیضا عن عیر الشأم لیستدل به علی تکذیبه أو تصدیقه فیما قال علیه السلام فوصفهم و قال یقدمون یوم الاربعاء فکان ذلک الیوم و ما قدموا حتی کادت الشمس أن تغرب فدعا اللّه تعالی فحبسها حتی قدموا مکّة فعلموا صدقه و مع ذلک لم یصدّقوه فی الخبر و ما آمنوا کذا فی سیرة مغلطای* و فی حیاة الحیوان حبست الشمس مرّتین لنبینا صلّی اللّه علیه و سلم احداهما یوم الخندق حین شغلوا عن صلاة العصر حتی غربت الشمس فردّها اللّه علیه کما رواه الطحاوی و غیره و الثانیة صبیحة الاسراء حین انتظروا العیر التی أخبر بوصولها مع شروق الشمس ذکره القاضی عیاض فی غیر الشفاء و حبست لیوشع بن نون و حبست لداود ذکره الخطیب فی کتاب النجوم و ضعف روایة و حبست لسلیمان ذکره البغوی فی معالم التنزیل فی سورة ص کذا فی مزیل الخفاء* و فی سیرة مغلطای ذکر الطحاوی ان الشمس ردّت له فی بیت أسماء بنت عمیس حین شغل عن صلاة العصر* اعلم انه لیس لاحد من أهل القبلة اختلاف فی وقوع المعراج للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فمن أنکر المعراج یکفر لانه انکار لنص القرآن قال اللّه تعالی سبحان الذی أسری بعبده لیلا من المسجد الحرام الی المسجد الاقصی و أیضا و رد فیه الاحادیث الصریحة المشهورة القریبة من حدّ التواتر و أمّا منکر المعراج الی السموات فمبتدع ضال عند أئمة الدین* و فی هذه السنة فرضت الصلوات الخمس لیلة الاسراء و قد مرّ کیفیتها*

ذکر بیعة العقبة الثانیة

و فی هذه السنة الثانیة عشر وقعت بیعة العقبة الاولی و مقتضی ما قدّمناه قبل المعراج أن تکون هذه الثانیة کذا فی الوفاء و المواهب اللدنیة* و لما کان العام المقبل الموعد خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عامئذ الی الموسم فلقیه اثنا عشر رجلا* و فی الاکلیل أحد عشر رجلا و هی العقبة الثانیة فیهم خمسة من الستة المذکورة و هم أبو أمامة و عوف بن عفراء و رافع بن مالک و قطبة ابن عامر بن حدیدة و عقبة بن عامر بن نابی و لم یکن فیهم جابر بن عبد اللّه بن ذئاب لم یحضرها و السبعة تتمة الاثنی عشر هم معاذ بن الحارث و رفاعة و هو ابن عفراء أخو عوف المذکور و ذکوان بن عبد القیس الزرقی و قیل انه رحل الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی مکة فسکنها معه فهو مهاجری أنصاری قتل یوم أحد و عبادة بن الصامت بن قیس و أبو عبد الرحمن یزید بن ثعلبة البلوی و العباس بن عبادة بن نضلة و هؤلاء من الخزرج و من الاوس رجلان أبو الهیثم بن التیهان من بنی عبد الاشهل و عویمر بن ساعدة فأسلموا و بایعوا علی بیعة النساء أی وفق بیعتهنّ التی نزلت بعد فتح مکة و هی أن لا نشرک باللّه شیئا و لا نسرق و لا نزنی و لا نقتل أولادنا و لا نأتی ببهتان نفتریه بین أیدینا و أرجلنا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:317
و لا نعصیه فی معروف و السمع و الطاعة فی العسر و الیسر و المنشط و المکره و أثرة علینا و أن لا ننازع الامر أهله و أن نقول بالحق حیث کنا لا نخاف فی اللّه لومة لائم قال علیه السلام فان و فیتم فلکم الجنة و من غشنی و فعل من ذلک شیئا کان أمره الی اللّه ان شاء عذبه و ان شاء عفا عنه و لم یفرض یومئذ القتال ثم انصرفوا الی المدینة و بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم معهم مصعب بن عمیر الی المدینة یعلم أهلها الاحکام و یقرئ القرآن فنزل علی أسعد بن زرارة و فی المواهب اللدنیة أظهر اللّه الاسلام أی فی المدینة و کان أسعد بن زرارة یجتمع بالمدینة بمن أسلم و کتبت الاوس و الخزرج الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ابعث إلینا من یقرئنا القرآن فبعث إلیهم مصعب بن عمیر فأسلم خلق کثیر و فشا الاسلام فیهم و کتب الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یستأذنه أن یجمع بهم فأذن له فجمع بهم فی دار سعد بن خیثمة و کان أوّل من جمع الجمعة بالمدینة بالمسلمین قبل أن یقدمها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم قدم مصعب علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مع السبعین الذین وافوه کما سیجی‌ء فی العقبة الثانیة فأقام مصعب بمکة قلیلا ثم قدم قبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة مهاجرا فهو أوّل من قدمها و اللّه أعلم*

(ذکر صفة مصعب بن عمیر)

* کان رقیق البشرة لیس بالطویل و لا بالقصیر قتل یوم أحد و هو ابن أربعین سنة أو یزید شیئا کذا فی الصفوة و سیجی‌ء فی الموطن الثالث فی غزوة أحد*

ذکر بیعة العقبة الکبری‌

و فی ذی الحجة من السنة الثالثة عشر من النبوّة قبل الهجرة بثلاثة أشهر وقعت بیعة العقبة الکبری و بعضهم یسمیها العقبة الثانیة و مقتضی ما قدّمناه أن تسمی الثالثة کذا فی الوفاء و فی التاریخ الاوسط للبخاری انّ أهل مکة سمعوا هاتفا یهتف قبل اسلام سعد بن معاذ و هو یقول
فان یسلم السعدان یصبح محمدبمکة لا یخشی خلاف مخالف و فی روایة من الأمن لا یخشی خلاف مخالف فقالت قریش لو علمنا من السعدان قال عند ذلک
أیا سعد سعد الاوس ان کنت ناصراو یا سعد سعد الخزرجین الغطارف
أجیبا الی داعی الهدی و تمنیاعلی اللّه فی الفردوس منیة عارف قال أهل السیر فی السنة الثالثة عشر من النبوّة قدم مکة فی موسم الحج قریب من خمسمائة نفر و فی روایة ثلاثمائة نفر من الاوس و الخزرج و خرج معهم مصعب بن عمیر الی مکة و اتفق منهم سبعون رجلا قال ابن سعد یزیدون رجلا أو رجلین و امرأتان نسیبة بنت کعب أمّ عمارة و أسماء بنت عمر و قال ابن اسحاق ثلاثة و سبعون رجلا و امرأتان و قال الحاکم خمس و سبعون نفسا لاقوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فواعدهم أن یحضروا شعب العقبة فی اللیلة الثالثة من لیالی التشریق للمبایعة* و فی الصفوة جاء قوم من أهل العقبة یطلبون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقیل لهم هو فی بیت العباس فدخلوا علیه فقال لهم العباس انّ معکم من قومکم هو مخالف لکم فأخفوا أمرکم حتی یتصدع هذا الحاج و نلتقی نحن و أنتم فنوضح لکم هذا الامر فتدخلون فیه علی أمر بین فوعدهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اللیلة التی فی صبیحتها النفر الآخر و فی روایة فواعدوه العقبة من أوسط أیام التشریق و المعنی واحد أن یوافیهم أسفل العقبة و أمرهم أن لا ینبهوا نائما و لا ینتظروا غائبا و لما فرغوا من الحج و کانت اللیلة الموعودة خرج القوم بعد هدء الناس* و فی المنتقی باتوا تلک اللیلة فی رحالهم حتی اذا مضی ثلث اللیل خرجوا من رحالهم لمیعاد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یتسللون مستخفین تسلل القطا حتی اجتمعوا فی الشعب عند العقبة ثلاثة و سبعین رجلا و معهم امرأتان أمّ عمارة بنت کعب احدی نساء بنی مازن و أسماء بنت عمرو بن عدیّ احدی نساء بنی سلیم و قد سبقهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و معه العباس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:318
و لیس معه غیره و هو یومئذ علی دین قومه الا أنه یحب أن یحضر أمر ابن أخیه و یوثق له فلما جلس و اجتمعوا له کان أوّل من تکلم العباس فقال یا معشر الخزرج و کانت الاوس و الخزرج تدعی الخزرج قد دعوتم محمدا الی ما دعوتموه و محمد من أعز الناس فی عشیرته یمنعه و اللّه من کان علی قوله و من لم یکن کذلک منعه للحسب و الشرف و قد أبی محمد الناس کلهم غیرکم* و فی وفاء الوفاء و قد أبی الا الانحیاز إلیکم فان کنتم أهل قوّة و جلد و نظر بالحرب و استقلال بعداوة العرب قاطبة فانها سترمیکم عن قوس واحدة فارتئوا رأیکم و ائتمروا أمرکم فلا تفرّقوا الا عن اجتماع فانّ أحسن الحدیث أصدقه و أخری صفوا لی الحرب کیف تقاتلون عدوّکم فأسکت القوم و تکلم عبد اللّه بن عمرو بن حزام فقال نحن و اللّه أهل الحرب غذینا بها و مرّینا و ورثناها عن آبائنا کابرا عن کابر نرمی بالنسل حتی تفنی ثم نطاعن بالرماح حتی تکسر ثم نمشی بالسیوف فنضرب بها حتی یموت الاعجل منا أو من عدوّنا فقال العباس هل فیکم دروع قالوا نعم شاملة و قال البراء بن معرور قد سمعنا ما قلت و اللّه لو کان فی أنفسنا غیر ما ننطق به لقلناه و لکن نرید الوفاء و الصدق و یذل المهج و أنفسنا دون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و عن الشعبی قال انطلق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالعباس الی السبعین عند العقبة تحت الشجرة فقال العباس لیتکلم متکلمکم و لا یطیل الخطبة فانّ علیکم من المشرکین عینا و ان یعلموا بکم فیفضحوکم فقال قائلهم و هو أسعد یا محمد سل لربک ما شئت ثم سل لنفسک و أصحابک ما شئت ثم أخبرنا مالنا من الثواب علی اللّه اذا فعلنا ذلک فقال أسألکم لربی أن تعبدوه و لا تشرکوا به شیئا و أسألکم لنفسی و لاصحابی أن تؤوونا و تنصرونا و تمنعونا مما تمنعون منه أنفسکم قالوا فما لنا اذا فعلنا ذلک قال الجنة قالوا فلک ذلک* و فی المنتقی تکلم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتلا القرآن و دعا الی اللّه و رغب فی الاسلام ثم قال أبایعکم أو قال بایعونی قالوا علی أیّ شی‌ء نبایعک یا رسول اللّه قال بایعونی علی السمع و الطاعة فی النشاط و الکسل و النفقة فی العسر و الیسر و علی الامر بالمعروف و النهی عن المنکر و أن تقولوا فی اللّه و لا تخافوا لومة لائم و علی أن تمنعونی مما تمنعون منه أنفسکم و أبناءکم و أزواجکم فأخذ البراء بن معرور بیده ثم قال و الذی بعثک بالحق نبیا لنمنعنک مما نمنع منه العزیز فینا فبایعوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و العباس آخذ بید رسول اللّه یؤکد له البیعة علی الانصار و قالوا فنحن و اللّه أهل الحرب و الحلقة ورثناها کابرا عن کابر فعرض فی الحدیث أبو الهیثم بن التیهان فقال یا رسول اللّه انّ بیننا و بین الناس یعنی الیهود حبالا و انا قاطعوها فهل عسیت ان نحن فعلنا ذلک ثم أظهرک اللّه أن ترجع الی قومک و تدعنا فتبسم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم قال بل الدم الدم و الهدم الهدم و فی روایة المحیا محیاکم و الممات مماتکم أنتم منی و أنا منکم أحارب من حاربتم و أسالم من سالمتم و قال أخرجوا منکم اثنی عشر رجلا نقیبا یکونون علی قومهم فأخرجوا اثنی عشر نقیبا تسعة من الخزرج و ثلاثة من الاوس و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم للنقباء أنتم علی قومکم بما فیهم کفلاء کفالة الحواریین لعیسی ابن مریم قالوا نعم روی عن عاصم بن عمرو بن قتادة انّ القوم لما اجتمعوا لبیعة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال العباس ابن عبادة بن نضلة الانصاری یا معشر الخزرج هل تدرون علی ما تبایعون هذا الرجل قالوا نعم قال انکم تبایعونه علی حرب الاسود و الاحمر من الناس فان کنتم ترون أنکم اذا نهکت أموالکم مصیبة و أشرافکم قتل أسلمتموه فمن الآن و هو و اللّه خزی الدنیا و الآخرة ان فعلتم و ان کنتم ترون انکم وافون له بما دعوتموه إلیه علی نهک الاموال و قتل الاشراف فخذوه فهو و اللّه خیر الدنیا و الآخرة قالوا فانا نأخذه علی مصیبة الاموال و قتل الاشراف فما لنا بذلک یا رسول اللّه ان نحن و فینا قال الجنة قالوا ابسط
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:319
یدک فبسط یده فبایعوه قال عاصم بن عمرو و اللّه ما قال العباس ذلک الا لیشدّ العقد لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی أعناقهم و قال عبد اللّه بن أبی بکر و اللّه ما قال العباس ذلک الا لیؤخر القوم تلک اللیلة رجاء أن یحضرها عبد اللّه بن أبی بن سلول فیکون أقوی لامر القوم فاللّه أعلم أیّ ذلک کان فبنو النجار یزعمون أنّ أبا أمامة أسعد بن زرارة کان أوّل من ضرب علی یده و بنو عبد الاشهل یقولون بل ابو الهیثم ابن التیهان قال کعب بن مالک أوّل من ضرب علی یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم البراء بن معرور ثم تتابع القوم قال کعب فلما بایعنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صرخ الشیطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط یا أهل الجباجب هل لکم فی مذمم و الصباة معه قد جمعوا علی حربکم فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هذا أزب العقبة و فی روایة ابن أزب العقبة لأفرغنّ لک أی عدوّ اللّه ارجعوا الی رحالکم نصرکم اللّه فقال له العباس بن عبادة بن نضلة و الذی بعثک بالحق لئن شئت لنمیلنّ غدا علی أهل منی بأسیافنا فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لم نؤمر بذلک و لکن ارجعوا الی رحالکم فرجعنا الی مضاجعنا فنمنا علیها فلما أصبحنا غدت علینا جلة قریش حتی جاءونا فی منازلنا فقالوا یا معشر الخزرج انا قد بلغنا انکم جئتم الی صاحبنا هذا فتستخرجونه من بین أظهرنا و تبایعون علی حربنا و اللّه ما من حیّ من العرب أبغض إلینا ان تنشب الحرب بیننا و بینهم منکم قال فانبعث من هناک من مشرکی قومنا یحلفون لهم باللّه ما کان من هذا شی‌ء و ما علمناه و قد صدقوا لم یعلموا ثم انّ قریشا أتوا عبد اللّه بن أبی بن سلول فذکروا له ما قد سمعوا من أصحابه فقال و ما کان قومی لیتفوّتوا علیّ بمثل هذا و ما علمته ثم انهم قالوا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ تخرج معنا قال ما أمرت به قال رزین و قد قیل وقع بین قریش و الانصار کلام فی سبب خروج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم معهم ثم ألقی الرعب فی قلوب قریش فقالوا لیس یخرج معکم الا فی بعض أشهر السنة و لا تتحدّث العرب بأنکم غلبتمونا فقالت الانصار الامر فی ذلک لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و نحن سامعون لامره فأنزل اللّه علی رسوله و ان یریدوا أن یخدعوک فانّ حسبک اللّه أی ان کان کفار قریش یریدون المکر بک فسیمکر اللّه بهم فانصرفت الانصار الی المدینة* و فی سیرة ابن هشام قال و نفر الناس من منی فتفتش القوم الخبر فوجدوه قد کان قال ابن اسحاق و خرجوا فی طلب القوم فأدرکوا سعد بن عبادة بأذاخر و المنذر بن عمر و أخا بنی ساعدة ابن کعب بن الخزرج و کلاهما کان نقیبا و قیل انّ قریشا بدا لهم فخرجوا فی آثارهم فأدرکوا منهم رجلین کانا تخلفا فی أمر فردّوهما الی مکة المنذر و العباس بن عبادة فأدرکهما جبیر بن مطعم و الحارث ابن أمیة فخلصاهما فلحقا بأصحابهما و فی روایة انّ الرجلین هما المنذر و سعد بن عبادة فأمّا المنذر فأعجز القوم و نجا و أمّا سعد فأخذوه و ربطوا یدیه الی عنقه بشسع رحله ثم أقبلوا به حتی أدخلوه مکة یضربونه و یجذبونه بجمته و کان ذا شعر کثیر ثم خلصه منهم جبیر بن مطعم و الحارث بن أمیة لانه کان یجیر لهما تجارتهما و یمنعهم أن یظلموا ببلده*

هجرة أبی بکر الی الحبشة

و فی هذه السنة هاجر أبو بکر الی الحبشة روی أنه لما ابتلی المسلمون و کثر ایذاء المشرکین و اضرارهم استأذن ابو بکر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و خرج نحو أرض الحبشة و لما بلغ برک الغماد لقی ابن الدغنة اسمه ربیعة و هو سید القارة قال أبن ترید یا أبا بکر فقال أبو بکر أخرجنی قومی فأرید أن أسیح فی الارض فأعبد ربی فقال ابن الدغنة فانّ مثلک یا أبا بکر لا یخرج فانک تکسب المعدوم و تصل الرحم و تحمل الکل و تقری الضیف و تعین علی نوائب الحق فأنا لک جار ارجع فاعبد ربک ببلدک فرجع أبو بکر فی جوار ابن الدغنة و مکث بمکة یعبد ربه فی داره و یصلی فیها و یقرأ ما یشاء و لا یستعلن بصلاة و لا یقرأ فی غیر داره ثم بدا له فبنی مسجدا بفناء داره و کان یصلی فیه و یقرأ القرآن فتنقذف علیه نساء المشرکین و أبناؤهم یعجبون منه و ینظرون إلیه و کان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:320
أبو بکر رجلا بکاء لا یملک عینیه اذا قرأ القرآن فأفزع ذلک أشراف قریش من المشرکین و خافوا أن تفتن نساؤهم و أبناؤهم فأرسلوا الی ابن الدغنة أن قل لابی بکر أن یقتصر علی أن یعبد ربه فی داره و لا یعلن بالصلاة فانا قد خشینا أن تفتن نساؤنا و أبناؤنا فانهه فان قبل فعل و ان أبی الا أن یعلن بذلک فسله أن یردّ إلیک ذمّتک و لسنا مقرّین لابی بکر الاستعلان فأتی ابن الدغنة أبا بکر و قال له ما قال له المشرکون قال أبو بکر انی أردّ إلیک جوارک و أرضی بجوار اللّه تعالی و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ بمکة*

(ذکر هجرة أصحابه الی المدینة)

* قال أهل السیر لما أبرم عقد المبایعة بین النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و بین أهل المدینة و لم یقدر أصحابه أن یقیموا بمکة من ایذاء المشرکین و لم یصبروا علی جفوتهم رخص لهم فی الهجرة الی المدینة* و فی الصحیحین قال علیه السلام رأیت انی مهاجر من مکة الی أرض بها نخل فذهب و هلی الی الیمامة أو هجر فاذا هی المدینة یثرب و وقع للبیهقی من حدیث صهیب رأیت دار هجرتکم سبخة بین ظهرانی حرّتین فامّا أن تکون هجر أو یثرب و لم یذکر الیمامة* قال بعض العلماء أری النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم دار هجرته بصفة تجمع المدینة و غیرها ثم أری الصفة المختصة بالمدینة فتعینت ثم أذن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لاصحابه فی الهجرة الی المدینة و أقام بمکة ینتظر أن یؤذن له فی الخروج فتوجه بین العقبتین جماعة منهم ابن أمّ مکتوم ثم عمار بن یاسر ثم بلال و سعد ابن أبی وقاص و یقال انّ أوّل من هاجر الی المدینة أبو سلمة بن عبد الاسد المخزومی زوج أمّ سلمة و ذلک انه أوذی لما رجع من الحبشة فعزم علی الرجوع إلیها ثم بلغه قصة الاثنی عشر من الانصار فتوجه الی المدینة فقدمها بکرة و قدم بعده عامر بن ربیعة عشیة ثم توجه مصعب بن عمیر لیفقه من أسلم من الانصار ثم توالی خروجهم بعد العقبة الاخیرة فخرجوا أرسالا منهم عمر بن الخطاب و أخوه زید ابن الخطاب و طلحة بن عبید اللّه و صهیب و حمزة بن عبد المطلب و زید بن حارثة و عبیدة بن الحارث و عبد الرحمن بن عوف و الزبیر بن العوّام و عثمان بن عفان و غیرهم لم یبق معه صلّی اللّه علیه و سلم الا أبو بکر الصدّیق و علی بن أبی طالب کذا قال ابن اسحاق و غیره* و فی بعض کتب السیر أوّل من هاجر الی المدینة أبو سلمة بن عبد الاسد المخزومی قبل بیعة العقبة بسنة ثم قدم المدینة بعد أبی سلمة عامر ابن ربیعة مع امرأته لیلی ثم عبد اللّه بن جحش ثم أبو أحمد بن جحش ثم تتابع الاصحاب الی المدینة أرسالا* و فی سیرة مغلطای عن ابن اسحاق ثم عمر بن الخطاب و أخوه زید بن الخطاب و عباس بن أبی ربیعة و طلحة بن عبید اللّه و صهیب و زید بن حارثة و أبو مرثد کناز بن الحصین و ابنه مرثد و أنسة و أبو کبیشة و عبیدة بن الحارث و أخوه الطفیل و حصین و مسطح بن أثاثة و سویبط و عبد الرحمن بن عوف و الزبیر ابن العوّام و أبو سبرة و أبو حذیفة بن عتبة و سالم مولاه و عتبة بن غزوان و عثمان بن عفان انتهی و بقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر و علیّ بمکة و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ینتظر أن یؤذن له فی الهجرة و لم یتخلف معه بمکة أحد من المسلمین الا أخذ و حبس أو فتن الا علی بن أبی طالب و أبو بکر و ابو بکر کثیرا ما کان یستأذن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الهجرة فیقول له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تعجل لعلّ اللّه أن یجعل لک صاحبا فرجا أبو بکر أن یکون ذلک الصاحب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی صحیح البخاری تجهز أبو بکر قبل المدینة فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی رسلک فانی لارجو أن یؤذن لی فقال له أبو بکر و هل ترجو ذلک بأبی أنت و أمی قال نعم فحبس أبو بکر نفسه علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیصحبه و علف راحلتین کانتا عنده ورق السمر و هو الخبط أربعة أشهر لتسمنا و ینتظر أنه صلّی اللّه علیه و سلم متی یؤمر بالهجرة الی المدینة روی انّ أبا بکر رأی فی المنام فی بعض تلک الایام انّ القمر نزل من السماء بطحاء مکة و دخل البلد الحرام فأضاءت منه أمّ القری
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:321
و ما حولها ثم صعد الی السماء فنزل المدینة و أشرقت أرض یثرب بنوره و کثیر من الکواکب تحرّکت موافقات له ثم انّ ذلک القمر مع تلک الکواکب الجمة صعدت الی الهواء و هبطت فی حرم مکة و أرض یثرب مضیئة بعد کما کانت الا ثلاثمائة و ستین بیتا و فی روایة أربعمائة بیت* و لما انتهی ذلک القمر الی البلد الحرام استنار ما حول الحرم أیضا ثم سار القمر نحو المدینة و دخل منزل عائشة فانشقت الارض و تواری فیها فلما انتبه أبو بکر غلبة البکاء اذ کان ماهرا فی معرفة تعبیر الرؤیا و مشهورا بین العرب بهذا الفنّ فنظر بنظر الاعتبار فی تعبیر تلک الرؤیا فعلم ان ذلک القمر شمس فلک الرسالة و انّ تلک الکواکب اللوامع أصحابه و أقر باؤه الذین یختارون الغربة بموافقته و یهاجرون الی المدینة و رجوع ذلک القمر مع تلک الکواکب الی مکة دلیل علی ان فتح مکة سیحصل له و دخوله منزل عائشة علامة انها تشرف بشرف فراشه فی المدینة و انشقاق الارض و تواری القمر فیها مشیر الی أن وفاته صلّی اللّه علیه و سلم تکون بالمدینة و یدفن فی بیت عائشة فاعتری أبا بکر من هذه الرؤیة غمان أحدهما غم الهجرة من دیاره و ترک وطنه المألوف و الثانی غم مفارقة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فتفکر فی نفسه فقال أمّا مفارقة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأمر صعب و أمّا الغربة فلا أبالیها اذا کنت معه صلّی اللّه علیه و سلم کما قیل
لو ضمنی بیت نمل و الحبیب به‌لکان ذلک لی روض و بستان
و أطیب الارض ما للقلب فیه هوی‌سم الخیاط مع المحبوب میدان و قیل
رحب الفلاة مع الاعداء ضیقةسم الخیاط مع الاحباب میدان فترصد رفاقته و انتظر صحبته صلّی اللّه علیه و سلم* و من تعبیرات أبی بکر ما ذکر فی حیاة الحیوان انّ عائشة رضی اللّه عنها رأت ثلاثة أقمار سقطن فی حجرها فقال لها أبو بکر ان صدقت رؤیاک فانه یدفن فی بیتک ثلاثة من خیار أهل الارض فلما دفن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی بیتها قال لها أبو بکر هذا أحد أقمارک و هو خیرها و اللّه أعلم*

(ذکر مشاورة قریش فی اخراجه أو حبسه أو قتله و اخبار جبریل بذلک ایاه صلی اللّه علیه و سلم و اذنه له بالهجرة)

* قال أصحاب السیر لما رأت قریش انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أصابوا منعة و أصحابا بغیر بلدهم و نزلوا دارا و وجدوا مهاجرا قریبا یهاجر إلیه بقیة أصحابه عرفوا انه قد عزم أن یلحق بهم و سیحمیه المدنیون فخافوا خروجه إلیهم و حذروا تفاقم أمره فاجتمعوا بدار الندوة للمشاورة و هی دار قصی بن کلاب و کانت قریش لا تقضی أمرا الا فیها و فیها یتشاورون و حجبوا الناس عن الدخول إلیهم لئلا یدخل أحد من بنی هاشم فیطلع علی حالهم فزعم ابن درید فی الوشاح انهم کانوا خمسة عشر رجلا* و فی المولد لابن دحیة کانوا مائة رجل و لما قعدوا للتشاور تبدی لهم ابلیس فی صورة شیخ نجدی جلیل فوقف علی باب الدار فلما رأوه قالوا من الشیخ قال شیخ من أهل نجد سمع بالذی تواعدتم له فحضر معکم لیسمع ما تقولون و عسی أن لا یعدمکم منه رأی و نصح* و فی معالم التنزیل سمعت باجتماعکم فأردت أن أحضرکم و لن تعدموا منی رأیا و نصحا قالوا ادخل فدخل معهم و قد اجتمع فیها أشراف قریش من کل قبیلة و فی روایة تبدی لهم الشیطان فی صورة شیخ نجدی لابس مرقع و جلس* و فی المواهب اللدنیة تمثل لهم الشیطان فی صورة شیخ نجدی لانهم قالوا کما ذکره بعض أهل السیر لا یدخلن فی المشاورة معکم أحد من أهل تهامة لانّ هواهم مع محمد فلذلک تمثل فی صورة شیخ نجدی قالوا من الشیخ و من أدخلک فی خلوتنا هذه بغیر اذننا قال أنا شیخ من قبیلة نجد وجدت وجوهکم ملیحة و رائحتکم طیبة أردت أن أسمع کلامکم و أقتبس منه شیئا و لقد أعرف مقصودکم و ان کنتم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:322
تکرهون جلوسی معکم فاخرج قالت قریش بعضهم لبعض هذا رجل من نجد لا من مکة فلا یضرکم حضوره معکم فشرعوا فی الکلام و قال بعضهم لبعض ان هذا الرجل یعنی محمدا صلّی اللّه علیه و سلم قد کان من أمره ما کان و انا و اللّه لا نأمن منه الوثوب علینا بمن اتبعوه فأجمعوا فیه رأیا فقال أبو البختری ابن هشام* و فی روایة قال هشام بن عمرو رأیی أن تحبسوه فی بیت و تشدّوا وثاقه و تسدّوا بابه غیر کوّة تلقون إلیه طعامه و شرابه منها و تربصوا به ریب المنون حتی یهلک فیه کما هلک من الشعراء من کان قبله کزهیر و النابغة فصرخ عدوّ اللّه الشیخ النجدی فقال بئس الرأی رأیتم و اللّه لو حبستموه لخرج أمره من وراء الباب الی أصحابه فوثبوا و انتزعوه من أیدیکم قالوا صدق الشیخ* و قال هشام بن عمرو و فی روایة أبو البختری رأیی أن تحملوه علی جمل و تخرجوه من بین أظهرکم فلا یضرّکم ما صنع و استرحتم فقال الشیخ النجدی و اللّه ما هذا لکم برأی أ لم تروا حسن حدیثه و حلاوة منطقه و غلبته علی قلوب الرجال بما یأتی به فو اللّه لو فعلتم ذلک ما أمنتم أن یحل علی حیّ من العرب فیغلب علیهم بذلک من قوله و حدیثه حتی یبایعوه ثم یسیر بهم حتی یطأکم بهم فقالوا صدق و اللّه الشیخ فقال أبو جهل و اللّه انّ لی فیه لرأیا ما أراکم وقعتم علیه بعد قالوا و ما هو یا أبا الحکم فقال رأیی أن نأخذ من کل قبیلة فتی شابا جلدا نسیبا وسیطا فینا ثم نعطی کل فتی سیفا صار ما ثم یعمدون إلیه فیضربونه ضربة رجل واحد فیقتلونه فنستریح منه فانهم اذا فعلوا ذلک تفرّق دمه فی القبائل کلها فلا تقدر بنو عبد مناف علی حرب قومهم جمیعا فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم قال الشیخ النجدی القول ما قال هذا الفتی هو أجودکم رأیا لا رأی لکم غیره* و فی خلاصة الوفاء و صوّب ابلیس قول أبی جهل لما اختلفوا فیما یفعلون بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أری أن یعطی خمسة رجال من خمسة قبائل سیفا سیفا فیضربونه ضربة رجل واحد فیتفرّق دمه فی هذه البطون فلا یقدر لکم بنو هاشم علی شی‌ء فتفرّقوا علی رأی أبی جهل مجمعین علی قتله فأخبر جبریل بذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و کان مما أنزل اللّه فی ذلک الیوم و ما کانوا أجمعوا له و اذ یمکر بک الذین کفروا لیثبتوک أو یقتلوک أو یخرجوک و یمکرون و یمکر اللّه و اللّه خیر الماکرین و قوله عز و جل أم یقولون شاعر نتربص به ریب المنون قال ابن هشام المنون الموت و ریب المنون ما یریب و یعرض منها قال أبو ذئب الهذلی
أمن المنون و ریبها تتوجع‌و الدهر لیس بمعتب من یجزع الاعتاب الارضاء

* (الرکن الثالث فی الوقائع من أول هجرته صلّی اللّه علیه و سلم الی وفاته‌

اشارة

و فیه أحد عشر موطنا)**

(الموطن الاوّل)* فی وقائع السنة الاولی من الهجرة

اشارة

و هی السنة التی فی الثامن و العشرین من صفرها أو فی غرّة ربیع الاوّل منها وقعت الهجرة الی المدینة و هی السنة الرابعة عشر من المبعث و الرابعة و الثلاثون من ملک کسری برویز و التاسعة من ملک هرقل و أوّل هذه السنة المحرم و فیه فصلان)*

* (الفصل الاوّل فی خروجه صلّی اللّه علیه و سلم مع أبی بکر من مکة الی الغار

و لبثهما فیه ثلاثة أیام و خروجهما منه الی المدینة و ما وقع لهم فی الطریق من لحوق سراقة ایاهما و مرورهما بخیمتی أمّ معبد و لقیهم بریدة بن الحصیب و لقیهم طلحة أو الزبیر فی الطریق و موت براء بن معرور و استقبال أهل المدینة و نزوله بقباء و لبثه فی بنی عمرو بن عوف و تأسیسه مسجد قباء)* قال أصحاب السیر لما استقرّ رأی قریش بعد المشاورة علی قتله صلّی اللّه علیه و سلم أتاه جبریل و أخبره بذلک و قال لا تبت هذه اللیلة علی فراشک الذی کنت تبیت علیه و أذن اللّه له عند ذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:323
بالخروج الی المدینة کذا فی معالم التنزیل* و فی روایة قال له جبریل ان اللّه یأمرک بالهجرة* و فی شواهد النبوّة لما أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالهجرة سأل جبریل عمن یهاجر معه قال أبو بکر الصدّیق فمن ذلک الیوم سماه اللّه صدیقا* و عن ابن عباس قال ان اللّه آذن نبیه فی الهجرة بهذه الآیة و قل رب أدخلنی مدخل صدق و أخرجنی مخرج صدق و اجعل لی من لدنک سلطانا نصیرا أخرجه الترمذی و صححه هو و الحاکم کذا فی الوفاء و المواهب اللدنیة* و فی العمدة أمر أن یقول له عند الهجرة و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و آذن اللّه تبارک و تعالی نبیه محمدا صلّی اللّه علیه و سلم عند ذلک فی الهجرة و کان أبو بکر رجلا ذا مال فکان حین استأذن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الهجرة قال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تعجل لعلّ اللّه أن یجعل لک صاحبا فطمع أبو بکر بأنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انما یعنی نفسه حین قال له ذلک فابتاع راحلتین فحبسهما فی داره یعلفهما اعدادا لذلک فحدّثنی من لا أتهم عن عروة بن الزبیر عن عائشة أمّ المؤمنین أنها قالت کان لا یخطأ أن یأتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بیت أبی بکر أحد طرفی النهار امّا بکرة و امّا عشیة حتی اذا کان الیوم الذی أذن اللّه تعالی فیه لرسوله فی الهجرة و الخروج من مکة من بین ظهرانی قومه أتانا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالهاجرة فی ساعة کان لا یأتی فیها قالت فلما رآه أبو بکر قال ما جاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی هذه الساعة الا لأمر حدث قالت فلما دخل تأخر له أبو بکر عن سریره فجلس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علیه و لیس عند أبی بکر الا أنا و أختی أسماء بنت أبی بکر فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أخرج عنی من عندک فقال یا نبیّ اللّه انما هی ابنتای و ما ذاک فداک أبی و أمی قال انّ اللّه تعالی قد أذن لی فی الخروج و الهجرة قالت فقال أبو بکر الصحبة یا رسول اللّه قال نعم* و فی المنتقی قالت عائشة فبینا نحن جلوس فی بیت أبی بکر فی نحر الظهیرة قال قائل لابی بکر هذا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم متقنعا فی ساعة لم یکن یأتینا فیها فقال أبو بکر فدی له أبی و أمّی و اللّه ما جاء به فی هذه الساعة الا أمر فجاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال لابی بکر أخرج من عندک فقال أبو بکر انما هم أهلک بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه قال فانی قد أذن لی فی الخروج قال أبو بکر الصحبة بأبی أنت و أمّی یا رسول اللّه قال نعم* و فی روایة أذن له باذن اللّه أن یصحبه قالت عائشة رأیت أبا بکر یبکی من الفرح و ما کنت أظنّ الی ذلک الوقت أن یبکی أحد من الفرح قال فخذ احدی راحلتیّ هاتین قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالثمن* قال الواقدی ثمنها ثمانمائة درهم و ان المأخوذة کانت هی القصوی و انها کانت من نعم بنی قشیر کان اشتراها أبو بکر منهم و انها عاشت حتی ماتت فی خلافة ابی بکر الصدّیق و کانت مرسلة ترعی فی البقیع و کذا فی طبقات ابن سعد أن ثمنها کان ثمانمائة درهم کذا فی الوفاء* و فی روایة قال ابو بکر عندی ناقتان قد کنت أعددتهما للخروج فأعطی النبیّ احداهما و هی الجدعاء قاله ابن اسحاق و قال انها کانت من نعم بنی الحریش و کذا فی روایة ابن حبان انها الجدعاء کذا فی الوفاء قالت عائشة فجهزناهما احث الجهاز و صنعنا لهما سفرة فی جراب فقطعت اسماء بنت ابی بکر قطعة من نطاقها فربطت به فم الجراب فلذلک سمیت ذات النطاقین هکذا روایة ابن عباس* و فی روایة عن أسماء قالت فلم نجد لسفرته و لا لسقائه ما نربطهما به فقلت لابی بکر و اللّه ما أجد شیئا أربط به إلا نطاقی قال فشقیه باثنتین فاربطی بواحدة السقاء و بالاخری السفرة ففعلت فلذلک سمیت ذات النطاقین رواه البخاری و سیجی‌ء غیر ذلک* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و أمر أبو بکر ابنه عبد اللّه بن أبی بکر أن یتسمع لهما ما یقول الناس فیهما نهاره ثم
یأتیهما اذا أمسی فی الغار بما یکون فی ذلک الیوم من الخبر و کان یفعل ذلک و أمر عامر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:324
ابن فهیرة مولی أبی بکر أن یرعی علیهما منحة لابی بکر لیشربا من لبنها و استأجر أبو بکر رجلا من بنی الدئل هادیا خریتا أی ماهرا بالهدایة لیدلهما علی الطریق یقال له عبد اللّه بن الاریقط الدیلی اللیثی* قال النووی لا نعلم له اسلاما و فی الریاض النضرة اللیث بن عبد اللّه بن الاریقط* و فی الوفاء ذهب أبو بکر الی عبد اللّه بن أریقط قاله ابن عقبة* و فی تهذیب بن هشام عبد اللّه بن أرقد و فی روایة الاموی عن ابن اسحاق أریقد و فی العتبیة رقیط من بنی الدئل بن بکر بن کنانة و أمّه امرأة من بنی سهم بن عمرو و کان مشرکا أو قال علی دین الکفار فأمنه و دفع إلیه لراحلتین و واعده غار ثور بعد ثلاث لیال* و فی سیرة ابن هشام بلفظ التثنیة فی استأجرا و دفعا إلیه راحلتیهما فکانتا عنده لمیعادهما* و فی أنوار التنزیل الغار ثقب فی أعلا ثور و ثور جبل بمنی مکة علی مسیرة ساعة مکثا فیه ثلاثا* و فی القاموس یقال له ثور أطحل و اسم الجبل اطحل نزله ثور بن عبد مناة فنسب إلیه ذلک الجبل ذکر ابن جبیر أن جبل ثور من مکة علی ثلاثة أمیال* و فی معجم ما استعجم انه من مکة علی میلین و ارتفاعه نحو میل و فی أعلاه الغار الذی دخله النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مع أبی بکر و هو المذکور فی القرآن و البحر یری من أعلا هذا الجبل و فیه من کل نبات الحجاز و شجره و فیه شجرة البان و فیه شجرة من حمل منها شیئا لم تلدغه الهامة انتهی* و لما کانت العتمة اجتمع المشرکون بمکة علی باب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم ترصدوه متی ینام فیثبون علیه فیهلکونه* و فی الوفاء اجتمعت قریش الی باب الدار فقال أبو جهل لا تقتلوه حتی تجتمعوا یعنی الخمسة من القبائل الخمس و جعل یقول لهم هذا محمد کان یزعم لکم انکم ان تابعتموه کنتم ملوک العرب و العجم و یکون لکم فی الآخرة جنات تأکلون منها و ان لم تتابعوه یکون له فیکم ذبح فی الدنیا و یوم القیامة نار تحرقون فیها فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نعم و اللّه کذا أقول و کذا یکون و أنت أحدهما فلما رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مکانهم و اجتماعهم قال لعلیّ نم علی فراشی و اتشح ببردی الحضرمی الاخضر فانه لا یخلص إلیک شی‌ء تکرهه منهم و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ینام فی برده ذلک اذا نام* و فی خلاصة الوفاء فلن یخلص إلیک منهم أمر فردّ هذه الودائع الی أهلها و کانت الودائع توضع عنده لصدقه و أمانته* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیما بلغنی أخبر علیا بخروجه و أمره أن یتخلف بعده بمکة حتی یؤدّی عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الودائع التی عنده و لیس بمکة أحد عنده شی‌ء یخشی علیه إلا وضعه عنده لما یعلم من صدقه و أمانته فبات علیّ علی فراش النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تلک اللیلة و خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الغار و لما خرج قام علی رءوسهم و قد ضرب اللّه علی أبصارهم* و فی روایة أخذ اللّه أبصارهم عنه و نزل تلک اللیلة أوّل سورة یس فأخذ قبضة من تراب و جعل ینثره علی رءوسهم و هو یقرأ انا جعلنا فی أعناقهم أغلالا الی قوله فهم لا یبصرون و تلا و اذا قرأت القرآن جعلنا بینک و بین الذین لا یؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ثم أتی منزل ابی بکر فخرجا من خوخة کانت له فی ظهر البیت و عمدا الی غار ثور* و فی الاستیعاب أذن اللّه له فی الهجرة الی المدینة یوم الاثنین و کانت هجرته فی ربیع الاوّل و هو ابن ثلاث و خمسین سنة و قدم المدینة یوم الاثنین قریبا من نصف النهار فی الضحی الاعلی لاثنتی عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل هذا قول ابن اسحاق و کذا قال غیره الا أنه قال کان مخرجه الی المدینة لهلال ربیع الاوّل و قال أبو عمرو و قد یروی عن ابن شهاب أنه قدم المدینة لهلال ربیع الاوّل و قال عبد الرحمن ابن المغیرة قدم المدینة یوم الاثنین لثمان خلون من ربیع الاوّل* و قال الکلبی خرج من الغار لیلة الاثنین أوّل یوم من ربیع الاوّل و قدم المدینة یوم الجمعة لاثنتی عشرة لیلة خلت
منه قال أبو عمرو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:325
و هو قول ابن اسحاق الا فی تسمیة الیوم فان ابن اسحاق یقول یوم الاثنین و الکلبی یقول یوم الجمعة و اتفقا لاثنتی عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل و غیرهما یقول لثمان خلت منه فالاختلاف أیضا فی تاریخ قدومه المدینة کما تری* و فی الصفوة قال یزید بن حبیب خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من مکة فی صفر و قدم المدینة فی ربیع الاوّل* و فی الوفاء ذکر موسی بن عقبة عن الزهری أن الخروج کان فی بقیة تلک اللیلة و کان ذلک بعد العقبة بشهرین و لیال و قال الحاکم بثلاثة أشهر أو قریبا منها و یرجح الاوّل ما جزم به ابن اسحاق من انه خرج أوّل یوم من ربیع الاوّل فیکون بعد العقبة بشهرین و بضعة عشر یوما و کذا جزم به الاموی فقال خرج لهلال ربیع الاوّل و قدم المدینة لاثنتی عشرة لیلة خلت منه قال فی فتح الباری و علی هذا کان خروجه یوم الخمیس و هو الذی ذکره محمد بن موسی الخوارزمی لکن قال الحاکم تواترت الاخبار بأن الخروج کان یوم الاثنین و الدخول یوم الاثنین و جمع الحافظ ابن حجر بینهما بأنّ خروجه من مکة کان یوم الخمیس أیّ فی أثناء لیلته لما قدمناه و خروجه من الغار یعنی غار ثور لیلة الاثنین لانه أقام فیه ثلاث لیال لیلة الجمعة و لیلة السبت و لیلة الاحد و خرج فی أثناء لیلة الاثنین کذا فی المواهب اللدنیة و من روی للیلتین لعله لم یحسب أوّل لیلة و کانت مدّة اقامته صلّی اللّه علیه و سلم بمکة بعد النبوّة بضع عشرة سنة و یدل علیه قول صرمة
ثوی فی قریش بضع عشرة حجةیذکر لو ألفی صدیقا مؤاتیا و قال عروة عشرا و قال ابن عباس خمس عشرة سنة* و فی روایة عنه عشر سنین و لم یعلم بخروجه الا علیّ و آل أبی بکر* و فی سیرة الیعمری و لما بلغ ثلاثا و خمسین سنة هاجر من مکة الی المدینة یوم الاثنین لثمان خلون من ربیع الاوّل و أقام المشرکون ساعة فجعلوا یتحدّثون فأتاهم آت و قال ما تنتظرون قالوا ننتظر أن نصبح فنقتل محمدا قال قبحکم اللّه و خیبکم أو لیس قد خرج علیکم و جعل علی رءوسکم التراب قال أبو جهل أو لیس ذاک مسجی ببرده و الآن کلمنا فلما أصبحوا قام علیّ عن الفراش فقال أبو جهل صدقنا ذلک المخبر فاجتمعت قریش و أخذت الطرق و جعلت الجعائل لمن جاء به فانصرفت عیونهم و لم یجدوا شیئا و فی روایة لما قال القائل قد خرج و نثر علی رءوسکم التراب فما ترون ما بکم وضع کل رجل منهم یده علی رأسه فاذا فیه التراب ثم جعلوا یتطلعون و ینظرون من شق الباب فیرون علیا علی الفراش متسج ببرد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یحسبونه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فیحرسونه و یقولون ان هذا المحمد تائم علیه برده فلم یبرحوا کذلک حتی أصبحوا فوثبوا علیه فقام علیّ من الفراش فقالوا له أین صاحبک قال لا علم لی قیل انهم ضربوا علیا و حبسوه ساعة ثم ترکوه و اقتصوا أثر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلما بلغوا الجبل اختلط علیهم و روی أنه لم یبق أحد من الذین وضع علی رءوسهم التراب الا قتل یوم بدر و أنشأ علیّ فی بیوتته فی بیت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هذه الابیات
وقیت بنفسی خیر من وطئ الثری‌و من طاف بالبیت العتیق و بالحجر
رسول إله خاف أن یمکروا به‌فنجاه ذو الطول الاله من المکر
و بات رسول اللّه فی الغار آمناموقی و فی حفظ الاله و فی ستر
و بت أراعیهم و ما یثبتوننی‌و قد وطنت نفسی علی القتل و الاسر قال الغزالی فی الاحیاء ان لیلة بات علیّ بن أبی طالب علی فراش رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أوحی اللّه تعالی الی جبریل و میکائیل انی آخیت بینکما و جعلت عمر أحد کما أطول من عمر الآخر فأیکما یؤثر صاحبه بحیاة فاختار کلاهما الحیاة و أحباها فأوحی اللّه إلیهما أ فلا کنتما مثل علیّ بن أبی طالب آخیت بینه و بین محمد فبات علیّ علی فراشه یفدیه بنفسه و یؤثره بالحیاة اهبطا الی الارض
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:326
فاحفظاه من عدوّه فکان جبریل عند رأسه و میکائیل عند رجلیه ینادی بخ بخ من مثلک یا ابن أبی طالب تباهی بک الملائکة فأنزل اللّه تعالی و من الناس من یشری نفسه ابتغاء مرضاة اللّه و اللّه رءوف بالعباد* و فی عمدة المعانی الآیة نزلت فی الزبیر و المقداد و قیل فی صهیب و خباب و عمار ابن یاسر و قیل فی علیّ حین نام علی فراش رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیلة الغار* و روی أن أبا بکر حین خرج الی الغار احتمل ماله کله و کان ذا مال و هو خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم فانطلق بها معه* و فی الاستیعاب روی سفیان بن عیینة عن هشام بن عروة عن أبیه قال أسلم أبو بکر و له أربعون ألفا أنفقها کلها علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و فی سبیل اللّه و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما نفعنی مال الا مال أبی بکر* و فی معالم التنزیل ان أبا بکر حین انطلق مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الغار جعل یمشی ساعة بین یدیه و ساعة خلفه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مالک یا أبا بکر قال أذکر الطلب فأمشی خلفک ثم أذکر الرصد فأمشی بین یدیک و فی دلائل النبوّة فجعل مرّة یمشی أمامه و مرّة خلفه و مرّة عن یمینه و مرة عن یساره فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما هذا یا أبا بکر ما أعرف هذا من فعلک فقال یا رسول اللّه أذکر الرصد فأکون أمامک و أذکر الطلب فأکون خلفک و مرة عن یمینک و مرة عن یسارک لا آمن علیک و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد خلع نعلیه فی طریق الغار و کان یمشی علی أطراف أصابعه لئلا یظهر أثرهما علی الارض حتی حفیت رجلاه فلما رآه أبو بکر و قد حفیت رجلاه حمله علی کاهله و جعل یشتدّ حتی أتی الغار کذا فی دلائل النبوّة (قوله) حفیت رجلاه أی رقتا من کثرة المشی و یشبه أن یکون ذلک من خشونة الجبل و کان حافیا و الا فلا یحتمل بعد المکان ذلک أو لعلهم ضلوا طریق الغار حتی بعدت المسافة و یدل علیه قوله فمشی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیلته و لا یحتمل ذلک مشی لیلة الا تقدیر ذلک أو سلوک غیر الطریق تعمیة علی الطلب کذا فی الریاض النضرة و أما ما وقع فی روایة ابن هشام عن عروة عند ابن حبان انهما رکبا حتی أتیا المغار فتواریا فلا ینافی مواعدتهما الدلیل الدیلی بأن یأتی بالراحلتین بعد ثلاث لاحتمال أن یکون ما رکبا غیر راحلتیهما أو ایاهما ثم ذهب بهما عامر بن فهیرة الی الدلیل کذا فی الوفاء و أیضا لا ینافی ذلک ما ذکر من نقب القدم و حمل أبی بکر ایاه لاحتمال أن یکون کل واحد منهم فی بعض الطریق و روی عن أبی بکر أنه قال لعائشة لو رأیتنی و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اذ صعدنا الغار فأما قدما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتفطرتا و أما قدمای فعادتا کأنهما صفوان قالت عائشة ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لم یتعوّد الحفیة و لا الرعیة و روی عن أبی بکر أنه قال نظرت الی قدمی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الغار و قد قطرتا دما فاستبکیت فعلمت أنه صلّی اللّه علیه و سلم لم یتعوّد الحفاء و الجفوة قال ابن هشام و حدّثنی بعض أهل العلم أن الحسن البصری قال انتهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر الی الغار لیلا فدخل أبو بکر الی الغار قبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلمس الغار لینظر أ فیه سبع أو حیة لیقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بنفسه* و فی معالم التنزیل قال أبو بکر یا رسول اللّه مکانک حتی استبرئ الغار و کان ذلک الغار مشهورا بکونه مسکن الهوام و الوحش قال ادخل فدخل فرأی غارا مظلما فجلس و جعل یلتمس بیده کلما وجد حجرا أدخل فیه اصبعه حتی انتهی الی حجر کبیر فأدخل رجله الی فخذه فأخرجه* و فی روایة کلما وجد حجرا شق ثوبه فألقمه ایاه حتی فعل ذلک بثوبه کله فبقی حجر فألقمه عقبه* و فی الریاض النضرة فجعل الحیات و الافاعی یضربنه و یلسعنه انتهی و علی کلا التقدیرین لدغته الحیة تلک اللیلة قال أبو بکر فلما ألقمت عقبی الجحر لدغتنی الحیة
و ان کانت اللدغة أحب الیّ من أن یلدغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:327
انتهی ثم قال أبو بکر ادخل یا رسول اللّه فانی سوّیت لک مکانا فدخل فاضطجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أما أبو بکر فکان متألما من لدغة الحیة و لما أصبحا رأی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی أبی بکر أثر الورم فسأل عنه فقال من لدغة الحیة فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هلا أخبرتنی قال کرهت أن أوقظک فسجه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بیده فذهب ما به من الورم و الالم ثم قال فأین ثوبک یا أبا بکر فأخبره بما فعل فعند ذلک رفع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یدیه فقال اللهم اجعل أبا بکر فی درجتی یوم القیامة فأوحی اللّه إلیه قد استجاب لک کذا فی المنتقی خرجه الحافظ أبو الحسین بن بشر و الملا فی سیرته عن میمون بن مهران عن ضبة بن محصن الغنوی* و عن ابن عباس قال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رحمک اللّه صدّقتنی حین کذبنی الناس و نصرتنی حین خذلنی الناس و آمنت بی حین کفر بی الناس و آنستنی فی وحشتی فأی منة لاحد علیّ مثلک خرجه فی فضائله ذکره فی الریاض النضرة* و فی معالم التنزیل قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لابی بکر أنت صاحبی فی الغار و صاحبی علی الحوض* قال الحسن بن الفضل من قال ان أبا بکر لم یکن صاحب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فهو کافر لانکاره نص القرآن و فی سائر الصحابة اذا أنکر یکون مبتدعا لا کافرا* و فی المشکاة عن عمر بن الخطاب أنه قال لما انتهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الغار قال أبو بکر و اللّه لا تدخله حتی أدخل قبلک فان کان فیه شی‌ء أصابنی دونک فدخل فکسبه فوجد فی جانبه تقبا فشق ازاره فسدّها و بقی منها اثنان فألقمهما رجلیه ثم قال لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ادخل فدخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و وضع رأسه فی حجر أبی بکر و نام فلدغ أبو بکر فی رجله من الحجر و لم یتحرّک مخافة أن ینتبه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فسقطت دموعه علی وجه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فانتبه فقال مالک یا أبا بکر قال لدغت فداک أبی و أمی فتفل فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فذهب ما یجده ثم انتقض علیه و کان سبب موته رواه رزین و فی حدیث الخجندی ثم قال أبو بکر بعد سدّ الحجر انزل یا رسول اللّه دلیل علی أن باب الغار من أعلاه کذا فی الریاض النضرة* و حکی الواقدی أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما دخل الغار دعا بشجرة کانت أمام الغار فأقبلت حتی وقفت علی باب الغار فحجبت أعین الکفار* و ذکر ثابت بن قاسم فی الدلائل أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما دخل الغار و أبو بکر معه أنبت اللّه علی بابه الراءة قال هشام هی شجرة معروفة و هی أمّ غیلان فحجبت عن الغار أعین الکفار و عن أبی حنیفة أنها تکون مثل قامة الانسان لها خیطان و زهر أبیض یحشی به المخاد فیکون کالریش لخفته و لینه لانه کالقطن و خرج أبو بکر البزار فی مسنده من حدیث أبی مصعب المکی قال أدرکت زید بن أرقم و المغیرة بن شعبة و أنس بن مالک یحدّثون أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما کانت لیلة بات فی الغار أمر اللّه تبارک و تعالی شجرة أو قال الراءة فنبتت فی وجه الغار فسترت وجه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أمر اللّه العنکبوت فنسجت علی وجه الغار و أمر اللّه حمامتین وحشیتین فوقعتا بفم الغار فعششتا علی بابه* قال السهیلی و حمام الحرم من نسلهما کذا فی سیرة مغلطای* و فی معالم التنزیل حتی باضتا فی أسفل النقب* و فی القصة أنبت اللّه ثمامة علی فم الغار* و فی المواهب اللدنیة أخرج أبو نعیم فی الحلیة عن عطاء ابن میسرة قال نسجت العنکبوت مرتین مرة علی داود حین کان طالوت یطلبه و مرّة علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی الغار انتهی قیل و کذا نسجت علی الغار الذی دخله عبد اللّه بن أنیس لما بعثه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لقتل سفیان بن خالد بن نبیح الهذلی بالعرنة فقتله ثم احتمل رأسه و دخل فی غار فنسجت علیه العنکبوت و جاء الطلب فلم یجدوا شیئا فانصرفوا راجعین* و فی تاریخ ابن عساکران العنکبوت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:328
نسجت أیضا علی عورة زید بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب لما صلب عریانا فی سنة احدی و عشرین و مائة و سیأتی فی الخاتمة أنه قتل بالکوفة فی المصاف و کان قد خرج و بایعه خلق فحاربه نائب العراق یوسف بن عمر و ظفر به یوسف فقتله و صلبه عریانا و بقی جسده مصلوبا أربع سنین* روی أن المشرکین کانوا یعلمون محبة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لابی بکر رضی اللّه عنه فذهبوا لطلبه فوقفوا علی بابه و فیهم أبو جهل فخرجت إلیهم أسماء بنت أبی بکر فقالوا لها أین أبوک قالت لا أدری فرفع أبو جهل یده و کان فاحشا خبیثا فلطم خدّها لطمة خرج منها قرطها فسقط ثم انصرفوا فوقعوا فی طلبهما* و فی الاکتفاء و لما فقدت قریش رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم طلبوه بمکة أعلاها و أسفلها و بعثوا القافة یتبعون أثره فی کل وجه فوجد الذی ذهب قبل ثور أثره هناک فلم یزل یتبعه حتی انقطع لما انتهی الی ثور و شق علی قریش خروج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و جزعوا لذلک فطفقوا یطلبونه بأنفسهم فیما قرب منهم و یرسلون من یطلبه فیما بعد عنهم و جعلوا مائة بعیر لمن ردّه علیهم و لما انتهوا الی فم الغار و قد کانت العنکبوت ضربت علی بابه بعشاش بعضها علی بعض بعد أن دخله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال قائل منهم ادخلوا الغار فقال أمیة بن خلف ما أربکم فی الغار ان علیه لعنکبوتا أقدم من میلاد محمد* و فی الشفاء و علیه من نسج العنکبوت ما أری أنه قبل أن یولد محمد قالوا فنهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن قتل العنکبوت و قال انها جند من جنود اللّه* و فی روایة أقبل فتیان من مشرکی قریش من کل بطن رجل بعصیهم و سیوفهم و معهم قائف من قافة بنی مدلج و هم المشهورون بالقیافة بین العرب فالتمسوا أثرهما فوجدوه و قصوه الی أن بلغ قرب جبل ثور ففقدوه هناک فقال القائف ما أدری أین وضعا أقدامهما بعد هذا و لما دنوا من الغار قال القائف و اللّه ما جاوز مطلوبکم من هذا الغار فعند ذلک حزن أبو بکر فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تحزن ان اللّه معنا قال یا رسول اللّه لو نظر فی موضع قدمیه لرآنا* و فی روایة لا بصرنا تحت قدمیه* و فی الریاض النضرة فیه دلالة علی أن باب الغار کان من أعلاه فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یا أبا بکر ما ظنک باثنین اللّه ثالثهما* و فی تفسیر الکورانی قد روی أنه علیه السلام لما رأی بالصدّیق اضطرابا قال له انظر الی جانب الغار فنظر فرأی بحرا علی ساحله سفینة* و فی معالم التنزیل لم یکن حزن أبی بکر جبنا منه و انما کان اشفاقا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال ان أقتل فأنا رجل واحد و ان قتلت هلکت الامّة* و فی معالم التنزیل أیضا فجعل الطلب یضربون یمینا و شمالا حول الغار یقولون لو دخلا الغار انکسر بیضة الحمام و تفسخ بیت العنکبوت* و فی الشفاء وقعت حمامتان علی فم الغار فقالت قریش لو کان فیه أحد لما کان هناک الحمام روی أن المشرکین لما مرّوا علی باب الغار طارت الحمامتان فلما رأوا بیضة الحمام و نسج العنکبوت قالوا ذلک فلما سمع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حدیثهم علم أن اللّه قد حمی حماهما بالحمام و صرف عنهما کیدهم بالعنکبوت
و ما حوی الغار من خیر و من کرم‌و کل طرف من الکفار عنه عمی
فالصدق فی الغار و الصدّیق لم یرماو هم یقولون ما بالغار من أرم
ظنوا الحمام و ظنوا العنکبوت علی‌خیرا لبریة لم تنسج و لم تحم
وقایة اللّه أغنت عن مضاعفةمن الدروع و عن عال من الأطم و للّه در القائل
و العنکبوت أجادت حوک حلتهافما تخال خلال النسج من خلل و ما أحسن قول النقیب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:329 و دود القزان نسجت حریرایجمل لبسه فی کل شی
فان العنکبوت أجل منهابما نسجت علی رأس النبیّ و لقد حصل للعنکبوت الشرف بذلک کذا فی المواهب اللدنیة* روی ابن وهب أن حمام مکة أظلت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم فتحها فدعا لها بالبرکة و نهی عن قتل العنکبوت و قال هی جند من جنود اللّه* و فی العمدة روی عن أبی بکر رضی اللّه عنه أنه قال لا أزال أحب العنکبوت منذ رایت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أحبها و یقول جزی اللّه العنکبوت عنا خیرا فانها نسجت علیّ و علیک یا أبا بکر فی الغار حتی لم یرنا المشرکون الا أن البیوت تطهر من نسجها لما روی عن علیّ أنه قال طهروا بیوتکم من نسج العنکبوت فان ترکه فی البیت یورث الفقر* و فی الاکتفاء و أتی المشرکون من کل بطن حتی اذا کانوا من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی قدر أربعین ذراعا معهم قسیهم و عصیهم تقدّم أحدهم فنظر فرأی حمامتین فرجع فقال لاصحابه لیس فی الغار شی‌ء رأیت حمامتین علی فم الغار فعرفت أن لیس فیه أحد فسمع قوله النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فعلم أن اللّه قد دارأ بهما عنه فأثنی علیهما و فرض جزاءهما و انحدرن فی حرم اللّه ففرّخن أحسبه قال فأضل کل حمام فی الحرم من فراخهما و فی حیاة الحیوان ان حمام الحرم من نسل تلک الحمامتین* روی أیضا أن أبا بکر لما رأی القائف اشتدّ حزنه علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال ان قتلت فانما أنا رجل واحد الی آخر ما سبق فعند ذلک قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تحزن ان اللّه معنا یعنی بالنصرة فأنزل اللّه سکینته أی أمنه الذی یسکن عنده القلوب علیه أی علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أو علی أبی بکر و هو الاظهر لانه کان منزعجا و أیده یعنی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بجنود لم تروها یعنی الملائکة أنزلهم یحرسونه فی الغار و لیصرفوا و لیضربوا وجوه الکفار و أبصارهم عن رؤیته و ألقوا الرعب فی قلوبهم حتی انصرفوا خائبین کذا فی معالم التنزیل* أنظر لما رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حزن الصدّیق قد اشتدّ لکن لا علی نفسه قوّی قلبه ببشارة لا تحزن ان اللّه معنا و کانت تحفة ثانی اثنین مدخرة له فهو الثانی فی الاسلام و الثانی فی بذل النفس و العمر و سبب الموت و لما وقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بماله و نفسه جوزی بمواراته معه فی رمسه و قام مؤذن التشریف ینادی علی منائر الامصار ثانی اثنین إذ هما فی الغار و لقد أحسن حسان بن ثابت حیث قال
و ثانی اثنین فی الغار المنیف و قدطاف العدوّ به اذ صاعد الجبلا
و کان حب رسول اللّه قد علموامن الخلائق لم یعدل به بدلا و تأمّل فی قول موسی علیه السلام لبنی اسرائیل کلا ان معی ربی سیهدین و قول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم للصدّیق ان اللّه معنا فموسی خص بشهود المعیة و لم یتعدّ منه الی أتباعه و نبینا صلّی اللّه علیه و سلم تعدّی منه الی الصدّیق لم یقل معی لانه أمدّ أبا بکر بنوره فشهد سرّ المعیة و من ثم سری سر السکینة الی أبی بکر و الا لم یثبت تحت أعباء هذا التجلی و الشهود و أین معیة الربوبیة فی قصة موسی علیه السلام من معیة الالهیة فی قصة نبینا صلّی اللّه علیه و سلم قاله العارف شمس الدین بن اللبان کذا فی المواهب اللدنیة عن ابن عباس رضی اللّه عنهما قال کان أبو بکر مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی الغار فعطش عطشا شدیدا فشکی الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذهب الی صدر الغار فاشرب قال أبو بکر فانطلقت الی صدر الغار فشربت ماء أحلی من العسل و أبیض من اللبن و أزکی رائحة من المسک ثم عدت الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال شربت فقلت نعم قال أ لا أبشرک یا أبا بکر قلت بلی یا رسول اللّه قال ان اللّه تبارک و تعالی أمر الملک الموکل بأنهار الجنة أن اخرق نهرا من جنة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:330
الفردوس الی صدر الغار لیشرب أبو بکر فقلت یا رسول اللّه ولی عند اللّه هذه المنزلة فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم نعم و أفضل و الذی بعثنی بالحق لا یدخل الجنة مبغضک و لو کان له عمل سبعین نبیا خرجه الملا فی سیرته کذا فی الریاض النضرة ثم أمر أبو جهل منادیا ینادی فی أعلا مکة و أسفلها من جاء بمحمد أو دل علیه فله مائة بعیر أو جاء بابن أبی قحافة أو دل علیه فله مائة بعیر فلم یزل المشرکون یطوفون علی جبال مکة یطلبونهما و کان مکثهما فی الغار ثلاث لیال و قیل بضعة عشر یوما و الاوّل هو المشهور کذا فی المواهب اللدنیة و کان عبد اللّه بن أبی بکر و فی معالم التنزیل عبد الرحمن ابن أبی بکر و هو مخالف لروایة غیره شابا خفیفا ثقفا لقنا یختلف علیهما فیبیت عندهما بالغار و یدلج من عندهما بالسحر فیصبح مع قریش بمکة کبائت فلا یسمع أمرا یکاد ان به الاوعاه حتی یأتیهما بخبر ذلک حین یختلط الظلام و کانت أسماء بنت أبی بکر تأتیهما من مکة اذا أمست بما یصلحهما و کان عامر بن فهیرة مولی أبی بکر یرعی علیهما منحة من غنم کانت لابی بکر فیریحها علیهما حین تذهب ساعة من العشاء فیبیتان فی رسل و هو لبن المنحة فیرجع عنهما بغلس فیرعاها فلا یتفطن له أحد من الرعیان ففعل ذلک کل لیلة من اللیالی الثلاث* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق کان عامر بن فهیرة مولی أبی بکر یرعی فی رعیان أهل مکة فاذا أمسی أراح علیهما غنم أبی بکر فاحتلبا و ذبحا فاذا غدا عبد اللّه بن أبی بکر من عندهما تبع عامر بن فهیرة أثره بالغنم حتی یعفی علیه فخرج معهما حتی قدم المدینة فاستشهد یوم بئر معونة کما سیجی‌ء فی الموطن الرابع* و فی الاستیعاب و أسد الغابة عامر بن فهیرة مولی أبی بکر کان مولدا من مولدی الازد أسود اللون مملوکا للطفیل بن عبد اللّه بن سخبرة أخی عائشة لامّها و کان من السابقین الی الاسلام أسلم و هو مملوک و کان حسن الاسلام عذب فی اللّه اشتراه أبو بکر فأعتقه و کان یرعی فی ثور فی رعیان أهل مکة الی آخر ما ذکر فی روایة ابن هشام آنفا* فلما سار النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر من الغار الی المدینة هاجر معه فأردفه أبو بکر خلفه و شهد بدرا و أحدا و قتل یوم بئر معونة و هو ابن أربعین سنة قتله عامر بن الطفیل ذکر ذلک کله موسی بن عقبة و ابن اسحاق عن ابن شهاب و یقال قتله جبار بن سلمی کما سیجی‌ء فی الموطن الرابع فی سریة المنذر الی بئر معونة ان شاء اللّه تعالی*

(ذکر خروجهما من الغار و توجههما الی المدینة و ما وقع لهما فی الطریق)

* و لما مضت ثلاث لیال و سکن عنهما الناس جاء الدلیل بالراحلتین صبح ثلاث بالسحر الی باب الغار کما وعده* قال أبو الحسن بن البراء خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الغار لیلة الاثنین لغرة شهر ربیع الاوّل* و ذکر محمد بن سعد أنه خرج من الغار لیلة الاثنین لا ربع لیال خلون من ربیع الاوّل کما مرّ کذا فی سیرة مغلطای و دلائل النبوّة* و فی سیرة ابن هشام أتاهما صاحبهما الذی استأجراه ببعیریهما و بعیر له و أتتهما أسماء بنت أبی بکر بسفرتهما و نسیت أن تجعل لها عصا ما فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فاذا لیس فیها عصام فحلت نطاقها فجعلته عصا ما علقتها به فکان یقال لاسماء بنت أبی بکر ذات النطاقین لذلک* قال ابن هشام سمعت غیر واحد من أهل العلم یقول ذات النطاقین و تفسیره انها لما أرادت تعلیق السفرة شقت نطاقها باثنتین فعلقت السفرة بواحدة و انتطقت بالاخری کما مرّ فی أوائل الفصل الاوّل و جاء عامر بن فهیرة لیخدمهما فی الطریق* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق فلما قرب أبو بکر الراحلتین الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قدّم له أفضلهما ثم قال ارکب فداک أبی و أمی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انی لا أرکب بعیرا لیس لی قال فهی لک یا رسول اللّه بأبی أنت و أمی قال لا و لکن بالثمن الذی ابتعتها به قال أخذتها بکذا و کذا قال قد أخذتها بذلک قال هی لک یا رسول اللّه و قد مرّ أن ثمنها ثمانمائة درهم* قیل الحکمة فیه انه صلّی اللّه علیه و سلم أحب أن لا تکون هجرته الا بمال نفسه فرکبا و انطلقا و أردف أبو بکر عامر بن فهیرة مولاه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:331
لیخدمهما فی الطریق* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و لما خرج بهما دلیلهما عبد اللّه بن أرقد و کان ماهرا بالطریق فسلک بهما أسفل مکة ثم مضی بهما علی الساحل من عسفان ثم سلک بهما علی أسفل أمج* و فی روایة ثم عارض الطریق علی أمج ثم نزل من قدید خیام أمّ معبد عاتکة بنت خالد الخزاعیة من بنی کعب* قال ابن اسحاق ثم اجتاز بهما حتی عارض الطریق بعد أن أجاز قدیدا ثم أجاز بهما من مکانه ذلک فسلک بهما الحرار ثم سلک بهما ثنیة المرة ثم سلک بهما لقفا* قال ابن هشام لفتا قال ابن اسحاق ثم أجاز بهما مدلجة لقف ثم استبطن بهما مدلجة مجاج و یقال لجاج فیما قال ابن هشام ثم سلک بهما مزجج مجاج ثم تبطن بهما مزجج من ذی العضوین بفتح العین المهملة و سکون الضاد المعجمة و یقال بسکون الصاد المهملة فیما قاله ابن هشام ثم بطن بهما ذی کشد ثم أخذ بهما علی الجد اجد ثم علی الاجرد ثم سلک بهما ذا سلم من بطن أعدا مدلجة بعمین ثم علی الغبابید قال ابن هشام و یقال الغبابیب و یقال العشبانة قال ابن هشام ثم أجاز بهما الفاجة و یقال الفاخة فیما قال ابن هشام ثم هبط بهما المعرج و قد أبطأ علیهم بعض ظهرهم فحمل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رجل من أسلم یقال له أوس بن حجر علی جمل و قیل یقال له ابن الرداة و فی نسخة ابن الرداح الی المدینة و بعث معه غلاما له یقال له مسعود بن هنیدة ثم خرج بهما دلیلهما من المعرج فسلک بهما ثنیة العائر عن یمین رکونة و یقال ثنیة القائر فیما قال ابن هشام حتی هبط بهما علی بطن دیم ثم قدم بهما قباء علی بنی عمرو بن عوف لاثنتی عشرة لیلة خلت من شهر ربیع الاوّل یوم الاثنین حین اشتدّ الضحی و کادت الشمس تعتدل کما سیجی‌ء و اتفق فی مسیرة قصة سراقة عارضهم یوم الثلاثاء بقدید ذکره ابن سعد کما سیجی‌ء* قال أبو بکر فأدلجنا یعنی من الغار فأحثثنا یومنا و لیلتنا حتی أظهرنا و قام قائم الظهیرة فضربت ببصری هل أری ظلا نأوی إلیه فاذا أنا بصخرة فأهویت إلیها فاذا بقبة ظلها مدید فدخلت إلیها فسوّیته لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و فرشت فروة و قلت اضطجع یا رسول اللّه فاضطجع ثم خرجت أنظر هل أری أحدا من الطلب فاذا أنا براعی غنم لرجل من قریش کنت أعرفه فحلب شیئا من اللبن ثم أتیت به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فشرب حتی رضیت* و فی المواهب اللدنیة و اجتاز صلّی اللّه علیه و سلم فی وجهه ذلک بعبد یرعی غنما فکان من شأنه ما رویناه من طریق البیهقی بسنده عن قیس بن النعمان قال فلما انطلق النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر مستخفین مرّا بعبد یرعی غنما فاستسقیاه اللبن فقال ما عندی شاة تحلب غیر أن هاهنا عناقا حملت أوّل و ما بقی لها لبن فقال ادع بها فاعتقلها صلّی اللّه علیه و سلم و مسح ضرعها و دعا حتی أنزلت و جاء أبو بکر بمجن فسقی أبا بکر ثم حلب فسقی الراعی ثم حلب فشرب فقال الراعی باللّه من أنت فو اللّه ما رأیت مثلک فقال أو تراک تکتم علیّ حتی أخبرک قال نعم قال فانی محمد رسول اللّه قال فأنت الذی تزعم قریش أنه صابئ قال انهم لیقولون ذلک قال فأشهد انک نبیّ و انّ ما جئت به حق و انه لا یفعل ما فعلت الا نبیّ و أنا متبعک قال انک لن تستطیع ذلک یومک فاذا بلغک انی قد ظهرت فأتنا أورد فی المواهب اللدنیة قصة العبد الراعی بعد قصة أم معبد قال أبو بکر ثم قلت آن الرحیل فارتحلنا و القوم یطلبوننا فلم یدرکنا أحد منهم الا سراقة بن مالک بن جعشم فقلت یا رسول اللّه هذا الطلب قد لحقنا قال لا تحزن ان اللّه معنا حتی اذا دنا منا و کان بیننا و بینه قدر رمح أو رمحین أو ثلاثة فقلت یا رسول اللّه هذا الطلب قد لحقنا و بکیت قال لم تبکی قلت أما و اللّه ما علی نفسی أبکی و لکنی أبکی علیک فدعا علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال اللهم اکفناه بما شئت فساخت قوائم فرسه الی بطنها فی أرض صلد فوثب عنها و قال یا محمد قد علمت ان هذا عملک فادع اللّه أن ینجینی مما أنا فیه فو اللّه لا عمین علی من
ورائی من الطلب و هذه کنانتی فخذ منها سهما فانک ستمرّ بابلی و غنمی فی موضع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:332
کذا و کذا فخذ منها حاجتک فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا حاجة لی بها فأطلق فرجع الی أصحابه و جعل لا یلقی أحدا الا قال کفیتم ما هاهنا و لا یلقی أحد الا ردّه کذا فی المنتقی* و فی روایة دعا علیه فقال اللهم اصرعه فصرعت فرسه ثم قامت تحمحم و فی مزیل الخفاء اسم هذه الفرس العود و قیل کانت أنثی* و فی سیرة مغلطای فلما راحوا من قدید تعرض لهما سراقة بن مالک بن جعشم المدلجی* و فی المواهب اللدنیة ثم تعرض لهما بقدید سراقة بن مالک بن جعشم المدلجی و فی روایة عن سراقة أنه قال جاءنا رسل قریش انهم جعلوا فی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبی بکر دیة فی کل واحد منهما مائة ابل لمن قتله أو أسره فبینا أنا جالس فی مجلس من مجالس قومی أقبل رجل حتی قام علینا فقال یا سراقة انی قد رأیت آنفا أسودة بالساحل أظنها محمدا و أصحابه* و فی سیرة ابن هشام قال و اللّه لقد رأیت رکبة ثلاثة مرّوا علیّ آنفا انی لأراهم محمدا و أصحابه قال فأومأت إلیه بعینی أن اسکت انتهی قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت انهم لیسوا بهم و لکنک رأیت فلانا و فلانا و فلانا انطلقوا بأعیننا ثم لبثت فی المجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاریتی أن تخرج بفرسی و هی من وراء أکمة فتحبسها علیّ و أخذت رمحی فخرجت به من ظهر البیت فخططت بزجة الارض و خفضت عالیة الرمح حتی أتیت فرسی* و فی سیرة ابن هشام قال سراقة و کنت أرجو أن أردّه علی قریش و آخذ المائة قال فرکبتها فرفعتها تقرب بی حتی دنوت منهم فعثرت بی فخررت عنها فقمت فأهویت یدی الی کنانتی فاستخرجت منها الازلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذی أکره فرکبت فرسی و عصیت الازلام و لم أزل أجدّ فی الطلب تقرب بی حتی سمعت قراءة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو لا یلتفت و أبو بکر کثیر الالتفات ساخت یدا فرسی فی الارض حتی بلغتا الرکبتین فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تکد تخرج یدیها فلما استوت قائمة ظهر لاثر یدیها غبار ساطع الی السماء مثل الدخان* و فی سیرة ابن هشام کالاعصار فاستقسمت بالازلام فخرج الذی أکره فنادیت بالامان فوقفوا فرکبت فرسی حتی جئتهم و وقع فی نفسی حین لقیت ما لقیت من الحبس عنهم أن سیظهر أمر محمدا صلّی اللّه علیه و سلم فقلت له ان قومک قد جعلوا فیک الدیة فأخبرتهم أخبار ما یرید الناس بهم و عرضت علیهم الزاد و المتاع فلم یرزآنی و لم یسألانی شیئا الا أن قال أخف عنا فسألت أن یکتب لی کتاب أمن فأمر عامر بن فهیرة فکتب فی رقعة من أدم ثم مضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کذا فی المنتقی* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق قال سراقة عرفت حین رأیت ذلک أنه قد منع منی و انه ظاهر قال فنادیت القوم فقلت أنا سراقة بن جعشم أنظرونی أکلمکم فو اللّه لا أریبکم و لا یأتیکم منی شی‌ء تکرهونه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لابی بکر قل له ما تبتغی منا قال فقال لی ذلک أبو بکر فقلت تکتب لی کتابا یکون آیة بینی و بینکم قال اکتب له یا أبا بکر قال فکتب لی کتابا فی عظم أو فی رقعة أو فی حزقة ثم ألقاه الیّ فأخذته فجعلته فی کنانتی ثم رجعت فسکت فلم أذکر شیئا مما کان حتی اذا کان فتح مکة علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و فرغ من حنین و الطائف خرجت و معی الکتاب لالقاه فلقیته بالجعرانة قال فدخلت فی کتیبة من خیل الانصار فجعلوا یقرعوننی بالرماح و یقولون إلیک إلیک ما ذا ترید قال فدنوت من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو علی ناقته و اللّه لکأنی أنظر الی ساقه فی غرزه فکأنما جمارة قال فرفعت یدی بالکتاب ثم قلت یا رسول اللّه هذا کتابک لی أنا سراقة ابن جعشم فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم وفاء و برّ ادن منی قال فدنوت منه و أسلمت و أورد فی المواهب اللدنیة قصة سراقة بعد قصة أم معبد روی ان أبا جهل لما سمع قصة سراقة أنشأ هذین البیتین و بعث بهما إلیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:333 بنی مدلج انی أخاف سفیهکم‌سراقة یستغوی بنصر محمد
علیکم به أن لا یفرق جمعکم‌فیصبح شتی بعد عز و سودد و سراقة أیضا أنشأ هذین البیتین و بعث بهما الی أبی جهل
أبا حکم و اللات ان کنت شاهدالامر جوادی اذ تسیح قوائمه
عجبت و لم تشکک بأن محمدانبی ببرهان فمن ذا یکاتمه

معجزة

و فی الاکتفاء و سراقة بن مالک هذا الذی أظهر اللّه فیه أثرا من الآثار الشاهدة له علیه الصلاة و السلام بأن اللّه أطلعه من الغیب فی حیاته علی ما ظهر مصداقه بعد وفاته و ذلک انه روی سفیان بن عیینة عن أبی موسی عن الحسن ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لسراقة بن مالک کیف بک اذا لبست سواری کسری قال فلما أتی عمر بسواری کسری و منطقته و تاجه دعا سراقة بن مالک فألبسه ایاهما و کان سراقة رجلا ازب کثیر شعر الساعدین فقال له ارفع یدیک فقل اللّه أکبر الحمد للّه الذی سلبهما کسری بن هرمز الذی کان یقول أنا رب الناس و ألبسهما سراقة بن مالک بن جعشم اعرابیا من بنی مدلج و رفع عمر بها صوته*

قصة أم معبد

تاریخ الخمیس، دیار البکری ج‌1 333 قصة أم معبد ..... ص : 333
مما وقع لهم فی الطریق مرورهم بخیمتی أمّ معبد عاتکة بنت خالد الخزاعیة* و فی المشکاة ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما خرج من مکة مهاجرا الی المدینة هو و أبو بکر و مولی أبی بکر عامر بن فهیرة و دلیلهما عبد اللّه اللیثی مروا علی خیمتی أمّ معبد الخزاعیة انتهی و کانت بقدید و فی معجم ما استعجم من قدید الی المشلل ثلاثة أمیال بینهما خیمتی أمّ معبد* و فی خلاصة الوفاء قدید کزبیر قریة جامعة بطریق مکة کثیرة المیاه و کانت أمّ معبد امرأة برزة جلدة تحتبی بفناء الخیمة تسقی و تطعم فسألوها تمرا و لحما لیشتروا منها فلم یصیبوا عندها شیئا من ذلک و کان القوم مرملین مسنتین فقالت و اللّه لو کان عندنا ما أعوزتکم القری فنظر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی شاة فی کسر الخیمة فقال ما هذه الشاة یا أمّ معبد قالت شاة خلفها الجهد عن الغنم قال هل بها من لبن قالت هی أجهد من ذلک قال أ تأذنین لی أن أحلبها قالت نعم بأبی أنت و أمی ان رأیت بها حلبا فاحلبها فدعا بها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فمسح بیده المبارکة ضرعها و سمی اللّه عز و جل و دعا لها فی شانها فتفاجت علیه و درّت و اجترت و دعا باناء یریض الرهط فحلب ثجا حتی علاه البهاء ثم سقاها حتی رویت و سقی أصحابه حتی رووا ثم شرب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم آخرهم ثم أراضوا ثم حلب ثانیا بعد بدء حتی امتلأ الاناء ثم غادره عندها ثم بایعها و ارتحلوا کذا ذکره البغوی فی شرح السنة و ابن عبد البرّ فی الاستیعاب و قال ابن الجوزی فی الوفاء قال لها هات قدحا فجاءت بقدح فحلب فیه حتی امتلأ فأمر أبا بکر ان یشرب فقال ابو بکر بل أنت اشرب یا رسول اللّه قال ساقی القوم آخرهم شربا فشرب أبو بکر ثم حلب فشرب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم حلب فشربت أمّ معبد ثم حلب فقال ارفعی هذا لابی معبد اذا جاءک ثم رکبوا و ساروا و قل ما لبثت حتی جاء زوجها أبو معبد یسوق أعنزا عجافا یتساوکن هز الاضحی مخهنّ قلیل فلما رأی ابو معبد اللبن عجب و قال من أین لک هذا اللبن یا أمّ معبد و الشاء عازب حیال لا حلوب بالبیت قالت لا و اللّه الا أنه مرّ بنا رجل مبارک من حاله کذا و کذا قال صفیه لی یا أمّ معبد قالت رأیت رجلا ظاهر الوضاءة ابلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة و فی روایة نحلة و لم تزر به صعلة و فی روایة صقلة و سیم قسیم فی عینیه دعج و فی أشفاره عطف و فی صوته صحل و فی عنقه سطع و فی لحیته کثاثة أزج أقرن ان صمت فعلیه الوقار و ان تکلم سما و علاه البهاء أکمل الناس و ابهاه من بعید و أحسنه و اعلاه من قریب حلو المنطق فصل لا نزر و لا هذر کانّ منطقه خرزات نظمن یتحدّرن ربعة لا تشنؤه من طول و لا تقتحمه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:334
العین من قصر غصن بین غصنین و هو انضر الثلاثة منظرا و أحسنهم قدرا له رفقاء یحفونه ان قال أنصتوا لقوله و ان أمر تبادروا لامره محفود محشود لا عابس و لا مفند* قال أبو معبد هذا و اللّه صاحب قریش الذی ذکر لنا من أمره ما ذکر بمکة و لقد هممت أن أصحبه و لأفعلنّ ان وجدت الی ذلک سبیلا ثم هاجرت هی و زوجها فأسلما و کان أهلها یؤرّخون بیوم الرجل المبارک کذا فی شرح السنة لمحیی السنة* و فی خلاصة الوفاء فخرج أبو معبد فی أثرهم لیسلم فیقال أدرکهم ببطن ریم فبایعه و انصرف* و فی الصفوة قال عبد الملک فبلغنا ان أمّ معبد هاجرت الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أسلمت* قال رزین أقامت قریش أیاما ما یدرون أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی أیّ جهة توجه و أیّ طریق سلک حتی سمعوا بعد ذهابهما من مکة بأیام فی صباح هاتفا أقبل من أسفل مکة بأبیات و یغنی بغناء العرب عالیا بین السماء و الارض و الناس یسمعون الصوت و یتبعونه و لا یدرون صاحبه حتی خرج من أعلا مکة و هو یقول
جزی اللّه رب الناس خیر جزائه‌رفیقین حلا خیمتی أمّ معبد
هما نزلا بالهدی ثم اهتدت به‌فقد فاز من أمسی رفیق محمد
فما حملت من ناقة فوق رحلهاأبرّ و أوفی ذمّة من محمد
فیا لقصی ما زوی اللّه عنکم‌به من فعال لا تجاری و سودد
لیهن بنی کعب مکان فتاتهم‌و مقعدها للمؤمنین بمرصد
سلوا اختکم عن شاتها و انائهافانکم ان تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت‌علیه صریحا ضرّة الشاة مزبد
فغادرها رهنا لدیها لحالب‌یردّدها فی مصدر ثم مورد و قیل سمعوا هاتفا علی أبی قبیس بصوت جهوری یقول هذه الابیات و لما سمع حسان بن ثابت قال فی جوابه هذه الابیات
لقد خاب قوم زال عنهم نبیهم‌و قدس من یسری إلیه و یغتدی
ترحل عن قوم فزالت عقولهم‌و حلّ علی قوم بنور مجدّد
هداهم به بعد الضلالة ربهم‌و أرشدهم من یتبع الحق یرشد
و هل یستوی ضلال قوم تسفهواعمی و هداة یهتدون بمهتد
لقد نزلت منه علی أهل یثرب‌رکاب هدی حلت علیهم بأسعد
نبیّ یری ما لا یری الناس حوله‌و یتلو کتاب اللّه فی کل مشهد
و ان قال فی یوم مقالة غائب‌فتصدیقها فی الیوم أو فی ضحی غد
لیهن أبا بکر سعادة جدّه‌بصحبته من یسعد اللّه یسعد و فی روایة عن أمّ معبد أنها قالت طلعت علینا أربعة علی راحلتین فنزلوا بی فجئت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بشاة ارید ذبحها فاذا هی ذات درّ فأذیتها منه فلمس ضرعها و قال لا تذبحیها فأرسلتها و جئت بأخری فذبحتها و طبختها لهم فأکل هو و أصحابه و ملأت سفرتهم منها ما وسعت و بقی عندنا لحمها أو أکثر و بقیت الشاة التی لمس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ضرعها عندنا الی زمان عمر و هی السنة الثامنة عشر من الهجرة و کنا نحلبها صبوحا و غبوقا و ما فی الارض لبن*

قصة العوسجة

و روی الزمخشری فی ربیع الابرار عن هند بنت الجون نزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خیمة خالتها أمّ معبد فقام من رقدته فدعا بماء فغسل یدیه ثم تمضمض و مج فی عوسجة الی جانب الخیمة فأصبحنا و هی کأعظم دوحة و جاءت بثمر کأعظم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:335
ما یکون فی لون الورس و رائحة العنبر و طعم الشهد ما أکل منها جائع الاشبع و لا ظمآن الا روی و لا سقیم الا برئ و لا أکل من ورقها بعیر و لا شاة الا درّ لبنها فکنا نسمیها المبارکة و ینتابنا من البوادی من یستشفی بها و یتزوّد منها حتی أصبحنا ذات یوم و قد تساقط ثمرها و صغر ورقها ففزعنا فما راعنا الا نعی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم انها بعد ثلاثین سنة أصبحت ذات شوک من أسفلها الی أعلاها و تساقط ثمرها و ذهبت نضرتها فما شعرنا الا بقتل أمیر المؤمنین علیّ رضی اللّه عنه فما أثمرت بعد ذلک و کنا ننتفع بورقها ثم أصبحنا و اذا بها قد نبع من ساقها دم غبیط و قد ذبل ورقها فبینا نحن فزعون مهمومون اذ أتانا خبر مقتل الحسین بن علی و یبست الشجرة علی أثر ذلک و ذهبت و العجب کیف لم یشتهر أمر هذه الشجرة کما شهر أمر الشاة فی قصة هی أعلی القصص* و مما وقع لهم فی الطریق انه أقبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة و هو مردف أبا بکر و هو شیخ یعرف و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم شاب لا یعرف فیلقی الرجل أبا بکر فیقول یا أبا بکر من هذا بین یدیک فیقول هذا الذی یهدینی السبیل فیحسب السائل أنه یعنی به الطریق و انما یعنی سبیل الخیبر و فی نهایة ابن الاثیر لقیهما فی الهجرة رجل بکراع فقال من أنتم فقال أبو بکر باغ و هاد عرّض ببغاء الابل أی طلبه و هدایة الطریق و هو یرید طلب الدین و الهدایة من الضلالة* و مما وقع لهم فی الطریق انه لقیهم بریدة بن الخصیب الاسلمی* و فی الوفاء روی ابن الجوزی فی شرف المصطفی من طریق البیهقی موصولا الی بریدة انه لما جعلت قریش مائة من الابل ان أخذ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و یردّه علیهم حین توجه الی المدینة سمع بریدة بذلک فحمله الطمع علی الخروج لقصده صلّی اللّه علیه و سلم فرکب فی سبعین من أهل بیته من بنی سهم فتلقی رسول اللّه و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا یتطیر و کان یتفاءل فقال من أنت فقال أنا بریدة بن الخصیب فالتفت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی أبی بکر فقال یا أبا بکر برد أمرنا و صلح ثم قال ممن أنت قال من أسلم قال صلّی اللّه علیه و سلم سلمنا قال ممن قال من بنی سهم قال خرج سهمک یا أبا بکر فقال بریدة للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من أنت قال أنا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب رسول اللّه فقال بریدة أشهد أن لا إله الا اللّه و أن محمدا عبده و رسوله فأسلم بریدة و أسلم من کان معه جمیعا قال بریدة الحمد للّه أسلم بنو سهم طائعین غیر مکرهین فلما أصبح قال بریدة یا رسول اللّه لا تدخل المدینة الا معک لواء فحل عمامته ثم شدّها فی رمح ثم مشی بین یدیه حتی دخلوا المدینة فقال یا نبیّ اللّه ننزل علی من فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان ناقتی هذه مأمورة أین تنزل کذا فی شرف المصطفی لابن الجوزی*

خبر بریدة بن الحصیب‌

و فی شواهد النبوّة أخبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بنزوله بعده بخراسان بمدینة بناها ذو القرنین یقال لها مرو و بموته بها و بکونه یوم الحشر قائدا لاهل المشرق فکان کما قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فنزل بریدة فی بعض الغزوات بمرو و توفی بها بعد الهجرة بستین سنة و قبره هناک معروف قریب من قبر حکم بن عمرو الغفاری و هو أیضا من أصحاب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کان حاکما و قاضیا بمرو و توفی بها بعد الهجرة بخمسین سنة قال بعض أصحاب الحدیث الاحادیث التی وردت فی شأن البلدان لم یتحقق صحتها الا حدیث بریدة بن الخصیب* و مما وقع لهم فی الطریق ما روی عن عروة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لقی طلحة بن عبید اللّه و الزبیر فی الطریق فی رکب من المسلمین کانوا تجارا قافلین من الشأم فکسا طلحة أو الزبیر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبا بکر ثیابا بیضا* قال الحافظ ابن حجر و یحتمل ان کلا من طلحة و الزبیر أهدی لهما و الذی فی السیر هو طلحة و الاولی الجمع و عند ابن أبی شیبة ما یؤیده و الا فما فی الصحیح أصح کذا فی الوفاء* و فی هذه السنة قبل قدوم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة بشهر مات البراء بن معرور و هو أحد النقباء و أوّل من تکلم لیلة العقبة فلما قدم رسول اللّه انطلق
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:336
بأصحابه فصلی علی قبره و قال اللهمّ اغفر له و ارحمه و ارض عنه و قد فعلت و هو أوّل من مات من النقباء و أوّل صلاة علی المیت*

(ذکر استقبال أهل المدینة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و مکثه بقباء فی بنی عمرو بن عوف و تأسیس مسجد قباء)

* عن عائشة رضی اللّه عنها أنها قالت سمع المسلمون بالمدینة بخروج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من مکة فکانوا یغدون کل غداة الی الحرّة فینتظرون حتی یردّهم حرّ الظهیرة* قال ابن اسحاق و ذلک فی أیام حارّة فانقلبوا یوما بعد ما أطالوا انتظارهم فلما أووا الی بیوتهم أو فی رجل من الیهود علی أطم من الآطام لامر ینظر إلیه فبصر برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه مبیضین یزول بهم السراب فلم یملک الیهودی أن قال بأعلی صوته یا معشر العرب و فی روایة یا بنی قیلة یعنی الانصار هذا جدّکم یعنی حظکم* و فی روایة صاحبکم الذی تنتظرونه* و فی روایة بعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی الانصار من یخبرهم بقدومه کما سیجی‌ء فثار المسلمون الی السلاح فتلقوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات الیمین نحو قباء حتی نزل أعلا المدینة فی حیّ یقال لهم بنو عمرو بن عوف و هم أهل قباء* و فی الوفاء قباء معدود من العالیة و کانّ حکمته التفاؤل له و لدینه بالعلو و ذلک یوم الاثنین من ربیع الاوّل نهارا عند الاکثر* و فی سیرة أبی محمد عبد الملک بن هشام عن زیاد بن عبد اللّه البکائی عن محمد بن اسحاق المطلبی قال قدم علینا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المدینة یوم الاثنین حین اشتدّ الضحی و کادت الشمس تعتدل لاثنتی عشرة لیلة مضت من ربیع الاوّل و هو التاریخ فیما قال ابن هشام قال ابن اسحاق و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابن ثلاث و خمسین سنة و ذلک بعد أن بعثه اللّه بثلاث عشرة سنة* و فی أسد الغابة کان مقامه بمکة عشر سنین و قیل ثلاث عشرة سنة و قیل خمس عشرة سنة و الاکثر ثلاث عشرة سنة و قال ابن الکلبی خرج من الغار أوّل ربیع الاوّل و قدم المدینة لاثنتی عشرة لیلة خلت منه یوم الجمعة* و فی المنتقی تنازع القوم أیهم ینزل علیه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أنزل اللیلة علی بنی النجار أخوال عبد المطلب لاکرمهم بذلک فلما أصبح غدا حیث أمر* و فی الوفاء روی رزین عن أنس قال کنت اذ قدم رسول اللّه المدینة ابن تسع سنین فأسمع الغلمان و الولائد یقولون جاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فنذهب فلا نری شیئا حتی جاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر فمکثا فی خرب فی طرف المدینة* و فی روایة فنزلا جانب الحرة فأرسلا رجلا من أهل البادیة یؤذن بهما الانصار فاستقبلهما زها خمسمائة من الانصار حتی انتهوا إلیهما* و فی خلاصة الوفاء فنزل فی بنی عمرو بن عوف بقباء علی کلثوم ابن الهدم و کان یومئذ مشرکا و به جزم ابن زبالة و لرزین نزل فی ظل نخلة ثم انتقل الی دار کلثوم أخی بنی عمرو بن عوف* و فی روایة نزل علی سعد بن خیثمة وجه الجمع بین الروایتین أن یقال انه کان نزل علی کلثوم بن الهدم و لکن عینوا له مسکنا فی دار سعد بن خیثمة یکون للناس فیه و ذلک لان سعدا کان عزبا لا أهل له و یسمی منزله منزل الغرباء* قال المطری و بیت سعد بن خیثمة أحد الدور التی قبلی مسجد قباء و هی التی تلی المسجد فی قبلته یدخلها الناس اذا زاروا مسجد قباء و یصلون فیها و هناک أیضا دار کلثوم بن الهدم و فی تلک العرصة کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نازلا قبل خروجه الی المدینة و کذلک أهله و أهل أبی بکر حین قدموا بعد خروج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من مکة و هنّ سودة و عائشة و أمّها أمّ رومان و اختها أسماء و هی حامل بعبد اللّه بن الزبیر فولدته بقباء قبل نزولهم المدینة انتهی و نزل أبو بکر بالسنخ علی حبیب بن أساف أحد بنی الحارث بن الخزرج و قیل علی خارجة بن زید بن أبی زهیر روی مجمع بن یعقوب عن أبیه و عن سعید بن عبد الرحمن بن رقیش عن عبد الرحمن بن زید بن حارثة قالا نزل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بظهر حرتنا ثم رکب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:337
فأناخ علی عذق عند بئر غرس قبل أن تبزغ الشمس (قوله) عند بئر غرس الظاهر أنه تصحیف و لعله بئر غدق لبعد بئر غرس عن منزله صلّی اللّه علیه و سلم بقباء بخلاف بئر غدق قیل کان أوّل ما سمع من النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أفشوا السلام و أطعموا الطعام و صلوا الارحام و صلوا باللیل و الناس نیام تدخلوا الجنة بسلام و أکثر أهل السیر علی أن ذلک الیوم کان یوم الاثنین و شذ من قال یوم الجمعة من ربیع الاوّل فی الضحوة الکبری قریبا من نصف النهار* و فی نسخة طاهر بن یحیی ان قدومه کان قبل أن تبزغ الشمس و ما یعرف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من أبی بکر علیهما ثیاب بیض متشابهة فجعل الناس یقفون علیهم حتی بزغت الشمس من ناحیة أطمهم الذی یقال له شنف فأمهل أبو بکر ساعة ثم قام فستر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بردائه فعرف القوم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* قال محمد بن معاذ قلت لمجمع بن یعقوب ان الناس یرون أنه جاء بعد ما ارتفع النهار و أحرقتهم الشمس قال مجمع هکذا أخبرنی أبی و سعید بن عبد الرحمن یرید أنهما قالا ما بزغت الشمس الا و هو فی منزله صلّی اللّه علیه و سلم* و فی مسلم ان قدومهم کان لیلا و الذی قاله الاکثرون نهارا* و فی الصفوة قال ابن اسحاق دخلها حین ارتفع الضحی و کادت الشمس تعتدل کما مرّ فی قول ابن هشام حیث قال و هو التاریخ و فی الصحیح انهم لما قدموا جلیس النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تحت شجرة صامتا و قام أبو بکر لامر الناس أی یتلقاهم فطفق من جاء من الانصار ممن لم یکن رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یحیی أبا بکر و یرحبه یحسب أنه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حتی أصابت الشمس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأقبل أبو بکر حتی ظلل علیه بردائه فعرف الناس رسول اللّه*

ذکر تاریخ الهجرة

و اختلفوا فی أن یوم نزوله أی یوم من الشهر فبعضهم علی أنه أوّل الشهر علی ما روی موسی بن عقبة عن ابن شهاب و قیل للیلتین خلتا من شهر ربیع الاوّل و نحوه عن أبی معشر لکن قال لیلة الاثنین و مثله عن ابن البرقی و ثبت ذلک فی أواخر صحیح مسلم و قیل لاثنتی عشرة لیلة خلت منه حکاه ابن الجوزی فی شرف المصطفی عن الزهری فقال قال الزهری قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة یوم الاثنین لاثنتی عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل و به جزم النووی و کذا ابن النجار* و فی شرف المصطفی لابن الجوزی عن ابن عباس ولد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم الاثنین و استنبئ یوم الاثنین و رفع الحجر یوم الاثنین و خرج مهاجرا یوم الاثنین و قدم المدینة یوم الاثنین و قبض یوم الاثنین* و فی روضة الاقشهری قال ابن الکلبی خرج من الغار یوم الاثنین أوّل یوم من ربیع الاوّل و قدم المدینة یوم الجمعة لاثنتی عشرة لیلة خلت منه قال أبو عمر و هو قول ابن اسحاق الا فی تسمیة الیوم و عن أبی بکر بن حزم لثلاث عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل و یجمع بین هذا و بین الذی قبله بالحمل علی الاختلاف فی رؤیة الهلال و نقل ابن زبالة عن ابن شهاب ان نزوله علی بنی عمرو بن عوف کان فی النصف من ربیع الاوّل و قیل کان قدومه فی سابعه و لما نزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر و عامر ابن فهیرة علی کلثوم قال لمولی له یا نجیح اطعمنا رطبا فلما سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اسم نجیح التفت الی أبی بکر و قال أنجحت أو أنجحنا فأتوا بقنو من أمّ جردان فیه رطب منصف و فیه زهو فقال ما هذا فقال عذق أمّ جردان فقال صلّی اللّه علیه و سلم اللهمّ بارک فی أمّ جردان* و اختلف فی أنه صلّی اللّه علیه و سلم کم یوما أقام فی بنی عمرو بن عوف فعن قوم من بنی عمرو بن عوف أنه أقام فیهم اثنین و عشرین یوما حکاه ابن زبالة* و فی البخاری من حدیث أنس أقام فیهم أربع عشرة لیلة و هو المراد بما فی روایة عائشة بقولها بضع عشرة لیلة* و قال موسی بن عقبة ثلاثا* و قال عروة ثلاث لیال الثلاثاء و الاربعاء و الخمیس کما جزم به ابن حبان* و قال ابن اسحاق أقام فیهم خمسا* و فی ذخائر العقبی لم یقم بقباء الا لیلة أو لیلتین* قال الحافظ ابن حجر أنس لیس من بنی عمرو بن عوف فانه من الخزرج و قد جزم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:338
بأربع عشرة لیلة فهو أولی بالقبول و أمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بالتاریخ فکتب من حین الهجرة فی ربیع الاوّل رواه الحاکم فی الاکلیل قال ابن الجزار و تعرف بعام الاذن و هو معضل و المشهور ان ذلک کان فی خلافة عمرو أن عمر قال الهجرة فرقت بین الحق و الباطل فأرخ بها و ابتدأ من المحرم بعد اشارة علی و عثمان بذلک و أفاد السهیلی انّ الصحابة أخذوا التاریخ بالهجرة من قوله تعالی لمسجد أسس علی التقوی من أوّل یوم* و فی الاستیعاب و من مقدمه الی المدینة أرخ التاریخ فی زمان عمرو أقام علیّ بمکة بعد مخرجه علیه السلام ثلاث لیال و أیامها حتی أدّی للناس ودائعهم التی کانت عند النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و خلفه لردّها ثم خرج فلحق النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بقباء فنزل علی کلثوم بن الهدم و انما کانت اقامة علیّ بقباء مع النبیّ لیلة أو لیلتین* و فی روضة الاحباب و کان علیّ یسیر باللیل و یختفی بالنهار و قد نقبت قدماه فمسحهما النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و دعا له بالشفاء فبرئتا فی الحال و ما اشتکاهما بعد الیوم قط* و فی الوفاء و کان لکلثوم بن الهدم بقباء مربد و المربد الموضع الذی یبسط فیه التمر لییبس فأخذه منه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأسسه و بناه مسجدا کما رواه ابن زباله و غیره* و فی الصحیح عن عروة فلبث فی بنی عمرو بن عوف بضع عشرة لیلة و اسس المسجد الذی أسس علی التقوی* و فی روایة عبد الرزاق قال الذین بنی فیهم المسجد الذی أسس علی التقوی هم بنو عمر بن عوف و کذا فی حدیث ابن عباس عند ابن عائذ و لفظه و مکث فی بنی عمرو بن عوف ثلاث لیال و اتخذ مکانه مسجدا و کان یصلی فیه ثم بناه بنو عمرو بن عوف فهو المسجد الذی أسس علی التقوی و روی ابن أبی شیبة عن جابر قال لقد لبثنا بالمدینة قبل أن یقدم علینا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سنتین نعمر المساجد و نقیم الصلاة و لذا قیل المتقدّمون فی الهجرة من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الانصار بقباء قد بنوا مسجدا یصلون فیه یعنی هذا المسجد فلما هاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ورد قباء صلّی بهم فیه الی بیت المقدس و لم یحدث فیه شیئا أی فی مبدأ الامر لان ابن أبی شیبة روی ذلک ثم روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم بنی مسجد قباء و قدّم القبلة الی موضعها الیوم و قال جبریل یؤمّ بی البیت* و قد اختلف فی المراد بقوله تعالی لمسجد أسس علی التقوی من أوّل یوم فالجمهور علی أن المراد به مسجد قباء و لا ینافیه قوله صلّی اللّه علیه و سلم لمسجد المدینة هو مسجدکم هذا اذ کل منهما أسس علی التقوی* و فی الکبیر عن جابر بن سمرة قال لما سأل أهل قباء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان بینی لهم مسجدا قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیقم بعضکم فلیرکب الناقة فقام أبو بکر فرکبها فحرکها فلم تنبعث فرجع فقعد فقام عمر فرکبها فلم تنبعث فرجع فقعد فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیقم بعضکم فیرکب الناقة فقام علیّ فلما وضع رجله فی غرز الرکاب و ثبت به فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ارخ زمامها و ابتنوا علی مدارها فانها مأمورة و روی الطبری عن جابر قال لما قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة قال لاصحابه انطلقوا الی أهل قباء نسلم علیهم فرحبوا به ثم قال یا أهل قباء ائتونی بأحجار من الحرّة فجمعت عنده أحجار کثیرة و معه عنزة فحط قبلتهم فأخذ حجرا فوضعه ثم قال یا أبا بکر خذ حجرا فضعه الی جنب حجری ثم قال یا عمر خذ حجرا فضعه الی جنب حجر أبی بکر ثم قال یا عثمان خذ حجرا فضعه الی جنب حجر عمر کأنه أشار الی ترتیب الخلافة کما سیجی‌ء فی بناء مسجد المدینة ثم التفت الی الناس فقال وضع رجل حجره حیث أحب علی ذلک الخط و روی الترمذی عن أسید بن ظهیر عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال الصلاة فی مسجد قباء کعمرة و عن عائشة بنت سعد بن أبی وقاص قالت سمعت أبی یقول لأن أصلی فی مسجد قباء رکعتین أحب الیّ من أن آتی بیت المقدس مرّتین لو یعلمون ما فی قباء لضربوا إلیه
أکاد الابل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:339
و ورد فی الصحیحین عن ابن عمر أنه قال کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یزور قباء أو یأتی قباء راکبا أو ماشیا و عن ابن عمر قال سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول من صلّی فیه کان کعدل عمرة* و عن سهل بن حنیف قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من تطهر فی بیته ثم أتی مسجد قباء فصلی فیه صلاة کان له کأجر عمرة أخرجه ابن ماجة و عن عمرو بن شیبة بسند جید و رواه أحمد و الحاکم و قال صحیح الاسناد و للبخاری و النسائی ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان یأتی مسجد قباء کل سبت راکبا أو ماشیا و کان عبد اللّه یفعله و روی ابن زبالة أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم صلی الی الاسطوانة الثالثة فی مسجد قباء التی فی الرحبة و عن سعید بن عبد الرحمن قال کان المسجد فی موضع الاسطوانة المخلفة الخارجة فی رحبة المسجد* قال ابن رقیش حدّثنی نافع ان ابن عمر کان اذا جاء مسجد قباء صلّی الی الاسطوانة المخلفة یقصد بذلک مسجد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الاوّل* و روی ابن زبالة عن عبد الملک بن بکیر عن ابن أبی لیلی عن أبیه أن رسول اللّه صلّی فی مسجد قباء الی الاسطوانة الثالثة فی الرحبة اذا دخلت من الباب الذی بفناء دار سعد بن أبی خیثمة* قلت الباب المذکور هو المسدود الیوم یظهر رسمه من خارج المسجد فی جهة المغرب و کان شارعا فی الرواق الذی یلی الرحبة من السقف القبلی فالاسطوانة الثالثة فی الرحبة هی الاسطوانة التی عندها الیوم محراب فی رحبة المسجد لانطباق الوصف المذکور علیها فهی المرادة بقول الواقدی کان المسجد فی موضع الاسطوانة المخلفة الخارجة فی رحبة المسجد و هی التی کان ابن عمر یصلی إلیها ذکر ذلک کله فی الوفاء

* (الفصل الثانی فی انتقاله من قباء الی باطن المدینة

اشارة

و أوّل جمعة صلیت فی الاسلام قبل قدومه المدینة و نزوله علی أبی أیوب و سکناه بداره و بناء المسجد و موت کلثوم بن الهدم و اسلام عبد اللّه بن سلام و موت أسعد بن زرارة و ابتداء خدمة أنس و الزیادة فی صلاة الحضر و وعک أبی بکر و الاصحاب و اسلام سلمان و المواخاة بین المهاجرین و الانصار و موادعته الیهود و موت العاص بن وائل من مشرکی مکة و بعث زید بن حارثة الی مکة للاتیان بعیاله و ولادة النعمان بن بشیر و ولادة عبد اللّه بن الزبیر و ذکر فاطمة بنت النعمان و تکلم الذئب و ابتداء الغزوات و بعث حمزة بن عبد المطلب الی سیف البحر و سریة عبیدة بن الحارث الی بطن رابغ و بناء عائشة و بعث سعد بن أبی وقاص الی الخرار و ابتداء الاذان و الاقامة)*
فی الصحیح عن أنس بعد ما ذکر من اقامته ببنی عمرو بن عوف ثم أرسل الی بنی النجار فجاءوا متقلدین السیوف و کانوا اخواله یعنی أخوال جدّه عبد المطلب* و فی روایة فجاءوا فسلموا علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و علی أبی بکر و قالوا ارکبا آمنین مطاعین فرکب یوم الجمعة حتی نزل جانب دار أبی أیوب و سیجی‌ء أنه صلّی اللّه علیه و سلم لما شخص أی خرج من قباء اجتمعت بنو عمرو بن عوف فقالوا أخرجت ملالا منا أم ترید دارا خیرا من دارنا قال انی أمرت بقریة تأکل القری فخلوها أی ناقته فانها مأمورة حتی أدرکته الجمعة فی بنی سالم فصلاها فی بطن الوادی وادی ذی صلت*

أول خطبة فی الاسلام‌

و فی سیرة ابن هشام عن ابن اسحاق وادی رانونا و فی غیرها کانوا أربعین و قیل مائة و کانت هذه أوّل جمعة جمعها فی الاسلام حین قدم المدینة و خطب یومئذ خطبة بلیغة و هی أوّل خطبة فی الاسلام و قیل انه کان یصلی الجمعة فی مسجد قباء فی اقامته هناک و اللّه أعلم (ذکر تلک الخطبة) روی عن سعید بن عبد الرحمن الجمحی أنه بلغه عن خطبة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی أوّل جمعة صلاها فی المدینة فی بنی سالم بن عوف* الحمد للّه أحمده و استعینه و استغفره و أستهدیه و أو من به و لا اکفره و اعادی من یکفره و اشهد ان لا إله الا اللّه وحده لا شریک له و ان محمدا عبده و رسوله ارسله بالهدی و النور
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:340
و الموعظة علی فترة من الرسل و قلة من العلم و ضلالة من الناس و انقطاع من الزمان و دنوّ من الساعة و قرب من الاجل من یطع اللّه و رسوله فقد رشد و من یعص اللّه و رسوله فقد غوی و فرط و ضلّ ضلالا بعیدا أوصیکم بتقوی اللّه فانّ خیر ما أوصی به المسلم المسلم أن یحضه علی الآخرة و ان یأمره بتقوی اللّه فاحذر و اما حذرکم اللّه من نفسه و لا افضل من ذلک ذکر و ان تقوی اللّه لمن عمل به علی و جل و مخافة من ربه عون صدق علی ما تبغون من أمر الآخرة و من یصلح الذی بینه و بین اللّه من أمره فی السرّ و العلانیة لا ینوی بذلک الا وجه اللّه یکن له ذکرا فی عاجل امره و ذخرا فیما بعد الموت حین یفتقر المرء الی ما قدّم و ما کان سوی ذلک یودّ لو أنّ بینها و بینه أمدا بعیدا و یحذرکم اللّه نفسه و اللّه رءوف بالعباد و الذی صدق قوله و أنجز وعده لا خلف لذلک فانه یقول ما یبدّل القول لدیّ و ما أنا بظلام للعبید فاتقوا اللّه فی عاجل أمرکم و آجله فی السرّ و العلانیة فانه من یتق اللّه یکفر عنه سیئاته و یعظم له أجرا و من یتق اللّه فقد فاز فوزا عظیما و ان تقوی اللّه توقی مقته و عقوبته و سخطه و تبیض الوجوه و ترضی الرب و ترفع الدرجة خذوا بحظکم و لا تفرّطوا فی جنب اللّه فقد علمکم اللّه کتابه و نهج لکم سبیله لیعلم الذین صدقوا و لیعلم الکاذبین فاحسنوا کما أحسن اللّه إلیکم و عادوا اعداءه و جاهدوا فی اللّه حق جهاده هو اجتباکم و سماکم المسلمین لیهلک من هلک عن بینة و یحیی من حیّ عن بینة و لا قوّة الا باللّه و اکثر و اذکر اللّه و اعلموا أنه خیر من الدنیا و ما فیها و اعملوا لما بعد الموت فانه من یصلح ما بینه و بین اللّه یکفه اللّه ما بینه و بین الناس ذلک بأن اللّه یقضی الحق علی الناس و لا یقضون علیه و یملک من الناس و لا یملکون علیه و لا قوّة الا باللّه العلیّ العظیم* کذا أوردها فی المنتقی و فی خلاصة الوفاء و لیحیی عن عمارة بن خزیمة أنه صلّی اللّه علیه و سلم دعا براحلته یوم الجمعة و حشد المسلمون و لبسوا السلاح و رکب صلّی اللّه علیه و سلم ناقته القصوی و الناس عن یمینه و شماله و خلفه منهم الماشی و الراکب فاعترضت الانصار فما یمرّ بدار الا قالوا هلم الی العز و المنعة و الثروة فیقول لهم خیرا و یدعو و یقول انها مأمورة خلوا سبیلها فمر ببنی سالم فقام إلیه عتبان بن مالک و نوفل بن عبد اللّه بن مالک العجلانی و هو آخذ بزمام راحلته یقول یا رسول اللّه انزل فینا فان فینا العدد و العدّة و الحلقة و نحن أصحاب الفضاء و الحدائق و الدرک یا رسول اللّه کان الرجل من العرب یدخل هذه البحرة خائفا فیلجأ إلینا فنقول له قوقل حیث شئت فجعل یتبسم و یقول خلوا سبیلها فانها مأمورة و قام إلیه عبادة ابن الصامت و عباس بن الصامت بن نضلة بن العجلان فجعلا یقولان یا رسول اللّه انزل فینا فیقول انها مأمورة ثم أخذ عن یمین الطریق حتی جاء بنی الحبلی و أراد أن ینزل علی عبد اللّه بن أبی بن سلول فلما رآه و هو عند مزاحم أی الاطم محتبیا قال اذهب الی الذین دعوک فانزل علیهم فقال سعد بن عبادة لا تجد یا رسول اللّه فی نفسک من قوله فقد قدمت علینا و الخزرج ترید أن تملکه علیها و لکن هذه داری فمرّ ببنی ساعدة فقال له سعد بن عبادة و المنذر بن عمرو و أبو دجانة هلم یا رسول اللّه الی العز و الثروة و القوّة و الجلد و سعد یقول یا رسول اللّه لیس فی قومی أکثر عذقا و لا فم بئر منی مع الثروة و الجلد و العدد و الحلقة فیقول صلّی اللّه علیه و سلم بارک اللّه علیکم و یقول یا أبا ثابت خل سبیلها فانها مأمورة فمضی و اعترضه سعد بن الربیع و عبد اللّه بن رواحة و بشیر بن سعد أی من بنی الحارث بن الخزرج فقالوا یا رسول اللّه لا تجاوزنا فانا أهل عدد و ثروة و حلقة فقال بارک اللّه فیکم خلوا سبیلها فانها مأمورة و اعترضه زیاد بن لبید و فروة بن عمرو أی من بنی بیاضة
یقولان یا رسول اللّه هلم الی المواساة و العز و الثروة و العدد و القوّة نحن أهل الدرک فقال خلوا سبیلها فانها مأمورة ثم مرّ ببنی عدی بن النجار و هم اخواله فقام إلیه أبو سلیط و صرمة بن أبی انیس فی قومهما فقالا یا رسول اللّه نحن اخوالک هلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:341
الی العدد و المنعة و القوّة مع القرابة لا تجاوزنا الی غیرنا لیس أحد من قومنا اولی بک منا لقرابتنا لک فقال خلوا سبیلها فانها مأمورة أو یقال أوّل الانصار اعترضه بنو بیاضة ثم بنو سالم ثم مال الی ابن أبی ثم مرّ علی بنی عدی بن النجار حتی انتهی الی بنی مالک بن النجار و لابن اسحاق اعترض بنی سالم أوّلا ثم وازت راحلته بنی بیاضة و اعترضوه ثم وازت دار الحارث کذلک ثم مرّت بدار بنی عدی و هم أخواله لانّ سلمی بنت عمرو احدی بنی عدی بن النجار کانت أمّ جدّة عبد المطلب و بنو مالک بن النجار اخوتهم و منزله صلّی اللّه علیه و سلم بدار بنی غنم منهم و جاء فی روایة ان القوم لما تنازعوا أنه صلّی اللّه علیه و سلم علی أیهم ینزل و کل منهم علی أن یکون داره له المنزل قال انی أنزل علی أخوال عبد المطلب و أکرمهم بذلک قیل یشبه أن یکون هذا فی أوّل قدومه من مکة قبل نزوله قباء لا فی قدومه باطن المدینة* و عن أنس أنه صلّی اللّه علیه و سلم قال دعوا الناقة فانها مأمورة فبرکت علی باب أبی أیوب* و فی سیرة مغلطای نزل برحله علی أبی أیوب لکونه من أحوال عبد المطلب و عند البعض ان الناقة استناخت به أوّلا فجاءه ناس فقالوا المنزل یا رسول اللّه فقال دعوها فانبعثت حتی استناخت عند موضع المنبر من المسجد ثم تحلحلت فنزل عنها فأتاه أبو أیوب فقال منزلی أقرب المنازل فائذن لی أن أنقل رحلک قال نعم فنقل رحله و أناخ الناقة فی منزله* و قال الواقدی أخذ أسعد بن زرارة بزمامها فکانت عنده* و عن مالک بن أنس أن الناقة لما أتت موضع المسجد برکت و هو علیها و أخذه صلی اللّه علیه و سلم الذی کان یأخذه عند الوحی ثم ثارت من غیر أن تزجر و سارت غیر بعید ثم التفتت فعادت الی المکان الذی برکت فیه أوّل مرّة فبرکت فیه فسری عنه فأمر أن یحط رحله* و فی روایة کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی راحلته و أبو بکر ردفه و ملأ من بنی النجار حوله حتی ألقی بفناء أبی أیوب و هو موضع مسجده الیوم و هو یومئذ مربد للتمر لغلامین یتیمین من بنی النجار کانا فی حجر معاذ بن عفراء أو أبی أیوب أو أسعد بن زرارة و الاخیر هو الاصح اسمهما سهل و سهیل ابنا عمرو ابن عمارة* و فی روایة رافع بن عمرو فبرکت عند باب المسجد فلم ینزل عنها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم انبعثت و سارت غیر بعید و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مرخ لها زمامها ثم التفتت خلفها ثم رجعت الی مبرکها الاوّل و برکت فیه و وضعت جرانها علی الارض و نزل عنها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال هذا ان شاء اللّه المنزل فاحتمل أبو أیوب رحله و وضعه فی بیته بعد ما استأذنه صلّی اللّه علیه و سلم فدعته الانصار الی النزول علیهم فقال صلّی اللّه علیه و سلم المرء مع رحله* و فی الوفاء فنزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال أی الدور أقرب فقال أبو أیوب داری هذا بابی و قد حططنا رحلک فیها فقال المرء مع رجله فمضت مثلا فنزل علی أبی أیوب خالد بن زید و سأل عن المربد فقال معاذ هو لیتیمین لی و سأرضیهما فاشتراه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی شرف المصطفی لما برکت الناقة علی باب أبی أیوب خرج جوار من بنی النجار یضربن بالدف و یقلن* نحن جوار من بنی النجار* یا حبذا محمد من جار* فقال النبیّ علیه الصلاة و السلام أ تحببننی قلن نعم یا رسول اللّه فقال و اللّه و أنا أحبکن قالها ثلاثا و فی روایة یعلم اللّه انی أحبکن* و فی روایة الطبری فی الصغیر فقال علیه السلام اللّه یعلم ان قلبی یحبکن* و فی المواهب اللدنیة فرح أهل المدینة بقدومه علیه الصلاة و السلام و أشرقت المدینة بحلوله فیها و سری السرور الی القلوب* قال أنس بن مالک لما کان الیوم الذی دخل فیه رسول اللّه علیه الصلاة و السلام المدینة أضاء منها کل شی‌ء و لما کان الیوم الذی مات فیه أظلم منها کل شی‌ء رواه ابن ماجه قال رزین صعدت ذوات الخدور علی الاجاجیر یعنی السطوح عند قدومه صلّی اللّه علیه و سلم یقلن* و فی الریاض النضرة لما قدم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم المدینة جعل الصبیان
و النساء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:342
و الولائد یقولون
* طلع البدر علینا* من ثنیات الوداع* وجب الشکر علینا* ما دعا للّه داعی*
و فی روایة* أیها المبعوث فینا* جئت بالامر المطاع* قال الطبری تفرّق الغلمان و الخدم فی الطرق ینادون جاء محمد جاء رسول اللّه* و فی الریاض النضرة خرج أهل المدینة حتی ان العواتق لفوق البیوت یقلن أیهم هو أیهم هو* و فی خلاصة الوفاء ثنیة الوداع بفتح الواو معروف شامی المدینة خلف سوقها القدیمة بین مسجد الرایة و مشهد النفس الزکیة قرب سلع* و قال عیاض هی موضع بالمدینة بطریق مکة و قیل واد بمکة و الاوّل أصح* و فی المواهب اللدنیة أنشئ هذا الشعر عند قدومه رواه البیهقی فی الدلائل و أبو الحسن بن مقری فی کتاب الشمائل له عن ابن عائشة و ذکره الطبری فی الریاض النضرة عن الفضل بن الجمحی قال سمعت ابن عائشة یقول أراه عن أبیه فذکر و قال خرجه الحلوانی علی شرط الشیخین و سمیت ثنیة الوداع لانّ المسافر من المدینة کان یشیع إلیها و یودّع عندها قدیما* و صحح القاضی عیاض هذا و استدل علیه بقول نساء الانصار حین قدم علیه الصلاة و السلام* طلع البدر علینا* من ثنیات الوداع* فدل علی انه اسم قدیم و قال شیخ الاسلام الولی ابن العراقی ففی صحیح البخاری و سنن أبی داود و الترمذی عن السائب بن یزید قال لما قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من تبوک خرج الناس یتلقونه من ثنیة الوداع قال و هذا صریح بأنها من جهة الشأم* و قال ابن القیم فی الهدی النبوی هذا و هم من بعض الرواة فان ثنیة الوداع انما هی من جهة الشأم لا یراها القادم من مکة و لا یمرّ بها الا اذا توجه الی الشأم و انما وقع ذلک عند قدومه من تبوک انتهی لکن قال زین الدین العراقی یحتمل أن تکون الثنیة التی من کل جهة یصل إلیها المشیعون یسمونها ثنیة الوداع انتهی* قال مؤلف الکتاب یشبه أن یکون هذا هو الحق و یؤیده جمع الثنیات اذ لو کان المراد بها الموضع الذی هو من جهة الشأم لم یجمع و لا مانع من تعدّد وقوع هذا الشعر مرّة عند قدومه علیه الصلاة و السلام من مکة و مرّة عند قدومه من تبوک فلا ینافی ما فی صحیح البخاری و غیره و لا ما قاله ابن القیم عن جابر أنه کان لا یدخل أحد المدینة الا من ثنیة الوداع فان لم یعشر بها مات قبل أن یخرج فاذا وقف علی الثنیة قیل قد ودّع فسمیت ثنیة الوداع حتی قدم عروة بن الورد فلم یعشر ثم دخل فقال یا معشر یهود ما لکم و للتعشیر قالوا لا یدخلها أحد من غیر أهلها فلم یعشر بها الا مات و لا یدخلها أحد من ثنیة الوداع الا قتله الهزال فلما ترک عروة التعشیر ترکه الناس و دخلوا من کل ناحیة کذا فی الوفاء* و عن أنس لما قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لعبت الحبشة بحرابهم فرحا بقدومه صلّی اللّه علیه و سلم و لابن اسحاق عن أبی أیوب الانصاری لما نزل علیّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی بیتی نزل فی السفل و أنا و أمّ أیوب فی العلو فقلت یا نبیّ اللّه بأبی أنت و أمّی انی أکره و أعظم أن أکون فوقک و تکون تحتی فاظهر أنت فکن فی العلو و ننزل نحن و نکون فی السفل فقال یا أبا أیوب ان الارفق بنا و بمن یغشانا أن نکون فی سفل البیت قال فکان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی سفله و کنا فوقه فی المسکن فلقد انکسر حب لنا فیه ماء فقمت أنا و أمّ أیوب بقطیفة لنا ما لنا لحاف غیرها ننشف بها الماء تخوّفا أن یقطر علی رأس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم منه شی‌ء فیؤذیه و ذکر غیره ان أبا أیوب لم یزل یتضرع للنبیّ علیه الصلاة و السلام حتی تحوّل الی العلو و أبو أیوب فی السفل* و فی الصفوة عن أفلج مولی أبی أیوب انّ رسول اللّه علیه الصلاة و السلام لما نزل علیه نزل أسفل و أبو أیوب فی العلو فانتبه ابو أیوب ذات لیلة فقال نمشی فوق رأس رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فتحوّل فباتوا فی جانب فلما أصبح ذکر ذلک للنبیّ علیه الصلاة و السلام فقال النبیّ علیه الصلاة و السلام الاسفل أرفق بی فقال أبو أیوب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:343
لا أعلو سقیفة أنت تحتها فتحوّل أبو أیوب فی السفل و النبیّ علیه الصلاة و السلام فی العلو و سیجی‌ء وفاته فی الخاتمة فی خلافة معاویة و أفاد ابن سعد أن اقامته علیه الصلاة و السلام بهذه الدار سبعة أشهر بتقدیم السین و قیل الی صفر من السنة الثانیة* و قال الدولابی شهرا کذا فی سیرة مغلطای و قد ابتاع داره هذه و بیته المغیرة بن عبد الرحمن بن الحارث من ابن ابی أفلح مولی أبی أیوب الانصاری بألف دینار فتصدّق بها و هو فی شرقی المسجد المقدّس ثم بیعت فاشتراها الملک المظفر شهاب الدین غازی ابن الملک العادل سیف الدین أبی بکر بن أیوب بن شادی أی عرصة دار أبی أیوب هذه و بناها مدرسة للمذاهب الاربعة تعرف الیوم بالمدرسة الشهابیة و فی ایوان قاعتها الصغری الغربی خزانة صغیرة جدّا مما یلی القبلة فیها محراب یقال انها مبرک ناقته علیه الصلاة و السلام* قال ابن اسحاق ان هذا البیت بناه تبع الاوّل لما مرّ بالمدینة للنبیّ علیه الصلاة و السلام ینزله اذا قدم المدینة و ترک فیها أربعمائة عالم و کتب کتابا للنبیّ علیه الصلاة و السلام و دفعه الی کبیرهم و سأله أن یدفعه للنبیّ علیه الصلاة و السلام فتداول البیت الملاک الی أن صار الی أبی أیوب و ان أبا أیوب من ذرّیة الحبر الذی أسلمة تبع کتابه* و فی روایة أرسل رسول اللّه علیه الصلاة و السلام الی ملأ بنی النجار فقال یا بنی النجار ثامنونی بحائطکم قالوا و اللّه لا نطلب ثمنه الا من اللّه عز و جل* و فی خلاصة الوفاء قال الغلامان بل نهبه لک یا رسول اللّه فأبی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام أن یقبله هبة حتی ابتاعه منهما بعشرة دنانیر ذهبا و دفعها أبو بکر الصدّیق* و فی روایة أدّاها من مال أبی بکر و کان قد خرج من مکة بماله کله کذا فی المواهب اللدنیة* و عن النوار بنت مالک أمّ زید بن ثابت أنها رأت أسعد بن زرارة قبل أن یقدم رسول اللّه علیه الصلاة و السلام یصلی بالناس الصلوات الخمس و یجمع بهم فی مسجد ابناه فی مربد سهل و سهیل ابنی رافع بن عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالک بن النجار قالت فأنظر الی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام لما قدم صلّی بهم فی ذلک المسجد و بناه فهو مسجده الیوم و نقل ابن سید الناس عن ابن اسحاق ان الناقة برکت علی باب مسجده علیه الصلاة و السلام و هو یومئذ لیتیمین من بنی مالک بن النجار فی حجر معاذ بن عفراء سهل و سهیل ابنی عمرو* و قال أحمد بن یحیی البلاذری فنزل رسول اللّه علیه الصلاة و السلام عند أبی أیوب و وهبت له الانصار کل فضل کان فی خططها و قالوا یا نبیّ اللّه ان شئت فخذ منازلنا فقال لهم خیرا و کان أبو امامة أسعد بن زرارة یجمع بمن یلیه فی مسجد له فکان رسول اللّه علیه الصلاة و السلام یصلی بهم ثم انه سأل أسعد أن یبیع أرضا متصلة بذلک المسجد کانت فی یده لیتیمین فی حجره یقال لهما سهل و سهیل ابنا رافع*

(ذکر بناء المسجد)

* قال المجد ذکر البیهقی المسجد فقال کان جدارا مجدّر أ لیس علیه سقف و قبلته الی بیت المقدس و کان أسعد بن زرارة بناه و کان یصلی بأصحابه فیه و یجمع بهم فیه الجمعة قبل مقدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالنخل التی فی الحدیقة و بالغرقد أن یقطع و کان قبور جاهلیة فأمر بها فنبشت و أمر بالعظام أن تغیب و کان فی المربد ماء مستنجل فسیروه حتی ذهب و المستنجل ممشی ماء المطر* و فی الصحیحین أن النبیّ علیه الصلاة و السلام لما أخذه کان موضع نخل و قبور للمشرکین و خرب فأمر بالنخل فقطعت و بالقبور فنبشت و بالخرب فسویت وصفوا النخل قبلة المسجد أی جعلوها سواری فی جهة القبلة لیسقف علیها و جعلوا عضادتیه حجارة و أسند ابن زبالة عن حسن بن محمد الثقفی قال بینا رسول اللّه علیه الصلاة و السلام یبنی أساس مسجد المدینة و معه أبو بکر و عمر و عثمان و علیّ فمرّ بهم رجل فقال یا رسول اللّه ما معک الا هؤلاء الرهط فقال رسول اللّه علیه الصلاة و السلام هؤلاء ولاة الامر من بعدی و روی أبو یعلی برجال الصحیح عن عائشة قالت لما أسس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:344
رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مسجد المدینة جاء بحجر فوضعه و جاء أبو بکر بحجر فوضعه و جاء عمر بحجر فوضعه و جاء عثمان بحجر فوضعه قالت فسئل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن ذلک فقال أمر الخلافة من بعدی و تقدّم فی تأسیس مسجد قباء نحوه من غیر ذکر أمر الخلافة* و قال الاقشهری فی روضته ان جبریل أتی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قال یا محمد انّ اللّه یأمرک أن تبنی له بیتا و أن ترفع بنیانه بالرهص و الحجارة و الرهص الطین الذی یتخذ منه الجدار و فی القاموس الرهص بکسر الراء العرق الاسفل من الحائط و الطین الذی یبنی به بعض علی بعض فقال کم أرفعه یا جبریل قال سبعة أذرع و قیل خمسة أذرع و لما ابتدأ فی بنائه أمر بالحجارة فأخذ حجرا فوضعه بیده أوّلا ثم أمر أبا بکر فجاء بحجر فوضعه الی جنب حجر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم عمر کذلک ثم عثمان کذلک ثم علیا روی البیهقی فی دلائل النبوّة عن سفینة مولی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لما بنی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم المسجد وضع حجرا ثم قال لیضع أبو بکر حجره الی جنب حجری ثم لیضع عمر حجره الی جنب حجر أبی بکر ثم لیضع عثمان حجره الی جنب حجر عمر فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هؤلاء الخلفاء من بعدی و فی الشفاء رفعت له الکعبة حین بنی مسجده و عن مکحول قال لما کثر أصحاب رسول اللّه علیه الصلاة و السلام قالوا اجعل لنا مسجدا فقال و ثمامات عریش کعریش أخی موسی صلوات اللّه علیه و الامر أعجل من ذلک و فی الصحیح کان المسجد علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مبنیا باللبن و سقفه جرید و عمده خشب النخل فضرب اللبن و عجن الطین نقل المجد عن روایة محمد بن أسعد قال جاء رجل یحسن عمل الطین و کان من حضر موت فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رحم اللّه امرأ أحسن صنعته و قال له الزم أنت هذا الشغل فانی أراک تحسنه و فی کتاب یحیی من طریق ابن زبالة عن الزهری کان رجل من أهل الیمامة یقال له طلق من بنی حنیفة یقول قدمت علی النبیّ علیه الصلاة و السلام و هو یبنی مسجده و المسلمون یعملون فیه معه و کنت صاحب علاج و خلط طین فأخذت المسحاة أخلط الطین و النبیّ علیه الصلاة و السلام ینظر الیّ و یقول انّ هذا الحنفی لصاحب طین و روی أحمد عن طلق بن علی قال بنیت المسجد مع رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فکان یقول قربوا الیمامی من الطین فانه أحسنکم له مسکا و أشدّکم منکبا و عنه أیضا قال جئت الی النبیّ علیه الصلاة و السلام و أصحابه یبنون المسجد قال فکأنه لم یعجبه عملهم قال فأخذت المسحاة فخلطت بها الطین فکانه أعجبه أخذی المسحاة و عملی فقال دعوا الحنفی فانه من أصنعکم للطین* و أسند ابن زبالة فی خبر ابن شهاب فی أخذ المربد قال فبناه مسجدا و ضرب لبنه من بقیع الخبجبة بخاء معجمة و جیم و باءین تحت کل منهما نقطة واحدة موضع یسار بقیع الغرقد ناحیة بئر أبی أیوب بالمناصع و هی مبرز النساء فی المدینة لیلا قبل اتخاذ الکنف و الخبجبة شجرة تنبت هناک و بقیع الغرقد هو بقیع المقبرة قال الاصمعی قطعت غرقدات فی هذا الموضع حین دفن فیه عثمان بن مظعون فسمی بقیع الغرقد لهذا و الغرقد شجرة و فی الوفاء بقیع الخبجبة ما کان الخارج من المدینة الی البقیع اذا مشی فی البقیع فجهة مشهد أمیر المؤمنین عثمان و جعل مشهد ابراهیم ابن النبیّ علیه الصلاة و السلام علی یمینه یکون علی یساره طریق تمرّ بطرف الکومة تنتهی بعد رأس العطفة التی علی یمینه الی حدیقة تعرف قدیما بأولاد الصیفی بها بئر ینزل إلیها بدرج تعرف ببئر أیوب قدیما و حدیثا و قیل بقیع الخبجبة غیر ما ذکر و عن أمّ سلمة قالت بنی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام مسجده فقرب اللبن و ما یحتاجون إلیه فقام رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فوضع رداءه فلما رأی ذلک المهاجرون الاوّلون و الانصار ألقوا أردیتهم و أکسیتهم و جعلوا یرتجزون و یعملون و یقولون
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:345
لئن قعدنا و النبیّ یعمل* ذاک اذا للعمل المضلل* و ینقلون الصخرة و یحملون اللبنة و النبیّ علیه الصلاة و السلام معهم ینقل اللین و یقول* هذا الجمال لا جمال خیبر* هذا أبرّ ربنا و أطهر* و یقول اللهم ان الاجر أجر الآخرة* فارحم الانصار و المهاجرة* و فی روایة الصحیح فجعلوا ینقلون الصخرة و هم یرتجزون و النبیّ علیه الصلاة و السلام معهم یقول* اللهمّ لا خیر الاخیر الآخرة* فانصر الانصار و المهاجرة* و یذکر أن هذا البیت لعبد اللّه بن رواحة و عن الزهری بلغنی ان الصحابة کانوا یرتجزون به و کان النبیّ علیه الصلاة و السلام ینقل معهم و یقول* اللهم لا خیر الا خیر الآخرة* فارحم المهاجرین و الانصار* و کان لا یقیم الشعر قال اللّه تعالی و ما علمناه الشعر و ما ینبغی له و فعل ذلک احتسابا و ترغیبا فی الخیر لیعمل الناس کلهم و لا یرغب أحد بنفسه عن نفس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان عثمان بن عفان رجلا نظیفا متنظفا و کان یحمل اللبنة فیجا فی بها عن ثوبه فاذا وضعها نفض کمه و نظر الی ثوبه فان أصابه شی‌ء من التراب نفضه فنظر إلیه علی بن أبی طالب فأنشأ یقول
لا یستوی من یعمر المساجدایدأب فیها قائما و قاعدا
و من یری عن التراب حائدا
فسمعها عمار بن یاسر فجعل یرتجز بها و هو لا یدری من یعنی بها فمرّ بعثمان فقال یا ابن سمیة بمن تعرّض و معه جریدة فقال لتکفنّ أو لاعترضنّ بها وجهک فسمعه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو جالس فی ظل بیت أمّ سلمة* و فی کتاب یحیی فی ظل بیته فغضب صلّی اللّه علیه و سلم ثم قال ان عمار بن یاسر جلدة ما بین عینی و أنفی فاذا بلغ ذلک من المرء فقد بلغ و وضع یده بین عینیه فکف الناس عن ذلک ثم قالوا لعمار انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قد غضب فیک و نخاف أن ینزل فینا القرآن فقال أنا أرضیه کما غضب فقال یا رسول اللّه ما لی و لاصحابک قال مالک و لهم قال یریدون قتلی یحملون لبنة لبنة و یحملون علیّ اللبنتین و الثلاث فأخذ بیده فطاف فی المسجد و جعل یمسح وفرته بیده من التراب و یقول یا ابن سمیة لا یقتلک أصحابی و لکن تقتلک الفئة الباغیة و قد ذکر ابن اسحاق بنحوه کما فی تهذیب ابن هشام قال و سألت غیر واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز فقالوا بلغنا أنّ علیّ بن أبی طالب ارتجز به فلا ندری أ هو قائله أم غیره و انما قال ذلک علی مطایبة و مباسطة کما هو عادة الجماعة اذا اجتمعوا علی عمل و لیس ذلک طعنا و أخرج ابن أبی شیبة من مرسل أبی جعفر الخطمی قال کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یبنی فی المسجد و عبد اللّه بن رواحة یقول* أفلح من یعمر المساجدا* فیقولها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیقول ابن رواحة* یتلو القرآن قائما و قاعدا* فیقولها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الصحیح فی ذکر بناء المسجد کنا نحمل لبنة لبنة و عمار لبنتین لبنتین فرآه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فجعل ینفض التراب عنه و یقول ویح عمار تقتله الفئة الباغیة یدعوهم الی الجنة و یدعونه الی النار و یقول عمار أعوذ باللّه من الفتن فقتل عمار فی حرب معاویة بصفین تحت رایة علیّ کذا فی شرح المقاصد و سیجی‌ء فی الخاتمة فی خلافة علیّ* و فی خلاصة الوفاء روی یحیی فی خبر عن أسامة بن زید عن أبیه قال کان الذین أسسوا المسجد جعلوا طوله مما یلی القبلة الی مؤخره مائة ذراع و فی الجانبین الآخرین أی العرض مثل ذلک فکان مربعا و یقال انه کان أقل من مائة ذراع* و فی کتاب رزین ما لفظه عن جعفر بن محمد عن أبیه قال کان بناء مسجد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بالسمیط لبنة لبنة ثم بالسعیدة لبنة و نصف أخری ثم کثروا فقالوا یا رسول اللّه لو زید فیه ففعل فبنی بالذکر و الانثی و هما لبنتان مختلفتان و کانوا رفعوا أساسه قریبا من ثلاثة أذرع بالحجارة و جعلوا طوله مما یلی القبلة الی مؤخره مائة ذراع و کذا فی العرض و کان مربعا* و فی روایة جعفر و لم یسطح فشکوا الحرّ و جعلوا خشبه و سواریه جذوعا و ظللوا بالجرید ثم بالخصف فلما و کف علیهم طینوه بالطین و جعلوا وسطه رحبة و کان جداره قبل أن یظلل قامة و شیئا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:346
و ذکر ابن زبالة و یحیی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان یبنی مسجده بالسمیط لبنة لبنة ثم ان المسلمین کثروا فبناه بالسعیدة فقالوا یا رسول اللّه لو أمرت من یزید فیه قال نعم فأمر به فزید فیه و بنی جداره بالانثی و الذکر ثم اشتدّ علیهم الحرّ فقالوا یا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فظلل قال نعم فأمر به فأقیمت فیه سواری من جذوع النخل ثم طرحت علیها العوارض و الخصف و الاذخر فعاشوا فیه و أصابتهم الامطار فجعل المسجد یکف علیهم قالوا یا رسول اللّه لو أمرت بالمسجد فطین فقال لا عریش کعریش موسی و روی البیهقی عن الحسن فی بیان عریش موسی قال اذا رفع یده بلغ العریش یعنی السقف و أورد رزین قال ابنوا لی عریشا کعریش موسی ثمامات و خشبات و ظلة کظلة موسی و الامر أعجل من ذلک قیل و ما ظلة موسی قال اذا قام فیه أصاب رأسه السقف فلم یزل المسجد کذلک حتی قبض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان جداره قبل أن یظلل قامة فکان اذا فاء الفی‌ء ذراعا و هو قدمان یصلی الظهر فاذا کان ضعف ذلک صلّی العصر* و فی الاحیاء لما أراد صلّی اللّه علیه و سلم أن یبنی مسجد المدینة أتاه جبریل فقال ابنه سبعة أذرع طولا فی السماء و لا تزخرفه و لا تنقشه و قد نقل الاقشهری فی ارتفاعه سبعة أذرع و قیل خمسة و جعل قبلته الی بیت المقدس و جعل له ثلاثة أبواب باب فی مؤخره أی جهة القبلة الیوم و یدخل منه عامة أصحابه و باب یدعی باب عاتکة و یقال له باب الرحمة و باب یدخل منه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو باب آل عثمان الیوم أی المعروف الیوم بباب جبریل و هذان البابان لم یغیرا بعد صرف القبلة و لما صرفت سدّ الباب الذی کان خلفه و فتح هذا الباب حذاءه أی محاذاة المسدود خلف المسجد أی تجاهه فأقام عند أبی أیوب سبعة أشهر حتی أتمّ مسجده و مکنه ثم انتقل إلیه* و فی خلاصة الوفاء روی یحیی عن خارجة بن زید بن ثابت و هو أحد سبعة فقهاء المدینة و قد نظمهم البعض فی بیت واحد
ألا کل من لا یقتدی بأئمةفقسمته ضیزی عن الحق خارجه
فخذهم عبید اللّه عروة قاسم‌سعید أبو بکر سلیمان خارجه أنه قال بنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سبعین ذراعا فی ستین ذراعا و لبن لبنه من بقیع الخبجبة و جعل له جدارا و جعل سواریه شقة شقة و جعل وسطه رحبة و بنی بیتین لزوجتیه عائشة و سودة علی نعت بناء المسجد من لبن و جرید النخل و کان باب عائشة مواجه الثنأم و کان بمصراع واحد من عرعر أو ساج کذا ذکره ابن زبالة عن محمد بن هلال و لما تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نساءه بنی لهنّ حجرا و هی تسعة أبیات قال أهل السیر ضرب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الحجرات ما بین بیت عائشة و بین القبلة و الشرق الی الشأم و لم یضربها فی غربیه و کانت خارجة من المسجد مدیرة به الا من الغرب و کانت أبوابها شارعة فی المسجد* و عن محمد بن هلال قال أدرکت بیوت أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کانت من جرید مستورة بمسوح الشعر مستطیرة الی القبلة و الی الشرق و الشأم لیس فی غربی المسجد شی‌ء منها و فی دلائل النبوّة قال عطاء الخراسانی أدرکت حجر أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من جرید النخل علی أبوابها المسوح من شعر أسود* و فی شرف المصطفی لابن الجوزی أن منازل أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کانت کلها فی الشق الایسر الی وجه الامام فی وجه المنبر أی الی جهة الشأم و فی دلائل النبوّة قال محمد بن عمر کانت لحارثة بن النعمان منازل قرب المسجد حوله و کلما أحدث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أهلا تحول له حارثة عن منزله حتی صارت منازله کلها لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال ابن سعد أوصت سودة بیتها لعائشة و باع أولیاء صفیة بنت حیی بیتها من معاویة بمائة ألف و ثمانین ألف درهم و اشتری معاویة من عائشة منزلها بمائة ألف و ثمانین ألفا و قیل ثمانیة آلاف و شرطت سکناها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:347
حیاتها و حمل إلیها المال فما قامت من مجلسها حتی فرقته و قیل اشتراه ابن الزبیر من عائشة و بعث إلیها خمسة أجمال تحمل المال و شرط لها سکناها فی حیاتها ففرقت المال فقیل لها لو خبأت منه درهما فقالت لو ذکرتمونی فعلت و ترکت حفصة بیتها فورثه ابن عمر فلم یأخذ ثمنا فأدخل فی المسجد و أسند یحیی عن عیسی بن عبد اللّه عن أبیه أن بیت فاطمة رضی اللّه عنها فی الزور الذی فی المقبرة بینه و بین بیت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خوخة و ذکر یحیی قال کان بیت فاطمة فی موضع مخرج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کانت فیه کوّة الی بیت عائشة و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اذا قام الی المخرج اطلع من الکوّة الی فاطمة فعلم خبرهم و أن فاطمة قالت لعلیّ ان ابنیّ أمسیا علیلین فلو نظرت لنا اذ ما نستصبح به فخرج علیّ الی السوق فاشتری لهم أدما و جاء به الی فاطمة فاستصبحت به فدخلت عائشة المخرج فی جوف اللیل فأبصرت المصباح عندهم فذکر الراوی کلاما وقع بینهما فلما أصبحوا سألت فاطمة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یسدّ الکوّة فسدّها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أسند یحیی عقب ذلک قالت عائشة یا رسول اللّه تدخل الکنیف فلا نری شیئا من الاذی فقال الارض تبلع ما یخرج من الأنبیاء من الاذی فلا یری منه شی‌ء أفاد یحیی أن المراد من المخرج موضع الکنیف و أفهم ذلک أن المخرج المذکور کان خلف حجرة عائشة بینها و بین بیت فاطمة و ذلک یقتضی أن یکون محله فی الزوراء أعنی الموضع المزور شبیه المثلث فی بناء عمر بن عبد العزیز فی جهة الشأم و کان بابه فی المربعة التی فی القبر و عن سلیمان قال مسلم لا تنس حظک من الصلاة إلیها فانه باب فاطمة الذی کان علیّ یدخل إلیها منه قال ابن النجار و بیت فاطمة الیوم حوله مقصورة و فیه محراب و هو خلف حجرة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال السید السمهودی المقصورة الیوم دائرة علی بیت فاطمة و علی حجرة عائشة و المحراب الذی ذکره خلف حجرة عائشة من جهة الزوراء بینه و بین موضع یحترمه الناس و لا یدوسونه بأرجلهم یذکر أنه موضع قبر فاطمة رضی اللّه عنها علی أحد الاقوال* و أما الصفة بضم الصاد و تشدید الفاء فظلة فی مؤخر مسجد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یأوی إلیها المساکین علی أشهر الاقوال کذا قاله القاضی عیاض و قال الحافظ الذهبی ان القبلة قبل أن تحوّل کانت فی شمالی المسجد فلما حولت القبلة بقی حائط المسجد الاوّل مکان أهل الصفة و قال الحافظ ابن حجر الصفة مکان فی مؤخر المسجد النبوی مظلل أعدّ لنزول الغرباء فیه ممن لا مأوی له و لا أهل و کانوا یکثرون فیه و یقلون بحسب من یتزوّج منهم أو یموت أو یسافر و قد سرد أسماءهم أبو نعیم فی الحلیة فزادوا علی المائة* و روی البیهقی عن عثمان بن الیمان قال لما کثر المهاجرون بالمدینة و لم یکن لهم دار و لا مأوی أنزلهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المسجد و سماهم أصحاب الصفة و کان یجالسهم و یؤانسهم و کان المسجد علی هذه الهیئة فی عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لم یزد فیه أبو بکر شیئا و لما کان زمان خلافة عمر و کثر الناس و ضاق المسجد عنهم وسعه عمر و زاد فیه و لم یغیر فی جنس الآلة فبناه علی ما بنی فی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم باللبن و الجرید و أعاد عمده خشبا* و فی تاریخ الیافعی أن زیادته کانت فی سنة سبع عشرة و ذکر غیره أنه زاد فی هذه السنة فی المسجد الحرام و لم یتعرّض لتاریخ زیادة فی مسجد المدینة روی أن عمر جعل له ستة أبواب ثم غیر عثمان فیه و وسعه و زاد فیه زیادات کثیرة و کان أوّل عمله فی شهر ربیع الاوّل سنة تسع و عشرین و فرغ منه حین دخلت السنة لهلال محرم سنة ثلاثین فکان مدّة عمله عشرة أشهر قال أهل السیر جعل عثمان طول المسجد مائة و ستین ذراعا و عرضه مائة و خمسین ذراعا و بنی جداره بالحجارة المنقوشة و الجص و جعل عمده من حجارة منقوشة و جعل سقفه من خشب الساج و جعل أبوابه ستة کما کانت فی زمن عمر ثم زاد فیه الولید بن عبد الملک بن مروان فی أیام خلافته
و جعله
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:348
أوسع فجعل طوله مائتی ذراع و عرضه فی مقدّمه مائتین و فی مؤخره مائة و ثمانین ذراعا و أدخل فیه بیوت أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم المتصلة بالمسجد* قالوا هدم المسجد نائب الولید علی المدینة عمر بن عبد العزیز سنة احدی و تسعین و بناه بالحجارة المنقوشة و مکث فی بنائه ثلاث سنین و قد فرغ منه سنة ثلاث و تسعین و هی السنة التی عزل فیها عمر عن المدینة ثم زاد فیه المهدی العباسی مائة دراع من جهة الشأم فقط دون الجهات الثلاث الأخر و کان ابتداء زیادته سنة احدی و ستین و مائة* قال ابن زبالة و یحیی فرغ من بنیان المسجد سنة خمس و ستین و مائة ثم جدّده المأمون و زاد فیه و اتفق بنیانه أیضا فی سنة ثنتین و مائتین و الی یومنا هذا ابناء المأمون و للمسجد الیوم أربعة أبواب باب جبریل و باب النساء و أوّل من أحدثه فی المسجد عمر بن الخطاب حین زاد فیه و باب الرحمة و باب السلام و اذا عرفت حال المسجد و الزیادات و التغییرات الواقعة فیه فینبغی أن تعتنی علی محافظة الصلوات فیما کان فی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فان الحدیث الوارد فی فضیلة الصلاة فیه و هو صلاة فی مسجدی هذا أفضل أو خیر من ألف صلاة فیما سواه من المساجد الا المسجد الحرام انما یتناول ما کان فی زمن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لکن اذا صلیت بالجماعة فالتقدّم الی الصف الاوّل ثم ما یلیه أفضل کذا فی إیضاح المناسک للنووی و سیجی‌ء قصة قصد الافرنج قبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی الخاتمة فی خلافة المستنجد باللّه فی سنة سبع و خمسین و خمسمائة و نذکر فی خلافة المستنجد باللّه قصة قصد الروافض قبر صاحبیه لتناسب القصتین و ان لم یذکر المحب الطبری تاریخ الثانیة و نذکر قصة احتراق المسجد النبوی مرّتین فی الخاتمة فی خلافة المعتصم باللّه فی سنة أربع و خمسین و ستمائة*

موت کلثوم بن الهدم‌

و فی هذه السنة مات کلثوم بن الهدم بن امرئ القیس بعد قدوم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة بزمان قلیل قبل موت أسعد بن زرارة فهو أوّل من مات من الانصار بعد قدوم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و کان شریفا کبیر السنّ کان أسلم قبل قدومه صلّی اللّه علیه و سلم و هاجر و لما هاجر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة نزل علیه هو و جماعة منهم أبو عبیدة عامر بن الجراح و المنذرین الاسود و الخباب بن الارت*

اسلام عبد اللّه بن سلام‌

و فی هذه السنة فی أوّل قدومه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة أسلم عبد اللّه بن سلام و یکنی أبا یوسف و کان اسمه فی الجاهلیة الحصین فلما أسلم سماه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عبد اللّه و هو من ولد یوسف بن یعقوب علیهما السلام* و فی البخاری من حدیث عائشة التصریح بأنه جاء قبل دخوله صلّی اللّه علیه و سلم دار أبی أیوب لما سمع بقدومه صلّی اللّه علیه و سلم ثم رجع الی أهله ثم قال علیه السلام لابی أیوب اذهب فهیئ لنا مقیلا فقال قوما علی برکة اللّه أی هو و أبو بکر قالت فلما جاء نبیّ اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جاء عبد اللّه بن سلام فقال أشهد أنک رسول اللّه فأسلم و سیجی‌ء وفاته فی الخاتمة فی خلافة معاویة فی سنة ثلاث و أربعین* و فی الاکتفاء کان من حدیث عبد اللّه بن سلام و اسلامه و کان حبرا عالما انه قال لما سمعت برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عرفت صفته و اسمه و زمانه الذی کنا نتوکف له فکنت مسرّا لذلک صامتا علیه حتی قدم المدینة فلما نزل بقباء فی بنی عمرو بن عوف أقبل رجل حتی أخبر بقدومه و أنا فی رأس نخلة لی أعمل فیها و عمتی خالدة بنت الحارث تحتی جالسة فلما سمعت بقدوم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کبرت فقالت لی عمتی حین سمعت تکبیرتی خیبک اللّه لو کنت سمعت بموسی بن عمران قادما ما زدت فقلت لها أی عمة هو و اللّه أخو موسی بن عمران و علی دینه بعث بما بعث به فقالت أی ابن أخی هو النبیّ الذی کنا نخبر أنه یبعث مع نفس الساعة فقلت لها نعم قالت فذاک اذا ثم رحت الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأسلمت ثم رجعت الی أهلی فأمرتهم فأسلموا و کتمت اسلامی من یهود الی آخر ما یجی‌ء من الحدیث* قال أنس لما قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة أخبر عبد اللّه بن سلام بقدومه و هو بأرض یخترف فأتاه فقال انی سائلک عن أشیاء لا یعلمها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:349
الا نبیّ فان أخبرتنی بها آمنت بک و ان لم تعلمهنّ عرفت أنک لست بنبیّ قال و ما هنّ فسأله عن الشبه و عن أوّل شی‌ء یأکله أهل الجنة و عن أوّل شی‌ء یحشر الناس فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أخبرنی بهنّ جبریل آنفا قال عبد اللّه ذاک عدوّ الیهود و سیجی‌ء سبب عداوته فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أما الشبه فاذا سبق ماء الرجل ماء المرأة ذهب بالشبه و اذا سبق ماء المرأة ماء الرجل ذهبت بالشبه و أما أوّل شی‌ء یأکله أهل الجنة فزائدة کبد الحوت و أما أوّل شی‌ء یحشر الناس فنار تجی‌ء من قبل المشرق فتحشرهم الی المغرب فأمسک عبد اللّه و قال أشهد أنک لرسول اللّه و انک قد جئت بالحق و قد علمت یهود أنی سیدهم و ابن سیدهم و أعلمهم و ابن أعلمهم فادعهم فسلهم عنی قبل أن یعلموا أنی أسلمت فانهم ان یعلموا أنی قد أسلمت قالوا فیّ ما لیس فیّ فأرسل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم إلیهم فدخلوا علیه فقال لهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یا معشر الیهود ویلکم اتقوا اللّه فو الذی لا إله الا هو انکم لتعلمون أنی رسول اللّه حقا و انی قد جئتکم بحق فأسلموا قالوا ما نعلمه قال فأیّ رجل فیکم عبد اللّه بن سلام و فی الاکتفاء قال عبد اللّه بن سلام فأدخلنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی بعض بیوته و دخلوا علیه فکلموه و سألوه ثم قال لهم أی رجل حصین بن سلام فیکم قالوا ذاک سیدنا و ابن سیدنا و أعلمنا و ابن أعلمنا* و فی المشکاة خیرنا و ابن خیرنا و سیدنا و ابن سیدنا قال أ فرأیتم ان أسلم قالوا حاشا اللّه ما کان لیسلم و فی المشکاة أعاذه اللّه من ذلک قال أ فرأیتم ان أسلم قالوا حاشا اللّه ما کان لیسلم کرّر علیهم ثلاثا فیقولون له ذلک قال یا ابن سلام اخرج علیهم فخرج فقال یا معشر الیهود اتقوا اللّه فو الذی لا إله الا هو انکم لتعلمون انه لرسول اللّه و انه لجاء بحق فقالوا کذبت* و فی روایة قالوا هو شرّنا و ابن شرنا فأخرجهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال عبد اللّه هذا ما کنت أخاف یا رسول اللّه و فی الاکتفاء قال فأظهرت اسلامی و اسلام أهل بیتی و أسلمت عمتی خالدة فحسن اسلامها انتهی و نصبت أحبار الیهود العداوة للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بغیا و حسدا منهم حیی بن أخطب و أبو رافع الاعور و کعب بن الاشرف و عبد اللّه بن صوریا و الزبیر بن باطا و شمویل و لبید بن الاعصم و غیرهم و دخل منهم جماعة فی الاسلام نفاقا و انضاف إلیهم من الاوس و الخزرج منافقون* و فی الکشاف روی أن عبد اللّه بن صوریا من أحبار فدک حاج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و سأله عمن یهبط علیه بالوحی قال جبریل قال ذاک عدوّنا و لو کان غیره لآمنا بک و قد عادانا مرارا و أشدّها انه أنزل علی نبینا أن بیت المقدس سیخربه بخت نصر فبعثنا من یقتله و هو رجل من أقویاء بنی اسرائیل فلقیه ببابل غلاما مسکینا فدفعه عنه جبریل و قال ان کان ربکم أمره بهلاککم فانه لا یسلطکم علیه و ان لم یکن ایاه فعلی أی حق تقتلونه فصدّقه صاحبنا و رجع إلینا و کبر بخت نصر و قوی و غزانا و حرق بیت المقدس و فی روایة قال أمره اللّه أن یجعل النبوّة فینا فجعلها فی غیرنا و فی روایة قال بعث جبریل الی أولاد اسرائیل فأدی الی أولاد اسماعیل* و فی القاموس عبد اللّه بن صوریا کبوریا من أحبار الشأم أسلم ثم کفر* و فی الحدائق عن أبی هریرة قال أتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بیت المدراس فقال أخرجوا الیّ أعلمکم فقام عبد اللّه بن صوریا فخلا به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فناشده بدینه و بما أنعم اللّه علیهم و أطعمهم من المنّ و السلوی و ظللهم به من الغمام أتعلم انی رسول اللّه قال اللهم نعم و ان القوم یعرفون ما أعرف فان صفتک و نعتک لمبین فی التوراة و لکنهم حسدوک قال فما یمنعک أنت قال أکره خلاف قومی و عسی أن یتبعوک و یسلموا فأسلم*

موت أسعد بن زرارة

و فی هذه السنة و قیل فی السنة الثانیة مات أسعد بن زرارة بالذبحة و هو أحد النقباء الاثنی عشر فی لیلة العقبة و بیعتها مات قبل أن یفرغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من بناء مسجده و دفن بالبقیع و الانصار یقولون هو أوّل من دفن بالبقیع و المهاجرون
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:350
یقولون أوّل من دفن بالبقیع عثمان بن مظعون و کان عثمان رضیع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم توفی فی شعبان علی رأس ثلاثین شهرا من الهجرة و قبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خدّه و سماه السلف الصالح و عن عائشة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قبل عثمان بن مظعون و هو میت قالت فرأیت دموع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تسیل علی خدّ عثمان بن مظعون کذا فی الصفوة و یمکن الجمع بأن أوّل من دفن بالبقیع من الانصار أسعد بن زرارة و من المهاجرین عثمان بن مظعون*

ابتداء خدمة أنس‌

و فی هذه السنة کان ابتداء خدمة أنس لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الوفاء کانت الانصار یتقرّبون الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالهدایا رجالهم و نساؤهم و کانت أمّ سلیم تتأسف علی ذلک و ما کان لها شی‌ء فجاءت بابنها أنس و قالت یخدمک أنس یا رسول اللّه قال نعم و الذی فی الصحیح عن أنس قال قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة لیس له خادم و أخذ أبو طلحة بیدی فانطلق بی الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه ان أنسا غلام کیس فلیخدمک قال فخدمته عشر سنین الحدیث و قد یجمع بأنّ أمّ سلیم جاءت به أوّلا و انطلق به ابو طلحة ثانیا لانه ولیه و عصبته و هذا غیر مجیئه به لخدمته فی غزوة خیبر کما یفهمه لفظ الحدیث*

الزیادة فی صلاة الحضر

و فی هذه السنة بعد شهر من مقدمه صلّی اللّه علیه و سلم لاثنتی عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل و فی سیرة مغلطای من ربیع الآخر قال الدولابی یوم الثلاثاء و قال السهیلی بعد الهجرة بعام أو نحوه زید فی صلاة الحضر رکعتان رکعتان و ترکت صلاة الفجر لطول القراءة فیها و صلاة المغرب لانها وتر النهار و أقرت صلاة السفر و ترکت علی الفریضة الاولی* و فی سیرة مغلطای و کانت الصلاة قبل الاسراء صلاة قبل طلوع الشمس و صلاة قبل غروبها انتهی و قیل انما فرضت أربعا ثم خففت عن المسافر و یدل علیه حدیث ان اللّه وضع عن المسافر شطر الصلاة و قیل انما فرضت فی الحضر أربعا و فی السفر رکعتین و هو قول ابن عباس قال فرض اللّه الصلاة علی لسان نبیکم فی الحضر أربعا و فی السفر رکعتین رواه مسلم و غیره کذا فی المواهب اللدنیة و فی الوفاء الذی علیه الاکثرون ان الصلاة نزلت بتمامها من بدء الامر و اللّه أعلم*

وعک أبی بکر و الصحابة

و فی هذه السنة وعک ابو بکر و غیره من الصحابة* فی المواهب اللدنیة أورد وعک أبی بکر قبل بناء المسجد روی ان هواء المدینة کان عفنا و خما یکون فیها الوباء و کانت مشهورة بالوباء فی الجاهلیة فاذا دخلها غریب فی الجاهلیة یقال له ان أردت أن تسلم من الوعک و الوباء فانهق نهق الحمار فاذا فعل سلم فاستوخم المهاجرون هواء المدینة و لم یوافق أمزجتهم فمرض کثیر من الغرباء و ضعفوا حتی لم یقدروا علی الصلاة قیاما و کان المشرکون و المنافقون یقولون أضناهم حمی یثرب* و فی سنن النسائی و سیرة ابن هشام ان الصدّیق لما قدم المدینة أخذته الحمی و عامر بن فهیرة و بلالا قالت عائشة فدخلت علیهم و هم فی بیت واحد قبل أن یضرب علینا الحجاب فقلت یا أبت کیف أصبحت فقال* کل امرئ مصبح فی أهله* و الموت أدنی من شراک نعله* ففلت إنا للّه ان أبی لیهذی فقلت لعامر کیف تجدک فقال* لقد وجدت الموت قبل ذوقه* و المرء یأتی موته من فوقه* و فی روایة ان الجبان موته من فوقه* کل امرئ مجاهد بطوقه* کالثور یحمی أنفه بروقه* الطوق الطاقة و الروق القرن قالت فقلت هذا و اللّه لا یدری ما یقول ثم قلت لبلال کیف أصبحت و کان بلال اذا أقلع عنه یرفع عقیرته و یقول
ألا لیت شعری هل أبیتن لیلةبواد و حولی اذخر و جلیل
و هل أردن یوما میاه مجنةو هل یبدون لی شامة و طفیل ثم یقول اللهم العن عتبة بن ربیعة و شیبة بن ربیعة و أمیة بن خلف کما أخرجونا الی أرض الوباء المراد بالوادی وادی مکة و فی روایة بفخ بتشدید الخاء المعجمة واد بمکة و مجنة سوق بأسفل مکة و جلیل نبت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:351
ضعیف و شامة و طفیل بکسر الفاء جبلان مشرفان علی مجنة* و فی المواهب اللدنیة شامة و طفیل عینان بقرب مکة قالت عائشة فدخلت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبرته فقال اللهم حبب إلینا المدینة کحبنا مکة أو أشدّ حبا و صححها و بارک لنا فی صاعها و مدّها و انقل حماها الی مهیعة و هی الجحفة و فی هذا و قولها قبل أن یضرب علینا الحجاب اشعار بأن وعک أبی بکر و صاحبیه کان بعد بناء المسجد انتهی فأجاب اللّه لنبیه دعاءه فجعل هواءها صحیحا موافقا لامزجة الغرباء و نقل و باءها و حماها و عفونة هوائها الی جحفة و هی یومئذ کانت دار الیهود و لم یکن بها مسلم یقال کانت لا یدخلها أحد إلّا حمّ و فی الصفوة کان المولود یولد بالجحفة فما یبلغ الحلم حتی تصرعه الحمی کذا فی الصحیحین و لهذا عدلوا الطریق الی رابغ* و عن عبد اللّه بن عمر أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال رأیت امرأة و فی روایة کانّ امرأة ثائرة الرأس خرجت من المدینة حتی نزلت* و فی روایة حتی أقامت بمهیعة فأوّلتها ان و باء المدینة نقل الی مهیعة و هی الجحفة* و فی القاموس مهیعة کمرحلة و یقال مهیعة کمعیشة کلتاهما بالمثناة التحتیة اسم للجحفة* و فی تشویق الساجد الجحفة بضم الجیم و اسکان الحاء قریة خربة تسمی مهیعة علی نحو خمس مراحل من مکة و هی میقات أهل الشأم و مصر و المغرب و هی بقرب رابغ بالغین المعجمة و محاذیة له علی یسار الذاهب الی مکة* و فی معجم ما استعجم بین الجحفة و البحر نحو ستة أمیال و غدیر خم علی ثلاثة أمیال من الجحفة یسرة عن الطریق و هذا الغدیر تصب فیه عین ماء و حوله شجر کثیر ملتف و هی الغیضة التی تسمی خم و بغدیر خم قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لعلیّ من کنت مولاه فعلیّ مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و کان ذلک منصرفه من حجة الوداع‌

* اسلام سلمان الفارسی‌

و فی هذه السنة أسلم سلمان الفارسی و فی روایة فی جمادی الاولی منها روی أن سلمان کان رجلا فارسیا من أهل أصفهان من قریة یقال لها خبی و کان أبوه مجوسیا دهقان قریته و کان یحبه و کان یحبسه فی بیته کما تحبس الجاریة فی بیتها فوّض إلیه أمرا یقاد النار و تعهدها و کانت لابیه ضیعة عظیمة فشغل یوما فی بنیان له عن أمر الضیعة و أرسل سلمان إلیها فأمره فیها ببعض ما یرید فخرج سلمان یرید الضیعة فمرّ بکنیسة من کنائس النصاری فسمع أصواتهم فیها و هم یصلون فدخل علیهم ینظر ما یصنعون فلما رآهم أعجبته صلاتهم و رغب فی أمرهم فقال هذا و اللّه خیر من الذی نحن علیه فمکث عندهم حتی غربت الشمس و ترک ضیعة أبیه فسألهم أین أصل هذا الدین قالوا بالشأم ثم رجع الی أبیه فسأله أبوه أین کنت یا بنی قال مررت بقوم یصلون فی کنیسة لهم أعجبنی ما رأیته من دینهم قال أی بنی لیس ذاک الدین خیرا من دینک و دین آبائک قال کلا و اللّه انه لخیر من دیننا فخافه فجعل فی رجله قیدا ثم حبسه فی بیته فبعث سلمان دسیسا الی النصاری فقال لهم اذا قدم علیکم من الشام رکب تجار من النصاری فأخبرونی بهم فقدم علیهم رکب من الشام تجار من النصاری فأخبروه بقدوم التجار و ارادتهم الرجوع الی الشأم فألقی سلمان الحدید من رجله ثم خرج معهم حتی قدم الشأم و سأل من أفضل أهل هذا الدین فقالوا الأسقف فی الکنیسة فجاء فأقام عنده فخدمه حتی مات و کان رجل سوء فلما مات هو نصبوا مکانه رجلا آخر فأقام سلمان عنده فلما حضرته الوفاة أوصی به الی رجل بالموصل فلحق سلمان بصاحب الموصل فأقام عنده و خدمه و لما حضرته الوفاة أوصی به الی رجل من نصیبین فلحق سلمان بصاحب نصیبین و أقام عنده و خدمه و لما حضرته الوفاة أوصی به الی رجل بعموریة فلحق سلمان بصاحب عموریة و أقام عنده و اکتسب بها فحصل له بقرات و غنیمات فلما حضرته الوفاة استوصاه سلمان فقال له یا بنی و اللّه ما أعلم أحدا من الناس فیه خیر و معرفة بهذا الدین آمرک أن تأتیه و لکن أظلک زمان نبیّ هو مبعوث بدین ابراهیم علیه السلام یخرج بأرض العرب یهاجر الی أرض بین حرّتین بینهما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:352
نخل به علامات ظاهرة یأکل الهدیة و لا یأکل الصدقة بین کتفیه خاتم النبوّة فان استطعت أن تلحق بتلک البلاد فافعل ثم مات و مکث سلمان بعموریة ما شاء اللّه ثم مرّ به نفر من بنی بکر أو بنی کلب فقال لهم أ تحملوننی الی أرض العرب أعطیکم بقراتی هذه و غنیماتی قالوا نعم فأعطاهم ایاها فحملوه حتی اذا قدموا به وادی القری باعوه من یهودی فأقام سلمان عنده و رأی بها النخل فرجا أن یکون البلد الذی وصف له صاحبه بعموریة فبینما هو عنده اذ قدم علیه ابن عم له من المدینة من بنی قریظة فاشتراه منه فاحتمله الی المدینة فقال سلمان فو اللّه لما رأیتها عرفتها بوصف صاحبی بعموریة فأقام بها سلمان فبعث اللّه رسوله بمکة فأقام بها ما أقام لم یسمع له سلمان ذکرا مع ما به من شغل سیده و خدمته ثم هاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة فبینما کان سلمان فی رأس نخل لسیده یعمل فیه بعض العمل و سیده جالس تحت النخل اذ أقبل ابن عم له حتی وقف علیه فقال یا فلان قاتل اللّه بنی قیلة یعنی الانصار و اللّه انهم الآن مجتمعون بقباء علی رجل قدم علیهم من مکة الیوم یزعمون انه نبیّ قال سلمان فلما سمعتها أخذتنی العرواء أی الرعدة حتی ظننت انی ساقط علی سیدی فنزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ما ذا تقول فغضب سیدی فلکمنی لکمة شدیدة ثم قال مالک و لهذا أقبل علی عملک قلت لا شی‌ء انما أردت أن استبثه عما قال و قد کان عند سلمان شی‌ء من الرطب قد جمعه فلما أمسی اخذه ثم ذهب به الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو بقباء ثم دخل علیه فقال له انه قد بلغنی أنک رجل صالح و معک أصحاب لک غرباء ذو حاجة و هذا شی‌ء کان عندی للصدقة فرأیتکم احق به من غیرکم فقرّبه منه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لاصحابه کلوا و أمسک یده فلم یأکل فقال سلمان فی نفسه هذه واحدة ثم انصرف عنه و جمع شیئا و تحوّل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من قباء الی المدینة فجاءه سلمان به فقال انی رأیتک لا تأکل صدقة و هذه هدیة اکرمتک بها فأکل و أمر اصحابه فأکلوا منها فقال سلمان فی نفسه هاتان اثنتان ثم جاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو ببقیع الغرقد و قد تبع جنازة رجل من أصحابه علیه شملتان له و هو جالس فی أصحابه فسلم علیه ثم استدار خلفه ینظر الی ظهره هل یری الخاتم الذی وصفه له صاحبه بعموریة فلما رآه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم استدبر عرف انه یستثبت فی شی‌ء وصف له فألقی رداءه عن ظهره فنظر الی الخاتم فانکب علیه یقبله و یبکی فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تحوّل فتحوّل فقص علیه قصته فأعجب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یسمع ذلک أصحابه فأسلم سلمان* و فی شواهد النبوّة لما جاء سلمان الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لیسلم لم یفهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کلامه فطلب ترجمانا فأتی بتاجر من الیهود کان یعلم الفارسیة و العربیة فمدح سلمان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و ذمّ الیهود فغضب الیهودی و حرّف الترجمة فقال ان سلمان یشتمک فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هذا الفارسی جاء لیؤذینا فنزل جبریل و ترجم کلام سلمان فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ذلک للیهودی فقال یا محمد اذا کنت تعرف الفارسیة فما حاجتک الیّ قال ما کنت أعلمها قبل فالآن علمنی جبریل أو کما قال فقال الیهودی یا محمد قد کنت قبل هذا أتهمک فالآن تحقق عندی أنک رسول اللّه فقال أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد انک رسول اللّه ثم قال النبیّ لجبریل علم سلمان العربیة قال قل له لیغمض عینیه و لیفتح فاه ففعل سلمان فتفل جبریل فی فیه فشرع سلمان یتکلم بالعربی الفصیح* قال ثم شغل سلمان الرق حتی فاته بدر و أحد حتی عتق فی السنة الخامسة من الهجرة کما سیجی‌ء فی الموطن الخامس*

ذکر المواخاة بین المهاجرین و الانصار

و فی هذه السنة بعد قدوم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم المدینة بخمسة أشهر و هو یبنی المسجد و قیل بعده و قیل قبله* و فی أسد الغابة بعد ثمانیة أشهر آخی بین المهاجرین و الانصار فقعدوا عقد المواخاة و المعاونة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:353
و المواساة و قیل کتبوا فیه کتابا و کان ذلک فی دار أنس* و فی روایة کان فی المسجد علی ان یتوارثوا بعد الممات دون ذوی الارحام و کانوا تسعین رجلا خمسة و أربعون من المهاجرین و خمسة و أربعون من الانصار و التأم شمل الحیین الاوس و الخزرج ببرکة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعد ما کان بینهما أمور عظام و مخالفات کثیرة و ما وجدنا فی الکتب من أسامیهم هذه أبو بکر بن أبی قحافة مع خارجة ابن زید الانصاری اخی الحارث بن الخزرج و عمر بن الخطاب مع عتبان بن مالک الانصاری الخزرجی و عثمان بن عفان مع أوس بن ثابت الانصاری و ابو عبیدة بن الجراح اسمه عامر بن عبد اللّه مع سعد بن معاذ سید الاوس الانصاری الاشهلی و الزبیر بن العوام مع سلمة بن سلام الانصاری الاشهلی و طلحة ابن عبید اللّه مع کعب بن مالک الانصاری اخی بنی سلمة و عبد الرحمن بن عوف مع سعد بن الربیع الانصاری اخی الحارث بن الخزرج و سلمان الفارسی مع ابی الدرداء عویمر بن ثعلبة الانصاری اخی بلحارث بن الخزرج* و قال ابن هشام عویمر بن عامر و یقال عویمر بن زید و سعید بن زید بن عمرو بن نفیل مع أبی بن کعب الانصاری أخی بنی النجار و مصعب بن عمیر بن هاشم مع أبی أیوب خالد بن زید الانصاری النجاری و أبو حذیفة بن عتبة بن ربیعة مع عباد بن بشر الانصاری الاشهلی و عمار بن یاسر مع حذیفة بن النجار الانصاری اخی بنی عبس و یقال بل عمار بن یاسر مع ثابت بن قیس بن شماس الانصاری أخی بلحارث بن الخزرج و أبو ذر و قد اختلف فی اسمه و نسبه اختلافا کثیرا فقیل جندب ابن جنادة و یقال برید بن جندب و یقال بریر و یقال بر بن جنادة کذا قاله ابن اسحاق و قیل برید بن جندب أیضا عن ابن اسحاق و یقال جندب بن عبد اللّه و یقال جندب بن سکن و یقال غیر ذلک و المشهور المحفوظ جندب بن جنادة الغفاری کذا فی الاستیعاب و أسد الغابة و قال ابن هشام سمعت غیر واحد من العلماء یقول أبو ذرّ جندب بن جنادة انتهی مع المنذر بن عمرو الانصاری أخی بنی ساعدة بن کعب بن الخزرج قاله ابن اسحاق و حاطب بن أبی بلتعة اللخمی حلیف بنی أسد بن عبد العزی مع عویمر بن ساعدة أخی بنی عمرو بن عوف و جعفر بن أبی طالب مع معاذ بن جبل اخی بنی سلمة قاله ابن اسحاق و قال ابن هشام و کان جعفر بن أبی طالب یومئذ غائبا بأرض الحبشة و بلال المؤذن مولی أبی بکر مع أبی رویحة عبد اللّه بن عبد الرحمن الخثعمی هذا هو المشهور بین المؤرّخین* و نقل الشیخ ابن حجر فی شرح صحیح البخاری عن ابن عبد البر أنه کانت المؤاخاة مرّتین الاولی قبل الهجرة بمکة بین المهاجرین خاصة روی الحاکم ابن عبد اللّه النیسابوریّ حدیثا یدل علی ما قاله ابن حجر و هو حدیث أبی عمرو قال آخی النبیّ علیه الصلاة و السلام بین أبی بکر و عمر و بین طلحة و الزبیر و بین عثمان و عبد الرحمن بن عوف و فی روایة بین حمزة بن عبد المطلب و زید بن حارثة فقال علی یا رسول اللّه آخیت بین أصحابک فمن أخی قال أنا أخوک و فی روایة أنت أخی فی الدنیا و الآخرة و هؤلاء کلهم من المهاجرین و الثانیة ما تقدّم من المؤاخاة بین المهاجرین و الانصار و کانت هذه المؤاخاة قبل وقعة بدر و لما وقعت وقعة بدر أنزل اللّه تعالی و أولو الارحام بعضهم أولی ببعض فنسخت هذه الآیة ما کان قبلها و انقطعت المؤاخاة فی المیراث و رجع کل انسان الی نسبه و ورثه ذوو رحمه*

ذکر موادعة الیهود

و فی هذه السنة بعد ما قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة بخمسة أشهر وادع الیهود و عاهدهم و أقرّهم علی دینهم و أموالهم و اشترط علیهم أن لا یعینوا علیه أحدا و ان دهمه بها عدوّ نصروه‌

موت العاص بن وائل من مشرکی مکة

و فی هذه السنة مات من مشرکی مکة بمکة العاص بن وائل السهمی و الولید بن المغیرة روی عن الشعبی لما احتضر الولید بن المغیرة جزع فقال له أبو جهل یا عم ما یجزعک قال و اللّه ما بی من جزع من الموت و لکنی أخاف أن یظهر دین ابن أبی کبشة بمکة قال أبو سفیان لا تخف أنا ضامن أن لا یظهر و فی هذه السنة ولد زیاد بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:354
أبیة و قتل کسری النعمان بن المنذر و توفی أبو لهب و ولد المسور بن مخرمة کذا فی سیرة مغلطای‌

بعت زید بن حارثة الی مکة

و فی هذه السنة بعث رسول اللّه زید بن حارثة و أبا رافع و أعطاهما خمسمائة درهم و بعیرین فقد ما علیه بفاطمة و أمّ کلثوم بنتیه و سودة زوجته و أمّ أیمن زوج زید بن حارثة و اسامة بن زید و خرج عبد اللّه بن ابی بکر معهم بعیال ابی بکر و هم عائشة و امّها أمّ رومان و اختها اسماء زوج الزبیر و هی حامل بعبد اللّه ابن الزبیر فولدته بقباء قبل نزولهم المدینة فکان اوّل مولود ولد من المهاجرین بالمدینة کما سیجی‌ء و قال رزین ان ابا بکر ارسل عبد اللّه بن اریقط مع زید بن حارثة لیأتیه بعائشة و أمّ رومان أمّها و عبد الرحمن و قال بعضهم و وجدوا طلحة بن عبید اللّه علی خروج فخرج معهم فقدموا کلهم فلما قدموا المدینة انزلهم فی بیت حارثة بن النعمان*

ولادة النعمان بن بشیر و عبد اللّه بن الزبیر

و فی هذه السنة ولد النعمان بن بشیر و هو اوّل مولود ولد فی الاسلام من الانصار و فی هذه السنة ولد عبد اللّه بن الزبیر* و فی الوفاء جاءت امّه اسماء بنت ابی بکر بعد الهجرة فنفست به بقباء فی شوّال فی السنة الاولی من الهجرة* و قال الذهبی تبعا للواقدی انه ولد فی شوّال سنة اثنتین کذا اورد فی المواهب اللدنیة و تاریخ الیافعی* و فی اسد الغابة ولد عبد اللّه بن الزبیر بالمدینة علی رأس عشرین شهرا من الهجرة و قیل فی السنة الاولی و سیجی‌ء قتله فی الخاتمة* و قال الحافظ ابن حجر المعتمد انه ولد فی السنة الاولی للحدیث المتفق علیه* و فی بعض الکتب ولد بعد الهجرة بعشرین شهرا و هو أوّل مولود ولد للمهاجرین بالمدینة بعد الهجرة أذن أبو بکر فی أذنه و کبر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و المسلمون و کانوا قد تحدّثوا فیما بینهم بأنّ الیهود قد سحرتهم و قیل انّ الیهود قالت انا سحرناهم فلا یولد لهم مولود فکذبهم اللّه ففرح المسلمون بولادته و کان تکبیرهم حین الولادة للفرح* و فی الریاض النضرة ان أسماء لما هاجرت الی المدینة کانت حبلی به فنزلت بقباء فولدته هناک ثم خرجت حتی أتت به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو جالس فوضعته فی حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل فی فیه ثم حنکه بها و دعا له بالبرکة و کان أوّل ما دخل فی جوفه ریق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کذا فی المشکاة* و عن عائشة أنّ أمّه أسماء لما ولدته أتت به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیحنکه فأخذه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم منها فوضعه فی حجره قالت عائشة فمکثنا ساعة نلتمسها یعنی تمرة قبل أن نجدها فمضغها ثم بصقها فی فیه فأوّل شی‌ء دخل بطنه ریق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت أسماء ثم مسحه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و سماه عبد اللّه ثم جاء و هو ابن سبع سنین أو ثمان لیبایع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أمره بذلک الزبیر فتبسم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین رآه مقبلا ثم بایعه أخرجه البخاری کذا فی الریاض النضرة* و فی حیاة الحیوان روی السهیلی انه لما ولد عبد اللّه بن الزبیر نظر إلیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال هو هو فلما سمعت بذلک أسماء أمسکت عن ارضاعه فقال لها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أرضعیه و لو بماء عینیک کبش بین الذئاب ذئاب علیها ثیاب لیمنعن البیت أو لیقتلن دونه* و ذکر الدّارقطنی و غیره أعطی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ابن الزبیر و هو غلام دم محاجمه لیدفنه فشربه فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من خالط دمه دمی لم تمسه النار ویل لک من الناس و ویل للناس منک* أورده فی النجم الوهاج و القاضی عیاض فی الشفاء* و فی المواهب اللدنیة عن ابن الزبیر قال احتجم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال اذهب فغیبه فذهبت به فشربته فأتیته فقال ما صنعت قلت غیبته قال لعلک شربته قلت نعم قال ویل لک من الناس و ویل للناس منک و فیه دلالة علی طهارة بوله و دمه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الریاض النضرة لا تمسک النار إلا قسم الیمین و کان أطلس عدیم اللحیة و لا شعر فی وجهه و کان صوّاما قوّاما طویل الصلاة وصولا للرحم عظیم المجاهدة و الشجاعة و من مجاهدته المنقولة انه کان یحیی الدهر أجمع لیلة قائما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:355
حتی الصباح و لیلة راکعا حتی الصباح و لیلة ساجدا حتی الصباح و کان یواصل الصوم سبعا و یصوم یوم الجمعة فلا یفطر الا لیلة الجمعة الاخری و یصوم بالمدینة و لا یفطر الا بمکة و یصوم بمکة و لا یفطر الا بالمدینة و بینهما مائتا میل کذا فی معجم ما استعجم و کان أوّل ما یفطر علیه لبن لقحة بسمن بقر و صبر کذا فی الصفوة*

شجاعة عبد اللّه بن الزبیر

و من شجاعته المنقولة ما ذکره الذهبی فی دول الاسلام انّ عثمان فی خلافته لما عزل نائب مصر عمرو بن العاص و استعمل علیها عبد اللّه بن أبی سرح سار عبد اللّه بالجیوش الی المغرب فالتقی هو و الکفار و هم نحو مائتی ألف و ملکهم جرجیر و کان المصاف بسیطلة بقرب مدینة القیروان فقتل جرجیر و نزل النصر و کانت وقعة هائلة عظیمة بحیث طلع سهم الفارس ثلاثة آلاف دینار من الغنیمة و کیفیتها ما قال مصعب بن الزبیر حدّثنی أبی و الزبیر بن حبیب قالا قال عبد اللّه بن الزبیر هجم علینا جرجیر فی مائة و عشرین ألفا و اختلف الجند علی ابن أبی سرح و خافوا کثرة العدد و أحاط بنا العدوّ و کنا عشرین ألفا فرأیت أنا غرة من جرجیر بصرت به خلف جیوشه علی برذون أشهب معه جاریتان تظللان علیه بریش الطواویس بینه و بین عسکره فلاة من الارض فأتیت أمیرنا ابن أبی سرح فندب لی فرسانا فاخترت منهم ثلاثین و قلت لهم اثبتوا هنا و حملت علی جرجیر و قلت احموا لی ظهری و خرجت الی جرجیر و هو یظن انی رسول إلیه فلما دنوت منه عرف الشر فوثب علی برذونه و ساق مولیا فأدرکته فطعنته فسقط ثم ضربته بالسیف و نصبت رأسه علی رمحی و کبرت و قد کبر المسلمون فحملوا ورکینا أکتاف العدوّ و تمزقوا و ذلک بشجاعة عبد اللّه بن الزبیر رضی اللّه عنه و سیجی‌ء خلافته فی الخاتمة فی سنة أربع و ستین و قتله فی سنة ثلاث و سبعین*

قصة فاطمة بنت النعمان‌

و فی هذه السنة ما روی انه کانت امرأة من بنی النجار یقال لها فاطمة بنت النعمان کان لها تابع من الجنّ و کان یأتیها فأتاها بعد ما هاجر النبیّ علیه الصلاة و السلام الی المدینة فانقض علی الحائط فقالت له ما لک لا تأتی کما کنت تأتی قال جاء النبیّ الذی یحرم الزنا و الحرام*

تکلم الذئب‌

و فی هذه السنة تکلم ذئب خارج المدینة ینذر برسول اللّه علیه الصلاة و السلام* عن أبی هریرة أنه قال جاء ذئب الی غنم فأخذ منها شاة فطلبه الراعی حتی انتزعها منه فصعد الذئب علی تل فاقعی و استنفر و قال عمدت الی رزق رزقنیه اللّه انتزعته منی فقال الرجل باللّه ان رأیت کالیوم ذئب یتکلم قال الذئب أعجب من هذا رجل فی النخلات بین الحرّتین یخبرکم بما مضی و ما هو کائن عندکم و کان الراعی یهودیا فجاء الی النبیّ علیه الصلاة و السلام فأخبره خبره و صدّقه النبیّ علیه الصلاة و السلام و قال انها أمارة من أمارات بین یدی الساعة أوشک الرجل أن یخرج فلا یرجع حتی یحدثه نعلاه و سوطه بما أحدث أهله بعده* و فی حیاة الحیوان قال ابن عبد البر کلم الذئب من الصحابة ثلاثة رافع بن عمیر و سلمة بن الاکوع و أهبان بن أوس*

ابتداء الغزوات‌

و فی هذه السنة ابتداء الغزوات* اعلم انه جرت عادة المحدّثین و أهل السیر و اصطلاحاتهم غالبا بأن یسموا کل عسکر حضره النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بنفسه الکریمة غزوة و ما لم یحضره بل أرسل بعضا من أصحابه الی العدوّ سریة و بعثا* و أفاد فی فتح الباری أن السریة بفتح المهملة و کسر الراء و تشدید التحتانیة هی التی تخرج باللیل و الساریة التی تخرج بالنهار و قیل سمیت بذلک یعنی السریة لانها تخفی ذهابها و هذا یقتضی انها أخذت من السر و لا یصح لاختلاف المادّة و هی قطعة من الجیش تخرج منه و تعود إلیه کذا فی المواهب اللدنیة* و فی القاموس السریة من خمسة أنفس الی ثلاثمائة أو أربعمائة* و فی المواهب اللدنیة من مائة الی خمسمائة فما زاد علی خمسمائة یقال له منسر بالنون ثم المهملة و فی السامی فی الاسامی المنسر و المقنب من الثلاثین الی الاربعین* و فی المواهب اللدنیة فان زاد علی ثمانمائة یسمی جیشا فان زاد علی أربعة آلاف یسمی جحفلا و الخمیس الجیش العظیم الکثیر و کذا المجر و المدهم و العرمرم کذا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:356
فی سامی الاسامی و فی المواهب اللدنیة و ما افترق من السریة یسمی بعثا و الکثیبة و الفیلق ما اجتمع و لم ینتشر* و فی سر الادب فی ترتیب العساکر عن أبی بکر الخوارزمی عن ابن خالویه أقل العساکر الجریدة و هی قطعة جردت من سائرها لوجه ما ثم السریة أکثر منها و هی من خمسین الی أربعمائة ثم الکثیبة و هی من مائة الی ألف ثم الجیش و هو من ألف الی أربعة آلاف و کذلک العریق و الجحفل ثم الخمیس و هو من أربعة آلاف الی اثنی عشر ألفا و العسکر یجمعها* و جملة غزواته التی غزاها علیه السلام بنفسه مختلف فیها ففی سیرة الیعمری و ابن هشام و الاکتفاء و المواهب اللدنیة سبع و عشرون کما قاله ابن اسحاق غزوة و دان و هی غزوة الابواء ثم غزوة بواط من ناحیة رضوی ثم غزوة العشیرة من بطن ینبع ثم غزوة بدر الصغری الاولی بطلب کرز بن جابر ثم غزوة بدر الکبری القتال ثم غزوة بنی سلیم حتی بلغ الکدر ثم غزوة السویق لطلب أبی سفیان بن حرب ثم غزوة غطفان و هی غزوة ذی أمر ثم غزوة بحران معدان بالحجاز ثم غزوة أحد ثم غزوة حمراء الاسد ثم غزوة بنی النضیر ثم غزوة ذات الرقاع من نخل ثم غزوة بدر الأخری ثم غزوة دومة الجندل ثم غزوة الخندق ثم غزوة بنی قریظة ثم غزوة بنی لحیان من هذیل ثم غزوة ذی قرد ثم غزوة بنی المصطلق من خزاعة و هی غزوة المریسیع ثم غزوة الحدیبیة لا یرید قتالا فصدّه المشرکون ثم غزوة خیبر ثم غزوة عمرة القضاء ثم غزوة الفتح ثم غزوة حنین ثم غزوة الطائف ثم غزوة تبوک قاتل صلّی اللّه علیه و سلم فی تسع غزوات منها بدر و أحد و الخندق و بنی قریظة و بنی المصطلق و خیبر و الفتح و حنین و الطائف و هذا الترتیب عن ابن اسحاق و خالفه ابن عقبة فی بعضه کذا فی الاکتفاء و سیرة ابن هشام و سیجی‌ء بالتفصیل ان شاء اللّه تعالی* و قیل جمیع غزواته أربع و عشرون و قیل احدی و عشرون و قیل تسع عشرة غزوة* و فی خلاصة السیر للمحب الطبری و جملة المشهور منها اثنتان و عشرون غزوة* و قال ابن اسحاق و أبو معشر و موسی بن عقبة و غیرهم المشهور انه غزا خمسا و عشرین غزوة بنفسه* و فی عمدة المعانی و أسد الغابة و کانت جملة غزواته ستا و عشرین غزوة و قاتل فی تسع منها أوفی اثنتی عشرة و هی بدر و أحد و المریسیع و الخندق و بنو قریظة و خیبر و فتح مکة و حنین و الطائف هذا علی قول من قال فتحت مکة عنوة* و فی سیرة الیعمری قاتل منها فی سبع و عدّ ما عدا خیبر و فتح مکة* و فی الصفوة قاتل أیضا بوادی القری و بنی النضیر* و فی خلاصة الوفاء البعوث و السرایا خمسون أو نحوها و کذلک فی سیرة الیعمری* و فی المواهب اللدنیة و کانت سرایاه التی بعث بها سبعا و أربعین سریة و فی موضع آخر منه فجمیع سرایاه و بعوثه نحو ستین و مغازیه سبع و عشرون* و فی الاکتفاء و سیرة ابن هشام و کانت بعوثه و سرایاه ثمانیة و ثلاثین ما بین بعث و سریة* و فی أسد الغابة لابن الاثیر خمسة و ثلاثین و اختلف أیضا فی أوّل الغزوات فمحمد بن اسحاق و جماعة علی ان أوّلها غزوة الابواء ثم بواط ثم العشیرة* و روی البخاری أیضا فی صحیحه عن ابن اسحاق بهذا الترتیب و رجحه الحافظ ابن حجر فی فتح الباری شرح صحیح البخاری و قیل أوّل ما غزا العشیرة*

بعث حمزة بن عبد المطلب الی سیف البحر

و فی رمضان هذه السنة علی رأس سبعة أشهر من الهجرة و قیل فی ربیع الاوّل سنة ثنتین بعث حمزة بن عبد المطلب الی سیف البحر و کان أوّل بعوثه علیه السلام قال ابن اسحاق بعث رسول اللّه حمزة بن عبد المطلب الی سیف البحر من ناحیة العیص فی ثلاثین راکبا من المهاجرین قیل و من الانصار و فیه نظر لانه لم یبعث من الانصار حتی غزا بهم بدرا لیتعرّض عیر قریش فلقی أبا جهل بالساحل فی ثلاثمائة راکب من أهل مکة فلما تصافوا حجز بینهما مجدی بن عمرو الجهنی و کان موادعا للفریقین حلیفا لهما ثم انصرفوا من غیر قتال و کان حامل لواء حمزة أبو مرثد الغنوی* و فی المواهب اللدنیة و کان علیه السلام قد عقد له لواء أبیض و اللواء هو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:357
العلم الذی یحمل فی الحرب یعرف به موضع صاحب الجیش و قد یحمله أمیر الجیش و قد یدفعه الی مقدم العسکر و قد صرّح جماعة من أهل اللغة بترادف اللواء و الرایة لکن روی أحمد و الترمذی عن ابن عباس کانت رایة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سوداء و لواؤه أبیض و مثله عن الطبرانی عن بریدة و عن ابن عدی عن أبی هریرة و زاد مکتوب فیه لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه و هو ظاهر فی التغایر و لعل التفرقة بینهما عرفیة* و ذکر ابن اسحاق و کذا أبو الاسود عن عروة أنّ أوّل ما حدثت الرایات یوم خیبر و ما کانوا یعرفون قبل ذلک الا الاولویة انتهی و هکذا قدم بعضهم سریة حمزة هذه علی سریة عبیدة و قال لواء حمزة أوّل لواء عقد فی الاسلام* و قال المداینی أوّل سریة بعثها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سریة حمزة بن عبد المطلب فی ربیع الاوّل من سنة اثنتین الی سیف البحر من أرض جهینة خرجه أبو عمرو و صاحب الصفوة و لفظه أوّل لواء عقد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لحمزة حین قدم المدینة* و قال ابن اسحاق ان ذلک لعبیدة بن الحارث و إلیه أشار ابن هشام فی سیرته و انما اشتبه ذلک علی الناس لان بعثه و بعث عبیدة کانا معا و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم شیعهما جمیعا فأشکل أمرهما فکل من قال ذلک فی واحد منهما فهو صادق کذا فی ذخائر العقبی و هذا یشکل بقوله ان بعث عبیدة کان علی رأس ثمانیة أشهر لکن یحتمل أن یکون صلّی اللّه علیه و سلم عقد رایتهما معا ثم تأخر خروج عبیدة الی رأس الثمانیة لامر اقتضاه و اللّه أعلم* و قال أبو عمرو ان أوّل رایة عقدت لعبد اللّه بن جحش* و فی شوّال هذه السنة علی رأس ثمانیة أشهر کانت سریة عبیدة بن الحارث ابن المطلب بن عبد مناف بن قصی الی بطن رابغ بالغین المعجمة و یعرف بودّان*

سریة عبیدة بن الحارث الی بطن رابغ‌

روی انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عقد لواء أبیض لابن عم عبد المطلب عبیدة بن الحارث بن المطلب و أمره علی ستین رجلا من المهاجرین لیس فیهم من الانصار واحد و قد مرّ الخلاف فی انه أوّل رایة رایة حمزة و کان حامل اللواء مسطح بن اثاثة و رمی فیها سعد بن أبی وقاص بسهم فکان أوّل سهم رمی به فی الاسلام و کان ذلک قبل غزوة الابواء علی القول الراجح و أوردها ابن هشام فی سیرته و الکلاعی فی الکتفاء بعد غزوة الابواء فی السنة الثانیة فی ربیع الاوّل حیث قال ثم رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أی من غزوة الابواء الی المدینة فأقام بها بقیة صفر و صدرا من شهر ربیع الاوّل و بعث فی مقامه ذلک عبیدة ابن الحارث و قیل بعثه من الابواء و ذکر أبو الاسود فی مغازیه عن عروة انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما وصل الی الابواء بعث عبیدة بن الحارث فی ستین رجلا و ذکر القصة فیکون ذلک فی السنة الثانیة و به صرّح بعض أهل السیر* و فی سیرة ابن هشام بعثه حین أقبل من غزوة الابواء قبل أن یصل الی المدینة فسار حتی بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنیة المرّة فلقی جمعا عظیما من قریش و کان أمیرا علی المشرکین أبو سفیان بن حرب و قیل عکرمة بن أبی جهل و قیل مکرز بن حفص فترموا بالنبل و کان أوّل من رمی فی وجوه المشرکین بسهم سعد بن أبی وقاص کما مرّ و لم یقع بینهم ضرب السیوف فظنّ المشرکون ان للمسلمین مددا فخافوا و انهزموا و لم یتبعهم المسلمون فانحاز من المشرکین الی المسلمین رجلان المقداد بن عمرو و عتبة بن غزوان المازنی و کانا مسلمین لکنهما خرجا لیتوصلا بالکفار الی المسلمین*

بناؤه علیه السلام بعائشة

و فی هذه السنة بنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعائشة بنت أبی بکر الصدّیق رضی اللّه عنهما و سنذکر تمام نسبها فی الخاتمة فی خلافة أبی بکر ان شاء اللّه تعالی و أمّها أمّ رومان بنت عامر بن عویمر و کنیتها أمّ عبد اللّه کناها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم باسم ابن أختها عبد اللّه بن الزبیر و کان البناء بها علی رأس تسعة أشهر و قیل ثمانیة عشر شهرا فی شوّال کذا فی المواهب اللدنیة و تاریخ الیافعی و کذا فی الوفاء من غیر لفظ شوّال* و فی أسد الغابة و بنی بها فی المدینة سنة اثنتین* و فی المشکاة عن عائشة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:358
أنها قالت تزوّجنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی شوّال و بنی بی فی شوّال فأی نساء رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان أحظی عنده منی* و عن عائشة ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تزوّجها و هی بنت سبع سنین و زفت إلیه و هی بنت تسع سنین و لعبها معها و مات عنها و هی بنت ثمانی عشرة سنة و قیل البناء بها فی الثامن و العشرین من ذی الحجة و قیل زفافها وقع فی السنة الثانیة و الاوّل أصح و کان البناء بها یوم الاربعاء ضحی فی منزل أبی بکر بالسنخ* و خرج الشیخان عن عائشة أنها قالت تزوّجنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أنا ابنة ست سنین فقدمنا المدینة فنزلنا فی بنی الحارث بن الخزرج فوعکت فتمزق شعری فأتتنی أمی أم رومان و انی لفی أرجوحة مع صواحب لی فصرخت بی فأتیتها ما أدری ما ترید منی فأخذت بیدی حتی أوقفتنی علی باب الدار و أنا أنهج حتی سکن بعض نفسی ثم أخذت شیئا من ماء فمسحت به وجهی و رأسی ثم أدخلتنی الدار فاذا نسوة من الانصار فی البیت فقلن علی الخیر و البرکة فأسلمتنی إلیهنّ فأصلحن من شأنی فلم یرعنی الا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ضحی فأسلمتنی إلیه و أنا یومئذ بنت تسع سنین کذا فی المواهب اللدنیة* و فی المواهب اللدنیة أیضا بنی بعائشة فی البیت الذی یلیه شارعا الی المسجد و جعل سودة بنت زمعة فی البیت الآخر الذی یلیه الی الباب الذی یلی آل عثمان ثم تحوّل علیه السلام من دار أبی أیوب الی مساکنه التی بناها* روی انه علیه السلام ما أ و لم علی عائشة بشی‌ء غیر أن قدحا من لبن أهدی إلیه من بیت سعد بن عبادة فشرب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بعضه و شربت عائشة منه* و روی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أری عائشة فی المنام مرتین أو ثلاثا فی سرقة من حریر یجی‌ء بها الملک فیقول هذه امرأتک و للترمذی جاء جبریل بصورتها فی سرقة حریر خضراء فقال هذه زوجتک فی الدنیا و الآخرة* و فی البخاری عن عائشة أنها قالت قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أریتک فی المنام مرّتین اذا رجل یحملک فی سرقة حریر فیقول هذه امرأتک فاکشفها فاذا هی أنت فأقول ان یکن هذا من عند اللّه یمضه* و روی انه صلّی اللّه علیه و سلم قال یا عائشة هذا جبریل یقرئک السلام فقالت و علیه السلام و رحمة اللّه و برکاته و کانت من خیر مفتی الصحابة و فقهائهم و فصحائهم و بلغائهم حتی نقل عن بعض السلف ان ربع الاحکام الشرعیة علم منها* و فی الاخبار خذوا ثلثی دینکم من هذه الحمیراء* و روی عن عروة بن الزبیر أنه قال ما رأیت أحدا أعلم بمعانی القرآن و بالفریضة و أحکام الحلال و الحرام و شعر العرب و علم النسب من عائشة و هذان البیتان من أشعارها قالتهما فی مدح النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم
فلو سمعوا فی مصر أوصاف خدّه‌لما بذلوا فی سوم یوسف من نقد
لوامی زلیخا لو رأین جبینه‌لآثرن بالقطع القلوب علی الایدی و من کلماتها ینبغی للاخ أن یکون خیرا لاخیه منه لنفسه أ لا تری ان موسی سأل لهارون علیهما السلام النبوّة و روی ان رجلا سألها متی أعلم انی محسن قالت اذا علمت انک مسی‌ء فقال متی أعلم انی مسی‌ء قالت اذا علمت انک محسن و قالت أدیموا قرع باب الملک یفتح لکم قیل کیف ندیمه قالت بالجوع و الظمأ و من کلماتها النکاح رق فلینظر أحدکم أین یضع عتیقه و روی أنها کانت تقرأ القرآن فلما بلغت هذه الآیة لقد أنزلنا إلیکم کتابا فیه ذکرکم أ فلا تعقلون قالت و اللّه أطلب ذکری و صفتی فی القرآن فلم تزل تختم القرآن و تتفکر فی معانی الآیات حتی قالت انّ اللّه قد اطلعنی علی ذکری و صفتی فی القرآن قیل و ما هو قالت هو و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا و آخر سیئا عسی اللّه أن یتوب علیهم و لم یتزوّج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بکرا غیرها فمکثت عنده تسع سنین و لم یولد منها ولد و ما قیل انها أسقطت من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سقطا فسماه عبد اللّه و کناها بأم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:359
عبد اللّه فغیر ثابت و توفی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عنها و لها ثمانی عشرة سنة و عاشت بعده سبعا و أربعین سنة قال الواقدی و توفیت عائشة بالمدینة لیلة الثلاثاء لسبع عشرة لیلة خلت من رمضان سنة ثمان و خمسین و قال غیره سبع و خمسین من الهجرة فی أیام معاویة و سیجی‌ء و مدّة عمرها ثلاث و ستون سنة و هو الصحیح و قیل ست و ستون کذا فی الصفوة و المنتقی و حضر جنازتها أکثر أهل المدینة و صلّی علیها أبو هریرة و کان خلیفة مروان بالمدینة* و فی شواهد النبوّة عن عائشة أنها قالت یا رسول اللّه ائذن لی أن أدفن بعد وفاتک بجنبک فقال کیف تدفنین هناک و ما فیه الا موضع قبری و قبر أبی بکر و قبر عمر و قبر عیسی ابن مریم و دفنت بالبقیع مع صاحباتها بمقتضی وصیتها و دخل فی قبرها قاسم بن محمد بن أبی بکر و عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبی بکر مرویاتها فی الکتب المتداولة ألفان و مائتان و عشرة أحادیث المتفق علیها منها مائة و أربعة و ستون حدیثا و فرد البخاری أربعة و خمسون حدیثا و فرد مسلم ثمانیة و ستون حدیثا و الباقیة فی سائر الکتب*

بعث سعد بن أبی وقاص الی الخرار

و فی ذی القعدة من هذه السنة علی رأس سبعة أشهر بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سعد بن أبی وقاص فی عشرین رجلا الی الخرار بخاء معجمة و راءین مهملتین واد بالحجاز یصب فی الجحفة* و قال أبو عمرو و کانت بعد بدر* و قال ابن حزم نحوه کذا فی سیرة مغلطای یعترض عیرا لقریش و عقد له لواء أبیض حمله المقداد بن عمرو فخرجوا علی أقدامهم یکمنون بالنهار و یسیرون باللیل حتی انتهوا إلیه صبح خامسه فلم یجدوا شیئا و قد سبقتهم العیر بیوم* و فی روایة قد مرّت بالامس فرجعوا الی المدینة*

ابتداء الاذان‌

و فی هذه السنة شرع الاذان قال ابن المنذر ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان یصلی بغیر أذان منذ فرضت الصلاة بمکة الی أن هاجر الی المدینة و کان الناس بها کما فی السیر و غیرها انما یجتمعون الی الصلاة لتحین مواقیتها من غیر دعوة* و أخرج ابن سعدان بلالا کان ینادی للصلاة بقوله الصلاة جامعة و شاور النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أصحابه فیما یجمعهم للصلاة و کان ذلک فیما قیل فی السنة الثانیة فأری عبد اللّه بن ثعلبة بن عبد ربه الخزرجی الاذان و الاقامة علی الوجه المتعارف قال عبد اللّه لما أجمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یضرب بالناقوس لجمع الناس للصلاة و هو له کاره لموافقته النصاری رأیت فی المنام رجلا علیه ثوبان أخضران و فی یده ناقوس یحمله قلت له یا عبد اللّه تبیع هذا الناقوس قال ما تصنع به قلت ندعو به للصلاة قال أ فلا أدلک علی خیر من ذلک فقلت بلی قال تقول اللّه أکبر اللّه أکبر الی آخره ثم استأخر غیر بعید فقال تقول اذا أقیمت الصلاة اللّه أکبر اللّه أکبر الی آخرها و زاد فیها بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرّتین فلما أصبحت أتیت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبرته بما رأیت فقال ان هذه لرؤیا حق ان شاء اللّه ثم أمر بالتأذین و کان بلال یؤذن بذلک و یدعو رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الصلاة فجاءه ذات غداة و دعا الی صلاة الفجر فقیل انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نائم فصرخ بلال بأعلی صوته الصلاة خیر من النوم فأدخلت هذه الکلمة فی التأذین لصلاة الفجر* و فی روایة لما صرفت القبلة الی الکعبة أمر بالاذان و ذلک ان الناس کانوا لا یدرون کیف یفعلون لتجتمع الناس للصلاة فذکر بعضهم البوق و بعضهم الناقوس و بعضهم النار فبیناهم علی ذلک رأی عبد اللّه بن زید الخزرجی فی المنام کیفیة الاذان و الاقامة علی الوجه الذی ذکر فلما أصبح أتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبره بما رأی فقال له قم مع بلال فألق علیه ما قیل لک فلیؤذن بذلک ففعل و جاء عمر بن الخطاب فقال قد رأیت مثل الذی رأی عبد اللّه فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فللّه الحمد فعلی هذه الروایة یکون الاذان قد وقع فی السنة الثانیة من الهجرة لانه قیل فیها لما صرفت القبلة و قد صح ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:360
و أصحابه صلوا الی بیت المقدس ستة عشر شهرا* و ذکر ابن شهاب عن عبید بن عمیر ان عمر بن الخطاب بینا هو یرید أن یشتری خشبتین للناقوس عند ما ائتمر به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه اذ رأی فی المنام أن لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا بالصلاة فذهب عمر الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لیخبره بالذی رأی فما راعه الا بلال یؤذن و قد جاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الوحی بذلک فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین أخبره سبقک بذلک الوحی کذا فی الاکتفاء* و فی المواهب اللدنیة فان قلت هل أذن علیه السلام بنفسه قط أجاب السهیلی بأنه روی الترمذی و رفعه الی أبی هریرة أنه صلی اللّه علیه و سلم أذن مرّة فی سفر و صلّی بهم علی رواحلهم الحدیث قال فنزع بعض الناس بهذا الحدیث الی أنه علیه السلام أذن بنفسه و کذا جزم النووی بأنه أذن مرّة فی سفر و اللّه أعلم‌

* (الموطن الثانی فی حوادث السنة الثانیة من الهجرة

اشارة

من صوم عاشوراء و تزوّج علیّ بفاطمة و غزوة ودّان و هی الابواء و غزوة بواط و غزوة العشیرة و تکنیة علیّ بابی تراب و سریة عبد اللّه بن جحش الی بطن نخلة و تحویل القبلة و تجدید بناء مسجد قباء و نزول فرض رمضان و غزوة بدر و غلبة الروم علی فارس و وفاة رقیة و قتل عمیر بن عدی العصماء و زکاة الفطر و صلاته و فرض زکاة الاموال و غزوة قرقرة الکدر و سریة سالم بن عمیر و غزوة بنی قینقاع و غزوة السویق و موت عثمان بن مظعون و صلاة العید و التضحیة و بناء علیّ بفاطمة و موت أمیة ابن أبی الصلت‌

صوم عاشوراء

و فی هذه السنة صام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عاشوراء و أمر بصیامه* روی عن ابن عباس أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قدم المدینة فوجد الیهود صائمین یوم عاشوراء فقال لهم ما هذا الیوم الذی تصومونه قالوا هذا یوم عظیم أنجی اللّه فیه موسی و أغرق فرعون و قومه فصامه موسی شکرا فنحن نصومه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فنحن أحق و أولی باحیاء سنة أخی موسی منکم فصامه و أمر بصیامه أخرجاه فی الصحیحین* و عن هشام بن عروة عن أبیه عن عائشة قالت کان عاشوراء یوما تصومه قریش فی الجاهلیة و کان یصومه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بمکة فلما قدم المدینة فرض صیام شهر رمضان فمن شاء صامه و من شاء ترکه کذا فی التنبیه لابی اللیث السمرقندی* و عن میمون بن مهران عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من صام یوم عاشوراء من المحرم أعطی ثواب عشرة آلاف ملک و عشرة آلاف حاج و معتمر و عشرة آلاف شهید و من مسح بیده رأس یتیم فی یوم عاشوراء رفع اللّه له بکل شعرة درجة فی الجنة و من فطر مؤمنا لیلة عاشوراء فکانما أفطر عنده جمیع أمّة محمد صلّی اللّه علیه و سلم و أشبع بطونهم قالوا یا رسول اللّه لقد فضل یوم عاشوراء علی سائر الایام قال نعم. خلق اللّه السموات یوم عاشوراء و خلق الجبال یوم عاشوراء و خلق النجوم یوم عاشوراء و خلق القلم یوم عاشوراء و خلق اللوح یوم عاشوراء و خلق آدم یوم عاشوراء و خلق حوّاء یوم عاشوراء و أدخل آدم الجنة یوم عاشوراء و ولد ابراهیم یوم عاشوراء و أنجاه اللّه من النار یوم عاشوراء و فدی ابنه الذبیح یوم عاشوراء و أغرق فرعون و فلق البحر لبنی اسرائیل یوم عاشوراء و کشف اللّه البلاء عن أیوب یوم عاشوراء و ولد عیسی یوم عاشوراء و غفر ذنب داود یوم عاشوراء و ردّ ملک سلیمان یوم عاشوراء و تاب اللّه علی آدم یوم عاشوراء و رفع اللّه عیسی یوم عاشوراء و یوم القیامة یوم عاشوراء* و عن ابراهیم بن محمد المنتشر بلغه أنّ من وسع علی عیاله یوم عاشوراء وسع اللّه علیه النعمة سائر السنة* قال سفیان بن عیینة جربناه ثلاثین سنة فوجدناه کذلک أورد هذه الثلاثة أبو اللیث السمرقندی فی التنبیه و عن أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان اللّه تعالی فرض علی بنی اسرائیل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:361
صوم یوم فی السنة و هو یوم عاشوراء و هو الیوم العاشر من المحرّم فصوموا فیه و وسعوا علی أهالیکم فیه فانه الیوم الذی تاب اللّه فیه علی آدم و کانت عاشوراء حینئذ یوم الجمعة و هو الیوم الذی رفع اللّه فیه ادریس و هو الیوم الذی أخرج فیه نوحا و من معه من السفینة فصامه شکرا للّه و هو الیوم الذی ردّ اللّه فیه علی یعقوب بصره و هو الیوم الذی أخرج اللّه فیه یوسف من السجن و هو الیوم الذی کشف اللّه فیه العذاب عن قوم یونس و أخرج اللّه فیه یونس من بطن الحوت و غفر اللّه فیه لمحمد ما تقدّم من ذنبه و ما تأخر و هاجر فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة و المشهور ان هجرته کانت فی ربیع الاوّل و فی روایة ابن مسعود و فیه ولد نوح و ابراهیم و فی روایة عبد اللّه بن سلام و اسماعیل و اسحاق و یحیی و یونس و عیسی و محمد علیهم السلام و المشهور ان ولادته کانت فی ربیع الاوّل انتهی و کذلک فاطمة و الحسن و الحسین و ابتداء ابراهیم و اسماعیل بناء الکعبة فیه و تاب اللّه فیه علی اخوة یوسف و علی داود و علی قوم یونس و أهلک نمرود و خسف بقوم لوط و قتل داود جالوت و فی حدیث غیره و هلک شدّاد ابن عاد و فرعون و هامان و قارون و العمالقة و عاد و ثمود و قوم ابراهیم و فی حدیث وهب بن منبه ولد موسی بن عمران یوم الاثنین یوم عاشوراء و خلق فیه العرش و الکرسی و اللوح و القلم و الجنة و غرس شجرة طوبی و البحار و البراق و فیه تقوم الساعة و فی حدیث ابن عباس فیه خلق جبریل و میکائیل و النجوم و فیه کانت شهادة الحسین بن علیّ و هی کرامة له و ذلک کله فی بحر العلوم* و فی حدیث انّ أوّل رحمة نزلت من السماء نزلت یوم عاشوراء لانّ جبریل نزل علیّ یوم عاشوراء و خلق اللّه السموات و الارض یوم عاشوراء و خلق البراق و الحور العین یوم عاشوراء و زوّج اللّه ابراهیم سارة یوم عاشوراء و أخرج اللّه سارة من ید ملک حران الطاغی و أعطاها هاجر یوم عاشوراء و اتخذ اللّه ابراهیم خلیلا یوم عاشوراء و تزوّج یوسف علیه السلام زلیخا یوم عاشوراء و تزوّج محمد صلّی اللّه علیه و سلم خدیجة یوم عاشوراء و کلم اللّه موسی یوم عاشوراء و وقع فی بطن أمّه لیلة عاشوراء*

تزوّج علی بفاطمة رضی اللّه عنها

اشارة

و فی هذه السنة تزوّج علیّ بفاطمة رضی اللّه عنها و فی الصفوة تزوّجها فی السنة الثانیة من الهجرة فی رمضان و بنی بها فی ذی الحجة و فی الوفاء کان ذلک قبل بدر فی رجب علی الاصح بعد مقدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة بخمسة أشهر و بنی بها مرجعه من بدر و قیل فی صفر* و فی ذخائر العقبی عن جعفر بن محمد قال تزوّج علیّ فاطمة فی لیال بقین منه و بنی بها فی ذی الحجة علی رأس اثنین و عشرین شهرا من التاریخ قال أبو عمرو بعد وقعة أحد و قال غیره بعد بناء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعائشة بأربعة أشهر و نصف و بنی بها بعد تزوّجها بسبعة أشهر و نصف و تزوّجها علیّ و هی ابنة خمس عشرة سنة و خمسة أشهر أو ستة أشهر و نصفا و قیل بنت ثمان عشرة سنة* و قال ابن الجوزی ولدت قبل النبوّة بخمس سنین أیام بناء البیت کذا فی سیرة مغلطای و سنّ علیّ یومئذ احدی و عشرون سنة و خمسة أشهر و لم یتزوّج علیها حتی ماتت کذا فی المواهب اللدنیة و الذی کان لها من الجهاز بردان و علیها دملجان من فضة و کانت معها خمیلة و وسادة أدم حشوها لیف و منخل و قدح و رحی و سقایة و جرّتان* و فی ذخائر العقبی أمرهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یجهزوها فجعل لها سریر مشرط و وسادة من أدم حشوها لیف* روی أن أبا بکر خطب فاطمة فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یا أبا بکر أنتظر بها القضاء ثم خطبها عمر فقال له مثل ما قال لابی بکر ثم أهلّ علیّ فقالوا یا علی اخطب فاطمة قال أخطب بعد أبی بکر و عمر و قد منعهما* و فی روایة قال کیف و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم یعطها أشراف قریش فذکروا له قرابته من النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فخطبها فزوّجها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی أربعمائة و ثمانین درهما فباع علیّ بعیرا له و بعض متاعه فبلغ أربعمائة و ثمانین درهما فأمره النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یجعل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:362
ثلثیها فی الطیب و ثلثها فی المتاع* و فی روایة جعل ثلثها فی الطیب و ثلثیها فی الثیاب* و روی انّ علیا خطب فاطمة فقال لها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان علیا یذکرک فسکتت فزوّجها ایاه* و عن عکرمة ان علیا خطب فاطمة فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ما تصدقها قال لیس عندی ما أصدقها قال فأین درعک الحطمیة قال لدیّ قال أصدقها ایاه فأصدقها ایاه فتزوّجها* و فی ذخائر العقبی عن علیّ قال و هل عندک من شی‌ء تستحلها به قلت لا و اللّه یا رسول اللّه فقال ما فعلت الدرع التی سلحتکها فقلت عندی و الذی نفس علیّ بیده انها لحطمیة ما ثمنها أربعمائة درهم قال قد زوّجتکها فابعث بها فان کانت لصداق فاطمة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خرجه أبو اسحاق و خرجه الدولابی أیضا* و فی ذخائر العقبی قال سمرة فی تفسیر الحطمیة هی العریضة الثقیلة* و قال بعضهم هی التی تکسر السیوف و یقال هی منسوبة الی بطن من عبد القیس یقال له حطمة بن محارب کانوا یعملون الدروع* و قال ابن عیینة هی شرّ الدروع و هذا أمس بالحدیث لان علیا ذکرها فی معرض الذم لها و تقلیل ثمنها قیل انه باع الدرع باثنتی عشرة أوقیة و الأوقیة أربعون درهما و کان ذلک مهر فاطمة من علیّ* و فی المواهب اللدنیة عن أنس قال جاء أبو بکر ثم عمر یخطبان فاطمة الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فسکت و لم یرجع إلیهما شیئا فانطلقا الی علیّ یأمر انه بطلب فاطمة قال علیّ فنبهانی لامر کنت عنه غافلا فقمت أجرّ ردائی حتی أتیت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقلت تزوّجنی فاطمة قال أو عندک شی‌ء قلت فرسی و بدنی قال امّا فرسک فلا بدّ لک منها و امّا بدنک فبعها فبعتها بأربعمائة و ثمانین درهما فجئته بها فوضعتها فی حجره فقبض منها قبضة فقال أی بلال ابتع لنا بها طیبا و أمرهم أن یجهزوها فجعل لها سریر مشرّط و وسادة من أدم حشوها لیف الی آخر ما سیجی‌ء فی زفافه* و فی بعض الروایات جعل صداقها درعه فباعها من عثمان بن عفان بأربعمائة و ثمانین درهما ثم انّ عثمان ردّ الدرع الی علیّ فجاء علیّ بالدرع و الدراهم الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدعا لعثمان بدعوات* روی بریدة قال أتی علیّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال ما حاجة ابن أبی طالب فقال ذکرت فاطمة فقال مرحبا و أهلا ثم لم یزد علیهما فخرج علیّ علی رهط من الانصار فقالوا ما وراءک یا علیّ قال ما أدری غیر انه قال لی مرحبا و أهلا قالوا یکفیک من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم احداهما أعطاک الاهل و أعطاک الرحب فلما زوّجه قال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یا علی انه لا بدّ للعرس من ولیمة فقال سعد عندی کبش و جمع له رهط من الانصار آصعا من ذرّة و کان ذلک ولیمة عرسه*

ذکر خطبة النبیّ فی نکاح فاطمة

و روی أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خطب حین النکاح هذه الخطبة* الحمد للّه المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه المرغوب إلیه فیما عنده النافذ أمره فی سمائه و أرضه الذی خلق الخلق بقدرته و میزهم بحکمته و أحکمهم بعزته و أعزهم بدینه و أکرمهم بنبیه محمد ثم انّ اللّه تعالی جعل المصاهرة نسبا لا حقا و أمرا مفترضا نسخ بها الآثام* و فی روایة أو شج بها الارحام و ألزمها الانام فقال عز و جل و هو الذی خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا و کان ربک قدیرا فأمر اللّه یجری الی قضائه و قضاؤه یجری الی قدره و قدره یجری الی أجله فلکل قضاء قدر و لکل قدر أجل و لکل أجل کتاب یمحو اللّه ما یشاء و یثبت و عنده أم الکتاب ثم انّ اللّه تعالی أمرنی أن أزوّج فاطمة من علی و قد زوّجته علی أربعمائة مثقال فضة أرضیت یا علی فقال علی رضیت عن اللّه و عن رسوله فقال جمع اللّه شملکما و أسعد جدّکما و بارک علیکما و أخرج منکما کثیرا طیبا* و فی روایة لما أراد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یزوّج علیّ بن أبی طالب فاطمة قال یا علی اخطب لنفسک فقال علیّ* الحمد للّه شکرا لانعمه و أیادیه و اشهد أن لا إله الا اللّه شهادة تبلغه و ترضیه و صلّی اللّه علی محمد صلاة تزلفه و ترضیه و النکاح
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:363
مما أمر اللّه به و رضیه و اجتماعنا مما قدّر اللّه و أذن فیه و قد زوّجنی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فاطمة ابنته علی ثنتی عشرة أوقیة فسلوه و اشهدوا فلما تمّ النکاح دعا بطبق من بسر فوضعه بین یدیه ثم قال انتهبوا و سیجی‌ء الزفاف فی آخر هذه السنة فی ذی الحجة علی القول الاصح ان شاء اللّه تعالی‌

* غزوة الابواء

و فی صفر هذه السنة وقعت غزوة الابواء و هو جبل بین مکة و المدینة و یقال له ودان کذا فی سیرة مغلطای أی علی رأس اثنی عشر شهرا من مقدمه المدینة کما ذکره ابن اسحاق و قیل لسنة و شهرین و عشرة أیام و قیل فی أواخر السنة الاولی* قال ابن اسحاق قدم رسول اللّه علیه الصلاة و السلام المدینة لاثنتی عشرة لیلة مضت من ربیع الاوّل فأقام بقیة شهر ربیع الاوّل و ربیع الآخر و جمادین و رجبا و شعبان و شهر رمضان و شوّالا و ذا القعدة و ذا الحجة و ولی تلک الحجة المشرکون و المحرّم ثم خرج غازیا فی صفر علی رأس اثنی عشر شهرا من مقدمه المدینة و هی أوّل مغازیه کما ذکره ابن اسحاق و هی من ودّان علی ستة أمیال أو ثمانیة مما یلی المدینة و لتقاربهما أطلق علیهما غزوة ودّان أیضا کذا فی الوفاء و ودّان قریة من أمّهات القری و قیل واد فی الطریق یقطعه المصعدون من حجاج المدینة روی أنه علیه الصلاة و السلام استخلف علی المدینة سعد بن عبادة فیما قاله ابن هشام و خرج فی ستین رجلا من أصحابه یرید قریشا و بنی ضمرة بن بکر بن عبد مناة بن کنانة فلما بلغ الابواء تلقاه سید بنی ضمرة مجشی بن عمرو الضمری فصالحه ثم رجع الی المدینة* و فی الوفاء فانصرف بعد ما وادع مجدی بن عمرو الضمری* و فی المواهب اللدنیة فکانت الموادعة أی المصالحة علی ان بنی ضمرة لا یغزونه و لا یکثرون علیه جمعا و لا یعینون علیه عدوّا و لم یلق کیدا أی حربا* قال ابن الاثیر الکید الاحتیال و الاجتهاد و به سمی الحرب کیدا*

غزوة بواط

و فی ربیع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة بواط جبل لجهینة من ناحیة رضوی بینه و بین المدینة أربعة برد فی ربیع الاوّل و قیل الآخر کذا فی سیرة مغلطای* و فی المواهب اللدنیة بواط بفتح الباء الموحدة و قد تضم و تخفیف الواو آخره طاء مهملة و هی الغزوة الثانیة غزاها النبیّ علیه الصلاة و السلام فی شهر ربیع الاوّل علی رأس ثلاثة عشر شهرا من الهجرة فسار حتی بلغ موضعا یقال له بواط من ناحیة رضوی بفتح الواو و سکون المعجمة مقصورا* و فی مزیل الخفاء بواط جبل من جبال جهینة* و فی خلاصة الوفاء رضوی کسکری جبل علی یوم من ینبع و أربعة أیام من المدینة ذو شعاب و أودیة و به میاه و أشجار و هذا هو المعروف فی المسافة بینهما و منه تقطع أحجار المسانّ قال عرام هو أوّل تهامة و ذکر أنّ رضوی مما وقع بالمدینة من الجبل الذی تجلی اللّه سبحانه و تعالی له و صار لهیبته ستة أجبل و ان رضوی من جبال الجنة* و فی روایة من الجبال التی بنی منها البیت و فی الحدیث رضوی رضی اللّه عنه و قدس قدّسه اللّه و أحد جبل یحبنا و نحبه و تزعم الکیسانیة ان محمد بن الحنفیة مقیم برضوی حیّ یرزق* روی ان النبیّ علیه الصلاة و السلام عقد لواء أبیض و دفعه الی سعد بن أبی وقاص و استعمل علی المدینة السائب بن عثمان بن مظعون قاله ابن هشام و یقال استخلف سعد بن معاذ و خرج فی مائتی رجل من أصحابه المهاجرین یعترض عیرا لقریش فیهم أمیة ابن خلف الجمحی و کانوا زها مائتی رجل من قریش و کان فیها ألفان و خمسمائة تعیر فسار النبیّ علیه الصلاة و السلام حتی بلغ بواط فلم یلق کیدا فرجع الی المدینة*

غزوة العشیرة

و فی جمادی الاولی من هذه السنة وقعت غزوة العشیرة بالشین المعجمة و التصغیر و آخره هاء لم یختلف أهل المغازی فی ذلک و فی القاموس العشیرة موضع بناحیة ینبع و کانت بعد بواط بأیام قلائل* و فی البخاری العشیرا و العسیرة بالتصغیر و الاولی بالمعجمة بلا هاء و الثانیة بالمهملة و بالهاء و أمّا غزوة العسرة بالمهملة بغیر تصغیر فهی غزوة تبوک و ستأتی و نسبت هذه الغزوة الی المکان الذی وصلوا إلیه و هو موضع لبنی مدلج بینبع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:364
و سببها انه سمع بخروج عیر لقریش من مکة الی الشأم للتجارة و فیها أبو سفیان فی جمع من قریش فخرج إلیها النبیّ علیه الصلاة و السلام فی جمادی الاولی و قیل فی الآخرة علی رأس ستة عشر شهرا من الهجرة فی خمسین و مائة رجل و قیل مائتین و معه ثلاثون بعیرا یعتقبونها و جمل اللواء حمزة و کان لواء أبیض* قال ابن هشام و استعمل علیه الصلاة و السلام علی المدینة أبا سلمة بن عبد الاسد فسلک علی نقب بنی دینار ثم فیفاء الخبار فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر یقال لها ذات الساق فصلی عندها فثم مسجده علیه السلام و صنع له عندها طعام فأکل منه و أکل الناس معه فموضع أثافی البرمة معلومة هناک و استقی له من ماء یقال له المشرب ثم ارتحل رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فترک الخلائق بیسار و سلک شعبة یقال لها شعبة عبد اللّه و ذلک اسمها الیوم حتی هبط یلیل فنزل بمجتمعه و مجتمع الضبوعة و استقی من بئر بالضبوعة ثم سلک فرش ملک حتی لقی الطریق بصحیرات الیمام ثم اعتدل به الطریق حتی نزل العشیرة ببطن ینبع فأقام بها جمادی الاولی و لیالی من جمادی الآخرة و وادع فیها بنی مدلج و حلفاءهم من بنی ضمرة ثم رجع الی المدینة و لم یلق کیدا*

تکنیة علیّ بأبی تراب‌

و فی تلک الغزوة کنی علی بن أبی طالب بابی تراب* قال ابن اسحاق فحدّثنی یزید بن محمد بن خیثم المحاربی عن محمد بن کعب القرظی عن محمد بن خیثم ابی یزید عن عمار بن یاسر قال کنت أنا و علی بن أبی طالب رفیقین فی غزوة العشیرة فلما نزل بها رسول اللّه علیه الصلاة و السلام و أقام بها رأینا أناسا من بنی مدلج یعملون فی عین لهم و نخل فقال لی علیّ یا أبا الیقظان هل لک فی أن نأتی هؤلاء فننظر کیف یعملون قال قلت ان شئت قال فجئناهم فنظرنا الی عملهم ساعة ثم غشینا النوم فانطلقت أنا و علی حتی اضطجعنا علی صور من النخل و فی دقعاء من التراب فنمنا فو اللّه ما أهبنا الا رسول اللّه علیه الصلاة و السلام یحرّکنا برجله و قد تتربنا من تلک الدقعاء التی نمنا فیها فیومئذ قال رسول اللّه علیه الصلاة و السلام لعلیّ بن أبی طالب مالک یا أبا تراب لما یری علیه من التراب ثم قال أ لا أحدّثکما بأشقی الناس رجلین قلنا بلی یا رسول اللّه قال أحیمر ثمود الذی عقر الناقة و الذی یضربک یا علی علی هذه و وضع یده علی قرنه حتی تبل منها هذه و أخذ بلحیته خرجه أحمد کذا فی الریاض النضرة* و فی المدارک قال أشقی الاوّلین عاقر ناقة صالح و أشقی الآخرین قاتلک (قوله) الصور هو بفتح الصاد و تسکین الواو النخل المجتمع الصغار و الدقعاء التراب و دقع بالکسر أی لصق بالتراب و أحیمر تصغیر أحمر لقب قدار بن سالف عاقر ناقة صالح علیه السلام کذا فی الریاض النضرة* قال ابن اسحاق و قد حدّثنی بعض أهل العلم ان رسول اللّه علیه الصلاة و السلام انما سمی علیا أبا تراب انه کان اذا عتب علی فاطمة فی شی‌ء لم یکلمها و لم یقل لها شیئا تکرهه الا انه یأخذ ترابا فیضعه علی رأسه قال فکان رسول اللّه علیه الصلاة و السلام اذا رأی علیه التراب عرف انه عاتب علی فاطمة فیقول مالک یا أبا تراب فاللّه أعلم أی ذلک کان* و فی الشفاء یدخل أولیاءه یعنی علیا الجنة و أعداءه النار و کان ممن عاداه الخوارج و الناصبیة و طائفة ممن ینسب إلیه من الروافض کفروه* و فی عقائد الفیروزآبادی أخبر علیا بموته فقال له ابن ملجم یقتلک فکان علیّ اذا لقی ابن ملجم یقول متی تخضب هذه من هذه و اذا دخل الحرب و لاقی الخصم یعلم ان ذلک الخصم لا یقتله* و فی روایة سهل بن سعد قال جاء رسول اللّه علیه الصلاة و السلام بیت فاطمة فلم یجد علیا فی البیت فقال لها أین ابن عمک قالت کان بینی و بینه شی‌ء فغاضبنی فخرج فلم یقل عندی فقال رسول اللّه علیه الصلاة و السلام لانسان أنظر أین هو فجاء فقال یا رسول اللّه هو فی المسجد راقد فجاء رسول اللّه علیه الصلاة و السلام و هو مضطجع و قد سقط رداؤه عن ظهره و أصابه تراب فجعل رسول اللّه علیه الصلاة و السلام یمسحه عنه و یقول قم یا أبا تراب أخرجه الشیخان کذا فی الریاض النضرة* قال ابن اسحاق و قد کان بعث رسول اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:365
علیه الصلاة و السلام فیما بین ذلک من غزوة سعد بن أبی وقاص فی ثمانیة رهط من المهاجرین فخرج حتی بلغ الخرار من أرض الحجاز ثم رجع و لم یلق کیدا* قال ابن هشام و ذکر بعض أهل العلم ان بعث سعد هذا کان بعد حمزة فی السنة الاولی کما مرّ*

غزوة بدر الاولی‌

و فی هذه السنة وقعت غزوة بدر الاولی قال ابن اسحاق و لما رجع رسول اللّه علیه الصلاة و السلام من غزوة العشیرة لم یقم بالمدینة الالیال قلائل لا تبلغ العشر حتی أغار کرز بن جابر الفهری علی سرح المدینة من شفر* و قال ابن حزم بعد العشیرة بعشرة أیام فخرج رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فی طلبه و استعمل علی المدینة زید بن حارثة قاله ابن هشام* و فی خلاصة الوفاء شفر کزفر جمع شفیر الوادی جبل بأصل جما أمّ خالد یهبط الی بطن العقیق و کان یرعی بها السرح و لما جاء الخبر الی النبیّ علیه الصلاة و السلام عقد لواء و دفعه الی علی و سار حتی بلغ وادیا یقال له سفوان بفتح المهملة و الفاء* و فی خلاصة الوفاء سفوان بفتحات من ناحیة بدر و لذا سمیت هذه الغزوة بدر الاولی و فانه کرز بن جابر فلم یدرکه فرجع الی المدینة و ذکر فی الوفاء اغارة کرز قبل العشیرة و قال ذکر ذلک ابن اسحاق بعد العشیرة بلیال و اللّه أعلم*

بعث عبد اللّه بن جحش الی بطن نخلة

و فی رجب أو فی جمادی الآخرة من هذه السنة بعث عبد اللّه بن جحش بن رباب الاسدی قبل قتال بدر بشهرین علی رأس سبعة عشر شهرا من مقدمه المدینة الی بطن نخلة علی لیلة من مکة* و فی هذه السریة لقب عبد اللّه بأمیر المؤمنین و فی معجم ما استعجم نخلة بلفظ واحدة النخل موضع علی یوم و لیلة من مکة و هی التی ینسب إلیها بطن النخلة و هی التی ورد فیها حدیث لیلة الجنّ قیل هما نخلتان نخلة شامیة و نخلة یمانیة فالشامة تنصب من الغمیر و الیمانیة من بطن قرن المنازل و هی طریق الیمن الی مکة فاذا اجتمعا و کانا واحدا فهو المسد ثم یضمهما بطن مرو و بعث معه ثمانیة رهط من المهاجرین لیس فیهم من الانصار أحد و قیل اثنی عشر رجلا سعد بن أبی وقاص الزهری و عکاشة بن محصن بن حرثان الأسدی و عتبة بن غزوان ابن جابر السلمی و أبو حذیفة بن عتبة بن ربیعة بن عبد شمس بن عبد مناف و سهیل بن بیضاء الحارثی و عامر بن ربیعة الوائلی العنزی و واقد بن عبد اللّه بن عبد مناف التمیمی و خالد بن بکیر اللیثی کل اثنین منهم یعتقبان بعیرا و کتب له کتابا و أمره أن لا ینظر فیه حتی یسیر یومین ثم ینظر فیه فیمضی لما أمره به و لا یستکره أحدا من أصحابه علی المسیر معه فلما سار عبد اللّه یومین فتح الکتاب و نظر فیه فاذا فیه اذا نظرت فی کتابی هذا امض حتی تنزل نخلة بین مکة و الطائف فترصد بها قریشا و تعلم لنا من أخبارهم* و فی روایة فاذا فیه بسم اللّه الرحمن الرحیم أما بعد فسر علی برکة اللّه بمن تبعک من أصحابک حتی تنزل بطن نخلة فترصد بها عیر قریش لعلک أن تأتینا منها بخبر فلما نظر فی الکتاب قال سمعا و طاعة ثم قال لاصحابه قد أمرنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن امضی الی نخلة أرصد بها قریشا حتی آتیه منهم بخبر و قد نهانی أن استکره أحدا منکم فمن کان منکم یرید الشهادة و یرغب فیها فلینطلق و من کره ذلک فلیرجع فأما أنا فماض لامر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فمضی و مضی معه أصحابه لم یتخلف عنه منهم أحد و سلک علی الحجاز حتی اذا کان بمکان فوق الفرع یقال له بحران أضل سعد بن أبی وقاص و عتبة ابن غزوان بعیرا لهما کانا یعتقبانه فتخلفا فی طلبه و حبسهما ابتغاؤه و مضی عبد اللّه و بقیة أصحابه* و فی الوفاء مضی العشرة حتی نزلوا نخلة فمرت بهم عیر قریش تحمل زبیبا و أدما و تجارة من تجارة قریش فیهم عمرو بن الحضرمی و اسم الحضرمی عبد اللّه و الحکم بن کیسان و عثمان بن عبد اللّه بن المغیرة و أخوه نوفل بن عبد اللّه المخزومیان فلما رآهم القوم هابوهم و قد نزلوا قریبا منهم فقال عبد اللّه ابن جحش ان القوم قد ذعروا منکم فاحلقوا رأس رجل منکم فلیتعرّض لهم فحلقوا رأس عکاشة ثم أشرف علیهم فلما رأوه أمنوا و قالوا قوم عمار لا بأس علیکم منهم و تشاور القوم فیهم و ذلک فی آخر یوم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:366
من رجب فقالوا لئن ترکتم القوم هذه اللیلة لیدخلنّ الحرم فلیمتنعنّ منکم به و لئن قتلتموهم لتقتلنهم فی الشهر الحرام* و فی سیرة مغلطای فتشاور المسلمون و قالوا نحن فی آخر یوم من رجب فان نحن قاتلنا انتهکنا حرمة الشهر و ان ترکناهم اللیلة دخلوا حرم مکة* و فی الکشاف و کان ذلک أوّل یوم من رجب و هم یظنونه من جمادی الآخرة فتردّد القوم و هابوا الاقدام ثم شجعوا أنفسهم علیهم و أجمعوا علی قتل من قدروا علیه منهم و أخذ ما معهم فرمی واقد بن عبد اللّه عمرو بن الحضرمی بسهم فقتله و استأسر عثمان بن عبد اللّه و الحکم بن کیسان و أفلت من القوم نوفل بن عبد اللّه فأعجزهم و أقبل عبد اللّه بن جحش و أصحابه بالعیر و الاسیرین حتی قدموا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة و قد عزل عبد اللّه ابن جحش لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خمس تلک الغنیمة و قسم سائرها بین أصحابه و ذلک قبل أن یفرض اللّه الخمس من الغنائم فلما أحل اللّه الفی‌ء بعد ذلک و أمر بقسمه و فرض الخمس فیه وقع علی ما کان عبد اللّه صنع فی تلک العیر فلما قدموا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال ما أمرتکم بقتال فی الشهر الحرام فوقف العیر و الاسیرین و أبی أن یأخذ من ذلک شیئا فلما قال ذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شقط فی أیدی القوم و ظنوا انهم قد هلکوا و عنفهم اخوانهم من المسلمین فیما صنعوا و قالت قریش قد استحل محمد و أصحابه الشهر الحرام و سفکوا فیه الدماء و أخذوا فیه الاموال و أسروا فیه الرجال* و فی روایة غیر ابن اسحاق قالت قریش قد استحل محمد الشهر الحرام شهرا یأمن فیه الخائف و ینتشر فیه الناس الی معایشهم و عیر بذلک أهل مکة من بها من المسلمین و قالوا یا معشر الصاة قد استحللتم الشهر الحرام و قاتلتم فیه و کتبوا فی ذلک تشنیعا و تعییرا قال ابن اسحاق فقال من یردّ علیهم من المسلمین ممن کان بمکة انما أصابوا ما أصابوا فی شعبان و قالت الیهود تفاءل بذلک علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عمرو بن الحضرمی قتله واقد بن عبد اللّه عمرو عمرت الحرب و الحضرمی حضرت الحرب و واقد بن عبد اللّه و قدت الحرب فجعل اللّه علیهم ذلک لا لهم فلما أکثر الناس فی ذلک أنزل اللّه تعالی علی رسوله یسألونک عن الشهر الحرام قتال فیه قل قتال فیه کبیر و صدّعن سبیل اللّه و کفر به و المسجد الحرام و اخراج أهله منه أکبر عند اللّه و الفتنة أکبر من القتل أی ان کنتم قتلتم فی الشهر الحرام فقد صدّوکم عن سبیل اللّه مع الکفر به و عن المسجد الحرام و اخراجکم منه و انتم أهله أکبر عند اللّه من قتل من قتلتم منه و الفتنة أکبر من القتل أی قد کانوا یفتنون المسلم فی دینه حتی یردّوه الی الکفر بعد ایمانه فذلک أکبر عند اللّه من القتل فلما نزل القرآن بهذا من الامر و فرج اللّه عن المسلمین ما کانوا فیه من الشقق قبض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم العیر و الاسیرین و بعثت إلیه قریش فی فداء عثمان بن عبد اللّه و الحکم بن کیسان فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لأنفدیکموهما حتی یقدم صاحبانا یعنی سعد بن أبی وقاص و عتبة بن غزوان فانا نخشاکم علیهما فان تقتلوهما نقتل صاحبیکم فقدم سعد و عتبة فأفداهما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم منهم فأما الحکم ابن کیسان فأسلم و حسن اسلامه و أقام عند النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حتی قتل یوم بئر معونة شهیدا* و أما عثمان بن عبد اللّه فلحق بمکة فمات کافرا فلما تجلی عن عبد اللّه بن جحش و أصحابه ما کانوا فیه حین نزل القرآن طمعوا فی الاجر فقالوا یا رسول اللّه أ نطمع أن تکون لنا غزوة نعطی فیها أجر المجاهدین فأنزل اللّه فیهم انّ الذین آمنوا و الذین هاجروا و جاهدوا فی سبیل اللّه أولئک یرجون رحمة اللّه و اللّه غفور رحیم فوضعهم اللّه من ذلک علی أعظم الرجاء قال ابن هشام و هی أوّل غنیمة غنمها المسلمون و عمرو بن الحضرمی أوّل من قتله المسلمون و عثمان بن عبد اللّه و الحکم بن کیسان أوّل من أسر المسلمون قال ابن اسحاق قال أبو بکر الصدّیق فی غزوة عبد اللّه بن جحش هذه الابیات و قال ابن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:367
هشام بل قالها عبد اللّه بن جحش
تعدّون قتلی فی الحرام عظیمةو أعظم منه لو یری الرشد راشد
صدودکم عنا بقول محمدو کفر به و اللّه راء و شاهد
و اخراجکم من مسجد اللّه أهله‌لئلا یری للّه فی البیت ساجد
فانا و ان عیرتمونا بقتله‌و أرجف بالاسلام باغ و حاسد
سقینا من ابن الحضرمی رماحنابنخلة لما أوقد الحرب واقد
دما و ابن عبد اللّه عثمان بینناینازعه غلّ من القدّ عاند

تحویل القبلة

و فی نصف شعبان هذه السنة یوم الثلاثاء کما قاله ابن حبیب الهاشمی حوّلت القبلة من بیت المقدس الی الکعبة و قیل فی رجب و کان علیه السلام یصلی الی بیت المقدس بالمدینة ستة عشر شهرا و قیل سبعة عشر و قیل ثمانیة عشر* و قال الحربی قدم علیه السلام المدینة فی ربیع الاوّل فصلی الی بیت المقدس الی تمام السنة و صلّی من سنة اثنتین ستة أشهر ثم حوّلت القبلة ثم فرض صوم رمضان بعد ما حوّلت القبلة الی الکعبة بشهر بل بنصف شهر روی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کان یصلی بمکة الی الکعبة رکعتین بالغداة و رکعتین بالعشیّ فلما عرج به الی السماء أمر بالصلوات الخمس فصارت رکعتین فی الاوقات غیر المغرب للمسافر و المقیم و بعد ما هاجر الی المدینة زید فی صلاة الحضر و أمر أن یصلی نحو بیت المقدس لئلا تکذبه الیهود لان نعته فی التوراة انه صاحب قبلتین و کانت الکعبة أحب القبلتین إلیه فأمره اللّه تعالی أن یصلی الی الکعبة قال اللّه تعالی قد نری تقلب وجهک فی السماء فلنولینک قبلة ترضاها فولّ وجهک شطر المسجد الحرام کذا عن ابن عباس* و فی الکشاف و أنوار التنزیل أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان یصلی بمکة الی الکعبة ثم أمر بالصلاة الی بیت المقدس بعد الهجرة تألفا للیهود* و عن ابن عباس کانت قبلته بمکة بیت المقدس الا انه کان یجعل الکعبة بینه و بیته انتهی و فی زبدة الاعمال أقام صلّی اللّه علیه و سلم بمکة بعد نزول جبریل ثلاث عشرة سنة و قیل خمس عشرة سنة و قیل عشرا و الصحیح الاوّل و کان یصلی الی بیت المقدس مدّة اقامته بمکة و لا یستدبر الکعبة و یجعلها بین یدیه و قال الحافظ ابن حجر فی فتح الباری ظاهر حدیث ابن عباس یدل علی أن استقبال بیت المقدس انما وقع بعد الهجرة الی المدینة لکن أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یصلی بمکة نحو بیت المقدس و الکعبة بین یدیه و الجمع بینهما ممکن بأن یکون أمر لما هاجر أن یستمر علی الصلاة لبیت المقدس و أخرج الطبری أیضا من طریق ابن جریج انه أوّل ما صلّی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی الکعبة ثم صرف الی بیت المقدس و هو بمکة فصلی ثلاث حجج ثم هاجر و صلّی بعد قدومه المدینة ستة عشر شهرا ثم وجهه اللّه الی الکعبة و قوله فی حدیث ابن عباس الاوّل أمره اللّه یردّ من قال انه صلّی الی بیت المقدس باجتهاد و عن أبی العالیة انه صلّی الی بیت المقدس یتألف أهل الکتاب و هذا لا ینفی أن یکون بتوقیف کذا فی المواهب اللدنیة و عن محمد بن شهاب الزهری قال لم یبعث اللّه عز و جل منذ هبط آدم الی الدنیا نبیا إلّا جعل قبلته صخرة بیت المقدس و لقد صلّی إلیها نبینا علیه السلام ستة عشر شهرا* و أورد الغزالی فی الوسیط ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان یستقبل الصخرة من بیت المقدس مدّة مقامه بمکة و هی قبلة الأنبیاء و ایاها کانت الیهود تستقبل و کان علیه السلام لا یؤثره بأن یستدبر الکعبة فلا یقف الابین الرکنین الیمانیین و یستقبل جنوب الصخرة فلما هاجر الی المدینة لم یمکنه استقبالها الا باستدبار الکعبة فشق ذلک علیه فنزلت فولّ وجهک الآیة فیکون بعد التحویل وجهه الی موضع الحجر لانه فی مقابل الجدار الذی فیه الرکنان الیمانیان ذکره
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:368
القاضی البیضاوی فی حواشی أنوار التنزیل روی أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زار بشر بن البراء ابن معرور فی بنی سلمة فتغدّی هو و أصحابه و جاءت الظهر فصلی بأصحابه فی مسجد القبلتین رکعتین من الظهر نحو الشأم ثم أمر أن یستقبل الکعبة و هو راکع فی الرکعة الثانیة فاستدار الی الکعبة و دارت الصفوف خلفه ثم أتم الصلاة فسمی مسجد القبلتین* و فی المواهب اللدنیة وقع عند النسائی انها الظهر و ظاهر حدیث البراء فی البخاری انها کانت صلاة العصر و أما أهل قباء فلم یبلغهم الخبر الی صلاة الفجر من الیوم الثانی کما فی الصحیحین و فی هذا دلیل علی أن الناسخ لا یلزم حکمه الا بعد العلم به و ان تقدّم نزوله لانهم لم یؤمروا باعادة العصر و المغرب و العشاء و اللّه أعلم قال الواقدیّ کان هذا یوم الاثنین للنصف من رجب علی رأس سبعة عشر شهرا و عن البراء علی رأس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا أو ثمانیة عشر شهرا علی اختلاف الاقوال* و فی الکشاف و أنوار التنزیل و الاستیعاب روی أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قدم المدینة فصلی نحو بیت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجه الی الکعبة فی رجب بعد الزوال قبل قتال بدر بشهرین و قد صلّی بأصحابه فی مسجد بنی سلمة رکعتین من الظهر فتحوّل فی الصلاة و استقبل المیزاب و تبادل الرجال و النساء صفوفهم فسمی المسجد مسجد القبلتین و فی تبصیر الرحمن نزلت الفاتحة بمکة حین فرضت الصلاة و بالمدینة حین حوّلت القبلة لدلالتها علی أنه رب الجهات کلها و قد اختار أفضلها فله الحمد*

تجدید بناء مسجد قباء

و فی هذه السنة کان تجدید بناء مسجد قباء روی عن أبی سعید الخدری قال لما صرفت القبلة الی الکعبة اتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مسجد قباء فقدم جدار المسجد الی موضعه الیوم و أسسه بیده و حوّل قبلته الی جهة الکعبة و کانت الی جهة بیت المقدس و نقل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه الحجارة لبنائه و قد مرّت فضیلة لصلاة فیه فی أوّل مقدمه قباء*

نزول فرض رمضان‌

و فی شعبان هذه السنة نزلت فریضة رمضان* و فی معالم التنزیل و یقال انزل فرض شهر رمضان قبل رمضان بشهر و أیام علی ما روی عن أبی سعید الخدری قال نزل فرض شهر رمضان بعد ما صرفت القبلة الی الکعبة فی شعبان بشهر علی رأس ثمانیة عشر شهرا من الهجرة فلما فرض رمضان لم یأمرهم بصیام عاشوراء و لا نهاهم عنه*

غزوة بدر الکبری‌

اشارة

و فی هذه السنة وقعت غزوة بدر الکبری فی معالم التنزیل و سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق کانت وقعة بدر یوم الجمعة صبیحة السابع عشر من رمضان علی رأس ثمانیة عشر شهرا من الهجرة و قیل التاسع عشر من رمضان و الاوّل أصبح و کذا فی المنتقی* و فی المواهب اللدنیة بعد الهجرة بتسعة عشر شهرا و کان خروج المسلمین من المدینة لاثنتی عشرة لیلة مضت من رمضان و قال ابن هشام لثمان لیال خلون من رمضان و فی الاستیعاب و کانت غزوة بدر فی السنة الثانیة من الهجرة لسبع عشرة لیلة خلت من رمضان و لیس فی غزواته ما یعدل بها فی الفضل و یقرب منها غزوة الحدیبیة حیث کان فیها بیعة الرضوان و ذلک سنة ست و قال ابن اسحاق فی لیال مضت من رمضان و بدر بالفتح و السکون بئر حفرها رجل من غفار اسمه بدر بن قریش بن مخلد بن النضر بن کنانة و قیل بدر رجل من بنی ضمرة سکن ذلک الموضع فنسب إلیه ثم غلب اسمه و یقال بدر اسم البئر التی بها سمیت لاستدارتها أو لصفاء مائها فکان البدر یری فیها و حکی الواقدیّ انکار ذلک کله من غیر واحد من شیوخ بنی غفار قالوا انما هی ماؤنا و منازلنا و ما ملکها أحد قط یقال له بدر و انما هی علم علیها کغیرها من البلاد* و فی معجم ما استعجم بدر ماء علی ثمانیة و عشرین فرسخا من المدینة فی طریق مکة و بدر مذکر و لا یؤنث جعلوه اسم ماء* قال ابن کثیر و هو یوم الفرقان الذی أمدّ اللّه فیه نبیه و المسلمین بالملائکة و فی الوفاء و هو یوم الفرقان الذی أعز اللّه فیه الاسلام و أهله و دمغ فیه الشرک و خرب محله هذا مع قلة عدد المسلمین و کثرة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:369
العدوّ مع ما کانوا فیه من سوابغ الحدید و العدّة الکاملة و الخیول المسوّمة و الخیلاء الزائد فأعز اللّه رسوله و أظهر وحیه و تنزیله و بیض وجه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أخزی الشیطان و جبله و لهذا قال تعالی ممتنا علی عباده المؤمنین و حزبه المتقین و لقد نصرکم اللّه ببدر و أنتم أذلة أی قلیل عددکم فقد کانت هذه أعظم غزوات الاسلام اذ منها کان ظهوره و بعد وقوعها أشرق علی الآفاق نوره و من حین وقوعها أذل اللّه الکفار و أعز من حضرها من المسلمین فهم عند اللّه من الابرار* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سمع بأبی سفیان بن حرب مقبلا من الشأم فی عیر لقریش عظیمة فیها أموال لقریش و تجارة من تجاراتهم و فیها ثلاثون رجلا من قریش أو اربعون منهم مخرمة بن نوفل بن أهیب بن عبد مناف بن زهرة و عمرو بن العاص بن وائل بن هشام* و قال غیره کانت العیر زها ألف بعیر و فی أحمالها من التمر و الشعیر و البرّ و الزبیب و غیر ذلک کذا فی الینابیع و هی العیر التی کان فیها أبو سفیان بن حرب مع جمع من قریش خرجوا من مکة الی الشأم و کان صلّی اللّه علیه و سلم خرج إلیها و سار الی العشیرة فلم یدرکها فرجع الی المدینة فأخبر جبریل بقفول العیر من الشأم فأخبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم المسلمین فأعجبهم تلقی العیر لکثرة الخیر و قلة القوم* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بأبی سفیان مقبلا من الشأم ندب المسلمین إلیهم و قال هذه عیر قریش فیها أموال فاخرجوا إلیها لعل اللّه ینفلکموها فانتدب المسلمون فخف بعضهم و ثقل بعضهم و ذلک انهم لم یظنوا أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یلقی حربا و کان أبو سفیان بن حرب حین دنا من الحجاز یتجسس الاخبار و یسأل من لقی من الرکبان تخوّفا عن أمر الناس حتی أصاب خبرا من بعض الرکبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لک و لعیرک فحذر عند ذلک فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاری فبعثه الی مکة و أمره أن یأتی قریشا فیستنفرهم الی أموالهم و یخبرهم أنّ محمدا قد عرض لها فی أصحابه فخرج ضمضم بن عمرو سریعا الی مکة قال ابن اسحاق و قد رأت عاتکة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مکة بثلاث رؤیا أفزعتها فبعثت الی أخیها العباس بن عبد المطلب فقالت له یا أخی و اللّه لقد رأیت البارحة رؤیا أفزعتنی و تخوّفت أن یدخل علی قومک منها شرّ و مصیبة فاکتم عنی ما أحدّثک و ما رأیت فقال لها و ما رأیت قالت رأیت راکبا أقبل علی بعیر له حتی وقف بالابطح ثم صرخ بأعلی صوته ألا انفروا یا آل غدر لصارعکم فی ثلاث فأری الناس اجتمعوا إلیه ثم دخل المسجد و الناس یتبعونه فبینما هم حوله مثل به بعیره علی ظهر الکعبة ثم صرخ بمثلها ألا انفروا یا آل غدر لمصارعکم فی ثلاث ثم مثل به بعیره علی أبی قبیس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوی حتی اذا کانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقی بیت من بیوت مکة و لا دار الا دخلها منها فلقة قال العباس و اللّه ان هذه لرؤیا و أنت فاکتمیها و لا تذکریها لاحد ثم خرج العباس فلقی الولید بن عتبة بن ربیعة و کان له صدیقا فذکرها له و استکتمه ایاها فذکرها الولید لابیه عتبة ففشا الحدیث بمکة حتی تحدّثت به قریش قال العباس فغدوت لاطوف بالبیت و أبو جهل بن هشام فی رهط من قریش قعود یتحدّثون برؤیا عاتکة فلما رآنی أبو جهل قال یا أبا الفضل اذا فرغت من طوافک فأقبل إلینا فلما فرغت أقبلت حتی جلست بینهم فقال لی أبو جهل یا بنی عبد المطلب متی حدثت فیکم هذه النبیة قال قلت و ما ذاک قال تلک الرؤیا التی رأت عاتکة قال قلت و ما رأت فقال یا بنی عبد المطلب أ ما رضیتم أن تتنبأ رجالکم حتی تنبأ نساؤکم قد زعمت عاتکة فی رؤیاها انه قال انفروا لمصارعکم فی ثلاث فسنتربص بکم هذه الثلاث فان یک حقا ما تقول فسیکون و ان تمض الثلاث و لم یکن شی‌ء من ذلک نکتب علیکم کتابا انکم أکذب اهل بیت فی العرب قال ثم تفرّقنا فلما أمسینا لم تبق امرأة من بنی عبد المطلب الا أتتنی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:370
فقالت أقررتم لهذا الفاسق الخبیث أن یقع فی رجالکم ثم تناول النساء و أنت تسمع ثم لم یکن عندک غیرة لشیئ مما سمعت قال قلت و ایم اللّه لا تعرضنّ له فان عاد لأکفیکنه قال فغدوت فی الیوم الثالث من رؤیا عاتکة و أنا حدید مغضب فدخلت المسجد فرأیته فو اللّه انی لا مشی نحوه لا تعرضه لیعود لبعض ما قال فأوقع به و کان رجلا خفیفا حدید الوجه حدید اللسان حدید النظر اذ خرج نحو باب المسجد یشتدّ قال فقلت فی نفسی ماله لعنه اللّه أکل هذا فرقا منی أن اشاتمه قال فاذا هو قد سمع ما لم أسمعه صوت ضمضم بن عمرو الغفاری و هو یصرخ ببطن الوادی واقفا علی بعیره قد جدع بعیره و حوّل رحله و شق قمیصه و هو یقول یا معشر قریش اللطیمة اللطیمة أموالکم مع أبی سفیان قد عرض لها محمد فی أصحابه لا أری ان تدرکوها الغوث الغوث قال فشغلنی عنه و شغله عنی ما جاء من الامر* و فی روایة فنادی أبو جهل فوق الکعبة یا اهل مکة النجاء النجاء علی کل صعب و ذلول عیرکم و أموالکم ان أصابها محمد لن تفلحوا اذا أبدا فتجهز الناس سراعا و قالوا أ یظنّ محمد و أصحابه أن تکون کعیر ابن الحضرمی کلا و اللّه لیعلمنّ غیر ذلک فکانوا بین رجلین اما خارج و اما باعث مکانه رجلا و أرعبت قریش و لم یتخلف من أشرافها أحد الا ان أبا لهب بن عبد المطلب قد تخلف و بعث مکانه العاصی بن هشام بن المغیرة و کان قد لأط له بأربعة آلاف درهم کانت له علیه أفلس بها فاستأجره بها علی أن یجزئ عنه فخرج عنه و تخلف ابو لهب قال ابن اسحاق و حدّثنی عبد اللّه بن ابی نجیح ان أمیة بن خلف کان قد أجمع علی القعود و کان شیخا جلیلا جسیما ثقیلا فأتاه عقبة بن ابی معیط و هو جالس فی المسجد بین ظهری قومه بمجمرة یحملها فیها نار حتی وضعها بین یدیه ثم قال یا أبا علی استجمر فانما أنت من النساء قال قبحک اللّه و قبح ما جئت به قال ثم تجهز فخرج مع الناس* و فی روایة کان أمیة قد سمع من سعد بن معاذ أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال سأقتله فقال أمیة و اللّه ان محمدا لا یکذب و لم یزل یخاف من ذلک فعزم للقعود فأتاه أبو جهل فقال یا أبا صفوان انک سید أهل الوادی فسر بنا یوما أو یومین فوسوس إلیه حتی خرج و فی سیرة ابن هشام و لما فرغوا من جهازهم و أجمعوا السیر ذکروا ما بینهم و بین بنی بکر بن عبد مناة بن کنانة من الحرب و العداوة قالوا نخشی أن یأتونا من خلفنا و کاد ذلک أن یثبطهم و یثنیهم فتبدّی لهم ابلیس فی صورة سراقة بن مالک بن جعشم المدلجی و کان سراقة من أشراف بنی کنانة فقال أنا جار لکم من أن تأتیکم کنانة من خلفکم بشی‌ء تکرهونه فخرجوا سراعا* و فی روایة و لما التقی الجمعان کان ابلیس فی صف المشرکین علی صورة سراقة بن مالک بن جعشم آخذا بید الحارث بن هشام* و فی روایة بید أبی جهل و رأی الملائکة نزلت من السماء و رأی جبریل معتجرا ببرد یمشی بین یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و فی یده اللجام یقود الفرس و ما رکب بعد و علم انه لا طاقة له بهم نکص علی عقبیه مولیا هاربا فقال له الحارث الی أین أ فرارا من غیر قتال و حول بمکة أتخذ لنا فی هذه الحالة قال انی أری ما لا ترون و دفع فی صدر الحارث فانطلق فانهزم الناس و لما قدموا مکة قالوا هزم الناس سراقة فبلغ ذلک سراقة فقال بلغنی انکم تقولون انی هزمت الناس فو اللّه ما شعرت بمسیرکم حتی بلغنی هزیمتکم فقالوا ما أتیتنا یوم کذا فحلف لهم فلما أسلموا علموا أن ذلک کان الشیطان کذا فی معالم التنزیل* و فی الاکتفاء ذکر انهم کانوا یرونه فی کل منزل فی صورة سراقة لا ینکرونه حتی اذا کان یوم بدر و التقی الجمعان نکص علی عقبیه فأوردهم ثم أسلمهم* روی عن السدّی و الکلبی انهما قالا کان المشرکون حین خرجوا الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من مکة أخذوا بأستار الکعبة و قالوا اللهمّ انصر أهدی الفئتین و أعلی الجندین و أکرم الحزبین و أفضل الدین ففیه نزلت ان تستفتحوا فقد جاءکم الفتح فخرجت قریش من مکة سراعا معها القیان و الدفوف* قال ابن
اسحاق و خرج رسول اللّه صلّی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:371
علیه و سلم من المدینة للیال مضت من شهر رمضان فی أصحابه* و قال ابن هشام خرج یوم الاثنین لثمان لیال خلون من شهر رمضان و استعمل علی المدینة عمرو بن أم مکتوم و یقال اسمه عبد اللّه ابن أم مکتوم أخا بنی عامر بن لؤیّ علی الصلاة بالناس ثم ردّ أبا لبابة من الروحاء و استعمله علی المدینة و فی روایة خرج معه قوم من الانصار لطلب الغنیمة و قعد آخرون و لم تکن الانصار خرجت قبل ذلک الی عدوّ و لم یظنوا أنه علیه السلام یلقی عدوّا فلم یلهم لانه لم یخرج للقتال و لم یکن غزا بأحد قبلها و ضرب عسکره علی بئر أبی عنبة بلفظ واحد العنب علی میل من المدینة کذا فی الوفاء و عرض أصحابه و ردّ من استصغره و کان ممن استصغره براء بن عازب و عبد اللّه بن عمرو کان الخیل فرسین فرس للمقداد و فرس لمرثد بن أبی مرثد* و فی روایة للزبیر و فی المواهب اللدنیة و الوفاء معهم ثلاثة أفراس برجة فرس المقداد و الیعسوب فرس الزبیر و فرس لابی مرثد الغنوی یقال له السیل و لم یکن لهم یومئذ خیل غیر هذه الثلاثة* و فی الکشاف و ما کان معهم الا فرس واحد انتهی و کانت الدروع تسعا* و فی روایة ستا و السیف ثمانیة و المسلمون ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا علی عدد أصحاب طالوت یوم جالوت الذین جاوزوا معه النهر و فی الحدیث قال علیه السلام لاصحابه یوم بدر أنتم الیوم کعدد المرسلین و أصحاب طالوت یوم عبروا النهر کذا فی العمدة* منهم سبعة و سبعون رجلا من المهاجرین و مائتان و ستة و ثلاثون رجلا من الانصار* و فی روایة منهم ثمانون من المهاجرین و باقیهم من الانصار و لابی داود و الذین کانوا معه علیه السلام یوم بدر ثلاثمائة و خمسة عشر رجلا و کذا فی شواهد النبوّة و فی صحیح البخاری و الکشاف و الوفاء ثلاثمائة و بضعة عشر رجلا و قد ذکرهم الامام البخاری فی صحیحه و سیجی‌ء ذکرهم فی هذا الکتاب بالتفصیل ان شاء اللّه تعالی* قال العلامة الدوانی فی شرح العقائد العضدیة سمعنا من مشایخ الحدیث أن الدعاء عند ذکرهم فی البخاری مستجاب و قد جرب ذلک* و فی المواهب اللدنیة و کان عدّة من خرج ثلاثمائة و خمسة ثمانیة منهم لم یحضروها بعذر انما ضرب لهم بسهمهم و أجرهم و کانوا کمن حضرها ثلاثة منهم من المهاجرین أحدهم عثمان بن عفان خلفه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علی ابنته رقیة زوجة عثمان و کانت مریضة فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان لک لاجر رجل ممن شهد بدرا و سهمه رواه البخاری و الثانی و الثالث طلحة و سعید عینا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعثهما لتجسس العیر فسارا حتی بلغا الخرار فکمنا هناک فمرت بهما العیر فبلغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الخبر فخرج و رجعا یرید ان المدینة و لم یعلما بخروج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقدما المدینة بخبر العیر و قد کان صلّی اللّه علیه و سلم قبل مجیئهما خرج منها بقصد العیر* و فی روایة فقد ما المدینة فی الیوم الذی لاقی فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المشرکین فخرجا یعترضان رسول اللّه فلقیاه منصرفا من بدر فضرب لهما بسهامهما و أجرهما فکانا کمن شهدها و خمسة من الانصار أحدهم أبو لبابة ردّه من الطریق لخلافة المدینة و الثانی عاصم بن عدی العجلانی استعمله علی أهل العوالی و الثالث حارثة بن حاطب بعثه من الروحاء الی بنی عمرو بن عوف و الرابع و الخامس الحارث بن الصمة و خوات بن جبیر سقطا من الابل فأصابهما بعض الکسر فردّهما من الطریق* و فی المواهب اللدنیة کان عدد المشرکین ألفا و یقال تسعمائة و خمسین رجلا معهم مائة فرس و سبعمائة بعیر و لما نظر علیه السلام الی أصحابه و رأی قلة عددهم و عدتهم قال اللهم انهم حفاة فاحملهم اللهم انهم عراة فاکسهم اللهم انهم جیاع فأشبعهم اللهم انهم عالة فأغنهم من فضلک فاستجیبت دعوته ففتح اللّه له ذلک و ما من رجل منهم الا رجع بجمل أو جملین و اکتسوا و شبعوا* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و دفع علیه السلام اللواء الی مصعب ابن عمیر بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار قال ابن هشام و کان أبیض و کان أمام رسول اللّه صلّی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:372
علیه و سلم رایتان سوداوان احداهما مع علیّ بن أبی طالب یقال لها العقاب و الاخری مع بعض الانصار و کانت ابل أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ سبعین بعیرا فاعتقبوها و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و علیّ بن أبی طالب و مرثد بن أبی مرثد یعتقبون بعیرا* و فی الکشاف یعتقب النفر منهم علی البعیر الواحد* و فی روایة کان زمیلی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی ذلک السفر علیّ بن أبی طالب و أبو لبابة أوّلا و زید بن حارثة آخرا* و فی الحدیث اذا کان عقبة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قالوا ارکب یا رسول اللّه حتی نمشی عنک فیقول ما أنتما بأقوی علی السیر منی و ما أنا بأغنی عن الاجر منکما* و قال ابن اسحاق و کان حمزة و زید بن حارثة و أبو کبشة و أنسة موالی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یعتقبون بعیرا و کان أبو بکر و عمر و عبد الرحمن بن عوف یعتقبون بعیرا* قال ابن اسحاق و جعل علی الساقة قیس بن أبی صعصعة أخا بنی مازن بن النجار و کانت رایة الانصار مع سعد بن معاذ فیما قال ابن هشام قال ابن اسحاق فسلک طریقه من المدینة الی مکة علی نقب المدینة ثم علی العقیق ثم علی ذی الحلیفة ثم علی آلات الجیش قال ابن هشام ذات الجیش قال ابن اسحاق ثم مر علی تربان ثم علی ملل ثم علی عمیس الحمائم من مرتین ثم علی صخیرات الیمام ثم علی السیالة ثم علی فج الروحاء ثم علی شنوکة و هی الطریق المعتدلة حتی اذا کان بعرق الظبیة قال ابن هشام عن غیر ابن اسحاق لقوا رجلا من الاعراب فسألوه عن الناس فلم یجدوا عنده خبرا فقال له الناس سلم علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال أوفیکم رسول اللّه فقالوا نعم فسلم علیه ثم قال ان کنت رسول اللّه فاخبرنی عما فی بطن ناقتی هذه قال له سلمة بن سلامة بن وقش لا تسأل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أقبل علیّ أنا أخبرک عن ذلک نزوت علیها ففی بطنها منک سخلة فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مه فحشت علی الرجل ثم أعرض عن سلمة و نزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سجسج و هی بئر الروحاء* و فی معالم التنزیل أخذ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالروحاء عینا للقوم فأخبره بهم فبعث صلّی اللّه علیه و سلم عینا له من جهینة حلیفا للانصار یدعی ابن الاریقط فأتاه بخبر القوم و سبقت العیر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم ارتحل من الروحاء حتی اذا کان بالمنصرف ترک طریق مکة بیسار و سلک ذات الیمین علی النازیة یرید بدرا فسلک فی ناحیة منها حتی جزع وادیا یقال له رحقان بین النازیة و بین مضیق الصفراء ثم علا المضیق ثم انصب به حتی اذا کان قریبا من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهنی حلیف بنی ساعدة و عدیّ بن أبی الزغباء الجهنی حلیف بنی النجار الی بدر یتجسسان له الاخبار عن أبی سفیان و غیره* و فی خلاصة الوفاء الصفراء تأنیث الاصفر واد کثیر العیون و النخل سلکه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مرجعه من بدر الکبری و قال محمد سلک غیر مرّة فمضی العینان حتی نزلا بدرا فأناخا الی تل قریب من الماء ثم أخذا شنا لهما یستقیان فیه و مجدی بن عمرو الجهنی علی الماء فسمع جاریتین من جواری الحاضر و هما یتلازمان علی الماء و الملزومة تقول لصاحبتها انما ترد العیر غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضیک الذی لک فقال مجدی بن عمرو و کان علی الماء صدقت ثم خلص بینهما فلما سمع بذلک عدی و بسبس جلسا علی بعیریهما ثم انطلقا فأتیا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبراه ثم تقدّم أبو سفیان العیر حذرا حتی ورد الماء فقال لمجدی هل احسست أحدا قال ما رأیت أحدا أنکره الا انی قد رأیت راکبین أناخا الی هذا التل ثم استقیا فی شن لهما ثم انطلقا فأتی أبو سفیان مناخهما فأخذ من أبعار بعیریهما ففته فاذا فیه کسیرات النوی فقال هذه و اللّه علائف یثرب فرجع الی أصحابه سریعا فصرف وجه عیره عن الطریق فساحل بها و ترک بدرا بیسار و انطلق حتی أسرع قال ابن اسحاق ثم ارتحل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قد قدّم العینین فلما استقبل الصفراء و هی قریة بین جبلین سأل عن
جبلیها ما أسماؤهما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:373
فقالوا لاحدهما هذا مسلح و للآخر هذا محزی و سأل عن أهلهما فقالوا بنو النار و بنو حراق بطنان من غفار فکرههما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و المرور بینهما و تفاءل بأسمائهما و أسماء أهلهما فترکهما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الصفراء بیسار و سلک ذات الیمین علی واد یقال له دفران و جزع فیه ثم نزل* و فی خلاصة الوفاء دفران واد معروف قبل الصفراء بیسیر یصب سیله فیها من المغرب یسلکه الحاج المصری فی رجوعه الی ینبع فیأخذ ذات الیمین کما فعله النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی ذهابه الی غزوة بدر و به مسجد یتبرّک به علی یسار السالک الی ینبع و أظنه مسجد دفران* و فی القاموس دفران بکسر الفاء واد قرب الصفراء* قال ابن اسحاق ثم نزل دفران فأتاه الخبر عن قریش بمسیرهم لیمنعوا عیرهم فاستشار الناس و أخبرهم عن قریش* و فی الکشاف و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بوادی دفران فنزل جبریل و قال یا محمد ان اللّه وعدک احدی الطائفتین اما العیر و اما قریشا فاستشار النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أصحابه و قال ما تقولون ان القوم قد خرجوا من مکة علی کل صعب و ذلول فالعیر أحب إلیکم أم النفیر قالوا بل العیر أحب إلینا من لقاء العدوّ فتغیر وجه رسول اللّه ثم ردّ علیهم فقال ان البعیر قد مضت من ساحل البحر و هذا أبو جهل قد أقبل قالوا یا رسول اللّه علیک بالعیر ودع العدوّ فقام عند غضب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أبو بکر فقال و أحسن ثم قام عمر فقال و أحسن ثم قام سعد بن عبادة فقال انظر أمرک فامض فو اللّه لو سرت الی عدن أبین ما تخلف عنک رجل من الانصار* و فی معجم ما استعجم ابین بکسر أوّله و اسکان ثانیه و بعده یاء معجمة باثنتین من تحتها مفتوحة ثم نون اسم رجل کان فی الزمن القدیم و هذا الذی ینسب إلیه عدن ابین من بلاد الیمن انتهی ثم قام مقداد بن عمرو فقال یا رسول اللّه امض لما أمرک اللّه فنحن معک فو اللّه ما نقول کما قالت بنو اسرائیل لموسی اذهب أنت و ربک فقاتلا انا هاهنا قاعدون و لکن اذهب أنت و ربک فقاتلا انا معکما مقاتلون ما دام مناعین نطرف نقاتل عن یمینک و عن یسارک و من بین یدیک و من خلفک فو الذی بعثک بالحق لو سرّت بنا الی برک الغماد یعنی مدینة الحبشة لجالدنا معک من دونه حتی تبلغه فضحک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال له خیرا و فی روایة أشرق وجه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و سر بذلک* و قال ابن هشام ثم قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أشیروا علیّ انما یرید الانصار و ذلک انهم حین بایعوه بالعقبة قالوا یا رسول اللّه انا برآء من ذمامک حتی تصل الی دیارنا فاذا وصلت إلینا فأنت فی ذمامنا نمنعک مما نمنع منه أبناءنا و نساءنا فکان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یتخوّف أن لا تکون الانصار تری علیها نصرة الا ممن دهمه بالمدینة من عدوّه و ان لیس علیهم أن یسیر بهم الی عدوّ من بلادهم فلما قال ذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال له سعد بن معاذ و اللّه لکأنک تریدنا یا رسول اللّه فقال أجل قال قد آمنا بک و صدّقناک و شهدنا أن ما جئت به هو الحق و أعطیناک علی ذلک مواثیقنا علی السمع و الطاعة فامض یا رسول اللّه لما أردت فنحن معک فو الذی بعثک بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معک ما تخلف منا رجل واحد و ما نکره أن تلقی بنا عدوّنا انا لصبر فی الحرب صدق عند اللقاء و لعل اللّه یریک منا ما تقرّبه عینک فسر بنا علی برکة اللّه فسرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بقول سعد و نشطه ذلک و قال سیروا و أبشروا فان اللّه قد وعدنی احدی الطائفتین و اللّه لکأنی الآن انظر الی مصارع القوم ثم ارتحل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من دفران فسلک علی ثنایا یقال لها الاصافر ثم انحط منها الی بلد یقال لها الدبة فی الوفاء الدبة بفتح أوّله و تشدید الموحدة من تحت کدبة الدهن معناه مجتمع الرمل موضع بین أصافر و بدر اجتاز به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعد ارتحاله من دفران یرید بدرا* و فی القاموس الدبة بالضم
موضع قرب بدر قال ابن اسحاق
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:374
و ترک الحنان بیمین و هو کثیب عظیم کالجبل ثم نزل قریبا من بدر فرکب هو و رجل من أصحابه قال ابن هشام الرجل أبو بکر الصدّیق قال ابن اسحاق حتی وقف علی شیخ من العرب فسأله عن قریش و عن محمد و أصحابه و ما بلغه عنهم فقال الشیخ لا أخبر کما حتی تخبرانی ممن أنتما فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اذا أخبرتنا أخبرناک قال أو ذاک بذاک قال نعم فقال الشیخ فانه قد بلغنی ان محمدا و أصحابه خرجوا یوم کذا و کذا فان کان صدقنی الذی أخبرنی فهم الیوم بمکان کذا و کذا للمکان الذی به قرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و بلغنی أن قریشا خرجوا من یوم کذا و کذا فان کان الذی أخبرنی صدق فهم الیوم بمکان کذا و کذا للمکان الذی به قریش فلما فرغ من خبره قال ممن أنتما قال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نحن من ماء ثم انصرف عنه قال یقول الشیخ ماء من ماء أمن ماء العراق* و فی المنتقی أراد صلی اللّه علیه و سلم أن یوهمه انه من العراق و کان العراق یسمی ماء لکثرة الماء فیه و انما أراد انه خلق من نطفة ماء* قال ابن هشام یقال الشیخ سفیان الضمری قال ابن اسحاق ثم رجع رسول اللّه الی أصحابه فلما أمسی بعث علیّ بن أبی طالب و الزبیر بن العوّام و سعد بن أبی وقاص فی نفر من أصحابه الی ماء بدر یلتمسون الخبر فأصابوا راویة لقریش فیها غلام اسود لبنی الحجاج اسمه أسلم و غلام لبنی العاص بن سعد اسمه عریض أبو یسار و فرّ الباقون و کانوا کثیرا و أوّل من بلغ مشرکی قریش من الفرّار رجل اسمه عجیر فبلغهم خبر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال یا آل غالب هذا ابن أبی کبشة مع أصحابه قد أخذوا راویتکم مع غلامین فوقع فی جیشهم انزعاج و اضطراب و خوف فلما أتوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالغلامین سألوهما و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قائم یصلی فقالا نحن سقاة قریش بعثونا نسقیهم من الماء فکره القوم خبرهما و رجوا ان یکونا لابی سفیان فضربوهما فلما أذلقوهما قالا نحن لابی سفیان فترکوهما و رکع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و سجد سجدتیه ثم سلم و قال اذا صدقاکم ضربتموهما و اذا کذباکم ترکتموهما صدقا و اللّه انهما لقریش أخبرانی عن قریش قالا هم و اللّه وراء هذا الکثیب الذی تری بالعدوة القصوی و الکثیب العقنقل فقال کم القوم فقالا کثیر قال ما عدّتهم قالا لا ندری قال کم ینحرون کل یوم قالا یوما تسعا و یوما عشرا فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم القوم فیما بین التسعمائة و الالف ثم قال لهما فمن فیهم من أشراف قریش قالا عتبة بن ربیعة و شیبة بن ربیعة و أبو البختری بن هشام و حکیم بن حزام و نوفل بن خویلد و الحارث بن عامر بن نوفل و طعیمة بن عدی بن نوفل و النضر بن الحارث و زمعة بن الاسود و أبو جهل بن هشام و أمیة بن خلف و نبیه و منه ابنا الحجاج و سهیل بن عمرو و عمرو بن عبد ودّ فأقبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی الناس فقال هذه مکة قد ألقت إلیکم أفلاذ کبدها قال ابن اسحاق و لما أقبلت قریش و نزلوا الجحفة رأی جهیم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤیا فقال انی أری فیما یری النائم و انی لبین النائم و الیقظان اذ نظرت الی رجل أقبل علی فرس حتی وقف و معه بعیر له ثم قال قتل عتبة بن ربیعة و شیبة بن ربیعة و أبو الحکم بن هشام و أمیة بن خلف و فلان و فلان فعدّ رجالا ممن قتل یوم بدر من أشراف قریش ثم رأیته ضرب فی لبة بعیره ثم أرسله فی العسکر فما بقی خباء من أخبیة العسکر الا أصابه نضح من دمه فبلغت أبا جهل فقال و هذا أیضا نبی آخر من بنی المطلب سیعلم غدا من المقتول ان نحن التقینا قال ابن اسحاق و لما رأی أبو سفیان انه قد أحرز عیره أرسل الی قریش انکم انما خرجتم لتمنعوا عیرکم و رحالکم و أموالکم فقد نجاها اللّه فارجعوا فقال أبو جهل بن هشام و اللّه لا نرجع حتی نرد بدرا و کان بدر موسما من مواسم العرب یجتمع لهم به سوق فی کل عام فنقیم
علیه ثلاثا فنخر الجزر و نطعم الطعام و نسقی الخمر و تعزف علینا القیان و تسمع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:375
بنا العرب و بسیرنا و جمعنا فلا یزالون یهابوننا أبدا بعدها فامضوا فوافوها فسقوا کئوس المنایا مکان الخمر و ناحت علیهم النوائح مکان القیان و قال الاخنس بن شریق بن عمرو بن وهب الثقفی و کان حلیفا لبنی زهرة و هم بالجحفة یا بنی زهرة قد نجی اللّه لکم أموالکم و خلص لکم صاحبکم مخرمة ابن نوفل و انما نفرتم لتمنعوه و ماله فاجعلونی جبنها و ارجعوا فانه لا حاجة لکم بأن تخرجوا فی ضیعة لا تسمعوا ما یقول هذا یعنی أبا جهل فرجعوا فلم یشهدها زهری واحد و أطاعوه و کان فیهم مطاعا و لم یکن بقی من قریش بطن الا و قد نفر منهم ناس الا بنی عدی بن کعب لم یخرج منهم رجل واحد فرجعت بنو زهرة مع الاخنس فلم یشهد بدرا من هاتین القبیلتین أحد* روی أن أبا سفیان صادفهم فقال یا بنی زهرة لا فی العیر و لا فی النفیر و هو أوّل من قال هذا قالوا أنت أرسلت الی قریش أن ترجع و فی بعض التفاسیر قال أخنس بن شریق یا قوم اذا حصل مرادنا الذی هو نجاة أموالنا فلنرجع فقال له أبو جهل أخنس فرجع فی ثلاثمائة من بنی زهرة فسمی أخنس لاختزاله من الحرب و لما بلغ أبا سفیان قول أبی جهل قال وا قوماه هذا عمل عمرو بن هشام یعنی أبا جهل روی ان أبا سفیان لما بلغ العیر الی مکة رجع و لحق بجیش قریش فمضی معهم الی بدر فجرح یومئذ جراحات و أفلت هاربا و لحق بمکة راجلا قال ابن اسحاق و مضی القوم و کان بین طالب بن أبی طالب و کان فی القوم و بین بعض قریش محاورة فقالوا و اللّه لقد عرفنا یا بنی هاشم و ان خرجتم معنا أن هواکم لمع محمد فرجع طالب الی مکة مع من رجع قال طالب بن أبی طالب
لاهمّ اما یغنزون طالب‌فی عصبة محالف محارب
فی مقنب من هذه المقانب‌فلیکن المسلوب غیر السالب
و لیکن المغلوب غیر الغالب
قال ابن اسحاق و مضت قریش حتی نزلوا بالعدوة القصوی من الوادی خلف العقنقل و بطن الوادی و هو یلیل بین بدر و بین العقنقل الکثیب الذی خلفه قریش و القلیب ببدر فی العدوة الدنیا من بطن یلیل الی المدینة و بعث اللّه السماء و کان الوادی دهسا فأصاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه منها ما لبدلهم الارض و لم یمنعهم من المسیر و أصاب قریشا منها ما لم یقدروا علی أن یرتحلوا معه فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یبادرهم الی الماء حتی اذا جاء أدنی ماء ببدر نزل به* و فی الکشاف و غیره من التفاسیر مضت قریش حتی أناخت بالعدوة القصوی أی البعدی عن المدینة خلف العقنقل العدوة شط الوادی و کان فیها الماء و کانت أرضا لا بأس بها للمشی فیها و نزل المسلمون بالعدوة الدنیا أی القربی الی جهة المدینة و لا ماء فیها و کانت کثیبا أعفر رخوا تسوخ فیه الاقدام و حوافر الدواب و لا یمشی فیها الّا بتعب و کانت الرکب أی العیر و قوّادها بمکان أسفل من مکان المسلمین بثلاثة أمیال الی جهة وراء ظهر العدوّ یعنی الساحل و کذا فی أنوار التنزیل و المدارک* و فی شواهد النبوّة روی أنه فی اللیلة السابقة علی یوم الحرب غلب النوم و الامنة علی المسلمین بحیث لم یقدروا أن یکونوا أیقاظا* و عن الزبیر أنه قال سلط علیّ النوم بحیث کلما أردت أن أجلس لم أقدر فیلقینی النوم علی الارض و کذا کان حال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه* قال سعد بن أبی وقاص رأیتنی تقع ذقنی بین ثدییّ فلما أنتبه أسقط علی جنبی قال رفاعة غلب علیّ النوم حتی احتلمت و تغسلت و کان مشرکو قریش بقرب منهم و قد غلب علیهم الخوف فبعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم إلیهم عمار بن یاسر و ابن مسعود فرجعا و قالا یا رسول اللّه غلب علی المشرکین الخوف حتی اذا صهل خیلهم یضربون وجوهها من شدّة الخوف* روی ان المسلمین ناموا فاحتلم أکثرهم و أجنوا و قد غلب المشرکون علی الماء فتمثل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:376
لهم الشیطان فوسوس إلیهم فقال کیف تنصرون و قد غلبتم علی الماء و أنتم تصلون محدثین مجنبین و آیة التیمم لم تنزل بعد و تزعمون انکم أولیاء اللّه و فیکم رسوله فأشفقوا فأرسل اللّه علیهم السماء لیلا حتی سال منها الوادی فاتخذوا الحیاض علی عدوة الوادی و شربوا و سقوا الرکاب و اغتسلوا و توضئوا و ملئوا الاسقیة و انطفأ للغبار و تلبدت لهم الارض حتی تثبت علیها الاقدام و لم تمنعهم من المسیر و زالت عنهم الوسوسة و طابت النفوس کما قال تعالی اذ یغشیکم النعاس أمنة منه و ینزل علیکم من السماء ماء لیطهرکم به و یذهب عنکم رجز الشیطان و لیربط علی قلوبکم و یثبت به الاقدام و قیل یثبت به الاقدام بالصبر و قوّة القلب فحصل بذلک للمسلمین اطمئنان و زال عنهم الخوف و لما کانت العدوة القصوی مناخ قریش أرضا سهلا لینا لم تبلغ أن تکون رملا و لیس هو بتراب أصابهم ما لم یقدروا ان یرتحلوا معه فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یبادر الی الماء حتی اذا أتی أدنی ماء من بدر نزل به قال ابن اسحاق حدثت عن رجال من بنی سلمة انهم ذکروا ان الخباب بن المنذر بن الجموح قال یا رسول اللّه أ رأیت هذا المنزل أ منزل أنزلکه اللّه لیس لنا أن نتقدّمه و لا نتأخر عنه أم هو الرأی و الحرب و المکیدة قال بل الرأی و الحرب و المکیدة قال یا رسول اللّه ان هذا لیس بمنزل فانهض بالناس حتی تأتی أدنی ماء من القوم فتنزل ثم نغوّر ما وراءه من القلب ثم نبنی علیه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب و لا یشربون فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لقد أشرت بالرأی* و فی روایة فنزل جبریل فقال الرأی ما أشار إلیه الخباب کذا فی المنتقی فنهض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و من معه من المسلمین فسار حتی اذا أتی أدنی ماء من القوم نزل علیه ثم أمر بالقلب فغوّرت و بنی حوضا علی القلیب الذی نزل علیه فملئ ماء ثم قذفوا فیه الآنیة و کان نزوله بدرا عشاء لیلة الجمعة السابعة عشر من رمضان کما مرّ و لما نزل قام مع جماعة من أصحابه یسیر فی عرصة بدر و یضع یده علی الارض و یقول هذا مصرع فلان و هذا مصرع فلان یری أصحابه مصارع صنادید قریش فو اللّه ما تجاوز أحد منهم عن الموضع الذی عین له بل قتل فیه* قال ابن اسحاق فحدثنی عبد اللّه بن أبی بکر أنه حدث أن سعد بن معاذ قال یا نبیّ اللّه أ لا نبنی لک عریشا تکون فیه و نعدّ عندک رکائبک ثم نلقی عدوّنا فان أعزنا اللّه و أظهرنا علی عدوّنا کان ذلک ما أحببنا و ان کانت الاخری جلست علی رکائبک فلحقت بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنک أقوام یا نبیّ اللّه ما نحن لک بأشدّ حبا منهم و لو ظنوا انک تلقی حربا ما تخلفوا عنک یمنعک اللّه بهم یناصحونک و یجاهدون معک فأثنی علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خیرا و دعا له بخیر ثم بنی لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عریش فکان فیه* و فی خلاصة الوفاء مسجد بدر کان العریش الذی بنی لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم بدر عنده و هو معروف عند النخیل و العین قریبة منه و بقربه فی جهة القبلة مسجد آخر تسمیه أهل بدر مسجد النصر و لم أقف فیه علی شی‌ء* قال ابن اسحاق و قد ارتحلت قریش حین أصبحت فأقبلت فلما رآها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تصوب من العقنقل و هو الکثیب الذی جاءوا منه الی الوادی قال اللهمّ هذه قریش قد أقبلت بخیلائها و فخرها تجادل و تکذب رسولک اللهمّ فنصرک الذی وعدتنی اللهمّ أحنهم الغداة و قد قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و رأی عتبة بن ربیعة فی القوم علی جمل له أحمر إن یک فی أحد من القوم خیر فعند صاحب الجمل الأحمر إن یطیعوه یرشدوا و قد کان خفاف ابن ایماء بن رحضة الغفاری أو أبوه ایماء بن رحضة الغفاری بعث الی قریش حین مروان ابنا له بجزائر أهداها لهم و قال ان أحببتم ان نمدّکم بسلاح و رجال فعلنا قال فأرسلوا إلیه ان وصلتک رسم و قد قضیت الذی علیک فلعمری لئن کنا انما نقاتل الناس ما بنا ضعف عنهم و لئن کنا انما نقاتل اللّه کما یزعم محمد فما لاحد باللّه من طاقة فلما نزل الناس
أقبل نفر من قریش حتی وردوا حوض رسول اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:377
صلی اللّه علیه و سلم فیهم حکیم بن حزام فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دعوهم فما شرب منه یومئذ رجل الا قتل الا ما کان من حکیم بن حزام فانه لم یقتل ثم أسلم بعد ذلک فحسن اسلامه فکان اذا اجتهد فی یمینه قال و الذی نجانی یوم بدر و لما اطمأنّ القوم بعثوا عمیر بن وهب الجمحی فقالوا احرز لنا أصحاب محمد فدار بفرسه حول العسکر ثم رجع إلیهم فقال ثلاثمائة رجل یزیدون قلیلا أو ینقصونه و لکن أمهلونی حتی أنظر للقوم کمین أو مدد فضرب فی الوادی حتی أبعد فلم یر شیئا فرجع إلیهم فقال ما رأیت شیئا و لکنی قد رأیت یا معشر قریش البلایا* و فی روایة الولایا تحمل المنایا نواضح یثرب تحمل الموت الناقع* و فی المنتقی السم الناقع أی القاتل قوم لیس لهم منعة و لا ملجأ الا سیوفهم و اللّه ما أری أن یقتل منهم رجل حتی یقتل رجل منکم فاذا أصابوا منکم أعدادهم فلا خیر فی العیش بعد ذلک فروا رأیکم* روی انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم رأی المشرکین فی وقعة بدر فی المنام قلیلا فأخبر بذلک أصحابه و کان تثبیتا لهم و تشجیعا علی عدوّهم و لو أراه ایاهم کثیرا لفشلوا و جبنوا و هابوا الاقدام علیهم و تنازعوا فی أمر القتال و تردّدوا بین الثبات و الفرار فقلل اللّه الکافرین فی أعین المؤمنین حتی قال ابن مسعود لمن الی جنبه أ تراهم سبعین فقال أراهم مائة و کانوا ألفا تثبیتا و تصدیقا لرؤیا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لیجترءوا علیهم و قلل المؤمنین فی أعین الکافرین قبل التحام القتال حتی قال أبو جهل انّ محمدا و أصحابه أکلة جزور لیجترءوا علیهم و لئلا یرجعوا عن قتالهم و لئلا یستعدوا لهم ثم کثرهم فی أعینهم حتی یروهم مثلیهم لتفجأهم الکثرة فتبهتهم و تکسر قلوبهم و هذا من عظائم آیات تلک الوقعة فان البصر و ان کان قد یری الکثیر قلیلا و القلیل کثیرا لکن لا علی هذا الوجه و لا الی هذا الحد و انما یتصوّر ذلک بصدّ اللّه تعالی الابصار عن ابصار بعض دون بعض مع التساوی فی الشرط کذا فی أنوار التنزیل* فلما سمع حکیم بن حزام قول عمیر تمشی فی الناس فأتی عتبة فقال یا أبا الولید انک کبیر قریش و سیدها و المطاع فیها هل لک الی أن لا تزال تذکر منها بخیر الی آخر الدهر قال و ما ذاک یا حکیم قال ترجع بالناس و تحمل أمر حلیفک عمرو بن الحضرمی قال قد فعلت أنت علیّ بذلک انما هو حلیفی فعلیّ عقله و ما أصیب من ماله فأت ابن الحنظلیة یعنی أبا جهل و الحنظلیة أم أبی جهل و هی أسماء بنت مخرمة أحد بنی نهشل بن دارم بن مالک بن حنظلة فانی لا أخشی أن یشجر أمر الناس غیره ثم قام عتبة خطیبا فقال یا معشر قریش انکم و اللّه ما تصنعون بأن تلقوا محمدا و أصحابه شیئا و اللّه لئن أصبتموهم لا یزال الرجل ینظر فی وجه رجل یکره النظر إلیه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشیرته فارجعوا و خلوا بین محمد و بین سائر العرب فان أصابوه فذلک الذی أردتم و ان کان غیر ذلک ألفاکم و لم تعرضوا منه ما تریدون و قد کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رأی عتبة فی القوم علی جمل له أحمر الی آخر الحدیث کما مرّ قال حکیم فانطلقت حتی جئت أبا جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها فهو یهیئها فقلت له یا أبا الحکم ان عتبة أرسلنی إلیک بکذا و کذا الذی قال فقال انتفخ و اللّه سحره حین رأی محمدا و أصحابه کلا و اللّه لا نرجع حتی یحکم اللّه بیننا و بین محمد و ما یعتبه ما قال و لکنه قد رأی محمدا و أصحابه أکلة جزور و فیهم ابنه قد تخوّفکم علیه یعنی أبا حذیفة بن عتبة و کان قد أسلم* و فی المنتقی قال عتبة فی جواب حکیم قد فعلت یعنی قال أنا أتحمل بدم حلیفی فاذهب الی ابن الحنظلیة یعنی أبا جهل فقل له هل لک أن ترجع الیوم بمن معک عن ابن عمک فجئته فاذا هو فی جماعة من بین یدیه و من ورائه فاذا بابن الحضرمی واقف علی رأسه و هو یقول قد فسخت عقدی من بنی عبد شمس و عقدی الی بنی مخزوم فقلت له یقول لک عتبة هل لک أن ترجع بالناس عن ابن عمک قال أ ما وجد رسولا
غیرک* قال حکیم فخرجت أبادر الی عتبة و هو متّکئ علی ایماء بن رحضة و قد أهدی الی المشرکین عشر جزائر فطلع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:378
أبو جهل و الشرّ فی وجهه فقال لعتبة* انتفخ سحرک* و هذا الکلام تقوله العرب للجبان فقال له عتبة ستعلم غدا من انتفخ سحره أنا أم أنت* و فی روایة قال له عتبة ایای تعیر یا مصفر استه انما قال هذا لانّ أبا جهل کان به برص فی البتة و کان یردعها بالزعفران فغضب أبو جهل و سل سیفه و ضرب به متن فرسه فقال له ایماء بن رحضة بئس الفأل* قال ابن هشام ثم بعث أبو جهل الی عامر بن الحضرمی فقال هذا حلیفک یرید أن یرجع بالناس و قد رأیت ثارک بعینک فقم و انشد حفرتک و مقتل أخیک فقام عامر بن الحضرمی فاکتشف ثم صرخ وا عمرواه وا عمرواه فحمیت الحرب و حقب أمر الناس و استوثقوا علی ما هم علیه من الشر و أفسد علی الناس الرأی الذی دعاهم إلیه عتبة ثم التمس عتبة بیضة لیدخلها فی رأسه فما وجد فی الجیش بیضة تسعه من عظم هامته فلما رأی ذلک اعتجر علی رأسه ببرد له و عقد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثلاثة ألویة و کان لواؤه الاعظم لواء المهاجرین مع مصعب بن عمیر و لواء الخزرج مع الخباب بن المنذر و لواء الاوس مع سعد بن معاذ و جعل شعار المهاجرین یا بنی عبد الرحمن و شعار الخزرج یا بنی عبد اللّه و شعار الاوس یا بنی عبید اللّه و قیل کان شعار الکل یا منصور أمت و فی اکتفاء الکلاعی کان شعار أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أحد أحد و کان مع المشرکین ثلاثة ألویة لواء مع عبد العزیز بن عمیر و لواء مع النضر بن الحارث و لواء مع طلحة بن أبی طلحة کلهم من بنی عبد الدار و خرج الاسود بن عبد الاسد المخزومی و کان رجلا شرسا سیئ الخلق فقال أعاهد اللّه لأشربن من حوضهم أو لاهدمنه أو لأموتن دونه فخرج إلیه حمزة بن عبد المطلب فلما التقیا ضربه حمزة فأطنّ قدمه بنصف ساقه و هو دون الحوض فوقع علی ظهره تشخب رجله دما ثم حبا الی الحوض حتی اقتحم فیه یرید بزعمه أن تبرّ یمینه و اتبعه حمزة فضربه حتی قتله فی الحوض ثم خرج بعده عتبة ابن ربیعة بین أخیه شیبة بن ربیعة و ابنه الولید بن عتبة حتی اذا فصل من الصف دعا الی المبارزة فخرج إلیه فتیة من الانصار ثلاثة و هم عوف و معاذا بنا الحارث و أمهما عفراء و رجل آخر یقال هو عبد اللّه بن رواحة فقالوا من أنتم قالوا رهط من الانصار قالوا ما لنا بکم من حاجة* قال ابن اسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة انّ عتبة بن ربیعة قال للفتیة من الانصار حین انتسبوا أکفاء کرام انما نرید قومنا قال فنادی منادیهم یا محمد أخرج إلینا أکفاءنا من قومنا فقال رسول اللّه قم یا عبیدة بن الحارث و قم یا حمزة و قم یا علی فلما قاموا و دنوا منهم قالوا من أنتم قال عبیدة عبیدة و قال حمزة حمزة و قال علیّ علیّ قالوا نعم اکفاء کرام فبارز عبیدة و کان أسن القوم عتبة بن ربیعة و بارز حمزة شیبة بن ربیعة و بارز علیّ الولید بن عتبة فأمّا حمزة فلم یمهل شیبة ان قتله و أما علیّ فلم یمهل الولید أن قتله و اختلف عبیدة و عتبة بینهما بضربتین کلاهما أثبت صاحبه و کرّ حمزة و علیّ بأسیافهما علی عتبة فذففا علیه و احتملا صاحبهما فحازاه الی أصحابه* و قال موسی بن عقبة و قد صح ان قوله تعالی هذان خصمان اختصموا فی ربهم الآیة نزل فی هؤلاء الستة* و فی روایة قتل علیّ الولید ثم قام شیبة بن ربیعة فقام إلیه عبیدة بن الحارث فاختلفا ضربتین فضربه عبیدة فصرعه و ضرب شیبة رجل عبیدة فقطعها أسفل من الرکبتین و صرعا جمیعا و قام عتبة فقام إلیه حمزة فاختلفا ضربتین فلم یصنع سیفاهما شیئا فاعتنق کل واحد منهما صاحبه فأهوی عبیدة بن الحارث و هو صریع فضرب عتبة فقطع ساقه فقام إلیه حمزة فضربه حتی برد و احتمل علیّ و حمزة عبیدة فجاءا به الی أصحابه و قد قطعت رجله و مخ ساقه یسیل فلما أتوا بعبیدة الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال أ لست شهیدا یا رسول اللّه قال بلی فقال عبیدة لو کان أبو طالب حیا لعلم انی أحق منه حیث یقول
و نسلمه حتی نصرّع حوله‌و نذهل عن أبنائنا و الحلائل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:379
و فی روایة أنشأ عبیدة هذین البیتین
فان یقطعوا رجلی فانی مسلم‌و أرجو به عیشا من اللّه عالیا
فألبسنی الرحمن من فضل منه‌لباسا من الاسلام غطی المساویا و مات فدفنه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالصفراء و هو ابن ثلاث و ستین سنة و قیل عاش أیاما ثم مات بالروحاء کذا فی المنتقی* و فی ذخائر العقبی قیل ان حمزة قتل یوم بدر عتبة بن ربیعة مبارزه قاله موسی بن عقبة و قیل بل قتل شیبة بن ربیعة مبارزه قاله ابن اسحاق و غیره و قتل یومئذ طعیمة بن عدی أخا مطعم بن عدی و قتل الاسود بن عبد الاسد المخزومی یومئذ فی الحوض و قتل سباعا الخزاعی و قیل بل قتله یوم أحد قبل أن یقتل* و فی اکتفاء الکلاعی ذکر ابن عقبة انه لما طلب القوم المبارزة فقام إلیه ثلاثة نفر من الانصار استحیا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من ذلک لانه کان أوّل قتال التقی فیه المسلمون و المشرکون و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شاهد معهم فأحب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن تکون الشوکة لبنی عمه فناداهم أن ارجعوا الی مصافکم و لیقم إلیهم بنو عمهم فعند ذلک قام حمزة و علیّ و عبیدة* قال ابن اسحاق ثم تزاحف الناس و دنا بعضهم من بعض و قد أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أصحابه أن لا یحملوا علی المشرکین حتی یأمرهم و قال ان کبتکم القوم فانضحوهم عنکم بالنبل و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی العریش و معه أبو بکر الصدّیق و عدّل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ صفوف أصحابه و فی یده قدح یعدّل به القوم فمرّ بسواد بن غزیة حلیف بنی عدی بن النجار و هو مستنثل من الصف أی بارز فطعن فی بطنه بالقدح و قال استویا سواد فقال یا رسول اللّه أوجعتنی و قد بعثک اللّه بالحق و العدل فأقدنی فکشف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن بطنه و قال استقد فاعتنقه فقبل بطنه فقال ما حملک علی هذا یا سواد قال یا رسول اللّه حضر ما تری فأردت أن یکون آخر العهد بک أن یمس جلدی جلدک فدعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم له بخیر ثم عدّل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الصفوف و رجع الی العریش فدخله و معه فیه أبو بکر لیس معه فیه غیره و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یناشد ربه ما وعده من النصر و یقول فیما یقول اللهم ان تهلک هذه العصابة الیوم لا تعبد فی الارض أبدا و أبو بکر یقول یا نبیّ اللّه یکفیک بعض مناشدتک ربک فانّ اللّه منجز لک ما وعدک* روی النسائی و الحاکم عن علیّ أنه قال قاتلت یوم بدر شیئا من قتال ثم جئت فاذا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول فی سجوده یا حیّ یا قیوم فرجعت فقاتلت ثم جئت فوجدته کذلک* و فی المواهب اللدنیة فی صحیح مسلم عن ابن عباس قال عمر بن الخطاب لما کان یوم بدر نظر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی المشرکین و هم ألف و أصحابه ثلاثمائة و بضعة عشر دخل العریش فاستقبل القبلة و مدّ یده و جعل یهتف بربه اللهم أنجز لی ما وعدتنی فما زال یهتف بربه مدّا یدیه حتی سقط رداؤه عن منکبیه فأخذ أبو بکر رداءه فألقاه علی منکبیه ثم التزمه من ورائه و قال یا نبیّ اللّه کفاک مناشدتک ربک فانه سینجز لک ما وعدک فأنزل اللّه تعالی اذ تستغیثون ربکم فاستجاب لکم أنی ممدکم مرسل إلیکم مددا لکم بألف من الملائکة مردفین متتابعین بعضهم فی اثر بعض و علی قراءة فتح الدال معناه أردف اللّه المسلمین و جاءهم بهم مددا و فی الآیة الاخری بثلاثة آلاف من الملائکة منزلین فقیل فی معناه ان الالف أردفهم بثلاثة آلاف فکان الاکثر مدد اللاقل و کان الالف مردفین لمن وراءهم و الالف هم الذین قاتلوا مع المؤمنین و هم الذین قال اللّه لهم فثبتوا الذین آمنوا و کانوا فی صورة الرجال و یقولون للمؤمنین اثبتوا فان عدوّکم قلیل و انّ اللّه معکم* و قال الربیع ابن أنس أمد اللّه المسلمین بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف قال ابن اسحاق و قد خفق رسول اللّه خفقة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:380
و هو فی العریش ثم انتبه* و فی روایة البخاری أخذته صلّی اللّه علیه و سلم سنة من النوم ثم استیقظ متبسما فقال ابشر یا أبا بکر أتاک نصر اللّه هذا جبریل آخذ بعنان فرسه یقوده علی ثنایاه النقع یرید الغبار و قد رمی مهجع مولی عمر بسهم فقتل فکان أوّل قتیل من المسلمین ثم رمی حارثة بن سراقة أحد بنی عدی ابن النجار و هو یشرب من الحوض بسهم فأصاب نحره فقتل ثم خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الناس و هو یثب فی الدرع و یقول سیهزم الجمع و یولون الدبر فحرّضهم و نفل کل امرئ ما أصاب و قال و الذی نفس محمد بیده لا یقاتلهم الیوم رجل فیقتل صابرا محتسبا مقبلا غیر مدبرا لا أدخله اللّه الجنة فقال عمیر بن الحمام أخو بنی سلمة و فی یده تمرات یأکلهنّ بخ بخ فما بینی و بین أدخل الجنة الا أن یقتلنی هؤلاء فقذف التمرات من یده و أخذ سیفه فقاتل القوم حتی قتل و هو یقول
رکضا الی اللّه بغیر الزادالا التقی و العمل المفاد
و الصبر فی اللّه علی الجهادو کل زاد عرضة النفاد
غیر التقی و البر و الرشاد
و فی المشکاة فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قوموا الی جنة عرضها السموات و الارض قال عمیر ابن الحمام بخ بخ فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما یحملک علی قولک بخ بخ قال لا و اللّه یا رسول اللّه الارجاء أن أکون من أهلها قال فانک من أهلها فأخرج تمرات من کرزه أی جعبته فجعل یأکل منهنّ ثم قال لئن أنا حییت حتی آکل تمراتی انها الحیاة طویلة قال فرمی بما کان معه من التمرات ثم قاتلهم حتی قتل رواه مسلم قال و التقی الناس و دنا بعضهم من بعض قال أبو جهل اللهمّ من کان أقطعنا رحما فأتی بما لا یعرف فأحنه الغداة و کان هو المستفتح علی نفسه و قال یومئذ عوف بن الحارث و هو ابن عفراء یا رسول اللّه ما ذا یضحک الرب من عبده قال غمسة یده فی العدوّ حاسرا فنزع درعا کانت علیه فقذفها ثم أخذ سیفه فقاتل القوم حتی قتل‌

لطیفة انقلاب العصا سیفا

و قاتل عکاشة بن محصن الاسدی حلیف بنی عبد شمس یوم بدر بسیفه حتی انقطع فی یده فأتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأعطاه جذلا من حطب فقال قاتل بهذا یا عکاشة فلما أخذه هزه فعاد فی یده سیفا طویل القامة شدید المتن أبیض الحدید فقاتل به حتی فتح اللّه علی المسلمین و کان ذلک السیف یسمی العون ثم لم یزل عنده حتی قتل فی الردّة و هو عنده قتله طلیحة الاسدی ثم انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قریشا ثم قال شاهت الوجوه ثم نفحهم بها ثم أمر أصحابه فقال شدوا فکانت الهزیمة و جعل اللّه تلک الحصباء عظیما شأنها لم تترک من المشرکین رجلا إلا ملأت عینیه و استولی علیهم المسلمون معهم اللّه و ملائکته یقتلونهم و یأسرونهم و یجدون النفر کل رجل منهم مکب علی وجهه لا یدری أین یتوجه یعالج التراب ینزعه من عینیه فقتل اللّه من قتل من صنادید قریش و أسر من أسر من أشرافهم* قال قتادة و ابو زید ذکر لنا ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أخذ یوم بدر ثلاث حصیات فرمی بحصاة فی میمنة القوم و بحصاة فی میسرة القوم و بحصاة فی أظهرهم و قال شاهت الوجوه فانهزموا فذلک قوله تعالی و ما رمیت اذ رمیت و لکن اللّه رمی* و فی معالم التنزیل تناول کفا من حصی علیه تراب فرمی فی وجوه القوم و قال شاهت الوجوه فلم یبق مشرک الا دخل فی عینیه و فی فمه و منخره منها شی‌ء فانهزموا ورد فهم المؤمنون یقتلونهم و یأسرونهم* و قال حکیم بن حزام لما کان یوم بدر سمعنا صوتا من السماء الی الارض کأنه صوت حصاة وقعت فی طست حین رمی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تلک الحصیات فانهزمنا فذلک قوله تعالی و ما رمیت اذ رمیت و لکن اللّه رمی و قال نوفل بن معاویة انهزمنا یوم بدر و نحن نسمع کوقع الحصاة فی الطساس فی أفئدتنا من خلفنا و کان ذلک أشدّ الرعب علینا فلما وضع القوم أیدیهم یأسرون و سعد بن معاذ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:381
قائم علی باب العریش الذی فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم متوشحا السیف فی نفر من الانصار یحرسون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یخافون علیه کرة العدوّ رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی وجه سعد الکراهیة لما یصنع الناس فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لکأنک یا سعد تکره ما یصنع القوم قال أجل و اللّه یا رسول اللّه کانت أوّل وقعة أوقعها اللّه بأهل الشرک فکان الاثخان فی القتل أحب الیّ من استبقاء الرجال و قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ لاصحابه انی قد عرفت ان رجالا من بنی هاشم و غیرهم قد أخرجوا کرها و لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقی منکم أحدا من بنی هاشم فلا یقتله و من لقی أبا البختری بن هشام بن الحارث بن أسد فلا یقتله و اسم أبی البختری العاصی بن هشام و من لقی العباس بن عبد المطلب عم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلا یقتله فانه انما خرج مستکرها قال أبو حذیفة أ نقتل آباءنا و أبناءنا و اخواننا و عشیرتنا و نترک العباس و اللّه لئن لقیته لألجمنه بالسیف فبلغت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال لعمر بن الخطاب یا أبا حفص قال عمر و اللّه انه لاوّل یوم کنانی فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بأبی حفص أ یضرب وجه عم رسول اللّه بالسیف فقال عمر یا رسول اللّه دعنی فلاضربن عنقه بالسیف فو اللّه لقد نافق فکان أبو حذیفة یقول ما أنا بآمن من تلک الکلمة التی قلت یومئذ و لا أزال منها خائفا الا أن تکفرها عنی الشهادة فقتل یوم الیمامة شهیدا و انما نهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن قتل أبی البختری لانه کان أکف القوم عنه بمکة و کان لا یؤذیه و لا یبلغه عنه شی‌ء یکرهه و کان ممن قام فی نقض الصحیفة التی کتبتها قریش علی بنی هاشم و بنی المطلب فلقیه المجذر بن زیاد البلوی حلیف الانصار یوم بدر فقال له ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد نهانا عن قتلک و مع أبی البختری زمیل له خرج معه من مکة و هو رجل من بنی لیث اسمه جنادة بن ملیحة بنت زهیر قال و زمیلی فقال له المجذر لا و اللّه ما نحن بتارکی زمیلک ما أمرنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الا بک وحدک قال لا و اللّه اذا لا موتن أنا و هو جمیعا لا تحدّث عنی نساء مکة أنی ترکت زمیلی حرصا علی الحیاة و قال یرتجز
لن یسلم ابن حرة زمیله‌حتی یموت أو یری سبیله فاقتتلا فقتله المجذر ثم أتی المجذر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال و الذی بعثک بالحق انی جهدت علیه أن یستأسر فآتیک به فأبی الا أن یقاتلنی فقاتلته فقتلته* و قال موسی بن عقبة یزعم ناس ان أبا الیسر قتل أبا البختری و یأبی معظم الناس الا أن المجذر هو الذی قتله ثم أضرب ابن عقبة عن القولین و قال بل قتله بغیر شک أبو داود المازنی و سلبه سیفه فکان عند بنیه حتی باعه بعضهم من بعض بنی أبی البختری و کان المجذر قد ناشده أن یستأسر و أخبره بنهی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عن قتله فأبی أبو البختری أن یستأسر و شدّ علیه المجذر بالسیف و طعنه الانصاری یعنی أبا داود المازنی بین ثدییه فأجهز علیه فقتله کذا فی الاکتفاء* قال ابن هشام حدّثنی أبو عبیدة و غیره ان عمر بن الخطاب قال لسعید بن العاصی انی أراک کانّ فی نفسک شیئا اراک تظنّ أنی قتلت أباک انی لو قتلته لم أعتذر إلیک من قتله و لکنی قتلت خالی العاصی بن هشام بن المغیرة فأما أبوک فانی مررت به و هو یبحث بحث الثور بروقه فجزت عنه و قصد له ابن عمه علیّ فقتله* و قال عبد الرحمن بن عوف کان أمیة بن خلف لی صدیقا بمکة و کان اسمی عبد عمرو فلما أسلمت تسمیت عبد الرحمن فکان یلقانی فیقول لی یا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماکه أبوک فأقول نعم فیقول فانی لا أعرف الرحمن فاجعل بینی و بینک شیئا أدعوک به أما أنت فلا تجیبنی باسمک الاوّل و أما أنا فلا أدعوک بما لا أعرف فقلت یا أبا علیّ اجعل ما شئت قال فأنت عبد الاله فقلت نعم حتی اذا کان یوم بدر مررت به و هو واقف مع ابنه علیّ بن أمیة آخذا بیده و معی
أدراع لی قد استلبتها فأنا أحملها فلما رآنی قال یا عبد عمرو فلم أجبه فقال یا عبد الا له فقلت نعم فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:382
هل لک فیّ فأنا خیر لک من هذه الا دراع التی معک قال قلت نعم فطرحت الا دراع من یدی و أخذت بیده و ید ابنه علیّ و هو یقول ما رأیت کالیوم قط أ ما لکم حاجة فی اللبن یرید الفداء ثم خرجت أمشی بهما قال عبد الرحمن قال أمیة فأنا بینه و بین ابنه علیّ آخذا بأیدیهما فقال یا عبد الا له من الرجل منکم المعلم بریشة نعامة فی صدره قلت ذلک حمزة بن عبد المطلب قال ذلک الذی فعل بنا الافاعیل* قال عبد الرحمن فو اللّه انی لاقودهما اذ رآه بلال و کان هو الذی یعذبه بمکة علی ترک الاسلام فیخرجه الی رمضاء مکة اذا حمیت فیضجعه علی ظهره ثم یأمر بالصخرة العظیمة فتوضع علی صدره ثم یقول لا تزال هکذا أو تفارق دین محمد فیقول بلال أحد أحد فلما رآه بلال قال رأس الکفر أمیة بن خلف لا نجوت ان نجوت قال قلت أی بلال أ بأسیری قال لا نجوت ان نجا قلت أ تسمع یا ابن السوداء قال لا نجوت ان نجا ثم صرخ بأعلی صوته یا أنصار اللّه رأس الکفر أمیة بن خلف لا نجوت ان نجا فأحاطوا بنا حتی جعلونا فی مثل الشبکة و أنا اذب عنه فأخلف رجل السیف فضرب رجل ابنه فوقع و صاح أمیة صیحة ما سمعت مثلها قط فقلت انج بنفسک و لا نجاء به فو اللّه ما أغنی عنک شیئا فهبروهما بأسیافهم حتی فرغوا منهما فکان عبد الرحمن یقول رحم اللّه بلا لا ذهبت أدراعی و فجعنی بأسیری* و قاتلت الملائکة یوم بدر قال ابن عباس و لم تقاتل فی یوم سواه و کانوا یکونون فیما سواه من الایام عددا و مددا لا یضربون و قیل لم تقاتل الملائکة لا فی یوم بدر و لا فی غیره و انما کانوا یکثرون السواد و یثبتون المؤمنین و الا فملک واحد یکفی فی اهلاک أهل الدنیا فان جبریل أهلک بریشة واحدة من جناحه مدائن قوم لوط و أهلک ثمود و قوم صالح بصیحة واحدة و کانت سیماهم یوم بدر عمائم بیضا قد أرسلوها فی ظهورهم و یوم حنین عمائم حمرا* و ذکر ابن هشام عن علیّ فی سیماء الملائکة یوم بدر مثل ما قال ابن عباس الا جبریل فان فی حدیث علیّ أنه کانت علیه عمامة صفراء* قال ابن عباس حدّثنی رجل من غفار قال أقبلت أنا و ابن عمّ لی حتی أصعدنا فی جبل یشرف بنا علی بدر و نحن مشرکان ننتظر لمن تکون الدبرة فننتهب مع من ینتهب فبینا نحن فی الجبل اذ دنت منا سحابة فسمعنا منها حمحمة الخیل فسمعت قائلا یقول أقدم حیزوم فأما ابن عمی فانکشف قناع قبله فمات مکانه و أما أنا فکدت أهلک ثم تماسکت* و قال أبو سعید الساعدی بعد أن ذهب بصره و کان شهد بدرا لو کنت الیوم ببدر و معی بصری لأریتکم الشعب الذی خرجت منه الملائکة لا أشک و لا أتماری* و قال أبو داود المازنی انی لا تبع رجلا من المشرکین یوم بدر لا ضربه اذ وقع رأسه قبل أن یصل إلیه سیفی فعرفت انه قد قتله غیری* روی انه جاءت یوم بدر ریح شدیدة لم یر مثلها ثم ذهبت فجاءت ریح أخری ثم ذهبت و جاءت ریح أخری فکانت الاولی جبریل فی ألف من الملائکة مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الثانیة میکائیل فی ألف من الملائکة عن میمنة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الثالثة اسرافیل فی ألف من الملائکة عن میسرته* و فی الکشاف نزل جبریل فی خمسمائة ملک علی المیمنة و فیها أبو بکر و میکائیل فی خمسمائة ملک علی المیسرة و فیها علیّ بن أبی طالب قال اللّه تعالی انی ممدّکم بألف من الملائکة* و فی أنوار التنزیل قیل أمدّ اللّه یوم بدر أوّلا بألف من الملائکة ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف و کانت سیماء الملائکة یوم بدر انهم علی صورة الرجال علیهم ثیاب بیض و عمائم قد أرخوا أذنابها بین اکتافهم خضر و صفر و حمر و بیض* و فی الصفوة ان الزبیر بن العوام کان علیه یوم بدر ریطة صفراء معتجرا بها و کان علی المیمنة فنزلت الملائکة علی سیماه* و فی الحدیث ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال لاصحابه یوم بدر تسوّموا فان الملائکة قد تسوّمت بالصوف الابیض فی قلانسهم و مغافرهم کذا فی معالم التنزیل و الصوف فی خیلهم و کانت خیلا بلقا و کان المشرکون یسمعون صهیل خیلهم و لا یرونها و قال قتادة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:383
و الضحاک کانت الملائکة قد أعلموا بالعهن فی نواصی الخیل و أذنابها* و فی خلاصة الوفاء عن حکیم بن حزام قال رأیت یوم بدر قد وقع بوادی خلیص بجاد من السماء قد سدّ الافق فاد الوادی یسیل نملا فوقع فی نفسی أنه شی‌ء من السماء أید به محمد صلّی اللّه علیه و سلم فما کانت الا الهزیمة* و عن أبی أمامة بن سهل بن حنیف قال قال لی أبی یا بنی لقد رأیتنا یوم بدر و ان أحدنا لیشیر بسیفه الی المشرک فیقع رأسه عن جسده قبل أن یصل إلیه السیف* و قال عکرمة کان یومئذ یندر رأس الرجل لا یدری من ضربه و یندر ید الرجل لا یدری من ضربه روی ان رجلا من الانصار اتبع کافرا لیقتله فقبل أن یصل إلیه سمع صوتا یقول أقدم حیزوم فرأی الکافر الذی قدّامه وقع صریعا و قد شق و جرح وجهه و انکسر أنفسه فجاء الانصاری الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأخبره بما رآه فقال علیه السلام صدقت فهو من مدد السماء* و فی المواهب اللدنیة قال ابن الانباری کانت الملائکة لا تعلم کیف تقتل الآدمیون فعلمهم اللّه تعالی بقوله فاضربوا فوق الاعناق أی الرءوس و اضربوا منهم کل بنان قال عطیة کل مفصل و قال السهیلی جاء فی التفسیر انه ما وقعت ضربة یوم بدر الا فی رأس أو مفصل و کانوا یعرفون قتلی الملائکة من قتلاهم بآثار سود فی الاعناق و فی البنان* و فی خلاصة الوفاء قال المرجانی شهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بدرا بسیفه الذی یدعی العضب و ضربت طبلخانة النصر ببدر فهی تضرب الی یوم القیامة*

لطیفة فی استماع الطبل ببدر کطبل الملوک‌

قال القسطلانی فی المواهب اللدنیة یقال انها تسمع ببدر کهیئة طبل ملوک الوقت و یرون ان ذلک لنصر أهل الایمان و قال أنا جرّبتها فسمعت صوت طبل سماعا محققا لا شک انه صوت طبل ثم نزلنا ببدر فظللت أسمع ذلک الصوت یومی أجمع المرّة بعد المرّة قال و لقد أخبرت أن ذلک الصوت لا یسمعه جمیع الناس* و قال مؤلف الکتاب حسین بن محمد الدیار بکری عفا اللّه عنهما و أنا جرّبتها فی سنة ست و ثلاثین و تسعمائة وقت اجتیازی ببدر قافلا من المدینة المشرّفة الی مکة المکرّمة فنزلنا بدرا و أقمنا فیه یوما و لما صلیت الفجر یوم الاربعاء من أوائل شعبان ابتکرت نحو ذلک الصوت و کان یجی‌ء من کثیب ضخم طویل مرتفع کالجبل شمالی بدر فطلعت علی الکثیب ثم تتابع الناس لسماع ذلک الصوت و کانوا زها مائة انسان من الرجال و النساء فی الشقادف و غیرها و ما سمعت شیئا من أعلا الکثیب فنزلت أسفل فسمعت من سفح ذلک الکثیب صوتا کهیئة الطبل الکبیر سماعا محققا بلا شک مرارا متعدّدة و کذلک سائر الناس کانوا یسمعونه مثل ما سمعت بلا شبهة و مکثنا فیه زمانا طویلا و کان الصوت یجی‌ء تارة من تحتنا ثم ینقطع و تارة من خلفنا ثم ینقطع و تارة من قدّامنا و تارة عن یمیننا و تارة عن شمالنا و علی کل الهیئات کنا نسمع الصوت قائما و قاعدا و متکئا سماعا محققا بلا شبهة و کان الوقت صحوا راکدا لا ریح فیه* قال ابن اسحاق و أقبل أبو جهل یوم بدر یرتجز و هو یقاتل و یقول
ما تنقم الحرب العوان منی‌بازل عامین حدیث سنّ
لمثل هذا ولدتنی أمی
و کان أوّل من لقیه فیما ذکر معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بنی سلمة قال سمعت القوم و أبو جهل فی مثل الحرجة یقولون أبو الحکم لا یخلص إلیه فلما سمعتها جعلته من شأنی فصمدت نحوه فلما أمکننی حملت علیه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه فو اللّه ما شبهتها حین طاحت الا بالنواة حین نطیح من تحت مرضخة النوی حین یضرب بها و ضربنی ابنه عکرمة علی عاتقی فطرح یدی فتعلقت بجلدة من جنبی و أجهضنی القتال عنه فلقد قاتلت عامة یومی و انی لا سحبها خلفی فلما آذتنی وضعت علیها قدمی ثم تمطیت بها علیها حتی طرحتها و عاش بعد ذلک معاذ هذا الی زمان عثمان کذا فی الاکتفاء* و فی المواهب اللدنیة جاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ فیما ذکره القاضی عیاض عن ابن وهب معاذ بن عمرو یحمل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:384
یده ضربه عکرمة علیها فتعلقت بجلدة فبصق صلّی اللّه علیه و سلم علیها فلصقت و هو مخالف لما قال طرحتها کما مرّ آنفا قال ابن اسحاق ثم عاش بعد ذلک حتی کان زمن عثمان ثم مرّ بأبی جهل و هو عقیر معوذ بن عفراء فضربه حتی أثبته فترکه و به رمق و قاتل معوذ حتی قتل فمرّ عبد اللّه بن مسعود بأبی جهل حین أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالتماسه فی القتلی و قد قال صلّی اللّه علیه و سلم أنظروا ان خفی علیکم فی القتلی الی أثر جرح فی رکبته فانی ازدحمت یوما أنا و هو علی مأدبة لعبد اللّه بن جدعان و نحن غلامان و کنت أشف منه بیسیر فدفعته فوقع علی رکبتیه فجحشته فی احداهما جحشا لم یزل أثره بها قال عبد اللّه بن مسعود فوجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلی علی عنقه قال و قد کان ضبث بی مرّة بمکة فآذانی و لکزنی ثم قلت له هل أخزاک اللّه یا عدوّ اللّه قال بما ذا أخزانی أعمد من رجل قتلتموه و فی الصحاح قال أبو جهل أعمد من سید قتله قومه أی هل زاد علی هذا قال ابن هشام و یقال أعار علی رجل قتلتموه أخبرنی لمن الدبرة الیوم قلت للّه و لرسوله قال ابن اسحاق و زعم رجال من بنی مخزوم ان ابن مسعود کان یقول قال لی لقد ارتقیت یا رویعی الغنم مرتقی صعبا ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقلت یا رسول اللّه هذا رأس عدوّ اللّه أبی جهل فقال آللّه الذی لا إله غیره و کانت یمین رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قلت نعم و اللّه الذی لا إله غیره ثم ألقیت رأسه بین یدیه فحمد اللّه و خرج مسلم فی صحیحه عن عبد الرحمن بن عوف قال بینا أنا واقف فی الصف یوم بدر فنظرت عن یمینی و شمالی فاذا أنا بین غلامین من الانصار حدیثة أسنانهما فتمنیت لو کنت بین أضلع منهما فغمزنی أحدهما فقال یا عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم و ما حاجتک إلیه یا ابن أخی قال أخبرت انه یسب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الذی نفسی بیده لئن رأیته لا یفارق سوادی سواده حتی یموت الاعجل منا قال فتعجبت لذلک فغمزنی الآخر فقال مثلها قال فتعجبت لذلک فما سرّنی انی بین رجلین مکانهما فلم انشب ان نظرت الی أبی جهل یجول فی الناس فقلت أ لا تریان هذا صاحبکما الذی تسألانی عنه فابتدراه فضرباه بسیفیهما حتی قتلاه ثم انصرفا الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبراه فقال أیکما قتله فقال کل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سیفیکما قالا لا فنظر فی السیفین فقال کلا کما قتله و قضی بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح و الرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح و معاذ بن عفراء متفق علیه کذا فی الاکتفاء و المشکاة* و فیه ذکر ابن عقبة أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم وقف یوم بدر علی القتلی فالتمس أبا جهل فلم یجده حتی عرف ذلک فی وجه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال اللهمّ لا یعجزن فرعون هذه الامة فسعی له الرجال حتی وجده عبد اللّه بن مسعود مصروعا بینه و بین المعرکة غیر کثیر مقنعا بالحدید واضعا سیفه علی فخذیه لیس به جرح و لا یستطیع أن یحرّک منه عضوا و هو مکب ینظر الی الارض فلما رآه ابن مسعود طاف حوله لیقتله و هو خائف ان ینوء إلیه فلما دنا منه و أبصره لا یتحرک ظن انه مثبت جراحا فأراد أن یضربه بسیفه فخاف أن لا یغنی شیئا فأتاه من ورائه فتناول قائم سیف أبی جهل فاستله و هو مکب لا یتحرک ثم رفع سابغة البیضة عن قفاه فضربه فوقع رأسه بین یدیه ثم سلبه فلما نظر إلیه فاذا هو لیس به جراح و أبصر فی عنقه جدرا و فی بدنه و کتفه مثل آثار السیاط فأتی ابن مسعود النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأخبره بقتله و الذی رأی به فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ذلک ضرب الملائکة* و فی المنتقی فی روایة عن عبد اللّه بن مسعود قال انتهیت الی أبی جهل یوم بدر و قد ضربت رجله و هو صریع و هو یذب الناس عنه بسیف له فقلت الحمد للّه الذی أخزاک یا عدوّ اللّه قال هل أنا إلّا رجل قتله قومه فجعلت أتناوله بسیف لی غیر طائل و أصبت یده فندر سیفه فأخذته
فضربته حتی قتلته ثم خرجت حتی أتیت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کأنما أقلّ من الارض فأخبرته فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:385
اللّه الذی لا إله الا هو فردّدها قال قلت اللّه الذی لا إله الا هو قال فخرج یمشی معی حتی قام علیه فقال الحمد للّه الذی أخزاک یا عدوّ اللّه هذا کان فرعون هذه الامة* و فی الینابیع بینما أبو جهل یجول علی فرسه فی المعرکة اذ أصابه رمح ملک فی صدره و یقال کان رمح میکائیل فصرع عن فرسه فرآه عبد اللّه بن مسعود صریعا فبادر إلیه و جلس علی صدره ففتح أبو جهل عینه فرآه فقال یا رویعی الغنم لقد ارتقیت مرتقی صعبا و قال لمن الدبرة أی الغلبة قال للّه و لرسوله یا عدوّ اللّه قال أنت تقتلنی انما قتلنی الذی لم یصل سنانی سنبک دابته و ان اجتهدت فسل عبد اللّه سیفه لیحتز به رأسه فلم یصنع شیئا و کان سیفا غیر طائل فقال أبو جهل خذ سیفی هذا فاحتز به فأخذ سیفه فاجتهد فی سله فلم یقدر علیه فقال أبو جهل ناولنی مقبضه و امسک بجفنه ففعل فلما جرّ بقی الجفن فی ید عبد اللّه و السیف فی ید أبی جهل صلتا فأهوی به الی رجل عبد اللّه فجرحه و فی روایة لما قال أبو جهل ناولنی المقبض قال عبد اللّه یا عدوّ اللّه ترید بی المکر فناول أبا جهل الجفن و قبض هو بمقبضه فلما جرّد السیف قال له أبو جهل یا عبد اللّه اذا حززت رأسی فاحتز من أصل العنق لیری عظیما مهیبا فی عین محمد و قل له ما زلت عدوّ الی سائر الدهر و الیوم اشدّ عداوة فلما أتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عبد اللّه برأس أبی جهل و أخبره بما قاله أبو جهل قال صلی اللّه علیه و سلم کما انی أکرم النبیین علی اللّه و أمّتی أکرم الامم عند اللّه کذلک فرعون هذه الامّة أشدّوا غلظ من فراعنة سائر الامم اذ فرعون موسی حین غرق قال آمنت أنه لا إله الا الذی آمنت به بنو اسرائیل و فرعون هذه الامّة ازداد عداوة و کفرا أو کما قال* و فی کنز العباد روی أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما أتی برأس أبی جهل یوم بدر و ألقی بین یدیه سجد للّه عز و جل خمس سجدات شکر اللّه و لهذا قال الفقهاء یستحب للعبد أن یسجد للشکر اذا اندفعت عنه بلیة أو أصابته نعمة و أیضا یعلم من هذا جواز تعدّد السجدة و فی کنز العباد أیضا روی أنه صلّی اللّه علیه و سلم قرأ آیة السجدة فی سورة انشقت فسجد للّه عز و جل عشر سجدات للشکر لما فیه من الخضوع و التعبد و علیه الفتوی* قال ابن هشام فی سیرته و نادی أبو بکر الصدّیق ابنه عبد الرحمن و هو یومئذ مع المشرکین أین مالی یا خبیث فقال عبد الرحمن عند ذلک
لم یبق غیر شکة و یعبوب‌و صارم یقتل ضلال الشیب و فی الکشاف دعا أبو بکر ابنه یوم بدر الی البراز و قال لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دعنی أکن فی الرعلة الاولی قال متعنا بنفسک یا أبا بکر أ ما تعلم انک عندی بمنزلة سمعی و بصری و أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالقتلی أن یطرحوا فی القلیب فطرحوا فیه الا ما کان من أمیة بن خلف فانه انتفخ فی درعه فملأها فذهبوا لیحرّکوه فتزایل لحمه و تقطعت أوصاله فأقرّوه فی مکانه و ألقوا علیه ما غیبه من التراب و الحجارة و یقال لما ألقوهم فی القلیب وقف علیهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا أهل القلیب بئس عشیرة النبیّ کنتم لنبیکم کذبتمونی و صدّقنی الناس و أخرجتمونی و آوانی الناس و قاتلتمونی و نصرنی الناس یا أهل القلیب هل وجدتم ما وعد ربکم حقا فانی قد وجدت ما وعدنی ربی حقا قال له أصحابه یا رسول اللّه أتکلم أقواما موتی فقال لهم لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا قالت عائشة و الناس یقولون لقد سمعوا ما قلت لهم و انما قال رسول اللّه لقد علموا و فی حدیث أنس ان المسلمین قالوا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین نادی أهل القلیب یا رسول اللّه أ تنادی قوما قد جیفوا فقال ما أنتم بأسمع منهم لما أقول و لکنهم لا یستطیعون أن یجیبونی* و ذکر ابن عقبة نحوا من ذلک عن نافع عن عبد اللّه بن عمر و فی المنتقی باسناد صاحبه الی البخاری أمر یوم بدر بأربعة و عشرین رجلا من صنادید قریش فقذفوا فی طوی من أطواء بدر خبیث مخبث و کان اذا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:386
ظهر علی قوم أقام بالعرصة ثلاث لیال فلما کان ببدر الیوم الثالث أمر براحلته فشدّ علیها رحلها ثم مشی و اتبعه أصحابه قالوا ما نراه ینطلق الا لبعض حاجته حتی قام علی شفة الرکی فجعل ینادیهم بأسمائهم و أسماء آبائهم یا فلان بن فلان و یا فلان بن فلان أ یسرکم أنکم أطعتم اللّه و رسوله فانا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربکم حقا قال عمر یا رسول اللّه ما تکلم من أجساد لا أرواح فیها فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الذی نفس محمد بیده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم و فی روایة ما أنتم بأسمع منهم و لکن لا یجیبون متفق علیه و زاد البخاری قال قتادة أحیاهم اللّه حتی أسمعهم قوله توبیخا و تصغیرا و نقمة و حسرة و ندما و للّه درّ العلامة ابن جابر لقد أحسن حیث قال
بدا یوم بدر و هو کالبدر حوله‌کواکب فی أفق الکواکب تنجلی
و جبریل فی جند الملائک دونه‌فلم تغن أعداد العدوّ المخذل
رمی بالحصی فی أوجه القوم رمیةفشرّدهم مثل النعام المجفل
و جادلهم بالمشرفیّ فسلموافجاد له بالنفس کل مجدّل
عبیدة سل عنهم و حمزة فاستمع‌حدیثهم فی ذلک الیوم من علی
هم عتبوا بالسیف عتبة اذ عدافذاق الولید الموت لیس له ولی
و شیبة لما شاب خوفا تبادرت‌إلیه العوالی بالخضاب المعجل
و جال أبو جهل فحقق جهله‌غداة تردّی بالردی عن تذلل
فأضحی قلیبا فی القلیب و قومه‌یؤمّونه فیها الی شرّ منهل
و جاءهم خیر الانام موبخاففتح من أسماعهم کل مقفل
و أخبر ما أنتم بأسمع منهم‌و لکنهم لا یهتدون لمقول
سلا عنهم یوم السلا اذ تضاحکوافعاد بکاء عاجلا لم یؤجل
أ لم یعلموا علم الیقین بصدقه‌و لکنهم لا یرجعون بمعقل
فیا خیر خلق اللّه جاهک ملجئی‌و حبک ذخری فی الحساب و موئلی
علیک صلاة یشمل الآل عرفهاو أصحابک الاخیار أهل التفضل و فی الاکتفاء و لما أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بهم أن یلقوا فی القلیب أخذ عتبة بن ربیعة فسحب الی القلیب فنظر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی وجه أبی حذیفة بن عتبة فاذا هو کئیب قد تغیر فقال یا أبا حذیفة لعلک دخلک من شأن أبیک شی‌ء أو کما قال قال لا و اللّه یا رسول اللّه ما شککت فی أبی و لا فی مصرعه و لکن کنت أعرف من أبی رأیا و علما و فضلا فکنت أرجو أن یهدیه ذلک للاسلام فلما رأیت ما أصابه و ذکرت ما مات علیه من الکفر بعد الذی کنت أرجو له أحزننی ذلک فدعا له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال له خیرا و کان فی قریش فتیة أسلموا و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بمکة فلما هاجر الی المدینة حبسهم آباؤهم و عشائرهم بمکة و فتنوهم فافتتنوا ثم ساروا مع قومهم الی بدر فأصیبوا بها جمیعا فنزل فیهم من القرآن فیما ذکر ان الذین توفاهم الملائکة ظالمی أنفسهم قالوا فیم کنتم قالوا کنا مستضعفین فی الارض قالوا أ لم تکن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فیها فأولئک مأواهم جهنم و ساءت مصیرا و أولئک الفتیة الحارث بن زمعة بن الاسود و أبو قیس بن الفاکه و أبو قیس بن الولید بن المغیرة و علیّ بن أمیة بن خلف و العاصی بن منبه بن الحجاج ثم ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أمر بما فی العسکر مما جمع الناس فجمع* و اختلف فیه المسلمون فقال من جمعه فهو لنا و قال الذین کانوا یقاتلون العدوّ و یطلبونه و اللّه لو لا نحن ما أصبتموه و لنحن شغلنا عنکم العدوّ حتی أصبتم ما أصبتم و قال الذین کانوا یحرسون رسول اللّه صلّی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:387
علیه و سلم مخافة أن یخالف العدوّ إلیه و اللّه ما أنتم بأحق به منا لقد رأینا أن نقتل العدوّ اذ منحنا اللّه أکتافهم و لقد رأینا أن نأخذ المتاع حین لم یکن دونه من یمنعه و لکنا خفنا علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کرّة العدوّ فقمنا دونه فما أنتم بأحق به منا فکان عبادة بن الصامت اذا سئل عن الانفال قال فینا معاشر أصحاب بدر نزلت حین اختلفنا فی النفل و ساءت فیه أخلاقنا فنزعه اللّه من أیدینا فجعله الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقسمه بیننا علی بهاء یقول علی السواء فکان فی ذلک تقوی اللّه و طاعته و طاعة رسوله و صلاح ذات البین* و فی الکشاف روی أنه قیل لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین فرغ من بدر علیک بالعیر لیس دونها شی‌ء فناداه العباس و هو فی وثاقه لا یصلح فقال له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم قال لان اللّه تعالی وعدک احدی الطائفین و قد أعطاک ما وعدک* قال ابن اسحاق ثم بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عند الفتح عبد اللّه بن رواحة بشیرا الی أهل العالیة بما فتح اللّه علی رسوله و علی المؤمنین و بعث زید بن حارثة الی أهل السافلة* و فی المواهب اللدنیة و لما فرغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من بدر فی آخر رمضان و أوّل یوم من شوّال بعث زید بن حارثة بشیرا فوصل المدینة ضحی و قد نفضوا أیدیهم من تراب رقیة قال أسامة بن زید فأتانا الخبر حین سوّینا التراب علی رقیة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خلفنی علیها مع زوجها عثمان و ان زید بن حارثة قد قدم قال فجئته و هو واقف بالمصلی و قد غشیه الناس و هو یقول قتل عتبة بن ربیعة و شیبة بن ربیعة و أبو جهل ابن هشام و زمعة بن الاسود و أبو البختری بن هشام و أمیة بن خلف و نبیه و منبه ابنا الحجاج قلت یا أبت أحق هذا قال نعم و اللّه یا بنیّ ثم أقبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قافلا الی المدینة و معه الاساری من المشرکین و هم أربعة و أربعون و فیهم عقبة بن أبی معیط و النضر بن الحارث و جعل علی النفل عبد اللّه ابن کعب من بنی مازن ثم أقبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی اذا خرج من مضیق الصفراء نزل علی کثیب بین المضیق و بین النازیة یقال له سیر کجبل کذا فی القاموس فقسم هناک النفل الذی أفاء اللّه علی المسلمین من المشرکین علی السویة و تنفل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سیفه ذا الفقار و کان لمنبه بن الحجاج و غنم جمل أبی جهل و کان یغزو علیه و کان یضرب فی لقاحه حتی نحره بالحدیبیة و فی أنفه برة فضة کما سیجی‌ء ثم ارتحل حتی اذا کان بالروحاء لقیه المسلمون یهنونه بما فتح اللّه علیه و من معه من المسلمین فقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش ما الذی تهنوننا به فو اللّه ان لقینا إلا عجائز صلعا کالبدن المعقلة فنحرناها فتبسم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم قال أی ابن أخی أولئک الملأ و حین کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله علیّ بن أبی طالب ثم خرج حتی اذا کان بعرق الظبیة قتل عقبة بن أبی معیط* قال ابن اسحاق و الذی أسر عقبة عبد اللّه بن سلمة أحد بنی العجلان و کان کثیرا ما یؤذی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و من أذیته انه وضع مشیمة جزور و سلاه بین کتفیه حین کان فی الصلاة کما مرّ و حین أمر بقتله قال فمن للصبیة یا محمد قال النار فقتله عاصم بن ثابت بن أبی الافلح فی قول ابن عقبة و ابن اسحاق* و قال ابن هشام قتله علیّ بن أبی طالب فیما ذکر ابن شهاب الزهری و غیره قال ابن اسحاق و لقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بذلک الموضع أبو هند مولی فروة بن عمرو البیاضی بحمیت مملوء حیسا و کان قد تخلف عن بدر ثم شهد المشاهد مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کلها و هو کان حجام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انما أبو هند امرؤ من الانصار فانکحوه
و انکحوا إلیه ففعلوا ثم مضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی قدم المدینة قبل الاساری بیوم و قد کان فرّقهم بین أصحابه قال استوصوا بالاساری خیرا و کان أبو عزیز ابن عمیر أخو مصعب بن عمیر لابیه و أمه فی الاساری قال و کنت فی رهط من الانصار حین أقبلوا بی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:388
من بدر فکانوا اذا قدموا غداءهم و عشاءهم خصونی بالخبز و أکلوا التمر لوصیة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ایاهم بنا ما تقع فی ید رجل منهم کسرة من الخبز الا و قد نفحنی بها قال فأستحیی فأردّها علیه فیردّها علیّ ما یمسها قال و مرّ بی أخی مصعب بن عمیر و رجل من الانصار یأسرنی فقال له شدّ یدیک به فان أمه ذات متاع لعلها تفدیه منک قال ابن هشام و کان أبو عزیز صاحب لواء المشرکین ببدر بعد النضر بن الحارث فلما قال أخوه مصعب لابی الیسر و هو الذی أسره ما قال قال له أبو عزیز یا أخی هذه وصایتک بی قال انه أخی دونک فسألت أمه عن أعلی ما فدی به قرشی فقیل لها أربعة آلاف درهم فبعثت أربعة آلاف درهم ففدته بها* و ذکر قاسم بن ثابت فی دلائله ان قریشا لما توجهت الی بدر مرّ هاتف من الجنّ علی مکة فی الیوم الذی وقع بهم المسلمون و هو ینشد بأنفذ صوت و لا یری شخصه یقول
ازار الحنیفیون بدرا وقیعةسینقض منها رکن کسری و قیصرا
أبادت رجالا من لؤیّ و أبرزت‌خرائد یضر بن الترائب حسرا
فیا ویح من أمسی عدوّ محمدلقد حاد عن قصد الهدی و تحیرا فقال قائلهم من الحنیفیون فقال محمد و أصحابه یزعمون انهم علی دین ابراهیم الحنیف ثم لم یلبثوا أن جاءهم الخبر الیقین و کان أوّل من قدم مکة بمصاب قریش الحیسمان بن عبد اللّه الخزاعی فقالوا ما وراءک قال قتل عتبة بن ربیعة و شیبة بن ربیعة و أبو الحکم بن هشام و أمیة بن خلف و زمعة بن الاسود و نبیه و منبه ابنا الحجاج و أبو البختری بن هشام فلما جعل یعدّد أشراف قریش قال صفوان بن أمیة و هو قاعد فی الحجر و اللّه ان یعقل هذا فسلوه عنی قالوا ما فعل صفوان بن أمیة قال ها هو ذاک جالس فی الحجر و قد و اللّه رأیت أباه و أخاه حین قتلا و قال أبو رافع مولی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کنت غلاما للعباس ابن عبد المطلب و کان الاسلام قد دخلنا اهل البیت فأسلم العباس و أسلمت أم الفضل و کان العباس یهاب قومه و یکره خلافهم فکان یکتم اسلامه و کان ذا مال کثیر متفرّق فی قومه و کان أبو لهب قد تخلف عن بدر فبعث مکانه العاصی بن هشام بن المغیرة کما مرّ فلما جاءه الخبر عن مصاب أهل بدر من قریش کبته اللّه و أخزاه و وجدنا فی أنفسنا قوّة و عزة و کنت أعمل الاقداح فی حجرة زمزم فو اللّه انی لجالس فیها أنحت أقداحی و عندی أمّ الفضل جالسة و قد سرّنا ما جاءنا من الخبر اذ أقبل أبو لهب یجرّ رجلیه بشرّ حتی جلس الی طنب الحجرة ظهره الی ظهری فبینا هو جالس اذ قال الناس هذا ابو سفیان بن الحارث ابن عبد المطلب قد قدم مکة فقال أبو لهب هلم الیّ فعندک لعمری الخبر فجلس إلیه و الناس قیام علیه فقال یا ابن أخی اخبرنی کیف کان أمر الناس قال و اللّه ما هو الا أن لقینا القوم فمنحناهم اکتافنا یقتلوننا کیف شاءوا و یأسروننا کیف شاءوا و أیم اللّه مع ذلک ما لمت الناس لقینا رجالا بیضا علی خیل بلق بین السماء و الارض و اللّه ما تبقی شیئا و لا یقوم لها شی‌ء قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة بیدی ثم قلت تلک و اللّه الملائکة فرفع أبو لهب یده و ضرب وجهی ضربة شدیدة فثاورته فاحتملنی و ضرب بی الارض ثم برک علیّ یضربنی و کنت رجلا ضعیفا فقامت أم الفضل الی عمود من عمد الحجرة فضربته به ضربة فلقت فی رأسه شجة منکرة و قالت أ تستضعفه أن غاب عنه سیده فقام مولیا فو اللّه ما عاش الا سبع لیال حتی رماه اللّه بالعدسة فقتلته* و ذکر محمد بن جریر الطبری فی تاریخه ان العدسة قرحة کانت العرب تتشاء بها و یرون انها تعدی أشدّ العدوی فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه و بقی بعد موته ثلاثا لا تقرب جنازته و لا یحاول دفنه فلما خافوا السبة فی ترکه حفروا له ثم دفعوه فی حفرته بعود و قذفوه بالحجارة من بعید حتی واروه و قال ابن اسحاق فی روایة یونس بن بکیر عنه انهم لم یحفروا له و لکن أسندوه الی حائط و قذفوا علیه الحجارة من خلف الحائط حتی واروه* و فی روایة بقی بعد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:389
موته ثلاثا لا یحوم حوله أحد حتی أنتن و بعد ذلک استأجروا حمالین سود حتی أخرجوه من مکة و ألقوه فی مکان و قاموا یرمونه بالحجارة حتی ملؤه کذا فی المنتقی* و یروی انّ عائشة کانت اذا مرّت بموضعه ذلک غطت وجهها و خرج البخاری فی صحیحه انّ أبا لهب رآه بعض أهله فی المنام بشرحیبة أی حالة فقال ما لقیت بعدکم راحة غیر انی سقیت فی مثل هذه و أشار الی النقرة بین السبابة و الابهام بعتقی ثویبة و قد مرّ فی الرکن الاوّل فی ارضاع ثویبة*

فائدة

روی عن الفقیه اسماعیل الحضرمی أنه لما حج الی مکة سأل الشیخ محب الدین الطبری عن القبرین اللذین یرجمان فی أسفل مکة عند جبل البکاء فأجاب الشیخ محب الدین بأن القبرین المرجومین قصتهما أنه أصبح البیت یوما فی دولة بنی العباس ملطخا بالعذرة فرصدوا الفاعل لذلک فمسکوهما بعد أیام فبعث أمیر مکة الی أمیر المؤمنین فی شأنهما فأمر بصلبهما فصلبا فی هذا الموضع فصارا یرجمان الی الآن کذا فی البحر العمیق فما هو المشهور عند أهل مکة من أنهم یقولون انه قبر أبی لهب لیس له أصل* قال ابن اسحاق ناحت قریش علی قتلاهم شهرا ثم قالوا لا تفعلوا فیبلغ محمدا و أصحابه فیشمتوا بکم و لا تبعثوا فی أسراکم حتی تستأنوا بهم لا یتأرب علیکم محمد و أصحابه فی الفداء قال و کان الاسود بن المطلب قد أصیب له ثلاثة من ولده زمعة و عقیل ابناه و الحارث بن زمعة و هو ابن ابنه و کان یحب أن یبکی علیهم فسمع نائحة من اللیل فقال لغلام له و قد ذهب بصره انظر هل أحل النحب و هل بکت قریش علی قتلاها لعلی أبکی علی أبی حکیمة یعنی زمعة فان جوفی قد احترق فلما رجع إلیه الغلام قال انما هی امرأة تبکی علی بعیر لها أضلته قال فذاک حین یقول الاسود
أ تبکی أن یضل لها بعیرو یمنعها من النوم السهود
فلا تبکی علی بکر و لکن‌علی بدر تقاصرت الجدود و قد کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دعا علی الاسود بن المطلب هذا بأن یعمی اللّه بصره و یثکله ولده فاستجیب له وفق دعائه سیق العمی الی بصره أوّلا ثم أصیب یوم بدر بمن سمی آنفا من ولده فتمت اجابة اللّه سبحانه رسوله فیه و کان فی الاساری أبو وداعة بن صبیرة السهمی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان له بمکة ابنا کیسا تاجرا ذا مال فکأنکم به قد جاء فی طلب فداء أبیه فلما قالت قریش لا تعجلوا بفداء أسراکم لا یتأرب علیکم محمد و أصحابه قال المطلب بن ابی وداعة و هو الذی کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عنی صدقتم لا تعجلوا و انسل من اللیل فقدم المدینة فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم ثم بعثت قریش فی فداء الاساری فقدم مکرز بن حفص بن الاحنف فی فداء سهیل بن عمرو و کان الذی أسره مالک بن الدخشم أخو بنی سالم بن عوف فلما قاولهم فیه مکرز فانتهی الی رضاهم قالوا هات الذی لنا قال اجعلوا رجلی مکان رجله و خلوا سبیله حتی یبعث إلیکم بفدائه فخلوا سبیل سهیل و حبسوا مکرز امکانه عندهم و کان سهیل قد قام فی قریش خطیبا عند ما استنفرهم أبو سفیان فقال یا آل غالب أ تارکون أنتم محمدا و الصباة من أهل یثرب یأخذون عیرانکم و أموالکم من أراد مالا فهذا مالی و من أراد قوّة فهذه قوّة فیروی أن عمر بن الخطاب قال لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما أسر سهیل یوم بدر یا رسول اللّه انزع ثنیتی سهیل بن عمرو یدلع لسانه فلا یقوم علیک خطیبا فی موطن أبدا فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا أمثل به فیمثل اللّه بی و ان کنت نبیا و انه عسی أن یقوم مقاما لا نذمه فصدق اللّه رسوله و کان لسهیل بعد وفاته علیه السلام فی تثبیت أهل مکة علی الایمان مقام و کان عمرو بن أبی سفیان بن حرب أسیرا فی یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من أساری بدر قال ابن هشام أسره علی بن أبی طالب فقیل لابی سفیان بن حرب افد عمرا ابنک فقال أ یجمع علی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:390
دمی و مالی قتلوا حنظلة و أفدی عمروا دعوه فی أیدیهم یمسکونه ما بدا لهم فبینا هو کذلک محبوس فی المدینة عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اذ خرج سعد بن النعمان بن أکال أخو بنی عمرو بن عوف معتمرا و معه مریة له و کان شیخا مسلما فی غنم له بالبقیع فخرج من هناک معتمرا و لا یخشی الذی صنع به لم یظنّ أنه یحبس بمکة انما جاء معتمرا و قد کان فی عهد قریش لا یتعرّضون لاحد جاء حاجا أو معتمرا الا بخیر فعدا علیه أبو سفیان بن حرب بمکة فحبسه بابنه عمرو و مشی بنو عمرو بن عوف الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبروه خبره و سألوه أن یعطیهم عمرو بن أبی سفیان فیفکوا به صاحبهم ففعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فبعثوا به الی أبی سفیان فخلی سبیل سعد و کان فی الاساری العباس ابن عبد المطلب أسره أبو الیسر کعب بن عمرو الانصاری و کان رجلا صغیر الجثة و کان العباس رجلا عظیما جسیما قویا فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لابی الیسر کیف أسرته قال أعاننی علیه رجل ما رأیته قبل ذلک و لا بعده فقال لقد أعانک علیه ملک کریم* و فی الصفوة لما کانت أساری بدر کان فیهم العباس فسهر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لیلته فقال له بعض أصحابه ما یسهرک یا نبیّ اللّه قال أنین العباس فقام رجل من المقوم فأرخی من وثاقه فقال رسول اللّه ما بالی ما أسمع أنین العباس فقال رجل من القوم انی أرخیت من وثاقه شیئا قال فافعل ذلک بالاساری کلهم* فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم للعباس افد نفسک و ابنی أخیک عقیل بن أبی طالب و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و حلیفک عتبة بن جحدم فانک ذو مال قال انی کنت مسلما و لکن القوم استکرهونی قال اللّه أعلم باسلامک ان یک ما ذکرت حقا فاللّه یجزیک فأما ظاهر أمرک فقد کان علینا و کان العباس أحد العشرة الذین ضمنوا اطعام أهل بدر و نحر کل منهم یوم نوبته عشرة من الابل و کان حمل معه عشر بن أوقیة من الذهب لیطعم بها الناس و کان یوم بدر نوبته فأراد أن یطعم ذلک الیوم فاقتتلوا و بقیت العشرون أوقیة معه فأخذت منه حین أخذ و أسر فی الحرب فکلم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یحسب العشرین أوقیة من فدائه فأبی و قال أما شی‌ء خرجت لتستعین به علینا فلا أترکه لک* و فی روایة لما قال العباس احسبها فی فدائی قال صلی اللّه علیه و سلم لا فان ذلک شی‌ء أعطاناه اللّه منک و کلفه فداء ابنی أخیه و حلیفه قال ترکتنی أتکفف قریشا ما بقیت فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأین الذهب الذی دفعته الی أمّ الفضل وقت خروجک من مکة و قلت لها انی لا أدری ما یصیبنی فی وجهی هذا فان حدث بی حدث فهذه لک و لعبد اللّه و لعبید اللّه و للفضل و لقثم یعنی بنیه فقال له العباس و ما یدریک قال أخبرنی به ربی جل جلاله فقال له العباس أشهد أنک صادق و أن لا إله الا اللّه و انک عبده و رسوله کذا فی معالم التنزیل* و فی المنتقی لما کلفه علیه السلام بالفداء و لم یحسب الذهب المأخوذ منه قال العباس فلیس لی مال قال فأین مالک الذی وضعته عند أمّ الفضل بمکة حین خرجت و لیس معکما أحد ثم قلت ان أصبت فی سفری هذا فالفضل کذا و کذا و لعبد اللّه کذا و کذا و لقثم کذا و کذا و لعبید اللّه کذا و کذا قال و الذی بعثک بالحق ما علم بهذا أحد غیری و غیرها و انی لأعلم انک رسول اللّه ففدی نفسه و ابنی أخیه و حلیفه و فی العباس نزلت یأیها النبیّ قل لمن فی أیدیکم من الاسری ان یعلم اللّه فی قلوبکم خیرا أی ایمانا یؤتکم خیرا مما اخذ منکم من الفداء و یغفر لکم و اللّه غفور رحیم قال العباس فأبدلنی اللّه عشرین عبدا کلهم تاجر یضرب بمال کثیر و أدناهم بعشرین ألف درهم مکان العشرین أوقیة و أعطانی زمزم و ما أحب أن لی بها جمیع أموال مکة و أنا أنتظر المغفرة من ربی* و فی المواهب اللدنیة ذکر موسی ابن عقبة أن فداءهم کان أربعین أوقیة ذهب و عند أبی نعیم فی الدلائل باسناد حسن من حدیث ابن عباس أنه جعل علی العباس مائة أوقیة و علی
عقیل ثمانین اوقیة فقال له العباس أ للقرابة صنعت هذا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:391
فأنزل اللّه تعالی یأیها النبیّ قل لمن فی أیدیکم من الاسری الآیة قال العباس وددت ان کنت أخذ منی اضعافها لقوله یؤتکم خیرا مما اخذ منکم و کان فی الاساری أیضا أبو العاصی بن الربیع بن عبد العزی بن عبد شمس ختن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زوج ابنته زینب و کان علیه السلام یثنی علیه فی صهره خیرا و کان من رجال مکة المعدودین مالا و أمانة و تجارة و هو ابن اخت خدیجة هالة بنت خویلد و خدیجة سألت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قبل أن ینزل علیه الوحی أن یزوّجه و کان لا یخالفها فزوّجه و کانت تعده بمنزلة ولدها فلما أکرم اللّه رسوله صلّی اللّه علیه و سلم بنبوّته آمنت به خدیجة و بناته فصدّقنه و دنّ بدینه و شهدن ان الذی جاء به هو الحق و ثبت أبو العاصی علی شرکه فلما بادی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قریشا بأمر اللّه و بالعداوة قالوا انکم قد فرّغتم محمدا من همه فردوا علیه بناته فاشغلوه بهنّ فمشوا الی أبی العاصی فقالوا له فارق صاحبتک و نحن نزوجک أیة امرأة من قریش شئت قال لاها اللّه اذا لا أفارق صاحبتی و ما أحب ان لی بها امرأة من قریش ثم مشوا الی عتبة بن أبی لهب و کان رسول اللّه قد زوّجه رقیة أو أمّ کلثوم کذا فی سیرة ابن هشام و اکتفاء الکلاعی و هو مخالف لما فی ذخائر العقبی للطبری و غیر ذلک من کتب السیر من أن رقیة کانت عند عتبة و أمّ کلثوم کانت عند عتیبة ابنی أبی لهب فقالوا لعتبة طلق ابنة محمد و نحن ننکحک أیة امرأة من قریش شئت فقال ان زوّجتمونی ابنة أبان بن سعید بن العاصی أو ابنة سعید بن العاصی فارقتها ففعلوا و فعل و لم یکن دخل بها فأخرجها اللّه من یده کرامة لها و هوانا له و خلف علیها عثمان بن عفان و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لا یحل بمکة و لا یحرم مغلوبا علی أمره و کان الاسلام قد فرق بین زینب ابنته و بین أبی العاصی الا أنه کان لا یقدر ان یفرّق بینهما فأقامت معه علی اسلامها و هو علی شرکه حتی هاجر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلما سارت قریش الی بدر سار فیهم أبو العاصی فاصیب فی الاساری فکان فی المدینة عمد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلما بعث أهل مکة فی فداء أسراهم بعثت زینب بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی فداء أبی العاصی بمال و بعثت فیه بقلادة لها کانت خدیجة أدخلتها بها علی أبی العاصی حین بنی بها فلما رآها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رق لها رقة شدیدة و قال ان رأیتم أن تطلقوا لها أسیرها و تردّوا علیها الذی لها فافعلوا قالوا نعم یا رسول اللّه فأطلقوه و ردّوا علیها مالها و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد أخذ علیه أن یخلی سبیل زینب إلیه أو وعده أبو العاصی بذلک أو شرطه علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی اطلاقه و لم یظهر ذلک منه و لا من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیعلم ما هو الا انه لما خرج أبو العاصی الی مکة و خلی سبیله بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خلفه زید بن حارثة و رجلا من الانصار فقال کونا ببطن یأجج حتی تمرّ بکما زینب فتصحباها حتی تأتیانی بها فخرجا و ذلک بعد بدر بشهر أو سبعة فلما قدم أبو العاصی أمرها باللحوق بأبیها فخرجت تجهز حالها قالت زینب بینا أنا أتجهز بمکة لقیتنی هند ابنة عتبة فقالت یا ابنة محمد أ لم یبلغنی انک تریدین اللحوق بأبیک قلت ما أردت ذلک قالت أی ابنة عمّ لا تفعلی ان کانت لک حاجة بمتاع مما یرفق بک فی سفرک أو بمال تتبلغین به الی أبیک فان عندی حاجتک فلا تخفین منی فانه لا یدخل بین النساء ما یدخل بین الرجال قالت زینب فو اللّه ما أراها قالت ذلک الا لتفعل و لکنی خفتها فأنکرت أن أکون ارید ذلک و لما فرغت بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من جهازها قدّم إلیها حموها کنانة ابن الربیع أخو زوجها بعیرا فرکبته و أخذ قوسه و کنانته ثم خرج بها نهارا یقود بها و هی فی هودج لها و تحدث بذلک رجال قریش فخرجوا فی طلبها حتی أدرکوها بذی طوی فکان أوّل من سبق إلیها
هبار بن الاسود بن المطلب الفهری فروّعها هبار بالرمح و هی فی هودجها و کانت حاملا فلمّا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:392
ریعت طرحت ما فی بطنها* و فی شفاء الغرام الحویرث بن نقید هو الذی نخس بزینب بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین أدرکها هو و هبار بن الاسود و قد مرّ فی الباب السابع فی حوادث السنة الخامسة و العشرین من المولد و برک حموها کنانة و نثر کنانته ثم قال و اللّه لا یدنو منی رجل الا وضعت فیه سهما فتکرکر الناس عنه و أتی أبو سفیان بن حرب فی جلة من قریش فقال أیها الرجل کف عنا نبلک حتی نکلمک فکف فأقبل أبو سفیان حتی وقف علیه فقال انک لم تصب خرجت بالمرأة نهارا علی رءوس الناس علانیة و قد عرفت مصیبتنا و نکبتنا و ما دخل علینا من محمد فیظنّ الناس اذا أخرجت إلیه ابنته علانیة علی رءوس الناس من بین أظهرنا أن ذلک عن ذلّ أصابنا عن مصیبتنا التی کانت و ان ذلک منا ضعف و وهن و لعمری مالنا بحبسها عن أبیها من حاجة و مالنا فی ذلک من ثورة و لکن ارجع المرأة حتی اذا هدأت الاصوات و تحدث الناس أن قد رددناها فسلها سرّا و ألحقها بأبیها ففعل فأقامت لیالی حتی اذا هدأت الاصوات خرج بها لیلا حتی أسلمها الی زید بن حارثة و صاحبه فقدما بها علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لما انصرف الذین خرجوا الی زینب لقیتهم هند بنت عتبة فقالت لهم عند ذلک
أ فی السلم أنما رجفاء و غلظةو فی الحرب أشباه النساء العوارک و عن أبی هریرة أنه قال بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سریة انا فیها فقال لنا ان ظفرتم بهبار بن الاسود أو الرجل الذی سبق معه الی زینب قال ابن هشام و قد سمی ابن اسحاق الرجل فی حدیثه فقال هو نافع بن عبد قیس فحرقوهما بالنار فلما کان الغد بعث إلینا فقال انی قد کنت أمرتکم بتحریق هذین الرجلین ان أخذتموهما ثم رأیت انه لا ینبغی لاحد أن یعذب بالنار الا اللّه فان ظفرتم بهما فاقتلوهما فأقام أبو العاصی بمکة و أقامت زینب عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین فرق بینهما الاسلام حتی اذا کان قبیل الفتح خرج أبو العاصی تاجرا الی الشأم و کان رجلا مأمونا بمال له و أموال لرجال من قریش أبضعوها معه فلما فرغ من تجارته و أقبل قافلا لقیته سریة لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأصابوا ما معه و أعجزهم هاربا فلما قدمت السریة بما أصابوا من ماله أقبل أبو العاصی تحت اللیل حتی دخل علی زینب بنت رسول اللّه فاستجار بها فأجارته و جاء فی طلب ماله فلما خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الصبح فکبر و کبر الناس معه صرخت زینب من صفة النساء أیها الناس انی قد أجرت أبا العاصی بن الربیع فلما سلم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الصلاة أقبل علی الناس فقال أیها الناس هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال أما و الذی نفس محمد بیده ما علمت بشی‌ء حتی سمعت ما سمعتم انه یجیر علی المسلمین ادناهم ثم انصرف فدخل علی ابنته فقال ای بنیة اکرمی مثواه و لا یخلصنّ إلیک فانک لا تحلین له و بعث الی السریة الذین أصابوا مال ابی العاصی فقال لهم ان هذا الرجل منا حیث قد علمتم و قد أصبتم له مالا فان تحسنوا و تردّوا علیه الذی له فانا نحب ذلک و ان أبیتم فهو فی‌ء اللّه الذی أفاء علیکم فأنتم احق به قالوا یا رسول اللّه بل نردّه علیه فردّوه علیه حتی ان الرجل لیأتی بالدلو و یأتی الرجل بالشنة و الإداوة و حتی ان الرجل لیأتی بالشظاظ حتی ردّوا علیه ماله بأسره لم یفقد منه شی‌ء ثم احتمل الی مکة فأدّی الی کل ذی مال من قریش ماله ثم قال یا معشر قریش هل بقی لاحد منکم عندی مال لم یأخذه قالوا لا فجزاک اللّه خیرا فقد وجدناک وفیا کریما قال فانی اشهد ان لا إله الا اللّه و ان محمدا عبده و رسوله و اللّه ما منعنی من الاسلام عنده الاخوف أن تظنوا انی انما اردت ان آکل اموالکم فلما ادّاها اللّه إلیکم و فرغت منها اسلمت ثم خرج حتی قدم علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ردّ علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زینب علی النکاح الاوّل لم یحدث
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:393
شیئا بعد ست سنین فی روایة ابن عباس* و فی الوفاء لما قدم مسلما ردّها علیه بالنکاح الاوّل علی الصحیح و ذلک بعد صلح الحدیبیة و اللّه اعلم و قیل ردّها علیه بنکاح جدید* و حکی عن ابن هشام عن ابی عبیدة ان ابا العاصی لما قدم من الشأم و معه اموال المشرکین قیل له هل لک ان تسلم و تأخذ هذه الاموال فانها للمشرکین فقال بئس ما أبد أبه اسلامی أن اخون امانتی روی ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اتی یوم بدر بسبعین اسیرا فیهم العباس و عقیل فاستشار فیهم اصحابه أ نأخذ منهم الفداء و نخلی سبیلهم او نقتلهم فقال ابو بکر قومک و اهلک استبقهم لعل اللّه ان یتوب علیهم و خذ منهم فدیة تقوی بها أصحابک أو قال تکون لنا قوّة علی الکفار و قال عمر اضرب أعناقهم فانهم أئمة الکفر کذبوک و أخرجوک و ان اللّه أغناک عن الفداء مکنی من فلان لنسیب له و مکن علیا و حمزة من أخویهما عقیل و العباس فلنضرب أعناقهم و قال عبد اللّه بن رواحة یا رسول اللّه أنظر وادیا کثیر الحطب فأدخلهم فیه ثم أضرم علیهم نارا و قال له العباس قطعت رحمک فسکت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلم یجبهم ثم دخل فقال ناس یأخذ بقول أبی بکر و قال ناس یأخذ بقول ابن رواحة فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال انّ اللّه لیلین قلوب رجال حتی تکون ألین من اللبن و انّ اللّه لیشدّد قلوب رجال حتی تکون أشدّ من الحجارة و ان مثلک یا أبا بکر مثل ابراهیم قال فمن تبعنی فانه منی و من عصانی فانک غفور رحیم و انّ مثلک یا أبا بکر مثل عیسی قال ان تعذبهم فانهم عبادک و ان تغفر لهم فانک أنت العزیز الحکیم و ان مثلک یا عمر مثل نوح قال رب لا تذر علی الارض من الکافرین دیارا و مثلک یا عمر مثل موسی قال ربنا اطمس علی أموالهم و اشدد علی قلوبهم ثم قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أنتم الیوم عالة فلا یفلتن أحد منهم الیوم الا بفداء أو بضرب عنق* قال عبد اللّه بن مسعود الا سهیل بن بیضاء فانی سمعته یذکر الاسلام فسکت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال عبد اللّه فما رأیتنی فی یوم أخوف أن تقع علیّ الحجارة من السماء من ذلک الیوم حتی قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الا سهیل بن بیضاء* قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب فهوی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ما قال أبو بکر و لم یهو ما قلت فلما کان من الغد جئت فاذا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر قاعدان یبکیان قلت یا رسول اللّه أخبرنی من أی شی‌ء تبکی أنت و صاحبک فان وجدت بکاء بکیت و ان لم أجد بکاء تباکیت لبکائکما فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أبکی للذی عرض علی أصحابک من أخذهم الفداء لقد عرض علیّ عذابهم أدنی من هذه الشجرة لشجرة قریبة منه* قال العلامة ابن حجر فی شرح صحیح البخاری ان الترمذی و النسائی و ابن حبان و الحاکم رووا باسناد صحیح عن علیّ قال جاء جبریل الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال انّ اللّه قد کره ما صنع قومک من أخذ الفداء من الاساری و قد أمر أن تخیرهم بین أن یقدّموهم و یضربوا أعناقهم و بین أن یأخذوا الفداء علی أن یقتل منهم عدّتهم فذکر ذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم للناس فقال ان شئتم قتلتموهم و ان شئتم فادیتموهم و یستشهد منکم عدّتهم قالوا یا رسول اللّه عشائرنا و اخواننا بل نأخذ منهم فداءهم فنتقوی به علی قتال عدوّنا و یستشهد منا عدّتهم فقتل منهم یوم أحد سبعون عدد أساری بدر فهذا معنی قوله قل هو من عند أنفسکم یعنی بأخذکم الفداء و اختیارکم القتل و لما أخذوا الفداء نزل جبریل بقوله تعالی ما کان لنبیّ أن تکون له أسری حتی یثخن فی الارض تریدون عرض الدنیا و اللّه یرید الآخرة و اللّه عزیز حکیم لو لا کتاب من اللّه سبق أی لو لا سبق حکم من اللّه و قضاؤه فی اللوح المحفوظ لمسکم أی لنا لکم و أصابکم فیما أخذتم فی أخذ فدیة هؤلاء الاسری عذاب عظیم قیل هذا دلیل علی أنّ الاجتهاد جائز للانبیاء و علی ان اجتهادهم یجوز أن یقع خطأ و لکن لا یترکون فیه بل ینبهون علی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:394
الصواب و للمفسرین اختلاف فی ان المراد من هذا الحکم ما ذا* فی معالم التنزیل یعنی لو لا قضاء اللّه سبق فی اللوح المحفوظ بأنه یحلّ لکم الغنائم* و قال الحسن و مجاهد و سعید بن جبیر لو لا کتاب من اللّه سبق انه لا یعذب أحدا ممن شهد بدرا مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و قال ابن جریج لو لا کتاب من اللّه سبق انه لا یضل قوما بعد اذ هداهم حتی یبین لهم ما یتقون و انه لا یأخذ قوما فعلوا شیئا بجهالة* و فی روضة الاحباب قیل المراد ان المخطئ فی اجتهاده لا یعاقب و قیل لا یعذب قوما بسبب أمر ما لم ینهوا عنه نهیا صریحا و قیل المراد ان الفدیة التی أخذوها ستحل لهم روی انه صلّی اللّه علیه و سلم قال لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غیر عمر و سعد بن معاذ لقوله کان الاثخان فی القتلی أحب الیّ من استبقاء الرجال* و فی معالم التنزیل روی انه لما نزلت الآیة الاولی کف أصحاب رسول اللّه أیدیهم مما أخذوا من الفداء فنزلت فکلوا مما غنمتم حلالا طیبا* و عن جابر ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال أحلت لی الغنائم و لم تحل لاحد قبلی* و عن أبی هریرة لم تحل الغنائم لاحد من قبلنا و ذلک بأنّ اللّه تعالی رأی ضعفنا و عجزنا فطیبها لنا* قال ابن عباس کانت الغنائم حراما علی الأنبیاء و الامم و کانوا اذا أصابوا شیئا من الغنائم کان للقربان و کانت نار تنزل من السماء و تأکله* و فی المنتقی و لما کان یوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا یوم بدر من أخذهم الفدیة فأصابتهم مصیبة و نالتهم هزیمة و قتل منهم سبعون عدد أساری یوم بدر و فرّ أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کسرت رباعیته و هشمت البیضة علی رأسه و سال الدم علی وجهه و أنزل اللّه تعالی أو لما أصابتکم مصیبة قد أصبتم مثلیها قلتم أنی هذا قل هو من عند أنفسکم یعنی بأخذکم الفداء یوم بدر* و فی الاکتفاء منّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی نفر من الاساری من قریش بغیر فداء منهم من بنی عبد شمس بن عبد مناة أبو العاصی بن الربیع بن عبد العزی بن عبد شمس منّ علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعد أن بعثت زینب بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بفدائه و قد مرّ و من بنی مخزوم المطلب بن حنطب بن الحارث ابن عبد بن عمرو بن مخزوم کان لبعض بنی الحارث بن الخزرج فترک فی أیدیهم حتی خلوا سبیله فلحق بقومه* قال ابن هشام أسره خالد بن زید أبو أیوب أخو بنی النجار و صیفی بن أبی رفاعة بن عائذ بن عبد اللّه ابن عمرو بن مخزوم ترک فی أیدی أصحابه فلما لم یأت أحد بفدائه أخذوا علیه لیبعثن إلیهم بفدائه فخلوا سبیله و لم یف لهم بشی‌ء و أبو عزة عمرو بن عبد اللّه الجمحی کان محتاجا ذا بنات فقال یا رسول اللّه لقد عرفت مالی من مال و انی لذو حاجة و ذو عیال فامنن علیّ فمنّ علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أخذ علیه أن لا یظاهر علیه أحدا فقال أبو عزة فی ذلک یمدح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و یذکر فضله فی قومه
و من مبلغ عنی الرسول محمدابأنک حق و الملیک حمید
و أنت امرؤ تدعو الی الحق و الهدی‌علیک من اللّه العظیم شهید
و أنت امرؤ بوّأت فینا مباءةلها درجات سهلة و صعود
فانک من حاربته لمحارب‌شقی و من سالمته لسعید
و لکن اذا ذکرت بدرا و أهله‌تأوب مآبی حسرة و فقود و فی حیاة الحیوان فرجع الی مکة و مسح عارضیه و قال خدعت محمدا و ما وقع فی شعره و محاورته رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من التصریح برسالته فلم یعلم له مخرج ان صح الا أن یکون ذلک من جملة ما قصد به أن یخدع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فعاد علی عدوّ اللّه ضرره و لم یخدع الا نفسه و ما شعر و ذلک انه نقض العهد و خرج یسیر فی تهامة و یدعو بنی کنانة و یقول
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:395 أیا بنی عبد مناة الرزام‌أنتم حماة و أبوکم حام
لا تعبدونی نصرکم بعد العام‌لا تسلمونی لا یحل اسلام فخرج الی حرب المسلمین و حضر أحدا ثم لما رجع المشرکون عن أحد خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی آثارهم مرهبا لهم حتی انتهی الی حمراء الاسد فأخذ أبو عزة فقال یا رسول اللّه أقلنی فقال رسول اللّه أ لا تمسح عارضیک بمکة و تقول خدعت محمدا مرّتین انّ المؤمن لا یلدغ من جحر مرّتین فضرب عنقه کما سیجی‌ء فی غزوة حمراء الاسد*

ذکر اعتناء الصحابة بتعلم الخط و الکتابة

و فی بعض الکتب لما تقرّر أمر الاساری علی الفداء و کان بعضهم فقراء لا یحصل منهم شی‌ء منّ علیهم و أطلقهم و أخذ علیهم العهد أن لا یعودوا الی حرب المسلمین منهم أبو عزة الشاعر الجمحی و کان بعض من فقرائهم یعلمون الخط و الکتابة فقرّر علیهم أن یعلم کل واحد منهم عشرة من غلمان الانصار الخط فاذا حذقوا فهو فداؤه و کان زید بن ثابت ممن علم و وضع علی الاغنیاء منهم الفداء بقدر قدرتهم و غنائهم و لا یکون فداء أحد منهم أقل من ألف درهم و لا أکثر من أربعة آلاف درهم و فی معالم التنزیل کان الفداء لکل أسیر أربعین أوقیة و الاوقیة أربعون درهما و فی سیرة ابن هشام کان فداء المشرکین یومئذ أربعة آلاف درهم بالرجل الی ألف درهم الا من لا شی‌ء له منّ علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أطلقه و کان عمیر بن وهب الجمحی شیطانا من شیاطین قریش و کان یؤذی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام و أصحابه بمکة و یلقون منه عنتا و کان ابنه وهب بن عمیر فی أساری بدر فجلس عمیر مع صفوان بن أمیة فی الحجر بعد مصاب أهل بدر بیسیر فذکر أصحاب القلیب و مصابهم فقال صفوان فو اللّه لیس فی العیش خیر بعدهم فقال له عمیر صدقت و اللّه اما و اللّه لو لا دین علیّ لیس له عندی قضاء و عیال أخشی علیهم الضیعة بعدی لرکبت الی محمد حتی أقتله فانّ لی فیهم علة ابنی أسیر فی أیدیهم فاغتنمها صفوان فقال علیّ دینک أنا أقضیه عنک و عبالک مع عیالی أواسیهم ما بقوا ثم ان عمیرا أمر بسیفه فشحذ و سمّ ثم انطلق حتی قدم المدینة فرآه عمر قد أناخ البعیر علی باب المسجد متوشحا السیف فقال هذا عدوّ اللّه عمیر ما جاء الا بشرّ و هو الذی حرش بیننا و حزرنا للقوم ببدر ثم دخل عمر علی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فقال یا نبیّ اللّه هذا عدوّ اللّه عمیر قد جاء متوشحا سیفه قال أدخله علیّ فأقبل عمر حتی أخذ بحمائل سیفه فی عنقه فلببه بها و قال لرجال من الانصار ادخلوا علی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فاجلسوا عنده و احذروا هذا الخبیث علیه فانه غیر مأمون ثم دخل به علی رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فلما رآه و عمر آخذ بحمالة سیفه فی عنقه قال أرسله یا عمر ادن یا عمیر فدنا ثم قال انعموا صباحا و کانت تحیة أهل الجاهلیة بینهم ثم قال رسول اللّه علیه الصلاة و السلام قد أکرمنا اللّه بتحیة خیر من تحیتکم یا عمیر بالسلام تحیة أهل الجنة ما جاء بک یا عمیر قال جئت لهذا الاسیر الذی فی أیدیکم فأحسنوا فیه قال فما بال السیف فی عنقک قال قبحها اللّه من سیوف و هل أغنت شیئا قال أصدقنی بالذی جئت له قال ما جئت الا لذلک فقال بل قعدت أنت و صفوان بن أمیة فی الحجر فذکرتما أصحاب القلیب من قریش ثم قلت لو لا دین علیّ و لو لا عیالی لخرجت حتی أقتل محمدا فتحمل لک صفوان بدینک و عیالک علی أن تقتلنی و اللّه حائل بینی و بینک فقال عمیر أشهد انک رسول اللّه قد کنا نکذبک و هذا أمر لم یحضره الا أنا و صفوان فو اللّه انی لأعلم ما أتاک به الا اللّه فالحمد للّه الذی هدانی للاسلام و ساقنی هذا المساق ثم شهد شهادة الحق فقال رسول اللّه علیه الصلاة و السلام فقهوا أخاکم فی دینه و علموه القرآن و أطلقوا له أسیره ففعلوا ثم قال یا رسول اللّه انی کنت جاهدا فی اطفاء نور اللّه شدید الاذی لمن کان علی دین اللّه و انی أحبّ أن تأذن لی فاقدم مکة فأدعوهم الی اللّه و الی الاسلام لعلّ اللّه أن یهدیهم و الا آذیتهم کما کنت أوذی اصحابک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:396
فی دینهم فأذن له و لحق بمکة و کان صفوان حین خرج عمیر من مکة یقول لقریش ابشروا بوقعة تأتیکم الآن فی أیام تنسیکم وقعة بدر و کان صفوان یسأل الرکبان عنه حتی قدم راکب فأخبره باسلامه فحلف صفوان أن لا یکلمه ابدا و لا ینفعه بنفع ابدا فلما قدم مکة اقام بها یدعو الی الاسلام و یؤذی من خالفه فأسلم علی یده ناس کثیر و عمیر هذا أو الحارث بن هشام یشک ابن اسحاق هو الذی رأی ابلیس حین نکص علی عقبیه یوم بدر فقال الی أین أی سراقة فضربه عدوّ اللّه و ذهب* روی ان قریشا رأوا سراقة المدلجی بمکة بعد وقعة بدر و هو الذی تمثل لهم ابلیس فی صورته کما تقدّم فقالوا له یا سراقة خرقت الصف و أوقعت فینا الهزیمة فقال و اللّه ما علمت بشی‌ء من امرکم حتی کانت هزیمتکم و ما شهدت معکم فما صدّقوه حتی أسلموا و سمعوا ما انزل اللّه فی ذلک فعلموا انه کان ابلیس تمثل لهم کما تقدّم و لما انقضی امر بدر أنزل اللّه تعالی فیه من القرآن الانفال بأسرها* قال ابن اسحاق و کان المطعمون من قریش من بنی هاشم العباس بن عبد المطلب و من بنی عبد شمس عتبة بن ربیعة بن عبد شمس و من بنی نوفل الحارث بن عامر بن نوفل و طعیمة بن عدی بن نوفل یعتقبان ذلک و من بنی أسد أبا البختری ابن هشام بن الحارث بن أسد و حکیم بن حزام بن خویلد بن أسد یعتقبان ذلک و من بنی عبد الدار ابن قصی النضر بن الحارث و من بنی مخزوم بن یقظة أبا جهل بن هشام بن المغیرة و من بنی جمح بن عمرو أمیة بن خلف بن وهب و من بنی سهم بن عمرو نبیها و منبها ابنی الحجاج بن عامر یعتقبان ذلک و من بنی عامر بن لؤیّ سهیل بن عمرو بن عبد شمس*

(تسمیة من شهد بدرا من المسلمین)

* و کان جمیع من شهد بدرا من المسلمین من المهاجرین و الانصار من شهدها و من ضرب له بسهمه و أجره ثلاثمائة رجل و أربعة عشر رجلا فمن قریش ثم من بنی هاشم بن عبد مناف و بنی المطلب بن عبد مناف ثم من المهاجرین* محمد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم* و حمزة بن عبد المطلب ابن هاشم و علی بن أبی طالب بن عبد المطلب بن هاشم* و زید بن حارثة بن شرحبیل الکلبی و أنیسة الحبشی مولی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو کبشة الفارسی مولی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو مرثد کناز بن حصن أو حصین و ابنه مرثد بن أبی مرثد حلیفا لحمزة بن عبد المطلب و عبیدة ابن الحارث بن عبد المطلب و أخواه الطفیل بن الحارث و الحصین بن الحارث* و مسطح و اسمه عوف بن اثاثة بن عباد بن المطلب اثنی عشر رجلا و من بنی عبد شمس* عثمان بن عفان بن أبی العاص ابن أمیة بن عبد شمس تخلف علی امرأته رقیة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فضرب له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بسهمه قال و أجری یا رسول اللّه قال و أجرک* و أبو حذیفة بن عتبة بن ربیعة بن عبد شمس* و سالم مولی أبی حذیفة و اسم أبی حذیفة مهشم* قال ابن هشام و سالم کان لبثینة بنت یعار ابن زید سیبته فانقطع الی أبی حذیفة فتبناه و یقال کانت بثینة بنت یعار تحت أبی حذیفة بن عتبة فأعتقت سالما فقیل سالم مولی أبی حذیفة* قال ابن اسحاق و زعموا ان صبیحا مولی أبی العاص ابن أمیة تجهز للخروج مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم مرض فحمل علی بعیره أبا سلمة بن عبد الاسد ثم شهد صبیح بعد ذلک المشاهد کلها مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و شهد بدرا من حلفاء بنی عبد شمس عبد اللّه بن جحش بن ذئاب الاسدی و عکاشة بن محصن بن حرثان الاسدی و شجاع بن وهب الاسدی و أخوه عقبة بن وهب و یزید بن رقیش بن ذئاب الاسدی و أبو سنان بن محصن بن حرثان أخو عکاشة ابن محصن و ابنه سنان بن أبی سنان و محرز بن نضلة الاسدی و ربیعة بن أکتم بن سخبرة الاسدی و من حلفاء بنی کبیر بن غنم الاسدی ثقف بن عمرو و أخواه مالک بن عمرو و مدلج بن عمرو* قال ابن هشام مدلاج بن عمرو و قال ابن اسحاق و هم من بنی حجز آل بنی سلیم و أبو مخشی حلیف لهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:397
ستة عشر رجلا* قال ابن هشام أبو مخشی طائی و اسمه سوید بن مخشی و من بنی نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان بن جابر و خباب مولی عتبة بن غزوان رجلان و من بنی أسد بن عبد العزی بن قصی الزبیر بن العوّام بن خویلد بن أسد و حاطب بن ابی یلتعة و اسم ابی بلتعة عمرو اللخمی و سعد الکلبی مولی حاطب ثلاثة نفر و من بنی عبد الدار بن قصی مصعب بن عمیر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصی و سویبط بن سعد بن حرملة رجلان و من بنی زهرة بن کلاب عبد الرحمن بن عوف ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة و سعد بن ابی وقاص و ابو وقاص مالک بن اهیب الزهری و أخوه عمیر بن ابی وقاص و من حلفائهم المقداد بن عمرو بن بلتعة و عبد اللّه بن مسعود بن الحارث و مسعود بن ربیعة بن عمرو من القارة و القارة لقب و کانوا رماة و ذو الشمالین بن عبد عمرو انما قیل له ذو الشمالین لانه کان أعسر و اسمه عمیر* و خباب بن الارت من بنی تمیم و یقال من خزاعة کذا فی سیرة ابن هشام ثمانیة نفر و من بنی تمیم بن مرّة أبو بکر الصدّیق* و اسمه عتیق بن عثمان بن عامر ابن کعب بن سعد بن تیم* قال ابن هشام اسم أبی بکر عبد اللّه و عتیق لقب لحسن وجهه و عتقه و بلال مولی أبی بکر و بلال مولد من مولدی بنی جمح اشتراه أبو بکر من أمیة بن خلف و هو بلال بن رباح و عامر ابن فهیرة مولد اسود من مولدی الاسد اشتراه أبو بکر منهم قاله ابن هشام* و صهیب بن سنان النمر بن قاسط و یقال صهیب مولی عبد اللّه بن جدعان بن عمرو یقال انه رومی فقال بعض من ذکر انه من النمر ابن قاسط انما کان أسیرا فی الروم اشتری منهم* و جاء فی الحدیث صهیب سابق الروم و طلحة بن عبید اللّه بن عثمان بن عمرو بن کعب بن سعد بن تیم کان بالشأم فقدم بعد ان رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من بدر فکلمه فضرب له بسهمه قال و اجری یا رسول اللّه قال و أجرک خمسة نفر و من بنی مخزوم ابن یقظة بن مرّة أبو سلمة بن عبد الاسد و اسم أبی سلمة عبد اللّه* و شماس بن عثمان بن الشرید قال ابن هشام و اسم شماس عثمان بن عثمان و انما سمی شماسا لجماله و حسنه* و الارقم بن أبی الارقم و اسم أبی الارقم عبد بن عبد مناف بن أسد* و عمار بن یاسر عبسی من مذحج* و معتب بن عوف بن عامر حلیف لهم من خزاعة خمسة نفر* و من بنی عدی بن کعب عمر بن الخطاب بن نوفل بن عبد العزی بن عبد اللّه ابن قرط بن رباح بن رزاح بن عدی و أخوه زید بن الخطاب* و مهجع مولی عمر بن الخطاب من أهل الیمن و کان أوّل قتیل من المسلمین بین الصفین رمی بسهم* قال ابن هشام مهجع من عک* و عمرو بن سراقة بن المعتمر بن أنس و أخوه عبد اللّه بن سراقة* و واقد بن عبد اللّه بن عبد مناف حلیف لهم و خولی بن أبی خولی* و مالک بن أبی خولی حلیفان لهم و ابو خولی من بنی عجل و عامر بن ربیعة حلیف آل الخطاب من عنز بن وائل و عامر بن البکیر بن عبد یالیل و عاقل بن البکیر و خالد بن البکیر و ایاس بن البکیر حلفاء بنی عدی بن کعب* و سعید بن زید بن عمرو بن نفیل قدم من الشأم بعد ما قدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من بدر فکلمه فضرب له بسهمه قال و أجری یا رسول اللّه قال و أجرک أربعة عشر رجلا و من بنی جمح بن عمرو بن هصیص بن کعب* عثمان بن مظعون بن حبیب و ابنه السائب بن عثمان و أخواه قدامة بن مظعون و عبد اللّه بن مظعون* و معمر بن الحارث بن معمر بن حبیب بن وهب خمسة نفر و من بنی سهم بن عمرو* خنیس بن حذافة بن قیس و من بنی عامر بن لؤیّ ثم من بنی مالک بن حسل بن عامر أبو سبرة بن أبی رهم بن عبد العزی و عبد اللّه بن مخرمة بن عبد العزی بن أبی قیس* و عبد اللّه بن سهیل بن عمرو بن عبد
شمس کان خرج مع أبیه سهیل بن عمرو فلما نزل الناس بدرا فرّ الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فشهدها معه و عمیر بن عوف مولی سهیل بن عمرو* و سعد ابن خولة من الیمن حلیف لهم خمسة نفر* و من بنی الحارث بن فهر أبو عبیدة و هو عامر بن عبد اللّه بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:398
الجراح و عمرو بن الحارث بن زهیر و سهیل بن وهب بن ربیعة و أخوه صفوان بن وهب و هما ابنا بیضاء و عمرو بن أبی سرح بن ربیعة خمسة نفر فجمیع من شهد بدرا من المهاجرین و من ضرب له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بسهمه و أجره ثلاثة و ثمانون رجلا قال ابن هشام و کثیر من أهل العلم غیر ابن اسحاق یذکرون فی المهاجرین ببدر فی بنی عامر بن لؤیّ بن غالب وهب بن سعد بن أبی سرح و حاطب بن أبی عمرو و فی بنی الحارث بن فهر عیاض بن أبی زهیر قال ابن اسحاق و شهد بدرا مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من المسلمین ثم من الانصار ثم من الاوس بن الحارث سعد بن معاذ ابن النعمان بن امرئ القیس بن زید بن عبد الاشهل و عمرو بن معاذ بن النعمان و الحارث بن أوس ابن معاذ بن النعمان و الحارث بن انس بن رافع بن امرئ القیس و من بنی عبید بن کعب بن عبد الاشهل سعد بن زید بن مالک بن عبید و من بنی زعور بن عبد الاشهل و یقال زعوراء سلمة بن سلامة ابن وقش بن زعبة بن زعوراء و سلمة بن ثابت بن وقش و رافع بن یزید بن کرز بن سکن بن زعوراء و الحارث ابن خزمة بن عدی حلیف لهم من بنی عوف بن الخزرج و محمد بن مسلمة بن خالد بن عدی حلیف لهم من بنی حارثة بن الحارث و مسلمة بن أسلم بن حریش بن عدی حلیف لهم من بنی حارثة بن الحارث و أبو الهیثم ابن التیهان و عبید بن التیهان و یقال عتیک بن التیهان و عبد اللّه بن سهل أخو بنی زعوراء و یقال من غسان خمسة عشر رجلا* و من بنی ظفر ثم من بنی سواد بن کعب قتادة بن النعمان بن زید بن عامر بن سواد و عبید بن أوس بن مالک بن سواد رجلان* قال ابن هشام عبید بن أوس هو الذی یقال له مقرن لانه قرن أربعة أسری فی یوم بدر و هو الذی أسر عقیل بن أبی طالب یومئذ رجلان* و من بنی عبد بن رزاح بن کعب نضر بن الحارث بن عبد و معتب بن عبد و من حلفائهم من بلی عبد اللّه بن طارق ثلاثة نفر و من بنی حارثة بن الحارث بن الخزرج مسعود بن سعد بن عامر بن عدی* قال ابن هشام و یقال مسعود ابن عبد سعد أبو عبس بن جبیر بن عمرو و من حلفائهم ثم من بلی أبو بردة بن نیار و اسمه هانئ بن نیار بن عمرو ثلاثة نفر* و من بنی عمرو بن عوف بن مالک بن الاوس ثم من بنی ضبیعة بن زید بن مالک بن عوف عاصم بن ثابت بن قیس و قیس أبو الافلح بن عصمة بن مالک بن أمیة بن ضبیعة و معتب بن قشیر بن ملیک بن زید بن العطاف بن ضبیعة و أبو ملیک بن الازعر بن زید بن العطاف بن ضبیعة و عمرو بن معبد بن الازعر بن زید بن العطاف بن ضبیعة* قال ابن هشام عمیر بن معبد و سهل بن حنیف بن واهب بن العکیم خمسة نفر و من بنی أمیة بن زید بن مالک مبشر بن عبد المنذر بن زنیر بن زید بن أمیة و رفاعة بن عبد المنذر بن زنیر و سعد بن عبید بن النعمان بن قیس و عویمر بن ساعدة و رافع بن عنجدة و عنجدة أمّه فیما قاله ابن هشام و عبید بن أبی عبید و ثعلبة بن حاطب و زعموا ان أبا لبابة بشیر بن عبد المنذر و الحارث بن حاطب بن عمرو بن عبید خرجا مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فرجعهما* قال ابن هشام ردّهما من الروحاء و أمّر أبا لبابة علی المدینة فضرب لهما بسهمیهما مع أصحاب بدر تسعة نفر* و من بنی عبید بن زید بن مالک أنیس بن قتادة بن ربیعة بن خالد و من حلفائهم من بلی معن بن عدی بن الجد بن العجلان بن ضبیعة و ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدی بن العجلان و عبد اللّه بن سلمة بن مالک بن الحارث بن عدی بن العجلان و زید بن أسلم بن ثعلبة بن عدی بن العجلان و ربعی بن رافع بن زید بن حارثة بن الجد بن العجلان و خرج عاصم ابن عدی بن الجد بن العجلان فردّه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ضرب له
بسهمه مع أصحاب بدر سبعة نفر* و من بنی ثعلبة بن عمرو بن عوف عبد اللّه بن جبیر بن النعمان بن أمیة و عاصم بن عمرو قال ابن هشام عاصم بن قیس بن ثابت بن النعمان و أبو صباح بن ثابت بن النعمان و أبو حنة و هو أخو أبی صباح و یقال أبو حبة و یقال امرؤ القیس البرک بن ثعلبة و سالم بن عمیر بن ثابت بن النعمان و یقال ثابت بن عمرو بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:399
ثعلبة و الحارث بن النعمان بن أمیة و خوّات بن جبیر بن النعمان ضرب له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بسهم مع أصحاب بدر سبعة نفر* و من بنی جحجبا بن کلفة بن عوف منذر بن محمد بن عقبة بن أحیحة بن الجلاح* و من حلفائهم من بنی أنیف أبو عقیل بن عبد اللّه بن ثعلبة رجلان و من بنی غنم بن أسلم بن امرئ القیس بن مالک بن أوس سعد بن خیثمة بن الحارث و منذر بن قدامة و مالک بن قدامة بن عرفجة و الحارث ابن عرفجة و تمیم مولی بنی غنم خمسة نفر* قال ابن هشام و تمیم مولی سعد بن خیثمة و من بنی معاویة بن مالک بن عوف جبیر بن عتیک بن الحارث بن قیس و مالک بن نمیلة حلیف لهم من مزینة و النعمان بن عسر حلیف لهم من بلی ثلاثة نفر فجمیع من شهد بدرا من الاوس مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و من ضرب له بسهمه و أجره أحد و ستون رجلا* (و شهد بدرا مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من المسلمین من الانصار ثم من بنی الخزرج بن حارثة بن ثعلبة)* خارجة بن زید بن ابی زهیر بن مالک بن امرئ القیس و سعد بن ربیع بن عمرو بن أبی زهیر بن مالک بن امرئ القیس و عبد اللّه ابن رواحة بن امرئ القیس و خلاد بن سوید بن ثعلبة ابن عمرو بن حارثة ابن امرئ القیس أربعة نفر و من بنی زید بن مالک بن ثعلبة بشیر بن سعد بن ثعلبة و أخوه سماک بن سعد بن ثعلبة رجلان* و من بنی عدی بن کعب بن الخزرج سبیع بن قیس بن عبسه و عباد بن قیس بن عبسه أخوه و عبد اللّه بن عبس ثلاثة نفر* و من بنی أحمر بن حارثة بن ثعلبة یزید بن الحارث بن قیس رجل و من بنی جشم بن الحارث بن الخزرج و زید بن الحارث بن الخزرج و هما التوأمان خبیب بن أساف بن عتبة بن عمرو و عبد اللّه بن زید بن ثعلبة و أخوه حریث بن زید و سفیان بن بشر أربعة نفر* قال ابن هشام سفیان بن بشر و من بنی جدارة بن عوف تمیم بن یعار بن قیس بن عدی و عبد اللّه بن عمیر من بنی حارثة قال ابن هشام و یقال عبد اللّه بن عمیر بن عدی بن أمیة بن جداره و زید بن المزین بن قیس بن عدی قال ابن هشام و زید بن المزین و عبد اللّه بن عرفطة بن أمیة بن جدارة أربعة نفر* و من بنی الابجر و هم بنو خدرة بن الحارث بن الخزرج عبد اللّه بن ربیع بن قیس بن عمرو بن عباد بن الابجر رجل و من بنی عوف بن الخزرج ثم من بنی عبید بن مالک بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج و هم بنو الحبلی و الحبلی سالم بن غنم بن عوف و انما سمی الحبلی لعظم بطنه عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبی بن مالک ابن الحارث بن عبید المشهور بابن سلول و انما سلول امرأة و هی أمّ أبی و أوس بن خولی بن عبد اللّه بن الحارث بن عبید رجلان و من بنی جزی بن عدی بن مالک زید بن ودیعة بن عمرو بن قیس بن جزی و عقبة بن وهب ابن کلدة حلیف لهم من بنی عبد اللّه بن غطفان و رفاعة بن عمرو بن زید و عامر بن سلمة بن عامر حلیف لهم من الیمن قال ابن هشام و یقال عمرو بن سلمة و هو من بلی من قضاعة و أبو خمیصة معبد بن عباد ابن قشیر و عامر بن البکیر حلیف لهم ستة نفر* قال ابن هشام عامر بن العکیر و یقال عاصم بن العکیر و من بنی سالم بن عوف بن عمرو نوفل بن عبد اللّه بن نضلة رجل و من بنی أصرم بن فهر بن ثعلبة ابن غنم سالم بن عوف قال ابن هشام هذا غنم بن عوف أخو سالم بن عوف و غنم بن سالم الذی قبله علی ما قال ابن اسحاق عبادة بن الصامت بن قیس بن أصرم و أخوه أوس بن الصامت رجلان و من بنی دعد ابن فهر بن ثعلبة بن غنم النعمان بن مالک بن ثعلبة و هو النعمان الذی یقال له قوقل رجل و من بنی قربوش بالشین المعجمة و المهملة بن غنم بن أمیة أو ابن ثابت رجل و من بنی مرضخة
بن غنم مالک بن الدخشم بن مرضخة رجل و من بنی لود بن سالم ربیع بن ایاس بن عمرو بن غنم و أخوه ورقة بن ایاس و عمرو بن ایاس حلیف لهم من أهل الیمن ثلاثة نفر قال ابن هشام و یقال عمرو بن ایاس أخو ربیع و ورقة و من حلفائهم من بلی ثم من بنی غصینة قال ابن هشام غصینة أمّهم و أبوهم عمرو بن عمارة المجدر اسمه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:400
عبد اللّه بن زیاد بن عمرو بن زمزمة و عباد بن الخشخاش بن عمرو بن زمزمة و نجاب بن ثعلبة بن خزمة و یقال نحاب بن ثعلبة و عبد اللّه بن ثعلبة بن خزمة و زعموا أن عتبة بن ربیعة بن خالد بن معاویة حلیف لهم من بهراء قد شهد بدرا خمسة نفر* و من بنی ساعدة بن کعب بن الخزرج ثم من بنی ثعلبة بن الخزرج ابن ساعدة أبو دجانة سماک بن خرشة قال ابن هشام أبو دجانة سماک بن أوس بن خرشة و المنذر بن عمرو ابن خنیس رجلان قال ابن هشام و یقال عمرو بن خنیش و من بنی البدی بن عامر بن عوف أبو أسید مالک بن ربیعة ابن البدی و مالک بن مسعود و هو أبو البدی رجلان* قال ابن هشام ما روی مسعود بن البدی فیما ذکر لی بعض أهل العلم* و من بنی طریف بن الخزرج بن ساعدة عبد ربه بن حق ابن أوس بن وقش رجل و من حلفائهم من جهینة کعب بن حماد بن ثعلبة قال ابن هشام و یقال کعب ابن حماز و هو من غبشان* و ضمرة و زیاد و بسبس بنو عمرو* قال ابن هشام و یقال ضنمرة و زیاد ابنا بشر و عبد اللّه بن عامر من بلی خمسة نفر و من بنی جشم بن الخزرج ثم من بنی سلمة بن سعد بن علی خراش بن الصمة بن عمرو بن الجموح و الحباب بن المنذر بن الجموح و عمیر بن الحمام بن الجموح و تمیم مولی خراش بن الصمة و عبد اللّه بن عمرو بن حزام و معاذ بن عمرو بن الجموح و معوذ بن عمرو بن الجموح و خلاد بن عمرو بن الجموح و عقبة بن عامر بن نابی و حبیب بن الاسود مولی لهم و ثابت بن ثعلبة بن زید و ثعلبة الذی یقال له الجدع و عمیر بن الحارث بن ثعلبة اثنا عشر رجلا* قال ابن هشام عمیر بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة و من بنی عبیدة بن عدی بن غنم بن کعب بشر بن البراء بن معرور بن صخر بن خنساء و الطفیل بن مالک بن خنساء و الطفیل بن النعمان بن خنساء و سنان بن صیفی ابن صخر بن خنساء و عبد اللّه بن الجد بن قیس بن صخر بن خنساء و عتبة بن عبد اللّه بن صخر بن خنساء و جبار بن صخر بن أمیة بن خنساء و خارجة بن حمیر و عبد اللّه ابن حمیر حلیفان لهم من أشجع من بنی دهمان تسعة نفر و من بنی خناس بن سنان بن عبید یزید بن المنذر بن سرح بن خناس و معقل بن المنذر بن سرح بن خناس و عبد اللّه بن النعمان بن بلدمة* قال ابن هشام و یقال بلدمة و بلذمة و الضحاک بن حارثة بن زید بن ثعلبة و سواد بن رزیق بن ثعلبة قال ابن هشام و یقال سواد بن رزم بن زید بن ثعلبة و معبد بن قیس بن صخر بن حزام و یقال معبد بن قیس بن صیفی بن صخر بن حزام فیما قاله ابن هشام و عبد اللّه بن صخر بن حزام و من بنی النعمان بن سنان بن عبید عبد اللّه بن عبد مناف بن النعمان و جابر بن عبد اللّه بن رباب بن النعمان و خلیدة بن قیس بن النعمان و النعمان بن سنان مولی لهم أربعة نفر و من بنی سواد بن غنم بن کعب بن سلمة ثم من بنی حدیدة عمرو بن غنم بن سواد* قال ابن هشام عمرو بن سواد لیس لسواد ابن یقال له غنم و أبو المنذر و هو یزید بن عامر ابن حدیدة و سلیم بن عمرو بن حدیدة و قطبة بن عامر بن حدیدة و عنترة مولی سلیم بن عمرو اربعة نفر قال ابن هشام عنترة من بنی سلیم بن منصور ثم من بنی ذکوان و من بنی عدی بن نابی بن عمرو بن سواد بن غنم عبس بن عامر بن عدی و ثعلبة بن غنمة بن عدی و أبو الیسر و هو کعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم ابن سواد و سهل بن قیس بن أبیّ بن کعب بن القین بن کعب بن سواد و عمرو بن طلق بن زید بن أمیة و معاذ ابن جبل بن عمرو بن أوس ستة نفر* قال ابن هشام و انما نسب ابن اسحاق معاذ بن جبل فی بنی سواد و لیس منهم لانه فیهم قال ابن اسحاق و الذین کسروا آلهة بنی سلمة
معاذ بن جبل و عبد اللّه بن أنیس و ثعلبة بن غنمة و من بنی رزیق بن عامر قیس بن محصن بن خالد بن مخلد و یقال قیس بن حصن و أبو خالد و هو الحارث بن قیس بن خالد بن مخلد و جبیر بن ایاس بن خالد بن مخلد و أبو غادة و هو سعد بن عثمان بن خلدة بن مخلد و أخوه عقبة بن عثمان بن خلدة بن مخلد و ذکوان بن عبد قیس بن خلدة بن مخلد و مسعود
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:401
ابن خلدة بن عامر بن مخلد سبعة نفر و من بنی خالد بن عامر بن رزیق عباد بن قیس بن عامر بن خالد رجل و من بنی خلدة بن عامر بن رزیق أسعد بن یزید بن الفاکه بن بشر بن الفاکه بن زید بن خلدة* قال ابن هشام بشر بن الفاکه و معاذ بن ماعص بن قیس بن خلدة و أخوه عائذ بن ماعص بن قیس بن خلدة و مسعود بن سعد بن خلدة خمسة نفر* و من بنی العجلان بن عمرو بن عامر بن رزیق رفاعة بن رافع بن مالک بن العجلان و اخوه خلاد بن رافع بن مالک بن العجلان و عبید بن زید بن عامر بن العجلان ثلاثة نفر* و من بنی بیاضة ابن عامر بن رزیق زیاد بن لبید بن ثعلبة بن سنان و فروة بن عمرو بن و دقة و یقال ورقة و خالد بن قیس ابن مالک بن العجلان و رحیلة بن ثعلبة بن خالد* قال ابن هشام رخیلة و عطیة بن نویرة بن عامر و خلیفة ابن عدی بن عمرو ستة نفر* قال ابن هشام و یقال علیقة و من بنی حبیب بن عبد حارثة بن مالک رافع ابن المعلی بن لوذان بن حارثة رجل* و من بنی النجار و هو تیم اللّه بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ثم من بنی غنم بن مالک بن النجار ثم من بنی ثعلبة بن عبد عوف بن غنم أبو ایوب خالد بن زید بن کلیب بن ثعلبة رجل و من بنی عسیرة بن عبد بن عوف بن غنم ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عسیرة رجل* قال ابن هشام و یقال عشیرة و من بنی عمرو بن عبد بن عوف بن غنم عمارة بن حزم بن زید بن لوذان ابن عمرو و سراقة بن کعب بن عبد العزی رجلان و من بنی عبید بن ثعلبة بن غنم حارثة بن النعمان ابن زید بن عبید و سلیم بن قیس بن فهد رجلان* قال ابن هشام حارثة بن النعمان بن نفع بن یزید و من بنی عائذ بن ثعلبة بن غنم و یقال عائد فیما قاله ابن هشام سهیل بن رافع بن أبی عمرو بن عائذ و عدی بن أبی الزغباء حلیف لهم و من جهینة رجلان و من بنی زید بن ثعلبة بن غنم مسعود بن أوس بن زید و أبو خزیمة بن أوس بن زید بن اصرم بن زید و رافع بن الحارث بن سواد بن زید ثلاثة نفر و من بنی سواد ابن مالک بن غنم عوف و معوذ و معاذ بنو الحارث بن رفاعة بن سواد و هم بنو عفراء* قال ابن هشام عفراء بنت عبید بن ثعلبة بن عبید بن ثعلبة بن غنم بن مالک بن النجار و یقال رفاعة بن الحارث بن سواد فیما قاله ابن هشام و النعمان بن عمرو بن رفاعة بن سواد و یقال نعیمان فیما قاله ابن هشام و عامر بن مخلد بن الحارث بن سواد و عبد اللّه بن قیس بن خالد بن خلدة بن الحارث بن سواد و عصیمة حلیف لهم من أشجع و ودیعة بن عمرو حلیف لهم من جهینة و ثابت بن زید بن عمرو بن عدی بن سواد و زعموا أن أبا الحمراء مولی الحارث بن عفراء قد شهد بدرا عشرة نفر قال ابن هشام أبو الحمراء مولی الحارث بن رفاعة و من بنی عامر بن مالک بن النجار و عامر بن مبذول ثم من بنی عتیک بن عمرو بن مبذول ثعلبة بن عمرو بن محصن بن عمرو بن عتیک و سهل بن عتیک بن النعمان بن عمرو بن عتیک و الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتیک کسر به بالروحاء فضرب له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بسهمه ثلاثة نفر و من بنی عمرو بن مالک بن النجار و هم بنو حدیلة ثم من بنی قیس بن عبید بن زید بن معاویة ابن عمرو بن مالک بن النجار* قال ابن هشام حدیلة بنت مالک بن زید اللّه بن حبیب و هی أم معاویة ابن عمرو بن مالک بن النجار فبنو معاویة ینسبون إلیها أبیّ بن کعب بن قیس و أنس بن معاذ بن أنس بن قیس رجلان و من بنی عدی بن عمرو بن مالک بن النجار* قال ابن هشام و هم بنو مغالة بنت عوف بن عبد مناة بن عمرو و یقال انها من بنی زریق و هی أم عدی بن عمرو بن مالک بن النجار فبنو عدی ینسبون إلیها أوس بن ثابت بن المنذر بن
حزام و أبو شیخ بن أبیّ بن ثابت بن المنذر بن حزام قال ابن هشام أبو شیخ ابن ثابت أخو حسان بن ثابت و أبو طلحة و هو زید بن سهل بن الاسود بن حزام ثلاثة نفر و من بنی عدی ابن النجار ثم من بنی عدی بن عامر بن غنم بن عدی بن النجار حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدی بن مالک بن عدیّ بن عامر و عمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدی بن عامر و هو أبو حکیم و سلیط بن قیس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:402
ابن عمرو بن عتیک و أبو سلیط و هو أسیرة بن عمرو و عمرو أبو خارجة بن قیس بن مالک و ثابت بن خنساء ابن عمرو بن مالک و عامر بن أمیة بن زید بن الحسحاس و محرز بن عامر بن مالک بن عدی و سواد بن غزیة بن أهیب حلیف لهم من بلی ثمانیة نفر* قال ابن هشام و یقال سواد و من بنی حزام بن جندب بن عامر بن غنم ابن عدی بن النجار أبو یزید قیس بن سکن بن قیس بن زعوراء بن حزام و أبو الاعور بن الحارث بن ظالم بن عبس بن حزام* قال ابن هشام و یقال أبو الاعور الحارث بن ظالم و سلیم بن ملحان و حزام بن ملحان و اسم ملحان مالک بن خالد بن زید بن حزام أربعة نفر* و من بنی مازن بن النجار ثم من بنی عوف بن مبذول قیس بن أبی صعصعة و اسم أبی صعصعة عمرو بن زید بن عوف و عبد اللّه بن کعب بن عمرو بن عوف و عصیمة حلیف لهم من بنی أسد بن خزیمة ثلاثة نفر* و من بنی خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن أبو داود عمیر بن عامر بن مالک بن خنساء و سراقة بن عمرو بن عطیة بن خنساء رجلان و من بنی ثعلبة بن مازن بن النجار قیس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر بن حبیب رجل و من بنی دینار بن النجار ثم من بنی مسعود بن عبد الاشهل بن حارثة بن دینار بن النجار النعمان بن عبد عمرو بن مسعود و الضحاک ابن عبد عمرو بن مسعود و سلیم بن الحارث بن ثعلبة و هو أخو الضحاک بن عبد عمرو و النعمان ابنی عبد عمرو لامّهما و جابر بن خالد بن عبد الاشهل خمسة نفر* و من بنی قیس بن مالک بن کعب بن حارثة ابن دینار بن النجار کعب بن زید بن قیس و بجیر بن أبی بجیر حلیف لهم رجلان* قال ابن هشام و بجیر من عبس بن بغیض بن ریث بن غطفان ثم من بنی جذیمة بن رواحة* قال ابن اسحاق فجمیع من شهد بدرا من الخزرج مائة و سبعون رجلا* و قال ابن هشام و أکثر أهل العلم یذکر فی الخزرج ببدر فی بنی العجلان بن زید بن غنم عتبان بن مالک بن عمرو بن العجلان و ملیل بن وبرة بن خالد بن العجلان و عصمة ابن الحصین بن وبرة بن خالد بن العجلان و من بنی حبیب بن عبد حارثة بن مالک بن عضب بن جشم بن الخزرج و هم فی بنی رزیق هلال بن المعلی بن لوذان بن حارثة*

عدّة أهل بدر

قال ابن اسحاق فجمیع من شهد بدرا من المسلمین من المهاجرین و الانصار من شهدها منهم و من ضرب له بسهمه و أجره ثلاثمائة و أربعة عشر رجلا من المهاجرین ثلاثة و ثمانون رجلا و من الاوس أحد و ستون رجلا و من الخزرج مائة و سبعون رجلا و قد ذکرنا أن الدعاء عند ذکرهم فی البخاری مستجاب و قد جرّب ذلک*

عدّة شهداء بدر

و استشهد من المسلمین یوم بدر مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أربعة عشر رجلا و کذا فی الکشاف ستة من المهاجرین من قریش ثم من بنی المطلب بن عبد مناف عبیدة بن الحارث بن المطلب قتله عتبة بن ربیعة قطع رجله فمات فی الصفراء رجل* و من بنی زهرة بن کلاب عمیر بن أبی وقاص بن أهیب بن عبد مناف بن زهرة و ذو الشمالین بن عبد عمرو بن نضلة حلیف لهم من خزاعة ثم من بنی غبشان رجلان و من بنی عدی بن کعب بن لؤیّ عاقل بن البکیر حلیف لهم من بنی سعد بن لیث بن بکر بن عبد مناة بن کنانة و مهجع مولی عمر بن الخطاب رجلان و من بنی الحارث بن فهر صفوان بن بیضاء رجل فهؤلاء ستة نفر من المهاجرین و من الانصار ثمانیة خمسة من الاوس من بنی عمرو بن عوف سعد بن خیثمة و مبشر بن عبد المنذر بن زبیر رجلان و من بنی الحارث بن الخزرج یزید بن الحارث و هو الذی یقال له قسحم رجل و من بنی سلمة ثم من بنی حرام بن کعب بن سلمة عمیر بن الحمام رجل ثم من بنی حبیب بن عبد حارثة بن مالک بن عضب ابن جشم رافع بن المعلی رجل و ثلاثة من الخزرج من بنی النجار حارثة بن سراقة بن الحارث رجل و من بنی غنم بن مالک بن النجار عوف و معوذ ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد و هما ابنا عفراء رجلان ثمانیة نفر* و فی خلاصة الوفاء استشهد بوقعة بدر ثلاثة عشر رجلا غیر عبیدة بن الحارث تأخرت وفاته حتی وصل وادی الصفراء فدفن فیها* و فی الوفاء یظهر من کلام أهل السیر أن بقیتهم دفنوا ببدر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:403
و أما قتلی المشرکین یوم بدر فسیجی‌ء الخلاف فیهم فعلی قول ابن اسحاق ان جمیع من أحصی له خمسون و قال ابن هشام عن أبی عبیدة ان القتلی سبعون و الاسری کذلک سبعون*

عدّة قتلی المشرکین یوم بدر

قال ابن اسحاق و قتل من المشرکین یوم بدر من قریش ثم من بنی عبد شمس بن عبد مناف حنظلة بن أبی سفیان بن حرب بن أمیة بن عبد شمس قتله زید بن حارثة مولی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیما قاله ابن هشام و یقال اشترک فیه حمزة و علی و زید فیما قاله ابن هشام و الحارث بن الحضرمی و عامر بن الحضرمی حلیفان لهم قتل عامرا عمار بن یاسر و قتل الحارث النعمان بن عسر حلیف الاوس فیما قاله ابن هشام و عبیدة بن سعید بن العاص بن أمیة بن عبد شمس قتله الزبیر بن العوّام و العاصی بن سعید بن العاص بن أمیة قتله علیّ بن أبی طالب و عقبة بن أبی معیط بن أبی عمرو بن أمیة بن عبد شمس قتله عاصم بن ثابت بن أبی الافلح أخو بنی عمرو بن عوف صبرا* قال ابن هشام و یقال علیّ بن أبی طالب قتله و عتبة بن ربیعة بن عبد شمس قتله عبیدة بن الحارث بن المطلب قال ابن هشام اشترک فیه هو و حمزة و علی و شیبة بن ربیعة بن عبد شمس قتله حمزة بن عبد المطلب و الولید بن عتبة بن ربیعة قتله علیّ بن أبی طالب و عامر بن عبد اللّه حلیف لهم من بنی أنمار من بغیض قتله علیّ بن ابی طالب اثنی عشر رجلا و من بنی نوفل بن عبد مناف الحارث بن عامر بن نوفل قتله فیما یذکرون خبیب بن اساف أخو بنی الحارث بن الخزرج و طعیمة بن عدی بن نوفل قتله علیّ بن أبی طالب و یقال حمزة بن عبد المطلب رجلان و من بنی أسد بن عبد العزی بن قصی زمعة ابن الاسود بن المطلب* قال ابن هشام قتله ثابت بن الجذع أخو بنی حرام و یقال اشترک فیه حمزة و علیّ ابن أبی طالب و ثابت و الحارث بن زمعة قتله عمار بن یاسر و عقیل بن الاسود بن المطلب قتله حمزة و علیّ اشترکا فیه فیما قاله ابن هشام و أبو البختری و هو العاص بن هشام بن الحارث بن أسد قال ابن هشام أبو البختری العاصی بن هاشم قتله المجدر بن زیاد البلوی و نوفل بن خویلد بن أسد و هو ابن العدویة عدی خزاعة و هو الذی قرن أبا بکر و طلحة بن عبید اللّه حین أسلما فی حبل فکانا یسمیان القرینین لذلک و کان من شیاطین قریش قتله علیّ بن أبی طالب خمسة نفر و من بنی عبد الدار بن قصی النضر بن الحارث بن کلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار قتله علی بن أبی طالب صبرا عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالصفراء فیما یذکرون* قال ابن هشام بالاثیل و زید بن ملیص مولی عمیر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار رجلان* قال ابن هشام قتل زید بن ملیص بلال بن رباح مولی أبی بکر و زید حلیف لبنی عبد الدار من بنی مازن و یقال قتله المقداد بن عمرو و من بنی تیم بن مرّة عمیر بن عثمان بن عمرو بن کعب بن سعد بن تیم* قال ابن هشام قتله علیّ بن أبی طالب و یقال عبد الرحمن بن عوف و عثمان ابن مالک بن عبید اللّه بن عثمان بن کعب بن عمرو قتله ضریب بن سنان رجلان و من بنی مخزوم بن یقظة ابن مرّة أبو جهل بن هشام و اسمه عمرو بن هشام بن المغیرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح فقطع رجله و ضرب ابنه ید معاذ فطرحها ثم ضربه معوذ بن عفراء حتی أثبته ثم ترکه و به رمق ثم ذفف علیه عبد اللّه بن مسعود و احتز رأسه حین أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یلتمس فی القتلی و العاصی بن هشام بن المغیرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم قتله عمر بن الخطاب و یزید ابن عبد اللّه حلیف لهم من بنی تمیم* قال ابن هشام ثم أحد بنی عمرو بن تمیم و کان شجاعا قتله عمار بن یاسر و أبو مسافع الاشعری حلیف لهم قتله أبو دجانة الساعدی فیما قال ابن هشام و حرملة بن عمرو حلیف لهم* قال ابن هشام قتله خارجة بن زید بن أبی زهیر أخو بلحارث بن الخزرج فیما قال ابن هشام و یقال بل علیّ بن أبی طالب و حرملة بن الاسد و مسعود بن أبی أمیة بن المغیرة قتله علیّ بن أبی طالب فیما قاله ابن
هشام و أبو قیس بن الفاکه بن المغیرة بن الولید بن المغیرة قتله حمزة بن عبد المطلب فیما قاله ابن هشام
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:404
و یقال علیّ بن أبی طالب و یقال عمار بن یاسر فیما قاله ابن هشام و رفاعة بن أبی رفاعة بن عائذ بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم قتله سعد بن الربیع أخو بلحارث بن الخزرج فیما قاله ابن هشام و المنذر بن أبی رفاعة بن عائذ قتله معن بن العدی بن الجد بن العجلان حلیف بنی عبید بن زید بن مالک بن عوف بن عمرو بن عوف فیما قاله ابن هشام و عبد اللّه بن المنذر بن أبی رفاعة بن عائذ قتله علیّ بن أبی طالب فیما قاله ابن هشام و السائب بن أبی السائب بن عائذ بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم* قال ابن هشام السائب بن أبی السائب شریک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الذی جاء فیه الحدیث عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نعم الشریک السائب لا یشاری و لا یماری کان أسلم فحسن اسلامه فیما بلغنا و اللّه أعلم* و ذکر ابن شهاب الزهری عن عبید اللّه بن عبد اللّه بن عتبة عن ابن عباس أن السائب بن أبی السائب بن عائذ بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم ممن بایع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من قریش و أعطاه یوم الجعرانة من غنائم حنین* و ذکر غیر ابن اسحاق أن الذی قتله الزبیر بن العوّام و الاسود بن عبد الاسد بن هلال بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم قتله حمزة بن عبد المطلب و حاجب بن السائب ابن عویمر بن عمرو و یقال حاجز بن السائب و الذی قتل حاجب بن السائب علیّ بن أبی طالب و عویمر بن السائب بن عمیر قتله النعمان بن مالک القوقلی مبارزة فیما قاله ابن هشام و عمرو بن سفیان و جابر بن سفیان حلیفان لهم من طی قتل عمرا یزید بن رقیش و قتل جابرا أبو بردة بن نیار فیما قال ابن هشام سبعة عشر رجلا و من بنی سهم بن عمرو بن هصیص بن کعب بن لؤیّ منبه بن الحجاج بن عامر بن حذیفة ابن سعد بن سهم قتله أبو الیسر أخو بنی سلمة و ابنه العاص بن منبه بن الحجاج بن عامر بن حذیفة قتله علیّ بن أبی طالب فیما قاله ابن هشام و نبیه بن الحجاج بن عامر قتله حمزة بن عبد المطلب و سعد بن أبی وقاص اشترکا فیه فیما قاله ابن هشام و أبو العاصی بن قیس بن عدی بن سعید بن سهم قال ابن هشام قتله علیّ بن أبی طالب و یقال النعمان بن مالک القوقلی و یقال أبو دجانة و عاصم بن أبی عوف بن صبیرة بن سعید بن سعد بن سهم قتله أبو الیسر أخو بنی سلمة فیما قاله ابن هشام خمسة نفر و من بنی جمح بن عمرو بن هصیص بن کعب بن لؤیّ أمیة بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح قتله رجل من الانصار من بنی مازن فیما قاله ابن هشام و یقال بل قتله معاذ بن عفراء و خارجة بن زید و حبیب بن اساف اشترکوا فیه و ابنه علیّ بن أمیة بن خلف قتله عمار بن یاسر و أوس بن مغیر بن لوذان بن سعد بن جمح قتله علیّ بن أبی طالب فیما قاله ابن هشام ثلاثة نفر و یقال قتله الحصین بن الحارث ابن المطلب و عثمان بن مظعون اشترکا فیه فیما قاله ابن هشام و من بنی عامر بن لؤیّ معاویة بن عامر حلیف لهم من عبد القیس قتله علیّ بن أبی طالب و یقال عکاشة بن محصن فیما قاله ابن هشام و معبد ابن وهب حلیف لهم من بنی کلب بن عوف بن کعب قتل معبدا خالد و ایاس ابنا البکیر و یقال أبو دجانة فیما قاله ابن هشام رجلان* قال ابن اسحاق فجمیع من أحصی لنا من قتلی قریش یوم بدر خمسون رجلا* قال ابن هشام حدّثنی أبو عبیدة عن أبی عمرو أن قتلی بدر من المشرکین کانوا سبعین رجلا و الاسری کذلک و هو قول ابن عباس و سعید بن المسیب و فی کتاب اللّه تبارک و تعالی أو لما أصابتکم مصیبة قد أصبتم مثلیها یقوله لاصحاب أحد و کان من استشهد منهم سبعین رجلا یقول قد أصبتم یوم بدر مثلی من استشهد منکم یوم أحد سبعین قتیلا و سبعین أسیرا* قال ابن هشام و ممن لم یذکر ابن اسحاق من هؤلاء السبعین القتلی من بنی عبد شمس بن عبد مناف وهب بن الحارث من بنی انمار بن بغیض حلیف لهم و عامر بن زید حلیف لهم من الیمن
رجلان و من بنی أسد بن عبد العزی عقبة بن زید حلیف لهم من الیمن و عمیر مولی لهم رجلان و من بنی عبد الدار بن قصی نبیه بن زید بن ملیص و عبید بن سلیط
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:405
حلیف لهم من قیس رجلان و من بنی تیم بن مرّة مالک بن عبید اللّه بن عثمان أسر فمات فی الاساری فعدّ فی القتلی و یقال و عمرو بن عبد اللّه بن جدعان رجلان و من بنی مخزوم بن یقظة حذیفة بن أبی حذیفة بن المغیرة قتله أبو أسید مالک بن ربیعة و السائب بن أبی رفاعة قتله عبد الرحمن بن عوف و عائذ بن السائب ابن عویمر أسر ثم افتدی فمات فی الطریق من جراحة جرحه ایاها حمزة بن عبد المطلب و عمیر حلیف لهم من طی و خیار حلیف لهم من القارة سبعة نفر و من بنی جمح بن عمرو سیرة بن مالک حلیف لهم رجل و من بنی سهم بن عمرو الحارث بن منبه بن الحجاج قتله صهیب بن سنان و عامر بن أبی عوف بن صبیرة أخو عاصم قتله عبد اللّه بن سلمة العجلانی و یقال أبو دجانة رجلان*

(ذکر الاساری من المشرکین)

** قال ابن اسحاق و أسر من المشرکین یوم بدر من قریش ثم من بنی هاشم بن عبد مناف عقیل بن أبی طالب بن عبد المطلب بن هاشم و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم و من بنی المطلب بن عبد مناف السائب بن عبید بن عبد یزید بن هاشم بن المطلب و نعمان بن عمرو بن علقمة بن المطلب رجلان و من بنی عبد شمس بن عبد مناف عمرو بن أبی سفیان بن حرب بن أمیة بن عبد شمس و الحارث بن أبی و جرة بن أبی عمرو بن أمیة بن عبد شمس و یقال ابن أبی و جرة فیما قاله ابن هشام و أبو العاصی بن الربیع ابن عبد العزی بن عبد شمس و أبو العاصی بن نوفل بن عبد شمس و من حلفائهم أبو ریشة بن أبی عمرو و عمرو بن الازرق و عقبة بن عبد الحارث بن الحضرمی سبعة نفر و من بنی نوفل بن عبد مناف عدی ابن الخیار بن عدی بن نوفل و عثمان بن عبد شمس بن غزوان بن جابر حلیف لهم من بنی مازن بن منصور و أبو نوفل حلیف لهم ثلاثة نفر و من بنی عبد الدار بن قصی أبو عزیز بن عمیر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار و الاسود بن عامر حلیف لهم و یقولون نحن بنو الاسود بن عامر بن الحارث بن السباق رجلان و من بنی أسد بن عبد العزی بن قصی السائب بن أبی حبیش بن المطلب بن أسد و الحویرث بن عباد بن عثمان بن أسد و سالم بن شماخ حلیف لهم ثلاثة نفر و من بنی مخزوم بن یقظة بن مرّة خالد بن هشام بن المغیرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم و أمیة بن أبی حذیفة بن المغیرة و الولید ابن الولید بن المغیرة بن عبد اللّه و عثمان بن عبد اللّه بن المغیرة و صیفی بن أبی رفاعة بن عائذ بن عبد اللّه و أبو المنذر بن أبی رفاعة بن عائذ و أبو عطاء عبد اللّه بن أبی السائب بن عائذ و المطلب بن الحنطب بن الحارث بن عبید و خالد بن الاعلم حلیف لهم و هو کان فیما یذکرون أوّل من ولی فارّا منهزما و هو الذی یقول
و لسنا علی الادبار تدمی کلومناو لکن علی أقدامنا یقطر الدم تسعة نفر قال ابن هشام* و یروی و لسنا علی الاعقاب و خالد بن الاعلم من خزاعة و یقال عقیلی و من بنی سهم بن عمرو بن هصیص بن کعب أبو وداعة بن صبیرة بن سعید بن سعد بن سهم کان أوّل أسیر افتدی من أسری بدر افتداه ابنه المطلب بن أبی وداعة و فروة بن قیس بن عدی بن حذافة بن سعد بن سهم و حنظلة بن قبیصة بن حذافة بن سعد بن سهم و الحجاج بن الحارث بن قیس بن عدی بن سعید بن سعد ابن سهم أربعة نفر و من بنی جمح بن عمرو بن هصیص عبد اللّه بن أبی بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح و أبو عزة عمرو بن عبد اللّه بن عثمان بن أهیب بن حذافة بن جمح و الفاکه مولی أمیة بن خلف ادّعاه بعد ذلک رباح بن المغترف و هو یزعم انه من بنی شماخ بن فهر و یقال ابن الفاکه بن جرول بن جذیم بن عوف و وهب بن عمیر بن وهب بن خلف و ربیعة بن دراج بن العنبس بن اهبان خمسة نفر و من بنی عامر بن لؤیّ سهیل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أسره مالک بن الدخشم أخو بنی سالم بن عوف و عبد بن زمعة بن قیس بن عبد شمس و عبد الرحمن بن مشنوء بن و قدان بن قیس بن عبد شمس ثلاثة نفر و من بنی الحارث
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:406
ابن فهر الطفیل بن أبی قنیع و عتبة بن جحدم حلیف العباس بن عبد المطلب رجلان* قال ابن اسحاق فجمیع من حفظ لنا من الاساری ثلاثة و أربعون رجلا* قال ابن هشام وقع من جملة العدّة رجل لم أذکر اسمه و ممن لم یذکر ابن اسحاق من الاساری من بنی هاشم بن عبد مناف عتبة حلیف لهم من بنی فهر رجل و من بنی المطلب بن عبد مناف عقیل بن عمرو حلیف لهم و أخوه تمیم بن عمرو و ابنه ثلاثة نفر و من بنی عبد شمس بن عبد مناف خالد بن أسید بن أبی العیص و أبو العریض یسار مولی العاص بن أمیة رجلان و من بنی نوفل بن عبد مناف نبهان مولی لهم رجل و من بنی أسد بن عبد العزی بن قصی عبد اللّه بن حمید بن زهیر بن الحارث رجل و من بنی عبد الدار بن قصی عقیل حلیف لهم من الیمن رجل و من بنی تیم بن مرّة مسافع بن عیاض بن صخر بن عامر و جابر بن الزبیر حلیف لهم رجلان و من بنی مخزوم بن یقظة قیس بن السائب رجل و من بنی جمح بن عمرو عمرو بن أبی بن خلف و أبو رهم بن عبد اللّه حلیف لهم و حلیف لهم ذهب عنی اسمه و مولیان لامیة بن خلف أحدهما نسطاس و أبو رافع غلام أمیة بن خلف ستة نفر و من بنی سهم بن عمرو أسلم مولی نبیه بن الحجاج رجل و من بنی عامر بن لؤیّ حبیب بن جابر و السائب بن مالک رجلان و من بنی الحارث بن فهر شافع و شفیع حلیفان لهم من الیمن رجلان* أقول و من جملة أساری بدر عباس بن عبد المطلب و لم یذکر فیما ذکر* قال ابن اسحاق و کان فراغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من بدر فی عقب شهر رمضان أو فی شوّال* و فی هذه السنة غلبت الروم علی فارس* روی انه لما التقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالمشرکین یوم بدر فنصر علیهم و افق ذلک الیوم التقاء الروم بفارس فنصرت الروم ففرح المسلمون بالفتحین و انما فرحوا لانّ الروم أهل کتاب و فارس مجوس لا کتاب لهم*

وفاة رقیة بنته علیه السلام‌

و فی هذه السنة توفیت رقیة بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زوجة عثمان و کان تزوّجها بمکة فی الجاهلیة و هاجر معها الی الحبشة فتوفیت یوم جاء زید بن حارثة بشیرا بفتح بدر جاء و عثمان واقفا علی قبرها یدفنها کما مرّ و کان تمریضها منعه عن شهود بدر و ضرب له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بسهمه من غنیمتها* روی انه صلّی اللّه علیه و سلم لما عزی فی ابنته رقیة قال الحمد للّه دفن البنات من المکرمات رواه العسکری فی الامثال و فی روایة من المکرمات دفن البنات* قال النووی توفیت رقیة فی ذی الحجة من هذه السنة لکن ذکر أهل السیر أن وفاة رقیة کانت فی رمضان حین کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی غزوة بدر کما مرّ

* سریة عمیر بن عدی لقتل العصماء الیهودیة

و فی هذه السنة کانت سریة عمیر بن عدی الخطمی لقتل العصماء بنت مروان الیهودی امرأة من الانصار و هی زوجة یزید الخطمی لخمس لیال بقین من رمضان علی رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة قال ابن سعد کذا فی المواهب اللدنیة* و فی سیرة مغلطای ذکر سیرة عمیر بعد قرقرة الکدر* و فی الوفاء قدّم قتل أبی عفک علی قتل العصماء و کانت تعیب المسلمین و تؤنب الانصار فی اتباعهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و تؤذی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و تقول الشعر فی هجوه فجاءها لیلا عمیر ابن عدی و کان أعمی فدخل علیها بیتها و حولها نفر من أولادها نیام منهم من ترضعه فی صدرها فجها بیده فنحی الصبیّ عنها و وضع ذبابة سیفه فی صدرها حتی أنفذها من ظهرها ثم صلّی الصبح مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالمدینة فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ قتلت ابنة مروان قال نعم قال لا ینتطح فیها عنزان أی لا یعارض فیها معارض و لا یسأل عنها فانها هدر و کانت هذه الکلمة اوّل ما سمعت من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هذا من الکلام الموجز البدیع الذی لم یسبق إلیه*

نبذة من جوامع کلمه علیه السلام‌

کحمی الوطیس و مات حتف أنفه و لا یلدغ المؤمن من جحر مرّتین و یا خیل اللّه ارکبی و الولد للفراش و للعاهر الحجر و کل الصید فی جوف الفرا و الحرب خدعة و ایاکم و خضراء الدمن و ان مما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:407
ینبت الربیع لما یقتل حبطا أو یلم و الانصار کرشی و عیبتی و لا یجنی علی المرء إلا یده و الشدید من غلب نفسه و لیس الخبر کالمعاینة و المجالس بالامانة و الید العلیا خیر من الید السفلی و البلاء موکل بالمنطق و الناس کأسنان المشط و ترک الشر صدقة و أی داء أدوأ من البخل و الاعمال بالنیات و الحیاء خیر کله و الیمین الفاجرة تدع الدیار بلاقع و سید القوم خادمهم و فضل العلم خیر من فضل العبادة و الخیل فی نواصیها الخیر و عدة المؤمن کأخذ بالید و أعجل الاشیاء عقوبة البغی و انّ من الشعر لحکمة و الصحة و الفراغ نعمتان و نیة المؤمن خیر من عمله و استعینوا علی الحاجات بالکتمان و ان کل ذی نعمة محسود و المکر و الخدیعة فی النار و من غشنا لیس منا و المستشار مؤتمن و الندم توبة و الدال علی الخیر کفاعله و حبک الشی‌ء یعمی و یصم و العاریة مؤدّاة و الایمان قید الفتک و سبقک بها عکاشة و عجب ربکم من کذا و قتل صبرا و لیس المسئول بأعلم من السائل و لا ترفع عصاک عن أهلک و لا تضحی شرقاء الی غیر ذلک مما یطول ذکره و کذا فی سیرة مغلطای* و فی الوفاء ان العصماء هذه تأففت لما قتل أبو عفک بالفاء و اهمال أوّله و قالت شعرا تعیب به الاسلام و أهله و ان عمیرا رجع الی قومه بعد قتلها و هم یومئذ کثیر یوبخهم فی شأنها و لها بنون خمسة رجال فقال یا بنی خطمة أنا قتلت بنت مروان یعنی العصماء فکیدونی جمیعا ثم لا تنظرون فذلک الیوم أوّل ما عز الاسلام فی دار بنی خطمة و کان یستخفی باسلامه فیهم من أسلم و یومئذ أسلم رجال منهم لما رأوا من عز الاسلام* و فی شواهد النبوّة کانت العصماء بنت مروان من بنی أمیة بن زید و کانت تؤذی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و تعیب الاسلام فحین کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی غزوة بدر قالت فی ذم الاسلام و أهله أبیاتا فسمعها عمیر بن عدی و کان ضریر البصر قاله ابن سعد و سماه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم البصیر و کان قد تخلف بالمدینة عن غزوة بدر لعماه و قیل کان أوّل من أسلم من بنی خطمة و کان امام قومه و قارئهم و کان یدعی القارئ فنذر لئن ردّ اللّه عز و جل رسوله من بدر سالما لیقتلنها ففی لیلة قدم فیها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم المدینة من بدر سل عمیر سیفه و دخل علیها فی جوف اللیل و قتلها و صلّی الصبح بالمدینة مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لما رآه قال أ قتلت ابنة مروان قال نعم فأقبل علی الناس و قال من أحب منکم أن ینظر الی رجل کان فی نصرة اللّه و رسوله فلینظر الی عمیر بن عدی فقال عمر الی هذا الاعمی بات فی طاعة اللّه و رسوله قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مه یا عمر فانه بصیر أو کما قال*

فرض زکاة الفطر

و فی هذه السنة فرضت زکاة الفطر و کان ذلک قبل العید بیومین کذا فی أسد الغابة فخطب الناس قبل الفطر بیومین یعلمهم زکاة الفطر و کان ذلک قبل أن تفرض زکاة الاموال کما سیجی‌ء* و فی أوّل شوّال هذه السنة خرج الی المصلی و حملت العنزة بین یدیه و غرزت فی المصلی و صلّی إلیها صلاة الفطر و هذه الحربة کانت للنجاشی فوهبها للزبیر بن العوّام و کانت تحمل بین یدیه علیه السلام فی الاعیاد و أمر بأن تخرج زکاة الفطر عن الصغیر و الکبیر و الحر و العبد و الذکر و الانثی نصف صاع من برّ أو صاع من شعیر أو صاع من زبیب و کان یأمر باخراجها قبل أن یغد و الی المصلی*

فرض زکاة الاموال‌

و فی هذه السنة فرضت زکاة الاموال و قیل فی السنة الثالثة و قیل فی الرابعة و قیل قبل الهجرة و ثبتت بعدها و اللّه أعلم*

غزوة قرقرة الکدر

و فی شوّال هذه السنة أیضا و قیل بعد بدر بسبعة أیام و قیل فی نصف المحرم سنة ثلاث وقعت غزوة قرقرة الکدر و یقال نجران کذا فی سیرة مغلطای و ذکرها ابن سعد بعد غزوة السویق و قرقرة الکدر بفتح القافین أرض ملساء* و قال البکری هی بضم القاف و اسکان الراء و بعدهما مثلهما و المعروف فی ضبطها الفتح و هی ناحیة بأرض سلیم علی ثمانیة برد من المدینة کذا فی حیاة الحیوان* و فی المواهب اللدنیة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:408
الکدر طیر فی ألوانها کدرة عرف بها ذلک الموضع* و فی خلاصة الوفاء کدر بالضم جمع أکدر یضاف إلیه قرقرة الکدر بناحیة معدن بنی سلیم وراء سدّ معاویة و قال عرام فی حرم بنی عوال میاه و آبار منها بئر الکدر* و فی الاکتفاء کانت وقعة بدر یوم الجمعة لسبع عشرة لیلة من شهر رمضان و کان فراغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم منها فی عقبه أو فی شوّال بعده فلما قدم المدینة لم یقم بها إلّا سبع لیال حتی غزا بنفسه یرید بنی سلیم فبلغ ماء من میاههم یقال له الکدر فأقام علیه ثلاث لیال ثم رجع الی المدینة و لم یلق کیدا* و فی بعض الکتب أخبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بأن جماعة من بنی سلیم و غطفان تجمعوا بماء یقال له الکدر و یعرف بغزوة قرقرة الکدر فعقد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لواء و دفعه الی علیّ بن أبی طالب و استخلف علی المدینة سباع بن عرفطة الغفاری و قیل ابن أمّ مکتوم و خرج منها فی مائتی رجل من أصحابه و سار الی أن بلغ قرقرة الکدر فلم یر فیها أحدا فبعث بعضا من أصحابه الی أعالی الوادی و سار هو فی بطن الوادی و أقام علیه الصلاة و السلام بها ثلاثا و قیل عشرا فلم یلق کیدا فلقی رعاة الابل فیهم غلام اسمه یسار فسألهم عن بنی سلیم و غطفان قالوا لا ندری فساقوا الابل مع الرعاة الی المدینة فلما بلغ صرارا بالصاد المهملة و هو موضع بینه و بین المدینة ثلاثة أمیال و فی خلاصة الوفاء صرار ماء قرب المدینة محتفر جاهلی أمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم باخراج الخمس و قسم الباقی علی أصحاب الغزوة فأصاب کل واحد بعیران و کان جملة الابل خمسمائة و وقع یسار فی سهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأعتقه حین رآه یصلی و کانت مدّة غیبته فی تلک الغزوة خمس عشرة لیلة* و فی خلاصة السیر أورد هذه الغزوة بعد غزوة السویق و قال هذه الاربع یعنی غزوة بنی قینقاع و غزوة السویق و غزوة قرقرة الکدر و غزوة ذی أمر فی بقیة السنة الثانیة* و فی حیاة الحیوان روی ابن هشام و غیره أنّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم غزا قرقرة الکدر فی النصف من المحرّم علی رأس ثلاثة عشر شهرا من مهاجره و اللّه أعلم* و فی المواهب اللدنیة ذکر غزوة قرقرة الکدر فی أوّل شوّال السنة الثانیة قبل سریة سالم بن عمیر و قال ذکرها ابن سعد بعد غزوة السویق‌

* سریة سالم بن عمیر الی قتل أبی عفک‌

و فی شوّال هذه السنة علی رأس عشرین شهرا من الهجرة کما فی المواهب اللدنیة کانت سریة سالم بن عمیر أحد البکائین و ممن شهد بدرا الی قتل أبی عفک الیهودی و کان أبو عفک من بنی عمرو بن عوف شیخا کبیرا قد بلغ عشرین و مائة سنة و کان یحرض علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و یقول فیه الشعر فقال سالم بن عمیر علیّ نذر أن أقتل أبا عفک أو أموت دونه فقتله و وضع سیفه علی کبده ثم اعتمد علیه حتی خش فی الفراش فصاح عدوّ اللّه أبو عفک فثار إلیه ناس ممن هو علی قوله فأدخلوه منزله فقتل کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الوفاء قدّم قتل أبی عفک علی قتل العصماء*

غزوة بنی قینقاع‌

و فی نصف شوّال هذه السنة یوم السبت علی رأس عشرین شهرا من الهجرة وقعت غزوة بنی قینقاع بفتح القاف و تثلیث النون و الضم أشهر حی من الیهود کانوا بالمدینة کذا فی القاموس* و فی الوفاء منازلهم عند جسر بطحان مما یلی العالیة* و فی صحیح البخاری عن ابن عمر أن بنی قینقاع هم رهط عبد اللّه بن سلام* و قال الحافظ ابن حجر و هم من ذرّیة یوسف الصدّیق علیه السلام* و فی الاکتفاء لما رجع من قرقرة الکدر الی المدینة أقام بقیة شوّال و ذا القعدة و أفدی فی اقامته تلک جل الاساری من قریش أی أساری بدر* روی انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما قدم المدینة و ادع الیهود علی أن لا یعینوا علیه أحدا و ان دهمه بها عدوّ نصروه فلما انصرف من بدر أظهروا له الحسد و البغی و قالوا لم یلق محمد من یحسن القتال و لو لقینا لاقی عندنا قتالا لا یشبه قتال أحد ثم أظهروا له نقض العهد کذا فی المنتقی* و فی خلاصة السیر الیهود یرجعون الی ثلاث طوائف بنی قینقاع و النضیر و قریظة فنقض الثلاث
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:409
العهد طائفة بعد طائفة فأوّل من نقض العهد منهم بنو قینقاع قتلوا رجلا من المسلمین و حاربوا فیما بین بدر و أحد* و قال مغلطای قال الحاکم غزوة بنی قینقاع و بنی النضیر واحدة فربما اشتبهتا علی من لا یتأمّل* و قال الحافظ ابن حجر بعد ذکر انهم أوّل من نقض العهد فغزاهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم بنی النضیر و أغرب الحاکم فزعم ان اجلاء بنی قینقاع و اجلاء بنی النضیر کان فی زمن واحد و لم یوافق علی ذلک لانّ اجلاء بنی النضیر کان بعد بدر بستة أشهر علی قول عروة أو بعد ذلک بمدّة طویلة علی قول ابن اسحاق* و ذکر الواقدی ان اجلاء بنی قینقاع کان فی شوّال سنة اثنتین یعنی بعد بدر بشهر و یؤیده روایة ابن اسحاق عن ابن عباس ان غزوة بنی قینقاع بعد بدر* و فی الوفاء حاربهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعد بدر فی شوّال فألقی اللّه الرعب فی قلوبهم فنزلوا علی حکمه فأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد اللّه بن أبی و کانوا حلفاءه فوهبهم له و أخرجهم من المدینة الی أذرعات* و فی الاکتفاء منشأ أمرهم فی نقض العهد أن امرأة من العرب قدمت بحلب لها فباعته بسوق بنی قینقاع و جلست الی صائغ بها فجعلوا یریدونها علی کشف وجهها فأبت فعمد الصائغ الی طرف ثوبها من خلفها بحیث لا تعلم فعقده الی ظهرها فلما قامت انکشفت سوأتها فضحکوا فصاحت فوثب رجل من المسلمین علی الصائغ فقتله و کان یهود یا فشدّت الیهود علی المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمین علی الیهود فأغضب المسلمون فوقع الشر بینهم و بین بنی قینقاع فلما أخبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بذلک جمع أشراف یهود بنی قینقاع فقال لهم یا معشر الیهود احذروا من اللّه أن یوقع بکم ما نزل بقریش من النقمة و أسلموا فانکم قد عرفتم انی نبیّ مرسل تجدون ذلک فی کتابکم و عهد اللّه إلیکم قالوا یا محمد انک تری أنا قومک لا یغرّنک انک لقیت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة انا و اللّه لئن حاربتنا لتعلمنّ أنا نحن الناس* و فی الوفاء قالوا انهم کانوا لا یعرفون القتال و لو قاتلتنا لعرفت أنا الرجال فأنزل اللّه قل للذین کفروا ستغلبون و تحشرون الی جهنم الی قوله أولی الابصار فخرج صلّی اللّه علیه و سلم إلیهم للنصف من شوّال سنة اثنتین بعد بدر بشهر و دفع لواءه یومئذ الی حمزة و کان أبیض* قال ابن هشام و استعمل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی المدینة فی محاصرته ایاهم بشر بن عبد المنذر فتحصنت الیهود فی حصنهم فحاصرهم خمس عشرة لیلة الی هلال ذی القعدة حتی جهدهم الحصار فنزلوا علی حکم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأمر منذر بن قدامة السلمی أن یکتفهم فکتفوا و هو یرید قتلهم فمرّ بهم عبد اللّه بن أبی بن سلول فأراد أن یطلقهم و هم حلفاؤه قال له المنذر أ تطلق قوما أمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بربطهم و اللّه لا یفعله أحد الا أضرب عنقه* و فی سیرة ابن هشام فقام إلیه عبد اللّه بن أبی بن سلول حین أمکن اللّه نبیه منهم فقال یا محمد أحسن فی موالیّ فأعرض عنه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأعاد ابن أبی کلامه فسکت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لم یجبه بشی‌ء فأدخل ابن أبیّ یده فی جیب درع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان یقال لها ذات الفضول فیما قاله ابن هشام و قال یا رسول اللّه أحسن فی حلفائی و ألح علیه من أجلهم فغضب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی رأوا لوجهه ظللا ثم قال ویحک أرسلنی قال لا و اللّه لا أرسلک حتی تحسن فی موالیّ أربعمائة حاسر و ثلاثمائة دارع قد کانوا منعونی من الاحمر و الاسود تحصدهم فی غداة واحدة و انی و اللّه امرؤ أخشی الدوائر فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هم لک فأمر أن یجلوا و ترکهم من القتل* و فی روایة قال حلوهم لعنهم اللّه و لعن من معهم فتجاوز عن دمائهم و لکن أمر باجلائهم* قال ابن اسحاق حدّثنی أبی اسحاق بن یسار عن عبادة بن الولید عن عبادة بن الصامت قال لما حاربت بنو قینقاع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تشبث بأمرهم عبد اللّه بن أبی و قام دونهم و مشی عبادة بن الصامت الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:410
و کان أحد بنی عوف لهم من حلفه مثل الذی لهم من عبد اللّه بن أبی فخلعهم عبادة الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و تبرأ الی اللّه و الی رسوله من حلفهم و قال یا رسول اللّه أتولی اللّه و رسوله و المؤمنین و أبرأ من حلف هؤلاء الکفار و ولایتهم قال ففیه و فی عبد اللّه بن أبی نزلت القصة من المائدة یأیها الذین آمنوا لا تتخذوا الیهود و النصاری أولیاء بعضهم أولیاء بعض و من یتولهم منکم فانه منهم انّ اللّه لا یهدی القوم الظالمین فتری الذین فی قلوبهم مرض کعبد اللّه بن أبی یسارعون فیهم یقولون نخشی أن تصیبنا دائرة الی قوله فی أنفسهم نادمین و لما سمعوا خبر الاجلاء اغتموا و أتی عبد اللّه بن أبی برؤسائهم لیشفع لهم عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی أمر الاجلاء أیضا و کان عویمر بن ساعدة العمروی واقفا علی الباب فأراد ابن أبی أن یدخل فمنعه عویمر فدفعه ابن أبی و أراد أن یدخل بالعنف فغضب عویمر فدفعه دفعا أصابت منه جبهته الجدار فدمیت فلما رأت الیهود ذلک قالوا لابن أبی یا أبا الخباب نحن لا نسکن فی بلد یفعل فیها مثل هذا و لا نقدر علی دفعه فرجعوا خائبین فأمر صلّی اللّه علیه و سلم عبادة بن الصامت باخراجهم فاستمهلوه ثلاثة أیام بامر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم أخرجهم عن منازلهم و بلغهم الی ذی ناب فذهبوا الی أذرعات من الشام فهلکوا بعد زمان فلیل و صارت أموالهم و أسلحتهم غنیمة للمسلمین و اصطفی علیه السلام لنفسه صفی المغنم ثلاث قسی یقال لاحداها الکتوم انکسرت یوم احد و للثانیة الروحاء و للثالثة البیضاء و درعین یسمی أحدهما فضة و الاخری السغدیة بالسین المهملة و الغین المعجمة* قال بعض الحفاظ کانت السغدیة درع داود علیه السلام التی لبسها حین قتل جالوت و اللّه أعلم و ثلاثة أسیاف سیف یقال له قلعی و سیف یدعی البتار و سیف یسمی الحتف و ثلاثة ارماح ثم أمر بعزل الخمس و هو أوّل خمس فی الاسلام بعد بدر و وهب منها درعا لمحمد بن مسلمة و درعا لسعد بن معاذ یدعی سحک و قسم الباقی علی أصحابه ثم انصرف الی المدینة

* غزوة السویق‌

و فی ذی الحجة من هذه السنة یوم الاحد لخمس خلون منها علی رأس اثنین و عشرین شهرا من الهجرة کانت غزوة السویق* و قال ابن اسحاق فی صفر کذا فی المواهب اللدنیة* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و لما رجع من قرقرة الکدر الی المدینة أقام بها بقیة شوّال و ذا القعدة و فدی فی اقامته تلک جل الاساری من قریش ثم غزا أبو سفیان بن حرب غزوة السویق فی ذی الحجة و کان أبو سفیان حین رجع الی مکة و رجع فلّ قریش من بدر نذر أن لا یمس رأسه ماء من جنابة حتی یغزو محمدا فخرج من مکة فی مائتی راکب من قریش لیبر یمینه فسلک النجدیة حتی نزل صدر قناة الی جبل یقال له تیب من المدینة علی برید أو نحوه ثم خرج من اللیل حتی أتی بنی النضیر تحت اللیل فأتی حیی بن أخطب فضرب علیه بابه فأبی أن یفتح له بابه و خافه فانصرف عنه الی سلام بن مشکم و کان سید بنی النضیر فی زمانه ذلک و صاحب کنزهم فاستأذن علیه فأذن له فقراه و سقاه و بطن له من خبر الناس ثم رجع فی عقب لیلته حتی أتی أصحابه فبعث رجالا من قریش فأتوا ناحیة منها یقال لها العریض علی ثلاثة أمیال من المدینة فخرقوا فی صور من نخلب بها و وجدوا رجلا من الانصار و حلیفا له فی حرث لهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعین و انذر بهم الناس فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی طلبهم یوم الاحد لخمس خلون من ذی الحجة و استعمل علی المدینة أبا لبابة بشر بن عبد المنذر فجعل أبو سفیان و أصحابه یتخففون للهرب و النجاة فیلقون جرب السویق و کانت عامة أزوادهم السویق* قال ابن هشام انما سمیت غزوة السویق فیما حدّثنی أبو عبیدة ان أکثر ما طرح القوم من أزوادهم السویق فهجم المسلمون علی سویق کثیر فسمیت غزوة السویق فسار رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی أن بلغ قرقرة الکدر ففاته أبو سفیان و أصحابه فانصرف راجعا الی المدینة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:411
فقال المسلمون حین رجع بهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یا رسول اللّه أ نطمع أن تکون لنا غزوة قال نعم و کانت مدّة غیبته فی هذه الغزوة خمسة أیام و عند بعض أصحاب السیر هذه الغزوة کانت فی أوّل السنة الثالثة من الهجرة و اللّه أعلم* و فی سیرة ابن هشام و الاکتفاء أورد غزوة السویق قبل غزوة بنی قینقاع*

موت عثمان بن مظعون‌

و فی هذه السنة مات عثمان بن مظعون فی ذی الحجة فهو أوّل من مات من المهاجرین بالمدینة و دفن بالبقیع و هو رضیع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قبله صلّی اللّه علیه و سلم بعد موته کذا فی الوفاء* و فی هذه السنة فی ذی الحجة خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم عید الاضحی الی المصلی و صلّی صلاة العید فیه و ضحی هو بکبش و الاغنیاء من أصحابه و هو أوّل عبد أضحی رآه المسلمون*

بناء علی بفاطمة رضی اللّه عنهما

و فی ذی الحجة من هذه السنة بنی علیّ بفاطمة کما قاله الحافظ مغلطای و قد کان عقد النکاح فی رجب منها علی الاصح و قیل فی رمضان* و قال الطبری تزوّجها فی صفر فی السنة الثانیة و بنی بها فی ذی الحجة علی رأس اثنین و عشرین شهرا من التاریخ* و قال أبو عمرو بعد وقعة أحد و قال غیره بعد بنائه صلّی اللّه علیه و سلم بعائشة بأربعة أشهر و نصف و بنی بها بعد تزوّجها بسبعة أشهر و نصف و لما کان لیلة البناء قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لعلیّ لا تحدث شیئا حتی تلقانی فدعا صلّی اللّه علیه و سلم باناء فتوضأ فیه ثم أفرغه علی علیّ ثم قال اللهمّ بارک فیهما و بارک علیهما و بارک لهما فی شملهما* و فی روایة عن علیّ انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین زوّجه دعا بماء فمجه ثم صبه فی فیه ثم رشه فی جنبیه و بین کتفیه و عوّذه بقل هو اللّه أحد و المعوّذتین ثم قال انی أزوجک خیر أهل بیتی کذا فی المنتقی* و فی ذخائر العقبی قال لعلیّ اذا أتتک لا تحدث شیئا حتی آتیک فجاءت فاطمة مع أمّ أیمن حتی قعدت فی جانب البیت و علیّ فی جانب و جاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال هاهنا أخی قالت أمّ أیمن أخوک و قد زوّجته ابنتک قال نعم و دخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال لفاطمة ائتینی بماء فقامت الی قعب فی البیت فأتت فیه بماء فأخذه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و مج فیه ثم قال لها تقدّمی فتقدّمت فنضح بین ثدییها و علی رأسها و قال اللهمّ انی أعیذها بک و ذرّیتها من الشیطان الرجیم ثم قال لها أدبری فادبرت فصب بین کتفیها و قال اللهمّ انی أعیذها بک و ذرّیتها من الشیطان الرجیم ثم قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ائتونی بماء فقال علیّ فعلمت الذی یرید فقمت فملأت القعب ماء فأتیته فأخذه فمج فیه و صنع بعلیّ کما صنع بفاطمة و دعا له بما دعا به لها ثم قال ادخل بأهلک بسم اللّه و البرکة خرجه أبو حاتم و خرج أحمد فی المناقب و فی روایة بتقدیم علیّ علی فاطمة فی النضح و الدعاء و قال ثم دعا فاطمة فقامت تعثر فی ثوبها و ربما قال فی مرطها من الحیاء* و عن جابر قال حضرنا عرس علیّ و فاطمة فما رأینا عرسا کان أحسن منه حسنا هیأ لنا رسول اللّه زیتا و تمرا فأکلنا و کان فراشهما لیلة عرسهما اهاب کبش* و فی روایة انه بنی بها بعد تسع و عشرین لیلة من النکاح و کان جهازها فی هذه الروایة فراشین من خیوش أحدهما محشو بلیف و الآخر بحذو الحذائین و أربع وسائد وسادتین من لیف و ثنتین من صوف* و روی عن الحسن البصری قال کان لعلیّ و فاطمة رضی اللّه عنهما قطیفة اذا لبساها بالطول انکشفت ظهورهما و اذا لبساها بالعرض انکشفت رءوسهما* و أخرج الدولابی عن أسماء قالت لقد أ و لم علیّ علی فاطمة فما کانت ولیمة فی ذلک الزمان أفضل من ولیمته رهن درعه عند یهودی بشطر شعیر و کانت ولیمته آصعا من شعیر و تمر و حیس و الحیس التمر و الاقط و أخرج أحمد فی المناقب عن علی کان جهاز فاطمة خمیلة و قربة و وسادة من أدم حشوها لیف کذا فی المواهب اللدنیة* و روی عن أنس قال لما تزوّج علیّ بفاطمة قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لاسماء بنت عمیس اذهبی فهیئی منزلها فجاءت أسماء الی البیت فعملت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:412
فراشا من رمل و الثانی من أدم حشوها لیف و مرقعة من أدم حشوها لیف فلما صلّی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم العشاء الآخرة انصرف الی بیت فاطمة فنظر إلیها و دعا لها بالبرکة فانصرف فبعث بفاطمة الی علی فی ذلک البیت* و فی روایة قال لعلیّ دونک اهلک ثم خرج فلبث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اربعا لا یدخل علیهما حتی اذا کان الیوم الرابع دخل علیهما فی غداة باردة و هما فی لحاف واحد فقال کما انتما و جلس عند رأسهما ثم ادخل قدمیه و ساقیه بینهما فأخذ علیّ احداهما فوضعها علی صدره و بطنه لیدفئها و أخذت فاطمة الاخری فوضعتها علی صدرها و بطنها لتدفئها و طلبت خادما فأمرها بالتسبیح و التحمید و التکبیر* و روی عن علیّ قال لهما النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذا أخذتما مضجعکما فسبحا ثلاثا و ثلاثین و احمدا ثلاثا و ثلاثین و کبرا اربعا و ثلاثین فهو خیر لکما من خادم کذا فی الصحیحین و عن انس قال جاءت فاطمة یوما الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالت یا رسول اللّه انی و ابن عمی ما لنا فراش الا جلد کبش ننام علیه باللیل و نعلف علیه ناضحنا بالنهار فقال یا بنیة اصبری فانّ موسی بن عمران أقام مع امرأته عشر سنین لیس لهم فراش الاعباء قطوانیة و ولد الحسن فی منتصف رمضان السنة الثالثة من الهجرة و الحسین فی السنة الرابعة و کان بین ولادة الحسن و العلوق بالحسین خمسون لیلة و ولد الحسین للیال خلون من شعبان السنة الرابعة من الهجرة کما سیجی‌ء

غضب النبیّ حین خطب علی بنت أبی جهل‌

عن مسور بن مخرمة انّ علیّ بن ابی طالب خطب بنت ابی جهل و عنده فاطمة بنت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلما سمعت بذلک فاطمة أتت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالت له ان قومک یتحدّثون انک لا تغضب لبناتک و هذا علیّ ناکح ابنة ابی جهل فخطب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قال انی لست أحرم حلالا و لا احلّ حراما و لکن و اللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه و بنت عدوّ اللّه عند رجل واحد و فی روایة مکانا واحدا ابدا* و فی روایة عنه انه سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی المنبر و هو یقول ان بنی هشام ابن المغیرة استأذنونی فی ان ینکحوا ابنتهم علیّ بن ابی طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن لهم الا أن یحب ابن ابی طالب ان یطلق ابنتی و ینکح ابنتهم فانما ابنتی بضعة منی یریبنی ما رابها و یؤذینی ما آذاها اخرجه الشیخان و الترمذی و اسم بنت ابی جهل جویریة أسلمت و بایعت و تزوّجها عتاب ابن اسید ثم ابان بن سعید بن العاص*

وفاة أمیة بن الصلت‌

و فی هذه السنة مات أمیّة بن ابی الصلت و اسم ابی الصلت عبد اللّه بن ربیعة و کان أمیّة قد قرأ الکتب المتقدّمة و رغب عن عبادة الاوثان و اخبر ان نبیا یخرج قد اظل زمانه و کان یؤمّل ان یکون ذلک النبیّ فلما بلغه خبر خروج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کفر به حسدا و لما انشد لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم شعر أمیة قال علیه السلام آمن لسانه و کفر قلبه‌

* (الموطن الثالث فی وقائع السنة الثالثة من الهجرة

اشارة

من سریة محمد بن مسلمة لقتل کعب بن الاشرف و تزوّج عثمان أمّ کلثوم و غزوة غطفان و غزوة نجران و سریة زید بن حارثة الی قردة و تزوّج حفصة و تزوّج زینب بنت خزیمة و ذکر میلاد الحسن و غزوة احد و غزوة حمراء الاسد و سرقة طعمة و علوق فاطمة بالحسین)*

* سریة محمد بن مسلمة لقتل کعب بن الاشرف‌

و فی هذه السنة کانت سریة محمد بن مسلمة لقتل کعب بن الاشرف من یهود بنی النضیر لاربع عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل علی رأس خمسة و عشرین شهرا من الهجرة کذا فی المواهب اللدنیة و یفهم من المدارک فی تفسیر سورة الحشر أن قتله بعد احد* و فی الوفاء کان اصل کعب بن الاشرف عربیا من طی ثم أحد بنی نبهان و امّه من بنی النضیر علی ما قاله ابن اسحاق اتی ابوه المدینة فحالف بنی النضیر فشرف فیهم و تزوّج بنت ابی الحقیق فولدت له کعبا و کان جسیما شاعرا و هجا المسلمین بعد وقعة بدر و خرج الی مکة و أنشدهم الاشعار و بکی علی اصحاب القلیب من قریش قال ابن اسحاق و لما اصیب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:413
أصحاب بدر و قدم زید بن حارثة الی اهل السافلة و عبد اللّه بن رواحة الی أهل العالیة بشیرین بعثهما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی من بالمدینة من المسلمین بفتح اللّه علیه و قتل من قتل من المشرکین قال کعب بن الاشرف حین بلغه الخبر أحق هذا أ ترون أنّ محمدا قتل هؤلاء الذین یسمی هذان الرجلان یعنی زید بن حارثة و عبد اللّه بن رواحة فهؤلاء أشراف العرب و ملوک الناس و اللّه لئن کان محمد قد أصاب هؤلاء القوم لبطن الارض خیر لی من ظهرها فلما تیقن عدوّ اللّه الخبر خرج حتی قدم مکة فنزل علی المطلب بن أبی وداعة بن صبیرة السهمی و عنده عاتکة بنت أبی العیص بن أمیّة فأنزلته و أکرمته و جعل یحرض علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ینشد الاشعار و یبکی علی أصحاب القلیب من قریش الذین أصیبوا ببدر فهجا حسان المطلب بن أبی وداعة و هجا امرأته عاتکة فطردته فرجع الی المدینة و شبب بنساء المسلمین و کان یهجو رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و یحرّض علیه کفار قریش و قیل صنع طعاما و واطأ یهود أن یدعو النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فاذا حضر فتکوا به ثم دعاه فجاءه فأعلمه جبریل فقام منصرفا ثم قال من الکعب بن الاشرف* و فی روایة من لی أولنا بابن الاشرف فانه قد أذی اللّه و رسوله ای من ینتدب لقتله فقد استعلن بعداوتنا و هجائنا و قد خرج الی قریش فجمعهم لقتالنا و قد أخبرنی اللّه بذلک ثم قرأ أ لم تر الی الذین أوتوا نصیبا الی آخر الآیة* و فی الاکلیل فقد أذانا بشعره و قوّی المشرکین کذا فی المواهب اللدنیة فانتدب إلیه محمد بن مسلمة أخو بنی عبد الاشهل فی نفر و قال أناله یا رسول اللّه* و فی روایة أنا لک به یا رسول اللّه أنا أقتله قال فافعل ان قدرت علی ذلک و قیل أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سعد بن معاذ أن یبعث رهطا لیقتلوه و اللّه أعلم* روی أن محمد بن مسلمة بعد ما قال أنا له رجع فمکث ثلاثا لا یأکل و لا یشرب الا ما تعلق به نفسه فذکر ذلک لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدعاه فقال له لم ترکت الطعام و الشراب قال یا رسول اللّه قلت لک قولا ما أدری هل أفی لک به أم لا فقال انما علیک الجهد قال یا رسول اللّه انه لا بدّلنا من أن نقول فیک قال قولوا ما بدا لکم فأنتم فی حل من ذلک فاجتمع فی قتل کعب محمد بن مسلمة و مکان بن سلامة بن وقش و هو أبو نائلة أحد بنی عبد الاشهل أخا لکعب بن الاشرف من الرضاعة و عباد بن بشر بن وقش أحد بنی عبد الاشهل و الحارث بن أوس بن معاذ أحد بنی عبد الاشهل و أبو عبس بن جبر أخو بنی حارثة و هؤلاء الخمسة من الاوس ثم قدّموا ملکان ابن سلامة و کان أخاه من الرضاعة فجاءه فتحدّث معه ساعة و تناشد الشعر و کان أبو نائلة یقول الشعر ثم قال و یحک یا ابن الاشرف انی قد جئتک لحاجة أرید أذکرها لک فاکتمها عنی قال افعل قال کان قدوم هذا الرجل علینا بلاء من البلاء عادتنا العرب و رمونا عن قوس واحدة و قطعت عنا السبل حتی ضاع العیال و جهدت الانفس فقال کعب بن الاشرف أما و اللّه لقد کنت أخبرک یا ابن سلامة ان الامر سیصیر الا ما أقول فقال أبو نائلة ان معی أصحابا لی علی مثل رأیی و قد أردنا أن تبیعنا طعامک و نرهنک و نوثق لک و تحسن فی ذلک قال أ ترهنونی نساءکم قال کیف نرهنک نساءنا و أنت أجمل العرب و أشب أهل یثرب و أعطرهم و لا نأمنک و أیة امرأة تمتنع منک لجمالک قال أ ترهنونی أبناءکم قالوا أردت أن تفضحنا انا نستحیی أن یسب ابن أحدنا و یعیر فیقال هذا رهن وسق شعیر و هذا رهن و سقین و لکنا نرهنک من الحلقة یعنی السلاح ما فیه وفاء و قد علمت حاجتنا الی السلاح و أراد أبو نائلة أن لا ینکر السلاح إذا رآه و جاءوا بها قال ان الحلقة لوفاء فواعده أن یأتیه فرجع أبو نائلة الی أصحابه و أخبرهم الخبر و أمرهم أن یأخذوا السلاح و یجتمعوا إلیه فاجتمعوا عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فمشی معهم صلّی اللّه علیه و سلم الی بقیع الغرقد فی لیلة مقمرة
ثم وجههم و قال انطلقوا علی اسم اللّه اللهم أعنهم ثم رجع الی بیته فأقبلوا حتی انتهوا الی حصنه لیلا فهتف أبو نائلة و کان کعب حدیث عهد بعرس فوثب فی ملحفته
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:414
فأخذت امرأته بناحیتها و قالت انک امرؤ محارب و ان أصحاب الحرب لا ینزلون فی مثل هذه الساعة کلمه من فوق الحصن قال انه أبو نائلة رضیعی فانه لو وجدنی نائما ما أیقظنی قالت و اللّه انی لا عرف فی صوته الشرّ فانی أسمع صوتا یقطر منه الدم فقال کعب لو یدعی الفتی لطعنة لاجاب* و فی روایة قال ان الکریم اذ ادعی الی طعنة بلیل لاجاب فنزل إلیهم متوشحا و ینفح منه ریح الطیب قتحدّث معهم ساعة قالوا له هل لک أن نتماشی الی شعب العجوز فتتحدّث فیه بقیة لیلتنا هذه قال ان شئتم فخرجوا یتماشون و کان أبو نائلة قال لاصحابه انی فاتل شعره لأشمه فاذا رأیتمونی استمکنت من رأسه فدونکم عدوّ اللّه فاضربوه ثم انه شام یده فی فود رأسه ثم شم یده فقال ما رأیت کاللیل طیب عروس أعطر قط قال انه طیب أم فلان یعنی امرأته ثم مشی ساعة ثم عاد لمثلها جتی اطمأنّ ثم مشی ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفود رأسه حتی استمکن منه ثم قال اضربوا عدوّ اللّه فاختلفت علیه أسیافهم فلم تغن شیئا قال محمد بن مسلمة فتذکرت معولا کان فی سیفی حین رأیت أسیافنا لا تغنی شیئا فأخذته و قد صاح عدوّ اللّه صیحة لم یبق حولنا حصن الا أوقدت علیه نار قال فوضعته فی ثنته* و فی روایة فی سرّته ثم تحاملت علیه حتی بلغت عانته فوقع عدوّ اللّه و قد أصیب الحارث بن أوس بجرح فی رجله أو رأسه أصابه بعض أسیافنا فخرجنا حتی أسندنا فی حرّة العریض و قد أبطأ علینا الحارث بن أوس لجرحه و نزفه الدم فوقفنا له ساعة حتی أتانا یتبع آثارنا فاحتملناه فجئنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم آخر اللیل و هو قائم یصلی فسلمنا علیه فخرج إلینا فأخبرناه بقتل عدوّ اللّه کعب و جئنا برأسه إلیه و تفل علی جرح صاحبنا فبرأ فی الحال و لم یؤذه بعد فرجعنا الی أهلنا فأصبحنا و قد خافت یهود لوقعتنا بعدوّ اللّه فلیس بها یهودی الا و هو یخاف علی نفسه* و فی روضة الاحباب حملوا رأسه الی المدینة فخرج أهل الحصن فی آثارهم و سلکوا طریقا آخر ففاتوهم و لما بلغ محمد بن مسلمة و أصحابه بقیع الغرقد کبروا و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یصلی فسمع صوت تکبیرهم فعلم أنهم قتلوه فلما انتهوا الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال أفلحت الوجوه قالوا و وجهک یا رسول اللّه و أتوا برأس عدوّ اللّه فحمد اللّه تعالی و أثنی علیه* و فی شرف المصطفی ان الذین قتلوه حملوا رأسه فی مخلاة الی المدینة فقیل انه أوّل رأس حمل فی الاسلام کذا فی المواهب اللدنیة* روی أن رهط کعب بن الاشرف جاءوا الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقالوا قتل سیدنا غیلة من غیر جنایة و سبب قال انه کان یهجونا و یؤذی المسلمین و یحرض المشرکین علینا فخافوا و سکتوا و رجعوا* قال ابن اسحاق و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من ظفرتم به من رجال یهود فاقتلوه فوثب محیصة بن مسعود علی سبیبة رجل من تجار یهود کان یلابسهم و یبایعهم فقتله و کان حویصة بن مسعود أخو محیصة اذ ذاک لم یسلم و کان أسنّ من محیصة فلما قتله جعل حویصة یضربه و یقول أی عدوّ اللّه قتلته أما و اللّه لرب شحم فی بطنک من ماله قال له محیصة و اللّه لو أمرنی بقتلک من أمرنی بقتله لضربت عنقک قال آللّه لو أمرک محمد بقتلی لتقتلنی قال نعم قال له و اللّه ان دینا بلغ بک هذا لعجب فأسلم حویصة کذا فی معالم التنزیل*

تزوّج عثمان بن عفان بأمّ کلثوم‌

و فی هذه السنة تزوّج عثمان بن عفان أمّ کلثوم بنت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لم تلد ولدا و قیل ولدت و لم یعش منها و لا من أختها و فی بعض الکتب تزوّجها عثمان فی ربیع الاوّل و أدخلت علیه فی جمادی الآخرة و اللّه أعلم و سیجی‌ء وفاتها فی السنة التاسعة ان شاء اللّه تعالی*

غزوة غطفان‌

و فی هذه السنة لثنتی عشرة لیلة مضت من ربیع الاوّل علی رأس خمسة و عشرین شهرا من الهجرة وقعت غزوة غطفان و هی غزوة ذی أمر بفتح الهمزة و سماها الحاکم غزوة أنمار و هی بناحیة نجد و هی التی صلّی فیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی راحلته متطوّعا متوجها قبل المشرق* و فی سیرة ابن هشام لما رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من غزوة السویق أقام بالمدینة بقیة ذی الحجة أو قریبا منها ثم غزا نجدا یرید غطفان و هی غزوة ذی أمر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:415
قال ابن اسحاق فأقام بنجد صفرا کله أو قریبا من ذلک ثم رجع الی المدینة و سببها انه أخبر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بأن جمعا من بنی ثعلبة و بنی محارب و بنی أنمار تجمعوا فی ذی أمر یریدون الاغارة و حاملهم علی ذلک رجل اسمه دعثور بن الحارث الغطفانی کذا قاله الذهبی*

هجوم دعثور علی الرسول و سقوط سیفه من بده‌

و فی المواهب اللدنیة المحاربی و سماه الخطیب غورث و غیره غورک و کان شجاعا فتهیأ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه و استخلف علی المدینة عثمان بن عفان و خرج منها فی أربعمائة و خمسین فارسا فلما سمعوا بمهبطه صلی اللّه علیه و سلم هربوا فی رءوس الجبال فسار علیه السلام الی أن بلغ ذی أمر فأصابوا رجلا منهم من بنی ثعلبة اسمه خیار فأدخل علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدعاه الی الاسلام فأسلم و ضمه الی بلال و لم یقع فی تلک الغزوة قتال و لکن کانوا یرونهم من بعید متحصنین بقلل الجبال و أقام النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بذی أمر ثلاثة أیام و فی الیوم الرابع خرج من بین العسکر لحاجة له و کانت السماء ترش فأصابه مطر و نزع ثوبیه و نشرهما علی شجرة للجفاف و اضطجع تحتها و هم ینظرون فقالوا لدعثور و هو سیدهم و أشجعهم قد انفرد محمد فعلیک به فان استطعت ان تفتک به فافعل فأخذ دعثور سیفه و نزل إلیه حتی قام علیه فلم ینتبه صلّی اللّه علیه و سلم الا و هو قائم و السیف فی یده صلتا فقال من یعصمک منی الآن قال اللّه فدفعه جبریل فی نحره فسقط السیف من یده فأخذه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قام علیه و قال من یمنعک منی الآن قال لا أحد و قال کن خیر آخذ فترکه و عفا عنه فقال أشهد أن لا إله الا اللّه و أن محمدا رسول اللّه و اللّه لا أجمع الناس لحربک أبدا فدفع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم إلیه سیفه فقال دعثور و اللّه انک لخیر منی و رجع الی قومه فقالوا له أین ما کنت تقول و قد مکنک اللّه منه فقال انی نظرت الی رجل أبیض طویل دفع فی صدری فوقعت لظهری فسقط السیف فعرفت انه ملک و أن محمدا رسول اللّه فأسلم دعثور و دعا قومه الی الاسلام و قیل ان قوله تعالی یا أیها الذین آمنوا اذکروا نعمة اللّه علیکم إذ همّ قوم الآیة نزلت فی تلک القصة* و فی روایة الخطابی ان غویرث بن الحارث المحاربی أراد أن یفتک برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی معالم التنزیل غویرث بن الحارث المحاربی و فیه انه علیه السلام غزا محاربا و بنی أنمار فنزلوا و لا یرون من العدوّ أحدا فوضعوا أسلحتهم و خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لحاجة له و قد وضع سلاحه حتی قطع الوادی و السماء ترش فحال السیل بیته و بین أصحابه فجلس فی ظل شجرة فبصر به غویرث بن الحارث فقال قتلنی اللّه ان لم أقتله ثم انحدر من الجبل و معه السیف و لم یشعر به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الا و هو قائم علی رأسه منتضیا سیفه فقال یا محمد من یعصمک منی الآن قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اللّه ثم قال اللهم اکفنی غویرث بن الحارث بما شئت ثم أهوی بالسیف الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیضربه فانکب لوجهه لزلخة زلخها بین کتفیه و ندر السیف من یده و فی القاموس الزلخة کفترة وجع الظهر فقام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخذه ثم قال یا غویرث من یمنعک منی الآن قال لا أحد قال اشهد أن لا إله الا اللّه و أن محمدا عبده و رسوله و أعطیک سیفک قال لا و لکن أشهد أن لا أقاتلک أبدا و لا أعین علیک عدوّا فأعطاه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سیفه فقال غویرث و اللّه لانت خیر منی قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أجل أنا أحق بذلک منک فرجع غویرث الی أصحابه فقالوا ویلک ما منعک منه قال لقد أهویت إلیه بالسیف لا ضربه فو اللّه ما أدری من زلخة بین کتفی فخررت و ذکر حاله قال و سکن الوادی فقطع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الوادی الی أصحابه فأخبرهم الخبر و قرأ علیهم ما نزل علیه و هو قوله تعالی و لا جناح علیکم ان کان بکم أذی من مطر الآیة و کذا فی الشفاء القصة بحالها الا انه قال فیه و نزلت یأیها الذین آمنوا اذکروا نعمة اللّه علیکم إذ همّ قوم الآیة* و فی صحیح البخاری عن جابر انه غزا مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقفل فأدرکته القائلة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:416
فی واد کثیر العضاه فنزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و تفرق الناس یستظلون بالشجر و نزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تحت سمرة و علق بها سیفه و نمنا نومة فاذا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یدعونا فاذا عنده اعرابی و قال ان هذا اخترط علیّ سیفی و أنا نائم فاستیقظت و هو فی یده صلتا فقال ما یمنعک منی قلت اللّه فشام السیف فها هو ذا جالس ثم لم یعاقبه و فی روایة عن أبی هریرة أن الاعرابی سلّ سیفه و قال من یمنعک منی یا محمد قال اللّه فرعدت ید الاعرابی و سقط السیف من یده و یضرب برأسه الشجرة حتی انتثر دماغه کذا فی معالم التنزیل* ثم رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة و کانت غیبته فی تلک الغزوة احدی عشرة لیلة و یقال کانت قصة الاعرابی فی ذات الرقاع و لا مانع من تعدّد ذلک و کانّ أبا حاتم رأی اتحادهما فلم یذکر ذات الرقاع و عند بعضهم هی بنخل فلذلک لم یذکرها أیضا و اللّه أعلم*

غزوة بحران‌

و فی هذه السنة کانت غزوة بحران و تسمی غزوة بنی سلیم من ناحیة الفرع بفتح الفاء و الراء کما قیده السهیلی* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما رجع صلّی اللّه علیه و سلم من غزوة غطفان الی المدینة لبث بها شهر ربیع الاوّل کله الا قلیلا منه ثم غزا یرید قریشا و استعمل علی المدینة ابن أم مکتوم فیما قاله ابن هشام حتی بلغ بحران معدنا بالحجاز من ناحیة الفرع فأقام به شهر ربیع الآخر و جمادی الاولی ثم رجع الی المدینة و سببها انه بلغه علیه السلام أن بها جمعا کثیرا من بنی سلیم فخرج فی ثلاثمائة رجل من أصحابه فوجدهم قد تفرقوا فی میاههم فرجع و لم یلق کیدا و کان قد استعمل علی المدینة ابن أمّ مکتوم و کانت غیبته عشر لیال‌

* سریة زید بن حارثة الی قردة

و فی هذه السنة لهلال جمادی الآخرة کانت سریة زید بن حارثة الی قردة بالقاف کشجرة ماء بنجد کذا فی خلاصة الوفاء و قیل بالفاء و کسر الراء کما ضبطه ابن الفرات اسم ماء من میاه نجد کذا فی المواهب اللدنیة و سببها علی ما قاله ابن اسحاق ان قریشا بعد ما وقعت وقعة بدر خافوا سلوک طریقهم التی کانوا یسلکونها الی الشام قبل أعنی طریق الحجاز فعدلوا عنها و سلکوا طریق العراق و کان فی هذه العیر أبو سفیان بن حرب و صفوان بن أمیة و حویطب بن عبد العزی و عبد اللّه بن أبی ربیعة و کانت معهم فضة کثیرة هی معظم تجارتهم فبعث إلیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زید بن حارثة فی خمسمائة راکب و هی أوّل سریة أمر فیها زید فساروا حتی أدرکوها بالقردة فهرب رؤساء القوم و أسروا فرات بن حیان و ساقوا العیر و الاموال الی المدینة فبلغ الخمس من تلک الغنیمة عشرین ألفا و فیها قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خیر أمراء السرایا زید بن حارثة أعدلهم بالرعیة و أقسمهم بالسویة و عند ابن سعد بعثه صلی اللّه علیه و سلم لهلال جمادی الآخرة علی رأس ثمانیة و عشرین شهرا من الهجرة فی مائة راکب یعترض عیرا لقریش فیها صفوان بن أمیة و حویطب بن عبد العزی و معهم مال کثیر و آنیة فضة فأصابوها فقدموا بالعیر علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و خمسها فبلغ الخمس قیمة عشرین ألف درهم و عند مغلطای خمسة و عشرین ألف درهم و ذکرها ابن اسحاق قبل قتل ابن الاشرف کذ فی المواهب اللدنیة*

سریة زید بن حارثة الی قردة

و فی شعبان هذه السنة علی الاصح و قیل فی السنة التی قبلها کذا فی الوفاء علی رأس ثلاثین شهرا من الهجرة قبل أحد کذا فی المنتقی و قیل فی أربعة و عشرین من رمضان هذه السنة علی ما فی تاریخ الیافعی تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حفصة بنت عمر بن الخطاب و کانت قبله تحت حبیش بن حذافة السهمی و کان من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و شهد بدرا و توفی عنها بالمدینة فلما قدم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من بدر عرضها عمر علی أبی بکر فلم یجبه بشی‌ء ثم عرض بها علی عثمان فلم یجبه بشی‌ء فشکی عمر الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه عرضت علی عثمان حفصة فأعرض عنی قال علیه السلام فان اللّه قد زوّج عثمان خیرا من ابنتک و زوّج ابنتک خیرا من عثمان فکان کذلک فزوّج عثمان أمّ کلثوم بعد رقیة و تزوّج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حفصة ثم طلقها فأتاها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:417
خالاها قدامة و عثمان فبکت و قالت و اللّه ما طلقنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن ملل روی انه لما بلغ عمر خبر طلاقها حتی علی رأسه التراب و قال ما یعبأ اللّه بعمرو ابنته بعد هذا فنزل جبریل من الغد و قال للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان اللّه یأمرک أن تراجع حفصة رحمة لعمر فجاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و دخل علیها فقال ان جبریل أتانی فقال راجع حفصة فانها صوّامة قوّامة و هی زوجتک فی الجنة* و فی روایة انه صلّی اللّه علیه و سلم هم بطلاقها و ما طلقها* و روی عن عمر أنه قال لما تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قلت لابی بکر ما حملک علی ما صنعت قال ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان قد ذکرها فمن أجل ذلک سکت کذا فی المنتقی و کانت عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قریبا من ثمان سنین قال الواقدی توفیت حفصة فی شعبان سنة خمس و أربعین فی خلافة معاویة و هی ابنة ستین سنة کما سیجی‌ء و فی الصفوة فی خلافة عثمان بالمدینة مرویاتها فی الکتب المتداولة ستون حدیثا المتفق علیه منها أربعة أحادیث و فرد مسلم ستة أحادیث و الخمسون الباقیة فی سائر الکتب*

تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم بزینب بنت خزیمة

و فی هذه السنة تزوّج رسول الی صلّی اللّه علیه و سلم زینب بنت خزیمة بن الحارث بن عبد اللّه بن عمرو بن عبد مناف ابن هلال و کانت تسمی فی الجاهلیة أمّ المساکین للین قلبها و کانت قبله تحت عبد اللّه بن جحش قاله ابن شهاب* و قال قتادة و أبو الحسن النسابة الجرجانی عند الطفیل بن الحارث بن عبد المطلب فطلقها فتزوّجها أخوه عبیدة بن الحارث فقتل عنها یوم بدر شهیدا فتزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی رمضان هذه السنة* و فی روایة علی رأس أحد و ثلاثین شهرا من الهجرة و أصدقها اثنتی عشرة أوقیة و نشا فمکثت عنده ثمانیة أشهر ذکره الفضائلی و قیل شهرین أو ثلاثا و توفیت و دفنت بالبقیع‌

* (ذکر میلاد الحسن)

* و سیجی‌ء میلاد الحسین فی الموطن الرابع فی السنة الرابعة من الهجرة* و فی منتصف رمضان هذه السنة سنة ثلاث من الهجرة ولد الحسن بن علیّ بن أبی طالب کذا فی الصفوة قال أبو عمرو و هذا أصح ما قیل فیه و قیل ولد للنصف من شعبان سنة ثلاث من الهجرة و قیل ولد بعد أحد بسنة و قیل بسنتین و کان بین أحد و الهجرة سنتان و ستة أشهر و نصف کذا فی أسد الغابة لابن الاثیر و یکنی أبا محمد و یلقب بالتقی* و قال الدولابی ولد لاربع سنین و ستة أشهر من الهجرة و حکی الاوّل اللیث بن سعد*

ذکر میلاد الحسین‌

قال الواقدی و حملت فاطمة بالحسین بعد مولد الحسن بخمسین لیلة و ولدته لخمس خلون من شعبان سنة أربع* و قال الزبیر بن بکار فی مولده مثل ذلک و عن جعفر بن محمد عن أبیه قال لم یکن بین الحسن و الحسین إلا طهر واحد* و قال قتادة ولد الحسین بعد الحسن بسنة و عشرة أشهر لخمس سنین و ستة أشهر من الهجرة* و قال ابن الدراع فی موالید أهل البیت لم یکن بینهما الا مدّة حمل البطن و کان مدّة حمل البطن ستة أشهر و قال لم یولد مولود قط لستة أشهر فعاش الا الحسین و عیسی ابن مریم* و فی روایة الا الحسین و یحیی بن زکریا* روی عن علیّ بن الحسین قال لما حان وقت ولادة فاطمة بعث إلیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أسماء بنت عمیس و أمّ أیمن حتی قرأتا علیها آیة الکرسی و المعوّذتین و عن أسماء بنت عمیس قالت قبلت فاطمة بالحسن فلم أر لها دما فقلت یا رسول اللّه انی لم أر لفاطمة دما فی حیض و لا نفاس فقال علیه السلام أ ما علمت أن ابنتی طاهرة مطهرة لا یری لها دم فی طمس و لا ولادة خرجه الامام علیّ بن موسی الرضا ذکره فی ذخائر العقبی*

(ذکر عقه صلّی اللّه علیه و سلم عنهما و أمره بحلق رءوسهما)

* عن ابن عباس أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عق عن الحسن و الحسین کبشا کبشا خرجه أبو داود و خرجه النسائی و قال کبشین کبشین* و عن علیّ عق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن الحسن و قال یا فاطمة احلقی رأسه و تصدّقی بزنة شعره فضة فوزناه فکان وزنه درهما أو بعض درهم خرجه الترمذی و قد روی عن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:418
فاطمة انها عقت عنهما و اعطت القابلة فخذ شاة و دینارا واحدا أخرجه الامام علیّ بن موسی الرضا عن أسماء بنت عمیس قالت عق النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عن الحسن یوم سابعه بکبشین أملحین و أعطی القابلة الفخذ و حلق رأسه و تصدّق بزنة الشعر ثم طلی رأسه بیده المبارکة بالخلوف ثم قال یا أسماء الدم من فعل الجاهلیة فلما کان بعد حول ولد الحسین فجاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ففعل مثل الاوّل قالت و جعلته فی حجره فبکی علیه السلام قلت فداک أبی و أمی مم بکاؤک فقال ابنی هذا یا اسماء انه ستقتله الفئة الباغیة من امّتی لا أنا لهم اللّه شفاعتی یا أسماء لا تخبری فاطمة فانها قریبة عهد بولادة خرجه الامام علیّ بن موسی الرضا*

(ذکر ختانهما لسابعهما)

* عن جابر ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عق عن الحسن و الحسین و ختنهما لسبعة أیام*

(ذکر تسمیتهما یوم سابعهما)

* عن علیّ رضی اللّه عنه قال لما ولد الحسن سمیته حربا فجاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال أرونی ابنی ما سمیتموه قلنا حربا قال بل هو حسن فلما ولد الحسین سمیته حربا فجاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال أرونی ابنی ما سمیتموه قلنا سمیناه حربا قال بل هو حسین فلما ولد الثالث سمیته حربا فجاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال أرونی ابنی ما سمیتموه قلنا سمیناه حربا فقال بل هو محسن ثم قال انما سمیتهم بولد هارون شبر و شبیر و مشبر خرجه أحمد و أبو حاتم* و فی القاموس شبر کبقم و شبیر کقمیر و مشبر کمحدّث أبناء هارون علیه السلام* و عن عمران بن سلیمان قال الحسن و الحسین اسمان من أسماء أهل الجنة لم یکونا فی الجاهلیة خرجه الدولابی* و فی أسد الغابة لابن الاثیر قال أبو أحمد العسکری سمی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الحسن و کناه أبا محمد فلم یکن یعرف هذا الاسم فی الجاهلیة* و روی عن ابن الاعرابی عن المفضل قال ان اللّه تعالی حجب اسم الحسن و الحسین حتی سمی بهما النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ابنیه الحسن و الحسین قال فاللذین بالیمن هما حسن ساکن السین و حسین بفتح الحاء و کسر السین و لا یعرف قبلهما الا اسم رملة فی بلاد ضبة و عندها قتل بسطام بن قیس الشیبانی* و عن جعفر بن محمد عن أبیه عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اشتق اسم حسن و حسین من حسن و سمی حسنا و حسینا یوم سابعهما خرّجه الدولابی و خرج البغوی نحوه*

(ذکر تسمیتهما الحسن و الحسین کان بأمر اللّه و تأذینه صلّی اللّه علیه و سلم فی اذنهما)

* عن علیّ قال لما ولد الحسن سماه حمزة فلما ولد الحسین سماه باسم عمه جعفر قال فدعانی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قال انی أمرت أن أغیر اسم هذین فقلت اللّه و رسوله أعلم فسماهما حسنا و حسینا* و عن اسماء بنت عمیس قالت قبلت فاطمة بالحسن فجاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا اسماء هلمی ابنی فدفعته إلیه فی خرقة صفراء فألقاها عنه قائلا أ لم اعهد إلیکنّ أن لا تلفوا مولودا فی خرقة صفراء فلفیته بخرقة بیضاء فأخذه و أذن فی أذنه الیمنی و اقام فی الیسری ثم قال لعلیّ أی شی‌ء سمیت ابنی قال ما کنت لا سبقک بذلک فقال و لا أنا سابق ربی به فهبط جبریل فقال یا محمد ان ربک یقرئک السلام و یقول لک علیّ منک بمنزلة هارون من موسی و لکن لا نبیّ بعدک فسمّ ابنک هذا باسم ولد هارون فقال و ما کان اسم ابن هارون یا جبریل قال شبر فقال صلّی اللّه علیه و سلم ان لسانی عربی فقال سمه الحسن ففعل صلّی اللّه علیه و سلم فلما کان بعد حول ولد الحسین فجاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و ذکرت مثل الاوّل و ساقت قصة التسمیة مثل الاوّل و ان جبریل أمره ان یسمیه باسم ولد هارون شبیر فقال له النبیّ مثل الاوّل فقال سمه حسینا خرجه الامام علیّ بن موسی الرضا* و عن ابی رافع قال رأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أذن فی أذن الحسن حین ولدته فاطمة بالصلاة خرجه ابو داود و الترمذی و صححه*

(ذکر ارضاع أم الفضل امرأة عباس بن عبد المطلب الحسن بلبن ابنها قثم)

* عن قابوس بن المخارق ان أمّ الفضل قالت یا رسول اللّه رأیت کانّ عضوا من أعضائک فی بیتی فقال خیرا رأیتیه تلد فاطمة غلاما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:419
فترضعیه بلبن قثم فولدت الحسن فأرضعته بلبن قثم خرجه الدولابی و البغوی فی معجمه قالت فجئت به الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فوضعته فی حجره فبال فضربت کتفه فقال علیه السلام أوجعت ابنی رحمک اللّه* و فی الصفوة عن علیّ قال الحسن أشبه الناس بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ما بین الصدر الی الرأس و الحسین أشبه الناس بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ما کان أسفل من ذلک* و فی ذخائر العقبی مثل ذلک عن أبی هریرة قال لا ازال أحب هذا الرجل یعنی الحسن بن علیّ بعد ما رأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یصنع به ما یصنع قال رأیت الحسن فی حجر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو یدخل أصابعه فی لحیة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یدخل لسانه فی فیه ثم یقول اللهم انی أحبه کذا فی ذخائر العقبی‌

* (ذکر صفته)

* فی ذخائر العقبی کان أبیض مشربا حمرة ادعج العینین سهل الخدّین کث اللحیة ذا وفرة کانّ عنقه ابریق فضة عظیم الکرادیس بعید ما بین المنکبین ربعة لیس بالطویل و لا بالقصیر من أحس الناس وجها و کان یخضب بالسواد و کان جعد الشعر حسن البدن ذکره الدولابی و غیره* و عن زادان بن منصور قال رأیت الحسن بن علی یخضب بالحناء و الکتم و عن عبد الرحمن بن روح عن أنس قال کان الحسن و الحسین یخضبان بالسواد الا أن الحسن ترک عنفقته بیضاء خرجه ابن الضحاک و خرجه أیضا عن أبی بکر بن أبی شیبة ان الحسن کان یخضب بالحناء و الکتم و خرج عن أنس ان الحسین کان یخضب بالوشمة* فی الصفوة عن محمد بن علیّ قال الحسن انی لاستحیی من ربی عز و جل أن ألقاه و لم امش الی بیته فمشی عشرین مرة من المدینة علی رجلیه* و عن علیّ بن زید قال حج الحسن خمس عشرة حجة ماشیا و ان النجائب لتقاد معه و خرج من ماله مرّتین و عاش بعد أبیه ثمان سنین و اربعة أشهر و خمسة عشر یوما و ستجی‌ء خلافته و وفاته و بعض احواله و ذکر اولاده فی الخاتمة*

غزوة أحد

اشارة

و فی هذه السنة وقعت غزوة أحد و هو جبل مشهور بالمدینة علی اقل من فرسخ منها و سمی بذلک لتوحده و انقطاعه عن جبال أخر هناک و یقال له ذو عینین قال فی القاموس بکسر العین و فتحها مثنی جبل بأحد انتهی و هو الذی قال فیه صلّی اللّه علیه و سلم أحد جبل یحبنا و نحبه قیل و فیه قبر هارون أخی موسی علیهما السلام و کانت عنده الوقعة المشهورة یوم السبت فی شوّال سنة ثلاث بالاتفاق کذا فی المواهب اللدنیة و شذ من قال سنة اربع و قال ابن اسحاق لاحدی عشرة لیلة خلت منه و قیل لسبع لیال و قیل لثمان و قیل لتسع و قیل فی نصفه و عن مالک بعد بدر بسنة و عنه أیضا کانت علی رأس احدی و ثلاثین شهرا من الهجرة کذا فی الوفاء و کان سببها کما ذکره ابن اسحاق عن شیوخه و موسی بن عقبة عن ابن شهاب و ابو الاسود عن عروة و ابن سعد لما قتل اللّه من قتل من کفار قریش یوم بدر و رجع الی مکة من بقی ممن حضر بدرا من فلهم وجدوا العیر التی قدم بها أبو سفیان من الشأم سالمة موقوفة فی دار الندوة فمشت اشراف قریش مثل عبد اللّه بن ربیعة و صفوان بن أمیّة و عکرمة بن ابی جهل فی جماعة ممن اصیب آباؤهم و اخوانهم و أبناؤهم یوم بدر الی أبی سفیان فقالوا نحن طیبو الانفس بأن نجهز بربح هذه العیر جیشا الی محمد و هو قد وترنا و قتل خیارنا فنتعاون بهذا المال علی حرب محمد لعلنا ان ندرک منه ثارا فقال أبو سفیان أنا اوّل من اجاب الی ذلک و بنو عبد المطلب معی* و فی الوفاء فکلموا ابا سفیان و من کان له فی العیر مال فی الاستعانة بها علی حرب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ففعلوا و کانت الف بعیر و المال خمسین الف دینار فلم الی اهل العیر رءوس اموالهم و عزلت الارباح و کانوا یربحون فی تجارتهم الدینار دینارا و جهزوا الجیش بذلک و فیهم نزلت ان الذین کفروا ینفقون اموالهم لیصدّوا عن سبیل اللّه فسینفقونها ثم تکون علیهم حسرة ثم یغلبون فبعثوا الرسل الی القبائل یستنصرونهم و حرکوا من أطاعهم من قبائل بنی کنانة و أهل تهامة فخرجت قریش بحدها وجدها و أحابیشها و من تابعها من بنی کنانة و أهل تهامة و خرجوا معهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:420
بالظعن لئلا یفرّوا و لیذکرنهم قتلی بدر و یغنین و یضر بن بالدفوف لیکون أجد لهم فی القتال فخرج أبو سفیان و کان قائدهم بهند بنت عتبة و خرج عکرمة بن أبی جهل بأمّ حکیم بنت الحارث و خرج الحارث ابن هشام بفاطمة بنت الولید بن المغیرة و خرج صفوان بن أمیّة ببرزة بنت مسعود الثقفیة و یقال رقیة و خرج عمرو بن العاص بریطة ببنت منبه بن الحجاج و هی أمّ عبد اللّه بن عمرو و خرج طلحة بن ابی طلحة و اسم ابی طلحة عبد اللّه بن عبد العزی بسلافة بنت سعد بن شهید الانصاریة و هی أم بنی طلحة مسافع و الحارث و الجلاس و کلاب قتلوا یومئذ هم و ابوهم طلحة و خرجت خناس بنت مالک بن المضرب احدی نساء بنی الحارث و کذلک سائر اشرافهم خرجوا بنسائهم و کان جبیر بن مطعم أمر غلامه وحشیا الحبشی بالخروج مع الناس و قال له ان قتلت حمزة عم محمد بعمی طعیمة بن عدی فأنت عتیق و کانت هند بنت عتبة کلما مرّت بوحشی فی المسیر أو مرّ بها قالت ویها یا أباد سمة اشف و اشتف و کان وحشی یکنی بأبی دسمة فکتب العباس بن عبد المطلب و هو یومئذ بمکة الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یخبره بمسیر قریش الی حربه و بکیفیة أحوالهم و کمیة اعدادهم و ختم الکتاب و استأجر رجلا من بنی غفار و بعثه الی المدینة و شرط ان یأتیها فی ثلاثة ایام و لیالیها فقدم الغفاری المدینة و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان بقباء فذهب إلیه فلقیه بباب المسجد حین یرید أن یرکب فأعطاه الکتاب ففتح علیه السلام ختمه و أعطاه ابیّ بن کعب فقرأه علیه فاذا فیه مسیر قریش الی حرب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأوصاه بکتمانه و ذهب الی منزل سعد بن الربیع فأخبره الخبر فقال سعد خیرا فانصرف النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة و استکتمه الخبر فدخلت امرأة سعد و قالت انی سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول کذا و کذا فاسترجع سعد و أخذ المرأة ثم خرج بها یسرع حتی أدرکا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی الطریق و قد علاها النفس فقال یا رسول اللّه هذه تقول سمعت ما قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخاف أن یفشو فتحسب انی أفشیت قال أرسلها فوقعت الاراجیف فی المدینة فقالت الیهود و المنافقون ان هذا الرجل الذی جاء من مکة ما جاء بخبر یسرّ محمدا ففشا الخبر بأن المشرکین قد خرجوا من مکة بقصد المدینة و لحق بهم ابو عامر الراهب مع خمسین رجلا من قومه و فی جیشهم ثلاثة آلاف رجل منها سبعمائة دارع و مائتا فرس و ألف بعیر و خمسة عشر هودجا و خرج فیها جمیع اشراف قریش مثل أبی سفیان و الاسود بن المطلب و جبیر بن مطعم و صفوان بن أمیة و عکرمة بن أبی جهل و الحارث بن هشام و عبد اللّه بن ربیعة و حویطب بن عبد العزی و خالد ابن الولید و أبو عزة الشاعر و اسمه عمرو بن عبد اللّه الجمحی و امثالهم و استقرّ قیادة الجیش و رئاستها علی أبی سفیان بن حرب و کان ابو عزة الشاعر قد أسر یوم بدر فمنّ علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أطلقه لفقره و عیاله و أخذ علیه العهد أنه لا یکثر علی المسلمین و لا یعود انی حربهم و قد مرّ فی غزوة بدر فلما خرج المشرکون الی أحد تخلف عنهم بمکة و أقام بها فمشی إلیه صفوان ابن أمیة و قال له یا ابا عزة انک شاعر فأعنا بلسانک فاخرج معنا فقال ان محمدا قد منّ علیّ فلا أرید أن أمیة و قال له یا ابا عزة انک شاعر فأعنا بنفسک فلک علیّ ان رجعت أن أغنیک و ان أصبت أن أجعل بناتک مع بناتی یصیبهنّ ما أصابهنّ من عسر و یسر فخرج ابو عزة یسیر فی تهامة یدعو الناس الی الحرب* و فی الوفاء أقبل المشرکون حتی نزلوا بعینین جبل ببطن السبخة من قناة علی شفیر الوادی مقابل المدینة قاله ابن اسحاق* و وادی قناة خلف عینین بینه و بین أحد فنزلوا أمام عینین مما یلی المدینة و فی غربیه لجهة بئر رومة* و قال المطری ان أبا سفیان سار بجمعه حتی طلعوا من بین الجماوین ثم نزلوا ببطن الوادی الذی قبل أحد فنزلوا برومة من وادی العقیق و کان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:421
نزولهم یوم الجمعة و قال ابن اسحاق یوم الاربعاء* و فی روضة الاحباب فبعث إلیهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عینین انسا و مؤنسا ابنی فضالة فرجعا إلیه و أخبراه بافساد المشرکین و سرحهم الظهر فی زروع عریض* و فی معجم ما استعجم و سرّحوا الظهر فی زروع کانت للمسلمین* و فی خلاصة الوفاء عریض تصغیر عرض واد عریض شرقی الحرة الشرقیة قرب قناة* و فی معجم ما استعجم عریض موضع من أرجاء المدینة فیه أصول نخل* و فی القاموس عریض کزبیر واد بالمدینة به أموال لاهلها ثم بعث إلیهم حباب بن المنذر عینا فدخل فی جیشهم و حزرهم ثم رجع و أخبر بکمیتهم و کیفیتهم موافقا لما کتبه العباس فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حسبنا اللّه و نعم الوکیل بک أصول و بک أحول* و فی الکشاف و معالم التنزیل عن ابن اسحاق و السدی ان المشرکین نزلوا بأحد یوم الاربعاء الثانی عشر من شوّال سنة ثلاث من الهجرة و أقاموا بها الاربعاء و الخمیس و الجمعة و بات لیلة الجمعة التی فی سبتها وقعت الحرب سعد بن معاذ و سعد بن عبادة و أسید بن حضیر مع جماعة من شجعان الصحابة مسلحین فی مسجد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و بابه یحرسون و حرست المدینة تلک اللیلة و رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی تلک اللیلة لیلة الجمعة رؤیا فلما أصبح قال انی و اللّه قد رأیت خیرا رأیت بقرا تذبح و رأیت فی ذباب سیفی ثلما و رأیت انی أدخلت یدی فی درع حصینة فأوّلتها المدینة فأما البقر فناس من أصحابی یقتلون و اما الثلم الذی رأیت فی ذباب سیفی فهو رجل من أهل بیتی یقتل* و قال ابن عقبة و تقول رجال کان الذی فی سیفه ما قد أصاب وجهه فان العدوّ أصابوا وجهه الشریف یومئذ و کسروا رباعیته و جرحوا شفته کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء قال رأیت البارحة فی منامی بقرا تذبح و رأیت سیفی ذا الفقار انقصم من عند ضبته أو قال به فلول فکرهته و هما و اللّه مصیبتان و رأیت انی فی درع حصینة و انی مردف کبشا قالوا و ما أوّلتها قال اوّلت البقر بقرا یکون فینا و اوّلت الکبش کبش الکتیبة و اوّلت الدرع الحصینة المدینة فامکثوا فان دخل القوم الازقة قاتلناهم و رموا من فوق البیوت فان رأیتم أن تقیموا بالمدینة و تدعوهم و کان رأیه ان لا یخرج من المدینة فاستشار فی ذلک أصحابه و کان ذلک رأی اکابر الصحابة من المهاجرین و الانصار و دعا عبد اللّه بن ابیّ ابن سلول و لم یدعه قط قبلها فاستشاره فقال عبید اللّه بن أبیّ و اکثر الصحابة یا رسول اللّه أقم بالمدینة لا تخرج إلیهم فو اللّه ما خرجنا منها الی عدوّ قط الا أصاب منا و لا دخل علینا الا و اصبنا منه کیف و أنت فینا فدعهم یا رسول اللّه فان اقاموا أقاموا بشرّ محبس و ان دخلوا قاتلهم الرجال فی وجوههم و رماهم النّساء و الصبیان بالحجارة من فوقهم و ان رجعوا رجعوا خائبین فأعجب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رأیه لکن طلب فتیان أحداث السنّ فاتهم یوم بدر و اکرمهم اللّه بالشهادة یوم أحد أن یخرجوا حرصا علی الشهادة فقالوا یا نبیّ اللّه کنا نتمنی هذا الیوم اخرج بنا الی اعدائنا لا یرون انا جبنا عنهم و أبی کثیر من الناس الا الخروج فغلبوا علی الامر حتی مال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الخروج و هوله کاره* روی انه صلّی اللّه علیه و سلم صلّی الجمعة و خطب الناس و وعظهم و أمرهم بالجدّ و الجهاد و اعداد الجیش و التأهب للقتال و قد مات فی ذلک الیوم رجل من الانصار یقال له مالک بن عمرو أحد بنی النجار فصلی علیه ثم صلّی العصر و دخل البیت و معه أبو بکر و عمر فعمماه و لبساه وصف له الناس ینتظرون خروجه فخرج مسلحا قد لبس لأمته و هی بالهمز و قد یترک تخفیفا الدرع و شدّ وسطه بمنطقة من الادیم و اعتم و تقلد سیفه و ألقی الترس وراء ظهره و أخذ قناته بیده ثم أذن بالخروج فلما رأوه ندم ذو الرأی منهم علی ما صنعوا و قالوا بئس ما صنعنا نشیر علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الوحی یأتیه فقاموا و اعتذروا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:422
إلیه فقالوا یا رسول اللّه ما کان لنا ان نخالفک فاصنع ما بدا لک* و فی الوفاء امکث کما امرتنا فقال ما ینبغی لنبی اذا اخذ لأمة الحرب ان یرجع حتی یقاتل* و فی روایة أن یلبس لأمته فیضعها حتی یقاتل أو قال یحکم اللّه بینه و بین اعدائه فامضوا علی اسم اللّه فلکم النصر إن صبرتم فدعا بثلاثة ارماح فعقد ثلاثة ألویة فدفع لواء الاوس الی أسید بن حضیر و لواء الخزرج الی حباب بن المنذر بن الجموح و قیل الی سعد بن عبادة و لواء المهاجرین الی علیّ بن ابی طالب و فی روایة الی مصعب بن عمیر و استعمل علی المدینة ابن أم مکتوم للصلاة کذا فی سیرة ابن هشام و قیل ابن أبی مکرز ثم رکب فرسه السکب و توجه الی أحد* و فی الوفاء فخرج بهم و هم الف رجل و یقال تسعمائة لیس معهم فرس* و فی الوفاء أیضا عن الاقشهری مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فرسه و فرس لابی بردة بن نیار و کان المشرکون ثلاثة آلاف فیهم سبعمائة دارع و مائتا فرس و ثلاثة آلاف بعیر و خمس عشرة امرأة کما مر* و قال المطری خرج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مع الناس علی الحرة الشرقیة حرة و اقم و بات بالشیخین موضع بین المدینة و أحد علی الطریق الشرقی مع الحرة الی جبل أحد و غد اصبح یوم السبت الی أحد* و فی خلاصة الوفاء شیخان بلفظ تثنیة شیخ أطمان بجهة الوالج سمیا بشیخ و شیخة کانا هناک بفضائها مسجد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صلّی به فی مسیره لاحد و عسکر هناک تلک اللیلة* و یؤخذ مما نقل ابن سید الناس عن ابن اسحاق و مما رواه الطبری أنهم خرجوا من ثنیة الوداع شامی المدینة* و فی الوفاء روی الطبرانی فی الکبیر و الاوسط برجال ثقات عن ابی حمید الساعدی ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خرج یوم احد حتی اذا جاوز ثنیة الوداع فاذا هو بکتیبة خشناء فقال من هؤلاء قالوا عبد اللّه بن أبیّ ابن سلول فی ستمائة من موالیه الیهود فقال و قد أسلموا قالوا لا یا رسول اللّه قال مروهم فلیرجعوا فانا لا نستعین بالمشرکین علی المشرکین* و فی الکشاف و معالم التنزیل خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الف و قیل فی تسعمائة و خمسین و فیهم مائة دارع و خرج السعدان سعد بن معاذ و سعد بن عبادة مسلحین أمامه یعدوان و الناس عن یمینه و عن یساره فمضی حتی اذا کان بالشیخین و هما أطمان التفت فنظر الی کتیبة خشنة لها زجل فقال ما هذه قالوا حلفاء ابن ابیّ من یهود فقال علیه السلام لا تستنصروا بأهل الشرک و فی ذلک الموضع أی بالشیخین عرض عسکره و ردّ من استصغره مثل عبد اللّه بن عمر بن الخطاب و زید بن ثابت و اسامة بن زید و زید بن الارقم و البراء بن عازب و عمرو بن حزم و اسید بن ظهیر و عرابة بن أوس و ابی سعید الخدری اسمه سعد بن مالک بن سنان الخدری و سمرة بن جندب و رافع بن خدیج ردّهم یوم أحد و هم أبناء اربع عشرة سنة ثم أجازهم یوم الخندق و هم أبناء خمس عشرة سنة و لما امر بردّ هؤلاء الی المدینة لصغر سنهم قال خدیج یا رسول اللّه ان ابنی رافعا رام و کان رافع یومئذ یتطاول من الشغف علی الخروج فأذن له فیه فقال سمرة بن جندب لزوج أمه مرّة بن سنان أذن لرافع و ردّنی و انا أصرعه فأمرهما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالمصارعة فصرع سمرة رافعا فأذن له أیضا فی الخروج و لما غربت الشمس أذن بلال المغرب فصلوها بالجماعة و باتوا لیلتئذ بالشیخین و عین لحراسة الجیش تلک اللیلة محمد بن مسلمة فی خمسین رجلا یطوفون بالجیش و عین المشرکون لحراسة جیشهم عکرمة بن ابی جهل فی جماعة یحرسونهم* روی ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعد ما صلّی العشاء قال من یحرسنا اللیلة فقام رجل و قال أنا یا رسول اللّه قال من أنت قال ذکوان قال اجلس فجلس ثم قال من یحرسنا اللیلة فقام رجل و قال أنا یا رسول اللّه قال من أنت قال أبو سبع قال اجلس فجلس ثم قال من یحرسنا اللیلة فقام الرجل و قال أنا یا رسول اللّه فقال له من أنت قال ابن عبد القیس قال اجلس فجلس فمکث غیر بعید حتی أمر بقیام هؤلاء الثلاثة فقام ذکوان
وحده
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:423
فسأله عن صاحبیه فقال یا رسول اللّه أنا کنت المجیب فی کل مرة قال اذهب حفظک اللّه فلبس ذکوان لأمته و اخذ قوسه و حمل سلاحه و ترسه فکان یطوف بالعسکر و یحرس خیمة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لما کان السحر استیقظ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال من رجل یخرج بنا علی القوم من کثب أی من قرب و من طریق لا یمر بنا علیهم فقال أبو خیثمة أخو بنی حارثة أنا یا رسول اللّه فرکب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فرسه فأدلج فی السحر و سلک فی حرة بنی حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب کلب سیف فاستله و یقال کلاب سیف فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان یحب الفال و لا یعتاف یا صاحب السیف شم سیفک فانی أری السیوف ستسل الیوم ثم نفذ به دلیله أبو خیثمة فی حرة بنی حارثة و بین اموالهم حتی سلک فی مال لمربع بن قبطی و کان منافقا ضریر البصر فلما سمع حس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و من معه قام یحثی فی وجوههم التراب و یقول ان کنت رسول اللّه فانی لا أحل لک حائطی* و ذکر انه أخذ حفنة من تراب ثم قال و اللّه لو أعلم انی لا اصیب بها غیرک یا محمد لضربت بها وجهک فابتدر إلیه القوم لیقتلوه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تقتلوه فهذا الاعمی أعمی القلب و اعمی البصر و مضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الکشاف و لما بلغ الشوط اختزل ابن أبیّ فی ثلاثمائة من أهل النفاق* و فی روایة أمرهم بالانصراف لکفرهم بمکان یقال له الشوط* و فی روایة اعتزل ابن أبی من الشیخین و رجع فقال محمد عصانی و أطاع الولدان ما ندری علام نقتل أنفسنا هاهنا أیها الناس ارجعوا فرجع بمن تبعه من قومه من أهل النفاق و الریب* و فی معالم التنزیل اعتزل بثلث الناس و قال علام نقتل أنفسنا و اولادنا* و فی سیرة ابن هشام و تبعهم عمرو بن حزم الانصاری أحد بنی سلمة و قال أنشدکم اللّه فی نبیکم و أنفسکم فقال ابن أبیّ لو نعلم قتالا لا تبعناکم و لو أطعتنا لرجعت معنا* و فی سیرة ابن هشام یا قوم أذکرکم اللّه أن تخذلوا قومکم و نبیکم عند ما حضر من عدوّهم قالوا لو نعلم انکم تقاتلون لما أسلمناکم و لکنا لا نری أن یکون قتال فلما استعصوا علیه و أبوا الا الانصراف قال أبعدکم اللّه أعداء اللّه فسیغنی اللّه عنکم نبیه فبقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی سبعمائة من أصحابه* و فی الوفاء فلما رجع عبد اللّه بن أبیّ سقط فی أیدی طائفتین من المؤمنین و هما بنو حارثة و بنو سلمة قال اللّه تعالی إذ همت طائفتان منکم أن تفشلا الآیة* و فی الکشاف و أصبح بشعب أحد یوم السبت و نزل فی عدوة الوادی و فی معالم التنزیل للنصف من شوّال سنة ثلاث من الهجرة* و فی الوفاء لما انتهی صلّی اللّه علیه و سلم الی موضع القنطرة حانت الصلاة فصلی بهم الصبح صفوفا علیهم سلاحهم* قال مجاهد و الکلبی و الواقدی غدا رسول اللّه من منزل عائشة علی رجلیه الی أحد فجعل یصف أصحابه للقتال کما یقوّم القدح* و فی الاکتفاء مضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی نزل الشعب من أحد فجعل ظهره و عسکره الی أحد و قال لا یقاتلن أحد حتی نأمر بالقتال و قد سرحت قریش الظهر و الکراع فی زروع کانت للمسلمین فقال رجل من الانصار أ ترعی زروع بنی قیلة و لما نضارب* و تعبی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم للقتال و هو فی سبعمائة رجل فجعل عکاشة بن محصن الاسدی علی المیمنة و أبا سلمة بن عبد الاسد علی المیسرة و أبا عبیدة عامر بن الجرّاح و سعد بن أبی وقاص علی المقدّمة و مقداد بن عمرو علی الساقة فجعل أحدا خلف ظهره و استقبل المدینة و جعل عینین و هو جبل علی شفیر قناة قبلی مشهد حمزة عن یساره و کانت فیه ثغرة فأقام علیها خمسین رجلا من الرماة و أمر علیهم عبد اللّه بن جبیر أخا بنی عمرو بن عوف و هو معلم بثیاب بیض فقال انضح الخیل عنا لا یأتونا من خلفنا ان کانت لنا أو علینا فاثبت فی مکانک لا نؤتین من قبلک* و فی روایة قال لهم ان رأیتمونا تختطفنا الطیر فلا تبرحوا من مکانکم هذا حتی
أرسل إلیکم و ان رأیتمونا هزمنا القوم و أوطأناهم فلا تبرحوا حتی أرسل إلیکم کذا فی البخاری
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:424
من حدیث البراء* و فی حدیث ابن عباس عند الطبرانی و الحاکم انه صلّی اللّه علیه و سلم أقامهم فی موضع ثم قال احموا ظهورنا فان رأیتمونا نقتل فلا تنصرونا و ان رأیتمونا قد غنمنا فلا تشرکونا و ظاهر رسول اللّه بین درعین و دفع اللواء الی مصعب بن عمیر من بنی عبد الدار و کان شعار رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم أحد أمت أمت فیما قاله ابن هشام و تعبأت قریش و هم ثلاثة آلاف و معهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا علی میمنة الخیل خالد بن الولید و علی المیسرة عکرمة بن أبی جهل و أمروا علی الخیل صفوان بن أمیة و عمرو بن العاص و علی الرماة عبد اللّه بن ربیعة و کانوا مائة رام و دفعوا اللواء الی طلحة ابن أبی طلحة و کان معه یوم بدر و جعلوا شعارهم یا لعزی یا لهبل و نقل الاقشهری أن ابا سفیان بن حرب قال یومئذ لبنی عبد الدار انکم ضیعتم اللواء یوم بدر فأصابنا ما رأیتم فادفعوا اللواء إلینا نکفکم و انما أراد تحریضهم علی القتال و الثبات فغضبوا و أغلظوا له* و فی الاکتفاء قال لهم یا بنی عبد الدار انکم قد ولیتم لواءنا یوم بدر فأصابنا ما قد رأیتم و انما یؤتی الناس من قبل رایاتهم اذا زالت زالوا فاما أن تکفونا لواءنا و اما أن تخلوا بیننا و بینه فنکفیکموه فهموا به و تواعدوا و قالوا أ نحن نسلم إلیک لواءنا ستعلم غدا اذا التقینا کیف نصنع و ذلک ما أراد أبو سفیان* و فی المواهب اللدنیة ثم صف المسلمون بأصل احد وصف المشرکون بالسبخة قاله ابن عقبة فسأل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عمن یحمل لواء المشرکین قیل عبد الدار قال نحن احق بالوفاء منهم أین مصعب بن عمیر فقال ها أنا قال خذ اللواء فأخذه و کان یمشی أمام رسول اللّه* و فی معالم التنزیل فجاءت قریش و علی میمنتهم خالد بن الولید و علی میسرتهم عکرمة بن أبی جهل و معهم النساء یضر بن بالدفوف و الاکبار و یحرّضن و یرتجزن و یقلن
نحن بنات طارق‌نمشی علی النمارق
مشی القطا النوانق‌الدرّ فی المخانق
و المسک فی المفارق
ان تقبلوا نعانق‌و نفرش النمارق
أو تدبروا نفارق
فراق غیر وامق
و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق فلما التقی الناس و دنا بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة فی النسوة اللاتی معها و أخذن الدفوف یضر بن بها خلف الرجال و یحرّضنهم فقالت هند فیما تقول
ویها بنی عبد الدارویها حماة الادبار
ضربا بکل بتار
و تقول
ان تقبلوا نعانق‌و نفرش النمارق
أو تدبروا نفارق‌فراق غیر وامق و فی المنتقی و کان اوّل من أنشب الحرب و رمی بالسهم فی وجوه المسلمین ابو عامر الراهب طلع فی خمسین رجلا من قومه فنادی أنا أبو عامر فقال المسلمون لا مرحبا بک و لا أهلا یا فاسق فتراموا حتی ولی مدبرا* و فی الوفاء کان أبو عامر الراهب من الاوس خرج عن قومه الی مکة مباعدا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کان یعد قریشا أن لو لقی قومه لم یختلف علیه منهم رجلان فلما التقی الناس کان اوّل من لقیهم هو فی الاحابیش و عبدان أهل مکة فنادی یا معشر الاوس أنا ابو عامر قالوا فلا انعم اللّه بک عینا یا فاسق و بذلک سماه رسول اللّه و کان یسمی فی الجاهلیة الراهب فلما سمع ردّهم علیه قال لقد أصاب قومی بعدی شرّ ثم قاتلهم قتالا شدیدا ثم راضخهم بالحجارة* و فی الاکتفاء فاقتتل الناس حتی حمیت الحرب و قاتل أبو دجانة سماک بن خرشة أخو بنی ساعدة حتی أمعن فی الناس و قد کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أخذ سیفا بیده و کان مکتوبا فی احدی صفحتیه
فی الجبن عار و فی الاقبال مکرمةو المرء بالجبن لا ینجو من القدر و قال من یأخذ هذا السیف بحقه فطلبه ناس فلم یعطهم ایاه* و فی الینابیع طلبه أبو بکر و عمر و علی فلم یعطهم ایاه فقال أبو دجانة ما حقه یا رسول اللّه قال أن تضرب به فی العدوّ حتی ینحنی فقال أنا آخذه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:425
بحقه فأخذه ثم أهوی الی ساق حفه فأخرج منها عصابة حمراء و عصب بها رأسه و کان مکتوبا فی أحد طرفیها نصر من اللّه و فتح قریب و فی طرفها الآخر الجبانة فی الحرب عار و من فرّ لم ینج من النار و فی الاکتفاء قام إلیه رجال فأمسکه عنهم حتی قام إلیه أبو دجانة سماک بن خرشة الانصاری و قال ما حقه یا رسول اللّه قال ان تضرب به فی العدوّ حتی تثخن* و فی روایة ینحنی قال یا رسول اللّه أنا آخذه بحقه فأعطاه ایاه و کان أبو دجانة رجلا شجاعا یختال عند الحرب و کان اذا علم بعصابة له حمراء فاعتصب بها علم الناس انه سیقاتل فلما أخذ السیف من ید رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أخرج عصابته تلک فعصب بها رأسه و جعل یتبختر بین الصفین فقال رسول اللّه حین رآه یتبختر انها المشیة یبغضها اللّه الا فی مثل هذا الموطن و کان الزبیر بن العوام قد سأل رسول اللّه ذلک السیف مع من سأله و منعه ایاه قال وجدت فی نفسی حین سألت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم السیف فمنعنیه و أعطاه ابا دجانة و قلت أنا ابن صفیة عمته و من قریش و قد قمت إلیه و سألته ایاه قبله فأعطاه ایاه و ترکنی و اللّه لا نظرن ما یصنع أبو دجانة فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه فقالت الانصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت و هکذا کانت تقول له اذا تعصب بها فخرج و هو یقول
أنا الذی عاهدنی خلیلی‌و نحن بالسفح لدی النخیل
أن لا اقوم الدهر فی الکبول‌اضرب بسیف اللّه و الرسول الکیول بفتح الکاف و تشدید المثناة التحتیة مؤخر الصفوف و هو فیعول من کال الزند کیلا اذا کبا و لم یخرج نارا فشبه مؤخر الصفوف به لان من فیه لا یقاتل قال أبو عبیدة لم یسمع الا فی هذا الحدیث فجعل لا یلقی أحدا من المشرکین الا قتله* و فی سح السحابة و قاتل به حتی انقطع فی یده انتهی و کان فی المشرکین رجل لا یدع جریجا الا ذفف علیه فجعل کل واحد منهما یدنو من صاحبه فدعوت اللّه أن یجمع بینهما فالتقیا فاختلفا ضربتین فضرب المشرک أبا دجانة فاتفاه بدرقته فعضت بسیفه و ضربه أبو دجانة فقتله ثم رأیته قد حمل علی مفرق رأس هند بنت عتبة ثم عدل السیف عنها قال الزبیر قلت اللّه أعلم و رسوله قال أبو دجانة رأیت انسانا یحمش الناس حمشا شدیدا فصمدت إلیه فلما حملت علیه السیف ولول فاذا امرأة فأکرمت سیف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان اضرب به امرأة* و فی الوفاء عن الزبیر بن العوّام أنه قال خرج أبو دجانة بعد ما أخذ السیف فاتبعته فجعل لا یمرّ بشی‌ء الا أفراه و هتکه حتی أتی لنسوة فی سفح الجبل و معهنّ هند و هی تقول نحن بنات طارق الی آخر ما ذکرنا تغنی و تحرّض المشرکین بذلک فحمل علیها فنادت بالصحرات فلم یجبها أحد فانصرف عنها قال الزبیر فقلت له کلّ سیفک رأیته فأعجبنی غیر انک لم تقتل المرأة قال فانها نادت فلم یجبها أحد فکرهت أن أضرب بسیف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم امرأة لا ناصر لها قال و غلب رماة المسلمین علی المشرکین و رشقوا خیلهم بالنبل حتی ولوا هاربین من خیلهم فصاح طلحة بن أبی طلحة و هو صاحب لواء قریش فقال من یبارزنی فبرز له علی بن أبی طالب فلما التقیا بین الصفین ضربه علیّ بالسیف علی هامته ففلقها الی المخ* و فی روایة قتله مصعب بن عمیر و هو کبش الکتیبة فسر بذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کبر المسلمون ثم شدّوا علی المشرکین فحمل لواءهم أخو طلحة عثمان بن أبی طلحة فضربه حمزة بالسیف علی عاتقه فقطع یده و کتفه حتی انتهی الی مؤتزره فرجع حمزة و هو یقول أنا ابن ساقی الحجیج* و فی سیرة ابن هشام و قاتل حمزة بن عبد المطلب حتی قتل أرطاة بن شرحبیل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار و کان أحد النفر الذین یحملون اللواء ثم مرّ به سباع ابن عبد العزی الغبشانی و کان یکنی بأبی نیار فقال له حمزة هلم الیّ یا ابن مقطعة البظور و کانت أمّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:426
أمّ انمار مولاة شریق بن عمرو بن وهب الثقفی ختانة بمکة فلما التقیا ضربه حمزة فقتله قال وحشی غلام جبیر بن مطعم و اللّه انی لا نظر الی حمزة یهد الناس بسیف ما یبقی شیئا مثل الجمل الاورق اذ تقدّمنی إلیه سباع فقال حمزة هلم الیّ یا ابن مقطعة البظور فضربه ضربة فکأنما أخطأ رأسه و هززت حربتی حتی اذا رضیت منها دفعتها علیه فوقعت فی ثنته حتی خرجت من بین رجلیه فأقبل نحوی فغلب فوقع فأمهلته حتی اذا مات جئت فأخذت حربتی ثم تنحیت الی العسکر و لم یکن لی بشی‌ء حاجة غیره* و فی الاکتفاء و کان جبیر بن مطعم قد وعد غلامه وحشیا بالعتق ان قتل حمزة بعمه طعیمة بن عدی المقتول یوم بدر و کان وحشی یحسن قذف الحربة قذف الحبشة و قلما یخطئ بها شیئا و استتر یومئذ وحشی بشجرة أو حجر حتی مرّ علیه حمزة بعد قتله سباع بن عبد العزی الخزاعی الغبشانی فرماه وحشی بالحربة فقتله و ترکه حتی مات ثم أتاه و أخذ حربته وشق بطنه و أخرج کبده و ذهب بها الی هند بنت عتبة و قال لها هذه کبد حمزة قاتل أبیک فأخذتها و مضغتها فلم تقدر أن تسیغها فلفظتها و أعطته ثوبها و حلیها و وعدته عشرة دنانیر بمکة ثم قالت له أرنی مصرعه فأراها ایاه فمثلت به و قطعت مذاکیره و ذهبت بها الی مکة فلما قدم وحشی مکة عتق ثم أقام بمکة حتی اذا افتتح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مکة هرب الی الطائف فکان بها فلما خرج وفد الطائف الی رسول اللّه لیسلموا تغیبت علیه المذاهب فقال له رجل و یحک انه و اللّه لا یقتل أحدا من الناس دخل دینه فخرج مع وفدهم حتی قدم علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة فشهد شهادة الحق فلما رآه قال أ وحشیّ قال نعم یا رسول اللّه قال اقعد فحدّثنی کیف قتلت حمزة فحدّثه فلما فرغ قال و یحک غیب عنی وجهک فکان علیه السلام یتنکبه حیث کان لئلا یراه حتی قبضه اللّه فلما خرج المسلمون الی مسیلمة الکذاب خرج معهم قال و أخذت حربتی التی قتلت بها حمزة فلما التقی الناس رأیت مسیلمة قائما فی یده السیف و ما أعرفه فتهیأت له و تهیأ له رجل من الانصار من الناحیة الاخری کلانا نریده فهززت حربتی حتی اذا رضیت منها دفعتها علیه فوقعت فیه فشدّ علیه الانصاری فضربه بالسیف فاللّه أعلم أینا قتله فان کنت قتلته و قد قتلت خیر الناس بعد رسول اللّه فقد قتلت شرّ الناس* ذکر ابن اسحاق باسناده الی عبد اللّه بن عمر و کان شهد الیمامة قال سمعت یومئذ صارخا یقول قتله العبد الاسود* قال ابن اسحاق فبلغنی ان وحشیا لم یزل یحد فی الخمر حتی خلع عن الدیوان فکان عمر بن الخطاب یقول قد علمت انّ اللّه لم یکن لیدع قاتل حمزة* و عن الزهری عن شیبة بن عثمان بن أبی طلحة انّ طلحة بن عثمان أخا شیبة أیضا قتل فی أحد کذا فی معالم التنزیل* و فی الوفاء قال ابن عقبة و کان صاحب لواء المسلمین مصعب بن عمیر أخو بنی عبد الدار فبارز طلحة بن عثمان من بنی عبد الدار فقتله* قال ابن اسحاق و قاتل مصعب بن عمیر دون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی قتل و کان الذی قتله ابن قمئة اللیثی و هو یظنّ انه رسول اللّه* و فی الکشاف أقبل ابن قمئة یرید قتل رسول اللّه فذب عنه مصعب بن عمیر فقتله ابن قمئة* و فی المنتقی کان لواء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الاعظم لواء المهاجرین معه یوم بدر و یوم أحد أیضا و لما جال المسلمون أقبل ابن قمئة و هو فارس فضرب یده الیمنی فقطعها و مصعب یقول و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل فأخذ اللواء بیده الیسری فقطعها ابن قمئة فحنی علی اللواء و ضمه بعضدیه الی صدره و هو یقول و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل و ما کانت هذه الآیة نازلة بعد فنزلت ثم حمل علیه الثالثة بالرمح فأنفذه فاندق الرمح و وقع مصعب صریعا فابتدر إلیه رجلان من بنی عبد الدار سویبط ابن سعد و أبو الروم بن عمیر أخو مصعب فأخذه أبو الروم فلم یزل فی یده حتی دخل المدینة* و فی روایة لما قتل مصعب أخذ اللواء ملک فی صورة مصعب فجعل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول له فی آخر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:427
النهار تقدم یا مصعب فالتفت إلیه الملک و قال لست بمصعب فعرف رسول اللّه انه ملک أید به فوقف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی مصعب فقرأ من المؤمنین رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه علیه فمنهم من قضی نحبه و منهم من ینتظر و قتل مصعب و هو ابن أربعین سنة* و فی سیرة ابن هشام قال محمد ابن اسحاق لما قتل مصعب بن عمیر أعطی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اللواء علی بن أبی طالب و قاتل علیّ فی رجال من المسلمین* و قال ابن هشام حدّثنی سلمة بن علقمة المازنی قال لما اشتدّ القتال یوم أحد جلس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تحت رایة الانصار و أرسل الی علیّ بن أبی طالب ان قدّم الرایة فتقدّم علیّ فقال أنا أبو القصم و یقال الفصم بالقاف و الفاء فیما قاله ابن هشام فناداه ابو سعید بن أبی طلحة و هو صاحب لواء المشرکین ان هل لک یا أبا القصم فی البراز من حاجة فقال نعم فبرزا بین الصفین فاختلفا ضربتین فضربه علیّ فصرعه ثم انصرف و لم یجهز علیه فقال له أصحابه أ فلا أجهزت علیه قال انه استقبلنی بعورته فعطفتنی علیه الرحم فعرفت انّ اللّه قتله و یقال ان ابا سعید خرج من بین الصفین و طلب من یبارزه مرارا فلم یخرج إلیه أحد فقال یا أصحاب محمد زعمتم ان قتلاکم فی الجنة و قتلانا فی النار کذبتم و اللات لو تعلمون ذلک حقا لخرج الیّ بعضکم فخرج إلیه علیّ فاختلفا ضربتین فقتله علیّ* قال ابن اسحاق ان سعد بن أبی وقاص هو الذی قتل أبا سعید هذا کذا فی سیرة ابن هشام و الاکتفاء و المنتقی و فی بعض الکتب کیفیة قتله ان سعد بن ابی وقاص رماه بسهم فلم یخطئ حنجرته حتی خرج لسانه فمات ثم حمل لواءهم مسافع بن أبی طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبی الافلح فقتله و أخاه الجلاس بن طلحة کلاهما یشعره سهما و أرثت مسافع الی أمّه سلافة بنت سعد و کانت فی العسکر فوضع رأسه فی حجرها فقالت یا بنیّ من اصابک قال لا أدری الا أنی سمعت رجلا یقول حین رمانی خذها و أنا ابن أبی الافلح فنذرت ان أمکنها اللّه من رأس عاصم أن تشرب الخمر فی قحفه و جعلت لمن یأتیها برأسه مائة ناقة و کان عاصم قد عاهد اللّه أن لا یمس مشرکا و لا یمسه مشرک أبدا فتمم اللّه له ذلک حیا و میتا کما سیجی‌ء ثم حمل لواءهم الحارث بن ابی طلحة فرماه عاصم أیضا فقتله کذا فی المنتقی* و فی سیرة ابن هشام انّ عاصم بن ثابت قتل مسافعا و أخاه الجلاس کما سبق* و فی المنتقی قتل الجلاس طلحة بن عبید اللّه ثم حمل لواءهم کلاب بن طلحة فقتله الزبیر بن العوّام ثم حمل اللواء أرطاة بن شرحبیل بن هاشم ابن عبد مناف فقتله حمزة و قیل علیّ ثم حمل اللواء شریح بن فارض فقتله بعض المسلمین ثم حمل اللواء صواب غلام حبشی لبنی طلحة فقتله سعد بن أبی وقاص و قیل علیّ بن أبی طالب و قیل قزمان و هو أثبت الاقوال* و فی روایة حملت اللواء عمرة بنت علقمة کما سیجی‌ء* قال ابن اسحاق قتل اصحاب لواء المشرکین و هم سبعة یأخذه واحد بعد واحد و قال غیره و هم أحد عشر آخرهم غلام حبشی لبنی طلحة اسمه صواب قال ابن اسحاق و التقی یومئذ حنظلة بن ابی عامر غسیل الملائکة و ابو سفیان بن حرب فلما استعلاه حنظلة رآه شدّاد بن الاسود بن شعوب قد علا أبا سفیان فضربه شدّاد فقتله فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان صاحبکم یعنی حنظلة لتغسله الملائکة فسلوا اهله ما شأنه فسئلت صاحبته فقالت خرج و هو جنب حسین سمع الهائعة فقال رسول اللّه لذلک غسلته الملائکة* و فی الصفوة ان حنظلة ابن ابی عامر الراهب کان من خیار المسلمین استأذن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یقتل أباه فنهاه عن قتله و تزوّج جمیلة بنت عبد اللّه بن ابی بن سلول فأدخلت علیه فی اللیلة التی فی صبیحتها کان قتال أحد و کان قد استأذن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یبیت عندها فأذن له فلما صلّی الصبح غدا یرید النبیّ بأحد ثم مال الی جمیلة فأجنب منها و کانت قد ارسلت الی اربعة من قومها فأشهدتهم انه قد دخل بها فقیل لها فی ذلک فقالت رأیت کأن السماء فرجت له فدخل فیها ثم اطبقت فقلت هذه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:428
الشهادة و قد علقت بعبد اللّه بن حنظلة فأخذ حنظلة سلاحه فلحق بالنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو یسوّی الصفوف فلما انکشف المسلمون اعترض حنظلة ابا سفیان بن حرب فضرب عرقوب فرسه فوقع ابو سفیان ثم تحمل رجل منهم علی حنظلة فأنفذه بالرمح فقال رسول اللّه رأیت الملائکة تغسل حنظلة ابن ابی عامر بین السماء و الارض بماء المزن فی صحاف الفضة* قال ابو سعید الساعدی فذهبنا إلیه فنظرنا فاذا رأسه یقطر ماء فرجعت الی رسول اللّه فأخبرته انه خرج و هو جنب فأعجله الحال عن الغسل فولده یقال لهم بنو غسیل الملائکة* و فی روایة قالت کان جنبا فلما غسل أحد شقیه سمع الهیعة و أعجله الحال عن الغسل فخرج و لم یغسل الشق الآخر قال رسول اللّه هو ذاک فانی رأیته قد غسلته الملائکة فسمی غسیل الملائکة و بذلک تمسک من قال من العلماء ان الشهید یغسل اذا کان جنبا کذا فی المواهب اللدنیة فلما قتل اصحاب اللواء و انتکست رایتهم انکشف المشرکون و انهزموا* قال ابن اسحاق ثم انزل اللّه نصره علی المؤمنین و اصدقهم وعده فحسوا الکفار بالسیوف حتی کشفوهم عن العسکر و کانت الهزیمة لا شک فیها* و فی المواهب اللدنیة فولی الکفار لا یلوون علی شی‌ء و نساؤهم یدعون بالویل و الثبور و تبعهم المسلمون حتی أجهضوهم و وقعوا یتهبون العسکر و یأخذون ما فیه من الغنائم* و فی الکشاف فلما أقبل المشرکون جعل الرماة یرشقون خیلهم و الباقون یضربون بالسیف حتی انهزموا و تبعهم المسلمون یضعون فیهم السلاح و صرخت نساؤهم یدعون بالویل و الثبور و ألقین الدفوف و یشتددن الی الجبل رافعات ثیابهنّ و قد بدت خلاخلهنّ و سوقهنّ و لما نظر الرماة الی المشرکین قد انکشفوا و رأوا أصحابهم ینتهبون و یأخذون الغنائم قالوا الغنیمة یا قوم الغنیمة قد ظهر أصحابکم فما تنتظرون فقال عبد اللّه بن جبیر أنسیتم ما قال لکم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قالوا انا و اللّه لنأتینهم فلنصیبن من الغنیمة فلما أتوهم صرفت وجوههم و أقبلوا منهزمین کذا رواه البخاری عن البراء بن عازب* و فی الکشاف اختلف الرماة حین انهزم المشرکون قال بعضهم قد انهزم القوم فما موقفنا و أقبلوا علی الغنیمة* و قال بعضهم لا نخالف أمر رسول اللّه* و فی معالم التنزیل ترکوا المرکز للغنیمة و قالوا نخشی أن یقول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من أخذ شیئا فهو له و أن لا یقسم الغنائم کما لم یقسمها یوم بدر فترکوا المرکز و وقعوا فی الغنائم ثم قال لهم النبیّ أ لم أعهد إلیکم أن لا تترکوا المرکز حتی یأتیکم أمری قالوا ترکنا بقیة اخواننا وقوفا فقال النبیّ بل ظننتم انا نغل فلا نقسم لکم فأنزل اللّه تعالی و ما کان لنبیّ أن یغلّ و من یغلل یأت بما غلّ الآیة و لما ترک الرماة مرکزهم ثبت أمیرهم عبد اللّه بن جبیر فی مکانه فی نفر یسیر دون العشرة فلما رأی خالد بن الولید قلة الرماة و خلاء الجبل و اشتغال المسلمین بالغنیمة و رأی ظهورهم خالیة صاح فی خیله من المشرکین فکربهم و تبعه عکرمة بن أبی جهل فی جماعة من المشرکین فحملوا علی من بقی من الرماة فقتلوهم و قتل أمیرهم عبد اللّه بن جبیر ثم حملوا علی المسلمین من خلفهم و حالت الریح دبورا بعد ما کانت صبا* و فی الاکتفاء کشف المسلمون المشرکین عن العسکر و نهکوهم قتلا و قد حملت خیل المشرکین علی المسلمین ثلاث مرّات کل ذلک تنضح بالنبل فترجع مفلولة فلما أبصر الرماة الخمسون انّ اللّه قد فتح لاخوانهم قالوا و اللّه ما نجلس هناک لشی‌ء قد أهلک اللّه العدوّ و اخواننا فی عسکر المشرکین فترکوا منازلهم التی عهد إلیهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن لا یترکوها و تنازعوا و فشلوا و عصوا الرسول فأوجفت الخیل فیهم قتلا و لم یکن نبل ینضحها و وجدت مدخلا علیهم فکان ذلک سبب الهزیمة علی المسلمین* و فی سیرة ابن هشام قال الزبیر بن العوّام و اللّه لقد رأیتنی أنظر الی خدم هند بنت عتبة و صواحبها مشمرات منکشفات هوارب ما دون أخذهنّ قلیل و لا کثیر اذ مالت الرماة الی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:429
العسکر حین کشفنا القوم عنه و خلوا ظهورنا للخیل و أوتینا من خلفنا و صرخ صارخ ألا انّ محمدا قد قتل فانکفأنا و انکفأ علینا القوم بعد ان أصبنا اصحاب اللواء حتی ما یدنو منه احد من القوم* قال ابن هشام و الصارخ أزب العقبة* قال ابن اسحاق حدّثنی بعض أهل العلم انّ اللواء لم یزل صریعا حتی أخذته عمرة بنت علقمة الحارثیة فرفعته لقریش فلا ثوابه و کان اللواء مع صواب غلام حبشی لبنی طلحة و کان آخر من أخذه منهم فقاتل به حتی قطعت یداه ثم برک علیه فأخذ اللواء بصدره و عنقه حتی قتل علیه و هو یقول اللهم هل أعذرت یعنی أعذرت* و فی الینابیع و کانت فی المشرکین امرأة کافرة اسمها عفراء فأخذت لواء قریش و رفعتها فلما رأی المشرکون لواءهم مرفوعا کروا راجعین فجعلوا یضربون المسلمین من قدامهم و من خلفهم حتی قتلوا منهم سبعین و جرحوا سبعین و کسروا ید علیّ و جرحوا أبا بکر و عمر و انهزم عثمان مع جماعة* قال ابن اسحاق و انکشف المسلمون فأصاب فیهم العدوّ و صرخ صارخ ألا انّ محمدا قد قتل و فی روایة تصوّر الشیطان بصورة جعال بن سراقة الضمری و صرخ ان محمدا قد قتل و قال قائل أی عباد اللّه أخراکم أی احترزوا من جهة أخراکم فعطف المسلمون یقتل بعضهم بعضا و هم لا یشعرون کذا فی المواهب اللدنیة* و وثب الناس علی جعال بن سراقة لیقتلوه لانّ الشیطان تمثل بصورته و صاح بخبر القتل فشهد خوات بن جبیر و أبو بردة بن نیار بأنّ الصارخ غیر جعال و جعال کان عندهما و بجنبهما حین صرخ ذلک الصارخ و جرح أسید بن حضیر یومئذ جراحتین من أیدی المسلمین احداهما من ضربة أبی بردة بن نیار و جرح أبو بردة أیضا من ید أنصاری و لم یعرفه* و فی الصحیح عن عائشة قالت کان یوم أحد هزم المشرکون هزیمة بینة فصاح ابلیس أی عباد اللّه أخراکم فرجعت أولاهم فاجتلدت مع اخراهم فنظر حذیفة فاذا هو بأبیه الیمان فنادی أی عباد اللّه أبی أبی قالت فو اللّه ما احتجزوا حتی قتلوه فقال حذیفة یغفر اللّه لکم و عند أحمد و الحاکم عن ابن عباس انهم لما رجعوا اختلطوا بالمشرکین و التبس العسکران فلم یتمیزوا فوقع القتل فی المسلمین بعضهم من بعض* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی أحد رفع حسبل بن جابر و هو الیمان ابو حذیفة بن الیمان و ثابت بن وقش فی الآطام مع النساء و الصبیان و هما شیخان کبیران فقال أحدهما لصاحبه لا أبا لک ما تنتظر فو اللّه ان بقی لواحد منا من عمر إلا ظم‌ء حمار انما نحن هامة الیوم أو غدا أ فلا نأخذ أسیافنا ثم نلحق برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لعل اللّه یرزقنا شهادة مع رسول اللّه فأخذا أسیافهما ثم خرجا حتی دخلا فی الناس و لم یعلم بهما فأما ثابت بن وقش فقتله المشرکون و أما حسبل بن جابر فاختلفت علیه أسیاف المسلمین فقتلوه و لا یعرفونه فقال حذیفة أبی قالوا و اللّه ان عرفناه و صدقوا قال حذیفة یغفر اللّه لکم و هو أرحم الراحمین فأراد رسول اللّه أن یدیه فتصدّق بدیته علی المسلمین فزاده عند رسول اللّه خیرا* قال ابن اسحاق و کان یوم احد یوم بلاء و تمحیص أکرم اللّه فیه من أکرم من المسلمین بالشهادة حتی خلص العدوّ الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدث بالحجارة حتی وقع لشقه فأصیبت رباعیته و کلمت شفته و شج فی وجهه فجعل الدم یسیل علی وجهه و جعل صلّی اللّه علیه و سلم یمسحه و هو یقول کیف یفلح قوم خضبوا وجه نبیهم و هو یدعوهم الی ربهم فأنزل اللّه تعالی لیس لک من الامر شی‌ء أو یتوب علیهم او یعذبهم فانهم ظالمون و رواه احمد و الترمذی و النسائی من طریق حمید الطویل عن انس و قیل همّ أن یدعو علیهم فنهاه اللّه تعالی لعلمه بأنّ فیهم من یؤمن* و فی المواهب اللدنیة قیل کان سبب الهزیمة ان ابن قمیئة الحارثی قتل مصعب بن عمیر و کان مصعب اذا لبس لأمته یشبه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فلما قتله ظنه رسول اللّه فرجع الی قریش و قال قد قتلت محمدا فازدادوا جرأة و صاح ابلیس من العقبة قتل محمد فلما سمع المسلمون ذلک و هم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:430
متفرّقون کانت الهزیمة فلم یلو أحد علی احد و الصواب ان السبب مخالفة الرماة لامر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و الاصل فی ذلک مع ما أراده اللّه ما اتفق ببدر من اخذ الفداء فقد خرج الترمذی و النسائی عن علیّ ان جبریل هبط فقال خیرهم فی اساری بدر القتل و الفداء علی أن یقتل منهم فی القابل مثلهم قالوا الفداء و یقتل منا مثلهم قال الترمذی حدیث حسن و ذکر غیره له شواهد تقوّیه و لهذا جاء فی الصحیح انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و اصحابه اصابوا من المشرکین یوم بدر أربعین و مائة قتلوا سبعین و أسروا سبعین و فیه أیضا ان المشرکین اصابوا یوم احد من المسلمین سبعین و وقع عند مسلم من طریق ابن عباس عن عمر فی قصة بدر قال فلما کان یوم أحد قتل منهم سبعون و فروا و کسرت رباعیة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هشمت البیضة علی رأسه و سال الدم علی وجهه فأنزل اللّه تعالی أو لما أصابتکم مصیبة قد أصبتم مثلیها قلتم أنی هذا و المراد بکسر الرباعیة و هی السن التی بین الثنیة و الناب انها کسرت فذهب منها فلقة و لم تقلع من أصلها و قوله فروا أی بعضهم أو أطلق ذلک باعتبار تفرقهم و الواقع بهم انهم صاروا ثلاث فرق فرقة استمروا فی الهزیمة الی قرب المدینة فما رجعوا حتی انقضی القتال و هم قلیل و هم الذین نزل فیهم انّ الذین تولوا منکم یوم التقی الجمعان الآیة و فرقة صاروا حیاری لما سمعوا انّ النبیّ قتل فصار غایة الواحد منهم أن یذب عن نفسه و یستمرّ فی القتال الی أن یقتل و هم أکثرهم و فرقة بقیت مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ثم تراجع إلیهم الفرقة الثانیة شیئا فشیئا لما عرفوا انه حی و ما ورد فی الاختلاف فی العدد فمحمول علی تعدّد المواطن فی القصة* و وقع عند أبی یعلی فی حدیث عمر المتقدّم فلما کان عام أحد عوقبوا بما صنعوا یوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون* قال ابن هشام فی سیرته عن أبی سعید الخدری ان عتبة بن أبی وقاص رمی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ فکسر رباعیته السفلی و جرح شفته السفلی و انّ عبد اللّه بن شهاب الزهری شجه فی جبهته و انّ ابن قمیئة جرح و جنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر فی و جنته و وقع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی حفرة من الحفر التی عملها أبو عامر لیقع فیها المسلمون و هم لا یعلمون فأخذ علیّ بن أبی طالب بید رسول اللّه و رفعه طلحة حتی استوی قائما* و فی الاکتفاء فقال صلّی اللّه علیه و سلم من أحب أن ینظر الی شهید یمشی علی وجه الارض فلینظر الی طلحة* قال ابن هشام و مص مالک بن سنان والد أبی سعید الخدری الدم عن وجه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم ازدرده فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من مس دمه دمی لم تصبه النار* و فی الریاض النضرة لم تمسه النار أخرجه ابن اسحاق و فی روایة غیره من أحب أن ینظر الی من خالط دمه دمی فلینظر الی مالک بن سنان* و عن عائشة عن أبی بکر الصدّیق ان أبا عبیدة بن الجراح نزع احدی الحلقتین من وجه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فسقطت ثنیته ثم نزع الاخری فسقطت ثنیته الاخری فکان ساقط الثنیتین* و فی الصفوة نزع بفیه الحلقتین اللتین دخلتا فی و جنته من حلق المغفر فوقعت ثنیتاه و کان أحسن الناس هتما و فی روایة و لذلک یقال له الاهتم* و فی المواهب اللدنیة و هشموا البیضة علی رأسه أی کسروا الخوذة و رموه بالحجارة حتی سقط لشقه فی حفرة من الحفر التی حفرها أبو عامر فأخذ علیّ بیده و احتضنه طلحة ابن عبید اللّه و رفعه حتی استوی قائما و نشبت حلقتان من المغفر فی وجهه فانتزعهما أبو عبیدة بن الجراح و عض علیهما حتی سقطت ثنیتاه من شدّة غوصهما فی وجهه* و فی الاکتفاء و کان الذی کسر رباعیته و جرح شفته عتبة بن أبی وقاص أخو سعد بن أبی وقاص و کذا قاله السهیلی و غیره و من ثمة لم یولد من نسله ولد فبلغ الحنث الا و هو ابحر و اهتم أی عطشان لا یروی و ساقط مقدم أسنانه یعرف ذلک فی عقبه* و فی القاموس البحر العطش فلا یروی من الماء و یقال أهتم فاه ألقی مقدّم أسنانه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:431
و روی ابن الجوزی عن محمد بن یوسف الغریانی قال بلغنی ان الذین کسروا رباعیة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم یولد لهم صبی فنبتت له رباعیة* و فی الاکتفاء و کان سعد بن أبی وقاص یقول و اللّه ما حرصت علی قتل رجل قط حرصی علی قتل عتبة بن أبی وقاص و هو أخوه و ان کان ما علمت لسیئ الخلق مبغضا فی قومه و لقد کفانی منه قول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اشتدّ غضب اللّه علی من أدمی وجه رسول اللّه* و فی مستدرک الحاکم لما فعل عتبة ما فعل جاء حاطب بن أبی بلتعة فقال یا رسول اللّه من فعل هذا بک فأشار الی عتبة فتبعه حاطب حتی قتله و جاء بفرسه الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قیل قد اختلف فی اسلامه و الصحیح انه لم یسلم* و فی المنتقی فی الذی کسر رباعیته و کلمه فی وجهه قولان* أحدهما نه عتبة بن أبی وقاص کما سبق و الثانی انه ابن قمیئة فانه علا رسول اللّه بالسیف فضربه علی الایمن فاتقاه طلحة بیده و ردّ بسیفه عنه فشلت یده و یبست و أصیبت خنصره حین رمی مالک بن زهیر الجشمی رسول اللّه بسهم و کان لا یخطئ سهمه فجعل طلحة یده وقایة له فأصاب خنصره و ضرب رجل من المشرکین علی رأس طلحة بالسیف ضربتین فنزف الدم علی وجهه فخرّ مغشیا علیه* و روی عن أبی بکر الصدّیق أنه قال أتیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم أحد بالماء فقال اذهب به الی طلحة فذهبت به إلیه فرأیته قد وقع صریعا و ینزف الدم من جراحاته فرششت علیه من الماء حتی حصل له بعض الافاقة فقال ما فعل برسول اللّه قلت هو بالعافیة و هو أرسلنی إلیک قال الحمد للّه فکل مصیبة بعده هین* و فی الصفوة عن أبی بکر الصدّیق قال کنت أوّل من جاء یوم أحد فقال لی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و لابی عبیدة بن الجراح علیکما به یرید طلحة و قد نزف دمه یعنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصلحنا من شأنه ثم أتینا طلحة فوجدناه فی بعض تلک الحفار فاذا به بضع و سبعون أو أقل أو أکثر من بین طعنة و ضربة و رمیة فاذا قطعت أصبعه فأصلحنا من شأنه* و أخرج أبو حاتم معناه و لفظه قال قال أبو بکر لما صرف الناس یوم أحد عن رسول اللّه کنت أوّل من جاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فجعلت انظر الی رجل خلفی بین یدیه یقاتل عنه و یحمیه فجعلت أقول کن طلحة فداک أبی و أمی مرّتین قال و نظرت الی رجل خلفی کأنه طائر فلم أنشب ان أدرکنی فاذا هو أبو عبیدة بن الجراح فاندفعنا الی النبیّ فاذا طلحة بین یدیه صریعا فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم دونکم أخاکم فقد أوجب قال و قد رمی فی جبهة رسول اللّه و وجنته فأهویت الی السهم لا نزعه فقال أبو عبیدة نشدتک باللّه یا أبا بکر الا ترکتنی قال فترکته فأخذ أبو عبیدة السهم بفیه فجعل ینضنضه و یکره أن یؤذی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم استله بفیه ثم أهویت الی السهم الذی فی وجنته لانزعه فقال أبو عبیدة نشدتک باللّه یا أبا بکر الا ترکتنی فأخذ السهم بفیه و جعل ینصنصه و یکره أن یؤذی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم استله و کان طلحة أشدّ نهکة من رسول اللّه و کان رسول اللّه أشدّ نهکة منه و کان قد أصاب طلحة بضعة و ثلاثون ما بین طعنة و ضربة و رمیة* قوله ینضنضه بالصاد و الضاد یحرکه* قوله أشدّ نهکة أی جراحة و جهدا و ألما و کان أبو عبیدة أثرم الثنیتین من انتزاع السهمین* و یروی ان المنتزع حلقتی الدرع أبو بکر و یجوز أن یکون السهمان أثبتا حلقتی الدرع فانتزع الجمیع فسقطتا لذلک* و عن أبی هریرة ان طلحة لما جرح یوم أحد مسح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بیده علی جسده و قال اللهمّ اشفه و قوّه فقام صحیحا و رجع الی مبارزة العدوّ أخرجه الملا ذکر ذلک کله فی الریاض النضرة* و عن قیس قال رأیت طلحة یده شلاء وقی بها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم أحد انفرد به البخاری* و فی الصفوة شهد طلحة أحدا و ثبت یومئذ مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و وقاه بیده فشلت أصبعاه و جرح یومئذ اربعا و
عشرین جراحة قال و کانت فیه خمس و سبعون ما بین طعنة و ضربة و رمیة سماه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:432
رسول اللّه یوم أحد طلحة الخیر و یوم غزوة ذات العشیرة طلحة الفیاض و یوم حنین طلحة الجود و سیجی‌ء موته فی الخاتمة فی خلافة علیّ بن ابی طالب* قال السدی رضی اللّه عنهما ابن قمیئة هو الذی رمی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بحجر فکسر أنفه و رباعیته و شج فی وجهه* و قال ابو بشیر المازنی حضرت یوم أحد و أنا غلام فرأیت ابن قمیئة علا رسول اللّه بالسیف فرأیت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم وقع علی کتفه فی حفرة أمامه حتی تواری فجعلت أصیح و أنا غلام حتی رأیت الناس ثابوا إلیه فانظر الی طلحة بن عبید اللّه آخذ یحضنه حتی قام* و فی الینابیع غلب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ضعف من الجراحات حتی وقع عن فرسه و جرحت رکبتاه و کسرت جبهته* و فی الطبرانی من حدیث ابی أمامة قال لما رمی عبد اللّه بن قمیئة یوم أحد فشج وجهه و کسر رباعیته قال خذها و أنا ابن قمیئة فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو یمسح الدم عن وجهه مالک أقمأک اللّه و فی روایة و أذلک فسلط اللّه علیه تیس جبل فلم یزل ینطحه حتی قطعه قطعة قطعة* و عند ابن عائذ من طریق الاوزاعی بلغنا انه لما جرح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم أحد اخذ شیئا فجعل ینشف به دمه و قال لو وقع منه شی‌ء علی الارض لنزل علیهم العذاب من السماء ثم قال اللهمّ اغفر لقومی فانهم لا یعلمون و فی الینابیع و کان صلی اللّه علیه و سلم یأخذ قطرات الدم و یرمی بها الی السماء و لم یقع شی‌ء منها علی الارض و یقول لو وقع شی‌ء منها علی الارض لم ینبت علیها نبات و فی الینابیع أیضا لما کسرت جبهته و انخضب وجهه و لحیته جعل سالم مولی ابی حذیفة یسلت الدم عن وجهه و هو یقول کیف یفلح قوم فعلوا هذا بنبیهم و فی شمائل الترمذی عن جندب بن سفیان البجلی قال اصاب حجرا صبع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدمیت فقال
هل أنت الا اصبع دمیت‌و فی سبیل اللّه ما لقیت و کان ذلک فی غزوة أحد و روی انّ عبد اللّه ابن حمید الاسدی لما رأی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد جرح جعل یرکض فرسه و یقول أرونی محمدا و اللّه انی لأقتله فاعترضه ابو دجانة فضربه بالسیف فقتله فقال رسول اللّه اللهمّ ارض عن ابن خرشة کما أنا عنه راض و روی عبد الرزاق عن معمر عن الزهری قال ضرب وجه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ بالسیف سبعین ضربة وقاه اللّه من شرّها کلها قال فی فتح الباری و هذا مرسل قوی و یحتمل أن یکون أراد بالسبعین حقیقتها أو المبالغة* قال ابن اسحاق و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین غشیه القوم من رجل یشری لنا نفسه فقام زیاد بن السکن فی خمسة نفر من الانصار و بعض الناس یقولون انما هو عمارة بن زیاد بن السکن فقاتلوا دون رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رجلا ثم رجلا یقتلون دونه حتی کان آخرهم زیادا أو عمارة فقاتل حتی أثبتته الجراحة ثم جاءت فئة من المسلمین فأجهضوهم عنه فقال رسول اللّه ادنوه منی فأدنوه منه فوسده قدمه فمات و خدّه علی قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قاتلت أمّ عمارة نسیبة بنت کعب المازنیة یومئذ فیما قاله ابن هشام قالت خرجت أوّل النهار و أنا أنظر ما یصنع الناس و معی سقاء فیه ماء فانتهیت الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو فی اصحابه و الدولة و الریح للمسلمین فلما انهزم المسلمون انحزت الی رسول اللّه فقمت أباشر القتال و أذب عنه بالسیف و ارمی عن القوس حتی خلصت الجراحة الیّ قالت أمّ سعد بنت سعد بن الربیع فرأیت علی عاتقها جرحا اجوف له غور فقلت من أصابک بهذا قالت ابن قمیئة اقماه اللّه لما ولی الناس عن رسول اللّه اقبل یقول دلونی علی محمد فلا نجوت ان نجا فاعترضته انا و مصعب بن عمیر و أناس ممن ثبت مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فضربنی هذه الضربة و لقد ضربته علی ذلک ضربات و لکن عدوّ اللّه علیه درعان* و تترس دون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابو دجانة بنفسه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:433
تقع النبل فی ظهره و هو منحن علیه حتی کثر فیه النبل و فی المواهب اللدنیة و هو لا یتحرّک و فی المنتقی کانت النبل تتابع فی ظهره و هو منحن علیه و رمی سعد بن ابی وقاص دون رسول اللّه قال سعد فلقد رأیته یناولنی النبل و هو یقول ارم فداک ابی و امی حتی انه لیناولنی السهم بلا نصل فیقول ارم به و فی روایة و رمی سعد بن ابی وقاص حتی اندقت سیة قوسه و نثل له النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کنانته فقال له ارم فداک أبی و امی و فی المشکاة عن علیّ قال ما سمعت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم جمع ابویه لاحد الا لسعد بن مالک فانی سمعته یقول یوم أحد یا سعد ارم فداک ابی و امی متفق علیه* و روی ان بعض المشرکین یوم احد کانوا یرمون بالنبل فی وجوه المسلمین منهم حبان بن قیس بن عرفة اخو بنی عامر و ابو أسامة الجشمی فأمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سعد بن ابی وقاص أن یرمی فی وجوههم فیقول ارم یا سعد فداک ابی و امی فرمی ابن عرفة فأصاب ذیل أمّ ایمن و کانت فی العسکر فانکشف ذیلها فضحک ابن عرفة ضحکا شدیدا فثقل ذلک علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فناول سعد أسهما و امره أن یرمیه فرماه سعد فلم یخطئ ثغرة نحره فوقع لظهره و انکشفت عورته فضحک النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حتی بدت نواجذه و قال استعاض لها سعد و دعا لسعد فقال اللهم سدّد رمیته و أجب دعوته رواه فی شرح السنة فصار سعد مجاب الدعوة حتی یتبرّک بدعائه و ظاهر هذا مخالف لما سیجی‌ء فی غزوة الخندق فی الموطن الخامس من ان حبان بن عرفة هو الذی رمی سعد بن معاذ فی أکحله* و عن أنس أنه قال لما کان یوم أحد انهزم الناس عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو طلحة کان قائما بین یدیه یترس معه بترس واحد و کان أبو طلحة رامیا شدید الرمی و النزع فکسر یومئذ قوسین أو ثلاثا و کان الرجل یمر بجعبته من النبل فیقول النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انثرها لابی طلحة و کان اذا رمی یشرف النبیّ لینظر الی موضع نبله فیقول أبو طلحة بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه لا تشرف یصبک سهم من سهام القوم نحری دون نحرک*

معجزة فی انقلاب العود سهما و العصا سیفا

و فی الصفوة و کان رسول اللّه یرفع رأسه من خلفه ینظر الی مواقع نبله فتطاول أبو طلحة بصدره یقی به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و یقول یا رسول اللّه نحری دون نحرک انتهی و کان قد جعل نفسه وقایة له و نثر سهامه کلها علی الارض و کان رجلا شدید النزع صیتا و کان فی کنانته یومئذ خمسون سهما و کان کلما رمی بسهم یصیح و یقول یا رسول اللّه نفسی دون نفسک جعلنی اللّه فداک و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم واقف خلف ظهره ینظر الی مواقع نبله حتی فنیت سهامه فیناوله العود و یقول ارم یا أبا طلحة فأی عود یضعه فی کبد القوس یعود سهما جیدا یرمی به فی وجوه المشرکین و یصیح فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لصوت أبی طلحة فی الجیش خیر من فئة کذا فی الصفوة و کان رسول اللّه لا یزال یرمی عن قوسه حتی صارت شظایا* قال ابن اسحاق حدّثنی عاصم بن عمر عن قتادة ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رمی عن قوسه حتی اندقت سیتها فأخذها قتادة بن النعمان و کانت عنده و کان یرمی بالحجارة* و فی الشفاء رمی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن قوسه یوم أحد حتی اندقت سیتها و یقال اسم هذه القوس کتوم و انقطع یومئذ سیف عبد اللّه بن جحش فأعطاه علیه السلام عرجونا فعاد فی یده سیفا فقاتل به و کان ذلک السیف یسمی العرجون و لم یزل یتوارث حتی بیع من بغا الترکی من أمراء المعتصم باللّه فی بغداد بمائتی دینار و هذا نحو حدیث عکاشة السابق فی غزوة بدر الا ان سیف عکاشة یسمی العون و رمی کلثوم بن الحصین بسهم فی نحره رماه أبو رهم الغفاری فبصق علیه صلّی اللّه علیه و سلم فبرأ* و عن أبی طلحة انه قال غشینا النعاس یوم أحد و نحن فی مصافنا فجعل سیفی یسقط من یدی فآخذه و یسقط فآخذه* و عنه أنه قال رفعت رأسی یوم أحد فجعلت ما أری أحدا من القوم الا و هو یمیل تحت حجفته من النعاس و ذلک قوله تعالی ثم أنزل علیکم من بعد الغمّ أمنة نعاسا الآیة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:434
و اصیبت یومئذ عین قتادة بن النعمان حتی وقعت علی و جنته فردّها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بیده فکانت أحسن عینیه و أحدّهما کذا فی سیرة ابن هشام* و فی الوفاء فأتی بها الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخذها رسول اللّه بیده و ردّها الی موضعها و قال اللهمّ اکسها جمالا فکانت أحسن عینیه و أحدّهما نظرا رواه الدّارقطنی بنحوه* و فی الصفوة عن عدی قال أصیبت عین قتادة بن النعمان یوم أحد یقال أصابها رمح حتی وقعت علی و جنته فأتی بها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هی فی یده قال ما هذه یا قتادة قال هذا ما تری یا رسول اللّه قال ان شئت صبرت و لک الجنة و ان شئت رددتها و دعوت اللّه لک فلم تفقد منها شیئا فقال یا رسول اللّه ان الجنة لجزاء جزیل و عطاء جلیل و لکنی رجل مبتلی بحب النساء و أخاف أن یقلن أعور فلا یردننی و لکن تردّها الیّ و تسأل اللّه لی الجنة فقال أفعل یا قتادة ثم أخذها رسول اللّه بیده و أعادها الی موضعها فکانت أحسن عینیه الی ان مات و دعا له بالجنة و سیجی‌ء وفاته فی الخاتمة فی خلافة عمر و روی أنه دخل ابن قتادة علی عمر بن عبد العزیز فقال له من أنت یا فتی فقال
أنا ابن الذی سالت علی الخدّ عینه‌فردّت بکف المصطفی أیمارد
فعادت کما کانت لا حسن حالهافیا حسن ما عین و یا طیب مارد فقال عمر بمثل هذا فلیتوسل إلینا المتوسلون ثم قال
تلک المکارم لا قعبان من لبن‌شیبا بماء فعادا بعد أبوالا و فی الریاض النضرة عن علیّ قال کسرت یده یوم أحد فسقط اللواء من یده فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دعوه فی یده الیسری فانه صاحب لوائی فی الدنیا و الآخرة أخرجه الحضرمی* و فی الاکتفاء و أصیب فم عبد الرحمن بن عوف فهتم و جرح عشرین جراحة أو أکثر و أصابه بعضها فی رجله فعرج* و فی شواهد النبوّة عن الحارث بن الصمة قال رأیت عبد الرحمن بن عوف یوم أحد بین سبعة قتلی من المشرکین فقلت هنیئا لک أنت قتلت هؤلاء کلهم فأشار الی قتیلین و قال هذان قتلتهما و أما الآخرون فقتلهم من لم أره* قال ابن اسحاق حدّثنی القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بنی عدی بن النجار قال انتهی أنس بن النضر عم أنس بن مالک الی عمر بن الخطاب و طلحة ابن عبید اللّه فی رجال من المهاجرین و الانصار و قد ألقوا بأیدیهم فقال ما یحبسکم قالوا قتل رسول اللّه قال فما تصنعون بالحیاة بعده قوموا فموتوا علی مثل ما مات علیه رسول اللّه ثم استقبل القوم فقاتل حتی قتل* و عن أنس بن مالک قال لقد وجدنا بأنس بن النضر یومئذ سبعین ضربة و قد مثلوا به فما عرفه الا اخته عرفته ببنانه کذا فی سیرة ابن هشام* و فی المنتقی عن أنس بن مالک ان عمه أنس بن النضر غاب عن بدر قال غبت عن أوّل قتال قاتله رسول اللّه و لئن أشهدنی اللّه مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لیرین ما أفعل فلقی یوم أحد فهزم الناس فقال اللهم انی أعتذر إلیک مما صنع هؤلاء یعنی المسلمین و أبرأ إلیک مما جاء به هؤلاء یعنی المشرکین فتقدّم بسیفه فلقی سعد بن معاذ فقال أین یا سعد إنی أجد ریح الجنة دون أحد فمضی فقتل فما عرف حتی عرفته اخته بشامة أو ببنانه و به بضع و ثمانون من بین طعنة و ضربة و رمیة بسهم* و فی روایة لما صرخ صارخ و فشا فی الناس ان محمدا قد قتل قال بعض المسلمین لیت لنا رسولا الی عبد اللّه بن أبی فیأخذ لنا أمانا من أبی سفیان و بعضهم جلسوا و ألقوا بأیدیهم و قال ناس من المنافقین لو کان نبیا لما قتل ارجعوا الی اخوانکم و الی دینکم الاوّل فقال أنس بن النضر یا قوم ان کان قتل محمد فان رب محمد حی لا یموت ما تصنعون بالحیاة بعد رسول اللّه فقاتلوا علی ما قاتل علیه و موتوا علی ما مات علیه ثم قال اللهم انی أعتذر إلیک مما یقول هؤلاء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:435
یعنی المسلمین و أبرأ إلیک مما جاء به هؤلاء یعنی المنافقین ثم قاتل حتی قتل الی آخر ما ذکر* و فی المنتقی لما فشا فی الناس خبر قتل رسول اللّه صاح ثابت بن الدحداح و قال یا معشر الانصار ان کان محمد قد قتل فان اللّه حی لا یموت فقاتلوا عن دینکم فنهض إلیه نفر من الانصار و قد وقعت له کثیبة خشناء فیها خالد بن الولید و عمرو بن العاص و عکرمة بن أبی جهل فحمل علیه خالد بالرمح فأنفذه فوقع میتا و قتل من کان معه و قیل انه برأ من جراحاته و مات علی فراشه من جرح کان أصابه ثم انتقض علیه و مات مرجع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من الحدیبیة کذا فی الصفوة و ان رسول اللّه تبع جنازته و قتل عبد اللّه بن عمر و أبو جابر یوم أحد فما عرف الا ببنانه أی أصابعه و قیل أطرافها واحدتها بنانة* و فی المواهب اللدنیة ثبت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین انکشفوا عنه و ثبت معه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرین فیهم أبو بکر الصدّیق و سبعة من الانصار* و فی معالم التنزیل ثلاثة عشر رجلا ستة من المهاجرین و هم أبو بکر و عمر و علی و طلحة و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبی وقاص و الباقی من الانصار و فی البخاری لم یبق معه علیه السلام الا اثنا عشر* روی أن الملائکة حضرت یوم أحد لکن فی قتالهم خلاف و روی احمد بن سعد بن ابی وقاص انه قال رأیت عن یمیر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و عن یساره یوم أحد رجلین علیهما ثیاب بیض یقاتلان عنه کأشدّ القتال ما رأیتهما قبل و لا بعد و قد أخرجه الشیخان* و فی روایة مسلم یعنی جبریل و میکائیل کذا فی الوفاء* و عن علی بن أبی طالب لما غلب المشرکون و اختلط الناس غاب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عن نظری فذهبت أطلبه فی القتلی فما وجدته فقلت فی نفسی ان رسول اللّه لا یفرّ فی القتال و لیس فهو فی القتلی فما أظنّ الا ان اللّه تعالی قد غضب علینا بسوء فعلنا فرفع نبیه من بیننا فالاولی أن اقاتل المشرکین حتی أقتل فسللت سیفی و حملت علی جماعة من المشرکین فانکشفوا فاذا برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حیا سویا فعرفت ان اللّه تعالی حفظه بملائکته الکرام* قال ابن اسحاق لما کان یوم أحد انجلی القوم عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و بقی سعد بن مالک یرمی و فتی شاب ینبل له فلما فنی النبل أتاه به فنثره فقال ارم أبا اسحاق ارم أبا اسحاق مرّتین فلما انجلت المعرکة سئل عن ذلک الفتی فلم یعرف فقول مجاهد لم تقاتل الملائکة فی معرکة لا فی أحد و لا فی غیره الا فی بدر و فیما سوی ذلک یشهدون القتال و لا یقاتلون و انما یکونون عددا و مددا قال البیهقی أراد أنهم لم یقاتلوا یوم أحد عن القوم حین عصوا الرسول و لم یصبروا علی ما أمرهم به* و عن عروة بن الزبیر کان اللّه تعالی وعدهم علی الصبر و التقوی أن یمدّهم بخمسة آلاف من الملائکة مسوّمین و کان قد فعل فلما عصوا ما أمر الرسول و ترکوا مصافهم و ترکت الرماة عهده إلیهم و أرادوا الدنیا رفع عنهم مدد الملائکة و أنزل اللّه و لقد صدقکم اللّه وعده اذ تحسونهم باذنه فصدق اللّه وعده و أراهم الفتح فلما عصوا عقبهم البلاء کذا فی الوفاء و قیل معنی لم تقاتل الملائکة انها لم تقاتل علی سبیل العموم أی غیر جبریل و میکائیل و أما هما فکانا علی صورة رجلین علیهما ثیاب بیض عن یمین رسول اللّه و عن یساره یحفظانه و یقاتلان الکفار قال ابن اسحاق و کان أوّل من عرف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعد الهزیمة و تحدّث الناس بقتله کعب بن مالک الانصاری قال عرفت عینیه تزهران تحت المغفر فنادیت بأعلی صوتی یا معشر المسلمین ابشروا هذا رسول اللّه* و فی روایة مسلم حیا سالما سویا فأشار الیّ أن انصت فلما عرف المسلمون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم نهضوا به و نهض معهم نحو الشعب معه أبو بکر الصدّیق و عمر بن الخطاب و علی بن أبی طالب و طلحة بن عبید اللّه و الزبیر بن العوّام و الحارث بن الصمة و رهط من المسلمین فلما أسند رسول اللّه فی الشعب أدرکه أبی ابن خلف و هو یقول أین محمد
لا نجوت ان نجا فقال القوم یا رسول اللّه أ یعطف علیه رجل منا قال دعوه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:436
فلما دنا تناول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الحربة من الحارث بن الصمة یقول بعض القوم فلما أخذها رسول اللّه انتفض بها انتفاضة تطایرنا عنه تطایر الشعراء من ظهر البعیر اذا انتفض بها ثم استقبله فطعنه فی عتقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا و کان أبی بن خلف یلقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بمکة فیقول یا محمد ان عندی العود فرسا أعلفه کل یوم فرقا من ذرة أقتلک علیه فیقول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أنا أقتلک ان شاء اللّه تعالی فلما رجع الی قریش و قد خدشه فی عنقه خدشا غیر کبیر فاحتقن الدم قال قتلنی و اللّه محمد قالوا له ذهب و اللّه فؤادک و اللّه ان بک من بأس قال انه قد کان قال لی بمکة أنا أقتلک فو اللّه لو بصق علیّ لقتلنی فمات عدوّ اللّه بسرف و هم قافلون به الی مکة رواه البیهقی و أبو نعیم و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیما قاله یومئذ اشتدّ غضب اللّه علی رجل قتله رسول اللّه فسحقا لاصحاب السعیر و فی روایة أو قتل رسول اللّه قال الواقدی و کان عبد اللّه بن عمر یقول مات أبی بن خلف ببطن رابغ فانی لا سیر ببطن رابغ بعد هوی من اللیل اذ نار تأجج لی فهبتها فاذا رجل یخرج منها فی سلسلة یجتذبها یصیح العطش فاذا رجل یقول لا تسقه فان هذا قتیل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أبی بن خلف رواه البیهقی* و فی الشفاء لما طلع أبی بن خلف اعترضه رجال من المسلمین قال النبیّ هکذا خلوا سبیله و فی روایة اشتدّ علیه الزبیر و معه حربة قال صلّی اللّه علیه و سلم دعه فلما دنا منه أخذ الحربة من الزبیر و فی روایة من طلحة بن عبید اللّه و فی روایة من سهل بن حنیف و شدّ علیه فطعنه بها فدق ترقوته و خرّ صریعا و أدرکه المشرکون و ارتثوه و فی روایة رماه بها و ضرب تحت ابطه و کسر ضلعا من اضلاعه فرجع الی قریش یرکض فرسه حتی بلغ قومه و هو یخور کخوار الثور و یقول قتلنی محمد و یقول أصحابه لیس علیک بأس قال بلی لو کانت هذه الطعنة بربیعة و مضر لقتلتهم* و فی روایة لو کان ما بی بجمیع الناس لقتلهم* و فی روایة قال له أبو سفیان ویلک ما بک الاخدشة قال ویلک یا ابن حرب ما تعلم من ضربها أما ضربها محمد و انه قد قال لی سأقتلک فعلمت انه قاتلی و لا أنجو منه و لو بصق علیّ بعد تلک المقالة لقتلنی و انی لاجد من هذه الطعنة ألما و اللات و العزی لو قسم علی جمیع أهل الحجاز لهلکوا و کان یصرخ و یخور حتی مات بسرف أو بمر الظهران علی أمیال من مکة کذا فی الشفاء و معالم التنزیل و فی الینابیع و لما نادی ابلیس ثلاث مرّات ألا ان محمدا قد قتل سمعوا صوته فی جوانب العسکر فبلغ الصوت أبا بکر و عمرو علیا فنسوا ما بهم من جراحاتهم و بکوا حتی أتاهم رجل فرآهم جلوسا محزونین فقال لهم ما لکم قالوا سمعنا خبر قتل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فتحیرنا فقال الرجل انی مررت الآن علی القتلی فنظرت إلیهم فرأیت النبیّ فی موضع کذا حیا سالما یتهلل وجهه کالقمر لیلة البدر فقاموا إلیه مع الجراحات و اجتمعوا لدیه و رفعوه من مکانه فاعتنق علیا و وضع یده علی منکبه حتی رکبوه علی فرسه مرّة اخری فلما رأی المشرکون انه حیّ حملوا علیه فاعترضهم سماک بن خرشة و حمل علیهم حتی هزمهم و فرّقهم* و فی صح السحابة أفرد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم أحد فی سبعة من الانصار و رجلین من قریش فلما رهقوه قال من یردّهم عنا و له الجنة أو هو رفیقی فی الجنة فتقدّم رجل من الانصار فقاتل حتی قتل ثم رهقوه أیضا فقال من یردّهم عنا و له الجنة أو هو رفیقی فی الجنة فتقدّم رجل من الانصار فقاتل حتی قتل فلم یزالوا کذلک حتی قتل سبعة فقال رسول اللّه لصاحبیه ما أنصفنا أصحابنا* قوله أفرد أی أفرز و عزل و نحی عن الجمع و قوله رهقوه أی دنوا منه و کان سلمان جعل نفسه وقایة له من وراء ظهره من سهام الکفار و أذاهم و یقول نفسی فداء لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و العباس بن عبد المطلب ممسک بعنان فرسه یقوده و علی بن أبی طالب مع
انه مجروح مکسور الید حمل علی الکفار فهزمهم فجاء جبریل و قال یا محمد من ذا الذی بارز الکفار آنفا فان اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:437
باهی به الملائکة قال هو علیّ فانحازوا به الی أحد فلم یقدر أن یصعده بالفرس فحوّل رجله الی الجانب الآخر و اعتمد علی منکب علیّ فنزل عن الفرس و صعد الجبل فجلس و جلس أصحابه حوله و کان صلی اللّه علیه و سلم یلتفت الی الجوانب فقالوا من ترید یا رسول اللّه فأقبل علی علیّ و قال هل عندک خبر من عمک فأخبره علیّ بما وقع فبکی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الاصحاب هذا ما فی الینابیع و فیه بعض المخالفة لما هو المشهور* قال ابن اسحاق فلما انتهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی فم الشعب خرج علیّ بن أبی طالب حتی ملأ درقته من المهراس* فی المواهب اللدنیة المهراس صخرة منقورة تسع کثیرا من الماء و قیل هو اسم ماء بأحد* و فی خلاصة الوفاء هو ماء بأقصی شعب أحد یجتمع من المطر فی نقرة هناک فجاء به الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیشرب منه فوجد له ریحا فعافه فلم یشرب منه و غسل عن وجهه الدم وصب علی رأسه و هو یقول اشتدّ غضب اللّه علی من أدمی وجه نبیه فبینا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الشعب معه أولئک النفر من أصحابه اذ علت عالیة من قریش الجبل* قال ابن هشام کان علی تلک الخیل خالد بن الولید فقال رسول اللّه اللهمّ انه لا ینبغی لهم أن یعلونا فقاتل عمر بن الخطاب و رهط معه من المهاجرین حتی أهبطوهم من الجبل و نهض رسول اللّه الی صخرة من الجبل لیعلوها فلم یستطع و قد کان بدن و ظاهر یومئذ بین درعین فجلس تحته طلحة بن عبید اللّه فنهض به حتی استوی علیها فقال صلّی اللّه علیه و سلم أوجب طلحة کذا رواه الترمذی و أورده فی الریاض النضرة بتغییر یسیر عن عبد اللّه بن الزبیر عن أبیه قال کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم احد علیه درعان فذهب لینهض علی صخرة فلم یستطع فبرک طلحة بن عبید اللّه تحته و صعد رسول اللّه علی ظهره حتی صعد فی الصخرة قال الزبیر سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقول أوجب طلحة أخرجه احمد و الترمذی و قال حسن صحیح کذا قاله أبو حاتم و اللفظ للترمذی عن عائشة بنت طلحة قالت لما کان یوم أحد کسرت رباعیة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و شج وجهه و علاه الغشی فجعل طلحة یحمله و یرجع القهقری و کلما أدرکه أحد من المشرکین قاتل دونه حتی أسنده الی الشعب أخرجه الفضائلی و فی روایة قیل و ما أوجب قال الجنة* قال ابن هشام و بلغنی عن عکرمة عن ابن عباس ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لم یبلغ الدرجة النبیة من الشعب و صلّی رسول اللّه الظهر یومئذ قاعدا من الجراح التی أصابته و صلّی المسلمون خلفه قعودا* و فی معالم التنزیل و لما انتهی صلّی اللّه علیه و سلم الی أصحاب الصخرة فرأوه وضع رجل من أصحابه سهما فی قوسه و أراد أن یرمیه فقال أنا رسول اللّه فلما سمعوا ذلک فرحوا به و فرح بهم حین رأی فی أصحابه من یمتنع به و اجتمعوا حوله و تراجع الناس فأقبلوا یذکرون الفتح و ما فاتهم منه و یذکرون أصحابهم الذین قتلوا فأقبل أبو سفیان و أصحابه حتی وقفوا بباب الشعب فلما نظر المسلمون إلیهم همهم ذلک فظنوا أنهم یمیلون علیهم فیقتلونهم فأنساهم هذا ما نالهم فرفع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یده و قال اللهم لیس لهم أن یعلونا اللهم ان تقتل هذه العصابة لا تعبد فی الارض ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتی أنزلوهم و فی روایة قذف اللّه فی قلوبهم الرعب حتی وقفوا مکانهم* قال ابن اسحاق و قد کان الناس انهزموا عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی انتهی بعضهم الی المنقی دون الاعوص و قال ابن اسحاق حدّثنی عاصم بن عمرو بن قتادة أن رجلا منهم کان یدعی حاطب بن أمیة بن رافع و کان له ابن یقال له یزید بن حاطب أصابته جراحة یوم أحد فأتی به الی دار قومه و هو بالموت فاجتمع إلیه أهل الدار فجعل المسلمون من الرجال و النساء یقولون أبشر یا ابن حاطب بالجنة و کان أبوه حاطب شیخا قد عاش فی الجاهلیة فنجم یومئذ نفاقه فقال بأی شی‌ء تبشرون یزید لقد غررتم و اللّه هذا الغلام من نفسه* و قال ابن اسحاق حدّثنی عاصم بن عمرو بن قتادة قال کان فینا رجل لا ندری ممن هو
یقال له قزمان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:438
و کان رسول اللّه یقول اذا ذکر انه لمن أهل النار فلما کان یوم أحد قاتل قتالا شدیدا فقتل وحده ثمانیة أو سبعة من المشرکین و کان ذا بأس فأثبتته الجراحة فاحتمل الی دار بنی ظفر قال فجعل رجال من المسلمین یقولون له و اللّه لقد أبلیت الیوم یا قزمان فابشر قال بما ذا أبشر فو اللّه ان قاتلت الا عن أحساب قومی و لو لا ذلک لما قاتلت فلما اشتدّت علیه جراحته أخرج سهما من کنانته فقتل به نفسه و قال ابن اسحاق و کان ممن قتل یوم أحد مخیریق من أحبار یهود و کان أحد بنی ثعلبة بن الطیفون قال لما کان یوم أحد قال یا معشر یهود و اللّه لقد علمتم أن نصر محمد علیکم لحق قالوا ان الیوم یوم السبت قال لا سبت فأخذ سیفه وعدته و قال ان أصبت فما لی لمحمد یصنع فیه ما شاء ثم غدا الی رسول اللّه فقاتل معه حتی قتل فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مخیریق خیر یهود* و قال ابن اسحاق و کان ممن قتل یوم أحد المجدر بن زیاد البلوی قتله الحارث بن سوید بن صامت بن عطیة* و فی المنتقی روی محمد بن سعد عن أشیاخه قالوا کان سوید بن الصامت قد قتل زیادا أبا المجدر فی وقعة التقوا فیها فلما کان بعد ذلک لقی المجدر سویدا خالیا فی مکان و هو سکران و لا سلاح معه فقال له قد أمکننی اللّه منک قال و ما ترید قال قتلک فقتله فهیج قتله وقعة بعاث و ذلک قبل الاسلام فلما قدم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم المدینة أسلم الحارث بن سوید و مجدر ابن زیاد فجعل الحارث یطلب مجدرا لیقتله بأبیه فلا یقدر علیه فلما کان یوم أحد و جال الناس تلک الجولة أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه فلما رجع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أتاه جبریل فأخبره أن الحارث قتل مجدرا غیلة و أمره أن یقتله به فرکب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی قباء ذلک الیوم فی یوم حارّ فدخل مسجد قباء فصلی فیه و سمعت به الانصار فجاءت تسلم علیه و أنکروا اتیانه فی تلک الساعة حتی طلع الحارث بن سوید فی ملحفة مورسة فلما رآه رسول اللّه دعا عویمر بن ساعدة فقال قدّم الحارث بن سوید الی باب المسجد فاضرب عنقه بمجدر بن زیاد فانه قتله غیلة فقال الحارث قد و اللّه قتلته و ما کان قتلی ایاه رجوعا عن الاسلام و لا ارتیابا فیه و لکنه حمیة الشیطان و أمر و کلت فیه الی نفسی و أتوب الی اللّه و الی رسوله و جعل یمسک برکاب رسول اللّه و رجل رسول اللّه فیه و رجل فی الارض و بنو مجدر حضور و لا یقول لهم رسول اللّه شیئا فلما استوعب کلامه قال قدّمه یا عویمر فاضرب عنقه و رکب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قدّمه عویمر و ضرب عنقه* و کان عمرو بن ثابت بن وقش أصیرم بنی عبد الاشهل یأبی الاسلام علی قومه فلما کان یوم أحد بدا له فی الاسلام فأسلم ثم أخذ سیفه فغدا حتی دخل فی عرض الناس فقاتل حتی أثبتته الجراحة فبینا رجال من بنی عبد الاشهل یلتمسون قتلاهم فی المعرکة اذا هم به فقالوا و اللّه ان هذا للأصیرم ما جاء به لقد ترکناه و انه لمنکر لهذا الحدیث فسألوه ما جاءک یا عمرو أحرب علی قومک أم رغبة فی الاسلام قال بل رغبة فی الاسلام آمنت باللّه و رسوله و أسلمت ثم أخذت سیفی فغدوت مع رسول اللّه ثم قاتلت حتی أصابنی ما أصابنی ثم لم یلبث أن مات فی أیدیهم فذکروه لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال انه لمن أهل الجنة و کان أبو هریرة یحدّث عن رجل دخل الجنة لم یصل قط و هو أصیرم بنی عبد الاشهل عمرو بن ثابت بن وقش قال ابن اسحاق ان عمرو بن الجموح کان رجلا أعرج شدید العرج و کان له بنون أربعة مثل الاسد یشهدون مع رسول اللّه المشاهد فلما کان یوم أحد أرادوا حبسه و قالوا له ان اللّه قد عذرک فأتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال أی نبیّ اللّه ان بنیّ یریدون أن یحبسونی عن هذا الوجه و الخروج معک فیه فو اللّه انی لأرجو أن أطأ بعرجتی هذه فی الجنة فقال رسول اللّه أما أنت فقد عذرک اللّه فلا جهاد علیک و قال لبنیه ما علیکم أن لا تمنعوه لعل اللّه یرزقه شهادة فخرج معه فقتل
یوم أحد*

تمثیل النسوة بقتلی أحد

و وقعت هند بنت عتبة و النسوة اللاتی معها یمثلن بالقتلی من المسلمین یجد عن الآذان و الانوف حتی اتخذت هند من آذان الرجال و أنوفهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:439
خدما و قلائد و أعطت خدمها و قلائدها و قرطیها وحشیا قاتل حمزة و بقرت عن کبد حمزة فلاکتها فلم تستطع أن تسیغها فلفظتها ثم علت علی صخرة مشرفة فصرخت بأعلی صوتها فقالت
نحن جزیناکم بیوم بدرو الحرب بعد الحرب ذات سعر
ما کان من عتبة لی من صبرو لا أخی و عمه و بکر
شفیت نفسی و قضیت نذری‌شفیت وحشیّ غلیل صدری
فشکر وحشیّ علیّ عمری‌حتی ترم أعظمی فی قبری فأجابتها هند بنت اثاثة بنت عباد بن المطلب فقالت
خزیت فی بدر و بعد بدریا بنت وقاع عظیم الکفر
صبحک اللّه غداة الفجربالهاشمیین الطوال الزهر
بکل قطاع حسام یفری‌حمزة لیثی و علیّ صقری
إذ رام شیب و أبوک غدری‌فخضبا منه ضواحی النحر
و نذرک الشر فشر نذر
و قالت هند بنت عتبة أیضا
شفیت من حمزة نفسی بأحدحین بقرت بطنه عن الکبد
أذهب عنی ذاک ما کنت أجدمن لوعة الحزن الشدید المتقد
و الحرب تعلوکم بشؤبوب بردتقدم اقداما علیکم کالاسد و قالت هند بنت عتبة حین انصرف المشرکون عن أحد
رجعت و فی نفسی بلا بل جمةو قد فاتنی بعض الذی کان مطلبی
من اصحاب بدر من قریش و غیرهم‌بنی هاشم منهم و من آل یثرب
و لکننی قد نلت شیئا و لم یکن‌کما کنت أرجو فی مسیری و مرکبی و هند هذه أمّ معاویة بن أبی سفیان و کانت امرأة فیها مکارة و ذکورة و لها نفس آنفة و کان المسلمون قد أصابوا یوم بدر أباها عتبة و عمها شیبة و أخاها الولید فأصابها من ذلک ما یصیب النفوس الشهمة و القلوب الکافرة فخرجت الی أحد مع زوجها ابی سفیان تبغی الانتصار و تطلب الاوتار فهذا قولها یرحمها اللّه و الوتر یقلقها و الکفر یخنقها و الحزن یحرقها و الشیطان ینطقها ثم انّ اللّه سبحانه هداها الی الاسلام و عبادة اللّه و ترک الاصنام و أخذ بحجزتها عن سواء النار و دلها علی دار السلام فصلحت حالها و تبدّلت أقوالها حتی قالت لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فبما قالت و اللّه یا رسول اللّه ما کان علی وجه الارض أهل خباء أحب الیّ أن یذلوا من أهل خبائک و ما أصبح الیوم علی الارض اهل خباء احب الیّ ان یعزوا من أهل خبائک أو نحو هذا من القول* فالحمد للّه الذی هدانا برسوله اجمعین و ایاه نسأل أن یمیتنا علی خیر ما هدانا إلیه لا مبدّلین و لا مغیرین هذا کله فی الاکتفاء* قال ابن اسحاق و قد کان الجلیس بن زیان أخو بنی الحارث بن عبد مناة و هو یومئذ سید الأحابیش قد مر بأبی سفیان و هو یضرب فی شدق حمزة بن عبد المطلب بزج الرمح و یقول ذق عقق فقال الجلیس یا بنی کنانة هذا سید قریش یصنع بابن عمه ما ترون لحما فقال و یحک اکتمها عنی فانها کانت زلة ثم ان أبا سفیان حین أراد الانصراف أشرف علی الجبل ثم صرخ بأعلی صوته أنعمت فعال ان الحرب سجال یوم بیوم بدر أعل هبل أی أظهر دینک کذا فی الاکتفاء* و فی المواهب اللدنیة و کان أبو سفیان حین أراد الخروج من مکة الی أحد کتب علی سهم نعم و علی الآخر لا و أجالهما عند هبل فخرج سهم نعم فخرج
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:440
الی أحد فلما قال أعل هبل أی زد علوّا قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قم یا عمر فأجبه فقل اللّه أعلی و أجل فقال أبو سفیان انعمت فعال أی اترک ذکرها فقد صدقت فی فتواها و أنعمت أی أجابت ینعم فقال عمر لا سواء قتلانا فی الجنة و قتلاکم فی النار* و فی الصحیح من حدیث البراء ان أبا سفیان قال ان لنا العزی و لا عزی لکم فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أجیبوه قالوا ما نقول قال قولوا اللّه مولانا و لا مولی لکم و فی الصحیح أیضا ان أبا سفیان أشرف یوم أحد فقال أ فی القوم محمد ثلاث مرّات فنهاهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یجیبوه فقال أ فی القوم ابن أبی قحافة ثلاث مرّات قال لا تجیبوه فقال أ فی القوم ابن الخطاب ثلاث مرّات فنهاهم أن یجیبوه فلما لم یجبه أحد رجع الی أصحابه فقال أما ان هؤلاء قد قتلوا و قد کفیتموهم و لو کانوا أحیاء لاجابوا فعند ذلک لم یملک عمر نفسه فقال کذبت یا عدوّ اللّه ان الذین عددتهم لاحیاء کلهم و قد أبقی اللّه لک ما یخزیک و فی المنتقی ما یسوؤک* قال ابن اسحاق فلما اجاب عمر أبا سفیان قال له هلم الیّ یا عمر فقال رسول اللّه لعمر ائته فانظر ما شأنه فجاء فقال له أبو سفیان أنشدک باللّه یا عمر أ قتلنا محمدا فقال عمر اللهم لا و انه لیسمع کلامک الآن قال أنت أصدق عندی من ابن قمیئة و أبرّ لقول ابن قمیئة لهم انی قتلت محمدا ثم نادی أبو سفیان انه قد کان فی قتلاکم مثل و اللّه ما رضیت و ما سخطت و ما أمرت و ما نهیت و لما انصرف أبو سفیان و من معه نادی ان موعدکم بدر العام القابل فقال رسول اللّه لرجل من أصحابه قل نعم هو بیننا و بینکم موعد و فی المنتقی هو بیننا میعاد و فی الکشاف روی أن أبا سفیان نادی عند انصرافه من أحد یا محمد موعدنا موسم بدر القابل ان شئت فقال صلّی اللّه علیه و سلم ان شاء اللّه و فی الکشاف قذف اللّه فی قلوب المشرکین الخوف یوم أحد فانهزموا الی مکة من غیر سبب و لهم القوّة و الغلبة ثم بعث رسول اللّه علیّ بن أبی طالب قال اخرج فی آثار القوم فانظر ما ذا یصنعون و ما ذا یریدون فان کانوا قد جنبوا الخیل و امتطوا الابل فهم یریدون مکة و ان رکبوا الخیل و ساقوا الابل فهم یریدون المدینة و الذی نفسی بیده لئن أرادوها لاسیرن إلیهم فیها ثم لأناجزنهم فیها فخرج علیّ فرآهم قد جنبوا الخیل و امتطوا الابل و وجهوا الی مکة* و فی روایة تخوف المسلمون أن تکون قریش تذهب الی المدینة للغارة فبعث علیا أو سعد بن أبی وقاص أو هما و باقی الحدیث علی حاله* و فی الینابیع ثم بعث علیا الی المدینة یخبر أهلها ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حیّ سالم و فزع الناس الی قتلاهم و انتشروا یبغونهم فلم یجدوا قتیلا الا و قد مثلوا به الا حنظلة بن أبی عامر فان أباه کان مع المشرکین فترکوه له و زعموا أن أباه وقف علیه قتیلا فدفع صدره بقدمه و قال قد تقدّمت إلیک فی مصرعک و لعمر اللّه ان کنت لو اصلا للرحم برّا بالوالدة و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من رجل ینظر لی ما فعل سعد بن الربیع أ فی الاحیاء هو أم فی الاموات* و فی الصفوة و أرسل علیه الصلاة و السلام محمد بن مسلمة کما ذکره الواقدی ینادی فی القتلی یا سعد بن الربیع مرّة بعد أخری فلم یجبه حتی قال ان رسول اللّه أرسلنی أنظر ما ذا صنعت فأجاب بصوت ضعیف فوجده صریعا فی القتلی و به رمق فقال أبلغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عنی السلام و قل له یقول لک سعد بن الربیع جزاک اللّه عنا خیر ما جزی به نبیا عن أمّته و أبلغ قومک عنی السلام و قل لهم ان سعد بن الربیع یقول لکم انه لا عذر لکم عند اللّه أن یخلص الی نبیکم و فیکم عین تطرف ثم مات عن جراحاته* و فی الاکتفاء قال ثم لم أبرح حتی مات فجئت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبرته خبره* و ذکر الطبرانی انه لما انصرف المشرکون خرج النساء الی الصحابة یعنهم* و فی المواهب اللدنیة خرجت أربع عشرة امرأة من أهل البیت و غیرها و
خرجت عائشة و فاطمة* و فی البخاری روی أن عائشة بنت أبی بکر و أمّ سلیم لمشمرتان یری خدم سوقهما ینقلان القرب علی متونهما یفرغان فی أفواه القوم ثم ترجعان و تملآنها ثم تجیئان و تفرغان فی أفواه القوم و فی البخاری عن عمر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:441
ابن الخطاب ان أمّ سلیط و هی من نساء الانصار بایعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کانت تزفر لنا القرب یوم أحد و کانت فاطمة فیمن خرج فلما لقیت النبیّ اعتنقته و زاد فی روایة و بکت ورق النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم رقة شدیدة و جعل علیّ یجی‌ء بالماء من المهراس فی درقته و فاطمة تغسل جراحاته فیزداد الدم فلما رأت ذلک أخذت شیئا من حصیر أحرقته بالنار و کمدته به حتی لصق بالجرح فاستمسک الدم کذا فی المواهب اللدنیة* و فی روایة أخری فحشی به رواهما البخاری و کان صلّی اللّه علیه و سلم یداوی جراحه بالعظام الرمیم حتی لم یبق أثر* و روی ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سأل عن حمزة یوم أحد فذهب الحارث بن الضمة ثم علیّ بن أبی طالب یلتمسانه فوجداه قد بقر بطنه و أخذ کبده و مثل به فرجعا و أخبراه بذلک قال ابن اسحاق و خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یلتمس حمزة بن عبد المطلب فوجده ببطن الوادی قد بقر بطنه عن کبده و مثل به فجدع أنفه و أذناه فقال رسول اللّه حین رأی ما رأی لو لا ان تحزن صفیة و تکون سنة من بعدی لترکته حتی یکون فی بطون السباع و حواصل الطیر* و فی الصفوة لسرّنی أن أدعک حتی تحشر من أفواه شتی و لئن أظهرنی اللّه علی قریش یوما من الدهر فی موطن من المواطن لا لأمثلنّ بثلاثین رجلا منهم فلما رأی المسلمون حزن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و غیظه علی من فعل بعمه ما فعل قالوا و اللّه لئن أظهرنا اللّه بهم یوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم یمثلها أحد من العرب* و فی الصفوة فنظر الی شی‌ء لم ینظر الی شی‌ء قط أوجع لقلبه منه* و فی الاکتفاء لما وقف علی حمزة قال لن أصاب بمثلک أبدا ما وقفت موقفا قط أغیظ لی من هذا* و فی ذخائر العقبی عن جابر بن عبد اللّه قال لما رأی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حمزة قتیلا بکی و لما رأی ما مثل به شهق انتهی و کان یحبه حبا شدیدا لانّ حمزة کان عمه و أخاه من الرضاعة فقال رحمة اللّه علیک لقد کنت فعولا للخیر وصولا للرحم أم و اللّه لامثلن بسبعین منهم مکانک و کذا فی المواهب اللدنیة فنزل جبریل و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم واقف بعد بخواتیم سورة النحل* و ان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خیر للصابرین فعفا رسول اللّه و صبر* و فی روایة قال أصبر و نهی عن المثلة* و فی روایة و کفر عن یمینه و استغفر لحمزة سبعین مرّة عوضا عنها قال ابن اسحاق ثم قال صلّی اللّه علیه و سلم جاءنی جبریل فأخبرنی ان حمزة مکتوب فی أهل السموات السبع حمزة بن عبد المطلب أسد اللّه و أسد رسوله ثم أمر به رسول اللّه فسجی ببرد و أقبلت صفیة بنت عبد المطلب لتنظر الی حمزة و کان أخاها لابیها و أمّها فقال صلّی اللّه علیه و سلم لابنها الزبیر بن العوّام القها فارجعها لا تری ما بأخیها فقال لها یا أمه ان رسول اللّه یأمرک أن ترجعی قالت و لم و قد بلغنی أن قد مثل بأخی و ذلک فی اللّه قلیل فما أرضانا بما کان من ذلک لاحتسبن و لأصبرنّ ان شاء اللّه فلما أخبر الزبیر بذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال له خل سبیلها فأتته فنظرت إلیه فصلت علیه و استرجعت و استغفرت له کذا فی الاکتفاء* و فی الصفوة عن عروة بن الزبیر عن الزبیر قال لما کان یوم أحد أقبلت امرأة تسعی حتی اذا کادت تشرف علی القتلی قال فکره النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن تراه فقال المرأة المرأة قال الزبیر فتوسمت أنها أمی صفیة فخرجت أسعی إلیها فأدرکتها قبل أن تنتهی الی القتلی قال فلدمت فی صدری و کانت امرأة جلدة و قالت إلیک لا أرض لک فقلت ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عزم علیک فوقفت و أخرجت ثوبین معها فقالت هذان جئت بهما لاخی حمزة فقد بلغنی مقتله فکفنوه بهما فجئنا بالثوبین لنکفن فیهما حمزة فاذا الی جنبه رجل من الانصار قتیل قد فعل به کما فعل بحمزة فوجدنا غضاضة و حیاء أن نکفن حمزة فی ثوبین و الانصاری لا کفن له فقلنا لحمزة ثوب و للانصاری ثوب فقدّرناهما فکان أحدهما أکبر من الآخر فأقر عنا بینهما فکفنا کل واحد منهما فی الثوب
الذی طار له* و فی ذخائر العقبی فأصاب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:442
الانصاری و اسمه سهیل أکبر الثوبین فکفن رسول اللّه حمزة بالصغیر و کان اذا مدّه علی وجهه خرجت قدماه و اذا مدّه علی قدمیه خرج وجهه فغطی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم وجهه و لف علی قدمیه لیفا و اذ خرا و وضعه فی القبلة ثم وقف علی جنازته و انتحب حتی نشغ من البکاء یقول یا حمزة یا عم رسول اللّه و أسد اللّه و أسد رسوله یا حمزة یا فاعل الخیرات یا حمزة یا کاشف الکربات یا حمزة یا ذاب عن وجه رسول اللّه قال فطال بکاؤه* و الانتحاب رفع الصوت بالبکاء و النشغ الشهیق حتی یبلغ به الغشی* قتل حمزة رضی اللّه عنه علی رأس اثنین و ثلاثین شهرا من الهجرة و کان یوم قتل له تسع و خمسون سنة ثم صلّی علیه سبع تکبیرات ثم یؤتی بالقتلی یوضعون الی جنب حمزة فیصلی علیهم و علیه معهم حتی صلّی علیه ثنتین و سبعین صلاة کذا فی الطیبی*

دعاء عبد اللّه بن جحش و سعد بن أبی وقاص‌

و فی الاکتفاء ثم أمر به رسول اللّه فدفن و زعم آل عبد اللّه بن جحش ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دفن عبد اللّه بن جحش مع حمزة فی قبره قاله الواقدی و عبد اللّه بن اخته أمیمة بنت عبد المطلب و کان قد مثل به کما مثل بخاله حمزة الا انه لم یبقر عن کبده و جدع أنفه و أذناه فلذلک یقال له المجدع فی اللّه و کان أوّل النهار قد لقی سعد بن أبی وقاص فقال له عبد اللّه هلم یا سعد فلندع اللّه و لیذکر کل واحد منا حاجته فی دعائه و لیؤمّن الآخر فخلوا فی ناحیة فقال سعد یا رب اذا لقیت العدوّ غدا فلقنی رجلا شدیدا بأسه شدیدا حرده أقاتله فیک و یقاتلنی ثم ارزقنی الظفر علیه حتی أقتله و أسلبه أو قال آخذ سلبه فأمّن عبد اللّه بن جحش علی دعائه ثم قال اللهم ارزقنی رجلا شدیدا بأسه شدیدا حرده أقاتله فیک و یقاتلنی فیقتلنی ثم یجدع أنفی و أذنی فاذا لقیتک غدا قلت لی یا عبد اللّه فیم جدع أنفک و أذناک فأقول فیک یا رب و فی رسولک فتقول لی صدقت فأمّن سعد علی دعوته قال سعد کانت دعوة عبد اللّه خیرا من دعوتی لقد رأیته آخر النهار و ان أذنیه و أنفه معلقان فی خیط و لقیت انا فلانا من المشرکین فقتلته و أخذت سلبه قال الواقدی قتل عبد اللّه بن جحش یوم احد قتله ابو الحکم بن الاخنس ابن شریق و کان له یوم قتل بضع و أربعون سنة و ولی رسول اللّه ترکته و أخذ منها سیفه العرجون فاشتری لولده مالا بخیبر قال أجمع العلماء علی ان شهداء أحد لم یغلوا و قال علیه السلام زملوهم بثیابهم و دمائهم فانه لیس من یکلم کلمة فی اللّه الا و هو یأتی یوم القیامة یسیل منها الدم اللون لون الدم و الریح ریح المسک* و فی المواهب اللدنیة و لما أشرف علیه السلام علی القتلی قال أنا شهید علی هؤلاء و ما من جریح یجرح فی اللّه الا و اللّه یبعثه یوم القیامة یدمی جرحه اللون لون الدم و الریح ریح المسک* و روی عن بعض أئمة الحدیث أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم یصل علی شهداء أحد و الائمة الشافعیة اخذوا بهذه الروایة و عن بعض ائمة الحدیث انه صلّی اللّه علیه و سلم صلّی علی شهداء احد و عن ابن عباس انه صلّی اللّه علیه و سلم جعل یضع تسعة و حمزة و یصلی علیهم و علی حمزة فترفع التسعة و یترک حمزة و هکذا حتی فرغ منهم و عن ابن مسعود وضع حمزة فصلی علیه و جی‌ء برجل من الشهداء فوضع الی جنبه فصلی علیهما فرفع ذلک الرجل و ترک حمزة حتی صلّی علیه سبعین أو اثنتین و سبعین صلاة کما سبق و الائمة الحنفیة أخذوا بهذه الروایة* قال ابن اسحاق و قد احتمل ناس من المسلمین قتلاهم الی المدینة فدفنوهم بها ثم نهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عن ذلک و قال ادفنوهم حیث صرعوا کذا فی الاکتفاء* و فی المشکاة عن جابر قال لما کان یوم أحد جاءت عمتی بأبی لتدفنه فی مقابرنا فنادی منادی رسول اللّه ردّوا القتلی الی مضاجعهم رواه أحمد و الترمذی و أبو داود و النسائی و الدارمی و لفظه للترمذی* و فی المنتقی انّ الناس حملوا قتلاهم الی المدینة و دفنوهم بها فنادی منادی رسول اللّه ردّوا القتلی الی مضاجعهم فأدرک المنادی رجلا لم یکن دفن فردّ و هو شماس بن عثمان المخزومی* و فی المشکاة ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال یوم أحد احفروا و أوسعوا و أعمقوا و أحسنوا و ادفنوا الاثنین و الثلاثة فی قبر و احد و قدموا أکثرهم قرآنا رواه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:443
أحمد و الترمذی و أبو داود و النسائی رواه ابن ماجه الی قوله و أحسنوا* و فی الاکتفاء و کانوا یدفنون الاثنین و الثلاثة فی القبر الواحد فدفنوا حمزة و عبد اللّه بن جحش فی قبر کما مرّ و نزل فی قبرهما أبو بکر و عمرو علی و الزبیر و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جالس علی حفرته و دفن خارجة بن زید و سعد بن الربیع فی قبر واحد و دفن نعمان بن مالک و عبد اللّه بن جحاش و مجدر بن زیاد الثلاثة فی قبر واحد قال ابن اسحاق ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال یومئذ حین أمر بدفن القتلی انظروا عمرو بن الجموح و عبد اللّه بن عمرو بن حرام فانهما کانا متصافیین فی الدنیا فاجعلوهما فی قبر واحد*

کرامة فی عدم تغیر أجساد الشهداء

و ذکر مالک بن أنس فی موطائه ان السیل حفر قبرهما بعد زمان فحفر عنهما لیغیرا من مکانهما فوجدا لم یتغیرا کأنما کانا بالامس و کان أحدهما قد جرح فوضع یده علی جراحته فدفن و هو کذلک فأمیطت یده عن جرحه فانبعث الدم ثم أرسلت فرجعت کما کانت و کان بین یوم احد و بین یوم حفر عنهما ست و اربعون سنة*

غریبة فی أمر معاویة بنبش قبور الشهداء بأحد

و فی الصفوة عن جابر بن عبد اللّه الانصاری قال لما أراد معاویة ان یجری عینه التی بأحد کتب الی عامله بالمدینة بذلک فکتبوا إلیه انا لا نستطیع أن نخرجها الاعلی قبور الشهداء فکتب معاویة أنبشوهم قال جابر فلقد رأیتهم یحملون علی أعناق الرجال کأنهم قوم نیام و أصابت المسحاة طرف رجل حمزة فانبعثت دما و فی المنتقی مثله* و فی معالم التنزیل عن ابن عباس قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما اصیب اخوانکم یوم أحد جعل اللّه عز و جل أرواحهم فی أجواف طیر خضر ترد أنهار الجنة و تأکل من ثمارها و تسرح من الجنة حیث شاءت و تأوی الی قنادیل من ذهب فی ظل العرش فلما وجدوا طیب مشربهم و مأکلهم و حسن مقیلهم قالوا یا لیت اخواننا یعلمون ما صنع اللّه بنا لئلا یزهدوا فی الجهاد و لا ینکلوا عن الحرب قال اللّه تبارک و تعالی فأنا أبلغهم عنکم فأنزل اللّه تعالی علی رسوله هذه الآیات و لا تحسبنّ الذین قتلوا فی سبیل اللّه أمواتا الی آخرها رواه أحمد* و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الشهداء علی بارق نهر بباب الجنة فی قبة خضراء یخرج علیهم رزقهم من الجنة بکرة و عشیا و فی حدیث ابن مسعود فی شهداء أحد قال فیطلع اللّه علیهم اطلاعة فیقول یا عبادی ما تشتهون فأزیدکم فیقولون ربنا لا فوق ما أعطیتنا الجنة نأکل منها حیث نشاء ثم یطلع علیهم اطلاعة فیقول یا عبادی ما تشتهون فأزیدکم فیقولون ربنا لا فوق ما أعطیتنا الجنة نأکل منها حیث نشاء ثم یطلع علیهم اطلاعة فیقول یا عبادی ما تشتهون فأزیدکم فیقولون ربنا لا فوق ما أعطیتنا الجنة نأکل منها حیث نشاء الا أنا نحب أن تردّ أرواحنا فی أجسادنا ثم نردّ الی الدنیا فنقاتل فیک حتی نقتل مرّة أخری و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لجابر بن عبد اللّه أ لا أبشرک یا جابر قال بلی یا نبیّ اللّه قال ان أباک حیث اصیب بأحد احیاه اللّه ثم قال ما تحب یا عبد اللّه بن عمر و أن أفعل بک قال أی رب أحب أن تردّنی الی الدنیا فأقاتل فیک فأقتل مرّة أخری و فی روایة ابی بکر بن مردویه یا جابر الا اخبرک ما کلم اللّه احدا قط الا من وراء حجاب و انه کلم أباک کفاحا قال فسلنی أعطک قال اسألک أن اردّ الی الدنیا فأقتل فیک ثانیة فقال الرب عز و جل انه سبق منی انهم لا یرجعون الی الدنیا قال ای رب فأبلغ من ورائی فأنزل اللّه تعالی و لا تحسبن الذین قتلوا فی سبیل اللّه أمواتا الآیة کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء قال رسول اللّه و الذی نفسی بیده ما من مؤمن یفارق الدنیا یحب أن یرجع إلیها ساعة من النهار و ان له الدنیا و ما فیها الا الشهید فانه یحب أن یردّ الی الدنیا فیقاتل فی اللّه فیقتل مرّة أخری قال ابن اسحاق ثم انصرف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم راجعا الی المدینة* و فی روایة فی آخر النهار فلقیته حمنة بنت جحش فلما لقیت الناس نعی لها أخوها عبد اللّه ابن جحش فاسترجعت و استغفرت له ثم نعی لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت و استغفرت له ثم نعی لها زوجها مصعب بن عمیر فصاحت و ولولت قال رسول اللّه ان زوج المرأة منها لبمکان لما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:444
رأی من تنبتها عند اخیها و خالها و صیاحها علی زوجها و مرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بدور من دور الانصار من بنی عبد الاشهل فاستقبلته کبشة بنت رافع أمّ سعد بن معاذ و کان علی فرسه و سعد ممسک بعنانه فقال یا رسول اللّه هذه أمی أقبلت إلیک قال مرحبا بها فجاءت حتی نظرت الی وجهه الکریم قالت بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه هانت علیّ کل مصیبة اذ سلمت فعزاها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بابنها عمرو بن معاذ و دعا لبنی عبد الاشهل فقال اللهم أذهب حزن قلوبهم و أجرهم فی مصیبتهم و امر أن یأوی کل جریح منزله فنادی سعد لا یتبع رسول اللّه جریح من بنی عبد الاشهل و کان فیهم زها ثلاثین جریحا قال ابن اسحاق و مرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بدور من دور الانصار من بنی عبد الاشهل و بنی ظفر فسمع البکاء و النوائح علی قتلاهم فذرفت عینا رسول اللّه ثم قال لکن حمزة لا بواکی له فلما رجع سعد و أسید بن حضیر الی دار بنی عبد الاشهل امر نساءهم ان یتحزّمن ثم یذهبن فیبکین علی عم رسول اللّه فلما سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بکاء هنّ علی حمزة خرج علیهنّ و هنّ علی باب مسجده یبکین علیه فقال ارجعن رحمکنّ اللّه فقد واسیتن بأنفسکنّ قال ابن هشام و نهی یومئذ عن النوح و حدّثنا أبو عبیدة ان رسول اللّه لما سمع بکاء هنّ قال رحم اللّه الانصار فان المواساة منهم ما علمت لقدیمة مروهنّ فلینصرفن* و فی روایة لما قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لکن حمزة لا بواکی له الیوم سمعه قوم من الانصار فأتوا نساءهم فأقسموا علیهنّ باللّه لا یبکین أنصار یا اللیلة حتی یأتین نبیّ اللّه فیبکین عنده ففعلن فسمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صیاح النساء فی دار حمزة فسأل ما هذا فأخبر بالذی فعلت الانصار بنسائهم فقال لهم معروفا و نهی یومئذ عن النوح فبکرت إلیه نساء الانصار و قلن بلغنا یا رسول اللّه انک نهیت عن النوح و انما هو شی‌ء نندب به موتانا و نجد بعض الراحة فائذن لنا فیه فقال صلّی اللّه علیه و سلم ان فعلتن فلا تلطمن و لا تخمشن و لا تحلقن شعرا و لا تسلقن و لا تشققن جیبا کذا فی المنتقی قال ابن اسحاق مرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بامرأة من الانصار و قد أصیب زوجها و أخوها و أبوها مع رسول اللّه بأحد فلما نعوا إلیها قالت ما فعل رسول اللّه قالوا خیرا یا أمّ فلان و هو بحمد اللّه کما تحبین قالت أرونیه حتی أنظر إلیه فأشیر لها إلیه حتی اذا رأته قالت کل مصیبة بعدک جلل ترید صغیرة و عبارة المنتقی عن أنس خرجت امرأة من الانصار فاستقبلت بأخیها و أبیها و ابنها و زوجها أمواتا قالت من هؤلاء قالوا أخوک و أبوک و ابنک و زوجک قالت ما فعل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فیقولون امامک فمشت حتی ذهبت الی رسول اللّه فأخذت بناحیة ثوبه ثم جعلت تقول بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه لا أبالی اذ سلمت من عطب* و دخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و المسلمون المدینة ممسین و لیس فیها دار الا و فیها باکیة قال ابن اسحاق لما انتهی رسول اللّه الی أهله ناول سیفه ابنته فاطمة فقال اغسلی عن هذا دمه یا بنیة فو اللّه لقد صدقنی الیوم و ناولها علیّ بن أبی طالب سیفه فقال و هذا اغسلی عنه دمه فو اللّه لقد صدقنی الیوم فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لئن کنت صدقت القتال لقد صدق معک سهل بن حنیف و أبو دجانة* و فی سح السحابة روی أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رأی علیا عند رجوعه من أحد یعطی سیفه فاطمة و یقول خذیه حمیدا فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لئن کان سیفک حمیدا فسیف أبی دجانة غیر ذمیم و ان صدقت القتال فقد صدق معک أبو دجانة قال ابن هشام و کان یقال لسیف رسول اللّه ذو الفقار* و قال بعض أهل العلم ان ابن أبی نجیح قال نادی مناد یوم أحد لا سیف الا ذو الفقار و لا فتی الا علیّ* و فی روضة الاحباب هکذا أورد هذا الحدیث بعض المحدّثین و أهل السیر فی کتبهم لکن الذهبی و هو محک الرجال ضعف راویه و کذبه فی کتاب میزان الاعتدال قال
ابن هشام و حدّثنی بعض أهل العلم ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لعلیّ بن أبی طالب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:445
لا یصیب المشرکون منا مثلها حتی یفتح اللّه علینا و بات جماعة من الصحابة تلک اللیلة علی باب مسجد رسول اللّه خوفا من رجوع قریش و مکرهم و لما بکی المسلمون علی قتلاهم سرّ بذلک المنافقون و ظهر غش الیهود* و ذکر القاضی عیاض فی الشفاء عن القاضی أبی عبد اللّه بن المرابط من المالکیة أنه قال من قال انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم هزم یستتاب فان تاب و الا قتل لانه تنقیص اذ لا یجوز ذلک علیه فی خاصته اذ هو علی بصیرة من أمره و یقین من عصمته کذا فی المواهب اللدنیة

* بیان الحکم الربانیة فی ابتلاء المسلمین‌

قال ابن اسحاق و کان یوم أحد یوم بلاء و مصیبة و تمحیص اختبر اللّه به المؤمنین و محق به المنافقین ممن کان یظهر الاسلام بلسانه و هو مستخف بالکفر فی قلبه و یوما أکرم اللّه فیه من أراد کرامته بالشهادة من أهل ولایته و قد کان فی قصة أحد و ما أصیب به المسلمون من الفوائد و الحکم الربانیة أشیاء عظیمة منها تعریف المسلمین سوء عاقبة المعصیة و شؤم ارتکاب النهی لما وقع من ترک الرماة موقفهم الذی أمرهم رسول اللّه أن لا یبرحوا منه* و منها ان عادة الرسل تبتلی و تکون لهم العاقبة و الحکمة فی ذلک لو انتصروا دائما لدخل فی المسلمین من لیس منهم و لم یتمیز الصادق من غیره و لو انکسروا دائما لم یحصل المقصود من البعثة فاقتضت الحکمة الجمع بین الامرین لیتمیز الصادق من الکاذب و ذلک ان نفاق المنافقین کان مخفیا علی المسلمین فلما جرت هذه القصة و أظهر أهل النفاق ما أظهروه من القول و الفعل عاد التلویح تصریحا و عرف المسلمون انّ لهم عدوّا فی دورهم و بین أظهرهم و استعدّوا لهم و تحرزوا عنهم* و منها انّ فی تأخیر النصر فی بعض المواطن هضما للنفس و کسرا لشماختها فلما ابتلی المسلمون صبروا و جزع المنافقون* و منها انّ اللّه تعالی هیأ لعباده المؤمنین منازل فی دار کرامته لا تبلغها أعمالهم فقیض لهم أسباب الابتلاء و المحن لیصلوا إلیها* و منها انّ الشهادة من أعلی مراتب الاولیاء فساقهم إلیها بین یدی الرسول لیکون شهیدا علیهم* و منها انه أراد اهلاک أعدائه فقیض لهم الاسباب التی یستوجبون بها ذلک من کفرهم و بغیهم و طغیانهم فی أذی أولیائه فمحص ذنوب المؤمنین و محق بذلک الکافرین* قال ابن اسحاق و فی شأن أحد أنزل اللّه تعالی ستین آیة من آل عمران* و عن عبد الرحمن بن عوف أنزل اللّه فی شأن یوم أحد عشرین و مائة آیة من آل عمران و اذ غدوت من أهلک تبوئ المؤمنین مقاعد للقتال الی قوله أمنة نعاسا*

(ذکر شهداء أحد)

* قال ابن اسحاق استشهد یوم أحد من المسلمین مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من المهاجرین ثم من بنی هاشم بن عبد مناف* حمزة ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف قتله وحشی غلام جبیر بن مطعم و من بنی أمیة بن عبد شمس* عبد اللّه بن جحش حلیف لهم من بنی أسد بن خزیمة و من بنی عبد الدار بن قصی مصعب بن عمیر قتله عبد اللّه بن قمیئة اللیثی و من بنی مخزوم بن یقظة شماس بن عثمان أربعة نفر* و من الانصار من بنی عبد الاشهل عمرو بن معاذ بن النعمان و الحارث بن أنس بن رافع و عمارة بن زیاد بن السکن و سلمة ابن ثابت بن وقش و عمرو بن ثابت بن وقش و قد زعم عاصم بن عمرو بن قتادة ان أباهما ثابتا قتل یومئذ و رفاعة بن وقش و حسبل بن جابر أبو حذیفة و هو الیمان أصابه المسلمون فی المعرکة و لا یدرون فتصدّق حذیفة بدینه علی من أصابه و صیفی بن قیظی و خباب بن قیظی و عباد بن سهل و الحارث بن أوس بن معاذ اثنا عشر رجلا* و من أهل رابح ایاس بن أوس بن عتیک الاشهلی و عبید بن التیهان قال ابن هشام و یقال عتیک بن التیهان و حبیب بن زید بن تیم ثلاثة نفر* و من بنی ظفر یزید بن حاطب ابن أمیة بن رافع رجل و من بنی عمرو بن عوف ثم من بنی ضبیعة بن زید أبو سفیان بن الحارث بن و قشر بن زید و حنظلة بن أبی عامر بن صیفی بن نعمان و هو غسیل الملائکة قتله شدّاد بن الاسود بن شعوب اللیثی رجلان و من بنی عبید بن زید أنیس بن قتادة رجل و من بنی ثعلبة بن عمرو بن عوف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:446
أبو حبة و هو أخو سعد بن خیثمة لامه قال ابن هشام أبو حبة بن عمرو بن ثابت قال ابن اسحاق و عبد اللّه بن جبیر بن النعمان و هو أمیر الرماة رجلان و من بنی السلم بن امرئ القیس بن مالک بن أوس خیثمة بن سعد بن خیثمة رجل و من حلفائهم من بنی العجلان عبد اللّه بن سلمة رجل و من بنی معاویة ابن مالک سبیع بن حاطب بن الحارث بن قیس بن هیشة رجل* و من بنی النجار ثم من بنی سواد ابن مالک بن غنم عمرو بن قیس و ابنه قیس بن عمرو* و ثابت بن عمرو بن زید* و عامر بن مخلد أربعة نفر* و من بنی مبذول أبو هبیرة بن الحارث بن علقمة بن عمرو بن ثقف بن مالک بن مبذول* و عمرو بن مطرف بن علقمة رجلان و من بنی عمرو بن مالک* أوس بن ثابت بن المنذر رجل و هو أخو حسان بن ثابت* و من بنی عدی بن النجار أنس بن النضر بن ضمضم بن زید النجاری رجل* و من بنی مازن بن النجار* قیس بن مخلد و کیسان عبد لهم رجلان* و من بنی مازن بن النجار أیضا سلیم بن الحارث و نعمان بن عبد عمرو رجلان* و من بنی الحارث بن الخزرج خارجة بن زید بن أبی زهیر و سعد بن الربیع بن عمرو بن أبی زهیر دفنا فی قبر واحد و أوس بن الارقم بن زید بن قیس ثلاثة نفر* و من بنی الابجر و هم بنو خدرة مالک بن سنان بن عبید بن ثعلبة بن عبد بن الابجر و هو والد أبی سعید الخدری قال ابن هشام اسم أبی سعید سنان و یقال سعد قال ابن اسحاق و سعید بن سوید بن قیس بن عامر بن عباد بن الابجر و عتبة بن ربیع بن رافع بن معاویة ثلاثة نفر* و من بنی ساعدة بن کعب بن الخزرج ثعلبة بن سعد بن مالک الساعدی و ثقف بن فروة بن الیدی رجلان و من بنی ظریف رهط سعد بن عبادة عبد اللّه بن عمرو بن وهب بن ثعلبة و ضمرة حلیف لهم من جهینة رجلان و من بنی عمرو بن عوف بن الخزرج ثم من بنی سالم ثم من بنی مالک بن العجلان بن زید بن غنم بن سالم نوفل بن عبد اللّه و عامر بن عبادة بن نضلة بن مالک بن العجلان و نعمان بن مالک بن ثعلبة بن فهر و المجدر بن زیاد حلیف لهم من بلی و عبادة بن الحسحاس* دفن نعان بن مالک و المجدر و عبادة فی قبر واحد خمسة نفر* و من بنی الحبلی رفاعة بن عمرو رجل و من بنی سلمة ثم من بنی حرام عبد اللّه بن عمرو بن حرام و عمرو بن الجموح بن زید بن حرام دفنا فی قبر واحد و خلاد بن عمرو بن الجموح و أبو أیمن مولی عمرو بن الجموح أربعة نفر و من بنی سواد بن غنم سلیم بن عمرو بن حدیدة و مولاه عنترة و سهل بن قیس بن أبی بن کعب ابن القین ثلاثة نفر و من بنی زریق بن عامر ذکوان بن عبد قیس و عبید بن المعلی بن لوذان رجلان قال ابن هشام عبید بن المعلی من بنی حبیب*

عدّة الشهداء بأحد

قال ابن اسحاق فجمیع من استشهد من المسلمین مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من المهاجرین و الانصار خمسة و ستون رجلا و فی المشکاة عن أنس قتل من الانصار یوم أحد سبعون و یوم بئر معونة سبعون و یوم الیمامة علی عهد أبی بکر سبعون رواه البخاری و فی المواهب اللدنیة قد استشهد یوم أحد من المسلمین سبعون فیما قاله مغلطای و غیره و قیل خمسة و ستون أربعة من المهاجرین و روی ابن منده من حدیث أبی بن کعب قال استشهد من الانصار یوم أحد أربعة و ستون و من المهاجرین ستة و صححه ابن حبان و قتل من المشرکین ثلاثة و عشرون رجلا و قتل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بیده أبی بن خلف قال ابن هشام و ممن لم یذکر ابن اسحاق من السبعین الشهداء الذین ذکرنا من الاوس ثم من بنی معاویة بن مالک مالک بن نمیلة حلیف لهم من مزینة و من بنی خطمة و اسم خطمة عبد اللّه بن جشم بن مالک بن الاوس الحارث ابن عدی بن خرشة بن أمیة بن عامر بن خطمة و من بنی الخزرج ثم من بنی سواد بن مالک مالک بن ایاس و من بنی عمرو بن النجار ایاس بن عدی و من بنی سالم بن عوف عمرو بن ایاس* قال ابن اسحاق و قتل من المشرکین یوم أحد من قریش ثم من بنی عبد الدار بن قصی بن أصحاب اللواء طلحة بن أبی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:447
طلحة و اسم أبی طلحة عبد اللّه بن عبد العزی بن عثمان بن عبد الدار قتله علی بن أبی طالب قال ابن اسحاق و عثمان بن أبی طلحة قتله حمزة و أبو سعید بن أبی طلحة قتله علیّ و قیل سعد بن أبی وقاص و مسافع بن طلحة و الجلاس بن طلحة قتلهما عاصم بن ثابت بن أبی الافلح و کلاب بن طلحة و الحارث بن طلحة قتلهما قزمان حلیف لبنی ظفر قال ابن هشام و یقال قتل کلابا عبد الرحمن بن عوف* قال ابن اسحاق و أرطاة بن شرحبیل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله حمزة بن عبد المطلب و أبو یزید بن عمیر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله قزمان و شریح بن فارض قتله بعض المسلمین کذا فی المنتقی و صواب غلام لهم حبشی قتله قزمان* قال ابن هشام و یقال قتله علی بن أبی طالب و یقال سعد بن أبی وقاص و یقال أبو دجانة قال ابن اسحاق و القاسط بن شریح بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله قزمان أحد عشر رجلا و من بنی أسد بن عبد العزی بن قصی عبد اللّه بن حمید بن زهیر بن الحارث بن أسد قتله علی بن أبی طالب و سباع بن عبد العزی بن نضلة الخزاعی حلیف لهم قتله حمزة بن عبد المطلب رجلان و من بنی مخزوم بن یقظة هشام بن أبی أمیة بن المغیرة قتله قزمان و الولید بن العاص بن هشام ابن المغیرة قتله قزمان أربعة نفر و من بنی جمح بن عمرو عمرو بن عبد اللّه بن عمیر بن وهب بن حذافة بن جمح و هو أبو عزة الشاعر قتله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم صبرا و أبی بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح قتله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رجلان و من بنی عامر بن لؤیّ عبیدة بن جابر و شیبة بن مالک بن المضرب قتلهما قزمان رجلان قال ابن هشام و یقال قتل عبیدة بن جابر عبد اللّه بن مسعود* قال ابن اسحاق فجمیع من قتله اللّه تعالی یوم أحد من المشرکین اثنان و عشرون رجلا* و فی المواهب اللدنیة ثلاثة و عشرون رجلا*

غزوة حمراء الاسد

و فی هذه السنة وقعت غزوة حمراء الاسد قال ابن اسحاق کان یوم أحد یوم السبت للنصف من شوّال السنة الثالثة من الهجرة فلما کان یوم الاحد من الغد من یوم أحد لست عشرة لیلة مضت من شوّال علی رأس اثنین و ثلاثین شهرا من الهجرة خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی حمراء الاسد و هو موضع علی ثمانیة أمیال من المدینة کذا فی سیرة ابن هشام و قیل عشرة* و فی معجم ما استعجم هی علی یسار الطریق اذا أردت ذا الحلیفة و إلیها انتهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الیوم الثانی من أحد لما بلغه ان قریشا منصرفون الی المدینة* قال أهل السیر لما انصرف أبو سفیان و أصحابه من قتال أحد و بلغوا الروحاء بالفتح ثم السکون ثم حاء مهملة أکثر ما قیل فی المسافة بینها و بین المدینة اثنان و أربعون میلا* و فی صحیح مسلم ست و ثلاثون و فی القاموس علی ثلاثین أو أربعین میلا من المدینة ندموا علی انصرافهم و تلاوموا و قالوا بئس ما صنعتم لا محمدا قتلتم و لا الکواعب أردفتم قتلتموهم حتی اذا لم یبق منهم الا الشرید ترکتموهم ارجعوا فاستأصلوهم قبل أن یجدوا قوّة و شوکة* و فی الکشاف و لما عزموا علی الرجوع ألقی اللّه الرعب فی قلوبهم فامسکوا و فی روایة منعهم صفوان بن أمیة و یقول لا تفعلوا فانّ القوم قد حربوا و قد خشینا أن یکون لهم قتال غیر الذی کان فارجعوا فرجعوا و فی المنتقی قال یا قوم لا ترجعوا فانّ محمدا و أصحابه الآن فی حنق شدید مما أصابهم فو اللّه ما أمنت ان رجعتم أن یجتمع جمیع من کان تخلف عن أحد من الاوس و الخزرج و یطأکم و یغلبوا علیکم و الآن لکم الغلبة فلا یکون الا أن ینعکس الامر فبلغ ذلک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأراد أن یقذف فی قلوبهم الرعب و یریهم من نفسه و أصحابه قوّة و انّ الذی أصابهم لم یوهنهم من عدوّهم فندب أصحابه للخروج فی طلب أبی سفیان و أصحابه فانتدب عصابة منهم مع ما بهم من الجراح و القرح الذی أصابهم یوم أحد ففی الیوم الثانی من وقعة أحد نادی منادی رسول اللّه بالخروج فی طلب العدوّ و أن لا یخرجنّ معنا أحد الا من حضر یومنا بالامس فکلمه جابر بن عبد اللّه ابن عمرو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:448
فقال یا رسول اللّه انّ أبی کان قد خلفنی علی أخوات لی سبع و قال یا بنی انه لا ینبغی لی و لا لک أن نترک هؤلاء النسوة لا رجل فیهنّ و لست بالذی أوثرک بالجهاد مع رسول اللّه علی نفسی فتخلف علی اخوتک فتخلفت علیهنّ فأذن له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فخرج معه و لم یخرج ممن لم یشهد قتال أحد غیره فلما سمعوا النداء تسارعوا الی الخروج و لم یشتغلوا بالتداوی فخرجوا مع الجراحات المتعدّدة و استعمل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی المدینة ابن أمّ مکتوم فیما قاله ابن هشام و خرج و هو مجروح مشجوج مکسور الرباعیة مکلوم الشفة متوهن المنکب الایمن من ضرب ابن قمیئة و فی المنتقی و شفته العلیا قد کلمت من باطنها و خرج لابسا سلاحه و وقف علی الطریق راکبا حتی لحق به أصحابه فأنزل فیهم الذین استجابوا للّه و الرسول من بعد ما أصابهم القرح للذین أحسنوا منهم و اتقوا أجر عظیم و دفع لواءه و هو معقود لم یحلّ بعد الی علی بن أبی طالب و قیل الی أبی بکر الصدّیق و نزل إلیه أهل العوالی و قدّم ثلاثة نفر من أسلم طلیعة فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الاسد و للقوم زجل و هم یأتمرون بالرجوع و صفوان بن أمیة ینهاهم کما مرّ فبصروا بالرجلین فرجعوا إلیهما فقتلوهما و مضی رسول اللّه و أصحابه حتی نزلوا بحمراء الاسد و عسکروا هناک و دفنوا الرجلین فی قبر واحد فأقام بها الاثنین و الثلاثاء و الاربعاء و أمر حتی أوقدوا تلک اللیالی خمسمائة نار فذهب صیت عسکرهم و نارهم الی کل جانب فکبت اللّه بذلک عدوّهم فمرّ برسول اللّه معبد بن أبی معبد الخزاعی بحمراء الاسد و هو یرید مکة و کانت خزاعة مسلمهم و مشرکهم عیبة نصح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بتهامة صفقتهم معه لا یخفون عنه شیئا کان بها و معبد یومئذ کان مشرکا فقال یا محمد أما و اللّه لقد عز علینا ما أصابک فی أصحابک و لوددنا انّ اللّه عافاک فیهم ثم خرج و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بحمراء الاسد حتی لقی أبا سفیان بن حرب و من معه بالروحاء و قد أجمعوا الرجعة الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه و قالوا أصبنا أحدّ أصحابه و قادتهم و أشرافهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم لنکرّن علی بقیتهم فلنفرغن منهم فمنعهم صفوان ابن أمیة عن ذلک فلما رأی أبو سفیان معبدا قال ما وراءک یا معبد قال محمد قد خرج فی أصحابه یطلبکم فی جمع لم أر مثله قط یتحرّفون علیکم تحرّفا قد اجتمع معه من کان تخلف عنه فی یومکم و ندموا علی ما صنعوا و فیهم من الحنق علیکم شی‌ء لم أر مثله قط قال ویلک ما تقول قال و اللّه ما أری أن ترتحل حتی تری نواصی الخیل قال فو اللّه لقد أجمعنا الکرّة علیهم لنستأصل قال فانی أنهاک عن ذلک و اللّه لقد حملنی ما رأیت ان قلت فیه أبیاتا من شعر قال و ما قلت قال قلت
کادت تهد من الاصوات راحلتی‌اذ سالت الارض بالجرد الابابیل و ذکر أبیاتا فتر ذلک أبا سفیان و من معه فقذف اللّه فی قلوبهم الرعب و التزلزل حتی رجعوا عما هموا به فارتحلوا سراعا و ذلک قوله تعالی سنلقی فی قلوب الذین کفروا الرعب* و مرّ به رکب من عبد القیس فقال أین تریدون قالوا نرید المدینة قال و لم قالوا نرید المیرة قال فهل أنتم مبلغون عنی محمدا رسالة أرسلکم بها إلیه و أحمل لکم بهذه غدا زبیبا بعکاظ اذا وافیتمونا قالوا نعم قال فاذا وافیتموه فأخبروه انا قد أجمعنا الرجعة و السیر إلیه و الی أصحابه لنستأصل بقیتهم فبعث معبد الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من یخبره بما وقع من استخبار أبی سفیان عنه و جوابه و منع صفوان ایاه عن الرجعة و اندفاعهم الی مکة فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أرشدهم صفوان و ما کان برشید و قال صلّی اللّه علیه و سلم و هو بحمراء الاسد حین بلغه انهم هموا بالرجعة و الذی نفسی بیده لقد سوّمت لهم حجارة لو صبحوا بها لکانوا کأمس الذاهب کذا فی سیرة ابن هشام و الاکتفاء* فمرّ الرکب برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو بحمراء الاسد فأخبروه بالذی قال أبو سفیان و أصحابه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:449
حسبنا اللّه و نعم الوکیل هذا قول أکثر المفسرین و قال مجاهد و عکرمة نزلت هذه الآیة فی غزوة بدر الصغری الموعد و ستجی‌ء و أخذ رسول اللّه فی وجهه ذلک قبل رجوعه الی المدینة رجلین أحدهما معاویة بن المغیرة بن أبی العاص بن أمیة بن عبد شمس جدّ عبد الملک بن مروان أبو أمّه عائشة بنت معاویة و الثانی أبو عزة الجمحی اسمه عمرو بن عبد اللّه بن عثمان و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أسره یبدر ثم منّ علیه و أطلقه لبناته الخمس و أخذ علیه العهد أن لا یعود الی حرب المسلمین و أن لا یظاهر علیهم أحدا و قد نقض العهد و حضر أحدا کما مرّ فی غزوة أحد فلما جی‌ء به الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال یا رسول اللّه أقلنی فقال رسول اللّه و اللّه لا تمسح عارضیک بمکة بعدها تقول خدعت محمدا مرّتین اضرب عنقه یا زبیر فضرب عنقه کذا فی سیرة ابن هشام و فی روایة لا تمسح لحیتک بمکة تجلس فی الحجر و تقول خدعت محمدا مرّتین* قال ابن هشام و بلغنی عن سعید بن المسیب أنه قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انّ المؤمن لا یلدغ من حجر مرّتین اضرب عنقه یا عاصم بن ثابت فضرب عنقه و انصرف علیه السلام الی المدینة و دخلها یوم الجمعة و کانت غیبته خمس لیال و أمّا معاویة بن المغیرة فاستأمن له عثمان بن عفان رسول اللّه فأمّنه علی انه ان وجده بعد ثلاث قتل فأقام بعد ثلاث و تواری فبعث النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم زید بن حارثة و عمار بن یاسر و قال انکما ستجدانه بموضع کذا و کذا فوجداه فقتلاه*

سرقة طعمة

و فی هذه السنة سرق طعمة بن أبیریق من بنی ظفر بن الحارث بفتح الفاء بطن من الانصار درعا لقتادة بن النعمان و هو جار له و کانت الدرع فی جراب فیه دقیق ینتثر من خرق فی الجراب حتی انتهی الی دار طعمة ثم خبأها عند یهودی یقال له زید السمین فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده و حلف و اللّه ما أخذها و لا له بها من علم فقال أصحاب الدرع لقد رأینا أثر الدقیق حتی دخل داره فلما حلف ترکوه و اتبعوا أثر الدقیق فانتهوا الی منزل الیهودی فأخذوها فقال دفعها الیّ طعمة فقال قوم طعمة و هم بنو ظفر انطلقوا الی رسول اللّه لیجادل عن صاحبنا و أخبروه بخلاف الحق قالوا ان لم نفعل افتضح صاحبنا و برئ الیهودی ففعلوا و صدّقهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و همّ أن یعاقب الیهودی فأنزل اللّه تعالی انا أنزلنا إلیک الکتاب بالحق لتحکم بین الناس بما أراک اللّه و لا تکن للخائنین خصیما فلما ظهرت السرقة علی طعمة خاف علی نفسه من قطع الید و هرب الی مکة و ارتدّ عن الدین فنزل علی رجل من أهل مکة یقال له الحجاج بن علاط من بنی سلیم فنقب بیته فسقط علیه حجر فلم یستطع أن یدخل و لا أن یخرج حتی أصبح فأخذ لیقتل فقال بعضهم دعوه فانه قد لجأ إلیکم فترکوه و أخرجوه من مکة فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشأم فنزل منزلا فسرق بعض متاعهم فطلبوه فأخذوه و رموه بالحجارة حتی قتلوه فصار قبره تلک الحجارة و قیل انه رکب سفینة الی جدّة فسرق فیها کبسا فیه دنانیر فألقی فی البحر و قیل انه نزل حرة بنی سلیم و کان یعبد صنما لهم الی أن مات فأنزل اللّه انّ اللّه لا یغفر أن یشرک به الآیة* و فی ذی القعدة من هذه السنة علقت فاطمة بالحسین و کان بین ولادة الحسن و علوقها بالحسین خمسون لیلة و ستجی‌ء ولادة الحسین فی الموطن الرابع‌

* (الموطن الرابع فی حوادث السنة الرابعة من الهجرة

اشارة

من سریة أبی سلمة الی قطن و وفاته و سریة عبد اللّه بن أنیس الی عرنة لقتل سفیان بن خالد و سریة المنذر الی بئر معونة و سریة عاصم و قصة الرجیع و سریة عمرو بن أمیة الضمری الی مکة لقتل أبی سفیان و غزوة بنی النضیر و وفاة زینب بنت خزیمة و غزوة ذات الرقاع و صلاة الخوف فیها و وفاة عبد اللّه بن عثمان و ولادة الحسین بن علیّ و تعلم زید بن ثابت کتاب الیهود و غزوة بدر الصغری الموعد و تزوّج أمّ سلمة و رجم الیهودیین و وفاة فاطمة بنت أسد أمّ علیّ و تحریم الخمر عند البعض)*
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:450

* سریة أبی سلمة الی قطن‌

و فی هذه السنة لهلال المحرم علی رأس خمسة و ثلاثین شهرا من الهجرة کانت سریة أبی سلمة عبد اللّه بن عبد الاسد بن هلال بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم معه مائة و خمسون رجلا من المهاجرین و الانصار لطلب طلیحة و سلمة ابنی خویلد الاسدیین الی قطن بفتح أوّله و ثانیه جبل بناحیة فید کذا فی المواهب اللدنیة و فی غیره ببلاد بنی أسد علی یمینک اذا فارقت الحجاز و أنت صادر من النقرة* قال ابن اسحاق قطن ماء من میاه بنی أسد بنجد بعث إلیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أبا سلمة بن عبد الاسد فی سریة فقتل مسعود بن عروة کذا فی معجم ما استعجم روی ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی آخر السنة الثالثة أو فی أوّل السنة الرابعة بعث أبا سلمة بن عبد الاسد المخزومی الی بنی أسد و سببه انه أخبر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انّ طلیحة و سلمة ابنی خویلد یحرضان جماة من قومهما و من تبعهما علی قتال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و یریدان اغارة المواشی من أرجاء المدینة و فی روایة جمعوا و توجهوا الی المدینة ثم بدا لهم الرجوع فرجعوا الی منازلهم فدعا النبیّ أبا سلمة و عقد له لواء و أمّره علی مائة و خمسین رجلا من المهاجرین و الانصار منهم أبو عبیدة بن الجراح و سعد بن أبی وقاص و أسید ابن حضیر و أبو نائلة و أبو سبرة بن أبی رهم الغفاری و عبد اللّه بن سهل و أرقم بن أبی الارقم و أمر أبا سلمة بالمسیر إلیهم و الاغارة علیهم بغتة قبل أن یعلموا و یجمعوا الجیش فخرج أبو سلمة من المدینة و دلیله الولید ابن الزبیر الطائی و یسیر معتسفا الی أن وصل الی قطن و أغار علی سرحهم و دوابهم و أصابوا ثلاثة أعبد کانوا رعاة و هرب الباقون و لحقوا بقومهم و أخبروهم بمجی‌ء أبی سلمة و کثرة جیشه فخافوا و هربوا عن منازلهم ثم نزلها أبو سلمة و أغاروا و جمعوا ما قدروا علیه من الاموال و رجعوا الی المدینة و أعطی الدلیل الطائی ما رضی به من الاموال و عزل من الغنیمة عبدا للنبی صلّی اللّه علیه و سلم صفی المغنم ثم خمسها و قسم الباقی علی أهل السریة فبلغ سهم کل واحد منهم سبعة أبعرة و أغناما و مدّة غیبته فی تلک السریة عشرة أیام و فی هذه السنة توفی أبو سلمة* و فی المواهب اللدنیة مات أبو سلمة سنة أربع و قیل سنة ثلاث من الهجرة انتهی و کان أسلم قبل دخول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم دار الارقم و هاجر الی الحبشة الهجرتین و معه امرأته أمّ سلمة* قال سهل بن حنیف أوّل من قدم علینا من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أبو سلمة و کذا أورد فی المنتقی و انه توفی فی السنة الرابعة من الهجرة* و قال فی الصفوة شهد بدرا و جرح بأحد فمکث شهرا یداوی جراحه ثم بعثه رسول اللّه فی سریة فلما قدم انتقض جرحه ثم توفی سنة ثلاث من الهجرة فحضره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أغمضه بیده*

سریة عبد اللّه بن أنیس الی قتل سفیان بن خالد

و فی هذه السنة یوم الاثنین لخمس خلون من المحرم علی رأس خمسة و ثلاثین شهرا من الهجرة بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عبد اللّه بن أنیس وحده الی قتل سفیان بن خالد بن نبیح الهذلی اللحیانی و فی الاکتفاء خالد بن سفیان ببطن عرنة وادی عرفة و فی القاموس بطن عرنة کهمزة بعرفات و لیس من الموقف* و فی الاکتفاء و هو بنخلة أو بعرنة یجمع لحرب رسول اللّه الناس قال عبد اللّه بن أنیس دعانی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال انه قد بلغنی ان سفیان بن نبیح الهذلی یجمع لی الناس قال انک اذا رأیته أدرکک الشیطان و آیة ما بینک و بینه انک اذا رأیته وجدت له قشعریرة قال فخرجت متوشحا سیفی حتی دفعت إلیه و هو فی ظعن یرتاد لهنّ منزلا و کان وقت العصر فلما رأیته وجدت ما قال لی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من القشعریرة فأقبلت نحوه و خشیت أن یکون بینی و بینه مجادلة تشغلنی عن الصلاة فصلیت و أنا أمشی نحوه أومئ برأسی فلما انتهیت إلیه قال من الرجل قلت رجل من العرب سمع بک و بجمعک لهذا الرجل فجاءک لذلک قال أجل أنا فی ذلک قال فمشیت معه شیئا حتی اذا أمکننی حملت علیه بالسیف فقتلته ثم خرجت و ترکت ظعائنه مکیات علیه فلما قدمت علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:451
و سلم فرآنی قال أفلح الوجه قلت قد قتلته یا رسول اللّه قال صدقت ثم قام بی و أدخلنی بیته و أعطانی عصا فقال امسک هذه العصا عندک یا عبد اللّه بن أنیس قال فخرجت بها علی الناس فقالوا ما هذه العصا قلت أعطانیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أمرنی أن أمسکها عندی قالوا أ فلا ترجع إلیه فتسأله لم ذلک فرجعت فقلت یا رسول اللّه لم أعطیتنی هذه العصا قال آیة بینی و بینک یوم القیامة ان أقل الناس المتخصرون یومئذ فقرنها عبد اللّه بن أنیس بسیفه فلم تزل معه حتی مات ثم أمر بها فضمت فی کفنه ثم دفنا جمیعا* و فی المواهب اللدنیة أوردها فی السنة الرابعة و أوردها فی الوفاء فی السنة الخامسة بعد غزوة بنی قریظة و أوردها بعض أهل السیر بعد سریة عاصم بن ثابت قال انه یعنی سفیان بن خالد کان سببا لقصة الرجیع و قتل عاصم و أصحابه فتکون سریة عبد اللّه بن أنیس بعد الرجیع* و فی بعض السیر فلما قتله أخذ رأسه و کان یسیر باللیل و یتواری بالنهار فدخل غارا فبعث اللّه العنکبوت حتی نسجت علی فم الغار و أخبر قومه فخرجوا فی طلبه فلم یجدوا فرجعوا فخرج عبد اللّه حتی قدم المدینة یوم السبت لسبع بقین من المحرم کذا فی المواهب اللدنیة و الوفاء فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أفلح الوجه قال أفلح اللّه وجهک یا رسول اللّه و وضع رأسه بین یدیه و کانت مدة غیبته ثمانیة عشر یوما روی ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أعطاه مخصرة و قال تخصر بهذه فی الجنة و کانت المخصرة عنده الی وقت وفاته فلما دنا موته وصی بها أهله حتی لفوها فی کفنه و دفنوها معه و فی القاموس و ذو المخصرة عبد اللّه بن أنیس لانّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أعطاه مخصرة و قال تلقانی بها فی الجنة و المخصرة کالمکنسة ما یتوکأ علیه کالعصا و نحوه و ما یأخذه الملک بیده یشیر به اذا خاطب و الخطیب اذا خطب*

سریة المنذر بن عمرو الی بئر معونة

و فی هذه السنة کانت سریة المنذر بن عمرو الی بئر معونة أوّلها فی المحرم کذا قاله فی الوفاء و قدّمها علی سریة الرجیع کما فی المنتقی و أمّا فی المواهب اللدنیة فقدّم سریة الرجیع علی بئر معونة کما قاله ابن اسحاق و اللّه أعلم و أورد کلتاهما فی صفر علی رأس ستة و ثلاثین شهرا من الهجرة علی رأس أربعة أشهر من أحد* و فی المواهب اللدنیة بئر معونة بفتح المیم و ضم المهملة و سکون الواو بعدها نون موضع ببلاد هذیل بین مکة و عسفان و فی معجم ما استعجم ماء لبنی عامر بن صعصعة و فی الاکتفاء و هی بین أرض بنی عامر و حرّة بنی سلیم کلا البلدین منها قریب و هی الی حرّة بنی سلیم أقرب* و فی الوفاء فی الصحیح من روایة أنس قال انّ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أتاه رعل فزعموا انهم قد أسلموا و استمدّوه علی قومهم فأمدّهم النبیّ بسبعین من الانصار قال أنس کنا نسمیهم القراء و بعث معهم المطلب السلمی لیدلهم علی الطریق فانطلقوا بهم حتی اذا بلغوا بئر معونة غدروا بهم و قتلوهم فقنت شهرا یدعو علی رعل و ذکوان و بنی لحیان* رعل بکسر الراء و سکون المهملة بطن من سلیم ینسبون الی رعل بن عوف بن مالک و ذکوان بطن من سلیم أیضا ینسبون الی ذکوان بن ثعلبة فنسبت إلیها الغزوة و هذه الغزوة تعرف بسریة القراء و فی روایة لما أخبره جبریل وجد وجدا شدیدا فقنت شهرا و قیل أربعین یوما فی صلاة الغداة و ذلک بدء القنوت یدعو علی رعل و ذکوان و عصیة و سائر القبائل فیقول اللهمّ اشدد وطأتک علی مضر و اجعل علیهم ستین کسنی یوسف اللهم علیک ببنی لحیان و رعل و ذکوان و عصیة فانهم عصوا اللّه و رسوله اللهم علیک ببنی لحیان و عضل و القارة و فی بعض الروایات ما یقتضی انّ الذین استمدّوا لم یظهروا الاسلام بل کان بینهم و بین النبیّ عهد و انهم غیر الذین قتلوا القراء لکنهم من قومهم و هو الذی فی کتب السیر و قد بین ابن اسحاق فی المغازی و کذلک موسی ابن عقبة عن ابن شهاب أسماء الطائفتین و انّ أصحاب العهد هم بنو عامر و رأسهم أبو براء عامر بن مالک ابن جعفر المعروف بملاعب الا سنة و الطائفة الاخری من بنی سلیم و ان عامر بن أخی ملاعب الاسنة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:452
أراد الغدر بأصحاب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فدعا بنی عامر الی قتالهم فامتنعوا و قالوا لا نخفر ذمّة أبی براء فاستصرخ علیهم عصیة و ذکوان من بنی سلیم فأطاعوه و قتلوهم قالوا و مات أبو براء بعد ذلک أسفا علی ما صنع به عامر بن الطفیل بن أخیه و قیل أسلم أبو براء عند ذلک و قاتل حتی قتل و عاش عامر بن الطفیل حتی مات کافرا بدعاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أصابته غدّة کغدّة البعیر و لم یکن القراء المذکورون کلهم من الانصار بل کان بعضهم من المهاجرین مثل عامر بن فهیرة مولی أبی بکر الصدّیق و نافع بن بدیل بن ورقاء الخزاعی و غیرهما* و فی بعض کتب السیر قصة بئر معونة أن أبا براء عامر بن مالک بن جعفر المشهور بملاعب الا سنة و کان سید بنی عامر بن صعصعة من أهل نجد قدم علی رسول اللّه المدینة و أهدی له هدیة فأبی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یقبلها و قال لا أقبل هدیة مشرک و عرض علیه الاسلام و أخبر بماله فیه و ما وعد اللّه المؤمنین و قرأ علیه القرآن فلم یسلم و لم یبعد و قال یا محمد انّ الذی تدعو إلیه حسن جمیل و لو بعثت رجالا من أصحابک الی أهل نجد فیدعوهم الی أمرک لرجوت أن یستجیبوا لک فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انی أخشی علیهم أهل نجد قال أبو براء أنالهم جاران تعرّض لهم أحد فابعثهم فلیدعوا الناس الی أمرک فبعث سبعین رجلا علی الروایة الاکثریة الصحیحة و أربعین رجلا علی روایة البعض و ثلاثین راکبا علی روایة الآخرین یقال لهم قراء الصحابة و کان أکثرهم من الانصار و أربعة من المهاجرین المنذر ابن عمر و الساعدی و حرام و سلیم ابنا ملحان و حارث بن الصمة و عامر بن فهیرة و الحکم بن کیسان و سهل بن عامر و طفیل بن أسعد و أنس بن معاویة و نافع بن بدیل بن ورقاء الخزاعی و عروة بن أسماء بن الصلت السلمی و عطیة بن عبد عمرو و مالک بن ثابت و سفیان بن ثابت و عمرو بن أمیة الضمری و کعب بن زید و المنذر بن محمد بن عقبة بن الجلاح فی رجال مسمین من خیار المسلمین کانوا یحتطبون بالنهار و یصلون باللیل و أمر علیهم فی صفر المنذر بن عمرو أخا بنی ساعدة و هو أحد نقباء لیلة العقبة و کتب کتابا الی رؤساء نجد و بنی عامر و دفعه إلیهم فساوا حتی نزلوا بئر معونة و بعثوا رواحلهم الی المرعی مع عمرو بن أمیة الضمری و رجل آخر من الانصار أحد بنی عمرو بن عوف* و فی روایة حارث ابن الصمة بدل الانصاری* و قال بعضهم لبعض أیکم یبلغ رسالة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هذا الماء فقال حرام بن ملحان أنا فخرج بکتاب رسول اللّه الی عامر بن الطفیل و کان علی ذلک الماء فلما أتاهم حرام و قال أ تؤمنونی أن أبلغ رسالة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لم ینظر عامر بن الطفیل فی کتاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال حرام بن ملحان یا أهل ماء بئر معونة انی رسول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انی أشهد أن لا إله الا اللّه و أنّ محمدا عبده و رسوله فآمنوا باللّه و رسوله فخرج إلیه رجل من کسر البیت فطعنه بالرمح فی جنبه حتی خرج من الشق الآخر* و فی روایة فأومئوا الی رجل حتی أتاه من خلفه فطعنه بالرمح حتی أنفذ فقال اللّه أکبر فزت و رب الکعبة و قال بالدم هکذا فنضحه علی وجهه و رأسه ثم استصرخ عامر بن الطفیل بنی عامر علی المسلمین فامتنعوا و قالوا لا نخفر ذمّة أبی براء عمک و قد عقد لهم عقدا و جوارا فاستصرخ علیهم عصیة و رعلا و ذکوان من سلیم فأجابوه فخرجوا حتی غشوا القوم و أحاطوا بهم فی رحالهم فلما رآهم المسلمون أخذوا السیوف فقاتلوهم حتی قتلوا من عند آخرهم الا کعب بن زید أخا بنی دینار بن النجار فانهم ترکوه و به رمق فارتث من بین القتلی فعاش حتی قتل یوم الخندق* و فی روایة لما استبطأ المسلمون حراما أقبلوا فی أثره فلقیهم القوم فأحاطوا بهم و کاثروهم فقال المسلمون اللهمّ انا لم نجد من یبلغ رسولک منا السلام غیرک فاقرئه منا السلام فبلغ جبریل رسول اللّه سلامهم فقال و علیهم السلام و کان فی سرح القوم عمرو بن أمیة الضمری
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:453
و رجل آخر من الانصار من بنی عمرو بن عوف و قیل انه المنذر بن عقبة بن أحیحة بن الجلاح فلم ینبههما بمصاب أصحابهما الا الطیر تحوم علی العسکر فقالا و اللّه انّ لهذا الطیر لشأنا فأقبلا لینظرا فاذا القوم فی دمائهم و الخیل التی أصابتهم واقفة فقال الانصاری لعمرو بن أمیة الضمری ما ذا تری قال أری أن نلحق برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال الانصاری لکنی ما کنت أرغب بنفسی عن موطن قتل فیه المنذر بن عمرو الساعدی ثم قاتل القوم* و فی روایة قتل أربعة من المشرکین حتی قتل و أسر عمرو بن أمیة فأتی به الی عامر بن الطفیل فقام و دخل به فی القتلی یستبرئهم و یسأل عن اسم کل واحد و نسبه ثم قال هل من أصحابک من لیس فیهم قال نعم ما رأیت فیهم عامر بن فهیرة مولی أبی بکر الصدّیق و کان قد قتله رجل من بنی کلاب قال أی رجل هو فیکم قال من أفضلنا و أوّل المسلمین من أصحاب رسول اللّه قال لما قتل رأیته رفع الی السماء* و عن عروة انّ عامر بن الطفیل کان یقول من رجل منهم لما قتل و فی أسد الغابة قال عامر بن الطفیل لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما قدم علیه من الرجل الذی لما قتل رأیته رفع بین السماء و الارض حتی رأیت السماء دونه قال هو عامر بن فهیرة کذا فی معالم التنزیل* و فی شرح صحیح البخاری للکرمانی قال عروة طلب عامر یومئذ فی القتلی فلم یوجد قال و یرون أن الملائکة دفنته أو رفعته* و روی عن جبار بن سلمی قاتل عامر بن فهیرة أنه قال لما طعنته بالرمح و أنفذته سمعته قال فزت و اللّه و رأیته رفع الی السماء* و فی معجم ما استعجم أنه أخذ من رمحی و صعد به فانطلقت الی ضحاک بن سفیان الکلابی و حکیت له قول عامر بن فهیرة فزت و اللّه قال ضحاک ان مقصوده انک فزت بالجنة فعرض ضحاک علیّ الاسلام فأسلمت و کان ما رأیته سببا لاسلامی* و فی الاکتفاء و کان جبار بن سلمی یقول انّ مما دعانی الی الاسلام انی طعنت رجلا منهم بالرمح بین کتفیه فنظرت الی سنان الرمح حین خرج من صدره فسمعته یقول فزت و اللّه فقلت فی نفسی ما فاز أ لست قد قتلت الرجل حتی سألت بعد ذلک عن قوله فقالوا الشهادة فقلت فاز لعمر اللّه* و نقل انّ الضحاک بن سفیان کتب الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یخبره باسلام جبار و بما رآه من رفع عامر ابن فهیرة الی السماء قال دفنته ملائکة الجنة و رفع روحه الی علیین* و فی صحیح مسلم عن أنس دعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی الذین قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثین صباحا و فی المنتقی أربعین یدعو علی رعل و ذکوان و بنی لحیان و عصیة الذین عصوا اللّه و رسوله* قال أنس أنزل اللّه فی الذین قتلوا یوم بئر معونة قرآنا قرأناه ثم نسخ بعد أی نسخت تلاوته و هو بلغوا عنا قومنا انا قد لقینا ربنا فرضی عنا و رضینا عنه* و فی روایة عنه و أرضانا انتهی کذا وقع فی هذه الروایة و هو یوهم ان بنی لحیان ممن أصاب القراء یوم بئر معونة و لیس کذلک و انما أصاب هؤلاء رعل و ذکوان و عصیة و من صحبهم من سلیم و أمّا بنو لحیان فهم الذین أصابوا بعث الرجیع و انما أتی الخبر الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عنهم کلهم فی وقت واحد فدعا علی الذین أصابوا أصحابه فی الموضعین دعاء واحدا و اللّه أعلم کذا فی المواهب اللدنیة* روی انهم لما أسروا عمرو بن أمیة و أتوا به الی عامر بن الطفیل و أخبر انه من ضمرة أطلقه و جز ناصیته و أعتقه عن رقبة زعم انها کانت علی أمّه فقدم عمرو علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأخبره الخبر قال هذا عمل أبی براء قد کنت لهذا کارها متخوّفا* روی ان ربیعة بن أبی براء بعد موت أبیه طعن عامر بن الطفیل فقتله کذا فی معالم التنزیل* و فی روایة طعنه فی نادی قومه حتی أشرف علی الهلاک فقال ان عشت فلا أبالی بذلک و ان مت فدمی لعمی فعاش بعد ذلک حتی ابتلی بغدة کغدة البعیر و مات کافرا و یجی‌ء فی الموطن العاشر* و فی معالم التنزیل قتل المنذر بن عمرو و أصحابه الا ثلاثة نفر کانوا فی طلب ضالة لهم أحدهم عمرو
بن أمیة الضمری فلم یرعهم الا الطیر تحوم فی السماء یسقط من بین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:454
خراطیمها علق الدم فقال أحد النفر الثلاثة قتل أصحابنا ثم تولی یشتد حتی لقی رجلا فاختلفا ضربتین فلما خالطه الضربة رفع طرفه الی السماء و فتح عینیه و قال اللّه أکبر الجنة و رب العالمین و رجع صاحباه فلقیا رجلین من بنی سلیم و کان بین النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و بین قومهما موادعة فانتسبا الی بنی عامر فقتلاهما* و فی الاکتفاء فخرج عمرو بن أمیة حتی اذا کان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بنی عامر حتی نزلا معه فی ظلّ هو فیه فسألهما ممن أنتما فقالا من بنی عامر فأمهلهما حتی اذا ناما عدا علیهما فقتلهما و هو یری انه قد أصاب بهما ثؤرة من بنی عامر فیما أصابوه من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان مع العامریین عقد من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و جوار و لم یعلم به عمرو بن أمیة و لما قدم المدینة و أخبر النبیّ خبر أصحابه و خبر قتل الرجلین لامه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قال قتلت قتیلین کان لهما منی جوار لأدینهما فقدم الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قومهما فی دیتهما فخرج فیها الی بنی النضیر و ستجی‌ء غزوة بنی النضیر بعد وقعة الرجیع*

سریة عاصم بن ثابت الی الرجیع‌

و فی صفر هذه السنة وقعت وقعة الرجیع و هی سریة عاصم بن ثابت* الرجیع بفتح الراء و کسر الجیم ماء لهذیل و لبنی لحیان ببلاد هذیل بین مکة و عسفان بناحیة الحجاز علی سبعة أمیال من الهدة کانت الوقعة بقرب منه فسمیت به کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الصفوة کان یوم الرجیع علی رأس ستة و ثلاثین شهرا من الهجرة و ذکرها فی الوفاء فی السنة الرابعة بعد بئر معونة کما فی هذا الکتاب و قال ثم کانت غزوة الرجیع فی صفر و کانت بئر معونة أوّلها فی المحرم علی ما ذکروا اللّه أعلم*

(ذکر عضل و القارة)

* عضل بفتح المهملة و المعجمة بعدها لام بطن من بنی الهون بن خزیمة بن مدرکة بن الیاس بن مضر ینسبون الی عضل بن الدیش و القارة بالقاف و تخفیف الراء بطن من الهون أیضا ینسبون الی الدیش المذکور* قال ابن درید القارة أکمة سوداء فیها حجارة کأنهم نزلوا عندها فسموا بها کذا فی المواهب اللدنیة و قصة عضل و القارة کانت فی بعث الرجیع لا فی سریة بئر معونة و قد فصل بینهما ابن اسحاق فذکر بعث الرجیع فی أواخر سنة ثلاث و بئر معونة فی أوائل سنة أربع* و ذکر الواقدی ان خبر بئر معونة و خبر اصحاب الرجیع جاء الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی لیلة واحدة و سیاق ترجمة البخاری یوهم ان بعث الرجیع و بئر معونة شی‌ء واحد و لیس کذلک لانّ بعث الرجیع کان سریة عاصم و خبیب و اصحابهما و هی مع عضل و القارة و بئر معونة کانت سریة القراء و هی مع رعل و ذکوان و کانّ البخاری أدمجها معها لقربها منها و یدل علی قربها منها ما فی حدیث أنس من تشریک النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بین بنی لحیان و بین بنی عصیة و غیرهم فی الدعاء و لم یرد البخاری انهما قصة واحدة و لم یقع ذکر عضل و القارة عنده صریحا و انما وقع ذلک عند ابن اسحاق فانه بعد أن استوفی قصة أحد قال ذکر یوم الرجیع حدّثنی عاصم بن عمرو بن قتادة قال قدم علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعد أحد رهط من عضل و القارة فقالوا یا رسول اللّه انّ فینا اسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابک یفقهوننا فبعث معهم ستة من اصحابه* و فی روایة بعث معهم عشرة من اصحابه أسامی سبعة منهم معلومة فی کتب الاحادیث و السیر و هم عاصم بن ثابت و مرثد بن ابی مرثد الغنوی و خبیب بن عدی و زید بن الدثنة و عبد اللّه بن طارق و خالد بن أبی البکیر و معتب بن عبید و أمّا الثلاثة الأخر فکأنهم لم یکونوا من مشاهیر القوم و أعیانهم و أصولهم و لذا لم یکن الاهتمام بضبط أسمائهم و أمر علیهم مرثد بن أبی مرثد الغنوی کذا فی بعض کتب السیر* و فی الصحیح و أمر علیهم عاصم بن ثابت و هو اصح فخرجوا مع القوم حتی اذا اتوا علی الرجیع ماء لهذیل غدروا بهم فاستصرخوا علیهم هذیلا فلم یرع القوم و هم فی رحالهم الا الرجال بأیدیهم السیوف و قد غشوهم فأخذوا أسیافهم لیقاتلوا القوم فقالوا لهم انا و اللّه ما نرید قتلکم و لکنا نرید أن نصیب بکم شیئا من أهل مکة و لکم عهد اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:455
و میثاقه أن لا نقتلکم فأبوا و أمّا مرثد و خالد و عاصم بن ثابت فقالوا و اللّه لا نقبل من مشرک عهدا و قاتلوا حتی قتلوا* و فی البخاری و أمر علیهم عاصم بن ثابت حتی اذا کانوا بالهدة بین عسفان و مکة یقال منها الی عسفان سبعة أمیال ذکروا لحی من هذیل یقال لهم بنو لحیان فنفروا لهم بقریب من مائتی رجل و عند بعضهم فتبعوا لهم بقریب من مائة رام و الجمع بینهما واضح و هو أن تکون المائة الاخری غیر رماة* و فی روایة ابی معشر فی مغازیه فنزلوا بالرجیع سحرا فاکلوا تمر عجوة فسقط نواه بالارض و کانوا یسیرون باللیل و یکمنون بالنهار فجاءت امرأة من هذیل ترعی غنما فرأت النوی فأنکرت صغرهنّ و قالت هذا تمر یثرب فصاحت فی قومها أتیتم فجاءوا فی طلبهم فوجدوهم کمنوا فی الجبل فاتبعوا آثارهم حتی لحقوهم* و فی روایة ابن سعد فلما أحس بهم عاصم و أصحابه لجئوا الی فدفد بفاءین مفتوحتین و مهملتین الاولی ساکنة و هی الرابیة المشرفة فأحاط بهم القوم فقالوا لکم العهد و المیثاق ان نزلتم إلینا أن لا نقتل منکم رجلا فقال عاصم بن ثابت أیها القوم امّا أنا فلا أنزل فی ذمّة کافر و لا أقبل جوار مشرک و لا أضع یدی فی ید مشرک نذرت بذلک و أشهدت اللّه علیه ثم قال اللهمّ أخبر عنا رسولک فاستجاب اللّه لعاصم فأخبر رسوله خبرهم یوم أصیبوا فرماهم بالنبل و جعل یقاتل و یقول
ما علتی و أنا جلدنا بل‌و القوس فیها وتر عنابل
تزل عن صفحتها المعابل‌ان لم أقاتلکم فأمی هابل
الموت حق و الحیاة باطل‌و کل ما حمّ الاله نازل
بالمرء و المرء إلیه آئل
فرماهم بالنبل حتی فنیت نبله*

کرامة عاصم فی حفظ جثته بعد استشهاده‌

و فی روایة نثر عاصم کنانته فیها سبعة أسهم فقتل بکل سهم رجلا من عظماء المشرکین ثم طاعنهم حتی انکسر رمحه ثم سل سیفه و قال اللهمّ انی حمیت دینک صدر النهار فاحم لحمی آخره* و فی الصفوة فجرح رجلین و قتل واحدا و قتلوه بالنبل فقالوا هذا الذی آلت فیه المکیة و هی سلافة فأرادوا أن یحتزوا رأسه لیذهبوا به إلیها فبعث اللّه مثل الظلة من الدبر بفتح المهملة و سکون الموحدة أی الزنابیر فحمته فلم یستطیعوا أن یحتزوا رأسه فقالوا أمهلوه حتی یمسی فتذهب عنه فلما أمسی أرسل اللّه سیلا فحمله الی حیث أراد اللّه فسمی حمی الدبر و ذلک یوم الرجیع* و فی معالم التنزیل فاحتمل السیل عاصما فذهب به الی الجنة و حمل خمسین من المشرکین الی النار* و فی حیاة الحیوان ان المشرکین لما قتلوه أرادوا أن یمثلوا به فحماه اللّه بالدبر فارتدعوا عنه حتی أخذه المسلمون فدفنوه* و عن عمر بن الخطاب قال ان عاصما نذر أن لا یمس مشرکا فلما و فی بنذره عصمه اللّه تعالی عن مساس المشرکین ایاه فصار عاصم معصوما* روی ان قریشا بعثت الی عاصم لیؤتوا بشی‌ء من جسده یعرفونه فلم یظفروا منه علی شی‌ء و کان عاصم قتل عظیما من عظمائهم یوم بدر و لعلّ العظیم المذکور عقبة بن أبی معیط فانّ عاصما قتله صبرا بأمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعد ان انصرفوا من بدر و وقع عند ابن اسحاق و کذا فی روایة یزید بن أبی سفیان انّ عاصما لما قتل أرادت هذیل أخذ رأسه لیبیعوه من سلافة بنت سعید و هی أمّ مسافع و جلاس ابنی طلحة العبدری و کان عاصم قتلهما یوم أحد و کانت قد نذرت حین أصاب ابنیها یوم أحد لئن قدرت علی رأس عاصم لتشربن الخمر فی قحفه* قال الطیری و جعلت لمن جاء برأسه مائة ناقة فمنعه الدبر أی الزنابیر فلم یقدروا منه علی شی‌ء و کان عاصم قد أعطی اللّه العهد أن لا یمسه مشرک و لا یمس مشرکا و کان عمر لما بلغه خبره یقول یحفظ اللّه العبد المؤمن بعد وفاته کما حفظه فی حیاته و انما استجاب اللّه له فی حمایة لحمه من المشرکین و لم یمنعه من قتله لما أراد اللّه من اکرامه بالشهادة و من کرامته حمایته من هتک حرمته بقطع لحمة* و أمّا الستة الأخر فاقتدوا بعاصم فقاتلوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:456
حتی قتلوا بالنبل و نزل ثلاثة منهم علی العهد و المیثاق و لم یف الکفار بعهدهم و هم خبیب بن عدی و عبد اللّه بن طارق و زید بن الدثنة بفتح الدال المهملة و کسر المثلثة و فتح النون المشدّدة فأسروا فلما استمکنوا منهم أطلقوا أوتار قسیهم فربطوهم بها* قال عبد اللّه هذا أوّل الغدر و اللّه لاصبحتکم انّ لی بهؤلاء أسوة یعنی القتلی فجروه و عالجوه فأبی أن یصحبهم فقتلوه کذا فی الصفوة و المنتقی* و فی روایة خرجوا بالنفر الثلاثة حتی اذا کانوا بمر الظهران انتزع عبد اللّه یده من رباطه و أخذ سیفه و جعل یشتدّ فیهم فرموه بالحجارة حتی قتلوه فقبره بمر الظهران کذا ذکره فی الصفوة فانطلقوا بخبیب و زید بن الدثنة حتی باعوهما بمکة أمّا خبیب فاشتراه بنو الحارث بن عامر بن نفیل بمائة ابل و قیل اشتروه بأمة سوداء و قیل فادوا به أسیرین من هذیل کانا بمکة و کان خبیب قتل الحارث یوم بدر* و فی المنتقی اشتری خبیبا حجیر بن أبی اهاب لابن أخته عقبة بن الحارث لیقتله بأبیه* و أمّا زید بن الدثنة فاشتراه صفوان بن أمیة بخمسین رأسا لیقتله بأبیه و کان قتل یوم بدر و قیل اشترک جماعة فی ابتیاعه و قیل حین أتوا بهما الی مکة کان ذا القعدة فحبسوا کل واحد منهما فی مکان علی حدة حتی تخرج الاشهر الحرم فیقتلوهما فلبث خبیب عندهم أسیرا حتی أجمعوا علی قتله و تخرج الاشهر الحرم فاستعار من بعض بنات الحارث موسی یستحدّ بها یعنی یحلق عانته فأعارته فدرج بنی لها و هی غافلة حتی أتاه فوجدته مجلسه علی فخذه* و فی روایة فغفلت عن ابن لها صغیر فأقبل إلیه الصبیّ فأجلسه عنده و الموسی بیده ففزعت فزعة عرفها خبیب فقال أ تخشین أن أقتله ما کنت لا فعل ذلک قالت و اللّه ما رأیت أسیرا قط خیرا من خبیب و اللّه لقد وجدته یوما یأکل قطفا من عنب فی یده مثل رأس الرحل و انه لموثق بالحدید و ما بمکة ثمرة و ما کان إلّا رزق رزقه اللّه خبیبا و هذه کرامة جعلها اللّه تعالی لخبیب و آیة علی الکفار و برهان لنبیه لتصحیح رسالته*

دقیقة فی أنّ الکرامة ثابتة للاولیاء

و الکرامة للاولیاء ثابتة مطلقا عند أهل السنة و لکن استثنی بعض المحققین منهم کالعالم الربانی أبی القاسم القشیری ما وقع به التحدی لبعض الأنبیاء قال و لا یصلون الی مثل ایجاد ولد من غیر أب و نحو ذلک و هذا أعدل المذاهب فی ذلک و ان اجابة الدعوة فی الحال و تکثیر الطعام و المکاشفة بما یغیب عن العین و الاخبار بما سیأتی و نحو ذلک قد کثر جدّا حتی صار وقوع ذلک ممن ینسب الی الصلاح کالعادة فانحصر الخارق الآن فی نحو ما قاله القشیری و تعین تقیید ما أطلق بان کل معجزة وجدت لنبیّ تجوز أن تقع کرامة لولی و وراء ذلک ان الذی استقرّ عند العامّة ان خرق العادة یدل علی ان من وقع له ذلک یکون من أولیاء اللّه و هو غلط فانّ الخارق قد یظهر علی ید المبطل من ساحر و کاهن و راهب فیحتاج من یستدلّ بذلک علی ولایة أولیاء اللّه الی فارق و أولی ما ذکروه أن یختبر حال من وقع له فان کان متمسکا بالاوامر الشرعیة و النواهی کان علامة علی ولایته و من لا فلا و اللّه أعلم و قد مرّ نحوه فی أوائل الکتاب* و لما انسلخ الاشهر الحرم أخرجوا خبیبا و زیدا من الحرم الی التنعیم لیقتلوهما فی الحل و نصبوا خشبة و حضر أکثر أهل مکة و اجتمع خبیب و زید فی الطریق فتواصوا بالصبر و الثبات علی ما یلحقهما من المکاره قال لهم خبیب دعونی أرکع رکعتین فترکوه فرکع رکعتین و قال و اللّه لو لا أن تحسبوا أن ما بی جزع لزدت و عند موسی بن عقبة انه صلاهما فی موضع مسجد التنعیم و قال اللهمّ أحصهم عددا و اقتلهم بددا یعنی متفرّقین و لا تبق منهم أحدا فلم یحل الحول و منهم أحد حیّ کذا فی المواهب اللدنیة* قال معاویة بن أبی سفیان کنت فیمن حضر قتل خبیب و لقد رأیت أبا سفیان حین دعا خبیب اللهمّ أحصهم عددا یلقینی الی الارض فرقا من دعوته و کانوا یقولون ان الرجل اذا دعا علیه أحد فاضطجع زلت عنه الدعوة* و قال حویطب بن عبد العزی جعلت اصبعی فی أذنی و هربت من ذلک المکان* و قال حکیم بن حزام تخبأت وراء شجرة أو قال بأصل شجرة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:457
و عن ابن اسحاق أنه قال أکثر الذین حضروا قتل خبیب ابتلوا ببلاء و کان ممن حضره یومئذ سعد بن عامر بن جذیم الجمحی ثم اسلم و استعمله عمر بن الخطاب علی بعض الشأم و یروی علی حمص و کان تصیبه غشیة بین ظهری القوم فذکر ذلک لعمر و قیل ان الرجل مصاب فسأله عمر فی قدمة قدمها علیه فقال یا سعد ما هذا الذی یصیبک قال و اللّه یا امیر المؤمنین ما بی من بأس و لکننی کنت فیمن حضر خبیب بن عدی حین قتل و سمعت دعوته فو اللّه ما خطرت علی قلبی و أنا فی مجلس قط الا و غشی علیّ فزادته عند عمر خیرا* و فی روایة بریدة بن سفیان قال خبیب اللهم انی لا اجد من یبلغ رسولک منی السلام فبلغه* و فی روایة أبی الاسود عن عروة جاء جبریل الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأخبره بذلک الحدیث ثم أنشأ خبیب یقول
فلست أبالی حین اقتل مسلماعلی ایّ شق کان للّه مصرعی
و ذلک فی ذات الاله و ان یشأیبارک علی أوصال شلو ممزع
الی اللّه أشکو غربتی بعد کربتی‌و ما أرصد الاحزاب لی عند مصرعی و ساق ابن اسحاق هذه الابیات ثلاثة عشر بیتا قال ابن هشام و من الناس من ینکرها لخبیب و الاوصال جمع وصل و هو العضو و الشلو بکسر المعجمة الجسد و یطلق علی العضو لکن المراد به هاهنا الجسد کذا فی المواهب اللدنیة قال أبو هریرة کان خبیب أوّل من سنّ الرکعتین عند القتل لکل مسلم قتل صبرا لانه فعله فی حیاته صلّی اللّه علیه و سلم فاستحسن ذلک من فعله و قررها و استحسن المسلمون فبقی سنة و الصلاة خیر ما ختم به عمل العبد

دعاء زید بن حارثة و استجابته‌

و قد صلّی هاتین الرکعتین زید بن حارثة مولی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و ذلک فی حیاته علیه السلام کما روی السهیلی بسنده الی اللیث بن سعد قال بلغنی أن زید ابن حارثة اکتری بغلا من رجل بالطائف اشترط علیه المکری أن ینزله حیث شاء قال فمال به الی خربة فقال له انزل فنزل فاذا فی الخربة قتلی کثیرة قال فلما أراد أن یقتله قال له دعنی أصلّ رکعتین قال صلّ فقد صلّی قبلک هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شیئا قال فلما صلیت أتانی لیقتلنی فقلت یا ارحم الراحمین قال فسمعت صوتا لا تقتله فهاب ذلک فخرج یطلب فلم یر شیئا فرجع الیّ فنادیت یا ارحم الراحمین فعل ذلک ثلاثا فاذا بفارس علی فرس فی یده حربة من حدید و فی رأسها شعلة نار فطعنه بها فأنفذ من ظهره فوقع میتا ثم قال لما دعوت المرّة الاولی یا أرحم الراحمین کنت فی السماء السابعة فلما دعوت الثانیة یا ارحم الراحمین کنت فی السماء الدنیا فلما دعوت الثالثة أتیتک انتهی* و فی سیرة مغلطای ذکر بعضهم ان هذه القصة وقعت لاسامة بن زید و الصواب زید بن حارثة والد أسامة و وقع فی روایة أبی الاسود عن عروة فلما وضعوا السلاح فی خبیب و هو مصلوب نادوه و ناشدوه أ تحب ان محمدا مکانک قال لا و اللّه ما احب أن یفدینی بشوکة فی قدمه و سیجی‌ء مثل هذا لزید بن الدثنة و لا مانع من التعدّد قال سعید بن عامر بن جذیم قد بضعت قریش لحم خبیب ثم حملوه علی جذعة بحیث کان وجهه الی المدینة قال لا یضرّنی صرف وجهی عن الکعبة فان اللّه تعالی قال فأینما تولوا فثمّ وجه اللّه فقالوا له ارجع عن دین محمد فقال لا ارجع أبدا قالوا و اللات و العزی ان لم ترجع نقتلک قال ان قتلی فی اللّه لقلیل ثم قال اللهم انک تعلم انه لیس أحد حوالیّ أن یبلغ رسولک سلامی فابلغه سلامی قال زید بن أسلم کنت فی جماعة عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اذ ظهر علیه أثر الوحی فقال و علیک السلام و رحمة اللّه و برکاته ان قریشا قتلوا خبیبا و هذا جبریل أتی بسلامه* و فی الاکتفاء زعموا أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال و هو جالس فی ذلک الیوم الذی قتلا فیه و علیکما أو و علیک السلام خبیب قتلته قریش لا ندری أ ذکر ابن الدثنة معه أم لا ثم ان قریشا طلبوا جماعة ممن قتل آباؤهم و أقرباؤهم ببدر فاجتمع اربعون منهم بأیدیهم الرماح
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:458
و الحراب و قالوا لهم ان هذا الرجل قتل آباءکم فطعنوه بالحراب و الرماح فتحرّک خبیب علی الخشبة فانقلب وجهه الی الکعبة فقال الحمد للّه الذی جعل وجهی نحو قبلته التی رضی لنفسه و لنبیه و للمؤمنین* و فی الکشاف صلبه أهل مکة و جعلوا وجهه الی المدینة فقال اللهم ان کان لی عندک خیر فحوّل وجهی نحو قبلتک فحوّل اللّه وجهه نحوها فلم یستطع أحد أن یحوّله فقام إلیه أبو سروعة عقبة بن الحارث فطعنه فی صدره حتی أنفذ من ظهره فعاش ساعة و به رمق فأقر فیها بالتوحید و بنبوّة محمد صلی اللّه علیه و سلم ثم مات رضی اللّه عنه و له کرامات کثیرة یطول الکتاب بذکرها ثم أسلم أبو سروعة و روی الحدیث و له فی صحیح البخاری ثلاثة أحادیث ثم أتی بزید بن الدثنة الی الخشبة فاقتدی بخبیب فصلی رکعتین فحملوه علی الخشبة و قالوا له مثل ما قالوا لخبیب من الرجوع عن الدین و التخویف بالقتل فأجابهم بمثل ما أجابهم خبیب* و فی الصفوة و حضر نفر من قریش فیهم أبو سفیان فقال قائل یا زید أنشدک اللّه أ تحب أنک الآن فی أهلک و مالک و أن محمدا عندنا مکانک و یقال ان الذی قال ذلک لزید أبو سفیان قال و اللّه ما أحب أن محمدا یشاک فی مکانه شوکة تؤذیه و أنا جالس فی أهلی فقال ابو سفیان و اللّه ما رأیت من قوم قط أشدّ حبا لصاحبهم من أصحاب محمد له* و فی روایة قال ابو سفیان ما رأیت من الناس أحدا یحب أحدا کحب أصحاب محمد محمدا فقتله نسطاس بکسر النون عبد صفوان بن أمیة و قد مرّ مثل هذا الخبیب* روی ان اللحیانیین ذهبوا الی سلافة بنت سعید لطلب الابل المائة التی جعلتها علی قتل عاصم فأبت و قالت جعلتها لمن یأتینی برأسه أو رأس واحد ممن قتل ابنی و ما أتیتم به فرجعوا خائبین خاسرین و روی أن المشرکین ترکوا خبیبا علی الخشبة لیراه الوارد و الصادر فیذهب بخبره الی الاطراف و لما بلغ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الخبر قال أیکم یختزل خبیبا عن خشبته و له الجنة قال الزبیر بن العوّام أنا یا رسول اللّه و صاحبی المقداد بن الاسود فخرجا من المدینة یمشیان و یسیران باللیل و یکمنان بالنهار حتی أتیا التنعیم لیلا و اذا حول الخشبة أربعون من المشرکین نیام نشاوی فأنزلاه فاذا هو رطب یتثنی لم یتغیر منه شی‌ء بعد أربعین یوما و یده علی جراحته و هی تبض دما اللون لون الدم و الریح ریح المسک فحمله الزبیر علی فرسه و سارا فانتبه الکفار و قد فقدوا خبیبا فأخبروا قریشا فرکب منهم سبعون رجلا فلما لحقوا بهما قذف الزبیر خبیبا فابتلعته الارض فسمی بلیع الارض فقال الزبیر ما جرّأکم علینا یا معشر قریش ثم رفع العمامة عن رأسه فقال أنا الزبیر بن العوام و أمی صفیة بنت عبد المطلب و صاحبی المقداد بن الاسود أسدان رابضان حامیان حافظان یدفعان عن شبلهما فان شئتم ناضلتکم و ان شئتم نازلتکم و ان شئتم انصرفتم فانصرفوا الی مکة و قدما علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و جبریل عنده فقال یا محمد ان الملائکة تباهی بهذین من أصحابک فنزل فیهما و من الناس من یشری نفسه ابتغاء مرضات اللّه الآیة و قیل نزلت فی علیّ حین نام علی فراش رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیلة الغار کما مرّ فی معالم التنزیل* و قال الاکثرون نزلت فی صهیب بن سنان الرومی أخذه المشرکون فی رهط من المؤمنین یعذبونه فقال لهم صهیب انی شیخ کبیر لا یضرکم أمنکم کنت أو من غیرکم فهل لکم أن تأخذوا ما لی و تذرونی و دینی ففعلوا* و فی الصفوة عن عمرو بن أمیّة الضمری ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعثه وحده عینا الی قریش قال فجئت الی خشبة خبیب و أنا أتخوّف العیون فرقیت فیها فحللت خبیبا فوقع الی الارض فانتبذت عنه بعیدا ثم التفت فلم أر خبیبا و لکأنما ابتلعته الارض فلم یر لخبیب أثر حتی الساعة*

بعث عمرو بن أمیة الی أبی سفیان بن حرب‌

و فی هذه السنة کان بعث عمرو بن أمیة الضمری الی أبی سفیان بن حرب بمکة* فی الاکتفاء بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عمرو بن أمیة الضمری بعد مقتل خبیب و أصحابه الی مکة و أورد فی المواهب اللدنیة و سیرة مغلطای بعث عمرو بن أمیة فی السنة السادسة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:459
بعد سریة کرز بن جابر و قبل الحدیبیة کما سیجی‌ء و أمره أن یقتل أبا سفیان بن حرب و بعث معه جبار ابن صخر الانصاری أو سلمة بن أسلم فخرجا حتی قدما مکة و حبسا جملیهما بشعب من شعاب یأجج ثم دخلا مکة لیلا فقال جبار لعمر و لو أنا طفنا بالبیت و صلینا رکعتین فقال عمرو ان القوم اذا تعشوا جلسوا بأفنیتهم فقال کلاهما ان شاء اللّه قال عمرو فطفنا بالبیت و صلینا ثم خرجنا نرید أبا سفیان فو اللّه انا لنمشی بمکة اذ نظر الیّ رجل من أهل مکة فعرفنی فقال عمرو بن أمیة و اللّه ان قدومهما الا لشرّ فقلت لصاحبی النجاء فخرجنا نشتدّ حتی صعدنا فی الجبل و خرجوا فی طلبنا حتی اذا علونا الجبل یئسوا منا فرجعوا فدخلنا کهفا فی الجبل فبتنا و قد أخذنا حجارة فرضمناها دوننا فلما أصبحنا غدا رجل من قریش یسوق فرسا و یخلی علیها فغشینا و نحن فی الغار فقلت ان رآنا صاح بنا فأخذنا فقتلنا قال و معی خنجر أعددته لابی سفیان فخرجت إلیه فضربته علی ثدیه فصاح صیحة أسمع أهل مکة و رجعت و دخلت مکانی و جاءه الناس یشتدّون و هو بآخر رمق فقالوا من ضربک فقال عمرو بن أمیة الضمری و غلبه الموت فمات مکانه و لم یدلل علی مکاننا فاحتملوه فقلت لصاحبی لما أمسینا النجاء فخرجنا لیلا من مکة نرید المدینة فمررنا بالحرس و هم یحرسون جیفة خبیب بن عدی فقال أحدهم و اللّه ما رأیت کاللیلة أشبه بمشیة عمرو ابن أمیة الضمری لو لا انه بالمدینة لقلت انه عمرو بن أمیة فلما حاذی عمرو الخشبة شدّ علیها فاحتملها و خرج هو و صاحبه یشتدّان و خرجوا وراءه حتی أتی جرفا بمهبط یاجج فرمی بالخشبة فغیبه اللّه عنهم فلم یقدروا علیه قال عمرو بن أمیّة و قلت لصاحبی النجاء حتی تأتی بعیرک فتقعد علیه فانی شاغل عنک القوم و کان الانصاری لا راحلة له قال و مضیت حتی خرجت علی صجنان ثم أویت الی جبل فدخلت کهفا فبینا أنا فیه دخل علیّ شیخ من بنی الدیل أعور فی غنیمة فقال من الرجل قلت من بنی بکر فمن أنت قال من بنی بکر قلت مرحبا فاضطجع ثم رفع عقیرته فقال
و لست بمسلم ما دمت حیاو لا دان لدین المسلمینا فقلت فی نفسی ستعلم فأمهلته حتی اذا نام أخذت قوسی فجعلت سیتها فی عینه الصحیحة ثم تحاملت علمیه حتی بلغت العظم ثم خرجت النجاء حتی جئت العرج ثم سلکت رکونة حتی اذا هبطت البقیع اذا رجلان من قریش من المشرکین کانت قریش بعثتهما عینا الی المدینة ینظران و یتجسسان فقلت استأسرا فأبیا فرمیت أحدهما بسهم فقتلته و استأسرت الآخر فأوثقته رباطا و قدمت به المدینة هذا ما فی الاکتفاء* و قد مرّ أن القسطلانی أورد فی المواهب اللدنیة بعث عمرو بن أمیة الضمری الی أبی سفیان فی السنة السادسة بعد سریة کرز بن جابر و قبل الحدیبیة و قال بعد ذکر سریة کرز بن جابر ثم سریة عمرو بن أمیة الضمری الی أبی سفیان بن حرب بمکة لانه أرسل الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من یقتله من العرب غدرا فأقبل الرجل و معه خنجر لیغتاله فلما رآه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال ان هذا لیرید غدرا فلما دنا قال أین ابن عبد المطلب قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنا ابن عبد المطلب فأقبل إلیه کأنه یسارّه فجذبه أسید بن حضیر بداخلة ازاره فاذا بالخنجر فسقط فی یده فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أصدقنی ما أنت قال و أنا آمن قال نعم فأخبره بخبره فخلی عنه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأسلم الرجل و أقام بالمدینة أیاما ثم استأذن و ذهب الی بلاده و لم یعرف بعد ذلک خبره و بعث رسول اللّه عمرو بن أمیة و معه سلمة بن أسلم و یقال جبار بن صخر الی أبی سفیان و قال ان أصبتما منه غرة فاقتلاه فمضی عمرو بن أمیة یطوف بالبیت لیلا فرآه معاویة بن أبی سفیان فأخبر قریشا بمکانه فخافوه و طلبوه و کان فاتکا فی الجاهلیة فحشد له أهل مکة و تجمعوا فهرب عمرو و سلمة فلقی عمرو عبید اللّه بن مالک التیمی فقتله و قتل آخر و لقی رسولین لقریش بعثتهما یتجسسان الخبر فقتل أحدهما و أسر الآخر فقدم به المدینة فجعل عمر و یخبر رسول اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:460
خبره و هو صلّی اللّه علیه و سلم یضحک*

غزوة بنی النضیر

و فی هذه السنة وقعت غزوة بنی النضیر بفتح النون و کسر الضاد المعجمة قبیلة کبیرة من الیهود فی ربیع الاوّل سنة أربع و ذکر ابن اسحاق هناک* قال السهیلی و کان ینبغی أن یذکرها بعد بدر لما روی عقیل بن خالد و غیره عن الزهری قال کانت غزوة بنی النضیر علی رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد و رجح الداودی ما قاله ابن اسحاق من أن غزوة بنی النضیر بعد بئر معونة کذا فی المواهب اللدنیة و کانت منازلهم بناحیة الفرع و ما یقربها بقریة یقال لها زهرة و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حین قدم المدینة صالحه بنو النضیر علی أن لا یقاتلوه و لا یقاتلوا معه* و لما غزا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بدرا و ظهر علی المشرکین قالت بنو النضیر و اللّه انه النبیّ الذی وجدنا نعته فی التوراة لا تردّ له رایة فلما غزا أحدا و هزم المسلمون ارتابوا و أظهروا العداوة لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و المسلمین و نقضوا العهد الذی کان بینهم و بین رسول اللّه و رکب کعب بن الاشرف فی أربعین من الیهود فأتوا قریشا* و دخل أبو سفیان المسجد الحرام فی أربعین من قریش و کعب فی أربعین من الیهود و أخذ بعضهم علی بعض المیثاق بین الاستار و الکعبة ثم رجع کعب و أصحابه الی المدینة فنزل جبریل و أخبر النبیّ بما عاقد علیه کعب و أبو سفیان فأمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بقتل کعب بن الاشرف فقتله محمد بن مسلمة* و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اطلع منهم علی خیانة حین اتاهم یستعینهم فی دیة الرجلین اللذین قتلهما عمرو بن أمیة الضمری فی منصرفه من بئر معونة فهموا بطرح حجر علیه من فوق الحصن فعصمه اللّه و أخبره بذلک جبریل کما سیجی‌ء الآن کذا فی المدارک و معالم التنزیل و اللفظ له* و فی المنتقی ثم ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خرج یوم السبت و صلّی فی مسجد قباء و معه نفر من أصحابه منهم أبو بکر و عمرو علی و الزبیر و طلحة و سعد بن معاذ و أسید بن حضیر و سعد بن عبادة ثم أتی منازل بنی النضیر و کلمهم فی دیة الرجلین من بنی سلیم اللذین قتلهما عمرو بن أمیة الضمری و یستعینهم فی عقلهما و کانوا قد عاهدوا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی ترک القتال و علی أن یعینوه فی الدیات کما مرّ و کان لهم حلف مع بنی عامر قالوا نعم یا أبا القاسم قد آن لک أن تأتینا و تسألنا حاجة اجلس حتی نطعمک و نعطیک الذی تسألنا فجلس رسول اللّه الی حدار یهودی و جلس أصحابه فهمّ الیهودی بالغدر فخلا بعض الی بعض قالوا انکم لن تجدوا محمدا أقرب منه الآن فمن یظهر علی هذا البیت و یطرح علیه صخرة فیریحنا منه فقال عمرو بن جحاش انا قیل کان ذلک باشارة من حیی بن أخطب فقال سلام بن مشکم لا تفعلوا و اللّه لیخبرن بما هممتم به فجاء عمرو بن جحاش الی رحی عظیمة لیطرحها علیه فأمسک اللّه یده و عصمه و جاء جبریل فأخبره فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم راجعا الی المدینة ثم دعا علیا و قال لا تبرح مقامک فمن خرج علیک من أصحابی فسألک عنی فقل توجه الی المدینة ففعل ذلک علیّ حتی انصبوا إلیه ثم تبعوه و لحقوا به کذا فی المنتقی* و فی الاکتفاء خرج راجعا الی المدینة و ترک أصحابه فی مجلسهم فلما استلبث النبیّ أصحابه قاموا فی طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدینة فسألوه عنه فقال لقیته داخلا المدینة فأقبلوا حتی انتهوا إلیه فقالوا قمت و لم تشعرنا یا رسول اللّه فقال همت یهود بالغدر فأخبرنی اللّه بذلک فقمت* و بعث إلیهم رسول اللّه محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدتی و لا تساکنونی و قد هممتم بما هممتم به و قد أجلتکم عشرا فمن رؤی منکم بعد ذلک ضربت عنقه فمکثوا أیاما یتجهزون و تکاروا من اناس ابلا و أرسل إلیهم عبد اللّه بن أبیّ ابن سلول لا تخرجوا و أقیموا فان معی ألفین من قومی و غیرهم یدخلون حصونکم فیموتون عن آخرهم معکم و تمدّکم قریظة و حلفاؤکم من غطفان فطمع حیی بن أخطب فیما قاله ابن أبیّ ابن سلول فأرسلوا الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انا لا نخرج فاصنع ما بدا لک فکبر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کبر المسلمون لتکبیره و
قال حاربت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:461
یهود فسار إلیهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی أصحابه فصلوا العصر بفضاء بنی النضیر* و روی أیضا من طریق عکرمة ان غزوتهم کانت صبیحة قتل کعب بن الاشرف کذا فی الوفاء* و فی المدارک مشی المسلمون إلیهم علی أرجلهم لانه علی میلین من المدینة و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی حمار فحسب و علیّ رضی اللّه عنه یحمل رایته و استخلف علی المدینة ابن أم مکتوم* و فی معالم التنزیل فلما صار إلیهم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم وجدهم ینوحون علی کعب بن الاشرف و قالوا یا محمد واعیة علی اثر واعیة و باکیة علی اثر باکیة قال نعم قالوا ذرنا نبک علی شجونا ثم نأتمر أمرک فقال النبیّ اخرجوا من المدینة* و فی المنتقی و لما رأوا رسول اللّه قاموا علی حصونهم معهم النبل و الحجارة و اعتزلتهم قریظة و خفر لهم ابن أبیّ و حلفاؤهم من غطفان و حاصرهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خمسة عشر یوما* و فی الوفاء و سیرة ابن هشام حاصرهم ست لیال و فی معالم التنزیل و لما نزل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بنی النضیر و کانوا أهل حصون و عقار و نخل کثیرة و تحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخیلهم و احراقها فلما رأی أعداء اللّه ان المسلمین یقطعونها شق علیهم فجزعوا عند ذلک و قالوا یا محمد زعمت انک ترید الصلاح أ فمن الصلاح عقر الشجر و قطع النخل و هل وجدت فیما زعمت انه انزل علیک الفساد فی الارض و قالوا للمؤمنین انکم تکرهون الفساد و أنتم تفسدون دعوا أصول النخل فانما هی لمن غلب علیها فوجد المسلمون فی أنفسهم من قولهم و خشوا أن یکون ذلک فسادا فاختلفوا فی ذلک فقال بعضهم لا تقطعوا فانه ما أفاء اللّه علینا* و قال بعضهم بل نغیظهم بقطعها فأخبر اللّه تعالی ما قطعتم من لینة أو ترکتموها قائمة علی أصولها فباذن اللّه و اختلفوا فی اللینة فقال قوم النخل کلها لینة ما خلا العجوة و هو قول عکرمة و قتادة* و فی روایة بازان عن ابن عباس قال کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أمر بقطع نخلهم الا العجوة و أهل المدینة یسمون ما خلا العجوة من التمر الالوان واحدها لون و لینة* و قال الزهری هی ألوان النخل کلها الا العجوة* و قال مجاهد و عطیة هی النخل کلها من غیر استثناء* و قال العوفی عن ابن عباس هی لون من النخل* و قال سفیان هی کرام النخل* و قال مقاتل هی ضرب من النخل یقال لتمرها اللون و هی شدیدة الصفرة یری نواها من خارج تغیب فیها الأضراس و کانت من أجود تمرهم و أحبها إلیهم و کانت النخلة الواحدة منها ثمن وصیف و أحب إلیهم من وصیف فلما رأوهم یقطعونها شق علیهم و قیل قطعوا نخلة و أحرقوا نخلة و قیل کان جمیع ما قطعوا و أحرقوا ست نخلات* و عن ابن عمر رضی اللّه عنهما أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حرق نخل بنی النضیر و لها یقول حسان بن ثابت
و هان علی سراة بنی لؤیّ‌حریق بالبویرة مستطیر و أجاب سفیان و لم یکن أسلم حینئذ
أدام اللّه ذلک من صنیع‌و حرق فی نواحیها السعیر
ستعلم أینا منها بنزه‌و تعلم أی أرضینا نضیر و فی روضة الاحباب أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أمر أبا لیلی المازنی و عبد اللّه بن سلام بقطع نخیلهم أما أبو لیلی فکان یقطع أجود أنواع التمر و هی العجوة و یقول قطع العجوة أشدّ علیهم و أما عبد اللّه بن سلام فکان یقطع أردأ أنواع التمر و هو تمر یقال له اللون و یقول انی أعلم ان اللّه سیجعلها للمسلمین فأترک الاجود لهم فأنزل اللّه تعالی ما قطعتم من لینة أو ترکتموها قائمة علی أصولها فباذن اللّه و لیخزی الفاسقین فلم یغث بنی النضیر أحد و لم یقدر ابن أبی أن یصنع شیئا فجهدهم الحصار و ضاقت علیهم الاحوال و قذف اللّه فی قلوبهم الرعب حتی أرسلوا الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم انا نخرج من بلادک فقال لهم رسول اللّه اخرجوا و لکم دماؤکم و ما حملت الابل الا الحلقة و ولی اخراجهم محمد بن مسلمة فاحتملوا أبواب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:462
بیوتهم فکانوا یخربون بیوتهم و یهدمونها و یحملون ما یوافقهم من أخشابها کذا فی الوفاء* و فی معالم التنزیل قال الزهری لما صالحهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی أن لهم ما أقلت الابل و أیسوا من منازلهم و تیقنوا بخروجهم منها کانوا ینظرون الی منازلهم فیهدمونها و ینزعون منها الخشب ما یستحسنونها فیحملونها علی ابلهم و یخرب المؤمنون بواقیها و ذلک قوله تعالی یخربون بیوتهم بأیدیهم و أیدی المؤمنین قال ابن زید کانوا یقلعون العمد و ینقضون السقف و ینقبون الجدر و ینزعون الخشب حتی الاوتاد و یخربونها حتی لا یسکنها المؤمنون حسدا و بغضا* و فی روایة لما أرسل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم إلیهم یأمرهم بالخروج من بلدته قالوا الموت أقرب إلینا من ذلک فتنادوا بالحرب و دس إلیهم المنافقون عبد اللّه بن أبیّ بن سلول و أصحابه أن لا تخرجوا من الحصن فان قاتلوکم فنحن معکم و لا نخذلکم و لننصرنکم و لئن أخرجتم لنخرجنّ معکم فدربوا علی الازقة و حصنوها ثم انهم أجمعوا الغدر فأرسلوا الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن اخرج فی ثلاثین من أصحابک و یخرج منا ثلاثون حتی نلتقی فی فضاء فیستمعون منک ان صدّقوک و آمنوا بک آمنا کلنا ففعل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فخرج إلیه ثلاثون حبرا من الیهود فأرسلوا إلیه کیف نفهم و نحن ستون رجلا اخرج فی ثلاثة من أصحابک و نخرج إلیک ثلاثة من أصحابنا فیسمعون منک فخرج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی ثلاثة من أصحابه و خرج ثلاثة من الیهود و اشتملوا علی الخناجر و أرادوا المکر برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأرسلت امرأة ناصحة من بنی النضیر الی أخیها و هو رجل مسلم من الانصار فأخبرته بما أراد بنو النضیر من الغدر فأقبل أخوها سریعا حتی أدرک النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فسارّه بمکرهم قبل أن یصل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم إلیهم فرجع فلما کان من الغد غدا علیهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالعسکر فحاصرهم احدی و عشرین لیلة فقذف اللّه فی قلوبهم الرعب و أیسوا من نصر المنافقین فسألوا الصلح فأبی علیهم الا أن یخرجوا من المدینة علی ما یأمرهم به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقبلوا ذلک فصالحهم علی الجلاء و علی أن لهم ما أقلت الابل من أموالهم الا السلاح* و قال ابن عباس علی ان یحمل أهل کل ثلاثة أبیات علی بعیر واحد ما شاءوا من متاعهم و للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ما بقی* و قال الضحاک أعطی کل ثلاثة نفر بعیرا و سقاء فتجهزوا و تجملوا و تحملوا علی ستمائة بعیر و حملوا النساء و الابناء و الاموال فخرجوا معهم الدفوف و المزامیر و القیان یعزفن خلفهم و یظهرون الجلادة فعبروا من سوق المدینة و تفرّقوا فی البلاد فذهب بعضهم الی الشأم الی أذرعات و أریحاء و لحق أهل بیتین و هم آل أبی الحقیق و آل حیی بن أخطب بخیبر* قال ابن اسحاق کان اجلاء بنی النضیر حین رجع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم من أحد و فتح بنی قریظة مرجعه من الاحزاب و بینهما سنتان أکثر الروایات علی انه کان أموال بنی النضیر و عقارهم فیئا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خاصة له خصه اللّه بها حبسا لنوائبه لم یخمسها و لم یسهم منها لاحد کما هو مذهب الامام أبی حنیفة رحمه اللّه* و ورد فی بعض الروایات أنه خمسها و ذهب إلیه الامام الشافعی رحمه اللّه و أعطی منها ما أراد لمن أراد و وهب العقار للناس و کان یعطی من محصول البعض أهله و عیاله نفقة سنة و یجعل ما بقی حیث یجعل مال اللّه* و فی المهمات المال المأخوذ من الکفار ینقسم الی ما یحصل من غیر قتال و ایجاف خیل و رکاب و الی حاصل بذلک و یسمی الاوّل فیئا و الثانی غنیمة* و فی المدارک أن ما خوّل اللّه رسوله من أموال بنی النضیر شی‌ء لم یحصلوه بالقتال و الغلبة و لکن سلطه اللّه علیهم و علی ما فی أیدیهم فالامر فیه مفوّض إلیه یضعه حیث یشاء و لا یقسمه قسمة التی قوتل علیها و أخذت عنوة قهرا فقسمها بین المهاجرین و لم یعط الانصار الا ثلاثة منهم لفقرهم أبا دجانة سماک بن خرشة و سهل بن حنیف و الحارث بن الصمة و کذا فی معالم التنزیل و لابی داود أعطی أکثر المهاجرین و قسمها بینهم و أعطی رجلین من الانصار ذوی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:463
حاجة لم یعط غیرهما منهم و بقی منها صدقته التی فی أیدی بنی فاطمة و قیل أعطی سعد بن معاذ سیف أبی الحقیق و کان مشهورا بالجودة* و فی روضة الاحباب قد ثبت أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لما قدم المدینة آخی بین المهاجرین و الانصار کما مرّ فی وقائع السنة الاولی من الهجرة فذهب کل واحد من الانصار برجل من المهاجرین الی منزله و کفاه مئونة ما یحتاج إلیه و هکذا کان الانصار یعملون بالمهاجرین ثم تنافسوا فیهم حتی آل أمرهم الی القرعة فیقترعون فیما بینهم فأی أنصاری تخرج القرعة باسمه یذهب بالمهاجری فبلغت مواساتهم و معاونتهم الی المرتبة القصوی حتی قال سعد بن الربیع الانصاری لاخیه عبد الرحمن بن عوف المهاجری هلم أقسم مالی بینی و بینک نصفین أو شطرین ولی امرأتان انظر أعجبهما إلیک فسمها لی أطلقها أو قال أنزل عنها فاذا انقضت عدّتها فتزوّجها قال له عبد الرحمن بارک اللّه فی أهلک و مالک و هکذا کان دیدن الانصار فی مواساتهم الی أن جعل اللّه أموال بنی النضیر فیئا لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فجمع الانصار ثم حمد اللّه و أثنی علی الانصار و ذکر اعانتهم و امدادهم و احسانهم و اسعادهم للمهاجرین ثم قال یا معشر الانصار ان اللّه تبارک و تعالی أعطانا أموال بنی النضیر ان شئتم قسمتم للمهاجرین من أموالکم و دیارکم و تشارکونهم فی هذه القسمة و ان شئتم کانت لکم دیارکم و أموالکم و لم یقسم لکم شی‌ء من هذه الاموال* قال السعدان سعد بن معاذ و سعد بن عبادة یا رسول اللّه بل نحب أن نقسم دیارنا و أموالنا علی المهاجرین الذین ترکوا دیارهم و أموالهم و عشائرهم و خرجوا حبا للّه و لرسوله و نؤثرهم بالقسمة و لا نشارکهم فیها* و فی الوفاء روی ابن أبی شیبة عن الکلبی قال لما ظهر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم علی أموال بنی النضیر قال للانصار ان اخوانکم من المهاجرین لیست لهم أموال فان شئتم قسمت هذه الاموال بیتکم و بینهم جمیعا و ان شئتم أمسکتم أموالکم فقسمت هذه فیهم قالوا بل اقسم هذه فیهم و اقسم لهم من أموالنا ما شئت انتهی فلما قال السعدان ذلک اقتدی بهما سائر الانصار فقالوا مثل ذلک ففرح النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و قال اللهم ارحم الانصار و أبناء الانصار و أبناء أبناء الانصار فأنزل اللّه فیهم و یؤثرون علی أنفسهم و لو کان بهم خصاصة أی یقدّمون اخوانهم من المهاجرین و یختارونهم بأموالهم و منازلهم علی أنفسهم و لو کان بهم فاقة و حاجة الی ما یؤثرون کذا فی معالم التنزیل فقسم أموال بنی النضیر علی المهاجرین حسبما اقتضته المصلحة فعین لابی بکر و عمر و عبد الرحمن بن عوف و صهیب و أبی سلمة بن عبد الاسد المخزومی ضیاعا معروفة و من الانصار أعطی سهل بن حنیف و أبا دجانة شیئا لفقرهما و حاجتهما کذا قاله ابن اسحاق‌

* وفاة زینب بنت خزیمة

و فی ربیع الآخر من هذه السنة توفیت زینب بنت خزیمة بن الحارث الهلالیة و کانت تدعی فی الجاهلیة أم المساکین ذکره أبو عمرو و کان صلّی اللّه علیه و سلم تزوّجها فی سنة ثلاث و لبثت عنده شهرین أو ثمانیة کما مرّ و دفنت بالبقیع ذکره الفضائلی*

غزوة ذات الرقاع‌

و فی هذه السنة کانت غزوة ذات الرقاع و أوردها مغلطای فی سیرته بعد غزوة بدر الصغری اختلف فیها متی کانت ففی خلاصة الوفاء بعد غزوة بنی النضیر بشهرین و عشرین یوما و فی المواهب اللدنیة عند ابن اسحاق بعد بنی النضیر سنة أربع فی شهر ربیع الآخر و بعض جمادی الاولی و عند ابن سعد و ابن حبان فی المحرّم سنة خمس کذا فی المنتقی و جزم أبو معشر بأنها بعد بنی قریظة فی ذی القعدة سنة خمس فتکون ذات الرقاع فی آخر هذه السنة و أوّل التی تلیها* قال فی فتح الباری قد جنح البخاری الی أنها کانت بعد خیبر و استدل لذلک بأمور و مع ذلک ذکرها قبل خیبر فلا أدری هل تعمد ذلک تسلیما لاهل المغازی انها کانت قبلها أو انّ ذلک من الرواة عنه أو اشارة الی احتمال أن تکون ذات الرقاع اسما لغزوتین مختلفتین احداهما قبل خیبر و الاخری بعدها کما أشار إلیه البیهقی علی أن أصحاب المغازی مع جزمهم بأنها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:464
کانت قبل خیبر مختلفون فی زمانها انتهی و الذی جزم به ابن عقبة تقدّمها لکن تردد فی وقتها فقال لا ندری کانت قبل بدر أو بعدها أو قبل أحد أو بعدها کذا فی المواهب اللدنیة و أوردها مغلطای فی سیرته بعد غزوة بدر الصغری و هی غزوة کانت بأرض غطفان من نجد سمیت ذات الرقاع لان الظهر کان قلیلا و اقدام المسلمین نقبت من الحفاء فلفوا علیها الخرق و هی الرقاع هذا هو الصحیح فی تسمیتها و قد ثبت هذا فی الصحیح عن أبی موسی الاشعری و قیل سمیت به بجبل هناک یقال له الرقاع لان فیه بیاضا و حمرة و سوادا و قیل سمیت بشجرة هناک یقال لها ذات الرقاع و قیل لان المسلمین رقعوا رایاتهم و یحتمل أن تکون هذه الامور کلها وجدت فیها و شرعت صلاة الخوف فی غزوة ذات الرقاع و قیل فی غزوة بنی النضیر کذا فی شرح مسلم للنووی و فی أسد الغابة لابن الاثیر و قیل ان فیها قصرت الصلاة و فیها نزلت آیة التمیم و سببها أن قادما قدم المدینة فأخبر بأن أنمارا و ثعلبة و غطفان قد جمعوا جموعا بقصد المسلمین فبلغ ذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فاستخلف علی المدینة عثمان بن عفان و خرج لیلة السبت لعشر خلون من المحرم فی أربعمائة رحل و قیل فی سبعمائة فمضی حتی أتی محالهم بذات الرقاع و هو جبل فلم یجد إلا نسوة فأخذهنّ و فیهنّ جاریة وضیئة و هربت الاعراب الی رءوس الجبال و لم یکن قتال و أخاف المسلمون بعضهم بعضا من غیر أن یغیروا علیهم فصلی بهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم صلاة الخوف* و فی روایة بطائفة رکعتین و بالاخری أخرتین و کان أوّل ما صلاها و رجع الی المدینة و اشتری فی الطریق من جابر جملا بأوقیة و شرط له ظهره الی المدینة و استغفر لجابر فی تلک اللیلة خمسا و عشرین مرّة* و فی الترمذی سبعین مرّة و کانت غیبته فی تلک الغزوة خمس عشرة لیلة* و عن جابر أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم صلّی بأصحابه صلاة الخوف فی الغزوة السابعة غزوة ذات الرقاع* قال ابن عباس صلّی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم صلاة الخوف بذی قرد* اعلم أنه ورد فی صحیح البخاری أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم نام فی غزوة ذات الرقاع فی ظل شجرة فجاء أعرابی فاخترط سیفه صلّی اللّه علیه و سلم و قام علیه فاستیقظ و السیف فی یده صلتا فقال من یمنعک منی قال اللّه فقام النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فجلس الاعرابی فحفظ اللّه نبیه من شرّه و وقع مثل هذه القصة أیضا فی السنة الثالثة من الهجرة ففی ظاهر هاتین القصتین خلاف فلا بدّ من أحد الامرین اما أن ترجح روایة الصحیح أو یقال بتعدّد الواقعة و اللّه أعلم*

وفاة عبد اللّه بن عثمان‌

و فی جمادی الاولی من هذه السنة توفی عبد اللّه بن عثمان من رقیة بنت رسول اللّه ولد فی الاسلام فی الحبشة و به کان یکنی عثمان فبلغ ست سنین فنقره دیک فی عینه فمرض فمات کما مرّ فی الباب الثالث فی تزویج بناته و نزل فی حفرته عثمان*

ولادة الحسین بن علی رضی اللّه عنهما

و فی شعبان هذه السنة ولد الحسین بن علیّ کذا فی الصفوة* و فی ذخائر العقبی لخمس خلون من شعبان سنة أربع* و فی المنتقی لثلاث لیال خلون من شعبانها* و فی الاستیعاب ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع و قیل سنة ثلاث هذا قول الواقدی و طائفة معه* و فی شواهد النبوّة کانت ولادته بالمدینة یوم الثلاثاء رابع شعبان السنة الرابعة من الهجرة* و فی الوفاء المشهور فی ولادتها انها فی الثالثة و کان علوق فاطمة بالحسین فی ذی القعدة و کان بین ولادة الحسن و علوقها بالحسین خمسون لیلة* و فی الاستیعاب روی جعفر بن محمد عن أبیه قال لم یکن بین الحسن و الحسین إلا طهر واحد* و قال قتادة ولد الحسین بعد الحسن بستة عشرة شهر الخمس سنین و ستة أشهر من التاریخ و بعض أحواله من التسمیة و الختان و العقیقة و غیر ذلک ذکر فی الموطن الثالث فی میلاد الحسن فلیطلب ثمة و سیجی‌ء ذکر مقتله فی الخاتمة فی سنة احدی و ستین فی خلافة یزید بن معاویة

* تعلم زید بن ثابت کتاب الیهود

و فی هذه السنة أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم زید بن ثابت بتعلیم السریانیة معللا ذلک بأنه لا یأمن الیهود علی کتابه* عن زید بن ثابت قال أتی بی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مقدمه المدینة فعجب بی فقیل له
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:465
هذا الغلام من بنی النجار قد قرأ مما أنزل اللّه إلیک بضع عشرة سورة فاستقر أنی فقرأت ق فقال لی تعلم کتاب یهود فانی ما آمن یهود علی کتابی فتعلمته فی نصف شهر حتی کتبت الی یهود و کنت أقرأ له اذا کتبوا له کذا رواه ابن أبی الزناد و أحمد و یونس عند أبی داود و داود بن عمرو الضبی و سعید بن سلیمان الواسطی و سلیمان ابن داود الهاشمی و عبد اللّه بن وهب و علی بن حجر و حدیثه عند الترمذی کذا ذکره السخاوی فی الاصل الاصیل*

غزوة بدر الصغری الموعد

و فی شعبان هذه السنة بعد ذات الرقاع وقعت غزوة بدر الصغری الموعد و هی بدر الثالثة* قال ابن اسحاق لما قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة من غزوة ذات الرقاع أقام بها جمادی الاولی الی آخر رجب ثم خرج فی شعبان الی بدر لمیعاد أبی سفیان کذا فی المواهب اللدنیة* و فی المنتقی کانت فی هلال ذی القعدة و ذلک ان أبا سفیان لما أراد أن ینصرف من أحد نادی یا محمد الموعد بیننا و بینکم موسم بدر الصغری لقابل ان شئت نلتقی بها فنقتتل فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لعمر قل نعم ان شاء اللّه فافترق الناس علی ذلک فلما کان العام المقبل خرج أبو سفیان فی أهل مکة حتی نزل مجنة من ناحیة مرّ الظهران و یقال عفان ثم ألقی اللّه الرعب فی قلبه فبدا له فی الرجوع فلقی نعیم بن مسعود الاشجعی و قد قدم معتمرا فقال له أبو سفیان یا نعیم انی قد واعدت محمدا و أصحابه أن نلتقی بموسم بدر الصغری و ان هذا عام جدب و لا یصلحنا لا عام خصب نرعی فیه الشجر و نشرب فیه اللبن و قد بدا لی أن لا أخرج إلیها و اکره أن یخرج محمد و لا أخرج أنا فیزیدهم ذلک جراءة فلأن یکون الخلف من قبلهم أحبّ الیّ من أن یکون من قبلی فالحق بالمدینة و ثبطهم و أعلمهم أنا فی جمع کثیر و لا طاقة لهم بنا و لک عندی عشرة من الابل أضعها علی ید سهیل بن عمرو یضمنها لک و جاء سهیل بن عمرو فقال له نعیم یا أبا یزید أتضمن لی هذه الفرائض و أنطلق الی محمد و أثبطه قال نعم فخرج نعیم حتی أتی المدینة فوجد الناس یتجهزون لمیعاد أبی سفیان فقال أین تریدون فقالوا واعدنا أبو سفیان لموسم بدر الصغری أن نقتتل بها فقال بئس الرأی رأیتم أتوکم فی دیارکم و قرارکم فلم یفلت منکم الا الشرید فتریدون أن تخرجوا و قد جمعوا لکم عند الموسم و اللّه لا یفلت منکم أحد فکره أصحاب رسول اللّه الخروج فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و الذی نفسی بیده لأخرجنّ و لو وحدی و فی روایة و ان لم یخرج معی أحد فأما الجبان فانه رجع و أما الشجاع فانه تأهب للقتال و قالوا حسبنا اللّه و نعم الوکیل* و استخلف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی المدینة عبد اللّه بن رواحة و حمل لواءه علی بن أبی طالب فخرج صلّی اللّه علیه و سلم و معه ألف و خمسمائة رجل و الخیل عشرة أفراس و خرجوا ببضائع لهم و تجارات فجعلوا یلقون المشرکین و یسألون عن قریش فیقولون قد جمعوا لکم یریدون أن یرعبوا المسلمین فیقول المؤمنون حسبنا اللّه و نعم الوکیل حتی بلغوا بدرا* قال مجاهد و عکرمة فی هذه الغزوة نزلت هذه الآیة الذین استجابوا اللّه و الرسول و عند أکثر المفسرین نزلت هذه الآیة فی غزوة حمراء الاسد کما مرّ و کانت بدر الصغری موضع سوق للعرب فی الجاهلیة یجتمعون إلیها فی کل عام ثمانیة أیام لهلال ذی القعدة الی ثمان تخلو منه ثم یتفرّقون الی بلادهم و نزلت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بدر اللیلة هلال ذی القعدة و أقام بها ثمانیة أیام ینتظر أبا سفیان و قد انصرف أبو سفیان من مجنة الی مکة و قال لا یصلحنا إلا عام خصب و هذا عام جدب فسمی أهل مکة ذلک الجیش جیش السویق یقولون خرجوا یشربون السویق و لم یلق رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه أحدا من المشرکین وافوا السوق و کانت معهم تجارات و نفقات فباعوها و أصابوا بالدرهم درهمین و قد سمع الناس بمسیرهم و ذهب صیت جیشهم الی کل جانب فکبت اللّه بذلک عدوّهم و انصرفوا الی المدینة سالمین غانمین فذلک قوله تعالی الذین استجابوا اللّه و الرسول الآیة کذا فی معالم التنزیل فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:466
صفوان بن أمیة لابی سفیان نهیتک أن تعد القوم و لم تسمع کلامی قد اجترءوا علینا و رأوا اناقد أخلفناهم ثم أخذوا فی الکید و التهیؤ لغزوة الخندق*

تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم بأم سلمة

و فی هذه السنة أو السنة الثالثة تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أمّ سلمة هندا و قیل رملة بنت أبی أمیة عبد اللّه بن مخزوم بن یقظة ابن مرّة بن کعب بن لؤیّ و اسم أبی أمیة سهیل و یقال له زاد الراکب بن المغیرة بن عبد اللّه* و قال أبو عمرو تزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سنة اثنتین بعد بدر فی شوّال و بنی بها فی شوّال کذا فی السمط الثمین* و فی المواهب اللدنیة تزوّجها فی لیال بقین من شوّال من السنة التی مات فیها أبو سلمة* و فی المنتقی أورد تزوّجها فی السنة الرابعة و کانت قبل رسول اللّه عند أبی سلمة بن عبد الاسد هاجرت مع زوجها الی الحبشة ثم هاجرت الی المدینة کذا فی الوفاء و ولدت له سلمة و عمرا و زینب کما سیجی‌ء و مات أبو سلمة بالمدینة فی سنة ثلاث من الهجرة کما هو فی الصفوة فتزوّجها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی سیرة مغلطای مات ابو سلمة لثمان خلون من جمادی الآخرة زوجها من النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ابنها عمرو و قیل سلمة و یقال تزوّجها سنة اثنتین بعد بدر و یقال قبل بدر روی ان أبا سلمة جاء الی أمّ سلمة و قال لقد سمعت من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حدیثا أحب الیّ من کذا و کذا سمعته یقول لا یصیب أحدا مصیبة فیسترجع عند ذلک و یقول اللهم عندک أحتسب مصیبتی هذه اللهم اخلفنی فیها خیرا منها الا أعطاه اللّه عز و جل ذلک قالت أمّ سلمة فلما أصبت یأبی سلمة قلت اللهم عندک أحتسب مصیبتی و لم تطب نفسی أن اقول اللهم اخلفنی فیها خیرا منها ثم قلت من خیر من أبی سلمة أ لیس أ لیس ثم قلت ذلک قال لما انقضت عدّتها أرسل إلیها أبو بکر یخطبها فأبت ثم أرسل إلیها عمر ابن الخطاب یخطبها فأبت ثم أرسل إلیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یخطبها فقالت مرحبا برسول اللّه ان فیّ خلالا ثلاثا أنا امرأة شدیدة الغیرة و أنا امرأة مصبیة و أنا امرأة لیس لی هاهنا أحد من أولیائی فیزوّجنی فغضب عمر لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أشدّ مما غضب لنفسه حین ردّته فأتاها عمر فقال أنت التی تردّین رسول اللّه بما تردّینه فقالت یا ابن الخطاب فیّ کذا و کذا فأتاها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال أما ما ذکرت من غیرتک فأنا أدعو اللّه عز و جل ان یذهبها عنک و أما ما ذکرت من صبیتک فاللّه عز و جلّ سیکفیکهم و أما ما ذکرت انه لیس من اولیائک أحد شاهد فلیس من اولیائک أحد شاهد و لا غائب یکرهنی فقالت لابنها سلمة زوّج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی السمط الثمین أرسل إلیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حاطب بن أبی بلتعة یخطبها له انتهی فقال رسول اللّه اما انی لم انقصک عما اعطیت فلانة فقیل لأمّ سلمة ما اعطی فلانة قالت أعطی هاجرتین تضع فیهما حاجتها و رحی و وسادة من أدم حشوها لیف ثم انصرف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أقبل یأتیها فلما رأته وضعت زینب أصغر ولدها فی حجرها فلما رأی انصرف ثم أقبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یأتیها فوضعتها فی حجرها فأقبل عمار مسرعا بین یدی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فانتزعها من حجرها و قال هاتی هذه المشقوحة التی منعت رسول اللّه فجاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلم یرها فی حجرها قال أین زناب قالت أخذها عمار فدخل رسول اللّه علی أهله و کانت أمّ سلمة فی النساء کأنها لم تکن فیهنّ لا تجد ما یجدن من الغیرة* و قال أنس ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تزوّج أمّ سلمة علی متاع قیمته عشرة دراهم و روی انه لما تزوّجها رسول اللّه نقلها الی بیت زینب بنت خزیمة بعد موتها فدخلت فرأت جرّة فیها شعیر و رحی و برمة فطحنته ثم عصدته فی البرمة و أدمته باهالة و کان ذلک طعام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و طعام أهله لیلة عرسه* و فی القاموس الاهالة الشحم و ما أذیب منه أو الزیت و کل ما ائتدم به
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:467
فأقام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثلاثا ثم أراد أن یدور فأخذت بثوبه فقال لیس بک علی أهلک هو ان ان شئت سبعة عندک و سبعة عندهنّ و ان شئت ثلاثا عندک و درت قالت ثلاث و روی عن هند بنت الفراسیة قالت قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ان لعائشة منی شعبة ما نزلها منی أحد فلما تزوّج أمّ سلمة سئل فقیل یا رسول اللّه ما فعلت الشعبة فسکت فعرف ان أمّ سلمة قد نزلت عنده و روی عن عائشة أنها قالت لما تزوّج رسول اللّه أمّ سلمة حزنت حزنا شدیدا لما ذکروا لی من جمالها فتلطفت حتی رأیتها و اللّه اضعاف ما وصفت لی فی الحسن و الجمال فذکرت ذلک لحفصة و کانتا یدا واحدة فقالت لا و اللّه ان هذا الا الغیرة ما هی کما یقولون فتلطفت بها حفصة حتی رأتها فقالت قد رأیتها لا و اللّه ما هی کما تقولین و لا قریب منه و انها لجمیلة قالت فرأیتها بعد و کانت کما قالت حفصة و لکنی کنت غیری و کانت أمّ سلمة عند النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سبع سنین و عاشت بعده ثمانیة و أربعین سنة و توفیت فی أوّل خلافة یزید بن معاویة سنة ستین و قیل سنة تسع و خمسین و قیل ثنتین و ستین فی شهر رمضان أو شوّال و قبرت بالبقیع و هی بنت أربع و ثمانین سنة و صلّی علیها أبو هریرة قیل کانت الصلاة بوصیتها و دخل قبرها عمرو و سلمة ابنا ابی سلمة و عبد اللّه بن أبی اسامة و عبد اللّه بن زمعة ذکره أبو عمرو صاحب الصفوة قیل أوّل من هلک من أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بعده زینب بنت جحش هلکت فی خلافة عمرو آخر من هلک منهنّ أمّ سلمة هلکت فی زمن یزید بن معاویة و قیل آخر من هلک منهنّ میمونة کما سیجی‌ء مرویاتها فی الکتب المتداولة ثلاثمائة و ثمانیة و سبعون حدیثا منها المتفق علیه ثلاثة عشر و فرد البخاری ثلاثة و فرد مسلم ثلاثة عشروا الباقیة فی سائر الکتب*

(ذکر أولاد أم سلمة)

* و کان لها ثلاثة أولاد سلمة و هو أکبرهم و عمرو و زینب و هی أصغرهم ربیبو النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و زوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سلمة أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب و عاش الی خلافة عبد الملک بن مروان و لم تحفظ له روایة و أما عمرو فله روایة و توفی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و له تسع سنین و کان مولده بالحبشة فی السنة الثانیة من الهجرة و استعمله علیّ علی فارس و البحرین و کان یوم الجمل مع علیّ و توفی بالمدینة سنة ثلاث و ثمانین فی خلافة عبد الملک و له عقب بالمدینة و أما زینب فولدت أیضا فی الحبشة و قدمت بها أمّها و کانت اسمها برّة فسماها رسول اللّه زینب و روی أنها دخلت علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو یغتسل فنضح فی وجهها الماء فلم یزل ماء الشباب فی وجهها حتی کبرت و عجزت و تزوّجها عبد اللّه بن زمعة بن الاسود الاسدی فولدت له و کانت من أفقه نساء زمانها ذکره أبو عمرو*

رجم الیهودیین‌

و فی ذی القعدة من هذه السنة رجم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الیهودی و الیهودیة بالزنا و نزل قوله تعالی و من لم یحکم بما أنزل اللّه فاولئک هم الفاسقون* و عن ابن عمر قال أتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بیهودی و یهودیة قد أحدثا فقال لهم ما تجدون فی کتابکم قالوا أحبارنا أحدثوا تحمیم الوجه و التحبیة قال عبد اللّه بن سلام ادعهم یا رسول اللّه یأتوا بالتوراة فأتوا بها فوضع أحدهم یده علی آیة الرجم و جعل یقرأ ما قبلها و ما بعدها فقال له عبد اللّه بن سلام ارفع یدک فاذا آیة الرجم تحت یده فأمر بهما رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فرجما عند البلاط فرأیت الیهودی أحنی علیها رواه البخاری قوله أحدثا أی زنیا التحبیة أن یجلد و یحمل علی دابة بعد تحمیم الوجه البلاط موضع بالمدینة بین المسجد و السوق یفرش فیه البلاط و هو ضرب من الحجارة یفرش کذا فی القاموس احنی علیها أی أکب و مال علیها لیقیها الحجارة کذا فی نهایة ابن الاثیر*

وفاة فاطمة أم علی بن أبی طالب‌

و فی هذه السنة توفیت فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم علی ابن أبی طالب* و فی الریاض النضرة قال أبو عمرو و غیره و هی أوّل هاشمیة ولدت هاشمیا أسلمت و توفیت مسلمة بالمدینة و شهدها النبیّ صلّی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:468
اللّه علیه و سلم و تولی دفنها و ألبسها قمیصه و اضطجع فی قبرها ذکره الخجندی و ذکر الطائی فی الاربعین انه صلّی اللّه علیه و سلم نزع قمیصه و ألبسها ایاه و تولی دفنها و اضطجع فی قبرها فلما سوّی علیها التراب سئل عن ذلک قال ألبستها لتلبس من ثیاب الجنة و اضطجعت معها فی قبرها لا خفف عنها ضغطة القبر انها کانت أحسن خلق اللّه صنعا بی بعد أبی طالب* و ذکر السلفی انه صلّی اللّه علیه و سلم صلّی علیها و تمرّغ فی قبرها و بکی و قال جزاک اللّه من أمّ خیرا لقد کنت خیر أم قال و کانت ربت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال و ولدت لابی طالب طالبا و عقیلا و جعفرا و علیا و أم هانی و اسمها فاختة و حمانة قال ابن قتیبة و أبو عمرو و کان علیّ أصغر من طالب بعشر سنین* و فی کتب الاحادیث قال علیّ قلت لامی فاطمة بنت أسدا کفی فاطمة بنت رسول اللّه سقایة الماء و الذهاب فی الحاجة و تکفیک خدمة الداخل و الطحن و العجن* و فی هذه السنة حرمت الخمر علی قول ابن اسحاق و سیجی‌ء فی الموطن السادس تمامه و اللّه أعلم‌

* (الموطن الخامس فی وقائع السنة الخامسة من الهجرة

اشارة

من فک سلمان عن الرق و غزوة دومة الجندل و وفاة أم سعد و خسوف القمر و شدّة قریش و وفد بلال بن الحارث المزنی و قدوم ضمام بن ثعلبة و غزوة المریسیع و تنازع جهجاه و قدوم مقیس بن ضبابة و نزول آیة التیمم و تزوّج جویریة و افک عائشة رضی اللّه عنها و غزوة الخندق و غزوة بنی قریظة و قصة أولاد جابر و تزوّج زینب بنت جحش و نزول آیة الحجاب و زلزلة المدینة و سقوطه عن فرسه و مسابقة الخیل و نزول فرض الحج و النهی عن ادّخار لحوم الاضاحی)*

* فک سلمان عن الرق‌

و فی هذه السنة فک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سلمان عن الرق قد مرّ ان سلمان أسلم فی السنة الاولی من الهجرة ثم شغله الرق حتی قال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کاتب یا سلمان فکاتب سیده علی ثلاثمائة نخلة یجبها له و أربعین أوقیة من ذهب فأعانه أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی اجتمعت عنده ثلاثمائة نخلة فغرسها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فحملت من عامها الا نخلة غرسها عمر فانتزعها النبیّ و غرسها بیده فحملت فأتی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بمثل بیضة دجاجة من ذهب من بعض الغزوات فقال ما فعل الفارسی المکاتب فدعی سلمان له فقال خذ هذه فأدّ بها ما علیک یا سلمان قال و أین تقع هذه یا رسول اللّه مما علیّ و لما قال سلمان ذلک أخذها رسول اللّه فقلبها علی لسانه ثم أعطاها سلمان فأخذها فأوفی منها حقهم کله أربعین أوقیة* و فی الشفاء نقلا عن کتاب البزار أعطاه مثل بیضة دجاجة بعد أن ردّها علی لسانه فوزن منها لموالیه أربعین أوقیة و بقی عنده مثل ما أعطاهم انتهی و عتق و شهد الخندق مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم لم یفته معه مشهد* و فی بعض الروایات قال سلمان اشترتنی امرأة یقال لها خلیسة بنت فلان حلیف بنی النجار بثلاثمائة درهم فمکثت معها ستة عشر شهرا حتی قدم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المدینة فبلغنی ذلک بعد خمسة أیام و أنا فی أقصی المدینة فی زمن الخلال بالضم یعنی البلح* قال ابن الاثیر فی النهایة البلح أوّل ما یرطب من البسر واحدها بلحة و فی الصحاح البلح قبل البسر لانّ أوّل التمر طلع ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر قال فالتقطت شیئا من الخلال فجعلت فی ثوبی فأقبلت أسأل عنه حتی بلغت دار أبی أیوب و رسول اللّه داخل و أبو أیوب و امرأته یلتقطان الماء بقطیفة لهم لا یکف أی لا یقطر علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فخرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال ما تصنع یا أبا أیوب قال وقع حب لنا فانکسر فانصب الماء فخشیت أن تکون نائما أو فی الصلاة فکیف علیک فیؤذیک فقال رسول اللّه لک و لزوجک الجنة* قال سلمان فقلت هذا و اللّه محمد رسول اللّه فدنوت منه فسلمت علیه ثم أخذت ذلک الخلال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:469
فوضعته بین یدیه و ذکر قصة الصدقة و الهدیة و خاتم النبوّة فأسلم سلمان و أخبر بقصة خلیسة قال سلمان فدعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی بن أبی طالب فقال اذهب الی خلیسة فقل لها یقول لک محمد امّا أن تعتقی هذا و امّا أن أعتقه فانّ الحکمة تحرّمه علیک فقلت یا رسول اللّه انها لم تسلم فقال یا سلمان ما تدری ما حدث بعدک دخل علیها ابن عمها فعرض علیها الاسلام فأسلمت و ذکر أنها أعتقته بأمر رسول اللّه و کافأها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بأن غرس لها ثلاثمائة فسیلة و هی صغار النخل کالودی* و فی بعض الروایات انّ سلمان کان یرعی الغنم لسیده و فی بعضها اشتراه أبو بکر فأعتقه و فی بعضها انّ سلمان أسلم بمکة روی أنه قال تداولنی بضعة عشر سیدا من رب الی رب* و روی انه کان من المعمرین أدرک وصی عیسی ابن مریم و عاش ثلاثمائة و خمسین سنة و أمّا عیشه مائتین و خمسین فلا یشکون فیه قیل انّ اسمه کان ماهویه و قیل مایه و قیل بهبوذ بن بدخشان من ولد منوجهر الملک توفی بالمدائن فی خلافة عثمان و قیل مات سنة ثنتین و ثلاثین و قیل انّ اسلامه کان فی جمادی الاولی من السنة الاولی من الهجرة و انّ مولاه الذی باعه عثمان بن أشهل الیهودی القرظی و قیل انه عاد الی أصفهان فی زمان عمر و قیل کان له أخ بشیر ازله نسل ثمة و له ثلاث بنات بنت بأصفهان لها نسل و بنتان بمصر و قیل کان له ابن یقال له کثیر*

غزوة دومة الجندل‌

و فی ربیع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة دومة الجندل بضم الدال من دومة و فتحها و هی مدینة بینها و بین دمشق خمس لیال و بعدها من المدینة خمس عشرة أو ست عشرة لیلة قاله ابن سعد* و فی الصحاح الدوم شجر المقل و الجندل الحجارة و دومة الجندل اسم حصن و أهل اللغة یقولونه بضم الدال و أصحاب الحدیث یفتحونها* قال البکری سمیت بدومی بن اسماعیل کان نزلها و کانت بعد غزوة ذات الرقاع بشهرین و أربعة أیام و سببها انه سمع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ان الاعراب تجمعوا بکثرة فی دومة الجندل یظلمون من مرّ بهم فاستخلف علی المدینة سباع بن عرفطة الغفاری و خرج لخمس لیال بقین من شهر ربیع الاوّل فی ألف من أصحابه فکان یسیر باللیل و یکمن بالنهار* قال سعد غزاها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و نزل بساحة أهلها فلم یجد الا النعم و الشاء فهجم علی ماشیتهم و رعاتهم فأصاب من أصاب و هرب من هرب فی کل وجه و جاء الخبر أهل دومة فتفرّقوا و نزل علیه السلام بساحتهم فلم یلق بها أحدا فأقام بها أیاما و بث السرایا و فرّقها فرجعوا و لم یصب منهم أحدا فرجع و دخل المدینة فی العشرین من ربیع الآخر کذا فی المواهب اللدنیة* و قال ابن هشام انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم رجع قبل أن یصلها* و فی الوفاء قیل کان منزل أکیدر أوّلا دومة الحیرة و کان یزور أخواله من کلب فخرج معهم للصید فرفعت له مدینة متهدّمة لم یبق الا حیطانها مبنیة بالجندل فأعاد بناءها و غرسوا الزیتون و غیره فیها و سموه دومة الجندل تفرقة بینها و بین دومة الحیرة و کان أکیدر یتردّد بینهما و زعم بعضهم ان تحکیم الحکمین کان بدومة الجندل*

نفیسة

و فی کتاب الخوارج عن عبد الرحمن بن أبی لیلی قال مررت مع أبی موسی بدومة الجندل فقال حدّثنی حبیبی صلّی اللّه علیه و سلم انه حکم فی بنی اسرائیل فی هذا الموضع حکمان بالجور و انه یحکم فی أمّتی حکمان بالجور فی هذا الموضع قال فما ذهبت الایام حتی حکم هو و عمرو بن العاص فیما حکماه قال فلقیته فقلت یا أبا موسی قد حدّثنی عن رسول اللّه فقال و اللّه المستعان کذا أورده المجد*

وفاة أم سعد

و فی مدّة غیبته هذه فی الغزوة ماتت أمّ سعد بن عبادة عمرة بنت مسعود من المبایعات و لما قدم المدینة صلّی علی قبرها و قال سعد یا رسول اللّه انّ أمی افتلتت و أظنها لو تکلمت لتصدّقت أتصدّق عنها قال نعم قال أی الصدقة أفضل قال الماء فحفر بئرا و قال هذه لأمّ سعد*

خسوف القمر

و فی هذه السنة انخسف القمر فی جمادی الآخرة و جعل الیهود یضربون بالطساس و یقولون سحر القمر فصلی بهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم صلاة الخسوف حتی انجلی القمر رواه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:470
ابن حبان* و فی هذه السنة أصابت قریشا شدّة فبعث إلیهم بفضة یتألفهم بها*

وفد بلال بن الحارث‌

و فی هذه السنة جاء بلال بن الحارث فی أربعة عشر رجلا من مزینة فأسلموا و کان أوّل وافد مسلم بالمدینة فقال لهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ارجعوا فأینما تکونوا فأنتم من المهاجرین فرجعوا الی بلادهم‌

* وفد ضمام بن ثعلبة

و فی هذه السنة قدم علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ضمام بن ثعلبة من بنی سعد بن بکر و علیه جمع کثیر من أکابر أهل السیر لکن الحافظ ابن حجر قال فی فتح الباری انّ قدوم ضمام کان فی السنة التاسعة کما ذهب إلیه محمد بن اسحاق و سیجی‌ء فی الخاتمة*

غزوة المریسیع‌

و فی شعبان هذه السنة و فی سیرة ابن هشام فی شعبان سنة ست وقعت غزوة المریسیع بضم المیم و فتح الراء و سکون التحتانیتین بینهما مهملة مکسورة آخره عین مهملة و هو ماء لبنی خزاعة بیته و بین الفرع یومان و بین الفرع و المدینة ثمانیة برد کذا فی سیرة مغلطای و تسمی غزوة بنی المصطلق بضم المیم و سکون المهملة و فتح الطاء المشالة المهملة و کسر اللام بعدها قاف و هو لقب و اسمه جذیمة بن سعد بن عمرو بطن من خزاعة و کانت یوم الاثنین للیلتین خلتا من شعبان سنة خمس* و قال موسی بن عقبة سنة أربع انتهی قالوا و کأنه سبق قلم أراد أن یکتب سنة خمس فکتب سنة أربع و الذی فی مغازی موسی بن عقبة من عدّة طرق أخرجها الحاکم و أبو سعید النیسابوریّ و البیهقی فی الدلائل و غیرهم سنة خمس کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الوفاء ذکر کثیر من أهل السیر أنّ غزوة المریسیع کانت فی سنة ست و نقل البخاری عن ابن اسحاق انها فی سنة ست و کذا فی الاکتفاء و أسد الغابة لکن الاصح انّ المریسیع و المصطلق واحدة کلاهما فی سنة خمس بعد غزوة دومة الجندل بخمسة أشهر و ثلاثة أیام و هی التی قال فیها أهل الإفک ما قالوا و سبب هذه الغزوة انّ بنی المصطلق کانوا ینزلون علی بئر یقال لها المریسیع من ناحیة قدید الی الساحل و کان سیدهم الحارث بن أبی ضرار دعا قومه و من قدر علیه علی حرب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأجابوه و تجمعوا و تهیئوا للحرب و المسیر معه فبلغ الخبر رسول اللّه فأرسل بریدة بن الخصیب الاسلمی لیتحقق ذلک فأتاهم و لقی الحارث و کلمه و رجع الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فاخبره بأنهم یریدون الحرب فدعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الناس إلیهم فأسرعوا الخروج و معهم ثلاثون فرسا عشرة منها للمهاجرین و عشرون للانصار و خرجت معه عائشة و أمّ سلمة و خرج معهم جماعة من المنافقین و استخلف علی المدینة زید بن حارثة و خرج یوم الاثنین للیلتین خلتا من شعبان و جعل عمر بن الخطاب علی مقدمة الجیش و بلغ الحارث و من معه خبر مسیر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم إلیهم و أنه قتل عین الحارث الذی کان یأتی بخبر رسول اللّه فسی‌ء بذلک هو و من معه و خافوا خوفا شدیدا و تفرق الاعراب الذین کانوا معه و انتهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی المریسیع و ضربت علیه قبة و تهیئوا للقتال وصف رسول اللّه أصحابه و دفع رایة المهاجرین الی أبی بکر و رایة الانصار الی سعد بن عبادة و کان شعار المسلمین یومئذ یا منصور أمت أمت کذا فی الاکتفاء فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أصحابه فحملوا علی الکفار حملة واحدة فقتل منهم عشرة و أسر الباقون و سبوا الرجال و النساء و الذراری و أخذوا النعم و الشاء و لم یقتل من المسلمین الا رجل واحد و کانت الابل ألفی بعیر و الشاء خمسة آلاف و السبی مائتی أهل بیت و بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبا نضلة الطائی الی المدینة بشیرا بفتح المریسیع و لما رجع المسلمون بالسبی قدم أهالیهم فافتدوهم کذا ذکره ابن اسحاق و الذی فی صحیح البخاری أغار علی بنی المصطلق و هم غارون و أنعامهم تسقی علی الماء فقتل مقاتلتهم و سبی ذراریهم و هم علی الماء فأصاب یومئذ رجل من الانصار من رهط عبادة بن الصامت رجلا من المسلمین من بنی کلب بن عوف بن عامر بن أمیة بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:471
لیث بن بکر یقال له هشام بن ضبابة و هو یری انه من العدوّ فقتله خطأ کذا فی الاکتفاء* و فی هذه الغزوة وقع التنازع بین جهجاه و سنان بالمریسیع علی الماء بعد انقضاء الحرب و الفراغ من بنی المصطلق و نزلت سورة المنافقین* روی انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین لقی بنی المصطلق علی المریسیع و هو ماء لهم و هزمهم و قتلهم کما مرّ ازدحم علی الماء جهجاه بن سعد الغفاری و هو کان أجیر العمر بن الخطاب یقود له فرسه و سنان بن وبر الجهنی حلیف عمرو بن عوف من الخزرج* و فی المدارک کان حلیفا لابن أبی فاقتتلا فأعان جهجاها رجل من فقراء المهاجرین یقال له جعال و لطم وجه سنان فاستغاث سنان یا للانصار یا للخزرج و استغاث جهجاه یا لکنانة یا لقریش فتسارع إلیهما القوم و عمدوا الی السلاح فمشی جماعة من المهاجرین الی سنان فقالوا له اعف عن جهجاه ففعل فسکنت الفتنة و انطفأت نائرة الحرب* و فی القاموس جهجاه ممن خرج علی عثمان و کسر عصا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم برکبته فوقعت الاکلة فیها* و فی الشفاء و أخذ جهجاه الغفاری القضیب من ید عثمان لیکسره علی رکبته فصاح الناس فأخذته فیها الأکلة فقطعها فمات قبل الحول قال فسمع عبد اللّه بن أبی بن سلول التنازع فغضب و عنده رهط من قومه فیهم زید بن أرقم ذو الأذن الواعیة و هو غلام حدیث السن و قال یعنی ابن أبی افعلوها قد نافرونا و کاثر و نافی بلادنا و قال ما صحبنا محمدا الا لنلطم و اللّه ما مثلنا و مثلهم الا کما قال سمن کلبک یا کلک اما و اللّه لئن رجعنا الی المدینة لیخرجنّ الاعز منها الاذل یعنی بالاعز نفسه و بالأذل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم أقبل علی من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسکم أحللتموهم بلادکم و قاسمتموهم أموالکم أما و اللّه لو أمسکتم عن جعال و ذویه فضل الطعام لم یرکبوا رقابکم و لتحوّلوا الی غیر بلادکم* عبارة الاکتفاء لو أمسکتم عنهم ما بأیدیکم لتحوّلوا الی غیر بلادکم فلا تنفقوا علیهم حتی ینفضوا من حول محمد فقال له زید بن أرقم أنت و اللّه الذلیل القلیل المبغض فی قومک و محمد فی عز من الرحمن و قوّة من المسلمین قال له عبد اللّه بن أبی اسکت فانما کنت ألعب فمشی زید بن أرقم الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبره الخبر و عنده عمر بن الخطاب فقال دعنی أضرب عنقه یا رسول اللّه فقال اذا ترعد آنف کثیرة یثرب فقال ان کرهت أن یقتله مهاجری فأمر به أنصاریا* و فی الاکتفاء قال عمر فمر به عباد بن بشر فلیقتله فقال کیف یا عمر اذا تحدّث الناس انّ محمدا یقتل أصحابه و لکن أذن بالرحیل و ذلک فی ساعة لم یکن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یرتحل فیها فارتحل الناس و أرسل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی عبد اللّه بن أبی فأتاه فقال أنت صاحب هذا الکلام الذی بلغنی فقال عبد اللّه و الذی أنزل علیک الکتاب ما قلت شیئا من ذلک و انّ زیدا لکاذب* و فی الاکتفاء و قد مشی عبد اللّه بن ابی الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین بلغه انّ زیدا بلغه ما سمعه منه فحلف باللّه ما قلت ما قال و لا تکلمت به و کان عبد اللّه بن أبی فی قومه شریفا عظیما فقال من حضر من الانصار من أصحابه یا رسول اللّه شیخنا و کبیرنا لا تصدّق علیه کلام غلام عسی أن یکون الغلام و هم فی حدیثه و لم یحفظ ما قاله فعذره النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الکشاف روی انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لزید لعلک غضبت علیه قال لا قال فلعله أخطأ سمعک قال لا قال فلعله شبه علیک قال لا و فشت الملامة فی الانصار لزید و کذبوه و کان زید یسایر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لم یقرب منه بعد ذلک استحیاء فلما استقبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و سار لقیه أسید بن حضیر فحیاه بتحیة النبوّة و سلم علیه ثم قال یا رسول اللّه رحت فی ساعة منکرة ما کنت تروح فیها فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ ما بلغک ما قال صاحبکم عبد اللّه بن أبی قال و ما قال قال زعم انه ان رجع الی المدینة أخرج الاعز
منها الاذل فقال أسید بن حضیر فأنت و اللّه یا رسول اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:472
تخرجه ان شئت هو و اللّه الذلیل و أنت العزیز ثم قال یا رسول اللّه ارفق به فو اللّه لقد جاء اللّه بک و انّ قومه لینظمون له الخرز لیتوّجوه فانه لیری أنک قد استلبته ملکا و بلغ عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبی ما کان من أبیه فأتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه انه بلغنی انک ترید قتل عبد اللّه بن أبی لما بلغک عنه فان کنت فاعلا فمرنی به فأنا أحمل إلیک رأسه فو اللّه لقد علمت الخزرج ما کان بها رجل أبرّ بوالدیه منی و انی أخشی أن تأمر به غیری فیقتله فلا تدعنی نفسی أن أنظر الی قاتل عبد اللّه بن أبی یمشی فی الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بکافر و أدخل النار فقال رسول اللّه نرفق به و نحسن صحبته ما بقی معنا* و فی الاکتفاء ثم مشی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالناس یومهم ذلک حتی أمسی و لیاتهم حتی أصبح و سار یومهم ذلک حتی آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم یلبثوا ان وجدوا مس الارض فوقعوا نیاما و انما فعل ذلک لیشغل عن الحدیث الذی کان بالامس و فی غیر الاکتفاء ثم سار رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم رائحا بالناس حتی نزل علی ماء فویق النقیع یقال له نقعاء فهاجت ریح شدیدة آذتهم و تخوّفوها و ضلت ناقة النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم القصوی و ذلک لیلا فقال رسول اللّه لا تخافوا انما هبت لموت عظیم من عظماء الکفار توفی بالمدینة قیل من هو قال رفاعة بن زید بن التابوت فقال رجل من المنافقین و هو زید بن اللصیت أحد بنی قینقاع کیف یزعم انه یعلم الغیب و لا یعلم مکان ناقته أ لا یخبره الذی یأتیه بالوحی فأتاه جبریل و أخبر بقول المنافق و مکان ناقته و أخبر بذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أصحابه و قال ما أزعم أنی أعلم الغیب و ما أعلمه و لکن اللّه أخبرنی بقول المنافق و مکان ناقتی هی فی الشعب قد تعلق زمامها بشجرة فخرجوا یسعون قبل الشعب فاذا هی کما قال فجاءوا بها و آمن ذلک المنافق فلما قدموا المدینة وجدوا رفاعة بن زید بن التابوت قد مات و کان من عظماء الیهود و کهفا للمنافقین* و فی المنتقی أوردهما فی السنة التاسعة من الهجرة و ذکر فقدان الناقة حین توجهه الی تبوک و هبوب الریح بتبوک و سیجی‌ء فی الموطن التاسع* و لما دنوا من المدینة و فی الوفاء و لما کان بینهم و بین المدینة یوم تعجل عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبی بن سلول حتی أناخ علی مجامع طرق المدینة* فلما جاء عبد اللّه بن أبی قال له ابنه وراءک قال مالک ویلک قال لا و اللّه لا تدخلها حتی یأذن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و تعلم الیوم من الاعز و من الاذل فقال له أنت من بین الناس فقال نعم أنا من بین الناس فانصرف عبد اللّه حتی لقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فشکی إلیه ما صنع ابنه فأرسل صلّی اللّه علیه و سلم الی ابنه أن خل عنه فدخل المدینة رواه ابن شیبة* و فی المنتقی فتقدّم عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبی حتی وقف لأبیه علی الطریق فلما رآه أناخ به و قال لا أفارقک حتی تقرّ أنک الذلیل و أنّ محمدا العزیز فمرّ به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال دعه فلعمری لنحسنن صحبته ما دام بین أظهرنا* و فی الکشاف و لما أراد عبد اللّه أن یدخل المدینة اعترضه ابنه حباب و هو عبد اللّه بن عبد اللّه غیر رسول اللّه اسمه و قال ان حبابا اسم شیطان و کان مخلصا و قال وراءک و اللّه لا تدخلها حتی تقول رسول اللّه الاعز و أنا الاذل فلم یزل حبیسا فی یده حتی أمره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالتخلیة* و روی أنه قال لئن لم تقرّ للّه و رسوله بالعزة لأضربن عنقک فقال و یحک أ فاعل أنت قال نعم فلما رأی منه الجدّ قال أشهد أنّ العزة للّه و لرسوله و للمؤمنین فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لابنه جزاک اللّه عن رسوله و عن المؤمنین خیرا فلما وافی رسول اللّه المدینة أنزل اللّه تعالی سورة اذا جاءک المنافقون فی تصدیق زید و تکذیب عبد اللّه فلما نزل أخذ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بأذن زید و قال ان اللّه صدّقک و أوفی بأذنک* و
فی الاکتفاء قال هذا الذی أوفی اللّه بأذنه* و فی الکشاف فلما نزل لحق رسول اللّه زیدا من خلفه فعرک أذنه و قال وفت أدنک یا غلام ان اللّه صدّقک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:473
و کذب المنافقین* و فی معالم التنزیل و لما نزلت هذه الآیة و بان کذب عبد اللّه بن أبیّ قیل له یا أبا حباب انه قد نزل فیک آی شداد فاذهب الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یستغفر لک فلوی رأسه ثم قال أمرتمونی أن أومن فآمنت و أمرتمونی أن أعطی زکاة مالی فقد أعطیت فما بقی الا أن أسجد لمحمد فأنزل اللّه و اذا قیل لهم تعالوا یستغفر لکم رسول اللّه لوّوا رءوسهم الآیة و لم یلبث ابن أبی الا أیاما قلائل حتی اشتکی و مات هکذا فی معالم التنزیل و المدارک و أما فی المنتقی فأورد موت عبد اللّه بن أبی فی السنة التاسعة من الهجرة و سیجی‌ء فی الموطن التاسع و کانت غیبته علیه السلام فی هذه الغزوة ثمانیة و عشرین یوما هکذا فی المواهب اللدنیة و قدم المدینة لهلال رمضان* و فی هذه السنة قدم مقیس بن حبابة من مکة متظاهرا بالاسلام فقال یا رسول اللّه جئتک مسلما و جئتک أطلب دیة أخی قتل خطأ فأمر له رسول اللّه بدیة أخیه هشام بن حبابة فأقام عند رسول اللّه غیر کثیر ثم عدا علی قاتل أخیه فقتله ثم رجع الی مکة مرتدّا*

نزول آیة التیمم‌

و فی هذه السنة نزلت آیة التیمم فی الصحیحین من حدیث عائشة خرجنا مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی بعض أسفاره فذکرت حدیث التیمم قال فی فتح الباری قولها فی بعض أسفاره قال ابن عبد البرّ فی التمهید یقال انه کان فی غزوة بنی المصطلق و جزم بذلک فی الاستدراک و سبقه الی ذلک ابن سعد و ابن حبان و غزوة بنی المصطلق هی غزوة المریسیع و فیها کانت قصة الإفک لعائشة و کان ذلک بسبب وقوع عقدها أیضا فان کان ما جزموا ثابتا حمل علی انه سقط منها فی تلک السفرة مرّتین لاختلاف القصتین کما هو بین فی سیاقهما قال و استبعد بعض شیوخنا ذلک لان المریسیع من ناحیة مکة بین قدید و الساحل و هذه القصة کانت من ناحیة خیبر لقولها فی الحدیث حتی اذا کتابا لبیداء أو ذات الجیش و هما بین مکة و خیبر کما جزم به النووی قال و ما جزم به مخالف لما جزم به ابن التین فانه قال البیداء هو ذو الحلیفة بالقرب من المدینة من طریق مکة و ذات الجیش وراء ذی الحلیفة* و قال أبو عبیدة البکری فی معجمه أدنی الی مکة من ذی الحلیفة ثم ساق حدیث عائشة هذا ثم قال و ذات الجیش من المدینة علی برید قال و بینها و بین العقیق سبعة أمیال و العقیق من طریق مکة لا من طریق خیبر فاستقام ما قاله ابن التین و قد قال قوم بتعدّد ضیاع العقد و منهم محمد بن حبیب الاخباری فقال سقط عقد عائشة فی غزوة ذات الرقاع و فی غزوة بنی المصطلق و قد اختلف أهل المغازی فی أی هاتین الغزوتین کانت* قال الداودی کانت قصة التیمم فی غزوة الفتح ثم تردّد فی ذلک* و روی ابن أبی شیبة من حدیث ابی هریرة قال لما نزلت آیة التیمم لم أدر کیف أصنع فهذا یدل علی تأخرها عن غزوة بنی المصطلق لان اسلام أبی هریرة کان فی السنة السابعة و هی بعدها بلا خلاف و کانّ البخاری یری ان غزوة ذات الرقاع کانت بعد قدوم أبی موسی و قدومه کان وقت اسلام أبی هریرة* و مما یدل علی تأخر القصة أیضا عن قصة الإفک ما رواه الطبرانی من طریق یحیی بن عباد بن عبد اللّه بن الزبیر عن عائشة قالت لما کان من أمر عقدی ما کان و قال أهل الإفک ما قالوا خرجت مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی غزوة أخری و سقط أیضا عقدی حتی حبس الناس علی التماسه فقال لی أبو بکر یا بنیة فی کل سفرة تکونین بلاء و عناء علی الناس فأنزل اللّه الرخصة فی التمیم فقال أبو بکر انک لمبارکة و فی اسناده محمد بن حمید الرازی و فیه مقال و فی سیاقه من الفوائد بیان عتاب ابی بکر الذی أبهم فی حدیث الصحیحین و التصریح بأن ضیاع العقد کان مرّتین فی غزوتین کذا فی المواهب اللدنیة* و فی المنتقی نزلت آیة التیمم بقرب المدینة فی موضع یقال له ذات الجیش أو البیداء* و فی خلاصة الوفاء ذات الجیش هی علی ستة أمیال من ذی الحلیفة و قیل عشرة و قیل میلان و هی أحد المنازل النبویة الی بدر انتهی* و فی القاموس ذات الجیش أو أولات الجیش واد قرب المدینة و فیه انقطع عقد عائشة قالت عائشة خرجنا مع رسول اللّه فی بعض أسفاره حتی اذا کنا بالبیداء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:474
أو ذات الجیش انقطع عقدی فأقام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی التماسه و أقام الناس معه و لیسوا علی ماء و لیس معهم ماء و جاء أبو بکر و رسول اللّه واضع رأسه علی فخذی قد نام فقال حبست رسول اللّه و الناس و لیسوا علی ماء و لیس معهم ماء فقالت عائشة فعاتبنی أبو بکر و قال ما شاء اللّه أن یقول و جعل یطعن بیده فی خاصرتی و لا یمنعنی من التحرّک الامکان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی فخذی فنام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی غیر ماء فأنزل اللّه عز و جل آیة التیمم فقال أسید بن حضیر و هو أحد النقباء لیلة العقبة ما هذا بأوّل برکتکم یا آل أبی بکر* و فی الصفوة عن ابن عباس سقطت قلادتها یوم الابواء فأصبح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین یصبح فی المنزل و أصبح الناس لیس معهم ماء فأنزل اللّه تعالی فتیمموا صعیدا طیبا قالت فبعثنا البعیر الذی کنت أرکب علیه فوجدنا العقد تحته*

تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم بجویریة

و فی شعبان هذه السنة و قیل فی السادسة تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جویریة بنت الحارث بن أبی ضرار الخزاعیة ثم المصطلقیة روی ان جویریة بنت الحارث کانت من جملة سبایا بنی المصطلق و وقعت فی سهم ثابت بن قیس بن شماس أو ابن عمه فکاتبته فسألت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی اعانة کتابتها فأدّی عنها و تزوّجها و هی ابنة عشرین سنة و کان اسمها برّة فحوّله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی جویریة کره أن یقال خرج من عند برّة کذا فی المشکاة بعضه و قد ذکر مثل ذلک فی میمونة و زینب بنت جحش و زینب بنت أبی سلمة و کان اسم کل واحدة منهنّ برّة فحوّله رسول اللّه الی هذه و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم زوجة ابن عمها عبد اللّه کذا فی السمط الثمین و فی غیره اسمه ذو الشفر بن مسافع و قیل فی غزوة المریسیع و تزوّجها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی المراجعة فی أثناء الطریق فی شعبان للسنة الخامسة و قیل فی السادسة من الهجرة و عن عائشة کانت جویریة امرأة ملاحة تأخذها العین فجاءت تسأل رسول اللّه فی کتابتها فلما قامت علی الباب فرأیتها کرهت مکانها و عرفت أن رسول اللّه سیری منها مثل الذی رأیت فقالت یا رسول اللّه أنا جویریة بنت الحارث و کان من أمری ما لا یخفی علیک و وقعت فی سهم ثابت بن قیس بن شماس و انی کاتبته علی نفسی فجئت أسألک فی کتابتی فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فهل لک فیما هو خیر فقالت و ما هو یا رسول اللّه قال أؤدّی عنک کتابتک و أتزوّجک قالت قد فعلت قالت فتسامع الناس یعنی ان رسول اللّه قد تزوّج جویریة فأرسلوا ما فی أیدیهم من السبی فأعتقوهم و قالوا أصهار رسول اللّه لا ینبغی أن تسترق قالت فما رأینا امرأة کانت أعظم برکة علی قومها منها و أعتق بسببها مائة أهل بیت من بنی المصطلق خرجه بهذا السیاق أبو داود و سیجی‌ء فی آخر الموطن التاسع أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعث إلیهم بعد اسلامهم الولید بن عقبة بن أبی معیط الی آخر القصة* قال ابن هشام و یقال اشتراها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من ثابت بن قیس و أعتقها و تزوّجها و أصدقها أربعمائة درهم قال ابن هشام و یقال لما انصرف رسول اللّه من غزوة بنی المصطلق و معه جویریة بنت الحارث فکان بذات الجیش دفع جویریة لرجل من الانصار و أمره بالاحتفاظ بها و قدم رسول اللّه فأقبل أبوها الحارث بن أبی ضرار بفداء ابنته فلما کان بالعقیق نظر الی الابل التی جاء بها للفداء فرغب فی بعیرین منها فغیبهما فی شعب من شعاب العقیق ثم أتی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا محمد أصبت ابنتی و هذا فداؤها فقال رسول اللّه فأین البعیران اللذان غیبتهما بالعقیق فی شعب کذا و کذا قال الحارث أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد أنک رسول اللّه فو اللّه ما اطلع علی ذلک الا اللّه تعالی فأسلم الحارث و أسلم معه ابنان له و ناس من قومه و أرسل الی البعیرین فجاء بهما فدفع الابل الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و دفعت إلیه ابنته جویریة و أسلمت فحسن اسلامها فخطبها النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الی أبیها فزوّجه ایاها و أصدقها اربعمائة درهم و کانت قبل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم عند ابن عمّ لها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:475
یقال له عبد اللّه کما مر* و عن ابن شهاب قال سبی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جویریة بنت الحارث یوم المریسیع فحجبها و قسم لها قال أبو عبیدة تزوّج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جویریة سنة خمس من الهجرة خرج جمیعه أبو عمرو صاحب الصفوة و کانت جویریة عند النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خمس سنین و عاشت بعده خمسا و أربعین سنة و توفیت بالمدینة سنة خمسین* و فی روایة ست و خمسین و هی بنت خمس و ستین سنة و صلّی علیها مروان بن الحکم و کان حاکما علی المدینة من قبل معاویة مرویاتها فی الکتب المتداولة سبعة أحادیث منها فی البخاری حدیث و فی مسلم حدیثان و الباقیة فی سائر الکتب*

قصة الإفک‌

و فی غزوة المریسیع وقعت قصة افک عائشة* و فی الاکتفاء و أقبل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من سفره ذلک یعنی بنی المصطلق حتی اذا کان قریبا من المدینة قال أهل الإفک فی الصدّیقة المبرّأة المطهرة عائشة رضی اللّه عنها ما قالوا* روی عن عائشة انها قالت کان رسول اللّه اذا أراد سفرا أقرع بین أزواجه قأیتهن خرج سهمها خرج بها معه فأقرع بیننا فی غزوة غزاها فخرج فیها سهمی فخرجت مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بعد ما أنزل الحجاب فکنت أحمل فی هودج و أنزل فیه فسرنا حتی اذا فرغ رسول اللّه من غزوته تلک و قفل و دنونا من المدینة قافلین آذن لیلة بالرحیل فقمت حین آذنوا بالرحیل فمشیت حتی جاوزت الجیش فلما قضیت شأنی أقبلت الی رحلی فلمست صدری فاذا عقد لی من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدی فحبسنی ابتغاؤه فأقبل الرهط الذین کانوا یرحلون بی فاحتملوا هودجی فرحلوه علی بعیری الذی کنت أرکب علیه و هم یحسبون انی فیه و کان النساء اذ ذاک خفافا لم یغشهنّ اللحم انما یأکلن العلقة من الطعام فلم یستنکر القوم خفة الهودج حین رفعوه و حملوه و کنت جاریة حدیثة السن فبعثوا الجمل و ساروا و وجدت عقدی بعد ما استمرّ الجیش فجئت منازلهم و لیس بها داع و لا مجیب فیمت منزلی الذی کنت فیه فظننت انهم سیفقدوننی فیرجعون الیّ فبینا أنا جالسة فی منزلی غلبتنی عینی فنمت* و کان صفوان بن المعطل السلمی ثم الذکوانی تخلف من وراء الجیش و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم جعله فی الساقة بالتماسه و کان یصلی حین یرحل الناس و یسیر خلف الجیش و یتفقد أشیاء الناس من اللقطة و المنسی و یبلغهما الی أصحابهما قالت فأصبح عند منزلی فرأی سواد انسان نائم فعرفنی حین رآنی و کان رآنی قبل الحجاب فاستیقظت باسترجاعه حین عرفنی فخمرت وجهی بجلبابی و اللّه ما تکلمت بکلمة و لا سمعت منه کلمة غیر استرجاعه و هوی حتی أناخ راحلته و وطئ یدها فقمت إلیها فرکبتها فانطلق یقود بی الراحلة حتی أتینا الجیش فی نحر الظهیرة و هم نزول فهلک من هلک من أهل الإفک و هم عصبة أی جماعة من العشرة الی الاربعین و هم عبد اللّه ابن أبی بن سلول رأس المنافقین و حسان بن ثابت الشاعر و مسطح بن أثاثة ابن خالة أبی بکر و زید بن رفاعة و حمنة بنت جحش أخت زینب و من ساعدهم* و الذی تولی کبر الإفک اما عبد اللّه بن أبی بن سلول قال عروة أخبرت انه کان یشاع و یتحدّث به عنده فیقرّه و یستمعه و یستوشیه قالت عائشة مررنا بملإ من المنافقین و کانت عادتهم أن ینزلوا منتبذین من الناس فقال عبد اللّه بن أبی رئیسهم من هذه قالوا عائشة و صفوان قال و اللّه ما نجت منه و لا نجا منها و قال امرأة نبیکم باتت مع رجل حتی أصبحت ثم جاء یقودها و اما حسان و مسطح و حمنة بنت جحش فانهم شایعوه بالتصریح به و الذی بمعنی الذین قوله له عذاب عظیم أی لکل خائض فی حدیث الإفک نصیب من الاثم علی مقدار خوضه و العذاب العظیم اما فی الآخرة فهو لعبد اللّه لان معظم الشرّ کان منه و یدل علیه افراد الموصول أو فی الدنیا بالحدّ و غیره فهو له و لغیره و لقد ضرب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عبد اللّه بن أبی و حسانا و مسطحا و صار ابن أبی مطرودا مشهورا بالنفاق و حسان أعمی أشلّ الیدین و مسطح مکفوف البصر کذا فی أنوار التنزیل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:476
و الکشاف* و فی الکشاف و قعد صفوان لحسان فضربه بالسیف فکف بصره کما سیجی‌ء* و فی صحیح مسلم قال مسروق قلت لعائشة لم تأذنین لحسان یدخل علیک و قد قال اللّه تعالی و الذی تولی کبره منهم له عذاب عظیم قالت فأی عذاب أشدّ من العمی و قالت انه کان ینافح أو یهاجی عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی السمط الثمین روی أن حسان بن ثابت استأذن علی عائشة و قد کف بصره فأذنت له فدخل علیها فأکرمته فلما خرج عنها قیل لها اما هذا من القوم قالت انه الذی یقول
فانّ أبی و والدتی و عرضی‌لعرض محمد منکم فداء بهذا البیت یغفر اللّه له کل ذنب خرجه أبو عمرو* و قالت عائشة رضی اللّه عنها فقد منا المدینة فاشتکیت شهرا و الناس یخوضون فی قول أصحاب الإفک و أنا لا أشعر بشی‌ء من ذلک و یریبنی فی وجعی انی لا أری من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اللطف الذی کنت أری منه حین أمرض و انما یدخل فیسلم ثم یقول کیف تیکم ثم ینصرف حتی نقهت فخرجت أنا و أم مسطح خالة أبی بکر قبل المناصع و کانت متبرزنا لا نخرج الا لیلا الی لیل و ذلک قبل أن تتخذ الکنف قریبا من بیوتنا و أمرنا أمر العرب الاول فی البریة فقالت انطلقت أنا و أم مسطح فعثرت فی مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أ تسبین رجلا شهد بدرا قالت أی هنتاه أو لم تسمعی ما قال قلت و ما قال فأخبرتنی بقول أهل الإفک قالت فازددت مرضا علی مرضی فلما رجعت الی بیتی دخل علیّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ثم قال کیف تیکم فقلت له أ تأذن لی أن آتی أبویّ و أرید أن أستیقن الخبر من قبلهما فأذن لی رسول اللّه فقلت لامی یا أماه ما ذا یتحدّث الناس فقالت یا بنیة هوّنی علیک الامر فو اللّه لقلما کانت امرأة وضیئة عند رجل یحبها و لها ضرائر الا أکثرن علیها فقلت سبحان اللّه و لقد تحدّث بها فبکیت تلک اللیلة حتی أصبحت و دعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علیّ بن أبی طالب و أسامة بن زید حین استلبث الوحی یسألهما و یستشیرهما فی فراق أهله فأما أسامة بن زید فأشار علی رسول اللّه بالذی یعلم من براءة أهله و بالذی یعلم لهم فی نفسه من الودّ فقال أسامة أهلک یا رسول اللّه و ما نعلم منهم إلّا خیرا و زاد فی الاکتفاء و هذا الکذب و الباطل* و أما علیّ فقال یا رسول اللّه لم یضیق اللّه علیک و النساء سواها کثیرة و سل الجاریة تصدقک فدعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بریرة فقال أی بریرة هل رأیت من شی‌ء یریبک قالت له بریرة و الذی بعثک بالحق ما رأیت علیها أمرا قط أغمصه أکثر من أنها جاریة حدیثة السنّ تنام عن عجین أهلها فتأتی الداجن فتأکله* و فی الاکتفاء و أما علیّ فقال یا رسول اللّه ان النساء لکثیرة و انک لتقدر أن تستخلف و سل الجاریة فانها ستصدقک فدعا رسول اللّه بریرة لیسألها فقام إلیها علیّ فضربها ضربا شدیدا و یقول أصدقی رسول اللّه فتقول و اللّه ما أعلم إلّا خیرا و ما کنت أعیب علی عائشة شیئا الا انی کنت أعجن عجینی فآمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتی الشاة فتأکله قالت عائشة و کان رسول اللّه سأل زینب بنت جحش عن أمری فقال یا زینب ما ذا رأیت أو ما علمت فقالت یا رسول اللّه أحمی سمعی و بصری و اللّه ما علمت علیها إلّا خیرا قالت عائشة و هی التی تسامینی من أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فعصمها اللّه بالورع فطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلکت فیمن هلک*

کلام عمر و عثمان و علی فی حق الإفک‌

و روی أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی تلک الایام کان أکثر أوقاته فی البیت فدخل علیه عمر فاستشاره فی تلک الواقعة فقال عمر یا رسول اللّه أحمی سمعی و بصری و اللّه أنا قاطع بکذب المنافقین لان اللّه عصمک عن وقوع الذباب علی جلدک لانه یقع علی النجاسات فیتلطخ بها فلما عصمک اللّه تعالی عن ذلک القدر من القذر فکیف لا یعصمک عن صحبة من تکون متلطخة بمثل هذه الفاحشة فاستحسن صلّی اللّه علیه و سلم کلامه* و قال عثمان ان اللّه ما أوقع ظلک علی الارض لئلا یضع انسان قدمه علی ذلک الظل أو تکون تلک الارض نجسا فلما لم یمکن أحدا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:477
من وضع القدم علی ظلک کیف یمکن أحدا من تلویث عرض زوجتک و قال علیّ یا رسول اللّه کنا نصلی خلفک فجعلت نعلیک فی أثناء الصلاة فخلعنا نعالنا فلما أتممت الصلاة سألتنا عن سبب الخلع فقلنا الموافقة فقلت أمرنی جبریل باخراجهما لعدم طهارتهما فلما أخبرک أن علی نعلک قذرا و أمرک باخراج النعل عن رجلک بسبب ما التصق به من القذر فکیف لا یأمرک باخراجها بتقدیر أن تکون متلطخة بشی‌ء من الفواحش* و فی المشکاة عن أبی سعید الخدری مثله و روی أن أبا أیوب الانصاری قال لامرأته أم أیوب أ لا ترین ما یقال فقالت لو کنت بدل صفوان أ کنت تظنّ بحرم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سوءا قال لا قالت و لو کنت انا بدل عائشة ما خنت رسول اللّه فعائشة خیر منی و صفوان خیر منک ثم و بخ اللّه الخائضین فی الإفک بقوله و لو لا اذ سمعتموه ظنّ المؤمنون و المؤمنات بأنفسهم خیرا أی عفافا و صلاحا کما روی آنفا عن عمر و عثمان و علی و أم أیوب* قیل انما جاز أن تکون امرأة النبیّ کافرة کامرأة نوح و لوط و لم یجز أن تکون فاجرة لان النبیّ مبعوث الی الکفار لیدعوهم فیجب أن لا یکون معه ما ینفرهم عنه و الکفر غیر منفر عندهم و أما الفاحشة فمن أعظم المنفرات* قالت عائشة فبینا نحن علی ذلک اذ دخل رسول اللّه علینا فسلم ثم جلس و لم یجلس عندی مذ قیل لی ما قیل قبلها و لقد لبث شهرا ما یوحی إلیه فی شأنی بشی‌ء فتشهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین جلس ثم قال أما بعد یا عائشة فانه قد بلغنی عنک کذا و کذا فان کنت بریئة فسیبرئک اللّه و ان کنت ألممت بذنب فاستغفری اللّه و توبی إلیه فان العبد اذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب اللّه علیه فلما قضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مقالته قلص دمعی حتی ما أحس منه قطرة فقلت لابی أجب عنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیما قال قال و اللّه ما أدری ما أقول لرسول اللّه فقلت لأمی أجیبی عنی رسول اللّه فیما قال قالت و اللّه ما أدری ما أقول لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* قالت عائشة و أنا جاریة حدیثة السنّ لا أقرأ کثیرا من القرآن فقلت انی و اللّه لقد علمت انکم سمعتم هذا الحدیث حتی استقر فی أنفسکم و صدّقتم به فلئن قلت لکم انی بریئة و اللّه یعلم انی لبریئة لا تصدّقوننی بذلک و لئن اعترفت لکم بأمر و اللّه یعلم انی منه بریئة لتصدّقننی و اللّه لا أجد لی و لکم مثلا الا أبا یوسف حین قال فصبر جمیل و اللّه المستعان علی ما تصفون ثم تحوّلت و اضطجعت علی فراشی و أنا أرجو أن یبرئنی اللّه و لکن و اللّه ما ظننت أن ینزل فی شأنی و حیا یتلی و لأنا أحقر فی نفسی من أن یتکلم اللّه بالقرآن فی أمری و لکنی کنت أرجو أن یری رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی النوم رؤیا یبرئنی اللّه بها فو اللّه ما رام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم مجلسه و لا خرج أحد من أهل البیت حتی أنزل اللّه علیه الوحی فأخذه ما کان یأخذه من البرحاء حتی انه لیتحدر منه العرق مثل الجمان و هو فی یوم شات من ثقل القول الذی أنزل علیه فسری عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو یضحک و کانت أوّل کلمة تکلم بها أن قال لی یا عائشة احمدی اللّه فقد برأک اللّه* و فی روایة أبشری یا حمیراء فقد أنزل اللّه براءتک قلت بحمد اللّه لا بحمدک قالت فقالت لی أمی قومی الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقلت لا و اللّه لا أقوم إلیه و لا أحمد الا اللّه فأنزل اللّه عز و جل ان الذین جاءوا بالافک عصبة منکم العشر آیات کذا فی الصحیحین* و فی الکشاف و غیره من التفاسیر انه نزل ثمانی عشرة آیة و فی روایة سبع عشرة آیة* و فی العروة الوثقی و قد برأ اللّه عائشة أم المؤمنین فی کتابه الکریم فی عدّة آیات أوّلها ان الذین جاءوا بالافک الی قوله أولئک مبرّءون مما یقولون لهم مغفرة و رزق کریم فلما أنزل فی براءتها هذا قال أبو بکر الصدّیق و کان ینفق علی مسطح لقرابته و فقره و کان من فقراء المهاجرین و اللّه لا أنفق علی مسطح شیئا أبدا بعد الذی قال
لعائشة ما قال فأنزل اللّه و لا یأتل أولو الفضل منکم الی قوله غفور رحیم* روی أنه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:478
صلی اللّه علیه و سلم قرأها علی أبی بکر فقال بلی أحب أن یغفر اللّه لی فرجع الی مسطح النفقة التی کان ینفق علیه و قال و اللّه لا أنزعها منه أبدا* و روی عن عائشة انها قالت و اللّه ان الرجل الذی قیل له ما قیل تعنی صفوان لیقول سبحان اللّه فو الذی نفسی بیده ما کشفت من کنف أنثی قط قالت ثم قتل بعد ذلک فی سبیل اللّه* و لقد برّأ اللّه أربعة بأربعة برأ یوسف علیه السلام بلسان الشاهد و شهد شاهد من أهلها و برأ موسی علیه السلام من قول الیهود فیه بالحجر الذی ذهب بثوبه و برّأ مریم بانطاق ولدها حین نادی من حجرها انی عبد اللّه الآیة و برّأ عائشة بهذه الآیات العظام فی کتابه المعجز المتلوّ علی وجه الدهر مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات فانظر کم بینها و بین تبرئة أولئک و ما ذاک إلا لإظهار علوّ منزلة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و التنبیه علی انافة سید ولد آدم و خیر الاوّلین و الآخرین و حجة رب العالمین* روی انه دخل ابن عباس علی عائشة فی مرضها و هی خائفة من القدوم علی اللّه فقال لا تخافی فانک ما تقدمین الا علی مغفرة و رزق کریم و تلا الخبیثات للخبیثین الی قوله لهم مغفرة و رزق کریم فغشی علیها فرحا بما تلا* و عن عائشة أنها قالت لقد أعطیت تسعا ما أعطیتهنّ امرأة لقد نزل جبریل بصورتی فی راحته حین أمر رسول اللّه أن یتزوّجنی و لقد تزوّجنی بکرا و ما تزوّج بکرا غیری و لقد توفی و ان رأسه لفی حجری و لقد قبر فی بیتی و ان الوحی ینزل فی أهله فیتفرقون عنه و ان کان لینزل علیه و أنا معه فی لحاف واحد و انی ابنة خلیفته و صدیقه و لقد نزل عذری من السماء و لقد خلقت طیبة عند طیب و لقد وعدت مغفرة و رزقا کریما* و کان مسروق اذا روی عن عائشة قال حدّثتنی الصدّیقة ابنة الصدّیق حبیبة رسول اللّه المبرّأة من السماء کذا فی معالم التنزیل*

اعطاء الرسول بئر بیرحا لحسان بن ثابت‌

و ذکر ابن اسحاق أن حسان بن ثابت مع ما کان منه فی صفوان بن المعطل من القول السیئ قال مع ذلک شعرا یعرّض فیه بصفوان و من أسلم من مضر یقول فیه
أمسی الجلابیب قد عزوا و قد کثرواو ابن الفریعة أمسی بیضة البلد فلما بلغ ذلک ابن المعطل اعترض حسان بن ثابت فضربه بالسیف ثم قال
تلق ذباب السیف عنی فاننی‌غلام اذا هو جیت لست بشاعر فوثب عند ذلک ثابت بن قیس بن شماس علی صفوان فجمع یدیه الی عنقه بحبل ثم انطلق به الی دار بنی الحارث بن الخزرج فلقیه عبد اللّه بن رواحة فقال ما هذا قال أ ما أعجبک ضرب حسان بالسیف و اللّه ما أراه الا قد قتله فقال له ابن رواحة هل علم رسول اللّه بشی‌ء مما صنعت قال لا و اللّه قال لقد اجترأت أطلق الرجل فأطلقه ثم أتوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فذکروا ذلک له فدعا حسان و صفوان فقال صفوان یا رسول اللّه آذانی و هجانی فاحتملنی الغضب فضربته فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لحسان یا حسان أ شوّهت علی قومی أن هداهم اللّه للاسلام ثم قال یا حسان أحسن فی الذی أصابک قال هی لک فأعطاه رسول اللّه عوضا منها بیرحا بالحاء المهملة بعدها ألف مقصورة من غیر مدّ و روی فیها الاعراب بالحرکات علی الراء فی الاحوال الثلاث مع الاضافة الی حاء و أنکره أبو ذرّ و قال انما هی بفتح الراء فی کل حال* قال الباجی علیه أدرکت أهل العلم بالمشرق و کذا عند القاضی عیاض کذا فی البحر العمیق* و هی قصر بنی جدیلة الیوم بالمدینة ثم باعها حسان من معاویة بمال عظیم کانت مالا لابی طلحة بن سهل فتصدّق بها الی رسول اللّه لیضعها حیث یشاء فأعطاها حسان فی ضربته و أعطاه سیرین أمة قبطیة ولدت له ابنه عبد الرحمن کذا فی سیرة ابن هشام* و قد روی من وجوه أن اعطاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ایاه سیرین انما کان لذبه بلسانه عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فاللّه تعالی أعلم* و قال بعد ذلک حسان یمدح عائشة و یعتذر من الذی کان من شأنها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:479 حصان رزان لا تزنّ بریبةو تصبح غرثی من لحوم الغوافل
حلیلة خیر الناس دینا و منصبانبیّ الهدی و المکرمات الفواضل
عقیلة حیّ من لؤیّ بن غالب‌کرام المساعی مجدها غیر زائل
مهذبة قد طیب اللّه جیبهاو طهرها من کل سوء و باطل
فان کان ما قد قیل عنی قلته‌فلا رفعت سوطی الیّ أناملی
و ان الذی قد قیل لیس بلائطبها الدهر بل قول امرئ بی ماحل
فکیف و ودّی ما حییت و نصرتی‌لآل رسول اللّه زین المحافل
له رتب عال علی الناس کلهم‌تقاصر عنه سورة المتطاول
رأیتک و لیغفر لک اللّه حرةمن المحصنات غیر ذات غوائل و لما بلغ قوله و تصبح غرثی من لحوم الغوافل قالت عائشة عند ذلک لکنک لست کذلک رواه مسلم و لما نزلت ان الذین جاءوا بالافک عصبة منکم الآیة جلد رسول اللّه بعد تنازع بین الاصحاب أربعة عبد اللّه بن أبیّ و حسان بن ثابت و مسطح بن اثاثة و حمنة بنت جحش أخت زینب التی عصمها اللّه بالورع جلدهم ثمانین ثمانین* و فی روایة و جلد زید بن رفاعة خامس الاربعة المذکورة کذا فی معالم التنزیل* و فی الاکتفاء قال قائل من المسلمین فی ضرب حسان و صاحبیه فی فریتهم علی عائشة رضی اللّه عنها
لقد ذاق حسان الذی کان أهله‌و حمنة اذ قالوا هجیرا و مسطح
تعاطوا برجم الغیب زوج نبیهم‌و سخطة ذی العرش الکریم فأترحوا
و آذوا رسول اللّه فیها فجللوامخازی تبقی عمموها و فضحوا
وصبت علیهم محصدات کأنهاشآبیب قطر من ذری المزن تسفح و قد ذکر أبو عمرو بن عبد البرّ الحافظ أن قوما أنکروا أن یکون حسان خاض فی الإفک أو جلد فیه روی عن عائشة أنها برّأته من ذلک ثم ذکر عن الزبیر بن بکار و غیره ان عائشة کانت فی الطواف مع أمّ حکیم بنت خالد بن العاصی و ابنة عبد اللّه بن أبی ربیعة فتذاکرن حسانا فابتدرتاه بالسب فقالت لهما عائشة ابن الفریعة تسبان انی لارجو أن یدخله اللّه الجنة بذبه عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بلسانه أ لیس القائل
هجوت محمدا فأجبت عنه‌و عند اللّه فی ذاک الجزاء
فان أبی و والدتی و عرضی‌لعرض محمد منکم وقاء فقالتها لها أ لیس ممن لعنه اللّه فی الدنیا و الآخرة بما قال فیک قالت لم یقل شیئا و لکنه القائل
حصان رزان ما تزنّ بریبةو تصبح غرثی من لحوم الغوافل
فان کان ما قد قیل عنی قلته‌فلا رفعت سوطی الیّ أناملی و فی السمط الثمین قال أبو عمرو هذا عندی أصح لانه لم یشتهر جلد عبد اللّه و لا جلد من اشتهر من الجمیع‌

* غزوة الخندق‌

و فی شوّال هذه السنة وقعت غزوة الخندق سمیت بالخندق لحفر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الخندق باشارة سلمان الفارسی و سمیت بالاحزاب جمع حزب أی طائفة لاجتماع طوائف المشرکین علی حرب المسلمین و هم قریش و غطفان و الیهود و من معهم و هم الذین سماهم اللّه تعالی بالاحزاب و أنزل اللّه تعالی فی ذلک صدر سورة الاحزاب کذا فی المواهب اللدنیة و الوفاء* و اختلف فی تاریخها فقال موسی بن عقبة کانت فی شوّال سنة أربع و فی نسخة لعشرة أشهر و خمسة أیام و صححه النووی فی الروضة مع قوله بأن غزوة بنی قریظة فی الخامسة و هو عجیب لما سیأتی من انها کانت عقیب الخندق* و قال ابن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:480
اسحاق غزوة الخندق فی شوّال سنة خمس و بهذا جزم غیره من أهل المغازی و أما البخاری فمال الی قول موسی بن عقبة و قوّاه بقول ابن عمر ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عرضه یوم أحد و هو ابن أربع عشرة فلم یجزه و عرضه یوم الخندق و هو ابن خمس عشرة فأجازه فیکون بینهما سنة واحدة و أحد کانت سنة ثلاث فتکون الخندق سنة أربع و لا حجة فیه بینهما اذا ثبت لنا انها کانت سنة خمس لاحتمال أن یکون ابن عمر فی أحد کان أوّل ما طعن فی الرابعة عشر و کان فی الاحزاب استکمل الخمس عشرة و بهذا أجاب البیهقی* و قال الشیخ ولیّ الدین العراقی المشهور انها فی السنة الرابعة من الهجرة کذا فی المواهب اللدنیة* قال أصحاب السیر ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لما أجلی یهود بنی النضیر من حوالی المدینة تفرّقوا فی البلاد و سکن کل قوم منهم فی ناحیة و بعض منهم و هم حیی بن أخطب و أبو رافع غلام بن أبی الحقیق و کنانة بن الربیع بن أبی الحقیق النضریون و من تابعهم استوطنوا خیبر فخرج نفر من أشرافهم مثل حیی بن أخطب و کنانة بن الربیع و سلام بن أبی الحقیق النضریین و أبی عامر الفاسق و هوذة بن قیس الوائلیین فی رهط من بنی النضیر و رهط من بنی وائل قریب من عشرین رجلا و هم الذین حزبوا الاحزاب علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی قدموا مکة علی قریش فاستغووهم و استنصروهم و دعوهم علی حرب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقالت لهم قریش یا معشر الیهود انکم أهل الکتاب و العلم بما کنا نختلف فیه نحن و محمد فأخبرونا أ دیننا خیر أم دینه قالوا بل دینکم خیر من دینه و أنتم أولی بالحق منه فهم الذین أنزل اللّه فیهم أ لم تر الی الذین أوتوا نصیبا من الکتاب یؤمنون بالجبت و الطاغوت و یقولون للذین کفروا هؤلاء أهدی من الذین آمنوا سبیلا الی قوله و کفی بجهنم سعیرا فلما قالوا ذلک لقریش سرّهم ما قالوا و طابت قلوبهم و نشطوا لما دعوهم إلیه من حرب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأجابوهم و أجمعوا علی ذلک و استعدّوا له ثم خرجت أولئک الیهود من مکة حتی جاءوا غطفان من قیس غیلان بفتح الغین المعجمة اسم قبیلة سمیت باسم جدّهم* و فی القاموس قیس عیلان بالفتح أبو قبیلة و اسمه الناس بن مضر انتهی فدعوهم الی حرب رسول اللّه و أخبروهم بأنهم سیکونون معهم علیه و ان قریشا قد تابعوهم علی ذلک و أجمعوا علیه و اجتمعوا معهم و جعلت یهود لغطفان تحریضا علی الخروج نصف تمر خیبر کل عام فزعموا أن الحارث ابن عوف أخا بنی مرّة قال لعیینة بن حصن بن حذیفة بن بدر و لقومه من غطفان یا قوم أطیعونی و دعوا قتال هذا الرجل و خلوا بینه و بین عدوّه من العرب فغلب علیهم الشیطان و قطع أعناقهم الطمع و نفذوا لامر عیینة علی قتال رسول اللّه و کتبوا الی حلفائهم من بنی أسد فأقبل طلیحة الاسدی فیمن تبعه من بنی أسد و هما الحلیفان أسد و غطفان و کتب قریش الی رجال من بنی سلیم بینهم و بینهم أرحام استمدادا لهم فأقبل أبو الاعور بمن تبعه من سلیم مدد القریش ثم کتب الیهود الی حلفائهم من بنی سعد أن یأتوا الی امدادهم فجمع أبو سفیان جیش قریش أربعة آلاف رجل و فیهم ثلاثمائة فرس و ألف بعیر و عقدوا لواء و دفعوه الی عثمان بن طلحة بن أبی طلحة من بنی عبد الدار فخرج أبو سفیان بقریش و نزلوا مرّ الظهران و لحق بهم من أجابهم من القبائل من بنی سلیم و أسلم و أشجع و بنی مرّة و کنانة و فزارة و غطفان فصاروا فی جمع کبیر حتی تحزبت و تجمعت عشرة آلاف رجل علی ما ذکره ابن اسحاق بأسانیده و لهذا سمی هذه الغزوة غزوة الاحزاب و کان المسلمون ثلاثة آلاف و قیل کان المسلمون ألفا و المشرکون أربعة آلاف* و ذکر ابن سعد انه کان مع المسلمین ستة و ثلاثون فرسا کذا فی المواهب اللدنیة فسارت قریش و قائدهم أبو سفیان بن حرب و سارت غطفان و قائدهم عیینة بن حصن بن حذیفة بن بدر فی فزارة و الحارث بن عوف بن أبی حارثة المری
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:481
فی بنی مرّة و مسعر بن رحیلة بن نویرة بن طریف بن شحمة بن عبد اللّه بن هلال بن حلاوة بن أشجع بن ریث بن غطفان فیمن تابعه فی قومه من أشجع و تکامل لهم و لمن استمدّوه فأمدّهم جمع عظیم هم الذین سماهم اللّه الاحزاب فلما سمع بهم النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و بما أجمعوا له من الامر ضرب الخندق علی المدینة و کان الذی أشار علی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالخندق سلمان الفارسی و کان أوّل مشهد شهده سلمان مع رسول اللّه و هو یومئذ حرّ قال یا رسول اللّه انا کنا بفارس اذا حوصرنا خندقنا علینا فعبی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جیشه و استخلف علی المدینة عبد اللّه بن أمّ مکتوم و دفع لواء المهاجرین الی زید بن حارثة و لواء الانصار الی سعد بن عبادة فخرج من المدینة فی ثلاثة آلاف رجل و عرض أصحابه و ردّ الی المدینة من استصغره من أولاد الصحابة و أذن لبعضهم فی الخروج مثل عبد اللّه ابن عمر و زید بن ثابت و أبی سعید الخدری و البراء بن عازب و هم یومئذ أبناء خمس عشرة سنة فطلب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم موضعا صالحا للخندق* و فی خلاصة الوفاء کان أحد جانبی المدینة عورة و سائر جوانبها مشتبکة بالبنیان و النخیل لا یتمکن العدوّ منها فاختار ذلک الجانب المکشوف للخندق و جعل معسکره تحت جبل سلع و جعل المسلمون ظهورهم الی جبل سلع و ضربت له صلّی اللّه علیه و سلم قبة من أدیم أحمر علی القرن فی موضع مسجد الفتح و الخندق بینه و بین المشرکین فخط أوّلا موضع الخندق ثم قسمه فقطع لکل عشرة أربعین ذراعا* و فی روایة لکل عشرة رجال عشرة أذرع فاستعار من یهود بنی قریظة لحفر الخندق المعاول و الفؤس و المکاتل و القدوم و المرو المسحاة و غیر ذلک و کانت یومئذ بینهم و بین النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مهادنة و معاهدة و هم یکرهون مسیر قریش الی المدینة* و فی خلاصة الوفاء و عمل فیه جمیع المسلمین و هم یومئذ ثلاثة آلاف* قال الطبری و أتباعه حفر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الخندق طولا من أعلا وادی بطحان غربی الوادی مع الحرة الی غربی مصلی العید ثم الی مسجد الفتح ثم الی الجبلین الصغیرین اللذین فی غربی الوادی و مأخذه قول ابن النجار و الخندق باق فیه قناة تأتی من عین قباء الی النخل الذی بالسنح حوالی مسجد الفتح و فی الخندق نخل أیضا و قد انطم أکثره و تهدّمت حیطانه* الحاصل ان الخندق کان شامی المدینة من طرف الحرّة الشرقیة الی طرف الغربیة* و عن أنس قال جعل المهاجرون و الانصار یحفرون الخندق حول المدینة و ینقلون التراب علی متونهم و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یعمل فیه مع أصحابه* و عن سهل بن سعد قال کنا مع رسول اللّه و هم یحفرون و نحن ننقل التراب علی أکتافنا* و فی روایة کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ینقل التراب حتی واری التراب جلدة بطنه* و فی روایة بعض بطنه* و فی روایة شعر صدره و کان کثیر الشعر* و فی روایة ینقل التراب یوم الخندق حتی اغمر أو اغبر بطنه و هو یقول أو یرتجز بکلمات ابن رواحة
و اللّه لو لا اللّه ما اهتدینا* و فی روایة* لا همّ لو لا أنت ما اهتدینا* و لا تصدّقنا و لا صلینا فأنزلن سکینة علینا* و ثبت الاقدام ان لاقینا* ان الاولی قد رغبوا علینا** و فی روایة*
ان الذین قد بغوا علینااذا أرادوا فتنة أبینا و رفع بها صوته أبینا أبینا رواه الشیخان* و فی حدیث سلیمان التیمی عن أبی عثمان النهدی أنه صلّی اللّه علیه و سلم حین ضرب فی الخندق قال* بسم اللّه و به بدینا* و لو عبدنا غیره شقینا* حبذا ربا و حبذا دینا* قال فی النهایة یقال بدیت بالشی‌ء بکسر الدال أی بدأت به فلما خفف الهمزة کسر الدال فانقلبت الهمزة یاء و لیس من باب الیاء* و عن أبی قتادة انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال لعمار حین یحفر الخندق فجعل یمسح رأسه و یقول بؤس ابن سمیة تقتلک الفئة الباغیة رواه مسلم* و روی ان حفر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:482
الخندق کان فی زمان عسرة و عام مجاعة حتی انّ الاصحاب کانوا یشدّون فی بطونهم الحجر من الجهد و الضعف الذی بهم من الجوع و لبثوا ثلاثة أیام لا یذوقون ذواقا* و عن أبی طلیحة شکونا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الجوع و رفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عن بطنه عن حجرین ذکره الترمذی فی الشمائل و لهذا أشار صاحب البردة بقوله
و شدّ من سغب أحشاءه و طوی‌تحت الحجارة کشحا مترف الادم قیل الحجر یدفع الجوع* و عن أنس خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی الخندق فاذا المهاجرون و الانصار یحفرون الخندق فی غداة باردة و لم یکن لهم عبید یعملون ذلک لهم فلما رأی ما بهم من النصب و الجوع قال اللهمّ لا خیر الاخیر الآخرة فبارک فی الانصار و المهاجرة* و فی روایة فاکرم الانصار و المهاجرة فقالوا مجیبین له
نحن الذین بایعوا محمداعلی الجهاد ما بقینا أبدا * و فی روایة ما حیینا أبدا فحفروا الخندق و فرغوا منه بعد ستة أیام* و فی المواهب اللدنیة قد وقع عند موسی بن عقبة أنهم أقاموا فی عمل الخندق قریبا من عشرین یوما و عند الواقدی أربعا و عشرین* و فی الروضة للنووی خمسة عشر یوما* و فی الهدی النبوی لابن القیم أقاموا شهرا* روی أنه صلی اللّه علیه و سلم کان عین للمهاجرین أن یحفروا من موضع کذا الی موضع کذا و عین للانصار أن یحفروا من موضع کذا الی موضع کذا و تحاجّ الفریقان فی سلمان الفارسی و کل فریق قالوا سلمان منا و نحن أحق به و کان سلمان رجلا قویا یحسن حفر الخندق فلما سمع النبیّ مقالة الفریقین قال سلمان منا أهل البیت* روی انه کان یعمل فی حفر الخندق عمل الرجلین* و فی روایة کان یحفر کل یوم خمسة أذرع من الخندق و عمقها أیضا خمسة أذرع فعانه قیس بن صعصعة فصرع و تعطل من العمل فأخبر بذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأمر أن یتوضأ قیس لسلمان و یجمع وضوءه فی ظرف و یغتسل سلمان بتلک الغسالة و یکفأ الاناء خلف ظهره ففعل فنشط فی الحال کما ینشط البعیر من العقال* و روی انه کان عمرو بن عوف و سلمان و حذیفة و النعمان بن مقرن المزنی و ستة من الانصار فی أربعین ذراعا فحفروا حتی اذا کانوا تحت ذباب عرضت لهم* ذباب کغراب و کتاب لغتان* قال البکری ذباب جبل بجبانة المدینة و هو الجبل الذی علیه مسجد الرایة و اسمه ذو ناب أیضا* و فی روایة أخرج اللّه من بطن الخندق صخرة بیضاء* و فی المواهب اللدنیة کدیة شدیدة و هی بضم الکاف و تقدیم الدال المهملة علی المثناة التحتیة القطعة الصلبة* و فی روایة مرو عظیمة کسرت حدیدهم فأخبروا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بذلک و هو ضارب علیه قبة ترکیة فهبط مع سلمان الخندق و بطنه معصوب بحجر و لبثوا ثلاثة أیام لا یذوقون ذواقا کما مرّ و التسعة علی شفیر الخندق فأخذ المعول من سلمان فضربها به ضربة صدعها و برق منها برق أضاء منها ما بین لابتیها یعنی المدینة حتی لکانّ مصباحا فی بیت مظلم فکبر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تکبیرة فتح و کبر المسلمون ثم ضربها الثانیة فبرق منها برق أضاء ما بین لابتیها فکبر رسول اللّه تکبیرة فتح و کبر المسلمون ثم ضربها الثالثة فکسرها و برق منها برق أضاء ما بین لابتیها فکبر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تکبیرة فتح و کبر المسلمون فأخذ بید سلمان و رقی قال سلمان بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه لقد رأیت شیئا ما رأیت مثله قط فالتفت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی القوم فقال أ رأیتم ما یقول سلمان قالوا نعم یا رسول اللّه قال ضربت ضربتی الأولی فبرق الذی رأیتم أضاءت لی منها قصور الحیرة و مدائن کسری کأنها أتیاب الکلاب و أخبرنی جبریل ان أمّتی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:483
ظاهرة علیها ثم ضربت ضربتی الثانیة فبرق الذی رأیتم أضاءت لی منها القصور الحمر من أرض الروم کأنها أنیاب الکلاب فأخبرنی جبریل ان أمّتی ظاهرة علیها ثم ضربتها ضربتی الثالثة فبرق الذی رأیتم أضاءت لی قصور صنعاء کأنها أنیاب الکلاب و أخبرنی جبریل انّ أمّتی ظاهرة علیها فابشروا فاستبشر المسلمون و قالوا الحمد للّه موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون منهم معتب بن قشیر أ لا تعجبون من محمد یمنیکم و یعدکم الباطل و یخبرکم انه یبصر من یثرب قصور الحیرة و مدائن کسری و انها تفتح لکم و أنتم انما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطیعون أن تبرزوا فنزل القرآن و اذ یقول المنافقون و الدین فی قلوبهم مرض ما وعدنا اللّه و رسوله الا غرورا و أنزل اللّه فی هذه القصة قل اللهمّ مالک الملک الآیة و وقع عند أحمد و النسائی أخذ المعول و قال بسم اللّه ثم ضرب ضربة فبشر ثلثها فقال اللّه أکبر أعطیت مفاتیح الشام و اللّه انی لأبصر قصورها الحمر الساعة ثم ضرب الثانیة فقطع ثلثا آخر فقال اللّه أکبر أعطیت مفاتیح فارس و انی و اللّه لأبصر قصور المدائن البیض الآن ثم ضرب الثالثة فقال بسم اللّه فقطع بقیة الحجر فقال اللّه أکبر أعطیت مفاتیح الیمن و اللّه انی لأبصر أبواب صنعاء الیمن من مکانی هذا الساعة کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء اشتدّ علیهم فی بعض الخندق کدیة فشکوها الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فدعا باناء من ماء فتفل فیه ثم دعا بما شاء اللّه أن یدعو به ثم نضح ذلک الماء علی تلک الکدیة فیقول من حضر فو الذی بعثه بالحق لانهالت حتی عادت کالکثیب ما تردّ مسحاة و لا فأسا* و لما فرغ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الخندق أقبلت قریش حتی نزلت بمجتمع السیول من رومة بین الجرف و رباعة فی عشرة آلاف من أحابیشهم و من تابعهم من بنی کنانة و أهل تهامة و أقبلت غطفان و من تابعهم من أهل نجد و قائدهم عیینة بن حصن حتی نزلوا بذنب نعمی الی جانب أحد* و فی خلاصة الوفاء عن ابن اسحاق ان عیینة بن حصن فی غطفان نزلوا الی جانب أحد بباب نعمان* و فی تهذیب ابن هشام عند نزولهم بنعمی و نعمان بالضم و عین مهملة واد بجانب أحد یصب هو و نعمی فی الغابة و خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی ثلاثة آلاف رجل من المسلمین یوم الاثنین لثمان لیال مضین من ذی القعدة حتی جعلوا ظهورهم الی سلع فضرب هناک عسکره و الخندق بینهم و بین المشرکین و کان لواء المهاجرین بید زید بن حارثة و لواء الانصار بید سعد بن عبادة و کان شعار أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یوم الخندق و بنی قریظة حم لا ینصرون کذا فی سیرة ابن هشام و کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یبعث الحرس الی المدینة خوفا علی الذراری من بنی قریظة کذا فی المواهب اللدنیة و أمر رسول اللّه بالنساء و الذراری حتی رفعوا فی الآطام و خرج عدوّ اللّه حیی بن أخطب النضری بالتماس من أبی سفیان حتی أتی کعب بن أسد القرظی صاحب عقد بنی قریظة و عهدهم و کان کعب قد وادع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی قومه و عاهدهم علی ذلک فلما سمع کعب بحیی بن أخطب أغلق دونه باب حصنه فاستأذن علیه حیی فأبی کعب أن یفتح له فناداه حیی و یحک یا کعب افتح لی فقال کعب و یحک یا حیی انک امرؤ مشؤم و انی قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بینی و بینه و لم أر منه الا وفاء و صدقا قال و یحک افتح لی أکلمک قال ما أنا بفاعل قال و اللّه ما أغلقت الباب الا لخشیتک أن آکل معک فاغضب الرجل ففتح له فقال یا کعب و یحک جئتک بعز الدهر و ببحر طام جئتک بقریش علی قادتها و سادتها حتی أنزلتهم بمجتمع الاسیال من رومة و بغطفان علی قادتها و سادتها حتی أنزلتهم بذنب نعمی الی جانب أحد قد عاهدونی و عاقدونی أن لا یبرحوا حتی یستأصلوا محمدا و من معه فقال له کعب بن أسد جئتنی بذل الدهر بجهام هراق ماءه و برعد و ببرق لیس فیه شی‌ء فدعنی و محمدا و ما أنا علیه فلم أر من محمد الا وقاء و صدقا فلم یزل حیی ابن أخطب بکعب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:484
یفتل فی الذروة و الغارب حتی سمح له علی ان أعطاه عهدا من اللّه و میثاقا لئن رجعت قریش و غطفان و لم یصیبوا محمدا ان أدخل معک فی حصنک حتی یصیبنی ما أصابک فنقض کعب عهده و برئ مما کان علیه فیما بینه و بین رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلما انتهی الخبر الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و المسلمین قال رسول اللّه حسبنا اللّه و نعم الوکیل و بعث صلّی اللّه علیه و سلم سعد بن معاذ أحد بنی عبد الاشهل و هو یومئذ سید الاوس و سعد بن عبادة أحد بنی ساعدة و هو یومئذ سید الخزرج و معهما عبد اللّه بن رواحة أخو بلحارث و خوّات بن جبیر أخو بنی عمرو بن عوف لیعرفوا الخبر فقال انطلقوا حتی تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا فخرجوا حتی أتوهم فوجدوهم علی اخبث ما بلغهم عنهم قالوا من رسول اللّه تبرءوا من عقده و عهده و قالوا لا عقد بیننا و بین محمد و لا عهد فشاتمهم سعد بن عبادة و شاتموه و کان رجلا فیه حدّة فقال له سعد بن معاذ دع عنک مشاتمتهم فما بینهم و بیننا أربی من المشاتمة ثم أقبل سعد بن معاذ و سعد بن عبادة و من معهما الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأخبروه و قالوا عضل و القارة أی کغدرهما بأصحاب الرجیع فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اللّه أکبر ابشروا یا معشر المسلمین و لما فشا بین المسلمین خبر نقض عهد بنی قریظة اشتدّ الخوف و عظم عند ذلک البلاء فبینما هم علی ذلک اذ جاءتهم جنود یعنی الاحزاب و هم قریش و غطفان و یهود قریظة و النضیر و کانوا زها اثنی عشر ألفا کذا فی أنوار التنزیل فجاء بنو أسد و غطفان و فزارة و الیهود من فوقهم من جهة المدینة و قائدهم حارث بن عوف و عیینة بن حصن الفزاری و جاء قریش و کنانة من جانب أسفل الوادی و قائدهم أبو سفیان بن حرب* و قال ابن عباس کان الذین جاءوهم من فوقهم بنو قریظة و من أسفل منهم قریش و غطفان کذا فی الوفاء و من هیبة کثرتهم و شدّة شوکتهم رعبت قلوب ضعفاء أهل الاسلام و زاغت أبصارهم* و فی الاکتفاء حتی ظنّ المؤمنون کل ظن و نجم النفاق من بعض المنافقین و حتی قال قائل منهم کان محمد یعدنا أن نملک کنوز کسری و قیصر و أحدنا الیوم لا یأمن علی نفسه أن یذهب الی الغائط کما قال اللّه تعالی اذ جاؤکم من فوقکم و من أسفل منکم و اذ زاغت الابصار و بلغت القلوب الحناجر و تظنون باللّه الظنونا هنالک ابتلی المؤمنون و زلزلوا زلزالا شدیدا فلما بلغت الاحزاب و جنود الاعراب شفیر الخندق و رأوه تعجبوا منه اذ لم یکن أمر الخندق متعارفا بین العرب فأقاموا بظاهر المدینة علی الخندق و حاصروا المسلمین عشرین أو أربعة و عشرین أو سبعة و عشرین یوما* و فی الاکتفاء و أقام علیه المشرکون قریبا من شهر و لم یکن بینهم حرب الا الرمی بالنبل و الحصار و استعان بنو قریظة من قریش لیبیتوا المدینة فعلم به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فبعث سلمة بن الاسلم فی مائتی رجل و زید بن حارثة فی ثلاثمائة رجل حتی حرسوا حصون المدینة و محلاتها و کان جماعة من المنافقین مثل أوس القیظی و متابعیه ینفرون جیش الاسلام و یقولون ارجعوا الی منازلکم و اعتلوا بأنّ منازلکم عورة خالیة عن المحافظة فانها خارج المدینة و نحن نخاف أن یظفر بها جیش العدوّ کما أخبر عنه قوله تعالی و اذ قالت طائفة منهم یا أهل یثرب لا مقام لکم فارجعوا و یستأذن فریق منهم النبیّ یقولون انّ بیوتنا عورة و ما هی بعورة ان یریدون الا فرارا* روی انه کان عباد بن بشر مع جمع من الصحابة فی أیام المحاصرة یحرسون خیمة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کل لیلة و کان المشرکون یتناوبون الحرب لکن اللّه تعالی لم یمکنهم من عبور الخندق فان شجعان الصحابة کانوا یمنعونهم بالنبال و الاحجار و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بنفسه فی اللیالی یحرس بعض مواضع الخندق* روی عن عائشة رضی اللّه عنها أنها قالت کان فی الخندق موضع لم یحسنوا ضبطه اذ أعجلهم الحال و کان یخاف علیه عبور الاعداء منه و کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یختلف و یحرسه بنفسه و یقول
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:485
لا أخاف أن یعبر المشرکون من موضع الا من هذا الموضع و کان یختلف علیه و رجع مرّة من الخندق فکنت أستدفئه فقال لیت رجلا صالحا یحرس اللیلة هذا الموضع اذ سمع قعقعة السلاح فقال من هذا قال سعد بن أبی وقاص فأمره أن یحرس اللیلة هذا الموضع فذهب سعد یحرسه فنام النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حتی نفخ و کان اذا نام نفخ* و عن أمّ سلمة أنها قالت کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ذات لیلة من لیالی الخندق یصلی فی خیمته فخرج منها فنظر فسمعته یقول هؤلاء رکب المشرکین یحومون حول الخندق فأمر عباد بن بشر و من معه أن یحوموا حول الخندق ثم قال اللهمّ ادفع عنا شرهم و انصرنا علیهم فذهب عباد و أصحابه حتی انتهوا الی شفیر الخندق فرأوا أبا سفیان مع جمع من المشرکین قد اقتحموا بمضیق من الخندق و قوم من المسلمین یرمونهم بالنبل و الحجر فاعانهم عباد و أصحابه و رموا المشرکین حتی ولوا هاربین فرجع عباد و أصحابه الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو یصلی فلما فرغ أخبروه بذلک قالت فنام رسول اللّه حتی نفخ و ما استیقظ حتی أذن بلال الفجر فخرج و صلّی الفجر مع الجماعة* و عن أم سلمة کان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم نائما فی خیمته ذات لیلة فلما کان نصف اللیل کثر الصیاح و ارتفعت الاصوات و سمعت قائلا یقول یا خیل اللّه ارکبوا و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم جعل شعار المهاجرین فی تلک الغزوة یا خیل اللّه ارکبی* و فی روایة کان صلی اللّه علیه و سلم قال لهم ان بیتکم العدوّ فلیکن شعارکم حم لا ینصرون فوجه الجمع أن یقال ان هذا کان شعار الانصار و اللّه أعلم* و فی سیرة ابن هشام کان شعار أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یوم الخندق و بنی قریظة حم لا ینصرون* فانتبه صلّی اللّه علیه و سلم و خرج من خیمته و سأل الحرس ما شأن الناس و ما هذا الصیاح قال عباد هذا صوت عمرو بن عبد ودّ العامری و اللیلة نوبته فبعثه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم إلیه فذهب عباد و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم واقف خارج الخیمة ینتظر الخبر فرجع و قال یا رسول اللّه هذا عمرو بن ودّ فی جمع من المشرکین یرمون المسلمین بالنبل و الحجارة فدخل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم خیمته و لبس سلاحه فخرج و رکب فرسه و ناس بین یدیه حتی بلغوا ذلک الموضع ثم رجعوا مع جراحات کثیرة قد أصابتهم فرقد النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حتی سمعته ینفخ ثم سمعت صیاحا فاستیقظ النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فبعث إلیه عباد بن بشر فرجع فقال هذا ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهری فی جمع من المشرکین یقاتلون المسلمین و یرمونهم بالنبال و الاحجار فلبس النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم سلاحه و توجه الی ذلک الموضع و اشتغل بقتالهم حتی الصباح ثم رجع و قال هربوا مع جراحات کثیرة قالت أم سلمة قد کنت مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی غزوات عدیدة مثل المریسیع و خیبر و الحدیبیة و فتح مکة و حنین و الطائف و لم تکن غزوة من تلک الغزوات شدیدة علی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم مثل الخندق لقد أصابه تعب و مشقة کثیرة و أصاب المسلمین جراحات کثیرة و کان الزمان زمان برد و عسرة* روی أنه لما اشتدّ البلاء رأی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أن یعطی غطفان و فزارة ثلث ثمار المدینة حتی یرجعا عنه و یخذلا قریشا فبعث الی عیینة بن حصن الفزاری و الحارث بن عوف و هما قائدا فزارة و غطفان و شرط لهما ثلث ثمار المدینة علی أن یرجعا بمن معهما عنه و عن أصحابه فجری بینه و بینهما المراوضة فی الصلح حتی کتبوا الکتاب و لم تقع الشهادة و لا عزیمة الصلح* و فی روایة ان عیینة و حارثا مع نفر من قومهما أتیا النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لامر المصالحة فجری بینه و بینهم الصلح فأمر النبیّ عثمان بن عفان حتی کتب کتاب الصلح و لم یقع الاشهاد و لما أرادوا أن یکتبوا الشهادة جاء اسید بن حضیر فرأی عیینة ابن حصن الفزاری قد مدّ رجله بین یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و علم ما جاء له فأقبل الی عیینة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:486
و قال یا عین الهجرس أ تمدّ رجلک بین یدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فو اللّه لو لا مجلس رسول اللّه لانفذت جنبک بهذا الرمح ثم أقبل بوجهه الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه ان کان هذا شیئا أمرک اللّه به لا بدّ لنا من عمل به أو أمرا تحبه فاصنع ما شئت ما نقول فیه شیئا و ان کان غیر ذلک فو اللّه ما نعطیهم الا السیف متی کانوا یطعمون منا شیئا فسکت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و لم یقل شیئا فدعا سعد بن معاذ و سعد بن عبادة فاستشارهما فیه فقالا مثل ما قال أسید بن حضیر فقالا یا رسول اللّه أ شی‌ء أمرک اللّه به أم أمر تصنعه لنا قال بل شی‌ء أصنعه لکم و اللّه ما أصنع ذلک الا لانی رأیت العرب قد رمتکم عن قوس واحدة و کایدوکم من کل جانب فأردت أن أکسر عنکم شوکتهم فقال سعد ابن معاذ یا رسول اللّه قد کنا نحن و هؤلاء القوم علی شرک باللّه و عبادة الاوثان لا نعرف اللّه و لا نعبده و هم لا یطمعون أن یأکلوا منا ثمرة الاقری أو بیعا فحین أکرمنا اللّه بالاسلام و أعزنا بک نعطیهم أموالنا و اللّه لا نعطیهم الا السیف حتی یحکم اللّه بیننا و بینهم فقال رسول اللّه فأنت و ذلک فتناول سعد الصحیفة و أخذها من عثمان فمحا ما فی الکتاب و مزق الکتاب ثم قال لیجتهدوا علینا فرجع عیینة ابن حصن و الحارث بن عوف خائبین خاسرین و علما أن لا یدلهم علی المدینة بوجه من الوجوه لما رأوا من اخلاص الانصار و اتفاقهم مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و دخل فی أمرهما فتور و تزلزل* و روی ان فوارس من قریش و شجعانهم منهم عمرو بن عبد ودّ أخو بنی عامر بن لؤیّ و عکرمة بن أبی جهل و هبیرة بن أبی وهب المخزومیان و نوفل بن عبد اللّه و ضرار بن الخطاب و مرداس أخو بنی محارب قد تلبسوا یوما للقتال و خرجوا علی خیلهم و مرّوا علی بنی کنانة و قالوا تهیئوا للحرب یا بنی کنانة فستعلمون الیوم من الفرسان ثم أقبلوا نحو الخندق تعنق بهم خیلهم و الجیش علی أثرهم حتی وقفوا علی الخندق فلما رأوه قالوا و اللّه ان هذه لمکیدة ما کانت العرب تکیدها ثم قصدوا مکانا ضیقا من نواحی الخندق فضربوا خیولهم فاقتحمت فیه من تلک الناحیة الضیقة فعبروه فجالت بهم خیولهم فی السبخة بین الخندق و سلع و أبو سفیان و خالد بن الولید و فوج من رؤساء قریش و کنانة و غطفان کانوا مصطفین علی الخندق فقال عمرو بن عبد ودّ لابی سفیان ما لکم لا تعبرون قال أبو سفیان ان احتیج الی عبورنا نعبر أیضا و کان عمرو بن عبد ودّ من مشاهیر الابطال و شجعان العرب و کانوا یعدلونه بألف رجل و قد کان قاتل یوم بدر حتی أثبتته الجراحة فلم یشهد أحدا فلما کان یوم الخندق خرج معلما لیری مکانه فجال و طلب المبارزة و الاصحاب ساکتون کأنما علی رءوسهم الطیر لانهم کانوا یعلمون شجاعته*

مبارزة علیّ لعمرو بن عبد ودّ

و فی الاکتفاء ذکر ابن اسحاق فی غیر روایة البکائی ان عمرو بن عبد ودّ لما نادی یطلب من یبارزه قام علیّ و هو مقنع بالحدید فقال أنا له یا رسول اللّه فقال له اجلس انه عمرو ثم نادی عمرو و جعل یوبخهم و یقول أین جنتکم التی تزعمون انه من قتل منکم دخلها أ فلا تبرزون الیّ رجلا فقام علیّ فقال أنا له یا رسول اللّه فقال له اجلس انه عمرو ثم نادی الثالثة و قال
و لقد بححت من النداء بجمعکم هل من مبارزو وقفت اذ جبن المشجع وقفة الرجل المناجز و کذاک الثانی لم أزل
متسرعا نحو الهزاهز
ان الشجاعة فی الفتی‌و الجود من خیر الغرائز فقام علیّ و قال أنا له یا رسول اللّه فقال انه عمرو فقال و ان کان عمرا فأذن له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فمشی إلیه علیّ و هو یقول
لا تعجلنّ فقد أتاک مجیب صوتک غیر عاجز تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:487 ذونیة و بصیرةو الصدق منجی کل فائز
انی لارجو أن أقسم علیک نائحة الجنائزمن ضربة نجلاء یبقی ذکرها عند الهزاهز
* فقال عمرو من أنت قال أنا علیّ قال ابن عبد مناف قال أنا علی بن أبی طالب قال غیرک یا ابن أخی من أعمامک من هو أسنّ منک فانی اکره أن أهریق دمک فقال علیّ لکنی و اللّه ما أکره أن أهریق دمک فغضب و نزل وسل سیفه کأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علیّ مغضبا و یقال انه کان علی فرسه فقال له علیّ کیف أقاتلک و أنت علی فرسک و لکن انزل معی فنزل عن فرسه ثم أقبل نحوه فاستقبله علیّ رضی اللّه عنه بدرقته فضربه عمرو فیها فقدّها و أثبت فیها السیف و أصاب رأسه فشجه و ضربه علیّ علی حبل العاتق فسقط و ثار العجاج و سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم التکبیر فعرف أن علیا قتله* و فی القاموس کان علیّ ذا شجتین فی قرنی رأسه احداهما من عمرو ابن ودّ و الثانیة من ابن ملجم و لذا یقال له ذو القرنین* و فی روایة لما أذن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لعلیّ أعطاه سیفه ذا الفقار و ألبسه درعه الحدید و عممه عمامته و قال اللهم أعنه علیه* و فی روایة رفع عمامته الی السماء و قال الهی أخذت عبیدة منی یوم بدر و حمزة یوم أحد و هذا علیّ أخی و ابن عمی فلا تذرنی فردا و أنت خیر الوارثین فمشی إلیه علیّ فی نفر من المسلمین حتی أخذوا علی الثغرة التی اقتحموا منها فأقبلت الفرسان تعنق نحوهم فلما وقف عمرو و خیله قال له علیّ یا عمرو سمعت انک تعاهد اللّه أن لا یدعوک رجل من قریش الی خلتین الا أخذت منه احداهما* و فی الاکتفاء الی احدی الخلتین الا أخذتها منه قال أجل فقال علیّ فانی أدعوک الی اللّه و الی رسوله و الی الاسلام قال لا حاجة لی فی ذلک قال فارجع الی دیارک و اترک القتال معنا فان انتظم أمر محمد و ظفر علی أعدائه فقد أسعدته و أمددته و الا فحصل مطلوبک من غیر قتاله قال عمرو ان نساء قریش لا یقلن هذا کیف و قد قدرت علی استیفاء نذری و أنا أرجع و لم أف به و قد کان عمرو جرح یوم بدر و أفلت هاربا و نذر أن لا یدّهن حتی ینتقم من محمد فقال علیّ فانی أدعوک الی النزال فقال له یا ابن أخی فو اللّه ما أحب أن أقتلک قال علیّ و لکنی أحب أن أقتلک فحمی عمرو عند ذلک فاقتحم عن فرسه وسل سیفه و عقره و ضرب وجهه ثم أقبل علی علیّ فتنازلا و تجاولا فقتله علیّ و خرجت خیلهم منهزمة حتی اقتحمت الخندق هاربة و فی روایة ثم حمل ضرار بن الخطاب و هبیرة بن أبی وهب علی علیّ و هو أقبل إلیهما فأما ضرار فلما نظر الی وجه علیّ ولی هاربا و بعد ذلک سئل عن سبب فزاره قال خیل لی أن الموت یرینی صورته و أما هبیرة فثبت فی مقاتلته حتی أصابه أثر السیف فعند ذلک ألقی درعه و هرب* و فی روایة حمل الزبیر بن العوّام و عمر بن الخطاب بعد قتل علیّ عمرا علی بقیة أصحاب عمرو و قد کان ضرار بن الخطاب یفرّ و عمر یشتدّ فی أثره فکرّ ضرار راجعا و حمل علی عمر بالرمح لیطعنه ثم أمسک و قال یا عمر هذه نعمة مشکورة أثبتها علیک و یدلی عندک غیر مجزی بها فاحفظها* و فی معالم التنزیل و أما نوفل ابن عبد اللّه فضرب فرسه لیدخل الخندق فوقع فیه مع فرسه فتحطما جمیعا* و فی المنتقی فتورّط فیه* و فی الوفاء و برز نوفل بن عبد اللّه بن المغیرة المخزومی فبارزه الزبیر فقتله و یقال قتله علیّ و رجعت بقیة الخیول منهزمة* و فی روضة الاحباب اقتحم الخندق نوفل حین الفرار فسقط فیه فرماه المسلمون بالحجارة فصرخ یا معشر العرب قتلة أحسن من هذه فنزل إلیه علیّ فضربه بالسیف فقطعه نصفین و جرح من الکفار یومئذ منبه بن عثمان أصابه سهم فمات منه بمکة و فرّ عکرمة و هبیرة و مرداس و ضرار حتی انتهوا الی جیشهم فأخبروهم بقتل عمرو و نوفل فتوهن من ذلک قریش
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:488
و خاف أبو سفیان و کادت أن تهرب فزارة و تفرّقت غطفان* و فی معالم التنزیل طلب المشرکون جیفة نوفل بالثمن فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خذوه فانه خبیث الجیفة خبیث الدیة و روی ان علیا لما قتل عمرا لم یسلبه فجاءت اخت عمرو حتی قامت علیه فلما رأته غیر مسلوب سلبه قالت ما قتله الا کفؤ کریم ثم سألت عن قاتله قالوا علیّ بن أبی طالب فأنشأت هذین البیتین تاریخ الخمیس، دیار البکری ج‌1 488 مبارزة علی لعمرو بن عبد ود ..... ص : 486
لو کان قاتل عمرو غیر قاتله‌لکنت أبکی علیه آخر الابد
لکنّ قاتله من لا یعاب به‌من کان یدعی قدیما بیضة البلد و روی ان الکفار فی ذلک الیوم أو فی یوم آخر اتفقوا و شرعوا فی القتال من جمیع جوانب الخندق فقاتلوا سائر الیوم حتی فاتت صلاة الظهر و العصر و المغرب عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه و بعد ذلک أمر بالاقامة لکل صلاة و قضوها* و فی الهدایة ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم شغل عن أربع صلوات یوم الخندق فقضاهنّ مرتبة ثم قال صلوا کما رأیتمونی و قد صح عن علیّ أنه قال قال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یوم الخندق ملأ اللّه علیهم بیوتهم نارا کما شغلونا عن الصلاة الوسطی صلاة العصر حتی غابت الشمس و قیل اقتتلوا ثلاثة أیام قتالا شدیدا حتی حجز اللیل بینهم سیما فی الیوم الثالث حین شغلهم القتال عن صلاة العصر و المغرب و قیل و الظهر و ذلک قبل نزول صلاة الخوف و هو قوله تعالی فان خفتم فرجالا أو رکبانا* و فی شمائل الترمذی روی أنه کان یوم الخندق رجل من الکفار معه ترس و کان سعد رامیا و کان الرجل یقول کذا و کذا بالترس یغطی جبهته فنزع له سعد بسهم فلما رفع رأسه رماه سعد لم یخطئ هذه منه یعنی جبهته و انقلب و أشال برجله فضحک النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حتی بدت نواجذه یعنی من فعله بالرجل قالت عائشة کنا یوم الخندق فی حصن بنی حارثة و هو من أحرز حصون المدینة و کانت أمّ سعد بن معاذ معنا فی الحصن و ذلک قبل أن یضرب علینا الحجاب فمرّ سعد بن معاذ و علیه درع مقلص قد خرجت منها ذراعه کلها و فی یده حربة و هو یقول البث قلیلا تلحق الهیجا جمل* و فی الاکتفاء فی یده حربة یرقد بها أی یسرع بها فی نشاط و هو یقول
البث قلیلا تشهد الهیجا جمل‌لا بأس بالموت اذا حان الاجل کذا فی المنتقی* و فی الصفوة عن عائشة قالت خرجت یوم الخندق أقفو أثر الناس فسمعت و بید الارض من ورائی فالتفت فاذا أنا بسعد بن معاذ و معه ابن أخیه الحارث بن أوس یحمل مجنة فجلست الی الارض فمرّ سعد و هو یرتجز
البث قلیلا تدرک الهیجا جمل‌ما أحسن الموت اذا جاء الاجل فقالت أمّه یا بنیّ الحق فقد و اللّه أخرت قالت فقلت لها و اللّه یا أمّ سعد لوددت أن درع سعد کانت أسبغ مما هی و خفت علیه حیث أصاب السهم منه قالت فرمی سعد یومئذ بسهم فقطع منه الاکحل و زعموا أنه لم ینقطع من أحد قط الا لم یزل یبض دما و لم یرقأ حتی یموت* الاکحل بفتح الهمزة و الحاء المهملة بینهما کاف ساکنة عرق فی وسط الذراع* قال الخلیل هو عرق الحیاة یقال ان فی کل عضو منه شعبة فهو فی الید الاکحل و فی الظهر الابهر و فی الفخذ النسا* و کان الذی رماه حبان بن قیس ابن العرقة أحد بنی عامر بن لؤیّ فلما أصابه قال خذها و أنا ابن العرقة قال سعد عرق اللّه وجهک فی النار* و حبان بن العرقة و قد تفتح الراء و هی أمّه قلابة لقبت بها لطیب ریحها کذا فی القاموس قال ابن اسحاق عن عبد اللّه بن کعب بن مالک انه کان یقول ما أصاب سعدا یومئذ الا أبو أسامة الجشمی حلیف بنی مخزوم* قال ابن هشام و یقال ان الذی رمی سعدا خفاجة بن عاصم بن حبان کذا فی سیرة ابن هشام ثم قال سعد اللهم ان کنت أبقیت من حرب قریش شیئا فأبقنی لها فانه لا قوم أحب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:489
الیّ أن اجاهدهم من قوم آذوا رسولک و کذبوه و أخرجوه و ان کنت وضعت الحرب بیننا و بینهم فاجعله لی شهادة و لا تمتنی حتی تقرّ عینی أو قال تشفینی من بنی قریظة و کانوا حلفاء سعد و موالیه فی الجاهلیة فرقأ کمله* و لما رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من الخندق أمر بقبة من أدم ضربت علی سعد فی المسجد* و عن جابر قال رمی سعد بن معاذ فی أکحله فحسمه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و عنه قال رمی أبی بن کعب یوم الاحزاب علی أکحله فکواه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و عنه بعث رسول اللّه الی أبی بن کعب طبیبا فقطع منه عرقا ثم کواه علیه روی الاحادیث الثلاثة مسلم کذا فی المشکاة*

لطیفة

و روی ابن اسحاق عن عباد الزهری انه کانت صفیة بنت عبد المطلب فی فارع حصن قالت و حسان معنا و فیه من النساء و الصبیان فمرّ بنا رجل من یهود فجعل یطیف بالحصن و قد حاربت بنو قریظة و قطعت ما بینها و بین رسول اللّه و لیس بیننا و بینهم أحد یدفع عنا و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و المسلمون فی نحور عدوّهم لا یستطیعون أن ینصرفوا إلینا عنهم اذ أتانا آت قلت یا حسان ان هذا الیهودی کما تری یطیف بالحصن و انی و اللّه ما آمنه أن یدل علی عورتنا من وراءنا من الیهود و قد شغل عنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه فانزل إلیه فاقتله فقال یغفر اللّه لک یا بنت عبد المطلب و اللّه لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا فلما قال ذلک و لم أر عنده شیئا احتجزت ثم أخذت عمودا ثم نزلت إلیه من الحصن فضربته بالعمود حتی قتلته فلما فرغت منه رجعت الی الحصن فقلت یا حسان انزل فسلبه فانه لم یمنعنی من سلبه الا أنه رجل قال ما لی فی سلبه من حاجة یا بنت عبد المطلب کذا فی المنتقی* و فی الوفاء روی الطبرانی و رجاله ثقات عن رافع بن خدیج قال لم یکن حصن أحصن من حصن بنی حارثة فجعل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم النساء و الصبیان و الذراری فیه و قال ان ألم بکنّ أحد فألمعن بالسیف فجاءهنّ رجل من بنی حارثة بن سعد یقال له نجدان أحد بنی جحاش علی فرس حتی کان فی أصل الحصن ثم جعل یقول انزلن الیّ خیر لکن فحرّکن السیف فأبصره أصحاب رسول اللّه فابتدر الحصن قوم فیهم رجل من بنی حارثة یقال له ظفر بن رافع فقال یا نجدان ابرز فبرز إلیه فحمل علیه فقتله و أخذ رأسه و ذهب به الی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم* و فی الوفاء قال حسان لا و اللّه ما ذاک فیّ و لو کان فیّ لخرجت مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت صفیة فأربط السیف علی ذراعی ثم تقدّمت إلیه حتی قتلته و قطعت رأسه فقالت له خذ الرأس فارم به علی الیهود قال ما ذاک فیّ فأخذت هی الرأس فرمت به الیهود فقالت الیهود قد علمنا أن لم یکن یترک أهله خلوفا لیس معهم أحد فتفرّقوا و ذهبوا و روی الطبرانی هذه القصة عن صفیة فی غزوة أحد و فی اسناده اثنان قال الهیتمی لم أعرفهما و بقیة اسناده ثقات و المذکور فی کتب السیر انّ هذه القصة فی الخندق و انّ بعضهم کان بحصن بنی حارثة و بعضهم بفارع* قال السهیلی محمل هذا الحدیث عند الناس أن حسانا کان جبانا شدید الجبن و قد دفع بعض العلماء هذا و أنکره و قال لو صح هذا لهجی حسان به فانه کان یهاجی الشعراء و کانوا یردّون علیه فما عیره أحد بجبن و ان صح فلعل حسانا کان متعللا فی ذلک الیوم بعلة منعته عن شهود القتال هذا و روی الطبرانی برجال الصحیح عن عروة مرسلا ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أدخل النساء یوم الاحزاب أطما من آطام المدینة و کان حسان بن ثابت رجلا جبانا فأدخله مع النساء فأغلق الباب و ذکر القصة* و فی أسد الغابة لابن الاثیر کان حسان من أجبن الناس حتی ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم جعله مع النساء فی الآطام یوم الخندق و أقام النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أصحابه فیما وصف اللّه تعالی من الخوف و الشدّة لتظاهر عدوّهم علیهم و اتیانهم من فوقهم و من أسفل منهم ثم ان نعیم بن مسعود بن عامر الاشجعی الغطفانی أتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:490
فقال یا رسول اللّه انی قد أسلمت و ان قومی لم یعلموا باسلامی فمرنی بما شئت فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انما أنت فینا رجل واحد فخذل عنا ان استطعت فان الحرب خدعة فخرج نعیم حتی أتی بنی قریظة و کان لهم ندیما فی الجاهلیة فقال لهم یا بنی قریظة قد عرفتم ودّی ایاکم و خاصة ما بینی و بینکم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم ان قریشا و غطفان قد جاءوا لحرب محمد و قد ظاهرتموهم علیهم و ان قریشا و غطفان لیسوا کهیئتکم البلد بلدکم به أموالکم و أولادکم و نساؤکم لا تقدرون أن تحوّلوا الی غیره و ان قریشا و غطفان اموالهم و أبناؤهم و نساؤهم بغیره ان رأوا نهزة أصابوها و ان کان غیر ذلک لحقوا ببلادهم و خلوا بینکم و بین الرجل و الرجل ببلدکم لا طاقة لکم به ان خلا بکم فلا تقاتلوا القوم حتی تأخذوا بعض أشرافهم رهنا یکونون بأیدیکم ثقة لکم علی أن یقاتلوا معکم محمدا حتی تناجزوه فقالوا لقد أشرت برأی و نصح ثم خرج حتی أتی قریشا فقال لأبی سفیان بن حرب و من معه من رجال قریش یا معشر قریش قد عرفتم ودّی ایاکم و فراقی محمدا و قد بلغنی أمر رأیت حقا علیّ أن أبلغکموه نصحا لکم فاکتموا علیّ ما أقول لکم قالوا نفعل قال اعلموا ان معشر یهود قد ندموا علی ما صنعوا فیما بینهم و بین محمد و قد أرسلوا إلیه أن قد ندمنا علی ما فعلنا فهل یرضیک أن نأخذ من القبیلتین قریش و غطفان رجالا من أشرافهم فنعطیکم فتضرب أعناقهم ثم نکون معک علی من بقی منهم حتی نستأصلهم فأرسل محمد إلیهم أن نعم فان بعث إلیکم یهود یلتمسون منکم رهنا من رجالکم لا تدفعوا إلیهم منکم رجلا واحدا* ثم خرج حتی أتی غطفان فقال یا معشر غطفان أنتم أهلی و عشیرتی و أحب الناس الیّ فلا أراکم تتهمونی قالوا صدقت قال فاکتموا علیّ قالوا نفعل ثم قال لهم ما قال لقریش و حذرهم ما حذرهم به فلما کانت لیلة السبت من شوّال سنة خمس و کان مما صنع اللّه لرسوله صلی اللّه علیه و سلم انه أرسل أبو سفیان و رؤساء غطفان الی بنی قریظة عکرمة بن أبی جهل فی نفر من قریش و غطفان و قالوا لهم انا لسنا بدار مقام هلک الخف و الحافر فاغدوا للقتال حتی نناجز محمدا و نفرغ مما بیننا و بینه فأرسلوا إلیهم ان الیوم یوم السبت و هو یوم لا یعمل فیه شی‌ء و کان قد أحدث فیه بعض الناس حدثا فأصابه ما لم یخف علیکم و لسنا مع ذلک بالذی نقاتل معکم حتی تعطونا رهنا من رجالکم یکونون بأیدینا ثقة لنا حتی نناجز محمدا فانا نخشی انکم اذا اشتدّ علیکم القتال أسرعتم السیر الی بلادکم و ترکتمونا و الرجل فی بلادنا فلا طاقة لنا بذلک فلما رجعت إلیهم الرسل و أخبروهم بالذی قالت بنو قریظة قالت قریش و غطفان و اللّه ان الذی حدثکم نعیم بن مسعود لحق فأرسلوا الی بنی قریظة انا و اللّه لا ندفع إلیکم رجلا واحدا من رجالنا فان کنتم تریدون القتال فاخرجوا و قاتلوا فقالت بنو قریظة حین انتهت إلیهم الرسل و أخبروهم بهذا الخبر ان الذی ذکر لکم نعیم بن مسعود لحق ما یرید القوم الا القتال فان وجدوا فرصة انتهزوها و ان کان غیر ذلک تشمروا الی بلادهم و خلوا بینکم و بین الرجل فی بلادکم فأرسلوا الی قریش و غطفان و اللّه لا نقاتل معکم حتی تعطونا رهنا فأبوا علیهم و خذل اللّه بینهم* روی ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حوصر بضع عشرة لیلة* و فی الوفاء ذکر موسی بن عقبة ان مدّة الحصار کانت عشرین یوما حتی أصاب کل امرئ منهم الکرب فدعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی مسجد الاحزاب* و عن جابر بن عبد اللّه الانصاری ان النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم دعا فی مسجد الفتح یوم الاثنین و یوم الثلاثاء و یوم الاربعاء فقال اللهمّ منزل الکتاب سریع الحساب اهزم الاحزاب اللهمّ اهزمهم و زلزلهم فاستجیب له یوم الاربعاء بین الصلاتین الظهر و العصر فعرف البشر فی وجهه صلّی اللّه علیه و سلم فأجلوا* قال جابر و لم ینزل بی أمر غائظ الا توخیت تلک الساعة فأدعو فیها فاعرف الاجابة* و فی مسند الامام أحمد عن أبی سعید
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:491
الخدری قال قلنا یوم الخندق یا رسول اللّه هل من شی‌ء فنقوله قد بلغت القلوب الحناجر قال نعم اللهم استر عوراتنا و آمن روعاتنا فضرب اللّه وجوه أعدائه بالریح فهزمهم* و فی معالم التنزیل قال عکرمة قالت الجنوب للشمال لیلة الاحزاب انطلقی ننصر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقالت الشمال ان الحرّ لا یسری باللیل و کانت الریح التی أرسلت علیهم الصبا* و عن ابن عباس عن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم أنه قال نصرت بالصبا و أهلکت عاد بالدبور فبعث اللّه علیهم فی تلک اللیلة الشاتیة ریحا باردة فأحصرتهم و سفت التراب فی وجوههم و أرسل علیهم جنودا لم یروها و هم الملائکة و کانوا ألفا و لم تقاتل یومئذ و لکن قلعت الاوتاد و قطعت أطناب الفساطیط و أطفأت النیران و أکفأت القدور و جالت الخیل بعضها فی بعض و کثر تکبیر الملائکة فی جوانب عسکرهم و قذف اللّه فی قلوبهم الرعب فانهزموا من غیر قتال* و فی ینبوع الحیاة لابن ظفر قیل انه صلّی اللّه علیه و سلم دعا فقال یا صریخ المکروبین یا مجیب المضطرین اکشف همی و غمی و کربی فانک تری ما نزل بی و بأصحابی فأتاه جبریل و بشره بأن اللّه سبحانه یرسل علیهم ریحا و جنودا فأعلم أصحابه و رفع یده به قائلا شکرا شکرا وهبت ریح الصبا لیلا فقلعت الاوتاد و ألقت علیهم الابنیة و کفأت القدور و سفت علیهم التراب و رمتهم بالحصباء و سمعوا فی أرجاء عسکرهم التکبیر و قعقعة السلاح فارتحلوا هرابا فی لیلتهم و ترکوا ما استنقلوه من متاعهم قال فذلک قوله تعالی فأرسلنا علیهم ریحا و جنودا لم تروها کذا فی المواهب اللدنیة* و روی عن حذیفة أنه قال لقد رأیتنی لیلة الاحزاب مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال من یقوم فیذهب الی هؤلاء القوم فیأتینا بخبرهم أدخله اللّه الجنة فما قام منا رجل ثم صلّی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هویا من اللیل ثم التفت إلینا فقال مثله فسکت القوم و ما قام رجل ثم صلّی هو یا من اللیل ثم التفت إلینا فقال من رجل یقوم فینظر لنا ما فعل القوم علی أن یکون رفیقی فی الجنة فما قام رجل من شدّة الخوف و شدّة البرد و شدّة الجوع فلما لم یقم أحد دعانی فقال یا حذیفة فلم یکن لی بدّ من القیام حین دعانی فقلت لبیک یا رسول اللّه فقمت حتی أتیته و ان جنبتی لتضطربان فمسح رأسی و وجهی ثم قال ائت هؤلاء القوم حتی تأتینی بخبرهم و لا تحدثن شیئا حتی ترجع الیّ* و فی روایة لا تذعرهم علیّ* و فی روایة قال یا حذیفة اذهب فادخل فی القوم فانظر ما یفعلون و لا تذعرهم علیّ ثم قال اللهمّ احفظه من بین یدیه و من خلفه و عن یمینه و عن شماله و من فوقه و من تحته فأخذت سهمی و شددت علیّ أسلابی ثم انطلقت أمشی نحوهم کأنی أمشی فی حمام فذهبت فدخلت فی القوم و قد أرسل اللّه علیهم ریحا و جنود اللّه تفعل بهم الریح ما تفعل فلا تقرّ لهم قدرا و لا نارا و لا بناء فرأیت أبا سفیان قاعدا یصطلی أو قال یصلی ظهره بالنار فأخذت سهما فوضعته فی کبد قوسی فأردت أن أرمیه و لو رمیته لا صبته فذکرت قول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لا تحدثن شیئا حتی ترجع الیّ و لا تذعرهم علیّ فرددت سهمی فی کنانتی فقام أبو سفیان فقال یا معشر قریش لینظر کل امرئ من جلیسه قال حذیفة فأخذت بید الرجل الذی الی جنبی فقلت من أنت قال أنا فلان بن فلان* و ذکر ابن عقبة انه فعل ذلک بمن علی جانبیه یمینا و یسارا قال و بدرتهم بالمسألة خشیة أن یفطنوا* فلما رأی أبو سفیان ما تفعل الریح و جنود اللّه بهم قام و قال یا معشر قریش انکم و اللّه ما أصبحتم بدار مقام لقد هلک الکراع و الخف و أخلفتنا بنو قریظة و بلغنا عنهم الذی نکرهه و لقینا من هذه الریح ما ترون فارتحلوا فانی مرتحل ثم قام الی جمله و هو معقول فجلس علیه ثم ضربه فوثب به علی ثلاث فما أطلقه الا و هو قائم و لو لا عهد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الیّ أن لا تحدث شیئا حتی تأتینی ثم شئت لقتلته بسهم و لما سمعت فزارة و غطفان بما فعلت قریش انصرفت الی بلادها* و فی الوفاء فحملت قریش
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:492
و استمرّوا راجعین الی بلادهم* و عن الکلبی أنه قال ان الملائکة اتبعوا الاحزاب حتی بلغوا الروحاء یکبرون فی أدبارهم فهربوا لا یلوون علی شی‌ء و اللّه أعلم* و فی الصفوة عن عائشة رضی اللّه عنها بعث اللّه الریح علی المشرکین و کفی اللّه المؤمنین القتال و کان اللّه قویا عزیزا فلحق أبو سفیان و من معه بتهامة و لحق عیینة بن حصن و من معه بنجد و رجعت بنو قریظة فتحصنوا فی صیاصیهم و رجع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی المدینة فأمر بقبة من أدم فضربت علی سعد ابن معاذ فی المسجد کما سیجی‌ء* قال حذیفة فرجعت الی رسول اللّه کأنی أمشی فی الحمام و رأیت فی أثناء الطریق عشرین راکبا علیهم عمائم بیض قالوا لی أخبر صاحبک أن اللّه کفاک جیش العدوّ کذا فی روضة الاحباب* قال حذیفة أتیت النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و هو قائم یصلی فلما سلم أخبرته فضحک حتی بدت نواجذه یعنی أنیابه فی سواد اللیل فلما أخبرته قررت فذهب عنی الدفاء فأدنانی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم و أنا منی عند رجلیه و ألقی علیّ طرف ثوبه و ألزق صدری ببطن قدمیه و فی روایة ألبسنی من فضل عباءة کانت علیه یصلی فیها فلم أزل نائما حتی أصبحت فلما أصبحت قال قم یا نومان فأصبح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیس بحضرته أحد من العساکر* و فی الوفاء قال مالک لم یستشهد من المسلمین یوم الخندق الا أربعة أو خمسة* و قال ابن اسحاق لم یستشهد یوم الخندق من المسلمین إلّا ستة نفر من بنی عبد الاشهل سعد بن معاذ و أنس بن أوس بن عتیک و عبد اللّه بن سهل ثلاثة نفر و من بنی جشم بن الخزرج ثم من بنی سلمة الطفیل بن النعمان و ثعلبة بن غنمة رجلان و من بنی النجار ثم من بنی دینار کعب بن زید أصابه سهم غرب فقتله و قتل من المشرکین ثلاثة نفر من بنی عبد الدار ابن قصی منبه بن عثمان بن عبید بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم فمات منه بمکة و من بنی مخزوم ابن یقظة نوفل بن عبد اللّه بن المغیرة اقتحم الخندق فتورّط فیه فقتل فغلب المسلمون علی جسده و سأل المشرکون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن یبیعهم جسده فقال صلّی اللّه علیه و سلم لا حاجة لنا بجسده و لا ثمنه فخلی بینهم و بینه* قال ابن هشام اعطوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی جسده عشرة آلاف درهم فیما بلغنی عن الزهری* و فی معالم التنزیل فطلب المشرکون جیفة نوفل بالثمن فقال رسول اللّه خذوه فانه خبیث الجیفة خبیث الدیة و قد مرّ و من بنی عامر بن لؤیّ ثم من بنی مالک بن حسل عمرو بن عبد ودّ قتله علی بن أبی طالب* قال ابن هشام و حدّثنی الثقة انه حدث عن ابن شهاب الزهری أنه قال قتل علی بن أبی طالب یومئذ عمرو بن ودّ و ابنه حسل بن عمرو و کان من المناوشات بین الفریقین أن مات بعض بنی عمرو بن عوف من أهل قباء فاستأذنوا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لیدفنوه فأذن لهم فلما خرجوا الی الصحراء لدفن میتهم وافقوا ضرار بن الخطاب و جماعة من المشرکین بعثهم أبو سفیان لیمتاروا له من بنی قریظة علی ابل له فحملوا علی بعضها قمحا و علی بعضها شعیرا و علی بعضها تمرا و تبنا للعلف فلما رجعوا و بلغوا ساحة قباء وافقوا الذین کانوا یدفنون میتهم فناهضهم المسلمون و غلبوهم و جرح ضرار جراحات فهرب هو و أصحابه و ساق المسلمون الابل الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان للمسلمین فی ذلک سعة من النفقة و کان قد أقام بالخندق خمسة عشر یوما و قیل أربعة و عشرین یوما و قیل عشرین و قیل سبعة و عشرین و قیل قریبا من شهر کما مرّ* قال صلّی اللّه علیه و سلم لن تغزوکم قریش بعد عامکم هذا و کان کذلک فهو معجزة و انصرف علیه السلام من غزوة الخندق یوم الاربعاء لسبع لیال بقین من ذی القعدة کذا فی المواهب اللدنیة*

غزوة بنی قریظة

و فی ذی القعدة من هذه السنة وقعت غزوة بنی قریظة قال أهل السیر لما أصبح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من اللیل و قد انصرف الاحزاب مدلجین انصرف صلّی اللّه علیه و سلم و المؤمنون من الخندق الی المدینة یوم الاربعاء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:493
کما سبق ذکره و وضعوا عنهم السلاح فلما کان الظهر أتاه جبریل معتجرا بعمامة من استبرق علی بغلة بیضاء علیها رحاله علیها قطیفة من دیباج و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عند زینب بنت جحش و هی تغسل رأسه* و فی روایة فی بیت فاطمة و قد اغتسل و یرید أن یتطیب اذ جاءه جبریل* و فی روایة کان فی بیت عائشة ساعتئذ و هی تغسل رأسه و قد غسلت شقه* روی عن عائشة رضی اللّه عنها أنها قالت سمعت صوت رجل یسلم علینا من خارج البیت فقام صلّی اللّه علیه و سلم مستعجلا و خرج من البیت فتبعته الی الباب فرأیت دحیة الکلبی علی بغلة بیضاء علی وجهه الغبار* و فی روایة علی ثنایاه النقع فجعل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یمسحه بردائه و یحدّثه فلما عاد الی البیت قال هذا جبریل أمرنی بالمسیر الی بنی قریظة* و فی الوفاء ذکر ابن عقبة ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان فی المغتسل عند ما جاءه جبریل و هو یرجل رأسه و قد رجل احد شقیه فجاءه جبریل علی فرس علیه اللامة و أثر الغبار حتی وقف بباب المسجد عند موضع الجنائز فخرج إلیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال له جبریل غفر اللّه لک قد وضعت السلاح قال نعم قال جبریل ما وضعت الملائکة السلاح بعد و فی المنتقی بعد أربعین لیلة و ما رجعت الآن الا من طلب القوم* و فی المنتقی کان الغبار علی وجهه و فرسه فجعل النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یمسح الغبار عن وجهه و وجه فرسه انتهی قال جبریل ان اللّه یأمرک بالمسیر الی بنی قریظة فانی عامد إلیهم فمزلزل بهم و کذا فی الاکتفاء* و فی المواهب اللدنیة و عند ابن عائذ قم فشدّ علیک سلاحک فو اللّه لادقنهم دق البیض علی الصفا* و فی الوفاء فأدبر جبریل و من معه من الملائکة حتی سطع الغبار فی زقاق بنی غنم حی من الانصار* و فی البخاری قال أنس کأنی أنظر الی الغبار ساطعا فی سکة بنی غنم من موکب جبریل و زقاقهم عند موضع الجنائز شرقی المسجد* و فی روایة ابن سعد فجاء جبریل فقال یا رسول اللّه انهض الی بنی قریظة فقال ان فی أصحابی جهدا قال انهض إلیهم فلأضعضعنهم* و فی المنتقی قال جبریل و انّی عامد الی بنی قریظة فاشهد إلیهم فانی قد قلعت أوتادهم و فتحت أبوابهم و ترکتهم فی زلزال و بلبال فأمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم منادیا ینادی یا خیل اللّه ارکبی* و فی روایة نادی ان من کان سامعا مطیعا فلا یصلین العصر الا فی بنی قریظة و قدّم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی بن أبی طالب برایة إلیهم و لبس صلّی اللّه علیه و سلم لأمته و بیضته و شدّ السیف فی وسطه و ألقی الترس من وراء کتفه و أخذ رمحه و رکب فرسه و اسمه لحیف و اجتنب فرسین* و أما ما فی شمائل الترمذی کان صلّی اللّه علیه و سلم یوم قریظة علی حمار مخطوم بحبل من لیف علیه اکاف لیف فالتوفیق بین الروایتین ممکن و استخلف علی المدینة عبد اللّه بن أمّ مکتوم فسار علی أثر علیّ و الاصحاب تهیئوا و خرجوا و کان عددهم قریبا من ثلاثة آلاف و الخیل ستة و ثلاثین فرسا و لما بلغ بنی النجار فی الطریق رآهم قد تسلحوا وصفوا علی الطریق فقال من أمرکم بلبس السلاح قالوا دحیة الکلبی قال ذاک جبریل علیه السلام ذهب لیزلزل حصونهم و فی المنتقی و مرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالصورین قبل أن یصل الی بنی قریظة* فی القاموس الصوران موضع بقرب المدینة* و فی خلاصة الوفاء یقال الصوران بالفتح ثم السکون للنخل المجتمع الصغار موضع فی أقصی بقیع الغرقد مما یلی طریق بنی قریظة مرّ به النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم متوجها الی بنی قریظة* و فی المنتقی سأل رسول اللّه أصحابه بالصورین هل مرّ بکم أحد قالوا مرّ بنادحیة بن خلیفة الکلبی علی بغلة بیضاء علیها رحاله و علیها قطیفة دیباج فقال صلّی اللّه علیه و سلم ذاک جبریل بعث الی بنی قریظة یزلزل حصونهم و یقذف الرعب فی قلوبهم و قد کان علیّ ابتدر الناس و سار حتی اذا دنا من الحصن غرز هناک الرایة فشرعت الیهود فی السب من فوق
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:494
الحصن* و فی المنتقی سمع منها مقالة قبیحة لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فترک علیّ أبا قتادة عند الرایة و رجع حتی لقی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی الطریق فقال یا رسول اللّه لا علیک أن لا تدنو من هؤلاء الاخابث قال لم أظنک سمعت لی منهم أذی قال نعم یا رسول اللّه قال لو رأونی لم یقولوا من ذلک شیئا و انتهی المسلمون الی بنی قریظة فیما بین المغرب و العشاء و بعض الاصحاب صلوا العصر فی الطریق رعایة للوقت و حملوا نهی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی التعجیل و المبالغة فی المسیر و بعضهم قضوا العصر ببنی قریظة رعایة لظاهر النهی و ما عاب أحدا من الفریقین و لا عنفهم* و فی المنتقی و لما أتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بنی قریظة نزل علی بئر من آبارهم فی ناحیة فتلاحق به الناس فأتاه بعض الناس بعد صلاة العشاء الآخرة و لم یصلوا العصر لقوله علیه السلام لا یصلین أحد العصر الا ببنی قریظة فصلوها بعد العشاء الآخرة فما عاتبهم اللّه بذلک و لا عنفهم به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قد کان حیی بن أخطب دخل مع بنی قریظة فی حصنهم حین رجعت قریش و غطفان من الخندق وفاء لکعب بن أسد بما عاهد* و لما دنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم من حصونهم قال یا اخوان القردة و الخنازیر هل أخزاکم اللّه و أنزل بکم نقمته انزلوا علی حکم اللّه و رسوله* و فی روایة قال اخسئوا أخسأکم اللّه أی ابعدوا أبعدکم اللّه من رحمته قالوا یا أبا القاسم ما کنت جهولا و لا فحاشا قبل هذا و لما سمع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قولهم هذا سقطت العنزة من یده و الرداء عن کتفه و جعل یتأخر استحیاء مما قال لهم و قال أسید بن حضیر یا أعداء اللّه نحن لن نبرح من هاهنا حتی تموتوا من الجوع و أنتم انحجرتم مثل الثعلب فأمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سعد بن أبی وقاص حتی رماهم ساعة بالنبل ثم رجع الی معسکره و کانوا یقاتلونهم فی کل یوم من جوانب الحصن و یرمونهم بالنبل و الحجارة فحاصرهم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی ذلک خمسا و عشرین لیلة کذا فی الصفوة* و فی روایة خمس عشرة لیلة و عند ابن سعد عشرة* و فی معالم التنزیل احدی و عشرین لیلة حتی جهدهم الحصار و قذف اللّه فی قلوبهم الرعب فأمسکوا عن القتال و أرسلوا نباش بن قیس الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و سألوا النزول کما نزل بنو النضیر و أن یخرجوا مع نسائهم و أبنائهم من هذا البلد و لک الاموال و الاسلحة و الامتعة و الدواب فأبی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم الا النزول علی أن یفعل بهم ما یرید و لما رجع النباش و بلغهم الخبر و أیقنوا ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم غیر منصرف عنهم حتی یناجزهم جمع رئیسهم کعب بن أسد أشراف بنی قریظة و قال یا معشر الیهود انه قد نزل بکم من الامر ما ترون و انی أعرض علیکم خلالا ثلاثة فخذوا أیتها شئتم قالوا و ما هی قال نتابع هذا الرجل و نصدّقه فو اللّه لقد تبین لکم انه نبیّ مرسل و انه الذی تجدونه فی کتابکم و ابن حواس و کان من علماء التوراة اذ بلغ هذه الدیار أخبرکم بظهوره بها و آمن به و أوصاکم بمتابعته و نصرته و قال لکم ان أدرکتم زمانه بلغوه سلامی فآمنوا به فتأمنوا علی دیارکم و أموالکم و أبنائکم و نسائکم قالوا لا نفارق حکم التوراة أبدا و لا نستبدل به غیره قال فاذا أبیتم هذا فهلموا لنقتل أبناءنا و نساءنا ثم نخرج علی محمد و أصحابه رجالا مصلتین السیوف و لم نترک وراءنا ثقلا یهمنا حتی یحکم اللّه بیننا و بین محمد فان نهلک نهلک و لم نترک وراءنا شیئا نخشی علیه و ان نغلب علیه لنتخذن النساء و الابناء الآخر قالوا کیف نقتل هؤلاء المساکین فما فی العیش بعدهم خیر قال فان أبیتم هذا فتعالوا فانّ هذه اللیلة لیلة السبت و انه عسی أن یکون محمد و أصحابه قد أمنوا فیها یحسبون ان الیهود لا تقاتل فی السبت فانزلوا علیهم فلعلنا نصیب من محمد و أصحابه غرّة قالوا کیف نفسد سبتنا و نحدث فیه ما لم یکن أحدث فیه من کان قبلنا الا من علمت فأصابهم من المسخ ما لم
یخف علیک* قال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:495
کعب ما بات رجل منکم منذ ولدته أمّه لیلة واحدة من الدهر حازما ثم انهم بعثوا الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أن ابعث إلینا أبا لبابة عبد المنذر الاوسی أخا بنی عمرو بن عوف و کانوا حلفاء الاوس نستشیره فی أمرنا* و فی معالم التنزیل و کان أبو لبابة مناصحا لهم لانّ ماله و عیاله و ولده کانت فی بنی قریظة فأرسله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فلما رأوه قام إلیه الرجال و استقبلوه و نهض إلیه النساء و الصبیان یبکون فی وجهه من شدّة المحاصرة و تشتت أحوالهم فرق لهم فقالوا یا أبا لبابة أ تری أن ننزل علی حکم محمد قال نعم و أشار بیده الی حلقه انه الذبح* و فی معالم التنزیل قالوا یا أبا لبابة ما تری أ ننزل علی حکم سعد بن معاذ فأشار أبو لبابة بیده الی حلقه انه الذبح فلا تفعلوه قال أبو لبابة فو اللّه ما زالت قدمای حتی عرفت انی خنت اللّه و رسوله*

ارتباط أبی لبابة الی عمود من عمد المسجد

و فی المواهب اللدنیة و مضی أبو لبابة الی المدینة فارتبط فی المسجد الی عمود من عمده و قال لا أبرح من مکانی هذا حتی یتوب اللّه علیّ مما صنعت و حلف أن لا یطأ بنی قریظة أبدا و لا أری فی بلد خنت اللّه و رسوله فیه أبدا و أقام مرتبطا بالجذع ست لیال تأتیه امرأته فی وقت کل صلاة فتحله للصلاة ثم یعود فتربطه بالجذع* و قال أبو عمرو یرفعه الی عبد اللّه ابن أبی بکر ان أبا لبابة ارتبط الی جذع موضع اسطوانة التوبة بسلسلة ثقیلة بضع عشرة لیلة حتی ذهب سمعه فما کاد یسمع و کاد یذهب بصره و کانت ابنته تحله اذا حضرت الصلاة و اذا أراد أن یذهب لحاجته ثم یأتی فتردّه الی الرباط و حلف لا یحل نفسه حتی یحله رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم* و فی روایة قال لا أبرح من مکانی هذا و لا یطلقنی أحد فی غیر وقت الصلاة حتی یتوب اللّه علیّ مما صنعت و یقال ان هذه الحالة جرت له حین تخلف من تبوک کذا فی سیرة مغلطای* فلما سمع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قال امّا لو جاءنی لاستغفرت له فأمّا اذا فعل ذلک فما أنا الذی أطلقه حتی یتوب اللّه علیه فبعد ما رجعوا عن بنی قریظة أنزل اللّه فی توبته فیما روی عن عبد اللّه بن أبی قتادة یأیها الذین آمنوا لا تخونوا اللّه و الرسول الآیة* و فی الاکتفاء الآیة التی نزلت فی توبة أبی لبابة و آخرون اعترفوا بذنوبهم الی آخرها فأنزلت توبته سحرا فی بیت أمّ سلمة قالت أمّ سلمة فسمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی السحر یضحک فقلت مم تضحک یا رسول اللّه أضحک اللّه سنک قال تیب علی أبی لبابة فقلت أ لا أبشره بذلک یا رسول اللّه قال بلی ان شئت فقامت علی باب حجرتها و ذلک قبل أن یضرب علیهنّ الحجاب کذا فی المنتقی فقالت یا أبا لبابة ابشر فقد تاب اللّه علیک فثار الناس إلیه لیطلقوه قال لا و اللّه حتی یکون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هو الذی یطلقنی بیده فمرّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم خارجا الی الصبح فحله فعاهد اللّه أن لا یطأ بنی قریظة أبدا و قال لا یرانی اللّه فی بلد خنت اللّه و رسوله فیه أبدا کذا فی المنتقی کما مرّ* و فی خلاصة الوفاء و قیل سبب ارتباطه بها تخلفه فی غزوة تبوک فلما جاء النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم جاءه فأعرض عنه فارتبط بساریة التوبة التی عند باب أمّ سلمة سبعا بین یوم و لیلة رواه البیهقی فی الدلائل عن سعید بن المسیب کذا فی سیرة مغلطای* و روی أیضا عن ابن عباس فی قوله تعالی و آخرون اعترفوا بذنوبهم قال کان عشرة رهط تخلفوا عن رسول اللّه فی غزوة تبوک فلما حضر رجوع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواری المسجد فقال النبیّ من هؤلاء قالوا هذا أبو لبابة و أصحاب له تخلفوا عنک الحدیث و فیه توبة اللّه علیهم و اطلاقهم و نقل ابن النجار ان الساریة التی ربط إلیها ثمامة بن أثال الخثعمی هی الساریة التی ارتبط إلیها أبو لبابة* و عن محمد بن کعب ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کان یصلی نوافله الی اسطوانة التوبة و لا بن ماجه عن ابن عمر انه صلّی اللّه علیه و سلم اذا اعتکف طرح له فراشه و وضع له سریر وراء اسطوانة التوبة مما یلی القبلة یستند إلیها* و نقل عیاض عن ابن المنذر أن مالک بن أنس کان له موضع فی المسجد قال و هو مکان عمر بن الخطاب و هو الذی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:496
کان یوضع فیه فراش النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم اذا اعتکف* و فی خبر لابن زبالة ان اسطوانة التوبة بینها و بین القبر اسطوانة و ان ابن عمر کان یقول هی الثانیة من القبر قال ابن زبالة بینها و بین القبر الشریف عشرون ذراعا* قلت فهی الرابعة من المنبر و الثانیة من القبر و الثالثة من القبلة و الخامسة فی زماننا من رحبة المسجد و هی بین اسطوانة عائشة و بین الاسطوانة اللاصقة بشباک الحجرة و کان فیها محراب من الجص یمیزها من غیرها زال بعد الحریق الثانی انتهی* ثم ان ثعلبة بن شعبة و أسد بن شعیة و أسد بن عمیر و هم نفر من هذیل لیسوا من بنی قریظة و لا من بنی النضیر نسبهم فوق ذلک هم بنو عم القوم أسلموا تلک اللیلة التی نزلت بنو قریظة علی حکم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أحرزوا دماءهم و أموالهم و کان اسلامهم فیما زعموا عما کان ألقاه إلیهم من أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ابن الهیبان القادم إلیهم قبل الاسلام متوکفا لخروج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و محققا لنبوّته فنفع اللّه هؤلاء الثلاثة بذلک و استنقذهم به من النار و خرج فی تلک اللیلة عمرو بن سعد القرظی فمرّ بحرس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و علیهم محمد بن مسلمة فلما رأوه قالوا من هذا قال أنا عمرو بن سعد و کان عمرو قد أبی أن یدخل مع بنی قریظة فی غدرهم برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و قال لا أغدر بمحمد أبدا فقال محمد بن مسلمة حین عرفه اللهمّ لا تحرمنی عثرات الکرام ثم خلی سبیله فخرج علی وجهه حتی بات فی مسجد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالمدینة تلک اللیلة ثم ذهب فلم یدر أین توجه من أرض اللّه الی الیوم فذکر شأنه لرسول اللّه فقال ذاک رجل نجاه اللّه بوفائه و بعض الناس یزعم انه کان أوثق برمّة فیمن أوثق من بنی قریظة حین نزلوا علی حکم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأصبحت رمّة ملقاة و لا یدری أین ذهب فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تلک المقالة و اللّه أعلم أی ذلک کان کذا فی الاکتفاء* و لما استشار بنو قریظة أبا لبابة و هو أشار الی القتل قالوا ننزل علی حکم سعد بن معاد فتواثب الاوس و قالوا یا رسول اللّه ان بنی قریظة موالینا دون الخزرج و قد أحسنت الی موالی الخزرج بالامس یعنی بنی قینقاع فأحسن الی موالینا و قد کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قبل بنی النضیر حاصر بنی قینقاع و هم رهط عبد اللّه بن سلام الحبر و کانوا حلفاء الخزرج فنزلوا علی حکم رسول اللّه فأراد صلّی اللّه علیه و سلم قتلهم فشفع فیهم عبد اللّه بن أبی بن سلول و بالغ فی السؤال و ألح حتی وهبهم له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کما مرّ فلما تکلم الاوس فی بنی قریظة قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ لا ترضون یا معشر الاوس أن یحکم فیهم رجل منکم قالوا بلی قال فذلک سعد بن معاذ فأخرجت بنو قریظة من الحصن و جمعت أمتعتهم و أقمشتهم و أسلحتهم قیل کان السیف ألفا و خمسمائة و الدرع ثلاثمائة و الرمح ألفا و الترس خمسمائة و الاثاث و الامتعة و النواضح و المواشی کثیرة فجلس النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فی موضع و بعث الی المدینة من یأتی بسعد بن معاذ و کان أصابه سهم بالخندق فأمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قوم سعد أن یجعلوه فی خیمة امرأة من المسلمین یقال لها رفیدة فی مسجده و کانت تداوی الجرحی تحتسب بنفسها علی خدمة من کانت به ضیعة من المسلمین و قال صلّی اللّه علیه و سلم اجعلوه فی خیمة رفیدة حتی أعوده من قریب فلما حکمه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی بنی قریظة أتاه قومه فاحتملوه علی حمار علیه اکاف من لیف قد أوطئوا له بوسادة من أدم و کان رجلا جسیما ثم أقبلوا معه الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هم یقولون یا أبا عمرو أحسن فی موالیک فان رسول اللّه ما ولاک ذاک الا لتحسن فیهم فلما أکثروا علیه قال انی سعد أی لا تأخذه فی اللّه لومة لائم* و فی الصفوة و سعد لا یرجع إلیهم شیئا حتی اذا دنا من دورهم التفت إلیهم و قال قد آن لی أن
لا أبالی فی اللّه لومة لائم* و فی الوفاء لقد آن لسعد أن لا تأخذه فی اللّه لومة لائم و لما سمعوا کلامه علموا انه سیحکم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:497
بالقتل فرجع بعض من کان معه من قومه الی دار بنی عبد الاشهل فنعی لهم رجال بنی قریظة قبل أن یصل إلیهم سعد من کلمته التی سمع منه* و لما انتهی سعد الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و المسلمین قال قوموا الی سیدکم فأمّا المهاجرون من قریش فیقولون انما أراد الانصار و أمّا الانصار فیقولون قد عم بها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم المسلمین فقالوا إلیه فقالوا یا أبا عمرو ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قد و لاک أمر موالیک لتحکم فیهم فقال سعد علیکم بذلک عهد اللّه و میثاقه ان الحکم فیهم ما حکمت قالوا نعم قال و علی من هاهنا فی الناحیة التی فیها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و هو معرض عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم اجلالا له فقال رسول اللّه نعم قال سعد فانی حکمت فیهم أن تقتل الرجال و تقسم الاموال و تسبی الذراری و النساء فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لسعد لقد حکمت فیهم بحکم اللّه من فوق سبعة أرقعة* الرقیع السماء سمیت بذلک لانها رقعت بالنجوم* و وقع فی البخاری قال قضیت فیهم بحکم و ربما قال بحکم الملک بکسر اللام* و فی روایة ابن صالح لقد حکمت الیوم فیهم بحکم اللّه الذی حکم به من فوق سبع سماوات* و فی حدیث جابر عند ابن عائذ فقال احکم فیهم یا سعد فقال اللّه و الرسول أحق بالحکم قال قد أمرک اللّه أن تحکم فیهم* و فی هذه القصة جواز الاجتهاد فی زمنه صلّی اللّه علیه و سلم و هی مسئلة اختلف فیها أهل أصول الفقه و المختار الجواز سواء کان فی حضرته صلّی اللّه علیه و سلم أم لا و انصرف صلّی اللّه علیه و سلم یوم الخمیس لسبع لیال کما قاله الدمیاطی أو لخمس کما قاله مغلطای خلون من ذی الحجة کذا فی المواهب اللدنیة* و فی روایة و کان مما حکم به سعد أن تکون دیارهم للمهاجرین فلامه الانصار علی ذلک قال أردت أن یکونوا مستغنین عن دیارکم ثم أمر النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم حتی ذهبوا برجال بنی قریظة الی المدینة مقرنین فی الاصفاد حتی یری ضعفاء الاسلام قوّة الدین و عزة ملة سید المرسلین فحبسوهم فی دارین بعضهم فی دار قلابة بنت الحارث امرأة من بنی النجار و بعضهم فی دار أسامة بن زید ثم خرج رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی سوق المدینة التی هی سوقها الیوم فأمر فخندق فیها خنادق ثم بعث إلیهم و جی‌ء بهم أرسالا فضربت أعناقهم بحیث تهراق دماؤهم فی تلک الخنادق و فیهم عدوّ اللّه حیی بن أخطب و کعب بن أسد رأس القوم و هم ستمائة قاله ابن اسحاق و سبعمائة عند ابن عائذ* و قال السهیلی المکثر یقول کانوا ما بین ثمانمائة الی سبعمائة* و فی حدیث جابر عند الترمذی و النسائی و ابن حبان انهم کانوا أربعمائة مقاتل و قالوا لکعب بن أسدوهم یذهب بهم الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أرسالا یا کعب ما تراه یصنع بنا قال أ فی کل موطن لا تعقلون أ لا ترون ان الداعی لا ینزع و ان من ذهب به منکم لا یرجع هو و اللّه القتل فلم یزل کذلک الدأب حتی فرغ منهم رسول اللّه و أتی بحیی بن أخطب و علیه حلة تفاحیة و قد شققها علیه من کل جانب قطعة قطعة کموضع الانملة لئلا تسلب مجموعة یداه الی عنقه بحبل فلما نظر الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال أما و اللّه ما قصرت فی عداوتک* و فی الاکتفاء أما و اللّه ما لمت نفسی فی عداوتک و لکن من یخذل اللّه یخذل ثم أقبل علی الناس فقال یا أیها الناس انه لا بأس بأمر اللّه و تقدیره کتاب اللّه و قدره ملحمة کتبت علی بنی اسرائیل ثم جلس فضرب عنقه* و عن عائشة رضی اللّه عنها قالت لم یقتل من نساء بنی قریظة الا امرأة واحدة و انها کانت عندی تتحدّث معی و تضحک ظهرا و بطنا و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یقتل رجالهم فی السوق اذ هتف هاتف باسمها این فلانة قالت أنا و اللّه قلت لها ویلک مالک قالت أقتل قلت و لم و لا تقتل امرأة قالت لحدث أحدثته انی کنت زوجة رجل من بنی قریظة و کان بینی و بین زوجی کأشد ما یتحاب الزوجان فلما اشتدّ أمر المحاصرة قلت لزوجی یا حسرتی علی أیام الوصال کادت أن تنقضی
و تتبدل بلیالی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:498
الفراق و ما أصنع بالحیاة بعدک قال زوجی و اللّه لقد غلب علینا محمد سیقتل الرجال و یسبی النساء و الذراری فان کنت صادقة فی دعوی المحبة فتعالی فان جماعة من المسلمین جالسون فی ظل حصن الزبیر بن باطا فألقی علیهم حجر الرحا لعله یصیب واحدا منهم فیقتله فان ظفروا بنا یقتلونک بذلک ففعلت کذلک فهربت تلک الجماعة و أصاب الحجر خلاد بن سوید فقتل فالآن یطلبوننی للقصاص فکانت عائشة تقول ما أنسی عجبا منها طیب نفس و کثرة ضحک و قد عرفت أنها تقتل* قال الواقدی و کان اسم تلک المرأة نباتة امرأة الحکم القرظی و کانت قتلت خلاد بن سوید رمت علیه رحا فدعا بها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فضرب عنقها بخلاد بن سوید* و فی الوفاء و استشهد یوم بنی قریظة من المسلمین خلاد بن سوید من بنی الحارث بن الخزرج کما مرّ و مات فی الحصار أبو سنان بن محصن الاسدی أخو عکاشة بن محصن فدفنه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فی مقبرة بنی قریظة التی یدفن فیها المسلمون لما سکنوها الیوم و إلیه دفنوا أمواتهم فی الاسلام کذا قاله ابن اسحاق و لم یصب من المسلمین غیر هذین* و روی محمد بن اسحاق عن الزهری ان الزبیر بن باطا القرظی و کان یکنی بأبی عبد الرحمن کان قد منّ علی ثابت بن قیس بن شماس فی الجاهلیة یوم بعاث فأخذه فجر ناصیته ثم خلی سبیله فجاءه ثابت لما قتل بنو قریظة و هو شیخ کبیر فقال یا أبا عبد الرحمن هل تعرفنی قال و هل یجهل مثلی مثلک قال انی أرید أن أجزیک بیدک عندی قال ان الکریم یجزی الکریم قال ثم أتی ثابت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فاستوهبه فقال یا رسول اللّه قد کان للزبیر عندی ید و له علیّ منة و قد أحببت أن أجزیه بها فهب لی دمه فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم هو لک فأتاه فقال له ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد وهب لی دمک قال شیخ کبیر لا أهل له و لا ولد فما یصنع بالحیاة فأتی ثابت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال امرأته و ولده یا رسول اللّه قال هما لک فأتاه فقال انّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم وهب لی امرأتک و ولدک قال أهل بیت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم علی ذلک فأتی ثابت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال ماله یا رسول اللّه قال هو لک فأتاه فقال ان رسول اللّه أعطانی مالک فقال أی ثابت ما فعل الذی کان وجهه مرآة مضیئة تتراءی فیها عذاری الحی کعب بن أسد قال قتل قال فما فعل سید الحاضر و البادی حیی بن أخطب قال قتل قال فما فعل مقدّمتنا اذا شددنا و حامیتنا اذا فررنا عزال بن شموال قال قتل قال فما فعل المجلیان یعنی کعب بن قریظة و بنی عمرو بن قریظة قال ذهبوا و قتلوا و کان یقول ما فعل فلان و فلان یذکر صنادید قومه و یصفهم و یقول ثابت قتلوا قال فانی أسألک بیدی عندک یا ثابت الا الحقتنی بالقوم فو اللّه ما فی العیش بعد هؤلاء من خیر فما أنا بصابر قلبة دلو ناضح حتی ألقی الاحبة فقدّمه ثابت فضرب عنقه* فلما بلغ أبا بکر الصدّیق قوله ألقی الاحبة قال یلقاهم و اللّه فی نار جهنم خالدا مخلدا فیها أبدا* قال و کان علیّ و الزبیر یضربان أعناق بنی قریظة و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم جالس هناک و قد کان علیه السلام أمر بقتل من نبت شعر عانته منهم* و فی الاکتفاء أمر بقتل کل من أنبت منهم* قال عطیة القرظی و کنت غلاما فوجدونی لم أنبت فخلوا سبیلی و کان رفاعة بن سموأل القرظی رجلا قد بلغ فلاذ بسلمی بنت قیس أم المنذر أخت سلیط بن قیس و کانت احدی خالات رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قد صلت الی القبلتین معه و بایعت بیعة النساء فقالت یا رسول اللّه بأبی أنت و أمی هب لی رفاعة فانه زعم انه سیصلی و یأکل لحم الجمل فوهبه لها فاستحیته* و لما فرغ من قتل بنی قریظة قسم نساءهم و أبناءهم علی المسلمین و أعلم فی ذلک الیوم سهمان الخیل و سهمان الرجال و أخرج منها الخمس فکان للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان و لفارسه سهم و للرجال من لیس له فرس سهم و کانت الخیل یوم بنی قریظة ستة و ثلاثین فرسا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:499
و کان أموال بنی قریظة أوّل ما وقع فیها السهمان و أخرج منه الخمس فعلی سنتهما و ما مضی من رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فیها وقعت المقاسم و مضت السنة فی المغازی و اصطفی لنفسه من نسائهم ریحانة بنت عمرو القرظی و کانت عند رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حتی توفی عنها و هی فی ملکه و قد کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کثیرا ما یرید أن یتزوّجها و یضرب علیها الحجاب فقالت یا رسول اللّه بل تترکنی فی ملکک فهو أخف علیّ و علیک فترکها و قد کانت حین سباها کرهت الاسلام و أبت الا الیهودیة فاجتنب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عنها و وجد فی نفسه من أمرها کدورة فبینا هو مع أصحابه اذ سمع وقع نعلین خلفه فقال ان هذا ثعلبة بن شعبة یبشرنی باسلام ریحانة فجاء فقال یا رسول اللّه قد أسلمت ریحانة ثم بعث رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سعد بن زید الانصاری أخا بنی عبد الاشهل بسبایا بنی قریظة الی نجد فاشتری له بها خیلا و سلاحا و فی روایة باع بعض بنی قریظة من عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف*

وفاة سعد بن معاذ رضی اللّه عنه‌

و لما انقضی شأن بنی قریظة انفجر جرح سعد بن معاذ و ذلک دعاء سعد بعد أن حکم فی بنی قریظة ما حکم فقال اللهم انک قد علمت انه لم یکن قوم أحب الیّ أن أجاهدهم من قوم کذبوا رسولک اللهم ان کنت أبقیت من حرب قریش علی رسولک شیئا فأبقنی لها و ان کنت قطعت الحرب بینه و بینهم فاقبضنی إلیک فانفجر کلمه فرجعه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی خیمته التی ضربت علیه فی المسجد کذا فی المنتقی* و فی البخاری انه دعا فقال اللهم انک تعلم انه لیس أحد أحب الیّ أن أجاهدهم فیک من قوم کذبوا رسولک اللهم انی أظنّ انک قد وضعت الحرب فافجرها و اجعل موتی فیها فانفجرت من لیلته و کان ضرب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم له خیمة فی المسجد لیعوده من قریب و فی المسجد خیمة من بنی غفار فلم یرعهم الا الدم یسیل علیهم فقالوا یا أهل الخیمة ما هذا الذی یأتینا من قبلکم فاذا سعد یعد و جرحه دم فمات منها شهیدا و قد بین سبب انفجار جرح سعد فی مرسل حمید بن هلال عند ابن سعد و لفظه انه مرّت به عنزة و هو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الفجر فانفجرت حتی مات کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء ذکروا ان جبریل اتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم حین قبض سعد من جوف اللیل معتجرا بعمامة من استبرق فقال یا محمد من هذا المیت الذی فتحت له أبواب السماء و اهتز له العرش فقام رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سریعا یجرّ ثوبه الی سعد بن معاذ فوجده قد مات و فی الصحیحین اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ و کان سعد رجلا بادنا فلما حمله الناس وجدوا له خفة فقال رجال من المنافقین و اللّه ان کان لبادنا و ما حملنا من جنازة أخف منه فبلغ ذلک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال ان له حملة غیرکم و الذی نفس محمد بیده لقد استبشرت الملائکة بروح سعد و اهتز له العرش و لسعد یقول رجل من الانصار
و ما اهتز عرش اللّه من موت هالک‌سمعنا به الا لسعد أبی عمرو و فی روایة لما مات سعد بن معاذ و کان رجلا جسیما جزلا جعل المنافقون و هم یمشون خلف سریره یقولون ما رأینا کالیوم رجلا أخف منه قال أ تدرون لم ذاک لحکمه فی بنی قریظة فذکروا ذلک للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال و الذی نفسی بیده لقد کانت الملائکة تحمل سریره و حضر جنازته سبعون ألف ملک و عن عائشة رضی اللّه عنها قالت فحضره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و أبو بکر و عمر رضی اللّه عنهم و الذی نفس محمد بیده لا عرف بکاء عمر من بکاء أبی بکر و انی لفی حجرتی و کانوا کما قال اللّه تعالی رحماء بینهم* و فی روایة سأل الراوی کیف کان یصنع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قالت کانت عینه لا تدمع لکنّه کان اذا وحد فانما یأخذ بلحیته و أخرج ابن سعد عن أبی سعید الخدری قال کنت فیمن حفر قبره فکان یفوح علینا المسک کلما حفرنا و أخرج ابن سعد و أبو نعیم من طریق محمد بن المنکدر عن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:500
محمد بن شرحبیل بن حسنة قال قبض انسان یومئذ بیده من تراب قبره قبضة فذهب بها ثم نظر إلیها بعد ذلک فاذا هی مسک فلما وضعوه فی قبره قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سبحان اللّه سبحان اللّه حتی عرف ذلک فی وجهه فقال الحمد للّه لو کان أحد ناجیا من ضمة القبر لنجا منها سعد ضمه ضمة ثم فرّج اللّه عنه کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء قال جابر بن عبد اللّه لما دفن سعد و نحن مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم سبح رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فسبح الناس معه و کبر فکبر الناس معه فقالوا یا رسول اللّه لم سبحت قال لقد تضایق علی هذا الرجل الصالح قبره حتی فرجه اللّه عنه و یروی ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم قال ان للقبر ضمة لو کان أحد منها ناجیا لکان سعد بن معاذ* و فی الصفوة سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القیس بن زید بن عبد الاشهل یکنی أبا عمرو و أمّه کبشة بنت رافع من المبایعات أسلم سعد علی ید مصعب بن عمیر فأسلم باسلامه بنو عبد الاشهل و هی أوّل دار أسلمت من الانصار و شهد بدرا و أحدا و ثبت مع النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم یومئذ و رمی یوم الخندق ثم انفجر کلمه بعد ذلک فمات شهیدا فی شوّال سنة خمس من الهجرة و هو ابن سبع و ثلاثین سنة و صلّی علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و دفن بالبقیع* و عن البراء قال أتی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بثوب حریر فجعلوا یتعجبون من حسنه و لینه فقال صلّی اللّه علیه و سلم لمنادیل سعد بن معاذ فی الجنة أفضل أو خیر من هذا أخرجاه فی الصحیحین و قالت أمّ سعد حین احتمل نعشه و هی تبکیه
* ویل أم سعد سعدا* صرامة وحدا* و سوددا و مجدا* و فارسا معدّا* سدّ به مسدّا*
قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کل نائحة تکذب إلا نائحة سعد بن معاذ*

قصة احیاء أولاد جابر

و فی هذه السنة أو فی غیرها وقعت قصة أولاد جابر بن عبد اللّه الانصاری* فی شواهد النبوّة عن جابر بن عبد اللّه انه دعا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ذات یوم الی القری فأجابه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ففرح جابر فدخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فجلس و کان لجابر داجن فذبحه لیشویه و کان له ابنان فقال کبیرهما للصغیر هلم أورک کیف ذبح أبی الحمل فأضجع الصغیر و ربط یدیه و رجلیه فذبحه و حز رأسه و جاء به الی أمه فلما رأته أمه دهشت و بکت فخاف الصبی و هرب علی السطح فتبعته أمه فزاد خوفه فرمی نفسه من السطح فهلک فسکتت المرأة و أدخلت ابنیها البیت و غطتهما بمسح فی ناحیة من البیت و اشتغلت بطبخ الحمل و کانت تخفی الحزن و تظهر السرور و لم یعلم جابر ما وقع فلما تمّ الطبخ و قرب الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أتی جبریل و قال یا محمد ان اللّه یأمرک أن تأکل مع أولاد جابر فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ذلک لجابر فطلب جابر ابنیه فقالت امرأته انهما لیسا بحاضرین فأخبر جابر بذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال ان اللّه یأمرک باحضارهما فرجع جابر الی امرأته و أخبرها بذلک فعند ذلک بکت المرأة و کشفت الغطاء عنهما فلما رآهما جابر تحیر و بکی و أخبر بذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فنزل جبریل و قال یا محمد ان اللّه یأمرک أن تدعو لهما و یقول منک الدعاء و منا الاجابة و الاحیاء فدعا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فحییا باذن اللّه تعالی کذا فی شواهد النبوّة لکنها لم تشتهر اشتهارا* و فی المواهب اللدنیة أخرج أبو نعیم ان جابرا ذبح شاة و طبخها و ثرد فی جفنة و أتی به رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأکل القوم و کان صلّی اللّه علیه و سلم یقول لهم کلوا و لا تکسروا عظما ثم انه علیه السلام جمع العظام و وضع یده علیها ثم تکلم بکلمات فاذا الشاة قد قامت تنفض أذنیها*

تزوّج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بزینب بنت جحش‌

و فی ذی القعدة من هذه السنة علی ما فی المنتقی تزوّج صلّی اللّه علیه و سلم زینب بنت جحش بن ذئاب بن یعمر بن صبرة بن مرّة بن کثیر بن غنم بن ذوزان بن أسد بن خزیمة بن مدرکة بن الیاس بن مضر* و فی تاریخ الیافعی أورد تزوّجه زینب بنت جحش فی السنة الثالثة من الهجرة* و فی أسد الغابة لابن الاثیر فی سنة خمس نزلت آیة الحجاب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:501
فی ذی القعدة و آیة الحجاب نزلت فی قصة تزویج زینب فیکون تزویجها فی ذی القعدة* روی الدّارقطنی ان زینب جحش کان اسمها برة بالفتح و کان اسم أبیها برة بالضم فقال النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لو کان أبوک مؤمنا لسمیته باسم رجل منا و لکنی قد سمیته جحشا کذا فی حیاة الحیوان و أمّها أمیمة بنت عبد المطلب و کانت زینب ممن هاجر مع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و کانت امرأة جمیلة بیضاء فیها حدة فخطبها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لزید بن حارثة و کان عبد الخدیجة اشتراه لها حکیم بن حزام بن أخی خدیجة بسوق عکاظ فی الجاهلیة بأربعمائة دینار فلما تزوّجها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم وهبته له فقبضه إلیه فأعتقه و تبناه و کان یقال له زید بن محمد و ستجی‌ء قصته فی سریة مؤتة من الموطن الثامن فلما خطب زینب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لزید ظنت انه یخطبها لنفسه فرضیت و لما علمت انه یخطبها لزید أبت هی و أخوها عبد اللّه بن جحش و قالت أنا ابنة عمتک یا رسول اللّه أرادت انها ابنة أمیمة بنت عبد المطلب فلا أرضاه لنفسی قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم انی قد رضیته لک فأنزل اللّه عز و جل و ما کان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضی اللّه و رسوله أمرا أن تکون لهم الخیرة من أمرهم و قیل نزلت فی أم کلثوم بنت عتبة وهبت نفسها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم کذا فی أنوار التنزیل فلما نزلت الآیة رضیت زینب و أخوها عبد اللّه بذلک و جعلت أمرها للنبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فأنکحها صلّی اللّه علیه و سلم زیدا و دخل بها و ساق لها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم عشرة دنانیر و ستین درهما و خمارا و درعا و ازارا و ملحفة و خمسین مدّا من طعام و ثلاثین صاعا من تمر و مکثت عند زید ما شاء اللّه ثم ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أتی بیت زید یطلبه فلم یجده و أبصر زینب قائمة فی درع و خمار و کانت بیضاء جمیلة ذات خلق من أتم نساء قریش فوقعت فی نفسه فأعجبه حسنها فقال سبحان اللّه مقلب القلوب و انصرف و سمعت زینب بالتسبیحة فلما جاء زید ذکرتها لزید ففطن زید فألقی فی نفسه کراهیتها و الرغبة عنها فی الوقت* و فی روایة فی وقت رآها فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فأتی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فقال انی أرید أن أفارق صاحبتی فقال مالک أرابک منها شی‌ء قال لا و اللّه یا رسول اللّه ما رأیت منها إلّا خیرا و لکنها تتعاظم علیّ لشرفها و تؤذینی بلسانها فقال له صلّی اللّه علیه و سلم أمسک علیک زوجک و اتق اللّه فی أمرها ثم طلقها زید و عن زینب قالت لما وقعت فی قلب النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لم یستطعنی زید و ما امتنعت منه غیر ما یمنعه اللّه منی فلا یقدر علیّ* و عن أنس لما انقضت عدّة زینب قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم لزید ما أجد احدا أوثق فی نفسی منک اذهب فاذکرنی لها* و فی روایة اخطب علیّ زینب قال زید فلما قال ذلک عظمت فی نفسی فذهبت إلیها فجعلت ظهری الی الباب فقلت یا زینب ابشری فان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یخطبک* و فی روایة بعثنی یذکرک ففرحت بذلک و قالت ما أنا بصانعة شیئا* و فی روایة ما کنت لاحدث شیئا حتی أؤامر ربی عز و جل فقامت الی مسجد لها فصلت رکعتین و ناجت ربها فقالت اللهم ان رسولک یخطبنی فان کنت أهلا له فزوّجنی منه فنزل القرآن و هو فلما قضی زید منها وطرا زوّجناکها فجاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بغیر اذن* و فی روایة فانطلق زید حتی أتاها و هی تخمر عجینها قال فلما رأیتها عظمت فی صدری حتی لا استطیع أن أنظر إلیها فقلت ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ذکرها فولیتها ظهری و نکصت علی عقبی فقلت یا زینب أرسل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم یذکرک* و فی روایة لما انقضت عدّتها قال له یا زید ائت زینب فاخبرها ان اللّه سبحانه قد زوّجنیها فانطلق زید و استفتح الباب فقالت من هذا قال زید قالت و ما حاجة زید الیّ و قد طلقنی فقال أرسلنی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و
سلم فقالت مرحبا برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم ففتحت له فدخل علیها و هی تبکی فقال زید لا أبکی اللّه عینک قد کنت نعمت المرأة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:502
ان کنت لتبرین قسمی و تطیعین أمری و تتبعین دعوتی فقد أبد لک اللّه خیرا منی قالت من هو قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم فخرّت ساجدة* و فی روایة ان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم کان جالسا یتحدّث مع عائشة أخذته غشیة فسری عنه و هو یتبسم و یقول من یذهب الی زینب و یبشرها ان اللّه قد زوّجنیها من السماء و تلا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم و اذ تقول للذی أنعم اللّه علیه و أنعمت علیه أمسک علیک زوجک القصة کلها قالت عائشة رضی اللّه عنها فأخذنی ما قرب و ما بعد لما یبلغنی من جمالها و أخری هی أعظم الامور و أشرفها ما صنع لها زوّجها اللّه من السماء و قلت هی تفتخر علینا بهذا فخرجت سلمی خادمة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم تشتد فتحدّثها بذلک فاعطتها أوضاحا علیها کذا فی المنتقی قال و کانت زینب تفتخر علی أزواج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم تقول زوّجکنّ أهالیکنّ و زوّجنی اللّه عز و جل من فوق سبع سماوات* و فی روایة قالت ان اللّه عز و جل انکحنی من السماء کذا فی الصفوة* و فی أنوار التنزیل ان اللّه تعالی تولی انکاحی و أنتن زوّجکنّ أولیاؤکنّ و ما أو لم علی امرأة من نسائه أکثر و أفضل مما أو لم علی زینب أو لم علیها بتمر و سویق و شاة ذبحها و أطعم الناس الخبز و اللحم فأمر لنا أن ندعو الناس فترادفوا أفواجا یأکل فوج فیخرج ثم یدخل فوج حتی امتد النهار أطعمهم خبزا و لحما حتی ترکوه فخرج الناس و بقی رجال جلوسا فی البیت یتحدّثون بعد الطعام فخرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلبث هنیهة ثم رجع و القوم جلوس فشق ذلک علیه و عرف فی وجهه ذلک فنزلت آیة الحجاب فی قصة زینب* فی الصحیحین من حدیث أنس و کذا فی المنتقی و الوفاء قال أنس لما خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اتبعته فجعل یتبع حجر نسائه یسلم علیهنّ و یقلن یا رسول اللّه کیف وجدت أهلک قال أنس فما أدری أنا أخبرته ان القوم قد خرجوا أو أخبرنی قال فانطلق حتی دخل البیت فذهبت أدخل معه فألقی الستر بینی و بینه و نزل الحجاب فمکثت زینب عند النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ست سنین و المشهور انها ماتت فی سنة عشرین من الهجرة بعد ما مضی من عمرها ثلاث و خمسون سنة و قیل ماتت سنة احدی و عشرین و هی أوّل من مات من أزواجه صلّی اللّه علیه و سلم بعده فلما أخبرت عائشة بموتها قالت ذهبت حمیدة مفیدة فقیدة مفزع الیتامی و الارامل و لما توفیت أمر عمر بن الخطاب بالنداء یا أهل المدینة احضروا جنازة أمکم و صلّی علیها عمر و دفنت بالبقیع و دخل قبرها اسامة بن زید و محمد بن عبد اللّه بن جحش و محمد بن طلحة بن عبید اللّه بن أختها مرویاتها فی الکتب المتداولة أحد عشر حدیثا المتفق علیه منها حدیثان و التسعة الباقیة فی سائر الکتب*

وقوع الزلزلة بالمدینة

و فی هذه السنة زلزلت المدینة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ان اللّه عز و جل یستعتبکم فأعتبوه کذا فی أسد الغابة*

سقوطه صلّی اللّه علیه و سلم عن فرسه‌

و فی ربیع الاوّل أو فی ذی الحجة من هذه السنة سقط صلّی اللّه علیه و سلم عن فرسه فجحشت ساقه و جرحت فخذه الیمنی و لما رجع الی المدینة أقام فی البیت خمسا یصلی قاعدا* و فی روایة و الاصحاب یقتدون به قیاما فأمرهم بالجلوس و قال انما جعل الامام اماما لیؤتمّ به فاذا رکع فارکعوا و اذا سجد فاسجدوا و اذا جلس فاجلسوا لکن عند أکثر العلماء هذا الحدیث منسوخ لانه صح أن النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم صلّی فی مرض موته جالسا و الاصحاب اقتدوا به قیاما و النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم قرّره*

مسابقة الخیل‌

و فی هذه السنة أمر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم بالسبق بین ما ضمر من الخیل و بین ما لم یضمر* عن عبد اللّه بن عمر أجری النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم ما ضمر من الخیل فأرسلها من الحفیا بفتح الحاء المهملة و سکون الفاء یمدّ و یقصر و کان أمدها ثنیة الوداع و هو خمسة أمیال أو ستة أو سبعة و أجری ما لم یضمر فأرسلها من ثنیة الوداع و کان أمدها مسجد بنی زریق و هو میل أو نحوه و کان ابن عمر ممن سابق فیها قال فوثب بی فرسی جدارا و عن أنس کان للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم ناقة تسمی العضباء لا تسبق أو لا تکاد تسبق فجاء اعرابی علی قعود فسبقها فشق ذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:503
علی المسلمین حتی النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم فقال حق علی اللّه أن لا یرتفع شی‌ء من الدنیا الا وضعه رواه البخاری*

نزول فرض الحج‌

و فی هذه السنة فرض الحج علی القول الصحیح أی نزلت فریضة الحج فیها لکن أخره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم الی السنة العاشرة من غیر مانع فانه خرج فی السنة السابعة فی ذی القعدة لقضاء العمرة و لم یحج و فتح مکة فی رمضان السنة الثامنة و لم یحج و بعث أبا بکر أمیرا علی الحاج فی السنة التاسعة و حج صلّی اللّه علیه و سلم فی السنة العاشرة* و فی الوفاء قد اختلف فی وقت فرض الحج فقیل قبل الهجرة و هو غریب و المشهور بعدها و قیل سنة خمس و جزم به الرافعی فی موضع و کذا فی المنتقی قال فی سنة خمس و قیل فی ست و صححه الرافعی فی موضع آخر و کذا النووی و هو قول الجمهور و قیل فی سبع و قیل فی ثمان و کذا فی مناسک الکرمانی أیضا و رجحه جماعة من العلماء و قیل فی تسع و صححه عیاض*

النهی عن ادخار لحوم الاضاحی‌

و فی هذه السنة دفت دافة العرب أی اجتمعت جموعها فنهی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم عن ادّخار لحوم الاضاحی فوق ثلاث کذا فی الوفاء ثم رخص لهم فی الادّخار ما بدا لهم و اللّه أعلم تم الی هنا انتهی الجزء الاوّل من تاریخ الخمیس و یلیه الجزء الثانی و أوّله (الموطن السادس) یسر اللّه حسن اتمامه بفضله و انعامه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:504

* (فهرست الجزء الاوّل من تاریخ الخمیس)

* صحیفه 3 ذکر ترتیب الکتاب علی مقدّمة و ثلاثة أرکان و خاتمة
6 الطلیعة الاولی فی تعریف النبیّ و الرسول
8 مطلب نفیس فی نغمات داود
8 دقیقة فی الاب و الام و الابن
10 ذکر ترتیب ما نزل بمکة من القرآن
10 ذکر ترتیب ما نزل بالمدینة
11 ذکر ما اختلفوا فیه
11 ذکر ما نزل مرّتین
14 ذکر الناسخ و المنسوخ
14 أوّل من تتبع القرآن و جمعه
15 ذکر اللغات التی نزل بها کلام اللّه
15 مطلب أولی العزم
16 الفرق بین البشر و الملک
16 مطلب نفیس فی قولهم انّ الولایة أفضل من النبوّة
16 الفرق بین النبیّ و الولی و الساحر
17 مطلب أول المخلوقات
18 مطلب اللوح و القلم
21 حدیث صور الأنبیاء
24 ذکر دلائل نبوّة النبیّ علیه الصلاة و السلام
28 ذکر خبر أبی عامر الراهب
30 الطلیعة الثانیة من المقدّمة
31 ذکر خلق السماء و الارض
31 ذکر خلق الملائکة و الجان
34 ذکر مدّة الدنیا و ذکر مدّة هذه الامّة
35 دقیقة فی اختصاص عدد السبعة بأن تکون مدّة الدنیا
36 ذکر ابتداء خلق آدم
38 غریبة من الفتوحات
38 ذکر الروح
صحیفه 39 ذکر عیسی و مریم و یحیی
42 نفیسة
44 قصة اباء ابلیس
45 ذکر أخذ المیثاق
46 خلق حوّاء
47 خطبة نکاح آدم التی خطبها اللّه عز و جل
48 صفة شجرة الحنطة
49 صفة الحیة
49 اکل آدم من الشجرة
51 معاقبة ابلیس
52 الخصال التی ابتلیت بها حوّاء
52 خروج آدم من الجنة
55 اتخاذ آدم الدیک لمعرفة الاوقات
56 ذکر کیفیة انتقاله صلّی اللّه علیه و سلم من الاصلاب الطیبة الی الارحام الطاهرة
57 صفة الشعری
59 أولاد آدم الصلبیة
59 قتل قابیل هابیل
62 قصة عنق و ابنها عوج
65 ذکر ملوک الفرس و مشاهیر الأنبیاء و الحکماء
65 ذکر هو شنج
65 ذکر طهمورث
65 ذکر ادریس علیه السلام
67 ذکر ملک جمشید
67 ذکر متوشلخ
68 ذکر نوح علیه السلام
68 صفة سفینة نوح
74 ذکر الضحاک
75 ذکر افریدون
76 ذکر ارم
78 ذکر لقمان
78 مولد ابراهیم علیه السلام
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:505
صحیفه 82 القاء ابراهیم فی النار
82 فائدة فی قتل الوزغ
83 ذکر صرح نمرود
85 ذکر سارة
86 ذکر هاجر
87 ذکر الشام و الارض المقدّسة
88 ذکر أوّلیة البیت الحرام و من بناه من الملائکة و الأنبیاء و سائر الامم
95 ذکر الاختلاف فی الذبیح
96 قصة الذبح
97 تزوّج اسماعیل و زیارة أبیه ابراهیم له
98 بناء الکعبة
100 ذکر ذی القرنین الاکبر
101 ذکر ذی القرنین الاصغر
103 سدّ الاسکندر
103 ذکر یأجوج و مأجوج
104 خروج الدجال
106 آثار الاسکندر
106 ذکر الخضر علیه السلام
107 بقیة اخبار ابراهیم علیه السلام
112 ذکر دابة الارض
114 أشراط الساعة
114 بقیة أخبار بناء الکعبة
117 عدّة بناء الکعبة
118 نقل الحجر الاسود
119 أوّل من کسا الکعبة
119 ذرع الکعبة
122 مقامات الائمة و مصلاهم
123 عدد أبواب المسجد الحرام
124 عدد أساطین المسجد الحرام
124 عدد منائر المسجد الحرام
124 فضیلة مکة
126 رجع الی ذکر أحوال ابراهیم
127 أوّل من شاب ابراهیم
صحیفه 127 ذکر وفاة ابراهیم علیه السلام
128 صورة ما کتبه النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم لتمیم الداری
129 اختتان ابراهیم علیه السلام
130 ذکر أولاد ابراهیم علیه السلام
131 نبذة من قصة یعقوب و یوسف علیهما السلام
133 عجائب فرعون
141 دیک یوسف
141 نقل صندوق یوسف
143 ذکر منوجهر سبط ایرج
144 ذکر بخت نصر
145 ذکر الاسکندر
145 بقیة قصة اسماعیل علیه السلام
148 قصة الافعی الجرهمی
153 نفیسة فی تسمیة العرب أولادها بشر الاسماء
159 أعمامه صلّی اللّه علیه و سلم
163 ذکر أبی طالب و أولاده
164 ذکر الزبیر و أولاده
164 ذکر حمزة بن عبد المطلب
165 ذکر العباس بن عبد المطلب و اسلامه
166 ذکر الفضل بن عباس
167 ذکر عبد اللّه بن عباس
167 ذکر عبید اللّه بن عباس
168 ذکر قثم بن العباس
168 ذکر عبد الرحمن و کثیر و تمام أولاد العباس
169 ذکر الاناث من ولد العباس
169 ذکر أبی لهب
170 ذکر الاناث من أولاد عبد المطلب
172 ذکر الزبیر بن العوّام
172 ذکر مقتل الزبیر
173 ذکر قتل شعیاء و تخریب بخت نصر بیت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:506
صحیفه المقدس
177 سبب قتل یحیی علیه السلام
178 نقش خاتم دانیال
178 ظهور زمزم فی زمن عبد المطلب
181 سرقة الغزالین من الکعبة
181 ذکر بشار مکة
182 الطلیعة الثالثة
182 ذکر ولادة عبد اللّه
182 نذر عبد المطلب ذبح عبد اللّه
183 تزوّج عبد اللّه بآمنة
184 قصة الخثعمیة
185 حمل آمنة برسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم
188 قصة أصحاب الفیل
192 مسیر سیف بن ذی یزن الی قیصر و کسری
193 سبب تملک الحبشة الیمن
194 نادرة
195 الرکن الاوّل فی الحوادث من عام ولادته الی زمان نبوّته صلّی اللّه علیه و سلم
195 ذکر تاریخ ولادته
197 ذکر یوم ولادته
197 ذکر طالع ولادته
198 مکان ولادته
198 بیان التواریخ
199 ذکر خالد بن سنان
200 ذکر حنظلة بن صفوان
200 ذکر ما وقع لیلة میلاده صلّی اللّه علیه و سلم
202 ذکر بعض ما وقع حین الولادة
204 ذکر ختانه صلّی اللّه علیه و سلم
206 أسماؤه صلّی اللّه علیه و سلم
207 ألقابه صلّی اللّه علیه و سلم
207 ذکر شمائله و صفاته
210 مزاحه صلّی اللّه علیه و سلم
211 مصارعته علیه السلام
212 لطیفة
صحیفه 213 ذکر خصائصه علیه السلام
213 النوع الاوّل ما اختص به فی ذاته فی الدنیا
214 النوع الثانی ما اختص به فی شرعه و أمّته فی الدنیا
215 النوع الثالث فیما اختص به فی ذاته فی الآخرة
216 النوع الرابع ما اختص به فی أمّته فی الآخرة
216 القسم الثانی فی الخصائص التی اختص بها عن أمّته
216 النوع الثانی ما اختص به من المحرّمات
217 النوع الثالث ما اختص به من المباحات
218 النوع الرابع ما اختص به من الکرامات
220 ذکر معجزاته صلّی اللّه علیه و سلم
222 ذکر ارضاع الاظآر و عددها
225 شق صدره علیه السلام
226 رعیه علیه السلام للغنم
229 وفاة آمنة
230 احیاء أبویه صلّی اللّه علیه و سلم
239 کفالة عبد المطلب له علیه السلام
239 رمده علیه السلام
239 استسقاء عبد المطلب
239 تبشیر سیف الحمیری عبد المطلب
241 ذکر سلیمان و بلقیس
243 قصة الهدهد
245 قصة ملک الیمن أبی بلقیس و سبب وصوله الی الجنّ
246 بقیة قصة الهدهد
249 ذکر وفاة بلقیس
249 صفة کرسی سلیمان
250 سبب سلب ملک سلیمان
252 وفاة سلیمان
253 وفاة عبد المطلب
253 کفالة أبی طالب له صلّی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:507
صحیفه 255 موت حاتم الطائی و موت کسری أنوشروان
255 ذکر حرب الفجار
255 سبب ثروة عبد اللّه بن جدعان
256 نفیسة و کتب غلطا 456
256 أول ما رأی علیه السلام من أمر النبوّة
257 الباب الثانی فی الحوادث من السنة الثانیة عشر الی السنة الرابعة و العشرین
257 خروجه علیه السلام مع أبی طالب الی الشام
259 ذکر رعیه صلّی اللّه علیه و سلم
259 ولادة عمر رضی اللّه عنه
259 حرب الفجار الآخر
260 ولایة کسری برویز
260 صحبة أبی بکر للنبی فی تجارة الی الشام
261 ذکر حلف الفضول
261 شکواه علیه السلام الی عمه أبی طالب مما یأتیه
261 الباب الثالث فی الحوادث من السنة الخامسة و العشرین الی السنة الاربعین من مولده علیه السلام
262 خروجه علیه السلام مع میسرة الی الشام
263 ذکر من خطب خدیجة
263 ذکر هند بن هند
263 نزوّجه علیه السلام خدیجة
265 ذکر ولیمته علیه السلام
265 ذکر تزوّجه علیه السلام أمّهات المؤمنین
270 ذکر من خطب علیه السلام من النساء و لم یعقد علیهنّ
271 ذکر سراریه علیه السلام
272 ذکر أولاده علیه السلام
273 ذکر زینب ابنته علیه السلام
274 ذکر وفاتها و أولادها
274 ذکر رقیة بنت رسول اللّه
صحیفه 275 ذکر تزویج عثمان رقیة
275 ذکر أمّ کلثوم بنت رسول اللّه
276 ذکر تزویج أمّ کلثوم و ذکر وفاتها
277 ذکر فاطمة ابنته صلّی اللّه علیه و سلم
277 ذکر وصیتها الی أسماء بنت عمیس
278 ذکر تاریخ وفاتها و سنها
278 ذکر من غسلها و موضع قبرها
278 ذکر ولد فاطمة
280 الرکن الثانی فی الحوادث من ابتداء نبوّته الی زمان هجرته
280 نزول الوحی و کیفیته
284 صفة نزول الوحی
285 رمی الشیاطین بالشهب
285 انفصام طاق کسری
286 ذکر أوّل من أسلم
287 ذکر ما وقع فی السنة الثانیة و الثالثة
288 هجرة الحبشة الاولی
289 فائدة فی أسماء ملوک الجهات
290 مکالمة جعفر مع النجاشی
291 قصة تولیة النجاشی
292 ذکر بعض ما لقی رسول اللّه من ایذاء المشرکین
293 ذکر اسلام حمزة
295 ذکر اسلام عمر رضی اللّه عنه
297 وقعة بعاث
297 تقاسم قریش علی معاداة بنی هاشم و بنی المطلب
298 نزول سورة الروم
298 انشقاق القمر
299 وفاة أبی طالب
300 وصیة أبی طالب
301 وفاة خدیجة الکبری
302 خروجه علیه السلام الی الطائف و الی ثقیف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:508
صحیفه 303 ذکر وفود الجنّ
305 تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم سودة و عائشة
306 ابتداء اسلام الانصار و بیعة العقبة الاولی
306 ذکر قصة المعراج
316 ذکر بیعة العقبة الثانیة
317 ذکر مصعب بن عمیر
317 ذکر بیعة العقبة الکبری
319 هجرة أبی بکر الی الحبشة
320 ذکر هجرة الاصحاب الی المدینة
321 مشاورة قریش فی اخراجه أو حبسه أو قتله صلّی اللّه علیه و سلم
322 الموطن الاوّل فی وقائع السنة الاولی من الهجرة
322 خروجه صلّی اللّه علیه و سلم مع أبی بکر من مکة الی الغار
330 ذکر خروجهما من الغار و توجههما الی المدینة
333 معجزة
333 قصة أم معبد
334 قصة العوسجة
335 خبر بریدة بن الحصیب
336 ذکر استقبال أهل المدینة له صلّی اللّه علیه و سلم
337 ذکر تاریخ الهجرة
339 الفصل الثانی فی انتقاله من قباء الی باطن المدینة
339 أول خطبة فی الاسلام
343 ذکر بناء المسجد
348 موت کلثوم بن الهدم
348 اسلام عبد اللّه بن سلام
349 موت أسعد بن زرارة
350 ابتداء خدمة أنس
350 الزیادة فی صلاة الحضر
صحیفه 350 وعک أبی بکر و الصحابة
351 اسلام سلمان الفارسی
352 ذکر المواخاة بین المهاجرین و الانصار
353 ذکر موادعة الیهود
353 موت العاص بن وائل من مشرکی مکة
354 بعت زید بن حارثة الی مکة
354 ولادة النعمان بن بشیر و عبد اللّه بن الزبیر
355 شجاعة عبد اللّه بن الزبیر
355 قصة فاطمة بنت النعمان
355 تکلم الذئب
355 ابتداء الغزوات
356 بعث حمزة بن عبد المطلب الی سیف البحر
357 سریة عبیدة بن الحارث الی بطن رابغ
357 بناؤه علیه السلام بعائشة
359 بعث سعد بن أبی وقاص الی الخرار
359 ابتداء الاذان
360 الموطن الثانی فی حوادث السنة الثانیة
360 صوم عاشوراء
361 تزوّج علی بفاطمة رضی اللّه عنها
362 ذکر خطبة النبیّ فی نکاح فاطمة
363 غزوة الابواء
363 غزوة بواط
363 غزوة العشیرة
364 تکنیة علیّ بأبی تراب
365 غزوة بدر الاولی
365 بعث عبد اللّه بن جحش الی بطن نخلة
367 تحویل القبلة
368 تجدید بناء مسجد قباء
368 نزول فرض رمضان
368 غزوة بدر الکبری
380 لطیفة انقلاب العصا سیفا
383 لطیفة فی استماع الطبل ببدر کطبل الملوک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:509
صحیفه 389 فائدة
395 ذکر اعتناء الصحابة بتعلم الخط و الکتابة
396 ذکر أسماء أهل بدر
402 عدّة أهل بدر
402 عدّة شهداء بدر
403 عدّة قتلی المشرکین یوم بدر
405 ذکر الاساری ببدر
406 وفاة رقیة بنته علیه السلام
406 سریة عمیر بن عدی لقتل العصماء الیهودیة
406 نبذة من جوامع کلمه علیه السلام
407 فرض زکاة الفطر
407 فرض زکاة الاموال
407 غزوة قرقرة الکدر
408 سریة سالم بن عمیر الی قتل أبی عفک
408 غزوة بنی قینقاع
410 غزوة السویق
411 موت عثمان بن مظعون
411 بناء علی بفاطمة رضی اللّه عنهما
412 غضب النبیّ حین خطب علی بنت أبی جهل
412 وفاة أمیة بن الصلت
412 الموطن الثالث فی وقائع السنة الثالثة من الهجرة
412 سریة محمد بن مسلمة لقتل کعب بن الاشرف
414 تزوّج عثمان بأم کلثوم
414 غزوة غطفان
415 هجوم دعثور علی الرسول و سقوط سیفه من بده
416 غزوة بحران
416 سریة زید بن حارثة الی قردة
416 تزوّجه علیه السلام بحفصة بنت عمر
417 تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم بزینب بنت خزیمة
417 ذکر میلاد الحسن رضی اللّه عنه
صحیفه 418 ذکر ختان الحسن و الحسین و تسمیتهما
418 ذکر ارضاع أم الفضل امرأة العباس للحسن
419 ذکر صفة الحسن رضی اللّه عنه
419 غزوة أحد
433 معجزة فی انقلاب العود سهما و العصا سیفا
438 تمثیل النسوة بقتلی أحد
442 دعاء عبد اللّه بن جحش و سعد بن أبی وقاص
443 کرامة فی عدم تغیر أجساد الشهداء
443 غریبة فی أمر معاویة بنبش قبور الشهداء بأحد
445 بیان الحکم الربانیة فی ابتلاء المسلمین
445 ذکر شهداء أحد
446 عدّة الشهداء بأحد
447 غزوة حمراء الاسد
449 سرقة طعمة
449 الموطن الرابع فی حوادث السنة الرابعة من الهجرة
450 سریة أبی سلمة الی قطن
450 سریة عبد اللّه بن أنیس الی قتل سفیان بن خالد
451 سریة المنذر بن عمرو الی بئر معونة
454 سریة عاصم بن ثابت الی الرجیع
454 ذکر عضل و القارة
455 کرامة عاصم فی حفظ جثته بعد استشهاده
456 دقیقة فی أنّ الکرامة ثابتة للاولیاء
457 دعاء زید بن حارثة و استجابته
458 بعث عمرو بن أمیة الی أبی سفیان بن حرب
460 غزوة بنی النضیر
463 وفاة زینب بنت خزیمة
463 غزوة ذات الرقاع
464 وفاة عبد اللّه بن عثمان
464 ولادة الحسین بن علی رضی اللّه عنهما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌1،ص:510
صحیفه 464 تعلم زید بن ثابت کتاب الیهود
465 غزوة بدر الصغری الموعد
466 تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم بأم سلمة
467 ذکر أولاد أم سلمة
467 رجم الیهودیین
467 وفاة فاطمة أم علی بن أبی طالب
468 الموطن الخامس فی وقائع السنة الخامسة من الهجرة
468 فک سلمان عن الرق
469 غزوة دومة الجندل
469 نفیسة
469 وفاة أم سعد
469 خسوف القمر
470 وفد بلال بن الحارث
470 وفد ضمام بن ثعلبة
470 غزوة المریسیع
473 نزول آیة التیمم
474 تزوّجه صلّی اللّه علیه و سلم بجویریة
صحیفه 475 قصة الإفک
476 کلام عمر و عثمان و علی فی حق الإفک
478 اعطاء الرسول بئر بیرحا لحسان بن ثابت
479 غزوة الخندق
486 مبارزة علیّ لعمرو بن عبد ودّ
489 لطیفة
492 غزوة بنی قریظة
495 ارتباط أبی لبابة الی عمود من عمد المسجد
499 وفاة سعد بن معاذ رضی اللّه عنه
500 قصة احیاء أولاد جابر
500 تزوّج النبیّ صلّی اللّه علیه و سلم بزینب بنت جحش
502 وقوع الزلزلة بالمدینة
502 سقوطه صلّی اللّه علیه و سلم عن فرسه
502 مسابقة الخیل
503 نزول فرض الحج
503 النهی عن ادخار لحوم الاضاحی
تم فهرست الجزء الاوّل من تاریخ الخمیس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:1

الجزء الثانی‌

اشارة

تاریخ الخمیس فی أحوال أنفس نفیس
تألیف الامام العالم العلامة الشیخ حسین بن محمد ابن الحسن الدیار بکری نفعنا اللّه به و بعلومه و المسلمین أجمعین آمین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:2
اللّه الجزء الثانی من تاریخ الخمیس فی أحوال أنفس نفیس‌

[تتمة الرکن الثالث من الحوادث من ابتداء نبوته إلی زمان هجرته و وفاته]

اشارة

* (بسم اللّه الرحمن الرحیم)**

(الموطن السادس فیما وقع فی السنة السادسة من الهجرة

اشارة

من سریة محمد بن مسلمة الی القرطاء بالضریة و قصة ثمامة و کسوف الشمس و غزوة بنی لحیان و بعث أبی بکر الی کراع الغمیم و زیارة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قبر أمّه و غزوة الغابة و سریة عکاشة الی عمر و سریة محمد بن مسلمة الی ذی القصة و سریة أبی عبیدة بن الجراح الی مصارع أصحاب محمد بن مسلمة و سریة زید بن حارثة الی بنی سلیم بالجموم و سریة زید بن حارثة الی العیص و سریة زید بن حارثة الی الطرف و سریة زید بن حارثة الی حسمی و سریة کرز ابن جابر الفهری الی العرنیین و سریة زید بن حارثة الی وادی القری و بعث عبد الرحمن بن عوف الی بنی کلب و بعث علی بن أبی طالب الی بنی سعد و سریة زید بن حارثة الی أمّ قرفة و سریة عبد اللّه بن عتیک لقتل أبی رافع و الاستسقاء و سریة عبد اللّه بن رواحة الی أسیر بن رزام الیهودی بخیبر و سریة زید ابن حارثة الی مدین و غزوة الحدیبیة و بیعة لرضوان و وفاة أمّ رومان و نزول حکم الظهار و تحریم الخمر و تزوّج أمّ حبیبة)*

سریة محمد ابن مسلمة الی القرطاء

اشارة

* و فی محرّم هذه السنة لعشر خلون منه علی رأس تسعة و خمسین شهرا من الهجرة کانت سریة محمد ابن مسلمة الی القرطاء بطن من بنی بکر بن کلاب و هم ینزلون ضریة بالبکرات* روی أنه بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم محمد بن مسلمة فی ثلاثین راکبا علی جماعة من بنی بکر بن کلاب بموضع یقال له الضریة فی خلاصة الوفا الضریة بفتح الضاد المعجمة و کسر الراء و تشدید المثناة التحتیة قریة علی سبع مراحل بطریق خارج البصرة الی مکة و فی القاموس ضریة بین البصرة و مکة* و أمره أن یغیر علیهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:3
بغتة و کان محمد یسیر باللیل و یختفی بالنهار حتی أغار علیهم فجأة و هم عارون غافلون و هرب سائرهم* و عند الدمیاطی قتل نفرا منهم و هرب سائرهم و أصاب منهم خمسین بعیرا و ثلاثة آلاف شاة و ساقها و قدم المدینة للیلة بقیت من المحرّم فقسمها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بین أصحابه بعد اخراج الخمس و کانت غیبته فی تلک السریة تسع عشرة لیلة

قصة ثمامة بن أثال الحنفی‌

و کان معه ثمامة بن أثال الحنفی سید الیمامة أسیرا فربط بساریة من سواری المسجد* و فی الاکتفاء ان خیلا لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خرجت فأخذت رجلا من بنی حنیفة لا یشعرون من هو حتی أتوا به رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال أ تدرون من أخذتم هذا ثمامة ابن أثال الحنفی أحسنوا أساره و رجع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی أهله فقال اجمعوا ما عندکم من طعام فابعثوا به إلیه و أمر بلقحته أن یغدی علیه بها و یراح فجعل لا یقع من ثمامة موقعا و یأتیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و یقول أسلم یا ثمامة و فی روایة ما تقول یا ثمامة* و فی روایة فخرج إلیه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال ما عندک یا ثمامة فقال عندی خیر یا محمد ان تقتلنی تقتل ذادم و ان تنعم تنعم علی شاکر و ان کنت ترید المال فسل منه ما شئت فترک حتی کان الغد ثم قال له ما عندک یا ثمامة و هکذا الی ثلاثة أیام ففی الیوم الثالث أمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بأن یطلق فانطلق الی نخل قریب من المسجد فاغتسل ثم عاد إلیه فقال أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه* و فی الاکتفاء فلما أطلقوه خرج حتی أتی الی البقیع فتطهر و أحسن طهوره ثم أقبل فبایع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علی الاسلام فلما أمسی جاءوه بما کانوا یأتونه به من الطعام فلم ینل منه الا قلیلا و باللقحة فلم یصب من حلابها الا یسیرا فتعجب المسلمون من ذلک فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مم تعجبون من رجل أکل أوّل النهار فی معی کافر و أکل آخر النهار فی معی مسلم انّ الکافر یأکل فی سبعة أمعاء و انّ المسلم یأکل فی معی واحدة* و قال ثمامة حین أسلم لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لقد کان وجهک أبغض الوجوه الیّ فأصبح و هو أحب الوجوه الیّ و لقد کان دینک أبغض الادیان الیّ فأصبح و هو أحب الادیان الیّ و لقد کان بلدک أبغض البلاد الیّ فأصبح و هو أحب البلاد الیّ* و فی روایة قال یا محمد و اللّه ما کان علی الارض وجه أبغض الیّ من وجهک فقد أصبح وجهک أحب الوجوه الیّ و و اللّه ما کان من دین أبغض الیّ من دینک فقد أصبح دینک أحب الادیان الیّ و و اللّه ما کان من بلد أبغض الیّ من بلدک فأصبح بلدک أحب البلاد الیّ و انّ خیلک أخذتنی و أنا أرید العمرة فما ذا تری فبشره النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أمره أن یعتمر فلما قدم مکة قال له قائل صبوت قال لا و لکنی أسلمت مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لا و اللّه لما تأتیکم من الیمامة حبة حنطة حتی یأذن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثم خرج الی الیمامة فمنعهم أن یحملوا الی مکة شیئا فکتبوا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أنک تأمر بصلة الرحم و انک قد قطعت أرحامنا فکتب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن خل بین قومی و بین میرتهم ففعل و یقال انه لما کان ببطن مکة فی عمرته لبی فکان أوّل من دخل مکة یلبی فأخذته قریش فقالوا لقد اجترأت علینا و هموا بقتله ثم خلوه لمکان حاجتهم إلیه و الی بلده ذکر قصته البخاری*

کسوف الشمس‌

و فی هذه السنة کسفت الشمس أوّل مرّة قبل الکسوف الذی کان فیه موت ابراهیم کذا فی الوفا*

غزوة بنی لحیان‌

و فی ربیع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة بنی لحیان بکسر اللام و فتحها لغتان و ذکرها ابن اسحاق فی جمادی الاولی علی رأس ستة أشهر من فتح بنی قریظة* قال ابن حرم الصحیح أنها فی الخامسة قال أهل السیر لما وقعت وقعة عاصم بن ثابت و خبیب بن عدی و غیرهما من الصحابة الذین قتلهم هذیل وجد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم وجدا شدیدا فأراد أن ینتقم منهم فأمر أصحابه بالتهیؤ و ورّی فأظهر أنه یرید الشام لیصیب من القوم غرة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:4
و عسکر فی مائتی رجل و معهم عشرون فرسا و استخلف علی المدینة عبد اللّه بن أم مکتوم فسلک علی غراب جبل بناحیة المدینة الی الشام ثم علی مخیض تم علی البتراء ثم ذات الیسار فخرج علی بین ثم علی صخیرات الیمام ثم استقام به الطریق علی المحجة من طریق مکة فأسرع السیر حتی انتهی الی منازلهم ببطن عران بخط السلفی کتب تحت العین عین صغیرة و قال ابن الاثیر بضم الغین المعجمة و فتح الراء و هو واد بین أمج و عسفان و بینه و بین عسفان خمسة أمیال حیث کان مصاب أصحاب الرجیع الذین قتلوا فوجد بنی لحیان قد حذروا و تمنعوا فی رءوس الجبال فترحم علی أصحاب الرجیع و دعا لهم و استغفر و أقام هناک یوما أو یومین یبعث السرایا فی کل ناحیة فلما أخطأ من غرتهم ما أراد قال لو أنا هبطنا عسفان لرأی أهل مکة أنا قد جئنا مکة فخرج فی مائتی راکب من أصحابه حتی نزل عسفان ثم بعث فارسین من أصحابه حتی بلغا کراع الغمیم ثم کرّا و رجع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قافلا و کان جابر بن عبد اللّه یقول سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول حین وجه راجعا آئبون تائبون ان شاء اللّه تعالی لربنا حامدون أعوذ باللّه من وعثاء السفر و کآبة المنقلب و سوء المنظر فی الاهل و المال کذا فی الاکتفاء* و فی روایة بعث أبا بکر فی عشرة فوارس من عسفان لیسمع بهم قریش فیذعرهم فأتوا کراع الغمیم ثم رجعوا و لم یلقوا أحدا و انصرف صلی اللّه علیه و سلم الی المدینة و لم یلق کیدا و کانت غیبته عن المدینة أربع عشرة لیلة*

زیارة النبی ص قبر أمه‌

و فی هذه السنة زار قبر أمّه روی أنه صلی اللّه علیه و سلم لما رجع من بنی لحیان وقف علی الابواء فنظر یمینا و شمالا فرأی قبر آمنة أمه فتوضأ ثم صلی رکعتین فبکی و بکی الناس لبکائه ثم قام فصلی رکعتین ثم انصرف الی الناس فقال ما الذی أبکاکم قالوا بکیت فبکینا یا رسول اللّه قال ما ظننتم قالوا ظننا أنّ العذاب نازل علینا قال لم یکن من ذلک شی‌ء قالوا ظننا أنّ أمتک کلفت من الاعمال ما لا یطیقون قال لم یکن من ذلک شی‌ء و لکنی مررت بقبر أمی فصلیت رکعتین ثم استأذنت ربی عز و جل أن أستغفر لها فنهیت فبکیت ثم عدت و صلیت رکعتین فاستأذنت ربی عز و جل أن أستغفر لها فزجرت زجرا فأبکانی ثم دعا براحلته فرکبها فسار یسیرا فقامت الناقة لثقل الوحی فأنزل اللّه ما کان للنبیّ و الذین آمنوا أن یستغفروا للمشرکین و لو کانوا أولی قربی الی آخر الآیتین فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أشهد کم أنی بری‌ء من آمنة کما تبرأ ابراهیم من أبیه* و فی روایة لما فتح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مکة زار قبر أمه بالابواء ثم قام متغیرا ذکره الطیبی فی شرح المشکاة* و فی روایة لما مرّ بالابواء فی عمرة الحدیبیة زار قبرها و عن أبی هریرة قال زار النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قبر أمه فبکی و أبکی من حوله فقال استأذنت ربی فی أن أستغفر لها فلم یأذن لی و استأذنته فی أن أزور قبرها فأذن لی فزوروا القبور فانها تذکر الموت* و عن بریدة قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کنت نهیتکم عن زیارة القبور فزوروها و نهیتکم عن لحوم الاضاحی فوق ثلاث فأمسکوا ما بدا لکم و نهیتکم عن النبیذ الا فی سقاء فاشربوا فی الاسقیة کلها و لا تشربوا مسکرا رواهما مسلم* و عن ابن مسعود عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کنت نهیتکم عن زیارة القبور فزوروها فانها تزهد فی الدنیا و تذکر الآخرة رواه ابن ماجه* و عن محمد بن النعمان یرفعه الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال من زار قبر أبویه أو أحدهما فی کل جمعة غفر له و کتب برّا رواه البیهقی فی شعب الایمان* و عن بریدة قال کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یعلمهم اذا خرجوا الی المقابر ان یقولوا السلام علیکم أهل الدیار من المؤمنین و المسلمین و انا ان شاء اللّه بکم لاحقون نسأل اللّه لنا و لکم العافیة رواه مسلم* و عن أبی هریرة أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لعن زوّارات القبور رواه أحمد و الترمذی و ابن ماجه و قد رأی بعض أهل العلم انّ هذا کان قبل أن یرخص النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی زیارة القبور فلما رخص دخل فی رخصته
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:5
الرجال و النساء و قال بعضهم انما کره زیارة القبور للنساء لقلة صبرهنّ و کثرة جزعهنّ کذا فی المشکاة و عن عائشة قالت کنت أدخل بیتی الذی فیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و انی واضعة ثوبی و أقول انما هو زوجی و أبی فلما دفن عمر معهما فو اللّه ما دخلته الا و أنا مشدودة علیّ ثیابی حیاء من عمر رواه أحمد و اللّه تعالی أعلم‌

* (و فی ربیع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة الغابة)*

و تعرف بذی قرد بفتح القاف و الراء و بالدال المهملة و هو ماء علی برید من المدینة* و فی خلاصة الوفا الغابة واد لم یزل معروفا فی أسفل سافلة المدینة من جهة الشام و هو مغیض میاه أودیتها بعد مجتمع السیول و کان بها املاک أهل المدینة استولی علیها الخراب و الحفیاء من أدنی الغابة و انها علی خمسة أمیال أو ستة من المدینة* و عن محمّد بن الضحاک أنّ العباس کان یقف علی سلع فینادی غلمانه و هم بالغابة فیسمعهم و ذلک من آخر اللیل و بینهما ثمانیة أمیال و هو محمول علی انتهاء الغابة لا أدناها* و فی حیاة الحیوان الغابة موضع بینه و بین المدینة أربعة أمیال و فیها أیضا کان للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم عشرون لقحة بالغابة و هی علی برید من المدینة بطریق الشام* و فی معجم ما استعجم الغابة بالموحدة اثنتان العلیا و السفلی و منبر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کان من طرفاء الغابة* و فی خلاصة الوفا و ذو قرد ماء انتهی إلیه المسلمون فی غزوة الغابة قال ابن الاثیر هو بین المدینة و خیبر علی یومین من المدینة* و فی فتح الباری مسافة یوم و فی غیره نحو یوم مما یلی بلاد غطفان و کانت فی ربیع الاوّل سنة ست قبل الحدیبیة و عند البخاری انها کانت قبل خیبر بثلاثة أیام و فی مسلم نحوه قال الحافظ مغلطای فی ذلک نظر لاجتماع أهل السیر علی خلافهما انتهی* قال القرطبی شارح مسلم لا یختلف أهل السیر أنّ غزوة ذی قرد کانت قبل الحدیبیة و قال الحافظ ابن حجر ما فی الصحیح من التاریخ لغزوة ذی قرد أصح مما ذکره أهل السیر و هی الغزوة التی أغار فزارة علی لقاح النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی ربیع الاوّل قبل خیبر و عن سلمة بن الاکوع قال رجعنا أی من الغزوة الی المدینة فو اللّه ما لبثنا فی المدینة الا ثلاث لیال حتی خرجنا الی خیبر و قال ابن اسحاق کانت غزوة بنی لحیان فی شعبان سنة ست فلما رجع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی المدینة لم یقم بها الا لیال قلائل حتی أغار عیینة بن حصن بن حذیفة بن بدر الفزاری علی لقاحه و قال ابن سعد کانت غزوة ذی قرد فی ربیع الاوّل سنة ست قبل الحدیبیة و یمکن الجمع بأنّ اغارة عیینة ابن حصن علی اللقاح کانت مرّتین الاولی قبل الحدیبیة و الثانیة بعدها قبل الخروج الی خیبر کذا فی فتح الباری* و فی المواهب اللدنیة سببها أنه کان لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عشرون لقحة و هی ذوات اللبن القریبة العهد بالولادة ترعی بالغابة و کان أبو ذرّ فیها فأغار علیهم عیینة بن حصن الفزاری* و فی المشکاة و غیرها انّ عبد الرحمن بن حصن الفزاری أغار علی اللقاح و یمکن الجمع بأنّ عبد الرحمن هو الذی أنشأ الاغارة لکن عیینة لما جاء الی امداده نسبت الاغارة تارة الی هذا و تارة الی هذا و کانت الاغارة لیلة الاربعاء فی أربعین فارسا فاستاقوها و قتلوا ابن أبی ذرّ الغفاری* و قال ابن اسحاق و کان فیها رجل من بنی غفار و امرأته فقتلوا الرجل و سبوا المرأة و احتملوها فی اللقاح و کان أوّل من نذر بهم سلمة بن الاکوع الاسلمی غدا یرید الغابة متوشحا قوسه و نبله و معه غلام لطلحة بن عبید اللّه معه فرس له یقوده حتی اذا علا ثنیة الوداع نظر الی بعض خیولهم فأشرف فی ناحیة سلع ثم صرخ وا صباحاه و خرج یشتدّ فی آثار القوم و کان مثل السبع حتی لحق القوم فجعل یردّهم بالنبل و یقول
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:6
اذا رمی* خذها و أنا ابن الاکوع* الیوم یوم الرضع* فکلما وجهت الخیل نحوه انطلق هاربا ثم عارضهم فاذا أمکنه الرمی رمی ثم قال خذها و أنا ابن الاکوع الیوم یوم الرضع فیقول قائلهم أکیعنا أوّل النهار فبلغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم صیاح ابن الاکوع فصرخ بالمدینة الفزع الفزع* و فی روایة و نودی یا خیل اللّه ارکبی و کان أوّل ما نودی بها و رکب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی خمسمائة و قیل فی سبعمائة و استخلف علی المدینة ابن أمّ مکتوم و خلف سعد بن عبادة فی ثلاثمائة یحرسون المدینة و کان قد عقد لمقداد بن عمرو فی رمحه لواء و قال له امض حتی تلحقک الخیول و انا علی أثرک فأدرک أخریات العدوّ کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء فکان أوّل من انتهی الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من الفرسان المقداد بن عمرو و هو الذی یقال له المقداد بن الاسود حلیف بنی زهرة ثم کان أوّل فارس وقف علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعد المقداد من الانصار عباد بن بشر بن وقش أحد بنی عبد الاشهل و سعد بن زید أحد بنی کعب بن عبد الاشهل و أسید بن ظهیر أخو بنی حارثة یشک فیه و عکاشة بن محصن أخو بنی أسد بن خزیمة و محرز بن نضلة أخو بنی أسد بن خزیمة و أبو قتادة الحارث بن ربعی أخو بنی سلمة و أبو عیاش و هو عبید بن زید بن صامت أخو بنی رزیق فلما اجتمعوا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أقر علیهم سعد بن زید و قال اخرج فی طلب القوم حتی ألحقک فی الناس و قال لابی عیاش لو أعطیت هذا الفرس رجلا هو أفرس منک فلحق القوم قال أبو عیاش فقلت یا رسول اللّه أنا أفرس الناس ثم أضرب الفرس فو اللّه ما جری بی خمسین ذراعا حتی طرحنی فعجبت أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول لو أعطیته أفرس منک و أقول أنا أفرس الناس فأعطی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فرس أبی عیاش هذا فیما یزعمون معاذ بن ماعص أو عائذ بن ماعص فکان ثامنا و بعض الناس یعد سلمة بن عمر و ابن الاکوع أحد الثمانیة و یطرح أسید بن ظهیر أخا بنی حارثة و اللّه أعلم أی ذلک کان* و لم یکن سلمة یومئذ فارسا قد کان أوّل من لحق بالقوم علی رجلیه فخرج الفرسان فی طلب القوم حتی تلاحقوا و کان أوّل فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة أخو بنی أسد بن خزیمة و کان یقال لمحرز هذا الأخرم و یقال له أیضا قمیر لما کان الفزع جال فرس لمحمود بن سلمة فی الحائط و هو مربوط بجذع نخل حین سمع صاهلة الخیل و کان فرسا ضبعا جامعا فقال بعض نساء بنی عبد الاشهل حین رأی الفرس یجول فی الحائط بجذع نخل هو مربوط به یا قمیر هل لک فی أن ترکب هذا الفرس فانه کما تری ثم تلحق برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و بالمسلمین فأعطته ایاه فخرج علیه فلم یلبث ان بدأ الخیل بحمامه حتی أدرک القوم فوقف بین أیدیهم ثم قال قفوا بنی اللکیعة کذا فی الاکتفاء* و فی سیرة ابن هشام معشر اللکیعة حتی یلحق بکم من وراءکم من المهاجرین و الانصار ثم حمل علیه رجل منهم فقتله و جال الفرس فلم یقدر حتی وقف علی اربة فی بنی عبد الاشهل فقیل انه لم یقتل من المسلمین یومئذ غیره و قیل انه قتل مع محرز وقاص ابن محرز المدلجی* قال ابن اسحاق و کان اسم فرس محمود ذا اللمة و قال ابن هشام و کان اسم فرس سعد لا حق و اسم فرس المقداد برجة و یقال سمحة و فرس عکاشة ذو اللمة و فرس أبی قتادة خرودة و فرس عباس بن بشر لماع و فرس أسید بن ظهیر مسنون و فرس عیاش جلوة قال ابن اسحاق و قد حدّثنی بعض من لا أتهم عن عبد اللّه بن کعب بن مالک أن محرزا انما کان علی فرس عکاشة بن محصن یقال لها الجناح فقتل محرز و استلبت الجناح و لما تلاحقت الخیل قتل أبو قتادة حبیب بن عیینة بن حصن و غشاه برده ثم لحق بالناس و أقبل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی المسلمین فاذا حبیب مسحی ببرد أبی قتادة فاسترجع الناس و قالوا قتل أبو قتادة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لیس بأبی قتادة
و لکنه قتیل لابی قتادة وضع علیه برده لتعرفوا أنه صاحبه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:7
* و فی المواهب اللدنیة و قتل أبو قتادة مسعدة فأعطاه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فرسه و سلاحه و قتل عکاشة بن محصن أبان بن عمرو و قتل من المسلمین محرز بن نضلة قتله مسعدة و أدرک عکاشة ابن محصن أوبارا و ابنه عمرو بن أوبار و هما علی بعیر واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جمیعا و استنقذوا بعض اللقاح* و فی المواهب اللدنیة استنقذوا عشرة من اللقاح و أفلت القوم بما بقی و هو عشر و سار رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی نزل بالجبل من ذی قرد و تلاحق الناس و الخیول عشاء و ذهب الصریخ الی بنی عمرو بن عوف فجاء الامداد فلم تزل الخیل تأتی و الرجال علی أقدامهم و علی الابل حتی انتهوا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بذی قرد و أقام علیه یوما و لیلة و قال له سلمة بن الاکوع یا رسول اللّه لو سرحتنی فی مائة رجل لاستنقذت بقیة السرح و أخذت بأعناق القوم فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انهم الآن لیغبقون فی غطفان* و فی المواهب اللدنیة قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یا ابن الاکوع اذا ملکت فأسجح بهمزة قطع ثم سین مهملة ثم جیم مکسورة ثم حاء مهملة أی فارفق و أحسن من السجاحة و هی السهولة ثم قال انهم لیقرون فی غطفان فقسم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی أصحابه فی کل مائة رجل جزورا* و فی المواهب اللدنیة و صلی صلی اللّه علیه و سلم صلاة الخوف بذی قرد ثم رجع قافلا الی المدینة و قد غاب عنها خمس لیال و افلتت امرأة الغفاری علی ناقة من ابل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی قدمت علیه فأخبرته الخبر فلما فرغت قالت یا رسول اللّه انی نذرت أن أنحرها ان نجانی اللّه علیها فتبسم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم قال بئسما جزیتیها أن حملک اللّه علیها و نجاک بها ثم تنحرینها انه لا نذر فی معصیة اللّه و لا فیما لا تملکین انما هی ناقة من ابلی ارجعی الی أهلک علی برکة اللّه و هذا حدیث ابن اسحاق عن غزوة ذی قرد و خرج مسلم بن الحجاج حدیثها فی صحیحه باسناده الی سلمة بن الاکوع مطوّلا و مختصرا و خالف فیه حدیث ابن اسحاق فی مواضع منها أنّ هذه الغزوة بعد انصراف النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من الحدیبیة و جعلها ابن اسحاق قبلها و کذلک فعل ابن عقبة قال القرطبی لا تختلف أهل السیر أنّ غزوة ذی قرد کانت قبل الحدیبیة و ما فی الصحیح من التاریخ لها أصح مما فی السیر کما مرّ و یمکن الجمع بتکرر الواقعة و یؤیده أنّ الحاکم ذکر فی الاکلیل أنّ الخروج الی ذی قرد تکرّر الاولی خرج إلیها زید بن حارثة قبل أحد و فی الثانیة خرج إلیها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی ربیع الآخر سنة خمس و الثالثة هی المختلف فیها و منها أنّ اللقاح کانت ترعی بذی قرد و کذا فی البخاری و قال ابن اسحاق بالغابة و کذا قال عیاض الاوّل غلط و یمکن الجمع بأنها کانت ترعی تارة بذی قرد و تارة بالغابة و منها قد ورد فی صحاح الاحادیث عن سلمة أنه قال خرجت أنا و رباح عبد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قبل أن یؤذن بلال بالاولی یعنی صلاة الصبح نحو الغابة و أنا راکب علی فرس أبی طلحة الانصاری فاذا أغار عبد الرحمن ابن عیینة بن حصن الفزاری قبل طلوع الفجر علی لقاح النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کانت ترعی بذی قرد و قد قتل الراعی و استاق اللقاح فقلت أی رباح ارکب هذا الفرس و بلغه الی أبی طلحة و أخبر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم* و فی روایة عن سلمة خرجت قبل أن یؤذن بلال بالاولی فلقینی عبد لعبد الرحمن بن عوف فقلت و یحک مالک قال أخذت لقاح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قلت من أخذها قال أخذها غطفان و فزارة* و فی روایة لمسلم ما یقتضی أنّ سلمة کان مع السرح لما أغیر علیه و انه قام علی اکمة و صاح وا صباحاه ثلاثا و هذا یرجح ان السرح کان بالغابة و یبعد کونه بذی قرد اذ لو کان بذی قرد لما أمکنه لحوقهم و منها أنّ سلمة بن الاکوع استنقذ سرح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بجملته قال سلمة فو اللّه ما زلت أرمیهم و أعقرهم فاذا رجع
الیّ فارس منهم أتیت شجرة فجلست فی أصلها ثم رمیته
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:8
فعقرت حتی اذا تضایق الجبل فدخلوا فی مضائقه علوت الجبل فجعلت أردّهم بالحجارة قال فما زلت کذلک أتبعهم حتی ما خلق اللّه من بعیر من ظهر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الا خلفته وراء ظهری و خلوا بینی و بینه ثم اتبعتهم أرمیهم حتی ألقوا أکثر من ثلاثین بردة و ثلاثین رمحا یستخفون و لا یطرحون شیئا الا جعلت علیه آراما من الحجارة یعرفها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أصحابه حتی أتوا متضایقا من ثنیة فأتاهم فلان ابن بدر الفزاری فجلسوا یتضحون أی یتغدون و جلست علی رأس قرن قال الغزاری ما هذا الذی أری قالوا لقینا من هذا البرح و اللّه ما رافقنا منذ عیش یومنا حتی انتزع کل شی‌ء فی أیدینا قال فلیقم إلیه نفر منکم قال فصعد الیّ منهم أربعة فی الجبل فلما أمکنونی من الکلام قلت هل تعرفوننی قالوا لا و من أنت قلت فأنا سلمة بن الاکوع و الذی کرّم وجه محمد صلی اللّه علیه و سلم لا أطلب رجلا منکم الا أدرکته و لا یطلبنی فیدرکنی قال أحدهم أظنّ ذلک فرجعوا فما برحت مکانی حتی رأیت فوارس رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یتخللون الشجر فاذا أوّلهم الأخرم الاسدی و علی أثره أبو قتادة الانصاری و علی أثره المقداد بن الاسود الکندی فأخذت بعنان الأخرم و قلت یا أخرم احذرهم لا یقتطعونک حتی یلحق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أصحابه فقال یا سلمة ان کنت تؤمن باللّه و الیوم الآخر و تعلم أن الجنة حق و النار حق فلا تحل بینی و بین الشهادة قال فخلیته فالتقی هو و عبد الرحمن فقتله و تحوّل علی فرسه و لحق أبو قتادة فارس رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعبد الرحمن فطعنه فقتله* و فی روایة اختلفا طعنتین فطعن أوّلا الأخرم عبد الرحمن فجرحه ثم طعن عبد الرحمن أخرم فقتله و رکب فرسه فبلغه أبو قتادة فاختلفا طعنتین أیضا فطعن أوّلا عبد الرحمن أبا قتادة فجرحه بالرمح الذی طعن به أخرم فطعنه أبو قتادة فقتله فرکب فرس أخرم الذی رکبه عبد الرحمن* و فی الشفاء أصاب سهم وجه أبی قتادة یوم ذی قرد فبصق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی أثر السهم فما ضرب و لا قاح* و فی الاکتفاء قال سلمة بن الاکوع و الذی أکرم وجه محمد صلی اللّه علیه و سلم لتبعتهم أعدو علی رجلیّ حتی ما أری من ورائی من أصحاب محمد صلی اللّه علیه و سلم و لا من غبارهم شیئا حتی عدلوا قبل غروب الشمس الی شعب فیه ماء یقال له ذو قرد لیشربوا منه و هم عطاش فنظروا الی عدوی وراءهم فجلوتهم عنه فما ذاقوا منه قطرة و یخرجون و یشتدّون فی ثنیة فأعد و فألحق رجلا منهم فاصکه بسهم فی نغض کتفه فقلت خذها و أنا ابن الاکوع و الیوم یوم الرضع قال یا ثکلة أمه أکوعه بکره قلت نعم یا عدوّ نفسه أکوعه بکره قال و أردوا فرسین علی ثنیة فجئت بهما أسوقهما الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لحقنی عامر بسطیحة فیها مذقة من لبن و سطیحة فیها ماء فتوضأت و شربت ثم أتیت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو علی الماء الذی جلاتهم عنه قد أخذت تلک الابل و کل شی‌ء استنقذته من المشرکین و کل رمح و کل بردة و اذا بلال نحر ناقة من الابل التی استنقذت من القوم فاذا هو یشوی لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من کبدها و سنامها قلت یا رسول اللّه خلنی فانتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم فلا یبقی منهم مخبر الا قتلته فضحک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی بدت نواجذه فی ضوء النهار و قال یا سلمة أتراک کنت فاعلا قلت نعم و الذی أکرمک قال انهم الآن لیقرّون بأرض غطفان قال فجاء رجل من غطفان فقال نحر لهم فلان جزورا فلما کشطوا جلدها رأوا غبارا فقال أتاکم القوم فخرجوا هاربین فلما أصبحنا قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان خیر فرساننا الیوم أبو قتادة و یرخ؟؟؟
رجالتنا سلمة بن الاکوع ثم أعطانی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سهمین سهم الراجل و سهم الفارس فجمعهما الیّ جمیعا و ذکر الزبیر بن أبی بکر أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مرّ فی غزوة ذی قرد هذه علی ماء یقال له بیسان فسأل عنه فقیل اسمه یا رسول اللّه بیسان و هو مالح فقال رسول اللّه صلی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:9
علیه و سلم لا بل اسمه نعمان و هو طیب فغیر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اسمه فغیر اللّه تعالی الماء فاشتراه طلحة بن عبید اللّه ثم تصدّق به و جاء الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأخبره فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ما أنت یا طلحة الافیاض فسمی طلحة الفیاض قال سلمة ثم أردفنی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ناقته فرجعنا الی المدینة فلما دنونا الی المدینة نادی رجل من الانصار هل من سابق نتسابق الی المدینة فاستأذنت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فسابقته فسبقته*

سریة عکاشة الی غمر مرزوق‌

و فی ربیع الاوّل من هذه السنة کانت سریة عکاشة بن محصن الاسدی الی غمر مرزوق بالغین المعجمة المکسورة و هو ماء لبنی أسد علی لیلتین من فید فی أربعین رجلا فخرج سریعا فأخبر به القوم فهربوا فنزل المسلمون علیا بلادهم و بعث شجاع بن وهب فی جماعة الی بعض النواحی فأخذ رجلا من بنی أسد فدلهم علی نعمهم فی المرعی فساقوا مائة بعیر و قدموا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لم یلقوا کیدا*

سریة محمد بن مسلمة الی ذی القصة

و فی ربیع الاوّل من هذه السنة کانت سریة محمد بن مسلمة الی ذی القصة بفتح القاف و الصاد المهملة المشدّدة موضع بینه و بین المدینة أربعة و عشرون میلا و معه عشرة الی بنی ثعلبة فورد علیه لیلا فأحدق به القوم و هم مائة رجل فتراموا ساعة من اللیل ثم حملت الاعراب علیهم بالرماح فقتلوهم الا محمد بن مسلمة فوقع جریحا و جردوهم من ثیابهم و مرّ رجل من المسلمین فحمله حتی ورد به الی المدینة* و فی ربیع الآخر من هذه السنة بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبا عبیدة بن الجراح فی أربعین رجلا الی مصارعهم فأغاروا علیهم فأعجزوهم هربا فی الجبال و أصاب رجلا واحدا فأسلم و ترکه و أخذ نعما من نعمهم فاستاقها ورثة من متاعهم و قدم به المدینة فخمسه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قسم ما بقی علیهم* و فی القاموس الرث السقط من متاع البیت کالرثة بالکسر*

سریة زید بن حارثة الی بنی سلیم‌

و فی ربیع الآخر من هذه السنة کانت سریة زید بن حارثة الی بنی سلیم بالجموم من أرض بنی سلیم و یقال بالجموح ناحیة ببطن نخل من المدینة علی أربعة أمیال فأصابوا امرأة من مزینة یقال لها حلیمة فدلتهم علی محلة من محال بنی سلیم فأصابوا نعما و شاء و أسری فکان فیهم زوج حلیمة المزنیة فلما قفل زید بما أصاب وهب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم للمزنیة نفسها و زوجها*

سریة زید بن حارثة أیضا الی العیص‌

و فی جمادی الاولی من هذه السنة کانت سریة زید بن حارثة أیضا الی العیص موضع علی أربعة أمیال من المدینة و معه سبعون راکبا لما بلغه علیه السلام أن عیرا لقریش قد أقبلت من الشام یتعرّض لها فأخذوها و ما فیها فأخذوا یومئذ فضة کثیرة لصفوان بن أمیة و أسر منهم ناسا منهم أبو العاص بن الربیع زوج زینب ابنة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فنادت فی الناس حین صلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الفجر انی قد أجرت أبا العاص فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ما علمت بشی‌ء من هذا و قد أجرنا من أجرت و ردّ علیه ما أخذ* و ذکر ابن عقبة ان أسره کان علی ید أبی بصیر بعد الحدیبیة و کانت هاجرت قبله و ترکته علی شرکه و ردّها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالنکاح الاوّل قیل بعد سنتین و قیل بعد ست سنین و قیل قبل انقضاء العدّة* و فی حدیث عمرو بن شعیب عن أبیه عن جدّه ردّها له بنکاح جدید سنة سبع*

سریة زید بن حارثة أیضا الی الطرف‌

و فی جمادی الآخرة من هذه السنة کانت سریة زید بن حارثة أیضا الی الطرف و هو ماء علی ستة و ثلاثین میلا من المدینة فخرج الی بنی ثعلبة فی خمسة عشر رجلا فأصاب نعما و شاء و هربت الاعراب و صبح زید بالنعم المدینة و هی عشرون بعیرا و لم یلق کیدا و غاب أربع لیال*

سریة زید بن حارثة أیضا الی حسمی‌

و فی جمادی الآخرة من هذه السنة کانت سریة زید بن حارثة أیضا الی حسمی و هو واد وراء ذات القری* و فی الاکتفاء و کان من حدیثها کما حدّث رجال من جذام و کانوا علماء بها ان رفاعة بن زید الجذامیّ لما قدم علی قومه من عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بکتابه یدعوهم الی الاسلام فاستجابوا له لم یلبث أن قدم دحیة بن خلیفة الکلبی من عند قیصر صاحب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:10
الروم حین بعثه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و معه تجارة له و قد أجازه قیصر و کساه حتی اذا کان بواد من أودیتهم یقال له حسمی أغار علیه الهنید بن عوض الضلعی بطن منه و ابنه عوض فأصاب کل شی‌ء معه فبلغ ذلک قوما من بنی الضبیب و هم رهط رفاعة ممن کان أسلم و أجاب فنفروا الی الهنید و ابنه فاستنقذوا ما کان فی أیدیهما من متاع دحیة فخرج دحیة حتی قدم علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبره خبره و استشفاه دم الهنید و ابنه فبعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم زید بن حارثة و بعث معه جیشا خمسمائة رجل و ردّ معه دحیة فکان زید یسیر باللیل و یکمن بالنهار حتی هجموا مع الصبح علی القوم فأغاروا علیهم و قتلوا فیهم و أوجعوا و قتلوا الهنید و ابنه و أخذوا من النعم ألف بعیر و من الشاء خمسة آلاف و مائة من النساء و الصبیان* و فی الاکتفاء فجمعوا ما وجدوا من مال و أناس و قتلوا الهنید و ابنه و رجلین معهما فلما سمع ذلک بنو الضبیب رکب نفر منهم فیهم حسان بن ملة فلما وقفوا علی زید بن حارثة قال حسان انا قوم مسلمون فقال له زید اقرأ أم الکتاب فقرأها فقال زید بن حارثة نادوا فی الجیش أن قد حرم علینا ثغرة القوم التی جاءوا منها الا من ختر أی غدر و اذا بأخت حسان فی الاساری فقال له زید خذها فقالت أم الغرار الضلعیة أ تنطلقون ببناتکم و تذرون أمهاتکم فقال أحد بنی الخصیب انها بنو الضبیب و سحر ألسنتهم سائر الیوم فسمعها بعض الجیش فأخبر بها زیدا فامر بأخت حسان و قد کانت أخذت بحقوی أخیها ففکت یداها من حقویه و قال لها اجلسی مع بنات عمک حتی یحکم اللّه فیکن حکمه فرجعوا و نهی الجیش أن یهبطوا الی وادیهم الذی جاءوا منه فامسوا فی أهلیهم فلما شربوا عتمتهم رکبوا الی رفاعة بن زید فصبحوه فقال له حسان بن ملة انک لجالس تحلب المعزی و ان نساء جذام أساری قد غرّها کتابک الذی جئت به فدعا رفاعة بجمل له فشدّ علیه رحله و هو یقول* هل أنت حی و تنادی حیا* ثم غدا رفاعة فی نفر من قومه و هم مبکرون فساروا الی جهة المدینة ثلاث لیال فلما دخلوا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و رآهم ألاح إلیهم بیده أن تعالوا من وراء الناس فلما استفتح رفاعة بن زید النطق قال رجل من الناس یا رسول اللّه ان هؤلاء قوم سحرة فردّدها مرتین فقال رفاعة رحم اللّه من لم یحدث فی یومنا هذا إلّا خیرا ثم دفع رفاعة الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کتابه الذی کان کتب له و لقومه لیالی قدم علیه فأسلم فقال دونک یا رسول اللّه قدیما کتابه حدیثا غدره فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اقرأه یا غلام و أعلن فلما قرأ کتابه استخبرهم فأخبره فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کیف أصنع بالقتلی ثلاث مرّات فقال رفاعة أنت أعلم یا رسول اللّه لا نحرّم علیک حلالا و لا نحلل لک حراما فقال أبو زید بن عمر و أحد قومه مع رفاعة أطلق لنا یا رسول اللّه من کان حیا و من قتل فهو تحت قدمی هذه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم صدق أبو زید ارکب معهم یا علی فقال له علی یا رسول اللّه انّ زیدا لا یطیعنی قال فخذ سیفی هذا فأعطاه سیفه فخرجوا فاذا رسول لزید بن حارثة علی ناقة من ابلهم فأنزلوه عنها فقال یا علی ما شأنی فقال ما لهم عرفوه فأخذوه ثم ساروا فلقوا الجیش فأخذوا ما بأیدیهم حتی کانوا ینتزعون لبد المرأة من تحت الرجل*

سریة کرز الی العرنیین‌

و فی جمادی الآخرة من هذه السنة علی قول ابن اسحاق و هو المذکور فی المواهب اللدنیة أو فی شوّال هذه السنة علی ما قاله الواقدی و تبعه ابن سعد و ابن حبان أو فی ذی القعدة بعد الحدیبیة و هو المذکور فی البخاری کانت سریة کرز بن جابر الفهری الی العرنیین بضم العین و فتح الراء المهملتین حی من قضاعة وحی من بجیلة و المراد هاهنا الثانی کذا ذکره ابن عقبة فی المغازی* روی ان ثمانیة نفر من عرینة و فی البخاری من عکل و عرینة* عکل بضم العین و اسکان الکاف و فی الاکتفاء من قیس کبة من بجیلة قدموا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فتکلموا فی الاسلام ثم استوخموا أو قال اجتووا أو استوبئوا المدینة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:11
و طلحوا و قالوا انا کنا أهل ضرع و لم نکن أهل ریف فبعثهم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی لقاحه* و فی الاکتفاء و کانت لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لقاح ترعی بناحیة الجماوان یرعاها عبد له یقال له یسار کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أصابه فی غزوة بنی محارب و بنی ثعلبة* و فی روایة بعثهم الی ابل الصدقة و کأنهما کانا معا فصح الاخبار بالبعث الی کل منهما* و فی الاکتفاء فقال لهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لو خرجتم الی اللقاح فشربتم من ألبانها و أبوالها فخرجوا إلیها فشربوا من ألبانها و أبوالها حتی صحوا و سمنوا و انطوت بطونهم عکنا و عدوا علی راعی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فذبحوه* و فی روایة و قتلوا راعیها یسارا و قطعوا یده و رجله و غرّزوا الشوک فی لسانه و عینیه حتی مات و استاقوا الابل فلما بلغ رسول اللّه صلی اللّه علیه الخبر فی أوّل النهار بعث فی أثرهم عشرین فارسا و أمّر علیهم کرز بن جابر الفهری فأدرکوهم و أحاطوا بهم و ربطوهم فما ارتفع النهار حتی قدموا بهم المدینة و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالغابة فخرجوا بهم نحوه* و فی الاکتفاء فأتی بهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مرجعه من غزوة ذی قرد فامر بهم فقطعت أیدیهم و أرجلهم* و فی روایة و سمرت أعینهم و صلبوا هنا لک* و فی صحیح البخاری فأمر بمسامیر فأحمیت فکحلهم و قطع أیدیهم و ما حسمهم ثم ألقوا فی الحرّة یستقون فما سقوا حتی ماتوا قال أنس فکنت أری أحدهم یکد أو یکدم الارض بفیه و عن محمد بن سیرین انما فعل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم هذا قبل ان تنزل الحدود کذا فی الترمذی قال أبو قلابة هؤلاء قوم سرقوا و قتلوا و حاربوا اللّه و رسوله و کانت اللقاح خمس عشرة لقحة فردّوها الا واحدة و فی الوفاء ذکر أهل السیران اللقاح کانت ترعی بناحیة الجماوان* و فی روایة بذی الجدر غربی جبال عیر علی ستة أمیال من المدینة و ذکر ابن سعد عن ابن عقبة ان أمیر الخیل یومئذ سعید بن زید أحد العشرة المبشرة فأدرکوهم و ربطوهم و أردفوهم علی خیلهم و ردّوا الابل و لم یفقدوا منها الا لقحة واحدة من لقاحه صلی اللّه علیه و سلم تدعی الحناء فسأل عنها فقیل نحروها فلما دخلوا بهم المدینة کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالغابة قال بعضهم و ذلک مرجعه من غزوة ذی قرد کما مر فخرجوا بهم نحوه فلقوه بالغابة فقطعت أیدیهم و أرجلهم و سملت أعینهم و صلبوا هناک*

سریة زید الی وادی القری‌

و فی رجب هذه السنة کانت سریة زید بن حارثة الی وادی القری فقتل من المسلمین قتلی و ارتث زید أی حمل من المعرکة رثیثا أی جریحا و به رمق و هو مبنی للمجهول قاله فی القاموس و اللّه أعلم‌

* سریة عبد الرحمن بن عوف الی دومة الجندل‌

و فی شعبان هذه السنة بعث عبد الرحمن بن عوف الی بنی کلب بدومة الجندل قال أهل السیر دعا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عبد الرحمن بن عوف فأجلسه بین یدیه و عممه بیده و قال اغز باسم اللّه و فی سبیل اللّه فقاتل من کفر باللّه و لا تغدر و لا تقتل ولیدا و بعثه الی بنی کلب بدومة الجندل و قال ان استجابوا لک فتزوّج ابنة ملکهم فسار عبد الرحمن حتی قدم دومة الجندل فمکث ثلاثة أیام یدعوهم الی الاسلام فأسلم اصبغ بن عمرو الکلبی و کان نصرانیا و کان رئیسهم و أسلم معه ناس کثیر من قومه و أقام من أقام علی دینه علی اعطاء الجزیة و تزوّج عبد الرحمن تماضر ابنة الاصبغ فقدم بها المدینة فولدت له أبا سلمة عبد اللّه الاصغر و هو من الفقهاء السبعة بالمدینة و من أفضل التابعین کذا فی المواهب اللدنیة و فی الاکتفاء قال عطاء بن أبی رباح سمعت رجلا من أهل البصرة یسأل عبد اللّه ابن عمر بن الخطاب عن ارسال العمامة من خلف الرجل اذا اعتم فقال عبد اللّه سأخبرک عن ذلک ان شاء اللّه تعالی ثم ذکر مجلسا شاهده من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أمر فیه عبد الرحمن بن عوف أن یتجهز لسریة بعثه علیها قال فأصبح و قد اعتم بعمامة من کرابیس سود فأدناه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم منه ثم نقضها ثم عممه بها و أرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلک ثم قال هکذا یا ابن عوف فاعتم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:12
فانه أحسن و أعرف ثم أمر بلالا أن یدفع إلیه اللواء فدفعه إلیه فحمد اللّه و صلی علی نفسه ثم قال خذه یا ابن عوف اغزوا جمیعا فی سبیل اللّه فقاتلوا من کفر باللّه لا تغلوا و لا تغدروا و لا تمثلوا و لا تقتلوا ولیدا فهذا عهد اللّه و سیرة نبیه فیکم فأخذ عبد الرحمن اللواء قال ابن هشام فخرج عبد الرحمن و من معه الی دومة الجندل المذکور

* بعث علی بن أبی طالب الی بنی سعد

و فی شعبان هذه السنة بعث علی بن أبی طالب فی مائة رجل الی بنی سعد بن بکر بفدک و سببه انه بلغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ان لهم جمعا یریدون أن یمدّوا یهود خیبر فسار علیّ بمن معه فأغاروا علیهم و هم عارون بین فدک و خیبر فأخذوا خمسمائة بعیر و ألفی شاة و هربت بنو سعد و عزل علیّ طائفة من الابل الجیاد صفی المغنم و قسم الباقی علی السریة و قدم بمن معه المدینة و لم یلقوا کیدا*

بعث زید الی أم قرفة

و فی رمضان هذه السنة بعث زید بن حارثة الی أم قرفة فاطمة بنت ربیعة بن زید الفزاری بناحیة وادی القری علی سبع لیال من المدینة و کان سببها ان زید بن حارثة خرج فی تجارة الی الشام و معه بضائع لاصحاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فلما کانوا بوادی القری لقیه ناس من فزارة من بنی بدر فضربوه و ضربوا أصحابه و أخذوا ما کان معهم و قدم علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبره فبعثه صلی اللّه علیه و سلم إلیهم فکمن أصحابه بالنهار و ساروا باللیل ثم صبحهم زید و أصحابه فکبروا و أحاطوا بالحاضر و أخذوا أم قرفة و کانت ملکة رئیسة و فی المثل یقال* أمنع و أعز من أم قرفة* لانه کان یعلق فی بیتها خمسون سیفا لخمسین رجلا کلهم لها محرم و هی زوجة مالک بن حذیفة بن بدر کذا فی القاموس و أخذوا بنتها جاریة بنت مالک بن حذیفة بن بدر و عمد قیس بن المحسر الی أم قرفة و هی عجوز کبیرة فقتلها قتلا عنیفا و ربط برجلیها حبلین ثم ربطها بین بعیرین ثم زجرهما فذهبا بها فقطعاها و قدم زید بن حارثة من وجهه ذلک فقرع باب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقام إلیه عریانا یجرّ ثوبه حتی اعتنقه و قبله و سأله فأخبره بما ظفر به و اللّه أعلم*

سریة عبد اللّه بن عتیک لقتل أبی رافع‌

و فی رمضان هذه السنة کانت سریة عبد اللّه بن عتیک لقتل أبی رافع عبد اللّه تاجر أهل الشام* و فی سیرة ابن هشام و کان سلام ابن أبی الحقیق و هو أبو رافع الیهودی و هو بخیبر فیمن حزب الاحزاب یوم الخندق کذا ذکره ابن سعد هنا انها کانت فی رمضان و ذکر فی ترجمة عبد اللّه بن عتیک انه بعثه فی ذی الحجة الی أبی رافع سنة خمس بعد وقعة بنی قریظة و قیل فی جمادی الآخرة سنة ثلاث* و فی البخاری قال الزهری بعد قتل کعب بن الاشرف و أرسل معه أربعة فکانوا خمسة عبد اللّه بن عتیک و عبد اللّه بن أنیس و أبا قتادة الحارث بن ربعی و الاسود بن الخزاعی و مسعود بن سنان و أمرهم بقتله فذهبوا الی خیبر فکمنوا فلما هدأت الرجل جاءوا الی منزله فصعدوا درجة له و قدّموا عبد اللّه بن عتیک لانه کان یرطن بالیهودیة فاستفتح و قال جئت أبا رافع بهدیة ففتحت له امرأته فلما رأت السلاح أرادت أن تصیح فأشار إلیها بالسیف فسکتت فدخلوا علیه فما عرفوه الا ببیاضه فعلوه بأسیافهم* و فی البخاری کان أبو رافع یؤدی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و یعین علیه و کان فی حصن له فلما دنوا منه و قد غربت الشمس و راح الناس بسرحهم قال عبد اللّه لاصحابه اجلسوا مکانکم فانی منطلق و متلطف للبوّاب لعلی أدخل فأقبل حتی دنا من الباب ثم تقنع بثوبه کأنه یقضی حاجته مبدیا انه من أهل الحصن فدخل الناس فهتف به البوّاب یا عبد اللّه ان کنت ترید أن تدخل فادخل فانی أرید أغلق الباب فحسب البوّاب انه من أهل الحصن فدخل عبد اللّه فکمن فلما دخل الناس أغلق البوّاب الباب ثم علق الاقالید فأخذها بعد ما رقد و افتتح الباب و کان أبو رافع یسمر عنده و کان فی علالی له فلما ذهب عنه أهل سمره صعد عبد اللّه فجعل کلما فتح بابا من خارج أغلق علیه من داخل لئلا یصل إلیه القوم ان علموا به حتی یقتله فانتهی إلیه فاذا هو فی بیت مظلم وسط عیاله لا یدری أین هو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:13
من البیت فقال یا أبا رافع فقال من هذا فأهوی نحو الصوت فضربه ضربة بالسیف و هو دهش فما أغنی عنه شیئا و صاح أبو رافع فخرج عبد اللّه من البیت فمکث غیر بعید ثم دخل علیه کأنه یغیثه فقال مالک یا أبا رافع و غیر عبد اللّه صوته فقال لامک الویل دخل علیّ رجل فضربنی بالسیف فعمد إلیه بالسیف فضربه ضربة أخری فلم تغن عنه شیئا فصاح و قام أهله فجاء و غیر صوته کهیئة المغیث له فاذا هو مستلق علی ظهره فوضع ضبیب السیف فی بطنه ثم انکفأ علیه حتی سمع صوت العظم ثم خرج دهشا یفتح الابواب بابا بابا حتی أتی السلم یرید أن ینزل فنزل حتی انتهی الی درجة له فوضع رجله و هو یحسب انه انتهی الی الارض فسقط فی لیلة مقمرة فانکسرت ساقه* و فی روایة فانخلعت رجله فعصبها بعمامته ثم انطلق حتی جلس علی الباب فقال لا أخرج اللیلة حتی أعلم أ قتلته أم لا فلما صاح الدیک قام الناعی علی السور فقال أنعی أبا رافع تاجر أهل الحجاز فانطلق الی أصحابه یحجل و قال قد قتل اللّه أبا رافع فأسرعوا فانطلقوا حتی أتوا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فحدّثه بما جری فقال له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أبسط رجلک فمسحها فبرأت کما کانت و کأنه لم یشتکها قط* و فی روایة محمد بن سعد أن الذی قتله عبد اللّه بن أنیس و الصواب ان الذی دخل علیه و قتله عبد اللّه بن عتیک وحده کما فی البخاری کذا فی المواهب اللدنیة* و فی روایة بعث صلی اللّه علیه و سلم خمسة من أصحابه منهم أبو قتادة الی خیبر لقتل سلام بن أبی الحقیق فدخلوا بیته لیلا و قتلوه و خرجوا فنسی أبو قتادة قوسه فرجع إلیها و أخذها فأصیبت رجله فشدّها بعمامته و لحق بأصحابه و کانوا یتناوبون حمله حتی قدموا المدینة فأتوا به النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فمسحها بیده فبرأت کأنما لم تشتک و هذا لفظ البخاری* و فی سیرة ابن هشام و لما أصابت الاوس کعب ابن الاشرف فی عداوته لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قالت الخزرج و اللّه لا یذهبون بها فضلا علینا أبدا فتذاکروا من رجل لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی العداوة کابن الاشرف فذکروا ابن أبی الحقیق و هو بخیبر فاستأذنوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی قتله فأذن لهم فخرج إلیه من الخزرج من بنی سلمة خمسة نفر و هم عبد اللّه بن عتیک و مسعود بن سنان و عبد اللّه بن أنیس و أبو قتادة الحارث بن ربعی و خزاعی بن أسود حلیف لهم من أسلم فخرجوا حتی اذا قدموا خیبر أتوا دار أبی الحقیق لیلا فلم یدعوا بیتا فی الدار الا أغلقوه علی أهله قال و کان فی علیة له إلیها عجلة فاستندوا إلیها حتی قاموا علی بابه فاستأذنوه فخرجت إلیهم امرأته فقالت من أنتم فقالوا انا من العرب نلتمس المیرة فقالت لهم ذاکم صاحبکم فادخلوا علیه قال فلما دخلنا أغلقنا علینا و علیها الحجرة تخوّفا أن تکون دونه مجاولة تحول بیننا و بینه قال و صاحت بنا امرأته فنوّهت بنا و ابتدرناه و هو علی فراشه بأسیافنا و اللّه ما یدلنا علیه فی سواد اللیل الا بیاضه کأنه قطنة ملقاة قال و لما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا یرفع علیها سیفه ثم یتذکر نهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فیکف یده و لو لا ذلک لفرغنا منها بلیل قال و لما ضربناه بأسیافنا تحامل علیه عبد اللّه بن أنیس بسیفه فی بطنه حتی أنفذه و هو یقول قطنی قطنی أی حسبی حسبی و خرجنا و کان عبد اللّه بن عتیک رجلا سیئ البصر فوقع من الدرجة فوثبت یده وثیا شدیدا و یقال انها رجله فیما قاله ابن هشام و حملناه حتی نأتی نهرا من عیونهم فندخل فیه قال و أوقدوا النیران و اشتدّوا فی کل وجه یطلبون حتی اذا أیسوا رجعوا الی صاحبهم فاکتنفوه و هو یقضی بینهم قال فقلنا کیف لنا بأن نعلم بأن عدوّ اللّه قد مات فقال رجل منا أنا أذهب فأنظر لکم الخبر فانطلق حتی دخل فی الناس قال فوجدتها و رجال یهود حوله و فی یدها المصباح فتنظر فی وجهه و تحدّثهم و تقول أما و اللّه لقد سمعت صوت ابن عتیک ثم أکذبت و قلت این ابن عتیک بهذه البلاد ثم أقبلت علیه تنظر فی وجهه ثم قالت فاظ؟؟؟ و إله یهود فما سمعت کلمة کانت ألذ الی نفسی منها
قال ثم جاءنا فأخبرنا الخبر فاحتملنا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:14
صاحبنا فقدمنا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبرناه بقتل عدوّ اللّه و اختلفنا عنده فی قتله و کلنا یدّعیه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هاتوا أسیافکم فجئناه بها فنظر إلیها فقال لسیف عبد اللّه بن أنیس هذا قتله أری فیه أثر الطعام* تاریخ الخمیس، دیار البکری ج‌2 14 حدیث الاستسقاء ..... ص : 14

حدیث الاستسقاء

و فی رمضان هذه السنة استسقی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما أجدب الناس فطروا فقال صلی اللّه علیه و سلم أصبح الناس مؤمنا باللّه و کافرا بالکواکب* قاله مغلطای و استسقی فی موضع المصلی و صلی صلاة الاستسقاء روی أنه قحط الناس علی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأتاه المسلمون و قالوا یا رسول اللّه قحط المطر و یبس الشجر و هلکت المواشی و أسنت الناس فاستسق لنا ربک فخرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و الناس معه یمشی و یمشون بالسکینة و الوقار حتی أتوا المصلی فتقدّم و صلی بهم رکعتین یجهر فیهما بالقراءة و کان صلی اللّه علیه و سلم یقرأ فی العیدین و الاستسقاء فی الرکعة الاولی بفاتحة الکتاب و سبح اسم ربک الاعلی و فی الرکعة الثانیة بفاتحة الکتاب و هل أتاک حدیث الغاشیة فلما قضی صلاته استقبل الناس بوجهه و قلب رداءه لکی ینقلب القحط الی الخصب ثم جثا علی رکبتیه و رفع یدیه و کبر تکبیرة قبل أن یستسقی ثم قال اللهم اسقنا و أغثنا غیثا مغیثا و حیاء ربیعا و جدا طبقا غدقا مغدقا عامّا هنیئا مریئا مریعا مرتعا وابلا شاملا مسبلا مجللا دائما و درا نافعا غیر ضارّ عاجلا غیر رائث غیثا اللهم تحیی به البلاد و تغیث به العباد و تجعله بلاغا صالحا للحاضر و الباد اللهم أنزل فی أرضنا زینتها و أنزل علیها سکنها اللهم أنزل علینا من السماء ماء طهورا تحی به بلدة میتا و اسقه مما خلقت أنعاما و أناسیّ کثیرا* فما برحوا حتی أقبل قزع من السحاب فالتأم بعضه الی بعض ثم أمطرت سبعة أیام بلیالیهنّ لا تقلع عن المدینة فأتاه المسلمون و قالوا یا رسول اللّه قد غرقت الارض و تهدّمت البیوت و انقطعت السبل فادع اللّه تعالی أن یصرفها عنا فضحک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو علی المنبر حتی بدت نواجذه تعجبا لسرعة ملالة بنی آدم ثم رفع یدیه ثم قال حوالینا و لا علینا اللهم علی رءوس الظراب و منابت الشجر و بطون الاودیة و ظهور الاکام فتصدّعت عن المدینة حتی کانت مثل ترس علیها کالفسطاط تمطر مراعیها و لا تمطر فیها قطرة* و فی روایة لما صارت المدینة کالفسطاط و ضحک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی بدت نواجذه ثم قال للّه أبو طالب لو کان حیا لقرّت عیناه من الذی ینشدنا قوله فقام علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه فقال یا رسول اللّه کأنک أردت
و أبیض یستسقی العمام بوجهه‌ثمال الیتامی عصمة للارامل
یلوذ به الهلاک من آل هاشم‌فهم عنده فی نعمة و فواضل
کذبتم و بیت اللّه یردی محمدو لما نقاتل دونه و نناضل
و نسلمه حتی نصرع حوله‌و نذهل عن أبنائنا و الحلائل فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أجل فقام رجل من کنانة یترنم و یذکر هذه الابیات و یقول فی ذلک
لک الحمد و الشکر ممن شکرسقینا بوجه النبیّ المطر
دعا اللّه خالقنا دعوةإلیه و أشخص منه البصر
و لم یک الا کقلب الرداو أسرع حتی رأینا المطر
دفاق الغرائل جم البعاق‌أغاث به علینا مضر
و کان کما قاله عمه‌أبو طالب أبیض ذو غرر
به اللّه یسقیه صوب الغمام‌و هذا العیان لذاک الخبر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:15 فمن یشکر اللّه یلق المزیدو من یکفر اللّه یلق العبر فقال صلی اللّه علیه و سلم ان یکن شاعر أحسن فقد أحسنت و أنشد بعض السلف عقیب حدیث الاستسقاء هذه الابیات
سألنا و قد ضنّ السحاب بمائه‌نبی الهدی فی جمعة و هو یخطب
فقلنا قد اغبرّت من الجدب أرضنافلیس لنا فیها من الضرّ مذهب
فما زال یدعو اللّه و الصحب حوله‌و یضرع مقلوب الرداء و یرغب
الی أن بدت من نحو سلع غمامةفلما تزل سبعا علی القوم تسکب
فقام إلیه بعض من کان شاهدایقول و أخلاف السموات تحلب
سل اللّه یا خیر النبیین حبسهافقد خیف منها أن تهدّم یثرب

سریة عبد اللّه بن رواحة الی أسیر بن رزام الیهودی‌

و فی شوّال هذه السنة کانت سریة عبد اللّه بن رواحة الی اسیر ابن رزام الیهودی بخیبر* و فی سیرة ابن هشام الیسیر بن رزام و یقال رازم و کان سببها أنه لما قتل أبو رافع بن أبی الحقیق أمّرت یهود علیها أسیرا فسار فی غطفان و غیرهم یجمع لحربه صلی اللّه علیه و سلم و بلغه ذلک فوجه عبد اللّه بن رواحة فی ثلاثة نفر فی رمضان سرّا فسأل عن خبره و عربه فأخبر بذلک فقدم علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبره فندب علیه السلام الناس فانتدب له ثلاثون رجلا لأمّر علیهم عبد اللّه بن رواحة فقدموا علیه و قالوا انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعثنا إلیک لتخرج إلیه یستعملک علی خیبر و یحسن إلیک فطمع فی ذلک و خرج معه ثلاثون رجلا من الیهود مع کل رجل ردیفه من المسلمین حتی اذا کانوا بقرقرة فضربه عبد اللّه بن أنیس بالسیف و کان فی السریة فسقط عن بعیره و مالوا علی أصحابه فقتلوهم غیر رجل و لم یصب من المسلمین أحد ثم قدموا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال قد نجاکم اللّه من القوم الظالمین* و فی الاکتفاء غزا عبد اللّه بن رواحة خیبر مرّتین احداهما التی أصاب فیها الیسیر بن رزام و من حدیثه أنه کان بخیبر یجمع غطفان لغزو رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فبعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عبد اللّه بن رواحة فی نفر من أصحابه منهم عبد اللّه بن أنیس حلیف بنی سلمة فلما قدموا علیه کلموه و قاربوا له و قالوا له انک ان قدمت علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم استعملک و أکرمک فلم یزالوا به حتی خرج معهم فی نفر من یهود فحمله عبد اللّه بن أنیس علی بعیره حتی اذا کانوا بالقرقرة من خیبر علی ستة أمیال ندم الیسیر علی مسیره الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ففطن به عبد اللّه بن أنیس و هو یرید السیف فاقتحم به فضربه بالسیف فقطع رجله و ضربه الیسیر بمخرش فی یده من شوحط فأمّه فمال کل رجل من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی صاحبه من یهود فقتله الا رجلا واحدا أفلت علی رجلیه فلما قدم عبد اللّه بن أنیس علی رسول اللّه علیه السلام تفل علی شجته فلم تقح و لم تؤذه*

سریة زید بن حارثة الی مدین‌

و بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم زید بن حارثة الی مدین و فی معجم ما استعجم مدین بلد بالشام معلوم تلقاء غزة و هو المذکور فی کتاب اللّه تعالی و هو منزل جذام و شعیب النبیّ علیه السلام المبعوث الی أهل مدین أحد بنی وائل من جذام فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اذا قدم جذام مرحبا بقوم شعیب و أصهار موسی لا تقوم الساعة حتی یتزوّج فیکم المسیح و یولد له و فی کتاب الاعلام شعیب هو شعیب ابن صیعون بن مدین بن ابراهیم* و فی أنوار التنزیل مدین قریة شعیب سمیت باسم مدین بن ابراهیم و لم تکن فی سلطنة فرعون و کان بینها و بین مصر مسیرة ثمانی مراحل بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سریة الی مدین أمیرهم زید بن حارثة فأصاب سرایا من أهل مینا قال ابن اسحاق میناهی سواحل فبیعوا و فرّقوا بین الامّهات و أولادهنّ فخرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هم یبکون فقال ما لهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:16
فأخبر خبرهم فقال لا تبیعوا الا جمیعا*

غزوة الحدیبیة

و فی هلال ذی القعدة من هذه السنة وقعت غزوة الحدیبیة* و فی معجم ما استعجم الحجازیون یخففونها و العراقیون یثقلونها ذکر ذلک ابن المدینی فی کتاب العلل و الشواهد و کذلک الجعرانة و الحدیبیة قریة سمیت ببئر هناک عند مسجد الشجرة و بین الحدیبیة و المدینة تسع مراحل و بینها و بین مکة مرحلة* قیل هی من الحرم و قیل بعضها من الحرم قال المحب الطبری هی قریة قریبة من مکة أکثرها فی الحرام و هی علی تسعة أمیال من مکة* و فی شفاء الغرام و مسجد الشجرة بالحدیبیة و الشجرة المنسوب إلیها هذا المسجد هی الشجرة التی کانت تحتها بیعة الرضوان و کانت هذه الشجرة سمرة معروفة عند الناس و هذا المسجد عن یمین طریق جدّة و هو المسجد الذی یزعم الناس أنه الموضع الذی کان صلی فیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أصحابه و ثمة مسجد آخر و هذان المسجدان و الحدیبیة لا تعرف الیوم و اللّه أعلم بذلک* و سبب هذه الغزوة أنه أری رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی المنام بالمدینة قبل أن یخرج الی الحدیبیة أنه دخل هو و أصحابه المسجد الحرام و أخذ مفتاح الکعبة بیده و طافوا و اعتمروا و حلق بعضهم و قصر بعضهم فأخبر بذلک أصحابه ففرحوا و حسبوا أنهم داخلوا مکة عامهم ذلک فأخبر أصحابه أنه معتمر فتجهزوا للسفر فاستنفر العرب و من حوله من أهل البوادی من الاعراب لیخرجوا معه و هو لا یرید الحرب لکنه یخشی من قریش أن یتعرّضوا له بحرب أو یصدّوه عن البیت و أبطأ علیه کثیر من الاعراب فاغتسل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و لبس ثیابه و رکب ناقته القصوی و استخلف علی المدینة عبد اللّه بن أمّ مکتوم و خرج منها یوم الاثنین غرّة ذی القعدة من السنة السادسة من الهجرة للعمرة و هی عام الحدیبیة و معه أصحابه من المهاجرین و الانصار و من لحق به من العرب و ساق معه سبعین بدنة منها جمل أبی جهل الذی غنمه یوم بدر و جعل علی الهدی ناجیة بن جندب الاسلمی* و فی معالم التنزیل ناجیة بن عمیر و ساق ذو الیسار من أصحابه معه الهدی فصلی الظهر بذی الحلیفة و قلد الهدی و أشعر فتولی تقلید البعض بنفسه و أمر ناجیة فقلد الباقی و اقتدی به من أصحابه من کان معه الهدی فقلدوا و أشعروا ثم أحرم من ذی الحلیفة بالعمرة و لبی فقال لبیک اللهم لبیک لبیک لا شریک لک لبیک انّ الحمد و النعمة لک و الملک لا شریک لک فاقتدی به جمهور الصحابة فأحرموا من ذی الحلیفة و بعضهم أحرم من جحفة و بعث من ذی الحلیفة عینا له من خزاعة یقال له بشر بن سفین بن عمرو بن عویمر الخزاعی یخبره عن قریش و قدّم ناجیة الاسلمی مع الهدی و سار هو من خلفه و جعل عباد بن بشر فی عشرین راکبا من المهاجرین و الانصار طلیعة و کانوا ألفا و أربعمائة أو أکثر کذا فی البخاری عن البراء و عن مروان و المسور بن مخرمة بضع عشرة مائة* و فی معالم التنزیل الناس سبعمائة رجل و کانت کل بدنة عن عشرة نفر و کانت معه من أمّهات المؤمنین أمّ سلمة و لما بلغ المشرکین خبر مسیره الی مکة تشاور وافی ذلک فاستقرّ رأیهم علی انهم یصدّوه عن البیت و استعانوا من قبائل العرب و جماعة الاحابیش فأجابوهم و استعدّوا و خرجوا من مکة و عسکروا بموضع یقال له بلدح و جعلوا خالد بن الولید و عکرمة بن أبی جهل فی مائتی رجل طلیعة و سار صلی اللّه علیه و سلم حتی اذا کان بغدیر الاشطاط علی وزن الاشتات تلقاء الحدیبیة علی ثلاثة أمیال من عسفان مما یلی مکة أتاه عنه الخزاعی الذی بعثه من ذی الحلیفة الی أهل مکة بخبر قریش* و فی الاکتفاء حتی اذا کان بعسفان لقیه عینه بشر بن سفین الکعبی فقال یا رسول اللّه هذه قریش قد سمعت بمسیرک فخرجوا معهم العوذ المطافیل و قد لبسوا جلود النمور و قد نزلوا بذی طوی یعاهدون اللّه لا تدخلها علیهم أبدا و هذا خالد بن الولید فی خیلهم قد قدّموها الی کراع الغمیم* و فی روایة قال انّ قریشا جمعوا لک جموعا و قد جمعوا لک الاحابیش و هم مقاتلوک و صادّوک عن البیت فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:17
النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أشیروا علیّ أیها الناس أ ترون أن أمیل علی ذراری هؤلاء الذین عاونوهم فنصیبهم فان قعدوا قعدوا موتورین و ان نجوا یکونوا عتقاء عتقها اللّه أو ترون البیت فمن صدّنا عنه قاتلناه فقال أبو بکر یا رسول اللّه خرجت عامدا لهذا البیت لا ترید قتال أحد و لا حربا فتوجه له فمن صدّنا عنه قاتلناه قال امضوا علی اسم اللّه فنفذوا حتی اذا کانوا ببعض الطریق قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انّ خالد بن الولید بالغمیم فی خیل لقریش طلیعة لهم فخذوا ذات الیمین* و فی الاکتفاء بعد ما أخبره عینه بتهیؤ قریش للصدّ عن البیت قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یا ویح قریش قد أکلتهم الحرب ما ذا علیهم لو خلوا بینی و بین سائر العرب فان هم أصابونی کان الذی أرادوا و ان أظهرنی اللّه علیهم دخلوا فی الاسلام وافرین و ان لم یفعلوا قاتلوا و بهم قوّة فما تظنّ قریش فو اللّه لا أزال أجاهد علی الّذی بعثنی اللّه به حتی یظهره اللّه أو تنفرد هذه السالفة ثم قال من رجل یخرج بنا علی غیر طریقهم فقال رجل من أسلم أنا فسلک بهم طریقا و عرا أجزل بین شعاب فلما خرجوا منه و قد شق علیهم و أفضوا الی أرض سهلة عند منقطع الوادی قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قولوا نستغفر اللّه و نتوب إلیه فقالوا ذلک فقال و اللّه انها للحطة التی عرضت علی بنی اسرائیل فلم یقولوها فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اسلکوا ذات الیمین بین ظهری الحمض فی طریق مخرجة علی ثنیة المرار مهبط الحدیبیة من أسفل مکة فسلک الجیش ذلک الطریق فلما رأت خیل قریش قترة الجیش قد خالفوا عن طریقهم رکضوا راجعین الی قریش و خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی اذا سلک فی ثنیة المرار برکت ناقته قالت الناس خلأت القصوی الی آخر الحدیث* و فی نهایة ابن الاثیر الخلأ للنوق کالالحاح للجمال و الحران للدواب یقال خلأت الناقة و ألحّ الجمل و حرن الفرس* و فی خلاصة الوفاء الغمیم بالفتح موضع بین رابغ و الجحفة قاله المجد و قال ابن شهاب الغمیم بین عسفان و ضجنان و قال عیاض هو واد بعد عسفان بثمانیة أمیال* و فی القاموس الغمیم کأمیر واد بین الحرمین علی مرحلتین من مکة و قیل الغمیم حیث حبس العباس أبا سفیان بن حرب أیام الفتح دون الاراک الی مکة و هذا یقتضی أن یکون الغمیم دون مر الظهران الی مکة لان الجیوش مرّت علی أبی سفیان بعد توجهها من مر الظهران الی مکة فیکون الغمیم بین مر الظهران و مکة کذا فی شفاء الغرام و من کراع الغمیم الی بطن مر خمسة عشر میلا و مر الظهران هو الذی تسمیه أهل مکة الوادی و یقال له وادی مر أیضا نقل الحازمی عن الکندی ان مرا اسم لقریة و الظهران اسم للوادی و بین مرو مکة ستة و عشرون میلا علی ما قاله البکری و قیل ثمانیة عشر میلا و قیل أحد و عشرون کذا فی شفاء الغرام و دون مر بثلاثة أمیال مسلک خشن و طریق رتب بین جبلین و هو الموضع الذی أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عمه عباسا أن یحبس هناک أبا سفیان حتی یری جیوش المسلمین و من مر الظهران الی سرف سبعة أمیال و من سرف الی مکة ستة أمیال و بین مکة و سرف التنعیم و منه یحرم من أراد العمرة و هو الموضع الذی أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عبد الرحمن بن أبی بکر أن یعمر منه عائشة و دونه الی مکة مسجد عائشة بینه و بین التنعیم میلان* و فی شفاء الغرام التنعیم من جهة المدینة النبویة امام أدنی الحل علی ما ذکره المحب الطبری و لیس بطرف الحل و من فسره بذلک تجوّز و أطلق اسم الشی‌ء علی ما قرب منه و أدنی الحل انما هو من جهته لیس موضع فی الحل أقرب الی الحرم منه و هو علی ثلاثة أمیال من مکة و التنعیم امامه قلیلا فی صوب طریق مر الظهران و قال صاحب المطالع التنعیم من الحل بین مکة و سرف علی فرسخین من مکة و قیل علی أربعة امیال و سمیت بذلک لان جبلا عن یمینها یقال له نعیم و آخر عن شمالها یقال له ناعم و الوادی نعمان و بین أدنی الحل و مکة ذو طوی و هذا وقع فی البین لفوائد فلنرجع الی ما کنا فیه قال فو
اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:18
ما شعر بهم خالد حتی اذا هم بقترة الجیش فانطلق یرکض نذیر القریش و سار النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حتی اذا کان بثنیة ارمیاء الثنیة التی یهبط علیها منها برکت راحلته فقال الناس حل حل فالحت فقالوا خلأت القصوی فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ما خلأت القصوی و ما ذاک لها بخلق و لکن حبسها حابس الفیل ثم قال و الذی نفسی بیده لا تدعونی قریش الیوم الی حطة یعظمون فیها حرمات اللّه و فیها صلة الرحم الا أعطیتهم ثم زجرها فوثبت فعدل عنهم حتی نزل بأقصی الحدیبیة علی ثمد قلیل الماء یتبرضه الناس تبرضا فلم یلبث حتی نزحوه و شکوا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سل العطش فانتزع سهما من کنانته و أعطاه رجلا من أصحابه یقال له ناجیة بن عمیر و هو سائق بدن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فنزل فی البئر فغرزه فی جوفه فو اللّه ما زال یجیش لهم بالرواء حتی صدروا عنه* و فی المشکاة فبلغ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأتاها فجلس علی شفیرها ثم دعا باناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض و دعا ثم صبه فیها ثم قال دعوها ساعة فأرووا أنفسهم و رکائبهم حتی ارتحلوا رواه البخاری* و عن البراء بن عازب عن جابر قال عطش الناس یوم الحدیبیة و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بین یدیه رکوة یتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه قالوا لیس عندنا ما نتوضأ به و نشرب الا ما فی رکوتک فوضع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یده فی الرکوة فجعل الماء یفور من بین أصابعه کأمثال العیون قال فشربنا و توضأنا* قیل لجابرکم کنتم قال لو کنا مائة ألف لکفانا کنا خمس عشرة مائة متفق علیه* قال فبینما هم کذلک اذ جاءه بدیل بن ورقاء الخزاعی فی نفر من قومه و کانت خزاعة مسلمهم و کافرهم عیبة نصح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من أهل تهامة فقال انی ترکت کعب بن لؤیّ و عامر بن لؤیّ نزلوا أعداد میاه الحدیبیة معهم العوذ المطافیل و هم مقاتلوک و صادّوک عن البیت* العوذ جمع عائذ و هی کل أنثی لها سبع لیال منذ وضعت و قیل النساء مع الاولاد و قیل النوق مع فصلانها و هذا هو الاصل و هی کالنفساء من النساء و المطافیل ذوات الاطفال الصغار جمع مطفیل و هی الناقة التی معها ولدها ذکرهما فی المنتقی* فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انا لم نجئ لقتال أحد و لکنا جئنا معتمرین و انّ قریشا قد نهکتهم الحرب و أضرّت بهم فان شاءوا ماددتهم مدّة و یخلوا بینی و بین الناس و ان شاءوا أن یدخلوا فیما دخل فیه الناس فعلوا و الا فقد حموا و ان هم أبوا فو الذی نفسی بیده لأقاتلنهم علی أمری هذا حتی تنفرد سالفتی و هی أعلی العنق أو لینفذنّ اللّه أمره فقال بدیل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتی أتی قریشا فقال انا قد جئناکم من عند هذا الرجل و سمعناه یقول قولا فان شئتم أن نعرضه علیکم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشی‌ء و قال ذو الرأی منهم هات ما سمعته قال سمعته یقول کذا و کذا فحدّثهم بما قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقام عروة بن مسعود الثقفی فقال أی قوم أ لستم بالولد قالوا بلی قال أ لست بالوالد قالوا بلی قال فهل تتهمونی قالوا لا قال أ لستم تعلمون أنی استنفرت أهل عکاظ فلما بلجوا علیّ جئتکم بأهلی و ولدی و من أطاعنی قالوا بلی قال فانّ هذا الرجل قد عرض علیکم حطة رشد فاقبلوها و دعونی آته قالوا ائته فأتاه فجعل یکلم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم نحوا من قوله لبدیل فقال عروة عند ذلک یا محمد ان استأصلت قومک فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلک و ان تکن الأخری فانی و اللّه لا أری وجوها و انی لاری أشوابا من الناس خلیقا أن یفرّوا و یدعوک فقال له أبو بکر امصص بظر اللات أ نحن نفرّ عنه و ندعه فقال من ذا قالوا أبو بکر قال أما و الذی نفسی بیده لو لا ید کانت لک عندی لم أجزک بها لا جبتک و کان عروة فی الجاهلیة تحمل دینا فأعانه أبو بکر فیه اعانة جمیلة* و فی روایة أعطاه عشرة ابل شواب و جعل عروة یکلم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فکلما کلمه أخذ بلحیته و المغیرة بن شعبة قائم علی رأس
النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و معه السیف و علیه المغفر فکلما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:19
أهوی عروة بیده الی لحیة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ضرب یده بنصل السیف و یقول اکفف یدک عن لحیة رسول اللّه فرفع عروة رأسه فقال من هذا قالوا المغیرة بن شعبة فقال أی غدر أ لست أسعی فی غدرتک* و فی روایة لما أکثر المغیرة ضرب ید عروة بنصل السیف غضب عروة و قال یا محمد من هذا الذی یؤذینی من بین أصحابک و اللّه ما أظنّ فیکم ألأم منه و لا أسوأ منه فتبسم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قال یا عروة هذا ابن أخیک المغیرة ابن شعبة فأقبل عروة علی المغیرة و قال أی غدر أ لست أسعی فی غدرتک و کان المغیرة صحب فی الجاهلیة ثلاثة عشر رجلا من بنی مالک من قبیلة ثقیف و کانوا خرجوا الی مصر و قصدوا المقوقس و لما بلغوا الی مصر و لا قوة أمر لکل واحد منهم بالجائزة و لم یعط المغیرة شیئا فحسد علیهم و بعد ما رجعوا من مصر نزلوا منزلا و شربوا خمرا فلما سکروا و ناموا وثب علیهم المغیرة و قتل هؤلاء الثلاثة عشر کلهم و أخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أمّا الاسلام فأقبل و أمّا المال فلست منه فی شی‌ء فلما أخبر بنو مالک اختصموا مع رهط المغیرة و شرعوا فی محاربتهم فسعی عروة بن مسعود الثقفی فی اطفاء نائرة الحرب و قبل لبنی مالک ثلاث عشرة دیة فصالحوا علی ذلک* فقول عروة للمغیرة أی غدر أ لست أسعی فی غدرتک کان اشارة الی تلک القصة ثم انّ عروة جعل یرمق أصحاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بعینیه فلما رجع الی قریش قال أی قوم لقد وفدت علی الملوک و وفدت علی قیصر و کسری و النجاشی و اللّه ان رأیت ملکا قط یعظمه أصحابه مثلما یعظم أصحاب محمد محمدا و اللّه أعلم ما تنخم نخامة الا وقعت فی کف رجل منهم فدلک بها وجهه و جلده اذا أمر ابتدروا أمره و اذا توضأ کادوا یقتتلون علی وضوئه و اذا تکلم أو تکلموا خفضوا أصواتهم عنده و ما یحدون إلیه النظر تعظیما له* و فی روایة و اذا سقطت شعرة من رأسه أو لحیته أخذوها تبرکا و حفظوها احتراما و انه قد عرض علیکم حطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بنی کنانة دعونی آته فقالوا ائته فلما أشرف علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أصحابه قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هذا فلان و هو من قوم یعظمون البدن فابعثوها له فبعث له و استقبله الناس یلبون فلما رأی ذلک قال سبحان اللّه ما ینبغی لهؤلاء أن یصدّوا عن البیت ثم بعثوا إلیه الحلیس* و فی روایة رقت و فاضت عیناه و قال هلکت قریش و رب الکعبة ما جاء هؤلاء الا للعمرة فلما رجع الی أصحابه قال رأیت بدنا قد قلدت و أشعرت فما أری أن یصدّوا عن البیت ثم بعثوا إلیه الحلیس بن علقمة کذا فی معالم التنزیل* و فی روضة الاحباب قعد الرجل الکنانی و الحلیس واحدا فقال رجل من بنی کنانة یقال له الجلیس* و فی روایة العلقمة الی آخره و کان الحلیس یومئذ سید الاحابیش فلما رآه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال ان هذا من قوم یتألهون فابعثوا بالهدی فی وجهه حتی یراه فلما رأی الهدی یسیل علیه من عرض الوادی فی قلائد قد أکل أوباره من طول الحبس رجع الی قریش و لم یصل الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اعظاما لما رأی فقال یا معشر قریش انی رأیت ما لا یحل صدّه الهدی فی قلائد قد أکل أوباره من طول الحبس عن محله فقالوا له اجلس فانما أنت رجل أعرابی لا علم لک فغضب الحلیس عند ذلک و قال یا معشر قریش و اللّه ما علی هذا حالفناکم و لا علی هذا عاقدناکم أن تصدّوا عن البیت الحرام من جاءه معظما له و الذی نفس الحلیس بیده لتخلنّ بین محمد و بین ما جاء له أو لانفرنّ بالاحابیش نفرة رجل واحد فقالوا له مه کف عنا یا حلیس حتی نأخذ لا نفسنا ما نرضی به* و فی الاکتفاء دعا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم جواس ابن أمیة الخزاعی فحمله علی بعیر له و بعثه الی قریش لیبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا الجمل و أرادوا قتله فنعته الاحابیش فخلوا سبیله حتی أتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و بعثت قریش أربعین رجلا أو خمسین و أمروهم أن یطوفوا بعسکر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:20
رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لیصیبوا لهم من أصحابه أحدا فأخذوا أخذ فأتی بهم الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فخلی سبیلهم*

(ذکر بیعة الرضوان)

* و لما رجع الجواس دعا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عمر بن الخطاب لیبعثه الی مکة فقال انی أخاف قریشا علی نفسی و لیس بمکة من بنی عدی ابن کعب أحد یمنعنی و قد عرفت قریش عداوتی ایاها و غلظتی علیها و لکن أدلک علی رجل هو أعز بها منی عثمان بن عفان فدعا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عثمان و بعثه الی أبی سفیان و أشراف قریش یخبرهم أنه لم یأت لحرب و انما جاء زائرا للبیت معظما لحرمته فخرج عثمان الی مکة فلقیه أبان ابن سعید بن العاص حین دخل مکة أو قبل أن یدخلها فحمله أبان بین یدیه ثم أجاره حتی یبلغ رسالة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قال له فیما ذکر غیر ابن اسحاق أقبل و أدبر و لا تخف أحدا بنو سعیدهم أعزة الحرم و انطلق عثمان حتی دخل مکة و أتی أبا سفیان و عظماء قریش و أشرافهم و بلغهم رسالة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فعاقدوه و لما فرغ و أراد أن یرجع قالوا ان شئت أن تطوف بالبیت فطف قال ما کنت لا فعل حتی یطوف به رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فغضبت قریش و حبسته عندها و لما أبطأ عثمان قال المسلمون طوبی لعثمان دخل مکة و سیطوف وحده فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ما کان لیطوف وحده و لما احتبس عثمان طارت الاراجیف بأنّ عثمان قد قتل أی بأنّ قریشا قتلوه بمکة قیل انّ الشیطان دخل جیش المسلمین و نادی بأعلی صوته ألا انّ أهل مکة قتلوا عثمان فحزن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و المسلمون من سماع هذا الخبر حزنا شدیدا فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حین بلغه ذلک لا نبرح حتی نناجز القوم و دعا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الناس الی البیعة فبایعهم علی أن یقاتلوا قریشا و لا یفرّوا عنهم* و کان صلی اللّه علیه و سلم جالسا تحت سمرة أو سدرة و کان عدد المبایعین ألفا و ثلاثمائة قاله عبد اللّه بن أبی اوفی أو ألفا و أربعمائة علی ما قاله معقل بن یسار قال لقد رأیتنی یوم الشجرة و النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یبایع الناس و أنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه و نحن أربع عشرة مائة أو ألفا و خمسمائة علی ما قاله جابر و سمیت هذه البیعة بیعة الرضوان لان اللّه تعالی ذکر فی سورة الفتح المؤمنین الذین صدرت عنهم هذه البیعة بقوله لقد رضی اللّه عن المؤمنین اذ یبایعونک تحت الشجرة فسمیت بهذه الآیة کذا فی المدارک قال سعید بن المسیب حدّثنی أبی أنه کان فیمن بایع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تحت الشجرة قال فلما خرجنا من العام المقبل نسیناها فلم نفد علیها* روی أنّ عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه مرّ بذلک المکان بعد ذهاب الشجرة فقال أین کانت فجعل بعضهم یقول هاهنا و بعضهم یقول هنا فلما کثر اختلافهم قال سیروا قد ذهبت الشجرة قال أبو بکر بن الاشجع و سلمة بن الاکوع بایعوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی الموت فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بل علی ما استطعتم و قال جابر ابن عبد اللّه و معقل بن یسار ما بایعناه علی الموت و لکن بایعناه علی أن لا نفرّ و قال أبو عیسی معنی الحدیثین صحیح فبایعه جماعة علی الموت أی لا نزال نقاتل بین یدیک ما لم نقتل و بایعه آخرون و قالوا لا نفرّ کذا فی معالم التنزیل و کان أول من بایعه بیعة الرضوان رجل من بنی أسد یقال له أبو سنان بن وهب و لم یتخلف عنه أحد من المسلمین ممن حضرها الا الجدّ بن قبس الانصاریّ أخو بنی سلمة اختفی تحت ابط بعیره قال جابر و کأنی أنظر إلیه لاصقا بإبط ناقته مستترا بها عن الناس و عن أنس قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انّ عثمان فی حاجة اللّه و حاجة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بیده الیمنی هذه ید عثمان فضرب بها علی یده الیسری فقال هذه لعثمان و کانت ید رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لعثمان خیرا من أیدیهم لانفسهم فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أنتم الیوم خیر أهل الارض و عن جابر بن عبد اللّه عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال لا یدخل النار أحد ممن بایع تحت الشجرة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:21
ثم أتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الخبر بانّ ما ذکر من أمر عثمان باطل ثم بعثت قریش سهیل بن عمرو و قالوا ائت محمدا فصالحه و لا یکون فی صلحه الا أن یرجع عنا عامه هذا فو اللّه لا تحدّث العرب أنه دخل علینا عنوة أبدا* و روی أنه بعد ما رجع الحلیس قام رجل منهم یقال له مکرز بن حفص فقال دعونی آته فقالوا ائته فلما أشرف علیهم قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم هذا مکرز و هو رجل فاجر فجعل یکلم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم* و فی روایة قال و هو رجل غادر فلا تقولوا له شیئا فجعل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بکلمة فبینما هو یکلمه اذ جاء سهیل بن عمرو فلما رآه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مقبلا قال قد سهل لکم من أمورکم و قد أراد القوم الصلح حین بعثوا هذا الرجل فلما انتهی إلیه سهیل قال یا محمد انّ قریشا یصالحونک علی ان تعتمر من العام المقبل* و فی الاکتفاء تکلم سهیل فأطال الکلام و تراجعا ثم جری بینهما الصلح* و فی المدارک بعثت قریش سهیل بن عمرو و حویطب بن عبد العزی و مکرز بن حفص علی أن یعرضوا علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أن یرجع من عامه ذلک علی أن تخلی له قریش مکة من العام المقبل ثلاثة أیام فقبل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال سهیل هات اکتب بیننا و بینکم کتاب صلح فدعا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الکاتب فقال له اکتب* بسم اللّه الرحمن الرحیم قال سهیل و أصحابه أمّا الرحمن فو اللّه ما ندری أو ما نعرف ما هو و لکن اکتب باسمک اللهم کما کنت تکتب فقال المسلمون لا نکتب الا بسم اللّه الرحمن الرحیم فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اکتب باسمک اللهم فکتبها ثم قال اکتب هذا ما قضی أو صالح علیه محمد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سهیل بن عمرو فقالوا و اللّه لو کنا نعلم أنک رسول اللّه ما صددناک عن البیت و لا قاتلناک و لکن اکتب اسمک و اسم أبیک محمد ابن عبد اللّه فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انی لرسول اللّه و ان کذبتمونی اکتب محمد بن عبد اللّه* و فی روایة کان الکاتب علی بن أبی طالب و کان قد کتب محمد رسول اللّه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لعلی امح رسول اللّه و اکتب مکانه محمد بن عبد اللّه فقال علی لا و اللّه لا أمحوک أبدا فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأرنیه فأراه ایاه فأخذ الکتاب بیده الکریمة صلی اللّه علیه و سلم و شرف و کرم و محا رسول اللّه و لم یکن یحسن الکتابة فکتب مکانه ابن عبد اللّه و کانت هذه معجزة لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حیث کتب بیده و لم یکن یحسن الخط* و فی شواهد النبوّة و غیرها أنه صلی اللّه علیه و سلم بعد ما کتب فی کتاب الصلح محمد بن عبد اللّه أقبل بوجهه علی علیّ فقال یا علی سیکون لک یوم مثل هذه الواقعة و هذا الکلام کان اشارة الی أنه لما وقعت المصالحة بین علیّ و معاویة بعد حرب صفین و کتب الکاتب فی کتاب الصلح هذا ما صالح أمیر المؤمنین علیّ قال معاویة لا تکتب أمیر المؤمنین لو کنت أعلم انه أمیر المؤمنین ما قاتلته و لکن اکتب علی بن أبی طالب فلما سمع ذلک علیّ تذکر قول النبیّ صلی اللّه علیه و سلم له یوم الحدیبیة فقال صدق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اکتب علی بن أبی طالب ثم قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لسهیل علی أن تخلوا بیننا و بین البیت لنطوف به قال سهیل و اللّه لا تتحدّث العرب أنا أخذنا ضغطة و اضطرارا و لکن ذلک من العام المقبل فکل شرط شرطه سهیل یوم الحدیبیة قبله النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کتبه علیّ و کتب هذا ما صالح علیه محمد بن عبد اللّه سهیل بن عمرو و اصطلحا علی وضع الحرب عن الناس عشر سنین یأمن فیها الناس و یکف بعضهم عن بعض و علی انه من أتی محمدا من قریش بغیر اذن ولیه ردّه علیه و ان کان مسلما و ان جاء قریشا ممن مع محمد لم یردّوه علیه و انّ بیننا عیبة مکفوفة و انه لا اسلال و لا اغلال و انه من أحب أن یدخل فی عقد قریش و
عهدهم دخل فیه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن فی عقد محمد و عهده و تواثبت بنو بکر فقالوا نحن فی عقد قریش و عهدهم و انک ترجع عنا عامک هذا فلا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:22
تدخل علینا مکة و انه اذا کان عام قابل خرجنا عنها فدخلتها أنت و أصحابک فأقمت فیها ثلاثا مع سلاح الراکب السیوف فی القرب لا تدخلها بغیرها* و فی روایة و لا تدخلها الا بجلباب السلاح السیف و القوس و نحو ذلک کذا فی المنتقی* و فی روایة لما بلغ هذا الشرط ان من أتی محمدا من قریش ردّه علیهم و ان کان مسلما و من جاء قریشا ممن مع محمد لم یردّوه علیه تعجب المسلمون من هذا الشرط فقالوا سبحان اللّه کیف نردّ من أتانا مسلما و قالوا یا رسول اللّه أ نکتب هذا قال نعم انه من ذهب منا إلیهم فأبعده اللّه و من جاءنا منهم سیجعل اللّه له فرجا و مخرجا* و فی روایة قال عمر عند ذلک أ ترضی بهذا الشرط یا رسول اللّه فتبسم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قال من جاءنا منهم فرددناه إلیهم سیجعل اللّه له فرجا و مخرجا و من أعرض عنا و ذهب إلیهم لسنا منه فی شی‌ء أو لیس منا بل هو أولی بهم فبینما رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یکتب الکتاب هو و سهیل بن عمرو اذ جاء أبو جندل بن سهیل بن عمرو یرسف فی قیده و قد انفلت الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و خرج من أسفل مکة حتی رمی بنفسه بین أظهر المسلمین فقال سهیل یا محمد هذا أوّل ما أقاضیک علیه ان تردّه الیّ فقال انا لم نقض الکتاب بعد قال فو اللّه ما أصالحک علی شی‌ء أبدا قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأجره لی قال ما أنا بمجیره لک قال بلی فافعل قال ما أنا بفاعل قال مکرز بلی قد أجرناه لک قال لا تعذبه و کان قد عذب فی اللّه عذابا شدیدا فضمن له ذلک مکرز بن حفص فلما رأی سهیل أبا جندل قام إلیه و ضرب وجهه و أخذ بتلبیبه و جرّه لیردّه الی قریش فجعل أبو جندل یصرخ بأعلی صوته و یقول یا معشر المسلمین أردّ الی المشرکین یفتنونی فی دینی فزاد الناس ذلک الی ما بهم* و فی روایة قام سهیل الی سمرة و جز منها غصنا و ضرب به وجه أبی جندل ضربا رق علیه المسلمون و بکوا فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یا أبا جندل اصبر و احتسب فانّ اللّه جاعل لک و لمن معک من المسلمین فرجا و مخرجا اننا قد عقدنا بیننا و بین القوم عقدا و اصطلحنا و أعطیناهم علی ذلک و أعطونا عهد اللّه و انا لا نغدر بهم فوثب عمر بن الخطاب یمشی الی جنب أبی جندل و یقول اصبر یا أبا جندل فانما هم المشرکون و انما دم أحدهم کدم کلب و یدنی عمر و هو قائم السیف منه یقول رجوت أن یأخذ السیف فیضرب به أباه فضنّ الرجل بأبیه* و فی روایة قال أبو جندل یا عمر ما أنت بأحری بطاعة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم منی* و قد کان أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خرجوا و هم لا یشکون فی الفتح لرؤیا رآها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما رأوا ما رأوا من الصلح و الرجوع من غیر فتح و ما تحمل علیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی نفسه دخل الناس من ذلک أمر عظیم حتی کادوا یهلکون* و روی عن عمر أنه قال و اللّه ما شککت منذ أسلمت الا یومئذ فأتیت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقلت أ لست نبیّ اللّه حقا قال بلی قلت ألسنا علی الحق و عدوّنا علی الباطل قال بلی قلت أ لیس قتلانا فی الجنة و قتلاهم فی النار قال بلی قلت فلم نعطی الدنیة فی دیننا قال انی رسول اللّه و لست أعصیه و هو ناصری قلت أو لست کنت تحدّثنا أنا سنأتی البیت فنطوف به قال بلی أ فأخبرتک انا نأتیه العام قلت لا قال فانک آتیه و مطوّف به قال فأتیت أبا بکر فقلت یا أبا بکر أ لیس هذا نبیّ اللّه حقا قال بلی قلت فلم نعطی الدنیة فی دیننا قال أیها الرجل انه رسول اللّه و لن یعصیه فاستمسک بغرزه فو اللّه انه لعلی الحق المبین فکان عمر رضی اللّه عنه یقول ما زلت أتصدّق و أصوم و أصلی و أعتق من الذی صنعت یومئذ مخافة کلامی الذی تکلمت به حین رجوت أن یکون خیرا کذا فی الاکتفاء* و فی غیره قال عمر جعلت کثیرا من الاعمال الصالحة من الصوم و الصلاة و الصدقة و
الاعتاق کفارة لتلک الجراءة التی صدرت منی یومئذ و ما فی الاکتفاء مغایر لما ذکرنا حیث قال فلما التأم الامر و لم یبق الا الکتاب وثب عمر بن الخطاب فأتی أبا بکر فقال یا أبا بکر أ لیس هذا برسول اللّه قال بلی قال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:23
أو لسنا بالمسلمین قال بلی قال أو لیس هؤلاء بالمشرکین قال بلی قال فلم نعطی الدنیة فی دیننا قال أبو بکر یا عمر الزم غرزه فانی أشهد انه رسول اللّه قال عمر و أنا أشهد انه رسول اللّه ثم أتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه أ لست برسول اللّه قال بلی قال أو لسنا بالمسلمین قال بلی قال أو لیسوا بالمشرکین قال بلی قال فعلام نعطی الدنیة فی دیننا قال أنا عبد اللّه و رسوله لن أخالف أمره و لن یضیعنی فلما فرغ من الکتاب أشهد رجالا من المسلمین و رجالا من المشرکین* و هم أبو بکر و عمر بن الخطاب و علیّ بن أبی طالب و هو کاتب الصحیفة و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبی وقاص و أبو عبیدة بن الجراح و محمد بن مسلمة و عبد اللّه بن سهیل بن عمرو و حویطب بن عبد العزی و مکرز بن حفص* و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مضطربا فی الحل و کان یصلی فی الحرم فلما فرغ من الصلح قال لاصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا فو اللّه ما قام رجل منهم حتی قال ذلک ثلاث مرّات فلما لم یقم أحد منهم قام فدخل علی أمّ سلمة فذکر لها ما لقی من الناس فقالت أم سلمة یا رسول اللّه أ تحب ذلک اخرج ثم لا تکلم أحدا کلمة حتی تنحر بدنک و تدعو حالقک فیحلق لک فخرج و لم یکلم أحدا حتی نحر بدنه و دعا حالقه فحلق له قیل کان حالقه فی ذلک الیوم الجواس بن أمیة بن فضل الخزاعی فلما رأوا ذلک قاموا و نحروا و جعل بعضهم یحلق لبعض حتی کاد بعضهم یقتل بعضا غما* و فی حیاة الحیوان و کان الهدی مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی الحدیبیة و نحر مائة بدنة قال ابن عمرو ابن عباس حلق رجال یوم الحدیبیة و قصر آخرون فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اللهم اغفر للمحلقین* و فی معالم التنزیل قال یرحم اللّه المجلقین قالوا و المقصرین یا رسول اللّه قال اللهم اغفر للمحلقین قالوا و المقصرین یا رسول اللّه قال اللهم اغفر للمحلقین قالوا و المقصرین و فی الثالثة أو الرابعة قال و المقصرین قالوا یا رسول اللّه لم ظاهرت الترحم للمحلقین دون المقصرین قال لانهم لم یشکوا قال ابن عمر و ذلک انه تربص قوم و قالوا لعلنا نطوف بالبیت* قال ابن عباس اهدی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عام الحدیبیة فی هدایاه جملا لابی جهل فی رأسه برة فضة قد کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم غنمه یوم بدر لیغیظ المشرکین بذلک* روی أن جمل أبی جهل ندّ من بین الهدایا و ذهب الی مکة و دخل داره فتعاقبه جمال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأراد سفهاء قریش أن لا یردّوه فمنعهم سهیل بن عمرو و هو المؤسس لبنیان الصلح و قال لهم ان تریدوه فاعرضوا علی محمد مائة من الابل فان قبلها فأمسکوا هذا الجمل و الا فلا تتعرّضوا له فقبلوا قول سهیل فعرضوا علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مائة من الابل فأبی و قال لو لم یکن هذا الجمل للهدی لقبلت المائة و أعطیت هذا الواحد أو کما قال فنحره أیضا و قسم لحوم الهدایا علی الفقراء الذین حضروا الحدیبیة* و فی روایة بعث النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی مکة عشرین بدنة مع ناجیة حتی نحروها بمروة و قسموا لحومها علی فقراء مکة* روی انه لما تم النحر و الحلق بعث اللّه ریحا شدیدة حتی حملت شعرات المسلمین الی أرض الحرم و نشرتها هناک و فی بعض کتب السیران رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما حلق رأسه ألقی شعره علی سمرة بقربه فأجهد بعض الصحابة نفسه جهدا بلیغا حتی أصاب شعرات منه و کانت عنده یغسلها للمرضی و یسقیهم للشفاء* و فی روایة انه صلی اللّه علیه و سلم کان بالحدیبیة اذ جاءته جماعة من النساء المؤمنات مهاجرات من مکة منهنّ أمّ کلثوم بنت عقبة بن أبی معیط و سبیعة ابنة الحارث الاسلمیة فأقبل زوجها و هو مسافر المخزومی طالبا لها و أراد مشرکو مکة أن یردّوهنّ الی مکة فنزل جبریل بهذه الآیة یا أیها الذین آمنوا اذا جاءکم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنّ الی آخره فاستحلف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سبیعة فحلفت فأعطی زوجها مسافرا ما أنفق فتزوّجها عمر* و فی الاکتفاء و هاجرت الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی مدة
الصلح
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:24
أمّ کلثوم بنت عقبة بن أبی معیط فخرج أخواها عمارة و الولیدا بنا عقبة حتی قدما علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یسألانه ان یردّها علیهما بالعهد الذی بینه و بین قریش بالحدیبیة فلم یفعل و قال أبی اللّه ذلک و أنزل فیه علی رسوله* یا أیها الذین آمنوا اذا جاءکم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنّ الآیة فکأنّ الآیة بیان انّ ذلک الرد فی الرجال لا فی النساء لانّ المسلمة لا تحلّ للکافر فلما تعذر ردّهنّ لورود النهی عنه لزم ردّ مهورهنّ فأمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أن لا ترجع المؤمنات الی الکفار لشرف الاسلام و أن لا تکون کافرة فی نکاح مسلم لقوله تعالی و لا تمسکوا بعصم الکوافر* العصم جمع عصمة و هی ما یعتصم به من عقد و نسب و الکوافر جمع کافرة و هی التی بقیت فی دار الحرب أو لحقت بها مرتدة و المراد نهی المؤمنین عن البقاء علی نکاح المشرکات فطلق الاصحاب کل امرأة کافرة فی نکاحهم و طلق عمر بن الخطاب یومئذ امرأتین له مشرکتین بمکة فتزوّج احداهما معاویة بن أبی سفیان و الأخری صفوان بن أمیة و عن ابن عباس یعنی من کانت له امرأة بمکة فلا یعدّها من نسائه لان اختلاف الدارین قطع عصمتها منه* قال أهل السیر أقام النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالحدیبیة قریبا من عشرین یوما ثم رجع الی المدینة* روی انه صلی اللّه علیه و سلم لما رجع من الحدیبیة و کان بضجنان کسکران جبل بقرب مکة نزلت علیه لیلة سورة انا فتحنا لک فتحا مبینا و المراد من الفتح المبین عند بعض المفسرین فتح الحدیبیة و سمی فتحا لانه کان مقدمة لفتوح کثیرة کما ورد فی کتب التفاسیر و السیر من أن الذین أسلموا فی سنتی الصلح یعدلون الذین أسلموا قبلهما و بعض المفسرین علی ان المراد بالفتح المبین فتح مکة أو فتح خیبر الذی وعده اللّه لرسوله و انما أدّی بصیغة الماضی لان اخبار اللّه فی التحقق بمنزلة الکائن الموجود و اللّه أعلم* روی أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لما قدم المدینة من الحدیبیة جاءه أبو بصیر عتبة بن أسد بن حارثة رجل من قریش و هو مسلم و کان ممن حبس بمکة فکتب أزهر بن عبد بن عوف و الاخنس بن شریق الثقفی الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کتابا و بعثا فی طلبه رجلا من بنی عامر بن لؤیّ و معه مولی لهم فقدما علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المدینة بالکتاب و قالا العهد الذی جعلت لنا فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یا أبا بصیر انا أعطینا هؤلاء القوم ما قد علمت و لا یصح فی دیننا الغدر و ان اللّه جاعل لک و لمن معک من المستضعفین فرجا و مخرجا ثم دفعه الی الرجلین فخرجا به و انطلق معهما حتی بلغا ذا الحلیفة فنزلوا هناک فدخل أبو بصیر المسجد و رکع رکعتین ثم جلسوا یتغدّون و یأکلون من تمر لهم فقال أبو بصیر لاحد الرجلین و اللّه انی لاری سیفک هذا یا اخا بنی عامر صار ما جیدا فاستله الآخر فقال أجل انه و اللّه لجید لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصیر أرنی أنظر إلیه فأمکنه منه فضربه به حتی برد* و فی روایة استله أبو بصیر فضربه به حتی برد و ذکر ابن عقبة ان الرجل هو الذی سل سیفه ثم هزه و قال لا ضربن بسیفی هذا فی الاوس و الخزرج یوما الی اللیل فقال له أبو بصیر فصارم سیفک هذا فقال نعم فقال ناولنیه لا نظر إلیه فناوله ایاه فلما قبض علیه ضربه به حتی برد و یقال بل تناول أبو بصیر سیف الرجل بفیه فقطع أساره ثم ضربه به حتی برد و طلب الآخر فخرج مرعوبا حتی دخل المسجد* و فی روایة و فرّ الآخر حتی أتی المدینة فدخل المسجد یعد و حتی لتطن الحصباء من شدّة سعیه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لقد لقی هذا ذعرا فلما انتهی الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال له ویلک مالک قال قتل صاحبکم صاحبی و انی لمقتول* و فی الاکتفاء قال و یحک مالک قال قد قتل صاحبکم صاحبی قال فو اللّه ما برح حتی طلع أبو بصیر متوشحا السیف حتی وقف علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال یا نبی اللّه قد و اللّه أوفی اللّه ذمتک قد رددتنی إلیهم ثم أنجانی اللّه منهم فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ویل أمه مسعر حرب لو
کان معه أحد* و فی الاکتفاء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:25
محش حرب لو کان معه رجال و فی هذا الکلام ایماء لابی بصیر الی الفرار و رمز للمؤمنین الذین کانوا بمکة أن یلحقوا به فلما سمع ذلک أبو بصیر عرف أنه سیردّه الی قریش فخرج حتی نزل سیف البحر موضعا یقال له العیص من ناحیة المروة علی ساحل البحر بطریق قریش الذی کانوا یأخذونه الی الشام و بلغ المسلمین الذین کانوا احتبسوا بمکة قول رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ویل أمه محش حرب لو کان معه رجال فخرجوا الی أبی بصیر بالعیص فاجتمع إلیه قریب من سبعین رجلا منهم و ذکر موسی ابن عقبة ان أبا جندل بن سهیل بن عمرو الذی ردّ الی قریش بالحدیبیة مکرها یوم الصلح و القضیة هو الذی انفلت فی سبعین راکبا أسلموا و هاجروا فلحقوا بأبی بصیر و نزلوا مع أبی بصیر فی منزل کریه الی قریش فقطعوا مادتهم من طریق الشام و کان أبو بصیر علی ما زعموا و هو فی مکانه ذلک یصلی بأصحابه فلما قدم علیهم أبو جندل کان هو یؤمّهم و اجتمع الی أبی جندل أناس من غفار و أسلم و جهینة و طوائف من العرب حتی بلغوا ثلاثمائة مقاتل و هم مسلمون فأقاموا مع أبی جندل و أبی بصیر لا تمرّ بهم عیر لقریش الا أخذوها و قتلوا أصحابها و قال فی ذلک أبو جندل فیما ذکره غیر ابن عقبة شعرا
أبلغ قریشا عن أبی جندل‌أنا بذی المروة بالساحل
فی معشر تخفق أیمانهم‌بالبیض فیها و القنا الذابل
یأبون أن تبقی لهم رفقةمن بعد اسلامهم الواصل
أو یجعل اللّه لهم مخرجاو الحق لا یغلب بالباطل
فیسلم المرء باسلامه‌أو یقتل المرء و لا یأتل فأرسل قریش أبا سفیان بن حرب الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یسألونه و یتضرّعون إلیه و یناشدونه باللّه و الرحم أن یرسل الی أبی بصیر و أبی جندل بن سهیل و من معهم فیقدموا علیه و قالوا انا أسقطنا هذا الواحد من الشروط فمن أتاه فهو آمن* و فی الاکتفاء قالوا من خرج منا إلیک فأمسکه فی غیر حرج فانّ هؤلاء الرکب قد فتحوا علینا بابا لا یصلح اقراره فلما کان ذلک من أمرهم علم الذین کانوا أشاروا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن یمنع أبا جندل من أبیه یوم الصلح و القضیة أنّ طاعة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خیر فیما أحبوا و فیما کرهوا و انّ رأیه أفضل من رأیهم* و کتب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی أبی جندل و أبی بصیر یأمرهم أن یقدموا علیه بالمدینة و یأمر من معهما من المسلمین أن یرجعوا الی بلادهم و أهلیهم و لا یتعرّضوا لاحد مرّ بهم من قریش و عیرانها فقدم کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی أبی جندل و أبی بصیر و کان أبو بصیر حینئذ مشرفا علی الموت فمات و کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی یده یقتریه فدفنه أبو جندل مکانه و جعل عند قبره مسجدا و قدم علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مع أناس من أصحابه و رجع سائرهم الی أهلیهم و أمنت عیران قریش و لم یزل أبو جندل مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و شهد ما أدرک من المشاهد بعد ذاک و شهد الفتح و رجع مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلم یزل معه بالمدینة حتی توفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قدم أبوه سهیل بن عمرو المدینة أوّل امارة عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه فمکث بها شهرا ثم خرج الی الشام یجاهد و خرج معه ولده أبو جندل فلم یزالا مجاهدین حتی ماتا جمیعا هناک رحمهما اللّه و ظاهر بعض روایات البخاری یدل علی أنّ قوله تعالی و هو الذی کف أیدیهم عنکم و أیدیکم عنهم ببطن مکة الآیة نزلت فی قصة أبی بصیر و اللّه أعلم*

بیان حکم الظهار

و فی هذه السنة نزل حکم الظهار و ذلک أنّ أوس ابن الصامت غضب علی زوجته خولة بنت ثعلبة ذات یوم و قال لها أنت علیّ کظهر أمی و کان ذلک أوّل ظهار فی الاسلام و کان الظهار طلاقا فی الجاهلیة ثم ندم علی ما قال فأتت خولة النبیّ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:26
صلّی اللّه علیه و سلم و عائشة تغسل رأسه فقالت یا رسول اللّه انّ زوجی أوس بن الصامت تزوّجنی و أنا ذات مال و أهل فلما أکل مالی و ذهب شبابی و نفضت بطنی و تفرّق أهلی ظاهر منی فقال صلی اللّه علیه و سلم حرمت علیه فبکت و صاحت و قالت أشکو الی اللّه فقری و فاقتی و وجدی و صبیة صغارا ان ضممتهم إلیه ضاعوا و ان ضممتهم الیّ جاعوا فقال صلی اللّه علیه و سلم ما أراک الا حرمت علیه فجعلت ترفع صوتها باکیة و تقول اللهم انی أشکو إلیک فبینما هی علی تلک الحالة اذ تغیر وجه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم للوحی فنزل جبریل علیه السلام بهذه الآیات* قد سمع اللّه قول التی تجادلک فی زوجها و تشتکی الی اللّه و اللّه یسمع تحاور کما الآیات* فدعا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أوس بن الصامت فتلا علیه الآیات المذکورة فقالت عائشة تبارک اللّه الذی وسع سمعه کل شی‌ء انی کنت أسمع کلام خولة و یخفی علیّ بعضه و هی تحاور رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فما برحت حتی نزل جبریل بهذه الآیات فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لاوس أعتق رقبة قال ما لی بهذا قدرة قال فصم شهرین متتابعین قال انی اذا لم آکل فی الیوم مرّتین کل بصری قال فأطعم ستین مسکینا قال لا أجد الا أن تعیننی منک بعون وصلة فأعانه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بخمسة عشر صاعا و کانوا یرون أنّ عند أوس مثلها و ذلک لستین مسکینا لکل مسکین نصف صاع*

وفاة أم رومان أم عائشة رضی اللّه عنها

و فی هذه السنة ماتت أمّ رومان بنت عامر بن عویمر أمّ عائشة رضی اللّه عنها کانت أسلمت قدیما و کانت أوّلا تحت عبد اللّه ابن سخبرة فولدت له الطفیل و هو أخو عائشة لامها کذا فی أسد الغابة ثم مات عنها فتزوّجها أبو بکر فولدت له عبد الرحمن و عائشة فلما ماتت نزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی قبرها فلما دلیت فی قبرها قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من أراد أن ینظر الی امرأة من الحور العین فلینظر الی هذه و کون وفاتها علی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قول محمد بن سعد و ابراهیم الحربی و قال آخرون انها عاشت بعده دهرا طویلا کذا فی الصفوة*

تحریم الخمر

و فی هذه السنة السادسة حرمت الخمر* جزم الحافظ الدمیاطی فی سیرته بأنّ تحریم الخمر کان فی سنة الحدیبیة و هی سنة ست من الهجرة و قال ابن اسحاق کان تحریمها فی وقعة بنی النضیر و هی بعد أحد و ذلک فی سنة أربع علی القول الراجح* و فی أسد الغابة فی السنة الثالثة و قیل فی الرابعة حرمت الخمر فی ربیع الاوّل و کذا فی المنتقی أورد تحریمها فی سنة أربع کما قاله ابن اسحاق و فیه نظر لان أنسا کان الساقی یوم حرمت و أنه لما سمع المنادی بتحریمها بادر فأراقها و لو کان ذلک سنة أربع لکان أنس یصغر عن ذلک و آیة تحریم الخمر نزلت عام الفتح قبل الفتح ذکر کله القسطلانی و رجح القول بکون تحریمها فی السنة السادسة و قیل کون تحریمها فی السنة الرابعة هو المشهور کما هو قول ابن اسحاق* الخمر فی الاصل مصدر خمره اذا ستره سمی به عصیر العنب اذا اشتدّ و غلا کأنه یخمر العقل کما سمی سکرا لانه یسکره أی یحجزه کذا فی المواهب اللدنیة و فی القاموس الخمر ما أسکر من عصیر العنب أو عام کالخمرة و العموم أصح لانها حرمت و ما بالمدینة خمر عنب و ما کان شرابهم الا البسر و التمر سمیت خمرا لانها تخمر العقل و تستره* و فی الکشاف الخمر ما غلا و اشتدّ و قذف الزبد من عصیر العنب و هو حرام و کذا نقیع الزبیب و التمر الذی لم یطبخ فان طبخ حتی ذهب ثلثاه ثم غلا و اشتدّ و ذهب خبثه و نصیب الشیطان حلّ شربه ما دون السکر اذا لم یقصد بشر به اللهو و الطرب عند أبی حنیفة* و عن بعض أصحابه لأن أقول مرارا هو حلال أحب الیّ من ان أقول مرّة هو حرام و لئن أخرّ من السماء فأتقطع قطعا أحبّ الیّ من أن أتناول منه قطرة* و عند أکثر الفقهاء هو حرام کالخمر و کذلک کل ما أسکر من کل شراب سمیت خمرا لتغطیتها العقل و التمییز کما سمیت سکرا لانها تسکرهما أی تحجزهما و کأنها سمیت بالمصدر من خمره خمرا اذا ستره
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:27
للمبالغة* و عن علی لو وضعت قطرة أی من الخمر فی بئر فبنیت مکانها منارة لم أؤذن علیها و لو وقعت فی بحر ثم جف و نبت فیه الکلأ لم أرعه* و عن ابن عمر لو أدخلت اصبعی فیه لم یتبعنی و هذا هو الایمان و هم الذین اتقوا اللّه حق تقاته* و فی المواهب اللدنیة قال أبو هریرة فیما رواه أحمد حرمت الخمر ثلاث مرّات* و فی المنتقی جملة الآیات النازلة فی تحریم الخمر أربع الاولی قوله تعالی و من ثمرات النخیل و الاعناب تتخذون منه سکرا و رزقا حسنا و هی نزلت بمکة و کان المسلمون یشربونها و هی یومئذ کانت حلالا* و الثانیة یسألونک عن الخمر و المیسر قل فیهما اثم کبیر و منافع للناس* نزلت فی عمر و حمزة و معاذ بن جبل قالوا یا رسول اللّه أفتنا فی الخمر و المیسر فانهما مذهبتان لعقولنا و مسلبتان لاموالنا فنزلت هذه الآیة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انّ اللّه تقدم فی تحریم الخمر فترکها قوم لقوله تعالی قل فیهما اثم کبیر و شربها قوم لقوله تعالی و منافع للناس الی أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا ناسا من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أتاهم بخمر فشربوا و سکروا فحضرت صلاة المغرب فقدّموا بعضهم لیصلی بهم فقرأ قل یا أیها الکافرون أعبد ما تعبدون هکذا الی آخر السورة بحذف لا فأنزل اللّه تعالی یا أیها الذین آمنوا لا تقربوا الصلاة و أنتم سکاری حتی تعلموا ما تقولون و هی ثالثة الآیات فحرّم الخمر فی أوقات الصلاة فترک قوم الخمر مطلقا فقالوا لا خیر فی شی‌ء یحول بیننا و بین الصلاة و ترکها قوم فی أوقات الصلاة و شربوها فی غیر وقت الصلاة فکان الرجل یشرب بعد صلاة العشاء فیصبح و قد زال عنه السکر و یشرب بعد الصبح فیصحو اذا جاء وقت الظهر* و اتخذ عتبان بن مالک صنیعا و دعا رجالا من المسلمین و فیهم سعد بن أبی وقاص و کان شوی لهم رأس بعیر فأکلوا منه و شربوا الخمر حتی سکروا ثم انهم افتخروا عند ذلک و انتسبوا و تناشدوا الاشعار فأنشد سعد قصیدة فیها هجاء الانصار و فخر لقومه فأخذ رجل من الانصار لحی بعیر فضرب به رأس سعد فشجه شجة موضحة فانطلق سعد الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و شکا إلیه الانصاری فقال عمر اللهم بین لنار رأیک فی الخمر بیانا شافیا فأنزل اللّه تعالی تحریم الخمر فی سورة المائدة و هو قوله تعالی انما الخمر و المیسر و الانصاب و الازلام رجس من عمل الشیطان الی قوله فهل أنتم منتهون* فقال عمر انتهینا یا رب و هی رابعة الآیات النازلة فی تحریم الخمر و کذا فی الکشاف* و فی المواهب اللدنیة و هی حرام مطلقا و کذا کل ما أسکر عند أکثر العلماء و قال أبو حنیفة نقیع الزبیب و التمر اذا طبخ حتی ذهب ثلثاه ثم اشتد حل شربه ما دون السکر انتهی*

ذکر الحشیشة و أشباهها

و أمّا الحشیشة و تسمی القنب الهندیة و الحیدریة و القلندریة فلم یتکلم فیها الأئمة الاربعة و لا غیرهم من علماء السلف لانها لم تکن فی زمنهم و انما ظهرت فی أواخر المائة السادسة أو السابعة و اختلف هل هی مسکرة فیجب فیها الحدّ أو مفسدة للعقل فیجب التعزیر و الذی أجمع علیه الاطباء أنها مسکرة و به جزم الفقهاء و صرّح به الشیخ أبو اسحاق الشیرازی فی کتاب التذکرة فی الخلاف و النووی فی شرح المهذب و لا یعرف فیه خلاف عند الشافعیة و نقل عن ابن تیمیة أنه قال الصحیح أنها مسکرة کالشراب فان أکلتها ینتشون عنها و لذلک یتناولون بخلاف البنج فانه لا ینشی و لا یشتهی قال الزرکشی و لم أر من خالف فی هذا الا القرافی فی قواعده فقال قال بعض العلماء بالنبات فی کتبهم انها مسکرة و الذی یظهر أنها مفسدة و قد تظافرت الادلة علی حرمتها ففی صحیح مسلم کل مسکر حرام و قد قال اللّه تعالی و یحرّم علیهم الخبائث و أیّ خبیث أعظم مما یفسد العقول التی اتفقت الملل و الشرائع علی ایجاب حفظها و لا ریب أنّ متناول الحشیشة یظهر به التغیر فی انتظام الفعل و القول المستمد کماله من نور العقل* و قد روی أبو داود باسناد حسن عن دیلم الحمیر قال سألت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقلت یا رسول اللّه انا بأرض باردة نعالج فیها عملا شدیدا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:28
و انا نتخذ شرابا من هذا القبح نتقوّی به علی أعمالنا و علی برد بلادنا قال هل یسکر قلت نعم قال فاجتنبوه قلت فانّ الناس غیر تارکیه قال فان لم یترکوه فقاتلهم و هذا تنبیه علی العلة التی لاجلها حرم المزر فوجب أنّ کل شی‌ء عمل عمله یجب تحریمه و لا شک أنّ الحشیش یعمل ذلک و فوقه* و روی أحمد فی مسنده و أبو داود فی سننه عن أمّ سلمة قالت نهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عن کل مسکر و مفتر* قال العلماء المفتر کل ما یورث الفتور و الخدر فی الاطراف و هذا الحدیث أدل دلیل علی تحریم الحشیشة و غیرها من المخدّرات فانها و ان لم تکن مسکرة کانت مفترة مخدّرة و لذا یکثر النوم من متعاطیها و تثقل رءوسهم بواسطة تبخیرها فی الدماغ* و قد نقل الاجماع علی تحریمها غیر واحد منهم القرافی و اختلف هل یحرم تعاطی الیسیر الذی لا یسکر فقال النووی فی شرح المهذب انه لا یحرم اکل القلیل الذی لا یسکر من الحشیش بخلاف الخمر حیث حرم قلیلها الذی لا یسکر و الفرق أنّ الحشیش طاهر و الخمر نجس فلا یجوز شرب قلیله للنجاسة و تعقبه الزرکشی بأنه صح فی الحدیث ما أسکر کثیره فقلیله حرام قال و المتجه أنه لا یجوز تناول شی‌ء من الحشیش لا قلیل و لا کثیر* و أمّا قول النووی انها طاهرة و لیست نجسة فقطع به ابن دقیق العید و حکی الاجماع قال و الافیون و هو لبن الخشخاش أقوی فعلا من الحشیش لان القلیل منه یسکر جدّا و کذلک السیکران و جوز الطیب مع أنه طاهر بالاجماع انتهی*

مضار الحشیشة

و قد جمع بعضهم فی الحشیش مائة و عشرین مضرّة دینیة و بدنیة حتی قال بعضهم کل ما فی الخمر من المذمومات موجود فی الحشیش و زیادة فانّ أکثر ضرر الخمر فی الدین لا فی البدن و ضررها فیهما* فمن ذلک فساد العقل و عدم المروءة و کشف العورة و ترک الصلاة و الوقوع فی المحرّمات و قطع النسل و البرص و الجذام و الاسقام و الرعشة و الابنة و نتن الفم و سقوط شعر الاجفان و حفر الاسنان و تسویدها و تضییق النفس و تصفیر اللون و تنقیب الکبد و تجعل الاسد کالجعل و تورث الکسل و الفشل و تجعل العزیز دلیلا و الصحیح علیلا و الفصیح أبکم و الصحیح أثلم و تذهب السعادة و تنسی الشهادة فصاحبها بعید من السنة طرید عن الجنة موعود من اللّه باللعنة الا أن یقرع من الندم سنه و یحسن باللّه ظنه و لقد أحسن القائل فیما قال
قل لمن یأکل الحشیشة جهلایا خسیسا قد عشت شرّ معیشه
دیة العقل بدرة فلما ذایا سفیها قد بعتها بحشیشه و لبعضهم فی القهوة
شراب مطبوخة القشر قد حرمالکونه مفسدا عقل الذی طعما
أبو کثیر به أفتی و کم رجل‌أفتوا بتحریمه قطعا و قد جزما
فذر مقالة قوم قد غدوا سفهایحللون الذی قد حرّم العلما

صفة المیسر

و أمّا المیسر فهو القمار مصدر من یسر کالموعد و المرجع من فعلیهما یقال یسرته اذا قمرته و اشتقاقه من الیسر لانه أخذ مال الرجل بیسر و سهولة من غیر کد و لا تعب أو من الیسار لانه سلب یساره* و عن ابن عباس کان الرجل فی الجاهلیة یخاطر علی أهله و ماله و صفة المیسر کانت لهم عشرة أقداح و هی الازلام و الاقلام الفذ و التوأم و الرقیب و الحلس و النافس و المسبل و المعلی و المنیح و السفج و الوغد و لبعضهم شعر
و أقداح أزلام القمار عدیدةفثنتان منها مسبل و سفیح
و فذ و حلس و المعلی و نافس‌رقیب و وغد توأم و منیح لکل واحد منها نصیب معلوم من جزور ینحرونها و یجزّءونها عشرة أجزاء و قیل ثمانیة و عشرین جزءا الا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:29
الثلاثة فانها لا نصیب لها و هی المنیح و السفیح و الوغد* و لبعضهم
لی فی الدنیا سهام* لیس فیهنّ ربیح* و أسامیهنّ و غد* و سفیح و منیح
للفذ سهم و للتوأم سهمان و للرقیب ثلاثة و للحلس أربعة و للنافس خمسة و للمسبل ستة و للمعلی سبعة یجعلونها فی الرباب و هی خریطة و یضعونها علی یدی عدل ثم یجلجلها و یدخل یده فیها فیخرج باسم رجل رجل قدحا منها فمن خرج له قدح من ذوات الانصباء أخذ النصیب الموسوم به ذلک القدح و من خرج له قدح مما لا نصیب له لم یأخذ شیئا و غرم ثمن الجزور کله و کانوا یدفعون تلک الانصباء الی الفقراء و لا یأکلون منها و یفتخرون بذلک و یذمون من لم یدخل فیه و یسمونه البرم* و فی حکم المیسر أنواع القمار من النرد و الشطرنج و غیرهما* و عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ایاکم و هاتین الکعبتین المشؤمتین فانهما من میسر العجم* و عن علی رضی اللّه عنه أنّ النرد و الشطرنج من المیسر* و عن ابن سیرین کل شی‌ء فیه خطر فهو من المیسر کذا فی الکشاف* و فی هذه السنة تزوّج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أمّ حبیبة و سیجی‌ء البناء بها فی الموطن السابع‌

* (الموطن السابع فی وقائع السنة السابعة من الهجرة

اشارة

من اتخاذ الخاتم و ارسال الرسل الی الملوک و سحره و بعث أبان بن سعید قبل نجد و اسلام أبی هریرة و غزوة خیبر و سمه بها و استصفاء صفیة و فتح فدک و طلوع الشمس بعد غروبها و فتح وادی القری و لیلة التعریس و البناء بأمّ حبیبة و سریة عمر بن الخطاب الی تربة و بعث أبی بکر الی بنی کلاب بناحیة الضریة و بعث بشر بن سعد الی بنی مرّة بفدک و بعث غالب بن عبد اللّه الی المیفعة و سریة بشر بن سعد الی الیمن و جبار و بعث سریة قبل نجد و کتابه الی جبلة بن الایهم و قتل شیرویه أباه کسری برویز و وصول هدیة المقوقس و عمرة القضاء و تزوّج میمونة و سریة ابن أبی العوجاء الی بنی سلیم)*

* ذکر اتخاذ الخاتم‌

و فی هذه السنة اتخذ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الخاتم* ثبت فی صحاح الاحادیث أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لما أراد أن یکتب الی کسری و قیصر و النجاشی و غیرهم من الملوک یدعوهم الی الاسلام قیل انهم لا یقبلون کتابا الا بخاتم أو مختوما فصاغ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم خاتما من ذهب و اقتدی به ذو و الیسار من أصحابه فصنعوا خواتیم من ذهب فلما لبس رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خاتمه لبسوا أیضا خواتیمهم فجاء جبریل علیه السلام من الغد و قال لبس الذهب حرام لذکور أمتک فطرح النبیّ صلی اللّه علیه و سلم خاتمه فطرح أصحابه أیضا خواتیمهم ثم اتخذ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خاتما حلقه و فصه من فضة و نقش فیه محمد رسول اللّه فی ثلاثة أسطر محمد سطر و رسول سطر و اللّه سطر و نهی أن ینقش علیه أحد و اقتدی به أصحابه فاتخذوا خواتیمهم من فضة*

ارسال الرسل الی الملوک‌

و فی هذه السنة کان ارسال الرسل الی الملوک* فی الوفاء و فی أوّل السنة السابعة کتب الی الملوک* و فی أسد الغابة فی سنة سبع بعث الرسل الی الملوک بغیر لفظ الاوّل و قیل کان ارسال الرسل فی آخر سنة ست و جمع بعضهم بین القولین بان ارسال الرسل کان فی السنة السادسة و وصولهم الی المرسل إلیهم کان فی السابعة* و فی المواهب اللدنیة بعث ستة نفر فی یوم واحد فی المحرم سنة سبع و ذکر القاضی عیاض فی الشفاء مما عزاه الی الواقدی انه أصبح کل رجل منهم یتکلم بلسان القوم الذین بعثه إلیهم انتهی و کان ذلک معجزة لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و فی المنتقی خرجوا مصطحبین فی ذی الحجة الحرام* و فی شواهد النبوّة و من أواخر ذی الحجة الحرام من السنة السادسة علی القول الاظهر الی أوّل المحرم من السنة السابعة بعث الرسل الی أرباب الادیان* و فی الاکتفاء ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خرج علی أصحابه ذات یوم بعد عمرته التی صدّ عنها یوم الحدیبیة فقال یا أیها الناس ان اللّه بعثنی رحمة و کافة فأدّوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:30
عنی یرحمکم اللّه و لا تختلفوا علیّ کما اختلف الحواریون علی عیسی فقال أصحابه و کیف اختلف الحواریون یا رسول اللّه فقال دعاهم الی الذی دعوتکم إلیه فأما من بعثه مبعثا قریبا فرضی و سلم و أما من بعثه مبعثا بعیدا فکره وجهه و تثاقل فشکا ذلک عیسی الی اللّه تعالی فأصبح المتثاقلون و کل واحد منهم یتکلم بلغة الامّة التی بعث إلیها* و روی انه صلی اللّه علیه و سلم بعد ما صاغ الخاتم دعا بالکاتبین فکتبوا ستة کتب الی ستة ملوک و أسماؤهم هذه* النجاشی ملک الحبشة و قیصر و یقال هرقل عظیم الروم و کسری حاکم فارس و المدائن و المقوقس صاحب الاسکندریة و مصر و الحارث و الی تخوم الشام و دمشق و ثمامة بن أثال و هوذة بن علی الحنفیین ملکی الیمامة و قائدیها و دعا ستة من أصحابه و دفع الی کل واحد منهم کتابا و بعثه الی واحد من هؤلاء الملوک فبعث عمرو بن أمیة الضمری الی النجاشی و دحیة بن خلیفة الکلبی الی قیصر و عبد اللّه بن حذافة السهمی الی کسری و حاطب بن أبی بلتعة اللخمی الی المقوقس و الشجاع بن وهب الاسدی الی الحارث بن أبی شمر الغسانی و سلیط بن عمرو العامری الی ثمامة و هوذة*

(ذکر کتاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی النجاشی مع عمرو بن أمیة الضمری)

* روی ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بعث عمرا الی النجاشی فی شأن جعفر بن أبی طالب و أصحابه و کتب إلیه کتابین أحدهما یدعوه فیه الی الاسلام و یتلو علیه القرآن فکتب فیه* بسم اللّه الرحمن الرحیم من محمد رسول اللّه الی النجاشی ملک الحبشة أما بعد فانی أحمد إلیک اللّه الذی لا إله الا هو الملک القدّوس السلام المؤمن المهیمن و أشهد ان عیسی ابن مریم روح اللّه و کلمته ألقاها الی مریم البتول الطاهرة المطهرة الطیبة الحصینة فحملت بعیسی فخلقه اللّه من روحه و نفخه کما خلق آدم بیده و انی أدعوک الی اللّه وحده لا شریک له و الموالاة علی طاعته فان تابعتنی و تؤمن بالذی جاءنی فانی رسول اللّه و انی أدعوک و جنودک الی اللّه تعالی و قد بلغت و نصحت فاقبلوا نصحی و قد بعثت إلیک ابن عمی جعفرا و معه نفر من المسلمین و السلام علی من اتبع الهدی* فأخذ کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و وضعه علی عینیه و نزل من سریره و جلس علی الارض تواضعا فقال أشهد باللّه انه النبیّ الامیّ الذی ینتظره أهل الکتاب و ان بشارة موسی براکب الحمار کبشارة عیسی براکب الجمل فأسلم النجاشی و شهد شهادة الحق و قال لو کنت استطیع ان آتیه لآتیته و کتب الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* بسم اللّه الرحمن الرحیم من النجاشی أصحمة سلام علیک یا رسول اللّه و رحمة اللّه و برکاته اللّه الذی لا إله الا هو الذی هدانی للاسلام* أما بعد فقد بلغنی کتابک یا رسول اللّه فما ذکرت من امر عیسی علیه السلام فو رب السماء و الارض ان عیسی علیه السلام لا یزید علی ما ذکرت ثفروقا انه کما قلت و قد عرفنا ما بعثت به إلینا و قدم ابن عمک و أصحابه و أشهد انک رسول اللّه صادقا مصدّقا و قد بایعتک و بایعت ابن عمک و أسلمت علی یدیه للّه رب العالمین و قد بعثت إلیک ابنی أرها فان شئت أن آتیک بنفسی فعلت یا رسول اللّه فانی أشهد ان ما تقول حق و السلام علیک یا رسول اللّه و رحمة اللّه و برکاته* و ذکر الواقدی عن سلمة بن الاکوع ان النجاشی توفی فی رجب سنة تسع کما سیجی‌ء منصرف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عن تبوک قال سلمة صلی بنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الصبح ثم قال ان أصحمة النجاشی قد توفی فی هذه الساعة فاخرجوا بنا الی المصلی حتی نصلی علیه قال سلمة فحشد الناس و خرجنا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقدمنا و انا لصفوف خلفه و أنا فی الصف الرابع فکبر بنا أربعا کذا فی الاکتفاء* و قال فی المواهب اللدنیة و هذا هو أصحمة الذی هاجر إلیه المسلمون فی رجب سنة خمس من النبوّة و کتب إلیه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کتابا یدعوه فیه الی الاسلام مع عمرو بن أمیة الضمری سنة ست من
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:31
الهجرة و أسلم علی ید جعفر بن أبی طالب و توفی فی رجب سنة تسع من الهجرة و نعاه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یوم توفی و صلی علیه بالمدینة و أما النجاشی الذی ولی بعده و کتب إلیه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یدعوه الی الاسلام فکان کافرا لم یعرف اسلامه و لا اسمه و قد خلط بعضهم و لم یمیز بینهما* و فی صحیح مسلم عن قتادة أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کتب الی کسری و الی قیصر و الی النجاشی و الی کل جبار یدعوهم الی الاسلام و الی دین اللّه و لیس بالنجاشی الذی صلی علیه* قال ابن اسحاق فذکر لی انه بعث النجاشی بعد قدوم جعفر الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أرها ابن النجاشی من البحر فی ستین رجلا من الحبشة فرکبوا سفینة فی اثر جعفر و أصحابه حتی اذا کانوا فی وسط البحر غرقوا و وافی جعفر و أصحابه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی سبعین رجلا و علیهم ثیاب من الصوف منهم اثنان و ستون من الحبشة و ثمانیة من أهل الشام فقرأ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سورة یس الی آخرها فبکوا حین سمعوا القرآن فأسلموا و قالوا ما أشبه هذا بما کان ینزل علی عیسی فأنزل اللّه تعالی و لتجدنّ أقربهم مودّة للذین آمنوا الذین قالوا انا نصاری یعنی وفد النجاشی الذین قدموا مع جعفر و هم سبعون و کانوا أصحاب الصوامع* و قال مقاتل کانوا أربعین رجلا اثنان و ثلاثون من الحبشة و ثمانیة من أهل الشام و قال عطاء کانوا ثمانین رجلا أربعون من أهل نجران من بنی الحارث و اثنان و ثلاثون من الحبشة و ثمانیة رومیون من أهل الشام کذا فی معالم التنزیل* و فی الکتاب الآخر یأمره أن یزوّجه أم حبیبة ابنة أبی سفیان و کانت قد هاجرت الی الحبشة مع زوجها عبد اللّه بن جحش الاسدی فتنصر هناک و مات کما سیجی‌ء فی هذا الموطن و أمره فی الکتاب بأن یبعث إلیه بمن قبله من أصحابه فجهز النجاشی مهاجری الحبشة و بعثهم فی سفینتین مع عمرو بن أمیة الضمری الی المدینة* روی انّ النجاشی دعا بحقة من عاج فجعل فیها مکتوبی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قال لا یزال فی أهل الحبشة خیر و برکة ما دام فیهم هذان المکتوبان* و أورد صاحب الاعلام ان کتاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی أیدی ملوک الحبشة باق الی الآن یعظمونه*

(ذکر کتاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی قیصر مع دحیة بن خلیفة الکلبی)

* قیل ان اسم قیصر هرقل و قیل أغطس و قیصر کلمة افر نجیة معناه شق عنه* و سببه علی ما قاله المؤرخون ان أم قیصر ماتت فی المخاض فشق بطنها و أخرج فسمی قیصر و کان یفتخر بذلک علی الملوک و یقال انه لم یخرج من الرحم ثم وضع هذا اللقب لکل من ملک الروم کما لقبوا ملک الترک خاقان و ملک فارس کسری و ملک الشام هرقل و ملک القبط فرعون و ملک الیمن تبع و ملک الحبشة النجاشی و ملک فرغانة اخشید و ملک مصر فی الاسلام سلطان فأخذ دحیة کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و توجه الی بصری لان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أمره أن یدفع الکتاب الی عظیم بصری و هو الحارث ملک غسان لیدفعه الی قیصر و لما انتهی دحیة الی بصری و کان حینئذ عظیم بصری فی حمص فبعث رجلا مع دحیة لیبلغه الی قیصر و قیصر ذاهب الی ایلیا و هو بیت المقدس لانه لما کشف اللّه عنه جنود فارس مشی من حمص الی ایلیا شکرا للّه عز و جل فیما أولاه من ذلک* فلما جاء قیصر کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال التمسوا أحدا من قومه و کان أبو سفیان حینئذ بالشام فی رجال من قریش قدموا تجارا فی زمان الهدنة فأتی بأبی سفیان و أصحابه فسألهم عن أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کما سیجی‌ء ذکره الواقدی من حدیث ابن عباس* و فی حدیث غیر هذا ذکره أیضا الواقدی عن محمد بن کعب القرظی ان دحیة الکلبی لقی قیصر بحمص لما بعثه إلیه رسول اللّه و قیصر ماش من قسطنطینیة الی ایلیا فی نذر کان علیه لئن أظهر اللّه الروم علی فارس لیمشین حافیا من قسطنطینیة الی ایلیا و لیصلین فیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:32
ففرشوا له بسطا و نثروا علیها الریاحین و هو یمشی علیها حتی بلغ ایلیا و وفی بنذره فقال لدحیة قومه لما بلغ قیصر اذا رأیته فاسجد له ثم لا ترفع رأسک أبدا حتی یأذن لک قال دحیة لا أفعل هذا أبدا و لا أسجد لغیر اللّه أبدا قالوا اذا لا یأخذ کتابک و لا یکتب جوابک قال و ان لم یأخذه فقال له رجل منهم أدلک علی أمر یأخذ فیه کتابک و لا یکلفک فیه السجود قال دحیة و ما هو قال ان له علی کل عقبة منبرا یجلس علیه فضع صحیفتک تجاه المنبر فانّ أحدا لا یحرکها حتی یأخذها هو ثم یدعو صاحبها فیأتیه قال أما هذا فسأفعل فعمد الی منبر من تلک المنابر التی یستریح علیها قیصر فألقی الصحیفة فدعا بها فاذا عنوانها کتاب العرب فدعا بالترجمان الذی یقرأ بالعربیة فاذا فیه من محمد رسول اللّه الی قیصر صاحب الروم فغضب أخ لقیصر یقال له نباق فضرب فی صدر الترجمان ضربة شدیدة و نزع الصحیفة من یده فقال له قیصر ما شأنک فقال تنظر فی کتاب رجل بدأ بنفسه قبلک و سماک قیصر صاحب الروم ما ذکر لک ملکا فقال له قیصر انک و اللّه ما علمت أحمق صغیرا مجنون کبیرا تریدان تخرق کتاب رجل قبل ان أنظر فیه فلعمری لئن کان رسول اللّه کما یقول لنفسه أحق أن یبدأ بها منی و ان کان سمانی صاحب الروم لقد صدق ما أنا الا صاحبهم و ما أملکهم و لکن اللّه عز و جل سخرهم لی و لو شاء لسلطهم علیّ کما سلط فارس علی کسری فقتلوه ثم فتح الصحیفة فاذا فیها* بسم اللّه الرحمن الرحیم من محمد رسول اللّه الی قیصر صاحب الروم سلام علی من اتبع الهدی* أما بعد* یا أَهْلَ الْکِتابِ تَعالَوْا إِلی کَلِمَةٍ سَواءٍ بَیْنَنا وَ بَیْنَکُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَ لا نُشْرِکَ بِهِ شَیْئاً وَ لا یَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ فی آیات من کتاب اللّه یدعوه الی اللّه و یزهده فی ملکه و یرغبه فیما رغبه اللّه من الآخرة و یحذره بطش اللّه و بأسه کذا فی الاکتفاء* و فی الصحیح و کان ابن الناطور صاحب ایلیا و هرقلة أسقفا علی نصاری الشام یحدّث ان هرقل حین قدم ایلیا أصبح یوما خبیث النفس مهموما فقال له بعض بطارقته قد استنکرنا هیئتک قال ابن الناطور و کان هرقل حزاء ینظر فی النجوم ماهرا فی الاحکام النجومیة یستخرج أحکام الاجسام السفلیة من آثار الاجرام العلویة عالما بسائر القواعد النجومیة فقال لهم حین سألوه أجل انی رأیت اللیلة حین نظرت فی النجوم أن ملک الختان قد ظهر فمن یختتن من هذه الامة قالوا ما نعلم یختتن الا الیهود فلا یهمنک شأنهم و هم فی حکمک و سلطانک و اکتب الی مدائن ملکک فلیقتلوا من فیها من الیهود فتستریح من الهم فبینما هم علی أمرهم اذ أتی هرقل رجل اسمه عدی بن حاتم و هو رسول عظیم بصری برجل من العرب یقوده و هو دحیة بن خلیفة الکلبی فقال أیها الملک ان هذا من العرب یحدّث عن أمر عجیب قد حدث ببلاده فقال هرقل لترجمانه سله ما هذا الحدث الذی ببلاده فسأله فقال دحیة خرج من بین أظهرنا رجل یزعم انه نبیّ فاتبعه اناس و خالفه آخرون فکانت بینهم ملاحم فترکتهم علی ذلک فلما أخبره قال هرقل اذهبوا به فجردوه فانظروا أ مختون هو أم لا فجرّدوه و نظروا إلیه فاذا هو مختون فحدّثوه انه مختون و سألوه عن العرب فقال هم یختتنون فقال هرقل هذا و اللّه الذی رأیته هذا ملک هذه الامة قد ظهر أعطوه ثوبه ثم دعا صاحب شرطته فقال له قلب لی الشام ظهر او بطنا حتی تأتینی برجل من قوم هذا الرجل یعنی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم* قال أبو سفیان ان هرقل أرسل إلیه فی رکب من قریش صاحب شرطته و کان أبو سفیان و أصحابه حینئذ تجارا بالشام بمدینة غزة فی المدّة التی کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هادن فیها أبا سفیان و کفار قریش ای فی زمان الهدنة فأتوهم بایلیا و هو بیت المقدس و کان هرقل حینئذ فیه فدعاهم الی مجلسه و حوله عظماء الروم و دعا ترجمانه فقال أیکم أقرب نسبا بهذا الرجل الذی یزعم انه نبیّ فقال أبو سفیان أنا أقربهم نسبا فقال ادنوه منی و قربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:33
ثم قال لترجمانه انی سائل هذا أی أبا سفیان عن هذا الرجل یعنی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فان کذبنی فکذبوه قال ابو سفیان فو اللّه لو لا الحیاء من ان یأثروا علیّ کذبا لکذبت عنه قال ثم کان أوّل ما سألنی عنه أن قال کیف نسبه فیکم قلت هو فینا ذو نسب قال فهل قال هذا القول منکم أحد قبله قط قلت لا قال فهل کان من آبائه من ملک قلت لا قال فاشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم قال أ یزیدون أم ینقصون قلت بل یزیدون قال فهل یرتدّ منهم أحد سخطة لدینه بعد أن یدخل فیه قلت لا قال فهل کنتم تتهمونه بالکذب قبل أن یقول ما قال قلت لا قال فهل یغدر قلت لا و نحن فی هدنة لا ندری ما هو فاعل فیها قال أبو سفیان و لم یمکنی أدخل فیها شیئا غیر هذه الکلمة قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال کیف کان قتالکم ایاه قلت الحرب بیننا و بینه سجال ینال منا و ننال منه قال بما ذا یأمرکم قلت یقول اعبدوا اللّه وحده و لا تشرکوا به شیئا و اترکوا ما یقول آباؤکم و یأمرنا بالصلاة و الصدقة و الصدق و العفاف و الصلة و الطهارة فقال للترجمان قل له سألتک عن نسبه فذکرت انه ذو نسب و کذلک الرسل تبعث فی نسب قومها و سألتک هل قال أحد منکم هذا القول فذکرت أن لا فقلت لو قال أحد هذا القول قبله لقلت رجل یتأسی بقول قیل قبله و سألتک هل کان من آبائه من ملک فذکرت أن لا قلت فلو کان من آبائه من ملک لقلت رجل یطلب ملک أبیه و سألتک هل کنتم تتهمونه بالکذب قبل أن یقول ما قال فذکرت أن لا فقد علمت انه لم یکن لیذر الکذب علی الناس و یکذب علی اللّه و سألتک اشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذکرت أن ضعفاءهم اتبعوه و هم اتباع الرسل و سألتک أ یزیدون أم ینقصون فذکرت انهم یزیدون و کذلک أمر الایمان حتی یتم و سألتک أ یرتدّ أحد سخطة لدینه بعد ان یدخل فیه فذکرت أن لا و کذلک الایمان حین تخالط بشاشته القلوب و سألتک هل یغدر فذکرت أن لا و کذلک الرسل لا تغدر و سألتک بما یأمرکم فذکرت انه یأمرکم أن تعبدوا اللّه و لا تشرکوا به شیئا و ینهاکم عن عبادة الاوثان و یأمرکم بالصلاة و الصدقة و العفاف فان کان ما تقول حقا فسیملک موضع قدمی هاتین و قد کنت أعلم انه خارج و لم أکن أظنّ انه منکم فلو أنی أخلص إلیه لتجشمت لقاءه و لو کنت عنده لغسلت عن قدمه ثم دعا بکتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الذی بعث به دحیة الی عظیم بصری فدفعه الی هرقل ملک الروم کما تقدّم آنفا فاذا مکتوب فیه*

صورة کتاب النبیّ الی هرقل‌

بسم اللّه الرحمن الرحیم من محمد رسول اللّه الی هرقل عظیم الروم سلام علی من اتبع الهدی أما بعد فانی أدعوک بداعیة الاسلام اسلم تسلم اسلم یؤتک اللّه أجرک مرّتین فان تولیت فعلیک اثم الاریسیین و یا أهل الکتاب تعالوا الی کلمة سواء بیننا و بینکم أن لا نعبد الا اللّه و لا نشرک به شیئا و لا یتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون* قال أبو سفیان فلما قال هرقل ما قال و فرغ من قراءة الکتاب کثر عنده الصخب و ارتفعت أصوات الذین حوله و کثر لغطهم فلا أدری ما قالوا و أمر بنا فأخرجنا من عنده فقلت لاصحابی حین أخرجنا لقد عظم أمر ابن أبی کبشة انه یخافه ملک بنی الاصفر فما زلت موقنا انه سیظهر حتی أدخل اللّه علیّ الاسلام* و فی الاکتفاء و فی هذا الحدیث عن أبی سفیان انه قال لقیصر لما سأله عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم جملة ما أجابه به أیها الملک أ لا أخبرک عنه خبرا تعرف به انه کاذب قال و ما هو قلت زعم انه خرج من أرضنا أرض الحرم فی لیلة فجاء مسجدکم هذا مسجد ایلیا و رجع إلینا فی تلک اللیلة قبل الصباح قال و بطریق ایلیا عند رأس قیصر قال قد علمت تلک اللیلة قال فنظر إلیه قیصر و قال ما علمک بهذا قال انی کنت لا أنام لیلة أبدا حتی أغلق أبواب المسجد فلما کانت تلک اللیلة أغلقت الابواب کلها غیر باب واحد غلبنی فاستعنت علیه بعمالی و من یحضرنی فلم نستطع أن نحرکه کأنما نزاول جبلا فدعوت النجارین فنظروا إلیه فقالوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:34
هذا باب سقط علیه النجاف و البنیان فلا نستطیع أن نحرکه حتی نصبح فننظر إلیه من أین أتی فرجعت و ترکت البابین مفتوحین فلما أصبحت غدوت علیهما فاذا الحجر الذی فی زاویة المسجد مثقوب و اذا فیه أثر رباط الدابة فقلت لاصحابی ما حبس هذا اللیلة الباب الاعلی نبیّ و قد صلی اللیلة فی مسجدنا هذا فقال قیصر لقومه یا معشر الروم أ لستم تعلمون ان بین عیسی و بین الساعة نبیّ بشرکم به عیسی ابن مریم ترجون أن یجعله اللّه فیکم قالوا بلی قال فان اللّه قد جعله فی غیرکم فی أقل منکم عددا و أضیق منکم بلدا و هی رحمة اللّه عز و جل یضعها حیث شاء* و فی روایة ان هرقل لما قرأ الکتاب أی کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خلا بدحیة و قال له و اللّه انا لنعلم انه نبیّ مرسل و هو الذی کنا ننتظره و قرأنا نعته فی الکتب السماویة و انی أخاف الروم أن یقصدوا هلاکی و الا تابعته فاذهب الی رومة فلن بها رجلا اسمه ضفاطر و کان رجلا عظیما من علماء النصاری و کان نظیر هرقل فی العلم قال فأخبره بهذا الخبر* و فی روایة کتب إلیه هرقل کتابا و قال لدحیة ان ضفا طرفی الروم أعظم منی و اعتقادهم لکلامه أکثر فانظر ما ذا یقول فذهب دحیة الی رومة و بلغ ضفاطر کتاب هرقل و أخبره بخبر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أوصافه قال ضفاطر و اللّه انه لنبیّ علی الحق و نحن وجدناه فی کتابنا بالصفة التی ذکرت و قرأنا اسمه فی التوراة و الانجیل ثم دخل ضفاطر بیته و نزع ثیابه السود و لبس ثیابا بیضا و أخذ بیده العصا و ذهب الی کنیسة النصاری حین کان فیها جمع من أشرافهم و قال یا معشر الروم اعلموا انه جاءنا کتاب من عند أحمد العربی و دعانا فی ذلک الکتاب الی الحق* و أنا أشهد أن لا إله الا اللّه و أن أحمد عبده و رسوله* فلما سمعت الروم منه هذا الکلام و ثبت علیه بأجمعها فضربته حتی قتلته فرجع دحیة الی هرقل و أخبره بما رأی قال له هرقل أ ما قلت لک انی أخاف من الروم و اللّه ان ضفاطر عند قومه أعظم منی عند هؤلاء القوم و اعتقاد أهل الروم لکلامه أکثر من اعتقادهم لکلامی و قد ثبت ان هرقل لما بلغه خبر ضفاطر انتقل من ایلیا الی حمص دار ملکه و سلطنته و کانت له هناک دسکرة أی قصر عظیم فأذن لعظماء الروم فی دسکرته ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع فقال یا معشر الروم هل لکم فی الفلاح و الرشد و أن یثبت ملککم فتابعوا هذا النبیّ فحاصوا حیصة حمر الوحش الی الابواب فوجدوها قد غلقت فلما رأی هرقل نفرتهم و أیس من ایمانهم قال ردّوهم علیّ فقال انی قلت مقالتی آنفا أختبر بها شدّتکم علی دینکم فقد رأیت فسجدوا له و رضوا عنه فکان ذلک آخر شأن هرقل* رواه صالح بن کیسان و معمر عن الزهری کذا فی البخاری* و فی المنتقی و هرقل عظیم الروم ملک احدی و ثلاثین سنة و اختلف فی اسلامه* و فی ملکه توفی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و شرف و کرم*

(ذکر کتاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی کسری ملک فارس)

* و هذا هو کسری برویز بن هرمز بن أنو شروان و معنی برویز بالعربیة المظفر فیما ذکره المسعودی و هو الذی کان غلب الروم فأنزل اللّه فی قصتهم* الم غلبت الروم فی أدنی الارض و أدنی الارض فیما ذکره الطبری هی بصری و فلسطین و أذرعات من أرض الشام* ذکر الواقدی أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعث عبد اللّه بن حذافة السهمی منصرفه من الحدیبیة الی کسری و بعث معه کتابا مختوما و فیه مکتوب* (بسم اللّه الرحمن الرحیم من محمد رسول اللّه الی کسری عظیم فارس سلام علی من اتبع الهدی و آمن باللّه و رسوله و شهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شریک له و أنّ محمدا عبده و رسوله و أدعوک بداعیة اللّه عز و جل فانی أنا رسول اللّه عز و جل الی الناس کافة لا نذر من کان حیا و یحق القول علی الکافرین أسلم تسلم فان أبیت فعلیک اثم المجوس فلما قرأ کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أخذه و مزّقه و شققه و قال یکتب الیّ بهذا الکتاب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:35
و هو عبدی ثم قال لی ملک هنی‌ء لا أخشی أن أغلب علیه و لا أشارک فیه و قد ملک فرعون بنی اسرائیل و لستم بخیر منهم فما یمنعنی أن أملککم و انا خیر منه فلما بلغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أنّ کسری شقق کتابه قال مزّق اللّه ملکه)* و فی المنتقی دعا علیه أن یمزّقوا کل ممزّق فقال مزّق کتابی مزّق اللّه ملکه* و فی روایة قال اللهم مزّق ملکه فانصرف عبد اللّه عنه الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و فی نظام التواریخ بلغ برویز فی الملک و التبختر و التنعم الی مرتبة لم یکن أحد من الملوک مثله ثمانیا و عشرین سنه و أعظم الاسباب فی زوال ملکه تمزیق کتاب رسول اللّه لما کتب الی ملوک الاطراف یدعوهم الی الاسلام* قال ابن هشام فی سیرته بلغنی أنه قال کتب کسری الی باذان أنه بلغنی أنّ رجلا من قریش خرج بمکة یزعم أنه نبیّ فسر إلیه فاستتبه فان تاب و الا فابعث الیّ برأسه فبعث باذان کتاب کسری الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فکتب إلیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انّ اللّه وعدنی أن یقتل کسری یوم کذا من شهر کذا فلما أتی باذان الکتاب توقف و قال ان کان نبیا فسیکون ما قال فقتل اللّه کسری فی الیوم الذی قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قتل علی ید ولده شیرویه* و فی المنتقی کتب کسری الی باذان و هو علی الیمن من قبله أن ابعث الی هذا الرجل الذی بالحجاز من عندک رجلین جلدین فلیأتیانی به* و فی روایة کتب الی باذان بلغنی أن فی أرضک رجلا تنبأ فاربطه و ابعث به الیّ فبعث باذان قهرمانه و هو بانویه و کان کاتبا حاسبا و بعث معه برجل من الفرس یقال له خرخسره و فکتب معهما الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یأمره أن ینصرف معهما الی کسری و قال لبانویه ویلک انظر ما الرجل و کلمه و ائتنی بخبره فخرجا فلما بلغا الطائف و کان فیه حینئذ جمع من أشراف قریش مثل أبی سفیان و صفوان بن أمیة و غیرهما فسألا عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقالوا انه بیثرب فلما سمع أبو سفیان و صفوان بن أمیة مضمون کتاب باذان فرحا و قالا مثل کسری قام بعداوته و قدم بانویه و خرخسره المدینة علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما قد ما علیه أنزلهما و أمرهما بالمقام أیاما ثم أرسل لهما صلی اللّه علیه و سلم ذات غداة و لما دخلا علیه قال لهما اجلسا فبرکا علی رکبهما و کلمه بانویه و قال انّ شهنشاه ملک الملوک کسری کتب الی الملک باذان یأمره أن یبعث إلیک من یأتیه بک و قد بعثنی إلیک لتنطلق معی فان فعلت کتب فیک الی ملک الملوک بکتاب ینفعک و یکف عنک به و ان أبیت فهو ممن قد علمت و هو مهلکک و مهلک قومک و مخرب بلادک و أعطیاه کتاب باذان و لما اطلع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی مضمون الکتاب و سمع حکایتهم المزخرفة تبسم و دعاهما الی الاسلام* و فی روایة أنهما حین دخلا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کانا قد حلقا لحاهما و أعفیا شواربهما حتی وارت شفاههما فکره النظر إلیهما و قال ویلکما من أمرکما بهذا قالا أمرنا بهذا ربنا یعنیان کسری فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لکن ربی أمرنی باعفاء لحیتی و قص شواربی* و فی المشکاة عن زید بن أرقم أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال من لم یأخذ من شار به فلیس منا رواه أحمد و الترمذی و النسائی و أورد الکرمانی فی مناسکه اثم تطویل الشوارب و عقوبته فقال قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من طوّل شاربه عوقب بأربعة أشیاء لا یجد شفاعتی و لا یشرب من حوضی و یعذب فی قبره و یبعث اللّه إلیه المنکر و النکیر فی غضب انتهی* روی أنهما کانا یتکلمان بالتجلد و ترجف بوادرهما من هیبة مجلس رسول اللّه فقالا له ان لم تأت معنا فاکتب جواب کتاب الملک باذان فقال لهما ارجعا حتی تأتیانی غدا فلما خرجا من عنده قال أحدهما لصاحبه لو مکثنا فی مجلس هذا الرجل أکثر مما جلسنا لخفت علی نفسی الهلاک و قال صاحبه و انی أیضا ما لقیت قط مثل ما وقع لی الیوم فی محضر هذا الرجل من الخوف فیعلم أنّ له
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:36
شأنا فأتی جبریل علیه السلام الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبره أنّ اللّه عز و جل قد سلط علی کسری ابنه شیرویه فقتله فی شهر کذا و کذا لیلة کذا و کذا بعد ما مضی من اللیل کذا و کذا ساعة فلما أتیا الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من الغد قال انّ ربی قد قتل اللیلة ربکما بعد ما مضی من اللیل سبع ساعات سلط علیه ابنه شیرویه حتی بقر بطنه و کانت تلک اللیلة لیلة الثلاثاء العاشرة من جمادی الاولی من السنة السابعة من الهجرة قال اذهبا و أخبرا صاحبکما یعنی باذان بهذا الخبر فقالا هل تدری ما تقول انا قد نقمنا منک ما هو أیسر من هذا أ فنکتب بها عنک و نخبر الملک قال نعم أخبراه ذلک عنی و قولا له انّ دینی و سلطانی سیبلغ ما بلغ ملک کسری و ینتهی منتهی الخف و الحافر و قولا له انک ان أسلمت أعطیتک ما تحت یدک و ملکتک علی قومک من الابناء* و فی الاکتفاء یروی أنّ کسری رأی فی النوم بعد أن أخبر بخروج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من مکة و نزوله بیثرب ان سلما وضع فی الارض الی السماء و حشر الناس حوله اذ أقبل رجل علیه عمامة و ازار و رداء فصعد السلم حتی اذا کان بمکان منه نودی این فارس و رجالها و نساؤها و لامتها و کنوزها فأقبلوا فجعلوا فی جوالق ثم دفع الجوالق الی ذلک الرجل فأصبح کسری تعس النفس محزونا لتلک الرؤیا و ذکرها لاساورته فجعلوا یهوّنون علیه الامر فیقول کسری هذا أمر یراد به فارس فلم یزل مهموما حتی قدم علیه عبد اللّه بن حذافة بکتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یدعوه الی الاسلام* و فی المنتقی ان کسری کان اذا رکب رکب أمامه رجلان یقولان له ساعة فساعة أنت عبد و لست برب فیشیر برأسه نعم قال فرکب یوما فقالا له ذلک و لم یشر برأسه فشکوا الی صاحب شرطته لیعاتبه و کان کسری قد نام فلما وقع صوت حوافر الدواب فی سمعه استیقظ فدخل علیه صاحب شرطته فقال أیقظتمونی و لم تدعونی أنام انی رأیت انه رقی بی فوق سبع سماوات فوقفت بین یدی اللّه تعالی فاذا رجل بین یدیه علیه ازار و رداء و قال لی سلم مفاتیح خزائن أرضی الی هذا فأیقظتمونی قال و صاحب الرداء و الازار یعنی به النبیّ صلی اللّه علیه و سلم* و عن سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال بعث اللّه ملکا الی کسری و هو فی بیت من بیوت ایوانه الذی لا یدخل علیه فیه فلم یرع الا به قائما علی رأسه فی یده عصا بالهاجرة و فی ساعته التی کان یقیل فیها فقال له یا کسری أ تسلم أو أکسر هذه العصا فقال بهل بهل بالفارسیة معناه خل خل و أمهل و لا تکسر فانصرف عنه ثم دعا حرّاسه و حجابه فتغیظ علیهم فقال من أدخل هذا الرجل علیّ قالوا ما دخل علیک أحد و لا رأیناه حتی اذا کان العام القابل أتاه فی الساعة التی أتاه فیها فقال له کما قال له ثم قال له أ تسلم أم أکسر هذه العصا فقال بهل بهل فخرج عنه فدعا کسری حجابه و بوّابیه فتغیظ علیهم فقال لهم کما قال أوّل مرّة فقالوا ما رأینا أحدا دخل علیک حتی اذا کان العام الثالث أتاه فی الساعة التی جاء فیها و قال له کما قال ثم قال أ تسلم أو أکسر هذه العصا فقال بهل بهل فکسر العصا ثم خرج فهلک کسری عند ذلک* و فی الاکتفاء ذکر الواقدی من حدیث أبی هریرة و غیره ان کسری بینما هو فی بیت کان یخلو فیه و اذا رجل خرج إلیه فی یده عصا فقال یا کسری ان اللّه بعث رسولا و أنزل علیه کتابا فأسلم تسلم و اتبعه یبق لک ملکک قال کسری أخر عنی أثرا ما فدعا حجابه و بوّابیه فتوعدهم و قال من هذا الذی دخل علیّ قالوا له و اللّه ما دخل علیک أحد و ما ضیعنا لک بابا حتی اذا کان العام المقبل أتاه فقال له مثل ذلک و قال له ان لم تسلم أکسر العصا قال لا تفعل أخر ذلک أثرا ما ثم جاءه العام المقبل ففعل مثل ذلک و ضرب بالعصا علی رأسه فکسرها و خرج من عنده و یقال ان ابنه قتله تلک اللیلة فأعلم اللّه بذلک رسوله فأخبر بذلک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رسل باذان إلیه ثم أعطی خرخسره منطقة فیها
ذهب و فضة کان أهداها له
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:37
بعض الملوک فخرجا من عنده و انطلقا حتی قدما علی باذان و أخبراه الخبر فقال و اللّه ما هذا بکلام ملک و انی لاری الرجل نبیا کما یقول و لننظرنّ ما قد قال فلئن کان ما قد قاله حقا سیأتی الخبر الیّ یوم کذا و لا کلام أنه نبیّ مرسل و لا یسبق علیّ أحد من الملوک فی الایمان به و ان لم یکن فسنری فیه رأینا فلم یلبث باذان ان قدم علیه کتاب شیرویه* أما بعد فانی قد قتلت کسری و لم أقتله الا غضبا لفارس لما کان استحل من قتل أشرافهم فتفرق الناس فاذا جاءک کتابی هذا فخذ لی الطاعة ممن قبلک و انظر الرجل الذی کان کسری کتب إلیک فیه فلا تهجه حتی یأتیک أمری فیه* فلما انتهی کتاب شیرویه الی باذان قال ان هذا الرجل لرسول اللّه حقا فأسلم و أسلمت الابناء من فارس من کان منهم بالیمن فبعث باذان باسلامه و اسلام من کان معه الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و یقال ان الخبر أتاه بمقتل کسری و هو مریض فاجتمعت إلیه أساورته فقالوا له من تؤمّر علینا فقال لهم ملک مقبل و ملک مدبر فاتبعوا هذا الرجل و ادخلوا فی دینه و أسلموا و مات باذان فبعث رءوسهم الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم وفدهم یعرّفونه باسلامهم* روی ان أهل الیمن کانوا یقولون لخرخسره ذو المفخرة و یقال لاولاده أیضا الآن ذو المفخرة و المفخرة بلغة حمیر المنطقة*

(ذکر کتاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی المقوقس)

* فی حیاة الحیوان هو لقب لجریج بن مینا القبطی و کان من قبل هرقل و یقال ان هرقل عز له لما رأی میله الی الاسلام انتهی* بعثه مختوما مع حاطب بن أبی بلتعة و انه لما انتهی الی الاسکندریة أتی أوّلا حاجب المقوقس و أخبره الخبر فأکرمه الحاجب و أدخله علی المقوقس من غیر توقف فأکرمه المقوقس* عبارة الاکتفاء فلم یلبث أن وصل الی المقوقس کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لقیه حاطب و أخذ کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان فیه* بسم اللّه الرحمن الرحیم من محمد بن عبد اللّه رسول اللّه الی المقوقس عظیم القبط سلام علی من اتبع الهدی* أما بعد فانی ادعوک بداعیة الی الاسلام أسلم تسلم أسلم یؤتک اللّه أجرک مرّتین فان تولیت فانّ علیک اثم القبط* یا أهل الکتاب تعالوا الی کلمة سواء بیننا و بینکم أن لا نعبد الا اللّه و لا نشرک به شیئا و لا یتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون* فکلمه حاطب فقال له انه قد کان قبلک رجل یزعم انه الرب الاعلی فأخذه اللّه نکال الآخرة و الاولی فانتقم به ثم انتقم منه فاعتبر بغیرک و لا یعتبر بک غیرک الی غیر ذلک من النصائح و المواعظ و أخذ کتاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فجعله فی حقة من عاج و ختم علیه و دفعه الی جاریة له ثم دعا کاتبا له یکتب بالعربیة فکتب الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و شرف و کرّم* بسم اللّه الرحمن الرحیم لمحمد بن عبد اللّه من المقوقس عظیم القبط سلام علیک أما بعد فقد قرأت کتابک و فهمت ما ذکرت فیه و ما تدعو إلیه و قد علمت ان نبیا بقی و کنت أظنّ انه یخرج بالشام و قد أکرمت رسولک و بعثت إلیک بجاریتین لهما مکان فی القبط عظیم و بکسوة و أهدیت إلیک بغلة لترکبها و السلام علیک* و لم یزد علی هذا و لم یسلم و هاتان الجاریتان اللتان ذکرهما احداهما ماریة أمّ ابراهیم ابن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و الثانیة أختها سیرین و هی التی وهبها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن و البغلة هی الدلدل و کانت بیضاء و قیل انه لم تکن یومئذ فی العرب بغلة غیرها و انها بقیت الی زمان معاویة و ذکر الواقدی باسناد له ان المقوقس أرسل الی حاطب لیلة و لیس عنده الا ترجمان له یترجم بالعربیة فقال له أ لا تخبرنی عن أمور أسألک عنها و تصدقنی فانی أعلم ان صاحبک قد تخیرک من بین أصحابه حیث بعثک فقال له حاطب لا تسألنی عن شی‌ء إلا صدقتک فسأله عن ما ذا یدعو إلیه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و من أتباعه و هل یقاتل قومه فأجابه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:38
حاطب عن ذلک کله ثم سأله عن صفته فوصفه حاطب و لم یستوف فقال له بقیت أشیاء لم أرک تذکرها فی عینیه حمرة قلما تفارقه و بین کتفیه خاتم النبوّة و یرکب الحمار و یلبس الشملة و یجتزی بالتمرات و الکسرة و لا یبالی من لاقی من عم و ابن عم قال حاطب فهذه صفته قال قد کنت أعلم انه قد بقی نبیّ و کنت أظنّ انّ مخرجه و منبته بالشام و هناک تخرج الأنبیاء من قبله فأراه قد خرج فی العرب فی أرض جهد و بؤس و القبط لا یطاوعونی فی اتباعه و لا أحب ان تعلم محاورتی ایاک و أنا أضن بملکی أن أفارقه و سیظهر علی البلاد و ینزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده حتی یظهر علی ما هاهنا فارجع الی صاحبک فقد أمرت له بهدایا و جاریتین أختین فارهتین و بغلة من مراکبی و ألف مثقال ذهبا و عشرین ثوبا من لین و غیر ذلک و أمرت لک بمائة دینار و خمسة أثواب فارحل من عندی و لا یسمع منک القبط حرفا واحدا* قال حاطب فرجعت من عنده و قد کان لی مکرما فی الضیافة و قلة اللبث ببابه انی ما أقمت عنده الا خمسة أیام و ان فی الوفود وفود العجم من ببابه منذ شهر و أکثر* قال حاطب فذکرت قوله لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال ضنّ الخبیث بملکه و لا بقاء لملکه هذا ما فی الاکتفاء* و فی غیره أهدی الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أربع جوار ترکیة منها ماریة القبطیة أمّ ابراهیم و أختها سیرین و کانت ماریة من قریة یقال لها حفن من قری کورة أنصنا بفتح أوّله و اسکان ثانیه بعده صاد مهملة مکسورة و نون و ألف ذکره فی معجم ما استعجم و جاریتین أخریین اسمهما غیر معلوم و غلاما خصیا کان أخا لماریة و سیرین کذا فی بعض کتب السیر* و فی حیاة الحیوان اسمه مأبور و کان ابن عم ماریة و کان یأوی إلیها فقال الناس علج یدخل علی علجة فبلغ ذلک النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فبعث علیا لیقتله فقال یا رسول اللّه أقتله أو أری فیه رأیی فقال بل تری رأیک فیه فلما رأی الخصی علیا و رأی السیف تکشف فاذا هو مجبوب ممسوح فرجع علیّ الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أخبره فقال علیه السلام ان الشاهد یری ما لا یری الغائب* و فی سح السحابة ان رجلا کان یتهم بأمّ ولد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال علیه السلام لعلیّ رضی اللّه عنه اذهب إلیه فاضرب عنقه فأتاه علیّ فاذا هو فی رکی یتبرز فقال له علیّ اخرج فناوله یده فأخرجه فاذا هو مجبوب ماله ذکر و مات الخصی فی زمن عمر و کان عمر رضی اللّه عنه جمع الناس لشهود جنازته و صلی علیه و دفنه بالبقیع* قال الدمیری فی حیاة الحیوان ذکر ابن مندة و أبو نعیم مأبور القبطی فی أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و غلطا فی ذلک فانه لم یسلم و ما زال نصرانیا و فی زمنه فتح المسلمون مصر فی خلافة عمر رضی اللّه عنه و أهدی أیضا قدحا من قواریر کان علیه السلام یشرب فیه و ثیابا من قباطی مصر و ألف مثقال ذهبا و عسلا من عسل بنها فأعجب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم العسل و دعا فی عسله بالبرکة و فرسا یقال له لزاز و بغلة یقال لها الدلدل و حمارا یقال له عفیر أو یعفور و وصلت تلک الهدایا سنة سبع و قیل سنة ثمان فقبل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هدیته فاختار ماریة لنفسه و کان صلی اللّه علیه و سلم معجبا بماریة و کانت بیضاء جمیلة و ضرب علیها الحجاب و کان یطؤها بملک الیمین فلما حملت بابراهیم و وضعته قبلته سلمی مولاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فجاء أبو رافع زوج سلمی فبشر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بابراهیم فوهب له عبدا و ذلک فی ذی الحجة من السنة الثامنة من الهجرة کما سیجی‌ء* و وهب سیرین لحسان بن ثابت و وهب احدی الجاریتین لابی جهم بن حذیفة و بقیت البغلة الی زمان معاویة و هلک الحمار مرجعه من حجة الوداع و مات المقوقس فی خلافة عمر بن الخطاب علی نصرانیته و دفن فی کنیسة أبی مجلس و اللّه تعالی أعلم‌

* (ذکر کتاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی الحارث بن أبی شمر الغسانی)

* ذکر الواقدی ان رسول اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:39
صلی اللّه علیه و سلم بعث شجاع بن وهب الی الحارث بن أبی شمر فانتهی إلیه بکتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان فیه* بسم اللّه الرحمن الرحیم من محمد رسول اللّه الی الحارث بن أبی شمر سلام علی من اتبع الهدی و آمن به و صدّق و انی أدعوک أن تؤمن باللّه وحده لا شریک له یبق لک ملکک* و ختم الکتاب و أخذه شجاع و خرج به الی الحارث و هو بغوطة دمشق فوجده و هو مشغول بتهیئة الانزال و الالطاف لقیصر و هو جاء من حمص الشام الی ایلیا حیث کشف اللّه عنه جنود فارس شکر اللّه تعالی* قال شجاع فأقمت علی بابه یومین أو ثلاثة فقلت لحاجبه انی رسول من عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال انک لا تصل إلیه حتی یخرج یوم کذا و کذا و جعل حاجبه و کان رومیا اسمه مری یسألنی عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و ما یدعو إلیه فکنت أحدّثه عن صفته و ما یدعو إلیه فیرق حتی یغلبه البکاء و یقول انی قرأت الانجیل فأجد صفته و ما یدعو إلیه بعینه فکنت أراه یخرج بالشام و أراه قد خرج بأرض القرظ و أنا أو من به و أصدّقه و أخاف من الحارث أن یقتلنی و کان الحاجب یکرمنی و یحسن ضیافتی و یخبرنی عن الحارث بالیأس منه و یقول هو یخاف قیصر و خرج الحارث یوما فجلس علی سریره و وضع التاج علی رأسه و أذن لی علیه فدخلت علیه و دفعت إلیه کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقرأه ثم رمی به و قال من ینتزع منی ملکی و أنا سائر إلیه و لو کان بالیمن جئته فلم یزل جالسا یتعرّض حتی اللیل ثم قام و أمر بالخیل أن تنعل ثم قال أخبر صاحبک بما تری و کتب الی قیصر یخبره بخبری و ما عزم علیه فصادف رسوله قیصر بایلیا و عنده دحیة الکلبی و قد بعثه إلیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما قرأ قیصر کتاب الحارث کتب إلیه أن لا تسر إلیه و إله عنه و وافنی بایلیا قال و رجع الکتاب و أنا مقیم و لما جاء جواب کتابه دعانی فقال متی ترید أن تخرج الی صاحبک فقلت غدا فأمر لی بمائة مثقال من الذهب و وصلنی حاجبه مری‌ء بنفقة و کسوة و قال اقرأ علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم منی السلام و اخبره أنی متبع دینه فقدمت علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأخبرته به فقال باد ملکه و أقرأته من مری السلام و أخبرته بما قال فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم صدق* و مات الحارث عام الفتح و کان نازلا بجلق و انتقل ملکه الی جبلة بن الایهم الغسانی آخر ملوک بنی غسان و کان ینزل الجابیة أدرکه عمر بن الخطاب بالجابیة فأسلم ثم انه لاحی رجلا من مزینة فلطم عینه فجاء به المزنی الی عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه و قال خذ لی بحقی فقال له عمر الطم وجهه فأنف جبلة و قال عینی و عینه سواء قال عمر نعم فقال جبلة لا أقیم بهذه الدار أبدا و لحق بعموریة مرتدّا فمات هناک علی ردّته هکذا ذکر الواقدی أنّ توجه شجاع بن وهب بکتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان الی الحارث بن أبی شمر و کذلک ابن اسحاق و أمّا ابن هشام فقال انما توجه الی جبلة بن الایهم و قد قال ذلک غیره و اللّه أعلم و سیجی‌ء فی هذا الموطن فی کتاب جبلة بن الایهم بعض ما یخالف هذا و بعض أهل السیر علی أنّ الحارث أسلم و لکن قال أخاف أن أظهر اسلامی فیقتلنی قیصر و اللّه أعلم*

(ذکر کتاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی ثمامة ابن أثال و هوذة بن علی الحنفیین ملکی عمان مع سلیط بن عمرو العامریّ)

* و یقال لهوذة المتوّج و کان کسری قد تؤجه و ذکر الواقدی أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کتب الی هوذة مع سلیط حین بعثه إلیه* بسم اللّه الرحمن الرحیم من محمد رسول اللّه الی هوذة بن علی سلام علی من اتبع الهدی و اعلم أنّ دینی سیظهر الی منتهی الخف و الحافر فأسلم تسلم و أجعل لک ما تحت یدک* فلما قدم علیه سلیط بکتاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مختوما أکرمه و أنزله و حیاه و قرأ کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان هوذة من الملوک العقلاء و لکن لم یوفق و کتب إلیه ما أحسن ما تدعو إلیه و أجمله و أنا شاعر قومی و خطیبهم و العرب تهاب مکانی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:40
فاجعل لی بعض ملکک أتبعک و أجاز سلیطا بجائزة و کساه أثوابا من نسج هجر فقدم بذلک کله علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أخبره بما قال فقرأ کتابه و قال لو سألنی سیابة من الارض ما فعلت باد و باد ما فی یده فلما انصرف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من فتح مکة جاءه جبریل فأخبره أنّ هوذة قد مات فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أما انّ الیمامة سیخرج بها کذاب یتنبأ یقتل بعدی فقال قائل یا رسول اللّه فمن یقتله فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أنت و أصحابک فکان من أمر مسیلمة و تکذیبه ما کان و ظهر علیه المسلمون فقتلوه فی خلافة أبی بکر رضی اللّه عنه و کان ذلک القائل من قتلته وفق ما قاله الصادق المصدوق صلوات اللّه و برکاته علیه* ذکر الواقدی باسناد له عن عبد اللّه بن مالک أنه قال قدمت الیمامة فی خلافة عثمان بن عفان فجلست فی مجلس بهجر فقال رجل فی المجلس انی لعند ذی التاج الحنفی یعنی هوذة یوم الفصح اذ جاءه حاجبه فاستأذن لارکون دمشق و هو عظیم من عظماء النصاری فقال ائذن له فدخل فرحب به فتحدّثا فقال الارکون ما أطیب بلاد الملک و أبرأها من الاوجاع قال ذو التاج هی أصح بلاد العرب و هی ریف بلادهم قال الارکون و ما قرب محمد منک قال ذو التاج هو بیثرب و قد جاءنی کتابه یدعونی الی الاسلام فلم أجبه قال الارکون لم لا تجیبه قال ضننت یدینی و أنا ملک قومی فان تبعته لم أملک قال بلی و اللّه لئن تبعته لیملکنک و انّ الخیرة لک فی اتباعه و انه للنبیّ العربیّ الذی بشر به عیسی ابن مریم و المکتوب عندنا فی الانجیل محمد رسول اللّه* قال ذو التاج قد قرأت فی الانجیل ما تذکر ثم قال للارکون فما لک لا تتبعه قال الحسد له و الضنّ بالخمر و شربها قال فما فعل هرقل قال هو علی دینه و یظهر لرسله أنه معه و قد سبر أهل مملکته فأبوا أشدّ الاباء فضنّ بملکه أن یفارقه قال ذو التاج فما أرانی الا متبعه و داخلا فی دینه فانی فی بیت العرب و هو مقرّی علی ما تحت یدی قال البطریق هو فاعل فاتبعه فدعا رسولا و کتب معه کتابا و سمی هدایا فجاءه قومه فقالوا تتبع محمدا و تترک دینک لا تملکنّ علینا أبدا فرفض الکتاب قال فأقام الارکون عنده فی حباء و کرامة ثم وصله و وجهه راجعا الی الشام قال الرجل و تبعته حین خرج فقلت أحق ما أخبرت ذا التاج قال نعم و اللّه فاتبعه قال فرجعت الی أهلی فتکلفت الشخوص الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقدمت علیه مسلما و أخبرته بکل ما کان فالحمد للّه الذی هدانی و لم یسم فی حدیث الواقدی هذا الرجل الا أنّ فیه أنه کان من طئ من بنی نبهان* روی انّ عامر بن سلمة من بنی حنیفة رأی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثلاثة أعوام ولاء فی الموسم بعکاظ و بمجنة و بذی المجاز یعرض نفسه علی قبائل العرب یدعوهم الی اللّه و الی أن ینصروه حتی یبلغ عن اللّه فلا یستجیب له أحد و انّ هوذة بن علی سأل عامرا بعد انصرافه عن الموسم الی الیمامة فی أوّل عام عما کان فی موسمهم من خبر فأخبره خبر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أنه رجل من قریش فسأله هوذة من أیّ قریش فقال له عامر من أوسطهم نسبا من بنی عبد المطلب فقال له هوذة انما أمره سیظهر علی ما هاهنا و غیر هاهنا ثم ذکر تکرّر سؤال هوذة له عنه حتی ذکر له فی السنة الثالثة أنه رآه و أمره قد أمر فقال هوذة هو الذی قلت لک و لو أنا اتبعناه لکان خیرا لنا و لکنا نضنّ بملکنا و أخبر عامر بذلک کله سلیط بن عمرو و قد مرّ به منصرفا إذ بعثه إلیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أسلم عامر آخر حیاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و مات هوذة کافرا علی نصرانیته ذکر هذا الکلام کله الکلاعی فی الاکتفاء*

سحر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم‌

و فی هذه السنة سحر فیها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* فی المواهب اللدنیة قد بین الواقدی السنة التی وقع فیها السحر کما أخرجه عنه ابن سعد بسند له الی عمر بن الحکم مرسل قال لما رجع صلی اللّه علیه و سلم من الحدیبیة فی ذی الحجة الحرام و دخل المحرّم سنة سبع جاءت رؤساء الیهود الی لبید بن الاعصم و کان حلیفا فی بنی زریق
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:41
و کان ساحرا فقالوا له یا أبا الاعصم أنت أسحرنا و قد سحرنا محمدا فلم یصنع شیئا و نحن نجعل لک جعلا علی أن تسحر لنا سحرا ینکاءه فجعلوا له ثلاثة دنانیر و وقع فی روایة أبی ضمرة عند الاسماعیلی فأقام یعنی فی السحر أربعین یوما* و فی روایة وهب عن هشام عن أحمد ستة أشهر و یمکن الجمع بأن یکون ستة أشهر من ابتداء تغیر مزاجه و الاربعین یوما من استحکامه و قال السهیلی لم أقف فی شی‌ء من الاحادیث المشهورة علی قدر المدّة التی مکث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فیها فی السحر حتی ظفرت به فی جامع معمر عن الزهری أنه لبث سنة* قال الحافظ ابن حجر و قد وجدناه موصولا بالاسناد الصحیح فهو المعتمد* و فی کنز العباد أنّ بنات لبید بن الاعصم الیهودی سحرنه فمرض حتی انه لم یقدر علی قربان أهله ستة أشهر و ذکر السنة و الاربعین یوما فی الوفاء و فی البخاری عن عائشة أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سحر حتی أن کان لیخیل إلیه أنه یفعل الشی‌ء و ما فعله* و فی معالم التنزیل قال ابن عباس و عائشة کان غلام من الیهود یخدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فدبت إلیه الیهود فلم یزالوا به حتی أخذ من مشاطة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و عدّة أسنان من مشطه فأعطاها الیهود فسحروا فیها فتولی ذلک لبید ابن الاعصم رجل من الیهود و اشتدّ علیه ثلاث لیال فجاءه ملکان و هو نائم فقال أحدهما لصاحبه ما باله فقال طب قال من طبه قال لبید بن الاعصم الیهودی قال و بما طبه قال بمشط و مشاطة فی جف طلعة ذکر و عقد فی وتر دسه تحت راعونة* و فی روایة تحت صخرة فی ذروان و ذروان بئر بمنازل بنی زریق قبلی الدور التی فی جهة قبلة المسجد کذا فی خلاصة الوفاء* و فی روایة فی بئر ذی أروان کذا فی کتاب مسلم و کذا وقع فی بعض روایات البخاری و فی معظمها ذروان و کلاهما صحیح مشهور و الاوّل أصح و أجود و هی بئر فی المدینة فی بستان أبی زریق کذا ذکره الطیبی فانتبه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فذهب فی أناس من أصحابه الی البئر و قال هذه البئر التی أریتها و کانّ ماءها نقاعة الحناء و کأنّ نخلها رءوس الشیاطین فاستخرجه کذا ذکره الشیخان* و فی فتح الباری فنزل رجل و استخرجه و انه وجد فی الطلعة تمثالا من الشمع تمثال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فاذا فیه ابر مغروزة و اذا و ترفیه احدی عشرة عقدة فنزل جبریل بالمعوّذتین فکلما قرأ آیة انحلت عقدة و کلما نزع ابرة وجد لها ألما ثم یجد بعدها راحة کذا فی المواهب اللدنیة* و فی روایة بعث علیا و زبیرا و عمارا فنزحوا ماء البئر و اخرجوا جف الطلعة و کانت تحت صخرة فاذا مشاطة رأسه و أسنان من مشطه و اذا فیه و تر معقد فیه احدی عشرة عقدة مغروزة بالابر فلم یقدروا علی حل العقد فنزلت المعوّذتان فکلما قرأ جبریل آیة انحلت عقدة و وجد بعض الخفة حتی قام عند انحلال العقدة الاخیرة فکأنما أنشط من عقاله و جعل جبریل یقول بسم اللّه أرقیک و اللّه یشفیک من کل داء یؤذیک فلهذا جوّز الاسترقاء بما کان من کتاب اللّه و کلام رسوله لا بما کان بالسریانیة و العبریة و الهندیة فانه لا یحلّ اعتقاده و الاعتماد علیه ثم أمر بها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فدفنت فقیل قتل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من سحره و قیل عفا عنه قال الواقدی عفوه عنه أثبت عندنا و روی قتله*

سریة أبان بن سعید قبل نجد

و فی هذه السنة بعث صلی اللّه علیه و سلم أبان بن سعید فی سریة من المدینة قبل نجد فقدم أبان فی أصحابه علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بخیبر بعد ما افتتحها و انّ جزم خیلهم اللیف و لم یقسم لهم من غنائم خیبر و کان اسلام أبان بین الحدیبیة و خیبر و هو الذی أجار عثمان یوم الحدیبیة حین بعثه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی مکة کذا فی حیاة الحیوان‌

* اسلام أبی هریرة

و فی هذه السنة أسلم أبو هریرة* و فی المنتقی کان اسلامه بین الحدیبیة و خیبر و اختلفوا فی اسمه و اسم أبیه علی ثمانیة عشر قولا ذکرها ابن الجوزی فی التلقیح أشهرها عبد شمس بن عامر فسمی فی الاسلام عبد اللّه* و فی التذنیب الاظهر أنّ اسمه عبد الرحمن و اسم أبیه صخر و کانت له هریرة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:42
صغیرة فکنی بها و کانت کنیته فی الجاهلیة أبا الاسود* و فی المنتقی قیل له لم کنوک بأبی هریرة قال کنت أرعی غنم قومی و کانت لی هریرة صغیرة ألعب بها فکنونی بأبی هریرة و کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یکنیه أبا هرّ قدم المدینة سنة سبع مهاجرا و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بخیبر فسار إلیه حتی قدم مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المدینة کذا فی الصفوة و کان أحفظ الصحابة لاخبار رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و آثاره و لم یشتغل بالبیع و لا بالغرس و لزم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثلاث سنین مختارا للعدم و الفقر و دعا له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال اللهم حبب عبیدک هذا و أمّه الی عبادک المؤمنین و حبب إلیهما المؤمنین و قال أبو هریرة حفظت من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خمس جرب من العلم فاخرجت جرابین و لو أخرجت الثالث لرجمونی بالحجارة و عن یزید بن الاصم قال سمعت أبا هریرة یقول یقولون لی أکثرت یا أبا هریرة و الذی نفسی بیده لو حدّثتکم بکل ما سمعت من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لرمیتمونی بالقشع و هی النخامة و قیل الجلد الیابس ثم ما ناظرتمونی* و عن أبی هریرة قال حفظت من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم وعاءین فأمّا أحدهما فبثثته فیکم و أمّا الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم یعنی مجری الطعام و عن سعید بن المسیب أنّ أبا هریرة قال انکم تقولون ان أبا هریرة یکثر الحدیث عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و المهاجرون و الانصار لا یحدّثون عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مثل حدیث أبی هریرة و ان اخوانی من المهاجرین کان یشغلهم الصفق فی الاسواق و اخوانی من الانصار یشغلهم عمل أموالهم و کنت امرأ مسکینا من مساکین الصفة ألزم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علی مل‌ء بطنی فأحضر حین یغیبون و أعی حین ینسون* روی ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال له أ لا تسألنی عن هذه الغنائم التی یسألنی أصحابک فقال أسألک أن تعلمنی مما علمک اللّه و خرج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ذات یوم و قال لن یبسط أحد ثوبه حتی أقضی مقالتی هذه ثم یجمع إلیه ثوبه إلا وعی ما أقول قال أبو هریرة فبسطت نمرة لی حتی اذا قضی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم* و فی روایة فنزع نمرة عن ظهری فبسطها بینی و بینه حتی کأنی أنظر الی القمل یدب علیها حتی اذا استوعب حدیثه قال اجمعها فجمعتها الی صدری فما نسیت من مقالة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و روی عن الامام أحمد بن حنبل قال رأیت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی المنام فقلت یا رسول اللّه ما روی أبو هریرة عنک حق قال نعم‌

قصة جراب أبی هریرة

و أبو هریرة کان من أهل الصفة و اختلف فی صفة جرابه و الصحیح ما روی عنه أنه قال أتیت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بتمرات فقلت یا رسول اللّه ادع لی فیهنّ بالبرکة قضمهن ثم دعا فیهنّ بالبرکة و قال خذهنّ و اجعلهنّ فی مزودک کلما أردت منه شیئا فأدخل فیه یدک فخذه و لا تنثره نثرا قال فحملت من تلک التمرات کذا و کذا من وسق فی سبیل اللّه و کنا نأکل منه و نطعم و کان لا یفارق حقوی حتی کان یوم الدار یوم قتل عثمان انقطع فذهب* و فی روایة عنه قال کنا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی غزوة فأصاب الناس مخمصة فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یا أبا هریرة هل من شی‌ء قلت نعم شی‌ء من تمر فی المزود فقال ائتنی به فأتیته به فأدخل یده فأخرج قبضة فبسطها ثم قال ادع لی عشرة فدعوت عشرة فأکلوا حتی شبعوا فما زال یصنع ذلک حتی أطعم الجیش کلهم و شبعوا ثم قال خذ ما جئت به و أدخل یدک فاقبض و لا تکبه قال فقبضت علی أکثر مما جئت به ثم قال أ لا أحدّثکم کم أکلت أکلت حیاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و حیاة أبی بکر و أطعمت و حیاة عمر و أطعمت و حیاة عثمان و أطعمت فلما قتل عثمان انتهب یعنی الجراب فذهب* و فی المنتقی انتهبت یعنی المدینة و ذهب المزود و کان یقول
للناس همّ ولی فی الیوم همان‌همّ الجراب و همّ الشیخ عثمان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:43
توفی أبو هریرة بالمدینة و یقال بالعقیق سنة سبع و قیل ثمان و قیل تسع و خمسین من الهجرة فی آخر خلافة معاویة و له ثمان و سبعون سنة کذا فی الصفوة و سیجی‌ء فی الخاتمة مرویاته فی کتب الاحادیث خمسة آلاف و ثلاثمائة و أربعة و سبعون حدیثا*

غزوة خیبر

اشارة

و فی هذه السنة وقعت غزوة خیبر* فی الاکتفاء لما قدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من الحدیبیة فی ذی الحجة مکث بها ذا الحجة منسلخ سنة ست و بعض المحرم من سنة سبع* و فی روایة قریبا من عشرین یوما ثم خرج فی بقیة منه الی خیبر غازیا و کان اللّه وعده ایاها و هو بالحدیبیة بقوله* وعدکم اللّه مغانم کثیرة تأخذونها فعجل لکم هذه یعنی بالمعجل صلح الحدیبیة و بالمغانم الموعود بها فتح خیبر فخرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم إلیها مستنجزا میعاد ربه و واثقا بکفایته و نصرته* و فی روایة أقام یحاصر خیبر بضع عشرة لیلة الی أن فتحها و قیل کانت فی آخر سنة ست و هو منقول عن مالک و به جزم ابن حزم قال الحافظ ابن حجر و الراجح ما ذکره ابن اسحاق و یمکن الجمع بأن من أطلق سنة ست بناه علی ان ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقیقی و هو ربیع الاوّل کذا فی المواهب اللدنیة* و فی المنتقی کانت غزوة خیبر فی جمادی الاولی و کان معه ألف و أربعمائة راجل و مائتا فارس و معه أمّ سلمة زوجته* و فی خلاصة الوفاء خیبر اسم ولایة مشتملة علی حصون و مزارع و نخل کثیر علی ثلاثة أیام من المدینة علی یسار خارج الشام و خیبر بلسان الیهود الحصن* و فی معجم ما استعجم بینها و بین المدینة ثمانیة برد الی جهة الشام مشی ثلاثة أیام* و فی مزیل الخفاء کل برید أربعة فراسخ و کل فرسخ ثلاثة أمیال و کل میل أربعة آلاف خطوة و کل خطوة ثلاثة أقدام یوضع قدم أمام قدم و یلصق به* و أمر أن لا یخرج معه الا من رغب فی الجهاد لا من غرضه عرض الدنیا و استخلف علی المدینة سباع بن عرفطة الغفاری و استعمل علی مقدمة الجیش عکاشة بن محصن الاسدی و علی المیمنة عمر بن الخطاب و علی المیسرة واحدا من أصحابه و فی بعض الکتب علی بن أبی طالب و هو غیر صحیح لان الروایات الصحیحة تدل علی ان علیا فی أوائل الحال لم یکن فی العسکر و کان به رمد شدید و لما لحق بالعسکر أعطاه الرایة و أمّره علی الجیش و وقع الفتح علی یده کما سیجی‌ء و کان دلیله رجلین من أشجع ماهرین بالطریق اسم أحدهما حسبل و أرسل ابن أبی بن سلول الی یهود خیبر یخبرها بأن محمدا فی قصدکم و توجه إلیکم فخذوا حذرکم و أدخلوا أموالکم فی الحصون و اخرجوا الی قتاله و لا تخافوا منه فان عددکم و عددکم کثیرة و قوم محمد شرذمة قلیلون عزل لا سلاح فیهم الا قلیل فلما علم بذلک أهل خیبر أرسلوا کنانة بن أبی الحقیق و هوذة بن قیس الوائلی الی غطفان یستمدونهم لانهم کانوا حلفاء یهود خیبر و شرطوا لهم نصف ثمار خیبر ان غلبوا علی المسلمین و لم تقبل غطفان خوفا من أهل الاسلام* و فی روایة قبلوا و لما نزل المسلمون منزل الرجیع و کان بینهم و بین غطفان مسیرة یوم و لیلة تهیأ غطفان و توجهوا الی خیبر لامداد الیهود و لما کانوا ببعض الطریق سمعوا من خلفهم حسا و لغطا فظنوا ان المسلمین أغاروا علی أهلیهم و أموالهم فرجعوا و ترکوا أهل خیبر مخذولین و خلوا بین رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و بین خیبر کما سیجی‌ء* و فی معجم ما استعجم قال محمد بن اسحاق کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین خرج من المدینة الی خیبر سلک علی عصر هکذا روی بفتح العین و اسکان الصاد المهملة و فی بعض النسخ عصر بفتح الصاد قال فبنی له فیها مسجد ثم سلک علی الصهباء التی أعرس بها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هی من خیبر علی برید* روی انه صلی اللّه علیه و سلم لما ورد الصهباء و صلی بها العصر دعا بالازواد فلم یأتوا بغیر التمر و السویق فأکلوا و صلی المغرب فی الجماعة بوضوء العصر و بعد ما صلی العشاء دعا بالدلیلین لیدلاه علی أحسن طرق خیبر حتی یحول بین أهل خیبر و غطفان فقال أحد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:44
الدلیلین و اسمه حسبل انا أدلک یا رسول اللّه فأقبل حتی انتهوا الی مفرق الطریق المتعدّدة قال حسبل یا رسول اللّه هذه طرق یمکن الوصول من کل منها الی المقصد فأمر بأن یسمیها له واحدا واحدا قال حسبل اسم واحد منها احزن فأبی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من سلوکه و قال اسم الآخر شأس فامتنع منه أیضا و قال اسم الآخر حاطب فامتنع منه أیضا قال حسبل فما بقی الا واحد قال عمر ما اسمه قال مرحب فاختار النبیّ صلی اللّه علیه و سلم سلوکه فقال عمر یا حسبل هلا قلت هذا أوّل مرة* و فی خلاصة الوفاء مرحب بالحاء المهملة کمقعد طریق اختار النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أن یسلکه لخیبر بعد ان ذکر له طرق غیره فأبی أن یسلکها فأقبل حتی نزل بواد یقال له الرجیع کأمیر فنزله بین أهل خیبر و بین غطفان لیحول بینهم و بین أن یمدوا أهل خیبر و کانوا لهم مظاهرین علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کما مرّ و قد کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قدّم عباد بن بشر فی جماعة من الرکبان أمامه طلیعة فأصابوا عینا الیهود خیبر فأخذوه فسأله عباد من أنت قال جمال فاقدا بل خرجت أطلبها قال ما الخبر من أهل خیبر قال هم أرسلوا هوذة بن قیس و کنانة بن أبی الحقیق الی حلفائهم یستمدونهم و أدخلوا عیینة بن بدر مع جمع کثیر فی حصونهم لامدادهم فالان فیها ألف مقاتل یترقبون حرب محمد و أصحابه قال له عباد کأنک عینهم فأنکر فضربه و عذبه و خوّفه بالقتل فقال اذا أدخلتنی فی جوارک أصدقتک ففعل فقال اعلموا ان أهل خیبر خائفون منکم خوفا شدیدا و استولی علی قلوبهم خوف عظیم مما فعلتم بیهود بنی قریظة و النضیر و منافقو المدینة بعثوا الی أهل خیبر یخبرونهم ان محمدا یقصدکم فلا تخافوهم فانهم قلیلون فأرسلونی لا تجسس أخبارکم و أحرز أعدادکم و مقدارکم فجاء به عباد الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأخبره بما سمع منه فقال عمر ینبغی أن یضرب عنقه فقال عباد هو فی جواری فأمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم عبادا بحفظه حتی یتبین الامر و بعد ما دخل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم خیبر أسلم العین و عن سلمة بن الاکوع أنه قال خرجنا من المدینة مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی خیبر فقال رجل من القوم لعامر بن الاکوع أ لا تسمعنا من هنیهاتک و کان عامر رجلا شاعرا فشرع یحد و للقوم یقول رجز ابن رواحة
اللهمّ لو لا أنت ما اهتدیناو لا تصدّقنا و لا صلینا
فاغفر فدی لک لما أبقیناو ثبت الاقدام ان لاقینا
و ألقین سکینة علیناانا اذا صیح بنا أتینا
و بالصیاح عوّلوا علینا
و فی روایة ایاس بن أبی سلمة عن أبیه عن الضبی فی هذا الرجز من الزیادة و هو قوله
ان الذین قد بغوا علینااذا أرادوا فتنة أبینا
و نحن عن فضلک ما استغنینا
فأعجب القوم ذلک و فرحوا و أسرع الابل فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کما فی روایة البخاری من هذا السائق قالوا عامر بن الاکوع فقال یرحمه اللّه* و فی روایة لما قال من هذا السائق قال أنا عامر ابن الاکوع فقال غفر لک ربک و کان معلوما عندهم انه ما استغفر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لانسان یخصه الا استشهد فقال عمر بن الخطاب وجبت له الشهادة فنادی عمر و هو علی جمل له یا رسول اللّه هلا أمتعتنا به فاستشهد فی خیبر کما سیجی‌ء* و فی صحیح البخاری فأصیب صبیحة لیلته* و فی بعض الکتب لما سکت عامر عن الحداء أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عبد اللّه بن رواحة أن یسوق الابل فشرع عبد اللّه فی الحداء و أنشد ما أنشد عامر و زاد علیه فقال صلی اللّه علیه و سلم اللهمّ ارحمه فاستشهد هو أیضا بمؤتة کما سیجی‌ء* و روی انه کان لسلام بن مشکم حصن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:45
صعب فذهب جماعة من أعیان یهود الی منزله و شاوروه فی الخروج الی حرب محمد و التحصن فی حصونهم فحرضهم سلام علی الخروج* و فی روایة قال الرأی ما أشار إلیکم عبد اللّه بن أبی علی سبیل النصیحة و لکن لم یقدّر لهم الخروج فبقوا فی حصونهم* و روی ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم دخل حصونها من طریق وادی خرصه و لما أشرف صلی اللّه علیه و سلم علی خیبر قال لاصحابه قفوا ثم قال اللهمّ رب السموات و ما أظللن و رب الارضین و ما أقللن و رب الشیاطین و ما أضللن و رب الریاح و ما أذرین* و فی روایة و رب البحار و ما جرین فانا نسألک خیر هذه القریة و خیر أهلها و خیر ما فیها و نعوذ بک من شرّها و شرّ أهلها و شرّ ما فیها ثم قال اقدموا بسم اللّه و کان یقولها لکل قریة دخلها فساروا حتی انتهوا الی موضع یسمی المنزلة و عرّس بها ساعة من اللیل فصلی فیها نافلته فبنی له ثمة له مسجد بالحجارة و هذا المسجد یسمی المنزلة و فیه تصلی الاعیاد الیوم کذا فی معجم ما استعجم فقامت راحلته تجرّ زمامها فأدرکت لتردّ فقال دعوها فانها مأمورة فلما انتهت الی موضع الصخرة برکت عندها فتحوّل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی الصخرة و تحوّل الناس إلیها و اتخذوا ذلک الموضع معسکرا و ابتنی هناک مسجدا و هو مسجدهم الیوم و هو المسجد الاعظم الذی کان طول مقامه بخیبر یصلی فیه و بنی عیسی بن موسی هذا المسجد و انفق علیه ما لا جزیلا و هو علی طاقات معقودة و له رحاب واسعة و فیها الصخرة التی یصلی إلیها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم طول مقامه بخیبر و کان قد استولی لیلتئذ نوم الغفلة علی أهل خیبر فلم یشعروا بقدوم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مع انهم کانوا قبل ذلک یبعثون کل لیلة من رجالهم رکبانا متسلحة للتجسس و الاستخبار عن جیش الاسلام فانهم کانوا قد سمعوا بخروجهم من المدینة و توجههم الی خیبر و فی تلک اللیلة لم یتحرّک أحد منهم حتی ان دیوکهم لم تصح و دوابهم لم تتحرّک* و فی البخاری من حدیث أنس أنه صلی اللّه علیه و سلم أتی خیبر لیلا و کان اذا أتی قوما بلیل لم یغزهم حتی یصبح فان سمع أذانا أمسک و الا أغار فبات رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی أصبح و لم یسمع أذانا فرکب و رکبنا معه و رکبت خلف أبی طلحة و ان قدمی لتمس قدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فاستقبلنا عمال خیبر غادین قد خرجوا بمساحیهم و مکاتلهم* و فی روایة فلما أصبحوا و أفئدتهم تخفق فانتبهوا قریبا من طلوع الشمس و فتحوا حصونهم و غدوا الی أعمالهم فخرجوا بمساحیهم و مدافلهم و مکاتلهم فلما رأوه قالوا و اللّه محمد و الخمیس معه فولوا هاربین الی حصونهم و جعل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول اللّه أکبر خربت خیبر فانا اذا انزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرین و الخمیس الجیش سمی به لانه مقسوم بخمسة أقسام التامّة؟؟؟ و الساقة و المیمنة و المیسرة و القلب و محمد خبر مبتدأ أی هذا محمد قال السهیلی و یؤخذ من هذا الحدیث التفاؤل لانه علیه السلام لما رأی آلة الهدم تفاءل ان مدینتهم ستخرب انتهی و یحتمل کما قاله فی فتح الباری أن یکون قال خربت خیبر بطریق الوحی و یؤیده قوله انا اذ انزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرین فدخلت الیهود حصونهم و أخبر و اسلام بن مشکم بأنه قد دهمهم جیش محمد قال ما سمعتم کلامی و قصرتم فی الخروج إلیه فلا تقصروا فی الحرب لأن تقتلوا فی الحرب خیر من أن توتروا فعزموا علی الحرب فأدخلوا أموالهم و عیالهم فی حصن کثیبة و أدخلوا ذخائرهم فی حصن ناعم و جمع المقاتلة و أهل الحرب فی حصن نطاة و سلام بن مشکم مع انه کان مریضا جاء و دخل نطاة معهم و حرض الناس علی الحرب و مات فی ذلک الحصن و لما تیقن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ان الیهود تحارب وعظ أصحابه و نصحهم و حرضهم علی الجهاد و رغبهم فی الثواب و بشرهم بأن من صبر فله الظفر و الغنیمة و قال مغلطای و غیره و فرّق علیه السلام الرایات و لم تکن الرایات الا بخیبر و انما کانت الالویة و قال الدمیاطی و کانت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:46
رایة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم سوداء من برد لعائشة* و فی روایة عقد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم رایتین احداهما سوداء من ستر باب عائشة و تسمی العقاب و الأخری بیضاء و کانت ألویة غیرهما و کان شعار المسلمین یا منصور أمت أمت* روی ان خباب بن المنذر أتی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه أ رأیت هذا المنزل أ منزل أنزلکه اللّه أم هو الرأی فی الحرب قال بل هو الرأی فقال یا رسول اللّه ان هذا المنزل قریب جدّا من حصن نطاه و جمیع مقاتل خیبر فیها و هم یدرون أحوالنا و نحن لا ندری أحوالهم و سهامهم تصل إلینا و سهامنا لا تصل إلیهم و لا نأمن بیاتهم و أیضا هذا منزل بین النخلات و مکان غائر و أرض و خیمة لو أمرت بمکان خال عن هذه المفاسد یتخذ معسکرا قال صلی اللّه علیه و سلم الرای ما أشرت إلیه و قد مرّ مثل هذا فی غزوة بدر فدعا محمد بن مسلمة فأمره أن یرتاد منزلا یصلح لأن یتخذ معسکرا کما قاله خباب فذهب محمد بن مسلمة یلتمس و یدور حتی انتهی الی موضع یقال له الرجیع فرأی ذلک الموضع صالحا للمعسکر فرجع الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أخبره به فنهضوا إلیه باللیل فیومئذ فی ذلک الموضع شرعوا فی حرب حصن نطاة و کانت الیهود ترمی بالسهام الی عسکر الاسلام و یلتقطها المسلمون و یرمونها فی وجوههم الی الحصن ثم انهم قطعوا من نخیل نطاة أربعمائة نخلة و ما قطع فی خیبر غیر نخیلها* و فی تلخیص المغازی و بعض کتب السیر أوّل ما فتح من حصون خیبر نطاة ثم الشق و قال ابن اسحاق کان أوّل حصن افتتحه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حصن ناعم و عنده قتل محمود بن مسلمة و کان قد حارب حتی أعیاه الحرب و ثقل السلاح و کان الحرّ یومئذ شدیدا فانحاز محمود بن مسلمة الی ظل حصن ناعم یظنّ ان لیس فیه أحد و کان مرحب الیهودی أو کنانة بن أبی الحقیق یراه فأتی بحجر الرحا و ألقاه علی رأسه فهشمت البیضة علی رأسه و نزل جلد جبهته علی وجهه فأدرکه المسلمون فارتثوه الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فسوّی جلده بیده الی مکانه و عصبه بخرقة فمات من هذه الجراحة ثم افتتح صلی اللّه علیه و سلم القموص حصن بنی أبی الحقیق فأصاب صلی اللّه علیه و سلم سبایا منهم صفیة ابنة حیی بن أخطب و کانت زوجة کنانة بن الربیع ابن أبی الحقیق و بنتا عم لها فاصطفی صفیة لنفسه بعد أن سأله ایاها دحیة بن خلیفة الکلبی فلما اصطفاها لنفسه أعطاه ابنتی عمها و کان بلال هو الذی جاء بصفیة و بأخری معها فمرّ بهما علی قتلی یهود فلما رأتهم التی مع صفیة صاحت و صکت وجهها و حثت التراب علی رأسها فلما رآها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال اعزبوا عنی هذه الشیطانة فذکر ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال لبلال حین رأی بتلک الیهودیة ما رأی أ نزعت منک الرحمة یا بلال حتی تمر بامرأتین علی قتلی رجالهما ثم أتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حصن القموص و أتی إلیه بکنانة بن الربیع و هو من رؤساء یهود خیبر و کان عنده کنز بنی النضیر و أبی الحقیق و کان ملأ مسک جمل بالجیم و قیل حمار ذهبا و عقودا من الدر و الجوهر و اذا کان لاعیان أهل مکة و رؤسائهم ولیمة أو عرس یبعثون إلیه بالرهن و یستعیرون منه فیعطیهم من ذلک الحلی و الجواهر ما أرادوه و کان الکنز فی الاوائل ملأ مسلک حمل بالحاء المهملة و لما ازدادت ثروة أبی الحقیق زادها حتی لا یسعها مسک شاة فجعلها فی مسک ثور هکذا کان یزید علیها حتی جعلها ملأ مسک بعیر و لما سأل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کنانة عن الکنز قال یا أبا القاسم صرفناها فی الحروب و نوائب الدهر حتی فنیت و ما بقی منها شی‌ء و حلف علی ذلک فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ان ظهر خلاف ذلک أبحت دماءکم قالوا نعم فأشهد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علی ذلک أبا بکر و عمر و علیا و عشرة من رجال یهود فقام یهودی و قال لکنانة ان کان ما یطلبه محمد عندک أو تعلم أین هو فأخبره تبق فی أمانه و الا فو اللّه لیطلعنه اللّه علیه فتفتضح فزجره کنانة و لم یسمع کلامه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:47
فأطلع اللّه نبیه علی موضع الکنز فطلب کنانة فأخبره بکذبه و انه أخبر به من السماء و کان کنانة حین رأی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فتح حصن نطاة و تیقن بظهوره علیهم دفنه فی خربة* و فی روایة سأل صلی اللّه علیه و سلم ثعلبة بن سلام بن أبی الحقیق عن الکنز قال لا أدری غیر انی رأیت کنانة یطیف کل غداة حول تلک الخربة فأرسل صلی اللّه علیه و سلم الزبیر بن العوّام مع جماعة الی تلک الخربة فحفروها و وجدوا الکنز فرفع عنهم الامان و أبیحت دماؤهم* و فی الاکتفاء فسأل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کنانة عن الکنز فجحد ان یکون یعلم مکانه فأتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم برجل من الیهود فقال انی رأیت کنانة یطیف بهذه الخربة کل غداة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أ رأیت ان وجدناه عندک أقتلک قال نعم فأمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض کنزهم ثم سأله ما بقی فأبی أن یریه فأمر به الزبیر بن العوّام فقال عذبه حتی تستأصل ما عنده فکان الزبیر یقدح بزند فی صدره حتی أشرف علی نفسه ثم دفعه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخیه محمود بن مسلمة* و فی المواهب اللدنیة و فتح اللّه علیه خیبر حصنا حصنا و هی نطاة و حصن الصعب و حصن ناعم و حصن قلعة الزبیر و الشق و حصن أبی و حصن البراء و القموص و الرطیح و السلالم و هو حصن آل أبی الحقیق* و فی خلاصة الوفاء الوطیح بالفتح و کسر الطاء المهملة و مثناة تحتیة و حاء مهملة من أعظم حصون خیبر و فی کتاب أبی عبیدة الوطیحة بزیادة هاء و فی بعض الکتب اللغویة عدّ السطیح بفتح السین المهملة من حصون خیبر مما فتحه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و ما وجدته فی کتب السیر و اللّه أعلم بذلک و السلالم بضم السین و کسر اللام الثانیة أحرز حصون خیبر أو موضع به حصن من حصونها و روی الواقدی ان من حصون خیبر البزار کان أهله أشدّ رمیا للمسلمین من؟؟؟ حصاره فحصبه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بکف من حصی فرجف بهم و ساخ* و فی تلخیص المغازی فی أیام محاصرة حصن صعب خرج من الحصن عشرون أو ثلاثون حمارا فأخذها رهط من المسلمین فذبحوها و جعلوا لحومها فی قدور و جعلوا یطبخونها للاکل من شدّة الجوع فمرّ بهم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فسأل عما فی القدور و البرام قالوا لحم الحمر الانسیة فأمر المنادی حتی نادی ألا ان لحم الحمار الانسی و لحم کل حیوان ذی ناب من السباع و ذی مخلب من الطیور و نکاح المتعة حرام المشهور فی الانسیة کسر الهمزة نسبة الی الانس و هم بنو آدم و حکی ضم الهمزة ضدّ الوخشیة و یجوز فتحها و النون أیضا مصدر أنست به انسا و انسة* و فی المواهب اللدنیة نهی یوم خیبر عن أکل الثؤم و عن لحم الحمر الاهلیة و عن سلمة بن الاکوع لما امسوا یوم فتحوا خیبر أوقدوا النیران قال صلی اللّه علیه و سلم علا أو قدتم هذه النیران قالوا علی لحم الحمر الاهلیة قال أهریقوا ما فیها فکسروا قدورها فقام رجل من القوم فقال أ نهریق ما فیها و نغسلها فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أو ذلک کذا فی الصحیحین* و فی الاکتفاء قال ابن عقبة کانت خیبر أرضا و خیمة شدیدة الحرّ فجهد المسلمون جهدا شدیدا و أصابتهم مسغبة شدیدة فوجدوا أحمرة انسیة لیهود لم یکونوا أدخلوها فی الحصن فانتحروها ثم وجدوا فی أنفسهم من ذلک فذکروها لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فنهاهم عن أکلها* و عن جابر بن عبد اللّه و؟؟؟ خیبر أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین نهی الناس عن أکل لحوم الحمر أذن لهم فی لحوم الحیل و عن معتب بن قش الاسلمی أنه قال حین محاصرة نطاة بلغ حالنا أیها الاسلمیون المخمصة فأرسلنا الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم نشکو إلیه الجوع فقلنا له ادع لنا بالفتح فقال اللهمّ افتح للمسلمین أعظم الحصون و أکثرها طعاما فجمع الجیش و أعطی الرایة خباب بن المنذر و أمرهم أن یحملوا جملة واحدة ففعلوا فأوّل جماعة و صلوا الی باب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:48
حصن الصعب أسلم و کانوا یحاربون حتی فتح الحصن فأصابوا أقمشة و أمتعة و أطعمة کثیرة* و فی الاکتفاء و لما أصاب المسلمین بخیبر ما أصابهم من الجهد أتی بنو سهم من أسلم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقالوا یا رسول اللّه لقد جهدنا و ما بأیدینا من شی‌ء فلم یجدوا عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم شیئا یعطیهم ایاه فقال اللهمّ انک قد عرفت حالهم و ان لیست بهم قوّة و ان لیس بیدی شی‌ء أعطیهم ایاه فافتح علیهم أعظم حصونها غناء و أکثرها طعاما و ودکا فغدا الناس ففتح اللّه علیهم حصن الصعب بن معاذ و ما بخیبر حصن کان أکثر طعاما و ودکا منه* و فی معجم ما استعجم نطاة و شق و ادیان بینهما أرض تسمی السبخة و فی نطاة حصن مرحب و قصره وقع فی سهم الزبیر بن العوّام و فی نطاة عین تسمی اللجیجة و أوّل دار فتحت بخیبر دار بنی قمة و هی بنطاة و هی منزل لیاسر أخی مرحب و هی التی قالت فیها عائشة رضی اللّه عنها ما شبع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من خبز الشعیر و التمر حتی فتحت دار بنی قمة قال کل ذلک من کتاب السکونی ثم قال بالشق عین تسمی الحمة و هی التی سماها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قسمة الملائکة یذهب ثلثا مائها فی فلج بالفاء و الجیم و هو النهر الصغیر کذا فی الصحاح و الثلث الآخر فی فلج و المسلک واحد و قد اعتبرت منذ زمان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی الیوم یطرح فیها ثلاث خشبات أو ثلاث تمرات فیذهب اثنان فی الفلج الذی له ثلثا مائها و واحدة فی الفلج الثانی و لا یقدر أحد أن یأخذ من ذلک الفلج أکثر من الثلث و من قام فی الفلج الذی یأخذ الثلثین لیردّ الماء الی الفلج الثانی غلبه الماء و فاض و لم یرجع الی الفلج الثانی بشی‌ء یزید علی الثلث* قال الواقدی بعد فتح الشق و نطاة تحوّل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی کثیبة* و فی خلاصة الوفاء الکثیبة بلفظ کتیبة الجیش قاله أبو عبیدة بالمثلثة حصن بخیبر خمس اللّه و رسوله و ذی القربی و الیتامی و المساکین و جاء أهل الشق و نطاة فتحصنوا معهم فی القموص و هو حصن خیبر الاعظم و القموص بالصاد المهملة کصبور جبل علیه حصن لبنی أبی الحقیق بخیبر و قیل الحصن بالغین و الضاد المعجمتین و کان حصنا حصینا حاصره النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قریبا من عشرین لیلة و حین حاصره کانت به شقیقة لم یقدر أن یحضر بنفسه الکریمة معرکة المحاربة و کان یعطی الرایة کل یوم واحدا من أصحابه و یبعثه الی المحاربة فأعطاها یوما أبا بکر و وجهه إلیه فأتاه و قاتل مقاتلة شدیدة و رجع من غیر فتح و أخذ الرایة فی الیوم الثانی عمر فقاتل أشدّ من الیوم السابق و لم یفتح له* و فی روایة فی الیوم الاوّل قاتل عمر و فی الثانی أبو بکر و فی الثالث عمر و لم یفتح الحصن فلما أمسی قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اما و اللّه لأعطین الرایة غدا رجلا کرارا غیر فرّار یحب اللّه و رسوله و یحبه اللّه و رسوله یفتح اللّه علی یدیه* و فی روایة قال ابشر یا محمد بن مسلمة تقتل غدا قاتل أخیک و بات الناس یدوکون لیلتهم أی یحرصون و یتحدّثون أیهم یعطاها غدا و لم یکن أحد من الصحابة الذین لهم منزلة من النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الا یرجو أن یعطاها روی ان علیا لما بلغه ما قاله النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال اللهمّ لا معطی لما منعت و لا مانع لما أعطیت* روی ان الناس لما أصبحوا غدوا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و اجتمعوا علی بابه* و فی المنتقی لما کان من الغد تطاول لها أبو بکر و عمر و قریش یرجو کل واحد أن یکون هو صاحب ذلک و عن سعد بن أبی وقاص قال جئت فبرکت بحذاء النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثم قمت و وقفت بین یدیه و عن عمر بن الخطاب أنه قال ما أحببت الامارة الا ذلک الیوم ثم خرج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من خیمته و قال أین علی بن أبی طالب فقیل هو یشتکی عینیه و عن سلمة بن الاکوع أنه قال کان علیّ تخلف عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی سفر خیبر بالمدینة
أوّلا و کان به رمد شدید حتی انه کان لا یری شیئا ثم قال أنا أتخلف عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فتأهب و خرج فی أثره و لحق به فی الطریق أو بعد وصوله الی خیبر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:49
فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أرسلوا إلیه من یأتی به فذهب إلیه سلمة بن الاکوع و أخذ بیده یقوده حتی أتی به الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هو أرمد و کان قد عصب عینیه بشقة برد قطری فتفل فی عینیه و دعا له فبرئ حتی کأن لم یکن به رمد و لا وجع فأعطاه الرایة و عن علیّ أنه قال لما انتهیت الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم وضع رأسی فی حجره فبصق فی عینی و فی روایة عنه بصق فی کفه و مسح به عینی فشفیت فی الحال و ما اشتکیتهما بعد الیوم أبدا و فی روایة فما وجعاه بعد حتی مضی لسبیله و فی روایة عن علیّ دعا له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال اللهمّ أذهب عنه الحر و القر فما وجد بعده الحر و البرد و کان یلبس ثیاب الصیف فی الشتاء و لا یبالی و ثیاب الشتاء فی الصیف و لا یبالی و فی روایة ألبسه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم درعه الحدید و شدّ ذا الفقار أعنی السیف فی وسطه و أعطاه الرایة و وجهه الی الحصن فقال علیّ یا رسول اللّه أقاتلهم حتی یکونوا مثلنا یعنی مسلمین فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انفذ علی رسلک حتی تنزل بساحتهم ثم ادعهم الی الاسلام و أخبرهم بما یجب علیهم من حق اللّه فیه فو اللّه لان یهدی اللّه بک رجلا واحدا خیر لک من ان یکون لک حمر النعم یعنی تصدّقت بها فی سبیل اللّه أخرجاه فی الصحیحین* و فی معالم التنزیل قال امض و لا تلتفت حتی یفتح اللّه علیک و فی الاکتفاء قال خذ هذه الرایة فامض بها حتی یفتح اللّه علیک قال سلمة ابن عمرو بن الاکوع فخرج علیّ و اللّه یهرول هرولة و انا خلفه نتبع أثره حتی رکز رایته فی ربض من حجارة تحت الحصن فاطلع إلیه یهودی من فوق الحصن قال من أنت فقال علی بن أبی طالب فقال الیهودی غلبتم و ما أنزل علی موسی أو کما قال قال فما رجع حتی فتح اللّه علی یدیه و فی المواهب اللدنیة و لما تصاف القوم کان سیف عامر قصیرا فتناول ساق یهودی لیضربه و رجع ذباب سیفه فأصاب عین رکبة عامر فمات منه فلما قفلوا قال سلمة قلت یا رسول اللّه فداک أبی و أمّی زعموا ان عامرا قد حبط عمله قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کذب من قاله و ان له أجرین و جمع بین اصبعیه انه لجاهد مجاهد رواه البخاری و فی بعض کتب السیر روی انه لما حاربوا علی حصن صعب خرج ملکهم مرحب یخطر بسیفه و یقول شعرا
قد علمت خیبر أنی مرحب‌شاکی السلاح بطل مجرب
اذا الحروب أقبلت تلتهب
فبرز له عامر بن الاکوع و قال
قد علمت خیبر انی عامرشاکی السلاح بطل مغامر فاختلفا ضربتین فاوّلا سلّ مرحب سیفه و ضرب به عامرا فاتقی عامر بترسه فنشب السیف فی الترس فسل عامر سیفه و ذهب یسفل فتناول به ساق مرحب لیضربه و کان فی سیفه قصر فرجع سیفه علی نفسه فأصاب ذباب السیف رکبة نفسه فقطع أکحله فکانت فیها موته فدفنوه فی منزل رجیع مع محمود بن مسلمة فی غار واحد قال سلمة بن الاکوع لما رجعنا من خیبر رآنی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی الطریق محزونا* و فی روایة قال أتیت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقلت یا رسول اللّه یزعم أسید بن حضیر و جماعة من أصحابک ان عامرا حبط عمله اذ قتل بسیفه قال کذب من قاله ان له لأجرین اثنین و جمع بین اصبعیه و قال انه لجاهد مجاهد کما مرّ* و فی روایة قال انه لیعوم فی الجنة عوم الدعموص* و عن زید بن ابی عبید قال رأیت أثر ضربة بساق سلمة بن الاکوع فقلت ما هذه الضربة قال هذه ضربة أصابتنی یوم خیبر فأتیت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فنفث فیها ثلاث نفثات فما اشتکیتها حتی الساعة أخرجه البخاری و عنه أیضا شهدنا خیبر فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لرجل ممن معه یدّعی الاسلام هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل أشدّ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:50
القتال حتی کثرت به الجراحة فکاد بعض الناس یرتاب فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوی بیده الی کنانته فاستخرج منها سهما فنحر نفسه فاشتدّ رجال من المسلمین فقالوا یا رسول اللّه صدّق اللّه حدیثک انتحر فلان فقتل نفسه فقال قم یا فلان فناد لا یدخل الجنة الا مؤمن و ان اللّه یؤید هذا الدین بالرجل الفاجر* و فی روایة قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عند ذلک ان الرجل لیعمل بعمل أهل الجنة فیما یبدو للناس و هو من أهل النار و ان الرجل لیعمل بعمل أهل النار فیما یبدو للناس و هو من أهل الجنة کذا فی المواهب اللدنیة* و روی ان علیا لما انتهی الی حصن قموص کان أوّل من خرج إلیه من الحصن الحارث الیهودی أخو مرحب مع اتباعه و باشهر الحرب و قتل رجلین من المسلمین فقتله علیّ فلما رأی مرحب أن أخاه قد قتل خرج من الحصن سریعا مع اتباعه و هو یرتجز و یقول
قد علمت خیبر انی مرحب‌شاکی السلاح بطل مجرّب
أطعن أحیانا و حینا أضرب‌اذا الحروب أقبلت تلهب
ان حمای للحمی لا یقرب
روی أنه لم یکن فی أهل خیبر أشجع من مرحب و کان یومئذ قد لبس درعین و تقلد بسیفین و اعتمّ بعمامتین و لبس فوقهما مغفرا و حجرا قد ثقبه قدر البیضة* و فی معالم التنزیل کهیئة البیضة علی رأسه و له رمح سنانه ثلاثة أسنان و لم یقدر أحد من أهل الاسلام أن یقاومه فی الحرب فبرز له علیّ و هو یرتجز و یقول
أنا الذی سمتنی أمی حیدره‌ضرغام آجام و لیث قسوره و فی الکشاف کانت أمّه فاطمة بنت أسد رضی اللّه عنها سمته أسدا باسم أبیها و کان أبو طالب غائبا فلما رجع کره ذلک و سماه علیا* و فی معالم التنزیل و الکشف* کلیث غابات کریه المنظرة* بدل* ضرغام آجام و لیث قسوره* عبل الذراعین غلیظ القصرة* أو فیهم و فی روایة* أکیلکم بالصاع کیل السندرة* قوله عبل الذراعین أی ضخمهما و القصرة أصل العنق و السندرة ضرب من الکیل کبیر و اسم امرأة کانت تبیع القمح و توفی الکیل کذا فی القاموس قیل لعلّ النکتة فی ارتجاز علیّ بهذا الرجز أنّ مرحبا کان قد رأی فی المنام أنّ أسدا یفترسه فلعلّ اللّه أطلع علیا علی رؤیا مرحب فأراد أن بذکره رؤیاه لیقذف فی قلبه الرعب فیجبن جبن الرباح و لا تقوی یده علی حمل السلاح* و فی حیاة الحیوان الرباح بفتح الراء و الباء المخففة دویبة کالسنور و هی التی یجلب منها الزباد و ذکر القرود و فی الامثال قالوا أجبن من الرباح* فلما اختلطا أراد مرحب أن یضرب علیا فسبقه علیّ فعلاه بالسیف و هو ذو الفقار فتترس مرحب فوقع السیف علی الترس فقدّه و الحجر و المغفر و العمامتین و فلق هامته حتی أخذ السیف فی الاضراس کذا فی معالم التنزیل* قیل هذا أی قتل علیّ مرحبا هو الصحیح و ما نظمه بعض الشعراء یؤیده و هو
علیّ حمی الاسلام من قتل مرحب‌غداة اعتلاه بالحسام المضخم و فی روایة قتله محمد بن مسلمة* فی الاکتفاء و لما افتتح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من حصونهم ما افتتح و حاز من الاموال ما حاز انتهوا الی حصنیهم الوطیح و السلالم و کانا آخر حصون أهل خیبر افتتاحا فحاصرهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بضع عشرة لیلة و خرج مرحب الیهودی من حصنهم قد جمع سلاحه و هو ینادی من یبارز و یرتجز و یقول
قد علمت خیبر أنی مرحب‌شاکی السلاح بطل مجرّب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:51 أطعن أحیانا و حینا أضرب‌اذا اللیوث أقبلت تحزب
انّ حمای للحمی لا یقرب
فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من لهذا قال محمد بن مسلمة أنا یا رسول اللّه أنا و اللّه الموتور الثائر دم أخی بالامس قال فقم إلیه اللهم أعنه علیه فلما دنا أحدهما من صاحبه دخلت بینهما شجرة غمرته من شجر العشر فجعل أحدهما یلوذ بها من صاحبه کلما لا ذبها منه اقتطع صاحبه بسیفه ما دونه منها حتی برز کل واحد منهما لصاحبه و صارت بینهما کالرجل القائم ما فیها فنن ثم حمل مرحب علی محمد بن مسلمة فانقاه بدرقته فوقع سیفه فیها فعضت به فأمسکته و ضربه محمد بن مسلمة حتی قتله* و فی معالم التنزیل ثم خرج بعد مرحب أخوه یاسر و هو یرتجز فخرج إلیه الزبیر بن العوّام فقالت له أمّه صفیة بنت عبد المطلب و کانت فی الجیش أ یقتل ابنی یا رسول اللّه قال بل ابنک یقتله ان شاء اللّه ثم التقیا فقتله الزبیر یفهم من هذا أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حضر المعرکة بنفسه الکریمة و هو مخالف لما سبق ثم حمل المسلمون علی الیهود فقتلوا الیهود قتلا ذریعا و قتل علی یومئذ ثمانیة من رؤساء الیهود و فرّ الباقون الی الحصن فتبعهم المسلمون فبینما علیّ یشتدّ فی أثرهم اذ ضربه یهودی علی یده ضربة سقط منها الترس فبادر یهودی آخر فأخذ الترس فغضب علیّ فتناول باب الحصن و کان من حدید فقلعه و تترّس به عن نفسه و فی المنتقی و التوضیح فتناول علیّ بابا کان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم یزل فی یده و هو یقاتل* و فی شواهد النبوّة روی أنّ علیا بعد ذلک حمله علی ظهره و جعله قنطرة حتی دخل المسلمون الحصن انتهی ثم لما وضعت الحرب أوزارها ألقی علیّ ذلک الباب الحدید وراء ظهره ثمانین شبرا و فی هذا الباب قال الشاعر
علیّ رمی باب المدینة خیبرثمانین شبرا وافیا لم یثلم و فی المنتقی و التوضیح روی عن أبی رافع مولی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أنه قال فلقد رأیتنی فی سبعة نفر و أناثا منهم نجهد أن نقلب ذلک الباب فما نستطیع أن نقلبه* و فی التوضیح رواه الطبرانی و أخرجه أحمد* و فی المواهب اللدنیة قلع علیّ باب خیبر و لم یحرّکه سبعون رجلا الا بعد جهد* و فی روایة ابن اسحاق سبعة و أخرجه من طریقة البیهقی فی الدلائل و رواه الحاکم عن البیهقی من جهة لیث بن أبی سلیم عن أبی جعفر محمد بن علی بن الحسین عن جابر أنّ علیا حمل الباب یوم خیبر و انه جرب بعد ذلک و لم یحمله أربعون رجلا و لیث ضعیف* و فی روایة البیهقی أنّ علیا لما انتهی الی الحصن اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالارض فاجتمع علیه بعده سبعون رجلا منا فکان جهدا أن أعادوا الباب مکانه* قال القسطلانی قال شیخنا و کلها واهیة و لذا أنکره بعض العلماء کذا فی المواهب اللدنیة* و فی شرح المواقف قلع علیّ باب خیبر بیده و قال ما قلعت باب خیبر بقوّة جسمانیة و لکن بقوّة إلهیة و حدث أبو الیسر بن کعب بن عمرو قال انا لمع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بخیبر ذات عشیة اذ أقبلت غنم لرجل من یهود ترید حصنهم و نحن محاصرون فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من رجل یطعمنا من هذه الغنم قال أبو الیسر أنا یا رسول اللّه قال فافعل قال فخرجت اشتدّ مثل الظلیم فلما رآنی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مولیا قال اللهم أمتعنا به قال فأدرکت الغنم و قد دخلت أولاها الحصن فأخذت شاتین من أخراها فاحتضنتهما تحت یدی ثم أقبلت اشتدّ کأن لیس معی شی‌ء حتی ألقیتهما عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فذبحوهما و أکلوهما فکان أبو الیسر من آخر أصحاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم موتا اذا حدّث بهذا الحدیث بکی ثم قال أمتعونی بعمری حتی کنت من آخرهم و حاصر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أهل خیبر فی حصنیهم الوطیح و السلالم حتی اذا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:52
أیقنوا بالهلکة سألوه أن یسیرهم و أن یحقن لهم دماءهم ففعل و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قد حاز الاموال کلها و الشق و النطاة و الکثیبة و جمیع حصونهم الا ما کان من ذینک الحصنین الوطیح و السلالم فلما سمع بهم أهل فدک قد صنعوا ما صنعوا بعثوا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن یسیرهم و أن یحقن لهم دماءهم و أن یخلوا له الاموال ففعل فلما نزل أهل خیبر علی ذلک سألوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن یعاملهم فی الاموال علی النصف و قالوا نحن أعلم بها منکم و أعمر لها فصالحهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی انا اذا شئنا أن نخرجکم أخرجناکم* و فی روایة قال نقرّکم علی ذلک ما شئنا فصالحه أهل فدک علی مثل ذلک فکان خیبر فیئا للمسلمین و کانت فدک خالصة لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لانهم لم یجلبوا علیها بخیل و لا رکاب*

سم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی الشاة

و فی هذه الغزوة سمّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بخیبر بعد فتحها سمته زینب بنت الحارث زوجة سلام بن مشکم أخت مرحب الیهودی قاله ابن اسحاق و ذلک بعد ما دخل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حصن القموص و اطمأنّ أهدت له زینب شاة مصلیة أی مشویة مسمومة کلها لکن جعلت السمّ فی الذراع أکثر مما فی باقی الاعضاء لانها سألت أی عضو من الشاة أحب الی محمد فقیل لها الذراع کذا فی معالم التنزیل* و فی الاکتفاء فلما وضعتها بین یدیه تناول الذراع فلاک منها مضغة فلم یسغها و معه بشر بن البراء بن معرور قد أخذ منها کما أخذ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأمّا بشر فأساغها و أمّا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلفظها و مات بشر بن البراء من أکلته التی أکلها من تلک الشاة* و فی المنتقی فلاکها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلفظها فأخذها بشر بن البراء فمات من ساعته و قیل بعد سنة* و فی الاکتفاء فلفظها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم قال انّ هذا العظم لیخبرنی أنه مسموم ثم دعا بها فاعترفت فقال ما حملک علی ذلک قالت بلغت من قومی ما لم یخف علیک فقلت ان کان ملکا استرحت منه و ان کان نبیا فسیخبر فتجاوز عنها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و مات بشر بن البراء من أکلته* و فی مغازی سلیمان التیمی أنها قالت ان کنت کاذبا أرحت الناس منک و قد استبان لی الآن أنک صادق و أنی أشهدک و من حضر أنی علی دینک و أن لا إله الا اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه فانصرف عنها حین أسلمت و فیه موافقة الزهری علی اسلامها* و فی المواهب اللدنیة عمدت زینب الی عنزلها فذبحتها وصلتها ثم عمدت الی سمّ لا یطنی یعنی لا یلبث أن یقتل من ساعته و قد شاورت یهود فی سموم فاجتمعوا لها فی هذا السمّ بعینه فسمت الشاة و أکثرت فی الذراعین و الکتف فوضعت بین یدیه و من حضر من أصحابه و فیهم بشر بن البراء فتناول صلی اللّه علیه و سلم الذراع فانتهش منها و تناول بشر بن البراء عظما آخر فلما ازدرد صلی اللّه علیه و سلم لقمته ازدرد بشر بن البراء ما فی فیه و أکل القوم فقال صلی اللّه علیه و سلم ارفعوا أیدیکم فانّ هذه الذراع تخبرنی أنها مسمومة و فیه أن بشر بن البراء مات فیه و فیه دفعها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی أولیاء بشر فقتلوها رواه الدمیاطی* و فی سیرة مغلطای لم یقتلها و أمر بلحم الشاة فأحرق* و فی حدیث جابر عن أبی داود توفی أصحابه الذین أکلوا من الشاة و احتجم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی کاهله من أجل الذی أکله من الشاة کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء ذکر ابن عقبة أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تناول الکتف من تلک الشاة فانتهش منها و تناول بشر عظما فانتهش منه فلما استرط رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لقمته استرط بشر ما فی فیه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ارفعوا أیدیکم فانّ کتف هذه الشاة تخبرنی انی بغیت فیها فقال بشر بن البراء و الذی أکرمک لقد وجدت ذلک فی أکلتی التی أکلت فما منعنی أن ألفظها الا انّی أعظمت أن أبغضک طعامک فلما أسغت ما فی فیک لم أکن لأرغب بنفسی عن نفسک و رجوت أن لا تکون
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:53
استرطتها و فیها بغی فلم یقم بشر من مکانه حتی عادلونه مثل الطیلسان و ماطله وجعه حتی کان لا یتحوّل الا ما حوّل قال جابر بن عبد اللّه و احتجم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یومئذ علی الکاهل حجمه أبو طیبة مولی بنی بیاضة* و فی المشکاة احتجم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من الذی أکل من الشاة حجمه أبو هند بالقرن و الشفرة و هو مولی لبنی بیاضة من الانصار رواه أبو داود و الدارمی و بقی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعده ثلاث سنین حتی کان وجعه الذی توفی منه فدخلت علیه أمّ بشر بنت البراء بن معرور تعوذه فیما ذکره ابن اسحاق فقال لها یا أمّ بشر انّ هذا الاوان وجدت انقطاع أبهری من الاکلة التی أکلت مع أخیک بخیبر* و فی نهایة ابن الاثیر قال صلی اللّه علیه و سلم ما زالت اکلة خیبر تعاودنی فهذا أو ان قطعت أبهری و الابهر عرق فی الظهر و هما أبهران و قیل هما الا کحلان اللذات فی الذراعین و قیل هو عرق مستبطن القلب فاذا انقطع لم تبق بعده حیاة و قیل الابهر عرق منشأه من الرأس و یمتدّ الی القدم و له شرایین تتصل بأکثر أطراف البدن فالذی فی الرأس منه یسمی النامة و منه قولهم أسکت اللّه نامته أی أماته و یمتدّ الی الحلق و یسمی فیه الورید و یمتدّ الی الصدر فیسمی الابهر و یمتدّ الی الظهر فیسمی الوتین و الفؤاد معلق به و یمتدّ الی الفخذین فیسمی النسا و یمتدّ الی الساق فیسمی الصافن و الهمزة فی الابهر زائدة و یجوز فی أوان الضم و الفتح فالضم لانه خبر لمبتدا و الفتح علی البناء لاضافته الی مبنی* قال فان کان المسلمون لیرون أنّ رسول اللّه اللّه علیه و سلم مات شهیدا مع ما أکرمه اللّه به من النبوّة و فی قتلها اختلاف فقیل قتلها و قیل بل عفا عنها* و فی روایة أنس دفعها الی أولیاء بشر بن البراء فقتلوها کما مرّ و قال الدمیری فی حیاة الحیوان جمع البیهقی بینهما بأنه لم یقتلها فی الابتداء فلما مات بشر أمر بقتلها و کذلک اختلف فی قتل من سحره و لما فرغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من خیبر انصرف الی وادی القری فحاصر أهله لیالی ثم انصرف راجعا الی المدینة و خرج مسلم فی صحیحه من حدیث عمر بن الخطاب قال لما کان یوم خیبر أقبل نفر من صحابة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقالوا فلان شهید و فلان شهید حتی مرّوا علی رجل فقالوا فلان شهید فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کلا انی رأیته فی النار فی بردة غلها أو عباءة ثم قال یا ابن الخطاب اذهب فناد فی الناس أنه لا یدخل الجنة الا المؤمنون قال فخرجت فنادیت ألا انه لا یدخل الجنة الا المؤمنون* و شهد خیبر مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم نساء من النساء المسلمات فرضخ لهنّ علیه السلام من الفی‌ء و لم یضرب لهنّ بسهم و قیل ضرب لهنّ أیضا بسهم کامل و کانت قد خرجت معهم عشرون امرأة و فی حدیث ابن أبی الصلت عن امرأة غفاریة سماها قالت أتیت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی نسوة من غفار و هو یسیر الی خیبر فقلنا یا رسول اللّه قد أردنا الخروج معک الی وجهک هذا فنداوی الجرحی و نعین المسلمین ما استطعنا فقال علی برکة اللّه قالت فخرجنا معه فلما افتتح خیبر رضخ لنا من الفی‌ء و أخذ هذه القلادة التی ترین فی عنقی فأعطانیها و علقها بیده فی عنقی فو اللّه لا تفارقنی أبدا قالت فکانت فی عنقها حتی ماتت ثم أوصت أن تدفن معها و استشهد بخیبر من المسلمین نحو من عشرین رجلا منهم عامر بن الاکوع عمّ سلمة بن الاکوع و قد کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال له فی مسیره الی خیبر انزل یا ابن الاکوع فاحد لنا من هناتک فنزل یرتجز برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال* و اللّه لو لا اللّه ما اهتدینا* و لا تصدّقنا و لا صلینا* الی آخر ما ذکر فی أوّل مسیره الی خیبر من قوله علیه السلام لعامر یرحمک اللّه و قول عمر وجبت و اللّه یا رسول اللّه لو أمتعتنا به فقتل یوم خیبر شهیدا بسیف نفسه رجع علیه و هو یقاتل فکلمه کلما شدیدا فمات منه و کان المسلمون قد شکوا فیه و قالوا انما قتله سلاحه حتی سأل ابن أخیه سلمة رسول
اللّه صلی اللّه علیه و سلم عن ذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:54
و أخبره بقول الناس فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انه لشهید و صلی علیه فصلی علیه المسلمون و قد مرّ و منهم الاسود الراعی من أهل خیبر و کان من حدیثه أنه أتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو محاصر لبعض حصون خیبر و معه غنم و کان فیها أجیرا لرجل یهودی فقال یا رسول اللّه اعرض علیّ الاسلام فعرضه علیه فأسلم و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لا یحقر أحدا أن یدعوه الی الاسلام فیعرضه علیه فلما أسلم قال یا رسول اللّه انی کنت أجیر الصاحب هذه الغنم و هی أمانة عندی فکیف أصنع بها قال اضرب فی وجوهها فانها سترجع الی ربها أو کما قال فقام الاسود فأخذ حفنة من الحصباء فرمی بها فی وجوهها و قال ارجعی الی صاحبک فو اللّه لا أصحبک و خرجت مجتمعة کأنّ سائقا یسوقها حتی دخلت الحصن ثم تقدّم الاسود الی ذلک الحصن لیقاتل مع المسلمین فأصابه حجر فقتله و ما صلی للّه صلاة قط فأتی به رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فوضع خلفه و سجی بشملة کانت علیه فالتفت إلیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و معه نفر من أصحابه ثم أعرض عنه فقالوا یا رسول اللّه لم أعرضت عنه قال انّ معه الآن زوجتیه من الحور العین* و ذکر ابن اسحاق عن عبد اللّه بن نجیح أنّ الشهید اذا أصیب نزلت زوجتاه من الحور العین علیه ینفضان التراب عن وجهه و یقولان ترّب اللّه وجه من ترّبک و قتل من قتلک قال و لما افتتحت خیبر کلم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الحجاج بن علاط السلمی ثم البهزی فقال یا رسول اللّه انّ لی بمکة مالا عند صاحبتی أمّ شیبة بنت أبی طلحة و مالا متفرّقا فی تجار أهل مکة فائذن لی یا رسول اللّه فأذن له قال لا بدّ لی یا رسول اللّه من أن أقول قال قل قال الحجاج فخرجت حتی اذا قدمت مکة وجدت بثنیة البیضاء رجالا من قریش یتسمعون الاخبار و یسألون عن أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قد بلغهم أنه سار الی خیبر و عرفوا أنها قریة الحجاز ریفا و منعة و رجالا فهم یتجسّسون الاخبار من الرکبان فلما رأونی و لم یکونوا علموا باسلامی قالوا الحجاج بن علاط عنده و اللّه الخبر أخبرنا یا أبا محمد فانه قد بلغنا أنّ القاطع سار الی خیبر و هی بلد یهود و ریف الحجاز قلت قد بلغنی ذلک و عندی من الخبر ما یسرّکم قال فالتبطوا بجنبی ناقتی یقولون ایه یا حجاج قلت هزم هزیمة لم تسمعوا بمثلها قط و قتل أصحابه قتلا لم تسمعوا بمثله قط و أسر محمد أسرا و قالوا لا نقتله حتی نبعث به الی مکة فیقتلونه بین أظهرهم بمن کان أصاب من رجالهم قال فقاموا و صاحوا بمکة و قالوا قد جاءکم الخبر و هذا محمد انما تنتظرون أن یقدم به علیکم فیقتل بین أظهرکم قال قلت أعینونی علی جمع مالی بمکة علی غرمائی فانی ارید أن أقدم خیبر فاصیب من فلّ محمد و أصحابه قبل أن یسبقنی التجار الی ما هنا لک فقاموا فجمعوا لی مالی کأحث جمع سمعت به و جئت صاحبتی فقلت مالی و قد کان لی عندها مال موضوع لعلی ألحق بخیبر فاصیب من فرص البیع قبل أن یسبقنی التجار قال فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر أو جاءه عنی أقبل حتی وقف الی جنبی و أنا فی خیمة من خیام التجار فقال یا حجاج ما هذا الذی جئت به قلت و هل عندک حفظ لما وضعت عندک قال نعم قلت فاستأخر عنی حتی ألقاک علی خلاء فانی فی جمع مالی کما تری فانصرف عنی حتی أفرغ قال حتی اذا فرغت من جمع کل شی‌ء کان لی بمکة و أجمعت الخروج لقیت العباس فقلت احفظ علیّ حدیثی یا أبا الفضل فانی أخشی الطلب ثلاثا ثم قل ما شئت قال افعل قال فانی و اللّه لقد ترکت ابن أخیک عروسا علی بنت ملکهم یعنی صفیة بنت حیی و لقد افتتح خیبر و انتثل ما فیها و صارت له و لاصحابه قال ما تقول یا حجاج قلت ای و اللّه فاکتم عنی و لقد أسلمت و ما جئت الا لآخذ مالی فرقا من أن أغلب علیه فاذا مضت ثلاث فأظهر أمرک فهو و اللّه علی ما تحب قال حتی اذا کان الیوم الثالث لبس العباس حلة له و أخذ عصاه ثم خرج حتی أتی الکعبة فطاف بها فلما رأوه قالوا
یا أبا الفضل هذا و اللّه التجلد لحرّ المصیبة قال کلا و اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:55
الذی حلفتم به لقد افتتح محمد خیبر و ترک عروسا علی ابنة ملکهم و أحرز أموالهم و ما فیها فأصبحت له و لاصحابه قالوا من جاء بهذا الخبر قال الذی جاءکم بما جاءکم و لقد دخل علیکم مسلما و أخذ ماله فانطلق لیلحق بمحمد و أصحابه فیکون معه قالوا یا لعباد اللّه انفلت عدوّ اللّه أما و اللّه لو علمنا لکان لنا و له شأن و لم ینشبوا أن جاءهم الخبر بذلک* ذکر ابن عقبة أنّ بنی فزارة قدموا علی خیبر فی أوّل أمرهم لیعینوهم فراسلهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن لا یعینوهم و أن یخرجوا عنهم علی أن یعطیهم من خیبر شیئا سماه لهم فأبوا علیه و قالوا جیراننا و حلفاؤنا فلما افتتح اللّه خیبر أتاه من کان هناک من بنی فزارة فقالوا الذی وعدتنا فقال لکم ذو الرقیبة لجبل من جبال خیبر قالوا اذا نقاتلک قال موعدکم جنفاء فلما سمعوا ذلک من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خرجوا هاربین*

قسمة غنائم خیبر

و روی أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أمر فروة بن عمرو البیاضی أن یجمع غنائم خیبر فی حصن نطاة فجمع و کان فی أثناء الغنائم صحائف متعدّدة من التوراة فجاءت یهود تطلبها فأمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بدفعها إلیهم و یوم جمع غنائم خیبر و أخذ سبایاها أمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم منادیا ینادی أن من آمن باللّه و الیوم الآخر لا یسق بمائه زرع الغیر و لا یطأ امرأة حتی تنقضی عدتها و أمر فروة ببیع الغنائم و دعا لها فقال اللهم ألق علیها النفاق و قال فروة فلما عرضناها علی البیع رغب فیها الناس رغبة تامّة حتی بیعت کلها فی یومین و کنا نقدر الفراغ عنها بمدة مدیدة و ذلک ببرکة دعاء النبیّ صلی اللّه علیه و سلم* و فی معجم ما استعجم لما أفاء اللّه خیبر قسمها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی ستة و ثلاثین سهما عزل نصفها لنوائبه و ما ینزل به و قسم النصف الباقی بین المسلمین و سهم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فیها قسم نطاة و الشق و ما حیز معهما و کان فیما وقف الکثیبة و الوطیحة و السلالم و لما أراد القسمة أمر زید بن ثابت حتی أحصی أهل العسکر و أفراسهم و قسم الشق و نطاة الی ثمانیة عشر سهما نطاة من ذلک خمسة أسهم و الشق ثلاثة عشر سهما ثم قسم کل قسم من هذه الثمانیة عشر الی مائة سهم لکل رجل سهم و لکل فرس سهمان و کانت عدّة الذین قسمت علیهم ألف رجل و أربعمائة رجل و مائتی فرس فذلک ألف و ثمانمائة سهم* قال ابن اسحاق و کانت المقاسم فی أموال خیبر علی الشق و نطاة و الکثیبة و کان الشق و نطاة فی سهمان المسلمین و کانت الکثیبة خمس اللّه و سهم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و سهم ذوی القربی و المساکین و طعم أزواج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و طعم رجال مشوا بین رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و بین أهل فدک بالصلح و قسمت خیبر علی أهل الحدیبیة من شهد خیبر لا من غاب عنها الا جابر ابن عبد اللّه بن عمرو بن حرام فقسم له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کسهم من حضرها* و فی هذه الغزوة بین رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سهمان الخیل و الرجال فجعل للفرس سهمین و لفارسه سهما و للرّاجل سهما فجرت المقاسم فیما بعد علی ذلک و یومئذ عرّب العربی من الخیل و هجن الهجین و ذکر ابن عقبة أنه قدم علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بخیبر نفر من الاشعریین فیهم أبو عامر الاشعری قدموا المدینة مع مهاجرة الحبشة و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بخیبر فمضوا إلیه و فیهم أبان بن سعید ابن العاص و الطفیل بن عمر و الدوسی و ذو النون و أبو هریرة و نفر من دوس فرأی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و رأیه الحق أن لا یخیب مسیرهم و لا یبطل سفرهم فشرکهم فی مقاسم خیبر و سأل أصحابه ذلک فطابوا به نفسا و لم یذکر ابن عقبة جعفر بن أبی طالب فی هؤلاء القادمین علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بخیبر من أرض الحبشة و هو أوّلهم و أفضلهم و ما مثل جعفر یتخطی ذکره و من البعید أن یغیب عن ابن عقبة فاللّه أعلم بعذره* و فی سح السحابة عن أبی موسی أنه قال بلغنا مخرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و نحن بالیمن فخرجنا مهاجرین إلیه فرکبنا سفینة فألقتنا سفینتنا الی النجاشی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:56
بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبی طالب و أصحابه فقال جعفر انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعثنا هاهنا و أمرنا بالاقامة فأقمنا معه حتی قدمنا جمیعا فوافقنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین افتتح خیبر فأسهم لنا* و قد ذکر ابن اسحاق أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان بعث عمرو بن أمیة الضمری الی النجاشی فیمن کان أقام بأرض الحبشة من أصحابه فحملهم فی سفینتین فقدم بهم علیه و هو بخیبر بعد الحدیبیة فذکر جعفرا أوّلهم و ذکر معه ستة عشر رجلا قدموا فی السفینتین صحبته و ذکر ابن هشام عن الشعبی أنّ جعفرا قدم علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یوم فتح خیبر فقبل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ما بین عینیه و التزمه و قال ما أدری بأیهما أنا أسرّ بفتح خیبر أم بقدوم جعفر و لما جرت المقاسم فی أموال خیبر أشبع فیها المسلمون و وجدوا بها مرفقا لم یکونوا وجدوه قبل حتی قال عبد اللّه بن عمرو رضی اللّه عنهما فیما خرج له البخاری فی صحیحه ما شبعنا حتی فتحنا خیبر و أقرّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یهود خیبر فی أموالهم یعملون فیها للمسلمین علی النصف مما یخرج منها کما تقدّم* قال ابن اسحاق و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یبعث الی أهل خیبر عبد اللّه بن رواحة خارصا بین المسلمین و بین یهود خیبر فیخرص علیهم فاذا قالوا تعدّیت علینا قال ان شئتم فلکم و ان شئتم فلنا فیقول یهود خیبر بهذا قامت السموات و الارض قال و انما خرص علیهم عبد اللّه عاما واحدا ثم أصیب بمؤتة رحمه اللّه فکان جبار بن صخر أخو بنی سلمة هو الذی یخرص علیهم بعده فأقامت الیهود علی ذلک لا یری بهم المسلمون بأسافی معاملتهم حتی عدوا فی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی عبد اللّه بن سهل أخی بنی حارثة فقتلوه فاتهمهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و المسلمون علیه و کتب إلیهم أن یدوه أو یأذنوا بحرب فکتبوا یحلفون باللّه ما قتلوه و لا یعلمون له قاتلا فوداه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من عنده و أقرّهم علی ما سبق من معاملته ایاهم فلما توفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أقرّهم أبو بکر الصدّیق رضی اللّه عنه علی مثل ذلک حتی توفی ثم أقرّهم عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه صدرا من امارته ثم بلغ عمر أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال فی وجعه الذی قبضه اللّه فیه لا یجتمعن بجزیرة العرب دینان ففحص عمر عن ذلک حتی بلغه الثبت فارسل الی یهود فقال انّ اللّه قد أذن فی اجلائکم قد بلغنی أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال لا یجتمعن بجزیرة العرب دینان فمن کان عنده عهد من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلیأتنی به أنفذه له و من لم یکن له عهد من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلیتجهز للجلاء فأجلی عمر رضی اللّه عنه منهم من لم یکن عنده عهد من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قال عبد اللّه بن عمر خرجت أنا و الزبیر و المقداد بن الاسود الی أموالنا بخیبر نتعاهدها فلما قدمنا تفرّقنا فی أموالنا فعدی علیّ تحت اللیل ففدعت یدای من مرفقیّ فلما أصبحت استصرخ علیّ صاحبای فأتیانی فأصالحا من یدی ثم قدما بی علی عمر فقال هذا عمل یهود ثم قام فی الناس خطیبا فقال أیها الناس ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان عامل یهود خیبر علی انا نخرجهم اذا شئنا و قد عدوا علی عبد اللّه بن عمر ففدعوا یدیه کما بلغکم مع عدوتهم علی الانصار قبله قد لا نشک انهم أصحابه لیس لنا هناک عدوّ غیرهم فمن کان له مال بخیبر فلیلحق به فانی مخرج یهود فأخرجهم و لما أخرج عمر یهود خیبر رکب فی المهاجرین و الانصار و خرج معه بجبار بن صخر و کان خارص أهل المدینة و حاسبهم و بزید بن ثابت فهما قسما خیبر علی أصحاب السهمان التی کانت علیها کما قسمت فی الاصل علی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کما مرّ*

استصفاء صفیة

و فی هذه الغزوة استصفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم صفیة بنت حیی ابن أخطب بن یحیی بن کعب بن الخزرج النضری من بنی اسرائیل من سبط هرون بن عمران و تزوّجها فی مقفله من خیبر و کانت من جملة سبایا خیبر فاصطفاها لنفسه فأسلمت فأعتقها و جعل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:57
عتقها صداقها و قیل وقعت فی سهم دحیة الکلبی فاشتراها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بسبعة أرؤس کذا فی الصفوة و دفعها الی أمّ سلمة تصیغها و تهیؤها و کانت أوّلا زوجة سلام بن مشکم ثم وقعت الفرقة بینهما فتزوّجها کنانة بن ربیعة بن أبی الحقیق و کانت عروسا به حین نزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خیبر فرأت فی المنام کأنّ الشمس قد نزلت حتی وقعت علی صدرها فقصت ذلک علی زوجها فقال و اللّه ما تتمنین الا هذا الملک الذی نزل بنا ففتحها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و ضرب عنق زوجها کما مرّ* و فی روایة انّ صفیة رأت فی المنام و هی عروس بکنانة أنّ القمر قد وقع فی حجرها فعرضت رؤیاها علی زوجها فقال ما هذا الا انک تتمنین ملک الحجاز فلطم وجهها لطمة اخضرّت عینها منها فاتی بها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و بها أثر منها فسألها ما هو فأخبرت بهذا الخبر و أتی بزوجها کنانة و سأله عن الکنز فجحده فأمر الزبیر بتعذیبه ثم دفعه الی محمد بن مسلمة الاوسی فضرب عنقه بأخیه محمود بن مسلمة و قد قتل فی خیبر کما مرّ* و فی الصفوة عن جابر انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أتی بصفیة یوم خیبر فاخذ بیدها فمرّ بها بین القتلی فکره ذلک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی رئی فی وجهه ثم قام صلی اللّه علیه و سلم فدخل علیها فنزعت شیئا کانت علیه جالسة فألقته للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثم خیرها بین أن یعتقها فترجع الی من بقی من أهلها أو تسلم فیتخذها لنفسه فقالت اختار اللّه و رسوله فلما کان عند رواحه أحقب بعیره ثم خرجت معه تمشی حتی ثنی لها رکبته فوضعت رکبتها علی فخذه فرکبت ثم رکب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فألقی علیها کساء ثم سار حتی اذا کانا علی ستة أمیال من خیبر مال یرید أن یعرس بها فأبت صفیة فوجد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علیها فی نفسه و لما کان بالصهباء مال الی دومة هناک فطاوعته فقال ما حملک علی ابائک حین أردت المنزل الاوّل قالت یا رسول اللّه خشیت علیک قرب یهود فأعرس رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالصهباء* و فی الاکتفاء أعرس بها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بخیبر أو ببعض الطرق و بات بها فی قبلة له انتهی و بات أبو أیوب لیلة متوشحا بالسیف یحرس رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یدور حول خبائه فلما سمع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الوطء قال من هذا قال خالد بن یزید فقال مالک قال ما نمت هذه اللیلة مخافة هذه الجاریة علیک فأمره رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فرجع کذا فی الصفوة* و فی الاکتفاء قال أبو أیوب یا رسول اللّه خفت علیک من هذه المرأة و کانت امرأة قد قتلت أباها و زوجها و قومها و کانت حدیثة عهد بکفر فخفتها علیک فزعموا انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال اللهمّ احفظ أبا أیوب کما بات یحفظنی* و عن أنس انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال لابی طلحة التمس لی غلاما من غلمانکم یخدمنی حتی أخرج الی خیبر فخرج بی أبو طلحة مردفی و أنا غلام راهقت الحلم فکنت أخدم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اذا نزل ثم قدمنا خیبر فلما فتح اللّه علیه الحصن ذکر له جمال صفیة بنت حیی بن أخطب و قد قتل زوجها و کانت عروسا و اصطفاها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لنفسه فخرج حتی بلغنا سد الصهباء بین خیبر و المدینة أقام ثلاثة أیام یا بنی علیه بصفیة ثم صنع حیسا فی نطع صغیر ثم قال لی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم آذن من حولک فدعوت الناس الی ولیمته علی صفیة و ما کان فیها خبز و لا لحم و ما کان فیها الا أن أمر بلالا بالانطاع فبسطت فألقی علیها التمر و الاقط و السمن و هو الحیس فقال المسلمون احدی امهات المؤمنین أو ما ملکت یمینه فقالوا ان حجبها فهی احدی امهات المؤمنین و الا فهی مما ملکت یمینه فلما ارتحلت ثم خرجنا الی المدینة فرأیت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یحوی لها وراءه بعباءة و طاء لها خلفه ثم جلس عند بعیره فیضع رکبته و تضع صفیة رجلها علی رکبته و قد مدّ الحجاب بینها و بین الناس* و فی روایة ابن عباس
لما أراد أن یرکب أدلی رسول اللّه صلی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:58
علیه و سلم فخذه منها لترکب علیها فأبت و وضعت رکبتها علی فخذه ثم حملها کما سبق قال أنس فسرنا حتی اذا أشرفنا علی المدینة نظر الی احد فقال هذا جبل یجبنا و نحبه ثم نظر الی المدینة فقال اللهمّ انی احرم ما بین لا بیتها بمثل ما حرم ابراهیم* و فی روایة کتحریم ابراهیم اللهمّ بارک لهم فی مدّهم و صاعهم* و فی روایة و لما أشرف علی المدینة قال آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم یزل یقول ذلک حتی دخل المدینة و کانت صفیة عند النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثلاث سنین و أشهر او توفیت سنة خمسین و مرویاتها فی الکتب عشرة أحادیث المتفق علیه منها حدیث واحد و الباقی فی سائر الکتب و قیل اثنین و خمسین و دفنت بالبقیع کذا فی الصفوة*

فتح فدک‌

و فی هذه السنة فتح فدک و هی قریة بینها و بین مدینة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مرحلتان و قیل ثلاث مراحل و فی شرح المواقف و هی قریة بخیبر کانت للنبی صلی اللّه علیه و سلم قال أهل السیر لما أتی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حوالی خیبر بعث محیصة بن مسعود الحارثی الی فدک یدعو أهلها الی الاسلام فدعاهم إلیه فخوّفهم انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم جاء الی حربهم کما أتی الی حرب أهل خیبر و قالوا انّ عامر او یاسر او حارثا و سید الیهود مرحبا فی حصن نطاة و معهم ألف مقاتل و ما نظنّ أن یقاومهم محمد فمکث محیصة فیهم یومین و لما رأی ان لا میل لهم فی الصلح أراد أن یرجع فقالوا له اصبر حتی نستشیر أکابر قومنا و نبعث معک من یصالح محمدا و بینما هم فی ذلک الرأی اذ أتاهم خبر حصن الناعم انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فتحه فوقع فی قلوبهم خوف عظیم فأرسلوا جماعة من یهود فدک الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حتی یصالحوه فبعد القیل و القال الکثیر استقرّ الامر علی أن یعطوا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم نصف أرض فدک و لهم نصفها فرضی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فصالحهم علی ذلک و کانوا یعملون علی ذلک حتی أخرجهم عمر و أهل خیبر الی الشام و اشتری منهم حصتهم النصف بمال بیت المال* و فی روایة و لما سمع أهل فدک ان المسلمین قد صنعوا ما صنعوا بأهل خیبر بعثوا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یسألونه أن یسیرهم أیضا و یترکوا له الاموال ففعل*

طلوع الشمس بعد غروبها لعلی رضی اللّه عنه‌

و فی هذه السنة طلعت الشمس بعد ما غربت لعلیّ رضی اللّه عنه علی ما أورده الطحاوی فی مشکلات الحدیث عن أسماء بنت عمیس من طریقین ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کان یوحی إلیه و رأسه فی حجر علی رضی اللّه عنه و لم یصل العصر حتی غربت الشمس فقال له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم أ صلیت یا علی قال لا فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اللهم انه کان فی طاعتک و طاعة رسولک فاردد علیه الشمس قالت أسماء فرأیتها غربت ثم رأیتها طلعت بعد ما غربت و وقعت علی الجبل و الارض و ذلک فی الصهباء فی خیبر و هذا حدیث ثابت الروایة عن ثقات* و حکی الطحاوی ان أحمد بن صالح کان یقول لا ینبغی لمن سبیله العلم التخلف عن حفظ حدیث أسماء لانه من علامات النبوّة کذا فی المنتقی قال ابن الجوزی فی الموضوعات حدیث ردّ الشمس فی قصة علیّ موضوع بلا شک*

فتح وادی القری‌

و فی هذه السنة فتح وادی القری* و فی المواهب اللدنیة ثم فتح وادی القری فی جمادی الآخرة بعد ما أقام بها اربعا فحاصرهم و یقال أکثر من ذلک* و فی الوفاء فی جمادی الآخرة قال أصحاب السیر لما فرغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من خیبر انصرف الی وادی القری فلما سمع أهل وادی القری بمجیئه تهیئوا للحرب و خرجوا الی القتال فسوّی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم صفوف أصحابه للقتال و دفع لواءه الی سعد بن عبادة و قیل الی حباب بن المنذر و قیل الی سهل بن حنیف و قیل الی عباد بن بشر ثم دعاهم الی الاسلام و أعلمهم انهم ان أسلموا تبق دماؤهم مصونة و أموالهم محفوظة مضمومة و حسابهم علی اللّه فأبوا و قاتلوا ذلک الیوم الی اللیل فقتل من الیهود عشرة رجال* و فی الوفاء حاصر أهل وادی القری لیالی و أصاب غلامه مدعما سهم غرب فقتله
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:59
قال أبو هریرة لما انصرفنا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عن خیبر الی وادی القری نزلناها أصلا مع غروب الشمس و مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم غلام أهداه له رفاعة بن زید الجذامیّ ثم الضبی فو اللّه انه لیضع رحل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اذ أتاه سهم غرب فقتله فقلنا هنیئا له الجنة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کلا و الذی نفسی بیده ان شملته الآن لتحترق علیه فی النار کان غلها من فی‌ء المسلمین یوم خیبر فسمعها رجل من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأتاه فقال له یا رسول اللّه أصبت شراکین لنعلین لی فقال لقد قدّ لک مثلهما فی النار کذا فی الاکتفاء* و فی روایة و فتح صبیحة الیوم الثانی و غلبهم المسلمون و أصابوا أموالا کثیرة و أثاثا و أمتعة و فیرة و منّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی الیهود و ترک فی أیدیهم أراضی وادی القری و البساتین و الحدائق حتی یعملوا فیها و یأخذوا الاجرة و لما بلغ خبر یهود خیبر و فدک و وادی القری یهود تیماء خافوا و صالحوا و قبلوا الجزیة قاله الحافظ مغلطای فرجع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی المدینة کذا فی المواهب اللدنیة

* نوم الرسول عن صلاة الصبح‌

و فی هذا السفر فی الرجوع الی المدینة نام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عن صلاة الصبح الی الشمس و عن أبی هریرة أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حین قفل عن غزوة خیبر سار من أوّل اللیل حتی اذا أدرکه الکری عرس و قال لبلال اکلأ لنا اللیل فنام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أسند بلال قریب الفجر الی راحلته مواجه الفجر فغلبته عیناه و نام فلم یستیقظ أحد حتی ضربتهم الشمس و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أوّلهم استیقاظا ففزع و قال أی بلال فقال بلال أخذ بنفسی الذی أخذ بنفسک بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه فاقتادوا رواحلهم من ذلک المکان شیئا ثم توضأ فأمر بلالا فأقام الصلاة و صلی بهم الصبح فلما قضی الصلاة قال من نسی الصلاة فلیصلها اذا ذکرها فان اللّه تعالی قال أقم الصلاة لذکری* و روی انه کان فی الرجوع من غزوة تبوک کذا فی المواهب اللدنیة*

بناء الرسول علیه السلام بأم حبیبة

و فی هذه السنة بنی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بأمّ حبیبة رملة بنت أبی سفیان صخر ابن حرب بن أمیة بن عبد شمس بن عبد مناف و کانت قبله تحت عبید اللّه بن جحش و وقع التزوّج فی السنة السادسة من الهجرة* و فی هذه السنة وقع الزفاف کما مرّ و قصتها انها کانت قد خرجت مهاجرة الی أرض الحبشة مع زوجها عبید اللّه بن جحش فی الهجرة الثانیة ثم ارتدّ عن الاسلام و تنصر و مات هناک و ثبتت أم حبیبة علی الاسلام قالت رأیت فی المنام کأن آتیا یقول یا أمّ المؤمنین ففزعت فأوّلها بأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یتزوّجنی فلما انقضت عدّتی فما شعرت الا برسول النجاشی علی بابی یستأذن فاذا بجاریة له یقال لها ابرهة کانت تقوم علی ثیابه و دهنه فدخلت علیّ فقالت ان الملک یقول لک ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کتب الیّ أن أزوّجک منه قلت بشرک اللّه بالخیر قالت یقول الملک و کلی من یزوّجک فأرسلت الی خالد بن سعید بن العاص فوکلته و فی سیرة الیعمری ولی نکاح أم حبیبة عثمان بن عفان و قیل خالد بن سعید بن العاص فأعطت ابرهة سوارین من فضة و خدمتین کانتا فی رجلیها و خواتم من فضة فی أصابع رجلیها سرورا بما بشرت به فلما کان العشیّ أمر النجاشی جعفر بن أبی طالب و من کان هناک من المسلمین فحضروا فخطب النجاشی فقال الحمد للّه الملک القدّوس السلام المؤمن المهیمن العزیز الجبار و أشهد أن لا إله الا اللّه وحده و أن محمدا عبده و رسوله و انه الذی بشر به عیسی ابن مریم* أما بعد فان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کتب الیّ أن أزوّجه أمّ حبیبة بنت أبی سفیان فأجبت الی ما دعا إلیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قد أصدقتها أربعمائة دینار* و فی روضة الاحباب أربعمائة مثقال من الذهب ثم سکب الدنانیر بین یدی القوم فتکلم خالد بن سعید بن العاص فقال الحمد للّه أحمده و استعنه و استغفره و أشهد أن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:60
لا إله الا اللّه و أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدی و دین الحق لیظهره علی الدین کله و لو کره المشرکون أما بعد فقد أجبت الی ما دعا إلیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و زوجته أمّ حبیبة بنت أبی سفیان فبارک اللّه لرسوله و دفع النجاشی الدنانیر الی خالد بن سعید فقبضها ثم أرادوا أن یقوموا فقال النجاشی اجلسوا فان من سنن الأنبیاء اذا تزوّجوا أن یؤکل طعام علی التزویج فدعا بطعام فأکلوا ثم تفرّقوا و ذلک سنة سبع من الهجرة کذا فی الصفوة قالت أمّ حبیبة لما أتانی المال أرسلت الی ابرهة التی بشرتنی فقلت لها انی کنت أعطیتک ما أعطیتک و لا مال بیدی فهذه خمسون مثقالا فخذیها و استعینی بها* و فی معالم التنزیل أنفذ إلیها النجاشی أربعمائة دینار علی ید ابرهة فلما جاءتها بها أعطتها خمسین دینارا انتهی قالت فأخرجت ابرهة کل ما کنت أعطیتها فردّته علیّ و قالت عزم علی الملک أن لا أرزأک و أنا التی أقوم علی ثیابه و دهنه و قد اتبعت دین محمد رسول اللّه و أسلمت للّه و قد أمر الملک نساءه أن یبعثن إلیک بکل ما عندهن من العطر* فلما کان من الغد جاءتنی بعداد ورس و عنبر و زباد کثیر فقدمت بکله علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کان یراه علیّ و عندی و لا ینکره ثم قالت ابرهة حاجتی إلیک أن تقرئی علی محمد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم منی السلام و تعلمیه انی اتبعت دینه قالت و کانت هی التی جهزتنی و کانت کلما دخلت علیّ تقول لا تنسی حاجتی إلیک فلما قدمت علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أخبرته کیف کانت الخطبة و ما فعلت بی ابرهة فتبسم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أقرأته منها السلام فقال و علیها السلام و رحمة اللّه و برکاته و بعث النجاشی أمّ حبیبة الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مع شرحبیل بن حسنة و لما بلغ أبا سفیان خبر تزوّج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بأمّ حبیبة قال ذاک الفحل لا یقرع أنفه و کان لأمّ حبیبة حین قدم بها الی المدینة بضع و ثلاثون سنة و مکثت عند النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قریبا من أربع سنین و توفیت فی زمان معاویة سنة ثنتین أو أربع و أربعین من الهجرة فی المدینة علی القول الصحیح و صلی علیها مروان بن الحکم و قیل توفیت بالشام و مرویاتها فی الکتب المتداولة خمسة و ستون حدیثا المتفق علیه حدیثان و فرد مسلم حدیث واحد و البقیة فی سائر الکتب*

سریة عمر بن الخطاب الی تربة

و فی شعبان هذه السنة کانت سریة عمر بن الخطاب الی تربة و معه ثلاثون رجلا و معه دلیل من بنی هلال فکان یسیر باللیل و یکمن بالنهار فأتی الخبر الی هوازن فهربوا و جاء عمر الی محلهم فلم یلق منهم أحدا فانصرف راجعا الی المدینة* ثم فی شعبان هذه السنة بعث أبا بکر الصدّیق الی بنی کلاب فی ناحیة ضریة و یقال الی فزارة کما فی صحیح مسلم و هو الصواب و کان سلمة بن الاکوع فی تلک السریة فساروا إلیهم و قاتلوهم و کان شعارهم أمت أمت فقتلوا طائفة و أسروا طائفة و لقی سلمة جماعة یهربون الی الجبل مع ذراریهم فخشی أن یسبقوه الی الجبل فرمی بسهم بینهم و بین الجبل فلما رأوا السهم وقفوا فأتی بهم الی أبی بکر یسوقهم و فیهم امرأة من بنی فزارة مع ابنة لها من أحسن العرب فأخذ أبو بکر ابنتها و قدموا المدینة و ما کشف لها ثوبا فلقیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی السوق مرّتین فی یومین فقال یا سلمة هب لی المرأة فقال هی لک یا رسول اللّه فبعث الی مکة ففدی بها ناسا من المسلمین کانوا أسری بمکة*

سریة بشر بن سعد الی بنی مرّة

و فی شعبان هذه السنة بعث بشر بن سعد الانصاری فی ثلاثین رجلا الی بنی مرّة بفدک فسار بشر الی ذلک الموضع و لقی الرعاة و استخبرهم عن القوم قالوا هم فی الوادی فساقوا دوابهم و مواشیهم فأخبروا القوم فتعاقبوا المسلمین فأدرکوهم فوقع بینهم قتال عظیم و قتل کثیر من الصحابة و جرح بشر و ضرب کعبه فوقع فی القتلی و قیل قد مات فرجعوا عنه و قدم ابن زید الحارثی بخبرهم علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فارتث بشر و انسل من بین القوم و لحق بفدک فمکث هناک حتی برأت جراحته ثم قدم المدینة و ذکر ذلک للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:61
و کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قبل قدوم بشر أخبر الناس بتلک القصة*

بعث غالب اللیثی الی المیفعة

و فی رمضان هذه السنة بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم غالب بن عبد اللّه اللیثی فی مائة و ثلاثین رجلا الی المیفعة بناحیة نجد من المدینة علی ثمانیة برد علی جمع من بنی عوال و بنی عبد بن ثعلبة فهجموا علیهم فی وسط محالهم فقتلوا من أشرف لهم و استاقوا نعما و شاء الی المدینة* قالوا و فی هذه السریة قتل أسامة بن زید نهیک بن مرداس بعد أن قال لا إله الا اللّه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أ لا شققت قلبه فتعلم أ صادق هو أم کاذب فقال أسامة لا أقاتل أحدا یشهد أن لا إله الا اللّه* و فی الاکلیل فعل ذلک أسامة فی سریة کان هو أمیرا علیها سنة ثمان و فی البخاری عن أبی ظبیان قال سمعت أسامة بن زید یقول بعثنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم و لحقت أنا و رجل من الانصار رجلا منهم فلما غشیناه قال لا إله الا اللّه فکف الانصاری عنه و طعنته برمحی حتی قتلته فلما قدمنا بلغ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال یا أسامة أ قتلته بعد ما قال لا إله الا اللّه قلت کان متعوّذا فما زال یکرّرها حتی تمنیت انی لم أکن أسلمت قبل ذلک الیوم أورده فی المواهب اللدنیة و ستجی‌ء هذه القصة فی الموطن الثامن فی سریة غالب بن عبد اللّه اللیثی الی فدک*

سریة بشر بن سعد الی یمن و جبار

و فی شوّال هذه السنة کانت سریة بشر بن سعد الانصاری الی یمن و جبار بفتح الجیم و هی أرض لغطفان و یقال لفزارة و عذرة و بعث معه ثلاثمائة رجل لجمع تجمعوا للاغارة علی المدینة فساروا اللیل و کمنوا النهار فلما بلغهم مسیر بشر هربوا و أصاب لهم نعما کثیرة فغنمها و أسر رجلین و قدم بهما المدینة الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأسلما

سریة ابن عمر الی قبل نجد

و بعث صلی اللّه علیه و سلم سریة قبل نجد و فیها ابن عمر رضی اللّه عنهما قال فبلغت سهماننا اثنی عشر بعیرا و نفلنا بعیرا فرجعنا بثلاثة عشر بعیرا یحتمل ان تکون هذه السریة هی سریة ابان بن سعید المذکورة و أن تکون غیرها*

کتابه الی جبلة بن الایهم‌

و فی هذه السنة کتب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی جبلة بن الایهم آخر ملوک غسان و دعاه الی الاسلام قال فلما وصل إلیه الکتاب أسلم و کتب جواب کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أعلمه باسلامه و أرسل الهدیة و کان ثابتا علی اسلامه الی زمان عمر بن الخطاب* و فی خلافته قدم مکة للحج و حین کان یطوف فی المطاف وطئ رجل من فزارة ازاره فانحلّ فلطم الفزاری لطمة هشم بها أنفه و کسر ثنایاه فشکا الفزاری الی عمر و استغاثه فطلب عمر جبلة و حکم بأحد الامرین امّا العفو و امّا القصاص قال جبلة أ تقتص له منی سواء و أنا ملک و هو سوقی قال عمر الاسلام سوّی بینکما و لا فضل لک علیه الا بالتقوی قال فان کنت أنا و هذا الرجل سواء فی هذا الدین فسأتنصر قال عمر اذا أضرب عنقک قال فأمهلنی اللیلة حتی أنظر فی أمری فلما کان اللیل رکب فی بنی عمه و هرب الی قسطنطینیة و تنصر هناک و مات مرتدّا نعوذ باللّه من ادراک الشقاوة و سوء الخاتمة قیل إلیه أشار الشاعر بقوله
أخذت بالجمة رأسا أزعراو بالثنایا الواضحات الدردرا
و بالطویل العمر عمرا جیذراکما اشتری المسلم اذ تنصرا و بعض أهل الاسلام علی أنّ جبلة عاد الی الاسلام و مات مسلما و اللّه أعلم و قد مرّ فی هذا الموطن فی ذکر کتابه الی الحارث بعض ما یخالف هذا*

قتل شیرویه اباه‌

و فی هذه السنة قتل شیرویه اباه علی ما سبق ذکره قال الواقدی کان قتله لیلة الثلاثاء لعشر مضین من جمادی الآخرة أو جمادی الاولی سنة سبع من الهجرة لست أو سبع ساعات مضین* روی أنه لما قتل أباه کان الملک لا یستقرّ علیه حتی قتل سبعة عشر أخاله ذوی أدب و شجاعة فابتلی بالاسقام فبقی بعده ثمانیة أشهر و قیل ستة أشهر ثم مات و یقال مدّة عمر شیرویه اثنان و عشرون سنة*

هدیة المقوقس‌

و فی هذه السنة وصلت هدیة المقوقس ملک الاسکندریة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:62
و مصر و اسمه جریج بن مینا و هی ماریة و سیرین أختها و جاریتان أخریان و خصی یقال له مأبور و قدح من قواریر و ثیاب من قباطی مصر و ألف مثقال من الذهب و عسل و فرس یقال له لزاز و بغلة یقال لها الدلدل و حمار یقال له یعفور کما مرّ فی الموطن السادس و بعث المقوقس کل ذلک مع حاطب بن أبی بلتعة فعرض حاطب الاسلام علی ماریة و رغبها فیه فأسلمت هی و أختها و أقام الخصی علی دینه حتی أسلم بالمدینة فی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قیل لم یسلم و قد مرّ فی الموطن السادس*

الکلام فی عمرة القضاء

و فی ذی القعدة من هذه السنة وقعت عمرة القضاء و یقال لها عمرة القضیة و غزوة الا من أیضا أما تسمیتها عمرة القضاء فلانها قضاء عن العمرة التی صدّ عنها بالحدیبیة فانها فسدت بالتحلل عنها و انما عدوّها عمرة لثبوت الاجر فیها لانها کملت کما هو مذهب الحنفیة و ذکر ابن هشام أنها یقال لها عمرة القضاء لانهم صدّوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عن العمرة فی ذی القعدة فی الشهر الحرام من سنة ست فاقتص منهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و دخل مکة فی ذی القعدة فی الشهر الحرام الذی صدّوا فیه من سنة سبع قال موسی بن عقبة و ذکر انّ اللّه تعالی أنزل فی تلک العمرة الشهر الحرام بالشهر الحرام و الحرمات قصاص و أمّا تسمیتها عمرة القضیة فلانه علیه السلام قاضی قریشا فیها لا لانها قضاء عن العمرة التی صدّ عنها لانها لم تکن فسدت حتی یجب قضاؤها بل کانت عمرة تامة کما هو مذهب الشافعیة و لذا عدّوا عمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أربعا و هذا الخلاف مبنی علی الاختلاف فی وجوب القضاء أو الهدی علی من أحرم معتمرا و صدّ عن البیت فعند أبی حنیفة یجب القضاء علیه لا الهدی و عند الشافعیة یجب علیه الهدی لا القضاء و کانت عمرة القضاء بعد غزوة خیبر بستة أشهر و عشرة أیام و ذلک أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما رجع من خیبر الی المدینة أقام بها شهری ربیع و ما بعده الی شوّال و هو یبعث فیما بین ذلک سرایا ثم خرج فی ذی القعدة فی الشهر الذی صدّه فیه المشرکون معتمرا عمرة القضاء مکان عمرته التی صدّوه عنها و خرج معه المسلمون ممن کان صدّ معه فی عمرته تلک و هی سنة سبع فلما سمع به أهل مکة خرجوا عنها کذا فی الاکتفاء و قال غیره انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أمر أصحابه حین رأوا هلال ذی القعدة أن یعتمروا قضاء لعمرتهم التی صدّهم المشرکون عنها بالحدیبیة و أن لا یتخلف أحد ممن شهد الحدیبیة فلم یتخلف منهم أحد الا من استشهد منهم بخیبر و من مات و خرج معه صلی اللّه علیه و سلم قوم من المسلمین عمارا غیر الذین شهدوا الحدیبیة و کانوا فی عمرة القضاء ألفین و استخلف علی المدینة أبا رهم الغفاری* و فی القاموس عویف بن الاضبط و أحرم من ذی الحلیفة و ساق صلی اللّه علیه و سلم ستین بدنة و جعل علی هدیه ناجیة ابن جندب الاسلمی و حمل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم معه السلاح و الدروع و الرماح و قاد مائة فرس* و فی المواهب اللدنیة فلما انتهی الی ذی الحلیفة قدم الخیل أمامه علیها محمد بن مسلمة و قدّم السلاح و استعمل علیه بشر بن سعد و أحرم صلی اللّه علیه و سلم و لبی و المسلمون یلبون معه و مضی محمد ابن مسلمة فی الخیل الی مرّ الظهران فوجد بها نفرا من قریش فسألوه فقال هذا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یصح هذا المنزل غدا ان شاء اللّه تعالی فأتوا قریشا فأخبروهم ففزعوا و نزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بمرّ الظهران و قدّم السلاح الی بطن یأجج کیسمع و ینصر و یضرب موضع بمکة حیث ینظر الی أنصاب الحرم و خلف علیه أوس بن خولی الانصاری فی مائتی رجل و خرج قریش من مکة الی رءوس الجبال و أخلوا مکة ثلاثة أیام* و فی الاکتفاء قال ابن عقبة و تغیب رجال من أشرافهم و خرجوا الی بوادی مکة کراهیة أن ینظروا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم غیظا و حنفا و نفاسة و حسدا انتهی و قدّم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الهدی أمامه فحبس بذی طوی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:63
و خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی راحلته القصوی و المسلمون متوشحون السیوف محدقون برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یلبون فدخل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من ثنیة کداء بفتح أوّله و المدّ و هی طلعة الحجون التی بأعلی مکة ینحدر منها الی المقابر علی درب المعلاة علی طریق الابطح و منی و عبد اللّه بن رواحة آخذ بزمام راحلته و هو یمشی بین یدیه و یقول
خلوا بنی الکفار عن سبیله‌الیوم نضر بکم علی تنزیله
ضربا یزیل الهام عن مقیله‌و یذهل الخلیل عن خلیله * فقال له عمر یا ابن رواحة بین یدی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و فی حرم اللّه تقول شعرا* فقال له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم خل عنه یا عمر فلهی أسرع فیهم من نصح النبل رواه الترمذی و رواه عبد الرزاق من وجهین بلفظ
خلوا بنی الکفار عن سبیله‌قد أنزل الرحمن فی تنزیله
بأنّ خیر القتل فی سبیله‌نحن قتلناکم علی تأویله
کما قتلناکم علی تنزیله
و فی الاکتفاء
خلوا بنی الکفار عن سبیله‌خلوا فکل الخیر فی رسوله
یا رب انی مؤمن بقیله‌أعرف حق اللّه فی قبوله فلم یزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یلبی حتی استلم الرکن بمعجنه مضطبعا بثوبه و طاف علی راحلته و المسلمون یطوفون معه و قد اضطبعوا بثیابهم و أمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بلالا فأذن علی ظهر الکعبة* و فی البخاری عن ابن عباس قال المشرکون انهم یقدمون علیکم و قد أوهنتهم حمی یثرب فأمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أن یرملوا فی الأشواط الثلاثة و أن یمشوا بین الرکنین و لم یمنعه أن یرملوا الاشواط کلها الا الابقاء شفقة علیهم أی لم یمنعه من أمرهم بالرمل فی جمیع الطوفات الا الرفق بهم و الاشفاق علیهم* و فی روایة قال ارملوا لیری المشرکون قوّتکم و المشرکون من قبل قیقعان* و فی أسد الغابة اضطبع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و المسلمون و رملوا و هو أوّل اضطباع و رمل فی الاسلام* و فی الاکتفاء تحدّثت قریش بینها فیما ذکره ابن اسحاق أنّ محمدا و أصحابه فی عسرة و جهد و شدّة فصفوا له عند دار الندوة لینظروا إلیه و الی أصحابه فلما دخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المسجد اضطبع بردائه و أخرج عضده الیمنی ثم قال رحم اللّه امرأ أراهم الیوم من نفسه قوّة ثم استلم الرکن و خرج یهرول و یهرول أصحابه معه حتی اذا و اراه البیت منهم و استلم الرکن الیمانی مشی حتی یستلم الاسود ثم هرول کذلک ثلاثة أطواف و مشی سائرها فکان ابن عباس یقول کان الناس یظنون أنها لیست سنة علیهم و أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انما صنعها لهذا الحی من قریش للذی بلغه عنهم حتی حج حجة الوداع فلزمها فدل أنها سنة ثم طاف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بین الصفا و المروة علی راحلته فلما کان الطواف السابع عند فراغه و قد وقف الهدی عند المروة قال هذا المنحر و کل فجاج مکة منحر فنحر عند المروة و حلق هناک و کذلک فعل المسلمون و أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ناسا من أصحابه أن یقیموا علی السلاح ببطن یأجج و یأتی آخرون فقضوا نسکهم ففعلوا کذا فی المواهب اللدنیة و أقام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بمکة ثلاثا فلما کان عند الظهر من الیوم الرابع أتاه سهیل بن عمرو و حویطب بن عبد العزی فقالا قد انقضی أجلک فاخرج عنا* و فی روایة أتوا علیا فقالوا له قل لصاحبک یخرج عنا فقد انقضی الاجل فخرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فتبعته ابنة حمزة تنادی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:64
یا عمّ یا عمّ فتناولها علیّ فأخذ بیدها و قال لفاطمة دونک ابنة عمک فحملتها فاختصم فیها علیّ و زید و جعفر فقال علیّ أنا أخذتها و هی ابنة عمی و قال جعفر بنت عمی و خالتها تحتی و قال زید بنت أخی فقضی بها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لخالتها و قال الخالة بمنزلة الامّ قال و رکب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی نزل بسرف بفتح أوّله و کسر ثانیه بعده فاء علی عشرة أمیال من مکة أو سبعة* و فی شفاء الغرام فی سرف أربعة أقوال ستة أمیال و سبعة بتقدیم السین و تسعة بتقدیم التاء علی السین و اثنا عشر میلا و هو الموضع الذی بنی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بمیمونة فیه حین تزوّجها* و فی معجم ما استعجم قال ابن وفد بلغنی أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم غربت علیه الشمس بسرف و صلی المغرب بمکة و بینهما سبعة أمیال و فی موضع آخر منه علی ستة أمیال من مکة و لیس بجامع الیوم*

تزوّجه علیه السلام بمیمونة رضی اللّه عنها

و فی هذه السنة تزوّج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم میمونة بنت الحارث بن حرب بن بجیر بن هدن بن رؤبة بن عبد اللّه بن هلال ابن عامر بن صعصعة بن معاویة بن هوازن بن منصور بن عکرمة بن حفصة بن قیس بن غیلان الهلالیة* قال أبو عمر و قال أبو عبیدة لما فرغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من خیبر توجه الی مکة معتمرا سنة سبع و قدم علیه جعفر بن أبی طالب من أرض الحبشة فبعثه بین یدیه فخطب علیه میمونة بنت الحارث الهلالیة و کانت أختها لامها أسماء بنت عمیس تحت جعفر و سلمی بنت عمیس تحت حمزة و أم الفضل بنت الحارث تحت العباس فجعلت أمرها الی العباس فأنکحها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هو محرم و قیل جعلت أمرها الی أم الفضل فجعلت أمّ الفضل أمرها الی العباس فزوّجها العباس من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أصدقها عنه أربعمائة درهم و قضی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم نسکه و أقام بمکة ثلاث لیال و کان ذلک أجل القضیة یوم الحدیبیة فلما أصبح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من الیوم الرابع أتاه سهیل بن عمرو و حویطب بن عبد العزی و هو یخالف ما مرّ من أنهما أتیاه عند الظهر من الیوم الرابع انتهی و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی مجلس الانصار یتحدّث مع سعد بن عبادة فصاح حویطب نناشدک اللّه و العقد الا خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاثة فقال سعد کذبت لا أم لک انها لیست بأرضک و لا بأرض أبیک و اللّه لا یخرج الا راضیا فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو یضحک یا سعد لا تؤذ قوما زارونا فی رحالنا ثم قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لو ترکتمونی فأعرست بین أظهرکم و صنعنا لکم طعاما فحضرتموه قالوا لا حاجة لنا بطعامک فاخرج فأمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبا رافع مولاه فاذن بالرحیل و خلف أبا رافع علی میمونة حتی أتاه بسرف و لقد لقیت هی و من معها عناء و أذی من سفهاء المشرکین و صبیانهم کذا فی الاکتفاء* و روی فی تزویجها أنّ العباس لقی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالجحفة حین اعتمر عمرة القضیة فقال له العباس یا رسول اللّه أیمت میمونة بنت الحارث بن أبی رهم بن عبد العزی هل لک فی تزویجها فتزوّجها صلی اللّه علیه و سلم و هو محرم فلما قدم مکة أقام ثلاثا فجاء سهیل بن عمرو فی نفر من أصحابه من أهل مکة فقال یا محمدا خرج عنا فقال له سعدیا عاضّ بظر أمه أ هی أرضک و أرض أمّک دونه لا یخرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الا أن یشاء فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم دعهم فخرج فبنی بها بسرف حلالا أخرجه أبو عمرو و کذا رواه ابن عباس أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم تزوّجها و هو محرم أخرجه الشیخان و النسائی و روت میمونة أنه صلی اللّه علیه و سلم تزوّجها بسرف و هو حلال أخرجه أبو داود* و قد روی أنه صلی اللّه علیه و سلم لما فرغ من عمرته أقام بمکة ثلاثة أیام التی اشترطها علی أهل مکة ثم بعث بها عثمان و قال ان شئتم أقمت عندکم ثلاثا أخر و عرست بأهلی و أولمت لکم و کان صلی اللّه علیه و سلم تزوّج میمونة الهلالیة قبل عمرته و لم یدخل بها فقالوا لا حاجة لنا فی و لیمتک اخرج عنا و هذا یعضد قول من قال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:65
انه صلی اللّه علیه و سلم تزوّج میمونة و هو محرم و کانت میمونة رضی اللّه عنها قبل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم عند أبی رهم بن عبد العزی و یقال عند عبد اللّه بن أبی رهم و قیل بل عند حویطب بن عبد العزی و قیل فروة بن عبد العزی و قیل أبی سبرة العامری* قال ابن اسحاق و یقال انها رضی اللّه عنها وهبت نفسها للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم و ذلک أنّ خطبة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انتهت إلیها و هی علی بعیرها فقالت البعیر و ما علیه للّه تعالی و لرسوله صلی اللّه علیه و سلم فأنزل اللّه تعالی و امرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبیّ و یقال التی وهبت نفسها للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم زینب بنت جحش و یقال أمّ شریک غزیة بنت جابر بن وهب و یقال غیرها و اللّه أعلم ذکره ابن اسحاق و قد سبق فی الباب الثالث فی حوادث السنة الخامسة و العشرین من مولده صلی اللّه علیه و سلم و کانت میمونة آخر امرأة تزوّج بها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و آخر من توفیت منهنّ حکاه المنذری صاحب الترغیب و الترهیب توفیت سنة ثلاث و ستین* و فی معجم ما استعجم أنها ماتت بسرف لانها اعتلت بمکة و قالت أخرجونی من مکة لان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أخبرنی أنی لا أموت بها فحملوها حتی أتوا بها سرف الی الشجرة التی بنی بها رسول اللّه تحتها فی موضع القبة فماتت هناک سنة ثمان و ثلاثین و هناک عند قبرها سقایة* و فی خلاصة الوفاء تزوّجها بسرف و بنی بها فیه و ماتت فیه و دفنت فیه* و مرویاتها ستة و سبعون حدیثا المتفق علیه منها سبعة أحادیث و أفرد البخاری بحدیث واحد و أفرد مسلم بخمسة أحادیث و الباقیة فی سائر الکتب* و فی ذی الحجة من هذه السنة کانت سریة ابن أبی العوجاء السلمی و اسمه أحزم الی بنی سلیم فی خمسین رجلا فأحدق بهم الکفار من کل ناحیة و قاتل القوم قتالا شدیدا حتی قتل عامتهم و أصیب ابن أبی العوجاء و صار جریحا مع القتلی ثم تحامل حتی بلغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی أوّل صفر سنة ثمان و اللّه تعالی أعلم تمّ الموطن السابع بحمد اللّه‌

* (الموطن الثامن فی وقائع السنة الثامنة من الهجرة

اشارة

من اسلام خالد بن الولید و عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة و تزوّج فاطمة بنت الضحاک و سریة غالب بن عبد اللّه اللیثی الی بنی الملوّح و سریة غالب بن عبد اللّه الی مصاب أصحاب بشر بن سعد بفدک و اتخاذ المنبر و القصاص و سریة شجاع بن وهب الی بنی عامر بالسی‌ء و سریة کعب بن عمیر الغفاری الی ذات اطلاح و سریة مؤتة و سریة عمرو بن العاص الی ذات السلاسل و سریة أبی عبیدة بن الجرّاح الی سیف البحر و سریة أبی قتادة الی خضرة و سریة أبی قتادة الی بطن اضم و سریة عبد اللّه بن أبی حدرد الی الغابة و غزوة فتح مکة و اسلام ابی سفیان بن حرب و اسلام أبی قحافة و اسلام حکیم بن حزام و اسلام عکرمة بن أبی جهل و سریة خالد بن الولید عقب فتح مکة الی العزی بنخلة و سریة عمرو بن العاص الی سواع صنم هذیل و سریة سعد بن زید الاشهل الی مناة صنم للأوس و سریة خالد بن الولید الی بنی جذیمة و غزوة حنین و سریة أبی عامر الی أوطاس و سریة الطفیل الی ذی الکفین و غزوة الطائف و اسلام مالک بن عوف النضری و اسلام صفوان بن أمیة و تزوّج الملیکة الکندیة و بعث عمرو بن العاص الی حیفر و عبد بعمان و بعث العلاء الحضرمی الی المنذر بن الساوی و انصرافه الی المدینة و اسلام عروة بن مسعود الثقفی و قتله و بعث قیس بن سعد بن عبادة الی ناحیة الیمن و طلاق سودة و ولادة ابراهیم و قدوم أوّل الوفود وفد هوازن و وفاة زینب بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم‌

* اسلام خالد و عمرو بن العاص و عثمان الحجبی‌

و فی صفر هذه السنة قدم المدینة خالد بن الولید و عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة الحجبی فأسلموا فی أسد الغابة اختلفوا فی وقت اسلام خالد بن الولید و هجرته قیل کان اسلامه سنة خمس بعد فراغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من بنی قریظة و قیل کان اسلامه بین الحدیبیة و خیبر و قیل بل کان اسلامه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:66
و هجرته سنة ثمان و قد قیل فی أوّل سنة ثمان مع عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة فلما رآهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال رمتکم مکة بافلاذ کبدها قال أبو عمرو و لم یصح لخالد بن الولید مشهد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قبل الفتح* و فی المواهب اللدنیة کان قدومه المدینة و اسلامه سنة خمس قاله ابن أبی خیثمة و قال الحاکم سنة سبع و کذا فی الوفاء و فی کون اسلام خالد سنة خمس أو سبع نظر لما ورد فی صحیح البخاری عن المسور بن مخرمة و مروان بن الحکم أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال انّ خالد بن الولید بالغمیم فی خیل لقریش طلیعة فخذوا ذات الیمین قاله زمن الحدیبیة سنة ست کذا فی المشارق و هذا ینافی اسلامه سنة خمس أو سبع* و فی الصفوة خالد بن الولید بن المغیرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم یکنی أبا سلیمان و أمّه أسماء و هی لبابة الصغری بنت الحارث أخت أمّ الفضل امرأة عباس قال خالد لما أراد اللّه بی ما أراد من الخیر قذف فی قلبی حب الاسلام و حضرنی رشدی و أری فی المنام کأنی فی بلاد ضیقة جدب فخرجت الی بلاد احسن و أوسع فقلت انّ هذه لرؤیا فذکرتها لابی بکر فقال هو مخرجک الذی هداک اللّه فیه للاسلام و الضیق هو الشرک فاجمعت الخروج الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و طلبت من أصحابه فلقیت عثمان بن طلحة فذکرت له الذی أرید فأسرع الی الاجابة و خرجنا جمیعا فأدلجنا سحرا فلما کان بالهدة اذا عمرو بن العاص فقال مرحبا بالقوم فقلنا له و بک قال أین مسیرکم فأخبرناه و أخبرنا أیضا أنه یرید النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فاصطحبنا حتی قدمنا المدینة أوّل یوم من صفر سنة ثمان فلما طلعت علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سلمت علیه بالنبوّة فردّ علیّ السلام بوجه طلق فقال صلی اللّه علیه و سلم قد کنت أری لک عقلا رجوت أن لا یسلمک الا لخیر و بایعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقلت استغفر لی کل ما أوضعته من صدّعن سبیل اللّه عز و جل قال انّ الاسلام یجب ما کان قبله ثم استغفر لی و تقدّم عمرو و عثمان بن طلحة فأسلما فو اللّه ما کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من یوم أسلمت یعدل بی أحدا من أصحابه فیما یحزبه* و فی أسد الغابة فلم یزل خالد من حین أسلم یولیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أعنة الخیل فیکون فی مقدمتها فی محاربة العرب و کان فی مقدمة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یوم حنین فی بنی سلیم و جرح یومئذ فأتاه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی رحله بعد ما هزم من هوازن لیعرف خبره و یعوده فنفث فی جرحه فانطلق و سیجی‌ء وفاة خالد فی الخاتمة فی خلافة عمر بن الخطاب* و فی المنتقی روی أنّ عمرو بن العاص کان أسلم بالحبشة علی ید النجاشی و لکن کان یکتم اسلامه من أصحابه فخرج متوجها الی المدینة فلما کان ببعض الطریق عند الهدة اذ لقی خالد بن الولید و هو یرید المدینة و ذلک قبل الفتح فقال عمرو یا أبا سلیمان أین ترید فقال خالد و اللّه لقد استقام المیسم أی تبینت الطریق و ظهر الامر و انّ هذا الرجل لنبیّ فاذهب فأسلم فحتی متی قال عمرو و اللّه ما جئت الا لأسلم فقد ما المدینة فتقدّم خالد بن الولید فأسلم و بایع ثم عمرو بن العاص فبایعه ثم انصرف قال ابن إسحاق و حدّثنی من لا أتهم أنّ عثمان بن طلحة بن أبی طلحة العبدری الحجبی کان معهما حین أسلما قال عثمان بن طلحة لما دخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مکة عام عمرة القضاء غیر اللّه قلبی عما کان علیه و دخلنی الاسلام و جعلت أفکر فیما نحن علیه و ما نعبد من حجر لا یسمع و لا یبصر و لا ینفع و لا یضرّ و أنظر الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أصحابه و ظلف أنفسهم عن الدنیا فیقع ذلک فأقول ما عمل القوم الاعلی الثواب لیکون بعد الموت و جعلت أحب النظر الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی أن رأیته خارجا من باب بنی شیبة یرید منزله بالابطح فأردت أن آتیه و آخذ بیده و أسلم فلم یعزم لی ذلک فانصرف رسول اللّه صلی اللّه علیه
و سلم راجعا الی المدینة ثم عزم لی علی الخروج إلیه فأدلجت الی بطن یأجج فألقی خالد بن الولید فاصطحبنا حتی نزلنا الهدة فما شعرنا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:67
الا بعمرو بن العاص فانقمعنا منه و انقمع منا ثم قال این یرید الرجلان فأخبرناه فقال و أنا و اللّه أرید الذی تریدان فاصطحبنا جمیعا حتی قدمنا المدینة علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فبایعته علی الاسلام و أقمت حتی خرجت معه فی غزوة الفتح و دخل مکة فقال لی یا عثمان ایت بالمفتاح فأتیته به فأخذه منی ثم دفعه الیّ و قال خذوها تالدة خالدة و لا ینزعها منکم أحد الا ظالم یا عثمان ان اللّه استأمنکم فکلوا مما یصل إلیکم من هذا البیت بالمعروف و سیجی‌ء* قال الواقدی هذا أثبت الوجوه فی اسلام عثمان* فی الاستیعاب و أسد الغابة عثمان بن طلحة بن أبی طلحة و اسم أبی طلحة عبد اللّه بن عبد العزی بن عثمان بن عبد الدار بن قصی بن کلاب بن مرّة القرشی العبدری الحجبی أمه أم سعید سلافة بنت سعد من بنی عمرو بن عوف قتل أبوه طلحة و عمه عثمان بن أبی طلحة جمیعا یوم أحد کافرین قتل حمزة عثمان و قتل علیّ طلحة مبارزة و قتل یوم أحد منهم أیضا مسافع و الجلاس و الحارث و کلاب بنو طلحة کلهم اخوة عثمان بن طلحة هذا قتلوا کفارا قتل عاصم بن ثابت بن أبی الافلح رجلین منهم مسافعا و الجلاس و قتل الزبیر کلابا و قتل قزمان الحارث و قد مرّ فی الموطن الثالث فی غزوة أحد و هاجر عثمان بن طلحة الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی هدنة الحدیبیة مع خالد فلقیا عمرو بن العاص قد أتی من عند النجاشی یرید الهجرة فاصطحبوا جمیعا حتی قدموا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المدینة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین رآهم ألقت إلیکم مکة أفلاذ کبدها کذا فی الاستیعاب کما مرّ* و فی أسد الغابة رمتکم مکة بأفلاذ کبدها یعنی انهم وجوه أهل مکة فأسلموا و أقام عثمان مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالمدینة و شهد معه فتح مکة و دفع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مفتاح الکعبة إلیه و الی شیبة بن عثمان بن أبی طلحة و قال خذوها یا بنی طلحة خالدة تالدة لا ینزعها منکم الا ظالم ثم نزل عثمان بن طلحة المدینة و أقام بها الی وفاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و انتقل الی مکة فسکنها حتی مات بها فی أوّل خلافة معاویة سنة اثنتین و أربعین و قیل انه قتل یوم اجنادین* و فی هذه السنة تزوّج صلی اللّه علیه و سلم فاطمة بنت الضحاک بن سفیان الکلابیة و قد سبق فی الباب الثالث*

بعث غالب بن عبد اللّه الی فدک‌

و فی صفر هذه السنة کانت سریة غالب بن عبد اللّه اللیثی الی بنی الملوّح بالکدید بفتح الکاف فغنم* و فی صفر هذه السنة بعث غالب بن عبد اللّه أیضا* و فی معالم التنزیل غالب بن فضالة اللیثی مع جماعة الی فدک لینتقموا من الذین قتلوا أصحاب بشر بن سعد روی ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عقد لواء للزبیر بن العوّام و أمره علی مائتی رجل و أمره أن یأتی مصارع أصحاب بشر بن سعد و یستأصلهم ان ظفر بهم فبینما هو علی ذلک اذ قدم غالب بن عبد اللّه اللیثی من الکدید فدفع إلیه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اللواء المعقود للزبیر و أمره علی تلک السریة و بعثه الی فدک و کان ابو مسعود الثقفی و عقبة بن عامر الانصاری و کعب بن عجرة و أسامة بن زید فی تلک السریة فلما انتهوا الی فدک أغاروا علیهم مع الصبح و قاتلوا قتالا شدیدا و قتل کثیر من المشرکین و أخذ المسلمون کثیرا من الاساری و الابل و الغنم* روی ان أسامة بن زید اتبع رجلا من الکفار یقال له نهیک بن مرداس و لما لحقه و سل السیف لیضربه قال نهیک لا إله الا اللّه فقتله أسامة فلما رجع الی غالب و ذکر له ما جری بینه و بین نهیک لامه غالب و قال لم قتلته و لما قدموا المدینة ذکر للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم ذلک فقال یا أسامة أ قتلته بعد ان قال لا إله الا اللّه فقال یا رسول اللّه کان متعوّذا بها من السیف قال أ فلا شققت قلبه فتعلم أ صادق هو أم کاذب قال أسامة لن أقاتل من قال لا إله الا اللّه أبدا کذا فی روضة الاحباب* و فی معالم التنزیل غیر هذا ظاهرا و هو ما روی عن ابن عباس أنه قال نزلت هذه الآیة* یا أیها الذین آمنوا اذا ضربتم فی سبیل اللّه فتبینوا و لا تقولوا لمن ألقی إلیکم السلام لست مؤمنا الآیة فی رجل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:68
من بنی مرّة بن عوف یقال له نهیک بن مرداس و کان من أهل فدک و کان مسلما لم یسلم من قومه غیره فسمعوا بأن سریة لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تریدهم و کان علی السریة غالب بن فضالة اللیثی فهربوا و أقام الرجل لانه کان علی دین الاسلام فلما رأی الخیل خاف أن یکونوا من غیر أصحاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فألجأ غنمه الی عال من الجبل فلما تلاحقت الخیل سمعهم یکبرون فعرف انهم من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فکبر و نزل و هو یقول لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه السلام علیکم فقتله أسامة و استاق غنمه ثم رجعوا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبروه فوجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم وجدا شدیدا و کان قبل ذلک قد سبق ذلک الخبر فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أ قتلتموه ارادة ما معه ثم قرأ هذه الآیة علی أسامة بن زید فقال یا رسول اللّه استغفر لی فقال فکیف بلا إله الا اللّه قالها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثلاث مرات قال أسامة فما زال رسول اللّه یکررها و یعیدها حتی وددت انی لم أکن أسلمت الا یومئذ ثم ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم استغفر لی بعد ثلاث مرات و قال اعتق رقبة* و روی أبو ظبیان عن أسامة بن زید قال مرّ رجل من بنی سلیم علی نفر من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و معه غنم له فسلم علیهم فقالوا ما سلم علیکم الا لیتعوّذ منکم فقاموا و قتلوه و أخذوا غنمه و أتوا بها الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأنزل اللّه تعالی یا أیها الذین آمنوا اذا ضربتم فی سبیل اللّه فتبینوا* و فی روایة بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أسامة بن زید مع جماعة الی الحرقات من جهینة فصبحوهم فهزموهم و قتل أسامة رجلا ظنه متعوّذا بقول لا إله الا اللّه فکرر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم له أ قتلته بعد ما قال لا إله الا اللّه حتی قال تمنیت انی لم أکن أسلمت قبل ذلک الیوم و قد مرت هذه القصة فی الموطن السابع فی سریة غالب بن عبد اللّه اللیثی الی المیفعة بناحیة نجد*

اتخاذ المنبر

و فی هذه السنة علی ما فی أسد الغابة أو السابعة أو التاسعة من الهجرة اتخذ المنبر لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من أثل الغابة* و فی روایة من طرفاء الغابة روی انه صلی اللّه علیه و سلم بنی مسجده مسقوفا علی جذوع النخل و کان اذا خطب یقوم الی جذع من جذوعه فصنع له منبر* و فی خلاصة الوفاء أشهر الاقوال ان الذی صنع المنبر باقوم بموحدة و قاف و هو بانی الکعبة لقریش و قیل باقول باللام بدل المیم و أشبه الاقوال بالصواب ما قاله الحافظ ابن حجر إنه میمون و قیل صباح غلام العباس و قیل غلامه کلاب و قیل مینا غلام امرأة من الانصار و نقل ابن النجار عن الواقدی انه درجتان و مجلس و للدارمی فی صحیحه عن أنس فصنع له منبر له درجتان و یقعد علی الثالثة* و فی روایة الدارمی هذه المراقی الثلاث أو الاربع علی الشک* و فی صحیح مسلم هذه الثلاث درجات من غیر شک فأطلق علی المجلس درجة* و لیحیی عن ابن أبی الزناد ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کان یجلس علی المجلس و یضع رجلیه علی الدرجة الثانیة فلما ولی أبو بکر قام علی الدرجة الثانیة و وضع رجلیه علی الدرجة السفلی فلما ولی عمر قام علی الدرجة السفلی و وضع رجلیه علی الارض فلما ولی عثمان فعل ذلک ست سنین من حلافته ثم علا الی موضع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و لما استخلف معاویة زاد فی المنبر فجعل له ست درجات و کان عثمان أوّل من کسا المنبر قطیفة و عن أبی الزناد قال فسرقت الکسوة امرأة فأتی بها عثمان فقال لها هل سرقت قولی الحق فاعترفت فقطعها قالوا فلما قدم معاویة عام حج حرک المنبر و أراد أن یخرجه الی الشام الی دمشق فکسفت الشمس یومئذ حتی رؤیت النجوم فاعتذر معاویة الی الناس و قال أردت أن أنظر الی ما تحته و خشیت علیه من الارضة قال بعضهم کساه یومئذ قطیفة أو لینة* و فی روایة ان معاویة کتب الی مروان بذلک فقلعه فأصابتهم ریح مظلمة بدت فیها النجوم نهارا و یلقی الرجل الرجل یصکه و لا یعرفه فقال مروان انما کتب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:69
الیّ أن أصلحه فدعا النجارین فعمل هذه الدرجات و رفعوه علیها و هی یعنی الدرجات التی زادها ست درجات و لم یزد فیه أحد قبله و لا بعده* و فی تاریخ الواقدی أراد معاویة سنة خمسین تحویل منبر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی دمشق بالشام فکسفت الشمس یومئذ و کلمه أبو هریرة فیه فترکه فلما کان عبد الملک أراد ذلک فکلمه قبیصة فترکه فلما کان الولید أراد ذلک فأرسل سعید بن المسیب الی عمر بن عبد العزیز فکلمه فترکه فلما کان سلیمان قیل له فی تحویله فقال لاها اللّه أخذنا الدنیا و نعمد الی علم من أعلام الاسلام نرید تحویله ذاک شی‌ء لا أفعله و ما کنت أحب ان یذکر هذا عن عبد الملک و لا عن الولید و ما لنا و لهذا قال ابن النجار فیما رواه عن ابن أبی الزناد انه صار بما زاد فیه مروان تسع درجات بالمجلس فلما قدم المهدی قال لمالک أرید أن أعیده علی حاله فقال له مالک انما هو من طرفاء الغابة و قد سمر الی هذه العیدان و شدّ فمتی نزعته خفت أن تتهافت فانصرف المهدی عن ذلک* قال ابن زیاد و طول منبر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم خاصة ذراعان فی السماء و عرضه أی عرض مقعده ذراع فی ذراع و تربیعه سواء و عرض درجه شبران لان کل درجة شبر و ان طول المنبر فی السماء بعد ما زاد فیه أربعة أذرع و صار امتداده فی الارض سبعة أذرع بتقدیم السین باضافة عتبة الدکة الرخام التی المنبر فوقها و تلک العتبة ذراع فامتداد المنبر بدونها ستة أذرع انتهی و عن جابر بن عبد اللّه الانصاری أنه قال کان المسجد مسقوفا علی جذوع نخل و کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اذا خطب یقوم الی جذع منها کما مرّ و کانت امرأة من الانصار اسمها عائشة و کان لها غلام نجار اسمه باقوم الرومی قالت یا رسول اللّه ان لی غلاما نجارا أ فلا آمره یتخذ لک منبرا تخطب علیه قال بلی فأمرته فاتخذ له منبرا* و فی روایة سأله رجل عن اتخاذ المنبر فأجابه إلیه و فی هذه الروایة صنع له ثلاث درجات فلما کان یوم الجمعة خطب علی المنبر قال جابر سمعنا لذلک الجذع صوتا کصوت العشار*

حنین الجذع‌

و فی خلاصة الوفاء اضطربت تلک الساریة کحنین الناقة الخلوج أی التی انتزع ولدها قال عیاض حدیث حنین الجذع مشهور و الخبر به متواتر أخرجه أهل الصحیح و رواه من الصحابة بضع عشر و فی روایة أنس حتی ارتح المسجد لخواره و فی روایة أنّ کأنین الصبیّ و فی روایة سهل و کثر بکاء الناس لما رأوا به* و فی روایة المطلب حتی تصدع و انشق حتی جاءه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فوضع یده علیه فسکت* و فی روایة فنزل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یمسحه بیده حتی سکن أو سکت کالصبی الذی یسکت ثم رجع الی المنبر و زاد غیره فقال قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم هذا بکی لما فقد من الذکر و زاد غیره و الذی نفسی بیده لو لم ألتزمه لم یزل هکذا الی یوم القیامة تحزنا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأمر به رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فدفن تحت المنبر هکذا فی حدیث المطلب* و فی حدیث أبی بن کعب فکان اذا صلی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم صلی إلیه فلما هدم المسجد و غیر أخذ ذلک الجذع أبی و کان عنده فی تلک الدار الی أن بلی و أکلته الارضة و عادر فاتا و ذکر الاسفراینی ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم دعاه الی نفسه فجاءه یحرق الارض فالتزمه ثم أمره فعاد الی مکانه* و فی حدیث بریدة قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ان شئت أردّک الی الحائط الذی کنت فیه تنبت لک عروقک و یکمل خلقک و یجدّد لک خوصک و ثمرک و ان شئت أغرسک فی الجنة فیأکل أولیاء اللّه من ثمرک ثم أصغی له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بسمع ما یقول فقال بل تغرسنی فی الجنة فیأکل منی أولیاء اللّه فأکون فی مکان لا أبلی فیه یعنی فی الجنة فسمعه من یلیه فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قد فعلت ثم قال قد اختار دار البقاء علی دار الفناء أورده فی الشفاء* و فی خلاصة الوفا اعتمد المطری فی بیان محل الجذع علی ما روی ابن زبالة فقال و کان هذا الجذع عن یمین مصلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لاصقا بجدار المسجد القبلی فی موضع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:70
کرسی الشمعة الیمنی التی توضع عن یمین الامام المصلی فی مقام النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و الاسطوانة التی قبلی الکرسی متقدّمة علی موضع الجذع فلا یعتمد علی قول من جعلها فی موضع الجذع*

أوّل قود فی الاسلام‌

و فی هذه السنة أقاد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رجلا من هذیل برجل من بنی لیث و هو أوّل قود کان فی الاسلام*

سریة شجاع بن وهب الی بنی عامر

و فی ربیع الاوّل من هذه السنة کانت سریة شجاع بن وهب الی بنی عامر بالسی‌ء ماء من ذات عرق الی و جرة علی ثلاث مراحل من مکة الی البصرة و خمس من المدینة و معه أربعة و عشرون رجلا الی جمع من هوازن و أمره أن یغیر علیهم فکان یسیر باللیل و یکمن بالنهار حتی صبحهم فأصابوا نعما و شاء و استاقوا ذلک حتی قدموا المدینة و کانت غیبتهم خمس عشرة لیلة و اقتسموا الغنیمة و کانت سهامهم خمسة عشر بعیرا و عدّلوا البعیر بعشر من الغنم*

سریة کعب بن عمیر الی ذات اطلاح‌

و فی ربیع الاوّل من هذه السنة کانت سریة کعب بن عمیر الغفاری الی ذات اطلاح وراء ذات القری فی خمسة عشر رجلا فساروا حتی انتهوا الی ذات اطلاح فوجدوا فیها جمعا کثیرا فقاتلهم الصحابة أشدّ القتال حتی قتلوا و أفلت منهم رجل جریح فی القتلی* قال مغلطای قیل هو الامیر فلما برد علیه اللیل تحامل حتی أتی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأخبره الخبر فشق ذلک علیه فهم بالبعث إلیهم فبلغه انهم ساروا الی موضع آخر فترکهم*

سریة مؤتة

و فی جمادی الاولی من هذه السنة کانت سریة مؤتة و هی بضم أوّله و اسکان ثانیه بعده تاء مثناة فوقیة* و فی المواهب اللدنیة بضم المیم و سکون الواو بغیر همز لاکثر الرواة و به جزم المبرد و جزم ثعلب و الجوهری و ابن فارس بالهمز* و حکی غیرهم الوجهین و هی موضع من أرض الشام من عمل البلقاء و البلقاء دون دمشق و کان لقاؤهم الروم بقریة یقال لها مشارف من تخوم البلقاء ثم انحاز المسلمون الی مؤتة کذا فی معجم ما استعجم* و فی مورد اللطافة و کانت وقعة مؤتة بالکرک* و قال فی الاکتفاء و لما صدر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من عمرة القضاء الی المدینة أقام بها نحوا من ستة أشهر ثم بعث الی الشام فی جمادی الاولی من سنة ثمان بعث الذین أصیبوا بمؤتة* روی انه صلی اللّه علیه و سلم بعث الحارث بن عمیر الازدی الی ملک بصری بکتاب فلما نزل مؤتة عرض له شرحبیل بن عمرو الغسانی و هو من أمراء قیصر فقتله و لم یقتل لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رسول غیره فشق ذلک علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أخبر عن قتل الحارث و قاتله و دعا الناس و عسکر بالجرف و هم ثلاثة آلاف فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أمیر الناس زید بن حارثة فان قتل أو قال أصیب فجعفر بن أبی طالب فان قتل أو قال أصیب فعبد اللّه بن رواحة فان قتل أو قال أصیب فیتربص المسلمون بینهم رجلا* روی ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین عین أمراء السریة کان یهودی عنده فقال ان کان محمد نبیا فیقتل هؤلاء الذین عینهم للامارة فانّ أنبیاء بنی اسرائیل کانوا اذا عینوا الامراء مثل ما عینه یقتلون البتة ثم قال لزید ودّع أبا القاسم فانک مقتول ثم عقد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لواء أبیض و دفعه الی زید بن حارثة و خرج مشیعا لهم حتی بلغ ثنیة الوداع فوقف و ودّعهم و أمرهم أن یأتوا مقتل الحارث بن عمیر و أن یدعوا من هناک الی الاسلام فان أجابوا و الا فقاتلوهم* و فی الصفوة عن محمد بن جعفر بن الزبیر قال فلما تجهز الناس و تهیئوا للخروج الی مؤتة قال المسلمون صحبکم اللّه و دفع عنکم السوء و ردّکم سالمین غانمین فقال عبد اللّه بن رواحة عند ذلک شعرا
لکننی أسأل الرحمن مغفرةو ضربة ذات قرع تقذف الزبدا
أو طعنة بیدی حران مجهزةبحربة تنفذ الاحشاء و الکبدا
حتی یقولوا اذا مرّوا علی جدثی‌أرشدک اللّه من غاز و قد رشدا فلما فصلوا من المدینة سمع العدوّ بمسیرهم فجمعوا لهم و تهیئوا لحربهم و قام فیهم شرحبیل بن عمرو فجمع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:71
أکثر من مائة ألف و قدّم الطلائع أمامه* قال ابن اسحاق لما نزل المسلمون معان و هو حصن کبیر بین الحجاز و الشام علی خمسة أیام من دمشق بطریق مکة* و فی الصفوة لما نزلوا معان من أرض الشام بلغهم ان هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء فی مائة ألف من الروم و انضمت إلیه المستعربة من لخم و جذام و القین و بلی و بهراء و وائل فلما بلغ ذلک المسلمین أقاموا علی معان لیلتین ینظرون فی أمرهم و قالوا نکتب الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فنخبره بعدد عدوّنا فاما أن یمدّنا بالرجال و اما أن یأمرنا بأمر فنمضی له فشجعهم عبد اللّه بن رواحة فقال و اللّه یا قوم ان الذی تکرهونه للذی خرجتم له تطلبون الشهادة و ما نقاتل الناس بعدّة و لا قوّة و لا کثرة و ما نقاتلهم الا بهذا الدین الذی أکرمنا اللّه به فانطلقوا فانما هی احدی الحسنیین اما الظهور و اما الشهادة قال الناس قد و اللّه صدق ابن رواحة فمضوا لوجوههم* و فی الاکتفاء ثم مضی الناس حتی اذا کانوا بتخوم البلقاء لقیتهم جموع هرقل من الروم و العرب بقریة من قری البلقاء یقال لها مشارف و انحاز المسلمون الی قریة یقال لها مؤتة فالتقی الناس عندها فتعبی لهم المسلمون فجعلوا علی میمنتهم رجلا من بنی عذرة یقال له قطبة بن قتادة و علی میسرتهم رجلا من الانصار یقال له عبایة بن مالک و یقال عبادة ثم التقی الناس فاقتتلوا فقاتل زید برایة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی شاط فی رماح القوم ثم أخذها جعفر فقاتل حتی اذا لحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء ثم عرقبها ثم قاتل القوم حتی قتل رحمه اللّه تعالی و هو یقول
یا حبذا الجنة و اقترابهاطیبة و باردا شرابها
و الروم روم قد دنا عذابهاعلیّ اذ لاقیتها ضرابها و کان جعفر أوّل من عقر فی الاسلام و فی روایة فأخذ اللواء زید بن حارثة فوقع بین الجمعین قتال فقتل سدوم أخو شرحبیل و هرب أصحابه و خاف شرحبیل و دخل حصنا و بعث أخاه الآخر الی هرقل یستمدّه فبعث هرقل زها مائتی ألف و لما التقی الجمعان أخذ اللواء زید بن حارثة فقاتل حتی قتل بطعنة رمح ثم أخذ اللواء جعفر فنزل عن فرسه فعرقبها و کان أوّل فرس عرقبت فی الاسلام فقاتل حتی قطعت یده الیمنی فأخذ اللواء بیده الیسری فقطعت فضمه بعضدیه أو قال احتضنه فضربه رجل من الروم فقطعه نصفین* و فی الاکتفاء قتل و هو ابن ثلاث و ثلاثین سنة فأثابه اللّه بذلک جناحین یطیر بهما فی الجنة حیث یشاء قال ابن عمر کنت فی تلک الغزوة فالتمسنا جعفرا فوجدناه فی القتلی و وجدنا فیما أقبل من بدنه ما بین منکبیه تسعین ضربة بین طعنة برمح و ضربة بسیف* و فی روایة قال عددت خمسین جراحة من قدامه و فی روایة وجدت فی أحد نصفیه بضعا و ثلاثین جراحة* ذکر عبد اللّه بن رواحة عن النعمان بن بشیر أن جعفر بن أبی طالب حین قتل دعا الناس یا عبد اللّه بن رواحة و هو فی جانب العسکر و معه ضلع جمل ینتهشه و لم یکن ذاق طعاما منذ ثلاث فرمی الضلع و جعل یلوم نفسه فقال قتل جعفر و أنت مع الدنیا ثم تقدّم و أخذ اللواء فقاتل فأصیبت اصبعه فنزل عن فرسه و جعلها تحت رجله و مدّ حتی طرحها عنه و جعل یرتجز و یقول
هل أنت الا اصبع دمیت‌و فی سبیل اللّه ما لقیت فجعل یستنزل نفسه و یتردّد بعض التردّد ثم قال یا نفس الی أیّ شی‌ء تتوقین الی فلانة امرأة له فهی طالقة ثلاثا أو الی فلان و فلان غلامان له فهما حرّان أو الی معجف حائط له فهو للّه و لرسوله ثم قال
أقسم یا نفس لتنزلنه‌طائعة لی أو لتکرهنه
قد طال ما کنت مطمئنةهل أنت الا نطفة فی شنه
قد أجلب الناس و شدّوا الرنةما لی أراک تکرهین الجنة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:72
* و فی الاکتفاء قال
یا نفس ان لا تقتلی تموتی‌هذی حیاض الموت قد صلیت
و ما تمنیت فقد أعطیت‌ان تفعلی فعلهما هدیت
و ان تأخرت فقد شقیت
یعنی صاحبیه زیدا و جعفرا ثم نزل فأتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال شدّ بها صلبک فانک قد لقیت أیامک فأخذه من یده فانتهش منه نهشة ثم سمع الحطمة فی ناحیة الناس فقال و أنت فی الدنیا ثم ألقاه من یده ثم أخذ سیفه فتقدّم فقاتل حتی قتل فبادر ثابت بن قیس بن الارقم الانصاری أخو بنی العجلان و أخذ الرایة فجعل یصیح یا آل الانصار فجعل الناس یثوبون إلیه فقال یا معشر المسلمین اصطلحوا علی رجل منکم فقالوا أنت قال ما أنا بفاعل فنظر الی خالد بن الولید فقال یا أبا سلیمان خذ اللواء قال لا آخذه أنت أحق به منی لک سن قد شهدت بدرا قال ثابت خذ أیها الرجل فو اللّه ما أخذته الا لک و قال ثابت للناس اصطلحتم علی خالد قالوا نعم فأخذ خالد اللواء و حمل بأصحابه ففض جمعا من جمع المشرکین کذا فی الصفوة و قد جاء فی بعض الروایات اصطلح الناس علی خالد بن الولید و أخذ اللواء و انکشف المسلمون و کانت الهزیمة فلما سمع أهل المدینة بجیش مؤتة قادمین تلقوهم فجعلوا یحثون فی وجوههم التراب و یقولون یا فرار أ فررتم فی سبیل اللّه فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لیسوا بفرار و لکنهم کرار ان شاء اللّه تعالی* و فی الاکتفاء فلما أخذ خالد الرایة دافع القوم و حاشی بهم ثم انحازوا حتی انصرف الناس قافلا و دنوا من المدینة تلقاهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و المسلمون و لقیهم الصبیان یشتدّون و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مقبل مع القوم علی دابة فقال خذوا الصبیان فاحملوهم و أعطونی ابن جعفر فأتی بعبد اللّه بن جعفر فأخذه و حمله بین یدیه و جعل الناس یحثون علی الجیش التراب و یقولون یا فرار فررتم فی سبیل اللّه فیقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لیسوا بالفرار و لکنهم بالکرار ان شاء اللّه تعالی* و قالت أمّ سلمة زوج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لامرأة سلمة بن هشام بن المغیرة ما لی لا أری سلمة یحضر الصلاة مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قالت انه و اللّه لا یستطیع أن یخرج کلما خرج صاح به الناس یا فرار فررتم فی سبیل اللّه حتی قعد فی بیته* و عن أبی هریرة أنه قال لما قتل ابن رواحة انهزم المسلمون فجعل خالد یدعوهم فی أخراهم و یمنعهم عن الفرار و هم لا یسمعون حتی نادی قطبة ابن عامر أیها الناس لان یقتل الرجل فی حرب الکفار خیر من ان یقتل حال الفرار فلما سمعوا کلام قطبة تراجعوا* و روی ان خالدا لما أصبح أخذ اللواء فبعد ما صفوا للقتال غیر صفوف جیشه فجعل المقدمة مکان الساقة و الساقة مکان المقدمة و المیمنة مکان المیسرة و المیسرة مکان المیمنة فوقع الکفار من ذلک فی غلط فحسبوا أن لحق المسلمین مدد فوقع فی قلوبهم من ذلک الرعب فانهزموا فتبعهم المسلمون یقتلونهم کیف شاءوا فغنم المسلمون من أموالهم فرجعوا الی المدینة و فی مقفلهم مروا بمدینة لها حصن و قد کان أهل الحصن قتلوا رجلا من المسلمین فی مرورهم الی مؤتة فحاصروهم و فتحوا حصنهم و قتل خالد کثیرا منهم* و عن أنس ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم نعی زیدا و جعفرا و ابن رواحة للناس قبل أن یأتیهم خبرهم فقال أخذ الرایة زید فأصیب ثم أخذ جعفر فأصیب ثم أخذ ابن رواحة فأصیب و عیناه تذرفان حتی أخذ الرایة سیف من سیوف اللّه خالد بن الولید ففتح اللّه علیهم* و فی معجم ما استعجم فأصیبوا متتابعین و خرج الی الظهر من ذلک الیوم تعرف الکابة فی وجهه فخطب الناس بما کان من أمرهم و قال أخذ اللواء سیف من سیوف اللّه یعنی خالد بن الولید فقاتل حتی فتح اللّه علیه فیومئذ سمی خالد سیف اللّه* و فی الاکتفاء لما أصیب القوم قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أخذ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:73
الرایة زید بن حارثة فقاتل بها حتی قتل شهیدا ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتی قتل شهیدا ثم صمت؟؟؟ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی تغیرت وجوه الانصار و ظنوا انه قد کان فی عبد اللّه بن رواحة بعض ما یکرهون ثم قال أخذها عبد اللّه بن رواحة فقاتل بها حتی قتل شهیدا ثم قال لقد رفعوا الی الجنة فیما یری النائم علی سرر من ذهب فرأیت فی سریر عبد اللّه بن رواحة ازورارا عن سریری صاحبیه قلت عمّ هذا فقیل لی مضیا و تردّد عبد اللّه بعض التردّد ثم مضی* و روی انه لما قدم یعلی بن أمیة بخبر أهل مؤتة قال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ان شئت فاخبرنی و ان شئت فأخبرتک قال فأخبرنی یا رسول اللّه فأخبره صلی اللّه علیه و سلم بخبرهم کله و وصفه له فقال یعلی و الذی بعثک بالحق ما ترکت من حدیثهم حرفا واحدا لم تذکره و ان أمرهم لکما ذکرت فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رفع لی الارض حتی رأیت معرکتهم کذا رواه البخاری* و فی الصحیح عن خالد بن الولید أنه قال انقطع فی یدی یوم مؤتة تسعة أسیاف فما بقی فی یدی الا صفیحة یمانیة* و فی الصفوة صبرت فی یدی صفیحة یمانیة و فیها أیضا عن أبی عبیدة بن الجراح قال سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول خالد بن الولید سیف من سیوف اللّه نعم فتی العشیرة قال العلماء بالسیر بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خالد بن الولید فی السرایا و خرج معه فی غزاة الفتح و الی حنین و تبوک و حجة الوداع فلما حلق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رأسه أعطاه ناصیته و کانت فی مقدمة قلنسوته و کان لا یلقی أحدا الا هزمه و لما خرج أبو بکر الی أهل الردّة کان خالد بن الولید یحمل لواءه فلما تلاحق الناس به استعمل خالدا و رجع الی المدینة و ستجی‌ء وفاة خالد بن الولید فی الخاتمة فی خلافة عمر بن الخطاب رضی اللّه عنهم*

(ذکر زید بن حارثة بن شرحبیل بن عبد العزی بن امرئ القیس)

و یقال له زید الحب و أمه سعدی ابنة ثعلبة بن عبد عمرو و عن أسامة بن زید قال کان بین رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و بین زید عشر سنین و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أکبر منه* ذکر صفته* و کان زید رجلا قصیرا آدم شدید الادمة فی أنفه فطس و کان یکنی أبا أسامة و کان فی ابتداء حاله مع أمه و قد خرجت به تزور قومها فأغارت خیل لبنی القین فی الجاهلیة فمروا علی أبیات بنی معن فاحتملوه و هو یومئذ غلام یفعة فوافوا به سوق عکاظ فعرضوه للبیع فاشتراه حکیم بن حزام لعمته خدیجة بنت خویلد بأربعمائة درهم فلما تزوّجها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم وهبته له فقبضه إلیه و کان أبوه حارثة حین فقده قال
بکیت علی زید و لم أدر ما فعل‌أحیّ فیرجی أم أتی دونه الاجل
فو اللّه ما أدری و ان کنت سائلاأغالک سهل الارض أم غالک الجبل
فیا لیت شعری هل لک الدهر رجعةفحسبی من الدنیا رجوعک لی علل
تذکرنیه الشمس عند طلوعهاو تعرض ذکراه اذا قارب الطفل
و ان هبت الارواح هیجن ذکره‌فیا طول ما حزنی علیه و ما وجل
سأعمل نص العیس فی الارض جاهداو لا أسأم التطواف أو تسأم الابل
حیاتی أو تأتی علیّ منیتی‌فکل امرئ فان و ان غرّه الامل
و أوصی به قیسا و عمرا کلیهماو أوصی یزیدا ثم من بعده جبل یعنی جبلة بن حارثة أخا زید و یزید أخوه لامه فحج ناس من کعب فرأوا زیدا فعرفوه و عرفهم فقال أبلغوا أهلی هذه الابیات
أکنی الی قوم و ان کنت نائیابأنی قطین البیت عند المشاعر
فکفوا عن الوجد الذی قد شجاکم‌و لا تعملوا فی الارض نص الاباعر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:74 فانی بحمد اللّه فی خیر أسرةکرام معدّ کابرا بعد کابر فانطلقوا و أعلموا أباه و وصفوا له مکانه و عند من هو فخرج حارثة و کعب ابنا شرحبیل بفدائه فقد ما مکة و سألا عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقیل هو فی المسجد فدخلا علیه فقالا یا ابن هاشم یا ابن سید قومه أنتم أهل حرم اللّه و جیرانه تفکون العانی و تطعمون الاسیر جئناک فی ابننا عندک فامنن علینا و أحسن إلینا فی فدائه فاننا سنرفع لک فی الفداء قال ما هو قالوا زید بن حارثة فقال صلی اللّه علیه و سلم هلا غیر ذلک فقالوا ما هو قال ادعوه و خیروه فان اختارکم فهو لکما بغیر فداء و ان اختارنی فو اللّه ما أنا بالذی أختار علی من اختارنی أحدا قالوا لقد زدتنا علی النصفة و أحسنت فدعاه فقال له هل تعرف هؤلاء فقال نعم هذا أبی و هذا عمی فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأنا من قد علمت و قد رأیت صحبتی لک فاخترنی أو اخترهما فقال زید ما أنا بالذی اختار علیک أحدا أبدا أنت منی بمکان الاب و العم فقالا و یحک یا زید أ تختار العبودیة علی الحریة و علی أبیک و عمک و أهل بیتک قال نعم انی قد رأیت من هذا الرجل شیئا ما أنا بالذی أختار علیه أحدا أبدا فلما رأی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ذلک أخرجه الی الحجر فقال یا من حضر اشهدوا انّ زیدا ابنی أرثه و یرثنی فلما رأی ذلک أبوه و عمه طابت أنفسهما و انصرفا فدعی بزید بن محمد حتی أتی اللّه بالاسلام فزوّجه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم زینب بنت جحش فلما طلقها تزوّجها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فتکلم المنافقون فی ذلک و قالوا تزوّج امرأة ابنه فنزلت هذه الآیة قوله تعالی ما کان محمد أبا أحد من رجالکم الآیة و قال ادعوهم لآبائهم فدعی یومئذ بزید بن حارثة کذا فی الصفوة* روی ان زیدا تزوّج أمّ کلثوم بنت عقبة بن أبی معیط فولدت له ثم طلقها و تزوّج درّة ابنة أبی لهب ثم طلقها و تزوّج هند بنت العوّام أخت الزبیر ثم زوّجه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أمّ أیمن فولدت له أسامة* قال الزهری أوّل من أسلم زید قال أهل السیر شهد زید بدرا و أحدا و الخندق و الحدیبیة و خیبر و استخلفه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی المدینة حین خرج الی المریسیع و خرج أمیرا فی سبع سرایا و لم یسم أحد من أصحابه صلی اللّه علیه و سلم باسمه فی القرآن غیره و کان له من الولد زید فهلک صغیرا و رقیة أمّها أمّ کلثوم بنت عقبة بن أبی معیط و أسامة و أمه أمّ أیمن حاضنة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قتل زید فی غزوة مؤتة فی جمادی الاولی سنة ثمان من الهجرة و هو ابن خمس و خمسین سنة و عن خالد بن الولید قال لما أصیب زید بن حارثة أتاهم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فجهشت بنت زید فی وجه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فبکی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی انتحب* النحیب رفع الصوت بالبکاء کذا فی الصحاح فقال له سعد بن عبادة یا رسول اللّه ما هذا قال هذا شوق الحبیب الی حبیبه کذا فی الصفوة*

(ذکر جعفر بن أبی طالب)

* کان أسن من علیّ بعشر سنین و کان أسلم قدیما بمکة قبل دخول رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم دار الارقم و هاجر الی الحبشة فی الهجرة الثانیة مع امرأته أسماء بنت عمیس فولدت له هناک عبد اللّه و به کان یکنی و محمدا و عونا فلم یزل هناک حتی قدم علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هو بخیبر سنة سبع فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ما أدری بأیهما أفرح بقدوم جعفر أم بفتح خیبر کذا فی الصفوة* و فی ذخائر العقبی أشدّ فرحا بدل أفرح و قال ثم التزمه و قبله بین عینیه خرجه البغوی فی معجمه* و عن جابر قال لما قدم جعفر بن أبی طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما نظر جعفر الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حجل و قال سفین أی مشی علی رجل واحدة اعظاما منه لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقبله النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بین عینیه و أعطاه و امرأته أسماء بنت عمیس من غنائم خیبر و قال له أشبهت خلقی و خلقی* و عن أبی هریرة قال کان جعفر یحب المساکین و یجلس إلیهم و یحدّثهم و یحدّثونه و کان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:75
رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یسمیه أبا المساکین و لما قتل بمؤتة أمهل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم آل جعفر أن یأتیهم ثلاثة أیام فندبوا ثم قال لا تبکوا علی أخی بعد الیوم و قال ان له جناحین یطیر بهما حیث شاء من الجنة* و روی عن ابن عباس ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال أدخلت الجنة البارحة فنظرت فیها فاذا جعفر یطیر مع الملائکة* و فی الاکتفاء استشهد یوم مؤتة من المسلمین سوی الامراء الثلاثة رضی اللّه عنهم من قریش من بنی عدی بن کعب مسعود بن الاسود بن حارثة و من بنی مالک بن جبل وهب بن سعد بن أبی سرح و من الانصار عباد بن قیس من بنی الحارث بن الخزرج و الحارث بن النعمان بن أساف من بنی غنم بن مالک بن النجار و سراقة بن عمرو بن عطیة بن خنساء من بنی مازن بن النجار و أبو کلیب و یقال أبو کلاب و جابر ابنا عمرو بن زید بن عوف بن مبذول و هما لاب و أمّ و عمرو و عامر ابنا سعد بن الحارث بن عباد من بنی مالک بن أقصی و هؤلاء الاربعة عن ابن هشام‌

* سریة عمرو بن العاص الی ذات السلاسل‌

و فی جمادی الآخرة من هذه السنة کانت سریة عمرو بن العاص الی ذات السلاسل و سمیت بذلک لان المشرکین ارتبط بعضهم الی بعض مخافة أن یفروا و قیل لان بها ماء یقال له السلسل وراء ذات القری من المدینة علی عشرة أیام* قال اسماعیل بن أبی خالد هی غزوة لخم و جذام و قال عروة هی بلاد بلی و عذره و بنی القین أو بنی العنبر و قال بعضهم هی موضع معروف بناحیة الشام فی أرض بنی عذرة و فی سیرة ابن هشام انه ماء بأرض جذام و بذلک سمیت الغزوة ذات السلاسل و کانت فی جمادی الآخرة سنة ثمان و قیل سنة سبع و به جزم ابن أبی خالد فی کتاب صحیح التاریخ و نقل ابن عساکر الاتفاق علی انها کانت بعد غزوة مؤتة الا ان ابن اسحاق قال قبلها* و سببها انه بلغه صلی اللّه علیه و سلم ان جمعا من قضاعة تجمعوا للاغارة فعقد لواء أبیض و جعل معه رایة سوداء و بعثه فی ثلاثمائة من سراة المهاجرین و الانصار و معهم ثلاثون فرسا فسار اللیل و کمن النهار فلما قرب منهم بلغه ان لهم جمعا کثیرا فبعث رافع بن مکیث الجهنی الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یستمدّه فبعث إلیه أبا عبیدة بن الجراح و عقد له لواء و بعث معه مائتین من سراة المهاجرین و الانصار فیهم أبو بکر و عمر و أمره أن یلحق بعمرو و أن یکونا جمیعا و لا یختلفا فأراد أبو عبیدة أن یؤم الناس فقال عمرو انما قدمت علیّ مددا و أنا الامیر فأطاع له بذلک أبو عبیدة و کان عمرو یصلی بالناس حتی وصل الی العدوّ بلی و عذرة فحمل علیهم المسلمون فهربوا فی البلاد و تفرّقوا*

سریة أبی عبیدة الی سیف البحر

و فی رجب هذه السنة کانت سریة أبی عبیدة الی سیف البحر و هی سریة الخبط و سماها البخاری غزوة سیف البحر قال شیخ الاسلام ابن العراقی فی شرح التقریب قالوا و کانت هذه السریة فی شهر رجب سنة ثمان من الهجرة و ذلک بعد ان نکثت قریش العهد و قبل الفتح فان النکث کان فی رمضان من السنة المذکورة* فی استقامة هذا الکلام نظر فلیتأمل أو تکون هذه السریة فی سنة ست أو قبلها قبل هدنة الحدیبیة کما قاله ابن سعد و کان فیها ثلاثمائة من المهاجرین و الانصار الی ساحل البحر و کان فیها عمر بن الخطاب و قیس بن سعد بن عبادة* و عن جابر بن عبد اللّه الانصاری أنه قال بعثنا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی ثلاثمائة راکب و أمیرنا أبو عبیدة ابن الجراح فی طلب عیر قریش و ترصدها فأقمنا علی الساحل حتی فنی زادنا و أکلنا الخبط حتی تقرّحت أشداقنا ثم انّ البحر ألقی إلینا دابة یقال لها العنبر فأکلنا منها نصف شهر حتی صحت أجسامنا* و فی روایة عنه فرفع لنا علی ساحل البحر کهیئة الکثیب الضخم فأتیناها فاذا هی دابة تدعی العنبر فأقمنا علیها شهرا و نحن ثلاثمائة حتی سمنا و لقد رأیتنا نغترف من وقب عینه بالقلال الدهن و نقطع منه القدر کالثور و لقد أخذ منا أبو عبیدة ثلاثة عشر رجلا فاقعدهم فی وقب عینها و أخذ ضلعا من أضلاعها و أقامها ثم رحل أعظم بعیر معنا ثم رکبه أطول رجل منا فجاز من تحتها و تزوّدنا من لحمه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:76
الوسائق فلما قدمنا المدینة أتینا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فذکرنا ذلک له فقال هو رزق أخرجه اللّه لکم فهل معکم من لحمه شی‌ء فتطعمونا فأرسلنا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم منه فأکله‌

* سریة أبی قتادة الانصاری الی خضرة

و فی شعبان هذه السنة کانت سریة أبی قتادة بن ربعی الانصاری الی خضرة و هی أرض محارب و بعث معه خمسة عشر رجلا الی غطفان فقتل من أشرافهم و سبی سبیا کثیرا و استاق النعم فکانت الابل مائتی بعیر و الغنم ألفی شاة و کانت غیبته خمس عشرة لیلة*

سریة أبی قتادة الی بطن اضم‌

و فی أوّل رمضان هذه السنة کانت سریة أبی قتادة أیضا الی بطن اضم فیما بین ذی خشب و ذی المروة علی ثلاثة برد من المدینة لما هم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن یغزو أهل مکة بعث أبا قتادة فی ثمانیة نفر سریة الی بطن اضم لیظنّ ظانّ أنه صلی اللّه علیه و سلم توجه الی تلک الناحیة و لأن تذهب بذلک الاخبار فلقوا عامر بن الاضبط فحیاهم بتحیة الاسلام یعنی السلام فقتله محکم بن جثامة و لم یلقوا العدوّ فرجعوا الی المدینة فلما بلغوا موضعا یقال له ذو خشب سمعوا بخروج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من المدینة نحو مکة فساروا فی أثره حتی لحقوا به فی السقیا بالضم بین المدینة و وادی الصفراء و کذا فی القاموس* فأنزل اللّه عز و جل و لا تقولوا لمن ألقی إلیکم السلام لست مؤمنا الآیة و هو عند ابن جریر من حدیث ابن عمر بنحوه و زاد فجاء محکم بن جثامة فی بردین فجلس بین یدی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لیستغفر له فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لا غفر اللّه لک فقام و هو یتلقی دموعه بردائه فما مضت له سابعة حتی مات فلفظته الارض و عند غیره ثم عادوا به فلفظته فلما غلب قومه عمدوا الی صدین فسطحوه ثم رضموا علیه الحجارة حتی واروه* و فی القاموس الصد الجبل و ناحیة الوادی و الرضم وضع الحجر بعضه علی بعض و فی روایة ابن جریر ذکروا ذلک لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال ان الارض لتطابق علی من هو شر من صاحبکم و لکن اللّه أراد أن یعظکم و نسب ابن اسحاق هذه السریة لابن أبی حدرد کذا فی الاکتفاء*

سریة عبد اللّه بن أبی حدرد الی الغابة

و فی هذه السنة کانت سریة عبد اللّه بن أبی حدرد الاسلمی أیضا و معه رجلان الی الغابة لما بلغه صلی اللّه علیه و سلم ان رفاعة بن قیس یجمع لحربه فقتلوا رفاعة و هزموا عسکره و غنموا غنیمة عظیمة حکاه مغلطای و عن عبد اللّه بن أبی حدرد أنه قال أقبل رجل من جشم بن معاویة یقال له رفاعة بن قیس أو قیس بن رفاعة فی بطن عظیم من بنی جشم حتی نزل بقومه و من معه بالغابة یرید أن یجمع جیشا علی حرب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان ذا اسم فی جشم و شرف فدعانی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و رجلین معی من المسلمین فقال اخرجوا الی هذا الرجل حتی تأتوا منه بخبر و علم قال فخرجنا و معنا سلاحنا من النبل و السیوف حتی اذا جئنا قریبا من الحاضر عشیة مع غروب الشمس کنت فی ناحیة و أمرت صاحبیّ فکمنا فی ناحیة أخری من حاضر القوم و قلت لهما اذا سمعتمانی قد کبرت و شددت فی ناحیة العسکر فکبرا و شدّا معی فو اللّه انا لذلک ننتظر غرّة القوم أو أن نصیب منهم شیئا و قد غشینا اللیل حتی ذهبت فحمة العشاء و کان لهم راعی سرح فی ذلک البلد فأبطأ علیهم حتی تخوّفوا علیه فقام صاحبهم ذلک فأخذ سیفه فجعله فی عنقه ثم قال و اللّه لأتبعنّ أثر راعینا هذا و لقد أصابه شرّ فقال نفر ممن کان معه و اللّه لا تذهب أنت نحن نذهب نکفیک قال و اللّه لا یذهب الا أنا قالوا فنحن معک قال و اللّه لا یتبعنی أحد منکم و خرج حتی مرّ بی فلما أمکننی نفحته بسهم فوضعته فی فؤاده فو اللّه ما تکلم و و ثبت علیه فاحتززت رأسه و شددت فی ناحیة العسکر و کبرت و شدّ صاحبای فکبرا فو اللّه ما کان الا النجا ممن فیه عندک عندک بکل ما قدروا علیه من نسائهم و أبنائهم و ما خف معهم من أموالهم و استقنا ابلا عظیمة و غنما کثیرة فجئنا بها الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و جئت برأسه أحمله معی فأعاننی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من تلک الابل بثلاثة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:77
عشر بعیرا فی صداق امرأة تزوّجتها من قومی علی مائتی درهم فجئت بها الی أهلی کذا فی الاکتفاء

* غزوة فتح مکة

و فی عشرین من رمضان هذه السنة یوم الجمعة و قیل فی سادس عشر منه وقعت غزوة فتح مکة* و فی البخاری علی رأس ثمان و نصف من مقدمه المدینة* و فی خلاصة السیر لسبع ستین و ثمانیة أشهر واحد عشر یوما* و فی الاکتفاء أقام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعد بعثه الی مؤتة جمادی الآخرة و رجبا ثم عدت بنو بکر بن عبد مناة بن کنانة علی خزاعة قال أصحاب الاخبار ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما صالح قریشا عام الحدیبیة و اصطلحوا علی وضع الحرب بین الناس عشر ستین یأمن فیهنّ الناس و یکف بعضهم عن بعض و انه من أحب أن یدخل فی عقد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و عهده دخل فیه و من أحب أن یدخل فی عقد قریش و عهدهم دخل فیه کما مرّ فدخلت بنو بکر فی عقد قریش و دخلت خزاعة فی عقد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان بینهما شرّ قدیم و لما دخل شعبان علی رأس اثنین و عشرین شهرا من صلح الحدیبیة عدت بنو بکر علی خزاعة و هم علی ماء لهم بأسفل مکة یقال له الوتیر فخرج نوفل بن معاویة الدیلی فی بنی دیل من بنی بکر و لیس کل بنی بکر تابعه کذا فی معالم التنزیل* و فی المنتقی کلمت بنو نفاثة و هم من بنی بکر أشراف قریش أن یعینوهم علی خزاعة بالرجال و السلاح فوعدوهم و وافوهم و کان ممن أعان بنی بکر من قریش علی خزاعة لیلتئذ متنکرین صفوان بن أمیة و عکرمة بن أبی جهل و سهیل بن عمرو و حویطب و مکرز مع عبیدهم فبیتوا خزاعة لیلا و هم غارّون فقتلوا منهم عشرین رجلا ثم ندمت قریش علی ما صنعت و علموا ان هذا نقض للعهد الذی بینهم و بین رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و خرج عمرو بن سالم الخزاعی فی أربعین راکبا حتی قدموا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المدینة و کان ذلک مما هاج فتح مکة* و روی عن میمونة بنت الحارث زوج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بات عندها فی لیلتها ثم قام و توضأ للصلاة فسمعته یقول لبیک لبیک ثلاثا فلما خرج من متوضئه قلت له یا رسول اللّه بأبی أنت و أمی انی سمعتک تکلم انسانا فهل کان معک أحد قال هذا راجز بنی کعب یستصرخنی و یزعم ان قریشا أعانت علیهم بنی بکر قال فأقمنا ثلاثة أیام ثم صلی الصبح بالناس فسمعت راجزا ینشد علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو فی المسجد جالس بین ظهرانی الناس و هو یقول
لاهمّ انی ناشد محمداحلف أبینا و أبیه الا تلدا
انا ولدناک و کنت الولداثمت أسلمنا فلم ننزع یدا
ان قریشا أخلفوک الموعداو نقضوا میثاقک المؤکدا
هم بیتونا بالوتیر هجداو قتلونا رکعا و سجدا
و جعلوا لی فی کداء رصداو زعموا أن لست أدعو أحدا
و هم أذل و أقل عددافانصر هداک اللّه نصرا أبدا
و ادع عباد اللّه یأتوا مددافیهم رسول اللّه قد تجردا
فی فیلق کالبحر یجری مزبداأبیض کالبدر ینمی صعدا
ان سیم خسفا وجهه تربدا
فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قد نصرت یا عمرو بن سالم* و فی المنتقی نصرت نصرت ثلاثا أو لبیک لبیک ثلاثا ثم عرض لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عنان من السماء فقال ان هذه السحابة لتستهل لنصر بنی کعب و هم رهط عمرو بن سالم* و فی المنتقی فلما کان بالروحاء نظر الی سحاب منصب فقال ان هذا السحاب لنصب لنصر بنی کعب ثم خرج یدیل بن ورقاء الخزاعی فی نفر من خزاعة حتی قدموا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:78
علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبروه بما أصیب منهم و مظاهرة قریش بنی بکر علیهم ثم انصرفوا راجعین الی مکة و قد کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال للناس کأنکم بأبی سفیان قد جاء لیشدّد العقد و یزید فی المدّة و مضی بدیل بن ورقاء فلقی أبا سفیان بعسفان قد بعثه قریش الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لیشدد العقد و یزید فی المدّة و قد رهبوا الذی صنعوا فلما لقی أبو سفیان بدیلا قال من أین أقبلت یا بدیل فظن أنه أتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال سرت الی خزاعة فی هذا الساحل و فی بطن هذا الوادی قال أو ما أتیت محمدا قال لا فلما راح بدیل مکة قال أبو سفیان لئن کان بالمدینة لقد علف بها فعمد الی منزل ناقته فأخذ من بعرها ففته فرأی فیه النوی فقال أحلف باللّه لقد جاء بدیل محمدا ثم خرج أبو سفیان حتی قدم علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فدخل البیت و هو بیت ابنته أم حبیبة ابنة أبی سفیان فأتی لیجلس علی فراش رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فطوته عنه قال یا بنیة أرغبت بی عن هذا الفراش أم رغبت به عنی قالت بلی هو فراش رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أنت رجل مشرک نجس و ما أحب ان تجلس علی فراش رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال و اللّه لقد أصابک یا بنیة بعدی شر ثم خرج حتی أتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فکلمه فلم یردّ علیه شیئا ثم ذهب الی أبی بکر و کلمه أن یکلم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال ما أنا بفاعل ثم أتی عمر بن الخطاب فأبی ثم أتی علی بن أبی طالب فأبی ثم قال لفاطمة ان تأمر ابنها الحسین و هو غلام یدب بین یدی أبویه حتی یجیر له فأبت فقال یا أبا حسن انی أری الامور قد اشتدّت علیّ فانصحنی قال و اللّه ما أعلم شیئا یغنی عنک و لکنک سید بنی کنانة فقم فأجر بین الناس ثم الحق بأرضک قال و تری ذلک مغنیا شیئا قال لا و اللّه ما أظن و لکن لا أجد لک غیر ذلک فقام أبو سفیان فی المسجد فقال أیها الناس انی قد أجرت بین الناس ثم رکب بعیره فانطلق فلما أن قدم علی قریش قالوا ما وراءک قال جئت محمدا فکلمته فو اللّه ما ردّ علیّ بشی‌ء ثم جئت ابن أبی قحافة فلم أجد عنده خیرا و جئت ابن الخطاب فوجدته أعدی القوم ثم أتیت علیّ بن أبی طالب فوجدته ألین الناس فقد أشار علیّ بشی‌ء صنعته فو اللّه ما أدری هل یغنینی شیئا أم لا قالوا و ما ذا أمرک قال أمرنی أن أجیر بین الناس ففعلت قالوا فهل أجاز ذلک محمد قال لا قالوا و اللّه ان زاد علیّ الا أن لعب بک الناس فما یغنی عنا ما قلت قال لا و اللّه ما وجدت غیر ذلک و أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالجهاز و أمر أهله أن یجهزوه و لم یعلموا به أحدا فدخل أبو بکر علی ابنته عائشة رضی اللّه عنها و هی تصلح بعض جهاز رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال یا بنیة ما هذا الجهاز قالت لا أدری قال أمرکم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بأن تجهزوه قالت نعم فنجهزه قال فأین ترینه یرید قالت ما أدری قال ما هذا زمان غزوة بنی الاصفر فأین یرید قالت لا علم لی ثم ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أعلم الناس انه سائر الی مکة و قال اللهمّ خذ العیون و الاخبار عن قریش حتی نسبقها فی بلادها* و فی روایة قال اللهم عمّ علیهم خبرنا حتی نأخذهم بغتة فتجهز الناس فکتب حاطب بن أبی بلتعة کتابا الی أهل مکة و بعثه مع سارة مولاة بنی المطلب* و فی معالم التنزیل و المدارک ان مولاة لابی عمرو بن صیفی بن هاشم بن عبد مناف یقال لها سارة أتت المدینة من مکة و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یتجهز لفتح مکة فقال لها أ مسلمة جئت قالت لا قال أ فمهاجرة قالت لا قال فما جاء بک قالت قد ذهبت الموالی و قد احتجت حاجة شدیدة فقدمت علیکم لتعطونی و تکسونی و تحملونی فقال لها و أین أنت من شباب مکة و کانت مغنیة نائحة قالت ما طلب منی شی‌ء بعد وقعة بدر فحث
علیها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بنی عبد المطلب و بنی المطلب فاعطوها نفقة و کسوة و حملوها* و فی شفاء الغرام حامل کتاب حاطب بن أبی بلتعة أم سارة مولاة لقریش و فیه أیضا أم سارة هی التی أمر النبیّ صلی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:79
علیه و سلم بقتلها یوم فتح مکة و انها کانت مولاة لقریش و بین الحافظ مغلطای اسم المرأة و قال کتب حاطب کتابا و أرسله مع أم سارة کنود المزنیة انتهی* و لما علم حاطب بن أبی بلتعة حلیف بنی أسد أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یغزو أهل مکة کتب إلیهم کتابا و دفعه الی سارة و أعطاها عشرة دنانیر و کساها بردا علی ان توصل الکتاب الی أهل مکة و کتب فی الکتاب و فی المدارک و استحملها کتابا نسخته* من حاطب بن أبی بلتعة الی أهل مکة اعلموا ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یریدکم فخذوا حذرکم* و فی روایة کتب فیه ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قد توجه إلیکم بجیش کاللیل یسیر کالسیل و اقسم باللّه لو سار إلیکم وحده لنصره اللّه علیکم فانه منجز له وعده* و فی روایة کتب فیه ان محمدا قد نفر فاما إلیکم و اما الی غیرکم فعلیکم الحذر ذکرهما السهیلی فخرجت سارة و نزل جبریل بالخبر فبعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علیا و عمارا و عمر و الزبیر و طلحة و المقداد بن الاسود و أبا مرثد فرسانا فقال لهم انطلقوا حتی تأتوا روضة خاخ فان بها ظعینة معها کتاب من حاطب بن أبی بلتعة الی المشرکین أو الی أهل مکة فخذوه منها و خلوا سبیلها فان لم تدفعه إلیکم أو قال فان أبت فاضربوا عنقها* قال الواقدی روضة خاخ بقرب ذی الحلیفة علی برید من المدینة فانطلقوا تعادی بهم خیلهم حتی أتوا الروضة فأدرکوها فی ذلک المکان الذی قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقالوا لها أین الکتاب فحلفت باللّه ما معها کتاب فبحثوها و فتشوا متاعها فلم یجدوا معها کتابا فهموا بالرجوع فقال علیّ و اللّه ما کذبنا و لا کذبنا و سل سیفه و قال أخرجی الکتاب و الا لأجردنک أو لا ضربن عنقک* و فی المدارک اخرجی الکتاب أو تضعی رأسک* و فی روایة لتخرجن الکتاب أو لتلقنّ الثیاب فلما رأت الجد أخرجته من عقیصتها قد خبأته فی شعرها فخلوا سبیلها و لم یتعرّضوا لها و لا لما معها فرجعوا بالکتاب الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأرسل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی حاطب فأتاه فقال هل تعرف الکتاب قال نعم قال ما حملک علی ما صنعت قال یا رسول اللّه لا تعجل علیّ و اللّه یا رسول اللّه ما کفرت منذ أسلمت و لا غششتک منذ صحبتک أو قال نصحتک و لا أجبتهم منذ فارقتهم و لکن لم یکن أحد من المهاجرین الا و له بمکة من یمنع عشیرته* و فی روایة و کان لمن معک من المهاجرین بمکة قرابات یحمون أهلهم و أموالهم و کنت غریبا فیهم* و فی روایة کنت امرأ ملصقا فی قریش بقول حلیفا و لم أکن من أنفسها و لیس فیهم من یحمی أهلی و کان أهلی بین ظهرانیهم فخشیت علی أهلی فأحببت اذ فاتنی ذلک من النسب فیهم أن أتخذ عندهم یدا یحمون قرابتی و قد علمت بأن اللّه ینزل بهم بأسه و ان کتابی لا یغنی عنهم شیئا و لم أفعل ذلک ارتدادا عن دینی و لا رضا بالکفر بعد الاسلام فصدّقه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و عذره فقال أما انه قد صدقکم فقام عمر بن الخطاب فقال دعنی یا رسول اللّه أضرب عنق هذا المنافق فقال انه شهد بدرا و ما یدریک لعل اللّه اطلع علی أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لکم ففاضت عینا عمر فأنزل اللّه عز و جل فی حاطب یا أیها الذین آمنوا لا تتخذوا عدوّی و عدوّکم أولیاء تلقون إلیهم بالمودّة الآیة و بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی من حوله من الاعراب فجلبهم و هم أسلم و غفار و مزینة و جهینة و أشجع و سلیم فمنهم من وافاه بالمدینة و منهم من لحقه بالطریق و استخلف علی المدینة أبا رهم کلثوم بن حصین بن خلف الغفاری* و فی المنتقی عبد اللّه بن أم مکتوم و خرج عامدا الی مکة یوم الاربعاء بعد العصر لعشر مضین من رمضان السنة الثامنة من الهجرة فصام صلی اللّه علیه و سلم و صام الناس حتی اذا کان بالکدید ما بین عسفان و أمج* و عن ابن عباس الکدید الماء الذی بین قدید و عسفان* و فی القاموس الکدید ماء بین الحرمین أفطر فلم یزل مفطرا حتی انسلخ الشهر و قدّم أمامه الزبیر و قد کان ابن عمته* و
أخوه من رضاع حلیمة السعدیة أبو سفیان بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:80
الحارث بن عبد المطلب و معه ولده جعفر بن أبی سفیان و کان أبو سفیان یألف رسول اللّه فلما بعث عاداه و هجاه و ابن عمته عاتکة بنت عبد المطلب عبد اللّه بن أبی أمیة بن المغیرة لقیاه بنبق العقاب فیما بین مکة و المدینة* و فی المواهب اللدنیة کان لقاؤهما له علیه السلام بالابواء و قیل بین السقیا و العرج فالتمسا الدخول علیه فأعرض صلی اللّه علیه و سلم عنهما لما کان یلقی منهما من شدّة الاذی و الهجو و کلمته أم سلمة و هی أخت عبد اللّه فیهما فقالت یا رسول اللّه لا یکن ابن عمک و ابن عمتک و صهرک أشقی الناس بک قال لا حاجة لی فیهما أما ابن عمی فهتک عرضی و أما ابن عمتی و صهری فهو الذی قال لی بمکة ما قال فلما خرج الخبر إلیهما بذلک قال أبو سفیان و معه بنی له اسمه جعفر بن أبی سفیان و اللّه لیأذنن لی أو لآخذنّ بید بنی هذا ثم لنذهبن فی الارض حتی نموت عطشا و جوعا فلما بلغ ذلک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رق لهما ثم أذن لهما فدخلا علیه فأسلما* و فی المواهب اللدنیة قال علیّ لابی سفیان فیما حکاه ابو عمرو و صاحب ذخائر العقبی ائت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من قبل وجهه فقل ما قال اخوة یوسف تاللّه لقد آثرک اللّه علینا و ان کنا لخاطئین فانه لا یرضی أن یکون أحد أحسن منه قولا ففعل ذلک أبو سفیان فقال له صلی اللّه علیه و سلم لا تثریب علیکم الیوم یغفر اللّه لکم و هو أرحم الراحمین* و قد مرّ فی أولاد عبد المطلب فی النسب و یقال ان أبا سفیان ما رفع رأسه الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حیاء منه قالوا ثم سار رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما کان بقدید عقد الالویة و الرایات و دفعها الی القبائل ثم سار حتی نزل مرّ الظهران فی عشرة آلاف من المسلمین لم یتخلف عنه من المهاجرین و الانصار أحد* و فی القاموس ظهران واد بقرب مکة یضاف إلیه مر و مرّ الظهران موضع علی مرحلة من مکة و قال بعضهم و منه الی مکة أربعة فراسخ قال ابن سعد نزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مرّ الظهران عشاء فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار و جعل علی الحرس عمر بن الخطاب و قد عمیت الاخبار عن قریش فلا یأتیهم خبر عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لا یدرون ما هو فاعل و هم مغتمون لما یخافون من غزوه ایاهم و قد کان عباس بن عبد المطلب لقی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ببعض الطریق فخرج فی تلک اللیلة أبو سفیان بن حرب و حکیم بن حزام و بدیل بن ورقاء یتجسّسون الاخبار هل یجدون خبرا و قد قال العباس لیلتئذ و اصباح قریش و اللّه لئن دخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مکة عنوة قبل أن یستأمنوا انه لهلاک قریش الی آخر الدهر فخرج علی بغلة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم البیضاء و قال اخرج الی الاراک لعلی ألقی بعض الخطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة یأتی مکة فیخبرهم بمکان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فیأتونه فیستأمنونه قبل أن یدخلها علیهم عنوة قال فخرجت و انی لا طوف فی الاراک التمس ما خرجت له اذ سمعت صوت أبی سفیان و بدیل بن ورقاء و هما یتراجعان فأبو سفیان یقول و اللّه ما رأیت کاللیلة قط نیرانا فقال بدیل و اللّه هذه نیران خزاعة حشتها الحرب فقال أبو سفیان خزاعة و اللّه ألأم و أذل من ان تکون هذه نیرانها و عسکرها فعرفت صوته فقلت یا أبا حنظلة فعرف صوتی فقال أبو الفضل فقلت نعم قال مالک فداک أبی و أمی فقلت و یحک یا أبا سفیان هذا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قد جاءکم بما لا قبل لکم به بعشرة آلاف من المسلمین و اصباح قریش قال فما الحیلة فداک أبی و أمی قلت و اللّه لئن ظفر بک لیضربن عنقک فارکب فی عجز هذه البغلة حتی آتی بک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فاستأمنه لک فردفنی و رجع صاحباه فحرّکت به بغلة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فکاه امررت بنار من نیران المسلمین قالوا من هذا فاذا رأوا بغلة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قالوا هذا عم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی
بغلة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی مررت بنار عمر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:81
فقال من هذا و قام الیّ فلما رأی أبا سفیان علی عجز البغلة قال أبو سفیان عدوّ اللّه الحمد للّه الذی أمکننی منک بغیر عقد و لا عهد ثم اشتدّ نحو رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و رکضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة البطیئة الرجل البطی‌ء فاقتحمت عن البغلة فدخلت علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و دخل عمر فقال یا رسول اللّه هذا أبو سفیان عدوّ اللّه قد أمکن اللّه تعالی منه بغیر عقد و لا عهد فدعنی أضرب عنقه فقلت یا رسول اللّه انی قد أجرته ثم جلست الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخذت برأسه قال قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم للعباس بعد تنازع و تراجع فی الکلام بینه و بین عمر اذهب به یا عباس الی رحلک فاذا أصبحت فأتنی به قال فذهبت به الی رحلی فبات عندی فلما أصبحت غدوت به الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما رآه قال و یحک یا أبا سفیان أ لم یأن لک أن تعلم أن لا إله الا اللّه قال بأبی أنت و أمی ما أحلمک و ما اکرمک و أوصلک و اللّه لقد ظننت ان لو کان مع اللّه غیره لقد أغنی عنی شیئا قال و یحک یا أبا سفیان أ لم یأن لک أن تعلم انی رسول اللّه قال بأبی أنت و أمی ما أحلمک و ما أکرمک و أوصلک أما هذه و اللّه کان فی النفس حتی الآن منها شی‌ء قال العباس قلت و یحک یا أبا سفیان أسلم و اشهد أن لا إله الا اللّه و أن محمدا رسول اللّه قبل أن یضرب عنقک فشهد شهادة الحق و أسلم و فی روایة عروة لما دخل أبو سفیان مع العباس علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم صبیحة أسلم* قال أبو سفیان یا محمد انی قد استنصرت الهی و استنصرت إلهک فو اللّه ما لقیتک من مرة الا ظهرت علیّ فلو کان الهی محقا و إلهک مبطلا لظهرت علیک فشهد أن لا إله الا اللّه و أن محمدا رسول اللّه فقال العباس یا رسول اللّه ان أبا سفیان رجل یحب الفخر فاجعل له شیئا قال نعم من دخل دار أبی سفیان فهو آمن و من أغلق بابه فهو آمن و من دخل المسجد فهو آمن فلما ذهب لینصرف قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یا عباس احبسه بمضیق الوادی عند حطم الجبل حتی تمر به جنود اللّه فیراها قال فخرجت به حتی حبسته حیث أمرنی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و مرّت به القبائل علی رایاتها کلما مرّت قبیلة قال من هؤلاء یا عباس فأقول سلیم فیقول ما لی و لسلیم ثم تمرّ القبیلة قال من هؤلاء فأقول مزینة فیقول ما لی و لمزینة حتی نفدت القبائل لا تمرّ قبیلة الا سألنی عنها فاذا أخبرته فیقول ما لی و لبنی فلان حتی مرّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی الخضراء کتیبة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فیها المهاجرون و الانصار لا یری منهم الا الحدق قال سبحان اللّه من هؤلاء یا عباس قلت هذا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی المهاجرین و الانصار قال ما لأحد بهؤلاء من قبل و اللّه یا أبا الفضل لقد أصبح ملک ابن اخیک عظیما قلت و یحک یا أبا سفیان انها النبوّة قال فنعم اذا قلت الحق بقومک فحذرهم* و فی الاکتفاء التجئ الی قومک فخرج سریعا حتی اذا جاءهم فصرخ باعلی صوته یا معشر قریش هذا محمد قد جاءکم بما لا قبل لکم به قالوا فه قال فمن دخل دار أبی سفیان فهو آمن فقامت إلیه هند بنت عتبة فأخذت بشار به فقالت اقتلوا الحمیت الدسم الاحمس قبح من طلیعة قوم قال ویحکم لا تغرّن هذه من أنفسکم فانه قد جاءکم بما لا قبل لکم به فمن دخل دار أبی سفیان فهو آمن قالوا قاتلک اللّه و ما تغنی دارک عنا شیئا قال فمن أغلق علیه بابه فهو آمن و من دخل المسجد فهو آمن و من ألقی السلاح فهو آمن* و فی روایة نادی أبو سفیان أسلموا تسلموا فتفرق الناس الی دورهم و الی المسجد* و روی ان حکیم بن حزام و بدیل بن ورقاء قدما علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بمرّ الظهر ان فأسلما فبایعاه فبعثهما رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بین یدیه الی قریش یدعو انهم الی الاسلام و لما خرج أبو سفیان و حکیم من عند النبیّ صلی
اللّه علیه و سلم راجعین الی مکة بعث فی أثرهما الزبیر بن العوّام و أعطاه الرایة و أمره علی خیل المهاجرین و الانصار و أمره أن یسیر من طریق کداء و أن یرکز رایته باعلی الحجون
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:82
و قال له لا تبرح من حیث أمرتک أن ترکز رایتی حتی آتیک* و فی الاکتفاء و أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین فرق جیشه من ذی طوی الزبیر بن العوّام أن یدخل فی بعض الناس من کداء و کان علی المجنبة الیسری و أمر سعد بن عبادة ان یدخل فی بعض الناس من کدی فذکروا ان سعدا حین وجه داخلا قال الیوم یوم الملحمة الیوم تستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرین قیل هو عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه فقال یا رسول اللّه أ تسمع ما قال سعد ما نأمن أن یکون له فی قریش صولة و صدمة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لعلیّ بن أبی طالب أدرکه فخذ الرایة فکن أنت الذی تدخل بها و یقال أخذت الرایة من سعد و دفعت الی ابنه قیس بن سعد و یقال أمر الزبیر بأخذ الرایة و جعله مکان سعد علی الانصار مع المهاجرین* و فی المواهب اللدنیة هذه ثلاثة أقوال فیمن دفعت إلیه الرایة التی نزعت من سعد و الذی یظهر من الجمیع ان علیا أرسل لینزعها من سعد و یدخل بها ثم خشی من تغیر خاطر سعد فأمر بدفعها الی ابنه قیس ثم ان سعدا خشی أن یقع من ابنه شی‌ء ینکره النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فسأل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أن یأخذها من قیس فحینئذ أخذها الزبیر و جعل أبا عبیدة بن الجراح علی الحسر و البیادق کذا فی المواهب اللدنیة و المنتقی* فسار الزبیر بالناس حتی وقف بالحجون و غرز هناک رایة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أمر خالد بن الولید و کان علی المجنبة الیمنی أن یدخل فیمن أسلم من قضاعة و بنی سلیم و أسلم و غفار و جهینة و مزینة و سائر القبائل فدخل من اللیط أسفل مکة و بها بنو بکر و بنو الحارث بن عبد مناة و الاحابیش الذین استنفرتهم و استنصرتهم قریش و أمرتهم أن یکونوا بأسفل مکة و أمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم خالدا أن یرکز رایته عند منتهی البیوت و أدناها و کان ذلک أوّل امارة خالد و قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لخالد و الزبیر حین بعثهما لا تقاتلوا الا من قاتلکم و لما انتهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی ذی طوی وقف علی راحلته معتجرا بشقة برد حمراء و انه لیضع رأسه تواضعا للّه و شکرا له حین رأی ما أکرمه اللّه به من الفتح حتی ان عثنونه لیکاد یمس واسطة الرحل* العثنون بالعین المهملة و الثاء المثلثة و النونین بینهما واو اللحیة أو ما فضل منها بعد العارضین أو نبت علی الذقن و تحته سفلا أو هو طولها و شعیرات طوال تحت حنک الابل کذا فی القاموس* و لما وقف صلی اللّه علیه و سلم هناک قال أبو قحافة و قد کف بصره لابنة له من أصغر ولده و هو علی أبی قبیس مشرفا علیه أی بنیة ما ذا ترین قالت أری سوادا مجتمعا قال تلک الخیل قالت و أری رجلا یسعی بین یدی ذلک السواد مقبلا و مدبرا قال أی بنیة ذاک الوازع یعنی الذی یأمر الخیل و یتقدّم إلیها ثم قالت قد و اللّه انتشر السواد فقال قد و اللّه اذا دفعت الخیل فأسرعی بی الی بیتی فانحطت به و تلقاه الخیل قبل أن یصل الی بیته و فی عنق الجاریة طوق من ورق فتلقاها رجل فقطعه من عنقها قال فلما دخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أتاه أبو بکر بأبیه یقوده فلما رآه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال هلا ترکت الشیخ فی بیته حتی أکون أنا آتیه فیه فقال أبو بکر یا رسول اللّه هو أحق أن یمشی إلیک من ان تمشی أنت إلیه قال فأجلسه بین یدیه ثم مسح صدره ثم قال له أسلم فأسلم و رآه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کانّ رأسه ثغامة فقال غیروا هذا من شعره و سیجی‌ء ثم قام أبو بکر فأخذ بید أخته فقال انشد اللّه و الاسلام طوق أختی فلم یجبه أحد فقال أی أخیة احتسبی طوقک فو اللّه ان الامانة الیوم فی الناس قلیل و لم یکن بأعلی مکة من قبل الزبیر قتال و أما خالد بن الولید فدخل من اللیط أسفل مکة فلقیه قریش و بنو بکر و الاحابیش فقاتلوه فقتل منهم قریبا من عشرین رجلا و من هذیل ثلاثة أو أربعة و انهزموا و قتلوا بالحزورة حتی بلغ قتلهم باب المسجد و هرب فضیضهم
حتی دخلوا الدور و ارتفعت طائفة منهم علی الجبال و اتبعهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:83
المسلمون بالسیوف و هربت طائفة منهم الی البحر و الی صوب الیمن و أقبل أبو عبیدة بن الجراح بالصف من المسلمین ینصب لمکة بین یدی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و دخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من أواخر المهاجرین حتی نزل بأعلی مکة و ضربت له هناک قبة* و روی مسلم من حدیث جابر دخل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یوم فتح مکة و علیه عمامة سوداء من غیرا حرام* و روی ابن ابی شیبة باسناد صحیح عن طاوس لم یدخل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مکة الا محرما الا یوم فتح مکة و قد اختلف العلماء هل یجب علی من دخل مکة الاحرام أم لا فالمشهور من مذهب الشافعیّ عدم الوجوب مطلقا و فی قول یجب مطلقا و فیمن یتکرّر دخوله خلاف مرتب فاولی بعدم الوجوب و المشهور عن الائمة الثلاثة الوجوب کذا فی المواهب اللدنیة* و لما علا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثنیة کداء نظر الی البارقة علی الجبل مع فضض المشرکین فقال ما هذا و قد نهیت عن القتال فقال المهاجرون نظنّ ان خالدا قوتل و بدئ بالقتال فلم یکن بد أن یقاتل من قاتله و ما کان یا رسول اللّه لیعصیک و لا لیخالف أمرک فهبط رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من الثنیة فأجاز علی الحجون و اندفع الزبیر بن العوّام حتی وقف بباب الکعبة* و فی الاکتفاء و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قد عهد الی أمرائه من المسلمین حین أمرهم أن یدخلوا مکة أن لا یقاتلوا الا من قاتلهم الا انه قد عهد فی نفر قد سماهم أمر بقتلهم و ان وجدوا تحت أستار الکعبة و سیجی‌ء ذکرهم و کان صفوان بن أمیة و عکرمة بن أبی جهل و سهیل بن عمرو قد جمعوا ناسا بالحندمة لیقاتلوا فیهم حماس ابن قیس بن خالد اخو بنی بکر و قد کان أعدّ سلاحا و أصلح منها فقالت له امرأته لم تعدّ سلاحک هذا قال لمحمد و أصحابه قالت و اللّه ما أراه یقوم لمحمد شی‌ء قال و اللّه انی لأرجو أن أخدمک بعضهم ثم قال
ان یقتلوا الیوم فما لی علةهذا سلاح کامل و ألة
و ذو غرارین سریع السلة
ثم شهد الحندمة فلما لقیهم المسلمون من أصحاب خالد ناوشوهم شیئا من قتال فقتل کرز بن جابر الفهری و خنیس بن خالد بن الاشقر کانا فی خیل خالد فشذا عنه و سلکا طریقا غیر طریقه فقاتلا جمیعا و أصیب سلمة بن المیلاء الجهنی من خیل خالد و أصیب من المشرکین ناس ثم انهزموا فخرج حماس منهزما حتی دخل بیته و قال لامرأته أغلقی علیّ بابی قالت فأین ما کنت تقول فقال
انک لو شهدت یوم الخندمةاذ فرّ صفوان و فرّ عکرمة
و استقبلتهم بالسیوف المسلمةیقطعن کل ساعد و جمجمة
ضربا فلا تسمع الا غمغمةلهم نهیت خلفنا و همهمة
لم تنطقی فی اللوم أدنی کلمة
و قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لخالد بن الولید بعد أن اطمأنّ لم قاتلت و قد نهیتک عن القتال قال هم بدءونا و وضعوا فینا السلاح و أشعرونا النبل و قد کففت یدی ما استطعت فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قضاء اللّه خیر و فرّ یومئذ صفوان بن أمیة عامدا للبحر و عکرمة بن أبی جهل عامدا للیمن و ستجی‌ء قصتهما* و فی المنتقی و کل الجنود لم یلقوا جنودا غیر خالد فانه لقی صفوان بن أمیة و سهیل ابن عمرو و عکرمة ابن أبی جهل فی جمع من قریش فمنعوه من الدخول و شهروا السلاح و رموا بالنبل فصاح خالد فی أصحابه فقاتلهم فقتل أربعة و عشرون من قریش و أربعة من هذیل فلما ظهر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال لخالد أ لم أنه عن القتال فقیل قوتل خالد فقاتل کما مرّ* و فی شفاء الغرام عن عطاء ابن السائب قال حدّثنی طاوس و عامر قالا دخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قدم خالد بن الولید
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:84
فانا لهم شیئا من قتل فجاء رجل من قریش فقال یا رسول اللّه هذا خالد بن الولید قد أسرع فی القتل فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لرجل من الانصار عنده یا فلان قال لبیک یا رسول اللّه قال ائت خالد بن الولید قل له ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یأمرک أن لا تقتل بمکة أحدا فجاء الانصاری فقال یا خالد ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یأمرک أن تقتل من لقیت فاندفع خالد فقتل سبعین رجلا من مکة فجاء الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم رجل من قریش فقال یا رسول اللّه هلکت قریش لا قریش بعد الیوم قال و لم قال هذا خالد لا یلقی أحدا من الناس الا قتله فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ادع لی خالدا فلما أتی إلیه خالد قال یا خالد أ لم أرسل إلیک أن لا تقتل أحدا قال بل أرسلت الیّ أن أقتل من قدرت علیه قال ادع لی الانصاری فدعاه له فقال أ لا آمرک أن تأمر خالدا أن لا یقتل أحدا قال بلی و لکنک أردت أمرا و أراد اللّه غیره فکان ما أراد اللّه فسکت صلی اللّه علیه و سلم و لم یقل للانصاری شیئا و قال یا خالد قال لبیک یا رسول اللّه قال لا تقتل أحدا قال لا* و فی المواهب اللدنیة و المنتقی روی أحمد و مسلم و النسائی عن أبی هریرة قال أقبل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قد بعث علی احدی المجنبتین خالد بن الولید و بعث الزبیر علی الأخری و بعث أبا عبیدة علی الحسر بضم المهملة و تشدید السین المهملة أی الذین بغیر سلاح فقال لی یا أبا هریرة اهتف لی بالانصار فهتفت بهم فجاءوا فأطافوا فقال لهم أ ترون الی أوباش قریش و أتباعهم ثم قال باحدی یدیه علی الأخری احصدوهم حصدا حتی توافونی بالصفا قال أبو هریرة فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدا منهم الا قتلناه فجاء أبو سفیان فقال یا رسول اللّه ابحت خضراء قریش لا قریش بعد الیوم فقال صلی اللّه علیه و سلم من أغلق بابه فهو آمن* و فی الاکتفاء قالت أمّ هانئ بنت أبی طالب و کانت عند هبیرة بن أبی وهب المخزومی لما نزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بأعلی مکة فرّ الیّ رجلان من أحمائی من بنی مخزوم فدخل علیّ أخی علی بن أبی طالب فقال و اللّه لاقتلنهما فأغلقت علیهما بیتی ثم جئت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو بأعلی مکة فوجدته یغتسل من جفنة کان فیها أثر العجین و فاطمة ابنته تستره بثوبه فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ثم صلی ثمان رکعات من الضحی ثم انصرف الیّ فقال مرحبا و أهلا بأمّ هانئ ما جاء بک فأخبرته خبر الرجلین و خبر علیّ فقال قد أجرنا من أجرت یا أمّ هانئ و أمّنا من أمّنت فلا یقتلنهما* قال ابن هشام هما الحارث بن هشام و زهیر بن أمیة بن المغیرة* و فی روایة للبخاری انه صلی اللّه علیه و سلم یوم فتح مکة اغتسل فی بیت أم هانئ ثم صلی الضحی ثمان رکعات فقالت لم أره صلی صلاة أخف منها غیر انه یتم الرکوع و السجود و ذکره فی المواهب اللدنیة* و فی روایة دخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مکة حین ارتفعت الشمس علی ناقته القصوی بین أبی بکر و أسید بن حضیر و قد أردف أسامة بن زید و قد طأطأ رأسه تواضعا للّه و هو یقرأ سورة الفتح* و فی الاکتفاء و لما نزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و اطمأنّ الناس خرج حتی أتی البیت فطاف به سبعا علی راحلته یستلم الرکن بمحجن فی یده فلما قضی طوافه دعا عثمان بن طلحة و أخذ منه مفتاح الکعبة ففتحت له فدخلها فوجد فیها حمامة من عیدان فکسرها بیده ثم طرحها ثم وقف علی باب الکعبة فقال لا إله الا اللّه صدق اللّه وعده و نصر عبده و هزم الاحزاب وحده ألا کل مأثرة أو دم أو مال یدعی فهو تحت قدمی هاتین إلّا سدانة البیت و سقایة الحاج یا معشر قریش ان اللّه قد أذهب عنکم نخوة الجاهلیة و تعظمها بالآباء الناس لادم و آدم خلق من تراب ثم تلا هذه الآیة فقال یا أیها الناس انا خلقناکم من ذکر و أنثی الآیة ثم قال یا معشر قریش أو یا أهل مکة ما ذا ترون أنی فاعل فیکم قالوا خیرا أخ کریم و ابن أخ کریم فقال
اذهبوا فأنتم الطلقاء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:85
فأعتقهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قد کان اللّه أمکنه من رقابهم عنوة فلذلک تسمی اهل مکة الطلقاء أی الذین أطلقوا فلم یسترقوا و لم یؤسروا و الطلیق هو الاسیر اذا أطلق قال ثم جلس رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی المسجد فقام إلیه علیّ بن أبی طالب و مفتاح الکعبة فی یده فقال یا رسول اللّه اجمع لنا الحجابة مع السقایة صلی اللّه علیک فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أین عثمان بن طلحة فدعی له فقال هاک مفتاحک یا عثمان الیوم یوم برّ و وفاء و قال لعلیّ فیما حکی ابن هشام انما أعطیکم ما تزرءون لا ما ترزءون* و فی البحر العمیق دخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مکة یوم الفتح فقبض السقایة من العباس بن عبد المطلب و الحجابة من عثمان بن طلحة فقام العباس بن عبد المطلب فبسط یده و قال یا رسول اللّه بأبی أنت و أمی اجمع لی الحجابة مع السقایة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أعطیکم ما تزرءون فیه لا ما ترزءون منه قال أبو علی معناه أنا أعطیکم ما تتموّنون علی السقایة التی تحتاج الی مؤن أی فأنتم ترزءون بضم التاء و سکون الراء المهملة قبل الزای المعجمة المفتوحة من الرزء بالضم و هو النقص أی یرزؤکم الناس أی ینقصونکم بالاخذ لتموینکم ایاهم بتموین السقایة المعدّة لهم و أما السدانة فیرزأ بها الناس بالبعث إلیها أی بعث کسوة البیت أی لا یلیق أن ترزءوا بفتح التاء و سکون الراء المهملة قبل المعجمة أی تنقصوا الناس بأخذ أموالهم و التعرّض لذلک لشرفکم و قیل معنی ترزءون فیه بضم المثناة أی تصیبون فیه الخیر بصرف أموالکم فی موّنات زمزم و معنی ما تزرءون منه بفتح المثناة أی تستجلبون به الاموال أی تأخذون منه أموال الناس کالحجابة فقام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بین عضادتی باب الکعبة فقال ألا ان کل دم أو مأثرة کانت فی الجاهلیة فهی تحت قدمی هاتین الا السقایة و سدانة الکعبة فانی قد أمضیتهما لاهلهما علی ما کانت فی الجاهلیة فقبضها العباس و کانت فی یده حتی توفی فولیها بعده عبد اللّه بن عباس فکان یفعل فیها کفعله دون بنی عبد المطلب و کان محمد بن الحنفیة قد کلم فیها ابن عباس فقال له ابن عباس مالک و لها نحن أولی بها فی الجاهلیة و الاسلام و قد کان أبوک تکلم فیها فأقمت البینة طلحة بن عبید اللّه و عامر بن ربیعة و أزهر ابن عبد عوف و مخرمة بن نوفل ان العباس بن عبد المطلب کان یلیها فی الجاهلیة بعد عبد المطلب وجدک أبو طالب فی ابله فی بادیته بعرفة و ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أعطاها العباس یوم الفتح دون بنی عبد المطلب فعرف ذلک من حضر و کانت بید عبد اللّه بن عباس بتولیة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم دون غیره لا ینازعه فیها منازع و لا یتکلم فیها متکلم حتی توفی فکانت فی ید علیّ بن عبد اللّه بن عباس یفعل فیها کفعل أبیه و جدّه و یأتیه الزبیب من ماله بالطائف و ینبذه حتی توفی فکانت فی ید ولده حتی الآن قال الازرقی کان لزمزم حوضان حوض بینها و بین الرکن یشرب منه و حوض من ورائها للوضوء له سرب یذهب فیه الماء* و ذکر ابن عقبة ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما قضی طوافه نزل فأخرجت الراحلة فرکع رکعتین ثم انصرف الی زمزم فاطلع فیها و قال لو لا أن تغلب بنو عبد المطلب علی سقایتهم لنزعت منها بیدی تم انصرف الی ناحیة المسجد قریبا من مقام ابراهیم و کان المقام لاصقا بالکعبة فأخره رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و دعا صلی اللّه علیه و سلم بسجل من ماء فشرب و توضأ و المسلمون یبتدرون وضوءه و یصبونه علی وجوههم و المشرکون ینظرون إلیهم و یتعجبون و یقولون ما رأینا ملکا قط بلغ هذا و لا سمعنا به*

ذکر الاصنام التی کانت فی البیت‌

و ذکر ابن هشام أیضا ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم دخل البیت یوم الفتح فرأی فیه صور الملائکة و غیرهم فرأی ابراهیم مصورا فی یده الازلام یستقسم بها فقال قاتلهم اللّه جعلوا شیخنا یستقسم بالازلام ما شأن ابراهیم و الازلام ما کانَ إِبْراهِیمُ یَهُودِیًّا وَ لا نَصْرانِیًّا وَ لکِنْ کانَ حَنِیفاً مُسْلِماً وَ ما کانَ مِنَ الْمُشْرِکِینَ ثم أمر بتلک الصور کلها فطمست
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:86
* و عن ابن عباس ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما قدم مکة أبی أن یدخل البیت و فیه الآلهة فأمر بها فأخرجت و أخرجوا صورة ابراهیم و اسماعیل فی أیدیهما الازلام فقال قاتلهم اللّه لقد علموا انهما ما استقسما بها قط ثم دخل البیت فکبر فی نواحی البیت و لم یصل و فی روایة صلی فیه* و فی الاکتفاء عن ابن عباس قال دخل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مکة یوم الفتح علی راحلته فطاف علیها و حول البیت أصنام مشدودة بالرصاص فجعل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یشیر بقضیب فی یده الی الاصنام و هو یقول جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ کانَ زَهُوقاً فما أشار الی صنم منها فی وجهه الا وقع ذلک الصنم لقفاه و لا أشار لقفاه الا وقع لوجهه حتی ما بقی منها صنم الا وقع* و فی روایة یشیر الی الصنم بقوس فی یده و هو آخذ بسیتها و هو یقول جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ کانَ زَهُوقاً و قل جاء الحق و ما یبدئ الباطل و ما یعید فیقع الصنم لوجهه و کان أعظمها هبل و هو وجاه الکعبة حذاء مقام ابراهیم لاصقا بها و قال تمیم بن أسد الخزاعی
و فی الاصنام معتبر و علم‌لمن یرجو الثواب أو العقابا * و فی المواهب اللدنیة و کان حول البیت ثلاثمائة و ستون صنما فکلما مرّ صلی اللّه علیه و سلم بصنم أشار إلیه الخ رواه البیهقی* و فی روایة أبی نعیم قد أوثقها الشیاطین بالرصاص و النحاس* و فی تفسیر العلامة ابن النقیب المقدسی ان اللّه تعالی أعلمه انه قد أنجزه وعده بالنصر علی أعدائه و فتح له مکة و أعلی کلمته و دینه و أمره اذا دخل مکة أن یقول جاء الحق و زهق الباطل فصار صلی اللّه علیه و سلم یطعن الاصنام التی حول الکعبة بمحجنه و یقول جاء الحق و زهق الباطل فیخر الصنم ساقطا مع انها کلها کانت مثبتة بالحدید و الرصاص و کانت ثلاثمائة و ستین صنما بعدد أیام السنة قال ابن عباس و لما نزلت الآیة یوم الفتح قال جبریل علیه السلام لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خذ مخصرتک ثم ألقها فجعل یأتی صنما صنما و یطعن فی عینه أو بطنه بمخصرته و یقول جاء الحق و زهق الباطل فینکب الصنم لوجهه حتی ألقاها جمیعا و بقی صنم خزاعة فوق الکعبة و کان من قواریر أو صفر و قال یا علی ارم به فحمله علیه السّلام حتی صعد و رمی به و کسره فجعل أهل مکة یتعجبون انتهی کلام المواهب اللدنیة* و فی الریاض النضرة روی عن علیّ أنه قال حین أتینا الکعبة قال لی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اجلس فجلست الی جنب الکعبة فصعد علی منکبی فذهبت لا نهض به فرأی ضعفا منی تحته قال لی اجلس فجلست فنزل عنی و جلس لی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قال لی اصعد علی منکبی فصعدت علی منکبیه فنهض بی و انه یخیل الیّ انی لو شئت لنلت أفق السماء حتی صعدت البیت* و فی شواهد النبوّة سأل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علیا حین صعد منکبه کیف تراک قال علیّ أرانی کأن الحجب قد ارتفعت و یخیل الیّ انی لو شئت لنلت أفق السماء فقال رسول اللّه طوبی لک تعمل للحق و طوبی لی أحمل للحق أو کما قال انتهی قال فصعدت البیت و کان علیه تمثال صفر أو نحاس و هو أکبر أصنامهم و تنحی رسول اللّه فقال لی ألق صنمهم الاکبر و کان موتدا علی البیت بأوتاد حدید الی الارض فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ایه ایه عالجه جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ کانَ زَهُوقاً فجعلت أزاوله أو قال أعالجه عن یمینه و عن شماله و من بین یدیه و من خلفه حتی اذا استمکنت منه قال لی رسول اللّه اقذف به فقذفت به فتکسر کما یتکسر القواریر ثم نزلت و زاد الحاکم فما صعدت حتی الساعة* و یروی انه کان من قواریر رواه الطبرانی و قال خرجه أحمد و رواه الزرندی و الصالحانی ثم ان علیا أراد أن ینزل فألقی نفسه من صوب المیزاب تأدبا و شفقة علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و لما وقع علی الارض تبسم فسأله النبیّ صلی اللّه علیه و سلم عن تبسمه قال لأنی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:87
ألقیت نفسی من هذا المکان الرفیع و ما أصابنی ألم قال کیف یصیبک ألم و قد رفعک محمد و أنزلک جبریل* و یقال ان واحدا من الشعراء أشار الی هذه القصة فی هذه الابیات فقال
قیل لی قل فی علیّ مدحاذکره یخمد نارا مؤصده
قلت لا أقدم فی مدح امرئ‌ضل ذو اللب الی أن عبده
و النبیّ المصطفی قال لنالیلة المعراج لما صعده
وضع اللّه بظهری یده‌فأحس القلب أن قد برده
و علیّ واضع أقدامه‌فی محل وضع اللّه یده روی ان الزبیر بن العوّام قال لأبی سفیان ان هبل الذی کنت تفتخر به یوم أحد قد کسر قال دعنی و لا توبخنی لو کان مع إله محمد إله آخر لکان الامر غیر ذلک کذا وجد فی روضة الاحباب* و فی روایة فجاء النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی مقام ابراهیم فصلی رکعتین ثم جلس ناحیة فبعث علیا الی عثمان بن طلحة الحجبی فی طلب مفتاح الکعبة فأبی دفعه إلیه و قال لو علمت انه رسول اللّه لم أمنعه منه فلوی علیّ یده و أخذ المفتاح منه قهرا و فتح الباب* و فی شفاء الغرام کلام الواحدی ان عثمان لم یکن حین أخذ ذلک منه مسلما یخالف ما ذکره العلماء من انه کان مسلما* قال ابن ظفر فی ینبوع الحیاة قوله لو أعلم انه رسول اللّه لم أمنعه هذا و هم لانه کان ممن أسلم فلو قال هذا لکان مرتدا* و عن الکلبی لما طلب علیه الصلاة و السلام المفتاح من عثمان بن طلحة مدّ یده إلیه فقال العباس یا رسول اللّه اجعلها مع السقایة فقبض عثمان یده بالمفتاح فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ان کنت یا عثمان تؤمن باللّه و الیوم الآخر فهاته فقال عثمان فهاکه بالامانة فأعطاه ایاه و نزلت الآیة قال ابن ظفر و هذا أولی بالقبول* و عن عبد اللّه بن عمر انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أقبل یوم الفتح من أعلا مکة علی راحلته مردفا أسامة بن زید و معه بلال و عثمان بن طلحة من الحجبة حتی أناخ بالمسجد فأمره أن یأتی بمفتاح البیت ففتح و دخل معه أسامة بن زید و بلال و عثمان ابن طلحة* و فی شفاء الغرام ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم دخل الکعبة بعد هجرته أربع مرّات یوم الفتح و یوم ثانی الفتح و فی حجة الوداع و فی عمرة القضاء و فی کل هذه الدخلات خلاف الا الدخول الذی یوم فتح مکة* و فی شفاء الغرام طاف النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالبیت یوم الفتح یوم الجمعة لعشر بقین من رمضان و فی الاکتفاء و أراد فضالة ابن عمیر بن الملوح اللیثی قتل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هو بالبیت عام الفتح فلما دنا منه قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أ فضالة قال نعم یا رسول اللّه قال ما ذا کنت تحدّث نفسک قال لا شی‌ء کنت أذکر اللّه فضحک النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثم قال استغفر اللّه ثم وضع یده علی صدره فسکن قلبه فکان یقول و اللّه ما رفع یده عن صدری حتی ما خلق اللّه شیئا أحب الیّ منه قال فضالة فرجعت الی أهلی فمررت بامرأة کنت أتحدّث إلیها
قالت هلم الی الحدیث فقلت لایأبی علیک اللّه و الاسلام
لو ما رأیت محمدا و قبیله‌بالفتح یوم تکسر الاصنام
لرأیت دین اللّه أضحی بینناو الشرک یغشی وجهه الاظلام و أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما دخل الکعبة عام الفتح بلالا أن یؤذن و کان دخل معه و أبو سفیان بن حرب و عتاب بن أسید و الحارث بن هشام جلوس بفناء الکعبة فقال عتاب لقد أکرم اللّه أسیدا أن لا یکون سمع هذا فیسمع منه ما یغیظه فقال الحارث أما و اللّه لو أعلم انه محق لا تبعته و قال أبو سفیان لا أقول شیئا لو تکلمت لأخبرته عنی هذه الحصاة فخرج علیهم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:88
لقد علمت الذی قلتم ثم ذکر ذلک لهم فقال الحارث و عتاب نشهد انک رسول اللّه و اللّه ما اطلع علی هذا أحد کان معنا فنقول أخبرک* و فی المواهب اللدنیة عن ابن عمر قال أقبل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عام الفتح علی ناقته القصوی و هو مردف أسامة بن زید حتی أناخ بفناء الکعبة ثم دعا عثمان بن طلحة فقال له ائتنی بالمفتاح فذهب الی أمه فأبت أن تعطیه فقال و اللّه لتعطینه أو لیخرجن هذا السیف من صلبی فأعطته ایاه فجاء به الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ففتح به الباب رواه مسلم* و روی الفاکهانی من طریق ضعیف عن ابن عمر أیضا قال کان بنو طلحة یزعمون انه لا یستطیع فتح الکعبة أحد غیرهم فأخذ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المفتاح ففتحها و عثمان المذکور هو عثمان بن طلحة و عثمان هذا لا ولد له و له صحبة و روایة و اسم أمّ عثمان سلافة بضم السین المهملة و تخفیف الفاء* و فی الطبقات لابن سعد عن عثمان بن طلحة قال کنا نفتح الکعبة فی الجاهلیة یوم الاثنین و الخمیس فأقبل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یوما یرید أن یدخل الکعبة مع الناس فأغلظت له و نلت منه فحلم عنی ثم قال یا عثمان لعلک ستری هذا المفتاح یوما بیدی أضعه حیث شئت فقلت لقد هلکت قریش یومئذ و ذلت فقال بل عمرت و عزت یومئذ و دخل الکعبة فوقعت کلمته منی موقعا ظننت یومئذ الامر سیصیر الی ما قال فلما کان یوم الفتح قال ائتنی بالمفتاح یا عثمان فأتیته به فأخذه منی ثم دفعه الیّ و قال خذوها خالدة تالدة لا ینزعها منکم الا ظالم یا عثمان ان اللّه استأمنکم علی بیته فکلوا مما یصل إلیکم من هذا البیت بالمعروف کذا فی شفاء الغرام* قال فلما و لیت نادانی فرجعت إلیه فقال أ لم یکن الذی قلت لک قال فذکرت قوله لی بمکة قبل الهجرة لعلک ستری هذا المفتاح یوما بیدی أضعه حیث شئت قلت بلی أشهد انک رسول اللّه* و فی التفسیر ان هذه الآیة ان اللّه یأمرکم أن تؤدّوا الامانات الی أهلها نزلت فی عثمان بن طلحة الحجبی أمره علیه السلام أن یأتی بمفتاح الکعبة فأبی علیه و أغلق علیه الباب و صعد البیت و قال لو علمت انه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لم أمنعه منه فلوی علیّ یده و أخذ منه المفتاح و فتح الباب فدخل صلی اللّه علیه و سلم و لما خرج سأله العباس أن یعطیه المفتاح و قال بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه اجمع لی السدانة مع السقایة و کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یرید أن یدفعها الی العباس فانزل اللّه تعالی ان اللّه یأمرکم أن تؤدّوا الامانات الی أهلها أی سادنها و هو عثمان بن طلحة کذا فی معالم التنزیل فأمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علیا أن یردّه الی عثمان و یعتذر إلیه و قال قل له خذوها یا بنی طلحة بأمانة اللّه فاعملوا فیها بالمعروف خالدة تالدة لا ینزعها منکم أو من أیدیکم أو لا یأخذها منکم الا ظالم فردّها علیّ فلما ردّها قال أکرهت و آذیت ثم جئت ترفق قال علیّ لان اللّه أمرنا بردّه علیک کذا فی معالم التنزیل* و فی المواهب اللدنیة قال علیّ لقد أنزل اللّه فی شأنک و قرأ علیه ان اللّه یأمرکم أن تؤدّوا الامانات الی أهلها فأتی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأسلم کذا فی العمدة* و فی المنتقی ان اسلام عثمان بن طلحة کان قبل ذلک بالمدینة مع اسلام خالد بن الولید و عمرو بن العاص کما مرّ* و فی روضة الاحباب فی هذا الکلام مخالفة بین أهل التفسیر و أهل السیر لانه ان کان المراد بعثمان سبط عبد الدار بلا واسطة فأبوه أبو طلحة لا طلحة و هو باتفاق أهل السیر کان صاحب لواء المشرکین یوم أحد فقتل فی ذلک الیوم کما ذکر فی غزوة أحد و ان کان المراد به عثمان بن طلحة بن أبی طلحة بن عبد الدار الذی هو ابن أخی عثمان بن طلحة بن عبد الدار فهو أسلم قبل فتح مکة* و فی المواهب اللدنیة فجاء جبریل علیه السلام فقال ما دام هذا البیت أو لبنة من لبناته قائمة فان المفتاح و السدانة فی أولاد عثمان و کان المفتاح معه فلما مات دفعه الی أخیه فالمفتاح و السدانة فی أولادهم الی یوم القیامة* و فی روایة مسلم دخل صلی اللّه علیه و سلم یعنی یوم الفتح هو و
أسامة ابن زید و بلال و عثمان بن طلحة الحجبی فأغلقوا علیهم الباب قال ابن عمر فلما فتحوا کنت أوّل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:89
من ولج فلقیت بلالا فسألته هل صلی فیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال نعم بین العمودین الیمانیین و ذهب عنی أن أسأله کم صلی* و فی روایة جعل العمودین عن یساره و عمودا عن یمینه و ثلاثة أعمدة وراءه و کان البیت یومئذ علی ستة أعمدة و قد بین موسی بن عقبة فی روایته عن نافع ان بین موقفه صلی اللّه علیه و سلم و بین الجدار الذی استقبله قریبا من ثلاثة أذرع و جزم برفع هذه الزیادة مالک عن نافع فقال أخرجه الدّارقطنی فی الغرائب و لفظه و صلی و بینه و بین القبلة ثلاثة أذرع و فی روایة ابن عباس قال أخبرنی أسامة أنه علیه السلام لما دخل البیت دعا فی نواحیه کلها و لم یصل فیه حتی خرج فلما خرج رکع فی قبل البیت رکعتین فقال هذه القبلة رواه مسلم* و أفاد الازرقی فی تاریخ مکة ان خالد بن الولید کان علی باب الکعبة یذب عنه صلی اللّه علیه و سلم الناس* و فی شفاء الغرام فخرج عثمان بن طلحة الی هجرته مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی المدینة و أقام ابن عمه شیبة بن عثمان بن أبی طلحة مقامه و دفع المفتاح إلیه فلم یزل یحجب هو و ولده و ولد أخیه وهب بن عثمان حتی قدم عثمان بن طلحة بن أبی طلحة و ولد مسافع بن طلحة بن أبی طلحة من المدینة و کانوا بها دهرا طویلا فلما قدموا حجبوا مع بنی عمهم* و فی الصفوة قال الواقدی کان عثمان بن طلحة بن أبی طلحة یلی فتح البیت الی أن توفی فدفع ذلک الی شیبة بن عثمان بن أبی طلحة و هو ابن عمه فبقیت الحجابة فی ولد شیبة و بقی شیبة حتی أدرک یزید بن معاویة و دفع السقایة الی العباس و أذن بلال الظهر فوق ظهر الکعبة و کسرت الاصنام* و فی الاکتفاء و قام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین افتتح مکة علی الصفا یدعو و قد أحدقت به الانصار فقالوا فیما بینهم أ ترون رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اذ فتح اللّه علیه أرضه و بلده یقیم بها فلما فرغ من دعائه قال ما ذا قلتم قالوا لا شی‌ء یا رسول اللّه فلم یزل بهم حتی أخبروه فقال معاذ اللّه المحیا محیاکم و الممات مماتکم ثم اجتمع الناس للبیعة فجلس لهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی الصفا یبایع الناس و عمر بن الخطاب أسفل منه یأخذ علی الناس فبایعوه علی السمع و الطاعة فیما استطاعوا* و فی المدارک روی ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما فرغ یوم فتح مکة من بیعة الرجال أخذ فی بیعة النساء و هو علی الصفا و عمر جالس أسفل منه یبایعهن بأمره و یبلغهن عنه فجاءت هند ابنة عتبة امرأة أبی سفیان و هی متنکرة خوفا من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن یعرفها لما صنعت بحمزة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبایعکن علی أن لا تشرکن باللّه شیئا فبایع عمر النساء علی أن لا یشرکن باللّه شیئا فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لا یسرقن فقالت هند ان أبا سفیان رجل شحیح فان أصبت من ماله هناة فقال أبو سفیان ما أصبت فهو لک حلال فضحک النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و عرفها و قال لها و انک لهند فقالت نعم فاعف عما سلف یا نبیّ اللّه عفا اللّه عنک فقال و لا یزنین فقالت أ تزنی الحرّة فقال و لا یقتلن أولادهنّ فقالت ربیناهم صغارا و قتلتهم کبارا فأنتم و هم أعلم و کان ابنها حنظلة بن أبی سفیان قد قتل یوم بدر فضحک عمر حتی استلقی فتبسم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال و لا یأتین ببهتان فقالت و اللّه ان البهتان أمر قبیح و ما تأمرنا الا بالرشد و مکارم الاخلاق فقال و لا یعصینک فی معروف فقالت و اللّه ما جلسنا مجلسنا هذا و فی أنفسنا أن نعصیک فلما رجعت جعلت تکسر صنمها و تقول کنا منک فی غرور و ستجی‌ء وفاة هند فی الخاتمة فی اوائل خلافة عمرو فی معالم التنزیل قال ابن اسحاق و کان جمیع من شهد فتح مکة من المسلمین عشرة آلاف* و فی شفاء الغرام عن ابن عباس من بنی سلیم سبعمائة و قیل ألف و من غفار أربعمائة و من أسلم أربعمائة و من مزینة ألف و ثلاثة نفر و سائرهم من قریش و الانصار و حلفائهم و طوائف
العرب من بنی تمیم و قیس و أسد و فی الاکتفاء و عدت خزاعة الغد من یوم الفتح علی رجل من هذیل یقال له ابن الابوع فقتلوه و هو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:90
مشرک برجل من أسلم یقال له احمر باسا و کان رجلا شجاعا قتله خراش بن أمیة الخزاعی و لما بلغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ما صنع خراش بن أمیة قال ان خراشا لقتال یعنفه بذلک و قام صلی اللّه علیه و سلم فی الناس خطیبا و قال یا أیها الناس ان اللّه قد حرم مکة یوم خلق السموات و الارض فهی حرام بحرمة اللّه الی یوم القیامة فلا یحلّ لامرئ یؤمن باللّه و الیوم الآخر أن یسفک فیها دما و أن یعضد فیها شجرة لم تحل لاحد کان قبلی و لا تحلّ لاحد یکون بعدی و لم تحلّ لی الا هذه الساعة غضبا علی أهلها ألا قد رجعت کحرمتها بالامس فلیبلغ الشاهد منکم الغائب فمن قال لکم ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قد قاتل فیها فقولوا له ان اللّه قد أحلها لرسوله و لم یحلها لکم یا معشر خزاعة ارفعوا أیدیکم عن القتل فقد کثر القتل لقد قتلتم قتیلا لأدینه فمن قتل بعد مقامی هذا فأهله بخیر النظرین ان شاءوا فدم قاتله و ان شاءوا فعقله ثم ودی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ذلک الرجل الذی قتلته خزاعة* و فی المواهب اللدنیة فان ترخص أحد فیها بقتال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقولوا ان اللّه أذن لرسوله و لم یأذن لکم و انما احلت لی ساعة من نهار و قد عادت حرمتها الیوم کحرمتها بالامس فلیبلغ الشاهد الغائب* و فی معالم التنزیل و کان فتح مکة لعشر لیال بقین من رمضان السنة الثامنة من الهجرة و أقام بمکة بعد فتحها خمس عشرة لیلة یقصر الصلاة کذا فی البخاری و فی روایة تسع عشرة* و فی روایة أبی داود سبع عشرة و عند الترمذی ثمان عشرة لیلة یصلی رکعتین* و فی الاکلیل بضع عشرة یقصر الصلاة* قال ابن عباس و نحن نقصر ما بیننا و بین تسع عشرة فاذا زدنا أتممنا و فی روایة أقام بمکة بقیة الشهر و ستة أیام من شوّال ثم خرج الی هوازن و ثقیف و قد نزلوا حنینا و سیجی‌ء*

ذکر الرجال الاحد عشر الذین أهدر دمهم یوم فتح مکة

الاوّل عبد اللّه بن خطل‌

روی ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم عهد الی أمرائه حین أمرهم أن یدخلوا مکة أن لا یقاتلوا الا من قاتلهم الا أحد عشر رجلا و ست نسوة فانه أمر بقتلهم أینما ثقفوا من الحلّ و الحرم و ان وجدوا تحت أستار الکعبة* و فی المواهب اللدنیة و قد جمع الواقدی عن شیوخه أسماء من لم یؤمن یوم الفتح و أمر بقتله عشرة أنفس ستة رجال و أربع نسوة انتهی* اما الرجال الاحد عشر فواحد منهم عبد اللّه بن خطل رجل من تیم بن غالب بن فهر و قد کان قدم المدینة قبل فتح مکة و أسلم و کان اسمه عبد العزی فغیر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اسمه و سماه عبد اللّه و بعثه الی قبیلة مصدّقا و کان معه رجل من أسلم و فی روایة من خزاعة أو من الروم* و کان یخدمه و أمره أن یصنع له طعاما* و فی المواهب اللدنیة کان معه مولی یخدمه و کان مسلما و نزل منزلا فأمر المولی أن یذبح تیسا و یصنع له طعاما و نام ثم استیقظ و لم یصنع له شیئا فعدا علیه فقتله ثم ارتدّ و کان له قینتان تغنیان بهجاء رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأمر بقتلهما معه کذا فی معالم التنزیل ففی یوم فتح مکة استعاذ بالکعبة و تعلق بأستارها و اختفی تحتها و حین کان صلی اللّه علیه و سلم یطوف بالبیت قیل له یا رسول اللّه هذا ابن خطل متعلق بأستار الکعبة فقال اقتلوه فقتلوه فی ذلک المکان و هو آخذ بثیاب الکعبة یتعوّذ بها و فی قاتله اختلاف و الصحیح انه أبو برزة الاسلمی و سعید بن حریث المخزومی اشترکا فی قتله کذا فی شفاء الغرام*

و الثانی عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح‌

و کان أخا لعثمان بن عفان من الرضاعة و کان أسلم قبل الفتح و کتب لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان اذا أملی علیه سمیعا بصیرا کتب علیما حکیما و اذا قال علیما حکیما کتب غفورا رحیما و کان یفعل أمثال هذه الخیانات حتی صدر عنه أن قال ان محمد الّا یعلم ما یقول فلما ظهرت خیانته لم یستطع أن یقیم بالمدینة فارتدّ و هرب الی مکة* و فی شفاء الغرام ارتدّ مشرکا الی قریش بمکة فقال لهم انی کنت أصرف محمدا حیث أرید کان یملی علیّ عزیز حکیم فأقول علیم کریم فیقول نعم کل صواب* و فی الکشاف و معالم التنزیل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:91
روی أنّ عبد اللّه بن أبی سرح کان یکتب لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یعنی فی سورة المؤمنین و لقد خلقنا الانسان من سلالة من طین الی قوله ثم أنشأناه خلقا آخر فتعجب عبد اللّه من تفصیل خلق الانسان فنطق بقوله فتبارک اللّه أحسن الخالقین قبل املائه فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اکتب هکذا نزلت فقال عبد اللّه ان کان محمد نبیا یوحی إلیه فأنا نبیّ یوحی الیّ فلحق بمکة کافرا ثم أسلم یوم الفتح* و فی شفاء الغرام یوم فتح مکة فزع الی عثمان بن عفان فقال یا أخی استأمن لی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فانه ان رآنی بغتة یضرب عنقی فانّ جرمی عظیم و أنا الآن تائب الی اللّه عز و جلّ فأدخله عثمان فی منزله حتی هدأ الناس و اطمأنوا فاستأمن له ثم أتی به رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یشفع له عنده و کان رجل من الانصار نذر ان رأی عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح قتله فلما بصر به الانصاری احتمل السیف علی عاتقه و خرج فی طلبه فوجده فی حلقة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فهاب قتله فجعل یتردّد و یکره أن یقدم علی قتله فی حلقة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فبالغ عثمان فی شفاعته ثم قال بعد ما أعرض عنه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مرارا یا رسول اللّه أمّته فصبر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و صمت طویلا ثم قال نعم فبسط یده فبایعه فلما خرج عثمان و عبد اللّه قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لمن حوله من أصحابه لقد صمت لیقوم إلیه بعضکم و یضرب عنقه ثم قال للانصاری انتظرتک أن توفی بنذرک قال یا رسول اللّه هبتک أ فلا أو مضت الیّ قال انه لیس لنبیّ أن یومض* و فی روایة لا ینبغی لنبیّ أن تکون له خائنة الاعین قیل انّ ذلک الانصاری عباد بن بشر* و فی معالم التنزیل رجع عبد اللّه الی الاسلام قبل فتح مکة اذ نزل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بمرّ الظهران و کان عبد اللّه اذا رأی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یختفی فأخبر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بذلک عثمان فتبسم و قال أ ما بایعته و أمنته قال بلی و لکن یذکر جرمه العظیم فیستحیی منک قال الاسلام یجب ما کان قبله فأخبر عثمان عبد اللّه بن أبی سرح بقول النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فبعد ذلک اذا جاءته صلی اللّه علیه و سلم جماعة یجی‌ء عبد اللّه فیهم و یسلم علیه* و فی شفاء الغرام و کان عبد اللّه بن أبی سرح فارس بنی عامر بن لؤیّ معدودا فیهم و هو أحد النجباء العقلاء الکرام من قریش و کان مجاب الدعوة و له فی ذلک خبر غریب و ذلک أنّ عبد اللّه لما عاد من المدینة من عند عثمان مضی الی عسقلان و قیل الی الرملة و دعا ربه أن یجعل خاتمة عمله صلاة الصبح فتوضأ ثم صلی و قرأ فی الرکعة الاولی بأمّ القرآن و العادیات و فی الرکعة الثانیة بأمّ القرآن و سورة ثم سلم عن یمینه و ذهب یسلم عن یساره فقبض اللّه روحه علی ما ذکر یزید ابن حبیب و غیره فیما حکاه ابن عبد البرّ فی الاستیعاب و ذکر ابن عبد البرّ انه لم یبایع لعلیّ و لا لمعاویة و انه توفی سنة ست أو سبع و ثلاثین*

الثالث عکرمة بن أبی جهل‌

و اسم أبی جهل عمرو بن هشام بن المغیرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم* و فی الصفوة عن أبی ملیکة قال لما کان یوم الفتح رکب عکرمة بن أبی جهل الی البحر هاربا فخب بهم فجعل الصراری و الملاحون و من فی السفینة یدعون اللّه و یوحدونه قال ما هذا قالوا هذا مکان لا ینفع فیه الا اللّه* و فی روایة جاء ملاح الی عکرمة و قال له أخلص العمل قال ما ذا أقول قال قل لا إله الا اللّه فانّ هذا مکان لا ینفع فیه الا اللّه قال عکرمة فهذا إله محمد الذی یدعونا إلیه فارجعوا بنا فرجع فأسلم و قیل وقع بصره علی دفة السفینة فرأی علیها مکتوبا و کذب به قومک و هو الحق و کان معه محک فأراد أن یمحو به تلک الکتابة فلم یستطع فعلم أنه کلام الحق جلّ و علا فوقع فی باطنه تغیر و قد کانت امرأته أمّ حکیم بنت الحارث بن هشام امرأة عاقلة أسلمت قبله و فی المشکاة و هرب زوجها من الاسلام حتی قدم الیمن فسافرت أمّ حکیم حتی قدمت علیه الیمن فدعته الی الاسلام فأسلم و ثبتا علی نکاحهما رواه مالک عن ابن شهاب مرسلا انتهی فاستأمنت له
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:92
من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأمّنه فخرجت فی طلبه لتبلغه خبر الامان فلما بلغت ساحل البحر رأت زوجها عکرمة راکب السفینة فربطت مقنعها علی رأس خشب فأرسی أهل السفینة فجلست فی زورق حتی أتت زوجها و قالت یا عکرمة و یا ابن عمّ جئتک من عند أوصل الناس و أبرّ الناس و خیر الناس لا تهلک نفسک فقد استأمنته لک فأمّنک فقال أنت فعلت ذلک قالت نعم انا کلمته فأمّنک فرجع عکرمة مع امرأته الی مکة فبینما هما یسیران فی الطریق اذ مال عکرمة إلیها و طلب منها الخلوة فأبت أن تمکنه منها و قالت لا حتی تسلم و أمّا أنا الآن فمسلمة و أنت کافر و الاسلام حائل بینی و بینک فلما بلغا قریبا من مکة قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لاصحابه یأتیکم عکرمة بن أبی جهل مؤمنا فلا تسبوا أباه فانّ سب المیت یؤذی الحیّ و لا یلحق المیت فانتهی عکرمة مع امرأته الی باب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و امرأته منتقبة فاستأذنت علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فدخلت و أخبرته بقدوم عکرمة فاستبشر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و وثب قائما علی قدمیه فرحا بقدومه و قال لها أدخلیه فدخل فلما رآه قال مرحبا بالراکب المهاجر ثم جلس النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و جاء عکرمة حتی وقف بحذائه و قال یا محمد انّ هذه أخبرتنی انک أمنتنی فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم صدقت فانک آمن* فقال عکرمة أشهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شریک له و أنک عبد اللّه و رسوله و طأطأ رأسه من الحیاء و قال أنت أبرّ الناس و أو فی الناس فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یا عکرمة ما تسألنی شیئا أقدر علیه الا أعطیتکه قال استغفر لی کل عداوة عادیتکها أو مرکب وضعت فیه أرید به اطهار الشرک فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اللهم اغفر لعکرمة کل عداوة عادانیها أو منطق تکلم به أو مرکب وضع فیه یرید أن یصدّ عن سبیلک فقال یا رسول اللّه مرنی بخیر ما تعلم فأعمله قال قل أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله و جاهد فی سبیله ثم قال عکرمة أما و اللّه ما ترکت نفقة کنت أنفقها فی صدّ عن سبیل اللّه الا أنفقت ضعفیها فی سبیل اللّه و لا قتالا کنت أقاتل فی صدّعن سبیل اللّه الا أنکیت ضعفه فی سبیل اللّه و کان عکرمة و امرأته أمّ حکیم علی نکاحهما الاوّل و قد أسلمت امرأته قبله و استعمله رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عام حج علی هوازن یصدقها ثم اجتهد فی القتال حتی قتل شهیدا یوم الیرموک بأجنادین فی خلافة أبی بکر الصدّیق رضی اللّه عنه فوجدوا فیه بضعا و سبعین من بین ضربة و طعنة و رمیة کذا فی الصفوة*

الرابع حویرث بن نقید ابن وهب بن عبد قصی‌

و هو کثیرا ما کان یؤذی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بمکة و یهجوه* و فی شفاء الغرام الحویرث بن نقید الذی نخس بزینب بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین أدرکها هو و هبار بن الاسود فسقطت عن دابتها و ألقت جنینا* و فی الاکتفاء و لما حمل العباس بن عبد المطلب فاطمة و أمّ کلثوم ابنتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من مکة یرید بهما المدینة نخس بهما الحویرث هذا فرمی بهما الی الارض فقتله یوم الفتح علی بن أبی طالب انتهی و یوم الفتح لما سمع ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أهدر دمه أغلق بابه و استتر فی بیته فجاء علیّ بن أبی طالب الی بابه یطلبه و یسأل عنه فقیل له قد خرج الی البادیة فعلم حویرث أنّ المسلمین یطلبونه فمکث حتی ذهب علیّ عن بابه فخرج من بیته و أراد أن ینتقل الی مکان آخر متنکرا فصادفه علیّ فضرب عنقه*

الخامس المقیس بن صبابة الکندی‌

الخامس المقیس بکسر المیم و سکون القاف و فتح المثناة التحتیة و آخره سین مهملة هو ابن صبابة الکندی بالصاد المهملة المضمومة و بالموحدتین الاولی خفیفة کذا فی المواهب اللدنیة و جرمه انّ أخاه هشام بن صبابة قدم المدینة و أسلم و کان مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی غزوة المریسیع فظنّ انصاری من بنی عمرو بن عوف أنه مشرک فقتله خطأ فقدم مقیس المدینة یطلب دم أخیه فأمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الانصاری بالدیة فعقل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:93
دیة فأسلم مقیس و بعد ما أخذ الدیة قتل الانصاری و ارتدّ و رجع الی مکة مشرکا کما مرّ و فی یوم الفتح کان یشرب الخمر فی ناحیة مع جماعة من المشرکین فأخبر نمیلة بن عبد اللّه اللیثی و هو رجل من قومه بحاله فذهب إلیه فقتله کذا فی معالم التنزیل فی تفسیر سورة الفتح و ذکر فی موضع آخر منه أنّ مقیس بن صبابة الکندی کان قد أسلم هو و أخوه هشام فوجد أخاه هشاما قتیلا فی بنی النجار فأتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فذکر ذلک له فأرسل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم معه رجلا من بنی فهر الی بنی النجار انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یأمرکم ان علمتم قاتل هشام بن صبابة ادفعوه الی مقیس فیقتص منه و ان لم تعلموا ادفعوا إلیه دیته فأبلغهم الفهری ذلک فقالوا سمعا و طاعة للّه و لرسوله و اللّه ما نعلم له قاتلا لکنا نعطی دیته فأعطوه مائة من الابل و انصرفا راجعین نحو المدینة فأتی الشیطان مقیسا فوسوس إلیه فقال تقبل دیة أخیک فتکون علیک مسبة اقتل الذی معک فتکون نفس بنفس و فضل الدیة فتغفل الفهری فرماه بصخرة فشدخه ثم رکب بعیرا و ساق بقیتها راجعا الی مکة کافرا فنزلت هذه الآیة و من یقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فیها و هو الذی استثناه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یوم فتح مکة ممن أمّنه فقتل و هو متعلق باستار الکعبة* و فی شفاء الغرام امّا مقیس فقتل عند الردم و هو ردم بنی جمح الذی قیل انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ولد فیه و لیس الردم الذی هو بأعلا مکة لانه لم یکن الا فی خلافة عمر عمله صونا للمسجد من السیل حین ذهب بالمقام*

السادس هبار بن الاسود

و کان کثیرا ما یؤذی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و من جملة أذیته أنّ أبا العاص بن الربیع حین خلص من الاسر یوم بدر رجع الی مکة و أرسل زینب بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کما شرط مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یوم بدر فعرض هبار مع جماعة لطریق زینب و منعها و ضرب زینب بالرمح فسقطت من الابل و کانت حاملا فألقت حملها و مرضت و ماتت بهذا المرض فغضب علیه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم غضبا شدیدا و أهدر دمه حتی بعث مرّة سریة الی نواحی مکة فقال لاهل السریة ان ظفرتم بهبار فاحرقوه ثم قال انما یعذب بالنار رب النار ان ظفرتم به فاقطعوا یده و رجله ثم اقتلوه و فی یوم الفتح أی فتح مکة اختفی و لم یدر مکانه و لما رجع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی المدینة جاء هبار رافعا صوته و قال یا محمد أنا جئت مقرّا بالاسلام و قد کنت قبل هذا مخذولا ضالا و الآن قد هدانی اللّه للاسلام و أنا أشهد أن لا إله الا اللّه و أنّ محمدا عبده و رسوله و اعتذر إلیه معترفا بذنبه مظهرا لحجالته فقبل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اسلامه و قال یا هبار عفوت عنک و الاسلام یجب ما کان قبله أو کما قال*

السابع صفوان بن أمیة

و لما علم انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أهدر دمه یوم فتح مکة هرب مع عبد له اسمه یسار الی جدّة یرید أن یرکب منها الی الیمن فقال عمیر بن وهب الجمحی یا نبیّ اللّه انّ صفوان بن أمیة سید قومی و قد خرج هاربا منک لیقذف نفسه فی البحر فأمنه علیک قال هو آمن قال یا رسول اللّه أعطنی شیئا یعرف به أمانک فأعطاه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عمامته التی دخل بها مکة و فی المشکاة فبعث إلیه ابن عمه وهب بن عمیر برداء رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أمانا لصفوان انتهی* فخرج بها عمیر حتی أدرکه بجدّة و هو یرید أن یرکب البحر فقال یا صفوان فداک أبی و أمی اذکر اللّه فی نفسک أن تهلکها فهذا أمان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قد جئتک عدة فقال ویلک اعزب عنی فلا یکلمه فقال أی صفوان فداک أبی و أمی أفضل الناس و أبرّ الناس و خیر الناس ابن عمک و عزه عزک و شرفه شرفک و ملکه ملکک قال فانی أخاف علی نفسی قال هو أحلم من ذلک و أکرم فرجع معه حتی وقف به علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال صفوان هذا یزعم أنک أمنتنی قال صدق قال فاجعلنی فی أمری بالخیار شهرین قال أنت فیه بالخیار أربعة أشهر کذا فی معالم التنزیل فلما خرج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی حنین و هوازن کان صفوان مع کفره رفیقه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:94
و استعار منه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مائة درع قال صفوان أ غصبا یا محمد فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بل عاریة مضمونة و سیجی‌ء و حین قفل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من الطائف الی الجعرانة مرّ مع صفوان علی شعب مملوء من الابل و الغنم و سائر أنعام الغنیمة و کان صفوان یحدّ النظر الی تلک الاموال و لم یرفع بصره منها و کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یلاحظه فقال یا أبا وهب أ تعجبک هذه قال نعم قال وهبتها لک کلها فقال صفوان ما طابت نفس أحد بمثل هذا الانفس نبیّ فأسلم هناک*

الثامن حارث بن طلاطلة

و هو من جملة مؤذی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و فی یوم فتح مکة قتله علی بن أبی طالب*

التاسع کعب بن زهیر بن أبی سلمی المزنی الشاعر

صاحب بانت سعاد القصیدة المشهورة و کان یهجو النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فجاء و هو جالس فی المسجد فدخل و أسلم و أنشأ قصیدته التی أوّلها بانت سعاد فقلبی الیوم متبول* فلما بلغ الی قوله
انّ الرسول لسیف یستضاء به‌مهند من سیوف اللّه مسلول
أنبئت أنّ رسول اللّه أوعدنی‌و العفو عند رسول اللّه مأمول قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اسمعوا ما یقول و قیل فرح النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کساه بردا جائزة له و کان اسلام کعب فی السنة التاسعة کما سیجی‌ء فیها*

العاشر وحشی بن حرب‌

قاتل حمزة و کان کثیر من المسلمین حریصا علی قتله و یوم فتح مکة هرب الی الطائف و أقام هناک الی زمان قدوم وفد الطائف الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فجاء معهم و دخل علیه و قال أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أنت وحشیّ قال نعم قال أ أنت قتلت حمزة قال قد کان من الامر ما بلغک یا رسول اللّه قال اجلس و احک لی کیف قتلته و لما قص علیه قصة قتله قال أ ما تستطیع أن تغیب وجهک عنی و کان وحشی بعد ذلک اذا رأی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یفرّ منه و یختفی*

الحادی عشر عبد اللّه بن الزبعری‌

و کان من شعراء العرب و کان یهجو أصحاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و یحرض المشرکین علی قتالهم و یوم الفتح لما سمع أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أهدر دمه هرب الی نجران و سکنها و بعد مدّة وقع الاسلام فی قلبه فأتی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فلما رآه من بعید قال هذا ابن الزبعری و لما دنا منه قال السلام علیک یا رسول اللّه أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد أنک رسول اللّه*

ذکر النساء اللاتی أهدر النبیّ دماءهنّ یوم الفتح‌

أولاهنّ هند بنت عتبة امرأة أبی سفیان‌

و أمّا النساء الست اللاتی أهدر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم دماءهنّ یوم الفتح فاحداهنّ هند بنت عتبة و هی امراة أبی سفیان أم معاویة و ایذاؤها للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم مشهور و یوم أحد مثلت بحمزة و مضغت کبده و بعد ما فتحت مکة جاءت الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم متنکرة متنقبة فی النساء حین یبایع النساء علی الصفا فأسلمت و قد سبق ذکرها*

! الثانیة و الثالثة قریبة و الفرتنا الرابعة مولاة بنی خطل و الخامسة مولاة بنی عبد المطلب‌

الثانیة و الثالثة قریبة بالقاف و الموحدة مصغرا و الفرتنا بالفاء المفتوحة و الراء المهملة الساکنة و المثناة الفوقیة و النون کذا صححه القسطلانی فی المواهب اللدنیة و هما فتیتان قینتان أی مغنیتان لابن خطل و کانتا تغنیان بهجاء رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأمر بقتلهما مع ابن خطل فأمّا قریبة فقتلت مصلوبة و أمّا فرتنا ففرّت حتی استؤمن لها من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأمنها فأمنت و ذکر السهیلی أنّ اسم قینتی ابن خطل فرتنا و سارة و هذا یخالف ما ذکره ابن سید الناس الیعمری من ان اسم احداهما قریبة و الأخری فرتنا کما سبق ذکرهما کذا فی شفاء الغرام* الرابعة مولاة بنی خطل و قتلت یوم الفتح* الخامسة مولاة بنی عبد المطلب* و فی شفاء الغرام مولاة عمرو بنی صیفی بن هاشم انتهی و هی التی حملت کتاب حاطب بن أبی بلتعة من المدینة ذاهبة الی مکة الی قریش و کانت تؤذی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بمکة و تغیبت یوم الفتح حتی استؤمن لها فعاشت حتی أوطأها رجل فرساله فی زمن عمر بن الخطاب بالابطح فقتلها و نقل الحمیدی أنها قتلت* و فی فتح الباری فی شرح صحیح البخاری أنها أسلمت و اللّه أعلم* و فی المدارک روی أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:95
و سلم أمّن جمیع الناس یوم الفتح الا أربعة هی أحدهم*

السادسة أمّ سعد أرنب‌

فقتلت* و فی رمضان هذه السنة أسلم أبو سفیان صخر بن حرب بن أمیة بن عبد شمس و کان اسلامه قبیل الفتح بمرّ الظهران حین نزله النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قد مرّ و ستجی‌ء وفاته فی الخاتمة فی خلافة عثمان*

إسلام أبی قحافة والد أبی بکر

و فی رمضان هذه السنة یوم الفتح أسلم أبو قحافة والد أبی بکر رضی اللّه عنهما روی أنّ أبا بکر لما جاء الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بأبیه أبی قحافة لیسلم قال له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لم عنیت الشیخ ألا ترکته حتی أکون أنا آتیه فی منزله فقال أبو بکر بأبی أنت و أمی هو أولی أن یأتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قد سبق و کانت امرأة أبی قحافة أمّ الخیر أمّ أبی بکر قد أسلمت قدیما فی السنة السادسة من النبوّة کما سبق فیها و اسم أبی قحافة عثمان بن عامر توفی فی السنة الرابعة عشر من الهجرة فی خلافة عمر بعد وفاة أبی بکر رضی اللّه عنه بسنة و کان ابن سبع و تسعین سنة و ورث حصته السدس من ترکة أبی بکر فردّه الی أولاده و لیس فی الاسلام والد خلیفة تأخرت وفاته عن وفاة ابنه الخلیفة و ورث منه غیر أبی قحافة* و عن جابر قال أتی بأبی قحافة یوم فتح مکة و رأسه و لحیته کالثغام بیاضا قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم غیروا هذا بشی‌ء و اجتنبوا السواد رواه مسلم* و عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال یکون قوم فی آخر الزمان یخضبون بهذا السواد کحواصل الحمام لا یجدون رائحة الجنة رواه أبو داود و النسائی کذا فی المشکاة*

إسلام حکیم بن حزام‌

و فی هذه السنة أیام فتح مکة أسلم حکیم بن حزام بن خویلد بن أسد بن عبد العزی و یکنی أبا خالد و عن أمّ مصعب بن عثمان قالت دخلت أمّ حکیم بن حزام الکعبة مع نسوة من قریش و هی حامل متم بحکیم بن حزام فضربها المخاض فی الکعبة فأتیت بنطع حیث أعجلتها الولادة فولدت حکیم بن حزام فی الکعبة علی النطع و کان حکیم من سادات قریش و وجوهها فی الجاهلیة و الاسلام* و عن مصعب بن عبد اللّه قال جاء الاسلام و دار الندوة بید حکیم بن حزام فباعها بعد من معاویة بن أبی سفیان بمائة ألف درهم فقال له عبد اللّه بن الزبیر بعت مکرمة قریش فقال حکیم ذهبت المکارم الا التقوی یا ابن أخی انی اشتریت بها دارا فی الجنة أشهدک انی جعلتها فی سبیل اللّه عز و جل* و عن أبی بکر بن ابی سلیمان قال حج حکیم بن حزام معه مائة بدنة قد أهداها و جللها الحبرة و کفها عن أعجازها و وقف مائة و صیف یوم عرفة و فی أعناقهم أطواق الفضة نقش فی رءوسها عتقاء اللّه عن حکیم بن حزام و أعتقهم و أهدی ألف شاة* و عن هشام بن عروة عن أبیه ان حکیم بن حزام أعتق فی الجاهلیة مائة رقبة و فی الاسلام مائة رقبة و حمل علی مائة بعیر قال حکیم نجوت یوم بدر و یوم أحد فلما غزا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مکة خرجت أنا و أبو سفیان نستروح الخبر فلقی العباس أبا سفیان فذهب به الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فرجعت و دخلت بیتی فأغلقته علیّ و دخل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مکة فأمّن الناس فجئته فأسلمت و خرجت معه الی حنین* و عن محمد بن عمر قال قدم حکیم ابن حزام المدینة و نزلها و بنی بها دارا و مات بها سنة أربع و خمسین و هو ابن مائة و عشرین سنة کذا فی الصفوة و سیجی‌ء فی الخاتمة* و فی هذه السنة أسلم عکرمة بن أبی جهل و قد مرّ کیفیة اسلامه‌

* سریة خالد بن الولید الی العزی‌

و فی هذه السنة عقب فتح مکة فی خمس و عشرین لیلة من شهر رمضان بعث خالد بن الولید فی ثلاثین رجلا الی العزی بنخلة*

ذکر منشأ اتخاذ الاصنام‌

و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق و یزعمون ان أوّل ما کانت عبادة الاحجار فی بنی اسماعیل انه کان لا یظعن من مکة ظاعن منهم حین ضاقت علیهم و التمسوا الفسح فی البلاد الاحمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظیما للحرم فحیثما نزلوا وضعوه و طافوا به کطوافهم بالکعبة حتی اشتهر ذلک فیهم الی ان کانوا یعبدون ما استحسنوا من الحجارة و أعجبهم حتی خلفت الخلوف و نسوا ما کانوا علیه و استبدلوا بدین ابراهیم و اسماعیل غیره فعبدوا الاوثان و صاروا الی ما کانت علیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:96
الامم السابقة من الضلالات و منهم علی ذلک بقایا من عهد ابراهیم علیه السلام یتمسکون بها من تعظیم البیت و الطواف به و الحج و العمرة مع ادخالهم فیه ما لیس منه فکانت کنانة و قریش اذا أهلوا قالوا لبیک اللهمّ لبیک لا شریک لک الا شریک هو لک تملکه و ما ملک فیوحدونه بالتلبیة ثم یدخلون معه أصنامهم و یجعلون ملکها بیده بقول اللّه تعالی و ما یؤمن أکثرهم باللّه الا و هم مشرکون و قد کان لقوم نوح أصنام قد عکفوا علیها قال اللّه تعالی لا تذرنّ آلهتکم و لا تذرنّ ودّا و لا سواعا و لا یغوث و یعوق و نسرا فکان الذین اتخذوا تلک الاصنام من ولد اسماعیل و غیرهم و سموا بأسمائها حین فارقوا دین اسماعیل هذیل بن مدرکة بن الیاس بن مضر اتخذوا سواعا فکان لهم برهاط و کلب ابن وبرة من قضاعة اتخذوا ودّا بدومة الجندل و أنعم من طی و أهل جرش من مذحج اتخذوا یغوث بجرش و حیوان بطن من همدان اتخذوا یعوق بأرض همدان من الیمن و ذو الکلاع من حمیر اتخذوا نسرا بأرض حمیر و کانت قریش قد اتخذوا صنما علی بئر فی جوف الکعبة یقال له هبل و اتخذوا اسافا و نائلة فی موضع زمزم ینحرون عندهما و کان اساف و نائلة رجلا و امرأة من جرهم هو اساف بن بغی و نائلة بنت دیک فوقع اساف علی نائلة فی الکعبة فمسخهما اللّه تعالی حجرین و کانت اللات لثقیف بالطائف و کانت سدنتها و حجابها بنی معتب من ثقیف و کانت مناة للاوس و الخزرج و من دان بدینهم من أهل یثرب علی البحر من ناحیة المشلل بقدید هذا ما فی سیرة ابن هشام* و فی أنوار التنزیل و المدارک العزی سمرة و أصلها تأنیث الاعز* و فی المنتقی العزی کانت بنخلة لقریش و جمیع بنی کنانة و کانت أعظم أصنامهم و سدنتها بنو شیبان و قد اختلفوا فی العزی علی ثلاثة أقوال أحدها انها کانت شجرة لغطفان یعبدونها قاله مجاهد و الثانی انها صنم قاله الضحاک و الثالث انها بیت فی الطائف کانت تعبده ثقیف قاله ابن زید* و فی معالم التنزیل العزی صنم اشتقوا لها اسما من العزیز فبعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خالد بن الولید لیقطعها فجعل خالد یضربها بالفأس و یقول یا عزی کفرانک لا سبحانک انی رأیت اللّه قد أهانک فخرجت منها شیطانه ناشرة شعرها داعیة ویلها واضعة یدها علی رأسها و یقال ان خالد ارجع الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قال له قد قلعتها قال هل رأیت شیئا قال لا قال ما قلعت* و فی روایة قال انک لم تهدمها فارجع إلیها فاهدمها فعاد إلیها خالد متغیظا و معه المعول فقلعها و استأصلها فخرجت منها امرأة عجوز عریانة سوداء ثائرة الرأس فجعل السادن یصیح فسلّ خالد سیفه فضربها فقتلها و جزها باثنتین ثم رجع الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأخبره بذلک فقال نعم تلک العزی و لن تعبد أبدا* و فی روایة و قد یئست أن تعبد ببلادکم أبدا و قال الضحاک کان أصل وضع العزی لغطفان أن سعد بن ظالم الغطفانی قدم مکة و رأی الصفا و المروة و رأی أهل مکة یطوفون بینهما فعاد الی بطن نخلة و قال لقومه ان لاهل مکة الصفا و المروة و لیسا لکم و لهم إله یعبدونه و لیس لکم قالوا فما تأمرنا قال أنا أصنع لکم کذلک فأخذ حجرا من الصفا و حجرا من المروة و نقلهما الی نخلة فوضع الذی اخذ من الصفا فقال هذا الصفا و وضع الذی أخذ من المروة فقال هذه المروة ثم أخذ ثلاثة أحجار فأسندها الی شجرة فقال هذا ربکم فجعلوا یطوفون بین الحجرین و یعبدون الحجارة الثلاثة و سموها العزی حتی افتتح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مکة فأمر برفع الحجارة و بعث خالد بن الولید الی العزی فقطعها*

بعث عمرو بن العاص الی سواع‌

و فی رمضان هذه السنة بعث عمرو بن العاص الی تخریب سواع و هو صنم لهذیل علی ثلاثة أمیال من مکة قال عمرو فانتهیت إلیه و عنده السادن فقال ما ترید فقلت أمرنی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن أهدمه قال لا تقدر قلت لم قال تمنع قلت و یحک هل یسمع أو یبصر فکسرته فأمرت أصحابی فهدموا بیت خزانته ثم قلت للسادن کیف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:97
رأیت قال أسلمت للّه رب العالمین* و فی مزیل الخفا روی انه کان لادم علیه السلام خمس بنین یسمون نسرا و ودّا و سواعا و یغوث و یعوق و کانوا عبادا فماتوا فحزن أهل عصرهم علیهم فصوّر لهم ابلیس أمثالهم من صفر و نحاس لیستأنسوا بهم فجعلوها فی مؤخر المسجد فلما هلک أهل ذلک العصر قال ابلیس لاولادهم هذه آلهة آبائکم فعبدوها بعدهم ثم ان الطوفان دفنها فأخرجها اللعین للعرب فکانت ودّ لکلب بدومة الجندل و سواع لهذیل بساحل البحر و یغوث لغطفان من مراد ثم لبنی غطیف بالحوف و فی القاموس غطیف کزبیر حیّ من العرب أو قوم بالشام و الحوف موضع بأرض مراد و یعوق لهمدان و نسر لذی الکلاع و حمیر* و فی المدارک ودّ صنم علی صورة رجل و سواع علی صورة امرأة و یغوث علی صورة أسد و یعوق علی صورة فرس و نسر علی صورة نسر* و یروی ان سواعا لهمدان و یغوث لمذحج و یعوق لمراد کذا فی معالم التنزیل و أنوار التنزیل و المدارک* و فی معالم التنزیل کانت للعرب أصنام أخر فاللات کانت لثقیف اشتقوا لها اسما من أسماء اللّه تعالی* قال قتادة کانت اللات بالطائف و قال ابن زید بیت بنخلة لقریش تعبده قال ابن عباس و مجاهد و أبو صالح بتشدید التاء و قالوا کان رجلا یلت السویق للحاج فلما مات عکفوا علی قبره یعبدونه و کان ببطن نخلة* و فی القاموس سمی بالذی یلت السویق بالسمن ثم خفف و العزی لسلیم و غطفان و جشم و مناة لخزاعة و کانت بقدید قاله قتادة و قالت عائشة رضی اللّه عنها فی الانصار من کانوا یهلون لمناة و کانت حذو قدید و قال ابن زید بیت بالمشلل یعبده بنو بکر و قال الضحاک مناة صنم لهذیل و خزاعة یعبدها أهل مکة و قال بعضهم اللات و العزی و مناة أصنام من حجارة و کانت فی جوف الکعبة یعبدونها و اساف و نائلة و هبل لاهل مکة*

بعث سعد بن زید الی مناة

و فی رمضان هذه السنة حین فتح مکة بعث سعد ابن زید الاشهلی الی مناة صنم للاوس و الخزرج و من دان بدینهم من أهل یثرب علی البحر من المشلل بقدید کذا فی سیرة ابن هشام* و فی القاموس مشلل کمعظم جبل یهبط منه الی قدید و فی خلاصة الوفا ثنیة تشرف علی قدید کان بها مناة الطاغیة و فی أنوار التنزیل* هی صخرة کانت لهذیل و خزاعة و ثقیف و هی فعلة من مناه اذا قطعه فانهم کانوا یذبحون عندها القرابین و منه منی فخرج سعد فی عشرین فارسا حتی انتهی إلیها قال السادن ما ترید قال هدمها قال أنت و ذاک فأقبل سعد یمشی إلیها فخرجت منه امرأة عریانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالویل و تضرب صدرها فضربها سعد بن زید فقتلها و انتقل الی الصنم و معه أصحابه فهدموه و انصرفوا راجعین الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم‌

* بعث خالد بن الولید الی بنی جذیمة

و فی شوّال هذه السنة بعث خالد بن الولید الی بنی جذیمة و هم قبیلة من عبد القیس أسفل مکة بناحیة یلملم و هو یوم الغمیصاء بعثه علیه السلام لما رجع من هدم العزی و هو صلی اللّه علیه و سلم مقیم بمکة و بعث معه ثلاثمائة و خمسین رجلا داعیا الی الاسلام لا مقاتلا فلما انتهی إلیهم خالد قال لهم ما أنتم قالوا مسلمون صلینا و صدّقنا بمحمد و بنینا المساجد فی ساحاتنا* و فی صحیح البخاری بعث النبیّ صلی اللّه علیه و سلم خالد بن الولید الی بنی جذیمة فدعاهم الی الاسلام فلم یحسنوا أن یقولوا أسلمنا فجعلوا یقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد یقتلهم و یأسرهم و دفع الی کل رجل ممن کان معه أسیره فأمر یوما أن یقتل کل رجل أسیره فأبی ابن عمرو أصحابه حتی قدموا علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فذکّروا له ذلک فرفع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یدیه و قال اللهمّ انی أبرأ إلیک مما صنع خالد مرّتین* و فی المواهب اللدنیة فقال لهم استأسروا فأسر القوم فأمر بعضهم فکتف بعضا و فرّقهم فی أصحابه فلما کان السحر نادی منادی خالد من کان معه أسیر فلیقتله فقتلت بنو سلیم من کان بأیدیهم و أما المهاجرون و الانصار فأرسلوا أساراهم فبلغ ذلک النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال اللهمّ انی أبرأ إلیک من فعل خالد و بعث علیا فودی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:98
لهم قتلاهم قال الخطابی یحتمل أن یکون خالد نقم علیهم للعدول عن لفظ الاسلام و لم ینقادوا الی الدین فقتلهم متأوّلا و أنکر علیه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم العجلة و ترک التثبت فی أمرهم قبل أن یعلم المراد من قولهم صبأنا* و فی بعض الکتب کان بنو جذیمة فی الجاهلیة قتلوا أبا عبد الرحمن ابن عوف و عم خالد الفاکه بن المغیرة فلما سمعوا بقدوم خالد استقبلوه لابسی السلاح فقال لهم من أنتم قالوا مسلمون صدّقنا بمحمد و بنینا المساجد فی ساحاتنا و صلینا قال فما بالکم مسلحین قالوا کان بیننا و بین حی من العرب عداوة حسبناکم ایاهم فلبسنا السلاح فلم یقبل خالد منهم عذرهم فأمرهم حتی ألقوا سلاحهم الی آخر ما ذکرناه* و فی الاکتفاء لما فتح اللّه علی رسوله مکة بعث السرایا فیما حولها یدعو الی اللّه تعالی و لم یأمرهم بقتال و کان ممن بعث خالد بن الولید و أمره أن یسیر بأسفل تهامة داعیا و لم یبعثه مقاتلا و معه قبائل من العرب فوطئوا بنی جذیمة بن عامر بن عبد مناة بن کنانة فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال خالد ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا فقال رجل منهم یقال له جحدم ویلکم یا بنی جذیمة انه خالد و اللّه ما بعد وضع السلاح الا الاسر و ما بعد الاسر الا ضرب الاعناق و و اللّه لا أضع سلاحی أبدا فأخذه رجال من قومه و قالوا یا جحدم أ ترید أن تسفک دماءنا ان الناس قد أسلموا و وضعت الحرب و أمن الناس فلم یزالوا به حتی نزعوا سلاحه و وضع القوم السلاح لقول خالد فلما وضعوه أمرهم خالد عند ذلک فکتفوا ثم عرضهم علی السیف فقتل من قتل منهم و قال لهم جحدم حین وضعوا سلاحهم و رأی ما یصنع بهم یا بنی جذیمة ضاع الضرب قد کنت حذرتکم ما وقعتم فیه فلما انتهی الخبر الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رفع یدیه الی السماء ثم قال اللهمّ انی أبرأ إلیک مما صنع خالد ابن الولید و قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لرجل انفلت منهم فأتاه بالخبر هل أنکر علیه أحد فقال نعم قد أنکر علیه رجل أبیض ربعة فنهمه خالد فسکت عنه و أنکر علیه رجل آخر مضطرب فراجعه فاشتدّت مراجعتهما فقال عمر بن الخطاب امّا الاوّل یا رسول اللّه فابنی عبد اللّه و أمّا الآخر فسالم مولی أبی حذیفة و ذکروا ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال رأیت کأنی لقمت لقمة من حیس فالتذذت طعمها فاعترض فی حلقی منها شی‌ء حین ابتلعتها فأدخل علیّ یده فانتزعه فقال أبو بکر هذه سریة من سرایاک تبعثها فیأتیک منها بعض ما تحب و یکون فی بعضها اعتراض فتبعث علیا فیسهله ثم لما کان من خالد فی بنی جذیمة ما کان دعا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی بن أبی طالب فقال یا علی اخرج الی هؤلاء القوم فانظر فی أمرهم و اجعل أمر الجاهلیة تحت قدمیک فخرج علیّ حتی جاءهم و معه مال قد بعث به رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فودی لهم الدماء و ما أصیب من الاموال حتی انه لیدی لهم مبلغة الکلب حتی اذا لم یبق شی‌ء من دم و لا مال إلا وداه بقیت معه بقیة من المال فقال لهم علیّ حین فرغ منه هل بقی دم أو مال لم یود لکم قالوا لا قال فانی أعطیتکم هذه البقیة من هذا المال احتیاطا لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مما لا یعلم و لا تعلمون ففعل ثم رجع الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبره الخبر قال أصبت و أحسنت ثم قام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فاستقبل القبلة قائما شاهرا یدیه حتی انه لیری ما تحت منکبیه یقول اللهمّ انی أبرأ إلیک مما صنع خالد بن الولید ثلاث مرّات و قد قال بعض من یعذر خالدا انه قال ما قاتلت حتی أمرنی بذلک عبد اللّه بن حذافة السهمی و قال ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أمر أن تقاتلهم لامتناعهم من الاسلام و حدّث ابن ابی حدرد الاسلمی قال کنت یومئذ فی خیل خالد بن الولید فقال لی فتی من بنی جذیمة و هو فی سنی و قد جمعت یداه الی عنقه برمة و نسوة مجتمعات غیر بعید منه یا فتی قلت ما تشاء قال هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدی الی هؤلاء النسوة حتی أقضی إلیهنّ حاجة ثم تردّنی بعد فتصنعوا بی ما بدا لکم قال قلت و
اللّه لیسیر ما طلبت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:99
فأخذته برمته فقدته بها حتی أوقفته علیهنّ فقال اسلمی حبیش علی فقد العیش و أنشد أبیاتا فقالت
و أنت فحبیت سبعا و عشراو شفعا و وترا ثمانین تتری قال ثم انصرفت به فضربت عنقه فحدّث من حضرها انها قامت إلیه حین ضربت عنقه فلم تزل تقبله حتی ماتت عنده و خرج النسائی هذه القصبة فی مصنفه فی باب قتل الاساری من حدیث ابن عباس ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بعث سریة فغنموا و فیهم رجل فقال انی لست منهم عشقت امرأة فلحقتها فدعونی أنظر إلیها نظرة ثم اصنعوا بی ما بدا لکم قال فاذا امرأة طویلة أدماء فقال اسلمی حبیش قبل فقد العیش و تکلم بأبیات فقالت نعم فدیتک قال فقدّموه فضربوا عنقه فجاءت المرأة فوقعت علیه فشهقت شهقة أو شهقتین ثم ماتت فلما قدموا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أخبروه الخبر فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أ ما کان فیکم رجل رحیم*

غزوة حنین‌

و فی شوّال هذه السنة بعد رجوع خالد من تخریب العزی خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی غزوة حنین بالتصغیر و هو واد قرب ذی المجاز و قیل ماء بینه و بین مکة ثلاث لیال قرب الطائف و تسمی غزوة هوازن* و فی شرح مختصر الوقایة حنین واد بین مکة و الطائف وراء عرفات بینه و بین مکة بضعة عشر میلا و فی القاموس حنین موضع بین مکة و الطائف قال أهل السیر انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فتح مکة یوم الجمعة و قد بقی من رمضان عشرة أیام فأقام بها خمسة عشر یوما أو تسعة عشر أو ثمانیة عشر یوما علی اختلاف الاقوال کما مرّ ثم خرج الی حنین* و سببها أنّه لما فتح اللّه علی رسوله مکة و أسلم عامة أهلها أطاعت له قبائل العرب الا هوازن و ثقیفا فانّ أهلهما کانوا طغاة عتاة مردة مبارزین فاجتمع أشرافهما فقال بعضهم لبعض انّ محمدا قاتل قوما لم یحسنوا القتال و لم یکن لهم علم بالحروب فغلب علیهم فانه سیقصدنا فقبل أن یظهر ذلک منه سیروا إلیه فقصدوا محاربة المسلمین و کان علی هوازن رئیسهم مالک بن عوف النضری و علی ثقیف قائدهم و رئیسهم عبد یا لیل الثقفی کذا فی معالم التنزیل* و قیل قائد ثقیف قارب ابن الاسود و اتفق معهما نضر و جشم کلها و سعد بن بکر و أناس من بنی هلال و هم قلیل و لم یشهد من قیس عیلان الا هؤلاء فعبوا جیشهم و عددهم أربعة آلاف مقاتل و خرجوا مع أموالهم و أولادهم و ذراریهم و تخلف منهم قبیلتان کعب و کلاب و کان درید بن الصمة فی بنی جشم و کان شیخا کبیرا قد عمی من الکبر و کان له مائة و خمسون سنة و قیل مائة و سبعون سنة و کان صاحب رأی و تدبیر و له معرفة بالحروب* و فی الاکتفاء لیس فیه شی‌ء الا التیمن برأیه و معرفته بالحروب انتهی و کان رأیه أن لا تخرج معهم الاموال و الذراری و لکن غلب علی الرأی مالک بن عوف فأخرجوهم معهم فساروا حتی انتهوا الی أوطاس* و فی الاکتفاء فلما نزل بأوطاس اجتمع إلیه الناس و فیهم درید بن الصمة فی شجار له یقاد به فلما نزل قال فی أیّ واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم مجال الخیل لا حزن ضرس و لا سهل دهس قال ما لی أسمع رغاء البعیر و نهاق الحمیر و بکاء الصغیر و یعار الشاء قالوا ساق مالک بن عوف مع الناس أموالهم و نساءهم و أبناءهم قال این مالک فدعی له فقال یا مالک انک أصبحت رئیس قومک و انّ هذا یوم له ما بعده ما لی أسمع رغاء البعیر و نهاق الحمیر و بکاء الصغیر و یعار الشاء قال سقت مع الناس أموالهم و نساءهم و أبناءهم و أردت أن أجعل خلف کل رجل منهم أهله و ماله لیقاتل عنهم قال فانقض به ثم قال راعی ضأن و اللّه و هل یردّ المنهزم شی‌ء انها ان کانت لک لن ینفعک الا رجل بسیفه و رمحه و ان کانت علیک فضحت فی أهلک و مالک ثم قال ما فعلت کعب و کلاب قالوا لم یشهدها منهم أحد قال غاب الحدّ و الجدّ لو کان یوم علاء و رفعة لم یغب عنه کعب و کلاب و لوددت انکم فعلتم ما فعلت کعب و کلاب فمن شهدها منکم قالوا عمرو بن عامر و عوف بن عامر قال ذلک الجذعان لا ینفعان و لا یضرّان یا مالک انک لم تصنع بتقدیم بیضة هوازن فی نحور
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:100
الخیل شیئا ارفعهم الی ممتنع بلادهم و علیاء قومهم ثم الق الصبا علی متون الخیل فان کانت لک لحق بک من وراءک و ان کانت علیک ألقاک ذلک و قد أحرزت أهلک و مالک قال و اللّه لا أفعل انک قد کبرت و کبر عقلک و اللّه لتطیعننی یا معشر هوازن أو لأتکئن علی هذا السیف حتی یخرج من ظهری و کره أن یکون لدرید فیها ذکر و رأی قالوا أطعناک قال درید هذا یوم لم أشهده و لم یفتنی
یا لیتنی فیها جذع‌أخب فیها و أضع
أقور و طفاء الزمع‌کأنها شاة صدع و بعث مالک بن عوف عیونا من رجاله فأتوه و قد تفرّقت أوصالهم فقال ویلکم ما شأنکم قالوا رأینا رجالا بیضا علی خیل بلق و اللّه ما تماسکنا أن أصابنا ما تری فو اللّه ما ردّه ذلک عن وجهه أن مضی علی ما یرید* و لما سمع بهم نبیّ اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعث إلیهم عبد اللّه بن أبی حدرد الاسلمی فدخل فیهم حتی سمع و علم ما قد أجمعوا علیه من حرب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و سمع من مالک و أمر هوازن ما هم علیه ثم أقبل حتی أتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبره الخبر و لما أجمع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم السیر الی هوازن ذکر له انّ عند صفوان بن أمیة ادراعا له و سلاحا فأرسل إلیه و هو یومئذ مشرک فقال یا أبا أمیة أعرنا سلاحک هذا نلق فیه عدوّنا غدا فقال صفوان أ غصبا یا محمد فقال بل عاریة مضمونة حتی نؤدّیها إلیک فقال لیس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما یکفیها من السلاح فزعموا أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سأله أن یکفیهم حملها ففعل* و فی شفاء الغرام جعل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی شوّال هذه السنة عتاب بن أسید بن أبی العیص بن أمیة بن عبد شمس علی مکة أمیرا و معاذ بن جبل اماما بها و مفتیا لمن فیها* و ذکر ابن عبد البرّ أنّ عتاب بن أسید أسلم یوم فتح مکة و استعمله النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علیها حین خرج الی حنین فأقام عتاب للناس الحج تلک السنة و هی سنة ثمان ثم قال فلم یزل عتاب أمیرا علی مکة حتی قبض رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أقرّه أبو بکر الصدّیق رضی اللّه عنه و قیل ماتا فی یوم واحد و کذلک کان یقول ولد عتاب و قال محمد بن سلام و غیره جاء نعی أبی بکر الصدیق رضی اللّه عنه الی مکة یوم دفن عتاب بن أسید بها و قال السهیلی قال أهل التعبیر رأی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی المنام أسید بن أبی العیص والیا علی مکة مسلما فمات علی الکفر و کانت الرؤیا لولده عتاب حین أسلم فولاه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی مکة و هو ابن احدی و عشرین سنة* و فی الاکتفاء ثم خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عامد الحنین معه ألفان من أهل مکة و عشرة آلاف من أصحابه الذین فتح اللّه علیهم فکانوا اثنی عشر ألفا و ذکر أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال حین فصل من مکة الی حنین و رأی کثرة من معه من جنود اللّه لن نغلب الیوم من قلة و زعم بعض الناس أنّ رجلا من بنی بکر قالها* و فی روایة یونس بن بکیر عن الربیع قال رجل یوم حنین لن نغلب الیوم فشق ذلک من قلة علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و فی روایة أنّ أبا بکر قاله للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم أو لسلمة بن سلامة بن وقش و قیل قائله سلمة فکره رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کلامه فوکلوا الی کلمة الرجل فالهزیمة لجیش الاسلام فی أوّل الحال کانت بسببه* و فی روایة باهی العباس بکثرة العسکر فمنعه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قال تستنصر بصعالیک الامة* و فی المواهب اللدنیة ثم خرج من مکة الی حنین یوم السبت لست لیال خلون من شوّال فی اثنی عشر ألفا من المسلمین عشرة آلاف من أهل المدینة من المهاجرین و الانصار و غیرهم و الفان ممن أسلم من أهل مکة و هم الطلقاء یعنی الذین خلی عنهم یوم فتح مکة و أطلقهم فلم یسترقهم واحدهم طلیق فعیل بمعنی مفعول و هو الاسیر اذا أطلق سبیله و خرج معه ثمانون من المشرکین منهم صفوان بن أمیة و قال عطاء کانوا ستة عشر ألفا و قال الکلبی کانوا عشرة آلاف و کانوا یومئذ أکثر مما کانوا فی سائر المواطن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:101
و فی المشکاة ساروا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یوم حنین فأطنبوا السیر حتی کان عشیة فجاء فارس فقال یا رسول اللّه انی اطلعت علی جبل کذا و کذا فاذا أنا بهوازن علی بکرة أبیهم بظعنهم و نعمهم و شائهم اجتمعوا علی حنین فتبسم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قال تلک غنیمة للمسلمین غدا ان شاء اللّه تعالی ثم قال من یحرسنا اللیلة قال أنس بن أبی مرثد الغنوی أنا یا رسول اللّه قال ارکب فرکب فرساله فقال استقبل هذا الشعب حتی تکون فی أعلاه ففعل فلما أصبح جاء و قال طلعت الشعبین کلیهما فلم أر أحدا فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هل نزلت اللیلة قال لا الا مصلیا أو قاضی حاجة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلا علیک أن لا تعمل بعد هذا رواه أبو داود و قال ابن عقبة و کان أهل حنین یظنون أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین دنا منهم فی توجهه الی مکة أنه بادئ بهم و صنع اللّه لرسوله ما هو أحسن من ذلک فتح له مکة و أقرّ بها عینه و کبت عدوّه فلما خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی حنین خرج معه أهل مکة رکبانا و مشاة حتی خرج معه النساء یمشین علی غیر دین قطارا ینظرون و یرجون الغنائم و لا یکرهون ان تکون الصدمة برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أصحابه* و حدث أبو واقد اللیثی قال خرجنا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی حنین و نحن حدیثو عهد بالجاهلیة و کانت لکفار قریش و من سواهم من العرب شجرة عظیمة خضراء یقال لها ذات أنواط یأتونها کل سنة فیعلقون علیها أسلحتهم و یذبحون عندها و یعکفون علیها یوما قال فرأینا و نحن نسیر معه الی حنین سدرة خضراء عظیمة فتنادینا علی جنبات الطریق فقلنا یا رسول اللّه اجعل لنا ذات أنواط کمالهم ذات أنواط فقال لهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اللّه أکبر قلتم و الذی نفس محمد بیده کما قال قوم موسی له اجعل لنا الها کما لهم آلهة انکم قوم تجهلون فانها السنن لترکبن سنن من کان قبلکم قال انتهی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی حنین مساء لیلة الثلاثاء لعشر خلون من شوّال و کان قد سبقهم مالک بن عوف فأدخل جیشه باللیل فی ذلک الوادی و فرّقهم علی الطرق و المداخل و حرّضهم علی قتال المسلمین و أمرهم أن یکمنوا لهم و یرشقوهم أوّل ما طلعوا و یحملوا علیهم حملة واحدة* و فی الاکتفاء قال مالک للناس اذا رأیتموهم فاکسروا جفون سیوفکم ثم شدّوا شدّة رجل واحد و لما کان وقت السحر جهز رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم جیشه و عقد الالویة و الرایات و فرّقها علی الناس فدفع لواء المهاجرین الی عمر بن الخطاب و لواء الی علی بن أبی طالب و لواء الی سعد بن أبی وقاص و لواء الاوس الی أسید بن حضیر و لواء الخزرج الی خباب بن المنذر و آخر الی سعد بن عبادة و قیل کان لکل بطن من الاوس و الخزرج لواء فی تلک الغزوة و لکل قبیلة من القبائل التی کانت معه لواء ثم رکب صلی اللّه علیه و سلم بغلته البیضاء دلدل و لبس درعین و المغفر و البیضة و استقبل وادی حنین فی غبش اللیل و فی الاکتفاء عن جابر بن عبد اللّه قال لما استقبلنا وادی حنین انحدرنا فی واد من أودیة تهامة أجوف حطوطا انما ننحدر فیها انحدارا و ذلک فی عمایة الصبح و کان القوم قد سبقوا الی الوادی فکمنوا لنا فی شعابه و أحنائه و مضائقه و اجتمعوا و تهیئوا فو اللّه ما راعنا و نحن منحطون الا الکتائب قد شدّوا علینا شدّة رجل واحد و انشمر الناس راجعین لا یلوی أحد علی أحد و انحاز رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ذات الیمین ثم قال أیها الناس هلموا الیّ أنا رسول اللّه أنا محمد بن عبد اللّه قال فلا شی‌ء حملت الابل بعضها علی بعض* و فی روایة کان خالد بن الولید مع بنی سلیم فی مقدمة الجیش و کان أکثرهم حسرا لیس علیه سلاح أو کثیر سلاح فلقوا قوما کمنوا لهم جمع هوازن و بنی النضیر و هم قوم رماة لا یکاد یسقط لهم سهم و المسلمون عنهم غافلون فرشقوهم رشقا لا یکادون یخطئون فولی جماعة کفار قریش الذین کانوا فی جیش الاسلام و شبان الاصحاب و أخفاؤهم و
تبعهم المسلمون الذین کانوا قریب العهد بالجاهلیة ثم انهزم بقیة الاصحاب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:102
و کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علی بغلته البیضاء التی أهداها له فروة بن نفاثة الجذامیّ کذا فی روایة البراء بن عازب و کذا قاله السهیلی* و فی روایة کان مرکبه یومئذ الدلدل کما مرّ و کان ینطلق من خلفهم و یقول یا أنصار اللّه و أنصار رسوله أنا عبد اللّه و رسوله* و فی روایة الیّ أیها الناس* و فی الاکتفاء انطلق الناس الی أن بقی مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم نفر من المهاجرین أبو بکر و عمر و من أهل بیته علی بن أبی طالب و العباس و أبو سفیان بن الحارث و ابنه جعفر و الفضل بن عباس و فی روایة و قثم بن عباس بدل ابن أبی سفیان انتهی و ربیعة بن الحارث و أسامة بن زید و أیمن بن عبید قتل یومئذ بین یدی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کذا فی معالم التنزیل* و فی روایة و عبد اللّه بن الزبیر بن عبد المطلب و عقیل بن أبی طالب* و فی روایة ثبت مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم جماعة فی کمیة عددهم و تعیین أشخاصهم وردت روایات مختلفة* ففی روایة الکلبی کان حول رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثلاثمائة من المسلمین و انهزم سائر الناس کذا فی معالم التنزیل* و فی روایة لم یبلغوا مائة و فی روایة ثمانون و فی روایة اثنا عشر و فی روایة عشرة* و فی روایة لم یبق معه الا أربعة ثلاثة من بنی هاشم علیّ و العباس و أبو سفیان بن الحارث و واحد من غیرهم و هو عبد اللّه بن مسعود فعلیّ و العباس یحفظانه من قبل وجهه و أبو سفیان بن الحارث آخذ بعنان بغلته و عبد اللّه بن مسعود یحفظه من جانبه الا یسر و کان کل من یقبل إلیه صلی اللّه علیه و سلم یقتل البتة* و فی روایة بقی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم وحده فلعلّ هذه الروایة کنایة عن غایة القلة أو محمولة علی أوّل الحال و بعد ذلک اجتمعوا إلیه* و فی معالم التنزیل و لما تلاقوا اقتتلوا قتالا شدیدا فانهزم المشرکون و جلوا عن الذراری ثم نادوا یا حماة السوء اذکروا الفضائح فتراجعوا و انکشف المسلمون و انهزموا* و فی الاکتفاء کان رجل من هوازن علی جمل له أحمر و بیده رایة سوداء فی رأس رمح طویل امام هوازن و هم خلفه اذا أدرک طعن برمحه و اذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه فبینما ذلک الرجل یصنع ما یصنع اذ هوی له علیّ ابن أبی طالب و رجل من الانصار یرید انه فأتی علیّ من خلفه فضرب عرقوبی الجمل فوقع علی عجزه فوثب الانصاری علی الرجل فضربه ضربة أطنّ قدمه بنصف ساقه فانجعف عن رحله قال ابن اسحاق فلما انهزم الناس و رأی من کان مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من جفاة أهل مکة الهزیمة تکلم رجال منهم بما فی أنفسهم من الضغن فقال أحدهم و هو أبو سفیان بن حرب لا تنتهی عزیمتهم دون البحر و انّ الازلام لمعه فی کنانته* و فی روایة قیل لما انهزم المسلمون فی أوّل القتال استبشر أبو سفیان و قال غلبت و اللّه هوازن لا یردّهم شی‌ء الا البحر و کان أبو سفیان أسلم یوم الفتح لکن لم یتصلب فیه بعد و کان هو و ابنه معاویة یومئذ من المؤلفة قلوبهم و بعد ذلک حسن اسلامهما و لذا استبشر أبو سفیان و قال غلبت و اللّه هوازن فردّ علیه قوله صفوان بن أمیة الجمحی و هو یومئذ مشرک فی المدّة التی جعل له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قال بفیک الکثکث أی الحجارة و التراب لأن یرینی رجل من قریش أحب الیّ أن یربنی رجل من هوازن أراد صفوان برجل من قریش النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و برجل من هوازن رئیسهم مالک بن عوف کذا قاله الشریف الجرجانی فی حاشیة الکشاف* و فی الاکتفاء و صرخ آخر منهم ألا بطل السحر الیوم قیل قائله کلدة بن حسل و هو أخو صفوان بن أمیة لأمه کذا فی سیرة ابن هشام و قال الآخر لصفوان ابشر فانّ محمدا و أصحابه قد انهزموا قال صفوان فی جواب کل منهم اسکت فض اللّه فاک فو اللّه لأن یرینی رجل من قریش أحب الیّ من أن یرینی رجل من هوازن و لما رأی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تفرق أصحابه طفق یرکض بغلته قبل الکفار و کان العباس بن عبد المطلب آخذا بلجام
بغلته ارادة أن لا تسرع و أبو سفیان بن الحارث آخذا برکابه الایمن* و فی روایة انّ العباس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:103
آخذ برکابه الایمن و أبو سفیان بالایسر یکفانها ارادة أن لا تسرع و هو یقول* أنا النبیّ لا کذب** أنا ابن عبد المطلب* و فی معالم التنزیل و أبو سفیان یقود به بغلته فنزل و استنصر و قال
* أنا النبیّ لا کذب* أنا ابن عبد المطلب* و هذا یدل علی کمال شجاعته و تمام صولته و قوّته صلی اللّه علیه و سلم اذ فی هذا الیوم الشدید اختار رکوب البغلة التی لیس لها کر و لا فرّ کما یکون للفرس و مع ذلک توجه وحده نحو العدوّ و لم یخف صفته و نسبه و ما هذا کله الا لوثوقه باللّه و توکله علیه و جعل صلی اللّه علیه و سلم یقول للعباس نادیا معشر الانصار یا أصحاب السمرة یعنی الشجرة التی بایعوا تحتها بیعة الرضوان یوم الحدیبیة أن لا یفرّوا عنه و یا أصحاب سورة البقرة فجعل العباس ینادی تارة یا أصحاب السمرة و تارة یا أصحاب سورة البقرة و کان العباس رجلا صیتا* و فی الکشاف قال علیه السلام للعباس بن عبد المطلب لما انهزم الناس یوم حنین اصرخ بالناس و کان العباس أجهر الناس صوتا* و فی روایة أنّ غارة اتتهم یوما فصاح العباس یا صباحاه فأسقطت الحوامل لشدّة صوته و زعمت رواة أنه کان یزجر السباع عن الغنم فیفتق مرارة السبع فی جوفه انتهی و لما سمع المسلمون نداء العباس أقبلوا کأنهم الابل اذا حنت علی أولادها* و فی روایة مسلم قال العباس فو اللّه کانت عطفتهم حین سمعوا صوتی عطفة البقر علی أولادها یقولون یا لبیک یا لبیک أو لبیک لبیک* و فی روایة عطفة النحل علی یعسو بها فتراجعوا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی ان الرجل منهم اذا لم یطاوعه بعیره علی الرجوع انحدر عنه و أرسله و رجع بنفسه* و فی الاکتفاء فیذهب الرجل لیثنی بعیره فلا یقدر علی ذلک فیأخذ درعه فیقذفها علی عنقه و یأخذ سیفه و ترسه و یقتحم عن بعیره و یخلی سبیله و یؤم الصوت حتی ینتهی الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انتهی* فثاب إلیه من کان انهزم أوّلا من المسلمین حتی اذا اجتمع عنده مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا فأشرف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی بغلته فی رکابه فنظر الی مجتلد القوم و قتالهم کالمتطاول علیها فقال الآن حمی الوطیس و هو التنور یخبز فیه یضرب مثلا لشدّة الحرب التی یشبه حرّها حرّه و هذه من فصیح الکلام الذی لم یسمع مثله قبل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال جابر بن عبد اللّه فی حدیثه اجتلد الناس فو اللّه ما رجعت راجعة الناس من هزیمتهم حتی وجدوا الاساری مکتفین عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال فالتفت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی أبی سفیان بن الحارث و کان قد حسن اسلامه و کان ممن صبر معه یومئذ و هو آخذ شفیر بغلته فقال من هذا قال أنا ابن عمک یا رسول اللّه و قال شیبة بن عثمان بن أبی طلحة أخو بنی عبد الدار و کان أبوه قد قتل یوم أحد قلت الیوم أدرک ثاری الیوم أقتل محمدا قال فأردت برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لأقتله فأقبل شی‌ء حتی تغشی فؤادی فلم أطق ذلک و علمت انی ممنوع منه و فی سیرة ابن هشام انه ممنوع منی* و ذکر ابن أبی خیثمة حدیث شیبة هذا قال لما رأیت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یوم حنین أعری فذکرت أبی و عمی قتلهما حمزة قلت الیوم أدرک ثاری فی محمد فجئته عن یمینه فاذا أنا بالعباس قائما عن یمینه علیه درع بیضاء قلت عمه لن یخذله فجئته عن یساره فاذا أنا بأبی سفیان بن الحارث قلت ابن عمه لن یخذله فجئته من خلفه فدنوت منه حتی لم یبق الا أن أسور سورة بالسیف فرفع الیّ شواظ من نار کأنه البرق فنکصت علی عقبی القهقری فالتفت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال یا شیبة أدن فدنوت فوضع یده علی صدری فاستخرج اللّه الشیطان من قلبی فرفعت إلیه بصری فهو أحب الیّ من سمعی و بصری فقال لی یا شیبة هکذا قاتل الکفار فقاتلت معه صلی اللّه علیه و سلم* و فی الصفوة عن شیبة بن عثمان بن أبی طلحة الحجبی أنه قال لما کان عام الفتح دخل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مکة عنوة قلت أسیر مع قریش الی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:104
هوازن بحنین فعسی ان اختلطوا أن أصیب من محمد غرّة فأثار منه فأکون أنا الذی قمت بثار قریش کلها و أقول لو لم یبق من العرب و العجم أحد الا اتبع محمدا ما اتبعته أبدا فلما اختلط الناس و اقتحم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عن بغلته أصلت السیف فدنوت منه أرید منه ما أرید فرفعت سیفی فرفع لی شواظ من نار کالبرق حتی کاد یمتحشنی فوضعت یدی علی بصری خوفا علیه فالتفت الیّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فنادی یا شیبة ادن منی فدنوت منه فمسح صدری و قال اللهم أعذه من الشیطان فو اللّه فهو کان ساعتئذ أحب الیّ من سمعی و بصری و أذهب اللّه عز و جل ما کان عندی ثم قال ادن فقاتل فتقدّمت بین یدیه و لو لقیت تلک الساعة أبی أو کان جبلا أوقعت به السیف فلما تراجع المسلمون و کروا کرة رجل واحد قربت بغلته صلی اللّه علیه و سلم فاستوی علیها فخرج فی أثرهم حتی تفرقوا فی کل وجه و رجع معسکره فدخل خباءه فدخلت علیه فقال یا شیبة الذی أراده اللّه بک خیر مما أردت لنفسک ثم حدّثنی بکل ما أضمرت فی نفسی مما لم أکن أذکره لاحد قط قلت أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد انک رسول اللّه و قلت استغفر لی فقال غفر اللّه لک* و روی ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم تناول حصیات من الارض ثم قال شاهت الوجوه أی قبحت و رمی بها فی وجوه المشرکین فما کان انسان منهم الا و قد امتلأت عیناه من تلک القبضة التراب و کذا عن سلمة بن الاکوع و قیل انه أخذ تلک القبضة بأمر جبریل علیه السلام* و فی روایة مسلم انها قبضة من تراب من الارض فیحتمل أن یکون رمی بهذه مرّة و بالاخری أخری و یحتمل أن تکون قبضة واحدة مخلوطة من حصی و تراب و لاحمد و أبی داود و الدارمی من حدیث أبی عبد الرحمن الفهری فی قصة حنین قال فولی المسلمون مدبرین کما قال اللّه تعالی فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أنا عبد اللّه و رسوله ثم اقتحم عن مرکبه فأخذ کفا من تراب قال فأخبرنی الذی کان أدنی إلیه منی أنه ضرب وجوههم فهزمهم اللّه تعالی قال یعلی بن عطاء روایة عن أبی همام عن أبی عبد الرحمن الفهری فحدّثنی أبناؤهم عن آبائهم انهم قالوا لم یبق منا أحد الا امتلأت عیناه و فمه ترابا و سمعنا صلصلة من السماء کإمرار الحدید علی الطست الجدید بالجیم المعجمة من قبیل امرأة قتیل* و لأحمد و الحاکم من حدیث ابن مسعود فحادت به رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بغلته فمال السرج فقلت ارتفع یرحمک اللّه فقال ناولنی کفا من تراب فضرب فی وجوههم و امتلأت أعینهم ترابا و جاء المهاجرون و الانصار و سیوفهم بأیمانهم کأنها الشهب فولی المشرکون الادبار کذا فی المواهب اللدنیة و فی معجم الطبرانی الاوسط قال لما انهزم المسلمون یوم حنین و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی بغلته الشهباء یقال لها الدلدل فقال لها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم دلدل البدی فألصقت بطنها بالارض حتی أخذ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حفنة من تراب فرمی بها فی وجوههم و قال حم لا ینصرون فانهزم القوم کما قال اللّه تعالی و ما رمیت اذ رمیت و لکنّ اللّه رمی فما رموا بسهم و لا طعنوا برمح و لا ضربوا بسیف فهزمهم اللّه* و فی حیاة الحیوان أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال یوم حنین لعمه العباس ناولنی من البطحاء فأفقه اللّه البغلة کلامه فانخفضت به الی الارض حتی کاد بطنها یمس الارض فتناول صلی اللّه علیه و سلم کفا من الحصباء فنفخ فی وجوه الکفار و قال شاهت الوجوه حم لا ینصرون و قال انهزموا و رب محمد و فی روایة قال اللهمّ أنشدک وعدک لا ینبغی لهم أن یظهروا علینا و فی روایة اللهمّ أنجز لی ما وعدتنی و فی روایة اللهمّ لک الحمد و لک المشتکی و أنت المستعان فقال له جبریل یا محمد أنت الیوم لقنت بکلمات لقن بها موسی یوم فلق البحر لبنی اسرائیل* و فی الاکتفاء و ذکر ابن عقبة أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما غشیه القتال قام یومئذ فی المرکلتین و هو علی البغلة و یقولون نزل و رفع یدیه الی اللّه عز و جل یدعوه یقول اللهم انی أنشدک ما وعدتنی اللهمّ لا ینبغی لهم أن یظهروا علینا و
نادی أصحابه فذکرهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:105
یا أصحاب البیعة یوم الحدیبیة یا أصحاب سورة البقرة یا أنصار اللّه و أنصار رسوله یا بنی الخزرج و قبض قبضة من الحصباء فحصب بها فی وجوه المشرکین و نواحیهم کلها و قال شاهت الوجوه فهزم اللّه أعداءه من کل ناحیة حصبهم فیها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و اتبعهم المسلمون یقتلونهم و غنمهم اللّه نساءهم و ذراریهم و شاءهم و ابلهم و فرّ مالک بن عوف حتی دخل حصن الطائف فی ناس من أشراف قومه و أسلم عند ذلک ناس کثیر من أهل مکة و غیرهم حین رأوا نصرة اللّه لرسوله و اعزاز دینه و هزیمة القوم فالتفت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یومئذ فرأی أمّ سلیم بنت ملحان و کانت مع زوجها أبی طلحة و هی حازمة وسطها ببردتها و انها لحامل بعبد اللّه بن أبی طلحة و معها جمل أبی طلحة و قد خشیت أن یغرها فأذنت رأسه منها و أدخلت یده فی خزامه مع الخطام فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أمّ سلیم قالت نعم یا نبیّ اللّه بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه اقتل هؤلاء الذین ینهزمون عنک کما تقتل الذین یقاتلونک فانهم لذلک أهل فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أو یکفی اللّه یا أم سلیم کذا فی الاکتفاء قال و معها خنجر فقال لها أبو طلحة ما هذا الخنجر معک یا أمّ سلیم قالت خنجر اخذته اذا دنا منی أحد من المشرکین بعجته به قال یقول أبو طلحة أ لا تسمع یا رسول اللّه ما تقول أمّ سلیم الرمصاء کذا فی سیرة ابن هشام* و فی المواهب اللدنیة روی أبو جعفر بن جریر بسنده عن عبد الرحمن عن رجل کان فی المشرکین قال لما التقینا نحن و أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یوم حنین لم یقوموا لنا مقدار حلب شاة فلما لقیناهم جعلنا نسوقهم فی آثارهم حتی انتهینا الی صاحب البغلة البیضاء فاذا هو رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال فتلقتنا عنده رجال بیض الوجوه حسان فقالوا لنا شاهت الوجوه ارجعوا قال فانهزمنا و رکبوا أکتافنا انتهی* و لما اجتمع عند النبیّ صلی اللّه علیه و سلم زها مائة رجل و شرعوا فی القتال لم تلبث هوازن مقدار حلب شاة أو حلب ناقة الا انهزموا* و عن جبیر بن مطعم رأیت قبل هزیمة القوم و الناس یقتتلون مثل النجاد الاسود نزل من السماء حتی سقط بیننا و بین القوم فنظرت فاذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادی لم أشک انها الملائکة فلم تکن الا هزیمة القوم کذا فی حیاة الحیوان* و فی الاکتفاء عن سعید بن جبیر أنه قال أمدّ اللّه نبیه یومئذ بخمسة آلاف من الملائکة مسوّمین* و روی ان رجلا من المشرکین من بنی النضیر یقال له شمرة قال للمؤمنین بعد القتال أین الخیل البلق و الرجال الذین علیهم ثیاب بیض ما نراکم فیهم الا کهیئة الشامة و ما کان قتلنا الا بأیدیهم فأخبروا بذلک رسول صلی اللّه علیه و سلم قال تلک الملائکة* و روی عن مالک بن أوس أنه قال ان نفرا من قومی حضروا معرکة حنین قد حکوا ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما رمی تلک القبضة من الحصی لم تبق عین أحد منا الا وقعت فیها الحصاة و أخذ قلوبنا الخفقان و رأینا رجالا بیضا علی خیل بلق بین السماء و الارض و علیهم عمائم حمر قد أرخوا أطرافها بین أکتافهم و ما کنا نقدر أن ننظر إلیهم من الرعب و ما خیل إلینا الا ان کل شجر و حجر فارس یطلبنا* و فی سیرة الدمیاطی کانت سیما الملائکة یوم حنین عمائم حمر أرخوا أطرافها بین أکتافهم* و فی البخاری عن البراء و سأله رجل من قیس أ فررتم عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یوم حنین فقال لکن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لم یفر کان هوازن رماة و انا لما حملنا علیهم انکشفوا فانکببنا علی المغانم فاستقبلتنا بالسهام و لقد رأیت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علی بغلته البیضاء و ان أبا سفیان بن الحارث آخذ بزمامها و هو یقول* أنا النبیّ لا کذب* أنا ابن عبد المطلب* و بهاتین الغزاتین أعنی حنینا و بدرا قاتلت الملائکة بأنفسها مع المسلمین و رمی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم وجوه الکفار بالحصاة فیهما* و عن أبی قتادة قال لما کان یوم حنین نظرت الی رجل من المسلمین یقاتل رجلا من المشرکین و آخر من المشرکین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:106
یختله من ورائه لیقتله فأسرعت الی الذی یختله فرفع یده لیضربنی فضربت یده فقطعتها و عبارة الاکتفاء قال أبو قتادة رأیت یوم حنین رجلین یقتتلان مسلما و کافرا فاذا رجل من المشرکین یرید أن یعین صاحبه المشرک علی المسلم فأتیته فضربت یده فقطعتها و اعتنقنی بیده الأخری فو اللّه ما أرسلنی حتی وجدت ریح الدم و یروی ریح الموت فلو لا ان الدم نزفه لقتلنی فسقط فضربته فقتلته و أجهضنی عنه القتال انتهی* و فی روایة عنه فرأیت رجلا من المشرکین قد علا رجلا من المسلمین فضربته من ورائه علی حبل عاتقه بالسیف فقطعت الدرع و أقبل علیّ فضمنی ضمة وجدت ریح الموت ثم أدرکه الموت فأرسلنی* و فی روایة ثم نزف فتحلل و دفعته ثم قتلته و انهزم المسلمون و انهزمت معهم فاذا عمر بن الخطاب فی الناس فقلت له ما شأن الناس فقال أمر اللّه* ثم تراجع الناس الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما وضعت الحرب أو زارها و فرغنا من القوم قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من أقام بینة علی قتیل قتله فله سلبه* و فی الاکتفاء من قتل قتیلا فله سلبه* و فی روایة من قتل قتیلا له علیه بینة فله سلبه قمت لالتمس بینة علی قتیلی فلم أر أحدا یشهد فجلست ثم بدا لی فذکرت لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقلت یا رسول اللّه لقد قتلت قتیلا ذا سلب فأجهضتنی عنه القتال فما أدری من استلبه فقال رجل من جلسائه من أهل مکة سلاح هذا القتیل الذی تذکره عندی فأرضه عنه* و فی الاکتفاء فقال رجل من أهل مکة صدق یا رسول اللّه فأرضه عنی من سلبه قال أبو بکر کلا یعطیه أضیبع من قریش و یدع أسدا من أسد اللّه یقاتل عن اللّه و رسوله و الأضیبع تصغیر الضبع کذا فی حیاة الحیوان فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم صدق أبو بکر فأعطه فأعطانیه فاشتریت مخرفا فی بنی سلمة و انه لاوّل مال تأثلته فی الاسلام* و فی الاکتفاء قال أبو بکر لا و اللّه لا یرضیه منه تعمد الی اسد من أسد اللّه یقاتل عن دین اللّه تقاسمه سلبه أردد علیه سلب قتیله فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أردد علیه سلبه قال أبو قتادة فأخذته منه و بعته فاشتریت بثمنه مخرفا فانه لاوّل مال اعتقرته و عن أنس قتل أبو طلحة یوم حنین عشرین رجلا و أخذ سلبهم* و فی الشفاء و سلت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الدم عن وجه عائذ بن عمرو و کان جرح یوم حنین و دعا له و کانت له غرّة کغرّة الفرس و روی ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مرّ یومئذ بامرأة قتلت فازدحم الناس علیها فسأل عنها فقالوا له هی امرأة من الکفار قد قتلها خالد بن الولید فبعث الی خالد و نهاه عن قتل المرأة و الطفل و الاجیر* و فی الاکتفاء لما انهزمت هوازن استمرّ القتل من ثقیف فی بنی مالک فقتل منهم سبعون رجلا تحت رایتهم فیهم عثمان بن عبد اللّه بن ربیعة و معه کانت رایة بنی مالک و کانت قبله مع ذی الخمار فلما قتل أخذها عثمان فقاتل بها حتی قتل فلما بلغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قتله قال أبعده اللّه فانه کان یبغض قریشا* و عن ابن اسحاق أنه قتل مع عثمان بن عبد اللّه غلام له نصرانی أغرل قال فبینما رجل من الانصار یسلب قتلی ثقیف اذ کشف العبد یسلبه فوجده أغرل فصاح بأعلی صوته یا معشر العرب یعلم اللّه ان ثقیفا غرل قال المغیرة بن شعبة فأخذت بیده و خشیت أن تذهب عنا فی العرب فقلت لا تقل کذا فداک أبی و أمی انه غلام لنا نصرانی قال ثم جعلت اکشف له القتل أقول أ لا تراهم مختتنین کما تری کذا فی سیرة ابن هشام* و کانت رایة الاحلاف مع قارب بن الاسود فلما انهزم الناس هرب هو و قومه من الاحلاف فلم یقتل منهم غیر رجلین یقال لاحدهما وهب و للآخر الجلاح فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین بلغه قتل الجلاح قتل الیوم سید شباب ثقیف الا ما کان ابن هنیدة یعنی الحارث بن أویس و لما انهزم المشرکون أتوا الطائف و معهم مالک بن عوف و عسکر بعضهم بأوطاس و توجه بعضهم نحو نخلة و تبعت خیل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من سلک فی نخلة من الناس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:107
و لم تتبع من سلک الثنایا فأدرک ربیعة بن رفیع و هو غلام و یقال له ابن الدغنة و هی أمه غلبت علی اسمه درید بن الصمة فأخذ بخطام جمله و هو یظن انه امرأة و ذلک انه کان فی شجار له فأناخ به فاذا شیخ کبیر و اذا هو درید بن الصمة و لا یعرفه الغلام فقال له درید ما ذا ترید بی قال أقتلک قال من أنت قال انا ربیعة ابن رفیع السلمی ثم ضربه بسیفه فلم یغن شیئا فقال بئس ما سلحتک أمک خذ سیفی هذا من مؤخر الرحل ثم اضرب به و ارفع عن العظام و اخفض عن الدماغ فانی کذلک کنت أضرب الرجال ثم اذا أتیت أمک فأخبرها انک قتلت درید بن الصمة فرب و اللّه یوم منعت فیه نساءک فزعم بنو سلیم ان ربیعة قال لما ضربته فوقع تکشف فاذا عجانه و بطون فخذیه مثل القرطاس من رکوب الخیل أعراء فلما رجع ربیعة الی أمه أخبرها بقتله ایاه فقالت أمه و اللّه لقد أعتق أمهات لک ثلاثا کذا فی الاکتفاء* و فی روایة قتله الزبیر بن العوّام قالت عمرة بنت درید ترثی أباها
قالوا قتلنا دریدا قلت قد صدقوافظل دمعی علی السربال ینحدر
لو لا الذی قهر الاقوام کلهمورأت سلیم و کعب کیف تأتمر قال ابن هشام و یقال اسم الذی قتل دریدا عبد اللّه بن قنیع بن اهبان بن ربیعة*

سریة أبی عامر الاشعری الی أوطاس‌

و فی شوّال هذه السنة کانت سریة أبی عامر الاشعری الی أوطاس و هو عمّ أبی موسی الاشعری و قال ابن اسحاق ابن عمه و الاوّل أشهر و أوطاس واد معروف فی دیار هوازن بین حنین و الطائف* روی أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما فرغ من حنین عقد لواء و دفعه الی ابی عامر الاشعری و أمّره علی جمع من الصحابة منهم أبو موسی الاشعری و سلمة بن الاکوع و الزبیر بن العوّام و بعثه فی آثار من توجه قبل أوطاس من فرّار هوازن یوم حنین فأدرک بعض المنهزمین فناوشوه القتال فرمی أبو عامر بسهم فقتل فأخذ الرایة أبو موسی الاشعری ففتح اللّه علیه و هزمهم اللّه و یزعمون أنّ سلمة بن درید هو الذی رمی أبا عامر و ذکر ابن هشام عمن یثق به أنّ أبا عامر الاشعری لقی یوم أوطاس عشرة اخوة من المشرکین فحمل علیه أحدهم فحمل علیه أبو عامر و هو یدعوه الی الاسلام و یقول اللهم اشهد علیه فقتله أبو عامر ثم جعلوا یحملون علیه رجلا بعد رجل و یحمل أبو عامر و یقول ذلک حتی قتل تسعة و بقی العاشر فحمل علی أبی عامر و حمل علیه أبو عامر و هو یدعوه الی الاسلام و یقول اللهم اشهد علیه فقال الرجل اللهم لا تشهد علیّ فکف عنه أبو عامر فأفلت ثم أسلم بعد فحسن اسلامه فکان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اذا رآه قال هذا شرید أبی عامر کذا فی الاکتفاء* و عن ابن اسحاق و غیره من أصحاب السیر لما قال عاشر الاخوة اللهم لا تشهد علیّ أمسک عنه أبو عامر یظنّ أنه أسلم فقتل ذلک الرجل أبا عامر و بعد ذلک أسلم و حسن اسلامه و کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یقول له شرید أبی عامر* و عن أبی موسی الاشعری أنه قال بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبا عامر الی أوطاس و بعثنی معه فلما لقینا العدوّ و قاتلناه رمی رجل من بنی جشم بسهم فی رکبة أبی عامر فأثبته فیها فانتهیت إلیه أی عمّ من رماک فأشار الی رجل فقصدته و لحقته فلما رآنی ولی هاربا فتبعته و هو یهرب و جعلت أقول له أ لا تستحیی أ لا تثبت فکف عن الهرب فاختلفنا ضربتین بالسیف فقتلته فرجعت ثم قلت لابی عامر قتل اللّه صاحبک الذی رماک بالسهم فقال لی انزع منی هذا السهم فنزعته من رکبته فخرج منه الماء أو قال الدم مثل الماء فلما رأی ذلک أبو عامر یئس من حیاته و قال یا ابن أخی أقرئ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم منی السلام و قل له یستغفر لی و استخلفنی أبو عامر فمکث یسیرا ثم توفی رحمة اللّه علیه و وقع فتح أوطاس بیدی فرجعت ثم دخلت علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی بیته و هو علی سریر مرمّل أی منسوج من لیف و ما علیه فراش قد أثر رمال السریر فی ظهره و جنبیه فأخبرته بخبر أبی عامر و قوله قل له یستغفر لی فدعا بماء و توضأ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:108
و فی روایة صلی رکعتین ثم رفع یدیه فرأیت بیاض ابطیه و قال اللهم اغفر لعبیدک أبی عامر و اجعله یوم القیامة فوق کثیر من خلقک فقلت ولی فقال اللهم اغفر لعبد اللّه بن قیس ذنبه و أدخله یوم القیامة مدخلا کریما و التوفیق بین الروایتین أن یقال انّ الرجل الذی قاله محمد بن اسحاق لم یکن قاتلا حقیقیا لابی عامر بل کانت له شرکة فی قتله و اللّه أعلم* و ذکر ابن هشام انه رمی أبا عامر یومئذ أخوان من بنی جشم بن معاویة فأصاب أحدهما قلبه و الآخر رکبته فقاتلاه و ولی الناس أبو موسی الاشعری فحمل علیهما فقتلهما و ذکر ابن اسحاق ان القتل استحرّ فی بنی رباب و زعموا ان عبد اللّه بن قیس الذی یقال له العوراء و هو أحد بنی وهب بن رباب قال یا رسول اللّه هلکت بنو رباب فزعموا أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال اللهم اجبر مصیبتهم و خرج مالک بن عوف عند الهزیمة فوقف فی فوارس من قومه علی ثنیة من الطریق و قال لاصحابه قفوا حتی تمضی ضعفاؤکم و تلحق أخراکم فوقف هنالک حتی مرّ من کان لحق بهم من منهزمة الناس* قال ابن هشام و بلغنی أنّ خیلا طلعت و مالکا و أصحابه علی الثنیة فقال لاصحابه ما ذا ترون قالوا نری أقواما عارضی رماحهم أغفالا علی خیلهم قال هؤلاء الاوس و الخزرج فلا بأس علیکم منهم فلما انتهوا الی أصل الثنیة سلکوا طریق بنی سلیم فقال لاصحابه ما ذا ترون قالوا نری قوما واضعی رماحهم بین آذان خیلهم طویلة بوادّهم قال هؤلاء بنو سلیم و لا بأس علیکم منهم فلما سلموا سلکوا بطن الوادی ثم اطلع فارس فقال لاصحابه ما ذا ترون قالوا نری فارسا طویل البادّ واضعا رمحه علی عاتقه عاصبا رأسه بملاءة حمراء قال هذا الزبیر بن العوّام و أحلف باللات و العزی لیخالطنکم فاثبتوا له فلما انتهی الزبیر الی أصل الثنیة أبصر القوم فصمد لهم فلم یزل یطاعنهم حتی أزاحهم عنها* و روی أنّ المسلمین قد کانوا أخذوا سبایا یوم حنین و أوطاس و کانوا یستکرهون نساء السبی اذ کنّ ذوات أزواج فاستفتوا فی ذلک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فنزلت هذه الآیة و هی و المحصنات من النساء الا ما ملکت أیمانکم یرید ما ملکت أیمانهم من اللاتی سبین و لهنّ أزواج کفار فهنّ حلال للسابین و النکاح مرتفع بالسبی لقول أبی سعید رضی اللّه عنه أصبنا سبایا یوم أوطاس و لهنّ أزواج فکرهنا أن نقع علیهنّ فسألنا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فنزلت هذه الآیة فاستحللناهنّ و ایاه عنی الفرزدق بقوله
و ذات حلیل أنکحتها رماحناحلال لمن یا بنی بها لم تطلق و قال أبو حنیفة رحمه اللّه لو سبی الزوجان لم یرتفع النکاح و لم یحلّ للسابی کذا فی أنوار التنزیل و أمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی سبایا حنین و أوطاس لا توطأ حامل من السبی حتی تضع حملها و لا غیر ذات حمل حتی تحیض حیضة فسألوا عن العزل قال لیس من کل الماء یکون الولد و اذا أراد اللّه أن یخلق شیئا لم یمنعه شی‌ء* و فی الاکتفاء قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یومئذ ان قدرتم علی بجاد رجل من بنی سعد بن بکر فلا یفلتنکم و کان قد أحدث حدثا فلما ظفر به المسلمون ساقوه و أهله و ساقوا معه الشیماء ابنة الحارث بن عبد العزی أخت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من الرضاعة فعنفوا علیها فی السیاق فقالت للمسلمین اعلموا أنی أخت صاحبکم من الرضاعة فلم یصدّقوها حتی أتوا بها الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقالت یا رسول اللّه انی أختک قال و ما علامة ذلک قالت عضة عضضتنیها فی ظهری و أنا متورّکتک فعرف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم العلامة فبسط لها رداءه و أجلسها علیه* و فی روایة و دمعت عیناه و خیرها و قال ان أحببت فأقیمی عندی محبة مکرمة و ان أحببت أن أمتعک و ترجعی انی قومک فعلت فقالت بل تمتعنی و تردّنی الی قومی فأسلمت فمتعها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و ردّها الی قومها فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما یقال له مکحول و جاریة فزوّجت الغلام
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:109
للجاریة فلم یزل فیهم من نسلهما بقیة* و فی المواهب اللدنیة روی أنّ خیلا لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أغارت علی هوازن فأخذوها فی جملة السبی* و فی روایة أعطاها ثلاثة أعبد و جاریة و بعیرین و شاء ذکره ابو عمرو و ابن قتیبة و سماها حذافة و لقبها بشیماء فانصرفت الی أهلها* و فی المواهب اللدنیة جاءته یوم حنین أمّه من الرضاع و هی حلیمة السعدیة بنت أبی ذؤیب من هوازن و هی التی أرضعته حتی أکملت رضاعه فقام إلیها و بسط رداءه لها فجلست علیه و اختلف فی اسلامها و اسلام زوجها کما اختلف فی اسلام ثویبة* و فی الاکتفاء و أنزل اللّه تبارک و تعالی فی یوم حنین لقد نصرکم اللّه فی مواطن کثیرة و یوم حنین اذ أعجبتکم کثرتکم الی قوله جزاء الکافرین و استشهد من المسلمین یوم حنین أربعة فمن قریش من بنی هاشم أیمن بن عبید مولاهم و من بنی أسد بن عبد العزی یزید بن زمعة بن الاسود بن المطلب جمح به فرس له یقال له الجناح فقتله و من الانصار سراقة بن الحارث العجلانی و من الاشعریین أبو عامر الاشعری و قتل من المشرکین أکثر من سبعین قتیلا کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء ثم جمعت الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سبایا حنین و أموالها فأمر بها الی الجعرانة فحبست بها حتی أدرکها هناک منصرفه عن الطائف علی ما یذکر بعد ان شاء اللّه تعالی‌

* سریة الطفیل بن عامر الی ذی الکفین‌

و فی شوّال هذه السنة کانت سریة الطفیل بن عمرو الدوسی الی ذی الکفین و هو صنم من خشب کان لعمرو بن حممة و لما أراد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم السیر الی الطائف بعث الطفیل إلیه لیهدمه و یوافیه بالطائف فخرج الطفیل سریعا فهدمه و جعل یحش النار و یحرقه و یقول
یا ذا الکفین لست من عبادکامیلادنا أقدم من میلادکا انی حشیت النار فی فؤادکا
و انحدر معه من قومه أربعمائة رجل سراعا فوافوا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالطائف بعد مقدمه بأربعة أیام و قدموا معهم المنجنیق و الدبابة بالدال المهملة و تشدید الباء الموحدة و هی آلة تتخذ للحرب تدفع فی أصل الحصن فینقبونه و هم فی جوفها کذا فی القاموس و عند مغلطای و قدم معه أربعة مسلمون کذا فی المواهب اللدنیة*

غزوة الطائف‌

و فی شوّال هذه السنة کانت غزوة الطائف و فی معجم ما استعجم الطائف التی بالغور لثقیف و انما سمیت بالحائط الذی بنوا حوالیها و أطافوا بها تحصینا لهم* و فی المواهب اللدنیة الطائف بلد کبیر علی ثلاث مراحل أو مرحلتین من مکة من جهة المشرق کثیر الاعناب و الفواکه و قیل انّ أصلها أنّ جبریل علیه السلام اقتلع الجنة التی کانت لاهل الصریم بالیمن و قیل کان اسمها صراون و قیل حرد* و فی أنوار التنزیل یرید بستانا کان دون صنعاء بفرسخین و کان لرجل صالح انتهی* و فی المواهب اللدنیة اقتلعها جبریل و سار بها الی مکة فطاف بها حول البیت ثم أنزلها حیث الطائف فسمی الموضع بها و کانت أوّلا بنواحی صنعاء و اسم الارض و ج بتشدید الجیم* و فی زبدة الاعمال عن سائب بن یسار قال سمعت ولد رافع بن جبیر و غیره یذکرون انهم سمعوا انه لما دعا ابراهیم علیه السلام لاهل مکة أن یرزقوا من الثمرات نقل اللّه تعالی بقعة الطائف من الشام فوضعها هناک رزقا للحرم* روی عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و ج علی ترعة من ترع الجنة الترعة ممرّ الماء الی الاسفل کما انّ التلعة ممرّ الماء الی الاعلی کذا نقل عن الزمخشری* و فی الصحاح الترعة بالضمّ الباب* و فی الحدیث انّ منبری هذا علی ترعة من ترع الجنة و یقال الترعة الروضة و یقال الدرجة و قیل الترعة أفواه الجداول* و فی الفائق ما روی فی الحدیث من ترع الحوض و الاصل فی هذا البناء الترع و هو الاسراع و النزو الی الشرّ یقال یتترّع إلینا أی یتسرّع و یتنزی الی شرّنا ثم قیل کوز مترع و جفنة مترعة لان الاناء اذا امتلأ سارع الی السیلان ثم قیل لمفتح الماء الی الحوض ترعة و شبه به الباب و أمّا الترعة بمعنی الروضة علی المرتفع و الدرجة فمن النزو لان فیه معنی الارتفاع* و روی عن شیخ الخدّام للضریح
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:110
النبوی المعروف ببدر الدین الشهابی بلغه أنّ میضأة وقعت فی عین الازرق فی الطائف فخرجت بعین الازرق بمدینة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و فی کون و ج حرما اختلاف فعند أبی حنیفة انه لیس بحرم و عند الشافعی و مالک انه حرم کمکة و المدینة* قال صاحب الوجیز ورد النهی عن صید و ج الطائف و قطع نباتها و هو نهی کراهة یوجب تأدیبا لا ضمانا* و سئل محمد بن عمر القسطلانی امام المالکیة و مفتیها هل رأیت فی مذهب مالک مسئلة فی صیدوج فقال لا أعرفها و لا یسعنی أن أفتی بتحریم صیدها لان الحدیث لیس من الاحادیث التی ینبنی علیها التحریم و التحلیل* قال أصحاب السیر لما فتح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حنینا لعشر أو لاحد عشر من شوّال و هو من أشهر السنة الثامنة من الهجرة خرج الی الطائف یرید جمعا من هوازن و ثقیف قد هربوا من معرکة حنین و تحصنوا بحصن الطائف و قدّم خالد بن الولید فی ألف رجل علی مقدمته طلیعة و مرّ فی طریقه بقبر أبی رغال و هو أبو ثقیف فیما یقال فاستخرج منه غصنا من ذهب و قد کان فلّ ثقیف لما قدموا الطائف دخلوا حصنهم و هو حصن الطائف و رمّوه و أدخلوا فیه من الزاد و غیره من جمیع ما یصلحهم لسنة ثم رتبوا علیه المجانیق و أدخلوا فیه الرماة و أغلقوا علیهم أبواب مدینتهم و تهیئوا للقتال* و فی الاکتفاء و لم یشهد حنینا و لا الطائف عروة بن مسعود و لا غیلان بن سلمة کانا بجرش یتعلمان صنعة الدباب و المجانیق و الضبور ثم سار رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی الطائف حین فرغ من حنین و سلک علی نخلة الیمانیة ثم علی قرن ثم الملیح ثم بحرة الرغا من لیة فابتنی بها مسجدا فصلی فیه و أقاد فیها یومئذ بدم رجل من هذیل قتله رجل من بنی لیث فقتله به و هو أوّل دم أقید به فی الاسلام و مر فی طریقه بحصن مالک بن عوف فهدمه ثم سلک فی طریق فسأل عن اسمها فقیل له الضیقة فقال بل هی الیسری ثم خرج منها حتی نزل تحت سدرة یقال لها الصادرة قریبا من مال رجل من ثقیف فأرسل إلیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم امّا أن تخرج و امّا أن تخرب علیک حائطک فأبی أن یخرج فأمر باخرابه ثم مضی حتی انتهی الی الطائف فنزل قریبا من حصنه فضرب به عسکره فقتل ناس من أصحابه بالنبل رشقهم أهل الحصن رشقا و أصیب ناس من المسلمین* و فی المواهب اللدنیة فرموا المسلمین بالنبل رمیا شدیدا کأنه رجل جراد حتی أصیب ناس من المسلمین بجراحته و قتل منهم اثنا عشر رجلا فیهم عبد اللّه بن ابی أمیة* و رمی عبد اللّه ابن أبی بکر الصدّیق رضی اللّه عنه یومئذ بجرح رماه أبو محجن الثقفی فاندمل ثم نقض علیه بعد ذلک فمات فی خلافة أبیه و ذلک أنّ العسکر اقترب من حائط الطائف فکانت النبل تنالهم و لم یقدر المسلمون علی أن یدخلوا حائطهم أغلقوه دونهم فلما أصیب أولئک النفر من أصحابه بالنبل ارتفع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی موضع مسجده الذی فی الطائف الیوم و وضع عسکره هناک فحاصرهم بضعا و عشرین لیلة و قیل بضع عشرة لیلة و معه امرأتان من نسائه أمّ سلمة و زینب فضرب لهما قبتین ثم صلی بینهما طول خصاره الطائف فلما أسلمت ثقیف بنی عمرو بن أمیة بن وهب بن معتب بن مالک علی مصلاه ذلک مسجد او کانت فیه ساریة فیما یزعمون لا تطلع الشمس علیها یوما من الدهر الا سمع لها نضیض فحاصرهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قاتلهم قتالا شدیدا و تراموا بالنبل و نصب علیهم المنجنیق و رماهم به فیما ذکر ابن هشام قال و هو أوّل منجنیق رمی به فی الاسلام اذ ذاک و کان قدم به الطفیل الدوسی معه لما رجع من سریة ذی الکفین* و فی المنتقی عن مکحول أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم نصب المنجنیق علی أهل الطائف أربعین یوما حتی اذا کان یوم الشدخة عند جدار الطائف دخل نفر من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تحت دبابة ثمّ زحفوا بها الی جدار الطائف لیخرقوه فأرسلت علیهم ثقیف سلک الحدید محماة بالنار فخرجوا من تحتها فرمتهم بالنبل فقتلوا منهم رجلا ثم أمر النبیّ صلی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:111
اللّه علیه و سلم یقطع أعناب ثقیف و تحریقها فوقع الناس فیها یقطعون قطعا ذریعا ثم سألوه أن یدعها للّه و للرّحم فقال علیه السلام انی أدعها للّه و للرّحم* و فی الاکتفاء و تقدّم أبو سفیان بن حرب و المغیرة ابن شعبة الی الطائف فنادیا ثقیفا أن أمّنونا حتی نکلمکم فأمّنوهما فدعوا نساء من نساء قریش و بنی کنانة منهنّ آمنة بنت أبی سفیان کانت عند عروة بن مسعود فولد له منها داود بن عروة* قال ابن هشام و یقال أم داود و میمونة بنت أبی سفیان کانت عند مرّة بن عروة بن مسعود فولدت له داود بن مرّة لیخرجنّ إلیهما و هما یخافان علیهما السبی فأبین فلما أبین قال لهما الاسود بن مسعود یا أبا سفیان و یا مغیرة أ لا أدلکما علی خیر مما جئتما له انّ مال بنی الاسود حیث علمتما و کان صلی اللّه علیه و سلم نازلا بینه و بین الطائف بواد یقال له العقیق انه لیس بالطائف مال أبعد رشاء و لا أشدّ مئونة و لا أبعد عمارة من مال بنی الاسود و انّ محمدا ان قطعه لم یعمر أبدا فکلماه فلیأخذه لنفسه أو لیدعه للّه و للرّحم فانّ بیننا و بینه من القرابة ما لا یجهل فزعموا أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ترکه لهم* و فی المواهب اللدنیة ثم نادی منادیه علیه السلام أیما عبد نزل من الحصن و خرج إلینا فهو حرّ* قال الدمیاطی فخرج منهم بضع عشرة و أسلموا فیهم أبو بکرة و اسمه نفیع بن الحارث تسوّر حصن الطائف فی أناس و تدلی منه ببکرة بفتح الباء خشبة مستدیرة فی وسطها محز یستقی علیها کذا فی القاموس فکناه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبا بکرة و عند مغلطای ثلاثة و عشرون عبدا و کذا فی البخاری و أعتق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من نزل منهم و دفع کل رجل منهم الی رجل من المسلمین یمونه فشق ذلک علی أهل الطائف مشقة شدیدة فلما أسلم أهل الطائف تکلم نفر منهم فی أولئک العبید فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لا أولئک عتقاء اللّه* و عن أمّ سلمة أنها قالت دخل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم خیمتها فی أیام محاصرة الطائف و عندها أخوها عبد اللّه بن أبی أمیة و مخنث یقول یا عبد اللّه ان فتح اللّه علیکم الطائف غدا فعلیک بابنة غیلان فانها تقبل بأربع و تدبر بثمان کنایة عن سمنها یعنی بأربع عکن فی بطنها لکل عکنة طرفان فیکون ثمان من خلفها فلما سمعه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال لا یدخل هؤلاء علیکنّ و لم یؤذن للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی فتح الطائف سنتئذ* و فی الاکتفاء قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فیما ذکر لابی بکر الصدّیق رضی اللّه عنه و هو محاصر ثقیفا یا أبا بکر انی رأیت أن أهدیت لی قعبة مملوءة زبدا فنقرها دیک فهراق ما فیها و کان أبو بکر ماهرا فی تعبیر الرؤیا مشهورا بین العرب فقال ما أظنّ انک تدرک منهم یومک هذا ما ترید فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و انا لا أری ذلک ثم ان خویلة بنت حکیم السلمیة امرأة عثمان بن مظعون قالت یا رسول اللّه أعطنی ان فتح اللّه علیک الطائف حلی بادیة ابنة غیلان أو حلی الفارعة ابنة عقیل و کانتا من أحلی نساء ثقیف فذکر أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال لها و ان کان لم یؤذن فی ثقیف یا خویلة فخرجت خویلة فذکرت ذلک لعمر بن الخطاب فدخل عمر رضی اللّه عنه علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه ما حدیث حدّثتنیه خویلة زعمت انک قلته قال قد قلته قال أو ما أذن فیهم یا رسول اللّه قال لا قال أ فلا أوذن بالرحیل قال بلی فاذن عمر بالرحیل فلما استقبل الناس نادی سعید ابن عبید ألا انّ الحی مقیم یقول عیینة بن حصن أجل و اللّه مجدة کراما فقال له رجل من المسلمین قاتلک اللّه یا عیینة تمدح المشرکین بالامتناع من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قد جئت تنصره قال و اللّه انی جئت لا قاتل ثقیفا معکم و لکنی أردت أن یفتح محمد الطائف فأصیب من ثقیف جاریة أطأها لعلها تلد لی رجلا فان ثقیفا قوم مناکیر انتهی* و فی روایة فلما آذن عمر بالرحیل ضج الناس من ذلک و قالوا نرحل و لم یفتح علینا الطائف فقال علیه السلام فاغدوا
علی القتال فغدوا فأصاب المسلمین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:112
جراحات و فقئت یومئذ عین أبی سفیان بن حرب فذکر ابن سعد أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال له و هی فی یده أیما أحب إلیک عین فی الجنة أو أدعو اللّه تعالی أن یردّها علیک قال له بل عین فی الجنة و رمی بها و شهد الیرموک فقتل و فقئت عینه الأخری یومئذ ذکره الحافظ زین الدین العراقی فی شرح التقریب کذا فی المواهب اللدنیة* ثم قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انا قافلون ان شاء اللّه فسرّوا بذلک و أذعنوا و جعلوا یرحلون و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یضحک و استشهد من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اثنا عشر رجلا سبعة من قریش و أربعة من الانصار و رجل من بنی لیث اما الذین من قریش فمن بنی أمیة بن عبد شمس سعید بن سعید بن العاص بن أمیة و عرفطة بن حباب حلیف لهم من الاسد بن غوث* قال ابن هشام و یقال ابن خباب قال ابن اسحاق و من تیم بن مرّة عبد اللّه بن أبی بکر الصدّیق رمی بسهم فمات منه بالمدینة بعد وفاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و من بنی مخزوم عبد اللّه بن أمیة بن المغیرة من رمیة رمیها یومئذ و من بنی عدی بن کعب عبد اللّه بن عامر بن ربیعة حلیف لهم و من بنی سهم بن عمرو السائب بن الحارث ابن قیس بن عدی و اخوه عبد اللّه بن الحارث و من بنی سعد بن لیث جلیحة بن عبد اللّه و أمّا الذین هم من الانصار فمن بنی سلمة سالم بن الجذع و من بنی مازن بن النجار الحارث بن سهیل بن أبی صعصعة و من بنی ساعدة المنذر بن عبد اللّه و من الاوس رقیم بن ثابت بن ثعلبة بن زید بن لوذان بن معاویة ثم انصرف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عن الطائف قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لاصحابه قولوا لا إله الا اللّه وحده صدق وعده و نصر عبده و هزم الاحزاب وحده فلما ارتحلوا قال قولوا آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون و لما قیل له یوم ظعن عن ثقیف یا رسول اللّه ادع علی ثقیف قال اللهمّ اهد ثقیفا و ائت بهم و کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أمر أن یجمع السبی و الغنائم مما أفاء اللّه علیه یوم حنین فجمع ذلک کله الی الجعرانة و کان بها الی أن انصرف من الطائف من غیر فتح و فی تاریخ الیافعی أسلم أهل الطائف فی العام القابل لا فی عام المحاصرة فرجع صلی اللّه علیه و سلم مارا علی دحناء ثم علی قرن المنازل ثم علی نخلة حتی خرج الی الجعرانة و نزلها و هی بین الطائف و مکة و هی الی مکة أدنی و بها قسم غنائم حنین و منها أحرم لعمرته فی جهته تلک* و فی هذه السنة أسلم صفوان بن أمیة الجمحی و قد مرّت کیفیة اسلامه* و فی خلاصة السیر أنه صلی اللّه علیه و سلم کان فی غزوة الطائف فبینما هو یسیر لیلا بواد بقرب الطائف اذ غشی سدرة فی سواد اللیل و هو فی سنة النوم فانفرجت السدرة له نصفین فمرّ بین نصفیها و بقیت منفرجة علی حالتها فأتی الجعرانة لخمس لیال خلون من ذی القعدة فأقام بها ثلاثة عشر یوما و سیجی‌ء و استأنی صلی اللّه علیه و سلم بهوازن أی تربص بهم و انتظرهم أن یقدموا علیه مسلمین ثم أتاه وفد من هوازن من أهل الطائف و لحقوا به بالجعرانة فأسلموا و قد کان المسلمون جمعوا بها غنائم حنین و ما حصل من أوطاس و الطائف فقسمها علی الناس و ذلک ستة آلاف من الذراری و النساء و أربعة و عشرون ألفا من الابل و أربعة آلاف أوقیة من الفضة و أکثر من أربعین ألفا من الغنم* و فی الاکتفاء و من الابل و الشاء ما لا یدری عدّتهم قیل قدمت هوازن فقالوا یا رسول اللّه انا أصل و عشیرة و قد أصابنا من البلاء ما لم یخف علیک فامنن علینا منّ اللّه علیک و قام رجل منهم من سعد بن بکر یقال له زهیر یکنی بأبی صرد فقال یا رسول اللّه انما فی لحظائر عماتک و خالاتک و حواضنک اللاتی کن یکفلنک و لو أنا ملکنا للحارث بن أبی شمر و للنعمان بن المنذر ثم نزلا منا بمثل ما نزلت به رجونا عطفه و عائدته علینا و أنت خیر المکفولین* ثم أنشأ أبیاتا منها قوله
أمنن علینا رسول اللّه فی کرم‌فانک المرء نرجوه و ننتظر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:113 أمنن علی بیضة قد عاقها قدرمفروقة شملها فی دهرها غیر
أمنن علی نسوة قد کنت ترضعهاوفوک تملأه من مخضها الدرر
اذ أنت طفل صغیر کنت ترضعهاو اذ یزینک ما تأتی و ما تذر فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم نساؤکم و أبناؤکم أحب إلیکم أم أموالکم فقالوا یا رسول اللّه خیرتنا بین أموالنا و احسابنا بل تردّ إلینا نساءنا و أبناءنا فهو أحب إلینا فقال لهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أما ما کان لی و لبنی عبد المطلب فهو لکم فاذا انا صلیت الظهر بالناس فقوموا فقولوا انا نستشفع برسول اللّه الی المسلمین و بالمسلمین الی رسول اللّه فی أبنائنا و نسائنا فسأعطیکم عند ذلک و اسأل لکم فلما صلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الظهر قاموا إلیه فتکلموا بالذی أمرهم به فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أماما کان لی و لبنی عبد المطلب فهو لکم فقال المهاجرون و ما کان لنا فهو لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قالت الانصار و ما کان لنا فهو لرسول اللّه فقال الاقرع بن حابس أمّا أنا و بنو تمیم فلا و قال عیینة بن حصن امّا أنا و بنو فزارة فلا و قال العباس بن مرداس اما أنا و بنو سلیم فلا فقالت بنو سلیم بلی ما کان لنا فهو لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال العباس بهتمونی فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أمّا من تمسک منکم بماله من هذا السبی فله بکل انسان ست فرائض من أوّل شی‌ء أصیبه فردّوا الی الناس أبناءهم و نساءهم و کان عیینة بن حصن قد أخذ عجوزا من عجائزهم و قال انی لأحسب ان لها فی الحی نسبا و عسی أن یعظم فداؤها فلما ردّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم السبایا بست فرائض أخذ ذلک من ولدها بعد أن ساومه فیها مائة من الابل و قال له ولدها و اللّه ما ثدیها بناهد و لا بطنها بوالد و لا فوها ببارد و لا صاحبها بواجد أی یحزن لفواتها فقال عیینة خذها لا بارک اللّه لک فیها* و فی سیرة ابن هشام قال ابن اسحاق حدّثنی أبو وجرة یزید بن عبد اللّه السعدی ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أعطی علی بن أبی طالب جاریة یقال لها ریطة بنت هلال بن حیان و أعطی عثمان ابن عفان جاریة یقال لها زینب بنت حیان و أعطی عمر بن الخطاب جاریة فوهبها لعبد اللّه ولده رضی اللّه تعالی عنهم أجمعین*

(ذکر اسلام مالک بن عوف النضری)

* و سأل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم وفد هوازن ما فعل مالک بن عوف النضری قالوا هو بالطائف مع ثقیف فقال لهم أخبروا مالکا أنه ان أتانی مسلما رددت علیه ماله و أهله و أعطیته مائة من الابل فأتی مالک بذلک فخاف ثقیفا أن یعلموا بما قاله رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فیحبسوه فأمر براحلته فهیئت له و أمر بفرس له فأتی به بالطائف فخرج لیلا علی فرسه حتی أتی راحلته حیث أمر بها أن تحبس فرکبها فلحق برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأدرکه بالجعرانة أو بمکة فردّ علیه ماله و أهله و أعطاه مائة من الابل و أسلم فحسن اسلامه فاستعمله رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی من أسلم من قومه و کان یقاتل بهم ثقیفا فکان لا یخرج لهم سرح الا أغار علیهم حتی ضیق علیهم و فی روایة لما أتاه وفد هوازن فسألوا أن یردّ علیهم سبیهم و أموالهم فقام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خطیبا فیهم و قال ان معی من ترون و أحب الحدیث أصدقه فاختاروا احدی الطائفتین اما السبی و اما المال قالوا انا نختار سبینا فقام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأثنی علی اللّه بما هو أهله ثم قال أمّا بعد فان اخوانکم قد جاءوا تائبین و انی قد رأیت أن أردّ إلیهم سبیهم فمن أحب منکم أن یطیب بذلک فلیفعل و من أحب أن یکون علی حظه حتی نعطیه ایاه من أوّل ما یفئ اللّه علینا فلیفعل قال ناس قد طبنا بذلک یا رسول اللّه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انا لا ندری من أذن منکم فی ذلک ممن لم یأذن فارجعوا حتی یرفع إلینا عرفاؤکم أمرکم فرجع الناس کلهم و عرفاؤهم ثم رجعوا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبروه انهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:114
قد طیبوا و أذنوا* و فی الشفاء ردّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی هوازن سبایاها و کانوا ستة آلاف و لما فرغ من ردّ سبایا حنین الی أهلها رکب و اتبعه الناس یقولون یا رسول اللّه اقسم علینا سبایا الابل و الغنم حتی ألجئوه الی شجرة فاختطفت عنه رداءه فقال ردّوا علیّ ردائی أیها الناس فو اللّه لو کان لی بعدد شجر تهامة نعم لقسمته علیکم ثم ما لقیتمونی بخیلا و لا جبانا و لا کذوبا ثم قام الی جنب بعیره فأخذ و برة من سنامه فرفعها ثم قال أیها الناس و اللّه ما لی من فیئکم و لا هذه الوبرة الا الخمس و الخمس مردود علیکم فأدّوا الخیاط و المخیط فان الغلول یکون علی أهله عارا و شنارا و نارا یوم القیامة* و فی روایة فجاء رجل من الانصار بکبة من خیوط شعر فقال یا رسول اللّه أخذت هذه البکبة أعمل بها برذعة بعیر لی من وبر فقال أما نصیبی منها فلک قال اذا بلغت ذلک فلا حاجة لی بها ثم طرحها من یده* و فی روایة ان عقیل بن أبی طالب دخل یوم حنین علی امرأته فاطمة بنت شیبة و سیفه متلطخ دما فقالت انی قد عرفت انک قد قاتلت فما ذا أصبت من غنائم المشرکین قال دونک هذه الابرة بخیطین فخیطی بها ثوبک فدفعها إلیها فسمع منادی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول من أخذ شیئا فلیردّه حتی الخیاط و المخیط فرجع عقیل فقال ما أدری ابرتک الا قد ذهبت و أخذها فألقاها فی الغنائم و قد صح ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أعطی المؤلفة قلوبهم عطاء کاملا و کانوا أشرافا من أشراف الناس یتألفهم و یتألف بهم قومهم کیما یودّوه و یکفوا عن حربه قیل هم خمسة عشر رجلا* و فی المضمرات المؤلفة قلوبهم ثلاثة أصناف صنف یتألفهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لیسلموا و یسلم قومهم باسلامهم و صنف أسلموا فیرید تقریرهم و صنف یعطیهم لدفع شرّهم مثل عباس بن مرداس و عیینة بن حصن و علقمة بن عدیة* و فی السراجیة من المؤلفة قلوبهم أبو سفیان بن حرب و صفوان بن أمیة و عیینة بن حصن الفزاری و الأقرع بن حابس الطائی و عباس بن مرداس السلمی و زید الخیل* و فی روایة ان أبا سفیان بن حرب جاء الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و الاموال من نقود و غیرها مجموعة عنده فقال یا رسول اللّه أنت الیوم أغنی قریش فتبسم صلی اللّه علیه و سلم فقال أبو سفیان حظنا من هذه الاموال فأمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بلالا فأعطاه مائة من الابل و أربعین أوقیة من الفضة فقام إلیه یزید و هو یزید بن أبی سفیان الصحابی أخو معاویة أسلم یوم الفتح و یقال له یزید الخیر فأعطاه أیضا مائة من الابل و أربعین أوقیة من الفضة فقال أبو سفیان فأین حظ ابنی معاویة فأعطاه مائة من الابل و أربعین أوقیة من الفضة حتی أخذ أبو سفیان ثلاثمائة من الابل و مائة و عشرین أوقیة من الفضة فقال أبو سفیان بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه لأنت کریم فی الحرب و فی السلم هذا غایة الکرم جزاک اللّه خیرا و أعطی صفوان بن أمیة من الابل مائة ثم مائة کذا فی الشفاء و أعطی حکیم بن حزام مائة من الابل فسأل مائة أخری فأعطاه ایاها و أعطی کل واحد من الحارث بن کلدة و الحارث بن هشام أخی أبی جهل و عبد الرحمن بن یربوع المخزومیان و سهیل بن عمرو و حویطب ابن عبد العزی کل هؤلاء من أشراف قریش و الاقرع بن حابس التمیمی و عیینة بن حصن الفزاری و مالک بن عوف النصری و هؤلاء من غیر قریش أعطی کل واحد من هؤلاء المسمین من قریش و غیرهم مائة بعیر و أعطی دون ذلک رجالا منهم من قریش مخرمة بن نوفل و عمیر بن وهب و أعطی سعید بن یربوع المخزومی و عدی بن قیس السهمی و علاء بن حارثة الثقفی و عثمان بن نوفل و هشام بن عمرو العامری خمسین خمسین و أعطی العباس بن مرداس أربعا فسخطها* فقال
و ما کان حصن و لا حابس‌یفوقان مرداس فی مجمع
و ما کنت دون امرئ منهماو من یضع الیوم لا یرفع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:115
فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اذهبوا به فاقطعوا عنی لسانه فأعطوه حتی رضی فکان ذلک قطع لسانه* و فی روایة فأتم له مائة أیضا و ذکر ابن هشام ان عباسا أتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أنت القائل
فأصبح نهبی و نهب العبید بین الاقرع و عیینة
فقال أبو بکر بین عیینة و الاقرع* فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هما واحد فقال أبو بکر أشهد انک کما قال اللّه و ما علمناه الشعر و ما ینبغی له* و ذکر ابن عقبة ابن عباسا لما أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بقطع لسانه فزع لها و قال من لا یعرف أمر بعباس یمثل به فأتی به الی الغنائم فقیل له خذ منها ما شئت فقال العباس و انما أراد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن یقطع لسانی بالعطاء بعد ان تکلمت فتکرم أن یأخذ منها شیئا فبعث إلیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بحلة فقبلها و لبسها و قال لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قائل من أصحابه یا رسول اللّه أعطیت عیینة بن حصن و الاقرع ابن حابس مائة مائة و ترکت جعیل بن سراقة الضمری فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اما و الذی نفس محمد بیده لجعیل بن سراقة خیر من طلاع الارض کلهم مثل عیینة ابن حصن و الاقرع و لکنی تألفتهما لیسلما و وکلت جعیل بن سراقة الی اسلامه و جاء رجل من تمیم یقال له ذو الخویصرة فوقف علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال یا محمد قد رأیت ما صنعت فی هذا الیوم فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أجل فکیف رأیت قال لم أرک عدلت فغضب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم قال و یحک اذا لم یکن العدل عندی فعند من یکون فقال عمر رضی اللّه عنه أ لا نقتله فقال لا دعوه فانه ستکون له شیعة یتعمقون فی الدین حتی یخرجوا منه کما یخرج السهم من الرمیة تنظر فی النصل فلا یوجد شی‌ء ثم فی القدح فلا یوجد شی‌ء ثم فی الفوق فلا یوجد شی‌ء سبق الفرث و الدم* و روی انه صلی اللّه علیه و سلم لما أراد أن یقسم الغنائم أمر زید بن ثابت حتی أحصی الناس ثم عدّ الابل و الغنم و قسمها علی الناس فوقع فی سهم کل رجل أربع من الابل مع أربعین من الشاء و ان کان فارسا فسهمه اثنا عشر بعیرا مع مائة و عشرین من الشاء و لم یعط لغیر فرس واحد و عن أنس سأله صلی اللّه علیه و سلم رجل فأعطاه غنما بین جبلین فرجع الی بلده فقال یا قوم اسلموا فان محمدا صلی اللّه علیه و سلم یعطی عطاء من لا یخشی فاقة* و فی معالم التنزیل لما أفاء اللّه علی رسوله یوم حنین من أموال هوازن ما أفاء قسم فی الناس من المهاجرین و الطلقاء و المؤلفة قلوبهم* و فی روایة طفق یعطی رجالا من قریش و غیرهم المائة من الابل و لم یعط الانصار منها شیئا فکأنهم وجدوا اذا لم یصیبوا ما أصابه الناس فقالوا یغفر اللّه لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یعطی قریشا و یدعنا و سیوفنا تقطر من دمائهم فحدث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بمقالتهم فأرسل الی الانصار فجمعهم فی قبة من أدم و لم یدع معهم أحدا غیرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فخطبهم فقال ما کان بلغنی عنکم فقال له فقهاؤهم أما ذو و رأینا فلم یقولوا شیئا و اما أناس منا حدیثة أسنانهم فقالوا یغفر اللّه لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یعطی قریشا و یترک الانصار و سیوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انی أعطی رجالا حدیثی عهد بکفر أتألفهم أ ما ترضون أن یذهب الناس بالاموال أو بالدنیا و ترجعوا الی رحالکم برسول اللّه و تحوزونه الی بیوتکم فو اللّه ما تنقلبون به خیر مما ینقلبون به قالوا یا رسول اللّه قد رضینا* و فی روایة قال أ ما ترضون أن یذهب الناس بالشاء و الابل و تذهبوا بالنبیّ الی رحالکم و لو لا الهجرة لکنت امرأ من الانصار و لو سلک الناس وادیا أو شعبا و الانصار وادیا لسلکت وادی الانصار و الانصار شعار و الناس دثار و انکم ستلقون بعدی أثرة فاصبروا حتی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:116
تلقونی علی الحوض و فی روایة سترون بعدی اثرة شدیدة فاصبروا حتی تلقوا اللّه و رسوله فانی علی الحوض قالوا ستصبر* و فی الاکتفاء و لما أعطی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ما أعطی فی قریش و فی قبائل العرب و لم یعط الانصار شیئا وجدوا فی أنفسهم حتی کثرت منهم المقالة حتی قال قائلهم لقی و اللّه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قومه فدخل سعد بن عبادة علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه انّ هذا الحیّ من الانصار قد وجدوا علیک لما صنعت فی هذا الفی‌ء الذی أصبت قسمت فی قومک و أعطیت عطایا عظاما فی قبائل العرب و لم یکن فی هذا الحیّ من الانصار منها شی‌ء قال فأین أنت من ذلک یا سعد قال یا رسول اللّه ما أنا الا من قومی قال فاجمع لی قومک فی هذه الحظیرة فخرج سعد و جمع الانصار فی تلک الحظیرة فجاء رجال من المهاجرین فترکهم فدخلوا و جاء آخرون فردّهم فلما اجتمعوا له أعلمه سعد بهم فأتاهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فحمد اللّه و أثنی علیه بما هو أهله ثم قال یا معشر الانصار مقالة بلغتنی عنکم و جدة وجدتموها فی أنفسکم أ لم آتکم ضلالا فهذا کم اللّه و عالة فأغناکم اللّه و أعداء فألف اللّه بین قلوبکم قالوا بلی یا رسول اللّه اللّه و رسوله أمنّ و أفضل ثم قال أ لا تجیبون یا معشر الانصار قالوا بما ذا نجیبک یا رسول اللّه للّه و رسوله المنّ و الفضل فقال صلی اللّه علیه و سلم أما و اللّه لو شئتم لقلتم فلصدّقتکم و لصدقتم أتیتنا مکذبا فصدّقناک و مخذولا فنصرناک و طریدا فآویناک و عائلا فأغنیناک یا معشر الانصار أوجدتم فی أنفسکم فی لعاعة من الدنیا تألفت بها قوما لیسلموا و وکلتکم الی اسلامکم أ لا ترضون یا معشر الانصار أن یذهب الناس بالشاة و البعیر و ترجعوا برسول اللّه الی رحالکم فو الذی نفس محمد بیده لو لا الهجرة لکنت امرأ من الانصار و لو سلک الناس شعبا و سلک الانصار شعبا لسلکت شعب الانصار اللهم ارحم الانصار و أبناء الانصار و أبناء أبناء الانصار فبکی القوم حتی أخضلوا لحاهم و قالوا رضینا یا رسول اللّه بک قسما و حظا ثم انصرف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و تفرّقوا*

بعث عمرو بن العاص الی حیفر و عبد

و فی هذه السنة فی ذی القعدة الحرام بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عمرو بن العاص الی حیفر و عبدا بنی الجلندی بعمان فأسلما و صدّقا* و فی هذه السنة قبل منصرفه من الجعرانة و قیل قبل الفتح و فی الاکتفاء بعد انصرافه من الحدیبیة

بعث العلاء الحضرمی الی ملک البحرین‌

فیکون قبل الفتح بعث العلاء الحضرمی الی المنذر الساوی العبدی ملک البحرین و کتب إلیه کتابا و دعاه الی الاسلام فلما انتهی إلیه و قرأ الکتاب أسلم و کتب جواب الکتاب فقال یا رسول اللّه انّ اللّه تعالی قد أعطانی بک نعمة الاسلام و قد قرأت کتابک علی أهل البحرین* و فی الاکتفاء علی أهل هجر فأسلم بعضهم و أبی بعضهم و فی أرضنا المجوس فمرنا کیف نعاملهم* فکتب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انّ من ثبت علی المجوسیة خذ منه الجزیة و لا یناکحهم المسلمون و لا یأکلوا من ذبائحهم و کتب کتابا للعلاء الحضرمی و عین فیه نصاب زکاة الابل و البقر و الغنم و الزرع و الثمار و أموال التجارة فقرأ العلاء کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی الناس و أخذ صدقاتهم* و فی الاکتفاء ذکر ابن اسحاق و غیره أنّ المنذر توفی قبل ردّة أهل البحرین و العلاء عنده أمیرا لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی البحرین* و فی روایة بعث صلی اللّه علیه و سلم أبا هریرة مع العلاء فی هذه السفرة و کان العلاء مجاب الدعوة و انه خاض فی البحر بکلمات قالهنّ و کان له أثر عظیم فی قتال أهل الردّة عند البحرین فی خلافة أبی بکر الصدّیق و سیجی‌ء فی الخاتمة ان شاء اللّه تعالی* قال ابن سید الناس انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انتهی الی الجعرانة لیلة الخمیس لخمس لیال خلون من ذی القعدة الحرام فأقام بها ثلاث عشرة لیلة فلما أراد الانصراف الی المدینة خرج لیلة الاربعاء لثنتی عشرة لیلة بقیت من ذی القعدة الحرام لیلا فأحرم بعمرة و دخل مکة* و فی المواهب اللدنیة ذکر محمد بن سعد کاتب الواقدی عن ابن عباس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:117
أنه لما قدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم ثم اعتمر منها و ذلک للیلتین بقینا من شوّال قال ابن سید الناس هذا ضعیف و المعروف عند أهل السیر هو الاوّل انه اعتمر فی ذی القعدة قال فطاف و سعی و حلق رأسه و حالقه أبو هند ففرغ من عمرته لیلا ثم رجع الی الجعرانة من لیلته و أصبح بها کبائت* و فی تاریخ الازرقی عن مجاهد أنه علیه السلام أحرم من وراء الوادی حیث الحجارة المنصوبة* و فی معجم ما استعجم روی أبو داود أنه صلی اللّه علیه و سلم جاء الی المسجد فرکع ما شاء ثم أحرم ثم استوی علی راحلته فاستقبل بطن سرف حتی لقی طریق مکة فأصبح بمکة کبائت* و فی المواهب اللدنیة عن الواقدی أنه أحرم من المسجد الاقصی الذی تحت الوادی بالعدوة القصوی و کان مصلاه اذ کان بالجعرانة و الجعرانة موضع بینه و بین مکة برید کما قاله الفاکهانی و قال الباجی ثمانیة عشر میلا و سمیت بامرأة تلقب بالجعرانة کما ذکره السهیلی* و فی الاکتفاء ثم خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من الجعرانة معتمرا و أمر ببقایا الفی‌ء فحبس بمجنة بناحیة مرّ الظهران فلما فرغ من عمرته انصرف راجعا الی المدینة و استخلف عتاب بن أسید علی مکة و خلف معه معاذ بن جبل یفقه الناس فی الدین و یعلمهم القرآن و أتبع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ببقایا الفی‌ء و لما استعمل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عتابا علی مکة رزقه فی کل یوم درهما فقام عتاب خطیبا فی الناس فقال أیها الناس أجاع اللّه کبد من جاع علی درهم فقد رزقنی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کل یوم درهما فلیست لی حاجة الی أحد* و کانت عمرة رسول اللّه فی ذی القعدة و قدم المدینة فی بقیته أو فی أوّل ذی الحجة و قد غاب عنها شهرین و ستة عشر یوما و حج الناس تلک السنة علی ما کانت العرب تحج علیه و حج عتاب ابن أسید بالمسلمین فیها و هی سنة ثمان و أقام أهل الطائف علی شرکهم و امتناعهم فی طائفهم ما بین ذی القعدة اذ انصرف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی رمضان سنة تسع*

اسلام عروة بن مسعود

و فی هذه السنة أسلم عروة ابن مسعود الثقفی و قتل* و فی الاکتفاء و کان من حدیث ثقیف أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما انصرف عنهم من الطائف اتبع أثره عروة بن مسعود حتی أدرکه قبل أن یصل الی المدینة فأسلم و سأله أن یرجع الی قومه بالاسلام فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انهم قاتلوک و عرف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أنّ فیهم نخوة الامتناع الذی کان منهم فقال عروة یا رسول اللّه أنا أحب إلیهم من أبکارهم و یقال من أبصارهم و کان فیهم کذلک محببا مطاعا فخرج یدعو قومه الی الاسلام رجاء أن لا یخالفوه لمنزلته فیهم فلما أشرف لهم علی علیة له و قد دعاهم الی الاسلام و أظهر لهم دینه رموه بالنبل من کل جهة فأصابه سهم فقتله فقیل له ما تری فی دمک قال کرامة أکرمنی اللّه بها و شهادة ساقها اللّه الیّ فلیس فیّ الا ما فی الشهداء الذین قتلوا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قبل أن یرتحل عنکم فادفنونی معهم فزعموا أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال انّ مثله فی قومه کمثل صاحب یس فی قومه* و لما قدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المدینة من الطائف کتب بجیر بن زهیر بن ابی سلمی الی أخیه کعب بن زهیر یخبره بخبر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقدم کعب فی السنة التاسعة المدینة و أسلم و ستجی‌ء قصته فی السنة التاسعة* و فی هذه السنة بعث قیس بن سعد بن عبادة الی ناحیة الیمن فی أربعمائة فارس و أمره أن یقاتل قبیلة صداء حین مروره علیهم فی الطریق فقدم زیاد بن الحارث الصدائی فسأل عن ذلک البعث فأخبر فقال یا رسول اللّه أنا وافد فاردد الجیش فأنا لک بقومی فردّهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من قناة و قدم الصدائیون بعد خمسة عشر یوما*

تزوّجه علیه السلام بملیکة الکندیة

و فی هذه السنة تزوّج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ملیکة الکندیة و کان قتل أبوها قبل الفتح فقال لها بعض أزواج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أ لا تستحیین أن تتزوّجی رجلا قتل أباک فاستعاذت ففارقها و قد مرّ فی الباب الثالث فی حوادث السنة الخامسة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:118
و العشرین من مولده* و فی هذه السنة أراد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم طلاق سودة فقالت دعنی أکن فی أزواجک و أجعل یومی لعائشة ففعل صلی اللّه علیه و سلم* و فی روایة أنه طلقها و جلست فی طریقه حین ینصرف الی بیت عائشة و قالت راجعنی یا رسول اللّه فو اللّه ما بقی حب الزوج فی قلبی و لکن أرید أن أحشر یوم القیامة فی زمرة أزواجک و أجعل یومی لعائشة فراجعها صلی اللّه علیه و سلم و یکون یوم نوبتها فی بیت عائشة قیل و آیة و ان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا نزلت فی قصة سودة*

ولادة ابراهیم من ماریة القبطیة

و فی ذی الحجة من هذه السنة ولد ابراهیم ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من ماریة القبطیة و کانت قابلتها سلمی مولاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فخرجت الی زوجها ابی رافع فأخبرته بأنّ ماریة قد ولدت غلاما فجاء الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فبشره فوهب له عبدا و سماه ابراهیم و عق عنه بکبشین یوم سابعه و حلق رأسه و تصدّق بزنة شعره فضة علی المساکین و أمر بدفن شعره فی الارض و تنافست فیه نساء الانصار أیتهنّ ترضعه فدفعه الی أمّ بردة بنت المنذر بن زید و زوجها البراء بن أوس و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یأتی الی أمّ بردة و یقیل عندها و تأتی له بابراهیم و غارت نساء رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و اشتدّ علیهنّ حین رزق منها الولد* روی عن أنس أنه قال لما ولد ابراهیم علیه السلام جاءه جبریل علیه السلام فقال السلام علیک یا أبا ابراهیم و رواه أبو هریرة أیضا بتغییر یسیر کما مرّ فی الرکن الاوّل فی الباب الاوّل و عن أنس أنه قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ولد لی اللیلة غلام فسمیته باسم أبی ابراهیم ثم دفعه الی أمّ سیف امرأة قین بالمدینة یقال له أبو سیف یشبه أن تکون أمّ سیف هی أمّ بردة ابنة المنذر و ستجی‌ء وفاة ابراهیم فی الموطن العاشر* و فی آخر هذه السنة ابتدأ قدوم الوفود علیه بعد رجوعه من الجعرانة فقدم علیه وفد هوازن* و فی هذه السنة توفیت زینب بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و فی المنتقی أنها ماتت فی أوّل هذه السنة و قد مرّ فی السنة الخامسة و العشرین من مولده فی ذکر أولاده صلی اللّه علیه و سلم و اللّه أعلم‌

* (الموطن التاسع فی حوادث السنة التاسعة من الهجرة

اشارة

من بعث عیینة بن حصن الفزاری الی بنی تمیم و بعث الولید بن عقبة بن أبی معیط الی بنی المصطلق و سریة قطبة بن عامر الی خثعم و سریة الضحاک ابن سفیان الکلابی الی بنی کلاب و سریة علقمة بن مجزز الی الحبشة و بعث علیّ الی الفلس و بعث عکاشة بن محصن الی الحباب و اسلام کعب بن زهیر و تتابع الوفود و هجرته عن نسائه و غزوة تبوک و سریة خالد بن الولید من تبوک الی اکیدر و کتابه من تبوک الی هرقل و موت عبد اللّه ذی النجادین و هدم مسجد الضرار و قصة کعب بن مالک و صاحبیه و ارجاء أمرهم و قصة اللعان و اسلام ثقیف و قدوم کتاب ملوک حمیر و رجم المرأة الغامدیة و وفاة النجاشی و وفاة أمّ کلثوم و موت عبد اللّه ابن أبی ابن سلول و حج أبی بکر رضی اللّه عنه و قتل فارس ملکهم شهریار بن شیرویه و تملیکهم بوران بنت کسری)*

* بعث عیینة بن حصن الی بنی تمیم‌

و فی هذه السنة بعث عیینة بن حصن الفزاری الی بنی تمیم و سببه أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعث فی محرم هذه السنة بشر بن سفیان الکعبی الی بنی کعب من خزاعة لأخذ صدقاتهم فسار الی هؤلاء القوم و نزل بساحتهم و هم مع بنی تمیم مجتمعون علی ماء یقال له ذات الاشطاط فأخذ بشر صدقات بنی کعب فلما رأی بنو تمیم ذلک المال استکثروه لکونهم لئاما فقالوا لبنی کعب لم تعطونهم أموالکم فاجتمعوا و شهروا السلاح فمنعوا عامل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عن أخذ الصدقات فقال بنو کعب نحن أسلمنا و لا بدّ فی دیننا من أداء الزکاة قال بنو تمیم و اللّه لا ندع أن یخرجوا عنا بعیرا واحدا* و فی روایة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:119
أنّ خزاعة و بنی العنبر أعانوا بنی تمیم و لما رأی العامل ذلک رجع الی المدینة و أخبر به النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فبعث إلیهم عیینة بن حصن الفزاری فی خمسین راکبا من العرب لیس فیهم مهاجریّ و لا انصاریّ و کان عیینة یسیر باللیل و یختفی بالنهار حتی هجم علیهم فی صحراء فدخلوا و سرحوا مواشیهم فلما رأوا الجمع هربوا و أخذ المسلمون منهم احد عشر رجلا و وجدوا فی محلهم احدی عشرة امرأة و ثلاثین صبیا و قدموا بهم المدینة و حبسوا بها و قدم فیهم عشرة من رؤسائهم منهم قیس بن عاصم و عطارد ابن حاجب و الزبرقان بن بدر و الاقرع بن حابس و لما رأوهم بکی إلیهم النساء و الذراری فعجلوا فجاءوا الی باب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فنادوا یا محمد اخرج إلینا نفاخرک و نشاعرک فانّ مدحنا زین و ذمّنا شین قیل کانوا تسعین أو ثمانین رجلا و نزل فیهم انّ الذین ینادونک من وراء الحجرات أکثرهم لا یعقلون فخرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأقام بلال الصلاة فتعلقوا برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یکلمونه فوقف معهم ثم مضی فصلی الظهر ثم جلس فی صحن المسجد فلم یزد فی جوابهم علی أن قال ذلک اللّه اذا مدح زان و اذا ذمّ شان انی لم أبعث بالشعر و لم أومر بالفخر و لکن هاتوا فقدّموا خطیبهم عطارد بن حاجب فتکلم و خطب فأمر علیه السلام ثابت بن قیس بن شماس أن یجیب خطیبهم فغلبه فقام شاعرهم الاقرع بن حابس فقال
أتیناک کیما یعرف الناس فضلنااذا خالفونا عند ذکر المکارم
و انا رءوس الناس فی کل معشرو أن لیس فی أرض الحجاز کدارم فأمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حسانا أن یجیبه فقام و قال
بنی دارم لا تفخروا انّ فخرکم‌یعود وبالا عند ذکر المکارم
هبلتم علینا تفخرون و أنتمولنا خول ما بین قنّ و خادم فکان أوّل من اسلم شاعرهم و قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی قیس بن عاصم هذا سید أهل الوبر و ردّ علیهم السبی و أمر لهم بالجوائز کما کان یجیز الوفود و ثابت بن قیس بن شماس بمعجمة و میم مشدّدة و آخره مهملة و هو خزرجی شهد له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالجنة و کان خطیبه و خطیب الانصار و استشهد یوم الیمامة سنة اثنتی عشرة فی خلافة أبی بکر الصدّیق رضی اللّه عنه و سیجی‌ء فی الفصل الثانی من الخاتمة فی خلافة أبی بکر*

بعث الولید بن عقبة الی بنی المصطلق‌

و فی هذه السنة بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الولید بن عقبة بن أبی معیط الی بنی المصطلق من خزاعة مصدّقا و کانوا قد أسلموا و بنوا المساجد و کان بینه و بینهم عداوة فی الجاهلیة فلما سمعوا بدنوه خرج منهم عشرون رجلا یتلقونه بالجزر و الغنم فرحا بقدومه و تعظیما لامر اللّه و أمر رسوله فحدّثه الشیطان انهم یریدون قتله فخافهم و رجع من الطریق قبل أن یصل إلیهم فأخبر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انهم تلقوه بالسلاح و أرادوا قتله* و فی المواهب اللدنیة یحولون بینه و بین الصدقة فغضب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و همّ أن یبعث إلیهم من یغزوهم فلما بلغهم خبر رجوع الولید أتوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قالوا یا رسول اللّه سمعنا بمجی‌ء رسولک فخرجنا نتلقاه و نکرمه فرجع فخشینا أن یکون ردّه بلوغ کتاب منک لغضب غضبته علینا و انا نعوذ باللّه من غضبه و غضب رسوله فاتهمهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و بعث خالد بن الولید فی عسکر خفیة و أمره أن یخفی علیهم قدومه و قال له انظر فان رأیت منهم ما یدل علی ایمانهم فخذ منهم زکاة أموالهم و ان لم تر ذلک فاستعمل فیهم ما تستعمل فی الکفار فأتاهم خالد فسمع منهم أذان صلاتی المغرب و العشاء فأخذ صدقاتهم و لم یر منهم الا الطاعة و الخیر و انصرف خالد الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبره الخبر فأنزل اللّه تعالی یا أیها الذین آمنوا ان جاءکم فاسق بنبإ فتبینوا الآیة فقرأ علیهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:120
صلی اللّه علیه و سلم القرآن و بعث معهم عباد بن بشر یأخذ الصدقات من أموالهم و یعلمهم شرائع الاسلام و یقرئهم القرآن* و فی الکشاف کان الولید بن عقبة أخا عثمان لامه و هو الذی ولاه عثمان رضی اللّه عنه فی خلافته الکوفة بعد سعد بن أبی وقاص فصلی بالناس و هو سکران صلاة الفجر أربعا ثم قال هل أزیدکم فعزله عثمان رضی اللّه عنه*

بعث قطبة بن عامر الی خثعم‌

و فی هذه السنة أمر قطبة بن عامر بن حدیدة علی عشرین رجلا و بعثه الی قبیلة خثعم بناحیة بیشة قریبا من تربة بضم التاء و فتح الراء من أعمال مکة سنة تسع و أمره أن یشن الغارة علیهم فاقتتلوا قتالا شدیدا حتی کثر الجرحی فی الفریقین جمیعا و قتل قطبة من قتل و ساقوا الابل و الغنم و السبی الی المدینة و قسموا الغنیمة بعد اخراج الخمس فوقع فی سهم کل واحد منهم أربع ابل و کل ابل بعشرة من الغنم*

بعث الضحاک بن سفیان الکلابی الی بنی کلاب‌

و فی ربیع الاوّل من هذه السنة بعث الضحاک بن سفیان الکلابی الی بنی کلاب الی القرطاء فدعاهم الی الاسلام فأبوا فقاتلوهم و هزموهم و غنموا کذا فی المواهب اللدنیة* و فی شواهد النبوّة بعث صلی اللّه علیه و سلم سریة الی بنی کلاب و کتب إلیهم فی رق فلم ینقادوا و غسلوا الخط عن الرق و خاطوه تحت دلوهم فلما بلغ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الخبر قال مالهم أذهب اللّه عقولهم فلذا لا یوجد من بنی کلاب الا مختل العقل و مختلط الکلام و بعضهم بحیث لا یفهم کلامه* و فی شرف المصطفی للنیسابوری کما ذکره مغلطای أنه صلی اللّه علیه و سلم بعث عبد اللّه بن عوسجة الی بنی عمرو بن حارثة و قیل حارثة بن عمرو و قال و هو الاصح فی مستهل صفر سنة تسع یدعوهم الی الاسلام فأبوا أن یجیبوا و استخفوا بالصحیفة فدعا علیهم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بذهاب العقل فهم الیوم أهل رعدة و عجلة و کلام مختلط کذا فی المواهب اللدنیة*

بعث علقمة بن مجزز الی الحبشة

و فی ربیع الآخر و قال الحاکم فی صفر هذه السنة بعث علقمة بن مجزز المدلجی الی أهل الحبشة و قد أتوا الی نواحی جدة* ذکر ابن سعد ان سبب ذلک أنه بلغه صلی اللّه علیه و سلم أن ناسا من الحبشة تراءاهم أهل جدّة فبعث إلیهم علقمة بن مجزز فی ثلاثمائة فانتهی بهم الی جزیرة فی البحر قیل هی کانت مسکن أولئک القوم فلما خاض البحر إلیهم هربوا فلما رجع الی المدینة استعجل بعض الاصحاب و تقدّموا و کان عبد اللّه بن حذافة السهمی من المستعجلین و أمّره علقمة علیهم و کان امرأ فیه شی‌ء من الهزل و المزاح فنزلوا منزلا فأوقدوا نارا یصطلون بها کذا فی بعض الکتب* و فی الاکتفاء بعث علقمة بن مجزز المدلجی لما قتل وقاص بن مجزز أخوه یوم ذی قرد سأل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن یبعثه فی آثار القوم لیدرک ثاره فیهم فبعثه فی نفر من المسلمین* قال أبو سعید الخدری و أنا فیهم حتی اذا بلغنا رأس غزاتنا أو کنا ببعض الطریق أذن لطائفة من الجیش و أمّر علیهم عبد اللّه بن حذافة السهمی و کان فیه دعابة فلما کان ببعض الطریق أو قد نارا ثم قال أ لیس لی علیکم السمع و الطاعة قالوا بلی قال فما آمرکم بشی‌ء الا فعلتموه قالوا نعم قال فانی أعزم علیکم بحقی و طاعتی الا تواثبتم فی هذه النار فقام بعض القوم یحتجز حتی ظنّ انهم واثبون فیها فقال لهم اجلسوا فانما کنت أضحک معکم فذکر ذلک لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال من أمرکم منهم بمعصیة فلا تطیعوه* و فی روایة قال لا طاعة فی معصیة اللّه انما الطاعة فی المعروف و یقال ان علقمة بن مجزز رجع هو و أصحابه و لم یلق کیدا* و فی روایة بعث صلی اللّه علیه و سلم سریة و استعمل علیها رجلا من الانصار و أمرهم أن یطیعوه فغضب یوما و أمرهم بالدخول فی نار أوقدوها فلم یطیعوه فبلغه صلی اللّه علیه و سلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها الی یوم القیامة الطاعة فی المعروف*

بعث علی بن أبی طالب الی الفلس‌

و فی ربیع الآخر من هذه السنة بعث علیّ بن أبی طالب الی الفلس بضم الفاء و سکون اللام و هو صنم لطی یهدمه و بعث معه مائة و خمسین رجلا من الانصار علی مائة بعیر و خمسین فرسا و عند ابن سعد مائتی رجل فهدمه و غنم سبیا و نعما و شاء و سید القبیلة عدی بن حاتم هرب الی الشام
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:121
و سبیت أخته سنانة بنت حاتم فی السبایا فأطلقها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فکان ذلک سبب اسلام عدی* و عند ابن سعد ان الذی سباها خالد بن الولید و وجد علیّ فی خزانة الصنم ثلاثة أسیاف یقال لأحدها الرسوب و للثانی المخذم و للثالث الیمانی فاصطفی الرسوب و أعطی المخذم للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم صفی المغنم ثم قسم الباقی علی أهل السریة* و فی هذه السنة بعث عکاشة بن محصن الی الحباب و هو موضع بالحجاز من أرض عذرة و بلی و قیل أرض فزارة و کلب و لعذرة فیها شرکة کذا فی المواهب اللدنیة*

إسلام کعب بن زهیر

و فی هذه السنة أسلم کعب بن زهیر و کان اسلامه فیما بین رجوع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من الطائف و غزوة تبوک و کان کعب ممن یهجو رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و یوم فتح مکة هرب ثم جاء فأسلم قال ابن اسحاق لما قدم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کتب بجیر بن زهیر الی أخیه کعب ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قتل رجالا بمکة ممن کان یهجوه و انه قال من لقی منکم کعب بن زهیر فلیقتله فان کان لک فی نفسک حاجة فطر الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فانه لا یقتل أحدا جاءه و ان أنت لا تفعل فانح الی نجاتک فلما بلغ کعبا الکتاب ضاقت به الارض و أشفق علی نفسه و أرجف به من کان فی حاضره من عدوّه فقال مقتول فلما لم یجد بدّا من شی‌ء قال قصیدته التی یمدح فیها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و یذکر خوفه و ارجاف الوشاة به من عدوّه ثم خرج حتی قدم المدینة فنزل علی رجل من جهینة کانت بینه و بینه معرفة فغدا به الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال له هذا رسول اللّه قم إلیه و استأمنه فقام و جلس الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فوضع یده فی یده و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لا یعرفه فقال یا رسول اللّه ان کعب بن زهیر قد جاء لیستأمنک تائبا مسلما فهل أنت قابل منه ان أنا جئتک به قال نعم قال أنا یا رسول اللّه کعب بن زهیر قال ابن اسحاق فحدّثنی عاصم بن عمرو بن قتادة انه و ثب علیه رجل من الانصار فقال یا رسول اللّه دعنی و عدوّ اللّه أضرب عنقه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم دعه عنک فانه قد جاءنا تائبا نازعا ثم قال قصیدته اللامیة التی أوّلها
بانت سعاد فقلبی الیوم متبول‌متیم اثرها لم یفد مکبول و منها
أنبئت ان رسول اللّه أوعدنی‌و العفو عند رسول اللّه مأمول
ان الرسول لنور یستضاء به‌مهند من سیوف اللّه مسلول و فی نهایة ابن الاثیر عندها بدل اثرها و فی روایة أبی بکر بن الانباری لما وصل الی قوله
ان الرسول لنور یستضاء به‌مهند من سیوف اللّه مسلول رمی علیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بردة کانت علیه و ان معاویة بذل له فیها عشرة آلاف مثقال فقال ما کنت لأوثر بثوب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أحدا فلما مات کعب بعث معاویة الی ورثته بعشرین ألفا فأخذها منهم قال و هی البردة التی عند السلاطین الی الیوم و کان کعب بن زهیر من فحول الشعراء و أبوه زهیر و ابنه عقبة و ابن ابنه العوّام بن عقبة کذا ذکره فی المواهب اللدنیة

* تتابع الوفود

و فی هذه السنة تتابع الوفود و فی الاکتفاء ما زال آحاد الوافدین وافداد الوفود من العرب یفدون علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم منذ أظهر اللّه دینه و قهر أعداءه و لکن انبعاث جماهیرهم الی ذلک انما کان بعد فتح مکة و معظمه فی سنة تسع و لذلک کانت تسمی سنة الوفود کما قاله ابن هشام و ذلک ان العرب کانت تتربص بالاسلام ما یکون من قریش فیه إذ هم الذین کانوا نصبوا لحرب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و خلافه و کانوا امام الناس و هادیهم و أهل البیت و الحرم و صریح ولد اسماعیل و قادة العرب لا ینکرهم ذلک و لا ینازعون فیه فلما افتتح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مکة و دانت له
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:122
قریش و أذعنت للاسلام عرفت العرب انهم لا طاقة لهم بحربه و عداوته فدخلوا فی دین اللّه أفواجا یضربون إلیه من کل وجه بقول اللّه تعالی لنبیه اذا جاء نصر اللّه و الفتح و رأیت الناس یدخلون فی دین اللّه أفواجا جماعات فسبح بحمد ربک أی فاحمد اللّه علی ما ظهر من دینک و استغفره انه کان توابا اشارة الی انقضاء أجله و اقتراب لحاقه برحمة ربه مع الذین أنعم اللّه علیهم من النبیین و الصدّیقین و الشهداء و الصالحین و حسن أولئک رفیقا کذلک قال ابن عباس و قد سأله عمر بن الخطاب عن هذه السورة فلما اجابه بنحو هذا المعنی قال عموما أعلم منها الا ما تعلم*

هجره صلی اللّه علیه و سلم نساءه‌

و فی هذه السنة هجر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم نساءه و قال ما أنا بداخل علیکنّ شهرا و فی المواهب اللدنیة و جحش شقه أی خدش و جلس فی مشربة له درجها من جذوع النخل و أتاه أصحابه یعودونه یصلی بهم جالسا و هم جلوس* و فی المنتقی و فی سبب ذلک قولان أحدهما ما روی ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان فی بیت حفصة فاستأذنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی زیارة أبیها فأذن لها فأرسل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی ماریة و أدخلها فی بیت حفصة و واقعها فلما رجعت حفصة أبصرت ماریة فی بیتها مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فلم تدخل حتی خرجت ماریة ثم دخلت و قالت انی رأیت من کانت معک فی البیت فغضبت و بکت فلما رأی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی وجهها الغیرة قال لها اسکتی فهی علیّ حرام أبتغی بذلک رضاک و حلف أن لا یقربها و قال لها لا تخبری أحدا بما أسررت إلیک فأخبرت بذلک عائشة و قالت قد أراحنا اللّه من ماریة فان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حرّمها علی نفسه و قصت علیها القصة و کانت بینهما مصافاة و تظاهر فطلقها و اعتزل نساءه و مکث تسعا و عشرین لیلة فی بیت ماریة فنزل جبریل علیه السلام و قال له راجعها فانها صوّامة قوّامة و انها لمن نسائک فی الجنة* و فی روایة ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خلا بماریة فی یوم عائشة و علمت بذلک حفصة فقال لها اکتمی علیّ و قد حرّمت ماریة علی نفسی و أبشرک ان أبا بکر و عمر یملکان بعدی أمر أمتی فأخبرت به عائشة و کانتا متصادقتین و قیل شرب عسلا عند حفصة فواطأت عائشة سودة و صفیة فقلن له انما نشم منک ریح مغافیر فحرم العسل فنزلت هذه الآیة و هی یا أیها النبیّ لم تحرّم ما أحلّ اللّه لک تبتغی مرضاة أزواجک الآیة و الثانی انه ذبح ذبحا فقسمته عائشة بین أزواجه فأرسلت الی زینب بنت جحش بنصیبها فردّته فقال لها زیدیها فزادته ثلاث مرّات و کل مرّة تردّه فقال لا أدخل علیکنّ شهرا فاعتزل فی مشربة ثم نزل بعد تسع و عشرین لیلة فبدأ بعائشة فقالت له یا رسول اللّه کنت أقسمت ان لا تدخل علینا شهرا و انما أصبحت من تسع و عشرین لیلة أعدّها عدّا فقال الشهر تسع و عشرون لیلة و کان ذلک الشهر تسعا و عشرین*

غزوة تبوک‌

و فی رجب هذه السنة لستة أشهر و خمسة أیام خلت منها وقعت غزوة تبوک و هی آخر غزواته صلی اللّه علیه و سلم علی ما ذکر ابن اسحاق و تبوک مکان معروف و هو نصف طریق المدینة الی دمشق و هی غزوة العسرة و تعرف بالفاضحة لافتضاح المنافقین فیها و کانت یوم الخمیس فی رجب سنة تسع من الهجرة بلا خلاف و ذکر البخاری لها بعد حجة الوداع خطأ من النساخ کذا فی المواهب اللدنیة* و قصتها ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما انصرف من غزوة الطائف و عمرة الجعرانة مکث بالمدینة ما بین ذی الحجة الی رجب ثم أمر أصحابه بالتهیؤ الی غزوة الروم و ذلک أنه قدم المدینة جماعة من الانباط بالدرمک و الزیت و غیر ذلک من متاع الشام فذکروا ان الروم قد جمعت بالشام جموعا کثیرة لقتال المسلمین و ان هرقل قد رزق أصحابه لسنة و کان معهم بنو لخم و جذام و غسان و عاملة و اجتمعوا و قدموا مقدّماتهم الی البلقاء و عسکروا بها و تخلف هرقل بحمص و کانوا کاذبین فی ذلک و لم یکن من ذلک شی‌ء و انما ذلک شی‌ء قیل لهم فأرجفوا به* و روی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:123
الطبرانی من حدیث عمران بن الحصین قال کانت النصاری کتبت الی هرقل ان هذا الرجل الذی خرج یدّعی النبوّة قد هلک و أصابتهم سنون فهلکت أموالهم فبعث رجلا من عظمائه و جهز معه أربعین ألفا کذا فی المواهب اللدنیة فلما سمع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بذلک أمر الناس بالتأهب للشام و التجهز للمسیر إلیها و کان الزمان زمان حرّ و عسرة عسرة الظهر و عسرة الزاد و عسرة المال و کان العشرة یتعقبون علی بعیر واحد و ربما یمص التمرة الواحدة جماعة یتناوبونها و کانوا یعصرون الفرث و یشربونه من شدّة العطش و عن عمر بن الخطاب قال نزلنا منزلا أصابنا فیه عطش حتی ان الرجل لینحر بعیرا فیعصر فرثه و یشربه و یجعل ما بقی علی کبده کذا فی معالم التنزیل و فی تفسیر عبد الرزاق عن معمر عن ابن عقیل قال فخرجوا فی قلة من الظهر فی حرّ شدید حتی انهم کانوا ینحرون البعیر و یشربون ما فی کرشه من الماء فکان ذلک الوقت عسرة فی الماء و الظهر و النفقة فسمیت غزوة العسرة و لم یقع فی هذه الغزوة قتال و لکن فتحوا فی هذا السفر دومة الجندل و کانت الروم و الشام من أعظم أعداء المسلمین و أهیبهم عندهم و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اذا غزا غزوة ورّی بغیرها الا غزوة تبوک فانه أخبر الناس بها و أظهر لیتأهبوا لها الاهبة و یستعدّوا لبعد السفر و شدّة الزمان و بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی القبائل من العرب و الی أهل مکة و کانوا کلهم مسلمین فی هذا الوقت یستنفرهم الی الغزو و حض رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من عنده من المسلمین علی الجهاد و رغبهم فیه و أمرهم بالصدقة فجاءوا بصدقات کثیرة و کان أوّل من جاء بها أبو بکر جاء بماله کله أربعة آلاف درهم و جاء عمر بنصف ماله و جاء العباس بن عبد المطلب بمال کثیر و جاء طلحة بمال و جاء عبد الرحمن بن عوف بمائتی أوقیة من الفضة و جاء سعد بن عبادة بمال و جاء محمد بن مسلمة بمال و جاء عاصم بن عدی بتسعین وسقا من تمر و جهز عثمان بن عفان ثلث ذلک الجیش و کفاهم مئونتهم فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ما یضرّ عثمان بن عفان ما فعل بعد الیوم* و فی المواهب اللدنیة و کان عثمان بن عفان قد جهز عیرا الی الشام فقال یا رسول اللّه هذه مائتا بعیر باقتابها و احلاسها و مائتا أوقیة فضة قال فسمعته یقول لا یضرّ عثمان ما فعل بعدها* و روی عن قتادة أنه قال حمل عثمان فی جیش العسرة علی ألف بعیر و سبعین فرسا و عن عبد الرحمن بن سمرة قال جاء عثمان بن عفان بألف دینار فی کمه حین جهز جیش العسرة فنثرها فی حجره علیه الصلاة و السلام فرأیت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقلبها فی حجره و یقول ما ضرّ عثمان ما فعل بعد الیوم خرجه الترمذی و قال حدیث غریب و عند الفضائلی و الملا فی سیرته کما ذکره الطبری فی الریاض النضرة من حدیث حذیفة بعث عثمان یعنی فی جیش العسرة بعشرة آلاف دینار الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فصبت بین یدیه فجعل صلی اللّه علیه و سلم یقول بیدیه و یقلبها ظهرا لبطن و یقول غفر اللّه لک یا عثمان ما أسررت و ما أعلنت و ما هو کائن الی یوم القیامة ما یبالی ما عمل بعدها و جعل الرجل من ذوی الیسار یحمل الرهط من فقراء قومه و یکفیهم مئونتهم و بعثت النساء بکل ما قدرن علیه من مسک و معاضد و خلاخل و قرطة و خواتیم و الناس فی عسرة شدیدة و قد طابت الثمار و أحنت الظلال و الناس یحبون المقام و یکرهون الخروج لشدة الزمان و أخذ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالانکماش و الجدّ و ضرب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم معسکره بثنیة الوداع و کانوا ثلاثین ألفا و قال صلی اللّه علیه و سلم ذات یوم و هو فی جهازه للجدّ بن قیس و هو أحد بنی سلمة یا أبا قیس هل لک أن تخرج معنا لعلک تحتقب من بنات الاصفر الاحتقاب هو الاحتمال و المحتقب المردف کذا فی الصحاح فقال الجدّ لقد علم قومی انی من أشدّهم عجبا بالنساء و انی اذا رأیتهنّ لم أصبر عنهنّ فأذن لی فی المقام و لا تفتنی فأعرض رسول اللّه صلی الله
علیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:124
و سلم عنه و قال أذنت لک کذا فی الاکتفاء فجاء ابنه عبد اللّه بن الجدّ و کان بدریا و کان أخا معاذ بن جبل لأمّه و جعل یلوم أباه علی ما أجاب به رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قال أنت أکثر بنی سلمة مالا فما منعک أن تخرج فقال ما لی و للخروج الی بنی الاصفر و اللّه ما آمنهم و أنا فی منزلی هذا و انی عالم بالدوائر فقال له ابنه لا و اللّه ما بک الا النفاق و اللّه لینزلنّ علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فیک قرآن نفتضح به فأخذ نعله فضرب به وجه ابنه فلما نزلت فیه هذه الآیة و هی قوله تعالی و منهم من یقول ائذن لی و لا تفتنی الآیة جاءه ابنه فقال له أ لم أقل لک انه سوف ینزل فیک قرآن یقرؤه المسلمون فقال له أبوه اسکت یا لکع و اللّه لا أنفعک بنافعة أبدا و اللّه لأنت أشدّ علیّ من محمد ثم جعل الجدّ یثبط قومه عن الجهاد و یمنعهم من الخروج و یقول لهم لا تنفروا فی الحرّ و فی الاکتفاء و قال قوم من المنافقین بعضهم لبعض لا تنفروا فی الحرّ زهادة فی الجهاد و شکافی الحق و ارجافا لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأنزل اللّه فیهم و قالوا لا تنفروا فی الحرّ قل نار جهنم أشدّ حرّا لو کانوا یفقهون و بلغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ان أناسا من المنافقین یجتمعون فی بیت سلیم الیهودی یثبطون الناس عنه فی غزوة تبوک فبعث إلیهم طلحة بن عبید اللّه فی نفر من أصحابه و أمر أن یحرق البیت علیهم و فعل طلحة فاقتحم الضحاک بن خلیفة من ظهر البیت فانکسرت رجله و اقتحم أصحابه فأفلتوا فقال الضحاک فی ذلک
و کادت و بیت اللّه نار محمدیشیط بها الضحاک و ابن الأبیرق
و ظلت و قد طبقت کبش سویلم‌انوء علی رجلیّ کسرا و مرفقی
سلام علیکم لا أعود لمثلهاأخاف و من تشمل به النار یحرق کذا فی الاکتفاء و جاء البکاءون و هم سالم بن عمیر و علبة بن زید و أبو لیلی و عبد الرحمن بن کعب المازنی و العرباض بن ساریة الفزاری و هرمی بن عبد اللّه و عمرو بن غنمة و عبد اللّه بن مغفل المزنی و یقال عبد اللّه بن عمرو المزنی و عمرو بن خمام و معقل بن یسار المزنی و حضرمی بن مازن و النعمان بن سوید و معقل و عقیل و سنان و عبد الرحمن بنو مقرن و هم الذین قال اللّه فیهم تولوا و أعینهم تفیض من الدمع حزنا أن لا یجدوا ما ینفقون قاله مغلطای کذا فی المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء و أنوار التنزیل اوردهم سبعة لکن علی الاختلاف فی أسماء بعضهم ففی الاکتفاء سالم ابن عمیر و علبة بن زید و أبو لیلی و عبد الرحمن بن کعب المازنی و عمرو بن حمام و هرمی بن عبد اللّه و عبد اللّه بن مغفل المزنی و یقال عبد اللّه بن عمر و المزنی و عرباض بن ساریة الفزاری* و فی أنوار التنزیل سبعة من الانصار معقل بن یسار و صخر بن خنساء و عبد اللّه بن کعب و سالم بن عمیر و ثعلبة بن غنمة و عبد اللّه بن مغفل و علبة بن زید و قیل هم ابناء مقرن مغفل و سوید و النعمان و قیل أبو موسی و أصحابه جاءوا یستحملون النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کانوا صالحاء و أهل فقر و حاجة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لا أجد ما أحملکم علیه تولوا و أعینهم تفیض من الدمع الآیة* و فی الاکتفاء ذکر أن یامین بن عمیر النضری لقی أبا لیلی بن کعب و ابن مغفل و هما یبکیان فقال و ما یبکیکما قالا جئنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لیحملنا فلم نجد عنده ما یحملنا علیه و لیس عندنا ما نتقوّی به علی الخروج معه فأعطاهما ناضحا له فارتحلاه و زوّدهما شیئا من تمر فخرجا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و فی المنتقی زوّد کل واحد منهما صاعین من تمر و حمل العباس بن عبد المطلب منهم رجلین و حمل عثمان بن عفان منهم ثلاثا بعد الذی کان جهز من الجیش و جاء أناس من المنافقین یستأذنون رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی القعود عن الغزو فأذن لهم و هم بضعة و ثمانون نفرا و جاء المعذرون من الاعراب فاعتذروا إلیه فلم یعذرهم اللّه و ذکر أنهم نفر من غفار فلما خرج رسول اللّه صلی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:125
علیه و سلم ضرب عسکره علی ثنیة الوداع فأقبل عبد اللّه بن أبی ابن سلول معه علی حدة و ضرب عسکره أسفل منه نحو ذباب جبل بالمدینة کذا فی القاموس و کان فیما یزعمون لیس بأقلّ العسکرین و معه حلفاؤه من الیهود و المنافقین ممن اجتمع إلیه فأقام ما أقام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما سار تخلف عنه فیمن تخلف من المنافقین و رجع الی المدینة و قال یغزو محمد مع جهد الحال و الحرّ و البلد البعید الی ما لا قبل له به یحسب قتال بنی الاصفر اللعب و اللّه لکأنی أنظر الی أصحابه غدا مقرّنین فی الحبال و خلف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی بن أبی طالب علی أهله و أمره بالاقامة فیهم فأرجف به المنافقون و قالوا ما خلفه الا استثقالا له و تخفیفا منه فلما قالوا ذلک أخذ علیّ سلاحه ثم خرج حتی أتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو نازل بالجرف فقال یا نبیّ اللّه زعم المنافقون انک انما خلفتنی انک استثقلتنی و تخففت منی فقال کذبوا و لکنی خلفتک لما ترکت ورائی فارجع و اخلفنی فی أهلی و أهلک أ فلا ترضی یا علی أن تکون منی بمنزلة هارون من موسی الا أنه لا نبیّ بعدی فرجع علیّ الی المدینة و مضی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و سلم علی سفره کذا فی الاکتفاء و شرح المواقف و قال الشیخ أبو اسحاق الفیروزآبادی فی عقائده أی حین توجه موسی الی میقات ربه استخلف هارون فی قومه* و فی المنتقی استخلف علی المدینة سباع بن عرفطة الغفاری و قیل محمد بن مسلمة انتهی و قال الدمیاطی استخلاف محمد بن مسلمة هو أثبت عندنا ممن قال استخلف غیره و قال الحافظ زین الدین العراقی فی شرح التقریب لم یتخلف علیّ عن المشاهد الا فی تبوک فانّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم خلفه علی المدینة و علی عیاله و قال له یومئذ أنت منی بمنزلة هارون من موسی الا أنه لا نبیّ بعدی و هو فی الصحیحین من حدیث سعد بن أبی وقاص انتهی و رجحه ابن عبد البرّ و استخلف علی العسکر أبا بکر الصدّیق رضی اللّه عنه فلما ارتحل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عن ثنیة الوداع متوجها الی تبوک عقد الالویة و الرایات فدفع لواءه الاعظم الی أبی بکر و رایته العظمی الی الزبیر و دفع رایة الاوس الی أسید بن حضیر و لواء الخزرج الی أبی دجانة و قیل الی الحباب بن المنذر بن الجموح فساروا و هم ثلاثون ألفا و فیهم عشرة آلاف من الافراس* و فی المواهب اللدنیة أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لکل بطن من الانصار و القبائل من العرب أن یتخذوا لواء و رایة و کان معه ثلاثون ألفا و عند أبی زرعة سبعون ألفا و فی روایة عنه أیضا أربعون ألفا و کانت الخیل عشرة آلاف فرس و تخلف نفر من المسلمین عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من غیر نفاق و لا ارتیاب منهم کعب بن مالک أخو بنی سلمة و مرارة بن الربیع أخو بنی عمرو بن عوف و هلال بن أمیة أخو بنی واقف و فیهم نزل و علی الثلاثة الذین خلفوا و تخلف أبو ذرّ و أبو خیثمة ثم لحقاه بعد ذلک و سیجی‌ء و مضی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فصبح ذا خشب فنزل تحت الدومة* و فی خلاصة الوفاء و ذو خشب علی مرحلة من المدینة تحت الدومة و کان دلیله الی تبوک علقمة بن القعواء الخزاعی فقال صلی اللّه علیه و سلم تحت الدومة فراح منها ممسیا حیث أبرد و کان فی حرّ شدید و کان یجمع من یوم نزل ذا خشب بین الظهر و العصر فی منزله یؤخر الظهر حتی یبرد و یعجل العصر ثم یجمع بینهما و کان ذلک فعله حتی رجع من تبوک و فی کل منزل نزله اتخذ مسجدا و جمیعها معروفة الی مسجد تبوک ثم انّ أبا خیثمة بعد أن سار رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أیاما رجع الی أهله فی یوم حارّ فوجد امرأتین له فی عریشین لهما فی حائط له رشت کل واحدة منهما عریشها و برّدت له فیه ماء و هیأت له طعاما فلما دخل قام علی باب العریش و نظر الی امرأتیه و ما صنعتا له فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی الضح و الریح و الحرّ و أبو خیثمة فی ظلّ بارد و طعام مهیأ و امرأة
حسناء فی ماله مقیم ما هذا بالنصف ثم قال و اللّه لا أدخل علی عریش واحدة منکما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:126
حتی ألحق برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فهیئا لی زادا ففعلتا ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج فی طلب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی أدرکه حین نزل تبوک و قد کان أدرک أبا خیثمة فی الطریق عمیر بن وهب الجمحی یطلب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فترافقا حتی اذا دنوا من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال أبو خیثمة لعمیر انّ لی ذنبا فلا علیک أن تخلف عنی حتی آتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ففعل حتی اذا دنا من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو نازل بتبوک قال الناس هذا راکب علی الطریق مقبل فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کن أبا خیثمة قالوا هو و اللّه أبو خیثمة یا رسول اللّه فلما أناخ أقبل فسلم علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أولی لک یا أبا خیثمة ثم أخبره خبره فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خیرا و دعا له بخیر و لما مضی من ثنیة الوداع سائرا جعل یتخلف عنه رجال فیقال یا رسول اللّه تخلف فلان فیقول دعوه فان یکن فیه خیر فسیلحقه اللّه بکم و ان یکن غیر ذلک فقد أراحکم اللّه منه و قد کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین مرّ بالحجر نزلها و استقی الناس من بئرها فلما راحوا قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لا تشربوا من مائها و لا یتوضأ منه للصلاة و ما کان من عجین عجنتموه فاعلفوه الابل و لا تأکلوا منه شیئا و لا یخرجنّ أحد منکم اللیلة الا و معه صاحب له ففعل الناس ما امرهم به رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الا أنّ رجلین من بنی ساعدة خرج أحدهما لحاجته و خرج الآخر فی طلب بعیر له فأمّا الذی ذهب لحاجته فانه خنق علی مذهبه و أمّا الذی ذهب فی طلب بعیره فاحتملته الریح حتی طرحته بجبلی طی‌ء اللذین یقال لاحدهما أجأ و یقال للآخر سلمی فأخبر بذلک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال أ لم أنهکم عن أن یخرج منکم أحد الا و معه صاحبه ثم دعا للذی أصیب علی مذهبه فشفی و أمّا الذی وقع بجبلی طی‌ء فان طیئا أهدته لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین قدم المدینة* و فی المنتقی لما وصل وادی القری و قد أمسی بالحجر قال انها ستهب اللیلة ریح شدیدة لا یقومنّ منکم أحد الا مع صاحبه و من کان له بعیر فلیوثقه بعقاله فهاجت ریح شدیدة قد أفزعت الناس فلم یقم أحد الا مع صاحبه الا رجلین الی آخر ما ذکر و لما مرّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالحجر سجی ثوبه علی وجهه و استحث راحلته ثم قال لا تدخلوا بیوت الذین ظلموا أنفسهم الا و أنتم باکون خوفا أن یصیبکم ما أصابهم کذا فی الاکتفاء و المواهب اللدنیة و قال فیه رواه الشیخان و کذا فی المنتقی عن ابن عمر و عبارته ثم قنع رأسه و أسرع السیر حتی جاوز الوادی و الحجر وادی قوم صالح و دیارهم و هم ثمود الذین سکنوا ذلک الوادی و هو وادی القری و هو بین المدینة و الشام و لما ارتحل من الحجر أصبح و لا ماء معه و لا مع أصحابه و قد نزلوا علی غیر ماء فشکوا إلیه العطش فاستقبل القبلة و دعا و لم یکن فی السماء سحابة فما زال یدعو حتی اجتمعت السحب من کل ناحیة فما برح من مقامه حتی سحت السماء بالرواء فانکشفت السحابة من ساعتها فسقی الناس و ارتووا عن آخرهم و ملأوا الاسقیة قیل لبعض المنافقین و یحک أبعد هذا شی‌ء هل بقی عندک شی‌ء من الریب فقال انما هی سحابة مارّة فارتحل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم متوجها الی تبوک فأصبح فی منزل فضلت ناقته و هی القصوی فخرج أصحابه فی طلبها و عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رجل من أصحابه یقال له عمارة بن حزم و کان عقبیا بدریا و هو عمّ ابن عمرو بن حزم و فی رحله زید بن الصلت القینقاعی و کان یهودیا فأسلم و نافق فقال زید و هو فی رحل عمارة و عمارة عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أ لیس محمد یزعم أنه نبیّ و یخبرکم عن خبر السماء و هو لا یدری أین ناقته فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و عمارة
عنده انّ رجلا قال هذا محمد یخبرکم أنه نبیّ و یزعم أنه یخبر بأمر السماء و هو لا یدری أین ناقته و انی و اللّه لا أعلم الا ما علمنی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:127
اللّه و قد دلنی اللّه علیها و هی فی الوادی من شعب کذا و کذا و أشار الی الشعب و قد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتی تأتونی بها فذهبوا فجاءوا بها رواه البیهقی و أبو نعیم فرجع عمارة بن حزم الی رحله فقال و اللّه لعجب من شی‌ء حدّثنا به رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم آنفا عن مقالة قائل أخبره اللّه عنه للذی قال زید بن الصلت فقال رجل ممن کان فی رحل عمارة و لم یحضر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم زید و اللّه قال هذه المقالة قبل أن تأتی فأقبل عمارة علی زید یجأ فی عنقه و یقول یا عباد اللّه انّ فی رحلی الداهیة و ما أشعر اخرج أی عدوّ اللّه من رحلی فلا تصاحبنی فزعم بعض الناس أنّ زیدا تاب بعد ذلک و قال بعضهم لم یزل متهما بشر حتی مات کذا فی الاکتفاء* و فی معالم التنزیل أوردها فی غزوة المر یسیع ثم مضی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سائرا فجعل یتخلف عنه الرجل فیقولون یا رسول اللّه تخلف فلان فیقول دعوه فان یک فیه خیر فسیلحقه اللّه بکم و ان یکن غیر ذلک فقد أراحکم اللّه منه کما مرّ آنفا حتی قیل یا رسول اللّه تخلف أبو ذرّ و أبطأ به بعیره فقال دعوه فان یک فیه خیر فسیلحقه اللّه بکم و ان یک غیر ذلک فقد أراحکم اللّه منه و تلوّم أبو ذرّ علی بعیره فلما أبطأ علیه أخذ متاعه فحمله علی ظهره ثم خرج یتتبع أثر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ماشیا و نزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی بعض منازله فنظر ناظر من المسلمین فقال یا رسول اللّه هذا رجل یمشی فی الطریق وحده فقال صلی اللّه علیه و سلم کن أبا ذرّ فلما تأمّله القوم قالوا یا رسول اللّه هو و اللّه أبو ذرّ فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رحم اللّه أبا ذرّ یمشی وحده و یموت وحده و یبعث وحده فقضی اللّه سبحانه و تعالی انّ أبا ذرّ لما أخرجه عثمان رضی اللّه عنه الی الربدة و أدرکته بها منیته لم یکن معه أحد الا امرأته و غلامه فأوصاهما أن غسلانی و کفنانی ثم ضعانی علی قارعة الطریق فأوّل رکب یمرّ بکم فقولا هذا أبو ذرّ صاحب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأعینونا علی دفنه فلما مات فعلا به کما أوصی فأقبل عبد اللّه بن مسعود فی رهط من العراق عمار فلم یرعهم الا بالجنازة علی قارعة الطریق قد کادت الابل تطؤها فقام إلیهم الغلام و قال هذا أبو ذرّ صاحب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأعینونا علی دفنه فاستهلّ عبد اللّه بن مسعود و هو یبکی و یقول صدق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تمشی وحدک و تموت وحدک و تبعث وحدک ثم نزل هو و أصحابه فواروه بالتراب ثم حدّثهم عبد اللّه بن مسعود حدیثه و ما قال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی مسیره الی تبوک* و فی المنتقی قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انکم ستأتون غدا ان شاء اللّه تعالی عین تبوک و انکم لن تأتوها حتی یضحی النهار فمن جاءها فلا یمس من مائها شیئا حتی آتی قال معاذ فجئناها و قد سبقنا إلیها رجلان و العین مثل الشراک تبض بشی‌ء قلیل من الماء فسألهما النبیّ صلی اللّه علیه و سلم هل مستما من مائها شیئا فقالا نعم فقال لهما ما شاء اللّه أن یقول ثم أمر برفع ماء منها فرفعوا له من تلک العین قلیلا قلیلا حتی اجتمع شی‌ء ثم غسل صلی اللّه علیه و سلم فیه وجهه و یدیه ثم أعاده فیها فجاءت العین بعد ذلک بماء کثیر ببرکة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فاستقی الناس و کفاهم* فلما انتهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی تبوک أتاه یحنة بن رؤبة صاحب أیلة فصالح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أعطی الجزیة و أتاه أهل جرباء بالجیم و أذرح بالذال المعجمة و الراء و الحاء المهملة و هما بلدتان بالشام بینهما ثلاثة أیام فأعطوه الجزیة و کتب لهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کتابا فهو عندهم و فیه* بسم اللّه الرحمن الرحیم هذا أمنة من اللّه و محمد النبیّ رسول اللّه لیحنة بن رؤبة و أهل أیلة سفنهم و سیارتهم فی البرّ و البحر لهم ذمّة اللّه و محمد النبیّ و من کان معهم من أهل الشام و أهل
الیمن و أهل البحر فمن أحدث منهم حدثا فانه لا یجوز ماله دون نفسه و انه لطیبة لمن أخذه من الناس و انه لا یحلّ أن یمنعوا ماء یردونه و لا طریقا یسلکونه من برّ أو بحر*

سریة خالد بن الولید الی اکیدر

و فی رجب هذه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:128
السنة کانت سریة خالد بن الولید الی اکیدر* روی أنه بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خالد بن الولید من تبوک فی أربعمائة و عشرین فارسا الی اکیدر بن عبد الملک بدومة الجندل و کان اکیدر ملکهم و کان من کندة و کان نصرانیا قال سعد دومة الجندل طرف من الشام بینها و بین دمشق خمس لیال و بینها و بین المدینة خمس عشرة أو ست عشرة لیلة کما مرّ فی غزوة دومة الجندل و فی خلاصة الوفا قال أبو عبیدة دومة الجندل حصن و قری بین الشام و المدینة قرب جبل طی‌ء و دومة الجندل من القریات من وادی القری و ذکران علیها حصنا حصینا یقال له مازن و هو حصن أکیدر الملک وجه إلیه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم خالد بن الولید من تبوک فقال خالد بن الولید یا رسول اللّه کیف لی به وسط بلاد کلب و انما أنا فی أناس یسیر فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ستلقاه یصید الوحش أو قال البقر فتأخذه فخرج خالد من تبوک و انصرف صلی اللّه علیه و سلم من تبوک راجعا الی المدینة فلما بلغ خالد قریبا من حصنه بمنظر العین و کانت لیلة مقمرة و الوقت صیفا و کان أکیدر علی سطح فی الحصن و معه امرأته الرباب الکندیة أقبلت البقر تحک بقرونها باب الحصن و أشرفت امرأته علی باب الحصن فرأت البقر قالت ما رأیت کاللیلة فأبصرها أکیدر* و فی الاکتفاء قالت امرأته هل رأیت مثل هذا قط قال لا و اللّه قالت فمن یترک هذه قال لا أحد انتهی و کان یضمر لها الخیل شهرا فلما أبصرها نزل فأمر بفرسه فأسرج و أمر بخیل فأسرجت فرکب معه نفر من أهل بیته و معه أخوه حسان فخرجوا من حصنهم و معهم مطاردهم فلحقهم خالد و خیله فاستأسر أکیدر و امتنع حسان فقاتل حتی قتل و هرب من کان معه فدخلوا الحصن و کان علی حسان قباء مخوّص بالذهب فاستلبه خالد و بعث به الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قبل قدومه علیه فجعل المسلمون یلمسونه بأیدیهم و یتعجبون منه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لمنادیل سعد فی الجنة خیر من هذا و کان صلی اللّه علیه و سلم قال لخالد ان ظفرت بأکیدر لا تقتله و ائت به الیّ فان أبی فاقتله فطاوعه أکیدر و قال له خالد هل لک أن أجیرک من القتل حتی آتی بک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی ان تفتح لی دومة الجندل قال نعم لک ذلک فلما صالح خالد أکیدر و أکیدر فی وثاق و مصاد أخو أکیدر فی الحصن أبی مصاد أن یفتح باب الحصن لما رأی أخاه فی الوثاق فطلب أکیدر من خالد أن یصالحه علی شی‌ء حتی یفتح له باب الحصن و ینطلق به و بأخیه الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فیحکم فیهما بما شاء فرضی خالد بذلک فصالحه أکیدر علی ألفی بعیر و ثمانمائة فرس و أربعمائة درع و أربعمائة رمح ففعل خالد و خلی سبیله ففتح له باب الحصن فدخله و حقن دمه و دم أخیه و انطلق بهما الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و النبیّ بالمدینة فلما قدم بهما الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم صالحه علی اعطاء الجزیة و خلی سبیلهما و کتب لهما کتاب أمان* قال ابن منده و أبو نعیم کان أکیدر نصرانیا فأسلم و قال ابن الاثیر بل مات نصرانیا بلا خلاف بین أهل السیر فانه لما صالحه خالد عاد الی حصنه و بقی فیه و ان خالدا حاصره زمن أبی بکر فقتله مشرکا لنقضه العهد فأقام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بتبوک بضع عشرة لیلة و لم یجاوزها ثم انصرف الی المدینة کذا فی الاکتفاء* و فی المواهب اللدنیة قال الدمیاطی و من قبله ابن سعد عشرین لیلة یصلی بها رکعتین و لم یلق کیدا و فی مسند أحمد ان هرقل کتب الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انی مسلم فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کذب هو علی نصرانیته و لابی عبیدة بسند صحیح نحوه و لفظه فقال کذب عدوّ اللّه لیس بمسلم* و فی المواهب اللدنیة کتب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کتابا من تبوک الی هرقل یدعوه الی الاسلام فقارب الاجابة و لم یجب رواه ابن حبان فی صحیحه من حدیث أنس و فی المنتقی أقام بتبوک شهرین و کان ما أخبر به النبیّ صلی اللّه علیه و سلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:129
من تعبیة هرقل جیشه و دنوّه الی أدنی الشام و عزمه علی قتال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم باطلا کذبا و بعث هرقل رجلا من غسان الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ینظر الی صفته و علامته و الی حمرة عینیه و الی خاتم النبوّة الذی بین کتفیه و سأل فاذا هو لا یقبل الصدقة فوعی الرجل أشیاء من صفته صلی اللّه علیه و سلم ثم انصرف الی هرقل فأخبره بها فدعا هرقل قومه الی التصدیق فأبوا علیه حتی خافهم علی ملکه و أسلم هو سرّا منهم و امتنع من قتاله صلی اللّه علیه و سلم*

موت عبد اللّه ذی البجادین‌

و فی هذه السنة فی هذه الغزوة بتبوک مات عبد اللّه ذو البجادین المزنی و هو من اصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و فی الاکتفاء انما سمی ذا البجادین لانه کان ینازع الی الاسلام فیمنعه قومه من ذلک و یضیقون علیه حتی ترکوه فی بجاد و لیس علیه غیره و البجاد هو الکساء الغلیظ الجافی فهرب منهم الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما کان قریبا منه شق بجاده باثنتین فاتزر بواحدة و اشتمل بالاخری ثم أتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقیل له ذو البجادین لذلک و فی القاموس البجاد ککتاب کساء مخطط و فی روایة کان قبل الاسلام بورقاء و هو جبل من جبال مزینة و کان فقیرا فقطعت أمه بجادا باثنتین فاتزر بواحدة و ارتدی بالاخری ثم أقبل الی المدینة فاضطجع فی مسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی السحر و صلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الصبح فأبصره فقال من أنت فقال عبد العزی و کان اسمه ذلک فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أنت عبد اللّه ذو البجادین ثم قال له انزل منی قریبا و کان یکون فی أضیافه و یعلمه القرآن حتی قرأ قرآنا کثیرا و کان رجلا صیتا و کان یقوم فی المسجد فیرفع صوته بالقرآن فقال عمر یا رسول اللّه أ لا تسمع الی هذا الاعرابی یرفع صوته بالقرآن فیمنع الناس القراءة فقال دعه یا عمر فانه خرج مهاجرا الی اللّه و الی رسوله فلما خرجوا الی تبوک خرج معه و قال یا رسول اللّه ادع اللّه لی بالشهادة فقال ائتنی بلحاء سمرة أی قشرها کذا فی القاموس فأتاه بها فأخذها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فربطها علی عضده فقال اللهمّ انی أحرّم أو قال حرم دمه علی الکفار قال یا رسول اللّه لیس هذا ما أردت قال انک اذا خرجت فی سبیل اللّه فأخذتک الحمی و قتلتک فأنت شهید و لا تبال بأیه کان فلما نزلوا تبوک و أقاموا بها أیاما أخذته الحمی فتوفی بها و دفن هناک باللیل و أخذ بلال شعلة من نار فوقف بها علی القبر فکان عبد اللّه بن مسعود یحدّث قال قمت من جوف اللیل و أنا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی غزوة تبوک فرأیت شعلة من نار فی ناحیة العسکر فاتبعتها أنظر إلیها فاذا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أبو بکر و عمر و اذا عبد اللّه ذو البجادین قد مات فاذا هم قد حفروا له و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم نزل فی حفرته و أبو بکر و عمر یدلیانه إلیه و هو یقول أدلیا الیّ أخاکما فدلیاه إلیه فلما هیأه لشقه و وضعه فی اللحد قال اللهمّ انی قد أمسیت راضیا عنه فارض عنه یقول عبد اللّه بن مسعود یا لیتنی کنت أنا صاحب هذه الحفرة* و فی المنتقی و هاجت ریح شدیدة لیلا بتبوک فقال صلی اللّه علیه و سلم هذا لموت منافق عظیم النفاق و لما قدموا المدینة وجدوا منافقا عظیم النفاق قد مات* و فی المنتقی أیضا شاور رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أصحابه فی التقدّم و المسیر إلیهم فقال عمران کنت أمرت بالمسیر فسر فقال صلی اللّه علیه و سلم لو أمرت به ما استشرتکم فیه فقال عمر یا رسول اللّه ان للروم جموعا کثیرة و لیس بها أحد من أهل الاسلام و قد دنوت منه و أفزعهم دنوّک لو رجعت هذه السنة حتی تری أو یحدث اللّه فی ذلک لک أمرا فانصرف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لم یلق کیدا و کان فی الطریق ماء یخرج من وشل یروی الراکب و الراکبین و الثلاثة بواد یقال له وادی المشفق فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من سبقنا الی الماء فلا یستقین منه شیئا حتی نأتیه فسبقه إلیه نفر من المنافقین فاستقوا ما فیه فلما أتاه رسول اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:130
صلی اللّه علیه و سلم وقف علیه فلم یر فیه شیئا فقال من سبقنا الی هذا فقیل یا رسول اللّه فلان و فلان قال أو لم أنهکم أن تستقوا منه شیئا حتی آتیه ثم لعنهم و دعا علیهم ثم نزل و وضع یده تحت الوشل فجعل یصب فی یده ما شاء اللّه أن یصب ثم نضحه به و مسح بیده و دعا بما شاء اللّه أن یدعو به فانخرق من الماء یقول من سمعه ما ان له حسا کحس الصواعق فشرب الناس و استقوا حاجتهم منه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لئن بقیتم أو بقی منکم لتسمعن بهذا الوادی و هو أخصب ما بین یدیه و ما خلفه و روی ان اثنی عشر رجلا أو خمسة عشر رجلا من المنافقین فی مقفله صلی اللّه علیه و سلم من تبوک وقفوا علی العقبة فی الطریق لیفتکوا برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فجاءه جبریل و أمره أن یرسل إلیهم من یضرب وجوه راحلتهم فأرسل حذیفة لذلک ففعل*

هدم مسجد الضرار

و فی هذه السنة کان هدم مسجد الضرار قال ابن اسحاق ثم أقبل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من تبوک حتی نزل بذی أوان بفتح الهمزة بلفظ اوان الحین و الزمان و هو بلد بینه و بین المدینة ساعة من نهار کذا ذکره الطبری و قال البکری ما أحسب الا ان الراء سقطت من بین الواو و الالف و أنه أروان منسوب الی البئر المشهورة جاءه خبر مسجد الضرار من السماء فبعث إلیه من خرّبه و حرّقه و قصته ما روی انه لما اتخذ بنو عمرو بن عوف مسجد قباء فبعثوا الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أن یأتیهم فأتاهم فصلی فیه فحسدهم اخوتهم بنو غنم بن عوف ابن غنم و کانوا من منافقی الانصار فقالوا نبنی مسجدا و نرسل الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فیصلی فیه کما صلی فی مسجد اخواننا و لیصلی فیه أبو عامر الراهب اذا قدم من الشام و کان أبو عامر رجلا منهم و هو أبو حنظلة غسیل الملائکة و کان قد ترهب فی الجاهلیة و تنصر و لبس المسوح فلما قدم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم المدینة قال له أبو عامر ما هذا الذی جئت به قال جئت بالحنیفیة دین ابراهیم قال أبو عامر فانا علیها قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فانک لست علیها قال بلی و لکنک أدخلت فی الحنیفیة ما لیس منها فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ما فعلت و لکنی جئت بها بیضاء نقیة فقال أبو عامر أمات اللّه الکاذب منا طریدا وحیدا غریبا فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم نعم و سماه أبا عامر الفاسق فلما کان یوم أحد جاء أبو عامر فی خمسین رجلا من قومه و قال لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لا أجد قوما یقاتلونک الا قاتلتک معهم فلم یزل یقاتله الی یوم حنین فلما انهزمت هوازن نکص و خرج هاربا الی الشام و أرسل الی المنافقین أن استعدّوا بما استطعتم من قوّة و سلاح و ابنوا لی مسجدا فانی ذاهب الی قیصر ملک الروم فاتی بجند من الروم فأخرج محمدا و أصحابه فبنوا مسجدا الی جنب مسجد قباء و کان الذین بنوه اثنی عشر رجلا جذام ابن خالد هو الذی من داره قد أخرج المسجد و ثعلبة بن حاطب و معتب بن قشیر و أبو حبیبة بن الازعر و عباد بن حنیف أخو سهل بن حنیف و حارثة بن عامر و ابناه مجمع و زید و نیتل بن الحارث و مجرح و بجاد ابنا عثمان و ودیعة بن ثابت و کان یصلی فیه مجمع بن حارثة قال فلما فرغوا منه أتوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو یتجهز الی تبوک فقالوا یا رسول اللّه انا بنینا مسجدا الذی العلة و الحاجة و اللیلة الممطرة و اللیلة الشاتیة و انا نحب أن تأتینا فتصلی لنا فیه و تدعو لنا بالبرکة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انی علی جناح سفر و حال شغل و لو قدمنا ان شاء اللّه أتیناکم فصلینا لکم فیه فلما انصرف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من تبوک و نزل بذی أو ان أتاه المنافقون الذین بنوا مسجد الضرار فسألوه اتیان مسجدهم فدعا بقمیصه لیلبسه و یأتیهم فنزل علیه القرآن و أخبره اللّه عز و جل بخبر مسجد الضرار و ما هموا به فدعا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مالک ابن الدخشم و معن بن عدی و عامر بن السکن و وحشی قاتل حمزة و قال لهم انطلقوا الی هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه و أحرقوه فخرجوا اسراعا حتی أتوا سالم بن عوف و هم رهط مالک بن الدخشم فقال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:131
لهم مالک أنظرونی حتی أخرج إلیکم بنار من أهلی فأخذ سعفا من النخل و أشعل فیه نارا ثم خرجوا یشتدّون حتی دخلوا المسجد فحرقوه و هدموه و تفرّق أهله عنه و أمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أن یتخذ ذلک الموضع کناسا تلقی فیه الجیف و النتن و القمامة و مات أبو عامر الراهب بالشام وحیدا طریدا غریبا و سأل عمر بن الخطاب رجلا منهم ما ذا أعنت فی هذا المسجد فقال أعنت فیه بساریة فقال عمر أبشر بها فی عنقک فی نار جهنم* و روی ان بنی عمرو بن عوف الذین بنوا مسجد قباء سألوا عمر بن الخطاب فی خلافته لیأذن مجمع بن حارثة فیأمّهم فی مسجدهم فقال أ لیس بامام مسجد الضرار فقال له مجمع یا أمیر المؤمنین لا تعجل علیّ فو اللّه لقد صلیت فیه و انی لا أعلم ما أضمروا علیه فلو علمت ما صلیت فیه معهم و کنت غلاما قارئا للقرآن و کانوا شیوخا قد غشوا نفاقهم و کانوا لا یقرءون من القرآن شیئا فصلیت و لا أحببت مما صنعوا شیئا الا انهم یتقرّبون الی اللّه و لا أعلم ما فی أنفسهم فعذره عمر و صدّقه و أمره بالصلاة فی مسجد قباء فهذه قصة مسجد الضرار و لما دنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من المدینة خرج الناس لتلقیه و خرج النساء و الصبیان و الولائد یقلن
طلع البدر علینامن ثنیات الوداع
وجب الشکر علیناما دعا للّه داعی و قد وهم بعض الرواة کما تقدّم و قال انما کان هذا فی مقدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المدینة من مکة و هو وهم ظاهر لان ثنیات الوداع انما هی من ناحیة الشام لا یراها القادم من مکة الی المدینة بل اذا توجه منها الی الشام و قد سبق البحث عنها فی أوّل مجیئه المدینة و فی البخاری لما رجع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من غزوة تبوک فدنا من المدینة قال ان بالمدینة رجالا ما سرتم مسیرا و لا قطعتم وادیا الا کانوا معکم حبسهم العذر و لما أشرف صلی اللّه علیه و سلم علی المدینة قال هذه طابة و هذا أحد جبل یحبنا و نحبه فلما دخل المدینة جاءه من کان تخلف عنه فحلفوا له فعذرهم و استغفر لهم و أرجی أمر کعب و صاحبیه حتی نزلت توبتهم فی قوله تعالی لقد تاب اللّه علی النبیّ و المهاجرین و الانصار الی قوله و علی الثلاثة الذین خلفوا و هم کعب بن مالک و هلال بن أمیة و مرارة ابن الربیع و قدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من تبوک فی رمضان کذا فی الاکتفاء و اللّه سبحانه و تعالی أعلم*

قصة کعب بن مالک‌

قصة کعب بن مالک و ارجاء أمره* فی الاکتفاء قدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المدینة من تبوک و قد کان تخلف عنه من تخلف من المنافقین و أولئک الرهط الثلاثة من المسلمین من غیر شک و لا نفاق کعب بن مالک و مرارة بن الربیع و هلال بن أمیة کما مرّ فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لاصحابه لا تکلمن أحدا من هؤلاء الثلاثة و أتاه من تخلف عنه من المنافقین فجعلوا یحلفون له و یعتذرون فصفح عنهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لم یعذرهم اللّه و لا رسوله فاعتزل المسلمون کلام أولئک النفر الثلاثة فحدّث کعب بن مالک قال ما تخلفت عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی غزوة غزاها قط غیر انی کنت تخلفت عنه فی غزوة بدر و کانت غزوة لم یعاتب اللّه فیها و لا رسوله أحدا تخلف عنها و ذلک ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انما خرج یرید عیر قریش فجمع اللّه بینه و بین عدوّه علی غیر میعاد و لقد شهدت مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم العقبة حین تواثقنا علی الاسلام و ما أحب أن لی بها مشهد بدر و ان کانت غزوة بدر هی أذکر فی الناس منها و کان من خبری حین تخلفت عنه فی غزوة تبوک انی لم أکن قط أقوی و لا أیسر منی حین تخلفت عنه تلک الغزوة و اللّه ما اجتمعت لی راحلتان قط حتی اجتمعتا لی فی تلک الغزوة و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قلما یرید غزوة یغزوها الا ورّی بغیرها حتی کانت تلک الغزوة فغزاها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی حرّ شدید و استقبل غزو عدوّ کثیر فجلا للناس أمرهم لیتأهبوا لذلک أهبة و أخبرهم خبره بوجهه الذی یرید و المسلمون من تبع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:132
رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کثیر لا یجمعهم کتاب حافظ یعنی بذلک الدیوان و غزا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تلک الغزوة حین طابت الثمار و أحنت الظلال و الناس إلیها صفر فتجهز رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و تجهز المسلمون معه و جعلت أغد و لأتجهز معهم فأرجع و لم أقض حاجة فأقول فی نفسی انی قادر علی ذلک ان أردت فلم یزل ذلک یتمادی بی حتی شمر الناس بالجدّ و أصبح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم غادیا و المسلمون معه و لم أقض من جهازی شیئا فقلت لعلی أتجهز بعده بیوم أو یومین ثم ألحق بهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت و لم أقض شیئا ثم غدوت فرجعت و لم أقض شیئا فلم یزل ذلک یتمادی بی حتی أسرعوا و تفارط الغزو فهممت أن أرتحل فأدرکهم و لیتنی فعلت فلم أفعل و جعلت اذا خرجت فی الناس بعد خروج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فطفت فیهم یحزننی اننی لا أری الا رجلا معموها علیه فی النفاق أو رجلا ممن عذره اللّه من الضعفاء و لم یذکرنی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی بلغ تبوک فقال و هو جالس فی القوم بتبوک ما فعل کعب بن مالک فقال رجل من بنی سلمة یا رسول اللّه حبسه برداه و النظر فی عطفیه فقال له معاذ بئس ما قلت و اللّه یا رسول اللّه ما علمنا منه الا خیرا فسکت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما بلغنی أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم توجه قافلا حضرنی بثّی فجعلت أتذکر الکذب و أقول بما ذا أخرج من سخط رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم غدا و أستعین علی ذلک کل ذی رأی من اهلی فلما قیل لی انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قد أظلّ قادما راح عنی الباطل و عرفت أنی لا أنجو منه الا بالصدق فأجمعت أن أصدقه و صبح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المدینة و کان اذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فرکع فیه رکعتین ثم جلس للناس فلما فعل ذلک جاء المخلفون من الاعراب فجعلوا یحلفون له و یعتذرون و کانوا بضعة و ثمانین رجلا فقبل منهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علانیتهم و أیمانهم و یستغفر لهم و یکل سرائرهم الی اللّه تعالی حتی جئت إلیه فسلمت علیه فتبسم تبسم المغضب ثم قال لی تعال فجئت أمشی حتی جلست بین یدیه فقال لی ما خلفک أ لم تکن قد ابتعت ظهرک فقلت بلی و اللّه کنت اشتریت ظهرا و ما کان لی من عذر و اللّه ما کنت قط أقوی و لا أیسر منی حین تخلفت عندک فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أما هذا فقد صدق فقم حتی یقضی اللّه فیک فقمت ثم سألت الناس هل وقع لاحد مثل ما وقع لی قالوا نعم رجلان کان حالهما مثل حالک فقالا مثل ما قلت فقیل لهما مثل ما قیل لک فقلت من هما قالوا مرارة بن الربیع الضمری و هلال بن أمیة الواقفی فذکر و الی رجلین صالحین فیهما اسوة و نهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المسلمین عن کلامنا نحن الثلاثة من بین من تخلف عنه فاجتنبتنا الناس و تغیروا علینا فلبثنا علی ذلک خمسین لیلة فامّا صاحبای فاستکنا و قعدا فی بیوتهما یبکیان و أمّا أنا فکنت أشب القوم و أجلدهم فکنت أخرج و أشهد الصلوات مع المسلمین و أطوف فی الاسواق و لا یکلمنی أحد و آتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأسلم علیه و هو فی مجلسه بعد الصلاة فأقول فی نفسی هل حرّک شفتیه بردّ السلام علیّ أم لا فبینما أنا أمشی بسوق المدینة اذا نبطی من أنباط أهل الشام ممن قدم المدینة بالطعام یبیعه یقول من یدلنی علی کعب بن مالک فطفق الناس یشیرون له حتی اذا جاءنی فدفع الیّ کتابا من ملک غسان فاذا فیه أمّا بعد فانه قد بلغنی أنّ صاحبک قد جفاک و لم یجعلک اللّه بدار هوان و لا مضیعة فألحق بنا نواسک فقلت بعد ما قرأت ذلک الکتاب هذا أیضا من البلاء فألقیته فی التنور و أحرقته حتی مضت أربعون من الخمسین فاذا رسول رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أتانی فقال انّ رسول اللّه یأمرک أن تعتزل امرأتک فقلت أطلقها أم ما ذا أفعل فقال لا بل اعتزلها و لا تقربها و أرسل الی صاحبیّ مثل ذلک فقلت لامرأتی الحقی بأهلک فتکونی عندهم
حتی یقضی اللّه فی هذا الامر فجاءت امرأة هلال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:133
ابن أمیة الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقالت یا رسول اللّه ان هلال بن أمیة شیخ ضائع لیس له خادم فهل تکره أن أخدمه قال لا و لکن لا یقربنک فقالت و اللّه انه ما به حرکة الی شی‌ء فو اللّه ما زال یبکی منذ کان من أمره ما کان الی یومه هذا فقال لی بعض أهلی لو استأذنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی امرأتک فقد أذن لامرأة هلال بن أمیة أن تخدمه فقلت لا أستأذن فیها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و ما یدرینی ما ذا یقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اذا استأذنته و أنا رجل شاب فلبثت بعد ذلک عشر لیال حتی کمل لنا خمسون لیلة من حین نهی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الناس عن کلامنا فلما صلیت صلاة الفجر صبح خمسین لیلة و أنا علی ظهر بیت من بیوتنا فبینما أنا جالس علی الحالة التی ذکرها اللّه قد ضاقت علیّ نفسی و ضاقت علیّ الارض بما رحبت سمعت صوت صارخ أو فی علی جبل سلع بأعلی صوته یا کعب بن مالک أبشر فخررت ساجدا و عرفت أنه قد جاء فرج و آذن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بتوبة اللّه علینا حین صلی صلاة الفجر فذهب الناس یبشروننا فلما جاء الذی سمعت صوته یبشرنی نزعت له ثوبی و کسوته ایاهما ببشراه و اللّه ما أملک غیرهما یومئذ و استعرت ثوبین غیرهما فلبستهما و انطلقت الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فتلقانی الناس فوجا فوجا یهنونی بالتوبة و دخلت المسجد فاذا برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم جالس و حوله الناس فقام الیّ طلحة بن عبید اللّه یهرول حتی صافحنی و هنانی و ما قام الیّ رجل من المهاجرین غیره و لا أنساها لطلحة فلما سلمت علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و وجهه یبرق من السرور قال لی أبشر بخیر یوم مرّ علیک منذ ولدتک أمک فقلت أمن عندک یا رسول اللّه أم من عند اللّه قال لا بل من عند اللّه و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اذا سرّ استنار وجهه حتی کأنه القمر و کنا نعرف ذلک منه فلما جلست بین یدیه قلت یا رسول اللّه انّ من توبتی أن أنخلع من مالی صدقة الی اللّه و الی رسوله فقال صلی اللّه علیه و سلم أمسک علیک بعض مالک فهو خیر لک قلت فانی أمسک سهمی الذی بخیبر فقلت یا رسول اللّه انّ اللّه انما نجانی بالصدق و انّ من توبتی أن لا أحدّث الأصدقاء ما بقیت و أنزل اللّه علی رسوله لقد تاب اللّه علی النبیّ و المهاجرین الی قوله و کونوا مع الصادقین فو اللّه ما أنعم اللّه علیّ من نعمة قط بعد أن هدانی للاسلام أعظم فی نفسی من صدقی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لا أکون کذبته فأهلک کما هلک الذین کذبوا فانّ اللّه قال للذین کذبوا حین أنزل الوحی شرّ ما قال لاحد فقال سیحلفون باللّه لکم اذا انقلبتم إلیهم الی قوله فانّ اللّه لا یرضی عن القوم الفاسقین* قال کعب و کنا تخلفنا نحن الثلاثة عن أمر أولئک الذین قبل منهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین حلفوا له فبایعهم و استغفر لهم و أرجأ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أمرنا حتی قضی اللّه فیه بذلک* قال اللّه تعالی و علی الثلاثة الذین خلفوا و لیس الذی ذکر اللّه من تخلفنا لتخلفنا عن الغزو و انما هو تخلیفه ایانا و ارجاؤه أمرنا و فی الاکتفاء و لکن لتخلیفه ایانا و ارجائه أمرنا عمن حلف له و اعتذر إلیه فقبل منه*

قصة اللعان‌

و فی هذه السنة کان اللعان و فی المواهب اللدنیة و لما قدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من تبوک وجد عویمرا بزیادة الراء بعد المیم هو عویمر بن ابیض العجلانی الانصاری صاحب اللعان کذا فی أسد الغابة و فی المنتقی عویمر ابن الحارث العجلانی امرأته حبلی فلا عن علیه السلام بینهما بعد العصر فی مسجده و قد کان قذفها بشریک بن سمحاء و عن ابن عباس لما نزلت و الذین یرمون المحصنات الآیة قرأها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یوم الجمعة علی المنبر فقام عاصم بن عدی الانصاری فقال جعلنی اللّه فداک ان رأی رجل منا مع امرأته رجلا فأخبر بما رأی جلد ثمانین و سماه المسلمون فاسقا و لا تقبل شهادته أبدا فکیف لنا بالشهداء و نحن اذا التمسنا الشهداء کان الرجل قد فرغ من حاجته و مرّ و کان لعاصم هذا ابن عمّ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:134
یقال له عویمر و له امرأة یقال لها خولة بنت قیس فأتی عویمر عاصما و قال قد رأیت شریک بن السمحاء علی بطن امرأتی خولة بنت قیس فاسترجع عاصم و أتی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی الجمعة الأخری فقال یا رسول اللّه ما أسرع ما ابتلیت بالسؤال الذی سألت فی الجمعة الماضیة فی أهل بیتی و کان عویمر و خولة و شریک کلهم بنو عمّ لعاصم فدعا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بهم جمیعا قال لعویمر اتق اللّه فی زوجتک و ابنة عمک فلا تقذفها بالبهتان فقال یا رسول اللّه أقسم باللّه انی رأیت شریکا علی بطنها و انی ما قربتها منذ أربعة أشهر و انها حبلی من غیری فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم للمرأة اتقی اللّه و لا تخبرینی الا بما صنعت فقالت یا رسول اللّه ان عویمرا رجل غیور و انه رآنی و شریکا نطیل السهر و نتحدّث فحملته الغیرة علی ما قال فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لشریک ما تقول فقال مثل ما قالت المرأة فأنزل اللّه و الذین یرمون أزواجهم الآیة فأمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی نودی الصلاة جامعة فصلی العصر ثم قال لعویمر قم فقام فقال اشهد باللّه انّ خولة لزانیة و انی لمن الصادقین ثم قال فی الثانیة أشهد باللّه انی رأیت شریکا علی بطنها و انی لمن الصادقین ثم قال فی الثالثة أشهد باللّه بأنها حبلی من غیری و انی لمن الصادقین ثم قال فی الرابعة أشهد باللّه انی ما قربتها منذ أربعة أشهر و انی لمن الصادقین ثم قال فی الخامسة لعنة اللّه علی عویمر یعنی نفسه ان کان من الکاذبین فیما قال ثم أمره بالقعود و قال لخولة قومی فقامت و قالت أشهد باللّه ما أنا بزانیة و انّ عویمرا لمن الکاذبین ثم قالت فی الثانیة أشهد باللّه أنه ما رأی شریکا علی بطنی و انه لمن الکاذبین ثم قالت فی الثالثة أشهد باللّه انی حبلی منه و انه لمن الکاذبین ثم قالت فی الرابعة أشهد باللّه انه ما رآنی قط علی فاحشة و انه لمن الکاذبین ثم قالت فی الخامسة أنّ غضب اللّه علی خولة تعنی نفسها ان کان من الصادقین ففرّق صلی اللّه علیه و سلم بینهما و قال لو لا هذه الأیمان لکان فی أمرهما رأی ثم قال تربصوا بها الی حین الولادة فان جاءت بأصیهب أثیج یضرب الی السواد فهو لشریک بن السمحاء و ان جاءت بأورق جعدا جمالیا خدلج الساقین فهو لغیر الذی رمیت به* الأصیهب تصغیر الاصهب و هو الاحمر الاثیج بالجیم تصغیر الاثج و هو واسع الظهر و فی الصحاح الثج ما بین الکاهل الی الظهر یقال رجل جمالی و امرأة جمالیة عظیم الخلق تشبیها بالجمل عظما و بدانة کذا فی الصحاح الخدلج العظیم الخدلجة المرأة الممتلئة الذراعین و الساقین* قال ابن عباس فجاءت بأشبه خلق بشریک و فی روایة فلما فرغا قال عویمر کذبت علیها یا رسول اللّه ان أمسکتها فطلقها ثلاثا فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انظروا فان جاءت به أسحم أدعج العینین عظیم الالیتین خدلج الساقین فلا أحسب عویمرا الاصدق علیها و ان جاءت به أحیمر کأنه وجرة فلا أحسب عویمرا الا کذب علیها فجاءت به علی النعت الذی نعته صلی اللّه علیه و سلم من تصدیق عویمر فکان بعد ذلک ینسب الی أمّه رواه محیی السنة*

اسلام ثقیف‌

و فی هذه السنة کان اسلام ثقیف فی الاکتفاء قدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المدینة من تبوک فی رمضان و قدم فی ذلک الشهر وفد ثقیف و کانت ثقیف بعد قتلهم عروة بن مسعود أقامت أشهرا ثم انهم ائتمروا بینهم و رأوا انهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب و قد بایعوا و أسلموا فمشی عمرو بن أمیة أخو بنی علاج و کان من أدهی العرب الی عبد یالیل بن عمرو حتی دخل داره و کان قبل مهاجرا له للذی بینهما ثم أرسل إلیه أنّ عمرو بن أمیة یقول لک اخرج الیّ فقال عبد یالیل للرّسول ویلک أعمر و أرسلک الیّ قال نعم و ها هو ذا واقفا فی دارک قال انّ هذا شی‌ء ما کنت أظنه لعمرو و کان أمنع فی نفسه من ذلک فخرج إلیه فلما رآه رحب به فقال له عمرو انه قد نزل بنا ما لیست معه هجرة انه قد کان من هذا الرجل ما قد رأیت و قد أسلمت العرب کلها و لیس لکم بحربهم طاقة فانظروا فی أمرکم فعند ذلک ائتمرت ثقیف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:135
بینها و قال بعضهم لبعض أ لا ترون أنه لا یأمن لکم سرب و لا یخرج لکم أحد الا اقتطع فائتمروا بینهم و أجمعوا أن یرسلوا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کما أرسلوا عروة فکلموا عبد یالیل و کان سنّ عروة و عرضوا علیه ذلک فأبی أن یفعل و خشی أن یصنع به اذا رجع کما صنع بعروة فقال لست فاعلا حتی ترسلوا معی رجالا فأجمعوا أن یبعثوا معه رجلین من الاحلاف و ثلاثة من بنی مالک فیکونون ستة فبعثوا مع عبد یالیل الحکم بن عمرو بن وهب بن معتب و شرحبیل بن غیلان بن سلمة بن معتب و من بنی مالک عثمان بن أبی العاص و أوس بن عوف و نمیر بن خرشة فخرج بهم عبد یالیل و هو ناب القوم و صاحب أمرهم و لم یخرج بهم الا خشیة من مثل ما صنعوا بعروة بن مسعود لکی یشغل کل رجل منهم اذا رجعوا الی الطائف رهطه فلما دنوا من المدینة و نزلوا قناة ألفوا بها المغیرة بن شعبة یرعی فی نوبته رکاب أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کانت رعیتها نوبا علیهم فلما رآهم ترک الرکاب عند الثقفیین و صار یشتد یبشر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بقدومهم فلقیه أبو بکر الصدّیق قبل أن یدخل علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبره بقدومهم یریدون البیعة و الاسلام و أن یشترطوا شروطا و یکتبوا من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کتابا فقال أبو بکر للمغیرة رضی اللّه عنهما أقسمت علیک باللّه لا تسبقنی الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی أکون أنا أحدّثه ففعل المغیرة فدخل أبو بکر علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأخبره بذلک ثم خرج المغیرة الی أصحابه فروّح الظهر معهم و علمهم کیف یحیون رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلم یفعلوا الا بتحیة الجاهلیة و لما قدموا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ضرب علیهم قبة فی ناحیة مسجده کما یزعمون و کان خالد بن سعید هو الذی یمشی بینهم و بین رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین اکتتبوا کتابهم کتبه خالد بیده و کانوا لا یطعمون طعاما یأتیهم من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی یأکل منه خالد حتی أسلموا و فرغوا من کتابهم و قد کان فیما سألوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن یدع لهم الطاغیة و هی اللات لا یهدمها ثلاث سنین فأبی ذلک علیهم فما برحوا یسألونه سنة سنة و یأبی حتی سألوه شهرا واحدا بعد مقدمهم فأبی علیهم أن یدعها شیئا مسمی و انما یریدون بذلک فیما یظهرون أن یسلموا بترکها من سفهائهم و نسائهم و ذراریهم و یکرهون أن یروّعوا قومهم بهدمها حتی یدخلهم الاسلام فأبی علیهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الا أن یبعث أبا سفیان بن حرب و المغیرة بن شعبة فیهدمانها و قد کانوا سألوه مع ترک الطاغیة أن یعفیهم من الصلاة و أن لا یکسروا أوثانهم بأیدیهم فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أما کسر أوثانکم فسنعفیکم منها و أما الصلاة فانه لا خیر فی دین لا صلاة فیه فلما أسلموا و کتب لهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أمّر علیهم عثمان بن أبی العاص و کان من أحدثهم سنا فقال أبو بکر لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یا رسول اللّه انی قد رأیت هذا الغلام من أحرصهم علی التفقه فی الاسلام و تعلم القرآن فحدث عثمان بن أبی العاص قال کان من آخر ما عهد الیّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین بعثنی علی ثقیف أن قال یا عثمان تجاوز فی صلاتک و اقدر الناس بأضعفهم فانّ فیهم الکبیر و الصغیر و الضعیف و ذا الحاجة فلما فرغوا من أمرهم و توجهوا راجعین الی بلادهم بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم معهم أبا سفیان بن حرب و المغیرة بن شعبة فی هدم الطاغیة فخرجا مع القوم حتی اذا قدموا الطائف أراد المغیرة أن یقدّم أبا سفیان فأبی ذلک أبو سفیان و قال ادخل أنت علی قومک و أقام أبو سفیان بماله بذی الهرم فلما دخل علاها یضربها بالمعول و قام دونه قومه بنو معتب خشیة أن یرمی أو یصاب کما أصیب عروة و خرج نساء ثقیف حسرا یبکین علیها و یقلن* لتبکین دفاع* أسلمها الرضاع* لم یحسنوا المصاع* فلما هدمها المغیرة و أخذ مالها و حلیها أرسل الی أبی سفیان و حلیها مجموع و مالها
من الذهب و الجزع و قد کان أبو ملیح بن عروة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:136
و قارب بن الاسود قدما علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قبل وفد ثقیف حین قتل عروة یرید ان فراق ثقیف و أن لا یجامعهم علی شی‌ء أبدا فأسلما فقال لهما رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تولیا من شئتما فقالا لا نتولی الا اللّه و رسوله فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و خالکما أبا سفیان بن حرب فقالا و خالنا أبا سفیان فلما أسلم أهل الطائف و وجه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبا سفیان و المغیرة الی هدم الطاغیة سأل أبو ملیح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن یقضی عن أبیه عروة دینا کان علیه من مال الطاغیة فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم نعم فقال له قارب بن الاسود و عن الاسود یا رسول اللّه فاقضه و عروة و الاسود أخوان لأب و أمّ فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انّ الاسود مات مشرکا فقال قارب یا رسول اللّه لکن تصل مسلما ذا قرابة یعنی نفسه انما الدین علیّ و أنا الذی أطالب به فأمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبا سفیان ان یقضی دین عروة و الاسود من مال الطاغیة فلما جمع المغیرة مالها ذکر أبا سفیان بذلک فقضی منه عنهما* هکذا ذکر ابن اسحاق اسلام أهل الطائف بعقب غزوة تبوک فی رمضان من سنة تسع قبل حج أبی بکر بالناس آخر تلک السنة و جعل ابن عقبة قدوم عروة علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و مقتله فی قومه و اسلام ثقیف کل ذلک بعد صدر أبی بکر رضی اللّه عنه من حجه و بین حدیثه و حدیث ابن اسحاق بعض اختلاف رأیت ذکر حدیث ابن عقبة و ان کان أکثره معادا لاجل ذلک الاختلاف ثم أذکر بعده حجة أبی بکر فی الموضع الذی ذکرها فیه ابن اسحاق* قال موسی ابن عقبة فلما صدر أبو بکر من حجه بالناس قدم عروة بن مسعود الثقفی علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأسلم ثم استأذن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی الرجوع الی قومه فقال له انی أخاف أن یقتلوک قال لو وجدونی نائما ما أیقظونی فأذن له فرجع الی الطائف و قدمها عشاء فجاءته ثقیف یسلمون علیه فدعاهم الی الاسلام و نصح لهم فاتهموه و أغصوه و أسمعوه من الاذی ما لم یکن یخشاه منهم فخرجوا من عنده حتی اذا سحر و سطع الفجر قام عروة علی غرفة فی داره و تشهد فرماه رجل من ثقیف بسهم فقتله فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما بلغه قتله مثل عروة مثل صاحب یس دعا قومه الی اللّه فقتلوه و أقبل بعد قتله وفد من ثقیف بضعة عشر رجلاهم أشراف ثقیف و فیهم کنانة بن عبد یالیل و هو رأسهم یومئذ و فیهم عثمان بن أبی العاص و هو أصغر القوم حتی قدموا علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المدینة یریدون الصلح حین رأوا أن قد فتحت مکة و أسلمت عامة العرب فقال المغیرة بن شعبة یا رسول اللّه أنزل علیّ قومی أکرمهم بذلک فانی الحازم فیهم قال لا أمنعک أن تکرم قومک و لکن تنزلهم حیث یسمعون القرآن و یرون الناس فأنزلهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی المسجد و بنی لهم خیاما لکی یستمعوا القرآن و یروا الناس اذا صلوا و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اذا خطب لم یذکر نفسه فلما سمعه وفد ثقیف قالوا یأمرنا أن نشهد أنه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لا یشهد به فی خطبته فلما بلغه قولهم قال فانی أوّل من یشهد أنی رسول اللّه و کانوا یغدون علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کل یوم و یخلفون عثمان بن أبی العاص علی رحالهم لانه أصغرهم و کان عثمان کلما رجع الوفد إلیه و قالوا بالهاجرة عمد الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و سأله عن الدین و استقرأه القرآن فاختلف إلیه عثمان مرارا حتی فقه فی الدین و علم و کان اذا وجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم نائما عمد الی أبی بکر و کان یکتم ذلک من أصحابه فأعجب ذلک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أحبه و مکث الوفد یختلفون الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو یدعوهم الی الاسلام فقال له کنانة بن عبد یالیل هل أنت تقاضینا حتی نرجع الی قومنا ثم نرجع إلیه فقال نعم ان أنتم أقررتم
بالاسلام قاضیتکم و الا فلا قضیة و لا صلح بینی و بینکم قالوا رأیت الزنا فانا قوم نغترب و لا بدّ لنا منه قال هو علیکم حرام فانّ اللّه تعالی یقول و لا تقربوا الزنا انه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:137
کان فاحشة و ساء سبیلا قالوا فالربا قال و الربا قالوا انه أموالنا کلها قال فلکم رءوس أموالکم فقد قال اللّه تعالی یا أیها الذین آمنوا اتقوا اللّه و ذروا ما بقی من الربا ان کنتم مؤمنین قالوا فالخمر فانها عصیر أرضنا فلا بدّ لنا منها قال فانّ اللّه تعالی حرّمها فقد قال اللّه تعالی یا أیها الذین آمنوا انما الخمر و المیسر و الانصاب و الازلام رجس من عمل الشیطان فاجتنبوه لعلکم تفلحون فارتفع القوم و خلا بعضهم الی بعض فقالوا و یحکم انا نخاف ان خالفناه یوما کیوم مکة انطلقوا فأعطوه ما سأل و أجیبوه فأتوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقالوا لک ما سألت أ رأیت الربة ما ذا نصنع فیها قال اهدموها فقالوا هیهات لو تعلم الربة انا نرید هدمها لقتلت أهلنا فقال عمر و یحک یا ابن عبد یالیل ما أحمقک انما الربة حجر قال انا لم نأتک یا ابن الخطاب ثم قال یا رسول اللّه تول أنت هدمها فانا نخاف أن نهدمها فقال کنانة ائذن لنا قبل یا رسول اللّه ثم ابعث فی آثارنا فانی أعلم بقومی فأذن لهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أکرمهم فقالوا یا رسول اللّه أمّر علینا رجلا یؤمّنا فأمّر علیهم عثمان بن ابی العاص لما رأی من حرصه علی الاسلام و قد کان علم سورا من القرآن قبل أن یخرج* قال کنانة لاصحابه أنا أعلمکم بثقیف فاکتموهم اسلامکم و خوّفوهم الحرب و القتال و أخبروهم أنّ محمدا سألنا أمورا أبیناها علیه سألنا أن نهدم اللات و نبطل أموالنا فی الربا و نحرّم الخمر فخرجوا حتی اذا دنوا من الطائف خرجت إلیهم ثقیف یتلقونهم فلما رأوهم قد ساروا العنق و قطروا الابل و تغشوا ثیابهم کهیئة القوم قد حربوا و کربوا قالت ثقیف بعضهم لبعض ما جاؤکم بخیر فلما دخلوا حصنهم عمدوا اللات فجلسوا عندها و اللات بیت کانوا یتعبدونه و یسترونه و یهدون له الهدی یضاهون به البیت الحرام ثم رجع کل واحد منهم الی أهله فجاء کل رجل حامیته من ثقیف فسألوه ما ذا جئتم به قالوا أتینا رجلا فظا غلیظا یأخذ من أمره ما شاء قد ظهر بالسیف و أداخ العرب و دان الناس له فعرض علینا أمورا شدادا هدم اللات و ترک الاموال فی الربا الا رءوس أموالکم و حرّم الخمر و الزنا قالت ثقیف و اللّه لا نقبل هذا أبدا فقال الوفد أصلحوا السلاح و تهیئوا للقتال و شیدوا حصونکم و رمّوها أی عمروها فمکثت ثقیف بذلک یومین أو ثلاثة ترید القتال ثم ألقی اللّه الرعب فی قلوبهم فقالوا و اللّه ما لنا به طاقة أداخ العرب کلها فارجعوا إلیه فأعطوه ما سأل و صالحوا علیه فلما رأی الوفد أنهم قد رغبوا و اختاروا الأمن علی الخوف و علی الحرب قالوا لهم انا قد فرغنا من ذلک قد قاضیناه و أسلمنا و أعطانا ما أحببنا و اشترطنا ما أردنا و وجدناه أتقی الناس و أوفاهم و أرحمهم و أصدقهم و قد بورک لکم و لنا فی سفرنا و مسیرنا إلیه و فیما قاضیناه علیه فقالت ثقیف فلم کتمتم علینا هذا الحدیث و غممتمونا بذلک أشدّ الغمّ قالوا أردنا أن ینزع اللّه من قلوبکم نخوة الشیطان فأسلموا مکانهم و استسلموا

هدم اللات‌

فمکثوا أیاما ثم قدم علیهم رسل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قد أمّر علیهم خالد بن الولید و فیهم المغیرة بن شعبة فلما قدموا علیهم عمدوا اللات لیهدموها فتکفأت ثقیف کلها الرجال و النساء و الصبیان حتی خرج العواتق من الحجال و هم لا یرون أنها تهدم و یظنون أنها ستمنع فقام المغیرة بن شعبة فقال لاصحابه لأضحکنکم من ثقیف فأخذ الکرزن فضرب به ثم أخذ یرتکض فارتج أهل الطائف بضجة واحدة و قالوا أبعد اللّه المغیرة قد قتلته الربة و فرحوا حین رأوه ساقطا و قالوا من شاء منکم فلیقرب و لیجهد علی هدمها و اللّه لا تستطاع أبدا فوثب المغیرة فقال قبحکم اللّه یا معشر ثقیف انما هی لکاع حجارة و مدر ثم ضرب الباب فکسره ثم علا علی سورها و علا الرجال معه فما زالوا یهدمونها حجرا حجرا حتی سووها بالارض و جعل صاحب المفاتیح یقول لیغضبن الاساس فلیخسفن بهم فلما سمع ذلک المغیرة قال لخالد عنی أحفر أساسها فحفروها حتی أخرجوا ترابها و أخذوا حلیها و ثیابها فبهتت ثقیف و انصرف الوفد الی رسول اللّه صلی اللّه علیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:138
و سلم بحلیها و کسوتها فقسمه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من یومه و حمد اللّه علی نصرة نبیه و اعزاز دینه‌

* کتاب ملوک حمیر

و فی هذه السنة قدم علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کتاب ملوک حمیر مقدمه من تبوک سنة تسع و هم الحارث بن عبد کلال و نعیم بن عبد کلال و النعمان قیل ذی رعین و همدان و معافر و رسولهم إلیه صلی اللّه علیه و سلم مالک بن مرّة الرهاوی فی الصحاح القیل ملک من ملوک حمیر دون الملک الاعظم* و فی القاموس أصله قیل کفیعل سمی به لانه یقول ما شاء فینفذ* و فی القاموس أیضا و ذو رعین ملک حمیر و رعین کزبیر حصن له أو جبل فیه حصن و مخلاف آخر بالیمن قال الواقدی بعث زرعة ذی یزن الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مالک بن مرّة الرهاوی باسلام حمیر و مفارقتهم الشرک و أهله و قد کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی مسیره الی تبوک یقول انی بشرت بالکنزین فارس و الروم و أمددت بالملوک ملوک حمیر یأکلون فی‌ء اللّه و یجاهدون فی سبیل اللّه فلما قدم مالک بن مرّة باسلامهم کتب إلیهم* بسم اللّه الرحمن الرحیم من محمد رسول اللّه النبیّ الی الحارث بن کلال و الی نعیم بن کلال و الی النعمان قیل ذی رعین و معافر و همدان أمّا بعد ذلکم فانی أحمد إلیکم اللّه الذی لا إله الا هو أمّا بعد فانه قد وقع بنا رسولکم منقلبنا من أرض الروم فلقینا بالمدینة فبلغ ما أرسلتم به و خبر ما قبلکم و أنبأنا باسلامکم و قتلکم المشرکین و انّ اللّه قد هداکم بهداه ان أصلحتم و أطعتم اللّه و رسوله و أقمتم الصلاة و آتیتم الزکاة و أعطیتم من المغانم خمس اللّه و سهم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم وصفیه و ما کتب علی المؤمنین من الصدقة و بین لهم صدقة الزرع و الابل و البقر و الغنم ثم قال فمن زاد خیرا فهو خیر له و من أدّی ذلک و أشهد علی اسلامه و ظاهر المؤمنین علی المشرکین فانه من المؤمنین له مالهم و علیه ما علیهم و من کان علی یهودیته أو نصرانیته فانه لا یردّ عنها و علیه الحزیة علی کل حال ذکر أو أنثی حرّ أو عبد دینار واف من قیمة المعافر أو عوضه ثیابا فمن أدّی ذلک الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فان له ذمة اللّه و ذمة رسوله و من منعه فانه عدوّ للّه و لرسوله أما بعد فانّ محمدا النبیّ أرسل الی زرعة ذی یزن أن اذا أتاکم رسلی فأوصیکم بهم خیرا معاذ بن جبل و عبد اللّه بن زید و مالک بن عبادة و عقبة بن نمر و مالک بن مرّة و أصحابهم و اذا جمعوا عندکم من الصدقة أو الجزیة من مخالیفکم فأبلغوها رسلی فان أمیرهم ابن جبل فلا ینقلبن الا راضیا أمّا بعد فانّ محمدا یشهد أن لا إله الا اللّه و أنه عبده و رسوله ثم انّ مالک بن مرّة الرهاوی قد حدّثنی انک قد أسلمت من أوّل حمیر و قتلت المشرکین فأبشر بخبر و آمرک بحمیر خیرا و لا تخاونوا و* لا تخاذلوا فانّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هو مولی غنیکم و فقیرکم و انّ الصدقة لا تحلّ لمحمد و لا لأهل بیته انما هی زکاة یزکی بها علی فقراء المسلمین و ابن السبیل و ان مالکا قد بلغ الخبر و حفظ الطیب و آمرکم به خیرا و انی قد أرسلت إلیکم من صالحی أهلی و خیرتهم و أولی علمهم و آمرکم بهم حیرا فانه منظور إلیهم و السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته* فهذا ما ذکره ابن اسحاق من شأن ملوک حمیر و ما کتبوا به و کتب إلیهم و ذکر الواقدی أیضا نحوه و لا ذکر للمهاجرین أبی أمیة فی شی‌ء من ذلک الا أنّ ابن اسحاق و الواقدی ذکرا أن قدوم رسول ملوک حمیر علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان مقدمه من تبوک و ذلک فی سنة تسع و توجیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الرسل الی الملوک انما کان بعد انصرافه من الحدیبیة آخر سنة ست فلعلّ المهاجر و اللّه أعلم کان توجهه حینئذ الی الحارث بن عبد کلال فصادف منه عامئذ تردّدا و استنظارا ثم جلا اللّه عنه العمی فیما بعد و آثره بهدایته فاستبان له القصد فعند ذلک أرسل هو و أصحابه باسلامهم الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و بذلک یجتمع الامران و یصح الخبران اذ لا خلاف بین أهل العلم بالاخبار و العنایة بالسیر أنّ ملوک حمیر أسلموا و کتبوا
باسلامهم الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کما انه لا خلاف بینهم أیضا فی توجیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:139
المهاجرین أبی أمیة المخزومی و هو شقیق أمّ سلمة زوج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی الحارث بن عبد کلال و یقول بعض من ذکر ذلک أنّ المهاجر لما قدم علیه قال له یا حارث انک کنت أوّل من عرض علیه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم نفسه فخطئت عنه و أنت أعظم الملوک قدرا فاذا نظرت فی غلبة الملوک فانظر فی غالب الملوک و اذا سرّک یومک فخف غدک و قد کانت قبلک ملوک ذهبت آثارها و بقیت أخبارها عاشوا دهرا طویلا و أملوا أملا بعیدا و تزوّدوا قلیلا منهم من أدرکه الموت و منهم من أکلته النقم و انی أدعوک الی الرب الذی ان أردت الهدی لم یمنعک و ان أرادک لم یمنعک منه أحد و أدعوک الی النبیّ الأمی الذی لیس شی‌ء أحسن مما یأمر به و لا أقبح مما ینهی عنه و اعلم انّ لک ربا یمیت الحیّ و یحیی المیت و یعلم خائنة الاعین و ما تخفی الصدور فقال الحارث قد کان هذا النبیّ عرض علیّ نفسه فخطئت و قد کان ذخرا لمن صار إلیه و کان أمره أمر اسبق فحصره الیأس و غاب عنه الطمع و لم تکن لی قرابة أحتمله علیها و لا لی فیه هوی أتبعه له غیر أنی أری أمرا لم یؤسسه الکذب و لم یسنده الباطل له بدء سارّ و عاقبة نافعة و سأنظر*

رجم الغامدیة

و فی هذه السنة رجم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المرأة الغامدیة روی ان امرأة من غامد من أزد جاءت الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقالت یا نبیّ اللّه انی قد زنیت و أنا أرید أن تطهرنی فقال لها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ارجعی فلما کان من الغد أتته أیضا و اعترفت عنده بالزنا کما قالت له أوّل یوم فقال لها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ارجعی فلما کان من الغد أتته أیضا فاعترفت عنده بالزنا و قالت یا نبیّ اللّه طهرنی فلعلک تردّنی کما رددت ماعز بن مالک فو اللّه انی لحبلی من الزنا* و قصة ماعز بن مالک أنه جاء الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه طهرنی فقال له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و یحک ارجع فاستغفر اللّه و تب إلیه فرجع غیر بعید ثم جاء فقال یا رسول اللّه طهرنی فقال له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مثل ذلک حتی اذا کانت الرابعة قال له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مم أطهرک قال من الزنا فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبه جنون فأخبر انه لیس بمجنون قال أشرب الخمر فقام رجل و استنکه فمه فلم یجد منه ریح خمر قط فقال أ زنیت قال نعم* و عن ابن عباس أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال له لعلک قبلت أو غمزت أو نظرت قال لا قال أنکتها لا یکنی قال نعم فأمر برجمه فرجم فلبثوا یومین أو ثلاثة أیام ثم جاء رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال استغفروا لما عز بن مالک لقد تاب توبة لو قسمت بین أمّة محمد لوسعتهم* و لما قالت الغامدیة انی لحبلی من الزنا قال لها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ارجعی حتی تلدی فلما ولدت جاءت بالصبیّ تحمله فقالت یا نبیّ اللّه هذا الولد ولدته فقال لها اذهبی به فأرضعیه حتی تفطمیه فلما فطمته جاءت بالصبیّ فی یده کسرة خبز قالت یا نبیّ اللّه هذا فطمته فأمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالصبیّ فدفع الی رجل من المسلمین ثم أمر بها فحفر لها حفرة و جعلت فیها الی صدرها ثم أمر الناس أن یرجموها فأقبل خالد بن الولید بحجر فرمی رأسها فنضح الدم علی وجه خالد فسبها فسمع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم سبه ایاها فقال مهلا یا خالد لا تسبها فو الذی نفسی بیده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مکس لغفر له فأمر بها فصلی علیها و دفنت*

وفاة النجاشی‌

و فی رجب هذه السنة توفی النجاشی* فی المغرب النجاشی ملک الحبشة بتخفیف الیاء سماعا من الثقات و هو اختیار الفاریابی و عن صاحب التکملة بالتشدید و عن الغوری کلتا اللغتین و أما تشدید الجیم فخطأ و اسمه أصحمة و هو الذی هاجر إلیه المسلمون و أسلم و له الافعال الجمیلة و الاعانة للمسلمین فنعاه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی المسلمین و خرج الی المصلی وصف أصحابه خلفه و کبر علیه أربع تکبیرات* روی أنه رفع الحجاب حتی یراه الصحابة علی سریره بالحبشة و هم بالمدینة* و روی انه لما مات النجاشی لا یزال یری علی قبره نور و قد مرّ فی الموطن السادس* و فی سیرة مغلطای قد روی الصلاة علی الغائب تسعة من الصحابة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:140
أو هریرة و ابن عباس و أنس و بریدة و زید بن ثابت و عامر بن ربیعة و أبو قتادة و سهیل بن حنیف و عبیدة ابن الصامت و حدیثه مرسل کذا قال السهیلی و زید علیه یزید بن ثابت و عقبة بن عامر و أبو سعید الخدری و سعید بن المسیب و ان کان حدیثه مرسلا فقد أسند*

وفاة أم کلثوم‌

و فی هذه السنة توفیت أمّ کلثوم ابنة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان أوّلا تزوّجها عتیبة بن أبی لهب قبل النبوّة فلما نزلت تبت یدا أبی لهب و تب قال له أبوه رأسی من رأسک حرام ان لم تطلق ابنته ففارقها و لم یکن دخل بها بعد و قد مرّ فی الباب الثالث فی السنة الخامسة و العشرین من المولد و لم تزل أم کلثوم بمکة مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم هاجرت الی المدینة فلما توفیت رقیة خلف علیها عثمان أم کلثوم فی السنة الثالثة من الهجرة و ماتت عنده فی هذه السنة التاسعة فغسلتها أسماء بنت عمیس وصفیة بنت عبد المطلب و أم عطیة* روی انه لما توفیت أمّ کلثوم حزن عثمان حزنا شدیدا قال صلی اللّه علیه و سلم لو کانت عندی ثالثة لزوّجتکها یا عثمان و جلس صلی اللّه علیه و سلم علی قبرها و قال محمد بن عبد الرحمن بن زرارة رأیت عینیه تدمعان و قال صلی اللّه علیه و سلم هل منکم أحد لم یقارف اللیلة أهله فقال أبو طلحة أنا یا رسول اللّه فقال انزل یعنی وارها فنزل فی قبرها أبو طلحة*

وفاة ابن سلول‌

و فی هذه السنة مات عبد اللّه بن أبی بن الحارث بن عبید المشهور بابن سلول امرأة من خزاعة و هی أمّ أبی بن مالک بن سالم بن غنم بن عمرو بن الخزرج کان عبد اللّه سید الخزرج فی آخر جاهلیتهم فقدم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المدینة و قد جمعوا له خرزا یتوجّونه فحسد ابن أبی ابن سلول رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و نافق فاتضع شرفه و هو ابن خالة أبی عامر الراهب و کان لعبد اللّه بن أبی ابن اسمه عبد اللّه أیضا فأسلم و شهد بدرا و کان یغمه حال أبیه و تثقل علیه صحبة المنافقین فمرض ابن أبی عشرین یوما بعد أن رجع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من تبوک و مات فی ذی القعدة و قد مرّ فی الموطن الخامس انه مات فی السنة الخامسة فأتاه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فشهده و صلی علیه و وقف علی قبره و عزی ابنه علیه عند القبر* و روی انه بعث عبد اللّه ابن أبی ابن سلول الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی مرضه فلما دخل علیه قال أهلکک حب یهود قال یا رسول اللّه انی لم أبعث إلیک لتؤذینی و لکنی بعثت إلیک لتستغفر لی فسأله أن یکفنه فی قمیصه و یصلی علیه* و روی انه لما مات ابن أبی دعی له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لیصلی علیه فلما قام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لیصلی علیه وثب إلیه عمر و قال یا رسول اللّه أ تصلی علی ابن أبی و قد قال یوم کذا و کذا کذا و کذا و عدّد قوله فتبسم له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قال أخر عنی یا عمر فلما أکثر علیه قال انی خیرت فاخترت و لو أعلم أنی ان زدت علی السبعین یغفر له لزدت علیها فصلی علیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم انصرف فلم یمکث الا یسیرا حتی نزلت الآیتان من براءة و لا تصل علی أحد منهم مات أبدا و لا تقم علی قبره الی قوله و هم فاسقون قال عمر فعجبت من جراءتی علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یومئذ و اللّه و رسوله أعلم* و عن جابر بن عبد اللّه قال أتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عبد اللّه بن أبی بعد ما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضع علی رکبتیه و نفث فیه من ریقه و ألبسه قمیصه و کان کسا عباسا قمیصا* و عن أبی هریرة کان علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قمیصان فقال له ابن عبد اللّه یا رسول اللّه ألبسه قمیصک الذی یلی جسدک* و عن جابر قال لما کان یوم بدر و أتی بالعباس و لم یکن علیه ثوب فوجدوا قمیص عبد اللّه بن أبی یقدر علیه کساه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ایاه فلذلک نزع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قمیصه الذی لبسه و ألبسه له* و قال ابن عیینة کانت له عند النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ید و أحب أن یکافئه* و روی ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کلمه أصحابه فیما فعل لعبد اللّه بن أبی فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و ما یغنی عنه قمیصی و صلاتی و اللّه انی کنت أرجو أن یسلم به ألف من
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:141
قومه و کان کما رجا صلی اللّه علیه و سلم فان الخزرج لما رأوه عند وفاته یستشفی بثوب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أسلم ألف رجل منهم*

حج أبی بکر بالناس‌

و فی ذی القعدة الحرام من هذه السنة علی القول الاصح حج أبو بکر ذکره ابن سعد و غیره بسند صحیح عن مجاهد و وافقه عکرمة بن خالد فیما أخرجه الحاکم فی الاکلیل و قال قوم فی ذی الحجة الحرام و به قال الداودی و الثعلبی و الماوردی و محمد بن سعد و یؤیده ان ابن اسحاق صرّح بأن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أقام بعد ما رجع من تبوک رمضان و شوّالا و ذا القعدة ثم بعث أبا بکر علی الحج فهو ظاهر فی أن بعث أبی بکر کان بعد انسلاخ ذی القعدة فیکون حجه فی ذی الحجة علی هذا و اللّه أعلم ثم حج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی العام القابل فی ذی الحجة فذلک حین قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ان الزمان قد استدار کهیئته یوم خلق اللّه السموات و الارض و ذلک ان العرب کانوا یستعملون النسی‌ء فیؤخرون الحج الی صفر ثم کذلک حتی تتدافع الشهور فیستدیر التحریم علی السنة کلها و قد مرّ فی الرکن الاوّل فی تاریخ مولده صلی اللّه علیه و سلم* و فی أنوار التنزیل النسی‌ء تأخیر حرمة الشهر الی شهر آخر کانوا اذا جاء شهر حرام و هم محاربون أحلوه و حرموا مکانه شهرا آخر حتی رفضوا خصوص الشهر و اعتبروا مجرّد العدد و لما استعمل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبا بکر علی الحج خرج فی ثلاثمائة رجل من المدینة و بعث معه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عشرین بدنة فلما کان بالعرج لحقه علی بن أبی طالب* روی النسائی عن جابر ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بعث أبا بکر علی الحج فأقبلنا معه حتی اذا کنا بالعرج ثوّب بالصبح فلما استوی للتکبیر سمع الرغوة خلف ظهره فوقف عن التکبیر و قال هذه رغوة ناقة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الجذعاء لقد بدا لرسول صلی اللّه علیه و سلم فی الحج فلعله أن یکون رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فنصلی معه فاذا علیّ علیها فقال أبو بکر أمیر أم رسول قال لا بل رسول أرسلنی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ببراءة أقرأها علی الناس فی موقف الحج* و فی الاکتفاء بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبا بکر أمیرا علی الحج من سنة تسع لیقیم للمسلمین حجهم و نزلت بعد بعثه ایاه سورة براءة فی نقض ما بین رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و بین المشرکین من العهد الذی کانوا علیه فیما بینهم و بینه أن لا یصدّ عن البیت أحد جاءه و لا یخاف أحد فی الشهر الحرام و کان ذلک عهدا عامّا بینه و بین أهل الشرک و کان بین ذلک عهود خصائص بینه و بین قبائل العرب الی آجال مسماة فنزلت فیه و فیمن تخلف من المنافقین عن تبوک و فی قول من قال منهم فکشف اللّه سرائر قوم کانوا یستخفون بغیر ما یظهرون فقیل لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لو بعثت بها الی أبی بکر فقال لا یؤدّی عنی الا رجل من أهل بیتی ثم دعا بعلی بن أبی طالب فقال اخرج بهذه القصة من صدر براءة و أذن فی الناس بالحج یوم النحر اذا اجتمعوا بمنی أنه لا یدخل الجنة کافر و لا یحج بعد العام مشرک و لا یطوف بالبیت عریان و من کان له عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عهد فهو الی مدّته فخرج علیّ رضی اللّه عنه علی ناقة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم العضباء حتی أدرک أبا بکر الصدّیق فی الطریق فلما رآه أبو بکر قال أمیر أو مأمور قال بل مأمور فمضیا حتی قدما مکة فلما کان قبل یوم الترویة بیوم قام أبو بکر فخطب الناس فحدّثهم عن مناسکهم حتی اذا فرغ قام علیّ فقرأ علی الناس البراءة التی أرسلها معه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی ختمها* و فی الوفاء فمضی أبو بکر فحج بالناس* و فی الاکتفاء فأقام أبو بکر للناس الحج و العرب فی تلک السنة علی منازلهم من الحج التی کانوا علیها فی زمن الجاهلیة حتی اذا کان یوم النحر قام علی بن أبی طالب فأذن فی الناس بالذی أمره به رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أجل الناس أربعة أشهر من یوم أذن فیه لیرجع کل قوم الی مأمنهم و بلادهم ثم لا عهد لمشرک و لا ذمة الا أحد کان له
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:142
عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عهد انی مدّة فهو الی مدّته فلم یحج بعد ذلک العام مشرک و لم یطف بالبیت عریان و کانت البراءة تسمی فی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المبعثرة لما کشفت من سرائر الناس ثم رجعا ای أبو بکر و علی قافلین الی المدینة* و فی هذه السنة قتلت فارس ملکهم شهریار ابو شیرویه و ملکوا علیهم بوران بنت کسری کذا فی مورد اللطافة و اللّه أعلم‌

* (الموطن العاشر فی حوادث السنة العاشرة من الهجرة

اشارة

من قدوم عدی بن حاتم و بعث أبی موسی الاشعری و معاذ بن جبل الی الیمن و بعث خالد بن الولید الی بنی الحارث بن کعب بنجران و بعث علی بن أبی طالب بعد ذلک الی الیمن و بعث جریر بن عبد اللّه البجلی الی تخریب ذی الخاصة و بعث جریر بن عبد اللّه أیضا الی ذی الکلاع و سیجیئان فی الخاتمة فی ذکر الوفود و قصة بدیل و تمیم الداری و وفاة ابراهیم ابن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و انکساف الشمس و طلوع جبریل مجلس النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قدوم فیروز الدیلمی و اسلام فروة بن عمرو الجذامیّ و خروج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من المدینة للحج و اتیان صبیّ فی حجة الوداع و موت باذان و نزول آیة الاستئذان)*
* و فی اول هذه السنة قدم عدی بن حاتم علی ما فی الوفاء و فی بعض کتب السیر أورد قدومه فی شعبان سنة تسع و سیجی‌ء فی الخاتمة*

بعث أبی موسی الاشعری الی الیمن‌

و فی هذه السنة بعث أبا موسی الاشعری و معاذ بن جبل الی الیمن قبل حجة الوداع عند انصرافه من تبوک فی ربیع الاوّل کلا علی مخلاف منه و هو مخلا فان ثم قال یسروا و لا تعسروا و بشروا و لا تنفروا و طاوعا و لا تخالفا* المخلاف بکسر المیم و سکون المعجمة و آخره فاء بلغة أهل الیمن السکورة و الاقلیم و الرستاق و کانت جهة معاذ العلیا الی صوب عدن و کان من عمله الجند بفتح الجیم و النون و له بها مسجد مشهور و کانت جهة أبی موسی السفلی کذا فی المواهب اللدنیة و فی روایة بعث معاذ بن جبل لاهل البلدین الیمن و حضر موت*

(ذکر معاذ بن جبل)

اشارة

* فی الصفوة معاذ بن جبل بن أوس و یکنی أبا عبد الرحمن أسلم و هو ابن ثمان عشرة سنة و شهد العقبة مع السبعین و بدرا و المشاهد کلها مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أردفه وراءه و بعثه الی الیمن بعد غزوة تبوک و شیعه ماشیا و هو راکب و سیجی‌ء قریبا صفته* عن الواقدی عن أشیاخه قالوا کان معاذ رجلا طویلا أبیض حسن الشعر عظیم العینین مجموع الحاجبین جعدا قططا و قال غیره أکحل العینین براق الثنایا اذا تکلم کأنما یخرج من فیه نور و لؤلؤ و له من الولد عبد الرحمن و أمّ عبد اللّه و ولد آخر لم یذکر اسمه* و فی المنتقی عن ابن عمر لما أراد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أن یبعث معاذ بن جبل الی الیمن صلی صلاة الغداة ثم أقبل علینا بوجهه فقال یا معشر المهاجرین و الانصار أیکم ینتدب الی الیمن فقال أبو بکر بن أبی قحافة أنا یا رسول اللّه قال فسکت عنه فلم یجبه ثم قال یا معشر المهاجرین و الانصار ایکم ینتدب الی الیمن فقام عمر بن الخطاب فقال أنا یا رسول اللّه فسکت عنه فلم یجبه ثم قال یا معشر المهاجرین و الانصار أیکم ینتدب الی الیمن فقام معاذ بن جبل فقال أنا یا رسول اللّه فقال له أنت یا معاذ و هی لک یا بلال ائتنی بعمامتی فعمم بها رأسه و شدّ له علی راحلته و شیعه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و من کان معه من المهاجرین و الانصار و فتاء الناس من قریش و غیرهم ممن شاء اللّه و معاذ راکب و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یمشی الی جنبه یوصیه فقال معاذ یا رسول اللّه أنا راکب و أنت تمشی أ لا أنزل فأمشی معک و مع أصحابک فقال یا معاذ انما أحتسب خطای هذه فی سبیل اللّه قال فأوصاه بوصایا ثم قال یا معاذ لو أنا نلتقی بعد یومنا هذا لقصرت إلیک فی الوصیة و لکنا لا نلتقی الی یوم القیامة*

وصیته علیه السلام لمعاذ

و فی روایة قال یا معاذ لا تلقانی بعد عامی هذا و لعلک تمرّ بمسجدی و قبری فبکی معاذ خشعا لفراق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم التفت فأقبل بوجه نحو المدینة فقال ان أولی الناس بی المتقون من کانوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:143
و حیث کانوا رواه أحمد* و فی روایة قال یا معاذ انک تقدم علی قوم أهل کتاب و انهم سائلوک عن مفاتیح الجنة فأخبرهم ان مفاتیح الجنة لا إله الا اللّه و انها تخرق کل شی‌ء حتی تنتهی الی اللّه عز و جل و لا تحجب دونه من جاء بها یوم القیامة مخلصا رجحت بکل ذنب فقال معاذ أ رأیت ما سئلت عنه و اختصم الیّ فیه مما لیس فی کتاب و لم أسمع منک عنه فقال تواضع للّه یرفعک اللّه و لا تقضین الا بعلم فان أشکل علیک أمر فسل و لا تستحی و استشر ثم اجتهد فان اللّه عز و جل ان یعلم منک الصدق یوفقک فان التبس علیک فقف حتی تثبته أو تکتب الیّ فیه و احذر الهوی فانه قائد الاشقیاء الی النار و علیک بالرفق* و عن معاذ بن جبل ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما بعثه الی الیمن قال کیف تقضی اذا عرض لک قضاء قال أقضی بکتاب اللّه قال فان لم تجد فی کتاب اللّه قال فبسنة رسول اللّه قال فان لم تجد فی سنة رسول اللّه قال أجتهد رأیی و لا آلو قال فضرب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی صدره و قال الحمد للّه الذی وفق رسول رسول اللّه لما یرضی رسول اللّه رواه الترمذی و أبو داود و الدارمی کذا فی المشکاة* و عن ابن عباس بعث معاذا الی الیمن فقال انک تأتی قوما أهل کتاب فادعهم الی شهادة أن لا إله الا اللّه و أن محمدا رسول اللّه فان هم أطاعوا لک بذلک فأعلمهم ان اللّه قد فرض علیهم خمس صلوات فی الیوم و اللیلة فان هم أطاعوا لک بذلک فأعلمهم ان اللّه قد فرض علیهم صدقة تؤخذ من أغنیائهم فتردّ فی فقرائهم فان هم أطاعوا لک بذلک فایاک و کرائم أموالهم و اتق دعوة المظلوم فانه لیس بینها و بین اللّه حجاب رواه البخاری کذا فی المواهب اللدنیة* قال ثم ودّعه و انصرف و مضی معاذ حتی أتی صنعاء الیمن فصعد علی منبرها فحمد اللّه و أثنی علیه ثم صلی علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثم قرأ علیهم عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم نزل فأتاه صنادید صنعاء فقالوا یا معاذ هذا نزل قد هیأنا لک و منزل قد فرغنا لک فقال معاذ ما بهذا أوصانی حبیبی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال فمکث معاذ بن جبل أربعة عشر شهرا فبینما هو ذات لیلة علی فراشه اذا هو بهاتف یهتف به عند رأسه و یقول له یا معاذ کیف یهنأ لک العیش و محمد صلی اللّه علیه و سلم فی سکرات الموت فوثب معاذ فزعا ما ظنّ الا أن القیامة قد قامت فلما رأی السماء مصحیة و النجوم ظاهرة استعاذ باللّه من الشیطان الرجیم ثم نودی فی اللیلة الثانیة یا معاذ کیف یهنأ لک العیش و محمد بین أطباق التراب فوثب معاذ و وضع یده علی أم رأسه و جعل ینادی بأعلی صوته یا محمداه یا محمداه فخرج العواتق من النساء و الشباب من الرجال فجعلوا یقولون ما الذی جاءک و ما الذی دهاک فجعل یبکی و ینادی بأعلی صوته یا محمداه حتی أصبح فلما أصبح شدّ علی راحلته فأخذ جرابا فیه سویق و أخذ أداوة من ماء ثم قال لا أنزل عن ناقتی هذه ان شاء اللّه الا لوقت صلاة أو لوقت قضاء حاجة حتی اذا کان علی ثلاث مراحل من المدینة فاذا هو بهاتف یهتف عن یسار الطریق و هو یقول یا محمداه فعلم معاذ بأن محمدا قد ذاق الموت و فارق الدنیا فقال معاذ أیها الهاتف فی هذا اللیل الغاوی من أنت یرحمک اللّه فقال له أنا عمار بن یاسر فقال له معاذ و أین ترید یرحمک اللّه فقال ان معی کتابا من أبی بکر الصدّیق الی معاذ بن جبل بالیمن یعلمه بأن محمدا قد ذاق الموت و فارق الدنیا قال له فان کان محمد قد فارق الدنیا فمن للارامل و الیتامی و الضعفاء من بعده صلی اللّه علیه و سلم ثم سار و هو یقول یا عمار کیف ترکت أصحاب محمد قال یا معاذ ترکتهم کالغنم لا راعی لها ثم قال یا عمار کیف ترکت المدینة قال ترکتها و هی علی أهلها أضیق من الخاتم قال فوضع معاذ یده علی أمّ رأسه و جعل یبکی و یقول یا محمداه یا محمداه حتی ورد المدینة نصف اللیل و ستجی‌ء وفاة معاذ فی الخاتمة فی خلافة عمر بن الخطاب رضی اللّه تعالی عنه و أرضاه‌

* ذکر أبی موسی الاشعری‌

ذکر أبی موسی الاشعری رضی اللّه عنه* فی الصفوة أبو موسی الاشعری عبد اللّه بن قیس بن سلیم أسلم بمکة و هاجر الی أرض الحبشة ثم قدم مع أهل السفینتین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:144
و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بخیبر و بعضهم ینکر هجرته الی الحبشة و عن أبی موسی الاشعری ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعثه و معاذا الی الیمن و أمرهما أن یعلما الناس القرآن و قد صح حدیث أبی موسی قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لو رأیتنی و أنا أسمع قراءتک البارحة لقد أوتیت مزمارا من مزامیر آل داود فقلت یا رسول اللّه لو علمت انک تسمع قراءتی لحبرته لک تحبیرا و کان عمر بن الخطاب یقول لابی موسی الاشعری ذکرنا ربنا تعالی فیقرأ* عن ابی عثمان النهدی قال صلی لنا أبو موسی الاشعری صلاة الصبح فما سمعت صوت صنج و لا بربط کان أحسن من صوته و ستجی‌ء وفاته فی الخاتمة فی خلافة معاویة*

بعث خالد بن الولید الی عبد المدان بنجران‌

و فی هذه السنة أرسل خالد بن الولید قبل حجة الوداع أیضا فی ربیع الاوّل سنة عشر و فی الاکلیل فی ربیع الآخر و فی المنتقی فی ربیع الآخر أو جمادی الاولی الی عبد المدان قبیلة بنجران و أمره أن یدعوهم الی الاسلام فأسلموا کذا فی المواهب اللدنیة* و فی روایة الی بنی الحارث بن کعب بنجران و أمره أن یدعوهم الی الاسلام ثلاثا قبل أن یقاتلهم فان أجابوا فاقبل منهم و أقم فیهم و علمهم کتاب اللّه و سنة نبیه فأسلم ناس و دخلوا فیما دعاهم إلیه و أقام خالد فیهم یعلمهم الاسلام و کتاب اللّه و سنة نبیه ثم کتب خالد بن الولید الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* بسم اللّه الرحمن الرحیم لمحمد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من خالد بن الولید السلام علیک یا رسول اللّه و رحمة اللّه و برکاته فانی أحمد إلیک اللّه الذی لا إله الا هو أما بعد یا رسول اللّه فانک بعثتنی الی بنی الحارث بن کعب و أمرتنی اذا أتیتهم لا أقاتلهم ثلاثة أیام و أن أدعوهم الی الاسلام فان أسلموا قبلت منهم و انی قدمت علیهم و دعوتهم الی الاسلام فأسلموا فأنا مقیم فیهم أعلمهم معالم الاسلام* فکتب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* من محمد رسول اللّه الی خالد بن الولید سلام علیک فانی أحمد إلیک اللّه الذی لا إله الا هو أما بعد فان کتابک جاءنی مع رسولک یخبر بأن بنی الحارث قد أسلموا قبل أن تقاتلهم فبشرهم و أنذرهم و أقبل معهم و لیقبل معک وفدهم و السلام علیک و رحمة اللّه و برکاته* فأقبل خالد بن الولید الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم معه وفد بنی الحارث بن کعب فیهم قیس ابن الحصین فسلموا علیه و قالوا نشهد انک رسول اللّه و أن لا إله الا اللّه فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أنا أشهد أن لا إله الا اللّه و انی رسول اللّه و أمر علیهم قیسا فلم یلبثوا فی قومهم أربعة أشهر حتی توفی رسول اللّه و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعث الی بنی الحارث بعد أن ولی وفدهم عمرو بن حزم الانصاری لیفقههم و یعلمهم السنة و معالم الاسلام و یأخذ منهم صدقاتهم فتوفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و عمرو بن حزم عامله علی وفد نجران کذا فی المنتقی*

بعث علی بن أبی طالب الی الیمن‌

و فی رمضان هذه السنة بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی بن أبی طالب الی الیمن و عقد له لواء و عممه بیده و أخرج أبو داود و أحمد و الترمذی من حدیث علیّ قال بعثنی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی الیمن فقلت یا رسول اللّه تبعثنی الی قوم أسنّ منی و أنا حدیث السن لا أبصر القضاء قال فوضع یده فی صدری و قال اللهمّ ثبت لسانه و اهد قلبه و قال یا علی اذا جلس إلیک الخصمان فلا تقض بینهما حتی تسمع من الآخر الحدیث فخرج علیّ فی ثلاثمائة فارس ففرق أصحابه فأتوا بنهب و غنائم و نساء و أطفال و نعم و شاء و غیر ذلک ثم لقی جمعهم فدعاهم الی الاسلام فأبوا و رموا بالنبل حتی حمل علیهم علیّ و أصحابه فقتل منهم عشرین رجلا فتفرّقوا و انهزموا فکف عن طلبهم ثم دعاهم الی الاسلام فأسرعوا و أجابوا و بایعه نفر من رؤسائهم علی الاسلام ثم قفل فوافی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بمکة قد قدمها للحج سنة عشر* و فی روایة لما وجه صلی اللّه علیه و سلم علیا الی الیمن عقد له لواء و عممه بیده و أرخی طرفها من قدّامه نحو ذراع و من خلفه قید شبر و کان کعب الاحبار اذ ذاک بالیمن فلقیه* و فی الاصل الاصیل فی تحریم النقل من التوراة و الانجیل للسخاوی قال ذکر الواقدی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:145
قال حدّثنی اسحاق بن عبد اللّه بن نسطاس عن عمر بن عبد اللّه العنسی* قال قال کعب الاحبار لما قدم علیّ الیمن لقیته فقلت له اخبرنی عن صفة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فجعل یخبرنی عنها و جعلت أتبسم فقال لی مم تتبسم قلت مما یوافق ما عندنا فی صفته و قلت ما یحلّ و ما یحرّم فاخبرنی فقلت هو عندنا کما و صفت و صدّقت برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و آمنت به و دعوت من قبلنا من الاحبار و أخرجت إلیهم سفرا قلت هذا کان أبی یختمه علیّ و یقول لا تفتحه حتی تسمع بنبی یخرج بیثرب قال فأقمت علی اسلامی بالیمن حتی توفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و توفی أبو بکر فقدمت فی خلافة عمر یا لیت انی کنت تقدّمت فی الهجرة* و عن سعید بن المسیب قال قال العباس لکعب الاحبار ما منعک أن تسلم علی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أبی بکر قال کعب ان أبی قد کتب لی کتابا من التوراة و دفعه الیّ و قال لی اعمل بهذا و ختم علی سائر کتبه و أخذ علیّ میثاقا و قال لی بحق الوالد علی ولده ان لا أفض الخاتم فلما کان الآن و رأیت الاسلام یظهر و لم أر بأسا قالت لی نفسی لعل أباک غیب عنک علما و کتمه عنک ففضضته فوجدت فیه صفة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أمته فجئت الآن مسلما فوالی العباس و قیل المشهوران اسلام کعب کان فی الشام فی خلافة عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه* و فی روایة بعث النبیّ صلی اللّه علیه و سلم خالد بن الولید فی جماعة الی الیمن ثم بعث علیا بعد ذلک مکانه و قال له مر أصحاب خالد من شاء أن یعقب معک فلیعقب و من شاء فلیقفل قال البراء کنت فیمن عقب معه فغنمت أواقی ذوات عدد* و فی ذخائر العقبی فی ذکر اسلام همدان علی ید علی بن أبی طالب عن البراء بن عازب قال بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خالد بن الولید الی الیمن یدعوهم الی الاسلام و کنت فیمن سار معه فأقام علیهم ستة أشهر لا یجیبونه الی شی‌ء فبعث النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علی بن أبی طالب و أمر أن یرسل خالدا و من معه الا من أراد البقاء مع علیّ فیترکه فکنت فیمن بقی مع علی فلما انتهینا الی أوائل الیمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له فصلی بنا الفجر فلما فرغ صفنا صفا واحدا ثم تقدّم بین أیدینا فحمد اللّه و أثنی علیه ثم قرأ علیهم کتاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأسلمت همدان کلها فی یوم واحد و کتب بذلک کتابا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما قرأ کتابه خرّ ساجدا للّه و قال السلام علی همدان مرّتین أخرجه أبو عمرو

* بعث جریر بن عبد اللّه الی ذی الکلاع‌

و فی هذه السنة بعث جریر بن عبد اللّه البجلی الی تخریب ذی الخلصة و سیجی‌ء فی الفصل الاوّل من الخاتمة فی ذکر الوفود* و فی هذه السنة بعث جریر بن عبد اللّه البجلی الی ذی الکلاع بن باکور بن حبیب بن مالک بن حسان بن تبع فأسلم و أسلمت امرأته صریمة بنت أبرهة بن الصباح و اسم ذی الکلاع سمیفع و فی القاموس سمیفع کسمیدع و قد یضم سینه بن باکور ذو الکلاع الاصغر روی عن الاصمعی أنه قال کاتب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ذا الکلاع من ملوک الطوائف علی ید جریر بن عبد اللّه البجلی یدعوه الی الاسلام و کان قد استعلی أمره حتی ادّعی الربوبیة فأطیع و توفی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثم وفد ذو الکلاع فی خلافة عمر و معه ثمانیة آلاف عبد فأسلم علی یده و أعتق من عبیده أربعة آلاف ثم قال عمر یا ذا الکلاع یعنی ما بقی عندک من عبیدک أعطک ثلث أثمانهم هاهنا و ثلثا بالیمن و ثلثا بالشام فقال أجلنی یومی حتی أفکر فیما قلت و مضی الی منزله فأعتقهم جمیعا فلما غدا علی عمر قال له ما رأیک فیما قلت لک فی عبیدک قال قد اختار اللّه لی و لهم خیرا مما رأیت قال و ما هو قال هم أحرار لوجه اللّه تعالی قال أصبت یا ذا الکلاع قال یا أمیر المؤمنین لی ذنب ما أظنّ اللّه تعالی یغفره لی قال و ما هو قال تواریت یوما ممن یتعبدنی ثم أشرفت علیهم من مکان عال فسجد لی زها مائة ألف انسان فقال عمر التوبة باخلاص و الانابة باقلاع یرجی بهما مع رأفة اللّه عز و جل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:146
الغفران* و فی روایة أعتق ذو الکلاع اثنی عشر ألف بیت و قتل ذو الکلاع بصفین*

بعث أبی عبیدة بن الجرّاح الی أهل نجران‌

و فی هذه السنة بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبا عبیدة عامر بن الجرّاح الی أهل نجران لما طلبوا رجلا أمینا و قال هذا أمین هذه الامة و سیجی‌ء تمامه فی الفصل الاوّل فی الخاتمة و سیجی‌ء موته و بعض أحواله فی الفصل الثانی منها فی خلافة عمر بن الخطاب*

قصة بدیل و تمیم الداری‌

و فی هذه السنة خرج بدیل بن أبی ماریة مولی عمرو بن العاص و کان من المهاجرین فی تجارة الی الشام مع تمیم الداری و عدی بن بدأ و کانا نصرانیین فمرض بدیل و کتب وصیته فی صحیفة و طرحها فی متاعه و لم یخبر بها صاحبیه و أوصی إلیهما أن یدفعا متاعه الی أهله فمات بأرض لیس بها مسلم ففتشا متاعه و أخذا اناء من فضة منقوشا بالذهب فیه ثلاثمائة مثقال فضة فغیباه فلما قدما المدینة بترکته أصاب أهل بدیل الصحیفة و فقدوا الاناء فطالبوهما بالاناء فجحدا و ترافعوا الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فاستحلفهما رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعد العصر عند المنبر فحلفا ثم وجد الاناء بمکة فقالوا اشتریناه من عدی و تمیم فلما ظهرت خیانتهما قام رجلان من ورثة بدیل و هما عبد اللّه بن عمرو بن العاص و المطلب بن أبی وداعة فحلفا باللّه لشهادتنا أحق من شهادتهما أی لیمیننا أحق بالقبول من یمین هذین الوصیین الخائنین فاستحقا الاناء و فیهم نزلت یا أیها الذین آمنوا شهادة بینکم اذا حضر أحدکم الموت الآیة*

وفاة ابراهیم ابن رسول اللّه علیه السلام‌

و فی هذه السنة العاشرة من الهجرة یوم الثلاثاء لعشر لیال خلون من ربیع الاوّل توفی ابراهیم ابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان ولد فی ذی الحجة من السنة الثامنة من الهجرة و دفن بالبقیع* روی أنه لما توفی قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ان ابراهیم ابنی و انه مات فی الثدی و ان له لظئرین یکملان رضاعه فی الجنة و عن البراء ابن عازب أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم صلی علی ابنه ابراهیم و مات و هو ابن ستة عشر شهرا و ثمانیة أیام* و فی صحیح البخاری توفی ابراهیم ابن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و له سبعة عشر أو ثمانیة عشر شهرا* و فی الوفاء و سنه عام و نصف و ستة أیام و قیل عام و ثلث و فیما ذکره أبو داود توفی و له سبعون یوما فی ربیع الاوّل یوم الثلاثاء لعشر خلون منه کذا فی المواهب اللدنیة و قال ان له لظئرا تتمّ له رضاعه فی الجنة* و فی روایة ابن ماجه ان له مرضعا فی الجنة کذا فی المواهب اللدنیة و لما مات غسله الفضل بن عباس و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و العباس جالسان ثم حمل علی سریر صغیر و صلی اللّه علیه و سلم بالبقیع و قال یدفن عند فرطنا عثمان بن مظعون* و روی عن عائشة أنها قالت دفنه علیه السلام و لم یصل علیه یحتمل أن یکون لم یصل علیه بنفسه و أمر أصحابه أن یصلوا علیه فی جماعة* و روی ان الذی غسله أبو بردة و روی انه الفضل بن العباس و لعلهما اجتمعا علیه و نزل قبره الفضل و أسامة و النبیّ صلی اللّه علیه و سلم جلس علی شفیر القبر و العباس جالس علی جنبه ورش قبره و علم بعلامة قال الزبیر و هو أوّل قبر رش* و قد روی من حدیث أنس بن مالک انه قال لو بقی یعنی ابراهیم ابن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لکان نبیا و لکن لم یبق لان نبیکم آخر الأنبیاء أخرجه أبو عمرو* و قال الطبری و هذا انما یقوله أنس عن توقیف یخص ابراهیم و الا فلا یلزم أن یکون ابن النبیّ نبیا بدلیل ابن نوح* و عن أنس قال کان ابراهیم قد ملأ المهد و لو بقی لکان نبیا و عن البخاری من طریق محمد بن بشر عن اسماعیل بن أبی خالد قال قلت لعبد اللّه بن أبی أوفی رأیت ابراهیم ابن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال مات صغیرا و لو قضی بعد محمد نبی عاش ابنه ابراهیم و لکن لا نبیّ بعده کذا فی المواهب اللدنیة*

کسوف الشمس‌

و فی هذه السنة انکسفت الشمس یوم مات ابراهیم فقال الناس انما کسفت لموت ابراهیم فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ان الشمس و القمر آیتان من آیات اللّه لا ینکسفان لموت أحد و لا لحیاته رواه الشیخان و زاد فی روایة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:147
اذا رأیتموهما فعلیکم بالدعاء حتی یکشفا قیل ان الغالب ان الکسوف یکون یوم الثامن و العشرین أو التاسع و العشرین فانکسفت الشمس یوم موت ابراهیم فی العاشر فلذلک قالوا إنها کسفت لموته‌

* طلوع جبریل مجلس النبیّ فی صورة رجل‌

و فی هذه السنة طلع جبریل مجلس النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی صورة رحل شدید بیاض الثیاب شدید سواد الشعر طیب الرائحة حسن الوجه رآه حضار المجلس لا یری علیه أثر السفر و لا یعرفه منا أحد فتعجبوا من حاله فلما دنا قال السلام علیک یا رسول اللّه فردّ النبیّ علیه السلام فجاء حتی جلس الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أسند رکبتیه الی رکبتیه و وضع یدیه علی فخذیه و سأل عن الایمان و الاسلام و الاحسان و القیامة و أماراتها فأجابه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم عن غیر القیامة و قال له ما المسئول عنها بأعلم من السائل فخرج جبریل من المجلس فأمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أن یطلبوه فما وجدوه فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أ تدرون من السائل قالوا اللّه و رسوله اعلم فقال لهم انه جبریل أتاکم لیعلمکم دینکم و کان کلما یأتیه یعرفه فی أی صورة کان الا هذه المرة و لما غاب علم انه جبریل علیه الصلاة و السلام و فی روایة قال لعمر بن الخطاب بعد ثلاثة أیام أ تدری من السائل قال اللّه و رسوله أعلم قال انه جبریل أتاکم یعلمکم دینکم*

قدم فیروز الدیلمی إلی المدینة

و فی هذه السنة قدم فیروز الدیلمی المدینة فأسلم و هو الذی قتل الاسود العنسی الکذاب المتنبی قتله فی السنة الحادیة عشر من الهجرة و سیجی‌ء فی الموطن الحادی عشر و فی هذه السنة أسلم فروة بن عمر و الجذامیّ ثم النفاثی* و فی الاکتفاء ذکر الواقدی باسناد له ان فروة ابن عمرو هذا کان عاملا لقیصر علی عمان من أرض البلقاء و فی کتاب ابن اسحاق علی معان و ما حولها من أرض الشام و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کتب الی هرقل و الی الحارث بن أبی شمر و لم یکتب إلیه* و فی المواهب اللدنیة بعث إلیه یدعوه الی الاسلام انتهی فأسلم فروة و کتب الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم باسلامه و بعث من عنده رسولا یقال له مسعود بن سعد من قومه بکتاب مختوم فیه* بسم اللّه الرحمن الرحیم لمحمد رسول اللّه النبیّ انی مقرّ بالاسلام مصدّق به و أنا أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد ان محمدا عبده و رسوله و انه الذی بشر به عیسی ابن مریم و السلام علیک ثم بعث مع الرسول بغلة بیضاء یقال لها فضة و حمارة یقال لها یعفور و فرسا یقال لها الظرب و بعث بأثواب من لین و قباء من سندس مخوّص بالذهب فقدم الرسول و دفع الکتاب الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فاقترأه و أمر بلالا أن ینزله و یکرمه فلما أراد الخروج کتب إلیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم جواب کتابه* من محمد رسول اللّه الی فروة بن عمرو سلام علیک فانی أحمد إلیک اللّه الذی لا إله الا هو أما بعد فانه قدم علینا رسولک بکتابک فبلغ ما أرسلت به و خبر عما قبلک و أنبأنا باسلامک و ان اللّه عز و جل قد هداک بهداه الی دین الاسلام فان أنت أصلحت و أطعت اللّه و رسوله و أقمت الصلاة و آتیت الزکاة دخلت الجنة و السلام علیک* و لما بلغ قیصر اسلام فروة بن عمرو بعث إلیه و حبسه و لما طال سجنه أرسلوا إلیه أن ارجع الی دینک و نعید إلیک ملکک فقال لا أفارق دین محمد أبدا أما انک تعرف انه رسول اللّه بشر به عیسی ابن مریم و لکنک ضننت بملک و أحببت بقاءه قال قیصر صدق و الانجیل و ذکر الواقدی انه مات فی ذلک الحبس فلما مات صلبوه قال ابن اسحاق انهم صلبوه حیا علی ماء لهم یقال له عفراء بفلسطین قال فلما اجتمعت الروم لقتله قال فی ذلک
الا هل اتی سلمی بأن حلیلهاعلی ماء عفرا فوق احدی الرواحل
علی ناقة لم یضرب الفحل أمهامشذبة أطرافها بالمناجل و ذکر ابن شهاب الزهری انهم لما قدّموه لیقتلوه قال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:148 أبلغ سراة المسلمین بأننی‌سلم لربی أعظمی و مقامی ثم ضربوا عنقه علی ذلک الماء رحمة اللّه علیه و سیجی‌ء فی الفصل الاوّل فی الخاتمة بتغییر یسیر*

حجة الوداع‌

و فی هذه السنة کانت حجة الوداع و تسمی حجة الاسلام و حجة التمام و حجة البلاغ و کره ابن عباس أن یقال حجة الوداع و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أقام بالمدینة یضحی کل عام و یغزو المغازی فلما کان فی ذی القعدة سنة عشر من الهجرة أجمع علی الخروج الی الحج قال ابن سعد لم یحج غیرها منذ تنبأ الی أن توفاه اللّه* و فی البخاری عن زید بن أرقم ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم غزا تسع عشرة غزوة و انه حج بعد ما هاجر حجة واحدة و هی حجة الوداع و لم یحج بعدها* قال ابن اسحاق و أخری بمکة و قیل حج بمکة حجتین هذا بعد النبوّة و ما قبلها لا یعلمه الا الله و أخرج الترمذی عن جابر بن عبد اللّه حج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثلاث حجات حجتین قبل أن یهاجر و حجة بعد ما هاجر معها عمرة هذا لفظ الدّارقطنی و ابن ماجه و الحاکم و صححه علی شرط مسلم قال الشیخ محب الدین الطبری لعل جابرا أشار الی حجتین بعد النبوّة و قال ابن حزم حج رسول اللّه و اعتمر قبل النبوّة و بعدها و قبل الهجرة و بعدها حججا و عمرا لا یعلمهما الا اللّه و کذا قال ابن أبی الفرج فی کتاب مثیر الغرام و قال السهیلی فی شرح السیرة لا ینبغی أن یضاف إلیه فی الحقیقة الا حجة الوداع و ان حج مع الناس اذ کان بمکة فلم یکن ذلک الحج علی سنة الحج و کما له لانه صلی اللّه علیه و سلم کان مغلوبا علی أمره و کان الحج منقولا عن وقته فقد ذکر ان أهل الجاهلیة کانوا ینقلون الحج عن حساب الشهور الشمسیة و یؤخرونه فی کل سنة احد عشر یوما و قد کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أراد أن یحج مقفله من تبوک و ذلک اثر فتح مکة بیسیر ثم ذکر ان بقایا المشرکین یحجون و یطوفون بالبیت عراة فأخر الحج حتی نبذ الی کل ذی عهد عهده و ذلک فی السنة التاسعة ثم حج فی العاشرة بعد إمحاء رسوم الشرک کذا فی البحر العمیق* و فی الاستیعاب لم یحج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من المدینة غیر حجته الواحدة و هی حجة الوداع و ذلک فی سنة عشر من الهجرة و فی سیرة الیعمری حج صلی اللّه علیه و سلم بعد فرض الحج حجة واحدة و قبل ذلک مرّتین و اعتمر صلی اللّه علیه و سلم أربع عمر کلها فی ذی القعدة الا التی مع حجته واحدة منهنّ فی ذی القعدة عام الحدیبیة سنة ست من الهجرة و صدّوا فیها فتحلل فحسبت له عمرة و الثانیة فی ذی القعدة من العام المقبل و هی سنة سبع و هی عمرة القضاء و الثالثة فی ذی القعدة سنة ثمان و هی عام الفتح من جعرانة حیث قسم غنائم حنین و الرابعة مع حجته الکبری سنة عشر و کان احرامها فی ذی القعدة و اعمالها فی ذی الحجة کذا رواه البخاری فی صحیحه عن أنس و کذا فی منهاج النووی و لما أراد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حجة الوداع خرج من طریق الشجرة و عن ابن عباس أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان یخرج من طریق الشجرة و یدخل من طریق المعرس و هو موضع معروف علی ستة أمیال من المدینة کذا فی منهاج النووی و هو أسفل من المسجد الذی ببطن الوادی و انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اذا خرج الی مکة یصلی فی مسجد الشجرة و اذا رجع صلی بذی الحلیفة ببطن الوادی و بات حتی یصبح رواه البخاری و ذو الحلیفة ماء لجشم علی ستة أمیال من المدینة قاله النووی و قال ابن حزم انه علی أربعة أمیال و قیل سبعة و فی شرح مختصر الوقایة للشمنی فسر ابن شجاع المیل بثلاثة آلاف ذراع و خمسمائة ذراع الی أربعة آلاف و فی الصحاح المیل من الارض منتهی مدّ البصر عن ابن السکیت و فی شرح الکنز ثلاث فراسخ أربعة آلاف ذراع بذراع محمد بن فرج الشاشی طولها أربعة و عشرون أصبعا و عرض کل أصبع ست حبات شعیر ملصقة ظهرا لبطن* و فی الینابیع المیل ثلث فرسخ و الفرسخ اثنا عشر ألف خطوة و کل خطوة ذراع و نصف بذراع العامة و هو أربعة و عشرون
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:149
اصبعا و مسجد ذی الحلیفة یسمی مسجد الشجرة و قد خرب و به البئر التی تسمیها العوام بئر علی و ینسبونها الی علی بن أبی طالب لظنهم انه قاتل الجنّ بها و هو کذب کذا فی تشویق الساجد و ذو الحلیفة هو المیقات لاهل المدینة و لمن مرّ به من غیرهم و هو أبعد المواقیت و هناک منزل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم واردا و صادرا فخرج صلی اللّه علیه و سلم من المدینة مغتسلا مدّهنا مترجلا فی ثوبین ازار و رداء و ذلک یوم السبت لخمس بقین من ذی القعدة فصلی الظهر بذی الحلیفة* و فی المواهب اللدنیة ثبت فی الصحیحین عن أنس صلینا مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الظهر بالمدینة أربعا و العصر بذی الحلیفة رکعتین صرّح الواقدی بأنّ خروجه صلی اللّه علیه و سلم کان یوم السبت لخمس بقین من ذی القعدة و کان وقت خروجه من المدینة بین الظهر و العصر و کان أوّل ذی الحجة یوم الخمیس و کان دخوله مکة صبح أربعة الی رابع ذی الحجة کما ثبت فی صحیح حدیث عائشة و ذلک یوم الاحد* و فی سیرة الیعمری دخل مکة یوم الاحد بکرة و هذا یؤید أنّ خروجه من المدینة کان یوم السبت کما تقدّم فیکون المکث فی الطریق ثمان لیال و هی المسافة الوسطی و خرج معه علیه السلام تسعون ألفا و یقال مائة ألف و أربعة عشر ألفا و یقال أکثر کما حکاه البیهقی و کانت الوقفة یوم الجمعة و أخرج صلی اللّه علیه و سلم معه نساءه کلهنّ فی الهوادج و أشعر هدیه و قلده* و فی سیرة الیعمری خرج فی حجة الوداع نهارا بعد ما ترجل و ادّهن و تطیب و بات بذی الحلیفة و قال أتانی اللیلة آت من ربی و قال صل بهذا الوادی المبارک و قل عمرة فی حجة فأحرم بهما قارنا* و سئل جابر بن عبد اللّه عن حجة رسول اللّه قال انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مکث تسع سنین لم یحج ثم أذن فی الناس فی العاشرة انّ رسول اللّه حاج فقدم المدینة بشر کثیر کلهم یلتمس أن یأتم برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و یعمل مثل عمله فخرجنا معه حتی أتینا ذا الحلیفة فولدت أسماء بنت عمیس محمد بن أبی بکر فأرسلت الی رسول اللّه کیف أصنع قال اغتسلی و استشعری و أحرمی فصلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رکعتین فی مسجد ذی الحلیفة ثم رکب القصوی حتی اذا استوت به علی البیداء کان الی مدّ البصر الناس من راکب و ماش و عن یمینه مثل ذلک و عن یساره مثل ذلک و من خلفه مثل ذلک فأهلّ بالتوحید لبیک اللهم لبیک لبیک لا شریک لک لبیک انّ الحمد و النعمة لک و الملک لا شریک لک و أهلّ الناس بهذا و لزم رسول اللّه تلبیته قال لسنا ننوی الا الحج و لسنا نعرف العمرة* و عن ابن عمر کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یدخل مکة من الثنیة العلیا یعنی کداء و هو المشهور بالمعلاة و یخرج من الثنیة السفلی یعنی کدی کذا رواه البخاری* و فی سیرة الیعمری و نزل علی الحجون* و فی مناسک الکرمانی روی أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم دخل مکة صبیحة الیوم الرابع من ذی الحجة و أقام بها محرما الی یوم الترویة ثم راح الی منی محرما بذلک الا حرام* قال جابر حتی اذا أتینا البیت معه استلم الرکن فرمل ثلاثا و مشی أربعا ثم تقدّم الی مقام ابراهیم فقرأ و اتخذوا من مقام ابراهیم مصلی فجعل المقام بینه و بین البیت فصلی فیه رکعتین و کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یقرأ فی الرکعتین قل یا أیها الکافرون و قل هو اللّه أحد عن ابن عمر قال سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول من طاف بهذا البیت أسبوعا فأحصاها کان کعتق رقبة رواه الترمذی کذا فی المشکاة* قال جابر ثم رجع الی الرکن فاستلمه ثم خرج من الباب الی الصفا فلما دنا منه قرأ انّ الصفا و المروة من شعائر اللّه و قال أبدأ بما بدأ اللّه به فرقی علیه حتی رأی البیت فاستقبله فوحد اللّه و کبره و قال لا إله الا اللّه وحده لا شریک له له الملک و له الحمد و هو علی کل شی‌ء قدیر لا إله الا اللّه وحده أنجز وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده ثم دعا قال مثل هذا ثلاث مرّات ثم نزل الی المروة حتی
انصبت قدماه فی بطن الوادی حتی اذا صعدنا مشی حتی أتی المروة ففعل علیها کما فعل علی الصفا حتی أتمّ السبع علی المروة* و فی سیرة الیعمری
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:150
سعی راکبا انتهی* قال جابر قال لو أنی استقبلت من أمری ما استدبرت لم أسق الهدی و جعلتها عمرة فمن کان منکم لیس معه هدی فلیحلّ و لیجعلها عمرة فقام سراقة بن مالک بن جشم فقال یا رسول اللّه أ لعامنا هذا أم للابد فشبک رسول اللّه أصابعه واحدة فی الأخری و قال دخلت العمرة فی الحج مرّتین لا بل لأبد أبد* و قدم علیّ من الیمن ببدن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فوجد فاطمة ممن حلّ و لبست ثیابا صبیغا و اکتحلت فأنکر ذلک علیها فقالت أبی أمرنی بهذا* قال علیّ فذهبت الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم محرشا علی فاطمة للذی صنعت مستفتیا لرسول اللّه فیما ذکرت عنه فأخبرته انی أنکرت ذلک علیها فقال صدقت صدقت ما ذا قلت حین فرضت الحج قال قلت اللهم انی أهلّ بما أهلّ به رسولک قال فانّ معی الهدی فلا تحلّ* و کانت جملة الهدی الذی قدم به علیّ من الیمن و الذی أتی به النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مائة فحلق الناس کلهم و قصروا الا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و من کان معه هدی* فلما کان یوم الترویة توجهوا الی منی فأهلوا بالحج و رکب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فصلی بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء و الفجر و مکث قلیلا حتی طلعت الشمس و أمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة فنزل بها حتی اذا زاغت الشمس أمر بالقصوی فرحلت له فأتی بطن الوادی فخطب الناس فقال انّ دماءکم و أموالکم حرام علیکم کحرمة یومکم هذا فی شهرکم هذا فی بلدکم هذا ألا کل شی‌ء من أمر الجاهلیة تحت قدمی موضوع و دماء الجاهلیة موضوعة و انّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربیعة بن الحارث کان مسترضعا فی سعد فقتلته هذیل و ربا الجاهلیة موضوعة و أوّل ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب فانه موضوع کله فاتقوا اللّه فی النساء فانکم أخذتموهنّ بأمانة اللّه و استحللتم فروجهنّ بکلمة اللّه و لکم علیهنّ أن لا یوطئن فرشکم أحدا تکرهونه فان فعلن ذلک فاضربوهنّ ضربا غیر مبرّح و لهنّ علیکم رزقهنّ و کسوتهنّ بالمعروف و قد ترکت فیکم ما ان تضلوا بعده ان اعتصمتم به کتاب اللّه و أنتم تسألون عنی فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنک قد بلغت و أدّیت و نصحت فقال بإصبعه السبابة یرفعها الی السماء و ینکتها الی الناس اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرّات ثم أذن ثم أقام فصلی الظهر ثم أقام فصلی العصر و لم یصل بینهما شیئا ثم رکب حتی أتی الموقف فجعل بطن ناقته القصوی الی الصخرة و جعل حبل الشاة بین یدیه فوقف مستقبل القبلة و کان یوم الجمعة و کان واقفا اذ نزل علیه الیوم أکملت لکم دینکم الآیة* و فی بحر العلوم فبرکت ناقته من هیبة القرآن* قال جابر فلم یزل واقفا حتی غربت الشمس و أردف أسامة خلفه و دفع و قد شنق القصوی الزمام حتی انّ رأسها لیصیب مورک الرحل و یقول بیده الیمنی أیها الناس السکینة السکینة کلما أتی جبلا من الجبال أرخی لها قلیلا حتی تصعد حتی أتی المزدلفة فصلی بها المغرب و العشاء بأذان و اقامتین و لم یسبح بینهما شیئا ثم اضطجع حتی طلع الفجر فصلی الفجر حین تبین الصبح و رکب القصوی حتی أتی المشعر الحرام فاستقبل القبلة و دعا اللّه و کبره و هلله و وحده فلم یزل واقفا حتی أسفر جدّا فدفع قبل أن تطلع الشمس و أردف الفضل بن عباس و کان رجلا حسن الشعر أبیض و سیما فلما دفع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مرّت ظعن البحرین فطفق الفضل ینظر إلیهنّ فوضع صلی اللّه علیه و سلم یده علی وجه الفضل فحوّل الفضل وجهه الی الشق الآخر ینظر فحوّل صلی اللّه علیه و سلم یده من الشق الآخر علی وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ینظر حتی أتی بطن محسر فحرّک قلیلا* و فی شفاء الغرام ذکر المحب الطبری و ابن خلیل سمی محسرا لانّ فیل أصحاب الفیل حسر فیه أی أعیا و اهل مکة یسمونه وادی النار زعموا أنّ رجلا اصطاد فیه غزالة فنزلت نار فأحرقته و اللّه أعلم و لیس وادی محسر من مزدلفة و لا من منی و هو مسیل ما بینهما و فی المشکاة وادی محسر من منی*

نفیسة

و فی منسک یحیی بن زکریا أنّ رجلا من
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:151
الصالحین تأخر بعرفات فغلبه النوم فرأی فی منامه کأنّ عرفة مملوءة قردة و خنازیر فتعجب من ذلک فهتف به هاتف هذه ذنوب الحجاج ترکوها و مضوا طاهرین من الذنوب* و عن ابن الموفق قال حججت سنة فلما کانت لیلة عرفة بت بمنی فرأیت فی المنام ملکین قد نزلا من السماء فنادی أحدهما صاحبه یا عبد اللّه فقال له لبیک یا عبد اللّه قال أ تدری کم حج فی هذه السنة بیت ربنا قال لا أدری قال حج ستمائة ألف فقال أ تدری کم قبل منهم قال لا قال قبل منهم ستة قال ثم ارتفعا فنادی فی السماء فانتبهت فزعا خائفا مرعوبا و غمنی ذلک و قلت فی نفسی اذا قبل حج ستة فمن أکون أنا فلما أفضت من عرفات و صرت عند المشعر الحرام جعلت أفکر فی کثرة الخلائق و قلة من قبل منهم فغلبنی النوم فاذا الملکان بعینهما قد نزلا فقال أحدهما لصاحبه المقالة الاولی ثم قال أ تدری ما حکم ربنا فی هذه اللیلة قال لا قال وهب ربنا لکل واحد من الستة مائة ألف فانتبهت مملوءا من السرور ما اللّه به عالم* و فی المشکاة عن عباس بن مرداس أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم دعا لأمّته عشیة عرفة بالمغفرة فأجیب بأنی قد غفرت لهم ما خلا المظالم فانی آخذ للمظلوم من الظالم قال أی رب ان شئت أعطیت المظلوم من الجنة و غفرت للظالم فلم یجب عشیته فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجیب الی ما سأل* قال فضحک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أو قال تبسم فقال له أبو بکر و عمر بأبی أنت و أمی انّ هذه لساعة ما کنت تضحک فیها فما الذی أضحکک أضحک اللّه سنک قال انّ عدوّ اللّه ابلیس لما علم انّ اللّه عز و جل قد استجاب دعائی و غفر لأمّتی أخذ التراب فجعل یحثو علی رأسه و یدعو بالویل و الثبور فأضحکنی ما رأیت من جزعه رواه ابن ماجه و البیهقی فی کتاب البعث و النشور* قال جابر ثم سلک الطریق الوسطی التی تخرج علی الجمرة الکبری حتی أتی الجمرة التی عند الشجرة فرماها بسبع حصیات مثل حصی الخذف یکبر مع کل حصاة منها من بطن الوادی ثم انصرف الی المنحر فنحر بیده ثلاثا و ستین بدنة و أعتق ثلاثا و ستین رقبة عدد سنی عمره ثم أعطی علیا ما بقی الی تمام المائة و قد کان صلی اللّه علیه و سلم أتی ببعضها و قدم علیّ بشی‌ء منها من الیمن* و فی حیاة الحیوان نحر بیده فی حجة الوداع ثلاثا و ستین بدنة و أعتق ثلاثا و ستین رقبة ثم حلق رأسه بمنی جانبه الایمن ثم الایسر و حالقه معمر بن عبد اللّه العدوی و قیل اسمه خراش بن أمیة بن ربیعة الکلبی* و فی منهاج النووی انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أتی منی ثم أتی الجمرة و لم یزل یلبی حتی رمی ثم أتی منزله بمنی و نحر ثم قال للحلاق خذ و أشار الی جانبه الأیمن ثم الأیسر ثم جعل یعطیه الناس* و فی المناسک للکرمانی انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لما رمی جمرة العقبة رجع الی منزله بمنی ثم دعا بذبائح فذبح ثم دعا بالحلاق فأعطاه شقه الأیمن فحلقه فدفعه الی أبی طلحة لیفرّقه بین الناس ثم أعطاه شقه الأیسر فحلقه ثم دفعه الی أبی طلحة لیفرّقه بین الناس قیل أصاب خالد بن الولید شعرات من شعرات ناصیته صلی اللّه علیه و سلم* و فی الشفاء کانت شعرات من شعره علیه السلام فی قلنسوة خالد فلم یشهد بها قتالا إلّا رزق النصر* قال جابر و أشرک صلی اللّه علیه و سلم علیا فی هدیه ثم أمر من کل بدنة ببضعة فجعلت فی قدر فطبخت فأکلا من لحمها و شربا من مرقها ثم رکب صلی اللّه علیه و سلم فأفاض الی البیت و صلی الظهر بمکة فأتی بنی عبد المطلب و هم یسقون علی زمزم فقال انتزعوا بنی عبد المطلب فلو لا أن یغلبکم الناس علی سقایتکم لنزعت معکم فناولوه دلوا فشرب منه و طاف صلی اللّه علیه و سلم فی حجة الوداع علی راحلته بالبیت و بالصفا و المروة لیراه الناس و لیشرف و یسألوه فانّ الناس قد غشوه و کان صلی اللّه علیه و سلم لا یستلم فی طوافه الا الحجر الأسود و الرکن الیمانی* و عن الزبیر قال سأل رجل ابن عمر عن استلام الحجر قال رأیت رسول اللّه یستلمه و یقبله رواه البخاری و عن ابن عمر قال لم أر النبیّ صلی الله
علیه و سلم یستلم من البیت الا الرکنین الیمانیین متفق علیه* و عن ابن عباس قال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:152
طاف النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی حجة الوداع علی بعیر یستلم الرکن بمحجن متفق علیه* و عن أبی الطفیل قال رأیت رسول اللّه یطوف بالبیت علی بعیر و یستلم الرکن بمحجن معه و یقبل المحجن رواه مسلم ذکر الاحادیث الاربعة فی المشکاة* و قال النووی فی شرح صحیح مسلم انّ للبیت أربعة أرکان الرکن الأسود و الرکن الیمانی و یقال لهما الیمانیان للتغلیب و أمّا الرکنان الآخران فیقال لهما الشامیان فالرکن الأسود فیه فضیلتان* احداهما کونه علی قواعد ابراهیم علیه السلام* و الثانیة کون الحجر الأسود فیه و أمّا الیمانی ففیه فضیلة واحدة و هی کونه علی قواعد ابراهیم و أمّا الرکنان الآخران فلیس فیهما شی‌ء من هاتین الفضیلتین فلهذا خص الحجر الأسود بسنة الاستلام و التقبیل و أمّا الیمانی فیستلم و لا یقبل لانّ فیه فضیلة واحدة و أمّا الرکنان الآخران فلا یقبلان و لا یستلمان* و فی تشویق الساجد قال المحب الطبری فی کتابه المسمی بالقربی العمل عند أهل العلم فی کیفیة التقبیل أن یضع شفتیه علی الحجر من غیر تصویت کما یفعله کثیر من الناس انتهی فانه صح أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قبله من غیر صوت و أمّا السجود علی الحجر الأسود فقد ورد أنّ ابن عباس قبل الحجر الأسود و سجد علیه و قال رأیت عمر قبله ثم سجد علیه ثم قال رأیت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فعل هذا رواه ابن المنذر و أبو یعلی الموصلی و الحاکم و صحح اسناده و لیس فی حدیث جابر الطویل المشهور فی صفة حج النبیّ ذکر السجود علی الحجر الأسود و الحنفیة لم یذکروا فی کتبهم و مناسکهم السجود علی الحجر الأسود و أغرب الشیخ فخر الدین الزیلعی الحنفی فقال فی شرح الکنز انه یسجد علیه و کأنه أخذ هذا عن الشافعیة* و حکی السکاکی من الحنفیة عن الشافعی السجود علیه و استدلّ بحدیث ابن عباس المذکور ثم قال و عندنا الاولی أن لا یسجد علیه لعدم الروایة فی المشاهیر و کذلک قاله الطرابلسی و أنکر مالک وضع الخدّ و الجبهة علیه و قال انه بدعة نقله ابن جماعة فی منسکه* و قال ابن المنذر انه لا یعلم أحد أنکر ذلک الا مالکا* و فی البحر العمیق ثم یستلم الحجر بیده ثم یقبله من غیر أن یظهر الصوت فی القبلة و یسجد علیه و یکرّر التقبیل و السجود علیه ثلاثا* قال رشید الدین فی مناسکه ینبغی أن یبدأ من جانب الحجر الذی یلی الرکن الیمانی لیکون مروره علی جمیع الحجر بجمیع بدنه* قال الطرابلسی انما قال هذا لیخرج من خلاف من یشترط المرور علی الحجر بجمیع بدنه و قال ابن الصلاح ثم النووی انه یستقبل القبلة و یقف علی جانب الحجر بحیث یصیر جمیع الحجر علی یمینه و یصیر منکبه الایمن عند طرف الحجر ثم ینوی الطواف ثم یمشی مستقبل الحجر مارّا الی جهة یمینه حتی یجاوز الحجر فاذا جاوز انفتل و جعل یساره الی البیت و یمینه الی خارج البیت و لو فعل هذا من الاوّل فلم یستقبل الحجر عند محاذاته بل جعله عن یساره جاز* و من البدعة ما یفعله بعض الجهال من استلام الرکنین الشامیین و بعضهم یمسح علیهما بیده و یقبلهما و بعضهم یمرّ علیهما و یشیر إلیهما بیده من غیر تقبیل و هذه بدعة منکرة مخالفة لسنة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و قال ابن جماعة فی منسکه اتفقت الائمة الاربعة علی انه لا یستلم الرکنان الشامیان و لا یقبلان اقتداء بسیدنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انتهی* و أما رفع الیدین عند الاستلام فقال القاضی بدر الدین بن جماعة الشافعی فی مناسکه الکبری لا یسنّ و لا یستحب رفع الیدین عند نیة الطواف قبل استقبال الحجر الاسود علی المذاهب الاربعة و لا یسنّ عند استقبال الحجر الاسود أیضا الاعلی مذهب أبی حنیفة فقط انتهی و أما رفع الیدین و کیفیته علی مذهب أبی حنیفة عند استقبال الحجر الاسود فانه یرفع یدیه حذو أذنیه مستقبلا بوجهه الحجر کما فی الصلاة لقوله علیه السلام لا ترفع الایدی الا فی سبع مواطن فی افتتاح الصلاة و فی القنوت و فی الوتر و فی العیدین و عند استلام الحجر و علی الصفا و المروة و بعرفات و بجمع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:153
* قال الشیخ فخر الدین الزیلعی فی شرح الکنز ثلاثة منها فی الصلاة عند الافتتاح و القنوت و تکبیرات العیدین و أربع فی الحج و هی ما عداها ففی أربع من هذه السبعة یرفع یدیه حذو أذنیه و هی الثلاثة التی فی الصلاة و عند الاستلام و فی ثلاثة یرفع یدیه بسطا الاوّل علی الصفا و المروة یجعل باطن کفیه نحو السماء کما یفعل فی الدعاء و یستقبل القبلة و یدعو بحاجته و الثانی و الثالث بعرفة و جمع أما بعرفة فبعد ما صلی الظهر و العصر مع الامام و وقف و دعا الی وقت الغروب و یجعل باطن کفیه نحو السماء فقد کان صلی اللّه علیه و سلم یدعو بعرفة مادّا یدیه فی نحره کالمستطعم المسکین و أما بجمع فبعد ما صلی الفجر بغلس یوم النحر وقف و دعا و یجعل باطن کفیه نحو السماء و الرابع عند الجمرتین الاولی و الوسطی دون جمرة العقبة و یرفع یدیه حذو منکبیه و یجعل باطنهما نحو السماء* و فی السراج الوهاج فی باب صفة الصلاة انه عند الجمرتین یجعل باطنهما نحو الکعبة فی ظاهر الروایة و عن أبی یوسف یجعل باطنهما نحو السماء انتهی* و قد جمع بعضهم هذه السبعة فی تسعة أحرف و أفرد کلا من الصفا و المروة و کلا من العیدین و عرفات و هی فقعس صمعجم فالفاء للافتتاح و القاف للقنوت و العین الاولی للعیدین و السین لاستلام الحجر و الصاد للصفا و المیم الاولی للمروة و العین الثانیة لعرفات و الجیم للجمرتین و المیم الثانیة لمزدلفة فیرفع الایدی فی فقعس حذاء الاذنین و فی صمعجم حذاء منکبیه بسطا نحو السماء* قال صاحب الوقایة
ارفع یدیک لدی التکبیر مفتتحاو قانتا و بها العیدان قد وصفا
و فی الوقوفین ثم الجمرتین معاو فی استلام کذا فی مروة و صفا وجه الانحصار فی الحدیث أی لا ترفع الایدی علی وجه السنن الاصلیة التی هی سنة الهدی الا فی هذه المواضع و اما فی سائر المواضع انما ترفع فی الدعاء علی انه من باب الاستحباب لا علی سنة الهدی و اذا رفع یدیه عند الاستلام یرسلهما و یکبر و یهلل و یحمد اللّه تعالی و یصلی علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثم یستلم الحجر و تفسیر الاستلام کما قال الکرمانی و الفارسی و قاضی خان و شارح الطحاوی أن یضع کفیه علی الحجر و یقبله بفمه بین یدیه اذا أمکن من غیر ایذاء أحد* الاستلام افتعال من السلام و هو التحیة مشتق منه و معناه یحیی نفسه بالحجر و قیل من السلم بکسر السین و هی الحجارة فاذا مس الحجر بیده فقد استلم أی مس به السلم و هو الحجر* و فی شرح الوقایة استلم الحجر أی تناوله بالید أو القبلة أو مسحه بالکف من السلمة بفتح السین و کسر اللام و هو الحجر و ألا یمس بشی‌ء فی یده ثم یقبله و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین یقدم مکة ینزل بذی طوی و یبیت به حتی یصلی الصبح و مصلاه ذلک علی أکمة غلیظة لیس فی المسجد المبنی ثمة و لکن أسفل من ذلک علیها*

اتیان الصبی و تکلمه بین یدی النبیّ یوم ولد

و فی هذه السنة فی حجة الوداع جی‌ء بصبیّ الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یوم ولد فقال من أنا فقال رسول اللّه فقال صلی اللّه علیه و سلم صدقت بارک اللّه فیک ثم ان الغلام لم یتکلم بعدها حتی شب و کان یسمی ذلک الغلام مبارک الیمامة* و فی هذه السنة مات باذان و الی الیمن ففرّق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عملها بین شهر بن باذان و عامر بن شهر الهمدانیّ و أبی موسی الاشعری و خالد بن العاص و یعلی بن أمیة و عمرو بن حزم و جعل زیاد بن لبید علی حضرموت و عکاشة بن ثور علی السکاسک و السکون و السکاسک حیّ بالیمن جدّهم القیل بن سکسک بن الاشرس کذا فی القاموس و السکون بفتح السین حیّ بالیمن*

موت باذان‌

و فی هذه السنة مات أبو عامر الراهب عند هرقل کذا فی سیرة مغلطای*

نزول آیة الاستئذان‌

و فی هذه السنة نزلت آیة الاستئذان روی ان غلاما لأسماء بنت أبی مرثد دخل علیها فی وقت کرهته فنزلت یا أیها الذین آمنوا لیستأذنکم الذین ملکت أیمانکم الی آخرها و قیل أرسل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مدلج بن عمرو الانصاری و کان غلاما وقت الظهیرة لیدعو عمر فدخل و هو نائم و قد انکشف عنه ثوبه فقال عمر لوددت ان اللّه تعالی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:154
نهی آباءنا و أبناءنا و خدمنا أن لا یدخلوا هذه الساعة علینا الا باذن تم انطلق معه الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فوجده و قد نزلت علیه هذه الآیة کذا فی أنوار التنزیل و کانوا لا یفعلون قبل ذلک* و فی الکشاف یحکی ان عیینة بن حصن دخل علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و عنده عائشة من غیر استئذان فقال رسول اللّه یا عیینة أین الاستئذان قال یا رسول اللّه ما استأذنت علی رجل قط ممن مضی منذ أدرکت ثم قال من هذه الجمیلة الی جنبک فقال علیه السلام هذه عائشة أمّ المؤمنین فقال عیینة أ فلا أنزل لک عن أحسن الخلق فقال صلی اللّه علیه و سلم ان اللّه قد حرم ذلک فلما خرج قالت عائشة من هذا یا رسول اللّه قال أحمق مطاع و انه علی ما ترین لسید قومه و قوله علیه السلام ان اللّه قد حرّم ذلک اشارة الی تحریم التبدل فی قوله تعالی و لا أن تبدّل بهنّ من أزواج و هو من البدل الذی کان فی الجاهلیة کان یقول الرجل للرجل بادلنی بامرأتک و أبادلک بامرأتی فینزل کل واحد منهما عن امرأته لصاحبه تاریخ الخمیس، دیار البکری ج‌2 154 (الموطن الحادی عشر فی وقائع السنة الحادیة عشر من الهجرة ..... ص : 154

ظ% (الموطن الحادی عشر فی وقائع السنة الحادیة عشر من الهجرة

من قدوم وفد النخع و استغفاره صلی اللّه علیه و سلم لأهل البقیع و سریة أسامة بن زید الی أبنی و ذکر الاسود العنسی و مسیلمة الکذاب و سجاح و طلیحة و ذکر ما وقع قبل مرضه و ابتداء مرضه و ما وقع فی مرضه و مدّة مرضه و ذکر سنه و وقت موته و ذکر بیعة أبی بکر و ذکر غسله و تکفینه و الصلاة علیه و قبره و دفنه و الندب علیه و میراثه و ترکته و حکمه فیها و رؤیته فی المنام و زیارته صلی اللّه علیه و سلم و سائر المزارات بالمدینة)** و فی هذه السنة قدم وفد النخع من الیمن للنصف من المحرم و هم مائتا رجل مقرین بالاسلام و قد کانوا بایعوا معاذ بن جبل بالیمن و هم آخر وفد قدم علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم*

استغفاره علیه السلام لاهل البقیع‌

و فی هذه السنة استغفر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لأهل البقیع باللیل فی المحرم مرجعه من حجته قال أبو مویهبة اشتکی صلی اللّه علیه و سلم بعد ذلک بأیام* و فی روایة عنه فما لبث بعد ذلک الاستغفار إلّا سبعا أو ثمانیا حتی قبض و کان مامورا بالاستغفار* و فی المواهب اللدنیة روی الشیخان من حدیث عقبة بن عامر قال صلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی قتلی أحد بعد ثمان سنین کالمودع للاحیاء و الاموات*

سریة أسامة بن زید الی أهل ابنی‌

و فی هذه السنة کانت سریة أسامة بن زید الی أهل أبنی بضم الهمزة و سکون الباء الموحدة و فتح النون علی وزن فعلی موضع بناحیة البلقاء کانت یوم الاثنین لاربع لیال بقین من صفر سنة احدی عشرة کما مرّ و هی آخر سریة جهزها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أوّل شی‌ء جهزه أبو بکر لغزو الروم الی مکان قتل أبیه زید* قال الواقدی قبض النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أسامة ابن عشرین سنة کذا فی الصفوة* روی ان رسول اللّه أمر بالتهیؤ لغزو الروم یوم الاثنین لأربع لیال بقین من صفر سنة احدی عشرة من الهجرة فلما کان من الغد دعا أسامة بن زید فقال سر الی موضع مقتل أبیک فأوطئهم الخیل فقد ولیتک هذا الجیش فاغز صباحا علی أهل أبنی و حرق علیهم فان أظفرک اللّه فاقلل اللبث فیهم و خذ معک الادلاء و قدّم العیون و الطلائع أمامک فلما کان یوم الاربعاء بدأ مرض رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فحمّ و صدع فلما أصح یوم الخمیس عقد لا سامة لواء بیده ثم قال اغز بسم اللّه فی سبیل اللّه فقاتل من کفر باللّه فخرج و عسکر بالجرف علی فرسخ من المدینة فلم یبق أحد من وجوه المهاجرین و الانصار الا انتدب فی تلک الغزوة فیهم أبو بکر و عمر و سعد بن أبی وقاص و سعید بن زید و أبو عبیدة و قتادة بن النعمان فتکلم قوم و قالوا یستعمل هذا الغلام علی المهاجرین الاوّلین فغضب رسول اللّه غضبا شدیدا فخرج و قد عصب علی رأسه عصابة و علیه قطیفة فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنی علیه ثم قال أما بعد أیها الناس فما مقالة بلغتنی عن بعضکم فی تأمیر أسامة و لئن طعنتم فی تأمیری أسامة لقد طعنتم فی تأمیری أباه من قبله و أیم اللّه ان کان للامارة لخنیقا و ان ابنه بعده
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:155
لخلیق للامارة و ان کان لمن أحب الناس الیّ فاستوصوا به خیرا فانه من خیارکم ثم نزل و دخل بیته و ذلک فی یوم السبت لعشر خلون من ربیع الاوّل و جاء المسلمون الذین یخرجون مع أسامة یودّعون رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و یمضون الی العسکر بالجرف و ثقل رسول اللّه فلما کان یوم الاحد اشتت برسول اللّه وجعه فدخل أسامة من معسکره و النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مغمی علیه* و فی روایة قد أصمت و هو لا یتکلم و هو الیوم الذی لدّوه فیه فطأطأ رأسه فقبله و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لا یتکلم فجعل یرفع یدیه الی السماء ثم یضعهما علی أسامة قال فعرفت انه یدعو لی و رجع أسامة الی معسکره فأمر الناس بالرحیل فبینما هو یرید الرکوب اذا رسول أمه أمّ أیمن قد جاءه یقول ان رسول اللّه یموت فأقبل و أقبل معه عمر و أبو عبیدة و انتهوا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو یموت* فتوفی صلی اللّه علیه و سلم حین زاغت الشمس یوم الاثنین و دخل المدینة المسلمون الذین عسکروا و کان لواء أسامة مع بریدة بن الحصیب فدخل بریدة بلواء أسامة حتی غرزه عند باب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما بویع لأبی بکر بعد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أمر باللواء الی أسامة لیمضی لوجهه فمضی بریدة الی معسکرهم الاوّل فلما ارتدّت العرب کلم أبو بکر فی حبس جیش أسامة و کلم أبو بکر أسامة فی أن یأذن لعمر فی التخلف ففعل فلما کان هلال ربیع الآخر من السنة الحادیة عشر بعث أبو بکر علی مقتضی أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أسامة بن زید الی حرب الشام فخرج فابتدأ الاغارة من قضاعة الی مؤتة من الشام و سار الی أهل أبنی فی عشرین لیلة فأغارهم و قتل من أشرف له و سبی من قدر علیه و قتل قاتل أبیه و رجع الی المدینة بالغلبة و الظفر و کانت مدّة غیبته فی ذلک السفر أربعین یوما فخرج أبو بکر فی المهاجرین و أهل المدینة یتلقونهم سرورا لقدومهم و ستجی‌ء وفاة أسامة فی الخاتمة فی آخر خلافة معاویة*

ظهور الاسود العنسی‌

اشارة

و فی هذه السنة فی زمان مرضه علیه السلام جاء الخبر بظهور الاسود العنسی و مسیلمة الکذاب و کانا یستغویان أهل بلادهما قبل الا انه لم یظهر أمرهما الا فی زمان مرض رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان رسول اللّه قد لحقه مرض بعید عوده من الحج ثم عوفی ثم عاد فمرض مرض الموت* و قال ابو مویهبة لما رجع رسول اللّه علیه السلام طارت الاخبار بأنه قد اشتکی فوثب الاسود بالیمن و مسیلمة بالیمامة فجاء الخبر الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی مرضه* قال بعض أصحاب السیر و ذلک بعد ما ضرب علی الناس بعث أسامة* و روی عن ابن عباس ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خرج عاصبا رأسه من الصداع و قال انی رأیت البارحة فیما یری النائم ان فی عضدیّ سوارین من ذهب فکرهتهما فنفختهما فطارا فوقع أحدهما بالیمامة و الآخر بالیمن قیل ما أوّلتهما یا رسول اللّه قال فاوّلتهما هذین الکذابین صاحب الیمامة و صاحب الیمن یخرجان من بعدی* و فی الاکتفاء قال ابن اسحاق و قد کان تکلم علی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الکذابان مسیلمة بن حبیب الحنفی بالیمامة فی بنی حنیفة و الاسود بن کعب العنسی بصنعاء* و ذکر باسناد له عن أبی سعید الخدری قال سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو یخطب علی منبره و هو یقول أیها الناس انی قد رأیت لیلة القدر ثم أنسیتها و رأیت فی ذراعیّ سوارین من ذهب فکرهتهما فنفختهما فطارا فأوّلتهما هذین الکذابین صاحب الیمن و صاحب الیمامة* و عن أبی هریرة قال سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول لا تقوم الساعة حتی یخرج ثلاثون دجالا کلهم یدعی النبوّة* و فی معالم التنزیل قد ارتدّ فی حیاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثلاث فرق* الفرقة الاولی بنو مذحج و رئیسهم الاسود العنسی* فی القاموس العنس لقب زید بن مالک بن أدد أبو قبیلة من الیمن و مخلاف بها مضاف إلیه و اسم الاسود عبهلة بن کعب العنسی و یقال له ذو الخمار بخاء معجمة لانه کان یغطی وجهه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:156
بخمار و یقال ان ذا الخمار اسم شیطانه* و فی المنتقی و کان یقال له ذو الحمار بالحاء المهملة لقب بذلک لانه کان یقول یأتینی ذو حمار* و فی تفسیر الکورانی لانه کان له حمار اذا قال له قف وقف قد ادّعی النبوّة بالیمن فی عهد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فاتبع علی ذلک و کان کاهنا مشعبذا یری الناس الاعاجیب و یسبی منطقه قلب من سمعه و کان یزعم ان ملکین یکلمانه اسم أحدهما شهیق و الآخر شریق* و فی روضة الاحباب و کان له شیطانان اسم أحدهما سحیق و الآخر شقیق و کانا یخبر انه بالامور الحادثة بین الناس فلما مات باذان الفارسی عامل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بصنعاء الیمن أخبراه بموته فسار إلیها و استولی علیها و کان أوّل خروجه بعد حجة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حجة الوداع و من أوّل خروجه الی أن قتل أربعة أشهر فخرج مع قومه و غلب علی الیمن فکتب فروة ابن مسیک عامل رسول اللّه علی مراد بخبره الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و خرج معاذ بن جبل هاربا حتی مرّ بأبی موسی الاشعری و هو بمأرب فاقتحما حضرموت و رجع عمرو بن خالد الی المدینة فغلب أمر الاسود و جعل أمره یستطیر استطارة الحریق* و فی الاکتفاء فتزوّج المرزبانة امرأة باذان الفارسی و کانت من عظماء فارس و قسرها علی ذلک فأبغضته أشدّ البغض* و فی المنتقی قتل شهر ابن باذان و تزوّج امرأته و کانت بنت عمّ فیروز الدیلمی فکتب رسول اللّه الی معاذ بن جبل و من معه من المسلمین و أمرهم أن یحثوا الناس علی التمسک بدینهم و علی النهوض الی حرب الاسود فقتله فیروز الدیلمی علی فراشه کما سیجی‌ء و أرسل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رسولا الی نفر من الابناء و کتب إلیهم أن یحاولوا الأسود إمّا غیلة و اما مصادمة و أمرهم أن یستمدّوا رجالا سماهم لهم ممن حولهم من حمیر و همدان و أرسل الی أولئک الرجال أن یمدّوهم فدخلوا علی زوجته فقالوا هذا قتل أباک و زوجک فما عندک قالت هو أبغض الناس الیّ و هو مجرّد و الحرس محیطون بقصره الا هذا البیت فانقبوا علیه فنقبوا علیه البیت و دخل فیروز الدیلمی و رجل آخر یقال له دادویه فقتله فیروز فخار کأشدّ خوار الثور فابتدر الحرس الی الباب فقالوا ما هذا الصوت قالت المرأة النبیّ یوحی إلیه فالیکم ثم خمد و قد کان یجی‌ء شیطانه فیوسوس إلیه فیغط فیعمل بما قال له* فلما طلع الفجر نادی المسلمون بشعارهم الذی بینهم ثم بالاذان و قالوا فیه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه و أنّ عبهلة کذاب و أغار و او تراجع أصحاب رسول اللّه الی أعمالهم و کتبوا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالخبر فسبق خبر السماء إلیه* و عن ابن عمر أتی الخبر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من السماء اللیلة التی قتل فیها الاسود فخرج رسول اللّه قبل موته بیوم فأخبر الناس بذلک فقال قتل الاسود البارحة قتله رجل مبارک من أهل بیت مبارکین قیل و من هو یا رسول اللّه قال فیروز فاز فیروز فبشر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بهلاک الاسود و قبض من الغد فأتی خبر مقتل العنسی المدینة بعد وفاة رسول اللّه فی خلافة أبی بکر فی آخر شهر ربیع الاوّل بعد مخرج أسامة بن زید الی أبنی* و کان ذلک أوّل فتح جاء أبا بکر و فی الاکتفاء سمعت بخروج الاسود بنو الحارث بن کعب من أهل نجران و هم یومئذ مسلمون فأرسلوا إلیه یدعونه أن یأتیهم فی بلادهم فجاءهم فاتبعوه و ارتدّوا عن الاسلام و یقال دحلها یوم دخلها فی آلاف من حمیر یدعی النبوّة و یشهدون له بها فنزل غمدان فلم یتبعه من النخع و لا من جعفی أحد و تبعه ناس من مذحج و عنس و بنی الحارث و أود و مسلیة و حکم و أقام الاسود بنجران یسیرا ثم رأی أنّ صنعاء خیر له من نجران فسار إلیها فی ستمائة راکب من بنی الحارث فنزل صنعاء فأبت الابناء أن یصدّقوه فغلب علی صنعاء و استذلّ الابناء بها و قهرهم و أساء جوارهم لتکذیبهم ایاه‌

قتل الاسود العنسی‌

فبعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رجلا من الازد و قیل من خزاعة یقال له وبر بن یخنس الی الابناء فی أمر الاسود فدخل صنعاء مختفیا فنزل علی دادویه الابناوی فخبأه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:157
عنده و تأمّرت الابناء لقتل الاسود فتحرّک فی قتله نفر منهم قیس بن عبد یغوث المکشوح و فیروز الدیلمی و دادویه الابناوی و کانت المرزبانة کما تقدّم قد أبغضت الاسود أشدّ البغض فوعدتهم موعدا أتوا لمیقاته و قد سقته الخمر حتی سکر فسقط نائما کالمیت فدخل علیه فیروز و قیس و نفر معهما فوجدوه علی فراش عظیم من ریش قد غاب فیه فأشفق فیروز أن یتعادی علیه السیف ان ضربه به فوضع رکبته علی صدر الکذاب ثم فتل عنقه فحوّله حتی حوّل وجهه من قبل ظهره و أمر فیروز قیسا فاحتزّ رأسه فرمی به الی الناس ففض اللّه الذین اتبعوه و ألقی علیهم الخزی و الذلة و فیروز الدیلمی کنیته أبو عبد اللّه و قیل أبو عبد الرحمن یقال هو ابن أخت النجاشی و قیل هو من أبناء فارس و یقال له الحمیری لانه نزل حمیر* فی الصحاح حمیر أبو قبیلة من الیمن و هو حمیر بن سبا بن یشجب بن یعرب ابن قحطان و منهم کانت الملوک فی الدهر الاوّل و اسم حمیر العرفج*

قصة مسیلمة الکذاب‌

الفرقة الثانیة بنو حنیفة و فی القاموس حنیفة لقب اثال بن لجیم أبی حی انتهی و رئیسهم مسیلمة الکذاب اسمه هارون ابن حبیب من بنی حنیفة و کنیته أبو ثمامة و لقبه مسیلمة و هو قبیح الخلقة دمیم الصورة و صفته علی عکس صفة رسول اللّه و کان یزعم أنّ جبریل نزل علیه بالقرآن و کان یقال له رحمن الیمامة لانه کان یقول الذی یأتینی اسمه رحمن أو هو من باب تعنتهم فی الکفر کما هو فی الکشاف* و عن رافع بن خدیج قال قدمت علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم وفود العرب فلم یقدم علینا وفد أقسی قلوبا و لا أحری أن یکون الاسلام لم یقرّ فی قلوبهم من بنی حنیفة و قد ذکر مسیلمة لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال أما انه لیس بشرّکم مکانا لما کانوا أخبروه به من أنهم ترکوه فی رحالهم حافظا لها* و عن ابن عباس أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ذکر له أنّ مسیلمة قال عند ما قدم فی قومه لو جعل لی محمدا لخلافة من بعده لاتبعته فجاءه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و معه ثابت بن قیس بن شماس و فی ید رسول اللّه میتخة من نخل فوقف علیه ثم قال لئن أقبلت لیفعلن اللّه بک و لئن أدبرت لیقطعن اللّه دابرک و ما أراک الا الذی رأیت فیه ما رأیت و لئن سألتنی هذه الشظیة لشظیة من المیتخة التی فی یده ما أعطیتکها و هذا ثابت یجیبک* قال ابن عباس سألت أبا هریرة عن قول النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ما أراک الا الذی رأیت فیه ما رأیت قال کان رسول اللّه قال بینا أنا نائم رأیت فی یدیّ سوارین من ذهب فنفختهما فطارا فوقع أحدهما بالیمامة و الآخر بالیمن قیل ما أوّلتهما یا رسول اللّه قال أوّلتهما کذا بین یخرجان من بعدی و لما انصرف فی قومه الی الیمامة ارتدّ عدوّ اللّه و ادّعی الشرکة فی النبوّة مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قال للوفد الذین کانوا معه أ لم یقل لکم حین ذکرتمونی له أما انه لیس بشرّکم مکانا ما ذاک الا لما علم أنی أشرکت فی الامر معه و کتب الی رسول اللّه* من مسیلمة رسول اللّه الی محمد رسول اللّه أمّا بعد فانی قد أشرکت فی الامر معک و انّ لنا نصف الارض و لقریش نصفها و لکن قریش قوم یعتدون و بعث الکتاب مع رجلین من أصحابه فقال لهما رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حین قرأ کتابه أ تشهدان انی رسول اللّه قالا نعم قال أ تشهدان أنّ مسیلمة رسول اللّه قالا نعم قد اشترک معک فی الامر فقال أما و اللّه لو لا انّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقکما* و عن ابن مسعود قال جاء ابن النواحة و ابن أنال رسولا مسیلمة الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال لهما أ تشهدان انی رسول اللّه قالا نشهد أنّ مسیلمة رسول اللّه فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم آمنت باللّه و رسوله لو کنت قاتلا رسولا لقتلتکما* قال عبد اللّه فمضت السنة انّ الرسول لا یقتل رواه أحمد کذا فی المشکاة* ثم کتب الی مسیلمة فی جوابه بسم اللّه الرحمن الرحیم من محمد رسول اللّه الی مسیلمة الکذاب السلام علی من اتبع الهدی أمّا بعد فانّ الارض للّه یورثها من یشاء من عباده و العاقبة للمتقین و قد أهلکت أهل الحجر أبادک اللّه و من
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:158
صوّت معک فلما وصله کتاب رسول اللّه أخفاه و کتب عن رسول اللّه کتابا وصله بثبوت الشرکة بینهما و أخرج ذلک الکتاب الی قومه فافتتنوا بذلک* و فی الاکتفاء قال ابن اسحاق و کان ذلک یعنی کتاب مسیلمة الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کتابه الی مسیلمة فی آخر سنة عشر* و قال أبو جعفر محمد ابن جریر الطبری و قد قیل انّ دعوی الکذابین مسیلمة و العنسی للنبوّة فی عهد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بعد انصراف النبیّ من حجة الوداع و وقوعه فی المرض الذی توفاه اللّه فیه و اللّه أعلم* و فی المواهب اللدنیة لما انصرف وفد بنی حنیفة من عند النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قدموا الیمامة ارتدّ عدوّ اللّه مسیلمة و تنبأ و قال انی أشرکت معه ثم اشتغل بالمعارضة الرکیکة التی هی ضحکة العقلاء و جعل یسجع السجعات فیقول فیما یقول مضاهاة للقرآن لقد أنعم اللّه علی الحبلی أخرج منها نسمة تسعی من بین صفاق وحشا و قال آخر أ لم تر کیف فعل ربک بالحبلی أخرج منها نسمة تسعی من بین شراسیف وحشا و قال آخر الفیل ما الفیل و ما أدراک ما الفیل له ذنب وثیل و مشفر أو خرطوم طویل انّ ذلک من خلق ربنا لقلیل و یقول فی التشبیه بالسور القصار یا ضفدع نقی کم تنقین النقیق صوت الضفدع فاذا رجع صوته قیل نقنق کذا فی نهایة ابن الاثیر أعلاک فی الماء و أسفلک فی الطین لا الماء تکدرین و لا الشارب تمنعین کذا فی شرح المواهب اللدنیة* و فی الاکتفاء انه کان یقول یا ضفدع بنت ضفدعین لحسن ما تنقنقین لا الشارب تمنعین و لا الماء تکدرین امکثی فی الارض حتی یأتیک الخفاش بالخبر الیقین لنا نصف الارض و لقریش نصفها و لکن قریش قوم لا یعدلون و سجع اللعین علی سورة انا أعطیناک الکوثر فقال انا أعطیناک الجواهر فصل لربک و هاجر انّ مبغضک رجل فاجر* و فی روایة انا أعطیناک الجماهر فخذ لنفسک و بادر و احذر أن تحرص أو تکاثر* و فی روایة انا أعطیناک الکوثر فصل لربک و بادر فی اللیالی الغوادر و لما سمع الملعون و النازعات غرقا قال و الزارعات زرعا فالحاصدات حصدا و الذاریات قمحا و الطابخات طبخا و الحافرات حفرا و الخابزات خبزا فالثاردات ثردا فاللاقمات لقما و الاکلات أکلا لقد فضلتم علی أهل الوبر و ما سبقکم أهل المدر* روی أنّ امرأة أتت مسیلمة فقالت ادع اللّه لنا و لنخلنا و لمائنا فانّ محمدا دعا لقومه فجاشت آبارهم و کثر ماؤها قال کیف صنع قالت دعا بسجل فدعا لهم فیه ثم تمضمض و مج فیه فأفرغوه فی تلک الآبار ففعل مسیلمة کذلک فغارت تلک المیاه* و فی المواهب اللدنیة و لما سمع اللعین أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم تفل فی عین علیّ و کان أرمد فبرئ تفل فی عین بصیر فعمی و مسح بیده ضرع شاة حلوب فارتفع درّها و یبس ضرعها و حفرت بنو حنیفة بئرا فأعذبوها متاحا فجاءوا الی مسیلمة و طلبوا إلیه أن یأتیها و أن یبارک فیها فأتاها فبصق فیها فعادت أجاجا و توضأ مسیلمة فی حائط فصب وضوءه فیه فلم ینبت و قال له رجل بارک علی ولدی فانّ محمدا یبارک علی أولاد أصحابه فلم یؤت بصبیّ مسح مسیلمة رأسه أو حنکه الاقرع أو لثغ و جاءه رجل و قال یا أبا ثمامة انی ذو مال و لیس لی مولود یبلغ سنتین حتی یموت غیر هذا المولود و هو ابن عشر سنین ولی مولود ولد أمس أحب أن تبارک فیه و تدعو أن یطیل اللّه عمره فقال سأطلب لک الذی طلبت فجعل عمر المولود أربعین سنة فرجع الرجل الی منزله مسرورا فوجد الاکبر قد تردّی فی بئر و وجد الصغیر ینزع فی الموت فلم یمس من ذلک الیوم حتی ماتا جمیعا تقول أمّهما فلا و اللّه ما لأبی ثمامة عند إلهه مثل منزلة محمد علیه السلام قیل انه أدخل البیضة فی القارورة و ادّعی أنها معجزة فافتضح بنحو ما ذکر أنّ النوشادر اذا ضرب فی الخلّ ضربا جیدا و جعلت فیه البیضة بنت یومها یوما و لیلة فامتدّت کالخیط فتجعل فی القارورة و یصب علیها الماء البارد فانها تجمد کذا فی المواهب اللدنیة* و فی ربیع الابرار قال الجاحظ کان مسیلمة قبل ادعاء النبوّة یدور
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:159
فی الاسواق التی بین دور العرب و العجم کسوق الابلة و سوق بقة و سوق الانبار و سوق الحیرة یلتمس تعلم الحیل و النیرنجات و احتیالات أصحاب الرقی و النجوم و من حیلته أنه صب علی بیضة من خلّ حاذق قاطع فلانت حتی اذا مددتها استطالت و استدقت کالعلک ثم أدخلها قارورة ضیقة الرأس و ترکها حتی انضمت و استدارت و عادت کهیئتها الاولی فأخرجها الی قومه و هم قوم اعراب و ادّعی النبوّة فامن به جماعة و وضع فی الآخر الصلاة عن قومه و أحلّ الخمر و الزنا و نحو ذلک و اتفق معه بنو حنیفة الا افذاذا من ذوی عقولهم و من أراد اللّه به الخیر منهم و کان من أعظم ما فتن به قومه شهادة الدجال ابن عنفوة له باشراک النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ایاه فی الامر و کان من قصة الدجال انه قدم مع قومه وافدا علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقرأ القرآن و تعلم السنن و کان یأتی أبیا یقرئه فقدم الیمامة و شهد لمسیلمة علی رسول اللّه أنه أشرکه فی الامر من بعده فکان أعظم علی أهل الیمامة فتنة من غیره قالوا و سمع الدجال یقول کبشان انتطحا فأحبهما إلینا کبشنا و کان ابن عمیر الیشکری من سراة أهل الیمامة و أشرافهم و کان مسلما یکتم اسلامه و کان صدیقا للدّجال فقال شعرا فشافی الیمامة حتی کانت المرأة و الولیدة و الصبیّ ینشدونه و هو
یا سعاد الفؤاد بنت أثال‌طال لیلی بفتنة الدجال
فتن القوم بالشهادة و اللّه‌عزیز ذو قوّة و محال
لا یساوی الذی یقول من الامر قبالا و ما احتذی من قبال
انّ دینی دین النبیّ و فی القوم رجال علی الهدی أمثالی
أهلک القوم محکم بن طفیل‌و رجال لیسوا لنا برجال
بزهم أمرهم مسیلمة الیوم فلن یرجعوه أخری اللیالی
قلت للنفس اذ تعاظمها الصبر و ساءت مقالة الاقوال
ربما تجزع النفوس من الامر له فرجة کحل العقال
ان تکن میتتی علی فطرة اللّه‌حنیفا فاننی لا أبالی فبلغ ذلک مسیلمة و محکما و أشراف اهل الیمامة فطلبوه ففاتهم و لحق بخالد بن الولید فأخبره بحال أهل الیمامة و دله علی عوراتهم*

قصة سجاح‌

و استضاف مسیلمة الی ضلالته فی دین اللّه و تکذبه علی اللّه ضلالة سجاح و کانت امرأة من بنی تمیم* و فی القاموس سجاح کقطام امرأة تنبأت و ادّعت أنها نبیة* و فی الاکتفاء أجمع قومها علی أنها نبیة فادّعت الوحی و اتخذت مؤذنا و حاجبا و منبرا فکانت العشیرة اذا اجتمعت تقول الملک فی أقربنا من سجاح و فیها یقول عطارد بن حاجب بن زرارة
أضحت نبیتنا أنثی نطیف بهاو أصبحت أنبیاء الناس ذکرانا ثم انّ سجاح جیشت جیوشا و رحلت ترید حرب مسیلمة و أخرجت معها من قومها من تابعها علی قولها و هم یرون أنّ السجاح أولی بالنبوّة من مسیلمة فلما قدمت علیه خلا بها و قال لها تعالی نتدارس النبوّة أینا أحق بها فقالت له سجاح قد أنصفت و فی الخبر بعد هذا ما یحق الاعراض عن ذکره و قیل انّ سجاح توجهت الی مسیلمة مستجیرة به لما وطئ خالد العرب و رأت انه لا أحد أعزّ لها منه و قد کانت أمرت مؤذنها شیث بن ربعی أن یؤذن بنبوّة مسیلمة فکان یفعل فلما قدمت علی مسیلمة قالت اخترتک علی من سواک و نوّهت باسمک حتی انّ مؤذنی لیؤذن بنبوّتک فخلا بها لیتدارسا النبوّة* و فی روضة الاحباب بعث مسیلمة إلیها بهدیة و خطبها فقبلت الخطبة و سارت الی الیمامة فتزوّجها و جعل مهرها اسقاط صلاتی الفجر و العشاء انتهی و لما قتل مسیلمة أخذ خالد بن الولید سجاح فأسلمت و رجعت الی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:160
ما کانت علیه و لحقت بقومها و بقیت الی زمان معاویة و صارت مقبولة الاسلام* و فی المنتقی و اتفقت مع مسیلمة أکثر بنی حنیفة و غلب علی حجر الیمامة و أخرج ثمامة بن أثال عامل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی الیمامة فکتب ثمامة الی رسول اللّه یخبره فلما توفی رسول اللّه کتب الی أبی بکر الصدّیق یخبره أنّ أمر مسیلمة قد استغلظ فبعث أبو بکر خالد بن الولید فی جیش کثیر الی حرب مسیلمة و ذلک بعد قتال طلیحة فانه أوّل من قوتل من أهل الردّة بعد وفاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و آخر من ارتدّ و سیجی‌ء بقیة قصتهما فی الخاتمة*

قصة طلیحة بن خویلد

الفرقة الثالثة بنو أسد رئیسهم طلیحة بن خویلد و کان طلیحة آخر من ارتدّ و ادّعی النبوّة فی حیاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أوّل من قوتل بعد وفاته کما مرّ و کان طلیحة رجلا من بنی أسد و کان من أشجع العرب یعدل بألف فارس و کان قد قدم علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی وفد بنی أسد فی السنة التاسعة من الهجرة و أسلموا و لما رجعوا الی قومهم ارتدّ طلیحة و ادّعی النبوّة فأرسل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ضرار بن الازور الی قتاله فتوفی علیه السلام فظهر أمر طلیحة و قویت شوکته بعد وفاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و ارتدّ عیینة بن حصن الفزاری مع قومه و منعوا الزکاة فتبعوا طلیحة و لحقوا به و کان طلیحة یزعم ان الملک یأتیه و رفع السجود عن الصلاة و أوّل ما صدر عنه و کان سببا لضلال الناس انه کان مع بعض قومه فی سفر فأعوزهم الماء و غلب العطش علی الناس فقال ارکبوا أعلالا و اضربوا أمیالا تجدوا بلالا و اعلال اسم فرس له ففعلوا فوجدوا الماء فکان ذلک سبب وقوع الاعراب فی الفتنة و ستجی‌ء فی الخاتمة* و مما وقع قبل مرضه بشهر ما روی عن ابن مسعود قال نعی لنا نبینا و حبیبنا قبل موته بشهر بأبی هو و أمی و نفسی له الفداء فلما دنا الفراق جمعنا فی بیت أمّنا عائشة و تشدّد لنا و قال مرحبا بکم و حیاکم اللّه بالسلامة رحمکم اللّه حفظکم اللّه جبرکم اللّه رزقکم اللّه رفعکم اللّه نفعکم اللّه آواکم اللّه وقاکم اللّه أوصیکم بتقوی اللّه و أوصی اللّه بکم و أستخلفه علیکم و أحذرکم اللّه انی لکم نذیر مبین ألا تعلوا علی اللّه فی عباده و بلاده فانه قال لی و لکم تلک الدار الآخرة نجعلها للذین لا یریدون علوّا فی الارض و لا فسادا و العاقبة للمتقین و قال أ لیس فی جهنم مثوی للمتکبرین قلنا یا رسول اللّه متی أجلک قال دنا الفراق و المنقلب الی اللّه و الی جنة المأوی و الی سدرة المنتهی و الی الرفیق الاعلی و الکاس الاوفی و الحوض و العیش الهنی قلنا یا رسول اللّه من یغسلک قال رجال أهلی الادنی فالادنی قلنا یا رسول اللّه ففیم نکفنک فقال فی ثیابی هذه ان شئتم أو ثیاب مصر أو حلة یمانیة قلنا یا رسول اللّه من یصلی علیک و بکینا و بکی فقال مهلا رحمکم اللّه و جزاکم عن نبیکم خیرا اذا أنتم غسلتمونی و کفنتمونی فضعونی علی سریری هذا علی شفیر قبری فی بیتی هذا ثم اخرجوا عنی ساعة فان أوّل من یصلی علیّ حبیبی و خلیلی جبریل ثم میکائیل ثم اسرافیل ثم ملک الموت مع جنود من الملائکة بأجمعهم ثم ادخلوا علیّ فوجا فوجا فصلوا علیّ و سلموا تسلیما و لا تؤذونی بتزکیة و لا برنة و لیبتدئ بالصلاة علیّ رجال أهل بیتی ثم نساؤهم ثم أنتم بعد ثم اقرءوا السلام علی من غاب عنی من أصحابی و اقرءوا السلام علی من تبعنی علی دینی من یومی هذا الی یوم القیامة قلنا یا رسول اللّه من یدخلک قبرک قال أهلی مع ملائکة کثیرة یرونکم من حیث لا ترونهم* و فی أنوار التنزیل و المدارک عن ابن عباس أنه قال آخر آیة نزل بها جبریل و اتقوا یوما ترجعون فیه الی اللّه ثم توفی کل نفس ما کسبت و هم لا یظلمون و قال ضعها فی رأس المائتین و الثمانین من البقرة و عاش رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعدها احدا و عشرین یوما و قیل احدا و ثمانین و قیل سبعة أیام و قیل ثلاث ساعات* و فی تفسیر الزاهدی و بکی ابن عباس و قال ختم الوحی کان بالوعید*

(ذکر ابتداء مرضه و کیفیته)

* روی انه ابتدأ به صداع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:161
فی اواخر صفر للیلتین بقیتا منه یوم الاربعاء فی بیت میمونة و قیل للیلة و قیل بل فی مفتتح ربیع الاوّل* و فی الوفاء مرض فی صفر لعشر بقین منه و توفی صلی اللّه علیه و سلم لاثنتی عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل یوم الاثنین انتهی ما ذکره رزین عن أبی حاتم و شهر ربیع هذا من السنة الحادیة عشر و کان ابتداء مرضه فی بیت میمونة و قیل زینب بنت جحش و قیل ریحانة* و ذکر الخطابی ان ابتداءه یوم الاثنین و قیل السبت و قیل الاربعاء قاله الحاکم* و حکی فی الروضة قولین و فی مدته اختلاف قیل أربعة عشر یوما و قیل اثنا عشر و قیل ثلاثة عشر و علیه الاکثرون و قیل عشرة و به جزم سلیمان التیمی و هو أحد الثقات بأن ابتداء مرضه یوم السبت الثانی و العشرین من صفر و مات یوم الاثنین للیلتین خلتا من ربیع الاول* و فی الاکتفاء و لما قفل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من حجة الوداع أقام بالمدینة بقیة ذی الحجة و المحرم و صفر و ضرب علی الناس بعث أسامة بن زید الی الشام و أمره أن یوطئ الخیل تخوم البلقاء و الداروم من أرض فلسطین فتجهز الناس و أوعب مع أسامة المهاجرون الاوّلون و کان آخر بعث بعثه رسول اللّه فبینا الناس علی ذلک ابتدأ صلوات اللّه علیه و سلامه بشکواه التی قبضه اللّه فیها الی ما أراد به من رحمته و کرامته فی لیال بقین من صفر أو فی أوّل شهر ربیع الاوّل فکان أوّل ما بدأ به رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فیما ذکر انه خرج الی بقیع الغرقد من جوف اللیل فأستغفر لهم ثم رجع الی أهله فلما أصبح ابتدأ بوجعه فی یومه ذلک* حدث أبو مویهبة مولی رسول اللّه قال بعثنی صلی اللّه علیه و سلم من جوف اللیل فقال یا أبا مویهبة انی قد أمرت أن أستغفر لاهل هذا البقیع فانطلق معی فانطلقت معه فلما وقف بین أظهرهم قال السلام علیکم یا أهل المقابر لیهنأ لکم ما أصبحتم فیه مما أصبح الناس فیه أقبلت الفتن کقطع اللیل المظلم یتبع آخرها أوّلها ثم أقبل علیّ فقال یا أبا مویهبة انی قد أوتیت مفاتیح خزائن الدنیا و الخلد فیها ثم الجنة فحیرت بین ذلک و بین لقاء ربی و الجنة فقلت بأبی أنت و أمی فخذ مفاتیح خزائن الدنیا و الخلد فیها ثم الجنة قال لا و اللّه یا أبا مویهبة لقد اخترت لقاء ربی و الجنة ثم استغفر لاهل البقیع ثم انصرف فبدأ به وجعه الذی قبضه اللّه فیه* و قالت عائشة رجع رسول اللّه من البقیع فوجدنی و أنا أجد صداعا فی رأسی و أنا أقول وا رأساه فقال بل أنا و اللّه یا عائشة وا رأساه قالت و کان سکتنی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالمزاح علی تحشم منه فقال و ما ضرک لو مت قبلی فقمت علیک و کفنتک و صلیت علیک و دفنتک قلت و اللّه لکأنی بک لو قد فعلت ذلک لرجعت الی بیتی فأعرست فیه ببعض نسائک من آخر ذلک الیوم فتبسم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فتمادی به وجعه و هو یدور علی نسائه حتی استقر به و هو فی بیت میمونة فدعا نساءه فاستأذنهن فی أن یمرّض فی بیتی فأذن له فخرج رسول اللّه یمشی بین رجلین من أهله أحدهما الفضل بن عباس و رجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه حتی دخل بیتی* و عن ابن عباس ان الرجل الآخر هو علی بن أبی طالب ثم عز رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و اشتدّ به وجعه* و فی روایة بعد ان قال وا رأساه فذهب فلم یلبث الا یسیرا حتی جی‌ء به محمولا فی کساء فدخل علیّ و بعث الی النساء فقال انی قد اشتکیت و انی لا أستطیع أن أدور بینکنّ فأذن فلأکون عند عائشة فکنت أوضیه و لم أوض أحدا قبله* روی ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان یسأل فی مرضه أین أنا غدا أین أنا غدا یرید یوم عائشة فأذن له أزواجه یکون حیث شاء و کان فی بیت عائشة حتی مات عندها* و فی روایة ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کان یحمل فی ثوب یطاف به علی نسائه و هو مریض یقسم بینهنّ قالت عائشة ثم تمادی به وجعه و هو فی ذلک یدور علی نسائه حتی اجتمعن برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی بیت میمونة فلما رأوا ما به اجتمع
رأی من فی البیت علی أن یلدّوه و تخوّفوا أن یکون به ذات الجنب ففعلوا* و فی روایة عن عائشة قالت کانت تأخذ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:162
رسول اللّه الخاصرة فأخذته یوما فأغمی علیه حتی ظننا انه قد هلک فلددناه ثم فرج عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قد لدّوه فقال من صنع هذا فهبنه فاعتللن بالعباس و اتخذ جمیع من فی البیت العباس سببا و لم یکن له فی ذلک رأی فقالوا یا رسول اللّه عمک العباس أمر بذلک و تخوّفنا أن یکون بک ذات الجنب فقال انها من الشیطان و لم یکن اللّه عز و جل لیسلطها علیّ و لا لیرمینی بها و لکن هذا عمل النساء لا یبقی أحد فی البیت الا لدّ إلا عمی العباس فان یمینی لا تناله فلدّوا کلهم و لدّت میمونة و کانت صائمة لقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم خرج رسول اللّه الی بیت عائشة و کان یومها بین العباس و علیّ و الفضل ممسک بظهره و رجلاه تخطان فی الارض حتی دخل علی عائشة فلم یزل عندها مغلوبا لا یقدر علی الخروج من بیتها الی غیره ثم ان وجعه اشتدّ قالت عائشة جعل یشتکی و یتقلب علی فراشه فقلت له لو صنع هذا بعضنا لوجدت علیه فقال ان المؤمنین تشتدّ علتهم انه لا یصیب المؤمن نکتة من شوکة فما فوقها الا رفع اللّه له بها درجة و حط عنه بها خطیئة و قالت ما رأیت أحدا کان اشدّ علیه الوجع من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* روی انه کان لا یکاد تقرّ ید أحد علیه من شدّة الحمی فقال لیس أحد أشدّ بلاء من الأنبیاء کما یشتدّ علینا البلاء کذلک یضاعف لنا الاجر* و عن عبد اللّه ابن مسعود قال دخلت علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هو یوعک فقلت یا رسول اللّه انک لتوعک وعکا شدیدا قال أجل انی أوعک کما یوعک رجلان منکم قلت ذلک بأن لک أجرین قال أجل ذلک کذلک ما من مسلم یصیبه أذی شوکة فما فوقها الا کفر اللّه به سیئاته کما تحط الشجرة ورقها رواه البخاری* و عن عائشة قالت لما اشتدّ وجعه قال صبوا علیّ من سبع قرب لم تحلل أوکیتهن لعلی أستریح فأعهد الی الناس قالت عائشة فأجلسناه فی مخضب لحفصة من نحاس و سکبنا علیه الماء حتی طفق یشیر إلینا أن قد فعلتن ثم خرج فقام یومئذ خطیبا فحمد اللّه و أثنی علیه و استغفر للشهداء الذین قتلوا یوم أحد*

(ذکر شدّة مرضه)

* کانت مدّة علته اثنی عشر یوما و قیل أربعة عشر یوما و قیل ثمانیة عشر یوما و قال علیه السلام فی مرضه سدّوا هذه الابواب الشوارع الی المسجد إلا باب أبی بکر فانی لا أعلم رجلا أحسن یدا عندی فی الصحابة من أبی بکر* و فی روایة لا یبقین فی المسجد باب إلّا سدّ إلا باب أبی بکر* و فی روایة سدّوا عنی کل خوخة فی هذا المسجد غیر خوخة أبی بکر* و عن ابن عمر جاء أبو بکر الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه ائذن لی فأمرّضک و أکون الذی یقوم علیک فقال یا أبا بکر ان لم أحمل أزواجی و بناتی و أهل بیتی علاجی ازدادت مصیبتی علیهم عظما و قد وقع أجرک علی اللّه* و مما وقع فی مرضه انه خطب الناس فی مرضه و قال فی خطبته ان اللّه خیر عبدا بین الدنیا و بین ما عنده فاختار ذلک العبد ما عند اللّه فبکی أبو بکر فعجبنا من بکائه ان أخبر رسول اللّه عن عبد خیر و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم المخیر و کان أبو بکر أعلمنا و انه أعتق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی مرضه أربعین نفسا* روی ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کان لم یشتک شکوی إلّا سأل اللّه العافیة حتی کان فی مرضه الذی توفی فیه فانه لم یدع بالشفاء بل عاتب نفسه و شرع یقول یا نفس مالک تلوذین کل ملاذ*

اسراره علیه السلام الی فاطمة

و مما وقع فی مرضه انه أسرّ الی فاطمة حدیثا فبکت ثم أسرّ إلیها حدیثا فضحکت قالت عائشة سألت عنها قالت ما کنت لأفشی سر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی اذا قبض سألتها فقالت انه أسرّ الیّ فقال ان جبریل کان یعارضنی القرآن فی کل عام مرّة و انه عارضنی العام مرّتین و لا أراه الا قد حضر أجلی و انک أوّل أهل بیتی لحوقا بی و نعم السلف انا لک فبکیت لذلک ثم قال أ لا ترضین أن تکونی سیدة نساء هذه الامة أو نساء المؤمنین فضحکت لذلک* و مما وقع فی مرضه انه کان یصلی بالناس فی مدّة مرضه و انما انقطع ثلاثة أیام و قیل سبع عشرة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:163
صلاة فلما آذن بالصلاة فی أوّل ما امتنع و هی صلاة العشاء قال مروا أبا بکر فلیصل بالناس* و عن الزهری قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لعبد اللّه بن زمعة مر الناس فلیصلوا فخرج عبد اللّه ابن زمعة فلقی عمر بن الخطاب فقال صل بالناس فصلی عمر بالناس فجهر بصوته و کان جهیر الصوت فسمع رسول اللّه صوته فقال أ لیس هذا صوت عمر فقالوا بلی یا رسول اللّه فقال یأبی اللّه ذلک و المؤمنون لیصل بالناس أبو بکر کذا ذکره فی المنتقی* و فی شرح المواقف ان بلالا آذن بالصلاة فی أیام مرضه فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لعبد اللّه بن زمعة اخرج و قل لأبی بکر یصلّ بالناس فخرج فلم یجد علی الباب الا عمر فی جماعة لیس فیهم أبو بکر فقال یا عمر صل بالناس فلما کبر و کان رجلا صیتا و سمع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم صوته قال یأبی اللّه و المسلمون الا أبا بکر ثلاث مرّات قال فقال عمر لعبد اللّه ابن زمعة بئس ما صنعت کنت أری ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أمرک أن تأمرنی قال لا و اللّه ما أمرنی أن آمر أحدا* و روی ان بلالا آذن فوقف بالباب فقال السلام علیک یا رسول اللّه الصلاة یرحمک اللّه فقال له مر أبا بکر یصلّ بالناس فخرج بلال و یده علی أمّ رأسه و هو ینادی وا غوثاه وا انقطاع رجاه وا انکسار ظهراه لیتنی لم تلدنی أمی و اذا ولدتنی لم أشهد من رسول اللّه هذا و دخل المسجد و قال یا أبا بکر ان رسول اللّه یأمرک أن تتقدّم فلما نظر أبو بکر الی خلو المکان عن رسول اللّه و کان رجلا رقیقا لم یتمالک ان خرّ مغشیا علیه فضج المسلمون فسمع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الضجة و قال یا فاطمة ما هذه الضجة قالت یا رسول اللّه ضج المسلمون لفقدک فدعا بعلیّ و ابن عباس و انکب علیهما و خرج الی المسجد و صلی ثم قال یا معشر المسلمین أنتم فی وداع اللّه و کنفه و اللّه خلیفتی علیکم و علیکم بتقوی اللّه و حفظ طاعته فانی مفارق الدنیا* و عن عائشة قالت لما ثقل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم جاء بلال یؤذنه بالصلاة فقال مروا أبا بکر فلیصل بالناس قلت یا رسول اللّه ان أبا بکر رجل أسیف و انه متی یقوم مقامک لا یسمع الناس فلو أمرت عمر فقال مروا أبا بکر فلیصل بالناس قالت فقلت لحفصة قولی له فقالت له حفصة یا رسول اللّه أبو بکر رجل أسیف و انه متی یقوم مقامک لا یسمع الناس فلو أمرت عمر فقال انکن صواحب یوسف مروا أبا بکر فلیصل بالناس قالت فأمروا أبا بکر فلما دخل الصلاة وجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من نفسه خفة فقام یتهادی بین رجلین و رجلاه تخطان فی الارض حتی دخل المسجد فلما سمع أبو بکر حسه ذهب لیتأخر فأومأ إلیه رسول اللّه أن قم کما أنت فجاء رسول اللّه حتی جلس عن یسار أبی بکر و کان رسول اللّه یصلی بالناس قاعدا و أبو بکر قائما یقتدی أبو بکر بصلاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و الناس یقتدون بصلاة أبی بکر* و فی سیرة ابن هشام فلما خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تفرّج الناس فعرف أبو بکر أن الناس لم یصنعوا ذلک الا لرسول اللّه فنکص عن مصلاه فدفع رسول اللّه فی ظهره و قال صل بالناس و جلس رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی جنبه فصلی قاعدا عن یمین أبی بکر فلما فرغوا من الصلاة قال له أبو بکر یا نبیّ اللّه انی أراک قد أصبحت بنعمة من اللّه و فضل کما تحب و الیوم یوم بنت خارجة فآتیها قال نعم ثم دخل رسول اللّه و خرج أبو بکر الی أهله بالسنح* و فی المواقف و أمر أبا بکر بالصلاة بالناس فی مرضه الذی توفی فیه و الروایات الصحیحة متعاضدة علی ذلک* و فی شرحه للشریف الجرجانی روی عن ابن عباس أنه قال لم یصل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم خلف أحد من أمّته الا خلف أبی بکر و صلی خلف عبد الرحمن بن عوف فی سفر رکعة واحدة* و عن أبی سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبیه انه کان مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی سفر غزوة فذهب النبیّ علیه السلام لحاجة الطهارة فأقاموا الصلاة و تقدّمهم عبد الرحمن فجاء النبیّ صلی
اللّه علیه و سلم و عبد الرحمن قد صلی بهم رکعة و صلی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:164
مع الناس خلفه و أتم الذی فاته و قال ما قبض نبیّ حتی یصلی خلف رجل صالح من أمّته کذا فی الصفوة* و عن المغیرة بن شعبة انه غزا مع رسول اللّه غزوة تبوک قال المغیرة فتبرز رسول اللّه قبل الغائط فحملت معه اداوة قبل الفجر فلما رجع أخذت أهریق علی یدیه من الاداوة فغسل یدیه و وجهه و علیه جبة من صوف و ذهب یحسر عن ذراعیه فضاق کم الجبة فأخرج یدیه من تحت الجبة و ألقی الجبة علی منکبیه و غسل ذراعیه ثم مسح ناصیته و علی العمامة ثم أهویت لا نزع خفیه فقال دعهما فانی أدخلتهما طاهرتین فمسح علیهما* و فی روایة عن المغیرة قلت یا رسول اللّه نسیت فقال بل أنت نسیت بهذا أمرنی ربی عز و جل روی هذه الروایة أبو داود و للدارمی معناه قال المغیرة ثم رکب و رکبت فانتهینا الی القوم و قد قاموا الی الصلاة و یصلی بهم عبد الرحمن بن عوف و قد رکع بهم رکعة فلما أحسّ بالنبیّ ذهب لیتأخر فأومأ إلیه فأدرک النبیّ صلی اللّه علیه و سلم احدی رکعتین معه فلما سلم قام النبیّ و قمت معه فرکعنا الرکعة التی سبقنا رواه مسلم کذا فی المشکاة* و روی عن رافع بن عمرو بن عبید عن أبیه أنه قال لما ثقل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم عن الخروج أمر أبا بکر أن یقوم مقامه فکان یصلی بالناس و ربما خرج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بعد ما دخل أبو بکر فی الصلاة و یصلی خلفه و لم یصل خلف أحد غیره الا أنه صلی خلف عبد الرحمن بن عوف رکعة واحدة فی سفر و أمّا ما رواه البخاری باسناده الی عروة عن أبیه عن عائشة انه علیه السلام أمر أبا بکر أن یصلی بالناس فی مرضه فکان یصلی بهم فوجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من نفسه خفة فخرج الی المحراب و کان أبو بکر یصلی بصلاة رسول اللّه و الناس یصلون بصلاة أبی بکر أی بتکبیره کما مرّ فهو انما کان فی وقت آخر* و فی المواقف أیضا ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم استخلف أبا بکر فی الصلاة حال مرضه و اقتدی به و ما عز له و لذلک قال علیّ قدمک رسول اللّه فی أمر دیننا أ فلا نقدّمک فی أمر دنیانا* و فی أسد الغابة عن الحسن البصری عن علیّ بن أبی طالب قال قدّم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبا بکر فصلی بالناس و انی شاهد غیر غائب و انی لصحیح غیر مریض و لو شاء أن یقدّمنی لقدّمنی فرضینا لدنیانا من رضی اللّه و رسوله لدیننا* و مما وقع فی مرضه ان وجعه اشتدّ یوم الخمیس فأراد أن یکتب کتابا فقال لعبد الرحمن بن أبی بکر ائتنی بکتف أو لوح أکتب لابی بکر کتابا لا یختلف علیه فلما ذهب عبد الرحمن لیقوم قال أبی اللّه و المؤمنون ان یختلف علیک یا أبا بکر* و عن ابن عباس لما حضر رسول اللّه و فی البیت رجال منهم عمر بن الخطاب قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم هلم أکتب لکم کتابا لا تضلوا بعده فقال عمران رسول اللّه قد غلبه الوجع و عندکم القرآن حسبنا کتاب اللّه فاختلف أهل البیت و اختصموا منهم من یقول قدّموا یکتب لکم رسول اللّه کتابا لا تضلوا بعده و منهم من یقول ما قال عمر فلما کثرا للغو و الاختلاف قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قوموا عنی فکان ابن عباس یقول ان الرزیة کل الرزیة ما حال بین رسول اللّه و بین أن یکتب لهم ذلک الکتاب من اختلافهم و لغطهم رواه البخاری و عن سهیل بن سعد قال کانت عند رسول اللّه سبعة دنانیر وضعها عند عائشة فلما کان فی مرضه قال یا عائشة ابعثی بالذهب الی علیّ فیتصدّق به ثم أغمی علیه و شغل عائشة ما به حتی قال ذلک ثلاث مرّات کل ذلک یغمی علیه و یشغل عائشة ما به فبعثت به الی علیّ فتصدّق به ثم أمسی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لیلة الاثنین فی حدید الموت فأرسلت عائشة الی امرأة من النساء بمصباحها فقالت اقطری لنا فی مصباحنا من عکتک السمن فان رسول اللّه أمسی فی حدید الموت* و فی روایة قال لعائشة و هی مسندته الی صدرها یا عائشة ما فعلت بتلک الذهب قالت هی عندی قال فأنفقیها ثم غشی علی رسول اللّه و هو علی صدرها فلما أفاق قال أنفقت تلک الذهب یا عائشة قالت لا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:165
فدعا بها و وضعها فی کفه فعدّها فاذا هی ستة فقال ما ظنّ محمد بربه أن لو لقی اللّه و هذه عنده فأنفقها کلها و مات من ذلک الیوم* و مما وقع فی مرضه أنه خیر عند موته قالت عائشة کنت أسمع أنه لا یموت نبیّ حتی یخیر بین الدنیا و الآخرة فسمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی آخر مرضه یقول مع الذین أنعم اللّه علیهم من النبیین و الصدّیقین و الشهداء و الصالحین و حسن أولئک رفیقا فظننت أنه خیر* و فی روایة مع الرفیق الاعلی فی الجنة مع الذین أنعمت علیهم من النبیین و الصدّیقین و الشهداء و الصالحین و حسن أولئک رفیقا* و مما وقع فی مرضه استعمال السواک قبل موته* روی عن عائشة انها کانت تقول من نعم اللّه علیّ أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم توفی فی بیتی و فی یومی و بین سحری و نحری و انّ اللّه عز و جلّ جمع ریقی و ریقه عند موته دخل عبد الرحمن و بیده سواک و أنا مسندة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فرأیته ینظر إلیه فعرفت أنه یحب السواک فقلت آخذه لک فأشار برأسه أن نعم فتناولته فاشتدّ علیه فقلت ألینه لک فأشار برأسه أن نعم فلینته فأخذه فأمره و بین یدیه رکوة أو علبة یدخل یدیه فی الماء و یمسح بهما وجهه و یقول لا إله الا اللّه انّ للموت سکرات ثم نصب یده فجعل یقول فی الرفیق الاعلی حتی قبض و مالت یده* و مما وقع فی مرضه انه کشف الستر یوم الاثنین فنظر الی الناس و هم فی صلاة الفجر عن أنس انّ أبا بکر کان یصلی بهم فی وجع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الذی توفی فیه حتی اذا کان یوم الاثنین و هم صفوف فی الصلاة و کشف النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ستر الحجرة ینظر إلینا و هو قائم کانّ وجهه ورقة مصحف ثم تبسم فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤیة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فنکص أبو بکر علی عقبه لیصل الصف فظنّ أنّ النبیّ خارج الی الصلاة فأشار إلینا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أن أتموا صلاتکم فأرخی الستر و توفی من یومه* و مما وقع فی مرضه ما روی أنّ العباس و علیا خرجا من عند رسول اللّه فی مرضه فلقیهما رجل فقال کیف أصبح رسول اللّه یا أبا الحسن فقال أصبح بریئا فقال العباس لعلیّ أنت بعد ثلاث عبد العصا ثم خلا به فقال له انه یخیل الیّ أنی أعرف وجوه بنی عبد المطلب عند الموت و انی خائف أن لا یقوم رسول اللّه من وجعه فاذهب بنا إلیه فلنسأله فان یک هذا الامر إلینا فعلمنا ذلک و ان لا یکن إلینا أمرناه أن یوصی بنا خیرا فقال له علیّ أ رأیت اذا جئناه فلم یعطناها أ تری الناس یعطوناها و اللّه لا أسأله ایاها أبدا* و مما جری فی مرضه تردّد جبریل إلیه ثلاثة أیام قبل موته برسالة من اللّه یقول له کیف تجدک و کان ذلک فی یوم السبت و الأحد و الاثنین و استئذان ملک الموت علیه یوم الاثنین* روی عن أبی هریرة أنّ جبریل أتی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی مرضه الذی قبض فیه فقال انّ اللّه یقرئک السلام و یقول کیف تجدک قال أجدنی وجعا یا أمین اللّه ثم جاء من الغد فقال یا محمد انّ اللّه یقرئک السلام و یقول کیف تجدک قال أجدنی وجعا یا أمین اللّه ثم جاء الیوم الثالث و معه ملک الموت فقال یا محمد انّ ربک یقرئک السلام و یقول کیف تجدک فقال أجدنی وجعا یا أمین اللّه من هذا الذی معک قال هذا ملک الموت و هذا آخر عهدی بالدنیا بعدک و آخر عهدک بها و لن آسی علی هالک من ولد آدم بعدک و لن أهبط الارض الی أحد بعدک فوجد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم سکرة الموت و عنده قدح فیه ماء فکلما وجد سکرة أخذ من ذلک الماء فمس به وجهه و یقول اللهمّ أعنی علی سکرة الموت* و عن أبی هریرة أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال فی وجعه الذی مات فیه ما زالت أکلة خیبر تعاودنی فالآن أوان قطعت أبهری* و حکی ابن اسحاق عن عائشة ان کان المسلمون لیرون أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مات شهیدا مع ما أکرمه اللّه تعالی من النبوة أورده فی الشفاء* و عن عائشة کان رسول اللّه یعوذ بهذه الکلمات أذهب الباس
رب الناس و اشف أنت الشافی لا شفاء الا شفاؤک شفاء لا یغادر سقما متفق علیه قالت فلما ثقل رسول اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:166
صلی اللّه علیه و سلم فی مرضه الذی مات فیه أخذ بیدی فجعلت أمسحه بها و أقولها فنزع یده منی ثم قال رب اغفر لی و ألحقنی بالرفیق الاعلی و کان هذا آخر ما سمعته من کلامه أخرجاه فی الصحیحین* قال السهیلی وجدت فی بعض کتب الواقدی انّ أوّل کلمة تکلم بها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هو مسترضع عند حلیمة اللّه أکبر و آخر کلمة تکلم بها الرفیق الاعلی کذا فی المواهب اللدنیة* و عن عائشة قالت کان آخر ما عهد رسول اللّه أن قال لا یترک بجزیرة العرب دینان و قالت أمّ سلمة کانت عامّة وصیة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عند موته الصلاة و ما ملکت أیمانکم حتی جعل یلجلجها فی صدره و ما یفیض بها لسانه کذا فی الاکتفاء* و عن أنس کانت وصیة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حین حضره الموت الصلاة و ما ملکت أیمانکم حتی جعل رسول اللّه یتغرغر بها فی صدره و لا یفیض بها لسانه* و روی أنه استأذن علیه ملک الموت و عنده جبریل فقال جبریل یا محمد هذا ملک الموت یستأذن علیک و لم یستأذن علی آدمی کان قبلک و لا یستأذن علی آدمی بعدک قال ائذن له فدخل ملک الموت فوقف بین یدی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه یا أحمد انّ اللّه أرسلنی إلیک و أمرنی أن أطیعک فی کل ما تأمرنی به ان أمرتنی أن أقبض نفسک قبضتها و ان أمرتنی أن أترکها ترکتها قال و تفعل یا ملک الموت قال بذلک أمرت أن أطیعک فی کل ما تأمرنی فقال جبریل انّ اللّه قد اشتاق إلیک قال فامض یا ملک الموت لما أمرت به قال جبریل یا رسول اللّه هذا آخر موطئی الارض اذ کنت حاجتی من الدنیا فتوفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و فی الاکتفاء قالت عائشة توفی رسول اللّه بین سحری و نحری و فی دولتی لم أظلم فیه أحدا فمن سفاهة رأیی و حداثة سنی أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قبض و هو فی حجری ثم وضعت رأسه علی و سادة و قمت ألتدم مع النساء و أضرب وجهی و لما توفی جاء التعزیة یسمعون الصوت و الحس و لا یرون الشخص السلام علیکم یا أهل البیت و رحمة اللّه و برکاته کل نفس ذائقة الموت و انما توفون أجورکم یوم القیامة انّ فی اللّه عزاء من کل مصیبة و خلفا من کل هالک و درکا من کل فائت فبالله فثقوا و ایاه فارجوا فانما المصاب من حرم الثواب و السلام علیکم و رحمة اللّه و برکاته فقال علیّ أ تدرون من هذا هو الخضر علیه السلام کذا فی المشکاة نقلا عن دلائل النبوّة*

(ذکر سنه صلی اللّه علیه و سلم)

* عن ابن عباس قال أنزل علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو ابن أربعین فأقام بمکة عشر سنین و بالمدینة عشر سنین و توفی و هو ابن ثلاث و ستین سنة أخرجاه فی الصحیحین و کذا الصحیح فی سنّ أبی بکر و عمر و عائشة ثلاث و ستون سنة* و عن أنس أنه توفی و له ستون سنة* و فی روایة خمس و ستون و صححه أبو حاتم فی تاریخه و فی تاریخ ابن عساکر ثنتان و ستون و نصف* و فی کتاب ابن شیبة احدی أو اثنتان لا أراه بلغ ثلاثا و ستین و جمع بین الاقاویل بأنّ من قال خمسا و ستین حسب السنة التی ولد فیها و السنة التی قبض فیها و من قال ثلاثا و ستین و هو المشهور أسقطهما و من قال ستین أسقط الکبور و من قال ثنتین و نصف کأنه اعتمد علی حدیث فی الاکلیل و فیه کلام لم یکن نبیّ إلا عاش نصف عمر أخیه الذی قبله و قد عاش عیسی خمسا و عشرین و مائة و من قال احدی أو اثنتین فشک و لم یتیقن و کل ذلک انما نشأ من الاختلاف فی مقامه بمکة بعد البعثة و اللّه أعلم کذا فی سیرة مغلطای*

(ذکر وقت موته علیه السلام)

* توفی صلی اللّه علیه و سلم یوم الاثنین نصف النهار لاثنتی عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل سنة احدی عشرة من الهجرة صحی فی مثل الوقت الذی دخل فیه المدینة* و عن ابن عباس ولد صلی اللّه علیه و سلم یوم الاثنین و استنبئ یوم الاثنین و خرج مهاجرا من مکة الی المدینة یوم الاثنین و دخل المدینة یوم الاثنین و رفع الحجر یوم الاثنین و قبض یوم الاثنین* و قبض صلی اللّه علیه و سلم فی کساء ملبد* قال أبو بردة أخرجت إلینا عائشة کساء ملبدا و ازارا غلیظا فقالت قبض رسول اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:167
صلی اللّه علیه و سلم فی هذین* و فی الاکتفاء و لما توفی رسول اللّه و ارتفعت الرنة علیه و سجته الملائکة دهش الناس کما روی عن غیر واحد من الصحابة و طاشت عقولهم و أقمحوا و اختلطوا فمنهم من خبل و منهم من أصمت و منهم من أقعد الی الارض فکان عمر ممن خبل فجعل یصیح و یقول انّ رجالا من المنافقین یزعمون أنّ رسول اللّه توفی و انه و اللّه ما مات و لکنه ذهب الی ربه کما ذهب موسی بن عمران فقد غاب عن قومه أربعین لیلة ثم رجع إلیهم بعد أن قیل قد مات و اللّه لیرجعنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کما رجع موسی فلیقطعنّ أیدی رجال و أرجلهم زعموا أنّ رسول اللّه مات* فأمّا عثمان ابن عفان فأخرس حتی یذهب به و یجاء و لا یتکلم الا بعد الغد و أقعد علیّ فلم یستطع حراکا و أضنی عبد اللّه بن أنیس و لم یکن فیهم أثبت و أحزم من أبی بکر و العباس* و فی روایة لما مات علیه السلام اختلفوا فی أنه هل مات أم لا* قال أنس لما توفی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بکی الناس فقام عمر بن الخطاب فی المسجد خطیبا فقال لا أسمعنّ أحدا یقول انّ محمدا قد مات و لکنه أرسل إلیه کما أرسل الی موسی ابن عمران فلبث عن قومه أربعین لیلة و اللّه لارجو أن یقطع أیدی رجال و أرجلهم یزعمون أنه قد مات* قال عکرمة ما زال عمر یتکلم و یوعد المنافقین حتی أزید شدقاه فقال العباس انّ رسول اللّه یأسن کما یأسن الناس و انه قد مات فادفنوا صاحبکم* روی عن عائشة أنّ أبا بکر أقبل علی فرس من مسکنه بالسخ منازل بنی الحارث من الخزرج بعوالی المدینة بینه و بین منزل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم میل قالت حتی نزل فدخل المسجد فلم یکلم الناس حتی دخل علی عائشة فیمم نحو رسول اللّه و هو مغشی بثوب حبرة فکشف عن وجهه ثم أکب علیه فقبله و بکی ثم قال بأبی أنت و أمی و اللّه لا یجمع اللّه علیک موتتین أما الموتة الاولی التی کتبت علیک فقدمتها* و عن ابن عباس أنّ أبا بکر خرج و عمر یکلم الناس فقال اجلس یا عمر فأبی عمر أن یجلس فأقبل الناس الی أبی بکر و ترکوا عمر فقال أبو بکر من کان منکم یعبد محمدا فانّ محمدا قد مات و من کان منکم یعبد اللّه فانّ اللّه حیّ لا یموت قال تعالی و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل الی قوله الشاکرین قال و اللّه لکانّ الناس لم یعلموا انّ اللّه أنزل هذه الآیة حتی تلاها أبو بکر فتلقاها الناس کلهم فما أسمع بشرا من الناس الا یتلوها* و فی حیاة الحیوان عن الواقدی عن شیوخه انهم قالوا لما شک فی موت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم وضعت أسماء بنت عمیس یدها بین کتفیه فقالت توفی رسول اللّه فقد رفع الخاتم من بین کتفیه و کان هذا الذی عرف به موت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم* و روی عن أمّ سلمة أنها قالت وضعت یدی علی صدر رسول اللّه یوم مات فمرّ بی جمع آکل الطعام و أتوضأ ما تذهب ریح المسک من یدی*

(ذکر بیعة أبی بکر)

* قال ابن اسحاق لما قبض رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انحاز هذا الحیّ من الانصار الی سعد بن عبادة فی سقیفة بنی ساعدة و اعتزل علیّ بن أبی طالب و الزبیر بن العوّام و طلحة بن عبید اللّه فی بیت فاطمة و انحاز بقیة المهاجرین الی أبی بکر و انحاز معهم أسید بن حضیر فی بنی عبد الاشهل فأتی آت الی أبی بکر و عمر فقال انّ هذا الحیّ من الانصار مع سعد بن عبادة فی سقیفة بنی ساعدة قد انحازوا إلیه فان کان لکم بأمر الناس حاجة فأدرکوا الناس قبل أن یتفاقم أمرهم و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی بیته لم یفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله قال عمر لابی بکر انطلق بنا الی اخواننا هؤلاء من الانصار حتی ننظر ما هم علیه فانطلقا یؤمّانهم فلقیهما رجلان صالحان منهم عویمر بن ساعدة و معن بن عدی فذکرا لهما ما تمالأ علیه القوم و قالا أین تریدون یا معشر المهاجرین قالوا نرید اخواننا هؤلاء من الانصار فقالا فلا علیکم أن لا تقربوهم یا معشر المهاجرین اقضوا آمرکم قال عمر و اللّه لنأتینهم فانطلقا حتی أتیاهم فی سقیفة بنی ساعدة فاذا بین ظهرانیهم رجل مزمّل فقال عمر من هذا فقالوا سعد بن عبادة فقال ما له فقالوا وجع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:168
فلما جلسا تشهد خطیبهم فأثنی علی اللّه بما هو أهله ثم قال أما بعد فنحن أنصار اللّه و کتیبة الاسلام و أنتم یا معشر المهاجرین رهط منا و قد دفت دافة من قومکم قال عمر یریدون أن یجتازونا من أصلنا و یغصبونا الامر فلما سکت خطیبهم قال أبو بکر أما ما ذکرتم من خیر فیکم فأنتم له أهل و لن یعرف هذا الامر الا لهذا الحیّ من قریش هم أوسط العرب نسبا و دارا و قد رضیت لکم أحد هذین الرجلین فبایعوا أیهما شئتم و أخذ بید عمر و أبی عبیدة بن الجرّاح و هو جالس بینهما فقال قائل من الانصار و هو الخباب بن المنذر أنا جذیلها المحکک و عذیقها المرجب منا أمیر و منکم أمیر یا معشر قریش فی الصحاح الجذل أصل الحطب العظام و الجذل المحکک الذی ینصب فی العطن لتحتک به الابل الجربی و منه قول الخباب بن المنذر الانصاری أنا جذیلها المحکک* و فی نهایة ابن الاثیر فی حدیث السقیفة قول الخباب أنا جذیلها المحکک هو تصغیر جذل و هو العود الذی ینصب للابل الجربی لتحتک به و هو تصغیر تعظیم أی انا ممن یستشفی برأیه کما تستشفی الابل الجربی بالاحتکاک بهذا العود المحکک و هو الذی کثر الاحتکاک به و قیل أراد به شدید البأس صلب المکسر کالجذل المحکک* و فی النهایة أیضا العذق بالفتح النخلة و بالکسر العرجون بما فیه من الشماریخ و فی حدیث السقیفة أنا عذیقها المرجب تصغیر العذق النخلة و هو تصغیر تعظیم* و فی الصحاح الترجیب التعظیم و الترجیب أیضا أن یدعم الشجرة اذا کثر حملها لئلا تنکسر أغصانها انتهی* قال عمر فکثر اللغط و ارتفعت الاصوات حتی تخوّفت الاختلاف فقلت ابسط یدک یا أبا بکر فبسطها فبایعته و بایعه المهاجرون ثم بایعه الانصار و نزونا علی سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل اللّه سعد بن عبادة* و ذکر موسی بن عقبة انهم لما توجهوا الی سقیفة بنی ساعدة أراد عمر أن یتکلم فزجره أبو بکر فقال علی رسلک فستکفی الکلام ان شاء اللّه ثم تقول بعدی ما بدا لک فتشهد أبو بکر و أنصت القوم ثم قال هو الذی أرسل رسوله بالهدی و دین الحق فدعا صلی اللّه علیه و سلم الی الاسلام فأخذ اللّه بنواصینا و قلوبنا الی ما دعانا إلیه فکنا معشر المهاجرین أوّل الناس اسلاما و نحن عشیرته و أقاربه و ذو و رحمه فنحن أهل النبوّة و أهل الخلافة و أوسط الناس انسابا فی العرب ولدتنا العرب کلها فلیست منها قبیلة الا لقریش فیها ولادة و لن تعرف العرب و لا تصلح الا علی رجل من قریش هم أصبح الناس وجوها و أبسط ألسنا و أفضل قولا فالناس لقریش تبع فنحن الامراء و أنتم الوزراء و هذا الامر بیننا و بینکم قسمة الابلمة و أنتم معشر الانصار اخواننا فی کتاب اللّه و شرکاؤنا فی الدین و أحب الناس إلینا و أنتم الذین آووا و نصروا و أنتم أحق بالرضا بقضاء اللّه و التسلیم لفضیلة ما أعطی اللّه اخوانکم من المهاجرین و أحق الناس أن لا تحسدوا علی خیر آتاهم اللّه ایاه فأنا أدعوکم الی أحد هذین الرجلین عمر بن الخطاب و أبی عبیدة عامر بن الجرّاح و وضع یدیه علیهما و کان قائما بینهما فکلاهما قد رضیته للقیام بهذا الامر و رأیته أهلا لذلک فقال عمر و أبو عبیدة لا ینبغی لاحد بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أن یکون فوقک یا أبا بکر أنت صاحب الغار مع رسول اللّه و ثانی اثنین و أمرک رسول اللّه حین اشتکی فصلیت بالناس فأنت أحق الناس بهذا الامر قالت الانصار و اللّه لا نحسدکم علی خیر ساقه اللّه إلیکم و ما خلق اللّه قوما أحب إلینا و لا أعزّ علینا منکم و لا أرضی عندنا هدیا و لکنا نشفق بعد الیوم فلو جعلتم الیوم رجلا منکم فاذا مات أخذنا رجلا من الانصار فجعلناه فاذا مات أخذنا رجلا من المهاجرین فجعلناه فکنا کذلک أبدا ما بقیت هذه الأمة بایعناکم و رضینا بذلک من أمرکم و کان أجدر أن یشفق القرشی ان زاغ أن ینقض علیه الانصاری و أن یشفق الانصاری ان زاغ أن ینقض علیه القرشی فقال عمر لا ینبغی هذا الامر و لا یصلح الا لرجل من قریش و لن ترضی العرب الا به و لن تعرف العرب الامارة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:169
الا له و لن تصلح الا علیه و اللّه لا یخالفنا أحد الا قتلناه فقام الخباب بن المنذر من بنی سلمة فقال منا أمیر و منکم أمیر یا معشر قریش أنا جذیلها المحکک و عذیقها المرجب دفت علینا منکم دافة أرادوا أن یخرجونا من أصلنا و یختصوا من هذا الامر و ان شئتم کرّرناها جذعة فکثر القول حتی کادت الحرب تقع بینهم و أوعد بعضهم بعضا ثم ترادّ المسلمون و عصم اللّه دینهم فرجعوا بقول حسن و سلموا الامر و عصوا الشیطان* و فی أسد الغابة عن رزین بن حبیش عن عبد اللّه قال کان رجوع الانصار یوم سقیفة بنی ساعدة بکلام قاله عمر قال أنشدکم باللّه أمر أبو بکر أن یصلی بالناس قالوا اللهمّ نعم قال فأیکم تطیب نفسه أن یزیله عن مقامه الذی أقامه فیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قالوا کلنا لا تطیب أنفسنا نستغفر اللّه و کان عمر بن الخطاب أوّل من بایعه فوثب عمر فأخذ بید أبی بکر و قام أسید بن حضیر الاشهلی و بشر بن سعد أبو النعمان بن بشیر یستبقان لیبایعا أبا بکر فسبقهما عمر فبایع ثم بایعا معا و وثب أهل السقیفة یبتدرون البیعة و سعد بن عبادة مضطجع یوعک فازدحم الناس علی أبی بکر فقال رجل من الانصار اتقوا سعدا لا تطئوه فتقتلوه فقال عمرو هو مغضب قتل اللّه سعدا فانه صاحب فتنة* فلما فرغ أبو بکر من البیعة رجع الی المسجد فقعد علی المنبر فبایعه الناس حتی أمسی و شغلوا عن دفن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی کان آخر اللیل من لیلة الثلاثاء مع الصبح* و فی أسد الغابة کانت بیعة أبی بکر فی السقیفة یوم وفاة رسول اللّه ثم کانت بیعة العامّة من الغد و تخلف عن بیعته علیّ و بنو هاشم و الزبیر بن العوّام و خالد بن سعید بن العاص و سعد بن عبادة الانصاری ثم انّ الجمیع بایعوا بعد موت فاطمة بنت رسول اللّه إلّا سعد بن عبادة فانه لم یبایع أحدا الی أن مات و بیعتهم بعد ستة أشهر من موت فاطمة علی القول الصحیح و قیل غیر ذلک* و ذکر موسی بن عقبة أنّ رجالا من المهاجرین غضبوا فی بیعة أبی بکر منهم علی بن أبی طالب و الزبیر بن العوّام فدخلا بیت فاطمة بنت رسول اللّه فجاءهما عمر بن الخطاب فی عصابة من المهاجرین و الانصار فیهم أسید بن حضیر و سلمة ابن سلامة ابن وقش الاشهلیان و ثابت بن قیس بن شماس الخزرجی فکلموهما حتی أخذ أحد القوم سیف الزبیر فضرب به الحجر حتی کسره ثم قام أبو بکر فخطب الناس و اعتذر إلیهم و قال و اللّه ما کنت حریصا علی الامارة یوما قط و لا لیلة و لا سألتها اللّه قط سرّا و لا علانیة و لکنی أشفقت من الفتنة و ما لی فی الامارة من راحة و لقد قلدت أمرا عظیما ما لی به طاقة و لا ید الا بتقویة اللّه و لوددت أن أقوی الناس علیها مکانی الیوم فقبل المهاجرون منه و قال علیّ و الزبیر ما غضبنا الا انا أخرنا عن المشورة و انا لنری أنّ أبا بکر أحق الناس بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و انه لصاحب الغار و ثانی اثنین و انا لنعرف له شرفه و سنه و لقد أمره رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالصلاة بالناس و هو حیّ* و عن أنس بن مالک قال لما بویع أبو بکر فی السقیفة و کان الغد جلس أبو بکر علی المنبر فقام عمر و تکلم قبل أبی بکر فحمد اللّه و أثنی علیه و تکلم بکلمات ثم قال فی آخره انّ اللّه قد جمع أمرکم علی خیرکم صاحب رسول اللّه ثانی اثنین إذ هما فی الغار فقوموا فبایعوه فبایع الناس أبا بکر بیعة العامّة بعد بیعة السقیفة ثم تکلم أبو بکر فحمد اللّه و أثنی علیه بالذی هو أهله ثم قال أمّا بعد أیها الناس فانی قد ولیت علیکم و لست بخیرکم فان أحسنت فأعینونی و ان أسأت فقوّمونی الصدق أمانة و الکذب خیانة و الضعیف فیکم قویّ عندی حتی أریح علیه حقه ان شاء اللّه و القویّ فیکم ضعیف عندی حتی آخذ الحق منه ان شاء اللّه لا یدع قوم الجهاد فی سبیل اللّه الا ضربهم اللّه بالذل و لا تشیع الفاحشة فی قوم إلا عمهم اللّه بالبلاء أطیعونی ما أطعت اللّه و رسوله فاذا عصیت اللّه و رسوله فلا طاعة لی علیکم قوموا الی صلاتکم یرحمکم اللّه* و ذکر غیر ابن عقبة أن
أبا بکر قام فی الناس بعد مبایعتهم ایاه یقیلهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:170
فی بیعتهم و یستقیلهم فیما یتحمله من امرهم و یعید ذلک علیهم کل ذلک یقولون له و اللّه لا نقیلک و لا نستقیلک قدّمک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فمن ذا یؤخرک*

(ذکر غسله علیه السلام)

* فی الاکتفاء و لما فرغ الناس من بیعة أبی بکر الصدّیق و جمعهم اللّه علیه و صرف عنهم کید الشیطان أقبلوا علی تجهیز نبیهم صلی اللّه علیه و سلم و الاشتغال به* سئل ابن عباس کیف کان غسل النبیّ علیه السلام قال ضرب العباس کلة له من ثیاب یمانیة صفاق فصارت سنة فینا و فی کثیر من صالحی الناس ثم أذن لرجال بنی هاشم فقعدوا بین الحیطان و الکلة ثم دخل العباس الکلة و دعا علیا و الفضل و أبا سفیان بن الحارث و أسامة بن زید فلما اجتمعوا فی الکلة ألقی علیهم النعاس و علی من وراء الکلة فی البیت فناداهم مناد انتبهوا به و هو یقول ألا لا تغسلوا النبیّ فانه کان طاهرا فقال العباس ألا بلی و قال أهل البیت صدق فلا تغسلوه فقال العباس لا ندع سنة بصوت لا ندری ما هو و غشیهم النعاس ثانیة فناداهم مناد فانتبهوا به و هو یقول ألا لا تغسلوا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فانه کان طاهرا فقال العباس ألا بلی و قال أهل البیت فلا تغسلوه فقال العباس لا ندع سنة بصوت لا ندری ما هو و غشیهم النعاس ثالثة فناداهم مناد و تنبهوا به و هو یقول اغسلوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی ثیابه فقال أهل البیت ألا لا فقال العباس ألا نعم و قد کان العباس حین دخل الکلة للغسل قعد متربعا و أقعد علیا متربعا متواجهین و أقعدا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علی حجورهما فنودوا أن أضجعوا رسول اللّه علی ظهره ثم اغسلوا و استروا فثاروا عن الصفیح و أضجعاه فغرّبا رجل الصفیح و شرّقا رأسه ثم أخذوا فی غسله و علیه قمیصه و مجوله مفتوح الشق و لم یغسلوه الا بالماء القراح و طیبوه بالکافور ثم اعتصر قمیصه و مجوله و حنطوا مساجده و مفاصله و وضئوا منه وجهه و ذراعیه و کفیه ثم أدرجوا أکفانه علی قمیصه و مجوله و جمروه عودا و ندا ثم احتملوه حتی وضعوه علی سریره و سجوه* و روی عن ابن عباس انه کان یقال لهم استروا نبیکم یسترکم اللّه* و فی الاکتفاء قالت عائشة لما أرادوا غسل رسول اللّه اختلفوا فیه فقالوا و اللّه ما ندری أ نجرّد رسول اللّه من ثیابه کما نجرّد موتانا أو نغسله و علیه ثیابه فلما اختلفوا ألقی اللّه علیهم النوم حتی ما منهم رجل إلا و ذقنه فی صدره و کلمهم مکلم من ناحیة البیت لا یدرون من هو أن اغسلوا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و علیه ثیابه فقاموا الی رسول اللّه فغسلوه و علیه قمیصه* و فی المشکاة یصبون الماء فوق القمیص و ید لکونه بالقمیص رواه البیهقی فی دلائل النبوّة و کانت عائشة تقول لو استقبلت من أمری ما استدبرت ما غسل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الا نساؤه* و یروی عن غیر واحد انّ الذین و لو اغسله علیه السلام ابن عمه علی بن أبی طالب و عمه العباس ابن عبد المطلب و ابناه الفضل و قثم و حبه أسامة بن زید و مولاه شقران و لما اجتمع القوم لغسل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم نادی من وراء الباب أوس بن خولی الانصاری أحد بنی عوف بن الخزرج و کان بدریا علی بن أبی طالب فقال یا علی نشدتک باللّه حظنا من رسول اللّه فقال له علیّ ادخل فدخل فحضر غسل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لم یل من غسله شیئا و قیل بل کان یحمل الماء قال فأسنده علی صدره و علیه قمیصه و کان العباس و الفضل و قثم یقلبونه مع علیّ و کان أسامة و شقران یصبان الماء علیه و أعینهم معصوبة من وراء الستر لحدیث علیّ لا یغسلنی أحد الا أنت* و فی روایة أوصانی رسول اللّه لا یغسله غیری فانه لا یری أحد عورتی الا طمست عیناه کذا فی سیرة مغلطای و الشفاء و علیّ یغسله بالماء و السدر و لم یر من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم شی‌ء مما یری من المیت و هو یقول بأبی أنت و أمی ما أطیبک حیا و میتا* و عن محمد قال غسل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علیّ و الفضل و العباس و أسامة بن زید و غسل ثلاث غسلات بماء و سدر من بئر غرس کانت لسعد بن خیثمة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:171
کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یشرب منها ذکره ابن الاثیر فی جامعه و جعل علیّ علی یده خرقة و أدخلها تحت القمیص کذا فی سیرة مغلطای* روی أنّ الغسلة الاولی کانت بالماء القراح و الثانیة بالماء و السدر و الثالثة بالماء و الکافور غسله علیّ و الفضل بن عباس کان الفضل رجلا قویا و کان یقلبه شقران مولی رسول اللّه و قال علیّ کأنا نعاون علی غسله* و روی جعفر بن محمد قال کان الماء یجتمع فی جفون النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کان علیّ یشربه* و فی شواهد النبوّة سئل علیّ رضی اللّه عنه عن سبب زیادة فهمه و حفظه قال لما غسلت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اجتمع ماء فی جفونه فرفعته بلسانی و ازدردته فأری قوّة حفظی منه و یقال انّ علیا رأی فی عین النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قذاة فأدخل لسانه فأخرجها منها یقال انّ علیا و الفضل کانا یغسلان رسول اللّه فنودی علی أن ارفع طرفک الی السماء أورده فی الشفاء*

(ذکر تکفینه علیه السلام)

* و لما فرغوا من غسله جففوه ثم صنع به ما صنع بالمیت ثم أدرج فی ثلاثة أثواب ثوبین أبیضین و برد حبرة* و فی الاکتفاء زاد الترمذی قال فذکروا لعائشة قولهم فی ثوبین و برد حبرة فقالت قد أتی بالبرد و لکنهم ردّوه و لم یکفنوه فیه* و عن ابن عباس أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کفن فی ریطتین و برد نجرانی* و عن عائشة قالت کفن رسول اللّه فی ثلاثة أثواب بیض سحولیة بلد بالیمن من کرسف لیس فیها قمیص و لا عمامة قالت نظر الی ثوب علیه کان یمرّض فیه به ردع من زعفران قال اغسلوا قمیصی هذا و زیدوا علیه ثوبین فکفنونی فیهما قلت هذا خلق قال انّ الحیّ أحق بالجدید من المیت انما هو للمهلة رواه البخاری* و فی موطأ الامام أبی عبد اللّه مالک بن أنس کفن صلی اللّه علیه و سلم فی ثلاثة أثواب حبرة و سحاریین و لابی داود فی ثلاثة أثواب نجرانیة و فی الاکلیل کفن فی سبعة أثواب و جمع بأنه لیس فیها قمیص و لا عمامة محسوب* و فی حدیث تفرّد به یزید بن أبی زیاد و هو ضعیف و حنط بکافور و قیل بمسک کذا فی سیرة مغلطای*

(ذکر الصلاة علیه)

* روی عن محمد أنه صلی علی رسول اللّه بغیر امام* و فی روایة افذاذا لا یؤمّهم أحد یدخل المسلمون زمرا فیصلون علیه فیخرجون فلما صلی علیه نادی عمر خلوا الجنازة و أهلها* و فی روایة صلی علیه علیّ و العباس و بنو هاشم ثم دخل المهاجرون ثم الانصار ثم الناس یصلون علیه أفذاذا لا یؤمّهم أحد ثم النساء ثم الغلمان قیل لانه أوصی بذلک لقوله أوّل من یصلی علیّ ربی ثم جبریل ثم میکائیل ثم اسرافیل ثم ملک الموت مع جنوده ثم الملائکة ثم ادخلوا فوجا بعد فوج الحدیث و فیه ضعف و قیل بل کانوا یدعون و ینصرفون* قال ابن الماجشون لما سئل کم صلی علیه صلاة قال اثنان و سبعون صلاة کحمزة فقیل من أین لک هذا قال من الصندوق الذی ترکه مالک بخطه عن نافع عن ابن عمر کذا فی سیرة مغلطای و کان فی المدینة حفار ان أحدهما یلحد و الآخر لا یلحد دعا العباس رجلین فقال لیذهب أحد کما الی أبی عبیدة بن الجرّاح و هو کان یحفر لاهل مکة و لیذهب الآخر الی أبی طلحة و هو کان یلحد لاهل المدینة ثم قال العباس اللهمّ خیر لرسولک فذهبا فلم یجد صاحب أبی عبیدة أبا عبیدة و وجد صاحب أبی طلحة أبا طلحة فلحد لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم*

(ذکر قبره علیه السلام)

* روی أنّ أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اختلفوا فی موضع دفنه أ بمکة أو المدینة أو القدس حتی قال أبو بکر سمعت رسول اللّه یقول لم یقبر نبیّ الا حیث یموت فأخروا فراشه و حفروا له تحت فراشه و نزل فی قبره علی بن أبی طالب و الفضل بن العباس و قثم بن العباس و شقران مولی رسول اللّه و قد قال أوس ابن خولی لعلیّ بن أبی طالب یا علی أنشدک باللّه حظنا من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال له انزل فنزل مع القوم و کانوا خمسة* و فی روایة عن علی أنه نزل فی حفرة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم هو و العباس و عقیل ابن أبی طالب و أسامة بن زید و ابن عوف و أوس بن خولی و هم الذین و لو اکفنه و قد کان شقران حین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:172
وضع رسول اللّه فی حفرته أخذ قطیفة نجرانیة حمراء أصابها یوم خیبر و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یلبسها و یفرشها فطرحها تحته فدفنها معه فی قبره فقال و اللّه لا یلبسها أحد بعدک و بنی فی قبره اللبن یقال تسع لبنات و قیل طرح فی قبره شمل قطیفة کان یلبسها فلما فرغوا عن وضع اللبنات التسع أخرجوا القطیفة قاله أبو عمرو و الحاکم و کان آخرهم عهدا به قثم و قیل علیّ و أمّا حدیث المغیرة أنه طرح خاتمه فنزل لیخرجه فضعیف کذا فی سیرة مغلطای و هالوا التراب علی لحده و جعل قبره مسطوحا* و فی المشکاة عن جابر رش قبر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کان الذی رش الماء علی قبره بلال بن رباح بقربة بدأ من قبل رأسه حتی انتهی الی رجلیه رواه البیهقی فی دلائل النبوّة* و عن سفیان بن التمار انه رآه مسنما و لابی داود کشفت عائشة للقاسم بن محمد عن قبره علیه السلام و عن قبر صاحبیه ثلاثة قبور لا مشرفة و لا لاطیة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مقدّم و أبو بکر عند رأس رسول اللّه و عمر عند رجلیه هکذا
قبر النبیّ علیه السلام قبر عمر رضی اللّه عنه
قبر أبی بکر رضی اللّه عنه
و ذکر رزین أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مقدّم و أبو بکر خلفه رأسه عند منکبی رسول اللّه و طالت رجلاه أسفل و عمر خلف أبی بکر علی تلک الرتبة هکذا
قبر رسول اللّه علیه السلام
قبر أبی بکر رضی اللّه عنه
قبر عمر رضی اللّه عنه
و فی خلاصة الوفاء رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مقدّم و أبو بکر رأسه بین کتفی رسول اللّه و عمر رأسه عند رجلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هکذا
قبر النبیّ علیه السلام قبر عمر رضی اللّه عنه
قبر أبی بکر رضی اللّه عنه
و لا خلاف فی أنّ قثم بن العباس آخر الناس عهدا برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لانه آخر من صعد من قبره و أما قصة المغیرة و طرح خاتمه فغیر صحیح کما مرّ*

(ذکر وقت دفنه علیه السلام)

* اختلف فی وقت دفنه* روی عن عائشة أنها قالت ما علمنا بدفن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی سمعنا صوت المساحی لیلة الثلاثاء فی السحر* و فی الموطأ بلغ مالکا انه صلی اللّه علیه و سلم توفی یوم الاثنین و دفن یوم الثلاثاء و للترمذی فی لیلتها فی مکانه الذی توفی فیه* و روی عن محمد بن اسحاق أنه قال قبض رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یوم الاثنین فمکث ذلک الیوم و لیلة الثلاثاء و یوم الثلاثاء و دفن فی اللیل أی لیلة الاربعاء* و قال غیره سمعت صوت المساحی من آخر اللیل رواه الترمذی قیل ذلک التأخیر لانهم قالوا فیما بینهم انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لم یمت و لکنه عرج بروحه کما عرج بروح موسی حتی قام العباس فقال انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قد مات و قیل دفن یوم الثلاثاء حین زاغت الشمس* و فی کفایة الشعبی صلوا علیه یوم الاربعاء ثم دفن و فی تفسیر الزاهدی توفی یوم الاثنین و دفن یوم الخمیس کذا فی کنز العباد*

(ذکر الندب علیه علیه السلام)

* ندب فاطمة عن أنس قال لما ثقل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:173
النبیّ صلی اللّه علیه و سلم جعل یتغشاه الکرب فقالت فاطمة و اکرب أبتاه فقال لیس علی أبیک کرب بعد الیوم فلما مات قالت یا أبتاه أجاب ربا دعاه یا أبتاه جنة الفردوس مأواه یا أبتاه الی جبریل أنعاه فلما دفن قالت یا أنس أطابت أنفسکم أن تحثوا علی رسول اللّه التراب انفرد باخراجه البخاری کذا فی الصفوة* و فی روایة أخری لما فرغوا من دفنه خرجت فاطمة فقالت یا أبا الحسن دفنتم رسول اللّه قال نعم قالت کیف طابت قلوبکم أن تحثوا التراب علیه أ لیس کان نبیّ الرحمة قال نعم و لکن لا مردّ لامر اللّه فقعدت تندب علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و تقول وا أبتاه وا رسول اللّه وا نبیّ الرحمتاه الآن لا یأتی الوحی الآن ینقطع عنا جبریل اللهمّ ألحق روحی بروحه و اشفعنی بالنظر الی وجهه و لا تحرمنی أجره و شفاعته یوم القیامة* و فی روایة أخذت تربة من تراب رسول اللّه فشمته ثم أنشأت تقول
ما ذا علی من شم تربة أحمدأن لا یشم مدی الزمان غوالیا
صبت علیّ مصائب لو أنهاصبت علی الایام صرن لیالیا و فی الاکتفاء مما ینسب الی علیّ أو فاطمة* ما ذا علی من شم تربة أحمد الی آخره* ندب أبی بکر* روی عن عائشة أنها قالت لما توفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم جاء أبو بکر فدخل علیه فرفعت الحجاب فکشف الثوب عن وجهه فاسترجع فقال مات و اللّه رسول اللّه ثم تحوّل من قبل رأسه فقال وا نبیاه ثم حدد فمه فقبل جبهته ثم رفع رأسه فقال وا خلیلاه ثم حدد فمه فقبل جبهته ثم رفع رأسه فقال وا صفیاه ثم حدد فمه فقبل جبهته ثم سجاه بالثوب ثم خرج* ندب عائشة* روی عن أنس قال مررت علی باب عائشة و کانت تندب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و تقول یا من لم یشبع من خبز الشعیر یا من اختار الحصیر علی السریر یا من لم ینم اللیل کله من خوف السعیر* ذکر مرثیة صفیة بنت عبد المطلب ترثی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تقول
ألا یا رسول اللّه کنت رجاءناو کنت بنا برّا و لم تک جافیا
و کنت رحیما هادیا و معلمالیبک علیک الیوم من کان باکیا
لعمرک ما أبکی النبیّ لفقده‌و لکن لما أخشی من الهرج آتیا
کانّ علی قلبی بذکر محمدو ما خفت من بعد النبیّ المکاویا
أ فاطم صلی اللّه رب محمدعلی جدث أمسی بیثرب ثاویا
فدی لرسول اللّه أمی و خالتی‌و عمی و آبائی و نفسی و مالیا
صدقت و بلغت الرسالة صادقاو مت صلیب العود أبلج صافیا
فلو أنّ رب الناس أبقی نبیناسعدنا و لکن أمره کان ماضیا
علیک من اللّه السلام تحیةو أدخلت جنات من العدن راضیا *

(ذکر میراثه و ترکته و حکمه فیها)

* ما ترک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عند موته درهما و لا دینارا و لا عبدا و لا شیئا الا بغلته البیضاء و سلاحه و أرضا جعلها صدقة* و فی خلاصة السیر ترک صلی اللّه علیه و سلم یوم مات ثوبی حبرة و ازارا عمانیا و ثوبین صحاریین و قمیصا صحاریا و قمیصا سحولیا وجبة یمنیة و قمیصا و کساء أبیض و قلانس صغارا لاطیة ثلاثا أو أربعا و ازارا طوله خمسة أشبار و ملحفة مورسة* و قال صلی اللّه علیه و سلم ما نورث ما ترکناه صدقة* و قال صلی اللّه علیه و سلم لا یقتسم ورثتی دینارا ما ترکت بعد نفقة نسائی و مئونة عیالی فهو صدقة* و عن أبی هریرة قال جاءت فاطمة الی أبی بکر فقالت من یرثک فقال أهلی و ولدی فقالت فما لی لا أرث أبی فقال أبو بکر سمعت رسول اللّه یقول
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:174
لا نورث و لکنی أعول من کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یعوله و أنفق علی من کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ینفق علیه* و عن عائشة أنّ فاطمة سألت أبا بکر بعد وفاة رسول اللّه میراثها من ترکة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من خیبر و فدک و صدقة بالمدینة فقال أبو بکر ان رسول اللّه قال لا نورث ما ترکناه صدقة فأبی أبو بکر أن یدفع الی فاطمة شیئا فوجدت فاطمة علی أبی بکر فی ذلک فهجرته فلم تزل مهاجرته حتی توفیت دفنها زوجها علی بن أبی طالب لیلا و لم یؤذن بها أبا بکر و صلی علیها علی و کان لعلیّ من الناس جهة حیاة فاطمة فلما توفیت استنکر علیّ وجوه الناس فالتمس مصالحة أبی بکر و مبایعته و لم یکن بایع تلک الاشهر فبایعه بعدها کذا فی الصحیحین* و روی البیهقی عن الشعبی ان أبا بکر عاد فاطمة فی مرضها فقال لها علیّ هذا أبو بکر یستأذن علیک قالت أ تحب أن آذن له قال نعم فأذنت له فدخل علیها فرضاها حتی رضیت کذا فی الوفاء* و فی الریاض النضرة للمحب الطبری دخل أبو بکر علی فاطمة و اعتذر إلیها و کلمها فرضیت عنه* و عن الاوزاعی قال بلغنی ان فاطمة بنت رسول اللّه غضبت علی أبی بکر فخرج أبو بکر حتی قام علی بابها فی یوم حارّ ثم قال لا أبرح عن مکانی حتی ترضی عنی بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فدخل علیها فأقسم علیها لترضی فرضیت خرجه السمانی فی الموافقة* و عن أبی البحتری ان العباس و علیا جاءا الی عمر یختصمان یقول کل واحد منهما لصاحبه أنت کذا و کذا فقال عمر لطلحة و الزبیر و عبد الرحمن بن عوف و سعد نشدتکم باللّه أسمعتم رسول اللّه یقول کل مال نبیّ صدقة الا ما أطعمه انا لا نورث قالوا اللهمّ نعم*

(ذکر رؤیة رسول اللّه فی المنام)

* قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من رآنی فی المنام فقد رآنی فان الشیطان لا یتخیل بی أولا یتکوننی أو انه لا ینبغی للشیطان أن یتمثل فی صورتی أو بتشبه بی* و قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من رآنی فقد رأی الحق*

(ذکر زیارة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و سائر المشاهد و المزارات بالمدینة)

* اما زیارة النبیّ القرشی المدنی أبی القاسم محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم خاتم الأنبیاء و المرسلین صلوات اللّه و سلامه علیه و علیهم أجمعین فانها مستحبة مندوبة من أعظم القربات و انجح المساعی قریبة من الواجب فی حق من کان له سعة و قدرة لقوله صلی اللّه علیه و سلم من وجد سعة و لم یعد الیّ فقد جفانی* و فی روایة ما من أحد من أمّتی له سعة و لم یزرنی فلیس له عذر عند اللّه و عنه صلی اللّه علیه و سلم من جاءنی زائرا لا یهمه الا زیارتی کان حقا علی اللّه أن أکون له شفیعا یوم القیامة رواه الحافظ أبو علی بن السکن و قد قال صلی اللّه علیه و سلم من زار قبری وجبت له شفاعتی صححه عبد الحق* و عنه صلی اللّه علیه و سلم من زارنی بعد مماتی فکأنما زارنی فی حیاتی و فی الباب أحادیث کثیرة یکفی هذا القدر فاذا خرج الزائر و توجه الی المدینة یکثر من الصلاة علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی الطریق فاذا وقع بصره علی شجر المدینة و حرمها فلیزد فی الصلاة علیه صلی اللّه علیه و سلم و لیسأل اللّه تعالی أن ینفعه بزیارته و یسعده بها فی الدنیا و الآخرة و استحب بعض العلماء أن یقول اللهمّ هذا حرم رسولک فاجعله لی وقایة من النار و أمانا من العذاب و سوء الحساب* و یستحب أن یغتسل لدخول المدینة من أجل السلام و یلبس أفخر ثیابه و أنظفها و یتطیب و یتصدّق بشی‌ء و ان قل ثم یدخلها قائلا بسم اللّه و علی ملة رسول اللّه رب أدخلنی مدخل صدق و أخرجنی مخرج صدق و اجعل لی من لدنک سلطانا نصیرا فاذا وصل باب المسجد أیّ باب کان فلیقدّم رجله الیمنی فی دخوله قائلا اللهمّ صل علی محمد و علی آل محمد اللهمّ اغفر لی ذنوبی و افتح لی أبواب رحمتک و فضلک و لیقصد الروضة الشریفة المقدّسة و هی بین منبره و قبره فیصلی تحیة المسجد فی مصلی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أو فی غیره من الروضة أو من المسجد ثم یسجد سجدة شکر اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:175
تعالی علی الوصول الی تلک البقعة الشریفة و یسأله اتمام النعمة علیه بقبول زیارته* ثم یأتی القبر الشریف و یقف عند رأسه و یکون وقوفه مستقبلا للقبلة و لا یضع یده علی جدار الحظیرة و لا یقبلها فان ذلک لیس من سیرة الصحابة بل یدنو علی قدر ثلاثة أذرع أو أربعة ثم یصلی علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و یسلم علیه و علی الصدیق و الفاروق علی ما یأتی ثم یبعد عنها قدر رمح أو أقل کذا عن الفقیه أبی اللیث و غیره من أصحاب أبی حنیفة* و فی مناسک أصحاب الشافعیّ و غیره انه یقف قبالة وجهه الشریف بحیث یستدبر القبلة و یستقبل جدار الحجرة الشریفة و الحظیرة المنیفة و المسمار الفضة الذی فی الجدار علی نحو أربعة أذرع من الساریة التی هی غربیة رأس القبر الشریف و یجعل القندیل الکبیر علی رأسه و استدبار القبلة هاهنا عند السلام علیه و عند الدعاء هو المستحب عند الشافعیة و الذی صححه الحنفیة انه یستقبل القبلة عند السلام علیه و الدعاء کما مرّ و لیقف عند السلام علیه ناظرا الی الارض غاض الطرف فی مقام الهیبة و التعظیم و الاجلال فارغ القلب من علائق الدنیا مستحضرا فی قلبه جلالة موقفه و منزلة من هو بحضرته و علمه صلی اللّه علیه و سلم بحضوره و قیامه و سلامه و لیقل بحضور قلب و غض صوت و سکون جوارح السلام علیک یا رسول اللّه السلام علیک یا نبیّ اللّه السلام علیک یا سید المرسلین السلام علیک یا خاتم النبیین السلام علیک یا قائد الغر المحجلین السلام علیک و علی أهل بیتک و أزواجک و أصحابک أجمعین السلام علیک أیها النبیّ و رحمة اللّه و برکاته أشهد أن لا إله الا اللّه و أشهد انک عبده و رسوله و أمینه و خیرته من خلقه و أشهد انک بلغت الرسالة و أدّیت الامانة و نصحت الامّة و جاهدت فی اللّه حق جهاده و عبدت ربک حتی أتاک الیقین فجزاک اللّه عنا یا رسول اللّه أفضل ما جزی نبیا عن قومه و رسولا عن أمّته اللهمّ صل علی سیدنا محمد و علی آل سیدنا محمد کما صلیت علی ابراهیم و بارک علی سیدنا محمد و علی آل سیدنا محمد کما بارکت علی ابراهیم و علی آل ابراهیم فی العالمین انک حمید مجید اللهمّ انک قلت و قولک الحق و لو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاءوک فاستغفروا اللّه و استغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه توّابا رحیما اللهمّ انا قد سمعنا قولک و أطعنا أمرک و قصدنا نبیک هذا مستغیثین به إلیک من ذنوبنا اللهمّ فتب علینا و أسعدنا بزیارته و أدخلنا فی شفاعته و قد جئناک یا رسول اللّه ظالمین لا نفسنا مستغفرین لذنوبنا و قد سماک اللّه بالرءوف الرحیم فاشفع لمن جاءک ظالما لنفسه معترفا بذنبه تائبا الی ربه و قد قیل
یا خیر من دفنت بالقاع أعظمه‌فطاب من طیبهنّ القاع و الاکم
نفسی الفداء لقبر أنت ساکنه‌فیه العفاف و فیه الجود و الکرم
أنت الشفیع الذی ترجی شفاعته‌عند الصراط اذا ما زلت القدم و یدعو لنفسه و لوالدیه و لمن أحب بما أحب و ان کان قد أوصاه أحد بتبلیغ السلام الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یقول السلام علیک یا رسول اللّه من فلان بن فلان یستشفع بک الی ربک بالرحمة و المغفرة فاشفع له و لجمیع المؤمنین فأنت الشافع المشفع الرءوف الرحیم* و یکفی فی زیارته أن یقول السلام علیک یا رسول اللّه صلی اللّه علیک و سلم ثم یتحوّل عن ذلک المکان و یدور الی أن یقف بحذاء وجه النبیّ علیه السلام مستدبر القبلة و یقف لحظة و یصلی و یسلم علیه مرّة أو ثلاث مرّات ثم یتحوّل عن یمینه قدر ذراع الی أن یحاذی رأس قبر الصدّیق فان رأسه بحیال منکب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم عند الاکثر فیقول السلام علیک یا خلیفة رسول اللّه السلام علیک یا صاحب رسول اللّه فی الغار السلام علیک یا صاحب رسول اللّه فی الاسفار السلام علیک یا أبا بکر الصدّیق جزاک اللّه أفضل ما جزی اماما عن أمّة نبیه فلقد خلفته أحسن الخلف و سلکت طریقته بأحسن الطرق و قاتلت أهل الردّة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:176
و البدعة و نصرت الاسلام و کفلت الایتام و وصلت الارحام و لم تزل قائلا للحق ناصرا لاهله حتی أتاک الیقین رضوان اللّه علیک و برکاته و سلامه و تحیاته أسأل اللّه تعالی أن یمیتنا علی محبتک کما وفقنا لزیارتک انه هو الغفور الرحیم* ثم یتحوّل عن یمینه قدر ذراع الی أن یحاذی رأس قبر الفاروق أمیر المؤمنین عمر لان رأسه عند منکب أبی بکر عند الاکثر فیقول السلام علیک یا أمیر المؤمنین عمر الفاروق السلام علیک یا کاسر الاصنام السلام علیک یا من أعز اللّه به الاسلام جزاک اللّه أفضل ما جزی اماما عن أمّة نبیه ثم یرجع قدر نصف ذراع و یقف بین رأس الصدّیق و رأس الفاروق و یقول السلام علیکما یا صاحبی رسول اللّه السلام علیکما یا وزیری رسول اللّه المعاونین له علی القیام فی دین اللّه القائمین فی أمّته فی أمور الاسلام جئنا یا صاحبی رسول اللّه زائرین لنبینا و صدیقنا و فاروقنا و نحن نتوسل بکما الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لیشفع لنا و یسأل اللّه تعالی أن یتقبل سعینا و أن یحیینا علی ملتکم و یمیتنا علی سنتکم و یحشرنا فی زمرتکم ثم یدعو لنفسه و لوالدیه و لجمیع المؤمنین و المؤمنات و یسأل اللّه تعالی حاجته و یصلی فی آخره علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و آله ثم یرجع و یقف عند رأس النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بین القبر و المنبر کما وقف فی الابتداء و لیستقبل القبلة و یحمد اللّه تعالی و یثنی علیه و یصلی علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و یدعو لنفسه و لمن أحب من المسلمین بما أحب* و یستحب أن یخرج بعد زیارته صلی اللّه علیه و سلم کل یوم خصوصا یوم الجمعة الی البقیع و یأتی المشاهد و المزارات و یزور القبور المشهورة فیه کقبر أمیر المؤمنین عثمان بن عفان و هو منفرد فی قبة و قبر عم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم العباس فی قبته المعروفة به و فیها ضریحان فالغربی منهما قبر العباس و الشرقی منهما قبر الحسن بن علی و زین العابدین و ابنه محمد الباقر و ابن الباقر جعفر الصادق کلهم فی قبر واحد و کقبر صفیة بنت عبد المطلب عمة رسول اللّه أمّ الزبیر فانه خارج باب البقیع عن یسار الخارج و یزور قبر فاطمة بنت أسد أمّ علی و قیل ان قبر فاطمة بنت رسول اللّه بالمسجد المنسوب إلیها بالبقیع و هو المعروف ببیت الاحزان و یستحب أن یأتیه و یصلی فیه و قیل ان قبرها فی بیتها و هو فی مکان المحراب الخشب الذی خلف الحجرة المقدّسة داخل الدرابزین قیل و هذا أظهر الاقوال و قبر ابراهیم بن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالبقیع و هو مدفون الی جنب عثمان بن مظعون و دفن أیضا الی جنب عثمان ابن مظعون عبد الرحمن بن عوف و به قبر یقال ان فیه عقیل بن أبی طالب و ابن أخیه عبد اللّه بن جعفر ابن أبی طالب و المنقول ان قبر عقیل فی داره و فی قبلة قبر عقیل حظیرة مستهدمة مبنیة بالحجارة یقال ان فیها قبور من دفن بالبقیع من أزواج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم* و فی مناسک الکرمانی ان فیها قبور أربع من أزواج النبیّ علیه السلام و فیه قبر مالک بن أنس صاحب المذهب و غیرهم من الصحابة و التابعین کلهم بالبقیع و یستحب أن یزور شهداء أحد یوم الخمیس و یبدأ بحمزة عم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و معه فی القبر ابن أخته المجذع فی اللّه عبد اللّه بن جحش ثم یزور باقی الشهداء و لا یعرف قبر أحد منهم و یسمی من علم اسمه منهم فی السلام علیه فمنهم مصعب بن عمیر و حنظلة غسیل الملائکة ابن أبی عامر و سعد بن الربیع و أنس بن النضر و أبو الدحداح و مجد بن زیاد و غیرهم و عند رجلی حمزة قبر لیس من قبور الشهداء و یقول فی السلام علیهم السلام علی أهل الدیار من المؤمنین و المسلمین و انا ان شاء اللّه بکم لاحقون رحم اللّه غربتکم و آنس اللّه وحشتکم تقبل اللّه من محسنکم و تجاوز اللّه عن مسیئکم ثم یقرأ سورة الاخلاص و آیة الکرسی لورود الاحادیث فیهما* روی أبو نعیم فی الحلیة بسنده الی ابن عمر قال مرّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بمصعب بن عمیر فوقف علیه و قال أشهد انکم أحیاء عند اللّه ترزقون فزوروهم و سلموا علیهم فو الذی نفسی بیده لا یسلم
علیهم أحد الا ردّوا علیه السلام الی یوم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:177
القیامة* و عن ابن اسحاق بن سعید قال کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یأتیهم کل عام فیرفع صوته عندهم و یقول سلام علیکم بما صبرتم فنعم عقبی الدار* و عن جعفر بن محمد عن أبیه ان فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کانت تزور قبور الشهداء بین الیومین و الثلاثة کذا فی تشویق الساجد* و یستحب أن یأتی مسجد قباء فی کل یوم سبت ان أمکن و یصلی رکعتین ثم یأتی بئر أریس التی تفل فیها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و سقط فیها خاتمه و هی بئر قریب من المسجد فی داخل البستان و یتوضأ منها و یشرب من مائها ثم یأتی مسجد الفتح و هو علی الخندق و یأتی جمیع المساجد و المشاهد بالمدینة و هی ثلاثون موضعا یعرفها أهل المدینة و یقصد الآبار التی کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یتوضأ منها و یغتسل و یشرب منها اتباعا لفعله علیه السلام و طلبا للشفاء و البرکة و هی سبعة آبار یعرفها أهل المدینة* و فی الاحیاء الآبار التی کان رسول اللّه یتوضأ منها و یغتسل و یشرب سبعة و هی المنظومة فی هذا النظم
اذا رمت آبار النبیّ بطیبةفعدّتها سبع مقالا بلا وهن
اریس و غرس رومة و بضاعةکذا بضة قل بئر حاء مع العهن کذا فی الوفاء*

الخاتمة*

اشارة

و فیها فصلان*

(الفصل الاوّل)* فی المتفرّقات‌

اشارة

من رفقائه صلی اللّه علیه و سلم و حرسه و خدمه و من کان یضرب الاعناق بین یدیه و ذکر موالیه و کتابه و رسله و قضاته و مؤذنیه و خطبائه و شعرائه و حداته و ذکر خیله و لقاحه و دوابه و آلات حروبه و لباسه و ذکر من وفد علیه* اما رفقاؤه النجباء الذین لهم مزید اختصاص بملازمته صلی اللّه علیه و سلم فأبو بکر و عمر و عثمان و علی و جعفر و أبو ذر و المقداد و سلمان و حذیفة و ابن مسعود و عمار بن یاسر و بلال بن رباح المؤذن* و أما حراسه فی غزواته فسعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القیس سید الاوس أسلم بین العقبتین علی ید مصعب ابن عمیر و شهد بدرا و أحدا و الخندق فرمی فیه بسهم عاش شهرا ثم انتقض جرحه فمات حرسه یوم بدر حین کان فی العریش و ذکوان بن عبد قیس و محمد بن مسلمة الانصاری حرساه بأحد و الزبیر بن العوّام حرسه یوم الخندق و عباد بن بشر و کان یلی حرسه و سعد بن أبی وقاص و أبو أیوب الانصاری حرسه بخیبر لیلة بنی بصفیة و بلال حرسه بوادی القری و کان أبو بکر الصدّیق یوم بدر فی العریش شاهرا سیفه علی رأسه لئلا یصل إلیه أحد من المشرکین رواه ابن السمان فی الموافقة و وقف المغیرة بن شعبة علی رأسه بالسیف یوم الحدیبیة و لما نزل و اللّه یعصمک من الناس ترک الحرس*

(و أما خدمه علیه السلام)

* فأنس ابن مالک بن النضر بن ضمضم بن زید الانصاری الخزرجی یکنی أبا حمزة خدمه تسع سنین أو عشر سنین و دعا له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال اللهمّ اکثر ماله و ولده و أدخله الجنة* و قال أبو هریرة ما رأیت أحدا أشبه صلاة برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم منه توفی سنة ثلاث و تسعین و قیل سنة اثنتین و تسعین و قیل سنة احدی و تسعین و قد جاوز المائة و سیجی‌ء وفاته و هند و أسماء ابنا حارثة إلّا سلیمان و ربیعة بن کعب الاسلمی صاحب وضوئه و توفی سنة ثلاث و ستین و أیمن بن أمّ أیمن صاحب مطهرته و استشهد یوم حنین و عدّه مغلطای فی سیرته من الموالی کما سیجی‌ء و عبد اللّه بن مسعود ابن غافل بالمعجمة و الفاء ابن حبیب الهذلی أحد السابقین الاوّلین شهد بدرا و المشاهد و کان صاحب الوسادة و السواک و النعلین و الطهور و کان یلی ذلک من النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اذا قام صلی اللّه علیه و سلم ألبسه نعلیه و اذا جلس جعلهما فی ذراعیه حتی یقوم و توفی بالمدینة و قیل بالکوفة سنة اثنتین و ثلاثین و قیل ثلاث و عقبة بن عامر بن عبس بن عمر و الجهنی و کان صاحب بغلته یقود به فی الاسفار و کان عالما بکتاب اللّه و بالفرائض فصیحا شاعرا ولی مصر لمعاویة سنة أربع و أربعین ثم صرفه بمسلمة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:178
ابن محمد و توفی بها سنة ثمان و خمسین و بلال بن رباح المؤذن و سعد مولی أبی بکر الصدّیق و قیل سعید و لم یثبت و روی عنه ابن ماجه کذا فی المواهب اللدنیة و ذو مخمرة و یقال ذو مخبرة بن أخی النجاشی و قیل ابن أخته و بکر بن شداخ اللیثی و الاشدخ بن شریک بن عوف الاعوجی صاحب راحلته و أبو السمح خادمه علیه السلام و اسمه ایاد و أبو ذر جندب بن جنادة الغفاری أسلم قدیما و توفی بالربذة سنة احدی و ثلاثین و صلی علیه عبد اللّه بن مسعود ثم مات بعده فی ذلک الیوم قاله ابن الاثیر فی معرفة الصحابة و فی التقریب لابن حجر سنة اثنتین و ثلاثین و مهاجر مولی أمّ سلمة و حنین والد عبد اللّه مولی العباس کان یخدم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثم وهبه لعمه العباس و نعیم بن ربیعة الاسلمی و أبو الحمراء مولاه صلی اللّه علیه و سلم و خادمه و اسمه هلال بن الحارث أو ابن ظفر نزل حمص و توفی بها و زاد فی سیرة مغلطای فقال و ازید و الاسود و ثعلبة بن عبد الرحمن الانصاری و جزو بن الحل و سالم و زعم بعضهم انه ابن سلمی الداعی و سابق و أبو عبیدة و غلام من الانصار نحو أنس* و من النساء برکة أمّ أیمن الحبشیة أمّ أسامة بن زید ماتت فی خلافة عثمان و خولة جدّة حفص و سلمی أمّ رافع زوج أبی رافع و میمونة بنت سعد و أمّ عیاش مولاة رقیة بنت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم* و زاد فی سیرة مغلطای فقال و أمة اللّه بنت رزینة و خضرة و رزینة أم علیة و ماریة أم الرباب و ماریة جدّة المثنی بن صالح و صفیة* و کان یضرب الاعتاق بین یدیه علیه السلام علی بن أبی طالب و الزبیر بن العوّام و المقداد بن عمرو و محمد بن مسلمة و عاصم بن ثابت بن أبی الافلح و الضحاک بن سفیان* و کان قیس بن سعد بن عبادة بین یدیه علیه السلام بمنزلة صاحب الشرطة و أبو رافع و اسمه أسلم و قیل غیر ذلک قبطی کان علی ثقله و کان بلال علی نفقاته و معیقیب ابن أبی فاطمة الدوسی علی خاتمه و ابن مسعود علی سواکه و نعله کما تقدّم*

(و أما موالیه علیه السلام)

* فزید بن حارثة بن شرحبیل استشهد بمؤتة سنة ثمان و ابنه أسامة بن زید و کان یقال له حب رسول اللّه و ابن حب رسول اللّه مات بالمدینة أو بوادی القری سنة أربع و خمسین و ثوبان بن محمد و یکنی أبا عبد اللّه اشتراه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأعتقه فلم یزل معه حتی قبض علیه السلام و سکن حمص بعد موت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أصله من السراة و قیل سکن الرملة و لا عقب له ثم نزل حمص فمات بها سنة أربع و خمسین کذا فی الصفوة* و قیل کان له نسب بالیمن و ابو کبشة أوس و یقال سلیم من مولدی مکة و قیل أرض دوس اشتراه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أعتقه شهد بدرا و توفی فی أوّل یوم استخلف فیه عمر* و أنیسة و یکنی أبا سرح من مولدی السراة اشتراه و أعتقه و سعید بن تلزید و شقران بضم الشین المعجمة و سکون القاف و اسمه صالح الحبشی و یقال فارس قیل ورثه من أبیه و قیل اشتراه من عبد الرحمن بن عوف و قیل وهبه له صلی اللّه علیه و سلم و أعتقه شهد بدرا و هو مملوک ثم أعتق قاله الحافظ ابن حجر و قال أظنه مات فی خلافة عثمان کذا فی المواهب اللدنیة و رباح بفتح الراء و باء موحدة و بالحاء المهملة اسود نوبی اشتراه من وفد عبد القیس فأعتقه و کان یأذن علیه احیانا اذا انفرد و هو الذی أذن لعمر بن الخطاب فی المسربة و یسار الراعی نوبی أصابه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی بعض غزواته و أعتقه و هو الذی قتله العرنیون و قطعوا یده و رجله و غرزوا الشوک فی لسانه و عینیه و استاقوا لقاح رسول اللّه و أدخل المدینة میتا و قد مرّ ذکره فی الموطن السادس و أبو رافع اسمه أسلم القبطی و قیل ابراهیم و قیل ثابت و قیل هرمز و قیل صالح کان علی ثقله علیه السلام و کان عبدا للعباس فوهبه للنبیّ علیه السلام فأعتقه حین بشره باسلام عمه العباس و زوّجه سلمی مولاة له فولدت له عبید اللّه و کان کاتبا لعلیّ فی خلافته کلها و توفی قبل قتل علیّ بیسیر و أبو رافع أخوه و قیل رافع والد البهی کذا فی الصفوة* و أبو مویهبة من مولدی مزینة اشتراه و أعتقه و زید و هو ابن یسار و لیس زید بن حارثة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:179
والد أسامة ذکره ابن الاثیر کذا فی المواهب اللدنیة و فی غیره و زید جد هلال بن یسار بن زید و فضالة الیمانی نزل الشام و مات بها و رافع کان مولی لسعید بن العاص فورثه أولاده فأعتقه بعضهم و أمسکه بعضهم فجاء رافع الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یستعینه فوهب له و کان یقول أنا مولی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و مدعم بکسر المیم و فتح العین المهملة عبد أسود وهب له* و فی المواهب اللدنیة أهداه له رفاعة بن زید الضبیبی بضم الضاد المعجمة و فتح الباء الموحدة الاولی کذا فی المواهب اللدنیة و قال غیره الجذامیّ بدل الضبیبی و قتل مدعم بوادی القری أصابه سهم غرب و هو الذی قال فیه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انّ الشملة التی غلها تشتعل علیه نارا* و فی صحیح البخاری عن أبی هریرة أنه قال فتحنا خیبر و توجه رسول اللّه نحو وادی القری و معه عبد له یقال له مدعم أهداه له رفاعة بن زید فبینا هو یحط رحل رسول اللّه اذ جاءه سهم غرب حتی أصاب ذلک العبد فقال الناس هنیئا له الجنة فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کلا و الذی نفسی بیده انّ الشملة التی أخذها یوم خیبر من الغنائم لم تصبها المقاسم تشتعل علیه نارا و رفاعة ابن زید الجذامیّ ذکره فی المواهب اللدنیة و کرکرة بفتح الکاف الاولی و کسرها و الثانیة مکسورة فیهما کذا فی شرح المشکاة للطیبی ذکره أبو بکر بن حزم و کان نوبیا أهداه له هوذة بن علی الحنفی فأعتقه و کان علی ثقله صلی اللّه علیه و سلم فمات فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هو فی النار فذهبوا ینظرون إلیه فوجدوا عباءة قد غلها رواه البخاری و ضمرة بن أبی ضمرة* و فی الصفوة قال مصعب أهدی إلیه المقوقس خصیا اسمه مأبور القبطی و واقد و أبو واقد و هشام و أبو ضمرة سعد و قیل روح بن سندر و یقال ابن شیرزاد الحمیری کذا فی سیرة مغلطای* و فی الکامل قیل کان من الفرس من ولد کشتاسب الملک فأصابه رسول اللّه فی بعض وقائعه مما أفاء اللّه علیه فأعتقه و أبو السمح و أبو عبید و اسمه سعید و قیل عبیدة قال ابراهیم الحربی لیس فی موالی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عبید و انما هو أبو عبید و قیل عبیده و انما التیمی غلط فی الحدیث فقال عبید و ذکر ابن أبی خیثمة أنهما اثنان عبید و أبو عبید و فرق الحربی بین رافع و أبی رافع فجعلهما اثنین* و حکی ابن قتیبة أنهما واحد کذا فی الصفوة و حنین و عسیب اسمه أحمر* و فی سیرة مغلطای و أبو عسیب و یقال بالمیم و اسمه أحمر و قیل مرّة و بادام و بدر و حاتم و عبید بن عبد الغفاری و زید بن مولا و سعید بن زید و سعد و سندر و عبد اللّه بن أسلم و غیلان و فقیر و کیرب و محمد بن عبد الرحمن و محمد آخر* قال المدینی کان اسمه ماهنة فسماه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم محمدا و أبو مکحول و نافع بن السائب و بنیه من مولدی السراة و نهیک و أبو الیسر و أبو قبیلة انتهی من ذکرهم مغلطای فی سیرته و سفینة و اختلف فی اسمه فقیل طهمان و یکنی أبا عبد الرحمن علی قول ابراهیم الحربی و قیل اسمه کیسان و قیل مهران و قیل رومان و قیل عبس و کان سفینة عبد الامّ سلمة فأعتقته و شرطت علیه أن یخدم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حیاته فقال و لو لم تشترطی علیّ ما فارقته قیل کان سفینة أسود من مولدی الاعراب سمی سفینة لانه کان معهم فی سفر و کان کل من أعیا ألقی علیه متاعه ترسا أو سیفا أو غیر ذلک فمرّ به النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال أنت سفینة* و روی عنه فی وجه تسمیته أنه قال کنا مع رسول اللّه فی سفر فمررنا بواد أو نهر و کنت أعبر الناس* و عن محمد بن المنکدر عن سفینة أنه قال رکبت سفینة فی البحر فانکسرت فرکبت لوحا فأخرجنی الی أجمة فیها أسد فأقبل الیّ فقلت أنا سفینة مولی رسول اللّه فجعل یغمزنی بمنکبه حتی أقامنی علی الطریق ثم همهم فظننت انه السلام* و فی دلائل النبوّة للبیهقی عن ابن المنکدر أیضا أنّ سفینة مولی رسول اللّه أخطأ الجیش بأرض الروم أو أسر فی أرض الروم فانطلق هاربا
یلتمس الجیش فاذا هو بالاسد فقال له یا أبا الحارث أنا مولی رسول اللّه کان من أمری کیت و کیت فأقبل الاسد یبصبص حتی قام الی جنبه کلما سمع صوتا أهوی إلیه ثم أقبل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:180
یمشی الی جنبه فلم یزل کذلک حتی بلغ الجیش ثم رجع أوردهما فی حیاة الحیوان* و فی الصفوة ذکر محمد بن حبیب الهاشمی من موالی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبا لبابة کان لبعض عماته فوهبته له فأعتقه و أبو لقیط و أبو الیسر و أبو هند و هو الذی قال فیه زوّجوا أبا هند و تزوّجوا إلیه و کان اشتراه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم منصرفه من الحدیبیة و أعتقه و أنجشة الحادی و کان حادیا للجمال و هو الذی قال له رویدا أو رویدک یا أنجشة رفقا بالقواریر و أنیسة و کان جسیما فصیحا شهد بدرا و أعتقه بالمدینة و رویفع سباه من هوازن و أعتقه و قیصر و میمون و أبو بکرة نفیع و هرمز أبو کیسان و أبو صفیة و أبو سلمی و اسود و سلمان الفارسی أبو عبد اللّه و یقال له سلمان الخیر أصله من أصبهان و قیل من رامهرمز أوّل مشاهده الخندق مات سنة أربع و ثلاثین و یقال بلغ عمره ثلاثمائة سنة و شمعون بن زید أبو ریحانة* قال الحافظ ابن حجر حلیف الانصار و یقال مولی رسول اللّه شهد فتح دمشق و قدم مصر و سکن بیت المقدس و أیمن بن أمّ أیمن و أفلح و سابق* و فی سیرة مغلطای أیمن بن أمّ أیمن و سابق من الخدام کما مرّ و سالم و عبید اللّه بن أسلم و نبیل و وردان و کیسان و أبو أیلة*

(و أمّا مولیاته علیه السلام)

* فسلمی أمّ رافع و یقال کانت مولاة لصفیة عمته و هی زوجة أبی رافع و دایة فاطمة الزهراء و غاسلتها مع أسماء بنت عمیس و قابلة ابراهیم بن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أمّ أیمن و اسمها برکة الحبشیة ورثها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من أبیه و هی أمّ أسامة بن زید کانت وصیفة لعبد اللّه بن عبد المطلب* و قال سلیمان بن أبی الشیخ کانت لأمّ النبیّ علیه السلام و کانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعد ما توفی أبوه کانت أمّ أیمن تحضنه حتی کبر فأعتقها حین تزوّج خدیجة و زوّجها عبیدة بن زید بن الحارث الحبشی فولدت له أیمن و کنیت به و استشهد أیمن یوم حنین ثم تزوّجها زید بن حارثة بعد النبوّة فولدت له أسامة و قیل أعتقها أبو النبیّ علیه السلام و هی التی شربت بول النبیّ صلی اللّه علیه و سلم* و فی الشفاء روی أن أمّ أیمن کانت تخدم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کان له قدح من عیدان یوضع تحت سریره یبول فیه من اللیل فبال فیه لیلة ثم افتقده فلم یجد فیه شیئا فسأل برکة عنه فقالت قمت و أنا عطشانة فشربته و أنا لا أعلم فقال لن تشتکی وجع بطنک أبدا* و للترمذی لن تلج النار بطنک و صححه الدّارقطنی و حمله الاکثرون علی التداوی* و أخرج حسن بن سفیان فی مسنده و الحاکم و الدّارقطنی و أبو نعیم و الطبرانی من حدیث أبی مالک النخعی یبلغه الی أمّ أیمن أنها قالت قام رسول اللّه من اللیل الی فخارة فی جانب البیت فبال فیها فقمت من اللیل و أنا عطشانة فشربت ما فیها و أنا لا أشعر فلما أصبح النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال یا أمّ أیمن قومی فاهریقی ما فی تلک الفخارة قلت قد و اللّه شربت ما فیها قالت فضحک النبیّ حتی بدت نواجذه ثم قال اما و اللّه لا یجعن بطنک أبدا* و عن ابن جریج قال أخبرت ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کان یبول فی قدح من عیدان ثم یوضع تحت سریره فجاء فاذا القدح لیس فیه شی‌ء فقال لامرأة یقال لها برکة کانت تخدم أمّ حبیبة جاءت معها من أرض الحبشة أین البول الذی کان فی القدح قالت شربته قال صحة یا أمّ یوسف فما مرضت قط حتی کان مرضها الذی ماتت فیه* و روی أبو داود عن ابن جریح عن حلیمة عن أمّها أمیمة بنت رقیقة و صحح ابن دحیة أنهما قصتان وقعتا لامر أتین و صح ان برکة أمّ یوسف غیر برکة أم أیمن و هو الذی ذهب إلیه شیخ الاسلام البلقینی* و قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أمّ أیمن أمی بعد أمی و کان یزورها ثم أبو بکر ثم عمر* و قال الواقدی حضرت أمّ ایمن أحدا فکانت تسقی الماء و تداوی الجرحی و شهدت خیبر و توفیت فی أوّل خلافة عثمان کذا فی الصفوة و امیمة و خصرة و رضوی و ریحانة و ماریة و قیصر اخت ماریة و میمونة بنت سعد و میمونة بنت ابی عسیب و أمّ ضمرة و أمّ عیاش و قیل عباس مولاة ابنته رقیة کذا فی الصفوة و سیرة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:181
مغلطای و ریحة و یقال هی الریحانة السریة و سائبة و أمّ ضمیرة* قال ابو عبیدة و کانت أیضا سریة جمیلة اصابها فی سبی و سریة اخری وهبتها له زینب بنت جحش* قال ابن الجوزی موالیه ثلاثة و أربعون و إماؤه احدی عشرة کذا فی المواهب اللدنیة و هؤلاء لم یکونوا فی وقت واحد بل کان کل بعض فی وقت‌

* (و امّا امراؤه علیه السلام)

* فمنهم باذان بن سامان من ولد بهرام أمره علی الیمن و هو اوّل امیر فی الاسلام علی الیمن و اوّل من اسلم من ملوک العجم و أمّر علی صنعاء خالد بن سعید و ولی زیاد بن لبید الانصاری البیاضی حضرموت و ولی ابا موسی الاشعری زبید و عدن و ولی معاذ بن جبل الجند و ولی ابا سفیان بن حرب نجران و ولی ابنه یزید تیما و ولی عتاب بفتح المهملة و تشدید المثناة الفوقیة ابن أسید بفتح الهمزة و کسر السین المهملة مکة و اقام الموسم و الحج بالمسلمین سنة ثمان و ولی علیّ بن ابی طالب القضاء بالیمن و ولی عمرو بن العاص عمان و أعمالها و ولی ابا بکر الصدّیق امامة الحج سنة تسع و بعث فی أثره علیا فقرأ علی الناس براءة قیل لان أوّلها نزل بعد أن خرج أبو بکر الی الحج و قیل أردفه به عونا له و مساعدا و لهذا قال الصدّیق أمیر أو مأمور قال بل مأمور و أمّا الروافض فقالوا بل عزله و هذا لا یبعد من بهتهم و افترائهم و قد ولی علیه السلام الصدقات جماعة کثیرة*

(و أمّا کتابه علیه السلام)

* فالخلفاء الأربعة أبو بکر الصدّیق و کان اسمه فی الجاهلیة عبد الکعبة و فی الاسلام عبد اللّه و سمی الصدّیق لتصدیقه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قیل انّ اللّه صدّقه و یلقب عتیقا لجماله أو لانه لیس فی نسبه ما یعاب به و قیل لانه عتیق من النار ولی الخلافة سنتین و نصفا و قیل أربعة أشهر کما سیجی‌ء و بلغ سنّ المصطفی علیه السلام و توفی مسموما و أسلم أبوه أبو قحافة یوم الفتح و توفی فی خلافة عمر و أسلمت أمّه أمّ الخیر سلمی بنت صخر قدیما فی دار الارقم* و عمر بن الخطاب بن نفیل بن عبد العزی استخلفه أبو بکر فأقام عشر سنین و ستة أشهر و أربع لیال کذا فی المواهب اللدنیة و قتله أبو لؤلؤة فیروز غلام المغیرة بن شعبة* و عثمان بن عفان بن أبی العاص بن أمیة و کانت خلافته احدی عشرة سنة و أحد عشر أو ثلاثة عشر یوما ثم قتل یوم الدار شهیدا* و روی عن عائشة مما ذکره الطبری فی فضائله انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اسند ظهره الیّ و انّ جبریل لیوحی إلیه القرآن و انه لیقول اکتب یا عثم رواه أحمد و کان کاتب سرّ رسول اللّه* و علی بن أبی طالب و أقام فی الخلافة أربع سنین و تسعة أشهر و ثمانیة أیام و توفی شهیدا علی ید عبد الرحمن بن ملجم و اختص علیّ بکتابة الصلح یوم الحدیبیة و طلحة بن عبید اللّه أحد العشرة استشهد یوم الجمل سنة ست و ثلاثین و هو ابن ثلاث و ستین سنة* و الزبیر ابن العوّام بن خویلد أحد العشرة أیضا قتل أیضا سنة ست و ثلاثین یوم الجمل* و سعد بن أبی وقاص و محمد بن مسلمة و الارقم بن أبی الارقم و أبان بن سعید بن العاص و أخوه خالد بن سعید بن العاص بن أمیة و عبد اللّه بن الارقم مات فی خلافة عثمان و ولاه عمر بیت المال و عبد اللّه بن زید بن عبد ربه و العلاء بن عقبة و المغیرة بن شعبة الثقفی أسلم قبل الحدیبیة و ولی امرة البصرة ثم الکوفة مات سنة خمسین علی الصحیح و السحبل و عامر بن فهیرة و أبیّ بن کعب بضم الهمزة و فتح الباء الموحدة من سباق الانصار کان یکتب الوحی له صلی اللّه علیه و سلم و هو أحد الستة الذین حفظوا القرآن علی عهده علیه السلام و أحد الفقهاء الذین کانوا یفتون علی عهده علیه السلام توفی بالمدینة سنة تسع عشرة و قیل سنة عشرین و قیل غیر ذلک و هو الذی کتب الکتاب الی ملکی عمان حیفر و عبد ابنی الجلندی و ثابت بن قیس ابن شماس استشهد بالیمامة و هو الذی کتب کتاب قطن بن حارثة العلیمی و حنظلة بن الربیع الاسدی الذی غلته الملائکة حین استشهد بأحد و زید بن ثابت بن الضحاک النجاری مشهور بکتب الوحی مات سنة خمسین أو ثمان و أربعین و قیل بعد الخمسین و کان أحد فقهاء الصحابة و هو أحد من جمع القرآن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:182
فی خلافة أبی بکر و نقله فی المصحف فی زمن عثمان و أبو سفیان صخر بن حرب و ابنه معاویة بن أبی سفیان ولی لعمر الشام و أقرّه عثمان* قال ابن اسحاق کان أمیرا عشرین سنة و خلیفة عشرین سنة* و روینا فی مسند الامام أحمد من حدیث العرباض قال سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول اللهمّ علم معاویة الکتاب و الحساب و قه العذاب و هو مشهور بکتاب الوحی و مات فی رجب سنة ستین و قد قارب الثمانین* و فی الشفاء دعا لمعاویة فقال اللهمّ مکنه فی البلاد فنال الخلافة و أخوه یزید ابن أبی سفیان بن حرب أمّره عمر علی دمشق حتی مات بها بالطاعون و شرحبیل ابن حسنة و هی أمّه و العلاء بن الحضرمی و خالد بن الولید بن المغیرة المخزومی سیف اللّه أسلم بین الحدیبیة و فتح مکة مات سنة احدی أو اثنتین و عشرین* و عمرو بن العاص بن وائل السهمی أسلم عام الحدیبیة و ولی مصر مرّتین و هو الذی فتحها و مات بها سنة نیف و أربعین و قیل بعد الخمسین و عبد اللّه بن رواحة الخزرجیّ الانصاری أحد السابقین الاوّلین شهد بدرا و استشهد بمؤتة و معیقیب بقاف و آخره موحدة مصغر ابن أبی فاطمة الدوسی من السابقین الاوّلین و شهد المشاهد مات فی خلافة عثمان أو علی و کتب له علیه السلام سعید بن العاص کتاب ثقیف و حذیفة بن الیمان من السابقین صح فی مسلم انه صلی اللّه علیه و سلم أعلمه بما کان و ما یکون الی أن تقوم الساعة و أبوه صحابی أیضا استشهد بأحد بأیدی المسلمین و مات حذیفة فی أوّل خلافة علیّ سنة ست و ثلاثین و حویطب بن عبد العزی العامری أسلم یوم الفتح عاش مائة و عشرین سنة و مات سنة أربع و خمسین کذا فی المواهب اللدنیة* و فی سیرة مغلطای و بریدة و حصین بن نمیر و عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح و أبو سلمة بن عبد الاسد و حاطب بن عمرو بن حنظلة و قیل کان کتابه نیفا و أربعین و أکثرهم ملازمة له زید بن ثابت و معاویة بن أبی سفیان بعد الفتح کذا فی مزیل الخفا کما قاله الحافظ الشریف الدمیاطی و غیره* قال الحافظ بن حجر و قد کتب له قبل زید ابن ثابت أبی بن کعب و هو أوّل من کتب له بالمدینة و أوّل من کتب له بمکة من قریش عبد اللّه بن أبی سرح ثم ارتدّ ثم عاد الی الاسلام یوم الفتح کذا فی المواهب اللدنیة*

(و أمّا رسله)

* فقد روی أنه علیه السلام بعث ستة نفر فی یوم واحد فی المحرّم سنة سبع و ذکر القاضی عیاض فی الشفاء مما عزاه الواقدی أنه أصبح کل رجل منهم یتکلم بلسان القوم الذین بعثه إلیهم انتهی و کان أوّل رسول بعثه عمرو بن أمیة الضمری الی أصحمة النجاشی ملک الحبشة و کتب إلیه کتابین یدعوه فی أحدهما الی الاسلام و یتلو علیه القرآن فأخذه النجاشی و وضعه علی عینیه و نزل عن سریره و جلس علی الارض ثم أسلم و شهد شهادة الحق و قال لو کنت أستطیع أن آتیه لآتیته* و فی الکتاب الآخر أمره أن یزوّجه أمّ حبیبة بنت أبی سفیان فزوّجه ایاها فدعا بحقة من عاج فجعل فیه کتابی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قال لن تزال الحبشة بخیر ما کان هذان الکتابان بین أظهرهم و صلی علیه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کذا قاله الواقدی و غیره و لیس کذلک فانّ النجاشی الذی صلی علیه رسول اللّه لیس هو الذی کتب إلیه کذا فی المواهب اللدنیة و قد مرّ فی الموطن السادس* و بعث علیه السلام دحیة بن خلیفة الکلبی و هو أحد الستة الی قیصر ملک الروم و اسمه هرقل یدعوه الی الاسلام فهمّ بالاسلام و لم توافقه الروم فخافهم علی ملکه فأمسک* و بعث عبد اللّه بن حذافة السهمی الی کسری ملک فارس و هو الثالث فمزّق کتاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال علیه السلام مزّق اللّه ملکه و ملک قومه* و بعث حاطب ابن أبی بلتعة اللخمی و هو الرابع الی المقوقس ملک مصر و الاسکندریة فأکرمه و قارب الاسلام و لم یسلم و أهدی للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم ماریة القبطیة و أختها سیرین و أمتین أخریین و خصیا و البغلة الشهباء المسماة بالدلدل و قیل و ألف دینار و عشرین ثوبا فوهب سیرین لحسان بن ثابت فولدت له
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:183
عبد الرحمن و استولد علیه السلام ماریة فولدت له ابراهیم و قد ذکر فی الموطن السادس* و بعث شجاع ابن وهب الاسدی و هو الخامس الی الحارث بن أبی شمر الغسانی ملک البلقاء من أرض الشام و تغیظ و لم یسلم* و بعث سلیط بن عمرو العامری و هو السادس الی الیمامة الی هوذة بن علی و الی ثمامة بن أثال الحنفیین فأسلم ثمامة و کتب هوذة الی رسول اللّه ما أحسن ما تدعو إلیه و أجمله و أنا خطیب قومی و شاعرهم فاجعل لی بعض الامر أتبعک فأبی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لم یسلم هوذة و مات زمن الفتح و قد مرّ فی الموطن السادس* و بعث عمرو بن العاص فی ذی القعدة سنة ثمان الی حیفر و عبدا بنی الجلندی بعمان و هما من الازد فأسلما و صدّقا و خلیا بین عمرو و الصدقة و الحکم فیما بینهم فلم یزل عمرو عندهم حتی توفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و بعث العلاء الحضرمی الی المنذر ابن ساوی العبدی ملک البحرین قبل منصرفه من الجعرانة و قیل قبل الفتح فأسلم و صدّق* و فی الصفوة کان اسم العلاء الحضرمی عبد اللّه بن سلمی من حضر موت و ولاه رسول اللّه البحرین ثم عزله عنها و ولاها أبان بن سعید ثم أعاد أبو بکر العلاء الی البحرین ثم کتب إلیه عمر أن سر الی عتبة ابن غزوان فقد ولیتک عمله یعنی البصرة فسار إلیها فمات فی الطریق سنة احدی و عشرین و قیل أربع عشرة و قیل خمس عشرة* و بعث المهاجرین أمیة المخزومی الی الحارث بن کلال الحمیری أحد مقاولة الیمن فقال سأنظر فی أمری* و بعث أبا موسی الاشعری و معاذ بن جبل الی الیمن بعد انصرافه من تبوک سنة عشر فی ربیع الاوّل و کانا جمیعا فی جملة الیمن داعیین الی الاسلام فأسلم غالب أهلها ملوکهم و عامّتهم طوعا من غیر قتال و قد مرّ فی الموطن العاشر ثم بعث علی بن أبی طالب بعد ذلک إلیهم و وافاه بمکة فی حجة الوداع* و بعث جریر بن عبد اللّه البجلی الی ذی الکلاع و ذی عمر و یدعوهم الی الاسلام فأسلما و توفی صلی اللّه علیه و سلم و جریر عندهم* و بعث عمرو بن أمیة الضمری الی مسیلمة الکذاب بکتاب و بعث الی فروة بن عمرو الجذامیّ و کان عاملا لقیصر یدعوه الی الاسلام فأسلم و کتب الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم باسلامه و بعث إلیه بهدیة مع مسعود بن سعد و هی بغلة شهباء یقال لها فضة و فرس یقال له الظرب و حمار یقال له یعفور و بعث إلیه أثوابا و قباء سندسا مذهبا فقبل هدیته و وهب لمسعود بن سعد اثنی عشر أوقیة* و بعث المصدّقین لاخذ الصدقات هلال المحرّم سنة تسع فبعث عیینة ابن حصن الفزاری الی بنی تمیم و بعث بریدة و یقال کعب بن مالک الی أسلم و غفار و بعث عباد بن بشر الی سلیم و مزینة و بعث رافع بن مکیث الی جهینة و بعث عمرو بن العاص الی فزارة و بعث الضحاک ابن سفیان الی بنی کلاب و بعث بشر بن سفیان الکعبی و یقال النجار العدوی الی بنی کعب و بعث عبد اللّه بن اللتبیة الی ذبیان و بعث رجلا من سعد هذیم الی قومه*

(و أمّا قضاته)

* علیه السلام فأمیر المؤمنین علی و معاذ بن جبل و أبو موسی الاشعری ولی کل منهم القضاء بالیمن*

(و أمّا مؤذنوه علیه السلام)

* فأربعة اثنان بالمدینة بلال بن رباح و أمّه حمامة و هو مولی أبی بکر الصدّیق و هو أوّل من أذن لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لم یؤذن بعده لاحد من الخلفاء الا أنّ عمر لما قدم الشام حین فتحها أذن بلال فتذکر الناس النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال أسلم مولی عمر فلم أر باکیا أکثر من یومئذ و توفی بلال سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة أو عشرین بداریا بباب کیسان و له بضع و ستون سنة و قیل دفن بحلب و قیل بدمشق* و عمرو بن أمّ مکتوم القرشی الاعمی* و فی معالم التنزیل اسمه عبد اللّه بن شریح بن مالک بن ربیعة الفهری من بنی عامر بن لؤیّ و کذا فی الکشاف و زاد فیه أمّ مکتوم أمّ أبیه هاجر الی المدینة قبل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و سیجی‌ء موت بلال و ابن أمّ مکتوم فی الفصل الثانی فی الخاتمة فی خلافة عمر بن الخطاب* و أذن له علیه السلام بقباء سعد بن عائذ أو ابن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:184
عبد الرحمن المعروف بسعد القرظی و بالقرظی مولی عمار بقی الی ولایة الحجاج و ذلک سنة أربع و سبعین* و بمکة أبو محذورة و اسمه أوس الجمحی المکی أبوه معیر بکسر المیم و سکون المهملة و فتح التحتیة مات بمکة سنة تسع و خمسین و قیل تأخر بعد ذلک و کان أبو محذورة منهم یرجع الاذان و یثنی الاقامة و بلال لا یرجع و یفرد الاقامة فأخذ الشافعی باقامة بلال و أهل مکة أخذوا باذان أبی محذورة و اقامة بلال و أخذ أبو حنیفة و أهل العراق بأذان بلال و اقامة ابی محذورة و أخذ أحمد و أهل المدینة بأذان بلال و اقامته و خالفهم مالک فی موضعین اعادة التکبیر و تثنیة لفظ الاقامة*

(و أمّا شعراؤه الذین یذبون عن الاسلام)

* فکعب بن مالک و عبد اللّه بن رواحة الخزرجی الانصاری و حسان بن ثابت بن المنذر ابن عمرو بن حزام الانصاری دعا له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال اللهمّ أیده بروح القدس فیقال أعانه جبریل بسبعین بیتا* و فی الحدیث انّ جبریل مع حسان ما نافح عنی و هو بالحاء المهملة أی دافع و المراد هجاء المشرکین و مجازاتهم علی أشعارهم و عاش مائة و عشرین سنة ستین فی الجاهلیة و ستین فی الاسلام و کذا عاش ابوه ثابت و جدّه المنذر و جدّ ابیه حزام کل واحد منهم مائة و عشرین سنة و توفی حسان سنة اربع و خمسین و کان اشدّهم علی الکفار حسانا و کعبا* و کان یحد و بین یدیه علیه السلام فی السفر عبد اللّه بن رواحة* و فی روایة الترمذی فی الشمائل عن أنس انه علیه السلام دخل مکة فی عمرة القضاء و ابن رواحة یمشی بین یدیه علیه السلام و هو یقول
خلوا بنی الکفار عن سبیله‌الیوم نضربکم علی تنزیله
ضربا یزیل الهام عن مقیله‌و یذهل الخلیل عن خلیله و عامر بن الاکوع بفتح الهمزة و سکون الکاف و فتح الواو و بالعین المهملة و هو عم سلمة بن الاکوع کذا فی المواهب اللدنیة و استشهد یوم خیبر* و أنجشة العبد الاسود بفتح الهمزة و سکون النون و فتح الجیم و بالشین المعجمة و کان حسن الحداء قال انس کان البراء بن مالک یحد و بالرجال و أنجشة یحد و بالنساء و قد کان یحدو و ینشد القریض و الرجز فقال علیه السلام کما فی روایة البراء بن مالک رویدک رفقا بالقواریر و فی المشکاة لا تکسر القواریر* قال قتادة یعنی ضعفة النساء متفق علیه فشبههنّ بالقواریر من الزجاج لانه یسرع إلیها الکسر فلم یأمن علیه السلام ان یصیبهنّ او یقع فی قلوبهنّ حداؤه فأمره بالکف عن ذلک* و فی المثل الغنا رقیة الزنا و قیل اراد أن الابل اذا سمعت الحداء أسرعت فی المشی و اشتدّ و أزعجت الراکب و أتعبته فنهاه عن ذلک لأن النساء یضعفن عن شدّة الحرکة*

(و امّا خیله و دوابه)

* فذکر له صلی اللّه علیه و سلم الدمیری فی حیاة الحیوان اثنین و عشرین فرسا فقال السکب و السبحة و المرتجز و اللزاز و الظرب و اللحیف و الورد و هذه السبعة متفق علیها و امّا غیرها و هی الابلق و ذو العقال و ذو اللمة و المرتجل و السرحان و الیعسوب أو الیعبوب و البحر و الادهم و الملاوح و الشحاء و المرواح و المقدام و المندوب و الطرف و الضرمن فهذه الخمسة عشر مختلف فیها و قد بسط الکلام علیها الحافظ الدمیاطی و غیره انتهی کلام الدمیری* قال الحافظ عبد المؤمن الدمیاطی الخیل المتفق علیها لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سبعة و قد نظمها القاضی بدر الدین بن جماعة فی بیت فقال
الخیل سکب لحیف سبحة طرب‌لزاز مرتجز ورد لها اسرار * مشکلات الافراس فی القاموس السکب اوّل فرس ملکه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کان کمیتا محجلا طلق الیمین و یحرّک* و فی المواهب اللدنیة یقال فرس سکب ای کثیر الجری کأنما ینصب جریه صبا من سکب الماء یسکبه و هو اوّل فرس ملکه اشتراه علیه السلام بالمدینة من اعرابی من بنی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:185
فزارة بعشرة أواق و اوّل فرس غزا علیه و اوّل غزاة غزاها علیه أحد* و فی نور العیون و کان علیه السلام علیه یوم أحد* و فی المواهب اللدنیة و کان أغر محجلا طلق الیمین کمیتا* و قال ابن الاثیر کان أدهم و کذا فی حیاة الحیوان* و فی القاموس السبحة بالفتح فرس للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم* و فی حیاة الحیوان و هو الذی سابق علیه فسبق ففرح به و فی غیرهما کان قد سبق فسبح علیه فسمی سبحة* و فی المواهب اللدنیة سبحة بالموحدة من قولهم فرس سابح اذا کان حسن مدّ الیدین فی الجری* قال ابن بنین هی فرس شقراء اشتراها من أعرابی من جهینة بعشر من الابل* و فی القاموس المرتجز بن الملاءة فرس للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم سمی به لحسن صهیله اشتراه من سواد بن الحارث بن ظالم* و فی المواهب اللدنیة المرتجز بضم المیم و سکون الراء و فتح التاء و کسر الجیم بعدها زای سمی به لحسن صهیله مأخوذ من الرجز و هو ضرب من الشعر و کان أبیض و هو الذی شهد له فیه خزیمة بن ثابت فجعل شهادته شهادة رجلین* و فی حیاة الحیوان الفرس الذی اشتراه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من الاعرابی و شهد له خزیمة اسمه المرتجز و قیل کان أبیض و اسم الاعرابی سواد بن الحارث بن ظالم المحاربی و کان علیه السلام ابتاعه منه و استتبعه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لیقبض ثمنه و أسرع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم المشی و أبطأ الاعرابی فطفق رجال یعترضون الاعرابی فیساومون الفرس لا یشعرون أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ابتاعه حتی زاد بعضهم الاعرابی فی السوم علی ثمن الفرس فنادی الاعرابی النبیّ علیه السلام فقال ان کنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه و إلّا بعته فقام النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حین سمع صوت الاعرابی فقال أو لیس قد ابتعته منک قال لا و اللّه ما ابتعتک فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قد ابتعته منک فطفق الناس یلوذون برسول اللّه و الاعرابی و هما یتراجعان فطفق الاعرابی یقول هلم بشاهدک قال خزیمة أنا أشهد فأقبل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علی خزیمة فقال بم تشهد قال بتصدیقک یا رسول اللّه فجعل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم شهادة خزیمة بشهادة رجلین أخرجه أبو داود و النسائی و الحاکم* و فی روایة قال خزیمة بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه أصدّقک علی أخبار السماء و ما یکون فی غدو لا أصدقک فی ابتیاعک هذا الفرس فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انک ذو شهادتین یا خزیمة و کان یقال له ذو الشهادتین و کان معه رایة بنی خطمة فی غزوة الفتح و شهد صفین مع علیّ و قتل یومئذ سنة سبع و ثلاثین* قال السهیلی فی مسند الحارث زیادة و هی أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ردّ الفرس علی الاعرابی و قال لا بارک اللّه لک فیها فأصبحت من الغد شائلة برجلیها أی ماتت* و فی الصفوة و ربما جعل بعضهم الاسمین یعنی السکب و المرتجز لواحد* و فی القاموس اللزاز ککتاب فرس للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم أهداها المقوقس مع ماریة* و فی المواهب اللدنیة سمی به لشدّة تلززه و اجتماع خلقه و لزبه الشی‌ء لزق به کأنه یلتزق بالمطلوب لسرعته أهداها له المقوقس الطرب بالطاء المهملة و المعجمة ککتف فرس للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم کذا فی القاموس* و فی المواهب اللدنیة الظرب بالظاء المعجمة آخره باء موحدة واحد الظراب سمی به لکبره و سمنه و قیل لقوّته و صلابة حافره أهداها له فروة بن عمرو الجذامیّ* و فی القاموس اللحیف کأمیر و زبیر فرس لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لانه کان یلحف الارض بیدیه أهداه له ربیعة بن أبی البراء و فی غیره فأثابه علیه فرائض من نعم بنی کلاب أورد اللحیف فی القاموس بالحاء المهملة و الجیم* و فی المنتقی بالجیم و قال من قولهم سهم لجیف اذا کان سریع المرّ* و فی المواهب اللدنیة اللحیف بالمهملة أهداها له ربیعة بن أبی براء سمی به لسمنه و کبره کأنه یلحف الارض أی یغطیها بذنبه لطوله فعیل بمعنی فاعل یقال لحفت الرجل باللحاف طرحته علیه و یروی بالجیم و بالخاء المعجمة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:186
رواه البخاری و لم یتحققه و المعروف بالحاء المهملة قاله ابن الاثیر فی النهایة و الورد فرس أهداه له تمیم الداری فأعطاه عمر فحمله فی سبیل اللّه ثم وجده یباع برخص فأراد أن یشتریه فسأل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال لا تشتره لا تعد فی صدقتک و ان أعطیک بدرهم فانّ العائد فی صدقته کالکلب یعود فی قیئه قاله ابن سعد کذا فی المواهب اللدنیة* و فی القاموس الورد من الخیل ما بین الکمیت و الاشقر (و الابلق) ذو لونین فصاعدا (و ذو العقال) بضم العین المهملة و تشدید القاف* و حکی بعضهم تخفیفها یقال هو داء یأخذ الدواب فی الرجلین (و ذو اللمة) بکسر اللام و تشدید المیم ذکره ابن حبیب و هو الشعر المجاوز شحمة الاذن کذا فی القاموس (و المرتجل) بکسر الجیم ذکره ابن خالویه من قولهم ارتجل الفرس ارتجالا اذا خلط العنق بشی‌ء من الهملجة (و السرحان) بکسر السین المهملة و سکون الراء ذکره ابن خالویه و فی القاموس (الیعسوب) أمیر النحل و ذکرها (و الیعبوب) الفرس الطویل السریع أو الجواد السهل فی عدوه ذکرهما قاسم بن ثابت فی کتاب الدلائل (و البحر) فرس کان اشتراه من تجر قدموا من الیمن فسبق علیه مرّات فجثا صلی اللّه علیه و سلم علی رکبتیه و مسح علی وجهه و قال ما أنت الابحر فسمی بحرا ذکره ابن بنین فیما حکاه الحافظ الدمیاطی* قال ابن الاثیر و کان کمیتا و کان سرجه دفتان من لیف کذا فی المواهب اللدنیة* و فی سیرة الیعمری و سبحة اشتراه من تجار الیمن فسبق علیه ثلاث مرّات فمسح وجهه و قال ما أنت (الابحر) (و الادهم) (و الملاوح) بضم المیم و کسر الواو ذکره ابن خالویه کان لابی بردة بن نیار (و الشحاء) أی الفاتحة فاها کذا فی القاموس (و المرواح) من أبنیة المبالغة کالمطعام مشتق من الریح لسرعته أو من الرواح لتوسعه فی الجری أهداه له قوم من بنی مذحج ذکره ابن سعد (و المقدام) (و المندوب) ذکره بعضهم فی خیله علیه السلام (و الطرف) بکسر الطاء المهملة و سکون الراء بعدها فاء ذکره ابن قتیبة فی المعارف* و فی روایة أنه الذی اشتراه من الاعرابی و شهد له خزیمة بن ثابت کذا فی المواهب اللدنیة (و الضرمن) ذکره السهیلی فی أفراسه و فی القاموس الضرم الفرس العدّاء و فی غیره شدید العدو و کأنّ النون زائدة و زاد فی المواهب اللدنیة (السجل) بکسر السین المهملة و سکون الجیم ذکره علی بن محمد بن الحسین بن عبدوس الکوفی و لعله مأخوذ من قولهم سجلت الماء فانسجل أی صببته فانصب (و النجیب) ذکره ابن قتیبة* و فی روایة أنه الذی اشتراه من الاعرابی و شهد له به خزیمة*

(و أمّا بغاله علیه السلام)

* فدلدل بدالین مضمومتین و کانت شهباء أهداها له المقوقس ملک مصر و الاسکندریة و هی أوّل بغلة رؤیت فی الاسلام کذا فی الکامل و هی التی قال لها یوم حنین اربضی دلدل فربضت و کان یرکبها فی المدینة و فی الاسفار و کانت أنثی کما أجاب به ابن الصلاح کذا فی حیاة الحیوان* و فی حیاة الحیوان أیضا قال الحافظ قطب الدین البغلة بهاء للافراد یقع علی الذکر و الانثی کالجرادة و التمرة ثم قال أجمع أهل الحدیث علی أنّ بغلة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کانت ذکرا لا أنثی ثم عدّله خمس بغال انتهی و کانت الدلدل قد کبرت و زالت أضراسها یجش لها الشعیر و کان علیّ یرکبها بعد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و روی أنّ عثمان بن عفان أیضا کان یرکبها ثم رکبها الحسن ثم رکبها الحسین و محمد بن علی المشهور بابن الحنفیة حتی عمیت من الکبر فدخلت مبطحة لبنی مدلج فرماها رجل بسهم فقتلها و قیل ماتت بینبع* و فی القاموس ینبع کینصر حصن له عیون و نخیل و زرع بطریق حاج مصر* و فی خلاصة الوفاء ینبع الماء مضارع نبع ظهر من نواحی المدینة علی أربعة أیام منها و بغلة یقال لها (فضة) أهداها له فروة بن عمرو الجذامیّ وهبها لابی بکر و بغلة أخری یقال لها (الابلیة) أهداها له ملک أیلة کعتلة موضع بالبصرة کذا فی القاموس و کانت بیضاء محذوفة طویلة کأنها تقوم علی رماح و کانت حسنة السیر فأعجبته و هی التی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:187
قال فیها علیّ ان کانت أعجبتک هذه البغلة فانا نصنع لک مثلها قال و کیف ذلک قال هذه أمّها فرس عربیة و أبوها حمار فلو أنّا أنزینا علی فرس عربیة حمارا لجاءت بمثل هذه البغلة فقال انما یفعل ذلک الذین لا یعلمون رواه البخاری فی کتاب الجزیة و أخری أهداها له ابن العلماء صاحب أیلة و أخری من دومة الجندل و أخری من عند النجاشی قیل و أهدی له کسری بغلة و فیه نظر لان کسری مزّق کتابه صلی اللّه علیه و سلم*

(و أمّا حمیره علیه السلام)

* فعفیر بضم العین المهملة أهداه له المقوقس و یعفور أهداه له فروة بن عمر و الجذامیّ و یقال هما واحد و هما مأخوذان من العفرة و هو لون التراب فنفق یعفور منصرف النبیّ علیه السلام من حجة الوداع و کان له حمار آخر أعطاه سعد بن عبادة فرکبه کذا فی المواهب اللدنیة و مزیل الخفا* و روی ابن عساکر بسنده أنه لما فتح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خیبر أصاب حمارا أسود فکلمه الحمار فقال له رسول اللّه ما اسمک فقال یزید بن شهاب أخرج اللّه من نسل جدّی سبعین حمارا کلها لا یرکبها الا نبیّ و قد کنت أتوقعک لترکبنی و لم یبق من نسل جدّی غیری و لا من الأنبیاء غیرک و قد کنت قبلک عند یهودی* و فی روایة اسمه مرحب و کان اذا سمع اسمک یتکلم بما لا یلیق بک و کنت أتعثر به عمدا و کان یجیع بطنی و یرکب ظهری فقال له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأنت یعفور یا یعفور تشتهی الاناث قال لا* و فی روایة قال لم قال لان آبائی رووا عن آبائهم أنه سیرکب نسلنا سبعون من الأنبیاء و الآخر من نسلنا سیرکبه نبیّ اسمه محمد و أنا أرجو أن أکون ذلک الآخر و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یرکبه و کان یوجهه الی دور أصحابه فیضرب علیهم الباب و یدعوهم فلما قبض النبیّ علیه السلام* و فی روایة و لما مضی ثلاثة أیام جاء الی بئر أبی الهیتم بن التیهان فتردّی فیها جزعا علی رسول اللّه فصارت قبره کذا فی حیاة الحیوان*

(و أمّا ابله علیه السلام)

* فکان له من اللقاح (القصوی) و هی مقطوعة الاذن و هی التی تاجر علیها (و العضباء) و هی مشقوقة الاذن (و الجذعاء) و هی مقطوعة طرف الاذن و لم یکن بهما عضب و لا جذع و انما سمیت بذلک قاله أبو عبیدة و قیل کان بأذنها عضب و قیل العضباء هی التی کانت لا تسبق قیل و کان اشتراها من أبی بکر بأربعمائة درهم و عن الواقدی بستمائة درهم و قد مرّ أنه اشتراها بثمانمائة درهم و کانت حین قدم المدینة رباعیة و کان لا یحمله اذا نزل علیه الوحی غیرها و کانت تبرک حینا من ثقل الوحی و هی التی کانت لا تسبق فجاء أعرابی علی قعود له فسبقها فشق ذلک علی المسلمین فقال علیه السلام انّ حقا علی اللّه أن لا یرفع من الدنیا شیئا الا وضعه* و فی سیرة الیعمری قیل المسبوق غیرها انتهی و کانت صهباء و هی التی روی تکلیمها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و تعریفها له نفسها و مبادرة العشب إلیها فی الرعی و تجنب الوحوش عنها و نداؤها له انک لمحمد و انها لم تأکل و لم تشرب بعد وفاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حتی ماتت ذکره الاسفراینی و قیل القصوی و العضباء غیرها و هی المسبوقة و قیل العضباء و الجذعاء و القصوی ثلاث نوق و قیل الجذعاء و القصوی واحدة و العضباء غیرها و هی المسبوقة و قیل العضباء و الجذعاء واحدة و قیل کانت له ناقة أخری اشتراها من بنی قشیر بثمانمائة درهم و هی التی هاجر علیها و کانت اذ ذاک رباعیة و هی المسبوقة و هی الحاملة له اذا نزل علیه الوحی و اللّه أعلم* و فی ذخائر العقبی عن أبی هریرة عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال تبعث الأنبیاء علی الدواب و یحشر صالح علی ناقته و یحشر ابنا فاطمة علی ناقتیّ العضباء و القصوی و أحشر أنا علی البراق خطوها عند أقصی طرفها و یحشر بلال علی ناقة من نوق الجنة خرجه الحافظ السلفی و کانت له عشرون لقحة بالغابة یراح إلیه منها کل لیلة بقربتین عظیمتین من اللبن و کان یفرّقها علی نسائه و کان فیها تسع لقاح غرر الحناء و السمراء و العریس و السعدیة و البغوم و العسیرة و الریا و کانت لقحة تدعی بردة أهداها له الضحاک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:188
ابن سفیان و کانت تحلب کما تحلب لقحتان غزیرتان و کانت له مهریة أرسلها إلیه سعد بن عبادة من نعم بنی عقیل* و فی المواهب اللدنیة و کانت له خمس و أربعون لقحة أرسل بها إلیه سعد بن عبادة منها اطلال و اطراف و بردة و برکة و البغوم و الحناء و رمزة و الریا و السعدیة و سقیا و السمراء و الشقراء و عجرة و العریس و غوثة و قیل و غیثة و قمر و مروة و مهرة و رشة و العسیرة و الحفدة و غنم صلی اللّه علیه و سلم یوم بدر جملا لابی جهل فی أنفه برة من فضة و کان یغز و علیه و یضرب فی لقاحه فأهداه یوم الحدیبیة لیغیظ بذلک الکفار کما مرّ ذکره* و لم ینقل انه صلی اللّه علیه و سلم اقتنی من البقر شیئا و کانت له مائة شاة و کانت له سبع منائح عجزة و زمزم و سقیا و برکة و رشة و اطلال و اطراف و کانت له ستة أو سبعة أعنز منائح ترعاها أمّ أیمن و کانت له شاة یختص بشرب لبنها تدعی غبثة و یقال غوثه و یمن و قمر ذکرها ابن حبان و کان له دیک أبیض ذکره أبو سعد کذا فی سیرة الیعمری و حیاة الحیوان و نقل فیها عن معجم الطبرانی و تاریخ الاصبهانی عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أنه قال انّ للّه دیکا أبیض جناحاه موشیان بالزبرجد و الیاقوت و اللؤلؤ جناح بالمشرق و جناح بالمغرب رأسه تحت العرش و قوائمه فی الهواء یؤذن فی کل سحر فیسمع تلک الصیحة أهل السموات و الارض الا الثقلین الجنّ و الانس فعند ذلک تجیبه دیوک أهل الارض فاذا دنا یوم القیامة قال اللّه تعالی ضم جناحیک و غض صوتک فیعلم أهل السموات و الارض الا الثقلین أنّ الساعة قد اقتربت صاح سبوح قدّوس فصاحت الدیکة* و فی روایة یقول سبحان الملک القدّوس ربنا الرحمن الملک لا إله غیره* و فی روایة سبحانک ما أعظم شأنک*

(و أمّا أسلحته و آلات حربه علیه السلام)

* فکان له تسعة أسیاف مأثور و هو أوّل سیف ملکه علیه السلام و هو الذی یقال انه قدم به الی المدینة فی الهجرة و العضب أرسله إلیه سعد بن عبادة حین سار الی بدر و ذو الفقار لانه کان فی وسطه مثل فقرات الظهر و یجوز فی فائه الفتح و الکسر صار إلیه یوم بدر و کان للعاص بن منبه بن الحجاج السهمی کذا فی المواهب اللدنیة و غیره من الکتب* و فی سیرة الیعمری تنفله من غنائم بدر و کان لبنی الحجاج السهمیین و کان لا یفارقه فی الحرب فیکون معه فی کل حرب یشهدها و هو الذی رأی فیه الرؤیا یوم أحد رأی بذباب سیفه ثلمة فأوّلها هزیمة کما مرّ* و فی القاموس ذو الفقار بالفتح سیف العاص بن منبه قتل یوم بدر کافرا فصار الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثم صار الی علیّ و کانت قائمته أی مقبضه و قبیصته کسفینة ما علی طرف مقبضه من فضة أو حدید و ذؤابته أی ما یعلق من القائمة و بکراته أی الحلقة التی فی حلیة السیف و نعله أی الحدید فی أسفل عمد السیف من فضة کذا فی القاموس و کانت له حلقتان فی الحمائل فی موضعهما من الظهر* و عن أنس بن مالک قال کان نعل سیف رسول اللّه فضة و قبیصته فضة و ما بین ذلک حلق الفضة کذا فی نور العیون و للترمذی و کان سیفه حنفیا و کان له علی سیفه اذ دخل مکة یوم الفتح ذهب و کانت قبیصته فضة و ثلاثة أسیاف أصابها من سلاح بنی قینقاع و القلعی بضم القاف و فتح اللام و هو الذی أصابه من قلع موضع بالبادیة و البتار أی القاطع و الحتف أی الموت و المخذم أی القاطع و الرسوب أی یمضی فی الضربة و یغیب فیها و هو فعول من رسب فی الماء یرسب اذا ذهب الی أسفل و اذا ثبت أهداهما له زید الخیر* و فی المواهب اللدنیة أصابهما من الفلس بضم الفاء و سکون اللام صنم کان لطی و فی روایة أصابهما و ثالثا علیّ ابن أبی طالب من الفلس فاصطفاهما للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم صفی المغنم* و فی القاموس أو هو یعنی الرسوب من السیوف السبعة التی أهدت بلقیس لسلیمان علیه السلام و القضیب أی اللطیف أو القطاع کذا فی القاموس و یقال القضیب و ذو الفقار واحد و مأثور و العضب کذا فی سیرة مغلطای قیل هو أوّل سیف تقلد به صلی اللّه علیه و سلم و قیل کان له سیف آخر ورثه من أبیه فتکون السیوف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:189
عشرة*

(و أمّا ادراعه علیه السلام)

* فسبع ذات الفضول بالضاد المعجمة لطولها و هی درع موشح بالنحاس أرسلها إلیه سعد بن عبادة حین سار الی بدر* و فی نور العیون لبسها یوم حنین و فی الهدی لابن القیم انها التی رهنها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم عند أبی الشحم الیهودی علی صاع من شعیر و کان الدین الی سنة کذا فی المواهب اللدنیة و ذات الوشاح و ذات الحواشی و البتراء لقصرها و الخرنق باسم ولد الارنب و درعان أصابهما من سلاح بنی قینقاع یقال لاحداهما السغدیة بالسین المهملة ثم بالغین المعجمة و یقال بالسین و العین المهملتین نسبة الی بلد تعمل فیه الدروع کذا فی القاموس* و فی المواهب اللدنیة و هی درع عکیر القینقاعی قیل و هی درع داود علیه السلام التی لبسها حین قتل جالوت کذا فی المواهب اللدنیة و خلاصة الوفاء و للاخری الفضة* و عن محمد بن سلمة قال رأیت علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یوم أحد درعین ذات الفضول و الفضة و رأیت علیه یوم حنین ذات الفضول و السعدیة* و کان له مغفر من حدید و هو زرد ینسج علی قدر الرأس یلبس تحت القلنسوة و یسمی مغفره السبوغ أو ذا السبوغ لتمامه و مغفر آخر یسمی الموشح و کان له أربعة أزواج خفاف خفان ساذجان و ثلاث جبات یلبسهنّ فی الحرب جبة سندس أخضر وجبة طیالسیة کذا فی سیرة مغلطای*

(و أمّا رماحه علیه السلام)

* فالمثوی سمی به لانه یثبت المطعون به من الثوی و هو الاقامة قاله ابن الاثیر و المثنی و رمحان آخران أصابهما من سلاح بنی قینقاع و کانت له حربة کبیرة تسمی البیضاء و کانت له حربة أخری صغیرة دون الرمح شبه العکاز یقال لها العنزة* و فی بعض کتب السیر تسمی الیمین کان یمشی بها فی یده یدعم علیها و تحمل بین یدیه فی الاعیاد الی المصلی حتی ترکز أمامه فیتخذها سترة یصلی إلیها یقال هذه الحربة کانت للنجاشی فوهبها للزبیر بن العوّام و حربة یقال لها النبعة و أخری تسمی الهرّ کذا فی سیرة مغلطای و کان له قضیب من شوحط یسمی الممشوق رواه ابن عباس* القضیب العصا و الشوحط بالشین المعجمة و بالحاء و الطاء المهملتین شجر تتخذ منه القسی أو ضرب من النبع و هو شجر القسی أیضا و هما و الشریان واحد و یختلف الاسم بحسب کرم منابتها فما کان فی قلة الجبل فنبع و فی سفحه شریان و فی الحضیض شوحط کذا فی القاموس و کان له محجن و هو عصا منعطفة یتناول بها الراکب و یحرّک بطرفها بعیره للمشی و کان قدر ذراع أو أکثر یمشی به و یرکب به و یعلقه بین یدیه علی بعیره و هو الذی استلم به الرکن فی حجة الوداع و کانت له مخصرة و هی خشبة تمسک بالید تسمی العرجون و کان له محجن یسمی الوقر*

(و أمّا أقواسه علیه السلام)

* فکانت له ست أو سبع قسی قوس من شوحط تدعی الروحاء و أخری من شوحط تدعی البیضاء و أخری من نبع تدعی الصفراء أصابها من بنی قینقاع و قوس تسمی الزوراء و قوس تدعی الکتوم انکسرت یوم أحد فأخذها قتادة و قوس تدعی السداد و قوس تدعی الشداد و کانت له جعبة و هی کنانة النشاب تدعی الکافور* و فی روایة و کانت له کنانة بالکسر و هی جعبة من جلد لا خشب فیها أو بالعکس تسمی الجمع و اسم نبله المتصلة و قیل الموصلة سمیت بها تفاؤلا بوصوله الی العدوّ*

(و أما اتراسه علیه السلام)

* فکان له ترس اسمه الزولق یزلق عنه السلاح و ترس یقال له الفتق و ترس فیه تمثال* فی حیاة الحیوان روی أبو سعید فی طبقاته أنّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أهدی له ترس فیه تمثال کبش فکره النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مکانه فأصبح و قد أذهبه اللّه* و فی سیرة مغلطای کان له ترس فیه تمثال رأس کبش و یقال عقاب انتهی و یقال وضع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یده علی ذلک التمثال فأذهبه اللّه عنه*

(و أمّا رایاته علیه السلام)

* فالعقاب و کانت سوداء من صوف من ستر باب عائشة و قد مرّ فی غزوة خیبر و کانت له ألویة بیضاء و ربما جعل فیها السوداء و ربما جعلت من خمر نسائه و للترمذی رایته سوداء مربعة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:190
من نمرة و لمحیی السنة لواؤه أبیض مکتوب لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه و لأبی داود رؤیت رایته صفراء

* (و أمّا لباسه و ثیابه و متاعه علیه السلام)

* فکان له صلی اللّه علیه و سلم القلانس یلبسها تحت العمائم و بغیر العمائم و یلبس العمائم بغیر القلانس و کان یلبس القلانس الیمانیة من البیض المضربة و کان ربما نزع قلنسوته فجعلها سترة بین یدیه و یصلی إلیها و ربما مشی بلا قلنسوة و لا عمامة و لا رداء راجلا یعود المرضی کذلک فی أقصی المدینة کذا فی خلاصة السیر و کانت له قلانس صغار لاطیة ثلاث أو أربع* و فی القاموس و نهایة ابن الاثیر کانت کمام الصحابة بطحاء أی لازقة بالرأس غیر ذاهبة فی الهواء و الکمام القلانس* و فی مختصر الوفاء عن ابن عمر قال کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یلبس قلنسوة بیضاء* و عن أبی هریرة قال رأیت علی رسول اللّه قلنسوة بیضاء شامیة* و عن ابن عباس قال کان لرسول اللّه ثلاث قلانس بیضاء مضربة و قلنسوة برد حبرة و قلنسوة ذات آذان یلبسها فی السفر و الحرب و کانت له عمامة تسمی السحاب و کان یعتم بها فکساها علیا و ربما طلع علیّ فیها فیقول أتاکم علیّ فی السحاب* و للترمذی ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم دخل مکة یوم الفتح و علیه عمامة سوداء و له خطب الناس و علیه عمامة سوداء و لمسلم انها کانت علیه قد أرخی طرفها أو طرفیها بین کتفیه* و للترمذی اذا اعتمّ سدل عمامته بین کتفیه و کذا فی مختصر الوفاء عن ابن عمر و ذکر رزین انّ عمامته کانت بطحاء یعنی لاطیة* قال ابن القیم فی الهدی النبوی کان شیخ الاسلام ابن تیمیة یذکر فی سبب الذؤابة شیئا بدیعا و هو انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انما اتخذها صبیحة المنام الذی رآه بالمدینة لما رأی رب العزة فقال یا محمد فیم یختصم الملأ الا علی قلت لا أدری فوضع یدیه بین کتفیّ فعلمت ما فی السماء و الارض الحدیث و هو فی الترمذی و سأله عنه البخاری فقال صحیح قال فمن ذلک الغداة أرخی الذؤابة بین کتفیه قال و هذا من العلم الذی تنکره ألسنة الجهال و قلوبهم قال و لم أر هذه الفائدة فی شأن الذؤابة لغیره انتهی و عبارة غیر الهدی و ذکر ابن تیمیة انه صلی اللّه علیه و سلم لما رأی ربه واضعا یده بین کتفیه أکرم ذلک الموضع بالعذبة انتهی لکن قال العراقی بعد أن ذکره لم نجد لذلک أصلا انتهی* و روی ابن ابی شیبة عن علیّ قال عممنی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعمامة سدل طرفها علی منکبی و قال ان اللّه أمدّنی یوم بدر و یوم حنین بملائکة معممین هذه العمة و قال ان العمامة حاجز بین المسلمین و المشرکین قال عبد الحق الاشبیلی و سنة العمامة بعد فعلها أن یرخی طرفها و یتحنک به فان کانت بغیر طرف و لا تحنیک فذلک یکره عند العلماء و اختلف فی وجه الکراهة فقیل لمخالفة السنة فیها و قیل لانها کذلک کانت عمائم الشیطان و جاءت الاحادیث فی ارسال طرفها علی أنواع منها ما تقدّم انه أرسل طرفها علی منکب علیّ و منها انّ عبد الرحمن بن عوف قال عممنی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فسد لها بین یدیّ و من خلفی ذکره أبو داود کذا فی المواهب اللدنیة و للترمذی خطب الناس و علیه عصابة دسماء و للبخاری عصب علی رأسه حاشیة برد و للترمذی کان صلی اللّه علیه و سلم یکثر القناع و کان له ثوبان للجمعة غیر ثیابه التی یلبسها فی سائر الایام و کان له مندیل یمسح به وجهه من الوضوء و ربما مسح بطرف ردائه و للترمذی کان أحبّ الثیاب إلیه القمیص و له کان کم قمیصه الی الرسغ و لأبی داود ان قمیصه مطلق و للترمذی زر قمیصه لمطلق و لأبی داود انه صلی اللّه علیه و سلم ساوم أبا صفوان و صاحبه بسراویل فباعاه و لم یثبت انه صلی اللّه علیه و سلم لبس السراویل و لکنه اشتراها و لم یلبسها* و فی الهدی لابن القیم انه لبسها قالوا انه سبق فلم اشتراها بأربعة دراهم* و فی الاحیاء انه اشتراها بثلاثة دراهم و للشیخین کان علیه صلی اللّه علیه و سلم فی سفر جبة من صوف و لهما جبة شامیة ضیقة الکمین و للترمذی رومیة و لمسلم أخرجت أسماء بنت أبی بکر جبة طیالسیة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:191
کسراویة لها لینة دیباج مکفوفة الفرجین من دیباج و قالت هذه جبة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لأبی داود جبة طیالسیة مکفوفة الجیب و الکمین و الفرجین بالدیباج و کانت له منطقة من أدیم مبشور فیها ثلاث حلق من فضة و الابزیم من فضة و الطرف من فضة و الحلق علی صفة الفلک المضروبة من فضة و لبس الفروة المکفوفة بالسندس* و عن أنس انّ ملک الروم أهدی للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم مسبغة من سندس أی فروة طویلة الکمین مکفوفة بالسندس* و فی هدی ابن القیم کان رداؤه بردة طول ستة أذرع و شبر فی عرض ثلاثة و شبر و اسم ردائه الفتح* و فی سیرة مغلطای و کان له رداء مربع انتهی و ازاره من نسج عمان طوله أربعة أذرع و شبر فی عرض ذراعین و شبر و کان له ازار طوله خمسة أشبار و للترمذی خرج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هو متوکّئ علی أسامة بن زید و علیه ثوب قطری قد توشح به فصلی بهم و لبس صلی اللّه علیه و سلم ثوبا أبیض و حلة حمراء و للشیخین خمیصة جرثیة أو خوتیة أو جوینیة و بردا نجرانیا غلیظ الحاشیة و للبخاری و بردة منسوجة فیها حاشیتها و لمسلم و مرطا مرجلا من شعر أسود* و فی سیرة مغلطای و کان له کساء اسود و آخر أحمر ملبد و آخر من شعر* و روی انه کان له صلی اللّه علیه و سلم کساء اسود کساه فی حیاته فقالت له أمّ سلمة بأبی أنت و أمی ما فعل کساؤک قال کسوته قالت ما رأیت شیئا قط کان أحسن من بیاضک فی سواده* و لأبی داود و لبس بردا أحمر و بردین أو ثوبین أخضرین* و للترمذی ثوبین قطریین غلیظین و اسمال ملاءتین کانتا بزعفران و قد نفضت* و فی سیرة الیعمری کان یعجبه الثیاب الخضر* و فی روایة لبس فی وقت حلة حمراء و ازار او رداء و فی وقت ثوبین أخضرین و فی وقت جبة ضیقة الکمین و فی وقت قباء و فی وقت عمامة سوداء و أرخی طرفها بین کتفیه و فی وقت مرطا اسود من شعر أی کساء* و فی المواهب اللدنیة و کان له ثلاث جبات یلبسهنّ فی الحرب وجبة سندس أخضر و لمسلم ألبس النبیّ صلی اللّه علیه و سلم حذیفة فی غزوة الخندق من فضل عباءة کانت علیه یصلی فیها و للشیخین ارتدی بالرداء و لأبی داود و کان یأتزر علیه السلام فیضع حاشیة ازاره من مقدمه علی ظهر قدمیه و یرفع من مؤخره و للترمذی کانت إزرته الی أنصاف ساقیه* و روی عن علیّ أنه قال لباس الصلحاء الی نصف السوق و لباس السفهاء مکنسة السوق* و فی سیرة الیعمری ربما لبس الازار الواحد لیس علیه غیره و یعقد طرفیه بین کتفیه و قبض روحه صلی اللّه علیه و سلم فی کساء ملبد و ازار غلیظ و لبس علیه السلام خفین و مسح علیهما* و للترمذی خفین اسودین ساذجین أهداهما إلیه النجاشی ملک الحبشة* و فی روایة و کان ربما لبسهما النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و مسح علیهما و کان یلبس النعال التی فیها شعر و لبس صلی اللّه علیه و سلم نعلین جرداوین و کان لنعله قبالان* و للترمذی مخصوفتین و صلی فیهما و له کان لنعل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قبالان مثنیّ شراکهما* و فی روایة و کان له نعلان من السبت و کانت مخصرة ذات قبالین و کانت صفراء* و عن ابن عمر أن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اتخذ خاتما من فضة و کان یختم به و لم یلبسه* و عن أنس کان خاتم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من ورق و کان فصه حبشیا* و عنه کان خاتم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من فضة و فصه منه یجعله فی یمینه و قیل کان أوّلا فی یمینه ثم حوّله الی یساره* و عنه کان نقش خاتم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم محمد سطر و رسول سطر و اللّه سطر* و عنه ان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کتب الی کسری و قیصر و النجاشی فقیل له انهم لا یقبلون کتابا الا بخاتم فصاغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خاتما حلقته فضة و نقش فیه محمد رسول اللّه کما مرّ* و عن علیّ انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم کان یلبس خاتمه فی یمینه* و عن ابن عمر انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اتخذ خاتما
من فضة و جعل فصه مما یلی کفه و نقش فیه محمد رسول اللّه و نهی أن ینقش أحد علیه و هو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:192
الذی سقط من معیقیب فی بئر أریس* و فی روایة اتخذ رسول اللّه خاتما من ورق و کان فی یده ثم کان بعد فی ید أبی بکر ثم کان بعد فی ید عمر ثم کان بعد فی ید عثمان حتی وقع فی بئر أریس نقشه محمد رسول اللّه و تختم صلی اللّه علیه و سلم فی خنصره الایمن و ربما لبسه فی الایسر و عن محمد کان الحسن و الحسین یتختمان فی یسارهما و لأبی داود کان خاتمه صلی اللّه علیه و سلم من حدید ملوی علیه فضة أو بفضة و کانت له ربعة اسکندرانیة أهداها له المقوقس ملک مصر یکون فیها مرآته المسماة بالمدلة و مشط عاج و مکحلة یکتحل منها کل لیلة و مقراض یسمی الجامع و سواک و فی سیرة الیعمری و لا تفارقه قارورة الدهن فی سفره و المکحلة و المرآة و المشط و المقراض و السواک و الابرة و الخیط و کان یستاک فی اللیل ثلاث مرّات قبل النوم و بعده و عند القیام لورده و عند الخروج لصلاة الصبح و کان یکتحل قبل أن ینام بالاثمد فی کل عین ثلاثا* و فی سیرة الیعمری و ربما اکتحل ثلاثا فی الیمین و اثنین فی الیسار و ربما اکتحل و هو صائم* و فی حیاة الحیوان کان للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم مشط من العاج الذبل و هو شی‌ء یتخذ من ظهر السلحفاة البحریة تتخذ منه الامشاط و الاساور و فی الحدیث انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أمر ثوبان أن یشتری لفاطمة سوارا من عاج المراد بالعاج الذبل لا العاج الذی هو ناب الفیل و کانت له رکوة تسمی الصادر و قعب یسمی السعة کذا فی سیرة مغلطای و کان له قدح یسمی الریان و آخر یسمی مغیثا و کان له قدح مضبب فیه ثلاث ضباب من فضة فی ثلاثة مواضع و قیل من حدید و فیه حلقة یعلق بها اکبر من نصف المد و أصغر من المد و فی روایة یسع کل واحد منهما قدر مد و کان له قدح من عیدان و آخر من زجاج و فی المشکاة عن عبد اللّه بن یاسر کان له صلی اللّه علیه و سلم قصعة یحملها أربعة رجال یقال لها الغراء فلما أضحوا و سجدوا الضحی أتی بتلک القصعة یعنی و قد ثرد فیها فالتفوا علیها فلما کثروا جثا رسول اللّه فقال اعرابی ما هذه الجلسة فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انّ اللّه قد جعلنی عبدا کریما و لم یجعلنی جبارا عنیدا ثم قال کلوا من جوانبها و دعوا ذروتها یبارک فیها رواه أبو داود و کان له مغتسل من صفر و کان له تور من حجارة یقال له المخضب یتوضأ منه و کان له مرکز أو قال مخضب من نحاس و قیل من شبه یعمل فیه الحناء و الکتم و یوضع علی رأسه اذا وجد فیه حرارة و کان له سریر قوائمه من ساج و قطیفة و فراش من أدم حشوه لیف و مسح تثنیه ثنیتین تحته و قصعة تسمی الغراء بأربع حلق* و فی سیرة مغلطای و جفنة لها أربع حلق و مدّ و صاع یخرج به زکاة الفطر و کان له فسطاط یسمی الکن و لابی داود کان له صلی اللّه علیه و سلم سکة یتطیب منها و للنسائی کان صلی اللّه علیه و سلم یتطیب بذکارة الطیب المسک و العنبر و فی سیرة الیعمری و کان یتطیب بالغالیة و المسک و یتبخر بالعود و الکافور*

(و أمّا من وفد علیه صلی اللّه علیه و سلم)

اشارة

* فأقوام کثیرة و جماعات غزیرة و قد سرد محمد بن سعد فی الطبقات الوفود و تبعه الدمیاطی فی سیرته و ابن سید الناس و مغلطای و الحافظ زین الدین العراقی و مجموع ما ذکروه یزید علی الستین قال النووی الوفد الجماعة المختارة للتقدّم فی لقی العظماء واحدهم وافد انتهی و کان ابتداء الوفود علیه بعد رجوعه علیه السلام من الجعرانة فی آخر سنة ثمان و ما بعدها و قال ابن اسحاق بعد غزوة تبوک و قال ابن هشام کانت سنة تسع تسمی سنة الوفود فقدم علیه صلی اللّه علیه و سلم وفد هوازن کما ذکره البخاری و غیره فی شهر شوّال سنة ثمان بعد انصرافه من الطائف الی الجعرانة فی الجعرانة و قدم علیه وفد ثقیف سنة تسع بعد قدومه من تبوک و کان من أمرهم انه صلی اللّه علیه و سلم لما انصرف من الطائف قیل له یا رسول اللّه ادع علی ثقیف فقال اللهمّ اهد ثقیفا و ائتنی بهم و لما انصرف عنهم اتبع أثره عروة بن مسعود حتی أدرکه قبل أن یدخل المدینة فأسلم و سأله أن یرجع بالاسلام الی قومه فلما أشرف لهم علی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:193
علیة له و قد دعاهم الی الاسلام و أظهر لهم دینه رموه بالنبل من کل وجه فأصابه سهم فقتله* و فی المنتقی أورد قدوم عروة بن مسعود الثقفی و اسلامه سنة تسع و کذا فی تاریخ الیافعی ثم أقامت ثقیف بعد قتله شهرا ثم قدم وفدهم علیه صلی اللّه علیه و سلم و هم عبد یالیل بن عمرو بن عمیر و اثنان من الاحلاف و ثلاثة من بنی مالک و کتب لهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بسم اللّه الرحمن الرحیم من محمد رسول اللّه الی المؤمنین ان عضاه و ج و صیده حرام لا تعضد فمن وجد یفعل شیئا من ذلک فانه یجلد و تنزع ثیابه فان تعدّی فانه یؤخذ و یبلغ النبیّ و ان هذا أمر النبیّ محمد رسول اللّه فکتب خالد بن سعید بأمر الرسول محمد بن عبد اللّه فلا یتعدّاه أحد فیظلم نفسه فیما أمر به محمد رسول اللّه و وج بفتح الواو و تشدید الجیم واد بالطائف و اختلف فیه هل هو حرم یحرم صیده و قطع شجره فالجمهور علی انه لیس فی البقاع حرم إلّا حرم مکة و المدینة و خالفهم أبو حنیفة فی حرم المدینة* و قدم وفد بنی تمیم علیه عطارد ابن حاجب بن زرارة فی أشراف قومه منهم الاقرع بن حابس و الزبرقان بن بدر و عمرو بن الاهتم و الحتات بن زید و نعیم بن زید و قیس بن الحارث و قیس بن عاصم فی وفد عظیم من بنی تمیم قیل کانوا تسعین أو ثمانین رجلا فلما دخلوا المسجد نادوا رسول اللّه من وراء حجراته أن اخرج إلینا یا محمد فآذی ذلک رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من صیاحهم و ایاهم عنی اللّه سبحانه و تعالی بقوله انّ الذین ینادونک من وراء الحجرات أکثرهم لا یعقلون و قد مرّ فی الموطن التاسع* و قدم وفد بنی عامر بن صعصعة* قال ابن اسحاق لما فرغ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من تبوک و أسلمت ثقیف و بایعت ضربت إلیه وفود العرب من کل وجه فدخلوا فی دین اللّه أفواجا فوفد إلیه بنو عامر فیهم عامر بن الطفیل و اربد بن ربیعة أخو لبید الشاعر کذا فی حیاة الحیوان* و فی المنتقی أورد قدومهم فی سنة عشر* و فی المواهب اللدنیة اربد بن قیس و خالد بن جعفر و حیان بن أسلم بن مالک و کان هؤلاء النفر الثلاثة رؤساء القوم و شیاطینهم فأقبل عدوّ اللّه عامر بن الطفیل و اربد یریدان أن یغدرا برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقیل یا رسول اللّه هذا عامر بن الطفیل قد أقبل نحوک فقال علیه السلام دعه فان یرد اللّه به خیرا یهده فأقبل حتی قام علیه فاستشرف الناس لجمال عامر و کان من أجمل الناس فقال یا محمد ما لی ان أسلمت فقال لک ما للمسلمین و علیک ما علیهم قال أ تجعل لی الامر بعدک قال لیس ذلک الیّ انما ذلک الی اللّه یجعله حیث یشاء و فی الحدائق قال لیس ذلک لک و لا لقومک قال فتجعلنی علی الوبر و أنت علی المدر قال لا قال فما ذا تجعل لی قال أجعل لک أعنة الخیل تغزو علیها قال أو لیس ذلک الیّ الیوم و کان عامر قال لأربد اذا قدمنا علی الرجل فانی شاغل عنک وجهه فاذا رأیتنی أکلمه فدر من خلفه فاضربه بالسیف فدار أربد لیضربه فاخترط من سیفه شبرا ثم حبسه اللّه فیبست یده علی سیفه و لم یقدر علی سله فعصم اللّه نبیه فالتفت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فرأی أربد و ما یصنع بسیفه فقال اللهمّ اکفنیهما بما شئت فأرسل اللّه تعالی علی أربد صاعقة فی یوم حرّ قائظ فأحرقته و بعیره و ولی عامر هاربا فقال یا محمد دعوت ربک فقتل أربد و اللّه لأملأنها علیک خیلا جردا و فتیانا مردا و لا ربطن بکل نخلة فرسا کذا فی الحدائق فقال رسول اللّه یمنعک اللّه من ذلک و أبناء قیلة یعنی الاوس و الخزرج* و فی المواهب اللدنیة فلما خرجا قال عامر لاربد أین ما کنت أمرتک به فقال و اللّه ما هممت بالذی أمرتنی الا دخلت بینی و بینه أ فأضربک بالسیف* و فی حیاة الحیوان فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اللهمّ اکفنی عامر بن الطفیل بما شئت و أخذ أسید بن حضیر الرمح و جعل یقرع رءوسهما و یقول اخرجا أیها الهجرسان فقال عامر من أنت قال أسید بن حضیر قال أبوک خیر منک قال بل أنا خیر منک و من أبی مات
أبی و هو کافر فنزل عامر بیت امرأة سلولیة فلما أصبح ضم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:194
علیه سلاحه و قد تغیر لونه فجعل یرکض فی الصحراء و یقول ابرز یا ملک الموت و یقول الشعر و یقول و اللات لئن أصحر محمد الیّ و صاحبه یعنی ملک الموت لأنفدنهما برمحی فأرسل اللّه ملکا فلطمه بجناحه فأثراه فی التراب و خرجت علی رکبته فی الوقت غدة عظیمة کغدة البعیر* و فی حیاة الحیوان فبعث اللّه له الطاعون فی عنقه فعاد الی بیت السلولیة فقال غدة کغدة البعیر و موت فی بیت السلولیة ثم رکب فرسه و کان یرکضه فمات فی ظهر الفرس فأنزل اللّه تعالی و یرسل الصواعق فیصیب بها من یشاء* و قدم وفد عبد القیس سنة عشر و هی قبیلة کبیرة یسکنون البحرین ینسبون الی عبد القیس بن أفصی بسکون الفاء بعدها مهملة علی وزن أعمی بن دعمی بضم المهملة و سکون المهملة أیضا و کسر المیم بعدها تحتانیة و قدم فی هذا الوفد الجارود بن عمرو و کان نصرانیا فأسلم و قدم وفد بنی حنیفة فیهم مسیلمة الکذاب بن حبیب الحنفی و کان منزلهم فی دار امرأة من الانصار من بنی التجار فأتوا بمسیلمة الی رسول اللّه یستر بالثیاب و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم جالس مع أصحابه فی یده عسیب من سعف النخل فلما انتهی الی رسول اللّه و هم یسترونه بالثیاب کلمه و سأله فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لو سألتنی هذا العسیب الذی فی یدی ما أعطیتکه و ذکر حدیثه ابن اسحاق علی غیر ذلک فقال حدّثنی شیخ من أهل الیمامة من بنی حنیفة أتوا رسول اللّه و خلفوا مسیلمة فی رحالهم فلما أسلموا ذکروا له مکانه فقالوا یا رسول اللّه انا قد خلفنا صاحبا لنا فی رحالنا و رکابنا یحفظها لنا فأمر له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بما أمر به لقومه و قال لهم انه لیس بشرکم مکانا یعنی لحفظه ضیعة أصحابه ثم انصرفوا و لما قدموا الیمامة ارتدّ عدوّ اللّه و تنبأ و قال انی أشرکت فی الامر معه ثم جعل یسجع السجعات و قد سبق فی الموطن الحادی عشر و قدم وفد طی فی أوّل سنة عشر کذا فی الوفاء أوفی شعبان سنة تسع و فیهم عدی بن حاتم و انّ حاتما هلک علی کفره و عدی کان نصرانیا فأسلم و أسلموا و فیهم زید الخیل و کان سید القوم و سماه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم زید الخیر و قال ما وصف لی أحد فی الجاهلیة فرأیته فی الاسلام دون تلک الصفة الا أنت فانک فوق ما قیل فانّ فیک لخصلتین یحبهما اللّه و رسوله الاناءة و الحلم و فی روایة الحیاء و الحلم فقال الحمد للّه الذی جبلنی علی ما یحبه اللّه و رسوله و فی المواهب اللدنیة قال علیه السلام ما ذکر لی رجل من العرب بفضل ثم جاءنی الا رأیته دون ما یقال فیه الا زید الخیل فانه لم یبلغ کل ما فیه ثم سماه زید الخیر و مات محموما بعد رجوعه الی قومه و فی المواهب اللدنیة فلما انتهی الی ماء من میاه نجد أصابته الحمی فمات قاله ابن عبد البر و قیل مات فی آخر خلافة عمر و کان صلی اللّه علیه و سلم قال انه لنعم الفتی ان لم تدرکه أمّ کلدة و فی روایة قال یا زید تقتلک أمّ کلدة یعنی الحمی فلما رجع الی أهله حم و مات کذا فی حیاة الحیوان و کان له ابنان مکیث و حریث أسلما و صحبا رسول اللّه علیه السلام و شهدا قتال أهل الردّة مع خالد بن الولید و قدم وفد کندة سنة عشر فی ثمانین أو ستین راکبا من کندة و فیهم أشعث بن قیس الکندی فدخلوا علیه مسجده و قد تسلحوا و لبسوا جباب الحبرات مکفوفة بالحریر فلما دخلوا قال صلی اللّه علیه و سلم أو لم تسلموا قالوا بلی قال فما هذا الحریر فی أعناقکم فشققوه فنزعوه و ألقوه و قدم فروة بن مسیک المرادی مفارقا لملوک کندة مبایعا للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کان رجلا له شرف فلما قدم المدینة أنزله سعد بن عبادة علیه کذا فی الاکتفاء و قدم الاشعریون و أهل الیمن الترجمة مشتملة علی طائفتین و لیس المراد اجتماعهما فی الوفادة فان قدوم الاشعریین کان مع أبی موسی الاشعری فی سنة سبع عند فتح خیبر و قدوم حمیر کان فی سنة تسع و هی سنة الوفود و لهذا اجتمعوا مع بنی تمیم و روی یزید بن هارون عن حمید عن أنس انّ رسول اللّه قال یقدم علیکم قوم هم أرق منکم قلوبا فقدم
الاشعریون فجعلوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:195
یرتجزون* غدا نلقی الاحبة* محمدا و حزبه* و قدم وفد بنی الحارث بن کعب بن نجران فیهم قیس بن الحصین و یزید بن المحمل و شدّاد بن عبد اللّه و قال لهم علیه السلام بم کنتم تغلبون من قاتلکم قالوا کنا نجتمع و لا نتفرّق و لا نبدأ أحدا بالظلم قال صدقتم و أمر علیهم قیس بن الحصین فرجعوا الی قومهم فی بقیة من شوّال أو من ذی القعدة فلم یمکثوا الا أربعة أشهر حتی توفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و قدم وفد همدان فیهم مالک بن النمط و أبو ثور و هو المشعار و مالک بن أیفع و ضمام بن مالک السلمانی و عمرو بن مالک الخارقی فلقوا رسول اللّه مرجعه من تبوک و علیهم مقطعات الحبرات و العمائم العدنیة علی الرواحل المهریة و الارحبیة و مالک بن النمط یرتجز بین یدیه علیه السلام و ذکر له کلاما کثیرا حسنا فصیحا فکتب لهم علیه السلام کتابا أقطعهم فیه ما سألوا و أمّر علیهم مالک بن النمط و استعمله علی من أسلم من قومه و أمره بقتال ثقیف و کان لا یخرج لهم سرح الا أغار علیه* قال ابن القیم فی الهدی النبوی لم تکن همدان تقاتل ثقیفا و لا تغیر علی سرحهم فان همدان بالیمن و ثقیف بالطائف* و قدم وفد مزینة و هم أربعمائة رجل فأسلموا فلما أرادوا أن ینصرفوا أمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم عمر حتی زوّدهم تمرا* و قدم وفد دوس و کان قدومهم علیه بخیبر* و قدم وفد نصاری نجران سنة عشر فی القاموس نجران موضع بالیمن فتح سنة عشر من الهجرة* و فی مزیل الخفاء نجران بفتح النون و سکون الجیم منزل للنصاری بین مکة و الیمن علی سبع مراحل من مکة* و فی معجم ما استعجم نجران مدینة بالحجاز من شق الیمن معروفة سمیت بنجران بن زید بن یشجب بن یعرب و هو أوّل من نزلها و الاخدود الذی ذکره اللّه فی القرآن فی قریة من قری نجران و هی الیوم خراب لیس فیها الا المسجد الذی أمر عمر بن الخطاب ببنائه* و فی أنوار التنزیل و لما تنصر نجران غزاهم ذو نواس الیهودی من حمیر فأحرق فی الاخادید من لم یرتدّ انتهی* قال مقاتل کانت الاخدود ثلاثة واحدة بنجران أرض العرب لیوسف ذی نواس بن شرحبیل الیهودی و کان من ملوک حمیر و کانت فی الفترة بین عیسی و النبیّ علیهما السلام قبل مبعثه بسبعین سنة و الأخری بالشام لانطیانوس الرومی* و الثالثة بفارس لبخت نصر* فأمّا التی بالشام و فارس فلم ینزل اللّه فیهما قرآنا و أنزل فی التی کانت بنجران کذا فی معالم التنزیل* قیل أطیب البلاد نجران من الحجاز و صنعاء من الیمن و دمشق من الشام و الری من خراسان* و لما قدم وفد نجران و دخلوا المسجد النبوی بعد العصر حانت صلاتهم فقاموا یصلون فیه فأراد الناس منعهم فقال علیه السلام دعوهم فاستقبلوا المشرق و صلوا صلاتهم و کانوا ستین راکبا و فیهم أربعة و عشرون رجلا من أشرافهم* و فی معالم التنزیل أربعة عشر و فی الاربعة و العشرین ثلاثة نفر إلیهم یئول أمرهم العاقب أمیر القوم و ذو رأیهم و صاحب مشورتهم و اسمه عبد المسیح و السید صاحب رحلهم و مجتمعهم و اسمه الایهم بتحتانیة ساکنة و یقال شرحبیل و أبو حارثة بن علقمة أخو بکر بن وائل و کان أبو حارثة أسقفهم و حبرهم و کان قد شرف فیهم و درس کتبهم و کانت ملوک الروم من أهل النصرانیة قد شرفوه و مولوه و کان یعرف أمر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و شأنه و صفته مما علمه من الکتب المتقدّمة و لکن حمله الجهل و الشقاء علی الاستمرار و البقاء علی النصرانیة لما یری من تعظیمه و جاهه عند أهلها فدعاهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی الاسلام و تلی علیهم القرآن فامتنعوا فقال ان أنکرتم ما أقول فهلم أبا هلکم* و فی البخاری من حدیث حذیفة جاء السید و العاقب صاحبا نجران الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یریدان أن یلاعنا یعنی یباهلا فقال أحدهما لصاحبه لا تفعل* و عند أبی نعیم ان قائل ذلک هو السید و عند غیره بل الذی قال ذلک هو العاقب لانه کان صاحب رأیهم* و فی زیادات یونس بن بکیر فی المغازی ان الذی قال ذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:196
شرحبیل فو اللّه لئن کان نبیا فلاعناه یعنی باهلناه لا نفلح نحن و لا عقبنا من بعدنا أبدا* و فی أنوار التنزیل روی انهم لما دعوا الی المباهلة قالوا حتی ننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب و کان ذا رأیهم ما ذا تری فقال و اللّه لقد عرفتم نبوّته و لقد جاءکم بالفصل فی أمر صاحبکم و اللّه ما باهل قوم نبیا الا هلکوا فان أبیتم الا الف دینکم فوادعوا الرجل و انصرفوا فأتوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قد غدا محتضنا الحسین آخذا بید الحسن و فاطمة تمشی خلفه و علیّ خلفها و هو صلی اللّه علیه و علی آله و ذریّته یقول اذا أنا دعوت فأمّنوا فقال أسقفهم یا معشر النصاری انی لأری وجوها لو سألوا اللّه تعالی أن یزیل جبلا عن مکانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلکوا فأذعنوا لرسول اللّه و بذلوا الجزیة ألفی حلة حمراء و ثلاثین درعا من حدید فقال علیه السلام و الذی نفسی بیده لو تباهلوا لمسخوا قردة و خنازیر و لاضطرم علیهم الوادی نارا و لاستأصل اللّه نجران و أهله حتی الطیر علی الشجر و هو دلیل علی نبوّته و فضل من أتی بهم من أهل بیته* و فی المواهب اللدنیة ثم قال العاقب و السید أنا نعطیک ما سألتنا و ابعث معنا رجلا أمینا فقال لأبعثن معکم أمینا حق أمین فاستشرف لها أصحاب رسول اللّه فقال قم یا أبا عبیدة یا ابن الجراح فلما قام قال علیه السلام هذا أمین هذه الامّة* و فی روایة یونس بن بکیر صالحهم علی ألفی حلة ألف فی رجب و ألف فی صفر مع کل حلة أوقیة من الذهب و کتب فیه الکتاب و ساق یونس الکتاب الذی بینهم مطوّلا* و ذکر ابن سعد أن السید و العاقب رجعا بعد ذلک و أسلما و فی ذلک مشروعیة مباهلة المخالف اذا أصر بعد ظهور الحجة و وقع ذلک لجماعة من العلماء سلفا و خلفا و مما عرف بالتجربة انّ من باهل و کان مبطلا لا تمضی علیه سنة من یوم المباهلة* و قدم رسول فروة بن عمرو الجذامیّ و کان عاملا للروم و کان منزله معان أسلم و کتب الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم باسلامه و بعث به مع رجل من قومه یقال له مسعود بن سعد و بعث له ببغلة بیضاء و فرس یقال له الظرب و حمار یقال له یعفور و أثواب و قباء سندس مرصع بالذهب و کتب إلیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* من محمد رسول اللّه الی فروة بن عمرو أمّا بعد فقدم علینا رسولک و بلغ ما أرسلت به و خبر عما قبلک و أتانا باسلامک و انّ اللّه قد هداک بهداه و أمر بلالا فأعطی رسوله اثنتی عشرة أوقیة ذهبا و نشا و بلغ ملک الروم خبر اسلام فروة فدعاه فقال له ارجع عن دینک نملکک قال لا أفارق دین محمد فانک تعلم ان عیسی بشر به و لکنک تضنّ بملکک فحبسه ثم أخرجه و صلبه علی ماء بفلسطین و ضرب عنقه علی ذلک الماء کما مرّ فی الموطن الحادی عشر بتغییر یسیر* و قدم وفد ضمام بن ثعلبة بعثه بنو سعد بن بکر و فی صحیح البخاری عن أنس بن مالک أنه قال بینما نحن جلوس مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی المسجد دخل رجل علی جمل فأناخه فی المسجد ثم عقله ثم قال لهم أیکم محمد و النبیّ علیه السلام متّکئ بین ظهرانیهم فقلنا هذا الرجل الابیض المتکئ فقال له الرجل أین ابن عبد المطلب فقال له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قد أجبتک فقال الرجل انی سائلک و مشدّد علیک فی المسألة فلا تجد علیّ فی نفسک فقال سل عما بدا لک فقال أسألک بربک و رب من قبلک اللّه الذی أرسلک الی الناس کلهم فقال اللهمّ نعم قال أنشدک باللّه اللّه أمرک أن تصلی الصلوات الخمس فی الیوم و اللیلة قال اللهمّ نعم قال أنشدک باللّه اللّه أمرک أن تصوم هذا الشهر من السنة قال اللهم نعم قال أنشدک باللّه اللّه أمرک أن تأخذ هذه الصدقة من أغنیائنا و تقسمها علی فقرائنا قال اللهمّ نعم فقال الرجل آمنت بما جئت به و أنا رسول من ورائی من قومی و أنا ضمام بن ثعلبة أخو بنی سعد بن بکر* و قدم وفد طارق بن عبد اللّه و قومه* و قدم وفد نجیب سنة تسع و هم من السکون ثلاثة عشر رجلا و قد ساقوا معهم صدقات أموالهم التی فرض اللّه علیهم فسرّ علیه السلام بهم و أکرم
منزلهم و مقرّهم و أمر بلالا أن یحسن ضیافتهم* و قدم وفد بنی سعد هذیم من قضاعة فی سنة تسع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:197
و فی المنتقی و هم من أهل الیمن* و قدم وفد بنی فزارة سنة تسع قال أبو الربیع بن سالم فی کتاب الاکتفاء و لما رجع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من تبوک قدم علیه وفد بنی فزارة بضعة عشر رجلا فیهم خارجة بن حصن و الجد بن قیس بن أخی عیینة بن حصن و هو أصغرهم فجاءوا مقرّین بالاسلام* و قدم وفد بنی أسد عشرة رهط سنة تسع فیهم وابضة بن معبد و طلیحة بن خویلد و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم جالس مع أصحابه فقال متکلمهم یا رسول اللّه انا نشهد انّ اللّه وحده لا شریک له و انک عبده و رسوله و جئناک و لم تبعث إلینا بعثا فأنزل اللّه تعالی فیهم یمنون علیک أن أسلموا الآیة* و قدم وفد بهراء من الیمن سنة تسع و کانوا ثلاثة عشر رجلا و نزلوا علی المقداد بن عمرو و أقاموا أیاما تعلموا الفرائض ثم ودّعوا رسول اللّه فأمر لهم بالجوائز و انصرفوا الی بلادهم* و قدم وفد عذرة فی صفر سنة تسع و کانوا اثنی عشر رجلا منهم حمزة بن النعمان فرحب بهم علیه السلام فأسلموا و بشرهم بفتح الشام و هرب هرقل الی ممتنع من بلاده ثم انصرفوا و قد أجیزوا* و قدم وفد بلی فی ربیع الاوّل سنة تسع فنزلوا علی رو یفع بن ثابت البلوی فأسلموا فقال صلی اللّه علیه و سلم الحمد للّه الذی هداکم للاسلام فکل من مات علی غیر الاسلام فهو فی النار ثم ودّعوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعد أن أجازهم* و قدم وفد بنی مرّة و کانوا ثلاثة عشر رجلا و رئیسهم الحارث بن عوف فقال رسول اللّه کیف البلاد فقالوا و اللّه انا لمسنتون فادع اللّه لنا فقال علیه السلام اللهمّ اسقهم الغیث ثم أقاموا أیاما و رجعوا بالجائزة فوجدوا بلادهم قد أمطرت فی ذلک الیوم الذی دعا لهم فیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و قدم وفد خولان فی شعبان سنة عشر و کانوا عشرة مسلمین فقال علیه السلام ما فعل صنم خولان الذی کانوا یعبدونه قالوا أبد لنا اللّه ما جئت به الا أنّ عجوزا و شیخا کبیرا یتمسکان به فان قدمنا علیه هدمناه ان شاء اللّه تعالی ثم علمهم فرائض الدین و أمرهم بالوفاء بالعهد و أداء الامانة و حسن الجوار و أن لا یظلموا أحدا ثم أجازهم و رجعوا الی قومهم و هدموا الصنم* و قدم وفد محارب عام حجة الوداع و کانوا أغلظ العرب و أفظهم علیه أیام عرضه علی القبائل یدعوهم الی اللّه فجاءه منهم عشرة و أسلموا ثم انصرفوا الی أهلیهم*

وفد صداء

و قدم وفد صداء فی سنة ثمان و ذلک أنه لما انصرف من الجعرانة بعث قیس بن سعد بن عبادة فی أربعمائة و أمره أن یطأ ناحیة من الیمن فیها صداء فقدم رجل منهم علم بالبعث علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال یا رسول اللّه اردد الجیش فانی لک بقومی فردّ قیسا و رجع الصدائی الی قومه فقدم علی رسول اللّه خمسة عشر رجلا منهم فبایعوه علی الاسلام و رجعوا الی قومهم ففشا فیهم الاسلام فوافی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم منهم مائة رجل فی حجة الوداع ذکره الواقدی* و قدم وفد غسان فی شهر رمضان سنة عشر و کانوا ثلاثة نفر فأسلموا و أجازهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و انصرفوا راجعین*

وفد سلامان‌

و قدم وفد سلامان فی شوّال سنة عشر کما قال الواقدی و کانوا سبعة نفر فیهم حبیب بن عمرو فأسلموا و شکوا إلیه جدب بلادهم فدعا لهم ثم ودّعوه و أمر لهم بالجوائز فرجعوا الی بلادهم فوجدوها قد أمطرت فی الیوم الذی دعا لهم فیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تلک الساعة* و قدم وفد بنی عبس سنة عشر فقالوا یا رسول اللّه قدم علینا قرّاؤنا فأخبرونا أنه لا اسلام لمن لا هجرة له و لنا أموال و مواش فان کان لا اسلام لمن لا هجرة له بعناها و هاجرنا فقال علیه السلام اتقوا اللّه حیث کنتم فلن یلتکم من أعمالکم شیئا* و قدم وفد غامد فی رمضان سنة عشر و کانوا عشرة فأقرّوا بالاسلام و کتب لهم کتابا فیه شرائع الاسلام و أمر أبی بن کعب فعلمهم قرآنا و أجازهم علیه السلام و انصرفوا*

وفد الازد

و قدم وفد الازد سنة عشر و هم سبعة نفر* و فی المنتقی و رأسهم صرد بن عبد اللّه الازدی فی بضعة عشر انتهی فأسلم و حسن اسلامه و أمّره علی من أسلم من قومه و أمره أن یجاهد بمن أسلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:198
أهل الشرک من قبائل الیمن*

رؤیا زرارة

و قدم وفد المنیفق لقیط بن عامر و معه صاحب له یقال له نهیک بن عاصم ابن مالک بن المنیفق* و قدم وفد النخع و هم آخر الوفود قد و ما علیه و کان قدومهم فی نصف المحرّم سنة احدی عشرة فی مائتی رجل فنزلوا دار الاضیاف ثم جاءوا الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم مقرّین بالاسلام و قد کانوا بایعوا معاذ بن جبل فقال رجل منهم یقال له زرارة بن عمرو یا رسول اللّه انی رأیت فی سفری هذا عجبا قال و ما رأیت قال رأیت اتانا ترکتها کأنها ولدت جدیا أسفع أحوی فقال له رسول اللّه هل ترکت مصرة علی حمل قال نعم قال فانها قد ولدت غلاما و هو ابنک قال یا رسول اللّه فما باله أسفع أحوی قال ادن منی فدنا منه فقال هل بک من برص تکتمه قال و الذی بعثک بالحق نبیا ما علم به أحد و لا اطلع علیه غیری قال یا رسول اللّه و رأیت النعمان بن المنذر علیه قرطان و مسکتان قال ذلک ملک العرب رجع الی أحسن زیه و بهجته قال یا رسول اللّه و رأیت عجوزا شمطاء خرجت من الارض قال تلک بقیة الدنیا قال و رأیت نارا خرجت من الارض فحالت بینی و بین ابن لی یقال له عمرو قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تلک فتنة تکون فی آخر الزمان قال یا رسول اللّه و ما الفتنة قال یقتل الناس امامهم و خالف رسول اللّه بین أصابعه یحسب المسی‌ء فیها أنه محسن و یکون دم المؤمن عند المؤمن أحلی من شرب الماء ان مات ابنک أدرکت الفتنة و ان مت أنت أدرکها ابنک فقال یا رسول اللّه ادع اللّه أن لا أدرکها فقال رسول اللّه اللهمّ لا یدرکها فمات فبقی ابنه فکان ممن خلع عثمان بن عفان انتهی ملخصا من الهدی النبوی نقل سرد الوفود بهذا الترتیب من المواهب اللدنیة للشیخ شهاب الدین أحمد القسطلانی* و فی المنتقی زیادة علی ما ذکره و هی* و قدم وفد زبید علی رسول اللّه سنة عشر فیهم عمرو بن معدی کرب فأسلم فلما توفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ارتدّ عمرو ثم عاد الی الاسلام*

وفد بجیلة

و قدم وفد بجیلة سنة عشر فیهم جریر بن عبد اللّه البجلی و معه من قومه مائة و خمسون رجلا قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یطلع علیکم من هذا السفح من خیر ذی یمن علی وجهه مسحة ملک فطلع جریر علی راحلته و معه قومه فأسلموا و بایعوا قال جریر و بسط رسول اللّه یده فبایعنی و قال و علی أن تشهد أن لا إله الا اللّه و أنی رسول اللّه و تقیم الصلاة و تؤتی الزکاة و تصوم شهر رمضان و تنصح للمسلمین و تطیع الوالی و ان کان عبدا حبشیا فقلت نعم فبایعته و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یسأله عما وراءه فقال یا رسول اللّه قد أظهر اللّه الاسلام و الاذان و هدمت القبائل أصنامها التی تعبد قال ما فعل ذو الخلصة قال هو علی حاله فبعثه رسول اللّه الی هدم ذی الخلصة و عقد له لواء فقال انی لا أثبت علی الخیل فمسح رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم صدره فقال اللهمّ اجعله هادیا مهدیا فخرج فی قومه و هم زها مائتین فما أطال الغیبة حتی رجع قال رسول اللّه هدمته قال نعم و الذی بعثک بالحق و أحرقته بالنار فترکته کما یسوء أهله فرکب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی خیل أحمس و رجالها و فی البخاری روی عن جریر بن عبد اللّه البجلی کان فی الجاهلیة بیت بالیمن لخثعم و بجیلة و فیه نصب تعبد یقال له ذو الخلصة و کان یقال له الکعبة الیمانیة و الکعبة الشامیة فقال لی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هل أنت مریحی من ذی الخلصة قال فنفرت إلیه فی خمسین و مائة فارس من أحمس فکسرناها و أحرقناها و قتلنا من وجدنا عنده فأخبرناه فدعا لنا و لا حمس* و قدم وفد ثعلبة سنة ثمان مرجعه من الجعرانة و هم أربعة نفر* و قدم وفد رهاوین سنة عشر* و قدم وفد بنی تغلب سنة عشر* و قدم وفد الداریین من لخم و هم عشرة فی سنة تسع* و قدم وفد بنی کلاب فی سنة تسع معهم لبید ابن ربیعة بن حبان بن سلمی و قالوا انّ الضحاک بن سفیان سار فینا بکتاب اللّه و سنتک و دعانا فاستجبنا له و انه أخذ الصدقة من أغنیائنا فردّها فی فقرائنا* و قدم وفد البکائین سنة تسع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:199

* (الفصل الثانی فی ذکر الخلفاء الراشدین و خلفاء بنی أمیة و العباسیین)

** (ذکر أبی بکر الصدّیق رضی اللّه عنه)*

اشارة

یقال کان اسمه فی الجاهلیة عبد الکعبة فسماه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عبد اللّه کذا فی المواهب اللدنیة و المختصر الجامع و غیرهما و قیل اسمه عتیق بن أبی قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن کعب ابن سعد بن تیم بن مرّة یلتقی هو و رسول اللّه فی مرّة بن کعب بین کل منهما و بین مرّة ستة أشخاص و أمّه أمّ الخیر سلمی بنت صخر بن عامر و هی بنت عمّ أبی قحافة و قیل اسمها لیلی بنت صخر بن عامر قاله محمد ابن سعد کذا فی أسد الغابة أسلمت قدیما حین کان المسلمون فی دار الارقم* و فی الکشاف و أنوار التنزیل فی تفسیر قوله تعالی رب أوزعنی أن أشکر نعمتک التی أنعمت علیّ و علی والدیّ الی آخرها قیل نزلت فی أبی بکر و فی أبیه أبی قحافة و أمّه أمّ الخیر و فی أولاده و استجابة دعائه فیهم و قیل لم یکن أحد من الصحابة من المهاجرین و الانصار أسلم هو و والده و بنوه و بناته غیر أبی بکر* و فی تسمیته بعتیق خمسة أقوال* أحدها ما روی عن عائشة انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم نظر إلیه فقال هذا عتیق من النار* الثانی لجمال وجهه العتق الجمال قاله اللیث بن سعد و قتیبة* الثالث أنه اسم سمته به أمّه قاله موسی بن طلحة بن عبید اللّه قال کانت أمّه لا یعیش لها ولد فلما ولدته استقبلت به البیت ثم قالت اللهمّ هذا عتیقک من الموت فهبه لی فعاش فسمته عتیقا و کان یعرف به رواه الخجندی فی الاربعینیة و غیره* قال الازدی و کانت أمّه اذا هزته قالت عتیق و ما عتیق ذو المنظر الانیق رشفت منه ریق کالزرنب الفتیق کذا فی سیرة مغلطای و قیل کان له أخوان عتق و عتیق فسمی باسم أحدهما ذکره البغوی فی معجمه* الرابع قال مصعب و طائفة من أهل النسب انما سمی عتیقا لانه لم یکن فی نسبه شی‌ء یعاب به* الخامس قال أبو نعیم الفضل بن دکین سمی بذلک لأنه قدیم الخیر و العتیق القدیم کذا فی الریاض النضرة و سماه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم صدیقا فقال یکون بعدی اثنتا عشرة خلیفة أبو بکر الصدّیق لا یلبث الا قلیلا و کان علی بن أبی طالب یحلف باللّه انّ اللّه أنزل اسم أبی بکر من السماء الصدّیق کذا فی الصفوة و غیره لتصدیقه خبر الاسراء* و فی سیرة مغلطای لتصدیقه النبیّ علیه الصلاة و السلام و قیل انّ اللّه صدّقه* قال ابن درید و کان یلقب ذا الخلال لعباءة کان یخللها علی صدره*

(ذکر صفته)

* کان رجلا نحیفا خفیف اللحم أبیض خفیف العارضین معروق الوجه ناتئ الجبهة غائر العینین اجنأ لا یستمسک ازاره یسترخی عن حفّوه عاری الاشاجع یخضب بالحناء و الکتم کذا فی الصفوة و غیرها* و عن قیس بن أبی حازم قال قدمت علی أبی بکر مع أبی فی مرضه الذی مات فیه فرأیته رجلا أسمر خفیف اللحم خرجه أبو بکر بن مخلد و المشهور ما تقدّم من أنه کان أبیض کذا فی الریاض النضرة* و فی روایة کان آدم طویلا و کان أصغر من النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بسنتین أو ثلاث أسلم و هو ابن سبع و ثلاثین أو ثمان و ثلاثین و عاش فی الاسلام ستا و عشرین سنة و کانت ولادته بمنی بعد الفیل* قال أبو اسحاق الشیرازی فی طبقاته لم یکن أحد یفتی بحضرة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم غیره و مع ما به من العنایة أنه تنزه عن شرب المسکر فی الجاهلیة و الاسلام* قوله معروق الوجه أی قلیل اللحم حتی یتبین حجم العظم أجنأ بالجیم و الهمزة أی منحنیا و أحنی بالحاء غیر مهموز بمعناه الحقو الکشح و قد یسمی الازار حقوا للمجاورة لانه یشدّ علی الحقو الاشاجع جمع أشجع کأحمد و اصبع و هی أصول الاصابع التی تتصل بعصب ظاهر الکف و الکتم بالتحریک نبت کذا فی الریاض النضرة و القاموس*

(ذکر خلافته)

* فی شرح العقائد العضدیة للشیخ جلال الدین الدوانی روی أنّ بعض الصحابة قد اجتمعوا یوم وفاة رسول اللّه فی سقیفة بنی ساعدة قال الانصار للمهاجرین منا أمیر و منکم أمیر فقال لهم أبو بکر منا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:200
الامراء و منکم الوزراء و احتج علیهم بقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الأئمة من قریش فاستقرّ رأی الصحابة بعد المشاورة و المراجعة علی خلافة أبی بکر و أجمعوا علی ذلک و بایعه علی ذلک علیّ و لقبه بخلیفة رسول اللّه بعد توقف منه فصارت امامته مجمعا علیها غیر مدافع* و فی مورد اللطافة قیل انّ الذین أطلق علیهم اسم الخلیفة ثلاثة آدم و داود علیهما السلام بلفظ القرآن و أبو بکر باجماع المسلمین و لم ینص رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی امامة أحد و فوّض أمرها الی الأمّة و قوله علیه السلام اقتدوا بالذین من بعدی أبی بکر و عمر لیس نصا علیهما و قوله علیه السلام لعلیّ أنت منی بمنزلة هارون من موسی الا أنه لا نبیّ بعدی لا یدل علی کونه خلیفة له بعد وفاته بل المراد به أنه خلیفة له حین غیبته فی غزوة تبوک کما کان هارون خلیفة لموسی حین غیبته عن قومه* و فی الصفوة و الریاض النضرة ذکر الواقدی عن أشیاخه أنّ أبا بکر بویع یوم قبض رسول اللّه یوم الاثنین لاثنتی عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل سنة احدی عشرة من مهاجره علیه السلام* و فی التذنیب للرّافعی تولی الخلافة الیوم الثانی من وفاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لاثنتی عشرة لیلة خلت من أوّل سنة احدی عشرة من الهجرة* و فی الریاض النضرة قال ابن قتیبة بویع أبو بکر بالخلافة یوم قبض رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی سقیفة بنی ساعدة و بویع بیعة العامّة علی المنبر یوم الثلاثاء من غد ذلک الیوم* و فی شرح العقائد العضدیة للشیخ جلال الدین الدوانی مدّة خلافته سنتان و أربعة أشهر و قیل سنتان و ثلاثة أشهر و سبعة أو ستة أیام و قیل عشرة أیام* و فی سیرة مغلطای ولی الخلافة سنتین و نصفا و قیل أربعة أشهر الا عشرة أیام و قیل الا أربعة أیام و قیل غیر ذلک و بعث عمر بالحج فحج بالناس سنة احدی عشرة و حج بالناس أبو بکر سنة ثنتی عشرة کذا فی الریاض النضرة* و فی البحر العمیق عن الواقدی عن أشیاخه أنّ أبا بکر استعمل عمر علی الحج سنة احدی عشرة فحج بالناس ثم اعتمر أبو بکر فی رجب سنة ثنتی عشرة ثم حج فیها بالناس و استخلف علی المدینة عثمان* و فی الریاض النضرة ذکر صاحب الصفوة أنه اعتمر فی رجب سنة ثنتی عشرة فدخل مکة ضحوة و أتی منزله و أبو قحافة جالس علی باب داره و معه فتیان یحدّثهم فقیل له هذا ابنک فنهض قائما و عجل أبو بکر أن ینیخ راحلته فنزل عنها فجعل یقول یا أبت لا تقم ثم التزمه و قبل بین عینی أبی قحافة و جعل أبو قحافة یبکی فرحا بقدومه و جاء أهل مکة عتاب ابن أسید و سهیل بن عمرو و عقبة و عکرمة بن أبی جهل و الحارث بن هشام فسلموا علیه سلام علیک یا خلیفة رسول اللّه و صافحوه جمیعا فجعل أبو بکر یبکی حین یذکرون رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم سلموا علی أبی قحافة فقال أبو قحافة یا عتیق هؤلاء الملأ فأحسن صحبتهم* الملأ الجماعة و یطلق علی أشراف القوم لانهم یملئون القلب و العین فقال أبو بکر یا أبت لا حول و لا قوّة الا باللّه طوّقت عظیما من الامر لا قوّة لی به و لا یدان الا باللّه و قال هل أحد یشتکی ظلامته فما أتاه أحد و أثنی الناس علی و إلیهم و کان حاجبه سدیدا مولاه و کاتبه عثمان بن عفان و عبد اللّه بن الارقم قاله ابن عباس* و فی روایة و کان قاضیه عمر بن الخطاب و کاتبه عثمان بن عفان و زید بن ثابت و حاجبه سدیدا مولاه و صاحب شرطته أبا عبیدة ابن الجرّاح و هو أوّل من اتخذ الحاجب و صاحب الشرطة فی الاسلام و کان فی یده خاتم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من ورق نقشه محمد رسول اللّه و کان بعد فی ید عمر ثم کان فی ید عثمان حتی وقع من معیقیب فی بئر أریس و فی مدّة خلافته الیسیرة فتح فتوحات کثیرة فأوّل ما بدأ به بعد خلافته أنه نفذ جیش أسامة و أمره بالانتهاء الی ما أمر به رسول اللّه و شیعه ماشیا و أسامة راکب لانه أقسم علیه أن لا ینزل و سأله أن یأذن لعمر فی الرجوع معه فأذن له فی ذلک و مضی أسامة و بث الخیل فی قبائل قضاعة و عاد سالما
و کان فراغه فی أربعین یوما و فتح أبو بکر الیمامة و قتل مسیلمة الکذاب و قاتل جموع أهل الردّة الی أن رجعوا الی دین اللّه و فتح أطراف العراق و بعض الشام
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:201

* (ذکر بدء الردّة بعد وفاة رسول اللّه و ما کان من تأیید اللّه لخلیفة رسول اللّه فیها)

* فی الاکتفاء قال ابن اسحاق و لما توفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عظمت به مصیبة المسلمین و کانت عائشة فیما بلغنی تقول لما توفی رسول اللّه ارتدت العرب و اشرأبت الیهودیة و النصرانیة و عم النفاق و صار المسلمون کالغنم المطیرة فی اللیلة الشاتیة لفقد نبیهم حتی جمعهم اللّه علی أبی بکر فلقد نزل بأبی ما لو نزل بالجبال الراسیات لهاضها* قوله اشرأب إلیه مد عینیه لینظر إلیه و ارتفع کذا فی القاموس قدور راسیة لا تبرح مکانها لعظمها هاض العظم یهیضه کسره بعد الجبور* و ذکر ابن هشام عن أبی عبیدة و غیره من أهل العلم ان أکثر أهل مکة لما توفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم هموا بالرجوع عن الاسلام و أرادوا ذلک حتی خافهم عتاب بن أسید فتواری فقام سهیل بن عمرو فحمد اللّه و أثنی علیه ثم ذکر وفاة رسول اللّه و قال ان ذلک لم یزد الاسلام الا قوّة فمن رابنا ضربنا عنقه فتراجع الناس و کفوا عما هموا فظهر عتاب بن أسید و قد قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی سهیل بن عمرو لعمر بن الخطاب و قد قال له انزع ثنیتی سهیل بن عمرو بلدغ لسانه فلا یقوم علیک خطیبا أبدا فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم انه عسی ان یقوم مقاما لا تذمه فکان هذا المقام المتقدّم هو الذی أراده رسول اللّه علیه السلام* و فی سیرة مغلطای ارتدت فی أیامه العرب فأرسل إلیهم الجیوش فأبادوا من استمر منهم علی کفره و أرسل خالدا الی العراق و عمرو بن العاص الی فلسطین و یزید بن أبی سفیان و أبا عبیدة و شرحبیل بن حسنة الی الشأم و توفی أبو بکر مسموما و استخلف عمر* و فی معالم التنزیل لما قبض رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و انتشر خبر وفاته ارتد عامّة العرب الا أهل مکة و المدینة و البحرین من عبد القیس و منع بعضهم الزکاة و همّ أبو بکر بقتالهم فکره ذلک أصحاب رسول اللّه و قال عمر کیف نقاتل الناس و قد قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أمرت ان أقاتل الناس حتی یقولوا لا إله الا اللّه فاذا قالوها عصموا منی دماءهم و أموالهم قال له أبو بکر أ لیس قد قال الا بحقها و من حقها اقامة الصلاة و ایتاء الزکاة و اللّه لو منعونی عقالا* و فی روایة عناقا کانوا یؤدّونه الی رسول اللّه لقاتلتهم علی منعه و لو خذلنی الناس کلهم لجاهدتهم بنفسی فقال عمر بن الخطاب فو اللّه ما هو الا ان رأیت انّ اللّه قد شرح صدر أبی بکر للقتال فعرفت انه الحق قال عمر بن الخطاب و اللّه لقد رجح ایمان أبی بکر بایمان هذه الامّة جمیعا فی قتال أهل الردّة* قال أبو بکر بن العیاش سمعت أبا حصین یقول ما ولد بعد النبیین مولود أفضل من أبی بکر لقد قام مقام نبی من الأنبیاء فی قتال أهل الردّة* و قال أنس بن مالک کرهت الصحابة قتال مانعی الزکاة و قالوا أهل القبلة فتقلد أبو بکر سیفه و خرج وحده فلم یجدوا بدا من الخروج علی أثره و هذا دلیل علی شجاعة أبی بکر* و قال ابن مسعود کرهنا ذلک فی الابتداء ثم حمدنا علیه فی الانتهاء* و ذکر یعقوب ابن محمد الزهری ان العرب افترقت فی ردّتها فقالت فرقة لو کان نبیا ما مات و قال بعضهم انقضت النبوّة بموته فلا نطیع أحدا بعده* و قال بعضهم نؤمن باللّه و قال بعضهم نؤمن باللّه و نشهد أن محمدا رسول اللّه و نصلی و لکن لا نعطیکم أموالنا فأبی أبو بکر الا قتالهم و جادل أبو بکر أصحابه فی جهادهم و کان من أشدّهم علیه عمر بن الخطاب و أبو عبیدة بن الجراح و سالم مولی أبی حذیفة و قالوا له احبس جیش أسامة بن زید فیکون عمارة و أمانا بالمدینة و ارفق بالعرب حتی ینفرج هذا الامر فان هذا الامر شدید غوره و مهلکة من غیر وجه فلو ان طائفة من العرب ارتدت قلنا قاتل بمن معک ممن ثبت من ارتد و قد أصفقت العرب علی الارتداد فهم بین مرتد و مانع صدقة فهو مثل المرتد و بین واقف ینظر ما تصنع أنت و عدوّک قد قدّم رجلا و أخر رجلا و فی المشکاة قال عمر فقلت یا خلیفة رسول اللّه تألف الناس و ارفق بهم فقال لی أ جبار فی الجاهلیة و خوار فی الاسلام قد انقطع الوحی و تم الدین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:202
أ ینقص و أنا حی رواه رزین فی کتاب الواقدی من قول عمر لابی بکر و انما شحت العرب علی أموالها و أنت لا تصنع بتفریق العرب عنک شیئا فلو ترکت للناس صدقة هذه السنة* و قدم علی أبی بکر عیینة بن حصن و الاقرع بن حابس فی رجال من أشراف العرب فدخلوا علی رجال من المهاجرین فقالوا انه قد ارتدّ عامّة من وراءنا عن الاسلام و لیس فی أنفسهم ان یؤدّوا إلیکم من أموالهم ما کانوا یؤدّون الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فان تجعلوا لنا جعلا نرجع فنکفیکم من وراءنا فدخل المهاجرون و الانصار علی أبی بکر فعرضوا علیه الذی عرضوا علیهم و قالوا نری ان تطعم الاقرع و عیینة طعمة یرضیان بها و یکفیانک من وراءهما حتی یرجع إلیک أسامة و جیشه و یشتدّ أمرک فانا الیوم قلیل فی کثیر و لا طاقة لنا بقتال العرب* قال أبو بکر هل ترون غیر ذلک قالوا لا قال أبو بکر انکم قد علمتم انه کان من عهد رسول اللّه إلیکم المشورة فیما لم یمض فیه أمر من نبیکم و لا نزل به الکتاب علیکم و انّ اللّه لن یجمعکم علی ضلالة و انی سأشیر علیکم و انما أنا رجل منکم تنظرون فیما اشرته علیکم و فیما أشرتم به فتجتمعون علی أرشد ذلک فانّ اللّه یوفقکم أما انا فأری ان نشد الی عدوّنا فمن شاء فلیؤمن و من شاء فلیکفر و ان لا ترشوا علی الاسلام أحدا و ان تتأسوا برسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فنجاهد عدوّه کما جاهدهم و اللّه لو منعونی عقالا لرأیت ان أجاهدهم علیه حتی آخذه من اهله و أدفعه الی مستحقه فأتمروا یرشدکم اللّه فهذا رأیی فقالوا لابی بکر لما سمعوا رأیه أنت أفضلنا رأیا و رأینا لرأیک تبع فأمر أبو بکر الناس بالتجهیز و أجمع علی المسیر بنفسه لقتال أهل الردّة و کانت أسد و غطفان من أهل الضاحیة قد ارتدّت و لم ترتدّ عبس و لا بعض أشجع و ارتدّت عامّة بنی تمیم و طوائف من بنی سلیم و عصیة و عمیرة و خفاف و بنو عوف بن امرئ القیس و ذکوان و بنو حارثة و ارتدّ أهل الیمامة کلهم و أهل البحرین و بکر بن وائل و أهل دباء من أزد عمان و النمر بن قاسط و کلیب و من قاربهم من قضاعة و عامّة بنی عامر بن صعصعة و فیهم علقمة بن علاثة و قیل انها تربصت مع قادتها و سادتها ینظرون لمن تکون الدبرة و قدّموا رجلا و أخروا أخری و ارتدّت فزارة و جمعها عیینة بن حصن و تمسک بالاسلام ما بین المسجدین و أسلم و غفار و جهینة و مزینة و کعب و ثقیف قام فیهم عثمان بن أبی العاص من بنی مالک و قام فی الاحلاف رجل منهم فقال یا معشر ثقیف نشدتکم اللّه أن تکونوا أوّل العرب ارتدادا و آخرهم اسلاما و أقامت طئ کلها علی الاسلام و هذیل و أهل السراة و بجیلة و خثعم و من قارب تهامة من هوازن نصر و جشم و سعد بن بکر و عبد القیس قام فیهم الجلرود فثبتوا علی الاسلام و ارتدّت کندة و حضرموت و عنس و قال أبو هریرة لم یرجع واحد من دوس و لا من أهل السراة کلها و قال أبو مرزوق التجیبی لم یرجع رجل واحد منا من تجیب و همدان و لا من الابناء بصنعاء و لقد جاء الابناء وفاة رسول اللّه فشق نساؤهم الجیوب و ضربن الخدود و فیهم المرزبانة فشقت درعها من بین یدیها و من خلفها و قد کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما صدر من الحج سنة عشر و قدم المدینة أقام حتی رأی هلال المحرم سنة احدی عشرة و بعث المصدّقین فی العرب فبعث علی عجز هوازن عکرمة بن أبی جهل و بعث حامیة بن سبیع الاسدی علی صدقات قومه و علی بنی کلاب الضحاک بن أبی سفیان و علی أسد وطی‌ء عدی بن حاتم و علی بنی یربوع مالک بن نویرة و علی بنی دارم و قبائل من حنظلة الاقرع بن حابس و بعث الزبرقان بن بدر علی صدقات قومه و قیس بن عاصم المنقری علی صدقة قومه فلما بلغهم وفاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اختلفوا فمنهم من رجع و منهم من أدّی الی ابی بکر و کان الذین حبسوا صدقات قومهم و فرّقوها بین قومهم مالک بن نویرة و قیس بن عاصم و الاقرع بن حابس التمیمی و أما بنو کلاب فتربصوا و لم یمنعوا
منعا بینا و لم یعطوا کانوا بین ذلک و کان بعث رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی فزارة نوفل بن معاویة الدیلمی فلقیه خارجة بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:203
حصن بن حذیفة بن بدر الفزاری بالشربة فقال أ ما ترضی ان تغنم نفسک فرجع نوفل بن معاویة هاربا حتی قدم علی أبی بکر الصدیق بسوطه و قد کان جمع فرائض فأخذها منه خارجة فردها علی أربابها و کذلک فعلت سلیم بعرباض بن ساریة و کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعثه علی صدقاتهم فلما بلغتهم وفاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أبوا أن یعطوه شیئا و أخذوا منه ما کان جمع فانصرف من عندهم بسوطه و أما أسلم و غفار و مزینة و جهینة کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعث إلیهم کعب بن مالک الانصاری فسلموا إلیه صدقاتهم لما بلغتهم وفاته و تأدّت الی أبی بکر فاستعان بها علی قتال أهل الردّة و کذلک فعل بنو کعب مع أمیر صدقاتهم بشر بن سفیان الکعبی و أشجع مع مسعود ابن رخیلة الاشجعی فقدم بذلک کله علی أبی بکر و کان عدی بن حاتم قد حبس ابل الصدقة یرید أن یبعث بها الی أبی بکر اذا وجد فرصة و الزبرقان بن بدر مثل ذلک فجعل قومهما یکلمونهما فیأبیان و کانا أحرم رأیا و أفضل فی الاسلام رغبة ممن کان فرّق الصدقة فی قومه فقالا لقومهما لا تعجلوا فانه ان قام بهذا الامر قائم ألفاکم لم تفرّقوا الصدقة و ان کان الذی تظنون فلعمری انّ اموالکم لبأیدیکم فلا یغلبنکم علیها احد فسکنوهم حتی أتاهم خبر القوم فلما اجتمع الناس علی أبی بکر جاءهم أنه قد قطع البعوث و سار بعث اسامة بن زید الی الشأم و ابو بکر یحرج إلیهم و کان عدی بن حاتم یأمر ابنه ان یسرح مع نعم الصدقة فاذا کان المساء روّحها و انه جاء بها لیلة عشاء فضربه و قال أ لا عجلت بها ثم راح بها اللیلة الثانیة فوق ذلک قلیلا فجعل یضربه و جعلوا یکلمونه فیه فلما کان الیوم الثالث قال یا بنی اذا سرحتها فصح فی أذنابها و أمّ بها المدینة فان لقیک لاق من قومک أو من غیرهم فقل أرید الکلأ تعذر علینا ما حولنا فلما ان جاء الوقت الذی کان یروح فیه لم یأت الغلام فجعل أبوه یتوقعه و یقول لاصحابه العجب لحبس ابنی فیقول بعضهم نخرج یا أبا طریف فنتبعه فیقول لا و اللّه فلما أصبح تهیأ لیغدو فقال قومه نغدو معک فقال لا یغد و معی منکم أحد انکم ان رأیتموه حلتم بینی و بین ضربه و قد عصی امری کما ترون فخرج علی بعیر له سراعا حتی لحق ابنه ثم حدر النعم الی المدینة فلما کان ببطن قناة لقیه خیل لابی بکر علیها ابن مسعود و قیل محمد بن مسلمة و هو أثبت عندنا فلما نظروا إلیه ابتدروه و ما کان معه و قالوا له أین الفوارس الذین کانوا معک قال ما معی أحد قالوا بلی لقد کان معک فوارس فلما رأونا تغیبوا فقال ابن مسعود خلوا عنه فما کذب و لا کذبتم جنود اللّه معه و لم یرهم فقدم علی أبی بکر بثلاثمائة بعیر و کانت أوّل صدقة قدم بها علی أبی بکر* و ذکر بعض من ألف فی الردّة انّ الزبرقان بن بدر هو الذی فعل هذا الفعل المنسوب فی هذا الحدیث الی عدی بن حاتم فاما ان یکونا فعلاه معا توفیقا من اللّه لهما و امّا ان یکون هذا مما یعرض فی النقل من الاختلاف* و ذکر ابن اسحاق ان عدی بن حاتم کانت عنده ابل عظیمة اجتمعت له من صدقات قومه عند ما توفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما ارتدّ من ارتدّ من الناس و ارتجعوا صدقاتهم و ارتدّ بنو أسد و هم جیرانه اجتمعت طی الی عدی بن حاتم فقالوا ان هذا الرجل قد مات و قد انتقض الناس بعده و قبض کل قوم ما کان فیهم من صدقاتهم فنحن أحق بأموالنا من شذاذ الناس فقال أ لم تعطوا من أنفسکم العهد و المیثاق علی الوفاء طائعین غیر مکرهین قالوا بلی و لکن قد حدث ما تری و قد تری ما صنع الناس* قال و الذی نفس عدی بیده لا أحبس بها أبدا و لو کنت جعلتها لرجل من المدلج لوفیت له بها فان أبیتم لأقاتلنکم یعنی علی ما فی یدیه و ما فی أیدیهم فیکون أوّل قتیل یقتل علی وفاء ذمّته عدی بن حاتم أو یسلمها فلا تطمعوا ان یسب حاتما فی قبره ابنه عدی من بعده فلا یدعونکم غدر غادر الی ان تغدروا فان للشیطان قادة عند موت کل نبی یستخف بها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:204
أهل الجهل حتی یحملهم علی قلائص الفتنة و انما هی عجاجة لاثبات لها و لاثبات فیها ان لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خلیفة من بعده یلی هذا الامر و ان لدین اللّه أقواما سینهضون و یقومون به بعد رسول اللّه کما قاموا بعهده و لئن فعلتم لینازعنکم علی أموالکم و نسائکم بعد قتل عدی و غدرکم فأیّ قوم أنتم عند ذلک فلما رأوا منه الجدّ کفوا عنه و سلموا له* و یروی ان مما قال له قومه أمسک ما فی یدیک فانک ان تفعل تسد الحلیفین یعنون طیا و أسدا فقال ما کنت لا فعل حتی أدفعها الی أبی بکر فجاء بها حتی دفعها إلیه فلما کان زمن عمر بن الخطاب رأی من عمر جفوة فقال له عدی ما أراک تعرفنی قال عمر بلی و اللّه یعرفک من فی السماء أعرفک و اللّه أسلمت اذ کفروا و وفیت اذ غدروا و أقبلت اذ أدبروا بلی و هایم اللّه أعرفک و فی القاموس هیم اللّه و قدم أیضا الزبرقان بن بدر بصدقات قومه علی أبی بکر فلم یزل لعدی و الزبرقان بذلک شرف و فضل علی من سواهما و أعطی أبو بکر عدیا ثلاثین بعیرا من ابل الصدقة و ذلک ان عدیا لما قدم علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم نصرانیا فأسلم و أراد الرجوع الی بلاده أرسل إلیه رسول اللّه یعتذر من الزاد و یقول و اللّه ما أصبح عند آل محمد سفة من الطعام لکن ترجع و یکون خیرا فلذلک أعطاه ابو بکر تلک الفرائض و لما کان من العرب ما کان من التوائهم عن الدین و منع من منع منهم الصدقة جدّ بأبی بکر الجدّ فی قتالهم و أراه اللّه رشده فیهم و عزم علی الخروج بنفسه إلیهم و أمر الناس بالجهاد و خرج هو فی مائة من المهاجرین و قیل فی مائة من المهاجرین و الانصار و خالد بن الولید یحمل اللواء حتی نزل بقعاء و هو ذو القصة یرید أبو بکر أن یتلاحق الناس من خلفه و یکون أسرع لخروجهم و وکل بالناس محمد بن مسلمة یستحثهم فانتهی الی بقعاء عند غروب الشمس فصلی بها المغرب و أمر بنار عظیمة فأوقدت و أقبل خارجة بن حصن بن حذیفة ابن بدر و کان ممن ارتدّ فی خیل من قومه الی المدینة یرید أن یخذل الناس عن الخروج أو یصیب غرّة فیغیر فأغار علی أبی بکر و من معه و هم غافلون فاقتتلوا شیئا من قتال و تحیز المسلمون و لاذ أبو بکر بشجرة و کره أن یعرف فأوفی طلحة بن عبید اللّه علی شرف فصاح بأعلی صوته لا بأس هذه الخیل قد جاءتکم فتراجع الناس و جاءت الامداد و تلاحق المسلمون فانکشف خارجة بن حصن و أصحابه و تبعه طلحة ابن عبید اللّه فیمن خف معه فلحقوه فی أسفل ثنایا عوسجة و هو هارب لا یألو فیدرک اخریات أصحابه فحمل طلحة علی رجل بالرمح فدق ظهره و وقع میتا و هرب من بقی و رجع طلحة الی أبی بکر فأخبره ان قد ولوا منهزمین هاربین و أقام أبو بکر ببقعاء أیاما ینتظر الناس و بعث الی من کان حوله من أسلم و غفار و مزینة و أشجع و جهینة و کعب یأمرهم بجهاد؟؟؟ الردّة و الحفوف إلیهم فتحلب الناس إلیه من هذه النواحی حتی شحنت منهم المدینة* قال سبرة الجهنی قدمنا معشر جهینة أربعمائة معنا الظهر و الخیل و ساق عمرو بن مرّة الجهنی مائه بعیر عونا للمسلمین فوزعها أبو بکر فی الناس و جعل عمر بن الخطاب و علی بن أبی طالب یکلمان أبا بکر فی الرجوع الی المدینة لما رأیا عزمه علی المسیر بنفسه و قد توافی المسلمون و حشدوا فلم یبق أحد من أصحاب رسول اللّه من المهاجرین و الانصار من أهل بدر إلا خرج* و قال عمر ارجع یا خلیفة رسول اللّه تکن للمسلمین فئة و ردءا فانک ان تقتل یرتدّ الناس و یعلو الباطل علی الحق و ابو بکر مظهر المسیر بنفسه و سألهم بمن نبدأ من أهل الردّة فاختلفوا علیه فقال ابو بکر نعمد لهذا الکذاب علی اللّه و علی کتابه طلیحة و لما ألحوا علی ابی بکر فی الرجوع و عزم هو علیه أراد أن یستخلف علی الناس فدعا زید بن الخطاب لذلک فقال یا خلیفة رسول اللّه کنت ارجو أن ارزق الشهادة مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلم أرزقها و انا ارجو أن ارزقها فی هذا الوجه و انّ امیر الجیش لا ینبغی ان یباشر القتال بنفسه فدعا ابا حذیفة بن عتبة
بن ربیعة فعرض علیه ذلک فقال مثل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:205
ما قال زید فدعا سالما مولی ابی حذیفة لیستعمله فأبی علیه فدعا ابو بکر خالد بن الولید فامره علی الناس و قال لهم و قد توافی المسلمون قبله و بعث مقدّمته أمام الجیش أیها الناس سیروا علی اسم اللّه و برکته فأمیرکم خالد بن الولید الی ان ألقاکم فانی خارج فیمن معی الی ناحیة خیبر حتی ألاقیکم* و یروی أنه قال للجیش سیروا فان لقیتکم بعد غد فالامر الیّ و انا أمیرکم و الا فخالد بن الولید علیکم فاسمعوا له و أطیعوا و انما قال ذلک أبو بکر لان تذهب کلمته فی الناس و تهاب العرب خروجه* ثم خلا بخالد ابن الولید فقال یا خالد علیک بتقوی اللّه و ایثاره علی من سواه و الجهاد فی سبیله فقد ولیتک علی من تری من أهل بدر من المهاجرین و الانصار فسار خالد و رجع أبو بکر و عمر و علیّ و طلحة و الزبیر و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبی وقاص فی نفر من المهاجرین و الانصار من أهل بدر الی المدینة* و فی الصفوة لما خرج أبو بکر الی أهل الردّة کان خالد بن الولید یحمل لواءه فلما تلاحق الناس به استعمل خالد او رجع الی المدینة*

(ذکر وصیة أبی بکر الصدیق خالد بن الولید حین بعثه فی هذا الوجه)

* قال حنظلة الاسلمی بعث أبو بکر خالد بن الولید الی أهل الردّة و أمره أن یقاتلهم علی خمس خصال فمن ترک واحدة من الخمس قاتله شهادة أن لا إله الا اللّه و أنّ محمدا عبده و رسوله و اقام الصلاة و ایتاء الزکاة و صیام شهر رمضان و حج البیت و أمره بأن یمضی بمن معه من المسلمین حتی یقدم الیمامة فیبدأ ببنی حنیفة و مسیلمتهم الکذاب فیدعوهم و یدعوه الی الاسلام و ینصح لهم فی الدین و یحرص علی هداهم فان أجابوا الی ما دعاهم إلیه من رعایة الاسلام قبل منهم و کتب بذلک الیّ و أقام بین أظهرهم حتی یأتیه أمری و ان هم لم یجیبوا و لم یرجعوا عن کفرهم و اتباع کذابهم علی کذبه علی اللّه عز و جل قاتلهم أشدّ القتال بنفسه و بمن معه فان اللّه ناصر دینه و مظهره علی الدین کله کما قضی فی کتابه و لو کره الکافرون فان أظهره اللّه علیهم ان شاء اللّه تعالی و أمکنه منهم فلیقتلهم بالسلاح و لیحرقهم بالنار و لا یستبق منهم أحدا قدر علی أن یستبقیه و لیقسم أموالهم و ما أفاء اللّه علیه و علی المسلمین الا خمسه فلیرسل به الیّ أضعه حیث أمر اللّه به أن یوضع ان شاء اللّه تعالی* و عن عروة بن الزبیر قال جعل أبو بکر یوصی خالد بن الولید و یقول یا خالد علیک بتقوی اللّه و الرفق بمن معک من رعیتک فان معک أصحاب رسول اللّه أهل السابقة من المهاجرین و الانصار فشاورهم فیما نزل بک ثم لا تخالفهم و قدّم أمامک الطلائع ترتد لک المنازل و سر فی أصحابک علی تعبیة جیدة فاذا لقیت اسدا و غطفان فبعضهم لک و بعضهم علیک و بعضهم لا علیک و لا لک متربص دائرة السوء ینظر لمن تکون الدبرة فیمیل مع من تکون له الغلبة و لکن الخوف عندی من أهل الیمامة فاستعن باللّه علی قتالهم فانه بلغنی أنهم رجعوا باسرهم فان کفاک اللّه الضاحیة فامض الی أهل الیمامة سر علی برکة اللّه*

(ذکر مسیر خالد الی بزاخة و غیرها)

* قالوا و سار خالد بن الولید و معه عدی بن حاتم و قد انضم إلیه من طی‌ء ألف رجل فنزل بزاخة و کانت جدیلة معرضة عن الاسلام و هی بطن من طیّ و کان عدی بن حاتم من الغوث و قد همت جدیلة أن ترتد فجاءهم مکیث بن زید الخیل الطائی فقال أ تریدون أن تکونوا سبة علی قومکم لم یرجع رجل واحد من طیّ و هذا أبو طریف عدی بن حاتم معه ألف رجل من طیّ فکسرهم فلما نزل خالد ابن الولید قال لعدی یا أبا طریف الا نسیر الی جدیلة فقال یا أبا سلیمان لا تفعل أقاتل معک بیدین أحب إلیک أم بید واحدة فقال خالد بل بیدین قال عدی فان جدیلة احدی یدیّ فکف خالد عنهم فجاءهم عدی فدعاهم الی الاسلام فأسلموا فحمد اللّه و سار بهم الی خالد فلما رآهم خالد فزع منهم و ظنّ أنهم أتوا للقتال فصاح فی أصحابه السلاح فقیل له انما هی جدیلة أتت تقاتل معک فلما جاءوا حلوا ناحیة و جاءهم خالد فرحب بهم و فرح بهم و اعتذروا إلیه من اعتزالهم و قالوا نحن لک حیث أحببت فجزاهم خیرا فلم یرتد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:206
من طیّ رجل واحد فسار خالد علی تعبیته و طلب إلیه عدی أن یجعل قومه مقدّمة أصحابه فقال یا أبا طریف انّ الامر قد اقترب و أنا أخاف ان أقدّم قومک فاذا لحمهم القتال انکشفوا فانکشف من معنا و لکن دعنی أقدّم قوما صبرا لهم سوابق و ثبات و هم من قومک* قال عدی الرأی ما رأیت فقدم المهاجرین و الانصار و لم یزل خالد یقدم طلیعة منذ خرج من بقعاء حتی قدم الیمامة و أمر عیونه أن یختبروا کل من مروا به عند مواقیت الصلاة بالاذان لها فیکون ذلک أمانا لهم و دلیلا علی اسلامهم و انتهی خالد و المسلمون الی طلیحة و قد ضربت لطلیحة قبة من أدم و اصحابه حوله معسکرون فانتهی خالد ممسیا فضرب عسکره علی میل أو نحوه من عسکر طلیحة و خرج یسیر علی فرس معه نفر من أصحاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فوقف من عسکر طلیحة غیر بعید ثم قال یخرج إلیه طلیحة فقال أصحابه لا تصغروا اسم نبینا و هو طلحة فخرج طلحة فوقف فقال خالد انّ من عهد خلیفتنا إلینا أن ندعوک الی اللّه وحده لا شریک له و أنّ محمدا عبده و رسوله و أن تعود الی ما خرجت منه فنقبل منک و نغمد سیوفنا عنک فقال یا خالد أنا أشهد أن لا إله الا اللّه و أنی رسول اللّه و انی نبیّ مرسل یأتینی ذو النون کما کان جبریل یأتی محمدا و قد کان ادّعی هذا فی عهد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لقد ذکر ملکا عظیما فی السماء یقال له ذو النون و کان عیینة بن حصن قد قال له لا ابا لک فهل أنت مرینا بعض نبوّتک فقد رأیت و رأینا ما کان یأتی محمدا قال نعم فبعث عیونا له حیث سار خالد بن الولید من المدینة مقبلا إلیهم قبل أن یسمع بذکر خالد و قال ان بعثتم فارسین علی فرسین أغرین محجلین من بنی نضر بن قعین أتوکم من القوم بعین فهیئوا فارسین فبعثوهما فخرجا یرکضان فلقیا عینا لخالد بن الولید فقالا ما وراءک فقال هذا خالد بن الولید فی المسلمین قد أقبلوا فأتوا به إلیه فزادهم فتنة و قال أ لم أقل لکم فلما أبی طلیحة علی خالد أن یقرّ بما دعاه إلیه انصرف الی معسکره فاستعمل تلک اللیلة علی حرسه مکیث بن زید الخیل و عدیّ بن حاتم و کان لهما صدق نیة و دین فباتا یحرسان فی جماعة من المسلمین* فلما کان فی السحر نهض خالد فعبی أصحابه و وضع ألویته مواضعها و دفع اللواء الاعظم الی زید بن الخطاب فتقدّم بها و تقدّم ثابت بن قیس ابن شماس بلواء الانصار و طلبت طیّ لواء یعقد لها فعقد خالد لواء و دفعه الی عدیّ بن حاتم فلما سمع طلیحة حرکة القوم عبی أصحابه و جعل خالد یسوّی الصفوف علی رجلیه و طلیحة یسوّی أصحابه علی راحلته حتی اذا استوت الصفوف زحف بهم خالد حتی دنا من طلیحة فلما انتهی إلیه خرج إلیه طلیحة بأربعین غلاما جلدا من جنوده مردا فأقامهم فی المیمنة فقال اضربوا حتی تأتوا المیسرة فتضعضع الناس و لم یقتل أحد منهم ثم أقامهم فی المیسرة ففعلوا مثل ذلک و انهزم المسلمون فقال رجل من هوازن حضرهم یومئذ انّ خالدا لما کان ذلک قال یا معشر الانصار اللّه اللّه و اقتحم وسط القوم و کرّ علینا أصحابه فاختلطت الصفوف و اختلفت السیوف بینهم و ضرس خالد فی القتال فجعل یقحم فرسه و یقولون له اللّه اللّه فانک أمیر القوم و لا ینبغی لک أن تقدم فیقول و اللّه انی لا عرف ما تقولون و لکنی و اللّه ما رأیتنی أصبر و أخاف هزیمة المسلمین* و فیما ذکر الکلبی عن بعض الطائیین أنه نادی یومئذ مناد من طیّ یعنی عند ما حمل أولئک الاربعون غلاما علی المسلمین یا خالد علیک سلمی و أجأ فقال بل الی اللّه الملجأ قال ثم حمل فو اللّه ما رجع حتی لم یبق من اولئک الاربعین رجل واحد و قاتل خالد یومئذ بسیفین حتی قطعهما و ترادّ الناس بعد الهزیمة و اشتدّ القتال و أسر حبال بن أبی حبال فأرادوا أن یبعثوا به الی أبی بکر فقال اضربوا عنقی و لا ترونی محمدیکم هذا فضربوا عنقه* و ذکر الواقدی عن ابن عمر قال نظرت الی رایة طلیحة یومئذ حمراء یحملها رجل منهم لا یزول بها فترا فنظرت الی خالد أتاه فحمل علیه فقتله فکانت هزیمتهم فنظرت الی الرایة تطؤها الخیل و الابل و الرجال حتی تقطعت و
لقد رأیته یوم طلیحة یباشر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:207
الحرب بنفسه حتی لیم فی ذلک و لقد رأیته یوم الیمامة یقاتل أشدّ القتال ان کان مکانه لیتقی حتی یطلع إلینا منبهرا و لما تراجع المسلمون و ضرس القتال تزمل طلیحة بکساء له ینتظر بزعمه أن ینزل علیه الوحی فلما طال ذلک علی أصحابه و هدّتهم الحرب جعل عیینة بن حصن یقاتل و یذمر الناس* قال ابن اسحاق قاتل عیینة یومئذ فی سبعمائة من فزارة قتالا شدیدا حتی اذا ألح المسلمون علیهم بالسیف و قد صبروا لهم أتی طلیحة و هو ملتثم فی کسائه فقال لا ابا لک هل أتاک جبریل بعد ذلک قال یقول طلیحة و هو تحت الکساء لا و اللّه ما جاء بعد فقال عیینة تبا لک سائر الیوم ثم رجع عیینة فقاتل و جعل یحض أصحابه و قد ضجوا من وضع السیوف* فلما طال ذلک علی عیینة جاء طلیحة و هو مستلق متشح بکسائه فجبذه جبذة جلس منها و قال له قبح اللّه هذه من نبوّة ما قیل لک بعد شی‌ء فقال طلیحة قد قیل لی ان لک رحا کرحاه و أمرا لن تنساه فقال عیینة أظن قد علم اللّه أن سیکون لک أمر لن تنساه یا فزارة هکذا و أشار لها تحت الشمس هذا و اللّه کذاب ما بورک له و لا لنا فیما یطالب فانصرفت فزارة و ذهب عیینة و أخوه فی آثارها فأدرک عیینة فأسر و أفلت أخوه و یقال أسر عیینة عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائی فأراد خالد قتله حتی کلمه فیه رجل من بنی مخزوم و ترک قتله* و لما رأی طلیحة أنّ الناس یؤسرون و یقتلون خرج منهزما و أسلمه الشیطان فاعجزهم هو و أخوه فجعل أصحابه یقولون له ما ذا تری و قد کان أعدّ فرسه و هیأ امرأته النوار فوثب علی فرسه و حمل امرأته وراءه فنجا بها و قال من استطاع منکم أن یفعل کما فعلت فلیفعل و لینج بأهله ثم هرب حتی قدم الشأم و أقام عند بنی جفنة الغسانیین و فی کتاب ابی یعقوب الزهری انّ طلیحة قال لاصحابه لما رأی انهزامهم ویلکم ما یهزمکم فقال له رجل منهم أنا أخبرکم أنه لیس منا رجل الا و هو یحب أنّ صاحبه یموت قبله و انا نلقی أقواما کلهم یحب ان یموت قبل صاحبه* و ذکر ابن اسحاق أنّ طلیحة لما ولی هاربا تبعه عکاشة بن محصن و ثابت بن أقرم و قد کان طلیحة أعطی اللّه عهدا أن لا یسأله أحد النزول الا فعل فلما أدبرنا داه عکاشة یا طلیحة فعطف علیه فقتل عکاشة ثم أدرکه ثابت فقتله أیضا طلیحة ثم لحق بالشأم و قد قیل فی قتلهما غیر هذا و هو ما ذکره الواقدی عن عمیلة الفزاری و کان عالما بردّتهم انّ خالد بن الولید لما دنا من القوم بعث عکاشة و ثابتا طلیعة أمامه و کانا فارسین فلقیا طلیحة و اخاه مسلمة ابنی خویلد طلیعة لمن وراءهما من الناس و خلفوا عسکرهم من ورائهم فلما التقوا انفرد طلیحة بعکاشة و مسلمة بثابت فلم یلبث مسلمة ان قتل ثابتا و صرخ طلیحة بمسلمة أعنی علی الرجل فانه قاتلی فکرّ معه علی عکاشة فقاتلاه ثم کرّا راجعین الی من وراءهما و أقبل خالد معه المسلمون فلم یرعهم الا ثابت بن أقرم قتیلا تطؤه المطیّ فعظم ذلک علی المسلمین ثم لم یسیروا الا یسیرا حتی و طئوا عکاشة قتیلا فثقل القوم علی المطیّ کما وصف واصفهم حتی ما تکاد المطیّ ترفع أخفافها و فی کتاب الزهری ثم لحقوا أصحاب طلیحة فقتلوا و أسروا و صاح خالد لا یطبخن رجل قدرا و لا یسخنن ماء الا أثفیته رأس رجل و أمر خالد بالحظائر أن تبنی ثم أوقد فیها النار ثم أمر بالاسری فألقیت فیها و ألقی یومئذ حامیة بن سبیع بن الخشخاش الاسدی و هو الذی کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم استعمله علی صدقات قومه فارتدّ عن الاسلام و أخذت أم طلیحة أحد نساء بنی اسد فعرض علیها الاسلام فأبت و و ثبت فاقتحمت النار و هی تقول
یا موت عم صباحاکافحته کفاحا
اذ لم أجد براحا
و ذکر الواقدی عن یعقوب بن یزید بن طلحة أنّ خالدا جمع الاساری فی الحظائر ثم أصرمها علیهم فاحترقوا و هم أحیاء و لم یحرق أحد من بنی فزارة فقلت لبعض أهل العلم لم حرق هؤلاء من بین أهل الردّة فقال بلغت عنهم مقالة سیئة شتموا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و ثبتوا علی ردّتهم* و ذکر غیر یعقوب أنّ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:208
خالدا أمر بالاخدود تحفر فقیل له ما ذا ترید بهذه الاخدود قال أحرقهم بالنار فکلم فی ذلک فقال هذا عهد أبی بکر الصدّیق الیّ اقرءوه فی کل مجمع ان أظفرک اللّه بهم فأحرقهم بالنار و عن عبد اللّه بن عمر قال شهدت بزاخة فأظفرنا اللّه علی طلیحة و کنا کلما أعزنا اللّه علی القوم سبینا الذراری و قسمنا أموالهم و لما انفلت طلیحة مضی علی وجهه هاربا نحو الشأم فأقام بها الی أن توفی أبو بکر و عاد القبائل الی الاسلام ثم أسلم و حسن اسلامه و حج فی خلافة عمر و له آثار جمیلة فی قتال الفرس بالقادسیة فی العراق فی زمن عمر بن الخطاب و کتب عمر الی النعمان بن المقرن أن استعن فی حربک بطلیحة و عمرو بن معدی کرب و استشهد طلیحة فی حرب نهاوند*

(ذکر رجوع بنی عامر و غیرهم الی الاسلام)

* و لما أوقع اللّه ببنی أسد و فرارة ما أوقع ببزاخة بث خالد بن الولید السرایا لیصیبوا ما قدروا علیه ممن هو علی ردّته و جعلت العرب تسیر الی خالد راغبة فی الاسلام أو خائفة من السیف فمنهم من أصابته السریة فیقول جئت راغبا فی الاسلام و قد رجعت الی ما خرجت منه و منهم من یقول ما رجعنا و لکن منعنا أموالنا و شححنا علیها فقد سلمناها فلیأخذ منها حقه و منهم من لم تظفر به السرایا فانتهی الی خالد مقرّا بالاسلام و منهم من مضی الی أبی بکر الصدیق و لم یقرب خالدا و کان عمرو بن العاص عاملا للنبی صلی اللّه علیه و سلم علی عمان فجاءه یوما یهودی من یهود عمان فقال أ رأیتک ان سألتک عن شی‌ء أ أخشی علیّ منک قال لا قال الیهودی أنشدک باللّه من أرسلک إلینا قال اللهم رسول اللّه قال الیهودی اللّه انک لتعلم أنه رسول اللّه قال عمرو اللهم نعم فقال الیهودی لئن کان حقا ما تقول لقد مات الیوم فلما رأی عمرو ذلک جمع أصحابه و حواشیه و کتب ذلک الیوم الذی قال له الیهودی فیه ما قال ثم خرج بخفراء من الازد و عبد القیس یأمن بهم فجاءته وفاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بهجر و وجد ذکر ذلک عند المنذر بن ساوی فسار حتی قدم أرض بنی حنیفة فأخذ منهم خفراء حتی جاء أرض بنی عامر فنزل علی قرّة بن هبیرة القشیری و یقال خرج قرّة مع عمرو فی مائة من قومه خفراء له و أقبل عمرو بن العاص یلقی الناس مرتدّین حتی أتی علی ذی القصة فلقی عیینة بن حصن خارجا من المدینة و ذلک حین قدم علی أبی بکر یقول ان جعلت لنا شیئا کفیناک ما وراءنا فقال له عمرو بن العاص ما وراءک یا عیینة من ولی الناس أمورهم قال أبا بکر فقال عمرو اللّه أکبر قال عیینة یا عمرو استوینا نحن و أنتم فقال عمرو کذبت یا ابن الاخابث من مضر و سار عیینة فجعل یقول لمن لقیه من الناس احبسوا علیکم أموالکم قالوا فأنت ما تصنع قال لا یدفع إلیه رجل من فزارة عناقا واحدة و لحق عند ذلک بطلیحة الاسدی فکان معه و لما فرغ خالد من بیعة بنی عامر أوثق عیینة بن حصن و قرّة بن هبیرة القشیری و بعث بهما الی أبی بکر الصدّیق قال ابن عباس فقدم بهما المدینة فی وثاق فنظرت الی عیینة مجموعة یداه الی عنقه بحبل ینخسه غلمان المدینة بالجرید و یضربونه و یقولون أی عدوّ اللّه أکفرت باللّه بعد ایمانک فیقول و اللّه ما کنت آمنت باللّه فلم یعاقب أبو بکر قرة و عفا عنه و کتب له أمانا و کتب لعیینة أمانا و قبل منه و کان فیمن ارتدّ من بنی عامر و لم یرجع معهم علقمة بن علاثة بن عوف فبعث أبو بکر الی ابنته و امرأته لیأخذهما فقالت امرأته ما لی و لابی بکر ان کان علقمة قد کفر فانی لم أکفر فترکها ثم راجع علقمة الاسلام زمن عمر و ردّ علیه زوجته و أخذ خالد بن الولید من بنی عامر و غیرهم من أهل الردّة ممن جاء منهم و بایعه علی الاسلام کل ما ظهر من سلاحهم و استحلفهم علی ما غیبوا عنه فان حلفوا ترکهم و ان أبوا شدّهم أسرا حتی أتوا بما عندهم من السلاح فأخذ منهم سلاحا کثیرا فأعطاه أقواما یحتاجون إلیه فی قتال عدوّهم و کتبه علیهم فلقوا به العدوّ ثم ردّوه بعد فقدم به علی أبی بکر و قبض أبو بکر من اسد و غطفان کل ما قدر علیه من الخلفة و الکراع فلما توفی رای عمر أن الاسلام قد ضرب بجرانه فدفعه الی أهله أو الی عصبة من مات منهم و لما فرغ خالد من بزاخة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:209
و بنی عامر و من یلیهم أظهر ان أبا بکر عهد إلیه أن یسیر الی أرض بنی تمیم و الی الیمامة فقال ثابت بن قیس ابن شماس و هو علی الانصار و خالد علی جماعة المسلمین ما عهد إلینا ذلک و ما نحن بسائرین و لیست بنا قوّة و قد کل المسلمون و عجف کراعهم فقال خالد أمّا أنا فلست بمستکره أحدا منکم فان شئتم فسیروا و ان شئتم فأقیموا فسار خالد و من تبعه من المهاجرین و أبناء العرب عامدا لارض بنی تمیم و الیمامة و أقامت الانصار یوما أو یومین ثم تلاومت فیما بینها و قالوا و اللّه ما صنعنا شیئا و اللّه لئن اصیب القوم لیقولنّ خذلتموه و أسلمتموه و انها لسبة باق عارها الی آخر الدهر و لئن أصابوا خیرا و فتح اللّه فتحا انه لخیر منعتموه فابعثوا الی خالد یقیم لکم حتی تلحقوه فبعثوا إلیه مسعود بن سنان و یقال ثعلبة بن غنمة فلما جاءه الخبر أقام حتی لحقوه فاستقبلهم فی کثرة من معه من المسلمین لما أظلوا علی العسکر حتی نزلوا و ساروا جمیعا حتی انتهی خالد بهم الی البطاح من أرض بنی تمیم فلم یجد بها جمعا ففرّق السرایا فی نواحیها و کان فی سریة فیها أبو قتادة الانصاری فلقوا اثنی عشر رجلا فیهم مالک بن نویرة فأخذوهم فجاءوا بهم خالدا و کان مالک بن نویرة قد بعثه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مصدّقا الی قومه بنی حنظلة و کان سیدهم فجمع صدقاتهم فلما بلغته وفاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم جفل ابل الصدقة أی ردّها من حیث جاءت فلذلک سمی الجفول* و لما بلغ ذلک أبا بکر و المسلمین حنقوا علی مالک و عاهد اللّه خالد بن الولید لئن أخذه لیقتلنه ثم لیجعلنّ هامته أثفیة للقدر فلما أتی به أسیرا فی نفر من قومه أخذوا معه کما تقدّم اختلف فیه الذین أخذوهم فقال بعضهم قد و اللّه أسلموا فما لنا علیهم من سبیل و فیمن شهد بذلک أبو قتادة الانصاری و کان معهم فی تلک السریة و شهد بعض من کان فی تلک السریة أنهم لم یسلموا و ان قتلهم و سبیهم حلال و کان ذلک رأی خالد فیه فأمر بهم خالد فقتلوا و قتل مالک بن نویرة فتزوّج امرأته أم متمم من لیلته و کانت جمیلة قیل لعلها کانت مطلقة قد انقضت عدّتها الا أنها کانت محبوسة عنده فاشتدّ فی ذلک عمر و قال لابی بکر ارجم خالدا فانه قد استحل ذلک فقال أبو بکر و اللّه لا أفعل ان کان خالد تأوّل أمرا فأخطأه* و فی شرح المواقف فأشار عمر علی أبی بکر بقتل خالد قصاصا فقال أبو بکر لا أغمد سیفا شهره اللّه علی الکفار و قال عمر لخالد لئن و لیت الامر لاقیدنک به* و فی بعض الروایات انّ خالدا أمر برأس مالک فجعل أثفیة لقدر حسبما تقدّم من نذره و کان من أکثر الناس شعرا فکانت القدر علی رأسه فراحوا و ان شعره لیدخن و ما خلصت النار الی شواء رأسه و عاتب أبو بکر خالدا لما قدم علیه فی قتل مالک بن نویرة فاعتذر إلیه خالد و زعم أنه سمع منه کلاما استحل به قتله فعذره أبو بکر و قبل منه یقال ان کلاما سمعه من مالک أنه حین کان یکلم خالدا قال انّ صاحبکم قد توفی فعلم خالد أنه أراد أنه صلی اللّه علیه و سلم لیس بصاحب له فتیقن ردّته فقتله* و فی الاکتفاء کان أبو بکر الصدّیق قد عاهد خالدا اذا فرغ من اسد و غطفان و الضاحیة أن یقصد الیمامة و اکد علیه فی ذلک فلما أظهر اللّه خالدا باولئک تسلل بعضهم الی المدینة یسألون أبا بکر أن یبایعهم علی الاسلام و یؤمنهم فقال لهم بیعتی ایاکم و أمانی لکم أن تلحقوا بخالد بن الولید و من معه من المسلمین فمن کتب الیّ خالد بأنه حضر معه الیمامة فهو آمن فلیبلغ شاهدکم غائبکم و لا تقدموا علیّ اجعلوا وجوهکم الی خالد* قال أبو بکر بن أبی الجهم اولئک الذین لحقوا بخالد بن الولید من الضاحیة هم الذین کانوا انهزموا بالمسلمین یوم الیمامة ثلاث مرّات و کانوا علی المسلمین بلاء قال شریک الفزاری کنت ممن حضر بزاخة مع عیینة بن حصن فرزقنی اللّه الانابة فجئت أبا بکر فأمرنی بالمسیر الی خالد و کتب معی إلیه بوصایا و فی آخرها ان أظفرک اللّه بأهل الیمامة فایاک و الابقاء علیهم أجهز علی جریحهم و اطلب مدبرهم و احمل أسیرهم علی السیف و هوّل فیهم القتل و أحرقهم بالنار و ایاک أن تخالف أمری
و السلام علیک فلما انتهی الکتاب الی خالد اقترأه و قال سمعا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:210
و طاعة و لما اتصل بأهل الیمامة مسیر خالد إلیهم بعد الذی صنع اللّه له فی امثالهم حیرهم ذلک و جزع له محکم بن الطفیل سید أهل الیمامة و همّ أن یرجع الی الاسلام فبات یلتوی علی فراشه و کان محکم صدیقا لزیاد بن لبید بن بیاضة من الانصار فقال له خالد فی بعض الطریق لو ألقیت الی محکم شیئا تکسره به فانه سید أهل الیمامة و طاعة القوم فبعث إلیه مع راکب و یقال بل بعث بها إلیه مع حسان بن ثابت من المدینة
یا محکم بن طفیل قد اتیح لکم‌للّه درّ أبیکم حیة الوادی
یا محکم بن طفیل انکم نفرکالشاء أسلمها الراعی لآساد
ما فی مسیلمة الکذاب من عوض‌من دار قوم و اخوان و أولاد
فاکفف حنیفة یوما قبل نائحةتنعی فوارس شاج شجوها باد
لا تأمنوا خالدا بالبرد معتجراتحت العجاجة مثل الاغضف العادی
ویل الیمامة ویلا لا فراق له‌ان جالت الخیل فیها بالقنا الصادی
و اللّه لا تنثنی عنکم أعنتهاحتی تکونوا کأهل الحجر أو عاد و وردت علی محکم و قیل له هذا خالد بن الولید فی المسلمین فقال رضی خالد أمرا و رضینا غیره و ما ینکر خالد أن یکون فی بنی حنیفة من أشرک فی الامر فسیری خالد ان قدم علینا یلق قوما لیسوا کمن لقی ثم خطب أهل الیمامة فقال یا معشر أهل الیمامة انکم تلقون قوما یبذلون أنفسهم دون صاحبهم فابذلوا أنفسکم دون صاحبکم فان أسدا و غطفان انما أشار إلیهم خالد بذباب السیف فکانوا کالنعام الشارد و قد اظهر خالد بن الولید نارا حیث أوقع ببزاخة ما أوقع و قال هل حنیفة الاکمن لقینا و کان عمیر بن صالی الیشکری فی اصحاب خالد و کان من سادات الیمامة و لم یکن من اهل حجر کان من ملمم و هی لبنی یشکر فقال له خالد تقدّم الی قومک فاکسرهم فأتاهم و لم یکونوا علموا باسلامه و کان مجتهدا فارسا سیدا فقال یا معشر أهل الیمامة أظلکم خالد فی المهاجرین و الانصار ترکت القوم یتبایعون الی فتح الیمامة و قد قضوا و طرا من أسد و غطفان و علیا هوازن و أنتم فی أکفهم و قولهم لا قوّة الا باللّه انی رأیت أقواما غلبتموهم بالصبر غلبوکم بالنصر و ان غلبتموهم علی الحیاة غلبوکم علی الموت و ان غلبتموهم بالعدد غلبوکم بالمدد لستم و القوم سواء الاسلام مقبل و الشرک مدبر و صاحبهم نبیّ و صاحبکم کذاب و معهم السرور و معکم الغرور فالان و السیف فی غمده و النبل فی جفیره قبل أن یسل السیف و یرمی بالسهم سرت إلیکم مع القوم عشرا فکذبوه و اتهموه فرجع عنهم و قام ثمامة بن أثال الحنفیّ فی بنی حنیفة فقال اسمعوا منی و أطیعوا امری ترشدوا انه لا یجتمع نبیان بأمر واحد و إن محمدا صلی اللّه علیه و سلم لا نبیّ بعده و لا نبیّ مرسل معه ثم قرأ بسم اللّه الرحمن الرحیم حم تنزیل الکتاب من اللّه العزیز العلیم غافر الذنب و قابل التوب شدید العقاب ذی الطول لا إله الا هو إلیه المصیر هذا کلام اللّه عز و جل این هذا من یا ضفدع نقی کم تنقین لا الشرب تمنعین و لا الماء تکدّرین و اللّه انکم لترون ان هذا الکلام ما یخرج من إلّ و توفی رسول اللّه و قام بهذا الامر من بعده رجل هو أفقههم فی انفسهم لا تأخذه فی اللّه لومة لائم ثم بعث إلیکم رجلا لا یسمی باسمه و لا باسم ابیه یقال له سیف اللّه معه سیوف اللّه کثیرة فانظروا فی امرکم فاذاه القوم جمیعا أو من آذاه منهم و قال ثمامة
مسیلمة ارجع و لا تمحک‌فانک فی الامر لم تشرک
کذبت علی اللّه فی وحیه‌فکان هواک هو الانوک
و مناک قومک أن یمنعوک‌و ان یأتهم خالد تترک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:211 فما لک من مصعد فی السماءو لا لک فی الارض من مسلک

* (ذکر تقدیم خالد بن الولید الطلائع امامه من البطاح)

و لما سار خالد من البطاح و وقع فی أرض بنی تمیم قدّم أمامه مائتی فارس علیهم معن بن عدی العجلانی و بعث معه فرات بن حبان العجلی دلیلا و قدّم عینین له أمامه مکیث بن زید الخیل الطائی و أخاه* و ذکر الواقدی أنّ خالدا لما نزل العرض قدّم مائتی فارس و قال من أصبتم من الناس فخذوه فانطلقوا حتی أخذوا مجاعة بن مرارة الحنفی فی ثلاث و عشرین رجلا من قومه قد خرجوا فی طلب رجل من بنی نمیر أصاب فیهم دما فخرجوا و هم لا یشعرون بمقبل خالد فسألوهم ممن أنتم قالوا من بنی حنیفة فظنّ المسلمون أنهم رسل من مسیلمة فقال ما تقولون یا بنی حنیفة فی صاحبکم فشهدوا أنه رسول اللّه فقال لمجاعة ما تقول أنت فقال و اللّه ما خرجت الا فی طلب رجل من بنی نمیر أصاب فینا دما و ما کنت أقرب مسیلمة و لقد قدمت علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأسلمت و ما غیرت و لا بدّلت فقدّم القوم فضرب أعناقهم علی دم واحد حتی اذا بقی ساریة بن مسیلمة بن عامر فقال یا خالد ان کنت ترید بأهل الیمامة خیرا أو شرا فاستبق هذا یعنی مجاعة فانه عون لک علی حربک و سلمک و کان مجاعة شریفا فلم یقتله و أعجب بساریة و بکلامه فترکه أیضا و أمر بهما فأوثقا فی جوامع حدید و کان یدعو بمجاعة و هو کذلک فیتحدّث معه و مجاعة یظنّ أنّ خالدا یقتله و دفعه الی أم متمم امرأته التی تزوّجها لما قتل زوجها مالک بن نویرة و أمرها أن تحسن أساره و کان خالد کلما نزل منزلا و استقرّ به دعا مجاعة فأکل معه و حدّثه فقال له ذات یوم أخبرنی عن صاحبک یعنی مسیلمة ما الذی کان یقرئکم هل تحفظ منه شیئا قال نعم فذکر له شیئا من رجزه قال خالد و ضرب باحدی یدیه علی الأخری یا معشر المسلمین اسمعوا الی عدوّ اللّه کیف یعارض القرآن ثم قال هات زدنا من کذب الخبیث فقال مجاعة أخرج لکم حنطة و زوانا و رطبا و تمراتا فی رجز له قال خالد و هذا کان عندکم حقا و کنتم تصدّقونه قال مجاعة لو لم یکن عندنا حقا لما لقیتک غدا اکثر من عشرة آلاف سیف یضاربونک فیه حتی یموت الاعجل قال خالد اذا یکفیناهم اللّه و یعز دینه فایاه یقاتلون و دینه یریدون* و فی کتاب الاموی ثم مضی خالد حتی نزل منزلة من الیمامة ببعض أودیتها و خرج الناس مع مسیلمة و قال عبید اللّه بن عبد اللّه بن عتبة لما أشرف خالد بن الولید و أجمع أن ینزل عقرباء دفع الطلائع أمامه فرجعوا إلیه فخبروه أنّ مسیلمة و من معه خرجوا فنزلوا عقرباء فزحف خالد بالمسلمین حتی نزلوا عقرباء و ضرب عسکره و قد قیل انّ خالدا سبق عقرباء و ضرب عسکره و یقال توافیا إلیها جمیعا قال و کان المسلمون یسألون عن الدجال بن عنفوة فاذا الدجال علی مقدّمة مسیلمة فلعنوه و شتموه فلما فرغ خالد من ضرب عسکره و بنو حنیفة تسوّی صفوفها نهض خالد الی صفوفه فصفها و قدّم رایته مع زید بن الخطاب و دفع رایة الانصار الی ثابت ابن قیس بن شماس فتقدّم بها و جعل علی میمنته أبا حذیفة بن عتبة بن ربیعة و علی میسرته شجاع ابن وهب و استعمل علی الخیل البراء بن مالک ثم عزله و استعمل علیها اسامة بن زید و أمر بسریر فوضع فی فسطاطه و اضطجع علیه یتحدّث مع مجاعة و معه أم متمم و أشراف أصحاب رسول اللّه یتحدّث معهم و أقبلت بنو حنیفة قد سلت السیوف فلم تزل مسللة و هم یسیرون نهارا طویلا فقال خالد یا معشر المسلمین أبشروا فقد کفاکم اللّه عدوّکم و ما سلوا السیوف من بعید الا لیرهبونا و انّ هذا منهم لجبن و فشل فقال مجاعة و نظر إلیهم کلا و اللّه یا أبا سلیمان و لکنها الهندوانیة خشوا من تحطمها و هی غداة باردة فأبرزوها للشمس لان تسخن متونها فلما دنوا من المسلمین نادوا انا لنعتذر من سلنا سیوفنا حین سللناها و اللّه ما سللناها ترهیبا لکم و لاجبنا عنکم و لکنها کانت الهندوانیة و کانت غداة باردة فخشینا تحطمها فأردنا أن نسخن متونها الی أن نلقاکم فسترون قال فاقتتلوا قتالا شدیدا و صبر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:212
الفریقان جمیعا صبرا طویلا حتی کثرت القتلی و الجراح فی الفریقین و کان أوّل قتیل من المسلمین مالک بن أوس من بنی زعوراء قتله محکم بن الطفیل و استلحم من المسلمین حملة القرآن حتی فنوا جمیعا الا قلیلا و هزم کلا الفریقین حتی دخل المسلمون عسکر المشرکین و المشرکون عسکر المسلمین مرارا فاذا اجلی المسلمون عن عسکرهم فدخل المشرکون أرادوا حمل مجاعة فلا یستطیعون لما هو فیه من الحدید و لانه لا تزال تناوثهم خیل المسلمین فاذا رجع المسلمون وثبوا علی مجاعة لیقتلوه و قالوا اقتلوا عدوّ اللّه فانه رأسهم و انهم ان دخلوا علیه أخرجوه فاذا شهروا علیه سیوفهم لیقتلوه حنت علیه أم متمم امرأة خالد و ردّت عنه و قالت انی له جار حتی أجارته منهم و کان مجاعة أیضا قد أجارها من المشرکین مرارا أن یقتلوها علی هذا الوجه و قد کان مجاعة قال لها لما دفعه إلیها خالد لتحسن أساره یا أمّ متمم هل لک ان أحالفک ان غلب أصحابی کنت لک جارا و أنت کذلک فقالت نعم فتحالفا علی ذلک و قال عکرمة حملت بنو حنیفة أوّل مرّة کانت لها الحملة و خالد علی سریره حتی خلص إلیه فجرّد سیفه و جعل یسوق بنی حنیفة سوقا حتی ردّهم و قتل منهم قتلی کثیرة ثم کرت بنو حنیفة حتی انتهوا الی فسطاط خالد فجعلوا یضربون الفسطاط بالسیوف قال الواقدی و بلغنا أن رجلا منهم لما دخلوا الفسطاط أراد قتل أم متمم و رفع السیف علیها فاستجارت بمجاعة فألقی علیها رداءه و قال انی جار لها فنعمت الحرة کانت و عیرهم و سبهم و قال ترکتم الرجال و جئتم الی امرأة تقتلونها علیکم بالرجال فانصرفوا و جعل ثابت بن قیس یومئذ یقول و کانت معه رایة الانصار بئس ما عوّدتم أنفسکم الفرار یا معشر المسلمین و قد انکشف المسلمون حتی غلب بنو حنیفة علی الرجال فجعل زید بن الخطاب ینادی و کانت عنده رایة خالد امّا الرجال فلا رجال اللهم انی أعتذر إلیک من فرار أصحابی و أبرأ إلیک مما جاء به مسیلمة و محکم بن الطفیل و جعل یشتد بالرایة یتقدّم بها فی نحر العدوّ ثم ضارب بسیفه حتی قتل و فی الصفوة زید بن الخطاب کان أسن من اخیه عمر ابن الخطاب و کان أسلم قبل عمر و کان طوالا أسمر فلما رجع عبد اللّه بن عمر قال له عمر ألا هلکت قبل زید فقال قد کنت حریصا علی ذلک و لکن اللّه اکرمه بالشهادة و فی روایة اخری قال له عمر ما جاء بک و قد هلک زید ألا واریت وجهک عنی قال فلما قتل زید وقعت الرایة فأخذها سالم مولی أبی حذیفة قال المسلمون یا سالم انا نخاف أن نؤتی من قبلک فقال بئس حامل القرآن أنا اذا اتیتم من قبلی قالوا و نادت الانصار ثابت بن قیس و هو یحمل رایتهم الزمها فانما ملاک القوم الرایة فتقدّم سالم مولی أبی حذیفة فحفر لرجلیه حتی بلغ أنصاف ساقیه و معه رایة المهاجرین و حفر ثابت لنفسه مثل ذلک ثم لزما رایتهما و لقد کان الناس یتفرّقون و ان سالما و ثابتا لقائمان ثابتان برایتیهما حتی قتل سالم و قتل أبو حذیفة مولاه فوجد رأس أبی حذیفة عند رجلی سالم و رأس سالم عند رجلی أبی حذیفة لقرب مصرع کل واحد منهما من صاحبه و فی الصفوة استشهد سالم یوم الیمامة آخذ اللواء بیمینه فقطعت ثم تناولها بشماله فقطعت ثم اعتنق اللواء و جعل یقرأ وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلی أَعْقابِکُمْ الی أن قتل قال ابن عمر کان سالم یؤم المهاجرین من مکة حتی قدم المدینة لانه کان أقرأ و فیهم أبو بکر و عمر بن الخطاب و قال سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یذکر سالما فقال انّ سالما شدید الحب للّه عز و جلّ و عن شهر بن حوشب قال قال عمر بن الخطاب لو استخلفت سالما مولی أبی حذیفة فسالنی عنه ربی ما حملک علی ذلک لقلت رب سمعت نبیک یقول یحب اللّه عز و جل حقا من قلبه و قتل یومئذ ثابت بن قیس بن شماس و کان قد ضرب فقطعت رجله فرمی بها قاتله فقتله و عن عبد اللّه بن عبید اللّه الانصاری قال کنت فیمن دفن ثابت بن قیس بن شماس و کان قتل بالیمامة فسمعناه حین أدخلناه القبر یقول محمد رسول اللّه أبو بکر الصدّیق عمر الشهید عثمان البر الرحیم فنظرنا فاذا هو میت أورده
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:213
فی الشفاء و فی الاکتفاء و لما قتل ثابت بن قیس بن شماس یوم الیمامة و معه رایة الانصار یومئذ و هو خطیبهم و سید من ساداتهم أری رجل من المسلمین فی منامه ثابت بن قیس یقول له انی موصیک بوصیة فایاک ان تقول هذا حلم فتضیعه انی لما قتلت بالامس جاء رجل من ضاحیة نجد و علیّ درعی فأخذها و اتی بها منزله فاکفأ علیها برمة و جعل علی البرمة رحلا و خباؤه فی اقصی العسکر الی جنب خبائه فرس ابلق یستن فی طوله فأت خالد بن الولید فأخبره فلیبعث الی درعی فلیأخذها و اذا قدمت علی خلیفة رسول اللّه فأخبره انّ علیّ من الدین کذا و لی من الدین کذا و سعد و مبارک غلامای حرّان فایاک أن تقول هذا حلم فتضیعه فلما اصبح الرجل اتی خالد بن الولید فأخبره فبعث خالد الی الدرع فوجدها کما قال و أخبره بوصیته فأجازها و لا نعلم أحدا من المسلمین اجیزت وصیته بعد موته الا ثابت ابن قیس بن شماس* و قد روی انّ بلال بن الحارث کان صاحب الرؤیا رواه الواقدی عن عبد اللّه ابن جعفر بن عبد الواحد بن أبی عون قال قال بلال رأیت فی منامی سالما مولی أبی حذیفة قال لی و نحن منحدرون من الیمامة الی المدینة انّ درعی مع الرفقة الذین معهم الفرس الابلق تحت قدرهم فاذا اصبحت فخذها من تحت قدرهم فاذهب بها الی أهلی و انّ علیّ شیئا من دین فمرهم یقضونه* قال بلال فأقبلت الی تلک الرفقة و قدرهم علی النار فألقیتها و أخذت الدرع و جئت أبا بکر فحدّثته الحدیث فقال نصدّق قولک و نقضی دینه الذی قلت* قال فلما قتل سالم مکثت الرایة ساعة لا یرفعها أحد فأقبل یزید بن قیس و کان بدریا فحملها حتی قتل ثم حملها الحکم بن سعید بن العاص فقاتل دونها نهارا طویلا ثم قتل* و قال وحشی اقتتلنا قتالا شدیدا فهزموا المسلمین ثلاث مرّات و کرّ المسلمون فی الرابعة و تاب اللّه علیهم و ثبت اقدامهم و صبروا لوقع السیوف و اختلفت بینهم و بین بنی حنیفة السیوف حتی رأیت شهب النار تخرج من خلالها حتی سمعت أصواتا کالاجراس و انزل اللّه علینا نصره و هزم اللّه بنی حنیفة فقتل اللّه مسیلمة قال و لقد ضربت بسیفی یومئذ حتی غری قائمته فی کفی من دمائهم* و قال ابن عمر لقد رأیت عمارا علی صخرة قد اشرف یصیح یا معشر المسلمین أمن الجنة تفرّون أنا عمار بن یاسر هلموا الیّ و أنا انظر الی اذنه تذبذب و قد قطعت* و قال سعد القرظی لقد رأیته یومئذ یقاتل قتال عشرة* و قال شریک الفزاری لما التقینا و القوم صبر الفریقان صبرا لم أر مثله قط ما تزول الاقدام فترا و اختلفت السیوف بینهم و جعل یقبل أهل السوابق و النیات فیتقدّمون فیقتلون حتی فنوا و دلفت فینا سیوفهم نهارا طویلا فانهزمنا و لقد أحصیت لنا ثلاث انهزامات و ما أحصیت لبنی حنیفة الا انهزامة واحدة و هی التی ألجأناهم فیها الی الحدیقة یعنی حدیقة لمسیلمة کانت یقال لها حدیقة الرحمن و بعد ذلک سمیت حدیقة الموت* و قال رافع بن خدیج شهدنا الیمامة سبعین من اللتب فلاقینا عدوّا صبر الوقع السلاح و جماعة الناس أربعة آلاف و بنو حنیفة مثل ذلک أو نحوه فلما التقینا أذّن اللّه للسیوف فینا و فیهم فجعلت السیوف فینا و فیهم تجتلی هام الرجال و اکفهم و جراحا لم أر جراحا قط أبعد غورا منها فینا و فیهم انی لا نظر الی عباد بن بشر قد ضرب بسیفه حتی انحنی کأنه منجل فیقیمه علی رکبتیه فعرض له رجل من بنی حنیفة فلما اختلفا ضربات ضربه عباد بن بشر علی العاتق مستمکنا فو اللّه لرأیت سحره بادیا و مضی عنه عباد و مررت بالحنفی و به رمق فأجهزت علیه و أنظر بعد الی عباد و قد اختلفت السیوف علیه و هو یبضع بها و یبعج بها بطنه فوقع و ما أعلم به مصحا و کانوا حنقوا علیه لانه اکثر القتل فیهم قال و حرصت علی قتلته فنادیت أصحابنا من اللتب فقمنا علیه و قتلنا قتلته فرأیتهم حوله مقتلین فقلت بعدا لکم* و قال ضمرة بن سعید المازنی و ذکر ردّة بنی حنیفة لم یلق المسلمون عدوّا أشدّ لهم نکایة منهم لقوهم بالموت الناقع و بالسیوف قد أصلتوها قبل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:214
النبل و قبل الرماح و قد صبر المسلمون لهم فکان المعول یومئذ علی أهل السوابق و نادی عباد بن بشر یومئذ و هو یضرب بالسیف قد قطع من الجراح و ما هو الا کالنمر الجرب فیلقی رجلا من بنی حنیفة کأنه جمل صؤل فقال هلم یا أخا الخزرج أ تحسب قتالنا مثل من لاقیت فیعمد له عباد و یبدره الحنفی و یضربه ضربة بالسیف فانکسر سیفه و لم یصنع شیئا و ضربه عباد فقطع رجلیه و جاوزه و ترکه ینوء علی رکبتیه فناداه یا ابن الاکارم أجهز علیّ فکرّ علیه عباد فضرب عنقه ثم قام آخر فی ذلک المقام فاختلفا ضربات و تجاولا و عباد علی ذلک کثیر الجراح فضربه عباد ضربة أبدی سحره و قال خذها و أنا ابن وقش ثم جاوزه یفری فی بنی حنیفة ضربا فریا فکان یقال قتل عباد یومئذ من بنی حنیفة بالسیف اکثر من عشرین رجلا و اکثر فیهم الجراح قال ضمرة فحدّثنی رجل من بنی حنیفة قدیم قال انّ بنی حنیفة لتذکر عباد بن بشر فاذا رأت الجراح بالرجل منهم تقول هذا ضرب محرب القوم عباد بن بشر و فی بعض الروایات عن حدیث رافع بن خدیج قال خرجنا من المدینة و نحن أربعة آلاف و أصحابنا من الانصار ما بین خمسمائة الی اربعمائة و علی الانصار ثابت بن قیس و یحمل رایتنا أبو لبابة فانتهینا الی الیمامة فننتهی الی قوم هم الذین قال اللّه تعالی ستدعون الی قوم أولی بأس شدید تقاتلونهم أو یسلمون فلما صففنا صفوفنا و وضعنا الرایات مواضعها لم یلبثوا أن حملوا علینا فهزمونا مرارا فنعود الی مصافنا و فیها خلل و ذلک انّ صفوفنا کانت مختلطة فیها حشو کثیر من الاعراب فی خلال صفوفنا فینهزم أولئک بالناس فیستخفون أهل البصائر و النیات حتی کثر ذلک منهم ثم انّ اللّه بمنه و کرمه و فضله رزقنا علیهم الظفر و ذلک انّ ثابت بن قیس نادی خالد بن الولید أخلصنا فقال ذلک إلیک فناد فی أصحابک قال فأخذ الرایة و نادی یا للانصار فتسللت إلیه رجلا رجلا فنادی خالد یا للمهاجرین فأحدقوا به و نادی عدی بن حاتم و مکنف بن زید الخیل بطی فثابت إلیهما طیّ و کانوا أهل بلاء حسن و عزلت الاعراب عنا ناحیة فقاموا من ورائنا غلوة أو اکثر و انما کنا نؤتی من الاعراب قال رافع و أجهضهم أهل السوابق و البصائر فهم فی نحورهم ما یجد أحد مدخلا الا أن یقتل رجلا منهم أو یخرج فیقع فیخلف مقامه آخر حتی أوجعنا فیهم و بان خلل صفوفهم و ضجوا من السیف ثم اقتحمنا الحدیقة فضاربوا فیها و غلقنا الحدیقة و أقمنا علی بابها رجلا لئلا یهرب منهم أحد فلما رأوا ذلک عرفوا أنه الموت فجدّوا فی القتال و دکت السیوف بیننا و بینهم ما فیها رمی بسهم و لا حجر و لا طعن برمح حتی قتلنا عدوّ اللّه مسیلمة* قیل لرافع یا أبا عبد اللّه أی القتلی کان اکثر قتلاکم أو قتلاهم قال قتلاهم اکثر من قتلانا أحسبنا قتلنا منهم ضعف ما قتلوا منا مرّتین فقد قتل من الانصار یومئذ زیادة علی السبعین و جرح منهم مائتان و لقد لاقینا بنی سلیم بالجواء و انهم لمجروحون فأبلوا بلاء حسنا قالت نسیبة أم عمارة لقد رأیت عدیا یومئذ یصیح بطیّ صبرا فداکم أبی و أمی لوقع الاسل و انّ ابنی زید الخیل لیقاتلان یومئذ قتالا شدیدا و کان أبو خیثمة النجاری یقول لما انکشف المسلمون یوم الیمامة تنحیت ناحیة و کأنی أنظر الی أبی دجانة یومئذ ما یولی ظهره منهزما و ما هو الا فی نحور القوم حتی قتل و کان یختال فی مشیته عند الحرب شجیة ما یستطیع غیر ذلک قال و کرّت علیه طائفة من بنی حنیفة فما زال یضرب بالسیف أمامه و عن یمینه و عن شماله فحمل علی رجل فصرعه و ما ینبس بکلمة حتی انفرجوا عنه و نکصوا علی أعقابهم و المسلمون مولون و قد ابیض ما بینهم و بینه فما تری الا المهاجرین و الانصار لا و اللّه ما أری أحدا یخالطهم فقاموا ناحیة و تلاحق الناس فدفعوا بنی حنیفة دفعة واحدة فانتهینا بهم الی الحدیقة فأقحمناهم ایاها* قال أبو دجانة ألقونی علی الترسة حتی أشغلهم و کانوا قد أغلقوا الحدیقة فأخذوه فألقوه علی الترسة و رفعوها علی رءوس الرماح حتی وقع فی الحدیقة و هو یقول لا ینجیکم منا الفرار
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:215
فضاربهم حتی فتحها و دخلنا علیه مقتولا و قد روی انّ البراء بن مالک هو المرمی به فی الحدیقة و الاوّل أثبت قال ثابت بن قیس یومئذ یا معشر الانصار اللّه اللّه و دینکم علمنا هؤلاء أمر أ ما کنا نحسنه ثم أقبل علی المسلمین فقال أف لکم و لما تعملون ثم قال خلوا بیننا و بینهم أخلصونا فأخلصت الانصار فلم تکن لهم ناهیة حتی انتهوا الی محکم بن الطفیل فقتلوه ثم انتهوا الی الحدیقة فدخلوها فقاتلوا أشدّ القتال حتی اختلطوا فیها فما یعرف بعضهم بعضا الا بالشعار و شعارهم أمت أمت ثم صاح ثابت صیحة یستجلب بها المسلمین یا أصحاب سورة البقرة یقول رجل من طی و اللّه ما معی منها آیة و انما یرید ثابت یا أهل القرآن* قال واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ لما ازحف المسلمون انکشفوا أقبح الانکشاف حتی ظنّ ظانهم أن لا تکون لهم فئة فی ذلک الیوم و الناس أوزاع قد هدأ حسهم و أشرت بنو حنیفة و أظهروا البغی و أو فی عباد بن بشر علی نشز من الارض ثم صاح بأعلی صوته أنا عباد بن بشریا للانصار یا للانصار ألا الیّ ألا الیّ فأقبلوا إلیه جمیعا و أجابوه لبیک لبیک حتی توافوا عنده فقال فداکم أبی و أمی حطموا جفون السیوف ثم حطم جفن سیفه فألقاه و حطمت الانصار جفون سیوفهم ثم قال حملة صادقة اتبعونی فخرج أمامهم حتی ساقوا بنی حنیفة منهزمین حتی انتهوا بهم الی الحدیقة فأغلقوا علیهم فأوفی عباد بن بشر علی الحدیقة و هم فیها فقال للرماة ارموا فرموا أهل الحدیقة بالنبل حتی ألجئوهم أن اجتمعوا فی ناحیة منها لا یطلع النبل علیهم ثم انّ اللّه فتح الحدیقة فاقتحم علیهم المسلمون فضاربوهم ساعة ثم أغلق عباد باب الحدیقة لما کل اصحابه و کره أن یفرّ بنو حنیفة و جعل یقول اللهم انی أبرأ إلیک مما جاءت به بنو حنیفة* قال واقد بن عمرو فحدّثنی من رأی عباد بن بشر ألقی درعه علی باب الحدیقة ثم دخل بالسیف صلتا فجالدهم حتی قتل* و قال أبو سعید الخدری سمعت عباد بن بشر یقول حین فرغنا من بزاخة یا أبا سعید رأیت اللیلة کأنّ السماء فرجت ثم أطبقت علیّ فهی ان شاء اللّه الشهادة قال قلت خیرا و اللّه قال أبو سعید فأنظر إلیه یوم الیمامة و انه لیصیح بالانصار یقول أخلصونا أخلصونا فأخلصوا أربعمائة رجل لا یخالطهم أحد یقدمهم البراء بن مالک و أبو دجانة سماک بن خرشة و عباد بن بشر حتی انتهوا الی باب الحدیقة* قال أبو سعید فرأیت بوجه عباد یعنی بعد قتله ضربا کثیرا و ما عرفته الا بعلامة کانت فی جسده و کان أبو بکر الصدّیق لما انصرف إلیه أسامة بن زید من بعثه الی الشام بعثه فی اربعمائة مدد الخالد بن الولید فأدرک خالدا قبل أن یدخل الیمامة بثلاث فاستعمله خالد علی الخیل مکان البراء بن مالک و أمر البراء أن یقاتل راجلا فاقتحم عن فرسه و کان راجلا لا راحلة له فلما انکشف الناس یوم الیمامة و انکشف أسامة بأصحاب الخیل صاح المسلمون یا خالد ولّ البراء بن مالک فعزل أسامة و ردّ الخیل الی البراء فقال له ارکب فی الخیل فقال البراء و هل لنا من خیل قد عزلتنی و فرّقت الناس عنی فقال له خالد لیس حین عتاب ارکب أیها الرجل فی خیلک أ لا تری ما لحم من الامر فرکب البراء فرسه و ان الخیل لاوزاع فی کل ناحیة و ما هی الا الهزیمة فجعل یلیح بسیفه و ینادی بأصحابه یا للانصار یا خیلاه یا خیلاه أنا البراء بن مالک فثابت إلیه الخیل من کل ناحیة و ثابت إلیه الانصار فارسها و راجلها* قال أبو سعید الخدری فقال لنا احملوا علیهم فداکم أبی و أمی حملة صادقة تریدون فیها الموت ثم أظهر التکبیر و کبرنا معه فما کان لنا ناهیة الا باب الحدیقة و قد غلقت دوننا و ازدحمنا علیهم فلم نزل حتی فتح اللّه و ظفرنا و له الحمد* و قال عبد اللّه بن أبی بکر بن حزم کان البراء فارسا و کان اذا حضرته الحرب أخذته رعدة و انتفض حتی یضبطه الرجال ملیا ثم یفیق فیبول بولا أحمر کأنه نقاعة الحناء فلما رأی ما یصنع الناس یومئذ من الهزیمة أخذه ما کان یأخذه فانتفض و ضبطه أصحابه و جعل یقول طدونی الی الارض فلمّا أفاق سری عنه مثل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:216
الاسد و هو یقول
أسعدنی ربی علی الانصارکانوا یدا طرّا علی الکفار
فی کل یوم ساطع الغبارفاستبدلوا النجاة بالفرار قال و ضرب بسیفه قدما حتی انفرجوا له و خاض غمرتهم و ثابت إلیه الانصار کأنها النحل تأوی الی یعسوبها و تلاومت الانصار فیما صنعت و حدث عن خالد بن الولید من سمعه یقول شهدت عشرین زحفا فلم أرقو ما أصبر لوقع السیوف و لا أضرب بها و لا أثبت أقداما من بنی حنیفة یوم الیمامة انا لما فرغنا من طلیحة الکذاب و لم تکن له شوکة قلت کلمة و البلاء موکل بالقول و ما بنو حنیفة ما هی الاکمن لقینا فلقینا قوما لیسوا یشبهون أحدا و لقد صبروا لنا من حین طلعت الشمس الی صلاة العصر حتی قتل عدوّ اللّه فما ضرب أحد من بنی حنیفة بعده بسیف و لقد رأیتنی فی الحدیقة و عانقنی رجل منهم و أنا فارس و هو فارس فوقعنا عن فرسینا ثم تعانقنا بالارض فأجؤه بخنجر فی سیفی و جعل یجؤنی بمعول فی سیفه فجرحنی سبع جراحات و قد جرحته جرحا أثبته فاسترخی فی یدی و ما بی حرکة من الجراح و قد نزفت من الدم الا أنه سبقنی بالاجل فالحمد للّه علی ذلک* و حدّث ضمرة بن سعید انه خلص یومئذ الی محکم بن الطفیل و هو یقول یا بنی حنیفة قاتلوا قبل أن تستحقب الکرائم غیر راضیات و ینکحن غیر حظیات و ما کان عندکم من حسب فأخرجوه فقد لحم الامر و احتیج الی ذلک منکم و جعل یقول یا بنی حنیفة ادخلوا الحدیقة سأمنع دابرکم و جعل یرتجز
لبئسما أوردنا مسیلمه‌أورثنا من بعده أغیلمه فدخلوا الحدیقة و غلقوها علیهم و رمی عبد الرحمن بن أبی بکر محکما بسهم فقتله فقام مقامه المعترض ابن عمه فقاتل ساعة حتی قتله اللّه* و فی غیر حدیث ضمرة انّ خالد بن الولید هو الذی قتل محکما حدّث الحارث بن الفضیل قال لما رأی محکم بن الطفیل من قتل قومه ما رأی جعل یصیح ادن یا أبا سلیمان فقد جاءک الموت الناقع قد جاءک قوم لا یحسنون الفرار فبلغت خالدا کلمته و هو فی مؤخر الناس فأقبل و هو یقول ها أنا ذا أبو سلیمان و کشف المغفر عن وجهه ثم حمل علی ناحیة محکم یخوض بنی حنیفة فاقحم علیه خالد فضربه ضربة أرعش منها ثم ثنی له باخری و هو یقول خذها و أنا أبو سلیمان فوقع میتا و کان عبد الرحمن بن أبی بکر قدر ماه بسهم قبل ذلک و منهم من یقول رماه عبد الرحمن بعد ضربة خالد و منهم من یقول لم یکن من سهم عبد الرحمن شی‌ء و قاتلت بنو حنیفة بعد قتل محکم بن الطفیل أشدّ القتال و هم یقولون لا بقاء بعد قتل محکم* و قال قائل لمسیلمة یا ابا ثمامة أین ما کنت وعدتنا قال أما الدین فلا دین و لکن قاتلوا عن أحسابکم فاستیقن القوم أنهم علی غیر شی‌ء* و قال وحشی لما اختلط الناس فی الحدیقة و أخذت السیوف بعضها بعضا نظرت الی مسیلمة و ما أعرفه و رجل من الانصار یریده و أنا من ناحیة اخری أریده فهززت من حربتی حتی رضیت منها ثم دفعتها علیه و ضربه الانصاری فربکم أعلم أینا قتله الا أنی سمعت امرأة فوق الدیر تقول قتله العبد الحبشی* و فی البخاری قال وحشی خرجت مع الناس فاذا رجل قائم فی ثلمة جدار کأنه جمل أورق ثائر الرأس فرمیته بحربتی فوضعتها بین ثدییه حتی خرجت من بین کتفیه و وثب إلیه رجل من الانصار فضربه بالسیف علی هامته فقالت جاریة علی ظهر بیت وا أمیر المؤمنین قتله العبد الاسود* و فی المنتقی و أما الانصاری فلا یشک انه أبو دجانة سماک بن خرشة و کان وحشی یقول قتلت خیر الناس فی الجاهلیة و شرّ الناس فی الاسلام یعنی حمزة و مسیلمة قیل قتل مسیلمة بحربة قتل بها حمزة و کان معاویة بن أبی سفیان یقول أنا قتلته و قال أبو الحویرث ما رأیت أحدا قط یشک انّ عبد اللّه بن زید الانصاری ضرب مسیلمة و زرقه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:217
وحشیّ فقاتلاه جمیعا و ذکر عمر بن یحیی المازنی عن عبد اللّه بن زید انه کان یقول أنا قتلته و کانت أم عبد اللّه بن زید و هی أم عمارة نسیبة بنت کعب تقول انّ ابنها عبد اللّه هو الذی قتله و کانت ممن شهد ذلک الیوم و قطعت فیه یدها و ذلک انّ ابنها حبیب بن زید کان مع عمرو بن العاص بعمان عند ما توفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فلما بلغ ذلک عمروا أقبل من عمان یرید المدینة فسمع به مسیلمة فاعترض له فسبقه عمرو و کان حبیب بن زید و عبد اللّه بن وهب الاسلمی فی الساقة فأصابهما مسیلمة فقال لهما أتشهد ان انی رسول اللّه فقال له الاسلمی نعم فأمر به فحبس فی حدید و قال له حبیب لا أسمع فقال أ تشهد ان محمدا رسول اللّه قال نعم فأمر به فقطع و کلما قال له أ تشهد انی رسول اللّه قال لا اسمع فاذا قال أتشهد ان محمدا رسول اللّه قال نعم حتی قطعه عضوا عضوا حتی قطع یدیه من المنکبین و رجلیه من الورکین ثم أحرقه بالنار و هو فی کل ذلک لا ینزع عن قوله و لا یرجع عما بدأ به حتی مات فی النار* فلما تهیأ بعث خالد ابن الولید الی الیمامة جاءت أم عمارة الی أبی بکر الصدیق فاستأذنته فی الخروج فقال لها أبو بکر ما مثلک یحال بینه و بین الخروج قد عرفناک و عرفنا جراءتک فی الحرب فاخرجی علی اسم اللّه قالت فلما انتهوا الی الیمامة و اقتتلوا تداعت الانصار أخلصونا فأخلصوا قالت فلما انتهینا الی الحدیقة ازدحمنا علی الباب و أهل النجدة من عدوّنا فی الحدیقة قد انحازوا یکونون فئة لمسلمة فاقتحمنا فضاربناهم ساعة و اللّه ما رأیت أبذل لمهج أنفسهم منهم و جعلت أقصد عدوّ اللّه مسیلمة لان أراه و لقد عاهدت اللّه لئن رأیته لا أکذب عنه أو اقتل دونه و جعلت الرجال تختلط و السیوف بینهم تختلف و خرس القوم فلا صوت الا وقع السیوف حتی بصرت بعدوّ اللّه فشددت علیه و عرض لی منهم رجل فضرب یدی فقطعها فو اللّه ما عرّجت علیها حتی انتهیت الی الخبیث و هو صریع و أجدا بنی عبد اللّه قد قتله* و فی روایة و ابنی یمسح سیفه بثیابه فقلت أ قتلته قال نعم یا أمه فسجدت للّه شکرا و قطع اللّه دابرهم فلما انقطعت الحرب و رجعت الی منزلی جاءنی خالد بن الولید بطبیب من العرب فداوانی بالزیت المغلی و کان و اللّه أشدّ علیّ من القطع و کان خالد کثیر التعاهد لی حسن الصحبة لنا یعرف لنا حقنا و یحفظ فینا وصیة نبینا* قال عباد قلت یا جدّة کثرت الجراح فی المسلمین فقالت یا بنی لقد نحاجز الناس و قتل عدوّ اللّه و انّ المسلمین لجرحی کلهم لقد رأیت ابنی أبی مجروحین ما بهم حرکة و لقد رأیت بنی مالک بن النجار بضعة عشر رجلا لهم أنین یکمدون لیلتهم بالنار و لقد أقام الناس بالیمامة خمس عشرة لیلة و قد وضعت الحرب أوزارها و ما یصلی مع خالد بن الولید من المهاجرین و الانصار إلا نفر یسیر* و عن محمد بن یحیی بن حبان قال جرحت أم عمارة یوم الیمامة أحد عشر جرحا بین ضربة بسیف أو رمیة بسهم أو طعنة برمح و قطعت یدها سوی ذلک و کان أبو بکر یأتیها و یسأل عنها و هو یومئذ خلیفة و قتل یوم الیمامة حاجب بن زید بن تمیم الاشهلی و أبو عقیل الازرقی و بشر بن عبد اللّه و عامر بن ثابت العجلانی* و عن محمد بن محمود بن لبید قال لما قتل خالد بن الولید من أهل الیمامة من قتل کانت لهم فی المسلمین أیضا مقتلة عظیمة حتی أبیح أکثر أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قیل لا تغمد السیوف بیننا و بینهم ما دام عین تطرف و کان فیمن بقی من المسلمین جراحات کثیرة فلما امسی مجاعة بن مرارة ارسل الی قومه لیلا أن ألبسوا السلاح النساء و الذریة و العبید ثم اذا أصبحتم فقوموا مستقبلی الشمس علی حصونکم حتی یأتیکم أمری و بات خالد و المسلمون یدفنون قتلاهم فلما فرغوا رجعوا الی منازلهم و باتوا یتکمدون بالنار من الجراح فلما أصبح خالد أمر بمجاعة فسیق معه فی الحدید فجعل یسبر القتلی و هو یرید مسیلمة فمرّ برجل و سیم فقال یا مجاعة أ هو هذا قال لا هذا و اللّه أکرم منه هذا محکم بن الطفیل ثم قال مجاعة انّ الذی تبتغون رجل ضخم أشعر البطن و
الظهر أبجر بجرته مثل القدح مطرف احدی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:218
العینین و یقال هو اریحل أصیغر أخینس قال و امر خالد بالقتلی فکشفوا حتی وجد الخبیث فوقف علیه خالد فحمد اللّه کثیرا و أمر به فألقی فی البئر التی کان یشرب منها قالوا و لما أمسینا أخذنا شغل السعف ثم جعلنا نحفر لقتلانا حتی دفناهم جمیعا بدمائهم و ثیابهم و ما صلینا علیهم و ترکنا قتلی بنی حنیفة فلما صالحوا خالدا طرحوهم فی الآبار و کان خالد یری انه لم یبق من بنی حنیفة احد الا من لا ذکر له و لا قتال عنده فقال خالد لما وقف علی مسیلمة مقتولا یا مجاعة هذا صاحبکم الذی فعل بکم الافاعیل ما رأیت عقولا أضعف من عقول اصحابکم مثل هذا فعل بکم ما فعل فقال مجاعة قد کان ذلک یا خالد و لا تظنّ انّ الحرب انقطعت بینک و بین بنی حنیفة و ان قتلت صاحبهم انه و اللّه ما جاءک إلا سرعان الناس و انّ جماعة الناس و اهل البیوتات لفی الحصون فانظر فرفع خالد بن الولید رأسه و هو یقول قاتلک اللّه ما تقول قال أقول و اللّه الحق فنظر خالد فاذا السلاح و اذا الخلق علی الحصون فرأی امرا غمه ثم تشدّد ساعتئذ و أدرکته الرجولیة فقال لاصحابه یا خیل اللّه ارکبوا و جعل یدعو بسلاحه و یقول یا صاحب الرایة قدّمها و المسلمون کارهون لقتالهم قد ملوا الحرب و قتل من قتل و عامة من بقی جریح* و قال مجاعة أیها الرجل انی لک ناصح انّ السیف قد أفناک و أفنی غیرک فتعال أصالحک عن قومی و قد أخل بخالد مصاب اهل السابقة و من کان یعرف عند العناء فرق و أحب الموادعة مع عجف الکراع و اصطلحا علی الصفراء و البیضاء و الحلقة و الکراع و نصف السبی ثم قال مجاعة آتی القوم فأعرض علیهم ما صنعت قال فانطلق فذهب ثم رجع فأخبره انهم قد أجازوه فلما بان لخالد أنه انما هو نصف السبی قال ویلک یا مجاعة خدعتنی فی یوم مرتین قال مجاعة قومی فما أصنع و ما وجدت من ذلک بدّا* و قال أسید بن حضیر و أبو نائلة لخالد لما صالح یا خالد اتق اللّه و لا تقبل الصلح قال خالد و اللّه قد أفناکم السیف قال أسید و انه قد أفنی غیرنا أیضا قال فمن بقی منکم جریح قال و کذلک من بقی من القوم جرحی لا ندخل فی الصلح أبدا أغد بنا علیهم حتی یظفرنا اللّه بهم أو نبید عن آخرنا احملنا علی کتاب أبی بکر ان أظفرک اللّه ببنی حنیفة فلا تبق علیهم فقد أظفرنا اللّه و قتلنا رأسهم فمن بقی منهم أکل شوکه فبیناهم علی ذلک اذ جاء کتاب أبی بکر یقطر الدم و یقال انهم لم یمسوا حتی قدم مسلمة بن سلامة بن وقش من عند أبی بکر بکتابین فی أحدهما* بسم اللّه الرحمن الرحیم أما بعد فاذا جاءک کتابی فانظر فان أظفرک اللّه ببنی حنیفة فلا تستبق منهم رجلا جرت علیه الموسی فتکلمت الانصار فی ذلک و قالوا أمر أبی بکر فوق أمرک فلا تستبق منهم فقال خالد انی و اللّه ما صالحت القوم الا لما رأیت من رقتکم و لما نهکت الحرب منکم و قوم قد صالحتهم و مضی الصلح فیما بینی و بینهم و اللّه لو لم یعطونا شیئا ما قاتلتهم و قد أسلموا* قال أسید بن حضیر قد قتلت مالک بن نویرة و هو مسلم فسکت عنه خالد فلم یجبه و کان خالد قد خطب الی مجاعة ابنته و کانت اجمل أهل الیمامة فقال له مجاعة مهلا انک قاطع ظهری و ظهرک عند صاحبک انّ القالة علیک کثیرة و ما أقول هذا رغبة عنک فقال له خالد زوّجنی أیها الرجل فانه ان کان أمری عند صاحبی علی ما أحب فلن یفسده ما تخاف علیّ و ان کان علی ما أکره فلیس هذا بأعظم الامور فقال له مجاعة قد نصحتک و لعل هذا الامر لا یکون عیبه الا علیک ثم زوّجه فلما بلغ ذلک أبا بکر غضب و قال لعمر بن الخطاب انّ خالدا لحریص علی النساء حین یصاهر عدوّه و ینسی مصیبته فوقع عمر فی خالد و عظم الامر ما استطاع فکتب أبو بکر الی خالد مع مسلمة بن سلامة یا خالد بن أم خالد انک لفارغ تنکح النساء و تعرّس بهنّ و ببابک دماء ألف و مائتین من المسلمین لم تجف بعد ثم خدعک مجاعة عن رأیک فصالحک عن قومه و قد أمکنک اللّه منهم* فلما نظر خالد فی الکتاب قال هذا عمل عمر و کتب الی أبی بکر جواب کتابه مع أبی برزة
الاسلمی أما بعد فلعمری ما تزوّجت النساء حتی تم لی السرور و قرّت بی الدار و ما تزوّجت الا الی امرئ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:219
لو عملت إلیه من المدینة خاطبا لم ابل دع انی استثرت خطبتی إلیه من تحت قدمی فان کنت قد کرهت لی ذلک لدین أو دنیا أعتبتک و أما حسن عزائی علی قتلی المسلمین فو اللّه لو کان الحزن یبقی حیا أو یردّ میتا لأبقی حزنی الحی و ردّ المیت و لقد اقتحمت فی طلب الشهادة حتی أیست من الحیاة و أیقنت بالموت و أما خدعة مجاعة ایای عن رأیی فانی لم أخطئ رأی یومی و لم یکن لی علم بالغیب و قد صنع اللّه للمسلمین خیرا أورثهم الارض و جعل لهم عاقبة المتقین* فلما قدم الکتاب علی أبی بکر رق بعض الرقة و تم عمر علی رأیه الاوّل فی عیب خالد بما صنع و وافقه علی ذلک رهط من قریش فقام أبو برزة الاسلمی فعذر خالدا و قال یا خلیفة رسول اللّه ما یؤبن خالد بجبن و لا خیانة و لقد اقتحم حتی أعذر و صبر حتی ظفر و ما صالح القوم الاعلی رضاه و ما أخطأ رأیه بصلح القوم اذ لا یری النساء فی الحصون الا رجالا فقال أبو بکر صدقت لکلامک هذا أولی بعذر خالد من کتابه الیّ* و لما فرغ خالد من الصلح أمر بالحصون فألزمها الرجال و حلف مجاعة باللّه لا یغیب عنه شیئا مما صالحه علیه و لا یعلم أحدا غیبه الا رفعه الی خالد ثم فتحت الحصون فأخرج سلاحا کثیرا فجمعه خالد علی حدة و أخرج ما وجد فیها من دنانیر و دراهم فجمعه علی حدة و جمع کراعهم و ترک الخف و لم یحرّکه و لا الرثة ثم أخرج السبی فقسمه قسمین ثم أقرع علی القسمین فخرج سهمه علی أحدهما و فیه مکتوب للّه ثم جزأ الذی صار له من السبی علی خمسة أجزاء ثم کتب علی سهم منها للّه و جزأ الکراع و الحلقة هکذا و وزن الذهب و الفضة فعزل الخمس و قسم علی الناس الاربعة الاخماس و أسهم للفرس سهمین و لصاحبه سهما و عزل الخمس من ذلک کله حتی قدم به علی أبی بکر و لما انقطعت الحرب بین خالد و بین أهل الیمامة تحوّل من منزله الذی کان فیه الی منزل آخر ینتظر کتاب أبی بکر یأمره ان ینصرف إلیه بالمدینة* و حدث زید بن أسلم عن أبیه قال کان أبو بکر حین وجه خالدا الی الیمامة رأی فی النوم کأنه أتی بتمر من هجر فأکل منها تمرة واحدة وجدها نواة علی خلقة التمرة فلاکها ساعة ثم رمی بها فتأوّلها فقال لیلقین خالد من أهل الیمامة شدّة و لیفتحن اللّه علی یدیه ان شاء اللّه فکان أبو بکر یستروح الخبر من الیمامة بقدر ما یجئ رسول خالد فخرج أبو بکر یوما بالعشی الی ظهر الحرّة یرید أن یبلغ صرارا و معه عمر بن الخطاب و سعید بن زید و طلحة بن عبید اللّه و نفر من المهاجرین و الانصار فلقی أبا خیثمة النجاری قد أرسله خالد فلما رآه أبو بکر قال له ما وراءک یا أبا خیثمة قال خیرا یا خلیفة رسول اللّه قد فتح اللّه علینا الیمامة قال فسجد أبو بکر قال أبو خیثمة و هذا کتاب خالد إلیک فحمد اللّه أبو بکر و أصحابه ثم قال أخبرنی عن الوقعة کیف کانت فجعل أبو خیثمة یخبره کیف صنع خالد و کیف صف أصحابه و کیف انهزم المسلمون و من قتل منهم فجعل أبو بکر یسترجع و یترحم علیهم و جعل أبو خیثمة یقول یا خلیفة رسول اللّه أتینا من قبل الاعراب انهزموا بنا و عوّدونا ما لم نکن نحسن حتی أظفرنا اللّه بعد ثم قال أبو بکر کرهت رؤیا رأیتها کراهیة شدیدة و وقع فی نفسی انّ خالدا سیلقی مهم شدّة و لیت خالدا لم یصالحهم و انه حملهم علی السیف فما بعد هؤلاء المقتولین یستبقی أهل الیمامة و لن یزالوا من کذابهم فی بلیة الی یوم القیامة الا أن یعصمهم اللّه ثم قدم بعد ذلک وفد الیمامة مع خالد علی أبی بکر* و قال أبو بکر لخالد سم لی أهل البلاء فقال یا خلیفة رسول اللّه کان البلاء للبراء بن مالک و الناس له تبع و لما قدم خالد المدینة لم یبق بها دار الا و فیها باکیة لکثرة من قتل معه من الناس فبکی أبو بکر لما رأی ذلک و کانت وقعة الیمامة فی ربیع الاوّل من سنة ثنتی عشرة و اختلف فی عدد من استشهد فیها من المسلمین فأکثر ما فی ذلک ما وقع فی کتاب أبی بکر الی خالد انّ ببابک دماء ألف و مائتین من المسلمین* و قال سالم بن عبد الله
بن عمر قتل یوم الیمامة ستمائة من المهاجرین و الانصار و غیر ذلک* و قال زید بن طلحة قتل یوم الیمامة من قریش سبعون و من الانصار سبعون و من سائر الناس خمسمائة* و عن أبی سعید
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:220
الخدری قال قتلت الانصار فی مواطن أربعة سبعین سبعین یوم أحد سبعین و یوم بئر معونة سبعین و یوم الیمامة سبعین و یوم جسر أبی عبیدة سبعین و قتل اللّه من بنی حنظلة یوم الیمامة عددا کثیرا ففی کتاب یعقوب الزهری انه قتل منهم أکثر من سبعة آلاف و عن غیره انه أصیب یومئذ من صمیم بنی حنیفة سبعمائة مقاتل کذا فی الاکتفاء* و فی المنتقی کان عدد بنی حنیفة یومئذ أربعین ألف مقاتل فقتل من المسلمین ألف و مائتان و قیل ألف و ثمانمائة و من المشرکین نحو عشرین ألفا و قیل عشرة آلاف* و فی شواهد النبوّة کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال لعلیّ انه سیملک سبیة من سبایا بنی حنیفة فوصاه ان رزق منها ولدا أن یسمیه باسمه و یکنیه بکنیته فلما فتحت الیمامة فی خلافة أبی بکر و أتی بالسبایا من بنی حنیفة أعطی أبو بکر علیا الحنفیة فولدت له محمد المشهور بابن الحنفیة* و فی المشکاة عن محمد بن الحنفیة عن أبیه قال قلت یا رسول اللّه أ رأیت ان ولد لی بعدک ولد أسمیه باسمک و أکنیه بکنیتک قال نعم رواه أبو داود*

قصة زرقاء الیمامة

و فی الفوائد بلد مسیلمة الکذاب مدینة الآن اسمها الیمامة و یقال لها حجر الیمامة و یقال لها جوّ الیمامة و هی بلد معروف فی الیمن و الیمامة فی الاصل اسم امرأة زرقاء یقال لها زرقاء الیمامة یضرب بها الامثال فی حدّة البصر فیقال أبصر من زرقاء الیمامة و هی الیمامة بنت مرّة من ذرّیة ارم بن سام بن نوح فسمیت تلک المدینة باسم تلک المرأة* و فی القاموس و بلاد الجوّ تنسب إلیها سمیت باسمها و هی أکثر نخیلا من سائر الحجاز و بها تنبأ مسیلمة الکذاب و هی دون المدینة فی وسط الشرق عن مکة علی ست عشرة مرحلة من البصرة و عن الکوفة نحوها* و فی الفوائد و قد روی ان تبع بن بنان بن تبع لما جیش الجیوش لحصر هذه المدینة التی هی الیمامة فسار حتی بقی بینه و بین هذه المدینة مسیرة ثلاثة أیام فقال رباح بن مرّة أخو الیمامة بنت مرّة المذکورة لتبع أیها الملک انّ لی أختا مزوّجة لیس علی وجه الارض أبصر منها فانها تبصر الراکب من مسیرة ثلاثة ایام و أخاف أن تنذر قومها فقال تبع و ما الرأی فی ذلک فقال له رباح بن مرّة الرأی فی ذلک ان تأمر أهل العسکر أن یقلعوا أشجارا و یحملوها أمامهم فأمرهم تبع بذلک ففعلوا فنظرت الیمامة فرأتهم فقالت یا قوم رأیت عجبا قالوا و ما هو قالت لهم انی رأیت الاشجار تمشی علی وجه الارض یحملها الرجال و انی لاری رجلا خلف شجرة ینهش کتفا أو یخصف نعلا فکذبوها فأنشدت أبیاتا تحرّضهم فیها علی القتال
انی أری شجرا من خلفها بشرفکیف تجتمع الاشجار و البشر
ثوروا بأجمعکم فی صدر أوّلهم‌فان ذلک منکم فاعلموا ظفر فلم یعبأ القوم بما قالت حتی صبح العدوّ علیهم فقتلوهم و سبوا ذراریهم فلما فرغوا دعا الملک بالیمامة بنت مرّة فنزعت عیناها و وجدوا فی عینیها عروقا سودا فسألها الملک عن ذلک فقالت انی کنت اکتحل بحجر أسود یقال له الاثمد فبقی فی عینیّ و هی أوّل من اکتحل بالاثمد فاتخذه الناس کحلا من ذلک الوقت الی الآن* و روی انّ هذه المرأة کانت ذات یوم قاعدة فی قصرها فنظرت فی الجوّ فرأت حماما یطیر فتمنت أن یکون لها مثل ذلک الحمام و مثل نصفه الی حمامة کانت عندها فیکون عدد الحمام مائة فقالت هذا البیت
لیت الحمام لیه‌الی حمامتیه
أو نصفه قدیه‌تم الحمام میه هذا البیت من بحر البسیط و کان عدة الحمام التی رأتها هذه المرأة ستة و ستین و نصفه ثلاثة و ثلاثون مجموع ذلک تسعة و تسعون فاذا انضم الی حمامتها یکون جملته مائة حمامة کاملة و الی هذه المرأة و قولها أشار النابغة بقوله حیث قال
و احکم کحکم فتاة الحیّ اذ نظرت‌الی حمام سراع وارد الثمد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:221 قالت ألا لیتما هذا الحمام لناالی حمامتنا أو نصفه فقد
فحسبوه فلا قوه کما حسبت‌تسعا و تسعین لم تنقص و لم تزد
فکملت مائة فیها حمامتهاو أسرعت حسبة فی ذلک العدد انتهی ما فی الفوائد* و بعث أبو بکر خالد بن الولید فسار الی الحیرة و صالح أهلها ثم سار الی أمغیشیا و خربها و کان بها أملاک لاهل الحیرة فلما رأوا خالدا خرب أملاکهم نقضوا العهد و حاربوه فقتل رئیسهم و انهزم الباقون ثم سار خالد الی الخورنق و بعث مثنی بن حارثة الی حرب الحیرة فحاصرهم و ضیق علیهم الامر و کان رئیسهم عمرو بن عبد المسیح بن قیس بن حیان بن الحارث و هو بقیلة و انما سمی بقیلة لانه خرج علی قومه فی بردین أخضرین فقالوا له یا حارث ما أنت الا بقیلة خضراء فاشتهر بذلک قال فخرج عمر و الی خالد فصالحه قالوا و کان مع عمرو منصف له معلق کیسا فی حقوه فتناول خالد الکیس و نثر ما فیه فی راحته و قال ما هذا یا عمر و قال هذا و أمانة اللّه سم ساعة قال و لم تحتقنه قال خشیت ان تکونوا علی غیر ما رأیت و قد أتیت علی أجلی و الموت أحب الیّ من مکروه أدخله علی قومی فقال خالد لن تموت نفس حتی تأتی علی أجلها و قال بسم اللّه خیر الاسماء و رب الارض و السماء لیس یضرّ مع اسمه داء فأهووا إلیه لیمنعوه فبادرهم و ابتلع السم فقال عمرو و اللّه یا معشر العرب لتملکنّ ما أردتم ما دام منکم أحد أیها القرن و أقبل علی أهل الحیرة و قال لم أر کالیوم أوضح اقیالا کذا فی الاکتفاء* و فی المنتقی روی عن علی بن حرب انه قال انّ عبد المسیح بن بقیلة هو الذی صالح خالد بن الولید علی أهل الحیرة و قد کان له أربعمائة سنة و کان ذلک المال أوّل مال ورد علی أبی بکر*

بعث أبی بکر العلاء الحضرمی الی البحرین‌

و بعث أبو بکر العلاء الحضرمی الی البحرین الی أهل الردّة* و فی حیاة الحیوان بعث العلاء الحضرمی الی البحرین فسلکوا مفازة و عطشوا عطشا شدیدا حتی خافوا الهلاک فنزل و صلی رکعتین ثم قال یا حلیم یا علیم یا علیّ یا عظیم اسقنا فجاءت سحابة کأنها جناح طائر فقعقعت عایهم و أمطرت حتی ملئوا الانیة و سقوا الرکاب قال ثم انطلقنا حتی أتینا دارین و البحر بیننا و بینهم* و فی روایة أتینا علی خلیج من البحر ما خیض فیه قبل ذلک الیوم و لا خیض بعد فلم نجد سفنا و کان المرتدون قد أحرقوا السفن فصلی رکعتین ثم قال یا حلیم یا علیم یا علیّ یا عظیم أجزنا ثم أخذ بعنان فرسه ثم قال جوزوا بسم اللّه* قال أبو هریرة فمشینا علی الماء فو اللّه ما ابتل لنا قدم و لا خف و لا حافر و کان الجیش أربعة آلاف* و فی روایة و کان البحر مسیرة یوم و سخر هجر* و فی الاکتفاء سار العلاء بن الحضرمی الی الخط حتی نزل علی الساحل فجاءه نصرانی فقال له ما لی ان دللتک علی مخاضة تخوض منها الخیل الی ذا رین قال و ما تسألنی قال أهل بیت بدارین قال هم لک فخاض به و بالخیل إلیهم فظهر علیهم عنوة و سبی أهلها ثم رجع الی عسکره* و قال ابراهیم بن أبی حبیبة حبس لهم البحر حتی خاضوا إلیهم و جاوزه العلاء و أصحابه مشیا علی أرجلهم و کانت تجری فیه السفن قبل ثم جرت فیه بعد فقاتلهم فأظفره اللّه بهم و سلموا له ما کانوا منعوا من الجزیة التی صالحهم علیها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و یروی انه کان للعلاء بن الحضرمی و من کان معه جؤار الی اللّه تعالی فی خوض هذا البحر فأجاب اللّه دعاءهم و فی ذلک یقول عفیف بن المنذر و کان شاهدا معهم
أ لم تر أن اللّه ذلل بحره‌و أنزل بالکفار احدی الجلائل
دعانا الذی شق البحار فجاءنابأعظم من فلق البحار الاوائل و فی حدیث غیره لما رأی ذلک أهل الردّة من أهل البحرین سألوه الصلح علی ما صالحه علیه أهل هجر و فی الصفوة عن سهم بن سنجاب فی غزوة دارین قال یا علیم یا حلیم یا علیّ یا عظیم انا عبیدک فی سبیلک نقاتل عدوّک اللهمّ اجعل لنا إلیهم سبیلا فنقتحم البحر فخضنا ما یبلغ لبودنا فخرجنا إلیهم فلما رجع أخذه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:222
وجع البطن فمات فطلبنا الماء نغسله فلم نجده فلففناه فی ثیابه فدفناه فسرنا غیر بعید فاذا نحن بماء کثیر فقال بعضنا لبعض لو رجعنا فاستخرجناه ثم غسلناه فرجعنا فطلبناه فلم نجده فقال رجل من القوم سمعته یقول یا علیّ یا عظیم یا حلیم یا علیم أخف موتی أو کلمة نحوها و لا تطلع علی عورتی أحدا فرجعنا و ترکناه* و فی الصفوة عن عمرو بن ثابت قال دخلت فی أذن رجل من أهل البصرة حصاة فعالجها الاطباء فلم یقدروا علیها حتی وصلت الی صماخه فأسهرت لیله و نغصت عیش نهاره فأتی رجلا من أصحاب الحسن فشکی ذلک إلیه فقال و یحک ان کان شی‌ء ینفعک اللّه به فدعوة العلاء الحضرمی التی دعا بها فی البحرین و فی المفازة قال و ما هی رحمک اللّه قال یا علیّ یا عظیم یا حلیم یا علیم فدعا بها فو اللّه ما برحنا حتی خرجت من أذنه لها طنین حتی صکت الحائط و برأ*

(ذکر الغزو الی الشام و ما وقع فی نفس أبی بکر من ذلک و ما قوّی عزمه علیه)

اشارة

* فی الاکتفاء حدّث سهل بن سعد الساعدی قال لما فرغ أبو بکر من أهل الردّة و استقامت له العرب حدّث نفسه بغزو الروم و لم یطلع علیه أحد فبینما هو کذلک اذ رأی شرحبیل بن حسنة فی المنام صورة غزو الشام و بعث أبی بکر جندا فجاءه شرحبیل و جلس إلیه فقال یا خلیفة رسول اللّه أ حدّثت نفسک أن تبعث الی الشأم جندا قال نعم حدثت نفسی بذلک و ما یطلع علیه أحد و ما سألتنی الا لشیئ فأخبره شرحبیل بما رأی فأوّل أبو بکر ببعثه جندا الی الشام و فتحها علیهم ثم انه بعد ذلک أمر الامراء و بعث الی الشام البعوث* و عن عبد اللّه بن أبی أوفی الخزاعی و کانت له صحبة قال لما أراد أبو بکر أن یجهز الجنود الی الشام دعا عمر و عثمان و علیا و عبد الرحمن بن عوف و طلحة و الزبیر و سعد بن أبی وقاص و أبا عبیدة بن الجراح و وجوه المهاجرین و الانصار من أهل بدر و غیرهم و شاورهم و کلهم استصوبوا رأی أبی بکر و قالوا ما رأیت من الرأی فأمضه فانا سامعون لک مطیعون لا نخالف أمرک و علیّ فی القوم لا یتکلم فقال له أبو بکر ما ذا تری یا أبا الحسن فقال اری انک مبارک الامر میمون النقیبة فانک ان سرت إلیهم بنفسک أو بعثت إلیهم نصرت ان شاء اللّه تعالی قال بشرک اللّه بخیر و من أین علمت هذا قال سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول لا یزال هذا الدین ظاهرا علی کل من ناواه حتی تقوم الساعة و أهله ظاهرون فقال أبو بکر سبحان اللّه ما أحسن هذا الحدیث لقد سررتنی سرّک اللّه فی الدنیا و الآخرة ثم انه قام فی الناس خطیبا و رغب الناس فی الجهاد ثم أمر بلالا فأذن فی الناس انفروا أیها الناس الی جهاد عدوّکم الروم بالشأم و أمیر الناس خالد بن سعید و کان خالد بن سعید من عمال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی الیمن فلما ولاه أبو بکر الجند الذی استنفر الی الشام أتی عمر أبا بکر و منعه من ذلک و کان أبو بکر لا یخالف عمر و لا یعصیه فدعا یزید بن أبی سفیان و أبا عبیدة بن الجراح و شرحبیل بن حسنة فقال انی باعثکم فی هذا الوجه و مؤمرکم علی هذا الجند و انی باعث علی کل رجل منکم من الرجال ما قدرت علیه فاذا قدمتم البلد و لقیتم العدوّ فاجتمعتم علی قتالهم فأمیرکم أبو عبیدة بن الجراح و ان أبو عبیدة لم یلقکما و جمعتکما حرب فیزید بن أبی سفیان الامیر و أمروا بالعسکر مع هؤلاء الثلاثة و بلغ ذلک خالد بن سعید فتهیأ بأحسن هیئة ثم أقبل الی أبی بکر و سلم علیه و علی المسلمین ثم جلس فقال لابی بکر أما انک کنت ولیتنی أمر الناس و أنت غیر متهم و رأیک فیّ حسن افعل ما تری فخرج هو و اخوته و غلمته و من معه فکانوا أوّل خلق اللّه عسکر ثم خرج الناس الی معسکرهم و کتب أبو بکر الی الیمن یستنفرهم یدعوهم الی الجهاد و یرغبهم فی ثوابه و بعث الکتاب مع انس بن مالک فبلغ الیمن و قرأ الکتاب علی أهلها فأجابوا حتی انتهی الی ذی الکلاع فلما قرأ علیه الکتاب دعا بفرسه و سلاحه و نهض فی قومه و أمر بالعسکر فعسکر معه جموع کثیرة من اهل الیمن و سارعوا فنفر فی ناس کثیر و أقبل بهم الی أبی بکر فرجع انس فسبقه بأیام فوجد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:223
أبا بکر بالمدینة و وجد ذلک العسکر علی حاله و أبو عبیدة یصلی بذلک العسکر فلما قدمت حمیر معها أولادها و نساؤها فرح بهم أبو بکر و قام و قال عباد اللّه أ لم نکن نتحدّث فنقول اذا مرت حمیر معها أولادها نصر اللّه المسلمین و خذل المشرکین فأبشروا أیها المسلمون قد جاءکم النصر* قال و جاء قیس ابن هبیرة بن مکشوح المرادی معه جموع کثیرة حتی سلم علی أبی بکر ثم جلس فقال له ما تنتظر ببعثة هذه الجنود قال ما کنا ننتظر الا قدومکم قال فقد قدمنا فابعث الناس الاوّل فالاوّل فانّ هذه البلدة لیست ببلدة خف و لا کراع قال فعند ذلک خرج فدعا یزید بن أبی سفیان فعقد له و دعا ربیعة بن عامر من بنی عامر بن لؤیّ فعقد له ثم قال له أنت مع یزید بن أبی سفیان لا تعصه و لا تخالفه ثم قال لیزید ان رأیت ان تولیه مقدّمتک فافعل فانه من فرسان العرب و صالحاء قومک و أرجو أن یکون من عباد اللّه الصالحین ثم خرج أبو بکر یمشی و یزید راکب فقال له یزید یا خلیفة رسول اللّه اما أن ترکب و اما أن تأذن لی فأمشی معک فانی أکره أن أرکب و أنت تمشی فقال أبو بکر ما أنا براکب و ما أنت بنازل انی أحتسب خطای هذه فی سبیل اللّه* و فی الریاض النضرة عن ابن عمر أنّ أبا بکر مشی مع یزید بن أبی سفیان نحوا من میلین فقیل له یا خلیفة رسول اللّه لو انصرفت فقال لا انی سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول من اغبرت قدماه فی سبیل اللّه عز و جل حرمهما اللّه علی النار ثم أوصاه بوصایا ثم أخذ بیده و ودّعه فخرج یزید فی جیشه قبل الشأم و کان أبو بکر کل غدوة و عشیة یدعو فی دبر صلاة الغداة و یدعو بعد العصر* قال انس لما بعث أبو بکر یزید بن أبی سفیان الی الشام لم یسر من المدینة حتی جاءه شرحبیل بن حسنة و أخبره برؤیا رآها فقال أبو بکر نامت عینک هذه بشری و هو الفتح ان شاء اللّه لا شک فیه و أنت احد أمرائی فاذا سار یزید بن أبی سفیان فأقم ثلاثا ثم تیسر للمسیر ففعل فلما مضی الیوم الثالث أتاه من الغد یودّعه فأوصاه بمثل ما اوصی به یزید بن ابی سفیان ثم ودّع ابا بکر و خرج فی جیشه قبل الشأم و بقی معظم الناس مع ابی عبیدة فی العسکر یصلی بهم و ابو عبیدة ینتظر فی کل یوم أن یدعوه ابو بکر فیسرّحه و ابو بکر ینتظر به قدوم العرب علیه من کل مکان یرید أن یشحن أرض الشام و یرید ان زحفت الروم علیهم أن یکونوا مجتمعین فقدمت علیهم حمیر فیها ذو الکلاع و اسمه أیفع و جاءت مذحج فیها قیس بن هبیرة المرادی معه جمع عظیم من قومه و فیهم الحجاج بن عبد یغوث الزبیدی و جاء حابس بن سعد الطائی و عدد کثیر من طی و جاءت الازد فیهم جندب بن عمرو بن حممة الدوسی و فیهم أبو هریرة و جاء جماعة من قبائل قیس فعقد أبو بکر لمیسرة بن مسروق العبسی علیهم و جاء قباث بن أشیم فی بنی کنانة فأما ربیعة و أسد و تمیم فانهم کانوا بالعراق قال فخرج أبو بکر فی رجال من المسلمین علی رواحلهم حتی أتی أبا عبیدة بن الجراح فسار معه حتی بلغ ثنیة الوداع فأوصاه و ناصحه ثم انه تأخر و تقدّم إلیه معاذ بن جبل فأوصی کل واحد منهما صاحبه ثم أخذ کل واحد منهما بید صاحبه فودّعه و دعا له ثم تفرّقا و انصرف أبو بکر و مضی ذلک الجیش و قال رجل من المسلمین لخالد بن سعید و قد تهیأ للخروج مع أبی عبیدة لو کنت خرجت مع ابن عمک یزید بن أبی سفیان کان أمثل من خروجک مع غیره فقال ابن عمی أحب الیّ من هذا فی قرابته و هذا أحب الیّ من ابن عمی فی دینه هذا کان أخی فی دینی علی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و ولیی و ناصری علی ابن عمی قبل الیوم فأنا به أشدّ استئناسا و إلیه أشدّ طمأنینة فلما أراد أن یغد و سائرا الی الشأم لبس سلاحا و أمر اخوته فلبسوا أسلحتهم عمرا و أبانا و الحکم و غلمته و موالیه ثم أقبل الی أبی بکر عند صلاة الغداة فصلی معه فلما انصرفوا قام إلیه هو و اخوته فجلسوا إلیه فحمد اللّه خالد و أثنی
علیه و صلی علی رسوله ثم أوصی أبا بکر بالوصایا الحسنة ثم قال هات یدک یا أبا بکر فانا لا ندری أ نلتقی فی الدنیا أم لا فان قضی اللّه لنا فی الدنیا التقاء فنسأل عفوه و غفرانه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:224
و ان کانت هی الفرقة التی لیس بعدها لقاء فعرّفنا اللّه و ایاک وجه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی جنات النعیم فأخذ أبو بکر بیده فبکی و بکی خالد و بکی المسلمون و ظنوا انه یرید الشهادة و طال بکاؤهم ثم انّ أبا بکر قال انتظر نمش معک قال ما أرید أن تفعل قال لکنی أرید ذلک فقام و قام الناس معه حتی خرج من بیوت المدینة فما رأیت أحدا من المسلمین شیعه أکثر ممن شیع خالد بن سعید یومئذ و اخوته* فلما خرج من المدینة قال له أبو بکر انک قد أوصیتنی برشدی و قد وعیت و انی موصیک فاسمع وصایتی و عها فأوصاه بوصایا ثم اخذ بیده فودّعه ثم أخذ بأیدی اخوته بعد ذلک فودّعهم واحدا واحدا ثم ودّعهم المسلمون ثم انهم دعوا بابلهم فرکبوها و کانوا قبل ذلک یمشون مع أبی بکر ثم قیدت معهم خیلهم فخرجوا بهیئة حسنة فلما أدبروا قال ابو بکر اللهمّ احفظهم من بین ایدیهم و من خلفهم و عن أیمانهم و عن شمائلهم و احطط أوزارهم و أعظم اجورهم ثم انصرف ابو بکر و من معه من المسلمین* و عن محمد بن خلیفة أن ملحان بن زیاد الطائی اخا عدیّ بن حاتم لأمه أتی ابا بکر فی جماعة من قومه من طی نحو ستمائة فقالوا له سرّحنا فی اثر الناس و اختر لنا والیا صالحا نکن معه و کان قدومهم علی أبی بکر بعد مسیر الامراء کلهم الی الشأم فقال ابو بکر قد اخترت لک افضل امرائنا امیرا و أقدم المهاجرین هجرة ألحق بأبی عبیدة بن الجراح فقد رضیت لک صحبته و حمدت لک أدبه فنعم الرفیق فی السفر و الصاحب فی الحضر قال فقلت لابی بکر قد رضیت بخیرتک التی اخترت لی فاتبعته حتی لحقته بالشأم فشهدت معه مواطنه کلها لم أغب عن یوم منها* و عن ابی سعید المقبری قال قدم ابن ذی السهم الخثعمی علی ابی بکر و جماعة من خثعم فوق تسعمائة و دون الف بنسائهم و اولادهم فشاوروا ابا بکر فی أن یخلفوهم عنده أم یخرجوا معهم فقال ابو بکر قد مضی معظم الناس و معهم ذراریهم و لک بجماعة المسلمین أسوة فسر فی حفظ اللّه و فی کنفه فانّ بالشام امراء قد وجهناهم إلیها فأیهم احببت ان تصحبه فاصحبه فسار حتی لقی یزید بن ابی سفیان فصحبه* و عن یحیی بن هانئ بن عروة ان ابا بکر کان أوصی ابا عبیدة بقیس بن مکشوح و قال له انه قد صحبک رجل عظیم الشرف فارس من فرسان العرب لا أظنّ له عظم حسبة و لا کثیر نیة فی الجهاد و لیس بالمسلمین غنی عن مشورته و رأیه و بأسه فی الحرب فأدنه و ألطفه و أره انک غیر مستغن و لا مستهین بأمره فانک تستخرج منه بذلک نصیحته لک و جهده و وجده علی عدوّک و دعا ابو بکر قیسا فقال له انی بعثتک مع أبی عبیدة الامین الذی اذا ظلم کظم و اذا أسی‌ء إلیه غفر و اذا قطع وصل رحیم بالمؤمنین شدید علی الکافرین فلا تعصین له أمرا و لا تخالفنّ له رأیا فانه لن یأمرک الا بخیر و قد أمرته أن یسمع منک و لا تأمره الا بتقوی اللّه فقد کنا نسمع أنک شریف بئیس مجرّب و ذلک فی زمان الشرک و الجاهلیة الجهلاء فاجعل بأسک و شدّتک و نجدتک الیوم فی الاسلام علی من کفر باللّه و عبد غیره فقد جعل اللّه فیه الاجر العظیم و العز للمسلمین فقال ان بقیت و لقیت فسیبلغک من حیطتی علی المسلم و جهدی علی الکافر ما یسرّک و یرضیک فقال أبو بکر افعل ذلک فلما بلغه مبارزته البطر یقین بالجابیة و قتله ایاهما قال صدق قیس و وفی و برّ* و عن هاشم بن عتبة بن أبی وقاص قال لما مضت جنود أبی بکر الی الشأم بلغ ذلک هرقل ملک الروم و هو بفلسطین و قیل له قد أتتک العرب و جمعت لک جموعا عظیمة و هم یزعمون انّ نبیهم الذی بعث إلیهم أخبرهم انهم یظهرون علی أهل هذه البلاد و قد جاءوک و هم لا یشکون انّ هذا یکون و جاءوک بأبنائهم و نسائهم تصدیقا لمقالة نبیهم یقولون لو دخلناها و افتتحناها نزلناها بأولادنا و نسائنا فقال هرقل ذلک أشدّ لشوکتهم اذا قاتل القوم علی تصدیق فما أشدّ علی من کایدهم أن یزیلهم أو یصدّهم قال فجمع إلیه أهل البلاد و أشراف الروم و من کان علی دینه من العرب فقال یا أهل هذا الدین انّ اللّه قد کان إلیکم محسنا و کان
لدینکم معزا و له ناصرا علی الامم الخالیة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:225
و علی کسری و المجوس و علی الترک الذین لا یعلمون و علی من سواهم من الامم کلها و ذلک انکم کنتم تعملون بکتاب ربکم و سنة نبیکم الذی کان أمره رشدا و فعله هدی فلما بدّلتم و غیرتم ذلک أطمع فیکم قوما و اللّه ما کنا نعبأ بهم و لا نخاف ان نبتلی بهم و قد ساروا إلیکم حفاة عراة جیاعا قد اضطرّهم الی بلادکم قحط المطر و جدوبة الارض و سوء الحال فسیروا إلیهم فقاتلوهم عن دینکم و عن بلادکم و عن أبنائکم و عن نسائکم و انا شاخص عنکم و ممدّکم بالخیول و الرجال و قد أمرت علیکم أمراء فاسمعوا لهم و أطیعوا ثم خرج حتی أتی دمشق فقام فیها مثل هذا المقام و قال فیها مثل هذا المقال ثم خرج حتی أتی حمص ففعل مثل ذلک ثم أتی انطاکیة فأقام بها و بعث الی الروم فحشدهم إلیه فجاءه منهم ما لا یحصی عدده و نفر إلیه مقاتلتهم و شبانهم و أتباعهم و أعظموا دخول العرب علیهم و خافوا ان یسکنوا ملکهم ثم أقبل أبو عبیدة حتی مرّ بوادی القری ثم أخذ علی الحجر أرض صالح النبیّ علیه السلام ثم علی ذات المنار ثم علی زبراء ثم ساروا الی مآب بعمان فخرج علیهم الروم فلم یلبثهم المسلمون ان هزموهم حتی دخلوا مدینتهم فحاصروهم فیها و صالح أهل مآب علیها فکانت أوّل مدائن الشأم صالح أهلها*

کتاب أبی عبیدة الی أبی بکر

ثم سار أبو عبیدة حتی اذا دنا من الجابیة أتاه آت فأخبره أنّ هرقل بانطاکیة و أنه قد جمع لکم من الجموع ما لم یجمعه أحد کان قبله من آبائه لاحد من الامم قبلکم فکتب أبو عبیدة الی أبی بکر الصدّیق لعبد اللّه أبی بکر خلیفة رسول اللّه من أبی عبیدة بن الجرّاح سلام علیک فانی أحمد إلیک اللّه الذی لا إله الا هو أمّا بعد فانا نسأل اللّه أن یعز الاسلام و أهله عزا مبینا و أن یفتح لهم فتحا یسیرا فانه بلغنی أنّ هرقل ملک الروم نزل قریة من قری الشأم تدعی انطاکیة و أنه بعث الی أهل مملکته فحشدهم إلیه و أنهم نفروا إلیه علی الصعب و الذلول و قد رأیت أن أعلمک ذلک فتری فیه رأیک و السلام علیک و رحمة اللّه و برکاته* فکتب إلیه أبو بکر أمّا بعد فقد بلغنی کتابک و فهمت ما ذکرت فیه من أمر هرقل ملک الروم فامّا منزله بانطاکیة فهزیمة له و لاصحابه و فتح من اللّه علیک و علی المسلمین و أمّا حشده أهل مملکته و جمعه لکم الجموع فان ذلک ما قد کنا و کنتم تعلمون أنه سیکون منهم ما کان قوم أن یدعوا سلطانهم و یخرجوا من مملکتهم بغیر قتال و لقد علمت و الحمد للّه أن قد غزاهم رجال کثیر من المسلمین یحبون الموت حب عدوّهم الحیاة یحتسبون من اللّه فی قتالهم الاجر العظیم و یحبون الجهاد فی سبیل اللّه أشدّ من حبهم أبکار نسائهم و عقائل أموالهم الرجل منهم عند الهیج خیر من ألف رجل من المشرکین فالقهم بجندک و لا تستوحش لمن غاب عنک من المسلمین فان اللّه تعالی ذکره معک و أنا مع ذلک ممدّک بالرجال بعد الرجال حتی تکتفی و لا ترید أن تزداد و السلام علیک* و بعث هذا الکتاب مع دارم العبسی و کتب یزید بن أبی سفیان الی أبی بکر أمّا بعد فانّ هرقل ملک الروم لما بلغ مسیرنا إلیه ألقی اللّه الرعب فی قلبه فتحوّل و نزل انطاکیة و خلف امراء من جنده علی جند الشأم و أمرهم بقتالنا و قد تسیروا لنا و استعدّوا و قد نبأنا مسالمة الشأم أنّ هرقل استنفر أهل مملکته و أنهم جاءوا یجرون الشوک و الشجر فمرنا بأمرک و عجل علینا فی ذلک برأیک نتبعه نسأل اللّه النصر و الصبر و الفتح و عاقبة المسلمین و السلام علیک و بعث بهذا الکتاب مع عبد اللّه بن قرط الثمالیّ* و کتب أبو بکر معه بهذا الکتاب أمّا بعد فقد بلغنی کتابک تذکر فیه تحوّل ملک الروم الی انطاکیة و القاء اللّه الرعب فی قلبه من جموع المسلمین فانّ اللّه تبارک و تعالی و له الحمد قد نصرنا و نحن مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالرعب و أیدنا بملائکته الکرام و ان ذلک الدین الذی نصرنا اللّه فیه بالرعب هو هذا الدین الذی ندعو الناس إلیه الیوم فو ربک لا یجعل اللّه المسلمین کالمجرمین و لا من یشهد أنه لا إله غیره کمن یعبد معه آلهة أخری و یدین بعبادة آلهة شتی فاذا لقیتهم فانبذ إلیهم بمن معک و قاتلهم فانّ اللّه لن یخذلک و قد نبأنا اللّه أنّ الفئة القلیلة مما تغلب الفئة الکثیرة باذن اللّه و أنا مع ما هنالک ممدّکم بالرجال فی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:226
أثر الرجال حتی تکتفوا و لا تحتاجوا الی زیادة انسان ان شاء اللّه تعالی و السلام* و لما ردّ أبو بکر عبد اللّه بن قرط بهذا الکتاب الی یزید قال له أخبره و المسلمین أنّ مدد المسلمین آتیهم مع هاشم بن عتبة و سعید بن عامر بن جذیم فخرج عبد اللّه بکتابه حتی قدم به علی یزید و قرأه علی المسلمین فتباشروا و فرحوا و ان أبا بکر دعا هاشم بن عتبة و بعثه فی ألف من المسلمین فسلم علی أبی بکر و ودّعه ثم خرج من غده فلزم طریق أبی عبیدة حتی قدم علیه فسر المسلمون بقدومه و تباشروا به و بلغ سعید بن عامر بن جذیم أن أبا بکر یرید أن یبعثه فلما أبطأ ذلک علیه و مکث أیاما لا یذکر له ذلک أتاه فقال یا أبا بکر و اللّه لقد بلغنی أنک کنت أردت أن تبعثنی فی هذا الوجه ثم رأیتک قد سکت فما أدری ما بدا لک فیّ فان کنت ترید أن تبعث غیری فابعثنی معه و ان کنت لا ترید أن تبعث أحدا فانی راغب فی الجهاد فأذن لی رحمک اللّه کیما ألحق بالمسلمین فقد ذکر لی أنّ الروم جمعت لهم جمعا عظیما فقال أبو بکر رحمک اللّه أرحم الراحمین یا سعید فأمر بلالا فنادی فی الناس أن انتدبوا أیها المسلمون مع سعید بن عامر الی الشأم فانتدب معه سبعمائة رجل فی أیام فلما أراد سعید الشخوص جاء بلال فقال یا خلیفة رسول اللّه ان کنت انما أعتقتنی للّه تعالی لا ملک نفسی و أتصرف فیما ینفعنی فخل سبیلی حتی أجاهد فی سبیل ربی فانّ الجهاد أحب الیّ من المقام* قال أبو بکر فان اللّه یشهد انی لم أعتقک الا له و انی لا أرید منک جزاء و لا شکورا فهذه الارض ذات الطول و العرض فاسلک أیّ فجاجها أحببت فقال کأنک أیها الصدّیق عتبت علیّ فی مقالتی و وجدت فی نفسک منها قال لا و اللّه ما وجدت فی نفسی من ذلک و انی لا أحب ان تدع هواک لهوای ما دعاک هواک الی طاعة ربک قال فان شئت أقمت معک قال امّا اذ هواک فی الجهاد فلم اکن لامرک بالمقام و انما اردتک للاذان و لأجدن لفراقک وحشة یا بلال و لا بدّ من التفرق فرقة لا التقاء بعدها حتی یوم البعث فاعمل صالحا یا بلال و لیکن زادک من الدنیا ما یذکرک اللّه ما حییت و یحسن لک به الثواب اذا توفیت فقال له بلال جزاک اللّه من ولیّ نعمة و من أخ فی الاسلام خیرا فو اللّه ما أمرک لنا بالصبر علی الحق و المداومة علی العمل بالطاعة ببدع و ما کنت لأؤذن لاحد بعد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و خرج بلال مع سعید بن عامر و کان أبو بکر أمر سعید بن عامر مع توابعه و هم اکثر من خمسین رجلا أن یلحق بیزید بن ابی سفیان فلحق به و شهد معه وقعة العربة و الدثنة* و قدم علی ابی بکر حمزة بن مالک الهمدانیّ فی جمع عظیم زها الف رجل أو اکثر فلما رأی ابو بکر عددهم و عدّتهم سرّه ذلک فقال الحمد للّه علی صنعه للمسلمین ما یزال اللّه تعالی یرتاح لهم بمدد من انفسهم یشدّ به ظهورهم و یقصم به ظهور عدوّهم ثم قال حمزة لابی بکر علیّ امیر دونک قال نعم ثلاثة امراء قد أمرناهم فأیهم شئت فکن معه فلما لحق بالمسلمین سألهم ای الامراء افضل و أیهم کان افضل عند النبیّ صلی اللّه علیه و سلم صحبة فقیل له ابو عبیدة بن الجرّاح فجاءه فکان معه* قال عمرو ابن محصن لم یکن ابو بکر رضی اللّه عنه یسأم توجیه الجنود الی الشأم و امداد الامراء الذین بعثهم بالرجال بعد الرجال ارادة اعزاز الاسلام و اذلال اهل الشرک* و عن ابی سعید المقبری قال لما بلغ أبا بکر جمع الاعاجم لم یکن شی‌ء أعجب إلیه من قدوم المجاهدین علیه من ارض العرب فکانوا کلما قدموا علیه سرح الاوّل فالاوّل فقدم علیه فیمن قدم ابو الاعور السّلمی فبعثه ابو بکر فسار حتی قدم علی ابی عبیدة و قدم علی ابی بکر معن بن یزید بن الاخنس فی رجال من بنی سلیم نحو مائة فقال ابو بکر لو کان هؤلاء اکثر مما هم أمضیناهم فقال عمر و اللّه لو کانوا عشرة لرأیت لک أن تمدّ بهم اخوانهم ای و اللّه و أری ان نمدّهم بالرجل الواحد اذا کان ذا اجزاء و غناء فقال حبیب بن مسلمة الفهری عندی نحو من عدّتهم رجال من ابناء القبائل ذو
و رغبة فی الجهاد فأخرجنا و هؤلاء جمیعا یا خلیفة رسول اللّه فقال له امّا الآن فاخرج بهم جمیعا حتی تقدم بهم علی اخوانهم فخرج فعسکر معهم ثم جمع اصحابه إلیهم ثم مضی بهم حتی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:227
قدم علی یزید بن ابی سفیان قال و اجتمعت رجال من کعب و اسلم و غفار و مزینة نحوا من مائتین فأتوا ابا بکر فقالوا ابعث علینا رجلا و سرّحنا الی اخواننا فبعث علیهم الضحاک بن قیس فسار حتی أتی یزید فنزل معه* و عن سعید بن زید بن عمرو بن نفیل قال لما رأی اهل مدائن الشأم انّ العرب قد جاشت علیهم من کل وجه و کثرت جموعهم بعثوا الرسل الی ملکهم یعلمونه ذلک و یسألونه المدد فکتب إلیهم انی عجبت لکم حین تستمدّوننی و حین تکثرون علیّ عدّة من جاءکم و انا أعلم بکم و بمن جاءکم منهم و لأهل مدینة واحدة من مدائنکم اکثر ممن جاءکم منهم أضعافا فالقوهم و قاتلوهم و لا تحسبوا انی کتب إلیکم بهذا و أنا لا ارید ان أمدّکم لأبعثن إلیکم من الجنود ما تضیق به الارض الفضاء و کان اهل مدائن الشأم قد ارسلوا الی کل من کان علی دینهم من العرب فأطمعهم أکثرهم فی النصر و منهم من حمی العرب فکان ظهور العرب أحب إلیه و ذلک من لم یکن فی دینه راسخا منهم و بلغ خبرهم و تراسلهم أبا عبیدة بن الجراح فکتب بذلک الی أبی بکر

مکالمة عمرو بن العاص مع أبی بکر

فجمع أبو بکر أشراف قریش من المهاجرین و غیرهم من أهل مکة ثم دعا باشراف الانصار و ذوی السابقة منهم ثم دعا عمرو بن العاص فقال یا عمرو هؤلاء اشراف قومک یخرجون مجاهدین فاخرج فعسکر حتی أندب الناس معک فقال یا خلیفة رسول اللّه انا وال علی الناس فقال نعم أنت الوالی علی من أبعثه معک من هاهنا قال لا بل وال علی من أقدم علیه من المسلمین قال لا و لکنک أحد الامراء فان جمعتکم حرب فأبو عبیدة أمیرکم فسکت عنه ثم خرج فعسکر فاجتمع إلیه ناس کثیر و کان معه أشراف قریش فلما حضر خروجه جاء الی عمر فقال یا أبا حفص انک قد عرفت بصری بالحرب و یمن نقیبتی فی الغزو و قد رأیت منزلتی عند رسول اللّه و قد علمت انّ أبا بکر لیس یعصیک فأشر علیه أن یولینی هذه الجنود التی بالشام فانی أرجو أن یفتح اللّه علی یدیّ هذه البلاد و أن یریکم و المسلمین من ذلک ما تسرّون به فقال له عمر لا أکذبک ما کنت أکلمه فی ذلک لانه لا یوافقنی أن یبعثک علی ابی عبیدة و أبو عبیدة أفضل منزلة عندنا منک قال فانه لا ینقص أبا عبیدة شیئا من فضله أن ألی علیه فقال له و یحک یا عمرو انک و اللّه ما تطلب بهذه الرئاسة الاشرف الدنیا فاتق اللّه و لا تطلب بشی‌ء من سعیک الا وجه اللّه و اخرج فی هذا الجیش فانه ان یکن علیک أمیر فی هذه المرّة فما أسرع ما تکون ان شاء اللّه أمیرا لیس فوقک أحد فقال قد رضیت فخرج و استتب له المسیر* فلما أراد الشخوص خرج معه أبو بکر یشیعه و قال یا عمرو انک ذو رأی و تجربة للامور و بصیر بالحرب و قد خرجت فی اشراف قومک و رجال من صالحاء المسلمین و أنت قادم علی اخوانک فلا تألهم نصیحة و لا تدخر عنهم صالح مشورة فرب رأی لک محمود فی الحرب مبارک فی عواقب الامور فقال له عمرو ما خلتنی ان أصدق ظنک و لا أقبل رأیک ثم ودّعه و انصرف عنه فقدم الشام فعظم غناؤه و بلاؤه عند المسلمین* و کتب أبو بکر الی أبی عبیدة أما بعد فقد جاءنی کتابک تذکر فیه تیسر عدوّکم لمواقعتکم و ما کتب به إلیهم ملکهم من عدته ایاهم أن یمدّهم من الجنود بما تضیق به الارض الفضاء و لعمر اللّه لقد أصبحت الارض ضیقة علیه برحبها و أیم اللّه ما أنا بیائس أن تزیلوه من مکانه الذی هو به عاجلا ان شاء اللّه تعالی فبث خیلک فی القری و السواد و ضیق علیهم بقطع المیرة و لا تحاصر المدائن حتی یأتیک أمری فان ناهدوک فانهض إلیهم و استعن باللّه علیهم فانه لیس یأتیهم مدد إلا مددناکم بمثله أو ضعفه و لیس بکم بحمد اللّه قلة و لا ذلة و لا أعرفنّ ما جبنتم عنهم فانّ اللّه فاتح لکم و مظهرکم علی عدوّکم و معزکم بالنصر و ملتمس منکم الشکر لینظر کیف تعملون و جاءک عمرو فأوصیک به خیرا فقد أوصیته ان لا یضیع لک حقا و السلام علیک* و جاء عمرو بالناس حتی نزل بأبی عبیدة و کان عمرو فی مسیره ذلک الی الشأم فیما حدّث به عمرو بن شعیب یستنفر من مرّ به من الاعراب فتبعه منهم ناس کثیر فلما اجتمعوا هم و من کان قد قدم معه من المدینة کانوا نحوا من ألفین فلما قدم بهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:228
علی أبی عبیدة سرّ بهم هو و الناس الذین معه و استأنس بهم و کان عمرو ذا رأی فی الحرب و بصر بالاشیاء فقال له أبو عبیدة أبا عبد اللّه رب یوم شهدته فبورک للمسلمین فیه برأیک و محضرک انما أنا رجل منکم لست و ان کنت الوالی علیکم بقاطع أمرا دونکم فاحضرنی رایک فی کل یوم بما تری فانه لیس لی عنک غنی فقال له افعل و اللّه یوفقک لما یصلح المسلمین* و قال سهل بن سعد ما زال أبو بکر یبعث الامراء الی الشام أمیر أمیرا و یبعث القبائل قبیلة قبیلة حتی ظنّ انهم قد اکتفوا و أنهم لا یریدون ان یزدادوا رجلا* و ذکر ابو جعفر الطبری عن محمد بن اسحاق انّ تجهیز ابی بکر الجیوش الی الشام کان بعد قفوله من الحج سنة اثنتی عشرة و انه حینئذ بعث عمرو بن العاص قبل فلسطین* و قیل انّ ابا بکر جعل سعید بن العاص ردءا بتیماء و أمره أن لا یبرحها و ان یدعو من حوله بالانضمام إلیه و ان لا یقبل الا ممن لا یرتدّ و لا یقاتل الا من قاتله حتی یأتیه أمره فأقام فاجتمعت إلیه جموع کثیرة و بلغ الروم عظم ذلک العسکر فضربوا علی العرب الضاحیة بالشام البعوث إلیهم* فکتب خالد بن سعید بذلک الی أبی بکر فکتب إلیه أبو بکر أن أقدم و لا تحجم و استنصر اللّه فسار إلیه خالد فلما دنا منهم تفرّقوا و أعروا منزلهم و دخل من کان یجمع له فی الاسلام* و کتب الی أبی بکر بذلک فکتب إلیه أبو بکر أقدم و لا تقتحمن حتی لا تؤتی من خلفک فسار فیمن کان خرج معه من تیماء و فیمن لحق به من طرف الرمل* فسار إلیه بطریق من بطارقة الروم یدعی ماهان فهزمه و قتل جنده و کتب بذلک الی أبی بکر و استمدّه* و قد قدم علی أبی بکر أوائل مستنفری الیمن و من بین مکة و الیمن فساروا فقدموا علی خالد بن سعید و عند ذلک اهتاج أبو بکر للشام و عناه أمره* و قد کان أبو بکر ردّ عمرو بن العاص علی عمالته التی کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ولاه ایاها من صدقات سعد و عذرة و ما کان معهما قبل ذهابه الی عمان فخرج الی عمان من عند رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو علی عدة من عمله اذا هو رجع فأنجز له ذلک أبو بکر ثم کتب إلیه أبو بکر عند اهتیاجه الی الشام انی کنت قد رددتک علی العمل الذی کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ولاکه مرّة و سماه لک أخری اذ بعثتک الی عمان انجاز الموعد رسول اللّه فقد ولیته ثم ولیته و قد أحببت أبا عبد اللّه ان أفرغک لما هو خیر لک فی حیاتک و معادک منه الا ان یکون الذی أنت فیه أحب إلیک* فکتب إلیه عمرو انی سهم من سهام الاسلام و أنت بعد اللّه الرامی بها و الجامع فانظر أسدّها و أحسنها و أفضلها فارم به شیئا ان جاءک من ناحیة من النواحی* و کتب أبو بکر الی الولید بن عقبة بنحو ذلک فأجابه الی ایثار الجهاد* و عن أبی أمامة الباهلی قال کنت فیمن سرح أبو بکر مع أبی عبیدة و أوصانی به و أوصاه بی*

أوّل وقعة فی الشام‌

فکانت أوّل وقعة بالشام یوم العربة ثم یوم الدثنة و لیسا من الایام العظام خرج ستة قوّاد من الروم مع کل قائد خمسمائة فکانوا ثلاثة آلاف فلمّا رأیناهم أقبلوا حتی انتهوا الی العربة بعث یزید بن أبی سفیان الی أبی عبیدة یعلمه فبعثنی إلیه فی خمسمائة فلما أتیته بعث معی رجلا فی خمسمائة فلما رأیناهم یعنی قوّادهم أولئک حملنا علیهم فهزمناهم و قتلنا قائدا من قوّادهم ثم مضوا و اتبعناهم فجمعوا لنا بالدثینة فسرنا إلیهم فقدّمنی یزید و صاحبی فی عدّتنا فهزمناهم فعند ذلک فزعوا و اجتمعوا و أمدّهم ملکهم* و ذکر ابن اسحاق عن صالح بن کیسان أن عمرو بن العاص خرج حتی نزل بعمیر العربات و نزل الروم بثنیة جلق بأعلا فلسطین فی سبعین ألفا علیهم تدارق اخو هرقل لابیه و أمّه* فکتب عمرو الی أبی بکر یستمدّه و خرج خالد بن سعید بن العاص و هو بمرج الصفر من أرض الشأم فی یوم مطیر یستمطر فیه فعدی علیه أعلاج الروم فقتلوه و قیل أتاهم ادریحا و هم فی أربعة آلاف و هم غارون فاستشهد خالد بن سعید و عدّة من المسلمین* قال أبو جعفر الطبری قیل انّ المقتول فی هذه الغزوة ابن لخالد بن سعید و انّ خالدا انحاز حین قتل ابنه* و ذکر سیف انّ الولید بن عقبة لما قدم علی خالد بن سعید فسانده و قدمت جنود المسلمین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:229
الذین کان أبو بکر امدّه بهم و بلغه عن الامراء یعنی أمراء المسلمین الذین امدّهم ابو بکر و توجههم إلیه اقتحم علی الروم و طلب الحظوة و أعری ظهره و بادر الامراء لقتال الروم و استطرد له ماهان فارّا هو و من معه الی دمشق و اقتحم خالد فی الجیش و معه ذو الکلاع و عکرمة و الولید حتی نزل مرج الصفر ما بین الواقصة و دمشق فانطوت مشایخ ماهان علیه و اخذوا علیه الطرق و لا یشعر و زحف له ماهان فوجد ابنه سعید بن خالد یستمطر فی الناس فقتلوه فأتی الخبز خالدا فخرج هاربا فی جریدة خیل و لم تنته بخالد الهزیمة عن ذی المروة و أقام عکرمة فی الناس ردءا لهم فردّ عنهم ماهان و جنوده أن یطلبوهم و أقام من الشام علی قرب منها* و ذکر ابن اسحاق مسیر الامراء و منازلهم و ان یزید بن أبی سفیان نزل البلقاء و نزل شرحبیل بن حسنة الاردن و یقال بصری و نزل أبو عبیدة الجابیة* و عن غیر ابن اسحاق انه لما نزل أبو عبیدة بالجابیة کتب الی أبی بکر* أما بعد فانّ الروم و أهل البلد و من کان علی دینهم من العرب قد أجمعوا علی حرب المسلمین و نحن نرجو النصر و انجاز موعد الرب تبارک و تعالی و عادته الحسنی و احببت اعلام ذلک لترینا رأیک*

توجه خالد بن الولید من العراق الی الشام‌

فقال أبو بکر و اللّه لانسین الروم وساوس الشیطان بخالد بن الولید و کان خالد اذ ذاک یلی حرب العراق فکتب إلیه أبو بکر* أما بعد فدع العراق و خلف فیه أهله الذین قدمت علیهم و هم فیه و امض مختفیا فی أهل القوّة من اصحابک الذین قدموا معک العراق من الیمامة و صحبوک فی الطریق و قدموا علیک من الحجاز حتی تأتی الشام فتلقی أبا عبیدة و من معه من المسلمین فاذا التقیتم فأنت أمیر الجماعة و السلام* و یروی انه کان فیما کتب إلیه به أن سر حتی تأتی جموع المسلمین بالیرموک فإنهم قد شجوا و أشجوا و ایاک أن تعود لمثل ما فعلت فانه لم یشج الجموع بعون اللّه سبحانه أحد من الناس اشجاءک و لم ینزع الشجا أحد من الناس نزعک فلتهنئک أبا سلیمان النعمة و الحظوة فأتمم یتمم اللّه لک و لا یدخلنک عجب فتخسر و تخذل و ایاک أن تدل بعمل فانّ اللّه تعالی له المنّ و هو ولیّ الجزاء و وافی خالدا کتاب أبی بکر هذا و هو بالحیرة منصرفا من حجة حجها مکتتما بها و ذلک انه لما فرغ من ایقاعه بالروم و من انضوی إلیهم مغیثا لهم من مشایخ فارس بالفراض و الفراض تخوم الشام و العراق و الجزیرة أقام بالفراض عشرا ثم اذن بالقفل الی الحیرة لخمس بقین من ذی القعدة و أمر عاصم بن عمرو أن یسیر بهم و أمر شجرة بن الاغر أن یسوقهم و أظهر خالد أنه فی الساقة و خرج من الحیرة و معه عدّة من أصحابه یعتسف البلاد حتی أتی مکة بالسمت فتأتی له فی ذلک ما لم یتأت لدلیل و مرسال فسار طریقا من طرق الجزیرة لم یر طریق أعجب منه فکانت غیبته عن الجند یسیرة ما توافی الی الحیرة آخرهم حتی وافاهم مع صاحب الساقة الذی وضعه و قدما جمیعا و خالد و أصحابه مخلفون و لم یعلم بحجه الا من أفضی إلیه بذلک من الساقة و لم یعلم أبو بکر بذلک الا بعد فهو الذی یعنیه بما تقدم فی کتابه إلیه من معاتبته ایاه و قدم علی خالد بالکتاب عبد الرحمن بن حنبل الجمعی فقال له خالد قبل أن یقرأ کتابه ما وراءک فقال خیر تسیر الی الشام فشق علیه ذلک و قال هذا عمل عمر نفسی علیّ أن یفتح اللّه علیّ العراق و کانوا هابوه هیبة شدیدة و کان خالد اذا نزل بقوم عذابا من عذاب اللّه علیهم و لیثا من اللیوث فلما قرأ کتاب أبی بکر فرأی أن قد ولاه علی أبی عبیدة و علی الشام تسخی بنفسه و قال أما إذ ولانی فانّ فی الشام من العراق خلفا فقام إلیه النسر بن دیسم العجلی و کان من أشراف بنی عجل و فرسان بکر بن وائل و من رءوس أصحاب المثنی بن حارثة فقال لخالد أصلحک اللّه و اللّه ما جعل اللّه فی الشام من العراق خلفا للعراق اکثر حنطة و شعیرا و دیباجا و حریرا و فضة و ذهبا و أوسع سعة و أعرض عرضا و اللّه ما الشام کله الا کجانب من العراق فکره المثنی مشورته علیه و کان یحب أن یخرج من العراق و یخلیه و ایاها فقال خالد انّ بالشأم أهل الاسلام و قد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:230
تهیأت لهم الروم و تسیرت فانما أنا مغیث و لیس لهم مدد فکونوا أنتم هاهنا علی حالتکم التی کنتم علیها فان نفرغ مما أشخصنا إلیه عاجلا عجلنا إلیکم و ان أبطأت رجوت أن لا تعجزوا و لا تهنوا و لیس خلیفة رسول اللّه بتارک امدادکم بالرجال حتی یفتح اللّه علیکم هذه البلاد ان شاء اللّه تعالی* و یروی انّ أبا بکر أمر خالدا بالخروج فی شطر الناس و أن یخلف علی الشطر الثانی المثنی بن حارثة و قال له لا تأخذ مجدا الا خلفت لهم مجدا فاذا فتح اللّه علیک فارددهم الی العراق و أنت معهم ثم أنت علی عملک و أحضر خالد أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فاستأثر بهم علی المثنی و ترک للمثنی أعدادهم من أهل الغباء ممن لم یکن له صحبة ثم نظر فیمن بقی فاختلج من کان قدم علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم وافدا أو غیر وافد و ترک للمثنی اعدادهم من أهل الغباء ثم قسم الجند نصفین فقال المثنی و اللّه لا اقیم الا علی انفاذ أمر أبی بکر کله فی استصحاب نصف الصحابة و ابقاء النصف و بعض النصف فو اللّه ما أرجو النصر الا بهم فانی تعرینی منهم فلما رأی ذلک خالد بعد ما تکلما علیه أعاضه منهم حتی رضی و کان فیمن أعاضه منهم فرات بن حیان العجلی و بشر بن الخصاصیة و الحارث بن حسان الدهلیان و معبد بن أم معبد الاسلمی و بلال بن الحارث المزنی و عاصم بن عمرو التیمی حتی اذا رضی المثنی و اخذ حاجته انحدر خالد و مضی لوجهه و شیعه المثنی الی قراقر فقال له خالد انصرف الی سلطانک غیر مقصر و لا ملوم و لا وان*

کیفیة سلوک خالد فی القفار

و ذکر الطبری انّ خالدا لما أراد المسیر الی الشام دعا بالادلة فارتحل من الحیرة سائرا الی دومة ثم طعن فی البر الی قراقر ثم قال کیف لی بطریق أخرج فیه من وراء جموع الروم فانی ان استقبلتها حبستنی عن غیاث المسلمین فکلهم قالوا لا نعرف الا طریقا لا یحمل الجیش فایاک أن تغرر بالمسلمین فعزم علیه فلم یجبه الی ذلک الا رافع بن عمیرة علی تهیب شدید فقام فیهم فقال لا تختلفنّ هدتکم و لا تضعفن تعبیتکم و اعلموا انّ المعونة تأتی علی قدر النیة و الاجر علی قدر الحسبة و انّ المسلم لا ینبغی له أن یکترث بشی‌ء یقع فیه مع معونة اللّه له فقالوا له أنت رجل قد جمع اللّه لک الخیر فشأنک فطابقوه و نووا و احتسبوا* و ذکر غیر الطبری انّ خالدا حین أراد المسیر الی الشام قال له محرز بن حریش و کان یتجر بالحیرة و یسافر الی الشام اجعل کوکب الصبح علی حاجبک الایمن ثم أمّه حتی تصبح فانک لا تحور فجرّب ذلک فوجده کذلک ثم أخذ فی السماوة حتی انتهی الی قراقر فقوّر من قراقر الی سوی و هما منزلان بینهما خمس لیال فلم یهتدوا للطریق فدل علی رافع بن عمیرة الطائی فقال له خفف الاثقال و اسلک هذه المفازة ان کنت فاعلا فکره خالد أن یخلف احدا فقال قد أتانی أمر لا بد من انفاذه و ان تکون جمیعا قال فو اللّه انّ الراکب المنفرد لیخافها علی نفسه لا یسلکها الا مغررا فکیف أنت بمن معک فقال انه لا بدّ من ذلک فقدأتنی؟؟؟ عزمة قال فمن استطاع منکم أن یصرّ اذن راحلته علی ماء فلیفعل فانها المهالک الا ما وقی اللّه ثم قال لخالد ابغنی عشرین جزورا عظاما سمانا مسانّ فأتاه بهنّ فظمأهنّ حتی اذا جهدهنّ عطشا سقاهنّ حتی أرواهنّ ثم قطع مشافرهنّ ثم عکمهنّ ثم قال لخالد سر بالخیول و الاثقال فکلما نزل منزلا نحر من تلک الشرف اربعا فافتظ ماءهنّ فسقاه الخیول و شرب الناس مما تزوّدوا حتی اذا کان آخر ذلک قال خالد لرافع و یحک ما عندک یا رافع فقال أدرکک الری ان شاء اللّه انظروا هل تجدون شجرة عوسج علی ظهر الطریق قالوا لا قال انا للّه اذا و اللّه هلکت و أهلکت لا أبا لکم نظروا فنظروا فوجدوها فکبر و کبروا و قال احفروا فی أصلها فاحتفروا فوجدوا عینا فشربوا و ارتووا فقال رافع و اللّه ما وردت هذا الماء قط الا مرّة مع أبی و أنا غلام قال راجز من المسلمین
للّه درّ رافع أنی اهتدی‌قوّر من قراقر الی سوی
أرضا اذا ما سارها الجیش بکی‌ما سارها من قبله انس أری
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:231 لکن بأسباب متینات الهدی‌نکبها اللّه ثنیات الردی و عن عبد اللّه بن قرط الثمالیّ قال لما خرج خالد من عین التمر مقبلا الی الشام کتب الی المسلمین مع عمرو ابن الطفیل بن عمرو الازدی و هو ابن ذی النور* أما بعد فانّ کتاب خلیفة رسول اللّه أتانی بالمسیر إلیکم و قد شمرت و انکمشت و کأن قد أظلت علیکم خیلی و رجالی فابشروا بانجاز موعد اللّه و حسن ثواب اللّه عصمنا للّه و ایاکم بالیقین و أثابنا أحسن ثواب المجاهدین و السلام علیکم*

کتاب خالد الی أبی عبیدة

و کتب معه الی أبی عبیدة أما بعد فانی اسأل اللّه لنا و لک الا من یوم الخوف و العصمة فی دار الدنیا من کل سوء و قد اتانی کتاب خلیفة رسول اللّه یأمرنی بالمسیر الی الشأم و بالقیام علی جندها و التولی لامرها و اللّه ما طلبت ذلک قط و لا أردته اذ ولیته فأنت علی حالک التی کنت علیها لا نعصیک و لا نخالفک و لا نقطع دونک أمرا فأنت سید المسلمین لا ننکر فضلک و لا نستغنی عن رأیک تمم اللّه بنا و بک من احسان و رحمنا و ایاک من صلّی النار و السلام علیک و رحمة اللّه* قال فلما قدم علینا عمرو بن الطفیل و قرأ کتاب خالد علی الناس و هم بالجابیة و دفع الی أبی عبیدة کتابه فقرأه قال بارک اللّه لخلیفة رسول اللّه فیما رأی وحیا اللّه خالدا قال و شق علی المسلمین أن ولی خالدا علی أبی عبیدة و لم أره علی احد أشق منه علی بنی سعید بن العاص و انما کانوا متطوّعین حبسوا انفسهم فی سبیل اللّه حتی یظهر اللّه الاسلام فأما ابو عبیدة فانا لم نتبین فی وجهه و لا فی شی‌ء من منطقه الکراهة لامر خالد* و عن سهل بن سعد أنّ أبا بکر کتب الی أبی عبیدة أما بعد فانی قد ولیت خالدا قتال العدوّ بالشام فلا تخالفه و اسمع له و أطع أمره فانی لم أبعثه علیک أن لا تکون عندی خیرا منه و لکنی ظننت أن له فطنة فی الحرب لیست لک أراد اللّه بنا و بک خیرا و السلام*

اغارة خالد علی بنی تغلب‌

ثم انّ خالدا خرج من عین التمر حتی أغار علی بنی تغلب و النمر بالبشر فقتلهم و هزمهم و أصاب من أموالهم طرفا قال و انّ رجلا منهم لیشرب من شراب له فی جفنة و هو یقول
* ألا عللانی قبل جیش أبی بکرلعل منایانا قریب و ما ندری* فما هو الا أن فرغ من قوله اذ شدّ علیه رجل من المسلمین فضرب عنقه فاذا رأسه فی الجفنة* و عن عدی ابن حاتم قال أغرنا یعنی مع خالد علی أهل المصیخ و اذا رجل من النمر یدعی حرقوص بن النعمان حوله بنوه و بینهم جفنة من خمروهم علیها عکوف یقولون له و من یشرب هذه الساعة فی أعجاز اللیل فقال اشربوا شرب وداع فما أری أن تشربوا خمرا بعدها أبدا هذا خالد بالعین و قد بلغه جمعنا و لیس بتارکنا ثم قال
الا فاشربوا من قبل قاصمة الظهرو قبل انتقاص القوم بالعسکر الدثر
و قیل منایانا المصیبة بالقدربحین لعمری لا یزید و لا یحری فسبق إلیه و هو فی ذلک بعض الخیل فضرب رأسه فاذا هو فی جفنته فأخذنا بناته و قتلنا بنیه* و فی کتاب سیف قال و لما بلغ غسان خروج خالد علی سوی و انتسافها و اغارته علی مصیخ بهراء و انتسافها اجتمعوا بمرج راهط و بلغ ذلک خالدا و قد خلف ثغور الشام و جنودها مما یلی العراق فصار بینهم و بین الیرموک صمد لهم فخرج من سوی بعد ما رجع إلیها بسبی بهراء فنزل علمین علی الطریق ثم نزل اللیث حتی صار الی دمشق ثم مرج الصفر فلقی علیه غسان و علیهم الحارث بن الایهم فانتسف عسکرهم و نزل بالمرج أیاما و بعث الی أبی بکر بالأخماس ثم خرج من المرج حتی نزل میاه بصری فکانت أوّل مدینة افتتحت بالشام علی یدی خالد فیمن معه من جنود العراق و خرج منها فوافی المسلمین بالواقوصة* و عن غیر سیف أنّ خالدا أغار علی غسان فی یوم فصبحهم فقتل و سبی و خرج علی أهل الغوطة حتی أغار علیهم فقتل ما شاء و غنم ثم انّ العدوّ دخلوا دمشق فتحصنوا و أقبل أبو عبیدة و کان بالجابیة مقیما حتی نزل معه بالغوطة فحاصر أهل دمشق*

عدّة الجیش الذی دخل الشام مع خالد

و عن قیس بن أبی حازم قال کان خرج مع خالد من بجیلة و عظیمهم أحمس نحو من
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:232
مائتی رجل و من طی نحو من مائة و خمسین قال و کان معنا المسیب بن نجیبة فی نحو من مائتی فارس من بنی ذبیان و کان خالد فی نحو من تلاثمائة من المهاجرین و الانصار فکان أصحابه الذین دخلوا معه الشام ثمانمائة و خمسین رجلا کلهم ذونیة و بصیرة لانه کان یقحم أمورا یعلمون انه لا یقوی علی ذلک الاکل قویّ جلد فأقبل بنا حتی مرّ بأروکة فأغار علیها و أخذ الاموال و تحصن منه أهلها فلم یبارحهم حتی صالحهم* قال و مرّ بتدمر فتحصنوا منه فأحاط بهم من کل جانب و أخذهم من کل مأخذ فلم یقدر علیهم فلما لم یطقهم ترحل عنهم و قال لهم حین أراد أن یرتحل فیما یروی عن عبد اللّه بن قرط و اللّه لو کنتم فی السحاب لاستنزلناکم و ظهرنا علیکم ما جئناکم الا و نحن نعلم انکم ستفتحون علینا و ان أنتم لم تصالحونا هذه المرّة لارجعنّ إلیکم لو قد انصرفت من وجهی هذا ثم لا أرحل عنکم حتی أقتل مقاتلتکم و أسبی ذراریکم فلما فصل قال علماؤهم و اجتمعوا انا لا نری هؤلاء القوم الا الذین کنا نتحدّث انهم یظهرون علینا فافتحوا لهم فبعثوا الی خالد فجاء ففتحوا له و صالحوه* و عن سراقة بن عبد الاعلی أن خالدا فی طریقه ذلک مرّ علی حوران فهابوه فتحرز أکثرهم منه و أغار علیهم فاستاق الاموال و قتل الرجال و أقام علیهم أیاما فبعثوا الی ما حولهم لیمدّوهم فأمدّوهم من مکانین من بعلبک و هی أرض دمشق و من قبل بصری و بصری مدینة حوران و هی من أرض دمشق أیضا فلما رأی المددین قد أقبلا خرج وصف بالمسلمین ثم تجرّد فی مائتی فارس فحمل علی مدد بعلبک و هم أکثر من ألفین فما وقفوا حتی انهزموا و دخلوا المدینة ثم انصرف یوجف فی أصحابه و جیفا حتی اذا کان بحذاء مدد بصری و انهم لاکثر من ألفین حمل علیهم فما ثبتوا له فواقا حتی هزمهم فدخلوا المدینة و خرج أهل المدینة فرموا المسلمین بالنشاب فانصرف عنهم خالد و أصحابه حتی اذا کان من الغد خرجوا إلیه لیقاتلوه فعجزوا و أظهره اللّه علیهم فصالحوهم* و عن عمرو بن محصن حدّثنی علج من أهل حوران کان یتشجع قال و اللّه لخرجنا إلیهم بعد ما جاءنا مدد أهل بعلبک و أهل بصری بیوم فخرجنا و انا لاکثر من خالد و أصحابه بعشرة أضعافهم و أکثر فما هو الا أن دنونا منهم فثاروا فی وجوهنا بالسیوف کأنهم الاسد فانهزمنا أقبح الهزیمة و قتلونا أشر القتلة فما عدنا نخرج إلیهم حتی صالحناهم و لقد رأیت رجلا منا کنا نعدّه بالف رجل قال لئن رأیت أمیرهم لا قتلته فلما رأی خالدا قیل له هذا خالد أمیر القوم فحمل علیه و انا لنرجو لبأسه أن یقتله فما هو الا أن دنا منه فضرب خالد فرسه فأقدمه علیه ثم استعرض وجهه بالسیف فأطار قحف رأسه و دخلنا مدینتنا فما کان لنا هم الا الصلح حتی صالحناهم* و عن قیس بن أبی حازم قال کنت مع خالد حین مرّ بالشام فأقبل حتی نزل بقناة بصری من أرض حوران و هی مدینتها فلما نزلنا و اطمأننا خرج إلینا الدرنجال فی خمسة آلاف فارس من الروم فأقبل إلینا و ما یظنّ هو و أصحابه الا أنا فی أکفهم فخرج خالد فصفنا ثم جعل علی میمنتنا رافع بن عمیرة الطائی و علی میسرتنا ضرار بن الازور و علی الرجال عبد الرحمن بن حنبل الجمحی و قسم خیله فجعل علی شطرها المسیب بن نجیبة و علی الشطر الآخر رجلا کان معه من بکر بن وائل و لم یسمه و أمرهما خالد حین قسم الخیل بینهما أن یرتفعا من فوق القوم عن یمین و شمال ثم ینصبا علی القوم ففعلا ذلک و أمرنا خالد أن نزحف الی القلب فزحفنا إلیهم و اللّه ما نحن إلّا ثمانمائة و خمسون رجلا و أربعمائة رجل من مشجعة من قضاعة استقبلنا بهم یعبوب رجل منهم فکنا ألفا و مائتین و نیفا قال و کنا نظنّ انّ الکثیر من المشرکین و القلیل عند خالد سواء لانه کان لا یملأ صدره منهم شی‌ء و لا یبالی بمن لقی منهم لجراءته علیهم فلما دنوا منا شدّوا علینا شدّتین فلم نبرح ثم انّ خالدا نادی بصوت له جهوری شدید عال فقال یا أهل الاسلام الشدّة الشدّة احملوا رحمکم اللّه علیهم فانکم ان قاتلتموهم محتسبین بذلک وجه اللّه فلیس لهم أن یواقفوکم ساعة* ثم انّ خالدا شدّ علیهم فشددنا معه فو اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:233
الذی لا إله الا هو ما ثبتوا لنا فواقا حتی انهزموا فقتلنا منهم فی المعرکة مقتلة عظیمة ثم اتبعناهم نکردهم و نصیب الطرف منهم و نقطعهم عن أصحابهم ثم نقتلهم فلم نزل کذلک حتی انتهبنا الی مدینة بصری فأخرج لنا أهلها الاسواق و استقبلوا المسلمین بکل ما یحبون ثم سألوا الصلح فصالحناهم فخرج خالد من فوره ذلک و أغار علی غسان فی جانب من مرج راهط فی یوم فصبحهم فقتل و سبی* و عن أبی الخزرج الغسانی قال کانت أمی فی ذلک السبی فلما رأت هدی المسلمین و صلاحهم و صلاتهم وقع الاسلام فی قلبها فأسلمت فطلبها أبی فی السبی فعرفها فجاء المسلمین فقال یا أهل الاسلام انی رجل مسلم و هذه امرأتی قد أصبتموها فان رأیتم أن تصلونی و تحفظوا حقی و تردّوا علیّ أهلی فعلتم فقال لها المسلمون ما تقولین فی زوجک فقد جاء یطلبک و هو مسلم قالت ان کان مسلما رجعت إلیه و الا فلا حاجة لی فیه و لست براجعة إلیه*

(وقعة أجنادین)

* ذکر سعد بن الفضل و أبو إسماعیل و غیرهما انّ خالد بن الولید لما دخل الغوطة کان قد مرّ بثنیة فجزعها و معه رایة بیضاء تدعی العقاب فسمیت بذلک تلک الثنیة ثنیة العقاب ثم نزل دیرا یقال له دیر خالد لنزوله به و هو مما یلی الباب الشرقی یعنی من دمشق و جاء أبو عبیدة من قبل الجابیة ثم شنا الغارات فی الغوطة و بیناهما کذلک أتاهما أن وردان صاحب حمص قد جمع الجموع یرید أن یقتطع شرحبیل بن حسنة و هو ببصری و انّ جموعا من الروم قد نزلت أجنادین و انّ أهل البلد و من مرّوا به من نصاری العرب قد سارعوا إلیهم فأتاهما خبر أقطعهما و هما مقیمان علی عدوّ یقاتلا به فالتقیا فتشاورا فی ذلک فقال أبو عبیدة أری أن نسیر حتی نقدم علی شرحبیل قبل أن ینتهی إلیه العدوّ الذی صمد صمده فاذا اجتمعنا سرنا إلیه حتی نلقاه فقال له خالد ان جمع الروم هذا بأجنادین و ان نحن سرنا الی شرحبیل تبعنا هؤلاء من قریب و لکن أری أن نصمد صمد عظیمهم و أن نبعث الی شرحبیل فنحذره مسیر العدوّ إلیه و نأمره فیوافینا بأجنادین و نبعث الی یزید بن أبی سفیان و عمرو بن العاص فیوافینا باجنادین ثم نناهض عدوّنا فقال له أبو عبیدة هذا رأی حسن فأمضه علی برکة اللّه و کان خالد مبارک الولایة میمون النقیبة مجرّبا بصیرا بالحروب مظفرا فلما أراد الشخوص من أرض دمشق الی الروم الذین اجتمعوا بأجنادین کتب نسخة واحدة الی الامراء* أما بعد فانه قد نزل بأجنادین جمع من جموع الروم غیر ذی قوّة و لا عدّة و اللّه قاصمهم و قاطع دابرهم و جاعل دائرة السوء علیهم و شخصت إلیکم یوم سرحت رسولی إلیکم فاذا قدم علیکم فانهضوا الی عدوّکم بأحسن عدّتکم و أصح نیتکم ضاعف اللّه لکم أجورکم و حط أوزارکم و السلام و وجه بهذه النسخة مع انباط کانوا مع المسلمین عیونا لهم و فیوجا و کان المسلمون یرضخون لهم* و دعا خالد الرسول الذی بعثه منهم الی شرحبیل فقال له کیف علمک بالطریق قال کما ترید قال فادفع إلیه هذا الکتاب و حذره الجیش الذی ذکر لنا انه یریده و خذ به و بأصحابه طریقا تعدل به عن طریق العدوّ الذی شخص إلیه و تأتی به حتی تقدمه علینا بأجنادین قال نعم فخرج الرسول الی شرحبیل و رسول آخر الی عمرو بن العاص و رسول آخر الی یزید بن أبی سفیان و خرج خالد و أبو عبیدة بالناس الی أهل أجنادین و المسلمون سراعا إلیهم جرآء علیهم فلما شخصوا لم یرعهم الا أهل دمشق فی آثارهم فلحقوا أبا عبیدة و هو فی أخریات الناس فلما رآهم قد لحقوا به نزل فأحاطوا به و هو فی نحو من مائتی رجل من أصحابه و أهل دمشق فی عدد کثیر فقاتلهم أبو عبیدة قتالا شدیدا و أتی الخبر خالدا و هو فی أمام الناس فی الفرسان و الخیل فعطف راجعا و رجع الناس معه و تعجل خالد فی الخیل و أهل القوّة فانتهوا الی أبی عبیدة و أصحابه و هم یقاتلون الروم قتالا حسنا فحمل الخیل علی الروم فقذف بعضهم علی بعض و تعقبهم ثلاثة أمیال حتی دخلوا دمشق ثم انصرف و مضی الناس نحو الجابیة و أخذ یلتفت و ینتظر قدوم أصحابه و مضی رسول خالد الی شرحبیل فوافاه لیس بینه و بین الجیش الذی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:234
سار إلیه من حمص مع وردان الا مسیرة یوم و هو لا یشعر فدفع إلیه الرسول الکتاب و أخبره الخبر و استحثه بالشخوص* فقام شرحبیل فی الناس فقال أیها الناس اشخصوا الی أمیرکم فانه قد توجه الی عدوّ المسلمین بأجنادین و قد کتب الیّ یأمرنی بموافاته هناک ثم خرج بالناس و مضی بهم الدلیل و بلغ ذلک الجیش الذی جاء فی طلبهم فعجل المسیر فی آثارهم و جاء وردان کتاب من الروم الذین بأجنادین أن عجل إلینا فانا مؤمروک علینا و مقاتلون معک العرب حتی ننفیهم من بلادنا فأقبل فی آثار هؤلاء رجاء أن یستأصلهم أو یصیب طرفا منهم فیکون قد نکب طائفة من المسلمین فأسرع المسیر فلم یلحقهم و جاءوا حتی قدموا علی المسلمین و جاء وردان فیمن معه حتی وافی جمع الروم بأجنادین فأمروه علیهم و اشتدّ أمرهم و أقبل یزید بن أبی سفیان حتی وافی أبا عبیدة و خالدا ثم انهم ساروا حتی نزلوا بأجنادین و جاء عمرو بن العاص فیمن معه فاجتمع المسلمون جمیعا بأجنادین و تزاحف الناس غداة السبت فخرج خالد فأنزل أبا عبیدة فی الرجال و بعث معاذ بن جبل علی المیمنة و سعد بن عامر علی المیسرة و سعید بن زید بن عمرو بن نفیل علی الخیل و أقبل خالد یسیر فی الناس لا یقرّ فی مکان واحد یحرّض الناس و قد أمر نساء المسلمین فاحتزمن و قمن وراء الناس یدعون اللّه و یستغثنه و کلما مرّ بهنّ رجل من المسلمین رفعن أولادهنّ إلیه و قلن لهم قاتلوا دون أولادکم و نسائکم* و أقبل خالد یقف علی کل قبیلة فیقول اتقوا اللّه عباد اللّه و قاتلوا فی اللّه من کفر باللّه و لا تنکصوا علی أعقابکم و لا تهابوا من عدوّکم و لکن أقدموا کاقدام الاسد أو ینجلی الرعب و أنتم أحرار کرام قد أوتیتم الدنیا و استوجبتم علی اللّه ثواب الآخرة و لا یهولنکم ما ترون من کثرتهم فانّ اللّه منزل رجزه و عقابه بهم و قال للناس اذا حملت فاحملوا* و قال معاذ بن جبل یا معشر المسلمین اشروا أنفسکم الیوم للّه فانکم ان هزمتموهم الیوم کانت لکم دار الاسلام أبدا مع رضوان اللّه و الثواب العظیم من اللّه و کان من رأی خالد مدافعتهم و ان یؤخر القتال الی صلاة الظهر عند مهب الاریاح و تلک الساعة التی کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یستحب القتال فیها فأعجله الروم فحملوا علیهم مرّتین من قبل المیمنة علی معاذ بن جبل و من قبل المیسرة علی سعید بن عامر فلم یتخلخل أحد منهم و رموا المسلمین بالنشاب فنادی سعید بن زید و کان من أشدّ الناس یا خالد علام نستهدف لهؤلاء الا علاج و قد رشقونا بالنشاب حتی شمست الخیل فقال خالد للمسلمین احملوا رحمکم اللّه علی اسم اللّه فحمل خالد و الناس بأجمعهم فما واقفوهم فوقا فهزمهم اللّه فقتلهم المسلمون کیف شاءوا و أصابوا عسکرهم و ما فیه و أصابت أبان بن سعید بن العاص نشابة فنزعها و عصبها بعمامته فحمله اخوته فقال لا تنزعوا عما متی عن جرحی فلو قد نزعتموها تبعتها نفسی أم و اللّه ما أحب ان لی بها معجرا من خمر النساء فمات منها رحمه اللّه و أبلی یومئذ بلاء حسنا و قاتل قتالا شدیدا عظم فیه عناؤه و عرف به مکانه و کان قد تزوّج أم أبان بنت عتبة بن ربیعة و بنی علیها فباتت عنده اللیلة التی زحفوا للعدوّ فی غدها فاصیب فقالت أمّ أبان هذه لما مات ما کان أغنانی عن لیلة أبان و قتل الیعبوب بن عمرو بن ضریس المشجعی یومئذ سبعة من المشرکین و کان شدیدا جلیدا فطعن طعنة کان یرجی أن یبرأ منها فمکث أربعة أیام أو خمسة ثم انتقضت به فاستأذن أبا عبیدة أن یأذن له فی المسیر الی أهله فان یبرأ رجع إلیهم فأذن له فرجع الی أهله بالعمر عمر المدائن فمات رحمه اللّه فدفن هناک و قتل سلمة بن هشام المخزومی و نعیم بن عدی بن صخر العدوی و هشام بن العاص السهمی أخو عمرو بن العاص و هبار بن سفیان و عبد اللّه بن عمرو بن الطفیل الدوسی و هو ابن ذی النور و کان من فرسان المسلمین فقتلوا یومئذ رحمهم اللّه و قتل المسلمون منهم یومئذ فی المعرکة ثلاثة آلاف و اتبعوهم یأسرون و یقتلون فخرج فان الروم الی ایلیا و قیساریة و دمشق و حمص فتحصنوا فی المدائن العظام*

کتاب خالد بالفتح الی أبی بکر رضی اللّه عنهما

و کتب خالد الی أبی بکر لعبد اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:235
أبی بکر خلیفة رسول اللّه من خالد بن الولید سیف اللّه المصبوب علی المشرکین سلام علیک فانی أخبرک أیها الصدیق انا التقینا نحن و المشرکون و قد جمعوا لنا جموعا جمة بأجنادین و قد رفعوا صلیبهم و نشروا کتبهم و تقاسموا باللّه لا یفرّون حتی یفنونا أو یخرجونا من بلادهم فخرجنا واثقین باللّه متوکلین علی اللّه فطاعناهم بالرماح شیئا ثم صرنا الی السیوف فقارعناهم بها مقدار نحر جزور ثم انّ اللّه أنزل نصره و أنجز وعده و هزم الکافرین فقتلناهم فی کل فج و شعب و غائط فالحمد للّه علی اعزاز دینه و اذلال عدوّه و حسن الصنیع لاولیائه و السلام علیک و رحمة اللّه و برکاته* و بعث خالد بکتابه هذا مع عبد الرحمن ابن حنبل الجمحی فلما قرئ علی أبی بکر و هو مریض مرضه الذی توفاه اللّه فیه أعجبه ذلک و قال الحمد للّه الذی نصر المسلمین و أقرّ عینی بذلک* قال سهل بن سعد و کانت وقعة أجنادین هذه أوّل وقعة عظیمة کانت بالشأم و کانت سنة ثلاث عشرة فی جمادی الاولی للیلتین بقیتا منه یوم السبت نصف النهار قبل وفاة أبی بکر رضی اللّه عنه بأربع و عشرین لیلة* و ذکر الطبری عن ابن اسحاق انّ الذی کان علی الروم تدارق أخو هرقل لابیه و أمه ثم ذکر عنه عن عروة بن الزبیر قال کان علی الروم رجل منهم یقال له القلقنار و کان استخلفه علی امراء الشأم حین سار الی القسطنطینیة و إلیه انصرف تدارق و من معه من الروم* قال ابن اسحاق فأما علماء الشأم فیزعمون انه کان علی الروم تدارق و اللّه أعلم و عنه لما تراءی العسکران بعث القلنقار رجلا عربیا فقال له ادخل فی هؤلاء القوم فأقم فیهم یوما و لیلة ثم ائتنی بخبرهم فدخل فی الناس رجل عربی لا ینکر علیه فأقام فیهم یوما و لیلة ثم أتاه فقال له ما وراءک فقال له باللیل رهبان و بالنهار فرسان و لو سرق ابن ملکهم لقطعوا یده و لو زنی لرجم لاقامة الحق فیهم فقال له القلنقار لئن کنت صدقتنی لبطن الارض خیر من لقاء هؤلاء علی ظهرها و لوددت أن اللّه یخلی بینی و بینهم فلا ینصرنی علیهم و لا ینصرهم علیّ ثم تزاحف الناس فاقتتلوا فلما رأی القلنقار ما رأی من قتالهم للروم قال للروم لفوا رأسی بثوب قالوا له لم قال هذا یوم بئیس ما أحب ان أراه ما رأیت لی من الدنیا یوما أشدّ من هذا قال فاحتز المسلمون رأسه و انه للملفف* و عن غیر ابن اسحاق قال ثم ان خالد بن الولید أمر الناس أن یسیروا الی دمشق و أقبل بهم حتی نزلها و قصد الی دیره الذی کان ینزل به و هو من دمشق علی میل مما یلی الباب الشرقی و بخالد یعرف ذلک الدیر الی الیوم و جاء أبو عبیدة حتی نزل علی باب الجابیة و نزل یزید بن أبی سفیان علی باب آخر من دمشق فأحاطوا بها فکثروا حولها و حاصروا أهلها حصارا شدیدا و قدم عبد الرحمن بن حنبل من عند أبی بکر بکتابه الی خالد و الی یزید قال فخرج خالد بالمسلمین ذات یوم فأحاطوا بمدینة دمشق و دنوا من أبوابها فرماهم أهلها بالحجارة و رشقوهم من فوق السور بالنشاب* قال ابن حنبل
فبلغ أبا سفیان عنا بأنناعلی خیر حال کان جیش یکونها
فانا علی بابی دمشق نرتمی‌و قدحان من بابی دمشق حینها

* (وقعة مرج الصفر)

* سنة أربع عشرة قال فان المسلمین لکذلک یقاتلونهم و یرجون فتح مدینتهم أتاهم آت فأخبر انّ هذا جیش قد أتاکم من قبل الروم فنهض خالد بالناس علی تعبیته و هینته فقدّم الاثقال و النساء و خرج معهن یزید بن أبی سفیان و وقف خالد و أبو عبیدة من وراء الناس ثم أقبلوا نحو ذلک الجیش فاذا هو درنجار بعثه ملک الروم فی خمسة آلاف رجل من أهل القوّة و الشدّة لیغیث أهل دمشق فصمد المسلمون صمدهم و خرج إلیهم أهل القوّة من أهل دمشق و ناس کثیر من أهل حمص فالقوم نحو من خمسة عشر ألفا فلما نظر إلیهم خالد عبیّ لهم أصحابه کتعبیته یوم أجنادین فجعل علی میمنته معاذ بن جبل و علی میسرته هاشم بن عتبة و علی الخیل سعید بن زید و أبا عبیدة علی الرجال و ذهب خالد فوقف فی أوّل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:236
الصف یرید أن یحرض الناس ثم نظر الی الصف من أوّله الی آخره حتی حملت خیل لهم علی خالد بن سعید و کان واقفا فی جماعة من المسلمین فی میمنة الناس یدعون اللّه و انقض علیهم فحملت طائفة منهم علیه فقاتلهم حتی قتل رحمه اللّه و حمل علیهم معاذ بن جبل من المیمنة فهزمهم و حمل علیهم خالد بن الولید من المیسرة فهزم من یلیه منهم و حمل سعید بن زید بالخیل علی معظم جمعهم فهزمهم اللّه و قتلهم و اجتث عسکرهم و رجع الناس و قد ظفروا و قتلوهم کل قتلة و ذهب المشرکون علی وجوههم فمنهم من دخل دمشق مع أهلا و منهم من رجع الی حمص و منهم من لحق بقیصر* و عن عمرو بن محصن ان قتلاهم یومئذ و هو یوم مرج الصفر کانت خمسمائة من المعرکة و قد قتلوا و أسروا نحوا من خمسمائة أخری* و قال أبو أمامة فیما رواه عنه یزید بن زید بن جابر کان بین أجنادین و بین یوم مرج الصفر عشرون یوما قال فحسبت ذلک فوجدته یوم الخمیس اثنتی عشرة لیلة بقیت من جمادی الآخرة قبل وفاة أبی بکر بأربعة أیام ثم انّ الناس أقبلوا عودهم علی بدئهم حتی نزلوا دمشق فحاصروا أهلها و ضیقوا علیهم و عجز أهلها عن قتال المسلمین و نزل خالد منزله الذی کان ینزل به علی الباب الشرقی و نزل أبو عبیدة منزله علی باب الجابیة و نزل یزید بن أبی سفیان جانبا آخر و کان المسلمون یغزون فکلما أصاب رجل نفلا جاء بنفله حتی یلقیه فی القیض لا یستحل أن یأخذ منه قلیلا و لا کثیرا حتی انّ الرجل منهم لیجی‌ء بالکبة الغزل أو بالکبة الصوف أو الشعر أو المسلة أو الابرة فیلقیها فی القیض لا یستحل أن یأخذها فسأل صاحب دمشق بعض عیونه عن أعمالهم و سیرتهم فوصفهم له بهذه الصفة بالامانة و وصفهم بالصلاة باللیل و طول القیام فقال هؤلاء رهبان باللیل أسد بالنهار و اللّه ما لی بهؤلاء طاقة و ما لی فی قتالهم خیر قال فراود المسلمین علی الصلح فأخذ لا یعطیهم ما یرضیهم و لا یتابعونه علی ما یسأل و هو فی ذلک لا یمنعه من الصلح و الفراغ الا انه قد بلغه أن قیصر یجمع الجموع للمسلمین یرید غزوهم فکان ذلک مما یمنعه من تعجیل الصلح و علی تعبیته تلک بلغ المسلمین الخبر بوفاة أبی بکر الصدیق و استخلافه عمر بن الخطاب و ما یتبعه ذلک من صرف خالد بن الولید بأبی عبیدة بن الجراح و ستجی‌ء فی خلافة عمر رضی اللّه عنه*

(ذکر مرض أبی بکر و وفاته رضی اللّه عنه)

* عن عبد اللّه بن عمر قال کان سبب موت أبی بکر وفاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کمد فما زال جسمه یحری حتی مات الکمد الحزن المکتوم* قال ابن شهاب انّ أبا بکر و الحارث بن کلدة کانا یأکلان حریرة أهدیت لابی بکر فقال الحارث لابی بکر ارفع یدک یا خلیفة رسول اللّه و اللّه انّ فیها لسم سنة و أنا و أنت نموت فی یوم فرفع أبو بکر یده فلم یزالا علیلین حتی ماتا فی یوم واحد عند انقضاء السنة کذا فی الصفوة* و فی الاکتفاء اختلف أهل العلم فی السبب الذی توفی منه أبو بکر فذکر الواقدی انه اغتسل فی یوم بارد فحمّ و مرض خمسة عشر یوما لا یخرج الی الصلاة و کان یأمر عمر بن الخطاب یصلی بالناس کذا فی الریاض النضرة* و قال الزبیر بن بکار کان به طرف من السل و قال غیره أصل ابتداء ذلک السل به الوجد علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما قبضه اللّه إلیه فما زال ذلک به حتی قضی منه* و روی عن سلام بن أبی مطیع انه رضی اللّه عنه سم و بعض من ذکر ذلک یقول انّ الیهود سمته فی أرزة و قیل فی حریرة فمات بعد سنة کما مرّ و قیل له لو أرسلت الی طبیب فقال قد رآنی قالوا فما قال لک قال قال انی أفعل ما أرید و کذلک اختلف فی حین وفاته* قال ابن اسحاق توفی یوم الجمعة للیال بقین من جمادی الآخرة سنة ثلاث عشرة* و قال غیره من أهل السیر انه مات عشاء یوم الاثنین و قیل لیلة الثلاثاء و قیل عشاء الثلاثاء و هذا هو الاکثر فی وفاته* و فی الصفوة قیل لیلة الاثنین بین المغرب و العشاء لثمان بقین من جمادی الآخرة* و فی التذنیب و شرح العقائد العضدیة من جمادی الاولی سنة ثلاث عشرة من الهجرة و هو ابن ثلاث و ستین سنة* و فی بعض الکتب بعد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:237
مضی سنتین و ستة أشهر من وفاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هو ابن اثنتین و ستین سنة و ستة أشهر و أسلم و هو ابن سبع و ثلاثین سنة و عاش فی الاسلام ستا و عشرین سنة و أوصی أن تغسله زوجته أسماء بنت عمیس فغسلته فهی أوّل امرأة غسلت زوجها فی الاسلام و أوصی أن یدفن الی جنب رسول اللّه و قال اذا أنامت فجیئوا بی علی الباب یعنی باب البیت الذی فیه قبر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فادفعوه فان فتح لکم فادفنونی قال جابر فانطلقنا فدفعنا الباب و قلنا هذا أبو بکر الصدیق قد اشتهی ان یدفن عند النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ففتح الباب و لا ندری من فتح لنا و قال لنا ادخلوا ادفنوه کرامة و لا نری شخصا و لا نری شیئا کذا فی الصفوة* و فی شواهد النبوّة سمعوا صوتا یقول ضموا الحبیب الی الحبیب* و فی الاکتفاء آخر ما تکلم به أبو بکر رب توفنی مسلما و ألحقنی بالصالحین* و لما توفی أبو بکر ارتجت المدینة بالبکاء و دهش القوم کیوم قبض فیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و صلی علیه عمر بن الخطاب فی مسجد رسول اللّه بین القبر و المنبر و حمل علی السریر الذی حمل علیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و نزل فی قبره عمر و عثمان و طلحة و ابنه عبد الرحمن بن أبی بکر و دفن لیلا فی بیت عائشة مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و جعل رأسه عند کتفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و فی الصفوة و لحده بلحده و جعل قبره مسطحا مثل قبر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ورش علیه بالماء کذا فی الاکتفاء* مرویاته فی کتب الحدیث مائة و اثنان و أربعون حدیثا* حکی ابن النجار انّ أبا قحافة حین توفی أبو بکر کان حیا بمکة نعی إلیه قال رزء جلیل و عاش بعده ستة أشهر و أیاما و توفی فی المحرم سنة أربع عشرة بمکة لسبع و تسعین سنة کذا فی الریاض النضرة*

(ذکر أولاد أبی بکر)

اشارة

* و کان له من الولد ستة ثلاثة بنین و ثلاث بنات أما البنون فعبد اللّه و هو أکبر ولده الذکور أمه قتیلة و یقال قتلة دون تصغیر من بنی عامر بن لؤیّ شهد فتح مکة و حنینا و الطائف مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و جرح بالطائف رمی بسهم رماه أبو محجن الثقفی و اندمل جرحه الی خلافة أبیه بعد وفاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و انتقض به فمات فی أوّل خلافة أبیه أبی بکر و ذلک فی شوّال من سنة احدی عشرة و دفن بعد الظهر و صلی علیه أبوه و نزل فی قبره أخوه عبد الرحمن و عمر و طلحة بن عبید اللّه اخرجه أبو نعیم و ابن منده و أبو عمر و کذا فی أسد الغابة و ترک سبعة دنانیر فاستنکرها أبو بکر و لا عقب له کذا فی الریاض النضرة و عبد الرحمن و یکنی أبا عبد اللّه و قیل أبا محمد بابنه محمد الذی یقال له أبو عتیق و قیل أبو عثمان أمّه أم رومان بنت الحارث من بنی فراس بن غنم بن کنانة أسلمت و هاجرت و کان عبد الرحمن شقیق عائشة شهد بدرا و أحدا مع المشرکین و کان من الشجعان و کان رامیا حسن الرمی و له مواقف فی الجاهلیة و الاسلام مشهورة دعا الی البراز یوم بدر فقام إلیه أبوه أبو بکر لیبارزه فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم متعنی بنفسک ثم منّ اللّه علیه فأسلم فی هدنة الحدیبیة و کان اسمه عبد الکعبة فسماه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عبد الرحمن و قیل کان اسمه عبد العزی و له عقب* و فی الاستیعاب ذکر الزبیر عن سفیان بن عیینة عن علی بن زید بن جدعان انّ عبد الرحمن بن أبی بکر فی فئة من قریش هاجروا الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قبل الفتح و أحسبه قال ان معاویة کان منهم و کذا فی أسد الغابة و شهد الیمامة مع خالد بن الولید فقتل سبعة من أکابرهم و هو الذی قتل محکم الیمامة بن الطفیل رماه فی نحره فقتله و کان محکم الیمامة فی ثلمة فی الحصن فلما قتل دخل المسلمون منها* قال الزبیر بن بکار کان عبد الرحمن أسن ولد أبی بکر و کان فیه دعابة أی مزاح و شهد وقعة الجمل مع أخته عائشة* روی الزبیر بن بکار انه بعث معاویة الی عبد الرحمن بن أبی بکر الصدّیق بمائة ألف درهم بعد أن أبی البیعة لیزید بن معاویة فردّها عبد الرحمن و أبی أن یأخذها و قال لا أبیع دینی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:238
بدنیای و خرج الی مکة و مات بها قبل ان تتم البیعة لیزید و کان موته فجأة سنة ثلاث و خمسین فی نومة نامها بمکان اسمه حبشی کصلبی جبل باسفل مکة قریب منها و قیل علی نحو عشرة امیال من مکة و حمل علی أعناق الرجال الی مکة* و فی الریاض النضرة أدخلته أخته عائشة الحرم و دفنته* و فی أسد الغابة و لما اتصل خبر موته باخته عائشة ظعنت الی مکة حاجة فوقفت علی قبره فبکت علیه و تمثلت بقول متمم بن نویرة فی أخیه مالک
و کنا کندمانی جذیمة حقبةمن الدهر حتی قیل لن یتصدّعا
و لما تفرّقنا کأنی و ملکالطول افتراق لم نبت لیلة معا أما و اللّه لو حضرتک لدفنتک حیث مت و لو حضرتک ما بکیتک و هذا یغایر ما سبق آنفا من روایة الریاض النضرة أدخلته أخته عائشة الحرم و دفنته و کان موته سنة ثلاث و خمسین کما مرّ و قیل سنة خمس و خمسین و قیل سنة ست و خمسین و الاوّل أکثر* مرویاته فی کتب الاحادیث ثمانیة أحادیث و لا یعرف فی الصحابة أربعة ولاء أب و بنوه و الذی بعد کل منهم ابن الذی قبله أسلموا و صحبوا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الا فی بیت أبی بکر الاوّل أبو قحافة اسمه عثمان بن عامر و ابنه أبو بکر الصدّیق و ابنه عبد الرحمن ابن أبی بکر و ابنه محمد بن عبد الرحمن أبو عتیق و کذلک ثبت هذا فی ولد أسماء* و محمد بن أبی بکر و یکنی أبا القاسم و کان من نساک قریش الا انه أعان علی عثمان یوم الدار أمه أسماء بنت عمیس الخثعمیة و کانت من المهاجرات الاول و کانت تحت جعفر بن أبی طالب و هاجرت معه الی الحبشة و لما استشهد جعفر بمؤتة من أرض الشأم تزوّجها بعده أبو بکر فولدت له محمدا هذا بذی الحلیفة لخمس لیال بقین من ذی القعدة سنة عشر من الهجرة و هی شاخصة الی الحج فی حجة الوداع مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم هی و أبو بکر فأمرها النبیّ علیه السلام أن تغتسل و ترجل ثم تهل بالحج و تصنع ما یصنع الحاج الا انها لا تطوف بالبیت فکانت سببا لحکم شرعی الی قیام الساعة و زکاها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و برأها من الفحشاء* و لما توفی أبو بکر عنها تزوّجها علی بن أبی طالب فنشأ محمد بن أبی بکر فی حجر علی بن أبی طالب و کان علی راحلته یوم الجمل و شهد معه صفین و ولاه عثمان فی أیامه مصر و کتب له العهد ثم اتفق مقتل عثمان قبل وصوله إلیها و ولاه أیضا علیّ مصر مکان قیس بن سعد بعد مرجعه من صفین*

ذکر مقتل محمد بن أبی بکر

و ذکر فی تاریخ ابن خلکان و غیره انّ علی بن أبی طالب ولی محمد بن أبی بکر الصدّیق مصر فدخلها سنة سبع و ثلاثین من الهجرة و أقام بها الی ان بعث معاویة بن أبی سفیان عمرو بن العاص فی جیوش أهل الشأم و معهم معاویة بن حدیج بحاء مهملة مضمومة و دال مهملة مفتوحة و بالجیم فی آخره کذا ضبطه السمعانی فی الانساب و ابن عبد البر و ابن قتیبة* و وقع فی کثیر من نسخ تاریخ ابن خلکان معاویة بن خدیج بخاء معجمة مفتوحة و دال مکسورة و آخره جیم و هو غلط و الصواب ما تقدّم فالتقی هو و معاویة ابن خدیج و أصحابه فاقتتلوا و انهزم محمد بن أبی بکر و اختبئ فی بیت مجنونة فمرّ أصحاب معاویة بن حدیج بالمجنونه و هی قاعدة علی الطریق و کان لها أخ فی الجیش فقالت ترید قتل أخی قال لا ما أقتله قالت فهذا محمد بن أبی بکر داخل بیتی فامر معاویة أصحابه فدخلوا إلیه و ربطوه بالحبال و جرّوه علی الارض و أتوا به الی معاویة فقال محمدا حفظنی لابی بکر فقال له قتلت من قومی فی قصة عثمان ثمانین رجلا و أترکک و أنت صاحبه لا و اللّه فقتله فی صفر سنة ثمان و ثلاثین و أمر به معاویة انّ یجر فی الطریق و یمرّ علی دار عمرو بن العاص لما یعلم من کراهته لقتله و أمر به أن یحرق بالنار فی جیفة حمار و علیه أکثر المؤرّخین* و قال غیره بل وضعه حیا فی جیفة حمار میت و أحرقه و کان ذلک قتله و سبب ذلک دعوة اخته عائشة لما أدخل یده فی هودجها یوم وقعة الجمل و هی لا تعرفه فظنته اجنبیا فقالت من هذا الذی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:239
یتعرّض لحرم رسول اللّه أحرقه اللّه بالنار قال یا اختاه قولی بنار الدنیا قالت بنار الدنیا و دفن فی الموضع الذی قتل فیه فلما کان بعد سنة من مدفنه أتی غلامه و حفر قبره فلم یجد فیه سوی الرأس فأخرجه و دفنه فی المسجد تحت المنارة و یقال انّ الرأس فی القبلة* قال و کانت عائشة قد أنفذت أخاها عبد الرحمن الی عمرو بن العاص فی شأن محمد فاعتذر بانّ الامر لمعاویة بن حدیج و لما قتل رضی اللّه عنه و وصل خبره الی المدینة مع مولاه سالم و معه قمیصه فدخل به داره رجال و نساء فامرت أم حبیبة بنت أبی سفیان بکبش فشوی فبعثت به الی عائشة و قالت هکذا شوی أخوک فلم تأکل عائشة بعد ذلک شوی حتی ماتت* و قالت هند بنت شمس الحضرمیة رأیت نائلة امرأة عثمان بن عفان تقبل رجل معاویة بن حدیج و تقول بک أدرکت ثاری و لما سمعت أمّه أسماء بنت عمیس بقتله کظمت الغیظ حتی شخبت ثدیاها دما و وجد علیه علی بن أبی طالب وجدا عظیما و قال کان لی ربیبا و کنت أعدّه ولدا ولی أخا و ذلک انّ علیا قد تزوّج امّه أسماء بنت عمیس بعد وفاة الصدّیق و رباه کذا فی حیاة الحیوان* و أما البنات فعائشة أمّ المؤمنین رضی اللّه عنها شقیقة عبد الرحمن تزوّجها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فثبت لابی بکر بذلک أشرف الشرف فکانت احدی أمّهات المؤمنین و حظوتها عنده و شرف منزلتها و عظم رتبتها علی سائر النساء مشهور حتی بلغ ذلک منه الی ان قیل من أحب الناس إلیک یا رسول اللّه قال عائشة فقیل و من الرجال فقال أبوها فکانت أحب الناس إلیه مطلقا بنت أحب الناس إلیه من الرجال و کیفیة تزویجها و زفافها قد سبقت فی الرکن الثانی و الثالث و أسماء بنت أبی بکر شقیقة عبد اللّه و هی أکبر بناته و هی ذات النطاقین و قد تقدّم سبب تسمیتها بذلک فی هجرة أبی بکر مع رسول اللّه و تزوّجها الزبیر بن العوام بمکة و ولدت له عدّة أولاد ثلاثة ذکور المنذر و عروة و هو احد الفقهاء السبعة المدنیین و المهاجر و ثلاث اناث خدیجة الکبری و أمّ الحسن و عائشة ثم طلقها فکانت مع ولدها عبد اللّه بن الزبیر بمکة حتی قتل و عاشت بعده قلیلا و کانت من المعمرین بلغ عمرها مائة سنة و لم یسقط لها سنّ و عمیت و ماتت بمکة و قد تقدّم ما ثبت برؤیة ولدها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و روایته عنه لبیت أبی بکر من الشرف بوجود أربعة فیه بعضهم ولد بعض رأوا رسول اللّه و رووا عنه و أمّ کلثوم و هی أصغر بناته و فی المختصر أمّها نصرانیة و هی التی قال أبو بکر فیها ذو بطن بنت خارجة أمّها حبیبة بنت خارجة بن زید کان أبو بکر قد نزل علیه فی الهجرة و تزوّج ابنته و توفی عنها و ترکها حبلی فولدت بعده أمّ کلثوم هذه و لما کبرت خطبها عمر بن الخطاب الی عائشة فانعمت له و کرهت أمّ کلثوم بنت علیّ فاحتالت له حتی أمسک عنها و تزوّجها طلحة بن عبید اللّه ذکره ابن قتیبة و غیره و جمیع ما ذکر من کتاب المعارف و من الصفوة لابی الفرج بن الجوزی و من الاستیعاب لابی عمرو بن عبد البر و من کتاب فضائل أبی بکر کل منهم خرج طائفة کذا فی الریاض النضرة*

(ذکر عمر بن الخطاب بن نفیل بن عبد العزی بن رباح ابن عبد اللّه بن قرط بن رزاح بن عدی بن کعب)

اشارة

* یلتقی هو و رسول اللّه عند کعب و بین عمر و کعب ثمانیة آباء و بین النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کعب سبعة لم یزل اسمه فی الجاهلیة و الاسلام عمر و کناه رسول اللّه ابا حفص و الحفص ولد الاسد و کان ذلک یوم بدر ذکره ابن اسحاق* و سماه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الفاروق یوم أسلم فی دار الارقم عند الصفا و به تم المسلمون أربعین فخرجوا و أظهروا الاسلام فرق اللّه بعمر بین الحق و الباطل کذا روی عن ابن عباس و کذا ذکر فی الریاض النضرة و أمّه خیثمة بنت هاشم بن المغیرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم و قد قال طائفة فی أمّ عمر خیثمة بنت هشام بن المغیرة و من قال ذلک فقد أخطأ و لو کانت کذلک لکانت أخت أبی جهل بن هشام و الحارث بن هشام و لیس کذلک و انما هی بنت هاشم بن المغیرة و انّ هاشم بن المغیرة و هشام بن المغیرة اخوان فهاشم والد خیثمة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:240
أمّ عمر و هشام والد الحارث و أبی جهل و أمّ عمر ابنة عمهما و هاشم بن المغیرة هذا جدّ عمر لامّه و کان یقال له ذو الرمحین کذا فی الاستیعاب* و ولد عمر بعد الفیل بثلاث عشرة سنة*

(صفته)

* فی الریاض النضرة قال ابن قتیبة الکوفیون یرون انّ عمر آدم شدید الادمة و أهل الحجاز یرون انه أبیض أمهق* قال صاحب الصفوة کان عمر طوالا أصلع أجلح شدید حمرة العینین خفیف العارضین* و قال أبو عمرو کان کث اللحیة أعسر یسر آدم شدید الادمة و هکذا وصفه رزین بن حبیش و غیره یعنی شدید الادمة و علیه الاکثر* و قال الواقدی لا یعرف انه کان آدم الا ان یکون تغیر لونه من أکل الزیت عام الرمادة* فی الصحاح عام الرمادة أعوام تتابعت علی الناس فی أیام عمر بن الخطاب فهلک فیه الناس و الاموال من رمدت الغنم ترمد رمدا هلکت* قوله و الادم من الناس الاسمر و الجمع الادمان و الادمة بضم الهمزة و اسکان الدال السمرة الامهق الذی یشبه لونه لون الجص لا یکون له دم ظاهر الاصلع هو الذی انحسر شعر مقدم رأسه و یقال لموضع الصلع صلعة بالتحریک و صلعة بضم الصاد و اسکان اللام و الاجلح هو الذی انحسر الشعر من جانبی رأسه فوق الانزع و أوّله النزع ثم الجلح ثم الصلع و اسم ذلک الموضع جلحة بالتحریک و أعسر یسر هو الذی یعمل بیدیه جمیعا و یقال له الاضبط* قال ابو رجاء العطاردی کان عمر طویلا جسیما أصلع شدید الصلع أبیض شدید حمرة العینین فی عارضیه خفة سبلته کثیرة الشعر فی أطرافها صهبة و زاد فی دول الاسلام اذا حزبه أمر فتلها و کان أحول* و عن سماک ابن حرب قال کان عمر أروح کأنه راکب و الناس یمشون* و فی المختصر الجامع کأنه راکب جمل و الناس مشاة کأنه من رجال سدوس خرجه الحافظ السلفی قال الاروح هو الذی تتدانی قدماه اذا مشی* و قال الجوهری هو الذی تتباعد صدور قدمیه و تتدانی عقباه و کل نعامة روحاء* و قال وهب صفته فی التوراة قرن من حدید أمین شدید* القرن الجبل الصغیر و کان یختضب بالحناء و الکتم و خرج القاضی أبو بکر بن الضحاک عن ابن عمر أن عمر کان لا یغیر شیبه فقیل له یا أمیر المؤمنین أ لا تغیر و قد کان أبو بکر یغیر فقال سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول من شاب شیبة فی الاسلام کانت له نورا یوم القیامة و ما أنا بمغیر و الاوّل أصح* روی انه رضی اللّه عنه کان یأخذ أذنه الیسری بیده الیمنی و یثب علی فرسه کأنما خلق علی صخرة* و قال ابن مسعود انی لا حسب عمر ذهب یوم توفی بتسعة اعشار العلم و لو أنّ علمه وضع فی کفة میزان و وضع علم أحیاء الارض فی کفة لرجح علمه علیهم* و قال قتادة کان عمر یلبس جبة صوف مرقعة بأدم و یطوف فی السوق معه الدرة یؤدّب الناس بها* و قال أنس رأیت بین کتفی عمر أربع رقاع فی قمیصه* و قال طارق بن شهاب لما قدم عمر الشأم لقیه الجنود و علیه ازار فی وسطه و عمامة قد خلع خفیه و هو یخوض فی الماء آخذ بزمام راحلته و خفاه تحت ابطه فقالوا له یا أمیر المؤمنین الآن یلقاک الامراء و بطارقة الشأم و أنت هکذا فقال انا قوم أعزنا اللّه بالاسلام فلن نلتمس العز بغیره* و عن معاویة قال أمّا أبو بکر فلن یرد الدنیا و لن ترده الدنیا و أمّا عمر فأرادته الدنیا و لم یردها و أما عثمان فأصاب منها و أما نحن فتمر غنا فیها ظهر البطن قیل کان فی خدّی عمر خطان أسودان من البکاء و قد فتح الفتوحات و کثر المال فی دولته الی الغایة حتی عمل بیت المال و وضع الدیوان و رتب لرعیته ما یکفیهم و فرض للاجناد و کان نوّابه بالیمن و بأوائل المغرب الی العجم*

(ذکر خلافة عمر رضی اللّه عنه)

فی شرح العقائد العضدیة للعلامة الدوانی انّ أبا بکر بعد ما انقضت علی خلافته سنتان و أربعة أشهر مرض فلما أیس من حیاته دعا عثمان و أملی علیه کتاب العهد لعمر فقال اکتب بسم اللّه الرحمن الرحیم هذا ما عهد أبو بکر بن أبی قحافة فی آخر عهده بالدنیا خارجا عنها و أوّل عهده بالآخرة داخلا فیها حین یؤمن الکافر و یوقن الفاجر أنی استخلفت* و فی الاکتفاء و لما انتهی أبو بکر الی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:241
هذا الموضع ضعف و رهقته غشیة فکتب عثمان و قد استخلف عمر بن الخطاب فأمسک حتی أفاق أبو بکر قال أ کتبت شیئا قال نعم کتبت عمر بن الخطاب قال رحمک اللّه أما لو کتبت نفسک لکنت لها أهلا فاکتب قد استخلفت عمر بن الخطاب فان عدل فذلک ظنی به و رأیی فیه و ذلک أردت و ما توفیقی الا باللّه و ان بدّل فلکل نفس ما کسبت و علیها ما اکتسبت و الخیر أردت و لا علم لی بالغیب* و فی روایة ما أردت الا الخیر و لا یعلم الغیب الا اللّه و سیعلم الذین ظلموا أیّ منقلب ینقلبون* و فی الاکتفاء و التوی عمر علی أبی بکر فی قبول عهده و قال لا أطیق القیام بامر الناس فقال أبو بکر لابنه عبد الرحمن ارفعنی و ناولنی السیف فقال عمر أو تعقبنی قال لا فعند ذلک قبل* ذکر هذا کله أبو الحسن المدائنی فلما کتب ختم الصحیفة و أخرجها الی الناس و أمرهم أن یبایعوا لمن فی الصحیفة حتی مرّت بعلیّ فقال بایعت لمن فیها و ان کان عمر فوقع الاتفاق علی خلافته* و فی الاکتفاء و لما استمرّ بابی بکر وجعه و ثقل أرسل الی عثمان و علیّ و رجال من أهل السابقة و الفضل من المهاجرین و الانصار فقال قد حضر ما ترون و لا بدّ من قائم بأمرکم یجمع فئتکم و یمنع ظالمکم من الظلم و یردّ علی الضعیف حقه فان شئتم اخترتم لانفسکم و ان شئتم جعلتم ذلک الیّ فو اللّه لا آلوکم و نفسی خیرا* و فی روایة قال لهم أ ترضون بخلافة خلیفة أعینه لکم و اللّه ما أعین لکم أحدا من أقربائی قالوا قد رضینا من اخترت لنا فقال قد اخترت عمر فقال طلحة و الزبیر ما کنت قائلا لربک اذا ولیته مع غلظته* و فی روایة قال طلحة أتولی علینا فظا غلیظا ما تقول لربک اذا لقیته فقال أبو بکر ساندونی فأجلسوه فقال أبا للّه تخوّفنی أقول استعملت علیهم خیر أهلک و حلفت ما ترکت أحدا أشدّ حبا له من عمر فستعلمون اذا فارقتموه و تنافستموها و دخل عثمان و علیّ فاخبرهما أبو بکر فقال عثمان علمی به انه یخاف اللّه فوله فما فینا مثله و قال علی یا خلیفة رسول اللّه امض لرأیک فما نعلم به الا خیرا فقام عمر عشر سنین* و فی سیرة مغلطای فاقام عشر سنین و ستة أشهر و أربع لیال بامر الخلافة و الامامة و أقامها علی نهج العدل و الاستقامة و استشهد فی ذی الحجة سنة ثلاث و عشرین من الهجرة علی ید أبی لؤلؤة غلام المغیرة بن شعبة کما سیجی‌ء* و قال ابن اسحاق و مدّة خلافته عشر سنین و ستة أشهر و خمس لیال و قال غیره ثلاثة عشر یوما کذا فی حیاة الحیوان قال حمزة بن عمرو توفی أبو بکر مساء لیلة الثلاثاء لثمان بقین من جمادی الآخرة من السنة الثالثة عشر من الهجرة و استقبل عمر لخلافته یوم الثلاثاء صبیحة موت أبی بکر* و عن جامع بن شدّاد عن أبیه قال کان أوّل کلام تکلم به عمر حین صعد المنبر أن قال اللهم انی شدید فلینی و انی ضعیف فقوّنی و انی بخیل فسخنی و هو أوّل خلیفة دعی بأمیر المؤمنین و به تم المسلمون أربعین کما مرّ کذا فی الصفوة و أوّل من وضع التاریخ بعام الهجرة وضعه فی السنة السابعة عشر و هو أوّل من جمع الناس علی امام واحد فی قیام رمضان و أوّل من أخر المقام الی موضعه الیوم و کان ملصقا بالبیت و قیل بل أوّل من أخره رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أوّل من حمل الدرّة لتأدیب الناس و تعزیرهم و فتح الفتوح و وضع الخراج و مصر الامصار و استقضی القضاة و دوّن الدیوان و فرض العطیة و کان نقش خاتمه الذی اصطنعه لنفسه کفی بالموت واعظا یا عمر ذکره أبو عمرو و غیره و أمّا الخاتم الذی یختم به فهو خاتم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان نقشه محمد رسول اللّه و هو الذی وقع فی بئر أریس و قد مرّ و حج بالناس عشر حجات متوالیات آخرها سنة ثلاث و عشرین و حج بازواج رسول اللّه فی آخر حجج عشر حجها فی أیام خلافته* و فی البحر العمیق عن محمد بن سعید انّ عمر و هو خلیفة استعمل علی الحج أوّل سنة ولی عبد الرحمن بن عوف فحج بالناس ثم لم یزل عمر یحج بالناس فی خلافته کلها فحج عشر سنین و حج بازواج رسول
اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی آخر حجة حجها و اعتمر فی خلافته ثلاث عمر و عن ابن عباس قال حججت مع عمر احدی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:242
عشرة حجة*

(ذکر کتابه و قضاته و أمرائه)

* أمّا کتابه فعبد الرحمن بن خلف الخزاعی و زید بن ثابت و علی بیت المال زید بن أرقم* و أمّا قضاته فزید بن أحب النمر بالمدینة و أبو أمیة شریح بن الحارث الکندی بالکوفة و یقال انّ شریحا هذا قام قاضیا خمسا و سبعین سنة الی أیام الحجاج فعطل منها ثلاث سنین و امتنع عن الحکم فی فتنة ابن الزبیر فلما تولی الحجاج استعفاه فاعفاه و توفی سنة تسع و سبعین و له مائة و عشرون سنة* و کان القاضی بمصر قیس بن العاص السهمی ثم کعب بن یسار* و أما أمراؤه فکان أمیره بمصر عمرو بن العاص السهمی ثم صرفه عن الصعید و ردّ أمره الی عبد اللّه بن ابی سرح العامری و کان الامیر بالشأم معاویة بن أبی سفیان* و فی المختصر الجامع و کان فی أیامه فتوح الامصار منها دمشق فتحت صالحا علی ید أبی عبیدة بن الجراح و خالد بن الولید ثم الروم طبریة و قیساریة و فلسطین و عسقلان و سار عمر بنفسه ففتح بیت المقدس صالحا و فتحت أیضا بعلبک و حمص و حلب و قنسرین و انطاکیة و جلولا و الرقة و حران و الموصل و الجزیرة و نصیبین و آمد و الرها و فتحت قادسیة و المدائن علی ید سعد بن أبی وقاص و زال ملک الفرس و انهزم یزدجرد ملک الفرس و لجأ الی فرغانة و الترک و فتحت أیضا کور دجلة و الابلة علی ید عتبة بن غزوان و فتحت کور الاهواز و الجابیة علی ید أبی موسی و فتحت نهاوند و اصطخر و أصفهان و بلاد فارس و تستر و شوش و همدان و النوبة و البربر کذا ذکره فی الریاض النضرة و أذربیجان و بعض أعمال خراسان* و فتحت مصر علی ید عمرو بن العاص غرة المحرم سنة عشرین و فتح عمر أیضا الاسکندریة و طرابلس الغرب و ما یلیها من الساحل و فی حیاة الحیوان عدّ مما فتحت فی أیام عمر رأس العین و خابور و بیسان و یرموک و الری و ما یلیها و سیجی‌ء تفصیل بعضها* و فی أیام عمر مصرت البصرة سنة سبع عشرة و مصرت الکوفة و نزلها سعد بن أبی وقاص و فی سنة ثمان عشرة کان عام الرمادة و استسقی عمر بالعباس فسقی و فیها کان طاعون عمواس مات فیه خمسة و عشرون ألفا منهم أبو عبیدة بن الجراح و معاذ بن جبل و سیجی‌ء* و فی بعض کتب التواریخ وقع فتوح البلاد فی زمان خلافة عمر علی هذا الترتیب ففی السنة الاولی فتح بعض بلاد الشام و فی الثانیة فتح القادسیة و استخلص بلاد السودان و فی الثالثة فتح تمام بلاد الشام و فی الرابعة فتح تمام بلاد عراق العرب و هرب یزدجرد بن شهریار منها الی خراسان و فی الخامسة فتح بلاد دیار بکر ربیعة و فی السادسة وفاة أبی عبیدة ابن الجراح فی الشأم بالطاعون و فتح بلاد اذربیجان و ایران و أرمن و بعض من بلاد خوزستان و بعض من فارس و فی السابعة فتح مصر و اسکندریة و بحرین و بقیة بلاد الیمن و فی الثامنة وقع غزو نهاوند و فتح بعض عراق العجم و فی التاسعة فتحت تتمة بلاد عراق العجم و قومس و بعض ماریدران و تتمة فارس و سادکاره و کرمان و خراسان و هرب یزدجرد بن شهریار من خراسان الی فرغانة اندجان و فی العاشرة فی ذی الحجة وقع قتله رضی اللّه عنه*

ذکر قصة النیل‌

و فی الریاض النضرة لما فتحت مصر أتی أهلها عمرو بن العاص و قالوا انّ هذا النیل یحتاج فی کل سنة الی جاریة بکر من أحسن الجواری فنلقیها فیه و الا فلا یجری و تخرب البلاد و تقحط فبعث عمرو الی أمیر المؤمنین عمر بن الخطاب یخبره بالخبر فبعث إلیه عمر الاسلام یجب ما قبله ثم بعث إلیه بطاقة فیها بسم اللّه الرحمن الرحیم الی نیل مصر من عبد اللّه عمر بن الخطاب أمّا بعد فان کنت تجری بنفسک فلا حاجة بنا إلیک و ان کنت تجری بامر اللّه فاجر علی اسم اللّه* و أمره أن یلقیها فی النیل فألقاها فجری فی تلک السنة ستة عشر ذراعا فزاد علی کل سنة ستة أذرع* و فی روایة کتب بسم اللّه الرحمن الرحیم من عبد اللّه أمیر المؤمنین عمر الی نیل مصر أمّا بعد فان کنت تجری من قبلک فلا تجر و إن کان اللّه الواحد القهار هو الذی یجریک فنسأل اللّه الواحد القهار أن یجریک* و فی روایة فلما ألقی کتابه فی النیل جری و لم یعد یقف خرج الروایة الاولی و الثانیة الملا فی سیرته*

کرامة فی نداء عمر لساریة و هو علی المنبر

و عن عمرو بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:243
الحارث قال بینما عمر یخطب یوم الجمعة اذ ترک الخطبة و نادی یا ساریة الجبل مرّتین أو ثلاثا ثم أقبل علی خطبته فقال ناس من أصحاب رسول اللّه انه لمجنون ترک الخطبة و نادی یا ساریة الجبل فدخل عبد الرحمن ابن عوف و کان یبسط علیه فقال یا أمیر المؤمنین تجعل للناس علیک مقالا بینما أنت فی خطبتک اذ نادیت یا ساریة الجبل أیّ شی‌ء هذا فقال و اللّه ما ملکت ذلک حین رأیت ساریة و أصحابه یقاتلون عند جبل یؤتون من بین أیدیهم و من خلفهم فلم أملک أن قلت یا ساریة الجبل لیلحقوا بالجبل فلم یمض الا أیام حتی جاء رسول ساریة بکتابه انّ القوم لا قونا یوم الجمعة فقاتلناهم من حین صلاة الصبح الی ان حضرت الجمعة و ذر حاجب الشمس فسمعنا صوت مناد ینادی یا ساریة الجبل مرّتین فلحقنا بالجبل فلم نزل قاهرین لعدوّنا حتی هزمهم اللّه کذا فی الریاض النضرة یقال فی جبل نهاوند غار سمع منه ساریة نداء عمر و الی الآن یعظم ذلک الغار و یتبرک به و مناقبه الحسنة و سیرته المستحسنة و زهده و شجاعته و هیبته و اخلاصه مشهورة و حسبک من کرامته انه کان وزیر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و قال صلی اللّه علیه و سلم لو کان بعدی نبی لکان عمر و قال علیه السلام اللهم أعز الاسلام بعمر فاسلم عمر قال ابن مسعود ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر فانّ اسلامه فتح و ما استطعنا أن نصلی حول البیت ظاهرین حتی أسلم عمر* و قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اقتدوا باللذین من بعدی أبی بکر و عمر و قال علیه السلام وضع الحق علی لسان عمر و قلبه* و قال علیّ خیر هذه الامّة بعد نبیها أبو بکر و عمر کذا ذکره الذهبی فی دول الاسلام قام بعد أبی بکر عمر بن الخطاب بمثل سیرته و جهاده و ثباته و صبره علی العیش الخشن و الخبز الشعیر و الثوب الخام المرقوع* و عن زید بن ثابت قال رأیت علی عمر مرقعة فیها سبع عشرة رقعة و القناعة بالیسیر ففتح الفتوحات الکبار و الاقالیم الشاسعة الواسعة فافتتح عسکره و علیهم سعد ابن أبی وقاص أحد العشرة المشهود لهم بالجنة مملکة کسری و کانت جیوش کسری مائة ألف أو یزیدون فکسرهم المسلمون غیر مرّة و غنموا أموالهم و سبوا نساءهم و أولادهم و کانوا یعبدون النار و بنی المسلمون حینئذ الکوفة و البصرة و أما عسکره الآخر الذین قصدوا الشام و علیهم سیف اللّه خالد ابن الولید و عمرو بن العاص و أبو عبیدة بن الجراح و غیرهم من الامراء فافتتحوا مدائن الشام جمیعها بعد أربع مصافات أکبرها وقعة الیرموک بحوران سنة خمس عشرة و ما کان المسلمون أکثر من عشرین ألفا و کان جیوش قیصر ملک النصاری أزید من مائة ألف فارس فقتل منهم یومئذ أزید من النصف أو أقل و استشهد من المسلمین جماعة من الصحابة ثم قدم عمر بنفسه فافتتح بیت المقدس کما مرّ و کانت بالعراق وقعة جلولا فی أیامه و قتل خلائق من المجوس و بلغت الغنیمة فیما قیل ثلاثین ألف ألف درهم ثم افتتح جیش عمر الموصل و الجزیرة و أرمینیة و تلک الناحیة الی توریز و سار عمرو بن العاص بطائفة من الجیش فیهم حواری رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و ابن عمته الزبیر بن العوّام فافتتحوا الدیار المصریة بعضها بالسیف و بعضها صالحا و افتتح الاسکندریة و ملک المسلمون بعض بلاد الروم و مدینة نهاوند من العجم و مدینة اصطخر و بلد الری و همدان و جرجان و دینور و افتتح المسلمون أوّل مدائن الغرب و هی طرابلس* و هذه الفتوحات العظیمة و الممالک الواسعة تمت کلها فی ثلاث عشرة سنة و کان فتح بعضها فی خلافة أبی بکر و مات فی خلافة أمیر المؤمنین عمر بن الخطاب فی المحرم سنة أربع عشرة أبو قحافة والد أبی بکر الصدّیق رضی اللّه عنهما کما مرّ فی الموطن الثامن و ماتت هند بنت عتبة أمّ معاویة فی الیوم الذی مات فیه أبو قحافة فی محرم السنة المذکورة کذا فی حیاة الحیوان و مات فی دولة أمیر المؤمنین عمر بن الخطاب أبو عبیدة بن الجرّاح أمین هذه الامّة و أحد العشرة الشهود لهم بالجنة مات بالغور و کان زاهدا عابدا مجاهدا کبیر القدر ما فی بیته إلّا سلاحه و جلد شاة و جرّة للماء و کان فتح دمشق علی یده کذا فی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:244
دول الاسلام*

صفة أبی عبیدة بن الجرّاح‌

و فی الصفوة أبو عبیدة عامر بن الجرّاح بن هلال بن أهیب بن منبه بن الحارث بن فهر بن مالک بن النضر أسلم مع عثمان بن مظعون و هاجر الی الحبشة الهجرة الثانیة و شهد بدرا و المشاهد کلها و ثبت مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یوم أحد و نزع یومئذ بفیه الحلقتین اللتین دخلتا و جنتی رسول اللّه من حلق المغفر فوقعت ثنیتاه فکان أحسن الناس هتما (صفته) کان طوالا نحیفا أجنی معروق الوجه أثرم الثنیتین خفیف اللحیة و کان له من الولد یزید و عمیر أمّهما هند بنت جابر فدرجا و لم یبق له عقب* قال عمر بن الخطاب لو أدرکنی أجلی و أبو عبیدة حیّ استخلفته فان سألنی اللّه عز و جل لم استخلفته علی أمّة محمد قلت انی سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول انّ لکل نبی أمینا و أمینی أبو عبیدة* و من مناقبه انه قتل أباه عبد اللّه بن الجرّاح یوم بدر غیرة علی الدین فانزل اللّه فیه لا تجد قوما یؤمنون باللّه الآیة کذا فی الکشاف توفی فی طاعون عمواس بالاردن بالشام و قبره فیها و صلی علیه معاذ بن جبل و نزل فی قبره هو و عمرو بن العاص و الضحاک بن قیس و ذلک سنة ثمان عشرة فی خلافة عمر و هو ابن ثمان و خمسین سنة ذکره أبو عمرو صاحب الصفوة کذا فی الریاض النضرة* و فی الصفوة أیضا روی انه استخلف أبا عبیدة بن الجرّاح بالشام بعد عزل خالد بن الولید فمات بها بالطاعون و مات فی خلافة عمر أبو سفیان ابن الحارث بالمدینة بعد ان استخلف عمر بسنة و سبعة أشهر و یقال بل مات سنة عشرین و قیل توفی سنة خمس عشرة و قد مرّ ذکره فی فضل النسب فی الطلیعة الثانیة و مات فی خلافة عمر أبو قیس سعد بن عبادة سید الانصار بارض حوران و کان من نجباء أصحاب محمد علیه السلام و قد اجتمعت حوله الانصار بعد موت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و عزموا أن یبایعوه بالخلافة فلم یتم ذلک لما علموا انّ الخلافة لا تکون الا فی عشیرة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لقوله علیه السلام لا یزال هذا الامر فی قریش ما بقی فی الناس اثنان* و فی الصفوة و کان سعد بن عبادة بن دلیم بن حارثة یکنی أبا ثابت و هو أحد النقباء شهد العقبة مع السبعین و المشاهد کلها ما خلا بدرا فانه تهیأ للخروج فلدغ فأقام و کان جوادا و کانت جفنته تدور مع رسول اللّه فی بیوت أزواجه* و عن یحیی بن أبی کثیر قال کانت لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من سعد بن عبادة جفنة من ثرید فی کل یوم تدور معه أینما دار من نسائه و کان له من الولد سعید و محمد و عبد الرحمن و قیس و عبد العزیز و أمامة و مندوس و کان سعد یکتب فی الجاهلیة بالعربیة و یحسن العوم و الرمی و العرب تسمی من اجتمعت فیه هذه الاشیاء الکامل* و قال محمد بن سعد ابن عبادة توفی سعد بن عبادة بحوران من أرض الشام لسنتین و نصف من خلافة عمر کأنه مات سنة خمس عشرة* قال عبد العزیز سعد بن عبادة ما علم بموته فی المدینة حتی سمع غلمان قد اقتحموا فی بئر نصف النهار فی حرّ شدید قائلا یقول من البئر
نحن قتلنا سید الخزرج سعد بن عبادةفرمیناه بسهمین فلم تخط فؤاده فذعر الغلمان فحفظ ذلک الیوم فوجدوه الیوم الذی توفی فیه سعد و انما جلس یبول فی نفق فافتلت فمات من ساعته فوجدوه قد اخضر جلده* و مات فی خلافة عمر عتبة بن غزوان المازنی و کان ممن شهد بدر اوله سبع و خمسون سنة و هو الذی بنی البصرة و کان من الرماة المذکورین و معاذ بن جبل الانصاری بالغور شابا و کان من خیار الصحابة قال له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یا معاذ انی أحبک* و قال ابن مسعود کنا نشبه معاذا بابراهیم الخلیل کان أمّة قانتا للّه حنیفا و عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انه قال اعلم أمّتی بالحلال و الحرام معاذ بن جبل قال استخلف الناس معاذ بن جبل بعد أبی عبیدة فمات بالطاعون و استخلف علی الناس عمرو بن العاص قال طعن معاذ فی ابهامه فجعل یمسها بفیه و یقول اللهم انها صغیرة فبارک فیها فانک تبارک فی الصغیر حتی هلک* و عن الحارث بن عمیر قال طعن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:245
معاذ و أبو عبیدة و شرحبیل بن حسنة و أبو مالک الاشعری فی یوم واحد اتفق أهل التاریخ علی انّ معاذا مات فی طاعون عمواس بناحیة الاردن من الشام سنة ثمانی عشرة و اختلفوا فی عمره علی قولین* أحدهما اثنان و ثلاثون و الثانی ثلاث و ثلاثون* و عن سعید بن المسیب قال رفع عیسی ابن مریم و هو ابن ثلاث و ثلاثین سنة و معاذ و هو ابن ثلاث و ثلاثین سنة أو أربع و ثلاثین و مات شرحبیل بن حسنة و یزید بن أبی سفیان و کانا من کبار أمراء الصحابة الذین فتحوا الشام و کان یزید بن أبی سفیان هذا نائب عمر رضی اللّه عنه علی دمشق فلما مات ولی النیابة بعده أخوه معاویة* و مات أبی بن کعب الانصاری سید القراء بالمدینة و هو الذی قال له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انّ اللّه أمرنی أن أقرئک القرآن و لما توفی صلی علیه عمرو قال الیوم مات سید المسلمین* و مات بداریا بلال بن رباح مؤذن رسول اللّه و هو ممن شهد له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بالجنة و کان من السابقین الاوّلین البدریین*

ترجمة بلال رضی اللّه عنه‌

و فی الصفوة عن قاسم بن عبد الرحمن أوّل من أذن بلال بن رباح مولی أبی بکر و اسم أمّه حمامة أسلم قدیما فعذبه قومه و جعلوا یقولون له ربک اللات و العزی و هو یقول أحد أحد فأتی علیه أبو بکر فاشتراه بسبع اواق و قیل بخمس و قیل بغلام أسود فأعتقه فشهد بدرا و أحدا و المشاهد کلها مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو أوّل من أذن لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان یؤذن له حضرا و سفرا و کان خازنه علی بیت ماله*

(صفته)

* کان آدم شدید الادمة نحیفا طوالا اجنی له شعر کثیر خفیف العارضین به شمط کثیر لا یغیره* قال محمد بن اسحاق کان أمیة بن خلف یخرج بلالا اذا حمیت الظهیرة فیطرحه علی ظهره فی بطحاء مکة ثم یأمر بالصخرة العظیمة فتوضع علی صدره ثم یقول له لا تزال هکذا حتی تموت أو تکفر بمحمد و تعبد اللات و العزی فیقول بلال و هو علی ذلک أحد أحد و مرّ أبو بکر یوما علی أمیة بن خلف و هو یعذب بلالا فقال لامیة أ لا تتقی اللّه عز و جل فی هذا المسکین حتی متی فقال أنت أفسدته فأنقذه مما تری فقال أبو بکر أفعل عندی غلام أسود أجلد منه و أقوی علی دینک أعطیکه به قال أمیة قد قبلت قال هو لک فأعطاه أبو بکر غلامه ذلک و أخذ بلالا* و فی معالم التنزیل اسم الغلام الذی اشتری به أبو بکر بلالا من أمیة بن خلف نسطاس فاعتق أبو بکر بلالا ثم أعتق معه علی الاسلام قبل أن یهاجر من مکة ست رقاب بلال سابعهم عامر بن فهیرة شهد بدرا و أحدا و قتل یوم بئر معونة شهیدا و أمّ عمیس و زنیرة فاصیب بصرها حین أعتقها قالت قریش ما أذهب بصرها الا اللات و العزی فقالت کذبوا و بیت اللّه ما تضرّانی اللات و العزی و لا تنفعانی فردّ اللّه إلیها بصرها و أعتق الهندیة و ابنتها و کانتا لامرأة من بنی عبد الدار فمرّ بهما أبو بکر و قد بعثتهما سیدتهما یطحنان لها و هی تقول و اللّه لا أعتقکما أبدا فقال أبو بکر جلا یا أمّ فلان فقالت جلا أنت أفسدتهما فاعتقهما قال أبو بکر فبکم قالت بکذا و کذا قال قد أخذتهما و هما حرتان و مرّ بجاریة من بنی المؤمل و هی تعذب فابتاعها و أعتقها* و قال سعید بن المسیب بلغنی انّ أمیة بن خلف قال لابی بکر فی بلال حین قال أ تبیعه قال نعم بنسطاس عبد أبی بکر و عشرة آلاف درهم و غلمان و جوار و مواش و کان نسطاس مشرکا حمله أبو بکر علی الاسلام علی أن یکون ماله له فأبی فأبغضه أبو بکر فلما قال له أمیة أبیعه بغلامک نسطاس اغتنمه أبو بکر و باعه منه فقال المشرکون ما فعل ذلک أبو بکر ببلال الا لید کانت لبلال عنده فانزل اللّه تعالی و ما لأحد عنده من نعمة تجزی* و عن جابر قال قال عمر کان أبو بکر سیدنا و اعتق سیدنا یعنی بلالا* قال ابراهیم التیمیّ لما توفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أذن بلال و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لم یقبر فکان اذا قال أشهد أنّ محمدا رسول اللّه انتحب الناس فی المسجد فلما دفن قال له أبو بکر أذن قال ان کنت انما أعتقتنی لان أکون معک فسبیلی ذلک و ان کنت انما أعتقتنی للّه فخلنی و من أعتقتنی له قال
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:246
ما أعتقک الا للّه قال فانی لا أؤذن لاحد بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال فذلک إلیک قال فأقام حتی خرجت بعوث الشام فخرج معهم حتی انتهی إلیها* و عن سعید بن المسیب قال لما کانت خلافة أبی بکر تجهز بلال لیخرج الی الشأم فقال له أبو بکر ما کنت أراک یا بلال تدعنا علی هذه الحال فلو أقمت معنا فأعنتنا قال ان کنت انما أعتقتنی للّه عز و جل فدعنی أذهب إلیه و ان کنت انما أعتقتنی لنفسک فاحبسنی عندک فأذن له فخرج الی الشأم فمات بها* و قد اختلف أهل السیر این مات قال بعضهم بدمشق و قال بعضهم بحلب سنة عشرین و قیل سنة ثمان عشرة و هو ابن بضع و ستین سنة* و فی المنتقی قال أبو بکر لبلال أعتقتک و کنت مؤذنا لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و بیدک أرزاق رسله و وفوده فکن مؤذنا لی کما کنت لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کن خازنا لی کما کنت خازنا له فقال له یا أبا بکر صدقت کنت مملوکک فأعتقتنی فان کنت أعتقتنی لتأخذ منفعتی فی الدنیا فخلنی أخدمک و ان کنت أعتقتنی لتأخذ الثواب من الرّب فخلنی و الرّب فبکی أبو بکر و قال اعتقتک لاخذ الثواب من المولی فلا أعجلها فی الدنیا فخرج بلال الی الشأم فمکث زمانا فرأی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی المنام فقال له یا بلال جفوتنا و خرجت من جوارنا فاقصد الی زیارتنا فانتبه بلال و قصد المدینة و ذلک بقریب من موت فاطمة فلما انتهی الی المدینة تلقاه الناس فأخبر بموت فاطمة فصاح و قال بضعة النبیّ ما أسرع ما لقیت بالنبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قالوا له اصعد فأذن فقال لا أفعل بعد ما أذنت لمحمد صلی اللّه علیه و سلم فألحوا علیه فصعد فاجتمع أهل المدینة رجالهم و نساؤهم و صغارهم و کبارهم و قالوا هذا بلال مؤذن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یرید أن یؤذن لنسمع الی أذانه فلما قال اللّه أکبر اللّه أکبر صاحوا و بکوا جمیعا فلما قال أشهد أن لا إله الا اللّه ضجوا جمیعا فلما قال أشهد أنّ محمدا رسول اللّه لم یبق فی المدینة ذو روح الابکی و صاح و خرجت العذاری و الابکار من خدورهنّ یبکین و صار کیوم موت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی فرغ من أذانه فقال أبشرکم انه لا تمس النار عینا بکت علی النبیّ محمد صلی اللّه علیه و سلم ثم انصرف الی الشأم و کان یرجع فی کل سنة مرّة فینادی بالاذان الی أن مات* مرویاته فی کتب الاحادیث أربعة و أربعون حدیثا*

ترجمة ابن أم مکتوم‌

و مات بالمدینة ابن أمّ مکتوم فی الصفوة عمرو بن أمّ مکتوم هو عمرو بن قیس* و فی معالم التنزیل هو عمرو بن شریح بن مالک و قیل اسمه عبد اللّه و أمّه عاتکة تکنی أمّ مکتوم و هی أمّ أبیه و عبد اللّه هذا ابن خال خدیجة بنت خویلد و قد استخلفه علی الامامة فی المدینة فی ثلاث عشرة غزوة من غزواته و استخلفه علیها حین خرج الیّ تبوک و علیّ رضی اللّه عنه بالمدینة لانه استخلف علیا فی أهله کیلا ینالهم عدوّ بمکروه فلم یستخلفه فی الصلاة لئلا یشغله شاغل عن حفظهم کذا قاله الزین العراقی أسلم بمکة و صار ضریر البصر و هاجر الی المدینة و کان یؤذن للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالمدینة مع بلال و کان رسول اللّه یستخلفه بالمدینة یصلی بالناس فی عامة غزواته* و عن البراء بن عازب قال أوّل من قدم علینا من المهاجرین مصعب بن عمیر ثم قدم علینا ابن أمّ مکتوم الاعمی و فیه نزلت عبس و تولی أن جاءه الاعمی و غیر أولی الضرر بعد لا یستوی القاعدون و کان بعد ذلک یغزو و یقول ادفعوا الیّ اللواء فانی أعمی لا أستطیع أن أفرّ و أقیمونی بین الصفین* و قال أنس بن مالک کان مع ابن أمّ مکتوم یوم القادسیة رایة و لواء* و قال الواقدی مات ابن أمّ مکتوم بالمدینة و لم یسمع له ذکر بعد عمر* و فی شعبان سنة عشرین توفی أسید بن حضیر الانصاری أحد النقباء کذا فی الصفوة و ماتت ابنة عمة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أمّ المؤمنین زینب بنت جحش و کانت تفتخر علی أمّهات المؤمنین و تقول زوّجکنّ أهالیکنّ و زوّجنی اللّه تعالی من فوق سبع سماوات و کانت دینة عابدة ورعة کثیرة الصدقة و المعروف و هی التی قال اللّه تعالی فیها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:247
فلما قضی زید منها و طرا زوّجناکها* و مات فی دولة عمر رضی اللّه عنه بحمص الامیر البطل الکرّار سیف اللّه أبو سلیمان خالد بن الولید المخزومی و له ستون سنة و مات علی فراشه بعد ما باشر من الحروب العظیمة و لم یبق فی جسده نحو شبر الا و علیه طابع الشهداء و کان یضرب بشجاعته المثل سماه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم سیف اللّه کذا فی دول الاسلام*

ترجمة خالد بن الولید رضی اللّه عنه‌

و فی الصفوة و لما عزل عمر بن الخطاب خالد بن الولید و استعمل أبا عبیدة بن الجرّاح علی الشأم لم یزل خالد مرابطا بحمص حتی مرض فدخل علیه أبو الدرداء عائدا فقال انّ خیلی و سلاحی علی ما جعلته علیه فی سبیل اللّه تعالی و داری بالمدینة صدقة قد کنت أشهدت علیها عمر بن الخطاب و نعم العون هو علی الاسلام و جعلت وصیتی و انفاذ عهدی الی عمر فقدم بالوصیة علی عمر فقبلها و ترحم علیه و مات خالد فقیرا فی بعض قری حمص علی میل من حمص سنة احدی و عشرین و حکی من غسله انه ما کان فی جسده موضع صحیح من بین ضربة بسیف أو طعنة برمح أو رمیة بسهم* و عن عبد الرحمن بن أبی الزناد عن أبیه انّ خالد بن الولید لما حضرته الوفاة بکی و قال لقد لقیت کذا و کذا زحفا و ما فی جسدی شبر الا و فیه ضربة بسیف أو رمیة بسهم أو طعنة برمح و ها أنا أموت علی فراشی حتف أنفی کما یموت العنز فلا نامت أعین الجبناء* و عن شقیق بن سلمة قال لما مات خالد بن الولید اجتمع نساء بنی المغیرة فی دار خالد یبکین علیه فقیل لعمر انهض فقال عمر ما علیهنّ أن یرقن دموعهنّ علی أبی سلیمان ما لم یکن نقع أو لقلقة قال وکیع النقع الشق و اللقلقة الصوت و مات فی خلافة عمر العلاء بن الحضرمی رضی اللّه عنه ولی امرة البحرین للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثم للصدیق و کان من سادة الصحابة و قد مرّ من أخباره فی خلافة أبی بکر و فی سنة احدی و عشرین فتحت نهاوند فاستشهد أمیر الجیش النعمان بن مقرن المزنی و کان من کبار الصحابة کان معه یوم فتح مکة لواء مزینة* و استشهد یومئذ بنهاوند طلیحة بن خویلد الاسدی أحد الابطال المذکورین و کان قد أسلم سنة تسع ثم بعد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ارتدّ و ادّعی النبوّة بأرض نجد و حارب المسلمین مرّات ثم انهزم و لحق بنواحی دمشق ثم أسلم و حج و حسن اسلامه و کان یعدّ بألف فارس لشدّته و بأسه و قد مرّ فی أهل الردّة فی خلافة أبی بکر* و مات قتادة بن النعمان الانصاری من کبار أهل بدر و هو الذی وقعت عینه علی خدّه یوم وقعة أحد فأتی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فغمز حدقته فردّها الی موضعها فکانت أحسن عینیه و کان من الرماة المذکورین بالمدینة و نزل أمیر المؤمنین عمر فی قبره و کان قتادة شهد المشاهد کلها مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان معه یوم الفتح رایة بنی ظفر و توفی سنة ثلاث و عشرین فی خلافة عمر و هو ابن خمس و ستین سنة و صلی علیه عمر*

(ذکر الخبر عن آخر أمر عمر رضی اللّه عنه و وفاته)

* فی الاکتفاء کان عمر رضی اللّه عنه ملازما للحج فی سنی خلافته کلها و کان من سیرته ان یأخذ عماله بموافاته کل سنة فی موسم الحج لیحجزهم بذلک عن الرعیة و یحجر علیهم الظلم و یتعرّف أحوالهم فی قرب و لیکون للرّعیة وقت معلوم ینهون إلیه شکاویهم فیه فلما کانت السنة التی قتل فی منسلخها خرج الی الحج علی عادته و آذن لازواج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فخرجن معه فلما وقف یرمی الجمرة أتاه حجر فوقع علی صلعته فأدماه و ثمة رجل من بنی لهب قبیلة من الازد تعرف فیها القیافة و الزجر فقال اللهبی عند ما أدمی عمر أشعر أمیر المؤمنین لا یحج بعدها* و یروی عن عائشة انها حجت مع عمر تلک الحجة و انه لما ارتحل من المحصب أقبل رجل متلثم قالت فقال و انا أسمع أین کان منزل أمیر المؤمنین فقال قائل هذا کان منزله فأناخ فی منزل عمر ثم رفع عقیرته یتغنی و یقول
علیک سلام من أمیر و بارکت‌ید اللّه فی ذاک الادیم الممزق
فمن یجر أو یرکب جناحی نعامةلیدرک ما قدّمت بالامس یسبق
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:248 قضیت أمورا ثم غادرت بعدهابوائق فی أکمامها لم تفتق قالت عائشة فقلت لبعض أهلی اعلموا الی من هذا الرجل فذهبوا فلم یجدوا فی مناخه أحدا قالت عائشة فو اللّه انی لا حسبه من الجنّ فلما قتل عمر نحل الناس هذه الابیات للشماخ بن ضرار و لاخیه مزرّد* قال سعید بن المسیب لما صدر عمر بن الخطاب من منی أناخ بالابطح ثم کوّم کومة بطحاء ثم طرح علیها رداءه فاستلقی ثم مدّ یده الی السماء فقال اللهمّ کبر سنی و ضعفت قوّتی و انتشرت رعیتی فاقبضنی إلیک غیر مضیع و لا مفرّط ثم قدم المدینة فخطب الناس فما انسلخ ذو الحجة حتی قتل* و روی أن عمر لما انصرف من حجته هذه التی لم یحج بعدها أتی ضجنان و وقف فقال الحمد للّه و لا إله الا اللّه یعطی اللّه من یشاء ما یشاء لقد کنت بهذا الوادی أرعی ابلا للخطاب و کان فظا غلیظا یتعبنی اذا عملت و یضربنی اذا قصرت و قد أصبحت و أمسیت و لیس بینی و بین اللّه أحد أخشاه ثم تمثل بهذه الابیات
لا شی‌ء مما تری تبقی بشاشته‌یبقی الا له و یردی المال و الولد
لم تغن عن هرمز یوما خزائنه‌و الخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
و لا سلیمان اذ تجری الریاح له‌و الانس و الجنّ فیما بینها ترد
أین الملوک التی کانت لعزتهامن کل أوب إلیها وافد یفد
حوض هنا لک مورود بلا کذب‌لا بدّ من ورده یوما کما وردوا

(ذکر مقتله رضی اللّه عنه)

روی أنّ عمر کان لا یأذن لمشرک قد احتلم أن یدخل المدینة حتی کتب إلیه المغیرة بن شعبة و هو علی الکوفة یستأذنه فی غلام صنع اسمه فیروز أبو لؤلؤة فقال ان لدیه أعمالا کثیرة حداد و نقاش و نجار و منافع للناس فأذن له فأرسل به المغیرة و ضرب علیه المغیرة مائة درهم فی کل شهر فجاء الغلام الی عمر و اشتکی فقال له عمر ما تحسن من الاعمال فذکرها فقال له عمر ما خراجک بکثیر* و عن عمرو بن میمون قال کان أبو لؤلؤة أزرق نصرانیا خرجه أبو عمرو و قیل کان مجوسیا ذکره القلعی و غیره* و عن أبی رافع قال کان أبو لؤلؤة عبدا للمغیرة بن شعبة و کان یصنع الارحاء و کان المغیرة کل یوم یستغله أربعة دراهم فلقی أبو لؤلؤة عمر فقال یا أمیر المؤمنین انّ المغیرة أثقل علیّ غلتی فکلمه لی یخفف عنی فقال له عمر اتق اللّه و أحسن الی مولاک فغضب العبد و قال وسع الناس کلهم عدله غیری فأضمر علی قتله فاصطنع خنجرا له رأسان و سمه ثم أتی به الهرمز ان فقال کیف تری هذا فقال انک لا تضرب بهذا أحدا الا قتلته کذا فی الریاض النضرة* و روی انّ عمر بعد أن قدم المدینة من حجته خرج یوما یطوف بالسوق فلقیه أبو لؤلؤة غلام المغیرة بن شعبة و کان نصرانیا فقال یا أمیر المؤمنین أعدنی علی المغیرة فانّ علیّ خراجا کثیرا قال و کم خراجک قال درهمان فی کل یوم قال و أیش صناعتک قال نجار نقاش حدّاد قال فما أری خراجک کثیرا علی ما تصنع من الاعمال قال بلغنی انک تقول لو أردت أعمل رحی تطحن بالریح لفعلت قال نعم قال فاعمل لی رحی قال لئن سلمت لأعملنّ لک رحی یتحدّث بها بالمشرق و المغرب ثم انصرف عنه فقال عمر لقد توعدنی العلج آنفا* و فی روایة قیل له ما یمنعک ان تأمر بدفعه قال لا قصاص قبل القتل ثم انصرف عمر الی منزله فلما کان من الغد جاءه کعب الاحبار فقال یا أمیر المؤمنین اعهد فانک میت فی ثلاثة أیام قال و ما یدریک قال أجده فی کتاب اللّه التوراة فقال عمر آللّه انک لتجد عمر ابن الخطاب فی التوراة قال اللهمّ لا و لکن أجد صفتک و حلیتک بانه قد فنی أجلک و عمر لا یحس وجعا و لا ألما قبل فقال عمر رضینا بقضاء اللّه و قدره فلما أصیب تذکر قول کعب فقال و کان أمر اللّه قدرا مقدورا فلما کان من الغد جاءه کعب فقال یا أمیر المؤمنین ذهب یوم و بقی یومان ثم جاءه من بعد الغد فقال ذهب یومان و بقی یوم و لیلة و هی لک الی صبحها* فلما کان الصبح خرج عمر الی الصلاة و کان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:249
یوکل بالصفوف رجالا فاذا استوت أخبروه فکبر و کان دخل أبو لؤلؤة فی الناس و بیده خنجر فی کمه له رأسان نصابه فی وسطه فضرب عمر ست ضربات احداهنّ تحت سرته هی التی قتلته فلما وجد عمر حد السلاح سقط و قال دونکم الکلب فانه قتلنی و ماج الناس و أسرعوا إلیه فخرج منهم ثلاثة عشر رجلا حتی جاء رجل منهم فاحتضنه من خلفه و قیل ألقی علیه برنسا* و فی دول الاسلام وثب علیه أبو لؤلؤة عبد المغیرة بن شعبة و قد دخل عمر فی صلاة الصبح فطعنه بخنجر فی بطنه و جال الملعون و کان نصرانیا و قتل أیضا سبعة فی مسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و جرح جماعة فأخذ عبد الرحمن ابن عوف بساطا و رماه علیه و قبضه و لما رأی الکلب انه قد أخذ قتل نفسه و حمل عمر الی منزله فمات بعد یوم و لیلة* و فی المختصر الجامع جرحه أبو لؤلؤة فیروز المجوسی مولی المغیرة بن شعبة ثلاث جراحات و کان ذلک فی یوم الاربعاء لسبع بقین من ذی الحجة سنة ثلاث و عشرین* و فی سیرة مغلطای لاربع بقین من ذی الحجة سنة ثلاث و عشرین* و قال ابن قانع غرّة المحرّم لتمام ثلاث و عشرین سنة و هو ابن ثلاث و ستین و توفی بعد ذلک بثلاثة أیام قاله الواقدی* قیل انّ أبا لؤلؤة جرح معه یوم جرحه أحد عشر رجلا من الصحابة مات منهم خمسة و انّ رجلین من بنی أسد لحقاه فألقی أحدهما علیه برنسا ثم ضمه فأدنی السکین الی حلقه فقتل نفسه ذکره الدولابی* و فی الصفوة عن عمرو بن میمون قال انی لقائم ما بینی و بین عمر الا عبد اللّه بن عباس غداة أصیب و کان عمر اذا مرّ بین الصفین قال استووا حتی اذا لم یر فیهن خللا تقدّم و کبر و ربما قرأ سورة یوسف أو النحل أو نحو ذلک فی الرکعة الاولی حتی یجتمع الناس فما هو الاکبر فسمعته یقول قتلنی أو أکلنی الکلب حین طعنه فطار العلج بسکین ذی طرفین لا یمرّ علی أحد یمینا و لا شمالا الا طعنه حتی طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة و فی روایة تسعة فلما رأی ذلک رجل من المسلمین طرح علیه برنسا فلما ظنّ العلج انه مأخوذ نحر نفسه و قال عمر عند ما سقط أ فی الناس عبد الرحمن بن عوف قالوا نعم یا أمیر المؤمنین هو ذا فتناوله بیده و قال تقدّم صلّ بالناس فصلی بهم عبد الرحمن صلاة خفیفة و حمل عمر الی منزله* فلما نصرفوا قال عمر یا عبد اللّه بن عباس* و فی الاکتفاء عبد اللّه ابن عمر انظر من قتلنی فجال عبد اللّه ساعة ثم جاء فقال غلام المغیرة قال الصنع قال نعم قال قاتله اللّه لقد أمرت به معروفا الحمد للّه الذی لم یجعل منیتی بید رجل یدّعی الاسلام و فی الاکتفاء بید رجل سجد للّه سجدة واحدة یحاجنی بلا إله الا اللّه و قال یا عبد اللّه ائذن للناس فجعل یدخل علیه المهاجرون و الانصار فیسلمون علیه و یقول لهم أ عن ملأ منکم کان هذا فیقولون معاذ اللّه و دخل فی الناس کعب فلما نظر إلیه عمر أنشأ یقول
و واعدنی کعب ثلاثا أعدّهاو لا شک انّ القول ما قاله کعب
و ما بی حذار الموت انی لمیت‌و لکن حذار الذنب یتبعه ذنب فقیل له لو دعوت الطبیب فدعی له طبیب من بنی الحارث بن کعب فسقاه نبیذا فخرج من جوفه مشکلا فقال اسقوه لبنا فخرج من جوفه أبیض فعرفوا انه میت فقال له الطبیب لا أری أن تمسی فما کنت فاعلا فافعل* و فی روایة قیل له یا أمیر المؤمنین اعهد قال قد فرغت* و فی دول الاسلام قالوا لعمر اعهد بالامر یا أمیر المؤمنین فلم یعین أحدا بل جعل الامر شوری فی ستة و هم عثمان و علی و ابن عوف و سعد و طلحة و الزبیر و رجحوا عثمان فبایعوه بالخلافة و کان أسنّ الجماعة و أفضلهم و ستجی‌ء خلافة عثمان فقال لابنه یا عبد اللّه بن عمر انظر ما علیّ من الدین فحسبوه فوجدوه ستة و ثمانین ألفا أو نحوه فقال ان و فی له مال آل عمر فأدّه من أموالهم و إلا فسل بنی عدی بن کعب و ان لم تف أموالهم فسل فی قریش و لا تعدهم الی غیرهم فأدّ عنی هذا المال انطلق الی عائشة أم المؤمنین فقل یقرأ علیک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:250
عمر السلام و لا تقل أمیر المؤمنین فانی لست الیوم أمیرا و قل یستأذن عمر أن یدفن مع صاحبیه فمضی و سلم و استأذن ثم دخل علیها فوجدها قاعدة تبکی فقال یقرأ علیک عمر السلام و یستأذن أن یدفن مع صاحبیه فقالت کنت أرید لنفسی و لأوثرنه الیوم علی نفسی فلما أقبل قیل هذا عبد اللّه قد جاء و هو متطلع إلیه قال ارفعونی فأسنده رجل إلیه فقال ما لدیک قال الذی تحب یا أمیر المؤمنین أذنت قال الحمد للّه ما کان شی‌ء من الأمر أهم الیّ من ذلک فاذا انا قضیت فاحملونی و قل یستأذن عمر بن الخطاب فان أذنت لی فأدخلونی و ان ردّتنی فردّونی* و عبارة الاکتفاء قال ما کان أمر أهم الیّ من هذا فاذا أنامت فاغسلنی ثم احملنی و أعد علیها الاستئذان فان أذنت و الا فاصرفنی الی مقابر المسلمین* فلما توفی رضی اللّه عنه خرجوا به فصلی علیه صهیب بن سنان الرومی و دفن فی بیت عائشة رضی اللّه عنها* و یروی انه لما احتضر رضی اللّه عنه قال و رأسه فی حجر ابنه عبد اللّه
ظلوم لنفسی غیر أنی مسلم‌أصلی صلاتی کلها و أصوم و قال سعد بن أبی وقاص طعن عمر یوم الاربعاء لاربع لیال بقین من ذی الحجة سنة ثلاث و عشرین من الهجرة کذا فی التذنیب و دفن یوم الاحد صبیحة هلال المحرم و قیل لثلاث بقین منه و قیل ان وفاته کانت غرّة المحرم من سنة أربع و عشرین کما مرّ* و نزل فی قبره عثمان و علی و عبد الرحمن بن عوف و الزبیر و سعد بن أبی وقاص و قیل صهیب و ابنه عبد اللّه بن عمر عوضا عن الزبیر و سعد* و اختلف فی مبلغ سنه یوم توفی و أشهر ما فی ذلک ما قال معاویة کان عمر ابن ثلاث و ستین* و عن الشعبی انّ أبا بکر قبض و هو ابن ثلاث و ستین و انّ عمر قبض و هو ابن ثلاث و ستین* و فی دول الاسلام عاش عمر ثلاثا و ستین سنة کصاحبیه و دفن معهما فی الحجرة النبویة* و عن سالم بن عبد اللّه أنّ عمر قبض و هو ابن خمس و ستین سنة* و قال ابن عباس کان عمر ابن ست و ستین سنة* و قال قتادة احدی و ستین و صلی علیه صهیب کذا فی الصفوة* و فی المختصر الجامع خمس و خمسین سنة* مرویاته فی کتب الاحادیث خمسمائة و سبعون حدیثا*

(ذکر أولاده)

اشارة

و کان له ثلاثة عشر ولدا تسعة بنین و أربع بنات علی ما ذکر و اللّه أعلم* ذکر البنین* عبد اللّه و یکنی أبا عبد الرحمن أسلم بمکة فی صغره مع اسلام أبیه و هاجر مع أبیه و أمّه و هو ابن عشر سنین ذکره الخجندی و شهد المشاهد کلها بعد بدر و أحد و کان یوم أحد ابن أربع عشرة سنة* قال الدّارقطنی استصغر یوم أحد و شهد الخندق و هو ابن خمس عشرة سنة و شهد المشاهد بعد الخندق مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قیل شهد بدرا فاستصغره النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فلم یجزه و أجازه فی السنة الأخری یوم أحد ذکره الطائی و قال و الاوّل أصح و کان عالما مجتهدا عابدا لزوما للسنة فرورا من البدعة ناصحا للأمّة و یقال انه ما خرج من الدنیا حتی صار مثل أبیه* و قال سفیان الثوری کان عادة ابن عمر أنه اذا أعجبه شی‌ء من ماله تصدّق به و کان رقیقه عرفوا ذلک منه فربما شمر أحدهم و لزم المسجد و الاقبال علی الطاعة فاذا رآه ابن عمر علی تلک الحالة أعتقه فقیل له انهم یخدعونک فقال من خدعنا باللّه انخدعنا له* و قال نافع ما مات ابن عمر حتی عتق ألف انسان أو زاد علیه ذکر ذلک کله الطائی و بقی الی زمان عبد الملک بن مروان و توفی بمکة* قال أبو الیقظان زعموا انّ الحجاج دس له رجلا قد سم زج رمحه فزحمه فی الطریق و طعنه فی ظهر قدمه فدخل علیه الحجاج فقال یا أبا عبد الرحمن من أصابک فقال أنت أصبتنی قال و لم تقول هذا رحمک اللّه قال حملت السلاح فی بلد لم یکن یحمل فیها السلاح فمات فصلی علیه عند الردم و دفن فی حائط أم خرّمان* قلت هذا الحائط لا یعرف الیوم بمکة و لا حوالیها و انما بالابطح موضع یقال له الخرمانیة فلعله هو نسب الی أمّ خرمان* و قال غیر أبی الیقظان مات بمکة و دفن بفخ بالفاء و الخاء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:251
المعجمة المشدّدة و هو موضع قریب من مکة و هو ابن أربع و ثمانین سنة و له عقب* و قال الدّارقطنی توفی سنة ثلاث و سبعین من الهجرة کذا فی الریاض النضرة* و فی سح السحابة قال سعید بن حبیر کنت مع ابن عمر اذ أصابه سنان الرمح فی أخمص قدمه فلزقت بالرکاب فنزلت فنزعتها و ذلک بمنی فبلغ الحجاج فجاء یعوده فقال الحجاج لو نعلم من أصابک فقال ابن عمر أنت أصبتنی قال و کیف قال حملت السلاح فی یوم لم یکن یحمل فیه و أدخلت السلاح الحرم و لم یکن السلاح یدخل الحرم* و فی أسد الغابة انما فعل الحجاج ذلک لانه خطب یوما و أخر الصلاة فقال ابن عمران الشمس لا تنتظرک فقال الحجاج لقد هممت أن أضرب الذی فیه عیناک قال ان تفعل فانک سفیه مسلط و قیل انّ عبد الملک بن مروان کان أمر الحجاج أن یقتدی بابن عمر فکان ابن عمر یتقدّم الحجاج فی المواقف بعرفة و غیرها فکان ذلک یشق علیه* توفی و هو ابن ست و ثمانین سنة و قیل أربع و ثمانین فی المختصر و هو آخر من مات من الصحابة بمکة فصلی علیه الحجاج بالمحصب و قیل بذی طوی و قیل بفخ* و عن نافع دفن فی مقبرة المهاجرین بفخ نحو ذی طوی* و فی حیاة الحیوان فخ واد بمکة و قیل اسم ماء* و فی نهایة ابن الاثیر فخ موضع بمکة و قیل واد دفن فیه عبد اللّه بن عمر* و فی أسد الغابة قیل دفن بسرف* مرویاته فی الکتب ألف و ستمائة و ثلاثون حدیثا* و فی الریاض النضرة روی عبد اللّه عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و عن أبی بکر و عمر و عثمان و علی و الزبیر و عبد الرحمن بن عوف و سعد ابن أبی وقاص و سعید بن زید و زید بن الخطاب و زید بن ثابت و أبی أمامة الانصاری و أبی أیوب الانصاری و أبی ذرّ الغفاری و أبی سعید الخدری و زید بن حارثة و اسامة بن زید و عامر بن ربیعة و بلال و صهیب و عثمان بن طلحة و رافع بن خدیج و عبد اللّه بن مسعود و کعب بن عمرو و تمیم الداری و عبد اللّه ابن عباس* و روی أیضا عن عائشة و حفصة و امرأته صفیة بنت أبی عبیدة* و روی عنه من الصحابة عبد اللّه بن عباس ذکر ذلک الدّارقطنی* و عبد الرحمن الاکبر شقیقه أمّهما زینب بنت مظعون الجمحی أدرک النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و لم یحفظ عنه* و زید الاکبر أمّه أمّ کلثوم بنت علی بن أبی طالب من فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقال انه رمی بحجر بین حیین فی حرب فمات و لا عقب له و یقال انه مات هو و امّه أمّ کلثوم فی ساعة واحدة فلم یرث أحدهما من الآخر و صلی علیهما عبد اللّه بن عمر فقدّم زیدا علی أمّ کلثوم فجرت السنة بذلک فکان فیهما حکمان* و عاصم أمّه أمّ کلثوم جمیلة بنت عاصم بن ثابت حمی الدبر و هی التی کان اسمها عاصیة فسماها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم جمیلة و کان عاصم فاضلا خیرا توفی سنة سبعین و له عقب أخوه لامّه عبد الرحمن بن زید بن حارثة الانصاری یروی عن ثوبان و عمر بن عبد العزیز ابن ابنة أمّ عاصم بنت عاصم* و عیاض أمّه عاتکة بنت زید* و زید الاصغر و عبید اللّه أمّهما ملیکة بنت جرول الخزاعیة* قال الدار الدّارقطنی أمّ کلثوم بنت جرول فلعلّ ذلک کنیتها و کان عبید اللّه شدید البطش لما قتل عمر جرّد سیفه و قتل الهرمز ان و قتل جفینة و هو رجل نصرانی من أهل الحیرة و قتل بنتا صغیرة لابی لؤلؤة قاتل عمر فأخذ عبید اللّه لیقتص فاعتذر بأنّ عبد الرحمن بن أبی بکر أخبره انه رأی أبا لؤلؤة و الهرمز ان و جفینة یدخلون فی مکان یتشاورون و بینهم خنجر له رأسان مقبضه فی وسطه فقتل عمر صبیحة تلک اللیلة فاستدعی عثمان عبد الرحمن فسأله فی ذلک فقال انظروا الی السکین فان کانت ذات طرفین فلا أری القوم الا و قد اجتمعوا علی قتله فنظروا إلیها فوجدوها کما وصف عبد الرحمن* و قال عمرو بن العاص قتل أمیر المؤمنین عمر بالامس و یقتل ابنه الیوم لا و اللّه لا یکون هذا أبدا فترک عثمان قتل عبید اللّه ثم لحق عبید اللّه بمعاویة و قتل فی وقعة صفین معه و له عقب و أخو زید الاصغر
و عبید اللّه لامّهما عبد اللّه بن أبی جهم بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:252
حذیفة و حارثة بن وهب الخزاعی و له صحبة* و عبد الرحمن الاوسط أمّه لهبة أمّ ولد*

قصة عبد الرحمن بن عمر و هو المجلود فی الحدّ

و عبد الرحمن الاصغر أمّه أمّ ولد و یکنی أحد الثلاثة أبا شحمة و یلقب آخر مجبرا فامّا أبو شحمة فهو الذی ضربه عمر فی الحدّ حتی مات فلا عقب له و أمّا مجبر فکان له عقب فبادوا و لم یبق منهم أحد ذکره ابن قتیبة کذا فی الریاض النضرة* و فی أسد الغابة عبد الرحمن الاصغر هو أبو المجبر و المجبر أیضا اسمه عبد الرحمن و انما قیل له المجبر لانه وقع و هو غلام فتکسر فأتی به الی عمته حفصة أمّ المؤمنین فقیل لها انظری الی ابن أخیک المکسر فقالت لیس بالمکسر و لکنه المجبر قاله أبو عمرو* و فی الریاض النضرة قال الدّارقطنی عبد الرحمن الاوسط هو أبو شحمة المجلود فی الحدّ و قطع به* و عن عمرو بن العاص قال بینا أنا بمنزلی بمصر اذ قیل لی هذا عبد الرحمن بن عمرو أبو سروعة یستأذنان علیک و فی روایة غیره عبد الرحمن و رجل یعرف بعقبة بن الحارث فقلت یدخلان فدخلا و هما منکسران فقالا أقم علینا حدّ اللّه فانا أصبنا البارحة شرابا و سکرنا قال فزبرتهما و طردتهما فقال عبد الرحمن ان لم تفعله أخبرت والدی اذا قدمت علیه فعلمت أنی ان لم أقم علیهما الحدّ غضب علیّ عمر و عزلنی فأخرجتهما الی صحن الدار فضربتهما الحدّ و دخل عبد الرحمن ناحیة الی بیت فی الدار فحلق رأسه و کانوا یحلقون مع الحدود و اللّه ما کتبت الی عمر بحرف مما کان حتی اذا کتابه جاءنی فیه بسم اللّه الرحمن الرحیم من عبد اللّه عمر الی عمرو بن العاص عجبت لک و جراءتک علیّ و خلافک عهدی فما أرانی الا عازلک تضرب عبد الرحمن فی بیتک و تحلق رأسه فی بیتک و قد عرفت انّ هذا یخالفنی انما عبد الرحمن رجل من رعیتک تصنع به ما تصنع بغیره من المسلمین و لکن قلت هو ابن أمیر المؤمنین و عرفت ان لا هوادة لاحد من الناس عندی فی حق فاذا جاءک کتابی هذا فابعث به فی عباءة علی قتب حتی یعرف سوء ما صنع فبعث به کما قال أبوه* و کتب عمرو الی عمر یعتذر إلیه انی ضربته فی صحن داری و باللّه الذی لا یحلف بأعظم منه انی لأقیم الحدود فی صحن داری علی المسلم و الذمی و بعث بالکتاب مع عبد الرحمن بن عمر فقدم به عبد الرحمن علی أبیه فدخل و علیه عباءة و لا یستطیع المشی من سوء مرکبه فقال یا عبد الرحمن فعلت و فعلت فکلمه عبد الرحمن بن عوف و قال یا أمیر المؤمنین قد أقیم علیه الحدّ فلم یلتفت إلیه فجعل عبد الرحمن یصیح و یقول انی مریض و أنت قاتلی قال فضربه الحدّ ثانیة و حبسه فمرض ثم مات* و عن مجاهد عن ابن عباس قال لقد رأیت عمر و قد أقام الحدّ علی ولده فقتله فیه فقیل له یا ابن عم رسول اللّه حدّثنا کیف أقام الحدّ علی ولده فقتله فیه فقال کنت ذات یوم فی المسجد و عمر جالس و الناس حوله اذ أقبلت جاریة فقالت السلام علیک یا أمیر المؤمنین فقال عمرو علیک السلام و رحمة اللّه أ لک حاجة قالت نعم خذ ولدک هذا منی فقال عمر انی لا أعرفه فبکت الجاریة و قالت یا أمیر المؤمنین ان لم یکن من ظهرک فهو ولد ولدک فقال أیّ أولادی قالت أبو شحمة فقال أ بحلال أم بحرام فقالت من قبلی بحلال و من جهته بحرام قال عمر و کیف ذلک اتقی اللّه و لا تقولی الا حقا قالت یا أمیر المؤمنین کنت مارّة فی بعض الایام اذ مررت بحائط بنی النجار اذ أتانی ولدک أبو شحمة یتمایل سکرا و کان شرب عند نسیکة الیهودی قالت ثم راودنی عن نفسی و جرّنی الی الحائط و نال منی ما ینال الرجل من المرأة و قد أغمی علیّ فکتمت أمری عن عمی و جیرانی حتی أحسست بالولادة فخرجت الی موضع کذا و کذا فوضعت هذا الغلام و هممت بقتله ثم ندمت علی ذلک فاحکم بحکم اللّه بینی و بینه فأمر عمر منادیا فنادی فأقبل الناس یهرعون الی المسجد ثم قام عمر فقال لا تفرّقوا حتی آتیکم ثم خرج فقال یا ابن عباس أسرع معی فلم یزل حتی أتی منزله فقرع الباب و قال هاهنا ولدی أبو شحمة قیل له انه علی الطعام فدخل علیه و قال کل یا بنیّ فیوشک أن یکون آخر زادک من الدنیا قال ابن عباس فلقد رأیت الغلام و قد تغیر لونه و ارتعد و سقطت اللقمة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:253
من یده فقال له عمر یا بنی من أنا فقال أنت أبی و أمیر المؤمنین فقال فلی حق طاعة أم لا قال لک طاعتان مفترضتان لانک والدی و أمیر المؤمنین قال عمر بحق نبیک و بحق أبیک هل کنت ضیفا لنسیکة الیهودی فشربت الخمر عنده فسکرت قال قد کان ذلک و قد تبت قال رأس مال المؤمنین التوبة قال یا بنی أنشدک باللّه هل دخلت حائط بنی النجار فرأیت امرأة فواقعتها فسکت و بکی قال عمر لا بأس اصدق یا بنی فانّ اللّه یحب الصادقین قال قذ کان ذلک و أنا تائب نادم فلما سمع ذلک عمر منه قبض علی یده و لببه و جرّه الی المسجد فقال یا أبت لا تفضحنی و خذ السیف و اقطعنی اربا اربا قال أ ما سمعت قوله تعالی و لیشهد عذابهما طائفة من المؤمنین ثم جرّه الی بین یدی أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی المسجد و قال صدقت المرأة و اقرّ أبو شحمة بما قالت و کان له مملوک یقال له أفلح فقال یا أفلح خذا بنی هذا إلیک و اضربه مائة سوط و لا تقصر فی ضربه فقال لا أفعل و بکی فقال یا غلام انّ طاعتی طاعة للّه و رسوله صلی اللّه علیه و سلم فافعل ما آمرک به قال فنزع ثیابه و ضج الناس بالبکاء و النحیب و جعل الغلام یشیر الی أبیه یا أبت ارحمنی فقال له عمر و هو یبکی و انما أفعل هذا کی یرحمک اللّه و یرحمنی ثم قال یا أفلح اضرب فضربه و هو یستغیث و عمر یقول اضربه حتی بلغ سبعین فقال یا أبت اسقنی شربة من ماء فقال یا بنی ان کان ربک یطهرک فیسقیک محمد صلی اللّه علیه و سلم شربة لا تظمأ بعدها أبدا یا غلام اضربه فضربه حتی بلغ ثمانین فقال یا أبت السلام علیک فقال و علیک السلام ان رأیت محمدا فأقرئه منی السلام و قل له خلفت عمر یقرأ القرآن و یقیم الحدود یا غلام اضربه فلما بلغ تسعین انقطع کلامه و ضعف فرأیت أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قالوا یا عمر انظر کم بقی فأخره الی وقت آخر فقال کما لم تؤخر المعصیة لا تؤخر العقوبة و جاء الصریخ الی أمّه فجاءت باکیة صارخة و قالت أحج بکل سوط حجة ماشیة و أتصدّق بکذا و کذا درهما فقال انّ الحج و الصدقة لا ینوبان عن الحدّ فضربه فلما کان آخر سوط سقط الغلام میتا فصاح و قال یا بنی محص اللّه عنک الخطایا ثم جعل رأسه فی حجره و جعل یبکی و یقول یا بنی من قتله الحق بأبی من مات عند انقضاء الحدّ بأبی من لم یرحمه أبوه و أقاربه فنظر الناس إلیه فاذا هو قد فارق الدنیا فلم نر یوما أعظم منه و ضج الناس بالبکاء و النحیب فلما کان بعد أربعین یوما أقبل حذیفة بن الیمان صبیحة یوم الجمعة فقال انی رأیت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی المنام و اذا الفتی معه و علیه حلتان خضرا و ان و قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أقرئ عمر منی السلام و قل هکذا أمرک اللّه أن تقرأ القرآن و تقیم الحدود و قال الغلام یا حذیفة أقرئ أبی منی السلام و قل له طهرک اللّه کما طهرتنی أخرجه شیرویه الدیلمی فی کتاب المنتقی کذا ذکره فی الریاض النضرة و خرجه غیر الدیلمی مختصرا بتغییر اللفظ و قال فیه و کان لعمر ابن یقال له أبو شحمة فأتاه یوما فقال انی زنیت فأقم علیّ الحدّ قال زنیت قال نعم حتی کرّر ذلک علیه أربعا قال و ما عرفت التحریم قال بلی قال معاشر المسلمین خذوه فقال أبو شحمة معاشر المسلمین من فعل فعلی فی جاهلیة أو اسلام فلا یأخذنی فقام علی بن أبی طالب فقال لولده الحسن فأخذ بیمینه و قال لولده الحسین فأخذ بیساره ثم ضربه ستة عشر سوطا فاغمی علیه ثم قال اذا وافیت ربک فقل ضربنی الحدّ من لیس لک فی جنبیه حدّ ثم قام عمر حتی أقام علیه تمام مائة سوط فمات من ذلک فقال انا أوثر عذاب الدنیا علی عذاب الآخرة فقیل یا أمیر المؤمنین ندفنه من غیر غسل و لا کفن قتل فی سبیل اللّه قال بل نغسله و نکفنه و ندفنه فی مقابر المسلمین فانه لم یمت قتیلا فی سبیل اللّه و انما مات فی حدّ* (ذکر البنات) و هنّ أربع حفصة زوجة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هی شقیقة عبد اللّه و عبد الرحمن
الاکبر و رقیة و هی شقیقة زید الاکبر تزوّجها ابراهیم بن نعیم بن عبد اللّه بن النحام فماتت عنده و لم تلد له و فاطمة أمّها أمّ حکیم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:254
بنت الحارث بن هشام بن المغیرة تزوّجها ابن عمها عبد الرحمن بن زید بن الخطاب فولدت له عبد اللّه ذکره الدّارقطنی و زینب أمّها فکیهة تزوّجها عبد للّه بن عبد اللّه بن سراقة العدوی و روت عن أختها حفصة ذکر ذلک کله ابن قتیبة و صاحب الصفوة کذا فی الریاض النضرة*

(ذکر عثمان بن عفان)

اشارة

* ابن أبی العاص بن أمیة بن عبد شمس بن عبد مناف یلتقی هو و رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عند عبد مناف فبین عثمان و عبد مناف أربعة آباء و بین النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و عبد مناف ثلاثة و هو أقرب الصحابة الی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بعد علیّ و یقال له ذو النورین لانّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم زوّجه ابنته رقیة فلما ماتت زوّجه أمّ کلثوم بنتا أخری له فلما ماتت قال لو کان عندی ثالثة لزوّجتکها و فی الاستیعاب زوّجه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم رقیة ثم أمّ کلثوم واحدة بعد واحدة و قال لو کان عندی غیرهما لزوّجتکها* و فی أسد الغابة لو کان لنا ثالثة لزوّجناک و فی أسد الغابة أیضا عن أبی محبوب عقبة بن علقمة قال سمعت علی بن أبی طالب یقول سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول لو أنّ لی أربعین بنتا لزوّجت عثمان واحدة بعد واحدة حتی لا تبقی منهنّ واحدة و قد مرّ فی الباب الثالث من الرکن الاوّل فی تزویج بناته انّ تزویجهما عثمان کان بوحی من اللّه* و فی الاستیعاب قیل للمهلب ابن أبی صفرة لم قیل لعثمان ذو النورین قال لانه لم نعلم أحدا أرسل سترا علی ابنتی نبی غیره و أمّه أروی بنت کریز بن ربیعة بن حبیب بن عبد شمس بن عبد مناف أسلمت و أمّها البیضاء أمّ حکیم بنت عبد المطلب شقیقة أبی طالب* ولد عثمان بالطائف فی السنة السادسة من عام الفیل و کان یکنی أبا عبد اللّه و أبا عمرو کنیتان مشهورتان له و أبو عمر و أشهرهما قیل انه ولدت له رقیة ابنا فسماه عبد اللّه و اکتنی به و مات ثم ولد له عمر و فاکتنی به الی ان مات أسلم قدیما قبل دخول رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم دار الارقم و هو ابن تسع و ثلاثین سنة و قیل ثلاث و ثلاثین سنة* و فی أسد الغابة کان عثمان بن عفان رابع أربعة فی الاسلام انتهی و عاش فی الاسلام ستا و أربعین سنة و قیل سبعا و أربعین و هاجر الی الحبشة هجرتین و لما خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی بدر خلفه علی ابنته رقیة یمرّضها هکذا ذکر ابن اسحاق* و قال غیره بل کان مریضا به الجدری فقال له رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ارجع و ضرب له بسهمه و اجره و لذا یعدّ من أهل بدر و کان کمن شهدها و بایع عنه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بیده فی بیعة الرضوان و دعا له بالخصوصیة غیر مرّة فأثری و کثر ماله و جهز جیش العسرة بتسعمائة و خمسین بعیرا بأحلاسها و أقتابها و أتم الالف بخمسین فرسا* و قال قتادة حمل عثمان علی ألف بعیر و سبعین فرسا* و قال الزهری حمل علی تسعمائة و أربعین بعیرا و ستین فرسا کذا فی حیاة الحیوان*

صفته‌

* فی الاستیعاب کان عثمان رجلا ربعة لیس بالطویل و لا بالقصیر حسن الوجه رقیق البشرة کث اللحیة عظیمها أسمر اللون کثیر الشعر ضخم الکرادیس بعید ما بین المنکبین کان یصفر لحیته و یشدّ أسنانه بالذهب* و عن الحسن قال نظرت الی عثمان فاذا رجل حسن الوجه فاذا بوجنتیه نکتات جدری و اذا شعره قد کسا ذراعیه* و قال البغوی مشرف الانف من أجمل الناس* و فی الریاض النضرة عظیم اللحیة طویلها أسمر اللون کثیر الشعر له جمة أسفل من أذنیه و لکثرة شعره و لحیته کان أعداؤه یسمونه نعثلا و النعثل اسم رجل طویل اللحیة کان اذا نیل من عثمان سمی بذلک و النعثل أیضا اسم الذکر من الضباع*

(ذکر خلافته)

* فی شرح العقائد العضدیة للشیخ جلال الدین الدوانی انّ عمر حین استشعر موته قال ما أحد أحق بهذا الامر من الذین توفی عنهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو عنهم راض فسمی عثمان و علیا و الزبیر و طلحة و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبی وقاص و جعل الامر شوری بینهم فاجتمعوا بعد دفن عمر* و فی حیاة الحیوان بثلاثة أیام و فوّض الامر خمستهم الی عبد الرحمن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:255
ابن عوف و رضوا بحکمه فاختار عثمان و بایعه بمحضر من الصحابة فبایعوه بالخلافة و انقادوا له انتهی و کذا فی سائر الکتب الکلامیة* و فی المختصر و لما کان فی الیوم الثالث من وفاة عمر خرج عبد الرحمن بن عوف و علیه عمامته التی عممه بها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم متقلدا سیفه و صعد المنبر ثم قال أیها الناس انی سألتکم سرّا و جهرا عن امامکم فلم أجدکم تعدلون بأحد هذین الرجلین امّا علی و امّا عثمان و قال قم یا علی فقام علی فوقف تحت المنبر و أخذ عبد الرحمن بیده و قال هل أنت مبایعی علی کتاب اللّه و سنة نبیه و فعل أبی بکر و عمر فقال اللهم لا و لکن علی جهدی من ذلک و طاقتی رسل یده ثم نادی قم یا عثمان فقام فأخذ بیده و قال أبایعک فهل أنت مبایعی علی کتاب اللّه و سنة رسوله و فعل أبی بکر و عمر فقال اللهم نعم فرفع رأسه الی سقف المسجد و قال اللهم اسمع قد خلعت ما فی رقبتی من ذلک و جعلته فی رقبة عثمان فازدحم الناس یبایعون عثمان فقعد عبد الرحمن مقعد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من المنبر و قعد عثمان فی الدرجة الثانیة تحته فجعل الناس یبایعونه* و کانت المبایعة یوم الاثنین للیلة بقیت من ذی الحجة سنة ثلاث و عشرین و استقبل عثمان بخلافته المحرم سنة أربع و عشرین* و فی الاستیعاب بویع لعثمان بالخلافة یوم السبت غرّة المحرم سنة أربع و عشرین بعد دفن عمر بن الخطاب بثلاثة أیام باجماع الناس* و فی سیرة مغلطای بویع یوم الجمعة غرّة المحرّم و سیجی‌ء مدّة الخلافة ان شاء اللّه تعالی* و فی البحر العمیق فلما بویع عثمان رضی اللّه عنه أمر عبد الرحمن بن عوف علی الحج سنة أربع و عشرین و حج عثمان بالناس سنة خمس و عشرین فلم یزل یحج الی سنة أربع و ثلاثین ثم حصر فی داره و حج عبد اللّه بن عباس بالناس سنة خمس و ثلاثین* و قال ابن سیرین کان عثمان بن عفان أعلمهم بالمناسک و بعده عبد اللّه بن عمر*

(ذکر کاتبه و قاضیه و أمیره و حاجبه و صاحب شرطته و خاتمه)

أمّا کاتبه فمروان بن الحکم و قاضیه کعب بن سور و عثمان بن قیس بن أبی العاص و أمیره بمصر أخوه من الرضاعة عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح و حاجبه حمران مولاه و صاحب شرطته عبید اللّه بن معبد التیمی و نقش خاتمه آمنت باللّه مخلصا و قیل أمنت بالذی خلق فسوّی و کان فی یده خاتم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یطبع به الی ان وقع فی بئر أریس و قد تقدّم ذکره فی خلافة أبی بکر رضی اللّه عنه* و فی الریاض النضرة قال ابن قتیبة و افتتح فی أیام خلافته الاسکندریة ثم سابور ثم افریقیة ثم قبرس ثم سواحل الروم و اصطخر الآخرة و فارس الاولی ثم خور و فارس الآخرة ثم طبرستان و دارابجرد و کرمان و سجستان ثم الاساورة فی البحر ثم حصون قبرس ثم ساحل الاردن ثم مرو ثم حصر عثمان فی ذی الحجة سنة خمس و ثلاثین و فی غیره جاء بترتیب آخر فقال و فی أیامه فتحت افریقیة و کرمان و سجستان و نیسابور و فارس و طبرستان و قبرس و هراة و أعمال خراسان و فی ایامه قتل یزدجرد ملک فارس بمرو و غزا معاویة القسطنطینیة و فی أیامه فتحت أرمینیة و سیجی‌ء تفصیلها* و فی دول الاسلام سار عثمان بسیرة عمر ستة أعوام و فی دولته نقض أهل الری الصلح فغزاهم أبو موسی الاشعری و فی ثانی سنة من خلافته عزل عن نیابة العراق سعد بن أبی وقاص و ولی الولید بن عقبة الاموی و هو أخو عثمان لامّه و ممن أسلم یوم الفتح و کان الولید یشرب الخمر فتکلموا فی عثمان لتولیته و بعث الولید جیشا أمیرهم سلمان بن ربیعة و هم اثنا عشر ألفا ففتحوا برذعة من أرض اذربیجان و فیها انتقض أهل الاسکندریة فغزاهم عمرو بن العاص فقتل و سبی ثم بعد سنة عزل عثمان نائب مصر عمرو بن العاص و استعمل علیها عبد اللّه بن أبی سرح و سار المسلمون و أمیرهم عثمان بن أبی العاص فافتتحوا مدینة سابور من اقلیم فارس صالحا فصالحهم فی السنة علی ثلاثة آلاف ألف و ثلاثمائة ألف و رکب معاویة نائب الشأم البحر بالجیوش فافتتح قبرس* قال داود بن أبی هند صالح عثمان بن أبی العاص و أبو موسی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:256
أهل أرّجان علی ألفی ألف و مائتی ألف و صالح أهل دارابجرد علی ألف ألف درهم و سائر نائب مصر عبد اللّه بن أبی سرح بالجیوش الی المغرب فالتقی هو و الکفار و هم نحو مائتی ألف و ملکهم جرجیر و کانت المصاف بسبیطلة بقرب مدینة القیروان فقتل جرجیر و نزل النصر و کانت وقعة هائلة عظیمة بحیث طلع سهم الفارس ثلاثة آلاف دینار من الغنیمة و قد مرّ فی مولد ابن الزبیر فی الموطن الثانی* و فی سنة تسع و عشرین افتتح المسلمون و مقدمهم عبد اللّه بن عامر بن کریز مدینة اصطخر بالسیف بعد قتال عظیم و قتل عبید اللّه بن معمر التیمی من صغار الصحابة فحلف بن کریز لئن ظفر بها لیقتلنّ بها حتی یسیل الدم من باب المدینة فلما فتحها أسرف فی قتلهم و جعل الدم لا یجری فقیل له أفنیتهم فأمر بالماء فصب علی الدم حتی جری و عزل عثمان أبا موسی الاشعری عن نیابة البصرة و ابن أبی العاص عن بلاد فارس و جعل الولایتین لابن أبی کریز و فی هذا الوقت افتتح المسلمون أصبهان* و فی سنة ثلاثین من الهجرة کانت غزوة طبرستان و أمیر الناس سعید بن العاص فحاصرهم و أخذها و افتتح ابن کریز من أرض فارس مدینة جور و غیرها* قال ابن أبی هند لما افتتح ابن کریز مملکة فارس هرب یزدجرد بن کسری الذی کان صاحب العراقین فتبعه المسلمون و افتتح عسکر ابن کریز من بلاد سجستان زالق و شاش و صالحوا أهل مدینة زرنج علی اعطاء ألف و صیف مع کل وصیف جام من ذهب و سار ابن کریز بالجیوش ففتح اقلیم خراسان فالتقاه أهل هراة فانکسروا ثم سار فافتتح نیسابور صالحا و یقال بالسیف و بعث فرقة افتتحوا طوس و نواحیها صالحا و صالح أهل سرخس و بعث إلیه أهل مرو یطلبون الصلح فصالحهم ابن کریز علی ألفی ألف و مائتی ألف فی السنة* و جهز الاحنف بن قیس فی أربعة آلاف فارس فاجتمع لحربه أهل طخارستان و أهل الجوزجان و الفیریاب و تلک النواحی و مقدمهم کلهم طوغان شاه فاقتتلوا قتالا شدیدا ثم انکسر المشرکون و نزل الاحنف بن قیس علی بلخ فصالحوه علی أربعمائة ألف ثم أتی خوارزم فلم یطقها فرجع و افتتح المسلمون فی أشهر معدودة نحوا من عشرین مدینة ثم خرج ابن کریز و هو ابن خمس و عشرین سنة من نیسابور محرما بالحج من بقعته شکر اللّه تعالی لما فتح اللّه علیه من هذه المدائن الکبار و استناب علی خراسان الاحنف و سار حتی أتی مکة و طاف و سعی و حل ثم أتی وافدا علی أمیر المؤمنین عثمان بالمدینة ثم تجمع أهل خراسان علی مرو فالتقاهم الاحنف بن قیس فهزمهم* و قدم ابن کریز البصرة فاستقر بها و نوّابه علی خراسان و سجستان و الجبال و کثر الخراج علی عثمان و أتاه المال من النواحی و اتخذ الخزائن العظیمة بالمدینة و کان یقسم بین الناس فیأمر للرجل بمائة ألف درهم و یقال أخذ المسلمون من خزائن کسری مائة ألف بدرة من الذهب وزن کل بدرة أربعة آلاف* و قتل بخراسان یزدجرد آخر ملوک الاکاسرة و کان فی سنة اثنتین و ثلاثین وقعة المضیق بقرب مدینة قسطنطینیة و علی جیش الاسلام نائب الشام معاویة و غزا المسلمون قبرس ثانی مرّة و جمع قارن المجوسی جمعا عظیما بأرض هراة و أقبل فی أربعین ألفا و قام بأمر المسلمین عبد اللّه بن حازم السلمی و سار فی أربعة آلاف فالتقوا فقتل قارن و تمزق جمعه و غنم المسلمون سبیا عظیما و أموالا و تقرّر ابن حازم علی نیابة خراسان و غزا نائب مصر الحبشة فأخذ بعضها و غزا غزوة الصواری فی البحر و توفی فی دولة عثمان ابن عمه أبو سفیان بن حرب بن أمیة الاموی أحد الاشراف و حمو رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و فی المختصر الجامع ذکر ابن قتیبة انّ أبا سفیان ذهبت احدی عینیه یوم الطائف و ذهبت الأخری یوم الیرموک و مات فی خلافة عثمان أعمی و کان له ثلاثة أولاد نبلاء أمّ المؤمنین حبیبة زوج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و یزید بن أبی سفیان الذی جهزه أبو بکر الصدّیق رضی اللّه عنه لغزو الشأم و مشی أبو بکر فی رکابه و کان من خیار الامراء و ثالثهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:257
معاویة بن أبی سفیان نائب الشأم و غیره لعمر و عثمان ثم صار بعد علیّ خلیفة کذا فی دول الاسلام و فی موضع آخر منه عدّ من أولاده عتبة و قال حج بالناس أخو معاویة عتبة بن أبی سفیان فی سنة احدی و أربعین* و فی سیرة ابن هشام عدّ من أولاده عمرو بن أبی سفیان أسر یوم بدر فقدم مکة من المدینة سعد بن النعمان الانصاری معتمرا فحبسه أبو سفیان حتی خلص ابنه عمرا به و من أولاده حنظلة و به کان یکنی أبو سفیان بأبی حنظلة و قتل یوم بدر و من أولاده الفارعة بنت أبی سفیان بن حرب أخت أم حبیبة فتزوّجها أبو أحمد بن جحش و کان أبو أحمد سلفا لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و من أولاده عزة بنت أبی سفیان و هی التی عرضتها أختها أمّ حبیبة علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال لا تحل لی لمکان أختها أمّ حبیبة* و فی ذخائر العقبی عدّ من أولاده هند بنت أبی سفیان بن حرب و هی التی تزوّجها نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فولدت له الحارث الذی یقال له ببه فیکون جملة أولاد أبی سفیان ثمانیة خمسة ذکور و ثلاث بنات* و توفی حکیم هذه الامّة و عالم أهل الشأم صاحب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبو الدرداء الانصاری و قد أبلی یوم أحد بلاء عظیما و آخی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بینه و بین سلمان الفارسی و کان أبو الدرداء مقرئ أهل دمشق و قاضیهم یهابه معاویة و یتأدّب معه* و فی الصفوة توفی أبو الدرداء بدمشق سنة اثنتین و ثلاثین فی خلافة عثمان و له عقب بالشأم* و توفی معه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن کلاب کان اسمه فی الجاهلیة عبد عمرو و قیل عبد الحارث و قیل عبد الکعبة

ترجمة عبد الرحمن بن عوف‌

* صفته* انه کان طویلا رقیق البشرة فیه جنأ أبیض مشربا بحمرة ضخم أقنی* و قال ابن اسحاق کان ساقط الثنیتین أعرج أصیب یوم أحد و جرح عشرین جراحة أو أکثر و بعضها فی رجله فعرج کذا فی الصفوة و هو أحد ثمانیة سبقوا الخلق الی الاسلام* و فی المختصر الجامع توفی و له خمس و سبعون سنة و کان علی میمنة عمر لما قدم الجابیة و افتتح القدس و کان أبیض أعین أقنی ضخم الکفین ملیح الوجه لا یغیر شیبه هتم یوم أحد و أصیب عشرین جرحا عرج من بعضها و کان تاجرا کثیر الاموال بعد ان کان فقیرا باع مرّة أرضا له بأربعین ألف دینار فتصدّق بها کلها و تصدّق مرّة بتسعمائة جمل بأحمالها قدمت من الشأم و أعان فی سبیل اللّه بخمسمائة فرس عربیة و أوصی لکل رجل بقی من أهل بدر بأربعمائة دینار و کانوا یومئذ مائة رجل و قسمت ترکته علی ستة عشر سهما و کان کل سهم ثمانمائة ألف دینار و عینه عمر فی جملة ستة یصلحون للخلافة من بعده فقام هو بأمر البیعة لعثمان و زوی الامر عن نفسه و عن ابن عمه سعد و مناقبه جمة*

ترجمة العباس عم النبیّ‌

و مات العباس عم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی هذا الوقت* و فی حیاة الحیوان مات العباس لست سنین خلون من خلافة عثمان رضی اللّه عنهما و فی المختصر الجامع فی سنة اثنتین و ثلاثین و کان مولده قبل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بثلاث سنین فیکون عمره سبعا و ثمانین سنة* و فی المواهب اللدنیة توفی العباس فی خلافة عثمان قبل مقتله بسنتین بالمدینة یوم الجمعة لاثنتی عشرة و قیل لاربع عشرة لیلة خلت من رجب و قیل من رمضان سنة اثنتین و قیل سنة ثلاث و ثلاثین و هو ابن ثمانین سنة و قیل سبع و ثمانین سنة و قد کف بصره أدرک منها فی الاسلام اثنتین و ثلاثین سنة و دفن بالبقیع و دخل قبره ابنه عبد اللّه و کان النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یحترمه و کذلک أبو بکر و کذلک عمر و کذلک عثمان و کذلک علی رضی اللّه عنهم* و فی المختصر الجامع اذا مرّ بعمر أو بعثمان و هما راکبان ترجلا اجلالا له و من ذرّیته خلفاء الاسلام*

ترجمة عبد اللّه بن مسعود

و مات فی هذا الوقت و هو عام اثنتین و ثلاثین صاحب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أکبر خدمه عبد اللّه بن مسعود الهذلی أحد السابقین الاوّلین و کان یحمل نعل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و یلازمه و لقنه رسول اللّه سبعین سورة و کان من أکابر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:258
علماء الصحابة و هو الذی احتز رأس أبی جهل یوم بدر و أتی به النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أقام بالکوفة متولیا علی بیت المال و غیر ذلک و تفقه به طائفة و اتفق انه قدم المدینة فی آخر عمره فمات بها و صلی علیه عثمان قیل انه خلف تسعین ألف دینار و کان قصیرا جدّا* مرویاته فی کتب الاحادیث ثمانمائة و أربعون حدیثا*

ترجمة أبی ذر الغفاری‌

و مات بالربذة صاحب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبو ذر الغفاری أحد السابقین أسلم خامس خمسة ثم رجع الی أرض قومه و قدم بعد الهجرة و کان من أکابر العلماء و الزهاد کبیر الشأن کان عطاؤه فی السنة أربعمائة دینار و کان لا یدّخر شیئا قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ما أقلت الغبراء و لا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبی ذرّ* و توفی بحمص فی سنة اثنتین و ثلاثین فی خلافة عثمان کعب الاحبار بن تابع بالمثناة من فوق بن هینوع یکنی أبا اسحاق و هو من حمیر من آل ذی رعین کان یهودیا أدرک زمن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و لم یره و أسلم فی خلافة أبی بکر و قیل فی خلافة عمر و کان یسکن الیمن و قدم المدینة ثم خرج الی الشأم فسکن حمص و توفی بها کذا فی الصفوة و مزیل الخلفاء* و مات المقداد بن الاسود الکندی أحد السابقین البدریین فی سنة ثلاث و ثلاثین* و مات أبو طلحة الانصاری أحد من شهد بدرا فی سنة أربع و ثلاثین و کان ممن تضرب بشجاعته الامثال و کان أکثر الانصار مالا قال أنس قتل أبو طلحة یوم حنین عشرین نفسا و أخذ أسلابهم و قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لصوت أبی طلحة فی الجیش خیر من فئة و قد مرّ فی غزوة أحد فی الموطن الثالث* و فی الصفوة قال الواقدی أهل البصرة یرون انّ أبا طلحة دفن فی الجزیرة و انما توفی بالمدینة سنة أربع و ثلاثین و هو ابن سبعین سنة و صلی علیه عثمان* قال ابن الجوزی قلت و ما روینا انه صام بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أربعین سنة یخالف هذا و اللّه أعلم* و فیها مات عبادة بن الصامت الانصاری أحد النقباء بدری کبیر ولی قضاء بیت المقدس و کان طوالا جسیما جمیلا من العلماء الجلة* و فی المختصر الجامع و فی أیام عثمان وقع الخلاف فی القراءات و قدم حذیفة بن الیمان و هو حذیفة بن حنسل و یقال حسل بن جابر ابن عمرو بن ربیعة و الیمان لقب حسل بن جابر من إرمینیة فقال له أدرک الناس من قبل أن یختلفوا فی الکتاب اختلاف الیهود و النصاری قال و ما ذاک قال رأیت أهل العراق یکفرون أهل الشأم فی قراءتهم و أهل الشأم یکفرون أهل العراق فی قراءتهم فأمر زیدا فکتب مصحفا*

(ذکر مقتل عثمان)

* فی دول الاسلام لما وقعت الغزوات و اتسعت الدنیا علی الصحابة کثرت الاموال حتی کان الفرس یشتری بمائة ألف و حتی کان البستان یباع بالمدینة بأربعمائة ألف درهم و کانت المدینة عامرة کثیرة الخیرات و الاموال و الناس یجبی إلیها خراج الممالک و هی دار الامان و قبة الاسلام فبطر الناس بکثرة الاموال و الخیل و النعم و فتحوا أقالیم الدنیا و اطمأنوا و تفرّغوا ثم أخذوا ینقمون علی خلیفتهم عثمان رضی اللّه عنه لکونه یعطی المال لاقاربه و یولیهم الولایات الجلیلة فتکلموا فیه و کان قد صار له أموال عظیمة و له ألف مملوک و آل بهم الامر الی ان قالوا هذا ما یصلح للخلافة و هموا بعزله و ثاروا لمحاصرته و جرت أمور طویلة نسأل اللّه العافیة و حاصروه فی داره أیاما و کانوا رءوس شر و أهل جفاء* و فی سیرة مغلطای حاصره الکوفیون و علیهم الاشتر النخعی و البصریون و المصریون و علیهم عبد الرحمن ابن عدیس و عمرو بن الحمق و سودان بن حمران و محمد بن أبی بکر انتهی فتدلی علیه ثلاثة فذبحوه فی بیته و المصحف بین یدیه و هو شیخ کبیر ابن ثلاث و ثمانین سنة و کان ذلک أوّل وهن و بلاء تم علی الامّة بعد نبیهم صلی اللّه علیه و سلم فانا للّه و انا إلیه راجعون فقتلوه یوم الجمعة فی ثانی عشر من ذی الحجة سنة خمس و ثلاثین و کذا فی الاستیعاب و الاکتفاء* و فی حیاة الحیوان و تقرّقت الکلمة بعد قتله
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:259
رضی اللّه عنه و اقتتلوا للاخذ بثاره حتی قتل من المسلمین تسعون ألفا* قال ابن خلکان و غیره لما بویع عثمان رضی اللّه عنه نفی أبا ذر الغفاری الی الربذة لانه کان یزهد الناس فی الدنیا و ردّ الحکم بن أبی العاص و کان قد نفاه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الی الربذة* و فی الریاض النضرة ردّه من الطائف الی المدینة و لم یردّه أبو بکر و لا عمر فردّه عثمان* قیل انما ردّه باذن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قاله غیر واحد و سیجی‌ء و ولی مصر عبد اللّه بن أبی سرح و أعطی أقاربه الاموال و کان ذلک مما نقم علیه الناس فلما کان سنة خمس و ثلاثین قدم المدینة مالک بن الاشتر النخعی فی مائتی رجل من أهل الکوفة و مائة و خمسین من أهل البصرة و ستمائة من أهل مصر کلهم مجمعون علی خلع عثمان من الخلافة فلما اجتمعوا فی المدینة سیر عثمان إلیهم المغیرة بن شعبة و عمرو بن العاص لیدعوهم الی کتاب اللّه تعالی و سنة رسوله صلی اللّه علیه و سلم فردّوهما أقبح ردّو لم یسمعوا کلامهما فبعث إلیهم علیا فردّهم الی ذلک و ضمن لهم ما یعدهم به عثمان و کتبوا علی عثمان کتابا بازاحة علتهم و السیر فیهم بکتاب اللّه عز و جل و سنة نبیه صلی اللّه علیه و سلم و أخذوا علیه عهدا بذلک و أشهدوا علی علیّ انه ضمن ذلک و اقترح المصریون علی عثمان عزل عبد اللّه بن أبی سرح و تولیة محمد بن أبی بکر فأجابهم الی ذلک و ولاه فافترق الجمع کل الی بلده فلما وصل المصریون الی أیلة وجدوا رجلا علی نجیب لعثمان و معه کتاب مختوم بخاتم عثمان مصطنع علی لسانه و عنوانه من عثمان الی عبد اللّه بن أبی سرح و فیه اذا قدم محمد بن أبی بکر و فلان و فلان فاقطع أیدیهم و أرجلهم و ارفعهم علی جذوع النخل فرجع المصریون و البصریون و الکوفیون لما بلغهم ذلک و أخبروه الخبر فحلف عثمان انه ما فعل ذلک و لا أمر به فقالوا هذا أشدّ علیک یؤخذ خاتمک و نجیب من ابلک و أنت لا تعلم و ما أنت الا مغلوب علی أمرک ثم سألوه أن یعتزل فأبی فأجمعوا علی حصاره فحصروه فی داره و کان من أشدّهم علیه محمد بن أبی بکر و کان الحصار سلخ شوّال و اشتدّ الحصار و منع من أن یصل إلیه الماء* و عن أبی سعید مولی أبی أسید الانصاری قال سمع عثمان انّ وفد أهل مصر قد أقبلوا فاستقبلهم فلما سمعوا به أقبلوا نحوه الی المکان الذی هو فیه و قالوا له ادع بالمصحف فدعا بالمصحف و قالوا له افتح السابعة و کانوا یسمون سورة یونس السابعة فقرأ حتی أتی علی هذه الآیة قل أ رأیتم ما أنزل اللّه لکم من رزق فجعلتم منه حراما و حلالا قل آللّه أذن لکم أم علی اللّه تفترون فقالوا له قف أ رأیت ما جمعت من الحمی آللّه أذن لک أم علی اللّه تفتری فقال امضه نزلت فی کذا و کذا و أما الحمی فی ابل الصدقة فلما ولدت زادت فی ابل الصدقة فزدت فی الحمی لما زاد فی ابل الصدقة امضه قال فجعلوا یأخذونه بآیة آیة فیقول امضه نزلت فی کذا و کذا فقال لهم ما تریدون فقالوا نأخذ میثاقک قال فکتبوا علیه شروطا و أخذ علیهم أن لا یشقوا عصا و لا یفارقوا جماعة فأفاء لهم شروطهم و قال لهم ما تریدون قالوا نرید أن لا یأخذ أهل المدینة عطاء قال لا انما هذا المال لمن قاتل علیه و لهؤلاء الشیوخ من أصحاب محمد صلی اللّه علیه و سلم قال فرضوا و أقبلوا معه الی المدینة راضین قال فقام و خطب فقال ألا من کان له زرع فلیلحق بزرعه و من کان له ضرع فلیحتلبه ألا و انه لا مال لکم عندنا انما هذا المال لمن قاتل علیه و لهؤلاء الشیوخ من أصحاب محمد صلی اللّه علیه و سلم قال فغضب الناس و قالوا هذا مکر بنی أمیة قال ثم رجع المصریون فبینما هم فی الطریق إذ هم براکب یتعرّض لهم یفارقهم ثم یرجع إلیهم و یسیبهم قالوا مالک انّ لک الامان ما شأنک قال أنا رسول أمیر المؤمنین الی عامله بمصر قال ففتشوه فاذا هم بکتاب علی لسان عثمان علیه خاتمه الی عامله بمصر أن یصلبهم أو یقتلهم أو یقطع أیدیهم و أرجلهم فأقبلوا حتی قدموا المدینة و أتوا علیا فقالوا أ لم تر الی عدوّ اللّه کتب فینا بکذا و
کذا و أن اللّه قد أحل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:260
دمه قم معنا إلیه قال و اللّه لا أقوم معکم قالوا فلم کتبت إلینا قال و اللّه ما کتبت إلیکم کتابا قط فنظر بعضهم الی بعض ثم قال بعضهم لبعض أ لهذا تقاتلون أو لهذا تغضبون فانطلق علیّ فخرج من المدینة الی قریة و انطلقوا حتی دخلوا علی عثمان فقالوا کتبت کذا و کذا فقال انما هما اثنتان أن تقیموا علیّ رحلین شاهدین من المسلمین أو یمینی باللّه الذی لا إله الا هو ما کتبت و لا أملیت و لا علمت و قد تعلمون أن الکتاب یکتب علی لسان الرجل و قد ینقش الخاتم علی الخاتم فقالوا و اللّه أحل اللّه دمک و نقضوا العهد و المیثاق فحاصروه فأشرف علیهم ذات یوم و قال السلام علیکم فما سمع أحدا من الناس یردّ علیه الا أن یردّ فی نفسه فقال انشدکم اللّه هل علمتم انی اشتریت بئر رومة من مالی فجعلت رشائی کرشاء رجل من المسلمین قیل نعم قال فعلام تمنعونی أن أشرب منها حتی أفطر علی ماء البحر أنشدکم اللّه هل علمتم انی اشتریت کذا و کذا من الارض فزدتا فی المسجد قیل نعم قال فهل علمتم ان أحدا من الناس منع أن یصلی فیه من قبلی أنشدکم باللّه هل سمعتم نبی اللّه صلی اللّه علیه و سلم یذکر کذا و کذا اشیاء فی شأنه عدّدها و رأیته أشرف علیهم مرّة أخری فوعظهم و ذکرهم فلم تأخذ منهم الموعظة و کان الناس تأخذ منهم الموعظة فی أوّل ما یسمعونها فاذا أعیدت علیهم لم تأخذ منهم فقال لامرأته افتحی الباب و فتح المصحف بین یدیه و ذلک أنه رأی من اللیل أنّ نبیّ اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول له أفطر عندنا اللیلة فدخل علیه رجل فقال بینی و بینک کتاب اللّه فخرج و ترکه ثم دخل علیه آخر فقال بینی و بینک کتاب اللّه تعالی و المصحف بین یدیه فأهوی إلیه بالسیف فاتقاه بیده فقطعها فلا أدری أبانها أم لم یبنها* قال عثمان أما و اللّه انها لاوّل کف خطت المفصل و فی حدیث غیر أبی سعید فدخل البختری فضربه مشقصا فنضح الدم علی هذه الآیة فسیکفیکهم اللّه و هو السمیع العلیم قال و انها فی المصحف ما حکت* قال فی حدیث أبی سعید فأخذت بنت الفرافصة خاتمه فوضعته فی حجرها و ذلک قبل أن یقتل فلما قتل تفاجت علیه فقال بعضهم قاتلها اللّه ما أعظم عجیزتها فعلم أن أعداء اللّه لم یریدوا الا الدنیا خرجه أبو حاتم* و ذکر ابن قتیبة أنه سار إلیه قوم من أهل مصر منهم محمد بن أبی حذیفة بن عتبة بن ربیعة فی جند و من أهل البصرة حکیم بن جبلة العبدی و سدوس بن عنبس الشنی و نفر من أهل الکوفة فاستعتبوه فأعتبهم و أرضاهم ثم وجدوا بعد انصرافهم کتابا من عثمان علیه خاتمه الی أمیر مصر اذا نلت القوم فاضرب أعناقهم فعادوا به الی عثمان فحلف لهم انه لم یأمر و لم یعلم فقالوا انّ هذا علیک شدید یؤخذ خاتمک من غیر علمک و راحلتک فان کنت قد غلبت علی نفسک فاعتزل فأبی أن یعتزل و أن یقاتل و نهی عن ذلک و أغلق بابه فحصروه اکثر من عشرین یوما و هو فی الدار فی ستمائة رجل ثم دخلوا علیه من دار أبی حزم الانصاری فضربه سیار بن عیاض الاسلمی بمشقص فی وجهه فسال الدم علی مصحف فی حجره* و أقام للناس الحج فی تلک السنة عبد اللّه بن عباس و صلی بالناس علی بن أبی طالب* و روی عن عبد اللّه بن سلام انه قال لما حصر عثمان ولی أبو هریرة علی الصلاة و کان ابن عباس یصلی أحیانا و أقام للناس الحج فی ذلک العام عبد اللّه بن عباس و کان عثمان قد حج عشر حجج متوالیات خرجه القلعی* و قال الواقدی حاصروه تسعة و أربعین یوما* و قال الزبیر حاصروه شهرین و عشرین یوما* و ذکر ابن الجوزی فی شرح الصحیحین انّ الذین خرجوا علی عثمان هجموا علی المدینة و کان عثمان یخرج فیصلی بالناس و هم یصلون خلفه شهرا ثم خرج من آخر جمعة خرج فیها فحصبوه حتی وقع عن المنبر و لم یقدر أن یصلی بهم فصلی بهم یومئذ أبو أمامة بن سهیل بن حنیف* و روی أن جهجاه الغفاری قال له بعد أن حصبوه و نزل عن المنبر و اللّه لنضربنک الی جبل الرمال و أخذ عصا النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کسرها برکبته فوقعت الاکلة فی رکبته ثم حصروه و منعوه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:261
الصلاة فی المسجد و کان یصلی بهم ابن حدیش تارة و کنانة بن بشر أخری و هما من الخوارج علی عثمان فبقوا علی ذلک عشرة أیام ثم قتلوه* و فی روایة انهم حصروه أربعین لیلة و طلحة یصلی بالناس* و فی روایة انّ علیا کان یصلی بهم تلک الایام ذکر ذلک کله فی الریاض النضرة* و فیه ذکر طریقا آخر فی مقتله و فیه بیان الاسباب التی نقمت علیه عن ابن شهاب قال قلت لسعید بن المسیب هل أنت مخبری کیف کان قتل عثمان و ما کان شأن الناس و شأنه و لم خذ له أصحاب محمد قال قتل عثمان مظلوما و من قتله کان ظالما و من خذله کان معذورا فقلت و کیف کان ذلک قال لما ولی کره ولایته نفر من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لانّ عثمان کان یحب قومه فولی ثنتی عشرة سنة و کان کثیرا ما یولی بنی أمیة ممن لم یکن له مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم صحبة و کان یجی‌ء من أمرائه ما یکره أصحاب رسول اللّه و کان یستغاث علیهم فلا یغیثهم فلما کان فی الستة الحجج الاواخر استأثر بنی عمه فولاهم و أمرهم و ولی عبد اللّه بن أبی سرح مصر فشکا أهل مصر و کان من قبل ذلک من عثمان هنات الی عبد اللّه بن مسعود و أبی ذرّ و عمار بن یاسر و کانت هذیل و بنو زهرة فی قلوبهم ما فیها لاجل عبد اللّه بن مسعود و کانت بنو غفار و أحلافها و من غضب لابی ذر فی قلوبهم ما فیها و کانت بنو مخزوم حنقت علی عثمان لاجل عمار بن یاسر و جاء أهل مصر یشکون ابن أبی سرح فکتب إلیه یهدّده فأبی ابن أبی سرح أن یقبل ما نهاه عنه و ضرب بعض من أتاه من قبل عثمان و من أهل مصر ممن کان أتی عثمان فقتله فخرج جیش أهل مصر فی سبعمائة رجل الی المدینة فنزلوا المسجد و شکوا الی أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فدخل علیه علی بن أبی طالب و کان متکلم القوم و قال اذا سألوک رجلا مکان رجل و قد ادّعوا قبله دما فاعزله عنهم و ان وجب علیه حق فأنصفهم من عاملک فقال لهم اختاروا رجلا فأشاروا الی محمد بن أبی بکر فکتب عهده و ولاه و خرج معهم مدد من المهاجرین و الانصار ینظرون فیما بین أهل مصر و بین ابن أبی سرح فخرج محمد و من معه فلما کانوا علی مسیرة ثلاثة أیام من المدینة إذا هم بغلام أسود علی بعیر یخبط الارض خبطا حتی کأنه یطلب أو یطلب فقال له أصحاب محمد ما قصتک و ما شأنک کأنک هارب أو طالب فقال لهم أنا غلام أمیر المؤمنین و جهنی الی عامل مصر فقال رجل هذا عامل مصر معنا قال لیس هذا الذی أرید فأخبروا بأمره محمد بن أبی بکر فبعث فی طلبه رجالا فأخذوه فجاءوا به إلیه فقال غلام من أنت فاعتل مرّة یقول أنا غلام أمیر المؤمنین و مرّة یقول أنا غلام مروان فقال له محمد الی من أرسلت قال الی عامل مصر قال بما ذا قال برسالة قال معک کتاب قال لا ففتشوه فلم یجدوا معه کتابا و کان معه اداوة قد یبست و فیها شی‌ء یتقلقل فراوده لیخرجه فلم یخرج فشقوا الاداوة فاذا فیها کتاب من عثمان الی ابن أبی سرح فجمع محمد من کان معه من المهاجرین و الانصار و غیرهم ثم فک الکتاب بمحضر منهم فاذا فیه اذا أتاک محمد و فلان و فلان فاحتل لقتلهم و أبطل کتابه وقف علی عملک حتی یأتیک أمری ان شاء اللّه تعالی فلما قرءوا الکتاب فزعوا و رجعوا الی المدینة و ختم محمد الکتاب بخواتیم نفر کانوا معه من أصحاب محمد صلی اللّه علیه و سلم و دفع الکتاب الی رجل منهم و قدموا المدینة فجمعوا طلحة و الزبیر و علیا و سعدا و من کان من أصحاب محمد صلی اللّه علیه و سلم ثم فکوا الکتاب بمحضر منهم فاذا فیه اذا أتاک محمد و فلان و فلان فاحتل لقتلهم فقرءوا الکتاب علیهم و أخبروهم بقصة العبد فلم یبق أحد من أهل المدینة إلّا حنق علی عثمان و زاد ذلک من غضب ابن مسعود و أبی ذر و عمار و قام أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الی منازلهم و ما منهم من أحد إلا مغتم و حاصر الناس عثمان فلما رأی ذلک علیّ بعث الی طلحة و الزبیر و سعد و عمار و
نفر من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم دخل علی عثمان و معه الکتاب و الغلام
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:262
و البعیر فقال له علیّ هذا الغلام غلامک قال نعم و هذا البعیر بعیرک قال نعم قال فأنت کتبت الکتاب قال لا و حلف باللّه ما کتبت الکتاب و لا أمرت به و لا علمت به و لا وجهت هذا الغلام الی مصر و أما الخط فعرفوا انه خط مروان و سألوه أن یدفعه إلیهم و کان معه فی الدار فأبی و خشی علیه القتل فخرج أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من عنده غضابا و علموا أن عثمان لا یحلف باطلا فحاصره الناس و منعوه الماء و أشرف علی الناس و قال أ فیکم علیّ قالوا لا قال أ فیکم سعد قالوا لا فقال الا أحد یسقینا ماء فبلغ ذلک علیا فبعث إلیه ثلاث قرب مملوءة ماء فما کادت تصل إلیه حتی جرح بسببها عدّة من موالی بنی هاشم و بنی أمیة ثم بلغ علیا انهم یریدون قتل عثمان فقالوا انما أردنا منه مروان فأما قتل عثمان فلا و قال للحسن و الحسین اذهبا بسیفیکما حتی تقوما علی باب عثمان فلا تدعا أحدا یصل إلیه و بعث الزبیر ابنه و بعث عدّة من الصحابة أبناءهم یمنعون الناس أن یدخلوا علی عثمان و یسألونه اخراج مروان فلما رأی الناس ذلک رموا باب عثمان بالسهام حتی خضب الحسن بن علی بدمائه و أصاب مروان سهم و هو فی الدار و کذلک محمد بن طلحة و شج قنبر مولی علیّ ثم انّ بعض من حضر عثمان خشی أن تغضب بنو هاشم لاجل الحسن و الحسین فتنتشر الفتنة فأخذ بید رجلین و قال ان جاء بنو هاشم و رأوا الدم علی وجه الحسن کشف الناس عن عثمان و بطل ما تریدون و لکن اذهبوا بنا نتسوّر الدار فنقتله من غیر أن یعلم أحد فتسوّروا من دار رجل من الانصار حتی دخلوا علی عثمان و ما یعلم أحد ممن کان معه لانّ کل من کان معه کان فوق البیت و لم یکن معه الا امرأته فقتلوه و خرجوا هاربین من حیث دخلوا و صرخت امرأته فلم یسمع صراخها من الجلبة فصعدت الی الناس فقالت انّ أمیر المؤمنین قتل فدخل علیه الحسن و الحسین و من کان معهما فوجدوه مذبوحا فانکبوا علیه یبکون و دخل الناس فوجدوا عثمان مقتولا فبلغ علیا و طلحة و الزبیر و سعدا و من کان بالمدینة فخرجوا و قد ذهبت عقولهم حتی دخلوا علی عثمان فوجدوه مقتولا فاسترجعوا و قال علیّ لابنیه کیف قتل أمیر المؤمنین و انتما علی الباب و رفع یده فلطم الحسن و ضرب صدر الحسین و شتم محمد بن طلحة و لعن عبد اللّه بن الزبیر و خرج علی و هو غضبان فلقیه طلحة فقال مالک یا أبا الحسن ضربت الحسن و الحسین و کان یری انه أعان علی قتل عثمان فقال علیک کذا و کذا رجل من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بدری لم تقم علیه بینة و لا حجة فقال طلحة لو دفع مروان لم یقتل فقال علیّ لو أخرج إلیکم مروان لقتل قبل أن تثبت علیه حکومة و خرج علیّ فأتی منزله و جاء الناس کلهم الی علیّ لیبایعوه فقال لهم لیس هذا إلیکم انما هو الی أهل بدر فمن رضی به أهل بدر فهو الخلیفة فلم یبق أحد من أهل بدر الا قال ما نری أحق بها منک* فلما رأی علیّ ذلک جاء الی المسجد فصعد المنبر و کان أول من صعد إلیه و بایعه طلحة و الزبیر و سعد و أصحاب محمد صلی اللّه علیه و سلم و طلب مروان فهرب و طلب نفر من ولد بنی مروان و بنی ابن أبی معیط فهربوا أخرجه السمانی فی کتاب الموافقة* و عن شدّاد بن أوس انه قال لما اشتدّ الحصار بعثمان رضی اللّه عنه یوم الدار رأیت علیا خارجا من منزله معتما بعمامة رسول اللّه متقلدا سیفه و أمامه ابنه الحسن و الحسین و عبد اللّه بن عمر رضی اللّه عنهم فی نفر من المهاجرین و الانصار فحملوا علی الناس و فرّقوهم ثم دخلوا علی عثمان فقال علیّ السلام علیک یا أمیر المؤمنین انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لم یلحق هذا الامر حتی ضرب بالمقبل المدبر و انی و اللّه لا أری القوم الا قاتلوک فمرنا فلنقاتل فقال عثمان انشد اللّه رجلا رأی للّه عز و جل علیه حقا و أقرّ أن لی علیه حقا أن یهریق فی سببی مل‌ء محجمة من دم أو یهریق دمه فیّ فأعاد علی رضی اللّه عنه القول فأجاب عثمان بمثل ما أجاب فرأیت علیا خارجا من الباب و
هو یقول اللهم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:263
انک تعلم انا قد بذلنا المجهود ثم دخل المسجد* و فی الریاض النضرة و حضرت الصلاة فقالوا یا أبا الحسن تقدّم فصل بالناس فقال لا أصلی بکم و الامام محصور و لکن أصلی وحدی انتهی ثم اقتحموا علی عثمان الدار و المصحف بین یدیه؟؟؟ فأخذ محمد بن أبی بکر بلحیته فقال له عثمان یا ابن أخی فو اللّه لو رأی أبوک مقامک هذا لساءه فأرسل لحیته و ولی و ضربه یسار بن علیاص أو سیار ابن عیاض الاسلمی و سودان بن حمران بسیفیهما فنضح الدم علی قوله تعالی فسیکفیکهم اللّه و هو السمیع العلیم* و فی روایة و جلس عمرو بن الحمق علی صدره و ضربه حتی مات و وطئ عمیر بن صابئ علی بطنه فکسر له ضلعین من أضلاعه* و فی الاستیعاب روی سعید المقبری عن أبی هریرة و کان محصورا مع عثمان فی الدار قال رمی رجل منا فقلت یا أمیر المؤمنین الآن طاب الضراب قتلوا منا رجلا قال عزمت علیک یا أبا هریرة الا رمیت بسیفک فانما یراد نفسی و سأقی المؤمنین بنفسی* قال أبو هریرة فرمیت سیفی لا أدری این هو حتی الساعة* و فی الریاض النضرة قال ألقیته فما أدری من أخذه ثم دخل علیه المغیرة بن شعبة فقال یا امیر المؤمنین انّ هؤلاء القوم اجتمعوا علیک و هموا بک فان شئت أن تلحق بمکة* و فی روایة عن المغیرة انه قال لعثمان امّا أن تخرق بابا سوی الباب الذی هم علیه فتقعد علی راحلتک و تلحق بمکة فانهم لم یستحلوک و أنت بها و ان شئت تلحق بالشأم فانّ بها معاویة و ان شئت فاخرج الی هؤلاء القوم فقاتلهم فانّ معک عددا و قوّة و أنت علی الحق و هم علی الباطل فقال عثمان أمّا أن أخرج و أقاتل فلن أکون أوّل من خلف رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی أمّته بسفک الدماء و أمّا أن أخرج الی مکة فانی سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول یلحد رجل من قریش بمکة یکون عذابه نصف عذاب العالم فلن أکون أنا و أمّا ان ألحق بالشأم و فیها معاویة فلن أفارق دار هجرتی و مجاورة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و فی الریاض النضرة و کان معه فی الدار ممن یرید الدفع عنه عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن سلام و عبد اللّه بن الزبیر و الحسن بن علی و أبو هریرة و محمد بن حاطب و زید بن ثابت و مروان بن الحکم فی طائفة من الناس منهم المغیرة بن الاخنس و یومئذ قتل المغیرة بن الاخنس قبل قتل عثمان* و فی أسد الغابة لما طال حصره و الذین حصروه من أهل مصر و البصرة و الکوفة و معهم بعض أهل المدینة أرادوه أن ینزع نفسه من الخلافة فلم یفعل و خافوا أن تأتیه الجیوش من أهل الشأم و البصرة و غیرهما فیأتی الحجاج فیهلکوهم فتسوّروا علیه من دار أبی الحزم الانصاری فقتلوه* و فی الاستیعاب و کان أوّل من دخل علیه الدار محمد بن أبی بکر فأخذ بلحیته فقال له دعها یا ابن أخی فو اللّه لقد کان أبوک یکرمها فاستحیا و خرج و فی روایة فلما دخل أخذ بلحیته و هزها و قال ما أغنی عنک معاویة و ما أغنی عنک ابن أبی سرح و ما أغنی عنک عبد اللّه بن عامر فقال یا ابن أخی أرسل لحیتی فو اللّه لتجبذ لحیة کانت تعز علی أبیک و ما کان أبوک یرضی مجلسک هذا منی فیقال انه حینئذ ترکه و خرج عنه و یقال حینئذ أشار الی من معه فطعنه واحد منهم فقتلوه انتهی* قال و لما خرج محمد دخل رومان بن سرحان رجل أزرق قصیر محدود عداده فی مراد و هو من ذی أصبح معه خنجر فاستقبله به و قال علی أیّ دین أنت یا نعثل فقال لست بنعثل و لکنی عثمان بن عفان و أنا علی ملة ابراهیم حنیفا مسلما و ما أنا من المشرکین قال کذبت و ضربه علی صدغه الایمن* و فی الریاض النضرة علی صدغه الایسر فقتله فخرّ فأدخلته امرأته نائلة بینها و بین ثیابها و کانت امرأة جسیمة و دخل رجل من أهل مصر و معه السیف صلتا فقال و اللّه لاقطعنّ أنفه فعالج المرأة فکشف عن ذراعیها* و فی الریاض النضرة فعالجت امرأته و قبضت علی السیف فقطع یدها فقالت لغلام لعثمان یقال له رباح و معه سیف عثمان أعنی علی هذا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:264
و أخرجه عنی فضربه الغلام بالسیف فقتله* و فی أسد الغابة اختلف فیمن باشر قتله بنفسه فقیل محمد ابن أبی بکر ضربه بمشقص و قیل بل حبسه محمد بن أبی بکر و أشغره غیره و کان الذی قتله سودان بن حمران و قیل بل قتله رومان الیمامی و قیل بل رومان رجل من بنی أسد بن خزیمة و قیل بل أسود التجیبی من أهل مصر و یقال جبلة بن الایهم رجل من أهل مصر و قیل سودان بن رومان المرادی و یقال ضربه التجیبی و محمد بن أبی حذیفة و هو یقرأ فی المصحف سورة البقرة و قطرت قطرة من دمه علی فسیکفیکهم اللّه و کان صائما یومئذ* و فی أسد الغابة عن ابن عباس أنه علیه الصلاة و السلام قال تقتل و أنت مظلوم و تسقط قطرة من دمک علی فسیکفیکهم اللّه قال انها الی الساعة لفی المصحف و اللّه أعلم*

(ذکر تاریخ قتله)

* و لا خلاف بینهم فی انه قتل فی ذی الحجة و انما الخلاف فی أیّ یوم منه قتل* قال الواقدی قتل بالمدینة یوم الجمعة لثمان أو سبع خلت من ذی الحجة یوم الترویة سنة خمس و ثلاثین من الهجرة ذکره المدائنی عن أبی معشر عن نافع* و عن أبی عثمان النهدی قتل فی وسط أیام التشریق و قیل انه قتل یوم الجمعة للیلتین بقیتا من ذی الحجة و قد روی ذلک عن الواقدی أیضا* و فی الصفوة حصر فی منزله أیاما ثم دخلوا علیه فقتلوه یوم الجمعة لثلاث عشرة أو لثانی عشرة لیلة خلت من ذی الحجة* و قال ابن اسحاق قتل عثمان علی رأس احدی عشرة سنة واحد عشر شهرا و اثنین و عشرین یوما من مقتل عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه و علی رأس خمس و عشرین سنة من متوفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یوم الاربعاء بعد العصر و دفن یوم السبت بعد الظهر ذکره فی الریاض النضرة* و فی أسد الغابة عن أبی سعید مولی عثمان بن عفان انّ عثمان أعتق عشرین مملوکا و هو محصور و دعا بسراویل فشدّها علیه و لم یلبسها لا فی جاهلیة و لا فی اسلام و قال انی رأیت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم البارحة فی المنام و رأیت أبا بکر و عمر فقالوا لی اصبر فانک تفطر عندنا القابلة ثم دعا بمصحف فنشر بین یدیه فقتل و هو بین یدیه* و عن عائشة رضی اللّه عنها انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال لعثمان لعلّ اللّه یقمصک قمیصا فان أرادوک علی خلعه فلا تخلع لهم و عن عائشة قالت قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ادعی لی بعض أصحابی قلت أبا بکر قال لا فقلت عمر فقال لا فقلت ابن عمک فقال لا فقلت له عثمان قال نعم فلما جاء قال لی بیده فتنحیت فجعل رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یسارّه و لون عثمان یتغیر فلما کان یوم الدار و حصر قیل أ لا تقاتل قال لا انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم عهد الیّ عهدا و أنا صابر نفسی علیه* و عن کنانة مولی صفیة بنت حیی بن أخطب قال شهدت مقتل عثمان رضی اللّه عنه فاخرج من الدار امامی أربعة من قریش مضرجین بالدم أی ملطخین محمولین کانوا مع عثمان فی الدار یدرءون عنه و هم الحسن ابن علی و عبد اللّه بن الزبیر و محمد بن حاطب و مروان بن الحکم کذا فی الاکتفاء* و قال محمد بن طلحة قلت لکنانة مولی صفیة هل بدأ محمد بن أبی بکر بشی‌ء من دم عثمان قال معاذ اللّه دخل علیه فقال له عثمان یا ابن أخی لست بصاحبی و کلمه بکلام فخرج عنه و لم یبدأ بشی‌ء من دمه قال قلت لکنانة من قتله قال قتله رجل من أهل مصر یقال له جبلة بن الایهم ثم طاف بالمدینة ثلاثا یقول أنا قاتل نعثل* و عن أبی جعفر الانصاری قال دخلت مع المصریین علی عثمان فلما ضربوه خرجت اشتدّ حتی ملأت فروجی عدوا حتی دخلت المسجد فاذا رجل جالس فی نحو عشرة و علیه عمامة سوداء فقال و یحک ما وراءک قلت قد و اللّه فرغ من الرجل قال تبا لک آخر الدهر فنظرت فاذا هو علی بن أبی طالب خرجه القلعی و خرجه ابن السمان* و لفظه قال لما دخل علی عثمان یوم الدار خرجت فملأت فروجی مجتازا بالمسجد فاذا رجل قاعد فی ظلة النساء علیه عمامة سوداء و حوله نحو من عشرة فاذا هو علی فقال ما صنع الرجل قلت قتل الرجل قال تبا لهم آخر الدهر کذا ذکرهما فی الریاض النضرة*

(ذکر دفنه‌

و این دفن و کم أقام حتی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:265
دفن و من دفنه و من صلی علیه)* فی الریاض النضرة قال أبو عمر و لما قتل عثمان أقام مطروحا یومه ذلک الی اللیل فحمله رجال علی باب لیدفنوه فعرض لهم ناس لیمنعوه من دفنه فوجدوا قبرا کان حفر لغیره فدفنوه فیه و صلی علیه جبیر بن مطعم* و قال الواقدی و غیره حمل علی لوح و صلی علیه جبیر بن مطعم فی ثلاثة نفر هو رابعهم و قیل المسور بن مخرمة و قیل حکیم بن حزام و قیل الزبیر و کان أوصی إلیه رواه أحمد و قیل ابنه عمرو بن عثمان ذکره القلعی* و عن عروة انه قال أرادوا أن یصلوا علی عثمان فمنعوا فقال رجل من قریش و هو أبو جهم بن حذیفة دعوه فقد صلی علیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم خرجه القلعی* قال الواقدی دفن لیلا لیلة السبت فی موضع أو قال فی أرض یقال له حش کوکب و أخفی قبره و کوکب رجل من الانصار و الحش البستان کان عثمان قد اشتراه و زاده البقیع فکان أوّل من قبر فیه* قال مالک و کان عثمان مرّ بحش کوکب فقال انه سیدفن هاهنا رجل صالح خرجه القلعی ذکره فی الاستیعاب و الریاض النضرة* و قیل انّ الذین تولوا تجهیزه کانوا خمسة أو ستة جبیر بن مطعم و حکیم بن حزام و یسار بن مکرم و زوجتا عثمان نائلة بنت الفرافصة و أمّ البنین بنت عقبة و نزل یسار و أبو جهم و جبیر فی قبره و کان حکیم و نائلة و أمّ البنین یدلونه فلما دفنوه غیبوا قبره* و عن الحسن قال شهدت عثمان بن عفان دفن فی ثیابه بدمائه خرجه فی الصفوة کذا فی الریاض النضرة و عن ابراهیم بن عبد اللّه بن فروخ عن أبیه مثله و کذا رواه عبد اللّه بن الامام أحمد فی زیادات المسند و زاد فیه و لم یغسل کذا فی مورد اللطافة* و خرج البخاری و البغوی فی معجمه و لم یغسل کذا فی الریاض النضرة و ذکر الخجندی انه أقام فی حش کوکب ثلاثا مطروحا لا یصلی علیه حتی هتف بهم هاتف ادفنوه و لا تصلوا علیه فانّ اللّه عز و جل قد صلی علیه و قیل صلی علیه و غشیهم فی الصلاة و فی دفنه سواد فلما فرغوا منه نودوا أن لا روع علیکم اثبتوا و کانوا یرون انهم الملائکة* و روی محمد بن عبد اللّه بن الحکیم و عبد الملک بن الماجشون عن مالک قال لما قتل عثمان ألقی علی المزبلة ثلاثة أیام فلما کان فی اللیل أتاه اثنا عشر رجلا منهم حویطب بن عبد العزی و حکیم بن حزام و عبد اللّه بن الزبیر و جدّی فاحتملوه فلما صاروا به الی المقبرة لیدفنوه فاذا هم بقوم من بنی مازن قالوا و اللّه لئن دفنتموه هاهنا لنخبرنّ الناس غدا فاحتملوه و کان علی باب و انّ رأسه علی الباب یقول طق طق حتی صاروا به الی حش کوکب فاحتفروا له و کانت عائشة ابنة عثمان معها مصباح فی حق فلما أخرجوه لیدفنوه صاحت فقال لها ابن الزبیر و اللّه لئن لم تسکتی لاضربن الذی فیه عیناک فسکتت فدفنوه خرجه القلعی کذا فی الریاض النضرة*

(ذکر شهود الملائکة عثمان)

* عن سهل بن خنیس و کان ممن شهد قتل عثمان قال لما أمسینا قلت لئن ترکتم صاحبکم حتی یصبح مثلوا به فانطلقنا به الی بقیع الغرقد فامکنا له من جوف اللیل ثم حملناه فغشینا سواد من خلفنا فهبناهم حتی کدنا أن نتفرّق فاذا مناد ینادی لا روع علیکم اثبتوا فانا جئنا لنشهد معکم و کان ابن خنیس یقول هم الملائکة خرجه الضحاک*

(ذکر مدّة خلافته)

* قال ابن اسحاق کانت مدّة خلافته اثنتی عشرة سنة* و قال غیره و کانت خلافته احدی عشرة سنة و أحد عشر شهرا و أربعة عشر یوما کذا فی الریاض النضرة* و فی دول الاسلام کانت دولته اثنتی عشرة سنة و تفرّقت الکلمة بعد قتله و ماج الناس و اقتتلوا للاخذ بثاره حتی قتل من المسلمین تسعون ألفا* (ذکر سنه)* و اختلف فی سنه حین قتل قال ابن اسحاق قتل و هو ابن ثمانین سنة و قال غیره قتل و هو ابن ثمان و ثمانین و قیل ابن تسعین سنة و أعلی ما قیل فی ذلک خمس و تسعون سنة و قال قتادة قتل عثمان و هو ابن ست و ثمانین سنة* و قال الواقدی لا خلاف عندنا انه قتل و هو ابن اثنتین و ثمانین سنة و هو قول أبی الیقظان* مرویاته فی کتب الاحادیث مائة و ستة و أربعون
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:266
حدیثا*

(ذکر ما نقم علی عثمان مفصلا و الاعتذار عنه بحسب الامکان)

* و ذلک أمور (الاوّل) ما نقموا علیه من عزله جمعا من الصحابة منهم أبو موسی عزله عن البصرة و ولاها عبد اللّه بن عامر و منهم عمرو بن العاص عزله عن مصر و ولی عبد اللّه بن أبی سرح و کان قد ارتدّ فی زمن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و لحق بالمشرکین فأهدر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم دمه بعد الفتح الی ان أخذ له عثمان الامان ثم أسلم و منهم عمار بن یاسر عزله عن الکوفة و منهم المغیرة بن شعبة عزله عن الکوفة أیضا و أشخصه الی المدینة* جوابه أمّا عزل أبی موسی فکان عذره فی عزله أوضح من أن یذکر فانه لو لم یعزله لاضطربت البصرة و الکوفة و أعمالهما للاختلاف الواقع بین جند البلدین* و قصته انه کتب الی عمر فی أیامه یسأله المدد فامدّه بجند الکوفة فأمرهم أبو موسی حین قدومهم علیه برامهرمز فذهبوا إلیها ففتحوها و سبوا نساءها و ذراریها فحمدهم علی ذلک و کره نسبة الفتح الی جند الکوفة دون جند البصرة فقال لهم انی کنت أعطیتهم الامان و أجلتهم ستة أشهر فردّوا علیهم فوقع الخلاف فی ذلک بین الجندین و کتبوا الی عمر فکتب عمر الی صالحاء جند أبی موسی مثل البراء بن عازب و حذیفة بن الیمان و عمر ان بن حصین و أنس بن مالک و سعید بن عمرو الانصاری و أمثالهم و أمرهم أن یستحلفوا أبا موسی فان حلف انه أعطاهم الامان و أجلهم ردّوا علیهم فاستحلفوه فحلف و ردّ السبی علیهم و انتظر بهم أجلهم و بقیت قلوب الجند حنقة علی أبی موسی ثم رفع علی أبی موسی الی عمر و قیل له لو أعطاهم الامان لعلم ذلک فاستحضره عمر و سأله عن یمینه فقال ما حلفت الا علی حق قال فلم أمرت الجند إلیهم حتی فعلوا ما فعلوا و قد و کلنا أمرک فی یمینک الی اللّه تعالی فارجع الی عملک فلیس نجد الآن من یقوم مقامک و لعلنا ان وجدنا من یکفینا عملک ولیناه فلما مضی عمر لسبیله و ولی عثمان شکا جند البصرة الشیخ أبا موسی و شکا جند الکوفة ما نقموا علیه فخشی عثمان ممالأة الفریقین علی أبی موسی فعزله عن البصرة و ولاها أکرم الفتیان عبد اللّه بن عامر بن کریز و کان من سادات قریش و هو الذی سقاه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ریقه حین حمل إلیه طفلا فی مهده* و أمّا عمرو بن العاص فانما عزله لانّ أهل مصر أکثروا شکایته و کان عمر قبل ذلک عزله لشیئ بلغه عنه و لما أظهر توبته ردّه لذلک ثم عزله عثمان لشکایة رعیته کیف و الروافض یزعمون انّ عمروا کان منافقا بالاسلام فقد أصاب عثمان فی عزله فکیف یعترض علی عثمان بما هو مصیب عندهم و أمّا تولیته عبد اللّه بن أبی سرح فمن حسن النظر عنده لانه تاب و أصلح عمله و کان له فیما ولاه آثار محمودة فانه فتح من تلک النواحی طائفة کثیرة حتی انتهی فی اغارته الی الجزائر التی فی بحر بلاد المغرب و حصل فی فتوحه ألف ألف دینار و خمسمائة ألف دینار سوی ما غنمه من صنوف الاموال و بعث بالخمس منها الی عثمان و فرّق الباقی فی جنده و کان فی جنده جماعة من الصحابة و من أولادهم کعقبة بن عامر الجهنی و عبد الرحمن بن أبی بکر و عبد اللّه بن عمرو بن العاص قاتلوا تحت رایته و أدّوا طاعته و وجدوه أقوم بسیاسة الامر من عمرو بن العاص ثم أبان عن حسن رأی فی نفسه عند وقوع الفتنة حین قتل عثمان فانه اعتزل الفریقین و لم یشهد مشهدا و لم یقاتل أحدا بعد قتال المشرکین و أمّا عمار بن یاسر و المغیرة بن شعبة فأخطئوا فی ظنّ عزل عمار فانه لم یعزله و انما عزله عمر کان أهل الکوفة قد شکوه فقال عمر من یعذرنی من أهل الکوفة ان استعملت علیهم تقیا استضعفوه و ان استعملت علیهم قویا فجروه ثم عزله و ولی المغیرة بن شعبة فلما ولی عثمان شکوا المغیرة إلیه و ذکروا انه ارتشی فی بعض أموره فلما رأی ما وقر عندهم منه استصوب عزله عنهم و لو کانوا مفترین علیه و العجب من هؤلاء الرافضة کیف ینقمون علی عثمان عزل المغیرة و هم یکفرون المغیرة علی انا نقول ما زال ولاة الامر قبله و بعده یعزلون من عمالهم ما رأوا عزله و یولون ما رأوا تولیته
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:267
بحسب ما تقتضیه أنظارهم عزل عمر بن الخطاب خالد بن الولید عن الشأم و ولی أبا عبیدة و عزل عمار عن الکوفة و ولاها المغیرة بن شعبة و عزل علیّ قیس بن سعد عن مصر و ولاها الاشتر النخعی أ لا تری الی معاویة و کان ممن ولاه عمر لما ضبط الجزیرة و فتح البلاد الی حدود الروم و فتح جزیرة قبرس و غنم منها مائة ألف رأس سوی ما غنم من البیاض و أصناف المال و حمدت سیرته و سرایاه أقرّه علی ولایته و أمّا ابن مسعود فسیأتی الاعتذار عنه فیما بعد* (الثانی)* ما ادّعوه علیه من الاسراف فی بیت المال و ذلک مأمور منها انّ الحکم بن العاص لما ردّه من الطائف الی المدینة و قد کان طرده النبیّ صلی اللّه علیه و سلم وصله من بیت المال بمائة ألف درهم و جعل لابنه الحارث سوق المدینة یأخذ منها عشور ما یباع فیها* و منها انه وهب لمروان خمس افریقیة* و منها انّ عبد اللّه بن خالد بن أسید بن أبی العیص قدم علیه فوصله بثلاثمائة ألف درهم* و منها ما رواه أبو موسی قال کنت اذا أتیت عمر بالمال و الحلیة من الذهب و الفضة لم یلبث أن یقسمه بین المسلمین حتی لا یبقی منه شی‌ء فلما ولی عثمان أتیته به فکان یبعث به الی نسائه و بناته فلما رأیت ذلک أرسلت دمعی و بکیت فقال ما یبکیک فذکرت له صنیعه و صنیع عمر فقال رحمه اللّه کان حسنة و انا حسنة و لکل ما اکتسب* قال أبو موسی انّ عمر کان ینزع الدرهم الفرد من الصبیّ من أولاده فیردّه فی مال اللّه و یقسم بین المسلمین فأراک أعطیت بناتک مجمرا من ذهب مکللا باللؤلؤ و الیاقوت و أعطیت الأخری درّتین لا یعرف قیمتهما فقال انّ عمر عمل برأیه و لا یألو عن الخیر و أنا أعمل برأیی و لا آلو عن الخیر و قد أوصانی اللّه بذوی قراباتی و أنا مستوص بهم أبرّهم* و منها انه أنفق أکثر بیت المال فی ضیاعه و دوره التی اتخذها لنفسه و لأولاده و کان عبد اللّه بن أرقم و معیقیب علی بیت المال فی زمان عمر فلما رأیا ذلک استعفیا فعزلهما و ولی زید بن ثابت و جعل المفاتیح بیده فقال له یوما و قد فضل فی بیت المال فضلة فقال خذها فهی لک فأخذها زید و کانت أکثر من مائة ألف درهم* جوابه أمّا ما ادّعوه علیه من اسرافه فی بیت المال فأکثر ما نقلوه عنه مفتری علیه مختلق و ما صح منه فعذره فیه واضح و أمّا ردّه الحکم الی المدینة فقد روی انه کان استأذن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی ردّه الی المدینة فوعده بذلک فلما ولی أبو بکر سأله عثمان ذلک فقال کیف أردّه إلیها و قد نفاه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال له عثمان ذلک قال انی لم أسمعه یقول لک ذلک و لم یکن مع عثمان بینة علی ذلک فلما ولی عمر سأله ذلک فأبی و لم یریا الحکم بقول واحد فلما ولی عثمان قضی بعلمه و هو قول أکثر الفقهاء و هو مذهب عثمان و هذا بعد أن تاب و أصلح عما کان طرد لاجله و اعانة التائب مما یحمد و أمّا صلته من بیت المال بمائة ألف فلم یصح و انما الذی صح انه زوّج ابنته من ابن الحارث بن الحکم و بذل لهما من مال نفسه مائة ألف درهم و کان ذا ثروة فی الجاهلیة و الاسلام و کذلک ابنته أمّ أبان بن الحکم و جهزها من خاص ماله بمائة ألف لا من بیت المال و هذه صلة رحم یحمد علیها* و أمّا طعنهم علی عثمان انه وهب خمس افریقیة من مروان بن الحکم فهو غلط منهم و انما المشهور فی القصة انّ عثمان کان جهز ابن أبی السرح أمیرا علی الالف من الجند و حضر القتال بافریقیة فلما غنمه المسلمون أخرج ابن أبی السرح الخمس من الذهب و هو خمسمائة ألف دینار فأنفذها الی عثمان و بقی من الخمس أصناف من الاثاث و المواشی مما یشق حمله الی المدینة فاشتراها مروان بمائة ألف درهم و نقد أکثرها و بقیت منه بقیة و وصل الی عثمان مبشرا بفتح افریقیة و کانت قلوب المسلمین مشغولة خائفة أن یصیب المسلمین من أمر افریقیة نکبة فوهب له عثمان ما بقی جزاء ببشارته و للامام أن یصل المبشر من بیت المال بما یری علی قدر مراتب البشارة* و أمّا ما ذکروه من صلة عبد اللّه ابن خالد بن أسید
بثلاثمائة ألف درهم فانّ أهل مصر عاتبوه علی ذلک لما حاصروه فأجابهم بانه استقرض
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:268
له ذلک من بیت المال و کان یحتسب لبیت المال ذلک من مال نفسه حتی وفاه و أما دعواهم انه جعل للحارث بن الحکم سوق المدینة یأخذ عشر ما یباع فیه فغیر صحیح و انما جعل إلیه سوق المدینة لیراعی أمر المثاقیل و الموازین فتسلط یومین أو ثلاثة علی باعة النوی و اشتراه لنفسه فلما رفع ذلک الی عثمان أنکر علیه و عزله و قال لاهل المدینة انی لم آمره بذلک و لا عتب علی السلطان فی جور بعض العمال اذا استدرک بعد علمه و قد روی انه جعله علی سوق المدینة و جعل له کل یوم درهمین و قال لاهل المدینة اذا رأیتموه سرق شیئا فخذوه منه و هذا غایة الانصاف* و أما قصة أبی موسی فلا یصح شی‌ء منها فانه رواه ابن اسحاق عن من حدّثه عن أبی موسی و لا یصح الاستدلال بروایة المجهول و کیف یصح ذلک و أبو موسی ما ولی لعثمان عملا الا فی آخر السنة التی قتل فیها و لم یرجع إلیه فانه لما عزله عن البصرة بعبد اللّه بن عامر لم یتول شیئا من أعماله الی ارسال أهل الکوفة إلیه فی السنة التی قتل فیها أن یولیه الکوفة فولاه ایاها و لم یرجع إلیه ثم یقال للخوارج و الروافض انکم تکفرون أبا موسی و عثمان فلا حجة فی دعوی بعضهم علی بعض* و أمّا عزل ابن أرقم و معیقیب عن ولایة بیت المال فانهما أسنا و ضعفا عن القیام بحفظ بیت المال و قد روی انّ عثمان لما عزلهما خطب الناس و قال ألا انّ عبد اللّه بن أرقم لم یزل علی جرایتکم من زمن أبی بکر و عمر الی الیوم و انه کبر و ضعف و قد ولینا عمله زید بن ثابت و أمّا ما نسبوه إلیه من صرف بیت المال فی عمارة دوره و ضیاعه المختصة به فبهتان افتروه علیه و کیف و هو من أکثر الصحابة مالا و کیف یمکنه ذلک بین أظهر الصحابة مع انه الموصوف بکثرة الحیاء و ان الملائکة تستحیی منه لفرط حیائه أعاذنا اللّه من فرطات الجهل و موبقات الهوی آمین* و أما قولهم انه دفع الی زید ما فضل من بیت المال فافتراء و اختلاق بل الصحیح انه أمر بتفرقة المال علی أصحابه ففضل فی بیت المال ألف درهم فأمر بانفاقها فیما یراه أصلح للمسلمین فأنفقها زید علی عمارة مسجد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بعد ما زاد عثمان فی المسجد زیادة و کل واحد منهما مشکور محمود علی فعله* (الثالث)* انهم قالوا حبس عن عبد اللّه بن مسعود و أبی ذرّ عطاءهما و أخرج أبا ذرّ الی الربذة و کان بها الی ان مات و أوصی الی الزبیر و أوصاه ان یصلی علیه و لا یستأذن عثمان لئلا یصلی علیه فلما دفن وصل عثمان ورثته بعطاء أبیهم خمس سنین* جوابه أما ما ادّعوه من حبس عطاء ابن مسعود فکان ذلک فی مقابلة ما بلغه عنه و لم تزل الائمة علی مثل ذلک و کل منهما مجتهد فاما مصیبان أو مخطئ و مصیب و لم یکن قصد عثمان حرمانه البتة و أمّا التأخیر الی غایة اقتضی نظره التأخیر إلیها أدبا فلما قضی علیه امّا مع حصول تلک الغایة أو دونها وصل به ورثته و لعله کان انفع لهم* (الرابع)* ما روی انه حمی نقیع المدینة و منع الناس و زاد فی الحمی أضعاف النقیع* جوابه أمّا قصة الحمی فهذا ما کان اعترض به أهل مصر علیه فأجابهم بأنه انما حمی لأبل الصدقة کما حمی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقالوا انک زدت قال زدت لانّ ابل الصدقة زادت و لیس هذا مما ینقم علی الامام* (الخامس)* قالوا انه حمی سوق المدینة فی بعض ما یباع و یشتری فقال لا یشتری منه أحد النوی حتی یشتری وکیله حتی یفرغ من شراء ما یحتاج إلیه عثمان لعلف ابله* جوابه أمّا انه حمی سوق المدینة الی آخر ما قرّر فهذا مما تقوّل علیه و اختلق و لا أصل له و لم یصح الا ما تقدّم من حدیث الحارث بن الحکم و لعله لما فعل ذلک نسبوه الی عثمان و علی تقدیر صحة ذلک یحمل علی انه فعله لأبل الصدقة و ألحقه بحمی المرعی لها لانه فی معناه* (السادس)* زعموا انه حمی البحر من أن تخرج فیه سفینة الا فی تجارته* جوابه أما حمی البحر فعلی تقدیر صحة نقل فیها یحمل علی انها کانت ملکا له لانه کان منبسطا فی التجارات متسع المال فی الجاهلیة و الاسلام فما حمی البحر و انما حمی سفنه أن
یحمل فیها متاع غیر متاعه* (السابع)* انه أقطع أصحابه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:269
اقطاعات کثیرة من بلاد الاسلام مما لم یکن له فعله* جوابه امّا اقطاعه کثیرا من أصحابه الی آخره فعنه جوابان* الاوّل انّ ذلک کان اذنا منه فی الاحیاء فأحیا کل ما قدر علیه من موات أرض العراق و من أحیا أرضا میتة فهی له* و الثانی انّ أصحاب السیر ذکروا انّ الاشراف من أهل الیمن قدموا المدینة و هجروا بلادهم و أموالهم و أحبوا أن یقیموا تجاه الاعداء و سألوه أن یعوّضهم عما ترکوه من أراضیهم و أموالهم مثلها فأعطی طلحة موضعا و أخذ منه ماله بحضر موت و أعطی الاشعث بن قیس ضیعة و أخذ ماله بکندة و هکذا کل من أعطی شیئا فانما هو بشی‌ء صار للمسلمین و فعل ذلک لما رأی من المصلحة اما اجارة ان قلنا أن أراضی السواد وقف أو تملیکا ان قلنا انها ملک* (الثامن)* انه نفی جماعة من أعلام الصحابة عن أوطانهم منهم أبو ذرّ الغفاری جندب بن جنادة و قصته فیما نقلوه انه کان بالشأم فلما بلغه ما أحدث عثمان ذکر عیوبه للناس فکتب معاویة الی عثمان أن أبا ذرّ یفسد علیک الناس فکتب إلیه عثمان أن أشخصه الیّ علی مرکب وعر و سائق عنیف فأشخصه معاویة علی تلک الصورة فلما وصل الی عثمان قال له تفسد علیّ قال له أبو ذرّ أشهد لقد سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول اذا بلغ بنو أبی العاص ثلاثین رجلا جعلوا مال اللّه دولا و عباد اللّه خولا و دین اللّه دغلا ثم یریح اللّه العباد منهم فقال عثمان لمن بحضرته من المسلمین أسمعتم هذا من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قالوا لا فدعا عثمان علیا فسأله عن الحدیث فقال لم أسمعه من رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لکن سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال ما أظلت الخضراء و لا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبی ذرّ فاغتاظ عثمان و قال لابی ذرّ اخرج من هذه البلدة فخرج منها الی الربذة فکان بها الی أن مات رحمه اللّه* جوابه أما ما ادّعوه من نفی جماعة من الصحابة فأما أبو ذرّ فروی انه کان یتجاسر علیه و یجیبه بالکلام الخشن و یفسد علیه و یثیر الفتنة و کان یؤدّی ذلک التجاسر علیه الی اذهاب هیبته و تقلیل حرمته ففعل ما فعل به صیانة لمنصب الشریعة و اصانة لحرمة الدین و کان عذر أبی ذرّ فیما کان یفعله انه کان یدعوه الی ما کان علیه صاحباه من التجرّد عن الدنیا و الزهد فیها فیخالفه الی أمور مباحة من اقتنائه الاموال و جمعه الغلمان الذین یستعان بهم علی الحروب و کل منهما علی هدی من اللّه و لم یزل أبو ذرّ ملازما طاعة عثمان بعد خروجه الی الربذة حتی توفی و لما قدم إلیها کان لعثمان غلام یصلی بالناس فقدّم أبا ذرّ للصلاة فقال له أنت الوالی و الوالی أحق* هذا کله علی تقدیر صحة ما نقله الروافض فی قصة أبی ذرّ مع عثمان و الا فقد روی محمد بن سیرین خلاف ذلک فقال لما قدم أبو ذرّ من الشأم استأذن عثمان فی لحوقه بالربذة فقال أقم عندی تغدی علیک اللقاح و تروح فقال لا حاجة لی فی الدنیا فأذن له فی الخروج الی الربذة* و روی قتادة انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال لابی ذرّ اذا رأیت المدینة بلغ بناؤها سلعا فاخرج منها و أشار الی الشأم فلما کان فی ولایة عثمان بلغ بناؤها سلعا فخرج الی الشأم و أنکر علی معاویة أشیاء فشکا الی عثمان فکتب عثمان الی أبی ذرّ أقبل إلینا فنحن أرعی لحقک و أحسن جوارا من معاویة فقال أبو ذرّ سمعا و طاعة فقدم علی عثمان ثم استاذن فی الخروج الی الربذة فاذن له فمات و روایة هذین الامامین العالمین من التابعین و أهل السنة هذه القصة أشبه بأبی ذرّ و عثمان من روایة غیرهما من أهل البدعة* (التاسع)* ان عبادة بن الصامت کان بالشأم فی جند فمر علیه قطار جمال تحمل خمرا فقیل له انها خمر تباع لمعاویة فأخذ شفرة و قام إلیها فما ترک منها راویة إلّا شقها ثم ذکر لاهل الشأم سوء سیرة عثمان و معاویة فکتب معاویة الی عثمان یشکوه و سأل اشخاصه الی المدینة فبعث إلیه فاستدعاه فلما دخل علیه قال مالک یا عبادة تنکر علینا و تخرج من طاعتنا فقال عبادة سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول لا طاعة لمن عصی اللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:270
تعالی* جوابه أما قصة عبادة بن الصامت فهی دعوی باطلة و کذب مختلق و ما شکا معاویة عبادة و لا أشخصه عثمان و الامر علی خلاف ذلک فیما رواه الثقات من اتفاقهم و رجوع بعضهم الی بعض فی الحق و یشهد لذلک ما روی انّ معاویة لما غزا جزیرة قبرس کان معه عبادة بن الصامت فلما فتح الجزیرة و أخذوا غنائمها أخرج معاویة خمسها و بعثه الی عثمان و جلس یقسم الباقی بین جنده و جلس جماعة من أصحاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ناحیة منهم عبادة بن الصامت و أبو الدرداء و شدّاد بن أوس و واثلة بن الاسقع و أبو امامة الباهلی و عبد اللّه بن بشر المازنی فمرّ بهم رجلان یسوقان حمارین فقال لهما عبادة ما هذان الحماران فقالا انّ معاویة أعطاناهما من المغنم و انا نرجو أن نحج علیهما فقال لهما عبادة لا یحل لکما ذلک و لا لمعاویة أن یعطیکما فردّ الرجلان الحمارین علی معاویة و سأل معاویة عبادة بن الصامت عن ذلک فقال عبادة شهدت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی غزوة حنین و الناس یکلمونه فی الغنائم فأخذ وبرة من بعیر و قال ما لی مما أفاء اللّه علیکم من الغنائم الا الخمس و الخمس مردود علیکم فاتق اللّه یا معاویة و اقسم الغنائم علی وجهها و لا تعط أحدا منها اکثر من حقه فقال معاویة قد ولیتک قسمة الغنائم لیس أحد بالشأم أفضل منک و لا أعلم فاقسمها بین أهلها و اتق اللّه فیها فقسمها عبادة بین أهلها و أعانه أبو الدرداء و أبو امامة و ما زالوا علی ذلک الی آخر زمن عثمان فهذه قصة عبادة فی التزامه طاعة عثمان و طاعة عامله بالشأم بضدّ ما رووه قاتلهم اللّه* (العاشر)* هجره لعبد اللّه بن مسعود و ذلک انه لما عزله عن الکوفة و أشخصه الی المدینة هجره أربع سنین الی أن مات مهجورا و سبب ذلک فیما زعموا انّ ابن مسعود لما عزله عثمان عن الکوفة و ولی الولید بن عقبة و رأی صنیع الولید فی جوره و ظلمه فعاب ذلک و جمع الناس بمسجد الکوفة و ذکر لهم احداث عثمان ثم قال أیها الناس لتأمرنّ بالمعروف و لتنهون عن المنکر أو لیسلطنّ اللّه علیکم شرارکم ثم یدعو خیارکم فلا یستجاب لکم و بلغه خبر نفی أبی ذر الی الربذة فقال فی خطبته بمحفل من أهل الکوفة هل سمعتم قول اللّه تعالی ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسکم و تخرجون فریقا منکم من دیارهم و عرض بذلک لعثمان فکتب الولید بذلک الی عثمان فأشخصه من الکوفة فلما دخل مسجد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أمر عثمان غلاما له أسود فدفع ابن مسعود و أخرجه من المسجد و رمی به الی الارض و أمر باحراق مصحفه و جعل منزله محبسه و حبس عنه عطاء أربع سنین الی أن مات و أوصی الزبیر بأن لا یترک عثمان یصلی علیه و زعموا أن عثمان دخل علی ابن مسعود یعوده و قال استغفر اللّه لی فقال اللهم انک عظیم العفو کثیر التجاوز فلا تتجاوز عن عثمان حتی تقید لی منه* جوابه اما ما رووه مما جری علی عبد اللّه بن مسعود من عثمان و أمره غلامه بضربه الی آخر ما قرّروه فکله بهتان و اختلاق لا یصح منه شی‌ء و هؤلاء الجهلة لا یتحامون الکذب فیما یروونه موافقا لأغراضهم اذ لا دیانة تردّهم لذلک ثم نقول علی تقدیر صحة ذلک من الغلام فیکون قد فعله من نفسه غضبا لمولاه فانّ ابن مسعود کان یجبه عثمان بالکلام و یلقاه بما یکرهه و لو صح ذلک عنه لکان محمولا علی الادب فانّ منصب الخلافة لا یحتمل ذلک و یضع ذلک منه بین العامّة و لیس هذا بأعظم من ضرب عمر سعد بن أبی وقاص بالدرة علی رأسه حین لم یقم له و قال له انک لم تهب الخلافة فأردت أن تعرف انّ الخلافة لا تهابک و لم یغیر ذلک سعدا و لا رآه عیبا و کذلک ضربه لابیّ بن کعب حین رآه یمشی و خلفه قوم فعلاه بالدرّة و قال انّ هذا مذلة للتابع و فتنة للمتبوع و لم یطعن أبیّ بذلک علی عمر بل رآه أدبا منه نفعه اللّه به و لم یزل دأب الخلفاء و الامراء تأدیب من رأوا منه الخلاف علی أنه قد روی انّ عثمان اعتذر لابن مسعود و أتاه فی منزله حین بلغه مرضه و سأله أن یستغفر له و قال یا أبا عبد الرحمن هذا عطاؤک فخذه فقال له ابن مسعود و ما أتیتنی به اذ کان ینفعنی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:271
و جئتنی به عند الموت لا أقبله فمضی عثمان الی أم حبیبة فسألها أن تطلب من ابن مسعود لیرضی عنه فکلمته أم حبیبة ثم أتاه عثمان فقال یا أبا عبد الرحمن أ لا تقول کما قال یوسف لاخوته لا تثریب علیکم الیوم یغفر اللّه لکم فلم یتکلم ابن مسعود و اذا ثبت هذا فقد فعل عثمان ما هو الممکن من حقه اللائق بمنصبه أوّلا و آخرا و لو فرض خطاؤه فقد أظهر التوبة و التمس الاستغفار و اعتذر بالذنب لمن لم یقبله حینئذ فان اللّه أخبر أنه یقبل التوبة عن عباده و فی ذلک حثهم علی الاقتداء به علی أنه قد نقل ان ابن مسعود رضی عنه و استغفر له قال سلمة بن سعید دخلت علی ابن مسعود فی مرضه الذی توفی فیه و عنده قوم یذکرون عثمان فقال لهم مهلا فانکم ان قتلتموه لا تصیبون مثله و أما عزله عن الکوفة و اشخاصه الی المدینة و هجره له و جفاؤه ایاه فلم تزل هذه شیمة الخلفاء قبله و بعده علی ما تقدّم تحریره و لیس هجره ایاه أعظم من هجر علیّ أخاه عقیلا بن أبی طالب و أبا أیوب الانصاری حین فارقاه بعد انصرافه من صفین و ذهبا الی معاویة و لم یوجب ذلک طعنا علیه و لا عیبا فیه* و قد روی ان اعرابیا من همدان دخل المسجد فرأی ابن مسعود و حذیفة و أبا موسی یذکرون عثمان طاعنین علیه فقال أنشدکم اللّه لو أن عثمان ردّکم الی أعمالکم و ردّ إلیکم عطایاکم أ کنتم ترضون قالوا اللهم نعم فقال الهمدانیّ اتقوا اللّه یا أصحاب محمد و لا تطعنوا علی أئمتکم و فی هذا بیان أن من طعن علی عثمان انما کان لعزله ایاه و تولیة غیره و قطع عطایاه و ذلک سائغ للامام اذا أدّی اجتهاده إلیه* (الحادی عشر)* نقلوا انه قال لعبد الرحمن بن عوف انه منافق و ذلک ان الصحابة لما نقموا علی عثمان ما أحدثه و عاتبوا عبد الرحمن فی تولیته ایاه فی اختیاره فندم علی ذلک و قال انی لا أعلم ما یکون و أن الامر إلیکم فبلغ قوله عثمان و قال ان عبد الرحمن منافق و أنه لا یبالی ما قال فحلف ابن عوف لا یکلمه ما عاش و مات علی هجرته و قالوا فان کان ابن عوف منافقا کما قال فما صحت بیعته و لا اختیاره له و ان لم یکن منافقا فقد فسق بهذا القول و خرج عن أهلیة الامارة* جوابه أما قولهم ان عبد الرحمن ندم علی تولیة عثمان فکذب صریح و لو کان کذلک لصرح بخلعه اذ لا مانع له فان أعیان الصحابة علی زعمهم منکرون علیه ناقمون احداثه و الناس تبع لهم فلا مانع لهم من خلعه و کیف یصح ما وصفوا به کل واحد منهما فی حق الآخر و قد آخی صلی اللّه علیه و سلم بینهما فثبت لکل واحد منهما علی الآخر حق الاخوة و الاشتراک فی صحبة النبوّة و شهادة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لکل منهما بالجنة و نزل التنزیل مخبرا بالرضا عنهم و توفی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو عنهما راض و یبعد مع هذا کله صدور ما ذکروه عن کل واحد منهما و انما الذی صح فی قصته ان عثمان استوحش منه فان عبد الرحمن کان ینبسط إلیه فی القول و لا یبالی بما یقول له* و روی أنه قال له انی أخاف یا ابن عوف أن تنبسط فی دمی* (الثانی عشر)* ما رووا أنه ضرب عمار بن یاسر و ذلک ان أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اجتمع منهم خمسون رجلا من المهاجرین و الانصار فکتبوا احداث عثمان و ما نقموا علیه فی کتاب و قالوا العمار أوصل هذا الکتاب الی عثمان لیقرأه فلعله أن یرجع عن هذا الذی ننکره و خوّفوه فیه بأنه ان لم یرجع خلعوه و استبدلوا غیره قالوا فلما قرأ عثمان الکتاب طرحه فقال عمار لا ترم بالکتاب و انظر فیه فانه کتاب أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أنا و اللّه ناصح لک و خائف علیک فقال کذبت یا ابن سمیة و أمر غلمانه فضربوه حتی وقع لجنبه و أغمی علیه و زعموا انه قام بنفسه فوطئ بطنه و مذاکیره حتی أصابه الفتق و أغمی علیه أربع صلوات فقضاها بعد الافاقة و اتخذ لنفسه ثیابا تحت ثیابه و هو أول من لبس الثیاب لاجل الفتق فغضب لذلک بنو مخزوم و قالوا و اللّه لئن مات عمار من هذا لنقتلنّ من بنی أمیة شیخا عظیما یعنون
عثمان ثم ان عمارا لزم بیته الی أن کان من أمر الفتنة ما کان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:272
* جوابه أمّا ضرب عمار فسیاق هذه القصة لا یصح علی هذا النحو الذی رووه بل الصحیح منها انّ غلمانه ضربوا عمارا و قد حلف انه لم یکن علی أمره لانهم عاتبوه فی ذلک فاعتذر إلیهم بان قال جاء هو و سعد الی المسجد و أرسلا الیّ أن ائتنا فانا نرید أن نذاکرک أشیاء فعلتها فأرسلت إلیهما انی عنکما الیوم مشغول فانصرفا و موعدکما یوم کذا و کذا فانصرف سعد و أبی هو أن ینصرف فأعدت إلیه الرسول فأبی ثم أعدت إلیه فأبی فتناوله رسولی بغیر أمری و اللّه ما أمرته و لا رضیت بضربه و هذه یدی لعمار فلیقتص منی ان شاء و هذا أبلغ ما یکون من الانصاف* و مما یؤید ذلک و یوهی ما رووا انه روی أبو الزناد عن أبی هریرة انّ عثمان لما حوصر و منع الماء قال لهم عمار سبحان اللّه قد اشتری بئر رومة و تمنعونه ماءها خلوا سبیل الماء ثم جاء الی علیّ و سأله انفاذ الماء إلیه فأمر براویة ماء و هذا یدل علی رضاه و قد روی رضاه عنه لما أنصفه بحسن الاعتذار فما بال أهل البدعة لا یرضون و ما مثلهم فیه الا کما یقال رضی الخصمان و لم یرض القاضی* (الثالث عشر)* قالوا انه انتهک حرمة کعب بن عبدة البهزی و ذلک انّ جماعة من أهل الکوفة اجتمعوا و کتبوا الی عثمان کتابا یذکرون فیه احداثه و یقولون ان أنت أقلعت عنها فانا سامعون مطیعون و الا فانا منابذوک و لا طاعة لک علینا و قد أعذر من أنذر و دفعوا الکتاب الی رجل من عنزة لیحمله الی عثمان و کتب إلیه کعب بن عبدة کتابا أغلظ منه مع کتابهم فغضب عثمان و کتب الی سعید بن العاص أن یسرع الی کعب بن عبدة و یبعث به من الکوفة الی بعض الجبال فدخل علیه و جرّده من ثیابه و ضربه عشرین سوطا و نفاه الی بعض الجبال* جوابه أمّا قولهم انه انتهک حرمة کعب فیقال لهم ما أنصفتم اذ ذکرتم بعض القصة و ترکتم تمامها و ذلک انّ عثمان استدرک ذلک بما أرضاه و کتب الی سعید بن العاص أن ابعثه الیّ مکرّما فبعثه إلیه فلما دخل علیه قال له یا کعب انک کتبت الیّ کتابا غلیظا و لو کتبت الیّ ببعض اللین لقبلت مشورتک و لکنک حدّدتنی و أغصبتنی حتی نلت ما نلت ثم نزع قمیصه و دعا بسوط فدفعه إلیه ثم قال قم فاقتص منی ما ضربته فقال کعب أمّا اذا فعلت ذلک فأنا أدعه الی اللّه تعالی و لا أکون أوّل من اقتص من الائمة ثم صار کعب بعد ذلک من خاصة عثمان و عذره فی مبادرته الامر بضربه و نفیه و ذلک سبیل أولی الامر فی تأدیب من رأوا خروجه علی امامه* (الرابع عشر)* قالوا و انتهک حرمة الاشتر النخعی و ذلک انّ سعید بن العاص لما ولی الکوفة من قبل عثمان دخل المسجد فاجتمع إلیه أشراف الکوفة فذکروا الکوفة و سوادها فقال عبد الرحمن بن حنین صاحب شرطة سعید وددت أنّ السواد کله للامیر فقال الاشتر النخعی لا یکون للامیر ما أفاء اللّه علینا بأسیافنا فقال عبد الرحمن اسکت یا اشتر فو اللّه لو أراد الامیر لکان السواد کله له فقال الاشتر کذبت یا عبد الرحمن لو رام ذلک لما قدر علیه و قامت العامّة علی ابن حنین فضربوه حتی وقع لجنبه و کتب سعید الی عثمان لیأمره باخراج الاشتر من الکوفة الی الشام مع أتباعه الذین أعانوه فأجابه الی ذلک فأشخصه مع عشرین نفرا من صالحاء الکوفة الی الشام فلم یزالوا محبوسین بها الی ان کانت فتنة عثمان ثم انّ سعید الحق بالمدینة و اضطربت الکوفة علی عمال عثمان و کتب أشراف الکوفة الی الاشتر أمّا بعد فقد اجتمع الملأ من اخوانک فتذاکروا احداث عثمان و ما أتاه علیک و رأوا ان لا طاعة علیهم فی معصیة اللّه و قد خرج سعید عنا و قد أعطینا عهودنا أن لا یدخل علینا سعید بعد هذا والیا فالحق بنا ان کنت ترید أن تشهد معنا أمرنا فسار إلیهم و اجتمع معهم و أخرجوا ثابت بن قیس صاحب شرطة سعید بن العاص و عزم عسکر الاشتر و أهل الکوفة علی منع عمال عثمان علی الکوفة و اتصل الخبر بعثمان فأرسل إلیهم سعید بن العاص فلما بلغ العذیب استقبله جند الکوفة و قالوا ارجع یا عدوّ اللّه فانک لا تذوق فیها بعد صنیعک ماء الفرات و قاتلوه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:273
و هزموه فرجع الی عثمان خائبا و کتب عثمان الی الاشتر کتابا توعده علی مخالفة الامام فکتب إلیه الاشتر* من مالک بن الحویرث الی الخلیفة الخارج عن سنة نبیه النابذ حکم القرآن وراء ظهره أمّا بعد فانّ الطعن علی الخلیفة انما یکون وبالا اذا کان الخلیفة عادلا و بالحق قاضیا و اذا لم یکن کذلک ففراقه قربة الی اللّه و وسیلة إلیه و أنفذ الکتاب مع کمیل بن زیاد فلما وصل الی عثمان سلم و لم یسمه بأمیر المؤمنین فقیل له لم لا تسلم بالخلافة علی أمیر المؤمنین فقال ان تاب عن أفعاله و أعطانا ما نرید فهو أمیر المؤمنین و الا فلا فقال عثمان انی أعطیکم الرضا فمن تریدون أن أولیه علیکم فاقترحوا علیه أبا موسی الاشعری فولاه علیهم* جوابه أمّا قصة الاشتر النخعی فبقول ظلمة البدعة و الحمیة الناشئة عن محض العصبیة تحول دون رؤیة الحق و هل آثار الفتنة فی هذه القصة إلا فعل الاشتر بالکوفة من هتک حرمة السلطان و تسلیط العامّة علی ضرب عامله فلا یعتذر عن عثمان فی الامر بنفیه بل ذلک أقلّ ما یستوجبه ثم لم یقنعه ذلک حتی سار من الشام الی الکوفة و أضرم نار الفتنة علی ما تقدّم تقریره ثم لم یتمکن عثمان معهم من شی‌ء إلّا سلوک سبیل السیاسة و اجابتهم الی ما أرادوا فولی علیهم أبا موسی و بعث حذیفة بن الیمان علی خراجهم ثم لم یقنعهم ذلک حتی خرج إلیهم الاشتر مع رعاع الکوفة و انضم إلیه جماعة من أهل مصر و ساروا الی عثمان فقتلوه و باشر الاشتر قتله علی ما فی بعض الروایات و صار قتله سببا للفتنة الی ان تقوم الساعة فعمیت أبصارهم و بصائرهم عن ذمّ الاشتر و أنظاره و تعرّضوا لذمّ من شهد له لسان النبوّة انه علی الحق و أمر بالکون معه و أخبر بانه یقتل مظلوما یشهد لذلک الحدیث الصحیح کما تقدّم* (الخامس عشر)* قالوا انّ عثمان أحرق مصحف ابن مسعود و مصحف أبی و جمع الناس علی مصحف زید ثابت و لما بلغ ابن مسعود انه أحرق مصحفه و کان له نسخة عند أصحاب له بالکوفة أمرهم بحفظها و قال لهم قرأت سبعین سورة و انّ زید بن ثابت لصبی من الصبیان* جوابه أمّا احراق مصحف ابن مسعود فلیس ذلک مما یعتذر عنه بل هو من أکبر المصالح فانه لو بقی فی أیدی الناس أدّی ذلک الی فتنة کبیرة فی الدین لکثرة ما فیه من الشذوذ المنکرة عند أهل العلم بالقرآن و لحذفه المعوّذتین من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة انهما من القرآن قال عثمان لما عوتب فی ذلک خشیت الفتنة فی القرآن و کان الاختلاف بینهم واقعا حتی کان الرجل یقول لصاحبه قراءتی خیر من قراءتک فقال له حذیفة أدرک الناس فجمع الناس علی مصحف واحد لتزول الفتنة فی القرآن و کان الذی اجتمعوا علیه مصحف عثمان ثم یقال لاهل الاهواء و البدعة ان لم یکن مصحف عثمان حقا فلم رضی علیّ و أهل الشام بالتحکم إلیه حین رفع أهل الشام المصاحف و کانت مکتوبة علی نسخة مصحف عثمان* (السادس عشر)* قالوا انّ عثمان ترک اقامة حدود اللّه تعالی فی عبید اللّه بن عمر لما قتل الهرمز ان و قتل جفینة و بنتا صغیرة لابی لؤلؤة قاتل عمر فاجتمعت الصحابة عند عثمان و أمروه بقتل عبید اللّه بن عمر قصاصا بمن قتل و أشار علیّ بذلک فلم یقتله و لذلک صار عبید اللّه بعد قتل عثمان الی معاویة خوفا من علیّ أن یقتله بالهرمزان* جوابه أمّا قولهم ترک اقامة حدود اللّه فی عبید اللّه بن عمر فنقول أمّا ابنة أبی لؤلؤة فلا قود فیها لانّ ابنة المجوسی صغیرة لا قود فیها تابعة له و کذلک جفینة فانه نصرانی من أهل الحیرة و أمّا الهرمز ان فعنه جوابان* الاوّل انه شارک أبا لؤلؤة فی ذلک و مالأه و ان کان المباشر أبا لؤلؤة وحده و لکن المعین علی قتل الامام العادل یباح قتله عند جماعة من الائمة وفد أوجب کثیر من الفقهاء القود علی الامر و المأمور و بهذا اعتذر عبید اللّه بن عمرو قال انّ عبد الرحمن بن أبی بکر أخبره انه رأی أبا لؤلؤة و الهرمزان و جفینة یدخلون فی مکان یتشاورون و بینهم خنجر له رأسان مقبضه فی وسطه فقتل عمر فی صبیحة تلک اللیلة فاستدعی عثمان عبد الرحمن فسأله فی ذلک فقال انظروا الی السکین فان کان ذا طرفین فلا أری القوم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:274
ألا و قد اجتمعوا علی قتله فنظروا إلیها فوجدوها کما وصف عبد الرحمن و قد مرّ فی أولاد عمر فلذلک ترک عثمان قتل عبید اللّه بن عمر لرؤیته عدم وجوب القود لذلک أو لتردّده فیه فلم یر الوجوب بالشک* و الثانی أن عثمان خاف من قتله ثوران فتنة عظیمة لانه کان معه بنو تیم و بنو عدی مانعون من قتله و دافعون عنه و کان بنو أمیة أیضا جانحون إلیه حتی قال عمرو بن العاص قتل أمیر المؤمنین عمر بالامس و یقتل ابنه الیوم لا و اللّه لا یکون هذا أبدا فلما رأی عثمان ذلک اغتنم تسکین الفتنة و قال أمره الیّ سأرضی أهل الهرمز ان منه* (السابع عشر)* قالوا انّ عثمان خالف الجماعة فی اتمام الصلاة بمنی مع علمه بان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أبا بکر و عمر قصروا الصلاة بها* جوابه أما اتمام الصلاة بمنی فعذره فی ذلک ظاهر فانه ممن لم یوجب القصر فی السفر و انما کان یبیحه کما رواه فقهاء المدینة و مالک و الشافعی و غیرهما و انما أوجبه فقهاء الکوفة ثم انها مسئلة اجتهادیة اختلف فیها العلماء فقوله فیها لا یوجب تکفیرا و لا تفسیقا* (الثامن عشر)* انفرد بأقوال شاذة خالف فیها جمیع الامّة فی الفرائض و غیرها* جوابه أما انفراده بالاقوال الشاذة فلم یزل أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی نحو من ذلک ینفرد الواحد منهم بالقول و یخالفه فیه الباقون و هذا علی بن أبی طالب فی مسئلة بیع أم الولد علی مثل ذلک و فی الفرائض عدّة مسائل علی هذا النحو الکثیر من الصحابة* (التاسع عشر)* قالوا انه کان غادرا مخالفا لوعده فانّ أهل مصر شکوا إلیه عامله عبد اللّه بن أبی سرح فوعدهم أن یولی علیهم من یرضون فاختاروا محمد بن أبی بکر فولاه علیهم و توجهوا به معهم الی مصر ثم کتب الی عامله ابن أبی سرح بمصر یأمره أن یأخذ محمد بن أبی بکر فیقطع یدیه و رجلیه و هذا کان سبب رجوع أهل مصر و غیرهم الی المدینة و حصارهم عثمان و قتله* جوابه أما قولهم انه کان غادرا الی آخر ما قرّروه فنقول أما الکتاب الذی کان الی عامله بمصر فلم یکن من عنده و قد حلف علی ذلک لهم و قد تقدّم ذکر ذلک فی مقتله مستوفی و قد ذکرنا من یتهم بالتزویر علیه و قد تحققوا ذلک و انما غلب الهوی أعاذنا اللّه منه علی العقول حتی ضلت فیه فئة فقتلته رضی اللّه عنه*

(ذکر ولده)

* و کان له من الولد ستة عشر تسعة ذکور و سبعة اناث* ذکر الذکور* عبد اللّه و یعرف بالاصغر و فی المختصر عبد اللّه الاکبر أمّه رقیة بنت رسول اللّه هلک صغیرا و قیل بلغ ست سنین و نقره دیک فی عینه فمرض فمات و عبد اللّه الاکبر و فی المختصر عبد اللّه الاصغر أمّه فاخته بنت غزوان* و عمرو و کان أسنهم و أشرفهم عقبا و ولدا دعاه مروان الی أن یشخص الی الشأم فأبی و مات بمنی* و أبان و یکنی ابا سعید و هو من رواة الحدیث و شهد حرب الجمل مع عائشة* و فی المختصر و کان أوّل من انهزم و کان أبرص أحول أصم ولی المدینة فی أیام عبد الملک بن مروان و أصابه فالج و مات فی خلافة یزید بن عبد الملک و عقبه کثیر و له ولد فی الاندلس* و خالد و کان فی یده و أولاده المصحف الذی قطر علیه دم عثمان حین قتل* و فی المختصر توفی فی خلافة أبیه برکض دابة فأصابه قطع فهلک منه و له عقب و هو الذی یقال له الکسیر* و عمرو و له عقب أیضا أمهم بنت جندب من الازد و سعید و الولید أمهما فاطمة بنت الولید و کان سعید یکنی أبا عثمان ولاه معاویة خراسان و کان حاکما بخراسان من قبل معاویة فقتل هناک* و فی المختصر ففتح سمرقند و کان أعور نحیلا أصیبت عینه بسمرقند و عبد الملک مات غلاما أمّه ملیکة و هی أم البنین بنت عیینة بن حصن الفزاری و زاد فی المختصر فی أولاده الذکور المغیرة و قال أمّه أسماء بنت أبی جهل بن هشام* ذکر الاناث* مریم الکبری أخت عمر و لامّه و أم سعید أخت سعید لامّه فتزوّجها عبد اللّه و عائشة فتزوّجها الحارث بن الحکم ابن أبی العاص ثم خلف علیها عبد اللّه بن الزبیر* و أم أبان فتزوّجها مروان ابن لحکم بن العاص و أم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:275
عمر و أمّهم رملة بنت شیبة بن ربیعة بن عبد شمس و مریم الصغری أمها نائلة بنت الفرافصة الکلبیة فتزوّجها عمرو بن الولید بن عقبة بن أبی معیط و أم البنین أمّها أم ولد کذا فی الریاض النضرة* و زاد فی المختصر فی بناته عمرة بنت عثمان بن عفان قال فتزوّجها سعید بن العاص فهلکت عنده فتزوّج أختها مریم الکبری بنت عثمان ثم هلک عنها فخلف علیها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومی فهلکت عنده*

(ذکر علی بن أبی طالب)

اشارة

* أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف و قد سبق ذکرها فی آخر الموطن الرابع* و فی الریاض النضرة لم یزل اسمه فی الجاهلیة و الاسلام علیا و کان یکنی أبا الحسن و سماه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم صدیقا* و عن أبی لیلی عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انه قال الصدّیقون ثلاثة حبیب بن مری النجار مؤمن آل یاسین الذی قال یا قوم اتبعوا المرسلین و حزقیل مؤمن آل فرعون الذی قال أ تقتلون رجلا أن یقول ربی اللّه و علی بن أبی طالب الثالث و هو أفضلهم خرجه أحمد فی المناقب و کناه رسول اللّه بأبی الریحانتین* و عن جابر ابن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لعلی بن أبی طالب سلام علیک یا أبا الریحانتین فعن قلیل یذهب رکناک و اللّه خلیفتی علیک فلما قبض رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال علیّ هذا أحد الرکنین الذی قال صلی اللّه علیه و سلم فلما ماتت فاطمة قال هذا الرکن الآخر الذی قال صلی اللّه علیه و سلم خرجه أحمد فی المناقب و کناه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبا تراب و ما کان لعلیّ اسم أحب إلیه منه و قد سبق سبب التکنیة به فی الموطن الثانی فی غزوة العشیرة و قد جاء فی الصحیح من شعره* أنا الذی سمتنی أمی حیدره* و حیدرة اسم الاسد و کانت فاطمة أمّه لما ولدته سمته باسم أبیها فلما قدم أبو طالب کره الاسم فسماه علیا و کان یلقب ببیضة البلد و بالامین و بالشریف و بالهادی و بالمهتدی و بذی الاذن الواعیة* قال الخجندی و کان یکنی أبا قصم و یلقب بیعسوب الامّة أی سیدهم و رئیسهم و أصله فحل النحل کذا فی الریاض النضرة* و فی القاموس بیضة البلد واحده الذی یجتمع إلیه و یقبل قوله و هو من الاضداد* و فی شواهد النبوّة ولد بمکة بعد عام الفیل بسبع سنین و یقال کانت ولادته فی داخل الکعبة و لم یثبت و اختلف فی سنه وقت المبعث و هو تاریخ اسلامه* فی الصفوة أسلم و هو ابن سبع و یقال تسع و یقال عشر و یقال خمس عشرة و یقال الاخیر هو الاصح* و فی ذخائر العقبی عن محمد بن عبد الرحمن انّ علی بن أبی طالب و الزبیر أسلما و لهما ثمان سنین* و قال ابن اسحاق أسلم علی بن أبی طالب و هو ابن عشر و قیل ابن ثلاث عشرة و قیل أربع عشرة و قیل خمس عشرة أو ست عشرة و شهد المشاهد کلها و لم یتخلف الا فی تبوک فان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حلفه فی أهله فقال یا رسول اللّه أ تخلفنی فی النساء و الصبیان قال أ ما ترضی ان تکون منی بمنزلة هرون من موسی غیر أنه لا نبی بعدی أخرجاه فی الصحیحین کذا فی الصفوة*

(ذکر صفته)

* فی الصفوة کان آدم شدید الادمة ثقیل العینین عظیمهما أقرب الی القصر من الطول ذا بطن کثیر الشعر عریض اللحیة أصلع أبیض الرأس و اللحیة لم یصفه أحد بالخضاب إلّا سوادة بن حنظلة فانه قال رأیت علیا أصفر اللحیة یشبه أن یکون خضب مرّة ثم ترک* و فی ذخائر العقبی کان ربعة من الرجال أدعج العینین عظیمهما حسن الوجه کانه قمر بدری عظیم البطن الی السمن* و عن أبی سعید التیمی انه قال کنا نبیع الثیاب علی عواتقنا و نحن غلمان فی السوق فاذا رأینا علیا قد أقبل علینا قلنا بزرک اشکم قال علیّ ما یقولون قال یقولون عظیم البطن قال اجل أعلاه علم و أسفله طعام اشکم بالعجمیة البطن و بزرک بضم الباء و الزاء و سکون الراء عظیم کذا فی الریاض النضرة* و کان عریض ما بین المنکبین لمنکبه مشاش کمشاش السبع الضاری لا تبین عضده من ساعده قد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:276
أدمج آدما جاشن الکفین عظیم الکرادیس أغید کانّ عنقه ابریق فضة أصلع لیس فی رأسه شعر الامن خلفه کثیر شعر اللحیة و کان لا یخضب و قد جاء عنه الخضاب* فی أسد الغابة و کان ربما یخضب انتهی و المشهور انه کان أبیض اللحیة و کان اذا مشی تکفأ شدید الساعد و الید اذا مشی الی الحروب هرول ثبت الجنان قویّ ما صارع أحدا إلا صرعه شجاع منصور علی من لاقاه* و فی أسد الغابة عن رزام بن سعد الضبی قال سمعت أبی ینعت علیا قال کان رجلا فوق الربعة ضخم المنکبین طویل اللحیة و ان شئت قلت اذا نظرت إلیه قلت آدم و ان تبینته من قرب قلت أن یکون أسمر أدنی من أن یکون آدم* و عن قدامة بن عتاب قال کان علیّ ضخم البطن ضخم مشاش المنکب ضخم عضلة الذراع دقیق مستدقها ضخم عضلة الساق دقیق مستدقها و قیل کأنما کسر ثم جبر لا یغیر شیبه خفیف المشی ضحوک السنّ*

(ذکر خلافة علی رضی اللّه عنه)

* فی ذخائر العقبی عن محمد بن الحنفیة قال أتی رجل علیا و عثمان محصور فقال ان أمیر المؤمنین مقتول ثم جاء آخر فقال ان أمیر المؤمنین مقتول الساعة فقام علیّ قال محمد أخذت بوسطه تخوّفا علیه فقال خل لا أمّ لک فأتی علی الدار و قد قتل الرجل فأتی داره فدخلها و أغلق علیه بابه فأتاه الناس فضربوا علیه الباب فدخلوا علیه فقالوا ان هذا الرجل قد قتل و لا بدّ للناس من خلیفة و لا نعلم أحدا أحق بها منک فقال لهم علیّ لا تریدونی فانی لکم وزیر خیر لکم منی أمیر فقالوا و اللّه لا نعلم أحدا أحق بها منک قال فان أبیتم علیّ فان بیعتی لا تکون سرا و لکن ائتوا المسجد فمن شاء أن یبایعنی بایعنی قال فخرج الی المسجد فبایعه الناس أخرجه أحمد فی المناقب* قال ابن اسحاق ان عثمان لما قتل بویع علی بن أبی طالب بیعة العامة فی مسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و بایع له أهل البصرة و بایع له بالمدینة طلحة و الزبیر* قال أبو عمرو و اجتمع علی بیعته المهاجرون و الانصار و تخلف عن بیعته نفر فلم یکرههم و سئل عنهم فقال اولئک قوم قعدوا عن الحق و لم یقوموا مع الباطل و تخلف عنه معاویة بالشأم و کان منه بصفین ما کان غفر اللّه لنا و لهم أجمعین* و فی دول الاسلام لما قتل عثمان صبرا سعی الناس الی دار علیّ و أخرجوه و قالوا لا بدّ للناس من امام فحضر طلحة و الزبیر و سعد بن أبی وقاص و الاعیان فأوّل من بایعه طلحة و الزبیر ثم سائر الناس* و فی الریاض النضرة قال أبو عمرو بایع لعلی أهل الیمن بالخلافة یوم قتل عثمان* و فی شرح العقائد العضدیة للشیخ جلال الدین الدوانی لما استشهد عثمان اجتمع کبار المهاجرین و الانصار بعد ثلاثة أیام أو خمسة أیام من موت عثمان علی علیّ فالتمسوا منه قبول الخلافة فقبل بعد مدافعة طویلة و امتناع کثیر فبایعوه فقام بأمر الخلافة ست سنین و استشهد علی رأس ثلاثین سنة من وفاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قیل انّ الثلاثین انما تتم بخلافة أمیر المؤمنین حسن بن علی ستة أشهر بعد وفاة أبیه* و فی الصفوة استخلف علیّ بعد عثمان فی التاسع عشر من ذی الحجة سنة خمس و ثلاثین من الهجرة و مدّة خلافته ست سنین و قیل خمس سنین و ستة أشهر* و فی ذخائر العقبی للمحب الطبری و کانت خلافته أربع سنین و سبعة أشهر و ستة أیام و قیل ثمانیة و قیل ثلاثة أیام و قیل أربعة عشر یوما و فی أوائل خلافته کانت وقعة الجمل و نازعه معاویة الامر بأهل الشأم حتی بلغوا تسعین وقعة کذا فی سیرة مغلطای* و فی دول الاسلام طارت الاخبار الی النواحی بقتل الشهید عثمان فحزن علیه المسلمون و لا سیما أهل دمشق و أتی البرید بثوبه بالدماء فنصب علی منبر دمشق و نعاه معاویة الی أهلها فتعاقدوا علی الطلب بدمه و کانوا ستین ألفا ثم ان طلحة و الزبیر و أم المؤمنین عائشة ندموا و عظم علیهم قتله و رأوا أنهم قد قصروا فی نصرته فخرجوا علی وجوههم قاصدین البصرة للطلب بدمه من غیر أمر علیّ و ذلک ان قتلة عثمان التقوا علی علیّ و صاروا من رءوس الملأ و خاف علیّ من ان ینتقض الناس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:277
فسار بعسکر المدینة و برءوس قتلة عثمان الی العراق فجرت بینه و بین عائشة وقعة الجمل بلا علم و لا قصد و التحم القتال من الغوغاء و خرج الامر عن علی و عن طلحة و الزبیر و قتل من الفریقین نحو عشرین ألفا و قتل طلحة و الزبیر فانا للّه و انا إلیه راجعون* و فی المختصر الجامع بویع له یوم قتل عثمان و أقام بالمدینة بعد المبایعة أربعة أشهر ثم سار الی العراق فی سنة ست و ثلاثین فالتقی بطلحة و الزبیر و هو یوم الجمل بالبصرة و کانا قد بایعاه بالمدینة و خلعاه بالبصرة فقتل طلحة و انهزم الزبیر فلحقه عمرو بن جرموز بوادی السباع فقتله و کان سنّ کل واحد من طلحة و الزبیر أربعا و ستین سنة یقال ان عدّة المقتولین من أصحاب الجمل ثمانیة آلاف و قیل سبعة عشر ألفا و ذکر انه قطعت علی خطام الجمل سبعون یدا کلهم من بنی ضبة کلما قطعت ید رجل تقدّم آخر و قتل من أصحاب علیّ نحو ألف* و فی دول الاسلام ثم تحرک جیش الشأم و امتنعوا من مبایعة علیّ فسار علیّ نحوهم فی سبعین ألفا من أهل العراق و قیل فی تسعین ألفا و سار إلیه معاویة من الشأم فی ستین ألفا فالتقوا علی صفین بناحیة الفرات و دام الحرب و المصابرة أیاما و لیالی و قتل من الفریقین أزید من ستین ألفا و قتل من جند علیّ عمار بن یاسر من السابقین الاوّلین البدریین و کان من نجباء الصحابة قال له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم یا ابن سمیة تقتلک الفئة الباغیة* و فی الصفوة قتله أبو معاویة و دفن هناک فی سنة سبع و ثلاثین و هو ابن ثلاث و قیل أربع و تسعین سنة* و فی أنوار التنزیل قال عمار بصفین الآن ألاقی الاحبة محمدا و حزبه* و فی عقائد الشیخ أبی اسحاق الفیروزآبادی و خلاصة الوفاء ان عمرو بن العاص کان وزیر معاویة فلما قتل عمار ابن یاسر أمسک عن القتال و تابعه علی ذلک خلق کثیر فقال له معاویة لم لا تقاتل قال قتلنا هذا الرجل و قد سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول تقتله الفئة الباغیة فدل علی انا نحن بغاة قال له معاویة أسکت فو اللّه ما تزال تدحض فی بولک أ نحن قتلناه انما قتله علیّ و أصحابه جاءوا به حتی ألقوه بیننا* و فی روایة قال قتله من أرسله إلینا یقاتلنا و انما دفعنا عن أنفسنا فقتل فبلغ ذلک علیا فقال ان کنت أنا قتلته فالنبیّ صلی اللّه علیه و سلم قتل حمزة حین أرسله الی قتال الکفار* و قتل مع علیّ خزیمة بن ثابت الانصاری ذو الشهادتین و أویس القرنی زاهد التابعین* و فی المختصر الجامع قتل من أهل العراق خمسة و عشرون ألفا منهم عمار بن یاسر و أویس القرنی و خمسة و عشرون بدریا و قتل من عسکر معاویة خمسة و أربعون ألفا* و فی دول الاسلام و قد شهد صفین مع علی و معاویة جماعة من الصحابة و تخلف عنها جماعة من سادات الصحابة منهم سعد بن أبی وقاص الذی افتتح العراق و سعید بن زید و أبو الیسر السلمی و زید بن ثابت و محمد بن مسلمة و ابن عمرو أسامة بن زید و صهیب الرومی و أبو موسی الاشعری و جماعة رأوا السلامة فی العزلة و قالوا اذا کان غزو الکفار قاتلنا فأما قتال أهل الفتنة و البغی فلا نقاتل أهل القبلة روی ان علیا کتب الی معاویة یناصحه* غرّک عزک فصار قصار ذلک ذلک فاخش فاحش فعلک فعلک تهدی بهذا* و کتب معاویة فی جوابه* علی قدری غلی قدری* و فی المختصر الجامع أقاما بصفین مائة یوم و عشرة أیام و کانت بینهم تسعون وقعة و کان علیّ فی تسعین ألفا و کان معاویة فی مائة و عشرین ألفا و لما سئم الفریقان القتال تداعیا الی الحکومة فرضی علیّ و أهل الکوفة بأبی موسی الاشعری و رضی معاویة و أهل الشأم بعمرو بن العاص فاجمع الحکمان بدومة الجندل و اتفقا علی ان یخلعاهما معا و یختارا للمسلمین خلیفة رضوا به و قد عین للخلافة یومئذ یوم الحکمین عبد اللّه بن عمر بن الخطاب کذا فی دول الاسلام ثم اجتمعا بالناس و حضر معاویة و لم یحضر علیّ فبدأ أبو موسی و خلع علیا ثم قام عمرو و قال قد خلعت علیا کما خلعه و أثبت خلافة معاویة فرضی أهل الشأم بذلک و کفره أهل النهروان و عاد علیّ فی سنة تسع و ثلاثین و لم
یزل علیّ فی حرب و لم یحج فی سنی خلافته لاشتغاله
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:278
بالحروب* و فی البحر العمیق ما یعلم عدد حج علیّ قبل ولایته و فی زمن ولایته اشتغل عن الحج بما وقع فی أیامه فلم یحج لانه ولی الخلافة أربع سنین و تسعة أشهر و أیاما و کانت ولایته بعد انقضاء الحج فی سنة خمس و ثلاثین لان عثمان قتل یوم الجمعة لثمان عشرة لیلة خلت من ذی الحجة من هذه السنة و کانت وقعة الجمل فی سنة ست و ثلاثین فحج بالناس عبد اللّه بن عباس ثم کانت وقعة صفین فی سنة سبع و ثلاثین و حج عبد اللّه أیضا بالناس و حج بالناس فی سنة ثمان و ثلاثین قثم ابن عباس* و فی هذه السنة کان التحکیم و بسببه کفر جماعة ممن یسمون الخوارج و قاتلهم علیّ فی مواضع و قتل منهم المجدع الذی بشره النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بقتله کذا فی سیرة مغلطای* ثم اصطلح الناس فی سنة تسع و ثلاثین علی شیبة بن عثمان فأقام لهم الحج ثم قتل علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه فی رمضان سنة أربعین* و فی دول الاسلام ثم تحاجز اهل صفین عن القتال و اتفقوا علی أن یحکموا بینهما حکما من جهة علی و حکما من جهة معاویة علی ان من اتفق الحکمان علی تولیته الخلافة فهو الخلیفة و أتوا لمیعاد الحکم بعد أشهر مع کل حکم طائفة کثیرة من أشراف الناس فبعث علیّ أبا موسی الاشعری و بعث معاویة عمرو بن العاص فاجتمع الحکمان بدومة الجندل و هی مسیرة عشرة أیام عن دمشق و عشرة أیام عن الکوفة و عشرة أیام عن المدینة فلم ینبرم أمر و رجع الشامیون فبایعوا معاویة و بقیت مصر تارة یغلب علیها جند معاویة و تارة یغلب علیها جند علیّ و لما جری التحکیم غضب خلق أزید من عشرة آلاف من جیش علیّ و قالوا لا حکم الا للّه فان اللّه تعالی یقول ان الحکم الا للّه و کفروا علیا بفعله و اعتزلوه و هم الخوارج فعاتبهم علیّ فلم یفد فیهم ثم قاتلهم و ظفر علیهم و قتل منهم نحو أربعة آلاف و قد قال النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الخوارج کلاب النار* و فی الریاض النضرة ثم خرج الخوارج علی علیّ فکفروه و کل من معه اذ رضی بالتحکیم فی دین اللّه بینه و بین أهل الشأم و قالوا حکمت فی دین اللّه و اللّه تعالی یقول ان الحکم الا للّه ثم اجتمعوا و شقوا عصا المسلمین و نصبوا رایة الخلاف و سفکوا الدماء و قطعوا السبیل فخرج علیّ إلیهم بمن معه ورام رجعتهم فأبوا الا القتال فقاتلهم بالنهروان فقتل و استأصل جمهورهم و لم ینج منهم الا القلیل انتهی و لم تهیأ فی هذه السنین جهاد و لا افتتح المسلمون شیئا بل اشتغلوا بالفتنة* و فی الملل و النحل و ظهر فی زمنه الخوارج علیه مثل الاشعث ابن قیس و مسعود بن فدکی التیمی و زید بن حصن الطائی و غیرهم* و کذلک ظهر فی زمانه الغلاة فی حقه مثل عبد اللّه بن سیا و جماعة معه و من الفریقین ابتدأت البدعة و الضلالة صدق فیه قول النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لعلیّ یهلک فیک اثنان محب غال و مبغض قال*

ذکر من توفی فی خلافة علی من مشاهیر الصحابة

و توفی فی أیام علیّ حذیفة بن الیمان من کبار الصحابة و کان فتح الدینور علی یده و ولاه عمر المدائن فبقی بها الی حین وفاته و توفی بعد عثمان بأربعین یوما و کان قد أسرّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم إلیه أسماء المنافقین و عرفه بالفتن التی تکون بین یدی الساعة و هو الذی ندبه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لیلة الاحزاب لیأتیه بخبر القوم و له الجنة و فی خلافة علیّ قتل الزبیر بن العوام الاسدی کما مرّ و هو ابن عمة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أحد العشرة المبشرة بالجنة و قال فیه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ان لکل نبی حواریّ و حواریّ الزبیر أی ناصریّ أسلم و له ست عشرة سنة و قیل ثمان سنین و هو أوّل من سل سیفه فی سبیل اللّه و کان طویلا بمرّة اذا رکب تخط رجلاه الارض خفیف العارضین عینه عمر فیمن یصلح للخلافة و کان کثیر المتاجر و الاموال قیل کان له ألف مملوک یؤدّون إلیه الخراج فربما تصدق بذلک فی مجلسه و قد خلف أملاکا بیعت بنحو أربعین ألف ألف درهم و هذا لم یسمع بمثله قط لحقه ابن جرموز یوم الجمل فطعنه غیلة فقتله و له نیف و ستون سنة و قد مرّ بعض أحواله فی أولاد صفیة بنت عبد المطلب فی الفصل الثانی فی النسب فی الطلیعة الثالثة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:279
و فیها قتل طلحة بن عبید اللّه بن عثمان بن عمرو بن کعب بن سعد بن تیم بن مرّة بن کعب التیمی أحد العشرة کما مرّ* روی الصلت بن دینار عن أبی نصرة عن جابر ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال من أراد أن ینظر الی شهید یمشی علی وجه الارض فلینظر الی طلحة* و عن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انه قال یوم أحد أوجب طلحة و کان طلحة یردّ النبل بیده عن وجه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حتی شلت یده* صفته* کان آدم کثیر الشعر لیس بالجعد القطط و لا بالسبط حسن الوجه دقیق العرنین لا یغیر شیبه و کان من الاجواد یقال له طلحة الفیاض و طلحة الجود یقال انه فرق فی یوم واحد سبعمائة ألف* و یروی ان اعرابیا من أقاربه قصده و توسل إلیه فوصله بثلاثمائة ألف* و روی عمرو بن دینار عن مولی لطلحة قال ان دخل طلحة کان کل یوم ألف درهم و یقال خلف من المال ألفی ألف درهم و مائتی ألف دینار* و روی ابن سعد باسناد له قوّمت أصول طلحة و عقاره بثلاثین ألف ألف درهم* قال ابن الجوزی خلف طلحة ثلاثمائة حمل ذهبا فتزوّج أم کلثوم بنت أبی بکر الصدّیق فولدت له زکریا و یوسف و عائشة قال معاویة طلحة عاش سخیا حمیدا و قتل فقیدا شهیدا و قد مرّ بعض أحواله فی غزوة أحد فی الموطن الثالث قال قیس بن أبی حزم رأیت مروان حین رمی طلحة یوم الجمل بسهم فوقع فی رکبته فما زال یسیح حتی مات* و قال مروان هذا أعان علی قتل عثمان و لا أطلب بثاری بعد الیوم و کان طلحة ممن عینه عمر للخلافة من بعده و عاش أزید من ستین سنة* و فی الصفوة قتل طلحة یوم الجمل و کان یوم الخمیس لعشر خلون من جمادی الآخرة سنة ست و ثلاثین و یقال ان سهما غربا أتاه فوقع فی حلقه فقال بسم اللّه و کان أمر اللّه قدرا مقدورا و یقال ان مروان بن الحکم قتله کما مرّ و دفن بالبصرة و هو ابن ستین سنة کذا فی الملل و النحل و یقال اثنتین و ستین و یقال أربع و ستین و فی سنة ست و ثلاثین مات سلمان الفارسی الاصبهانی و قیل الرامهرمزی من سادة الصحابة حضر غزوة الاحزاب و أشار بحفر الخندق علی المدینة قیل عاش مائتی سنة و قیل مائتین و ثلاثین سنة و قیل أکثر من ذلک و ترجمته طویلة عجیبة و فیها مات نائب مصر عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح القرشی العامری و کان بطلا شجاعا کان فارس بنی عامر له غزوات و فتوحات و لما جاءه الموت قال اللهمّ اجعل آخر عملی الصلاة فلما طلع الفجر توضأ و صلی فلما ذهب لیسلم عن یساره مات و توفی حکیم بن جبلة العبدی و کان شریفا مطاعا تولی امرة السند فغزاها و رجع و اقام بالبصرة حتی کان یوم الجمل فخرج حکیم فی سبعمائة فلم یزل حکیم یقاتل حتی قطعت رجله فأخذها و ضرب بها الذی قطعها فقتله ثم أخذ یقاتل و یقول* یا ساق لن تراعی* ان معی ذراعی* أحمی بها کراعی حتی نزفه الدم فاتکأ علی المقتول الذی قطع رجله فمرّ به رجل فقال من قطع رجلک قال وسادتی و هذا ما لم یسمع للشجعان بمثله و کان حکیم هذا ممن أکب علی عثمان و فیها مات خباب بن الارت التمیمی من السابقین البدریین و نجباء الصحابة رضی اللّه عنهم و فی سنة ثمان و ثلاثین مات صهیب بن سنان المعروف بالرومی بالمدینة من المهاجرین البدریین الکبار*

(ذکر مقتل علی رضی اللّه عنه)

* فی ذخائر العقبی عن علیّ قال قال لی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یا علی أ تدری من أشقی الاوّلین قلت اللّه و رسوله أعلم قال عاقر الناقة قال أ تدری من أشقی الآخرین قلت اللّه و رسوله أعلم قال قاتلک أخرجه أحمد فی المناقب و خرجه ابن الضحاک و قال فی أشقی الآخرین الذی یضربک علی هذه فیبل منها هذه و أخذ بلحیته* و عن صهیب قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لعلیّ من أشقی الاوّلین یا علیّ قال الذی عقر ناقة صالح قال صدقت فمن أشقی الآخرین قال اللّه و رسوله أعلم قال أشقی الآخرین قال الذی یضربک علی هذه و أشار الی یافوخه و کان علیّ یقول لاهله و اللّه لوددت ان لو انبعث أشقاها أخرجه أبو حاتم* و عن عکرمة عن ابن عباس قال علی قلت له یعنی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انک قلت لی یوم أحد حین أخرت عن الشهادة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:280
و استشهد من استشهد ان الشهادة من ورائک فکیف صبرک اذا خضبت هذه من هذه بدم و أومأ بیده الی لحیته و رأسه فقال علی یا رسول اللّه أما ان ثبتت لی شهادة ما أنبئت فلیس ذلک من موطن الصبر و لکن موطن البشری و الکرامة* و فی الصفوة عن زید بن وهب قال قدم علی علی قوم من أهل البصرة من الخوارج فیهم رجل یقال له الجعدة بن نعجة فقال له اتق اللّه یا علی انک میت فقال علیّ بل مقتول بضربة علی هذا تخضب هذه یعنی لحیته من رأسه بعهد معهود و قضاء مقضی و قد خاب من افتری و عاتبه فی لباسه فقال مالک و للباس هو أبعد من الکبر و أجدر أن یقتدی بی المسلم* و عن أبی الطفیل قال دعا الناس الی البیعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادی فردّه مرّتین ثم أتاه فقال ما یحبس أشقاها لتخضبن أو لتصبغن هذه من هذه یعنی لحیته من رأسه ثم تمثل بهذین البیتین
أشدد حیازیمک للموت‌فان الموت لاقیکا
و لا تجزع من الموت‌اذا حل بوادیکا و عن أبی مجلز قال جاء رجل من مراد الی علی و هو یصلی فی المسجد فقال احترس فان ناسا من مراد یریدون قتلک قال ان مع کل رجل ملکین یحفظانه ما لم یقدر علیه فاذا جاء القدر خلیا بینه و بینه و ان الاجل جنة حصینة* و فی ذخائر العقبی عن عبد اللّه بن سبع قال خطبنا علیّ فقال و الذی فلق الحبة و برأ النسمة لتخضبن هذه من هذا قال الناس أعلمنا من هو لنبیدنّ عترته قال أنشدکم أن یقتل بی غیر قاتلی قال ان کنت قد علمت ذلک فاستخلف اذا قال لا و لکن أکلکم الی من وکلکم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أخرجهما أحمد* و عن سکین بن عبد العزی العبدی انه سمع أباه یقول جاء عبد الرحمن بن ملجم یستحمل علیا فحمله ثم قال هذا قاتلی قال فما یمنعک منه قال انه لم یقتلنی بعد و قیل له ان ابن ملجم سم سیفه و یقول انه سیقتلک به قتلة یتحدّث بها العرب فبعث إلیه لم تسم سیفک قال لعدوّی و عدوّک فخلی عنه و قال ما قتلنی بعد أخرجه أبو عمرو* و عن الحسین بن کثیر عن أبیه و کان أدرک علیا قال خرج علیّ الی الفجر فأقبل الاوز یصحن فی وجهه فطردوهنّ فقال دعوهنّ فانهنّ نوائح فضربه ابن ملجم فقلت له یا أمیر المؤمنین خل بیننا و بین مراد فلا تقوم لهم ثاغیة و لا راغیة أبدا قال لا و لکن احبسوا الرجل فان أنامت فاقتلوه و ان أعش فالجروح قصاص أخرجه أحمد فی المناقب* و فی روایة لما صاحت الاوز بین یدی علیّ قال هذه صائحة تتبعها نائحة فلم یقدر أن یفتح باب داره ثم تکلف و فتح الباب فتعلق ازاره بالباب فخرج الی المسجد* و عن الحسن البصری انه سمع الحسن بن علی یقول انه سمع أباه فی سحر الیوم الذی قتل فیه یقول لهم یا بنی رأیت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی نومة نمتها فقلت یا رسول اللّه ما لقیت من أمّتک من اللواء و اللدد فقال ادع اللّه علیهم فقلت اللهمّ أبدلنی خیرا منهم و أبدلهم بی من هو شر منی ثم انتبه و جاء مؤذنه یؤذنه بالصلاة فخرج فقتله ابن ملجم أخرجه أبو عمرو*

(ذکر قاتله و ما حمله علی القتل و کیفیة قتله و أین قتل)

* عن الزبیر بن بکار قال من بقی من الخوارج تعاقدوا علی قتل علی و معاویة و عمرو بن العاص* و عن محمد بن سعد قال قالوا انتدب ثلاثة نفر من الخوارج عبد الرحمن بن ملجم المرادی و هو من حمیر و عداده فی بنی مراد و حلیف بنی جبلة من کندة و البرک بن عبد اللّه التمیمی و عمرو بن بکر التمیمی فاجتمعوا بمکة و تعاهدوا و تعاقدوا لیقتلنّ هذه الثلاثة علی بن أبی طالب و معاویة و عمرو بن العاص و یریحوا العباد منهم فقال ابن ملجم انا لکم بعلی و قال البرک انا لکم بمعاویة و قال عمرو بن بکر انا أکفیکم عمرو بن العاص فتعاهدوا علی ذلک و تعاقدوا علیه و تواثقوا أن لا ینکص رجل منهم عن صاحبه الذی سمی له فتوجه له حتی یقتله أو یموت دونه فاتعدوا بینهم لیلة سبع عشرة من رمضان سنة أربعین ثم توجه کل رجل منهم الی المصر الذی فیه صاحبه فخرج البرک لقتل معاویة و قدم دمشق
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:281
و ضرب معاویة فجرحه فی ألیتیه فسلم منها* و فی حیاة الحیوان فأصاب اوراکه و کان معاویة کبیر الاوراک فقطع منه عرق النکاح فلم یولد له بعد ذلک فلما أخذ قال الامان و البشارة فقد قتل علیّ فی هذه اللیلة فاستبقاه حتی أتاه الخبر بذلک فقطع معاویة یده و رجله و أطلقه فرحل الی البصرة و أقام بها حتی بلغ زیاد بن أبیه أنه ولد له فقال أ یولد له و أمیر المؤمنین لا یولد له فقتله قالوا و أمر معاویة باتخاذ المقصورة من ذلک الوقت و أما عمرو بن بکر فسار الی مصر و کان یومئذ بعمرو بن العاص وجع الظهر أو البطن فبعث مکانه سهلا العامری لیصلی بالناس* و فی حیاة الحیوان فصلی بالناس رجل من بنی سهم یقال له خارجة فقتله عمرو بن بکر یحسبه عمرو بن العاص و قدم عبد الرحمن بن ملجم الکوفة عازما علی قتل علیّ و اشتری سیفا لذلک بألف و سقاه السم فیما زعموا حتی نفضه و کان فی خلال ذلک یأتی علیا یسأله و یستحمله فیحمله و یلقی أصحابه و کاتمهم ما یرید و کان یزورهم و یزورونه فزار یوما نفرا من بنی تیم الرباب فوقعت عینه علی امرأة منهم یقال لها قطام بنت شحنة بن عدی بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تیم الرباب و کانت امرأة رائقة جمیلة و کانت تری رأی الخوارج و کان علیّ قتل أباها و أخاها بالنهروان فأعجبته فخطبها فقالت آلیت أن لا أتزوّج الاعلی مهر لا أرید سواه قال و ما هو لا تسألینی شیئا الا أعطیتک فقالت ثلاثة آلاف دینار و قتل علی بن أبی طالب و عبد و قینة و فیه قال شاعرهم
و لم أر مهرا ساقه ذو شجاعةکمهر قطام من فصیح و أعجم
ثلاثة آلاف و عبد و قینةو قتل علیّ بالحسام المسمم
فلا مهر أعلی من علیّ و ان علاو لا قتل الا دون قتل ابن ملجم فقال و اللّه ما جاء بی الی هذا المصر الا قتل علی فقد أعطیتک ما سألت* و فی روایة الزبیر قال صدقت و لکنی لما رأیتک آثرت تزویجک فقالت لیس الا الذی قلت لک قال و ما یغنیک أو ما یغنینی منک قتل علیّ و أنا أعلم أنی ان قتلته لم أفت قالت ان قتلته و نجوت فهو الذی أردت فیبلغ شفاء نفسی و یهنیک العیش معی و ان قتلت فما عند اللّه خیر من الدنیا و ما فیها فقال لها لک ما اشترطت فقالت له سألتمس من یشدّ ظهرک فبعثت الی ابن عم لها یدعی ورد ان بن مجالد فأجابها و لقی ابن ملجم شبیب بن بجرة الاشجعی بفتح الباء و الجیم قاله ابن مأکولا و الذی ضبطه أبو عمر و بضم الباء و سکون الجیم فقال له یا شبیب هل لک فی شرف الدنیا و الآخرة قال و ما هو قال تساعدنی علی قتل علی بن أبی طالب قال ثکلتک أمک لقد جئت شیئا ادّا کیف تقدر علی ذلک قال انه رجل لا حرس له و یخرج الی المسجد منفردا دون من یحرسه فنکمن له فی المسجد فاذا خرج الی الصلاة قتلناه فان نجونا نجونا و ان قتلنا سعدنا بالذکر فی الدنیا و بالجنة فی الآخرة فقال ویلک انّ علیا ذو سابقة فی الاسلام مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ما تنشرح نفسی لقتله قال ویلک انه حکم الرجال فی دین اللّه و قتل اخواننا الصالحین فنقتله ببعض من قتل و لا تشکن فی دینک فأجابه و أقبلا حتی دخلا علی قطام و هی معتکفة فی المسجد الاعظم فی قبة ضربتها لنفسها فدعت لهم فقاما فأخذا أسیافهما ثم جاءا حتی جلسا قبالة السدّة التی یخرج منها علیّ و دخل ابن النباح المؤذن فقال الصلاة فقام علیّ یمشی و ابن النباح بین یدیه و الحسن بن علیّ خلفه فلما خرج من الباب نادی أیها الناس الصلاة الصلاة کذلک کان یصنع کل یوم یخرج و معه درّته یوقظ الناس فاعترضاه الرجلان فقال بعض من حضر ذلک رأیت بریق السیف و سمعت قائلا یقول للّه الحکم یا علیّ لا لک و فی روایة الزبیر قال الحکم للّه یا علیّ لا لک و لا لاصحابک ثم رأیت سیفا ثانیا فضربا جمیعا فأما سیف شبیب فوقع فی الطاق* و فی مورد اللطافة فوقعت الضربة فی السدة و أخطأ و أما سیف ابن ملجم فأصاب جبهته الی قرنه و وصل الی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:282
دماغه* و فی حیاة الحیوان ضربه ابن ملجم علی صلعته فقال علیّ فزت و رب الکعبة فسمع علیّ یقول لا یفوتنکم الرجل و فی روایة لا یفوتنکم الکلب فشدّ الناس علیهما من کل جانب فأمّا شبیب فأفلت خارجا من باب کندة و أمّا ابن ملجم فانه لما هم الناس به حمل علیهم بسیفه ففرّجوا له فتلقاه المغیرة بن نوفل بقطیفة فرماها علیه و احتمله و ضرب به الارض و قعد علی صدره و انتزع سیفه عنه و کان أیدا قویا کذا فی ذخائر العقبی و قد مرّ فی فصل النسب فی أولاد عبد المطلب* و فی أسد الغابة فلما أخذ ابن ملجم ادخل علی علیّ فقال احبسوه و أطیبوا طعامه و ألینوا فراشه فان أعش فأنا ولی دمی عفو أو قصاص و ان أمت فالحقوه بی أخاصمه عند ربّ العالمین* و فی ذخائر العقبی قال علیّ احبسوه فان أمت فاقتلوه و لا تمثلوا به و ان لم أمت فالامر الیّ فی العفو و القصاص أحرجه أبو عمر و فقالت أم کلثوم یا عدوّ اللّه قتلت أمیر المؤمنین قال ما قتلت الا أباک قالت و اللّه انی لارجو أن لا یکون علی أمیر المؤمنین بأس قال فلم تبکین اذا ثم قال و اللّه لقد سممته شهرا یعنی سیفه فان أخلفنی أبعده اللّه و أسحقه* قال فمکث علیّ یوم الجمعة و لیلة السبت و توفی لیلة الاحد لاحدی عشرة لیلة بقیت من شهر رمضان من سنة أربعین* و فی معجم البغوی عن لیث بن سعد انّ عبد الرحمن بن ملجم ضرب علیا فی صلاة الصبح علی دهش بسیف کان سمه بسم و مات من یومه و دفن بالکوفة لیلا* و فی دول الاسلام ضربه بخنجر علی دماغه فمات بعد یومین* و فی مورد اللطافة فمکث علیّ جریحا یوم الجمعة و السبت و توفی لیلة الاحد لاحدی عشرة لیلة بقیت من شهر رمضان سنة أربعین و اختلفوا فی انه هل ضربه بخنجر علی دماغه فمات بعد یومین* و فی مورد اللطافة فمکث علیّ جریحا یوم الجمعة و السبت و توفی لیلة الاحد لاحدی عشرة لیلة بقیت من شهر رمضان سنة أربعین و اختلفوا فی انه هل ضربه فی الصلاة أو قبل دخوله فیها و هل استخلف من أتم الصلاة أو هو أتمها و الاکثر علی انّ جعدة ابن هبیرة صلی بهم تلک الصلاة*

(ذکر وصیته رضی اللّه عنه)

* روی انه لما ضربه ابن ملجم أوصی الی الحسن و الحسین وصیة طویلة فی آخرها بابنی عبد المطلب لا تخوضوا دماء المسلمین خوضا تقولون قتل أمیر المؤمنین ألا لا تقتلوا بی إلا قاتلی انظروا اذا أنامت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة و لا تمثلوا به فانی سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول ایاکم و المثلة و لو بالکلب العقور أخرجه الفضائلی* و عن قثم مولی الفضل لما قتل ابن ملجم علیا قال للحسن و الحسین أحبستم الرجل فان مت فاقتلوه و لا تمثلوا به فلما مات قام إلیه الحسین و محمد فقطعاه و حرقاه و نهاهم الحسن أخرجه الضحاک* و فی دول الاسلام فقطعوه اربا اربا* و فی حیاة الحیوان قتل الحسین بن علی عبد الرحمن بن ملجم و اجتمع الناس و أحرقوا جثته* و روی عن عمرو ذی مرّ قال لما أصیب علیّ بالضربة دخلت علیه و قد عصب رأسه قال قلت یا أمیر المؤمنین أرنی ضربتک قال فحلها فقلت خدش و لیس بشی‌ء قال انی مفارقکم انی مفارقکم فبکت أم کلثوم من وراء الحجاب فقال لها اسکتی فلو ترین ما أری لما بکیت فقلت یا أمیر المؤمنین ما ذا تری قال هذه الملائکة وفود و النبیون و محمد صلی اللّه علیه و سلم یقول یا علی أبشر فما تصیر إلیه خیر مما أنت فیه و أم کلثوم هذه ابنة علی بن أبی طالب زوج عمر بن الخطاب* قال و لما فرغ علیّ من وصیته قال أقرأ علیکم السلام و رحمة اللّه و برکاته ثم لم یتکلم الا لا إله الا اللّه حتی قبضه اللّه رحمة اللّه و رضوانه علیه* قیل انّ علیا کان عنده مسک فضل من حنوط رسول اللّه أوصی أن یحنط به* و فی أسد الغابة لما توفی غسله الحسن و الحسین و عبد اللّه بن جعفر و کفن فی ثلاثة أثواب لیس فیها قمیص و صلی علیه الحسن ابنه و کبر علیه أربعا و دفن فی السحر*

(ذکر موضع دفنه)

* اختلفوا فی موضع دفنه فقیل فی قصر الامارة بالکوفة و قیل فی رحبة الکوفة و قیل بنجف الحیرة و هو موضع بطریق الحیرة قال الخجندی و الاصح عندهم انه مدفون وراء المسجد الذی یؤمه الناس الیوم و عن أبی جعفر انّ قبره جهل موضعه* و قال الواقدی دفن لیلا و عفی قبره* و فی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:283
مورد اللطافة و عمی قبره لئلا تنبشه الخوارج* و قال شریک و غیره نقله ابنه الحسن الی المدینة و ذکر المبرد عن محمد بن حبیب قال أوّل من حوّل من قبر الی قبر کان علی بن أبی طالب* و عن عائشة لما بلغها موت علیّ قالت لتصنع العرب ما شاءت فلیس لها أحد ینهاها قالوا و کان عبد الرحمن بن ملجم فی السجن فلما مات علیّ و دفن بعث حسن بن علی الی ابن ملجم فأخرجه من السجن لیقتله فاجتمع الناس و جاءوا بالنفط و البواری و النار و قالوا نحرقه فقال عبد اللّه بن جعفر و حسین بن علی و محمد بن الحنفیة دعونا تشتف أنفسنا منه فقطع عبد اللّه بن جعفر یدیه و رجلیه فلم یجزع و لم یتکلم ثم کحل عینیه بمسمار محمی فلم یجزع و جعل یقول انک لتکحل عینی عمک بمکحول محمص و جعل یقرأ اقرأ بسم ربک الذی خلق حتی أتی علی آخر السورة و انّ عینیه لتسیلان علی خدّیه ثم أمر به فعولج علی لسانه لیقطعه فجزع فقیل له قطعنا یدیک و رجلیک و سملنا عینیک یا عدوّ اللّه فلم تجزع فلما صرنا الی لسانک جزعت قال ما ذاک من جزع الا انی أکره أن أکون فی الدنیا فوا قالا أذکر اللّه فقطعوا لسانه ثم جعلوه فی قوصرة فأحرقوه بالنار و کان ابن ملجم اسمر ابلج فی جبهته أثر السجود*

(ذکر تاریخ مقتله)

* و کان ذلک فی صبیحة یوم سبع عشرة من رمضان مثل صبیحة بدر و قیل لیلة الجمعة لثلاث عشرة لیلة منه سنة أربعین ذکر ذلک کله أبو عمرو و ابن عبد البرّ کذا ذکره المحب الطبری فی کتابه ذخائر العقبی و الریاض النضرة* و فی الصفوة قال العلماء بالسیر ضربه عبد الرحمن بن ملجم بالکوفة یوم الجمعة لثلاث عشرة لیلة بقیت من رمضان و قیل لیلة احدی و عشرین منه سنة أربعین فبقی الجمعة و السبت و مات لیلة الاحد و قیل یوم الاحد و غسله ابناه و عبد اللّه بن جعفر و صلی علیه الحسن و دفن فی السحر* و فی سیرة مغلطای بویع علیّ فی الیوم الذی مات فیه عثمان فأقام فی الخلافة أربع سنین و تسعة أشهر و ثمانیة أیام و توفی شهیدا علی ید عبد الرحمن بن ملجم لیلة السابع و العشرین من رمضان سنة أربعین* و فی تاریخ ابن عاصم سنة تسع و ثلاثین و فیه غرابة و له ثلاث و ستون سنة و دفن بمسجد الکوفة و قیل حمل الی المدینة و دفن عند فاطمة و قیل غیر ذلک* و فی الصفوة فی سنه أربعة أقوال* أحدها ثلاث و ستون قال الواقدی و هذا المثبت عندنا* و الثانی خمس و ستون* و الثالث سبع و خمسون* و الرابع ثمان و خمسون و اللّه أعلم* و عن علی ابن الحسین قال قتل علی و هو ابن ثمان و خمسین* و فی ذخائر العقبی و قیل ثمان و ستین ذکر ذلک أبو عمرو و غیره و ذکر أبو بکر أحمد بن الدرّاع ان سنه خمس و ستون و لم یذکر غیره و صحب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم منها بمکة ثلاث عشرة سنة و سنه یوم صحبه اثنتا عشرة سنة ثم هاجر فصحبه عشر سنین و عاش بعده ثلاثین سنة* مرویاته فی کتب الاحادیث خمسمائة و ستة و ثمانون حدیثا و فی المختصر الجامع و کان نقش خاتمه الملک للّه الواحد القهار* و أما کاتبه فعبد اللّه بن أبی رافع مولی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و أما قاضیه فشریح بن الحارث الکندی* و أما حاجبه فقنبر مولاه و کان قبله بشر مولاه أیضا* و أما أمیره بمصر فقیس بن سعد بن عبادة و کان ذا رأی و دهاء و اجتهد معاویة فی اخراجه بأن أظهر انه من شیعته فبلغ ذلک علیا فعزله و ولاها مالک بن الحارث الاشتر فأسقی السم فی شربة من عسل یقال سمه عبد لعثمان فی الطریق فمات و ولاها بعده محمد بن أبی بکر و لما رجع علیّ بعد التحکیم الی العراق سار عمرو بن العاص و معه عساکر الشأم الی مصر فانهزم أهل مصر و استتر محمد بن أبی بکر فوجده معاویة بن خدیج فقتله و جعله فی جیفة حمار و أحرقه بالنار کما سبق فی أولاد أبی بکر و کانت ولایته لمصر خمسة أشهر و ولیها عمرو بن العاص من قبل معاویة و جعلها له طعمة*

(ذکر أولاده)

* و کان له من الاولاد جماعة وردت فی عددهم روایات مختلفة ففی کتاب الانوار لابی القاسم اسماعیل أولاد علی اثنان و ثلاثون عددا ستة عشر ذکرا و ست عشرة أنثی* و قال الیعمری
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:284
تسع و عشرون نفسا اثنا عشر ذکرا و سبع عشرة أنثی* و قال المحب الطبری فی ذخائر العقبی و الریاض النضرة کان له من الولد أربعة عشر ذکرا و ثمان عشرة أنثی* و فی الصفوة أربعة عشر ذکرا و تسع عشرة أنثی* (ذکر الذکور)* الحسن و الحسین و قد سبق ذکر ولادتهما و بعض أحوالهما فی الموطن الثالث و الرابع و سیجی‌ء ذکر وفاتهما و لهما عقب* و محسن مات صغیرا أمهم فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* و محمد الاکبر أمه خولة بنت ایاس بن جعفر الحنفیة ذکره الدارقطنی و غیره و قال و أخته لامّه عوانة بنت أبی مکمل الغفاریة و قیل بل کانت أمه من سبی الیمامة فصارت الی علیّ و انها کانت أمة لبنی حنیفة سندیة سوداء و لم تکن من أنفسهم و قیل انّ أبا بکر أعطی علیا الحنفیة أم محمد من سبی بنی حنیفة أخرجه السمان و کان سمی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کنیه و کانت الشیعة تسمیه المهدی و هو یقول کل مؤمن مهدی و کان صاحب رایة أبیه یوم الجمل و کان شجاعا کریما فصیحا یقال انه مات بالطائف منهزما عن عبد اللّه بن الزبیر سنة احدی و ثمانین* و العباس الاکبر و یدعی السقاء و یکنی أبا قربة و کان صاحب رایة الحسین یوم کربلا و عثمان و جعفر و عبد اللّه قتلوا مع الحسین أیضا أمهم أم البنین بنت حزام بن خالد الوحیدیة ثم الکلابیة یقال قتل العباس یزید بن زیاد الحنفی و حکیم بن الطفیل الطائی* و محمد الاصغر قتل مع الحسین أیضا أمه أم ولد و یحیی مات صغیرا و عون أمهما أسماء بنت عمیس الخثعمیة فهما أخوا بنی جعفر بن أبی طالب و أخوا محمد بن أبی بکر لامهم و عمر الاکبر أمه أم حبیب الصهباء الثعلبیة سبیة سباها خالد فی الردّة فاشتراها علیّ* و محمد الاوسط أمه امامة بنت أبی العاص بن الربیع و عبید اللّه قتله المختار الثقفی فی حرب مصعب بن الزبیر و أبو بکر قتل مع الحسین أمهما لیلی بنت معوذ بن خالد النهشلیة و قیل الدارمیة و هی التی تزوّجها عبد اللّه ابن جعفر خلف علیها بعد عمه جمع بین زوجة علیّ و ابنته زینب فولدت له صالحا و أم أبیها و أم محمد بنی عبد اللّه بن جعفر فهم اخوة عبید اللّه و أبی بکر ابنی علیّ لامهما ذکره الدّارقطنی* (ذکر الاناث)* زینب الکبری عن ابن شهاب قال تزوّج زینب بنت علی عبد اللّه بن جعفر فماتت عنده و قد ولدت له علیا و عونا* و عن الحسن قال زینب الکبری بنت علی بن أبی طالب أمها فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و ولدت علیا و عونا و عباسا و أم کلثوم بنی عبد اللّه بن جعفر* و قال الدّارقطنی ولدت علیا و أم کلثوم و رقیة و أم کلثوم هما شقیقتا الحسن و الحسین* قال أبو عمرو ولدت أم کلثوم قبل وفاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* قال ابن اسحاق حدّثنی عاصم بن عمرو بن قتادة خطب عمر الی علی ابنته أم کلثوم فأقبل علیّ علیه و قال انها صغیرة فقال عمر و اللّه ما ذاک بک و لکن أردت منعی فان کانت کما تقول فابعثها الیّ فرجع علیّ فدعاها فأعطاها حلة و قال انطلقی بهذه الی أمیر المؤمنین و قولی له یقول لک أبی کیف تری هذه الحلة فأتته بها و قالت له ذلک فأخذ عمر بذراعها فاجتبذتها منه و قالت أرسلها فأرسلها و قال حصان کریم انطلقی فقولی له ما أحسنها و أجملها و لیست و اللّه کما قلت فزوّجها ایاه* و ذکر أبو عمرو انّ عمر قال له لما قال انها صغیرة زوّجنیها یا أبا الحسن فانی أرصد من کرامتها ما لا یرصده أحد فقال له علی أنا أبعثها إلیک فان رضیتها فقد زوّجتکها فبعثها إلیه ببرد و قال لها قولی له هذا البرد الذی قلت لک فقالت ذلک لعمر فقال لها قولی له قد رضیت رضی اللّه عنک و وضع یده علی ساقها فکشفها فقالت أ تفعل هذا لو لا انک أمیر المؤمنین لکسرت انفک* و فی روایة لطمست عینیک ثم خرجت حتی أتت أباها فأخبرته الخبر فقالت بعثتنی الی شیخ سوء قال یا بنیة فانه زوجک فجاء عمر الی مجلس المهاجرین فی الروضة و کان یجلس فیها المهاجرون الاوّلون فجلس إلیهم فقال رفونی فقالوا بمن یا أمیر المؤمنین فقال تزوّجت بأم کلثوم بنت علی بن أبی طالب سمعت رسول اللّه صلی الله
علیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:285
و سلم یقول کل سبب و نسب و صهر منقطع یوم القیامة الا سببی و نسبی و صهری فزفوه* و عن جعفر بن محمد عن أبیه أن عمر بن الخطاب خطب الی علی أم کلثوم فقال انکحنیها فقال علیّ انی أرصدها لابن أخی جعفر فقال عمر أنکحنیها فو اللّه ما من الناس أحد یرصد من أمرها ما أرصد فأنکحه علیّ فأتی المهاجرین و الانصار فقال أ لا تهنؤنی فقالوا بم یا أمیر المؤمنین قال بأم کلثوم بنت علیّ ثم ذکر معنی ما تقدّم الی قوله الا سببی و نسبی و زاد فأحببت أن یکون بینی و بین رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سبب و نسب* و فی روایة ان علیا اعتل علیه بصغرها فقال عمرانی لم أرد الباءة و لکنی سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول ثم ذکر الحدیث خرجهما أحمد فی المناقب و خرج الاوّل ابن السمان مختصرا و زاد المستطیل و کل بنی أنثی فعصبتهم لابیهم ما خلا ولد فاطمة فانی أبوهم و أنا عصبتهم خرجه ابن السمان* و عن واقد بن محمد بن عبد اللّه بن عمر عن بعض أهله لما خطب عمر الی علیّ ابنته أم کلثوم قال علیّ ان علی أمراء حتی أستأذنهم فأتی ولد فاطمة فذکر ذلک لهم فقالوا زوّجه فدعا أم کلثوم و هی یومئذ صبیة فقال لها انطلقی الی أمیر المؤمنین فقولی له ان أبی یقرئک السلام و یقول لک قد قضی حاجتک التی طلبت فأخذها عمر فضمها إلیه و قال انی خطبتها الی أبیها فزوّجنیها قیل یا أمیر المؤمنین ما کنت ترید إلیها انها صبیة صغیرة قال انی سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول کل سبب منقطع یوم القیامة الا سببی فأردت أن یکون بینی و بین رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سبب صهر خرجه الدولابی و خرج ابن السمان معناه و لفظه مختصر ان عمر قال لعلیّ انی أحب أن یکون عندی عضو من أعضاء رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال له علی ما عندی الا أم کلثوم و هی صغیرة فقال ان تعش تکبر فقال ان لها أمیرین معی قال نعم فرجع علیّ الی أهله و قعد عمر ینتظر ما یرد علیه فقال علیّ ادعو الی الحسن و الحسین فجاءا فدخلا فقعدا بین یدیه فحمد اللّه و أثنی علیه ثم قال لهما ان عمر قد خطب الیّ أختکما فقلت له ان لها معی أمیرین و انی کرهت ان أزوّجها ایاه حتی أوامر کما فسکت الحسین و تکلم الحسن فحمد اللّه و أثنی علیه ثم قال یا اباه من بعد عمر صحب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و توفی و هو عنه راض ثم ولی الخلافة فعدل قال صدقت یا بنی و لکن کرهت ان أقطع أمرا دونکما ثم ذکر معنی ما تقدّم* و عن أسلم أن عمر بن الخطاب تزوّج أم کلثوم بنت علی بن أبی طالب علی أربعین ألف درهم خرجه أبو عمرو و الدولابی و ابن السمان* و عن أبی هریرة قال أم کلثوم بنت علیّ من فاطمة تزوّجها عمر بن الخطاب فولدت له زید بن عمر بن الخطاب* و قال أبو عمرو زید بن عمر الاکبر و رقیة بنت عمر* قال الزهری ثم خلف علی أم کلثوم بعد عمر عون ابن جعفر بن أبی طالب فلم تلد له شیئا حتی مات فخلف علیها بعده محمد بن جعفر فولدت له جاریة ثم مات فخلف علیها بعده عبد اللّه بن جعفر فلم تلد له شیئا و ماتت عنده* قال ابن اسحاق فمات عنها و لم یصب منها ولدا کذا ذکره الدّارقطنی فی کتاب الاخوة و الاخوات غیر انه ذکر ان محمدا تزوّجها أوّلا ثم عونا ثم عبد اللّه و حکی الدولابی و غیره القولین فی موتها عنده أو موته عندها* قال أبو عمرو ماتت أمّ کلثوم و ابنها زید فی وقت واحد و کان زید قد أصیب فی حرب بین بنی عدیّ لیلا فخرج لیصلح بینهم فضربه رجل منهم فی الظلمة فشجه و صرعه فعاش أیاما ثم مات هو و أمّه فی وقت واحد و صلی علیهما ابن عمر قدّمه الحسن بن علی فکانت فیهما سنتان فیما ذکروا کما مرّ لم یورث أحدهما من الآخر و قدّم زید علی أمّه مما یلی الامام و قیل صلی علیهما سعد بن أبی وقاص و خلفه الحسن و الحسین و أبو هریرة رواه الدولابی عن عمار بن أبی عمار* و رقیة شقیقة عمر الاکبر و أم الحسن تزوّجها جعدة بن هبیرة المخزومی و رملة الکبری أمها أم
سعد بنت عروة بن مسعود الثقفی تزوّجها عبد اللّه بن أبی سفیان بن الحارث بن عبد المطلب و أم هانی تزوّجها عبد الرحمن بن عقیل و میمونة تزوّجها عبد اللّه الاکبر بن عقیل و زینب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:286
الصغری تزوّجها محمد بن عقیل و رملة الصغری و أم کلثوم الصغری تزوّجها عبد اللّه الاصغر بن عقیل و فاطمة تزوّجها سعید بن الاسود من بنی الحارث و خدیجة و أم الکرام و أم سلمة و أم جعفر و جمانة و أمامة تزوّجها الصلت بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و فی الریاض النضرة لم یذکر أمامة و ذکر بدلها تقیة و نفیسة لامّهات أولاد شتی ذکره ابن قتیبة و صاحب الصفوة کذا فی ذخائر العقبی للمحب الطبری و الریاض النضرة له* و فی الصفوة و ابنة أخری لم یذکر اسمها ماتت صغیرة و هی جاریة کانت تخرج الی المسجد فیقال لها من أخوالک فتقول أو أو* و قد یروی انها کانت تقول وه وه تعنی کلبا أمّها المحیاة بنت امرئ القیس بن عدی بن کلب کذا فی المختصر و عقبه من الحسن و الحسین و محمد بن الحنفیة و العباس و عمر* قال الیعمریّ مات من أولاده تسعة عشر نفرا فی حیاته و ورثه منهم ثلاثة عشر نفرا و قتل منهم بالطف ستة رجال کذا فی التوضیح*

(ذکر الائمة الاثنی عشر علی طریق الاختصار و هم علیّ و أولاده أوّلهم علی بن أبی طالب)

* و قد سبق ذکره* (الثانی)* الحسن بن علی بن أبی طالب و یکنی أبا محمد و یلقب بالتقی و السید أمّه فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ولد بالمدینة فی منتصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة و استخلف ستة أشهر و توفی بالمدینة لخمس لیال خلون من ربیع الاوّل سنة خمسین و قیل سنة تسع و أربعین و کان عمره سبعا و أربعین سنة و دفن بالبقیع* (الثالث)* الحسین بن علی بن أبی طالب یکنی أبا عبد اللّه و لقب بالشهید و السید أمّه فاطمة الزهراء ولد بالمدینة یوم الثلاثاء الرابع من شعبان سنة أربع من الهجرة* و فی الصفوة استشهد یوم الجمعة و قیل الثلاثاء یوم عاشوراء فی المحرم سنة احدی و ستین من الهجرة و هو ابن ست و خمسین سنة و خمسة أشهر کما سیجی‌ء* (الرابع)* علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب و یکنی أبا الحسن و قیل أبا محمد و قیل أبا بکر و لقب بزین العابدین و السجاد ولد بالمدینة سنة ثلاث و ثلاثین من الهجرة و قیل سنة ثمان و ثلاثین و قیل سنة ست و ثلاثین أمّه أم ولد اسمها غزالة کذا فی الصفوة* و قال فی شواهد النبوّة اسم أمّه شهربانو بنت یزدجرد من أولاد أنو شروان العادل انتهی* و فی حیاة الحیوان قال ابن خلکان کانت أمّه سلامة بنت یزدجرد آخر ملوک الفرس* و ذکر الزمخشری فی ربیع الابرار* ان یزدجرد کان له ثلاث بنات سبین فی زمن عمر بن الخطاب فحصلت واحدة منهنّ لعبد اللّه بن عمر فأولدها سالما و الأخری لمحمد بن أبی بکر فأولدها قاسما و الأخری للحسین بن علی فأولدها علیا زین العابدین فکلهم بنو خالة و هو علیّ الاصغر فأما علیّ الاکبر فانه قتل مع الحسین و کان علیّ هذا أیضا مع أبیه و هو ابن ثلاث و عشرین سنة الا أنه کان مریضا نائما علی فراش فلم یقتل و فی حیاة الحیوان استبقی لصغر سنه لانهم قتلوا کل من أنبت کما یفعل بالکفار قاتل اللّه فاعل ذلک و أخزاه و لعنه* و توفی بالمدینة فی الثامن عشر من المحرم سنة أربع و تسعین و قیل خمس و تسعین و دفن بالبقیع و هو ابن ثمان و خمسین سنة و ضریحه هناک فی قبة معروفة بقبة العباس روی الحدیث عن أبیه و عمه الحسن و جابر و ابن عباس و المسور بن مخرمة و أبی هریرة و صفیة و عائشة و أم سلمة أمّهات المؤمنین* (و الخامس)* محمد الباقر بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب أمّه أم عبد اللّه فاطمة بنت الحسن ابن علی بن أبی طالب یکنی أبا جعفر و لقب بالباقر لتبقره فی العلم و هو توسعه فیه ولد بالمدینة یوم الجمعة ثالث صفر سنة سبع و خمسین من الهجرة قبل قتل الحسین بثلاث سنین* و أولاده جعفر و عبد اللّه أمّهما فروة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر الصدّیق و ابراهیم و علی و زینب و أم سلمة توفی بالمدینة سنة سبع عشرة و مائة و قیل ثمان عشرة و قیل أربع عشرة و هو ابن ثلاث و سبعین سنة و قیل ثمان و خمسین و قیل سبع و خمسین سنة و قبره بالبقیع عند أبیه فی قبة العباس کذا فی الصفوة* (السادس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:287
جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب)* و یکنی أبا عبد اللّه و قیل أبا إسماعیل و له القاب أشهرها الصادق و أمّه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر الصدّیق و أمّ أمّ فروة أسماء بنت عبد الرحمن بن أبی بکر و لذا قال الصادق لقد ولدنی أبو بکر مرّتین ولد بالمدینة سنة ثمانین من الهجرة و قیل سنة ثلاث و ثمانین یوم الاثنین لثلاث عشرة لیلة بقین من ربیع الاوّل و توفی بالمدینة یوم الاثنین للنصف من رجب سنة ثمان و أربعین و مائة و قبره بالبقیع فی قبة العباس و هو القبر الذی فیه أبوه الباقر و جدّه زین العابدین و عمه الحسن بن علی فللّه درّه من قبر ما أکرمه و أشرفه و أعلی قدره عند اللّه کذا فی شواهد النبوّة* و فی الملل و النحل و له خمسة أولاد محمد و إسماعیل و عبد اللّه و موسی و علیّ* (السابع موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب)* و یکنی أبا الحسن و أبا ابراهیم و قیل غیر ذلک و یلقب بالکاظم لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدین علیه أمّه أمّ ولد اسمها حمیدة البربریة ولد بالابواء بین مکة و المدینة یوم الاحد لسبع لیال خلون من صفر سنة ثمان و عشرین و مائة کذا فی شواهد النبوّة و فی الصفوة ولد بالمدینة سنة ثمان و عشرین و قیل تسع و عشرین و مائة و أقدمه المهدی بغداد ثم ردّه الی المدینة فأقام بها الی أیام الرشید فلما قدم الرشید المدینة حمله معه و حبسه ببغداد الی ان توفی بها لخمس بقین من رجب سنة ثلاث و ثمانین و مائة* و فی شواهد النبوّة مات فی حبس هارون الرشید ببغداد یوم الخمیس لخمس خلون من رجب سنة ست و ثمانین و مائة من الهجرة و قبره ببغداد و یقال ان یحیی بن خالد البرمکی سمه فی رطب بأمر هارون الرشید* (الثامن علی بن موسی ابن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب)* یکنی أبا الحسن ککنیة ابیه موسی الکاظم و لقب بالرضا أمّه أم ولد لها أسماء منها أروی و نجمة و سمانة و أم البنین و استقرّ اسمها علی تکتم قیل کانت أمّه جاریة لحمیدة أم موسی الکاظم فرأت فی المنام النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أمرها ان تهب نجمة لابنها موسی و قال سیولد له منها خیر أهل الارض ولد بالمدینة یوم الخمیس الحادی عشر من ربیع الآخر سنة ثلاث و خمسین و مائة بعد وفاة جدّه الصادق بخمس سنین و قیل غیر ذلک و مات ببلاد طوس فی قریة سناباد من رستاق قوجاز قبره فی قبلی قبر هارون الرشید فی قبة فی دار حمید بن قحطبة الطائی و ذلک فی شهر رمضان لتسع بقین منه یوم الجمعة سنة ثمان و مائتین* (التاسع محمد بن علی بن موسی ابن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب)* یکنی أبا جعفر و هو موافق للباقر فی الکنیة و الاسم و لذا یقال له أبو جعفر الثانی و لقبه التقی و الجواد أمه أم ولد اسمها خیزران و قیل ریحانة و قیل کانت من أهل ماریة القبطیة ولد بالمدینة یوم الجمعة لعشرة أیام خلون من رجب سنة خمس و تسعین و مائة و توفی یوم الثلاثاء لستة أیام خلون من ذی الحجة سنة عشرین و مائتین فی خلافة المعتصم و قیل مسموما و لکنه ما صح و قبره ببغداد خلف قبر جدّه الکاظم و لکمال علمه و أدبه و فضله زوّجه المأمون فی صغر سنه ابنته أم الفضل و أرسلها معه الی المدینة و کان یرسل الی المدینة فی کل سنة ألف ألف درهم کذا فی شواهد النبوّة* (العاشر علی بن محمد بن علی بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی ابن أبی طالب)* یکنی أبا الحسن و یقال له أبو الحسن الثالث و لقبه الهادی لکنه مشتهر بالتقی أمه أم ولد اسمها سمانة و قیل أمه أمّ الفضل بنت المأمون ولد بالمدینة فی الثالث عشر من رجب سنة أربع عشرة و مائتین و توفی فی زمان المستنصر فی سرّ من رأی من نواحی بغداد یوم الاثنین من أواخر جمادی الآخرة سنة أربع و خمسین و مائتین و قبره فی داره التی فی سرّ من رأی و قیل ان مشهد الهادی بقم و لیس بصحیح و انما الصحیح انّ مشهد فاطمة بنت موسی بن جعفر بن محمد
ببلدة قم و قد نقل عن الرضا انه قال من زارها دخل الجنة کذا فی شواهد النبوّة* (الحادی عشر الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:288
ابن جعفر الصادق)* و یکنی أبا محمد و یلقب بالزکی و الخاص و السراج و هو أیضا مثل أبیه مشهور بالعسکری و أمه أم ولد اسمها سوسن و قیل غیر ذلک ولد بالمدینة سنة احدی أو اثنتین و ثلاثین و مائتین و توفی فی سرّ من رأی فی سنة ستین و مائتین و قبره بجنب ابیه* (الثانی عشر محمد بن الحسن بن علی بن محمد ابن علی الرضا) یکنی أبا القاسم* و لقبه الامامیة بالحجة و القائم و المهدی و المنتظر و صاحب الزمان و هو عندهم خاتم للاثنی عشر اماما و یزعمون انه دخل السرداب الذی فی سرّ من رأی و أمّه تنظر إلیه و لم یخرج إلیها و ذلک فی سنة خمس و ستین و مائتین و قیل فی سنة ست و ستین و مائتین و هو الاصح و اختفی الی الآن فی زعمهم أمه أم ولد اسمها صقیل و قیل سوسن و قیل نرجس و قیل غیر ذلک ولد فی سرّ من رأی فی الثالث و العشرین من رمضان سنة ثمان و خمسین و مائتین* و فی جامع الاصول فی أشراط الساعة و علاماتها عن ابن مسعود ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال لو لم یبق من الدنیا الا یوم واحد لطوّل اللّه ذلک الیوم حتی یبعث اللّه فیه رجلا منی أو من أهل بیتی یواطئ اسمه اسمی و اسم أبیه اسم أبی یملأ الارض قسطا و عدلا کما ملئت ظلما و جورا* و فی روایة أخری لا تنقضی الدنیا حتی یملک العرب من أهل بیتی رجل یواطئ اسمه اسمی أخرجه أبو داود* و قال صاحب الفتوحات المکیة فی ذکر المهدی انه یکون معه ثلاثمائة و ستون رجلا من رجال اللّه الکاملین و هذا الخلیفة یکون من عترة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم من ولد فاطمة اسمه اسم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کنیته کنیة جدّه حسن بن علی یبایع بین الرکنین و المقام یبایعه العارفون باللّه من أهل الحقائق عن شهود و کشف بتعریف الهی رجال الهیون یقیمون دعوته و ینصرونه هم الوزراء یحملون أثقال المملکة و یعینون علی ما قلده اللّه تعالی ثم قال فانّ اللّه یستوزر له طائفة خبأهم فی مکنون غیبه أطلعهم اللّه کشفا و شهودا علی الحقائق و هذا الخلیفة یفهم منطق الحیوان و یسری عدله فی الانس و الجان و فی ذخائر العقبی عن ابن عباس ان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال للعباس منک المهدی فی آخر الزمان و به ینشر الهدی و به تطفأ نیران الضلالات انّ اللّه عز و جل فتح بنا هذا الامر و بذریتک یختمه و عن أبی هریرة قال قال رسول اللّه صلی اللّه صلی اللّه علیه و سلم الا أبشرک یا أبا الفضل قال بلی یا رسول اللّه قال ان اللّه تعالی افتتح بی هذا الامر و بذریتک یختمه خرجه الحافظ أبو القاسم السهمی* و عن عثمان قال سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول المهدی من ولد العباس* و عن عبد الصمد بن علی عن أبیه عن جدّه قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یا عباس قال لبیک یا رسول اللّه قال انّ اللّه عز و جل ابتدأ الاسلام بی و سیختمه بغلام من ولدک و هو الذی یتقدّم عیسی ابن مریم* و عن جابر ابن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لا تزال طائفة من أمّتی یقاتلون علی الحق حتی ینزل عیسی ابن مریم عند طلوع الفجر ببیت المقدس ینزل علی المهدی فیقال تقدّم یا نبی اللّه صل بنا فیقول هذه الامّة أمراء بعضهم علی بعض أخرجه الامام أبو عمرو عثمان بن سعید المقبری فی سننه* و عن کعب الاحبار قال یحاصر الدجال المؤمنین ببیت المقدس فیصیبهم فیها جوع شدید حتی یأکلوا أوتار قسیهم من الجوع فبینما هم علی ذلک اذ سمعوا صوتا فی الغلس فیقولون ان هذا الصوت صوت رجل شبعان قال فینظرون فاذا عیسی ابن مریم علیه السلام قال فیقام فیرجع امام المسلمین المهدی فیقول عیسی علیه السلام تقدّم فلک أقیمت الصلاة فیصلی بهم تلک قال ثم یکون عیسی اماما أخرجه الحافظ أبو عبد اللّه نعیم بن حماد فی کتاب الفتن* و عن عبد اللّه بن عمر قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یخرج المهدی و علی رأسه غمامة فیها ملک ینادی هذا المهدی خلیفة اللّه فاتبعوه أخرجه أبو نعیم فی مناقب المهدی* و عن عون بن منبه قال کنا نتحدّث انما یکون فی هذه الامّة خلیفة
لا یفضل علیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:289
أبو بکر و عمر اخرجه الامام الدوانی فی سننه* و عن محمد بن سیرین قال قیل له المهدی خیر أم أبو بکر و عمر قال هو خیر منهما* و فی روایة و ذکر فتنة فقال اذا کان ذلک فاجلسوا فی بیوتکم حتی تسمعوا علی الناس بخیر من أبی بکر و عمر أخرجهما الحافظ أبو عبد اللّه نعیم بن حماد قال و فی زمن المهدی ترعی الشاة و الذئب و یلعب الصبیان بالحیات و العقارب* قال الشیخ علاء الدولة أحمد بن محمد السمنانی قدس سره فی ذکر الا بدال و أقطابهم و قد وصل الی الرتبة القطبیة محمد بن الحسن العسکری و هو انه اذا اختفی دخل فی دائرة الابدال و ترقی متدرجا طبقة طبقة الی أن صار سید الافذاذ و کان القطب حینئذ علی بن الحسین البغدادی فلما جاد بنفسه و دفن فی الشونیزیة صلی علیه محمد بن الحسن العسکری و جلس مجلسه و بقی فی الرتبة القطبیة تسع عشرة سنة ثم توفاه اللّه بروح و ریحان و أقام مقامه عثمان بن یعقوب الجوینی الخراسانی و صلی علیه هو و جمیع أصحابه و دفنوه فی مدینة الرسول فلما جاد الجوینی بنفسه جلس أحمد کوجک من أبناء عبد الرحمن بن عوف مجلسه و کان توفی فی العجم و صلی علیه و قبورهم لاصقة بالارض غیر مشرفة و لا مبنیة لا یعرفها غیرهم و هم یزورونها کل سنة کذا فی شواهد النبوّة* و فی زبدة الاعمال قال سراج الحرم أبو بکر الکتانی قدس سره النقباء ثلاثمائة و النجباء سبعون و الابدال أربعون و الاخیار سبعة و العمد أربعة و الغوث واحد ثم مسکن النقباء المغرب و مسکن النجباء مصر و مسکن الابدال الشأم و الاخیار سیاحون فی الارض و العمد فی زوایا الارض و مسکن الغوث مکة فاذا عرضت الحاجة من أمر العامّة ابتهل فیها النقباء ثم النجباء ثم الاخیار ثم العمد فان أجیبوا و الا ابتهل فیها الغوث فلا تتم مسألته حتی تجاب دعوته*

(ذکر خلافة الحسن بن علی و خروجه الی معاویة و تسلیمه الامر إلیه)

اشارة

* و هو أبو محمد الحسن بن علی بن أبی طالب سبط رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و هو السادس فخلع کما سیأتی و أمّة فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و قد ذکرنا صفته و میلاده فی الموطن الثالث قال أبو عمرو و لما قتل علی بن أبی طالب بایع الحسن أکثر من أربعین ألفا کلهم قد بایع أباه قبله علی الموت و کانوا أطوع للحسن و أحب فیه منهم فی أبیه فبقی نحو سبعة أشهر خلیفة بالعراق و ما وراءها من خراسان و الحجاز و الیمن و غیر ذلک کذا فی اسد الغابة و قیل ستة أشهر* و فی المختصر الجامع بویع له یوم مات أبوه و أقام بعد المبایعة بالکوفة الی ربیع الاوّل من سنة احدی و أربعین* و عن شرحبیل بن سعد قال مکث الحسن نحوا من ثمانیة أشهر لا یسلم الامر الی معاویة و فی حیاة الحیوان بویع له بالخلافة بعد موت والده ثم سار الی المدائن و استقرّ بها فبینما هو بالمدائن اذ نادی مناد ان قیسا قد قتل فانفروا و کان الحسن قد جعله علی مقدّمة الجیش و هو قیس ابن سعد بن عبادة* فلما خرج الحسن عدا علیه الجراح بن الاسد لیسیر معه فوجأه بالخنجر فی فخذه لیقتله فقال الحسن قتلتم أبی بالامس و وثبتم علیّ الیوم تریدون قتلی زهدا فی العادلین و رغبة فی القاسطین و اللّه لتعلمن نبأه بعد حین ثم کتب الی معاویة بتسلیم الامر إلیه کما سیجی‌ء*

ترجمة الاشعث بن قیس الکندی‌

و مات فی خلافة الحسن الاشعث بن قیس الکندی من کبار أمراء العرب کان سید قومه و ارتدّ بعد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثم استأمن و وفد علی أبی بکر مسلما فمنّ علیه الصدّیق و زوّجه بأخته ففرح و ذهب الی سوق الابل فجذب سیفه و عرقب کل ابل بالسوق فصاح الناس ارتدّ الاشعث قال لا و اللّه و لکن خلیفة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم زوّجنی بأخته و هذه ولیمتی فانحروا و کلوا و لو کنا ببلادنا لکانت أضعاف هذه ثم وزن للناس أثمان ابلهم ثم نزل الکوفة و ولی أذربیجان و توریز لعثمان و کان علی میمنة علیّ یوم صفین و کان أحد الاجواد و عاش بعد علیّ أربعین لیلة* و فی دول الاسلام لما استشهد علیّ عمد اهل العراق الی ابنه الحسن فبایعوه ثم أشاروا علیه بالمسیر لیأخذ الشام من معاویة و سار معاویة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:290
بجیش الشام لقصده فلما تقارب الجیشان و تراءی الجمعان بموضع یقال له مسکن بناحیة الانبار من أرض السواد علم الحسن أن لن تغلب احدی الفئتین حتی یذهب أکثر الأخری فرأی أن المصلحة فی جمع الکلمة و ترک القتال فکتب الی معاویة یراسله یخبر بانه یصیر الامر إلیه و ینزل عنه علی أن یشترط علیه أن لا یطلب أحدا من أهل المدینة و الحجاز و العراق بشی‌ء مما کان فی أیام أبیه و ان یکون ولی العهد من بعده و ان یمکنه من بیت المال لیأخذ حاجته منه ففرح معاویة و أجاب الی ذلک الا أنه قال الا عشرة أنفس لا أو منهم فراجعه الحسن فیهم فکتب إلیه معاویة انی قد آلیت اننی متی ظفرت بقیس بن سعد بن عبادة ان أقطع لسانه و یده فراجعه الحسن انی لا أبایعک أبدا و أنت تطلب قیسا و غیره بتبعة قلت أو کثرت فبعث إلیه معاویة حینئذ برق أبیض و قال له اکتب ما شئت فیه فأنا ألتزمه فاصطلحا علی ذلک فکتب الحسن کل ما اشترط علیه من الامور المذکورة و اشترط ان یکون له الامر بعده فالتزم ذلک کله معاویة فخلع الحسن نفسه و سلم الامر الی معاویة ببیت المقدس تورعا و قطعا للشر و اطفاء لنائرة الفتنة و یقال انه باعه ایاها بخمسة آلاف ألف درهم یدفعها إلیه کل سنة کذا فی المختصر الجامع فلما اصطلحا دخل معاویة الکوفة و سمی ذلک العام عام الجماعة و سیجی‌ء عطاء معاویة الحسن و کان کما قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ان ابنی هذا سید و سیصلح اللّه به بین فئتین عظیمتین من المسلمین و ذکر ذلک کله فی الاستیعاب و کان الحسن یقول ما أحببت منذ علمت ما ینفعنی و ما یضرنی أن ألی أمر أمة محمد صلی اللّه علیه و سلم أن یهراق فی ذلک محجمة دم ثم سار الحسن بأهله و حشمه الی المدینة و أقام بها و غضب من فعله شیعته و یقولون له یا عار المؤمنین سوّدت وجوه المؤمنین فیقول لهم العار خیر من النار* و عن أبی العریف قال کنا فی مقدّمة الحسن بن علی اثنی عشر ألفا مستمیتین حراصا* و فی الاستیعاب مستمیتین تقطر أسیافنا من الجدّ و الحرص علی قتال أهل الشام فلما جاءنا صلح الحسن کأنما کسرت ظهورنا من الغیظ و الحزن فلما جاء الحسن الکوفة أتاه شیخ منا یکنی أبا عمر و سفیان بن أبی لیلی فقال السلام علیک یا مذل المؤمنین قال لا تقل یا أبا عمر و فانی لم أرذل المؤمنین و لکن کرهت ان أقتلکم فی طلب الملک خرجه أبو عمرو* و فی دول الاسلام قال لست بمذل المؤمنین و لکن کرهت ان أقتلکم علی الملک* و عن جبیر بن نفیر قال قدمت المدینة فقال الحسن بن علی کانت جماجم العرب بیدی یسالمون من سالمت و یحاربون من حاربت و ترکتها ابتغاء لوجه اللّه تعالی و حقن دماء المسلمین خرجه الدولابی* و کان الحسن من المبادرین الی نصرة عثمان بن عفان و کان کثیر الزواج و الطلاق یقال تزوّج رضی اللّه عنه تسعین امرأة* و روی المدائنی انه أحصن فی زمان أبیه تسعین امرأة فقال علی رضی اللّه عنه لقد تزوّج الحسن و طلق حتی خفت ان یجنی علینا بذلک عداوة أقوام* قال ابن سیرین تزوّج الحسن امرأة فبعث إلیها بمائة جاریة مع کل جاریة ألف درهم و حج مرات ماشیا و نجائبه تقاد بین یدیه و کان قاضیه قاضی أبیه و کذلک کاتبه و لم یکن له حاجب* قال أبو عمرو بایع الناس معاویة فاجتمعوا علیه فی منتصف جمادی الاولی سنة اثنتین و أربعین* و فی الاستیعاب سنة احدی و أربعین و معاویة یومئذ ابن ست و ستین سنة إلّا شهرین قال أبو عمرو هذا أصح ما قیل فی تاریخ عام الجماعة و علیه أکثر أهل هذه الصناعة من أهل السیر و العلم بالخبر قال و من قال سنة أربعین فقدوهم اذ لم یختلفوا ان المغیرة حج بالناس سنة أربعین من غیر ان یأمره أحد و کان بالطائف و لو کان الاجتماع علی معاویة قبل ذلک لم یکن کذلک و اللّه أعلم* و فی الاستیعاب لما دخل معاویة الکوفة حین أسلم الامر إلیه الحسن بن علی کلم عمرو بن العاص معاویة ان یأمر الحسن بن علی فیخطب الناس فکره ذلک معاویة و قال لا حاجة لنا فی ذلک قال عمرو و لکنی أرید ذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:291
لیبدو عیّه فانه لا یدری هذه الامور ما هی فلم یزل بمعاویة حتی أمر الحسن أن یخطب و قال له قم یا حسن و کلم الناس فیما جری بیننا فقام الحسن فتشهد و حمد اللّه و أثنی علیه ثم قال فی بدیهته أما بعد أیها الناس فانّ اللّه هداکم بأوّلنا و حقن دماءکم بآخرنا و ان هذا الامر مدّة و الدنیا دول و ان اللّه عز و جل یقول قل ان أدری أ قریب أم بعید ما توعدون انه یعلم الجهر من القول و یعلم ما تکتمون و ان أدری لعله فتنة لکم و متاع الی حین فلما قالها قال له معاویة اجلس فجلس ثم قام معاویة فخطب الناس ثم قال لعمرو هذا من ورائک* و عن الشعبی قال لما جری الصلح بین الحسن بن علی و بین معاویة قال له معاویة قم فاخطب الناس و اذکر ما کنت فیه فقام الحسن فخطب فقال الحمد للّه الذی هدی بنا أوّلکم و حقن بنا دماء آخرکم الا ان أکیس الکیس التقی و أعجز العجز الفجور و أن هذا الامر الذی اختلفت أنا و معاویة اما ان یکون کان أحق به منی أو یکون حقی ترکته للّه و لصلاح أمّة محمد و حقن دمائهم قال ثم التفت الی معاویة و قال و ان أدری لعله فتنة لکم و متاع الی حین ثم نزل* قال عمرو بن العاص لمعاویة ما أردت الا هذا* و عن الشعبی انه قال شهدت خطبة الحسن حین أسلم الامر الی معاویة*

(ذکر عطاء معاویة الحسن و اکرامه له)

* عن عبد اللّه بن بریدة انّ الحسن دخل علی معاویة فقال لاجیزنک بجائزة لم أجز بها أحدا قبلک و لا أجیز بها أحدا بعدک فأجازه بأربعمائة ألف درهم فقبلها خرجه ابن الضحاک فی الآحاد و المثانی ذکر ذلک المحب الطبری فی ذخائر العقبی و سیجی‌ء ذکر وفاته فی سنة تسع و أربعین فی خلافة معاویة* مرویاته فی کتب الاحادیث ثلاثة عشر حدیثا و قد ذکرنا ولادته و تسمیته و أولاده فی الموطن الثالث*

فائدة غریبة

* ذکرها المؤرخون و هی انّ کل سادس قائم بأمر الامة مخلوع* و نقل ابن الجوزی عن أبی بکر الصولی انه قال الناس یقولون کل سادس یقوم بأمر الناس منذ أوّل الاسلام لا بد و ان یخلع* قال ابن الجوزی فتأملت ذلک فرأیت عجبا قام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم أبو بکر ثم عمر ثم عثمان ثم علی ثم الحسن فخلع ثم معاویة ثم یزید ثم معاویة بن یزید ثم مروان ثم عبد الملک ثم عبد اللّه بن الزبیر فخلع و قتل و سیأتی ذکر تمامهم بالترتیب ان شاء اللّه تعالی قیل الفائدة المذکورة انما تستقیم اذا تأخرت خلافة ابن الزبیر عن خلافة عبد الملک بن مروان کما وقعت فی حیاة الحیوان و أما اذا کانت بعد خلافة معاویة بن یزید کما وقع فی دول الاسلام و مورد اللطافة و غیرهما فلا یستقیم و أیضا الفائدة المذکورة أکثریة لا کلیة لتخلفها فی بعض المواضع کما ذکر فی حیاة الحیوان*

(ذکر خلافة معاویة ابی عبد اللّه بن أبی سفیان صخر بن حرب بن أمیة بن عبد شمس ابن عبد مناف القرشی الاموی و أمه هند بنت عتبة بن ربیعة بن عبد شمس)

* و فی مورد اللطافة کنیته أبو عبد الرحمن و لقبه الناصر لدین اللّه و قیل الناصر لحق اللّه و الثانی أشهر* صفته* کان طوالا أبیض اذا ضحک انقلبت شفته العلیا یخضب بالحناء و الکتم و کان ربما کتب للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم الوحی ثم کان من عسکر أخیه یزید بن أبی سفیان فلما احتضر أخوه بدمشق و کان نائبها لعمر استخلفه علی امرة دمشق فأقرّه علیها عمر فی سنة عشرین فلم یزل متولیا علی الشام عشرین سنة فلما أسلم إلیه الحسن الخلافة اجتمع له الامر و بعث نوّابه علی البلاد و ذلک فی الیوم الخامس و العشرین من شهر ربیع الاوّل سنة احدی و أربعین* و فی سیرة مغلطای فی شوّال سنة احدی و أربعین ببیت المقدس و سمی هذا العامّ عام الجماعة کما مرّ فی خلافة الحسن لاجتماع الامة بعد الفرقة علی خلیفة واحد* و فی دول الاسلام فی سنة احدی و أربعین غزا المسلمون اطراف افریقیة و غنموا و سبوا و فی سنة اثنتین و أربعین مات عثمان بن طلحة بن أبی طلحة و أمه أم سعید سلافة بنت سعد من بنی عمرو بن عوف* و فی سنة ثلاث و أربعین توفی عبد اللّه بن سلام بالمدینة و کان اسلامه فی أوّل قدوم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم المدینة کما
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:292
مرّ فی الموطن الاوّل و کان اسرائیلیا حبرا یکنی أبا یوسف و هو ممن شهد له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بالجنة و طالت دولة معاویة و کان ملکا مهیبا حازما شجاعا جوادا حلیما سیدا کأنما خلق للملک یعدّ من أفراد الملوک تمت فی أیامه عدّة فتوحات و فی سنة احدی و أربعین و قیل خمس و أربعین فی خلافة معاویة ماتت أم المؤمنین حفصة بنت عمر بن الخطاب العدویة تزوّجها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی سنة ثلاث من الهجرة و فی سنة احدی و أربعین مات لبید بن ربیعة العامری الشاعر الذی قال فیه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أصدق کلمة قالها الشعراء کلمة لبید* ألا کل شی‌ء ما خلا اللّه باطل* تمامه* و کل نعیم لا محالة زائل* و کان من فحول الشعراء عاش مائة و خمسین سنة وفد علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأسلم و حسن اسلامه و ترک قول الشعر و له
ما عاتب المرء الکریم کنفسه‌و المرء یصلحه القرین الصالح

وفاة عمرو بن العاص‌

و فی سنة ثلاث و أربعین مات بمصر لیلة عید الفطر عمرو بن العاص السهمی و کان نائبا لمعاویة علیها وفد مسلما علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فأمره علی غزوة ذات السلاسل و هو الذی افتتح مصر و کان من دهاة العرب و أولی الحزم و الرأی و المکیدة خلف أموالا عظیمة من ذلک سبعین رقبة بعیر مملوءة ذهبا و کان معاویة أطلق له خراج الدیار المصریة ست سنین شارطه علی ذلک لما أعانه علی وقعة صفین و عاش نحوا من تسعین سنة* و فی سنة أربع و أربعین عمل معاویة المقصورة بجامع دمشق و هو أوّل من عملها و کان یستنیب فی زمن ولایته من یحج و حج بالناس سنتین سنة أربع و أربعین و سنة احدی و خمسین* قال أبو الفرج حج هو بالناس سنة خمسین* و فی مورد اللطافة لما حج معاویة خرج إلیه الحسن ابن علی یشتکی إلیه دینا فأعطاه ثمانین ألف دینار ولی نیابة المدینة لمعاویة مروان بن الحکم و حج بالناس أخو معاویة عتبة بن أبی سفیان و فی سنة أربع و أربعین و قیل اثنتین و خمسین مات أبو موسی الاشعری و اسمه عبد اللّه بن قیس الیمنی صاحب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قد استعمله علی زبید و عدن و لم یکن فی الصحابة أحسن صوتا منه بالقرآن و قد مرّ فی الموطن العاشر استماع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لقراءته و قد ولی فتح أصبهان فی أیام عمر و مناقبه جمة و دفن بمکة و قیل دفن بالنوبة علی میلین من الکوفة مرویاته فی کتب الاحادیث ثلاثمائة و سبعون حدیثا و فی سنة أربع و أربعین توفیت زوج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أم حبیبة بنت أبی سفیان بالمدینة و هی أخت الخلیفة معاویة و فی سنة خمس و أربعین مات زید بن ثابت الانصاری المقری الفرضی أحد أئمة الصحابة و کاتب الوحی لرسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم* قال الواقدی مات زید بن ثابت بالمدینة سنة خمس و أربعین و هو ابن ست و خمسین و حین قدم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم المدینة کان ابن احدی عشرة سنة* و قال غیر الواقدی مات سنة احدی أو اثنتین و خمسین* و قال آخر مات سنة خمس و خمسین کذا فی الصفوة و فی سنة سبع و أربعین کان أوّل وقعة بین المسلمین و الترک فانّ الترک تجمعوا و خرجوا فالتقاهم ابن سوار العبدی فقتل هو و عامّة جیشه و غلب الترک علی بلد قیقان* و فی سنة ثمان و أربعین غزا معاویة بن أبی سفیان قبرس فیما ذکره الواقدی و قال و هو أوّل من غزا الروم کذا فی الاکتفاء*

(ذکر وفاة الحسن بن علی بن أبی طالب)

* رضی اللّه عنهما و قد ذکر مولده فی الموطن الثالث فی الصفوة قال عمیر بن اسحاق دخلت علی الحسن قال ألقیت طائفة من کبدی و انی قد سقیت السم مرارا* و فی ذخائر العقبی ثلاث مرّات فلم أسق مثل هذه المرّة ثم دخلت علیه من الغد و هو یجود بنفسه و الحسین عند رأسه فقال یا أخی من تتهم قال لم أ تقتله قال نعم قال ان یکن الذی أظنّ فاللّه أشدّ بأسا و أشدّ تنکیلا و الا فما أحب أن یقتل بی بری‌ء* و فی روایة قال و اللّه لا أقول لکم من سقانی ثم قضی رضی اللّه عنه* و قد ذکر یعقوب بن سفیان فی تاریخه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:293
أن جعدة بنت الاشعث بن قیس الکندی کانت تحت الحسن بن علیّ فزعموا انها سمته* مرض الحسن أربعین یوما و اختلف فی وقت وفاته فقیل سنة تسع و أربعین بالمدینة قاله أبو عمرو و غیره کذا فی ذخائر العقبی و قیل مات فی ربیع الاوّل سنة خمسین بعد ما مضی من خلافة معاویة عشر سنین کذا فی الاستیعاب و قیل بل مات سنة احدی و خمسین و هو یومئذ ابن ست و قیل سبع و أربعین سنة علی الخلاف منها سبع سنین مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و ثلاثون سنة مع أبیه و عشر بعده و قیل مات و هو ابن خمس و أربعین سنة و غسله الحسین و محمد و العباس بنو علی بن أبی طالب و دفن بالبقیع* روی انه أوصی أن یدفن مع أمه فاطمة بالمقبرة فدفن بالمقبرة الی جنبها* قال سعید بن محمد بن جبیر رأیت قبر الحسن بن علی بن أبی طالب عند فم الزقاق بین دار نبیهة بن وهب و بین دار عقیل بن أبی طالب* و روی قائد مولی عبادة قال حدّثنی الحفار لقبره قال وجدت قبرا علی سبعة أذرع مشرفا علیه لوح مکتوب هذا قبر فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ذکر ذلک کله ابن النجار فی أخبار المدینة و ذکر انه دفن معه فی قبره ابن أخیه علی بن الحسین زین العابدین و أبو جعفر محمد الباقر و ابنه جعفر الصادق و قبره یعرف بقبة العباس و صلی علیه سعید بن العاص و کان أمیر المدینة قدّمه الحسین للصلاة علی أخیه و قال لو لا انها سنة ما قدّمتک و کانت عائشة أباحت له ان یدفن مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی بیتها و کان سألها ذلک فی مرضه فلما مات منع من ذلک مروان و بنو أمیة* قال قتادة و أبو بکر بن جعفر مات مسموما سمته امرأته بنت الاشعث بن قیس الکندی و کان لها ضرائر کما مر*

(ذکر وصیته لاخیه الحسین رضی اللّه عنهما)

* قال أبو عمرو روینا من وجوه ان الحسن لما حضرته الوفاة قال للحسین أخیه یا أخی ان أباک حین قبض رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم استشرف لهذا الامر رجاء أن یکون صاحبه فصرفه اللّه عنه و ولیها أبو بکر فلما حضرت أبا بکر الوفاة تشرف لها أیضا فصرفت عنه الی عمر فلما قبض عمر جعلها شوری بین ستة هو أحدهم فلم یشک انها لا تعدوه فصرفت عنه الی عثمان فلما هلک عثمان بویع له ثم نوزع حتی جرّد السیف و طلبها فما صفا له شی‌ء منها و انی و اللّه ما أری أن یجمع اللّه فینا أهل البیت النبوّة و الخلافة فلأعرفنّ ما استخفک سفهاء أهل الکوفة فأخرجوک و قد کنت طلبت الی عائشة اذا مت ان أدفن فی بیتها مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقالت نعم و انی لا أدری لعله کان ذلک منها حیاء فاذا أنامت فاطلب ذلک إلیها فان طابت نفسها فادفنی فی بیتها و ما أظنّ الا القوم سیمنعونک اذا أردت ذلک فان فعلوا فلا تراجعهم فی ذلک و ادفنی فی بقیع الغرقد فان لی بمن فیه أسوة* فلما مات الحسن أتی الحسین عائشة یطلب ذلک إلیها فقالت نعم و کرامة فبلغ ذلک مروان فقال کذب و کذبت و اللّه لا یدفن هناک أبدا منعوا عثمان من دفنه فی المقبرة و یریدون دفن حسن فی بیت عائشة فبلغ ذلک حسینا فدخل هو و من معه فی السلاح فبلغ ذلک مروان فاستلام فی الحدید أیضا فبلغ ذلک أبا هریرة فقال و اللّه ما هو الا ظلم یمنع حسن ان یدفن مع أبیه و اللّه انه لابن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم انطلق الی حسین فکلمه و ناشده اللّه و قال له أ لیس قد قال أخوک ان خفت ان یکون قتال فردّنی الی مقبرة المسلمین و لم یزل به حتی فعل و حمله الی البقیع و لم یشهده یومئذ من بنی أمیة الا سعید بن العاص و کان یومئذ أمیرا علی المدینة قدّمه الحسین فی الصلاة علیه و قال هی السنة و خالد بن الید بن عقبة ناشد بنی أمیة ان یخلوه یشهد الجنازة فترکوه و شهد دفنه فی المقبرة و دفن الی جنب امّه فاطمة رضی اللّه عنهم*

(ذکر أولاده)

* فی الصفوة کان للحسن من الولد خمسة عشر ذکر او ثمان بنات و ذکر ابن الدراع أبو بکر أحمد فی کتاب موالید أهل البیت أنه ولد له أحد عشر ابنا و بنت عبد اللّه و القاسم و الحسن و زید و عمرو و عبید اللّه و عبد الرحمن و أحمد و إسماعیل و الحسین الاثرم و عقیل و أمّ الحسن* و فی ذخائر العقبی خلف الحسن من
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:294
الولد حسن بن حسن و عبد اللّه و عمرا و زیدا و ابراهیم ذکره الدولابی* و فی المختصر الجامع أما أولاده فالحسن و زید و عمرو و الحسین الاثرم و طلحة و عبد الرحمن و القاسم و أبو بکر و عبد اللّه و هؤلاء الثلاثة قتلوا فی الطف مع الحسین و العقب للحسن و زید دون من سواهما* و لما مات الحسن ورد البرید الی معاویة بموته فقال یا عجبا من الحسن شرب شربة من عسل بماء رومة فقضی نحبه و دخل علیه ابن عباس فقال له یا أبا عباس احتسب الحسن لا یحزنک اللّه و لا یسؤک فقال أما ما أبقاک اللّه یا أمیر المؤمنین فلا یحزننی اللّه و لا یسوؤنی فأعطاه علی کلمته ألف ألف و عروضا و أشیاء و قال خذها و اقسمها علی أهلک خرجه أبو عمرو* و فی حیاة الحیوان قال ابن خلکان لما مرض الحسن کتب مروان ابن الحکم الی معاویة بذلک و کتب إلیه معاویة أن أقبل المطی الیّ بخبر الحسن فلما بلغ معاویة موته سمع تکبیر من الخضراء فکبر أهل الشام لذلک التکبیر فقالت فاختة بنت قریظة لمعاویة أقرّ اللّه عینک ما الذی کبرت لاجله فقال مات الحسن فقالت أعلی موت ابن فاطمة تکبر فقال ما کبرت شماتة و لکن استراح قلبی و دخل علیه ابن عباس فقال یا ابن عباس هل تدری ما حدث فی أهل بیتک قال لا أدری ما حدث الا أنی أراک مستبشرا و قد بلغنی تکبیرک فقال مات الحسن فقال ابن عباس رحم اللّه أبا محمد ثلاثا و اللّه یا معاویة لا تسدّ حفرته حفرتک و لا یزید عمره فی عمرک و لئن کنا أصبنا بالحسن فلقد أصبنا بامام المتقین و خاتم النبیین فجبر اللّه تلک الصدعة و سکن تلک العبرة و کان الخلف علینا من بعده*

ذکر من توفی من کبار الصحابة فی زمن الحسن‌

و فی سنة خمسین من الهجرة مات عبد الرحمن بن سمرة القرشی الامیر الذی فتح سجستان و غیرها و فیها مات کعب بن مالک الانصاری الشاعر الشهیر أحد الثلاثة الذین خلفوا فتیب علیهم و المغیرة ابن شعبة الثقفی و کان شهد بیعة الرضوان و کان یومئذ سیاف النبیّ صلی اللّه علیه و سلم واقفا علی رأسه و بیده سیف و کان من دهاة العرب و عقلائها و أشرافها و ولی امرة العراق لعمرو فیها ماتت أم المؤمنین صفیة بنت حیی بن أخطب و فی سنة احدی و خمسین مات جریر بن عبد اللّه البجلی و کان قد وفد علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأکرمه و أمره علی طائفة و کان بدیع الحسن* و عن عمر قال جریر یوسف هذه الامّة و کان طویلا جدّا نعله ذراع* و مات فیها سعید بن زید بن عمرو بن نفیل العدوی ابن عم عمرو أحد العشرة المبشرة بالجنة أسلم قبل عمرو شهد بدرا و غیرها و عاش بضعا و سبعین سنة و مات فیها عثمان بن أبی العاص الثقفی الذی ولاه النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علی الطائف و قد فتح علی یده عدّة فتوحات و سکن البصرة و کان من فضلاء زمانه و فیها ماتت أمّ المؤمنین میمونة بنت الحارث الهلالیة تزوّجها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بسرف و هو محرم و دخل بها بسرف و اتفق موتها بسرف و هی خالة ابن عباس و خالد بن الولید و قد مرّ فی الموطن السابع و فی سنة خمسین و قال الواقدی فی سنة اثنتین و خمسین و کذا فی المختصر الجامع غزا المسلمون الروم و غلبهم یزید بن معاویة* قال الواقدی غزا یزید فی خلافة أبیه معاویة بن أبی سفیان بلاد الروم فسار بالجیش الی ان نزل علی مدینة قسطنطینیة و معه من الکبار أبو أیوب الانصاری و توفی بها و صلی علیه یزید و قبره هناک تجاه سور قسطنطینیة* و قال الواقدی قبره بأصل حصن القسطنطینیة بأرض الروم* و فی المختصر الجامع دفن فی أصل سور قسطنطینیة* و قال الواقدی بلغنا ان الروم یتعاهدون قبره و یؤمّونه و یستسقون به اذا قحطوا الی الیوم* و فی المختصر الجامع فقیل للروم لقد مات رجل عظیم من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و أقدمهم اسلاما و قد قبرناه حیث رأیتم و اللّه لئن مس لا یضرب ناقوس بأرض العرب و بنی الروم علی قبره و علقوا علیه أربع قنادیل* ثم التوفیق بین القولین أی بین کون غزوة یزید فی سنة خمسین و بین کونها فی سنة اثنتین و خمسین أن یقال یحتمل ان یکون أحد القولین باعتبار الابتداء
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:295
و الآخر باعتبار الانتهاء و اتفق موت ابن بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم الحسن بن علی بن أبی طالب و حصول مثل هذه الغزوة لیزید بن معاویة فطمع أبوه و قویت نفسه علی ان یجعله ولی عهده فحج من دمشق و بالغ فی اکرام الحسین بن علی و أعطاه مالا ضخما و أکرم أیضا ابن الزبیر الی الغایة و عبد الرحمن بن أبی بکر بن الصدّیق رضی اللّه عنهم و وصلهم بالاموال و غیرها و عرّض لهم بتولیة ابنه یزید فتوقفوا و لم یجیبوا و قال له ابن أبی بکر اختر فعل النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أو فعل أبی بکر أو فعل عمر فالنبیّ مات و ترک الناس فعمدوا الی أفضل رجل فولوه الامر و أبو بکر عند موته لم یول ولده و لا أقاربه بل تفرّس أفضل الناس فعمد إلیه بالخلافة و هو عمر و أما عمر فنظر فیمن یصلح لها فوجد ستة متقاربین فجعل الامر شوری لیختاروا لهم منهم واحدا فافعل أحد هذه الصور فسکت ثم قال انی متکلم اللیلة علی منبر المدینة فلیحذر امرؤ أن یردّ علیّ مقالتی خشیة ان لا یتم قوله حتی یطیر رأسه ثم انه استوی علی المنبر و ذکر من فضل ابنه و شجاعته و أن أهل الشام بایعوا له بالعهد ثم قال و قد بایع له هؤلاء و أشار الی ابن الزبیر و الی ابن أبی بکر و الحسین فما جسروا أن ینطقوا فبایع أهل الحجاز فلما قاموا قالوا انا لم نبایع فلم یصدّقهم بعض الناس و سار معاویة الی الشأم من لیلته و فی سنة اثنتین و خمسین مات عمران بن حصین الخزاعی من فضلاء أصحابه ولی قضاء البصرة و کان بعثه عمر إلیها لیفقههم و ذکر ان الملائکة کانت تسلم علیه و مات فیها معاویة بن حدیج أحد من ولی دیار مصر لمعاویة ابن أبی سفیان له صحبة و فی حدودها مات أبو بکرة الثقفی نفیع تدلی من حصن الطائف ببکرة الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأسلم نزل البصرة و فی هذا الوقت مات عمرو بن حزم الانصاری الذی استعمله النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علی نجران و فی سنة ثلاث و خمسین توفی عبد الرحمن بن أبی بکر الصدّیق کذا فی تاریخ الیافعی و تأخر اسلامه عن أبیه مدّة و أسلم قبل الفتح و کان شجاعا رامیا قتل یوم الیمامة سبعة من کبارهم و فی سنة ثلاث و خمسین مات زیاد بن أمیة الذی استخلفه معاویة بأنه أخوه و جمع له امرة العراقین و کان أسلم فی خلافة الصدّیق و یعدّ من رجال الدهر عقلا و رأیا و شجاعة و دهاء و فصاحة و فی سنة أربع و خمسین مات حبّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و ابن مولاه اسامة بن زید الکلبی و امّه أمّ أیمن حاضنة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قد أمره النبیّ علی جیش قبل موته لیغزو أطراف الشام و کان فی جیشه عمر* و فی الصفوة و کان اسامة قد سکن بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم وادی القری ثم نزل الی المدینة و مات فی الجرف فی آخر خلافة معاویة* قال الزهری حمل اسامة حین مات من الجرف الی المدینة* و مات فیها بحمص ثوبان مولی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و کان من علماء الصحابة و جبیر ابن مطعم بن عدی النوفلیّ أحد الاشراف و من بنی عم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کان من حلماء قریش و سادتهم و حسان بن ثابت الانصاری شاعر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم الذی کان یهجو المشرکین دعا له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اللهمّ أیده بروح القدس* و فیها مات حکیم بن حزام بن خویلد القرشی الاسدی من اجلة الصحابة أسلم یوم الفتح و حسن اسلامه اتفق مولده فی جوف الکعبة و کان جوادا شریفا أعتق فی الجاهلیة و الاسلام مائتی رقبة و باع لمعاویة دارا بستین ألفا و تصدّق بها و قال کنت اشتریتها فی الجاهلیة بزق خمر و قد مرّ ذکره فی الموطن الثامن و فیها مات فارس رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبو قتادة الانصاری السلمی و کان من کبار الصحابة و فی سنة أربع و خمسین غزا عبید اللّه بن زیاد خراسان و قطع نهر جیحون الی بخاری علی الابل فکان أوّل عربی قطع النهر فافتتح بعض مملکة بخاری و صالحه أهل طبرستان علی خمسمائة ألف درهم فی السنة* و فی سنة خمس و خمسین مات الامیر الکبیر
فاتح العراق سعد بن أبی وقاص و اسمه مالک بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن کلاب الزهری أحد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:296
العشرة المشهود لهم بالجنة و کان یقال له فارس الاسلام* صفته* کان قصیرا غلیظا ذا هامة شثن الاصابع آدم أفطس أشعر الجسد یخضب بالسواد کذا فی الصفوة و هو أوّل من رمی بسهم فی سبیل اللّه و کان مجاب الدعوة عاش ثلاثا و سبعین سنة أو أکثر و یقال جاوز الثمانین و هو أحد الستة الذین عینهم عمر بن الخطاب للخلافة* مرویاته فی کتب الاحادیث مائتان واحد و سبعون حدیثا و مات فیها أبو الیسر کعب بن عمرو الانصاری من کبار البدریین و هو الذی أسر العباس یوم بدر و مات بعد سعد و فیها مات فی الغزاة بأرض الروم مالک السرایا و کان من کبار الامراء الابطال کسروا علی قبره أربعین لواء و کان صوّاما قوّاما مجاهدا و قیل بقی الی دولة عبد الملک* و فی سنة ست و خمسین ولی خراسان لمعاویة سعید بن عثمان بن عفان فغزا سمرقند و التقی هو و الصغد فاقتتلوا ثم صالحوا سعیدا و أعطوه ماتن و فیها توفیت أمّ المؤمنین جویریة بنت الحارث المصطلقیة کذا فی تاریخ الیافعی و قیل فی سنة خمس و خمسین و فیها استشهد ابن عم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قثم بن العباس بن عبد المطلب و کان یشبه النبیّ علیه السلام و قد ولی امرة مکة لعلی بن أبی طالب و قبره بسمرقند کما مرّ و فی سنة سبع و خمسین مات صاحب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أبو هریرة الدوسی و کان اماما حافظا مفتیا کبیر القدر کثیر الروایة و توفیت قبله بیسیر السیدة العالمة أمّ المؤمنین عائشة بنت أبی بکر و هی أفقه نساء الامّة و أعلمهنّ* قال الواقدی توفیت عائشة بالمدینة لیلة الثلاثاء لسبع عشرة لیلة خلت من رمضان سنة ثمان و خمسین و قال غیره سبع و خمسین سنة من الهجرة فی أیام معاویة و مدّة عمرها ثلاث و ستون سنة و هو الصحیح و قیل ست و ستون کذا فی الصفوة و المنتقی و فی سنة ثمان و خمسین مات شدّاد بن أوس الانصاری بالقدس و کان من العلماء الحکماء و کان یقول اللهم ان النار قد حالت بینی و بین النوم فیقوم و یصلی الی الصباح و فیها مات بمصر عقبة بن عامر الجهنی و کان من علماء الصحابة ولی امرة مصر ثم ولی غزو البحر و فی سنة تسع و خمسین غزا بالمسلمین ابن المهاجر فنزل علی قرطاجنة و کثر القتل فی الفریقین و کانت ملحمة عظمی و کانت غزوة ابن المهاجر هذه مدّة عامین التقوا غیر مرّة و فی سنة تسع و خمسین مات سعید بن العاص الاموی أحد الفصحاء الاجواد و الامراء الکبار ولی الکوفة و افتتح طبرستان ثم ولی امرة المدینة و اعتزل فتنة الجمل و صفین و کانه رأی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و فیها توفی أبو محذورة الجمحی مؤذن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم کذا فی تاریخ الیافعی و مات فی سنة ستین سمرة بن جندب الفزاری و عبد اللّه بن مغفل المزنی و کانا من بقایا الصحابة بالبصرة و کان ابن مغفل من الفقهاء العلماء*

(ذکر وفاة معاویة و موضع قبره)

* توفی معاویة خلیفة الوقت بدمشق فی غرّة رجب و فی سیرة مغلطای لثمان بقین من رجب سنة ستین و صلی علیه ابنه یزید علی خلاف و دفن بین باب الجابیة و باب الصغیر و عمره ثمان و سبعون سنة و ثلاثة أشهر و خمسة أیام قاله ابن اسحاق کان والیا علی الشام و أمیرا و خلیفة أربعین سنة أربع فی خلافة عمر و اثنتی عشرة مدّة خلافة عثمان و قاتل علیا خمس سنین و خلص له الامر تسع عشرة سنة و ثمانیة أشهر* و فی تاریخ الیافعی ولی الشام لعمر و عثمان عشرین سنة و ولی الملک بعد علیّ عشرین أخری الا شهرا و کان أسلم قبل أبیه أبی سفیان و صحب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کتب له و قد استشارت النبیّ صلی اللّه علیه و سلم امرأة فی ان تتزوّج بمعاویة فقال صلی اللّه علیه و سلم انه صعلوک لا مال له ثم بعد هذا القول باحدی عشرة سنة صار نائب دمشق ثم بعد الاربعین صار ملک الدنیا تحت حکمه من حدود بخاری الی القیروان من المغرب و من أقصی الیمن الی حدود قسطنطینیة و ملک اقلیم الحجاز و الیمن و الشام و مصر و المغرب و العراق و الجزیرة و أرمینیة و أذربیجان و الروم و فارس و خراسان و الجبال و ما وراء النهر* و فی الشفاء دعا له
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:297
النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال اللهم مکنه فی البلاد فنال الخلافة و کان عظیم الهیبة ملیح الشکل وافر الحشمة یلبس الثیاب الفاخرة و العدّة الکاملة و یرکب الخیل المسوّمة و کان حلیما محببا الی الرعیة کثیر البذل و العطاء کبیر الشأن و کان نقش خاتمه لکل عمل ثواب*

(ذکر أولاده و قضاته و أمرائه و کتابه و حجابه‌

* أما أولاده فعبد الرحمن و یزید و عبد اللّه و هند و رملة و صفیة و عائشة* و أما قضاته فقضی له أبو عبید اللّه الانصاری و علی مصر سلیم بن عنزة عشرین سنة الی ان مات معاویة* و أما أمراؤه فعمرو بن العاص أمیر مصر الی ان توفی فی لیلة الفطر من سنة ثلاث و أربعین و ولی عوضه أخاه عتبة بن أبی سفیان ثم مات فولی عوضه عقبة بن عامر الجهنی ثم صرفه و ولی مسلمة بن مخلد الانصاری* و أما کتابه فعبید اللّه بن أوس الانصاری* و أما حجابه فزید مولاه ثم صفوان مولاه*

(ذکر خلافة یزید بن معاویة بن أبی سفیان القرشی الاموی)

* أمه میسورة بنت مخلد* حلیته* کان شدید الادمة بوجهه أثر الجدری کان أبوه قد جعله ولیّ عهده من بعده فقدم من أرض حمص و بادر الی قبر والده ثم دخل دمشق الی الخضراء و کانت دار السلطنة فخطب الناس و بایعوه بالخلافة فی رجب سنة ستین و کتب الی الاقالیم بذلک فبایعوه و امتنع من بیعته اثنان عظیمان الحسین بن علیّ سبط رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و عبد اللّه بن الزبیر ابن عمة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و فی أیام یزید فتح مسلم بن زیاد خوارزم و بخاری و ماتت فی دولته أم المؤمنین أم سلمة المخزومیة و کانت آخر زوجات رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم موتا*

(ذکر مقتل الحسین بن علی و أین قتل و من قتله)

* فی الاستیعاب لابن عبد البرّ قال أبو عمرو لما مات معاویة فی غرّة رجب سنة ستین و أفضت الخلافة الی یزید و وردت بیعته علی الولید بن عتبة بالمدینة لیأخذ البیعة علی أهلها ارسل الی الحسین بن علی و الی عبد اللّه بن الزبیر لیلا و أتی بهما فقال بایعا فقالا مثلنا لا یبایع سرّا و لکننا نبایع علی رءوس الناس اذا أصبحنا فرجعا الی بیوتهما و خرجا من لیلتهما الی مکة و ذلک لیلة الاحد للیلتین بقیتا من رجب و أقام الحسین بمکة شعبان و رمضان و شوّالا و ذا القعدة و خرج یوم الترویة یرید الکوفة فکان سبب هلاکه فقتل یوم الاحد لعشر من المحرّم یوم عاشوراء سنة احدی و ستین بموضع من أرض الکوفة یدعی کربلاء قرب الطف* و فی حیاة الحیوان و کان قتله یوم عاشوراء فی سنة ستین ذکره أبو حنیفة فی الاخبار الطوال* و فی أسد الغابة لابن الاثیر سبب قتله انه لما مات معاویة بن أبی سفیان کاتب کثیر من أهل الکوفة الحسین بن علی یحثونه علی القدوم علیهم و کان قد امتنع من البیعة لیزید بن معاویة لما بایع له أبوه بولایة العهد* و فی الاستیعاب کان معاویة أشار بالبیعة لیزید فی حیاته و عرّض بها و لم یکشفها و لا عزم علیها الا بعد موت الحسن بن علی* و فی أسد الغابة و امتنع مع الحسین عن بیعة یزید عبد اللّه بن عمر و عبد اللّه بن الزبیر و عبد الرحمن بن أبی بکر و لما توفی معاویة لم یبایع حسین أیضا و سار من المدینة الی مکة فأتاه کتب أهل الکوفة و هو بمکة فاغترّ فتجهز للمسیر فنهاه جماعة منهم أخوه محمد بن الحنفیة و ابن عمر و ابن عباس و غیرهم فقال رأیت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی المنام و أمرنی بأمر فأنا فاعل ما أمر* و فی دول الاسلام فسار الحسین فی سبعین فارسا من أهل بیته و غیرهم* و فی أسد الغابة فلما أتی العراق و کان یزید استعمل عبید اللّه ابن زیاد علی الکوفة فجهز الجیوش إلیه و استعمل علیهم عمر بن سعد بن أبی وقاص و وعده امارة الری* و فی دول الاسلام فوجه عبید اللّه بن زیاد عمر بن سعد بن أبی وقاص لقتاله فی نحو ألفی فارس فسار أمیرا علی الجیش فتلافوه بکر بلاء فأحاطوا به و طلبوا منه أن ینزل علی حکم عبید اللّه بن زیاد فلم یرض ان ینقاد لهم و یسلم نفسه بل قاتل* و عن أبی جعفر عن بعض مشیخته قال قال الحسین بن علی حین نزل بکر بلاء ما اسم هذه الارض قالوا کربلاء قال ذات کرب و بلاء لقد مرّ أبی بهذا المکان عند
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:298
مسیره الی صفین و انا معه فوقف و سأل عنه فأخبر باسمه فقال هاهنا محط رکابهم و هاهنا هراق مائهم فسئل عن ذلک فقال نفر من آل محمد ینزلون هاهنا ثم أمر باثقاله فحطت فی ذلک المکان کذا فی حیاة الحیوان* و عن عبد المطلب قال لما أحیط بالحسین قال ما اسم هذه الارض فقیل کربلاء فقال صدق رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أرض کرب و بلاء خرجه ابن الضحاک* (ذکر کیفیة قتله)* عن عبد ربه انّ الحسین بن علی لما رهقه القتال و أخذ له السلاح قال أ لا تقبلون منی ما کان رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقبل من المشرکین قال کان اذا جنح أحد للسلم قبل منه قالوا لا قال فدعونی أرجع قالوا لا قال فدعونی آتی أمیر المؤمنین* و فی روایة قال الحسین یا عمر اختر منی احدی ثلاث خصال اما أن تترکنی أرجع کما جئت فان أبیت فسیرنی الی یزید فأضع یدی فی یده فیحکم فیّ ما رأی فان أبیت هذه فسیرنی الی الترک فأقاتلهم حتی أموت فأرسل عمر الی ابن زیاد بذلک فهمّ ابن زیاد أن یسیر الی یزید فقال له شمر بن ذی الجوشن لا الا ان ینزل علی حکمک فأرسل إلیه بذلک فقال و اللّه لا أفعل فأبطأ عمر عن قتله فأرسل إلیه ابن زیاد شمر بن ذی الجوشن فقال ان تقدّم عمر فقاتل و الا فاقتله و کن أنت مکانه* و کان مع عمر قریب من ثلاثین رجلا من أهل الکوفة فقالوا یعرض علیکم ابن بنت رسول للّه صلی اللّه علیه و سلم ثلاث خصال لا تقبلون منها شیئا فتحوّلوا مع الحسین فقاتلوا أخرجهما ابن بنت منیع أبو القاسم البزی* و فی دول الاسلام امتنع الحسین عن الانقیاد لهم و لم یسلم نفسه بل قاتل حتی جاء سهم فی حلقه فسقط فاحتزوا رأسه فانا للّه و انا إلیه راجعون و ذلک فی یوم عاشوراء سنة احدی و ستین بأرض کربلاء بالطف و کان له سبع و خمسون سنة علی الخلاف کما سیأتی و نفذوا أولاده و خدمه الی یزید و هو بدمشق فأکرم أهله و نساءه و بعثهم الی المدینة کذا فی دول الاسلام* و فی أسد الغابة و لما قتل الحسین أمر عمر بن سعد نفرا فرکبوا خیولهم و أوطئوا الحسین و کان عدّة من قتل مع الحسین اثنین و سبعین* و فی ذخائر العقبی قتل الحسین یوم الجمعة لعشر خلت من المحرم یوم عاشوراء سنة ستین و قیل احدی و ستین بموضع یقال له کربلاء من أرض العراق من ناحیة الکوفة و یعرف ذلک الموضع أیضا بالطف کما مرّ* (ذکر من قتله)* قتله سنان بن أنس النخعی و قیل رجل من مذحج و قیل شمر بن ذی الجوشن و کان أبرص أجهر ثم تمم علیه خولی بن یزید الاصبحی من حمیر حز رأسه و أتی به عبید اللّه بن زیاد و قال
أوقر رکابی فضة و ذهبافقد قتلت السید المحببا کذا فی أسد الغابة* و قال فی الاستیعاب شعر
انی قتلت الملک المحبباقتلت خیر الناس أمّا و أبا
و خیرهم اذ ینسبون نسبا
و ما قیل ان عمر بن سعد بن أبی وقاص قتله فلم یصح و سبب نسبته إلیه انه کان أمیر الخیل التی أخرجها عبید اللّه بن زیاد لقتاله و وعده ان ظفر به أن یولیه الری و کان فی تلک الخیل قوم من أهل مصر و أهل الیمن* و فی حیاة الحیوان کان الذی باشر قتله الشمر بن ذی الجوشن و قیل سنان بن أنس النخعی و قیل ان شمرا ضربه علی وجهه فأدرکه سنان فطعنه فألقاه عن فرسه فنزل خولی بن یزید الاصبحی لیحتز رأسه فارتعدت یداه فنزل اخوه شبل بن یزید فاحتز رأسه و دفعه الی أخیه خولی و کان أمیر الجیش عبید اللّه بن زیاد بن أبیه من قبل یزید بن معاویة* و فی الاستیعاب عن ابن الحنفیة انه قال قتل مع الحسین فی ذلک الیوم سبعة عشر رجلا کلهم من ولد فاطمة* و عن الحسن البصری أصیب مع الحسین ستة عشر رجلا من أهل بیته ما علی وجه الارض یومئذ لهم شبه* و فی تاریخ الیافعی و قتل معه ولده علی الاکبر و عبد اللّه و اخوته علی الاصغر و محمد و عتیق و العباس الاکبر و ابن أخیه قاسم بن الحسن و أولاد عمه محمد و عون أبناء عبد اللّه بن جعفر بن أبی طالب بن عبد المطلب و ابناه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:299
عبد اللّه و عبد الرحمن* و فی حیاة الحیوان ثم ان عبید اللّه بن زیاد جهز علی بن الحسین و من کان معه من حرمه بعد أن فعلوا ما فعلوا الی البغیض یزید بن معاویة و هو یومئذ بدمشق مع الشمر بن ذی الجوشن فی جماعة من أصحابه فساروا الی ان وصلوا الی دیر فی الطریق فنزلوا لیقیلوا به فوجدوا مکتوبا علی بعض جدرانه
أ ترجو أمة قتلوا حسیناشفاعة جدّه یوم الحساب فسألوا الراهب عن السطر و من کتبه فقال انه مکتوب هاهنا من قبل ان یبعث نبیکم بخمسمائة عام و قیل ان الجدار انشق و ظهر منه کف مکتوب فیه بالدم هذا السطر* ثم ساروا حتی قدموا دمشق و دخلوا علی یزید بن معاویة و معهم رأس الحسین فرمی به بین یدی یزید ثم تکلم شمر بن ذی الجوشن فقال یا أمیر المؤمنین ورد علینا هذا یعنی الحسین فی ثمانیة عشر رجلا من أهل بیته و ستین رجلا من شیعته فسرنا إلیهم و سألناهم النزول علی حکم أمیرنا عبید للّه بن زیاد أو القتال فاختاروا القتال فعدونا علیهم عند شروق الشمس و أحطنا بهم من کل جانب فلما أخذت السیوف مأخذها أخذوا یلوذون لو اذ الحمام من الصقور فما کان الا مقدار جزر جزور أو نومة قائل حتی أتینا علی آخرهم فهاتیک أجسادهم مجردة و ثیابهم مزملة و خدودهم معفرة تسفی علیهم الریاح زوّارهم العقبان و وفودهم الرخم* فلما سمع یزید ذلک دمعت عیناه و قال و یحکم قد کنت أرضی من طاعتکم بدون قتل الحسین لعن اللّه ابن مرجانة أما و اللّه لو کنت صاحبه لعفوت عنه ثم قال یرحم اللّه أبا عبد اللّه ثم تمثل بقول القائل
تعلق هاما من رجال أعزةعلینا و هم کانوا أعق و أظلما ثم أمر بالذریة فأدخلوا دار نسائه و کان یزید اذا حضر غداؤه دعا علی بن الحسین و أخاه عمر بن الحسین فأکلا معه ثم وجه الذریة صحبة علی بن الحسین الی المدینة و وجه معه رجلا فی ثلاثین فارسا یسیر أمامهم حتی انتهوا الی المدینة و کان بین وفاة رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و بین الیوم الذی قتل فیه الحسین خمسون عاما* و فی بهجة المجالس انه قیل لجعفر الصادق کم تتأخر الرؤیا قال خمسون سنة لانّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم رأی کانّ کلبا أبقع ولغ دمه فأوّله بانّ رجلا یقتل الحسین ابن بنته فکان الشمر بن ذی الجوشن قاتل الحسین کان أبرص فتأخرت الرؤیا بعده خمسین سنة کذا فی حیاة الحیوان*

(ذکر سنه)

* اختلف فی سنه یوم قتل فقیل سبع و خمسون و لم یذکر ابن الدراع فی کتاب موالید أهل البیت غیره و قال اقام منها مع جدّه علیه الصلاة و السلام سبع سنین الا ما کان بینه و بین الحسن و مع أبیه ثلاثین سنة و مع أخیه الحسن عشر سنین و بعده عشر سنین فجملة ذلک سبع و خمسون سنة و قیل ست و خمسون سنة و خمسة أشهر کذا فی الصفوة* و فی الاستیعاب قال قتادة قتل الحسین و هو ابن أربع و خمسین سنة و ستة أشهر* و ذکر المزنی عن الشافعیّ عن سفیان بن عیینة قال قال جعفر بن محمد توفی علی بن أبی طالب و هو ابن ثمان و خمسین سنة و قتل الحسین بن علی و هو ابن ثمان و خمسین و توفی علی بن الحسین و هو ابن ثمان و خمسین و توفی محمد بن علی بن الحسین و هو ابن ثمان و خمسین قال و قال لی جعفر بن محمد و أنا بهذه السنة فی ثمان و خمسین سنة و توفی فیها رحمه اللّه* و فی أسد الغابة و لما قتل الحسین أرسل عمر بن سعد رأسه و رءوس أصحابه الی ابن زیاد فجمع الناس و أحضر الرءوس و جعل ینکت بقضیب بین ثنیتی الحسین فلما رآه زید بن أرقم لا یرفع قضیبه قال له اعل بهذا القضیب فو اللّه الذی لا إله غیره لقد رأیت شفتی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم علی هاتین الشفتین یقبلهما ثم بکی فقال له ابن زیاد أبکی اللّه عینیک فو اللّه لو لا انک شیخ قد خرفت لضربت عنقک فخرج و هو یقول أنتم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:300
یا معشر العرب العبید بعد الیوم قتلتم الحسین بن فاطمة و أمّرتم ابن مرجانة فهو یقتل خیارکم و یستعبد شرارکم و فی ذخائر العقبی جی‌ء برأسه الی بین یدی ابن زیاد فنکته بقضیبه و قال لقد کان غلاما صبیحا ثم قال أیکم قاتله فقام رجل فقال انا قاتله فقال ما قال لکم قال لما أخذت السلاح قلت له ابشر بالنار قال أبشر ان شاء اللّه تعالی برحمته و شفاعة نبیه صلی اللّه علیه و سلم قال فاسودّ وجه الرجل* و فی أسد الغابة عن أمّ سلمة قال رأیت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و علی رأسه و لحیته التراب فقلت مالک یا رسول اللّه قال شهدت قتل الحسین آنفا* و عن ابن عباس قال رأیت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فیما یری النائم نصف النهار و هو قائم أشعث أغبر بیده قارورة فیها دم فقلت بأبی أنت و أمی یا رسول اللّه ما هذا الدم قال هذا دم الحسین لم أزل ألتقطه منذ الیوم فوجده قتل ذلک الیوم* و فی أسد الغابة قضی اللّه عز و جل أن قتل عبید اللّه بن زیاد أیضا یوم عاشوراء سنة سبع و ستین قتله ابراهیم بن الاشتر فی الحرب و بعث برأسه الی المختار و بعث به المختار الی ابن الزبیر فبعث به ابن الزبیر الی علی بن الحسین و فی أسد الغابة عن عمارة بن عمیر قال لما جی‌ء برأس بن زیاد و أصحابه نضدت فی المسجد فانتهیت إلیهم و هم یقولون قد جاءت فاذا حیة قد جاءت تخلل الرءوس حتی دخلت فی منخر عبید اللّه بن زیاد فمکثت هنیهة ثم خرجت فذهبت حتی تغیبت ثم قالوا قد جاءت ففعلت ذلک مرّتین أو ثلاثا قال الترمذی هذا حدیث حسن صحیح أخرجه الثلاثة* مرویاته فی کتب الاحادیث ثمانیة أحادیث*

(ذکر أولاده)

* فی الصفوة و له من الولد علی الاکبر و علی الاصغر و له العقب و جعفر و فاطمة و سکینة* و فی ذخائر العقبی ولد له ستة بنین و ثلاث بنات علی الاکبر و استشهد مع أبیه و علی الامام زین العابدین و علی الاصغر و محمد و عبد اللّه الشهید مع أبیه و جعفر و زینب و سکینة و فاطمة* قال ثم انّ اکابر أهل المدینة نقضوا بیعة یزید لسوء سیرته و قیل کان یشرب الخمر و أبغضوه لما جری من قتل الحسین* و فی المختصر الجامع و هاجت فتنة ابن الزبیر فأخرج من کان بالمدینة من بنی أمیة و أخرج عبد اللّه بن عباس و محمد بن الحنفیة من مکة* و فی شفاء الغرام انّ ابن جریر ذکر فی اخبار سنة ستین من الهجرة انّ یزید بن معاویة ولی عمرو بن سعید بن العاص المعروف بالاشدق المدینة بعد أن عزل عنها الولید ابن عقبة فی شهر رمضان* و ذکر ابن الاثیر مثل ما ذکره ابن جریر بالمعنی و ذکر انّ عمرو بن سعید قدم المدینة و جهز منها الی ابن الزبیر بمکة أخاه عمرو بن الزبیر لما بینهما من العداوة و أنیس بن عمرو الاسلمی فی جیش نحو ألفی رجل فقتل أنیس بذی طوی قتله أصحاب عبد اللّه بن الزبیر و أسر عمرو بن الزبیر فأقاد منه أخوه عبد اللّه بن الزبیر للناس بالضرب و غیره کما صنع بهم فی المدینة حتی مات عمرو تحت السیاط* و فی أیام یزید مات بمرو صاحب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بریدة بن الحصیب الاسلمی سنة اثنتین و ستین و فیها مات بالکوفة فقیهها و مفتیها علقمة بن قیس النخعی تلمیذ ابن مسعود و مات بدمشق شیخها و زاهدها أبو مسلم الخولانی من سادات التابعین و قبره بداریا و فی سنة أربع و ستین فی أوّلها هلک مسلم بن عقبة الذی استباح المدینة عجل اللّه قصمه و کذا عجل اللّه بیزید بن معاویة فمات بعد نیف و سبعین یوما منها کذا فی تاریخ الیافعی*

(ذکر وفاة یزید و مدفنه)

* توفی لاربع عشرة لیلة خلت من شهر ربیع الاوّل و فی سیرة مغلطای فی ثلاث و عشرین من شهر ربیع الاوّل* و قال الحافظ سنة أربع و ستین بحوران بالذبحة و ذات الجنب لقد ذاب ذوبان الرصاص و حمل الی دمشق و دفن فی مقبرة الباب الصغیر و صلی علیه ابنه معاویة بن یزید و عمره یوم مات ثمان أو تسع و ثلاثون سنة و خلافته ثلاث سنین و نقش خاتمه ربنا اللّه* (ذکر أولاده و قاضیه و أمیره و حاجبه و کاتبه)* أما أولاده فمعاویة و خالد و أبو سفیان و عبد اللّه الاکبر و عبد اللّه الاصغر و عمر و عبد الرحمن و عتبة الاعور و محمد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:301
و أبو بکر و حرب و الربیع* و أما قاضیه فأبو ادریس الخولانی و علی مصر سعید بن یزید الاسدی و أما أمیره علی مصر فمسیلمة بن مخلد ثم توفی فولی عوضه سعید بن یزید الازدی* و أما حاجبه فخصی اسمه فتح و هو أوّل من اتخذ الخصیان و لم یحج فی أیام خلافته*

(ذکر خلافة معاویة بن یزید بن معاویة بن أبی سفیان القرشی الاموی)

* یکنی أبا لیلی و کان لقبه الراجع الی الحق أمه أم هاشم بنت أبی هاشم بن عتبة بن عبد شمس* و فی مورد اللطافة أمه أم خالد بویع له بالخلافة یوم موت أبیه منتصف شهر ربیع الاوّل من سنة أربع و ستین و هو ابن عشرین سنة علی خلاف و کان خیرا من أبیه فیه دین و عقل فأقام فی الخلافة أربعین یوما و قیل أقام فیها خمسة أشهر و أیاما و خلع نفسه ثم لما خلع نفسه صعد المنبر فجلس طویلا ثم خطب خطبة بلیغة مشتملة علی الثناء علی اللّه و الصلاة علی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثم ذکر نزاع جدّه معاویة هذا الامر من کان أولی به منه و من غیره ثم ذکر أباه یزید و خلافته و تقلد أمرهم لهوی کان أبوه فیه و سوء فعله و اسرافه علی نفسه و کونه غیر خلیق للخلافة علی أمة محمد و اقدامه علی ما أقدم من جراءته علی اللّه و بغیه و استحلاله حرمة أولاد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثم اختنقته العبرة فبکی طویلا ثم قال و صرت أنا ثالث القوم و الساخط علیّ اکثر من الراضی و ما کنت لأتحمل آثامکم و لا یرانی اللّه جلت قدرته متقلدا أو زارکم و ألقاه بتبعاتکم فشأنکم أمرکم فخذوه و من رضیتم به فولوه فقد خلعت بیعتی من أعناقکم و السلام فقال له مروان بن الحکم و کان تحت المنبر أسنة عمریة یا أبا لیلی فقال اغد عنی فو اللّه ما ذقت حلاوة خلافتکم أ فأتجرّع مرارتها ثم نزل فدخل علیه أقاربه و أمه فوجدوه یبکی فقالت له أمه لیتک کنت حیضة و لم أسمع بخبرک فقال وددت و اللّه ذلک ثم قال ویلی ان لم یرحمنی ربی ثم انّ بنی أمیة قالوا لمعلمه عمر المقصوص أنت علمته هذا و لقنته ایاه و صددته عن الخلافة و زینت له حب علیّ و أولاده و حملته علی ما و سمنا به من الظلم و حسنت له البدع حتی نطق بما نطق و قال ما قال فقال و اللّه ما فعلته و لکنه مجبول و مطبوع علی حب علیّ فلم یقبلوا منه ذلک و أخذوه و دفنوه حیا حتی مات* و توفی معاویة بن یزید فی جمادی الآخرة بعد خلع نفسه بأربعین لیلة و قیل تسعین و کان عمره ثلاثا و عشرین سنة و قیل احدی و عشرین و قیل ثمانیة عشر و قیل عشرین سنة و یقال لما احتضر قیل له الا تستخلف فأبی و قال ما أصبت من حلاوتها شیئا فلم أتحمل مرارتها* و فی سیرة مغلطای و صلی علیه الولید بن عتبة لیکون له الامر من بعده فلما کبر طعن فمات قبل تمام الصلاة و لم یعقب ذکر ذلک کله فی حیاة الحیوان و کان نقش خاتمه الدنیا غرور و صلی علیه مروان بن الحکم* و فی دول الاسلام الولید بن عقبة بن أبی سفیان و دفن الی جنب أبیه*

(ذکر خلافة عبد اللّه ابن الزبیر بن العوّام بن خویلد بن اسد بن عبد العزی بن قصی)

* و یکنی أبا بکر و یکنی أیضا أبا خبیب أمه أسماء ذات النطاقین بنت أبی بکر الصدّیق و هو أول مولود ولد للمهاجرین بالمدینة بعد الهجرة و کان قد صحب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هو صبی و حفظ عنه أحادیث فمات النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و له ثمان سنین بل تسع کذا وقع فی دول الاسلام و مورد اللطافة و الریاض النضرة و غیرها یعنی ذکر خلافة عبد اللّه بن الزبیر بعد خلافة معاویة بن یزید بن معاویة و هو الانسب بالتاریخ و أما فی حیاة الحیوان و بعض کتب التواریخ فذکرت خلافة ابن الزبیر بعد خلافة عبد الملک بن مروان فقال و هو السادس فخلع و قتل* و فی حیاة الحیوان بویع لابن الزبیر بالخلافة بمکة لسبع بقین من رجب سنة أربع و ستین فی أیام یزید بن معاویة* و فی سیرة مغلطای بویع عبد اللّه بن الزبیر فی رابع جمادی الآخرة بالحجاز و ما والاه انتهی و بایعه أهل العراق و مصر و بعض أهل الشأم و بایع خلق کثیر من العرب الضحاک بن قیس الفهری و ولی دمشق فقدم إلیه مروان بن الحکم مع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:302
خدمه و حواشیه و انضم إلیه عبید اللّه بن زیاد و قد هرب من نیابة العراق خوفا من القتل لما فعل بالحسین ثم التقی الضحاک و مروان و کان المصاف بتل راهط بمرج دمشق فقتل خلق کثیر و قتل الضحاک و فی الریاض النضرة بویع ابن الزبیر بالخلافة سنة أربع و ستین و قیل سنة خمس و ستین بعد موت معاویة بن یزید و اجتمع علی طاعته أهل الحجاز و الیمن و العراق و خراسان و حج بالناس ثمانی حجج و فی البحر العمیق أقام عبد اللّه بن الزبیر الحج للناس سنة ثلاث و ستین قبل أن یبایع له فلما بویع له حج ثمانی حجج متوالیة* و ذکر صاحب الصفوة فی صفته انه کان اذا صلی کأنه عود من الخشوع قاله مجاهد و کان اذا سجد یطوّل السجود حتی ینزل العصافیر علی ظهره لا تحسبه الا جذعا قال یحیی بن ثابت الجذع أصل الشی‌ء و الجذعة القطعة من الجبل و نحوه* قال ابن المنکدر لو رأیت ابن الزبیر یصلی کأنه غصن شجرة تصفقه الریح* و عن عمرو بن قیس عن أمّه قالت دخلت علی ابن الزبیر بیته و هو یصلی فسقطت حیة من السقف علی ابنه ثم تطوّقت علی بطنه و هو نائم فصاح أهل البیت و لم یزالوا بها حتی قتلوها و ابن الزبیر یصلی ما التفت و لا عجل ثم فرغ بعد ما قتلت الحیة فقال ما بالکم قالت زوجته رحمک اللّه أ رأیت ان کنا هنا علیک یهون علیک ابنک* و فی المختصر الجامع بویع لابن الزبیر بمکة لسبع بقین من رجب سنة أربع و ستین بعد أن أقام الناس بغیر خلیفة جمادیین و أیاما من رجب و بایعه أهل العراق و بایعه أهل حمص و ولی ابن الحارث قنسرین و ولی مصر عبد الرحمن بن عتبة بن أبی ایاس و ولی عبیدة بن الزبیر المدینة فقدمها فأخرج منها بنی أمیة فی ولایة مروان بن الحکم فخرج مروان و بنو أمیة الی الشأم و أتت ابن الزبیر البیعة من الامصار ما خلا فلسطین فانّ حسان بن مالک بن نجدل کان بها مخالفا علی ابن الزبیر و ولی أخاه مصعب البصرة و ولی عبد اللّه بن مطیع الکوفة فوثب المختار بن أبی عبید الثقفی علی الکوفة فأخذها و وجه ابن سمیط الی البصرة فقتله مصعب و سار الی المختار فقتله أیضا فی سنة سبع و ستین و بنی عبد اللّه ابن الزبیر الکعبة و أدخل فیها الحجر و جعل لها بابین و ساواهما مع الارض یدخل من أحدهما و یخرج من الآخر و خلقوا داخل الکعبة و خارجها و هو أوّل من خلقها و کساها القباطی* و فی دول الاسلام نقض ابن الزبیر الکعبة و بناها جدیدا و أحکمها و وسعها بما أدخل فیها من الحجر و علاها و عمل لها بابین و ساواهما بالارض و فعل هذا لما حدثته خالته عائشة زوج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم انه قال لو لا انّ قومک حدیث عهد بالکفر لنقضت الکعبة و أدخلت فیها ستة أذرع من الحجر و لجعلت لها بابین بابا یدخل الناس منه و بابا یخرجون منه و لا لصقت بابها بالارض ففعل ذلک ابن الزبیر* و فی شفاء الغرام ولی مکة عبد اللّه بن الزبیر بعد أن لقی فی ذلک عناء شدیدا سببه ان أهل المدینة لما طردوا منها عامل یزید عثمان بن محمد بن أبی سفیان و غیره من بنی أمیة الا ولد عثمان بن عفان بعث إلیهم یزید مسلم بن عقبة المری و یسمی مسرفا باسرافه فی القتل بالمدینة و بعث معه اثنی عشر ألفا فیهم الحصین بن نمیر السکونی و قیل الکندی لیکون علی العسکران عرض لمسلم موت فانه کان علیلا فی بطنه الماء الاصفر فأمر یزید مسرفا اذا بلغ المدینة أن یدعو أهلها الی طاعة یزید ثلاثة أیام فان أجابوه و الا قاتلهم فاذا ظهر علیهم أباحها ثلاثا ثم یکف عن الناس و یسیر الی مکة لقتال ابن الزبیر* و فی حیاة الحیوان فی سنة ستین دعا ابن الزبیر الی نفسه بمکة و عاب یزید بشرب الخمر و اللعب و التهاون بالدین و أظهر ثلمه و منقصته فبایع ابن الزبیر أهل تهامة و الحجاز فلما بلغ ذلک یزید ندب له الحصین بن نمیر السکونی و روح بن زنباع الجذامیّ و ضم الی کل واحد جیشا و استعمل علی الجمیع مسلم بن عقبة المری و جعله أمیر الامراء و لما ودّعهم قال یا مسلم لا تردّن أهل الشأم عن شی‌ء یریدونه بعدوّهم و اجعل طریقک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:303
علی المدینة فان حاربوک فحاربهم فان ظفرت بهم فأبحها ثلاثا فسار مسلم حتی بلغ المدینة فنزل الحرّة بظاهر المدینة بمکان یقال له حرّة و اقم فخرج أهل المدینة و عسکروا بها و أمیرهم عبد اللّه بن حنظلة غسیل الملائکة بن أبی عامر الراهب فدعاهم مسلم ثلاثا فلم یجیبوه فقاتلهم فغلب أهل المدینة و انهزموا و قتل أمیر المدینة عبد اللّه بن حنظلة و سبعمائة من المهاجرین و الانصار و قتل منهم معقل الاشجعی و عبد اللّه بن یزید المازنی مع عبد اللّه بن حنظلة الغسیل و هؤلاء من الصحابة و دخل مسلم المدینة و أباحها ثلاثة أیام و ذلک فی آخر سنة ثلاث و ستین* و فی شفاء الغرام قتل من أولاد المهاجرین ثلاثمائة نفر و جماعة من الصحابة و کانت الوقعة بمکان یقال له حرّة و اقم کما سبق لثلاث بقین من ذی الحجة سنة ثلاث و ستین من الهجرة ثم سار مسلم الی مکة لقتال ابن الزبیر و لما کان بالمشلل مات و دفن بثنیة المشلل ثم نبش و صلب هناک و کان یرمی کما یرمی قبر أبی رغال دلیل أبرهة المدفون بالمغمس و المشلل علی ثلاثة امیال من قدید بینهما خیمتی أم معبد و قیل مات بثنیة هرشی بفتح أوّله و سکون ثانیه مقصورة علی وزن فعلی هضبة ململمة فی بلاد تهامة لا تنبت شیئا علی ملتقی طریقی الشأم و المدینة و هی من الجحفة یری منها البحر و الطریق من جنبتیها کذا فی معجم ما استعجم* قال الشاعر
خذا بطن هرشی أو قفاها فانه‌کلا جانبی هرشی لهنّ طریق و مات مسلم بن عقبة بعد أن قدّم علی عسکره الحصین بن نمیر فسار الحصین بالعسکر حتی بلغ مکة لاربع بقین من المحرّم سنة أربع و ستین و قد اجتمع علی ابن الزبیر أهل مکة و الحجاز و غیرهم و انضم إلیه من انهزم من أهل المدینة و کان قد بلغه خبر أهل المدینة و ما وقع لهم مع مسلم هلال المحرم سنة أربع و ستین مع المسور بن مخرمة فلحقه منه أمر عظیم و اعتدّ هو و أصحابه و استعدوا للقتال و قاتلوا الحصین أیاما و تحصن ابن الزبیر و أصحابه فی المسجد حول الکعبة و ضرب أصحاب ابن الزبیر فی المسجد خیاما و رفافا یکتنون بها من حجارة المنجنیق و یستظلون بها من الشمس و کان الحصین بن نمیر علی أبی قبیس و علی الاحمر و کان یرمیهم بالحجارة و تصیب الحجارة الکعبة فوهنت* و فی الوفاء حاصر مکة أربعة و ستین یوما جری فیها قتال شدید و دقت الکعبة بالمجانیق یوم السبت ثالث ربیع الاوّل و أخذ رجل قبسا فی رأس رمح فطارت به الریح فاحترق البیت* و فی أسد الغابة فی هذا الحصر احترقت الکعبة و احترق فیها قرن الکبش الذی فدی به إسماعیل بن ابراهیم الخلیل و کان معلقا فی الکعبة و دام الحرب بینهم الی ان فرّج اللّه عن ابن الزبیر و أصحابه بوصول نعی یزید بن معاویة و مات یزید فی منتصف ربیع الاوّل سنة أربع و ستین و کان وصول نعیه لیلة الثلاثاء لثلاث مضین من شهر ربیع الآخر سنة أربع و ستین و کان بین وقعة الحرّة و بین موته ثلاثة أشهر و قال القرطبی دون ثلاثة أشهر و بلغ نعیه ابن الزبیر قبل ان یبلغ الحصین و بعث الی الحصین من یعلمه بموت یزید و یحسن له ترک القتال و یعظم علیه أمر الحرم و ما أصاب الکعبة فمال الی ذلک و أدبر الی الشام لخمس لیال خلون من ربیع الآخر سنة أربع و ستین بعد ان اجتمع بابن الزبیر فی اللیلة التی تلی الیوم الذی بلغه فیه نعی یزید و سأل ابن الزبیر أن یبایع له هو و من معه من أهل الشام علی أن یذهب معهم ابن الزبیر الی الشام و یؤمّن الناس و یهدر الدماء التی کانت بینه و بین أهل الحرم فأبی ابن الزبیر ذلک* و فی حیاة الحیوان تحصن منه ابن الزبیر بالمسجد الحرام و نصب الحصین المنجنیق علی أبی قبیس و رمی به الکعبة المعظمة فبیناهم کذلک اذ ورد الخبر علی الحصین بموت یزید بن معاویة فأرسل الی ابن الزبیر یسأله الموادعة فأجابه الی ذلک و فتح الابواب و اختلط العسکران یطوفان بالبیت فبینا الحصین یطوف لیلة بعد العشاء اذ استقبله ابن الزبیر فأخذ الحصین بیده و قال له سرّ اهل لک فی الخروج معی الی الشام فأدعو الناس الی بیعتک فان أمرهم تاریخ الخمیس، دیار البکری ج‌2 304 (ذکر خلافة عبد الله ابن الزبیر بن العوام بن خویلد بن اسد بن عبد العزی بن قصی) ..... ص : 301
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:304
قد مرج و لا أری أحدا أحق بها الیوم منک و لست أعصی هاهنا فاجتبذ ابن الزبیر یده من یده و قال و هو مجهر بقوله دون أن اقتل بکل واحد من أهل الحجاز عشرة من أهل الشام فقال الحصین کذب الذی قال انک من دهاة العرب أکلمک سرا و تکلمنی علانیة و أدعوک الی الخلافة و تدعونی الی الحرب ثم انصرف بمن معه من أهل الشام* و قیل بایعه الحصین ثم بایعه أهل الحرمین و جرت فتن کبار و اقتتل الناس علی الملک بالشام و العراق و الجزیرة بعد موت یزید و بایع أهل دمشق بعد یزید ولده معاویة بن یزید و قیل بویع لابن الزبیر بعد رحیل الحصین بالخلافة بالحرمین ثم بویع بها فی العراق و الیمن و غیر ذلک حتی کاد الامر أن یجتمع علیه فولی فی البلاد التی بویع له فیها العمال و فی شوّال سنة سبع و ستین کان طاعون الجارف و هو طاعون کان فی زمن ابن الزبیر مات فی ثلاثة أیام فی کل یوم سبعون ألفا و مات فیه لانس بن مالک ثلاثة و ثمانون ابنا و مات لعبد الرحمن بن أبی بکر أربعون ابنا* و فی الصحاح الجرف الاخذ الکثیر و قد جرفت الشی‌ء أجرفه بالضم جرفا أی ذهبت به کله أو جلّه و جرفت الطین کسحته و منه سمی المجرفة و الجرف أو الجرف مثل عشر و عشر ما تجرفته السیول و أکلته من الارض و منه قوله تعالی علی شفا جرف هار و الجارف الموت العام یجترف مال القوم* قال أبو الحسن المداینی الطواعین المشهورة العظام فی الاسلام خمسة طاعون شیرویه بالمدائن فی عهد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سنة ست من الهجرة ثم طاعون عمواس فی عهد عمر بن الخطاب بالشام سنة ثمان عشرة مات فیه خمسة و عشرون ألفا منهم أبو عبیدة بن الجرّاح و معاذ بن جبل* و عن الحارث ابن عمیر قال طعن معاذ و أبو عبیدة و شرحبیل بن حسنة و أبو مالک الاشعری فی یوم واحد ثم طاعون الجارف فی زمن ابن الزبیر و قد سبق ذکره ثم طاعون الفتیات فی شوّال سنة سبع و ثمانین سمی طاعون الفتیات لانه بدأ فی العذاری بالبصرة و واسط و الشام و الکوفة و یقال له طاعون الاشراف ثم طاعون سنة احدی و ثلاثین و مائة فی رجب و اشتدّ فی رمضان فکان یحصی فی سکة المرید فی کل یوم ألف جنازة ثم خف فی شوّال و کان بالکوفة طاعون سنة خمسین و فیه توفی المغیرة بن شعبة هذا آخر کلام المداینی و فیه بعض کلام غیره قال و لم یقع بمکة و لا بالمدینة طاعون کذا فی أذکار النووی* و فی المختصر و لم یزل ابن الزبیر یقیم للناس الحج من سنة أربع و ستین الی سنة اثنتین و سبعین و لما ولی عبد الملک بن مروان فی سنة خمس و ستین منع أهل الشام من الحج من أجل ابن الزبیر و کان یأخذ الناس بالبیعة له اذا حجوا فضج الناس لما منعوا الحج فبنی عبد الملک الصخرة و کان الناس یحضرونها یوم عرفة و یقفون عندها و یقال ان ذلک کان سببا للتعریف فی مسجد بیت المقدس و مساجد الامصار* و ذکر الحافظ فی کتاب نظم القرآن انّ أوّل من سنّ التعریف فی مساجد الامصار عبد اللّه بن عباس*

(ذکر مقتل ابن الزبیر)

* یروی انّ عبد الملک ابن مروان بعث الحجاج فی سنة اثنتین و سبعین الی ابن الزبیر و کان الحجاج لما وصل من عند عبد الملک نزل الطائف فکان یبعث منه خیلا الی عرفة و یبعث ابن الزبیر خیلا الی عرفة فیقتتلون بها فتهزم خیل ابن الزبیر و تعود خیل الحجاج بالظفر ثم استأذن الحجاج عبد الملک فی منازلة ابن الزبیر فأذن له فنزل الحجاج بئر میمون و معه طارق بن عمرو مولی عثمان و کان عبد الملک قد أمدّ الحجاج بطارق لما سأله النجدة أی الشجاعة و الحرب علی ابن الزبیر فقدم طارق فی ذی الحجة و معه خمسة آلاف و کان مع الحجاج ألفان و قیل ثلاثة آلاف من أهل الشام فحاصروه و کان ابتداء حصار الحجاج لیلة هلال ذی القعدة سنة اثنتین و سبعین من الهجرة* و فی أسد الغابة حصاره أوّل لیلة من ذی الحجة سنة اثنتین و سبعین من الهجرة و ذکر القولین فی الریاض النضرة حج الحجاج بالناس تلک السنة و وقف بعرفة و علیه درع و مغفر و لم یطوفوا بالبیت و لا بین الصفا و المروة و نصب الحجاج منجنیقا علی جبل أبی قبیس کذا فی أسد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:305
الغابة و حاصره ستة أشهر و سبع عشرة لیلة علی ما ذکر ابن جریر و رمی به أحث الرمی و ألحّ علیه بالقتال من کل جانب و حبس عنهم المیرة و حصرهم أشدّ الحصار و کان یرمی بالمنجنیق من أبی قبیس فیصیب الکعبة حجارة المنجنیق لکون ابن الزبیر مکتنا بالمسجد* و فی نهایة ابن الاثیر أن ابن الزبیر کان یصلی فی المسجد الحرام و أحجار المنجنیق تمرّ علی أذنه و ما یلتفت کانه کعب راتب أی منتصب* و فی زبدة الاعمال و بعض المناسک روی انّ الحجاج بن یوسف نصب المنجنیق علی أبی قبیس و رمی الکعبة بالحجارة و النیران حتی تعلقت بأستار الکعبة و اشتعلت فجاءت سحابة من نحو جدّة مرتفعة یسمع منها الرعد و یری فیها البرق و استوت فوق الکعبة و المطاف فأطفأت النار و سال المیزاب فی الحجر ثم عدلت الی أبی قبیس فرمت بالصاعقة و أحرقت منجنیقهم قدر کوّة و أحرقت تحته أربعة رجال فقال الحجاج لا یهولنکم هذا فانها أرض صواعق فأرسل اللّه صاعقة أخری فأحرقت المنجنیق و أحرقت معه أربعین رجلا و ذلک فی سنة ثلاث و سبعین فی أیام عبد الملک بن مروان فأمسک و کتب بذلک الی عبد الملک و وهی البیت بسبب ما أصابه من حجارة المنجنیق ثم هدم الحجاج بأمر عبد الملک ما زاد ابن الزبیر فی الکعبة و بناه* و عن هشام بن عروة قال لما کان قبل قتل ابن الزبیر بعشرة أیام دخل علی أمّه أسماء و هی شاکیة فقال لها کیف تجدینک یا أماه قالت ما أجدنی إلّا شاکیة فقال لها ان فی الموت لراحة فقالت لعلک تمنیته لی ما أحب ان أموت حتی یأتی علیک أحد طرفیک اما قتلت فأحتسبک و اما ظفرت بعدوّک فقرّت عینی قال عروة فالتفت الی عبد اللّه فأضحک و لما کان الیوم الذی قتل فیه دخل علی أمّه أسماء فقالت له یا بنی لا تقبلنّ منهم خطة تخاف علی نفسک الذل مخافة القتل فو اللّه لضربة بسیف فی عز خیر من ضربة بسوط فی ذلک فأتاه رجل من قریش فقال أ لا نفتح لک الکعبة فتدخلها فقال عبد اللّه من کل شی‌ء تحفظ أخاک الا من حتفه و اللّه لو وجدوکم تحت أستار الکعبة لقتلوکم و هل حرمة المسجد الا کحرمة البیت قال ثم شدّ علیه أصحاب الحجاج فقال عبد اللّه أین أهل مصر قالوا هم هؤلاء من هذا الباب لاحد أبواب المسجد فقال لاصحابه اکسروا أغماد سیوفکم و لا تمیلوا عنی قال فأقبل الرعیل الاوّل فحمل علیهم و حملوا معه و کان یضرب بسیفین فلحق رجلا فضربه فقطع یدیه فانهزموا و جعل یضربهم حتی أخرجهم من باب المسجد ثم دخل علیه أهل حمص فشدّ علیهم و جعل یضربهم حتی أخرجهم من باب المسجد ثم دخل علیه أهل الاردن من باب آخر فقال من هؤلاء فقیل أهل الاردن فجعل یضربهم بسیفه حتی أخرجهم من المسجد ثم انصرف فأقبل علیه حجر من ناحیة الصفا فوقع بین عینیه فنکسر رأسه و فی الصفوة فأصابته آجرة فی مفرقه ففلقت رأسه فوقف قائما و هو یقول
و لسنا علی الاعقاب تدمی کلومناو لکن علی أقدامنا تفطر الدما و فی الریاض النضرة ثم اجتمعوا علیه فلم یزالوا یضربونه حتی قتلوه و موالیه جمیعا و لما قتل کبر علیه أهل الشام فقال عبد اللّه بن عمر المکبرون علیه یوم ولد خیر من المکبرین علیه یوم قتل و فی الریاض النضرة روی انه لما اشتدّ الحصار بابن الزبیر قامت أمّه أسماء یوما فصلت و دعت و قالت اللهمّ لا تخیب عبد اللّه بن الزبیر و ارحم ذلک السجود و التحنث و الظمأ فی تلک الهواجر و کان قتله یوم الثلاثاء لسبع عشرة أو ست عشرة لیلة خلت من جمادی الاولی سنة ثلاث و سبعین من الهجرة و هو ابن اثنتین أو ثلاث و سبعین سنة کذا أخرجه صاحب الصفوة* و فی أسد الغابة فلم یزل الحجاج یحاصره الی ان قتله فی النصف من جمادی الآخرة سنة ثلاث و سبعین و لم یقتل الا بعد أن لم یبق معه من أصحابه الا الیسیر لمیلهم عنه الی الحجاج و أخذهم الامان منه و کان ممن فعل ذلک ابناه حمزة و خبیب و لما قتل صلب بعد قتله منکسا علی الثنیة الیمنی بالحجون و بعث برأسه لعبد الملک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:306
ابن مروان فطیف به فی البلدان* و فی کتاب القری حمل رأسه الی المدینة ثم الی خراسان و ماتت أمّه أسماء بنت أبی بکر بعده بأیام و لها مائة سنة و قد کف بصرها* و قال یعلی بن حرملة دخلت مکة بعد ما قتل عبد اللّه بثلاثة أیام و هو مصلوب فجاءت أمّه امرأة کبیرة طویلة عجوزة مکفوفة البصر تقاد فقالت للحجاج أ ما آن لهذا الراکب أن ینزل فقال لها الحجاج المنافق فقالت لا و اللّه ما کان منافقا و لکنه کان صوّاما قوّاما وصولا قال انصرفی فانک عجوزة قد خرفت قالت لا و اللّه ما خرفت و لقد سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم یقول یخرج من ثقیف کذاب و مبیر أما الکذاب فقد رأیناه و أما المبیر فأنت* قال أبو عمرو الکذاب فیما یقولون المختار بن أبی عبید الثقفی* و عن أبی نوفل معاویة بن مسلم قال رأیت عبد اللّه بن الزبیر علی عقبة مکة قال فجعلت قریش و الناس یمرّون علیه حتی مرّ عبد اللّه بن عمر فوقف علیه و قال السلام علیک أبا خبیب ثلاثا أما و اللّه لقد کنت أنهاک عن هذا ثلاثا أما و اللّه ان کنت ما علمت صوّاما قوّاما وصولا للرحم أما و اللّه لامّة أنت شرها لامّة سوء یعنی أهل الشام کانوا یسمونه ملحدا منافقا الی غیر ذلک* و فی روایة لامّة خیر ثم نفذ عبد اللّه بن عمر فبلغ الحجاج موقف عبد اللّه فأرسل إلیه و أنزله عن جذعه فألقی فی قبور الیهود أورده فی المشکاة و الریاض النضرة* و عن أبی ملیکة قال لما أنزل عبد اللّه دعت أمّه أسماء بمرکن و أمرت بغسله فکنا لا نتناول عضوا إلّا جاء معنا و کنا نغسل العضو و نضعه فی أکفانه حتی فرغنا ثم قامت فصلت علیه و کانت تقول اللهمّ لا تمتنی حتی تقرّ عینی بجنبه فما أتت علیها جمعة حتی ماتت أخرجه أبو عمرو قال ثم أرسل الحجاج الی أمه أسماء بنت أبی بکر فأبت ان تأتیه فأعاد علیها الرسول اما تأتینی أو لأبعثن إلیک من یقودک أو یسحبک بقرونک فأبت و قالت و اللّه لا آتیک حتی تبعث الیّ من یسحبنی بقرونی قال الحجاج أرونی سبتیتیّ فأخذ نعلیه ثم انطلق یتوذف أی یتبختر حتی دخل علیها فقال کیف رأیتنی صنعت بعدوّ اللّه فقالت رأیتک أفسدت علیه دنیاه و أفسد علیک آخرتک بلغنی انک تقول له یا ابن ذات النطاقین انا و اللّه ذات النطاقین أمّا أحدهما فکنت أرفع به طعام رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و طعام أبی بکر من الدواب و أما الآخر فنطاق المرأة التی لا تستغنی عنه أما انّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم حدثنا ان فی ثقیف کذابا و مبیرا فاما الکذاب فقد رأیناه و أما المبیر فلا أخالک الا ایاه فقام عنها و لم یراجعها* مرویاته فی الکتب ثلاثة و ثلاثون حدیثا و هو أحد العبادلة الاربعة* فی القاموس العبادلة من الصحابة مائتان و عشرون و اذا أطلقوا أرادوا أربعة عبد اللّه بن عباس و ابن عمر و ابن الزبیر و ابن عمرو بن العاص و لیس منهم ابن مسعود کما توهمه الجوهری*

(ذکر أولاده و قاضیه و کاتبه و أمیره و حاجبه)

* أما أولاده فعبد اللّه و حمزة و خبیب و ثابت و عباد و قیس و عامر و موسی و أما قاضیه فعابس بن سعید و کاتبه زمل بن عمرو و کان أمیره علی مصر عبد الرحمن بن عتبة بن جحدم و کان یحجبه مولاه عنتر*

(ذکر خلافة مروان بن الحکم بن أبی العاص)

* بن أمیة بن عبد شمس القرشی الاموی یقال له ابن الطرید لانّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم طرد أباه الحکم الی بطن وج و فی حیاة الحیوان طرده الی الطائف* و فی المختصر کان الحکم أبو مروان علیه فی اسلامه طعن و کان اظهاره الاسلام یوم فتح مکة و کان یمرّ خلف رسول اللّه فیغمز بعینه و یجلح بأنفه فبقی علی ذلک التجلیح و أصابته خبلة فقال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الانصاری
انّ اللعین أتاک فارم عطافه‌ان ترم ترم مجلحا مجنونا
یضحی خمیص البطن من عمل التقی‌و یظل من عمل الخبیث بطینا و اطلع الحکم ذات یوم علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی بعض حجر نسائه فخرج إلیه یعیره و قال من عذیری من هذه الوزغة و کان یفشی حدیث رسول اللّه و سرّه فلعنه و سیره الی الطائف و معه عثمان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:307
الازرق و الحارث و غیرهما من بنیه و قال لا یساکننی فلم یزل طریدا حتی ردّه عثمان بن عفان الی المدینة و کان ذلک مما نقم علیه أیضا* قال الواقدی استأذن الحکم بن أبی العاص علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال ائذنوا له لعنه اللّه و من خرج من صلبه الا المؤمنین و قلیل ما هم یشرفون فی الدنیا و یتضعون فی الآخرة* و فی دول الاسلام و کان مروان قد لحق النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هو صبی و ولی نیابة المدینة مرّات و هو قاتل طلحة بن عبید اللّه أحد العشرة المبشرة بالجنة و کان کاتب السرّ لعثمان و بسببه جری علی عثمان ما جری* و فی مورد اللطافة کان مولد مروان بمکة بعد عبد اللّه ابن الزبیر بأربعة أشهر* قال المداینی کان مروان من رجال قریش و کان من أقرأ الناس القرآن و کان یقول ما أخللت بالقرآن قط و انی لم آت الفواحش و الکبائر قط قالوا و کان مروان یلقب بخیط باطل لدقته و طوله شبه بالخیط الابیض الذی یری فی الشمس قال الشاعر
لعمری ما أدری و انی لسائل‌حلیلة مضروب القنا کیف یصنع
لحی اللّه قوما امّروا خیط باطل‌علی الناس یعطی ما یشاء و یمنع و فی المستدرک عن عبد الرحمن بن عوف انه قال کان لا یولد لاحد ولد الا أتی به النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فیدعو له فأدخل علیه مروان بن الحکم فقال هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون ثم قال صحیح الاسناد و کان اسلام الحکم یوم فتح مکة و مات فی خلافة عثمان کما مر* و فی مورد اللطافة سار مروان بعد قتل عثمان مع طلحة و الزبیر یطلبون بدم عثمان یوم وقعة الجمل و قاتل یومئذ أشدّ القتال و لما رأی الهزیمة علیهم رمی طلحة بسهم فقتله غدرا و هو فی عسکره و التفت الی أبان بن عثمان و قال له قد کفیتک بعض قاتلی أبیک و انهزم مروان من وقعة الجمل و قد أصابته جراحات فحمل و تداوی ثم اختفی و أمّنه علیّ فقدم علیه فلما مات معاویة أرسله یزید یوم وقعة الحرّة مع مسلم بن عقبة و حرّضه علی أهل المدینة ثم تزوّج مروان أم خالد بن یزید بن معاویة آمنة بنت علقمة و قیل فاختة بنت هاشم کذا فی سیرة مغلطای بعد موت یزید و کان یجلس مع خالد بن یزید فدخل علیه خالد فی بعض الایام فزبره مروان و قال له تنح یا ابن رطبة الاست و اللّه مالک عقل فقام خالد عنه و دخل علی أمه و ذکر لها مقالته فأضمرت أمه السوء لمروان ثم دخل علیها مروان فقال لها هل قال لک خالد شیئا فأنکرت فنام عندها مروان فوثبت هی و جواریها فعمدت الی وسادة فوضعتها علی وجهه و غمرته هی و الجواری حتی مات ثم صرخن و قلن مات فجأة و ذلک فی أوّل شهر رمضان و قیل فی ربیع الآخر سنة خمس و ستین بدمشق و قیل انه مات فجأة و قیل مطعونا و قیل مسموما فی نصف رمضان و کان مروان فقیها عالما أدیبا کاتبا لعثمان بن عفان و هو کان من أعظم الاسباب فی زوال دولة عثمان و کانوا ینقمون علی عثمان تقریب مروان و تصرّفه فی الامور بویع لمروان بالخلافة فی الجابیة فی رجب سنة أربع و ستین* و فی مورد اللطافة بویع له بعد خلع معاویة بن یزید و قیل بعد خلع خالد بن یزید و لقب المؤتمن باللّه* و فی مورد اللطافة أیضا ثبت مروان علی الخلافة من غیر عهد و لا مشورة ثم سار الی دمشق بعد أن قتل الضحاک بن قیس و أطاعه اکثر امراء الشأم ثم عبی جیوشه و سار الی دیار مصر فی سنة خمس و ستین فصالحه أهلها و أعطوه الطاعة فاستولی علیهم ثم جدّدت له البیعة* و فی تاریخ الیافعی فی سنة خمس و ستین توجه مروان الی مصر فتملکها و استعمل علیها ابنه عبد العزیز فبایعوه فی ذی القعدة من السنة و رجع الی الشأم و کان سلطانه بالشأم و مصر فلم یلبث أن و ثبت علیه زوجته لکونه شتمها فوضعت علی وجهه مخدّة کبیرة و هو نائم و قعدت هی و جواریها فوقها حتی مات کذا فی دول الاسلام و قد مرّ تفصیله* و صلی علیه ابنه و ولیّ عهده عبد الملک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:308
و قال المداینی صلی علیه عبد الرحمن بن أم الحکم و کان خلیفته بدمشق* قال الواقدی قبض النبیّ علیه السلام و مروان بن ثمان سنین و مات بدمشق سنة خمس و ستین و هو ابن ثلاث و سبعین سنة کذا فی المختصر و غیره و کان عمره یوم مات ثلاثا و ستین سنة و خلافته منذ تجدّدت له البیعة عشرة أشهر* و فی مورد اللطافة نحو تسعة أشهر و کذا فی سیرة مغلطای و قیل اکثر من ذلک و تخلف بعده ابنه عبد الملک و کان نقش خاتمه اللّه ثقتی و رجائی* (ذکر أولاده)* کان له من الولد عبد الملک و معاویة و عبید اللّه و عبد اللّه و أبان و داود و عبد العزیز و عبد الرحمن و أم عثمان و أم عمرو و عمرو و بشر و محمد و کان قاضیه أبو ادریس الخولانی و حاجبه أبو اسماعیل مولاه*

(ذکر خلافة عبد الملک ابن مروان)

* و کان یلقب برشح الحجر لبخله و أمه عائشة بنت معاویة بن المغیرة بن أبی العاص و هو أول من سمی عبد الملک فی الاسلام* (صفته)* کان أبیض طویلا أعین رقیق الوجه أفوه مفتوح الفم مشبک الاسنان بالذهب و کان حازما فی الامور لا یکلها الی أحد و کان قبل الخلافة متعبدا ناسکا عالما فقیها واسع العلم حتی قیل کان فقهاء المدینة أربعة سعید بن المسیب و عروة بن الزبیر و قبیصة ابن ذؤیب و عبد الملک بن مروان کذا فی المختصر و لما هلک أبوه فی رمضان سنة خمس و ستین بایعه أهل الشأم و مصر بالخلافة و تمکن ابن الزبیر و بایعه أهل الحرمین و الیمن و العراق و خراسان و استناب علی العراق و ما یلیه أخاه مصعب بن الزبیر و تفرّقت الکلمة و بقی فی الوقت خلیفتان اکبرهما ابن الزبیر ثم لم یزل عبد الملک الی أن ظفر بالزبیر و قتله فی سنة ثلاث و سبعین بعد حروب عظیمة* فأوّلها انه تجهز فی جیشه و سار من دمشق الی العراق فبرز لحربه نائبها مصعب بن الزبیر فالتقی الجمعان و التحم الحرب فخامر علی مصعب جیشه و کان عبد الملک قد کاتبهم و وعدهم بأمور فبقی مصعب فی نفر یسیر و قاتل أشدّ القتال و لا زال کذلک حتی قتل فاستولی حینئذ عبد الملک علی العراق و خراسان و استناب أخاه بشر بن مروان و رجع بجیشه الی دمشق ثم جهز جیشا علیهم الحجاج بن یوسف الثقفی لحرب بن الزبیر فساروا و ضایقوه و حاصروه و نصبوا المنجنیق و کان ابن الزبیر قد نقض الکعبة و بناها کما ذکرنا و کان یضرب بشجاعته المثل کان رضی اللّه عنه وحده یحمل علی عسکر الحجاج فیهزمهم و یخرجهم من أبواب المسجد و قاتلهم أربعة أشهر فاتفق انه حمل علیهم یوما فسقط علی رأسه شرّافة من شراریف المسجد فخرّ منها فبادروا إلیه و احتزوا رأسه و أمر الحجاج بصلب جسده و قد مرّ* و فی سنة أربع و ستین قتل النعمان بن بشیر الانصاری من صغار الصحابة و قد ولی نیابة حمص فلقیته خیل مروان بقریة حمص فقتلوه و مات بالطاعون بالشام فی ذلک العام الولید بن عتبة بن أبی سفیان بعد أن صلی علی معاویة بن یزید و کانوا قد عینوه للخلافة و کان جوادا ممدحا دینا ولی المدینة غیر مرّة لعمه معاویة فلما جاءته البیعة لیزید أشار علیه مروان بقتل ابن الزبیر و الحسین ان لم یبایعوه فامتنع من ذلک دیانة* و فی سنة خمس و ستین سار سلیمان بن صرد الخزاعی و المسیب بن نجیة الامیران فی أربعة آلاف یطلبون بثار الحسین و قصدوا عبید اللّه بن زیاد و کان مروان قد وجهه لیأخذ له العراق فی ثلاثین ألف فارس فالتقوا فقتل الامیران و لسلیمان صحبة و کان المسیب من کبراء أصحاب علیّ و کانت الوقعة بالجزیرة و فیها مات عبد اللّه بن عمرو بن العاص السهمی صاحب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و ابن صاحبه و کان واسع العلم عاقلا صالحا متعبدا یلوم أباه علی أفاعیله و قیامه مع معاویة* مرویاته فی کتب الاحادیث سبعمائة حدیث و مات فی سنة ست و ستین جابر بن سمرة الثوائی أحد أصحابه الذین نزلوا الکوفة و مات فیها أو بعدها زید بن أرقم الانصاری بالکوفة من أهل بیعة الرضوان و قال غزوت مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم سبع عشرة غزوة و کان المختار بن أبی عبید الثقفی الکذاب قد ظهر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:309
بالعراق و التفت علیه الشیعة و کان یدّعی أن جبریل ینزل علیه فجهز ابراهیم بن الاشتر النخعی فی ثمانیة آلاف فی سنة ست و ستین لقتال عبید اللّه بن زیاد فالتقی الجمعان فقتل عبید اللّه و قتل معه من الامراء حصین بن نمیر السکونی و شرحبیل بن ذی الکلاع و کان المصاف بنواحی الموصل و تمزق فی الوقعة أکثر عسکر الشأم و کانوا أربعین ألفا و غلب علی الکوفة المختار و أباد قتلة الحسین کعمر بن سعد بن أبی وقاص و شمر بن ذی الجوشن و خرج نجدة الجروری بالیمامة فی جمع فأتی البحرین و قاتل أهلها ثم حج فوقف بجمعه وحده بعرفة و وقف ابن الزبیر بالناس و وقف ابن الحنفیة بجیشه الذین أتوا من العراق وحده فتواعدوا الحرب حتی ینقضی الحج و الموسم و مات فی سنة سبع و ستین عدی بن حاتم الطائی صاحب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کان یقول ما أقیمت الصلاة منذ أسلمت الا و انا علی وضوء و کان أبوه یضرب به المثل فی السخاء و لما بعث ابن الزبیر أخاه مصعبا علی العراق انضم إلیه جیش البصرة فجاء و ضایق المختار الکذاب حتی ظفر به و قتله و قتل بینهما سبعمائة أو أکثر*

وفاة عبد اللّه بن عباس‌

و مات فی سنة ثمان و ستین عالم الامة الحبر البحر عبد اللّه بن عباس بن عبد المطلب بن عم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم دعا له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ان یؤتیه اللّه العلم مرّتین فکان اعلم أهل زمانه و قد ولی نیابة البصرة لابن عمه علیّ و أضرّ فی آخر عمره و مات بالطائف و له احدی و تسعون سنة و قبره بها یزار و قتل فی سنة ثمان و ستین نجدة الحروری و فی سنة تسع و ستین کان طاعون الجارف بالبصرة* قال المدائنی حدّثنی من أدرک ذلک قال کان ثلاثة أیام فمات فیها نحو مائتی ألف نفس* و قال غیره مات فی طاعون الجارف لانس من أولاده و أولادهم سبعون نفسا و قیل مات فی الجارف لعبد الرحمن بن أبی بکر أربعون ولدا و قل الناس و عجز من بقی عن دفن الموتی و کانت الوحوش تدخل الازقة و تأکلهم* و مات لصدقة المازنی فی یوم واحد سبعة بنین فقال اللهم انی مسلم فلما کان یوم الجمعة بقی الجامع یصفر لم یحضر للصلاة سوی سبعة أنفس و امرأة فقال الخطیب ما فعلت تلک الوجوه فقالت المرأة تحت التراب* و فی سنة سبعین سار عبد الملک بجیوشه الی العراق لیملکها فوثب بدمشق عمرو بن سعد بن العاص الاشدق الاموی و دعا الی نفسه بالخلافة و استولی علی دمشق فرجع إلیه عبد الملک و لاطفه و راسله و حلف له أن یکون الخلیفة بعد عبد الملک و أن یکون مهما شاء حکم و فعل فاطمأنّ و فتح البلد لعبد الملک ثم ان عبد الملک غدر به و ذبحه* و فیها مات عاصم بن عمر بن الخطاب العدوی ولد فی حیاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و هو جدّ الخلیفة العادل عمر بن عبد العزیز لامه*

هدم قصر الامارة بالکوفة

و فی سنة احدی و سبعین قتل عبد الملک بن مروان مصعب بن الزبیر أخا عبد اللّه بن الزبیر و هدم قصر الامارة بالکوفة* و سببه أنه جلس و وضع رأس مصعب بین یدیه فقال له عبد الملک بن عمیر یا أمیر المؤمنین جلست أنا و عبد اللّه بن زیاد فی هذا المجلس و رأس الحسین بین یدیه ثم جلست أنا و المختار بن أبی عبید فاذا رأس عبید اللّه بن زیاد بین یدیه ثم جلست أنا و مصعب هذا فاذا رأس المختار بین یدیه ثم جلست مع أمیر المؤمنین فاذا رأس مصعب بین یدیه و أنا أعیذ أمیر المؤمنین من شرّ هذا المجلس فارتعد عبد الملک و قام من فوره فأمر بهدم القصر* و مات فی سنة اثنتین و سبعین الامیر أبو بحر الاحنف بن قیس الیمنی أحد أشراف العرب و حلمائها بالبصرة و له سبعون سنة أو اکثر قد سمع من عمر و غیره* و مات فی سنة ثلاث و سبعین عوف بن مالک الاشجعی صاحب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و قد غزا بالمسلمین أرض الروم و لما قتل فیها ابن الزبیر استقل بالخلافة فی الدنیا عبد الملک بن مروان و ناب له علی الحرمین الحجاج الظالم الغاشم فنقض ما زاد ابن الزبیر فی الکعبة و ضیقها و سدّ بابها الغربی و علی الباب الشرقی* و فی سنة أربع و سبعین مات من الصحابة رافع بن خدیج الانصاری و أبو سعید الخدری و عبد اللّه بن عمر بن الخطاب العدوی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:310
الفقیه أحد الکبار و کان قد عین للخلافة یوم الحکمین فی زمن علی رضی اللّه عنهم و فیها مات سلمة بن الاکوع الاسلمی أحد من بایع تحت الشجرة و کان بطلا شجاعا رامیا محسنا یسبق الفرس العربیة عدوا و أبو حجیفة السوائی وهب الخیر من صغار الصحابة و فی هذا الوقت مات مقری العراق أبو عبد الرحمن السلمی عبد اللّه بن حبیب بالکوفة قرأ علی عثمان و علی ابن مسعود و أقرأ الناس أربعین سنة و فی سنة خمس و سبعین مات الاسود بن یزید النخعی صاحب ابن مسعود بالکوفة و کان رأسا فی العلم و العمل قیل کان یصلی فی الیوم و اللیلة ستمائة رکعة و مات بالشام العرباض بن ساریة السلمی أحد أصحاب الصفة الاخیار البکائین و أبو ثعلبة الخشنی و کان ممن شهد فتح خیبر و حج فیها أمیر المؤمنین عبد الملک‌

أوّل ضرب الدنانیر فی الاسلام‌

و فیها ضربت الدراهم و الدنانیر و هی أول ما ضرب فی الاسلام و انما کانت قبل ذلک رومیة و کسرویة* و فی المختصر الجامع و هو أول من نقش الدراهم و الدنانیر بالعربیة أمر بنقشها و کتب علیها قل هو اللّه أحد و کان علیها قبل ذلک کتابة بالرومیة و علی الدراهم بالفارسیة* و مات بالبصرة بشر أخو الخلیفة و نائب العراقین و کان جوادا ممدحا جمیلا فبعث عبد الملک موضعه الحجاج الظالم فعسف و سفک الدماء* و مات بمصر قاضیها و واعظها و زاهدها سلیم بن عنز البختی و کان قد حضر خطبة عمر بالجابیة* و مات بالکوفة قاضیها شریح و کان من سادة القضاة حکم بها من دولة عمر رضی اللّه عنه* و افتتح عبد الملک مدینة هرقلة من أقصی بلاد الروم و استفحل أمر الخوارج و علیهم الامیر شبیب بن یزید بالعراق و الاهواز و کان شبیب فردا فی الشجاعة قاتلوه عند جسر و حیل فلما غدا فوقه قطع الجسر فغرق شبیب و کان فی مائتی نفس یلتقی الالفین فیهزمهم و یبذعر فئتهم* و فی سنة ثمان و سبعین مات صاحب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم جابر بن عبد اللّه الانصاری بالمدینة بعد أن ذهب بصره کذا فی الصفوة و کان عالما مفتیا کبیر القدر شهد لیلة العقبة مع أبیه و شهد غزوة الاحزاب و عاش أربعا و تسعین سنة و روی علما کثیرا* مرویاته فی کتب الاحادیث ألف و خمسمائة و أربعون حدیثا و مات فیها بالکوفة زید بن خالد الجهنی و له خمس و ثمانون سنة من مشاهیر الصحابة روی عنه علماء المدینة* و فی سنة ثمانین مات أسلم مولی عمر بن الخطاب و فیها مات عالم الشأم أبو ادریس الخولانی الفقیه و عبد اللّه بن جعفر بن أبی طالب الهاشمی الجواد ولد بالحبشة و له صحبة و روایة یقال لم یکن فی الاسلام أحد أسخی منه* و فی سنة احدی و ثمانین مات محمد بن الحنفیة و هو محمد ابن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب و کانت الشیعة تعظمه و تزعم أنه المهدی* و فی سنة اثنتین و ثمانین مات زر بن حبیش بالکوفة و قد قرأ القرآن علی علی رضی اللّه عنهم و روی علما کثیرا و فیها کانت غزوة صقلیة غزاها المسلمون و علیهم عطاء بن رافع و صقلیة جزیرة کبیرة فی البحر فیها مدائن و هی قریبة من جزیرة الاندلس یرکب إلیها من ناحیة تونس افتتحها المسلمون و بقیت دار اسلام مدّة طویلة و خرج منها علماء و أئمة ثم أخذتها الافرنج من نحو مائتی سنة* و فیها و فی المختصر الجامع فی سنة ثلاث و ثمانین أنشأ الحجاج مدینة بالعراق و هی واسط و جعل فیها دار الامارة و فیها التقی ولد عبد الملک بن مروان عساکر الروم عند سوریة فکسرهم و استعمل عبد الملک أخاه محمد بن مروان علی امرة أذربیجان و الجزیرة و أرمینیة و لمحمد غزوات و فتوحات* و فی سنة خمس و ثمانین مات متولی مصر و المغرب عبد العزیز بن مروان الاموی أخو الخلیفة* قال ابن أبی ملیکة سمعته عند الموت یقول یا لیتنی لم اکن شیئا و قد ولی الدیار المصریة عشرین سنة و خلف أموالا لا تحصی و مات بالکوفة عمرو بن الحارث من بقایا أصحاب النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و بدمشق واثلة بن الاسقع و هو صحابی من أهل الصفة و أبو زید عمرو بن سلمة الحرمی الذی کان یؤم قوما صبیا فی أیام النبیّ علیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:311
السلام ثلاثتهم فی سنة خمس و ثمانین* و مات فی سنة ست و ثمانین ثلاثة من الصحابة أبو أمامة الباهلی بحمص و عبد اللّه بن أوفی الاسلمی بالکوفة و کان من أصحاب الشجرة و عبد اللّه بن الحارث بن جزء الزبیدی بمصر و فیها بنیت مدینة أردبیل و بردعة علی ید الامیر عبد العزیز بن حاتم*

(ذکر وفاة عبد الملک بن مروان الاموی و مدفنه)

* توفی فی منتصف شوّال و قیل لعشر خلون من شوّال سنة ست و ثمانین و دفن بدمشق و صلی علیه ابنه و ولی عهده الولید و کانت خلافته احدی و عشرین سنة و خمسة عشر یوما منها ثمان سنین کان مزاحما لابن الزبیر ثم انفرد بمملکة الدنیا* و فی سیرة مغلطای فکانت خلافته عشرین سنة الی أن مات و له ستون سنة کذا فی دول الاسلام* و فی المختصر الجامع کان سبع سنین و سبعة أشهر و سبعة عشر یوما قبل قتل ابن الزبیر و کانت ولایته بعد مقتل ابن الزبیر ثلاث عشرة سنة و ثلاثة أشهر و خمسة عشر یوما و دفن خارج باب الجابیة بدمشق و کان نقش خاتمه آمنت باللّه مخلصا* (ذکر أولاده و قاضیه و أمیره و کاتبه و حاجبه)* کان له من الولد سبعة عشر الولید و سلیمان و مروان الاکبر و یزید و مروان الاصغر و معاویة و هشام و بکار و الحکم و عبد اللّه و مسلمة و المنذر و عیینة و محمد و سعید و الحجاج و قبیصة و فی المختصر عدّ من أولاده داود و عائشة و فاطمة فیکونون عشرین ولی الخلافة منهم أربعة و فی حیاة الحیوان رأی عبد الملک بن مروان فی المنام أنه بال فی محراب مسجد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم أربع مرّات فغمه ذلک فکتب بذلک الی ابن سیرین و فی روایة الی سعید بن المسیب فقال ابن سیرین ان صدقت رؤیاک فسیقوم من ولدک أربعة فی المحراب و یتقلدون الخلافة بعدک فولیها أربعة خلفاء من صلبه الولید و سلیمان و یزید و هشام* و کان قاضیه أبو ادریس الخولانی و عبد اللّه ابن قیس* و کان أمیره علی العراق الحجاج بن یوسف الثقفی و علی مصر أخوه عبد العزیز بن مروان* و کان کاتبه روح بن رباع ثم قبیصة بن ذؤیب* و کان حاجبه یوسف مولاه*

(ذکر خلاقة الولید أبی العباس بن عبد الملک بن مروان)

* أمه ولادة بنت العباس (صفته) کان أسمر جمیلا و بوجهه آثار جدری* و فی دول الاسلام کان دمیما سائل الانف یختال فی مشیته قلیل العلم و کان ذا سطوة شدیدة لا یتوقف اذا غضب و کان کثیر النکاح و الطلاق یقال انه تزوّج ثلاثا و ستین امرأة و کان أبوه أخذ له العهد و لسلیمان بعده بویع بالخلافة فی یوم الخمیس منتصف شوّال سنة ست و ثمانین و هو الذی بنی جامع دمشق و زخرفه و کان قبله نصفه کنیسة للنصاری و النصف الآخر الذی فیه محراب الصحابة للمسلمین فأرضی الولید النصاری بعدة کنائس صالحهم علیها فرضوا ثم هدمه سوی حیطانه و أنشأ فیه النسر و القناطر و حلاها بالذهب و أستار الحریر و بقی العمل فیه تسع سنین حتی قیل کان یعمل فیه اثنا عشر ألف مرخم و غرم علیه من الدنانیر المصریة زنة مائة قنطار و أربعة و أربعین قنطارا بالدمشقی حتی صیره نزهة الدنیا و أمر نائبه علی المدینة ابن عمه عمر بن عبد العزیز ببناء مسجد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و توسیعه و زخرفته ففعل و هو أوّل من اتخذ المارستان للمرضی و دار الضیافة و أقام عمر بن عبد العزیز و الی المدینة سبع سنین و خمسة أشهر و شید مسجد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أدخل فیه المنازل التی حوله و حجرات أزواج النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و بنی الامیال فی الطرقات و أنفذ الی خالد بن عبد اللّه القسری عامله علی مکة ثلاثین ألف مثقال ذهبا فصفح باب الکعبة و المیزاب و الاساطین* و فی دول الاسلام و کان الولید یعطی أکیاس الدراهم لتقسم فی الصالحین و کان یختم القرآن فی ثلاث قال ابراهیم بن أبی عبلة کان یختم فی رمضان سبع عشرة مرّة* و عن الولید قال لو لا انّ اللّه تعالی ذکر اللواطة فی کتابه ما ظننت أحدا یفعله* و فی حیاة الحیوان قال الحافظ ابن عساکر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:312
کان الولید عند أهل الشام من أفضل خلفائهم بنی المساجد بدمشق و أعطی الناس و فرض للمجذومین و قال لا تسألوا الناس و أعطی کل مقعد خادما و کل أعمی قائدا و کان یبر حملة القرآن و یقضی عنهم دیونهم و بنی الجامع الاموی و هدم کنیسة مریوحنا و زادها فیه و ذلک فی القعدة سنة ست و ثمانین و توفی الولید و لم یتم بناؤه فأتمه سلیمان أخوه و کان جملة ما أنفق علی بنائه أربعمائة صندوق فی کل صندوق ثمانیة و عشرون ألف دینار و کان فیه ستمائة سلسلة ذهب للقنادیل و ما زالت الی أیام عمر ابن عبد العزیز فجعلها فی بیت المال و اتخذ عوضها صفرا و حدیدا و بنی الولید قبة الصخرة ببیت المقدس و بنی المسجد النبوی و وسعه حتی دخلت الحجرة النبویة فیه و له آثار حسنة کثیرة جدّا و مع ذلک روی ان عمر بن عبد العزیز قال لما ألحدت الولید ارتکض فی أکفانه و غلت یداه الی عنقه نسأل اللّه العفو و العافیة فی الدنیا و الآخرة* و فتحت فی أیام خلافة الولید الفتوحات العظام مثل الهند و السند و الاندلس و غیر ذلک انتهی و قوله انّ الولید بنی قبة الصخرة فیه نظر و انما بنی قبة الصخرة عبد الملک بن مروان فی أیام فتنة ابن الزبیر لما منع عبد الملک أهل الشام من الحج خوفا من ان یأخذ منهم ابن الزبیر البیعة و کان الناس یقفون یوم عرفة بقبة الصخرة الی ان قتل ابن الزبیر* و عن ابن خلکان و غیره لعلها تشعثت فهدمها الولید و بناها و اللّه أعلم*

غریبة

و فی مورد اللطافة قال عمر بن عبد الواحد الدمشقی عن عبد الرحمن بن یزید بن خالد عن أبیه قال خرج الولید بن عبد الملک من الباب الاصغر فوجد رجلا عند الحائط عند المأذنة الشرقیة یأکل وحده فجاء فوقف علی رأسه فاذا هو یأکل خبزا و ترابا فقال ما شأنک انفردت من الناس فقال أحببت الوحدة فقال فما حملک علی أکل التراب أما فی بیت مال المسلمین ما یجری علیک قال بلی و لکن رأیت القنوع قال فرجع الولید الی مجلسه ثم أحضره فقال ان لک ذمّة ان تخبرنی به و الا ضربت ما فیه عیناک قال نعم کنت جمالا و معی ثلاثة أجمال موقرة طعاما حتی أتیت مرج الصفر فقعدت فی خرابة أبول فرأیت البول ینصب فی شق فاتبعته حتی کشفته و اذا غطاء علی حفیر فنزلت فاذا مال فأنخت رواحلی و أفرغت طعامی ثم أوقرتها ذهبا و غطیت الموضع فلما سرت غیر بعید وجدت معی مخلاة فیها طعام فقلت انا أترک الکسرة و آخذ الذهب ففرغتها و رجعت لا ملأها فخفی عنی الموضع و أتعبنی الطلب فرجعت الی الجمال فلم أجدها و لم أجد الطعام فآلیت علی نفسی ان لا آکل شیئا الا الخبز و التراب فقال الولید کم لک من العیال فذکر عیالا قال یجری علیک من بیت المال و لا یستعمل فی شی‌ء فان هذا المحروم* قال ابن جابر فذکر لنا أن الابل حملت الی بیت مال المسلمین فاناخت عنده فأخذها أمین الولید فطرحها فی بیت المال* قال الذهبی هذه الحکایة روایة ثقات قاله الکنانی و فی سنة سبع و ثمانین غزا قتیبة الباهلی بناحیة بخاری و وقع بینه و بین الترک مصاف عظیم هزمهم و مزقهم و صالح أهل بخاری و ولاها قرابته و رجع فوثبوا علی متولیها و أخیارهم فقتلوهم فأقبل قتیبة و نازلها و افتتحها بالسیف فقتل و سبی و فیها غزا أخو الخلیفة مسلمة فافتتح بالروم قمیقم و بحیرة الفرسان* و فی سنة ثمان و ثمانین غزا قتیبة بما وراء النهر و افتتح مدینتین صالحا فزحف إلیه الترک و الصغد و أهل فرغانه و علی الجمیع ابن أخت ملک الصین و کانوا نحو مائتی ألف فالتقاهم قتیبة فهزمهم و نصر اللّه الاسلام و فیها افتتح مسلمة جرمومة و طوانة من بلاد الروم و بلاد الاندلس و طلیطله و حملت إلیه مائدة سلیمان بن داود علیهما السلام و هی من ذهب و فضة و علیها ثلاثة أطواق من لؤلؤ و التقی الروم فهزمهم فقتل خلقا و غزا مسلمة عموریة من الروم و هزم الکفار* و فی سنة تسع و ثمانین غزا قتیبة وردان ثانی مرّة فسال علیه الروم فالتقاهم و هزمهم و قتل و أسر و أوقع بأهل الطالقان بخراسان فقتل منها مقتلة عظیمة و صلب من أهلها صفین مسیرة أربعة فراسخ
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:313
و سبب ذلک ان ملکها غدر و نکث و أعان الترک* و عزل الخلیفة عمه محمدا عن الجزیرة و أذربیجان و ولاها أخاه مسلمة فغزا مسلمة و افتتح مدائن و حصونا عند دربند و دان له من وراء باب الابواب و فیها حج الولید بالناس* و فی المختصر الجامع حج الولید بالناس سنة ثمان و ثمانین و إحدی و تسعین و أربع و تسعین و تمت لقتیبة الباهلی حروب بما وراء النهر حتی ان طرحون ملک الترک وثب علیه امراؤه فعزلوه و حبسوه و اتکأ علی سیفه حتی خرج من ظهره و غزا قتیبة خوارزم فافتتحها صالحا و صالح أهل سمرقند بعد ان قاتلوه أشدّ قتال یکون علی ألفی ألف و علی ثلاثین ألف رأس و قتل فی المصاف خلائق من الترک و کان دین أهل ما وراء النهر علی المجوسیة و عبادة النار و الاوثان و افتتح فی دولته الهند و بعض بلاد الترک و جریرة الاندلس و اتسعت ممالک الاسلام فی دولة الولید و فی سنة أربع غزا قتیبة فافتتح فرغانة و خجند و کاشان بعد حروب عظیمة و بعث عسکرا افتتحوا الشاش و افتتح مسلمة من أرض الروم مدینة سندرة فکان فی کل وقت یصل إلیه البرید بخبر فتح بعد فتح و یحمل إلیه خمس المغانم و امتلأت خزائنه و عظمت هیبته* و فی سنة احدی و تسعین مات صاحب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم سهل بن سعد الساعدی بالمدینة و قد قارب مائة سنة و مات بمکة السائب بن یزید الکندی صحابی صغیر و مات فیها نائب الیمن محمد بن یوسف الثقفی أخو الحجاج فکان عمر بن عبد العزیز یقول الولید الخلیفة بدمشق و الحجاج بالعراق و أخوه بالیمن و عثمان بن حبان بالحجاز و قرّة بمصر امتلأت و اللّه الدنیا جورا*

آخر من مات من الصحابة

و فی سنة ثلاث و تسعین مات بالبصرة خادم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و صاحبه و آخر من بقی من الصحابة أبو حمزة أنس بن مالک بن النضر بن ضمضم بن زید الانصاری الخزرجی و له مائة و ثلاث سنین و قد غزا مع النبیّ صلی اللّه علیه و سلم مرّات و روی عنه علما کثیرا مرویاته فی کتب الاحادیث ألفان و مائتان و ستة و ثمانون حدیثا* و فیها مات الامام أبو العالیة الرباحی رفیع و له أزید من مائة سنة قرأ القرآن علی أبی بن کعب و غیره* قال ابن أبی داود لم یکن أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبی العالیة و بعده سعید بن جبیر* و فیها قرأ فی صلاة الصبح قاضی البصرة زرارة بن أبی أوفی المدثر فلما بلغ الی قوله فاذا نقر فی الناقور خرّ میتا رحمه اللّه* و فی سنة أربع و تسعین مات عالم أهل زمانه سید التابعین سعید بن المسیب المخزومی و قد قارب ثمانین سنة و الامام عروة بن الزبیر ابن العوام الاسدی بالمدینة* قال الزهری کان بحر الا ینزف و الامام زین العابدین علی بن الحسین ابن علی بن أبی طالب و له بضع و خمسون سنة قال الزهری ما رأیت أفقه منه و أبو بکر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام المخزومی أحد الفقهاء السبعة و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهری أحد الائمة الاعلام* و فی سنة خمس و تسعین مات فقیه الکوفة ابراهیم بن یزید النخعی عن بضع و خمسین سنة و کان رأسا فی العلم و العمل و الامام المفسر سعید بن جبیر الکوفی قتله الحجاج ظلما فما أمهله اللّه بعده فهلک الحجاج بن یوسف الثقفی أمیر العراق فی رمضان و له ثلاث و خمسون سنة و کانت ولایته بالعراق عشرین سنة و کان شجاعا مهیبا جبارا عنیدا و مخازیه کثیرة الا انه کان عالما فصیحا مفوّها مجوّدا للقرآن یقال انه قتل أکثر من مائة ألف صبرا کذا فی دول الاسلام* و فی المختصر الجامع انّ عدّة من قتله الحجاج صبرا مائة ألف رجل و عشرون ألفا و انه توفی فی حبوسه خمسون ألف رجل و ثلاثون ألف امرأة و سمعوه یقول عند الموت رب اغفر لی فان الناس یزعمون انک لا تغفر لی و فیها مات مطرف بن عبد اللّه بن الشخیر الحرشی بالبصرة کان من الائمة العباد بلغنا أن رجلا کذب علیه فقال مطرف اللهمّ ان کان کاذبا فأمته فخرّ مکانه میتا* و فی سنة ست و تسعین قتل نائب خراسان کلها مسلم الباهلی ولیها عشر سنین من جهة الحجاج و لما مات الولید خرج عن الطاعة فوثب علیه الامیر وکیع العبدانی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:314
فقتله و استولی علی خراسان و فیها مات نائب مصر قرّة بن شریک القیسی و کان ظالما جبارا بنی جامع مصر و زخرفه فقیل کان اذا انصرف منه الصناع دخل و دعا بالخمر و الملاهی و یقول لهم النهار و لنا اللیل و عزم جماعة من الکبار علی قتله فعرف بهم و أبادهم*

ذکر وفاة الولید

(ذکر وفاته و مدفنه) توفی یوم السبت منتصف جمادی الآخرة سنة ست و تسعین بدیر مروان و حمل علی أعناق الرجال و دفن بدمشق فی مقابر الباب الصغیر و تولی دفنه عمر بن عبد العزیز کذا فی حیاة الحیوان و عمره ست و أربعون سنة و أشهر و قیل ثمان و أربعون سنة و أشهر و فی دول الاسلام خمسون سنة و کانت خلافته تسع سنین و ثمانیة أشهر و قیل و تسعة أشهر و فی دول الاسلام عشر سنین و کان نقش خاتمه یا ولید انک میت و محاسب و تخلف بعده أخوه سلیمان بن عبد الملک* (ذکر أولاده و أمرائه و قضاته و کتابه و حجابه)* کان له من الولد أربعة عشر ذکرا سوی البنات* و فی دول الاسلام خلف أربعة عشر ولدا انتهی منهم یزید و ابراهیم ولیا الخلافة و منهم العباس فارس بنی مروان و عمر فحلهم کان یرکب فی ستین من صلبه و عمرو و عبد العزیز و بشر و کان أمیره علی مصر قرّة بن شریک*

(ذکر خلافة سلیمان أبی أیوب بن عبد الملک بن مروان)

* أمه ولادة أم أخیه المقدّم ذکره* صفته* کان طویلا جمیلا أبیض فصیحا لسنا بلیغا و کان مولده فی سنة ستین* و فی دول الاسلام کان کبیر الوجه ملیحا مقرون الحواجب أبیض مقصوص الشعر أدیبا معجبا بنفسه متوقفا عند الدماء بویع بالخلافة یوم موت أخیه الولید یوم السبت منتصف جمادی الآخرة سنة ست و تسعین و کان أبوهما عقد لهما بالامر من بعده و کان سلیمان بالرملة فلما جاءته الخلافة عزم علی الاقامة بها ثم توجه الی دمشق و کمل عمارة الجامع الاموی کما تقدّم و کان محبا للغزو جهز أخاه مسلمة بن عبد الملک فی سنة سبع و تسعین الی غزو الروم فانتهی الی قسطنطینیة کذا فی حیاة الحیوان* و فی روایة حتی صالحهم علی بناء جامع و کان شدید الغیرة و هو الذی خصی المخنثین بالمدینة و کان نکاحا و کان کثیر الاکل حج مرّة فنزل بالطائف فأکل سبعین رمانة ثم جاءوه بخروف مشوی و ست دجاجات فأکلها ثم جاءوه بزبیب فأکل منه شیئا کثیرا ثم نعس فانتبه فی الحال فأتاه الطباخ فأخبره بأن الطعام قد استوی فقال اعرضه علیّ قدرا قدرا فصار سلیمان یأکل من کل قدر اللقمة و اللقمتین و اللحمة و اللحمتین و کانت ثمانین قدرا ثم مدّ السماط فأکل علی عادته کأنه لم یأکل شیئا* قیل أفاد بعض الحکماء انّ الرجل لا یأکل اکثر من ستین لقمة من جوعه الی شبعه فما یکون شأن هذا الرجل و أمثاله من الاکلة* و فی المختصر الجامع و حیاة الحیوان من ترجمة ابن خلکان انّ سلیمان کان یأکل کل یوم مائة رطل شامی و کان به عرج و لما ولی ردّ الصلاة الی میقاتها الاوّل و کان من قبله من الخلفاء من بنی أمیة یؤخرونها الی آخر وقتها و لذلک قال محمد بن سیرین رحم اللّه سلیمان افتتح خلافته بخیر و ختمها بخیر افتتحها باقامة الصلاة لمواقیتها الاولی و ختمها باستخلاف عمر ابن عبد العزیز و بنی دار السلطنة و عملها قبة صفراء عالیة بدمشق* و مما یحکی من محاسنه انّ رجلا دخل علیه فقال یا أمیر المؤمنین انشدتک اللّه و الاذان فقال له سلیمان أما انشدتک اللّه فقد عرفناه فما الاذان قال قوله تعالی فأذن مؤذن بینهم أن لعنة اللّه علی الظالمین فقال له سلیمان و ما ظلامتک فقال ضیعتی فلانة غلبنی علیها عاملک فلان فنزل سلیمان عن سریره و رفع البساط و وضع خدّه بالارض قال و اللّه لا رفعت خدّی من الارض حتی یکتب له بردّ ضیعته فکتب الکتاب و هو واضع خدّه لما سمع کلام ربه الذی خلقه و خوّله نعمه خشی علی نفسه من لعن اللّه و طرده رحمه اللّه* قیل انه أطلق من سجن الحجاج ثلاثمائة ألف ما بین رجل و امرأة و صادر آل الحجاج و اتخذ ابن عمه عمر بن عبد العزیز وزیرا و مشیرا کذا فی حیاة الحیوان*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة سلیمان بن عبد الملک‌

و فی سنة سبع و تسعین مات طلحة بن عبد اللّه بن عوف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:315
الزهری قاضی المدینة و کان أحد الاجواد و فیها مات قیس بن أبی حازم البجلی شیخ الکوفة و عالمها عن اکثر من مائة سنة و کان قد هاجر الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فلم یلحقه و سمع من أبی بکر و عمر رضی اللّه عنهم* و فی سنة ثمان و تسعین مات أحد الفقهاء السبعة بالمدینة عبید اللّه بن عبد اللّه بن عتبة الهذلی شیخ الزهری و الفقیهة عمرة بنت عبد الرحمن صاحبة عائشة فی سنة تسع و تسعین و عالم بیت المقدس عبد اللّه بن محیریز الجمحی* قال الاوزاعی کان اماما قدوة و قال رجاء بن حیوة ان یفخر علینا أهل المدینة بابن عمر فانا نفخر علیهم بعابدنا ابن محیریز و بقاؤه أمان لاهل الارض و فیها توفی محمود بن الربیع الانصاری بالمدینة و کان قد عقل مجة مجها رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی وجهه من دلو و حدّث عن عبادة بن الصامت و غیره* و أمر الخلیفة سلیمان الناس بغزو القسطنطینیة برّا و بحرا و جهز الجیوش و بذل الخزائین و نزل علی حلب و أمر علی الکل أخاه مسلمة و ابنه و کان الذین غزوها أزید من مائة ألف و طالت الغزوة حتی مات سلیمان و هم هناک* و روی السکن ابن خالد قال أصاب الجیش علی القسطنطینیة جوع عظیم حتی اکلوا المیتة* و قال محمد بن زید الالهانی هلکنا من الجوع و مات الناس و ان کان الرجل لیذهب الی الغائط و الآخر یرصده فاذا قام جاء هذا فأکل رجیعه و ربما کان الرجل لیبعد للحاجة فیؤخذ*

(ذکر وفاته)

* قیل انّ سلیمان جلس یوما فی نبت أخضر علی و طاء أخضر علیه ثیاب خضر ثم نظر فی المرآة فأعجبه شبابه و کان من أجمل الناس فقال کان محمد صلی اللّه علیه و سلم نبیا و کان أبو بکر صدّیقا و کان عمر فاروقا و کان عثمان حییا و کان معاویة حلیما و کان یزید صبورا و کان عبد الملک سیوفا و کان الولید جبارا و أنا الملک الشاب فمات من جمعته فی یوم الجمعة عاشر صفر سنة تسع و تسعین* و یقال انه لبس یوما أفخر ما عنده و تطیب بأفخر الطیب و تزین بأحسن الزینة فأعجبته نفسه فالتفت فرأی جاریة من جواریه واقفة فقال لها کیف ترین فقالت شعر
أنت نعم المتاع لو کنت تبقی‌غیر أن لا بقاء للانسان
أنت خلو من العیوب و ممایکره الناس غیر أنک فانی و فی حیاة الحیوان
لیس فیما بدا لنا منک عیب‌عابه الناس غیر أنک فانی فطردها ثم أحضرها فقال لها ما قلت فقالت ما قلت شیئا و لا رأیتک الیوم فتعجب الناس من ذلک و مات من جمعته* و فی دول الاسلام و لما احتضر أشار علیه وزیره رجاء بن حیوة بأن یستخلف ابن عمه الامام العادل عمر بن عبد العزیز بشرط أن تکون الخلافة من بعد عمر لیزید بن عبد الملک أخی سلیمان و فی الجملة هو من خیار ملوک بنی أمیة قرّب ابن عمه عمر بن عبد العزیز و جعله ولیّ عهده بالخلافة و لیس عهد فی الخلافة و انما العهد کان لیزید و هشام فأدخل عمر قبلهما و بایع الناس علی العهد و هو مکتوب و فیه عمر بن عبد العزیز ثم یزید و هشام فصحت البیعة* و فی المختصر الجامع توفی سلیمان بذات الجنب بمرج دابق من أرض قنسرین لعشر خلون من صفر سنة تسع و تسعین و له خمس و أربعون سنة و قیل تسع و ثلاثون و صلی علیه عمر بن عبد العزیز و کانت خلافته سنتین و ثمانیة أشهر الا خمسة أیام* و فی دول الاسلام دون ثلاثة أعوام و کان نقش خاتمه آمنت باللّه مخلصا و کان له من الولد أربعة عشر ذکرا*

(ذکر خلافة عمر بن عبد العزیز بن مروان بن الحکم القرشی الاموی)

* أمیر المؤمنین أبی حفص ولد بالمدینة سنة ستین عام توفی معاویة بن أبی سفیان أو بعده بسنة کذا فی مورد اللطافة* و فی حیاة الحیوان مولده بالبصرة سنة احدی و ستین أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب عسّ لیلة من اللیالی فأتی علی امرأة تقول لابنتها قومی و امزجی اللبن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:316
بالماء فقالت لا تفعلی فانّ أمیر المؤمنین عمر نهی عن ذلک قالت و من أین یدری قالت فان لم یعلم هو فانّ رب أمیر المؤمنین یری ذلک* و فی شواهد النبوّة قالت البنت و اللّه لا أفعله أبدا أطیع أمره فی العلن و أخالفه فی السرّ فلما أصبح عمر قال لابنه عاصم اذهب الی مکان کذا فانّ هناک صبیة فان لم تکن مشغولة فتزوّج بها فلعل اللّه یرزقک منها نسمة مبارکة فتزوّج عاصم بتلک البنیة فولدت له أم عاصم بنت عاصم بن عمر فتزوّجها عبد العزیز بن مروان باربعمائة دینار من أطیب ماله فولدت له عمر بن عبد العزیز* و فی حیاة الحیوان و هو تابعی جلیل روی عن انس بن مالک و السائب بن مالک و السائب بن یزید و روی عنه جماعة قال الترمذی فی تاریخه بلغنا انّ عمر بن الخطاب قال انّ من ولدی رجلا بوجهه شین یلی فیملأ الارض عدلا* قال نافع لا أحسبه إلا عمر بن عبد العزیز* صفته* کان أبیض رقیق الوجه ملیحا جمیلا مهیبا نحیف الجسم حسن اللحیة غائر العینین بجبهته أثر شجة من أثر حافر فرس ضربه و هو صغیر و لذا سمی أشج بنی أمیة و قد خطه الشیب* روی انه دخل اصطبل أبیه و هو غلام فضربه فرس فجعل أبوه یمسح عنه الدم و یقول ان کنت أشج بنی أمیة انک لسعید* و روی الذهبی فی تاریخه باسناده عن رباح بن عبیدة قال خرج علینا عمر بن عبد العزیز و شیخ متّکئ علی یده و نقلت فی نفسی هذا الشیخ جاف فلما صلی و دخل لحقته فقلت أصلح اللّه الامیر من الشیخ لذی یتّکئ علی یدیک قال یا رباح رأیته قلت نعم قال لا أحسبک الا رجلا صالحا ذاک أخی الخضر أتانی و أعلمنی انی سألی أمر هذه الامّة و انی أساعدک فیها بویع بالخلافة بعد موت ابن عمه سلیمان بن عبد الملک بعهد عهده إلیه و لقب بالمعصوم باللّه فلما بویع بالخلافة قدّمت له فرس الخلافة علی عادة الخلفاء فلم یرکبها و رکب فرسه* و فی حیاة الحیوان فجاء صاحب الشرطة لیسیر بین یدیه بالحربة جریا علی عادة الخلفاء فقال له تنح عنی ما لی و لک انما انا رجل من المسلمین ثم سار مختلطا بین الناس حتی دخل المسجد فصعد المنبر و اجتمع الناس إلیه فحمد اللّه تعالی و اثنی علیه و ذکر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثم قال أیها الناس قد ابتلیت بهذا الامر من غیر رأی منی فیه و لا طلب و لا مشورة و انی قد خلعت ما فی أعناقکم فاختاروا لانفسکم غیری فصاح المسلمون صیحة واحدة قد اخترناک یا أمیر المؤمنین و رضیناک تدبرنا بالیمن و البرکة فلما سکتوا خطب الناس خطبة مشتملة علی الحمد و الصلاة ثم قال فی آخرها أیها الناس من أطاع اللّه تعالی وجبت طاعته و من عصی اللّه عز و جل فلا طاعة له أطیعونی ما أطعت اللّه تعالی فان عصیته فلا طاعة لی علیکم ثم نزل و دخل دار الخلافة فأمر بالستور فهتکت و بالبسط فرفعت و أمر ببیع ذلک و ادخال أثمانها فی بیت مال المسلمین ثم ذهب یتبوّأ لیقیل فاتاه ابنه عبد الملک فقال ما ترید أن تصنع یا أبت قال أی بنی أقیل قال تقیل و لا تردّ المظالم قال أی بنی انی قد سهرت البارحة فی أمر عمک سلیمان فاذا صلیت الظهر رددت المظالم فقال یا أمیر المؤمنین من أین لک ان تعیش الی الظهر فقال ادن منی یا بنی فدنا منه فقبل بین عینیه و قال الحمد للّه الذی أخرج من ظهری من یعیننی علی دینی فخرج و لم یقل فأمر منادیه ان ینادی ألا من کانت له مظلمة فیرفعها فقدم إلیه ذمی من أهل حمص فقال یا أمیر المؤمنین أسألک کتابک قال و ما ذاک قال ان العباس بن الولید اغتصبنی أرضی و العباس جالس فقال عمر ما تقول یا عباس قال ان أمیر المؤمنین الولید أقطعنی ایاها و هذا کتابه فقال ما تقول یا ذمی قال یا أمیر المؤمنین أسألک کتاب اللّه عز و جل فقال کتاب اللّه أحق ان یتبع من کتاب الولید فاردد علیه أرضه یا عباس فردّ علیه ثم جعل لا یدع شیئا مما کان فی ید أهل بیته من المظالم الا ردّها مظلمة مظلمة فلما بلغ الخوارج سیره و ما ردّ من المظالم اجتمعوا و قالوا ما ینبغی لنا ان نقاتل هذا الرجل انتهی ثم شرع فی بسط العدل الذی ما سمع بمثله من عهد الخلفاء الراشدین* قال الشافعیّ رحمه اللّه الخلفاء خمسة أبو بکر
و عمر و عثمان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:317
و علی و عمر بن عبد العزیز رضی اللّه عنهم و لما ولیها أبطل سب علی بن أبی طالب و جعل مکان ذلک انّ اللّه یأمر بالعدل و الاحسان الآیة و کان ذلک اللعن مستمرّا منذ ست و سبعین سنة* و فی روایة الاصح منذ ثلاث و ثمانین سنة و أربعة أشهر و ذلک ألف شهر* روی ان عمر خلا بصعلوک و أمره ان یجی‌ء إلیه غدا حین کان عمر جالسا بین أظهر الناس فیخطب إلیه ابنته و قال له انی سأقول کذا و کذا و أنت قل کذا و کذا و لا تخف فان فیه مصلحة فجاء الرجل من الغد فی مثل الوقت الذی أمره عمر ان یأتیه فیه فقال یا أمیر المؤمنین ان لی إلیک حاجة قال و ما حاجتک قال انا رجل فقیر أیم و أنت خلیفة عادل تکفی مؤن الناس و تقضی حوائج الخلق فانی أخطب إلیک ابنتک فهمّ الناس بزجره و ایذائه فمنعهم عمر عن ذلک و قال للرجل أنت فقیر و أنا خلیفة فلا کفاءة بیننا قال الرجل لئن کنت خلیفة فلست بأکبر من النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و لئن کنت صعلوک السیئ الحال فلست بأسوإ من علیّ بن أبی طالب من حیث انکم تلعنونه علی المنابر و هو کان ختن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فصاح عمر و قال یا أیها الناس ألزمنی هذا الرجل لا أقدر علی جوابه فأجیبوه فلما لم یجبه أحد أمر عمر برفع اللعن و ترکه بعد ذلک و جاء فی التواریخ وجه آخر فی ترک اللعن و هو أنّ عمر أمر یهودیا ان یخطب إلیه ابنته فخطبها الیهودی فقال له عمر کیف تحطب الیّ و أنت یهودی فقال الیهودی فکیف زوّج نبیکم ابنته من علی بن أبی طالب فقال عمر ویحک انّ علیا من عظماء الدین و أکابر المسلمین فقال الیهودی فلم تلعنونه علی المنابر فأقبل عمر علی الناس فقال لهم أجیبوه و لما عجزوا عن الجواب أمر بترک اللعن و جعل مکانه ربنا اغفر لنا و لاخواننا الذین سبقونا بالایمان الآیة و فیه قیل شعر
و لیت و لم تشتم علیا و لم تحف‌بریا و لم تتبع سجیة مثلم
و قلت فصدّقت الذی قلت بالذی‌فعلت و أضحی راضیا کل مسلم و کان عمر صالحا و رعا زاهدا فقیها و لما ولی أبطل جمیع ما کان أهله تتصرف من بیت المال کما مرّ و ضیق علی نفسه و علی أهله تضییقا کثیرا* و عن مسلمة بن عبد الملک قال دخلت علی أمیر المؤمنین عمر أعوده فی مرضه الذی مات فیه فاذا علیه قمیص لا یساوی أربعة دراهم فقلت لفاطمة بنت عبد الملک یا فاطمة اغسلی قمیص أمیر المؤمنین فقالت نفعل ان شاء اللّه تعالی ثم عدت فاذا القمیص علی حاله فقلت یا فاطمة أ لم آمرک ان تغسلی قمیص أمیر المؤمنین فان الناس یعودونه فقالت و اللّه ماله قمیص غیره و أخشی ان أقلعه یبقی عریانا هذا و خراج الارض کلها یحمل إلیه مع ما کان علیه من الترفه و المال قبل أن یلی الخلافة* قال رجاء بن حیوة فلما استخلف عمر قوّمت ثیابه و عمامته و قمیصه و قباؤه و خفاه و رداؤه فاذا هنّ یعدلن اثنی عشر درهما کذا فی حیاة الحیوان‌

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة عمر بن عبد العزیز

و فی خلافته سنة مائة مات أبو امامة سهل بن حنیف الانصاری ولد فی حیاة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کان من علماء التابعین و مات معه بشر بن سعید العالم الربانی المجاب الدعوة أحد التابعین بالمدینة و الامام خارجة بن زید بن ثابت الانصاری المدنی أحد الفقهاء السبعة و الامام أبو عثمان النهدی بالبصرة عن مائة و ثلاثین سنة و قد أسلم زمن النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أنفذ إلیه بزکاته و شهد الیرموک و کان یصلی حتی یغشی علیه و شهر بن حوشب الاشعری بالشام و فیها مات محمد بن مروان بن الحکم الامیر نائب الجزیرة و أذربیجان* و ذکر ابن عساکر و غیره ان عمر بن عبد العزیز کان شدّد علی أقاربه و انتزع کثیرا مما فی أیدیهم فتبرّموا به و سموه* یروی أنه دعا بخادمه الذی سمه فقال له ویحک ما حملک علی ان تسقینی السم قال ألف دینار أعطیتها قال هاتها فجاء بها فأمر بطرحها فی بیت المال و قال لخادمه اذهب حیث لا یراک أحد کذا فی حیاة الحیوان*

(ذکر وفاته)

* و توفی أمیر المؤمنین الخلیفة الراشد عمر بن عبد العزیز بن مروان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:318
الاموی یوم الجمعة لخمس بقین و قال أبو عمرو بن الضریر لعشر بقین من رجب سنة احدی و مائة بدیر سمعان من أعمال حمص* و قال الذهبی من أعمال قنسرین و قبره ظاهر یزار و هو ابن تسع و ثلاثین سنة و ستة أشهر و قال الذهبی عمره أربعون سنة و خلافته سنتان و خمسة أشهر کأبی بکر الصدّیق* و فی سیرة مغلطای مدّة مکثه فی الخلافة ثلاثون شهرا و صلی علیه ابن عمه یزید بن عبد الملک الذی تخلف بعده قال الذهبی فی تاریخه عن یوسف بن ماهک قال بینا نحن نسوّی التراب علی قبر عمر بن عبد العزیز اذ سقط علینا کتاب رق من السماء فیه بسم اللّه الرحمن الرحیم أمان من اللّه لعمر بن عبد العزیز من النار*

(ذکر خلافة یزید بن عبد الملک بن مروان بن الحکم بن أبی العاص بن أمیة بن عبد شمس الاموی القرشی)

* أمیر المؤمنین أبو خالد و لقبه القادر بصنع اللّه و أمّه عاتکة بنت یزید بن معاویة بن أبی سفیان و مولده فی سنة احدی أو اثنتین و سبعین من الهجرة* صفته* کان أبیض جسیما ملیح الوجه مدوّره أفقم لم یشب بویع بالخلافة بعد موت ابن عمه عمر بن عبد العزیز بعهد من أبیه ثم من أخیه سلیمان معقود فی تولیة عمر بن عبد العزیر لانّ عمر لم یکن له عهد من عبد الملک الا أن سلیمان أدخله فی العهد ثم ختم بأخیه یزید هذا ثم هشام فلعل اللّه یرحم سلیمان بذلک فأقام یزید علی هذا یسیر علی سیرة عمر بن عبد العزیز أربعین یوما و کان أوّلا صاحب لهو و طرب ثم انهمک فی اللذات* و فی خلافته دعا یزید بن المهلب لنفسه و یسمی القحطانی فقتله و أهل بیته مسلمة بالعقر کذا فی سیرة مغلطای*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافته‌

و فی خلافته توفی الضحاک بن مزاحم الخراسانی صاحب التفسیر و کان علامة و کان مؤدّبا عنده ثلاثة آلاف صبی و مکتبه کالجامع فکان یدور علیهم علی بهیمة* و فیها مات عالم المدینة و واعظها عطاء بن یسار مولی میمونة أم المؤمنین و مات شیخ التفسیر الامام الربانی مجاهد بن حبر المکی مولی بنی مخزوم عن نیف و ثمانین سنة و کان یقول عرضت القرآن علی ابن عباس ثلاث مرّات أفقه عند کل آیة و أسأله فیم نزلت و کیف معناها* و فی سنة ثلاث و مائة مات مصعب بن سعد ابن أبی وقاص الهذلی المحدّث و موسی بن طلحة بن عبید اللّه التیمی بالکوفة و کانوا یسمونه المهدی لفضله و جلالته* و فی سنة أربع و مائة مات عالم حمص خالد بن سعدان الکلاعی و کان قد لقی سبعین من الصحابة و فیها مات الشعبی و هو عامر بن شراحیل الکوفی عالم أهل زمانه و کان حافظا علامة ذا فنون و أدرک خلقا من الصحابة و عاش بضعا و ثمانین سنة و فیها أو بعدها مات الامام أبو قلابة عبد اللّه بن یزید الحرمی البصری الفقیه و کان طلب للقضاء فهرب و سکن داریا و فیها توفی عالم الکوفة و قاضیها أبو بردة بن أبی موسی الاشعری أخذ العلم من أبیه و من جماعة* و فی سنة خمس و مائة مات أبان بن عثمان بن عفان الاموی أحد فقهاء المدینة و فیها و قیل فی سنة سبع مات أبو رجاء العطاردی شیخ البصرة و هو عمران بن ملحان عن مائة و عشرین سنة و کان أحد العلماء أسلم فی أیام النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و کانت خلافة یزید هذا أربع سنین و شهرا و مات بسواد الاردن بمرض السل قاله الهیثم بن عمرو* و فی حیاة الحیوان توفی باربل من أرض البلقاء عشقا و لا یعلم خلیفة مات عشقا غیره و قیل بالجولان و حمل علی أعناق الرجال الی دمشق و دفن بین باب الجابیة و باب الصغیر* و قال غیر واحد انه مات لخمس بقین من شعبان سنة خمس و مائة بعد موت قینته جبانة بأیام یسیرة و کانت الغالبة علی الولایة و العزل و له تسع و عشرون سنة و قیل ثمان و ثلاثون سنة و شهر*

(ذکر خلافة هشام بن عبد الملک بن مروان الاموی أمیر المؤمنین أبی الولید)

* و أمه فاطمة بنت الولید بن المغیرة المخزومیة و مولده سنة نیف و سبعین* صفته* کان أبیض سمینا أحول یخضب بالسواد و کان حلیما لین الجانب للرعیة محببا إلیهم و کان ذا رأی و حزم و قلة شرّ بویع بالخلافة بعد موت أخیه یزید فی شعبان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:319
سنة خمس و مائة و عمره أربع و ثلاثون سنة* و عن سحیل بن محمد قال ما رأیت أحدا من الخلفاء اکره إلیه الدماء و لا أشدّ علیه من هشام* و فی سنة ست و مائة غزا المسلمون فرغانة و عملوا مع الترک مصاف فقتل فیه ابن خاقان و انهزموا و للّه الحمد و غزا الجرّاح الحکمی و توغل فی بلاد الخور فصالحوه و أعطوه الجزیة و حج بالناس الخلیفة هشام*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة هشام ابن عبد الملک‌

و فیها مات عالم المدینة سالم بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب العدوی الزاهد الفقیه و کان أسود یلبس الصوف و یأکل الخشن و یخدم نفسه* و فی سنة سبع و مائة عزل الخلیفة الجرّاح بن عبد اللّه الحکمی عن أذربیجان و أرمینیة و استناب أخاه مسلمة فافتتح قیصریة بالسیف فتحا ثانیا و فیها مات سلیمان بن یسار المدنی الفقیه أحد الفقهاء السبعة و هو أخو عطاء و العلامة عکرمة البربری مولی ابن عباس و کان من بحور العلم فی زمانه و القاسم بن محمد بن أبی بکر الصدّیق المدنی أحد الاعلام* و فی سنة ثمان و مائة غزا أسد القسری متولی خراسان فالتقی بالغور فکسرهم و فیها مات الامام یزید بن عبد اللّه بن الشخیر بالبصرة و الامام محمد بن کعب القرظی المفسر الزاهد بالمدینة* و فی سنة عشر و مائة توفی عالم زمانه الحسن بن أبی الحسن البصری و له تسعون سنة و کان قد سمع من عثمان و الکبار و مات بعده بیوم شیخ البصرة محمد بن سیرین من کبار ائمة التابعین الورعین و مات شاعر العصر جریر و الفرزدق فیها* و فی سنة احدی عشرة و مائة عزل مسلمة عن أذربیجان و أعید الجرّاح الحکمی فافتتح المدینة البیضاء* و فی سنة ثلاث عشرة و مائة أعید الی ولایة أذربیجان و أرمینیة مسلمة بن عبد الملک و فیها توفی عالم الشأم مکحول مولی بنی هذیل و مات أحد ائمة البصرة معاویة بن قرّة المزنی* و فی سنة أربع عشرة و مائة عزل مسلمة عن أذربیجان و نواحیها و ولیها مروان الحمار و فیها مات فقیه الحجاز و شیخ العصر أبو محمد عطاء بن أبی رباح المکی مولی قریش عن سنّ عالیة و کان أسود قال أبو حنیفة ما رأیت أفضل منه و فیها مات الامام أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین العلوی الباقر الفقیه و له ثمان و خمسون سنة و عالم أهل الیمن وهب بن منبه الصنعانی و کان یشبه کعب الاحبار فی زمانه عاش ثمانین سنة و أخذ عن ابن عباس* و فی سنة خمس عشرة و مائة مات عالم الکوفة الحکم بن عیینة الفقیه أحد الائمة و قاضی مرو عبد اللّه بن بریدة الاسلمی و له مائة سنة* و فی سنة سبع عشرة و مائة مات شیخ أهل مکة عبد اللّه بن عبید اللّه بن أبی ملیکة التیمی و عالم البصرة أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسی الضریر المفسر و کان یقول ما سمعت شیئا فنسیته و ما فی القرآن آیة الا و قد سمعت فیها شیئا من النکت* و قال ابن سیرین قتادة أحفظ الناس و مات قاضی الجزیرة و فقیهها میمون بن مهران البرقی و کان من العباد و مات عالم المدینة و محدّثها أبو عبد اللّه نافع مولی ابن عمر* و فی سنة ثمان عشرة و مائة مات جدّ الخلفاء العباسیین علی بن عبد اللّه بن عباس بن عبد المطلب بالبلقاء فی اعتقال الخلیفة هشام و کان من أجمل قریش و أجلها و أهیبها و أعبدها* قال الاوزاعی کان یسجد للّه تعالی کل یوم ألف سجدة و فیها مات الامام عمرو ابن شعیب من علماء التابعین و مقری دمشق عبد اللّه بن عامر الیحصبی أحد السبعة و له سبع و تسعون سنة و قد ولی القضاء* و فی سنة عشرین و مائة مات فقیه الکوفة حماد بن أبی سلیمان و هو شیخ أبی حنیفة و مات مقری مکة عبد اللّه بن کثیر الکنانی مولاهم الدارمی و له خمس و سبعون سنة و مات علقمة بن مرثد الکوفی المحدّث* و فی سنة احدی و عشرین و مائة مات البطل الکرّار مسلمة بن عبد الملک ابن مروان الامیر الملقب بالجرادة الصفراء و له فتوحات کثیرة مشهورة منها مسیره فی مائة و عشرین ألفا فغزا القسطنطینیة فی دولة أخیه سلیمان* و فیها قتل زید بن علی بن الحسین بن علی الهاشمی بالکوفة فی المصاف و کان قد خرج و بایعه خلق کثیر فحاربه نائب العراق یوسف بن عمر و ظفر به
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:320
یوسف فقتله و صلبه عریانا و بقی جسده مصلوبا أربع سنین و قد مر فی الفصل الاوّل من الموطن الاوّل أن العنکبوت نسجت علی عورة زید بن علی بن الحسین لما صلب عریانا* و فی سنة ثلاث و عشرین و مائة مات شیخ البصرة ثابت بن أسلم البنانی من سادة التابعین علما و عبادة و تألها و شیخ الکوفة سماک بن حرب الذهلی و کان یقول ذهب بصری فدعوت اللّه عز و جل فردّه علیّ و قال أدرکت ثمانین صحابیا* و فی رمضان سنة أربع و عشرین و مائة مات عالم زمانه الزهری أبو بکر محمد بن مسلم المدنی و له أربع و سبعون سنة* و فی سنة خمس و عشرین و مائة مات والد السفاح و المنصور محمد بن علی بن عبد اللّه بن عباس الهاشمی و له ستون سنة* و فی سیرة مغلطای و فی أیامه قتل قاآن الترک و دخلت دعاة بنی العباس خراسان و قتل یوسف بن عمر الثقفی نائب العراق زید بن علی بن الحسین و صلبه و قد مر نبذة منه فی حدیث الغار و بعد زمان أحرقه و ذرّاه فلما ظهر بنو العباس تتبعوا قبور الامویین یجلدونهم و یحرّقونهم* و فی ربیع الآخر منها مات أمیر المؤمنین أبو الولید هشام بن عبد الملک بن مروان الاموی بالرصافة بدمشق و قیل فی شوّال سنة خمس و عشرین و مائة و له أربع و خمسون سنة و قیل ثلاث و خمسون و خلافته عشرون عاما أو تسع عشرة سنة و تسعة أو سبعة أشهر و أیاما و فی سیرة مغلطای و إحدی عشرة لیلة بدل و أیاما*

(ذکر خلافة الولید الزندیق بن یزید بن عبد الملک بن مروان الاموی القرشی)

* أبو العباس الفاسق و هو السادس فخلع کما سیأتی أمّه بنت یوسف الثقفی أخت الحجاج و مولده بدمشق فی سنة تسعین و یقال سنة اثنتین و تسعین و کان من أجمل الناس و أحسنهم و أقرئهم و أجودهم شعرا و کان فاسقا متهتکا بویع بالخلافة بعد موت عمه هشام لان أباه حین احتضر لم یکن له أن یستخلفه لانه صبی حدیث السنّ فعقد لاخیه هشام بالخلافة و عهد إلیه بان یکون ولده الولید هذا ولی العهد من بعده و لما مات هشام سلم الخلافة الی الولید* ذکر الذهبی باسناده عن عمر قال ولد لاخی أمّ سلمة ولد سموه الولید فقال صلی اللّه علیه و سلم سمیتموه بأسماء فراعنتکم لیکونن فی هذه الامّة رجل یقال له الولید لهو أشد لهذه الامّة من فرعون لقومه* و عن صالح بن سلیمان قال أراد الولید أن یحج و قال أشرب الخمر فوق ظهر الکعبة و نقل عنه من کفریاته و فسقه کثیر من ذلک انه دخل یوما فوجد ابنته جالسة مع دادتها فبرک علیها و أزال بکارتها فقالت له الدادة هذا دین المجوس فأنشد
من راقب الناس مات غماو فاز باللذة الجسور و أخذ یوما المصحف ففتحه فأوّل ما طلع و استفتحوا و خاب کل جبار عنید فقال أ تهدّدنی ثم أغلق المصحف و لا زال یضربه بالنشاب حتی خرقه و مزقه ثم أنشد
أتوعد کل جبار عنیدفها أنا ذاک جبار عنید
اذا لاقیت ربک یوم حشرفقل یا رب مزقنی الولید و أذن للصبح مرّة و عنده جاریة یشرب الخمر معها فقام فوطئها و حلف لا یصلی بالناس غیرها فخرجت و هی جنب سکرانة فلبست ثیابه و تنکرت وصلت بالناس و نکح أمّهات أولاد أبیه* قیل کان فی عقله خلل و الا فما یجاهر بالذی یفعله احد و ان کان زندیقا خوفا من عواقب الامور* و لما کثر فسقه خرج علیه الناس قاطبة تدینا و اجتمع أهل دمشق علی خلعه و قتله ففعلوا و نصبوا ابن عمه یزید بن الولید بن عبد الملک الملقب بالناقص و سیجی‌ء سبب تسمیته بالناقص و رشحوه للخلافة فغلب علی دمشق و کان الولید الفاسق بناحیة تدمر فی الصید فجهز یزید عسکرا فحاربوه الی ان أحاطوا به بحصن النجراء بأرض تدمر فلما غلب الولید و حوصر دنا من الباب فقال أ ما فیکم رجل شریف له حسب أکلمه فقال له
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:321
یزید بن عنبسة کلمنی فقال یا أخا السکاسک أ لم أزد فی عطائکم أ لم أرفع عنکم المؤمن أ لم أعط فقراءکم فقال ما ننقم علیک فی أنفسنا لکن ننقم علیک انتهاک ما حرم اللّه و شرب الخمر و نکاح أمّهات أولاد أبیک و استخفافک بأمر اللّه قال حسبک فرجع الی الدار فجلس و أخذ المصحف و قال یوم کیوم عثمان و نشر المصحف یقرأ فیه ثم تسوّروا الحائط علیه فکان أوّل من نزل إلیه یزید بن عنبسة فأخذ بید الولید و هو یرید أن یعتقله و یؤامر فیه فنزل من الحائط عشرة فضربه عبد السلام اللخمی علی رأسه و ضربه آخر علی وجهه و جرّوه بین خمسة لیخرجوه فصاحت امرأة حزوا رأسه فذبحوه و قطعوا رأسه و خاطوا الضربة التی فی وجهه و أتوا برأسه علی رمح الی یزید فسجد للّه شکرا و تخلف یزید المذکور بعده و کان قتله فی جمادی الآخرة یوم الخمیس للیلتین بقیتا منها سنة ست و عشرین و مائة فکانت خلافته سنة و شهرین أو ثلاثة أشهر* و فی سیرة مغلطای کان مقامه فی الخلافة سنة و شهرین و اثنین و عشرین یوما و خرج علیه یحیی بن یزید بن علی فقتله نسر بن سیار*

(ذکر خلافة یزید بن الولید بن عبد الملک ابن مروان ابن الحکم الاموی)

* أبو خالد القرشی المعروف بالناقص و لقبه الشاکر لا نعم اللّه و فی سیرة مغلطای و کانت المعتزلة تفضله علی عمر بن عبد العزیز لکونه ینتحل مذهبهم* صفته* کان أسمر نحیفا حسن الوجه و أمّه شاه فرند بنت فیروز بن یزدجرد* حکی انّ سلیمان بن أبی شیخ بن قتیبة بن مسلم ظفر بما وراء النهر بابنتی فیروز بن یزدجرد فبعث بهما الی الحجاج فبعث الحجاج باحداهما و هی شاه فرند الی الولید بن عبد الملک فاولدها یزید هذا و فیروز والد شاه فرند ابن بنت شیرویه بن کسری و أمّ شیرویه بنت خاقان ملک الترک و أمّ فیروز المذکور هی بنت قیصر عظیم الروم فلذلک کان یزید هذا یفتخر و یقول
أنا ابن کسری و أبی مروان‌و قیصر جدّی و جدّی خاقان بویع بالخلافة بعد قتل ابن عمه الولید الفاسق بن یزید فی جمادی الآخرة سنة ست و عشرین و مائة* و فی سیرة مغلطای فی مستهل رجب من السنة المذکورة و تم أمره فی الخلافة و لقب بالناقص لکونه نقص الجند من عطایاهم و قال الذهبی لکونه لما استخلف نقص أخباز الجند* روی انه قام خطیبا عند قتل الولید فقال أما بعد فانی و اللّه ما خرجت أشرا و لا بطرا و لا حرصا علی الدنیا و رغبة فی الملک و انی لظلوم لنفسی ان لم یرحمنی ربی و لکن خرجت غضبا للّه و دینه و داعیا الی کتاب اللّه و سنة نبیه حین درست معالم الهدی و طفئ نور أهل التقوی و ظهر الجبار المستحل للحرمة و الراکب للبدعة فلما رأیت ذلک أشفقت ان غشیکم ظلم لا یقلع عنکم علی کثرة من ذنوبکم و قسوة من قلوبکم و أشفقت أن یدعو کثیرا من الناس الی ما هو علیه فیجیبه فاستخرت اللّه فی أمری و دعوت من أجابنی من أهلی و أهل ولایتی و أراح اللّه البلاد و العباد ولایة من اللّه و لا قوّة الا باللّه أیها الناس انّ لکم عندی ان ولیت أمورکم أن لا أضع لبنة علی لبنة و لا حجرا علی حجر و لا أنقل مالا من بلد حتی أسدّ ثغره و أقسم بین مصالحه ما یقوم به فان فضل فضل رددته الی البلد الذی یلیه حتی تستقیم المعیشة و تکونوا فیه سواء فان اردتم بیعتی علی الذی بذلت لکم فانا لکم و ان ملت فلا بیعة لی علیکم و ان رأیتم أحدا أقوی منی فانا أوّل من یبایع و یدخل فی طاعته و استغفر اللّه لی و لکم* و یزید هذا أوّل من خرج بالسلاح فی العید*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة یزید ابن الولید

و مات فی خلافته عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبی بکر الصدّیق التیمی فقیه المدینة و دراج أبو السمح واعظ مصر و هلک فی أوّلها خالد بن عبد اللّه القسری الدمشقی الامیر تحت العذاب و عمره ستون سنة و مات بمکة الامام عمرو بن دینار الجمحی مولاهم قال فیه ابن أبی نجیح ما رأیت أحدا قط أفقه منه و کان یزید هذا ذا دین و ورع الا انه لم یمتع و بغتته المنیة و لم تطل خلافته و مات فی سابع الحجة سنة ست و عشرین و مائة* و فی سیرة مغلطای توفی فی سلخ ذی القعدة و قیل فی ذی الحجة من السنة المذکورة و کانت خلافته ستة أشهر و قیل انه مات بعد عید
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:322
الاضحی* و قال الهیثم بن عدی عاش ستا و أربعین سنة* و قال المداینی عاش خمسا و ثلاثین سنة* و قال الذهبی عاش ستا و ثلاثین سنة و دفن بباب الجابیة الصغیر و یقال انه مات بالطاعون و صلی علیه أخوه ابراهیم*

(ذکر خلافة ابراهیم بن الولید بن عبد الملک بن مروان بن الحکم الاموی)

* أمیر المؤمنین أبی اسحاق الدمشقی لقب بالمعتز باللّه أمّه أمّ ولد لما احتضر یزید الناقص عهد بالامر الی أخیه ابراهیم فبویع بالخلافة بعد موت أخیه یزید الناقص و لم یتم أمره و لا اطاعه أحد فلما سمع بذلک مروان الحمار نائب أذربیجان و تلک النواحی و صاحب الفتوحات سار فی جیشه و دعا الی نفسه و قدم الشام فجهز ابراهیم لحربه أخویه بشرا و مسرورا فالتقی الجمعان فانتصر مروان و زحف فنزل علی مرج عذراء فبرز لحربه سلیمان بن هشام بن عبد الملک فانکسر سلیمان فبرز ابراهیم الخلیفة و عسکر بظاهر دمشق و أنفق الخزائن و اختلف علیه جنده و هزم ابراهیم و توجه الی الجزیرة فمات بها فی سنة سبع و عشرین و مائة فکانت خلافته شهرین و عشرة أیام* قال الذهبی فخذله جنده و خامروا فاختفی ابراهیم و فی سیرة مغلطای فمکث ابراهیم فی الخلافة أربعة أشهر ثم خلع و قتله مروان بن محمد و کان فی أیامه عجائب من الهرج و اللغط و سقوط الهیبة و اختلاف الکلمة*

(ذکر خلافة مروان الحمار بن محمد بن مروان ابن الحکم بن أبی العاص بن أمیة بن عبد شمس أبی عبد الملک الاموی الدمشقی القرشی)

* أمیر المؤمنین و لقبه القائم بحق اللّه أمّه أمّ ولد کردیة و کان مولده بالجزیرة و کان أبوه متولیها من قبل ابن عمه عبد الملک بن مروان فی سنة اثنتین و سبعین* صفته* کان أبیض ربعة أشهل ضخما کث اللحیة مهیبا بطلا شجاعا بویع بالخلافة بعد ابن عمه ابراهیم بحکم خلعه و مروان هذا آخر خلفاء بنی أمیة* و فی دول الاسلام بایعه الناس و استوثق له الامر و ظهر ابراهیم فدخل علی مروان و نزل له عن الخلافة و قتل فی هذا الفتنة یوسف بن عمر الثقفی الذی کان نائب العراق ذبح فی السجن بدمشق و قتل عبد العزیز ابن الحجاج بن عبد الملک بن مروان و الحکم و عثمان أخو الخلیفة ابراهیم و کان مروان هذا یعرف بالحمار لشجاعته یقال فلان أصبر من حمار فی الحرب فانه کان لا یفتر عن محاربة الخارجین علیه و کان أشجع بنی أمیة کان یصل السیر بالسیر و یصبر علی مکاره الحروب و قیل سمی بالحمار لان العرب تسمی کل مائة سنة حمارا فلما قارب ملک بنی أمیة مائة سنة لقبوا مروان هذا بالحمار و أخذوا ذلک من قوله تعالی و انظر الی حمارک الآیة و کان مروان هذا یعرف بالجعدی أیضا نسبة الی مؤدّبه و أستاذه جعد ابن درهم و کان زندیقا و قیل بل قیل له ذلک ذما و عیبا و یقال کانت أمّه من بنی جعدة و قد ولی مروان المذکور ولایات جلیلة قبل ان یلی الخلافة و افتتح فتوحات کثیرة و کان مشهورا بالفروسیة و الشجاعة و لم ینتج أمره مع بنی العباس و انهزم من عبد اللّه بن علی أقبح هزیمة بعد خطوب و حروب توالت بینهم أشهرا بل سنین لما ظهر أبو مسلم عبد الرحمن الخراسانی بدعوة بنی العباس و وقع الحرب بینهم بخراسان و قتل ابراهیم بن عبد الملک بالزاب کذا فی سیرة مغلطای*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة مروان الحمار

و فی سنة سبع و عشرین و مائة مات محدث المدینة عبد اللّه بن دینار مولی ابن عمر و زاهد البصرة مالک بن دینار و إسماعیل بن عبد الرحمن السدی المفسر* و فی سنة ثمان و عشرین و مائة توفی عاصم بن أبی النجود الکوفی المقری أحد السبعة* و فی سنة تسع و عشرین و مائة فی رمضان کان ظهور أبی مسلم الخراسانی صاحب الدعوة بمرو و استولی علیها و فیها مات محملین المنکدر التیمی المدنی* و فی سنة احدی و ثلاثین و مائة استفحل أمر ابی مسلم الخراسانی و استولی علی بلاد خراسان و هزم الجیوش و أقبلت سعادة بنی العباس و ولت الدنیا عن بنی أمیة* و فی سنة اثنتین و ثلاثین و مائة قامت الدولة العباسیة و سار عبد اللّه بن علی فالتقی هو و مران الحمار بأرض الموصل فی جمادی الآخرة فانکسر مروان و قال خلیفة بن حیاط و سار مروان لحرب بنی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:323
العباس لما بلغه ظهور دعوتهم و کان فی مائة ألف و خمسین ألفا حتی نزل الرأس دون الموصل فالتقی هو و عبد اللّه بن علی العباسی عم المنصور فی جمادی الآخرة سنة اثنتین و ثلاثین و مائة فانکسر مروان و قطع الجسور الی الجزیرة فأخذ بیوت الاموال و الکنوز و قدم الشأم فاستولی عبد اللّه علی الجزیرة و طلب الشام و فرّ عنه مروان و نازل عبد اللّه دمشق فلما بلغ مروان أخذ دمشق و هو یومئذ بأرض فلسطین دخل الی مصر و عبر النیل و طلب الصعید و کان قد عزم علی الدخول الی الحبشة و بلاد السودان فوجه عبد اللّه بن علی أخاه صالح بن علی فی طلب مروان و علی طلائعه عمرو بن إسماعیل فساق عمرو فی أثر مروان فلحقه بقریة بوصیر من أرض مصر فبیته فقتله* قال ابن السندی قتل مروان و هو ابن اثنتین و ستین سنة* و قال الذهبی عاش بضعا و خمسین سنة و کانت خلافته خمس سنین و شهرا و عشرة أیام کذا فی سیرة مغلطای و کان قتله فی ذی الحجة من سنة اثنتین و ثلاثین و مائة ببوصیر من أرض مصر* و یروی ان مروان فی هربه مرّ علی راهب فقال یا راهب هل تبلغ الدنیا من الانسان ان تجعله مملوکا قال نعم قال کیف قال بحبها قال فکیف السبیل الی العتق قال ببغضها و التخلی عنها قال هذا مما لا یکون قال سیکون فبادر بالهروب منها قبل ان تبادرک قال هل تعرفنی قال نعم مروان ملک العرب تقتل فی بلاد السودان و تدفن بلا أکفان و لو لا ان الموت فی طلبک لدللتک علی موضع هربک* و أخبار مروان طویلة و وقائعه کثیرة و هو آخر خلفاء بنی أمیة بدمشق و بلاد الشرق و بموته انقرضت دولة بنی أمیة الی یومنا هذا سوی عبد الرحمن الداخل من بنی أمیّة الی الغرب و تخلف هو و جماعة من ذریته هناک* و فی حیاة الحیوان و فی أیام مروان ظهر أبو مسلم الخراسانی صاحب الدعوة و ظهر السفاح بالکوفة فبویع بالخلافة و جهز عمه عبد اللّه بن علی بن عبد اللّه بن عباس لقتال مروان بن محمد فالتقی الجمعان برأس الموصل فاقتتلوا قتالا شدیدا فانهزم مروان و قتل من عسکره و غرق ما لا یحصی فتبعه عبد اللّه الی أن وصل نهر أردن فلقی جماعة من بنی أمیّة و کانوا نیفا و ثمانین رجلا فقتلهم عن آخرهم ثم أمر عبد اللّه فسحبوا و بسط علیهم بساط و جلس هو و أصحابه فوقهم و استدعی بالطعام فأکلوا و هم یسمعون انینهم من تحتهم فقال عبد اللّه یوم کیوم الحسین و لا سواء ثم جهز السفاح عمه صالح بن علی علی طریق السماوة فلحق بأخیه عبد اللّه و قد نازل دمشق ففتحها عنوة و أباحها ثلاثة أیام و نقض عبد اللّه سور دمشق حجرا حجرا و هرب مروان الی بوصیر قریة من قری الصعید عند الفیوم فقال ما اسم هذه القریة قیل بوصیر قال الی اللّه المصیر ثم دخل کنیسة فبلغه أن خادما نمّ علیه فقطع رأسه و سل لسانه و ألقاه علی الارض فجاءت هرّة فاکلته ثم بعد أیام هجم علیه الکنیسة التی کان نازلا بها عمرو بن اسماعیل فخرج مروان من الکنیسة و فی یده سیف و قد أحاط به الجنود و عکفت علیه و صفقت حوله الطیور فتمثل ببیت الحجاج بن الحکم السلمی یقول
متقلدین صفائحا هندیةیترکن من ضربوا کأن لم یولد ثم قاتل حتی قتل فقال حین قتل انقرضت دولتنا فأمر به عمرو فقطع رأسه و سل لسانه و ألقی علی الارض فجاءت تلک الهرّة بعینها فخطفته و أکلته فقال عمرو لو لم یکن فی الدنیا عجب الا هذا لکان کافیا لسان مروان فی فم هرة* و دخل عمرو بعد قتله الکنیسة و قعد علی فرش مروان و کان مروان یتعشی فلما سمع الوجبة وثب عن عشائه فأکل عمرو ذلک الطعام و دعا بابنة لمروان و کانت أسنّ بناته فقالت یا عمرو انّ دهرا أنزل مروان عن فرشه و أقعدک علیها حتی تعشیت بعشائه و استصبحت بمصباحه و نادمت ابنته لقد أبلغ فی موعظتک و أجمل فی ایقاظک فاستحیی عمرو و صرفها*

ملخص أخبار بنی أمیة

ملخص أخبار بنی أمیة انّ جمیع خلفائهم من معاویة الی مروان أربعة عشر خلیفة أوّلهم معاویة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:324
و آخرهم مروان الجعدی المشهور بالحمار و کانت مدّة خلافتهم نیفا و ثمانین سنة و هی ألف شهر فعلم ما قال الحسن بن علی بن أبی طالب لما قیل له ترکت الخلافة لمعاویة فقال لیلة القدر خیر من ألف شهر و مدّة خلافتهم منذ خلص الامر لمعاویة الی أن قتل مروان احدی و تسعون سنة و تسعة أشهر و خمسة أیام منها فتنة ابن الزبیر تسع سنین و اثنان و عشرون یوما ثم تفرّقوا بعد قتل مروان فی البلاد و تمزقوا کل ممزق و هرب عبد الرحمن بن معاویة بن هشام بن عبد الملک الی الاندلس فبایعه أهلها سنة تسع و ثلاثین و مائة و أقام والیا ثلاثا و ثلاثین سنة و أربعة أشهر و اللّه أعلم*

(ذکر دولة بنی العباس و خلافة السفاح)

* أبی العباس عبد اللّه بن محمد بن علی بن عبد اللّه بن عباس بن عبد المطلب أمیر المؤمنین القرشی العباسی و أمه رابطة بنت عبد اللّه الحارثیة و مولده بالاجمة من ناحیة البلقاء سنة ثمان و مائة و نشأ بها* صفته* کان أبیض طوالا أقنی جعد الشعر حسن اللحیة بویع بالخلافة یوم الجمعة لثلاث عشرة لیلة خلت من شهر ربیع الاوّل سنة اثنتین و ثلاثین و مائة بعد موت أبیه محمد و کان أبوه بویع بالخلافة کذا فی سیرة مغلطای و لم یتم أمره و کان السفاح هذا أصغر من أخیه أبی جعفر المنصور* روی عن سعید الخدری أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم قال یخرج رجل من أهل بیتی عند انقطاع من الزمان و ظهور من الفتن یقال له السفاح فیکون اعطاؤه المال حثیا رواه العطاردی عن أبی معاویة عن الاعمش أخرجه أحمد فی مسنده* و عن عقبة بن عامر الجهنی قال رأیت رسول اللّه آخذا بید العباس ثم قال یا عباس انه لا تکون نبوّة الا و کانت بعدها خلافة و سیلی من ولدک فی آخر الزمان سبعة عشر منهم السفاح و منهم المنصور و منهم الجموح و منهم العاقب و منهم الراهن من ولدک و ویل لا متی منه کیف یهلکها و یذهب بأمرها* و عن ابن عباس قال أقبل العباس یوما علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فقال لأبی بکر یا أبا بکر هذا العباس قد أقبل و علیه ثیاب بیض و سیلبس ولده من بعده السواد و یتملک منهم اثنا عشر رجلا یعنی ملکا و ینازع فیه أخرجهما ابن حبان و الملا فی سیرته و کان قد قام بدعوة السفاح أبو مسلم الخراسانی و هو الذی مهد له البلاد و قطع جادرة بنی أمیة قال الهیثم بن عدی و هشام بن الکلبی عاش السفاح ثلاثا و ثلاثین سنة و قال الذهبی مات بالانبار و له اثنان و ثلاثون سنة و مات یوم الاحد لاثنتی عشرة لیلة خلت من ذی الحجة سنة ست و ثلاثین و مائة و زاد غیرهما فقال بالجدری فی ذی الحجة و قال خلیفة توفی سنة خمس و ثلاثین و هو ابن ثمان و عشرین و قال غیره و هو ابن سبع و عشرین سنة و الاوّل أشهر و أصح* قال الذهبی و مدّة خلافته خمس سنین الا ثلاثة أشهر و فی سیرة مغلطای کانت خلافته أربع سنین و ثمانیة أشهر و یوما و أوصی بالخلافة بعده لاخیه المنصور*

(ذکر خلافة أبی جعفر المنصور عبد اللّه بن محمد بن علی بن عبد اللّه بن عباس)

* أمیر المؤمنین القرشی الهاشمی ثانی خلفاء بنی العباس أمه سلامة البربریة و مولده فی سنة خمس و تسعین و هو أسنّ من أخیه السفاح کما تقدّم و کان المنصور فی صغره یلقب بمدرک التراب و بالطویل أیضا ثم لقب فی خلافته بأبی الدوانیق لبخله و کان بخیلا و لمحاسبته العمال و الصناع علی الدوانیق و الحبات سمی بالدوانیقی و کان مع هذا ربما یعطی العطاء العظیم* صفته* کان أسمر نحیفا طویلا مهابا خفیف العارضین معرّق الوجه رحب للحیة یخضب بالسواد کأنّ عینیه لسانان ناطقان تخالطه أبهة الملوک بزیّ النساک تقلبه القلوب و تتبعه العیون و کان أفحل بنی العباس هیبة و شجاعة و حزما و رأیا و جبرونا و جماعا للمال تارکا للهو و الطرب کامل العقل جید المشارکة فی العلم و الادب فقیه النفس و کان یرجع الی عدل و دیانة و له حظ من صلاة و تدین و کان فصیحا بلیغا خلیقا للامارة الا أنه قتل خلقا کثیرا حتی استقام ملکه بویع بالخلافة بعد أخیه السفاح أتته البیعة و هو
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:325
بمکة بعهد السفاح لانه کان حج فی تلک السنة و مکث فی الخلافة احدی و عشرین سنة و أحد عشر شهرا کذا فی سیرة مغلطای و فیها حج أبو مسلم الخراسانی و وقع منه فی حق المنصور أمور نقمها علیه و قتله لما ولی الخلافة* و المنصور هذا هو الذی بنی بغداد و قتل أبا مسلم الخراسانی و اسمه عبد الرحمن و ضرب أبا حنیفة علی أن یلی القضاء فامتنع و مات فی حبسه کذا فی سیرة مغلطای و هو والد جمیع الخلفاء العباسیة* و لما بلغ نائب الشام عم السفاح و هو عبد اللّه بن علی موت السفاح زعم انّ السفاح عهد إلیه فی حیاته بالخلافة بعده و أنه علی ذلک حارب مروان حتی هزمه و استأصله و أقام بذلک شهودا و دعا الی نفسه فبایعه جیشه و عسکر بدابق فجهز المنصور لحربه صاحب الدولة أبا مسلم الخراسانی فکان المصاف بنصیبین و کانت وقعة هائلة فانکسر الشامیون و هرب عبد اللّه الی البصرة و نائبها أخوه فاختفی عنده و حاز أبو مسلم خزائنه و کانت عظیمة لانه استولی علی ذخائر بنی أمیة و نعمتهم فبعث المنصور یقول لابی مسلم احتفظ بمالی فعظم ذلک علیه و عزم علی خلع المنصور و سار بجیشه یرید خراسان لیقیم بها خلیفة علویا فراسله المنصور یستعطفه و یعتذر إلیه فما زال بتحیله علیه حتی انخدع و وقع فی مخالبه و جاء الی خدمته فبالغ المنصور فی تعظیمه و کان اذا رکب الی الخدمة یرکب فی ثلاثة آلاف فکلمه ابن عم الخلیفة فی أن یختصر هذا الموکب فما زالوا به حتی کان یرکب فی مائة فارس فدخل یوما الی المنصور و قد أعدّ له عشرین بالسلاح فی مجلس و قال اذا رأیتمونی أصفق بیدی فدونکم عدوّ اللّه فدخل و الحجاب یمنعون امراءه من الدخول حتی بقی وحده فأخذ المنصور یعنفه و یتنمر له و یعدّد ذنوبه بعد أن قال له أرنی سیفک هذا فأخذه و نظر فیه و وضعه تحت طراحته فبقی أبو مسلم یعتذر و یقول ما قتلت من سمی مولانا أمیر المؤمنین الا فی اقامة دولتکم ثم صفق المنصور بیده فخرج العشرون فذل أبو مسلم و قال یا أمیر المؤمنین استبقنی لعدوّک فقال و هل أعدی لی منک فقطعوه فی الحال و لف فی بساط و ألقوا رأسه الی أصحابه خارج القصر و نثروا لهم ذهبا عظیما فاشتغلوا بذلک یقال انّ أبا مسلم کان جبارا مهیبا سفاکا للدماء أباد أمما لا یحصون حتی قیل انه قتل ستمائة ألف محاربة و صبرا و عاش سبعا و ثلاثین سنة*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة أبی جعفر المنصور

و فی سنة احدی و أربعین و مائة مات موسی بن عقبة صاحب المغازی بالمدینة و کان فقیها مفتیا من التابعین و فیها أمر المنصور بعمارة جدار الحجر فعملوه بالرخام و کان قبل ذلک مبنیا بحجارة بادیة لیس علیها رخام کذا فی شفاء الغرام* و فی سنة اثنتین و أربعین و مائة مات شیخ الکوفة خالد بن مهران الحذاء الحافظ و عم الخلیفة سلیمان بن علی العباسی أمیر البصرة عن ستین سنة و فی سنة ثلاث و أربعین و مائة مات حمید الطویل و سلیمان التیمی صاحب أنس بن مالک و کانا من الائمة الکبار و قد مکث سلیمان التیمی أربعین سنة یصوم یوما و یفطر یوما و یصلی الصبح بوضوء العشاء و فی سنة خمس و أربعین و مائة أمر المنصور ببناء مدینة بغداد*

سبب بناء بغداد

روی ان المنصور خرج یوما الی الصید و سار الی أن وصل الی الدجلة و أرض بغداد و لم یکن حینئذ هناک بلد و لا عمارة سوی دیر لراهب و مزرعة فطلب المنصور الراهب و استخبره عن اسمه و عن اسم الارض فقال اسمی باغ و هذه الارض اسمها داد و قرأت فی کتاب أقلیدسیات و الملاحم ان لا بدّ أن یعمر هاهنا مدینة مذکورة الی آخر الزمان فاشتراها منه و بنی فیها مدینة و سمیت بغداد باسم الراهب و الارض فرسمها أولا بالرماد و أسس أسوارها و بنیت مستدیرة و فی وسطها قصر السلطنة و فرغ بناؤها فی أربع سنین* و فی سنة ثمان و أربعین و مائة توفی سید بنی هاشم جعفر بن محمد الصادق أبو عبد اللّه العلوی المدنی و له ثمان و ستون سنة* و فی سنة تسع و أربعین و مائة مات بالبصرة کهمس بن الحسین من صغار التابعین* و فی سنة خمسین و مائة مات امام أهل الحجاز أبو الولید عبد الملک بن عبد العزیز بن جریج المکی صاحب عطاء و هو أوّل من صنف
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:326
التصانیف فی العلم بمکة کما أن سعید بن أبی عروبة أوّل من صنف بالبصرة فی هذا العصر*

ترجمة الامام الأعظم أبی حنیفة النعمان‌

و فی رجب سنة خمسین و مائة توفی فقیه العراق الامام الاعظم أبو حنیفة النعمان بن ثابت بن زنوطا بن ماه الکوفی مولی بنی تیم اللّه بن ثعلبة أحد الائمة الاربعة المشهورین ولد بالکوفة سنة ثمانین و نشأ بها* قال أبو بکر ابن أحمد بن ثابت المؤرّخ یقال انّ أباه ثابتا هو الذی أهدی الفالوذج لعلی بن أبی طالب یوم النیروز و قیل کان یوم المهرجان و کان أبو حنیفة یقول أنا فی برکة دعوة صدرت من علیّ بن أبی طالب* و عن ابن حیرون عن الضمری قال کان أبو حنیفة حسن السمت و الوجه و الثوب و الفعل و المواساة لکل من طاف به* صفته* انه کان ربعة من الرجال لیس بالطویل و لا بالقصیر و کان من أحسن الناس منطقا روی انّ ولادته کانت فی عصر الصحابة و تفقه فی زمن التابعین* و فی الکشف شرح المنار انه ولد فی زمن الصحابة و لقی ستة منهم انس بن مالک و عبد اللّه بن الحارث بن جزء و عبد اللّه بن أنیس و عبد اللّه ابن أبی أوفی و واثلة بن الاسقع و معقل بن یسار و فی جابر بن عبد اللّه اختلاف و نشأ فی زمن التابعین و فی تذنیب الرافعی یقال انه أدرک أنس بن مالک حین نزل الکوفة و سمع عطاء بن أبی رباح و الزهری و قتادة* و فی تاریخ الیافعی رأی انسا و روی عن عطاء بن أبی رباح و تفقه علی حماد بن أبی سلیمان و فی تاریخ الیافعی و کان قد أدرک أربعة من الصحابة أنس بن مالک بالبصرة و عبد اللّه بن أبی أوفی بالکوفة و سهل بن سعد الساعدی بالمدینة و أبا الطفیل عامر بن واثلة بمکة* و ذکر الخطیب فی تاریخ بغداد انه رأی أنس بن مالک و أخذ الفقه من حماد بن أبی سلیمان و سمع عطاء بن أبی رباح و أبا اسحاق السبیعی و محارب بن دثار و الهیثم بن حبیب الصوّاف و محمد بن المنکدر و نافع مولی عبد اللّه بن عمر و هشام بن عروة و سماک بن حرب و فیه قال أبو حنیفة دخلت علی أبی جعفر أمیر المؤمنین فقال لی یا أبا حنیفة عمن أخذت العلم قال قلت عن حماد عن ابراهیم عن عمر بن الخطاب و عن علی بن أبی طالب و عبد اللّه بن مسعود و عبد اللّه بن عباس قال بخ بخ استوثقت ما شئت یا أبا حنیفة الطیبین الطاهرین المبارکین رضی اللّه عنهم أجمعین* و فیه أیضا قیل دخل أبو حنیفة یوما علی المنصور و هو أبو جعفر و عنده عیسی بن موسی قال المنصور انّ هذا لعالم الدنیا الیوم فقال له یا نعمان عمن أخذت العلم قال عن أصحاب عمر عن عمرو عن أصحاب علی عن علی و عن أصحاب عبد اللّه عن عبد اللّه و ما کان فی وقت ابن عباس علی وجه الارض أعلم منه قال لقد استوثقت* روی عن أبی حنیفة ابن المبارک و وکیع بن الجرّاح و القاضی أبو یوسف و محمد بن الحسن الشیبانی و غیرهم* و حکی عن الشافعیّ انه قال الناس کلهم عیال علی ثلاثة علی مقاتل بن سلیمان فی التفسیر و علی زهیر بن أبی سلیمان فی الشعر و علی أبی حنیفة فی الکلام* و فی روایة عن الشافعیّ انه قال الناس فی الفقه عیال أبی حنیفة* و روی حرملة بن ابی یحیی عن الشافعیّ انه قال الناس عیال هؤلاء الخمسة من أراد أن یتبحر فی الفقه فهو عیال أبی حنیفة و من أراد أن یتبحر فی التفسیر فهو عیال علی مقاتل بن سلیمان و من أراد أن یتبحر فی النحو فهو عیال علی الکسائی و من أراد أن یتبحر فی الشعر فهو عیال علی زهیر بن أبی سلمی و من أراد أن یتبحر فی المغازی فهو عیال علی ابن اسحاق و کذا فی حیاة الحیوان* و فی ربیع الابرار یقال انّ أربعة لم یسبقوا و لم یلحقوا أبو حنیفة فی الفقه و الخلیل فی نحوه و الجاحظ فی تألیفه و أبو تمام فی شعره و فی تذنیب الرافعی عرض المنصور أخو السفاح علیه القضاء فامتنع عن الدخول فیه فألج علیه و ضربه ثلاثین سوطا ثم اعتذر و أمر له بثلاثین ألف درهم فلم یقبلها* و فی تاریخ الیافعی نقله أبو جعفر المنصور من الکوفة الی بغداد و أراد أن یولیه القضاء فأبی فخلف علیه لیفعلن فحلف أبو حنیفة لا یفعلنّ فقال الربیع بن یونس الحاجب لابی حنیفة أ لا تری أن أمیر المؤمنین یحلف فقال أبو حنیفة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:327
أمیر المؤمنین أقدر منی علی کفارة یمینه فأمر به الی السجن فلم یقبل القضاء فضربه مائة سوط و حبس الی ان مات فی السجن و قیل انّ المنصور سقاه سما فمات شهیدا رحمه اللّه* سمه لقیامه مع ابراهیم بن عبد اللّه ابن حسن کذا فی تاریخ الیافعی و کذا روی عن بشر بن الولید* قال الخطیب أیضا فی بعض الروایات انّ المنصور لما بنی مدینته و نزل بها و نزل المهدی فی الجانب الشرقی و بنی مسجد الرصافة أرسل الی أبی حنیفة فجی‌ء به فعرض علیه قضاء الرصافة فأبی فقال له ان لم تفعل ضربتک بالسیاط فقال أو تفعل قال نعم فقعد فی القضاء یومین فلم یأته أحد فلما کان فی الیوم الثالث أتاه رجل صفار و معه آخر فقال الصفار لی علی هذا درهمان و أربعة دوانق ثمن ثور صفر قال أبو حنیفة اتق اللّه و انظر فیما یقول الصفار قال لیس علیّ شی‌ء فقال أبو حنیفة للصفار ما تقول قال استحلفه لی فقال أبو حنیفة قل و الذی لا إله الا هو فجعل یقول فلما رآه أبو حنیفة مقدما علی الیمین قطع علیه و أخرج من صرّة فی کمه درهمین ثقیلین و قال للصفار هذا عوض مالک علیه فلما کان بعد الیومین اشتکی أبو حنیفة فمرض ستة أیام ثم مات رحمه اللّه* و کان یزید بن هبیرة الفزاری أمیر العراقین أراده للقضاء بالکوفة فی أیام مروان بن محمد آخر ملوک بنی أمیة فأبی علیه أبو حنیفة فضربه مائة سوط و عشرة أسواط کل یوم عشرة أسواط و هو علی الامتناع فلما رأی ذلک خلی سبیله* و فی ربیع الابرار أراد عمر بن هبیرة أبا حنیفة علی القضاء فأبی فحلف لیضربنه بالسیاط علی رأسه و لیسجننه و فعل حتی انتفخ وجه أبی حنیفة و رأسه من الضرب فقال الضرب فی الدنیا بالسیاط أهون علیّ من مقامع الحدید فی الآخرة* و عن أبی عون ضرب أبو حنیفة مرّتین علی القضاء ضربه ابن هبیرة و ضربه أبو جعفر و أحضر بین یدیه فدعا له بسویق و أکرهه علی شربه فشربه ثم قال فقال الی این فقال الی حیث بعثتنی فمضی به الی السجن فمات فیه و کان الامام أحمد بن حنبل اذا ذکر ذلک بکی و ترحم علی أبی حنیفة و ذلک بعد أن ضرب الامام أحمد علی ترک القول بخلق القرآن* و فی الکشاف و کان أبو حنیفة یفتی سرّا بوجوب نصرة زید بن علی و حمل المال إلیه و الخروج علی اللص المتغلب المتسمی بالامام و الخلیفة کالدوانیقی و أشباهه و قالت له امرأة أشرت الی ابنی بالخروج مع ابراهیم و محمدا بنی عبد اللّه بن الحسن حتی قتل فقال لیتنی مکان ابنک و کان یقول فی المنصور و أشیاعه لو أرادوا بناء مسجد و أرادونی علی عدّ آجرّه لما فعلت* و ذکر الخطیب فی تاریخه أیضا انّ أبا حنیفة رأی فی المنام انه نبش قبر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فبعث من سأل محمد ابن سیرین قال ابن سیرین صاحب هذه الرؤیا یثور علما لم یسبقه إلیه أحد* و عن صالح بن محمد ابن یوسف بن رزین عن أبی حنیفة أنه قال رأیت فی المنام کأنی نبشت قبر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فأخرجت عظاما فاحتضنتها قال فهالتنی هذه الرؤیا فدخلت علی ابن سیرین و قصصتها علیه فقال ان صدقت رؤیاک لتحیین سنة محمد صلی اللّه علیه و سلم* و عن یوسف بن الصباغ قال قال لی رجل رأیت کأن أبا حنیفة نبش قبر النبیّ علیه السلام فسألت عن ذلک ابن سیرین و لم أخبره من الرجل الذی رأیته قال هذا رجل یحیی سنة محمد صلی اللّه علیه و سلم* قال الامام الشافعی قیل لما لک هل رأیت أبا حنیفة قال نعم رأیت رجلا لو کلمک فی هذه الساریة أن یجعلها ذهبا لقام بحجته* و فی ربیع الابرار کان الثوری اذا سئل عن مسألة دقیقة قال لا یحسن أن یتکلم فیها الا رجل قد حسدناه یعنی أبا حنیفة* قال علی بن عاصم لو وزن عقل أبی حنیفة بعقل أهل الارض لرجح به قال یزید بن هارون ما رأیت أورع و لا أعقل من أبی حنیفة مکث عشرین سنة یصلی الصبح بوضوء العشاء* و قال جعفر بن عبد الرحمن کان أبو حنیفة یحیی اللیل بقراءة القرآن فی رکعة ثلاثین سنة* و فی ربیع الابرار ختم القرآن فی رکعة واحدة أربعة من الائمة عثمان بن عفان و تمیم الداری و سعید بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:328
جبیر و أبو حنیفة* و روی عن أسد بن عمرو أنه قال صلی أبو حنیفة الفجر بوضوء العشاء أربعین سنة و کان یسمع بکاؤه فی اللیل حتی ترحمه جیرانه* و فی حیاة الحیوان کان أبو حنیفة اماما فی القیاس و صلی صلاة الفجر بوضوء العشاء أربعین سنة و کان عامّة لیله یقرأ القرآن فی رکعة واحدة و کان یبکی فی اللیل حتی ترحمه جیرانه و ختم القرآن فی الموضع الذی توفی فیه سبعة آلاف مرة و لم یفطر منذ ثلاثین سنة* و قال علی بن یزید الصدائی رأیت أبا حنیفة ختم القرآن فی شهر رمضان ستین ختمة باللیل لو ستین ختمة بالنهار* و روی عن أبی حنیفة أنه قال دخلت البصرة فظننت أن لا أسأل عن شی‌ء الا أجبت عنه فسألونی عن أشیاء لم یکن عندی فیها جواب فجعلت علی نفسی أن لا أفارق حمادا فصحبته عشرین سنة قال و ما صلیت صلاة الا و استغفرت لحماد مع والدیّ و لکل من قرأت علیه و کان أبو حنیفة یقول ما جاءنا أو یقول أتانا عن اللّه و رسوله قبلناه علی الرأس و العین و ما جاءنا أو أتانا عن الصحابة اخترنا أحسنه و لم نخرج عن أقاویلهم و ما جاءنا أو أتانا عن التابعین فهم رجال و نحن رجال و أما غیر ذلک فلا نسمع التشنیع کذا فی ربیع الابرار غیر قوله و أما غیر ذلک فلا نسمع التشنیع و فی نوابغ الکلم وتد اللّه الارض بالاعلام المنیفة* کما وتد الحنیفیة* بعلوم أبی حنیفة* الائمة الجلة الحنفیة* أزمة الملة الحنیفیة* الناس حنفی و أحنفی* و الدین و العلم حنیفی و حنفی کذا فی ربیع الابرار و حتیف هو ابن السجف بن سعد التابعی و کان شجاعا باسلا و الحنتف الجراد المنتف المنقی للطبخ و الحسوف؟؟؟ الذی ینتف لحیته من هیجان المرار به و الا حنف بن قیس من کبار التابعین و السیوف الحنیفیة تنسب إلیه لانه أوّل من أمر باتخاذها و القیاس أحنفی کذا فی القاموس و کان أبو حنیفة یقول قولنا هذا رأی و هو أحسن ما قدمنا علیه فمن جاءنا بأحسن منه فهو أولی بالصواب* و فی الملل و النحل للشهرستانی و هو أحسن ما قدرنا علیه فمن قدر علی غیر ذلک فله ما رأی* و من أصحابه محمد بن الحسن و أبو یوسف یعقوب و زفر بن هذیل و الحسن بن زیاد اللؤلؤی و أبو مطیع البلخی و بشر المریسی* و من تورّعه عما دخله الشبهة ما رواه حفص بن عبد الرحمن و کان شریک أبی حنیفة فی التجارة و کان أبو حنیفة یتجر علیه و یبعث إلیه بمتاع و یقول له فی ثوب کذا و کذا عیب فبین اذا بعته فباع حفص المتاع و لم یبین و نسی فلما علم أبو حنیفة تصدّق بثمن الثیاب کلها* و من ورعه انّ شاة سرقت فی عهده فلم یأکل لحم الشاة مدّة تعیش الشاة فیها و کان یتمثل بهذین البیتین دائما
عطاء ذی العرش خیر من عطائکم‌و فضله واسع یرجی و ینتظر
أنتم یکدّر ما تعطون منکم‌و اللّه یعطی فلا منّ و لا کدر و روی انّ امرأة دخلت فی مسجد أبی حنیفة و هو جالس بین أصحابه فأخرجت تفاحة أحد جانبیها أحمر و الآخر أصفر فوضعتها بین یدیه و لم تتکلم فأخذها أبو حنیفة و شقها نصفین فقامت المرأة و خرجت و لم یعرف أصحابه مرادها فسألوه عن ذلک فقال انها تری تارة أحمر مثل احد جانبی التفاحة و تارة أصفر مثل الجانب الآخر سألت أ یکون حیضا أو طهرا فشققت التفاحة و أریتها باطنها و أردت بذلک أن لا تطهرین حتی ترین البیاض مثل باطنها فقامت و خرجت* و فی المبسوط أن اعرابیا دخل علی أبی حنیفة و هو جالس بین أصحابه فقال له أ فی الصلاة واو أو واوان فقال واوان فقال بارک اللّه فیک کما بارک فی لا و لا فلم یعلم أحد سؤال السائل و لا جواب أبی حنیفة فسألوه عن ذلک فقال سألنی فی التشهد واو أو واوان فقلت واوان فدعا لی بالبرکة کما بارک فی الشجرة الزیتونة لا شرقیة و لا غربیة و قال أحمد بن کامل و عبد الباقی بن قانع توفی أبو حنیفة ببغداد سنة خمسین و مائة و کان ابن سبعین* و قال النووی فی تهذیب الاسماء و اللغات توفی فی سنة احدی و قیل ثلاث و خمسین و مائة کذا فی حیاة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:329
الحیوان و هی السنة التی ولد فیها الامام الشافعی رحمه اللّه و قیل مات فی یوم ولادته لکن قال البیهقی لم یثبت الیوم* و فی ربیع الابرار نعی الی شعبة فقال بعد الاسترجاع قد طفئ من أهل الکوفة أضوأ نور أهل العلم أما انهم لا یرون مثله أبدا و یقال انّ مسعرا لما بلغه وفاة أبی حنیفة قال مات أفقه المسلمین و صلی علیه قاضی القضاة الحسن بن عمارة فی جمع عظیم* و عن عبد الحمید بن عبد الرحمن قال رأیت فی المنام کأنّ نجما سقط من السماء فقیل أبو حنیفة ثم سقط آخر فقیل مسعر ثم سقط آخر فقیل سفیان فمات أبو حنیفة قبل مسعر ثم مسعر قبل سفیان ثم سفیان* و عن خلف بن سالم عن صدقة المقابری و کان صدقة مجاب الدعوة یقال لما دفن أبو حنیفة فی مقابر الخیزران سمعت صوتا من اللیل ثلاث لیال یقول
ذهب الفقه فلا فقه لکم‌و اتقوا اللّه و کونوا حنفا
مات نعمان فمن هذا الذی‌محی اللیل اذا ما سجفا و قال الذهبی قبره مشهد کبیر و علیه قبة عالیة ببغداد رحمه اللّه رحمة واسعة و فی سنة احدی و خمسین قدم المهدی ولد الخلیفة من الریّ فرأی بغداد فأعجبته و بنی بازائها الرصافة فی الجانب الشرقی و جعل له أبوه حاشیة و حشما و خیلا فی زی الخلفاء و بایعه الناس بولایة العهد و أن یکون له الامر بعد أبیه و أن یکون العهد بعد المهدی لعیسی الذی کان ولی عهد المسلمین* و فیها مات شیخ البصرة و عالمها و زاهدها عبد اللّه بن عون* قال ابن مهدی ما کان بالعراق أعلم بالسنة منه* و قال هشام بن حسان تلمیذ الحسن البصری لم تر عینای مثل ابن عون* و فیها مات محمد بن اسحاق بن یسار المدنی صاحب السیر الذی یقول فیه شعبة کان ابن اسحاق أمیر المؤمنین فی الحدیث* و فی سنة أربع و خمسین و مائة توفی مقری البصرة أبو عمرو بن العلاء المازنی أحد السبعة عن أربع و ثمانین سنة و الحکم بن أبان العدنی صاحب طاوس و کان اذا هدأت العیون وقف فی البحر الی رکبتیه یذکر اللّه تعالی الی الفجر و مسعر بن کدام الهلالی عالم الکوفة و حافظها قال شعبة کنا نسمیه المصحف لاتقانه و فی سنة ست و خمسین و مائة مات شیخ البصرة و عالمها شعبة بن أبی عروبة العدوی صاحب التصانیف و مقرئ الکوفة حمزة بن حبیب الزیات و کان رأسا فی القرآن و الفرائض و الورع* و فی سنة سبع و خمسین و مائة مات الحسین بن واقد قاضی مرو و عالمها و أبو عمر و الاوزاعی فقیه الشأم و کان رأسا فی العلم و العمل أجاب فی سبعین ألف مسئلة* قال أبو مسهر کان الاوزاعی یحیی اللیل صلاة و قرآنا و بکاء* و فی سنة ثمان و خمسین و مائة صادر المنصور خالد بن برمک و أخذ منه ثلاثة آلاف ألف ثم رضی عنه و استنابه علی الموصل و مات زفر بن الهذیل الفقیه صاحب أبی حنیفة مات کهلا و کان من الاذکیاء أولی العبادة و العلم*

وفاة المنصور

و عن الهیثم بن عمران قال انّ المنصور مات بالبطن بمکة* و قال خلیفة و الهیثم و غیرهما عاش أربعا و ستین سنة* قال الصولی دفن ما بین الحجون و بئر میمون فی ذی الحجة سنة ثمان و خمسین و مائة* و فی حیاة الحیوان مات ببئر میمون علی امیال من مکة و هو محرم بالحج و کذا فی سیرة مغلطای و هو ابن ثلاث و ستین سنة و کانت خلافته اثنتین و عشرین سنة و ثلاثة أشهر* قال الذهبی و سار المنصور للحج فأدرکه الموت و هو محرم بظاهر مکة و له ثلاث و ستون سنة و تخلف بعده ابنه المهدی*

(ذکر خلافة المهدی أبی عبد اللّه محمد بن أبی جعفر المنصور محمد بن علی بن عبد اللّه الهاشمی العباسی)

* الثالث من خلفاء بنی العباس و أمّه أمّ موسی بنت منصور الحمیری و مولده بأقدح فی سنة سبع و عشرین و مائة* و قال الخطی ولد سنة ست و عشرین و مائة فی جمادی الآخرة بویع بالخلافة بعد موت أبیه المنصور بعهد منه إلیه و کان المهدی جوادا ممدحا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:330
ملیح الشکل محببا الی الرعیة شجاعا خصاما للزنادقة یتتبعهم و یقتلهم فی کل بلد و بنی جامع الرصافة و کسا الکعبة القباطی و الخز و الدیباج و طلی جدرانها بالمسک و العنبر من أسفلها الی أعلاها و لما شب ولاه أبوه علی طبرستان و ما یلیها و علی الریّ و تأدّب المهدی و جالس العلماء و تمیز و قیل انّ أباه المنصور غرم أموالا عظیمة و تحیل حتی استنزل ولی العهد أخاه عیسی بن موسی عن المنصب و ولاه للمهدی هذا* قال الذهبی بایعه الناس بالعهد الذی عهد إلیه أبوه المنصور فلما کان بعد أشهر ألحّ علی ولیّ عهده من بعده عیسی بن موسی بکل ممکن لیخلع نفسه عن العهد لموسی الهادی بن المهدی فأجاب خوفا علی نفسه و أعطاه المهدی عشرة آلاف ألف و اقطاعات جلیلة و أبرم ذلک فی أوّل سنة ستین و مائة*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة المهدی‌

و فی سنة تسع و خمسین و مائة مات مالک بن معول البجلی أحد الائمة قال له رجل اتق اللّه فألصق خده بالارض فمات* و فی سنة ستین و مائة افتتح المسلمون مدینة کبیرة بالهند و کانت دولة المهدی مبارکة محمودة ففرّق فی هذا العام أموالا لا تحصی و أمر بانشاء رواقات المسجد الحرام و حمل إلیها الا عمدة الرخام فی البحر و فرق فی أهل الحرمین ما لم یسمع بمثله أبدا فقیل بلغ ثلاثین ألف ألف درهم و فرق من الثیاب مائة ألف ثوب و خمسین ألفا و حج بالناس و حمل معه الثلج الی مکة و هذا أیضا لم یسمع بمثله و فی جمادی الآخرة من العام مات محدّث الاسلام شعبة بن الحجاج العتکی الواسطی شیخ أهل البصرة و له ثمانون سنة* قال الشافعی لو لا شعبة لما عرف الحدیث بالعراق* و قال آخر رأیت شعبة یصلی حتی تورّم قدماه رحمه اللّه*

ظهور عطاء المقنع الساحر

و فی سنة احدی و ستین و مائة کان ظهور عطاء المقنع الساحر الذی ادّعی النبوّة* قال الذهبی ادّعی الربوبیة بناحیة مرو و استغوی الخلق و أری الناس قمرا آخر فی السماء یراه المسافرون من مسیرة شهرین و کان یری الناس أعاجیب کثیرة من أنواع السحر و کان یقول بالتناسخ و انّ الحق تحوّل فی صورة آدم فسجدت له الملائکة ثم تحوّل الی صورة نوح ثم تحوّل الی صورة صاحب الدولة أبی مسلم الخراسانی ثم الی صورته تعالی اللّه عن ذلک فعبده خلق و قاتلوا دونه مع قبح صورته و لکنته و عوره و دمامته و کان قد اتخذ علی وجهه وجها من ذهب یستتر به فقیل له المقنع فأرسل إلیه المهدی جیشا علیهم شعبة الخرشی فالحّ علیه بالقتال و قتل خلق کثیر و قتلوه و قیل انه لما أحس بالغلبة و علم بأخذه قتل نفسه فافتتح المسلمون حصنه فقطعوا رأسه و بعثوا به فقدم الرأس علی المهدی و هو بحلب* و فی شعبان سنة احدی و ستین و مائة توفی سید أهل زمانه فی العلم و العمل سفیان بن شعبة الثوری و له ست و ستون سنة بالبصرة* قال ابن المبارک کتبت الحدیث عن ألف و مائة ما فیهم أفضل من الثوری* و قال ابن معین و غیره الثوری أمیر المؤمنین فی الحدیث* و قال الثوری ما حفظت شیئا فنسیته و فی سنة احدی و ستین و مائة جدّد المهدی عمارة الحجر و جداره و رخمها برخام حسن کذا فی شفاء الغرام نقلا عن الازرقی* و فی سنة اثنتین و ستین أو احدی و ستین و مائة مات سید الزهاد ابراهیم بن أدهم البلخی بالشأم و کان أبوه أمیرا و مات بعده أو قبله زاهد الکوفة داود بن نصیر الطائی و کان اماما فی العلم و العمل* و فی سنة ثلاث و ستین و مائة مات عالم خراسان ابراهیم بن طهمان و بکیر بن معروف المفسر قاضی نیسابور* و فی سنة ثمان و ستین و مائة مات أمیر المدینة أبو محمد الحسن بن زید بن الحسن بن علی بن أبی طالب والد السیدة نفیسة و له خمس و ثمانون سنة و مات الامیر ولی عهد السفاح عیسی بن موسی بن محمد بن علی بن عبد اللّه بن عباس رضی اللّه عنهم و قد ذکرنا انّ المهدی خلعه و کان من کبار الابطال* و فی سنة تسع و ستین و مائة لثمان بقین من المحرّم منها توفی أمیر المؤمنین المهدی باللّه أبو عبد اللّه محمد بن المنصور ساق خلف صید فدخل خربة فدق ظهره باب الحربة فی قوّة سوق الفرس فتلف لوقته و قیل مات صریعا عن دابته فی الصید کذا فی سیرة مغلطای
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:331
و قیل بل سمته جاریته و قیل کان الطعام سمته لضرّتها فدخل المهدی فمدّ یده فما جسرت أن تقول هو مسموم* و فی سیرة مغلطای أرادت بعض حظایاه أن تنفرد به دون صاحبتها فجعلت لها سما فی حلوی فأکل هو منه من حیث لا یشعر فمات و کان قبل ذلک بعشر لیال رأی رحلا یهدم قصره فی المنام و عاش ثلاثا و أربعین سنة و ملک احدی عشرة سنة و شهرا و نصف شهر* قال الذهبی خلافته عشر سنین و شهرا و تولی بعده ولده موسی*

(ذکر خلافة موسی الهادی بن المهدی محمد بن أبی جعفر المنصور الهاشمی القرشی العباسی الرابع من خلفاء بنی العباس أبی محمد أمیر المؤمنین)

* مولده بالری سنة سبع و أربعین و مائة و أمّه أم ولد تسمی الخیزران و هی أم الرشید أیضا* صفته* کان طویلا جسیما أبیض لشفته العلیا تقلص و کان أبوه قد وکل به خادما فی الصبا کلما رآه مفتوح الفم یقول له یا موسی أطبق فیفیق علی نفسه و یضم شفتیه بویع بالخلافة بعد موت أبیه و کان بجرجان فأخذ له البیعة أخوه هارون الرشید* قال الذهبی کانت الخلافة معقودة له و کان ولی عهد أبیه فلما مات المهدی تسلمها موسی الهادی و کان فصیحا أدیبا قادرا علی الکلام تعلوه هیبة و له سطوة و شهامة علی انه کان یتناول المسکر و یحب اللهو و الطرب و کان ذا ظلم و جبروت و کان یرکب حمارا فارها و لا یقیم أبهة الخلافة و لم تطل مدّته فی الخلافة و مات لقرحة أصابته فی جوفه و قیل سمته أمّه الخیزران لما أجمع علی قتل أخیه الرشید و قیل انها سمته بسبب آخر و هو انها کانت حاکمة مستبدة بالامور الکبار و کانت المواکب تغدو الی بابها فزجرهم الهادی عن ذلک و کلمها بکلام فج و قال ان وقف ببابک أمیر لاضربن عنقه أمالک مغزل یشغلک أو مصحف یذکرک أو سبحة فقامت من عنده و هی لا تعقل شیئا من الغضب فقیل انه بعث إلیها بطعام مسموم فأطعمت منه کلبا فانتثر لحمه فعمدت الی قتله لما وعک بان غمرت وجهه ببساط جلسوا علیه و علی جوانبه و کان قصده هلاک الرشید لیؤول العهد لولد له صغیر عمره عشر سنین و قیل انه مات بعیسی باد فی نصف شهر ربیع الآخر سنة سبعین و مائة* و فی سیرة مغلطای توفی لیلة الجمعة سادس عشر ربیع الاوّل سنة سبعین و مائة و فی هذه اللیلة ولد المأمون و کانت خلافته سنة واحدة و ثلاثة أشهر و عاش ستا و عشرین سنة و خلف سبع بنین و تولی الخلافة بعده أخوه هرون الرشید*

(ذکر خلافة هرون الرشید بن المهدی محمد بن أبی جعفر المنصور الهاشمی العباسی الخامس من خلفاء بنی العباس)

* أمیر المؤمنین أبی جعفر أمّه الخیزران أمّ أخیه الهادی و مولده بالرّی لما کان أبوه أمیرا علیها و علی خراسان فی سنة ثمان و أربعین و مائة استخلف بعهد من أبیه بعد موت أخیه الهادی فی سنة سبعین و مائة و کان أبوهما عقد لهما بولایة العهد معا* صفته* کان الرشید أبیض جمیلا ملیح الشکل طویلا عبل الجسم قد و خطه الشیب قبل موته و کان فصیحا له نظر و معرفة جیدة بالعلوم بلغنا انه منذ استخلف کان یصلی کل یوم و لیلة مائة رکعة لم یترکها الا لعلة قاله نفطویه فی تاریخه و یتصدّق من خالص ماله بألف درهم و کان یقتفی آثار جدّه المنصور الا فی الحرص و کان یجب العلم و أهله و یعظم الاسلام و یبکی علی نفسه و اسرافه و ذنوبه سیما اذا وعظ و کان یأتی بنفسه الی الفضیل بن عیاض و یسمع وعظه و کان أبوه أغزاه أرض الروم و هو ابن خمس عشرة سنة و هو أجل الخلفاء و أعظم ملوک بنی العباس و کان کثیر الحج قیل انه کان یحج سنة و یغزو سنة و فیه یقول بعض شعرائه
فمن یطلب لقاءک أو یرده‌فبالحرمین أو أقصی الثغور و فی سیرة مغلطای و قد کان حج تسع حجج و غزا ثمان غزوات* قال الجاحظ اجتمع للرشید ما لم یجتمع لغیره و زراؤه البرامکة و قاضیه أبو یوسف و شاعره مروان بن أبی حفصة و ندیمه العباس بن محمد بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:332
عمة أبیه و حاجبه الفضل بن الربیع و مغنیه ابراهیم الموصلی و زوجته زبیدة* و قال غیره فتحت فی أیام الرشید فتوحات کثیرة و هو الذی فتح عموریة و هی مدینة الکفار أعظم من القسطنطینیة و أحرقها و سبی أهلها*

ترجمة الامام مالک و ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة هارون الرشید

و فی سنة ست و سبعین و مائة توفی حماد بن الامام الاعظم أبی حنیفة کان علی مذهب أبیه و کان من أهل الصلاح و کان ابنه إسماعیل قاضی البصرة فعزل عنها کذا فی تاریخ الیافعی* و فی سنة تسع و سبعین و مائة فی ربیع الاوّل مات امام دار الهجرة أبو عبد اللّه مالک بن أنس بن مالک بن أبی عامر الاصبحی نسبة الی بطن من حمیر یقال له ذو أصبح* و أنس بن مالک هذا غیر أنس بن مالک خادم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم اذ هو أنس بن مالک بن النضر بن ضمضم بن زید الانصاری الخزرجی و أنس أبو الامام مالک تابعی* و فی التذنیب ولد سنة ثلاث أو احدی أو أربع أو خمس أو سبع و تسعین و توفی سنة تسع و سبعین و مائة و له ست و ثمانون سنة سمع نافعا و الزهری و غیر واحد من التابعین و صنف الموطأ* و عن الشافعیّ أنه قال ما بعد کتاب اللّه کتاب هو أکثر صوابا من موطأ مالک* قال العلماء قول الشافعیّ هذا کان قبل تصنیف البخاری و مسلم کتابیهما و الا کتاباهما أصح الکتب المصنفة و أکثرها صوابا* و قال الشافعیّ اذا وجدت لمالک حدیثا فشدّ یدک به فانه حجة و حمل حدیث أبی هریرة انّ النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قال یضرب الناس أکباد الابل فلا یجدون عالما أعلم من عالم المدینة علی مالک* و قال الشافعیّ اذا ذکر العلماء فمالک النجم و کان مالک طوالا جسیما عظیم الهامة أبیض الرأس و اللحیة قیل تبلغ لحیته صدره و قیل کان أشقر أزرق العینین یلبس الثیاب العدنیة الرفیعة* و قال أشهب اذا اعتم جعل منها تحت ذقنه و یسدل طرفها بین کتفیه و قیل کان یکره حلق الشارب و یعیبه و یراه من المثلة و لا یغیر شیبه کذا فی تاریخ الیافعی* و فی رمضان هذه السنة مات عالم البصرة الحافظ أبو إسماعیل حماد بن زید الازدی عن ثمانین سنة* و فی سنة ثمانین و مائة کانت الزلزلة العظمی التی سقط منها رأس منارة الاسکندریة و فیها مات فقیه مکة مسلم بن خالد الزنجی شیخ الشافعیّ عن ثمانین سنة و امام النحو سیبویه و اسمه عمرو بن عثمان البصری و له دون أربعین سنة* و فی سنة احدی و ثمانین و مائة مات عالم خراسان عبد اللّه بن المبارک المروزی الحافظ الزاهد الغازی المجاهد أحد الاعلام و له ثلاث و ستون سنة قال ابن مهدی کان أعلم من الثوری* و فی الصفوة عبد اللّه بن المبارک أبا عبد الرحمن کان أبوه عبدا ترکیا لرجل من التجار من بنی حنظلة و کانت أمّه ترکیة خوارزمیة ولد سنة ثمان عشرة و مائة و قیل تسع عشرة* و فی سنة اثنتین و ثمانین و مائة وثب بطارقة الروم علی طاغیتهم الاکبر قسطنطین فأکحلوه و ملکوا علیهم أمّه قیل اسمها هیلانه* و فی ربیع الآخر من هذه السنة توفی أبو یوسف یعقوب بن ابراهیم الکوفی قاضی القضاة و هو أوّل من دعی بذلک تفقه علی الامام أبی حنیفة و کان ورده فی الیوم مائتی رکعة* و فی سنة ثلاث و ثمانین و مائة مات شیخ بغداد و عالمها هشیم بن بشیر الحافظ و کان عنده عشرون ألف حدیث و مکث یصلی الصبح بوضوء العشاء عشرین سنة و فیها مات موسی الکاظم بن جعفر الصادق العلوی من سادة أهل البیت* و فی سنة خمس و ثمانین و مائة مات الامیر عبد الصمد بن علی العباسی عم المنصور و قد عمل نیابة دمشق و عاش ثمانین سنة و فیها قتل الرشید وزیره جعفر بن یحیی البرمکی* و فی سیرة مغلطای قتل البرامکة سنة سبع و ثمانین و مائة و نهب دیارهم* و فی سنة سبع و ثمانین و مائة خلعت الروم قسطنطین من الملک و ملکوا یقفور الذی کان ناظر دیوانهم فقیل انه من آل جفنة الغسانی و فیها مات شیخ الحجاز زاهد العصر أبو علی الفضیل بن عیاض التمیمی المروزی بمکة و قد قارب الثمانین* و فی سنة تسع و ثمانین و مائة سار الرشید حتی نزل الرّی و کان فی صحبته امامان عظیمان أبو الحسن علی بن حمزة الکسائی النحوی أحد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:333
القراء السبعة و قاضی القضاة محمد بن الحسن الشیبانی صاحب أبی حنیفة فماتا بالرّی* و فی تاریخ الیافعی فی سنة تسع و ثمانین و مائة توفی قاضی القضاة فقیه العصر محمد بن الحسن الکوفی منشأ الشیبانی مولی قدم أبوه من الشام الی العراق فأقام بواسط فولد محمد و نشأ بالکوفة* قال الشافعیّ لو أشاء أن أقول نزل القرآن بلغة محمد بن الحسن لقلت لفصاحته و قال أیضا ما رأیت رجلا یسأل عن مسئلة فیها تطیرا لا تبینت فی وجهه الکراهة الا محمد بن الحسن و قال أیضا ما رأیت سمینا أفقه من محمد بن الحسن و قال غیره لقی جماعة من أعلام الائمة و حضر مجلس أبی حنیفة سنین ثم تفقه علی أبی یوسف صاحب أبی حنیفة و صنف الکتب الکثیرة النادرة منها الجامع الکبیر و الجامع الصغیر* و فی سنة احدی و تسعین و مائة مات فی السجن یحیی بن خالد البرمکی و ابنه الفضل* و فی سنة ثلاث و تسعین و مائة سار هارون الرشید الی خراسان لیکشف أحوالها فقدم طوس و هو علیل و مات بها و له خمس و أربعون سنة کذا قاله الذهبی* و قال الجمالی یوسف بن المقری لما کانت سنة ثلاث و تسعین و مائة خرج الرشید الی الغزو فأدرکته المنیة بطوس من أعمال خراسان لیلة السبت ثالث جمادی الآخرة و قیل للنصف من جمادی الاولی و صلی علیه ابنه صالح و دفن بطوس و أخطأ علیه طبیبه المسمی جبریل فی دبلة کانت به و له خمس و أربعون سنة و کانت خلافته ثلاثا و عشرین سنة و شهرین و خمسة عشر أو ستة عشر یوما*

(ذکر خلافة الامین محمد بن الرشید هارون بن المهدی بن محمد بن المنصور الهاشمی القرشی العباسی البغدادی)

* أمیر المؤمنین أبی عبد اللّه و قیل أبی موسی و هو السادس فخلع و قتل کما سیأتی و أمّه زبیدة بنت جعفر المنصور الهاشمیة العباسیة و هو ثالث خلیفة تخلف أبواه هاشمیان فالاوّل علی بن أبی طالب و الثانی ابنه الحسن و الثالث محمد هذا* صفته* کان الامین من أحسن الشباب صورة و کان أبیض طوالا جمیلا بدیع الحسن ذا قوّة مفرطة و بطش و شجاعة معروفة و فصاحة و أدب و فضیلة و بلاغة و کان ولی عهد أبیه الرشید فولی الخلافة بعد موت أبیه* و فی دول الاسلام تسلم الخلافة لانه کان ولی عهد أبیه الرشید و جاء من طوس خاتم الخلافة و البردة و القضیب و استناب أخاه المأمون علی ممالک خراسان و فی أیامه فتحت أهواز کذا فی سیرة مغلطای*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة الامین‌

و فیها مات عالم البصرة إسماعیل بن علی و حافظ البصرة محمد بن جعفر غندر و مقرئ الکوفة أبو بکر عیاش الاسدی و له سبع و تسعون سنة* و فی سنة أربع و تسعین و مائة وقعت أوّل الفتنة بین الاخوین الامین و المأمون عزم الامین علی خلع المأمون من ولایة العهد لیقدّم ولده و هو صبی عمره خمس سنین فأخذ یبذل الاموال للامراء لیتم له ذلک فنصحه العقلاء فلم یصغ إلیهم حتی آل الامر الی ان بعث أخوه الجیوش لحربه و محاصرته ثم قتل و فیها مات زاهد خراسان شقیق البلخی استشهد فی غزوة الهند* و فی سنة خمس و تسعین و مائة تیقن المأمون ان أخاه الامین خلعه فغضب و خلع هو الامین و بایعه جیش خراسان بالخلافة و تسمی بأمیر المؤمنین فجهز الامین لحربه ابن ماهان و جهز المأمون طاهر بن الحسن و کبس طاهر عساکر الامین و قتل ابن ماهان و انهزم جیوشه و شرع ملک الامین فی سفال و دولته فی اضمحلال ثم ندم علی خلع أخیه و طمع فیه أمراؤه و لقد أنفق فیهم أموالا لا تحصی و لم یفد ثم جهز جیشا فالتقاهم طاهر بهمدان فهزمهم مرّتین و قتل قائد جیش الامین* و فی سنة ست و تسعین و مائة مات شاعر زمانه أبو نواس الحسن بن هانئ الحکمی* و فی سنة سبع و تسعین و مائة حوصر الامین ببغداد نازله طاهر و هرثمة بن أعین و زهیر فی جیوشهم و قاتلت الرعیة مع الامین فبالغوا و کان محبا إلیهم فدام الحصار سنة فجرت عجائب و أهوال و فیها توفی مقری الوقت ورش و اسمه عثمان بن سعید و حافظ العراق وکیع بن الجرّاح الرّواسی أحد الاعلام و له سبع و ستون سنة* قال أحمد ما رأیت
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:334
أوعی للعلم و لا أحفظ له من وکیع* و قال یحیی بن اکتم صحبت وکیعا فکان یصوم الدهر و یختم کل لیلة و فی یوم السبت الخامس و العشرین من المحرّم سنة ثمان و تسعین ظفر طاهر بن الحسین بالامین فقتله بظاهر بغداد صبرا و شال رأسه علی رمح و طیف به و کانت خلافته أربع سنین و أیاما* و فی سیرة مغلطای أربع سنین و ستة أشهر و عشرة أیام و فی دول الاسلام عاش سبعا و عشرین سنة و کانت دولته ثلاثة أعوام و أیاما و خلع فی رجب سنة ست و تسعین و مائة و من حسب له الی موته فخلافته خمس سنین الاشهر او کان مبذرا للاموال لعابا لا یصلح لامرة المؤمنین سامحه اللّه و تولی الخلافة بعده أخوه المأمون*

(ذکر خلافة المأمون عبد اللّه بن الرشید هارون بن المهدی محمد أبی جعفر المنصور)

* أمیر المؤمنین أبی العباس الهاشمی العباسی أمه أم ولد تسمی مراجل ماتت أیام نفاسها به ولد سنة سبعین و مائة عند ما استخلف أبوه* صفته* قال ابن أبی الدنیا کان أبیض ربعة حسن الوجه یعلوه صفرة و قد و خطه الشیب أعین طویل اللحیة رقیقها ضیق الجبین علی خدّه خال* و قال الجاحظ کان أبیض فیه صفرة و کان ساقاه دون جسده صفراوین کأنما طلیتا بزعفران و کان بویع بالخلافة بمرو و کان أمره نافذا فی افریقیة الی أقصی خراسان و ما وراء النهر و السند کذا فی سیرة مغلطای و کان سمع الحدیث فی صغره و برع فی الفقه و العربیة من النحو و اللغة و أیام الناس و الادب و لما کبر عنی بالفلسفة و علوم الاوائل حتی مهر فیهما فجرّه ذلک الی القول بخلق القرآن و امتحان العلماء و لو لا ذلک لکان أعظم بنی العباس لما اشتمل علیه من الحزم و العزم و العقل و العلم و الحلم و الشجاعة و السؤدد و السماحة* قال أبو معشر کان أمّارا بالعدل محمود السیرة یعدّ من کبار العلماء* و فی حیاة الحیوان و فی أیامه ظهر القول بخلق القرآن و قیل انّ القول بخلق القرآن ظهر فی أیام الرشید و کان الناس فیه بین أخذ و ترک الی زمن المأمون فحمل الناس علی القول بخلق القرآن و کل من لم یقل بخلقه عاقبه أشدّ عقوبة* و کان الامام أحمد بن حنبل امام أهل السنة من الممتنعین من القول بخلق القرآن فحمل الی المأمون مقیدا فمات المأمون قبل وصوله و کان اعتبار المأمون فی المناظرة و المقالات بأبی الهذیل البصری المعتزلی الذی یقال له العلاف و عن الرشید قال انی لأعرف فی عبد اللّه حزم المنصور و نسک المهدی و عزة الهادی و لو أشاء أن أنسبه الی الرابع یعنی نفسه لنسبته و قد قدّمت محمدا علیه و انی لأعلم انه منقاد الی هواه مبذر لما حوته یداه یشارک فی رأیه الاماء و النساء و لو لا أم جعفر یعنی زبیدة و میل بنی هاشم إلیه لقدّمت عبد اللّه علیه یعنی فی ولایة العهد بالخلافة اجتمعت الامة علی عبد اللّه الا ما عرف من حال صاحب الاندلس فانه و الامراء قبله و بعده غیر متقیدین بطاعة العباسیین لبعد الدیار*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة المأمون‌

و فیها فی رجب توفی شیخ الحجاز أبو محمد سفیان بن عیینة الهلالی أحد الاعلام و له احدی و تسعون سنة* قال أحمد بن حنبل ما رأیت أحدا أعلم بالسنن من سفیان و فیها فی جمادی الآخرة مات حافظ البصرة أبو سعید عبد الرحمن بن مهدی اللؤلؤی و له ثلاث و ستون سنة قال ابن المدینی أحلف أنی ما رأیت أعلم منه* و قال أحمد هو أفقه من القطان و أثبت من وکیع و فی صفر مات حافظ العراق یحیی بن سعید القطان أحد الاعلام الذی یقول فیه أحمد ما رأیت بعینی مثل یحیی بن القطان عاش ثمانیة و سبعین سنة و قال بندار ما أظنّ انه عصی اللّه قط* و فی سنة تسع و تسعین و مائة مات شیخ الحنفیة أبو مطیع الحکم بن عبد اللّه البلخی صاحب أبی حنیفة و له أربع و ثمانون سنة* و فی سنة مائتین مات محدث المدینة أبو ضمرة أنس بن عیاض اللیثی و زاهد الوقت معروف الکرخی ببغداد* و فی سنة احدی و مائتین جعل المأمون ولی عهده من بعده علی بن موسی الرضا العلوی و أمر الدولة برمی السواد و لبس الخضرة و هو بعد بخراسان فأرسل الی العراق بلبس الخضرة* و فی سیرة مغلطای
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:335
بایع المأمون موسی بن الکاظم بالعهد بعده و لبس الخضرة فخرج علیه عمه ابراهیم بن مهدی المعروف بابن شکلة انتهی فشق هذا علی أقاربه و قامت قیامتهم بادخاله فی الخلافة الرضا فخلعوا المأمون و بایعوا عمه و هو المنصور بن المهدی فضعف عن الامر و قال بل أنا خلیفة المأمون فأهملوه و أقاموا أخاه ابراهیم بن المهدی و کان أسود فبایعوه و جرت لذلک حروب یطول شرحها و فیها مات حافظ الکوفة أبو أسامة حماد بن أسامة و له احدی و ثمانون سنة* و فی سنة ثلاث و مائتین مات علی بن موسی الرضا ولی عهد المأمون و هو من الاثنی عشر الذین تعتقد الرافضة عصمتهم و وجوب طاعتهم و فیها مات حسین بن علی الجعفی الکوفی أحد الائمة الاعلام*

ترجمة الامام الشافعی محمد بن ادریس‌

و فی سنة أربع و مائتین فی رجب مات فقیه الوقت الامام أبو عبد اللّه محمد بن ادریس الشافعی المطلبی أحد الائمة الاربعة الاعلام و یقال له الشافعی نسبة الی شافع بن السائب بن عبید أحد أجداده اذ هو محمد بن ادریس بن عباس بن عثمان بن شافع ابن السائب بن عبید بن عبد یزید بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف یجتمع نسبه مع نسب رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی عبد مناف و هو ثالث أجداد النبیّ علیه السلام و تاسع أجداد الشافعی و کونه مطلبیا من جهة أبیه و هو أیضا هاشمی من جهة أمهات أجداده و أزدیّ من جهة أمه* نقل عن الحاکم أبی عبد اللّه و أبی بکر البیهقی و الخطیب صاحب تاریخ بغداد انهم ذکروا أنّ الشافعی ولده هاشم بن عبد مناف جدّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم ثلاث مرات و ذلک لانّ أم السائب هی الشفاء بنت الارقم بن هاشم بن عبد مناف و أم الشفاهی خلیدة بفتح الخاء المعجمة و الدال المهملة و کسر اللام و سکون المثناة التحتیة بینها و بین الدال ابنة أسد بن هاشم بن عبد مناف و أم عبد یزید هی الشفاء بنت هاشم بن عبد مناف فولدت له عبد یزید فالشافعی ابن عم رسول اللّه و ابن عمته و کان حاذقا فی الرمی یصیب تسعة من عشرة مولده سنة خمسین و مائة و قد قیل انه ولد فی الیوم الذی توفی فیه الامام أبو حنیفة و قال الذهبی لم یثبت الیوم* قال الیافعی بین الحنفیة و الشافعیة مقاولة علی سبیل المزاح* الحنفیة یقولون کان امامکم مخفیا حتی ذهب امامنا و الشافعیة یقولون لما ظهر امامنا هرب امامکم و کان مولده فی بلاد غزة و قیل بعسقلان و قیل بالیمن و الاوّل أصح و حمل الی مکة و هو ابن سنتین و نشأ بالحجاز و حفظ القرآن و هو ابن سبع سنین و حفظ موطأ مالک و هو ابن عشر سنین* و عن مسلم بن خالد الزنجی أنه قال للشافعی أفت فقد آن لک أن تفتی و هو یومئذ ابن خمس عشرة سنة و قدم بغداد و أقام بها مدّة و صنف بها کتبه القدیمة و وقع بینه و بین محمد بن الحسن مناظرات کثیرة ثم رجع الی مکة ثم عاد الی بغداد فأقام بها شهرا ثم خرج الی مصر و صنف بها کتبه الجدیدة و لم یزل بها الی أن توفی یوم الجمعة فی آخر یوم من رجب و دفن بعد العصر فی یومه بالقرافة الصغری و قبره بها یزار و علیه ضربت قبة عظیمة کذا فی تاریخ الیافعی* و فی التذنیب و جملة عمره أربع و خمسون سنة و مناقبه کثیرة فلتطلب من الکتب و فیها مات قاضی الکوفة و صاحب أبی حنیفة أبو علی الحسن بن زیاد اللؤلؤی الفقیه و فیها مات حافظ الوقت أبو داود سلیمان بن داود الطیالسی بالبصرة* و فی سنة خمس و مائتین مات محمد بن عبید الطنافسی الکوفی الحافظ و مقرئ الوقت یعقوب بن اسحاق الحضرمی البصری* و فی سنة ست و مائتین مات شیخ واسط یزید بن هارون الحافظ أحد الائمة الاعلام و لما حدّث ببغداد کان یحضر مجلسه خلائق و ربما بلغوا سبعین ألفا و عاش تسعین سنة* و فی سنة سبع و مائتین مات طاهر بن الحسین الخزاعی مقدّم جیوش المأمون و کان آخر شی‌ء قد قطع دعوة المأمون و عزم علی الخروج بخراسان فمات بغتة و فیها مات قاضی بغداد محمد بن عمر الواقدی المدنی صاحب المغازی و شیخ العربیة یحیی بن زیاد الفراء صاحب الکسائی* و فی سنة ثمان و مائتین مات عالم البصرة سعید بن عامر الضبعی و محدّث بغداد عبد اللّه بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:336
بکر السهمی و الفضل بن الربیع بن یونس صاحب الرشید و هو الذی قام بخلافة الامین ثم اختفی مدّة* و فی سنة عشر و مائتین مات أبو عمر و الشیبانی اسحاق بن بزار الکوفی اللغوی صاحب التصانیف و العلامة أبو عبیدة معمر المثنی التیمی البصری صاحب المصنفات الادبیة* و فی سنة احدی عشرة و مائتین أظهر المأمون التشیع و أمر أن یقال خیر الخلق بعد النبیّ صلی اللّه علیه و سلم علیّ رضی اللّه عنه و أمر بالنداء ان برئت الذمة ممن ذکر معاویة بخیر* و فی سنة ست عشرة و مائتین توفی الاصمعی و اسمه عبد الملک بن قریب الباهلی البصری العلامة اللغوی و له ثمان و ثمانون سنة و عاش المأمون ثمانیا و أربعین سنة و کانت وفاته فی ثانی عشر رجب سنة ثمان عشرة و مائتین و کانت خلافته احدی و عشرین سنة الا ستة أشهر* و فی سیرة مغلطای اثنتین و عشرین سنة* و فی دول الاسلام نیفا و أربعین سنة و توفی بالبدنرون من طرسوس لیلة الخمیس لاحدی عشرة لیلة بقیت من رجب سنة ثمان عشرة و مائتین کذا فی سیرة مغلطای و تخلف بعده أخوه المعتصم بن الرشید هارون*

(ذکر خلافة المعتصم محمد بن الرشید هارون بن المهدی محمد بن أبی جعفر المنصور)

* أمیر المؤمنین أبی اسحاق الهاشمی العباسی و أمه أم ولد اسمها ماردة* صفته* کان أبیض اللون أصهب اللحیة طویلها ربع القامة مشرب اللون ذا شجاعة و قوّة و همة عالیة الا انه کان عاریا عن العلم أمیا* روی الصولی عن محمد بن سعد عن ابراهیم بن محمد الهاشمی قال کان مع المعتصم غلام فی الکتاب یتعلم معه فمات الغلام فقال الرشید یا محمد مات غلامک قال نعم یا سیدی استراح قال و انّ الکتاب لیبلغ مثل هذا دعوه لا تعلموه قال فکان یکتب و یقرأ قراءة ضعیفة* و مع هذا حکی أبو الفضل الریاشی قال کتب ملک الروم الی المعتصم یهدّده فأمر بجوابه فکتبوه و لما قرئ علیه الجواب لم یرضه المعتصم و قال اکتب بسم اللّه الرحمن الرحیم أما بعد فقد قرأت کتابک و سمعت خطابک و الجواب متری لا ما تسمع و سیعلم الکفار لمن عقبی الدار بویع بالخلافة بعد أخیه المأمون بعهد منه إلیه لما احتضر فی رابع شهر من شهر رجب سنة ثمانی عشرة و مائتین و کان أبوه قد أخرجه من الخلافة و عهد الی الامین و المأمون و المؤتمن فساق اللّه إلیه الخلافة و جعل الخلفاء الی الیوم من ولده و لم یکن من نسل أولئک خلیفة کذا فی سیرة مغلطای و کان المعتصم یلقب بالثمانی فانه ثامن خلفاء بنی العباس و ملک ثمان سنین و ثمانیة أشهر و زاد بعضهم و ثمانیة أیام و افتتح ثمان حصون و قیل انه ولد فی شعبان و هو الثامن من شهور السنة و کان نقش خاتمه الحمد للّه و هی ثمانی حروف و بویع بالخلافة سنة ثمانی عشرة و مولده سنة ثمانین و مائة و قهر ثمانیة أعداء و وقف ببابه ثمان ملوک و خلف من الذهب ثمانیة آلاف ألف دینار و من الدراهم مثلها و خلف من الجمال و البغال ثمانیة آلاف و من الجواری مثلها و بنی ثمانی حصون* و فی سیرة مغلطای کان مکملا من اثنتی عشرة جهة و فی أیامه أمطرت أهل تیماء بردا کل بردة وزن رطل و قتلت خلقا کثیرا و سمع قائلا یقول ارحم عبادک ارحم عبادک و رأوا أثر قدم طوله ذراع و نصف فی عرض شبرین غیر الاصابع و بین کل خطوة و خطوة ستة أذرع فتبعوه فجعلوا یسمعونه و لا یرون شخصه* و فی سنة عشرین و مائة أمر المعتصم بانشاء مدینة سمیت سرّ من رأی و هی سامرا و فیها مات قارئ المدینة و نحویها قالون و اسمه عیسی بن منیا و الشریف محمد الجواد ولد علی بن موسی الرضا و له خمس و عشرون سنة و کان زوج بنت المأمون و کان یصله منه فی السنة خمسون ألف دینار* و فی سنة احدی و عشرین و مائتین مات محدّث مرو عبدان و اسمه عبد اللّه بن عثمان المروزی و الامام الربانی عبد اللّه بن مسلم العقبی بمکة فی المحرم و کان مجاب الدعوة ثقة من الابدال* و فی سنة أربع و عشرین و مائتین توفی الامیر ابراهیم ابن المهدی العباسی و کان لسواده و سمنه یقال له التنین و کان فصیحا شاعرا بدیع الغناء ولی نیابة دمشق
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:337
لاخیه هرون الرشید و بویع بالخلافة ببغداد ثم اضمحل دسته و اختفی سبع سنین* و فی سنة سبع و عشرین و مائتین مات زاهد الوقت بشر بن الحارث الحافی ببغداد و له خمس و سبعون سنة و کانت وفاة المعتصم بسرّمن‌رأی فی یوم الخمیس تاسع عشر ربیع الاوّل کما تقدّم ذکره و مات و عمره سبع و أربعون سنة و سبعة أشهر و تخلف بعده ابنه هارون*

(ذکر خلافة الواثق باللّه هارون بن المعتصم باللّه محمد بن الرشید هارون الهاشمی العباسی البغدادی)

* أمیر المؤمنین أبو جعفر و أمّه أمّ ولد رومیة تسمی قراطیس و مولده لعشر بقین من شعبان سنة ست و تسعین و مائة بویع بالخلافة لما مات أبوه بعهد منه* قال الخطیب کان أحمد بن داود قد استولی علی الواثق و حمله علی تشدید المحنة و دعا الناس الی القول بخلق القرآن* قال الذهبی قیل انّ الواثق رجع عن ذلک قبل موته و ترک المحنة بخلق القرآن لما أحضروا إلیه رجلا مقیدا فقال أخبرونی عن هذا الرأی الذی دعوتم الامّة إلیه أعلمه رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و لم یدع الناس إلیه أم هو شی‌ء ما علمه فقال أحمد بن أبی داود بل علمه قال فکیف وسعه صلی اللّه علیه و سلم ان یترک الناس و لم یدعهم إلیه و أنتم لا یسعکم قال فبهتوا فاستضحک الواثق و قام قابضا علی فمه و دخل بیتا و تمدّد و هو یقول وسع نبی اللّه أن یسکت و لا یسعنا فأمر بفک أقیاد الشیخ و أن یعطی ثلاثمائة دینار و أن یردّ الی بلده و هذا الذی قاله هذا الشیخ الزام و بحث لازم للمعتزلة و کان الواثق وافر الادب فصیحا قیل انّ جاریة من جواریه غنته بشعر العرجی
أ ظلوم انّ مصابکم رجلاردّ السلام تحیة ظلم فمن الحاضرین من صوّب نصب رجلا و منهم من قال صوابه الرفع فقالت هکذا لقننی المازنی فطلب المازنی فلما حضر قال ممن الرجل قال من بنی مازن قال أی الموازن أ مازن بنی تمیم أم مازن قیس أم مازن ربیعة قال مازن ربیعة قال المازنی فکلمنی حینئذ بلغة قومی فقال با اسمک لانهم یقلبون المیم باء و الباء میما فکرهت ان أواجهه بمکر فقلت بکر یا أمیر المؤمنین ففطن لها و أعجبته و قال ما تقول فی هذا البیت قلت الوجه النصب لانّ مصابکم مصدر بمعنی اصابتکم فأخذ البریدی یعارضنی فقلت هو بمنزلة ان ضربک زیدا ظلم فالرجل مفعول مصابکم و الدلیل علیه انّ الکلام معلق الی أن یقول ظلم فیتم فأعجب الواثق فأعطانی ألف دینار* و فی سنة تسع و عشرین و مائتین مات شیخ القراء خلف بن هشام البزاز ببغداد و العلامة نعیم بن حماد الخزاعی الحافظ صاحب التصانیف*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة الواثق باللّه‌

و فی سنة احدی و ثلاثین و مائتین مات فقیه وقته الامام أبو یعقوب یوسف بن یحیی البویطی صاحب الشافعی مسجونا لکونه أبی أن یقول القرآن مخلوق و هو أعلم أصحاب الشافعی و أعبدهم* و فیها مات شاعر العصر تمام الطائی حبیب بن أوس بالموصل کهلا* و فیها مات الخلیفة الواثق باللّه و کان قد أسرف فی التمتع بالنساء بحیث انه أکل لذلک لحم الاسد فولد له أمراضا تلف منها قیل لما احتضر جعل یردّد هذین البیتین
الموت فیه جمیع الخلق تشترک‌لا سوقة منهم تبقی و لا ملک
ما ضرّ أهل قلیل فی تفاقرهم‌و لیس یغنی عن الاملاک ما ملکوا ثم أمر بالبسط فطویت و ألصق خدّه بالتراب و ذل و أناب و افتقر الی الرحیم التوّاب و جعل یقول یا من لا یزول ملکه ارحم من قد زال ملکه و کانت وفاته بمدینة سرّ من رأی فی یوم الاربعاء لست بقین من ذی الحجة من سنة اثنتین و ثلاثین و مائتین عن بضع و ثلاثین سنة متحرّقا فی تنور بدعائه علی نفسه حین امتحن أحمد سنة اثنتین و ثلاثین و مائتین کذا فی سیرة مغلطای و کانت دولته خمس سنین و تسعة أشهر و ستة أیام و تخلف بعده أخوه جعفر المتوکل*

(ذکر خلافة المتوکل علی اللّه جعفر بن المعتصم محمد بن الرشید هارون الهاشمی العباسی البغدادی)

* أمیر المؤمنین أبی الفضل أمه أم ولد ترکیة تسمی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:338
شجاع و مولده فی سنة خمس و مائتین و قیل سبع* صفته* کان المتوکل أسمر اللون ملیح العینین نحیف الجسم خفیف العارضین الی القصر أقرب و کان له جمة الی شحمة أذنیه کعمه و أبیه بویع بالخلافة بعد موت أخیه الواثق فی ذی الحجة من سنة اثنتین و ثلاثین و مائتین و لما استخلف أظهر السنة و تکلم بها فی مجلسه و کتب الی الآفاق برفع المحنة و اظهار السنة و نصر أهلها و أمر بنشر الآثار النبویة* قال علی بن الجهم و کان المتوکل فیه الخصال الحسنة الا أنه کان ناصبیا یکره علیا و کان ابراهیم بن محمد التیمی قاضی البصرة یقول الخلفاء ثلاثة أبو بکر الصدّیق یوم الردّة و عمر بن عبد العزیز فی ردّ مظالم بنی أمیة و المتوکل فی محو البدع یعنی القول بخلق القرآن و یقال انّ المتوکل سلم علیه بالخلافة ثمانیة کل واحد منهم أبوه خلیفة منصور بن المهدی عم أبیه و العباس بن الهادی عم أبیه و أبو أحمد بن الرشید عمه و عبد اللّه بن الامین بن عمه و موسی بن المأمون ابن عمه أیضا و أحمد بن المعتصم أخوه و محمد بن الواثق بن أخیه و ابنه المنتصر محمد بن المتوکل و هذا شی‌ء لم یقع لخلیفة قبله* قال الزبیر کنت حاضرا بیعته فبایع لاولاده بالعهد محمد المنتصر و المعتز و المؤید و لم یدخل فی العهد أحمد المعتمد و لا أبا أحمد الموفق فصار الامر الی ولد الموفق الی الیوم کذا فی سیرة مغلطای* و فی سنة ثلاث و ثلاثین و مائتین کانت الزلزلة العظیمة بدمشق فدامت ثلاث ساعات و سقطت الجدران و هرب الخلق الی المصلی یجأرون الی اللّه و مات خلق تحت الهدم و امتدّت الزلزلة الی أنطاکیة فقیل هلک بها عشرون ألفا تحت الردم و زلزلت الموصل فیقال هلک بها خمسون ألف آدمی*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة المتوکل علی اللّه‌

و فی سنة أربع و ثلاثین و مائتین مات الحافظ العالم البحر الزخار علی بن عبد اللّه بن المدینی السعدی أبو الحسن الذی یقول فیه البخاری رحمه اللّه ما استصغرت نفسی قدّام أحد سواه و قال فیه شیخه عبد الرحمن بن مهدی علی بن المدینی أعلم الناس بالحدیث مات فی ذی القعدة و له ثلاث و سبعون سنة* و فی سنة خمس و ثلاثین و مائتین ألزم المتوکل نصاری بلاده بلبس العسلی و خصوا به* و فی سیرة مغلطای و أمر أهل الذمّة بلبس العسلی و الزنانیر و رکوب السروج بالرکب الخشب و أن لا یعتموا و غیر زیّ نسائهم بالازر العسلیة و ان دخلن الحمام کان معهنّ جلاجل و أمر بهدم بیعتهم المحدثة و أن یجعل علی أبوابهم صور شیاطین خشب و أن لا یستعان بهم فی شی‌ء من الدواوین* و فیها مات ابراهیم الموصلی الندیم الاخباری صاحب الموسیقا و فیها مات شیخ المعتزلة أبو الهذیل العلاف* و فی سنة سبع و ثلاثین و مائتین مات زاهد وقته حاتم الاصم و کان یقال له لقمان هذه الامّة* و فی سنة ثمان و ثلاثین و مائتین توفی عالم خراسان اسحاق بن راهویه الحنظلی صاحب التصانیف عن سبع و سبعین سنة* قال أحمد ابن حنبل لا أعلم له بالعراق نظیرا و ما عبر الجسر مثله* و قال محمد بن أسلم ما أعلم أحدا کان أخشی للّه من اسحاق* و قال أبو زرعة ما رئی أحد أحفظ من اسحاق و مات ببغداد بشر بن الولید الکندی القاضی الفقیه صاحب أبی یوسف و له سبع و تسعون سنة و مات بنیسابور الحسین بن منصور الحافظ و قد دعی الی قضاء نیسابور فاختفی و دعا اللّه فمات فی الیوم الثالث و فیها مات الامیر عبد الرحمن بن الحکم الاموی صاحب الاندلس و کانت دولته اثنتین و ثلاثین سنة و کان محمود الامرة* و فی سنة احدی و أربعین و مائتین مات ببغداد شیخ الامّة و عالم زمانه أبو عبد اللّه أحمد بن محمد بن حنبل الشیبانی المروزی ثم البغدادی الحافظ الامام فی یوم الجمعة غدوة ثانی عشر ربیع الاوّل و له سبع و سبعون سنة و کان مولده سنة أربع و ستین و مائة و ضریحه یزار ببغداد و کان شیخا أسمر مدید القامة یخضب بالحناء* و فی سنة ثلاث و أربعین و مائة توفی شیخ مصر حرملة بن یحیی التجیبی الحافظ الفقیه مصنف المختصر و المبسوط و هناد بن السری الکوفی الحافظ القدوة* و فی سنة خمس و أربعین و مائتین مات مقرئ العراق أبو عمرو الدوری حفص بن عمر بن عبد العزیز بن صهبان ببغداد و شاعر عصره دعبل بن علی الخزاعی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:339
الرافضی* و فی سنة سبع و أربعین و مائتین مات أبو عثمان المازنی النحوی صاحب التصریف و أمیر المؤمنین المتوکل علی اللّه جعفر بن المعتصم و کان المتوکل بایع بولایة العهد ولده المنتصر محمدا ثم انه أراد ان یعزله و یولی ولده المعتز لمحبته لامّه قبیحة فسأل المتوکل ولده المنتصر أن ینزل عن العهد لاخیه المعتز فأبی المنتصر فغضب المتوکل علیه و صار یحضره المجالس العامّة و یحط منزلته و یهدّده و یشتمه و یتوعده ثم اتفق انّ الترک انحرفوا علی المتوکل لکونه صادر وصیف الترکی و بغا فاتفق الاتراک حینئذ مع المنتصر علی قتل أبیه المتوکل و دخلوا علیه و هو فی مجلس أنسه و عنده وزیره الفتح بن خاقان بعد أن مضی من اللیل ثلاث ساعات* و فی دول الاسلام نصف اللیل و هجم باعز و معه عشرة و قصد السریر فصاح الفتح ویلکم مولاکم و تهارب الغلمان و الندماء علی وجوههم و بقی الفتح وحده و المتوکل قد غرق فی السکر و النوم و بقی الفتح یمانعهم عنه فضرب باعز المتوکل بالسیف علی عاتقه فقدّه الی خاصرته فصاح المتوکل ثم بعج الفتح آخر بالسیف فأخرجه من ظهره و هو صابر ثم طرح الفتح نفسه علی المتوکل فماتا و لفا فی بساط و کان قتل المتوکل فی لیلة الاربعاء ثالث أو رابع شوّال سنة سبع و أربعین و مائتین فی القصر الجعفری الذی بناه المتوکل و دفن به و وزیره الفتح و کانت خلافته أربع عشرة سنة و تسعة أشهر و تسعة أو ثمانیة أیام و مات و عمره احدی و أربعون سنة و تخلف بعده ابنه المنتصر و لم تطل دولته و لا متع بالملک*

(ذکر خلافة المنتصر باللّه محمد بن المتوکل جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشید هرون بن المهدی محمد بن أبی جعفر و قیل أبی عبد اللّه)

* و أمّه أمّ ولد رومیة اسمها حبشه* صفته* کان أعین أقنی أسمر ملیح الوجه ربعة کبیر البطن مهیبا منصفا فی الرعیة مالت إلیه القلوب مع شدّة هیبتهم بویع بالخلافة بعد قتل أبیه* قال الذهبی تسلم الخلافة صبیحة قتل والده المتوکل فلم تطل دولته و لم یمتع بالخلافة و هو أوّل من عدا علی أبیه من بنی العباس کما ان یزید بن الولید الاموی أوّل من عدا علی أبیه کذا قاله ابن دحیة و شیرویه بن کسری عدا علی أبیه و قد جرت عادة اللّه أن من عدا علی أبیه لا یبلغه سؤلا و لا یمتعه بدنیاه الا قلیلا فلم یقم المنتصر بعد أبیه الا ستة أشهر کذا فی سیرة مغلطای و قیل انه کان یقول یا بغا أین أبی من قتل ابی و یسب الاتراک و یقول هؤلاء قتلة الخلفاء و علی هذا لا یکون المنتصر تواطأ علی قتل أبیه انتهی* و لما سمع بغا الصغیر ذلک من المنتصر قال للذین قتلوا المتوکل ما لکم عند هذا رزق فهموا به و عجزوا عنه لانه کان مهابا شجاعا فطنا متحرّزا فتحیل عند ذلک الاتراک الی أن دسوا الی طبیبه ابن طیفور ثلاثین ألف دینار عند مرضه فأشار بفصده ففصد بمبضع أو قال بریشة مسمومة فمات فیقال ان ابن طیفور المذکور نسی و مرض فأمر غلامه ففصده بتلک الریشة فمات أیضا* و قال بعضهم بل حصل للمنتصر مرض فی أنثییه أو معدته فمات بعد ثلاث لیال و قیل مات بالخوانیق أی الذبحة و قیل سم فی کمثراة بابرة لانه کان یسیئ علی العیال و یبخل فسمه بعضم و کان المنتصر یتهم بقتل أبیه* یحکی انه نام یوما ثم انتبه و هو یبکی فجاءته أمه فقالت یا بنی لا أبکی اللّه لک عینا فقال اذهبی عنی ذهبت عنی الدنیا و الآخرة رأیت الساعة أبی فی النوم و هو یقول و یحک یا محمد قتلتنی لاجل الخلافة و اللّه لا متعت بها الا أیاما یسیرة ثم مصیرک الی النار فلم یعش بعد ذلک الا أیاما قلیلة* و ذکر علی بن یحیی المنجم انّ المنتصر جلس مجلس اللهو فرأی فی بعض البسط دائرة فیها رأس علیه تاج و حوله کتابة فارسیة فطلب المنتصر من یقرأ ذلک فأحضر رجل فنظر فیها ثم قطب فقال له المنتصر ما هذه قال لا معنی لها فالح علیه فقال فیها انا شیرویه بن کسری ابن هرمز قتلت أبی فلم أمتع بالملک الا ستة أشهر فتغیر لذلک وجه المنتصر و قام من مجلسه و حاصل الامر ان المنتصر لم یمتع بالخلافة و مات بعد ستة أشهر أو دونها فانه تخلف فی شوّال و مات فی شهر ربیع الآخر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:340
و کان مدّة عمره ستا و عشرین سنة و تخلف بعده عمه المستعین باللّه*

(ذکر خلافة المستعین باللّه أحمد ابن المعتصم باللّه محمد بن الرشید هارون بن المهدی محمد بن أبی جعفر المنصور الهاشمی العباسی)

* أمیر المؤمنین و هو السادس فخلع و قتل کما سیأتی و أمّه أمّ ولد رومیة تسمی مخارق و مولده فی سنة احدی و عشرین و مائتین* صفته* کان مربوع القامة أحمر الوجه خفیف العارضین بمقدّم رأسه طول و کان حسن الوجه و الجسم بوجهه أثر جدری و کان یلثغ فی السین تاء و کان کریما مسرفا مبذرا للخزائن یفرق الجواهر و الثیاب و النفائس لکائن من کان سامحه اللّه بویع بالخلافة فی شهر ربیع الآخر سنة ثمان و أربعین و مائتین بعد موت المنتصر و تمّ أمره فی الخلافة و بقی فیها ثلاث سنین و ثمانیة أشهر و عشرین یوما کذا فی سیرة مغلطای* و فی سنة تسع و أربعین و مائتین مات محدث بغداد المحدث بن الصباح البزار أحد الاعلام و فی سنة تسع و أربعین و مائتین مات البزی مقرئ مکة و هو أبو الحسن أحمد بن محمد و له ثمانون سنة و حافظ البصرة نصر بن علی الجهضمی و کان قد طلب للقضاء فقال حتی استخیر اللّه تعالی فرجع ثم صلی رکعتین و قال اللهمّ ان کان لی عندک خیر فتوفنی ثم نام فنبهوه فاذا هو میت و استمرّ الخلیفة المستعین باللّه فی الخلافة الی أوّل سنة احدی و خمسین و مائتین* و فی سیرة مغلطای خرج فی أیامه إسماعیل بن یوسف فأحرق الکعبة و نهبها* قال الذهبی فی سنة اثنتین و خمسین و مائتین کانت فتنة المستعین الخلیفة بایعوه و کان الامراء الاتراک قد استولوا علی الامور و بقی المستعین مقهورا معهم فانتقل من دار الخلافة بسامراء الی بغداد مغاضبا فبعثوا یعتذرون إلیه و یسألونه الرجوع فامتنع فعمدوا الی الحبس فأخرجوا المعتز باللّه و حلفوا له و بایعوه بالخلافة و أخرجوا أیضا من الحبس المؤید بن المتوکل ولی العهد ثم جهز المعتز أخاه المذکور أبا أحمد فی عسکر لقتال المستعین و محاصرته فتهیأ المستعین و نائبه ببغداد و هو ابن طاهر للقتال و بنوا السور و وقع الحصار و نصبت المجانیق و دام القتال شهرا و کثرت القتلی و أکل أهل بغداد المیتة و تمت عدّة وقعات بین الفریقین و قتل نحو ألفین من البغاددة ثم قوی أمر المعتز و تخلی ابن طاهر نائب بغداد عن المستعین لشدّة البلاء و کاتب المعتز وسعوا فی الصلح فخلع المستعین نفسه من الخلافة علی شروط مقهورا فی أوّل سنة اثنتین و خمسین و مائتین ثم نقلوه الی واسط و اعتقل بها تسعة أشهر ثم أحضروه الی قادسیة سامرا و هو سر من رأی و نکثوا الایمان و قتلوه بها صبرا فی ثالث شوّال یوم الاربعاء من سنة اثنتین و خمسین و مائتین لیومین بقیا من شهر رمضان بعد خلعه بنحو من تسعة أشهر و له احدی و ثلاثون سنة و کان الذی قتله سعید بن صالح الحاجب بعثه إلیه المعتز فلما رآه المستعین تیقن التلف و قال ذهبت و اللّه نفسی و لما قرب منه سعید المذکور أخذ یتبعه بسوطه ثم اتکاه و قعد علی صدره و قطع رأسه و هذا أوّل خلیفة قتل صبرا مواجهة من بنی العباس*

(خلافة المعتز باللّه محمد بن المتوکل علی اللّه جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشید هرون بن المهدی محمد بن ابی جعفر المنصور)

* أمیر المؤمنین أبی عبد اللّه و قیل اسمه الزبیر الهاشمی العباسی البغدادی أمه أم ولد تسمی قبیحة لجمال صورتها قیل هذا من أسماء الاضداد و کان مولده سنة اثنتین و ثلاثین و مائتین بویع بالخلافة عند خلع المستعین باللّه عمه نفسه فی أول سنة اثنتین و خمسین و مائتین و هو ابن تسع عشرة سنة و لم یل الخلافة قبله أحد أصغر منه و کان شابا جمیلا ملیح الوجه حسن الجسم بدیع الحسن و لما تم أمر المعتز فی الخلافة و استهل شهر رجب خلع المعتز أخاه المؤید ابراهیم من ولایة العهد و کتب بذلک الی الآفاق و فیها مات محمد بن بشار بندار البصری الحافظ و أبو موسی محمد بن المثنی العنزی الحافظ* و فی سنة ثلاث و خمسین و مائتین مات زاهد الوقت سریّ بن المغلس السقطی العارف صاحب معروف الکرخی و نائب بغداد محمد بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:341
عبد اللّه بن طاهر الخزاعی و کبیر الامراء و صیف الترکی و کان قد استولی علی الخلیفة و تمکن ثم قتلوه و أخذوا له أموالا عظیمة و بعده قتل فی سنة أربع بغا الصغیر و کان قد تمرّد و طغی و بغی و راح وصیف فتفرّد هو بالامور و کان المعتز یقول لا أستلذ بحیاة ما بقی بغا و فیها مات بسامراء علی الملقب بین الشیعة بالهادی و هو أحد الاثنی عشر المعصومین عند الرافضة و هو ابن الجواد محمد بن الرضا علی بن الکاظم موسی بن جعفر الصادق و عاش أربعین سنة* و فی سنة خمس و خمسین و مائتین مات عالم سمرقند أبو محمد عبد اللّه بن عبد الرحمن الدارمی الحافظ صاحب السند و شیخ الطائفة الکرامیة المجسمة محمد بن کرام السجستانی الزاهد مات ببیت المقدس و کان المعتز فی ضیق و حجر فی خلافته مع الاتراک و اتفق جماعة منهم أتوه و قالوا یا أمیر المؤمنین أعطنا أرزاقنا لنقتل صالح بن وصیف الترکی و نستریح منه و کان المعتز یخاف من صالح المذکور فطلب من أمه مالا لینفقه فیهم فأبت علیه و شحت و کانت فی سعة من المال و لم یکن بقی فی بیوت الاموال شی‌ء فاجتمع الاتراک حینئذ و اتفقوا علی خلعه من الخلافة و وافقهم صالح بن وصیف و محمد بن بغا فلبسوا السلاح و جاءوا الی دار الخلافة فبعثوا الی المعتز أن اخرج إلینا فبعث یقول قد شربت دواء و أنا ضعیف فهجم علیه جماعة فجرّوه برجلیه و ضربوه بالدبابیس و أقاموه فی الشمس فی یوم صائف فبقی یرفع قدما و یضع اخری و یلطمون وجهه و یقولون اخلع نفسک ثم أحضروا القاضی ابن أبی الشوارب و الشهود و خلعوه ثم أحضروا من بغداد الی سامرا و هی یومئذ دار الخلافة محمد بن الواثق و کان المعتز قد أبعده الی بغداد فسلم إلیه المعتز الخلافة و بایعه و لقبوه المهتدی باللّه ثم أخذوا المعتز بعد خمس لیال من خلعه و أدخلوه الحمام فلما تغسل عطش و طلب ماء فمنعوه حتی شارف الهلاک ثم أخرجوه فسقوه ماء ثلج فشربه و سقط میتا و ابنه عبد اللّه مات فی صهریج ماء من شدّة البرد کذا فی سیرة مغلطای و کان موته فی شعبان سنة خمس و خمسین و مائتین و فی سیرة مغلطای مات فی سر من رأی لثلاث خلون من شعبان و قیل من رجب سنة خمس و خمسین و مائتین و له أربع و عشرون سنة و قیل ثلاث و عشرون سنة و کانت خلافته أربع سنین و ستة أشهر و أربعة عشر یوما* و فی سیرة مغلطای و کانت خلافته ثلاث سنین و ستة أشهر و احدی و عشرین یوما و بعد قتله أمسک صالح بن وصیف و کان رئیس الامراء أمه قبیحة و صادروها فوجدوا عندها ألف ألف دینار عینا و نصف أردب لؤلؤ و ویبة یاقوت أحمر و أشیاء کثیر غیر ذلک* قال الذهبی أخذ صالح منها ثلاثة آلاف دینار فحمل جمیع ذلک لصالح بن وصیف فقال ابن وصیف قاتل اللّه قبیحة عرضت ابنها للقتل و عندها هذه الاموال العظیمة ثم أخرجت قبیحة المذکورة علی أقبح وجه الی مکة فأقامت بها الی أن ماتت*

(ذکر خلافة المهتدی باللّه محمد بن الواثق هارون بن المعتصم محمد بن الرشید هارون بن المهدی محمد بن أبی جعفر المنصور الهاشمی العباسی)

* أمیر المؤمنین الصالح الدین أبی اسحاق و قیل أبی عبد اللّه و أمه أم ولد رومیة تسمی قرب ولد فی خلافة جدّه سنة بضع عشرة و مائتین* صفته* کان أسمر رقیقا ملیح الوجه دینا صالحا و رعا عابدا عاقلا قویا فی أمر اللّه شجاعا خلیقا للامارة لکنه لم یجد ناصرا و لا معینا علی الحق و الخیر و لو وجد ناصر الکان أحیا سنة عمر بن عبد العزیز و قیل کان یسرد الصوم و یقنع بعض اللیالی بخبز و خل و زیت* قال الخطیب لم یزل صائما منذ ولی الی أن قتل* و قال أبو العباس هاشم بن القاسم کنت بحضرة المهتدی عشیة رمضان فوثبت لانصرف قال اجلس ثم أحضر بعد الصلاة طبقا فیه أرغفة من الخبز و بعض ملح و خل و زیت و قال کل فقلت یا أمیر المؤمنین قد أسبغ اللّه نعمه علیک قال صدقت و لکنی فکرت فی أنه کان فی بنی أمیة عمر بن عبد العزیز ففاق علی بنی هاشم فأخذت نفسی علی ما رأیت بویع بالخلافة بعد ابن عمه المعتز
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:342
باللّه فی التاسع و العشرین من رجب سنة خمس و خمسین و مائتین و له بضع و ثلاثون سنة* قال الذهبی لما خلعوا المعتز أحضروا محمد بن الواثق باللّه فبایعوه و لقب بالمهدی باللّه و کان صالح بن وصیف رئیس الامراء و لما طلب المهتدی لم یقبل بیعة أحد حتی أتوا بالمعتز فلما رأی المهتدی قام له و سلم علیه بالخلافة و جلس بین یدیه و جی‌ء بالشهود فشهدوا علی المعتز أنه عاجز عن الخلافة فاعترف بذلک و مدّ یده و بایع المهتدی فارتفع حینئذ المهدی الی صدر المجلس و قال لا یجتمع سیفان فی غمد و هذا من کلام أبی ذؤیب
تریدین کیما تجمعینی و خالداو هل یجمع السیفان و یحک فی غمد و کان المهتدی قد اطرح الملاهی و سدّ باب اللهو و الغناء و حسم الامراء عن الظلم و کان شدید الاشراف علی أمر الدواوین یجلس بنفسه و یجلس الکتاب بین یدیه فیعملون الحساب* قال الذهبی لما دخلت سنة ست و خمسین و مائتین عبی موسی بن بغا عسکره بأکمل زینة و زحف علی سامرا مجمعا علی الفتک بصالح و صاحت العامّة یا فرعون جاءک موسی ثم هجم موسی بمن معه علی المهتدی باللّه و أرکبوه فرسا و انتهبوا القصر و أدخلوا المهتدی دارا و هو یقول و یحک یا موسی ما بک فیقول و تربة أبیک لا ینالک سوء فحلفوه أن لا یمالئ صالحا و طلبوا صالحا لیناظروه علی سوء فعاله فاختفی فردّوا المهتدی الی قصره ثم ظفروا بصالح و قتلوه*

وفاة حافظ العصر البخاری‌

و فی لیلة عید الفطر من هذه السنة مات شیخ الاسلام و حافظ العصر محمد بن اسماعیل البخاری و له اثنتان و ستون سنة و کان مولده یوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من شوّال سنة أربع و تسعین و مائة و قبره فی قریة مشهورة عندهم بخرتنک قرب علی‌آباد من توابع سمرقند* و فی الکشف شرح المنار فی ان المحدث غیر الفقیه یغلط کثیرا فقد روی عن محمد ابن اسماعیل صاحب الصحیح أنه استفتی فی صبیین شربا من لبن شاة فأفتی بثبوت الحرمة بینهما فأخرج به من بخارا اذ الاختیة تتبع الامیة و البهیمة لا تصلح أما للآدمی و فیها مات قاضی مکة الزبیر ابن بکار الاسدی أحد الاعلام و فیها قتل المهتدی باللّه یقال ان الامراء و الاتراک خرجوا علیه و اتفقوا علی خلعه فلبس سلاحه فی اناس قلائل من حاشیته و شهر سیفه علیهم و خرج و حاربهم أشدّ المحاربة ثم أحاطوا به و أسروه و خلعوه و قتلوه شهیدا فی شهر رجب سنة ست و خمسین و مائتین فکانت خلافته سنة الا خمسة عشر یوما* و فی سیرة مغلطای کانت خلافته أحد عشر شهرا و تسعة عشر یوما و قتل بالسکین بسر من رأی لاربع عشرة لیلة بقیت من رجب سنة ست و خمسین و مائتین انتهی و عاش ثمانیا و ثلاثین سنة*

(ذکر خلافة المعتمد علی اللّه أحمد بن المتوکل علی اللّه جعفر بن المعتصم محمد بن الرشید هارون بن المهدی بن المنصور)

* أمیر المؤمنین أبی العباس الهاشمی العباسی و أمه أم ولد رومیة اسمها فتیان ولد سنة تسع و عشرین و مائتین بسر من رأی* صفته* کان أسمر ربعة رقیقا مدوّر الوجه ملیح العینین صغیر اللحیة أسرع إلیه الشیب بویع بالخلافة بعد قتل ابن عمه المهتدی* قال الذهبی خلعوا المهتدی باللّه قبل قتله و بایعوا المعتمد هذا و تم أمره فی الخلافة و طالت أیامه و کان منهمکا فی اللذات فجعل أخاه الموفق طلحة ولی عهده علی الامور و انهمک هو فی اللذات فاستولی أخوه المذکور جمیع تعلقات الخلافة و قوی أمره و صار إلیه العقد و الحل و انقهر معه المعتمد و صار کالمحجور علیه معه و کان الموفق یتولی محاربة الافرنج هو و ولده أحمد المعتضد و المعتمد هذا غارق فی السکر و کان یعربد فی سکره علی الندماء و کان أخوه الموفق محسا للرعیة و الجند و عنده سباسة و معرفة بالامور و التدبیر و کان الموفق یلقب بالناصر لدین اللّه و لو أرادوا الوثوب علی الامر لحصل له ذلک لانه هو صاحب الجیش و العساکر و ما لاخیه المعتمد هذا سوی اسم الخلافة لا غیر و لم یزل الموفق علی ما هو علیه من الامر و النهی الی ان مرض و مات فی سنة ثمان و سبعین و مائتین فی حیاة أخیه المعتمد و کان الموفق قد حبس ولده فی حیاته فلما احتضر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:343
الموفق أخرج ولده المعتمد أحمد من الحبس و جعله عرضة فی ولایة العهد و کان المعتضد علی عمه المعتمد أشدّ من أبیه الموفق* و فی سنة ثمان و خمسین و مائتین مات واعظ عصره یحیی بن معاذ الرازی الزاهد* و فی سنة ستین و مائتین مات الحسن بن علی الجواد بن الرضا العلوی أحد الائمة الاثنی عشر الذین تعتقد الرافضة عصمتهم و هو والد منتظرهم محمد بن الحسن* و فی سنة احدی و ستین و مائتین مات حافظ خراسان أحمد بن سلیمان الرهاوی و مقرئ وقته أبو شعیب صالح بن زیاد السوسی و العارف الکبیر أبو یزید البسطامی و حافظ خراسان مسلم بن الحجاج القشیری صاحب الصحیح مات بنیسابور و هو ابن خمس و خمسین سنة* و فی سنة أربع و ستین و مائتین مات کبیر الامراء موسی بن بغا و کان بطلا شجاعا وافر الحشمة و حافظ زمانه أبو زرعة عبید اللّه بن عبد الکریم الرازی أحد الاعلام فی آخر السنة* قال أبو حاتم لم یخلف بعده مثله* و فی سنة خمس و ستین و مائتین مات صالح ابن أحمد بن حنبل الشیبانی قاضی أصبهان* و فی سنة ثلاث و سبعین و مائتین مات الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن یزید بن ماجة القزوینی صاحب السنن و التفسیر و الحافظ حنبل بن اسحاق بن عم الامام أحمد و مات فی صفر صاحب الاندلس محمد بن عبد الرحمن بن الحکم الاموی و کانت أیامه خمسا و ثلاثین سنة و کان فقیها فصیحا بلیغا کثیر الجهاد* قال ابن الجوزی هو صاحب وقعة وادی سلیط التی لم یسمع بمثلها یقال قتل فیها من الکفرة ثلاثمائة ألف* و فی سنة ست و سبعین و مائتین مات العلامة أبو محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتیبة الدینوری صاحب التصانیف فی رجب ببغداد فجاءة و له ثلاث و ستون سنة و حافظ البصرة أبو قلابة عبد الملک بن محمد الرقاشی فی شوّال ببغداد حدّث من حفظه بستین ألفا و کان ورده فی الیوم و اللیلة أربعمائة رکعة و محدّث الاندلس قاسم بن محمد بن القاسم الاموی القرطبی الفقیه قال تقی بن مخلد هو أعلم من محمد بن عبد اللّه بن عبد الحکم* و قال ابن لبابة ما رأیت أفقه منه* و فی سنة سبع و سبعین و مائتین مات حافظ زمانه أبو حاتم محمد بن ادریس الحنظلی الرازی فی شعبان و هو فی عشر التسعین و کان جاریا فی مضمار أبی زرعة و البخاری و فیها مات الحافظ أبو داود صاحب السنن مات بالبصرة* و فی سنة ثمان و سبعین و مائتین کان مبدأ ظهور القرامطة بسواد الکوفة و هم زنادقة مارقون من الدین* و فیها مات الموفق أبو أحمد طلحة بن المتوکل بن المعتصم ولی عهد أخیه الخلیفة المعتمد علی اللّه فی صفر و له تسع و أربعون سنة و کان ملکا جبارا مطاعا بطلا شجاعا کبیر الشأن حارب الفرنج حتی أبادهم و حارب یعقوب الصفار فهزمه و کان إلیه جمیع أمر الجیش و کان محببا الی الناس اعتراه نقرس فبرّح به و أصاب رجله داء الفیل و کان یقول فی دیوانی مائة ألف مرتزق ما أصبح فیهم أسوأ حالا منی و اشتدّ ألمه حتی مات* و فی سنة تسع و سبعین و مائتین تمکن المعتضد و خضعت لهیبته الامراء حتی ألزم عمه أمیر المؤمنین ان یقدّمه فی العهد علی ابنه المفوّض ففعل ذلک مکرها و فیها منع المعتضد الناس من بیع کتب الفلسفة و تهدد علی ذلک و منع المنجمین و القصاص من الجلوس و فیها مات الامام أبو عیسی محمد بن عیسی بن سورة الاسلمی الترمذی مصنف الجامع فی رجب بترمذ و الحافظ أبو بکر أحمد بن أبی خیثمة أحد الاعلام صاحب التاریخ الکبیر و توفی أمیر المؤمنین المعتمد علی اللّه و لم تطل أیامه بعد أخیه الموفق مات المعتمد فجاءة و هو سکران و قیل سم فی لحم و قیل رمی فی رصاص مذاب و قیل وقع فی حفرة ببغداد فی تاسع شهر رجب سنة تسع و سبعین و مائتین فکانت خلافته ثلاثا و عشرین سنة* و فی سیرة مغلطای سنة اثنتین و عشرین واحد عشر شهرا و خمسة عشر یوما لیس له فیها الا مجرّد الاسم فقط و الامر کله لاخیه الموفق طلحة ثم بعده لابنه المعتضد أحمد الخلیفة الآتی ذکره*

(ذکر خلافة المعتضد باللّه أبی العباس أحمد بن ولی العهد الموفق باللّه طلحة بن المتوکل علی اللّه جعفر بن المعتصم باللّه محمد بن الرشید هرون الهاشمی العباسی)

تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:344
* أمیر المؤمنین مولده فی سنة اثنتین و أربعین و مائتین فی ذی القعدة فی أیام جدّه* صفته* کان أسمر نحیفا معتدل الخلق و کان یقدر علی الاسد وحده و تغیر مزاجه لافراط الجماع و کان المعتضد هذا آخر من ولی الخلافة ببغداد من بنی العباس و کان شجاعا مقداما مهابا ذا سطوة و حزم و رأی و جبروت و من جاء بعده فهم کلا شی‌ء بالنسبة الی المعتضد و کان الموفق قد خاف من ولده المعتضد فلما اشتدّ مرض الموفق عمد غلمان المعتضد إلیه و أخرجوه من الحبس بلا اذن الموفق و لا الخلیفة فلما رآه والده الموفق أیقن بالموت ثم قال له یا ولدی لهذا الیوم خبأتک و فوّض إلیه الامور و أوصاه بعمه المعتمد و کان ذلک قبل موت الموفق بثلاثة أیام و لما تخلف المعتضد أحبه الناس لحسن تدبیره و شدّة بأسه بویع بالخلافة بعد موت عمه المعتمد بامرة المؤمنین* و فی سنة ثمان و ثمانین و مائتین مات الفقیه أبو العباس أحمد بن محمد البرنی القاضی الحافظ صاحب المسند و کان من عباد الحنفیة و قاضی مصر أبو جعفر أحمد بن ابی عمران الحنفی صاحب ابن سماعة و قد قارب الثمانین و حافظ سجستان الامام عثمان بن سعید الدارمی صاحب التصانیف عن ثمانین سنة* و فی سنة احدی و ثمانین و مائتین توفی الحافظ أبو بکر عبد اللّه بن محمد بن أبی الدنیا صاحب التصانیف عن نیف و ثمانین سنة و حافظ دمشق أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو البصری و له تصانیف* و فی سنة اثنتین و ثمانین و مائتین اصطلح خمارویه بن أحمد بن طولون صاحب مصر و المعتضد بعد خطوب و حروب بینهما فتزوّج المعتضد بابنة خمارویه قطر الندا علی صداق أربعین ألف دینار فبعثها أبوها و جهزها بألف ألف دینار و أعطت الدلال مائة ألف درهم و مات فی ذی القعدة متولی مصر و الشام أبو الجیش خمارویه أحمد بن طولون حمو الخلیفة فتک به غلمانه لانه راودهم و کان شهما صارما مهیبا و عاش اثنتین و ثلاثین سنة و دولته اثنتی عشرة سنة* و فی سنة ثلاث و ثمانین و مائتین توفی السید العارف سهل بن عبد اللّه التستری الزاهد عن نحو ثمانین سنة* و فی سنة أربع و ثمانین و مائتین قال ابن جریر فیها عزم المعتضد علی سب معاویة علی المنابر فخوّفه الوزیر عبد اللّه من اضطراب العامّة فلم یلتفت إلیه و تهدد العامّة و ألزمهم بترک الاجتماع و شدّد علیهم و أنشأ کتابا لیقرأ علی المنبر فیه مثالبه و معایبه و قال ان تحرّکت العامّة وضعت فیهم السیف قیل فما تصنع بالعلویة الذین هم قد خرجوا علیک فی کل ناحیة اذا سمع الغوغاء هذا من مناقب أهل البیت مالوا إلیهم فأمسک المعتضد عن ذلک* و فیها مات البحتری شاعر وقته أبو عبادة الولید بن عبید الطائی و له بضع و سبعون سنة و فی سنة خمس و ثمانین و مائتین مات ببغداد أبو العباس المبرّد امام النحو* و فی سنة ست و ثمانین و مائتین ظهر بالبحرین القرامطة و علیهم أبو سعید الجبائی و قویت شوکته و أفسد و قصد البصرة فحصنها المعتضد و کان أبو سعید کیالا بالبصرة و جبان من قری الاهواز* و قال لصولی کان یرفو أعدال الدقیق فخرج الی البحرین و انضم إلیه بقایا الزنج و الحرامیة حتی تفاقم أمره و هزم جیوش المعتضد مرّات ثم انه ذبح فی الحماء و قام بعده ابنه أبو طاهر* و فیها مات شیخ الصوفیة أبو سعید الخراز أحد الاولیاء* و فی سنة تسع و ثمانین و مائة ماتت قطر الندا بنت صاحب مصر زوجة المعتضد و استمرّ المعتضد فی الخلافة الی ان مات یوم الاثنین لثمان بقین من شهر ربیع الآخر سنة تسع و ثمانین و مائتین و فی سیرة مغلطای توفی ببغداد لیلة الثلاثاء لست بقین من ربیع الآخر و قیل لثمان بقین منه سنة ثمان و ثمانین و مائتین و قیل تسع و دفن فی الحجرة الرخام و کان المعتضد یسمی السفاح الثانی لانه جدّد ملک بنی العباس* و من عجیب ما ذکر عنه المسعودی ان صح قال شکوا فی موت المعتضد فتقدّم الطبیب فجس نبضه ففتح عینیه و رفس الطبیب برجله فدحاه أذرعا و مات الطبیب ثم مات المعتضد من ساعته
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:345
و کانت خلافته تسع سنین و تسعة أشهر و نصف* و فی سیرة مغلطای و کانت مدّة خلافته عشر سنین و تسعة أشهر و ثلاثة أیام و قیل تسع سنین و سبعة أشهر و اثنین و عشرین یوما و عاش أربعین سنة*

(ذکر خلافة المکتفی باللّه علی بن المعتضد أحمد بن ولی العهد الموفق طلحة بن جعفر)

* المتوکل بن المعتصم محمد بن الرشید هرون الهاشمی العباسی أمیر المؤمنین أبو محمد أمّه أمّ ولد تسمی خاضع ولد سنة أربع و ستین و مائتین* صفته* کان یضرب المثل بحسنه فی زمانه کان معتدل القامة دریّ اللون أسود الشعر حسن اللحیة جمیل الصورة بویع بالخلافة بعد أبیه المعتضد فی جمادی الاولی سنة تسع و ثمانین و مائتین و أخذ له أبوه البیعة فی مرض موته و أباد القرامطة و فتح انطاکیة* و فی أیام المکتفی سنة تسعین و مائتین کان بمصر غلاء عظیم حتی أکل الناس المیتة و لم یبق من العالم الا القلیل و فیها حاصرت القرامطة دمشق فقتل طاغیتهم صاحب الشام ابن رکرویه و کان رکرویه یکذب و یزعم أنه علوی فقام بالامر بعده أخوه الحسین فجهز المکتفی عشرة آلاف مع أبی الاعز لقتالهم فلما قاربوا حلب بیتهم القرامطة فهرب أبو الاعز فی ألف فارس فدخل حلب و قتل أکثر جیشه و وصل المکتفی باللّه الی الرقة و بعث الجیوش یمدّ أبا الاعز و قدمت عساکر مصر مع بدر الحمامی فهزموا القرامطة و قتل منهم خلق کثیر* و فیها مات محدّث بغداد عبد اللّه بن أحمد بن حنبل الشیبانی الحافظ و له سبع و سبعون سنة* و فی سنة احدی و تسعین و مائتین مات مقرئ أهل مکة قنبل و اسمه محمد بن عبد الرحمن المخزومی و فیها مات محدث الری علی بن الحسین بن الجنید الرازی الحافظ* و فی سنة اثنتین و تسعین و مائتین مات حافظ وقته أبو بکر أحمد بن عمرو البصری البزار صاحب المسند الکبیر برملة و قاضی القضاة أبو حازم عبد الحمید بن عبد العزیز الحنفی ببغداد و کان من قضاة العدل فکان عند الموت یبکی و یقول یا رب من القضاء الی القبر* و أما القرامطة فعظم بهم البلاء فالتزم أهل دمشق لهم بأمور عظیمة فترحلوا ثم افتتحوا حمص و ساروا الی حماة و المعرّة یقتلونهم و یسبون و قتلوا أکثر أهل بعلبک ثم استباحوا سلمیة فالتقاهم جیش الخلیفة بقرب حمص فکسروهم و أسروا خلائق و ذلت القرامطة لعنهم اللّه ثم انهزم رئیسهم مع ابن عمه و آخر فوقعوا بهم فحملوهم الی المکتفی فقتلوهم و أحرقوا و لم تطل أیام المکتفی و مات ببغداد شابا لیلة الاحد لثلاث عشرة لیلة خلت من ذی القعدة سنة خمس و تسعین و مائتین و کانت خلافته ستة أعوام و ستة أشهر و أربعة و عشرین یوما و استخلف بعده أخوه المقتدر بتفویض المکتفی إلیه فی مرضه بعد أن سأل عنه المکتفی و صح عنده انه احتلم و اللّه أعلم*

(ذکر خلافة المقتدر باللّه أبو الفضل جعفر بن ولی العهد الموفق طلحة بن المتوکل جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشید الهاشمی العباسی)

* أمیر المؤمنین و هو السادس فخلع مرّتین کما سیأتی أمّه أمّ ولد اسمها شعب بویع بالخلافة بعد موت أخیه المکتفی و هو غیر بالغ و عمره أربع عشرة سنة قال الذهبی و عمره ثلاث عشرة سنة و أربعون یوما و لم یل أمر الامّة صبیّ قبله و ضعف دست الخلافة فی أیامه و لما استخلف المقتدر فی هذه المرّة الاولی لم یتم أمره لصغر سنه و تغلب علیه الجند و اتفق جماعة من الاعیان علی خلعه من الخلافة و تولیة عبد اللّه بن المعتز و کلموا ابن المعتز فی ذلک فأجابهم بشرط أن لا یکون فیها دم فانه کان عالما فاضلا دینا أدیبا شاعرا فأجابوه لذلک و کان رأسهم محمد بن داود بن الجرّاح و أبو المثنی أحمد بن یعقوب القاضی و الحسین بن حمدان و اتفقوا علی قتل المقتدر و وزیره العباس وفاتک فلما کان العشرون من شهر ربیع الاوّل سنة ست و تسعین و مائتین رکب الحسین بن حمدان و القوّاد فشدّ ابن حمدان علی الوزیر فقتله فأنکر علیه فاتک فقتله ثم شدّ علی المقتدر و کان یلعب بالصوالجة فسمع الضجة فدخل و أغلقت الابواب فعاد ابن حمدان و نزل و أحضر عبد اللّه بن المعتز و حضر القواد و القضاة و الاعیان و بایعه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:346
حسبما یأتی ذکره و خلع المقتدر من الخلافة و هو مقیم بالحریم داخل دار الخلافة و کانت خلافة المقتدر فی هذه المرّة الاولی دون السنة* و فی سیرة مغلطای ولی أربعة أشهر ثم عزل ثم أعید کما سیأتی*

(ذکر خلافة عبد اللّه بن المعتز الشاعر بن المتوکل جعفر بن المعتصم محمد)

* الهاشمی العباسی أمیر المؤمنین أبو العباس الادیب مولده فی شعبان سنة تسع و أربعین و مائتین بویع بالخلافة بعد خلع المقتدر و لقب بالغالب باللّه و فی سیرة مغلطای لقب بالمنتصف باللّه و قیل بالراضی و استوزر محمد بن داود بن الجرّاح و یمن الخادم حاجبه فغضب سوسن الخادم و عاد الی دار المقتدر و طاعته و تم أمر عبد اللّه بن المعتز فی ذلک الیوم و أنفذت الکتب بخلافته الی الاقطار فی العشرین من شهر ربیع الاوّل سنة ست و تسعین و مائتین و لما تخلف ابن المعتز بعث الی المقتدر یأمره بالانصراف الی دار محمد بن طاهر لکی ینتقل ابن المعتز الی دار الخلافة فأجاب المقتدر و قد بقی عنده أناس قلائل و باتوا تلک اللیلة و أصبح الحسین بن حمدان باکرا الی دار الخلافة و قاتل أعوان المقتدر فقاتلوه و دفعوه عنها ثم خرجوا بالسلاح و قصدوا مکان ابن المعتز فلما رآهم من حول ابن المعتز أوقع اللّه فی قلوبهم الرعب فانهزموا بغیر حرب فرکب ابن المعتز فرسا و معه وزیره ابن داود و حاجبه یمن و قد شهر سیفه فلم یتبعه أحد فلما رأی أمره فی ادبار نزل عن دابته و دخل دار ابن الجصاص و اختفی الوزیر و غیره و نهبت دورهم و خرج المقتدر و استفحل أمره و أمسک جماعة ابن المعتز و من قام بنصرته و حبسهم ثم قتل غالبهم و قتل ابن الجرّاح الذی وزر لابن المعتز ذلک الیوم و کان ادیبا فاضلا علامة له تصانیف و استقام أمر المقتدر و أعید للخلافة ثم قبض علی ابن المعتز و ابن الجصاص و حبس ابن المعتز أیاما ثم أخرج میتا فی شهر ربیع الآخر سنة ست و تسعین و مائتین و کان الذی تولی هلاکه مؤنس الخادم و کانت خلافته یوما واحدا و قیل نصف یوم* و فی سیرة مغلطای مکث فی الخلافة یوما و لیلة فقتل و بعضهم لم یذکره مع الخلفاء و سماه الامیر لا امیر المؤمنین و مذهب بعضهم انه أمیر المؤمنین و لو لم یل الخلافة فانه کان خلیقا للخلافة و أهلا لها*

(ذکر خلافة المقتدر باللّه أبو الفضل جعفر فی المرّة الثانیة)

* أعید الی الخلافة فی صبیحة یوم خلعه و لم ینتقل المقتدر من دار الخلافة و لم یغیر لقبه و استمرّ فی الخلافة و ظفر بأعدائه واحدا بعد واحد و استوزر أبا الحسین بن محمد بن الفرات فسار ابن الفرات فی الناس أحسن سیرة و کشف المظالم و فوّض إلیه المقتدر جمیع الامور لصغر سنه و اشتغل باللعب مع الندماء و المغنین و عاشر النساء و غلب أمر الخدم و الحرم علی دولته و أتلف الخزائن* و فی الکامل فی سنة ثلاثمائة کثرت الامراض و العلل ببغداد و فیها کلبت الکلاب و الذئاب بالبادیة فأهلکت خلقا کثیرا و فیها انقضت الکواکب انقضاضا کثیرا الی جهة المشرق و فی هذا الوقت مات الملعون أحمد بن یحیی الراوندی الزندیق و قد صنف فی الازراء علی النبوّات و الردّ علی القرآن* و فی سیرة مغلطای لما صفا الامر للمقتدر قتل الحلاج الزندیق المدّعی للربوبیة و قوی أمر القرامطة فقلع الحجر الاسود و تحرّکت الدیلم و قوی أمر بنی القداح بالمغرب و انتسبوا الی محمد ابن إسماعیل بن جعفر فقتلهم أبو القاسم المهدی و قیل انه کان من أبناء الیهود* قال الذهبی فی سنة احدی و ثلاثمائة شهر الحلاج علی جمل ثم علقوه و نودی هذا من دعاة القرامطة فاعرفوه ثم سجن و ظهر أنه ادعی الالهیة و صرح بالحلول* و فی المواقف لقبوا بالقرامطة لانّ أوّلهم الذی دعا الناس الی مذهبهم رجل یقال له حمدان قرمطه و هی احدی قری واسط لقبوا بسبعة ألقاب بالقرامطة لما مرّ و بالباطنیة لقولهم بباطن الکتاب دون ظاهره فانهم قالوا للقرآن ظاهر و باطن و المراد منه باطنه لا ظاهره المعلوم من اللغة و نسبة الباطن الی الظاهر کنسبة اللب الی القشر و بالحرمیة لاباحتهم الحرمات و المحارم و بالسبعیة لانهم زعموا انّ النطقاء بالشرائع أی الرسل سبعة آدم و نوح و ابراهیم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:347
و موسی و عیسی و محمد و محمد المهدی سابع النطقاء و بالبابکیة اذ تبع طائفة منهم بابک بن عبد الکریم الحرمی فی الخروج بأذربیجان و بالمحمرة للبسهم الحمرة فی أیام بابک و بالاسماعیلیة لاثباتهم الامامة لإسماعیل بن جعفر الصادق و هو أکبر أبنائه* و فی الملل و النحل لمحمد بن عبد الکریم الشهرستانی لهم ألقاب کثیرة علی لسان کل قوم فبالعراق یسمون الباطنیة و القرامطة و المزدکیة و بخراسان التعلیمیة و الملحدة و هم یقولون نحن اسماعیلیة لانا نمیز عن فرق الشیعة بهذا الاسم و بهذا الشخص* و فی هذه السنة قتل أبو سعید الجبانی رأس القرامطة قتله مملوک له صقلبی راوده فی الحمام ثم خرج فاستدعی قائدا من أصحاب الجبانی فقال السید یطلبک فلما دخل قتله و خرج فطلب آخر فقتله حتی قتل أربعة من رؤسائهم و استدعی الخامس فلما دخل فطن لذلک فأمسک بید الخادم و صاح الناس و صاح النساء فقتلوه* و فی سنة ثلاث و ثلاثمائة توفی حافظ زمانه أبو عبد الرحمن أحمد بن شعیب النسائی أحد الاعلام و مصنف السنن فی صفر و له ثمان و ثمانون سنة و کان یقوم اللیل و یصوم یوما و یفطر یوما و فیها مات أبو علی محمد بن عبد اللّه الجبائی البصری شیخ المعتزلة* و فی سنة سبع و ثلاثمائة مات محدّث الموصل أبو یعلی محمد بن علی بن المثنی الموصلی الحافظ صاحب المسند و له سبع و تسعون سنة و فیها انقض کوکب و اشتدّ ضوءه و عظم و تفرّق ثلاث فرق و سمع عند انقضاضه مثل صوت الرعد الشدید و لم یکن فی السماء غیم و اللّه تعالی أعلم کذا فی الکامل* و فی سنة تسع و ثلاثمائة قتل حسین بن منصور الحلاج ببغداد بأمر المفتین و حکم الحاکم علی الزندقة و الحلول و کان قد سافر الی الهند و تعلم السحر کذا فی دول الاسلام*

ترجمة حسین بن منصور الحلاج‌

و فی الکامل فی هذه السنة قتل الحسین بن منصور الحلاج الصوفی فی ذی القعدة و أحرق بالنار و کان ابتداء حاله انه کان یظهر الزهد و التصوّف و یظهر الکرامات و یخرج للناس فاکهة الشتاء فی الصیف و فاکهة الصیف فی الشتاء و یمدّ یده الی الهواء و یعیدها مملوءة دراهم علی کل درهم مکتوب قل هو اللّه أحد و یسمیها دراهم القدرة و یخبر الناس بما أکلوا و بما صنعوا فی بیوتهم و یتکلم بما فی ضمائرهم فافتتن به خلق کثیر اعتقدوا فیه الحلول و بالجملة فانّ الناس اختلفوا فیه اختلافهم فی المسیح علیه السلام فمن قائل انه حل فیه جزء إلهیّ و یدعی فیه الربوبیة و من قائل انه ولی اللّه تعالی و انّ الذی یظهر منه من جملة کرامات الصالحین و من قائل انه مشعبذ و ممجرق و ساحر و کذاب و متکهن و الجنّ تطیعه فتأتیه بالفاکهة فی غیر أوانها و کان قد قدم من خراسان الی العراق و سار الی مکة فأقام بها فی الحجر لا یستظل تحت سقف شتاء و لا صیفا و کان یصوم الدهر فاذا جاء العشاء أحضر له القوم کوزماء و قرصا فیشربه و یعض من القرص ثلاث عضات من جوانبه فیأکلها و یترک الباقی فیأخذونه و لا یأکل شیئا آخر الی الغد آخر النهار* و کان شیخ الصوفیة یومئذ بمکة عبد اللّه المغربی فأخذ أصحابه الی زیارة الحلاج فلم یجدوه فی الحجر و قیل قد صعد الی جبل أبی قبیس فصعد إلیه فرآه قائما علی صخرة حافیا مکشوف الرأس و العرق یجری منه الی الارض فأخذ أصحابه و عاد و لم یکلمه و قال هذا یتصبر و یتقوّی علی قضاء اللّه تعالی و سوف یبتلیه اللّه بما یعجز عنه صبره و قوّته و عاد الحسین الی بغداد و أما سبب قتله فانه نقل عنه عند عوده الی بغداد الی الوزیر حامد بن العباس وزیر المقتدر أنه أحیی جماعة و أنه یحیی الموتی و انّ الجنّ یخدمونه و یحضرون عنده ما یشتهی و أنه قدّموه علی جماعة من حواشی الخلیفة المقتدر باللّه و أن نصر الحاجب قد مال إلیه فالتمس حامد الوزیر من المقتدر باللّه أن یسلم إلیه الحلاج و أصحابه فدفع عنه نصر الحاجب فألح الوزیر فأمر المقتدر بتسلیمه إلیه فأخذه و أخذ معه جماعة من أصحابه فیهم انسان یعرف بالشمریّ قیل انهم یعتقدون انه إله فقرّرهم حامد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:348
فاعترفوا بأنه قد صح عندهم أنه إله و أنه یحیی الموتی و قابلوا الحلاج علی ذلک فأنکر و قال أعوذ باللّه أن أدّعی الربوبیة و النبوّة و انما أنا رجل أعبد اللّه عز و جل فأحضر حامد القاضی أبا عمرو و القاضی أبا جعفر بن البهلول و جماعة من وجوه الفقهاء و الشهود و استفتاهم فقالوا لا نفتی فی أمره بشی‌ء الا أن یصح عندنا ما یوجب قتله و لا یجوز قبول قول من یدّعی علیه ما ادّعاه الا ببینة أو اقرار و کان یخرج الحلاج الی مجلسه و یستنطقه فلا یظهر منه ما تکرهه الشریعة المطهرة و طال الامر علی ذلک و حامد الوزیر مجدّ فی أمره و جری له قصص یطول شرحها و فی آخرها انّ الوزیر رأی له کتابا حکی فیه انّ الانسان اذا أراد الحج و لم یمکنه أفرد من داره بیتا لا یلحقه شی‌ء من النجاسات و لا یدخله أحد فاذا حضرت أیام الحج طاف حوله و فعل ما یفعله الحاج بمکة ثم یجمع ثلاثین یتیما و یصنع أجود طعام یمکنه و یطعمهم فی ذلک البیت و یخدمهم بنفسه فاذا فرغوا کساهم و أعطی کل واحد منهم تسعة دراهم فاذا فعل ذلک کان کمن حج فلما قرئ هذا الکتاب علی الوزیر قال القاضی أبو عمرو للحلاج من أین لک هذا قال من کتاب الاخلاص للحسن البصری قال له کذبت یا حلاج الدم سمعناه بمکة و لیس فیه هذا فکتب القاضی و من حضر المجلس باباحة دمه فأرسل الوزیر الفتاوی الی الخلیفة فاستأذن فی قتله و سلمه الوزیر الی صاحب الشرطة فضربه ألف سوط فما تأوّه ثم قطع یده ثم رجله ثم یده ثم رجله ثم قتل و أحرق بالنار فلما صار رمادا ألقی فی الدجلة و نصب الرأس ببغداد و أرسل الی خراسان لانه کان له بها أصحاب و أقبل بعض أصحابه یقولون انه لم یقتل و انما ألقی شبهه علی دابة و انه یجی‌ء بعد أربعین یوما و بعضهم یقول لقیته بطریق النهروان و أنه قال له لا تکونوا مثل هؤلاء البقر الذین یظنون أنی ضربت و قتلت* و فی حیاة الحیوان نقلا عن تاریخ ابن خلکان رسم المقتدر بتسلیمه الی محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة فتسلمه بعد العشاء خوفا من العامّة أن تنزعه من یده ثم أخرجه یوم الثلاثاء لست بقین من ذی القعدة سنة سبع و ثلاثمائة عند باب الطاق و اجتمع خلق کثیر فأمر به فضربه الجلاد ألف سوط فما استعفی و لا تأوّه ثم قطع أطرافه الاربعة و هو ساکن لا یضطرب ثم حز رأسه و أحرقت جثته و ألقی رماده فی دجلة و نصب الرأس ببغداد ثم حمل و طیف به فی النواحی و البلاد و جعل أصحابه یعدون أنفسهم برجوعه بعد أربعین یوما و اتفق أن زاد دجلة تلک السنة زیادة وافرة فادّعی أصحابه انّ ذلک بسبب القاء رماده فیها و ادّعی بعض أصحابه انه لم یقتل و انما ألقی شبهه عند قتله علی عدوّ له* و ذکر الشیخ الامام عز الدین بن عبد السلام المقدسی فی مفاتیح الکنوز انه لما أتی به لیصلب و رأی الخشب و المسامیر ضحک ضحکا کثیرا ثم نظر فی الجماعة فرأی الشبلی فقال له یا أبا بکر أ ما معک سجادة قال بلی قال افرشها لی ففرشها فتقدّم و صلی رکعتین فقرأ فی الاولی بفاتحة الکتاب و من بعدها و لنبلونکم بشی‌ء من الخوف الآیة ثم قرأ فی الثانیة بفاتحة الکتاب و من بعدها کل نفس ذائقة الموت ثم ذکر کلاما کثیرا ثم تقدّم أبو الحارث السیاف و لطمه لطمة هشم وجهه و أنفه فصاح الشبلی و مزق ثیابه و أغشی علی أبی الحسن الواسطی و علی جماعة من المشایخ و کان الحلاج یقول اعلموا ان اللّه قد أباح لکم دمی فاقتلونی لیس للمسلمین الیوم أهم من قتلی و قد اضطرب الناس فی أمره اضطرابا متباینا فمنهم من یعظمه و منهم من یکفره* و قد ذکر الامام قطب الوجود حجة الاسلام فی کتاب مشکاة الانوار فصلا طویلا فی أمره و اعتذر عن اطلاقاته کقوله أنا الحق و ما فی الجبة الا اللّه و حملها کلها علی محامل حسنة و قال هذا من فرط المحبة و شدّة الخوف و الوجل و هو کقول القائل أنا من أهوی و من أهوی أنا* نحن روحان حللنا بدنا* و حسبک هذا مدحة و تزکیة و کان ابن شریح اذا سئل عنه یقول هذا رجل قد خفی علیّ حاله و ما أقول فیه شیئا و هذا شبیه بکلام عمر بن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:349
عبد العزیز و قد سئل عن علی و معاویة قال دماؤهم قد طهر اللّه منها سیوفنا أ فلا یطهر من الخوض فیها ألسنتنا و هکذا ینبغی لمن یخاف اللّه تعالی أن لا یکفر أحدا من أهل القبلة بکلام یصدر منه یحتمل التأویل علی الحق و الباطل فان الإخراج من الاسلام عظیم و لا یسارع به الا الجاهل* و یحکی عن شیخ العارفین قطب الزمان عبد القادر الکیلانی قدّس اللّه روحه أنه قال عثر الحلاج و لم یکن له من یأخذ بیده و لو أدرکت زمانه لاخذت بیده و هذا و ما سبق عن الامام الغزالی فی أمره کاف لمن له أدنی فهم و بصیرة و سمی الحلاج لانه جلس یوما علی حانوت حلاج فاستقضاه حاجة فقال له الحلاج أنا مشتغل بالحلج فقال له اقض حاجتی حتی أحلج عنک فمضی الحلاج فی حاجته فلما عاد وجد قطنه کله محلوجا و کان لا یحلجه عشرة رجال فی أیام متعدّدة فمن ثمة قیل له الحلاج و قیل انه کان یتکلم علی الاسرار و یخبر عنها فسمی حلاج الاسرار و کان من أهل البیضاء بلدة بفارس و اسمه الحسین بن منصور* و فیها توفی شیخ الصوفیة أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الزاهد البغدادی* و فی سنة عشر و ثلاثمائة مات عالم العصر أبو حفص محمد بن جریر الطبری صاحب التفسیر و التاریخ و الفقهیات مات فی شوّال و له ست و ثمانون سنة و فیها فی جمادی الآخرة انقض کوکب فی المشرق فی برج السنبلة طوله نحو ذراعین ذکره فی الکامل* و فی سنة احدی عشرة و ثلاثمائة مات أبو اسحاق الزجاج نحو العراق و حافظ ما وراء النهر أبو حفص عمر بن محمد بن یحیی صاحب الصحیح و شیخ الطب محمد بن زکریا الرازی صاحب الکتب* و فی سنة اثنتی عشرة و ثلاثمائة افتتح المسلمون فرغانة من مدائن الترک و فی سنة ثلاث عشرة و ثلاثمائة انقض کوکب کبیر وقت المغرب له صوت مثل صوت الرعد الشدید وضوء عظیم أضاءت له الدنیا* و فی سنة أربع عشرة و ثلاثمائة توجه أبو طاهر القرمطی نحو مکة فبلغ خبره الی أهلها فنقلوا أموالهم و حرمهم الی الطائف و غیره خوفا منه کذا فی الکامل* و فی سنة ست عشرة و ثلاثمائة مات ببغداد شیخها الحافظ ذو التصانیف أبو بکر بن صاحب السنن أبی داود السجستانی و له ست و ثمانون سنة و کان ذا زهد و نسک و صلی علیه نحو ثلاثمائة ألف نفس و قد حدّث من حفظه بأصبهان بثلاثین ألف حدیث باسانیدها و مات بأسفراین حافظها الکبیر أبو عوانة یعقوب بن اسحاق الأسفراینی صاحب المسند و استمرّ المقتدر فی الخلافة الی سنة سبع عشرة و ثلاثمائة ثم خلع ثانیا بأخیه القاهر باللّه أبی منصور محمد*

(خلافة القاهر باللّه أبی منصور محمد بن المعتضد)

* أحمد بن ولیّ العهد الموفق طلحة بن المتوکل جعفر العباسی الهاشمی أمیر المؤمنین و أمه أم ولد مغربیة تسمی فنون* صفته* کان أسمر ربعة أصهب الشعر طویل الانف بویع بالخلافة بعد أن قبض علی أخیه المقتدر جعفر و علی أمه و خالته و أخرجوا الی دار یونس و کان القاهر هذا محبوسا فوصل فی الثلث الاخیر من لیلة الخامس عشر من المحرّم سنة سبع عشرة و ثلاثمائة و بایعه یونس و الامراء و لقبوه بالقاهر باللّه ثم أشهد المقتدر علی نفسه بالخلع فی یوم السبت و جلس القاهر فی یوم الاحد و کتب الوزیر عنه الی الاقطار و عمل الموکب یوم الاثنین فامتلات دهالیز الدار بالعسکر یطلبون رزق البیعة و رزق سنة أیضا فارتفعت أصوات الرجالة ثم هجموا علی الحاجب نازل و هو بدار الخلافة فقتلوه و صاحوا یا مقتدر یا منصور فتهارب من فی دار الخلافة ثم أخرج المقتدر و حضر الی دار الخلافة و جلس مجلسه فأتوا بأخیه محمد القاهر هذا و جلس بین یدیه فاستدناه المقتدر و قبل جبینه و قال له یا أخی و اللّه أنت لا ذنب لک و القاهر یبکی و یقول اللّه اللّه یا أمیر المؤمنین فی نفسی فقال المقتدر و اللّه لا جری علیک منی سوء أبدا فطب نفسا و أقام القاهر عند أخیه المتقدر مبجلا محترما الی أن أعید الی الخلافة بعد موت أخیه المقتدر*

(خلافة المقتدر باللّه جعفر أعید الی الخلافة ثالث مرّة)

*
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:350
حسبما تقدّم ذکره و لما أعید الی الخلافة کتب بذلک الی سائر البلاد و تم أمره ثم بذل الخزائن و الاموال فی الجند و باع ضیاعا و غیرها حتی تمم عطاءهم‌

قلع الحجر الاسود من الکعبة و نقله الی هجر

ثم فی سنة سبع عشرة و ثلاثمائة سیر المقتدر رکب الحاج مع منصور الدیلمی فوصلوا الی مکة سالمین فوافاهم فی یوم الترویة الملعون عدوّ اللّه أبو طاهر القرمطی فقتل الحجیج فی المسجد الحرام قتلا ذریعا و هم محرمون و فی أزقة مکة و فی داخل البیت و حوله و قتل ابن محارب أمیر مکة و عرّی البیت و قلع باب الکعبة و اقتلع الحجر الاسود و أخذه الی هجر و طرح القتلی فی بئر زمزم و دفن الباقی فی المسجد الحرام و حیث قتلوا بغیر کفن و لا غسل و لا صلی علی أحد منهم کذا فی الکامل* یقال دخل القرمطی مکة بأناس قلائل نحو سبعمائة فلم یطق أحد ردّه خذلانا من اللّه تعالی فقتلوا حول البیت ألفا و سبعمائة و صعد اللعین علی عتبة الکعبة و نادی
أنا باللّه و باللّه أناأخلق الخلق و أفنیهم أنا و یقال ان القتلی بمکة و بظاهرها فی هذه الکائنة أکثر من ثلاثین ألف انسان و سبی من النساء و الصبیان مثل ذلک و مدّة اقامته بمکة ستة أیام و لم یحج أحد و لا وقف بالناس امام سنة سبع عشرة و ثلاثمائة کذا فی سیرة مغلطای فکان من القتلی شیخ الحنفیة ببغداد أبو سعید أحمد بن علی البردعی و الحافظ أبو الفضل محمد بن أبی الحسین الهروی و بعد عود القرمطی الی هجر رماه اللّه فی جسده و طال عذابه و تقطعت أوصاله و تناثر الدود من لحمه الی أن مات و بقی الحجر الاسود عند القرامطة نحو عشرین سنة و لما أخذه القرمطی و ساربه الی هجر هلک تحته أربعون جملا فلما أعید الی مکة حمل علی قعود هزیل فسمن تحته* و لما کان الحجر عندهم دفع فیه بحکم الترکی خمسین ألف دینار لیردّه الی مکانه فأبوا و قالوا قد أخذناه بأمر و لا نردّه الا بأمر و قد مرّ فی بناء الکعبة* و فیها فی آخر ذی القعدة انقض کوکب عظیم و صار له ضوء عظیم جدّا و فیها هبت ریح شدیدة و حملت رملا أحمر شدید الحمرة فعمّ جانبی بغداد و امتلات منه البیوت و الدور یشبه رمل طریق مکة کذا فی الکامل* و أما المقتدر فاستمرّ فی الخلافة الی أن قتل فی یوم الاربعاء السابع و العشرین من شوّال سنة عشرین و ثلاثمائة فی حرب کان بینه و بین مونس من البربر فضربه رجل منهم من خلفه ضربة سقط منها الی الارض فقال له ویحک أنا الخلیفة فقال أنت المطلوب و ذبحه بالسیف و شال رأسه علی رمح ثم سلب ما علیه و بقی مکشوف العورة حتی ستر بالحشیش ثم حفر له فی الموضع و دفن و عفی أثره* و فی سیرة مغلطای صاحب المقتدر قرناء السوء حتی أخرجوه لیتفرّج علی لاعب فی المیدان فاشتغل الناس باللاعب عن حراسة الخلیفة فلما رأی اللاعب الناس قد أبعدوا عنه رکض فرسه إلیه و طعنه فی صدره بحربة ثم مر اللاعب یطلب دار الخلافة نحو القاهر فعلق به کلاب فی دکان قصاب فخرج الفرس من تحته فبقی معلقا فمات فی الوقت و أحرق و کان قتله یوم الاربعاء لثلاث لیال بقین من شوّال سنة عشرین و ثلاثمائة و قیل انه قتل فی حرب کانت بینه و بین مونس الخادم الملقب بالمظفر و أعید بعده الی الخلافة أخوه القاهر* و کانت خلافة المقتدر أوّلا و ثانیا و ثالثا خمسا و عشرین سنة الا ایاما* و فی سیرة مغلطای کانت خلافته أربعا و عشرین سنة و شهرین و عشرة أیام و قیل و أحد عشر شهرا و أربعة عشر یوما انتهی و عاش ثمانیا و عشرین أو ثلاثین سنة و کان سخیا مبذرا یصرف فی کل سنة للحج اکثر من ثلاثمائة ألف دینار و کان فی داره أحد عشر ألف غلام خصیان غیر الروم و الصقالبة و السود* و قال الصولی کان المقتدر یفرّق یوم عرفة من الابل و البقر أربعین ألف رأس و من الغنم خمسین ألف رأس و یقال انه أتلف من الذهب ثمانین ألف ألف دینار فی أیامه قال الذهبی انه کان مسرفا مبذرا للمال ناقص الرأی أعطی جاریة له الدرّة الیتیمة وزنها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:351
ثلاثة مثاقیل و ما کانت تقوّم و خلف عدّة أولاد منهم الراضی باللّه و المتقی باللّه و اسحاق و المطیع للّه‌

* (خلافة القاهر باللّه أبی منصور محمد)

* تخلف ثانیا بعد قتل أخیه جعفر المقتدر باللّه فی السابع و العشرین من شوّال سنة عشرین و ثلاثمائة* و فی سنة احدی و عشرین و ثلاثمائة مات شیخ الحنفیة أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوی المصری الحنفی أحد الاعلام* و شیخ الاعتزال و الضلال أبو هاشم الجبائی و شیخ اللغة و العربیة أبو بکر محمد بن الحسین بن درید الازدی ببغداد و له ثمان و تسعون سنة* و فیها توفی محمد بن یوسف بن مطر الفربری بالفاء و الراءین المهملتین بینهما باء موحدة و هی قریة من قری بخاری و کان مولده سنة احدی و ثلاثین و مائتین و هو الذی روی صحیح البخاری عنه و کان قد سمعه عشرات ألوف من البخاری فلم ینتشر الا عنه کذا فی الکامل* و کان القاهر هذا قد قرب المنجمین و عمل بقولهم علی طریق أبی جعفر المنصور فانه أوّل خلیفة قرّبهم و کان عنده نوبخت المنجم و علی بن عیسی الاسطرلابی و هو أول خلیفة ترجمت له الکتب السریانیة و الاعجمیة ککتاب کلیلة و دمنة و کتاب أرسطاطالیس فی المنطق و اقلیدس و کتب الیونان فنظر الناس فیها و تعلقوا بها فلما رأی ذلک محمد بن اسحاق جمع المغازی و السیر* قال الصولی کان القاهر سفاکا للدماء قبیح السیرة کثیر التلوّن و الاستحالة مدمن الخمر و لو لا جودة حاجبه سلامة لأهلک الحرث و النسل و کان قد صنع حربة یأخذها بیده فلا یضعها حتی یقتل بها انسانا* قال محمود الاصبهانی کان سبب خلع القاهر سوء سیرته و سفکه الدماء و لما أساء السیرة و قتل بعضا من الاعیان کالامیر أبی السرایا نصر بن أحمد و اسحاق بن اسماعیل النوبختی و کان أشار بخلافته و کان أحد الصدور و غیرهم نفرت القلوب منه و کان ابن مقلة مختفیا فبقی یراسل الخاصکیة و یجسرهم علی القاهر باللّه و یخوّفهم من غائلته حتی اتفقوا علی الفتک به فرکبوا آخر النهار و أتوا الی دار القاهر و کان نائما سکران الی أن طلعت الشمس فنبهوه فلم ینتبه لشدّة سکره و هرب الوزیر فی زیّ امرأة و کذا سلامة الحاجب فدخلوا بالسیوف علی القاهر فأفاق من سکره و هرب الی سطح حمام و استتر فأتوا مجلس القاهر و فیه عیسی الطبیب وزیرک الخادم و اختیار القهرمان فسألوهم عن القاهر فقالوا ما نعرف له خبرا فرسموا علیهم و وقع فی أیدیهم خادم القاهر فضربوه فدلهم علیه فجاءوه و هو علی السطح و بیده سیف مسلول فقالوا انزل فامتنع فقالوا نحن عبیدک لا تستوحش منا ثم فوّق واحد منهم سهما و قال انزل و الا قتلتک فنزل إلیهم فقبضوا علیه فی سادس جمادی الآخرة من سنة اثنتین و عشرین و ثلاثمائة ثم أخرجوا أبا العباس محمد بن المقتدر و أمه من الحبس و بایعوه و لقبوه بالراضی باللّه ثم أرسل الراضی بالقاضی و غیره الی القاهر لیخلع نفسه فأبی فعادوا للراضی بالخبر فقال لهم انصرفوا و دعونی و ایاه فأمسکوا القاهر و اکحلوه بمسمار قد حمی بالنار فعمی و دام مسجونا الی أن مات فی جمادی الاولی سنة تسع و ثلاثین و ثلاثمائة و کانت خلافته سنة و ستة أشهر و سبعة أو ثمانیة أیام*

(خلافة الراضی باللّه أبو العباس محمد بن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد بن ولیّ العهد الموفق طلحة بن المتوکل جعفر الهاشمی العباسی)

* أمیر المؤمنین أمه أم ولد رومیة تسمی ظلوم و مولده فی سنة سبع و تسعین و مائتین* صفته* کان قصیرا أسمر نحیفا فی وجهه طول بویع بالخلافة بعد عمه القاهر حسبما تقدّم ذکره بعد ما سمل القاهر سنة اثنتین و عشرین و ثلاثمائة و استوزر أبا علی بن مقلة و کان بدیع الخط و فی أیام الراضی ضعف أمر الخلافة حتی لم یبق للخلفاء من البلاد سوی بغداد و ما والاها و عظم فی أیامه أمر الحنابلة ببغداد حتی صاروا یکبسون دور الامراء و القوّاد فان وجدوا نبیذا أراقوه او قنیة کسروها ثم اعترضوا علی الناس فی البیع و الشراء قال أبو بکر الخطیب و کان للراضی فضائل منها انه آخر خلیفة له شعر مدوّن
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:352
و آخر خلیفة انفرد بتدبیر الجیوش و آخر خلیفة خطب یوم الجمعة و آخر خلیفة جالس الندماء و کانت جوائزه و أموره علی ترتیب المتقدّمین* و فیها مات شیخ العارفین خیر النساخ و شیخ الصوفیة أبو علی الروذآبادی* و فی سنة ثلاث و عشرین و ثلاثمائة انقضت الکواکب من أوّل اللیل الی آخره انقضاضا دائما کذا فی الکامل و فیها توفی ابراهیم بن محمد بن عرفة المعروف بنفطویه النحوی و له مصنفات کذا فی الکامل* و فی سنة أربع و عشرین و ثلاثمائة مات مقرئ الآفاق أبو بکر أحمد بن موسی بن العباس بن مجاهد ببغداد و له ثمانون سنة و فیها انخسف القمر جمیع جرمه لیلة الجمعة لازبع عشرة خلت من شوّال کذا فی الکامل* و فی سنة خمس و عشرین و ثلاثمائة مات حافظ وقته عبد الرحمن بن أبی حازم الرازی مصنف التفسیر و التاریخ و کان یعدّ من الابدال* و فی سنة ثمان و عشرین و ثلاثمائة مات الوزیر ابن مقلة فی السجن و قد قطعت یده و عاش ستین سنة و توفی الراضی باللّه محمد بن المقتدر فی لیلة السبت لاربع عشرة لیلة خلت من ربیع الاوّل سنة تسع و عشرین و ثلاثمائة و له اثنتان و ثلاثون سنة و کانت خلافته سنتین و أشهرا* و فی سیرة مغلطای خلافته ست سنین و عشرة أشهر و عشرة أیام مرض أیاما ثم تقایأ دما کثیرا و مات و کان أکبر آفاته کثرة الجماع صلی بالناس الجمعة بسامراء و خطب فأبلغ و أجاد*

(خلافة المتقی للّه أبو اسحاق ابراهیم بن المقتدر جعفر الهاشمی العباسی البغدادی)

* أمیر المؤمنین أمّه أمّ ولد تسمی حلوب مولده سنة سبع و تسعین و مائتین فأبوه أکبر منه بخمس عشرة سنة* صفته* کان أبیض ملیحا أشهل کث اللحیة و کان صالحا خیرا کثیر الصوم و التهجد و التلاوة فی المصحف و لا یشرب مسکرا و لهذا لقبوه بالمتقی للّه بویع بالخلافة لما مات أخوه الراضی باللّه و فی أیامه ضعفت الدولة و صغرت دائرة الخلافة فان فی زمانه لم یکن یحمل الی بغداد مال من الاقالیم بل کل واحد استولی علی قطر و نزل الامیر بحکم الترکی واسطا و قرّر مع الخلیفة أن یحمل إلیه فی السنة ثمانمائة ألف دینار و فی أیامه کانت حروب و فتن و زلازل أقامت تعاود الناس ستة أشهر حتی خربت البلاد و فی أیامه فی سنة احدی و ثلاثین و ثلاثمائة أرسل ملک الروم یطلب منه مندیلا زعم انّ المسیح مسح به وجهه فصارت صورة وجهه فیه و کان هذا المندیل فی کنیسة الرهبان و أرسل ملک الروم یقول للمتقی ان أرسلت هذا المندیل أطلقت لک عشرة آلاف أسیر من المسلمین فأحضر المتقی الفقهاء و استفتاهم فقالوا أرسل إلیهم هذا المندیل ففعل و أطلق الاسراء* و فی هذه السنة توفی أبو الحسن علی بن أبی إسماعیل بن أبی بشر الاشعری المتکلم صاحب المذهب المشهور و کان مولده سنة ستین و مائتین و هو من ولد أبی موسی الاشعری کذا فی الکامل* و فی سنة اثنتین و ثلاثین و ثلاثمائة مات الطاغیة القرمطی أبو طاهر سلیمان بن أبی سعید الجبانی فی هجر بالجدری لا رحمه اللّه* و فی سنة ثلاث و ثلاثین و ثلاثمائة جلف توزون الترکی للمتقی* و فی سیرة مغلطای فغدر به توزون فالتقی توزون بالمتقی بین الانبار و هیت فنزل توزون و قبل الارض فأمره المتقی بالرکوب فلم یفعل و مشی بین یدیه الی المخیم فلما نزل المتقی قبض علیه توزون و علی ابن مقلة و من معه ثم کحل المتقی یوم السبت لعشر لیال بقین من صفر سنة ثلاث و ثلاثین و ثلاثمائة فصاح المتقی و صاح النساء فأمر توزون بضرب الدیارب حول المخیم ساعة ثم أدخل المتقی بغداد مسمول العینین و قد أخذ منه الخاتم و البردة و القضیب و بلغ القاهر الذی کان خلع من الخلافة و سمل فقال صرنا اثنین و نحتاج الی ثالث یعرّض بالمستکفی الذی نصبه توزون بالامس فی الخلافة فکان کما قال کما سیأتی ذکره ثم أحضر توزون عبد اللّه بن المکتفی و بایعه بالخلافة و لقبه المستکفی باللّه و کانت خلافة المتقی نحو أربع سنین و عاش بعد خلعه خمسا و عشرین سنة و دفن فی داره فأخرجه منها عز الدولة و دفنه فی تربة أخری فامتحن حیا و میتا کذا فی سیرة مغلطای* و فی دول الاسلام أربعا و عشرین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:353
سنة و أما توزون لما فعل بالمتقی ما فعل لم یحل علیه الحول و مات بالصرع من سنته*

(خلافة المستکفی باللّه أبی القاسم عبد اللّه بن المکتفی باللّه علی بن المعتضد أحمد الهاشمی العباسی البغدادی)

* أمیر المؤمنین أمّه أمّ ولد تسمی فضة بویع بالخلافة بعد ما کحل المتقی فی عشرین صفر سنة ثلاث و ثلاثین و ثلاثمائة و عمره احدی و أربعون سنة* قال ثابت أحضر توزون عبد اللّه بن المکتفی و بایعه بالخلافة و لقبه بالمستکفی و فیها مرض توزون بعلة الصرع* و فی سنة أربع و ثلاثین و ثلاثمائة هلک أتابک الجیوش توزون بالصرع بهیت و لقب المستکفی نفسه امام الحق و دخل معز الدولة أحمد بن بویه بغداد و هو أوّل من ملکها من الدیلم باذن المستکفی غضبا علیه و دام أشهرا ثم وقعت الوحشة بینه و بین المستکفی فی جمادی الآخرة من سنة أربع و ثلاثین و ثلاثمائة و دخل معز الدولة بحواشیه و الامراء علی خدمة الخلیفة فوقف الناس علی مراتبهم فتقدم أمیران من الدیلم فطلبا من الخلیفة رزقهما فمدّ لهما یده علی العادة للتقبیل ظنا منه أنهما یریدان تقبیلها فجذباه من السریر و طرحاه الی الارض و جرّاه بعمامته و وقعت الضجة و هجم الدیلم دار الخلافة الی الحرم و نهبوا و قبضوا علی القهرمانة و خواص الخلیفة و مضی معز الدولة الی منزله و ساقوا المستکفی ماشیا إلیه و لم یبق فی دار الخلافة شی‌ء و خلع المستکفی ثم سملت یومئذ عیناه و هو یوم الخمیس لثمان بقین من جمادی الآخرة سنة أربع و ثلاثین و ثلاثمائة فصار أعمی ثالث خلیفة قد سمل کما أشار إلیه القاهر و کانت خلافة المستکفی سنة و أربعة أشهر و یومین و توفی بعد ذلک فی سنة ثمان و ثلاثین و عمره ست و أربعون سنة ثم أحضر معز الدولة أبا القاسم الفضل بن المقتدر جعفر و بایعوه بالخلافة و لقبوه بالمطیع للّه*

(ذکر خلافة المطیع للّه أبی القاسم الفضل ابن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد بن ولی العهد الموفق طلحة بن المتوکل جعفر الهاشمی العباسی البغدادی)

* أمیر المؤمنین أمّه أمّ ولد تسمی شعلة و مولده فی أوّل سنة احدی و ثلاثمائة بویع بالخلافة فی سنة أربع و ثلاثین و ثلاثمائة بعد خلع المستکفی و سمله و للمطیع یومئذ أربع و ثلاثون سنة و تم أمره فی الخلافة و طالت أیامه و فی أیامه کانت بمصر زلازل عظیمة عاودت الناس أشهرا و خربت بسببها عدّة بلاد و سکنت الناس الصحراء و فی أیامه أمطرت بغداد حصی وزن کل حصاة رطل فقتلت خلقا کثیرا من الناس و الدواب و الطیر و فی أیامه اشتدّ أمر الغلاء حتی أکل لحم الآدمیین و بیع العقار بالرغفان* قال ابن الجوزی فی أیامه وقع حریق عظیم بمصر أحرقت فیه قیساریة العسل و سوق الزیاتین و ألف و سبعمائة دار و نادی کافور الاخشیدی من جاء بجرة ماء فله درهم فکان جملة ما انصرف علی الماء أربعة عشر ألف دینار و فیها مات الشبلی أبو بکر الزاهد صاحب الاحوال و التأله و تلمیذ الجنید* و فی سنة خمس و ثلاثین و ثلاثمائة مات حافظ ما وراء النهر الهیتم بن کلیب الشاشی صاحب المسند* و فی سنة سبع و ثلاثین و ثلاثمائة مات المستکفی باللّه الذی خلع و سمل من أربع سنین مات بنفث الدم و له ست و أربعون سنة کما مرّ* و فی سنة تسع و ثلاثین و ثلاثمائة مات القاهر باللّه الذی کان خلیفة و عزل و کحل و عاش ثلاثا و خمسین سنة و فیها مات أبو نصر محمد بن محمد الفارابی الفیلسوف بدمشق و کان صاحب التصانیف و فیها مات أبو القاسم عبد الرحمن بن اسحاق الزجاج النحوی و قیل سنة أربعین و فیها أعادت القرامطة الحجر الاسود الی مکة* و فی سیرة مغلطای أعید الحجر الاسود الی موضعه فی ذی الحجة انتهی و قالوا أخذناه بأمر و أعدناه بأمر و کان بحکم بذل لهم فی ردّه خمسین ألف دینار فلم یجیبوه و ردّوه الآن بغیر شی‌ء فی ذی القعدة و لما أرادوا ردّه حملوه الی الکوفة و علقوه بجامعها حتی رآه الناس ثم ردّوه الی مکة و کانوا أخذوه من رکن بیت اللّه الحرام سنة سبع عشرة و ثلاثمائة فکان مکثه عندهم اثنین و عشرین سنة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:354
الا شهرا کذا فی الکامل* و فی سنة ست و أربعین و ثلاثمائة قال ابن الجوزی کان بالرّی زلزلة عظیمة و خسف ببلد الطالقان و لم یفلت من أهلها الا نحو ثلاثین و خسف بخمسین و مائة قریة قال و علقت قریة بین السماء و الارض نصف یوم ثم خسف بها هکذا ذکره فی المنتظم* و زاد بعضهم ورد بذلک محاضر شرعیة و قال و صارت کلها نارا و انقطعت الارض و خرج منها دخان عظیم و قذفت الارض جمیع ما فی بطنها حتی عظام الموتی من القبور* و فی الکامل و دامت الزلزلة نحو أربعین یوما تسکن و تعود فهدمت الابنیة و غارت المیاه و هلک تحت الهدم من الامم کثیر و کذلک کانت ببلاد الجبال و قم و نواحیها زلازل کثیرة متتابعة و فیها نقص البحر ثمانین ذراعا فظهر فیه جزائر و جبال لم تعرف قبل ذلک* و فی سنة سبع و أربعین و ثلاثمائة مات عبد اللّه بن جعفر بن درستویه أبو محمد الفارسی النحوی فی صفر و کان مولده سنة ثمان و خمسین و مائتین أخذ النحو عن المبرّد* و فی سنة تسع و أربعین و ثلاثمائة أسلم من الترک مائتا ألف و حضروا الی دار الاسلام بأهلیهم و أموالهم و فیها انصرف حجاج مصر من الحج فنزلوا وادیا و باتوا فیه فأتاهم السیل لیلا فأخذهم جمیعهم مع أثقالهم و أحمالهم فألقاهم فی البحر* و فی سنة احدی و خمسین و ثلاثمائة توفی أبو بکر محمد بن الحسن بن زیاد النقاش المقری صاحب کتاب شفاء الصدور فی التفسیر ذکرهما فی الکامل* و فی سنة اثنتین و خمسین و ثلاثمائة أرسل بطارقة الارمن الی ناصر الدولة ابن حمدان رجلین ملتصقین من تحت ابطیهما و لهما بطنان و سرتان و فرجان و مقعدان و کل منهما کامل الاطراف فأراد ناصر الدولة افصالهما فأحضر الاطباء فسألوهما هل تجوعان جمیعا و تعطشان معا قالا نعم فقال الاطباء متی فصلناهما ماتا* و فی سنة أربع و خمسین و ثلاثمائة مات شاعر العصر أبو الطیب المتنبی و له احدی و خمسون سنة و عالم وقته أبو حاتم محمد بن حبان التمیمی النسائی الحافظ صاحب التصانیف و قد قارب ثمانین سنة* و فی سنة خمس و خمسین و ثلاثمائة انخسف القمر جمیعه لیلة السبت ثالث عشر شعبان و غاب منخسفا کذا فی الکامل* و فی سنة سبع و خمسین و ثلاثمائة توفی المتقی للّه بن المقتدر الذی کان خلیفة و خلعوه مات فی السجن* و فی سنة ثمان و خمسین و ثلاثمائة لیلة الخمیس رابع عشر رجب انخسف القمر جمیعه و غاب منخسفا و فیها قدم جوهر القائد غلام المعز لدین اللّه صاحب القیروان مصر فأقام الدعوة بها للمعز لدین اللّه و بایعه الناس و انقطعت الخطبة بمصر عن بنی العباس و شرع جوهر القائد فی بناء القاهرة لاسکان الجند بها ثم دخل المعز لدین اللّه مصر لثمان مضین من شهر رمضان سنة اثنتین و ستین و ثلاثمائة و هو أوّل الخلفاء الفاطمیة بمصر کذا فی حیاة الحیوان* و فی سنة ستین و ثلاثمائة انفلج المطیع للّه أمیر المؤمنین و ثقل لسانه و فیها توفی مسند الدنیا الحافظ أبو القاسم سلیمان بن أحمد الطبرانی بأصبهان و له مائة سنة و شهران* و فی سنة احدی و ستین فی صفر انقض کوکب عظیم له نور و سمع له عند انقضاضه صوت کالرعد و بقی ضوءه کذا فی الکامل* و استمرّ المطیع للّه فی الخلافة الی سنة ثلاث و ستین و ثلاثمائة ففیها ظهر ما کان یستره من مرضه و تعذرت الحرکة و ثقل لسانه من الفالج الذی اعتراه فدخل علیه الصاحب عز الدولة سبکتکین و دعاه الی خلع نفسه من الخلافة و تسلیم الامر الی ابنه الطائع ففعل ذلک و عقد للطائع یوم الاربعاء ثالث عشر ذی الحجة من سنة ثلاث و ستین و ثلاثمائة فکانت مدّة خلافة المطیع تسعا و عشرین سنة و أربعة أشهر و عشرین یوما و صار المطیع بعد أن خلع من الخلافة یسمی الشیخ الفاضل و صار فی خلافة ولده مکرما الی ان مات بعد أشهر* و فی سیرة مغلطای توفی یوم الاثنین لثمان بقین من المحرم سنة أربع و ستین و ثلاثمائة*

(خلافة الطائع للّه أبی بکر عبد الکریم بن المطیع الفضل بن المقتدر الهاشمی العباسی)

* أمیر المؤمنین و هو السادس فخلع أمّه أمّ ولد تسمی غیب* صفته* کان مربوع القامة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:355
کبیر الانف أبیض أصفر* و فی دول الاسلام کان أشقر مربوعا شدید القوی فی أخلاقه حدّة بویع بالخلافة لما خلع أبوه المطیع نفسه من الخلافة فی سادس ذی الحجة* و فی سیرة مغلطای فی ذی القعدة سنة ثلاث و ستین و ثلاثمائة و عمره سبع و أربعون سنة و استخلف فی حیاة أبیه یقال لم یتقلد الخلافة و أبوه حیّ سوی الطائع للّه و الصدّیق و کلاهما اسمه أبو بکر کذا فی حیاة الحیوان* قال الذهبی أثبتوا خلع المطیع للّه علی قاضی العراق أبی الحسین بن أم شیبان و النزول عن الخلافة لولده عبد الکریم و لقبوه بالطائع للّه* قال أبو الفرج بن الجوزی و لما ولی الطائع الخلافة رکب و علیه البردة و معه الجیش و بین یدیه سبکتکین الحاجب و عقد له اللواء*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة الطائع للّه‌

و فی سنة أربع و ستین و ثلاثمائة مات الحافظ أبو بکر السنی صاحب النسائی بالدینور و الامیر سبکتکین حاجب معز الدولة و خلف ثلاثین ألف ألف درهم و ثلاثة آلاف فرس و جواهر و فیها مات المطیع للّه الفضل بن المقتدر والد أمیر المؤمنین الطائع للّه و له ثلاث و ستون سنة و قد خلع نفسه طائعا للطائع للّه* و فی سنة خمس و ستین و ثلاثمائة مات حافظ خراسان الحسین بن محمد الماسرجسی عن ثمان و ستین سنة و له المسند الکبیر المعلل فی ألف و ثلاثمائة جزء یکون سبعین مجلدا و کان یحفظ کتاب الزهری مثل الماء و فیها توفی أبو بکر بن محمد بن علی الشاشی القفال شیخ الشافعیة و فیها فی ذی القعدة توفی ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الصابی صاحب التاریخ و فی سنة سبع و ستین و ثلاثمائة ظهر بافریقیة فی السماء حمرة بین المشرق و الشمال مثل لهب النار فخرج الناس یدعون اللّه تعالی و یتضرعون إلیه کذا فی الکامل* و فی سنة ثمان و ستین و ثلاثمائة مات شیخ النحو أبو سعید الحسن بن عبد اللّه السیرافی النحوی مصنف شرح کتاب سیبویه و کان فقیها فاضلا مهندسا منطقیا فیه کل فضیلة و له أربع و ثمانون سنة* و فی سنة تسع و ستین و ثلاثمائة مات قاضی القضاة أبو الحسن بن محمد بن صالح الهاشمی بن أمّ شیبان ببغداد فجاءة* و فی سنة سبعین و ثلاثمائة ورد علی عضد الدولة هدیة من صاحب الیمن فیها قطعة واحدة عنبر وزنها ستة و خمسون رطلا و فیها توفی أبو بکر أحمد بن علی الرازی امام الفقهاء فی زمانه و طلب لیلی قضاء القضاة فامتنع و هو من أصحاب الکرخی کذا فی الکامل و فی سنة احدی و سبعین و ثلاثمائة مات شیخ العلماء أبو زید المروزی الشافعی الزاهد محمد بن أحمد شیخ أبی بکر القفال و شیخ الصوفیة محمد بن یوسف الخفیف الشیرازی و قد جاوز المائة

* غریبة

و فی سنة خمس و سبعین و ثلاثمائة خرج طیر من البحر بعمان و لونه أبیض قدر الفیل و وقف علی تل هناک و صاح بصوت عال و لسان فصیح قد قرب الامر ثلاث مرّات ثم غاص فی البحر و طلع فی الیوم الثانی و قال مثل ذلک ثم طلع فی الیوم الثالث و قال مثل ذلک ثم غاب فلم یطلع و لم یر بعد ذلک و استمرّ الطائع الی سنة احدی و ثمانین و ثلاثمائة فلما کان فی شعبان من السنة المذکورة خلع الطائع من الخلافة و أظهر أمر القادر باللّه و انه الخلیفة و نودی له فی الاسواق و کتب عن الطائع کتابا بخلع نفسه و أنه سلم الامر الی القادر باللّه و شهد علیه الاکابر و الاشراف و عاش الطائع بعد ذلک الی أن مات سنة ثلاث و تسعین و ثلاثمائة و کانت خلافته نحو ثمان عشرة سنة* و فی سیرة مغلطای أقام فی الخلافة سبع عشرة سنة و تسعة أشهر و ستة أیام* و فی دول الاسلام و مدّة خلافته أربع و عشرون سنة و عاش ثلاثا و سبعین سنة*

(خلافة القادر باللّه أبو العباس أحمد بن الامیر اسحاق بن المقتدر باللّه جعفر بن المعتضد أحمد بن ولیّ العهد الموفق طلحة بن المتوکل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشید هارون العباسی الهاشمی البغدادی)

* أمیر المؤمنین و أمه أم ولد تسمی یمن مولاة عبد الواحد بن المقتدر و کانت دینة خیرة و مولده فی سنة ست و ثلاثین و ثلاثمائة* صفته* کان أبیض کث اللحیة کبیرها طویلها یخضب بالسواد بویع بالخلافة فی حادی عشر شهر رمضان سنة احدی و ثمانین و کان من أهل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:356
الستر و الصیانة دائم التهجد کثیر الصدقات و کان لدیه فضل و فقه و له مصنف فی السنة و ذم المعتزلة و الروافض و صنف کتابا فی الاصول ذکر فیه فضائل الصحابة و اکفار المعتزلة و القائلین بخلق القرآن و کان ذلک الکتاب یقرأ فی کل جمعة فی حلقة أصحاب الحدیث بجامع المهدی بحضرة الناس مدّة خلافته و هی احدی و أربعون سنة و ثلاثة أشهر و فی أیامه أحضر الی بغداد برجل من یأجوج و مأجوج قد ألقته الریح من فوق السد طوله ذراع و لحیته شبران و له اذنان عظیمتان فطافوا به مدینة بغداد حتی رآه الناس*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة القادر باللّه‌

و فی سنة خمس و ثمانین و ثلاثمائة مات حافظ العصر أبو الحسن بن علی بن عمر الدّارقطنی ببغداد فی ذی القعدة و له ثمانون سنة و الحافظ أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهین البغدادی الحافظ المفسر صاحب التآلیف و من کتبه التفسیر ألف جزء و المسند ألف و ثلاثمائة جزء* و فی سنة ست و ثمانین و ثلاثمائة مات شیخ الصوفیة أبو طالب المکی صاحب قوت القلوب* و فی سنة تسع و ثمانین و ثلاثمائة عاشر ربیع الاوّل انقض کوکب عظیم ضحوة نهار کذا فی الکامل* و فی سنة اثنتین و تسعین و ثلاثمائة مات امام العربیة أبو الفتح عثمان بن جنی الموصلی و هو فی عشر السبعین* و فی سنة ثلاث و تسعین و ثلاثمائة مات امام اللغة و صاحب الصحاح أبو نصر اسماعیل بن حماد الجوهری الترکی قیل انه غلبت علیه السوداء بحیث انه عمل لنفسه جناحین لیطیر فطفر فسقط و کسر فهلک و فیها مات الطائع للّه عبد الکریم بن المطیع للّه بن المقتدر العباسی الذی خلع فی سنة احدی و ثمانین و ثلاثمائة و لم یردّوه بل بقی محترما مکرّما عند ابن عمه القادر باللّه* و فی سنة أربع و تسعین و ثلاثمائة مات مسند الاندلس محمد بن عبد الملک بن صیفون القرطبی و کان قد رحل و لقی بمکة ابن الاعرابی* و فی سنة خمس و تسعین و ثلاثمائة مات مسند خراسان أبو الحسین أحمد بن محمد الخفاف صاحب السراج و حافظ أصبهان أبو عبد اللّه محمد بن اسحاق بن منده العبدی صاحب التصانیف و قد قارب التسعین و کان قد سمع من ألف و سبعمائة شیخ* و فی الکامل أورد وفاته سنة ست و تسعین و ثلاثمائة* و فی سنة ثمان و تسعین و ثلاثمائة وقع ثلج عظیم ببغداد و بقی أسبوعا لم یذب و کان سمکه ذراعا و کان شی‌ء لم یعهد ببغداد و بقی فی الطرق نحو عشرین یوما کذا فی الکامل و فیها زلزلت الدینور فهلک تحت الردم اکثر من عشرة آلاف و وقع برد عظیم و زنت منه بردة مائة و ستة دراهم و فیها هدم الحاکم کنیسة القمامة بالقدس و کان فیها من الا اموال و الجواهر ما لا یوصف و ألزم النصاری بتعلیق صلبان کبار علی صدورهم وزن کل صلیب رطل بالدمشقی و ألزم الیهود بتعلیق مثل رأس العجل کالمدقة وزنها رطل و نصف و أن یشدّوا الاجراس فی رقابهم عند دخول الحمامات* و فی سنة اربعمائة تزهد الحاکم و تأله و أنشأ دار العلم بمصر و عمر الجامع الحاکمی فدعا له الرعیة فبقی کذلک ثلاث سنین ثم تزنذق و أخذ یقتل العلماء و منع من فعل الخیر و بطل تلک الدار* و فی سنة ثلاث و أربعمائة مات عالم العراق القاضی أبو بکر محمد بن الطیب الباقلانی المالکی الأصولی قال الخطیب کان ورده عشرین ترویحة فاذا فرغ کتب من تصنیفه خمسا و ثلاثین ورقة و کانت له بجامع المنصور حلقة عظیمة* و فی سنة خمس و أربعمائة مات حافظ زمانه الحاکم بنیسابور و ولد بها سنة احدی و عشرین و ثلاثمائة* و فی سنة ست و أربعمائة مات شیخ الشافعیة و عالم العراق أبو حامد أحمد بن أبی طاهر الاسفراینی و له اثنتان و ستون سنة و کان یحضره بحلب سبعمائة فقیه و تعلیقته الکبری نحو من خمسین مجلدا* و فی أیامه سنة عشر و أربعمائة غزا السلطان محمود بن سبکتکین بلاد الهند و فتح بلادا کثیرة و قتل من الکفار خمسین ألفا و أسلم نحو عشرین ألفا و غنم أموالا عظیمة و حصل من الفضة نحو عشرین ألف ألف درهم و کان جیشه ثلاثین ألف فارس و أهدی الی القادر منها هدیة جلیلة فیها صنم من ذهب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:357
وزنه أربعمائة رطل و قطعة یاقوت أحمر فی صورة امرأة وزنها ستون مثقالا و هی تضی‌ء کالقندیل و فی سنة احدی عشرة و أربعمائة فی شهر ربیع الاوّل نشأت سحابة بافریقیة شدیدة البرق و الرعد فأمطرت حجارة کثیرة ما رأت الناس اکثر منها فأهلکت کل من أصابته* و فی سنة اثنتی عشرة و أربعمائة توفی أبو الحسین بن علی الدقاق النیسابوریّ الصوفی شیخ أبی القاسم القشیری کذا فی الکامل* و فی سنة ثلاث عشرة و أربعمائة تقدّم اسماعیل فضرب الحجر الاسود بدبوس غیر مرة فقتل فی الحال و کان یقول الی متی نعبد الحجر و لا محمد و لا علی لیمنعنی فالیوم أهدم هذا البیت و کان أحمر أشقر طویلا ضخما فطعنه رجل بخنجر و أحرق ثم قتلوا جماعة اتهموا بأنهم معه و مال الناس علی رکب مصر بالنهب و فیها مات ابن البوّاب صاحب الخط الفائق علی بن هلال ببغداد* و فی سنة ثمان عشرة و أربعمائة مات ابن اسحاق الاسفراینی الاصولی* و فی هذه السنة سقط فی العراق جمیعه برد کبار تکون الواحدة رطلا و رطلین و أصغره کالبیضة فأهلک الغلات و لم یصح منها الا القلیل و فیها فی آخر تشرین الثانی هب ریح بارد بالعراق جمد منها الماء و بطل دوران الدوالیب علی دجلة کذا فی الکامل* و فی سنة عشرین و أربعمائة وقع ببغداد البرد الکبار المفرط القدر حتی قیل ان بردة یزید وزنها علی قنطار بالبغدادی و قد نزلت فی الارض نحوا من ذراع و ذلک بالارض النعمانیة* و فیها توفی قسطنطین ملک الروم و انتقل الملک الی بنت له فقامت بتدبیر الملک و فیها انقض کوکب عظیم فی رجب أضاءت منه الارض و سمع له صوت عظیم کالرعد و تقطع أربع قطع و انقض بعده بلیلتین کوکب آخر دونه و انقض بعده اکبر منهما و اکثر ضوء کذا فی الکامل* و فی سنة احدی و عشرین و أربعمائة افتتح سلطان خراسان محمود بن سبکتکین غزنة و بخاری و سمرقند و الهند ثم استولی علی خراسان و دانت له الامم و فرض علی نفسه غزو الهند کل عام و طالت أیام الخلیفة القادر باللّه الی أن توفی لیلة الاثنین حادی عشر ذی الحجة* و فی سیرة مغلطای ذی القعدة سنة اثنتین و عشرین و قیل ثلاث و عشرین و أربعمائة و خلافته احدی و أربعون سنة و یقال ثلاثا و أربعین سنة و ثلاثة أشهر و أحد عشر یوما و عاش سبعا و ثمانین سنة الاشهر او ثمانیة أیام و دفن بدار الخلافة و صلی علیه ولده الخلیفة القائم بأمر اللّه و الخلق وراءه و لم یزل مدفونا حتی نقل تابوته فی مرکب لیلا الی الرصافة فدفن بعد عشرة أشهر من موته و کان من أحسن الخلق سیرة*

(خلافة القائم بأمر اللّه أبی جعفر عبد اللّه بن القادر أحمد بن الامیر إسحاق بن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد بن ولیّ العهد الموفق طلحة بن المتوکل)

* الهاشمی العباسی البغدادی أمه أم ولد تسمی قطن* صفته* کان ملیح الوجه أبیض فیه دین و خیر و عدل و شفقة و معرفة بالادب بویع بالخلافة بعد وفاة أبیه القادر فی ذی الحجة سنة اثنتین و عشرین و أربعمائة و تم أمره فی الخلافة*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافته و ما وقع من الغرائب فی زمنه‌

و فی سنة سبع و عشرین و أربعمائة مات أبو اسحاق أحمد بن ابراهیم النیسابوریّ الثعلبی المفسر و فی هذه السنة فی رجب انقض کوکب عظیم غلب نوره علی نور الشمس و شوهد فی آخره مثل التنین یضرب الی السواد و بقی ساعة و ذهب و فیها کانت ظلمة عظیمة اشتدّت حتی انّ الانسان کاد لا یبصر جلیسه و أخذ بأنفاس الخلق فلو تأخر انکشافها لهلک أکثرهم ذکره فی الکامل و فی أیامه فی سنة ثمان و عشرین و أربعمائة وقع غلاء عظیم عم الدنیا کلها شرقا و غربا حتی لم یبق من الناس فی کل بلد الا القلیل و فیها مات شیخ الحنفیة أبو الحسن أحمد القدوری البغدادی و له ست و ستون سنة و شیخ الفلسفة و الطب الرئیس أبو علی الحسین بن عبد اللّه بن سینا البلخی الاصل البخاری المولد عاش ثلاثا و خمسین سنة* قال ابن خلکان اغتسل و تاب و تصدّق بماله و أعتق غلمانه و جعل یختم فی کل ثلاث و مات بهمدان فی یوم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:358
جمعة فلعله رحم* و فی سنة ثلاثین و أربعمائة مات حافظ أصبهان أبو نعیم أحمد بن عبد الله بن أحمد الاصبهانی الصوفی الاحول صاحب الحلیة فی المحرم و له أربع و تسعون سنة* و فی سنة اثنتین و ثلاثین و أربعمائة وقعت زلازل عظیمة بالقیروان و بلاد افریقیة و خسف ببعض بلاد القیروان و طلع من الخسف دخان عظیم اتصل بالجوّ و وقع ببلاد خوزستان قطعة حدید من الهواء وزنها مائة و خمسون منا فکان لها دوی عظیم أسقط منها الحوامل فأخذها السلطان و أراد ان یعمل منها سیفا فکانت الآلات لا تعمل فیها و کل آلة ضربوها بها تکسرت* و فی سنة أربع و ثلاثین و أربعمائة کانت ببلاد توریز زلزلة عظیمة هدمتها کلها حتی القلعة و السور و مات تحت الردم بقدر مائة ألف انسان و لبس أهلها المسوح و تضرعوا الی اللّه لعظم هذه النازلة* و فی سنة ثمان و ثلاثین و أربعمائة فی ذی القعدة توفی عبد اللّه بن یوسف أبو محمد الجوینی والد امام الحرمین أبی المعالی و کان اماما للشافعیة تفقه علی أبی الطیب سهل بن محمد الصعلوکی* و فی سنة أربعین و أربعمائة توفی عبید اللّه بن عمر بن أحمد بن عثمان أبو القاسم الواعظ المعروف بابن شاهین و مولده سنة احدی و خمسین و ثلاثمائة* و فی سنة احدی و أربعین فی ذی الحجة ارتفعت سحابة سوداء مظلمة لیلا فزادت ظلمتها علی ظلمة اللیل و ظهر فی جوانب السماء کالنار المضطرمة وهبت معها ریح شدیدة قلعت رواشن دار الخلافة و شاهد الناس من ذلک ما أزعجهم و خوّفهم فلزموا الدعاء و التضرّع فانکشفت فی باقی اللیل* و فی سنة سبع و أربعین و أربعمائة فی شوالها توفی قاضی القضاة أبو عبد اللّه الحسین بن علی بن مأکولا و مولده سنة ثمان و ستین و ثلاثمائة و بقی فی القضاء تسعا و عشرین سنة و کان شافعیا ورعا نزها أمینا* و فی سنة تسع و أربعین و أربعمائة فی ربیع الاوّل توفی ایاز بن انماق أبو النجم غلام محمود بن سبکتکین و أخباره معه مشهورة کذا فی الکامل* و فی سنة تسع و أربعین و أربعمائة کان الوباء المفرط بما وراء النهر حتی قیل انه مات فی الوباء ألف ألف و ستمائة ألف نفس* و فی سنة خمسین و أربعمائة توفی أقضی القضاة أبو الحسن علی بن محمد بن حبیب الماوردی الشافعی صاحب التصانیف الکثیرة منها الحاوی و غیره فی علوم کثیرة و کان عمره ستا و ثمانین سنة* و فی سنة ثلاث و خمسین و أربعمائة فی جمادی الاولی انکسفت الشمس جمیعها و ظهرت الکواکب و أظلمت الدنیا و سقطت الطیور الطائرة* و فی سنة أربع و خمسین و أربعمائة توفی القاضی أبو عبد اللّه محمد بن سلامة بن جعفر القضاعی مصنف کتاب الشهاب بمصر کذا فی الکامل* و فی سنة ست و خمسین و أربعمائة مات عالم الاندلس أبو محمد علی بن أحمد ابن حزم القرطبی الفقیه الظاهری صاحب التصانیف و له اثنتان و سبعون سنة* و فی سنة ثمان و خمسین و أربعمائة کانت زلزلة عظیمة بخراسان تکرّرت أیاما و تشققت منها الجبال و خسف بعدّة قری و هلک خلق کثیر نقله ابن الاثیر قال و فیها ولدت ببغداد بباب الازج بنت لها رأسان و وجهان و رقبتان علی بدن واحد و فیها مات بنیسابور عالم خراسان الحافظ أبو بکر أحمد بن الحسین البیهقی صاحب التصانیف و له أربع و سبعون سنة و کانت ولادته سنة سبع و ثلاثین و ثلاثمائة* و فی سنة ستین و أربعمائة کانت الزلزلة العظمی بالرملة و مصر و الشام حتی طلع الماء من رءوس الآبار و هلک من أهلها کما نقل ابن الاثیر خمسة و عشرون ألفا و زال البحر عن الساحل فنزل الناس یلتقطون السمک منه فرجع علیهم البحر فغرقوا جمیعا* و فی سنة ثلاث و ستین و أربعمائة فی ذی الحجة توفی ببغداد الخطیب أبو بکر أحمد بن علی بن ثابت البغدادی صاحب التاریخ و المصنفات الکثیرة و کان امام الدنیا فی زمانه و ممن حمل جنازته الشیخ أبو اسحاق الشیرازی* و فی سنة خمس و ستین و أربعمائة توفی الامام ابو القاسم عبد الکریم بن هوازن القشیری النیسابوریّ مصنف الرسالة و غیرها و کان اماما فقیها أصولیا مفسرا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:359
کاتبا ذا فضائل جمة و کان له فرس قد أهدی إلیه فرکبه نحو عشرین سنة فلما مات الشیخ لم یأکل الفرس شیئا و عاش أسبوعا و مات* و فی سنة ست و ستین و أربعمائة فی ربیع الاوّل توفی القاضی أبو الحسین ابن أبی جعفر السمنانی حمو قاضی القضاة أبی عبد اللّه الدامغانی و ولی ابنه أبو الحسین ما کان إلیه من القضاء بالعراق و الموصل و کان مولده سنة أربع و ثمانین و ثلاثمائة و کان هو و أبوه من المغالین فی مذهب الاشعری و لابنه فیه تصانیف کثیرة و هذا مما یستظرف أن یکون حنفی أشعریا و فیها فی جمادی الآخرة توفی عبد العزیز أحمد بن محمد بن علی أبو محمد الکنانی الدمشقی الحافظ و کان مکثرا من الحدیث ثقة و ممن سمع منه الخطیب أبو بکر البغدادی* و فی سنة سبع و ستین و أربعمائة فی شوالها وقعت نار فی دکان خباز بنهر المعلی و أحرقت من السوق ثمانین دکانا سوی الدور ثم وقعت نار فی المأمونیة ثم فی المظفریة ثم فی درب المطبخ ثم فی دار الخلافة ثم فی حمام السمرقندی ثم فی باب الازج و درب فراشا ثم فی الجانب الغربی فی نهر طابق و نهر القلایین و القطیعة و باب البصرة فاحترق ما لا یحصی و فیها أیضا أعمل الرصد للسلطان ملک شاه و اجتمع جماعة من أعیان المنجمین فی عمله منهم عمر بن ابراهیم الخیامی و منهم أبو المظفر الاسفراینی و میمون ابن النجیب الواسطی و غیرهم و خرج علیه من الاموال شی‌ء عظیم و بقی الرصد دائرا الی ان مات السلطان سنة خمس و ثمانین و أربعمائة ثم بطل ذکره فی الکامل و فی سیرة مغلطای و فی أیامه قطعت خطبة المصریین بحران و أقیمت له و أسلم من کفار الترک ثلاثون ألف خرکاه و دخل أبو طالب محمد بن طغرابک بن میکائیل بن سلجوق بغداد و خطب للمستنصر ببغداد بجامع المنصور أربعین جمعة و زید فی الاذان حیّ علی خیر العمل و طالت مدّة القائم فی الخلافة الی أن مات فی لیلة الخمیس الثالث و العشرین من شعبان سنة سبع و ستین و أربعمائة فکانت مدّة خلافته أربعا و أربعین سنة و ثمانیة أو تسعة أشهر الا خمسة أیام و عمره سبع و سبعون سنة و تخلف بعده حفیده فانه لم یخلف أولاد القلة الجماع قیل انه کان مرّة بجامع فرأی خیاله فی ضوء الشمعة فاستقبح ذلک و ترک الجماع فقل نسله لذلک*

(خلافة المقتدی بأمر اللّه أبی القاسم عبد اللّه بن الامیر محمد الذخیرة بن القائم عبد اللّه بن القادر أحمد بن الامیر اسحاق بن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد بن ولی العهد الموفق طلحة بن المتوکل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشید هارون الهاشمی العباسی البغدادی)

* أمیر المؤمنین أمّه أمّ ولد تسمی أرجو ان ولد یوم مات أبوه ذخیرة الدین محمد و رباه جدّه القائم و لما کبر عهد إلیه* و فی دول الاسلام ولد بعد موت أبیه الذخیرة بستة أشهر بویع بالخلافة بعد موت جدّه القائم فی شعبان سنة سبع و ستین و أربعمائة و فی دول الاسلام لما مرض القائم بأمر اللّه افتصد فانفجر فصاده و خرج منه دم عظیم فحارت قوّته فطلب ابن ابنه الامیر عبد اللّه بن محمد و عهد إلیه الامر و لقبه المقتدی بأمر اللّه بمحضر قاضی القضاة الدامغانی و أبی اسحاق صاحب التنبیه و أبی نصر بن الصباغ و أبی جعفر بن أبی موسی الهاشمی و تم أمره فی الخلافة و طالت أیامه و حسنت و ظهر فی أیامه آثار حسنة غیر انه ظهر فی أیامه زلازل کثیرة بعدة أقالیم حتی خربت أکثر البلاد و فارقت الناس الدور و سکنت البراری* و فی سنة ثمان و ستین و أربعمائة توفی أبو الحسن علی بن محمد بن منویة الواحدی المفسر مصنف البسیط و الوسیط و الوجیز فی التفسیر و هو نیسابوری امام مشهور*

ذکر من مات من المشاهیر فی خلافته‌

و فی سنة خمس و سبعین و أربعمائة توفی أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن اسحاق بن منده الاصفهانی فی جمادی الآخرة فی أصفهان و کان حافظا فاضلا* و فی سنة ست و سبعین و أربعمائة فی جمادی الآخرة توفی الشیخ أبو اسحاق الشیرازی و کان مولده سنة ثلاث و تسعین و ثلاثمائة و کان واحد عصره علما و زهدا و عبادة و سخاء و صلی علیه فی جامع القصر و جلس أصحابه للعزاء فی المدرسة النظامیة ثلاثة أیام و دفن بباب
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:360
نیرز کذا فی الکامل* و فی سنة احدی و سبعین و أربعمائة مات امام النحاة أبو بکر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانی صاحب التصانیف* و فی سنة سبع و سبعین و أربعمائة مات شیخ الصوفیة أبو علی الفارمدی صاحب القشیری و فی هذه السنة فی صفر انقض کوکب من المشرق الی المغرب کان حجمه کالقمر وضوءه کضوئه و سار مدی بعیدا علی تمهل و تؤدة فی نحو ساعة و لم یکن له شبیه من الکواکب و فی سنة ثمان و سبعین و أربعمائة مات شیخ الشافعیة أبو سعید المتولی عبد الرحمن بن مأمون النیسابوریّ و عالم زمانه امام الحرمین أبو المعالی عبد الملک بن عبد اللّه بن یوسف الجوینی الشافعی بنیسابور و له تسع و خمسون سنة و مولده سنة سبع عشرة و أربعمائة و شیخ الحنفیة قاضی القضاة أبو عبد اللّه محمد بن علی الدامغانی ببغداد و له ثمانون سنة* و فی سنة ثمانین و فی الکامل احدی و ثمانین و أربعمائة مات شیخ الاسلام أبو اسماعیل عبد اللّه بن محمد الانصاری الهروی الواعظ المحدّث صاحب التصانیف و قد نیف علی الثمانین و فی سنة ثلاث و ثمانین و أربعمائة مات شیخ الحنفیة بما وراء النهر أبو بکر خواهرزاده البخاری و طریقته أبسط طریقة للاصحاب* و فی سنة اثنتین و ثمانین و أربعمائة توفی الخطیب أبو عبد اللّه الحسین بن أحمد بن عبد الواحد بن أبی الحدید السلمی خطیب دمشق فی ذی الحجة و دام المقتدی فی الخلافة الی ان توفی ببغداد فی النصف من المحرّم سنة سبع و ثمانین و أربعمائة و کانت خلافته تسع عشرة سنة و ثمانیة أشهر الا یومین* قال الذهبی ثلاثة أشهر مات فجأة و هو ابن تسع و ثلاثین سنة و یقال انّ جاریته سمته و قد کان السلطان صمم علی اخراجه من بغداد الی البصرة و کانت حرمته وافرة بخلاف الخلفاء قبله و تخلف بعده ابنه المستظهر*

(خلافة المستظهر باللّه أبی العباس أحمد بن المقتدی باللّه عبد اللّه)

* و قد مرّ نسب هؤلاء الخلفاء فی مواضع کثیرة فلا حاجة الی ذکرها هنا و فیما یأتی الا لضرورة* أمه أم ولد ترکیة اسمها التون و عاشت الی خلافة ابن ابن ابنها المسترشد* قال ابن الاثیر کان المستظهر لین الجانب کریم الاخلاق یسارع فی أعمال البرّ و کانت أیامه أیام سرور للرّعیة و کان حسن الخط جید التوقیعات لا یقاومه فیها أحد بویع بالخلافة یوم مات أبوه فی محرّم سنة سبع و ثمانین و أربعمائة*

ذکر من مات من المشاهیر فی زمنه‌

و فی سنة ثمان و ثمانین و أربعمائة توفی محدث بغداد الحافظ أبو الفضل أحمد بن الحسن بن حیرون و له اثنتان و ثمانون سنة* و فی هذه السنة توجه الامام أبو حامد الغزالی الی الشأم و زار القدس و ترک التدریس فی النظامیة و استناب أخاه و تزهد و لبس الخشن و أکل الدون و فی هذه السفرة صنف احیاء علوم الدین و سمع منه الخلق الکثیر بدمشق و عاد الی بغداد بعد ما حج فی السنة الثالثة و سار الی خراسان* و فی سنة تسع و ثمانین و أربعمائة اجتمع ستة کواکب فی برج الحوت و هی الشمس و القمر و المشتری و الزهرة و المریخ و عطارد فحکم المنجمون بطوفان یکون فی الناس یقارب طوفان نوح فأحضر الخلیفة المستظهر باللّه ابن عبسون المنجم فسأله فقال انّ فی طوفان نوح اجتمعت الکواکب السبعة فی برج الحوت و الآن قد اجتمع ستة منها لیس فیها زحل فلو کان معها لکان مثل طوفان نوح* و لکن أقول انّ مدینة أو بقعة من الارض یجتمع فیها عالم کثیر من بلاد کثیرة فیغرقون فخافوا علی بغداد لکثرة من یجتمع فیها من البلاد فأحکمت المسناة و المواضع التی یخشی منها الانفجار و الغرق فاتفق انّ الحجاج نزلوا فی دار المناقب بعد نخله فأتاهم سیل عظیم فغرق أکثرهم و نجا من تعلق بالجبال و ذهب المال و الدواب و الارواد و غیر ذلک فخلع الخلیفة علی المنجم* و فی هذه السنة ابتداء دولة محمد خوارزم شاه ذکره فی الکامل*

عجیبة فی ذکر صبیة عمیاء تتکلم علی أسرار الناس‌

قال ابن الجوزی و ظهر فی هذه السنة صبیة عمیاء تتکلم علی أسرار الناس و بالغ الناس فی الحیل لیعلموا حالها فلم یعلموا* قال ابن عقیل أشکل أمرها علی العلماء و الخواص و العوام حتی انها کانت تسأل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:361
عن نقوش الخواتم و ألوان الفصوص و صفات الاشخاص و ما فی داخل البنادق من الشمع و الطین و أنواع الخرز و بالغ واحد و وضع یده علی ذکره فقیل لها ما الذی فی یده قالت یحمله الی أهله و عیاله و فی سنة أربع و تسعین و أربعمائة توفی فی ربیع الاوّل منها محمد بن علی بن عبید اللّه بن أحمد بن صالح ابن سلیمان بن و دعان أبو النصر القاضی الموصلی و هو صاحب الاربعین الودعانیة و قد تکلموا فیها فقیل انها سرقها و کانت تصنیف زید بن رفاعة الهاشمی و الغالب علی حدیثه المناکیر کذا فی الکامل و فی أیام المستظهر توفی ملک شاه بخراسان و جلس ابنه سنجر مکانه و ملک الفرنج انطاکیة و سمیساط و الرها و بیت المقدس کذا فی سیرة مغلطای* و فی سنة اثنتین و خمسمائة قتلت الاسماعیلیة شیخ الشافعیة أبا المحاسن الرویانی صاحب کتاب البحر و له ست و ثمانون سنة و کان یقول لو عدمت کتب الشافعیة أملیتها من حفظی و مات المستظهر فی یوم الاربعاء الثالث و العشرین من ربیع الآخر سنة اثنتی عشرة و خمسمائة و خلافته أربع و عشرون سنة و ثلاثة أشهر* و فی سیرة مغلطای مکث فی الخلافة خمسا و عشرین سنة و توفی لیلة الاحد السابع و العشرین من ربیع الآخر مات بعلة التراقی و هی الخوانیق و غسله شیخ الحنابلة ابن عقیل و خلف عدّة أولاد و تخلف بعده ابنه المسترشد باللّه*

(خلافة المسترشد باللّه أبی منصور الفضل بن المستظهر باللّه أبی العباس أحمد بن المقتدی أبی القاسم عبد اللّه الهاشمی العباسی البغدادی)

* أمیر المؤمنین أمّه أمّ ولد تسمی لبابة و مولده فی حدود سنة خمس و ثمانین و أربعمائة بویع بالخلافة بعد موت أبیه فی شهر ربیع الآخر سنة اثنتی عشرة و خمسمائة و کان شجاعا ذا نعمة و معرفة و عقل و کان دینا مشتغلا بالعبادة سلک من الخلافة سیرة القادر و قرأ القرآن و سمع الحدیث و قال الشعر و فی أیامه مات شیخ الحنفیة شمس الائمة أبو الفضل بکر بن محمد الانصاری الجابری البخاری الزنجری و کان یضرب به المثل فی حفظ المذهب و عاش خمسا و ثمانین سنة و تفقه علی شمس الائمة السرخسی* و فی سنة ثلاث عشرة و خمسمائة مات قاضی القضاة ببغداد أبو الحسن علی ابن قاضی القضاة محمد بن علی الدامغانی الحنفی و له أربع و ستون سنة* و فی سنة أربع عشرة و خمسمائة ظهر قبر ابراهیم الخلیل و قبور ولدیه اسحاق و یعقوب علیهم السلام بالقرب من البیت المقدس و رآهم کثیر من الناس لم تبل أجسادهم و عندهم فی المغارة قنادیل من ذهب و فضة کذا ذکره أحمد بن أسد بن علی بن محمد التمیمی فی تاریخه و اللّه أعلم* و فی هذه السنة ظهر معدن نحاس بدیار بکر قریبا من قلعة ذی القرنین کذا فی الکامل* و فی سنة ست عشرة و خمسمائة توفی محیی السنة أبو محمد الحسین بن مسعود البغوی الشافعی صاحب التصانیف و قد نیف علی السبعین و مصنف المقامات أبو محمد القاسم بن علی بن محمد البصری الحزیری و فیها تضعضع الرکن الیمانی من البیت الحرام زاده اللّه شرفا من زلزلة و انهدم بعضه و تشعب بعض حرم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و تشعب غیرهما من البلاد* و فی سنة سبع عشرة و خمسمائة توفی عبد اللّه بن الحسین بن أحمد بن الحسین أبو نعیم بن أبی علی الحدّاد الاصفهانی و مولده سنة ثلاث و ستین و أربعمائة و هو من أعیان المحدّثین سافر الکثیر فی طلب الحدیث* و فی سنة عشرین و خمسمائة توفی أبو الفتح أحمد بن محمد بن محمد الغزالیّ الواعظ و هو اخو الامام أبی حامد و قد ذمه أبو الفرج ابن الجوزی بأشیاء کثیرة منها روایته فی وعظ الاحادیث التی لیست بصحیحة و العجب أنه یقدح فیه بهذا و تصانیفه و وعظه مشحونة مملوءة به نسأل اللّه تعالی أن یعیذنا من الوقیعة فی الناس* و فی سنة أربع و عشرین و خمسمائة ظهر ببغداد عقارب طیارة ذوات شوکتین فنال الناس منها خوف شدید و اذی عظیم کذا فی الکامل* و کان المسترشد لما تغیر أحوال مملکته صار یباشر القتال بنفسه فمات قتیلا فی سابع عشر ذی القعدة سنة تسع و عشرین
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:362
و خمسمائة و سببه انه خرج فی عساکر لقتال مسعود بن محمد شاه بن ملک شاه السلجوقی فخالف عسکره فانکسروا و انهزم فأرسل سنجر شاه عم مسعود المذکور یلوم مسعودا فی قتال الخلیفة فرجع عن قتاله و ضرب له السرادق و طلبه و أنزله به فلما نزل المسترشد بالسرادق وصل رسول سنجر شاه الی الخلیفة و معه سبعة عشر نفرا من الباطنیة الاسماعیلیة فی زی الغلمان فدخلوا علی الخلیفة و ضربوه بالسکاکین حتی قتلوه و قطعوا أنفه و أذنیه و خرجت الباطنیة و السکاکین بأیدیهم فیها الدم فمالت علیهم العساکر فقتلوهم ثم أحرقوهم و غطی الخلیفة بسندسة خضراء لفوه فیها و دفنوه علی حاله بباب مراغة و کان قتله فی سابع عشر ذی القعدة سنة تسع و عشرین و خمسمائة کذا فی سیرة مغلطای و عمره أربع أو خمس و أربعون سنة و خلافته سبع عشرة سنة و سبعة أو ثمانیة أشهر و فی سیرة مغلطای و ستة أشهر و أیام و استخلف بعده ابنه الراشد*

(خلافة الراشد باللّه أبی جعفر منصور بن المسترشد الفضل بن المستظهر أحمد)

* الهاشمی العباسی البغدادی و هو السادس فخلع کما سیأتی و أمّه أمّ ولد حبشیة و مولده فی سنة اثنتین و خمسمائة و یقال انّ الراشد هذا ولد مسدودا فأحضر والده المسترشد الاطباء فأشاروا ان یفتح له مخرج بآلة من ذهب ففعل به ذلک بویع بالخلافة بعد قتل أبیه فی الخامس و العشرین من ذی القعدة سنة تسع و عشرین و خمسمائة* و فی دول الاسلام لما جاء الخبر بمصرع المسترشد قامت قیامة أهل بغداد و ناحوا علیه و شقوا الثیاب و خرج النساء یلطمن منتشرات الشعور ینشدن المراثی و طلب الاعیان ولده الراشد باللّه فبایعوه* و حکی عن الراشد أن والده أعطاه عدّة جوار و عمره أقل من تسع سنین و أمرهنّ أن یلاعبنه و کانت فیهنّ جاریة فحملت من الراشد فلما ظهر الحمل و بلغ المسترشد أنکره لصغر سن ولده فسألها فقالت و اللّه ما تقدّم الیّ غیره و أنه احتلم فسأل المسترشد باقی الجواری فقلن کذلک و وضعت الجاریة صبیا و سمی أمیر الجیش و قیل للمسترشد ان صبیان تهامة یحتلمون لتسع سنین و کذلک نساؤهم و لم تطل خلافة الراشد فانه خرج بعد خلافته بمدّة الی الموصل لقتال مسعود بن محمد شاه و غیره فلما قاربهم خذله أصحابه فقبض مسعود علیه و خلعه من الخلافة فی یوم الخمیس ثامن عشر أو تاسع عشر من ذی القعدة سنة ثلاثین و خمسمائة یقال انّ الوزیر أبا القاسم علی بن طراد کتب محضرا علی الراشد فیه أنواع کبائر ارتکبها من الفسق و نکاح أمّهات أولاد أبیه و أخذ أموال الناس و سفک الدماء و انه فعل أشیاء لا یجوز أن یکون معها اماما علی المسلمین فشهد بذلک طائفة و حکم ابن الکرخی القاضی بخلعه و کان السلطان مسعود قد جمع القضاة و الشهود و الاعیان و أخرج لهم نسخة یمین کانت بینه و بین الراشد أخذها علیه بخطه فیها متی عصیت أو حاربت أو جذبت سیفا فی وجه مسعود فقد خلعت نفسی من هذا الامر و فیها خطوط القضاة و الشهود بذلک فحکم القضاة حینئذ بخلعه فخلع و ولوا المقتفی محمد بن المستظهر عم الراشد و حبس الراشد الی أن مات قتیلا فی محبسه فی السابع و العشرین من شهر رمضان سنة اثنتین و ثلاثین و خمسمائة و قیل انّ الذین قتلوه جماعة من الخراسانیة کانوا بخدمته فوثبوا علیه فقتلوه بدسیسة من السلطان* و فی سیرة مغلطای قتله الباطنیة علی باب أصبهان و قتلت معه خوارزمشاه*

(خلافة المقتفی لامر اللّه أبی عبد اللّه محمد ابن المستظهر أحمد بن المقتدی عبد اللّه بن الامیر محمد الذخیرة بن الخلیفة القائم باللّه عبد اللّه الهاشمی العباسی البغدادی)

* أمه أم ولد تسمی بغیة النفوس و قیل نسیم و مولده فی سنة تسع و ثمانین و أربعمائة بویع بالخلافة بعد خلع ابن أخیه الراشد و کان المقتفی اماما عالما فاضلا أدیبا شجاعا دمث الاخلاق کامل السؤدد خلیقا للخلافة قلیل المثل* و فی دول الاسلام لما حکم القاضی بخلع الراشد أحضروا عمه محمد بن المستظهر باللّه و کان صهرا لعلی بن طرّاد و لقبوه المقتفی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:363
لامر اللّه و بایعوه* و فی سنة احدی و ثلاثین و خمسمائة تزوّج الخلیفة بالخاتون فاطمة بنت محمد ابن ملک شاه علی صداق مائة ألف دینار و فیها صام أهل بغداد ثلاثین یوما و لم یروا الهلال لیلة احدی و ثلاثین مع کون السماء مصحیة* قال ابن الجوزی و هذا شی‌ء لم یقع مثله و فیها ظهر بالشام سحاب أسود أظلمت له الدنیا ثم سحاب أحمر کأنه نار أضاءت له الدنیا ثم جاءت ریح عاصفة فألقت أشجارا کثیرة ثم وقع مطر شدید و سقط برد کبار* و فی سنة اثنتین و ثلاثین و خمسمائة کسا الکعبة رجل من التجار یقال له ابن امشت الفارسی و جعل فیها أربعة قنادیل من الذهب وزنها عشرة ارطال بثمانیة عشر ألف دینار و ذلک لانه لم یأتها کسوة فی هذا العام لاجل اختلاف الملوک* و فی سنة ثلاث و ثلاثین و خمسمائة زلزل أهل حلب فی لیلة واحدة ثمانین مرّة و کانت زلازل بمصر و الشام أقامت تعاود الناس أیاما کثیرة حتی خربت اکثر البلاد* حکی أنها جاءت فی یوم و لیلة احدی و تسعین مرّة* و فی دول الاسلام فیها کانت الزلزلة العظمی التی دکت مدینة الحیرة و مات تحت الردم أزید من مائة ألف و قیل خسف بها و بقی مکانها ماء أسود* و فی سنة ثمان و ثلاثین و خمسمائة مات محدّث بغداد الحافظ عبد الوهاب بن المبارک الانماطی و له ست و سبعون سنة* و علامة خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشری النحوی المفسر المعتزلی و له احدی و سبعون سنة* و فی سنة أربع و أربعین و خمسمائة مات عالم المغرب القاضی أبو الفضل عیاض بن موسی بن عیاض السبتی و له ثمان و ستون سنة* و فی سنة ثمان و أربعین و خمسمائة مات الافضل أبو الفتح محمد بن عبد الکریم الشهرستانی المتکلم صاحب الملل و النحل و توفی المقتفی لامر اللّه یوم الاحد ثانی شهر ربیع الاوّل* و فی سیرة مغلطای توفی المقتفی لیلة السبت مستهل ربیع الاوّل سنة خمس و خمسین و خمسمائة و دفن بداره بعد أن صلی علیه ولده المستنجد یوسف و کانت خلافته أربعا و عشرین سنة و ثلاثة أشهر واحدا و عشرین یوما و عاش ستا و ستین سنة و فی أیامه مات السلطان مسعود بهمدان و قتل أتابک زنکی و هو نائم و مطرت الیمن دما و وقع علی ثیاب الناس و الارض شبه الدم کذا فی سیرة مغلطای*

(خلافة المستنجد باللّه أبی المظفر یوسف بن المقتفی محمد بن المستظهر بن أحمد الهاشمی العباسی البغدادی أمیر المؤمنین)

* أمه أم ولد کرجیة تسمی طاوس أدرکت خلافته و مولده فی سنة ثمان و خمسمائة* صفته* کان المستنجد أسمر طویل اللحیة معتدل القامة شجاعا مهابا عادلا فی الرعیة أدیبا فصیحا فطنا أزال المظالم و المکوس فی خلافته بویع بالخلافة بعد موت أبیه المقتفی فی سنة خمس و خمسین و خمسمائة فبایعه أولاد عمه أبو طالب ثم أخوه أبو جعفر ثم ابن هبیرة و قاضی القضاة ابن الدامغانی قیل انّ المستنجد رأی فی منامه فی حیاة أبیه کأن ملکا نزل من السماء فکتب فی کفه أربع خاءات معجمات فلما أصبح أوّله له بعض المعبرین بأنه یلی الخلافة فی سنة خمس و خمسین و خمسمائة و کان کذلک و کان نقش خاتم المستنجد من أحب نفسه عمل لها*

سبب حفر الخندق حول الحجرة النبویة

و فی سنة سبع و خمسین و خمسمائة عمل الملک نور الدین الشهید محمود بن زنکی بن أقسنقر خندقا حول الحجرة النبویة مملوءا بالرصاص علی ما ذکر فی الوفاء و سبب ذلک أن النصاری خذلهم اللّه دعتهم أنفسهم فی سلطنة الملک المذکور الی أمر عظیم ظنوا أنه یتم لهم و یأبی اللّه الا أن یتم نوره و لو کره الکافرون و ذلک ان السلطان المذکور کان له تهجد یأتی به فی اللیل و أوراد یأتی بها فنام عقب تهجده فرأی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فی نومه و هو یشیر الی رجلین أشقرین و یقول أنجدنی أنقذنی من هذین فاستیقظ فزعا ثم توضأ و صلی و نام فرأی المنام بعینه فاستیقظ و صلی و نام فرآه أیضا مرّة ثالثة فاستیقظ و قال لم یبق نوم و کان له وزیر من الصالحین یقال له جمال الدین الموصلی فأرسل إلیه لیلا و حکی له جمیع ما اتفق
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:364
له فقال له و ما قعودک اخرج الآن الی المدینة النبویة و اکتم ما رأیت فتجهز فی بقیة لیلته و خرج علی رواحل خفیفة فی عشرین نفرا و فی صحبته الوزیر المذکور و مال کثیر فقدم المدینة فی ستة عشر یوما فاغتسل خارجها و دخل فصلی فی الروضة و زار ثم جلس لا یدری ما ذا یصنع فقال الوزیر و قد اجتمع أهل المدینة فی المسجد ان السلطان قصد زیارة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أحضر معه أموالا للصدقة فاکتبوا من عندکم فکتبوا أهل المدینة کلهم و أمر السلطان بحضورهم و کل من حضر لیأخذ یتأمله لیجد فیه الصفة التی أراها له النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فلا یجد تلک الصفة فیعطیه و یأمره بالانصراف الی أن انفضت الناس فقال السلطان هل بقی أحد لم یأخذ شیئا من الصدقة قالوا لا فقال تفکروا و تأمّلوا فقالوا لم یبق أحد الا رجلین مغربیین لا یتناولان لاحد شیئا و هما صالحان غنیان یکثران الصدقة علی المحاویج فلما سمعه السلطان انشرح صدره و قال علیّ بهما فأتی بهما فرآهما و الرجلین اللذین أشار النبیّ صلی اللّه علیه و سلم إلیهما بقوله أنجدنی أنقذنی من هذین فقال لهما من أین أنتما فقالا من بلاد المغرب جئنا حاجین فاخترنا المجاورة فی هذا العام عند رسول اللّه فقال أصدقانی فصمما علی ذلک فقال أین منزلهما فأخبر بأنهما فی رباط بقرب الحجرة الشریفة فأمسکهما و حضر الی منزلهما فرأی فیه مالا کثیرا و ختمتین و کتبا فی الرقائق و لم یر فیه شیئا غیر ذلک فأثنی علیهما أهل المدینة بخیر کثیر و قالوا انهما صائمان الدهر ملازمان الصلوات فی الروضة الشریفة و زیارة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و زیارة البقیع کل بکرة و زیارة قباء کل سبت و لا یردّان سائلا قط بحیث سدّا خلة أهل المدینة فی هذا العام المجدب فقال السلطان سبحان اللّه و لم یظهر شیئا مما رآه و بقی السلطان یطوف فی البیت بنفسه فرفع حصیرا فی البیت فرأی سردا بالمحفورا ینتهی الی صوب الحجرة الشریفة فارتاعت الناس لذلک و قال السلطان عند ذلک أصدقانی حالکما و ضربهما ضربا شدیدا فاعترفا بأنهما نصرانیان بعثهما النصاری فی زی حجاج المغاربة و أمدّوهما بأموال عظیمة و امروهما بالتحیل فی شی‌ء عظیم خیلته لهم أنفسهم و توهموا أن یمکنهم اللّه منه و هو الوصول الی الجناب الشریف و یفعلوا به ما زیّنه لهم ابلیس فی النقل و ما یترتب علیه فنزلا فی أقرب رباط الی الحجرة الشریفة و هو الرباط المعروف برباط المراغة و فعلا ما تقدّم و صارا یحفران لیلا و لکل منهما محفظة جلد علی زیّ المغاربة و الذی یجتمع من التراب یجعله کل منهما فی محفظته و یخرجان لاظهار زیارة قبور البقیع فیلقیانه بین القبور و أقاما علی ذلک مدّة فلما قربا من الحجرة الشریفة أرعدت السماء و أبرقت و حصل رجیف عظیم بحیث خیل انقلاع تلک الجبال فقدم السلطان صبیحة تلک اللیلة و اتفق مسکهما و اعترافهما فلما اعترفا و ظهر حالهما علی یدیه و رأی تأهیل اللّه له لذلک دون غیره بکی بکاء شدیدا و أمر بضرب رقابهما فقاتلا تحت الشباک الذی یلی الحجرة الشریفة و هو مما یلی البقیع ثم أمر باحضار رصاص عظیم و حفر خندقا عظیما الی الماء حول الحجرة کلها و أذیب ذلک الرصاص و ملئ به الخندق فصار حول الحجرة سورا رصاصا الی الماء ثم عاد الی ملکه و أمر باضعاف النصاری و أمر أن لا یستعمل کافر فی عمل من الاعمال و أمر مع ذلک بقطع المکوس جمیعها و قد أشار الی ذلک الجمال المطری باختصار و لم یذکر عمل الخندق حول الحجرة و سبک الرصاص به و قال ان السلطان محمود المذکور رأی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم ثلاث مرّات فی لیلة واحدة و هو یقول فی کل واحدة یا محمود أنقذنی من هذین الشخصین الاشقرین تجاهه فاستحضر وزیره قبل الصبح فذکر له ذلک فقال له هذا أمر حدث فی مدینة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم لیس له غیرک فتجهز و خرج علی عجل بمقدار ألف راحلة و ما یتبعها من خیل و غیر ذلک حتی دخل المدینة علی غفلة من أهلها و الوزیر معه و زار و جلس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:365
فی المسجد لا یدری ما یصنع و قال له الوزیر أ تعرف الشخصین اذا رأیتهما قال نعم فطلب الناس عامّة للصدقة و فرّق علیهم ذهبا کثیرا و فضة و قال لا یبقین أحد بالمدینة إلّا جاء فلم یبق إلّا رجلان مجاوران من أهل الاندلس نازلان فی الناحیة التی قبلة حجرة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب التی تعرف الیوم بدار العشرة فطلبهما للصدقة فامتنعا و قالا نحن علی کفایة لا نقبل شیئا فجدّ فی طلبهما فجی‌ء بهما فلما رآهما قال للوزیر هما هذان فسألهما عن حالهما و ما جاء بهما فقالا لمجاورة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فقال أصدقانی و تکرّر السؤال حتی أفضی الی معاقبتهما فأقرّا انهما من النصاری و انهما وصلا لکی ینقلا من فی هذه الحجرة الشریفة باتفاق من ملوکهم و وجدهما قد حفرا نقبا تحت الارض من تحت حائط المسجد القبلی و هما قاصدان الی جهة الحجرة الشریفة یجعلان التراب فی بئر عندهما فی البیت الذی هما فیه هکذا حدّثنی عمن حدّثه فضرب أعناقهما عند الشباک الذی فی شرقی حجرة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم خارج المسجد ثم أحرقا بالنار آخر النهار و رکب متوجها الی الشام* و ذکر الامام الیافعی فی ترجمته أن بعض العارفین من الشیوخ ذکر أنه کان فی الاولیاء معدودا من الاربعین و صلاح الدین نائبه من الثلاثمائة* و یناسب ذلک ما ذکره المحب الطبری فی الریاض النضرة فی فضائل العشرة قال أخبرنی هارون بن الشیخ عمر ابن الزغب و هو ثقة صدوق مشهور بالخیر و الصلاح و العبادة عن أبیه و کان من الرجال الکبار قال کنت مجاورا بالمدینة و شیخ خدّام النبیّ صلی اللّه علیه و سلم اذ ذاک شمس الدین صواب اللمطی و کان رجلا صالحا کثیر البرّ بالفقراء و الشفقة علیهم و کان بینی و بینه أنس فقال لی یوما أخبرک بعجیبة کان لی صاحب یجلس عند الامیر و یأتینی من خبره بما تمس حاجتی إلیه فبینا أنا ذات یوم اذ جاءنی فقال أمر عظیم حدث الیوم قلت و ما هو قال جاء قوم من أهل حلب و بذلوا للامیر بذلا کثیرا و سألوه أن یمکنهم من فتح الحجرة و اخراج أبی بکر و عمر منها فأجابهم الی ذلک قال صواب فاهتممت لذلک هما عظیما فلم أنشب أن جاء رسول الامیر یدعونی إلیه فأجبته فقال لی یا صواب یدق علیک اللیلة أقوام المسجد فافتح لهم و مکنهم مما أرادوا و لا تعارضهم و لا تعترض علیهم قال فقلت سمعا و طاعة قال فخرجت و لم أزل یومی أجمع خلف الحجرة أبکی لا ترقأ لی دمعة و لا یشعر أحد ما بی حتی اذا کان اللیل و صلینا العشاء الآخرة و خرج الناس من المسجد و غلقت الابواب فلم ننشب أن دق الباب الذی حذاء باب الامیر أی باب السلام فان الامیر کان مسکنه حینئذ بالحصن العتیق قال ففتحت الباب فدخل أربعون رجلا أعدّهم واحدا بعد واحد و معهم المساحی و المکاتل و الشموع و آلات الهدم و الحفر قال و قصدوا الحجرة الشریفة فو اللّه ما وصلوا المنبر حتی ابتلعتهم الارض جمیعهم بجمیع ما کان معهم من الآلات و لم یبق لهم أثر قال فاستبطأ الامیر خبرهم فدعانی و قال یا صواب أ لم یأتک القوم قلت بلی و لکن اتفق لهم کیت و کیت قال انظر ما تقول قلت هو ذاک و قم فانظر هل تری لهم من باقیة أولهم أثر فقال هذا موضع هذا الحدیث و ان ظهر منک کان بقطع رأسک ثم خرجت عنه* قال المحب الطبری فلما وعیت هذه الحکایة عن هارون حکیتها لجماعة من الاصحاب فیهم من أثق بحدیثه قال و أنا کنت حاضرا فی بعض الایام عند الشیخ أبی عبد اللّه القرطبی بالمدینة و الشیخ شمس الدین صواب یحکی هذه الحکایة سمعتها بأذنی انتهی ما ذکره الطبری و قد ذکر أبو محمد عبد اللّه بن أبی عبد اللّه بن أبی محمد المرجانی هذه الواقعة باختصار فی تاریخ المدینة له و قال سمعتها من والدی یعنی الامام الجلیل أبا عبد اللّه المرجانی قال و قال لی سمعتها من والدی أبی محمد المرجانی سمعها من خادم الحجرة قال أبو عبد اللّه المرجانی ثم سمعتها أنا من خادم الحجرة الشریفة و ذکر نحو ما تقدّم الا أنه قال فدخل خمسة عشر أو قال عشرون رجلا بالمساحی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:366
و القفاف فما مشوا غیر خطوة أو خطوتین و ابتلعتهم الارض و لم یسم الخادم و اللّه أعلم* و فی أیام المستنجد فی سنة تسع و خمسین و خمسمائة توفی الجمال محمد بن علی وزیر قطب الدین مودود بن زنکی صاحب الموصل کان کثیر المعروف و الصدقات ساق عینا الی عرفات و عمل هناک مصانع و بنی مسجد عرفات و درجة و أحکم أبواب الحرم و بنی مسجد الخیف و بنی الحجر و زخرف الکعبة و ذهبها و عملها بالرخام و بنی علی المدینة النبویة سورا و بنی جسرا علی دجلة عند جزیرة ابن عمر بالحجر المنحوت و الحدید و الرصاص و بنی الربط الکثیرة و کان یتصدّق کل یوم فی بابه بمائة دینار و یفتدی من الاساری فی کل سنة بعشرین ألف دینار و کانت صدقاته وافدة الی الفقهاء و الفقراء حیث کانوا و قد حبس فی سنة ثمان و خمسین و خمسمائة* و ذکر ابن الساعی عن شخص کان معه فی السجن أنه نزل إلیه طائر أبیض قبل موته فلم یزل عنده و هو یذکر اللّه عز و جل حتی توفی فی شعبان من هذه السنة ثم طار عنه و دفن فی رباط بناه بالموصل* و فی سنة ستین و خمسمائة قال ابن الجوزی فی یوم الاضحی ولدت امرأة ببغداد یقال لها بنت أبی العز أربع بنات* و فی سنة احدی و ستین و خمسمائة توفی شیخ الوقت أبو محمد عبد القادر بن صالح الجیلی الواعظ المفتی الحنبلیّ المذهب الزاهد أحد الاعلام ببغداد و له تسعون سنة* و فی سنة اثنتین و ستین و خمسمائة مات حافظ خراسان أبو سعید عبد الکریم ابن محمد بن منصور السمعانی المروزی و له ست و خمسون سنة و له تصانیف جمة* و کانت وفاة المستنجد باللّه الخلیفة و قیل قتله فی یوم السبت ثانی و یقال ثامن شهر ربیع الآخر سنة ست و ستین و خمسمائة و کانت خلافته احدی عشرة سنة و شهرا واحدا*

(خلافة المستضی‌ء باللّه أبی محمد الحسن بن المستنجد یوسف بن المقتفی لامر اللّه محمد بن المستظهر)

أمیر المؤمنین الهاشمی العباسی البغدادی أمه أم ولد مولدة مولده فی سنة تسع و ثلاثین و خمسمائة بویع بالخلافة بعد وفاة والده فی شهر ربیع الآخر سنة ست و ستین و خمسمائة و خطب له بالدیار المصریة و الیمن و کانت الدولة العباسیة منقطعة منها من زمن المطیع کذا فی حیاة الحیوان و کان أحسن الخلفاء سیرة و کان اماما عادلا شریف النفس حسن السیرة کریما لیس للمال عنده قدر حلیما شفوقا علی الرعیة أسقط فی أیامه المکوس و الضرائب و فی أیامه فی سنة تسع و ستین و خمسمائة وقع برد عظیم و زنت واحدة فکانت سبعة أرطال بالبغدادی فقتل جماعة و شیئا کثیرا من المواشی و کان غالبه کالنارنج* و فی سنة احدی و سبعین و خمسمائة مات حافظ الشام أبو القاسم علی بن الحسین بن عساکر صاحب التاریخ الکبیر و له ثلاث و سبعون سنة و استهلت سنة ثلاث و سبعین و خمسمائة و فی هذه السنوات کان ابن الجوزی یعظ ببغداد و یحضره ألوف مؤلفة و یحضره أمیر المؤمنین فی المنظرة* و فی سنة أربع و سبعین و خمسمائة قال ابن الجوزی وعظت بجامع المنصور فخرر المجلس بمائة ألف و کان المستضی‌ء باللّه یحضر من وراء الستر و له محبة فی الحنابلة و السنیة و کراهیة فی الرافضة و کانت وفاة المستضی‌ء باللّه فی بغداد فی لیلة الاحد ثانی ذی القعدة سنة خمس و سبعین و خمسمائة* و فی دول الاسلام فی شوّال سنة خمس و سبعین و خمسمائة و عاش تسعا و ثلاثین سنة و کانت خلافته تسع سنین و ستة أشهر و أربعة عشر یوما و هو الذی عادت الخطبة باسمه فی الدیار المصریة و البلاد الشامیة و الثغور و اجتمعت الامة فی أیامه علی خلیفة واحد و انقطعت دولة بنی عبید الفاطمیین خلفاء مصر فی أیامه علی ید الناصر صلاح الدین یوسف ابن أیوب و فی دول الاسلام و کان سمحا جوادا محبا للسنة أمنت البلاد فی زمانه*

(خلافة الناصر لدین اللّه أبی العباس أحمد بن المستضی‌ء حسن بن المستنجد یوسف الهاشمی العباسی)

* أمیر المؤمنین أمّه أمّ ولد ترکیة و مولده فی یوم الاثنین عاشر رجب سنة ثلاث و خمسین و خمسمائة* صفته* قال الذهبی
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:367
کان أبیض اللون ترکی الوجه ملیح العینین أنور الجبهة أقنی الانف خفیف العارضین اشقر اللحیة رقیق المحاسن بویع بالخلافة فی بغداد بعد موت أبیه فی أوّل ذی القعدة سنة خمس و سبعین و خمسمائة و کان نقش خاتمه رجائی من اللّه عفوه لم تکن خلافة أحد من بنی العباس قبله أطول مدّة منه و فی أیامه ظهرت القسی ببغداد و الرمی بالبندق و لعب الحمام و تفنن الناس فی ذلک* قال الذهبی کان یعانی البندق و الحمام فی شبیبته و کان له عیون علی کل سلطان یأتونه بالاسرار حتی کان بعض الکبار یعتقد فیه انّ له کشفا و اطلاعا علی المغیبات* و فی أیامه سنة ثمان و خمسمائة مات حافظ الاندلس أبو القاسم خلف ابن عبد الملک بن بشکوال القرطبی و له أربع و ثمانون سنة* و فی سنة ثلاث و ثمانین و خمسمائة مات مسند بغداد أبو السعادات نصر اللّه القزاز و له اثنتان و تسعون سنة* و فی سنة أربع و ثمانین و خمسمائة مات شیخ الحنفیة بما وراء النهر شمس الائمة عمر بن الزرنجری الجابری و الحافظ المصنف أبو بکر محمد بن موسی الحازمی الهمدانیّ* و فی تسعین و خمسمائة توفی شیخ القراء أبو محمد القاسم بن فیره بن خلف الرعینی الشاطبی ناظم الشاطبیة و له اثنتان و خمسون سنة* و فی سنة سبع و تسعین و خمسمائة مات ببغداد شیخ الوقت العلامة جمال الدین أبو الفرج عبد الرحمن بن علی بن الجوزی الحنبلیّ الواعظ ببغداد صاحب التصانیف و تصانیفه مشهورة و کان کثیر الوقیعة فی الناس لا سیما العلماء المخالفین لمذهبه و کان مولده سنة عشر و خمسمائة کذا فی الکامل* و فی سنة تسع و تسعین و خمسمائة فی أوّلها ماجت النجوم ببغداد و تطایرت شبه الجراد و دام ذلک الی الفجر وضح الخلق الی اللّه تعالی و فی سنة ثلاث و ستمائة قدم ببغداد للحج شیخ الحنفیة برهان الدین صدر جهان و فی صحبته ثلاثمائة فقیه و فیها مات مسند أصبهان أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الصیدلانی و له أربع و تسعون سنة*

وقعة خوارزم شاه مع التتار و ابتداء ظهورهم‌

و فی سنة أربع و ستمائة مات المعمر أبو علی حنبل بن عبد اللّه الرصافی راوی المسند و له ثلاث و تسعون سنة و فیها عدّی خوارزم شاه علاء الدین محمد بن تکش الی ما وراء النهر بجیوش عظیمة فالتقاه صاحب الخطا و تمت بینهم وقعات کبار آخرها انهزم المسلمون و أسر خلق و أسر السلطان خوارزم شاه مع أمیر أسرهما الخطائی فأظهر السلطان انه مملوک لذلک الامیر و قلعه خفه فاحترم الخطائی ذلک الامیر ثم بعد أیام قال الامیر للخطائی انی أخاف ان یظنّ أهلی انی قتلت فیقتسموا أموالی فقرّر علیّ شیئا حتی أبصر کیف أعمل فقرّره فقال أ تأذن لغلامی هذا یذهب و یحضر الذهب فأذن له و بعث معه من یخفره الی خوارزم فنجا السلطان و تمت الحیلة و زینت بلاده و ضربت البشائر ثم انّ الخطائی قال للامیر انّ سلطانکم عدم قال أو ما تعرفه قال لا قال هو غلامی الذی بعثته فعض الخطائی علی یده و بهت و قال هلا کنت أعلمتنی حتی کنت سرت بین یدیه و خدمته الی مقر ملکه قال خفت علیه قال فانهض بنا الی خدمته فسارا جمیعا الی باب خوارزم شاه* و فی سنة خمس و ستمائة أخذت الکرج أرجیش و قتلوا أهلها و فی سنة ست و ستمائة حاصرت الکرج خلاط و کادوا ان یفتحوها فرکب ملک الکرج سکران و حمل علی البلد فتقنطر به فرسه و تسارع إلیه المسلمون فأسروه و قتلوا حوله جماعة فانهزم جیشه و فیها عبر خوارزم شاه جیحون فی جحفل عظیم فالتقی الخطا فکسرهم و قتل من الخطا مقتلة عظیمة لم یسمع بمثلها و أسر سلطانهم طاینکو و أحضر الی بین یدی خوارزم شاه فأکرمه و أجلسه معه علی السریر ثم افتتح عدّة مدائن قهرا و صالحا و فی هذا الوقت کان مبدأ ظهور التتار فانهم کانوا ببادیة الخطا فلما سمعوا بالهزیمة العظمی علی الخطا قصدوهم مع کشلوخان و علم خوارزم شاه انه لا طاقة له بالتتار فأمر أهل ممالکه من ناحیة الخطا کأهل فرغانة و الشاش و اسبیجاب بالجلاء و الانجفال الی بخاری و سمرقند الی ان أخلی تلک البلاد النزهة العامرة و خربها و صیرها مفاوز خوفا من ان یملکها التتار و یجاوروه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:368
ثم اتفق خروج جنکیزخان و جیوشه الذین أبادوا خراسان فاشتغل کشلوخان بحربهم مدّة و فیها توفی العلامة فخر الدین أبو عبد اللّه محمد بن عمر التیمی البکری الرازی بن خطیب الری الشافعی المتکلم صاحب التصانیف فی التفسیر و الطب و الفلسفة یوم الفطر و له اثنتان و ستون سنة و فیها مات العلامة مجد الدین أبو السعادات المبارک بن محمد بن محمد بن الاثیر الشیبانی الجزری ثم الموصلی صاحب جامع الاصول و غریب الحدیث فی آخر العام و له اثنتان و ستون سنة و تسعة أشهر* و فی سنة تسع و ستمائة مات الملک الاوحد أیوب بن العادل صاحب خلاط و میافارقین و کان ظلوما غشوما و تملک خلاط بعده أخوه الاشرف* و فی سنة عشر و ستمائة خلص خوارزم شاه من الاسر و ذلک انه کان منازلا للتتار فخاطر بنفسه و تنکر و لبس زی التتار هو و ثلاثة و دخل فی التتار لیکشف أمورهم فاستنکروهم فأمسکوهم فضربوا اثنین منهم حتی ماتا تحت الضرب و لم یقرّا و ضربوا خوارزم شاه و الآخر و رسموا علیهما فهربا باللیل* و فی سنة خمس عشرة و ستمائة اندفع السلطان خوارزم شاه بین یدی التتار لما بلغه انهم قاصدون ما وراء النهر و جاءه رسول جنکیزخان طاغیة التتار بهدیة مثل مسک و نحوه یطلب المسالمة و أعلمه بان جنکیزخان قد ملک طمغاج و الصین و أشار بالمسالمة فأعطاه خوارزم شاه معضدة جوهرا و عاهده أن یکون عینا له و مناصحا ثم سافرت تجار جنکیزخان و جاءت فظلمهم نائب بخاری و هو خال خوارزم شاه و أخذ أموالهم فاستشاط جنکیزخان غضبا و أرسل یهدّد خوارزم شاه و یطلب منه أن یسلم خاله إلیه نائب بخاری فأمر خوارزم شاه بالرسل فقتلوا فیا لها فعلة ما کان أقبحها أجرت کل قطرة من دماء الرسل سیلا من الدماء* و فی سنة ست عشرة و ستمائة انهزم السلطان خوارزم شاه بین یدی التتار و بلغ أمّه الخبر فعمدت الی من کان محبوسا بخوارزم من الملوک و کانوا عشرین ملکا ممن قد أخذ بلادهم و أسرهم فأمرت بقتلهم ثم أخذت خزائن ابنها و نساءه الی قلعة ابلال فأخذت و أسرت و ساق هو الی أن وصل الی همدان و قد تفرق جیوشه و بقی معه نحو عشرین ألفا و نازلت التتار بخاری و سمرقند و فعلوا عوائدهم الملعونة من القتل و السبی و الحریق فانا للّه و انا إلیه راجعون* و فیها مات شیخ النحو أبو البقاء عبد اللّه بن الحسین العکبری الضریر صاحب التصانیف و شیخ الحنفیة افتخار الدین عبد المطلب بن الفضل الهاشمی البلخی ثم الحلبی مؤلف شرح الجامع الکبیر و له ثمانون سنة* و فی سنة سبع عشرة و ستمائة کان سیف التتار قد استطال فی الامة فانهم هزموا خوارزم شاه و ملکوا ما وراء النهر و عدّوا جیحون فأبادوا أهل خراسان و وصلوا الی قزوین و همدان و قصدوا توریز و فرغوا من بلاد الخطا و الترک و ما وراء النهر و خوارزم و خراسان و العجم و غیر ذلک قتلا و تخریبا و ابادة فی نحو من سنة و نصف ثم دخلوا صحراء القفجاق و استولوا علیها و مضت فرقة الی کرمان و غزنة و تلک الدیار فترکوها بلاقع و دینهم الکفر دین جاهلیة أعراب الترک و أکثرهم یعبدون الشمس و بعضهم مجوس و بعضهم یعبدون الاصنام و هم جنس من الترک و مأواهم جبال طمغاج و ملک جنکیزخان عدّة أقالیم و بث جیوشه و جهز کل فرقة الی اقلیم فأبادت أهله و فیها مات السلطان الکبیر علاء الدین خوارزم شاه بن محمد ابن خوارزم شاه بن تکش بن أرسلان بن أستر بن توشتکین الخوارزمی و کان قدد أنت له الامم و استولی علی بلاد الترک و ما وراء النهر و خراسان و غزنة و غیر ذلک و کان جدّه الاعلی البتکین من ممالیک السلطان ألب ارسلان بن جعفر بک السلجوقی و کان عنده علم من الفقه و الاصول و اکرام العلماء و الصالحین لکنه ظلوم سفاک للدماء و عسکره قد اعتادوا النهب و الفساد و الاذی و الرعیة معهم فی بلاء و ویل فلما ابتلوا بجند جنکیزخان رضوا عن الخوارزمیة و کان محمد بطلا شجاعا مقداما یقطع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:369
البلاد البعیدة فی أقرب زمان و لا ینشف له لبد و کان هجاما شهما بعید الغور فاتکا کثیر الغدر قلیل النوم نزر الراحة و کان لا یعبأ بملبوس بل ثیابه و عدة فرسه تساوی دینارا أو نحوه و قد ذهب إلیه رسول صاحب اربل فقال کان عدّة عسکر خوارزم شاه محمد ممن هو داخل فی طاعته ثلاثمائة ألف و خمسین ألفا* و کانت دولته احدی و عشرین سنة و مات کهلا فرّ من التتار الی بحیرة مازندران فمرض بالاسهال و طلب الدواء فأعوزه الخبز و مات فی المرکب غریبا و قام بعده ابنه جلال الدین خوارزم شاه* و فی سنة ثمان عشرة و ستمائة جمع جلال الدین خوارزم شاه جیوش أبیه و التقی التتار و علیهم تولی ابن جنکیزخان فکسرهم جلال الدین و وضع فیهم السیوف قتلا و أسرا و قیل تولی فی المصاف و هذا هو أبو هولاکو* فلما بلغ الخبر أباه جنکیزخان قامت قیامته و جمع جیشه و سار مجدّا الی السند و کان السلطان جلال الدین قد فارقه بعض الجیش فالتقی جنکیزخان فی شوّال من السنة و حمل علی القلب فمزقهم فولی جنکیزخان منهزما لکن کان له کمین عشرة آلاف فخرجوا علی میمنة جلال الدین و علیها الامیر ملک فانکسرت و أسر ابن جلال الدین و تبدد نظامه فتقهقر الی حافة نهر السند فرأی نساءه و أمّه یصحن باللّه اقتلنا لا نقع فی الاسر فأمر بتغریقهنّ و رکبه العدوّ و البحر من بین یدیه فرفس فرسه فی الماء علی انه یغرق فسبح به فرسه ذلک النهر العظیم و خلص الی الجهة الأخری هو و نحو أربعة آلاف فارس عراة جیاعا فلما عرف متولی تلک الناحیة انّ خوارزم شاه دخل فی أرضه طلبه بالفارس و الراجل فانهزم منه خوارزم شاه لیختفی فی الشجر* ثم دهمه ملک الهند و حمل علی خوارزم شاه فثبت له حتی قاربه فرماه بسهم ما أخطأ فؤاده فسقط و انهزم جیشه فحاز خوارزم شاه الغنیمة فعاش بذلک و قدم سجستان فتقوی بها* و أما التتار فوصلوا الی حدّ العراق و فنیت الناس و حصروا بغداد فأنفق الناصر لدین اللّه الاموال* و فیها عند أخذ خوارزم استشهد شیخ العارفین نجم الدین الکبری أحمد بن عمر أبو الجناب الخیوقی و مات مسند دمشق موسی بن الشیخ عبد القادر الجیلی* و فی سنة تسع عشرة و ستمائة مات محدث دمشق الحافظ تقی الدین اسماعیل بن عبد اللّه بن الانماطی المصری کهلا* و فی سنة عشرین و ستمائة کان فرقة عظیمة من التتار قد جاوزوا دربند شیرین الی صحراء القفجاق فجرت بینهم و بین القفجاق و الروس وقعة عظیمة صبر فیها الجمعان و کثر القتل ثم انهزمت القفجاق و راح أکثرهم تحت السیف* و فی سنة احدی و عشرین و ستمائة رجعت التتار من أرض القفجاق و أتوا الریّ و قد تعمرت فوضعوا فی أهلها السیف و جعلوا کذلک بساوة و قم و قاشان و همدان ثم قصدوا توریز فالتقاهم خوارزم شاه و کان کسرهم أخو خوارزم شاه و هو غیاث الدین فتملک شیراز بلا کلفة و هرب منه صاحبها اتابک سعد بن زنکی الی قلعة اصطخر ثم داهنه سعد و سار تبعا و فیها انفصل خوارزم شاه جلال الدین عن الهند و کرمان و جاء فاستولی علی مملکة اذربیجان و أقام الناصر لدین اللّه فی الخلافة ستة و أربعین سنة و عشرة أشهر و تسعة عشر یوما الی ان مات فی لیلة الاحد سلخ رمضان سنة اثنتین و عشرین و ستمائة و کانت خلافته سبعا و أربعین سنة و توفی و له سبعون سنة و تحلف بعده ابنه الظاهر بأمر اللّه*

(خلافة الظاهر بأمر اللّه أبی النصر محمد بن الناصر لدین اللّه أحمد الهاشمی العباسی)

* أمیر المؤمنین أمّه أمّ ولد و مولده فی المحرّم سنة سبعین و خمسمائة* صفته* کان جمیل الصورة أبیض اللون مشربا بحمرة حلو الشمائل شدید القوّة بویع بالخلافة بعد موت أبیه الناصر لدین اللّه فی سنة اثنتین و عشرین و ستمائة و له اثنتان و خمسون سنة الاشهر او فیها سار صاحب الروم علاء الدین کیقباد فأخذ قلاعا لصاحب آمد* و فی أیامه فی سنة ثلاث و عشرین و ستمائة قال ابن الاثیر فی کامله صاد صاحب لنا أرنبا و لها ذکر و انثیان و لها أیضا فرج فشقوها فاذا فی بطنها
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:370
جروان فقال جماعة ما زلنا نسمع ان الارنب تکون سنة ذکرا و سنة أنثی و فیها زلزلت الموصل و شهرزور و تکرّرت علیهم الزلزلة ثلاثین یوما و خربت القری و انخسف القمر فی السنة مرّتین* و فی ثالث عشر رجب من سنة ثلاث و عشرین و ستمائة مات الخلیفة الظاهر بأمر اللّه و کانت خلافته تسعة أشهر و نصف* و فی سیرة مغلطای و اثنی عشر یوما و له اثنتان و خمسون سنة و کان فیه دین و عقل و وقار قیل له أ لا تتفسح و تتنزه فقال قد فات الزرع فقیل له یبارک اللّه فی عمرک فقال من فتح دکانا بعد العصر أیش یکسب فکان کذلک و مات بعد مدّة یسیرة و کان خیرا عادلا أحسن الی الرعیة و بذل الاموال و أزال المظالم و المکوس و کان یقول الجمع شغل التجار أنتم الی امام فعال أحوج منکم الی امام قوّال اترکونی أفعل الخیر فکم بقیت أعیش و قد فرّق فی لیلة العید فی العلماء و الصالحین مائة ألف دینار* قال این الاثیر لقد أظهر من العدل و الاحسان ما أحیا به سنة العمرین و لما تولی الخلافة ولی الشیخ عماد الدین بن الشیخ عبد القادر الجیلیّ الحنبلیّ القضاء فما قبل عماد الدین الا بشروط أنه یورث ذوی الارحام فقال له الخلیفة أعط کل ذی حق حقه و اتق اللّه و لا تتق سواه فکلمه أیضا فی الاوراق التی ترفع الی الخلیفة و هو أن حراس الدروب کانت ترفع الی الخلیفة فی صبیحة کل یوم ما یکون عندهم من أحوال الناس الصالحة و الطالحة فأمر الظاهر بتبطیل ذلک و قال أی فائدة فی کشف أحوال الناس فقیل له ان ترکت هذا تفسد الرعیة فقال نحن ندعو لهم بالاصلاح ثم أعطی القاضی المذکور عشرة آلاف دینار یوفی بها دیون من فی السجون من الفقراء*

(خلافة المستنصر باللّه أبی جعفر منصور بن الظاهر بأمر اللّه محمد ابن الناصر لدین اللّه أحمد بن المستضی‌ء حسن بن المستنجد یوسف)

* أمیر المؤمنین الهاشمی العباسی البغدادی أمّه أمّ ولد ترکیة و مولده فی سنة ثمان و ثمانین و خمسمائة* صفته* کان أبیض أشقر الشعر ضخما قصیرا و لما شاب خضب بالحناء ثم ترک الخضاب و هو السادس فلم یخلع لا هو و لا أبوه و بهذا انتقضت القاعدة المذکورة الا انّ التتار کان أمرهم قد عظم فی أیامهما فأخذوا جملة مستکثرة من بلاد الاسلام و فقد جلال الدین خوارزم شاه فی أیام المستنصر فی وقعة کانت بینه و بین التتار و هذا أعظم و أطم من الخلع کذا فی حیاة الحیوان* بویع بالخلافة بعد موت أبیه الظاهر فی رجب سنة ثلاث و عشرین و ستمائة* و لما ولی الخلافة نشر العدل فی الرعایا و بذل الانصاف و قرب أهل العلم و الدین و بنی المساجد و الربط و المدارس و أقام منار الدین و قمع المتمرّدین و نشر السنن و کف الفتن* قال الذهبی و هو أکبر اخوته فبایعه جمیع اخوته و بنو عمه و له اذ ذاک خمس و ثلاثون سنة و کان ملیح الشکل کأبیه* قال ابن الساعی حضرت بیعته فلما رفعت الستارة شاهدته و قد کمل اللّه صورته و معناه کان أبیض بحمرة أزج الحاجبین أدعج العینین سهل الخدّین أقنی رحب الصدر و علیه ثوب أبیض و مئزر أبیض و طرحة قصب بیضاء جلس الی الظهر فبلغنی انّ عدّة الخلع بلغت ثلاثة آلاف خلعة و خمسمائة و سبعین خلعة و فیها مات شیخ الشافعیة امام الدین عبد الکریم بن محمد بن عبد الکریم الرافعی القزوینی مؤلف الشرح الکبیر*

بقیة أخبار التتار

و فی سنة أربع و عشرین و ستمائة کان المصاف بین التتار و بین جلال الدین خوارزم شاه أقبلوا فی جمع عظیم حتی نزلوا شرقی أصبهان فتأخر هو عن الخروج ثلاثة أیام فذهبت فرق منهم تغیر و تنهب فجهز السلطان وراءهم جیشا أخذوا علی التتار المضایق فبیتوهم و أسروا منهم* ثم عبی السلطان جیشه و برز فلما تراءی الجمعان خذله أخوه غیاث الدین و فارقه لوحشة حدثت فتغافل السلطان عنه و وقف التتار کرادیس متقاربة فردّ السلطان الرجالة و حملت میمنته علی میسرة التتار فهزمتها و حملت میسرته علی التتار أیضا فرأی السلطان انهزام العدوّ فنزل لیستریح فجاءه أمیر و ألح علیه فی اتباع التتار فرکب آخر النهار و ساق فلما رأت التتار السواد تجرد جماعة من أبطالهم و کمنوا للسلطان
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:371
و خرجوا بعد المغرب علی میسرة السلطان فطحنوها فقتل عدّة امراء و اشتدّ الحرب و وقف السلطان و قد وهن نظامه و تبدد و أحاط به العدوّ فلم یبق معه سوی أربعة عشر فارسا فانهزم علی حمیة و جاءته طعنة فنجا منها و انهزم جیشه فرقا الی کرمان و توریز و أمّا میمنته فساقت وراء التتار تقتل فیهم و عادوا بعد یومین و دخل السلطان جلال الدین الی أصبهان وردت التتار الی خراسان* و فی سنة خمس و عشرین و ستمائة التقی خوارزم شاه و التتار بالری فانهزم ثم عمل مصافا آخر فانهزم أیضا ثم جمع و حشد ثم ضرب مع التتار رأسا فانهزم الجمعان من غیر قتال و ذلک انّ خوارزم شاه فارقه أخوه وقت المصاف بعسکره فظنت التتار أنه یرید أن یدور من ورائهم فانهزموا و أما هو فلما رأی مفارقة أخیه له و ولت التتار ظن انها خدیعة لیستدرجوه فتقهقر و لم یقحم علیهم ثم رجعت التتار و نازلت أصبهان فجاء خوارزم شاه و خرق فیهم و دخل أصبهان ثم خرج بالناس و التقی التتار فانهزمت التتار أقبح هزیمة و ساق خوارزم شاه وراءهم الی الری قتلا و أسرا ثم جاء فنازل خلاط مرة ثانیة لیملکها و هی للملک الاشرف* و فی سنة ثمان و عشرین و ستمائة التقی خوارزم شاه التتار فکسروه و طحنوه و تمزق عسکره و فیها قتل السلطان الکبیر جلال الدین خوارزم شاه بن السلطان علاء الدین محمد بن تکش الخوارزمی و کانت دولته ثنتی عشرة سنة مات کهلا و کان أسمر أصفر لانّ أمّه هندیة و کان فارسا شجاعا مهیبا حضر حروبا کثیرة و کان سدّا بیننا و بین التتار و کان عسکره مجمعة لا أخباز لهم بل یعیشون من النهب و الغارة و فی آخر أمره راح منهزما من وقعة صاحب الروم فسار علی فرسه فی تلک الجبال فظفر به کردی فقتله غیلة طعنه بحربة بأخ له کان قد قتلته الخوارزمیة و ذلک فی نصف شوّال و فی سنة تسع و عشرین و ستمائة قصد التتار أذربیجان فتهیأ لحربهم عسکر الخلیفة و صاحب اربل الملک المعظم مظفر الدین کوکبری فردّت التتار* و فی سنة ثلاثین و ستمائة حاصر الملک الکامل آمد بالمجانیق و أخذها من صاحبها الملک مسعود مودود الاتابکی و کان فاسقا قال الاشرف وجدنا فی قصره خمسمائة حرّة للفراش من بنات الناس یأخذهنّ قهرا و أخذ منه حصن کیفا ثم استناب السلطان علی ذلک ولده الملک الصالح نجم الدین أیوب* و فی شعبان مات العلامة عز الدین علی بن محمد بن محمد بن الاثیر الجزری صاحب التاریخ المسمی بالکامل و معرفة الصحابة* و فی سنه احدی و ثلاثین و ستمائة مات بدمشق العلامة المتکلم سیف الدین علی بن أبی علی الآمدی صاحب التصانیف و له ثمانون سنة* و فی سنة اثنتین و ثلاثین و ستمائة مات شیخ الصوفیة العارف الشیخ شهاب الدین عمر بن محمد السهروردی البکری ببغداد و له ثلاث و تسعون سنة و مسند أصبهان أبو الوفاء محمود بن ابراهیم بن منده قتل بأصبهان فی خلق عظیم عند دخول التتار إلیها بالسیف* و فی سنة ثلاث و ثلاثین و ستمائة جاءت التتار الی اربل فالتقاهم عسکرها فقتل طائفة من التتار ثم ساقت التتار الی أعمال الموصل فنهبوا و قتلوا و ردّوا فتهیأ المستنصر باللّه و انفق أموالا و استخدم خلقا کثیرا و فیها مات قاضی قضاة بغداد عماد الدین أبو صالح نصر بن عبد الرزاق بن الشیخ عبد القادر الجیلی الحنبلیّ و له سبعون سنة و کان من خیار القضاة دینا و تواضعا و علما* و فی سنة أربع و ثلاثین و ستمائة حاصرت التتار اربل و أخذوها و قتلوا أهلها* و فی سنة سبع و ثلاثین و ستمائة مات الصاحب الوزیر ضیاء الدین نصر اللّه بن محمد بن الاثیر الجزری الکاتب مصنف المثل السائر عن ثمانین سنة و مات المستنصر باللّه فی العشرین من جمادی الآخرة و قیل یوم الجمعة عاشره سنة أربعین و ستمائة عن احدی و خمسین سنة و أربعة اشهر و تسعة أیام و کتم موته و خطب له یومئذ بالجامع حتی جاء الامیر شرف الدین اقبال الشرابی الخادم و معه جمع من الخدام و سلم علی ولده المستعصم بالخلافة فاستخلف المستعصم و تم أمره و کانت خلافة المستنصر
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:372
تسع عشرة سنة إلّا شهرا* و فی سیرة مغلطای فمکث فی الخلافة ست عشرة سنة و عشرة أشهر و ثلاثة عشر یوما و توفی سنة أربعین و ستمائة فی جمادی الآخرة و هو الذی بنی المستنصریة ببغداد التی لم یبن فی الاسلام مثلها فی کثرة الاوقاف و کثرة ما جعل فیها من الکتب*

(خلافة المستعصم باللّه أبی أحمد عبد اللّه بن المستنصر ابن الظاهر بأمر اللّه محمد أمیر المؤمنین الهاشمی العباسی البغدادی)

* آخر خلفاء بنی العباس ببغداد و هو السادس فخلع و قتل فی أیام هولاکو أمّه أمّ ولد حبشیة بویع بالخلافة بعد موت أبیه فی جمادی الآخرة سنة أربعین و ستمائة و عمره ثلاثون سنة و کان فیه لین و قلة معرفة* و فی سیرة مغلطای و مکث فی الخلافة خمس عشرة سنة و ستة أشهر و عشرین یوما و قتله التتار سنة خمسین و ستمائة* و فی سنة ثلاث و أربعین و ستمائة وصلت التتار الی یعقوبا من أعمال بغداد فالتقاهم الدیدوان فکسرهم و فیها مات بدمشق العلامة تقی الدین بن الصلاح شیخ الشافعیة و الامام علم الدین السخاوی شیخ القراء و مسند العصر أبو الحسن علی بن الحسین بن المقبری بمصر و له ثمان و تسعون سنة* و فی سنة خمسین و ستمائة مات العلامة رضی الدین بن الحسن بن محمد الصاغانی صاحب التصانیف ببغداد و له ثلاث و سبعون سنة*

ظهور النار خارج المدینة المنوّرة

و فی سنة أربع و خمسین و ستمائة کان ظهور النار خارج مدینة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فکانت من الآیات الکبری التی أنذر بها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بین یدی الساعة و لم یکن لها حرّ علی عظمها و شدّة ضوئها و دامت أیاما و ظنّ أهل المدینة انها الساعة و ابتهلوا الی اللّه بالدعاء و التوبة و تواتر شأن هذه النار* و فی الوفاء ظهرت نار الحجاز التی أنذر بها النبیّ صلی اللّه علیه و سلم بأرض المدینة و اطفأها اللّه تعالی عند وصولها الی حرم نبینا کما سنوضحه و هذه النار مذکورة فی الصحیحین و لفظ البخاری یخرج نار من أرض الحجاز تضی‌ء منها أعناق الابل ببصری و لا اشکال فی أنّ المدینة حجازیة و ظهور النار المذکورة بالمدینة الشریفة قد اشتهر اشتهارا بلغ حد التواتر عند أهل الاخبار و تقدّمها زلازل مهولة و کان ابتداء الزلزلة بالمدینة الشریفة مستهل جمادی الاولی سنة أربع و خمسین و ستمائة لکنها کانت خفیفة لم یدرکها بعضهم و تکرّرت بعد ذلک و اشتدّت فی یوم الثلاثاء علی ما حکاه القطب القسطلانی و ظهرت ظهورا عظیما اشترک فی ادراکها العامّ و الخاص ثم لما کانت لیلة الاربعاء ثالثة الشهر أو رابعته فی الثلث الاخیر من اللیل حدث بالمدینة زلزلة عظیمة أشفق الناس منها و انزعجت القلوب لهیبتها و استمرّت تزلزل بقیة اللیل و استمرّت الی یوم الجمعة و لها دویّ أعظم من دویّ الرعد فتموّجت الارض و تحرکت الجدران حتی وقع فی یوم واحد دون لیلته ثمانی عشرة حرکة* قال القرطبی خرجت نار الحجاز بالمدینة و کان بدوّها زلزلة عظیمة فی لیلة الاربعاء بعد اللیلة الثالثة من جمادی الآخرة سنة أربع و خمسین و ستمائة و استمرّت الی ضحی النهار یوم الجمعة فسکنت و ظهرت بقریظة النار بطرف الحرّة تری فی صفة البلدة العظیمة علیها سور محیط علیه شراریف و أبراج و ماذن و تری رجال یوقدونها لا تمرّ علی جبل الا دکته و أذابته و یخرج من مجموع ذلک مثل النهر أحمر و ازرق له دویّ کدویّ الرعد یأخذ الصخور بین یدیه و ینتهی الی محط الرکب العراقی و اجتمع من ذلک ردم صار کالجبل العظیم فانتهت النار الی قرب المدینة و مع ذلک کان یأتی الی المدینة نسیم بارد و شوهد لهذه النار غلیان کغلیان البحر و قال لی بعض أصحابنا رأیتها صاعدة فی الهواء من نحو خمسة أیام و سمعت انها رؤیت من مکة و من جبال بصری و نقل أبو شامة من کتاب الشریف سنان قاضی المدینة الشریفة و غیره أنّ فی لیلة الاربعاء ثالثة جمادی الآخرة حدثت بالمدینة فی الثلث الاخیر من اللیل زلزلة عظیمة أشفقنا منها و باتت فی تلک اللیلة تزلزل ثم استمرّت تزلزل کل یوم و لیلة مقدار عشر مرّات و فی کتاب بعضهم أربع عشرة مرّة قال و لقد تزلزلت مرّة و نحن حول الحجرة فاضطرب لها المنبر الی أن سمعنا منه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:373
صوتا للحدید الذی فیه و اضطربت قنادیل الحرم الشریف* و زاد القاشانی ثم فی الیوم الثالث و هو یوم الجمعة تزلزلت الارض زلزلة عظیمة الی أن اضطرب منها المسجد و سمع لسقف المسجد صریر عظیم* قال القطب فلما کان یوم الجمعة نصف النهار ظهرت تلک النار فثار من محل ظهورها فی الجوّ دخان متراکم غشی الافق سواده فلما تراکمت الظلمات و أقبل اللیل سطع شعاع النار و ظهرت مثل المدینة العظیمة فی جهة المشرق* قال القاضی سنان و طلعت الی الامیر و کان عز الدین منیف بن شیخه و قلت له قد أحاط بنا العذاب ارجع الی اللّه فأعتق کل ممالیکه و ردّ علی الناس مظالمهم زاد القاشانی و أبطل المکس ثم هبط الامیر الی النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و بات فی المسجد لیلة الجمعة و لیلة السبت و معه جمیع أهل المدینة حتی النساء و الصغار و لم یبق أحد فی النخل الا جاء الی الحرم الشریف و بات الناس یتضرّعون و یبکون و أحاطوا بالحجرة الشریفة کاشفین رءوسهم مقرّین بذنوبهم مبتهلین مستجیرین بنبیهم* قال القطب فصرف اللّه عنهم تلک النار العظیمة ذات الشمال و نجوا من الاوجال فسارت تلک النار من مخرجها و سال بحر عظیم من النار و أخذت فی وادی أخیلیین و أهل المدینة یشاهدونها من دورهم کأنها عندهم و مالت عن مخرجها الی جهة الشمال و استمرّت مدّة ثلاثة أشهر علی ما ذکره المؤرّخون قال و هی تسکن مرّة و تظهر أخری* و ذکر القسطلانی عمن یثق به انّ أمیر المدینة أرسل عدّة من الفرسان الی هذه النار للاتیان بخبرها فلم تجسر الخیل علی القرب منها فترجل أصحابها و قربوا منها فذکروا انها ترمی بشرر کالقصر و لم یظفروا بجلیة أمرها فجرّد عزمه للاحاطة بخبرها فذکروا انه وصل منها الی قدر غلوتین بالحجر و لم یستطع أن یجاوز موقفه من حرارة الارض و احجار کالمسامیر تحتها نار ساریة و مقابله ما یتصاعد من اللهب فعاین نارا کالجبال الراسیات و التلال المجتمعة السائرات تقذف بزبد الاحجار کالبحار المتلاطمة الامواج و عقد لهیبها فی الافق قتاما حتی ظنّ الظانّ انّ الشمس و القمر کسفا اذ سلبا بهجة الاشراق فی الآفاق و لو لا کفایة اللّه کفتها لأکلت ما تقدم علیه من الحیوان و النبات و الحجر* و ذکر الجمال المطرزی بعض ما یخالف هذا فانه قال اخبرنی علم الدین سنجر العزی من عتقاء الامیر عز الدین منیف بن شیخه صاحب المدینة قال ارسلنی مولای الامیر عز الدین بعد ظهور النار بأیام و معی شخص من العرب و قال لنا و نحن فارسان اقربا من هذه النار و انظر اهل یقدر أحد علی القرب منها فانّ الناس یهابونها لعظمتها فخرجت أنا و صاحبی الی أن قربنا منها و لم نجد لها حرّا فنزلت عن فرسی و سرت الی أن وصلت إلیها و هی تأکل الصخر و الحجر فأخذت سهما من کنانتی و مددت به یدی الی أن وصل النصل إلیها فلم أجد لذلک ألما و لا حرّا فغرق النصل و لم یحترق العود فأدرت السهم و أدخلت فیها الریش فاحترق الریش و لم تؤثر فی العود و ذکر المطرزی قبل ذلک انها کانت تأکل کلما مرّت علیه من جبل و حجر و لا تأکل الشجر قال و ظهر لی فی ذلک انه لتحریم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم شجر المدینة فمنعت من أکل شجرها لوجوب طاعته علیه السلام علی کل مخلوق* و ذکر القسطلانی انّ هذه النار لم تزل مارّة علی سبیلها حتی اتصلت بالحرّة و وادی الشظاة و هی تسحق ما والاها و تذیب ما لاقاها من الشجر الاخضر و الحصا من قوّة اللظی و انّ طرفها الشرقی أخذ بین الجبال فحالت دونه ثم وقفت و انّ طرفها الشامی و هو الذی یلی الحرم اتصل بجبل یقال له وعر علی قرب من شرقی جبل أحد و مضت فی الشظاة الذی فی طرفه وادی حمزة ثم استمرّت حتی استقرّت تجاه حرم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم و أطفئت* قال المطرزی و أخبرنی بعض من أدرکها من النساء انهنّ کنّ یغزلن علی ضوئها باللیل علی أسطحة البیوت بالمدینة الشریفة* قال القسطلانی انّ ضوأها استولی علی ما بطن من القیعان و ظهر من التلاع حتی کانّ الحرم النبوی علیه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:374
الشمس مشرقة و جملة أماکن المدینة بأنوارها محدقة و دام علی ذلک لهبها حتی تأثر له النیران و صار نور الشمس علی الارض یعتریه صفرة و لونها من تصاعد الالتهاب یعتریه حمرة و القمر کأنه قد کسف من اضمحلال نوره* و أخبرنی جمع ممن توجه للزیارة علی طریق الشام انهم شاهدوا ضوأها علی ثلاث مراحل للمجدّ و آخرون انهم شاهدوها من جبال ساریة و نقل أبو شامة عن مشاهدة کتاب الشریف سنان قاضی المدینة انّ هذه النار رؤیت من مکة و من الفلاة جمیعها و رآها أهل الینبع قال أبو شامة و أخبرنی بعض من أثق به ممن شاهدها بالمدینة انه بلغه انه کتب بتیماء علی ضوئها الکتب* و قال المجد الشمس و القمر فی المدّة التی ظهرت فیها ما یطلعان الا کاسفین* قال أبو شامة و ظهر عندنا بدمشق أثر ذلک الکسوف من ضعف النور علی الحیطان و کنا حیاری فی سبب ذلک الی أن بلغنا الخبر عن هذه النار و یقول فی آخر کلامه و عجائب هذه النار و عظمها یکل عن وصفها اللسان و الاقلام و تجل أن یحیط بشرحها البیان و الکلام فظهر بظهورها معجزة للنبیّ صلی اللّه علیه و سلم لوقوع ما أخبر به و هی هذه النار اذ لم یظهر من زمنه قبلها و لا بعدها نار مثلها* قال القسطلانی ان جاء من أخبر برؤیتها ببصری فلا کلام و الا فیحتمل أن یکون ذکر ذلک فی الحدیث علی وجه المبالغة فی ظهورها أو أنها بحیث تری و قد جاء من أخبر انه أبصرها بتیماء و بصری منها مثل ما هی من المدینة فی البعد* و عن القرطبی انه بلغه انها رؤیت من جبال بصری* قال الشیخ عماد الدین بن کثیر اخبرنی قاضی القضاة صدر الدین الحنفی قال اخبرنی والدی الشیخ صفی الدین مدرس مدرسة بصری انه أخبره غیر واحد من الاعراب صبیحة اللیلة التی ظهرت فیها هذه النار ممن کان یحاضره ببلد بصری انهم رأوا صفحات أعناق ابلهم فی ضوء تلک النار فقد تحقق بذلک انها الموعود بها* قال المؤرّخون و کان ظهور هذه النار من صدر واد یقال له وادی أخیلیین* و قال البدر بن فرحون انها سالت فی وادی أخیلیین و موضعها شرقی المدینة علی طریق السوارقیة مسیرة من الصبح الی الظهر* و قال القسطلانی ظهرت فی جهة المشرق علی مرحلة متوسطة من المدینة فی موضع یقال له قاع الهیلا علی قرب من مساکن قریظة شرقی قباء فهی بین قریظة و موضع یقال له أحیلیین ثم عرجت و استقبلت الشأم سائلة الی أن وصلت الی موضع یقال له قرین الارنب بقرب من أحد فوقفت و انطفأت و انصرفت* قال المؤرّخون و استمرّت هذه النار مدّة ظهورها تأکل الاحجار و الجبال و تسیل سیلا ذریعا فی واد یکون طوله مقدار أربعة فراسخ و عرضه أربعة أمیال و عمقه قامة و نصف و هی تجری علی وجه الارض و الصخر یذوب حتی یبقی مثل الانک فاذا خمد اسودّ بعد ان کان أحمر و لم یزل یجتمع من هذه الحجارة المذابة فی آخر الوادی عند منتهی الحرّة حتی قطعت فی وسط وادی الشظاة الی جهة جبل وعر فسدّت الوادی المذکور بسد عظیم من الحجر المسبوک بالنار و لا کسدّ ذی القرنین یعجز عن وصفه الواصف و لا مسلک لانسان فیه و لا دابة و هذا من فوائد ارسال هذه النار فان تلک الجهة کثیرا ما یطرق منها المفسدون لکثرة الاعراب بها فسار السلوک الی المدینة متعسرا علیهم جدّا* قال القسطلانی أخبرنی جمع ممن أرکن الی قولهم انّ النار ترکت علی الارض من الحجر ارتفاع رمح طویل علی الارض الاصلیة* قال المؤرّخون انقطع وادی الشظاة بسبب ذلک و صار السیل اذا سال ینحبس خلف السدّ المذکور حتی یصیر بحرا مد البصر عرضا و طولا فانخرق من تحته فی سنة تسعین و ستمائة لتکاثر الماء من خلفه فجری فی الوادی المذکور سنتین کاملتین أما السنة الاولی فکانت ملئ ما بین جانبی الوادی و أما الثانیة فدون ذلک ثم انخرق مرّة أخری فی العشر الاول بعد السبعمائة فجری سنة کاملة أو أزید ثم انخرق فی سنة أربع و ثلاثین و سبعمائة و کان ذلک بعد تواتر أمطار عظیمة فی الحجاز فکثر الماء و علا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:375
من جانبی السدّ و من دونه مما یلی جبل وعر و تلک النواحی فجاء سیل طام لا یوصف و لو زاد مقدار ذراع فی الارتفاع وصل الی المدینة و کان أهل المدینة یقفون خارج باب البقیع علی التل الذی هناک فیشاهدونه و یسمعون خریرا توجل القلوب دونه فسبحان القادر علی ما یشاء* و من العجائب انّ فی السنة التی ظهرت فیها هذه النار احترق المسجد الشریف النبوی بعد انطفائها و سیجی‌ء و زادت دجلة زیادة عظیمة فغرق أکثر بغداد و تهدّمت دار الوزیر و کان ذلک انذارا لهم ولیتهم اتعظوا*

ذکر احتراق المسجد النبوی‌

قال المؤرّخون احترق المسجد النبوی لیلة الجمعة أوّل شهر رمضان من سنة أربع و خمسین و ستمائة فی أوّل اللیل و نقل أبو شامة انّ ابتداء حرقه کان من زاویته الغربیة من الشمال و سبب ذلک کما ذکره أکثرهم انّ أبا بکر بن أوحد الفراش أحد القوام بالمسجد الشریف دخل الی حاصل المسجد هناک و معه نار فغفل عنها الی ان علقت فی بعض الآلات التی کانت فی الحاصل و أعجزه اطفاؤها ثم احترق الفراش المذکور و الحاصل و جمیع ما فیه* و قال القسطلانی دخل أحد قومة المسجد فی المخزن الذی فی الجانب الغربی من أخریات المسجد لاستخراج قنادیل لمنائر المسجد فاستخرج منها ما احتاج إلیه ثم ترک الضوء الذی کان فی یده علی قفص من أقفاص القنادیل و فیه مشاق فاشتعلت فیه النار و بادر لان یطفئه فغلبته و علقت بحصر المسجد و بسطه و أقفاص و قصب کان فی المخزن ثم تزاید الالتهاب و تضاعف الی ان علا الی سقف المسجد* و فی العبر للذهبی ان حرقه کان من مسرجة القوّام* قال المؤرّخون ثم دبت النار فی السقف بسرعة آخذة قبلة و أعجزت الناس عن اطفائها بعد أن نزل أمیر المدینة و اجتمع معه غالب أهل المدینة فلم یقدروا علی اطفائها و ما کان الا أقل من القلیل حتی استولی الحریق علی جمیع سقف المسجد الشریف و احترق جمیعه حتی لم یبق خشبة واحدة سالمة قال القسطلانی و تلف جمیع ما احتوی علیه المسجد الشریف من المنبر النبوی و الابواب و الخزائن و الشبابیک و المقاصیر و الصنادیق و ما اشتملت علیه من کتب و کسوة الحجرة و کان علیها أحد عشر ستارة* ثم ذکر القطب حکما لذلک و أسرارا ککون تلک الزخارف لم ترضاه علیه السلام و أنشد ابراهیم بن محمد الکنانی رئیس المؤذنین هو و أبوه قال وجد بعد الحریق فی بعض جدران المسجد بیتان و هما شعر
لم یحترق حرم النبیّ لریبةیخشی علیه و ما به من عار
لکنه أیدی الروافض لامست‌تلک الرسوم فطهرت بالنار و أوردهما المجد هکذا شعر
لم یحترق حرم النبیّ لحادث‌یخشی علیه ولادها و العار
لکنما أیدی الروافض لامست‌ذاک الجناب فطهرته النار و لم یسلم سوی القبة التی أحدثها الناصر لدین اللّه لکونها بوسط صحن المسجد و ببرکة المصحف الشریف العثمانی و عدة صنادیق کبار*

ذکر الاحتراق الثانی‌

قال المؤرّخون احترق المسجد النبوی ثانی الاحتراقین أوّل الثلث الاخیر من لیلة الثالث عشر من شهر رمضان عام ست و ثمانین و ثمانمائة و ذلک انّ رئیس المؤذنین و صدر المدرسین الشیخ شمس الدین محمد بن الخطیب قام یهلل حینئذ بالمنارة الشرقیة الیمانیة المعروفة بالرئیسة و صعد المؤذنون بقیة المنائر و قد تراکم الغیم فحصل رعد قاصف أیقظ النائمین فسقطت صاعقة أصاب بعضها هلال المنارة المذکورة فسقط شرقی المسجد و له لهب کالنار و انشق رأس المنارة و توفی الرئیس المذکور لحینه صعقا ففقد صوته من کان علی بقیة المنائر فنادوه فلم یجب فصعد إلیه بعضهم فوجده میتا و أصاب ما نزل من الصاعقة سقف المسجد الاعلی بین المنارة الرئیسة و قبة الحجرة النبویة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:376
فثقبه ثقبا کالترس و علقت النار فیه و فی السقف الاسفل ففتح الخادم أبواب المسجد قبل الوقت المعتاد و قبل اسراجه و نودی بالحریق فی المسجد فاجتمع أمیر المدینة و أهلها بالمسجد الشریف و صعد أهل النجدة منهم بالمیاه لاطفاء النار و قد التهبت سریعا فی السقفین و أخذت لجهة الشمال و المغرب فعجزوا عن اطفائها و کلما حاولوه لم تزدد الا التهابا و اشتعالا فحاولوا قطعها بهدم بعض ما أمامها من السقف فسبقتهم لسرعتها و تطبق المسجد بدخان عظیم فخرج غالب من کان به و لم یستطیعوا المکث فکان ذلک سبب سلامتهم و هرب من کان بسطح المسجد الی شمالیه و نزلوا بما کان معهم من حبال الدلاء التی استقوا بها الماء لخارج المسجد علی المیضأة و البیوت التی هناک و ما حول ذلک و سقط بعضهم فهلک و نزل طائفة منهم الی المسجد من الدرج فاحترق بعضهم و لجأ بقیتهم الی صحن المسجد مع من حالت النار بینه و بین أبواب المسجد ممن کان اسفل منهم و منهم الشیخ شمس الدین محمد بن المسکین المعروف بالعوفی فمات بعد أیام لضیق نفسه بسبب الدخان و احترق من الخدام الزینی سند نائب خازندار الحرم و مات جماعة تحت هدم الحریق من الفقراء و سودان المدینة و جملة من مات بسبب ذلک بضع عشرة نفسا و کان سلامة من بقی بالمسجد علی خلاف القیاس لانّ النار عظمت جدّا حتی صار المسجد کبحر لجیّ من نار و لها زفیر و شهیق و ألسن تصعد فی الجوّ و صار لهبها یؤثر من بعید حتی أثرت فی النخلات التی فی صحن المسجد* و فی سنة أربع و خمسین و ستمائة خرج الطاغیة العنید مبید الامم هولاکو فأخذ قلعة الموت من الاسماعیلیة و قتلهم و أخرب نواحی الری و بذلت السیوف علی عوائدهم فتوجه الکامل محمد صاحب میافارقین الی خدمة هولاکو فأعطاه القرمان ثم نزل هولاکو باذربیجان و أخذها* و فی سنة خمس و خمسین و ستمائة ثارت فتنة مهولة ببغداد بین السنیة و الرافضة أدّت الی نهب عظیم و خراب و قتل عدّة من الرافضة فغضب لها و تنمر ابن العلقمی الوزیر و جسر التتار علی العراق لیشتفی من السنیة*

وصول هولاکو الی بغداد

و فی أوّل سنة ست و خمسین و ستمائة وصل الطاغیة هولاکو بن تولی بن جنکیزخان المغلی بغداد بجیوشه و بالکرج و بعسکر الموصل فخرج الدویدار بالعسکر فالتقی طلائع هولاکو و علیهم یاجونوس فانکسر المسلمون لقلتهم ثم أقبل یاجونوس فنزل علی بغداد من غربیها و نزل هولاکو من شرقیها فقال الوزیر ابن العلقمی للخلیفة المستعصم باللّه انی أخرج الی القاآن الاعظم فی تقریر الصلح فخرج الکلب و توثق لنفسه و رجع فقال انّ القاآن قد رغب فی أن یزوّج بنته بابنک و أن تکون الطاعة له کالملوک السلجوقیة و یرحل عنک فخرج المستعصم فی أعیان دولته و أکابر الوقت لیحضروا العقد فضربت رقاب الجمیع و قتلوا الخلیفة رفسوه حتی مات و دخلت التتار بغداد و اقتسموها و کل أخذ ناحیة و بقی السیف یعمل أربعة و ثلاثین یوما و قلّ من سلم فبلغت القتلی ألف ألف و ثمانمائة ألف و زیادة فعند ذلک نادوا بالامان ثم أمر هولاکو بضرب عنق یاجونوس لکونه کاتب الخلیفة و أرسل الی صاحب الشام یهدّده ان لم یخرب أسوار بلاده کذا فی دول الاسلام* و فی تاریخ الجمالی یوسف سبب قتل المستعصم باللّه انه لما ولی الخلافة لم یستوثق أمره لانه کان قلیل المعرفة بتدبیر الملک نازل الهمة مهملا للامور المهمة محبا لجمع المال أهمل أمر هولاکو و انقاد الی وزیره ابن العلقمی حتی کان فی ذلک هلاکه و هلاک الرعیة فانّ وزیره ابن العلقمی الرافضی کان کتب کتابا الی هولاکو ملک التتار فی الدشت انک تحضر الی بغداد و انا أسلمها لک و کان قد داحل قلب اللعین الکفر فکتب هولاکو انّ عساکر بغداد کثیرة فان کنت صادقا فیما قلته و داخلا فی طاعتنا فرّق عساکر بغداد و نحن نحضر* فلما وصل کتابه الی الوزیر دخل الی المستعصم و قال ان جندک کثیرة و علیک کلفة کبیرة و العدوّ قد رجع
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:377
من بلاد العجم و الصواب انک تعطی دستور الخمسة عشر ألفا من عسکرک و توفر معلومهم فأجابه المستعصم لذلک فخرج الوزیر لوقته و محا اسم من ذکر من الدیوان ثم نفاهم من بغداد و منعهم من الاقامة بها ثم بعد شهر فعل مثل فعلته الاولی و محا اسم عشرین ألفا من الدیوان ثم کتب الی هولاکو بما فعل و کان قصد الوزیر بمجی‌ء هولاکو أشیاء منها انه کان رافضیا خبیثا و أراد أن ینقل الخلافة من بنی العباس الی العلویین فلم یتم له ذلک من عظم شوکة بنی العباس و عساکرهم فافکر أن هولاکو اذا قدم یقتل المستعصم و أتباعه ثم یعود الی حال سبیله و قد زالت شوکة بنی العباس و قد بقی هو علی ما کان علیه من العظمة و العساکر و تدبیر المملکة فیقوم عند ذلک بدعوة العلویین الرافضة من غیر ممانع لضعف العساکر و لقوّته ثم یضع السیف فی أهل السنة فهذا کان قصده لعنه اللّه* و لما بلغ هولاکو ما فعل الوزیر ببغداد رکب و قصدها الی أن نزل علیها و صار المستعصم یستدعی العساکر و یتجهز لحرب هولاکو و قد اجتمع أهل بغداد و تحالفوا علی قتال هولاکو و خرجوا الی ظاهر بغداد و مشی علیهم هولاکو بعساکره فقاتلوا قتالا شدیدا و صبر کل من الطائفتین صبرا عظیما و کثرت الجراحات و القتلی فی الفریقین الی أن نصر اللّه تعالی عساکر بغداد و انکسر هولاکو أقبح کسرة و ساق المسلمون خلفهم و أسروا منهم جماعة و عادوا بالاسری و رءوس القتلی الی ظاهر بغداد و نزلوا بخیمهم مطمئنین بهروب العدوّ فأرسل الوزیر ابن العلقمی فی تلک اللیلة جماعة من أصحابه فقطعوا شط الدجلة فخرج ماؤها علی عساکر بغداد و هم نائمون فغرقت مواشیهم و خیامهم و أموالهم و صار السعید منهم من لقی فرسا یرکبها و کان الوزیر قد أرسل الی هولاکو یعرّفه بما فعل و یأمره بالرجوع الی بغداد فرجعت عساکر هولاکو الی ظاهر بغداد فلم یجدوا هناک من یردّهم فلما أصبحوا استولوا علی بغداد و بذلوا فیها السیف و وقع منهم أمور یطول شرحها و المقصودان هولاکو استولی علی بغداد و أخذ المستعصم أسیرا ثم بذل السیف فی المسلمین فلم یرحم شیخا کبیر الکبره و لا صغیر الصغره* و لما أخذ الخلیفة أسیرا هو و ولده و أحضر بین یدیه أمر به هولاکو فأخرج من بغداد و أنزله بمخیم صغیر بظاهر بغداد هو و ولده ثم فی عصر ذلک الیوم وضع الخلیفة و ولده فی عدلین و أمر التتار برفسهما الی أن ماتا فی المحرّم سنة ست و خمسین و ستمائة ثم نهبت دار الخلافة و مدینة بغداد حتی لم یبق فیها لا ما قلّ و لا ما جلّ ثم أحرقت بغداد بعد أن قتل اکثر أهلها حتی قیل ان عدّة من قتل فی نوبة هولاکو یزید علی ألفی ألف و ثلاثین ألف انسان و انقرضت الخلافة من بغداد بقتل المستعصم هذا و بقیت الدنیا بلا خلیفة سنین الی أن أقام الملک الظاهر بیبرس البندقداری بعض بنی العباس فی الخلافة حسبما یأتی ذکره علی سبیل الاختصار* و کانت خلافة المستعصم خمس عشرة سنة و ثمانیة أشهر و أیاما و تقدیر عمره سبع و أربعون سنة و زالت الخلافة من بغداد قال الشاعر
خلت المنابر و الاسرة منهم‌فعلیهم حتی الممات سلام و أما الوزیر العلقمی فلم یتم له ما أراد من أن التتار یبذلون السیف فی أهل السنة فجاء بخلاف ما أراد و بذلوا السیف فی أهل السنة و الرافضة کلهم و هو فی منصبه مع الذل و الهوان و هو یظهر قوّة النفس و الفرح و أنه بلغ مراده فلم یلبث أن أمسکه هولاکو بعد قتل المستعصم بأیام و وبخه بألفاظ شنیعة معناها انه لم یکن له خیر فی مخدومه و لا فی دینه فکیف یکون له خیر فی هولاکو ثم انه قتله أشرّ قتلة فی أوائل سنة سبع و خمسین و ستمائة الی سقر لا دنیا و لا آخرة* و فی دول الاسلام و هو الوزیر المدبر المعتبر مؤید الدین محمد بن محمد بن العلقمی قرّر مع هولاکو أمورا فانعکست علیه و عض یده ندما و بقی یرکب اکدیشا فنادته عجوز یا ابن العلقمی أ هکذا کنت ترکب فی أیام المستعصم و استشهد ببغداد
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:378
العلامة استاذ دار الخلافة محیی الدین یوسف بن الجزری و أولاده و فیها نزل هولاکو علی آمد و بعث إلیه صاحب ماردین بالتقادم مع ولده الملک المظفر فقبض و اشتدّت الاراجیف بقصد التتار الی الشام و نزح الخلق الی مصر فقبض الامیر قطن علی ابن استاذه الملک المنصور بن المعز و تسلطن و لقب بالملک المظفر و نازلت التتار فی آخر العام حلب ثم دخلت سنة ثمان و خمسین و ستمائة و هولاکو قد عدّی الفرات بجیوشه لمحاصرته حلب فنزلوها ففی الیوم الثامن أخذوا حلب و رکبوا السور الخارج و نزلوا فوضعوا السیف یومین و أبادوا الخلق ثم أخذوا قلعة حلب الداخلة بالامان و عصت قلعة دمشق و حاصرتها التتار و بالآخرة نزل أهلها و سکنها نائب التتار و سلموا قلعة بعلبک و أخذوا نابلس و غیرها بالسیف*

(خلافة المستنصر باللّه أبی العباس أحمد بن الخلیفة الظاهر باللّه محمد بن الناصر لدین اللّه أحمد بن المستضی‌ء حسن بن المستنجد یوسف بن المقتفی محمد العباسی الاسود)

* و کانت أمه حبشیة و قد تقدّم بقیة نسبه و کان بطلا شجاعا قدم مصر و عرفوه و هو عم المستعصم المقتول بویع المستنصر هذا بالخلافة بالقاهرة* و قصته انه کان معتقلا ببغداد فی وقعة التتار و لما حضر الی الدیار المصریة فی تاسع شهر رجب رکب السلطان الظاهر بیبرس الترکی القفجاقی البندقداری ثم الصالحی النجمی و خرج الی تلقیه فی موکب عظیم فتلقاه و أکرمه و أنزله بقلعة الجبل و قصد السلطان اثبات نسبه الی العباس و تقریره فی الخلافة لکونها کانت شاغرة من یوم قتل المستعصم من سنة ست و خمسین الی یوم تاریخه فعمل السلطان الموکب و أحضر الامراء و القضاة و العلماء و الفقهاء و الصلحاء و أعیان الصوفیة بقاعة الأعمدة من قلعة الجبل و حضر السلطان و تأدب مع المستنصر و جلس بغیر مرتبة و لا کرسی و أمر باحضار العربان الذین حضروا مع المستنصر من العراق فحضروا و حضر طواشی من البغاددة فسألوا منه هذا هو الامام أحمد بن الخلیفة الظاهر بأمر اللّه بن الناصر لدین اللّه فقال نعم و شهد جماعة بالاستفاضة و هم جمال الدین یحیی نائب الحکم بمصر و علم الدین بن دستق و صدر الدین بن برهوت الجزری و نجیب الدین الحرانی و سدید الدین البرمینی نائب الحکم بالقاهرة عند قاضی القضاة تاج الدین بن بنت الاعز فسجل علی نفسه بالثبوت فلما ثبت قام قاضی القضاة قائما و أشهد علی نفسه بثبوت النسب و بایعه فتمت بیعة المستنصر بالخلافة و کتب السلطان الی النوّاب و الملوک بأن یخطبوا باسمه و اسم السلطان الظاهر ثم ان الخلیفة خلع علی السلطان بیبرس خلعته فلبسها السلطان و نزل من القلعة فی موکبه و شق القاهرة و هی فرجیة سوداء بترکیبة زرکش و عمامة سوداء و طوق من ذهب و سیف بداوی ثم کتب للسلطان تقلیدا عظیما فلما تم ذلک کله أخذ السلطان فی تجهیز المستنصر و ارساله الی بغداد فرتب له الامیر سابق الدین أتابکا و السید الشریف أحمد أستادارا و الامیر فتح الدین بن الشهاب خازندارا و الامیر ناصر الدین صبرم دویدارا و بلبان الشمسی و أحمد بن أیدمر الیعمری دویدارین أیضا و القاضی کمال الدین السخاوی وزیرا و عین له السلطان خانه و سلاح خزانه و ممالیک کبارا و صغارا أربعین نفرا و أمر له بمائة فرس و عشر قطار من الجمال و عشر قطار من البغال و عین له البیوتات علی العادة و جهز معه خمسمائة فارس ثم تجهز السلطان أیضا و خرج بعساکره الی دمشق ثم من دمشق جرّد معه الامیر بلبان الرشیدی و سنقر الرومی و معهما طائفة من العساکر المصریة و الشامیة و أوصاهما أن یوصلا المستنصر الی الفرات ثم ودّع السلطان الخلیفة و سافر الخلیفة فی ثالث ذی القعدة من سنة تسع و خمسین و ستمائة و سار الی أن نزل علی الرحبة فلقی علیها الامیر علی بن خدیشة من آل فضل فی أربعمائة فارس فرحلوا فی خدمة الخلیفة الی أن نزل مشهد علی ثم قصد هیت فاتصل خبره بقرابغا مقدّم التتار ببغداد و بات المستنصر لیلة الاحد ثالث المحرّم من
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:379
سنة ستین بجانب الانبار فلما أصبح وصل قرابغا المذکور بمن معه من عساکر التتار فاقتتلوا فانکسر مقدّم التتار و وقع أکثرهم فی الفرات* و کان قرابغا قد أکمن جماعة من عسکره فخرج الکمین و أحاط بعسکر الخلیفة فقتلوا عسکر الخلیفة و لم ینج منهم الا من طوّل اللّه فی عمره و أضمرت البلاد الخلیفة المستنصر و عدم فی الوقعة و لم یعلم له خبر الی یومنا هذا* و قد اختصر ناقصة المستنصر و بیعته من خوف التطویل* و فی دول الاسلام فی سنة تسع و خمسین و ستمائة تجمع فی أوّلها خلق من التتار من الذین بالجزیرة و غیرهم فأغاروا علی حلب و ساقوا الی حمص عند ما سمعوا بقتل السلطان الذی کسرهم فالتقاهم صاحب حمص الملک الاشرف و صاحب حماة و حسام الدین الجوکندار و عدّتهم ألف و أربعمائة فارس و التتار فی ستة آلاف فحمل المسلمون حملة صادقة فکان لهم النصر و وضعوا السیف فی الکفرة حتی حصدوا أکثرهم و انهزم مقدّمهم بیدو بأسوإ حال و العجب انه ما قتل من المسلمین سوی رجل واحد* و فی سنة ستین و ستمائة فی رمضان أخذت التتار الموصل بعد حصار تسعة أشهر أخذوها بخدیعة و طمنوا الناس حتی خربوا السور ثم وضعوا السیف فی الخلق تسعة أیام ثم قتلوا صاحبها الصالح إسماعیل بن بدر الدین لؤلؤ و فیها وقع الحرب بین هولاکو و بین ابن عمه برکه صاحب مملکة القفجاق فانکسر هولاکو و قتلت أبطاله*

(خلافة الحاکم بأمر اللّه أبی العباس أحمد بن محمد بن الحسن بن علی الفتی بن الراشد باللّه منصور بن المسترشد الفضل بن المستظهر أحمد بن المقتدی عبد اللّه بن الامیر محمد الذخیرة الهاشمی العباسی)

* أمیر المؤمنین أوّل خلفاء مصر من بنی العباس قدم الی مصر فی یوم الخمیس السادس و العشرین من صفر سنة ستین و ستمائة فأنزله الظاهر بیبرس الصالحی النجمی البندقداری بالبرج الکبیر من قلعة الجبل و رتب له من الرواتب ما یکفیه فأقام علی ذلک الی ثامن المحرّم سنة احدی و ستین و ستمائة فعقد له الملک الظاهر مجلس البیعة بالایوان من القلعة و حضر الوزیر و القضاة و الامراء و أرباب الدولة و قرئ نسب الحاکم هذا علی قاضی القضاة و شهد عنده جماعة فأثبته ثم مدّ یده فبایعه بالخلافة ثم بایعه السلطان ثم الوزیر ثم الاعیان علی طبقاتهم و خطب له علی المنبر و کتب السلطان الی النوّاب و الی ملوک الاقطار أن یخطبوا باسمه ثم أنزله السلطان الی مناظر الکبش فأسکنه بها الی ان مات* و فی دول الاسلام فعند ذلک قلد السلطنة للملک الظاهر و من الغد خطب الحاکم بأمر اللّه المذکور خطبة أوّلها الحمد للّه الذی أقام لآل العباس رکنا و ظهیرا*

هلاک هولاکو

و فی أیامه فی سنة أربع و ستین و ستمائة مرض طاغیة المغول هولاکو بن تولی بن جنکیزخان الذی أباد الامم ببغداد و حلب و کان ذا سطوة و هیبة شدیدة و حزم و دهاء و خبرة بالحروب مات علی دینه بعلة الصرع بمراغة و بنوا علی قبره قبة بقلعة تلا و قام بعده ابنه أبغا و فی رجب سنة خمس و ستین و ستمائة مات صاحب مملکة القفجاق برکه بن نوشی بن جنکیزخان و قام بعده منکوتمر ابن أخیه* و فی سنة ست و ستین و ستمائة مات صاحب الروم رکن الدین کیقباد بن السلطان کیخسرو بن کیقباد السلجوقی و کان هو و أبوه من تحت أوامر التتار فقتلوه فی هذه السنة و له نحو من ثلاثین سنة* و فی سنة اثنتین و سبعین و ستمائة مات بالروم الصدر القونوی و ببغداد خواجا نصیر الطوسی* و فی سنة أربع و سبعین و ستمائة نازلت التتار فی ثلاثین ألفا البیرة فکبسهم أهل البیرة و أحرقوا المجانیق فترحلوا بعد حصار تسعة أیام و فی سنة ست و سبعین و ستمائة فی رجبها مات شیخ الاسلام شیخ الشافعیة القدوة الزاهد العلم محیی الدین یحیی بن شرف الدین النووی و له خمس و أربعون سنة و نصف و له سیرة مفردة فی علومه و تصانیفه و دینه و یقینه و ورعه و زهده و قناعته بالیسیر و تعبده و تهجده و خوفه من اللّه تعالی و قبره بنوی یزار*

وقعة التتار فی حمص‌

و فی سنة ثمانین و ستمائة کانت وقعة حمص أقبلت التتار کالسیل و عدّوا الفرات و انجفل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:380
الخلق و تهیأ السلطان بدمشق فنازل الرحبة ثلاثة آلاف و جاء منکو تمر بن هولاکو بمائة ألف من ناحیة حلب و خرج الجیش المنصور مع السلطان المنصور و حضر الی خدمته سنقر الاشقر فاحترمه السلطان و حضر أیدمش السعدی و الحاج ازدمر فکان المصاف شمالی حمص فی رجب بکرة الخمیس و کان الجیش المنصور یقارب خمسین ألف راکب فاستظهر العدوّ أوّلا و کسروا المیسرة و اضطربت المیمنة و ثبت السلطان أیده اللّه بمن حوله من أبطال المسلمین و بقی المصاف الی بعد العصر و ثبت الفریقان و کثر القتل و أشرف الاسلام علی خطة صعبة ثم تناجی الکبار مثل بیسری و سنقر الاشقر و علاء الدین طیبرس و أیدمش السعدی و أمیر سلاح بکتاش و طرنطای المنصوری و نائب الشام لاجین و حملوا علی التتار عدّة حملات الی أن جرح منکو تمر فاشتغلت التتار فقیل انّ الجارح له ازدمر ساق و خرق فی التتار الی عند مقدّمهم منکوتمر و طعنه برمحه فاستشهد ازدمر رحمه اللّه و نزل النصر و رکب المسلمون أقفیة التتار و استجرّ بهم القتل و بقی السلطان واقفا فی نحو ألف فارس عند الماء و قد رجعت التتار الذین کسروا المیسرة فمرّوا بالسلطان و الکوسات تضرب فلما جاوزوه حملت الخاصکیة علیهم فانهزموا لا یلوون و ذهبت فرقة علی سلمیة و فرقة علی الرستن بأسوإ حال ثم نزل السلطان بعد هویّ من اللیل مؤیدا مظفرا و للّه المنة و زینت البلاد و عاشت العباد و وصل خبر النصر بکرة بعد أن عاین أهل دمشق من نصف اللیل الی بکرة سکرات الموت و تودّعوا من أولادهم و أحبابهم فان عدوّهم کانوا کفارا لا یبقون علی مسلم لو ملکوا و استشهد نحو المائتین منهم ازدمر و سیف الدین الرومی و شهاب الدین توتل و ناصر الدین الکاملی و عز الدین بن النصرة و هلک منکوتمر من تلک الطعنة و مات أخوه الطاغیة أبغا بعد شهرین و کان کافرا سفاکا للدماء مات بهمدان و له نحو من خمسین سنة و تملک بعده أخوه الملک أحمد الذی أسلم* و فیها مات بالموصل الامام شیخ الوقت موفق الدین أحمد بن یوسف الکواشی الزاهد المفسر و له سبعون سنة* و فی أوّل سنة احدی و ثمانین و ستمائة مات منکو تمر بن هولاکو عاش ثلاثین سنة و کان ذا شجاعة و اقدام و کفر نفس و جرأة علی اللّه و علی عباده تمرّض من جرحه و اعتراه صرع حتی هلک* و فی سنة ثلاث و ثمانین و ستمائة مات صاحب خراسان و العراق و أذربیجان و الروم أحمد بن هولاکو بن تولی بن جنکیزخان و کان قد دخل به الاحمدیة النار بین یدی هولاکو فوهبه لهم و سماه أحمد فأسلم و هو صبی و تسلطن بعد أبغا و راسل السلطان الملک المنصور فی الصلح عاش بضعا و عشرین سنة قتله أرغون بن أبغا و ملک البلاد بعده* و فیها توفی صاحب حماة الملک المنصور محمد بن الملک المظفر الایوبی و کانت دولته اثنتین و أربعین سنة و أمه هی غازیة أخت السلطان الملک الصالح أیوب و تملک بعده ابنه الملک المظفر* و فی سنة سبع و ثمانین و ستمائة توفی بمصر الزاهد القدوة الشیخ ابراهیم بن معصار الجعبری و له ثمان و ثمانون سنة و شیخ الاطباء علاء الدین علی بن أبی الحزم بن النفیس الدمشقی صاحب التصانیف بمصر و کان من أبناء الثمانین* و فی سنة تسعین و ستمائة مات أرغون بن أبغا ملک التتار و کان ظلوما غشوما مات علی کفره شابا و کان مقداما شجاعا جبارا شدید القوی یصفّ ثلاثة أفراس و یقف الی جنب أوّلها و یطفر فی الهواء فیرکب الثالثة و هو والد قازان و خربنده* و فی سنة ثلاث و تسعین و ستمائة مات کنجتو بن هولاکو طاغیة التتار تسلطن بعد موت أرغون فی سنة تسعین و مالت طائفة الی بیدو ابن أخیه فملکوه و وقع الخلف بینهم ثم قوی بیدو و قاد الجیوش فالتقی الجمعان فقتل کنجتو و استقل بیدو بالممالک فخرج علیه نائب خراسان غاری بن أرغون و جمع الجیوش و طلب الملک* و فی سنة أربع و تسعین و ستمائة دخل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:381
ملک التتار غازان بن أرغون فی الاسلام و تلفظ بالشهادتین باشارة نائبه نوروز و نثر الذهب و اللؤلؤ علی الخلق و کان یوما مشهودا ثم لقنه نوروز شیئا من القرآن و دخل رمضان فصامه و فشا الاسلام فی التتار و فیها توفی شیخ الحرم الحافظ الفقیه محب الدین أحمد بن عبد اللّه الطبری مصنف الاحکام عن تسع و سبعین سنة* و فی سنة ثمان و تسعین و ستمائة مات ببغداد یاقوت المستعصمی الرومی صاحب الخط البدیع* و فی سنة تسع و تسعین و ستمائة مات من مشایخ دمشق المسند شرف الدین أحمد بن هبة اللّه بن عساکر و له خمس و ثمانون سنة و شیخ المغرب الواعظ القدوة العارف باللّه أبو محمد عبد اللّه بن محمد المرجانی بتونس* و فی سنة سبعمائة ألبست النصاری و الیهود بمصر و الشام العمائم الزرق و الصفر و استمرّ ذلک* و فی سنة احدی و سبعمائة فی صفر خنق شیخ الحنفیة العلامة رکن الدین عبید اللّه بن محمد السمرقندی البارسا مدرس الظاهریة و ألقی فی برکتها و أخذ ماله ثم ظهر قاتله أنه قیم الظاهریة فشنق علی حائطها* و فی ربیع الاوّل ثبت علی قاضی ماردین و نقل ثبوته الی قاضی حماة انه وقع هناک برد علی صورة حیات و عقارب و طیور و رجال و سباع* و فی لیلة الجمعة ثامن عشر جمادی الاولی سنة احدی و سبعمائة توفی أمیر المؤمنین الحاکم بأمر اللّه أبو العباس أحمد الخلیفة العباسی فی سلطنة الناصر محمد بن قلاوون الثانیة و دفن بجوار السیدة نفیسة فی قبة بنیت له و کانت خلافته أربعین سنة و أشهرا و هو أوّل خلیفة دفن بمصر من بنی العباس*

(خلافة المستکفی باللّه أبی الربیع سلیمان بن الحاکم بأمر اللّه أبی العباس أمیر المؤمنین الهاشمی العباسی ثانی خلفاء مصر)

* و قد تقدّم بقیة نسبه فی ترجمة أبیه الحاکم بویع بالخلافة بعهد من أبیه فی جمادی الاولی سنة احدی و سبعمائة و عمره عشرون سنة و قرئ تقلیده بعد عزاء والده و خطب له علی المنابر علی العادة و سکن مکان والده* و فی سنة اثنتین و سبعمائة مات قاضی القضاة بقیة الاعلام تقیّ الدین محمد بن علی بن دقیق العید بالقاهرة و له سبع و سبعون سنة* و فی سنة ثلاث و سبعمائة فی شوّالها مات صاحب العراق غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاکو بقرب همدان مسموما و کان شابا لم یتکهل و تملک بعده أخوه خربنده محمد* و فی سنة خمس عشرة و سبعمائة مات المفتی الاصولی صفیّ الذین محمد بن عبد الرحیم الارموی ثم الهندی بدمشق عن احدی و سبعین سنة و کان شیخ الشیوخ و مدرس الظاهریة و فیها مات صاحب الشرق خربنده بن ارغون بن أبغا المغولی عن بضع و ثلاثین سنة و کان قد أظهر الرفض و أمر قبل هلاکه ببذل السیف فی أهل باب الازج لامتناعهم عن اقامة الخطبة علی شعار الشیعة فما أمهله اللّه فمات بهیضة شدیدة و ملکوا بعده ولده أبا سعید فأظهر السنة و أقام المستکفی باللّه فی الخلافة الی أن سافر فی صحبة الملک الناصر محمد بن قلاوون الی البلاد الشامیة فی نوبة غازان ثم رجع و أقام بالقاهرة علی عادته الی سنة ست و ثلاثین و سبعمائة فتغیر الملک الناصر علیه و أمره بسکنی القلعة فسکن بقلعة الجبل أربعة أشهر و سبعة عشر یوما ثم أمره بالنزول الی داره بالکبش فنزل إلیها و سکنها علی عادته مدّة الی أن بلغ السلطان ما غیره علیه فرسم له یوم السبت ثانی عشر ذی الحجة من سنة ست و ثلاثین و سبعمائة بالتوجه الی قوص و السکن بها فسافر و أقام بقوص الی أن مات فی مستهل شعبان سنة احدی و أربعین و سبعمائة و ورد الخبر علی السلطان بموته و أنه قد عهد لولده أحمد بشهادة أربعین عدلا و أثبت قاضی قوص ذلک فلم یمض الناصر عهده لما کان فی نفسه منه و طلب ابراهیم بن محمد المستمسک بن الحاکم أحمد فی یوم الاثنین ثالث شهر رمضان و اجتمع القضاة بدار العدل علی العادة فعرّفهم السلطان بما أراد من اقامة ابراهیم المذکور فی الخلافة و أمرهم بمبایعته فأجابوه بعدم أهلیته و أن المستکفی قد عهد لولده أحمد و احتجوا بما حکم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:382
به قاضی قوص فکتب السلطان بقدوم أحمد المذکور الی القاهرة و أقام الخطباء بمصر و غیرها نحو أربعة أشهر لا یذکرون فی خطبتهم اسم الخلیفة فلما قدم أحمد من قوص لم یمض السلطان عهده و طلب ابراهیم ثانیا و عرّفه قبح سیرته و ما سمع عنه فأظهر التوبة منها و التزم سلوک طریق الخیر فاستدعی السلطان القضاة و عرفهم انه قد أقام ابراهیم فی الخلافة فأخذ قاضی القضاة عز الدین بن جماعة یعرّفه عدم أهلیته فلم یلتفت السلطان الی کلامه و قال له انه قد تاب و التائب من الذنب کمن لا ذنب له فبایعوه و لقب بالواثق و کانت العامة تسمیه المستعطی فانه کان قبل ذلک یستعطی من الناس ما ینفقه* و استمرّ ابراهیم فی الخلافة علی زعم الملک الناصر الی ان مات الناصر و تسلطن ولده المنصور أبو بکر فی یوم الخمیس حادی عشری ذی الحجة سنة احدی و أربعین و سبعمائة فلما کان یوم السبت سلخ الحجة طلب الملک المنصور القضاة و الاعیان و اجتمعوا بجامع القلعة للنظر فی أمر أحمد المستکفی فاتفق الامر علی خلافة أحمد المذکور بعهد أبیه إلیه بمقتضی المکتوب الثابت علی قاضی قوص فبویع و لقب بالحاکم بأمر اللّه علی لقب جدّه و کان لقب به فی حیاة أبیه* و قد اختلف المؤرّخون فی خلافة ابراهیم هذا فمنهم من عدّه فی الخلفاء لکون السلطان أقامه و بایعه و منهم من لم یعدّه لکون المستکفی کان عهد لولده أحمد و الناظر فی أمرهما بالخیار لما عرفته فان شاء أثبت و ان شاء نفی و اللّه أعلم*

(خلافة الحاکم بأمر اللّه أبی العباس أحمد بن المستکفی سلیمان)

* أمیر المؤمنین الهاشمی العباسی المصری بویع بالخلافة بعد وفاة أبیه بقوص فی العشرین من شعبان سنة احدی و أربعین و سبعمائة و لما بلغ الناصر محمد بن قلاوون موت المستکفی لم یمض خلافة الحاکم هذا و بایع ابراهیم و لقبه بالواثق باللّه فدام ابراهیم علی ذلک الی ان مات الناصر و تسلطن بعده ولده المنصور أبو بکر فعزل ابراهیم و بایع الحاکم هذا و قد تقدّم ذلک کله مفصلا فاستمرّ الحاکم فی الخلافة و سکن بالکبش علی عادة أبیه وجده الی ان توفی سنة أربع و خمسین و سبعمائة و لم یعهد لاحد و کانت خلافة الحاکم نحو أربع عشرة سنة تخمینا*

(خلافة المعتضد باللّه أبی بکر بن المستکفی باللّه سلیمان بن الحاکم)

* و لما توفی الحاکم جمع المتولی لتدبیر مملکة مصر الامیر شیخون العمری الناصری الامراء و القضاة و جمع بنی العباس و عقد بسبب الخلافة مجلسا عظیما و تکلموا فیمن یبایع بالخلافة الی أن وقع الاتفاق علی أبی بکر بن المستکفی أخی الحاکم بأمر اللّه المتوفی فی سنة أربع و خمسین و سبعمائة و استمرّ فی الخلافة الی ان توفی بالقاهرة فی لیلة الاربعاء الثامنة عشر من جمادی الاولی سنة ثلاث و ستین و سبعمائة و عهد بالخلافة الی ولده المتوکل محمد فکانت مدّة خلافته عشر سنین هکذا أرّخه بدر الدین حسن بن حبیب فی تاریخه المسمی بدرة الاسلاک فی تاریخ الاتراک*

(خلافة المتوکل علی اللّه أبی عبد اللّه محمد بن المعتضد باللّه أبی بکر بن المستکفی سلیمان)

* أمیر المؤمنین الهاشمی العباسی المصری بویع بالخلافة بعد وفاة أبیه بعهد منه إلیه فی سابع جمادی الآخرة سنة ثلاث و ستین و سبعمائة و المتوکل هذا تخلف من أولاده لصلبه خمسة خلفاء و هم العباس و داود و سلیمان و حمزة و یوسف الآتی ذکرهم فی محلهم و هذا شی‌ء لم یقع لخلیفة و أما أربعة فتخلف من بنی عبد الملک بن مروان و هم الولید و سلیمان و یزید و هشام و أما ثلاثة اخوة فالامین و المأمون و المعتصم بنو الرشید و المستنصر و المعتز و المعتمد بنو المتوکل و المقتفی و المقتدر و القاهر بنو المعتضد و الراضی و المقتفی و المطیع بنو المقتدر و أما الاخوان فالمقتفی و المسترشد أبناء المستظهر* قال الشیخ عماد الدین بن کثیر و دام المتوکل فی الخلافة الی ان خلعه الامیر ایبک البدری فی ثالث شهر ربیع الاوّل سنة تسع و سبعین و سبعمائة و استخلف عوضه زکریا بن ابراهیم و لقب بالمعتصم ثم أعید المتوکل هذا ثانیا حسبما یذکر و کانت خلافة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:383
المتوکل فی هذه المرة نحو ستة عشر سنة*

(خلافة المعتصم باللّه أبی یحیی زکریا بن ابراهیم بن الحاکم أحمد ابن محمد بن حسن بن علی الفتی)

* أمیر المؤمنین الهاشمی العباسی المصری بویع بالخلافة بعد المتوکل و سبب خلافته ان أیبک البدری لما ملک الدیار المصریة بعد قتل الاشرف وقع من المتوکل هذا أمور حقدها علیه أیبک فلما انفرد أیبک بالحکم أمر نفیه الی قوص فخرج المتوکل ثم شفع فیه فعاد الی بیته ثم أصبح أیبک من الغد و هو رابع شهر ربیع الاوّل سنة تسع و سبعین و سبعمائة فاستدعی نجم الدین زکریا ابن ابراهیم المتقدّم ذکره و خلع علیه و استقربه خلیفة عوضا عن المتوکل من غیر مبایعة و لا خلع المتوکل نفسه و لقب زکریا بالمعتصم و دام فی الخلافة علی زعم من یثبت ذلک الی رابع عشری شهر ربیع الاوّل خلعه أیبک و أعاد المتوکل ثانیا و سببه انه لما کان رابع عشری الشهر المذکور تکلم الامراء مع أیبک فیما فعله مع المتوکل و رغبوه فی اعادته فأذعن و استدعاه و خلع علیه باعادته الی الخلافة فکانت مدّة خلافته فی هذه المرة شهرا إلا عشرة أیام*

(خلافة المتوکل علی اللّه فی المرة الثانیة)

* تقدّم ذکر نسب المتوکل فی خلافته فی المرة الاولی و لما أعید الی الخلافة طالت أیامه و دام الی ان تسلطن الظاهر برقوق فلما کان شهر رجب سنة خمس و ثمانین و سبعمائة قبض علیه برقوق و حبسه بقلعة الحبل و أرسل الظاهر برقوق خلف زکریا الذی کان تخلف فی أیام أیبک فی سلطنة المنصور علی بن الاشرف و خلف أخیه عمر و شاور الامراء فی أمرهما ثم وقع اختیارهم علی عمر فولاه الخلافة عوضا عن المتوکل هذا و لقبه الواثق باللّه و دام المتوکل فی الحفظ بقلعة الجبل الی ان أعید الی الخلافة ثالث مرّة*

(خلافة الواثق باللّه أبی حفص عمر بن المعتصم ابراهیم‌

کان ولاه ابن قلاون الخلافة بن المستمسک باللّه محمد و محمد هذا لیس بخلیفة ابن الحاکم بأمر اللّه أحمد الهاشمی العباسی المصری أمیر المؤمنین بویع بالخلافة لما خلع الظاهر برقوق المتوکل حسبما تقدّم ذکره و تم أمره فی الخلافة و دام فیها الی ان مرض و مات فی یوم الاربعاء سابع عشری شوّال سنة ثمان و ثمانین و سبعمائة فکانت خلافته نحو ثلاث سنین و ثلاثة أشهر و أیاما و لما توفی کلم الناس الظاهر برقوق فی اعادة المتوکل فلم یقبل و أرسل فأحضر أخاه المعتصم زکریا الذی کان ولاه أیبک تلک الایام الیسیرة و خلع علیه و أقره عوضا عن الواثق*

(خلافة المعتصم باللّه ابی یحیی زکریا بن المستعصم ابراهیم بن المستمسک باللّه)

* محمد أمیر المؤمنین الهاشمی العباسی تقدّم ان المستمسک باللّه لم یکن خلیفة بویع بالخلافة ثانیا علی قول من أثبت خلافته الاولی بعد موت أخیه الواثق عمر فی آخر شوّال سنة ثمان و ثمانین و سبعمائة و دام فی الخلافة فی هذه المرة الی ان خرج الامیر تمربغا الافضلی المدعو منطاس و الاتابک یلبغا الناصری الیلبغائی نائب حلب* و فی سنة احدی و تسعین استدرک الملک الظاهر فرطه و ما وقع منه فی حق المتوکل فانه کان من یوم خلعه من الخلافة فی سجنه بقلعة الجبل و أرسل بطلبه و خلع علیه باستقراره فی الخلافة علی عادته بعد ان حبس فی سنة خمس و ثمانین الی هذه السنة و عزل المعتصم زکریا و لزم داره الی أن مات*

(خلافة المتوکل علی اللّه أبی عبد اللّه محمد)

* أعبد الی الخلافة ثالث مرّة فی سنة احدی و تسعین و سبعمائة و سبب اعادته ان الظاهر برقوق کان أفحش فی أمر المتوکل و عزله فلما قوی امر الناصری و منطاس أشاعا عن الظاهر بما فعله مع المتوکل بالبلاد الشامیة فنفرت القلوب منه لهذا المعنی و غیره فلما بلغه ذلک استشار فی أمره فأشار علیه أکابر دولته بتلافی أمر المتوکل و اعادته الی الخلافة ففعل ذلک و أنعم علی المتوکل بأشیاء کثیرة و أکرمه غایة الاکرام و تصافیا بحیث ان برقوق لما خلع من السلطنة فی سنة اثنتین و تسعین و سبعمائة بالمنصور حاجی و صار الناصری مدبر مملکته و وقع لبرقوق ما وقع من الخلع و الحبس بالکرک لم یتکلم فیه المتوکل بکلام قادح بالنسبة الی من تکلم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:384
فی حق برقوق من أصحابه لا من أعدائه لما أیسوا من عوده فلما أعید الظهر برقوق الی ملکه لم ینقم علی المتوکل بشی‌ء فی الظاهر و دام المتوکل فی الخلافة الی ان مات فی الدولة الناصریة فرج بن برقوق فی لیلة الثلاثاء ثامن عشری رجب سنة ثمان و ثمانمائة فکان مجموع خلافته بما کان فیها من الخلع و الحبس سنین نحوا من خمس و أربعین سنة تخمینا*

(خلافة المستعین باللّه أبی الفضل العباس بن المتوکل علی اللّه أبی عبد اللّه محمد)

* تقدّم بقیة نسبه فی تراجم آبائه أمیر المؤمنین و السلطان بویع بالخلافة بعد موت أبیه فی یوم الاثنین مستهل شعبان سنة ثمان و ثمانمائة بعهد منه إلیه و تم أمره فی الخلافة الی أن سافر الناصر فرج الی البلاد الشامیة فی سنة أربع عشرة و ثمانمائة لقتال شیخ و نوروز و هی السفرة التی قتل فیها کان المستعین هذا فی صحبته فلما انکسر الناصر من الامیرین و دخل الشام یوم مات الوالد أو قبله بیوم فولی عوض الوالد فی نیابة دمشق دمرداش المحمدی و تجهز لحرب أعدائه فلم ینتج أمره و انکسر ثانیا و حوصر بدمشق و قد استولت الامراء علی الخلیفة هذا و القضاة و طال الامر بین الامراء و السلطان الناصر فلم یجد الامراء بدّا من خلع الناصر و سلطنة المستعین هذا فتسلطن المذکور بعد مدافعة کثیرة علی کره منه* و لما تسلطن المستعین عظم أمره الی أن قتل الناصر فرج و عاد الامیر شیخ المحمودی بالمستعین الی الدیار المصریة و قد صار نوروز الحافظی نائبا علی دمشق و أخذ شیخ یسیر مع المستعین علی قاعدة الخلفاء لا علی قاعدة السلاطین فعظم ذلک علی المستعین و کان فی ظنه انه یستبد بالامور فجاء الامر علی خلاف ذلک فصار فی قلعة الجبل کالمسجون بها و لیس له من الامر شی‌ء و أخذ الامیر شیخ فی أسباب السلطنة الی أن تم له ذلک و تسلطن فی یوم الاثنین مستهل شعبان من سنة خمس عشرة و ثمانمائة علی کره من المستعین و خلع المستعین من السلطنة من غیر أمر موجب لدلک بل بالشوکة فکانت مدّة سلطنة المستعین سبعة أشهر و خمسة أیام و لیس له فیها الا مجرّد الاسم فقط و استمرّ فی الخلافة و هو محتفظ به بقلعة الجبل الی ذی الحجة سنة ست عشرة و ثمانمائة فخلعه المؤید شیخ من الخلافة أیضا بأخیه المعتضد داود و أرسله الی سجن الاسکندریة فسجن بها الی ان أطلقه الاشرف برسبای و رسم له بالسکنی فی الاسکندریة فسکن بها الی ان مات فی یوم الاربعاء العشرین من جمادی الآخرة سنة ثلاث و ثلاثین و ثمانمائة بالطاعون و لم یبلغ الاربعین و دفن بالاسکندریة و عهد بالخلافة الی ولده یحیی یعنی انه لم یخلع منها بطریق شرعی*

(خلافة المعتضد باللّه أبی الفتح داود بن المتوکل علی اللّه أبی عبد اللّه محمد أمیر المؤمنین)

* الهاشمی العباسی بویع بالخلافة بعد خلع أخیه المستعین فی یوم الخمس سادس عشر ذی الحجة سنة ست عشرة و ثمانمائة و أقام المعتضد فی الخلافة سنین حتی انه تسلطن فی أیامه عدّة سلاطین و کان فیه کل الخصال الحسنة سید بنی العباس فی زمانه أهلا للخلافة بلا مدافعة کریما عاقلا حلو المحاضرة یجل طلبة العلم و أهل الادب جید الفهم له مشارکة فی أشیاء کثیرة من الفنون بالذوق و المعرفة و کان یجتهد فی السیر علی قاعدة الخلفاء مع جلسائه و ندمائه فیضعف موجوده عن هذا الامر و ربما یحمل الدیون بسبب ذلک و کان یحب معاشرة الناس و له أوراد فی کل یوم و توفی بعد مرض طویل بعد ان عهد الی أخیه سلیمان بالخلافة فی یوم الاحد رابع شهر ربیع الاوّل سنة خمس و أربعین و ثمانمائة و شهد السلطان الظاهر جقمق الصلاة علیه بمصلی المؤمنی من تحت القلعة و دفن عند آبائه بالمشهد النفیسی خارج القاهرة*

(خلافة المستکفی باللّه أبی الربیع سلیمان بن المتوکل علی اللّه محمد بن المعتضد أبی بکر بن الحاکم أحمد ابن المستکفی باللّه سلیمان بن الحاکم أحمد بن محمد بن الحسن بن علی الفتی بن الراشد)

* الهاشمی العباسی أمیر المؤمنین بویع بالخلافة بعد أخیه داود بعهد منه إلیه فی العشر الاوّل من شهر ربیع الاوّل
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:385
سنة خمس و أربعین و ثمانمائة فأقام فی الخلافة الی أن مات فی یوم الجمعة ثانی المحرّم سنة خمس و خمسین و ثمانمائة بعد ان مرض عدّة أیام و لم یعهد لاحد من اخوته و مات و هو فی عشر الستین تخمینا و حضر السلطان جقمق الصلاة علیه بمصلی المؤمنی تحت القلعة و عاد امام جنازته الی المشهد النفیسی ماشیا و تولی حمل نعشه فی بعض الاحیان و کان المستنکفی رئیسا کیسا عاقلا دینا کثیر الصمت منعزلا عن الناس قلیل الاجتماع بهم لم یسلک طریقة أخیه داود مع ندمائه و أصحابه هذا مع العقل التام و السیرة الحسنة و العفة عن المنکرات*

(خلافة القائم بأمر اللّه أبی البقاء حمزة بن المتوکل علی اللّه محمد أمیر المؤمنین الهاشمی العباسی)

* رابع الاخوة من أولاد المتوکل بویع بالخلافة بعد موت أخیه المستکفی سلیمان من غیر عهد و هو انه لما توفی سلیمان أجمع رأی السلطان الظاهر جقمق علی تولیة حمزة المذکور لانه أسنّ من بقی من اخوته و أمثلهم فاستدعاه فی یوم الاثنین خامس المحرّم سنة خمس و خمسین و ثمانمائة بالقصر السلطانی من قلعة الجبل و حضر الامراء و القضاة و أعیان الدولة و أجمعوا علی بیعة حمزة المذکور فبایعوه و لقب بالقائم بأمر اللّه و استمرّ القائم فی الخلافة الی أن کانت الفتن و تسلطن الاتابک اینال العلائی و وقع بین الخلیفة و بین السلطان هذا أمور یضحک السفهاء منها و یبکی من عواقبها اللبیب فطلب السلطان القائم بأمر اللّه الی القلعة و وبخه بالکلام فأراد القائم أن یلحن بحجته و کان فی لسانه مسکة تمنعه من الکلام فلم یقف السلطان لجوابه و أمر به فقبض علیه و حبس بالبحرة من قلعة الجبل ثم استدعی السلطان أخاه یوسف من الغد و هو یوم الخمیس ثالث شهر رجب سنة تسع و خمسین و ثمانمائة و خلع علیه بعد أن حکم القاضی بخلع القائم و دام القائم محتفظا به بقلعة الجبل الی یوم الاثنین سابع شهر رجب رسم السلطان بتوجهه الی سجن الاسکندریة فسار معه جماعة الی ان أوصلوه الی جزیرة أروی و أنزلوه الی النیل من تجاه بولاق التکرور و توجه الی الاسکندریة فسجن بها الی سنة احدی و ستین و ثمانمائة أفرج عنه من سجن الاسکندریة و رسم له أن یسکن بها فی بیت کما کان أخوه العباس و أقام به الی أن مات*

(خلافة المستنجد باللّه أبی المحاسن یوسف بن المتوکل علی اللّه أمیر المؤمنین الهاشمی العباسی)

* بویع بالخلافة بعد ان خلع الاشرف اینال أخاه القائم حمزة من الخلافة فی یوم الخمیس ثالث شهر رجب سنة تسع و خمسین و ثمانمائة و نقل القاضی الشافعی علم الدین صالح البلقینی عن علماء مذهبه انّ للسلطان أن یعزل الخلیفة و یولی غیره فهذه المندوحة فی خلع القائم حمزة و ولایة یوسف المستنجد* قال الشیخ صلاح الدین الصفدی فی شرح لامیة العجم قلت* و کذلک العبیدیون الذین یسمون بالفاطمیین خلفاء مصر فأوّل من ملک منهم بالمغرب المهدی ثم القائم ثم ابنه المنصور ثم المعز و هو أوّل من ملک مصر منهم ثم العزیز ثم کان السادس الحاکم فقتلته أخته و ولت ابنه الظاهر ثم المستنصر ثم المستعلی ثم الامر ثم الحافظ ثم کان السادس الظافر فخلع و قتل ثم ولی ابنه الفائز ثم العاضد و هو آخرهم* و کذلک بنو أیوب فی ملک مصر فأوّلهم صلاح الدین الملک الناصر ثم ابنه العزیز ثم أخوه الافضل بن صلاح الدین ثم العادل الکبیر أخو صلاح الدین ثم الکامل ولده ثم کان السادس العادل الصغیر فقبض علیه أرباب دولته و خلعوه و ولی الملک الصالح نجم الدین أیوب ثم ولده المعظم توران شاه و هو آخرهم* قال و کذلک دولة الاتراک فأوّلهم المعز عز الدین أیبک الصالحی ثم ابنه المنصور ثم المظفر قطز ثم الملک الظاهر بیبرس ثم ابنه السعید محمد ثم السادس العادل سلامش بن الظاهر بیبرس فخلع و ملک السلطان الملک المنصور قلاوون الالفی انتهی*

ذکر الخلفاء الفاطمیین بالاختصار

قال الدمیری قد ذکر دولة العبیدیین و غیرهم من ملوک مصر علی الاجمال مختصرا و ها أنا أذکرهم مفصلا مبینا و ذلک ان الحسین بن محمد بن أحمد بن عبد اللّه القدّاح و ذلک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:386
انه کان یعالج العیون و یقدحها ابن میمون بن محمد بن إسماعیل بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب رضی اللّه عنهم قدم الی سلمیة قبل وفاته و کان له بها ودائع و أموال من ودائع جدّه عبد اللّه القداح فاتفق انه جری بحضرته ذکر النساء فوصفوا له امرأة یهودی حدّاد مات عنها زوجها و هی فی غایة الحسن و الجمال و لها منه ولد یماثلها فی الجمال فتزوّجها و أحبها و حسن موضعها منه و أحب ولدها و علمه فتعلم العلم و صارت له نفس عظیمة و همة کبیرة و کان الحسین یدعی انه الوصی و صاحب الامر و الدعاة بالیمن و المغرب یکاتبونه و یراسلونه و لم یکن له ولد فعهد الی ابن الیهودی الحدّاد و هو عبید اللّه المهدی أوّل من ولی من العبیدیین و نسبتهم إلیه و عرّفه أسرار الدعوة من قول و فعل و أین الدعاة و أعطاه الاموال و العلامات و أمر أصحابه بطاعته و خدمته و قال انه الامام الوصی و زوّجه ابنة عمه فوضع حینئذ المهدی لنفسه نسبا و هو عبید اللّه بن الحسین بن علی بن محمد بن موسی بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب و بعض الناس یقول انه من ولد القدّاح فلما توفی الحسین و قام بعهده المهدی انتشرت دعوته و أرسل إلیه داعیته بالمغرب یخبره بما فتح اللّه علیه من البلاد و انهم ینتظرونه فشاع خبره فی الناس أیام المکتفی و طلب فهرب هو و ولده أبو القاسم نزار الملقب بالقائم و هو یومئذ غلام و معهما خاصتهما و موالیهما یریدان المغرب فلما وصلا الی افریقیة أحضر الاموال منها و استصحبها معه فوصل الی رفادة فی العشر الاخیر من شهر ربیع الآخر سنة سبع و تسعین و مائتین و نزل فی قصر من قصورها و أمر بأن یدعی له فی الخطبة یوم الجمعة فی جمیع تلک البلاد و یلقب بأمیر المؤمنین المهدی و جلس للدعاة فی یوم الجمعة فأحضروا الناس بالعنف و دعوهم الی مذهبه فمن أجاب أحسن إلیه و من أبی حبسه* فابتداء دولتهم فی سنة سبع و تسعین و مائتین فأوّلهم المهدی عبید اللّه ثم ابنه القائم نزار ثم ابنه المنصور اسماعیل ثم ابنه المعز معدّ و هو أوّل من ملک مصر من العبیدیین و کان ذلک فی سابع عشر شعبان سنة ثلاث و خمسین و ثلاثمائة و دعی له فیها یوم الجمعة العشرین من شعبان علی المنابر و انقطعت خطبة بنی العباس من مصر و الدیار المصریة و کان الخلیفة اذ ذاک العباسی المطیع للّه الفضل بن جعفر* و فی یوم الثلاثاء سادس شهر رمضان سنة اثنتین و ستین و ثلاثمائة دخل المعز مصر بعد مضی ساعة من الیوم المذکور* و فی مورد اللطافة دخل المعز الدیار المصریة و معه ألف و خمسمائة جمل موسوقة ذهب عین و کان دخوله إلیها فی سنة احدی و ستین و ثلاثمائة و کان قد أرسل قبل ذلک مملوکه الخادم جوهر الصقلبی بجیوش عظیمة الی مصر فملکها جوهر بعد أمور و بنی القاهرة فی سنة ستین و ثلاثمائة و جوهر المذکور هو صاحب الجامع الازهر و هو من کبار الرافضة الشیعة* و لما ثم بناء القاهرة أرسل جوهر الی المعز فجاء و سکنها و ملکها و الشام فی رمضان سنة احدی و ستین و ثلاثمائة و کان الخلیفة یومئذ ببغداد من بنی العباس أمیر المؤمنین المطیع لامر اللّه فمن حینئذ صار ببغداد و سائر ممالک المشرق الی أعمال الفرات و حلب یخطب فیها باسم خلفاء بنی العباس و من حلب الی بلاد المغرب یخطب فیها باسم الخلفاء الفاطمیین و من جملة ذلک الحرمان الشریفان و کان المعز أیضا سبابا خبیثا الا انه کان فاضلا عاقلا أدیبا حاذقا ممدوحا و فیه عدل للرعیة* و توفی المعز فی شهر ربیع الآخر سنة خمس و ستین و ثلاثمائة و له ست و أربعون سنة و کذا فی حیاة الحیوان* ثم انّ العزیز بن المعز ولی الامر بعد أبیه ثم ابنه الحاکم أبو العباس أحمد و هو السادس من العبیدیین فقیل انه خرج عشیة یوم الاثنین سابع عشر شوّال سنة احدی عشرة و أربعمائة و طاف علی عادته فی البلد ثم توجه الی شرقی حلوان و معه راکبان فردّهما و انتظره الناس الی ثالث ذی القعدة ثم خرجوا فی طلبه فبلغوا ذیل القصر و أمعنوا فی الجبل فشاهدوا حماره علی ذروة الجبل مضروب الید بسیف فتبعوا الاثر فانتهوا
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:387
الی برکة هناک و نزل شخص فیها فوجد سبع جبات مزرّرة و فیها أثر السکاکین فلم یشکوا حینئذ فی قتله ثم ابنه الظاهر أبو الحسن ثم ابنه المستعین ثم ابنه المستعلی ثم ابنه الامر ثم الحافظ عبد المجید بن أبی القاسم محمد بن المستنصر ثم ابنه الظاهر و هو السادس فقتل* و لم یل الخلافة بعده الا اثنان الفائز ثم العاضد عبد اللّه بن یوسف بن الحافظ* و انقضت دولة العبیدیین فی سنة ست أو سبع و ستین و خمسمائة و ذلک فی أیام المستضی‌ء بنور اللّه أبی محمد الحسن بن المستنجد العباسی و خلفهم بمصر السلطان السعید الشهید الملک الناصر صلاح الدین یوسف بن أیوب و هو أوّل ملوک بنی أیوب بالدیار المصریة کذا فی حیاة الحیوان*

ذکر ملوک الاکراد و الاتراک و الجراکسة الذین تولوا سلطنة مصر

و فی مورد اللطافة أصل بنی أیوب من دوین بضم الدال المهملة و کسر الواو و سکون الیاء و بعدها نون و هی فی آخر عمل اذربیجان من جهة ایران و بلاد الکرد و هم أکراد روادیة کانوا فی خدمة زنکی بن آق‌سنقر ثم بعده فی خدمة ولده نور الدین محمود صاحب الشأم و هو الذی أرسلهم الی الدیار المصریة و نصبهم فیها* و فی حیاة الحیوان ثم بعد صلاح الدین یوسف ابنه الملک العزیز عثمان ثم اخوه الافضل ثم الملک العادل الکبیر أبو بکر بن أیوب ثم ابنه الکامل محمد ثم ابنه الملک العادل الصغیر و هو السادس فخلع ثم الملک الصالح أیوب بن الکامل ثم ابنه الملک المعظم توران شاه ثم أخوه الاشرف یوسف و هو ابن شجرة الدرّ ثم المعز أیبک و هو أوّل ملوک الترک بالدیار المصریة* و قد ذکر من ولی مصر من الاتراک الذین مسهم الرق و هم اثنان و عشرون* أیبک و قطز و بیبرس و قلاوون و کتبغا و لاجین و بیبرس و برقوق و شیخ و ططر و برسبای و جقمق و اینال و خشقدم و یلبای و تمر بغا و قایتبای و قانصوه و طومان بای و جان بلاط و قانصوه الغوری و طومان بای* و سیجی‌ء ذکرهم بهذا الترتیب و فی حیاة الحیوان ثم ولی بعد المعز أیبک ابنه المنصور علی* و فی مورد اللطافة فی أیام المنصور هذا قدم هولاکو ملک التتار الی بغداد و قتل الخلیفة المستعصم باللّه ثم ملک حلب و الشأم ثم قصد جهة الدیار المصریة* و فی أیام المنصور هذا فی سنة خمس و خمسین و ستمائة وقع تفریط من الخدّام الذین بحرم النبیّ صلی اللّه علیه و سلم فاحترق المسجد ثم ظهرت بعد ذلک نار کبری بالحرّة قریبا من المدینة الشریفة فکانت تخفی بالنهار و تظهر باللیل یراها الناس من مسافة بعیدة و یظهر لها دخان عظیم و أقامت علی ذلک أیاما کثیرة و قد سبق ذکرها ثم المظفر قطز و هو السادس فقتل بعد ما خرج الی التتار من الدیار المصریة و التقاهم بعین جالوت یوم الجمعة خامس عشر شهر رمضان سنة ثمان و خمسین و ستمائة و هزمهم أقبح هزیمة انتهی ثم الظاهر بیبرس البندقداری ثم ابنه السعید محمد برکه خان ثم أخوه العادل سلامش ثم المنصور قلاوون ثم ابنه الاشرف خلیل ثم القاهر و هو السادس أقام نصف یوم و قتل ثم الناصر بن المنصور فخلع مرّة بالعادل کتبغا و خلع نفسه مرّة أخری فتسلطن مملوک أبیه المظفر بیبرس ثم العادل کتبغا ثم المنصور لاجین و المظفر بیبرس* و فی مورد اللطافة أورد بعد لاجین الملک الناصر محمد بن قلاوون ثم بیبرس الجاشنکیر انتهی و المنصور أبو بکر بن الناصر بن المنصور ثم أخوه الاشرف کحل فخلع ثم قتل و هو السادس ثم أخوهم الناصر أحمد ثم أخوهم الصالح اسماعیل ثم أخوهم الکامل شعبان ثم أخوهم المظفر حاجی ثم أخوهم الملک الناصر حسن ثم أخوهم الملک الصالح صالح و هو السادس فخلع و سجن و أعید الملک الذی کان قبله و هو الملک الناصر حسن ثم المنصور علی بن الصالح ثم الاشرف شعبان بن حسین بن الناصر ثم أخوه الصالح حاجی بن الاشرف ثم الظاهر برقوق* و فی مورد اللطافة و هو السلطان الخامس و العشرون من ملوک الترک و الثانی من الجراکسة ان صح انّ بیبرس الجاشنکیر کان جارکسیا و الا فهو الاوّل* و فی حیاة الحیوان ثم أعید حاجی و لقب المنصور ثم أعید برقوق ثم ولده الناصر فرج ثم أخوه العزیز ثم أعید فرج فخلع و قتل ثم الخلیفة المستعین باللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:388
العباسی ثم الملک المؤید أبو النصر شیخ ثم ابنه الملک المظفر أحمد فخلع ثم الملک الظاهر ططر ثم ولده الملک الصالح محمد فخلع ثم الملک الاشرف أبو النصر برسبای ثم ابنه الملک العزیز یوسف فخلع ثم الملک الظاهر جقمق ثم ولده الملک المنصور عثمان فخلع ثم الملک الاشرف اینال ثم ولده الملک المؤید أحمد فخلع ثم الملک الظاهر خشقدم و هو أوّل من ملک الدیار المصریة من الاروام ان لم یکن أیبک الترکمانی و المنصور لاجین من الاروام و الا فهو الثالث منهم کذا فی مورد اللطافة ثم الملک الظاهر یلبای ثم الملک الظاهر تمربغا ثم الملک الاشرف قایتبای کذا فی حیاة الحیوان و هو الجارکسی المحمودی الظاهری* و فی مورد اللطافة و هو الحادی و الاربعون من ملوک الترک بالدیار المصریة* قال الشیخ مؤرّخ القدس القاضی محب الدین العلیمی الحنبلیّ فی کتاب الاعلام مولده فی سنة ست و عشرین و ثمانمائة و دخل الدیار المصریة فی سنة ثمان و قیل فی سنة تسع و ثلاثین و ثمانمائة فی سلطنة الملک الاشرف برسبای و کان من ممالیکه ثم انتقل الی الملک الظاهر جقمق فأعتقه و هو جارکسی الجنس فنسبته بالمحمودی الی جالبه الی مصر الخواجا محمود و بالظاهری الی معتقه الملک الظاهر جقمق بویع بالسلطنة و جلس علی سریر الملک بعد طلوع الشمس بعشر درجات من یوم الاثنین سادس شهر رجب سنة اثنتین و سبعین و ثمانمائة بعد خلع تمربغا و وقع فی أیامه وقائع و حوادث* منها انه فی سنة تسع و سبعین ظفر بشهوار الذی کان تغلب علی جزء من المملکة بین حلب و الروم و أمر به فعلق علی باب زویلة و مات من یومه و حج حجتین حجة قبل سلطنته سنة سبع و سبعین و ثمانمائة و حجة فی سلطنته سنة أربع و ثمانین و ثمانمائة و مدّة سلطنته تسع و عشرون سنة و أربعة أشهر و عشرون یوما و اجتهد فی أیام سلطنته فی بناء المشاعر العظام فی المواضع الکرام کعمارة مسجد الخیف بمنی و مسجد نمرة بعرفة المعروف بابراهیم الخلیل و قبة عرفه و العالمین اللذین تمیزت عرفة بهما و سلالم المشعر الحرام بالمزدلفة و عمر برکة خلیص و أجری العین إلیها و ذلک کله فی سنة أربع و سبعین و ثمانمائة* ثم فی السنة التی تلیها عمر عین عرفة بعد انقطاعها و عمر سقایة سیدنا العباس و أصلح بئر زمزم و المقام و علو مصلی الحنفی و جهز فی سنة تسع و سبعین و ثمانمائة للمسجد الحرام منبرا عظیما و عین للکعبة کل سنة کسوة و أنشأ بجانب المسجد الحرام عند باب السلام مدرسة و بجانبها رباطا للفقراء یفرّق لهم کل یوم دشیشة و کذا أنشأ بالمدینة النبویة مدرسة و بنی المسجد الشریف بعد الحریق و جدّد المنبر و الحجرة و رتب لأهل المدینة من المقیمین فیها و الواردین علیها ما یکفیهم من البر و الدشیشة* و عمل أیضا ببیت المقدس مدرسة و بصالحیة قطیا جامعا و جدّد من جامع عمرو بن العاص بعض جهاته و توفی فی آخر نهار الاحد قبل المغرب السابع و العشرین من ذی القعدة و دفن فی ضحی یوم الاثنین الثامن و العشرین من ذی القعدة سنة احدی و تسعمائة من الهجرة النبویة و له خمس و سبعون سنة و کان شیخا طوالا أبیض اللون حسن الشکل منوّر الوجه فصیح اللسان عامله اللّه باللطف و الاحسان* ثم ولی السلطنة بعده ابنه الملک الناصر أبو السعادات محمد بن قایتبای الجارکسی الابوین کانت أمّه من مشتریات أبیه أخت الظاهر قانصوه الذی ولی السلطنة بعد قتله* قال الشیخ مؤرّخ القدس فی کتاب الاعلام لما مرض والده مرض الموت و مکث أیاما و اشتدّ مرضه اجتمع أمیر المؤمنین المتوکل علی اللّه أبو العز عبد العزیز یعقوب العباسی و القضاة و ارکان الدولة من أهل الحل و العقد بقلعة الجبل فبایعوا الملک الناصر محمد بن قایتبای بالسلطنة و هو یومئذ شاب فی سنّ البلوغ و لبس شعار الملک و جلس علی السریر یوم السبت السادس و العشرین من ذی القعدة سنة احدی و تسعمائة و استقرّ الامیر قانصوه خمسمائة أتابک العساکر ثم فی عشیة الیوم الثانی من سلطنته و هو نهار الاحد توفی والده الملک الاشرف قایتبای کما تقدّم و استمرّ الملک الناصر محمد بن قایتبای
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:389
فی السلطنة الی أن وثب علیه الاتابک قانصوه خمسمائة و استدعی الخلیفة و القضاة و أثبت عجز الملک الناصر عن السلطنة و القیام بالملک و خلعه فی یوم الاربعاء الثامن و العشرین من جمادی الاولی سنة اثنتین و تسعمائة و کانت مدّة ملکه فی هذه المرّة الاولی ستة أشهر و یومین و تسلطن الاشرف قانصوه خمسمائة بعد خلع الناصر محمد بن قایتبای ثم فقد قانصوه خمسمائة فی وقعة خان یونس و کانت مدّة سلطنته ثلاثة أیام کما سیجی‌ء* ثم یوم السبت مستهل جمادی الآخرة سنة اثنتین و تسعمائة جدّدت البیعة للناصر محمد بن قایتبای و أعید الی السلطنة المرة الثانیة بعد ثبوت رشده ثم شرع فی المخالطة و مباشرة الاوباش و ارتکاب الفواحش فقتل شر قتلة و کان ذلک فی یوم الاربعاء قبل غروب الشمس الخامس و العشرین من ربیع الاوّل سنة أربع و تسعمائة و کانت مدّة سلطنته فی المرة الثانیة سنة و ستة أشهر و نصف* و مجموع مدّة ولایة الناصر محمد فی المرّتین سنتان و ثلاثة أشهر و سبعة عشر یوما و تسلطن الملک الاشرف قانصوه خمسمائة بعد خلع الناصر محمد بن قایتبای* قال الشیخ السخاوی فی کتابه الضوء اللامع قانصوه الاشرفی القایتبایی و أیضا یعرف بخمسمائة ترقی الی ان صار دوادارا ثم رأس العساکر لابن أستاذه الناصر محمد بن قایتبای ثم تولی الاتابکیة ثم خالف علیه و خلعه من السلطنة و تسلطن هو مکانه فی یوم الاربعاء الثامن و العشرین من جمادی الاولی سنة اثنتین و تسعمائة فتحرک العسکر فهرب قانصوه خمسمائة الی غزة ثم فقد فی وقعة خان یونس و لم یعرف موته و لا حیاته و کانت مدّة سلطنته ثلاثة أیام ثم جدّدت البیعة للملک الناصر محمد بن قایتبای ثم قتل کما ذکرناه* ثم بعد قتله تولی السلطنة بعده خاله الملک الظاهر أبو سعید قانصوه الجارکسی الاشرفی القایتبایی و جلس الخلیفة و القضاة بالقلعة و بایعوا الملک الظاهر قانصوه بالسلطنة وقت صلاة الجمعة السابع عشر من ربیع الاوّل سنة أربع و تسعمائة و هو یومئذ شاب له نیف و عشرون سنة و استمرّت سلطنته سنة و ثمانیة أشهر و اثنی عشر یوما و قیل ثمانیة أشهر و یومین الی أن وثب الاتابک صهره زوج أخته والدة الملک الناصر محمد و تسلطن و اختفی الظاهر قانصوه یوم السبت التاسع و العشرین من ذی القعدة سنة خمس و تسعمائة و استمرّ مختفیا أزید من نصف شهر فتولی الملک جان بلاط ثم ظفر بالظاهر قانصوه لیلة الاحد فقبض علیه من المکان الذی اختفی فیه و أرسله الی الاسکندریة فقید و سجن فی البرج و أقام بالاسکندریة سبع عشرة سنة و ولد له بها فلما تغیرت دولة الجراکسة و ملک الدیار المصریة السلطان سلیم العثمانی فی أوّل سنة ثلاث و عشرین و تسعمائة أمر بقتله مع الامراء فقتل صبرا فی الاسکندریة و عمره نحوا من أربعین سنة و کان ابتداء سلطنة جان بلاط یوم الاثنین ثانی ذی الحجة سنة خمس و تسعمائة و کانت مدّة ولایته نصف عام و نصف شهر و یوما واحدا* قال الشیخ مؤرّخ القدس فی کتاب الاعلام کان الملک الاشرف أبو النصر جان بلاط من أعیان ممالیک الاشرف قایتبای استقرّ فی السلطنة و جلس علی سریر الملک یوم الاثنین ثانی شهر ذی الحجة سنة خمس و تسعمائة بعد مضی ثلاثین درجة من النهار و کانت مدّة ملکه ستة أشهر و ستة عشر یوما* ثم تولی السلطنة بعده الملک العادل طومان بای الاشرفی القایتبایی قال الشیخ مؤرّخ القدس فی کتاب الاعلام کان الملک العادل سیف الدین طومان بای الاشرفی من أعیان ممالیک الاشرف قایتبای فحضر الخلیفة و القضاة و أرکان الدولة و بویع بالسلطنة و ألبس شعار الملک و جلس علی السریر بعد الظهر من یوم السبت ثامن عشر جمادی الآخرة و کانت مدّته من حین تغلبه بالشام أربعة أشهر و خمسة و عشرین یوما و من حین مبایعته بقلعة الجبل بالدیار المصریة ثلاثة أشهر و ثلاثة و عشرین یوما* ثم تولی السلطنة بعده الملک الاشرف أبو النصر سیف الدین قانصوه الغوری الظاهری الاشرفی* نسبته الی طیقة الغور و الی الظاهر خشقدم و الی الاشرف قایتبای فانه کان من ممالیک
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:390
الظاهر خشقدم ثم انتقل الی الاشرف قایتبای مولده کان فی حدود الخمسین و ثمانمائة تقریبا عما أخبر و لما کان یوم الاثنین مستهل شوّال سنة ست و تسعمائة من الهجرة النبویة حضر قلعة الجبل أمیر المؤمنین المستمسک باللّه و القضاة الاربعة و الامراء و أصحاب الحل و العقد و أجمع رأیهم علی سلطنة الدوادار الکبیر الامیر قانصوه الغوری فبویع بالسلطنة و ألبس شعار الملک و جلس علی التخت فی الیوم المذکور و هو نهار عید الفطر ثم بنی فی سلطنته سور جدّة و دائرة الحجر الشریف و بعض أروقة المسجد الحرام و باب ابراهیم و جعل علوه قصرا شاهقا و تحته میضأة و بنی برکة وادی بدر و عدّة خانات و آبار فی طریق الحاج المصری منها خان فی عقبة أیلة و الازلم و مدرسة أنشأها علو سوق الجملون بالقاهرة و التربة المقابلة لها من جهة القبلة مع أوقافها و أنشأ مجری الماء من مصر العتیقة الی قلعة الجبل و عمر بعض أبراج الاسکندریة* و فی سنة سبع عشرة و تسعمائة توفی السلطان بایزید صاحب الروم و تسلطن ابنه السلطان سلیم فی الروم* و فی سنة عشرین و تسعمائة عزم السلطان سلیم علی قتال شاه إسماعیل المعروف بالصوفی و لاقاه صبح یوم الاربعاء ثانی شهر رجب بموضع یقال له چالدران من توابع تبریز و هزمه ثم سار بالعساکر المنصورة حتی نزل تبریز و صلی فیها الجمعة و خطب فیها باسم السلطان سلیم ثم رجع الی بلاد الروم* و فی سنة اثنتین و عشرین و تسعمائة انتقل ملک مصر الی ملوک بنی عثمان فأوّل من ملکها منهم و هو عاشرهم السلطان سلیم ابن السلطان بایزید بن السلطان محمد و ذلک أنه وقعت فتنة بینه و بین صاحب مصر قانصوه الغوری فقصد کل منهم الآخر فی عسکرین عظیمین فالتقیا بموضع یقال له مرج دابق من نواحی حلب شمالیها مسافته منها نحو مرحلة و کان المصاف و الوقعة یوم الاحد الخامس و العشرین من رجب سنة اثنتین و عشرین و تسعمائة و قیل هذه وقعة ثانیة فی الریدانیة بمصر بمرج دابق و قیل بل صبح یوم الاثنین تسع و عشرین من ذی الحجة من السنة المذکورة و دام الحرب و صبر الفریقان من أوّل النهار الی ما بین صلاتی الظهر و العصر ثم نزل نصر العثمانیة و انهزم الجراکسة و قتل سلطانهم قانصوه الغوری و فتحت البلاد الشامیة ثم المصریة و کانت مدّة ولایة الغوری خمس عشرة سنة و تسعة أشهر و خمسا و عشرین یوما و بعد الوقعة مکث السلطان سلیم فی بلاد الشام أشهرا و فی مدة مکثه تسلطن بمصر الملک الصالح طومان بای الجرکسی الاشرفی القایتبایی و هو ابن أخی قانصوه الغوری و لقب بالاشرف کعمه و هو السادس و الاربعون من ملوک الترک و العشرون من ملوک الجراکسة* و مدّة ولایته ثلاثة أشهر و نصف و به انقرضت دولة الاتراک و الجراکسة فلدولة الاتراک مائتان و سبعون سنة ان کان أوّلهم المعز ایبک الترکمانی و أوّل ولایته بمصر فی سنة ثلاث و أربعین و ستمائة و لدولة الجراکسة مائتان و أربع عشرة سنة ان کان أوّلهم السلطان بیبرس الجاشنکیر و کانت ولایته فی شوّال سنة ثمان و سبعمائة و ان کان أوّلهم السلطان سیف الدین برقوق فتکون مدّتهم مائة و ثمانیا و ثلاثین سنة و ولایته فی رمضان سنة أربع و ثمانین و سبعمائة* و کان ابتداء سلطنة السلطان سلیم فی الدیار الشامیة و المصریة ثانی یوم حرب قانصوه الغوری مستهل المحرم سنة ثلاث و عشرین و تسعمائة ثم عین الامیر مصلح الدین أمیرا للحاج فسار بحرا و رفقته کسوة الکعبة المعظمة ثم عاد الحاج برّا و تأخر الامیر مصلح الدین لعمارة قبة عالیة علی مقام الحنفیة بالمسجد الحرام و أمر السلطان سلیم أیضا بعمارة فی صالحیة دمشق علی قبر شیخ الصوفیة محیی الدین بن العربی نفعنا اللّه ببرکاته ثم توفی السلطان سلیم فی اللیلة السادسة من شوّال لیلة الجمعة سنة ست و عشرین و تسعمائة و کانت ولادته تقریبا فی سنة خمس و سبعین و ثمانمائة* و کانت مدّة ملکه بعد أبیه تسع سنین و تسعة أشهر و سبعة أیام و قیل ثمان سنین و ثمانیة أشهر و تسعة أیام و ملکه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:391
بالدیار المصریة ثلاثة أعوام ثم تولی السلطنة بعده ابنه السلطان سلیمان و هو الحادی عشر من ملوک بنی عثمان تسلطن بعد موت أبیه بسبعة أیام یوم الاحد خامس عشر و قیل سابع عشر من شوّال سنة ست و عشرین و تسعمائة فی أوّل القرن العاشر و تسلطن تسعة و أربعین سنة و مدّة عمره خمس و سبعون و تسلطن ولده السلطان سلیم سبع سنین و توفی فی سنة اثنتین و ثمانین و تسعمائة و تسلطن ولده السلطان مراد خان نصره اللّه فی التاریخ المذکور و اللّه أعلم بالصواب
یقول الفقیر الی ربه الصمد مصطفی بن محمد مصحح المطبعة و منشیها و مطرز أمورها و موشیها
الحمد للّه ذی العظمة و الکبریاء الذی أفاض علی العالمین جمیع الآلاء و النعماء و الصلاة و السلام علی مرکز دائرة الوجود و مطلع أهلة العنایة و الجود و علی آله و أصحابه الذین ساروا بسیرته الغرّا ففتحوا البلاد و انقادت لاوامرهم الناس طوعا و قهرا (و بعد) فانّ من أجل ما یتحلی به أهل الفضل و الکمال و تنبعث إلیه رغبات أرباب المناصب و الاعمال فن التاریخ الجلیل الغنی فضله عن البرهان و الدلیل اذ هو من أعظم ما تستمدّ منه العقول السلیمة و تستخرج به ما خفی درکه من حل الامور العظیمة و تستضی‌ء بأنواره البصائر و یهتدی به الی سبیل الرشاد التائه الحائر و انما تأخذ کل نفس بقدر الاستعداد فی الامور و علی حسب ما ألهمها اللّه من التقوی و الفجور کما یشیر إلیه قول أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب کرّم اللّه وجهه
رأیت العقل عقلین‌فمطبوع و مسموع
و لا ینفع مسموع‌اذا لم یک مطبوع
کما لا تنفع الشمس‌وضوء العین ممنوع هذا مع کون ثماره علی طرف الثمام لا یحتاج فی اجتنائها الی کبیر جدّ و اهتمام هنیّ الجنی سهل المقتنی روض یتأرّج من ریاحینه الارجاء و تنتشر روائحه الی جمیع البلاد و الانحاء لا سیما بواسطة فنّ الطبع الجمیل فانه الذی تکفل بذلک و هو نعم الکفیل و اذا تحلی بنفائس الضبط و التصحیح کان أرغب لطالبه من محاسن الاغید الملیح و لما کان التاریخ الجلیل النفیس المشهور بین الانام بالخمیس قد ذکر أحوال العالم من ابتداء التکوین و تکلم علی کل جیل بما فیه تبصرة لاهل الیقین لا سیما سیرة النبیّ المصطفی و أصحابه الکرام ذوی الوفا فانه جمع فیها کل شارده و بلغ الطالب مقاصده بادرت الی تکثیر نسخه بالطبع و التمثیل حتی یعمّ نفعه الحقیر و الجلیل و کنت قد عنیت باصلاح تحریفه و اظهار صوابه من تصحیفه و تعدیل ما انحرف من مزاج عباراته بمعالجات أخذتها من غضون اشاراته و کتبت علی هامشه معانی بعض الالفاظ المحتاجة الی البیان ناقلا لها من القاموس اذ هو المعوّل علیه فی هذا الشأن فهاک نسخة عظیمة فاغتنمها فانها أعظم
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:392
غنیمه قلما یسمح الزمان بمثلها أو تنسج أیدی الایام علی نولها و لما رفلت فی ملابس حسن الختام متجلیة لعشاقها کالبدر التمام أنشد الشاب الادیب و اللبیب النجیب حضرة علی بیک فهمی نجل ذی الجناب الرفیع رفاعة بیک فقال
تلک الثریا أم ضیاء الفرقدأم نظم درّ أم سبائک عسجد
أم ساطعات زواهر فی أفقناأم یانعات ازاهر للمجتدی
أم مبدعات فرائد منظومةأم مودعات فوائد المتفرّد
فی طبع حسن أسفرت أضواؤه‌عن حسن طبع للخمیس الأوحد
سعة اطلاع مؤلف حبر لنابث الحوادث بالحدیث المسند
فکأنّ مرآة الزمان أمامه‌رسمت أشعة ذهنه المتوقد
فأتی بتاریخ العصور مرتبالقدیمها بالسبق و المتجدّد
فله الید الطولی علی من قبله‌و بغیره من بعده لا یهتدی
ان قلت مصباح صدقت و ان تقل‌شمس المعارف لم تکن بمفند
سیر الملوک بطیه منشورةسنن السلوک یسومه من یقتدی
فالفضل کسبیّ بطول تجارب‌و الطبع وهبیّ لحبر أمجد
طبع سما بسنا مطالع حسنه‌و حلا بمرواه صفاء المورد
فی بدئه تسمو براعة مطلع‌و بختمه حسن التخلص یبتدئ
من رام طبع الحسن فی تاریخه‌یجد الخمیس بحسن طبع مفرد 17 741 120 81 324 1283
و کان تمام طبعه و ظهور نوره و ینعه بالمطبعة الوهبیة الکائنة بباب الشعریة أحد الاخطاط المصریة فی أواخر رجب الفرد لسنة ثلاث و ثمانین بعد المائتین و الالف من هجرة من خلق علی أکمل وصف علیه أنمی صلاة و أزکی سلام و علی آله و أصحابه الکرام
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:393

* (فهرست الجزء الثانی من تاریخ الخمیس)*

صحیفه 2 الموطن السادس فی وقائع السنة السادسة من الهجرة
2 سریة محمد بن مسلمة الی القرطاء
3 قصة ثمامة بن أثال الحنفی
3 کسوف الشمس
3 غزوة بنی لحیان
4 زیارة النبیّ صلی اللّه علیه و سلم قبر أمه
5 غزوة الغابة و تعرف بذی قرد
9 سریة عکاشة الی غمر مرزوق
9 سریة محمد بن مسلمة الی ذی القصة
9 سریة زید بن حارثة الی بنی سلیم
9 سریة زید أیضا الی العیص
9 سریة زید الی الطرف
9 سریة زید الی حسمی
10 سریة کرز الی العرنیین
11 سریة زید الی وادی القری
11 سریة عبد الرحمن بن عوف الی دومة الجندل
12 بعث علی بن أبی طالب الی بنی سعد
12 بعث زید الی أم قرفة
12 سریة عبد اللّه بن عتیک الی قتل أبی رافع
14 حدیث الاستسقاء
15 سریة عبد اللّه بن رواحة الی أسیر بن رزام الیهودی
15 سریة زید بن حارثة الی مدین
16 غزوة الحدیبیة
20 ذکر بیعة الرضوان
25 بیان حکم الظهار
26 وفاة أم رومان أم عائشة رضی اللّه عنها
26 تحریم الخمر
27 ذکر الحشیشة و أشباهها
28 مضار الحشیشة
28 صفة المیسر
صحیفه 29 الموطن السابع فی وقائع السنة السابعة من الهجرة
29 ذکر اتخاذ الخاتم
29 ارسال الرسل الی الملوک
30 کتابه علیه السلام الی النجاشی
30 کتاب النجاشی إلیه علیه السلام
31 کتاب النبیّ الی قیصر
33 صورة کتاب النبیّ الی هرقل
34 کتاب النبیّ الی کسری
37 کتاب النبیّ الی المقوقس
38 کتاب النبیّ الی الحارث الغسانی
39 کتاب النبیّ الی ثمامة و هوذة الحنفیین
40 سحر النبیّ صلی اللّه علیه و سلم
41 سریة أبان بن سعید قبل نجد
41 اسلام أبی هریرة
42 قصة جراب أبی هریرة
43 غزوة خیبر
52 سم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی الشاة
55 قسمة غنائم خیبر
56 استصفاء صفیة
58 فتح فدک
58 طلوع الشمس بعد غروبها لعلی رضی اللّه عنه
58 فتح وادی القری
59 نوم الرسول عن صلاة الصبح
59 بناء الرسول علیه السلام بأم حبیبة
60 سریة عمر بن الخطاب الی تربة
60 سریة بشر بن سعد الی بنی مرّة
61 بعث غالب اللیثی الی المیفعة
61 سر بشر بن سعد الی یمن و جبار
61 سریة ابن عمر الی قبل نجد
61 کتابه الی جبلة بن الایهم
61 قتل شیرویه أباه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:394
صحیفه 61 هدیة المقوقس
62 الکلام فی عمرة القضاء
64 تزوّجه علیه السلام بمیمونة رضی اللّه عنها
65 الموطن الثامن فی وقائع السنة الثامنة من الهجرة
65 اسلام خالد و عمرو بن العاص و عثمان الحجبی
67 بعث غالب بن عبد اللّه الی فدک
68 اتخاذ المنبر
69 حنین الجذع
70 أوّل قود فی الاسلام
70 سریة شجاع بن وهب الی بنی عامر
70 سریة کعب بن عمیر الی ذات اطلاح
70 سریة مؤتة
73 ذکر زید بن حارثة
74 ذکر جعفر بن أبی طالب
75 سریة عمرو بن العاص الی ذات السلاسل
75 سریة أبی عبیدة الی سیف البحر
76 سریة أبی قتادة الانصاری الی خضرة
76 سریة أبی قتادة الی بطن اضم
76 سریة عبد اللّه بن أبی حدرج الی الغابة
77 غزوة فتح مکة
85 ذکر الاصنام التی کانت فی البیت
90 ذکر الرجال الاحد عشر الذین أهدر دمهم یوم فتح مکة الاوّل عبد اللّه بن خطل
90 الثانی عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح
91 الثالث عکرمة بن أبی جهل
92 الرابع حویرث بن نقید
92 الخامس المقیس بن صبابة الکندی
93 السادس هبار بن الاسود
93 السابع صفوان بن أمیة
94 الثامن حارث بن طلاطلة
94 التاسع کعب بن زهیر
94 العاشر وحشی بن حرب
صحیفه 94 الحادی عشر عبد اللّه بن زبعری
94 ذکر النساء اللاتی أهدر النبیّ دماءهنّ یوم الفتح أولاهنّ هند بنت عتبة امرأة أبی سفیان
94 الثانیة و الثالثة قریبة و الفرتنا الرابعة مولاة بنی خطل و الخامسة مولاة بنی عبد المطلب
95 السادسة أم سعد أرنب
95 اسلام أبی قحافة والد أبی بکر
95 اسلام حکیم بن حزام
95 سریة خالد بن الولید الی العزی
95 ذکر منشأ اتخاذ الاصنام
96 بعث عمرو بن العاص الی سواع
97 بعث سعد بن زید الی مناة
97 بعث خالد بن الولید الی بنی جذیمة
99 غزوة حنین
107 سریة أبی عامر الاشعری الی أوطاس
109 سریة الطفیل بن عامر الی ذی الکفین
109 غزوة الطائف
113 اسلام مالک بن عوف
116 بعث عمرو بن العاص الی حیفر و عبد
116 بعث العلاء الحضرمی الی ملک البحرین
117 اسلام عروة بن مسعود
117 تزوّجه علیه السلام بملیکة الکندیة
118 ولادة ابراهیم من ماریة القبطیة
118 الموطن التاسع فی حوادث السنة التاسعة من الهجرة
118 بعث عیینة بن حصن الی بنی تمیم
119 بعث الولید بن عقبة الی بنی المصطلق
120 بعث قطبة بن عامر الی خثعم
120 بعث الضحاک بن سفیان الکلابی الی بنی کلاب
120 بعث علقمة بن مجزز الی الحبشة
120 بعث علی بن أبی طالب الی الفلس
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:395
صحیفه 121 اسلام کعب بن زهیر
121 تتابع الوفود
122 هجره صلی اللّه علیه و سلم نساءه
122 غزوة تبوک
128 سریة خالد بن الولید الی اکیدر
129 موت عبد اللّه ذی البجادین
130 هدم مسجد الضرار
131 قصة کعب بن مالک
133 قصة اللعان
134 اسلام ثقیف
137 هدم اللات
138 کتاب ملوک حمیر
139 رجم الغامدیة
139 وفاة النجاشی
140 وفاة أم کلثوم
140 وفاة ابن سلول
141 حج أبی بکر بالناس
142 الموطن العاشر فی حوادث السنة العاشرة من الهجرة
142 بعث أبی موسی الاشعری الی الیمن
142 ذکر معاذ بن جبل
142 وصیته علیه السلام لمعاذ
143 ذکر أبی موسی الاشعری
144 بعث خالد بن الولید الی عبد المدان بنجران
144 بعث علی بن أبی طالب الی الیمن
145 بعث جریر بن عبد اللّه الی ذی الکلاع
146 بعث أبی عبیدة بن الجرّاح الی أهل نجران
146 قصة بدیل و تمیم الداری
146 وفاة ابراهیم ابن رسول اللّه علیه السلام
146 کسوف الشمس
147 طلوع جبریل مجلس النبیّ فی صورة رجل
147 قدوم فیروز الدیلمی الی المدینة تاریخ الخمیس، دیار البکری ج‌2 395 (فهرست الجزء الثانی من تاریخ الخمیس) * ..... ص : 393
1 حجة الوداع
150 نفیسة
صحیفه 153 اتیان الصبی و تکلمه بین یدی النبیّ یوم ولد
153 موت باذان
153 نزول آیة الاستئذان
154 الموطن الحادی عشر فی وقائع السنة الحادیة عشر من الهجرة
154 استغفاره علیه السلام لاهل البقیع
154 سریة أسامة بن زید الی أهل ابنی
155 ظهور الاسود العنسی
157 قتل الاسود العنسی
157 قصة مسیلمة الکذاب
159 قصة سجاح
160 قصة طلیحة بن خویلد
160 ابتداء مرضه علیه السلام
162 اسراره علیه السلام الی فاطمة
166 ذکر سنه علیه السلام
166 ذکر وقت موته علیه السلام
167 ذکر بیعة أبی بکر رضی اللّه عنه
170 ذکر غسله علیه السلام
171 ذکر تکفینه علیه السلام
171 ذکر الصلاة علیه علیه السلام
171 ذکر قبره علیه السلام
172 ذکر وقت دفنه علیه السلام
172 ذکر الندب علیه صلی اللّه علیه و سلم
173 ذکر میراثه و ترکته و حکمه فیها
174 ذکر رؤیته علیه السلام فی المنام
174 ذکر زیارته و سائر المشاهد بالمدینة
177 الفصل الاوّل من الخاتمة
177 ذکر خدمه علیه السلام
178 ذکر موالیه علیه السلام
180 ذکر مولیاته علیه السلام
181 ذکر امرائه علیه السلام
181 ذکر کتابه علیه السلام
182 ذکر رسله علیه السلام
183 قضاته و مؤذنوه علیه السلام
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:396
صحیفه 184 شعراؤه علیه السلام
184 خیله و دوابه علیه السلام
186 بغاله علیه السلام
187 حمیره علیه السلام
187 غریبة
187 ابله علیه السلام
188 أسلحته علیه السلام
189 أدراعه علیه السلام
189 رماحه و أقواسه و أتراسه و رایانه علیه السلام
190 لباسه و ثیابه علیه السلام
192 وفوده علیه السلام
197 وفد صداء
197 وفد سلامان
197 وفد الازد
198 رؤیا زرارة
198 وفد بجیلة
199 الفصل الثانی فی ذکر الخلفاء الراشدین و خلفاء بنی أمیة و العباسیین
199 ذکر صفة أبی بکر رضی اللّه عنه
199 ذکر خلافته رضی اللّه عنه
201 ذکر بدء ردّة الاعراب
205 ذکر وصیة أبی بکر لخالد بن الولید
205 ذکر مسیر خالد الی بزاخة
208 رجوع بنی عامر و غیرهم الی الاسلام
211 ذکر تقدیم خالد الطلائع امامه
220 قصة زرقاء الیمامة
221 بعث أبی بکر العلاء الحضرمی الی البحرین
222 ذکر غزو الشام
225 کتاب أبی عبیدة الی أبی بکر
227 مکالمة عمرو بن العاص مع أبی بکر
228 أوّل وقعة فی الشام
229 توجه خالد بن الولید من العراق الی الشام
230 کیفیة سلوک خالد فی القفار
صحیفه 231 کتاب خالد الی آبی عبیدة
231 اغارة خالد علی بنی تغلب
232 عدّة الجیش الذی دخل الشام مع خالد
233 ذکر وقعة اجنادین
235 کتاب خالد بالفتح الی أبی بکر رضی اللّه عنهما
235 وقعة مرج الصفر
236 ذکر مرض أبی بکر و وفاته رضی اللّه عنه
237 ذکر أولاد أبی بکر رضی اللّه عنه
238 ذکر مقتل محمد بن أبی بکر
239 ذکر عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه
240 صفة عمر رضی اللّه عنه
240 ذکر خلافة عمر رضی اللّه عنه
242 ذکر کتابه و قضاته و امرائه
242 ذکر قصة النیل
243 کرامة فی نداء عمر لساریة و هو علی المنبر
244 صفة أبی عبیدة بن الجرّاح
245 ترجمة بلال رضی اللّه عنه
246 ترجمة ابن أم مکتوم
247 ترجمة خالد بن الولید رضی اللّه عنه
247 ذکر الخبر عن آخر أمر عمر و وفاته رضی اللّه عنه
248 ذکر مقتله رضی اللّه عنه
250 ذکر أولاد عمر رضی اللّه عنه
252 قصة عبد الرحمن بن عمر و هو المجلود فی الحدّ
254 ذکر عثمان بن عفان
254 صفة عثمان
254 ذکر خلافة عثمان رضی اللّه عنه
255 ذکر کاتبه و قاضیه و أمیره
257 ترجمة عبد الرحمن بن عوف
257 ترجمة العباس عم النبیّ
257 ترجمة عبد اللّه بن مسعود
258 ترجمة أبی ذر الغفاری
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:397
صحیفه 258 ذکر مقتل عثمان رضی اللّه عنه
264 ذکر تاریخ قتل عثمان رضی اللّه عنه
264 ذکر دفنه رضی اللّه عنه
265 ذکر شهود الملائکة عثمان
265 ذکر مدّة خلافته
266 ذکر ما نقم علی عثمان مفصلا و الاعتذار عنه بحسب الامکان
274 ذکر ولد عثمان رضی اللّه عنه
275 ذکر علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه
275 ذکر صفته رضی اللّه عنه
276 ذکر خلافة علی رضی اللّه عنه
278 ذکر من توفی فی خلافة علی من مشاهیر الصحابة
279 ذکر مقتل علی رضی اللّه عنه
280 ذکر قاتله و ما حمله علی قتله
282 ذکر موضع دفنه
283 ذکر أولاد علی رضی اللّه عنه
286 ذکر الائمة الاثنی عشر
289 ذکر خلافة الحسن بن علی رضی اللّه عنهما
289 ترجمة الاشعث بن قیس الکندی
291 فائدة غریبة
291 ذکر خلافة معاویة بن أبی سفیان
292 وفاة عمرو بن العاص
292 ذکر وفاة الحسن بن علی
293 ذکر وصیته لاخیه الحسین
293 ذکر أولاد الحسن
294 ذکر من توفی من کبار الصحابة فی زمن الحسن
296 ذکر وفاة معاویة و موضع قبره
297 ذکر أولاده و قضاته و أمرائه
297 ذکر خلافة یزید بن معاویة
297 ذکر مقتل الحسین بن علی رضی اللّه عنهما
299 ذکر سنّ الحسین بن علی رضی اللّه عنهما
300 ذکر أولاد الحسین
300 ذکر وفاة یزید و مدفنه و ذکر أولاده
صحیفه 301 ذکر خلافة معاویة بن یزید بن معاویة
301 ذکر خلافة عبد اللّه بن الزبیر
304 ذکر مقتل ابن الزبیر
306 ذکر أولاد عبد اللّه بن الزبیر
306 ذکر خلافة مروان بن الحکم
308 ذکر خلافة عبد الملک بن مروان
309 وفاة عبد اللّه بن عباس
309 هدم قصر الامارة بالکوفة
310 أوّل ضرب الدنانیر فی الاسلام
311 ذکر وفاة عبد الملک بن مروان
311 ذکر خلافة الولید بن عبد الملک
312 غریبة
313 آخر من مات من الصحابة
314 ذکر وفاة الولید
314 ذکر خلافة سلیمان بن عبد الملک
314 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة سلیمان بن عبد الملک
315 ذکر وفاة سلیمان بن عبد الملک
315 ذکر خلافة عمر بن عبد العزیز
317 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة عمر بن عبد العزیز
317 ذکر وفاة عمر بن عبد العزیز
318 ذکر خلافة یزید بن عبد الملک
318 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافته
318 ذکر خلافة هشام بن عبد الملک
319 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة هشام ابن عبد الملک
320 خلافة الولید الزندیق بن یزید
321 ذکر خلافة یزید بن الولید
321 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة یزید ابن الولید
322 ذکر خلافة ابراهیم بن الولید
322 ذکر خلافة مروان الحمار آخر خلفاء بنی أمیة
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:398
صحیفه 322 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة مروان الحمار
323 ملخص أخبار بنی أمیة
324 ذکر دولة بنی العباس و خلافة السفاح
324 ذکر خلافة أبی جعفر المنصور
325 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة أبی جعفر المنصور
325 سبب بناء بغداد
326 ترجمة الامام الأعظم أبی حنیفة النعمان
329 وفاة المنصور
329 ذکر خلافة المهدی أبی عبد اللّه محمد
330 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة المهدی
330 ظهور عطاء المقنع الساحر
331 ذکر خلافة موسی الهادی
331 ذکر خلافة هارون الرشید
332 ترجمة الامام مالک و ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة هارون الرشید
333 ذکر خلافة الامین محمد بن الرشید هارون
333 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة الامین
334 ذکر خلافة المأمون عبد اللّه بن الرشید هارون
334 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة المأمون
335 ترجمة الامام الشافعی محمد بن ادریس
336 ذکر خلافة المعتصم محمد بن الرشید هارون
337 خلافة الواثق باللّه هارون بن المعتصم
337 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة الواثق باللّه
337 خلافة المتوکل علی اللّه جعفر بن المعتصم
338 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة المتوکل علی اللّه
339 خلافة المنتصر باللّه محمد بن المتوکل
صحیفه 340 خلافة المستعین باللّه أحمد بن المعتصم
340 خلافة المعتز باللّه محمد
341 خلافة المهتدی باللّه محمد
342 وفاة حافظ العصر البخاری
342 خلافة المعتمد علی اللّه أحمد بن المتوکل
343 خلافة المعتضد باللّه أبی العباس أحمد
345 خلافة المکتفی باللّه علی بن المعتضد
345 خلافة المقتدر باللّه أبی الفضل جعفر
346 خلافة عبد اللّه بن المعتز
346 خلافة المقتدر باللّه فی المرّة الثانیة
347 ترجمة حسین بن منصور الحلاج
349 خلافة القاهر باللّه أبی منصور محمد
349 خلافة المقتدر باللّه ثالث مرّة
350 قلع الحجر الاسود من الکعبة و نقله الی هجر
351 خلافة القاهر باللّه أبی منصور محمد
351 خلافة الراضی باللّه أبی العباس محمد
352 خلافة المتقی للّه أبی اسحاق ابراهیم
353 خلافة المستکفی باللّه أبی القاسم عبد اللّه
353 خلافة المطیع للّه أبی القاسم الفضل
353 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة المطیع للّه
354 خلافة الطائع للّه أبی بکر عبد الکریم
355 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة الطائع للّه
355 غریبة
355 خلافة القادر باللّه أبی العباس أحمد
356 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافة القادر باللّه
357 خلافة القائم بأمر اللّه أبی جعفر عبد اللّه
357 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافته و ما وقع من الغرائب فی زمنه
359 خلافة المقتدی بأمر اللّه
359 ذکر من مات من المشاهیر فی خلافته
360 خلافة المستظهر باللّه
تاریخ الخمیس، دیار البکری ،ج‌2،ص:399
صحیفه 360 ذکر من مات من المشاهیر فی زمنه
360 عجیبة فی ذکر صبیة عمیاء تتکلم علی أسرار الناس
361 خلافة المسترشد باللّه
362 خلافة الراشد باللّه
362 خلافة المقتفی لامر اللّه
363 خلافة المستنجد باللّه
363 سبب حفر الخندق حول الحجرة النبویة
366 خلافة المستضی‌ء باللّه
366 خلافة الناصر لدین اللّه
367 وقعة خوارزم شاه مع التتار و ابتداء ظهورهم
369 خلافة الظاهر بأمر اللّه
370 خلافة المستنصر باللّه
370 بقیة أخبار التتار
372 خلافة المستعصم باللّه آخر الخلفاء العباسیة ببغداد
372 ظهور النار خارج المدینة المنوّرة
375 ذکر احتراق المسجد النبوی
375 ذکر الاحتراق الثانی
376 وصول هولاکو الی بغداد
378 خلافة المستنصر باللّه أبی العباس أحمد
صحیفه 379 خلافة الحاکم بأمر اللّه أبی العباس أحمد أوّل خلفاء العباسیة بمصر
379 هلاک هولاکو
379 وقعة التتار فی حمص
381 خلافة المستکفی باللّه أبی الربیع سلیمان
382 خلافة الحاکم بأمر اللّه أبی العباس أحمد
382 خلافة المعتضد باللّه أبی بکر
382 خلافة المتوکل علی اللّه أبی عبد اللّه محمد
383 خلافة المعتصم باللّه أبی یحیی زکریا
383 خلافة الواثق باللّه أبی حفص عمر
383 خلافة المعتصم باللّه أبی یحیی زکریا ثانی مرّة
383 خلافة المتوکل علی اللّه أبی عبد اللّه محمد
384 خلافة المستعین باللّه أبی الفضل العباس
384 خلافة المعتضد باللّه أبی الفتح داود
384 خلافة المستکفی باللّه أبی الربیع سلیمان
385 خلافة القائم بأمر اللّه أبی البقاء حمزة
385 خلافة المستنجد باللّه أبی المحاسن یوسف
385 ذکر الخلفاء الفاطمیین بالاختصار
387 ذکر ملوک الاکراد و الاتراک و الجراکسة الذین تولوا سلطنة مصر
تم فهرست الجزء الثانی من تاریخ الخمیس

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.