طلوع سعد السعود

اشارة

‏سرشناسه : مزاری، آغا
Mazari, Abu Ismail bin Awdah
‏عنوان و نام پدیدآور : طلوع سعد السعود فی اخبار و هران و الجزائر و اسبانیا و فرنسا الی اواخر القرن التاسع عشر = للاغابن عودة المزاری/ تحقیق و دراسة یحیی بو عزیز
‏مشخصات نشر : بیروت: دارالغرب الاسلامی ، ۱۹۹۰م. = ۱۳۶۹.
‏مشخصات ظاهری : ج‌۲
‏وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی
‏یادداشت : ص. ع. به‌فرانسه:Tulu' Sa'd - a's - su'u'd(chronique d'oran, D'ran,D'Alger, d'Espagne de france Jusque'a la fin du xix eme siecle.
‏یادداشت : کتابنامه
‏موضوع : الجزایر -- تاریخ
‏موضوع : وهران -- تاریخ
‏موضوع : فرانسه -- تاریخ
‏موضوع : اسپانیا-- تاریخ
‏شناسه افزوده : بوغزیز، یحیی ، مصحح ، Bu Aziz, Yuhya
‏رده بندی کنگره : DT۲۸۵/م‌۴ط۸
‏شماره کتابشناسی ملی : م‌۸۱-۳۰۳۳۱

الجزء الأول‌

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

کلمة شکر و تقدیر

إن کتاب طلوع سعد السعود الذی نقدمه الیوم للقراء، عبارة عن موسوعة کبیرة تاریخیة، و ثقافیة و جغرافیة، و اجتماعیة، لعدد من بلدان العالم القدیم علی مستوی قاراته الأربعة: إفریقیا، و أوروبا، و آسیا، و أوقیانیا.
فقد توسّع مؤلفه الآغا إسماعیل بن عودة المزاری فی التأریخ لمدینة وهران، و الجزائر، و الغرب الوهرانی، و إسبانیا، و فرانسا، و الأتراک العثمانیین، من غابر العصور إلی عهده عام 1890 م. فأرخ لسیر أجیال من العلماء، و الأولیاء، و الأمراء، و السلاطین، و الملوک، و الخلفاء. و أسهب فی الحدیث عن النظام الإداری للأتراک فی بلادهم، و فی الجزائر، و بلدان المغرب، و عن قبائل المخزن فی الغرب الوهرانی، مع تتبع أصولها، و فروعها، و أدوارها السیاسیة و العسکریة خلال عهد الأتراک، و قبلهم، و بعدهم إلی عهده هو. و سلک طریق و أسلوب ابن خلدون فی وضع شجرات الأنساب لها.
کما أسهب فی التأریخ لأجناس أوروبا، و سکان إسبانیا، و فرنسا، و أقالیم الأرض الجغرافیة، و الجزر، و الأودیة، و الأنهار، و الخلجان، و المدن، و الموانی‌ء، و فی التأریخ لملوک اسبانیا الکاثولیکیة الحدیثة، و ملوک فرنسا من غابر الأزمان إلی نهایة القرن التاسع عشر.
و توسع فی الحدیث عن أصل جنس الأتراک فی آسیا. و نزوحهم إلی آسیا الصغری و تکوینهم لدولتهم، و استعرض ملوکهم و سلاطینهم جمیعا إلی عهده أواخر القرن 19 م. کما توسع فی التأریخ لبایلیک الغرب الوهرانی، و بایاته،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 2
و صراعهم ضد الوجود الإسبانی فی وهران و المرسی الکبیر، و استعرض الحکام الأتراک فی الجزائر. و تفرغ بعد ذلک لاستعراض مقاومة الأمیر عبد القادر بتوسع، و قدم لنا قراءة جدیدة لها سوف تسمح بأعادة النظر فی فهم و تفسیر الکثیر من أحداثها. خاصة مواقف قبائل المخزن من الأمیر عبد القادر، و مواقفه هو منها.
و أوجز فی التاریخ للأندلس الإسلامیة، و أورد قوائم للخلفاء الأمویین فی الشرق، و الأندلس، و الخلفاء الفاطمیین، و سلاطین المرابطین، و الموحدین، و الزیانیین، و المرینیین، و السعدیین، فی الجزائر، و المغرب الأقصی، و تتبع غارات الإسبان و الفرنسیین، علی الجزائر و تونس، فی العصر الحدیث، و تحدث عن الحروب الصلیبیة خلال حدیثه عن ملوک فرنسا.
و خلال کل هذا، تحدث المؤلف علی قضایا کثیرة، تاریخیة، و فکریة و أدبیة، و ثقافیة، و اعتمد علی مصادر کثیرة نثریة، و شعریة، مخطوطة، و مطبوعة.
مما أضفی علی المخطوط القیمة العلمیة المطلوبة. و هذا بغض النظر علی أسلوب السجع الممل الذی اتبعه، و رکاکة اللغة فی بعض الأحیان.
و إخراج هذا المخطوط إلی حیز الساحة الثقافیة بعد مضی قرن کامل علی تألیفه، یدخل فی إطار إحیاء التراث الفکری بمفهومه الواسع للبلدان المغاربیة أساسا، و الإسلامیة بصفة عامة.
و هذا ما تقوم به مؤسسة: دار الغرب الإسلامی بقیادة رئیسها الفاضل السید الحبیب اللمسی، الحریص علی أن یکون المثل و النموذج لعملیة الإحیاء هذه، التی بدأها منذ عدة سنوات، و أخرج إلی الساحة الثقافیة تراثا حضاریا هاما و متنوعا: فی العلوم، و الآداب، و التاریخ، و السیر، و اللغة، و الدین، و غیرها، و زوّد المکتبات العربیة و العالمیة بنصیب وافر، من أمهات الکتب، و نفائس المخطوطات، و قدم للأجیال الصاعدة جهود الأجداد الضخم الذی شارکوا به فی خدمة العلم، و الفکر، و الثقافة العربیة الإسلامیة، و الإنسانیة العالمیة.
و ما إقدام هذه الدار، و رئیسها الفاضل، علی طبع هذا المخطوط، و نشره، إلا دلیل آخر علی مدی الجهد الذی یبذله فی هذا المیدان.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 3
هذا و قد أدخلنا تحویرا جزئیا علی اسم المخطوط فی ظهر الغلاف الخارجی فقط، لیکون أکثر دلالة علی محتواه، و هو «طلوع سعد السعود، أو تاریخ و هران، و الجزائر، و إسبانیا، و فرنسا، من غابر الأزمان إلی نهایة القرن 19 م».
فإلی الأخ الفاضل السید الحبیب اللمسی، و إلی داره العامرة: دار الغرب الإسلامی، نقدم کل التحیة، و الشکر، و التقدیر، و السلام.
و اللّه الموفق
و هران- حی جمال الجمعة 25 رمضان 1410 ه.
20 أبریل 1990 م.
د. یحیی بو عزیز (جامعة وهران)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 5
بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

تقدیم و توضیح‌

إن مخطوط طلوع سعد السعود فی تاریخ و هران و مخزنها الأسود. الذی نقدمه الیوم للقراء. قد استنفد منا عملا شاقا و طویلا، بسبب کبر حجمه، و تعقد إجراءات الحصول علی إذن لتصویره. و الوقت الطویل الذی استغرق فی نقله بالید، و ضربه علی الآلة الکاتبة، و مراجعته، و التعلیق علیه.
فقد استغرق الحصول علی إذن لتصویره من طرف وزارة الثقافة و السیاحة، أکثر من ستة شهور، و کان السبب فی ذلک المسؤول عن متحف زبانا بوهران الذی تلکأ و راوغ فی تنفیذ أمر الوزارة لأمور لا نعلمها، سامحه اللّه.
و استغرق نسخه بالید قرابة عام کامل، بسبب ضخامة حجمه، و صعوبة ضربه علی الآلة الکاتبة مباشرة. و بذل الأخ الطالب صدیقی سلیمان القنادسی.
جهودا مشکورة فی نسخه. و تحمل ذلک و تطوع رغم انشغاله بمتابعة دروسه.
لتحضیر شهادة اللیسانس فی التاریخ، و لو لا جهوده هذه، لتأخر إعداد المخطوط للطبع سنوات أخری. أو تعذر إطلاقا.
و تطلبت قراءته و تصحیحه، و التعلیق علیه، و تبویبه أوقاتا طویلة. و استغرق ضربه علی الآلة الراقنة قرابة عام کامل کذلک مع إعادة قراءته و تصحیحه و ترتیبه، و فهرسته، کل ذلک وسط الأشغال و الاهتمامات الیومیة التربویة و غیرها. و هنا لا بد من التنبیه علی عدة أمور:
أولا: توحد بالمخطوط أخطاء کثیرة جدا. و لا تخلو منها أیة صفحة فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 6
اللغة و قواعد اللغة، و الرسم، و الإنشاء، و الصیاغة، فاکتفینا بالإشارة و التنبیه علی البعض منها و ترکنا الباقی علی حالها، لأن الإشارة إلیها کلها. سیؤدی إلی تضخیم حجم المخطوط. ثم إنها لا تؤدی إلی عدم فهم المعلومات و الحوادث.
ثانیا: إن التعلیقات و الهوامش التی وضعناها للمقاصد الثلاثة الأولی، أثبتت أن المواصلة علی ذلک النهج سیؤدی إلی مضاعفة حجم المخطوط مرة أو أکثر، و لذلک خففنا منها کثیرا فی المقصدین الباقیین و الطویلین: الرابع، و الخامس. و اکتفینا فقط بالضروری منها.
ثالثا: أورد المؤلف قوائم کثیرة و طویلة لأسماء الأعلام الأجنبیة الرومانیة، و الیونانیة، و الإسبانیة، و الفرنسیة، و غیرها، فکتب البعض صحیحا، و حرف أخری، و لذلک حاولنا نحن تصحیح بعضها بکتابتها بالحروف اللاتینیة أمامها. أو فی الهامش. و ترکنا الباقی إلی حین التعرف علیها.
رابعا: لیس للمخطوط عناوین و لذلک وضعنا نحن له عناوین فرعیة مستقلة لیسهل التعرف علی موضوعاته، و العودة إلیها بدون مشقة، و صعوبة، و وضعنا أرقام الصفحات بین قوسین داخل النص.
خامسا: نظرا لطول المخطوط و کبر حجمه، فقد قسمناه إلی جزئین:
الجزء الأول: یشمل المقاصد الثلاثة الأولی. و القسم الأکبر من المقصد الرابع، و ینتهی عند نهایة الدولة الثامنة أو دولة الأتراک العثمانیین عام 1830 م، و یحوی 317 صفحة من المخطوط.
الجزء الثانی: یشمل القسم الأخیر من المقصد الرابع، و المقصد الخامس و الأخیر و یحتل باقی صفحات المخطوط إلی صفحة 582.
سادسا: بذلنا جهودا مکثفة للحصول علی سیرة المؤلف الآغا بن عودة المزاری. فلم نوفق، فقد راجعنا مجلة الجمعیة الجغرافیة و الأثریة لمدینة و هران.
و رجعنا إلی ما کتبه مارسیل بودان عن المخطوط، و لم نحصل علی شی‌ء، وزرنا أفراد عائلة المزاری فی سبدو، و مغنیة، و استجوبناهم فلم یفیدونا بشی‌ء و یجهلون أصلا هذا الرجل.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 7
و سألنا المسنین فی مدینة و هران، الذین لهم صلة بالعائلات المخزنیة فلم یفیدونا بشی‌ء.
و قد سجل المؤلف حیاته و سیرته فی مخطوطه، خلال تأریخه لرجال المخزن، بعد أن سجل سیرة والده الحاج محمد المزاری، و عمه مصطفی ابن إسماعیل. فی المقصد الخامس و الأخیر من مقاصد الکتاب من صفحة 538 إلی صفحة 545. و لکن هذه الصفحات بترت من المخطوط و یبدو أن ذلک تم عن عمد، و قصد. و لذلک بقیت حیاة هذا الرجل ثغرة. و لم نجد حالیا ما یملؤها. فأرجأنا ذلک إلی حین العثور علی معلومات جدیدة عنه، أو العثور علی الصفحات المبتورة من المخطوط. و قد قال فی صفحة 546 التی بقیت لم تبتر:
«ولی فی هذا الوقت ولدان بلامین أکبرهما إسماعیل، و الآخر الحسین».
و الشی‌ء المعروف عنه حالیا هو أنه ابن الحاج محمد المزاری الذی هو ابن أخ مصطفی بن إسماعیل، و کلاهما تولی وظیفة للأمیر عبد القادر، ثم للفرنسیین بعد أن انضما إلیهم فی حدود عام 1835 م. و من بعدهما تولی المؤلف ابن عودة المزاری وظیفة الآغا للفرنسیین، و لکن لا ندری متی تولی هذه الوظیفة، و متی ولد، و متی توفی کذلک، و المؤکد هو أنه توفی بعد عام 1897 م.
و قد یکون عاش إلی مطلع القرن الحالی و لا ندری أیضا أین توفی، و أین دفن، و لعلنا نکتشف فی یوم ما الأجوبة علی هذه الأسئلة و التساؤلات. فنضمها للطبعة التالیة إن شاء اللّه تعالی.
سابعا: وضعنا للمخطوط فهارس، للأعلام، و القبائل، و الجماعات، و الأماکن الجغرافیة، و أسماء الکتب. کل جزء بفهارسه الخاصة.
ثامنا: أضفنا إلی المخطوط فی الأخیر قائمة المراجع ذات الصلة بالموضوع، و منها المراجع التی اعتمد علیها المؤلف و أشار إلیها داخل النص.
تاسعا: إذا کان ما بد من شکر أحد فهو الناسخ للمخطوط الأخ الطالب و الأستاذ صدیقی سلیمان، و المسؤولون عن مدیریة التراث بوزارة الثقافة و علی رأسهم الأخ عبد اللّه بالسریانی، ثم الأخ الضابط الصدیق إیمخلاف رئیس القطاع العسکری بولایة النعامة و الأخ قاسمی الهاشمی بالإذاعة الجهویة بوهران اللذان
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 8
ساعدانی فی ضرب المخطوط علی الآلة الراقنة، فإلیهم و إلی غیرهم شکری و تقدری.
عاشرا: و قد زودنا هذه الدراسة فی الأخیر بقوائم لأسماء أباطرة الرومان و البیزنطیین، و ملوک فرنسا، و إسبانیا، و حکام و هران الأوائل، و السلاطین العثمانیین، و حکام الجزائر فی العهد العثمانی، و بثلاثة خرائط لوهران؛ و المنطقة الوهرانیة التی شهدت أحداث الإسبان، و المرسی الکبیر.
حادی عشر: لقد أدخلنا تحویرا جزئیا علی عنوان المخطوط الأصلی لیکون أکثر دلالة علی محتواه، و ذلک علی ظهر الغلاف الخارجی فقط، و أصبح هکذا: «طلوع سعد السعود أو تاریخ و هران و الجزائر و إسبانیا و فرنسا». (من غابر العصور إلی نهایة القرن 219). أما فی الداخل فقد أبقینا علی العنوان الأصلی للأمانة التاریخیة.
و أرجو أن یجد الطلاب و الباحثون، و الأساتذة فی المعاهد و الجامعات، ضالتهم فی هذا المخطوط الذی لا شک أنه سیزودهم بمعلومات واسعة، عن تاریخ و هران، و الغرب الوهرانی و الجزائر، و إسبانیا و فرنسا، و عبر التاریخ خاصة خلال عهد الأتراک العثمانیین و عهد الاحتلال الفرنسی إلی عام 1890 م.
و اللّه الموفق:
وهران- حی الصدیقیة الخمیس 29 شعبان 1409 ه 06 أبریل 1989 م
د. یحیی بو عزیز
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 9

المخطوطات‌

اشارة

طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 11
الصفحة الأولی من مخطوط: طلوع سعد السعود.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 12
الصفحة الثانیة من مخطوط: طلوع سعد السعود.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 13

تمهید فی التعریف بمخطوط طلوع سعد السعود فی أخبار وهران و مخزنها الأسود

للآغا بن عودة المزاری مؤلف هذا المخطوط هو أبو إسماعیل ابن عودة بن الحاج محمد المزری البحثاوی، کما جاء فی مطلع الصفحة الأولی منه التی تحمل رقم 2. و یعرف عن الناس فی الناحیة الغربیة بالآغا المزاری. و کان أبوه الحاج محمد المزاری، و عم أبیه مصطفی بن إسماعیل، قد تولیا منصب: و وظیفة «الآغا» عند الأمیر عبد القادر أولا، ثم عند الفرنسیین بعد أن انضما إلیهم فی حدود دیسمبر 1835 م الموافق لأواخر شعبان 1251 ه. کما جاء فی صفحات 431- 434 من المخطوط نفسه.
و یقع هذا المخطوط فی مجلد کبیر یحتوی علی 582 صفحة من مقاس 19* 25، و تتراوح أسطرها بین 18 و 30 سطرا، و کتب بخط مغربی واضح، و سهل القراءة علی طریقة المصحف الکریم المغربی، بحیث تنقط الفاء من أسفل و القاف من أعلی بنقطة واحدة.
لیس للمخطوط عنوان علی ظهره بالصفحة الأولی، و لکن ذکر داخل الصفحة الثالثة و فی آخرها. و قد بدئی بالصفحة الثانیة، بینما أبقیت الصفحة الأولی بیضاء، و لا توجد به صفحة رقم 505، و ذلک لخطأ فی الترقیم فقط، إذا انتقل المؤلف من رقم 504 إلی رقم 506 مباشرة. و لکن المخطوط تنقصه ثمانی صفحات من رقم 538 إلی رقم 545، إذ اقتلعت منه أربعة أوراق، و ذلک فی المقصد الأخیر منه. و من سوء الصدف أن الصفحات الناقصة هی التی تتصل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 14
بحیاة المؤلف نفسه، و موقفه من الأمیر و المقاومة الوطنیة. و یبدو لنا أن هذه الصفحات انتزعت عن قصد و لغرض معین کذلک، و کل صفحة من صفحات المخطوط یبدؤها المؤلف بالعبارة التالیة:
«اللهم صلّ علی الحبیب محمد و آله و صحبه و سلم». و ذلک علی یمین صفحة الیمین، و یسار صفحة الیسار.
و یوجد هذا المخطوط فی مکتبة متحف زبانا بمدینة و هران تحت رقم 466، و جلد بغلاف من الورق المقوی ذی اللون البنی المائل إلی الخضورة، و کتب علی ظهر حاشیته القاعدیة الجلدیة الحمراء بالحروف اللاتینیة، المزری.
تاریخ و هران. و لیس له نظیر علی ما نعرف، بحیث تتفرد به مکتبة هذا المتحف دون غیرها .
و یضم هذا المجلد بین دفتیه ثلاثین کرّاسا، کل منها یتألف من عشرة أوراق ما عدا:
کراس رقم 26 الذی یحتوی علی 12 ورقة من صفحة، 480 إلی 504.
و کراس رقم 27 الذی یحتوی علی 12 ورقة کذلک من صفحة 506 إلی 529.
و کراس رقم 28 الذی یحتوی فقط علی 8 ورقات من صفحة 530 إلی 553، و هو الکرّاس الذی تنقص به الصفحات التی تخص حیاة المؤلف و بعض أفراد أسرته.
و کراس رقم 30 الأخیر الذی یحتوی فقط علی 5 ورقات من 574 إلی 582.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 15

أقسام المخطوط و تاریخه‌

و یتألف هذه المخطوط من خمسة أقسام یحمل کل منها اسم المقصد:
- المقصد الأول: فیمن بنی و هران، و فیمن أمر ببنائها و أی تاریخ بنیت فیه.
و به 8 صفحات من 4 إلی 11.
المقصد الثانی: فی ذکر بعض أولیائها و التعریف بهم، و به 20 صفحة من 11 إلی 30.
- المقصد الثالث: فی ذکر بعض علمائها و التعریف بهم، و به 9 صفحات من 30 إلی 38.
- المقصد الرابع: فی ذکر الدول التی حکمتها و هی تسعة و به 486 صفحة من 38 إلی 523.
- المقصد الخامس: فی ذکر مخزنها و هو عین المراد، و به 59 صفحة من 523 إلی 582. و تنقص به ثمانی صفحات من 538- 545.
و لیس لهذا المخطوط تاریخ محدد لتألیفه، و لکنه ألف فی نهایة عقد الثمانینات و مطلع التسعینات من القرن التاسع عشر، و ذلک استنادا إلی کلام المؤلف نفسه فیما أورده فی صفحتی 520 و 521 حول تواریخ حکام الجزائر و وهران. فقد قال عن الحاکم العام تیرمان بأنه «تولی یوم 16 نوفمبر 1881 م و ما یزال علیها حتی الآن سنة 1890 م». و قال عن سعدیة کارنو الذی یحکم و هران بأنه «تولی سنة التسلیم (و هی 1888) و هذا الرایس هو الموجود الآن فی عام التسعین و الثمانمائة و الألف الموافق للعام الثامن و الثلاثمائة و الألف».
و استنادا کذلک إلی التقریظ الذی وضعه للمخطوط فی صفحته الأخیرة السید عبد العالی شبکه و أثبت فی نهایته التاریخین 1897 م و 1314 ه و أذن له فی طبعه. و إلی التقریظ الذی وضعه له کذلک بعد التقرظ الأول، السید عبد الرحمن بن سلیمان المصری المالکی، و لکنه لم یضع له تاریخا علی أی حال.
لیس للمخطوط عناوین مستقلة، ما عدا فی المقاصد الثلاثة الأولی و جزء من المقصد الرابع صفحة 57 فإن له عناوین علی هوامش الصفحات توضع دائما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 16
تحت کلمة: قف، غیر أن المؤلف یبرز عناوینه داخل الصفحات بکتابتها بالخط الغلیظ، و یستعمل المداد الأحمر فی کتابة الکلمات الأولی أو الحروف الأولی للکلمات فی بدایة الجمل و الفقرات التی من المفروض أن تکون فی بدایة السطر، لأنه لا یتوقف اطلاقا قبل تمام السطر لیبدأ فی الآخر، کما هو متعارف حالیا، غیر أنه یستعمل النقط الغلیظة للفصل بین الجمل و الفقرات حتی و لو مع عدم تمام المعنی، و یستعمل المداد الأحمر کذلک لوضع سطور تحت الکلمات، و الحروف، و کل عناوین الکتاب من وضعنا نحن.
و یختلف عدد أسطر الصفحات، و شکل الخط، حسب الکیفیة التالیة:
- فالصفحات الأولی لغایة صفحة 120 تقریبا، عدد أسطرها بین 18 و 19 و خطها واسع.
- الصفحات من 120 إلی 298 عدد أسطرها بین 19 و 20. و خطها مضغوط نوعا ما.
- و الصفحات الباقیة من 299 إلی نهایة المخطوط عدد أسطرها بین 24 و 30 و کتابتها مضغوطة جدا و دقیقة.
أغلب الصفحات استعمل فیها المؤلف المداد الأحمر، و الباقی لم یستعمل فیها، و هناک بعض الأوراق یقطعها، و یستبدلها بغیرها و یلصقها الصاقا. و هذا واضح فی عدة مواطن من المخطوط. و بما أن المخطوط یتألف من 30 کرّاسا فإن المؤلف رقمها کلها فی بدایتها علی الیسار بالتتابع من 1 إلی 30 و ذلک بوضع الرقم فوق حرف الکاف هکذا: ک 2. و یعنی کراس 2.
و مما تجدر ملاحظته هنا أن کل عناوین الکتاب من وضعنا نحن و لم نحاول أن نشیر لکل أخطاء الکتاب اللغویة، و الرسم، لأنها کثیرة جدا. و تتطلب الإشارة إلیها زیادة لا أقل من ربع حجم الکتاب. کذلک تجنبنا التعقیب و التدخل کثیرا فی المعلومات لأن ذلک یتطلب زیادة حجم الکتاب بالنصف علی الأقل.
و قد کانت تجربة التعلیقات فی المقاصد: الأول، و الثانی، و الثالث، خیر دلیل علی هذا. إذ زادت علی حجم کل مقصد علی حدة.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 17

محتویات المقاصد الخمسة

- المقصد الأول: یقع فی عشر صفحات، و موضوعه فیمن بنی و هران و أی وقت بنیت، و من أمر ببنائها، و من أشرف علی ذلک، و فی وصف الرحالة و المؤرخین لها. و قد ذکر المزری أنها بنیت فی القرن الثالث الهجری، و لکن هناک خلاف فی السنة. فالحافظ أبوراس له روایتان:
الأولی: فی کتابه، عجائب الأسفار، مفادها أن مغراوة هی التی بنتها بأمر من الخلیفة الأموی بالأندلس عبد الرحمن بن الحکم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، و الذی أشرف علی بنائها هو خزر بن حفصی بن صولات بن وزمار ابن صقلاب، بن مغراو الزناتی المغراوی. و هذا یعنی أنها بنیت فی وسط القرن الثالث لأن عبد الرحمن بن الحکم تولی الخلافة عام 206 ه، و توفی فی ربیع الآخر عام 288 ه، کما فی المختصر لأبی الفداء.
الثانیة: فی کتابیه: عجائب الأخبار، و الخبر المعرب، و تفید أن الذی بناها هو خزر بن حفص حقیقة، و لکن الذی أمر ببنائها هو الخلیفة الأموی بالأندلس أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن عبد الرحمن بن الحکم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، و ذلک اما سنة 290 أو 291 أو 292. و قد رجح الزیانی الذی نقل علیه، التاریخ الثالث و الأخیر لأن هذا الخلیفة تولی الخلافة عام 275 و توفی عام 300 ه کما فی مختصر أبی الفداء. و قد بناها قبل وفاته بعشر سنوات کما فی دلیل الحیران.
أما عبد الرحمن الجامعی فقد ذکر فی شرحه علی الحلفاویة أنها بنیت من طرف مغراوة و فی أیام أمرائها، و لکنه لم یحدد السنة و تجنب ذلک حتی لا یقع فی حرج أو خطأ. بینما أکد کل من محمد بن یوسف القیروانی، و أبی عبید اللّه البکری، و ابن خلکان، و الرشاطی، و الصفدی، کل فی تاریخه بأن الذین بنوها هم: محمد بن أبی عون، و محمد بن عبدوس، و محمد بن عبدون، و جماعة من البحارة الأندلسیین الذین کانوا ینتجعون مرسی و هران، مع نفزة و بنی مسقن، و هم بنو مسرغین من أزدیجة و کانوا أصحاب القرشی، و هو الخلیفة الأموی بالأندلس، و ذلک عام 290 ه.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 18
و قد استعرض أوصاف الرحالة و المؤرخین لها کالزیانی، و ابن خلکان، و أبی راس المعسکری، کل ذلک نقلا حرفیا عن دلیل الحیران لشیخه محمد ابن یوسف الزیانی فی ست صفحات کاملة.
- المقصد الثانی: فی ذکر بعض أولیائها بحسب الاستطاعة و التعرض بالذکر لمن هو منهم شریف، و قد اعتمد فیه علی دلیل الحیران حرفیا و مما قاله بالحرف الواحد: «اعلم أیدنی اللّه و إیاک بأنواره و نفعنی و إیاک بأسراره أن أولیاءها عددهم کثیر، و حصرهم عسیر و لکنی أذکر منهم المشاهیر کما ذکرهم شیخنا الزیانی فی الفصل الثالث من دلیل الحیران و أنیس السهران.
و قد استعرض المؤلف فی هذا المقصد سیر و مناقب، و حیاة عدد من أولیاء و هران عددهم حوالی 53 ولیا صالحا، و توسع فی ترجمة البعض مثل الشیخ محمد بن عمر الهواری، الذی خصه بثمانی صفحات و تلمیذه إبراهیم التازی الذی خصه بأربع صفحات و نصف الصفحة. أما الباقی فقد اختصر تراجمهم فی ما بین نصف الصفحة، و ثلثها و ربعها و سطر، و نصف السطر، بل أن عددا کبیرا منهم أوردهم بأسمائهم فقط، و ذلک لقلة المعلومات عنهم لدیه علی ما یبدو.
و من ضمن من ترجم لهم إلی جانب من ذکر: سیدی هیدور، و دادة أیوب، و محمد بن یبقی، و سیدی غانم، و عبد اللّه بن خطاب، و أحمد بن أبی جمعة الوهرانی، و بلخیر الجماعی، و سیدی الغریب، و سیدی البشیر بن یحیی، و بدر الدین، و سیدی السنوسی، و الخروطی، و محمد بن یعزی، و سیدی قتادة بالمختار، و عبد اللّه رحو التیجینی، و فرقان الفلیتی، و سیدی أحمد الفیلالی الضریر. کل ذلک فی 20 صفحة من المخطوط.
- المقصد الثالث: فی ذکر بعض علمائها من حیث بنیت للآن. اعتمد فیه کذلک علی دلیل الحیران للزیانی، و قال: «اعلم أیدنی اللّه و إیاک بنوره، و نفعنی و إیاک بسره، و وقانا من ضروره أن علماءها عددهم کثیر و حصرهم شدید عسیر، و لکنی أذکر منهم إن شاء اللّه تعالی المشاهیر کما ذکرهم شیخنا الحافظ المحقق سیدی و مولای، و سمط محیای العالم الربانی الشریف الحسن أبو عبد اللّه محمد ابن یوسف الزیانی فی الفصل الثالث من کتابه دلیل الحیران».
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 19
و قد ترجم لحوالی 63 عالما، توسع فی البعض منهم و اختصر فی الباقی کما فعل فی مقصد الأولیاء. و کرر فی هذا المقصد ذکر عدد من أولیاء وهران عدهم من العلماء کذلک، و هم: الشیخ الهواری، و إبراهیم التازی و سیدی یحیی البوعنانی، و سیدی محمد بن یبقی، و سیدی غانم، و أحمد بن أبی جمعة المغراوی.
و من العلماء الذین ترجم لهم کذلک: أبو إسحاق إبراهیم الوهرانی و أبو تمیم الواعظ، و أبو زید عبد الرحمن مقلاش، و أبو عبد اللّه محمد بن أبی جمعة الوهرانی المغراوی، و الکاتب المستغانمی محمد بن حسن، و السید أحمد ابن الخوجة، و مصطفی بن عبد اللّه الدحاوی، و الشیخ الطاهر بن الشیخ المشرفی، و محمد بن عبد اللّه سقاط المشرفی، و الحاج عبد القادر بن مصطفی المشرفی، و الخوجة السید مسلم بن عبد القادر الذی کان کاتبا لدی البای الباهی حسن آخر بایات و هران. کل ذلک فی تسع صفحات.
- المقصد الرابع: و هو أطول مقاصد الکتاب یحتل خمسة أسداس المخطوط تقریبا. و یشغل 486 صفحة کاملة. و قد تحدث فیه المزاری علی الدول التی حکمت و هران و المغربین الأوسط و الأقصی علی سبیل الترتیب من یوم بنیت إلی زمن المؤلف و عددها تسعة کما فی دلیل الحیران دائما، و هی:
1- دولة الأمویین بالأندلس القائمین بأمور زناتة و عمالهم مغراوة و أولهم خزر، و ذلک فی 4 صفحات من 38 إلی 41.
2- و العبیدیون و هم الشیعة فی 15 صفحة من 41 إلی 56.
3- و المرابطون و هم الملثمون فی 12 صفحة من 57 إلی 68.
4- و الموحدون فی 23 صفحة من 68 إلی 91.
5- و الزیانیون و هم بنو عبد الواد فی 13 صفحة من 91 إلی 104.
6- و المرینیون بنو أحمامة ثم الزیانیون فی 33 صفحة من 104 إلی 137.
7- و الإسبانیون فی 39 صفحة من 137 إلی 176.
8- و الأتراک و هم الترک فی 141 صفحة من 176 إلی 317.
9- و الفرنسیین فی 208 صفحة من 317 إلی 523.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 20
و قد أکثر المؤلف فی هذا المقصد من الاستطرادات التی أخرجته تماما عن موضوعه الأصلی، و أغرقت تاریخ و هران فی محیط تاریخ العالم کله تقریبا و خاصة بلدان المغرب، و الأندلس، و فرنسا، و البلاد العثمانیة بالمشرق، و سنحاول أن نقدم فیما یلی موجزات و مختصرات، لما توسع فیه من تاریخ هذه الدول أو العهود التسعة، للتعریف بمحتویاتها، و التنبیه إلی ما هو مهم منها:
أولا: الدولة الأولی بنو أمیة و عمالهم مغراوة و أولهم خزر بن حفص الذی اختطها و بناها فی القرن الهجری الثالث، و کان جده الأعلی و زمار بن صقلاب ابن مغراو، قد أسلم علی أیدی عبد اللّه بن سعد بن أبی سرح، فأرسله ضمن وفد إلی المدینة لمقابلة الخلیفة الثالث لرسول اللّه، سیدنا عثمان بن عفان، فجدد إسلامه علی یدیه کذلک، و من ثم بقیت مغراوة موالیة لبنی أمیة، مثلما فعلت صنهاجة عند ما بقیت موالیة للعلویین العبیدیین بإفریقیا.
و قد أورد المؤلف تفاصیل عدة عن أحداث و هران و ولاتها المغراویین بعد خزر مثل ابنه محمد، و الخیر بن محمد، و تحدث عن إحراقها عام 297 ه و تجدیدها فی العام الموالی و عن حروب محمد بن خزر مع أزدیجة و عجیسة، و صلات ابنه الخیر بالمروانیین بالأندلس خاصة عبد الرحمن الناصر، و اتساع ملکه علی معظم المغربین الأوسط و الأقصی إلی السوس الأدنی، و الصحراء، و حروبه مع الشیعة، و غزوه لبسکرة و الزاب و المسیلة و تدویخه للمغرب الأوسط تدویخا کاملا إلی أن حصل خلاف له مع أبیه، شدید، فأرسل الخلیفة الناصر من الأندلس قاضی قرطبة الفقیه منذر بن سعید الولهاصی البلوطی لیصلح بینهما، و یبقی الأمر هکذا حتی سیطر الشیعة العبیدیون علی و هران. و قد استغرق ذلک أربع صفحات نقلها من دلیل الحیران.
ثانیا: دولة الشیعة الرافضة، و العبیدیون، و العلویون، و الفاطمیون، و قد شرح فیها أسباب تسمیتهم بهذه الأسماء و الألقاب و سیطرتهم علی و هران.
و انتقال الحکم فیها إلی بنی یفرن، و قیام یعلی بن محمد الیفرینی ببناء مدینة إیفکان عام 338 ه، فی ضواحی بنی راشد بسفح جبل أوسلاس، و نقله سکان و هران إلیها بعد أن خربها، و نقل مقر حکمه إلیها کذلک، ثم شرح بعد ذلک
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 21
کیف مال محمد بن الخیر بن خزر المغراوی إلی الشیعة، و التحق بالمعز لدین اللّه الفاطمی فی القیروان، و عاد مع جیش جوهر الصقلی إلی تیهرت و تم قتل الیفرینی غدرا، و خرب جوهر مدینة إیفکان و عاد محمد بن الخیر إلی حکم و هران، فبث فیها و فی غیرها الدعوة الشیعیة الفاطمیة العبیدیة، و قد استعرض أحداث الخزریین فی هذا العهد الثانی و أشار إلی بناء مدینة و جدة عام 384 ه من طرف زیری بن عطیة، و إلی فساد العلاقة بین زیری بن عطیة، و المنصور بن أبی عامر بالأندلس، و ختم هذا العهد و هذه الدولة بذکر أسماء حکام و هران خلال العهدین: المغراوی الخزری، و الشیعی الفاطمی، و ذکر أنهم ستة عشر حاکما، عشرة مغراویون، و اثنان من أزدیجة و عجیسة، و واحد شیعی، و واحد یفرینی، و اثنان صنهاجیان. و أورد کذلک أسماء ملوک الأمویین المروانیین بالأندلس، و عددهم ستة عشر ملکا و أسماء ملوک و خلفاء بنی أمیة بالمشرق و عددهم أربعة عشر، و أسماء ملوک الشیعة العبیدیین، و عددهم أربعة عشر ملکا، و ملوک الأدارسة بالمغرب الأقصی و عددهم ثلاثة عشر. و ملوک السلیمانیین بالمغرب الأوسط و عددهم واحد و عشرون: أربعة بتلمسان، و أربعة برشقون و ثلاثة بجراوة، و ثلاثة بتاهرت، و سبعة بتنس. و قد استغرق الحدیث عن هذه الدولة 15 صفحة من المخطوط.
ثالثا: دولة المرابطین الملثمین، ابتداء من یوسف بن تاشفین مؤسس مدینة مراکش، و قد استعرض فیها أحداث هذه الدولة فی المغربین الأقصی، و الأوسط، و الفتوحات و التوسعات التی قامت بها، و بناء مدینة مراکش، و أحداث و هران و مشاکلها خلال ذلک، و ذکر أن ملوک صنهاجة الملثمین، الذین یبلغ عددهم اثنین و أربعین أمیرا ینتمون إلی ثلاثة فرق هی:
1- البولکانیة: نسبة إلی بلکین بن زیری بن مناد الصنهاجی، و عددهم خمسة و عشرون ملکا: عشرة بإفریقیا (تونس)، و عشرة ببجایة و واحد بالمغرب الأوسط، و أربعة بالأندلس.
2- المرابطون الملثمون اللمتونیون: و عددهم اثنا عشر.
3- الغانیة: أو بنو غانیة أولاد المرأة التی یقال لها غانیة و هی بنت عم یوسف ابن تاشفین. و عدد ملوکهم خمسة ما بین بجایة و تونس.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 22
و قد استغرق الحدیث علی هذا العهد 12 صفحة من المخطوط.
رابعا: دولة الموحدین، و قد تحدث فیها عن سبب تسمیتهم بالموحدین و عن المهدی بن تومرت داعیة هذه الدولة، و نسبه، و دعوته، و عن عبد المؤمن و نسبه، و أصله، و سیرته، و أولیات حیاته، و بدایة حکمه، و فتوحاته، و قیامه بمسح جغرافی لبلدان المغرب من برقة إلی واد نون بالسوس الأقصی، بالفراسخ، و الأمیال، طولا و عرضا، مع إسقاط الثلث بعد ذلک الذی یشغل الأودیة، و الجبال، و الغابات، و الشعاب، و السباخ، و الطرقات، و الخرابات، و ذلک من أجل تحدید الخراج بها. و تحدث عن قیام عبد المؤمن ببناء مدینة البطحاء بأرض هوارة، و مدینة الفتح بجبل الفتح فی الأندلس التی نقل إلیها عددا من سکان الحشم بإفریقیا للاستقرار بها.
و بعد ذلک استعرض تاریخ خلفائه من بعده، و أحداثهم و حروبهم أحیانا بإیجاز و أحیانا بالتفصیل، و ختم ذلک بإیراد إحصاء لعدد ملوک و أمراء هذه الدولة الموحدیة و عددهم 47 ملکا: منهم 14 بالمغرب الأقصی، و 29 بإفریقیا (تونس)، و 3 ببجایة، و واحدة بالمهدیة و طرابلس، و حدد الأقالیم و الأوطان التی وصل إلیها حکمهم، و خضعت لهم و استغرق ذلک 23 صفحة من المخطوط.
خامسا: الدولة الخامسة و هم الزیانیون و بنو زیان، و العبد لوادیون، و بنو عبد الواد، و قد تحدث فیها عن سبب تسمیتهم بذلک، و أصلهم و نسبهم، و کیفیة وصولهم إلی الحکم ابتداء من جابر بن یوسف بن یاغمراسن و استقلالهم بتلمسان و المغرب الأوسط، و استعرض أحداث أمراء هذه الدولة و تاریخ و هران و أحداثها خلالها، و أورد بعض الصراعات و الحروب التی کانت تحصل بین بنی زیان و بنی مرین حول السلطة و النفوذ علی کل أقالیم المغرب العربی، و تدخل بنی حفص فی الصراع کذلک، و ما انجز عن ذلک من التقلبات السیاسیة و التمردات، و الانقلابات. و قد استغرق ذلک 13 صفحة من المخطوط.
سادسا: دولة المرینیین و یقال لهم بنو أحمامة، و قد تحدث عن تسمیتهم، و نسبهم، و مواطنهم بالزاب، و فیقیق، و تافیلالت و ملویة، و عن کیفیة وصولهم إلی الحکم، و أول ملکهم بالمغرب الأقصی عبد الحق، و من جاء بعده من الأمراء
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 23
و الملوک، هذا وراء الآخر، مع اختصار أحداثهم إلی عهد أبی الحسن المرینی، و ابنه أبی عنان، و ما حصل بینهما من الأحداث و المشاکل.
و خلال هذا شرح أحداث و هران و تعاقب الحکم فیها بین بنی زیان و بنی مرین حوالی خمس مرات مثلما حصل لتلمسان و باقی المغرب الأوسط، نظرا لحدة الخلافات و الصراعات بین الفریقین، و قد استغرق ذلک 33 صفحة من المخطوط.
سابعا: «الدولة السابعة و هم الإسبانیون، و یقال لهم السبنیول سموا بذلک نسبة لمدینة إسبانیا بقطع الهمزة المکسورة و سکون السین المهملة، و فتح الباء الموحدة من أسفل بعدها ألف ساکن، ثم نون موحدة من أعلی مکسورة ثم یاء مثناة من تحت بعدها ألف مقصورة». و قد تحدث فیها عن عاصمة إسبانیا ماتریج (مجریط)، و موقعها، و موقع إسبانیا و مساحتها، و الدول و الملوک الذین تعاقبوا علیها، و سکانها، و عددهم و أصولهم، و أقسام إسبانیا السیاسیة الثلاثة عشرة، الثمانیة الساحلیة و الخمسة الداخلیة، و أشهر مدنها، و جبالها، و أنهارها، و أنهار العالم کلها، و جباله، و موقع إسبانیا فی أوربا، و باقی القارات الخمس، و سکانها و دول العالم جمیعها، فی القارات الخمس. و قد توسع فی الحدیث عن أصل السکان الإسبان إلی أن وصل إلی عهد فیردینند، و إزابلا، الکاثولکیین فی القرن 15 م. و استعرض بعد ذلک أحداث الغزو الإسبانی لوهران و المرسی الکبیر، و ضواحیهما و أحوازهما بکثیر من التفصیل و شرح سعی الإسبان لترکیز وجودهم بهما، و فرض سیطرتهم علی المناطق المجاورة و مقاومة السکان لهم، و تحدث عن سکان هبرة، و أصلهم و فروعهم، و استعرض الغزوات الإسبانیة، و توسعاتهم خارج و هران علی طول سواحل الجزائر، و تونس، و طرابلس، و تتبع تاریخ ملوک الإسبان أمثال فردینند الأول، و فیلیب الأول و الثانی، و الثالث، و کارلوس الأول، و الثانی، و الثالث، و الرابع، و استطرد للحدیث عن قدوم الأتراک إلی مدینة الجزائر ابتداء من خیر الدین و عروج و سعیهم لتحریر و هران ابتداء من حسن بن خیر الدین إلی البای شعبان الزناقی، و اغتنم فرصة حدیثه عن محاولة السلطان العلوی إسماعیل تحریر و هران، فأورد أسماء ملوک بنی وطاس بفاس،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 24
و ملوک العلویین، و أشار إلی التحصینات الإسبانیة بوهران، و استغرق ذلک 39 صفحة من المخطوط.
ثامنا: «دولة الأتراک و هی الدولة الثامنة التی حکمت و هران و قد تحدث عن أصل الأتراک، و منبتهم، و بلادهم فی أقصی المعمورة و ما وراء النهر إلی الصین، و السد الذی بناه ذو القرنین، و عن انتشارهم فی الأرض، و إسلامهم، وجدهم الأول عثمان، و نسبه، إلی آدم علیه السلام، و أخذ بعد ذلک یستعرض تاریخ ملوک و سلاطین العثمانیین إلی عهد السلطان عبد الحمید الثانی الذی کان یحکم فی عهده أواخر القرن 19 م تم تطرق للحدیث عن وصول الأتراک إلی الجزائر، و أسباب ذلک و تاریخه، و استعرض حکامهم و أمراءهم بها، مع أحدائهم ابتداء من عروج و خیر الدین إلی الدای حسین باشا آخرهم بالجزائر.
و توقف عند أحداث استعادة الإسبان لوهران عام 1732 بعد أن حررها بوشلاغم قبل ذلک عام 1708 لمدة ربع قرن، و أرخ للأحداث التی تلت ذلک، و الغزوات الإسبانیة المتکررة علی الجزائر خلال عهد الدای محمد عثمان باشا فی أعوام 1775 و 1783، و 1784 م. أثناء حکم الملک الإسبانی کارلوس الثالث، و عاد بعد ذلک للحدیث عن فتح و هران، و تحریرها التحریر الثانی و النهائی علی أیدی البطل الشجاع البای محمد بن عثمان الکبیر، و حشد من طلبة العلم، و الفقهاء و العلماء، و حفاظ القرآن الکریم، و أورد حکایات و تفاصیل کثیرة حول الموضوع. ثم استطرد للحدیث و التاریخ عن باقی ملوک إسبانیا قبل أن یعود للتأریخ عن نظام الحکم الترکی بالجزائر الإداری و العسکری و أجهزة الحکم، و أقسام البایلیکات، و أجهزة الحکم، و الألقاب، و الرتب، و التخصصات، و تحدث عن عواصم بایلیک الغرب: مازونة مع بایاتها، و تلمسان مع بایاتها، ثم قلعة بنی راشد، و معسکر، و وهران و مستغانم أخیرا، و شرح أجهزة حکم البایات، و تنظیماتهم الإداریة و السیاسیة و العسکریة، و الاقتصادیة، و اختصاصات الموظفین، و رتبهم، و نظام الدنوش.
و بعد کل هذا شرع فی الحدیث و التأریخ بالتفصیل، لبایات بایلیک الغرب ابتداء من حسن بن خیر الدین إلی مصطفی بوشلاغم المسراتی و أبنائه، و البای
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 25
محمد بن عثمان الکبیر و ابنه عثمان إلی أن وصل إلی الباهی حسن آخر بایات و هران و بایلیک الغرب و قد خصص حیزا کبیرا للحدیث عن البایات المسراتیة، و أعمالهم و منشآتهم العمرانیة فی معسکر، و مستغانم، و وهران، و قلعة سیدی راشد، کما خصص حیزا کیرا للحدیث عن ثورة درقاوة، و التیجانی ضد بایات بایلیک الغرب، و ما حصل خلالهما من الأحداث و التطورات، و الحروب، و القلاقل و الاضطرابات و تحدث عن قبائل المخزن الخمسة ببایلیک الغرب و هی:
الدوائر، و الزمالة، و الغرابة، و البرجیة، و المکاحلیة، و لم ینس أن یتحدث عن مقتل الرئیس حمید و خلال مواجهته للمراکب الأمریکیة فی البحر، و عن الصلح الذی تم علی أثر ذلک بین الجزائر، و أمریکا، و غارات الإنکلیز علی الجزائر، إلی أن وصل إلی حملة الاحتلال الفرنسی علی الجزائر عام 1830 م، و قد استغرق ذلک 141 صفحة من المخطوط. و قد استقی کل معلوماته و نقلها عن دلیل الحیران.
تاسعا: «ثم ملک و هران الدولة التاسعة و هی الفرنسیس و یقال لهم أیضا الفرنج، فتسمیتهم بالفرنج قدیمة التأسیس ثم سمتهم العامة بعدها بالفرنسیس نسبة إلی بلدة افرانسا بقطع الهمزة، و هی قاعدتهم القدیمة، و ملک دارهم القویمة، و تقرأ بالجیم بدل السین أیضا لا حرجا کما قال ابن خلدون».
و قد تحدث عن نسب الفرنسیین، و مملکتهم، و موقعها، و حدودها و عاصمتهم، و موقع فرنسا من أوربا، و سکانها، و نسلهم، و دیانتهم، و عددهم و مساحة فرنسا، و أشهر مدنها، و موانیها، و خلجانها، و جبالها، و أودیتها و جزرها، و بواغیزها، و الشعوب، و الدول، التی توالت علیها من الإغریق إلی اللاتین، و الفرنجة، و الغالیین، و شرع بعد ذلک فی الحدیث و التأریخ لملوک فرنسا ابتداء من فرامون الذی تولی سنة عشرین من القرن الخامس المیلادی إلی نابلیون الثالث، و عددهم ثلاثة و سبعون ملکا فاستعرض أحداثهم أحیانا باختصار، و أحیانا بتوسع، سواء فی فرنسا أو خارجها، و ذلک زیادة علی رؤساء الجمهوریات الذین جاؤوا بعدهم و قد قسمهم إلی أربع طبقات:
1- المیروفینجیون، و عدد ملوکهم 22.
2- الکارلوفینجیون و عدد ملوکهم 13.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 26
3- الکبیسیان و ینقسمون إلی ستة فروع:
أ- الکابی و عددهم 14.
ب- رومیارد و فالوا و عددهم 7.
ج- دورلیان و عددهم واحد.
د- سیفوائد دیفیلوا و عددهم 5.
ه- بوربون، و عددهم 5.
و- أورلیان و عددهم 2.
4- النابولیونیون و عددهم 3.
و قد عدد المؤلف سلاطین فرنسا کما قلت واحدا وراء الآخر من فرامون أوائل القرن الخامس المیلادی إلی شارل العاشر الذی تم فی عهده احتلال الجزائر، و لویس فیلیب بعده الذی تمت فی عهده مقاومة الأمیر عبد القادر التی دامت سبعة عشر عاما کاملة، و من الأحداث التی تناولتها: الحروب الصلیبیة، و دور الأمراء الفرنسیین فیها، و غزو لویس التاسع لمصر، و قصة أسره فی المنصورة، و غزوة لتونس، و موته بها، و قد استغرق ذلک 124 صفحة من المخطوط.
ثم تفرغ للحدیث بالتفصیل کشاهد عیان، عن أحداث مقاومة الأمیر عبد القادر، و جهاده و أحداثه و حروبه الواسعة، و المکثفة، و استطرد للحدیث عن أعمال أبیه الحاج محمد المزری و دوره مع الأمیر عبد القادر أولا ثم مع الفرنسیین ثانیا، و عن دور عم أبیه مصطفی بن إسماعیل کذلک مع الأمیر أولا ثم الفرنسیین ثانیا مثل أبیه، و استعرض قصة تخلیهما عن الأمیر و التحاقهما بالجیش الفرنسی، و تعرض للحدیث بالتفصیل کذلک عن کیفیة احتلال فرنسا لوهران، و التفاف زعماء المخزن حول الشیخ محی الدین الغریسی الراشدی، و اتصالهم بسلطان المغرب عبد الرحمن بن هشام، و عرضهم علیه أن یبایعوه سلطانا علی المغرب الأوسط کذلک مقابل إمداده لهم بالدعم المادی للمقاومة، و قبوله لذلک و إرساله ابن أخیه علی إلی تلمسان، ثم تراجعه، و قیامهم بالإلحاح علی محی الدین لمبایعة ابنه عبد القادر أمیرا للجهاد و المقاومة، و مما قاله عن هذه المبایعة بالغمز و اللمز: «و کان أول من مد یده فبایعه من هؤلاء
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 27
السادة السید الأعرج بن محمد بن فریحة من أولاد سیدی محمد بن یحیی ...
و لما عقدوا له البیعة ... قال بعض علماء و أولیاء اللّه بغریس سبحان اللّه هذه البیعة لا یستقیم لصاحبها حال، و لا یهنأ له قرار و منال، و لا شفقة له و رحمة فی الأعیان و غیرم من النساء و الرجال و إنما هو سفاک للدماء، و لیس من السادات الرحماء لکون أول من بایعه اسمه الأعرج، و المحل المبایع فیه اسمه الدردارة، فلا ریب أن أیامه و أحکامه و أحواله عرجاء و لا تستقیم و إنما تبقی مدردارة، و هلا کان اسم و محل غیر هذین من الأسماء التی یکون بها التعاون و لا تدل علی الریب و البین، قلت و کأنه أخذ فی فراسته من قضیة المبایعة للإمام سیدنا علی ابن أبی طالب ... لأن أول من بایعه سیدنا طلحة بن عبد اللّه أحد العشرة ...
و کانت یده قد شلت فی قضیة أحد فیما اشتهر فقال حبیب بن ذؤیب ... إنا للّه و إنا إلیه راجعون، و أول من بدأ بالمبایعة ید شلاء لا یتم هذا الأمر. و لما سمع الأمیر الراشدی المقاتلة (کذا) أسرها فی نفسه و أضمر الفتک بمن سیظفر به من علماء و أولیاء غریس، فکان بعد ذلک بینه و بینهم من العداوة الواضحة التغریس» (ص 402).
و بعد هذا استطرد المؤلف للحدیث عن المخزن، و إحداث الدوایر و الزمالة و استسلامهم للفرنسیین و إمضائهم معهم معاهدة من 12 بندا لتنظیم العلاقة بینهم. و قد تحدث بتوسع عن مقاومة الأمیر عبد القادر و معارکه کما قلنا، و ذکر أحداث أسری سیدی إبراهیم، و عین تیموشنت و بلعباس و تلمسان، و معارک المقطع و الهبرة، و آرزیو، و مستغانم و وهران، و مسرقین، و موقف سلطان المغرب الأقصی عبد الرحمن بن هشام منه، و محاربته له، و مقتل بلأحمر، و بعثة البوحمیدی إلی فاس، و أسره و قتله بالسم، و شرح بالتفصیل کذلک بعض خلفیات استسلام الأمیر عبد القادر و مما قاله فی هذا الصدد: «و لما رأی الأمیر قلة جیشه صعد لیلا لبنی یزناسن، و من الغد أخذ عیاله و صار بمن معه فی التردد هل یرجعون لناحیة الدولة أو یذهبون علی وجدة لناحیة توات. و قد سدت علیه الدولة طرق المجاز و هو لا علم له بذلک، ثم أسرع السیر بقصد أن یأخذ أسفل الجبل و یصعد علی وجدة و یذهب لصحراء المغرب إلی أن یصل إلی توات، و یستریح من جمیع المهالک، فبینما هو سائر إذا به وجد نفسه قد دخل بعسة الدولة و کان
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 28
فی تلک العسة رجلان أحدهما یقال له محمد بن خوجة الزمالی و الآخر یقال له أحمد بن حطاب الدایری، و هما من أهل السیاسة فی الفعلة و القولة، فاجتمعا به و عرفاه بأنفسهما و قالا له أیها الأمیر أین ترید الذهاب، فأخبرهما بالواقع، فقالا له نحن لا طاقة لنا علی إهلاکک و لا تسریحک للجواز بغیر ارتیاب، و لکن الرأی عندنا الذی ندلک علیه هو أن تسلم نفسک للدولة و تکتب لهم بأنک رجعت لهم برضاک و نحن نضمن لک إن شاء اللّه تعالی أن لا یقع لک شی‌ء و تریح نفسک من هذا التعب و نحن من تلامذتک فقد رأینا لأن لک مصلحة و تصیر من أهل الراحة لا من أهل الوصب. فقال، فوافقهما علی ذلک و کتب لهما کتابا للجنرال لمنسییر (لامورسییر) یطلب فیه من الدولة الأمن و الأمان، فأخذ محمد بن خوجة الزمالی تلک الرسالة و ذهب مسرعا لولد الرأی، و أبی هراوة (لامورسییر) «ص 508».
و قد ترجم المؤلف للأمیر بعد استسلامه و تتبع مراحل حیاته باختصار فی فرنسا، و دمشق الشام إلی أن توفی عام 1883 م، و أشاد به و بخصاله، و أعماله، و بعد ذلک ترجم لحیاة نابولیون الثالث، الحاکم الثالث و السبعون. من ملوک فرنسا، و أشار إلی أحداث ثورة أولاد سیدی الشیخ باختصار، و إلی زیارة نابولیون الثالث للجزائر عام 1860 و عام 1865، و أورد خطابه الذی ألقاه علی السکان الجزائریین.
و ختم هذا المقصد الرابع، و هذه الدولة التاسعة، باستعراض أسماء الحکام الفرنسیین الذین حکموا الجزائر إلی عهده و عددهم 27 حاکما، آخرهم ترمان الذی کان ما یزال یحکم تلک السنة عام 1890 و أسماء الضباط الذین حکموا و هران و عمالتها و عددهم 14 حاکما لغایة عام 1890 کذلک.
و ذکر أن مساحة عمالة و هران 972، 572، 11 هکتارا، منها:
- 972، 979، 2 ه تخضع للحکم المدنی.
- 800، 572، 8 ه تخضع للحکم العسکری.
و أن فرنسیی الجزائر ینقسمون إلی ثلاثة طوائف:
1- الخاصة: و هم العسکریون و یتوزعون علی سبعة أصناف أو طبقات:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 29
الکبلار: و المرسلوجی: و الفسیان:(L'officier) .
و القبطان:(Le capitaine) و الکماندات:(Le commandant) و الکولونیل:
( Le colonel )
. و الجنرال(Le General) .
2- العامة: و هم المدنیون، و عبر عنهم بطبقة العمومی، و یتوزعون إلی أربع طبقات:
المیر:(Le Maire) و الأدمنیستراتور:(L'administrateur) .
و السوبریفی:(Le sous -Prefet) و البریفی:(Le Prefet) .
3- الشرعی: و عددهم أربعة:
الجوج:(Le Juge) و وکیل الدولة:(Procureur D'etat) .
و البریزیدان:(Le President) و البّروکیرو جینیرال:(Procureur General) ) .
و قد استغرق هذا العهد التاسع أو هذه الدولة التاسعة 208 صفحة من المخطوط، و هو ما یمثل ثلثی المخطوط کله: و یبدو أنه أراد أن یتقرب من السلطات الفرنسیة بتوسعه فی عهدهم و فترتهم، و تاریخ بلادهم فرنسا، فأقحم نفسه فی موضوع لیس من تخصصه، و لا شک أن أحدا من المتخصصین هو الذی زوده بالمعلومات التی صاغها فی مخطوطه بأسلوبه هو، أو أسلوب من کتب المخطوط کله.
- المقصد الخامس: فی ذکر مخزنها و هو عین المراد، و استغرق 60 صفحة من المخطوط رغم أنه عین المراد کما ذکر المؤلف نفسه. و قد استعرض فیه المؤلف فرق المخزن و العائلات المخزنیة بکثیر من التفصیل و أورد شجرات
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 30
النسب لها و لفروعها، و فرقها فی الغرب الوهرانی، و ذلک منذ عهد الأتراک حتی عهده هو أواخر القرن 19. و قد تتبع أصول هذه العائلات منذ القدم بالجزیرة العربیة، و خلال هجرة عرب بنی هلال إلی هذه البلاد المغربیة، و وضح ذات الأصل العربی من غیره، و تتبع تاریخ زعمائها من العهد الترکی إلی عهده هو.
و تأثر بابن خلدون فی وضع شجرات نسب فرق و قبائل المخزن.
و قد عرف المزری المخزن بقوله: «إن المخزن هو الناصر للدولة کیفما کانت، و حیثما وجدت و تملکت و باتت، و النسبة إلیه مخزنی، و مخازنی، مفرد المخازنیة فی تحقیق المبانی و سمی بذلک لأنه یخزن بصدره ما یولمه إلی وقت الظفر و حصول الانتقام فیفعله بصاحبه و به یلزمه، و قد یطلق المخزن مجازا علی دار الحاکم نفسها فی المستبن و منه قولهم إنی ذاهب إلی دار المخزن».
ثم ذکر أن مخزن و هران علی قسمین و هما: المخزن الشرقی و المخزن الغربی، فالشرقی هو نجع المکاحلیة، و أولاد سیدی عربی، و صبیح، و أولاد العباس، و غیرهم من أهل النواحی الشرقیة من واد مینا إلی واد الشلف.
و الغربی هو نجع الدوایر، و الزمالة، و الغرابة، و البرجیة، لا غیر. فالدوایر و البرجیة إخوة یتناوبون الخدمة بینهما و یتداولونها و أصل الریاسة فی الدوایر للبحایثیة، و خلال عهد الأتراک صارت تدور بین ثلاثة فرق و مجموعات هی:
البحایثیة، و الکراطة، و البناعدیة. و صارت فی عهد إیالة الدولة (الفرنسیس) للدوایریة ذات المحایثیة. و هی نوبة بین هذه الفرق الأربعة بالترتیب، و لو أن البحایثیة هی أکثر الفرق التی تتولی ریاسة المخزن.
و أصل الریاسة فی البرجیة نوبة بین فریقین فی إیالة الترک و هما: النقایبیة و البلاغة و الزیانیون، و فی عهد الأمیر (عبد القادر) انتقلت لغیرهما، ثم عادت لهما فی عهد الفرنسیس مدة قبل أن تتمخض للنقایبیة.
و ینتمی البحایثیة إلی أولاد المسعود من سوید، و ینحدرون من عرب بنی هلال: المحال، أو المطارف، علی خلاف فی ذلک بین المؤرخین. و کان جدهم المسعود صاحب الریاسة علی سوید خلال عهد بنی مرین و بنی زیان، و توارث أبناؤه الریاسة أبا عن جد خاصة فی عهد الأتراک العثمانیین.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 31
و ینقسم البحثاویون أولاد البشیر البحثاوی إلی أربع طبقات:
الطبقة الأولی: أولاد إسماعیل البحثاوی، و عددهم سبعة أخوة هم: قدور الکبیر، و عثمان، و قدور الصغیر، و مصطفی، و عدة، و محمد، و الحاج بلحضری. و قدور الکبیر هو والد الحاج محمد المزری والد المؤلف بن عودة المزری.
الطبقة الثانیة: أولا عدة بلبشیر، و عددهم ستة أخوة ذکورهم: علی و منصور، و قدور، و أعمر، و الحاج محمد، و البرادعی الکبیر.
الطبقة الثالثة: أولاد یوسف بلبشیر، الذی تولی قیادة الدوایر علی عهد الأتراک، و خلف ولدین هما: عدة، و علی.
الطبقة الرابعة: أولاد الموفق بلبشیر البحثاوی.
أما الکراطة: فهم أولاد الشریف الکرطی، و اسمه عبد اللّه بن عبد الرزاق التلاوی القرطی من شرفاء الراشدیة بمدینة الکرط إحدی مدن غریس الغربی.
أما البناعدیة: فنسبة إلی جدهم بن عدة بن خدة المنحدر من ذریة الشیخ السنوسی، و أصلهم من أجواد واد الحمام، من أجواد الحشم.
و أما الدوایدیة: فأصلهم من هبرة، و کان أبوهم داوود وکیلا علی آغا عثمان بن إسماعیل البحثاوی بهبرة، و منهم الکولونیل بن داود.
و أما البرجیة: فإن الریاسة فیهم انحصرت فی النقایبیة، و البلاغة.
فالنقایبیة: ینحدر جدهم من قبیلة خلافة، و هم أبناء عم الأمیر عبد القادر یجتمعون معه فی الجد أحمد بن عبد القادر الشهیر بابن خدة، و سموا بالنقایبیة نسبة إلی محمد أبی نقاب.
و البلاغة: نسبة إلی جدهم أعمر البلغی الزیانی.
و فیما یخص الزمالة و الغرابة: فهم فریق صغیر، و أخوة متناصرون. و قد اختصت الزمالة بتولیة مناصب: الآغا، و القاید، علی القسمة، و العرش، و انحصرت الریاسة فی ثمانیة أعراش منها و هی:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 32
1- المخالیف: نسبة إلی جدهم مخلوف، و أصلهم من بنی زروال.
2- القدادرة: نسبة إلی جدهم قدور بن علی بن الحبوشی، و هم أخوة للعلایمیة.
3- القرایدیة: و یقال لهم المعایزیة، نسبة إلی جدهم قرادة أو إلی أحمد أبی معزة بن الحبوشی والد قرادة، و هم أخوة للقدادرة و العلایمیة.
4- الوراردیة: نسبة إلی جدهم وارد الذی ینحدرون منه.
5- المخاترة: و یقال لهم الزوابیریة، نسبة لجدهم القریب المختار، و لجدهم البعید الزبیر، و یقال لهم أیضا أولاد یحیی بالزبیر.
6- الونازرة: نسبة إلی جدهم و نزار الذی جاء علی ما قیل من الساقیة الحمراء.
7- الیساسفة: نسبة إلی جدهم یوسف.
8- الشوایلیة: نسبة إلی جدهم أو جدتهم شایلة، و هم من الحشم بغریس.
و أما الغرابة: فإنهم عرش ملتقط کالزمالة و الدوایر. و یطلق لفظ العبید علی الدوار، و قد انقسم عرش الغرابة إلی عرشین: غربی، و شرقی، و انحصرت الریاسة فی عرش الغرابة فی ثمانیة فروع هی:
1- الوراردة: نسبة لجدهم موسی بن وارد.
2- العلایمیة: نسبة لجدهم أبی علام بلحبوش، من منطقة تافیلالت.
3- الخدایمیة: نسبة إلی جدهم أبی خادم.
4- الوناونیة: نسبة لجدهم و نان ابن العبد من أهل غریس.
5- السهایلیة: نسبة لجدهم سهلیة (أو محمد بن شاعة).
6- المحامید: نسبة لجدهم محمود بالحشم الشراقة، و أصلهم من حمیان.
7- الرفافسة: نسبة لجدهم الرفاس من أولاد عوف.
8- العوایلیة: و یقال لهم أولاد بن عوالی نسبة لجدهم بن عوالی، أو جدتهم عوالی، و هم من جبال عمور بشمال الصحراء.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 33

بعض الملاحظات حول محتوی المخطوط

ذلک هو ملخص شکل و محتوی مخطوط: طلوع سعد السعود فی أخبار و هران و مخزنها الأسود، لمؤلفه الآغا بن عودة المزاری، و من خلاله نخرج بالملاحظات و النتائج التالیة:
أولا: لیس هناک توازن بین مقاصده الخمسة التی هی أقسام له. فالأربعة مقاصد من ضمن الخمسة لا تحتل سوی سدس المخطوط، و بالضبط سبعة و تسعون صفحة، بینما المقصد الباقی یحتل خمسة أسداسه، و بالتفصیل:
المقصد الأول یحتل ثمانی صفحات، و الثانی عشرین، و الثالث تسعا، و الرابع أربعمائة و ستة و ثمانین صفحة (486) و الخامس تسعة و خمسین.
و مرد ذلک یعود إلی أن المؤلف اتبع و سلک أسلوب و طریقة الأقدمین فی التألیف، فحاول أن یتحدث عن کل شی‌ء، و أکثر من الحشو و الاستطرادات، بشکل کبیر و واسع، و أخرجه عن الموضوع الذی حدده لنفسه، و جعله یتیه فی موضوعات بعیدة عن موضوعه، خاصة فی المقصد الرابع الذی یمتد عبر فترة زمنیة طویلة علی مدی ثلاثة عشر قرنا و الذی جعله یترک تاریخ و هران جانبا، و یؤرخ لمعظم الدول الإسلامیة بالمغرب و الأندلس و البلاد العثمانیة بالمشرق، و لبلادی فرنسا و اسبانیا.
ثانیا: لیست کل المعلومات التی جاء بها المؤلف فی المخطوط صحیحه، خاصة عندما یؤرخ لبلدان أوربیة کفرنسا، و اسبانیا، و بلدان شرقیة کالدولة العثمانیة، أو عندما یتحدث عن المعلومات الجغرافیة، للقارات و بعض البلدان الأوربیة، فرغم سعة المعلومات التی سردها فی مخطوطه الضخم الذی یقع فی 582 صفحة، إلا أنه اعتمد علی السرد، و النقول الکثیرة من مصادر متعددة و متنوعة نثریة، و شعریة، لکل ما هب و دب، و نادرا ما یدلی برأیه أو یعارض رأی غیره.
ثالثا: لغة المخطوط سهلة، و بسیطة، و لکنها کثیرة الأخطاء و الأغلاط اللغویة، و فی قواعد النحو، و الصرف، و الرسم، و البلاغة، و یطغی علیها السجع الممل غیر البلاغی، و غیر السلیم من الأخطاء فی اللغة و القواعد، و الذی لا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 34
یهدف إلا إلی الملائمة فقط بین خواتم الجمل و الفقرات، و الکلمات، و لو علی حساب قواعد اللغة، و الرسم و البلاغة. و قد استعمل هذا السجع حتی فی اسمه فی صدر الصفحة الأولی من المخطوط حیث قال: «یقول العبد الضعیف الراجی عفو ربه و غفران سائر المساوی، أبو إسماعیل ابن عودة الساری بن الحاج محمد المزری البحثاوی، آمنه اللّه بمنه و کرمه، و لطفه، آمین، آمین، آمین، آمین».
و أشرنا إلی بعضها فقط بکلمة: کذا بین قوسین. و أهملنا الباقی لکثرته.
رابعا: اعتمد المؤلف علی مصادر عدیدة تفوق الخمسین، نثریة تاریخیة، و شعریة أدبیة، بعضها عامة، و أغلبها متخصصة، و لکنه لا یشیر إلی الصفحات، أو الفصول، أو الأبواب، ما عدا فی کتاب دلیل الحیران. و أکثر نقوله من کتب أبی رأس المعسکری، و من کتاب دلیل الحیران لشیخه محمد بن یوسف الزیانی، و اعتماده علی هذه المصادر تم علی ستة أشکال و طرق.
- الطریقة الأولی: یذکر فیها اسم المؤلف و اسم کتابه بالکامل مثل:
عبد الرحمن بن خلدون فی کتاب العبر.
یحیی بن خلدون فی بغیة الرواد فی ذکر الملوک من بنی عبد الواد.
ابن رشیق فی میزان العقل.
البکری فی المغرب فی ذکر بلاد إفریقیا و المغرب.
ابن أبی زرع فی روض القرطاس.
لسان الدین بن الخطیب فی رقم الحلل.
ابن رشیق فی میزان العقل.
ابن أبی دینار فی المؤنس فی أخبار إفریقیا و تونس.
التنسی فی نظم الدر العقیان فی شرف بنی زیان.
أبو الفوز السویدی فی سبائک الذهب.
أبو محمد صالح فی الأنیس المطرب بروض القرطاس.
ابن هشام فی التیجان.
الیفرینی فی نزهة الحادی.
ابن خلکان فی وفیات الأعیان و أنباء أبناء الزمان.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 35
محمد بن یوسف الزیانی فی دلیل الحیران و أنس السهران و فی أخبار مدینة و هران.
أبو إسحاق الشاطبی فی الجمان.
القسطلانی علی شرح البخاری.
ابن بطوطة فی تحفة النظار فی غرائب الأمصار و عجائب الأسفار.
أحمد بن عبد الرحمن البوشیخی الشقرانی فی القول الأوسط فی بعض من حل بالمغرب الأوسط.
أبو راس المعسکری:
أ- عجائب الأسفار.
ب- عجائب الأخبار.
ج- الخبر المعرب.
د- الشماریخ.
ه- الحلل السندسیة أو نفیسة الجمان.
و- روضة السلوان.
- الطریقة الثانیة: یذکر فیها اسم الکتاب فقط دون الإشارة إلی مؤلفه مثل: صحیح الحکایة المؤذنة للنصاری بالنکایة.
در الأعیان فی أخبار مدینة و هران.
بهجة الناظرین و آیة المستدلین.
أنیس الغریب و المسافر.
المجسیطی.
- الطریق الثالثة: یذکر فیها اسم المؤلف مضاف إلی تاریخه هکذا:
الغازی بن قیس فی تاریخه.
الیافعی فی تاریخه.
أبو فارس فی أرجوزته.
عبد الرزاق بن أحمادوش الجزائری فی تاریخه.
ابن سعید المغربی فی تاریخه.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 36
أبو الفداء الحموی فی مختصره.
عبد الرحمن الجامعی فی رجز الحلفاوی.
- الطریقة الرابعة: یذکر فیها اسم الکتاب مسبوقا بکلمة صاحب هکذا:
صاحب أثمد الأبصار.
صاحب القرطاس.
صاحب الجغرافیة.
صاحب الخمیس.
صاحب الخریدة.
- الطریقة الخامسة: یذکر فیها اسم المؤلف فقط مثل:
الرشاطی- الصفدی- القلصادی- ابن رزقون- ابن مطروح- ابن نحیل- الشیخ المشرفی- الشبراملسی.
- و هناک طریقة سادسة: لا یذکر فیها اسم المؤلف و لا کتابه و إنما یقول:
قال بعضهم، أو قال بعض مؤرخی النصاری. و هذا کله فی القسم الأول من المخطوط لغایة صفحة 176 تقریبا. أما بعد ذلک و لغایة نهایة التألیف فإنه أهمل کل هذه الطرق و الأشکال و أصبح یستعمل فقط الکلمات التالیة: قیل، یقال، قال، یحکی.
أما عندما یستشهد بالأشعار فإنه یذکر أصحابها دائما.
خامسا: و مع کل هذا فإن المخطوط یکتسی أهمیة کبیرة من کذا وجه:
أ- فی المخطوط تراجم و قوائم لعدد کبیر من الشخصیات العلمیة و الدینیة الصوفیة، اشتهرت بهم وهران سواء ممن أنجبتهم، أو عاشوا و توطنوا بها، حتی أصبحوا من أهلها، من القرن الثالث الهجری إلی زمن المؤلف فی نهایة القرن التاسع عشر المیلادی، و مطلع القرن الرابع عشر الهجری، و جمع هذا الحشد من تراجم العلماء و الأولیاء فی مخطوط واحد قلما توجد فی غیره ما عدا فی دلیل الحیران، و ذلک طبعا بالنسبة لوهران، و لیس لغیرها، و لو أن کل المعلومات نقلها عن شیخه الزیانی فی دلیل الحیران کما اعترف هو بذلک.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 37
ب- و فی المخطوط تفاصیل واسعة و مهمة عن مقاومة الأمیر عبد القادر من أولها إلی نهایتها، أوردها المؤلف کشاهد عیان لها تدخل فی إطار المذکرات و التقایید الشخصیة له، و هذه التفاصیل تتیح لنا قراءة جدیدة لجهاد الأمیر، و مواقفه السیاسیة، و معارکه العسکریة و سلوکه مع رفاقه، و مواقف رجال المخزن منه، و منهم: المزاری نفسه و أبوه الحاج محمد المزری، و عمه مصطفی بن إسماعیل، و الدوایر، و الزمالة، و الحشم، و العلماء، و التجار، و الیهود. و مواقف الفرنسیین منه و من العائلات المخزنیة و القاعدة الشعبیة.
إن هذا القسم سیقدم أشیاء جدیدة للمکتبة التاریخیة الجزائریة الحدیثة، و یعطی تفاصیل جدیدة، و تقیما جدیدا لکفاح و جهاد الأمیر عبد القادر. و هذا مما یعطی الأهمیة لهذا المخطوط، مع الملاحظة أنه لیس من اللازم أن تکون کل المعلومات التی یقدمها لنا المزاری صحیحة خاصة و أنه فی النهایة أصبح خصما للأمیر، و صدیقا للفرنسیین إن لم یکن عمیلا لهم.
ج- یکتسی المقصد الخامس و الأخیر أهمیة خاصة لأنه أرخ فیه لفرق و قبائل المخزن بالناحیة الغربیة من عهد الأتراک إلی زمانه و أورد تفاصیل واسعة عن أنسابها، و أصولها، و وظائفها، و سلطاتها، و نفوذها، و أدوارها سواء مع الأتراک، أو مع الأمیر عبد القادر، أو مع فرنسا، و قد تأثر فیه بأسلوب ابن خلدون فی وضع شجرات الأنساب.
إن هذا المقصد، بأحداثه و تفاصیله الواسعة، یمثل درة المخطوط و یسمح بالقیام بدراسات و استنتجات هامة للحیاة الاجتماعیة، و السیاسیة و الاقتصادیة، و العسکریة، و یکشف فی الوقت نفسه علی مدی سعة اطلاع المؤلف، و حسن استیعابه للأحداث و التطورات السیاسیة و الاجتماعیة لهذه البلاد خاصة بایلیک الغرب الوهرانی منه، هذا کله إن صح أن المخطوط من تألیفه هو.
د- کذلک یکتسی المخطوط أهمیة خاصة بالنسبة للقسم الذی أرخ فیه لبایلیک الغرب و بایاته منذ أن ظهر البایلیک فی مطلع القرن السادس عشر إلی سقوطه عام 1831 م، و للأحداث التی تخللت ذلک مثل دور رجال و قبائل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 38
المخزن، و سیاسة البایات، و ثورة درقاوة، و ثورة التیجانی، و أجهزة البایلیک، و تنظیماته الإداریة، و الاقتصادیة و مواقف السکان من الحکام.
و فوق هذا کله یعتبر هذا المخطوط موسوعة بحاله لأحداث کثیرة و متنوعة: تاریخیة، و جغرافیة، و اجتماعیة، و اقتصادیة، و سیاسیة و عسکریة، لیس فقط بالنسبة لوهران و الجزائر، و إنما لکل بلدان المغرب، و الأندلس، و المشرق العربی الإسلامی، و أوربا، و إفریقیا و آسیا، و أمریکا، و الجزر الأوقیانیة. و هذا بقطع النظر عن صحة المعلومات وجدتها، فهذا موضوع آخر متروک للباحثین و المحققین. و مرتبط کذلک بشخصیة المؤلف نفسه و مستوی ثقافته، و الفترة الزمنیة التی أنجزه فیها. کل هذه الأمور و الجوانب تتدخل فی ذلک.
ه- فی المخطوط مجموعة کبیرة من القطع و القصائد الشعریة الطویلة و القصیرة، الفصیحة و الملحونة. تتخله من أوله إلی آخره. أقصرها بیتان، و أطولها 118 بیتا. و یوردها المؤلف للاستشهاد علی حادث من الأحداث، أو تدعیم. رأی أو توضیح مقولة، أو تفنیدها، طبعا نقلا من غیره خاصة دلیل الحیران. و کتب أبی راس.

هل مخطوط طلوع سعد السعود من تألیف المزاری؟

هذا سؤال کبیر، و تساول، کان مطروحا منذ مطلع القرن الحالی و لربما کان مطروحا فی حیاة بن عودة المزاری نفسه أواخر القرن التاسع عشر. و هناک خلفیات، و حیثیات کثیرة فرضت إطلاق هذا السؤال، و ذلک التساول، یمکن بعد التعرف علیها و استعراضها، التوصل إلی جواب قد یکون صحیحا مائة فی المائة.
و سنوجز هذه الخلفیات و الحیثیات فی محورین اثنین:
المحور الأول: یتمثل فی الإشاعات التی نقلها لنا مارسیل بودان عام 1924، و لخصها فی الأمور التالیة:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 39
أولا: شاع فی أوساط المتعلمین الأهالی بمدینة و هران بأن کتاب طلوع سعد السعود فی الحقیقة، و الواقع، هو عمل سی محمد بن یوسف الزیانی الذی أرغم علی التنازل عنه مقابل «وظیفة قاضی» لأسباب خارجة هنا عن الموضوع، و استقبل من طرف عائلة المزاری، و خدم الأخیر کمعلم له.
ثانیا: و من رأی هؤلاء المتعلمین أن ابن عودة المزاری، رجل السیف و البارود (أی الحرب)، و لیس رجل القلم و السجادة، و لا یقدر بواسطة الدروس التی تلقاها عن شیخه محمد بن یوسف الزیانی، أن یؤلف کتابا تاریخیا، و لیس بإمکانه ذلک.
ثالثا: إن مخطوط طلوع سعد السعود، مقتبس، و منقول غالبا من مخطوط عن تاریخ و هران بعنوان: دلیل الحیران و أنیس السهران فی أخبار مدینة و هران.
و هذا المخطوط مؤلفه معروف بالتحدید و هو محمد بن یوسف الزیانی و لکنه لم یکن قد رؤی إطلاقا. و افترض البعض أن سی محمد بن یوسف الزیانی أعطی اسما جدیدا لمؤلفه التاریخی، و ذلک مما منح الحق للمزاری، و سمح له أن یقول بأنه هو المؤلف لمخطوط: طلوع سعد السعود.
و مما ذکره مارسیل بودان فی تقییمه لمخطوط طلوع سعد السعود قوله:
«مهما یکن مؤلف طلوع سعد السعود، فمما لا شک فیه أنه تابع لعائلة آغویة من الدوایر، أو کان یعیش فی وسطها لأنه استطاع أن یقدم لنا فیه معلومات مهمة حول أحداث تخص حکومة الدای حسین، ثم إن طلوع سعد السعود یقدم معلومات مفصلة جدیدة غیر معروفة، أو یکمل، أو یصحح، معلومات کانت معروفة من قبل.
«و علی العکس فی بعض الأحیان یسکت إطلاقا عن بعض الأحداث مثل قیام البای حسن بقتل صهره الخاص مصطفی تشورمی:Tcheurmi و أحیانا یشرح بکیفیة سیئة سکوته عن حدث کان بإمکانه أن یوضحه و یعدله، حتی فی بلاد الإسلام، حیث حوادث عائلته حصلت بکیفیة متواترة».
«و طریقة المؤلف فی التألیف واضحة، و سریعة السرد، عن طریق السجع.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 40
یتوسع أحیانا، و یفصل أحیانا، و یستعمل أحیانا ألفاظا و جملا لا معنی لها اطلاقا سوی کونها تتلاءم مع السجع» .
المحور الثانی: یتمثل فی المقارنة بین کتاب: دلیل الحیران للزیانی، و طلوع سعد السعود للمزاری فیما یخص: المخطط، و العناوین و الأقسام، و الترتیب، و المحتوی. و هذه المقارنة هی التی ستکشف لنا الحقیقة، و أکاد أجزم أنها ستقدم لنا الجواب الصحیح.

المقارنة بین دلیل الحیران و طلوع سعد السعود

فیما یلی هذه المقارنة مع العلم بأن کتاب دلیل الحیران الذی اعتمدناه فی هذه المقارنة، هی النسخة التی حققها و نشرها الشیخ المهدی البو عبدللی البطیوی، و لیس المخطوط نفسه. و هی نسخة مبتورة فی الوسط، و فی الأخیر، و لکنها مع ذلک صالحة للمقارنة کما سنری:
- قسم محمد بن یوسف الزیانی کتابه: دلیل الحیران و أنیس السهران فی أخبار مدینة و هران إلی أربعة فصول:
الأول: فی التعریف بوهران.
الثانی: فی ذکر من اختطها و أی وقت و لماذا سمیت بوهران.
الثالث: فی ذکر بعض علمائها و أولیائها و من جلب لها الماء إلی أن صارت مورد ضمآن.
الرابع: فی ذکر من ملکها من حین اختطت إلی هذا الزمان.
- و قسم بن عودة المزاری کتابه: طلوع سعد السعود فی أخبار و هران و مخزنها الأسود إلی خمسة مقاصد:
الأول: فی من بنی وهران و أی وقت بنیت فیه و وصفها بالتعریف.
.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 41
الثانی: فی ذکر بعض أولیائها بحسب الاستطاعة و التعرض بالذکر إلی من هو منهم شریف.
الثالث: فی ذکر بعض علمائها من حیث بنیت إلی الآن.
الرابع: فی ذکر دولها علی سبیل الترتیب من حیث بنیت إلی هذا الزمان، و ما أذکر من غیرهم فذلک رغبة لإتمام الفائدة.
الخامس: فی ذکر مخزنها و هو عین المراد و التعرض إلی سیرته الجمیلة التی لا یکون فیها الانتقاد.
و یتضح من هذا التقسیم أن المزاری قلد شیخه الزیانی فی عناویه و نقلها عنه حرفیا و خالفه فقط فی إطلاقه علی الفصل اسم المقصد، ثم أن المزاری أدمج الفصلین: الأول و الثانی من دلیل الحیران، فی مقصد واحد بکتابه، و عکسهما فقدم الثانی و أخر الأول. و أهمل الفقرة التی خصها الزیانی لاستعراض الأقوال السبعة التی تخص تسمیة المدینة بوهران.
و علی العکس من ذلک قام المزاری بتقسیم الفصل الثالث من دلیل الحیران إلی مقصدین اثنین فی کتابه: واحد تحدث فیه عن أولیاء و هران، و الآخر عن علمائها. و نقل ذلک حرفیا عن الزیانی، و أهمل التفاصیل التی أوردها الزیانی عن رکن الدین ابن مجرز و هرانی.
أما الفصل الرابع: فقد اتبع فیه المزاری نفس التقسیم الذی وضعه الزیانی فی دلیل الحیران، و نقله عنه حرفیا. و قد قال الزیانی: «اعلم أنّ الذین ملکوا و هران من حین اختطت إلی هذا الزمن تسع دول و أما الأدارسة، و السلیمانیون فلم أذکرهم لأنهم لم یملکوا و هران».
ثم أخذ الزیانی یستعرض الدول التسعة علی الشکل التالی:
الدولة الأولی: مغراوة عمال الأمویین أمراء الأندلس و الکلام علیهم فی خمسة مواضیع:
الأول: فی التعریف بهم و ذکر نسبهم.
الثانی: فی بطونهم.
الثالث: فی ذکر علمائهم و أولیائهم.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 42
الرابع: فی ذکر سبب إسلامهم و صیرورتهم موالی لبنی أمیة.
الخامس: فی ذکر من ملک منهم و هران.
و قد نقل المزاری نفس عنوان الزیانی، و أغفل الموضوعات الأربعة الأولی و نقل حرفیا الموضوع الخامس بحذافیره.
الدولة الثانیة: العبیدیون، و هم الشیعة و یقال لهم الرافضة و الکلام علیهم فی خمسة مواضیع:
الأول: فی ذکر أنسابهم.
الثانیة: فی ذکر أصحاب الإمامة المعدین للمهدی منهم.
الثالث: فی سبب تسمیتهم بالشیعة.
الرابع: فی سبب مصیر الملک إلیهم.
الخامس: فی ذکر ملوکهم و من ملک منهم وهران.
و قد اختصر المزاری الموضوعات الأربعة الأولی فی نصف صفحة، و نقل الموضوع الخامس بحذافیره مع بعض التصرفات الطفیفة، تحت نفس العنوان من الزیانی.
الدولة الثالثة: المرابطون، و یقال لهم لمتونة و الملثمون و صنهاجة.
و الکلام علیهم فی خمسة مواضیع:
الأول: فی نسبهم.
الثانی: فی وقت مسیرهم للمغرب.
الثالث: فی ذکر قبائلهم و بطونهم.
الرابع: فی ذکر علمائهم.
الخامس: فی ذکر فرقهم، و من ملک منهم و هران.
و قد نقل المزاری نفس العنوان، و اختصر الموضوعات الأربعة الأولی فی نصف صفحة، و نقل الخامس علی ما یبدو بحذافره أو علی الأقل ما بقی منه.
لأن نسخة دلیل الحیران مبتورة هنا ابتداء من قوله: الفرقة الثانیة من صنهاجة لمتونة و هم الملثمون. کما ضاع منها موضوع: الدولة السادسة فی أولها و هم بنو
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 43
مرین. فأما أن یکون المزاری قد انتزع هذه الأقسام من دلیل الحیران و أدخلها و أدمجها بعینها فی کتابه، و أما أن یکون قد نقلها من نسخة أخری کاملة.
و قد اختصر المزاری موضوع تسمیة المرابطین و أصل موطنهم و بلادهم فی أربع صفحات، و توسع فی الحدیث عن ملوکهم و أمرائهم علی عادته و بنفس الأسلوب و ختم حدیثه عنهم باستعراض الفرق الثلاثة التی انحدروا منها.
الدولة السابعة: الاسبانیون نسبة لاسبانیا، و الکلام علیهم فی ستة مواضیع:
الأول: فی ذکر نسبهم.
الثانی: فی بیان أرض الاسبانیین و حدودها.
الثالث: فی بیان مساحتها، و عدد سکانها الآن، و أقسام ولایاتها، و أشهر مدنها، و جبالها، و أودیتها.
الرابع: فی بیان محلها من أوروبا.
الخامس: فی بیان من ملک تلک العدوة سابقا.
و قد نقل المزاری هذه الموضوعات نقلا یکاد یکون حرفیا بنفس الترتیب مع إهمال ذلک التقسیم.
الدولة الثامنة: الترک و یقال لهم الأتراک و الکلام علیهم فی ستة مواضیع:
الأول: فی ذکر نسبهم و بطونهم و مسکنهم.
الثانی: فی سبب انتشارهم فی الأرض.
الثالث: فی سبب مجیئهم إلی الجزائر و أی وقت جاؤوا و کم مکثوا بالجزائر.
الرابع: فی ذکر ملوکهم فی الإسلام و من ملک منهم و هران.
الخامس: فی ذکر باشاتهم بالجزائر، و منهم من یجمعهم علی باشوات، و من ملک منهم و هران.
السادس: فی ذکر معنی البای و کیفیة تصرفه و عمله بالعوائد.
و قد نقل المزاری نفس عنوان الزیانی: و تحدث عن هذه الموضوعات الستة بنفس الترتیب دون الإشارة إلی ذلک التقسیم. و یکاد یکون النقل حرفیا.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 44
الدولة التاسعة: الفرنسیس، و یقال لهم الفرنج، و الکلام علیهم فی سبعة مواضیع. الأول. ا. ه. و قد توقف الزیانی عند هذا العنوان و بهذین الحرفین ألف و هاء، دلیلا علی انتهائه، و عدم اکماله للفصل الرابع کما وعد فی بدایته.
أما المزاری فبعد أن نقل هذا العنوان کما هو فی دلیل الحیران، أرخ لهذه الدولة حسب مخطط الزیانی بالتتابع و بالترتیب، دون أن یشیر إلی ذلک التقسیم کما هی عادته فی الأقسام الماضیة، و توسع فی هذه الدولة توسعا کبیرا استغرق (208) مائتین و ثمانی صفحات و هو ما یعادل أکثر من ثلث المخطوط. و حاول أن یؤرخ لتاریخ فرنسا، و أغرق نفسه فی مواضیع لیست فی متناوله. و ذلک رغبة منه علی ما یبدو فی التقرب من الإدارة الفرنسیة التی کان یعمل تحت إمرتها، و وفق أوامرها، و تعلیماتها.
إن هذه المقارنة تثبت بما لا یدع مجالا للشک، بأن مخطوط: طلوع سعد السعود، إما أن یکون للزیانی نفسه و نسبه المزاری لنفسه لظرف من الظروف التی حکی منها شیئا، مارسیل بودان، أو یکون المزاری نقله حرفیا من کتاب دلیل الحیران للزیانی، و تصرف فیه قلیلا بالحذف، و الاختصار، و التقدیم و التأخیر، و استغل مرکزه کآغا لیقنع شیخه الزیانی، أو یرغمه علی السکوت، و قبول الأمر الواقع، و لیس هناک تفسیرا آخر غیر هذین الافتراضین.
و للشیخ المهدی البو عبدلّی البطیوی الذی حقق و نشر مخطوط دلیل الحیران للزیانی، رأی آخر فیما یخص القسم الأخیر الذی عنون له المؤلف، و لم یکمله. فقد قال فی المقدمة التی وضعها للکتاب: إن التألیف الذی یحمل اسم «أقوال التأسیس عما وقع و سیقع من الفرنسیس». و نسب إلی أبی راس المعسکری، و وضع ضمن قائمة مؤلفاته، لیس له «لأن المتأمل فیه یدرک من أول و هلة أنه کتب بعد الاحتلال الفرنسی، و أبو راس کما نعلم توفی حوالی سنة 1237 أی قبل الاحتلال الفرنسی بسنوات».
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 45
و من رأی الشیخ المهدی البو عبدللی أن مؤلف هذا الکتاب هو الشیخ محمد بن یوسف الزیانی أو أحد سکان قریة البرج مقر أسرة المخفی.
و مما قاله: «و فی آخر الجزء الثانی عقد المؤلف عنوانا للعهد الفرنسی فقال: «الدولة التاسعة الفرنسیس و یقال لهم الفرنج و الکلام علیهم فی سبع مواضع». لکنه أنهی تألیفه عند هذا العنوان. و لا شک أنه لم یرد أن یتورط، فاختار طریقة أخری سجل فیها الأحداث الهامة فی العهد الأول من الاحتلال و حذر مواطنیه من عواقبها و أفرغ ذلک کله فی قالب التنبؤات التی کان أفراد الشعب خصوصا المتدین یؤمن بها، إذ لم تفارق عقیدة المهدی المنتظر «الذی یملأ الدنیا عدلا» الطبقات المؤمنة فی بلاد المغرب العربی، و مؤلفنا أمکنه أن یتخلص من الورطة فینسب تألیفه الذی هو عبارة عن صفحات للمؤرخ أبی راس المعسکری الناصری، کما أمکنه أن یسجل هذا التألیف أی عنوانه فی آخر رحلة أبی راس التی ذکر فیها تألیفه و قد تناقل هذا التألیف معظم المثقفین، و قد بلغ خبره للسلطات فبذلت جهودا للتحصیل علیه خصوصا فی الحرب العالمیة الأولی، فقد فتشوا المنازل و سجنوا کثیرا من الطلبة الذین کانوا یشکون أنهم یملکونه، کما أمکن لمؤلفه الحقیقی أن یحتفظ بسره حیث لم یعرف نسبته إلیه إلا أقلیة و اسم الکتاب: «أقوال التأسیس عما وقع و سیقع من الفرنسیس». و قال أیضا «و هذا التألیف تختلف کثیر من نسخه و إن کانت تتفق فی جوهر الموضوع الذی هو شبه مذکرات لرجل عاش فی الفترة الأولی من عهد الاحتلال الفرنسی و اطلع علی نوایا الاستعمار و أهدافه، فسجلها بعد ما أفرغها فی قالب التکهنات أو التنبؤات» ثم قال: «و هذه الرسالة هامة تحتاج إلی دراسة خاصة، فالذی نتحققه أن نسبتها للمؤرخ أبی راس مستحیلة فقد کتبت بعد الاحتلال الفرنسی بمدة طویلة و بعد إنهاء الأمیر عبد القادر المقاومة، و قد ذکره صاحب الرسالة و فی نفسه منه شی‌ء فخصه بسطور نسب فیها لأعوانه الظلم و الفوضی، و لا شک أن-
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 46
المؤلف الذی کان من سکان البرج و کان البرج مقر أسرة المخفی، حتی لا زالت تحمل اسمه الآن، الذین کانوا من أعوان الأتراک ثم انضموا إلی الفرنسیس و حاربوا الأمیر، فانتقم منهم الأمیر شرّ انتقام. فقد أوقد فیها النیران و سجن جل سکانها، فلربما بقی فی نفس القاضی البرجی شی‌ء».
و قال کذلک: «و أقل ما نستفیده من هذه الرسالة أو التألیف، بقطع النظر عن مقصد مؤلفه الحقیقی، هو الاطلاع علی صفحات من تاریخ الجزائر، تصور انطباعات شاهد عیان، اطلع علی أحداث أوائل الاحتلال، إذ المصادر العربیة المسجلة لذلک العهد قلیلة. و لنرجع إلی الحدیث عن النسخة الثانیة من: «قول التأسیس مما وقع و سیقع من الفرنسیس» و هی و إن کانت تتفق مع الأولی فی جوهرها. یظهر أن صاحبها اختصرها و زاد فیها و تأخرت کتابتها إلی أوائل الحرب العالمیة الأولی و اعترف صاحبها بأنه لا یرید أن یطلق العنان لتنبؤه إذ أمر بذلک» .
و قد ذکر الشیخ المهدی البو عبدللی بأن مؤلف دلیل الحیران الشیخ محمد ابن یوسف الزیانی البرجی، ینتمی إلی أسر علمیة بنواحی مدینة برج عیاش المشهور الآن ببرج ولد المخفی قرب معسکر. و أن جدّه أحمد بن یوسف الزیانی کان من العلماء المستشارین عند البای إبراهیم الملیانی (1170 ه). و قد تولی مؤلف دلیل الحیران القضاء بمدینة البرج سنة 1861 حسبما وجد ذلک فی وثیقة رسمیة کاتبه بها الحاکم العسکری الفرنسی للناحیة، ثم انتقل عام 1883 إلی مدینة تلیلات لیتولی نفس الوظیفة، قبل أن ینقل إلی مدینة سیق کذلک لنفس الوظیفة: قاضیا.
و کان ما یزال حیا فی مطلع القرنین: الرابع عشر الهجری، و العشرین میلادی. و ذکر الشیخ المهدی أنه اطلع علی کثیر من فتاواه و تعالیقه علی بعض الکتب، و علی مراسلاته لبعض علماء البلد، و منهم العالم علی بن عبد الرحمن الجزائری مفتی و هران الشهیر الذی کاتبه عام 1320 ه (1902- 1903 م).
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 47
و قد خلف بعد وفاته ابنا فقیها تولی إمامة مسجد بناه له صهره بمدینة سیق و بقی به حتی توفی، کما خلف بنتا ذات شهرة فی مدینة و هران و ولایتها، لأنها تمردت علی عادات البلاد، و صارت تخرج سافرة، و تمارس أعمال الفلاحة لأسرتها و تشارک زوجها فی أعماله و کان غنیا و یملک أراضی شاسعة. و یعمل موظفا لدی الإدارة الفرنسیة کذلک، لأن أسرته من أسر المخزن فی عهد الأتراک، و أقرها الفرنسیون علی ذلک فی عهدهم.
و بما أنها کانت ترکب الخیل و تشارک فی ألعاب الفروسیة، و تستقبل زوار زوجها و تشارک فی الحفلات التی کان یقیمها الولاة العامون بالجزائر لأعیان البلاد، فإن الناس کانوا یدعونها: «القایدة حلیمة». و عند ما حجت أصبحت تدعی: «الحاجة حلیمة»، و توفیت أوائل الحرب العالمیة الأولی.
إن النسخة التی حققها و نشرها الشیخ المهدی البو عبدلّی لدلیل الحیران، ناقصة و مبتورة فی الوسط، ینقصها جزء من الدولة الثانیة و هم المرابطون، و کل الدولة الرابعة و هم الموحدون، و کل الدولة الخامسة و هم بنو زیان.
و هذا القسم المبتور موجود کله فی مخطوط: طلوع سعد السعود.
و ینقصها فی الأخیر، الدولة التاسعة و یقال لهم الفرنج و الکلام علیهم فی ستة مواضیع. الأول. ا. ه.
و هذا القسم طویل جدا فی مخطوط طلوع سعد السعود. یقع فی مائتین و ثمانیة من الصفحات. ألا یکون المزاری أخذ هذه الأقسام الناقصة و المبتورة من مخطوط: دلیل الحیران لأستاذه الزیانی، و ضمها إلی مخطوطه بعنوانه الجدید، طلوع سعد السعود.
سؤال مطروح. و سیبقی کذلک مطروحا إلی أن یتم العثور علی النسخة الکاملة لدلیل الحیران، و علی بعض الوثائق التی تسمح بالمقارنة و الاستنتاج، و الخروج برأی صحیح و نهائی.
بقیت بعد هذا کلمة أخیرة حول المقصد الأخیر من کتاب طلوع سعد السعود الذی خصصه المزاری للتأریخ لمخزن و هران، و هذا المقصد لم یشر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 48
إلیه الزیانی و هو المقصد الوحید الذی لربما یکون من تألیف المزاری باعتباره من رجال المخزن. أو أحد أقاربه المثقفین من رجال المخزن کذلک، إذا لم یکن الزیانی نفسه، لأنه من بلد المزاری، و من العائلات العلمیة المشهورة بالمنطقة، له خبرة و داریة بتاریخ العائلات المخزنیة.
و هران- حی الصادقیة الأربعاء 6 شوال 1407 ه 3 جوان 1987 م
د. یحیی بو عزیز جامعة و هران
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 49
طلوع سعد السّعود «فی أخبار و هران و الجزائر و اسبانیا و فرنسا إلی أوأخر القرن التّاسع عشر» للآغابن عودة المزاری تحقیق و دراسة الدّکتور یحیی بو عزیز
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 51

[مقدمة]

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم اللهم صلّ علی الحبیب محمد و آله و صحبه و سلم و صلی اللّه علی سیدنا محمد و آله و صحبه و سلم تسلیما یقول العبد الضعیف الراجی عفو ربه و غفران سائر المساوی أبو إسماعیل بن عودة الساری بن الحاج محمد المزری البحثاوی. أمنه اللّه بمنه و کرمه و لطفه آمین، آمین، آمین، آمین.
الحمد للّه الذی فضل العلماء علی الجهلاء بتفضیل العلم علی الجهل، و صیرهم أمناء علی خلقه یقومون بحفظ شریعته فی کل الفرد و الحفل و جعل بالعلم تعرف الفرائض و السنن و سائر ما یکون به التکلیف و تعرف به الملل، و کذا الماضی و الآتی و سائر الدول، و الأنساب، و ما قل منها و جل لا سیما علم التاریخ الذی تکفّل بأخبار القرون و الأمم و دولها و من مضی منها أو حل أو هو آت فی المستقبل. فحقه الاعتناء به بتدوینه کی لا یضیع فیهمل، و الصلاة و السلام التامان علی سیدنا و مولانا محمد أشرف المخلوقات و منبع الکون و خاتم الأنبیاء و الرسل و علی آله و أصحابه و أزواجه و ذریاته و أمته و التابعین و من تبعهم بإحسان/ (ص 3) إلی یوم یتبین فیه المفضول من الفاضل و الشقی من السعید و الثانی من الأول، و بعد:
فإنی لما طالعت کتب التاریخ و اجتمعت عندی منه رقائع جلیلة.
تاقت نفسی إلی جمع تألیف جلیل فی أخبار و هران، و مخزنها القساور
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 52
(کذا) الذین بهم فاقت ما عداها من المدون (کذا) فهم أهل الخصائل الجمیلة.
فجمعته بحمد اللّه تعالی فی کتاب جلیل الفرائد و رتبته بإذن اللّه تعالی علی خمسة مقاصد:
- المقصد الأول: فیمن بنا (کذا) و هران و أی وقت بنیت فیه، و وصفها بالتعریف.
- المقصد الثانی: فی ذکر بعض أولیائها بحسب الاستطاعة و التعرض بالذکر إلی من هو منهم شریف.
- المقصد الثالث: فی ذکر بعض علمائها من حین بنیت للآن (کذا).
المقصد الرابع: فی ذکر دولها علی سبیل الترتیب من حین بنیت إلی هذا الزمان. و ما أذکره من غیرهم (کذا) فذالک (کذا) رغبة فی إتمام الفائدة بزیادة البیان.
- المقصد الخامس: فی ذکر مخزنها و هو عین المراد. و التعرّض إلی سیرته الجمیلة التی لا یکون فیها الانتقاد.
و سمّیته:
طلوع سعد السعود فی أخبار و هران و مخزنها الأسود فأقول: بحسب ما رزقت من نصیب، و ما توفیقی إلّا باللّه علیه توکلت و إلیه أنیب.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 53

المقصد الأول فیمن بنی وهران‌

طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 55
/ اعلم أیدنی اللّه و إیاک بنوره. و رزقنی و إیاک خیره و وقانی و إیاک من (ص 4) شروره. أنه لا خلاف فی أن و هران بنیت فی القرن الثالث من الهجرة النبویة علی صاحبها أفضل الصلاة و أزکی التسلیم. و إنما الخلاف فیمن بناها و العام الذی بنیت فیه و الخلیفة الذی بنیت بأمره بالتلزیم (کذا) .
فقال الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار علی السینیة له، بنتها مغراوة بإذن أمراء الأندلس الأمویین و أن الذی بناها من مغراوة هو خزر بن حفص ابن صولات بن و زمار بن صقلاب بن مغراو بن یصلین بن مسروق بن زاکین ابن ورسیخ بن جانا ابن زنات. و کان صقلاب فی زمان النبی صلی اللّه علیه و سلم و أن الخلیفة الأموی الذی أمر ببنائها هو عبد الرحمان بن الحاکم (کذا) بن هشام بن عبد الرحمان الداخل الخلیفة بالأندلس ا ه. بعضه باللفظ و بعضه بالمعنی .
فیفهم من أنها بنیت فی وسط القرن الثالث لأن عبد الرحمان بن الحاکم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 56
(کذا) تول سنة ست و مائتین و توفی فی ربیع الأخیر سنة ثمان و ثلاثین و مائتین کما فی المختصر لأبی الفداء صاحب حماة و هذا القول لا یوافق بوجه و لا حال.
و ذکر الحافظ أبو زید عبد الرحمن الجامعی فی شرحه لرجز الحلفاوی أنها بنتها مغراوة فی أیامهم و أطلق . و قال الحفّاظ الخمسة و هم: محمد بن یوسف (ص 5) القیراونی و البکری/ و ابن خلکان، و الرشاطی، و الصفدی کل فی تاریخه أن الذی بناها محمد بن أبی عون، و محمد بن عبدون، و جماعة من الأندلسیین البحریین الذین ینتجعون مرسی و هران مع نفزة و بنی «مسقن» و هم بنو مسرقین من أزدیجة، و کانوا أصحاب القرشی و هو الخلیفة الأموی بالأندلس و ذلک سنة تسعین و مائتین.
و قال الحافظ أبو راس فی کتابیه: عجائب الأخبار، و الخبر المعرب، علی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 57
السینیة أن الذی بناها هو خزر بن حفص المار، و أن الذی أمره ببنائها هو الخلیفة الأموی بالأندلس أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن عبد الرحمن بن الحاکم (کذا) ابن هشام بن عبد الرحمن الداخل و ذلک سنة تسعین و مائتین و قیل إحدی و تسعین و قیل اثنین و تسعین ا ه و الصحیح من هذه الأقوال التی ذکرها الحافظ فی کتابیه، الأول، لکون الخلیفة المذکور تولی سنة خمس و سبعین و مائتین و توفی فی ربیع الأول سنة ثلاثمائة کما فی مختصر أبی الفداء صاحب حماة. و قد بناها قبل وفاته بعشرة أعوام کما فی دلیل الحیران و أنیس السهران، فی أخبار مدینة وهران و إلی من بناها و وقت بنائها أشار الحافظ أبو راس فی سینیته التی تسمی بالحلل السندسیة و یقال لها إنها نفیسة الجمان بقوله:
/ بنتها مغراوة بإذن موالیهم‌الأمویین أمراء أندلس
(ص 5) ثالث قرن خزر منهم قد أسسهاو ملکهم فی غایة العز و الشمس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 58
و قال فی وصفها و التعریف لها الشریف الحسنی الربانی، شیخنا العلامة الحافظ السید محمد بن یوسف الزیانی، فی تاریخه: دلیل الحیران و أنیس السهران فی أخبار مدینة و هران- فی الفصل الأول منه ما نصه بطوله: اعلم أن و هران بفتح الواو، و کما لابن خلکان فی کتابه: وفیات الأعیان، و أنباء أبناء الزمان، و الحافظ أبی راس فی کتبه: عجائب الأخبار، و عجائب الأسفار، و الخبر المعرب، و روضة السلوان، لا بکسرها و غلط من کسرها. هی مدینة من مدن المغرب الأوسط بساحل البحر الرومی عظیمة، ذات مساحة و فخامة جسیمة، و بساتین و أشجار، و میاه عذبة و أطیار، و حبوب عدیدة، و فواکه و خضر جدیدة، و بروج مشیّدة و قصور معددة، من طبقتین فأعلا (کذا) ببناء التحکیم، و أرحیة ماء و نار و ریح و طحونات (کذا) و سور فخیم (کذا)، و فنادق و حمامات، و شوارع و ریاضات، و مدافع و أبراج، و منافذ، و سبل فجاج، و أتکیة، و غنی لکل محتاج، (ص 7) متبحرة فی العمران، و سارت بأخبارها لکل ناحیة الرکبان، معدودة/ من أمصار المغرب التی عن نفسها تدافع و لا تدافع، و من أحسن معاقله التی تطاع و لا تنازع، مقصودة للعلماء و التجار و سائر أرباب البضائع، لها صیت بالمغرب و المشرق و سائر الآفاق، و قد ذکرها صاحب الدرر المکنونة المازونیة فی نوازل الطلاق ، و جاءت لها الملوک من أقاصی الأقطار، و تزاحمت علیها لنیل الأوطار و رحل لسکانها الأخیار و الأشرار، و العبید و الأحرار، و المسلمون و الکفار، فکانت مفتخمة (کذا) علی غیرها من المدون (کذا). بمخزنها السادات الأسود، أهل العنایة و الشجاعة و العطاء الممدود و الحیاء، و الریاسة، و البسالة و السیاسة، مقصودة للعفات (کذا) و الوجود، و العساکر و الجیوش و الحشود. مؤسسة فی أسفل جبل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 59
هیدور الأشم ، الذی اختط الإسبانیون بقمته بالبناء الأحکم، برج مرجاج (کذا) الشامخ العتید، و قطب رحا حربها الشدید، الصعب المسلک البعید المدرک، الضیق الفجاج، المشرف علی المدینة و المرسی و الأبراج، الذی غص منه الجو فی الصعود، و عاد یلمس بیده الأفلاک بالقعود، ذهب فی السماء بفروعه و کلاکله، و ملأ الجو بقرونه و هیاکله، و نظّم النجوم فی مفرقه و استوی کالملک فی جلسته و ترقیة و مرتفقه، و ترفع بمروط (کذا) السحاب، فضرب بینه و بین الناس بحجاب، رعده/ صوت المدافع، و برقة شعلتها التی لیس لها مدافع، کأن (ص 8) الریاح آوت (کذا) إلی جوه بإذنه، و أصغا (کذا) لها ملاقیا إلی حیز السماء بأذنیه و أطل علی البحر بشماریخه و جعله یحاکی معانی تواریخه، و استدبر البر بظهره، و أناخ سائر الجبال بمنیعه و حجره، حتی صارت جبال قیزة، و بنی مخوخ، و تاسالة، تبایعه و له تنوخ، و تسمی باسم الرجل الذی کان به من غیر مناکث، و هل هو الرجل الزناتی، أو الإسبنیولی، أو الحمیانی؟ أقوال، أصحها الثالث و طال ما ارتفع للسماء جبل کهر، فانخفض له و بعلوه علیه أقر، تراه و أنت أسفله کأنه فی الجو قلامة، فی قنّة غمامة أو باز أو عقاب، علی ظهر سحاب، و قد قال فی وصفه بعض الفصحاء فی ملحون:
سلوا علیه مرجاج لیس أهیاناو امراقب البحر و أبراج تلمسان
شیخ الجبال عالی یا فطاناکل الجبال خرّت له سجدان
و لما دخلها ابن خمیس أحد العلماء الکبار، و الفقهاء السادات الأخیار، فی آخر القرن الرابع، وقعت منه کل موقع بعد ما دخل الجزائر فی الخبر الشائع، و کانت الجزائر إذ ذاک قریبة عهد بالبناء و التمدین، فقال: أعجبنی بالمغرب
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 60
مدینتان بثغرین: و هران خزر و جزایر بلکّین . و کیف لا تکون من ذخائر النفائش، و هی أول مدینة ملکها عبد المؤمن بن علی الکومی الموحّدی سنة تسع و ثلاثین من القرن السادس و لو رءا (کذا) بناءها صاحب تاریخ مصر (ص 9) و القاهرة،/ لعده من أعجوبات البناء التی ذکرها فی کتابه: حسن المحاضرة ،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 61
و لو رءاها الغزالی صاحب الرحلة، لما اعتنا (کذا) بوصف سبتة و طیلطلة ، و لو أخبر بها صاحب کتاب اللباب الواصف لضخامة بنیان البلدان لما قال: الدار داران: إیوان، و غمدان ، و لو رءا (کذا) الغزالی مسجدها الجامع الأعظم، و ما اشتمل علیه من السعة و الأساطین و اتقانه فی الهواء بالبناء الأحکم، و التراویق المرونقة، و الاحتکامات المحققة، و خاصته الدافقة بالماء، و صومعته التی علت لجو السماء، تروم منه النزول لها بالهیکلة، لما وصف الجامع الأعظم الذی بمدینة طیلطلة . و اجتمعت العجائب بالبرج الأحمر، فإنه یفوق حصون بنی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 62
الأحمر، و لو رءاه المطماطی سلیمان بن سابق لقال لا یقدر علی مثله لاحق و لا سابق و زادت له بالابتهاج و الرونقة مقلته التی صعدت للجو مشرقة. و لو رءا (کذا) یوسف بن قریون مؤرخ الیهود، برج الیهود، لما وصف قلاع أمصیا التی هی ملک بنی یهود .
و أین مرجاج المتقدم، و برج المرسی، و برج الحمارات، و الإصبایحیة، و مریة، و الحرسی (کذا) و القصبة، و المرستانات، و المدرسة، و برجا (کذا) رأس العین و المکنسة، و أبوابها التسعة المفترقة بحسب النواحی، و المدن، و القری، و الضواحی و لو وصفت لک مصانعها علی التمام، و ما تحت أراهیها (کذا) من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 63
الأبنیة العظام، لقلت یعجز عنه «سور دیب» المفتخیر ببناء الأهرام، و لعجز بالاشتهار، واصف قصر الجمّ و البدیع و الأجدار/ و سائر بنیانها المرصوص (ص 10) و میاهها العذبة المتدفقة التی تعلو للسماء ثم تنبسط علی الأرض و تتفرق علی الرخام الملون ثم تجتمع فی سیح تحت الأرض بالبناء المحکم فتذهب معه للبحر ففیه تنصب و تغوص. و لقد عظمت مساحتها فی النفل و الفرض. حتی صارت لا تحمی فی الطول و العرض فأحاط بها سورها الجدید ببرود شتی فصارت عظیمة العدّ، و التعدید و من أین یطیق عدّ ولبة العدس، أو غیره من الدخنة و العلس. و ما خرج عن سورها من البنیان، فلا یضبطه لسان، و قول الحافظ الشیخ عبد الرحمان الجامعی فی شرحه لرجز الحلفاوی: هی مدینة صغیرة غیر ظاهر کما فی شروح الحافظ أبی راس لسینیته. و ما قیل فی مدحها من الکلام ما بین النظم و السجع و النشر فإنه مما لا یضبط بعصر فمن ذلک قول بعض علماء الراشدیة الأذکیاء، السادات الکرام الأصفیاء و هو العلامة الأجل و القدوة الأبجل، مؤلف کتاب: فتح و هران النقاد الراوی الخالی من سائر المساوی، أحد شرفاء غریس الشریف الحسنی السید مصطفی بن عبد اللّه الدحاوی فی مدحها و مدح
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 64
أمیرها السید محمد بن عثمان، صاحب العدل و الرفق و الجهاد و الإنصاف و الإحسان، بای الإیالة الغربیة و تلمسان فی قصیدته القافیة التی من بحر (ص 11) الطویل، فریدة القصائد و نفیحة الجواهر فی غایة التکمیل/ ذات الصدر فی و هران و العجوز، فی الأمیر الجلیل، المشتملة علی ثلاث و عشرین بیتا بالجملة و التفصیل:
عرانی أحبّتی سهاد مورق‌و من ذالیک السّهاد قلبی یخفق
ورقّ فؤادی من حلول ضبابةو عم دواخل المیزاج تعلّق
أتانی هو نجد و طیب نسمیهاو صرت کسیف البال إذ أتشوّق
و رمت انضماما نحوها بریاضهابها غرف و سلسبیل مدفّق
و أزهارها تفوح منها ریاحین‌و نور یلوح منه للعین رونق
و أشجارها ترنّ فیها بلابل‌بمختلف الأصوات تربی التعشّق
و أفنانها ملمّة لفواکه‌ألا کلّ غصن منها غض مورق
فما شئت من ذوق لذیذ و منظرتنعّم فیه العین ثم موفق
و أعظم شی‌ء فی اشتیاقی لکامل‌یلوذ بأنسه المعنّی المشوق
له فی معالی المجد أرفع همةو أوفر حظ و هو بالمدح ألیق
و إثبات ذهن فی العلوم بأسرهاو زان ارتفاع القدر منه تحقّق
بطلعته و هران ثمّ نعیمهاو طاب بها النّوی و بان التأنّق
انظر تمامها فی دلیل الحیران و أنیس السهران .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 65

المقصد الثانی فی ذکر بعض أولیائها

طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 67
اعلم/ أیدنی اللّه و إیاک بأنواره، و نفعنی و إیاک بأسراره أن أولیاءها عددهم (ص 12) کثیر، و حصرهم عسیر و لا کنّی أذکر منهم المشاهیر، کما ذکرها (کذا) شیخنا الزیانی فی الفصل الثالث من دلیل الحیران و أنیس السهران فنقول: إن من أولیاء و هران: الولی المشهور، المتعبد بأسماء الشکور، القطب الواضح سیدی هیدور صاحب جبل و هران المشهور ، کثیر العظامة (کذا) و الجلالة، دفین بلاد أسلافه تاسّالة، و کان من أهل متم القرن الثالث و نسب له جبل و هران لتعبّده به و کان له وارث .
و منهم ذو النور الباهر، کثیر الأسرار و الجواهر، و الإحسان و العوارف (کذا) و الإکمال و المعارف، صاحب البرهان الساطع، سیدی دادّ أیوب المغراوی الذی کان من أهل القرن الرابع و هو بینها و بین المرسی الکبیر، بمکان علی البحر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 68
فی محلّ فیه متعبّدون و صالحون و حمامه مقصود للتبرک فیه نفع کبیر و معنی دادّ فی لغة زناتة هو الأب الکبیر. و لیس هو بهذا المحل مدفون و إنما المحل محل تعبّده فیما یعرفون.
و منهم الشریف الحسنی النقاد الراوی، المقطوع بولایته علی الإطلاق سیدی محمد بن عمر الهواری ثم المغراوی فهو قطب الأولیاء، و رایس الزّهاد الأتقیاء، صاحب الکرامة الظاهرة، و الأحوال الباهرة کان کثیر السیاحة و النجابة (ص 13) و النجاحة. أخذ بفاس عن العبدوسی و القبّاب،/ و ببجایة عن الشیخ أحمد ابن إدریس ، و الوغلیسی، کثیر الأتباع و الأصحاب و بمصر عن العراف
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 69
و غیره. و جاور بالحرمین الشریفین و سافر للقدس فجال بالشام لنیل خیره و مکث بدمشق بالجامع الأموی ما شاء اللّه. و کانت تأتیه الوحوش و عادیة السّباع فی سیاحته لقضاء أوطارها فتقضی لها بإذن اللّه، و مکث آخر عمره بوهران بلد أسلافه بالتحریر، مثابرا فیها علی العلم و العمل إلی أن انتفع به الخلق الکثیر. و لما قرب أجله کثر کلامه الذی یدل علی سعة عفو اللّه بالتبشیر. و ألف کتاب:
«السهو و التّنبیه، للفقراء أهل الفضل النبیه». و له تآلیف عدیدة فی طریق القوم النجایة، و کان کثیرا الثناء علی أهل بجایة. و قد نص علی شرفه صاحب کتاب:
جواهر الأسرار، فی معرفة آل النبی المختار و کذا الفاسی فی أثمد الأبصار، و کانت له کرامات عدیدة، و خوارق عادة مدیدة منها أن بعض طغاة الأعراب أخذ مال بعض أصحابه لما أراد اللّه به النکال فبعث إلیه الشیخ رسوله لیرد ذلک المال، فأخذ الظالم الرسول و قیّده و مقته، فبلغ الشیخ أمره فقام من مجلسه مغاضبا و قد اسودّ وجهه من شدة الغضب و دخل خلوته. قال تلمیذه التازی فسمعته جهارا، یقول مفرطح، مفرطح، یکرره مرارا، و فی الوقت قام الظالم یلعب فی عرس و الناس ینظرون إلیه تفرّسا/ فإذا برجل أبیض الثیاب نزعه من (ص 14) فوق فرسه و ضرب به الأرض فإذا هو مفرطح دخل رأسه فی جوفه من شدة ضربه منکّسا. فأطلقت أمه رسول الشیخ و خاطبت ولدها المیت خطاب البوم: یا ولدی حذّرتک دعوة الشیخ فأبیت فلا حیلة فیک الیوم.
و منها أن امرأة أسر ولدها فأتت إلیه فقال لها إیتینی بقصعة من ثرید و لحم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 70
فأتته بها فدفعها لسلوقیة کانت عنده ترضّع أولادها فلما فرغت قال لها اذهبی لموضع کذا من عدوة النصاری و ایتینی بابن هذه المرأة فذهبت و جازت البحر فوجدته فوجدته اشتری دوارة للنصرانیة التی ملکته فخطفتها من یده و صار یتبعها خوفا من النصرانیة إلی أن عرضت له ساقیة فقطعها و هی البحر ثم تبعها إلی أن دخلت به علی أمه فی وهران و هذا قلیل فی حق الأولیاء.
و منها أن السلطان أبا فارس عزوز بن السلطان أبی العباس أحمد الحفصی الملک العادل الذی قال فیه ابن عرفة إنه کعمر بن عبد العزیز بحسب الزمان قد زحف من تونس بجنود عظام لتلمسان لأمر له فیه حق فرغبه ملکها أحمد العاقل بواسطة الشیخ أبی علی الحسن أبرکان بن مخلوف المزیلی الراشدی دفین تلمسان فبعث خدیمه للشیخ الهواری فی کفّ أبی فارس فقال الهواری مالی و للملوک و لمّا اشتدت الرغبة و الإلحاح دعا علیه و قد نزل آخر رمضان من سنة سبع و ثلاثین (ص 15) و ثمانمائة بفج السدر حذو جبل و نسریس فمات/ فجأة ضحوة عید الفطر فانتظره الناس لصلاة العید حتی خشوا خروج وقتها فذهب ابنه للسرادق و الفساطیط فوجده میتا فجعله فی محفة و انقلب إلی تونس و أخفی أمره، إلی غیر ذلک من کراماته. و هو القائل لتلمیذه لا تخف من النار فإن صاحبی أدخله فی بطنی کی لا تراه النار. و لما سمع هذا القول بعده سیدی أحمد بن یوسف
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 71
ابن عبّاد بن مصباح الوامودی الراشدی قال إن البطن تلقی ما دخلها و تطرحه و أنا أدخل صاحبی فی قلبی کی لا تمسّه النار. ا ه. فانظر ما بینهما من البون فی المعنی. و توفی رحمه اللّه فی صبیحة یوم السبت ثانی عشر ربیع الثانی سنة ثلاث و أربعین و ثمانمائة فی وقت الملک أحمد العاقل بن أبی حمّ موسی ابن یوسف الزیانی و وقت القائم علیه و هو أخوه أبو یحیی زکریاء بن أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی و هذا القائم هو الذی اتخذ و هران دار ملکه و سکناه.
و قول الحافظ أبی راس فی عجائب الأسفار: أحمد العاقل الذی جعل و هران دار ملکه سبق قلم، و لما مات الشیخ الهواری دفن بوهران و ضریحه بها مشهور مقصود للتبرک و یؤیده قول العلامة أبی عبد اللّه محمد بن عبد المؤمن قاضی المالکیة بالجزائر یحرّض أمیر وقته حسن باشا رحمه اللّه علی غزو و هران فی قصیدته الهائیة/.
نادتک و هران فلبّ نداهاو انزل بها لا تقصدن سواها
و احلل بتلک الأباطح و الرّبی‌و استصرخنّ دفینها- الأوّاها
إلخ. و أراد به الشیخ الهواری نفعنا اللّه به، و لا تلتفت لمن یقول أنه مدفون بسیدی المسعود بتارقة، و بسیدی سعید بشافع، فإن ذلک من خرافات العامة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 73
و لم یدخل النصاری الإسبانیّون لوهران فی حیاته و إنما دخلوها بعد وفاته باثنین و سبعین عاما لأن دخولهم إیاها کان سنة أربعة أو خمسة عشر من القرن العاشر و سبب دخولهم لها و تملکهم بها دعاء الشیخ الهواری علیها و علی أهلها و ذلک أن أهل و هران بغوا علی ولده سیدی أحمد الهایج و قتلوه ظلما و عدوانا بالمحل المسمی به للآن (کذا) و هو الهایج و وادیه یقال له واد الهایج و ادّعوا أنه هایج علیهم بغیر حق و سمع بذلک الشیخ و سکت فحرّضته زوجته أم الولد علی أخذ ثأر ولده بالانتقام من أهل و هران فلم یلتفت لها فذهبت إلی دجاجة کانت عندها ذات فلا لیس صغار و أخذت فلّوسا منهم و الشیخ ینظر فجاءت الدجاجة و صارت تضاربها علی ولدها لتخلّصه منها و لها صیاح فقالت له یا هواری انظر لهذه الدجاجة کیف أخذتها الغیرة علی ولدها و کیف بک لم تأخذک الغیرة علی ولدک القتیل ظلما و عدوانا فعند ذلک غضب الشیخ/ و قال لأهل و هران لأی شی‌ء قتلتم (ص 17) ولدی فإنه قرت (کذا) عینی و ثمرة فؤادی و بضعة منی فقالوا له لأنه ارتکب ذنبا و ثبت علیه و قتلته الشریعة فقال لهم من حکم بقتله من ساداتها العلماء فقالوا له لا نحتاجوا (کذا) فی ذالک إلی حکم و إنما رأینا الشریعة قتلته فقتلناه فقال لهم أنتم قلتم بزعمکم أنّ الشریعة قتلت ولدی الهواری و أن الهواری لا یجوز ولده لعدم تحقیق دعواکم و إن کان قولکم بزعمکم فی الظاهر مقبول. ففی باطن الأمر الذی لا اطّلاع لکم علیه ولدی ناج و کلامه محمول. فأسلمها رحمه اللّه للنصاری لأنه سلطان مصرها، و متولی أمرها، و کان من الذین لو أقسموا علی اللّه لأبر قسمهم. و نص دعائه «روحی یا وهران الفاسقة، یا کثیرة الجور و البغی و الطارقة، یا ذات الأهل الباغیة السارقة إنی بعتک بالبیعة الموافقة، لنصاری مالقة و الجالقة، إلی یوم البعث و التالقة، مهمی (کذا) ترجعی فأنت الطالقة». فلما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 74
قال الشیخ ذلک قال له بعض تلامذته الحاضرین لدعوته: و أظنه الشیخ إبراهیم التازی «یا سیدی و الفرج لاحقة»، فقال الشیخ «و الفرج لا حقة». و حضر لدعوته علی و هران الشیخ سیدی أبی الحسن علی الأصفر التلمسانی و أنذر تلمیذه الشیخ إبراهیم التازی أهل و هران بقصیدة تاءیة (کذا) مع ما انضم لتلک الدعوة من (ص 18) دعوة الشیخ/ أبی العباس سیدی أحمد بن یوسف الراشدی أحد الأولیاء الکبار، و الأتقیاء الأخیار الأبرار، الهواری وطنا الوامودی أصلا نفعنا اللّه بالجمیع، آمین فإنه فی وقته ذهب مرة لوهران فعظمه أهلها أشدّ التعظیم فکتب قائدها للأمیر أبی عبد اللّه الزیانی، «آه رجل بأرض هوارة یخشی منه الملک فکتب الأمیر، إلی القائد ابعثه إلیّ أو اقتله لما أتی الشیخ أهله برأس الماء، بعث العامل لأمیر هوارة أحمد بن غانم فی الشیخ فأطلع الشیخ علی ذلک و ارتحل من وطنه و قال شوّشونا شوّشهم اللّه من البحر و البر فلم یک إلا قلیل حتی شوّش اللّه بنی زیان من البحر بالکفرة فأخذوا و هران و من البر الأتراک فأخذوا تلمسان فذهب الشیخ قاصدا بنی غدو فاعترضه محاربون من سوید فقبض علی ثلاثة أحجار من الصمّ و حکّهم فی یده فصاروا رمادا و قال لهم إن تعرضتم لنا یسحقکم اللّه مثل هذه الأحجار فأتوه تائبین مذعنین. و ذکر الشیخ صالح القلعی أنّ له حینئذ ابنت (کذا) اسمها عائشة. و توفی رحمه اللّه سنة، إحدی و ثلاثین علی ما للحافظین: طلوع سعد السعود ؛ ج‌1 ؛ ص74
ی راس و الصباغ، و أربعة و عشرین علی ما للحافظ الغول فی وافیته، اللّامیّة، من القرن العاشر و قبره بملیانة من أعظم المزارات، و له کرامات لا تحصی:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 75
منها أن شابا قال له أطعمنی مشماشا و ذلک فی زمان الشتاء و بإزائه شجرة فهزّها الشیخ فتساقط منها المشماش، فتاب الشابّ و حسن حاله/ و منها قضیته مع (ص 19) المحاربین المتقدمین (کذا) الذکر، و منها أن أمیر تلمسان أبا حمّ سجن الشیخ بتلمسان و فعل له دجاجة میتة علی الطعام و أخری مذکاة فقال هذه حلال و هذه حرام، و بعث الأمیر الذباح فدخل البیت الذی فیه الشیخ فلم یجد أحدا قال الشیخ و أنا أنظر إلیه فرجع و قال لم أجد أحدا فرده ثانیا و ثالثا و لم یجد أحدا ثم أتی الأمیر بنفسه فلم یر شیئا و أخذ اللّه بأبصارهم، و لما رجع الأمیر لقصره بعث للشیخ بالتسریح. فقال الشیخ للرسول لا أخرج حتی نخرجا (کذا) جمیعا. ثم بعد أیام قدم المسعودی حارکا علی أخیه فهرب أبو حمّ لوهران و ولی المسعودی فحینئذ خرج الشیخ بلا إذن لتوکّله علی مولاه. و منها أن خدیمه علی بن أحمد الکثیری کان أبوه خدیم الشیخ عبد الرحمن الغلامی و تفاخرا فأری الأب لابنه الکعبة تلعب بأستارها فذهب الولد للشیخ و أخبره فقال له اذهب قد أعطاک اللّه الدنیا و الآخرة فکثر ماله. و منها أن بعض أصحابه قالوا عن الشیخ الثعالبی أنه قال من رءا (کذا) من رآنی لا تأکله النار إلی ثلاثة فقال الشیخ و أنا إلی عشرة.
و منها أنه أخبر بإمارة الأمیر محمد علی تلمسان قبل أن یکون فکان کما قال.
و منها أن الشیخ علی الندرومی کان (کذا) له منزلة فی الولایة و تأتیه الناس فاعترض علی الشیخ فسلب. قال الشیخ یحیی بن علی المغراوی القاطن بمسراتة شاهدت الرجل تضحک منه العامّة. و منها/ ما حدّث به محمد (ص 20) ابن الهواری المسراتی أن الشیخ کان بکرشتل قبل أخذ النصاری و هران فإذا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 76
بعروج الترکی رسی سفینته بالقرب منه و کان مع عرّوج رجل مراکشی شجاع فقال لعروج سر بنا نتبرک بهذا الشیخ فقال عروج إن خرج علی ما فی ضمیری فذهبا و سلما علی الشیخ فقال لعروج أنت عزمت علی الغدر بأصحابک فقبّل رجل الشیخ فقال المراکشی قل لعروج یطلقنی فسرحه و دعا له و قال إن أصابک هول فی البحر فقل یا أحمد بن یوسف فأغیثک ، و منها أن شیخه زروق قال له لک ثلاثة أرباع الدنیا و شارکت الناس فی الرابع إلی غیر ذلک من کراماته و هو شریف حسنی نص علیه صاحب کتاب الاعتبار، و صاحب کتاب أثمد الأبصار .
و منهم الشریف الحسنی الذی علمه بمنزلة الرّازی، تلمیذ الهواری أبو إسحاق الشیخ إبراهیم بن علی بن مالک التازی. نصّ علی شرفه بالإجهار صاحب جواهر الأسرار، و صاحب أثمد الأبصار، و صاحب کتاب: الاعتبار. و له و لشیخه نسل مبارک. کان رضی اللّه عنه ریحان الدین و الأدب، و إکسیر اللجین و الذهب فقیها بارعا علّامة، جامعا، مع حسب و فضل، و سخاء و عدل، و نزاهة و أمانة و عفة و دیانة، فهو نبیل جلیل، ذو معارف و تحصیل، محدّث لغوی، بیانی، أصولی، نحوی، صوفی، سنی، بدیعی معانی، خاشی خاشع حجة لا یدافع، إمام العبّاد، و ملحق العوام، بالأفراد، و الأحفاد بالأجداد من أکابر الفقهاء (ص 21) و المحدثین، و جهابذة العلماء الراسخین الوارثین الموروثین،/ و کان جامعا بین العلم و العمل، و الزهد و الورع، و الفضل و الکمل (کذا). ذا تصانیف صحیحة، و قصائد ظریفة ملیحة، و خطب بدیعة. و منح صنیعة، عارفا بالأولیاء و أخبارهم،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 77
و أیام العرب و أشعارهم، و الأدب و الأدباء و نوادرهم، و البلغاء و مواردهم و مصادرهم، صاحب اللسان، حافظا للحدیث و فصوله، بصیرا فی الفقه و أصوله، له خط رایق، و حفظ فایق، لا یعادله فی فهمه و حفظه سابق و لا لاحق معروفا بجودة النظر و ثقوب (کذا) الفهم فی جمیع الحقائق، لا نظیر له فی التمکّن و المعارف و بلوغ الدرجات العلیا، و الهمة التی نیطت هامتها بالثّریّا لا یقوم بمعرفة کلامه فی التصرّف و معانی العرفان إلّا من تمکّنت معرفته، و ذاق من طعم الحبّ ما توفرت به مادته. و کان له تصرف فی الولایة و کرامات، و أمور باطنیة و خوارق عادات. فله کرامة عجیبة، و أحوال غریبة، و کلام موشح بالحکمة فی غایة الاقتباس، و قصائد جلیلة مشهورة عند الناس. و کان شدیدا علی الملحدین، لین الجانب علی المتقین و المرشدین. و صار یضرب به المثل، حتی إذا بالغ أحد فی وصف غیره قال کأنه التازی الأکمل. و إذا امتلأ غیظا، قال لو کنت فی منزلة إبراهیم التازی ما صبرت لهذا و لو لحظا. فهو ممّن أظهره اللّه/ لهدایة الخلق، (ص 22) و ألحقه برود المحبّة و المهابة عند الخاصّة و العامّة بالأسبق.
و کان أحسن الناس صوتا و تجویدا، حتی إنه إذا قرأ البخاری أیّام مجاورته لمکة انحاش (کذا) الناس إلیه و یسئلون (کذا) منه مزیدا. و انتشر صیته إلی مشارق الأرض و مغاربها، و مباعدها و مقاربها، حتی حدث عنه من یوثق به أنه وجد بمکة المشرفة تألیفا مشتملا علی قصائد تتعلق بطریق القوم من تألیف الشیخ المذکور، و مع ذلک أن بائعه عراقی مشهور و کان الوازعی یقول للطلبة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 78
هذا عالمکم و صالحکم فهو ذو العزّ الشامخ، لبس الخرقة، عن المزاغی، و الشیخ صالح الزواوی بسنده إلی أبی مدین شعیب شیخ المشایخ. و أخذ بمکة عن تقی الدین الفاسی الحدوسی، و بالمدینة عن أبی بکر القرشی، و بتونس عن الحافظ العبدوسی، و بلتمسان عن ابن مرزوق الحفید الساری، و بوهران عن الشیخ محمد الهواری، فتلمّذه و لازمه فنال برکاته و مقامه و قاومه، إلی أن کان فی غالب أمره فی طریقه یذهب، و علی قالبه فی جمیع أحواله یضرب .
قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار: لما حکی ما للتازی من المآثر الکبار، و أنی رأیت فی تألیف منسوب له أنه بعث من وهران إلی أهله بالمغرب مکتوبا بلفظ موجز موضوح (کذا) یقول فیه فقد ظهر فضل الشیخ علیّ و الحمد للّه أنّی أدرّس فی مختصر الشیخ خلیل و لا أحتاج لنظر شروح.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 79
قال القلصادی لقیت إبراهیم التازی خلیفة الهواری بوهران، و له اعتناء/ (ص 23) بکلام شیخه فی السرّ و الإعلان. ا ه. و قد أخذ عنه جماعة ففازوا بنیل خیرهم منهم التونسی، و الحافظ التّنسی و التالوتی و زروق ...
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 80
و السنوسی إلی غیر ذلک من غیرهم. و لما مات شیخه الهواری رضی اللّه عنهما قام بوهران مقامه، و تقلّد حسامه، و نصب رایة العلوم و شیّد بنیانها، و رفع قواعدها و دعّم أرکانها، فابتهج به المحل و الأوان، و حاز رئاسة الفضل بثغر و هران، فهو المطاع و لیس بذی سلطان، و النافذ الکلمة من غیر أعوان.
و هو الذی جلب الماء العظیم لوهران. قد جمعه لها من محاله بغایة الصیانة، فاخترعه بتدبیر عجیب و ابتدعه بتوفیق من اللّه و الإعانة. و قد کان أهل و هران قبل ذلک فی غایة الإهمال، بحیث تذهب المرأة بکرة لسقی الماء، فلا تروج لبیتها إلّا بعد الزوال لکون الماء بیض قلیلا قلیلا و علیه نوبة و زحام. و یقال إنه لما وصله للموضع المعروف برأس العین من و هران طلسم علیه فلا یعرف من أین مجیئه (کذا) باحتکام، و بدیع تدبیره لمائه، یدل علی عظیم فراسته و دهائه. و کان یقترض الدراهم الکثیرة من التجار بتحقیق المسالک. و یصرفها فی إصلاح هذا الماء فلا یدری من أین یوفی ذلک. و لما أتمّ بنیانه، و صوّب میزانه، و أرصد مکانه، و أفخم عرفانه، أخرج الأطمعة المختلفة الألوان، فشبع کل من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 81
کان بثغر و هران، و کان ذلک/ الیوم مشهودا و من المواسم و الأعیاد معدودا فقیل له (ص 24) من أین أخرجت هذا الطعام و ما صرفت علی الماء و أنت فقیر بالعیان، فلست من الملوک و لا من الأغنیاء الأعیان، فقال مساعدة الزمان و مساعفة الإخوان، فعل بهما کلّ ما کان. و کان جمعه له قبل موته بأمد فی الشایع. لأنه توفی رحمه اللّه فی تاسع شعبان سنة ست و ستین من القرن التاسع أیام السلطان مولانا أبی عبد اللّه المتوکل الزیانی رحمه اللّه و أسکنه دار التهانی، و دفن بالقصبة الخلانصة، کما دفن شیخه الهواری بالبلانصة، و بقی بضریحه خمسین عاما، و لما ملکها الإسبانیون فی المرة الأولی سکن بعضهم عند قبره فرءا (کذا) ما یکرهه التزاما.
فأخبره بطریقهم بتلک القضیة. و قد وافق قدوم أهل القلعة علیه بالضربیة، فأمرهم بأخذه فأخذوه بفرح و سرور، و دفنوه بمدینتهم فضریحه بها مزار مشهور، و علیه قبّة عجیبة، و له مناقب کثیرة غریبة، و لا زال علی محل ضریحه بوهران تحویط من الحجر مقصود للتبرک به عند الخمیل، و الأشهر، و فیه و فی شیخه الهواری قال الحافظ أبو راس فی سینیته:
فی رقتهم کان قطبها و عالمهامحمد ذی المقدار العادم الحجس
خلفه من بعد موته تلمیذه‌إبراهیم الذی کان یسموعن برجیس
و أتت لها لمّا حجّ أهل مشرقنابل أقصاذاک کأهل طوس مع قومس
جلب ماء إلیها فیه منفعةلذلک الثغر بأبدع مقتبس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 82
(ص 25)/ و منهم العلامة الشریف الذی أغنی عن التعریف به ما له من شهرة و خمرة، سیدی بختی بن عیاد دفین بلاد غمرة قد جمع اللّه له بین العمل و العلم، و جودة النظر و ثقوبة بالفهم (کذا)، و النجابة و ذکاء القریحة، و الدیانة و کثرة النصیحة، فانتفع به خلق کثیر، فهو من الأولیاء المشاهیر، و کان رضی اللّه عنه من أهل القرن التاسع فهو القطب الربانی، فی زمان الملک أحمد العاقل ابن الملک أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی. فاجتمع بالشیخ محمد الهواری و تلمّذه و أخذ عنه. فانتفع بعلوم دینیة و لدنیة منه. و نال برکاته فی القول الحفی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 83
فکان من المفتوح لهم فی کل شی‌ء. و کانت له صحبة جسیمة، و محبّة عظیمة، مع الولی الزاهد، القطب الغوث الماجد، شیخ الزّهّاد، و قدوة العباد، کثیر المعانی، و صاحب أسرار الأسماء و الحروف، أبی علی الحسن أبرکان ابن مخلوف المزیلی الراشدی دفین تلمسان و أحد ساداتها الأعیان لأخذهما معا عن من اشتهر عن وصف الواصف، الشیخ محمد بن أعمر الهواری، العلوم و أسرار المعارف فتلمّذه له و خدمه بالنیة و التصدیق، إلی أن نال منه سرا عظیما بالتحقیق. و کان سیدی بختی من الشرفاء الحسنیین أولاد أبی عنان الأخیار. نصّ علی ذلک صاحب جواهر الأسرار.
و منهم القطب الکامل، العامل الواصل، العالم الفاضل، قامع أهل الضلالة و اللصوص/ أبو عبد اللّه سیدی محمد بن یبقی دفین جبل أبی عروص. (ص 26) کان رحمه اللّه من أهل القرن التاسع و له جلالة و عظامة و سر نافع. و علی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 84
ضریحه مشهد عظیم مزار، مقصود للتبرک به و قضاء المأرب (کذا) فی اللیل (کذا) و النهار.
و منهم العلامة الأکبر، و الکبریت الأحمر، من جمع اللّه له بین العلم و العمل، و نار وقته و سعد به المکان و المحل، الشریف الحسنی الذی سرّه و علمه کالماء الجاری، یجری، الشیخ غانم بن یوسف الملقب الترکی الغمری، دفین جبل ماخوخ من بلاد أولاد علی أحد بطون بنی عامر، فظهر فضله و کثر سرّه فهو للکسیر جابر. و کان من أهل القرن التاسع و مات بالعاشر و اجتمع بالشیخ أبی العباس أحمد بن یوسف الراشدی الملیانی ذی السرّ الناشر، نصّ علی شرفه أبو عبد اللّه محمد الفاسی فی کتابه- أثمد الأبصار- فهو من السادات الأولیاء العلماء الأبرار. و کان معاصرا للذی له فی العلم و الشرف و الولایة قدم رسوخ (کذا) سیدی معاش بن أحمد الکثیری، دفین ثنیة ماخوخ و اصل مسکن
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 85
سیدی غانم ببنی وراغ فسمع به الأحلاف فرقة منهم بأنه عنده شاة من الضان مسمّنة منذ ثلاث سنین، فقدموا إلیه لطغیانهم و أمروه بذبحها لهم فسالهم غیرها فأبوا لما أراد اللّه بهم الانتقام المکین. فذبحها لهم و احتسب و بش فی وجوههم و انطرب، و لما فرغوا من الأکل و أرادوا الانصراف، أنشأ یقول: حاف حاف طاح الکاف علی الأحلاف، فلا ینجی منهم إلّا الأعمی و الزحاف، فذهبوا نحو کاف الوادی و ناموا فی ظلّه/ من شدة الحرّ فسقط علیهم ذلک الکاف و ماتوا و لم ینج (ص 27) منهم إلّا من کان أعمی أو زحافا کما قال.
ثم ارتحل و جاء عند أبیه بمستغانیم فسکن بغربها بحشم داروغ إلی أن توفی أبوه سیدی یوسف الشریف فدفنه بالمطمر من مدینة مستغانیم . و فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 86
التوسل بوالده، و سیدی عبد اللّه بن خطاب یقول الشیخ محمد بن حواء القدّاری ثم التجینی فی غوثیته التی من بحر الرجز:
و بدفین المطمر الأواه‌الإمام الأعظم عبد اللّه
و بالإمام الختما للشرف‌رفیقة بعد الممات یوسف
ثم انتقل و سکن و هران أمدا، ثم انتقل لغمرة غربی و هران و سکن بها إلی أن نسب لها. ثم انتقل منها و سکن بجبل ماخوخ إلی أن توفی به و دفن هناک و علی ضریحه قبّة و مشهد عظیم مقصود للتبرک به و له نسل کثیر أکثرهم بلهاء .
و منهم العلامة الکبیر الدرّاکة الشهیر، الفهامة الأثیر، کثیر المعارف و الأنوار، و الخوارق و الأسرار، أبو العباس سیدی أحمد بن أبی جمعة المغراوی النجار، مؤلف کتاب: «جواهر الاختصار و البیان، فیما یعرض بین المعلمین و آباء الصبیان». کانت له الید الطولا (کذا) فی کل شی‌ء، کثیر التقاریر. و کان من أولیاء اللّه الأکابیر (کذا). اجتمع بالشیخ غانم بن یوسف الغمری و أخذ عند فوائد جمّة، و مسائل مهمة. و توفی بالعشرة الثالثة من العاشر رحمه اللّه و نفعنا به و أمثاله. آمین .
(ص 28) و منهم الولی الأشهر، و الکبریت الأحمر، المنتشر الصیت/ المراصد فی العبادة للأوقات، أبو عبد اللّه سیدی محمد بن الخیر الجماعی دفین وادی تلیلات
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 87
و أصله من أولاد جماعة فرقة من العرب من بنی زروال، و کان من أهل القرن الثانی عشر فی صحیح الأقوال و یقال إنّ الدعاء عند قبره مستجاب کأبی مدین أحد الإمامین و الأقطاب. و له کرامات جلیلة، و خوارق عادات جمیلة خرج رحمه اللّه من وهران لما دخلها العدو فی المرّة الأولی و سکن برأس التافراوی ثم انتقل بزاویته إلی المحل الذی به ضریحه و سکنه إلی أن مات. و علی ضریحه قبة و له مشهد للزیارة. و یقال إن له نسل و کانت زاویته فی أمن من العدو و سائر الآفات.
و منهم الشیخ النجیب، الآخذ من العلم و السرّ بأوفر النصیب الطائع للإله (کذا) الرقیب المجیب، أبو عبد اللّه سیدی محمد أغریب کان من أهل العطا و النفع الوافر. و هو من الأقدمین فی المتواتر. و ضریحه بصفح (کذا) جبل هیدور، غربی و هران خارج سورها مشهور ولدی ضریحه مقبرة جلیلة، منتمیة إلیه فضیلة .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 88
و منهم سیدی البشیر بن یحیی من ذریة الشریف الحسنی القطب الأکمل (ص 29) مقر الجان علی الإطلاق. سیدی محمد بن یحیی المغراوی دفین وادی فروحة بالاتفاق، الذی نصّ علی شرفه أبو زید عبد الرحمان فی عقد الجمان النفیس، و شارحه الشیخ الجوزی المزیلی، و الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار. و کذا صاحب جواهر الأسرار، و أثمد الأبصار، و غیرهم من ذوی الأسرار. و کان سیدی البشیر و قبره مشهور و مقصود للزیارة. و علیه قبّة و عنده مقبرة منتمیة إلیه بالاشتهارة .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 89
و منهم العلامة سیدی بدر الدین و ضریحه بوهران مشهور. و کان من العلماء الأکابر فهو من أهل الثالث عشر و له مسجد بها فی المساجد مذکور .
و منهم سیدی السنوسی مقامه خارج سور و هران بطریق تلمسان .
و سیدی إبراهیم الخرّوطی الوهیبی مقامه خارج سور وهران بطریق کدیة الخیار یعان (کذا) .
و سیدی محمد بن أبی یعزی من ذریة سیدی أبی یعزی الغربی الهسکوری مقامه بمقبرة سیدی البشیر المارّ المبروری .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 90
و هؤلاء الثلاثة کلهم من أهل القرن الثالث عشر .
و الشریف سیدی قادة بن المختار مقامه بالمدینة الجدیدة و هو فی القرن الحادی عشر مشتهر غیر انّی فی حیرة من هذا المقام بالتعیین، لأنه إن کان المنسوب له جلس به فإن و هران بذلک الوقت مسکونة بالاسبانیین. ثم زالت حیرتی بکونه قدم مجاهدا و جلس به لیلا فجعل له المقام. و الحمد للّه علی زوال هذه الحیرة باتضاح المرام.
و منهم العلامة الکبیر، و القدوة الشهیر الجامع بین العلم و العمل الشیخ الربانی، أبو محمد عبد اللّه بن الطیب بن حواء القدّاری التجانی، شیخ الطریقة الدرقاویة کثیرة النوالی، بعد شیخه مولای العربی بن أحمد الدرقاوی البوبریحی الزروالی.
و السید فرقان الفیلیتی بالبیان.
(ص 30) و هما/ الذان (کذا) أمر البای حسن بقطع رأسیهما فقطعا فی شعبان سنة تسع و ثلاثین من القرن الثالث عشر بالتحیری و دفنا بضریح واحد بلحدین أحدهما قبلة و الآخر بحرا بمقبرة سیدی البشیر. و یحکی أن السبب فی قتلهما قاضی الحملة السید محمود ابن حواء التجینی و شی بهما عند الباقی لینال سعده، بأنهما یریدا (کذا) القیام علیه کما قام ابن الشریف علی من قبله من بایات الأتراک و هو البای مصطفی بن عبد اللّه العجمی فمن بعده. ثم نقلا معا من و هران
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 91
فی عام أربعة و ثمانین من الثالث عشر و دفنا بضواحی البطحا فی المشتهر .
و منهم الضریر السید أحمد الفلالی المختاری کان یقرأ القرآن بالسبع و لقراءته قد حرر. توفی سنة خمس أو ست و ستین من القرن الثالث عشر و دفن بقبة مقام سیدی عبد القادر الجیلالی بقرب مقبرة سیدی الغریب خارج سور و هران. و قبره مقصود للتبرک به نفعنا اللّه بالجمیع فی السرّ و الإعلان .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 93

المقصد الثالث فی ذکر بعض علمائها

طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 95
اعلم أیدنی اللّه و إیاک بنوره. و نفعنی و إیاک بسره و وقانا من ضروره، أن علماءها عددهم کثیر. و حصرهم شدید عسیر. و لکنی أذکر منهم إن شاء تعالی المشاهیر، کما ذکرهم شیخنا الحافظ المحقق سیدی و مولای، و سمط محیای، العالم الربّانی، الشریف الحسنی أبو عبد اللّه محمد بن یوسف الزیانی/ فی (ص 31) الفصل الثالث من کتاب- دلیل الحیران فنقول:
إن من علماء وهران عالمها و محدثها أبو إسحاق إبراهیم الوهرانی أحد شیوخ ابن عبد اللّه النمری الأندلوسی (کذا) کان من أهل القرن الرابع .
و منهم أبو تمیم الواعظ نفعنا اللّه به .
و منهم أبو عبد اللّه محمد الوهرانی الملقب برکن الدین صاحب الرسالة المشهورة علی لسان بغلته للأمیر بمصر عز الدّین موسک المذکورة فی دلیل الحیران و عقد الأجیاد و غیرهما، دخل مصر فی حدود السبعین من القرن السادس و اشتهر بالعلم و الأدب، و حسن الفهم و النجب و حصل بها من العلوم لبابها. و کشف الحقائق حجابها.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 96
و منهم أبو زید عبد الرحمان مقلاش و هو الذی أصلح فی سهو الشیخ محمد الهواری أشیاء وزنا و إعرابا و أتی به إلی الشیخ و قال له یا سیدی إنی أصلحت سهوک فلم یقبل منه و قال له هذا السهو یقال له سهو مقلاش و أما سهوی فهو سهو الفقراء یبقی علی ما هو علیه إنما ینظر فیه إلی المعنی و من أین لمحمد الهواری بالعربیة و الوزن. و أنشد سبویه فی هذا المعنی أبیاتا فقال:
لسانی فصیح معرب فی کلامه‌فیا لیته من وقفة العرض یسلم
أراه فصیحا فی الحیاة و إنّماأخاف علیه فی القیام یلجّم
و ما ینفع الإعراب إن لم تکن تقی‌و ما ضرّ ذا تقوی لسان معجّم
و کان من أهل القرن التاسع .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 97
و منهم المشایخ الستة المتقدمون/ الذکر و هم: سیدی محمد الهواری، (ص 32) و تلمیذاه سیدی إبراهیم التازی، و سیدی بختی البوعنانی، و سیدی محمد بن یبقی، و هؤلاء الأربعة کانوا فی عصر واحد من أهل القرن التاسع. و سیدی غانم الغمری و تلمیذه سیدی أحمد بن أبی جمعة المغراوی، و کانا ممن أهل التاسع أیضا لکنهما ماتا بالعاشر کما مرّ .
و منهم الشیخ أبو عبد اللّه سیدی محمد بن أبی جمعة الوهرانی المغراوی شارح لامیة کعب بن زهیر التی اسمها: بانت سعاد. و له ید فی علم النجم و الحساب و کل علم لا سیما اللغة. و اسم الشرح المذکور: «تسهیل الصعب، علی لامیة کعب». قال شیخنا الزیانی و هو عندی فی الملکیة بخطّ مؤلفه رحمه اللّه تعالی و هو صنو السید أحمد ابن أبی جمعة المار و کلاهما من ذریة سیدی محمد الهواری ابنا ابنه توفی سنة عشر من القرن العاشر .
و منهم بالقرن الثالث عشر:
الشریف السید محمد بن حسن المعروف بالکاتب المستغانمی لکونه کان کاتبا لإنشاء البای المجاهد السید محمد بن عثمان، فاتح مدینة و هران. و قد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 98
وصفه الحافظ أبو راس فی رحلته المسمّة (کذا) بفتح الإلاه (کذا) و منته، فی التحدث بفضل ربی و نعمته، فی الباب الثالث منه بما نصّه: فانجرّ الکلام إلی أن قلت الأمر الفلانی کلا شی‌ء بفتح الهمزة، فقال لی لسان الدولة، و فارس الجولة الذی عظّم مکانه و رفعه. و أفرد له متلو العزّ و جمعه، و أوتره و شفّعه و قرّبه فی بساط الملک تقریبا فتح له باب السعادة و شرّحه و أعطاه لواء القلم الأعلی (ص 33) فوجب علی من دونه من أولی صنعته أن یتبعه./ و حسبک من ذمام لا یحتاج إلی شی‌ء معه، العالم الفقیه، الحبر النزیه، الأمثل الأفضل السید محمد بن حسن، من بیت علم و صیانة، و نزاهة و أمانة، و برکة و خیر و قری و میر، و منصب کریم، و حسب صمیم. و کان رحمه اللّه ذا ید فی النحو و اللغة و سائر العلوم و لا سیما الأدب. فینسل إلیه فیه من کل حدب، حتی أنه کان لهجته و ربیع حواسیه و مهجته. قل کلا شی‌ء بکسر الهمزة ألا تری أنک تقول جئت بلا زاد و حرف لا، لا عمل له. فقلت له أن الکاف لا تعیق عن العمل کهمزة الاستفهام و البای رحمه اللّه ینظر إلینا ثم ذهبت و فی قلبی من کلامه شی‌ء فعملت علی ذلک تألیفا فلما قرأه استحسنه و أراه للبای لأنه رحمه اللّه ممن طاب خیمه، و سلم من الحسد أدیمه. و سمیت هذا التألیف: «بغیة المرتاد فی کلا شی‌ء و جئت بلا زاد». و لما علمت أنه لم ترتضه ذهبت و ألّفت تألیفا آخرا و بعثته له فأعجبه و سمیته: «عمدة الزاد فی إعراب کلا شی‌ء، و جئت بلا زاد»- ثم انتقل رحمه اللّه من خطة الکتابة إلی خطة القضاء إلی أن مات بها.
و ابنه القاضی الشریف السید أحمد بن الخوجة المستغانمی .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 99
و أهل الراشدیة و هم: الشریف السید مصطفی بن عبد اللّه الدحاوی مؤلّف:
«فتح و هران» . و الشریف السید الحاج محمد بن البشیر الحریزی الزیانی .
و الشریف السید أحمد بن یوسف الزیانی عم شیخنا و الشریف السید عبد اللّه ابن محمد بن عبد/ اللّه الجیلالی الفیقیقی . (ص 34)
و الشرفاء الثلاثة المشارف و هم: السید الطاهر بن الشیخ المشرفی صاحب التألیف العدیدة. و ابن أخیه السید محمد بن عبد اللّه سقاط بن مصطفی بن الشیخ المشرفی. و ابن عمهما السید الحاج عبد القادر بن مصطفی المشرفی الذی توفی بمصر سنة تسع و ستین و مائتین و ألف .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 101
و الشریف السید أحمد بن التهامی أحد أولاد سیدی أحمد بن علی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 102
البو عمرانی و ابنه السید الحاج مصطفی بن التهامی خلیفة الأمیر السید الحاج عبد القادر الحسنی بالمعسکر .
و شیخ الجماعة السید محی الدین بن المصطفی بن المختار والد الأمیر الحسنی .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 104
و الشریف السید مصطفی بن الهاشمی. و صنواه: السید أحمد ابن الهاشمی قاضی المعسکر و السید الحبیب بن الهاشمی المراحیین .
و الشریف السید أحمد بن أعمر بن الخضیر المهاجی .
و الشریف السید عبد القادر بن بروکش الورغی المفتی بوهران و ابن عمّه السید الحبیب بن بروکش الورغی، فهؤلاء أهل المعسکر من الراشدیة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 105
و حافظ البخاری السید مصطفی بن جلول الخروبی، و صنوه السید محمد ابن جلول الخروبی. و الخوجة السید الحاج محمد بن الخروبی، و الشبیه بالحکیم الیونانی، القاضی السید محمد بن الجیلانی، الخروبی الذی قال فیه الخوجة السید مسلم بن عبد القادر الحمیدی فی أنیس الغریب و المسافر هذین البیتین:
و ندیم لأبی محمّد عثمان‌مصدّر فی کل شی‌ء فقیه
عفیف ذو نجابة مهاب‌ظریف ذو رئاسة وجیه
/ و هؤلاء أهل القلعة الراشدیة . (ص 35)
و السید الحاج محمد بن قجیل ...
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 106
و السید أحمد بن أفغول و هذان برجیان من الراشدیة أیضا؛ و السید محمد الصادق الحمیسی ابن علی المازونی ثم المغیلی و السید عبد اللّه بن حواء.
و السید فرقان و السید بدر الدین المتقدمین (کذا) الذکر. و السید محمود بن حواء التجینی. و السید الحاج مفتاح البخاری الحنفی شیخ الجماعة بوهران. و السید
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 107
أحمد بن هطال التلمسانی و أبو عبد اللّه السید محمد الغزلاوی و ماتا معا یوم فرطاسة فی ربیع الأول سنة تسعة عشر من القرن الثالث عشر فی قصة ابن الشریف الدرقاوی الحارک علی البای مصطفی بن عبد اللّه العجمی بای و هران .
و الشریف الوادفلی السید الحاج محمد بن البشیر أحد شرفاء الواد المبطوح و صهره السید الغوثی، و الخوجة السید مسلم ابن عبد القادر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 108
الحمیدی و هو الذی سأل الحافظ الشیخ أبا راس أن یجمع تألیفا فی الأمثلة السائرة فجمعه الشیخ و سمّاه: «کشف النقاب، و رفع الحجاب، علی أمثال سائرة و حکم باهرة، و مواعظ زاجرة». علی ترتیب حروف الهجاء للسان الدولة، و فارس الجولة. ألهم لها و بادر، السید مسلم بن عبد القادر». نص علیه الحافظ فی الباب الخامس من رحلته ، و السید علی ابن أبی سیف الدائری و السید سلیمان بن النزاری الدائری أیضا و هؤلاء الثلاثة من علماء المخزن و سکنوا بوهران. و فی السید سلیمان المذکور قال السید أحمد الکلاعی بن السید (ص 36) الحاج/ المکی الدحاوی فی قصیدته الملحونة التی منها:
کلا بلاد بدحّهافی وهران صبت سلیمان
و السید الحاج قارة الجزائری، و السید أحمد بن الطاهر الرزیوی، و السید محمد بن قرید، و السید عبد اللّه بن عمارة البو عمرانی، و هذان غریبان. إلی غیر ذلک مما لا أطیق حصره، و لا أحصی ذکره، و کلهم علماء أجلّة، و أیمة بدور أهلّة .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 109
و منهم بوقتنا الذی هو العام السابع من القرن الرابع عشر أستاذ الاخوان و الیاقوت البرهان، فائق البراعة، و جزیل الفصاحة و البراعة، مفتیها و خطیبها ذو الإنصاف و الإحسان أبو الحسن السید علی بن عبد الرحمان، الجزائری و جارا الوهرانی دارا، العبّاسی نجارا و لما حل بها أتحف جامعها الأعظم غایة الإتحاف و رونقه بالفرش المختلفة الألوان و الأنواع و أغناه حتی صار لا یسئل الإلحاف. و طهره من الأدناس و سائر المناکب، بعد أن وقع فی زوایا الإهمال و نسجت بجمیعه العناکب. فعاد بفضل اللّه مبتسما ضاحکا، و أضاء منه ما کان دیجورا حالکا، و علا بمنارته جهیر الصوت بالأذان، و نادی بقوله هلموا للطاعة و العبادة فی الأوقات الخمس و الجمعة و العیدین یا أهل الإیمان، فللّه درّه من ماهر و مربّی سنّی باهر.
و منهم شیخنا الفاضل الماجد، العالم الفاضل الزاهد، من هو بحفظ الأوقات للعبادة شدید المراصد، قدوة السالکین، و بقیة الأیمة الناسکین، المدرس المضیف/ الحافظ الضابط الموثّق المؤلف الشریف الحسنی الصمدانی (ص 37) الربّانی، العلّامة السید محمد بن یوسف الزیانی. فهو معدود فی أعیان علماء المخزن و إن کان من جملة علماء و هران و بها قد سکن .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 110
و نخبة الأشراف و قدوة السادات الظراف، و مقصد الذاهب و العانی یاقوتة الکمال و الجوهر القانی، الشریف الحسنی السید الحسنی ابن إبراهیم العلمی الوزّانی نفعنا اللّه به و بسلفه، و متّعنا به و بخلفه.
و إمام جامعها الأعظم الفقیه الوهرانی، الشریف الحسنی السید أحمد انکروف بن الملیانی النّکروفی.
و الفقیه المدرّس بالجامع الوهرانی، الشریف الحسنی السید الحبیب ابن البخاری الحریزی الزیانی .
و الفقیه الشریف ذو التدریس بالکفراوی إمام قبّة الشیخ الهواری السید محمد بن الجیلانی الشهیر بابن العالیة بن سیدی أحمد بن عربیة المعسکری المغراوی.
و الفقیه الوجیه الرحمانی، الشریف السید الحاج عبد الرحمن بن الطیب أحد أولاد سیدی أحمد بن علی البو عمرانی .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 111
و الفقیه الأجل الذی للتحقیق یحوی، السید الحاج بن آمنة بن عمر المریانی العبد الغوی.
و الفقیه النبیل الشریف البلاحی المشیشی الذی فی أموره للّه راجی السید أحمد بن محمد بن أحمد، و کذا ابن عمّه السید المولود ابن عبد الرحمان ابن أحمد البلاحی المهاجی.
و قدوة العبّاد، و بقیة الزهاد، الأبر الأکمل الفقیه الأجلّی، السید الحاج الطیب بن البشیر الشرفی الشریف الوادفلی .
فهؤلاء السادات الکرام الأفاضل، و العلماء/ الأجلة البواسل الذین بهم (ص 38) طاب الوقت و نار، و اطمأنت القلوب بهم و حلّت بها الأسرار.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 113

المقصد الرابع فی ذکر دولها

اشارة

طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 115
اعلم أنار اللّه قلبی و قلبک بأنواره، و أیدنی و إیّاک بأسراره. و أمننی و إیاک بحوله و قوته من مکره و سرّه. و وقانی و إیاک من بأسه و ضرّه. أن دول و هران من حین اختطّت تسعة دول کما فی دلیل الحیران، و هم: دولة الأمویین بالأندلس القائمین بأمورهم زناتة. و العبیدیین و هم الشیعة، و المرابطین و هم الملثّمون، و الموحدین، و الزیانیین و هم بنو عبد الواد، و المرینیین و هم بنو احمامة، ثم الزیانیین، و الإسبانیین، و الأتراک، و هم الترک و الفرانسیس. فهؤلاء تسعة إجمالا.
و أما تفصیلا فکانت عمالهم یتداولونها بینهم إلّا الدول الثلاثة الأخرة (کذا) فعمالهم منهم.

الدولة الأولی مغراوة عمال بنی أمیة

و أول العمال مغراوة عمال بنی أمیة الذین هم الدولة الأولی، و أول من ملکها من مغراوة خزر بن حفص المختط لها فی القرن الثالث کما مرّ. و تولی إمارة مغراوة بوهران و غیرها بعد موت أبیه حفص بن صولات بن وزمار ابن صقلاب بن مغراو. و وزمار هو الذی أسلم علی أید سیدنا عبد اللّه بن سعد ابن أبی صرح، لما غزی (کذا) إفریقیة و بعثه لأمیر المؤمنین، و خلیفة رسول رب العالمین سیدنا عثمان بن عفان رضی اللّه عنه ثالث الخلفاء بالمدینة المنورة،/ (ص 39) علی صاحبها أفضل الصلاة و أزکی التسلیم فجدّد إسلامه علی یده و عقد له علی قومه و رجع لإفریقیة. و من ثم بقیت مغراوة موالی (کذا) لبنی أمیة کصنهاجة للعلویین العبیدیین بإفریقیة.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 116
و أقام خزر مقام أبیه فی أمر زناتة و اعتزّ قومه علی المضریة بالقیروان و استفحل ملکهم و عظم سلطانهم علی البدو و زناتة بالمغرب الأوسط عند تقلص ظل الخلافة بعض الشی‌ء بالمغرب حیث عمت فتنة میسرة الحقیر و مدغرة و قوی اعتزاز خزر و قومه، و عتوّه و انتشر صیته و علت کلمته عند المروانیین بالأندلس و الأدارسة بالمغرب الأقصا (کذا) و السلیمانیین برشقون و تلمسان، و الشیعة بإفریقیة إلی أن هلک فی خلال ذلک. ا ه.
قال البکری فی تاریخه المغرب فی ذکر بلاد إفریقیة و المغرب:
«و فی سنة سبع و تسعین و مائتین زحف (کذا) قبائل کثیرة إلی و هران یطالبون أهلها بإسلام بنی مسقن إلیهم لدماء کانت بینهم فأبی أهل و هران من إسلامهم إلیهم فنصب (کذا) القبائل علیهم الحرب و حاصروهم و منعوهم من الماء فخرج عنهم بنو مسقن و هم من أزدیجة و یقال لهم بنو مسرقین لیلا هاربین و استجاروا بأزدیجة فأجاروهم و تغلّب الحارکون علی أهل و هران فخرج أهلها منها بأنفسهم و أسلموا ذخائرهم و أموالهم للحارکین و خربت و هران و أضرمت نارا و ذلک فی ذی الحجة من هذه السنة ثم عاد أهل و هران إلیها فی السنة بعدها و هی سنة ثمان و تسعین و مائتین بأمر أبی حمید داوس بن صولات و یقال له داوود عامل تاهرت.
(ص 40) و ابتدأوا بنیانها فی شعبان من هذه السنة فعادت أحسن مما/ کانت و ولی علیهم داوود بن صولات الدهیصی، محمدا بن أبی عون فلم تزل فی عمارة و کمال، و زیادة و حسن حال. ا ه.
و هو مخالف لما فی الحافظ أبی راس.
و لما هلک خزر بن صولات تولی بموضعه ابنه محمد بن خزر و سکن و هران و أجلب علی ضواحیها بکل ما أراد و شنّ الغارات فی المغرب الأوسط إلی إفریقیة و فی الأقطار إلی المصامدة و هابته الملوک و خشیت سطوته و أذعنت له
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 117
الناس و عاش کثیرا من السنین و جرب الأمور. فقد قال ابن خلدون فی تاریخه الکبیر فی الجزء السابع منه أنه نیف علی المائة سنة بکثیر و الذی یقتضیه استقراء کلامه من أوله إلی آخره أنه بلغ المائتی سنة أو قاربها فإنه قال فی أخباره أن إدریس بن عبد اللّه لما نهض إلی المغرب الأوسط سنة أربع و سبعین و مائة تلقاه محمد بن خزر هذا و ألقی إلیه المقادة و بایع له عن قومه و أمکنه من تلمسان بعد أن غلب علیها بنی یفرن أهلها و انتظم لإدریس بن إدریس الأمر و غلب علی جمیع أعمال أبیه و ملک تلمسان و قام بنو خزر هؤلاء بدعوته کما کانوا لأبیه إلی أن قال: ثم وفد علی المعتز بعد ذلک سنة خمسین و ثلاثمائة و هلک بالقیروان و قد نیّف علی المائة من السنین. ه.
لکن قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار فی الکلام علی مغراوة کلام ابن خلدون فیه تخلیط و تناقض ا ه. و فی سنة ست و ثلاثمائة حرک ازدیجة و عجیسة علی محمد بن خزر المغراوی و قاتلوه شدیدا، و حاصروه عتیدا، إلی أن أخذوا من یده و هران عنوة فبقیت فی ملکهم و تحت تصرفهم سبع سنین و هم عمال علی المروانیین ثم صاروا عمالا/ علی الشیعة. ثم قام علیهم محمد (ص 41) ابن خزر بجیوش لا تحصی و حاصرهم و أثخن فیهم إلی أن غلبهم علیها سنة ثلاثة عشر و ثلاثمائة و بقوا تحت حکمه. و لما غلبهم علیها و عادت لحکمه بعد حروب کثیرة کان الظفر له فیها علیهم، أخّر نفسه، و ولی علیها ابنه الخیر و بقی (کذا) ازدیجة و عجیسة تحت حکمه، و فی قبضة جبره و حلمه. فقام الخیر بضبط ملک و هران غایة الضبط و ظاهر المروانیین بالأندلس کعادة أسلافه و أمیر الأندلس و قتئذ عبد الرحمن الناصر و شن الغارات علی ضواحی و هران و المغرب الأوسط فملک بلاد الغرب کلها وسوس الأدنا (کذا) و تلمسان و الصحرا (کذا) و حارب الشیعة ملوک إفریقیة و تاهرت حروبا عظاما و غزی (کذا) بسکرة و المسیلة و الزّاب
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 118
و دوّخ المغرب الأوسط تدویخا عظیما و والده محمد بن خزر لم یفارقه فی کل ذلک. و اتصلت یده بید موسی بن العافیة المکناسی فبثا معا دعوة المراوانیین امراء الأندلس بالمغربین و قطعا دعوة الشیعة بإفریقیة ثم فسد ما بینهما و تزاحفا للحرب فبعث لهما عبد الرحمان الناصر أمیر الأندلس قاضی قرطبة و هو الفقیه منذر ابن سعید الولهاصی ثم البلوطی فأصلح بینهما و لم یزل الملک فی یده إلی أن انتقل لولده محمد بن الخیر بعده.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 119

الدولة الثانیة الشیعة الفاطمیون‌

اشارة

ثم ملک و هران الدولة الثانیة و هم الشیعة و یقال لهم الرافضیة و العبیدیون و العلویون و الفاطمیون.
أما/ تسمیتهم بالشیعة و الرافضیة فلتمذهبهم بمذهب شیعة المشرق و الرافضیة (ص 42) من سبهم للشیخین أبی بکر و عمر رضی اللّه عنهما، و رفضهم للسنة و اتباعهم للبدعة و مدحهم لعلی بن أبی طالب کرم اللّه وجهه و رضی عنه دون غیره.
و أما تسمیتهم بالعبیدیین فذلک نسبة لجدهم عبید اللّه المهدی الشیعی أول ملوکهم.
و أما تسمیتهم بالعلویین و الفاطمیین فذلک نسبة لجدهم علی بن أبی طالب کرم اللّه وجهه و رضی عنه وجدتهم فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فهم حسینیون بضم الحاء المهملة و لا عبرة بالطعن فیهم.
و ذلک أن و هران غزاها فی سنة ثمانیة عشر داوس بن صولات و یقال له داوود بن صولات الدهیصی عامل تاهرت علی ید الدولة الشیعیة فحاصرها حصارا عظیما و حارب ملکها الخیر بن محمد بن خزر المغراوی و من معه من أزدیجة و عجیسة لکونهم صاروا یدا واحدة مع الخیر بن محمد بن خزر فأثخن فیهم کثیرا و أخذها من ید ملکها الخیر عنوة بعد حروب شاب لها رأس الغراب و ولی علیها من قبله محمدا ابن أبی عون الشیعی فهو أول عامل للشیعة بوهران و أول من ملکها من الشیعة داوس عامل عبید اللّه الشیعی فعمّت الرافضیة المغرب
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 120
الأوسط و انقطع حکم المروانیین منه بالکلیة و خرج حکم و هران من ید الدولة الأمویة و دخل فی ید الدولة الشیعیة.
فأقام محمد بن أبی عون الشیعی الملک بوهران و تصرّف فی المغرب الأوسط بما شاء و صار معه ازدیجة و عجیسة یدا واحدة و عنه أخذوا الرافضیة (ص 43) و اندرست/ السنّة و لما مر میسور الخصّی، سمی بذلک لکونه لا لحیة له، فی عام ثلاث و عشرین و ثلاثمائة بأمر القائم العبیدی حال ذهابه لمحاربة موسی ابن أبی العافیة المکناسی للمغرب لمظاهرته للمروانیین و إعراضه عن الشیعة متوجها بجیشه لفاس و لقیه محمد بن أبی عون الشیعی والی و هران فأقرّه علیها. و کذلک لما توجه مصالة بن حبوس الکتامی للمغرب فی عام إحدی و أربعین و ثلاثمائة بجیشه لتدویخ المغرب بأمر المعزّ العبیدی أقرّه علی و هران کما أقر کل عامل کان للشیعة علی محلّه و دوّخ المغرب غایة و أزال ما ظهر به من أمر المروانیین ملوک الأندلس و رجع بغنائم عظیمة.
ثم فی سنة ثمان و ثلاثین و ثلاثمائة اختط یعلا بن محمد بن صالح الیفرینی مدینته بایفکان أحد أراضی بنی راشد بصفح (کذا) جبل أوسلاس و هو بجوفها و استقر بها و ظاهر المروانیین بالأندلس و تجانب الشیعة بإفریقیة فولّاه عبد الرحمن الناصر الأموی ملک الأندلس علی المغرب الأوسط و عقد له علی حروب الشیعة الرافضیة. و کان مصالة بن حبوس الکتامی قد رجع من المغرب للمهدیة فخلا الجوّ لیعلا بن محمد بن صالح الیفرینی و زحف لوهران فحاصر بها محمدا بن أبی عون الشیعی و ازدیجة و عجیسة و طالت بینه و بینهم حروب عظام إلی أن فرّق جمعهم بجبل قیزة غربی و هران و ذلک فی یوم السبت منتصف جمادی الثانیة سنة ثلاث و أربعین و ثلاثمائة و دخل و هران عنوة و أضرمها نارا (ص 44) و خربها و لحق أکثر أزدیجة و عجیسة بالمغرب،/ و بعضهم بالأندلس لما أیّسوا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 121
(کذا) منها و ملکوا دار بنی صالح و هی قلعة النکور سنة ست من القرن الهامس فخربوها و بقوا بها إلی أن قطع ملکهم یوسف بن تاشفین اللمتونی. و من لحق منهم بالأندلس، صار من أعیان جند المنصور ابن أبی عامر المعافری حاجب المؤید هشام الأموی. و لما فتح یعلا مدینة و هران و خرّبها نقل أهلها إلی مدینته المعروفة فی ذی القعدة سنة ثلاث و أربعین و ثلاثمائة و بقیت خرابا مدة ثم تراجع الناس لها و بنیت. و ذکر الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار أن یعلا ابن محمد بن صالح لما خرّب و هران جدّد بناءها فی تلک السنة و انتقل إلیها بأهله و ولده من مدینته بأیفکان. قال البکری فی تاریخه و کان فی عمل و هران قریة أهلها موصوفون بعظم الأجساد، و شدة الأیاد (کذا) حتی أن الرجل الکامل فی الخلق المعهود من غیرهم یکون إلی دون منکب الرجل منهم و کان رجل منهم یحمل ستة أنفار و یخطوا بهم خطوات اثنین علی عتقیه و یتأبّط باثنین و علی ذراعیه اثنین. و أن رجلا منهم احتاج لعمل بیت یسکنه فاقتطع ألف کلخة و حملها علی ظهره و بنا بهم بیتا تاما معرسا. ه.
ثم أن محمدا بن الخیر بن محمد بن خزر المغراوی لما رأی (کذا) و هران دار ملکهم اتخذها بنو یفرن دار ملکهم أیضا و بثوا بها الدعوة المروانیة نزع إلی الشیعة و ظهر لهم و أدّی لهم الطاعة و وفد علی المعزّ العبیدی الشیعی/ بإفریقیة (ص 45) فألفاه جهز قائده جوهرا لغزو المغرب سنة سبع و أربعین و ثلاثمائة و خرج من القیروان فی جیش عرمرم فجاء معه مغربا و کان من مشاهیر بنی خزر و أشرفهم نفسا فکان عنده بمکانة عظیمة و سار جوهر إلی أن نزل بتاهرت فلقیه بها یعلا ابن محمد بن صالح الیفرنی فی جیش عظیم من قبائل زناتة علی مقربة من تاهرت بناحیة شلف فالتحم (کذا) الحرب بینهما و بذل جوهر الأموال لقواد کتامة و لما اشتد الحرب صممت عصابة من أنجاد قواد کتامة و أجنادها و قصدوا یعلا فقتلوه و اجتزوا رأسه و أتوا به إلی جوهر فأعطاهم الأموال الجلیلة بشارة علیه و بعث
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 122
برأسه إلی المعزّ فطیف به بالقیروان و هزم بنو یفرن و تفرق جمعهم. هکذا فی الأنیس المطرب، و فی ابن خلدون ما یخالفه.
و لما مات یعلا قام ابنه یدّو مقامه لکنه لم یملک و هران. ثم ذهب جوهر مغربا و مرّ بمدینة إیفکان التی بناها یعلا فخربها و لم تعمر للآن و ذهب معه محمد ابن الخیر و قد عقد له علی و هران فحضر معه جمیع و قائعه بالمغرب و لما رجع أقرّه علی و هران بعد أن قطع الدعوة المروانیة من المغرب بأجمعه و ردّها للشّیعة فخطب لهم علی جمیع منابر المغرب.
ثم حل محمد بن الخیر بوهران و أقام ملکها غایة و بثّ دعوة الشیعة بالمغرب بعد أن وقعت له معهم حروب عظام و لما تقلدها فی سنة سبع أو ثمان و أربعین (ص 46) و ثلاثمائة/ و هی السنة التی قتل فیها یعلا. و یقال إن محمدا بن الخیر هو الذی أغری جوهرا علی قتله. أدّی لهم الطاعة التامة و ظاهرهم غایة الظهور و رفض المروانیین بالأندلس رفضا کلیا. و فی سنة خمسین و ثلاثمائة توفی جده محمد ابن خزر بالقیروان بعد أن عمر کثیرا کما فی ابن خلدون. ثم فی سنة ستین و ثلاثمائة فسد ما بین محمد بن الخیر و الشیعة و تقلد طاعة المروانیین بالأندلس و حشّد جمیع زناتة المغرب الأوسط ما عدا تاهرت لبقائها بید الشیعة و أمدّه المروانی من قرطبة بما أراد من الجیش العرمرم و نهض من و هران یجرّ الأمم بحذافرها فبلغ ذلک زیری بن مناد الصنهاجی عامل الشیعة و جمع له الجموع التی لم یعهد الزمان بمثلها و لما اجتمعت بدار ملکه أشیر، عقد لابنه بلکین و أمره بحرب محمد بن الخیر فالتقی الجمعان بالبطحاء و وقعت الدائرة علی محمد بن الخیر بعد أن وقعت بینهما الحروب العظام و یقال أن زیری دسّ من یجرّ الهزیمة علی محمد بن الخیر. و لما رءا (کذا) ذلک مال بنفسه إلی ناحیة من عسکره و ذبح نفسه سنة ستین و ثلاثمائة و انهزم قومه سائر یومهم و بقیت عظامهم ماثلة بمحل القتل أعصرا و هلک من قومه سبعة عشر أمیرا فی تلک الواقعة سوی الأتباع کذا فی ابن خلدون، و قال غیره بضعة عشر من غیر تعیین،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 123
فأخذ بلکّین رؤسهم و انقلب بها إلی أبیه ظافرا بالغنیمة و بعث بها زیری إلی إفریقیة للمعزّ الشیعی/ فامتلأ سرورا و غمّ لها المنصور الأموی بقرطبة و بذلک (ص 47) علا قدر زیری علی سائر العمال.
ثم تولی الخیر بن محمد بن الخیر بن محمد بن خزر رئاسة قومه بموضع أبیه بوهران فملکها و اجتمع بأخیه یعلا بن محمد بن الخیر و قومهما و طلبوا الثأر.
و لما جاءهم جعفر بن علی عامل المسیلة للشیعة فارا من المعزّ الشیعی ألقوا إلیه حالهم و جعلوا بیده زمام أمرهم فقام بدعوة المروانی منتقضا علی الشیعی فزحف لهم زیری بن مناد الصنهاجی من آشیر و اقتتلوا قتالا شدیدا فکانت الدائرة علی زیری و أکبّ (کذا) به فرسه فأخذوه و قتلوه و اجتزوا رأسه و بعثوا به إلی الحاکم المروانی بقرطبة سنة ستین أو إحدی و ستین و ثلاثمائة فأخذ مغراوة ثأرهم و شفوا غلیلهم، و أبردوا (کذا) غلیلهم و تهدم بموت زیری البنیان لصنهاجة، و الدنیا تلک عادتها یوم بیوم و الدّهر قاض ما علیه لوم. و لما أخذ الخیر بن محمد بن الخیر بثأر أبیه من الصنهاجیین و تمهّد له الملک نهض بلکّین ابن زیری بن مناد الصنهاجی لقتاله آخذا بثأر أبیه زیری المذکور و ذلک سنة سبع و ستین و ثلاثمائة فجمع الجموع التی لا تحصی و لا تعد، و غزی (کذا) المغربین حتی انتهی إلی أقاصی المغرب الأقصا (کذا) و ملک فاسا و سجلماسة و أطرد (کذا) جمیع أولیاء المروانیین و تقبّض علی علی بن نور، و محمد و الخیر، ابنی محمد بن الخیر فقتلهم و فرّ من بقی من ملوک زناتة مثل یدّو بن یعلا الیفرینی و بنی عطیّة المغراویین و غیرهم و لاذوا بسبتة و بعثوا بالصریخ إلی المنصور بن أبی عامر المعافری فخرج من قرطبة للجزیرة الخضراء/ و أمدهم بعساکر جمّة ولّی علیها (ص 48) ابن حمدون و عقد له علی حرب بلکین و أمّده بمائة حمل من المال فأجاز (کذا) البحر و صیّر مصافّ القتال لظاهر سبتة. و کان بلکین بعساکره فی تیطاون فتحیّل و أطلّ علی عسکرهم فرءا (کذا) ما أدهشه و قال هذه أفعا أفغرت إلینا فاها (کذا) و کرّ راجعا فهدم البصرة و جاهد فی بر غوّاطة و سلبهم و بعث بذلک للقیروان و أقطع (کذا) الدولة الأمویة من المغرب کله. و لم تزل معه مغراوة فی تشرید إلی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 124
الصحرا و إذعان له إلی أن هلک سنة ثلاث و سبعین و ثلاثمائة بموضع یقال له و ازرکس بین سلجماسة و تلمسان بسمّ سقته له زوجته.
ثم تولی بوهران یعلا بن محمد بن الخیر الخزری المغراوی بموضع أخیه الخیر بن محمد و قام بأمر زناتة فضبط الملک و تکررت إجازته (کذا) مع ابن أخیه محمد بن الخیر بن محمد إلی المنصور بن أبی عامر المعافری بقرطبة لیمدهما بالجیش لأخذ الثأر فی الخیر بن محمد و أصحابه من أعدائهم الصنهاجیین فلم تحصل لهما فائدة و سلم یعلا بن محمد بن الخیر لابن أخیه محمد فی رئاسة قومه بوهران.
ثم تولی بوهران محمد بن الخیر بن محمد بن الخیر بن محمد بن خزر المغراوی رئاسة قومه و ذلک فی أعوام الستین و ثلاثمائة ثم تولی بعده أمر زناتة بالمغرب الأوسط بدار ملکهم و هران محمد بن یعلا بن محمد بن الخیر بن محمد ابن خزر المغراوی فملک ما ملک أبوه و جده کافة و استولی علی کافة المغرب حتی أضاف لعمله المسیلة و الصحرا و المغرب و بوادی زناتة. و لم یبق لبنی أمیة (ص 49) معه سوی الخطبة خاصة و أطرد (کذا) الصنهاجیین من/ أکثر عملهم.
ثم فی سنة ثمان و ستین و ثلاثمائة تولی زیری بن عطیة بن عبد اللّه ابن محمد بن خزر الخزری المغراوی، فملک وهران و غیرها و ذلک بدعوة هشام المؤید الأموی و حاجبه المنصور بن أبی عامر المعافری بعد انقطاع أیام الأدارسة و بنی أبی العافیة المکناسی من المغرب الأقصا (کذا)، فملک المغربیین و غلب علی بوادیهما کله (کذا) و استوطن فاسا و صیره دار ملکه فی عام سبعة و سبعین و ثلاثمائة و أورثه لبنیه من بعده. المعروف الآن بباب القیسة و علا قدره و عظم سلطانه و ارتفع شأنه علی سائر العمال.
ثم قام علیه أبو البهار بن زیری بن مناد الصنهاجی بالمغرب الأوسط
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 125
مخالفا علی ابن أخیه منصور بن بلکین ظهیر الشیعة فنقض أمر الشیعة و مال للمروانیین و غلب علی تلمسان و وهران و مازونة و تمزغران (کذا) و مستغانیم، و البطحا، و تنس، و شلف، و شرشال، و وانسریس، و ملیانة، و کثیر من بلاد الزّاب، و خطب للمؤید و حاجبه و بعث لهما بالبیعة و الهدیة و ذلک سنة سبع و سبعین و ثلاثمائة فبعث له المنصور بالعهد علی ما بیده من البلاد و صارت و هران فی حکمه و دار ملکه و بقی نحو الشهرین و رفض دعوة الأمویین و مال للشیعة فبلغ المنصور أمره فبعث فورا لزیری بن عطیة المغراوی المذکور بالعهد علی بلاد أبی البهار و أمره بقتاله فسار له بجیوش کثیرة و فرّ أبو البهار هاربا بنفسه فلحق بابن أخیه و ترک المغرب لزیری الخزری فرجعت له و هران کأول مرة فاتسع عند ذلک سلطانه و امتدّ ملکه من سوس الأقصا إلی الزاب، و کتب بالفتح للمنصور و بعث له صحبة الکتاب بهدیة عظیمة من جملتها قطط الزبد ثم اللمط، و الزرفة و غیرهم، فسرّ المنصور بذلک کثیرا و کتب له بالجواز عنده فجاز فی سنة إحدی و ثمانین و ثلاثمائة فأوسع له المنصور و لأصحابه فی الجوائز/ و أعطاه مالا (ص 50) عظیما، و هدایا کثیرة و لقّبه بالوزارة فرجع لأهله کارها لذلک و مستقللا للعطایا و نهر من قال له یوما یا وزیر و قال له ما أنا إلّا أمیر و ابن أمیر، فو اللّه لو ألقی المنصور رجلا بالأندلس ما ترکه علی حاله یراه، تسمّع بالمعید خیر من أن تراه، ثم وضع یده علی رأسه و قال له یا هذا الراس الآن علمت أنک لی، و کان فی حال جوازه للأندلس وجد یدو بن یعلا الیفرینی فرصة للمغرب فزحف بجنوده لفاس و دخله فی ذی القعدة سنة اثنین و ثمانین و ثلاثمائة و لما سمع به زیری جدّ السیر له إلی أن وصله فقاتله کثیرا و اتصلت بینهما حروب عظیمة و صار کل من غلب منهما دخل فاسا إلی أن ظهر به زیری فی سنة ثلاث و ثمانین و ثلاثمائة فقتله و بعث برأسه للمنصور فلم یبق له بالمغرب منازع و هابته الملوک. و یدّو بن یعلا هو القائل للنصور لما استدعاه للقدوم عنده: حمر الوحش لا تقاد للبیطار.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 126
ثم فی رجب سنة ثلاث أو أربع و ثمانین و ثلاثمئاة بنا (کذا) زیری مدینة وجدة و حصّنها و شید قصبتها و انتقل إلیها بأهله و ذخائره و جعلها قاعدة ملکه لتوسطها بین المغربین. قال الحافظ أبو راس فی الخبر المعرب: إن وجدة هی الفاصل بین المغرب الأقصا و الأدنا. و قال فی فتح الرحمان: إن وجدة کانت فی القدیم بها مدینة عظیمة لها ثلاثمائة باب و بضع و ستون بابا. و سمّیت وجدة لأنها مسکن أهل الوجد، أو لوجود الصالحین فیها. قاله الغزالی. و بإزائها قبر یحیی بن یونس المدفون بغرب جبل الکواکب من أرض أنقاد یقال إنه من الحواریین الصدیقیین، عبد اللّه تعالی ثمانین سنة صیاما و قیاما و لم یأکل فیها شیئا و آمن بالنبی صلی اللّه علیه و سلم قبل مبعثه بخمسمائة عام یقال إن ماء وجدة یخرج من قرب ضریحه أو منه نفعنا اللّه و ذریتنا و قرابتنا و أحبابنا و کافة المؤمنین ببرکته.
ثم فسد ما بین زیری بن عطیة الخزری المغراوی و بین المنصور بن أبی عامر المعافری فی سنة ست و ثمانین و ثلاثمائة فبعث المنصور جیوشا کثیرة لنظر واضح لمحاربته و لقیه زیری بجیوشه و حصل المصافّ بوادی ردات بأحواز (ص 51) طنجة و اتصلت الحروب الکثیرة بینهما ثلاثة أشهر فکان الظفر فیها لزیری/ و هزم واضح بجیوشه و مات منه خلق کثیر و فرّ لطنجة فتحصّن بها و کتب للمنصور یستصرخه فأمده بجیوش الأندلس و قوادها و عقد علیها لابنه المظفر بن المنصور و أمره بحرب زیری فأجاز البحر و حلّ بطنجة فأهابه زیری و کتب لجیوشه فاجتمعت علیه من سجلماسة، و تلمسان، و وهران، و الزاب، و سائر بوادی زناتة، و نهض بهم للقاء المظفر فکان المصاف بوادی مینا من أحواز طنجة. و کان لزیری غلام یقال له سلام لا یحبه فألفی الغلام فی زیری الفرصة لما وجده مضطجعا ظنّا منه أنه نائم فتقدم له و ضربه بسکین کانت عنده للبّته یرید نحره و جرحه ثلاث جراحات، و ترکه کالمیت فی دمه و انطلق مسرعا للمظفر و أخبره فأمکنته الفرصة و شدّ علی زناتة و هم فی دهشة مما حلّ بأمیرهم من غلامه سلّام فهزمهم و احتوی علی المحلة بجمیع ما فیها و کثر السبی و القتل و غنم ما لا یحصی و لا یعدّ. و هرب
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 127
زیری لمضیق الحیة و هو موضع قرب مکناسة و اجتمع علیه فلّه و هم بالرجوع فجهّز له المظفر خمسة آلاف فارس لنظر واضح فأسری بهم لیلا و ضرب محلّة زیری غفلة و ذلک فی نصف رمضان سنة سبع و ثمانین و ثلاثمائة فأوقع بهم موقعا عظیما و أسر من أعیانهم نحو ألفی رجل فمنّ علیهم المظفر و صاروا من جملة جنوده. و فرّ زیری فی شرذمة من أصحابه و قرابته لفاس فأغلقت الأبواب فی وجهه فأخذ أهله و الدواب و الزاد و ذهب للصحرا (کذا) فنزل بسجلماسة ثم زاد لبلاد صنهاجة فألفی أهلها قد اختلفوا علی ملکهم بادیس بن منصور بن بلکین بعد وفاة/ منصور فبعث لقبائل زناتة فأتاه خلق کثیر فاغتنم الفرصة و زحف (ص 52) لصنهاجة فأوغل فیهم کثیرا و هزم جیوشهم و دخل تاهرت و جملة من الزاب و ملک المسیلة، و وانسریس، و شلف، و تنس، و مازونة، و البطحاء، و مستغانم، و تمزغران، و وهران، و تلمسان، و سائر المغرب الأوسط، و غیره، و أعاد (کذا) لوجدة و أقام الدعوة للمؤید و حاصر آشیر قاعدة صنهاجة و بقی یغادیها و یراوحها إلی أن مات من جراحاته المارة سنة إحدی و تسعین و ثلاثمائة .
ثم تولی بعده بوهران یعلا بن محمد بن الخیر مرة ثانیة و ضبط أمرها و خضعت له الرعیة و أدّت طاعته زناتة، و هابته الملوک فبقی إلی سنة عشرة و أربعمائة .
ثم بویع بموضعه ابن أخیه و هو محمد بن الخیر بن محمد بن الخیر بن محمد بن خزر مرة ثانیة و ضبط الملک أکثر من عمّه یعلا و أطاعته سائر زناتة المغرب الأوسط مدنه و بوادیه و امتدّ له فی الملک من سنة عشرة و أربعمائة إلی سنة ثلاثین و أربعمائة .
ثم قام بأمره من بعده فی و هران ابن عمه محمد بن یعلا بن محمد بن الخیر بن محمد بن خزر مرة أخری و مهّد له الملک أکثر من الأولی و دخل فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 128
طاعته سائر المغرب الأوسط بوادیه و قراه و مدنه، و حصنه، و ضایق صنهاجة بالمشرق و أبناء عمه مغراوة و بنی یفرن بالمغرب و الصحراء، و صاروا معه تارة فی حرب و أخری فی سلم و اتصلت یده بید ابن أخیه بختی بن تمیم بن یعلا ابن محمد بن الخیر بن محمد بن خزر ملک تلمسان فتمهّد لهما المغرب. و لا زالا کذلک فی الملک إلی أن هلکا معا و معهما وزیر بختی بن تمیم و هو أبو سعید (ص 53) الزناتی خلیفة الیفرنی فی حرب الأثبج/ و زغبه، الهلالیین بالزاب فی أعوام الخمسین و أربعمائة کما فی ابن خلدون و غیره.
ثم تولی بموضع محمد بن یعلا بوهران ابنه محمد الصغیر ابن محمد ابن یعلا بن محمد بن الخیر بن محمد بن خزر المغراوی. و بتلمسان العباس ابن بختی بن تمیم بن یعلا بن محمد بن الخیر بن محمد بن خزر المغراوی.
و استبدّ کلّ منهما بموضعه و ما یلیه و تحت حکمه، و ضبط الأمر بحکمه. و لا زالا کذلک إلی أن أزالهما یوسف بن تاشفین اللمتونی سنة ثلاث و سبعین و أربعمائة فانقطع ملک الدولتین بالمغرب و هما المروانیین و الشیعة بالکلیة.

قائمة حکام وهران‌

فتلخص من هذا أن الذین ملکوا و هران من عمّال الدولتین المذکورتین ستة عشر. فمن مغراوة عشرة و هم: خزر بن حفص، ثم ابنه محمد بن خزر، ثم ابنه الخیر بن محمد، ثم ابنه محمد بن الخیر، ثم ابنه الخیر بن محمد ابن الخیر، ثم ابنه یعلا بن محمد بن الخیر، ثم محمد بن الخیر بن محمد ابن الخیر بن محمد بن خزر، ثم محمد بن یعلا، ثم زیری بن عطیة، ثم محمد الصغیر بن محمد بن یعلا. و هؤلاء کلهم خزریون مغراویون. و من أزدیجة و عجیسة اثنان: و هما: أبو دیلم بن الخطاب الزدیجی من بنی مسرقین، و شجرة ابن عبد الکریم العجیسی. و من الشیعة واحد و هو محمد بن أبی عون. و من بنی یفرن واحد و هو یعلا بن محمد بن صالح الیفرنی. و من صنهاجة اثنان و هما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 129
بلکین بن زیری بن مناد الصنهاجی، و أخوه أبو البهار بن زیری بن مناد الصنهاجی.

قائمة الخلفاء الأمویین بالأندلس و المشرق‌

و اعلم أن جملة المروانیین بالأندلس ستة عشر ملکا و هم: عبد الرحمن الداخل، ثم ابنه هشام الراضی، ثم/ ابنه الحاکم، ثم ابنه عبد الرحمن، ثم ابنه (ص 54) محمد بن عبد الرحمن، ثم ابنه المنذر بن محمد، ثم أخوه عبد اللّه بن محمد، ثم عبد الرحمن الناصر بن محمد بن عبد اللّه، ثم ابنه الحاکم بن عبد الرحمن الناصر، ثم ابنه هشام المؤید، ثم محمد المهدی بن هشام بن عبد الجبار، ثم المستعین سلیمان بن الحاکم بن سلیم بن عبد الرحمن الناصر، ثم عبد الرحمن ابن هشام بن عبد الجبار، ثم المستکفی محمد بن عبد الرحمن بن عبید اللّه ابن عبد الرحمن الناصر، ثم المستعین هشام بن محمد بن عبد المالک بن عبد الرحمن الناصر، ثم أمیّة الأموی و به انقطعت دولة بنی أمیة من الأندلس.
و جملتهم بالمشرق أربعة عشر ملکا و هم: معاویة بن أبی سفیان، ثم ابنه یزید بن معاویة، ثم ابنه معاویة بنی (کذا) یزید، ثم مروان ابن عبد الحاکم، ثم ابنه عبد المالک (کذا) بن مروان، ثم ابنه الولید ابن عبد المالک، ثم أخوه سلیمن (کذا) بن عبد المالک، ثم عمر بن عبد العزیز ابن مروان، ثم یزید بن عبد المالک بن مروان، ثم هشام بن عبد المالک، ثم الولید بن الیزید بن عبد المالک، ثم ابنه یزید بن الولید، ثم إبراهیم (کذا) ابن الولید، ثم مروان بن محمد بن مروان، و به انقرضت دولتهم بالمشرق. قال العلا (کذا) و لما انقضت مدة دولة بنی أمیة و قرب تمامها کنت نائما عند سلیمان ابن هشام فإذا به قد أیقظنی و قال لی کنت نائما فرأیت فی نومی کأنی فی جامع دمشق و کأن رجلا فی یده خنجر و علی رأسه تاج و هو رافع صوته بهذه الأبیات:
أبنی أمیة قد دنا تشتیتکم‌و ذهاب ملککم و أن لا یرجع
و ینال صفوته عدو ظالم‌للمحسنین إلیه ثمّت یفجع
/ (ص 55) بعد الممات فکل ذلک صالح‌یا ویحه من قبح ما قد یصنع
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 130
قال العلا فقلت لسلیمان و لعل ذلک لا یکون، فأطرق سلیمان ساعة و قال لی هیهات یا علا ما یأتی به الزمان قریب، فلم تتم الجمعة حتی دخل علیهم مروان الجعدی و انقرضت دولتهم فاتح ثلاث و ثلاثین و مائة انظر الجمان للشاطبی.

قائمة خلفاء الشیعة الفاطمیین‌

و جملة ملوک الشیعة و هم العبیدیون أربعة عشرة ملکا و هم: المهدی ثم القائم، ثم المنصور، ثم المعزّ، ثم العزیز، ثم الحاکم، ثم الظاهر ثم المستنصر، ثم المستعلا، ثم الآمر، ثم الحافظ، ثم الظافر، ثم الفائز، ثم العاضد و هو آخرهم. و به انقرضت دولتهم، و دأب الدنیا لم تعط إلّا استردّت و لم تحل إلّا تمرّرت و لم تصف إلا تکدرت بل صفوها لا یخلو من الکدر. و فی ذلک قال الشاعر من البسیط:
حسّنت ظنک بالأیام إذ حسنت‌و لم تخف سوء ما یأتی به القدر
و ساعدتک اللیالی فاغتررت بهاو عند صفو اللیالی یحدث الکدر
الحذر ینفع ما لم یغلب القدرفإن أتی قدر لم ینفع الحذر
لا بدّ من فرح یوما و من ترح‌و هکذا الدّهر فی تصریفه عبر
و لیس من قدر إلّا له سبب‌و لیس من سبب إلّا له قدر
رمت البقا أبدا و لا بقاء بهاو الموت حقّ فلا یبقی و لا یذر

قائمة ملوک الأدارسة بالمغرب الأقصی‌

و جملة ملوک الأدارسة بالمغرب الأقصا (کذا) ثلاثة عشر و هم: إدریس الأکبر ابن عبد اللّه الکامل، ثم ابنه إدریس الأصغر، ثم ابنه محمد بن إدریس، ثم ابنه علی ابن محمد، ثم أخوه یحیی بن محمد، ثم ابنه یحیی بن یحیی، ثم علی بن عمر ابن إدریس الأصغر، ثم یحیی المقدام بن القاسم بن إدریس الأصغر، ثم یحیی ابن إدریس بن عمر بن إدریس الأصغر. و هو أعلا الأدارسة ملکا، ثم الحسن الحجام
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 131
ابن محمد بن القاسم بن إدریس الأصغر. ثم محمد کانون ابن القاسم بن إدریس الأصغر. ثم ابنه أبو یعیش أحمد بن محمد کانون، ثم أخوه الحسن بن محمد کانون.
و هو آخرهم، و به انقرضت دولتهم من المغرب بالکلیة.

قائمة ملوک السلیمانیین بالمغرب الأوسط

و جملة ملوک السلیمانیین بالمغرب الأوسط إحدی و عشرون: فبتلمسان أربعة و هم: محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل. ثم ابنه أحمد، ثم ابنه محمد، ثم ابنه القاسم. و برشقون أربعة أیضا و هم: عیسی بن محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل، ثم ابنه إبراهیم، ثم ابنه یحیی، ثم أخوه إدریس بن إبراهیم. و بجرارة ثلاثة و هم: إدریس بن محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل، ثم ابنه أبو العیش عیسی، ثم ابنه الحسن. و بتاهرت ثلاثة أیضا و هم: الحسن بن محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل، ثم ابنه حناش، ثم ابنه بطوش. و بتنس سبعة و هم:
إبراهیم بن محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل، ثم ابنه عیسی، ثم ابنه إبراهیم، ثم محمد بن إبراهیم بن محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل، ثم ابنه یحیی، ثم ابنه علی، ثم أخوه حمزة بن علی، و تغلّب العبیدیون علی السلیمانیین، لما تملّکوا المغرب الأوسط فأزالوا دولتهم و قطعوها و الملک للّه وحده.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 132

الدولة الثالثة المرابطون‌

(ص 57) ثم ملک و هران/ الدولة الثالثة و هم المرابطون:
و یقال لهم الملثمون و هم لمتونة فرقة من صنهاجة تلقّبوا بذلک لکونهم انقطعوا فی جزیرة ببحر النیل و ربطوا أنفسهم فیها للطاعة مع شیخهم عبد اللّه ابن یاسین إلی أن کثر عددهم فقاموا للملک إلی أن کان منهم ما کان. و من ثمّ صار هذا لقب لکل ناسک مبرور ملازم للطاعة لا یدخل فی شؤون المخزن سیّما بالمغرب الأوسط. و سمّوا بالملثمین إمّا لکونهم لا یترکوا (کذا) اللثام حتی أنه لا یعرف أحدهم إلا إذا کان ملثما و إلّا فلا، و إما لکون رجالهم غابت عن حیّهم و بقی به النساء فجاءتهم العرب لأخذهم فلبس النساء لباس الرجال و تلثمن لئلا یعرفن و رکبن النجائب و قاتلن العدو إلی أن دفعن (کذا) عن الحی ففعل ذلک الرجال و بقیت فیهم سنّة للآن فی بلادهم و هم الذین یقال لهم التوارق بقرب السّودان.
و أول من ملک منهم و هران المجاهد یوسف بن تاسفین اللمتونی و ذلک أنه استقر بالمغرب سنة ثلاث و خمسین و أربعمائة خلیفة «لابن عمه أبی بکر ابن عمر اللمتونی لما اختار الرجوع للصحراء و صار یدوّخ فیه و لما صعب علیه حرب المصامدة ذهب لمراکش و هی مفاوز و معناها بلغتهم «إمش مسرعا». فمر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 133
معناه: إمش، و کش، معناه: مسرعا. و بنا (کذا) قصبة صغیرة و مسجدا و أدار بذلک سورا و ذلک سنة أربع أو خمس و خمسین و أربعمائة و اتخذ الأجناد و القواد و البنود و الطبول و سائر/ آلة الملک تلک السّنة و توجه بذلک لفاس فدخله (ص 58) عنوة و خرّبه و هدم أسواره و ظفر بعامله بکّار بن إبراهیم فقتله و ارتحل إلی صفرو فدخله من یومه عنوة و قتل عماله أولاد المسعود و المغراوی و رجع لفاس لکونه لما فتحه أولا و جعل علیه عاملا لمتونیا قام علیه به تمیم بن معنصر المغراوی فدخله و قتل عامله و لما سمع بقدوم یوسف هرب من فاس و دخله یوسف ثانیا و هو الفتح الثانی فی یوم الخمیس ثانی جمادی الثانیة سنة اثنین و ستین و أربعمائة فأسرف فی قتل مغراوة إلی أن قتل منهم بالجامعین الأعظمین ما یزید علی ثلاثة آلاف، و هدم الأسوار التی فصل بها ابنا زیری بن عطیة و هما: الفتوح، و عجیسة، بین العدوتین و صیرهما (کذا) مدینة واحدة حمل أهلها علی تکثیر المساجد و أقام بها إلی صفر سنة ثلاث و ستین و أربعمائة فخرج لقصور بنی وطاط بملویة ففتحها و وجه إلی أمراء المغرب و أشیاخه بالقدوم لیتفقد أحوالهم و أحوال رعیته و غزی (کذا) مدینة رهونة من طنجة سنة خمس و ستین و أربعمائة فدخلها عنوة و فتح جبل علودان، و فتح غیاثة و بنی مکود، و زهینة، سنة سبع و ستین و أربعمائة و فتح طنجة فی سبعین و أربعمائة . ثم بعث قائده مزدلی لتلمسان فی عشرین ألفا ففتحها سنة اثنین و سبعین و أربعمائة و قتل ابن أمیرها معلا بن یعلا المغراوی و کتب اسمه علی السکة فی جهة و فی الأخری کتب: «و من یبتغ غیر الإسلام دینا فلن یقبل منه» سنة ثلاث و سبعین و أربعمائة / و فیها غزا (کذا) (ص 59)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 134
وجدة و بنی یزناسن و تلمسان فلقیه بها ملکها العباس بن بختی المغراوی بجیشه من بنی یفرن و مغراوة فقتله و أکثر جنده و فتحها عنوة و استعمل علیها محمدا ابن تعمر المسوفی و بنا (کذا) بها تلمسان الجدیدة بمحل محلّته و هی المسکونة الآن.
ثم تخط (کذا) منها لوهران تلک السنة ففتحها عنوة و نفا (کذا) عنها ملوکها بنی الخزر المغراویین و صیرها من جملة رعیته و قطع دعوة مغراوة و بنی یفرن من المغرب کله. و فی إخراجه لمغراوة من فاس، و وهران، قال الحافظ أبو راس فی سینیته ما نصّه:
ثم أزالهم یوسف أیضا فعی‌کما أزالهم قبل عن أرض فاس
ثم زاد إلی مازونة و تنس و وانسریس و شلف و زاد متمادیا بجیوشه إلی الجزائر فطوعها و أطاعه أهلها بنو مزغّنة و کان دخوله لها فی ربیع الأول سنة خمس و سبعین و أربعمائة و صیرها حدّا بینه و بین ملوک البلکانیة من صنهاجة للقرابة التی بینهم. فملک رحمه اللّه من الجزائر إلی السودان إلی البحر المحیط إلی جبل الذهب بهذه العدوة و کلها بسط فیها العدل و أبطل منها المکس (ص 60) و المغارم. ثم تخط إلی عدوة الأندلس سنة تسع و سبعین و أربعمائة / فهزم الکفرة و أوقع بهم فی قضیة الزلاقة المشهورة الموقع العظیم حتی أنه جمع فیها الرؤوس إلی أن صارت تلا یعنی ربوة و أذن علیها المؤذن ثم فرّقها علی المدن فأعطی لکل مدینة ألوفا عدیدة، و ازینت لتلک الواقعة بغداد، و الحرمان الشریفان، و مصر، و العراق، و الشام، و غیرهم من مدن المشرق و شاع خبرها إلی مدینة سرة قاعدة مدن الهند و بعث له الناصر العباسی علی ذلک خلعا کثیرة یقصر عنها الوصف، و جدد له العهد و قطع رحمه اللّه ثوار الأندلس مثل ابن عبّاد و غیره.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 135
و ملک بعدوة الأندلس من أفراغة قاصیة أرض الفرنج إلی إشبونة حدها من المغرب عند البحر المحیط و ذلک مسیرة شهر و ثلاثة أیام طولا، و العرض نحو العشرین یوما و بسط فیها أیضا العدل و أبطل المکس و بایعه بها ثلاثة عشر ملکا و خطب له علی ألف منبر و تسعمائة منبر و ساست ملکه زوجه زینب و ماتت سنة أربع و ستین و أربعمائة و کان رحمه اللّه زاهدا یلبس الصوف و یأکل خبز الشعیر بلبن الإبل و لحومها، و غالب أکل جنده الجیّد کالدرمک و الفالوج و نحوهما، و جدد السکة من واقعة الزلاقة فنقش فی دیناره فی جهة: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه، و تحته أمیر المؤمنین یوسف بن تاشفین، و فی الدائرة: و من یبتغ غیر الإسلام دینا إلی الخاسرین. و فی الصفحة الأخری الأمیر عبد اللّه أمیر المؤمنین العباسی و فی الدائرة تاریخ الضرب و موضع السکة. ولد رحمه اللّه سنة أربعمائة و توفی سنة خمسمائة عن مائة سنة بعد ما ملک أربعین سنة و دفن بمراکش و قبره بها من أعظم المزارات و علیه مشهد عظیم.
ثم ملک و هران بعده ابنه علی، تولی/ بموضع أبیه قیل سنة خمسمائة و قیل (ص 61) سنة واحد و خمسمائة و هو ابن ثلاث و عشرین سنة، فملک جمیع الغرب من بجایة لسوس الأقصا و للقبلة من سجلماسة لجبل الذهب فی السودان و الأندلس شرقا و غربا و خطب له علی ألفین و ثلاثمائة منبر و کان محبّا لأبی الولید بن رشد فولاه القضاء بقرطبة سنة تسع و خمسمائة و عزله منها سنة ثلاثة عشر و خمسمائة و جعل بدله أبا القاسم ابن حمیدین فشرع ابن رشد فی شرح العتیبة و سماه بالتحصیل و البیان. و فی أعوام العشرة الثانیة أمر بحرق کتاب الإحیاء للغزالی لما فیه من التشدید بإغراء أبی القاسم ابن حمدین و موافقة ابن رشد و القاضی عیاض. و فی أیامه ظهر أمر الشریف المهدی بن تومرت القائم بدولة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 136
الموحدین و ذلک سنة خمسة عشر و خمسمائة فقال له قاضی المریة بمراکش اجعل علی رجلیه کبلا، قبل أن یسمعک طبلا، فأبی إلی أن کان ما کان و بسببه دخل الدولة المرابطیة الهرم و کثر فیها الإرجاف و کمل بناء مدینة مراکش بإشارة ابن رشد علیه سنة اثنین و عشرین و خمسمائة فأنفق علی سورها سبعین ألف دینار و علی جامعها الأعظم و المنارة ستین ألفا دینار أخری. و أخذ البیعة لولده (ص 62) تاشفین سنة سبع و سبعین و أربعمائة / و توفی بمراکش سنة سبع و ثلاثین و خمسمائة. و هو ابن سبع و خمسین سنة بعد ما ملک سبعا و ثلاثین سنة. و کان فقیها عالما فاضلا خیر مالک و دولته عز للإسلام و سیرته حسنة و أحواله مستحسنة.
و فی وقته بنا (کذا) وزیره عبد الرحمن المعافری الحمام بجوف الجامع الأعظم من غرناطة و فرّش صحن جامع قرطبة و أصلح بناء مدینة طرطوشة.
ثم تولی ابنه تاشفین بموضعه فی ثامن رجب سنة سبع و ثلاثین و خمسمائة فی معظم فتنة الموحدین بمعاهدة أبیه إلیه فی حیاته فأطاعته العدوتان کأبیه وجده و اتصلت حروبه مع عبد المؤمن بن علی من أول أمره و صار یتبع عبد المؤمن بن علی حیث مرّ إلی أن توجه لتلمسان فأتبعه لها و دخلها تاشفین سنة تسع و ثلاثین و خمسمائة و نزل عبد المؤمن بن علی بین الصخرتین بظاهرها مما یلی الجبل و نزل تاشفین الوطا مما یلی الصفصیف و زحف المرابطون للموحدین فنهاهم تاشفین فأبوا و تعلقوا بالجبل فانحدر لهم الموحدون و هزموهم شنیعا و فرّ تاشفین لوهران فی مواعدة صاحبه ابن میمون فی أسطوله بالبحر و نزل بظاهرها و ترک تلمسان تحت عامله محمد بن الشیّور فترک عبد المؤمن لمحاصرة تلمسان وزیره یحیی بن تومرت و لحق بوهران فی طلب تاشفین فنزل علیه و حاصره بها إلی أن مات. و اختلف فی وجه الموت علی أربعة أقوال و معناها واحد. فقال أبو محمد صالح فی الأنیس المطرب بروض
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 137
القرطاس: خرج تاشفین لیلا لیضرب فی محلة العدو فتکاثرت علیه الخیل و الرجال و کانت لیلة مظلمة ممطرة و هی لیلة تسع و عشرین من رمضان سنة/ تسع (ص 63) و ثلاثین و خمسمائة ففرّ أمامهم و کان بجبل عال منیف علی البحر فظن أن الأرض متصلة فأهوی بفرسه من شاهق بإزاء رباطة و هران فمات. و قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأخبار و سائر کتبه المؤلفة فی التاریخ: إنه لما طال علیه الحصار بوهران و علم أنه لا طاقة له ودّع خواصه و خرج لیلة عید الفطر سنة تسع و ثلاثین و خمسمائة إلی جبل هیدور و هو جبل و هران علی فرس عتیق و حملها (کذا) علی شاهق فتردی به فی بعض الأخادید فمات و من الغد وجد.
و قوله رضی اللّه عنه فی عجائب الأسفار أن ذلک سنة إحدی و أربعین و خمسمائة سبق قلم.
و قال أبو الفدا صاحب حماة فی المختصر، فلما کان لیلة تسع و عشرین من رمضان سنة تسع و ثلاثین و خمسمائة و هی لیلة یعظمها المغاربة سار تاشفین فی جملة یسیرة مختفیا لیزور مکانا علی البحر فیه متعبدون و صالحون بقصد التبرک فبلغ الخبر مقدم جیش عبد المؤمن و اسمه عمر بن یحیی الهنتانی فساروا و أحاط به فرکب تاشفین فرسه و حمل لیهرب فسقط من جرف عال فمات. و قال أبو إسحاق الشاطبی فی الجمان إن تاشفین لما هرب من تلمسان اتبعوه إلی أن نزل بمرسی و هران فحاصروه بها و دخلوا علیه فلجؤه (کذا) إلی جرف عال فرمی بنفسه و هو راکب علی فرسه من أعلا (کذا) الجرف فاندق عنقه و عنق فرسه فی تلک السنة. ا ه.
قال شیخنا الزیانی فی دلیل الحیران و أنیس السهران، و الموضع الذی مات فیه یعرف إلی الآن بمکبّ/ الفرس قرب حمام سیدی دادّ أیوب ما بین و هران (ص 64) و المرسی (الکبیر) ثم أنه لما وجد من الغد میتا بأزاء البحر أخذ و صلب علی جذع و اجتزّ رأسه و حمل لتنملیل فعلق بها علی شجرة صفصاف عالیة و لما صلب بوهران استأصل القتل أصحابه و تفرقوا فهرب بعضهم للنهر المنحدر من رأس العین و هو نهر و هران و کان مشعرا و به غیظ ملتف بعضه ببعض فأضرم الموحدون
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 138
النار فی الوادی فمن بقی احترق و من خرج قتل و سار عبد المؤمن لوهران فتمکن منها بالسیف و قتل بها ما لا یحصی.

قائمة ملوک صنهاجة

اشارة

و اعلم أن ملوک صنهاجة علی ثلاثة فرق:

الفرقة الأولی البلکانیة:

و هم ملوک إفریقیة و بجایة و المغرب الأوسط و الأندلس أیام الطوائف و جملتهم خمسة و عشرون: فبإفریقیة عشرة: أولهم مناد الصنهاجی مقیم الدولة الفاسیة، ثم ابنه زیری مختط مدینة أشیر بصفح (کذا) جبل تیطری أواسط القرن الرابع ، ثم ابنه یوسف بلکین مختط مدینة الجزائر و ملیانة و المدیة أواسط القرن الرابع أیضا بأمر أبیه المذکور و کانت له أربعمائة حاضنة (کذا) فی قصره حتی إنه بشر فی یوم واحد بولادة سبعة عشر غلاما و هذا لم یسمع مثله. ثم ابنه منصور، ثم ابنه بادیس، و مات بدعاء الشیخ محرز ابن خلف علیه. ثم ابنه المعز الذی بلغ فی خسارة عرسه ستة عشر ألف ألف (ص 45) دینار و تراتیب بیته من العود الهندی بمسامیر الذهب و أنه عمل لجدّته/ لما ماتت تابوتا من العود الهندی مرصعا بالجواهر و صفائح الذهب و علّق علیه عشرین سبحة من نفیس الجوهر و ذبح علیها مائة بقرة و ألف شاة و نحر خمسین ناقة و فرق علی النساء عشرین ألف دینار. ثم ابنه تمیم الذی قال فیه أبو علی رشیق:
أصح و أعلا ما سمعناه فی الندامن الخبر المأثور منذ قدیم
أحادیث ترویها الشیول عن الحبامن البحر فی کفّ الأمیر تمیم
ثم ابنه یحیی، ثم ابنه علی، ثم ابنه الحسن و هو آخرهم بإفریقیة و به تمت دولتهم بها فهؤلاء عشرة.
و ببجایة عشرة: أولهم: حماد بن بلکین بن زیری بن مناد مختط مدینة قلعة بنی حمّاد بجبل عجیسة بإزاء بجایة الذی یقال له جبل المعاضید فی آخر القرن الرابع ثم الناصر بن علناس بن حماد، ثم ابنه المعز، ثم ابنه القاید، ثم ابنه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 139
محسن، ثم بلکین بن محمد بن حماد، ثم ابنه المنصور، ثم ابنه بادیس، ثم أخوه العزیز بن منصور، ثم ابنه یحیی. و به تمت دولتهم ببجایة فهؤلاء العشرة مع العشرة الأولی تلک عشرون.
و بالمغرب الأوسط واحد: و هو أبو البهار فذلک إحدی و عشرون.
و بالأندلس أربعة: أولهم صاحب غرناطة زاوی بن بلکین بن زیری بن مناد الصنهاجی کما فی الجمع و البیان فی تاریخ القیروان. ثم ابن أخیه حابوس ابن ماکس بن بلکین، ثم ابنه بادیس صاحب اللعب الذی یقال له السلام علیک یا بادیس، ثم ابن أخیه عبد اللّه بن بلکین بن حابوس و هو الذی أخذه مع أخیه/ (ص 66) تمیم، یوسف بن تاشفین و عبر بهما البحر لمراکش فهؤلاء خمسة و عشرون.

الفرقة الثانیة: المرابطون و یقال لهم الملثمون‌

، و هم لمتونة ملوک المغرب الأقصی و الأوسط و عدوة الأندلس و جملتهم فی الإسلام اثنا عشر ملکا. أربعة قبل تسمیتهم بالمرابطین، و ثمانیة بعد تسمیتهم بها، إلّا أن المراد بالمرابطین هم الخمسة التاشفنیون: یوسف بن تاشفین و من بعده لا غیر. أول الاثنا عشر:
تیلوتان بن تیکلان اللمتونی کان فی أیام عبد الرحمن الداخل ملک الصحراء بأسرها و أطاعه بها من ملوک السودان عشرون ملکا کلها تؤدی له الجزیة و کان یرکب فی مائة ألف نجیب و عمله مسیرة ثلاثة أشهر فی مثلها لکنه لم یملک الغرب و عاش نحو الثمانین سنة. ثم حفیده الأثیر بن فطین بن تیلوتان، ثم ابنه تمیم و مات قتیلا سنة ست من الرابع و بقی بعده صنهاجة همّلا من الأمیر نحو المائة و عشرین سنة و إنما أمرهم جمهوریا شوریا بینهم. ثم أبو عبد اللّه تارشنا ابن تفاوت اللمتونی، ثم یحیی بن إبراهیم القدالی و هو الذی حجّ و أخذ عن الشیخ أبی عمران الفاسی بالقیروان و سأل منه أن یصحبه من تلامذته من یعلمه و قومه الدیانة فأمرهم فأبوا فکتب له لتلمیذه محمد بن واقاق اللمطی بنفوسه لیبعث معه من یقوم بهم فی دینهم فبعث معه الشیخ عبد اللّه بن یاسین الجزولی سنة ثلاثین من الرابع و انقطع بهم/ بجزیرة ببحر النیل إلی أن کثر عددهم (ص 67)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 140
و تسمّوا بالمرابطین لملازمتهم لرابطة الشیخ عبد اللّه بن یاسین ببحر النیل. ثم یحیی بن عمر اللمتونی، ثم أخوه أبو بکر بن عمر و هو الذی ملک الصحراء و تخطا (کذا) للمغرب و جعل ابن عمه یوسف بن تاشفین بن إبراهیم بن ترقوت ابن وزنقطن بن منصور بن محالة بن أمیة بن و ثمار بن تلمیت اللمتونی الصنهاجی الحمیری خلیفة علیه. ثم استقل یوسف بالمغرب. ثم ابنه علی، ثم ابنه تاشفین، ثم ابنه إبراهیم، ثم عمه إسحاق بن علی بن یوسف بن تاشفین و هو آخر المرابطین و به انقطعت دولتهم لما قتله و ابن أخیه إبراهیم، عبد المؤمن ابن علی بمراکش. و لکل بدایة نهایة و اللّه یوتی ملکه من یشاء. و قد ألّف الحافظ الصیرافی رحمه اللّه فی المرابطین کتابا أسماه- الأنوار الجالیة (کذا) فی أخبار الدولة المرابطیة.

الفرقة الثالثة الغانیة:

أولاد المرأة التی یقال لها غانیة بنت عمّ یوسف ابن تاشفین و أبوهم مسوفی من صنهاجة یقال له علی بن یحیی المسوفی کان من الشجعان و بالمکانة العظیمة عند یوسف بن تاشفین فلذلک زوّجه من ابنت عمه غانیة فأتت معه بولدین و هما: یحیی، و محمد، اللذان ولّاهما علی بن یوسف بالأندلس أحدهما و هو یحیی علی غربی الأندلس و الآخر و هو محمد علی شرقها (ص 68) کمیورقة و یابسة/ و غیرهما. و جملة ملوکهم ما بین الأندلس و بجایة و قابس خمسة.
أولهم یحیی المعروف بابن غانیة بن علی بن یحیی المسوفی بالجهة الغربیة من الأندلس و هو الذی أعان شیخه القاضی بسبتة علی عبد المؤمن بن علی. ثم أخوه محمد بن علی بن یحیی علی شرقی الأندلس. ثم ابنه عبد اللّه علی ذلک، ثم أخوه علی بن محمد بن غانیة علی بجایة، ثم أخوه یحیی بن محمد بن غانیة علی قابس و هو الذی دوّخ المغرب الأوسط و إفریقیة و خرّب تاهرت فلم تعمر من وقته إلی أن جدد عمارتها الفرنسیس فی أعوام الخمسین من القرن الثالث عشر و تقبّض بمندیل المغراوی فصلبه بالجزائر و اشتدت و طأته علی الموحدین إلی أن توفی بشلف تحت ملیانة سنة ثلاث و ثلاثین و ستمائة بعد ما ملک خمسین عاما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 141
فاستراحوا عند ذلک بموته و طاب لهم القرار وصفا حالهم من الأکدار. فجملة ملوک فرق صنهاجة الثلاثة: اثنان و أربعون ملکا. خمسة و عشرون من الأولی.
و اثنا عشر فی الثانیة. و خمسة فی الثالثة. و الملک و الدوام للّه الواحد القهار لا إله غیره، و لا خیر إلّا خیره.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 142

الدولة الرابعة: الموحّدون‌

اشارة

ثم ملک و هران الدولة الرابعة و هم الموحدون سمّوا بذلک لأخذهم علم التوحید عن شیخهم الشریف المهدی بن تومرت فهو الذی سمّاهم بذلک تعریضا (ص 69) بالمرابطین لکون أهل المغرب کانوا علی مذهب الحنابلة فی الاعتقاد و بمعزل/ عن التأویل فهم کتسمیة لمتونة بالمرابطین لملازمتهم لرابطة شیخهم عبد اللّه ابن یاسین و انقطاعهم معه و أخذهم عنه فعبد اللّه بن یاسین شیخ المرابطین و المهدی بن تومرت شیخ الموحّدین.
و أول ملوک الموحدین شیخهم المهدی بن تومرت المذکور فهو ممن مهّد الملک لغیره و لم یملک و هران. قال الغازی بن قیس فی تاریخه:- و کان جدّه لأبیه دخل المغرب مع عقبة بن نافع الفهری الصحابی و استوطنه من حینئذ- و اختلف فی نسبه علی ستة أقوال: فقال ابن رشیق و ابن مطروح: هو مرغاتی نسبة لقبیلة یقال لها مرغاتة أحد بطون المصامدة. و قال غیرهما: هو نفیسی نسبة لقبیلة یقال لها نفیسة أحد (کذا) بطون المصامدة أیضا فهو أبو عبد اللّه محمد المهدی بن تومرت الملقب أمغار أیضا ابن عبد اللّه بن وجلید المرغاتی أو النفیسی المصمودی. و قال لسان الدولة ابن الخطیب السلمانی فی شرحه لرقم الحلل: هو من الآل من بنی العباس بن الحسن بن علی کرم اللّه وجهه. و هو غیر صحیح لأن الحسن السبط لا عقب له إلّا من الحسن المثنی و زید، و علی أنه من بنی العباس فهو کما فی الجمان، و الأنیس المطرب، محمد بن عبد اللّه ابن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن سفیان بن جابر بن یحیی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 143
ابن عطاء بن رباح بن یسار بن العباس بن الحسن بن علی بن أبی طالب رضی اللّه عنه. و قال الشیخ علی بن أبی زرع فی القرطاس هو من بنی محمد/ بن علی (ص 70) و هو غیر صحیح أیضا لأن محمد خلّف أبا هاشم فقط و لم یعقّب. و قال ابن نخیل و هو من أهل البیت من ذریة محمد بن سلیمان أخی إدریس بن عبد اللّه لأن عبد اللّه الکامل له من الأولاد إدریس و سلیمان و محمد النفس الزاکیة (کذا) و إبراهیم و یحیی، و موسی، هؤلاء باتفاق و عیسی علی خلاف فیه و جعل بعضهم بدل إبراهیم جعفر فقال فی رجزه:
خلّف ستة من الذکورعبد اللّه الکامل فی المشهور
فجعفر بجزیرة سوس‌و زرهون فیه مولای إدریس
و ثالثهم مولای سلیمان‌فقبره بثغور تلمسان
و الینبوع فیه مولای محمدو مولای موسی فی بلاد الهند
و مولای یحیی فی بلد السودان‌بجاههم نجّنا من نیران
فجعفر منه الجزولی محمّدابه دلیل الخیرات قد ابتدوا
من موسی کان الصالح الجیلانی‌و من محمد علیّ الثانی
و أبو عنان صاحب الغزالاغصنه من سلیمان لا زالا
و من إدریس کان إدریس الثانی‌قبرهما فی زرهون الأثنانی
مزاره فاس فیه ثم أمره‌و قیل بل ضعیف ذاک قبره
اجعلنا فی حماهم یا من مهدهم‌فی الأرض یا رب بجاه جدّهم
أعنی بذاک سیّد الإرسال‌محمد الموصوف بالکمال
و زوج بنته فاطمة البتول‌عنه الرضاء بالبکور و الأصول
/ و قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأخبار، و الخبر المعرب، و الصواب أنه (ص 71) من أهل البیت من بنی محمد النفس الزاکیة بشقیق إدریس ه. و الصحیح أن سلیمان بن عبد اللّه الکامل لم یأت المغرب لأنه مات بقصة فخ و إنما الذی أتی للمغرب و استقر بتلمسان و خلّف أولاده بها هو ابنه محمد بن سلیمان. ه.
ثم ملک و هران تلمیذه و خلیفته عبد المؤمن بن علی الکومی الزناتی و اختلف فی نسبه علی قولین: فقیل أصله من بنی عابد من قبیلة کومة أحد بطون ترارة أهل جبل تاجرا علی ثلاثة أمیال من مرسی هنین و یقال له أهنای. و قیل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 144
أصله من بنی عبس أحد قبائل قیس بن غیلان بن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان بالحجاز. و علیه فهو أبو محمد عبد المؤمن بن علی بن یعلا بن مروان ابن نصر بن علی بن عامر بن لمتی بن موسی بن عون اللّه بن یحیی بن و زجایع ابن صطفور بن نفور بن مطماط بن هودج بن مادغس بن عبس بن قیس بن غیلان ابن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، قاله فی الأنیس المطرب.
و الصحیح الأول، و کان أبوه طیانا فخاریا یعمل النافخ فبینما هو فی شأن طینه للنافخ إذ جاءته زوجته تبکی قائلة له إن ابنی نزل علیه جند نحل فذهب معها إلی أن رآه فی تلک الحالة فزم عنه النحل لذلک ثم انصرف و لم یؤذه فقال (ص 72) لعراف ما رأی فقال له أنت طیان من أین یبلغ ابنک الملک، و تطلّب من/ صغره، و لزم المساجد لدرس القرآن و العلم فقرأ علی ابن صاحب الصلاة بتلمسان، و الشیخ عبد السلام التونسی ضجیع الشیخ أبی مدین، ثم علی المهدی فکان من العلماء الجماهر و الفقهاء الأکابر و کذا أولاده من بعده. و تصدّا (کذا) لشرح المقامات الحریریة و کان فی الحزم و النجدة بالغایة و تعلم الحیل من شیخه المهدی فکان منها فی الغایة من جملتها أنه علّم الطائر یقول عند زریبته العز و التمکین للخلیفة عبد المؤمن أمیر المؤمنین و الشبل إذا رآه یبصبص و یسکن إلی أن صار أسدا. فبویع لذلک و قال فی ذلک أبو علی:
آنس الشبل ابتهاجا لذا الأسدو رأی شبه إلیه لمّا قصد
و دعا الطائر بالنصر لکم‌فقضی حقکم لما قد وفد
و أنطق الخالق مخلوقاته‌بالشهادة فکلهم قد شهد
بأنک القائم بالأمر له‌بعد ما طال علی الناس ذا الأمد
و کان شاعرا بالغا فمن جملة شعره ما یروی أنه خرج یوما و معه وزیره أبو جعفر بن عطیة للتنزّه ببعض بساتین مراکش فنظر علی طاقة دار عالیة علیها شبّاک من خشب، جاریة بارعة قد خرجت تنظره فأوقعت به حبّا.
فقال ارتجالا من البسیط:
قدت فؤادی من الشباک إذ نظرت فقال الوزیر:
خذوا بثأری أیا عاشق بالمقلی طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 145
فقال عبد المؤمن:
کأنما لحظها فی قلب عاشقها فقال الوزیر:
سیف المؤیّد عبد المؤمن بن علی / فاستحسنه و خلع علیه. ثم قتله بعد ذلک بغرناطة لنزغة ملوکیة. و کان رقیق (ص 73) الطبع و الحشاشة و تربی فی البادیة فاکتسب الرقة و کانت له جاریة مولّدة من ولادة العرب تسمی حسناء و کان لها عاشقا و بها مغرما مع ما کان یکابده من تطویل المملکة و إخماد الفتن فقال فیها لما خرج یوما إلی بعض غزواته و ودّعها منشدا:
ألا کیف صبری عنک یا غایة المناألا إن روحی بعدکم سوف تذهب
لقد أورثتنی یوم ودّعت حسنهاحرارة و جدی و الهوی یتلهّب
فقلبی حیران لفرط لهیبهاو فی الخدّ عین من دموعی تسکب
انظر أنیس الغریب و المسافر، للشیخ مسلم بن عبد القادر. و کان فی عصره الشیخ أبا یعزّی الغربی الهسکوری و قد شاهد منه کرامات عند الخلیفة عبد المؤمن بن علی فقال لأخیه ما هذا الذی یذکر عن أخیک فی مشارکته للّه فی علم الغیب فقال یا أمیر المؤمنین أنت أقدر علیه منی فبعث إلیه الأمیر فلقیه الرسول بالطریق قادما للأمیر فلما وصل سلم علیه ثم قال له یا أمیر المؤمنین فی نفسک شی‌ء مما قال لک فلان و فلان فی یوم کذا فی ساعة کذا فهل لا أخبرک أنّ تحت ذلک البساط ألف دینار عیونا قطعتها و قلت فی نفسک هل ترجع إلی بیت المال أم لا فقال له الخلیفة صدقت و قلت الآن فی نفسک أکتب له کتابا بکل ما یرید فأرح الکاتب و وفّر الکاغط. ثم قال حاجتی/ إلیک أن تمشی معی (ص 74) لتلک الکدیة و بها زرع و أحب أن تسقی ذلک الزرع من هذا الوادی فقال و من یطیق ذلک ثم حرک الشیخ شفتیه فأمر اللّه المطر حتی شربت الکدیة و جرت الأودیة فی الحین و قال له عرفنا بصدق الغیوب التی تذکر عنک فقال حماری یأکله السبع اللیلة فوجّه الخلیفة من جعله بین مربط خیله و بات علیه العبید هنالک فلما أصبح تفقده العبید فوجدوا الحمار عقیرا و السبع یأکل فیه حتی وقف علیه و ضربه بعصاه فخرّ الأسد میتا فقیل للخلیفة ذلک فقال لجلسائة اعتبروا بهذه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 146
القصة فقد ضربها لکم مثلا فکأنه یقول أنا رب الحمار قتله لی الأسد فسلطت علیه و قتلته و أنا عبد، و ربی اللّه و إن قتلتمونی غضب علیّ سیدی فیفعل مثل ذلک أو أشد و قد توفی رحمه اللّه و نفعنا به سنة اثنین و سبعین و خمسمائة عن مائة و ثلاثین سنة.
قال ابن رزقون کنت فی العلماء الذین جمعهم عبد المؤمن بن علی سنة خمسین من القرن السادس التی أمر فیها بحرق کتب الفروع و قام وزیره أبو جعفر بن عطیة و قال بلغ سیدنا أن قوما ترکوا الکتاب و السّنّة و صاروا یفتون بفروع لا أصل لها. فمن نظر فیها عاقبته و أنهم عندهم کتاب یقال له المدونة لا یرجعون إلّا إلیه و من العجب قولها بإعادة الصلاة فی الوقت مراده بذلک أن (ص 75) یحمل الناس علی مذهب ابن حزم الظاهری/ قال فحملتنی الغیرة و تکلمت بأن رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم لما صلی أعرابی أمامه قال له صلّ فإنک لم تصلّ کما فی البخاری فقال لا أحسن غیر هذا فعلّمه و لم یأمره بإعادة ما خرج وقته فقام عبد المؤمن و سکن الحال و لم أر منه بعد هذا إلّا الکراهة ه.
و هو الذی أمر بتکسیر الأرض بالمغرب فی سنة أربع و خمسین من السادس من برقة إلی واد نون بسوس الأقصا بالفراسخ و الأمیال طولا و عرضا فأسقط بعد التحقیق الثلث للجبال و الأودیة و الشّعاب و الغیّب و السّباخ و الطرقات و الخراب و قسّط علی الثلثین الباقیین الخراج و ألزم کلّ قبیلة بقسطها من الزرع و الورق و الذهب. ثم بنا (کذا) فی التی تلیها جبل الفتح و حصّنه و نقل من عرب إفریقیة للمغرب ألفا من کل قبیلة بأهلهم و هم الذین بالمغربین یقال لهم الحشم سمّوا بذلک لأنهم حشم عبد المؤمن بن علی أی أتباعه الخادمین له الممتزجین الأجناس. و بنا (کذا) مدینة البطحاء بأرض هوارة تلک السنة و دفن بها شیخه و بنا علی ضریحه قبّة و بإزائها جامعا و ترک بها عشرة من کلّ قبیلة من قبائل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 147
العرب و بعث خفیة لقبیلته و هو بمراکش فأتوه فی أربعین ألف فارس کلهم شبّان فی أثناء سنة سبع و خمسین من السادس فصیّرهم جندا له فی الدرجة الثانیة.
لأن الدرجة الأولی هی أهل تنملیل، و الثانیة کومة، و الثالثة الأتباع، و أدناهم منه بطانة یرکبون وراءه و یقفون علی رأسه و یمشون بین یدیه و قد تمهدت/ له العدوتان (ص 76) و بسط فیهما العدل حتی صارت المرأة تمشی وحدها حاملة معها ما تحبه من سوس الأقصا (کذا) إلی برقة فلا یتعرض لها أحد و لا یکلمها بسوء. و کذا حفیده المنصور فی أیامه مثله و قد ابتدأه المرض الذی مات منه فی سنة ثمان و خمسین و خمسمائة بمدینة سلا حال تجهیزه الجیوش للغزو فنزل برباط الفتح و قد اجتمع علیه من القبائل ما یزید علی ثلاثمائة ألف و من المطاوعة ثمانون ألف فارس و مائة فارس راجل و انتشرت محلته بسلا من موضع یقال له غیولة إلی موضع یقال له عین خمیس. فتوفی لیلة الثلاثاء وقت الفجر ثامن جمادی الثانیة تلک السنة عن ثلاث أو أربع و ستین سنة بعد ما ملک ثلاثا و ثلاثین سنة و خمسة أشهر و عشرین یوما فحمل لتنملیل و دفن بجانب قبر شیخه المهدی. و إلی کون الموحدین ملکوا و هران فی وسط السادس أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
موحدون أتوا من بعد ذا و علواستحوذوا علیها فی وسط السادس
ثم ملکها بعده ابنه یوسف بن عبد المؤمن بن علی الکومی. و کان عالما صالحا منزّها عن سفک الدماء و هو أول من جاز بنفسه من ملوک الموحدین لغزو الأندلس و قیل أبوه قبله ملک بالمغرب من سویقة مطکوک قاصیة إفریقیة إلی وراء نون بأقصا سوس إلی آخر بلاد القبلة و بالأندلس من تطلیت قاصیة شرقی الأندلس إلی آخر غربی الأندلس. و هو الذی بنا (کذا) قنطرة تانسیفت سنة ست/ (ص 77) و ستین منه و کذا القصبة و غیرها و أتی بالماء لإشبیلیة من قلعة جابر. کل ذلک
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 148
تلک السنة. و قام علیه مزدرع الغماری المفتاحی سنة تسع و خمسین من السادس و کتب فی سکته مزدرع الغریب، نصره اللّه قریب، فبعث له جیشا فقتلوه و أتوا له برأسه لمراکش. ثم قام علیه بغمارة یوسف بن منفقید سنة إحدی و ستین منه فتحرک له بجیشه فی سنة اثنین و ستین منه فقتله و حمل رأسه لمراکش. ثم قام علیه بقفصة بإفریقیة ابن زیری سنة أربع و سبعین فتحرک له من مراکش فی السنة التی بعدها و وصل لإفریقیة سنة ست و سبعین منه و ضایق ابن زیری ثم ظفر به و قتله و عاد لمراکش فدخلها فی السنة السابعة و سبعین منه و بنا (کذا) المعدن الذی ظهر ببلیان سنة ثمان و سبعین منه . ثم جهز الجیوش للجواز الثانی بالأندلس سنة تسع و سبعین منه و لما حل بسلا أخبر بتمهید إفریقیة ثم رحل لمکناسة ثم لفاس و خرج منه سنة ثمانین من السادس فحل بسبتة و أمر الناس بالجواز فجاز العرب أولا، ثم زناتة من غیر مغراوة، ثم المصامدة، ثم مغراوة، ثم صنهاجة، ثم أوروبة و سائر البربر، ثم الموحدون و الأغزاز و الرمات (کذا) ثم هو فی عبیده و دائرته. فنزل بمرسی جبل الفتح. ثم للجزیرة الخضراء، ثم لقلعة خولان، ثم لاوکس، ثم لشریش، ثم لبنریشة، ثم (ص 78) لإشبیلیة،/ ثم لواد بصر ثم لشنترین فنزل علیها و أدار بها الجیوش و ضایقها ثم انتقل لغربها لأمر أراده اللّه تعالی (کذا) فأنکر المسلمون ذلک و بعد العشاء أمر ابنه أبا إسحاق بالرحیل نهارا لأشبونة و یشن الغارات بجیش الأندلس خاصة فأساء الفهم و رحل لیلا فاتبعه الناس بلا علم من الأمیر و بقی فی شرذمة قلیلة فسمع العدوّ فصک محلته إلی خبائه فمزقوه و قاتلهم بسیفه إلی أن قتل منهم ستة فطعنوه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 149
طعنات نافذة و قتل من جواریه ثلاثة و حلّ بالأرض فاجتمعت علیه عبیده و باقی جیشه و تراجع المسلمون فدفعوا عنه العدو و هزموه و فتحوا البلد عنوة و قتل من العدو ما یزید علی العشرة آلاف و من المسلمین جماعة و لاح الأمن للأمیر فرکب و رحل و ضل الناس فاهتدوا بالطبول و ساروا لإشبیلیة. قال ابن مطروح القیسی فی تاریخه فاشتدّ بالأمیر ألمه و مات بالطریق قرب الجزیرة قاصدا مراکش یوم السبت ثانی عشر ربیع الثانی سنة ثمانین و خمسمائة عن نحو الست و خمسین سنة بعد ما ملک اثنین و عشرین سنة و شهرا و ستة أیام فحمل لتنملیل و دفن بجانب قبر أبیه، و قیل مات بمراکش. قال الیافعی فی تاریخه: و کان یحفظ أحد الصحیحین، و ذکر الحافظ اللواتی الشهیر بابن بطوطة الطبخی فی رحلته التی اسمها: تحفة النظار، و غرائب الأمصار، و عجائب الأسفار، أنه یحکی أن یوسف بن عبد المؤمن دخل دمشق فمرض بها شدیدا مطروحا بالأسواق و بعد برءه، (کذا) خرج لظاهر دمشق/ لیلتمس بستانا یحرسه فاستؤجر لحراسة بستان (ص 79) الملک نور الدین و أقام ستة أشهر و فی أوان الفاکهة جاء السلطان لبستانه و أمر أن یؤتی له برمان یأکله فأوتی به فوجده حامضا و تکرر ذلک فقال له الوکیل أنت فی حراسة منذ ستة أشهر و لا تعرف حلوه من حامضه فقال استأجرتنی علی الحراسة لا علی الأکل فأعلم الوکیل الملک بذلک فبعث له و کان الملک رأی فی المنام أنه یجتمع به و تحصل له منه فائدة فتفرّس أنه هو و قال له أنت یوسف قال نعم فقام له و عانقه و أجلسه بحانبه و احتمله لمجلسه و أضافه (کذا) بحلال مکتسب من کدّ یمینه لأنه من الصالحین کان ینسج الحصر و یقتات بثمنها فبقی عنده أیاما ثم خرج من دمشق فارّا من أوان البرد الشدید فأتی قریة من قراها و بها رجل من الضعفاء فعرضه للنزول ففعل و أتاه بمرقة و دجاجة مطبوخة و خبز شعیر فأکل و دعا له. و له جملة أولاد منهم بنت، آن بناء زوجها بها و عادتهم أن یجهّزها أبوها و معظم الجهاز أوانی النحاس به یتفاخرون و یتبایعون فقال له أعندک النحاس قال بلی إنی اشتریته کثیرا لتجهیز البنت فأمره أن یأتیه به فأتاه و قال له استعر من الجیران ما أمکنک ففعل و أحضره و أوقد علیه النار و أخرج صرة فیها الأکسیر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 150
فطرح منه علیه فعاد ذهبا. و ترکه فی بیت مقفل. و کتب لنور الدین ملک دمشق یعلمه به و ینبّهه علی بناء مارستان للمرضی الغرباء و یوقف علیه الأوقاف و یبنی (ص 80) الزوایا بالطرق و یرضی أرباب النحاس و یعطی لصاحب البیت الکفایة./ و قال فی آخر الکتاب إن کان إبراهیم بن أدهم خرج عن ملک خراسان فأنا خرجت عن ملک المغرب و عن هذه الصنعة. و قبره بکرک نوح من بقاع العزیز ببیروت و علیه زاویة یطعم بها الوارد و الصادر و وقّف علیه صلاح الدین و قیل نور الدین الأوقاف.
و قال الیافعی فی تاریخه أن القضیة وقعت لابنه المنصور کما ستراه إن شاء اللّه تعالی (کذا).
ثم ملکها بعده ابنه یعقوب المنصور، و کان شهما شجاعا محبا للعلماء معظّما لهم مشارکا فی کثیر من الفنون. و أول ما فعله أخرج مائة ألف دینار ذهبا من بیت المال و فرقها علی الضعفاء، و کتب بتسریح المساجین ورد المظالم و إکرام العلماء و الصلحاء و رجوع الأحکام للقضاة و إجراء الإنفاق علی أهل الفضل و الصلحاء و العلماء و تفریق الأموال علی الأجناد و تشحیم الثغور بالخیل و الأبطال و غزی إفریقیة سنة اثنین و ثمانین من السادس فدوّخ و سبا إلی أن أذعنوا له و نقل عربها لمراکش و جاز جوازه الأول لغزو الأندلس سنة ثلاث و ثمانین منه فقتل و خرّب لأشبونة و انصرف للعدوة بسبی کثیر ما بین النساء و الصبیان.
ثم ارتحل للأندلس لغزوة الأراک المشهورة سنة إحدی و تسعین منه فأجاز العرب أولا ثم زناتة ثم المصامدة ثم غمارة ثم الموحدین ثم المطاوعة ثم الرماة ثم العبید ثم هو فی أثرهم و معه العلماء و الصلحاء و أهل النجدة و الزعامة. فحل بالخضراء و زاد (ص 81) إلی أن بقی بینه و بین الأرک مرحلتان/ قدّم علی جیشه أبا عبد اللّه بن صنادید و حصل المصافّ بالأرک فقسم جیشه علی نصفین: نصفه فی مقابلة العدو، و نصفه کمینا. و اشتدّ القتال و دارت نار الحرب فوقع النصر له و أثخن فی العدو
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 151
قتلا و سبیا و انهزم الفنش و فتح الحصن عنوة تلک السنة و کان جملة القتلی ثلاثین ألفا و الأساری (کذا) خمسة آلاف. و جال بالقتل و السبی و التخریب إلی إشبیلیة فدخلها و بنا (کذا) جامعها الأعظم و منارته فکان بین غزوة الزلاقة و الأرک مائة و اثنا عشر سنة و فتح کثیرا من مدن الأندلس و حصنیه و بنا (کذا) مراکش و رباط الفتح و جامع حسان و منارته حال جوازه للأندلس ثم رجع لمراکش سنة أربع و تسعین منه و أخذ البیعة لابنه الناصر فبدأه مرض موته و لما اشتدّ به قال ندمت علی ثلاث مسائل و هی إدخالی عرب إفریقیة للمغرب و هم أهل فساد، و بنائی رباط الفتح و هو بعید لا یعمر، و إطلاقی أساری الأرک و لا بد لهم من طلب الثأر، و توفی رحمه اللّه بعد صلاة العشاء من لیلة الجمعة ثانی عشرین من ربیع الأول سنة خمس و تسعین و خمسمائة بقصبة مراکش و حمل لتنملیل فدفن بها و هو ابن أربعین سنة بعد ما ملک أربعة عشر سنة و إحدی عشر شهرا و أربعة أیام. قال أبو الفدا صاحب حماة و کان یتظاهر بمذهب الظاهریة و أعرض عن مذهب مالک. قال الیافعی فی تاریخه و یحکی أنه زهد فی الملک و ساح إلی أن مات بالشام لأنی سمعت ممن لا أشک فیه أن جمعا من شیوخ/ المغاربة تذاکروا (ص 82) رسالة القشیری و ما فیها من مشایخ المشارقة و مناقبهم فرأوا معارضته برسالة فیها مناقب شیوخ المغاربة ثم تذاکروا أن فی القشیریة من زهد فی الملک من المشارقة و هو ابن أدهم فلم یجدوا ذلک فی شیوخ المغرب و قالوا لا یتم إلّا بذکر ملک زهد فی الملک فجاء الشیخ الکبیر أبو إبراهیم إلی یعقوب المنصور فسرّ به و أعطاه جوهرا نفیسا فالتفت الشیخ أبو إبراهیم إلی شجرة هناک و نظرها فإذا هی حاملة جوهرا یدهش منه العقول فعلم السلطان ما أکرم اللّه به أولیاءه غنی صارت ملوک الدنیا بین أیدیهم کالخدم، و ملکهم حقیر کالعدم، فعندها أحقر یعقوب الملک و زهد فیه و صار من أکابر الأولیاء. قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأخبار، و ما یقال أنه ساح فی الأرض و ترک الملک زهدا و وصل إلی الشام و قبره
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 152
به کما هو الشائع عند العوام لا أصل له. زاد الیفرینی فی نزعته أنه لم یسح و لا حمام له و أنه لم یزهد، و لیس بمولای و إنما ذلک کله خرافات ه.
ثم قال الحافظ أبو راس فی الخبر المعرب، کان ابن زهر الطبیب الماهر بمراکش عند یعقوب المنصور فتشوّق و أهله بإشبیلیة فسمعه یقول هذه الأبیات الثلاثة:
ولی واحد مثل فرخ القطات‌صغیر تخلّفت قلبی لدیه
و أفردتّ عنه فیا وحشتی‌لذاک الشخیص و ذاک الوجیه
تشوّقنی و تشوّقته‌فیبکی علیّ و أبکی علیه
(ص 83)/ قال فأرسل المنصور المهندسین لإشبیلیة و أمرهم أن یحیطوا علما ببیوت ابن زهر و حارته ثم یبنوا مثلها بمراکش فذهبوا و انقلبوا لمراکش و فعلوا ما رأوا فی أقرب مدة ثم أمر بنقل عیال ابن زهر و کل ما یتعلّق به بعد ما فرش المهندسون البیوت بمثل فرشه و وضعوا فیها آلة مثل آلته ثم جاء ابن زهر فرأی دارا أشبه بداره فتحیر و ظن أنه نام، و تلک أضغاث أحلام ثم رأی ولده الذی تشوق له یلعب فی البیت و رأی أهله جالسین فسرّ سرورا عظیما و هو القائل لما شاب رحمه اللّه تعالی (کذا):
کانت سلیمی تنادی یا أخیّ و قدصارت سلیمی تنادی الیوم یا أبانا
و هو مثل قول الأخطل فی المعنی حیث قال:
و إذا دعونک عمّهنّ فإنه‌نسب یزیدک عندهنّ خبالا
و إذا دعونک یا أخیّ فإنه‌أدنی و أقرب خلّة و وصالا
و لما أراد المنصور أن یحمل الناس علی مذهب ابن حزم الظاهری و سمع المواق ذلک جمع من کتب ابن حزم مسائل کثیرة انتقدت علیه و أراها للمنصور فلما قرأها قال أعوذ باللّه أن أحمل أمة محمد علی هذا و ثنا (کذا) علیه و لیس هو المواق شارح مختصر الشیخ خلیل لأن الشارح متأخر عن هذا بنحو ثلاثمائة سنة ه.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 153

قائمة ملوک الموحدین‌

و اعلم أن ملوک الموحدین ما بین المغرب و إفریقیة و بجایة و المهدیة مع طرابلس سبعة و أربعون ملکا:
فبالمغرب أربعة عشر ملکا: أولهم شیخهم المهدی بن تومرت، ثم عبد المؤمن بن علی الکومی العابدی، ثم ابنه یوسف العسری، ثم ابنه المجاهد یعقوب المنصور صاحب قصة الأرک، ثم ابنه محمد الناصر و هو صاحب/ غزوة العقاب التی حصد فیها شوکة المسلمین سنة تسع من السابع (ص 84) فکانت مشومة علی المسلمین عامة و علی أهل الأندلس خاصة و هو أنه غزاها فی جیش کالجراد المنتشر فأدرکه الإعجاب من ذلک و حل به الانتقام فکانت الدائرة علیه. ثم ابنه یوسف المستنصر و فی وقته سنة ثلاثة عشر من السابع ظهر أمر عبد الحق المرینی و بظهوره دخل دولتهم الهرم، ثم عمه عبد الواحد المخلوع بإجماع الدولة علی تولیته و خلع بعد تسعة أشهر و قتل خنقا و انتهبت أمواله و سبی حریمه و هتک ستره فهو أول من خلع و قتل من الموحدین و صار الموحدون کالأتراک لبنی العباس. ثم ابن أخیه عبد اللّه العادل بن یعقوب المنصور و قد بویع أولا بمرسیّة من الأندلس فی نصف صفر سنة إحدی و عشرین و ستمائة و بویع ثانیا بمراکش یوم الأحد ثانی عشرین شعبان تلک السنة و توقف عن بیعته بلنسیة و شاطبة و دانیة و الحفصیون عمال إفریقیة. و فی أیامه کانت الواقعة الشنیعة بین المسلمین و الفرنج علی طلیطلة بالأندلس انهزم فیها المسلمون هزیمة قبیحة و هی التی هدمت دعائم الإسلام بالأندلس فسأل منه الموحدون أن یخلع نفسه فأبی و قال لا أموت إلّا أمیرا فخلعوه ثم جعلوا عمامته فی عنقه و شنقوه بها و رأسه فی الخاصّة إلی أن مات یوم الثلاثاء حادی عشرین شوال سنة أربع و عشرین من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 154
السابع و نهب المصمودیون قصره و استباحوا حریمه، ثم یحیی بن محمد (ص 85) الناصر باتفاق الموحدین علی بیعته و خالفهم عرب/ الخلط و هسکورة و قام علیه بإشبیلیة إدریس المأمون بن یعقوب المنصور و ثارت علیه جماعة من أهل مراکش و انضم إلیهم العرب و وثبوا علیه بمراکش فهرب للجبل ثم زاد العرب المعقل بفج عبد اللّه من رباط تازة فغدروا به و قتلوه و کانت مدته بأسرها مزاحمة للمأمون و ولده الرشید. ثم إدریس المأمون بن یعقوب المنصور بإشبیلیة و کان فصیح اللسان فقیها حافظا للحدیث ضابطا للراویة عارفا بالقراءة حسن الصوت و التلاوة إماما فی اللغة و العربیة و الأدب و أیام العرب کاتبا مداوما علی البخاری و سنن أبی داوود عالما بأمور الدین و الدنیا شهما حازما شجاعا مهابا سفاکا للدماء لا یتقیها طرفة عین شاعرا، فمن شعره متمثلا:
تکاثرت الظبا علی خدّاش‌فلم یدر خدّاش ما یصید
و أطاعته العدوتان و خرج علیه المتوکل بن هود شرقی الأندلس و استولی علی الأندلس ففارقها المأمون و جاز لمراکش فاستقرّ بها و تتبع الخارجین علی من قبله من الخلفاء فقتلهم عن آخرهم و هم أربعة آلاف و ستمائة و جزّ رؤوسهم و علّقها بمراکش و کان زمان الصیف فنتنت المدینة و تضرر الناس بالرائحة فرفعوا أمرهم إلیه فقال تلک رائحة طیبة للمحبّین و کریهة للمبغضین و أنشد یقول:
أهل الحرابة و الفساد من الوری‌یعزون فی التشبیه للذکّار
ففساده فیه الصلاح لغیره‌بالقطع و التعلیق بالأشجار
(ص 86)/ من رآهم ذکری إذا ما أبصروافوق الجذوع و فی ذروی الأسوار
و کذا القصاص حیاة أرباب النّهی‌و العدل مألوف بکل الجوار
لو عمّ حلم اللّه سائر خلقه‌ما کان أکثرهم من أهل النّار
و لکثرة سفکه للدماء سموه حجاج المغرب و أمر بإسقاط اسم مهدیهم من الخطبة و إزالته من السکة المربعة و قال لا مهدی إلّا عیسی و عمل فیه رسالة و کان خطیبا فأفصح بتکذیبه و ضلاله فیها. و ثار علیه أخوه بسبتة فسار إلیه و حاصره بها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 155
ثم لحقه الخبر بأن البعض من أولاد الناصر دخل مراکش فرجع إلیه من سبتة و مات بالطریق مفقوعا بوادی العبید. و فی أیامه سنة سبع و عشرین من السابع کان ابتداء أمر بنی عبد الوادی.
ثم ابنه عبد الواحد بن إدریس المأمون الملقب بالرشید و تقاتل مع یحیی و هو ابن أربعة عشر سنة فهزم یحیی بجیشه و استقر بملکه و هرب یحیی لرباط تازة فغدر به عرب المعقل و قتلوه و أتوا برأسه و بقی بملکه بمراکش إلی أن قتل غریقا فی سهریج (کذا) بستان له و کان حسن السیاسة و أعاد اسم مهدیهم فی السکة و الخطبة و قمع العرب لکنه لما استقر أمره تخلی للذّات فلم یخطب له بالمغرب الأوسط و إفریقیة.
ثم أخوه أبو الحسن علی المعتضد و یقال له السعید بن إدریس المأمون و کان بطلا (کذا) شجاعا مهابا له إقدام فی الحروب و النجدة فاق بها سلفه و هو الذی حرک/ علی یغمراسن بن زیان بتلمسان و حاصره بقلعة تمزریغت الغربیة ببنی (ص 87) و رنید قرب تلمسان و قبلة وجدة إلی أن قتله یغمراسن بها بالجبل و عمل له جنازة الملوک و دفنه بالعبّاد.
ثم أبو حفص عمر بن أبی إبراهیم إسحاق بن یوسف بن عبد المؤمن ابن علی، قال بعضهم، بویع له بمراکش یوم الأربعاء غرّة ربیع الأول سنة ست و أربعین من السابع قال ابن رشیق فی تاریخه المسمی بمیزان العقل، هذا و هم فإن السعید توفی یوم الثلاثاء منسلخ صفر و لا یمکن أن یصل الخبر بموته من تلمسان إلی مراکش فی لیلة واحدة و الصحیح أن بین موت السعید و بیعة أبی حفص المرتضی مهلة نحو العشرة أیام ه. و فی أبی الفدا أن بیعة المرتضی فی ربیع الأخیر و به ظهر الوهم الذی قال علیه ابن رشیق لما ردّ علی غیره فاستقام له الأمر من سلا لسوس الأقصا و غزا (کذا) فاسا سنة ثلاث و خمسین و ستمائة فانهزم و أخذ أبو یحیی المرینی محلته و دخل مرّاکش فی فلّه إلی سنة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 156
خمسة و خمسین و ستمائة حادی أو ثانی عشرین المحرم دخل علیه القائم أبو دابوس الموحدی مراکش فهرب المرتضی إلی أزمّور فقبض علیه عامله و بعثه لأبی دابوس فقتله بکتامة علی ثلاثة أیام من مراکش.
ثم أبو العلا الواثق أبو دابوس بن أبی حفص بن عبد المؤمن بن علی، و کان بطلا شجاعا داهیة مقداما فی الحروب دخل مراکش غدرا علی المرتضی و بایعه بها کافة الموحدین و غیرهم ثم وقعت بینه و بین المرینی أبی یوسف حروب (ص 88) قتل ببعضها/ و به انقطع ملک بنی عبد المؤمن و انقرضت دولة الموحدین من المغرب الأقصا و استقامت دولة المرینیین به و من المغرب الأوسط و استقامت دولة الزیانیین به.
و بإفریقیة تسعة و عشرون ملکا، أولهم أبو حفص عمر بن یحیی صاحب المهدی بن محمد بن واندین بن علیة بن أحمد بن والّال بن إدریس بن خالد ابن الیسع بن إلیاس بن عمر بن وافتن بن محمد بن لجبة بن کعب بن محمد ابن سالم بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه. قاله الشیخ أحمد بن الشمّاع فی تاریخه و دولتهم تسمی بالحفصیة. ثم ابنه أبو محمد عبد الواحد ابن الشیخ أبی حفص صاحب المهدی. ثم أبو العلا بن عبد المؤمن بن علی، ثم عبد اللّه بن عبد الواحد الحفصی و اتسع ملکه إلی أن ملک إفریقیة و بجایة و سائر المغرب الأوسط و تلمسان و وهران و بلد الجرید و الزاب، و توفی ببونة سنة سبع و ستین من السابع . و قد أنشأ بتونس بنیانا شاهقا. ثم ابنه أبو عبد اللّه محمد بن أبی زکریاء و سعی عمه أبو إبراهیم فی خلعه و بایع لأخیه محمد اللحیانی الزاهد علی کره منه فجمع له أبو عبد اللّه محمد بن أبی زکریاء المخلوع أصحابه و شدّ علی عمّیه فقهرهما و قتلهما و استقل بملکه و تلقب بالمنتصر و فی أیامه سنة ثمان و ستین من السابع وصل الفرنسیس لإفریقیة بجموعه و أشرفت إفریقیة علی الذهاب لو لا أن اللّه منّ علیهم بموت أمیر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 157
الفرنسیس الحارک و تفرقت الجموع. ثم ابنه یحیی بن محمد و تلقب/ بالواثق. ثم خلعه عمه أبو إسحاق إبراهیم و خطب لنفسه و تلقب بالمجاهد و ترک (ص 89) زیّ الحفصیین و تزیّ بزّی زناتة و اشتغل بالشرب و فرّق الملک علی أولاده و ذبح الواثق المخلوع و ولدیه الفضل و الطیب و سلم له ابن صغیر یقال له أبو عصیدة ثم قام علیه شخص من بجایة یقال له أحمد بن مرزوق بن أبی عمارة و ادعی أنه الفضل المذبوح ابن الواثق لشبهه به فقیل له الداعی و اجتمعت علیه أناس و قصد أبا إسحاق إبراهیم فهرب به لبجایة عند ابنه أبی فارس عبد العزیز بن إبراهیم و هو أمیر بها فترکه ابنه أبو فارس بها و ذب بإخوته و جمعه للداعی بتونس فانهزم جیشه بعد الالتقاء و قتل هو و إخوته ثلاثة و نجا الرّابع و هو أخوه الصغیر یحیی ابن إبراهیم و عمه أبو حفص عمر بن زکریاء، ثم أرسل الداعی لبجایة من قتل أبا إسحاق و أتی له برأسه و تحدّث الناس بالداعی. ثم اجتمعت العرب علی عمر بن أبی زکریاء بعد هروبه من المعرکة و قوی أمره و قصد الداعی ثانیا فأثخن فیه و استتر فی بعض دور التجار ثم أحضر و اعترف بنفسه و ضربت عنقه. و لما قتل أبو حفص الداعیّ استقرّ فی ملکه و تلقب بالمستنصر فسار ابن أخیه یحیی السالم من المعرکة لبجایة و ملکها و تلقب بالمنتخب و لما اشتدّ مرض المستنصر بایع لابنه الصغیر فأتته الفقهاء و قالوا له أنت صائر لعفو اللّه و تولیة مثل هذا لا یحلّ فأبطله.
ثم أبو عصیدة ولد الواثق المخلوع/ و تلقب بالمستنصر أیضا و کنّی بأبی (ص 90) عصیدة لعمل أمه فی نفاسها به العصیدة و إهدائها للجیران. و فی أیامه توفی صاحب بجایة المنتخب و ملک بجایة ابنه خالد. ثم أبو بکر عبد الرحمن بن أبی زکریاء عبد الواحد بن الشیخ أبی حفص. ثم خالد بن المنتخب صاحب بجایة بعد قتله لأبی بکر المذکور. ثم زکریاء اللحیانی جاء من مصر مع عساکر الناصر لطرابلس فبایعته العرب و زاد لتونس فخلع خالدا و حبسه و قتله قصاصا بأبی بکر بن عبد الرحمن و استقرّ بإفریقیة و هو أبو یحیی زکریاء بن أحمد ابن محمد الزاهد اللحیانی بن عبد الواحد بن أبی حفص. ثم أبو بکر بن یحیی المنتخب أخو خالد قتیل زکریاء اللحیانی فهرب منه اللحیانی لمصر و أقام
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 158
بالإسکندریة و ملک أبو بکر ما عدا المهدیة و طرابلس فقام علیه محمد بن اللحیانی بعد هروب أبیه لمصر و قتل معه فهزمه أبو بکر و استقل ابن اللحیانی بما بیده من المهدیة و طرابلس. ثم اجتمعت الناس علی طاعة محمد بن أبی بکر الحفصی صهر زکریاء اللحیانی و بایعوه لما ضعف أبو بکر و هرب باستیلاء العرب و لکون ابن أبی بکر کان نائبا علی اللحیانی فلذلک بویع له و کاتبوا اللحیانی علی القدوم فأبی. هذا مفاد ما فی تاریخ أبی الفداء.
و قال ابن أبی دینار فی المؤنس فی أخبار إفریقیة و تونس:
ثم أبو ضربة بن محمد اللحیانی، ثم ابنه أبو حفص و بقی إلی أن مات فملک أبو الحسن المرینی، ثم الفضل الحفصی، ثم إبراهیم، ثم خالد، ثم أبو العباس أحمد، ثم ابنه أبو فارس عبد العزیز الذی قال فیه ابن عرفة أنه فی (ص 91) العدالة مثل عمر بن عبد العزیز الأموی بحسب الزمان و مات/ بوانسریس بسبب دعاء الشیخ محمد الهواری علیه کما مرّ، ثم ابنه عبد اللّه المنتصر، ثم ابنه أبو عمر عثمان، ثم حفیده أبو زکریاء یحیی بن عبد اللّه محمد المسعود، ثم أبو عبد اللّه محمد بن أبی محمد الحسن ابن أبی عبد اللّه محمد المسعود، ثم أبو محمد الحسن بن محمد الحسن بن المسعود و به ختام بنی أبی حفص و من أتی بعده فهو اسم لا رسم. ثم أحمد ابن أبی محمد بن الحسن بن أبی عبد اللّه محمد بن أبی محمد الحسن ابن أبی عبد اللّه محمد المسعود، ثم محمد ابن الحسن و هو خاتمة بنی أبی حفص و بانقراضه انقرضت أیامهم.
و ببجایة ثلاثة: أولهم أبو فارس عبد العزیز بن إبراهیم، ثم یحیی المنتخب، ثم ابنه خالد. و بالمهدیة مع طرابلس واحد: و هو محمد بن اللحیانی فهؤلاء السبعة و الأربعون الموحدین.
قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأخبار: و لا زالت إفریقیة بید الحفصیین واحدا بعد واحد إلی أن أخذها منهم الأتراک سنة إحدی و ثمانین و تسعمائة فمدّتهم بإفریقیة ثلاثمائة و ثمانون سنة إلّا ما تخلل ذلک من الداعی بن أبی عمارة و نحوه من الذین لا حکم له. و الملک للّه وحده یورثه من یشاء من عباده.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 159

الدولة الخامسة الزیانیون‌

ثم ملک و هران، الدولة الخامسة، و هم الزیانیون و یقال لهم بنو زیان و العبد الوادیون یوم و بنو عبد الوادی.
فتسمیتهم بالزیانیین نسبة لجدهم لأبیهم زیان بن ثابت بن محمد بن زیدان ابن یندوکس/ بن طاع اللّه بن علی بن یمل بن یزوجن بن القاسم بن محمد (ص 92) ابن عبد اللّه بن إدریس بن إدریس بن عبد اللّه الکامل بن الحسن المثنی ابن الحسن السبط بن علی بن أبی طالب کرّم اللّه وجهه. و تسمیتهم ببنی عبد الواد نسبة لجدهم لأمهم عبد الوادی ابن یادین بن محمد بن رزجیک ابن واسین کما فی ابن خلدون و غیره. قال صاحب بغیة الرواد: و عبد الواد أصله عابد الوادی رهبانیة عرف بها جدهم من ولد سجیع بن واسین بن یصلیتن ابن مسری بن زاکیا بن رسیح بن مادغس الأبتر بن قیس بن غیلان بن إلیاس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. قال التّنسی فی نظم الدرر و العقیان فی شرف بنی زیان، و القاسم جد أمیر المؤمنین المتوکل، اتفق النّسابون علی أنه من ولد عبد اللّه الکامل بن الحسن المثنی بن الحسن السبط بن أمیر المؤمنین علی ابن أبی طالب رضی اللّه عنه. و لکن اختلف فی طریق اتصاله به. فقیل إنه القاسم بن محمد بن عبد اللّه بن إدریس بن إدریس بن عبد اللّه الکامل. قال صاحب بغیة الرواد: و هذا القول من أشهرهم. و قیل إنه القاسم بن محمد ابن أحمد بن محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل، و هو الذی صحّحه صاحب ترجمان العبر حیث قال: إنه القاسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن سلیمان بن عبد اللّه الکامل، و احتجّ علی ذلک بأن القاسم هو الذی کان بتلمسان فلمّا غلب
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 160
علیه العبیدیون دخل لبنی عبد الوادی القاطنین بصحراء تلمسان فأصهر فیهم و عقب عقبا مبارکا فشا فیهم حتی زاد علیهم بخلاف أعقاب الأدارسة فإنهم کانوا (ص 93) یلتقون بغمارة الریف./ و خالفه فی ذلک بغیة الرواد بقوله إنه لما قتل المنصور بن أبی عامر المعافری الحسن بن أبی کانون آخر ملوک الأدارسة بالمغرب افترقت الأدارسة فی البلاد. فکان القاسم بن محمد بن عبد اللّه بن إدریس ممّن توجه إلی الصحراء فانضاف إلی بنی عبد الوادی فأکرموا نزوله و عظموا قدره و حکّموه بینهم فتزوّج فیهم و أنسل نسلا کثیرا و اللّه أعلم بحقیقة الأمر. فبان لک بهذا أن القاسم من ولد عبد اللّه الکامل بلا خلاف و إنما الخلاف هل هو من ولد إدریس ابن عبد اللّه أو من ولد أخیه سلیمان بن عبد اللّه. و سلیمان هو الذی ملک المغرب الأوسط، و إدریس هو الذی ملک المغرب الأقصا (کذا) ه. قال الحافظ أبو راس فی تواریخه: و القول بأن سلیمان بن عبد اللّه الکامل هو الذی جاء للمغرب غیر صحیح و الصحیح أن الذی جاء له هو ابنه محمد بن سلیمان و هو الذی ملک المغرب الأوسط، و وهم التنسی فی قوله دخلها سلیمان و ملکه أهل تلمسان علیهم لأن سلیمان استشهد بوقعة فخ التی قتل فیها جعفر بن یحیی البرموکی (کذا) بأمر الرشید. الأشراف و قبورهم مشهورة بین التنعیم و مکة المشرّفة مع ضریح ابن عمر رضی اللّه عنهم. و من أولاد سیدی محمد هذا بنو العیش ملوک رشقون، و بنو إبراهیم ملوک أتنس. و إلی إبراهیم هذا ینسب السوق الذی هو غربی العروسی حیث مکب واد أسلی فی شلف. و منهم حمزة و أخوه علی ملوک الأبیرة بإزاء جرجرة جبل زواوة و بحمزة سمیت تلک الأراضی إلی الآن ه.
(ص 94) قال صاحب بغیة الرواد: فبنو القاسم هذا هم/ الذین حازوا الشرف و کرم الأبوة و فخر الملک القدیم و الحادث (کذا). و لا یسمح للطّعن فی هذا النسب الکریم لأنه من الشهرة بالآفاق و الفشو فی القبائل و الأجداد فی الغایة بحیث لا یحجبه بعد دار و لا یجحده عدو و لا بار، و فی المشهور من مذهب إمام دار الهجرة مالک بن أنس رضی اللّه عنه ثبوت النسب بمجرد الشهادة من غیر معرفة أحوالها. و حکی الباجی فی منتقاه و غیره من المتأخرین أن شهادة السماع طلوع سعد السعود ؛ ج‌1 ؛ ص161
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 161
الفاشی المتواتر تفید العلم إجماعا. و قال ابن القاسم یقطع بالنسب و إن لم یعلم الأصل، و قال بعض قضاة المتکلمین خبر الواحد إذا اختفت به القرائن أفاد العلم. فإن روعی فی إثبات هذا النسب الشریف الشهادة، فلا شهادة أعدل من قبل الأصل المشتمل علی مشیب و شبان رؤساء و مرؤسین رجال و نساء من بنی عبد الوادی کرام القوم و عیانهم یعرفون أصلهم و یدینون بصحبة منتماهم الهاشمی. و إن اکتفی فیه بالسماع الفاشی فأمره فی المشارق و المغارب مشهور فی لسان الوالی و الصدوق و العدو شأنهم معترف به. و أخبرت بحضرة تلمسان دار أولهم و آخرهم عرفان الشمس المعروفة، فهو إذا أظهر من أن یخفی و أوضح من أن یجحد.
و هل یبقی علی الأذهان شی‌ءإذا احتاج النهار إلی دلیل
و قال ابن خلدون: کان یغمراسن بن زیان یرفع نسبه إلی إدریس ثم یقول إن کان هذا صحیحا نفعنا فی الآخرة و أما الدنیا فنلناها بأسیافنا ه.
و قد ألّف/ الحافظ التنسی فی شرفهم کتابا سماه: نظم الدرر و العقیان، فی (ص 95) شرف بنی زیان. و کذا الحافظ أبو راس کتابا سماه: العجالة. و ذکر شرفهم صاحب بغیة الرواد، و أثمد الأبصار، و جواهر الأسرار، و غیرهم من الأئمة.
و سبب مصیر الملک إلیهم أن بنی عبد المؤمن لما ضعف أمرهم بما بینهم من الفرقة تطاول بنو عبد الوادی إلی الاستیلاء علی قطر تلمسان لقربهم منها فجاسوا خلالها و أوجفوا علیها بالخیل و الرکاب و احتاز کل منهم جانبا من القطر و أمّن أهله علی خراج یؤدیه إلیه کل سنة، و أمرهم إلی کبیرهم جابر بن یوسف بن عم زیان والد یغمراسن بن زیان و کان و إلی تلمسان أبو سعید عثمان بن یعقوب المنصور لأخیه المأمون إدریس بن المنصور فاحتال علی جماعة من رؤسائهم بإغراء الحسن بن حیون فأخذهم و اعتقلهم بدار الریح من القصر القدیم و بعد مدة شفع فیهم إبراهیم بن إسماعیل بن غیلان اللمتونی فردّت شفاعته فأنف و جمع قومه و هجم علیهم و سرحهم و قتل الحسن بن حیّون و اعتقل الأمیر أبا سعید موضعهم و خلع طاعة المومنیة و تطاول لإحیاء اللمتونیة و سولت له نفسه أنه لا یتأتی له إلّا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 162
إذا قطع کبار عبد الوادی فبعث إلی جابر و کبراء قومه لحضور و لیمة فأتوه فخرج إلیهم فی ثمانیة من أصحابه و قد بلغهم الخبر فقبضوا علیه و أصحابه و أوثقوهم و دخلوا البلد بدعوة المأمون فجاء جابر دار الإمارة و ضبط أمرها و بعث إلی (ص 96) المأمون بالخطبة و السکة فقنع منه لقعود/ الشیخوخة به عن النهوض.
فأول من ملک منهم جابر بن یوسف و نزع الملک من بنی عبد المؤمن و استخلص تلمسان من ید عمّال إفریقیا فملک تلمسان و وهران و استولی علیهما و علی أحوازهما و علی کافة بنی راشد و بنی عبد الواد و حواضر ذلک القطر سوی ندرومة فزحف لحصارها فهلک هناک بسهم أصابه من داخلها من ید یوسف الغفاری التلمسانی. ثم ملکها ابنه الحسن بن جابر و خلع نفسه لما کبر سنّه لعمّه عثمان ثم ملکها عثمان بن یوسف و کان فظا غلیظا فأساء السیرة و ضیّع الملک فأخرج من تلمسان. ثم اتفق بنو عبد الوادی علی تقدیم أبی یعزّ زیدان بن زیان فاستولی علیها و أعمالها فنکث عنه بنو مطهر بمظاهرة بنی راشد فکانت بینه و بینهم حروب سجال قتل فی بعضها و بموته انقطعت دولة بنی عبد المؤمن من تلمسان و قطرها و علا صیت بنی زیان فهؤلاء الأربعة تولوا لا استقلالا. ثم ملک استقلالا أبو یحیی یغمراسن بن زیان و هو فی الحقیقة أول ملوکهم و الذین قبله کانت لهم المشیخة، و اسمه یحیی و لقبه یغمراسن و معناه بلغتهم کثیر المرق لقب بذلک لکثرة جوده، نصّ علیه الحافظ أبو راس فی کتاب الحاوی. و کان ابتداء ملکه یوم الأحد رابع عشرین ذی القعدة الحرام سنة سبع و عشرین من (ص 97) السابع / فی أیام الرشید عبد الواحد بن إدریس المأمون و نازعه بنو مظهر و بنو راشد فأظهره اللّه علیهم و بعث له الرشید المؤمنی هدیة عظیمة راجیا منه الخطبة و السکة فأبی و ظهرت العداوة بینهما و همّ الرشید بالنهوض له فعاجلته المنیة و هو أول من خلط البادیة زی الملوک و أظهر قبیلة لباس الشریعة و تعرض لهدیة أبی زکریاء الحفصی الهنتاتی التی بعثها من إفریقیة للسعید المؤمنی و أخذها فنظر للسعید فلم یظهر منه شی‌ء فاستقلّ بنفسه و جهّز الجیوش لتلمسان فنازلها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 163
سنة خمس و أربعین من السابع بجیوش فیها ثلاثون ألف رام من المشاة فضلا عن غیرهم و أحاط بها فکان الهرّ مع صغر جرمه تأتیه العشرون سهما فأکثر فخرج منها یغمراسن بجیشه و قد أفرج له لشدة بأسه و صعد لبنی ورنید و دخلها الحفصی و عرضها علی ولاته فأبوا خشیة من یغمراسن فاصطلح معه و رجع کل لموضعه و اتفقا معا علی عداوة بنی عبد المؤمن فسمع السعید بذلک فأقسم لا بد یملک مملکتهما معا و نهض من مراکش یجرّ الأمم العظیمة و البحور الزاخرات من الجیوش و ساعدته علی ذلک بنو مرین فانجاز یغمراسن لحصن تمزریدت الغربیة جنوب وجدة بجبل بنی ورنید و حاصره فیها السعید بعد أن نزل بوادی سلی و سأل منه الدخول فی طاعته فأبی فزحف له و تعلق بالجبل محرّضا علی الهجوم فتعرض له یغمراسن للقتال و نصره اللّه علیه فقتل السعید علی ید یوسف ابن خزرون و أوتی له برأسه فأدخله علی أمه لکونها أمرته بطاعته فأبی و أقسم لها أن یأتیها برأسه فأبر اللّه/ قسمه و قال فی ذلک الظفر الوزیر أبو علی الحسن صاحب (ص 98) سبتة القصیدة السینیة الطویلة التی مطلعها:
بشری بعاجل أوجب لنا العرساو أصفر الدهر عنه بعد ما عبسا
و استولی یغمراسن علی المحلة بما فیها فکان منه العقد الیتیم و غدار زمرّد و المصحف العثمانی الذی بخطّه رضی اللّه عنه. و کان یغمراسن دینا فاضلا محبا للأولیاء و العلماء فأتی بأبی إسحاق الشیخ إبراهیم بن یخلف بن عبد السلام التنسی و أخیه أبی الحسن علی بن یخلف بن عبد السلام من تنس لتلمسان إلی أن ماتا بها و قبرهما بالعبّاد. و وفد علیه خاتمة أهل الأدب أبو بکر محمد بن عبد اللّه بن داوود بن خطاب فأحسن إلیه و صیّره صاحب القلم الأعلا (کذا) و ارتحل لزیارة أبی الیمان القطب الشیخ واضح بن عاصم المکناسی بجبل و افرشان من وادی رهیو لنیل الفضل منه. قال الحافظ أبو راس فی الحاوی: و لما جاء یحیی الملقب یغمراسن لزیارة سیدی واضح المکناسی فکوشف له عن ذلک و سد باب المغارة بالحجر فوقف السلطان بباب الخلوة فاستأذن علی الشیخ فلم یأذن له فمکث حینا طویلا و کان یوما حارا فصار یتشفع إلیه بخدّامه و قرابته
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 164
و هو ممتنع فقال بعض وزارئه قد حصل المقصود فانصرف لعل اللّه ییسر رؤیته فی غیر هذا الوقت فقال یغمراسن و اللّه لا أنصرف حتی یرضی عنا فلما رأی منهم أنهم یئسوا من لقائه برز لهم و قال یا یغمراسن، أما تعلم وقوف ذی الحاجات (ص 99) ببابک و ما یجدونه من الانکسار و مدافعة الحرس لطول/ احتجابک عنهم و إنما جعلت لک ذلک للتیقظ من غفلتک فصار یغمراسن یتملّق بین یدیه و یتعذّر له و الشیخ فی کل ذلک منقبض عنه و قد ألقی اللّه فی قلب یغمراسن و جنده من هیبة الشیخ ما لا یوصف. ثم أنه خلا به و قال له أما کفاک ما ترتکب من الأعمال الخبیثة جمعت بین علجتین و هما أختان فتبّا للذّة تصیّر صاحبها إلی النار فقبّل عند ذلک السلطان أقدام الشیخ و قال أنا تائب لا أعود هذا. ثم التفت الشیخ لأخیه یحیی و قال له ءاتیهم بطعام فبعد ساعة قرب لهم طعاما جیّدا و لحما سمینا فرمی الشیخ ذلک و قال تطعم الزیار (کذا) خبز الشعیر و تطعم الأمیر ما أری، فقال یغمراسن إن لم یطب خاطرک لم نأکله فقال لا بل کولوا علی برکة اللّه. ثم قال لأخیه أنت معذور تحتاج لما بید یغمراسن لأنک لک ذریة بکلامه الزناتی فلما أکلوا انبسط الشیخ و قال من تولی عهدک فقال هذا و أشار لولده محمد فقال له الشیخ الرعیة لا تحتاج للفقیه الحاذق الکیس لأن الفقیه مجبول علی جمع المال یقول للدرهم درهمان فقال له السلطان و من تری فقال هذا و أشار لولده عثمان فسرّ یغمراسن ببقاء الملک فی عقبه فلما هم بالانصراف قال الشیخ لأحد ولدی یغمراسن ألم توصک أمک أن تأتیها بحجاب أکتبه لک فقال نسیت و قبّل یده فقال الشیخ یا سیدی عزّوز ناوله إیاه فناوله فحینئذ أوصی الشیخ یغمراسن بالرفق بالرعیة و قال له یغمراسن کل راع مسؤول عن رعیته. و سیدی واضح هذا هو (ص 100) الذی تسمی علیه جد سیدی أبی عبد اللّه محمد المغوفل/ بن محمد بن واضح بن عثمان بن محمد بن عیسی بن فکرون المغراوی سمّاه علیه والده لکونه تلمیذه و توفی سیدی واضح بن عثمان المغراوی سنة ست و خمسین و ثمانمائة کما فی ذیل الدیباج للشیخ أحمد بابا. و یغمراسن هو الذی بنا (کذا) الصومعتین بالجامعین الأعظمین من أقادیر، و تلمسان. و لم یکتب اسمه علیهما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 165
و قال علمهما عند ربی. قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار: و یقال أن الجامع الذی بتلمسان القدیمة بناه مولانا إدریس الأکبر و عمل له المنبر.
و بالقدیمة ضریح الشیخ داوود بن نصر أول من شرح البخاری توفی فی آخر القرن الرابع . و حروبه مع زناتة و العرب أمر لا یحصی و لا یصدر من أحد لشرف همته، فقد قال صاحب بغیة الرواد: له فی العرب و حدهم اثنان و سبعون غزوة و مثلها مع تجین (کذا) و مغراوة. و لما حل الأمیر أبو إسحاق الحفصی بتلمسان لطلب ملکه بتونس سنة ثمان و سبعین من السابع زوّج إحدی بناته المقصورات فی خیام الخلافة لولد یغمراسن عثمان ثم بعد تمهد الملک له بعث یغمراسن ابنه إبراهیم المکنی بأبی عامر لیأت (کذا) بها فلما رجع بها لقیه یغمراسن بملیانة للتنویه ببنت سلطان تونس و لما نزلوا برهیو مات سنة إحدی و ثمانین من السابع و حمل لتلمسان فدفن بها.
ثم ابنه أبو سعید عثمان باتفاق الملأ من بنی عبد الوادی فشمّر فی غزو الأعادی ذیله حتی أقام من کل ذی زیغ میله، فقتل ابن عبد القوی ملک تجین و انتزع لهم و انسریس و المدیة و أخذ مازونة و تنس و فرشک من ید مغراوة/ و هرب (ص 101) مالکهم راشد بن مندیل فی البحر، و قطع ملکهم. غیر أن الحافظ أبو راس قال فی عجائب الأسفار: قد رأیت راشدا بن مندیل مذکورا فی نحو السّبع من الثامن و زاد عثمان لبجایة فخربها و غزی (کذا) العرب فأجلاهم للصحراء و حرک علیه یوسف بن عبد الحق المرینی خمس مرات کان الحصار صادر منه فی الخامسة لتلمسان ثمان سنین و ثلاثة أشهر، و بنا (کذا) المنصورة و توفی أبو سعید فی الحصار. ثم ابنه أبو زیان محمد بن أبی سعید و نهض لحرب عدوه غیر أنه عاجلته المنیة فی أثناء الحصار لمرض اعتراه.
ثم أخوه أبو حمّ موسی بن عثمان و فی وقته حصل الفرج و زال الحصار
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 166
بسبب الولی أبی زید عبد الرحمن الهزمیری جاء من أغمات لیوسف بن یعقوب المرینی شفیعا فأبی فذهب الشیخ مغاضبا و قال یأتی سعاذا (؟) یقضی هذاء و انصرف للمغرب فدخل علیه سعادة غلام العلامة أبی علی الملیانی الذی قتله یوسف ابن یعقوب فألفاه (کذا) نائما و قد ألقی اللّه فی قلبه طلب الثأر فوجأه بسکین فی بطنه فبلغ الخبر الهزمیری و هو بفاس فقال له خدیمه نرجع لبلدنا فقال الشیخ و عبد الرحمن یموت فمات لأیام قلائل و دفن بفاس بروضة الأنوار. و أول ما بدأ به أبو حمّ هدم المنصورة و أصلح ما ثلم من تلمسان و بنی الأسوار و حفر الخنادیس و الأهریة و ملأها طعاما و إیداما و حطبا و فحما و ملحا و جمیع ما یحتاج إلیه بما لا حدّ له (ص 102) ثم استقبل بالتمهید و تتبع الحرکات بنفسه/ علی تجین و مغراوة و سائر المخالفین أیام الحصار و حرک علیه أبو سعید المرینی إلی أن بلغ وجدة ففرّ عنه أخوه یعیش لتلمسان فرجع و ثار علیه راشد بن راشد المغراوی بشلف فنهض له وفر راشد لزواوة و استعصم بها فنازله أبو حمّ بوادی تمهل و بنی به قصره المعروف به ففرّ راشد لبنی أبی سعید و انحاز للموحدین فبعث له جیشین عظیمین أحدهما لنظر مسعود بن أبی عامر الزیانی و الآخر لنظر موسی بن علی الغزّی فاستباحوا أبل قسنطینة و حصل التنافس بین الرؤساء کادت تبین الفتنة و عزل عامل ملیانة و بعث به لتلمسان فاستقبح ابنه أبو تاشفین سجن خاله و أمره بالمسیر للأمیر فغضّ بصره ففر للمدیة و ثار بها و تبعه الغوغاء فرجع أبو حمّ مغاضبا علی ابنه و صار یؤثر علیه مسعود بن أبی عامر بن عمه فأغرا (کذا) أبا تاشفین خواصّه بقتل المسعود و أبیه فقتلهما. و کان أبو حمّ محبا للعلماء و العلم و هو الذی بنی المدرسة المعروفة لابنی الإمام و أعطی بلاد تجین للحشم فصلا بینه و بینهم.
ثم ابنه أبو تاشفین، فاستولی علی البدو و الحضر، و استخدم ربیعة و مضر و تولّع بتبییض الدور، و بنی (کذا) القصور، و نهض لخاله محمد بن یوسف الثائر علی أبیه و الموجب لقتله فحاصره، بوانسریس إلی أن أخذه عنوة و قتله و عفا عن غیره، ثم زاد لبجایة فأخذ ریاحا أخذة رابیة و أمر قائده موسی بن علی ببناء مدینة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 167
علی وادی بجایة فبنیت فی أربعین یوما و سمّاها تمزریدت الشرقیة و أما الغربیة فهی التی/ بجبل بنی و رنید کما مرّ. و جهز عامله یحیی الجمی جیوشا لغزو (ص 103) تونس تحت نظر ابن أبی عمران الحفصی فلقیهم مالکها أبو یحیی بجیوشه فهزموه و استولوا علی حریمه و ذخائره و محلاته و أفلت جریحا لقسنطینة و زادوا فدخلوها و استراحوا بها أربعین یوما و أسلموها لابن أبی عمران فبعث له أبو سعید المرینی علی الإقلاع عن بجایة فأبی و همّ أبو سعید بقتاله فعاجلته منیته (کذا).
و کان له بالعلم و أهله احتفال عظیم فقد ورد علیه أبو موسی المشذالی فأکرمه و ولّاه التدریس بمدرسته الجدیدة و ورد علیه أبو العباس البجائی تاجرا و دخل المدرسة القدیمة فألفاهم یتکلمون بمجلس أبی زید بن الإمام فی قول ابن الحاجب فی الأصول فی حدّ العلم أنه صفة توجب تمییزا لا یحتمل التنقیض فقال یا سیدی هذا الحد غیر مانع لانتقاضه بالفصل و الخاصة فقال أبو زید من المتکلم فقال أحمد البجائی فقال یقع الجواب بعد الضیافة و أنزله و أکرمه و سأله عن مقدمه فقال تاجرا فعرّف به الأمیر فرفع عنه مغرمه و من معه قدره مائة دینار و زاده صلة مائة دینار ذهبا، و وقع بمجلسه السؤال عن ابن القاسم هل هو مقلدا أو مجتهد فقال أبو زید مقلد النظر بأصول مالک و قال المشذالی مجتهد مطلق الاجتهاد و احتجّ بمخالفته لمالک فی بعض المسائل و استظهر أبو زید نصّ ابن التلمسانی الذی مثل به للاجتهاد المخصوص/ بابن القاسم لمالک و المازنی (ص 104) للشافعی فقال المشذالی هذا مثال لا تلزم صحته. و حرک علیه أبو الحسن المرینی فنزل بتاسالة و أطال بها إلی أن ثار علیه أخوه بسجلماسة فرجع له إلی أن قتله و مهّد المغرب ثم رجع لتلمسان و حاصرها و بنی علیها مدینته التی هی الآن محراث و لم یزل أبو تاشفین و أولاده و وزیره فی المقاتلة معه إلی أن استشهدوا جمیعا فی یوم الأربعاء ثامن عشرین رمضان سنة سبع و ثلاثین من الثامن فدخلها المرینی و بموته جرّ الحادث، و الخطب الکارث، علی الدولة الزیانیة القفا، و کدر بنیها الحنسی ما کان صفا.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 168

الدولة السادسة: المرینیون‌

اشارة

ثم ملک و هران الدولة السادسة، و هم المرینیون، و یقال لهم بنوا حمامة.
أما تسمیتهم بالمرینیین فذلک نسبة لجدهم مرین بن أمیر الناس علی قول، و ابن ورتاجن علی الآخر، و أما تسمیتهم ببنی حمامة فذلک نسبة لجدهم حمامة ابن محمد بن ورزین. و اختلف فی نسبهم علی ثلاثة أقوال، فقال صاحب أثمد الأبصار و غیره إنهم أدارسة من ذریة یحیی بن إدریس، و قال صاحب القرطاس إنهم زناتة من ذریة ماخوخ الزناتی، و قال أیضا فی موضع آخر إنهم من نسل قیس بن غیلان بن مضر. و من زنات تفرقت قبائل زناتة فهم عرب صریحون و سبب تغیّر لسانهم عن العربیة إلی البربریة أن بر بن نزار کان له ولدان: قیس، (ص 105) و دهمان، ابنا/ غیلان. فدهمان ولده قلیل و هم أهل بیت من قیس یعرفون ببنی امامة. و قیس ولد أربعة رجال و جاریة و هم: سعید و عمر و حفصة أمهم مریم بنت أسد بن ربیعة بن نزار، و برّ و نماض أمهما بریع بنت محمد بن مجدل بن عمر ابن مضر المجدولی. و کان البربر یسکنون بالشام و یجاورون العرب فی الأسواق و المساکن و المراعی، و یشارکونهم فی المیاه و المساعی و یصاهرون بعضهم بعضا. و کانت البها بنت دهمان بن غیلان بن مضر من أجمل النساء و أکملهنّ ظرفا و طربا و حسنا فکثر طلابها للتّزویج من کل قبیلة فقال أبناء عمها قیس و هم:
عمر و سعید و برّ و حفصة لا یتزوج بنت عمنا غیرنا فخیّروها فاختارت برّا لکمال شرفه و صغره و تزوجته فحسده اخوته علیها و هموا بقتله. و کانت أمه بریع من دهات (کذا) النساء فبعثت إلی ولدها بر و زوجته البها و أمرتهما بالذهاب معها لقومها فوافقاها و ذهبوا فنزلوا عند أخواله و أعرس بها و امتنع من قومه فولدت له البها علوان و مادغس: فعلوان مات صغیرا و لم یعقّب، و مادغس لقّب بالأبتر فهو
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 169
جدّ البتر و من ولده جمیع زناتة فبمکث برّ بالبربر تغیر لسانه و أورث فی ذریته فهذا هو السبب و قالت فی ذلک أخته ترثیه:
و شاطت ببرّ داره عن بلاده‌و اطرح برّ نفسه حیث یمّما
و أورث برّ لکنة أعجمیّةو ما کان برّ بالحجاز بأعجما
/ و قال أبو فارس فی أرجوزته نظم السلوک:
فجاورت زناتة البرابرافصیرت کلامهم کما ترا
و ما بدّل الدهر سوی أقوالهم‌و لم یبدّل منتهی أحوالهم
بل فعلهم أربی علی فعل العرب‌فی الحال و الآثار ثم فی الأدب
فانظر کلام العرب قد تبدّلاو حالهم عن حاله تحوّلا
لا یعرفون الیوم ما الکلام‌و ما لهم نطق و لا إفهام
و إن تمادت بهم الأحوال‌لم یبق فی الدهر لهم أقوال
کذاک کانت قبلهم مرین‌کلامهم کالدّرّ إذ یبین
فاتخذوا سواهم خلیلاو بدّلوا کلامهم تبدیلا
و أصل مواطنهم کاخوتهم بنی لومی و مدیونة، قبلة زاب إفریقیة ثم دخلوا المغرب سنة تسع و ستمائة فنزلوا من فقیق إلی تفلالت إلی ملویة. و کانت بین بنی لومی هؤلاء و بین بنی مانّوا حروب عظیمة هلک فیها ماخوخ الزناتی صاحب الخیمة المشهورة التی آثارها للآن ببلاد أولاد علی من بنی عامر فی أواخر المائة الخامسة و کان بنوا لومی یمدون بنی مرین بالجیوش و سبب مصیر الملک إلیهم أنهم کانوا ببلادهم المذکورة رائسهم (کذا) محمد بن ورزین. ثم قام ابنه حمامة مقامه ثم أخوه عسکر ثم ابنه المخضّب و لما سمعوا بعبد المؤمن بن علی الموحّدی غزی (کذا) و هران و استولی علی أموال لمتونة و بعث بها لتنملیل تعرّضوا له من الزّاب مغلغلین إلی وادی تلاغ فاستولوا/ علیها به ثم لحقهم (ص 107) الموحدون و معهم بنوا عبد الوادی فکان المصاف بفحص حسّون و انکشف المرینیون و قتل شیخهم المخضب و اکتسح العبد الوادیّون حللهم سنة أربعین من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 170
السادس فلحقوا بالصحراء و رکد ریحهم إلی سنة عشرة من السابع فی وقت المنتصر الموحدی و کان صبیّا صغیرا لا یعرف شیئا أتوا علی عادتهم للکیل فوجدوا الغرب لا حیاة فیه لمن تنادی فأقاموا بمکانهم و بعثوا لإخوانهم علی القدوم فأسرعوا علی الخیل و النجائب، یقطعون المهامة و السّباسب یریدون الدنو و البلاغ، إلی أن وصلوا لوادی تلاغ، فدخلوا المغرب بجیش کالجراد یقمع الحاضر و الباد، فظهر ما کان فی الغیب مجهولا لیقضی اللّه أمرا کان مفعولا. قال أبو فارس فی أرجوزته:
فی عام عشرة و ستمائةأتوا إلی الغرب من البریّة
جاؤوا من الصحراء و السباسب‌علی ظهور الخیل و النجایب
کمثل ما قد دّخل الّلمتونیّون‌من قبل ذا و هم لهم میمّمون
فهذا سبب مصیر الملک إلیهم. قال ابن خلدون: و هم قوم مرهوب جانبهم شدید بأسهم من أقوی القبائل و أنجدها و أفرسها کثیر جمعهم، مضاهون للعرب و الفرس و الیونان و الروم. و فیهم قال ابن الخطیب فی رقم الحلل:
و أورث اللّه بلاد الغرب‌للسّادات الغرّ الکرام النجب
أهل الخیول و الرماح و الهمم‌أقوی بنی الدنیا و أوفی بالذّمم
و أدرب الخلق برکض الخیل‌و خوض أحشاء الفلا و اللیل
(ص 108)/ قاموا و قد بان اختلال الطاعةبمذهب السّنّة و الجماعة
و لما دخلوا المغرب تفرقوا فیه و شنّوا الغارات فمن أذعن لهم سالموه و من أبی قتلوه. ففرت الناس منهم و بلغ خبرهم إلی أمیر الموحدین المستنصر فقال لقومه: ما ترون من هؤلاء فاتفق رأیهم علی محاربتهم فبعثوا لهم جیشا فیه عشرون ألفا تحت رئاسة أبی علی بن واندین فسمعت مرین فلقیتهم بأکمل حالة و جعلوا أموالهم و حریمهم بقلعتی: تازة وزا فلما تراء الجمعان کانت الدائرة لمرین علی الموحدین فقتلوهم ذریعا و هزموهم شنیعا و احتووا علی ما فی المحلة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 171
بأجمعه و دخل فلّ رباط تازة و فاسا منهزمین، و بالمشعلة مستترین و منحرمین.
و هی نبت یشبه الحلفا له أوراق طویلة عریضة تمسیها عامة المغرب بلحیة الشیخ و یقال لها بالشلحة الأثموج و أکثر نبتها قبلة تازة سیما بلاد مکناسة و قلوبهم بالحزن مشتعلة، فسمّی العام عام المشعلة و هو عام ثلاثة عشر و ستمائة .
و أول ملوکهم بالمغرب عبد الحق بن محیوا و کان فاضلا صالحا متبرکا به و هو الذی استخلص الملک من غیره لکنه لم یستول علی کرسی الخلافة بمراکش. ثم ابنه أبو سعید عثمان، ثم أخوه أبو معرّف محمد بن عبد الحق و بایعته کافة مرین و سار فیهم سیرة حمیدة و کان بطلا شجاعا، شهما مهابا مطاعا، کثیر الغارات لا یفتر عن القتال و المحاولات. و فیه قال صاحب الأرجوزة:
/ ثم ولّی من بعده محمدو کان فی أموره مسدّد
فکان لا یفتر عن قتال‌مواضبا للحرب و النّزال
کم عسکر له و کم حشودو من جمیع جمّة الجنود
و کم من جیش جاء من مراکش‌أفناه بالحروب و التناوش
نهاره و لیله طعان‌لکنه مؤیّد معان
و لم یزل فی قتال الموحدین إلی أن قتل بصخرة أبی بیاس من أحواز مدینة فاس، یوم الخمیس تاسع جمادی الثانیة سنة اثنین و أربعین من السابع تحاملا مع زعیم الروم. ثم أخوه أبو یحیی زکریاء بن عبد الحق و هو أول من عمل من ملوکهم مراسم الملک من بنود و طبول و غیرها. و أوّل ما ابتدأ به تقسیم البلاد علی قومه و إنزال کل قبیلة فی ناحیة و أمرهم بتکثیر الجیش و رکوب الرجال و ما غلبت علیه کل قبیلة فهو لها و توفی بفاس و دفن بإزاء قبر الفشتالی تبرّکا به.
ثم أخوه سلطان الجهاد أبو یوسف یعقوب بن عبد الحق المرینی و لقبه المنصور. و قد استوفی أبو فارس فی أرجوزته سیرته حیث قال:
سیرة یوسف بن عبد الحق‌قد حاز فیها قصبات السّبق
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 172 سیرته أن یقرأ الکتاباو یذکر العلوم و الآدابا
یقوم للصلاة ثلث اللیل‌و ما له عن ورده بمیل
(ص 110) إلی آخر الأبیات السبعة و العشرین و شرع فی تمهید المغرب ففتح/ بلاده من أقصی سوس إلی وجدة و فتح مراکش و قطع ملک الموحدین و محا أثرهم و جاز للأندلس فدوّخها و ملک بها ما یزید علی خمسین قصرا ما بین مدن و حصن کمالقة و رندة و الخضراء، و طریف و مربات و أشبونة و ما بین ذلک من الحصن و القری و البروج و خطب له علی جمیع منابر الغرب فهو أول ملک حما (کذا) الإسلام من بنی مرین و نزل فی سنة ثمان و خمسین من السابع بتازة یستنشق ریح یغمراسن فبلغه الخبر بأن النصاری دخلوا مدینة سلا غدرا و وضعوا السیف فی رقاب أهلها فجدّ السیر لها یومه و لیلته إلی أن أدرک المسلمین و خلّصهم من العدوّ و أطرد العدو منها و بنا علیها (کذا) السّور و غزی (کذا) مراکش سنة ستین من السابع فحاصرها شدیدا و غلق أمیرها المرتضی علی نفسه ثم خرج منها و وقعت بینهما حروب عظیمة قتل فیها عبد اللّه ولد المرینی فارتحل عنها. و فی ذلک قال أبو فارس عبد العزیز فی أرجوزته:
فی عام ستّمائة و ستین‌سار المراکش سلطان مرین
فوقف المنصور بجلیزمبرزا بأحسن التبریز
و عاد فیها المرتضی محصوراذا أرق فی قصره مقصورا
و دارت الأعراب بالأسوارو اعتمدوا فیها علی الإحصار
(ص 111) و ضیّق علی أبی دابوس بمراکش شدیدا و لما أیقن بعدم النجدة/ استصرخ بیغمراسن فشن الغارات علی أطراف الغرب فرجع إلیه المرینی و وقع المصاف بوادی تلاغ الغربی و حصلت الحرب العظیمة بینهما من الضحی للظهر فرجعت الدائرة علی یغمراسن فهزم و قتل أکبر أولاده عمر. ثم غزا (کذا) تلمسان فی سنة تسع و ستین من السابع فلقیه یغمراسن بواد سلی قرب وجدة فوقع بینهما حرب
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 173
عظیم مات فیه من جیش یغمراسن خلق کثیر و لو لا ما حال الظلام بینهما لم تقم قائمة لبنی عبد الوادی و فرّ یغمراسن لتلمسان و أضرمت محلته نارا و تبعه یعقوب المرینی فمرّ بوجدة و جعل عالیها سافلها و سبا (کذا) أموالها و زاد لتلمسان فحاصرها شدیدا و أدار محلاته بها و جاءه بها محمد بن عبد القوی إعانة ثم سرحه لأهله و لم ترتحل عنها حتی وصل التجینی بلده خشیة علیه من یغمراسن ثم أقلع عنها و رجع للمغرب فقال بعض کتابه، الملزمین لخدمة بابه:
فإنک إذا الخیل جالت حبستهم‌قضاء من الرحمان ما منه عاصم
فذاک علی الیمنی یبید حمامتهاو هذا علی الیسری فأین المقاوم
و والدهم فی جاحم الحرب بینهم‌یبید حماة الجیش و السّقر قائم
فویحک یا یغمور هل لک حاجزأیقظان حقا أنت أم أنت نائم
أفی کل عام تترک ابناک للفنی‌و تسبی لک المغید الحسان المکارم
و جهّز جیشا قدره خمسة آلاف لنظر ولده أبی زیان سنة ثلاث/ و سبعین من (ص 112) السابع فغزی (کذا) الأندلس به و نزل بطریف و استراح ثلاثا و منه للحیرة فغنمها و بعث بالغنائم للجزیرة و والی السیر فی الأرض یفتح و یسبی إلی شریش و رجع بالغنائم للجزیرة و لحقه والده فی سنة أربع و سبعین من السابع ففتح فتوحا کثیرة و غنم غنائم عظیمة و جال بالقتل و السبی و التخریب و قتل زعیم النصاری دنونة و هزمت عساکره و أوتی له بالرؤوس فکانت نیفا و ثمانیة عشر ألفا علی ما لصاحب الأنیس، و تسعة آلاف علی ما لصاحب رقم الحلل، فجعلت تلا و أذّن علیها للصلاة و صلی المسلمون بالمعرکة الظهر و العصر و أوتی له برأس دنونة فبعثه لابن الأحمر فکوفره و مسّکه ابن الأحمر و بعثه للفنش (الفونسو) تقرّبا منه و تجنبا من أبی یوسف. قال ابن الخطیب فی رقم الحلل:
تسعة آلاف من الکفّاردعا بهم داع إلی البوار
و عدد الأساری سبعة آلاف و ثمانمائة و ثلاثون أسیرا و الکراع أربعة عشر ألفا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 174
و ستمائة و البقر مائة ألف و أربعة و عشرون ألفا، و أما الغنم فضاقت بها الأرض و بیعت الشاة بدرهم و المرأة بدینار و نصف. و لما قسم الغنائم ارتحل و نزل قصر الصخرة فأتاه هرنادة ملک قشتالة لعقد الجزیة و قبّل ید السلطان فدعا بماء بمرأی بطارقته و غسلها من قبلته فکانت له فخرا و فی ذلک قال لسان الدین ابن الخطیب فی رقم الحلل:
(ص 113)
/ و اجتمع القوم بقصر الصخرةو شاهد النّاس جمیعا فخره
و حین حل بالخضراء بعث له أبو محمد بن أشقیلولة کتابا یهنّیه بالفتح مشتملا علی قصیدة عینیة فیها تسعة عشر بیتا مطلعها:
هبّت بنصرکم الریاح الأربع‌و جرت بسعدکم النجوم الطوالع
و اصطلح فی سنة أربع و سبعین من السابع مع شانجة طاغیة الروم فبعث له الطاغیة بثلاثة عشر حملا من کتب المسلمین التی أخذوها ما بین الکتاب العزیز و تفاسیره و کتب الحدیث و شراحاته و کتب الفروع و الأصول و اللغة و العربیة و الآداب و غیرها و أتاه العلامة الأدیب أبو فارس عبد العزیز المکناسی ناظم الأرجوزة التی یقال لها نظم السلوک بقصیدة بائیة مشتملة علی مائتین و ثلاثین بیتا یذکر فیها سیرته و جهاده و غزواته و جمیع أموره کلها مطلعها:
بحمد اللّه أفتح الخطاباو أبدأ فی النظام؟ و الکتابا
لعل اللّه یبلغنی أمالی‌و یفتح بالسّرور علیّ بابا
فأنشدها بین یدیه قارئه أبو زید عبد الرحمن الفاسی الغرابلی و حضور أشیاخ بنی مرین و العرب لقراءتها فاعطا (کذا) لقارئها مائتی دینار و للنّاظم ألف دینار و خلعا و مرکوبا و من أرادها بتمامها فعلیه بالأنیس، أو دلیل الحیران. و توفی ضحی یوم الثلاثاء ثانی عشرین من المحرم کما فی الأنیس، و صفر کما فی (ص 114) عجائب الأخبار، سنة خمس و ثمانین من السابع / بالجزیرة الخضراء بعد موت
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 175
یغمراسن بخمس سنین کما فی الخبر المعرب. و حمل إلی رباط الفتح من بلاد العدوة و دفن بمسجد شالة منها کما فی الأنیس و بموته انصدع الإسلام. قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار: و لو لا یغمراسن ألهاه بشن الغارات لا ستردّ کثیرا من الأندلس فکان له مانعا من الموانع.
ثم ابنه یوسف الناصر فصالح ابن الأحمر و جدد الصلح لابن الفنش (الفونسو) و أکثر من غزو الأندلس فأثخن فی النصاری ثم صرف عزمه لغزو تلمسان بسبب ابن عطوا فحاصرها و بها ملکها عثمان بن یغمراسن و دام حصاره علیها أعواما و شهرا و مات ملکها عثمان أیام الحصار و انتهت عساکر المرینی إلی إفریقیة و اشتدّ البلاء علی أهل تلمسان إلی أن قتله غلامه و هو نائم مع إحدی جواریه فافرجت عساکر مرین عنها و حمل إلی شالة برباط الفتح و دفن بها. و لما مات جلس ابنه أبو سالم علی الکرسی فغلبه ابن أخیه أبو ثابت و خلعه بإعانة أبی حمّ الزیانی.
ثم أبو ثابت عامر بن عبد اللّه فارتحل عن تلمسان و رجع للمغرب فدوخه کثیرا و جال فی نواحیه إلی أن توفی بقصبة طنجة فجلس علی کرسی الملک عمّه علی بن یوسف فخلع فورا و رضوا بسلیمان أخی (کذا) أبی ثابت. ثم أبو الربیع سلیمان بن عبد اللّه أخو أبی ثابت فجدّد الصلح مع آل زیان و توفی مریضا بتازة و دفن من لیلته بصحن جامع تازة و قد ترفّهت الناس فی أیامه/ باتخاذ الدّواب (ص 115) و الملابس الجیدة و تشیید الدور و ترویقها بالزّلیج و الرخام و النّقوش. ثم أبو سعید عثمان السعید بن یعقوب فمهّر الملک و دوّخ المغرب و أوقع بملویة و وجدة و بنی یزناسن کثیرا و حاصر تلمسان شدیدا و بها سلطانها أبو حمّ موسی بن عثمان ثم أفرج عنها و رجع للمغرب و غزی (کذا) الأندلس و طالت مدته فی التدویخ و وقع الخلل بینه و بین ولده عمر فاجتمع العسکر علی عمر و خاف السعید من العسکر فانتصر علیه ولده و هرب السعید لتازة و لحقه بها ولده و حصره إلی أن سلّم له الأمر بالأشهاد و بقی بتازة ثم سار ولده بالجیوش لفاس و حلّ به المرض الشدید فحاصره أبوه بها إلی أن سلّم له الأمر علی أموال عظیمة أعطاها له السعید مع سجلماسة و ترک الملک لأبیه فاستقلّ به إلی أن مات. و هؤلاء الملوک التسعة من بنی مرین لم یملک واحد منهم و هران.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 176
ثم ملکها أبو الحسن المرینی و هو علیّ بن عثمان السعید بن یعقوب ابن عبد الحق بن محیو بن أبی بکر بن حمامة بن محمد بن ورزین بن فلوس ابن کرماط بن مرین فدوّخ المغرب بأجمعه و حاصر تلمسان مدة حصرا شدیدا و بنی المنصورة غربی تلمسان مدة الحصار و فیها یقول ابن الخطیب السلمانی فی رقم الحلل:
ثم بنا المنصورة الشهیرةالبلدة الجامعة الکبیرة
(ص 116)/ و قیل بناها یوسف بن یعقوب کما مرّ وفتک بأهل تلمسان فتکا عظیما و قاتله مالکها أبو تاشفین إلی أن استشهد هو و أولاده و وزیره فدخلها عنوة و لما حلّ بها طلب الإعانة منهم بالأموال للجهاد فقال له أبو زید بن الإمام لا یصح لک حتی تکنس بیت المال و تصلی فیها رکعتین کما فعل عمر رضی اللّه عنه. و فتح ندرومة و وجدة و رجع للمغرب. ثم غزی (کذا) طریف بالأندلس فهزم هزیمة کبیرة حصدت فیها شوکة المسلمین. ثم غزی (کذا) و هران و المغرب الأوسط إلی أن وصل لإفریقیة بسبب أن السلطان أبا بکر الأصغر الحفصی لما توفی سنة سبع و أربعین من الثامن و کثر القتال بین بقیّة بنی حفص و بین ولدیه أبی العباس و أبی فارس و أضرمت إفریقیة نار الفتنة هرب حاجب السلطان محمد بن تافرکین للمغرب لسعایة بلغت به فلحق بأبی الحسن المرینی و صار یرغبه فی ملک تونس و یسهل علیه أمرها و یهوّنها علیه و کانت نفسه تحدثه لما فتح تلمسان بإفریقیة و یتربّص بالسلطان أبی بکر فقویت عزائمه علیها ثم أخبر بمهلک ولدی أبی بکر أبی العباس و أبی فارس فارتحل من مراکش و جدّ السّیر إلی تلمسان فوافته بها الحشود من کل جهة و ارتحل فی صفر سنة ثمان و أربعین من الثامن یجرّ الدنیا بما حملت فنزل بوهران و فتحها و أمر ببناء البرج الأحمر بها فبنی و جعل فی وسطه دائرة لا تراکین لها بناء محکما و اتقنه إلی أن کاد الجوّ یغصّ به و قلّما یوجد مثله فی السّعة و اتقان البناء فهو إیوان الحکم لکل من ملک (ص 117) و هران ثم بنا (کذا) ثانیا برج/ المرسی کلاهما تلک السنة فبینما هو بوهران إذ و فدت علیه بها أولاد حمزة، و الکعوب و سائر أمراء إفریقیة و بعث ابن مکی أمیر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 177
قابس وفده بالطاعة و ابن جلول صاحب توزر و ابن عابد صاحب قفصة و صاحب الحامة و صاحب نفطة کلهم بایعوه بوهران رغبة و رهبة و أدّوا بیعة ابن ثابت صاحب طرابلس لبعد داره ثم قدم فی أثرهم یوسف بن منصور صاحب الزّاب و معه کبیر الذواودة یعقوب بن علی فأوسع الکل کرمه و جوائزه و عین القهارمة لإتمام البرجین المذکورین و العمالة و الولاة و فی ذلک قال الحافظ أبو راس فی سینیته:
ثامن قرن قدمها المرینی أبوحسن ثمت بیعة طرابلس
بنا بها الأحمر ففاق کل بناثم بنا الثانی حذو سفن المرس
ثم ارتحل یجرّ الأمم قاصدا إفریقیة فمرّ علی کل بلدة و مکان فی أمن و أمان إلی أن دخل تونس فی یوم مشهود یقلّ مثله بعده فی الوجود، و معه شیخ الموحدین بتونس أبو محمد بن تافرکین بجنود عظام فبایعه بها خمسون ملکا و وافق ذلک موت الحاجب لتعلقات العلم و جامع أشتات النثر و النظم و إمام المصنفین بحکم أقرانه الراشدة العلامة ابن هارون أحد شارحی ابن الحاجب و شیخ ابن عرفة و زوجته فی لیلة واحدة، فقدم السلطان لما حضر جنازتهما للصلاة علیهما أبا عبد اللّه السبطی صاحب الفتوی بالمجلس الذی أولاده مشهورون بأولاد السّبطی للآن بفاس. و لما حلّ بتونس اندفع إلیه الشعراء بها یهنونه بالفتح و کان سابقهم فی تلک النوبة أبو القاسم الرحوی من ناشئة أهل الأدب فرفع/ إلیه قصیدة بائیة محتویة علی ثمان و ستین بیتا مطلعها: (ص 118)
أجابک شرق إذ دعوت و مغرب‌فمکّة هشّت للقاء و یثرب
و نادتک مصر و العراق و شامه‌بدارا فصدع الدین عندک یشعب
و حیّتک أو کادت تحیّی منابرعلیها دعاة الحق باسمک تخطب
و انظر تمامها إن شئت فی ترجمان العبر أو دلیل الحیران.
ثم غزی (کذا) من تونس العرب بالقیروان بعد صلاة عید الأضحی فوافاهم فی الفرح بین بسیط تونس و بسیط القیروان المسمی بالثنیة فأجفلوا أمامه و قاتلوه منهزمین و هو فی اتباعهم إلی أن حلّ بالقیروان و رأوا أن لا ملجأ منه فاتفقوا علی الاستمایة (کذا) و دسّ إلیهم من عسکر السلطان بنوا عبد الواد و مغراوة و تجین
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 178
فغلبوا بنی مرین و واعدوهم بالمناجزة صبیحة یومهم لیتحیزوا إلیهم برایاتهم و صبحوا معسکر السلطان فرکب إلیهم التعبئة فاختلّ مصافه و تحیّز إلیهم الکثیر من جیشه فکانت الدائرة علیه و نکب نکبة عظیمة و نجا إلی القیروان فدخلها فی الفلّ من عساکره و تدافعت ساقات العرب فی إثره و تسابقوا إلی محلّته فنهبوها و دخلوا فساطیطه و استولوا علی ذخائره و الکثیر من حریمه و أحاطوا بالقیروان و دارت حللهم بها و تعاوت ذیابهم بأطراف البقاع و أجلب ناعق الفتنة من کل مکان و لم ینج إلّا فی أرذل حالة و ذهب لیلا إلی سوسة علی تعبئة فرکب منها فی الأسطل (کذا) إلی تونس و حل بها فشرع فی إصلاح ما ثلم منها.

عودة وهران لدولة بنی زیان‌

(ص 119) ثم/ رجع ملک و هران للدولة الخامسة و هی دولة بنی زیان فملکها بعد أن استولی علی تلمسان أبو سعید بن عبد الرحمن بن یحیی بن یغمراسن الزیانی فأحیا (کذا) الدولة الزیانیة بعد العفاء و أظهرها بعد طول الخفاء و هو سادس الملوک الزیانیة، و عاشر القاسمیة، بویع له فی ربیع الأول سنة تسع و أربعین من الثامن بأرض إفریقیة و جاء مغربا و معه تجین و مغراوة و بنوا عبد الواد و لما حلّ بشلف فارقته تجین و مغراوة بعد التحالف علی المناصرة عند الحاجة و تمادی بنوا عبد الوادی بسلطانهم لتلمسان. و کان أبو عنان المرینی أقام بها عثمان بن جرار أحد بنی طاع اللّه فبعث لهم ابن جرار أخاه فی جیش للمحاربة فکان مصاف القتال بسکّاک فقتل ابن جرار و أخذ ما معه إلّا الیسیر و جاء أبو سعید لتلمسان فسأل عاملها ابن جرّار الأمان فأمن و دخلها أبو سعید فی جمادی الثانیة تلک السنة ، فبرز فی سماء الخلافة و شارک أخاه أبا ثابت فی المملکة فکانت السکة و الخطبة لأبی سعید، و أمر الحرب و استتباع الجیوش لأبی ثابت، و اختار أخوهما الأکبر أبو یعقوب سکنی ندرومة منقطعا للعبادة، و ترکا أبا الحسن المرینی بالمشرق فمهدا البلاد و دوّخا العباد. فبینما هما کذلک إذ أتاهما الخبر أن أبا الحسن نزل بالجزائر و معه و زمار بن عریف السویدی الهلالی علی ما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 179
لابن خلدون، و المخزومی،/ علی ما للحفاظ الثلاثة: أبی راس المعسکری، (ص 120) و موسی بن عیسی المازونی المغیلی، و ابن الخطیب التلمسانی القرشی، و تجین و عرب تلک النواحی، و أنه رایم تلمسان فخرج أبو ثابت بجیش عظیم و بعث لعلی بن راشد المغراوی فالتقیا بالتاغیة و اتفقا علی أن أبا ثابت یلقی أبا الحسن، و علیا بن راشد یلقی الناصر، فکان مصاف القتال بتیغرین و حصلت الحروب الشدیدة التی یشیب لها رأس الولید انهزم فیها المغراوی و ثبت أبو ثابت إلی أن هزم أبا الحسن و قتل ولده الناصر و أعیانه، و لو لا ظلام اللیل (کذا) ما نجا أبو الحسن و دخل و زمار بن عریف بأبی الحسن للصحراء إلی أن وصل لسجلماسة و ذهب مغرّبا و رجع أبو ثابت بالظفر و الغنیمة.
ثم قتل مغراوة بعض بنی عبد الوادی غیلة فتوجه لهم أبو ثابت و هم بالجبل المطل علی تنس و هجم علیهم ففرّ علی بن راشد لتنس و اقتحمها علیه فذبح علیّ نفسه و به انقرض ملک بنی ثابت بن مندیل و استولی أبو ثابت علی برکش و المدیة و ملیانة و الجزائر و رجع لتلمسان و کتب له أبو عنان المرینی علی الإقلاع علیهم فأبی و سمع بموت علی بن راشد فأنف و تحرک لتلمسان و لقیه أبو سعد و أبو ثابت بجیش بلغ منه الإعجاب بأنقاد و نزلوا بسلی فکان مصاف القتال بوادی القصب و لما حمی الوطیس خدعت بنو عامر علی عادتهم الذمیمة و جرّت الهزیمة عل أبی سعید و کبّ به فرسه فأخذ و قتل یوم السبت حادی عشرین جمادی الأولی سنة ثلاث و خمسین و سبعمائة و استمرّ/ أبو ثابت لتلمسان فأقام بها یوما و لحق (ص 121) بالجزائر فاجتمع عنده جیش عظیم و رجع به مغربا لعدوه فکان مصاف القتال بوادی شلف فوقعت حروب یشیب لها الرضیع و نکص بنو مرین الأعقاب فحمل و زمار ابن عریف السویدی علی أبی ثابت فردّهم علی أعقابهم و حصلت الهزیمة ففرّ أبو ثابت و أبو حمّ موسی و الوزیر یحیی بن داوود مشرقین فی ثیاب التنکّر فأرصدهم صاحب بجایة و أخذهم حولها فقال لهم الآخذون من هو أبو ثابت منکم فتقدم أبو حمّ و قال أنا فأطلقوا غیری فورد علیهم من یعرف أبا ثابت و هو و زمار بن عریف السویدی فحملهم إلی أبی عنان المرینی فقال أبو عنان
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 180
لأبی ثابت کیف رأیتم أبطال بنی مرین فقال أبو ثابت أعانکم السعد و أما الرجلة غلبناکم فیها فدفعه لبنی جرار فقتلوه قصاصا ثالث عشر رمضان تلک السنة و ذهب أبو حمّ لتونس فاستقرّ بها عند أبی إسحاق إبراهیم بن أبی یحیی زکریاء الحفصی فی نعمة شاملة إلی أن کان ما یأتی ذکره.

عودة وهران للدولة المرینیة

ثم رجع ملک و هران للدولة السادسة و هی المرینیة فملکها أبو عنان و ذلک أن أبا الحسن لما رجع للمغرب حصل الخلل بینه و بین ابنه أبی عنان علی الخلافة و غلبه ابنه علی ذلک إلی أن عهد له بها فرجع له ابنه و توفی سنة اثنین و خمسین من الثامن و دفن بسلا. و سبب موته أنه لما رجع من مقاتلة ابنه ابن عنان تمرّض. ففصد لإزالة الدم و اغتسل بالماء قصد الطهارة فتورّم و مات بعد أیام قلیلة و هو الذی شیّد بناء جامع سیدی أبی مدین، و بنا (کذا) جامع سیدی الحلوی. و لما مات تولّی أبو عنان فارس بن أبی الحسن بموضع أبیه و شرع فی تدویخ المغرب و تمهیده ثم غزی (کذا) تلمسان سنة أربع و خمسین من الثامن فحاصرها شدیدا إلی أن دخلها عنوة و أطرد (کذا) عنها سلطانها صاحب الحرب أبا ثابت للمشرق ثم قتله بعد الظفر به و ذبح سلطانها صاحب الأمر أبا سعید بإفتاء الفقهاء له بذلک و خرّب تلمسان فحرثها غلام أسود علی ثورین أسودین تلک السّنة. ثم تخطّا لوهران فملکها أیضا. و قد قال موسی بن صالح (ص 122)/ الکاهن المعروف عند الناس بموسی، و صالح المشهور بالکهانة، إن تلمسان تحرث فکان کما قال و کان هذا الکاهن یسکن ببرابرة غمرة و أرضهم من المشتل إلی الزّاب. قال ابن خلدون: «و اختلف الناس فی أمره فبعضهم یقول بکهانته و بعضهم یقول بولایته و لا صحة لخبره ه» و قول الحافظ أبی راس فی عجائب الأسفار: إن تلمسان حرثت سنة ستین من الثامن سبق قلم لأن أبا عنان کان میتا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 181
فی الستین و کانت تلمسان معمورة و هی حرثت فی حیاته وقت تخریبه لها. و کان أبو عنان عالما کبیرا یقرأ القرآن بالسبع . و قال الحافظ أبو راس فی الشماریخ:
أنه کان یقرأه (کذا) بالعشر، و أن أباه کان یقرأه (کذا) بالسبع و کان أدیبا کثیر الاعتناء بشعر ابن خمیس التلمسانی فهو علم الأعلام، و مستخدم السیف و الأقلام، و له بطش و بغض شدید فی الأمور حتی أنه حبس الإمام ابن مرزوق الخطیب لاتهامه فی تقصیره خطبة حفصة بنت سلطان تونس حتی قدم علیه شیوخ إفریقیة بالخراج فقالوا له سمعنا فی بلادنا أنک حبست عالما کبیرا فأمر بإطلاقه و قیل أطلق بعد موته و هو أول من اعتنا (کذا) بتعظیم المولد النبوی فی البلاد الغربیة فاقتدا (کذا) به أبو حمّ موسی بن یوسف الزیانی أحد الأعیاص و بنوا حفص بتونس لا سیما أبو فارس عبد العزیز الحفصی و توفی یوم الأربعاء رابع عشرین ذی الحجة الحرام سنة تسع و خمسین من الثامن و قد عاهد (کذا) بالملک لابنه أبی زیان فأبی أهل المجلس ذلک و عقدوا البیعة لأخیه السعید ابن أبی عنان و کان صغیرا ابن خمس سنین و جزموا علی الفتک بأبی زیان فأجبروه علی البیعة لأخیه فبایع له و تلفت مهجته. و استقل بالأمر الحسن بن عمر کافل الخلیفة السعید بن أبی عنان فصارت الخلافة للسعید و بقی تسعة أشعر ثم خلعه منها عمه أبو سالم إبراهیم بن أبی الحسن المرینی فی منتصف شعبان سنة ستین من الثامن .

عودة وهران للدولة الخامسة الزیانیة

ثم رجع ملک و هران للدولة الخامسة الزیانیة فملکها أبو حمّ موسی ابن یوسف الزیانی و ذلک أنه لما خلص من واقعة أبی عنان و ذهب لتونس/ فاستقر (ص 123) بها عند الملک الحفصی أبی إسحاق إبراهیم بن أبی یحیی زکریاء فی نعمة شاملة إلی أن جاءه من المغرب سقیر بن عامر الهلالی رئیس بنی عامر بقبیله
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 182
و معه مغراوة فجاؤوا مغرّبین به لجبل عیاض و منه للزاب و ریغة و وارقلا و جبل مزاب و واد زرقون و غزوا أولاد عریف ساروا إلیهم عشرة أیام بلیالیها (کذا) فصبحوهم بواد ملّال فاستباحوا مالهم و قتلوا کثیرا من رجالهم من جملتهم عثمان ابن و زمار بن عریف السویدی فهذه الواقعة هی باکورة السّعد. ثم جاءهم البشیر بموت أبی عنان فاستبشروا بنیل المراد. ثم بایعوه فی خامس محرم سنة ستین من الثامن و جاؤوا مغربین إلی أن وصلوا إلی مکرّة فسمع أهل وطن تلمسان فأتوه من کل حدب ینسلون (کذا) ثم زادوا لتلمسان و بها محمد بن أبی عنان فنزلها و حاصرها ثم دخل أقادیر بعد حروب فسأل منه بنوا مرین الأمان فأمّنوا و أسلموا البلد. و بایعوا أبا حمّ فدخلها بعد صلاة ظهر یوم الخمیس غرة ربیع الأول تلک السنة و لما جلس علی کرسی المملکة أنشأ یقول قصیدته المیمیة التی من الطویل الذاکر فیها أحواله من حین مجیئه من تونس إلی حال دخوله تلمسان مطلعها:
جرت أدمعی بین الرّسوم الطّواسم‌لما شطحتها من هبوب الرّواکم
وقفت بها مستفهما لخطابهاو أی خطاب للصعاب الصلادم
و انظر تمامها فی الدر و العقیان، أو بغیة الرواد، أو زهر البستان، أو دلیل الحیران، أو لباب اللباب، و کان أهم ما بدأ به الإحسان إلی أنصار الدولة ثم لوفود التهنئة ثم التفت إلی قبیله فاسترکب منهم فی یوم واحد ألفی فارس و ضبط ملکه و أسّسه و اجتمع بأبیه أبی یعقوب و ابنه أبی تاشفین فی عام الستین من الثامن فجهّز لأبیه جیشا دوّخ به المشرق و أخذ یحیی البطیوی بوانسریس أخذا وبیلا و فتح المدیة و ملیانة عنوة و أسر ما فیها من شیعة بنی مرین و اصطلح مع أبی سالم المرینی لما أفضت الخلافة إلیه فی عام الستین المار و جهز لابنه أبی تاشفین فی (ص 124) عام إحدی و ستین من الثامن/ جیشا لحرب أبی زیان بن أبی یحیی الراشدی ففرّ أبو زیان و استولی أبو تاشفین علی المال و الذراری، و لوزیره أبی محمد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 183
عبد اللّه بن مسلم جیشا لحرب محمد بن عثمان فهزمه الوزیر هزیمة بلیغة و جاءته البشارتان بالهزیمتین و فیها بایعته أهل البطحاء، و مستغانیم و مزغران و جهز جیشا بعثه مع وزیره موسی بن برغوث لفتح و هران فکانت الدائرة علی وزیره و هر جیشه و کبّ به فرسه فأخذ أسیرا و بعث به للمغرب و حرک علیه فیها أبو سالم المرینی بجنود کالجراد المنتشر فدخل تلمسان و خرج أبو حمّ و توجه للمغرب فدوّخه و بعد أربعین یوما فتح تلمسان من ید أبی سالم و دوّخ بنی وطاط کثیرا و مات فی تلک الواقعة سقیر بن عامر فحمله بجنازة الملوک و دفنه بالعبّاد و کان فی موته راحة له لأنه خادعه غفلة و أراد غدره لمیله لبنی مرین فأراحه اللّه منه و تلک عادة بنی عامر بکبیرهم و صغیرهم. ثم نهض للجبهة الشرقیة فدوّخها و فی سنة اثنین و ستین من الثامن فتح و هران عنوة علی ید أبی موسی عمران فارس الولادی و سلّم له أبو سالم المرینی الجزائر فاجتمعت له الجهة الشرقیة و جاءه محمد بن موسی الیزناسی طریدا فآواه و أحسن إلیه و للّه درّ القائل:
تطاول دائی فاستفزّ منامی‌و طال سهادی و استطال سقامی
و حرمت سبعا لیس للنفس بعدهامقام بطیب و جدّ حزامی
منامی و عقلی و الفؤادی و عبرتی‌و قلبی و لبّی و التذاذ طعامی
و اصطلح مع أبی سالم المرینی أمیر المغرب فردّ کلّ واحد الأساری لصاحبه و ذهب وزیره أبو محمد عبد اللّه بن مسلم للجهة الشرقیة فمهدها و مات والده أبو یعقوب بالجزائر فی شعبان تلک السنة فحمله و دفنه بباب أیلان و بنا (کذا) علیه المدرسة الیعقوبیة و نقله لجوار أخویه أبی سعید و أبی ثابت و لما کملت المدرسة نقل الثلاثة لها و جعل أطعمة و رتب أوقافا، و أتاه خالد بن عامر صحبة محمد بن عمر للاختلاس فبعث لهما ابنه أبا تاشفین و عمران بن موسی فهزمهما ببنی و رنید و رجع أبو تاشفین منصورا، و فی أربع و ستین من الثامن/ جهز جیشا کثیفا لوزیره و أمره بطرد أبی زیان الراشدی أو الفتک به و بخالد (ص 125) ابن عامر القاتل لأخیه شعیب بن عامر غدرا ففرّا و أطردا عن الوطن. و فی خمس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 184
و ستین منه جهز لوزیره جیشا لإطراد المنافقین فأزعجهم إلی المسیلة و مات و ولّی بموضعه أخاه عثمان بن مسلم فاجتمعت علیه الحشود فأرسل ابنه أبا تاشفین ثم لحقه فی جیشه و لما حل بالبطحاء نزل العدوّ بغلیزان و وقع الحرب بینهما یوما کاملا و أبو حمّ بمحلته ینظر ففرّ عنه الناس و لم یشعر إلی أن وجد نفسه منفردا بخاصته فارتحل لحضرته و تکالب علیه العدو و زاد معه إلی سیق کأنه جراد منتشر و اشتدّ القتال فی الثنیة فقطع رأس بعض أعیانهم فرجعوا منهزمین و ذهب لحضرته. و لقد انتکب ثلاث نکبات: واحدة بناحیة بجایة، و الأخری بتسکاله، و أخری بوانسریس، و الأمر للّه وحده. و فی سنة ست و ستین منه اجتمعت علیه العرب لأمر لم یرده اللّه فذهبوا خائبین و أذعنوا بالطاعة، و أتی سوید لبابه الکریم یتلمسون الرضی فأصفح (کذا) عنهم و عفا، و حضرت لیلة المیلاد النبوی علی صاحبه أفضل الصلاة و السلام فاحتفل لها کعادته و أنشد قصیدته الجیمیة المسمّة (کذا) بالمنفرجة المحتویة علی أربعین بیتا من بحر البسیط مطلعها بتمامها للفائدة فیها بالتوسل:
یا من یجیب دعا المضطر فی الدّیج‌و یکشف الکرب عند الضیق و الهرج
و لطف رحمته یأتی علی قنطإذا القنوط دعا یا أزمة الفرج
و من إذا حلّ خطب و اعتری توب‌أبدا (کذا) من اللطف ما لم یجر فی المهج
إنی دعوتک جنح اللیل یا املی‌دعاء مبتهل بالعفو مبتهج
یا کاشف الضر عن أیوب حین دعاقد مسّنی الضر فاکشف ضرّ کل شجّ
أنت المنجی لنوح فی سفینته‌و مخرج یونس من ضیقة اللّجج
یا من وقی یوسف الصّدیق کلّ أذی‌لما رموه بجبّ ضیّق حرج
أجاب یعقوب لمّا أن بکا و شکاو جاءه منه لطف لم یخله یج
و عاد بعد بصیرا حین هبّ له‌نسیم نشر القمیص الطّیب الأرج
(ص 126)/ نجّا من النّار إبراهیم حین رمی‌فیها و عادت سلاما دون ما وهج
یا من تکفّل موسی و هو منتبذبالیمّ فی جوف تابوت علی لجج
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 185 یا من أعاد لللّام بعد ما یئست‌موسی و قرّبه فی المرسلین نج
یا من کفی المصطفی کید الذی کفرواإذ جاءهم بکتاب غیر ذی عوج
یا من وقاه الرّدا فی الغار إذ نسجت‌ببابه عنکبوت خیر منتسج
و کلّ ما حاولوا مکرا به انقلبوابالرعب ما بین مکبوت و مرتعج
من قد أتی رحمة للعالمین و قدأحیا القلوب بوحی واضح الحجج
من عطّر الکون طیبا عند مولده‌و أشرق الأفق من نور له بهج
من أنزلت فیه آیات مطهّرةأنوارها کمصباح لاح منبلج
یبلی الجدیدین أخلاقا وجدناهمامع الجدیدین فی نور و فی بهج
فی طیها کل علم ظلّ مندرجاو أی علم لدیها غیر مندرج
و کم له معجزات ما لها عددجلّت عن الحصر من فرد و مزدوج
عمّت شفاعته للخلق أجمعهم‌فبالوسیلة ترقی أرفع الدّرج
محمد خیر خلق اللّه قاطبةنور الهدی و إمام الرسل ذی السّرج
یا حادی العیس عرّج نحو أربعةباللّه عج بی علی ذاک المحلّ عج
للّه قوم إلی معناه قد وصلوابالعزم إذ وصلوا الروحة بالدّلج
ساروا فزاروا و فرط الذنب أقعدنی‌و قد مزجت بدمعی دمی ممتزج
فالجسم منتحل و الدمع منهمل‌و القلب مشتعل من حرّه الوهج
و قد تقلّدت ما لا نستطیع له‌من الخلافة أوهنت قوّی حجج
یا ربّ عبدک موسی قد دعاک عسی‌تنیله نفحة من نصرک الأرج
فکن نصیری فقد أصبحت مکتئبافالقلب من نکد الأوزار فی السیرج
قد ضقت ذرعا بزلتی و کثرتهافما اعتذاری إذ ذاک نبت بالحجج
فکم قطعت من الأیام فی لعب‌و فی ضلال و کم ضیعت من حجج
/ و فی البطالة لهوا قد مضی عمری‌آه لتضییعه فی اللهو و المرج
(ص 127) و کم عصیتک جهلا ثم تسترنی‌و باب فضلک عنی غیر مرتتج
منّی الإساءة و الإحسان منک بدامنّی الذنوب و کل العفو منک زج
کم جدت بالفضل و الإحسان منک و کم‌سترت بالفضل عن أفاعلی السمج
إنی سألتک بالسرّ الذی ارتفعت‌به السموات و الأراضی لم تمج
أصلح بفضلک ما قد کان من خلل‌و اجبر بحلمک ما قد بان من عوج
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 186 و اجعل لنا مخرجا فی أثره فرجافکم تعامل بعد الضیق بالفرج
و صل صلاة علی المختار من مضرما لاحت الشّهب فی الأفق کالسرج
و تحرک لتدویخ المغرب بجمیع عساکره شرقا و غربا فنزل جبل دبدوجاس خلال دیاره ثم لثنیة تیزی، ثم فرط، ثم لثنیة بلزوز، و قریة تابرید، و غارت خیله لتازة ثم کرّ قافلا لتاوریرت فهدم أسوارها و خربها و عاد لحضرته العالیة فدخلها سنة سبع و ستین منه و صرف إلی کوّر قطره جمیع قواده فبعث إلی تجین راشد ابن أبی یحیی، و إلی منداس و نزمار، و إلی و انسریس إبراهیم بن محمد، و إلی شلف عطیة بن موسی، و إلی المدیة و ادفل بن عبّ، و إلی تدلس ابن راشد، و إلی وجدة موسی بن خالد. و حرک علیه فی سنة إحدی و سبعین من الثامن أبو فارس عبد العزیز أبی الحسن المرینی بجیوش عظیمة فأفرج له عن تلمسان و قصد نحو المشرق بجنوده فدخل لتلمسان أبو بکر بن غازی وزیر أبی فارس ثم دخلها أبو فارس المرینی فی أثره فی عاشوراء سنة اثنین و سبعین من الثامن و لما حل بقصر الإمارة ألفی مکتوبا بحائطه هذه الأبیات من شعر أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی و نصّها:
ساکناها لیالی آمنیناو أیاما تسرّ الناظرینا
(ص 128)/ بناها جدّنا الملک المعلّاو کنا نحن بعض الوارثینا
فلما أن جلانا الدّهر منهاترکناها لقوم آخرینا
فأمر عبد العزیز بتبدیلها فقالوا فی تغییرها:
سکنّاها لیالی خائفیناو أیاما تسوء الناظرینا
بناها جدّنا شیخ المعاصی‌و کنّا نحن شرّ الوارثینا
فلمّا أن جلانا السیف عنهاترکناها لقوم غالبینا
و نظیر هذا ما وقع للعلامة الشیخ أبی علی الحسن بن مسعود الیوسی رضی اللّه عنه فإنه لما رأی البیت التی (کذا) قیلت فی مدح مسیلمة الکذاب و هی:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 187 علوت بالمجد یا ابن الأکرمین أباو أنت غیث الوری لا زلت رحمانا
أبدلها بقوله:
سفلت بالکفر یا ابن الأرذلین أباو أنت شرّ الوری لا زلت شیطانا
قال التنسی فی نظم الدر و العقیان: و ما قاله المولی أبو حمّ و قیل فیه من الشعر فکثیر. و أما حروبه و وقائعه فی العرب و زناتة و سوق عمال بنی مرین إلیه فی السلاسل و حرکته إلی بلادهم و تحرکه علیهم و ما کان بینه و بینهم من الوقائع، فأمر لا یحاط به. و قد تولی ذلک صاحب بغیة الرواد و صاحب زهر البستان ه.
و کان رحمه اللّه له اعتناء بالعلم و أهله فی الغایة. و فی وقته کان شریف العلماء و عالم الشرفاء أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن علی بن یحیی بن محمد بن القاسم ابن حمّو فکان له محبا و معظما و درّس التفسیر بالمدرسة الیعقوبیة و حضر الخلیفة أبو حمّ للختم و أطعم الناس فکان موسما عظیما. و قول الحافظ أبی راس فی عجائب الأسفار أن أبا عبد اللّه الشریف و ابنی الإمام أبا زید و أبا موسی وفدوا علی أبی حمّ موسی بن یوسف فإنه صحیح بالنسبة لشریف العلماء، و سبق قلم بالنسبة لابنی الإمام لأنهما کانا فی وقت أبی حم الأول فی الوفود، لا الثانی فکلامه فیه تلفیف رحمه اللّه و صنف رضی اللّه عنه کتابا أدبیا لولده خلیفة عهده أبی تاشفین سمّاه: نظم السلوک فی سیاسة الملوک، أتی فیه بالعجب العجاب و أودعه من رائق نظمه ما یزری بأولی الألباب. ثم حصلت السعایة الخبیثة بینه و بین ولده أبی تاشفین الخلیفة من بعده فعمد أبو تاشفین لأبیه أبی حمّ و خلعه من الملک و أسکنه بعض حجر القصر و وکّل به من لا یدعه یخرج ثم استلبه من الأموال و الذخائر و بعثه لقصبة و هران فاعتقله بها و اعتقل سائر إخوته بتلمسان ثم/ قتلهم (ص 129) سنة ثمان و ثمانین من الثامن و بعث لأبیه بوهران من یقتله فأغلق الباب فی وجوههم و صعد لجدران القصبة و استصرخ أهل البلد فأتوه من کل جهة و تدلّی لهم بعمامته و الرهط واقف بباب القصبة فسألوا الأمان و طلبوا النجاة و اجتمع أهل البلد علیه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 188
و جدّدوا له البیعة و ارتحل من حینه لتلمسان فدخلها أوائل سنة تسع و ثمانین منه و أقام بملکه فسمع ابنه أبو تاشفین و هو بتیطری فجاءه مغلغلا قبل تمام الأمر فدخل علیه و أحیط به ففرّ للصومعة و استعصم فسأل عنه فأخبر به فأخرجه منها و أدرکه الندم و بکا (کذا) ثم عاد به للقصر و ربطه مع حجرة أعوذ باللّه من هذا العقوق فخلع أبوه نفسه و سلم له فی الملک و سأل منه التوجه للمشرق فی البحر بقصد الحج فجاء به لوهران و رکبه من مرساها مع نصاری القطلان مکبّلا للإسکندریة فلما وصل بجایة سأل من رایس السفینة إخراجه لها فأخرجه و لما حلّ بها جددت له البیعة و جاء متوجها لتلمسان مستجیشا کل من ببلدة الشرقیة من عرب و زناتة ثم ذهب مع الصحراء إلی ناحیة المغرب فنزل بوادی زا ثم جاء لتلمسان و فرّ أبو تاشفین أمامه لفاس خائفا عادیته لأمور وقعت منه فی إخوته فاستجاش بنی مرین فبعث معه السلطان أبو العباس أحمد المرینی زیان بن محمد الوطاسی بجیوش عظیمة و جاءوا لتلمسان فلقیهم أبو حمّ بجیشه بجبل بنی ورنید فاقتتلوا شدیدا و کبّ به فرسه فاستشهد رحمه اللّه بموضع یقال له الغیران من بنی ورنید غرة ذی الحجة الحرام سنة إحدی و تسعین و سبعمائة عن ثمان و ستین سنة بعد ما ملک إحدی و ثلاثین سنة. و هذا العجب الکبیر فی ملوک بنی زیان کل خلیفة اسمه أبی (کذا) حمّ یقتله ولده اسمه أبی (کذا) تاشفین علی الرئاسة. ثم ابنه أبو تاشفین عبد الرحمن بن أبی حم موسی بن یوسف الزیانی أحد الأعیاص فهو تاسع الزیانیین و ثالث عشر القاسمیین. فاستقرّ فی الملک و دوخ البربر و العربان و ملک من ملویة إلی جبل الزبان. و کان عین الجود و الکرم و معدن النزاهة و علو (ص 130) الهمم، فهو لیث النزال، و غیث النوال،/ فشمل الرعیة عدله و أمانه، و عمهم فضله و امتنانه و توفی علی سریر ملک سابع عشر ربیع الثانی و قیل رمضان سنة خمس و تسعین من الثامن .
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 189

عودة وهران للدولة السادسة

ثم رجع ملک و هران للدولة السادسة المرینیة فملکها أبو العباس أحمد ابن أبی سالم إبراهیم بن أبی الحسن المرینی سلطان المغرب و ذلک أنه لما سمع بموت السلطان أبی تاشفین الزیانی خرج من فاس لتازة و بعث ابنه أبا فارس لتلمسان فاستولی علیها و أقام بها دعوة أبیه ثم زاد لوهران و ملیانة و ما وراءها من الجزائر و دلس إلی حدود بجایة فملکها تلک السنة و انقرضت دولة بنی عبد الواد من المغرب الأوسط أمدا و اللّه غالب علی أمره. و لا زال السلطان أبو العباس بتازة إلی أن اعتراه مرض کان فیه حتفه فتوفی فی المحرم سنة ست و تسعین من الثامن .
ثم استدعی المرینیون ابنه أبا فارس من تلمسان فلما جاءهم بایعوه بتازة و رجعوا به إلی فاس فاستقل بالملک و تمهد له المغرب و منه ذهب ما تعلّق بحفظی من ملوک المرینیین إلی أبی سعید ثم منه إلی محمد بن أبی ظریف بن أبی عنان ثم منه إلی آخر ملوکهم عبد الحق بن أبی سعید الذی خلعه السید محمد بن علی بن عمران الإدریسی الجوطی و تولی مکانه سنة خمس و سبعین من التاسع فلذلک لم أذکرهم و لکون و هران خرجت عن ملکهم بالکلیة بل لم یملکها إلّا من تقدّم ذکره منهم.

عودة وهران للدولة الخامسة

ثم رجع ملک و هران للدولة الخامسة الزیانیة فملکها أبو زیان محمد ابن أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی و به انقطع ملک بنی مرین بالمغرب الأوسط فلم یملکه أحد منهم. و ذلک أن أبا تاشفین بن أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی لما توفی علی سریر الملک کما مرّ، تولی بموضعه ابنه أبو ثابت فبقی فی الملک أربعین یوما و دخل علیه عمّه أبو الحجاج فاغتاله. ثم تولی عمه أبو الحجاج
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 190
المذکور یوسف بن أبی حم موسی بن یوسف الزیانی منسلخ جمادی الأولی سنة خمس و تسعین من الثامن فجنّد الجنود و عقد الألویة و البنود. فلم تسامحه (ص 131)/ الأیام فی ملکه بامتداد الأوان بل أوغرت علیه صدور بنی مرین ففوّقوا له سهم أخیه أبی زیان، فخلعه لعشرة أشهر مضت من أیامه، و ترکته مخاصما مع أحلامه، و ذهب لبنی عامر و استقرّ فی أمان فوجه له من جرّعه کأس الحمام و کما تدین تدان.
ثم تولی أبو زیان المار غرة ربیع الثانی سنة ست و تسعین من الثامن و تولّع بالعلم فلم تخل حضرته من مناظرة، و لا عمرت إلّا بمذاکرة و محاضرة، فلاحت للعلم فی أیامه شموس، و ارتاحت للاستغراق فیه نفوس بعد نفوس، و صنّف کتابا نحا فیه منحا التصوف سمّاه: کتاب الإشارة فی حکم العقل بین النفسین المطمئنة و الأمارة، و نسخ بیده نسخا من القرآن و نسخا من الشفا لأبی الفضل القاضی عیاض و نسخة من صحیح البخاری و حبّسها کلّها بخزانته التی بمقدّم الجامع الأعظم بتلمسان و أتته هدیة من ملک مصر أبی سعید برقوق فوجّه له هدیة جلیلة و معها قصیدة لامیة من نظمه عدد أبیاتها خمس و ستون بیتا مطلعها:
لمن الرکاب سیرهنّ خمیل‌فالصّبر إلیّ بعدهنّ جمیل
و انظر تمامها فی نظم الدرر و العقیان للتنسی، و لم یزل فی دار ملکه مطاعا مدید الاطناب، مهابا مرهوب الجناب، إلی سنة واحد من التاسع تحرک علیه لتلافته، أخوه أبو محمد عبد اللّه مستجیشا ببنی مرین و کثیرا من أهل الوطن ففرّ منه و انخلع من خلافته، و توجه للمشرق یلتمس معینا أو منجدا و یطلب ناصرا و مؤیدا، و الدهر یمنیه بالآمال المکذوب و یعده مواعد عرقوب. و هو فی العرب و البرابر یتقلب من فئة لفئة، و دام إلی سنة خمس و ثمانمائة سنة، فاغتاله محمد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 191
ابن مسعود الوعزانی بعد أن أظهر له الخدمة، و قتله فی بیته منتهکا منه أعظم الحرمة فعاجله اللّه بانتهاکها بأعظم النعمة و الشدّة، و کانت مدته خمس سنین بالعدة.
ثم أخوه أبو محمد عبد اللّه بن أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی فخافه أرباب دولته، و شرفت به بنوا مرین بعد أن کانوا من شیعته، فدبّر/ الجمیع فی (ص 132) خلعه أمرا أبرموه باللیل فلم یشعر إلی أن دهمته فی مملکته من مرین الرجال و الخیل فأسلمته أحبابه الذین رکن إلیهم، و کان یعوّل فی المهمات علیهم فاعتقل و أخرج فی هیئة توجب النحیس و الغولة (کذا) و عوض مکانه محمد بن خولة، و حمل من حینه للمغرب وحیدا، مستوحشا فقیدا. ثم أبو عبد اللّه محمد بن خولة ابن أبی حمّ بن یوسف البارع سنة أربعة من التاسع فکانت أیامه خیر أیام، و دولته خیر دولة و عزّ و إحکام فهو عقدهم الثمین و مغناهم التام المکین. و لما توفی فی ثالث عشر من التاس بإثبات کتب علی قبره هذه الثلاثة الأبیات (کذا):
یا زائرین لقبری فیقوایسکن فی القبر زائرا و مزورا
ترکنا ما قد کسبنا تراثاو سکنّا بعد القصور قبورا
یا إله الخلق فالطف بعبدعاد بعد الغنا إلیک فقیرا
ثم ابنه أبو زید عبد الرحمن بن محمد بن أبی حمّ موسی و هو ممّن لم تمد له الأزمان. و لا کان له علیها معوان، و لا ساعده علی ما تقلّده إخوان، فانقض علیه عمه السعید لیث العرین المفلت من أشراک بنی مرین، و هجم علیه فی قصر إمارته و خلعه لشهرین و أیام من ولایته، فصح فیه قول الشاعر من البسیط، المقتضی لکل معنی مرکب و بسیط:
لا تطمئن إلی حظّ حظیت به‌و لا تقل باغترار صحّ لی و ثبت
فما اللیالی و إن أعطت مقادتهاإلّا عدا المرء مهما استمکنت و ثبت
ثم عمه السعید بن أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی فوجد حضرة الملک
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 192
مملوءة معمّمة، من بدرات نقود متمّمة و سلع مرزّمة، و عتاق خیل مسوّمة، و جالت فیها ید الجود إلی أن صیرته للعدم بعد الوجود، و بقی فی أثوابه رافلا و عن عواقب أموره غافلا إذا بأهل فاس من کل معاند وجّهوا له غفلة أخاه عبد الواحد، بعد ما مکث خمسة أشهر و نصفا فأسرع به أخوه تلفا و خرج السعید (ص 133) للقائه. و کان ذلک سببا لشقائه و لما استقر فی بسیط/ واحد أدلج لیلا عبد الواحد بعد إبرامه الأمر مع الرؤساء و الرعیة فأدخلته البلد لیلا جماعة الرحویّة، و أقام لهم النذیرة علی الأسوار مشاعیل النیران علامة لمن هو بالمحلة علی الإقامة، و لما سمعوا أصحاب السعید انصرفوا عنه و بقی کالوحید و لم یتأمل فی السابق قول الشاعر القائل بتحذیره لکل عارف ماهر:
إنّ اللیالی لم تحسن إلی أحدإلّا أساءت إلیه بعد إحسان
ثم أخوه الهمام الماجد أبو مالک عبد الواحد بن أبی حمّ، موسی الشائع، سادس عشر رجب سنة أربعة عشر من القرن التاسع فنفق فی أیامه سوق الأدب، و جاء بنوه إلیه ینسلون من کل حدب، فینقلبون بخیر الحقائب ظافرین بجزیل الرغائب. و لما قصده من الأندلس محمد بن أبی طریق بن أبی عنان المرینی قال له وقت التسلیم و الاقتباس أنا فی حسب یغمراسن بن زیان حتی تعیننی علی فاس، فقال له وصلت و جهز له الجیوش و أعطاه الأموال و آلة الملک و أرسل معه العمال حتی استولی علی فاس و ملکه فی قصّته المشهورة، و دوّخ مملکة المغرب الأقصی، فکانت من مناقبه المأثورة، و استمرّ عبد الواحد فی الملک إلی سنة سبع و عشرین و ثمانمائة فخلعه ابن أخیه محمد بن أبی تاشفین المعروف بابن الحمرا علی ید أبی فارس الحفصی صاحب تونس فخرج من تلمسان متوجها للغرب. ثم ابن أخیه أبو عبد اللّه محمد بن أبی تاشفین بن أبی حمّ موسی بن یوسف فقابل الدّهر أیامه بالإسعاد، حتی صارت کالمواسم و الأعیاد. ثم فسد ما بینه و بین أبی فارس فأبدل سعیده بالناحس. و سببه أن
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 193
عبد الواحد لما توجه للمغرب حاول الحرکة لتلمسان، فلم یتمّ له الأمر و لم یکن المعان، و وجه ابنه لتونس عند أبی فارس فأکرمه و کتب معه لأبیه بالقدوم فأرصده أبو عبد اللّه و أوتی به إلیه فقتله و نظر مکاتب التونسی فهذا سبب الأمر مع ما تقدم بینهما من الکلام. ثم توجه عبد الواحد لتونس و واعده الحفصی بالانتصار و هو ذاهب للجرید فاستعمل ابن أبی حامد/ وزیر عبد الواحد مکاتب علی ألسنة رؤساء (ص 134) الوطن یسئلونه القدوم نحوهم و ذهب بها لأبی فارس و قال له أنّ أهل بلدنا یحبوننا و إذا کانت رائحتک معنا و لو فارسا نلنا المراد و هذه مکاتبتهم فأراها له فقال له نحن متحرکون و إذا وصلنا لقسنطینة بعثنا معکم قائدها جاء الخیر فرجع الوزیر لعبد الواحد و أخبره فقال له هلکتنا فقال له أن الحفصی قد أفسد فی المرة الأولی أموالا و لم یدرک شیئا منها و إذا ذهب معنا صاحبه فإن ربح فذلک و إن خسر فیأتی لثأر ما ضاع له فبعث معهم العلج و أخذ أخذا شنیعا فتحرک أبو فارس مع عبد الواحد و حصر تلمسان شدیدا فخرج أبو عبد اللّه لجهة الغرب و دخلها عبد الواحد و رجع التونسی لبلده و بقی أبو عبد اللّه فی الجهة الغربیة ثم توجه للشرقیة فدخل برکش و تنس ثم توجّه لتلمسان فی جیش عظیم فدخلها و فرّ عبد الواحد صبیحة تلک اللیلة فطلع علیه النهار و نزل علی جواده و دخل شیشة بقرب باب کشوط بالمطمر فنظرته عجوز من أکابر عبد الوادی فدخلت علیه و جرّدته من ثیابه و صاحت بعبد الواد فدخلوا علیه و ذبحوه و جرّوه إلی حمام الطبول و رموه هنالک. و لما استقرّ أبو عبد اللّه بحضرة ملکه وجّه عماله للنواحی فطار الخبر لأبی فارس فحرک له من فوره و لما قرب تلمسان خرج أبو عبد اللّه و ذهب لبنی یزناسن فأقام أبو فارس بعض قواده الأعلاج بتلمسان و لحقه لبنی یزناسن و حاصره فزیّن له بعض أصحابه الرجوع لأبی فارس فرجع و أظهر له أبو فارس السرور و البشری و الترحب (کذا) ثم قبض علیه و علی أصحابه فکان آخر العهد بهم ثم رجع أبو فارس لتلمسان و أخذ مشرقا فقیل له من یقوم بها فقال ما لها إلّا أحمد العاقل فأخرج منها عامله و انصرف للشرق.
ثم الماجد الفاضل الحلیم الکامل النحریر الباسل، أبو العباس أحمد العاقل بن أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی فأظهر العدل فی الرعیّة، و سار فیما تملکه بالسیرة المحمودة المرضیّة و بانت شهامته و نجدته، و قوّته و شدّته، ثم عجز
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 194
عن النهوض و کلّ، و تلاشا (کذا) ماله و اضمحلّ و استولی المتغلبون علی (ص 135) الأوطان، و عثوا الثّری زناتة و العربان، و دامت/ دولته علی هذه الحالة اثنین و ثلاثین سنة حتی استوفت أیامه المکتوبة بأتمّ سنة. فقام علیه أخوه أبو یحیی زکریاء ابن أبی حمّ موسی بن یوسف سنة ثمان و ثلاثین من التاسع فبایعه موسی ابن حمزة و سلیمان بن موسی و عبد اللّه بن عثمان و توجه لتلمسان فلم یتم له المراد، و انعطف بوهران، فاستولی علیها و کانت بینه و بین أخیه أحمد العاقل حروب استمرت بیده إلی سنة اثنین و خمسین من التاسع فاقتحمها عمّال أخیه أحمد و دخلوها فهرب أبو یحیی فی البحر بما خفّ و نزل ببجایة ثم زاد لتونس إلی أن مات بها. و قام علیه أیضا حفید أخیه و هو أبو زیان محمد المستعین بن أبی ثابت بن أبی تاشفین بن أبی حم فی أواخر إحدی و أربعین من التاسع من تونس و توجه للمغرب و بایعه بوطن حمزة أولاد باللیل ثم ملیکش ثم ابن عمر موسی أهل أیلیلی، ثم الثعالیة و بعض حصین، ثم زاد للجزائر فحاصرها إلی أن أقرّ بعضها و أذعن البعض فدخلها أولا ابنه المتوکل سنة اثنین و أربعین منه ثم دخلها أبوه المستعین عشیة ذلک الیوم و ذهب ابنه المتوکل فمهّد متیجة و فتح المدیة و ملیانة و تنس و خطب له بجمیعها استقلالا و قصدته الناس حتی من تلمسان و عظم أمره علی أحمد العاقل حتی نسی أمر أخیه أبی یحیی ثم ثقلت و طأته علی أهل الجزائر و العرب فقاموا علیه فی ثلاث و أربعین منه و حاربوه فاستشهد مع جماعة من أصحابه و نجا ابنه المتوکل لکونه بتنس لأمر أراده اللّه.
و قام علیه أیضا ابن أخیه أحمد بن الناصر بن أبی حمّ موسی سنة خمسین من التاسع مع جماعة فلم ینجح له الأمر و أوتی به لأحمد العاقل فقتله و کان ذلک سبب بناء السور العظیم المدیر علی القصر الزائد لتلمسان حسنا. و حرک علیه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 195
أبو فارس الحفصی من تونس بالبحر الزاخر من الجیوش و مات قبل أن یصله بوانسریس کما مرّ.
ثم نهض أبو عبد اللّه محمد المتوکل علی اللّه بن محمد المستعین بن أبی ثابت بن أبی تاشفین بن أبی حمّ موسی بن یوسف الزیانی سنة ست و ستین من التاسع من ملیانة ثائرا علیه و توجه للمغرب و النصر یلوح أمامه فاستولی/ علی بنی راشد ثم هوارة ثم مستغانیم و مزغران ثم فتح و هران ثم زاد لتلمسان (ص 136) فأقام علیها یومین و دخلها فی الثالث و هرب أحمد العاقل لسیدی أبی مدین فأوتی له به فمنّ علیه و صرفه للأندلس و استقلّ بالملک. ثم حرک علیه أحمد العاقل لما رجع لهذه العدوة فی جمع من الناس و حاصره بتلمسان فانتصر علیه المتوکل و عاجله بأمنیته سنة سبع و ستین من التاسع و دفنه بالعبّاد و نجا صاحبه محمد ابن غالیة بن عبد الرحمن بن أبی عثمان بن أبی تاشفین فبقی فی الغوغاء علیه محاصرا للبلد إلی أن قام علیه أهل البلد فقتلوا البعض من جمعه و فرّ الباقی و ذهب محمد بن غالیة لوجدة و استقرّ بها لقصد الضرر و صار یأتی مرة بعد أخری للضواحی إلی أن جاء به حتفه مرة مع الأوباش بجبل بنی ورنید فسمع به المتوکل و بعث له جندا و حصل مصاف القتال بالجبل المذکور و وقع القتال الذریع فتفرق الجمع و أوقع الجند فیهم فکان ابن غالیة من جملة الصرعی فقتل سنة ثمان و ستین من التاسع و جی‌ء برأسه للمتوکل فوضعه فی طست أصفر و دعا بمن یعرفه فمیزوه و عرفوا عینه ثم جی‌ء من الغد بجسده فدفن مع العاقل بالعبّاد. و نظم الحافظ التنسی فی هذه القضیة و مدح المتوکل و أولاده قصیدة طائیة مشتملة علی مائة بیت و أربعة أبیات عدد الکتب المنزلة انتخبها من بحر الطویل مطلعها:
أرقت لدمع من جفونی ینحطّکنثر نفیس الدّرّ أن خانه السّمط
و انظر تمامها فی الدر و العقیان للتنسی. و توفی یوم الأحد ثالث عشر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 196
ربیع الثانی سنة إحدی عشر من العاشر بعد ما ملک خمسا و أربعین سنة و اثنین و عشرین یوما.
ثم أخوه أبو حمّ و یقال له أبو قلموس عبد اللّه بن محمد فقام علیه (ص 137) الإسبانیون و أخذوا من یده و هران ثم الأتراک و أخذوا من یده الجزائر/ و غیرها فهو ممن لم یهن له فی الملک قرار، و لا استقرت فی المملکة عمارة و لا دار، آخر ملوک بنی زیان الذین یشار إلیهم بالملک جسما، و لمن تغلب علیهم رسما، و عجز عجزا کلیا عن الدفاع، و صار غیر نافذ الکلمة و لا مطاع.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 197

الدولة السابعة: الإسبان‌

اشارة

ثم ملک و هران الدولة السابعة، و هم الإسبانیون و یقال لهم السبنیول سموا بذلک نسبة لمدینة إسبانیا بقطع الهمزة المکسورة و سکون السّین المهملة و فتح الباء الموحدة من أسفل بعدها ألف ساکن ثم نون موحّدة من أعلا مکسورة ثم یاء مثنات من تحت بعدها ألف مقصورة. و خالف أبو الفداء فی ضبط غیر الهمزة و السین المهملة فقال و إسبینیا بقطع الهمزة المکسورة من تحت و سکون السین المهملة و کسر الباء الموحدة من أسفل و بعدها یاء مثنات من تحت ساکنة و کسر النون الموحدة من فوق و فتح الیاء المثنات من تحت و فی آخرها ألف مقصورة و هی قاعدتهم القدیمة و دار ملکهم القویمة، و قد تلاشت و بقی الاسم لها کما فی عجائب الأسفار لأبی راس الحافظ، و بهجة الناظر للشیخ المشرفی شیخ الحافظ أبی راس. و أما الآن فقاعدة ملکهم مدینة مادرید باللام و هی مدینة الطاغیة و یقال لها مادرید بالدال. و کان یقال لها سابقا ما تریج بالتاء و الجیم و هی حذاء طلیطلة. و مسکنهم کما فی کتب الحافظ أبی راس و کتاب شیخه الشیخ المشرفی، بأرض الأندلس من قطلان و برشلونة من جهة الشرق إلی إسبونة فی جهة الغرب، و یجاورونهم (کذا) الدبرقیز و هم البرتغیر ببعض الغرب، و الفرانسیس من جهة الشرق، و جبل الطار داخل فی تخومهم إلّا أنه بید الإنکلیز. و قال صاحب الجغرافیا جاءت إسبانیا بین إفرانسا و البحر الأوسط و البرتقال و الأوقیانوسیا فتحدها إفرانسا فی شمالها الشرقی و یحدّها البحر الأوسط فی شرقها و جنوبها و یحدّها البرتقال فی غربها و یحدّها الأقیانوسیا فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 198
(ص 138) غربی شمالها و جنوبها، فهی جزیرة/ غیر کاملة لکونها لا تتصل بالبر إلّا بجبل البرینی الفاصل بینها و بین إفرانسا فهی فی أقصا جنوب أوروبا الغربی و لیس بینها و بین عدوة الغرب إلا بوغاز جبل طارق القلیل العرض. و مساحتها خمسمائة ألف کیل متر و هی خمسمائة ألف میل یزید أو ینقص شیئا لأن الکیل متر عند النصاری یشابه المیل عندنا تقریبا. و ملکهم منذ مدة مدیدة و هو یلقب بالملک الکثولیکی و معناه المتبع للبطرک و هو الباب و ابتداء ملکهم فی القرن الخامس من المیلاد المسیحی علی صاحبه و علی نبینا و کافة الأنبیاء الصلاة و السلام و کانوا علی عدة ملوک.
و اختلف فی أول من ملک أرض الاسبانیین و هی الأندلس للآن علی أربعة أقوال. فقال بعض مؤرخی النصاری أن أول من ملک أرض الإسبانیین هم الإبریّون نسبة إلی جدهم الابر مجهول الأصل، ثم الفنیسیان، قیل أنهم الفرس و ملوکها مدة ثم الیونانیون نسبة لجدّهم یونان بن یافث، ثم القرطاجیون، و بنوا بها مدینة یقال لها قرطاجنة، ثم الرومان و منهم الروم، ثم الفندال و هم أمة من الجهة الجوفیة من بر الافرنج خرجوا من بلدهم الکائنة بقرب بحر البلطیک و مرّوا ببلد الجرمانیة و هی بلد النامسة و بلد الغول و هی إفرانسا و توجهوا فی أوائل القرن الخامس المسیحی إلی اسبانیا و هی بلد الأندلس فاستقروا بها و تدینوا بدین المسیح عیسی بن مریم علیه السلام. غیر أنهم کانوا یعدون من الروافض المتبعین لشیخ یقال له أریوس، ثم الإفرنج، ثم القبریقوا ، ثم العرب فی آخر القرن الأول من الهجرة، ثم الإسبانیون استقلالا للآن بعد أن حاربوا المسلمین علیها نحو الثمانمائة سنة. و قال آخر منهم أن المملکة الإسبانیة کانت تحت حکم الرومان، فیما مضی من قدیم الزمان، و فی آخر القرن الأول من الهجرة فتحها الإسلام و بقیت ملوک النصاری مع الإسلام فی حروب متتابعة مدة ثمانمائة سنة إلی أن غلبت النصاری المسلمین علیها سنة سبع و تسعین و سبعمائة من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 199
الهجرة فبقیت فی ملک/ الإسبانیین للآن .. و کانت إسبانیا فی السابق من دول (ص 139) أوربا الکبار لکونها کانت لها أملاک کبیرة فی أمریکا الجنوبیة و قد تملکوا علیها سنة سبع و تسعین و سبعمائة من الهجرة بسبب ظهور ذی معرفة منهم من العلماء البحریین المنجمین یقال له کریستوف قلومب (کولومب) فکشف علی أمریکا التی لا معرفة لهم بها قبله فتملکوا علی أعظم جزء منها و علی عدة أجزاء بجوانبها و استمرت بأیدیهم إلی أن نزعت منهم سنة سبعة عشر و مائتین و ألف من الهجرة لاجتماع أهلها علی الحکومة الجمهوریة التی هم علیها للآن و خرجوا عن حکمهم فلم یبق لهم بأمریکا إلا جزیرة کوبا و لذا لا تعدّ مملکة إسبانیا من کبار دول أوربا الآن لانحطاطها عن مقامها الأول ه.
و قال ابن خلدون أول من سکن الأندلس بعد الطوفان الأوربیون نسبة لجدهم أوروب من ولد طوبال بن یافت و دخلوا فی طاعة الروم. ثم ملکها القوط نسبة لجدهم قوط من ولد ماغوغ بن یافت ثم لحق بهم القلنش من الروم الإغریقیین و باسم القلنش سمّیت الأندلس لما عرّبت. و قال ابن سعید المغربی و الحافظ أبو راس فی الشماریخ أول من عمّر الأندلس أندس بن یافث بن نوح و أخوه سبت بن یافت بن نوح بالعدوة المقابلة لها و إلیه تنسب مدینة سبتة فبقی أولاد أندس به ملوکا دهرا. ثم ملکها إشبیلان بن طیطش الرومی و به سمّیت إشبیلیة لما عرّبت. و طیطش هذا هو الذی فتک ببنی إسرائیل و جلاهم الجلوة العظیمة التی سلّط اللّه علیهم بها الذلّ حتی انقطع ملکهم انقطاعا کلیا للآن.
و نقل من آثار الهیکل المبارک بالقدس إلی طلیطلة حتی وجد ذلک موسی بن نصیر بها فبعثه إلی الولید بن عبد المالک الأموی بدمشق. ثم أنّ الأندلس تغلب علیهم الاغریق و هم الاغریقیون من الروم فبقوا دهرا ثم أخذها منهم القوط ملک
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 200
منهم بطلیطلة أحد قواعد الأندلس ستة و عشرون ملکا. و آخرهم لذریق الذی قتله طارق بن زیاد غلام موسی بن نصیر فی خلافة الولید بن عبد الملک سنة اثنین و تسعین من الهجرة و تزّوج امرأته، و من بقایا ذریة ملوکهم صارة بنت المنذر والدة اللغوی النحوی العلامة أبی عبد اللّه محمد بن عبد اللّه المعروف (ص 140) بابن القوطیة/ بضم الواو المتوفی سنة سبع و ستین و ثلاثمائة بقرطبة و أصله من مرسیة مدینة بالأندلس. قال الشبراملسی و قوط هذا هو أبو السّودان و السّند و الهند. و قال شیخنا الزیانی فی دلیل الحیران ثم أن إسبانیا لما تملکها الرومان انقسمت مملکتها علی خمسة أقسام. فقسم یقال له الأقاسط لتملّکهم علیه و قسم یقال له الألی، و قسم یقال له الأراق، و القسم القبلیّ یقال له النفار، و قسم یقال له القطلان، و جملة الأقسام الخمسة یقال لها إبیری. ثم قال لها ها إسبانیا ثم قیل لها إسبانیا بترک الهاء، و کانت تسمیتها بإسبانیا وقت اجتماعهم علی ملک واحد و ذلک سنة ثمان و ثمانین و ثمانمائة من الهجرة و قیل غیر ذلک. و سکّانها و قتئذ ستة عشر ملیونا و نصفا، و الملیون ألف ألف. و أرضهم جیّدة للغراسة لا للفلاحة، و ما یستنبت. و لذلک عظمت فاکهتها. و یوجد بها من الخیل المسومة و البغال المقوّمة، و الحمر الفارهة ما یرتضی. کما یوجد بها معادن الحدید و النحاس و الرصاص و الزواق إلّا أن الغالب علی أهلها الفقر لقلة الصناعة عندهم کما غلب علیهم القساوة و الفظاظة، و شدة البغض، و الحقد، و الضل، و العداوة، و کثرة سفک الدماء و الجهل. و تنقسم مملکتهم إلی ثلاثة عشر ولایة، منها ثمانیة ساحلیة بشاطی‌ء البحر و هی: غلیسیا و إستوریا و قسطیلیة القدیمة و الأقالیم البسکیة و کتسالونیا، و بلنسیة و مرسیة و أندلسیة مع غرناطة القدیمة و منها خمسة داخلیة و هی: أرغون و نافرا و لیونی و استرمارودة و قسطیلیة الجدیدة.
و أشهر مدنها مادرید التی هی الآن قاعدة ملکهم و قد استولی علیها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 201
الفرانسیس سنة ست و عشرین من القرن الثالث عشر ثم برشلونة و هی ذات مرسی کبیرة علی البحر الأوسط من أکبر مراسی إسبانیا و أخص مراسی البحر الأوسط. ثم بلنسیة ثم إشبیلیة ثم مالقة ثم سرقسطة ثم قادس و یقال لها قالس باللّام بدل الدال و هی علی البحر المحیط المغربی و لها مرسی عظیمة حصینة.
و قد استولی علیها الفرانسیس سنة أربعین من القرن الثانی عشر/ ثم غرناطة، (ص 141) و کانت قاعدة أحد ملوک الإسلام، ثم السهلة، و شاطبة، و شریش، و طلیطلة، و روندة، و طرطوشة، و قرطبة، و طریف، و میورقة، و منورقة، و یابسة ، و بطلیوس، و قطلان، و صقلیة، و هی سلسلة و غیرهم. و بها جبال کثیرة أکبرها جبل برینی ثم سیارنقادا، ثم سیاربونیل، ثم سیارکوادلوب، ثم جبال الأستوریة، ثم جبال طلیطلة.
و بها أودیة کثیرة أکبرها نهر إبرة، ثم دوروا، ثم ناغوا، ثم مینوا، ثم الواد الکبر، ثم کرادیانا.

أنهار الشمال الإفریقی و العالم‌

و أما هذه العدوة و غیرها فقال الحافظ أبو راس فی الشماریخ، و نهر المغرب الأقصی وادی الربیع و یمتنع عبوره أیام الأمطار فتنظره داخلا فی البحر المغربی نحو السبعین میلا عند أزمّور و منبعه من جبال درن. و ینبع منها نهر آخر ببلاد درعة إلی أن یغوص فی الرمال قبلة سوس الأقصی. و نهر ملویة منبعه من جبال قبلة تازة و یصبّ فی البحر الرومی عند غسّاسة. و نهر المغرب الأوسط شلف و هو لبنی واتیل و یقال لهم بنوا و اطیل منبعه من جبال راشد و هو جبل العمور و یدخل إلی التل من بلاد حصین ثم یمر إلی أن یصبّ فی البحر الرومی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 202
ما بین کلمیتوا و جبل عیاشة أحد بطون مغراوة. و نهر المغرب الأدنا مجردة یصب فی البحر الرومی عند بنزرت علی مرحلة من تونس. ثم قال صاحب بهجة الناظرین و آیة المستدلین، أن عدد أنهار الدنیا الکبار مائتان و سبعون نهرا. و عدد العیون الکبار مائتان و ثلاثون عینا و هی فی الأرض کالعرق فی البدن. و قال صاحب الخریدة أنّ بهذا الرّبع المسکون مائتی نهر کل نهر منها طوله خمسون فرسخا إلی ألف فرسخ. فمنها ما یجری من المشرق إلی المغرب و عکسه و منها ما یجری من الشمال إلی الجنوب و عکسه و کلها تنبع من الجبال و تصب فی البحر. فمن الأنهار العظیمة بالمشرق النیل، و الفرات، و الدجلة، و سیحون، و جیحون، و أن النیل المبارک لیس فی الدنیا أطول منه لأنه مسیرة شهرین فی الإسلام، و شهرین فی الکفر، و شهرین فی البریة، و أربعة أشهر فی الخراب، (ص 142)/ و مخرجه من جبل القمر خط الاستواء. و سمی بذلک لأن القمر لا یطلع علی ذلک الجبل أصلا لخروجه عن الخطّ، و میله عن نوره و ضوئه، فیخرج من بحر الظلمات من تحت جبل القمر و أنه ینبع من اثنتا عشرة عینا، و قیل مبدؤه من خلف خط الاستواء بإحدی عشر درجة. و ذهب بعضهم إلی أن مجراه من جبال الثلج و هی بجبل قاف. و أنه یخترق البحر الأخضر بقدرة اللّه تعالی و یمرّ علی معادن الذهب و الیاقوت فیسیر ما شاء اللّه إلی أن یأتی لبحیرة الزنج. قال حاکیه و لو لا دخوله فی البحر المالح و اختلاطه به لما کان یستطاع أن یشرب منه لشدة حلاوته و أنّ اللّه تعالی سخر للنیل کل نهر علی وجه الأرض فی المشرق و المغرب و ذلّله له فإذا أراد اللّه تعالی أن یجری نیل مصر أمر کل نهر أن یمده فإذا انتهی جریه إلی ما قدّره اللّه تعالی أمر کل نهر أن یجری إلی عنصره. و مصداق هذا أنک تری النیل مخالفا لکل نهر علی وجه الأرض لأنه یزید إذا نقصت و ینقص إذا زادت لأنها تمدّه بما بها و اللّه أعلم. قال صاحب الخریدة و قد حملت الشیاطین مقرس الأول و هو عبقام إلی هذا الجبل فرأی النیل کیف یخرج من البحر الأسود و من تحت جبل القصر فبنا (کذا) فی صفح (کذا) ذلک الجبل قصرا فیه خمس و ثمانون تمثالا من نحاس جعلها جامعة لما یخرج من هذا الماء من هذا الجبل بقدر مصاب فی أحکام مدیدة یجری الماء منه إلی تلک التماثیل فیخرج من حلوقها علی قیاس معلوم و أذرع قدرها ثمانیة عشر ذرعا فی کل ذراع
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 203
اثنان و ثلاثون أصبعا و الزائد یغیض إلی الرمال ثم یصب إلی أنهار فیصل لبطحتین و یخرج منهما للبطحة المجمعة فیشق جبالها المعترضة و یخرج نحو الشمال مغربا فیخرج منه نهر واحد و یفترق فی أرض النوبة فتصب منه فرقة إلی أقصی المغرب و الأخری إلی مصر منحدرا منها إلی أسوان ثم ینقسم فی صحاری البلاد علی أربعة فرق کل فرقة إلی ناحیة ثم یصب فی بحر الإسکندریة. و أن رجلا من ولد العیص بن إسحاق بن إبراهیم علیه السلام یسمی حاید لما دخل مصر و رأی عجائبها ءالا (کذا) علی نفسه أن لا یفارق النیل إلی منتهاه أو یموت فسار ثلاثین/ سنة فی العمران و مثلها فی الخراب حتی انتهی إلی بحر أخضر فرأی النیل یشقّه (ص 143) فرکب به دابة سخرها اللّه له وعدت زمانا فوقع فی أرض حدید جبالها و أشجارها حدیدا ثم أخری نحاسا جبالها و أشجارها کذلک، ثم علی ثالثة فضة جبالها و أشجارها فضّة، ثم رابعة ذهبا جبالها و أشجارها کذلک، ثم انتهی إلی سور متّسع من ذهب و فیه قبّة عالیة من ذهب لها أربعة أبواب: ثلاثة تغیض فی الأرض و هی سیحون، و حیحون، و الفرات، و الرابع یجری علی الأرض و هو النّیل و أنه أتاه ملک حسن الهیئة فسلم علیه و قال له هذه الجنة سیأتیک رزقک منها فلا تؤثر علیه شیئا من الدنیا فبینما هو فی ذلک إذ أتاه عنقود عنب له ثلاثة ألوان أحدها کاللؤلؤ، و الثانی کالزبرجد الأخضر، و الثالث کالیاقوت الأحمر، فقال له الملک یا حاید هذا من حصرم الجنة فأخذه و رجع فوجد شیخا تحت شجرة تفاح فحدّثه و أنّسه و قال له یا حاید خذا هذا التفاح و کله فقال إن معی طعاما أغنانی عن تفاحک فقال صدقت إنی أعلم به و بمن أتاک به و هو أخی و هذا من الجنة أیضا و لم یزل به الشیخ إلی أن أکل منه و حین عضّ علی التفاحة رأی الملک یعضّ علی أصبعه و یقول له أتعرف هذا هو الذی أخرج أباک من الجنة و لو قنعت بالعنقود لأکل منه أهل الدنیا و لم ینفذ و هو الآن مجهودک إلی مکانک فبکی حاید و ندم و سار حتی دخل مصر و صار یحدّث بما رأی فی سفره من العجائب. ه.

جبال العالم‌

و جملة جبال الأرض سبعمائة و تسعون جبلا و کلها طویلة عظیمة و ارتفع علیها جبل بالشام باثنا عشر میلا. و إلی عدد هذه الجبال و ارتفاعها و ارتفاع جبل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 204
الشام علیها أشار الشیخ: أبو زکریاء یحیی بن سعید السوسی، ثم السملالی، فی رجزه: خبر الزمان بقوله:
و عن مقاتل فلما دوّرت‌الأرض بالجبال حیث ثبتت
کانت علی الماء تمید دائرةإلی الیمین و الشمال سائره
فسلّط الریح علی الماء یضربه‌حتی أعاد زبده و لعبه
فأمر عزّ و جلّ رجعت‌جمیع موجه جبالا جمدت
(ص 144)/ عدّتها خاء کذا یقال‌قاف و ظاء بعدها مشال
إلی أن قال:
جبال الأرض کلها طول عظام‌و جبل بالشام من فوقها قام
زاد علیها یا أخی للأعلاو طوله عنها بییا میلا

موقع إسبانیا و الأقالیم الأرضیة

و محل إسبانیا من ممالیک أوربا هو الجزء الثامن عشر و ذلک أن الأقدمین من أهل الجغرافیة کالإدریسی قسموا معمور الأرض إلی سبعة أقسام و سموها أقالیم جمع إقلیم، کل إقلیم بکسر الهمزة کقندیل فیه سبعمائة فرسخ فی سبعمائة فرسخ من غیر أن یدخل ذلک جبل و لا واد. و البحر الأعظم محیط بذلک کله و یحیط به جبل قاف. نصّ علیه ابن الجوزی، و نقله عنه الشیخ إبراهیم الشبرخیتی فی شرحه المختصر الشیخ خلیل المالکی فی باب الجهاد منه لدی قوله کتأمین غیره إقلیما فجعلوا السند و الهند إقلیما واحدا، و الحجاز إقلیما، و مصر بشامه و غربه إقلیما واحدا، لاتحاد دینه و میقاته، و بابل إقلیما، و الروم إقلیما، و أضاف له بعضهم الشام و الترک و یاجوج و ماجوج إقلیما واحدا و الصین إقلیم، و أضاف له بعضهم ما ولاها من یاجوج و ماجوج. و أن المتأخرین منهم، و منهم النصاری، قسموه إلی خمسة أقسام أصلیة و هی: أوربا، و آسیا، و إفریقیا، و أمریکا؛ و جزائر أوقیانوسیا، فأما أوربا فجزؤها علی ثمانیة عشر مملکة، فمنها ثلاثة فی شمالها و هی جزائر الإنکلیز، و مملکة سوید، مع نرفیج، و مملکة دینرمک، و منها واحدة فی شرقها و هی الموسک. و منها ستة فی وسطها و هی:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 205
افرانسا، و البلجیک، و هلاند، و الممالک المعاهدة و یقال لهم الألمان، و لتریش و هم النامسة، و سویس . و منها ثمانیة فی جنوبها و هی: إسبانیا، و برتقال، و طلیان، و مملکة القریق، و هم الیونان، و نصف مملکة الترک، و الرملی، و السّرب، و الجبل الأسود. و هذا القسم هو الصغیر بالنسبة للأربعة الباقیة. و أما إیسیّا فجزؤها علی تسعة ممالیک و هی: بلاد سبری، و نصف مملکة الترک أیضا، و بلاد/ التتار، و مملکة العجم، و أرض الصین، و أرض یافون، و بلاد (ص 145) الهند، و بلاد السند، و جزیر العرب. و أما إفریقیا فجزؤها علی ستة ممالیک و هی: مملکة مراکش، و بر الجزائر، و مملکة تونس، و مملکة طرابلس، و مملکة مصر، و بلاد الصحراء. و أما أمریکا فإنها شمالیة و جنوبیة فالشمالیة جزؤها إلی أربعة ممالیک و هی: أمریکا المسکوبیة و بیرثانیا الجدیدة، و بلاد اللیتانوزی، و بلاد المکسیک. و الجنوبیة جزؤها إلی ثلاثة ممالیک و هی: بلاد قلوسبیا، و بلاد بیر، و مملکة بریزیل. و أما جزائر أوقیانوسیا فإنها لا تضبط کغیرها لکثرة جزائرها، و فی کل من هذه الأقسام عدّة حصن، و قری، و مدن، و شعاب و أودیة ممتدین بین أوربا و إفریقیا و أمریکا. و البحر المحیط الأکبر و هو ممتد بین آسیا و أمریکا و البحر المحیط الهندی و هو ممتد بین إفریقیا و آسیا و أوقیانوسیا.

محیط الدائرة الأرضیة

و حاصله أن دور الأرض فی کتب الأوائل أربعة و عشرون و ألف میل و لما بلغ المأمون العباسی ذلک أراد تحقیقه أمر بنی موسی الذین ینسب إلیهم جبل بنی موسی المشهورین و هم محمد بن موسی ابن شاکر و أخواه أحمد و الحسین و کان لهم همم عالیة فی تحصیل العلوم القدیمة و کان الغالب علیهم الهندسة، و الحیل، و الموسیقی بتحریر ذلک فسألوا عن الأراضی المتساویة فأخبروا بصحراء سنجار و وطأة الکوفة فأرسل معهم المأمون جماعة یثق إلی أقوالهم فساروا إلی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 206
صحراء سنجار و حققوا ارتفاع القطب الشمالی و ضربوا هناک و تدا و ربطوا فیه حبلا طویلا و مشوا إلی الجهة الشمالیة علی الاستواء من غیر انحراف حسب الإمکان و بقی کلما فرغ حبل نصبوا فی الأرض و تدا آخر و ربطوا فیه حبلا آخر کفعلهم الأول حتی انتهوا کذلک إلی موضع قد زاد فیه ارتفاع القطب الشمالی المذکور درجة محققة و مسحوا ذلک القدر فکان ستة و ستین میلا و ثلثی میل ثم وقفوا عند موقفهم الأول و ربطوا فی الوتد حبلا و مشوا إلی جهة الجنوب من غیر (ص 146) انحراف و فعلوا ما شرحناه/ حتی انتهوا إلی موضع قد انحطّ فیه ارتفاع القطب الشمالی درجة و مسحوا ذلک القدر فکان ستة و ستین میلا و ثلثی میل ثم عادوا إلی المأمون و أخبروه بذلک فأراد المأمون تحقیق ذلک فی موضع آخر فسیّرهم إلی أرض الکوفة فساروا إلیها و فعلوا کما فعلوا فی أرض سنجار فوافق الحسابات و عادوا إلی المأمون فتحقق صحة ذلک و صحة ما نقل من کتب الأوائل لمطابقة ما اعتبره ثم ضربوا الأمیال المذکورة فی ثلاثمائة و ستین و هی درج الفلک فکان الحاصل أربعة و عشرین ألف میل و هو دور الأرض. قال أبو الفدا أقول کذا نقله ابن خلکان و نقل غیره من المؤرخین أن الذی وجد فی أیام المأمون لحصة الدرجة الستة و ستون میلا و ثلثا میل و هو غیر صحیح فإن ذلک هو حصة الدرجة علی رأی المتقدمین و أما فی أیام المأمون فإنه وجد حصة الدرجة ستة و خمسین میلا و قد تحقق ذلک فی علم الهیئة ه. ثم اقتدی النصاری بذلک فی جعلهم لمعرفة مساحة الأرض علامتین أحدهما (کذا) للتحقیق و هی سلسلة الحدید و الأخری للتقریب و هی البوصلة و الجبر.

أصل الإسبان‌

و أعلم أنه لا خلاف فی أن الإسبانیین من ولد یافث بن نوح علیه السلام.
و إنما الخلاف فی کونهم من ولد یافث لصلبه أو من ولد حفیده و هل هم إخوة الفرنج أو من الروم. فقال الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار، و الإسبانیون هؤلاء من اللیطنیین و هم الکتیم و کانوا من أعظم ملوک العالم. و قال أیضا فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 207
الشماریخ و اللیطنیون من ولد لیطن بن یونان. و قال فی موضع آخر منه أن اللیطنّیین و هم الکتیم المعروفون بالروم من بنی یونان. و قال فی موضع آخر أیضا منه و المحققون ینسبون الروم جمیعا إلی یونان الإغریقیین، و اللیطنیین. و یونان معدود فی التوریة من ولد یافث لصلبه و اسمه فیها یاقمان. و عن البیهقی أن یونان ابن علجان بن یافث و لذا یقال لهم العلوج و أن الشعوب الثلاثة و هم الإغریقیون و اللیطنیون و العلوج من یونان، و اللیطنیون من ولد لیطن بن یونان کما مرّ و أن الإسکندری الرومی منهم ه. و فی الإصحاح العاشر من التوریة/ أن اللیطنیین (ص 147) و هم الکتّیم من ولد کتّیم بن یونان بن یافث بن نوح. قال شیخنا الزیانی فی دلیل الحیران فأنت تری أنهم من ولد یافث بلا خلاف و إنما الخلاف فی وجه اتصالهم به علی ثلاثة أقوال و مرجعها إلی قولین و هما کون یونان ولد یافث لصلبه أو حفیده. و الصحیح أنه حفیده، لأن یافث له اثنا عشر ولدا علی الصحیح و هم:
کومر، و یاوان، و ماغوغ، و طوبال، و ماسخ و طیراش، و ماذای، و شئویل، و علجان، و أندس، و ست، و سوس، و أن الإسبانیین أخوة الفرنج و هم الفرنسیس، و الطلیان، و البرتقال، لاشتراکهم فی اللتانة و الکتولیکیة و هی اتباعهم للبطرک و هو الباب و ضربهم للناقوس و اعتکافهم علی الأصنام فی البیع.
و قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأخبار، لا شک أنهم فرقة من الروم لا من الفرنج بدلیل ما ذکره شهاب الدین الخفاجی علی الشفا من أن کتاب النبی صلی اللّه علیه و سلم الذی کتبه إلی هرقل عظیم الروم یقال له بالرومیة أراقلیوش یدعوه للإسلام هو الآن عند ملک طلیطلة. و قد أراه لابن الصائغ النحوی لما أوفده علیه سلطان مصر قلاوون، ثم قال أیضا و قد سمعت أنه عند النامسة المجاورین للموسک ه. و معلوم أن الإسبانیین هم الذین أخذوا منا طلیطلة. و فی الأنیس المطرب أن الناصر بن المنصور لما غزی (کذا) الأندلس بجیش یضیق عنه الفضاء و سمع الفنش (الفونسو) و ملوک النصاری بذلک و اهتزمت منه ملوک الروم جاءه منهم بیونة لإشبیلیة مستسلما خاضعا بهدیة عظیمة مقدما بین یدیه کتاب النبی صلی اللّه علیه و سلم الذی کتبه لهرقل عظیم الروم یستشفع به و یعلمه أن الملک عنده
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 208
موروث لأکابر عن أکابر و أن هذا الکتاب عندهم یتوارثونه محفوظا مطیبا فی حلة خضراء فی وسط صندوق من ذهب مملوء مسکا و طیبا تعظیما و إجلالا لحقه، فقضی له أمیر المؤمنین مآربه و ذلک سنة سبع و ستمائة ه . و الروم هم بنوا الأصفر و سمّوا بذلک إما لکون جدهم اسمه الأصفر أو لأنه کان أصفر اللون أو لأنه کان بخدیه خاصة صفورة، أقوال ثلاثة. و کان اجتماع الإسبانیین علی ملک واحد سنة ثمان و ثمانین و ثمانمائة من الهجرة .

قائمة ملوک الإسبان‌

و أول ملوکهم المجتمعة علیه تلک السنة فردنند و زوجته إیزابیلة مشترکین (ص 148) فی المملکة/ و بقی فی الملک خمسا و ثلاثین سنة و خلع. و لما استقر فی الملک غزی (کذا) غراطة فی رجب سنة خمس و تسعین من التاسع و بها سلطانها أبو عبد اللّه محمد حسن فنزل بمرجها و أفسد زرعها و رجع ثم جهز لها جیشا عظیما فی ثانی عشر جمادی الثانیة ست و تسعین منه فنزل بمرجها أیضا و حاصرها و ضیق علیها إلی أن أخذها صلحا علی سبعة و ستین شرطا وقعت بینه و بین أهلها منها: أن یکون التأمین بجملة الناس، و أن یکون بقاؤهم فی أماکنهم، و أن یقیموا (کذا) شریعتهم کما کانت، و أن لا یتعرضوا لها بتغییر و لا استثناء أمور، و أن تبقی المساجد علی حالها، و أن تبقی الأوقاف علی حالها، و أن تکون الحریة لجمیع المسلمین مؤبدة، و أن لا یدخل نصرانی دار مسلم، و أن لا یغصبوا أحدا، و أن لا یتولی علی المسلمین یهودی و لا نصرانی، و أن یطلقوا جمیع أساری غرناطة، و أن من هرب من أساری غیرها لها لا یرد لمالکه بل یأخذ ثمنه من عند السلطان، و أن من أراد الانتقال لا یمنع، و أن الذهاب یکون فی مدة معینة فی مراکب السلطان بلا کراء، و من زاول الأجل فیلزمه الکراء مع تعشیر ماله، و أن لا یؤخذ أحد بذنب غیره، و أنّ من أسلم من النصاری لا یلزم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 209
بالرجوع لذلک الدین، و أنّ من تنصّر من المسلمین یوقف حتی یظهر حاله، و أنه لا عقاب علی من قتل نصرانیا أیام الحرب، و أن لا یؤخذ منه ما سلبه منهم أیام العداوة، و أن لا یکلف المسلم بضیافة أجناد النصاری، و أنهم لا یزیدون فی المقام علی العتاد، و أن ترفع عن المسلمین جمیع المظالم، و أن ترفع عنهم جمیع المغارم، و أن لا یطلع النصرانی للسور، و أن لا یتطلع علی دور المسلمین، و أن لا یستطلع علی عوراتهم، و أن لا یدخل لمساجدهم، و أن یسیر المسلم فی بلاد النصاری آمنا من کل شی‌ء، و أن لا یجعل المسلم علامة کما یجعلها الیهودی، و أن لا یمنع المؤذن من الأذان، و أن لا یمنع المصلی من الصلاة، و أن لا یمنع الصائم من الصیام، و أن لا یمنع الحاج من الحج، و أن لا یمنعوا المسلمین من إقامة المواسم، و أن لا یتعرضوا لهم فی النکاح و غیره، و أنّ من ضحک من النصاری علی المسلمین یعاقب، و أن لا یحجروا علیهم فی مقابرهم، و أن یوافق علی کل شرط من الشروط صاحب رومة، و أن تکون موافقته بخط یده، و خاتمه معا، إلی غیر ذلک من بقیة الشروط. و دخل أهل البشرات فی ذلک و کان/ دخوله لها فی ربیع الأول سنة سبع و تسعین منه و ذهب سلطان (ص 149) غرناطة لفاس بأن خرج علی ملیلیة فاستقر به إلی أن مات و ذهب عمه أبو عبد اللّه محمد الزغلی صاحب إش (کذا) للمغرب الأوسط فخرج علی و هران و نزل بتلمسان و استقر بها إلی أن مات و کان خروجها فی آخر شوال تلک السنة و صفت الأندلس بأجمعها للنصاری و لا حول و لا قوة إلّا باللّه. فکان أول ما أخذوا لنا مدینة طلیطلة سنة ثمان و تسعین من الخامس أخذها اذفونش بن فراند بن هراند صلحا من ید الأمیر الظاهر من ولد إسماعیل بن عبد الرحمن ناصر الدولة الهواری. و آخر ما أخذوا لنا مدینة غرناطة سنة سبع و تسعین من التاسع و إنا للّه و إنّا إلیه راجعون. و إلی ذلک أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
طلیطلة هی باکورة فتحهم‌من الهواری رجعت لأذفنس
ءاخر ذلک غرناطة حلّ بهاما لقت شقرة من الویل و الرکس
من بعد عزّ بنی نصر و مواقهاطاغیة ینظرهم نظر الشوس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 211

غزو المرسی الکبیر و وهران‌

ثم جهز جیشا لوهران و غزاها فملک برج مرساها فی أول ربیع الثانی سنة إحدی عشر من العاشر قاله الحافظ أبو محمد عبد اللّه قاضی نهر بنی راشد.
و لما ملکوها استقروا بها إلی أن تقدموا لوهران فدخلوها فی آخر المحرم سنة أربع عشر من العاشر و هو العام الذی مات فیه صاحب المعیار، قاله التغریری، و الشیخ أحمد بابا، و المدیونی، و الیفرینی، و قال الحافظان: الصباغ، و أبو راس، و غیرهما کان ذلک فی صفر سنة خمسة عشر من العاشر، بمداخلة یهودی غدار للمسلمین و ذلک أن الیهود الذین بوهران تحت ذمة المسلمین أتی واحد منهم یقال له زاوی بن کبیسة المعروف بابن زهو بجیش النصاری للمدینة غفلة و أدخلهم لها سرا بالحیلة فقام الجیش لباب المدینة الموالی للمرسی ففتحه لیلا و أخذ العساسین و هما: عیسی بن غریب العریبی، و الغناس بن طاهر العبدلّاوی، و صار الجیش یدخل و یخرج و نکبوا المسلمین قتلا و سبیا و کان ذلک وقت أبی قلموس الزیانی./ و قد عجز عن دفاعهم عجزا کلیا و إلی ذلک أشار الحافظ (ص 150) أبو راس فی سینیته بقوله:
خامس عشر من عاشر أناخ بهاالإسبانیون أهل الشرک و الرجس
جحافل الکفر قد حموا جوانبهاو عن دفاعهم عجز أبو قلمس
و لما مکنوهم من المدینة شرطوا علیهم برج المرسی فأنزلوهم به وفاء بالعهد و إلیهم ینسب برج الیهودی الذی بهیدور و جعلوا لهم الصولة العظیمة التی لا توصف علی المسلمین فکانوا یخرجون لبنی عامر لقبض الضریبة کالملوک ثم تخیّل منهم النصاری بعد ثمانین سنة ما یکرهونه فأخبروا سلطانهم بذلک فأمرهم بطردهم مخافة أن یفعلوا بهم ما فعلوا بالمسلمین من الخدیعة.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 212

غارات الإسبان علی أحواز وهران‌

و کان طاغیة النصاری بوهران اسمه دک، و لما استقل قدمه بها صار یشن الغارات علی المسلمین إلی أن دخل فی طاعته کرشتل، و بنو زیّان، و الونازرة، و قیزة، و غمرة، و حمیان، و شافع، و أولاد عبد اللّه، و أولاد علی، و غیرهم من بنی عامر و لم یخرج عن طاعتهم من المجاورین لهم بوهران إلّا مخیس و الرّفافة المستقرین بین البحر و جبل هیدور مع جبل قیزة. و صار الداخلون فی طاعته شیعته الذین ینصرونه و یعتمد علیهم فی جلب الأخبار و المسیر بهم فی الطرق فی اللیل و النهار. و اتخذ منهم الجواسیس الذین یقال لهم المغاطیس، فقویت شوکته، و اشتدت قوته و تعددت غزواته علی الأقربین و الأبعدین و الأنزلین و الأصعدین و خلا له الجوّ إلی أن صارت ملاتة و سیرات من جملة بلاده التی تحت یده و شداده، یتردد بها فی لیله و نهاره. و لا منازع له فیها باضطراره و اختیاره و تکرّرت غزواته علی هبرة و الحرب بینه و بینهم سجال، إلی أن تلاشوا و حل بهم الاضمحلال و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلی العظیم، و ما النصر إلا من عند اللّه العزیز الحکیم، و إلی هذا أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
و عاث دک ببطحتیها مجتلباعلی الإیمان فلم یبل بمفترس
و رجّ أرجاءها لما أحاط بهافأبدلت شمّ أعلامها بالفطس
(ص 151)/ و شحنت بخنزیرهم و صلبانهم‌مواضع الإیمان بها ذو توس
کم تولیت بها من آیة محکمةفبعد طهرها قد ملئت بالنجس
کأنها ما حوت شمسا و لا قمرالم یدر فی الناس و العالی من النّدس
خلا له الجوّ فامتدت یداه إلی‌إدراک ما لم تنل رجلاه مختلس
عمّرها بعدنا بخبث مالقةشناضیض کالیعافرة و التیس
و سار سیرته فینا من أعقبه‌و کلهم مقتف آرغون و إفرانس
فغزوا هبرة بموضع یقال له یعلوا من جبال سیرات و ذلک أن هبرة کانوا نازلین بیعلوا فغزاهم دک بها و تقاتلوا شدیدا قتل من الطلابة (کذا) ثلاثون و مقبرتهم بها تسمّی للآن بمقبرة الطلبة بالطریق لأنها اندرست و من هبرة تسعون شجاعا و انجرح أربعون. و من إسبنیول ثلاثمائة و انجرح ثلاثون و ترکوا ثقالهم و فرّوا هاربین و ارتکب هبرة ظهورهم إلی حجار الروم بالجانب البحری من وادی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 213
سیق فرجعوا عنهم. ثم غزوهم بسیدی الأخضر من بلاد حمیان فکان القتال بین الفریقین شدیدا و صبر لهم هبرة صبر الکرام انجلا الأمر فیه علی موت مائتی شجاع من هبرة و انجراح ثلاثین و موت ما یزید علی الستین من السبنیول و انجراح ما یزید علی السبعین. ثم غزوهم بیعلوا ثانیا و کان المصاف أسفل العقبة و نشبت نار الحرب بینهما وقت الضحی فلا تری إلا رجال هبرة کأنها أسود هائجة فی القتال یکرّون علیهم الکرّة الهلالیة مرة بعد أخری و حصلت الدائرة علی الإسبنیول و أعان هبرة رجال شداد من بنی شقران و مع السبنیول خیول أولاد علی، و حصلت الهزیمة فی الإسبانیین بسبب أولاد علی بعد ما مات من الإسبانیین عدد کثیر و من أولاد علی ما یزید علی الخمسین و رکبت هبرة و بنوا شقران أکتافهم إلی وادی سیق و غنم هبرة و بنوا شقران جمیع الأثقال و ذاع الخبر فی ذلک الیوم بفعل هبرة بالسبنیول. ثم غزوهم بعوینت الزیتون من بلد العبید، الشراقة خرج لهم من مزغران غفلة/ فأثخن فیهم کثیرا و مات منهم ما بین الرجال (ص 152) و النساء و الذراری ما یزید علی السبعمائة فضلا عمن انجرح، و أخذ لهم النصاری جمیع ما وجدوه عندهم من الدواب و غیرها و کان ذلک بإعانة أولاد حمدان من مجاهر فصار عدد هبرة یقل. ثم غزوهم بسیدی مبارک و ذلک أن هبرة کانت مفترقة فی النزول ما بین سیرات الشرقیة و الغربیة و الساحل و الجبال و لم یکن منهم إلا البعض من أولاد هدّاج بن هبرة بسیدی مبارک بن بخباخ فصکّهم السبنیول و معه جیشه من قیزة، و الونازرة، و غمرة، و شافع، و حمیان، و کرشتل، و بنی زیان، و أولاد عبد اللّه، و أولاد علی، و أحاط بهم إلی أن أسرهم عن آخرهم فبلغ الخبر لأخوتهم فأتوهم مسرعین و حصل القتال بینهم و بین العدو ففکوا جمیع الأساری من یده بعد أن مات من رجالهم فی ذلک الیوم ما لا یعدّ و ضعف بذلک حالهم و دخلهم التلاشی فذهب السبنیول بغنیمة الأموال و رجع هبرة بأساری أخوتهم من الصبیان و النساء و الرجال. ثم غزوهم بسیدی عبد المؤمن من مزغران و کان خندقا عظیما بالطرفا و غیره فکانت الدائرة لهبرة علیهم و منحهم اللّه النصر فقتلوهم مقتلا شنیعا و ظفروا بهم و بأموالهم بحیث ناب للواحد من هبرة من النّاضّ ما یزید علی الثلاثین ریالا کبیرا و فضلا عن غیره. ثم غزوهم به ثانیا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 214
من وهران بأن أتوهم مع الساحل و خرجوا لسیدی عبد الرحمن الصّماش و هبرة فی غفلة إلی أن کادوا یصلونهم و هم مفترقون فی النزول و لما بلغهم الخبر بغتة فزعوا لسیدی عبد المؤمن بن عبد الرحمن و أعلموه بذلک فقال لهم لا خوف علیکم هم غنیمة لکم. و کان هبرة بشرق وادی هبرة العدوّ بغربه و هو حاجز بینهم و لم یخرج السید من خلوته فبینما هم فی الرجاء و الخوف و إذا بوادی الحمام أتی حاملا حملة منکرة و کذلک وادی سیق و صار العدوّ بین الوادین فی الغرق فرکبت هبرة ظهورهم أخذا و قتلا و لم ینج منهم إلا القلیل و قد غرق أکثر الإسبانیین بالماء و أخذت هبرة دوابهم و أثقالهم و من ثم سمی سیدی عبد المؤمن بحمّال الویدان (ص 153) للآن. و وقائع هبرة مع الإسبانیین کثیرة و من أراد استفاءها فلیراجع الکتاب/ الذی اسمه: القول الیقین فی وقائع هبرة مع الإسبانیین للحافظ أبی العباس أحمد ابن محمد الشقرانی. و کان هبرة فی القتال مع الإسبانیین و سوید غیر عامرة و لذلک ضعف حالهم و تلاشا (کذا) أمرهم. و سبب مقاتلتهم مع سوید أن هبرة کانوا یتعرضون للمسلمین الفارین من الأندلس لهذه العدوة لما تغلب علیهم الإسبانیون بها و حیث ینزلون بمرسی رزیو یذهبون لهم هبرة فیأخذون ما بأیدهم حتی أنهم یشقون بطون المهاجرین ظنّا منهم أنهم یبتلعون الناض أو غیره، فسمع بذلک ولی اللّه الأکبر سیدی محمد أقدار التجینی الذی ضریحه بسدّار مینا المتوفی سنة خمس و ستین و ألف فامتلأ غیضا و حرّض أحمید العبد کبیر سوید و قیل حرض ابنه أحمد بن أحمد العبد علی غزو هبرة المنتهکین لحرمة المهاجرین فأتاه من السّرسو بجنود سوید و وافق ذلک ختم صحیح البخاری فی یوم الجمعة فزحف إلی هبرة و کافة بطونهم بتلک الجنود الکثیرة العدد و وقع المصاف بسدار العامری المسمی الآن بالغمری و وقعت بین الفریقین حروب عظام فانهزمت جموع هبرة و رکبت سوید أکتافهم فقتلوا منهم کیف شاؤا و کان جملة من قتل من هبرة مائتان و عشرون من الأبطال فمن ثم انکسرت شوکتهم و قلّ عددهم و اضمحلّ جمعهم و افترقوا فی الأعراش فلم یبق بمحلهم إلا دوار واحد یسمی بهبرة للآن مع تسلط الإسبانیین علیهم أیضا. و لما تراکمت علیهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 215
المحن من الإسبانیین و سوید صارت نساؤهم تجتمعن لیلا فی وسط الحلل و تقلن برفع الصوت تداولا کلام فصیحهم (کذا) و یسمون ذلک بالتبواش و من جملة کلام فصیحهم (کذا):
فینا بین النار یا رب و الناربین انصارت دک و انصارت قدّار
أنت المعین بالعزیز القهّاریا رب علینا دبّر
میتین و عشرین قعدت فی مشواردوار من الملاح ما عزّه دوّار
الموت من الإله و السّبّ قدّارلا بد الحی یفتکر
و هبرة هؤلاء هم علی الصحیح أولاد المقداد بن مهاجر بن سوید بن عمارة ابن مالک بن زغبة بن أبی ربیعة بن هلال بن صعصعة بن معاویة بن بکر ابن هوازین بن منصور بن عکرمة بن زید بن حفصة بن قیس ابن/ غیلان بن إلیاس (ص 154) ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، فهم عرب هلالیون مضریون من بطون زغبة کما فی الجزء السادس من ابن خلدون فی ترجمة مالک بن زغبة فی شجرته.
فهم سوید خلافا لابن الخطیب الحکیم التلمسانی القرشی القائل بإنهم ملتقطون. و بطونهم تسعة و هم الدّعامشة أولاد دعماش بن هبرة، و الهدادجة أولاد هداج بن هبرة، و الملایلة أولاد ملّال بن هبرة، و المکاثریة أولاد مکثر ابن هبرة، و الفطانسة و یقال لهم فطناسة أولاد فطناس بن هبرة، و الدعاعنة أولاد دعنان بن هبرة، و الصواوقة أولاد صواق بن هبرة، و العزایزة أولاد العزیز و یقال له عبد العزیز بن هبرة، و الدواودیة أولاد داوود بن هبرة و منهم السید محمد ابن داود ءاغة الدوایر و أخوه السید عبد القادر بن داوود ءاغة سعیدة و أبناؤهما فهم من أعیان المخزن وقتئذ بوهران. ثم غزا الإسبانیون بنی شقران برمال عین أبوس الشرقیة علی ید جبور بن حسنة من أولاد سیدی محمد بن حسنة بحیث صعد لهم مع وادی فرقوق و الحمام و وادی تخوارت إلی أن وصلهم فأثخن فیهم بالقتل و السبی إثخانا عظیما إلی أن أذعنوا له بالطاعة.
ثم فردینة فیلیب الأول تولی سنة ثلاث و عشرین و تسعمائة بعد خلع الذی قبله و بقی فی الحکم عشر سنین و خلع و لما تولی أقرّ دکّ بوهران علی حاله
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 216
و أمره بالغزو علی المسلمین الذین بهذه العدوة فاشتدت شوکته علیهم و أبلاهم بلاء عظیما و اقتدی به من أتی بعده من عمال النصاری بوهران مثل إفراسیسک و ابن یالبة و أجوان‌JUAN و غیرهم من الإسبانیین الذین لم یحضروا حفظی و قتئذ. فغزی سنة خمس و عشرین من العاشر قلعة بنی راشد لما سأل منه الإعانة علیها أبو قلموس و قصدها فی جیش عرمرم (کذا) ما بین جیشه و جیش أبی قلموس فنزل ببراقها و هو الجبل المطل علیها من ناحیة البحر و نصب به مدافعه و رمی الکور علی القلعة فخرج أهلها و معهم أمیرها إسحاق الإسکندر شقیق خیر الدین باشة الجزائر فسألوا الأمان فأمنوا و لما تمکن النصاری منهم قتلوهم عن آخرهم و الأمر للّه وحده. قال الحافظ أبو راس فی الحاوی و کان (ص 155) الشیخ/ سیدی محمد الشریف الزهار دفین الجزائر أحد تلامذة القطب سیدی أحمد بن یوسف الراشدی بالقلعة قبل مجی‌ء الإسکندر و الأتراک إلیها یدخل المسجد حافیا و یقول أنا أنجسه قبل أن ینجسه الکفّار فلم یکن إلا قلیل حتی قدم عروج و الإسکندر و الأتراک فذهبوا لتلمسان فبقی فیها عروج و رجع الإسکندر للقلعة فحصر بها و دخل النصاری للجامع الأعظم و نجّسوه کما قال. ثم کارلوص و هو شارل الأول تولی سنة ثلاث و ثلاثین من العاشر و بقی فی الملک أربعین سنة و استمرت و هران فی حکمه. فجهّز جیشا عظیما لغزو مزغران ففتحها عنوة فی أواسط الستین من القرن العاشر تحت رئاسة الطاغیة الفرطاس و لما سمع بذلک خیر الدین باشة الجزائر تألم کثیرا و جمع جیوشا من کل جهة و قصد مزغران فنزل علیها و قاتلها شدیدا و أمنحه اللّه النصر فأثخن فیهم قتلا و أسرا و سبیا إلی أن فتحها عنوة زوال یوم الجمعة خامس عشر ذی القعدة الحرام سنة خمس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 217
و ستین من العاشر و لما فرغ من القتال أمر بجمع الرؤوس فجعلت تلا إلی أن رءاها (کذا) نصاری مرجاجو بوهران. و فی هذا الفتح قال بعضهم من بحر الرّجز:
فتح خیر الدین مزغران‌مرتجیا لفتحه و هران
فی یهّ قعدة زوال الجمعةسنة هرّ قصخ فاستمعه
و هذه القصة عند الناس‌مشهورة بقصة الفرطاس

غارات الإسبان علی تلمسان و معسکر

و غزوا سابقا تلمسان سنة تسع و أربعین من العاشر فدخلوها عنوة و ربطوا دوابهم بجامعها الأعظم حتی خرجوا مختارین بعد إقامة نحو الثلاثة عشر یوما و یقال أن قراب الخالفی جد القراریب الذین منهم الحاج بالضیف آغة مستغانیم و محمد ولد علی الشریف بن یوسف التحلایتی وکیل محکمة سیق هو الذی أتی بهم فی الفترة الکائنة بین بنی عبد الوادی و الأتراک و قصته متواترة علی ألسنة الناس. و غزوها أیضا سنة خمسین و إحدی و خمسین من العاشر مع أمیرها أبی عبد اللّه محمد بن المسعودی حفید رضوان العلج فی أربعة عشر ألفا فدخلوها عنوة و مکثوا بها نحو الشهرین و خرجوا مختارین. قال الحافظ أبو راس فی الحاوی أن/ السید محمد الشریف الزهار المار الذکر قال للمرابط عبد اللّه الملقب (ص 156) إخلّال، النصاری یأخذون تلمسان فقال له کیف و أبو مدین فیها فقال یطوّق علی بطنه و نحو هذا الکلام فکان کما قال أخذوها الکفار و أسروا حرمها و أفسدوها و خربوها وقت قدوم أبی عبد اللّه بهم من وهران سنة خمسین و تسعمائة ه. و قد حرک لها أبو عبد اللّه بالنصاری علی أحمد أبی زیان مرارا. ففی الأولی أتاها سنة سبع و أربعین من العاشر و لم یحصل علی طایل، و فی الثانیة أتاها سنة ثمان و أربعین من العاشر و لما سمع به أخوه أحمد جهز لقتاله جیشا لنظر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 218
المزوار بن غانم کبیر بنی راشد فنزل أبو عبد اللّه بمحلته بمشرع الزواش ثم بواد سنان ثم بحمام سیدی العبدلی فلقیه المزوار بجیشه و حصر محلتهم فی خربة هناک و دارت بهم العرب فانهزم النصاری بعد ما مات منهم خلق کثیر و رجعوا لوهران. ثم سألهم فی الثالثة الحرکة فأبوا فذهب لمالکهم کارلوس بإسبانیا و سأله الإعانة فأمرهم بالخروج معه فخرج بالجیوش النصرانیة فی سنة خمسین من العاشر و ذهب لتلمسان فدخلها کما مرّ و تزوّج ببنات أکابرها و خرج أحمد منها ثم رجع له حارکا، و لما خرج أبو عبد اللّه لقتاله و رام الرجوع منعه أهل البلد من الدخول و قالوا له یا خذیم الروم اذهب عندهم فدخلها أحمد و فرّ هو إلی أن قتله العرب غدرا و بقی أحمد فی الملک إلی أن مات فتولی أخوه حسن و کان بینه و بین صالح باشة بالجزائر محبة عظیمة ثم بعد أربعة أعوام فسد ما بینهما و سأل الإعانة من النصاری و هرب لوهران فمات بها فی دار الملک بالوباء و تنصّر ولده بعده و الأمر للّه وحده.
و تکرر غزو النصاری لتلمسان بسبب اختلاف کلمة أمرائها حتی صار کل منهم یستعین علی الآخر بالنصاری. فمن ذلک أن المزوار منصور بن غانم الحشمی. کبیر بنی راشد سأل من النصاری فی سنة ثلاث و خمسین من العاشر الإعانة و غزی بهم تلمسان بعد أن أعطاهم ولده علیا رهنا و شرط معهم شروطا فخرجت محلتهم بجیش و هران و کرشتلة و نزلوا بغبال فأتتهم العرب بالخیول المسوّمة و الهدایا المقوّمة و رأی رجل أعرابی منهم اسمه برقون جیش الترک ذاهبا لتلمسان فطلب منهم الإغارة علیهم فأبوا فذهب وحده ثم اتبعوه و نشأ القتال (ص 157) فکانت الدائرة/ علی الأتراک و لم ینج إلّا القلیل و ذهب محلة النصاری بمن معها علی رابطة الزواش و خیمت به ستة عشر یوما و زادت لواد سنان و لما عبرته جاءها الخبر بأن الترک خرجوا من الجزائر فی الجیش العظیم لطلب الثأر فرجع النصاری و أخذوا علی عرب دملیون و هم أولاد عبد اللّه سمّوا بذلک لأنهم کانوا یطلبون منهم العدد الکثیر فیقول أحدهم للنصاری دملیون بمعنی أیها الروم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 219
أعطونا عشرة ملایین (کذا) أی عددا کثیرا فیه عشرة ألف ألف ثم لإغبال و وادی تلیلات و به جاء الرسول للمزوال منصور بن عالم من عند کبیر ترک تلمسان یسئله (کذا) أن یدع جیش الترک یذهب من تلمسان للجزائر و لا یتعرض له أحد و له ما شاء من المال فوافقه علی ذلک و رجع لأهله بجیشه و ذهبت المحلة النصرانیة لمستغانم فمرت بالشیخ الزناقی و وادی هبرة و فرنکة و حلت بمزغران فی ثالث عشرین جمادی الثانیة تلک السنة و خاب رأی کبیرها و فسد أمره و رجع لوهران ثم غزوا الرابطة و الکرط علی ید کبیر الجیوش العربیة و هو رابح بن صولة أحد أولاد علی بطن من بنی عامر و أولاده یقال لهم الصوالة و هم الآن دوّار فخرجوا من وهران و مرّوا بالکرمة و بتنازات فنزلوا بأبیارها ثم صعد بهم مع وادی التفراوی إلی جبل غدالة ببلد ماخوخ و مشی علی القطّارة إلی أن وصلوا لأزبوجة الکبیرة المطلة علی واد للحمام المنفردة وحدها فاستراحوا بها ثم صعد بهم مع شعاب تیفرورة إلی الرابطة بأعلاها فترک بها بعض الجیش و ذهب بالبعض للکرط ففعل بهاتین القریتین ما أراد اللّه فعله. و تکرّر غزوهم علی الکرط إلی أن استاصلوا (کذا) أهله فهرب من بقی به و هم سبب خرابه إلی أن عمر بظهور الإسلام للآن و لما کبر رابح بن صولة و عمی تقعّد عن الغزو فأغار الحشم علی أولاد علی فألفوه بالمراح فقتلوه. ثم غزوا فروحة بغریس أرض الشیخ سیدی محمد ابن یحیی مقری الجن فلقوا خیولا من أولاد عباد أحد بطون الحشم هنالک فاقتتلوا معهم إلی أن استشهد من أعیانهم العروسی أحد الأجواد بغریس قبلة کدیة عظیمة فأخذوا رأسه و فرسه و انقلبوا لوهران. و غزوا غریسا أیضا و تخطوا فیه إلی أسفل/ نسمط أرض لواتة بأراضی بنی راشد. ثم فی وسط الستین من (ص 158) العاشرة غزوا زاویة الشیخ أبی مهدی سیدی عیسی بن موسی التجینی ثم الزنداوی و هو نازل شرقی واد التاغیة فأتته قنبرة و هی القوبع و جلست أمامه و صارت تذری التراب علی رأسها و تصوّت شدیدا و کان الشیخ عارفا بزجر الطیر فأمر زاویته و أهله بالرحیل فورا فارتحلوا و عبروا النهر و دخلوا فی غیظة کبیرة یقال
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 220
لها دار الهناء فلم یکن إلا یسیر و إذا بجند النصاری واقف فی حافة الواد الشرقیة و معهم بنی عامر و لما لم یروا أحدا رجعوا من غیر عبور للنّهر ثم أولاد سیدی العبدلی المرة بعد الأخری و لم ینتج لهم شی‌ء من ذلک. قال الحافظ أبو زید عبد الرحمان الجامعی فی شرحه لرجز الحلفاوی و حدثنی المرابط أبو الحسن علی بن حسّون العبدلی إنهم کانوا لا یهنأ لهم نوم إلّا إذا جعلوا حارسا و مهمی (کذا) ینم أحدهم نجده یهذوا (کذا) بإغارة النصاری و یصرخ فی نومه من شدة خوفهم.

غارات الإسبان علی مدینة الجزائر

و قد غزوا الجزائر مرات. ففی الأولی غزوها قبل دخول الترک لها و تملکهم بها فملکوا برج مرساها الذی بوسط البحر فی الجزیرة حیث برج الفنار الآن و صار لهم جبایة حجیجة، و ضرائب علی أهل متیجة، و بقوا علی تلک الحالة إلی أن دخلها الأتراک فنشأ معهم السید حسن خیر الدین بن المدلیة أول باشة بالجزائر الحرب و أدامه معهم إلی أن فتح البرج عنوة سنة ست و أربعین من العاشر و جعل فی البحر طریقا تصل للبرج. و فی الثانیة غزوها سنة ثمان و أربعین من العاشرة .

حملة شارکان الکبری علی الجزائر عام 1541 م‌

و سبب قدوم البلادور لها أنه کان عمّر مرکبا من مراکبه و أوسقه بالمال و السعة و بعثه لوهران فأخذه رایس من رؤساء الجزائر یقال له کجک علی و دخل به للجزائر بعد ما وقع الحرب بینهما فوجد فیه رایسا (کذا) عظیما مع جملة الرؤساء و دخل فی شهرة عظیمة ثم أن کجک أحضر هذا الرایس إلی حسن آغة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 221
خلیفة خیر الدین باشا و قبّل یده و کشف عن رأسه و بقی داهشا من الهیبة فسأله حسن آغة عن أخبار بلاد النصاری فقال له الرایس أن سفینة ترکتها ترید القدوم إلی بجایة لکونها کانت عامرة/ بالسبنیول فعند ذلک أمر حسن آغة أن تجهز له (ص 159) أغربة فتجهزوا فی أسرع وقت و ساروا إلی طلبها بنواحی بجایة و کمنوا بموضع یقال له العش و المنقار و کان من جملة رؤساء الجزائر کجک علی المتقدم الذکر فطلعت لهم تلک السفینة ذاهبة لبجایة فقربوا منها و شرعوا فی قتالها و کانت مستعدة للقتال فی غایة الاستعداد فلم تزل مع أجفان المسلمین فی أخذ ورد إلی أن وقعت فیها النار فالتهبت فی أطراف السفینة و عجز الکفار عن إطفائها فألقوا أنفسهم فی الماء فالتقطهم المسلمون من البحر و أطفوا النار و رجع الرؤساء للجزائر و هم فارحون (کذا) بالسفینة و دخل الجزائر فی شهرة کبیرة و فرح به حسن آغة غایة الفرح و أمر بإنزال ما فیها من الغنیمة فأنزلوا الکفار و أحضروا بین یدیه و معهم رئیسهم و کانوا فی حال طلوعهم إلی دار الإمارة تصفق لهم النساء و الصبیان و أهل البلد لیتفرجوا فلما وصلوا بهم إلی حسن آغة أمر بهم إلی السجن المعد لذلک فلما سمع بهم صاحب إسبانیا تأسّف علیهم و کان أهل طاعته قد ضجوا إلیه بالشکایة مما یفعله بهم أهل الجزائر خصوصا أهل السواحل منهم بأن قالوا للطاغیة إما أن تکفینا أمر الجزائر و إلا نعطوا (کذا) الطاعة لصاحبها فشرع فی الحرکة للجزائر و أطلق النداء فی سائر أقطاره بذلک فانحاشت إلیه جیوشه أفواجا أفواجا و زخرت إلیه جیوشه و عساکره أمواجا أمواجا، فوصل خبر عمارته إلی حسن آغة خلیفة خیر الدین فصدّق بذلک و لم یکذّب ثم أخذ فی حرکة عرس ولده و عمل مفرجات عظیمات یقال إنه خرج من یده مال عظیم بسبب هذا العرس فی کل ناحیة یقال إن من جملة ما جعل فیه من المفرجات نصب صاریا فی باب الوادی و طلاه بالشحم بحیث صار لا یقدر أحد یصعد إلیه و جعل فی جاموره شقة نفیسة من الملف و معها صارة من الذهب و أباحما لمن صعد إلیهما فجاء فتی من الأتراک صغیر السن و بدأ فی الطلوع معه و لم یزل یتلاصق الصاری شیئا فشیئا حتی وصل إلیهما و نزل بهما فتعجب الناس مما شهدوا منه فلما تم هذا العرس و صار مثلا سائرا و نزاهة من نزاهة الدنیا أدار وجهه إلی تحصین المدینة/ و الاستعداد لمقابلة العدوّ فبنا (کذا) أسوار المدینة و أصلح ما (ص 160)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 222
انهدم منها و نصب علیها المدافع و علی سائر الأبراج و عین أربعمائة أسیر من الکفار لهذا البناء ثم أنه بعث إلی شیخ المدینة و أمره أن یرفع إلیه حساب الرجال فی کل حکومة من الجزائر ففعل ذلک شیخ المدینة و مع ذلک فأخبار العمارة تتوارد علیه فی کل وقت و کذا علی أهل الجزائر فأمر حسن آغا بقطع أشجار البساتین کلها خوفا من النصاری أن یستتروا بها حال القتال و أول ما بدأ بقطع بستانه فلم یترک فیه شجرة واحدة فبینما هو فی بعض الأیام جالس فی دار الإمارة إذ دخل علیه حارس البحر الذی یقال له صاحب الناظور و أخبره بأن عمارة النصاری قد أتت و هی عمارة کبیرة أخذت وجه الماء کله و سترته و شرعت فی عددها فلم أقدر و تشوّش نظری من ذلک لکثرتها فعند هذا عیّن حسن آغا حملة من الخیل فصعدوا إلی جبل أبی زریعة لیأتوه بتحقیق العمارة فرجعوا إلیه و کل واحد یقول لم أقدر علی إحصاء ما رأیت لأن العدد کثیر لا یصل إلیه الإدراک فعند ذلک أمر حسن آغا سیدی سعید الشریف و کان هو شیخ المدینة، أن یوجّه رجالا من أهل البلد إلی الأبراج و الأسوار برسم حراستها فی مقاتلة العدو منها فنهض شیخ المدینة المذکور و عیّن الرجال للأبراج و الأسوار و نصبوا رایات الإسلام علیها و وزّع حسن آغا رجاله علی أبواب المدینة بطوائف من العسکر فعیّن لباب عزون رجلا من أعیان العسکر یقال له الحاج مامی و کان مشهورا بالشجاعة فقام بما عین له، و أما حسن آغا فإنه أقام بحصن من حصون الجزائر تصل مدافعه إلی العدو برا و بحرا و معه جماعة من العسکر و طبوله تصعد أصواتها إلی الجو و ألویته المنصورة تخفّق علی رأسه و جعل علی باب الوادی أی حصنها مدفعا عظیما یدهش الإنسان عند صیحته و تزهق النفس من دفعته، و جعل من هذا الحصن إلی القصبة قائدا اسمه حسنا و معه طائفة من العسکر و عیّن لحراسة باب الوادی رجلا یقال له القائد یوسف و معه جماعة من العسکر و عیّن معه ثلاثة من (ص 161) القیاد أحدهم یقال له سافر و جعله فی برج من الأبراج/ و ثانیهم یقال له أصلان عیّنه لقاع السور و ثالثهم یقال له رضمان فإنه أقامه قریبا منه فی بعض النواحی ثم أقام کجک علی و حیدر و معهما قبطان السفن أخضر و جملة من رؤساء البحر بباب الجزیرة و جعل أهل الجزائر من العسکر و الأندلس و البلدیة دائرین بأسوار المدینة متسلحین بالمکاحل و السیوف و الرماح و النشاب کما جعل العرب رکابا و مشاتا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 223
بخارج البلد فی غایة من الحزم و الضبط فبینما الناس فی غایة الاستعداد للقتال سائلین من المولی جل جلاله أن یعینهم علی النزال، إذ بعمارة النصاری ظهرت لهم فی یوم الأربعاء آخر جمادی الثانیة بأن بقت له ثلاثة أیام سنة ثمان و أربعین و تسعمائة ، و رست وقت العصر من یوم الخمیس فی جون تمانتفوس ، الموالی للجزائر و لما رسّوا سقط لهم بعض الرایات فی البحر فتفاول (کذا) المسلمون لما رأوا ذلک و علموا أنهم منصورون (کذا) علیهم بإذن اللّه تعالی، و کان نزولهم للبر فی یوم الأحد قبل الزوال بشی‌ء قلیل و لما نزل سلطان إسبانیا دارت به عساکره. فیقال إن عدتهم تسعین ألفا و کان المسلمون أرادوا أن یمنعوهم من النزول إلی البر فرمت علیهم السفن بالمدافع من البحر فأوسعوا لهم فی المجال حتی تمکنوا من النزول و بات العدو لیلة الاثنین قرب البلد بموضع یقال له الحامة و کان زعیم من زعماء الترک یقال له الحاج باشا عزم أن یضرب العدوّ لیلا ففتحت له أبواب المدینة و أخذ الرایة فی یده و خرج فی جماعة وافرة من المسلمین و کان خروجه لما بقی الربع الآخر من اللیل (کذا) فلم یشعر العدو لشدّة الشتاء لکونهم وصلوا فی شهر اکتوبر فی أیام قاسم کون إلّا و المسلمون قد خالطوهم و رموا علیهم بالمکاحل دفعة واحدة و رشقوهم بالسهام بالسهام فحصلت بهم ضجة عظیمة فانتبه مالکهم مرعوبا من نومه و صاح برجاله و خواص و زرائه و قال هؤلاء الذین أخبرتمونی عنهم أنهم لا یقومون بحربنا انظروا ما عملوا فینا هذه اللیلة. ثم أن المسلمین رجعوا سالمین إلی البلد بعد ما قتلوا منهم خلقا کثیرا فلما کان یوم الإثنین تحرکت النصاری إلی المدینة و معهم الطاغیة حتی قرّبوا الأسوار و هم یزعقون فی انفرتهم و ألویتهم منصوبة علیهم فخیل لأهل الجزائر/ أنهم نمل أسود قد ملأ الفضاء و کان فیهم من الفرسان أربعة آلاف (ص 162) فارس فشرع فی قتالهم من الأسوار، بالمدافع و بنادق الرصاص و السهام و تقدم فی ذلک الیوم إلی القتال رجال من الأتراک فظهرت شجاعتهم العظیمة منهم الحاج باشا و الحاج مامی و الحاج بکیر و أخضر و غیرهم فقاتلوا قتالا شدیدا إلی اللیل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 224
(کذا) ثم رجع النصاری إلی رأس تفورة و نزلوا بأمحالهم و أخذت تلک الوعور کلها و شرعوا فی قتال المدینة و صبت علیهم مدافع المسلمین من کل جهة و خاب رجاؤهم من المدینة فصعدوا بألویة منشورة إلی الکدیة المعروفة بکدیة الصابون و صاروا یقاتلون المدینة منها فصار أهل الجزائر یرمون علیهم بالمدافع من کل ناحیة بأصوات الصواعق و ربما وصلوا الرمی علی أجفانهم التی فی البحر و لما کان یوم الثلاثاء أرسل اللّه تبارک و تعالی فی آخر اللیل (کذا) ریحا عاصفا فقطعت حبال أجفانهم و نشروا صواریهم خوفا من الهلاک و تزاید هذا الریح فتشوّش جنرالهم أندریة من ذلک و کذلک من معه فی الأجفان و ساقت هذه الریح التی أرسلها اللّه علیهم جملة من أجفانهم إلی البرّ فعطبت علی المطاحن و خرج منهم أساری المسلمین و مالت عرب الجزائر علی أهل تلک الأجفان و استاصلوهم قتلا إلی آخرهم و حین رأی الطاغیة ما حصل بأجفانه من الغرق و العطب انکسرت شوکته و ضعفت قوته و أخمدت ناره، و برد شراره و ظهرت علیه مخایل الذل فخرج أهل المدینة صبیحة یوم الثلاثاء لقتالهم باجتهاد و قوة و عزم شدید و علموا أن اللّه تعالی نصرهم علی الأعداء فخالطوهم و قاتلوهم فی تلک الأوعار فأتی وجوه العساکر إلی الطاغیة و قالوا له أیها الملک قم بنفسک إلی الحرب فإن المحلة أشرفت علی الأخذ فعند ذلک خرج الطاغیة و التفّت علیه عساکره و أخذوا فی القتال فتقهقر المسلمون عنهم نازلین رأس تفورة و جدّ الکفار فی قتالهم و تکالبوا علیهم فتقهقروا أیضا إلی ملعب الکورة (کذا) ثم إلی قنطرة الأفران فلما رأی النصاری ذلک منهم تراکمت جیوشهم علیهم کالبحر الزاخر و صاحوا علیهم من کل ناحیة و طالبوهم من کل دانیة فتقهقر المسلمون إلی ناحیة سیدی أبی التقی ثم صرخ المسلمون فی وجوه الکفار صرخة واحدة و حملوا علیهم و ضربوهم (ص 163) حتی بالحجارة و النشاب و کان ذلک الیوم یسیل فیه المطر کأفواه القرب،/ فتراجع المسلمون لحمایة بعضهم بعضا و حملوا علی الکفار من کل ناحیة فردوهم علی أعقابهم إلی المحلة و رجع المسلمون للمدینة و لما کان صباح یوم الأربعاء ظهر للکفار أنهم لا مطمع لهم بالجزائر و أن الغنیمة أن ینجوا بأنفسهم فقربت أجفانه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 225
إلی البر و نزل الجنرال أندریه منها حزین فوصل إلی الطاغیة فی محلته و أعطاه حق المبایعة و قال له أیها الملک ألم أحذّرک عن السفر إلی الجزائر فانظر عاقبة الأمر الذی حذرتک عنه الآن قم اطلب النجاة لنفسک فإن جلّ أجفاننا عطب علی السواحل فکیف یکون رجوع هذا المعسکر إلی بلادنا فها أنا أیها الملک أذهب إلی تمانتفوس و انتظرک فیها فبادر أنت و من معک من العسکر بالرحیل لترکب فی الأجفان الباقیة و تخلص إلی بلادک فعند ذلک رحل الطاغیة عن الجزائر و نزل علی واد الحراش و کان قد أجهدهم الجوع فأکلوا أربعمائة من الخیل و باتوا تلک اللیلة و المطر یتراکم علیهم و الأعراب و القبائل یضربوهم بالمکاحل و الأحجار و غیرها و یلتقطون فی السّعی. و لما کان یوم الخمیس نظر الطاغیة إلی الوادی فرآه فهالته رؤیته فاستشار رجاله کیف یتحیلون علی القطع إلی الناحیة فعقدوا صواری سفنهم المنعطبة علی الساحل و قطعوا علیهم فلما قطعوا إلی الناحیة الأخری هجمت علیهم فرسان العرب أیضا و صاحوا علیهم و حملوا نحوهم بعنان واحد و قتلوا منهم خلقا کثیرا و لم یزل الطاغیة ذاهبا و فراسان العرب تطاعنوهم (کذا) إلی أن وصلوا إلی تمانتفوس و أقام بها أیاما و الحرب لا ینقطع علیه من المسلمین إلی أن خمد هیجان البحر فرکب فیما بقی من الأجفان و سافر إلی بلاده و هو لا یصدق النجاة بنفسه و خلّف کثیرا من الأغربة و الأجفان الرقاق و کثیرا من الأجفان العظام و العشریات و الفرقطات و مدافع عظام و خلّف کثیرا من الرجال و النساء و الصبیان التی أتی بها لأنه لم یذهب واحد منهم و عددهم ألفان و ثلاثمائة و أما خیله لم یذهب منها واحد سوی الذی مات منها فی الحرب أو أکلوه و حاصل ما خلفه لأهل الجزائر مال لا یحصی.
و فی الثالثة غزوها سنة سبع و ستین من العاشر و لم تحصل لهم فائدة و رجعوا خائبین.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 226

حملة الإسبان علی تونس‌

(ص 164)/ ثم غزوا تونس سنة سبع و ستین من العاشر فأخذوها عنوة من ید سلطانها أبی العباس أحمد بن حسن الحفصی و نبشوا ضریح سیدی محرز بن خلف البکری الصدیقی فألفوه مملوءا رملا و بقیت بأیدیهم إلی أن استخلصها منهم سلیمان باشا الترکی سنة إحدی و ثمانین من العاشر . و استولوا بطاعة المغرب الأقصا (کذا) علی حجر بادیس بالریف سنة أربع و ستین من العاشر و هی بأیدیهم للآن أعطاها لهم سلطان المغرب عبد اللّه الغالب السعدی لما تملّک المغرب تلک السنة و رأی مراکب الأتراک تتکرر بمرساها تخوّف منهم علی ملکه و اتفق مع الطاغیة علی قطع المدد و لما حلّوا بها نبشوا قبور أمواتها و أحرقوا عظامها بالنار و أهانوا من بها من المسلمین شدیدا. و فی ولایته سنة سبعین من العاشر غزی الباشا حسین بن خیر الدین و هران فهو أول من غزاها من الأتراک و ألحّ علیها حتی هدم حصن النصاری الأعلا (کذا) من برج المرسی و هربوا للأسفل فدخله المسلمون لیلة السبت خامس عشر رمضان تلک السنة ثم أقلع عنها. و نظم أبو زید عبد الرحمن بن محمد بن موسی التلمسانی فی ذلک قصائد انظرها فی البستان. و أهدی الشیخ أبو مهدی عیسی بن موسی العارف بزجر الطیر التجینی للباشا حسین حینئذ ثوبا جیدا. و إلی هذا أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
و قیّض اللّه الأتراک بمزغنةلحرب و هران دار الشرک و الألس
غزاها الباشا بن خیر الدین أولهم‌و برج مرساها قد رماه بالنّقس
و حسین هذا کما فی الحافظ أبی راس فی الخبر المعرب هو الذی غزی المغرب و بعث له ولی اللّه الشیخ أبو زید عبد الرحمن بن عبد اللّه الیعقوبی من أولاد یعقوب بن طلحة النقادی الذی تنسب له الزاویة التی بإزاء ندرومة ابنه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 227
عبد اللّه لیرجع عن الغزو و هو بملویة فأبی و تمادی علی غزوه فرجع خائبا، و هذا الیعقوبی هو الذی کلم الشیخ أبا مدین فی قبره علی عز التّرک فقال له أبو مدین ما کان باش نبدلهم إذا أرادت أن تکون فی موضعهم فذلک فقال لا. قال أبو العبّاس أحمد نزیل العبّاد و لما سمعت الکلام من الطاق الفوقی الذی عن یمین الداخل دنوت فجذبنی/ من خلفی شی‌ء فالتفت فلم أر شیئا ثم أردت الدنوّ (ص 165) ثانیا و ثالثا فمنعت من ذلک. انظر البستان. ثم فیلیب الثانی تولّی سنة ثلاثا و سبعین و تسعمائة و بقی فی الملک اثنین و أربعین سنة و وهران تحت حکمه. ثم فیلیب الثالث تولی سنة خمسة عشر و ألف و بقی فی الملک ثلاثا و ثلاثین سنة و دخلت مدینة العرایش بالمغرب الأقصا فی حکمه سنة تسعة عشر و ألف بإعطاء سلطان المغرب محمد الشیخ السعدی إیّاهم فبقیت تحت حکمهم إلی أن نزعها منهم مولای إسماعیل بن علی العلاوی سلطان المغرب سنة واحد و مائة و ألف بعد محاصرته لها ثلاثة أشهر بالحرب المتصل و لم یفتحها حتی جعل لها لغما هدّ به سورها و اقتحمها حینئذ و قتل منهم ألفین و أسّر نحو الإثنا عشر مائة و ذلک مبلغ عمارتها فلم یفلت منهم أحد و ألفی بها خزائن البارود و نحو المائة و ثمانین نفضا منها اثنان و عشرون نحاسا واحد یسمی الغصّاب فی طوله خمسة و ثلاثون قدما وزنة کورته خمسة و ثلاثون رطلا یحلّق علیه بقرب خزنته أربعة رجال و قد بقیت بأیدیهم اثنین و ثمانین سنة. ثم فیلیب الرابع تولی سنة ثمان و ثلاثین و ألف و بقی فی الملک أربعا و أربعین سنة. و فی ولایته غزی إبراهیم باشا الجزائر و هران فی وسط القرن الحادی عشر و نصب علیها المدافع و البونبة (کذا) من المائدة و هی سطح جبل هیدور المطل علی و هران فهو أول من فعل ذلک من الأتراک فامتنعت علیه و رجع مؤیسا (کذا) منها إلی مملکته بالجزائر و إلی ذلک أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 228 أتاها باشا إبراهیم وسط حادی‌من القرون من بعد الألف للوطس
قام بالمایدة حینا یزاولهاثم قفا درجه من فتحها ءایس
و یوجد فی بعض النسخ بدل هذا البیت:
قام بهیدور أیاما یزاولهاثم قفا درجة من عسرة الرطس
(ص 166)/ و من حینئذ وقع للإسبانیین الاعتناء بقلعة مرجاجو و دبّروا الحیلة فی إقامته فصعب علیهم الماء فأتاهم شیخ حمیان بقرب الماء لإقامته من عند قبیله. و لما أقلع إبراهیم باشا عن و هران مأیسا منها امتدت ید النصاری أیضا إلی الإسلام و صاروا معهم ما بین نفرة و استقامة و رأی الطاغیة شوکة نفسه بأتباعه قویت کتب للممدود و هو عدة ولد الصحراوی رایس (کذا) الحشم بقوله إن کانت أمک عربیة حرة حقیقة و تزعم أنک لا تخشی سطوتی، و لا تلتفت لشوکتی فانزل بعربک سیرات أو ملاته ذات الوطی تری ما یفعله بک ابن النصرانیة و کان الدّال علیه بذلک و نزار العبدلاوی جد الونازرة لکونه کان جنرالا علی العرب عند الإسبانیین فأنف الممدود من ذلک و ارتحل بجمیع الجشم الشراقة و الغرابة و أهل الوادی و من انخرط فی سلکهم و نزل بوطاء سیرات من سیق إلی الغمری و تفرّغ بسیرات الشرقیة و الغربیة و جعل عیونا و حراسا بینه و بین و هران من زبوج مولای إسماعیل إلی المقطع و استعدّ للحرب استعدادا قویا و وافقه علی ذلک هبرة و البرجیة و بنو شقران و لمّا سمع الطاغیة بنزوله بسیرات جمع جیشه من النصاری و العرب المتنصرة و هم کرشتل و حمیان و غمرة و بنو زیان و الونازرة و قیزة و شافع و أولاد عبد اللّه و أولاد سلیمان و أولاد علی و الحجز و غیرهم من بنی عامر و خرج من و هران لیلا و مشی علی طریق مسرقین إلی أولاد عبد اللّه ثم مشوا به إلی تاسّالة ثم إلی ماخوخ و مشوا به لمکرة و رجعوا به لأولاد سلیمان إلی أن وصل لخشاب النصاری فکمنوا به و سمی من ذلک الوقت بخشاب النصاری و منه طار الخبر للممدود ثم هبطوا بالطاغیة مع الوادی المبطوح و لما وصل لسیق ترکه الممدود إلی أن اشتغل بأخذ الأموال و قد ذهبت الناس بأنفسها (کذا) قصدا لاشتغاله بذلک و قد سدّ علیه طرق المجاز من کل جهة فقصده بجیوشه و صار یقتل و یسبی و استخلص منه جمیع ما أخذه و أثخن فیه بالقتل الذریع اثخانا عظیما فلم ینج منه إلا القلیل و حصلت الهزیمة فیهم و رکب الممدود بجیشه أکتافهم إلی و هران
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 229
فدخلها الطاغیة فی فله فی أرذل حالة و کتب له الممدود و هو بضواحی و هران و أرباضها کتابا یقول له فیه أخبرنی أیها الطاغیة لمن علو الکلمة الآن هل للعرب/ أو للنصاری کلا لئن لم تنته عن فعلک الذمیم و محاربتک للمسلمین و الغارات (ص 167) علیهم لأرجمنک شدیدا.
ثم کارلوص الثانی و هو شارل الثانی تولی سنة اثنین و ثمانین و ألف و بقی فی الملک خمسا و ثلاثین سنة فبقیت و هران تحت حکمه و فی أیامه تولی الغطریف الهمام، و الأسد الهصور الضرغام، معزّ الدین و أهل الإیمان الزناقی السید البای شعبان، أحد الأتراک الأنجاد، و أعیانهم الأمجاد، أیالة مازونة و غیرها من شرقی المغرب الوسط، فی حدود التسعین و ألف بلا شطط.

معرکة کدیة الأخیار و استشهاد الدای شعبان‌

فغزی رحمه اللّه و هران و طالت به معهم الحروب و اتصلت علیهم بدولته أعظم الکروب، و منعهم من الخروج، و ضیّق علیهم إلی أن صاروا فی أحوج المحوج، و لازموا بیوتهم و الحصون، و صاروا لا یفارقون الجواسیس و العیون، إلی الیوم الذی استشهد فیه حصل لهم فرج و تنویة و تنزیه. و من خبره أنه زحف لهم فی نحو أربعة آلاف فیهم نحو الثلاثة آلاف فارس و زحف النصاری مع مردة العرب و شیاطینهم من بنی عامر و قیزة و غمرة و کریشتل و غیرهم فی أزید من ثلاثة آلاف فیهم ألف خیل و الباقی راجلة. و فی غریب الأخبار للحافظ أبی راس أن النصاری زحفوا إلیه فی زهاء أربعة آلاف أکثرهم راحلة و هو فی أکثر من ألف کلهم خیل. قال الحافظ فی عجائب الأسفار فکان المصاف فی کدیة الخیار و صبر الفریقان ثم انقضت جموع النصاری و اختل مصافهم و قد ربط بعضهم نفسه بالأحبال و ربط الآخر نفسه بالأکبال فکانوا غنیمة للمسلمین. و فیئا للموحدین، فقتل فی تلک الهزیمة أکثر من إحدی عشر مائة و دامت علیهم الهزیمة إلی أن حلّ المسلمون بقبّة برج العین فاقتتلوا به قتالا شدیدا و هزمهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 230
المسلمون ثانیا و هو أمام جیشه المنصور کالأسد الهصور إلی باب و هران فجی‌ء عنده الوطیس و تسابقت للتقدم الفرسان. و فی تلک المعرکة قتل البای شعبان، رحمه برحمته الرحمان، و أمدّه رضوانه، و أسکنه بالفردوس میطانه. و ذلک سنة ثمانی و تسعین و ألف من هجرة من له کل العز و الشرف و الوصف، فلقد کان من أسد الإسلام، الناصر لأهله علی اللئام (کذا) حتی جری للغایة المحمودة (ص 168) فأدرکها و أزعج السواکن للأجر/ و حرکها و کل من عمل فی هذا السبیل مطیته رسمیا و رملا فله الأجر لأن اللّه لا یضیع أجر من أحسن عملا، و لا یخیّب لراجیه أملا. و لما قتل بقیت جثته بأیدیهم علی وجه التّراب فجزّوا رأسه و علّقوه بالباب.
و قد أخذ المسلمون الجثّة و ترکوا الرأس لما لم یقدروا علی الرجوع إلیه، فرأی بعض النصاری بالیل (کذا) النور یسطع علیه فأخبر بطریقهم و حینئذ بعثوه للمسلمین فجعلوه مع جسده فی الحین، و دفنوه خارج و هران، و قبره للآن یعرف بقبر سیدی شعبان. و کان علی ضریحه قبّة عالیة، و لما سکن بجواره بعض النصاری الآن و ملک تلک الأرض هدمها لما صارت بالیة. و قال الحافظ أبو زید عبد الرحمن الجامعی علی الحلفاوی فی قوله النایر، أنه حمل و دفن بالجزائر و اللّه أعلم بالمراد، و إلیه الرجعا (کذا) و المعاد. و یقال أن الذی قتله هو أحد المغطسین أبو نصابیة من النصاصیب الذین منهم کل ظالم و فاجر أحد بطون أولاد عبد اللّه من بطون بنی عامر. و قیل غیر ذلک و اللّه أعلم بحقیقة ذلک. و قال الجامعی أیضا و حدثنی بعض من حضر أنه تکسّر فی یده یوم الاستشهاد سیفان و أنه لبس أفخر ثیابه و تحلی بأشرف حلیته و رکب أجود مراکبه ملأ جیوبه دنانیر الذهب افتخارا علی العدوّ أن بقی بأیدیهم فوجدوه علی تلک الحالة ه. و موته سبب لغزو إسماعیل سلطان المغرب لوهران إلی هذا أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
ءاخره شعبان الزناقی حاصرهافامتنعت و شمشت أیما شمس
أوطی الفلیق الجرار لأراضیهم‌به هامت دمعهم من زکا و خس
دارت حروب عظام بینهم قد أتی‌ءاخر أمرها باستشهاده النفس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 231
و لما مات البای شعبان فرح النصاری و اشتدت شوکتهم علی الإسلام.
و رجعوا یغزونهم فی البیوت و الخیام، فغزوا ولیّ اللّه الأکبر، و قطبه الأشهر سیدی بلاحة المهاجی‌ء و أسروه هو و بناته الثلاثة، و خمسین رجلا من زاویته و رجعوا لوهران و بقی بها مع بناته سنة کاملة/ ثم فدی و فدی إحدی بناته أبو عزة بن حمیدة (ص 169) شیخ أولاد سلیمان و فدی الأخری الشحط والد دموش شیخ أولاد علی فزوجها له أبوها لما رامت تزویجه و لم ینتج منها شی‌ء لدعائه علیها و بقیت الثالثة بلا فداء فکثر بکاء أمها و أقلقته فخرج یوما لساحة بیته و توضّی (کذا) و دعا اللّه و إذا بها مقبلة فقال لها اخرجی لابنتک فسئلت فقالت إنی أمشط رأسی و إذا بطائر أبیض نقرنی و صدّ أمامی فتبعته إلی وطنی قاله الحافظ أبو راس فی الخبر المعرب.
و یقال أن سیدی بلاحة قال لمعلم ولده الزین قبل الواقعة بیوم إذا کان فی صبیحة غد خذ الزین و أمه و أصعد بهما رأس الجبل و اجلس هناک للغروب و دعنی و بناتی الثلاثة لیقضی اللّه أمرا کان مفعولا ففعل المعلم ما أمره به الشیخ فنجّاهم اللّه من العدو و عدّ ذلک من کراماته کإتیانه ببینة من الأسر. و ولده سیدی الزین هو الذی تنسّل منه جمیع أولاد سیدی بلاحة حیث کانوا.

حملة السلطان إسماعیل علی وهران‌

و لما سمع الشریف سلطان المغرب مولای إسماعیل بن علی العلاوی بقتل العرب المتنصرة للبای شعبان استغاظ غیظا شدیدا و جمع جیشا عظیما لا یکاد یسمع بمثله من أقاصی سوس إلی بنی یزناسن و جاء حارکا به علی وهران سنة اثنا عشر من الثانی عشر و قیل فی أربعة منه و قیل فی أوله فنزل بجبل هیدور و نظر إلیها و حطّ کلکله علیها. و وجد حولها القبیل المدیم لقتالها، نجع مخیس أخوة سوید فاستعان بهم أیضا علی نزالها، فقاتلها مدة و أطال ذلک و بان شرره و لم یجد لها محلا یلحقها منه ضرره. لمنعها ببرج مرجاجو، و النصاری بها هاجوا و ماجوا، فعندها صعد علی المائدة و نظرها نظر لیث العریسة، إذا دفع علی الفریسة و عاین أحکامها و منعها. و إتقانها و صنعها، فقال هذه أفعی تحت
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 232
حجر تضرّ و لا تضر، و ارتحل عنها مشرقا یروم المعط، إلی أن وصل لزبوجة الوسط، فقامت علیه الأعراب مع الأتراک إقامة الغضب، و رجع مفلولا إلی أن وصل فی فلّه إلی المغرب و إلی هذا أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
و بعد ألف و مائة فی نقط یبّ‌جهز إسماعیل لها أقاصی سوس
و أهل تامسنا إلی أهل ملویةو وجدة و معقل و بنی زنس
(ص 170)/ فحطّ کلکله علیها معتزماعلی النزال فلم یجد محلّ بوس
قام بهیدور أیاما یحتال لهاقد استعان بما حولها من مخیس
أعیته حیلتها حزما و منعتهاعقاب جوّ قد ارتقی من الحرس
فقال هذه أفعی تحت صخرتهاتضرّ لا الضرّ یأتی لها من أنس
قد حلقت بحرس غیر غافلةبل یسمعون حسیس الآتی کالحسس

قائمة الملوک الوطاسیین و السعدیین و العلویین‌

و اعلم أن العلویین الذین منهم مولای إسماعیل هذا أخذوا المغرب من ید الملوک السعدیة و هم من ید بنی وطاس و هم من ید الجوطی و هو من ید بنی مرین، و قد ذکرت المرینیین تفصیلا إلا ما ذهب عن حفظی منهم. و کون الجوطی خلع آخرهم و تولی بموضعه سنة کاملة. و خلعه بنوا وطاس فبقی المغرب بأیدیهم ثمانین سنة.
و أولهم أبو عبد اللّه محمد الشیخ ثم ابنه محمد الغالب، ثم أخوه المنصور، ثم آخرهم أبو حسّون. و تولی ملک المغرب السعدیة و أولهم الشریف عبد اللّه القائم، ثم ابنه أحمد الأعرج، ثم محمد الشیخ، ثم عبد اللّه الغالب، ثم أخوه المنصور أبو العباس أحمد الذهبی، ثم ابنه زیدان و حصل بینه و بین أخوته کالشیخ و غیره الخصام و رام کل واحد منهم الخلافة حسبما ذلک مبیّن فی نزهة الحادی، و المهرة الوردیة، و قام علیه أبو العباس أحمد بن أبی محلی المساوری. ثم ابنه أحمد بن زیدان، ثم أخوه عبد الملک بن زیدان، ثم أخوه الولید، ثم أخوه محمد الشیخ الأصغر، ثم ابنه أحمد العباس. ثم انتقل ملک المغرب لأهل الزاویة الدلائیة السوسیة و هم السید أبو بکر بن محمد، ثم ابنه السید محمد. و قام علیهم أبو الحسن علی بن محمد السوسی بسوس. و صنوه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 233
أبو حسّون، ثم قام عبد الکریم بن أبی بکر الشیبانی بمراکش. ثم انتقل ملک المغرب للعلویین. و أولهم الشیخ الشریف، ثم ابنه محمد، ثم أخوه رشید، ثم أخوه مولای إسماعیل، ثم ابنه أحمد الذهبی، ثم أخوه عبد المالک، ثم رجع الذهبی، ثم أخوه عبد اللّه، ثم أخوه علی و خلع و رجع عبد اللّه مرة ثانیة، ثم أخوه المستضی‌ء و رجع عبد اللّه ثالثة، ثم/ أخوه زین العابدین و خلع و رجع عبد اللّه رابعة (ص 171) و خامسة، ثم ابنه سیدی محمد بن عبد اللّه صاحب التئالیف (کذا) العدیدة، ثم ابنه الیزید، ثم أخوه مولای سلیمان، ثم مولای عبد الرحمن، ثم ابنه مولای محمد، ثم ابنه مولای الحسن و هو الموجود الآن. و أتیت بهذا لإتمام دول المغرب الأقصا (کذا).

منشآت الإسبان بوهران‌

و لما دام الملک للإسبانیین بوهران بنوا بها البناء المحکم الضخم فبنوا سورها و زادوا فی بناء البرج الأحمر و برج المرسی و بنوا مرجاج و برجی رأس العین و برج المرسی الثانی و برج الحمارات و البرج الجدید و برج الدهان و برج الویز و برج فراند و برج کارلوص. و ذکروا أن البرج الجدید أقامته امرأة نصرانیة بتسعین ألف ریال کبیرة من خالص مالها صدقة علیها لیتقبل اللّه منها عملها و إنما یتقبل اللّه من المتقین. و أما برج الیهودی فبناه یهودی فنسب إلیه و البرج الأحمر و برج المرسی بناهما أبو الحسن المرینی لکن النصاری زادوا فیهما فاتسعت دائرتهما و برج الإصبایحیة بناه الأتراک و القبة التی بالبرج الأحمر بناهما البای محمد الکبیر بن عصمان، فاتح و هران، و ما عدا ذلک مما فیه عظمة البنیان، فإنما بناه ملوک بنی زیان.
ثم غزوا العبید الشراقة حذو المقطع فی جیش ضخم خرجوا به من و هران و مرّوا علی قدیل ثم رزیو ثم الصنهاجی و یقال له الزناقی أیضا إلی أن وصلوا إلی المقطع و انحدروا للشراقة و کان الخبر تقدم لهم فاجتمع معهم الغرابة و هبرة و البرجیة و مجاهر فاختل المصاف علی النصاری و دارت الدائرة علیهم فکان أکثرهم غنیمة للمسلمین و رجع فلّهم لوهران و من ثم أتوا بحمیان من ملاتة لهذه الأرض التی عم بها الآن ترسا بینهم و بین هؤلاء الأعراش فکان حمیان تارة مذعنین و أخری ممتنعین.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 235

التحریر الأول لوهران عام 1708 م‌

ثم فیلیب الخامس و ولده ألوی الرابع عشر و هو ببطن أمه و تولی سنة سبعة عشر و مائة و ألف و بقی فی الملک أربعة و عشرین سنة و بقیت و هران کسائر مملکة إسبانیا تحت حکمه و اشتدت شوکة النصاری علی المسلمین إلی أن تولی بوقته شریف النسب، و کثیر اللجین و الذهب، إمام جامع المجادة الأزهر، و بدر مطالع السعادة الأزهر أبو الفتوحات الربانیة القائم فی أیالة/ محروسة الجزائر (ص 172) بتصرفات الدولة العثمانیة، أبو عبد اللّه محمد خوجة بن علی دای الجزائری الدار، النکدلی المنشأ القرشی النجار المعروف ببکداش، المنصور باللّه علی النصاری الأوباش، قدس اللّه روحه و برد ضریحه، باشة بالجزائر، التی هی مأوی لکل قاطن و زائر، یوم الجمعة منسلخ ذی القعدة الحرام، سنة ثمانیة عشر من القرن الثانی عشر بلا انصرام، بعد عزل الباشة الذی قبله الشریف السید حسین خوجة، الصائر للأمور المحوجة، جهّز الجیوش لبای الجهة الغریبة المجتمعة الخالیة الفواتی الموافق لها فی سائر الأحوال المواتی أبی الشلاغم مصطفی بن یوسف المسراتی إعانة له لما هو فیه من الحصار لوهران فی جیشه المخصوص به من الترک و العربان لنظر صهره و ردیفه السالم من جمیع المحن، وزیره أوزن حسن فجاء بالجیوش برا و بحرا، و خیموا علی أرجائها سهلا و وعرا، فی جنة المأوی و رهبة من نار السعیر، و صارت الجنود البحریة تنزل بمرسی رزیو ثم تذهب لوهران، فرارا من المانع بالبحر من المراکب المشحونة بالعدیان (کذا) فحاصروا وهران و ضایقوها من کل وجه متفق و متخالف و اشتد القتال و کثر النزال بها مدة و الحرب مترادف، و شوهد للمسراتی فی حال الحروب أمور عجیبة، و حملات علی الأعداء غریبة، بانت فیهما شجاعته و کفایته و فراسته و عنایته و لا زالت جیوش الإسلام تحاربها و تنال منها الغنائم و المثوبة و الاجراء (کذا) و تراوحها و تصابحها و تعالجها بالقتال الذریع إلی أن فتحوها عنوة و قهرا، و ذلک
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 236
صبیحة یوم الجمعة سادس عشرین شوال سنة تسعة عشر من الثانی عشر بعد إقامة النصاری بها مائتی سنة و خمس سنین فی ما اشتهر، و إلی ذلک أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
لما أراد اللّه عود الإیمان بهاأقام بالجزایر مذهب الدّمس
محمدا بکداش أضحی باشتهاقد فاق الأکفاء فی الدّهاء و الرعس
جهز أجفنا بالأتراک مشحنةفی شرقها نزلوا فی برّها الیبس
مدافعا و عرادات أتانا بهاأضحی لذلک حزب الکفر منبئس
(ص 173)/ فی کل حین أوزن حسن یزاولهاوقائف مصطفی ذو البأس و الفرس
ففتحت عنوة فی تسع عاشرةمن بعد سکنی به والدین فی وکس
عاقبة الغدر للبوار قد قررت‌سنّة ربنا قد سنّها فی جرس
أضحت مراتع أمن للأنام و قدکانت لها طیبات الأنس فی دنس
قدمه بعد عشر استقل بهابغایة وجدت کالعدو للفرس
حکم الالآه (کذا) کما قد تری قدّره‌لو شاء ما ملکوها عشر النّفس
و قال الشیخ الحافظ أبو عبد اللّه سیدی محمد التغریری فی رجزه ما نصّه:
الحمد للّه الذی فتحاو هران عن أیدی الرجال الصلحا
و قهر القوم اللیام الفجرةو رفع الإسلام فوق الکفرة
فی مدة السلطان فخر الناس‌أحمد خاقان أبی العباس
من ملک البرین و البحرین‌و مصر و الشام بدون مین
و خادم الحرمین فی طول المدادام انتصاره علی جمع العدا
یا سائلا عمّا بوهران ظهرمن أخذها و فتحها کما انتشر
أخذها الکفار الثبات‌فیما رویناه عن الثقات
سنة أربع و عشرة مضت‌من بعد تسعمائة قد کملت
فمائتان مع خمسة سنین‌عدة مکثها بأیدی المشرکین
ثم بدا العز من الالآه (کذا)و جاءنا الفتح و نصر اللّه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 237 ففتحت سنة تسعة عشرو مائة من بعد ألف تعتبر
فی سادس العشرین من شوال‌صبیحة الجمعة خذ مقال
عن ید من قصد صیّر الجزایرجنة کل قاطن و زایر
محمد بکداش فخر الدولةو حسن صهره عالی الصولة
زاد الإلاه لهما فی النصرو الظفر و افتتاح أرض الکفر
لا زال من عادهما فی الانتقام‌بالقهر و النهب علی طول الدوام
ثم الصلاة عن محمد الأمین‌و ءاله و صحبه و التابعین
/ ما جاهد الإسلام فی الکفاربالقتل و الأسر و أخذ الثار
(ص 174) و قال الحافظ المحقق أبو عبد اللّه محمد بن أحمد الحلفاوی التلمسانی فی رجزه:
إذا جمع الرأی بأمر حازم‌علی الجهاد لم یعقبه جازم
مجهزا جیشا حمی الدین فسادإذ ظهرت به بقاع من فساد
فنهضوا للّه حزما و أعدمعهم ألة حرب لا تعد
من نحو بارود و کم من مدفع‌و منجنیق ما له من مدفع
مؤمرا صهره أوزن حسناقرما رضی فسار سیرا حسنا
و الحازم العارف بای مصطفی‌و هو من الأقیال قایف مصطفی
ثمّت نادی بالجهاد فی الوری‌مقدّما ما کان عندهم وری
فسارع الناس له إذ طلبه‌لا سیما جماعة من طلبه
فنزلوا الأول من ربیع‌النبوی منسلخ الربیع
فی عسکر بیوته عد مقرو ترکوا الأثقال فیه فی مقر
و قصدوا حصونها بکل شق‌بزمان تاریخه یهدّ شق
فاجتمع الجیش بذلک الثغرجمعا کبنیان رسا أو ثغر
و نصبت من حولها مدافع‌للرّمی کل أسد مدافع
و مرعدات کورها فی الجوکنجم رمی من سماه یهو
تلمع من خلالها البوارق‌و وقعها أمضی من الصّواعق
فأجّجوا نار الحرب سرمداو تابعوها باعتناء طول المدا
فنشروا ما نظموا من عقدهاو نقضوا ما أبرموا من عقدها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 238 فکان باکورة ذاک الفتح‌برج العیون ضامنا للنّجح
عاشر یوم من جماد الأخرایوم الثلاثاء مساء قسرا
ثمّت حصنها الذی تقنعابالسّحب و اغتال الأسود و نعا
قلعة مرجاجو التی لو قلعت‌شوامخ الأطواد ما تقلّعت
و إذ دعاها اللّه للإسلام‌ألقت له القیاد باستسلام
(ص 175)/ فأصبحت ترمی العدا بالکورسابع عشرین من المذکور
و انحدروا البرج بن زهو و قدحلّ به من نار حرب قد و قد
ضنا به و ظنّهم مانعهم‌فکان من حیاتهم مانعهم
سقوا به مرارة و کم حلت‌عیشتهم به دهرا قد خلت
فأصبحوا خامس شعبان به‌کقتلی شعبان نصیح ربّه
من بعده لغم هدّ جل جرفه‌و حصرهم به ینقط حرفه
ثم أتی الجیش لوهران و لم‌یک مقاتل بها إلّا ألم
و بالجدید برجها الحام لهالم تغنّ ءالة بها حاملها
ففتحا یوم العروبة معافتحا أری فی الأندلس مطمعا
بسادس العشرین من شوال‌أکرم بذاک العید فی التوال
و افتتح الأحمر فی الغد و قدرأوا لظی موت شبیه انتقد
و ذی حصون عنهم لم تغن‌وعد ما سور بها لم یغن
و انقلبوا من بعد ذا للمرسی‌فأصبح الجیش علیها مرسی
و اشتدت الحرب علیها و احتموابالبحر و الطود الذی فیه رسوا
فلم یکن لهم من اللّه وزربل مکّن الإسلام منهم و نصر
ففتحت من بعد حرب و عناو رمی مرعدات علج ذی اعتنا
و لغم ببرجها قد شقّه‌و کان ذاک عام هدّوا شقّه
ثالث عاشر من المحرم‌لا جعل اللّه بها من محرم
و انکسرت شوکة من بالکفریلوذ أوله اعتنا بأمر
و مزّقوا تمزیق آلاء سباءو أصبحوا ما بین قتل و سبا
و أخرجوا بالذل للأسارفی عدد کفر صغار سار
و انقرضت دولة ذی الفسّاق‌و الحمد للّه الکریم الباق
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 239 و انتصف الإسلام منهم و غدابین قتیل ذی حیاة أبدا
و ذی حیاة لا یزال للعداسهما بکل مرصد مسدّدا
/ للّه من قد صار منهم فی الثری‌و من أباح النفس منهم و الثری
و قد تعرض بعض الأدباء البلغاء لوصف المدینة و أبراجها و فتحها و من فتحها فی قصیدة عروبیة ملحونیة فی غایة الإتقان و من أرادها فلیطالعها فی شرح الجامعی لرجز الحلفاوی.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 240

الدولة الثامنة: الترک‌

اشارة

ثم ملک وهران الدولة الثامنة و هم الترک و یقال لهم الأتراک. و اختلف فی سبب تسمیتهم بذلک علی قولین: فقال بعضهم إنما سمّوا بذلک لأنه نسبة لجدهم ترک بن کومر بن یافث بن نوح علیه السلام. قال و فی قلبی منه شی‌ء، و قال ابن هشام فی التیجان: إن أمة من یاجوج و ماجوج آمنوا باللّه فترکهم ذو القرنین لما بنا (کذا) السدّ بأرمینیة فسموا لذلک بالترک. انظر القسطلانی فی السفر الآخر من شرحه للبخاری. و فی کتاب بدء الخلق عنه أیضا عن قاتدة أن یاجوج و ماجوج اثنان و عشرون قبیلة بنا ذو القرنین السد علی إحدی و عشرین و ترک واحدة منهم (کذا) فسمّوا بذلک الترک. و اعلم أنه لا خلاف فی أنهم من ذیة ترک و إلیه ینتهی نسبهم و إنما الخلاف فی کون ترک ولد لیافث من صلبه أو حفیده.
فقال صاحب الخمیس: لترک من ولد ترک بن یافث لصلبه من نوح علیه السلام فهم إخوة الخزر و الصقالبة و التاریس و المنسک و کار و الصین. و قال أبو الفوز السویدی فی سبائک الذهب، و الحافظ أبو راس فی عجائب الأخبار: الترک من ولد ترک بن کومر بن یافث بن نوح علیه السلام فهم إخوة الفرنج. و قال ابن سعید المغربی فی تاریخه: هو ترک بن عابر بن شئویل (کذا) بن یافث بن نوح علیه السلام، فإخوتهم فی یافث: یاجوج و ماجوج، و الفرنج، و الخزر، و الصقالبة، و التاریس، و الصین، و الکار، و المنسک، و غیرهم. و إلی ذلک أشار صاحب تحفة الطلاب بقوله:
أولاد نوح علیه السلام‌سام و یافث کذاک حام
عرب فارس و روم و یهودلا غیرهم مّن نسل سام المقصود
(ص 177)/ سودان هند نوبة زنج حبش‌قبط و بربر من حام انتقش
صقالبة ترک و أوس خزرج‌یاجوج من یافث زد و ماجوج
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 241

نسل الأتراک و سلاطینهم‌

قال و فی القلب من کون الأوس و الخزرج من ولد یافث شی‌ء، و یقال للترک لیوث بنی آدم فی الحروب، و ملکهم یلقب بالخاقان من أول دولتهم إلی الآن. و هم أمة قدیمة عظیمة تضاهی أمة فارس و الروم و غیرهما. و ملکهم قدیم من عهد الملوک الکینیة و لهم بطون کثیرة. فمنهم الترکمان أی ترک الإیمان أسلم منهم فی شهر مائة ألف، و الخزر أسلموا علی ید حذیفة بن الیمانی صاحب سر رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم، و الزط بضم الزای، و التتار، و الغور، و هم الغزو و الفنجاق و هم الفخشاخ، و القرج علی قول و الجرکس، و العبلات و یضاف إلیهم اللات و الشرکس و الأزکش و الروس و البلغار و البرجان و الهیاطلة و هم الصغد و الصقالبة و الأکراد و رهیل و العثامنة ملوک سلامبول و هو اسطنبول. و ذکر السخاوی فی الضوء اللامع: أنهم من آل عثمان ابن عفان و استغربه الحافظ أبو راس و السیوطی، الصحیح أنهم من ولد عثمان الغازی من الترک و الصول إلی غیر ذلک.
و مسکنهم فی أقصا (کذا) المعمور و ماوراء النهر إلی الصین و السد الذی بناه ذو القرنین فهم ممتدون من بلخ إلی الصین و متوغلون فی المشرق و شمال القسطنطینیة و بحر نیطش حتی أن منهم أهل جرجان و خزرجان و دستان و قالی قالا و بردعة و غیرهم و من تخومهم بخاری و سمرقند. قال القسطلانی علی البخاری:
و هم أجناس مدن و حصون و قری و أهل جبال و براری. و لما فشا فیهم الإسلام صار إمامهم فی الاعتقاد أبو منصور الماتریدی کالأشعری عندنا و کلهم علی هدی من ربهم. و لم یکن اختلاف بین الأشعریة و الماتریدیة إلّا فی ثلاثة عشر مسئلة (کذا) لا تؤدی للتبدیع فضلا عن التکفیر، منها مسئلة (کذا) و لا یرضی لعباده الکفر هل لعموم الناس أو للخصوص، و مسئلة (کذا) التکوین التی أخلّ بها الشیخ السنوسی فی کتبه الخمسة غایة الإخلال و ما ینبغی له ذلک. و سبب انتشارهم فی الأرض/ أنّ جدّ سلاطینهم المنتمین له و هو عثمان خاقان بین (ص 178) أرطغول بن سلیمان شاه بن قبا ألب بن قزل بوعا بن یندر خان بن أبقوة تلوغ ابن باینسنقر خان بن باقی، أو ابن سوغا و جاق بن توقمتمون خان بن باسوف ابن کوکب ألب خان بن أرغون خان بن قراخان بن أیقوتلو خان بن توراق خان
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 242
ابن قراخان بن بای سرب خان بن یلواج خان بن بای بک خان بن طغرل خان ابن أی طوغش خان بن کوج بک خان بن أرتوق خان بن قماری خان بن یکتمور خان بن طورج خان بن قمری خان بن قزل بوغا بن یماق خان بن باش بوغا خان ابن قای خان بن حمور میر خان بن یلی سرب خان بن قراجاد خان بن بالجق خان ابن قرماش خان بن قرة أو غلان خان بن سلیمان شاه خان بن قرة خول خان ابن قوزلوغان خان بن یلی تمورخان بن تورمش خان بن قوی خان بن جین ابن ماجین بن بولجاس بن ترک بن کومر بن یافث بن نوح علیه السلام بن لامک ابن متوشلخ بن أخنوح بن یرد بن مهلایل بن قینان بن أنوش بن شیث بن آدم علیه السلام. قاله فی السبایک کان جده ملکا ببلد ماهان قرب بلخ و لما غزاهم جنکز خان التتاری و خرب بلخ و أخرج منها سلطانها علای الدین خوارزم شاه خرج سلیمان شاه من ماهان بخمسین ألف بیت من الترک إلی أرض الروم و مرّ بحلب و عبر الفرات فغرق بفرسه فیه و أخرج و دفن أمام قلعة سیدنا جعفر بن أبی طالب رضی اللّه عنه و تفرق من معه و کانت أولاده (کذا) أربعة عاد منهما (کذا) اثنان للعجم و هما سنقرود و یقدار و توجه اثنان لبلاد الروم و هما أرطغول و کون دوغذک و قدما علی علای الدین السلجوقی سلطان قرمان و قونیة فأکرمهما و أذن لهما فی الإقامة فاجتمع علیهما طائفة من الغزاة و أذن لهما علای الدین المذکور فی الجهاد سنة ست و سبعین من السابع فاستقرّا ما بین قرة (کذا) حصار و بلجیک و صار (ص 179) الجهاد شأنهما إلی أن مات أرطغول سنة ثمانین/ و قیل تسع و ثمانین من السابع و خلّف أولادا أمجادا أنجادا أشدهم و أقواهم السلطان عثمان فلازم الجهاد کأبیه فلقب بالغازی إلی أن تولی علی بلاد الروم و انضاف علیه جند السلجوقی لما ضعف و دخل فی طاعته إلی أن تولی موضعه و بقی علی الجهاد إلی أن توفی سنة خمس أو ست و عشرین من الثامن فهذا سبب انتشارهم. و لما توفی السلطان عثمان الغازی الذی هو أول العثامنة تولی ابنه أورخان یوم موت أبیه و بقی فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 243
الملک خمسا و ثلاثین سنة و هو الذی فتح بروسیا و جعلها مقر سلطنته و فتح قلاعا و بلادا کثیرة حتی فاق والده فی الجهاد و عاش ثلاثا و ثمانین سنة. ثم ابنه مراد بک خان تولی یوم موت أبیه و هو سنة إحدی و ستین و سبعمائة و بقی فی الملک إحدی و ثلاثین سنة و افتتح بلادا کثیرة منها أدرنة و عاش خمسا و ستین سنة و هو أول من اتخذ الممالیک و سمّاهم ینکجری و معناه العسکر الجدید و ألبسهم اللباد المثنی إلی خلف و سماه برکا بضم الباء و سکون الراء آخره کاف و کانت له صولة عظیمة علی الکفار. ثم ابنه یلدرم با یزید خان و معنی یلدرم الصاعقة تولی یوم موت أبیه و هو سنة اثنین و تسعین و سبعمائة و بقی فی الملک ستة عشر سنة و قد استولی علی قلاع کثیرة للنصاری و بلادهم و أراضیهم. ثم ابنه محمد خان جلی تولی سنة ستة عشر و ثمانمائة و بقی فی الملک تسعة أعوام و بذل نفسه فی الغزو إلی أن فتح بلادا و قلاعا کثیرة و بنا (کذا) مدارس و عمایر. ثم مراد خان الثانی تولی سنة خمس و عشرین و ثمانمائة و بقی فی الملک إحدی و ثلاثین سنة و قد فتح فتوحات و مهد الممالک و أفام الشرع و الدین. ثم أبو الفتوحات محمد خان بن مراد تولی سنة ست و خمسین و ثمانمائة و بقی فی الملک إحدی و ثلاثین سنة و هو أعظم سلاطین آل عثمان و هو الذی فتح القسطنطینیة العظمی و جعلها دار ملکه. ثم با یزید خان الثانی تولی سنة ست و ثمانین و ثمانمائة و عاش اثنین و ستین سنة و افتتح قلاعا کثیرة و حصونا شهیرة. و أصابه مرض النقرس فاستولی علیه و هو أکثر مرض آل عثمان إلی أن مات سنة ثمانی عشرة و تسعمائة بعد ما ملک ثلاثا و ثلاثین سنة. ثم/ یاوز سلیم خان الأول تولی سنة (ص 180)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 244
ثمانی عشرة و تسعمائة و بقی فی الملک تسعة أعوام و لم تطل سلطنته لکثرة سفکه للدماء و هذه عادة اللّه فی السلاطین و الأمراء و الحکام إذا أکثروا سفک الدماء لا یطیل لهم مدة و هو الذی فتح مصر و أزال الدولة الجرکسیة و فتح حلب و الشام و غیرها من البلاد و جهّز الجیوش لخیر الدین بن المدلیة ففتح الجزائر ثم جهّز الجیوش لدرغوث ففتح طرابلس الغرب. ثم سلیمان شاه خان تولی سنة ست و عشرین و تسعمائة و ذلک یوم موت والده المذکور و بقی فی الملک تسعا و أربعین سنة و عاش أربعا و سبعین سنة و کان سعیدا ذا خیرات حسان و هو الذی فتح بغداد دار السلام و عراق العرب و جهز الجیوش لإخراج النصاری من إفریقیة و بجایة فأخرجوا و ألطف تاریخ وضع فیه تاریخ العراق. ثم سلیم خان الثانی تولی سنة أربع و سبعین و تسعمائة و بقی فی الملک تسعة أعوام و کان کریما رؤوفا بالرعیة حلیما عفوا عن الجرائم محبا للعلماء و الصلحاء محسنا للعلماء و المشایخ و الفقراء و فتح بلادا کثیرة منها جزیرة قبرس و غیرها من البلاد الکبار المشهورة.
ثم مراد خان الثالث تولی سنة اثنین و ثمانین و تسعمائة و بقی فی الملک عشرین سنة و کان مهابا هماما، و أسدا ضرغاما، و هزبرا مقداما. ثم محمد خان الثالث تولی یوم موت والده و هو سنة ثلاث و ألف و هو ابن خمسة عشر سنة و بقی فی الملک تسعة أعوام و کانت سلطنته خالیة من الأکدار و هو الذی فتح أکری التی تجیشت علیه النصاری فیها لقتاله بما یزید علی أربعمائة ألف مقاتل و منحه اللّه النصر علیهم فهزمهم إلی أن صار یقتل بعضهم بعضا من الزخام. ثم ابنه أحمد خان الأول تولی یوم موت والده و هو سنة اثنا عشر و ألف و بقی فی الملک أربعة عشر سنة قهر جمیع الأعداء و له مئاثر (کذا) حسان فی مکة و المدینة لم یسبقه أحد إلی مثلها من آل عثمان و هو الذی أرسل إلی الروضة المطهرة علی صاحبها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 245
أفضل الصلاة و أزکی التسلیم، الکوکب الدری الذی لا قیمة له و استولی علی بلاد متعددة قیل إلی حد بروسیا./ ثم مصطفی خان بن محمد خان تولی یوم موت (ص 181) أخیه و هو سنة ستة و عشرین و ألف و بقی فی الملک ثلاثة أشهر و خلع نفسه فی ربیع الأول سنة سبع و عشرین و ألف و کان من أهل الفضل و العبادة، و الصلاح و الإجادة، لا یلتفت إلی الدنیا و زهرتها، و لا یمیل إلی زینتها و نضرتها، متجنبا لها و عنها، و هاربا و مستوحشا منها و أجدره بقول الشاعر الأدیب الخریر الحاذق البارع الماهر:
لاحت له الدنیا ترید خداعه‌لاکنّه (کذا) بغرورها لم یخدع
و تزینت لتروقه بجمالهافأبی و طلّقها طلاق مودع
ثم عثمان خان تولی یوم خلع عمه مصطفی نفسه و هو سنة سبع و عشرین و ألف و بقی فی الملک خمسة أعوام و استولی علی بغداد و ما وراءه و غزی الفرنج و انتصر علیه ثم أراد السفر للحج فقام علیه العسکر و قتله بخامس رمضان سنة اثنین و ثلاثین من الحادی عشر و قال فیه بعض الشعراء:
قضی عثمان سلطان البرایابأسیاف العساکر و الجنود
و وافته المنایا فی السّرایامؤرخة کعثمان الشهید
ثم رجع للمملکة عمه مصطفی خان بن محمد خان المخلوع مرة ثانیة یوم موت ابن أخیه عثمان و بقی علی عادته من رفضه للدنیا کالمرة الأولی و عدم مبالاته بها إلی أن خلع نفسه ثانیا لشهرین من تولیته. ثم مراد خان الرابع تولی بموضع عمّه مصطفی یوم خلع نفسه و هو عام اثنین و ثلاثین من القرن الحادی عشر و بقی فی الملک سبعة عشر سنة و عاش ثمانا و عشرین سنة و کانت له مناقب کثیرة. ثم إبراهیم خان تولّی سنة تسع و أربعین و ألف و بقی فی الملک
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 246
ثمانیة أعوام و ثمانیة أشهر و عاش ثلاثا و أربعین سنة و هو الذی فتح جزیرة کرید سوی قلعة منها لم یفتحها لحصانتها. ثم محمد خان الرابع تولی سنة ثمانیة و خمسین و ألف و بقی فی الملک إحدی و أربعین سنة و خلعه الجنة سنة تسع و تسعین و ألف و توفی سنة أربع و مائة و ألف عن ثلاث و خمسین سنة و له فتوحات (ص 182) کثیرة. ثم سلیمان خان الثانی تولی یوم خلع أخیه/ محمد و هو سنة تسع و تسعین و ألف و بقی فی الملک ثلاثة أعوام و نصف و توفی سنة اثنین و مائة و ألف و هو ابن خمسین سنة و بمجرد جلوسه علی کرسی المملکة التفت لقتال النصاری فسألوا منه المهادنة أربعة أعوام فوافقهم علی ذلک لاقتضاء نظره الواسع فی مصالح المسلمین ذلک. ثم أحمد خان تولی سنة اثنین و مائة و ألف و بقی فی الملک أربعة أعوام و نصفا. ثم مصطفی خان الثانی تولی سنة ستة و مائة و ألف و بقی فی الملک تسعة أعوام. ثم أحمد خان الثالث تولی سنة خمسة و عشرین و مائة و ألف و بقی فی الملک ثمانیة و عشرین سنة و توفی سنة ثلاث و أربعین من الثانی عشر و هو ابن ستین سنة. و فی وقته فتحت و هران من الإسبانیین الفتح الأول و ذلک سنة تسعة عشر من الثانی عشر علی ید باشة الجزائر الشریف السید محمد بکداش و وزیره أوزن حسن و بای الإیالة الغربیة الجامع بین مازونة و تلمسان مصطفی أبی الشلاغم بن یوسف المسراتی کما مرّ و إلی ذلک أشار الحافظ أبو زید عبد الرحمن الجامعی فی شرحه لرجز الحلفاوی بقوله:
و کان ذا فی دولة الإمام‌فخرا الملوک ضابط الإسلام
ملک مصر و العراق و الیمن‌و الشام و البرّین خیر مؤتمن
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 247 أبی الفتوحات التی لم تحصرکادت تقضی ملک آل قیصر
أحمد خاقان الهمام المرتضی‌سیف الإله فی الأعادی منتضی
لا زال تحت رایة الإقبال‌و النصر و الفتح قریر البال
و راجع ما مرّ للتغریری فی رجزه فی فتح و هران فهو أول من ملک و هران من سلاطین آل عثمان. ثم محمود خان الأول تولی سنة ثلاث و أربعین و مائة و ألف و بقی فی الملک أربعة أو خمسة و عشرین سنة توفی سنة سبع و ستین.
و مائة و ألف و هو ابن ستین سنة. ثم عثمان خان الثالث تولی سنة سبعة و ستین و مائة و ألف و بقی فی الملک أربعة أعوام. ثم مصطفی خان بن أحمد خان تولی سنة إحدی و سبعین و مائة و ألف ، و بقی فی الملک سبع سنین. ثم عبد الحمید الأول خان تولی سنة ثمانیة/ و سبعین و مائة و ألف و بقی فی الملک (ص 183) ستة عشر سنة کاملة. ثم سلیم خان الثالث بن مصطفی خان تولی سنة ثلاثة و مائتین و ألف و بقی فی الملک سنة واحدة و عاش ثلاثین سنة. ثم محمود خان الثانی تولی سنة ثلاث و عشرین و مائتین و ألف و بقی فی الملک اثنین و ثلاثین سنة و عاش خمسا و خمسین سنة و نصفا، و فی وقته انعقدت البیعة للحسنی السید الحاج عبد القادر ابن محی الدین المختاری المخلص علی المغرب الأوسط فی یوم الإثنین أو الأحد ثانی عشر رمضان سنة ثمان و أربعین من الثالث عشر بموضع یقال له الدردارة من أراضی الحشم بغریس التی هی محل موسم رجال غریس المعبر عنها بالوعدة و خرجت الجزایر عن الأتراک یوم الإثنین أو السبت
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 248
ثالث أو رابع عشر من المحرم فاتح سنة ستّ و أربعین من الثالث عشر و دخلت بید الفرانسیس. ثم عبد الحمید خان بن محمود خان بن عبد الحمید خان تولی سنة خمس و خمسین و مائتین و ألف و بقی فی الملک اثنین و عشرین سنة و نصف و عاش تسعا و ثلاثین سنة و کانت بینه و بین الموسکوا حروب کثیرة سجال فی سنة إحدی و سبعین من الثالث عشر و أعانه فیها الفرانسیس و ذلک شأن الملوک الضخام و ءال الأمر فیها إلی الصلح بین الفریقین انعقد بباریز ثم عبد العزیز خان تولی سنة سبع و سبعین و مائتین و ألف و بقی فی الملک خمسة عشر سنة و خمسة أشهر و عاش ثمانا و أربعین سنة، و فی وقته کان الإمام أبو الفوز السویدی مؤلف کتاب سبایک الذهب. ثم مراد خان الخامس تولی سنة ثلاث و تسعین و مائتین و ألف ثم خولع (کذا) لما خولط فی عقله سنة تولیته، و سببه أنه رأی عمه السلطان عبد العزیز قد فصد و قهره الدم و غلبه فمات فجأة (کذا) فاختلط بذلک فی عقله و سلّم فی الملک للسلطان عبد الحمید بعد ما ملک ثلاثة أو ثمانیة أشهر. و کان لعمّه عبد العزیز وقائع کثیرة و حروب جلیلة لکنه خدعته الوزراء فی ذلک و لو لا أن اللّه أیقظه لذلک لتلاشا الملک العثمانی و اضمحل (ص 184) بالکلیة فبادر/ للصلح بغایة الإعزام و انتقم من الوزراء غایة الانتقام. ثم عبد الحمید خان الثانی و هو الموجود الآن تولی سنة ثلاث و تسعین و مائتین و ألف قال شیخنا الزیانی فی دلیل الحیران و مدحه العلامة الأفاندی أبو الهدی الصیادی فی کتابه: قلادة الجواهر فی ذکر الغوث الرفاعی و أتباعه الأکابر بقصیدة رائیة من بحر البسیط مشحونة بجوهر کل معنی وسیط، فقال:
طاب الزمان و طاب الوقت و العمربظلّ رکن لدیه الزهر تنحدر
رکن الخلیفة سلطان البریة من‌بباب علیاه لاذ البدو و الحضر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 249 عبد الحمید إمام الدین سیدناو من به أمة الإسلام تفتخر
رئیس جحفل حزب المسلمین أمیرالمؤمنین حماهم إن دامت غیر
مؤدّ حفّه المولی بواقیةمن العنایة یمضی وفقها القدر
کاللیث لکن له عقل مزیته‌عظیمة دونها الأسد تحتقر
أحیا مراسم حین جاء له‌کالمیت کان تولّی نهبه الضرر
فکفّ عنا ید الأعداء و شیّده‌کأنه لا انقضت أیامه الخضر
من آل عثمان قادات مآثرهم‌علی وجوه الیالی کلّها غرر
رشید رأی أمین الطبع معتصم‌باللّه مأمون خلق واثق بصر
کنز السیاسة ممدوح الریاسة مصباح‌الفراسة بحر و لم ینهمر
خلیفة المصطفی المختار من شرفت‌بمجد طینته بین الملا و مصر
إذا سال سحاب الفضل ملتفتالجبر کسر عدیم یخجل المطر
و إن أمال عنانا یوم معرکةتخاله قدرا فی الخصم ینتشر
رایاته بحروف النصر بردتهامنسوجه و علیها للرضی طرر
و طبله سالم من کل ناقصةما شأنه عن معالی أهله قصر
أخلاقه ذکرتنا الراشدین کمادلّت علی بعضها الآثار و السّیر
رشیق عزم رقیق الفکر قطعته‌لحسن حکمتها یستسلی الخطر
کأنّها سبغت بالفضل طینته‌و رأیه صاغه فی فکره عمر
لا زال مرتفع الأقدار مبتهجابعزّة و به الإسلام ینتصر
/ و سمی النصاری الآن ملکهم بالمیت لخروج جل الرعیة عن حکمه حتی (ص 185) لم یبق له إلا طرابلس الغرب و ما قارب الآستانة کما سموا ملک المغرب بالمریض المشرف علی الهلاک و الأمر للّه وحده. فهذا ما کان من الکلام علی ملوکهم و علیهم بالمشرق.

أسباب قدوم الأتراک إلی الجزائر

و أما الکلام علیهم ببر الجزائر الذی نحن بصدده فاعلم أنه اختلف فی سبب مجی‌ء الترک للتملک ببر الجزائر علی قولین: فقال العلامة الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن عسکر الشریف فی دوحة الناشر، و الحافظ الشیخ أحمد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 250
بابا فی الذیل، و الحافظ أبو راس فی عجائب الأخبار أنّ سبب ذلک هو تغلب النصاری علی السواحل و لما رأی العلامة أبو العباس أحمد بن القاضی الزواوی ذلک کتب لسلیم سلطان الترک بذلک و سأله النجدة و الإقدام فبعث للجزائر الباشا خیر الدین بن المدلیة و شقیقیه عروجا و الإسکندر إسحاق بالجیوش و لما قتل إسحاق بالقلعة و عروج ببنی یزناسن تخوّف خیر الدین من الشیخ أحمد ابن القاضی و قتله فمات شهیدا و ذلک أول سفکهم للدماء ظلما ببر الجزائر و القصة شهیرة فلا نأتی بها. و قال الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار أن خیر الدین و شقیقیه لما شبّوا فی أکمل حالة الرجولیة و غایة الشجاعة و العجولیة اشتغلوا بالتجارة، و تدربوا بالذکاءة و السیاسة و الجسارة، ثم عملوا أجفنا للجهاد فی البحر فأذاقوا النصاری شرا، و قهروهم قهرا، حتی أن عروجا قطعت یده فی بعض الحروب بقرب بجایة، لکونها کانت عامرة بالنصاری و لهم بها للمسلمین نکایة فکان هؤلاء الثلاثة یأتون بالغنائم و یرسّون علی مدن الإسلام الساحلیة لبیع ما عندهم و یقضوا حوائجهم الخافیة و الجالیة، فرسی خیر الدین مرّة أسطوله بمرسی الجزائر و قضی مأریه (کذا) علی عادته بالمزایز، فسأله أهل الجزائر فی المبایعة و التملک علیهم، فأجابهم لذلک و مال إلیهم، ثم حصل بینهم و بینه کلام فغضب علیهم بالفعل و القول، و ذهب عنهم و لم یرجع لهم إلا بعد الحول، فرغبوه ثانیا فی المکث و المبایعة لإصلاح الدین، فقبل بشرط قتل المفسدین، فعینوا له جماعة منهم و سألهم التحقیق لإتمام کل خیر، و لم یزالوا فی التعیین بالنقص إلی انحصار الأمر فی ثلاثة لا غیر، فصلبهم علی السور، فهم أول من حکم فیه بالقتل المصطور، و اختلف فی وقت مجیئهم علی ستة أقوال: فقال:
بعض المؤرخین أنهم جاؤوا سنة تسع و تسعین من القرن التاسع و استولوا علی (ص 186) تلمسان استلاء تاما سنة إحدی/ و أربعین من العاشر و لا یخفاک ضعفه. و قال الحافظ أبو راس فی زهر الشماریخ، و ابن عسکر فی الدوحة، إنهم ملکوا الجزائر فی أول العاشر یعنی فی العام الأول منه . و قال الحافظ عبد الرزاق
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 251
الجزائری أن ذاک فی خمسة عشر من العاشر و به قال العلامة السید الحاج أحمد بن عبد الرحمان الشقرانی فی تاریخه: القول الأوسط فی وقایع المغرب الأوسط. و قال بعضهم فی اثنین و عشرین من العاشر و قال الیفرینی فی نزهة الحادی أنهم ملکوا الجزائر فی ثلاث و عشرین من العاشر و به قال الحافظ أبو راس أیضا فی عجائب الأخبار، و أما الحافظ أبو زید عبد الرحمان الجامعی فی شرحه لرجز الحلفاوی فإنه قال فی بضع و عشرین من العاشر فقد أجمل لأن البضع من الثلاثة إلی التسعة. و قال الحافظ أبو راس أیضا فی موضع آخر من الشماریخ أنهم ملکوها فی الخامس و العشرین من العاشر و به قال الخوجة السید مسلم بن عبد القادر الحمیری فی رجزه حیث قال:
فی عام که من القرن العاشرکان ابتداء الترک بالجزائر
و امتدّ ملکهم بها کافاوسین‌حتی إذا کمل الوعد کان البین

قائمة الحکام الأتراک بالجزائر

فأول بشاواتهم بالجزائر حسن خیر الدین بن المدلیة و سمی بذلک لکون أمه من مدینة یقال لها المدلیة و وجه ذلک أن السلطان محمد فاتح القسطنطینیة ابن السلطان مراد أحد ملوک بنی عثمان افتتح مدینة فی بعض جزر البحر یقال لها المدلیة و أنزل فیها حامیة من الترک فبعثوا له أن یأذن لهم فی تزویج بنات أهل الذمة من نصاری جزیرة المدلیة فأذن له فتزوج والد السید حسن خیر الدین بامرأة منهم فولدت له عروجا و هو الأکبر و خیر الدین و إسحاق. فخیر الدین هو سبب سعادة الترک و انتشار صیتهم بالمغرب فکان وجهه للصباحة و لسانه للفصاحة، و یده للسماحة، و عقله للرجاجة. و کان بالغایة القصوی فی الزهد و الورع و الإنابة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 252
و التقوی، و لم یقبل الملک حتی قیل له أنه واجب علیک. و کان یری النبی صلی اللّه علیه و سلم فی المنام کثیرا و کانت له مکاشفة کثیرة حتی أن البعض من الناس أراد اغتیاله بمداخلة غلام له فکوشف له عن ذلک و انتقم منه فی الحین. و حاصل الأمر أن المؤرخین لهم اضطراب کثیر فی بشاوات الجزائر ما بین مقلل و مکثر و مقدّم و مؤخر. فقال الحافظ عبد الرزاق بن محمد بن أحمادوش الجزائری فی تاریخه:
(ص 187) أولهم إسحاق تولی سنة خمسة عشر من العاشر،/ ثم أخوه عروج سنة ستة عشر و تسعمائة. ثم أخوهما خیر الدین سنة اثنین و عشرین و تسعمائة. و لا یخفاک ضعفه لکون الصحیح أولهم خیر الدین کما مر المتولی علی الصحیح سنة خمس و عشرین و تسعمائة المتوفی سنة ست و ستین من العاشر بعد ما ملک إحدی و أربعین سنة ثم حسن سنة إحدی و أربعین و تسعمائة. ثم حسن أیضا سنة اثنین و خمسین من العاشر. ثم صالح سنة تسع و خمسین منه. ثم محمد سنة ثلاث و ستین منه. ثم حسن بن خیر الدین سنة أربع و ستین منه. ثم أحمد بسطانجی سنة تسع و ستین منه ثم رمضان سنة أربعة و ثمانین منه. ثم حسن بن قبطان سنة خمس و ثمانین منه. ثم جعفر أیضا سنة تسع و ثمانین منه. ثم رمضان أیضا سنة تسعین منه. ثم حسن أیضا سنة تسعین منه. ثم مامی سنة ثلاث و تسعین منه. ثم محمد أیضا سنة ثلاث و تسعین منه، ثم أحمد سنة خمس و تسعین منه. ثم أخضر سنة سبع و تسعین منه. ثم شعبان سنة تسع و تسعین منه. ثم مصطفی سنة ثلاث و ألف. ثم أخضر أیضا سنة ثلاث منه. ثم مصطفی أیضا سنة سبع منه. ثم حسن أیضا سنة سبع منه. ثم سلیمان سنة تسع منه. ثم أخضر أیضا سنة ثلاث عشر منه. ثم مصطفی أیضا سنة خمسة عشر منه. ثم رضوان سنة ستة عشر منه.
ثم مصطفی أیضا سنة تسعة عشر منه. ثم حسن سنة اثنین و عشرین منه. ثم مصطفی سنة خمس و عشرین منه. ثم حسین سنة سبع و عشرین منه. ثم حسن سنة ثمان و عشرین منه. ثم حسن سنة ثلاثین منه، ثم حسین سنة اثنین و ثلاثین منه. ثم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 253
مراد سنة اثنین و ثلاثین منه، ثم أسراف سنة أربع و ثلاثین منه. ثم حسن سنة ثلاث و خمسین منه. ثم حسن أیضا سنة ست و ثلاثین منه. ثم أسراف سنة سبع و ثلاثین منه. ثم یونس سنة تسع و ثلاثین منه. ثم حسن سنة إحدی و أربعین منه.
ثم یوسف سنة أربعة و أربعین منه ثم علی سنة خمسین منه. ثم محمد سنة اثنین و خمسین منه. ثم أحمد سنة أربع و خمسین منه. ثم محمد سنة إحدی و ستین منه.
ثم محمد سنة ثلاث/ و ستین من القرن الحادی عشر. ثم عبد اللّه بلکباش (ص 188) سنة خمس و ستین منه. ثم إبراهیم سنة ست و ستین منه. ثم أحمد سنة سبع و ستین منه. ثم إبراهیم سنة تسع و ستین منه. ثم خلیل بلکباش سنة سبعین منه.
ثم رمضان بلکباش سنة إحدی و سبعین منه. ثم إسماعیل سنة اثنین و سبعین منه.
ثم شعبان آغا سنة اثنین و سبعین منه. ثم علی آغا سنة ثلاث و سبعین منه. ثم موسی آغا سنة أربع و سبعین منه. ثم الحاج حسین موزمورط سنة أربع و تسعین منه. و فی نسخة ست و تسعین منه. ثم مصطفی باشا سنة مائة و ألف. ثم شعبان خوجة سنة واحد من القرن الثانی عشر. ثم عمر سنة اثنین منه. ثم مصطفی سنة ثلاث منه. ثم موسی سنة خمس منه. ثم أحمد أهجی سنة سبعة منه. ثم حسین شاوش قارة باغلی سنة عشرة منه. ثم علی سنة اثنا عشر منه. ثم مصطفی أهجی سنة ستة عشر منه. ثم حسین خوجة شریف سنة سبعة عشر منه. ثم محمد خوجة بکداش سنة ثمانیة عشر منه. ثم کوسة سنة عشرین منه. ثم دالی إبراهیم سنة اثنین و عشرین منه. ثم أوزن علی شاوش سنة اثنین و عشرین منه و فی نسخة سنة أربع و عشرین منه. ثم محمد خزناجی أوزن علی سنة ثلاثین منه. ثم عبدی آغا الصبایحیة سنة ست و ثلاثین منه. ثم إبراهیم خزناجی عبدی سنة خمس و أربعین منه ثم إبراهیم خزناجی سنة ثمان و خمسین منه و هنا انتهی کلام عبد الرزاق. و قال صاحب الزهرة النیرة أولهم عروج تولی فی خمس و عشرین من العاشر. ثم أخوه خیر الدین سنة سبع و عشرین منه و لا یخفاک بطلانه مما مرّ. ثم حسن آغا سنة إحدی و أربعین منه. ثم حسن بن خیر الدین سنة اثنین و خمسین منه ثم حسن آغا أیضا سنة ثمان و خمسین منه. ثم حسن بن خیر الدین أیضا سنة تسع و خمسین منه. ثم صالح سنة تسع و خمسین منه و هو غیر صحیح و الصحیح أنه تولّی سنة ست و ستین منه و فتح بجایة من الإسبانیین عنوة یوم الأربعاء سابع
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 254
عشرین شوال سنة ثمان و ستین و تسعمائة کما أن الصحیح أن حسین بن خیر الدین تولی سنة سبعین من العاشر و غزی و هران فی سنته و غزی المغرب و رجع من ملویة خائبا کما مرّ. ثم محمد قرطالجی سنة ثلاث و ستین منه. ثم (ص 189) حسین بن خیر الدین أیضا سنة ثمان و ستین منه. ثم أحمد/ بسطانجی سنة تسع و ستین من العاشر. ثم حسن بن خیر الدین أیضا سنة أربع و سبعین منه و تقدم الصحیح ثم محمد بن صالح سنة أربع و سبعین منه و هو غیر صحیح و الصحیح أنه تولی سنة إحدی و سبعین من العاشر و غزی المغرب تلک السنة فدخل فاسا عنوة یوم الأحد ثانی صفر من سنته. ثم علی العلج الملقب الفرطاس سنة سبع و سبعین منه. ثم أحمد أعراب سنة تسع و سبعین منه. ثم رمضان سنة اثنین و ثمانین منه. ثم حسین قبطان علی سنة خمس و ثمانین منه. ثم جعفر سنة ثمان و ثمانین منه. ثم حسین قبطان علی أیضا سنة تسع و ثمانین منه. ثم یونس سنة تسعین منه. ثم رمضان سنة تسعین منه. ثم حسین بن خیر الدین سنة إحدی و تسعین منه ثم مامی سنة ثلاث و تسعین منه. ثم محرم سنة ثلاث و تسعین منه. ثم مامی سنة أربع و تسعین منه. ثم دالی أحمد سنة خمس و تسعین منه. ثم أخضر سنة سبع و تسعین منه. ثم الحاج شعبان سنة تسع و تسعین منه. ثم مصطفی سنة اثنین و ألف. ثم أخضر سنة ثلاث من القرن الحادی عشر، ثم مصطفی سنة ثلاث منه. ثم دالی حسن سنة سبع منه. ثم سلیمان سنة تسع منه. ثم أخضر سنة ثلاثة عشر منه. ثم مصطفی سنة خمسة عشر منه. ثم رضوان سنة ستة عشر منه. ثم مصطفی کوسة سنة تسعة عشر منه. ثم حسین سنة ثلاث و عشرین منه. ثم مصطفی خزناجی حسین سنة خمس و عشرین منه. ثم سلیمان سنة ست و عشرین منه. ثم حسین الشیخ سنة سبع و عشرین منه. ثم سلیمان سنة ثمان و عشرین منه. ثم مصطفی حفید کوسة سنة ثلاثین منه. ثم حسین سنة إحدی و ثلاثین منه ثم إبراهیم سنة اثنین و ثلاثین منه. ثم حسین بن إلیاس بای سنة اثنین و ثلاثین
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 255
منه. ثم مراد سنة أربع و ثلاثین منه. ثم إبراهیم سنة أربع و ثلاثین منه. ثم حسین سنة أربع و ثلاثین منه. ثم أسراف سنة خمس و ثلاثین منه. ثم حسن خوجة سنة ثمان و ثلاثین منه. ثم یونس سنة تسع و ثلاثین منه. ثم حسین الشیخ/ سنة إحدی (ص 190) و أربعین من القرن الحادی عشر. ثم یوسف سنة أربع و أربعین منه. ثم علی سنة سبع و أربعین منه، ثم حسین الشیخ سنة خمسین منه. ثم یوسف قرطالجی سنة خمسین منه. ثم مراد سنة اثنین و خمسین منه. ثم محمد برسالی سنة اثنین و خمسین منه. ثم أحمد سنة أربع و خمسین منه. ثم عمر سنة أربع و خمسین منه. ثم مراد سنة ست و خمسین منه. ثم یوسف سنة سبع و خمسین منه. ثم علی أبو صبع سنة إحدی و ستین منه و کانت تولیته یوم الأربعاء بعد طلوع الشمس بنحو الساعتین سادس عشرین صفر ثم عزل و توفی سنة ثمان و ستین منه بعد مدة من عزله. ثم محمد سنة ثلاث و ستین منه. ثم محمد أبو شناق سنة خمس و ستین منه. ثم أحمد سنة خمس و ستین منه ثم إبراهیم سنة ست و ستین منه. ثم الحاج أحمد سنة ست و قیل سبع و ستین منه. ثم إبراهیم سنة سبع و قیل ثمان و ستین منه. ثم علی سنة تسع و ستین منه. ثم مصطفی سنة إحدی و سبعین منه.
ثم إسماعیل سنة اثنین و قیل ثلاث و سبعین منه. ثم خلیل سنة ثلاث و سبعین منه. ثم رمضان سنة أربع و سبعین منه. ثم إسماعیل سنة خمس و سبعین منه ثم رمضان سنة أربع و سبعین منه. ثم إسماعیل سنة خمس و سبعین منه. ثم الحاج علی آغا سنة ست و قیل سبع و سبعین منه. ثم محمد سنة تسع و سبعین منه. ثم التریکی سنة ثلاث و ثمانین منه. ثم بابا حساین سنة ثلاث و ثمانین منه. ثم حسین موزمورط سنة أربع و تسعین منه. ثم إبراهیم خوجة موزمورط سنة سبع و تسعین منه. ثم الحاج شعبان خوجة سنة مائة و ألف ثم عمر سنة واحد من القرن الثانی عشر. ثم موسی سنة ثلاث منه. ثم شعبان خوجة سنة خمس منه ثم الحاج أحمد سنة خمس و قیل ست منه ثم قارة علی سنة تسع منه. ثم حسن شاوش سنة عشر منه. ثم علی سنة إحدی عشر منه. ثم بابا الحاج مصطفی أهجی سنة اثنا عشر و قیل ثلاثة عشر منه. ثم حسین خوجة شریف سنة سبعة عشر منه. ثم محمد بکداش خوجة سنة ثمانیة و قیل تسعة عشر منه. ثم دالی إبراهیم بای سنة اثنین و عشرین منه. و هنا انتهی/ کلام الزهرة النیّرة. ثم بابا علی (ص 191)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 256
سنة اثنین و عشرین من القرن الثانی عشر. ثم بابا محمد سنة ثلاثین منه. ثم بابا عبدی سنة ست و ثلاثین منه. ثم إبراهیم أفاندی سنة أربع و أربعین منه ثم إبراهیم خوجة سنة ثمان و خمسین منه ثم محمد سنة إحدی و ستین منه. ثم علی سنة ثمان و ستین منه. ثم محمد سنة تسع و سبعین منه. ثم حسین سنة ثلاث و قیل خمس من القرن الثالث عشر. ثم مصطفی سنة اثنا عشر منه ثم أحمد سنة عشرین منه. ثم علی سنة ثلاث و عشرین منه. ثم الحاج علی شریف سنة أربع و عشرین منه. ثم محمد سنة ثلاثین منه. ثم عمر آغا سنة ثلاثین منه. ثم الحاج محمد سنة اثنین و ثلاثین منه. ثم علی سنة اثنین و ثلاثین منه. ثم حسین سنة ثلاث و ثلاثین منه. و هو آخرهم و علیه قامت الدولة التاسعة کما یأتی.
و کان الباشالار یأتی علی ید الخلیفة الأعظم من إسطنبول من أولهم خیر الدین بن المدلیة إلی عبد اللّه بلکباش سنة خمس و ستین من القرن الحادی عشر کما مرّ فترک ذلک. و صار الباشالار تتفق علیه الأتراک و یقیمونه من الجزائر لا غیر.
و أول من أقیم من الجزائر عبد اللّه بلکباش . و لما فتح مصطفی أبو شلاغم ابن یوسف المسراتی و هران کما مرّ. انتقل لسکناها من المعسکر فسکنها بأهله و صیّرها دار ملکه فهو أول بایاتها الثمانیة الآتی ذکرهم إن شاء اللّه تعالی و استقر بها إلی أن جاءها العدو السبنیول مرّة ثانیة.

عودة وهران لحکم الدولة السابعة الإسبانیة

ثم رجع ملک و هران للدولة السابعة الإسبانیین (کذا) فملکها سلطانهم ألوی دابوربوا و ذلک أنه تولی سنة إحدی و أربعین و مائة و ألف و سلم فی الملک تلک السنة لابن عمّه فیلیب الخامس المار فبقی فی الملک المرة الثانیة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 257
اثنین و عشرین سنة. و فی السنة الثالثة من تولیته و هی سنة ثلاث و أربعین و مائة و ألف جهّز یعنی فیلیب لغزو و هران جیشا عظیما فدخلوها/ عنوة و ذلک بعد موت (ص 192) الباشا بکداش رحمه اللّه و فی حیاة البای مصطفی أبی الشلاغم. و لما جاءها العدوّ خرج لقتاله البای مصطفی أبو الشلاغم المسراتی فی جیش جلیل و نشب الحرب معه بمناوشة قلیلة قتل فیه النزر من جیشه و استشهد فیه علی بن مسعود المحمودی الحشمی و حصلت الهزیمة فی جیشه فلجأ البای إلی بنی عامر فخذلوه و لما رأی (کذا) ذلک أخذ أهله و أصحابه و أسلمها للعدوّ و ذهب لمستغانیم فصیرها دار ملکه و مکث بها بعد إقامة المسلمین بوهران أربعة و عشرین سنة فأخذها النصاری فی المرة الأولی بمالها و أهلها و أخذوها فی المرة الثانیة بأکثر ما فیها من الأموال و نجت الأنفس. و إلی وقت خروج المسلمین منها و کم بقوا بها و دخول النصاری لها أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
من بعد عشر و عشر ثم أربعةعادوا إلیها قرة أعین النعس
فملکوها بلا کبیر ملحمةلاکن فی الأولی بخدعة متحیس
فمرّتین ابتاعوها غیر غالیةکیف یباع ثغر و هران بالبخس
أتوها طورین انتقدوها عامرةوعد علیها إلیهم غیر منحبس
خلا لها الجوّ صرفا و اطمأنّوا بهاو قد تخلّت للکفر جلوة العرس
یا له من ثغر أضحی لها جزراللنائبات و الجدّ منه فی التعس
مدینة العلم و الإیمان حلّ بهاما حلّ بالحصن من الخبس و الخبس
من کل شارقة الإلمام بارقةمأتمها عاد للأعداء کالعرس
تقاسم الروم لا نالت مقاسمهم‌غرّ عقائلها المحجوبة النفس
کانت حدائق للأحداق مونقةفصرخ النصر فی الأدواح بالدحس
محی محاسنها طاغ أتیح لهااکتحل السهر لها مکثر الجوس
ما سهی عن هضها حینا مذ حاربهاو لا مکثّر للتوانی و النّعس
صارت تدور لناطورا واعدئیناو کلّما وعدتنا فهو فی رکس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 258
و لا زال أبو الشلاغم رحمه اللّه بمستغانم منذ دخلها إلی أن مات بها فدفن (ص 193)/ بالمطمر منها و علی ضریحه قبّة.

عودة إلی تاریخ ملوک إسبانیا

ثم فردینة السادس تولی سنة ثلاث و ستین و مائة و ألف و بقی فی الملک ثلاثة عشر سنة. ثم کارلوص الثالث تولی سنة سست و سبعین و مائة و ألف و بقی فی الملک تسعا و عشرین سنة إلّا أن نصاری و هران من حین الفتح الأول انکسرت شوکتهم عن الغزو العظیم للمسلمین و عرفوا قدرهم لکن (کذا) رعبهم لم یذهب من قلوب المسلمین بعد ذلک الفتح فأحری بعد رجوعهم لها. قال الشیخ الحافظ المحقق أبو زید عبد الرحمن الجامعی التلمسانی فی شرحه لرجز الحلفاوی: کنت وفدت عقب الفتح بقلیل علی العالم العلامة الدارکة الفهامة، الدرایة النقاد، سراج التحقیق الوقاد، منهل العلوم الأصفی أبی عبد اللّه سیدی محمد المصطفی القلعی الرماصی، تجاوز اللّه عنا و عنه یوم الأخذ بالنّواصی فوجدته یسکن بأهله ببیوت الشعر قرب غابة فی رأس الجبل یأوی إلیهم لیلا و یظل نهاره فی دار یطالع کتبه و یقری (کذا) طلبته فسألته عن ذلک فقال لی کنّا علی هذه الحالة علی عهد النصاری خوفا منه لأننا کنا لا نأمن فی الدور من أن یصکّونا لیلا فخرجنا لبیوت الشعر لیسهل علینا الفرار إلی غابة الجبل فنمتنع منهم. فانظر إلی أین بلغ بالمسلمین خوف أولائک الطواغیت و لا یعرف حلاوة الإیمان إلّا من ذاق مرارة الخوف. ثم أن کارلوص المذکور جهّز جیشا عظیما فی خمسمائة مرکب لغزو الجزائر فغزوها سنة تسع و مائة و ألف فئ ولایة الباشا محمد فخرجوا و نزلو بإزاء الحراش فی البر و جعلوا ترسا من حطب و لوح و غیر ذلک و بنوا برجا فی لیلة واحدة یقال له الآن برج مولای حسن و وافق ذلک قدوم البای صالح من قسنطینة للجزائر لدفع لزمة الصوف و هی محمولة علی الإبل فقدم تلک الإبل أمامه و جعلها سورا بین المسلمین و الإسبانیین و اجتمعت إلیه القبائل و الأعراب مع جیش الجزائر فأوقدوا نار الحرب و اشتد القتال و حمی الوطیس طلوع سعد السعود ؛ ج‌1 ؛ ص258
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 259
و بات النصاری لیلتهم فی موضعهم فلما کان قبیل صبیحة یوم الأحد رجعت الدائرة علیهم و هزمهم اللّه و کسرت لهم/ السفن و فشا فیهم القتل و الجراحات (ص 194) و أثخن فیهم المسلمون إثخانا عظیما إلی أن علا دمهم علی البحر و مات منهم ما لا یحصی عدده إلا اللّه تعالی و رجعوا مغلولین خائبین لم ینالوا خیرا و استشهد من المسلمین نحو أربعمائة جعلت لهم مقبرة بإزاء عین الربط و بقیت عظام النصاری ماثلة فی رمال الحراش أعصرا و قد حضر لهذه الواقعة المنصور باللّه أبو الفتوحات سیدی محمد بن عثمان بای الإیالة الغربیة و تلمسان ثانی بایات و هران، بعسکره فظهر من إقدامه و اعتنائه مقامات تعدّ من مفاخر دولته و ذکر أنه آخر الأیام. ثم غزوها أیضا سنة سبع و تسعین و مائة و ألف فهدموا بالبونبة أزید من مائتی دار و طلبوا الصلح فلم یجابوا و رجعوا خائبین. ثم غزوها أیضا السنة التی بعدها فزحف لهم المسلمون فی البحر و ردوهم علی أعقابهم فرجعوا بلا طائل. ثم جاؤها أیضا سنة تسع و تسعین من القرن المذکور طالبین الصلح فی الحال، باذلین القناطیر من الأموال، راضیین بدخولها للتجر لما أیّسوا من الظفر و قدموا فی ذلک علجة علی عادتهم فانبرم الصلح بینم و بین المسلمین کل ذلک أیام الباشا محمد دولاتلی مات رحمه اللّه سنة خمس من القرن الثالث عشر أیام السلطان سلیم ابن السلطان مصطفی العثمانی. و الحاصل أن الجزائر کانت قبل بنا بلکّین الصنهاجی لها اخصاصا و کان بنوا مزغنة و أکثر متیجة یؤدون الخراج للإسبانیین و لما بناها بلکّین الصنهاجی و حصنها بالأسوار و أنزل بها الجیوش قصرت النصاری عن عادتهم و رضوا بدل الخراج بالبیع و الشراء معهم و هم ببرج المرسی الذی بالبحر.
و لم یزل خیر الدین لما تولی یحاصره و یقاتله و یصالحه إلی أن فتحه عنوة سنة ثمان و أربعین و تسعمائة کما مرّ و أول غزو النصاری لها بعد استیلاء الأتراک علیها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 260
سنة خمس و عشرین و تسعمائة فی ثلاثمائة و عشرین جفنا فهزمهم اللّه بعد ما قتل منهم خلق کثیر یزید علی عشرة آلاف و غزوها مرة أخری أیام (ص 195) خیر الدین أیضا فهزمهم/ اللّه و أسر المسلمون نحو الثلاثة آلاف. ثم غزاها الطاغیة بنفسه و هو کرلوص شارل الأول لما استولی المسلمون علی بر المرسی بها و ذلک سنة ثمان و أربعین من العاشر فی زهاء سبعمائة سفینة فبعث اللّه علیهم ریحا کسّرت لهم أکثر مراکبهم و من خرج منهم للبّر قتل حتی أن الطاغیة رجع فی اثنا عشر مرکبا و کل هذا أیام خیر الدین رحمه اللّه و مرّ الکلام علی هذا مستوفیا غایة. و نظیر هذه الغزوة غزة قسطنطین بن هرقل ملک الروم لما أخذت الإسکندریة و استولی علیها المسلمون و علی کنیستها العظمی و قد کان المسلمون أخذوها قبل ذلک فی خلافة سیدنا عمر بن الخطاب رضی اللّه عنه ثم رجع لها النصاری بعد أول خلافة سیدنا عثمان بن عفان رضی اللّه عنه فأخرجوا منها و حلف عمر بن العاصی (کذا) لیترکنها کبیت الزانیة تؤتی من کل جهة فلما سمع قسطنطین بهدم حصونها غزاها فی ألف مرکب فی الشتاء فغرّقتهم الریح کلهم إلّا مرکبه نجا لصقلیة فأدخلوه الحمام و وثبوا علیه فقتلوه جزاء له علی فعله و غزوه فی ذلک الفصل. ثم غزوها سنة سبع و ستین و تسعمائة و لم تحصل لهم فایدة و رجعوا خائبین. ثم غزوها الغزوات الثلاثة المارة و هی سنة تسع و ثمانین من القرن الثانی عشر ثم السنة التی بعدها ثم سنة تسع و تسعین منه و هی ذات الصلح و تقدم هذا کله مستوفیا .

التحریر الثانی و النهائی لوهران و المرسی الکبیر

ثم فردینة السابع تولی سنة خمس و مائتین و ألف و بقیت و هران تحت حکمه و فی وقته جهّز لها من قیّضه اللّه لفتحها و أرشده لسعادتها و نجحها الممتطی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 261
منصة الرضوان و المشید رایات الإیمان و الباسط مهد العدل و الأمان، البای السید محمد بن عثمان، بای الإیالة الغربیة و تلمسان أتحفه اللّه برضاه، و جدد له اللطف و أمضاه سنة خمس و مائتین و ألف من هجرة من حاز للکمال و الشرف و الوصف، جیشا حصل له به النصر و السرور و الاطمئنان (کذا) فخرج به من المعسکر قاصدا بحول اللّه و قوته فتح و هران و قدم أمامه/ البارود فی عدّة صنادیق و جعله ذخرا ببرج (ص 196) شلابی الترکی بوادی سیق. ثم نزل بجیشه بوادی الحمام و رحل منه مرتجیا النصر له من المالک العلام. فنزل بسیق و هو کاللیث الضرغام و ارتحل بقصد قتال النصاری بغیر الملام. فنزل بوادی تلیلات و اشتاقت نفسه لدخول روضات الجنات ثم ارتحل من الغد و هو بفعله کالغانج فنزل بوطاء وادی الهایج، و اجتمعت عنده الأعراش بالتمکین و جاءه المخزن و النصر بلوح علیه من رب العالمین. و کان الوقت وقت الحصاد، و الذی فیه تجمع قوت سنتها سائر العباد، فتفاوضوا معه فی الأمر و تشاوروا، و تجاوبوا معه فی القول و تحاوروا، و قالوا له یا نعم الأمیر الرأی الذی لنا و لک فیه العزّ المنیف، أن تدع هذا القتال و تؤخره إلی وقت الخریف، لتذهب الناس لجمع عیشها، و تتفرغ لقتال العدو بجیشها، فأجابهم بقوله رأیکم فیه الحکمة و الصواب و لاکن (کذا) أنتم و نحن فی رأی الأولیاء و العلماء أولی الألباب فهم أدری بالأمور، و بإشارتهم یکون الفوز و السرور فبعثوا فورا للولی الشهیر، بسیدی محمد أبی دیة الضریر، و هو بزاویته بجبل تاسّالة، فأتوه به فی أکمل حالة لحالة کمّاله، فاجتمع هو و أعیانه به فشاوروه، و تردّد القول بینه و بینهم و حاوروه، فقا الولی لهم قولته الکاملة أنک لا تفتحها فی سنتک هذه و إنما تفتحها فی محرم السنة القابلة. فسّر البای و فرح و اطمأن قلبه و انشرح. و کان البای معتمدا علی کلام الولی الصوفی سیدی الأکحل ابن عبد اللّه الخلوفی و کان أبو دیة مأذونا له فی الکلام، و مشهورا بذلک عند الخاص و العام، حتی صار یقول من أبی دیة الخبّار، لم یبق من یعط الأخبار.
و عند موته باع الولایة لأبی عمامة، فقام مقامه فی التکلم بأحسن استقامة، و لما سمع البای کلام أبی دیة ارتحل من حینه و لأمّ عسکر رجع. و صار یراصد الوقت الذی له أنفع، و لما دخلت سنة ست من الثالث عشر بالإثبات قدم لفتحها فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 262
مائة فسطاط إلی أن نزل بوادی تلیلات. و بها جاءه ولیّ بهلول من غیر خلف من أولیاء اللّه المفتوح لهم حجاب الکشف و صار یدور فی المحلة و یقول یا أمیر (ص 197) المؤمنین/ إذا أردت أن تفتح و هران فجی‌ء لها (کذا) علی طریق جنین مسکین، و کان الجنین ببلاد أولاد علی قریبا إلیه، فلما سمع البای ذلک أحضره لدیه، و قال له أیها السید ماذا نقوله فی مقالک فقال له القول هو ذلک، و إلا فأیّس من فتحها بتحقیق الخبر، فساعده البای و رجع للمعسکر ثم خرج بمحلته المنصورة و نزل بحمام أبی الحنیفة ثم بالزفیزف و بعده بالقعدة، فنزل بجنین مسکین، و قلبه مطمئن بالفتح آمین، ثم تقدم لتلیلات، فجاءه الولی بها بالبشارات قائلا له إنک تفتحها بإذن اللّه. و یکون لک فیها العزّ و الجاه، ثم ارتحل و نزل بالضایة، قبلتها فی صحیح الروایة، ثم ارتحل و نزل علیها و حاصرها، و ضایقها شدیدا و قاهرها.
و کان القتال له علیها مترادفا، و الحصار لها من کل جهة متخالفا، و حضر لقتاله بها عدد من الطلبة یزید علی الخمسمائة، رائسهم (کذا) الشیخ محمد ابن المولود المخیسی المعدد لهم عدد الحیسی، و فیهم العلامة الأجل، المازونی صاحب الحاشیة علی الخرشی المسمّة بدرة الحواشی، فی حلّ ألفاظ الخراشی، و قد باشر هذا الأمیر حربها بنفسه، مدخرا ثواب ذلک لرمسه، و لم یکن رحمه اللّه و أدام وجوده، و خلّد ذکره و وفی معهوده، إلا فی محلته المعهودة له فی سائر الأیام و هی مائة فسطاط، و لم یمده محمد باشا بمدد یظهر منه فی هذا الأمر النشاط و قد توفی هذا الباشا أثناء الحصار و تولی بعده حسن باشا فی صحیح الأخبار، فأقرّ الأمور علی ما کان علیه و لم یزده حامیة إلا ما کان لدیه، حتی فتح اللّه هذا الفتح المبین، الذی أضاء به للإسلام الجبین، و تبسّم به فی الثغر وجه الدین بعد عبوسه و استبدل النعیم بعد ضنکه و بؤسه، لا کما وقع للسید مصطفی أبی الشلاغم ابن یوسف المسراتی فی فتحها الأول المزیل به لکربها، فإن الباشا محمد بکداش رحمه اللّه وجّه له من الجزائر الجیوش لحربها، و أمّر علیها من عرفت نجدته، و ظهرت فی المضایق شجاعته و شدته، ردیفه و وزیره و صهره و خبیره السید أوزن حسن رحم اللّه الجمیع برحمته التی لیس فیها ثبط و الأمیر (ص 198) مصطفی فهو/ علی محلته فقط. و تحرک لها الأمیر محمد فی العام الثالث عشر من ولایته، رایما النجح (کذا) و التوفیق من اللّه فی عمله و سعایته. و رأیت فی بعض
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 263
التقایید أنه من حین قصدها فی العام الخامس. لم یرجع عنها إلی أن أکمل له الأمر بالفتح و اندحض کل جالس. و قد أفرد ابنه الأمیر عثمان فی هذا القتال، بمحلة فکثر منها علی الأعداء النّزال و صار الحرب بین الأمیر و النصاری سجال.
و قد أثخن الطلبة فی النصاری إثخانا عظیما حل به علی النصاری التبدید و النکال. یقال فی صحیح الحکایة الموذنة للنصاری بالنکایة. أنّ من شدة قتال الطلبة للنصاری، تقدموا لهم من غیر توان و لا قصاری إلی أن سبق طالب لنصرانی و ارتمی علی ظهره، و لم یخش من بأسه و مکره، بل صیّره لنفسه مطیّة، و قال هذا إلیّ من اللّه عطیة. و کان الطالب لطیفا، و فی جسمه نحیفا، فذهب به ذلک النصرانی و هو علی ظهره فارا للمدینة، و ترک القتال و حلّت به الغبینة لم ینزل الطالب عن ظهره، و لا حاجة له فی نهبه و أمره، و إنما استخرج من جیبه سکینا صغیرا و صار یجرحه به تجریحا مترادفا کثیرا، و النصرانی لا یبالی بذلک و قصد به البلد، و لما رأی بعض الطلبة ذلک جری فی أثره بالقوة و الجد، إلی أن لحقه فضربه للعراقیب بالسکین فخر النصرانی صریعا و قرب أجله فی الحین، فقتله الثانی و اجتزّ رأسه و أتیا به معا لمحلتهما فی غایة الاقتباس، و کل ما فعلاه فهو لمرءات الناس.
و یحکی أن الطبجیة الذین بمرجاجوا حققوا النیشان بغیر اشتباه، و ضربوا بکورهم فسطاط الأمیر و هو بوسطه فکسروا رکیزته، و نجاه اللّه، فجاء أحد الطبجیة الذین بمحلة الأمیر إلی محل اختاره و هو فی غیظ کبیر، و جعل نیشانا صحیحا نحو المدفع الذی جاءت منه الکورة، و کوی مدفعه فذهبت منه بسرعة الکورة، إلی أن دخلت جوف المدفع الأول فعطّله و نال حالة مشکورة، قیل و لم یخدم ذلک المدفع المعطل للآن. و رحل البای من منزله و نزل بالمبرک غربی و هران، و لا زال رحمه اللّه یحرض النّاس علی قتالها، و یتقدم لفتحها و زوالها فعدل نصره اللّه عن طرق عواقبها، فلم یعتبرها و لم یعبأ بثواقبها، و لم یلتفت لقول المرجفین من أنها ذات بأس شدید، و جند کثیر/ عتید، و أنّ اعتناءه بها فهو (ص 199) من قبل اللعب و اللهو، لکونها أمنع بعقاب الجو، و أن عاقبة أمره معها عدم الظفر بها و قتل جنده بلا طائل، لا حصول قوة و نایل، بل نبذ ذلک کله وراء ظهره، و لم یعمل إلا برأیه و أمره و لم یستشر فی ذلک أحدا خوفا من تثبیطه و عدم شدته
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 264
و تنشیطه، لما فیه من رشده و نجحه سوی سیفه و رمحه، و دام حصاره لها بالقتل، الصادر منه و من جنوده، و شدة صواعقه و مدافعه و کوره و باروده، إلی أن فتحها فی أوائل المحرم سنة ست من القرن الثالث عشر بقتاله الذریع، و دخلها فی الیوم الخامس من رجب الفرد ضحی یوم الإثنین من سنته فی فصل الربیع. و قد أقام النصاری بها فی هذه المرة الثانیة التی صارت بعد الفتح کالسنة ثلاثا و ستین سنة، و فی الأولی خمسا و مائتی سنة، و لما دخلها فی ذلک الیوم المبارک، أناخ بها راحلته و لا له فیها معاند و لا مشارک.
و اختلف فی کیفیة فتحها علی ثلاثة أقوال: قال بعضهم أن الأمیر فتحها عنوة و دخلها بعد الزوال. و قال آخر أنها فتحت بشدّة الزلازل الحالة بها فی کل حین ففرّ منها النصاری دون علم من المسلمین و لما ذهب لها الطلبة لیلا للاختلاس و التجسیس. لم یجدوا أحدا عند أبوابها و لا بها حس و لا حسیس.
فتسوروا علیها من جهة رأس العین و دخلوها، فوجدوها خاویة علی عروشها ثم جالوها مفرقی أحدهم المنارة و رجع صوته بالأذان. و کان جهیر الصوت ذا تطریب و ألحان، فسمع المسلمون ذلک و تحققوا من الطلبة أنقامهم، فأتوها و الأمیر المؤید بالنصر أمامهم، فألفوا الطلبة مقبلین علی تلاوة القرآن، فدخلها الأمیر رحمه اللّه فی أمن و آمان.
و قال الحافظ أبو راس أن أمیر المؤمنین السید محمد بن عثمان بای الإیالة الغربیة و تلمسان، لما ضایق و هران أشد التضییق، سأل منه النصاری السلم و التوثیق، و راودوه علیه فأعطاهم الأمان، علی أمتعتهم و أنفسهم من غیر امتهان، (ص 200) فذهبوا منها و ترکوا کل ما فیها للأمیر فأخذه منهم بالقیمة بلا تجمیح،/ و قیل ترکوها خاویة و الأول منهما هو الصحیح.
قال الحافظ أبو راس فی السینیة:
حتی تدارکها اللّه برأفته‌من بعد ما مضی لها مدة العنس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 265 بتقلید المغرب الوسط لعمدتناأضاء شمسه بعد حالک القلس
ملک تقلدت الأملاک سیرته‌دنیا و أخری تراه محسن السیس
مؤید لو رمی نجما لأثبته‌و لود عاد بلا لبّ و ما احتبس
شهم شجاع بحزم الملک متّزرو مرتد النصر و فی الحلم ذو طخس
فملک آل مندیل تحت سلطانه‌قد کان مدّ من واجر إلی تنس
کذاک ملک تجین فی إیالته‌کذا الجدار القدیم المتقن الأسس
ملک لآل یغمور فیه نصرتهم‌کذاک ملک ابن یعلا الیفرینی الرئیس
لشعنب و مصاب مدّت طاعته‌علی مسافات شتّی من أبی الضّرس
فمهّد الکل برخص و عافیةقد آمنوا کلهم عواقب الفلس
محمد بن عثمان نجم سعدهم‌رصد من کلّف یصع و من سجس
مدة ست و سبع من إمارته‌حلّ بأهل و هران الویل فی التعس
عمّر کل مرصد کان مسلکهم‌بالخیل و الراجل مع حلق العسس
طلبة أثخنوا فیهم و عاثوا فلاتفسهم بقیس عبس و لا بیهس
أحیوا مراسم عفت من شیوخهم‌أحمدا و محمدا و ابن یونس
سنة خمس أتی لها بکلکه‌جند عظیم ما بین الشهم و الحوس
مدافعا و عرادات أحاط بهاکأنها بینهم کحلقة الجلس
یکاد یصدع الشامخات باروده‌رعد سحاب مدیم الصعق و الجرس
یفنی الفناء و لا تفنی له حروب‌کأنّه من صروف الدهر لم تیس
یشیب من حربه رأس الغراب و لایشیب رأس نهار دایم الغلس
یسودّ مبیض وجه لرجاه- و لایبیضّ مسوده من شدة الدمس
بنقع خیله و دخان باروده‌یوم حلیمة أو کرج لأرمنس
فحار بطریقهم من بأسه فرقاو قلبه مملوء بالرعب و الوجس
/ أخبارها قد طارت فی الأرض قاطبةلقتنا فی أمدوجات من ورا قابس
(ص 201) أوبة حجّنا فقلنا هنیئا لناوصلنا حجّ جمع بالجهاد النفس
وجدنا سوسة و المنستیر قد سمعامدینة اللخمی و جربة مع تونس
عدة أشهر الحرب یساجلهاطالع سعد له علیهم بالنحس
فطلبوا السلم من بعد مراودةفأعطوا الأمان علی الأمتع و النفس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 266 فکانت مدتهم فی هذه کمج‌جری بذا القلم قدما فی الطّرس
هم یخربون بیوتهم بأیدیهم‌فاعتبروا یا أولی الأبصار و النفس
بنوا النضیر فی المشر سبقوهم بذافکیف بالروم بفعل الیهود تس
نصاری و هران ترکوها عامرةفالحمد للّه آمنا من الهجس
بأبی عثمان و عثمان قد رجعاإلینا ما یسلّی عن أرض أندلس
رماهم اللّه بالملک أمیرنارمیة سهم أتتهم علی غیر قس
أقام أحوالا للأعدا منوّعةبالمکر و الکید و الأنفاض و الدسس
إلی أن قال:
فی خامس الفرد ضحی یوم اثنینه‌کان الدخول بعون الملک القدّس
سنة ستّ ثم الحمد لخالقناوصل أیضا علی المنقی من الرجس
و قال فی بقائهم بها فی الأولی کما مرّ:
ففتحت عنوة فی تسع عاشرةمن بعد سکنی؟؟؟ و الدین فی وکس
و لما اصطلح الأمیر محمد بن عثمان مع نصاری و هران، علی رفع القتال (ص 202)/ عنهم یخرجون منها فی أمان، صاروا یخربون بنیانها بالألغام. نکایة منهم للمسلمین بالاحتکام، کفعل بنی النضیر أحد فرق الیهود الذین بإزاء المدینة المنورة، لما عزموا علی الجلاء بالمشتهرة لما حاصرهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم تسلیما، و شرفه و کرمه تشریفا و تکریما.
ثم أن و هران لما منّ اللّه تعالی بمنه و فضله علی المسلمین بفتحها من الإسبانیین بالبیان، علی ید الأمیر المؤید بنصر اللّه السید محمد بن عثمان، بای الأیالة الغربیة و تلمسان، طار خبرها للمشارق و المغارب و حصل السرور للمسلمین الأباعد و الأقارب، و استبشروا بالفوز و الربح و النجح و الحبور، «و قالوا الحمد للّه الذی أذهب عنا الحزن إنّ ربنا لغفور شکور».

من اخترع البارود؟

قال شیخنا الزیانی فی دلیل الحیران و اختلف فی أول من عمل البارود علی ثلاثة أقوال. فقیل اخترع ببر الصین فی الزمان القدیم و نقله المسلمون عنهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 267
لهذه الأماکن و قیل اخترعه الروم لما نزلوا بقرب تونس لأخذها فی سنة تسع و ستین و ستمائة و قیل أحدث فی نیف و ستین و سبعمائة أحدثه حکماء المسلمین و هو المشهور و ذلک أن حکیما کان یعالج صنعة الکیمیاء فعالج ذلک ففرقع له فأعجبه فاتخذه لآلة الحرب و هو قول الحافظ البنانی فی حاشیته علی الزرقانی فی باب الذکات و الحافظ أبی راس فی کتبه و الحافظ الرباصی علی العمل الفاسی. و أما المدافع و البنادق فأحدثهم النصاری بإسبانیا و إفرانسا سنة أربعین و سبعمائة.

تتمیم لملوک/ الإسبانیین‌

(ص 203) ثم ززاف الفرانسوی صنو سلطان الفرانسیس (کذا) نابلیون بونبارت (کذا) تولی سنة خمس و عشرین و مائتین و ألف و بقی فی الملک خمس سنین. ثم فردینة السابع تولی مرة ثانیة سنة ثلاثین و مائتین و ألف و بقی عشرین سنة. ثم إیزابلة الثانیة تولت سنة خمسین و مائتین و ألف و بقیت فی الملک خمسا و ثلاثین سنة. و فی سنة ست و سبعین و مائتین و ألف جهزت جیشا لغزو تیطاون بهذه العدوة من المغرب الأقصا (کذا) فحصل بینهم و بین المسلمین قتال ذریع ثم استولوا علیها و بقوا بها نحو ثلاثة أشهر ثم خرجوا منها مختارین علی أخذ مال معیّن من سلطان المغرب. ثم صار حکمهم للجماعة الجمهوریة الشوریة بینهم سنة خمس و ثمانین و مائتین و ألف و بقوا علی ذلک سنتین. ثم أمادی تولی سنة سبع و ثمانین و مائتین و ألف و بقی فی الملک
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 268
ثلاثة أعوام. ثم رجع حکمهم جمهوریا أیضا مرة ثانیة سنة تسعین و مائتین و ألف و بقوا علیه سنتین أیضا. ثم الفونص الثانی عشر و تسمّیه (کذا) المسلمون الفنش تولی سنة اثنین و تسعین و مائتین و ألف و بقی فی الملک عشرة أعوام و مات ملکا. ثم ابنه الفونص الثالث عشر تولی یوم موت أبیه و هو عام اثنین و ثلاثمائة و ألف و هو طفل صغیر فی کفالة أمه فهی المدیرة لحکمه و هو الموجود الآن فی الملک و اللّه یؤتی ملکه من یشاء و اللّه ذو الفضل العظیم.

قائمة أباطرة الرومان‌

(ص 204)/ و جملة ملوک الروم المشتهرین قبل الإسلام إلی أن ظهر الإسلام، ستة و خمسون ملکا. و أول من اشتهر منهم غانیوس ثم یولیوس ثم أغسطس و أصله بشینین معجمتین ثمّ عرب بسینین مهملتین و لقبه قیصر و معناه بلغتهم المبقور عنه لأن أمه ماتت بالطلق فأبقر علیه و أخرج فلقّب بقیصر و صار لقبا لملوک الروم و کان یفتخر به فیقول إنی لم أخرج من الفرنج کغیری ثم طیباربوس ثم غانیوس ثم قلوذونس ثم نارون ثم ساسیانوس ثم طیطوس و ملک سبعة أعوام و غزی الیهود و أسرهم و باعهم ثم ذو مطینوس ثم نارواس ثم طرایانوس و قیل غراطیانوس ثم إذریانوس و مات مجذوما ثم أنطونینوس الأول ثم مرقوس و قیل قوموذوس و شرکاؤه فی المملکة ثم قوموذوس و خنق نفسه فمات بغتة ثم فرطنجوس ثم سیوارس ثم أنطونینوس الثانی ثم الإسکندروس ثم مکسیمینوس ثم غورذ بانوس ثم دقیوس و یقال له دقیانوس ثم غالیوس ثم علینوس و لریانوس و قیل اسمه و لوسینوس ثم انفرد و لریانوس بالملک ثم قلوذیوس ثم أردفاس و قیل أورلیانوس و مات بصاعقة ثم قلرونوس ثم قاروس ثم دقیطیانوس و هو آخر عبّادة الأصنام من ملوک الروم ثم قسطنطین المظفر و مات تابعا لدین المسیح علیه السلام بعد ما ملک إحدی (ص 205) و ثلاثین سنة فی منتصف سنة ست و عشرین و ستمائة/ للإسکندر و لما مات انقسم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 269
ملکه بین أولاده الثلاثة، و کان الحاکم علیهم منهم قسطس ثم للیانوس و ارتدّ إلی عبادة الأصنام و قاتل سابور ذا الأکتاف و انتصر علیه ثم قتل فی أرض الفرس بسهم ثم یونیانوس و اصطلح مع سابور ذی الأکتاف ثم و النطیانوس ثم أنونبانوس ثم خرطیانوس ثم ثاودسیوس الکبیر ثم أرقاذبوس ملک بقسنطینة و شریکه أوثوربوس برومیة ثم ثاوذسیوس الصغیر و فی أیامه غزت فارس الروم و انتبه أصحاب الکهف من کهفهم ثم مرقیانوس ثم و الطیس ثم لاون الکبیر ثم لاون الصغیر ثم زبنون ثم اسطیثیانوس ثم یسطینینوس الأول ثم یسطینینوس الثانی ثم یسطینینوس الثالث ثم طبریوس الأول ثم طبریوس الثانی ثم ماریقوس الأول ثم ماریقوس الثانی ثم قوقاس ثم هرقل عظیم الروم و اسمه بالرومیة أراقلیوس و کانت الهجرة النبویة فی السنة الثانیة عشر من ملکه و هو الذی بعث له النبی صلی اللّه علیه و سلم مع صاحبه دحیة الکلبی رضی اللّه عنه کتابه یدعوه إلی الإسلام و أتیت بهذا استطرادا تتمیما للفائدة فی ملک الروم .

عودة وهران لحکم الدولة الثامنة الترکیة و الألقاب و الرتب الترکیة

ثم رجع ملک و هران للدولة الثامنة و هی دولة الترک فملک و هران منهم الأمیر المنصور/ الأسد الهصور، و ثانی بایات و هران الثمان، المجاهد فی سبیل اللّه السید محمد (ص 206) ابن عثمان، بای الإیالة الغربیة و تلمسان، بعد فتحها من أهل التثلیث و الأوثان.
اعلم أن البای عند أتراک الجزائر لقب لمن ولّی أحد الإیالات الثلاث و هو:
تلمسان، و تیطری، و قسنطینة فقط. و الباشا لقب للذی یولّی البایات الثلاث و لذا یقال له باشا بای و بای البایات و دولاتلی قال الحافظ أبو عبد اللّه محمد الصغیر الیفرینی فی کتابه نزهة الحادی: و معنی البای بلغة الأتراک قاید القیاد و یختص به قاید الصبایحیة. و لما یعظمونه یقولون له البای لار. و قال الحافظ أبو راس فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 270
الخبر المعرب: و البای هو الذی یولیه الباشا ناحیة کبیرة فی عرفنا. و الحاصل أنّ أمراء الإسلام أعلاهم رتبة الخلیفة و قد انقطع هذا الاسم أوائل القرن العاشر.
ثم السلطان و هو الموجود الآن فی إسطنبول و المغرب الأقصا. ثم الوزیر و هو المتولی الحروب بإسطنبول. ثم الباشا و هو الذی یولیه السلطان قاعدة کبیرة کالجزائر و تونس و طرابلس و مصر و الشام و بغداد فی عرفنا الآن. ثم البای و هو عندنا من یولّیه باشا الجزائر جهة مخصوصة مثل قسنطینة، و المغرب الأوسط و غیر ذلک. و لار بمعنی جمیع و من ذلک یولضاش لار فیولضاش بمعنی الجندی و لار بمعنی الجمیع. و دأب العجم إضافة المضاف إلیه للمضاف عکس العرب لأن (ص 207) معنی هذه الکلمة بالعربیة جمیع یولضاش. و الانقشریة/. العسکر الجدید و ذلک أن السلطان مراد بن أورخان بن عثمان خان الخاقانی اتخذ ممالیک سنة إحدی و ستین و سبعمائة فسمّاهم بهذا الاسم فهو أول من سمی به و الرأی بمعنی الراءیس (کذا) و الأودباشیة لار الواحد أودباش و معناه رایس الدار علی عادتهم فی الإضافة فلفظ أود هی الدار و باش هی الرایس. و أعلا منه البلکباشیة.
فالبلک اسم الجماعة و الباش الرایس کما مرّ و معناه رایس الجماعة. و أعلا منه آغا. و مواطن البای ثلاثة:

بایلیکات الجزائر و أقسامها

أولهم بای تیطری و هو أکبر البایات اسما لأنه أول من ولته الدولة الترکیة بذلک المحل. و قاعدته المدیة. و ثانیهم بای الشرق یعنی الجهة الشرقیة و قاعدته قسنطینة. و ثالثهم بای الغرب یعنی الجهة الغربیة.

بایلیک الغرب الوهرانی و عواصمه و بایاته‌

و فی الحقیقة أنه هو الثانی فی المرتبة لکون الترک تولوا علی الجهة الغربیة و جعلوا فیها بای قبل الجهة الشرقیة. و قاعدته و هران. و هذا الثالث کان منوّعا علی نوعین أحدهما مازونة و أول بایاتها حسن بن خیر الدین باشا و سلم فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 271
وظیفة. ثم أبو خدیجة، ثم صواق و مات مسموما من سم سقته له زوجته. ثم السایح و بقی فی الملک إحدی عشر سنة و مات. ثم ساعد. و منه إلی محمد ابن عیسی تولی بمازونة عشرة بایات و ذهب عن حفظی ما تعلّق به منهم. ثم محمد بن عیسی و هو السادس عشر من بایاتها. ثم شعبان الزناقی الذی توفی بالجهاد فی و هران. و ثانیهما تلمسان و لم یبق بحفظی من بایاتها إلا عصمان، و یوسف/ المسرانی. ثم جمعا فی الثامن و تسعین و ألف لواحد و صارت القاعدة (ص 208) قلعة بنی راشد، ثم صارت المعسکر، ثم صارت وهران فی الفتح الأول، ثم صارت مستغانیم، ثم صارت المعسکر، ثم صارت و هران فی الفتح الثانی و استمر الحال علی ذلک إلی انقطاعهم.

طبیعة حکم البایات و موظفوهم و نوابهم‌

و لبایات هؤلاء القواعد الثلاث التصرف المطلق فی الرعیة العربیة بکل وجه من القتل و القطع و الضرب و السجن و العقوبة بالمال المسمّة (کذا) بالخطیّة إلی غیر ذلک دون متعرّض لهم فی شی‌ء، و لا یقدر البای علی قتل أحد من الأتراک إلّا بمشاورة الباشا بالجزائر و لما یؤذن له فی قتله و یقتله یقال فیه أنّ البای قد اشتراه من الباشا. و للبای خلیفتان من الترک أحدهما ینوب عنه فی الخروج للرعیة بالجهة الشرقیة خاصة لأخذ مال الدولة منها و یتصرف فیها بما شاء علی إرادة البای و فی القدوم إلی الجزائر عند الافتقار و یقال له خلیفة الشرق. و الآخر ینوب عنه فی قاعدته بالجلوس علی الکرسی إذا غاب البای فی الرعیة أو حالة الدنش و یقال له خلیفة الکرسی. و له کاتبان عربیان یکتبان له جمیع الأوامر و النواهی أحدهما کاتب السر و هو الکبیر و یقال له باش تافتار، و الآخر یکتب الرسایل و یسجلها إلی غیر ذلک و هو الصغیر. و له وزیران من العرب أحدهما کبیر و هو من أعیان الدوایر و یقال له قاید آغا و علی یده ما سوی المدن و الزمالة و الغرابة و مجاهر و فلیتة و رعیة خلیفة الشرق و الیعقوبیة فله دایرة کبیرة. و الآخر صغیر و هو/ من أعیان الزمالة و یقال له قاید کبیر و علی یده الزمالة (ص 209)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 272
و الغرابة و الیعقوبیة و مجاهر و حمیان فله دایرة صغیرة لکون آغا علی یده الدوایر و بنی عامر و جمیع الجهة الغربیة إلی وجدة ما عدا تلمسان و حوزها کما علی یده بنی و عزان و أولاده المیمون و أولاد بالغ و بنی مطهر و الجعافرة الغرابة و سایر الحشم و رزیو و بنی شقران و البرجیة جبلا و وطاء و زدامة و الحوارث و خلافة و فرندة و الکسانة و الأحرار فی بعض الأحیان و أولاد الشریف و أولاد الأکرد و أولاد خلیف و سایر سوید و أولاد عاید و أولاد عیاد و بنی أمدیان و سایر من بالجبال. و حاصله أنه یمتد حکمه إلی ثنیة الحد فله دایرة کبیرة بخلاف قاید الزمالة فله الخمسة الأعراش المذکورة. و لا آغا الدوایر مشورة فی رعیة خلیفة الشرق و هذا المنصب لا یتولاه من الناس إلّا من کان من أبناء البیوت الکبار المتأهلین له غایة التأهل. و من جملة الأعیان المعتمد علیهم فی سایر الأمور، و یشتری من البای بمبلغ وافر من المال و کان قبل أن یتولاه المزاری یبلغ عشرة آلاف فرنک بل ریال أو عشرة مایة شک من الراوی و لما تولاه المزاری أبلغه إلی عشرین ألفا أو عشرین مائة شک منه أیضا. و هاذان (کذا) الوزیران هما الذان (کذا) یقبال (کذا) دعاوی العرب و شکایاتها کل فیما یلیه ثم یعرضانها علی البای للتنفیذ و لهما مدخل عظیم فی ذلک فلا بد للبای من مشاورتهما کل فیما یلیه و تارة یجمعهما للمشورة. و له ثمانیة شواش أعوان أربعة من الترک و لباسهم مخالف للباس شواش الباشا فهم عند البای کسائر العسکر لکون خدمتهم لیست موظّفة من عند الباشا و إنما هی موظفة من عند البای خاصة فله أن یأخذ من شاء (ص 210) لقطع الرأس و نحوه. و یسمون شواشا ما داموا/ فی الخدمة لا غیر. و أربعة من العرب للتقدیم و التأخیر و ضبط أحوال البای و أموره و یقال لهم شواش بنی عرب و له سبعة طبول و غوایط و ناغرات وعدة سناجیق یحملهم معه حال رکوبه و له فسطاط کبیر جدا یقال له الوتاق یحمله اثنا عشر جملا فضلا عن البغال.
و المتولی أمور داره یقال له قاید الدار و أمور سلاقه یقال له قاید السلاق، و أمور سبسیه یقال له قاید السبسی، و أمور ظلیلته یقال له قاید الظلیلة و أمور کرسیه یقال له قاید الکرسی، و أمور طابعه یقال له قاید الطابع، و أمور جنانه و منزهه یقال له قاید الجنان، و أمور مکاحلیته یقال له قاید المکاحلیة، و أمور خزنته یقال له خزندار و خزناجی، و القاطع للرأس بأمره یقال له طزبیر إلی غیر ذلک.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 273

کیفیة حمل الدنوش إلی الجزائر

و للبای شرط فی الدخول للجزائر فی کل ثلاث سنین إن لم یکن به عذر من مرض و نحوه و إلّا بعث خلیفة الأول و هو خلیفة الشرق عوضا عنه و یسمی هذا الدخول بالدنوش و سببه فی کل ثلاث سنین الإعطاء لمال الدولة بید الخزناجی و الإعطاء للعواید الجاریة و فی یوم دخوله یقع المهرجان العظیم بالجزائر تخرج فیه أکثر الناس من البلاد لملاقاته و التفرج فی ذلک المهرجان و صفته: أن البای إذا قدم للجزائر لما یبقی بینه و بینها مسافة سیر الاربع سوایع (کذا) ینزل فی محل معزولة (کذا) یقال له حوش البای و منه یقدم للجزائر فیصل قبل الفجر لمحل یقال له عین الربط فینزل به إلی ارتفاع النهار و انفتاح الأبواب فیرکب أرباب الدولة من الخزناجیات و الأغوات و خوجة الخیل و الدیوان و غیرهم و یخرجون للقائه و معهم نوبة الباشا تضرب علیهم فإذا وصلوا لقربه رکب/ البای (ص 211) و من معه تحت الألویة و الرایات و تضرب نوبته و یتوجه نحوهم و لما یقرب منهم تسکت نوبته و تبقی نوبة الباشا تضرب ثم ینزل البای و من معه علی خیولهم و یمشی خطوات ثم ینزل الخزناجی و من معه و یسلم کل فریق علی صاحبه و یجلسون فی محل مرتفع هناک فتتسابق الخیل فی جریها أمامهم علیها فرسانها و یضرب البارود و یسمی هذا بالملعب و اللعب ثم یرکبون جمیعا و یقصدون الباشا و من حین الرکوب یشتغل البای بتفرقة الدراهم و رمیها علی رؤوس الناس الواقفین یمینا و شمالا إلی أن یصل لمقر الباشا فینزل و یدخل علی الباشا فیحییه بأحسن التحیة و یؤدی له الطاعة بالمبایعة و یجلس هنیئة معه ثم ینصرف للمحل المعد من طرف الدولة لنزول البای فینزل به ثم یباشر خدمته وکیله المقیم بالجزائر المسمی بوکیل البای و تلک الرتبة لا تعطی إلّا لمن کان هو أهل لها فتأتیه فی یومه الأول الأطعمة بما یتبعها ثم یشتغل فی الیوم الثانی بتوزیع العواید الجاریة فأول ما یبدأ به الباشا فإذا کان بای الشرق فإنه یدفع بعد مبلغ وافر من المال، البرانس، و الحیاک، و المصوغ، و إذا کان بای الغرب فإنه یعطی بعد وافر المال، العبید و الإیماء، و الحیاک، و ریش النعام، و بیضه، و الزرابی، القلعیة، ثم یعطی لأرباب الدولة و أصحاب المناصب حتی الشواش و غیرهم عوایدهم. و بعد دفع العواید اللازمة و غیرها تضیفه أرباب الدولة و أکابرها و یعطی فیها مالا ءاخر (کذا)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 274
لخدام المحل علی سبیل الإکرام زیادة علی ما یدفعه للخزنة و یمکث فی البلد (ص 212) ثمانیة أیام لا غیر و یرجع لمحل عمله و إذا خرج للرجوع لأهله فإنه لا یخرج/ معه من أرباب الدولة إلّا ءاغا لا غیر فیشیعه علی مسافة نحو الساعتین و الثلاث و یرجع عنه بعد أن یدفع له فی تشییعه قدرا جلیلا من المال إکراما له. ثم إن الباشا إذا أراد قتله یبعث له من یقتله بمحل القتل و کذلک إذا أراد قتله قبل لقائه فإنه یبعث له من یقتله فی الطریق قبل الوصول بحسب ما اقتضاه أمر الباشا من خنق و غیره.
و لا یتولی بای، أو خلیفته، أو قیادة المدینة، أو المرسی، أو فلیتة، إلّا من کان ترکیا أو قرغلیا.

أقسام بایلیک وهران الستة

اشارة

و لبای و هران فی دائرته تقسیم: فالقسم الأول المرس یکونون علی ید قاید المرسی و هو أعلا (کذا) رتبة من سائر القواد لکون وسق البحر علی یده مدخولا و مخروجا و علمه بمن یأتی من الأفاقیین و غیرهم و اطلاعه علی إتیان العدو للاختلاس. و القسم الثانی دائرة آغا الدوایر غربا و بحرا و شرقا و قبلة. و القسم الثالث دائرة قاید الزمالة و هی الأعراش الخمسة المارة. و القسم الرابع دایرة خلیفة الشرق و ذلک من مینا إلی انتهاء رعیته و هران شرقا و بحرا وطاء (کذا) و جبالا و مخزنه المکاحلیة و أولاد سیدی عریبی و من انخرط فی سلکهما من أهل الفضاء و غیرهم نائبة له کما أن ما عدا الدوایر و الزمالة و الغرابة و البرجیة نایبة للأکابر و هم رؤساء الدوایر و الزمالة و غیرهم من أعیان الدولة المخزنیة بوهران.
و القسم الخامس المدن کوهران و تلمسان و المعسکر و القلعة و مستغانیم و مازونة و أحوازهم و هؤلاء علی ید قاید البلد، و تحته شیخ عرفی یقال له شیخ البلد. و القسم السادس فلیتة و هم علی ید قاید فلیتة، و من یتولی قیادة فلیتة و تلمسان فإنه یسوغ له أن یتولی بایا إذا کانت له إعانة بالجزائر.

البای مصطفی بوشلاغم المسراتی‌

(ص 213) و أول بایات و هران مصطفی أبو الشلاغم/ ابن یوسف بن محمد ابن إسحاق المسراتی الذی جمع له فی تولیته بین الإیالة الشرقیة و الغربیة تولی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 275
بایا علی مازونة و تلمسان فهو أول من جمعت له الإیالة الغربیة بتمامها سنة ثمانیة و تسعین و ألف و نقل کرسی المملکة من مازونة و تلمسان معا للقلعة، ثم للمعسکر، و جعلها قاعدته لکونها وسطا بین مازونة و تلمسان. و لما غزی و هران و أمدّه الباشا السید محمد بکداش بالجیوش العدیدة لنظر وزیره أوزن حسن و فتحها عنوة صبیحة یوم الجمعة السادس و العشرین من شوال سنة تسعة عشر و مائة و ألف نقل کرسی المملکة من المعسکر لوهران فسکنها بأهله و جعلها قاعدة ملکه. و بنا (کذا) بها و قیل بمستغانیم قبّة جلیلة و روضة جمیلة، فی آخر (کذا) شعبان سنة ست و عشرین و مائة و ألف و حبّسها للدفن علی عقبه و عقب عقبه و کتب فیها اسمه و تاریخ بنائها و تحبیسها بما نصّه: حبّس هذه القبّة المبارکة و الروضة المرونقة أمیر المؤمنین، العاشق المحب فی سید المرسلین، البای مصطفی بن یوسف محی الدین رزقه اللّه کمال الیقین، و أفاض علیه من کرامة الصالحین، آمین یا رب العالمین علی عقبه و عقب عقبه بأن لا یدفن فیها غیرهم و من بدّل أو غیّر فاللّه حسبه و یتولی الانتقام منه و أتممت و کملت هذه القبّة علی ید المعلم أسطی أحمد أعراب الجزائری بتاریخ أواخر شهر اللّه شعبان عام ستة و عشرین/ و مائة و ألف ثم هاتین البیتین من الرجز:
یا داخل القبّة اللّه یرعاک‌أبشر بما ترجه من خیر مولاک
و کتب لهذه الأسطارأسطی أحمد صفه بالنجّار
و علی القول بأنه بناها بمستغانیم فهی التی بمدینة المطمر من مستغانیم و هی التی دفن بها لما مات. ثم بنا (کذا) الأقواس التی بالبلانصة من وهران و کتب علیها اسمه و تاریخ البناء بما نصّه: الحمد للّه وحده و الصلاة و السلام علی من لا نبی‌ء بعده، أمر ببناء هذه الأقواس المجاهد فی سبیل اللّه السید مصطفی ابن یوسف عام ثمانیة و ثلاثین و مائة و ألف و لما دخل و هران بقی بها إلی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 276
أن أخرجه الإسبانیون منها و دخلوها مرة ثانیة سنة ثلاث و أربعین و مائة و ألف فخرج منها و سکن مستغانیم و صیّرها قاعدة ملکه و بقی بها إلی أن توفی سنة ست و أربعین و مائة و ألف بعد ما ملک ستا و أربعین سنة فدفن بها و علی ضریحه قبّة مرونقة یجاوره بها قبر ءاغته الفارس الباسل الشجاع الکامل، البطل الصندید، الهمام العتید، الذی لا یطرق ساحة جاره الهم الملزومی، السید البشیر بن أحمد نجد المخزومی جد البحایثیة، أصحاب الأقوال الصادقة و العطاء الحایثیة. و لما حل أبو الشلاغم بمستغانیم و معه ءاغته البشیر المذکور بنا (کذا) کل واحد منهما بها برجا جلیلا فما بناه البای یقال له برج الترک الأبطال، و ما بناه ءاغته یقال له برج (ص 215) المحال. و توفی ءاغته المذکور، صاحب الاسم المشهور، ضحی یوم/ الاثنین رابع عشر من أول الربیعین سنة خمسین و مائة و ألف من هجرة حائز کمال الوصف. و لما مات رثاه العلامة الربّانی السید یوسف بن بغداد الزیانی، بهذه الأبیات:
هنیئا لک الجنان لا السّعیریا کافل الأرامل یا بشیر
لقد عشت سعیدا فی رغد عیش‌و فزت بالشهادة یا أمیر
ببلدة مستغانیم کان المثوی‌فنعم السکنی سکناک یا نحریر
و جاورت بالضریح خیر إمام‌و بالمطمر ضریحک مستنیر
فمن للأرامل و الیتامی‌و من إلی العلماء نصیر
لقد بکا (کذا) هذا القطر علیک‌و صار رونق القدر دثیر
و فی ضحی الإثنین فی نقط یدّمن أول الربیعین مسیر
سنة نشق کان الارتحال‌و حلّ بنا من الفراق تدمیر
ه، و لم یمت حتی أخّر نفسه عن الخدمة و صیر أکبر أولاده بن عودة بمحله بموافقة بای الوقت علی ذلک. و محمد بن إسحاق المسراتی جدّ أبی الشلاغم هو الذی بنا (کذا) قصبة القلعة التی یقال لها قصبة المسارتیة و یقال
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 277
لها أیضا قصبة بنی یوسف . و کان للمسارتیة ریاسة و عزة کاملة بمسراتة و القلعة و انقطعت بموت محمد بن إسحاق جد أبی الشلاغم و لما مات محمد خلّف زوجة حاملا فأتت بولد ذکر وسمته یوسف ثم ماتت عنه و خلّفته فی کفالة أمها.
و کان بمسراتة ولی کبیر من أولیاء اللّه المشاهیر یقال له سیدی عابد/ ابن الزرقاء (ص 216) یتعبد بمغاراتها التی بوادیها و أصله من أولیاء غریس فاشتهی یوما دشیشا باللّحم فسمعت به جدة یوسف المسراتی فصنعت ذلک و أتته به لمحل تعبده و معها مکفولها حفیدها یوسف و لما أکل و رأت منه الإقبال علیها قالت له یا سیدی أدع اللّه لخدیمک هذا الیتیم من الأبوین فقال لها، هو خلیفة علی خلیفة إلی ما شاء اللّه، و إن تعدّ الحدود زالت عنه ضمانتی، و خرج من دعاوتی. و لما کبر یوسف قدم إلی الجزائر و انکتب جندیا و کان بنواحی قسنطینة رجل یقال له یونس قاطع للطریق لا ینجوا (کذا) منه أحد مشهور بالحرابة و قد نهب أموالا عظیمة و لما بلغ خبره للباشا بالجزائر و تکررت علیه الشکایة به جمع جنده و أرباب دولته و قال لهم یا قوم إن یونس القاطع للطریق کثر ضرره للمسلمین و تعطلت السبل بسببه ألم یأتکم عیب تدعونی أغزوه بجیشی و هو رجل واحد فقال له یوسف المسراتی أنا أکفک أمره یا سیدی فذهب له و قتله و اجتز رأسه و أتی به للباشا ففرح به کثیرا و أعزّه شدیدا و قال له اختر أی عمالة من هؤلاء (کذا) الثلاث أجعلک بها بایا فأبی و اختار أن یکون خلیفة ببلد قسنطینة فذهل لها و بقی بها مدة طویلة ثم جاء للناحیة الغربیة فسکن بمستغانیم ثم انتقل للقلعة بلد أسلافه و بقی بها خلیفة إلی أن مات و ترک ثمانیة أولاد ذکور و بنتا و هم مصطفی أبو الشلاغم، و یوسف، و مصطفی الأحمر، و مصطفی قاید، و محمد زرق العین، و محمد أبو طالب المجاجی، و محمد بن الزرقا، و عابد، و خروفة. فأول/ من تولی منهم بایا (ص 217) بالإیالة الغربیة مصطفی أبو الشلاغم بن یوسف بن محمد بن إسحاق المسراتی کما مرّ.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 278

البای یوسف المسراتی‌

ثم أخوه یوسف بن یوسف بن محمد بن إسحاق المسراتی تولی یوم موت أخیه مصطفی أبی الشلاغم و بقی فی الملک سنة واحدة و مات بتلمسان بالوباء سنة سبع و أربعین و مائة و ألف و دفن بها و کان ءاغته الصندید الکامل، الحائز للفضایل و الفواضل، من فی العطاء لا یعدّ و إنما یحث السید بن عودة بن البشیر ابن بحث.

البای مصطفی الأحمر المسراتی‌

اشارة

ثم أخوه مصطفی الأحمر المسراتی تولی سنة سبع و أربعین و مائة و ألف و سقی السمّ فمات بمستغانیم و دفن مع أخیه أبی الشلاغم. و کان ءاغته الجواد الذی فی العطاء لا یعرف العدد بل فیه یحث، الشجاع الوجیه منتشر الصیت و مسموع الکلمة بالجزائر دار الملک السید بن عودة بن البشیر بن بحث، و مات بمستغانیم و دفن مع أبیه بقبّة المسارتیة. و لما تولی السید ابن عودة المذکور مدحه العلامة السید عدة بن داوود العفیفی بهذه الأبیات التی مسکها دفور، فقال:
ترونقت بحسنها البهیج‌مستغانیم صارت فی التّبریج
لما حلّ السهم بها بن عودةءاغة من أقواله محمودة
کالأفعال فإنها مرضیّةو أنه نسبه بحثیّة
و ابتهجت عن جمیع المدون‌و جمیع القری مع الحصون
أکرم به من وزیر جلیل‌و ءاغة معظم جمیل
فاق بفضله جمیع الوزراو نال عزّا کاملا لیس یرا
أنخبه عن غیر المسراتی‌مصطفی الأحمر له المواتی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 279

البای محمد أبو طالب المجاجی المسراتی‌

ثم أخوه محمد أبو طالب المجاجی تولی بموضع أخیه مصطفی و بقی فی الملک تسعة أعوام و مات قتیلا من الدولة، و هو الذی ترک زیارة أولاد سیدی عابد ابن الزرقا و اشتغل بزیارة ولی اللّه أخی حمّ العیاشی المغراوی بعیاشة أحد بطون مغراوة بشلف فذهب وزاره بتسعة دنانیر ذهبا و سأل منه المملکة فقال له هی لک و تبقی فیها بعدد ما أعطیت و لو زدت فی العدد لزید لک فیه أیضا و لما سمع ولد سیدی عابد بذلک قال إن أبی صرّهم فی صرّة و إنی قطعتهم فی مرة، لم یملک بعد هذا إلا قاید صاحب المقبرة، و لینفعهم العیاشی لما ترکوا خدمة صاحب الدشاشی، و هذا سیدی عابد هو مدفون بمقبرة البراق و هو الجبل المطل علی القلعة. و کان ءاغته الطود الأعظم و الکنز المطلسم، ذو الأقوال و الأفعال المحمودة، البحثاوی السید ابن عودة، و قتله المجاجی المذکور بسبب أنه رءا (کذا) کلمته قد علت عند العرب و الأتراک، و خاف منه التولیة بموضعه أو توقیعه فی بعض الأشراک، فقتله غدرا، و لما لم یطلع أحد علی ذلک ذهب دمه هدرا، و فرّ أخوه إسماعیل بأخوته و أمه إلی الغرابة فاستقر عند أبی علام بن الحبوشی رایس الغرابة فی أمن و أمان، و عزّ و اطمئنان (کذا) ثم قال له أبو علام فی بعض الأیام یا إسماعیل قد اشتد الطلب علیکم و قد خشیت علی نفسی و علیکم من الوشاة أن یتملقوا/ بکلامهم عند البای فیمکر بالجمیع و الآن إنی أبعثکم عند (ص 219) دموش ولد لشحط العلیاوی رایس أولاد علی فتمکثون عنده فی الأمان علی نظری حتی ننظر فی عواقبکم بما قدره اللّه تعالی و لا یکون إلا خیرا فساعده إسماعیل علی ذلک و ارتحل بأمه و أخوته لأولاد علی و قد زوده أبو علام بکل ما یرید فنزل عند دموش و بقی هناک إلی أن تزوج دمّوش بأم إسماعیل فصاروا فی أمان مع نظر أبی علام ثم إن إسماعیل لما کبر و اشتهر بالشجاعة رکب فرسه و ذهب لأم عسکر لسوقها خفیة فقضی مئاربه (کذا) و لما رجع ألفی بالطریق أسدا فقتله ثم تعرّض به بعض المغاطیس بطریقه و هم ثلاثة فقتلهم و حین وصل لبیته تحدّث فی الدوار بما وقع له فمن الناس من صدق و منهم من ضحک و منهم من کذب فقال لهم مربیه و کان رجلا عارفا بالأمور من جملة أعیان أولاد علی لا تکذبوا ولدی فی قوله و لا تضحکوا علیه فإنه صادق فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 280
ذلک و تعرفون بسالته و شهامته و إن تمادیتم علی ذلک فإنی أعلم والده دموشا بذلک و یحل بکم الانتقام ثم أنه قال لإسماعیل ارکب فرسک و امش بی لذلک فرکب کل منهما فرسه و معهما أصحابهما و ذهبوا للمحل فألفوا الأسد و المغاطیس قتلی فسلخ مربیه الأسد و أخذ جلده به رأسه و اجتزّ رؤوس المغاطیس و حملهم علی أعمدة و ذهب بهم للمعسکر فأعطاهم للبای و هم عصمان صهر المسارتیة فقال له من فعل هذا فقال له إسماعیل ولد آغا البشیر ابن بحث و أخو آغا بن عودة ولد البشیر بن بحث فال عصمان نحبک تأتینی به لما الأثر لم ینقطع فالحمد للّه (ص 220) علی ذلک فأتاه به فجعله/ خلیفة علی آغا المخزن و هو الشریف الکرطی التّلاوی.

البای مصطفی قائد الذهب المسراتی‌

ثم أخوه مصطفی قائد الذهب لقّب بذلک کثرة جوده و إعطائه الذهب للناس و یقال له بای المحال تولی یوم موت أخیه المجاجی، و هو سنة خمس و خمسین و مائة و ألف و بقی فی الملک ستة أعوام ثم قام علیه صهره زوج أخته خروفة و هو الحاج عصمان بن إبراهیم ففرّ منه لوهران عند الإسبانیین. و سببه أن أخاه محمد زرق العین کان متزوجا بابنة دلّة الحشمی أحد أجواد الحشم و کان أکبر من قاید و خلیفة علیه فقال قاید لأخ زوجة أخیه زرق العین أقتله غدرا و لک ما تحب من المال و نولیک شیخا علی عرشک فذهب له صهره و قتله غدرا و أخبر قایدا بذلک ثم خشی من قاید و فرّ لعرشه فندم قاید علی قتل أخیه و لما اعتدت زوجة أخیه تزوجها فبقیت عنده مدة و لم یر منها إحسانا فقال لها ذات یوم أیتها الزوجة کیف لا تحسنی به و أنا قائد المسراتی فقالت له إن کنت قائدا کما یحکی عنک و تقوله أنت فطلقنی لأنک لا توافقنی و أنا لا أوافقک بعد قتلک لأخیک و لا شک أن اللّه ینتقم منک کما قتلته غدرا فطلقها ثم أنه نظر من المسارتیة و الرعیة ما یکرهه و انتشرت الأقاویل بأنه قتل أخاه لأجل زوجته مع قیام عصمان علیه ففرّ لوهران و بقی بها إلی أن لحقه المحال بنجوعهم فارین من عصمان لما صال
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 281
علیهم فنزلوا بقرب و هران و أمّروه علیهم، و لما حصل الصلح بینهم و بین عصمان رجعوا لأماکنهم بین مینا و شلف/ و أتوا بقائد الذهب معهم فولوه علیهم و خرجوا (ص 221) عن حکم عصمان بموافقة باشا الجزائر علی ذلک ثم فر لتونس و سببه أنه سمع من الباشا ما یکرهه، ورءا (کذا) المحال قد اتفقوا علی تمکینه بید عصمان لیقتله و یبقوا تحت حکم عصمان لکون قایدا صار إذا میّزوا علیه فرحا یعطیهم الصلة الکثیرة ظنا منه أنهم یحبون ذلک کسائر عرب زغبة و غیرهم و هم ینکرون منه ذلک ظنا منهم أنه أراد أن یتحدثوا به مع أهلهم إلی أن قالوا له یوما أیها البای قد کثر غلطک معنا و سامحناک علی ذلک فلا تعد لفعلک و لا تظن فی نفسک أننا نتحدث بک و بعطائک عند المحلیات و نشکرک بینهنّ فإذا أردت ذلک فافعله مع بنی معین لا معنا فانظر کیف اختلف الظن من الجانبین و لما سمع ذلک فرّ لتونس و مکث بها إلی أن مات و بها ضریحه و لم أقف علی تاریخ وفاته.
یحکی أنه لما حل بتونس استقر عند امرأة کبیرة فصارت تطبخ له و تغسل ثیابه و هو یکرمها بما أحبّ إلی أن مرض ببیتها فشمرت علی ساق الجد فی دوائه و الإحسان إلیه إلی أن بری‌ء (کذا) فلم یجد ما یکافیها به إلا خاتم الملک فنزعها من أصبعه و أعطاها لها و قال لها بیعه لنفسک و عیشی فی ثمنه فأعطته للدلال فکل من أخذه لا یطیق علی شرائه لکونه خاتما ملوکیا و تحدث الناس بذلک إلی أن بلغ الخبر لملک تونس فأمرهم بإحضار الخاتم فأحضروه و لما نظره تیقن بأنه خاتم ملوکی فسألهم لمن هو فقال الدلّال أعطته لی العجوز الفلانیة فی المحل الفلانی لأبیعه لها فأحضرت لدیه و سألها عنه فقالت أعطاه لی رجل مغربی هو فی بیتی منذ کذا فأحضر قاید لدی الأمیر و کان یسمع بخبره و کان کاتب سرّه جاء مرة لمرسی و هران و رءاه (کذا) بها لما کان بوهران فلما رءاه (کذا) الکاتب تیقن به معرفة فقام له إجلالا و عانقه غایة رغبة و رهبة فقال له بای تونس من هذا فقال له فلانا فعند ذلک أجلسه البای عنده و قال له هذا مقامک إلی أن تموت أو یرد اللّه لک ملکک فحصلت بینهما مودة الارتباط و تزوج قاید هنالک بامرأة و أتی معها ببنت یقال أن من ذریة تلک البنت الوجیه السید علی ولد مصطفی ولد محی الدین الذی هو الآن المترجم بالمحکمة الشرعیة الفرانسویة بالمطلب الأول من وهران و هو من أعیان المخزن الآن و له کلمة نافذة فی جمیع الأمور و ذو عقل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 282
راجح و فهم ثاقب و لبابة و فطانة و ذکاءة (کذا) و أدب و سیاسة و معرفة و کیاسة و نصرة (ص 222) للمظلوم و القوی و الضعیف، و إعانة و نصیحة للوضیع و الشریف./ و فی حال مکث قاید بتونس اجتمع به رجل برجی من الأدباء فی إیابه من الحج فی وقت الصباح و هو بمحفل عظیم فقال له السلام علیک أیها الأمیر الخریر أنعم اللّه صباحک یا بای ابن ثلاثة عشر بایا ببلادنا فسرّه ذلک غایة و قال له مثلک یلیق للصحبة لکن هذه المقالة الأدبیة لیتنی کنت معها فی بلدی وصاله بشی‌ء فأبی الرجل من أخذه رأسا. و قاید هو الذی غزی من المعسکر حناشا شیخ المهایة فأخذه و سلب له فرسه المعروف عند الناس بعود حناش و کان فرسا طویلا مع الأرض یقال إنه کان یسابق ثلاث مشالی و یعلف برشالة من الشعیر. و قیل إن الذی أتی به هو البای إبراهیم الملیانی الآتی ذکره قریبا إن شاء اللّه تعالی.

فضل البایات المسراتیة

و اعلم أن المسارتیة هم فضلاء البایات بالمغرب و لهم نسل قلیل. فأما أبو الشلاغم و قاید فلم یخلفا إلا البنات. و أما محمد زرق العین و یوسف و محمد أبو طالب المجاجی و مصطفی الأحمر فلم یعقبوا شیئا. و أما عابد فخلّف ابنین و هما یوسف و محی الدین فمنها یوسف خلّف ابنه القاید محمدا و هو خلف محمدا و أبا زیان فمحمد خلّف محمدا و محمدا الموجودین الآن و منها محی الدین خلف ابنه الخوجة و هو خلّف یوسف و هو خلّف أبا زیان و هو خلّف عدة أولاد موجودین الآن. و أما محمد بن الزرقا فخلّف ابنین و هما ابن علی و علی فابن علی خلّف محمدا و هو خلف عدة وقارة و محمدا موجودین الآن و علی خلف مصطفی و هو خلّف ابنین عابدا و بن یوسف و ذریته بالقلعة الآن. و کان ءاغته الشریف الکرطی و هو عبد اللّه بن عبد الرزاق التلاوی.

البای الحاج عثمان‌

ثم الحاج عثمان و یقال له عصمان بن الحاج إبراهیم تولی أولا بتلمسان لما کانت القاعدة بها و قام علیه مع أهل تلمسان یوسف المسراتی المتقدم الذکر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 283
فخلعه و تولّی مکانه. و تولّی ثانیا علی جمیع الإیالة الغربیة فی أواسط محرم الحرام فاتح سنة ستین و مائة و ألف فمکر بأهل تلمسان و المحال مکرا کبارا (کذا) أفنی فیه کثیرهم. و سببه أنه لما کان بایا فی المرة الأولی بتلمسان تعصّب علیه أهلها و نقموا حکمه و صاروا یرسون ساحته فی الیل (کذا) بکل نجاسة و میتة و دم و غیرها/ فاغتاظ لذلک شدیدا و ترک حلق رأسه و لحیته إلی أن کبرا و هو فی (ص 223) تزاید الغضب ثم ذهب للجزائر و قد اشتد به العطش فی الطریق و لمّا مرّ بالمحال استسقاهم فأسقوه لبنا و فی حال شربه أهرقوا علیه الإناء و قهقهوا بذلک فأسرها فی نفسه و أسرع فی سیره للجزائر و لما دخلها اجتمع بالباشا بواسطة الأعیان فتعجب منه شدیدا و سأله عن حاله فأخبره بکل ما صار له مع أهل تلمسان ثم المحال فی طریقه فصبّره الباشا علی ذلک ثم أنه سأل من الباشا التولیة و یعطیه قدرا من المال فولّاه و أرسل معه الجیش فجاء به مغربا و أوقع بأهل تلمسان إیقاعا شدیدا. و مکر بهم مکرا عتیدا. ثم توجه إلی المحال و صال علیهم إلی أن أفناهم و أجلاهم لتلمسان ثم لوهران ثم رجعهم لمحلهم علی أن لا یرفعوا رؤوسهم و حلّ بهم ما هو مشهور علی الألسنة و مذکور فی کلام الفصحاء کابن سویکت و عدة ابن البشیر و غیرهما و یحکی أنه قتل من أعیانهم فی یوم واحد أربعین بطلا فضلا عن غیرهم. و یحکی أیضا أنه لما نزل بأرض المحال أتوه لینظروه و بأیدیهم حجلة فقال لهم ما عملت هذه الحجلة المسکینة حتی أتیتونی بها بأیدیکم ثم أطلقها فقالوا هذا البای یقال له مسکینة و لقبوه بذلک بینهم و لمّا رجعوا لأهلهم و اجتمعوا بمدیرهم و صاحب الرأی منهم قالوا له الواقع و أخبروه بأنهم لقبوه مسکینة فقال لهم کفوا عن قولکم هذا و أطیعوه فإن هذا البای هو مفنیکم و أن الحجلة تجعل لکم فجلة، فکان الأمر کذلک. و جاءه المسارتیة یوما لقتله فألفوه بالمحکمة فضربه أحدهم بکابوس بیده فنجاه اللّه من ذلک ثم أنه ظفر بهم فقتلهم و لم ینج منهم إلا اثنان و هما ابن الزرقا و عابد لصغرهما و لکون اللّه أراد بقاء النسل فیهما ففرّا لضریح سیدی محمد بن عودة بفلیتة و استجارا به فعفا عنهما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 284
و أمنهما. و لا زال بابا إلی أن توفی بالمعسکر و دفن بها بعد ما ملک تسعة أعوام.
و هو الذی بنا (کذا) الجامع الأعظم بداخل المعسکر سنة تولیته و نقش علی (ص 224) حجارة اسمه و تاریخ البناء و نصه: الحمد للّه حمدا لا نهایة/ لطوله، و صلی اللّه علی سیدنا محمد نبینا عبده و رسوله، أما بعد فقد أمر ببناء هذا المسجد المبارک المحمود المعظم القامع للعداء من جمع بین الشجاعة و النداء و طلع علی الناس بدر هداء صاحب لواء الحمد الأسماء و مالک أزمة المجد الإحماء حاج الحرمین الشریفین أمیر المؤمنین، المجاهد فی سبیل رب العالمین، صاحب الرتبة العالیة، و نخبة الملوک العثمانیة مولانا الحاج عثمان بای بن السید إبراهیم خلد اللّه ملکه ملکا عالیا، و هو علی الأمة والیا سامیا، و کان ذلک فی شهر شعبان عام ستین و مائة و ألف . ثم بنا (کذا) الدار و القبّة الملاحقة للجامع الأعظم بالمعسکر المعروفة عند الناس بقبة البای إبراهیم لکونه مدفونا بها، و إلّا فهی قبّة الشیخ عبد القادر الجیلانی نفعنا اللّه به التی هی الآن محکمة قاضی المعسکر و أمر بکتب اسمه و تاریخ بنائها فکتب بحجارة بما نصه: بسم اللّه الرحمن الرحیم و صلی اللّه علی سیدنا و مولانا محمد، أما بعد فقد أمر بناء هذه الدار المبارکة الأمیر الأجل العدل الشهیر الأکمل الرفیع الحظ المجاهد المرابط المقسط عدله فی الجوائز مدن النواحی الغربیة عبد اللّه أمیر المؤمنین مولانا الحاج عثمان ابن إبراهیم خلّد اللّه ملکه و نصره حسبما أمر أیّده اللّه بتشیید هذه القبة العظیمة حرمة للشیخ الجلیل سلطان الصالحین سیدی عبد القادر الجیلانی أدرکنا اللّه رضاه قصد بذلک وجه اللّه العظیم، و ثوابه الجسیم بتاریخ فاتح المحرم الحرام عام سبعة و ستین و مائة و ألف و أمر بتحریر العلامة السید محمد بن حوّاء و إخوانه، و بنی عمه التجاجنة من جمیع التکالیف المخزنیة و کتب لهم بذلک رسما نص ختامه: بأمر المعظم الجلیل المجاهد الکفیل أبی سعید السید الحاج (ص 225) عثمان بای الإیالة الغربیة و تلمسان فی أواسط جمادی الأولی عام سبعة/ و ستین و مائة و ألف . و کم له رحمه اللّه من غزوات لوهران و رباط علیها بقصد فتحها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 285
و لم یمنّ اللّه تعالی بفتحها علی یدیه بل دخّر فضل ذلک لمن هو محبوب لدیه.
و کانت وفاته سنة سبعین و مائة و ألف . و کان ءاغته الشجاع الجواد، الکنز المراد، عقد سمط الجواهر الشریف الکرطی التلاوی، و خلیفته کافل الأرامل الشهم البارع إسماعیل بن البشیر البحثاوی.

البای حسن‌

ثم حسن بای تولی سنة سبعین و مائة و ألف ثم هرب من ملکه لإسطنبول لما أهانه الباشا بالجزائر و خلیفته البحثاوی المسطور.

البای إبراهیم الملیانی‌

ثم أبو إسحاق إبراهیم بای الملیانی تولی عام السبعین و مائة و ألف و کان محبا للعلماء بمحبته للعلم و راغبا فی الصالحین لنیل الفضل و الکرم. و هو الذی بنا (کذا) برج العسکر بالمعسکر، و أمر بکتب اسمه و تاریخه علیه فکتب بما نصّه: بسم اللّه الرحمن الرحیم و صلی اللّه علی سیدنا و مولانا محمد و أله و صحبه و سلم، أما بعد أمر بتشیید هذا الفندق المبارک الظریف الجامع لعسکر الجزائر المنتصر سیدنا أمیر المؤمنین المجاهد فی سبیل رب العالمین، ناصر الدنیا و الدین لرب العالمین، مولانا إبراهیم بای الإیالة الغربیة و تلمسان خلّد اللّه ملکه و أعزّه و نصره آمین و کان الفراغ منه أول شهر اللّه العظیم رمضان عام ست و سبعین و مائة و ألف عرفنا اللّه خیره و کفانا ضیره و شره آمین یا رب العالمین و صانع هذا التاریخ محمد بن الحسین بن صرماشق. و توفی سنة خمس و ثمانین و مائة و ألف بعد ما ملک أربعة عشر سنة و دفن بالمعسکر بالقبة التی بناها البای الحاج عثمان للشیخ عبد القادر الجیلانی الملاصقة للجامع الأعضم کما مرّ.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 286
و کان ءاغته الفارس الأعظم و الطود الشامخ الأفخم، و الجواد الأکرم و الشجاع الأعزم. و البحر الطامی الألطم، الذی لا یدانیه شجاع و لا جواد له یساوی، السید إسماعیل بن البشیر البحثاوی، الذی تسمت به مدینة العرقوب بالمعسکر، (ص 226) لکونه أول من بنا (کذا) بها فی المشتهر/. و هذا ءاغة مدحه العالم العلامة الدراکة الفهّامة کثیر المعانی و مشارک الفنون، قاضی المعسکر السید محمد ولد مولای علی الشریف بن سحنون بأبیات من الرجز فقال:
تکاثر بالسّیل السلسبیل‌لک و کل الخیر یا إسماعیل
لقد نلت الحسنی مع الزیادةلما فیک للناس من إفاده
یا من وقاک اللّه من مساوی‌و أرقاک للعلا یا بحثاوی
یا من ترصّعت بکل خیریا من تجنّبت لکل ضیر
یا ءاغ یا بن ءاغ یا بن شیخ‌یا رایس الوقت بکل فیخ
تغافلت عنّا فی هذا الوقت‌فاجبر لکسری نجوت من مقت
قد قیل لی أنّ أمیر المؤمنین‌إبراهیم بای یرید یا أمین
تولیت غیری و أنت المفتاح‌و الاتکال علیک یا مصباح
و کیف قد أخشی و أنت عندی‌یا ملاذی و عدتی و رشدی
فلا تدع تمنیت الأمیرتکمل یا عمدتنا الشهیر
ثم أن إسماعیل المذکور لما تولی ءاغة جعل أخاه الطود العظیم، الکنز المطلسم الفخیم، الفارس الأمجد، السید عدة بن البشیر بن نجد، خلیفة علیه، و فوّض له الأمر فی سائر الأمور التی تلقی علیه و فی عدة المزبور، قال العلامة السید عبد الحلیم المستغانمی هذه الأبیات التی کالدّر المنشور:
لک العز قد تم بأسر یا عده‌فأنت بإذن اللّه تخلص من شدّه
و أنت الذی بک الحوائج قد تقضی‌و یحصل لنا کل فوز بلا شدّه
و نبلغ للأمانی طرا بأسرهافلیس لک شبه فی فعلک مذ عدّة
و کیف یخیب من تکون له حماو أنت المخزومی من جدّک و من جدّه
و جعل أخاه الموفق بن البشیر قایدا علی الدوایر و أخاه یوسف قایدا علی العبید و هم الزمالة و نظر بعین المودة فی أبی علام بن الحبوشی و دموش ولد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 287
الشحط و صیّر کلّا منهما رئیسا (کذا) علی قبیلة و لما توفی أخوه الموفق ترک ولده قادی فی حجره فزوجه بابنته هکذا قیل و اللّه أعلم.

البای الحاج خلیل‌

ثم/ الحاج خلیل بای تولی سنة خمس و ثمانین و مائة و ألف . و کان (ص 227) مبغضا للعلماء و الأولیاء و غیرهم من أهل النفع. و توفی بتلمسان سنة اثنین و تسعین و مائة و ألف فدفن بقبة سیدی محمد السنوسی جیرة ضریحه. و سبب موته دعاء الشیوخ الثلاثة علیه بالهلاک و هم: سیدی المدانی بن عطاء اللّه العمرانی الغریسی شاعر الرسول صلی اللّه علیه و سلم و أصحابه و الأولیاء رضی اللّه عنهم، و سیدی الحاج الموفق الکبیر بن سعید الشقرانی ثم البوشیخی، و سیدی أبو ترفاس محمد ابن محمد الساحلی شیخ الطلبة بالساحل. فالشیخ المدنی و رفیقه واعدهما خلیل بالقتل إذا رجع من سفره فاشتغل الأول بالاستصراخ بشیخ الشیوخ سیدی عبد القادر الجیلانی فی عروبیته الملحونیة یقول فی بعض أبیاتها:
البای خلیل لا ترده من ذی التغرابا یا الجیلانی بابا حلف فیّ و قال لی من السّور نالیک.
و اشتغل الثانی بالعبادة بأن تطهر لیلة طهارة کبری و انفرد وحده و شرع فی الصلاة بالقرآن العزیز و هو قائم علی رجل واحدة إلی أن ختمه فی رکعة واحدة و لما نام کل منهما أتا الهاتف لکل منهما و بشره بهلاک البای فی سفره و أنه لا یرجع لأهله. و لما استیقظ کل منهما بعث رسولا لصاحبه یبشره بهلاک البای فالتقی الرسولان برأس الماء و أخبر کل صاحبه فرجع الرسولان من هناک بعد التحویط علی محل الاجتماع. و أما الشیخ أبو ترفاس فإنه غزاه البای خلیل بمدشرة بالساحل و أخذ قیطنته و فرق طلبته و همّ بقتله لو لا أن اللّه عصمه منه فقال له أبو ترفاس نحن مساکین لا معرفة لنا بالملوک و لا دخول لنا فی شئونهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 288
و فضحتنا علانیة بلا سبب فضحک اللّه و عجّل بهلاکک لتستریح منک البلاد و العباد فرجع البای و لما وصل لحمام أبی غرارة بأرض دوی یحیی ابتلاه اللّه بعلّة یقال لها الشهدة و هی حیة عظیمة أصابته بین کتفیه و تعاظمت جدا و تخرقت کالشهدة و رکبها الدود فحملوه لتلمسان فی أرذل حالة و لما وصلها مات بالبیت التی بها دون علم أحد، و لما دخلوا علیه من الغد ألفوه میتا. و توفی أبو ترفاس بعده بقلیل فی فصل الشتاء لیلة الجمعة الحادی و العشرین من ذی الحجة الحرام (ص 228) سنة اثنین و تسعین و مائة و ألف /. و فیها ضحوة یوم الخمیس عاشر رمضان توفی القطب العلامة الحافظ الشیخ عبد القادر المشرفی و رثاه تلمیذه الحافظ أبو راس بهذه الأبیات الرائیة (کذا) من الطویل:
لقد کان للإسلام کهفا و ملجأتراه فی أقل الشئون ببادر
له الباع فی کل العلوم بأسرهاسریع الجواب عنها لیس بضایر
فیا لو رأیته بدرسه جالساو حوله حلقة الأسود الهواصر
کأنّ قمر الأفق فی غیهب الدجامن بین کواکب النجوم الزواهر
فیتلوا فراید علیهم نفیسةبحسن بیان و اختتام عواطر
فتلقاها أنوار القلوب بدیهةکنقش فصوص للخواتم بواهر
یذلّل صعاب العلوم لهم کمایقرّب قاصیات عنهم نوافر
له خلق کمثل أحنف الذی‌غرائبه مسطورة فی الدفاتر
تعود بسط الکف فی بحور النّدالقد فاق هرما و معنی و عامر
أیا ثری الکرط کیف واریت سیّدامآثره مثل البحار الزواخر
لقد حلّ فیک العلم و الحلم و التّقی‌فحسبک رهنا من کریم العشائر
همام ثوی ضحی الخمیس لعاشرمن شهر رمضان الهدی و المغافر
من سنة اثنین و تسعین قیّدوامن بعد المائة و الألف أهل البصائر
و هی طویلة. و فی تسعین و مائة و ألف فی وقت البای خلیل حلّ بالناس قحط
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 289
عظیم و دام إلی نصف إحدی و تسعین فزال بإذن اللّه تعالی. و إلی هذا القحط أشار ولی اللّه سیدی الأکحل الخلوفی المعروف عند الناس بسیدی الأخضر ابن خلوف فی عروبیته الملحونیة التی صیّرها تاریخا بطریق الکشف بقوله:
و نصف عام من بعد تذهب الکشرا.
و کان ءاغته الهمام الفاضل الجواد الباسل، المتجنب لسائر رذائل الدعاوی، السید إسماعیل بن البشیر البحثاوی. و هؤلاء البایات التسع کلهم کانت لهم دار ملکهم المعسکر، و کلهم کان لهم اعتناء شدید بالجهاد و لم یفز منهم بالفتح الأول إلّا أبو الشلاغم المسراتی.

البای محمد بن عثمان الکبیر

ثم أبو عثمان الفقیه المجاهد السید محمد بن عثمان، بای الإیالة الغربیة و تلمسان، الذی قیضه اللّه/ لفتح و هران، و أرشده إلی مهیع السعادة و الغفران، (ص 229) الممتطی منصة الرضوان، و مشید رایة الإسلام و الإیمان و الإحسان، و باسط مهد العدل و الأمان فی کلّ زمان، اتحفه اللّه برضاه، و جدد له اللطف و أمضاه، تولی سنة اثنین و تسعین و مائة و ألف ، علی الصحیح، فکان رحمه اللّه من أهل البلاغة و اللسان الفصیح، بعد أن کان خلیفة علی خلیل رقی لمنصب البای بالعز و التفضیل، فهو ثانی ملوک العثمانیة، خلافا لما فی أنیس الغریب و المسافر من أنه هو أولهم و هی قولة واهیة، و به رفع ذکرهم، و انتهی إلیه خیرهم، فلقد دوّخ الأتراک و الأعراب، و هابته الأباعد و الأقارب و ذلت له الملوک و الجبابرة، و خشیته الفراعنة و الأکاسرة، و أطاعته الرعایا، و خصت به المزایا، و وفدت علیه الوفود و دارت به العساکر و الجنود فحاصر مدینة و هران، و ضیّق علیها من کل فج نزهة الزمان، و دام علیها إلی أن فتحها فی أوائل المحرم الحرام بلا وصب، و دخلها صبیحة و قبل ضحی یوم الإثنین الخامس من رجب سنة ست من القرن الثالث
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 290
عشر دون ثلب، کما مرّ ذلک مفصّلا، مختصرا لا مطولا. و فی وقته حصلت العافیة قلیلة الوجود، و تواخت (کذا) القبائل فی بعضها و اصطلحت علی الراحة و ترک الفساد و العنود (کذا) حسبما أشار إلی ذلک الشیخ الأکحل فی عروبیته بطریق الکشف بقوله:
تأت العافیا فی أزمان میم وحاهجّ و زید حرفین قول میم و دال
تضحا القبائل أخو جمیع مصطلحالخ (کذا)
و کان رجلا جسیما بالتجدیر، أسمر اللون لا بالطویل و لا بالقصیر، محبا للعلماء و الصلحاء، و النبلاء، و الأدباء و الشجعان و الفضلا، قریب الغضب سریع الرضا، شدید الحزم و الأوامر و الإمضا، کثیر الغزو علی أهل الصحراء، دائم الارتحال و الإسرا، ففتح بنی الأغواط، و الشلالتین، و عین ماض، و مزابا، و أبا الضروس، و نزل شرّاعة و همّ بفتح بنی یزناسن و أبی عروس، و بلغ مبلغا لم یبلغه أحد من ملوک الأتراک، و وصل المواضع التی صعبت علی غیره و سهل علیه فیها (ص 230) الإدراک. و أعظم فتوحاته فتح و هران/ التی صیّرها اللّه علی یده للمسلمین دار إیمان و أمان. و إلی ما تحت سلطاته أشار الحافظ أبو راس فی سینیته بقوله:
فملک آل مندیل تحت سلطانه‌قد کان مدّ من واجر إلی تنس
کذلک ملک تجین فی إیالته‌کذا الجدار القدیم المتقن الأسس
ملک لآل یغمور فیه نضرتهم‌کذاک ملک ابن یعلا الیفرینی الرئیس
لشعنب و مصاب مدت طاعته‌علی مسافات شتّی من أبی الضّرس
و قد مرّ هذا فی الکلام علی فتح و هران. و کان، رحمه اللّه، والده عثمان الکردی حاکما بملیانة ثم صار بایا بتیطری، فهو أول ملوک العصمانیة، ولد ولدان ذکران أحدهما البای محمد الکبیر هذا و أمه أم ولد اسمها زایدة أهداها له ملک المغرب لمحبة بینهما، و الآخر البای محمد الصغیر و یقال له الرقیق کما یأتی و أمه حرّة اسمها خدیجة بنت السید محمد بن عیسی اللمدانیة من مرابطین (کذا) المدیة.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 291
ثم أن البای الذی نحن بصدد الکلام علیه لما فتح و هران و ارتحل إلیها بالسکنا (کذا) و صیرها دار ملکه الأسنا قصدته الشعراء من کل باب و تزاحمت فی الدخول علیه و معهم العلماء ما بین إیجاز و إطناب، فمن ذلک قصیدة العلامة الجامع، الدراکة المانع النّاثر الناظم اللّافظ، الشیخ أبی راس الحافظ:
خلیلی قد طاب الشراب المورّدلمّا أن صار الأمیر بالثغر یقصد
و أجفت رحال الوافدین أم عسکرو قد کان مأوی للوفود و مقصد
تجاذبته و هران لما افتتحهاو قد قالت جاءنی الملک محمّد
فهات أعقارا فی قمیص زجاجةکیاقوتة فی درّة تتوقّد
یصبّ علیه الماء مسبک فضةله حلق بیض تحلّ و تعقد
جلوسا علی ذری الحصون فما تری‌بوهران ناقوسا و لا الوثن یعبد
فهلّا أبصرت طربها بأذانناو قرائتنا أم کان طرفک أرمد
/ ألم ترها تهتز شرقا إلی النّداإذا قال فی الخمیس المؤذن أشهد
إذا قطعت بأندلس ید العدایدا بقیت و الحمد للّه لی ید
و ما زال طمع المسلمین فی رده‌لعلمک أن الدهر یدنی و یبعد
فها هی و هران العداء صفت لناو فی کل عورة لها لنا مرصد
کأن لم تکن بالأمس ترم صواعقهاعلینا بزمجر عتیلة صلد
تقنی من النار الجحیم بنفسهافیا عجبا لی کیف یجتمع الضّدّ
و کیف تدوم الخیزرات بفکرهم‌و تدمر و منها الفریدة روند
و قرطبة کانت محط رحالناشریس الشریسی و شقة ثم لوکد
بتذکارهم عمّت و جمّت همومناإلی أن نفی الأکدار قوم ممجّد
بفتحه و هران واسطة عقدهم‌بها طال ملکهم قدیما ممدّد
زهت بها مصر ثم نجد و شامناو یضربهم بها غریض و معبد
و أهل الحجاز قد تسامعوا فعله‌و لا شک للمصریین یعلو و یصعد
فکان بوسط الغرب دخر مضرّةو کم درّة علیاء بالیم توجد
و عم العفات نیل فیض عطائه‌و ذلک من إحسانه لیس یجحد
بها علا صیته الملوک بأسرهم‌فطاب له أصل و فرع و قعدد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 292
و منها قوله فیه أیضا:
فقد سد ثلما کان یخشی اتساعه‌و رقّع خرقا ما علیه مزید
و أصلح ما قد أفسدته صروفه‌و أذاب ما أثنی فخاب حسود
و قوم معوجا من الثغر فاستوی‌و بلّغه ما کان منه یرید
نفی عنه خبث الشرک و الرجز و الأذی‌و کم من رمیم عاد و هو جدید
و جلا کروبا عمّ فی الأفق وقعهاو همّ له وسط الفؤاد رکود
و أشرق أنوار الهدی بعد حجبهاأنار لها دان و ضاء بعید
و اطلع فی أفق السعادة أنجمالهنّ ترق فی العلا و صعود
و عمّ وفود العالمین بنیله‌بذکر له بین الأنام مشید
(ص 232)/ مواس لأهل العلم فی کل بلدةو إن لم یکن منهم إلیه ورود
جدیر بأن یدعی وحید زمانه‌و تفخر أبناء به و جدود
فکم رسم مجد قبله کان بالیاو کم من واه ضعیف عاد جدید
فجمع خصال الکمال منیفةفهو بها عن الملوک فرید
و منها قوله فیه أیضا من البسیط:
سلطان و هران ما خیّب قاصده‌زهت به و عالت (کذا) أقالیم الأمم
شدّ قواعدها بحزمه فعادت‌مکفولة به لم تیتم و لم تئم
یرثها بعده أولاده أبداکإرث آل شیبة مفتاح الحرم
فالدنیا ألبست البها بطلعته‌رشیدها الثانی جاءت به للعلم
عمّ بإحسانه بدوا و حاضرهاکل للیث للهضبات یروی و الأکم
فی قبّة من نوی قد شیدت عن حسب‌و جعفر بن یحیی بها من الخدم
و ابن أمامة و ابن سعد أتابعه‌و حاتم و أبو دلف مع هرم
تعودت کفه بسط الحسام فلوأراد قبضها لم تعطه بل تهم
سار مسیر زحل فی منازله‌و هبّ کالرّیح فی الأراضی و الأطم
شمس بدت فی أعلی الأفق ساطعةأضاءت الخلق من عرب و من عجم
ملوک أقطار الأرض هم کواکبهاشعاع أنواره و أراهم کالظلم
بشری فقد أنجاز الإقبال موعده‌بالکوکب السعد لم یفل و لم یرم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 293 ذو المفاخر أعیته مآثره‌من دون أدناها وقفوا علی العدم
و بالجملة فإن ما قیل فیه من المدح حال سکناه بالمعسکر و فتحه لوهران و بعد فتحه إیاها و سکناها کثیر، یقلّ حصره و تضیق به الدفاتیر (کذا). و قصة فتحه لوهران مشهورة، مقرّرة مسطورة، ألّف فیها العلماء کالحافظ النقاد، النور الوقاد، العلامة الماهر أبی راس محمد بن الناصر و الحافظ البارع، العلامة الجامع، السید مصطفی بن عبد اللّه الدحاوی و غیرهما عدّة تآلیف، و صنف فیها ما بین النثر و النظم جملة تصانیف، و قد مرّ لنا بها طرف من ذکرها، حسبما نتجته/ القریحة من بنات فکرها. (ص 233)

منشآت البای محمد بن عثمان بوهران و معسکر و البرج‌

ثم أن هذا البای المراد، الحاصل نفعه لجمع العباد، أمر بالهام من اللّه تعالی فی الیوم الحادی و العشرین من فتحه إیاها بهدم الأبراج الموالیة للبروهی برج مرجاج و برج رأس العین الکبیر و الصغیر و برج الویز و برج فراند و برج کالوص (کذا) و أشباههم من الأبراج الموالیة للبر و من عادته رحمه اللّه أنه مهمی (کذا) أشار برأی إلّا کان فیه الخیر و السداد و غرضه بذلک رفع الضرر عن المسلمین. و حسما لمادة النصاری فإن البای أبو الشلاغم لما فتحها أولا ترک الأبراج بلا هدم و لما رجع لها النصاری کان أول ضرر حصل للمسلمین من تلک الأبراج فلذلک أمر رحمه اللّه بهدمها. و لما استقل قدمه رحمه اللّه بها جمع لسکناها الناس من کل فج و مکان، و أمرهم بتعمیرها لیتم فی الغایة الإیمان، فبعضهم بالإقطاع و بعضهم بالبیع بلا نزاع، إلی غیر ذلک من الوجوه الصادرة من أمیر المؤمنین، و ثمن المبیع عمّر به بیت مال المسلمین. و فی یوم دخوله لها بأهله و مخزنه بغایة نیله، قدم أمامه العلماء و الصلحاء و بیدهم صحیح البخاری تبرکا به و تیمنا بفضله، فحقق اللّه رجاءه، و نشر صیته و دمر أعداءه، و بنا (کذا) بالموضع الذی وقف به فرسه عند الباب للواقف مسجد الصلاة الخمس و الجمعة یعرف عند الناس للآن بجامع بالناصف لکونه کان به وکیلا، و بأموره قائما کفیلا. ثم بنا (کذا) فی السنة السابعة و المائتین و الألف قبّة البرج الأحمر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 294
فزدات له رونقة لصعودها للسماء مشرقة، و لما أکمل بناءها کتب علی صالة مرکز جلوسه بأمامه الأبیات التی أنشدها العالم الجلیل، المتضمن الجمیل، العدل الماجد، البارع الفارد، الکاتب الفاخر، الناظم الناثر، ذو المعانی و الإعراب، و الفنون و الآداب، و الکرم و الفضائل، و الأخلاق و الشمائل الجامع بین الحسب و النسب الأصیل و المعارف و التحصیل، الشریف الجمیل، الذی هو أنجب من کل من حثّوا فی طلب العلم و لحّوا، السید مصطفی بن عبد اللّه بن دحّو (کذا)، مؤلف فتح و هران و جامع الجواهر الحسان، و هی من البسیط:
یا غافلا عن أمور زانها ذهب‌و لونها لجین و تمرها رطب
و نورها مضی‌ء وجوها دائم‌و صوتها منشد بالحسن مرتقب
(ص 234)/ أقصد إیوان أمیر المؤمنین أبی‌عثمان تلفی الخیرات کلها کوعب
به تشارک من نوی لمقصده‌فهو منافع للوری فما أرهب
به اشتباک الزهر فی صفحتیه حکی‌فکیف بالعشائر المقیم صوحب
و حکی کیف الأهالی به یتفنون‌و کیف یسلکون بکلهم مذهب
فعند ذا خاطبونی و ابتسامی بدامنه جواب عن سنوی یظل المنحب
کیف انسباب الأمور اللواتی ارتبطت‌برضی من یسرّ قدرا و ینتصب
أهکذا عقال عصری قد التصقوابالذی نصر القدیر علاه رجب
أظهر به کیف الذی ترونقه‌محبة الصدیق عند الأهالی رکب
تجدهم باختلاف فی الدعاء إلی‌من واحد لواحد بالنّدا رتب
إلی کمال العطا من غیر مبتخل‌لأحد و لعطائه قد قرب
و بنا (کذا) المدرسة الجلیلة العظیمة بخنق النطاح التی بها ضریحه و تعرف للآن بالمدرسة . و بنا (کذا) أیضا الجامع الأعظم المعروف بها بجامع الباشا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 295
للآن و هو حسن باشا و کل ما صرف علیه هذا الأمیر فمن عند الباشا. یحکی أن الباشا حسن لما بشّر بفتح و هران سرّ سرورا کثیرا و لما رأته زوجته فاطمة و خالتها حلّ به الطرب العظیم قالتا له کان اللائق بک لإتمام سرورک أن تبنی بها جامعا عظیما یبقی ذکرک به مخلدا فی الألسنة فعند ذلک أمر البای ببنائه و بعث له بصندوقین مملوین (کذا) مالا واحدا بعد واحد لیصرف ذلک علی البناء صحبة أمین البنائین محمد الشرشالی بن بیرت. و لما شرع فی بنائه حفر أساسه فی بستان تحت البرج الأحمر، فألفی بالأساس قلّة معمرة ذهبا فصرفها فی البناء أیضا و جمع لمنارته حجرا ضخما أتی به السخارة من برج الصبایحیة فی أربعة أیام متوالیة و کلما صرفه البای علی الجامع مفصلا و مجملا فهو مذکور فی دفاتره و ضربنا عنه صفحا خشیة السئامة (کذا) و ابتدا (کذا) بنائه فی السابع من الثالث عشر بعد فراغه من القلة و أتمّ بنائه فی الثامن أو التاسع منه. و تاریخ ذلک مکتوب بالحجارة التی بها جملة الأشیاء المحبّسة. و بنا (کذا) رحمه اللّه الجامع الأعظم قلیل الوجود بالعین البیضا (کذا) من بلد المعسکر و أحاط به/ المدرسة. و تاریخ (ص 235) بنائه بمدرسته مکتوب بجانب محرابه و نسیته لطول العهد. کما بنا (کذا) جامع الکرط، و الجامع الأعظم بمدینة البرج، إلی غیر ذلک من شعائر الإسلام و التی عملها. و کتب علی بعض حوائط البرج الأحمر تاریخ فتحه لوهران و من فتحها و أی سلطان و باشا کان الفتح فی وقته مع تاریخ دخوله لها و نصّه:- الحمد للّه وحده فتحت و هران و أعادها اللّه للمسلمین و خرج الکفار منها أذلة صاغرین، فی سعادة المعظم السلطان الأفخم و الخاقان الأفخم، الخائف من مولاه الطائع الأواه، السید سلیم نصره اللّه، و دولة المعظم الأرفع و الهمام الأنفع، حسن باشا أیده اللّه علی ید محی الدین کثیر الغزو و الجهاد، و قامع أهل البغی، و الفساد، السید محمد بای بن عثمان بای وفقه اللّه، فی أوائل محرم الحرام سنة ست و مائتین و ألف، لتمام المرام، و دخلها بتاریخ یوم الإثنین الرابع من رجب الأشرف سنة ست و مائتین و ألف. ه- لکن فی کثیر النقل أنه دخلها فی خامس رجب و ربک أعلم بالصواب، و إلیه المرجع و المئاب. و کان محبا للطلبة و لذلک بنا (کذا) لهم المدرستین الأولی بالمعسکر و الثانیة بوهران.
یحکی أنه لما رفعت له الشکایة من أهل و هران بالطلبة و تکررت علیه أمر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 296
بإخراجهم من وهران لینظر فی ذلک فخرج الطلبة منها، و انصرفوا بکلهم عنها، و هو ینظر فیهم من محلّه و قلبه متحیر فی الأمر بکلّه، فلم یر من لحقهم ورء (کذا) النساء درجن علی الأسطاح و أعینهم شاخصات نحوهم أسفا علیهم و فی غم من أهل الصلاح، فجاءه ءاغته الأسد الضرغام، البطل الهمام الشهم الکامل، الجواد العاقل، الکمی الباسل، فارس القتال، و صندید النزال مبدد الأعداء، و فاصل الدعاوی، ءاغة السید قدور الکبیر بن إسماعیل البحثاوی و قال له یا سیدی لا یلیق بک و لا بنا طرد الطلبة الذین یدعون ربهم بالغداة و العشی، و یتلون کتابه العزیز بالإتلاء الحضی و إنما اللائق أن من فعل ذنبا یستحق به العقاب، عقب و من لا فلا بلا ارتیاب. و الذین اشتکوا لک بهم بأنهم أهل افتیات، علیهم بحفظ أنفسهم و أهلهم مما ادعوه علیهم بغیر إثبات، فقبل منه هذا الکلام، و فرح به کثیرا بالانتظام، و أمر بردهم لمحلهم فرجعوا، بعد أن (ص 236) خرجوا منه و فزعوا، و لما استقروا بمواضعهم، و اشتغلوا بمصانعهم، ذهب/ لهم علی فرسه بشواشه، متبخترا فی سیره و نواشه، و حین وصلهم لمحلهم، دفع لهم مالا کثیرا زیارة بقصد التبرک بهم، و قال لهم أیها الطلبة اشتغلوا بالقراءة و کفوا أنفسکم عن الإذایة فما فی المدینة من یحبکم إلا ثلاثة فی المحبة سواء، و هم:
أنا و ءاغة قدور بن إسماعیل البحثاوی و النساء. و فی ءاغة المذکور، الفارس المشهور، قال الحافظ العلامة، القدوة الفهامة إمام المحققین و حافظ الوقت علی الإطلاق بالتبیین الشیخ محمد أبو راس الناصری هذه الأبیات:
ألا إنّ أوصاف الکمال تجمعت‌بأسرها فی شهم جلیل تبرّعت
أموره و هو قدور الذی قد فاق‌غیره و رتبه إلی السما قد علت
سلیل إسماعیل سلیل بشیرهایلقّب ببحث تلقیبا له دنت
جمیع قواصیها و حاز کمالهاکما لسطوته الرقاب قد أخضعت
و نال علوا لا یناله غیره‌فما للبحثاوی من شبه یری- روت
فإنه حاتم و أخنق قیسهاهرم و مأمون رشید بلا عنت
فاق ابن مکدّم فی کل أموره‌و لو کان حاضرا سلّم له ثبت
و کیف و أنه من نسل صعصعةو هو من المخزومی أصلا له ثبت
و کانت رئاسة المخزن بین آغا هذا و محمد الزحاف ولد الشریف الکرطی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 297
التلاوی نوبة ابتدئت (کذا) من هاذین. توفی البای رحمه اللّه ببلاد صبیح حال إقباله من الجزائر علی الصحیح سنة ثلاثة عشر و مائتین و ألف بعد ما ملک عشرین سنة. و ما فی در الأعیان و أنیس الغریب و المسافر من أنه بقی ثمانیة عشر سنة سهو لما قد علمت أنه تولی سنة اثنین و تسعین و مائة و ألف و توفی سنة ثلاثة عشر و مائتین و ألف و بینهما عشرون سنة صحیحة. و بالجملة أنه کان خلیفة علی خلیل سبعة أعوام و بایا مستقلا عشرین سنة فذلک سبعة و عشرون سنة خدمة للدولة العثمانیة المنصورة. و لما طار خبر موته لأهل الجزائر بعثوا لابنه عثمان خلیفته و هو أکبر أولاده بالمملکة فرکب فورا و حث السیر إلیهم حثیثا بعد ما بعث أباه لوهران و أوصی علی دفنه بالمدرسة التی بالموضع المسمی بخنق النطاح من وهران و حین وصل الجزائر ولّی بایا مکان أبیه تلک السنة. و کان للبای محمد ألقاب وکنی، فالألقاب: یقال له الکبیر و المجاهد/ و الأکحل (ص 237) و المنصور. و الکنا: یقال له أبو عثمان و أبو علی و أبو محمد و أبو أحمد و أبو الفتوحات و أبو النصر و أبو المواهب و أبو الربیع و أبو الفتح إلی غیر ذلک. قال الشیخ حسن خوجة فی درّ الأعیان، و الشیخ مسلم فی أنیس الغریب و المسافر.
و حدث بأول مملکته بالمعسکر مسغبة عظیمة هلک بها أناس کثیرة إلی أن أکلوا فیها المیتة و الدم و الخنزیر و لحم الآدمی و العیاذ باللّه من ذلک.
قلت و هو مخالف لما مر من أن ذلک حدث فی أیام خلیل و هو الصواب ثم حدث بأیامه الطاعون العظیم الذی لم یحدث فی هذا الأقلیم قبله قط إلی أن مات به جلّ الناس بدوا و حضرا و آل فیه الأمر إلی أن انتقل أهل الحضر و البای بأهله و مخزنه إلی البدو فی خیام الشعر ظاعنین ظعن الأعراب البادیة زمانا طویلا و قد جعل البای خیمة حمراء من الوبر و سکن بها ببلاد أولاد سلیمان أحد بطون بنی عامر و أدار بها الزمالة ثم أدار بهم الدوائر فسمی بذلک الزمالة و الدوائر لکونها زمالة البای و دوائره و سمی العام بعام الخیمة الحمرا. ثم حدثت الزلزلة العظیمة التی لم تحدث قبل ذلک و اشتدت بوهران أکثر من غیرها إلی أن سقط بها الدور و الأبراج علی أمم من النصاری فأهلکوا بذلک و دام ذلک إلی أن اتخذ النصاری
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 298
بیوتا من اللوح لسکناهم. قیل و تلک الززلة هی سبب فتحها کما مرّ. و هذا البای المنصور هو الذی جعل علی المخزن رایسین (کذا) أحدهما کبیرا و هو آغا الدوائر و الآخرة صغیرا و هو قائد الزمالة و إلّا فکانوا قبله تحت رایس (کذا) واحد و هو القائد ءاغة و کان من الدوایر لا غیر کما مر. و أول من تولی ذلک من الزمالة مصطفی بن قرادة فإذا تولی قدور بن إسماعیل الکبیر فإنه یتولی مصطفی بن قرادة و إذا تولی محمد الزحاف ولد الشریف الکرطی التلاوی فإنه یتولی قدور بن علی و هلمّ جرّا.

البای عثمان بن محمد

ثم ابنه عثمان بن محمد بن عثمان و هو ثالث بایات وهران، و أبوه ثانیهم، و أبو الشلاغم المسرای أولهم. کما مرّ. تولی سنة ثلاثة عشر و مائتین و ألف بعد موت أبیه بأیام قلائل و بقی فی الملک ثلاثة أعوام غیر شی‌ء. و لما تولی نقل الحکومة من البرج الأحمر إلی القصبة التی بأعلا البلانصة من ناحیة مرجاجو و اشتغل ببناء المعالم المرونقة، و الغرف المعددة المزوّقة، و القصور المشیدة، (ص 238) و الأساطین الکثیرة المعددة، و غرس/ الأشجار ذات الفواکه و الروائح الطیبة المختلفة، و جری المیاه فی القواریر الموتلفة و أعرض عن المملکة باللّبّ و أقبل بکله علی اللهو و الطرب، فانهمک فیه انهماک بعض ملوک العرب، فصار مجلسه لا یخلوا (کذا) من الأدباء الظرفاء، و السادات الأعیان و الشرفاء و لم یلتفت لما کلفه اللّه به من أمور الرعیة، بل جعل ذلک نسیا منسیا بالکلیة. و کان من جملة ندمائه حقا، و أظرفهم خلقا و خلقا، الفقیه اللبیب، الکعب الأریب، الآخذ من کل علم وافر نصیب الحائز للآداب بالکمال المرعی، السید محمد بن الجیلانی الخروبی- القلعی، الذی قال فیه الفقیه الحاذق، البارع السابق، الخریر الماهر السید مسلم بن عبد القادر، هاتین البیتین بمدحه فیهما بدون مین:
و ندیم لأبی محمد عثمان‌مصدّر فی کل شی‌ء فقیه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 299 عفیف ذو نجابة مهاب‌ظریف ذو ریاسة وجیه
و قد تقدمتا. و اتخذ مجلسا للخلوة بأحکام، فصار لا یخرج منه للحکم إلّا بعد مرور أیام، و صرف أمر رعیته إلی من شاء من أرباب دولته، فانتفعوا نفعا کثیرا، و نالوا من الرعیة مالا غزیرا، و هو لا یلتفت إلیهم فی الذّکر و السّهو، لما شغف به من أمر اللعب و اللهو، حتی أنه جاءه یوما بعض قواده للمحاسبة علی ما بیدیه، فأطرده و قال له أن المحاسب هو اللّه و لا یکون الحساب إلا بین یدیه، ارجع إلی سبیلک و أمرک، فإنی لست بملتفت لما بیدک أو بید غیرک و دام علی ذلک إلی أن أداه حاله للعزل، و رجع أمره من السّمن إلی الهزل. و ذلک أنه بعث مع بعض التجار لتونس مالا لیشتری له بعض الجواری المغنیات، ذات الجمال و الغناء الفائقات فأتاه بجاریتین مغنیتین بارعتی الجمال و الغناء متصدرتین فیه لإنالة المنا، تذهبان عن القلب ما به من النصب و العنا، فتسلّا بهما لیالی و أیاما و لغیرهما تحاشا، إلی أن بلغ خبره للجزائر إلی الباشا، فغضب منه غضبا شدیدا، و نهب ماله و سمّر داره و کبّله قیدا حدیدا، و نقله إلی البلیدة، علی غیر الحالة المرضیة فنزلها بأهله و ولده و حشمه نزلته الکلیة.

ثورة أحمد بن الأحرش الدرقاوی‌

اشارة

و بقی بها إلی أن تولی بایا بقسنطینة/ و حاله لم یتشوش إلی أن قام علیه (ص 239) ثائرا رجل من درقاوة یقال له السید أحمد بن الأحرش، فتی مغربی مالکی مذهبا، درقاوی طریقة، درعی نسبا، جاء لتلک القبائل و ادعی أنه الإمام المهدی المنتظر، و کان صاحب شعوذة و خنقطرة و حیل و خبر، یبدل بها الأشیاء للشی‌ء الذی یرید فورا، کاستحالة البعر زبیبا و تقطیر السیف دما و الحجارة درهما و الروث تمرا، فرأت الناس منه العجائب، و أظهر لهم الأمور الغرائب، التی هی قلب العین، لا حقیقة لها دون مین فنصروه و عقدوا له البیعة حزبا حزبا، و جندوا معه و أمره کله کذبا، و اتبعوه فی المصادر، و امتثلوا له فی النواهی و الأوامر، فحرک بهم علی قسنطینة و حاصروها یوما کاملا، و کان البای عثمان خارجا عنها لبعض شئونه (کذا) فلما سمع أتاه عاجلا، فألفاه هزم و أصیب بالرصاص فی فخذه فتکسرت، لکن حاله لا زال مجتمعا غیر متشتت، فبات بداره و من الغد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 300
خرج لطلبه و هو بواد یقال له وادی الزهور فلحقه هناک و أثخن فیهم بالقتل و السبی و الأسر و الحرق أمّنه من شوکتهم الغرور، إلی أن توغل فی بلادهم و قد ترک وراءه معقلا صعبا و مضیقا و عرا و کان أمره منشورا. ففرّ القبائل للمعقل و أجروا فیه الماء و داروا بعسکره من کل جانب دحورا. و اشتدّ القتال و حمی الوطیس و کبر النهار، فهزم البای هزیمة شنیعة و ولّی الأدبار، فوجد المعقل علی غیر ما ترکه فحلّ به المکر بالقتل و الأسر و الکسر و السبی إلی أن کبّ به فرسه فی الطین ثم فرّ عنه و ترکه، فأخذ البای و قتل هنالک و فرح ابن الأحرش بذلک، و لم ینج من جیش البای إلا القلیل، و قد أدارت (کذا) بهم القبائل إدارة عظیمة صار العزیز بها کأنه الذلیل. قال صاحب در الأعیان، و کذا صاحب أنیس الغریب و المسافر، و حدث فی أیامه الطاعون الذی کان قد وقع و ذهب فمات به جلّ الناس و کثیر من العلماء، منهم بالراشدیة العلامة الإمام، و الفهامة الهمام، ذکی الفهم و الأحوال ذکاءة المسک و العنبر و القرنفل و زهر القرفة السید عبد القادر بن السنوسی بن دحّ ابن زرقة، و منهم صنوه الفقیه ذو الفهم الراشمی، الخریر السید الهاشمی، و منهم ابن عمهما الفقیه الأدیب الألمعی الذکی الأنجب الشبیه بالأوزعی مؤلف فتح و هران السید مصطفی بن عبد اللّه و غیرهم من الأعیان. و ظهر الجراد الکثیر کثیرا (ص 240) جسیما/ فأفسد الزرع و الثمار فسادا عظیما. و کان ءاغته بالدوائر الشجاع الطاوی، السید عثمان بن إسماعیل بن البشیر البحثاوی. و بالزمالة قائده قدور بن علی الثابت فی الجزء (کذا) و الکلی. ثم صار علی الدوائر ءاغة بن عودة بن خده أحد أجواد غریس من ذریة الممدود و تولیته علی المخزن من وضع الشی‌ء فی غیر محله و تطوّر الشخص علی غیر شکله. و سبب تولیته إنه کان شاوشا علی ءاغة قدور بن إسماعیل ثم تزوّج ءاغة بابنته میرة فصیّره خلیفة علیه و لما مات قدور و تولی أخوه عثمان أبقاه معه خلیفة إلی أن مات عثمان تولی ءاغة بموضعه و بقی ءاغة إلی أن مات بغارته انقاد فی وقت مصطفی بای فی تولیته الأولی.

البای مصطفی العجمی و ثورة درقاوة

ثم الحاج مصطفی بن عبد اللّه العجمی و هو رابع بایات و هران التی منها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 301
سبعة سرد، و واحد فرد، تولی سنة خمسة عشر و مائتین و ألف ، و کان رجلا عاقلا لکنه جبانا أدته جبانته للشقاوة حتی هاجت فی أیامه هیجانا عظیما عامة درقاوة. و قد أشار علیه بعض الأولیاء بقوله (کذا) سیأتی مصطفی عصی، هو فوق الکرسی و الناس تعصی. و فی السنة الثانیة من ولایته و هی سنة ستة عشر و مائتین و ألف غزی (کذا) أهل انقاد غزوته الذمیمة فهزموه الهزیمة العظیمة، مات فیها جملة من رؤساء مخزنه الأعیان منهم ءاغته بن عودة بن خدة و للجنان ذهبوا، و اشتدت الهزیمة حتی أسّروا و سلبوا، و هی أول واقعة وقعت بهذا الوجه فی المخزن، فدخله بها الرعب و الوهن بعد أن کان فی أحواله بالقلب هو المطمئن، و کثر طمع الرعیة فی شبه ذلک و قد مسّ المخزن بعض الجبن و الکسل من ذلک، لا سیما إذا کان الأمیر جبانا خوالا، فلم یزدهم ذلک إلا جبنا و کسالا (کذا) لأن الرعیة تابعة للراعی فی الصلاح و الفساد و أحوال المراعی، و الجیش إذا کان رایسه (کذا) أسدا فهو بذلک جدیر، و إن کان بعکس ذلک فهو بحسب الأمیر، قال الشاعر:
المرء فی میزانه أتباعه‌فاقدر إذا قدر النبیّ محمّد

أسباب ثورة درقاوة

اشارة

و سبب قیام درقاوة، أهل الحالة الدالة علی ذمّ و شقاوة، أنهم عامة ینتحلون العبادات، و یتلبسون علی الناس ببعض الخیالات.- یحسبهم الجاهل أغنیاء من التعفّف و هم فی أحوالهم فی غایة التلطف لإنالة مالهم به التوصّف، یجتمعون فی الأسواق و الطرق و الفنادق و مراح الدواویر و المقابر و المواسم و الزوایا حلقا حلقا و یذکرون لا إله إلا اللّه جهرا مناوبة/ ثم یذکرون الاسم المفرد بالأصوات (ص 241) المتجاوبة، ثم یقومون للشطح و الرقص بعد الأکل الکثیر، إلی أن یغمرهم العرق و التشریر، و یرکبون علی القصب و الکلخ و ما هو کالعهن المنفوش، و یعلقون القرون و قلائد الببوش، و یتسابقون علی تلک الحالة، و یعتقدون أنهم علی أکمل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 302
الحالة، و یلبسون الثیاب المرقعة، و یرومون المسائل الموقعة، و ربما أخذوا جدید الثیاب! فیقطعونها ثم یرقعونها بالاستعاب، و یظهرون الزهد فی الدنیا إظهارا کلیا، و یجلبون الناس للأخذ عنهم و الدخول فی طریقتهم تحلیا، و یذمون الدنیا و تابعها، و یعظمون طریقتهم و جامعها، و یطالعون کتب التصوّف فیأخذون منها الألفاظ الدالة علی ذمّ الدنیا و مدح الآخرة. و فی الحقیقة أنهم لیسوا من أبناء الدنیا و لا من أبناء الآخرة. و إن هم إلّا کالأنعام بل هم أظل سبیلا، و أقدم حالة و أکذب مقیلا، و یکرهون الأولیاء و العلماء و یقدحون فی أمواتهم سیما شیخ المشایخ الشیخ عبد القادر الجیلانی ذا السر الباهر، و ینفون عنه التصوّف بالکلیة و ینسبونه لأنفسهم بالإخفاء و الظاهر، و ینتسبون إلی رجل مغربی من بنی زروال بوادی أبی بریح من فرقة یقال لها درقاوة، یقال له الشیخ مولای محمد العربی بن أحمد و ینسبون له السرّ و النقاوة. أخذ عنه جملة من أشیاخهم و أصولهم و أفراخهم، منهم السید عبد القادر بن الشریف القائم بالغوغاء و العامة علی أهل الملک و التصریف، و هو من أولاد سیدی أبی الیل (کذا) المرابطین بقبیل الکسانة النقد، حی من أحیاء العرب البادیة المتوطن بواد العبد. و کان هذا القائم فی أول حاله عالما متفننا فی (ص 242) سائر العلوم، محققا لها بقیودها و المنطوق و المفهوم/ ورعا زاهدا، متعبدا راکعا ساجدا، صائما قائما، حنینا راحما، أستاذا یقری (کذا) القرآن و یعزّ أهله و یزیل بتعلمه لکل جاهل جهله، و الناس یشیرون إلیه بالصلاح. و النّسک و النجاح، فذهب للمغرب و أخذ عن مولای العربی تلمیذ مولای علی الجمل. فقدمه علی إعطاء الذکر لمن بهذا المحل، ثم رجع من المغرب و ترک ما کان علیه من التعلیم، و اشتغل فی زعمه بالتربیة و التکلیم، و لم یدر أنها انقطعت فی القرن التاسع باتفاق من الأئمة و لیس فی هذا مدافع، و لبس الخرقة المرقعة و علّق الببوش و رکب الکلخ و علّق القرون المرقّعة، و ابتدع أمورا یمجّها الطبع، و ینکرها الشرع، و اقتدی به فی ذلک الجلّ من الناس، و أخذ عنه کل من هو فی عقله فی غایة الإخساس، خصوصا أهل الصحراء فأذعنوا له إلی أن قهرهم قهرا، و زاغت به نفسه الأمارة بالسوء و باع آخرته بدنیاه، ثم أصبح بلا بهما معایا و یلاه، و صارت عامة درقاوة تجتمع إلیه، فیخرج بهم إلی الصحراء فیجتمعون علیه، و تتلقاه الأعراب بالفرح و السرور، حتی أخذت عنه جمیعها الورد و هو فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 303
سرور، و صارت کل شیعة تهدی إلیه الهدایا، و یأتون إلیه من کل فج بالعطایا، و یشتکون إلیه ضرر المخزن و ما هم فیه من أداء المغارم، و لم یعلموا أنهم سیرجعوا إلی انتهاک المحارم، فکان یعدهم بالفرج القریب المشکور، و یجمع تلک الزیارة و الهدایا فیذهب بها إلی شیخه المذکور و یدفعها إلیه و یقص علیه ما هم فیه خدّامه من إهانة المخزن إلیهم، فیقول له انصرهم و اللّه ینصرک علیهم، فحصل له بشیخه الطمع الکثیر مع ما نظره من اجتماع الغوغاء علیه بالأمیر العسیر، و هم الأحرار و غیرهم من أهل العناد، الذین یشبّهون بصغار الجراد فی الفساد، فدعا أهل الصحراء کالأحرار و غیرهم لمبایعته فأجابوه فورا لذلک و لکل ما یشتهی و أقام بالأحرار/ یأمر و ینهی. و فی هؤلاء درقاوة وقع السؤال و الجواب (ص 243) من العلماء أولی الألباب و نصّه:
أیا أهل تطوان فما الحکم عندکم‌فی أصحاب درقاو إلی الجمل ینسب
بنصّ یزیل المشکلات بأسرهاأیتبع مطلقا أم التّرک أصوب
و من أین ذاک الأخذ بالسند الجلب‌کما قرّروا للشاذلی الجاه یحسب
إذ ذّا المحدثات شاع فی الناس حکمهایا ذا الأمن بالأوطان بلدنا مغرب
و ما أحدثوا من جلد ذیب و نحوه‌فی لبسهم و الحبل و العود یرکب
إذا نصبوا للاقتداء فهل لناثواب صلاتنا أم الأمر أصعب
و هل غیبة تجری و ینصق عادل‌جوابکم نبغی من الحوض نشرب

جوابه‌

علیک سلام اللّه یا سائلیّ فخذنقولا من المعیار بالسوط یضرب
و ابن هلال شدّد جدا محرراو من یتّبع ذا الأمر إبلیس یصحب
و من یعتقد الرقص و الشطح بالیدعبادة ربّه فزندیق یحسب
و قد خالفوا سبل الرسول محمّدو من خالف سنّ النبیّ یعذّب
إمامتهم مع الشهادة باطلةلبدعتهم حقّا و صدقا مرکّب
فلا غیبة تجری فی سبعة طبّقوافی مثلهم الأخیار للعلم ینسب
فهذا هو المشهور عند جمیعهم‌فجنّب طریق اللّهو للحقّ تقرب
و أیقن بأن اللّه أنزل حکمه‌فی تنزیله القرآن شرعا مهذّب
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 304

معرکة فرطاسة و نتائجها

قال فبینما الناس علی غفلة إذا بابن الشریف أصبح قائما بأقوالهم، معلنا (ص 244) بجهاد/ الترک و المخزت محللا لدمائهم و أموالهم فاجتمعت علیه الغوغاء من کل جانب و مکان للحرک، و هبط مع وادی مینا قاصدا نحو المخزن و أذن لأتباعه فی النهب لأموال أتباع الترک. و کان البای فی بعض حرکاته راجعا بعد فراغه منها إلی و هران. و لما سمع بالدرقاوی جمع له الجیوش و خرج للقائه فبلغه الخبر المحقق و هو نازل بالموضع المعروف بالبطحاء الآن، بأن ابن الشریف بمینا بقرب تاقدمت بجیشه حائطا، فصار البای صاعدا نحوه، و ابن الشریف له هابطا، إلی أن تلقیا بفرطاسة فی غایة الحزم و الشدة، و کان ذلک المحل ما بین مینا و واد العبد، فاشتدّ القتال بینهما علی الماء و صارت نار الحرب بینهما دائرة بالحتوف، و تزاحفت لبعضها بعضا الصفوف و تراکم الأمر و حام الوطیس المعروف، فانهزم البای و قام مخزنه علی ساق واحد و رکب العدّو بظهره فی تزاید، و صار یقتل و یسبی و یأسر إلی قرب أم العساکر، و بقیت محلة البای بما فیها بید الدرقاوی المتجاسر، فأمسی البای بمخزنة فی نکد، و أصبح الدرقاوی بأتباعه فی رغد، فسبحان المعز المذل الإله بوحدانیة المنفرد، و دخل البای للمعسکر علی غیر الحالة المعهودة، و عساکره خلفه مطرودة، و مات من مخزنه خلق کثیر، و عدد حصره عسیر، من جملتهم کاتبا البای و هما: العلامة السید الحاج أحمد ابن هطال التلمسانی الراوی، و العلامة الأدیب أبو عبد اللّه السید محمد الغزلاوی إلی غیر ذلک من الأعیان، الذین انتقلوا إلی جنّة الرضوان. و فیها قال السید حسن خوجة فی در الأعیان هذه الأبیات:
فرطاسة یومها تری الجنود به‌ما بین قتلی و أسری غیر ناجینا
فالبای جاء بجیش لا نفاذ له‌به یرید لقاء العدو باغینا
فلم یحقّق له سعی و لا أمل‌بل جاء جنده صفر الکف باکینا
(ص 245)/ فالیوم لابن الشریف عزّ فیه علی‌بای الأعاجم لولا الدین لا دینا
و قال السید مسلم الحمیری:
فیوم فرطاسة یوم کبیرذلّ فیه العزیز عزّ الحقیر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 305 لقد هیّا مصطفی جیشا کبیراترکا و مخزنا الملک الجدیر
فلم تک ساعة إلّا و انهزموامن جیش قلیل هیّأه الفقیر
قال: ثم خرج من المعسکر عشیة یومه و قیل عشیة الیوم الثانی، و کان یوم الأحد ثالث أو ثامن من ربیع الأول بالبیانی، سنة تسعة عشر و مائتین و ألف ، من هجرة من حاز الکمال و الشرف و الوصف. و رجع لوهران فدخلها فی فلّه، و هو فی و جل ببعضه و کله، فاجتمع علیه أعیان مخزنه و سهّلوا علیه الأمر و هوّنوا علیه المصیبة، و أزالوا عنه ما بنفسه من الوجل و الریبة و قالوا له لا تجزع من الدرقاوی و أعرابه، و جیوشه و أصحابه فنحن سیوفک الماضیة. و رماحک النافذة القاضیة، و شجعانک الداهیة و فرسانک الضاریة الدامیة، و الأمر کذلک و فوق ذلک، و لا یکون إلّا ما تراه من الدفع عنک بأنفسنا و أکثر من ذلک، فإن کان الأمر من اللّه فلا یلیق إلا التسلیم، و الرضی؟ بما قدره و قضاه الحکیم العلیم و إن کان غیر ذلک فلا تری إن شاء اللّه إلا ما یسرّنا و یسرّک بغیر خلف، ألم تعلم أننا فحول هذه الأوطان و أبطالها موروث ذلک عندنا خلفا عن سلف، و من یناقمنا یحلّ به الویل، و یصده النکل و الخبل. و قد صدق فینا قول الشاعر الماهر، الذی قوله ذائع عند البادی و الحاضر:
إذا قالت قریش فی أمر شیئافذاک القول مصداق المرام
/ فصدقوها فی المقال حقاو لا یکن تکذیب فی الکلام
(ص 246) و قول الآخر:
إذا قالت حذام فصدقوهافإنّ القول ما قالت حذام
و قول آخر:
و ننکر إن شئنا علی الناس قولهم‌و لا ینکرون القول حین نقول
و قد نصبنا أنفسنا للموت و التزمناها، بحیث من لم یمت منّا بالسیف مات بغیره فیتمناها فصدق فینا قول الشاعر:
و من لم یمت بالسیف مات بغیره‌تعدّدت الأسباب و الدّاء واحد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 306
و لا خیر فی خلف إذا لم یتبع السلف، و لا فی الرجل إذا لم یتبع أباه و لخصاله یقتف، و الورقة من الشجرة، و النار من الزناد و الحجارة. و قال فعند ذلک اتفق رأیهم علی تحصین البلاد بکل الأدوار، و إقامة آلة الحرب و ما یئول (کذا) إلیه الحصار، و أتقنوا أمرهم غایة، و استعدوا للعدو بدءا و نهایة. و لما استولی الدرقاوی علی المحلة و عزّ جانبه فی کل قریة و حلّة، و اتصف بالمزیة، کتب بالبشائر و التهانی لجمیع الرعیة، قائلا لهم بقوله الذی بان لهم فیه النصیحة و المعونة، أننا نزعنا عنکم ما کنتم فیه من الحقر و الذلة و المسکنة، و أداء المغارم و الجزیة الثقیلة، و المؤن الکثیرة الجلیلة، الذی جمیع ذلک هو حرام، علی من انتظم بالدخول فی سلک الإسلام، و قد قطعنا دابر الترک الظلام، و أتباعهم الشّرار اللئام. فالواجب علیکم مبایعتنا و الإذعان لنا و طاعتنا، فوافقه علی ذلک (ص 247) جمّ غفیر، و عدد کثیر/ فاجتمع عند ضحی یوم الجمعة، ثالث عشر ربیع الأول تلک السنة ذات القصعة، ما لا یحصی عده، و لا یستطاع دفعه ورده، من رعایا البای، من ذوی العقول الفاسدة الرأی، فمرّ بغریس الشرقی و الألویة علی رأسه فی غایة الخفقی، إذا به سمع امرأة تنادی علی أخری ترکیة، و کان ذلک اسمها فی المحکیة، فأنف من ذلک و أبدل اسمها فورا بعربیة، و قال ما عدونا إلّا الترک بأتباعهم و حشومهم و أشیاعهم. ثم دخل المعسکر فأطاعوه، ما بین طوع و إکراه بایعوه و ما داعوه فصیرها دار ملکه و سکناه، و جمع بها أهله و أولاده و جعلها مثواه.
و قد ألفی بها وقتئذ الفارس القائد أبا محمد بالحضری بن إسماعیل البحثاوی نسبا، الدایری (کذا) مرتبا، قد کان البای بعثه لها لبعض شئونه، و قضاء مطالبه و مؤنه، فتقبّض علیه کغیره من القواد و سجنه، و کبّله و مهنه. و هزم جیشه خلیفة البای مصطفی ببلاد مجاهر فی ربیع الثانی من تلک السنة هزیمة شنیعة، و قتلوا العسکر و نهبوا المحلة ذریعة. ثم خرج من المعسکر بجیوش کالجرذ أن تملأ الخراب و العمران، قاصدا بها فتح و هران. و لما حلّ بسیق بأرض الغرابة، فرّ منه أهلها بعضهم للجبال و بعضهم للغیب و الأماکن المتوعرة الشعابة، و من دخل منهم لغابة الجیرة التی هی طریقه أوقع بهم عظیما ما بین القتل و الأسر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 307
و السبی و حلّ بهم تطریقه، حتی عرف بالموضع الذی وقع به ذلک للآن بشعبة النواح، لکثرة نوح الناس بالبکاء علی أنفسهم و أهلهم و ما بهم من الفراح. و کان الولی أبا عمامة الغربی تلمیذ أبی دیة قبل الواقعة یقول و هو فی خلوته: مزینکم یا حواض السماء لو کان فیکم الماء لأن کل من فرّ لأحواض السماء و هو الجبل المطل علی طلقة العلوج و سیق نجا، و کل من/ ذهب لغیره حلّ به ما یرتجا (ص 248) (کذا)، و صارت جنوده المفسدة الذمیمة الوافرة العدد الجسیمة، ما تمرّ بموضع إلا ترکته وحشا، مهانا و وجهه و خشا، و کان قدومه لوهران فی الصیف فی أبّان الحصاد، فسارت إلیه و أطاعته جمیع العباد لا عربی و لا مخزنی، و لا شریف القدر و لا دنی، خشیة منه علی زرعهم و مالهم و ضرعهم، لکون الجنود مضنة الفساد، و الضلال و النکاد، لا سیما عادة الجنود السلطانیة المتوّجة بالتّیجان الشیطانیة، فلم ینفع ذلک من دخل فی طاعته، و لا من أتاه للخلاص ببضاعته، بل سلّط من شدة ظلمه أتباعه، علی من انتسب للمخزن فأکثر إیقاعه، فأخذوا ماله و نهبوه و سبوا أولاده، و ترکوا حیاری زوجه و أفراده، فحرقوا و نهبوا و قتلوا و أسروا و سبوا، و صار المستغیث بهم کالمستغیث فی الرمضاء بالنار، أو السفیه فی القفار. فکانوا أهلا بقول الشاعر، الحاذق الماهر:
فالمستغیث بالسفیه عند کربته‌کالمستغیث فی الرمضاء بالنار
و لم ینج من وقائعهم الرذیلة إلّا من نجاه اللّه منهم أو لجأ إلی بعض المواضیع الممتنعة عنهم. قال: ثم ارتحل و نزل ضواحی و هران بقربها فی المشتهر، و صبحها بجنوده کأنها الجراد المنتشر، طامعا فی دخولها و أخذ ذخائرها، و تزوج نساء أکابرها، کطمع جنوده بذلک لضعف أهلها فی زعمه عن دفع ذلک، مستحلّین ذلک لضعف مذاهب الأعراب ذات الفعل القبیح الخائضة مع کل ریح، و ما ذلک إلا لضعف عقولهم و قساوة قلوبهم، و شدة جهلهم و کثرة لعوبهم و زلّة أقدامهم و رؤوسهم، و اتباعهم هواهم و ما سوّلته لهم أنفسهم فی قیامهم و جلوسهم، و شدة حسن ظنهم بأمیرهم، و لا فرق بین کبیرهم و صغیرهم جازمین أن کلمته لا تردّ، و أن دعاءه مستجاب فی کل واحد، فاستعدّ/ للقائه (ص 249) أهل البلد، و تهیّوا (کذا) لقتاله بکل مرصد و خرجوا لمبارزته و مکافحته و منابزته، و محاربته و قتاله، و مناطحته و نزاله، فقاتلوا شدیدا مددا و هم مع ذلک أقل منه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 308
عددا و عددا، فکان من أمرهم الظهور علیه بحشوده، و حصل النصر لهم فهزموه مع کثرة جنوده و مکر اللّه بالقوم الظالمین الفاجرین، قال تعالی کَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِیلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً کَثِیرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِینَ ، و اشتد المخزن فی القتال مع قلّته، و انهزم العدو من حینه مع کثرته و جلّته، و صار ذلک الیوم هو باکورة سعدهم و نجحهم و علامة ظفرهم بالعدو و ربحهم و ظهور قوتهم و بأسهم، و مسرة بشارتهم و أنسهم، فما من یوم بعده حاربوه إلا کان لهم فیه النصر و الظفر، و المهابة و النصرة تجری علی القضاء و القدر، و لا زالت بینهم و بینه الحروب الشدیدة، و المکاید المدیدة العدیدة، و انسدّت السّبل البریّة بین و هران و الجزائر أیاما.
فبینما الناس کذلک و إذا بالسفن فی البحر تخفق فیها أعلاما مشحونة بعساکر الأتراک الشداد، تحت حکم بای آخر و هو محمد بن محمد بن عثمان علی حسب المراد. و کان ءاغته البطل الشجاع الفارس الباسل المطاع، کافل الأرامیل (کذا)، البحثاوی عثمان بن إسماعیل، ثم کثیر الشدة، بن عودة بن خدة، ثم الطّود الشّامخ، الإکلیل الباذح البحثاوی علی ولد عدة، المزیل لکل غمرة و شدة، ثم الفارس الجواد الباسل، الخریر الکامل الواصل، الضرغام الجمیل، البحثاوی قدور الصغیر بن إسماعیل. و من الزمالة مدیر الأمور الوهرانی السید محمد ولد قدور.

البای محمد بن عثمان المقلش و حروبه مع الدرقاوی‌

ثم محمد بن محمد بن عثمان، الملقب بالمقلش و هو خامس بایات و هران، الذین نار بهم الوقت و طاب الزمان، کان انتقل مع أخیه عثمان إلی مدینة البلیدة کما سبق البیان، و أقام بها إلی أن قام ابن الشریف الدرقاوی علی (ص 250) مصطفی بن عبد اللّه المارّ و حاصره بوهران/ و لما رءا (کذا) أهل الجزائر عجزه عن دفاع العدو و خانه، عزلوه و خلیفته حسن و ولّوه فی مکانه لریاسته و شجاعته بالمیامنیة، و سعادة الوطن بولایة العثمانیة. تولی سنة عشرین و مائتین و ألف و هو
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 309
ابن ثمانیة عشر سنة علی ما قد قیل، و قیل غیر ذلک من الأقاویل و بقی فی الملک ثلاثة أعوام غیر کسر بالبیان. و لما أمره الباشا بالإتیان مع البرّ قال له أن ما بین الجزائر و وهران لا یسلکه حتی الذّبان، و کیف تأمرنی بالذهاب معه أیها الباشا، فالسالک معه لا شک أن أمره یتلاشا (کذا) فأرسله فی السفن فی البحر، و هو فی غایة الحزم و العزم و الصبر.
قال: و کان من خبره أنه لما قدم لوهران، وجد الدرقاوی محاصرا لها من کل جهة و مکان، و الناس فی ضیق شدید من طول الحصار، و انقطاع الأقوات البریة باستلاء العدو علی ضواحیها بالاشتهار، فکان طلوعه علی أهل البلد طلوع نجم سعید، یراصده رجل حکیم مفید، و قدومه علیهم صعدا، و ملاقاتهم إیاه فوزا و مجدا، یشمله قول الشاعر الحکیم الحاذق الماهر:
بشری فقد أنجز الإقبال ما وعداو کوکب المجد فی أفق السّما صعدا
و کان للبلد وقت ذلک خمسة أبواب ألفاها کلها مغلوقة، لا من یدخلها من أهل الضواحی و لا من یخرج منها من أهل البلد إلا بإذن و خلوقة، فأمر بفتحها و حاله فی عزم و شد و نادی المنادی من قبله أیها الناس من أراد الدخول و الخروج فلیدخل و لیخرج و لا حرج فی ذلک علی أحد، فتفسح الناس و انفرج المضیق و أمنت من حینه البراری و الطریق، و صار المسافر لا یحتاج إلی الرفیق، و هبت ریاح النصر و خفقت أعلامه و ضاق متسع العدو و أظلمت علیه لیاله (کذا) و أیامه، و سئم مکثه بالمحل الذی هو فیه و مقامه، و صار الحرب معه عند أهل البلد عیدا،/ و عدوهم بین أیدیهم صیدا متعددا و فریدا، و الدّرقاوی یعد جنوده (ص 251) کل یوم بفتح و هران، و هو مستحوذ علیه الشیطان، و یمنیهم بالأمانی الکاذبة، و یطمعهم بأقواله الجالبة، و یعدهم المواعید العرقوبیة، و یقاولهم بالأقاویل الکذوبیة، إلی أن جاءه شیخه من المغرب و حضر لمقاتلة و شدة الحرب، مع جیش تلمیذه فرءا (کذا) بالعیان، ما لا یقدر علیه بکلمة البهتان، و أزعجه قتال المخزن و ما فیه من الأعیان، بعد أن أمرهم بحمل الشواقیر و الفیسان و أنهم فی یومهم یدخلون و هران، و یصیرونها بالهدم و التخریب مغارات للفیران، فباء و شرذمته بغضب من اللّه، و لحقهم الضرر من المخزن ما لم یلحقهم من أحد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 310
بإذن اللّه، إلا أن الجاهل کل الجهل من یرید أن یحدث فی الوقت ما لم یحدثه اللّه، عالم الغیب و الشهادة و مقدر الشقاوة و السعادة، المعطی المانع، المعز المذل، الخافض الرافع. قال، و کان مع الدرقاوی من أعیان المخزن أبو القاسم ابن ونّان قائد الغرابة مطیعا له راکبا، فرءاه یوما و رجله ترتعد فی الرکاب ارتعادا شدیدا قد ارتعد لها جمیع جسده و المخزن علیه کالبا، و کان رجلا جسیما غلیظ القوائم طویل القامة بالطول الحایم، متسع الوجه مدوّره شدید البیاض کثیف اللحیة طویلها سریع الانقاض. فقرب منه و قال له ما هذا الخوف و الجزع، الذی اعتراک حتی حل بک الارتعاد و الفزع، و أنت فی هم و حیرة، و غم و سکرة، فقال له یا خالی أبا القاسم و اللّه لقد ذهب جمیع ما کان عندی من السر الذی جئت و أنا لمن أرذل الناس کالنایم، فقال له أن شیخک عما قریب یکون عندک، فتنتصر علی غیرک وحدک، فأجابه بأن الشی‌ء إذا ذهب لیس له رجوع، و لا یفید (ص 252) فیه الشیخ و لا غیره/ فی المسموع، فأیقن درقاوة من أنفسهم بالعجز و الخذلان، و أیسوا بحمد اللّه تعالی من فتح و هران. قال فی در الأعیان أولئک الطائفة حزب الشیطان ألا إن حزب الشیطان هم الخاسرون، و هؤلاء الدافعة هم حزب اللّه ألا إن حزب اللّه هم المفلحون الناصرون. قال فاتفق رأیهم علی الارتحال عنها برجف و خفق، لحصنها و شدة مخزنها و الذهاب عنها لغیرها من مدن الشرق، فأصبحوا ظاعنین و للعود لوهران لیسوا بطاعنین، و کان بالغرابة ولی من أولیاء اللّه الکاملین الواصلین الذین للسر حاملین، یقال له السید عبد القادر أبی عمامة، تلمیذ الضریر سیدی محمد أبی دیة کثیر الکرامة، و کان مأذونا له بالکلام فی أمور الکشف کشیخه الجلیل، و کان یسکن فی عبادته بغابة مولای إسماعیل. و لما تحرک الدرقاوی مشرقا، و أحواله باطلة و قلبه مخفقا، صار یقول هذا الولی بکلامه المشجع یا سیدی داوود، غیر هذه المرة و لا تعاود، یا سیدی مبارک، نوّض الجمل المبارک. و لما وصل الدرقاوی لمزارع سیق قرب سیدی داوود قامت علیه الغرابة مجتمعة للمیدان، و رایسهم (کذا) قایدهم أبو القاسم بن ونان یرومون منه أخذ الثار بما فعله بهم من قتل الرجال و النساء و الصبیان فتعرضوا له بالضرب و النهب، و القتل و السبی و العطب فنالوا منه بعض الإنالة و ابتدا (کذا) فی النقص بتلک الحالة. ثم لما وصل لسیدی مبارک قرب وادی هبرة، لقیته فرسان البرجیة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 311
مع ما انضم إلیهم من بنی شقران و صیروه غبرة، و قد تعرضوا له و هو سائر، و تکلم المدفع الرّبانی فیه من سیدی مبارک فی الدرقاوی الثائر، سمعه الغائب و شاهده الحاضر، فبصر اللّه البرجیة علی درقاوة، و هزموهم هزیمة شنیعة و أبدلوا سعادتهم بالشقاوة و أخذوا بظهورهم و أدبارهم/ و وضعوا البارود و السیف فی (ص 253) خیارهم و أشرارهم فکان یوما عظیما علی درقاوة، و غنم و قتل فیه من قتل و أسر من أسر و سبی من سبی و جرح، و حلت بهم الشقاوة و غنم منهم الحاضرون لهم من البرجیة و بنی شقران، غنائم کثیرة لیس لها حصران، لم یفتقر بعضهم بعدها قط و لا یری الخسران، فلله درّ فرسان البرجیة و من انضم إلیهم، حیث قاتلوهم و هزموهم و غنموهم و سلطوا علیهم، لقد أشفوا العلیل، و أبردوا الغلیل، و لم یقنعوا منهم بأخذ القلیل، بل ترکوهم حصیدا لکل لاقط من الکثیر و القلیل.
قال و فرّ الدرقاوی مفلولا فلة جلیلة فی شرذمة قلیلة، قاصدا لأهله و خاصته بالمعسکر فمنعه أهلها من الدخول، و تقبّضوا بأهله و أولاده و سائر الذین بها من درقاوة، و مکنوهم من القائد السید الحاج بالحضری بن إسماعیل البحثاوی فجعلهم فورا فی الکبول. و ذلک أن الدرقاوی کان سجنه کما مرّ مع سائر القواد، و ترکهم فی أرذل حالة علی رؤوس الأشهاد. و لمّا حلّ بالدرقاوی من البرجیة ما حل بسیدی مبارک، أخرج المعسکریون الحاج بالحضری من السجن بمن معه و حکّموه علیهم و مکنوه من أهل الدرقاوی و أولاده و سائر طائفته عند ذلک، و أعطوه السلاح فصار حکیما أمیرا، بعد أن کان مسجونا أسیرا، و فتک بدرقاوة ما بین القتل و الجرح و السّبی و الکبل، فتکا شدیدا، لا یکون له مثل، و المرء بما دان یدان، و الأیام متداولة بأحوالها من الخیر و الشر علی کل إنسان. قال تعالی:
وَ تِلْکَ الْأَیَّامُ نُداوِلُها بَیْنَ النَّاسِ. و قال صلی اللّه علیه و سلم: «یوم لک و یوم علیک». و قالت العرب: یوم سمین و یوم هزیل. و قال الشاعر من بحر الطویل:
/ ثمانیة تجری علی المرء کلّهاو کل امرء لا بدّ یلقی الثمانیة
(ص 254) سرور و حزن و اجتماع و فرقةو یسر و عسر ثم سقم و عافیة
ثم أن الدرقاوی لما منع من الدخول للمعسکر فات علی وجهه مع جموع الأحرار و سلّم فی أهله و أولاده و أصحابه و فرّ. قال و لما أتی الخبر للبای بتشتیت درقاوة قام من ساعته، و جمع أرباب دولته و أمرهم بالخروج لطلب الدرقاوی،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 312
و فتح ما یتیسّر له من البلاد بالفتح الحاوی فقال له من معه من الوزراء و السادات و الکبراء، أمهل بالخروج المعلوم، و اکتب لأهل الضواحی من المخزن بالقدوم، و لا تعاقب أحدا بما فعل و لا تکن منک له لائمة لأنهم لم یروا ذلک فارطا فظنوا عند الرؤیة أن لا تقوم لنا قائمة، فأساء اللّه ظنّهم، و خالفهم الدرقاوی بما منّهم فقال لهم رأیکم هو عین الصواب، و هو الذی یقع به الکتاب و أمر کتابه بمکاتبة ما أشار به أعیان المخزن، و قلبه مسرور لیس بمتحزن، ثم بعث للمعسکریین رسله لیأتوه بنساء الدرقاوی و أهله و ذخائره، فبمجرد الوصول بعثوهم له صحبة القائد الحاج بالحضری و أعیانهم ببشائره، فقدموا بهم علی البای بوهران بإظهار السرائر، فأرکبهم فی الفلک و بعثهم إلی الجزائر و طارت إلی کل مکان صحف البشائر.

ظهور الدرقاوی من جدید

ثم خرج نحو المعسکر فنزل بلد البرجیة و معه أخوه أحمد المغیار، و أقام بها أیاما ینتظر من کل جهة ورود الأخبار، فبینما هو کذلک إذ جاءه الخبر الطائر، بأنّ الدرقاوی جمع جیشا جلیلا من الصحرا (کذا) بموافقة مجاهر و بنی عامر، و أن مجاهرا عزموا علی الغارة علیک و صمموا بالمجی‌ء إلیک، فتحیّر و ضاق به (ص 255) المتسع/ و اشتد به القلق و الجزع، و الاضطراب و الفزع، و خشی أن الخرق علی الراقع یتسع، و نادی لندیمه الأدیب و رفیقه الحبیب، و مؤنسه و صاحب سره، المطلع فی جمیع الأحوال علی سعده و نحسه و خیره و شره، شبیه الحکیم الیونانی، اللبیب الخروبی القلعی السید محمد بن الجیلانی فلمّا أن حضر مجلسه أخبره بما سمعه و اقتبسه، فقال له أیها الأمیر المالک، اجمع أعیان مخزنک و استشرهم فی ذلک، لأن الرأی هم أهله، و الحرب هم صدره و أصله، فأحضرهم و أخبرهم بالخبر و کرّر لهم ذلک و حرّر، فاختلف أمرهم فی الرأی بالجواب، فبعضهم قال بالرجوع لوهران و غلق الأبواب و أهل الجزائر یدفعون عن أوطانهم لعدم الطاقة عن دفع العدو و أقرانهم، و بعضهم قال غیر ذلک، إلی أن سمع البای رأی الجمیع بما هنالک. و کان الفارس الهمام، و الأسد الضرغام و البطل الشجاع، و الصندید المطاع، الذی للغیظ کظّام، النّافع لمن انضم إلیه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 313
من الأنام کافل الیتامی و الرامل، و قامع الشجعان البواسل من أسعده اللّه و أسعد به البلاد، و أقامه لنفود مصالح العباد، القائد الأنجد، الفاضل الأمجد، الجواد الأسعد، المخزومی الأوکد سمط عقدة أبو مدین السید قدور الصغیر بن إسماعیل البحثاوی ءاغة، مکّن اللّه من الجنّة إن شاء اللّه وصله و بلاغه، حاضرا ساکتا، و عارفا بالرأی و صامتا، فلما رءا (کذا) الاختلاف و عدم ما یحصل به الإتلاف قال له یا سیدی الذی أشیر به علیک لا بدّ لنا من لقاء العدو لا محالة و لا تضرنا کثرته فإنهم حثالة الحثالة، بمنزلة الضباب أو النخالة، فلا یهوّلنک هذا الأمر، و لا تکن منه فی قلق و عسر، فما خرجنا إلّا لنلقوا مالا/ نحبّه، و عدونا إن شاء اللّه علی أم (ص 256) رأسه نکبّه، و الصبر مفتاح الفرج، و مزیل للجزع و الهرج و لا یدرک المجد إلا بالصبر و لا یحصل الظفر بالعدو إلّا بعد أکل الصّبر، لقول الشاعر، المفید بالوعظ الماهر:
لا تحسب المجد تمرا أنت ءاکله‌لن تبلغ المجد حتی تلعق الصّبرا
و الحکماء یقولون فاز بالّلذات الجسور، و بالصبر یتمیز الأمر من المأمور، و من یرید العسل، یصبر لجنی النحل، و من طلب المعالی سهر اللیالی. و أنت أیها الملک إنما بعثک أهل الجزائر لتفتح لهم الوطن، فلا تخیّب لهم فیک الظن و تمهّد لهم البلاد، و تدوخ لهم الأبطال الشداد، فلا تخیّب لهم رأیا أصابوه فیک، و لا تکسّر لهم قلبا یسرّ حین یوافیک فإنهم علی غیرک اختاروک، و أنت أولی بذلک لمّا اختاروک، و إیاک أن تکون کمن فی أول غزاته (کذا) انکسرت قناته و انفصمت أوثق عراته، حتی تکالبت علیه العدا، و طمعت فی أکله الرخام و الحدا، و أنّ هؤلاء الأعراب لا یخفی علینا حالهم و ما لدیهم کما لا یخفی حالنا علیهم، فلا رجوع لنا عن تدویخهم إلّا إذا متنا عن ءاخرنا، و یکون النصر لنا علیهم بانتصار ءامرنا (کذا) و قد جمع اللّه شملنا بعد ما فرّقه الدرقاوی، فصار المخزن کحاله المضاوی. و الرأی المتین الرجیح (کذا) أن تبعث من أعیان المخزن من یکشف لنا عن حال بنی عامر و ما هم علیه و یأتوک بالخبر الصحیح، کما تبعث لکبراء الحشم و البرجیة الجبلیة بغیر تراوی. یجتمعون بکلهم و یلقون الدرقاوی، و نحن نکونوا (کذا) فی مقابلة مجاهر بقوة و شدة و وحدة، و نحاربوا (کذا) بحول اللّه و قوته لکل واحد وحده، و یکون النصر لنا لا علینا بانتقاد، لأننا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 314
(ص 257) نریدوا (کذا) الصلاح و هم یریدون/ الفساد، فهم فرقة باغیة زاحفة فی هذا الأمر، فوقع الاتفاق علی هذا الأمر. قال فظهر أمر بنی عامر کذبا، و اجتمع الحشم و البرجیة کما أمرهم فورا و قربا، و لقوا الدرقاوی فهزموه بعد الحروب الکثیرة الصحاحی، و اطردوه عن سائر تلک النواحی، و قدم مجاهر إلی بلد البرجیة فأثخنوا فیها بالنهبیة و اشتغلوا بحوص الحب و نقله من المطامیر، و هم فی حالهم بغیر ناه و لا أوامیر (کذا). و لما سمع البای بما لدیهم أمر مخزنه بالرکوب إلیهم، فامتثلوا أمره و شنّوا الغارة علیهم، فلم یک (کذا) إلّا قلیل فی قتلهم، و إذا بالمخزن قطع نحو التسعین رأسا منهم و فرّ الباقون لمحلهم.
ثم رحل البای فی صبیحة الغد، و نزل بطرف البرجیة بینهم و بین مجاهر فی الحدّ، ثم رحل من الغد بقصد بلد مجاهر فلقوه بالضریویة و حاربوه ساعة، فهزمهم بعد ما مات من الفریقین کثیر و نجوا سراعة، و نزل بماسرة، و أقام بها أیاما، یدبر أمورهم جلوسا و قیاما، فبینما هو فی تلک الحالة، إذا بمجاهر اجتمعوا و جاؤه رجّالة و خیّالة، و غاروا علی محلته وقت الصباح غفلة و دارت جنودهم بالمحلة و جالت جولة فخرج المخزن إلیهم خروج الیقین، و تزاحفت الصفوف لبعضها بعضا و اشتدّ الطنین، فلم یکن غیر ساعة إلا و مجاهر ولوا الأدبار بحالة المنهزمین، و مات من الفریقین خلق کثیر، و عدد حصره عسیر، و کان من جملة من مات من المخزن القائد المشهور، الفارس الذی عند الناس مذکور، الصندید المکین، الزمالی السید عدة بن محی الدین. ثم ارتحل البای صبیحة غدا و نزل ببلاد مجاهر، أهل الضلالة و المناکر، و زاد فی الغد لوادی مینا و به نزل (ص 258) و راغ، فأتته به جموع مخزن الشرق بالمسیرة و من الرعایا/ جماعة بنی أوراغ، ثم ارتحل و صعد مع وادی مینا إلی أن نزل بالواد المالح و أقام بها أیاما و قلبه مطمئن فارح. فبینما هو هنالک بین الیقظة و النعاس، إذا بالدرقاوی بجمعه قصد المحلة علی غفلة من الناس، فنادی المنادی بأفصح الخطاب، علیکم بالرکاب إلی کاب، ففزع الناس لذلک و حکی کل لصاحبه بما هنالک و رکبوا خیولهم و خرجوا من المحلة ینظرون غیولهم و خرجت عساکر الأتراک کأنها اللیوث العوابس، فهم أسود بنی آدم بزماننا، و جالت الفوارس، و حصل الحرب خارج المحلة، و کثر العیاط بین الناس بغیر القلّة و تزاحفت لبعضها بعضا الصفوف،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 315
و العدوّ فی العدد ألوف الألوف. قال فلم یکن غیر ساعة و إذا بالدرقاوی بجیوشه قائم شارد، و للنجات (کذا) سائل و نائد و أظلم الجو الغبار، و تکادر الأمر و کبر النهار، و غضبت فرسان المخزن و صارت حائمة کأنها الطیور، تخوض بین أسراب الزرزور، فلا تری فی جیش الدرقاوی إلّا القتیل و المأسور، و المسلوب من الباس، و المقطوع الأعضاء و الراس، و زادوا فی الحملة إلی قرب قریة الولی الکبیر الغوث القطب الشهیر، ذی المناقب المعدودة، سیدی محمد بن عودة، فرجع المخزن بعد ذلک عنهم، و قلوبهم شائقة إلی الظفر بهم و الغنیمة منهم. ثم رحل البای فی صبیحة غد متوجها للقریة المذکورة ذات المسالک فی طلب الدرقاوی و نزل بموضع هناک، ثم زحف للقریة بجنود لا قبل لهم فی حالة القتال، و کان بالقریة أمم لا تحصی فلم تغن شیئا حالة النّزال، و دخلتها العساکر و جالوا فیها و جاسوا ما لها من الحلال، و أخذوا فی السبی و القتل و أخذ الأموال.
قال/ صاحب در الأعیان و إنی رأیت امرأة مقطوعا رأسها کسائر الرجال، و لم ینج (ص 259) إلّا من فرّ و لجأ لضریح سیدی محمد المشار إلیه بالإجلال، لکون البای أوصی باحترامه و عدم التعرض لمن لجأ إلیه بحال من الأحوال. ثم رکزت الأتراک سناجقها لدی الضریح، و شرعت فی القتل و النهب و السبی و الجریح، إلی أن فرغت من ذلک فی المأثور، فرجعت لزیارة الولی المذکور، قال و لقد أخبرنی من أثق به أنهم قدّموا قبل الزیارة صدقة تنیّف علی المائتی ریال دراهم، و بعد ذلک علی الزیارة حصل التداهم، قال و أما المخزن فإنهم لقوا جموع درقاوة خارجا من القریة و هم فی عددهم ألفیة، فقاتلوهم قتالا شدیدا إلی أن جرح الأکثر من الکبراء و الرؤساء فی القول الأشهر، و کان النصر لهم علی درقاوة کوقوع الدائرة علیهم، فهزموهم عظیما و اطرحهم من تلک الناحیة من غیر ملتفت إلیهم. و لما افترق الحرب أمر البای بجمع الرؤوس فجمعت، و بین یدیه وضعت. قال فی در الأعیان و لقد رأیت الجندی یأتی بالثلاثة و الأربعة رؤوس بالعیانة فیضعها بین یدی البای کما یضع البصل بالإهانة. و منهم من یأتی بالواحد و الاثنین، کل علی حسب ما رزق من القطع بدون مین، و لما جمعت الرؤوس بعثها البای لمدینة المعسکر مع بشائر الظفر و النصر.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 316

ظهور الدرقاوی مرة أخری‌

ثم ارتحل فی أثر ذلک و ألویة النصر تلوح علیه التزاما، قاصدا المعسکر إلی أن دخلها و مکث بها أیاما. ثم أتاه الخبر المتفانن، بأن خلیفة الدرقاوی بجموعه نزل بلد بنی مریانن، فذهب لطلبه و حصل بینه و بینه القتال الذریع، (ص 260) و الحرب المترادف الشّنیع، فکان/ ذلک الیوم من مشاهیر الأیام، سعد فیه الشجاع و خسر اللئام (کذا) قد أتی فیه للبای المنصور، بسلاح و لباس و فرس الخلیفة المذکور، و انجرح فیه من أعیان المخزن و کبرائه و أهل مشورة الملک و وزرائه، قطب رحاه، و شمس ضحاه، و أساس مبناه، و إتمام معناه و أکمل جوائزه، و أشد رکائزه، الفارس الباسل، الصندید الفاضل، الشجاع الرایق الکامل فی الخصال الفایق، ءاغته و کثیر جولته، و قائده، و سیف دولته، العری من جمیع المساوی ءاغة السید قدور الصغیر بن إسماعیل البحثاوی، فلم یزده جرحه إلّا تقدّما، و لعدوّه إلّا تعبّسا و لصدیقه إلّا تبسّما، فلقد صال علی العدو کالکاسد و فعله کالرایح، و مدحه صاحب درّ الأعیان، و صاحب أنیس الغریب و المسافر بأبیات. فما قاله صاحب درّ الأعیان ذهب عن حفظی. و ما فی الأنیس خذه، بإثبات:
جزی اللّه جلّ الناصر بالبواترقدور بن إسماعیل رایس الدوایر
لحزب الأتراک فی جمیع المعارک‌فإنّه لیث الحرب لیس بغادر
تراه إذا حام الوطیس مقدّمالقتل العدوّ الوارد ثم الصادر
و لا یولّی الأدبار و لو تراکمت‌علیه العدا و لا یخاف من ضایر
کمی شجاع شهم الحرب یوم الوغاو کم له من حزم علی العدا ظاهر
و کم له من کرّ و لیس له فرّو کم له من طعن و قطع الحناجر
و کم له من وصل علی العدا دایم‌و کم له من فخر علی کل فاخر
و کم له من دفع لکل مزاجف‌یردّه أعقابا مولی للأدابر
(ص 261)/ و فی بنی مزیانن زادت شجاعته‌فکرّ علی الأعدا بغیظ مواتر
و زاد اندفاعا لمّا رأی رأس العداخلیفة ابن الشریف بالقرب حایر
یحاول قبضه و هو فی شهامةفحلت به الجراح ذا العزّ الباهر
فلم یلتفت لها و زاد فی حمله‌إلی أن نجا العدو بین الحوافر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 317 و خلّ فرسه سلاحه لبسه‌فأتی به اللیث لبای الأکابر
و دمه مهطل و هو غیر جازع‌فغمّ له البای و صار کالحایر
فقال له الفهد علی رؤس الملاإننی لفی خیر من کلّ المضائر
فسرّ به البای و عزّ جنابه‌و أدناه منزلا فی کل الأوامر
فلا غرو أنّ اللّه زاده رفعةو خیرا و إحسانا و کل البشائر
فلا تلد اللیوث إلّا الضراغم‌و لا تلد الفهود سوی القساور
و لا تأتی الصقور إلّا بمثلهاو لا تلد البزات سوی الأصاعر
فبیت هذا اللیث الزعیم بقوةفإنّها أعلا من بیوت الأکابر
قال، ثم إنّ البای رحل من مکانه للعمائر، و نزل بلد أولاد سلیمان أحد بطون بنی عامر. و رحل من الغد و نزل بالمبطوح ربضا، ثم ارتحل و نزل بثنیة مأخوخ بلد أولاد علی أحد بطون بنی عامر أیضا. و قد اجتمع بنو عامر بجمعهم الغاوی، و جیشوا ببلد أولاد الزایر مع الدرقاوی، یرومون لقاء البای، و ما ذاک إلّا من تلف الرأی، و البای فی قلبه شی‌ء کبیر و غم عسیر، مما هم فیه القرغلان، المستقرون بتلمسان، حیث ضاق علیهم الحال، حتی عدموا القوت و المال، و طاش لهم اللّبّ و البال، بمنازلة العدو علیهم و لا یفارقهم بالغدوّ و الآصال، و رسلهم تتعاقب علی البای بأنهم فی النکال، و نزل بهم السخط و الوبال و لا لهم طاقة لما هم فیه علی القتال، و افترق التلمسانیون علی فرقتین: قرغلیة، و حضر، بغیر مین، و شعلت بینهما نار الحرب فی البلد، و طالت و اتصلت علی الوالد و الولد، و هم فی أشدّ عذاب و نکول، و لسان حالهم ینشد و یقول، ما هو فی الأنیس منقول، أبیاتا من المتقارب دالة علی الإضاعة و التعاطب:
/ إن لم تدرکونا عزما عاجلافاقطعوا لا ریب منّا الإیاس
(ص 262) فالزّاد جمیعه قد انقضاو مات کثیر من جملة النّاس
و الحرب تدور فی کل یوم‌و الجوع قد ضرّ بأکثر الناس
فلا صدیق و معین لناسوی اللّه جلّ علا ربّ الناس
و لا تحویل و فرار لنایقینا عن جانبکم یا أناس
ألا فادرکونا فورا عاجلامن قبل دخولنا إلی الأرماس
فالحرب علینا و لیس لناو نحن بها فی أشدّ نقاس
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 318 و الجوع جری علینا و طغاو جاز بنا حدّا فوق القیاس
و ما هو فی درّ الأعیان مذکور، و محرر و مشهور:
ألّا فادرکونا و إلّا فلم‌تجدوا منّا بحیاة فتی
فقوتنا قد نفدت ضرراخزاینه مذ عدوّ أتی
و حرب عظیم یری أبداإلی أین تبدو لنا أو متی
قال و لما بلغه خبر بنی عامر و الدرقاوی، و أنه یقول لهم أنه هو طبیبهم من علة الترک و لها مداوی، أقام بموضعه أیاما إلی أن جمع آلات حربه و سادات حزبه، و اعتمد علی طعنه للعدو و ضربه، بباروده و مدافعه الشعالة، فرحل نحوهم و نزل تاسّالة، ثم رحل من الغد و فرسه ثائر، یرید واد الحد ببلد أولاد الزائر، و عیونه ذاهبة و راجعة بأخبار الدرقاوی الزعلوک، کما هو شأن أولی الحزم و العزم من الملوک، إلی أن تحقق بأن بالوادی المذکور الأعراب، یریدون لقاءه، بزیاداتهم أمامهم للانتخاب، و هی هوادج توضع علی بوازل الجمال، و بداخلها نساء یولولن بین صفوف الحرب حال القتال، تزعم العرب أن ذلک یشجع الجبان، و یزید فی زعامة الشجعان، و ذلک دأب العرب مع بعضها بعضا لا مع المخزن فی القتال أیضا، لأن عادة المخزن المعهودة، و القاعدة المحررة الموجودة أنّ الزعامة و الشجاعة لا تبطل علی الرجال مدة الزمان، و أنه بمجرد (ص 263) درایته للعدوّ و یصدمه کائنا ما کان، فوقف البای بعد/ الخبر ساعة یحرض عساکره و مخزنه، و یثنی علیهم و یشکرهم و ما همه ذلک و لا أوهنه، و یقول لهم لم یبق لنا إلّا هذا الیوم الکبیر الذی نحن متقدمون له، فعلیکم بالصبر و الثبات و لا یصیب الإنسان إلا ما کتب له. قال ثم زحف للعدو أیضا و انضمت الناس لبعضها بعضا، و انحاز کل حزب لحزبه، و تزایدت جیوشه لقتل من بعد عنه و من بقربه، و أشرف المخزن علی العدو من ثنیة هناک، فألفی مقدمة بنی عامر راجلة معسکرة مشبهة بعساکر الأتراک، بمثابة من شبه البطة بالطیر، و ساقطة اللبن بذات الضیر، و لما تراء الجمعان و انتهت الأمال، و بعدت الحیرة و قربت الموت و حضرت الأجال، أنشد المنشد بلسان الحال، هذه الأبیات، و قالها علی التوال:
أیا عسکر الأعراب غرکم جمعکم‌فسوف تروا ماذا بکم قد یصیر
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 319 فالموت ها هی أتت إلیکم بالعجل‌من قوم عادت منها الروس تطیر
فتبّا لکم أنتم و ذل علیکم‌برأی خسیس خاب رأی عسیر
و هذا یوم الفراق حان مجیئه (کذا)و البین غرابه نادی أنت کبیر
و لکن أمر اللّه لیس له ردّو حین القضا یأتی فیعمی البصیر
هذا قول صاحب الأنیس، و قال صاحب در الأعیان بالتأسیس:
أیا عسکر الأعراب تب جمیعکم‌و سوف تروا ماذا بکم سیصیر
فلا تعجلوا للموت ها هی دونکم‌غدات اللقا منها الرؤس تطیر
فتبّ أمرؤ أغرّ افتراؤه جمعکم‌و بیس فصوب الرأی منه عسیر
فیوم الفراق الآن حان مجیئه‌و نادی غراب البین یوم کبیر
و لکن أمر اللّه لا مردّ له‌فیعمی المرء فیه و هو بصیر
قال و لما تلاقی المخزن و الأعراب صال علیهم صولة جامدة، و مال علیهم میلة واحدة و حمل علیهم حملة قویة، و زاد علیهم فیها بقوّته الکلیة، و صار شعاره الموت الموت، أدرکوهم أدرکوهم قبل الفوت، فأول المخزن نال بعض الضرب و آخره لم یجد محلا للضرب، و ترادفت علی الأعراب الأمکار، و أظلم/ الجو (ص 264) بالغبار، و حل بهم العمی و کبر النهار، و دخلوا فی شبکة الهلاک، و لم یجدوا سبیلا إلی السلاک، فما لبثوا غیر ساعة من النهار، إلا و عسکرهم فرّ و ولّی الأدبار، و أخذ عسکر البای ظهورهم بالقتل و النهب و الأسر و الغصب، و لم ینج منهم إلّا من نجاه اللّه، و أطال له العمر و عافاه، و غرّتهم المواعد العرقوبیة، فتشتتوا (کذا) علی و لهاصة و غیرها، و فرّ الدرقاوی فی شرذمة قلیلة للیعقوبیة، و لم یطق علی حمل خیمته منه إلّا الشجاع، و مع ذلک قلبه و اجل مفزاع، و نزل البای فی الوادی المذکور و لاح علیه الفرح و السرور بتشتیت تلک الأمم، و شدة ثبات مخزنه الأفخم، و جمعت لدیه الرؤس المقطوعة فی ذلک الیوم من درقاوة و بنی عامر فکانت ستمائة و بعثها کلها للجزائر. قال و یحکی من حضر لذلک أن الجندی الواحد یتقبّض علی الخمسة و الستة رجال، و یأمرهم بقتل بعضهم بعضا إلی الآخر منهم فیقتله و یأتی برؤوسهم للبای المفضال و ربما قال الجندی لأسیره اصبر للموت أو ما مت قط و أحوالهم کثیرة.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 320
و قصة ذلک الیوم مشهورة کبیرة، نسئل (کذا) اللّه السلامة و العافیة المطاعة، و الانقیاد بالأتباع إلی ما اتفق علیه أمر الجماعة.
ثم ارتحل البای فی صبیحة الغد متوجها لتلمسان، و هو فی فرح و سرور بمخزنه و به صار فی أمن و أمان، و جدّ السیر إلی أن نزل بساحتها المتغلیة، فأتاه قائدها مع کبراء القرغلیة، و قصوا علیه مکابدة الأهوال، و إساءة الحال، و غلب الرجال، و سطوة الأغوال، و الکل علی باله، و مطرق بمسمعه و حاله، فأجابهم بکلام السیاسة و خاطبهم بخطاب الریاسة، قائلا لا یضرکم الأمر العسیر، فإن اللّه تعالی قال فی کتابه العزیز، و هو علی جمعهم إذا یشاء قدیر، و أن اللّه تعالی هو الفاعل المختار، و کل شی‌ء یجری علی العبد فهو مقدّر علیه فی سابق علم اللّه و یبرز بالمقدار، و هذا أمر مقدّر لا محید عنه من عاص أو مطیع؛ و سیفرج اللّه تعالی بمنّه علی الجمیع، و أنشد لسان حاله، أبیات الشعراء التی تغنیهم عن مقاله:
إذا کان عون اللّه للمرء خادماتهیّأ له من کل صعب مراده
و إن لم یکن عون من اللّه للفتی‌فأکثر ما یجنی علیه اجتهاده
(ص 265)/ و قول الآخر:
إذا لم یعنک اللّه فیما تریده‌فلیس لمخلوق علیه سبیل
و إن هو لم یرشدک فی کل مسلک‌ضللت و لو أنّ السماک دلیل
و قول الآخر:
إذا أعانتک الأیام فارقد لهاو اشعل إذا شئت فی الماء نارا
و إذا خانتک الأیام فلا تتعب‌فتعبک فی الدنیا إلّا خسارا
و قول الآخر:
إذا أعطیت السعادة لم تبل‌و لو نظرت شزرا إلیک القبائل
لقتک علی أکتاف أبطالها القناو هابتک فی أغمادهن المناصل
و إن شدت الأعداء نحوک أسهمانص علی أعقابهن المحافل
ثم أنه أعطی الأمان لکبراء الحضر، و أرسل إلیهم لیأتوه و لا یخشوا من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 321
الضرر، فأتاه جماعة الحضریة، و أصلح بینهم و بین القرغلیة، و ألّف بینهما تألیف المودّة الدائمة، و الصحبة و المحبة اللازمة و أوصاهما أن یکونا إخوانا، و علی الطاعة و الدین أعوانا، و دخل البلد و أقام بها أیاما، و الناس فی فرح و بطاعته قیاما.
ثم ارتحل راجعا إلی وهران، و معه صهره قائد تلمسان، و هو أبو الحسن علی قارة باغلی متنقلا بأهله انتقال من لا یولی، و صار یجدّ السیر و أعلام النصر تخفق علی رأسه و تحیات البشری توضع علی رأسه رائما محل أنسه، إلی أن دخل وهران مبرورا، و سالما مأجورا و فارحا مسرورا، و لسان حاله ینشد شعرا مأثورا:
فتح الفتوح و ءاب أوبة ظافرباللّه کان رحیله و إیابه
یلقی العداة و لا یملّ لقاءهافکأنما أهواؤه أحبّاؤه
قال فدخل و هران و أقام بها نحو الشهر إلی أن استراح، و اطمینت (کذا) نفسه و ضحک و لعب و ارتاح، ثم صار مهمی (کذا) سمع بالدرقاوی بجموعه، إلّا قصده و فضّ جمعه و صیره فی قموعه، و شتت شمله و أجلاه، و من المحل أطرده و أخلاه فأذلّ الأعراب و دوخهم و مقتهم و وبّخهم، و أخلا بعض البلدان حتی من المسافر/ و أجلا (کذا) عنها أهلها کبنی عامر فإنهم ذهبوا و ترکوا بلادهم خاویة (ص 266) قفرا، و زهرهم غبرا، و للطیور و کرا، لا یلقی فیها سالکها أنسا و لا أنیسا و لا یجد بها حسا و لا حسیسا، إلّا البوم و الذئاب، تعوی فیها لیلا و نهارا. و هی خراب.
و أکثر ما یلبی بها فی کل حین نعق الغراب، و غراب البین ینادی فی کل حین بکثرة الذهاب، و افترقوا علی أماکن المغرب، ما بین فاس و غیره من المبعد و المقرّب. و لم یرجعوا إلّا فی تولیة أبی کابوس محمد بن عثمان. و به حصلت لهم الراحة و الأمان. و لما استراح البای و قلبه قد اطمأن، و فاز بالسعادة فلم یکن من أهل الوهن و الجبن، جمع جیشا عظیما و جندا عرمرما جسیما، و بادر به لغزو مجاهر، لأنهم فی السابق أخذوا محلة الخلیفة حسن و قتلوا رؤساءها و أعیانها المشاهر. فضلا عن غیرهم من الجیش و الأتراک، الذین یکون بهم الدفع و یقع الإدراک، و هی واقعة مشهورة، و قصة کبیرة مذکورة، محررة فی کتاب درء
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 322
الشقاوة، فی حروب الترک مع درقاوة، لأدیب عصره و فرید وقته و دره، الشبیه فی أدبه بالبارع أبی نواس، المؤلف العلامة الحافظ محمد أبی راس، فلا نأتی بها لطولها و شهرتها و تحقیقها فی رسوم جفرتها، و من أرادها فعلیه بالکتاب المذکور، للحافظ القدوة المزبور. فخرج لهم من وهران بالأمم الکثیرة، و الجیوش العدیدة الغزیرة و قد بلغ لهم الخبر، بأن البای غازیا علیهم لیقطع الدابر و الأثر، فبعثوا للدرقاوی علی المدد بأنواع الشدائد، فبعث لهم خلیفته الفارس بن المجاهد، و کان بطلا شجاعا شدید الرأی و القساوة، قلّ مثله فی طائفة درقاوة لکونه تربی فی المخزن و أخذ ببعض قوته، و صبره و شجاعته، و شدته، و زاد البای فی سیره إلی أن دخل بلدهم الذی هم فیه، و قد انحاز مجاهر بأسرهم لواد الرمال و اجتمعوا فیه، فطلبهم الباقی فیه و حملت عساکره علیهم حملة واحدة ففرّوا منها و لقیهم البحر و أثخن فیهم المخزن بالقتل إلی أن رجعت دماؤهم سائلة بعد أن کانت جامدة، و اشتد بهم القتل من ورائهم و أثخن فیهم إثخانا شدیدا لا طاقة لأحد علی إحصائه، (ص 267) و دام علیهم إلی أن وصل دم قتلاهم للبحر فعلا علیه/ و اختلط بمائه، و أفناهم إفناء عظیما أذعنوا به للطاعة و لا ملجأ لهم من أمامهم، فکان هذا الیوم من أنحس الأیام علیهم و من شرور أیامهم، فأفناهم و رجع سالما و مسرورا بجنوده سرورا دائما، و لمال عدوّه غانما.

ظهور بالحرش مع الدرقاوی فی غریس‌

ثم استقر بوهران أیاما قلائل، و قد جمع اللّه له الأحوال و الشمائل و جمع جیشا عظیما و خرج به لتدویخ المشرق فأتته الناس طائعة مذعنین له و لأوامره و نواهیه سامعة، و لا زال سائرا إلی أن نزل بأبی خرشفة أسفل ملیانة فأتاه هنالک الطائع و الداوی، فبینما هو کذلک إذا بالخبر بلغه بقدوم الدرقاوی، و أنه حلّ من غریس بأرض عین السدرة، و معه درقاوة بنجوعها و نسائها و أولادها و جمیع مالها ظاعنة معه بالقوة و القدرة، و قد جالوا غریسا و جاسوا خلاله فأفسدوا زرعه و احتطبوا جنّته و بساتنه، و غیروا مرونقه و مواطنه و هم کالجراد المنتشر، و لم یبق لهم إلا القلیل لدخول المعسکر، و جاءه أهل غریس بذلک الخبر، و ترددوا علیه المرّة بعد المرة بعد الأخری علی ما للراوی، محرضین له علی القدوم إلیهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 323
لیخلصهم بجیشه المنصور من الظالم الدرقاوی فرکب عند ذلک عجلا و سار حثیثا، و سأل من مولاه جل جلاله أن یکون له ناصرا و مغیثا، إلی أن وصل لذلک الموضع الذی به الدرقاوی علی التحقیق. و کان السید أحمد بن الأحرش قدم فی ذلک الیوم من المشرق علی درقاوة فحصل لهم به الفرح و السرور و علموا أنه هو المعین الرفیق. فقسّم البای جیشه ثلاثا بلا مین، و جعله قلبا و جناحین، فالجناح الأیمن جعل فیه باختراعه أعیان الزمالة و أتباعهم و الحشم بأحکام الأوامر، و أمرهم أن یکونوا فی مقابلة جیش بنی عامر، و الجناح الأیسر جعل فیه الخلیفة بجیشه و البرجیة الدارئین (کذا) للمساوی و أمرهم أن یکونوا فی مقابلة الدرقاوی، و القلب استقر فیه هو و أعیان الدوائر و أتباعهم و عساکر الأتراک و أصحاب المدافع، فکانوا فی مقابلة عامة العامة من غیر منازع، و لما تراء الجمعان و جاء الوطیس تزاحفت لبعضها بعضا الصفوف و کان الدرقاوی فی ألوف الألوف، فاشتد القتال و حام الوطیس، و فقد المألوف و الأنیس، و کثر الصیاح/ (ص 268) و الحسّ و الحسیس، و أظلم الجو بالغبار، و عظمت فیه المصیبة و کبر النهار.
فبینما الناس فی تلک الشدائد، و إذا بالجناح الأیسر قام علی ساق واحد، و صبر رجال البرجیة صبر الکرام، و اشتدّ ضربهم بالبنادق و الحسام، و تذکروا صبر أسلافهم و ما کانوا علیه من ضرب الحسام، و قالوا: فی مثل هذا الیوم تظهر الشجاع من اللئام (کذا)، إلی أن ذاق أربعة من کبرائهم کأس الحمام، أحدهم الصندید مصطفی بن المخفی، والد الشجاع ءاغة قدور بالمخفی، و الثلاثة أبناء عمه الأماجد، و داموا علی ذلک إلی أن قام درقاوة علی ساق واحد، فانهزموا هزیمة کبیرة، تقشعوا فیها تقشع الغمام إذا طلعت فیه شمس منیرة، و رکب المخزن عند ذلک ظهورهم و غنمهم و نال دخورهم، و لا زال یقتل و یأسّر (کذا) و یسبی إلی وقت الظهر و درقاوة قلّوا، بعد ما کلت الناس من قتلهم وملوا، فبقیت نجوعهم علی حالها بید المخزن فأخذ أموالهم و سبا (کذا) نساءهم و أولادهم و قتل رجالهم، فاضمحلوا من ذلک الیوم و فشل ریحهم، و تلاشوا و بطل ریحهم و خاب سعیهم و نجیحهم. قال و لولا فرسان البرجیة و رجالهم الکرام فی تلک الواقعة لکانت الدائرة علی المخزن بالجمع و التمام، و لمّا رءا (کذا) الدوائر (کذا) صبر البرجیة و موت کبرائهم، و قد ذهبت الناس فارّة إلی ورائهم، تقدموا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 324
للقتال و قالوا للبای لا یحلّ لنا البقاء من ورائهم، إذ لا طاقة لنا بعد موت الإخوان، و لا صبر لنا علی مفارقة الأقران، و قاتلوا شدیدا، و طعنوا العدو طعنا عتیدا، فسبحان من یجعل الخذلان فی العدد الکثیر العرمرام و النصر بالأقل فهو المالک العلّام. فرجع البای بجیشه منصورا، و أعلامه تخفق عزا و سرورا، و دخل لوهران و جمعه موقر محترم، و أیامه مقبلة و شمله منتظم، و مکث بها أیاما یسیرة، فی راحة و نعمة کثیرة.

عودة الدرقاوی للظهور

ثم سمع بالدرقاوی قد جیّش جیوشا قویة، و أنه نازل بجدیویة فجمع عساکره المنصورة، و جیوشه المؤیدة المبرورة و خرج له من إیوانه بالبحور الزواخر، و بالرجال السادات الکرام الزواجر، الذین یقدمون الموت و یؤخرون (ص 269) الحیاة، و عند الشدة و الضیق/ یحصل بهم الفرج و الاتساع و تکون النجاة و أسرع لقتاله، طالبا لمحاربته و نزاله إلی أن وصل للموضع المسمی بأجدیویة، و قاتله و حاصره إلی أن أتی المخزن علی عامة درقاوة فی الأقاویل المرویة و قد أفنی مخزنه عامة درقاوة، و صیرهم للضّلالة و الشّقاوة، و خمدت شوکة باقیهم و فاز بالغنیمة لاقیهم قتل فی ذلک الیوم نحو ألف درقاوی، و بقیت المحلة بما فیها فی ید البای و مخزنه و غنم مال أهل المساوی و رجع لوهران فارحا بالغنیمة العظیمة، و قتله للعدو المقتلة الجسیمة فاستقرّ بها و استراح، و حصل له الانطراب و الانشراح، و بقی علی ذلک أیاما عدیدة، و لیالی مدیدة فی سرور و نخو، و لعب و لهو، فبینما هو فی إیوانه مع أرباب دولته جالس، و مستیقظ لأموره و لیس عنها غافل و لا ناعس، إذ جاءه الخبر بأن الدرقاوی بتافنة فی جیش جدید، کأنه البحر المدید و الجراد المنتشر، مغطیا السهل و الوعر، و هو الرجل المنفش المسمی بأحمد بن الأحرش، و معه أمة من الطلبة، سالکین معه اقتحام العقبة، لما شاهدوا عنده علوم الخنقطرة، و الشعوذة المنفطرة، ظنا منهم أن ذلک من الأسرار الإلهیة، و لم یعلموا أنها من الأمور السحریة الواهیة، فخرج له فورا بعساکره و مخزنه المبرور، الفائزین بالسعی المشکور، و أسرع فی سیره و أردف المراحل، سائلا من مولاه الإعانة فی المقاصد و السوائل، إلی أن بلغه بوادی تافنة، و أطلق
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 325
علیه سرعة بجنوده الظاهدة و الکامنة و أثخن فیه بالقتل، و النهب و الأسر و النکل، إلی أن مات من الطلبة أمة، و ذهب الدرقاوی مفلولا فی أشدّ غمّة، مذمورا مدحوضا، مدحورا مفضوضا، و قد أتی المخزن علی جلّ محلته الجسیمة، فغنمها و رجع البای لوهران فارحا مسرورا بتلک الغنیمة فجلس بها أیاما للراحة طالبا من مولاه امتداد المساحة. قال فبینما هو جالس بإیوانه فی المنادمة مع أرباب دولته أهل الفخر و الاستقامة، و الأخذ من العدو الثأر و الجلب للسلامة، إذ بادره الخبر بأن الدرقاوی بجیوشه نازلا بالتّوتة من واد العبد، فخرج/ له عجلا (ص 270) فی جیشه بالأزواج و الفرد، و اجتمع به فی تلک الناحیة، و قاتله قتالا شدیدا فی تلک الضاحیة إلی أن بدّد شمله و مزّقه، و دمّره تدمیرا شدیدا و فرّقه، و قتل منه أمة کثیرة، و غنم له أموالا عظیمة فی عدّها عسیرة.

نهایة البای المقلش المحزنة

و لهذا البای مع درقاوة أیام أخری غیر مشهورة، و هی مبسوطة فی الکتب و علی الألسنة مذکورة، أعرضنا عن ذکرها صفحا، و طوینا لها کشحا. قال و لما دوّخ المغرب الأوسط بأسره و مهّده و أمّن سبله و ضواحیه و سدّده، و نشر فیه العدل و العافیة و أیّده، و قطع منه العدو و بدّده، عزله أهل الجزائر بالقوة و الشد، و أمروا بقتله بوهران فقتل شرّ قتلة بعد أن ذاق أنواعا من العذاب خارجة عن الحد، حتی کانوا یحمون سبائک الحدید، و یضعونها علی رأسه و هو فی العذاب الشدید. و سببه أنه سرّح المحلة للجزائر کما هی العادة القدیمة فیما حکی من الخبر، و لما عدم الدواب أمر بحمل الأثقال علی البقر، فبلغ خبره الباشا فأنف من فعله و أمر فورا بعزله و قتله، مع ما تقدم له من شکایة المخزن و مرة أحمد الترکی بالفعل القبیح، الذی لا ینبغی أن یذکر و لا یکون به التلویح فضلا عن التصریح. و کانت أیامه کلها حوادث، و لا حادثه أشد من الغلاء المفرط بوقته و فناء الناس و کثرة الفساد و العوابث. و الأمر للّه الواحد القهار العلیم، بالظواهر و الأسرار. و کان ءاغته بالدوائر الفارس النبیل الخارج عن القال و القیل، السید قدور بن إسماعیل، الصندید البحثاوی، و الحاج قدور بن الشریف الکرطی التلاوی، و بالزمالة السید محمد الوهرانی الحنین وعدة ولد محی الدین.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 326

البای مصطفی العجمی و حروبه مع الدرقاوی‌

ثم مصطفی بن عبد اللّه العجمی تولی مرة ثانیة، بعد المرة الأولی الماضیة، فی آخر السنة الثانیة و العشرین و المائتین و الألف ، من هجرة من له العز و الفخر و الشرف و کمال الوصف، و بقی فی الملک تسعة أشهر. و ارتقی خزناجیا بالجزائر. و جاء بموضعه البای الفائز بالمزائر. و لما تولی قام و علیه ابن الشریف الدرقاوی، فقال یا عجبا منه کیف سلّط علیّ بالثوران الداوی، مهمی تولّیت إلّا علیّ یقوم، قد عرف اسمی و اعتقد أنی جبان و أنی لعکروم، فو اللّه لأذوقنّه (کذا) کأس الرّدا و لأجعلن شمله مبدّدا، و قد قام علیه الدرقاوی فی (ص 271) التولیة الثانیة/ مرتین، و کر علیه للمقاتلة کرتین. و لما سمع بالدرقاوی أنه قد جیّش الجیوش، و هو بالثعالبة من بلاد فلیتة، قال سأخرج له و رأیه الفشوش، فعند ذلک خرج فی جیشه العزیز، الذی هو کاللجین و العسجد الأبریز، و تلاقی معه بالثعالب، فکان الدرقاوی مغلوبا و البای هو الغالب و قدمه عالیة بالمغالب، فهزمه هزیمة شنیعة، و عادت جیوشه للبای من وقتها مطیعة، و رجع لوهران فی عزّ و سرور، بغنیمة و حبور، فاستراح بها و أقام، فبینما هو بها إذ جاءه الخبر فی بعض الأیام، أن الدرقاوی بجیوشه فی مدغوسة من بلد خلافة، فخرج له فورا بجیوشه من غیر جزع و لا مخافة، و جدّ السیر نحوه و کاده کیدا و ترک المسیر نحوه رویدا رویدا، إلی أن وصل للمحل المذکور، و حمل علیه حملة منکرة بجیشه المنصور، فلم یک (کذا) غیر ساعة إلا و الدرقاوی مهزوما و مخذولا مفلولا مذموما، و قتل المخزن من أتباعه کثیرا و أفنا (کذا) منهم جما (کذا) غفیرا، و غنم الأموال العظیمة فرجع البای لوهران مسرورا بتلک الغنیمة، فمکث بها أیاما کثیرة، و انقطع عنه خبر الدرقاوی مدة شهیرة.
ثم سمع بأن مجاهرا قد سعوا فی الفساد، و حملوا أنفسهم علی اتباع الدرقاوی و راموا العناد، فخرج لهم بجیشه الأفخم حارکا، و للمقام بوهران من ساعته تارکا، و نزل بوادی الخیر أحد أودیة شلف، فبینما هو به إذ جاء الخبر بأن
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 327
الباشا ولّاه خزناجیا بالجزائر ففرح بعد ما تأسف و بمجرد وصول الخبر له ذهب للجزائر، و ترک من حینه و هران بمخزنها المنصور للبای الآخر. و هو الذی بنا (کذا) للعالم العلامة القدوة الدرّاکة الفهّامة، شیخ الراشدیة و غیرها علی الإطلاق و مجدد القرن الثالث عشر بالاتفاق، من هو بعین العنایة ملحوظ و مخلص من الضرائر، و الحاصر، الحافظ محمد أبو راس بن الناصر، المصریّة ذات العلو الأرفع، و بیت الکتب و المذاهب الأربع، فقال فیه الحافظ المذکور فی رحلته التی اسمها: «فتح الإلاه (کذا) و منّته، فی التحدّث بفضل ربی و نعمته»، و هذه المصریة بناها لنا الملک الأضفی، و الخلیل الأوفی، و المحب الأصفی، السید البای مصطفی، برّد اللّه ضریحه، و أسکنه من الجنان فسیحه، و أنی بعثت إلی ضریحه بالمدیّة مع بعض تلامذتنا بما نصه: علیک أتم السلام، أیها المولی الهمام، الذی عرف فضله الإسلام/ و خفقت بنصر عزّه الأعلام، و تنافت فی (ص 272) إنفاذ أمره السیوف و الأقلام، قسّمت زمانک ما بین حکم فصل، و إمضاء نصل، و إحراز خصل و عبادة قامت من الیقین علی أصل، السلام علیک یا مقرر الصدقات الجاریة، و کاسی الظهور العاریة، و قادح زناد العزائم الواریة، و مکتب الکتائب و السّرایا الساریة، السلام علیک یا حجّة الصّبر و التسلیم، و القلب السلیم، و سامع الحدیث و الذکر الحکیم، کرم اللّه تربتک و قدّسها و طیّب روحک و أنسها، فلقد کنت للمستجیر مجیرا، و للمظلوم ولیا و نصیرا، و لقد کنت فی المواکب بدرا، و للمواهب بحرا، و علی البلاد و العباد ظلا ظلیلا و سترا، بنا (کذا) اللّه لک بیتا فی الجنّة کما بنیت لنا بیت الکتب بلا أذی و لا منّة، نفّعک اللّه بصدق الیقین، و أعلا درجتک فی علّیین و حشرک مع الذین أنعم اللّه علیهم من النبیین و الصدیقین و الشهداء و الصالحین. ه. و کان ءاغته حبیبه بالغایة، و صدیقه فی البدایة و الأثناء و النهایة، واسع العطا و مفصل الدعاوی السید قدور الصغیر ابن إسماعیل البحثاوی. و من الزمالة السید محمد الوهرانی ولد قدور، الفقیه الباس المشکور. و کان لهذا البای ولدان بزماننا من أعیان الناس أحدهما کان کاتبا لدی نوّاب الدولة، و هو السید محمد، و الآخر السید مصطفی الصادق فی القولة.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 328

البای محمد بن عثمان الرقیق و المسلوخ أبو کابوس و حروبه مع الدرقاوی‌

ثم البای محمد بن عثمان الشدید فی الأمر العابوس الملقّب بالرقیق، و المسلوخ، و المشتمل، و المکنّی بأبی کابوس، أما لقبه بالرقیق فلأنه کان رقیق الجسم، و أما لقبه بالمسلوخ فإنه لقب به بعد موته الحسم، لکون ءاغة الجزائر عمر سلخ رأسه و هو حی و أحشاه قطنا کما یأتی فی صحیح الروایات، و أما لقبه بالمشتمل فلأنه متشبها بالعرب فی الاشتمال بالکساء کالمخزن و لا یلبس لباس الأتراک فی غالب أحواله کغیره من البایات، و أما کنیته بأبی کابوس فلأنه کان یحمل الکابوس و هو البشطول و لا یفارقه أصلا سفرا و حضرا، و اشتهر بذلک لما قتل به السایح بن حضرا. و کان یقال له البای محمد الصغیر فرقا بینه و بین أخیه البای محمد المجاهد فاتح و هران، فإنه کان یقال له البای محمد الکبیر، تولی فی آخر السنة الثانیة و العشرین و المائتین و الألف ، و بقی فی الملک خمسة أعوام غیر شی‌ء بغیر الخلق. و لما تولی اشتغل بقطع الدرقاوی و فصم محالمه، (ص 273) و قطع آثاره و معالمه. و بغاته و مظالمه/ مدّة أیامه، و طلوع نجمه و أعلامه، حتی أنّ من حسد أحدا و وشی به عنده و ادعی علیه محبة الدرقاوی جورا ینتقم منه فورا، و إذا ظفر بدرقاوی انتقم منه مبادرة، بأی نوع شاء من أنواع الانتقام و لا یراعی مشاورة، و لا یقبل فیه شفاعة شفیع، و اخترع قتلا لم یصدر من البایات قبله و هو فعل شنیع و نوّع عذاب من یظفر به إلی أنواع، فمنهم من یأمر بدقّ أعضائه حیا بالمعاول فی السوق إلی أن یموت بانفضاع، و منهم من یقلع عینیه و یترکه أعمی، و منهم من یأمر بقطع أعضائه إلی أن یموت أو یجهز علیه و هو أظمی، و منهم من یأمر بذبحه، و منهم من یقطع رأسه بعد فضحه، و منهم من یقتله خنقا، و منهم من یبقره و منهم من یقتله شنقا، إلی غیر ذلک من الأنواع المختلفة المعاطب المؤتلفة و قد نجا الدرقاوی بنفسه، و فشل ریحه. و تراکمت علیه الهموم و الغموم و ضاق به فسیحه، و افترقت علیه أتباعه و تبرأت من عمله، و لم یبق من ینضمّ إلیه لما نالهم من العطب لأجله، فإذا جاء عند أحد فرّ منه و لم یصل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 329
لمصحبه! و خاصمه و شتمه و استخف بجاهه و منصبه ما عدا مرة واحدة جاء للیعقوبیة و استقرّ فاجتمعوا علیه یرومون وقعه، فقصده البای فورا و شتّت شمله و بدّد جمعه، فانتقل للأحرار فأطردوه، ثم ذهب لعین ماضی، و عنهم أبعدوه ثم قصد لبنی الأغواط فأبعدوه لمّا علموا مقصده عندهم، ثم انتقل لبنی یزناسن و هو فی مذلة و مسکنة فأقروه عندهم، و ترک ما سوّلت له نفسه، و دام ذلّه و بخسه، و لم یتحرک لشی‌ء لعدم طاقته، و فقد مساعده و شدة فاقته. و صار لفظ الدرقاوی یقال لکل عاص مخالف، فتبرأت الناس من ذلک و لم یبق بینهم إلا اللفظ متعارف.
یحکی أن قوما من درقاوة کانوا بالقلعة یأکلون فی الطعام الممتزج بالزبیب، فظفر بهم قائد القلعة فقتلهم علی تلک الحالة فألفیت أمریتهم مملوءة بالطعام و الزبیب، و أن رجلا أوتی به إلی قائد المعسکر علی أنه درقاوی، فقال للقائد و حق سیدی دح بن زرفة منذ عقلت لم أقل لا إله إلا اللّه علی ما قال الراوی، و غرضه النجاة/ لنفسه خشیة حلوله فورا برمسه، فضحک القائد و من حضر من (ص 274) قوله و ترکه بلا مهلکة و قال له لا تعد لهذه القولة الکفریة فقال له یا سیدی قد جعلها اللّه لی مسلکة.
ثم غزی هذا البای فی السنة الثانیة من تولیته الحشم الغرابة بغریس فقتل أجوادهم و کبراءهم و قوادهم، و فتک بهم کثیرا جسیما، و أوقع بهم موقعا عظیما، و سببه أن الحشم بدت من بعض أعیانهم أمور مخالفة للسیاسة و قد هرب الفاعل لذلک عند سیدی محی الدین بقصد الاحترام بالصناعة و الکیاسة، فبعث له البای من یأتی به فعصی و ساعده الحشم، و اتفقوا علی المعاندة التی کانت لهم هی عین السم، فاستغاظ البای بذلک، و اعتراه الغضب الشدید من ذلک، و أمر ءاغته رئیس الدوائر و قائده رایس الزمالة بالغزو علی سیدی محی الدین، فقالا له اصبر فإن اللّه مع الصابرین الحامدین.
ثم إن ءاغة السید قدور الصغیر بن إسماعیل انتخب مائة فارس مقاتل من مخزنه الصبار، و بعثهم رفقة الحاج بن داوود بن المختار، کما انتخب قائد الزمالة السید محمد ولد قدور خمسین فارسا مقاتلا بالتبیین و بعثهم فی رفقة الحاج المرسلی ولد محی الدّین، و لما وصل الجمیع لقیطنة سیدی محی الدین، و راموا أخذ الهاربین بالتمکین امتنعت الحشم من تسلیمهم للبعوث، و بدأتهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 330
بإرسال البنادق التی تصب کالفراش المبثوث فحصل الضرب من الجانبین، آل فیه الأمر إلی أن قتل الحاج بن داوود و جرح الحاج المرسلی بغیرمین، و ذهب الحشم بالمظلومین لغریس، و عولوا علی القتال الذی حلّ بهم به کل شی‌ء نحیس، و لما رجعت البعوث لوهران و سمع البای ما حلّ بقومه ازداد غضبه و منه استبان، و جمع جیشه من المخزن و الأتراک، و غزی أجواد غریس بطیّ و إدراک، و قاتلهم إلی أن أثخن فیهم بالقتل الشدید، و مکر بهم بالمکر العتید، فقتل من أعیانهم أربعة عشر فارسا کل منهم بقتل ذریع راکبا و جالسا، بحیث قتل عشرة فی دفعة واحدة، و اثنین منفردین فی القتل بعنایة جاهدة و لم یبق من هؤلاء الأربعة عشر إلا اثنان و هما قدور و عدة ولدا أبا نقاب، فکان منهما من القتال ما لا یحیط به جواب، و لا زالا فی جولان المیدان إلی أن قتلا معا بإرسال العنان، و قد مات الصحراوی و الحاج، فضلا عن غیر الأعیان من الضعیف و الوضیع و المحتاج، (ص 274) و لما قتل کبراءهم نزل عوّاجة و رهّب علیهم و رام صغراءهم/ فبعثوا له علی عتید، و جعل علیهم عقوبة بالمال خطیّة عظیمة، و أذعنوا للطاعة، الإذعان الذی لیس قیمة، و قصتهم مشهورة، و علی الألسنة و کلام الفصحاء مذکورة.

حملة البای علی عریب‌

ثم أنه لما تمهد له الملک غزی بأمر الباشا عریبا فصیّر رایسهم (کذا) ثریبا، و هم قبیل عظیم بادیة و لهم شوکة قویة، و هم رعیة ءاغة الجزائر وطنهم ما بین حمزة و الدهوص فی الحدّ بین بای قسنطینة و بای المدیة. و سبب ذلک أن شیخ عریب خالف برأیه ءاغة الجزائر لما أراد اللّه به أن یتلاشا فبلغ خبره، ءاغة فأعلم بذلک الباشا فلم یر الباشا من ینتقم منهم و یهتکهم هتکا، و یصیرهم هباء منثورا و یفتک بهم فتکا، و یرجّعهم کالأرض إذا دکت دکا دکا، إلّا بای الغرب لخبرة جنده بالطعن و الضرب فإن مخزنه أشداء علی العدو فی الحروب، و شدة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 331
بأسهم عند تلاقی الصفوف فلا یعرفون الحیرة و إنما دأبهم الموت و لیس من شیمهم الهروب، فالقاضی عندهم قریب و العاصی لهم طائع منیب، و الصّعب عندهم سهل و کل واحد منهم ظریف لبیب.

أعراش المخزن الوهرانی الخمسة

و المخزن مهمی قیل له فی دائرة وهران فهو خمسة أعراش جالیة:
الدوائر، و الزمالة، و الغرابة، و البرجیة، و المکاحلیة، فهم نجوع شداد فی الحرب، و لبعضهم بعضا متوالیة و کلمتهم تحت کلمة واحد بلا مخالیة غیر أن النجوع الأربعة هم مخزن البای، و الخامس و ما انضم إلیه هم مخزن الخلیفة سدید التدبیر و الرأی. و غیر هؤلاء کالحشم و بنی شقران و بنی عامر و مجاهر، فهم أعراب رعیة نائبة لیس لهم جرأة فی الحروب و ظفر الظافر، و إن کان عددهم کثیر، فالمخزن أهل جراءة (کذا) و رأی و تدبیر، فأمره الباشا بالغزو علی عریب، و کان ذلک لا یتعقل لعدم تصرف بای الغرب فی غیر رعیته بکل وجه بعید أو قریب، و بعد مکانهم عنه بالأحوال السویة، إذا حال بینه و بینهم بای المدیة، فنهض البای من ساعته و هو فی أحوال خرجت عن إرادته و کان ذام حزم و جزم و عزم و کیاسة، و وزراءه ذوی تدبیر و رأی و شجاعة و بسالة و سیاسة، فجمعهم و عرفهم بالخبر، فأشاروا علیه بأنه لا بدّ من فعل هذا الأمر، لأنها مزیة عظیمة أن بلغوا منها مناهم و فرحة شدیدة أن وصلوا لمنتهاهم، فاتفق رأیهم علی ذلک و تحققوا بأن الأمر هو ذلک، و تواصوا/ بعدم إفشاء هذا السر بل یجعل ذخرا، (ص 276) و خرج البای بجیشه من وهران بجر الأمم فتعمر به أرض و تخلا به أخرا، إلی أن وصل وادی دردر و ما به من خشفة، أمر برد أثقال المحلة و ضعیفها إلی أبی خرشفة، و رکب أول نهاره و سار فی الفیافی طول نهاره، لا یلقی إلا النعام و الغزلان و طائر الجو من الحداء و الغربان، و بات یسیر سیرا شدیدا، و مخزنه بالظفر طامعا و فارحا بالواقعة إلی أن طلع النهار و عیونه ما بین الذاهبة و الراجعة، إلی أن بلغ لحیهم و نجعهم، فأرسل علیهم مخزنه بجمعهم، و أوقع فیهم جیشه أسرا و قتلا و نهبا، و زادهم طعنا و ضربا و لا عرفت عریب من أین أقبلت تلک الجنود الداهیة علیهم و لا من هی لاختلاف ملابسها و أشکالها،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 332
و شجاعة فرسانها و قوة أحوالها، فأخذوهم أخذة رابیة، و صارت أموالهم لهم غنیمة مجابیة، ثم تحققوا بأنه بای الغرب، لما رأوا فی فرسانه من زیادة الطعن و الضرب، لا تکل لهم السواعد و لیس لهم فی الحرب إلّا الطعن و الضرب للقائم و القاعد، فکان من جملة ما سباه البای بحیشه نساء شیخ عریب و أولاده، و أقام ببلدهم یومه و السرور زاده.
ثم کر راجعا للمدیة فی طرب و ابتسام، فنزلها بعد مسیره ثلاثة أیام، و قد تعرضت له فی طریقه قبائل الطّمع، الذی یفضی بصاحبه إلی النجع، و هو سائر بین جبلین لأناس یقال لهم أولاد إعلان، و إذا بهم ابتدؤا الجیش بالضرب فی السر و الإعلان، فلما سمع البای ضرب البارود. و رأی جیوشه حشودا بعد الحشود، لا تفعل شیئا إلّا بأمره لیکون ذلک من فخره، سأل عن ذلک تبلیغا لمرادهم، فأخبروه بأنهم یریدون منه الزطاطة لمروره ببلادهم و کانت تلک عادة الأعراب، إذا لم یکونوا تحت القاهر الغلّاب، فقال علیکم بهم لا عنهم، و أیتونی بمن ظفرتم به منهم، فلم یک غیر ساعة إلّا و المخزن یجرّ فی رؤوسهم و یقتل لمسعودهم و منحوسهم، و أتوه بعدة رجال فأمر بقطع أیدیهم و قال لهم تلک الأجرة التی سألتمونیها، فانصرفوا و هو یزید بمزیدهم. و لما وصل إلی المدیة أقام بها أیاما للراحة و بعث السّبی و المال للجزائر صاحب الإحسان، فرفعت مکانته عند الباشا رفعة عظیمة و کرّ راجعا لوهران. قال فلما وصلها مکث بها سائلا من مولاه الإعانة و السلامة و العافیة، و هو فی فرح شدید بمخزنه سیما الأعیان السادات (ص 277) الأسود/ الضاریة، فصار لا یقدم ناره زناد، و إنما تأجّجها علی الدوام فی ازدیاد، بجنده العزیز، و مخزنه الأبریز. ثم أنه تحرک لأهل یبدر من أهل الساحل، لقطع ما سمعه من جموع الدرقاوی الذی ببنی یزناسن نازل، فغزی صهره الشیخ أبا ترفاس، لما سمع بالدرقاوی عنده علی غفلة من الناس، و لما سمع الدرقاوی بنهوض البای إلیه فرّ هاربا متذللا و أخلا الأرض بین یدیه و افترقت من حینها جموعه و جاءته عجلة قواطعه و قموعه فزاد البای للساحل و أخلا منه ما أخلا، و قتل ما قتل و أجلا ما أجلا، و خرّب قریة أبی ترفاس و احتطب أجنتها، و سلط علیها أذاها و منّتها، و لما فعل بقریة الشیخ أبی ترفاس أفعال الشرور و الإفلاس، قال له أیها البای لماذا فعلت بنا هذا و نحن من جملة ضعفاء الناس، فقال له
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 333
لأن صهرک درقاوی یأوی إلیک فأنت مثله و أحوالک ببدایة، فقال له إنی شیخ طلبة لا غیر و عایرتنی بالتدرقی و لست من أهله و خرّبت مکانی خرب اللّه ملکک عن قریب و ألبس لک التدرقی عبایة. و هذا أبو ترفاس ولد الشیخ أبی ترفاس الذی غزاه البای خلیل، فأهلکه اللّه لرجوعه لتلمسان فی السبیل ثم کر البای لأهله راجعا و هو فی هلاک غیر أبی ترفاس من درقاوة طامعا و لما وصل لوادی تافنة، حل به البلاء و انحط، و أصابه الثلج العظیم الذی لم یمطر مثله قط.
فمات به کثیر الخیل و تعیّب کثیر الجند و دخل البای اضطرارا تلمسان، و افترقت محلته افتراقا مختلفا هامت به فی البلدان، فمنهم من مات جواده و الآخر تمزّق خباؤه، و منهم من تلفت سرجه و الآخر انکسرت بندقته (کذا) و البعض تورّمت أعضاؤه، و انهدمت بسببه الدیار، و انکسرت منه الأشجار، فسبحان اللّه الواحد الأحد المالک القهار. و اشتهرت تلک الواقعة بحرکة الثلج، و عرف عند الناس بقصة عام الدّلج. و بقی البای بتلمسان إلی أن صفا الحال، و أمن علی نفسه فضلا عن جیشه من الضرر و النکال، رجع لوهران و استقامت له الأحوال و اقتدت به الناس فی الأفعال و الأقوال.

نهایة البای بوکابوس المحزنة

قال فبینما هو بإیوانه فی فرح و انبساط، و سرور و اغتباط، و إذا بالباشا بعث له بالحرکة لتونس التی کانت علیه منحوسة، و أصل هلاکه و صارت أموره منکوسة، فهی سیئته و خطیئته، و بها کان هلاکه و سخیطته، و عذابه/ و زوال (ص 278) الملک عنه، و إهانته و الانتقام منه. و سبب الحرکة أن الجزائریین وقعت بینهم و بین التونسیین مقاتلة و مشاجرة و مواقفة و محاصرة، و دامت زمانا طویلا سرا و جهرا، فتهیأ الجزائریون لهم بالحرکة برا و بحرا و بعث الباشا لبای الغرب أن یتهیأ للحرکة بالمحلة الجلیلة من أنجاد مخزنه ذوی الجلالة لاتصافهم فی کل موطن بالشجاعة و الحزم و البسالة و مآثرهم فی الحروب مشهورة، و عند الناس فی کل مکان مذکورة لیس لها خفاء بالشدة و الجلدة، و کان یضرب بمخزنه المثل فی کل بلدة، فالواحد منهم بمنزلة العشرة فاعلا فی الثبات و الشدة، و الشجاعة و الفراسة و المعرفة و الکیاسة و الأدب و الظرافة و الفطانة و اللطافة و التقدم لإزالة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 334
الجماجم عند الطیش و الوحشة، و الثبات للزحف و قمع العدوّ عند الذهول و الدهشة. فهم رجال الوفاء و الخجل، و هم السادات الذین لا یعتریهم الطمع و الوجل، بل شأنهم التقدم للنزال بین الصفوف، و الجولان فی الحرب بالبنادق و السیوف، و لهم معرفة بمکاید الحرب، و تخلقوا بأخلاق الطعن و الضرب، فلا یخشون من قتل یوم ترحف الراجفة و لا یفرون من موت حین تتبعها الرادفة، فإن ذهل غیرهم فهم ثابتون، و إن انهزم غیرهم فهم نابتون، فهم الذین صدق فی و صفهم قول الشاعر، الواصف لقومه و نفسه بالأمر الصائر:
إذا المرء لم یدنس من اللوم عرضه‌فکل رداء یرتدیه جمیل
و إن هو لم یحمل علی النفس ضیمهافلیس إلی حسن الثناء سبیل
تعایرنا أنّا قلیل عدیدنافقلت لها أن الکرام قلیل
و ما قلّ من کانت بقایاه مثلناقدم تسامی للعلا و کهیل
و ما ضرّنا أنّا قلیل و جارناعزیز و جار الأکثرین ذلیل
لنا جبل یحتلّه من یجوره‌منیع یؤدی الطرف و هو کلیل
و إنّا القوم لا نری القتل سبّةإذا ما رامته عامر و سلول
و ما مات منّا سید حتف أنفه‌و لا ضلّ منا حیث کان قتیل
تسیل علی حدّ الظبات نفوسناو لیس علی غیر الظبات تسیل
علونا علی غیر الظهور و إنّنالوقت إلی خبر البطون نزول
و نحن کماء المزن ما فی نصابناکهام و لا فینا من یعدّ بخیل
و ننکر إن شئنا علی الناس قولهم‌و لا ینکرون القول حین نقول
إذا مات منا سید قام سیدیدل بما یهوی الکمال یقول
و لا أخمدت نار لنا دون طارق‌و لا ذمّنا فی النازلین نزیل
و أیامنا مشهورة فی عدوّنالها غرر معلومة و حجول
و أسیافنا فی کل شرق و مغرب‌لها من قراع الدارعین فلول
معودة إذا تسلّ نصالهافتغمد حین یستباح قتیل
سلی إن جهلت النّاس عنا و عنهم‌و لیس سواء عالم و جهول
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 335

خروج البای من وهران فی طریقه إلی تونس و عصیانه‌

قال فامتثل البای لذلک و تزود زادا کثیرا، و جمع من مخزنه جیشا عرمرما غزیرا، و خرج من وهران یروم تونس وفقا لما أمر به و صاحب الغیب أعلم بما فی غیبه، و لما نزل وادی یلّل، الذی بان به فساده و الخبل، حدثته نفسه برفض الترک و الخروج عن طاعتهم فی سرّه و علاه، و الدخول فی سلک سلطان المغرب مولای سلیمان بن عبد اللّه فأصبح معلنا بقتل الأتراک یا للعجب، جازما بالدخول فی طاعة سلطان الغرب، فقتل کلّ من کان بقربه من الأتراک و لو أصهاره، و أمر بنی عامر بقتل محلة الترک التی عندهم فقتلوهم خدیعة بالتفرقة علی الخیام و لم ینج إلّا من نجّاه اللّه و اختاره، و تمادی علی ذلک و لا حصل له فی رأیه وهن، و لما سمع الباشا غضب و علی جیشه حزن، و دخل علی قارة باغلی صهره خلیفة الکرسی بمن معه من الأتراک لمازونة و سکن، و کر البای راجعا لوهران، بمشاورة أعیان مخزنه خدیعة منهم له حیث فعل ما لا یلیق، و غرضهم القبض علیه و صیرورته فی الکبل الوثیق، فبینما هم لوهران داخلون، و إذا بالسفن المشحونة بعسکر الأتراک فی البحر و هم بالمرسی نازلون أتوا لیتطلعوا علی حقیقة الأمر و ما سبب ذلک، کما جاء عمر آغا فی البر بمحلة عظیمة قاصدا لوهران علی ذلک، فدخل البای محله و قد سمع بذلک، فجزم بإلقاء النار/ فی خزنة البارود، لتصیر المدینة عالیها سافلها و لم ینج منحوس و لا (ص 280) مسعود، و أنه میت معهم ما فیها المحالة، فصعب ذلک علی المخزن و أهل البلد و اشتد بهم القلق و الوجالة، فصعد له المخزن للدخول علیه و معهم کبراء البلد للقبض علیه و نهیه علی فعله، فلم یدع أحدا یدخل علیه و زاد فی قوله و فعله، فصرخت الناس بالاستغاثة و هرب من یطیق الهروب و أیقنوا بالهلاک بغتة دون الحروب، فعند ذلک صعد له العلماء و بأیدیهم المصاحف و صحیحا البخاری و مسلم، و ناجوه من بعید و أروه ذلک و وعظوه بلیغا فأذن لهم فی الدخول و أمنهم و قال من شاء تأخر و من شاء تقدم، فدخلوا علیه و صبروه و وعظوه، و بقضاء اللّه لزموه و للموت لحّظوه، فثبت یقینه و زال ما به من الغضب، و علم أن ذلک حیلة
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 336
من مخزنه فعلوها لنجاة أنفسهم من العطب، فاطمأن قلبه و رضی بالموت و زال عنه النصب، و أذن للعلماء فی قبضه فأبوا ذلک، و قالوا له هذا شأن المخزن لا شأننا فهم أولی بذلک، ثم أذن للمخزن و رؤوساء البلد فدخلوا علیه و کبّلوه و شددوا علیه و وحّلوه، حتی أن الوجیه ءاغة علی ولد عدة قال له لما اجتمع به بخروف قادما لوهران! أیها البای فعلت الذمیم مع مخزنک سابقا و أهلکت نفسک لاحقا فلست من آل عثمان، و قاله ثانیا لما شرعوا فی تکبیله، و توثیقه و تنکیله و أخبروا العساکر التی فی السفن و أدخلوهم المدینة، و کتبوا لعمر آغا بذلک، لیدخل کمن کان فی السفینة. و قد أتی عمر معه بالقفطان المعد للملوک و بایات لار، فألبسه بمازونة لخلیفة الکرسی علی قارة باغلی باشتهار، و ولّاه من حینه بایا للإیالة الغربیة، بدلا من صهره أبی کابوس ذی الأحوال الحربیة، فظهرت فیه دعوة الشیخ أبی ترفاس المارة فی الروایة عایرتنی بالتدرقی ألبسه اللّه لک عبایة.
ثم قدم عمر و علی قاصدین بجنودهما وهران، فدخلاها و ألفیاه مکبولا فی سجنه نادما علی فعله الذی حسنته له نفسه و شیاطین الإنس و الجان، و هو صابر لما ساقته له المقادیر، فحق فیه ما قاله الشاعر الماهر:
قالت أراک مع الأرذال تصحبهم‌و من یصاحبهم فی دهره یهن
لا یصحب المرء إلّا من یشاکله‌ما رأیت الظّبا و الأسد فی قرن
(ص 281)/ أجبتها مظهرا عذری و منشدهابیتا به تضرب الأمثال فی الزمن
یغمی علی المرء فی أیام محنته‌حتی یری حسنا ما لیس بالحسن

عمر آغا یقتل البای بوکابوس و ینصب البای علی قارة باغلی‌

و لما رآه عمر آغا ترکه علی تلک الحالة بالاعتماد، و خرج معه البای علی بجیوشهما یجوسان البلاد، و یتفقدان أحوال الرعیة و ما عملت و أخّرت و قدّمت، فوصلا لجبل ترارة و کانت بها دار ابن الأحرش الدرقاوی فأمرا بهدمها فتهدمت و صعدا مع الجبل إلی تاجرة ثم رجعا لتلمسان بعد خلوها و فرار أهلها عنها، ثم رحلا لناحیة الحشم و نزلا بالمعسکر بالخارج منها، و هناک أمر عمر آغا بقتل
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 337
العثمانیة فقتلوا عن آخرهم و لم ینج إلّا من فر بنفس و عصمه اللّه من مکرهم.
قال ثم رجعا لوهران و دخلاها و بها قتل عمر ءاغة البای الرقیق بأشر القتل، و نکل به بأشد النکل، فسلخ رأسه و هو حیّ و فعل به فعلا شدیدا و ملّاه بعد السلخ بالقطن و بعثه للجزائر فعلّقوه علی عمود طویل و ترکوه به زمانا مدیدا، و قتل أولادهم و هم صغار و لم یتق فیهم رب العالمین، و قتل بعض خدامه و صار بهم ما صار بالبرامکة مع الملوک العباسیین. و قال فیه کل من السید حسن خوجة و السید مسلم بن عبد القادر أبیاتا، فأما التی قالها السید حسن ذهبت عن حفظی، و أما التی قالها السید مسلم خذها إثباتا:
ظننت برأیک أنه صلاح‌کلا و اللّه ذلک الفساد
من یستقل بالرأی لیس عاقل‌لا خیر فی رأی یعقبه الفساد
و فعلک ذا یؤدی إلی النکال‌و فیه حتف لمن غرّه الرقاد
/ غررت بنفسک و الآل کلاما لهم ذنب لا و لا المراد
(ص 282) حتی بقوا نساؤهم یهمن‌فی کل وطن و أتلفت الأولاد

أبو راس یرثی البای بوکابوس‌

قال و طلع فی أیامه نجم غیر معهود الطلوع قبل ذلک، من الشمال ذا ذنب طویل شعاعی و أدام أیاما ثم أفل و لم یر بعد ذلک. و لما مات هذا البای قال فیه الحافظ أبو راس ما ذکره فی رحلته التی اسمها: فتح الإلاه و منته، فی التحدث بفضل ربّی و نعمته، من المدح و الثناء الجزیل، و الترحم له بالترحم الجمیل، ما نصّه: و لمّا افتقرت مصریتنا بیت المذاهب الأربع للترفیع و أردت تجدید تبییضها و بعض ترمیمها و تقییضها، ذکرت ذلک للبای الأسعد الأقعد الأمجد، الأنجد الأوحد، عزیز النصر، و نخبة العصر، و ریحانة الدهر السادل علی الرعیة الأمن و الأمان، البای السید محمد بن عثمان، اتحفه اللّه بالرضی و الرضوان و ألحفه مطاریف التکریم و الحنان، فبعث لی مع ساقه مائة ریال بوجهها، قامت أوفی إقامة بترمیمها و تبییضها و ذلک قبل أن أحجّ عنه رحمه اللّه فوفّرنی أحسن و فارة، جعل اللّه ذلک القتل له کفارة، و لما أوبت من الحج سنة سبع و عشرین و مائتین
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 338
و ألف أعطانی مائة محبوب جعله اللّه یوم القیامة مقربا و محبوبا، أنّس اللّه غربته، و أزکی ذریته و تربته، و جعل ذلک الحج المبرور فی میزانه و راجح أوزانه، و تقبل اللّه دعاءنا فی تلک المشاهد، التی ینتفع بها الغائب و الشاهد، و ما أنفقنا من نفقة هنا کبیرة أو صغیرة، إلّا عوّضه اللّه عنده، حسنات کثیرة أثیرة. و لما قبر (ص 283) قمت و ذهبت إلی ضریحه و ترحمت و بکیت/، و قلت السلام علیک أیها الإمام، الثاوی فی دار السلام، کأنک لم تعرض الجنود، و لم تنتشر علی رأسک البنود، و لم تبسط العدل الممدود، و لم تعامل بفضلک الرکّع السجود، توسدت الثری و أطلت الکری، و شربت الکأس الذی یشربها الوری، و أصبحت ضارع الخد، کلیل الجد، سالکا سنن الأب و الجد، و لم تجد بعد انصرام الملک إلا صالح عملک، و لا صحبت لقبرک، إلّا رابح تجرک فنسأل اللّه أن یؤنس اغترابک، و یصلح فی الآخرة ما فی الدنیا أرابک، أعطاک اللّه الوسیلة و تمم مقاصدک الجمیلة، و منحک الزلفی الجزیلة، و لم أجد مکافآت لک إلّا التقرّب بدعاءی اللّه برحمتک، و تعفیر الوجنات فی تربتک، و الإشادة بعد الممات بمجدک و کرمک، منحک اللّه المغفرة الطیبة، و التحیات الطیبة، مد الدهر و أبادیه، و تراویحه و تغادیه، و أسکنک من الجنان بحبوحه، و أعطاک فیها فسوحه، آمین یا رب العالمین، و لا أرضی بواحدة حتی أقول ألف ألف آمین. و کان ءاغته الفارس المشهور، البطل الذی فی الموارد و المصادر مذکور أبو مدین قدور الصغیر ابن إسماعیل البحثاوی، أبلغه اللّه المراد و أنقذه من المساوی و من الزمالة المرسلی و السید محمد الوهرانی ولد قدور، السالکین النهج المسرور.

البای علی قارة باغلی‌

ثم البای علی، المعروف بقارة باغلی، نسبة إلی بلدة ببلاد الأتراک، یقال لها باغل بلا اشتراک. کان أتی إلی هذا الوطن بالمقامنة فی وقت البای محمد الکبیر بن عثمان ثانی ملوک العثامنة. و کان موصوفا بالعقل و الریاسة، و المعرفة (ص 284) و الکیاسة فزوّجه البای محمد الرّقیّق ابنته/ و أدناه منه و صیره یتعمل بالأعمال
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 339
المخزنیة، و یتوظف بالرتب السیاسیة إلی أن ارتقی للمملکة بغیر الخلف، فتولی بایا بالإیالة الغربیة فی نصف السنة الثامنة و العشرین و الماتین (کذا) و الألف فهو سابع بایات و هران و استقر بحول اللّه تعالی علی الکرسی فی ذلک الإیوان.
فألفی بالمخزن تخلیطا کثیرا بسبب أمر البای محمد أبی کابوس الذی کان قبله اتّهم فیه الکثیر من الناس بتهمة الناکوس، و لشدة عقله و ریاسته و دینه و ما کان منه، و میثاقه غفر جمیع ذلک لمن اتّهم به و عفا عنه، و تلک التهمة و الخلاط اختص به الزمالة، دون غیرهم من المخزن فکانوا به حثالة الحثالة. و کان لا یقبل الوشاة و لا یصغی للموهن، فإذا وشی أحد بغیره عنده لا یقبل و لا یسمع منه ما یؤذی به أخاه المؤمن، و هو قلیل الخطیة للناس، فلا یخطی إلّا القلیل من الناس، لا سیما المخزن و أهل البلد و ذویه، عکس ما کان من قبله علیه. و انقطع فی أیامه ذکر الدرقاوی حتی صار لا یذکر إلّا علی وجه الحکایة کما قال الراوی.
قال و حدث فی وقته الجراد المنتشر غیر المعهود الذی أفسد الزروع و الثمار، و عمّ بالشرق و الغرب سائر النواحی و الأقطار، و لم یخل منه مکان، إلّا مدینة و هران، و کان من لطف اللّه تعالی الواقع بهذا البای جید السیرة سدید الرأی، الذی زاد للناس أمنا متسعا و هدّن روعة الوطن، و سکّن من الأمر ما تحرّک و أحری ما سکن، فأسعدت به البلاد. و اطمأنت به قلوب العباد، أنّ عمر آغا لما فعل بأبی کابوس ما مر أخذ فی نهب ما فی بیت المال من الأموال، و لما رءا (کذا) إبراهیم خزندار/ الکبیر ذلک علم أن البای الآتی لا بد أن یکون من عدم المال، (ص 285) مع الجیش و غیره فی ضرر و نکال، بادر إلی الخزنة و أخذ منها غفلة جملة من المال، و صعد به إلی أعلا (کذا) سطح المحکمة و جعله هنالک، و لم یطلع علی فعله إلّا الخالق المالک، و حین تولّی البای علی و استقر بالإیوان نظر لبیت المال فوجدها خاویة علی العروش، فتحیّر من ذلک و تألّم کثیرا و قال کیف أفعل مع هؤلاء الجیوش فدخل علیه إبراهیم خزندار فوجده مع نفسه فی هم و حزن، و تأسف صاعد و هابط و محن، فقال له یا سیدنا ما طرقک حتی صرت فی هذا التأسف، و الضرر الشدید و التقشف، و أنت البایلار بای و أنت الذی تزیل عن
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 340
عیرک بفضل اللّه الأغیار، فقال یا إبراهیم و کیف لا أتأسف و بیت المال خاویة فما أصنع مع هؤلاء، الجیوش الضاویة فإن عمر ذهب فارحا أمینا بأخذه المال لنفسه و ترکنی أسیرا مع الجیش حزینا، فقال له إبراهیم یا سیدنا لا تجزع، و لا تتأسف و لا تفزع فأنفسنا لک وقایة، و مالنا لک حمایة، و مخزنک کثیر الجود و الشجاعة، و الزعامة و البراعة لا یدعوک تتألم بسبب ذهاب المال، فلا ریب أنهم یجمعون لک فورا ما یکون به التطریب للبال، و أنی قد دخرت لک شیئا من الذخائر و الأموال، لتستعین بها علی ما أنت فیه من الأحوال فقال له أحضرها و بادر، فأحضر ما کان تحت یدیه من الذخائر، ففرح البای و ظهر علیه السرور و استبشر و لاح علی جبینه النور، و لما سمع المخزن أتوه. بما فیه الکفایة و فوق الکفایة و قالوا له طب نفسا فأنفسنا و مالنا لک هی الوقایة، فشکر فعلهم الجمیل، و أثنا (کذا) علیهم (ص 286) الثناء الجزیل./، قال و فی ثامن جمادی الثانیة سنة تولیته غزی ترارة و معه عمر آغا کما مرّ فقتل منهم أربعة و ثلاثین رجلا من الشجعان، و سبا (کذا) تسعین امرأة بالبیان.
ثم غزی بنی مناد لما ظهر منهم الفساد، فأوقع بهم إیقاعا عظیما، و هتکهم هتکا جسیما، أفنا (کذا) منهم عددا من الأبطال و سبا (کذا) الأموال و النساء و الصبیان و أسّر الرجال. و مات بتلک الواقعة من أعیان مخزنه القائد الأنجد، الفاضل الأمجد الشهم الشجاع الجواد المطاع، الصندید الباسل، الحلیم الکامل، من هو للیتامی و الآرامل کافل. ذو الید الواسعة و المآثر الساطعة، رئیس الدوائر، محی الدین بالنواهی و الأوامر، صاحب المحاسن و المعارف، و جائز المعالی و العوارف جالب الإحسان، و دافع المساوی مفتخر النسب المخزومی البحثاوی، السید قدور الصغیر بن إسماعیل آغا، واصل اللّه روحه إلی الجنة و أحکم بلاغه، کما مات الطالب الأدیب الحاذق اللبیب، کامل الإحسان و الأجور، قائد الزمالة السید محمد الوهرانی ولد قدور رحمهما اللّه بمنّه و فضله و کرمه آمین و جعل فی الفردوس آخر دعواهما أن الحمد للّه رب العالمین. و هما رکائز المخزن فی الأمور النفّاعة، و عمدته رأیا و شجاعة. و قد قال السید مسلم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 341
خوجة فی ءاغة السید قدور الصغیر بن إسماعیل مرثیة یخر لها القائم علی رکبتیه جاثیة، و هی:
حلی السیاسة و طلی الریاسةقد اجتمعا و فیک غیرهما تتل
کریم عفیف توفی فیما تقوله‌و مهمی یضیق الأمر أنت له أهل
و ما من کریهة ألّا أنت مفتاحهاو ءالک جملة فحول و أبطل
و ثلم من سور مشیّد موضع‌و أسقطت ثلمة لم یوجد لها مثیل
/ لموتک قد بکا جمیع الأحبّةو قد عزّ صبرهم زمانا و لم یسل
(ص 287) لأن علی یدیک فتح الحوائج‌و من قطر ماء المزن جودک أهطل
یسعد من یلجأ لبابک یلجأو إن کان رادیا تهذّیه یکمل
و قال أیضا:
فحزنی علی المبلغ للمرادحلیم منیب و تبر وقّاد
مزیل الکروب منیل المطلوب‌و مفجی الهموم و مجلی النّکاد
و معطی العطایا جزیل النداو مهدی الهدایا و من هو الزّاد
و ذی النجدة العظمی حال الحروب‌ناصر المظلوم و طویل النّجاد
سریع الغضب قریب الرّضامغیث الملهوف کثیر الرماد
شجاع الهیجاء و ضرغامهاحسین التدابیر نعم النقّاد
قدور بن إسماعیل بن البشیرفإنه صار ضجیع اللّحاد
فأبکا الأرامل و الیتامی‌و أبکا الصلحا و أبکا الزهاد
و أبکی الشرفاء و العلماءو أبکا القرّاء و أهل الرشاد
و أبکا العساکر نعم الشّجاع‌و أبکا الشّجاع و أهل المعاد
و أبکا الجیوش و أبکا الأمیرو أبکا الوزرا و أبکا القیّاد
و أبکا السادات الکرام الرضاو أبکا الطّلحا و کلّ العباد
و أبکی النساء و أبکا الرجال‌و أبکی العبید و الصبیان زاد
فحق علیه البکا دائمابشقّ الجیوب و لطم الخداد
/ و خدش الوجوه و صوت عویل‌و ندب طویل بغیر نفاد
(ص 288) قد أبکی العیون هذا الباسل‌برجف القلوب و حرف الکباد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 342 فمن للأرامل من بعده‌و من للیاتامی فی جمع الأعیاد
و من للشعرا إذا وفدواو من للمدین مرتاح القصّاد
فإنّ النّدا علیه باکیاکذا الحرب قد بکا حال الطّراد
فمخزن و هران منه انغدرو وهران باکیة بالثّماد
تقول بصوتها حال البکاعلیک حزنی قد دام یا جواد
فبک احترامی و بک التوفیرو منک افتصاحی و منک السّهاد
فویل و ویل و ویل شدیدو ویل و ویل لبنی منّاد
هم الذین غیّبوک عنّی‌و صرت رهین تراب اللحاد
قد أبرد اللّه لک الضریحاو أسکنک فی فسیح الخلاد
و لا راحم اللّه قاتلک‌مأویه جهنّم بیس المهاد
و قال أیضا:
یحق لنا البکا علی أسد الوغاو ناصر مظلوم و قامع من طغا
و قاهر جبّار عنید و ماردو جامع أشتات و مفن لمن بغا
و دامغ أعداء طالت لهم أیدو باذل أموال و معط لمن صغا
و حائز أوصاف الکمال بأسرهامهذّب أخلاق و مصغ لمن لغا
و معطی العطایا دون منّ و لا أذی‌کافل أرامل أیتام بما ابتغا
(ص 289)/ و لکل عالم و صالح طالب‌محبّ له فی اللّه حبّه ما التغا
و ذلک سیّد الدّوائر قدورنجل إسماعیل البحثاوی منصبه آغا
فلا رحم الرحمان آل منادیهالمّا قتلوا المرحوم نال لما ابتغا
بشری لک بالجنان یا قدور الرضابشری لک بالغفران و الخیر أبلاغا
و راجع ما مرّ من واقعة بنی مریانن التی هی من أیام المقلش تستفد ما للخوجة فیه من الأبیات الدالة علی مدحه بالجمع و الثبات. حدثنی المسنّ الطّاعن فی السّن أبو العباس الحاج أحمد بن عتّ الغربی و کان أصله من عکرمة قال حدثنی والدی عبد الرحمان بن عتّ عن خصال ءاغة السید قدور بن إسماعیل المذکور، إنه قال أنی کنت من البیوت الکبار بعکرمة الشراقة و لنّا قاید یقال له المجاجی لیس من أهل السعی المشکور، و کان منافسا لی فوشا (کذا) بی کثیرا عند
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 343
خلیفة الشرق بأفعالنا و أقوالنا، فلم یفده ذلک لاطلاع آغا و الخلیفة علی أحوالنا، ثم وشی بی عند البای علی مرارا عدیدة فأثّر و شیه فی و خطنی البای خطایا عدیدة، ثم أن البای کان بمحلته بالنواحی الشرقیة، و معه حلیفته صاحب الأخلاق المرضیة و لما رجع للمعسکر قال قائدنا المجاجی و أنا علی فرسی و کان من عتاق الخیل، یا سیدنا أنت لست ببای و أنا لست بقائد و إنما البای و القائد هذا الرجل الذی تراه علی الفرس الأدهم کالیل (کذا) فأمر البای فورا بقتلی، لاکنه (کذا) لم یتم أجلی، فأحیل بینی و بین فرسی و أخرجونی للقتل فتکلم الخلیفة و آغا الشرق علی خلاصی فلم یفد ذلک بالرتل، فسمع آغا السید قدور ابن إسماعیل ذلک، و عاین ما هنالک، فتقدم و قال للبای لا یقتل لأنه مظلوم و المجاجی قائده مسلط علیه/ فی الأمر المعلوم، و أن قتلته بسبب هذا القائد (ص 290) البوطال بقیت الجهة الشرقیة فارغة من الرجال، فترک البای قتلی و حملنی مسجونا علی بغلة لوهران، و قد أخذ فرسی بالإعلان، و لما وصل لوهران أدخلنی السجن ثلاثة أشهر متتابعة، و مهمی یسل المساجین أخبره بأحوالی قولة قاطعة، إلی أن قلت له یا سیدی خلصنی من السجن أو اقتلنی و لا تدعنی فی السجن الدائم، فقال له آغا السید قدور المطلوب من سیادة البای أن تسرح هذا الرجل من حینه لأنک أطلت سجنه بسبب قول قائده الظالم. قال فسرحنی البای من وقتی، وجیت (کذا) لأهلی فی الفرح و السرور، و لما وصلت خیمتی جاءنی القائد المذکور و قال لی أنّ البای خطّک بمائة سلطانی لا ریال، و خلاصها علی یدی فلا بد من دفعها فورا فی الحال، فقلت للقائد أن البای لم یخطنی بشی‌ء من المال، و إن کان کما قلت فأین بطاقته حورا فقال لی لا تزد فی الکلام أدّ ما أمرتک به فورا، و إلّا یحلّ بک الانتقام، و تعود لسجنک علی الدوام فقلت له یفتح اللّه و سیحصل بعد العسر الیسر، ثم أنی بعثت لصهری المختار العکرمی علی فرسه بسرجه فبعثه لی و رکبت مع رفقائی لیلا و سرت إلی أن دخلت وهران مع الفجر، و لما نبیت الحکومة تقدمت للشکایة بالقصد فنادیت جهرا یا سلطان الحق السید إذا حرر عبده و مکّنه من التحریر هل یتعرض له أحد، فقال لی أعد ما قلت فکرّرت قولی ثانیا و ثالثا، فقال لی ما معنی کلامک فلا تکن ناکثا، فقلت له یا سیدی إنی خدیمک الفلانی الذی عزلت عنی فرسی بالمعسکر بسبب کلام القائد
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 344
المجاجی، و أمرت بقتلی بلا نتاجی فخلصنی اللّه منه علی ید ءاغة سیدنا قدور ابن إسماعیل، و سجنتنی ثلاثة أشهر متوالیة و خلصنی اللّه منه علی ید سیدنا آغا (ص 291) المذکور الجمیل، و إنی لما ذهبت/ لأهلی جاءنی القائد المذکور، و قال لی أن البای خطک بمائة سلطانی و خلاصها علی یدی بالمحضور و أنی ترکته بخیمتی نازلا، و جیتک لیلا نازلا و قد أخذت فرسی و هذا طلبته علی صهری، أطال اللّه حیاتک و خلّد ملکک فانظر فی أمری، فاستغاظ البای کثیرا، و قال للخوجة انظر خطیته فی الدفتر جهیرا، فال الخوجة أنی لم أکتب شیئا و لا هو سجلا، و قال قائد الطابع أنی لم أمکنه من الطابع علی هذا الأمر أصلا، فتقدم ءاغة السید قدور ابن إسماعیل، و قال للبای قد اتضح ظلم القائد و جوره علی الرعیة بالجملة و التفصیل، و هذا القائد لا یلیق للتولیة و إنما شأنه العزل و بالمائة سلطانی تکون له الخطیة، لینتهی هو و غیره عن ظلم الرعیة، فأمر البای بعزله للقصاص، و خطه بالمائة المذکورة و عیّن له من مکاحلیته الخلّاص، ثم قال لی ءاغة المذکور، یا هذا الرجل مثلک لا یلیق له السکن بمخزن البای المنصور، فقال البای نعم قولک یا آغا هو المسطور، فرحلت من حینی و جیت (کذا) للحامول فسکنته بأهلی، بالزمالة و صرت وکیلا علی السید محمد بن الحفاف کثیر المجالة، ثم انتقلت و سکنت بأهل الخوجة الغرابة، ثم سکنت بدوار أهل العید فها أنا فیهم من غیر استرابة.
قال ولده الحاج أحمد و لا زال بأهل العید إلی أن مات فی أیام الأمیر السید الحاج عبد القادر بن محی الدین بالبیان، و دفن بمقبرة سیدی عبد القادر ابن زیان، و لا زلنا نحن أولاده بأهل العید للآن. و أنه کان کثیر الدعاء و الترحّم علی ءاغة المذکور، و کان یوصینا الإیصاء التام بالتعرف بذریته و قرابته لنیل الأمور، ثم قال الحاج المذکور قال لی والدی المزبور، و هذا الفعل کله فعله معنا آغا المار له لا لغیره، فو اللّه لم یأخذ منّی شیئا بل کل ذلک من فضله (ص 292) و خیره، و بعد أمد اجتمعت/ به و أردت مکافأته فقال لی یا هذا العاقل لا تعد لمثل هذا القول فإنه ضیر، و أنا ما فعلت ذلک معک إلّا ابتغاء لوجه اللّه و نصرة للمظلوم لا غیر، فقلت له زادک اللّه الفضل و المنة، و عوضک علی فعلک قصورا فی الجنّة. و لما مات ببنی مناد أعطاهم اللّه الشرور و الکساد، کنت أول من تقدم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 345
لحمله، و لم أزل ملازما لنعشه فی نقله، إلی أن أوصلناه لوهران، فرحمه اللّه الرحیم الرحمان و أثابه علی فعله ثوابا عظیما، و أعطاه أجرا جسیما. و إنما أتیت بهذه الحکایة دلیلا علی أن ءاغة المخزن له التصرف فی جمیع الرعایة.
ثم أنّ البای علیا خرج فی أیامه ابن الشریف الدرقاوی من بنی یزناسن و نزل بالأحرار، و راودهم علی القیام علی البای فی الاشتهار، فأنکرهم جلّهم، و لبّاه قلّهم، فسمع به البای المذکور، فامتلأ بالغیظ و طارت عنه الشرور و خرج حارکا إلیه بأحوال مستقیمة، فألفی محلة الطریق و هی محلّة الغرب بمینا فأخذها و صعد بها مع الوادی و معه عساکر عظیمة، و أمر جمیع نواحی القبلة بالظعون معه و التقدم أمامه. بأهالیهم و أموالهم و هو فی أثرهم مخفّقة علیه أعلامه. فامتثلوا أمره و أجابوا دعوته و حوره، و ذهبوا معه إلی أن نزلوا ببلاد الأحرار. فأفسد زرعهم و شتّت لهم الأقوار، و لم ینازعه أحد، و لم یکن له فی ذلک حد، و أنحلّ عقد الدرقاوی و انتثر و افترقت أتباعه، و ترکه من حینه منفردا وحیدا ذهبت عنه أشیاعه و جاءت شیوخ الأحرار بأجمعها لدی البای تلتمس منه الرضی، فأکرم نزولهم و أعظم مثواهم و زال عنه الغضب و جاءه الرضی و ذهب الدرقاوی إلی فقیق و أقام به أیاما و قد ضاق به فسیحه/ ثم رجع لبنی یزناسن و هو محله الأول فخمدت ناره (ص 293) و سکن ریحه.
ثم رجع البای لوهران مسرورا فی غایة المفاخر، و ذهبت محلة الطریق لموضعها و لما وصلت للجزائر، قاموا علی عمر باشا فقتلوه بالحمام، باتفاق الأعیان، و قالوا أنه لم تسعد علیه و به الأیام و البلدان، و لم یکن بوقته راحة و لا أمان. و قد مات بأیامه الرایس حمیدو المجاهد فی سبیل الرحمان و غلت الأسعار بوقته و ظهر الطاعون، و قام النصاری الإنجلیز علیهم بالجزائر و منع الماعون. و ذلک أن الإنقلیز جاؤ للجزائر و دخلوا مرسیها بسفنهم علی وجه الخدیعة من تعریة رؤوسهم مثل المبایعة بغایة الصنیعة، و بأیدیهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 346
سجل عظیم یرقانی، زعموا أنهم أتوا به من عند السلطان الأعظم صاحب الباب العالی أمیر المؤمنین محمود الخاقان و لما جازوا رمایة مدافع المسلمین، ابتدروا بإرسال صواعقهم إلی أن حرقوا سفن المسلمین، و کان ذلک وقت العصر و استمرّوا علی ذلک الحال بغایة التمکین، کأنّ مدافعهم فی الإرسال واحد إلی تمام عشر سوایع بعدّ الحاسبین الموقتین، فأبطلوا الضرب و ملوا لما لحقهم من المجاهدین. قال ثم اصطلحوا مع أهل الجزائر بإعلان، علی المنّ بأساری النصاری الذین بالجزائر و وهران، فأسلموهم کلهم باعتبار المقاصد، حتی أنه لم یبق بعمالة الجزائر نصرانی واحد. قال الذی تواترت به الأخبار تواتر المصدع، أنهم أرسلوا علی الجزائر أربعین ألف مدفع. و لما قتلوه أقاموا مکانه علیا باشا إقامة الأکابر، و أجلسوه علی کرسی مملکة الجزائر و لما استغل له (ص 294) ذلک/ و استقر بالملک قدمه، غیّر الصرف تغییرا کان به عدمه. فالریال دور (کذا) کان فیه خمسة عشر وقیّة، حطه إلی اثنا عشر وقیة، فقد انقص خمسه، و أضاع من حینه فلسه، و الریال الجزائری کان فیه ثمانیة أواق، فحطّه إلی ستة أواق، فأنقص منه ربعه، و غیّر من ساعته جمعه، و أحدث أمرا لم تحدثه قبله ملوک الجزائر فی الأوامر. فولّی خلیفة الشرق من الجزائر، کما ولّی قائد تلمسان و کان قبله لا یولی من الجزائر إلّا البای بالبرهان.

نهایة البای علی قارة باغلی‌

ثم عزل البای علیا من منصبه، و أزاله عن مقامه و مرتبه، و سبب العزل له و القتل، کما هو مقرر فی النقل، أن هذا الباشا المذکور فی البیان، لمّا تولی الملک نفی بعض الأتراک من أصحاب عمر باشا لوهران و بعث فی أثرهم للبای علی بقتلهم قتلة شرّة، و لما أحسّوا بذلک فروا لمحلة الشتاء التی بهبرة، فبلغ خبرهم للباشا فغاب لبّه و طاش و استغاظ شدیدا علی البای، و اتهمه بأنه هو الذی صدر منه لهم ذلک الرأی، و بقی فی غیظه و غضبه علی البای بلا ناکث، إلی أن ذهب البای مدنشا للجزائر کما هی العادة عندهم فی الدنوش بأنه یکون علی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 347
رأس العام الثالث. و لما وصل للمشرع و هو موضع بأبی خرشفة بأسفل ملیانة، أرسل الباشا إلیه من دویه من عزله قبل الدخول ثم قتله عیانة، و دفن فی محل القتل بعد تکفینه فی الحصیر نکایة له و الملک و البقاء و الدوام للّه تعالی سبحانه السمیع البصیر.
و ولّی من حینه حسنا بایا لکثرة جفائه، و أمر بطبع داره و سجن أولاده و تثقیف نسائه. و تلک عادة الأتراک فی الأصل، فإنهم یقولون یوم للطبل و یوم للحبل، و ذهب حسن مدنشا بجمیع ما دنش به البای علیّ من الأموال الکثیرة، و الذخائر النفیسة الغزیرة، و الخیول المسوّمة، و الأمتعة/ المثمنة المقومة، و زاد متمادیا إلی أن دخل الجزائر، فتلقته الناس بالمبایعة و البشائر، فقضی بها أربه، و أکمل مطلبه و خرج منها قاصدا وهران، و أعلام النصر علی رأسه کأنها شقایق النعمان، و الجنود به دائرة، و الجیوش خلفه سائرة، تقف بوقوفه و تذهب بذهابه، و تمتثل لأمره و نهیه، و تخشی شدة عقابه، و لا زال سائرا إلی أن دخل مدینة وهران، و قال الحمد و الثناء للّه سبحانه الملک الدیان الغافر الرحیم الرحمان.
قال و کانت واقعة الإنقلیز بالجزائر و خروج ابن الشریف الدرقاوی و قضیة البای علی فی سنة واحدة، لیس بینهما طول و لا تفریق فی حصول الفائدة.
و کان ءاغته من الدوائر علیّ ولد عدة، و قدور بن إسماعیل، و الحاج قدور بالشریف، و من الزمالة السید محمد ولد قدور الوهرانی، و الحاج المرسلی ابن مخلوف، وعدة بن قدور بالتعریف.

البای حسن بن موسی الباهی‌

اشارة

ثم البای حسن بن موسی المعروف بأهج حسن، و هو ثامن بایات وهران و آخرهم فی القول الأحسن، تولی فی منتصف ذی الحجة الحرام بغیر الخلف، سنة اثنین و ثلاثین و مائتین و الألف و هو الیوم الذی مات فیه البای علیّ کما مر فی القول الجلی. و من خبره أنه کان فی أول أمره طبّاخا لأربعین جندیا من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 348
الأتراک، فی غایة ما یکون من التدریج و الاشتراک، ثم صار تبّاغا یبیع الدخان، و یتعاطی بیعه فی السر و الإعلان. قال فی در الأعیان فی أخبار وهران، و کان ذا عقل وافر و سیاسة، و رأی ناجح و رئاسة، و لما رءاه البای محمد الرقیق علی تلک الحالة شغف بحبّه، إلی أن أخذ بمجامع قلبه، و ظهر أنه لا یصلح لمصاهرته ألّا (ص 296) هو، و أنه هو الذی/ یوافقه فی الجد و الهزل، و الذکر و السهو، فقرّبه منه و أدناه و أولاه سرّه و معناه، و زوّجه من ابنته و صیره من جملته، و شوّر ابنته بدرة بما لا له قیمة مثل الدرة الیتیمة و الذهب و الحریر، و الدراهم و الدنانیر، و غیر ذلک من الشورة و الأمتعة فصار من حینه متسعا فی غایة السعة، و ولّاه قائدا بفلیتة، و انضبطت أموره فلیس لها تفلیتة. قال صاحب در الأعیان، و هو السید حسن خوجة کثیر المعانی و البیان، و کنت کاتبا لأموره الشاملة و لازمته فی الخدمة السنة الکاملة، فلم أسمع قط منه جناحا و لا کلمة فحش و لا منا و لا فخرا و لا تکبرا و لا مزاحا، و إنما یظهر منه من محاسن الأخلاق، و التعبّد ما یرضّی المالک الخلّاق.
قال و کان قلیل الغضب کثیر الرضی، یمسح برؤوس الیتامی و یعید المرضی کثیر الترحّم و التودّد للفقراء و المساکین، محبا للعلماء و الشرفاء و الأولیاء و الصالحین و المساکین، مواضبا علی الطهارة لا یترکها أصلا محافظا علی الصلوات فرضا و نفلا، مجالسا لأهل الفضل و العنایة، مجانبا لذوی السفاهة و الجنایة.
ثم ولاه خلیفة الشرق لکنه لم یبلغ فیها مناه، و لا توصّل إلی مرغوبه و منتهاه، بل وافق أمره فیها مخالفة صهره البای محمد الرقیق لأهل الجزائر، کما مرّ فعاقه العیوق عن تلک المراتب و المشاعر. ثم کان من أمر اللّه تعالی أنه بلغه إلی مکانة أرفع منها و أرقاه بایا و الأولی أعرضه عنها. و قد قحط الوری قبل ولایته (ص 297) فلم یمطروا، و دام علیهم ذلک إلی أن تضرروا، و لمّا ولّی علیهم أمطرهم/ اللّه تعالی بمنّه و فضله، و خفّ بعض غلاء الشعر الصادر بعدله. قال السید حسن خوجة الترکی فی الکتاب المذکور، و هو ذکر الأعیان المشهور، و لذلک قلت فیه هذه الأبیات، الدالة علی کماله بالثبات، و اللّه یقول الحق و هو یهدی السبیل و هو حسبی و نعم الوکیل، و هی من بحر الطویل:
أیا معشر الإسلام دام سرورکم‌بدولته من فی الناس دولته ترضا
أمیر أتانا بعد ما قحط الوری‌فأمطرنا رب العباد به أرضا
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 349 تراها و قد أبدت من الغیث أبحرافمن هائم طولا و من هایم عرضا
کما حسنا کان اسمه حسنت به‌لیال و أیام و طبّت به مرضا
إذا ذکر البایات کان أعفّهم‌و أکثرهم جودا و أوضبهم فرضا
و إن ذکر الفرسان کان أکرّهم‌و أفرسهم خیلا و أرماهم غرضا
و إن ذکر الأبرار کان أبرّهم‌و أوسعهم صدرا و أکظمهم غیظا

سیاسة البای حسن و سلوکه‌

قال شیخنا العلّامة الربّانی، و القدوة الصمدانی، الشریف الحسنی ذو البیانی السید محمد بن یوسف الزیانی، فی کتابه: دلیل الحیران و أنیس السهران فی أخبار مدینة وهران، و لما استوسق له الملک و أذعنت له الرعیة، رفض ما کان علیه من الوصف السابق و کثر ظلمه و غضبه و غیظه و غصبه و عبثه بالرعیة، و حدث بوقته الوباء العظیم العسیر و تکرّر رجوعه بعد ذهابه إلی أن مات به الخلق الکثیر.

وفاة أبی راس الناصر بمعسکر

و مات بوقته مجدد القرن الثالث عشر ذو التآلیف العدیدة، و التصانیف الکثیرة المدیدة، الشریف الأمجد، العلامة/ الأفرد، الضابط الجامع الحافظ (ص 298) الدراکة المانع المحقق اللافظ، أبو راس محمد بن أحمد بن عبد القادر، ابن محمد بن أحمد بن الناصر بن علی بن عبد العظیم بن معروف بن عبد الجلیل الراشدی المعسکری الناصری الذی لیس له نظیر بالراشدة، و لا مثیل، یوم الأربعاء خامس عشر شعبان سنة ثمان و ثلاثین و مائتین و ألف ، من هجرة من له کمال العز و الشرف، و صلی علیه العلامة الأسد الهائج فرید وقته المعبر عنه بالراشدیة بالخرشی الکبیر السید أحمد الدایج، و دفن بعقبة بابا علی من المعسکر، فنسبت له تلک العقبة إلی أن بها اشتهر و علی ضریحه قبّة نفعنا اللّه به و أورثنا منه محبة و قربة. و فی تلک السنة رفع المطر عن العباد بعد ما فرغوا من
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 350
الحراثة إلی أن بقی للصیف شهر واحد فی القول الذی لیس من أقوال الرثاثة، فأرسل اللّه مطره النافع للعباد، و أزال ما بهم من التخمین و الکساد، و نبت الحبّ و تمت الصابة و حصدوا، و بلغوا مناهم فشکروا اللّه علی ما أولاهم و حمدوا، فسمیت تلک السنة بصابة الشهر، و تعاطی اسمها فی البدو و الحضر. قال و اجترأ علی العلماء و الأولیاء و الشرفاء و الرعیة فبان منه الجور و الظلم و التعدی، و کثر منه الضلال و هتک المحارم و التردی، و طغا و تجبّر و تکبر و کثر منه الفساد و السفک بغیر موجب لدماء العباد، و لم یراقب فی ذلک خالقه و لم ینظر لیوم المعاد، فقتل فی سنة تسع و ثلاثین و مائتین و ألف ، قتلة ذمیمة، ولی اللّه الفقیه السید محمد ابن أحمد الصدمی من أولاد سیدی بن حلیمة، لمّا سعی به خاله أبو ذریع عنده (ص 299) بأنه یرید أن یقوم علیه بغتة بالعقبة، فبعث له ما أتاه به و علی رأسه ساجل من/ الحلفاء ظلیلة علی عمود نکایة له إلی أن وصل بتلک الحالة لوهران فعلّقه بها مع الخشبة. و فیها فی شهر شعبان أمر بقطع رأسی الفقیهین العالمین الجلیلین، الولیین الکاملین الجمیلین، السید بن عبد اللّه بن حواء التجینی الدرقاوی و السید فرقان الفلیتی بغیر الکلام و أکثر من الخظیة و هی العقوبة بالمال للرعیة، و لم یراقب فیها قط الأحوال المرعیّة، حتی صار یقول لعماله من اصطاد لنا حجلة فله جناحها، و ربحها و نجاحها، یرید بذلک أن من سعی عنده بأحد للعقوبة بالمال و الساعی من الخواص، فإنه یأخذ حظه من الخطیة و هو القدر الذی یأخذه من الأجرة لما یذهب للخلاص، و لشدة ظلمه أمر کاتبه أن یکتب لمن یرید أن یخطّیه علی الفوریة، إنما استوجبت هذه العقوبة لخدمتک الرّدیة. و أنه فی بعض الأیام نظر لضعف الرعیة و حصول الغنا للقواد و الأغات و العمّال، استعمل حیلة لیأخذ بها منهم ما شاءه من الأموال، فقال لهم و هم بمجلسه حجیتکم أیها السادات الکرام الدائرین بی فی هذا المقام، إنی هزلت من الیدین و الرجلین و سمنت من الأذنین و العینین، فتحیّر عمّاله فی فهم حجّایته، و أمعنوا النظر فی فکها کل بحسب عنایته إلی أن قال لهم ءاغة المعظم الوجیه النبیه المحترم من خاض البحور فی فهم المعانی إلی أن أظهرها لکل قاص منهم و الدانی، المعتصم فی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 351
أموره کلها بالباری، الشجاع الأفضل السید الحاج محمد المزاری، أیها الأعیان إنّ باینا یرید بیدیه و رجلیه الرعیة لما رءا (کذا) ضعفهم ببصره، و یرید بأذنیه و عینیه أغواته و قیاده لما کثر مالهم فی نظره، فعلیکم بإعطاء الأموال لیلا یصیر کل واحد منکم فی أرذل الأحوال، و بادر لذلک فأعطاه من العدد ما أرضاه فی الصک، و قال له هذا الجواب حجایتک فإنی واحد من أذنیک و عینیک فقال له أنک الخبیر بالفک، ثم شرع کل واحد من الأعیان فی دفع ما قدر علیه، فسرّ بذلک البای و علا قدر المزاری لدیه، و قال لوزرائه و أهل مجلسه أن المزاری لفهیم، و أنه علی التحقیق لآغا جسیم، و عاتب البای یوما بعض أصدقائه علی کثرة الخطیة، التی ضعفت بها الرعیة، فقال له/ أن أهل الجزائر قد أکلونی (ص 300) بالکلیة، و لذلک ترانی قد أکلت للرعیة. ثم صار مهمی مات أحد من رعیته و هو ذو مال و فلوس، إلّا صیّر نفسه واحد من الورثة و یأخذ حظّه معهم علی عدد الرؤوس. و فی سنة أربعین من القرن الثالث عشر أمر ببناء الرّحبة لبیع الحبّ بمدینة المعسکر، و کتب علی رخامتها ما نصه: بسم اللّه الرحمن الرحیم، و الصلاة و السلام علی أفضل رسله محمد الکریم، و علی آله و أصحابه المرشدین للصراط المستقیم، أما بعد فقد أمر ببناء هذه الرحبة الماسوسی، صاحب الخیرات و الحسنات السید حسن بای بن موسی زاد اللّه تعالی خیراته، و عفا عنه سیئاته و لوالدیه آمین ثم کتب هذه الأبیات:
بناها حسبة للّه حسن بای‌بوجسصّة إیلدی بنیّا دای
صحفه خطر أیله أجنلف‌جهانک عافیته أولسون
أول تاریّ غدا أیکان‌جهانک أیلسون شادان
و هم أیلسون رحمت بوان‌و أجداد له ربّ غفران
صوره أحمد بن محمد سنة أربعین و مائتین و ألف، ثم أمر بجعل قبریة لضریح سیدی علی أبی الوفا، بعد ما بنا علیه القبة، و ذلک سنة ثلاثة و أربعین من الثالث عشر بالحسبة و کتب بأحد جانبیها ما نصه: الحمد للّه أمر بصنعة هذه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 352
القبریة و تزویقها المعظم سیدنا حسن بای العمالة التلمسانیة، و الثغور الوهرانیة، و قد أدّی جمیع ما أصرف علیها و أهداها للولی الصالح سیدی علی أبی الوفا و بتاریخ أواسط رمضان المبارک من عام ثلاثة و أربعین و مائتین و ألف و المتولی لحلیة تزویقها الطالب صالح بن سالم وصیف الشیخ سیدنا محمد بن أبی زیان القندوسی سامحه اللّه آمین. و بالآخر هذه الأبیات:
یا رجال الإلاه إنّی مریض‌و أن الدّوا لدیکم و الشفاء
أنتم البای و الإلاه کریم‌من أتاکم له المنا و الهناء
فکم أننی حماکم من سقیم‌و زال عنه سقمه و العماء
کم أغنتم علی الدوام مریض‌فی الفراش و قد کفاه النّداء
فانظروا بفضلکم فی علاجی‌و امنحونی جودکم ما أشاء
و أکثر من الربطة حتی أنه دفع له المزاری سبعة آلاف و خمسمائة ریال فی عام تولیته، و کتب له رسما لتبریته، و نصّه: الحمد للّه تذکرتنا بید القائد (ص 301) المزاری بن إسماعیل، آغا علی أنه دفع لنا سبعة/ آلاف ریال و خمسمائة ریاب بودهیا؟ من قبل الربطة یوم تولیته أواسط ربیع الأول الأنور من عام 1241 و کتب بأمر المعظم الأرفع السید حسن بای وفقه اللّه و بمقلوب الرسم خاتم البای المنقوش فیه ما نصه: الواثق بالرحمان، عبده حسان بای بن موسی 1232 .

ثورة أحمد التیجانی‌

اشارة

ثم قام علیه فی عام اثنین و أربعین و مائتین و ألف السید محمد الکبیر ابن القطب العلامة المعبر عنه بالقطب المکتوم السید أحمد بن سالم التیجینی بغیر الخلف، و جاءه حارکا فی ستمائة رجل من التیجانیة أهل عین ماضی،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 353
الزاویة المحفوفة بحفظ اللّه فی الزمان الآتی کالماضی و عدد کثیر من العرب الصحراویة التی لا تمتثل للمعروف و لا تنتهی عن المنکر، مع قوم الحشم إلی أن وصل للمعسکر و دخل منها حومة بابا علی ثم خرج منها و رجع لغریس فمات بعوّاجة مع أصحابه کلهم بلا تحریس، و من خبره أن البای حسن کان قد دخله التخمین بأن التجینی سیقوم علیه بالأصفی، کقیام ابن الشریف الدرقاوی علی البای مصطفی، لإقبال الناس علیه فی کل ناحیة و انتشار صیته فی کل ضاحیة، فرام کسر شوکته قبل تزایدها، و هدم قوته قبل تعاهدها فجمع له جیشا عظیما، و عددا کثیرا جسیما، و غزی به علیه بعین ماض، و حاصره بها شهرا کاملا یماض، إلی أن حصل الصلح بینهما علی ید کاتبه السید الحاج محمد ابن الخروبی القلعی علی أن یعطی التجیتی للبای لزمة سنویة فی المرعی، قدرها خمسمائة ریال منجّمة، و یعطیه ألفی ریال حالّة مقدّمة (کذا)، و کان ذلک عام إحدی و أربعین و مائتین و ألف ، فأخذ البای تلک الغرامة الحاضرة و ارتحل لوهران بالشضف، و قد انکسر فی قتال تلک الواقعة بلا تماری، عدة ولد عثمان البحثاوی خلیفة آغا الحاج محمد المزاری. ثم أنّ التجینی لمّا رأی ما حلّ به بغیر سبب ظهر له مقاتلة الترک و الغزو علی البای حسن فی محلّه للعطب و دسّ ذلک فی سویداء قلبه، و صار یحشد الجنود و یجمع الحشود لشی‌ء لم یکن من کتبه، و یکاتب من یظن به الإذعان للمهالک و من جملتهم الحشم فأخبرهم بمراده و وافقوه علی ذلک. و لما دخلت سنة اثنین و أربعین و مائتین و ألف ظهر للبای السفر للجهة الغربیة لإزالة الغلف، و یتفقد أحوالها فی السرّ و الإعلان، فذهب بجیوشه/ الکثیرة التی رأسها المخزن سیما أعیانهم قاصدا تلمسان. و لما نزل (ص 302) بالحنایة کأنه الأسد الحاقد جاءته ثلاثة مکاتب فی وقت واحد، أحدهما من عند الهواری الحشمی، صاحب الصدق للبای فی القول الجزمی، و ثانیها من عند قدور بن سفیر قائد المعسکر و ثالثتهما من عند مرة أحمد الترکی الذی نفاه الباشا حسین من الجزائر للمعسکر، و صیّره بها بمنزلة ناظر الأحباس، یخبرونه فیها
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 354
باتفاق الحشم علی القیام مع التجینی و إظهار الأرجاس و لما قرأ البای تلک المکاتب، أعلم أعیان جیشه و مخزنه بما فیها من الأمر العاطب، و قال لقواده لا بد تأتونی بجیوشکم الباقیة و الجمع بیننا بوادی ماکرة، و ارتحل من الحنایة فنزل بیسّر و بعده بماکرة، و أقام بها أیاما و الجیوش تجتمع علیه إلی أن صار خمیسه فی غایة الخمیس، ثم رحل و نزل بالزفیزف ثم بعوّاجة من أرض غریس، فأتاه الحشم بأجمعهم للضیافة، و لم یعلموا ما سیحل بهم من المکافة، فضیفوه و بعد الأمل قالت له نفسه لا یستقیم لک الأمر و تحصل لک الرّاحة إلّا بقتل قواد الحشم الإثنا عشر، و هم محمد ولد عبد اللّه و ابن أخته الحبیب و محمد بن رکموط و محمد ابن نکروف و غیرهم فی صحیح الخبر، و کان الکبیر فی هؤلاء القواد سنّا و رأیا و تدبیرا و شجاعة محمد ولد عبد اللّه فالصادر منه هم له طاعة، فأمر البای بقبضهم فقبضوا، ما عدا القائد الحبیب فإنه لا زال علی فرسه و قد سمع ما لفظوا و صار واقفا من بعید ینتظر ما یحل بهم من الانتقام، فلما رآهم ذهبوا بهم لبشوضة و هی محل القتل ذهب فارا بعد طول القیام، ثم أنّ القواد الإحدی عشر لما عاینوا القتل و تحققوا به و هم فی الجزع و الدهش، نطق کبیرهم ملتفتا وراءه لناحیة البای و قال یا هذا الوتاق ظلمتنا من غشک سلط اللّه علیه الغش، فقال له محمد ابن زکموط یا مختل العقل حلفک لا ینفع، و صاحب الوتاق لا ینظر فیک و لا لکلامک یسمع، فالشّاه فیک علی القساوة، حیث کنت فی نجاة و من السعداء و صرت فی هلاک و من أهل الشقاوة و لما وصلوا لبشوضة و قد صارت جموعهم مفضوضة، قال ابن زکموط لظربیر، و هو المأمور بقطع الرأس، بأمر الأمیر، ناشدتک اللّه أن تبدأ بمحمد ولد عبد اللّه لتحصل به الراحة، لقلة رأیه الفاسد (ص 303) و عدم إصغائه/ لقولنا حیث کان من أهل السمع فصار أصمّا کما صار أبکما بعد أن کان فی الفصاحة، ثم اقطع رأس الباقین واحدا بعد واحد. ففعل ظربیر ما قاله ابن زکموط الماجد، قال و لما قتل البای فی ساعة واحدة إحدی عشر قائدا، و بعث برؤوسهم للمعسکر بعثا متواردا، أنکر علیه ذلک کافة الترک الذین کانوا بالمحلة و الغائبین، کما أنکر علیه ذلک أغواته الذین هم من الراکبین، و قالوا له ستری ما ینتج لک و لنا معک من الضرر العظیم، حیث لم تستشر أحدا، و استقلّیت برأیک الصمیم، و أظنک استشرت المازری و ابن وارد، فقالا نحن
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 355
علی براءة من هذا الکلام الوارد، فإنه لم یستشرنا و نحن من جملتکم، و إنما ذلک رأیه هو أدری بأحواله منّا و منکم.
ثم أنه لما قتلهم و حاله استبشر، رحل من عوّاجه و هو فی نخوة و دخل المعسکر و کان فی قلبه و جل من القائد عبدی و أبی الأقدار لعلوّ کلمتهما عند العرب و الترک فی السرّ و الإجهار و میل أصحاب الجزائر لهما لما فیه الغایة، و ربما تتولد له منهما النکایة، و قد ضرب علی الحشم الخطیة الکبیرة، و العقوبة المالیة العسیرة، رأی أنه لا تکمل له الأیام، و لا تتم له الفائدة إلا بقتل هذین، الترکیین القیام، بعثهما لقبض تلک الخطیة، و مراده قتلهما لتکون لهما الرزیة و یتهنا من أمرهما و یستریح، و ینفرد فی مملکته من الملیح و القبیح، فذهبا لقبض تلک الخطیة، و لما وصلا للحشم قالوا لهما جئتانا لإتمام الرزیة، بالأمس قتلتم قوادنا، و الآن جئتما لأخذ مالنا و قد جرحتم أکبادنا، و غرضکم إتمام النکایة فستریا ما لکما فیه من النکایة، و بادروا لقبضهما، لأخذ الثأر فی نفلهما و فرضهما، ففرّ عبدی هاربا و أتبعه الحشم إلی أن دخل لخیمة سیدی الأعرج من أولاد سیدی محمد بن یحیی و جلس عند النساء للحرم فدخلوا علیه و أخرجوه منها جبرا علی السید المذکور بالاشتهار، و قطعوا رأسه کما قطعوا رأس أبا الأقدار، و قالوا هذا ثأر القواد، الذین ذهبوا لجنة الخلود فاذهبا لجهنم و بیس المهاد، و بعثوا بالرأسین للتجینی و قالوا له علی عبدی هذا رأس البای حسن، و علی أبی الأقدار هذا رأس خلیفته کثیر المحن فاستراح البای بفعله بالترکیین و الحشم، و لم یبال بما سیأتیه من الغم و الهم.

تآمر الحشم مع التیجانی ضدّ البای حسن‌

ثم أن الحشم حثوا علی التیجنی حثیث الاحتباک/ فی القدوم معهم لقتال (ص 304) الأتراک، و لما رجع البای لوهران و مکث بها مدة فی أمن و أمان، قام علیه التیجنی فی جیش عظیم یرید المجاجنة من أهل الصحراء، و الیعقوبیة و ستمائة رجل من التجاجنة، و وصل لغریس فی خریفة اثنین و أربعین و مائتین و ألف
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 356
فنزل بفروحة فی یوم الأحد بغیر الشک و الخلف، فبعث الهواری للبای بذلک، و أخبره بتحقیق ما هنالک، فلذلک جعله قائدا علی الحشم فی الروایة الفریدة، و قد أطاع الحشم للتجینی لما أحلّ بلادهم بجیوشه العدیدة، ثم کاتب التجینی بنی عامر و بنی شقران و البرجیة و الغرابة و الزمالة و الدوائر و سائر النواحی الشرقیة و الغربیة له بالإذعان، فأمّا البرجیة و الغرابة و الزمالة و الدوائر هؤلاء الأعراش الأربعة المتوالیة الذین هم مخزن البای فقد أبوا من الإذعان، و أما بنوا عامر و بنوا شقران و غیرهم فقد توقفوا، و صاروا ینتظرون الغالب یتبعونه و بذلک اتصفوا.

محمد التیجانی یهاجم مدینة معسکر

ثم رحل التجینی فی یوم الإثنین لمدینة المعسکر و هی علی سبعة أقسام، حومة العرقوب بسورها، و حومة سیدی علی محمد، و حومة عین البیضا، و حومة الباب الشرقی، و حومة بابا علی، و حومة سیدی محمد أبی جلال، و حومة المدینة الداخلة، و هو الوسطی بسورها ذی أدهام، و نزل علی الحومة الغربیة وسط النهار و هی حومة العرقوب، یرید الدخول إلیها و یظفر بالمطلوب، فتلقاه أهلها بأسرهم بالقتال، و صار الحرب بینه و بینهم فی السجال، و أعانهم بنوا شقران علی ذلک القتال، و قد مات من الفریقین خلق کثیر و قد بات فی تلک اللیلة (کذا) بأعلا الحومة البحریة و هی بابا علی فی تحریر، و فی یوم الثلاثاء بعث لهم لیدخلوا فی طاعته، فأبوا و بدءوه (کذا) بالحرب من غیر مراعته، فکان من أمرهم أنه قتل منهم خلقا کثیرا و دخل تلک الحومة فجاس خلالها و دمّرها تدمیرا، و لما رأوا ذلک قادوا له فرسا أشهب و دخلوا تحت حکمه بانتخاب و أتوه لیلتهم لمؤنته (کذا) جیشه من المأکول و المشروب و علف الدواب و اندرج فی ذلک أهل الحومة الشرقیة بلا محال، و هی حومة الباب الشرقی، کما اندرج فی ذلک أیضا حومة سیدی محمد أبی جلال.
(ص 305) ثم فی الغد و هو/ یوم الأربعاء ارتحل من موضعه و نزل بخصیبیة علی الحومة القبلیة، و هی سیدی علی محمد و عین البیضاء، و سألهم الإذعان أو یحلّ بهم ما حلّ بالحومة البحریة فقادوا له فرسا و دخلوا فی الطاعة، دفعا عن أنفسهم
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 357
و علموا أن ذلک من الخروج عن الجماعة. و فی یوم الخمیس تهیأ بجیشه لقتال الحومتین المحیط بهما السور و هما العرقوب و المدینة الداخلة، و کان فی السابق دخل أهل سیدی محمد أبی جلال، و أهل سیدی علی محمد، للمدینة الداخلة، ثم ظهر لهما فی الخروج فخرجا و شدت أبواب المدینتین و کل فی مخزنه.

البای حسن یذهب لمعسکر لمحاربة التیجانی‌

فبینما هو یحاول القتال مع هاتین الحومتین و إذا بالبای حسن بلغه الخبر فخرج من وهران بجیشه و مخزنه، و حث السیر فبات بالکرمة، و تلیلات، و سیق، و وادی الحمام، فنزل بمشرع حسین، و هو کالأسد الضرغام، سمی المشرع بذلک سرا و جهرا لکون حسین الترکی تعدی علی بعض العرب بالمنکر بذلک المشرع فقتل به و ذهب دمه هدرا. و کان من عادة البای لا یدخل للمعسکر إلّا مع عقبة الملّاحة، سمیت بذلک للنکبة الکثیرة الواقعة بها الدواب الملّاحة، فنکّب عن تلک الطریق و ذهب مع تیفرورة، و معناها ذات الخیر الکثیر فهی بالبربریة مشهورة و أخذ طریق سیدی علی بن أحمد الولی المشهور. و لما قرّبه طوی ألویته و ترک ضرب الطبول بتوابعها توقیرا للولی المذکور، و بعث لضریحه زیارة تدفع بید المقدم لیحصل له الفوز علی التجینی و الحشم و سأل من اللّه الإعانة علی عدوه فی الحفی مقدما فی دعائه، التوسل إلی اللّه تعالی بذلک الولی و لما جاوزه قال له لیث الضراغم، و من کثر للأعداء منه التقاصم، ءاغته المتقاعد النبیل المحترم السید مصطفی بن إسماعیل و سائر الأغوات الباقین، أیها البای لا تخش أحدا إلا ربّ العالمین فانشر سناجقک و نقطر طبولک کالعادة، حیث جاوزت الولیّ، فالنصر لک و لنا معک فی الزیادة، و العدو لا ریب یحل به النّکال لأنه ما معک إلّا لیوث الرجال.
قال و لما وصل البای لخروبة الصیادة المطلة علی غریس، هبط علی قریة الکرط، و مرّ علی سیدی علی القطنی کأنه أسد التغلیس، و لما بلغ الخبر بأن التجینی لا زال محاصرا للمعسکر، رجع نحوه/ متوجها له و هو بخصیبیة من غیر (ص 306)
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 358
المفر، و لما طلّ علیه و رأی عنده الجراد المنتشر، و سمع به التجینی فتأخر عن المعسکر، و هبط دالجا ناحیة أولاد رحّو یروم المقاتلة و عنه یلحّ دخل البای الخوف و الجزع، و لحقه الرعب و الفزع و ظن أن الدّائرة کائنة علیه فثبّته أعیان مخزنه و واعده بأن النصر مقبل علیه، و قال ءاغته المتقاعد الشبیه بالجوطی الحاج عبد اللّه بن الشریف الکرطی أیها البای رأیک الذی استقلیت به حیث ترکت المشورة لکل أحد فی ابتداء الأمر، هو الذی وصلک و أوصلنا معک لهذا الأثر فضحک ءاغته المتولی وقت ذلک، و هو السید الحاج محمد المزاری البحثاوی من ذلک، و قال للبای یا من أنت فی ستر الحلیم الغفار، و حفظ العزیز القهار، لا یدخلک الجزع و لا تصغی للقول المعسار، ستری ما یصدر من مخزنک الأبرار، فإن لهم حق علیک فی المشورة، و أنت ترکت ذلک لجمیعنا إلی أن صارت الحضاجر هی القسورة، فأحسن ظنّک باللّه و لا تهن، و لا تجزع و لا تحزن، فعند حلول الکفاح فی المیدان یتبین لک الشجاع من الجبان، و من کان صغیرا فی السن یصیر کبیرا فی الضرب و الطعن و لیس الکلام بالأفواه وقت تقابل الصفوف، و إنما الکلام للبنادق و السیوف، و یظهر الکر من الفر فالشجاع یتقدم و الجبان یتأخر، و لا یخفی سیدنا طعن مخزنه للعدو إذا تراءا (کذا) الجمعان و غلت الجماجم و تأججت النیران سیما الأعیان الدارئین (کذا) عن سیدنا ما یلحقه من ألم الدعاوی، سیما ما ولده البشیر البحثاوی فهم فداؤک فی الهموم و الکروب، و وقایتک فی القتال و الحروب، فسرّ البای و جمیع الجیش بقوله، و علا شأن عمّه مصطفی و طلع رأسه إلی أن قال أهلا بقوله. و قد کان بن یحیی ابن محمد الغلالی ثم الشقرائی فیما الراوی قد رواه، کتب لآغا السید مصطفی ابن إسماعیل بطاقة یخبره فیها بقدوم التجینی لأم العساکر و مقاتلتهم إیاه، لکون هذا ابن یحیی کان خلیفة قائد المعسکر فی الوارد، و خلیفة القائد عند الأتراک یقال له ءاغة القائد، و بعث بطاقته مع ابنه فجاء بها لیلا لغنیمة الفی‌ء، و لما وصل المحلة قبضه أهلها و منعوه من الدخول لها و سلبوه من کل شی‌ء، و هو یقول جهرا یا قوم أوصلونی عند السید مصطفی بن إسماعیل، فإنی ولد ابن یحیی بن محمود (ص 307) الغلالی قاصدا للنبیل، و جئته بالمکاتب/ من عند أبی فلم یلتفتوا لقوله و صفا و لا زال ینادی إلی أن سمعه ءاغة مصطفا (کذا) فأمرهم بالإتیان به و مطلبه، و لما
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 359
وصله سأله عن نفسه و نسبه، و عرّف بذلک دون شبیه و ناوله مکتوب أبیه، فأمرهم فورا بردّ ما أخذ له بأسره لما ظهرت العلامة، فردوه فورا و لم تضع له حتی الغلامة و ذهب ءاغة مصطفی بمکتوب خلیفة القائد للبای حسن، و عرّفه بالواقع و زال ما به من الوهن، و قال له أنّ ما تراه من الجراد فضباب علی رؤوس الحبال، و ستطلع علیه الشمس الحارّة فینصرف عن آخره و هو فی النکال، و أن العرب ستأکل بعضها بعضا و یقتل بعضها بعضا و النصر مآله إلیک، فانشر ألویتک و نقّر طبولک و اضرب غوائطک بناغراتها و لا حرج علیک، فنشرت السناجیق فی الحین و نقرت الطبول و الغوائط و الناغرات بصوتها الحنین، و التقی الجمعان بعوّاجة بلاد أولاد رحّو فکان ثمّ أعظم الوقوف، و نشأ الحرب بین الفریقین و تزاحفت لبعضها بعضا الصفوف و حام الوطیس و ترادفت الردوف، و اشتبکت الناس ببعضها بعضا و هاج الرّیح العصوف.

المعرکة الفاصلة و مقتل التیجانی‌

قال فلم یکن غیر ساعة إلّا و الحشم و سائر الأعراب قامت علی ساق واحد، و بقی وحده فی تجاجنته و اطّلع علی رأیه الفاسد. و یقال أن البای فرق أموالا کثیرة علی أعیان الحشم و کافة العرب فأوقعوا الهزیمة، و فرّوا و ترکوه بجیشه الخاص به منفردا فی الحالة الذمیمة، فصار جیشه یذبّ عن نفسه عن نفسه و یسارع فی مشیه نحو بستان أولاد رحّو (کذا) و هو بستان عظیم من الهندیة لیتخلصوا به و یتفسحوا فحال بینهم و بینه جیش البای و أوقفوهم بموضع یقال له السّمّار، و أداروا بهم دور مقیاس بسواعد الأبکار، و اشتدّ القتال إلی أن قتل التیجینی بجمیع جیشه و لم یفلت منهم واحد، و مات خلیفة التجینی و هو السید إبراهیم بن یحیی من أولاد سیدی محمد بن یحیی ذی الفضل الماجد، و من جیش البای عدد کثیر بالأمکن منهم محمد ولد قدور البحثاوی و قائد غمرة و غیرهما و تکسّر ءاغته المزاری من ساقه الأیمن، و کان عدة بن قدور ءاغة الزمالة المتقاعد عن الخدمة فی نوبته وقتا، حلف أنه/ إذا ظفر بالتجینی لیضربنّه بسیفه (ص 308) حیا کان أو میتا، و لما ألفاه میّتا ضربه بسکینه للصّدر إزالة للکربة إلی أن هضمه من صدره تهضیما کبیرا بتلک الضربة، فعابته الأعیان علی ذلک کثیرا، و قالوا له
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 360
لو ضربته حیّا لنلت المراد، و لکنک فعلت بنا عسیرا. و لما تمّ القتال أمر البای بقطع الرؤوس رأس التیجنی و یده و رؤوس التجاجنة أهل الضرر فقطعت الرؤوس و بعث بها البای أمامه للمعسکر، و رحل و دخلها فارحا مسرورا، و مؤیدا مغتبطا منصورا، و بمخزنه العظیم نال عزا و شکورا، ثم رجع لوهران فی عزّه و إکرامه، و فضله و إنعامه، و ألویة النصر تخفی علی رأسه و هو فی أنیسه، و اشتد أمره و جرصه، و کتب لقائد ملیانة یخبره بما نصه: الحمد للّه و صلی اللّه علی سیدنا محمد و آله المکرم ولدنا علیّ قائد ملیانة وفقه اللّه آمین السلام علیکم غایة و رحمت (کذا) اللّه و البرکة و بعد فالذی نبشرکم به خیرا إن شاء اللّه تعالی هو أننا طحنا علی محلة الظالم ابن التجینی و أحزابه فقتلناه هو بنفسه و قتلنا خلیفته و قطعنا رأسیهما معا و قتلنا جمیع من کان معه بمحلته و لم یفلت أحد منهم ما یزید علی ألف رأس و سبینا جمیع ما عندهم من خیول وابل حتی الأخبیاء جمیعا و الحمد للّه علی هذه البشارة المبارکة لقد هنیت العباد من ظلمه و فساده وها نحن بشرناک و السلام بأمر المعظم السید حسن بای آمنه اللّه آمین.

حصول القحط و غلاء الأسعار

و فی فصل الربیع سنة اثنین و أربعین و مائتین و ألف باقتباس وقع غلاء عظیم و قحط فیه الناس إلی أن صار الباشا یفرق الرغیف بالمدن علی الناس، فسمی العام بعام خبز الباشا، و تواتر علی الألسنة للآن و فاشا. و کانت الأولیاء فی المستبن تقول آخر الترک من یسمی حسن، و منهم من یقول سیأتی البای حسن یأکل الرتعة و یزید الرسن، و معنی هذه الإشارة بالکمال أنه یأکل الرتعة و هی الرعیة و یزید الرسن و هو العمال، فکان الأمر کما قالت الأولیاء، نعم السادات الأصفیاء الکرام.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 361

سجن الشیخ محی الدین بوهران‌

و قتل هذا البای ولی اللّه سیدی الحاج محمد البو شیخی المقیم بقیزة، بإغراء عدة بن ونزار رایس الونازرة الزمالی له علیة فی الوجیزة، بحیث علّقه مع خشبة بوهران، و قال هذا جزاء من یرید الظهور و الإعلان. و منع شیخ الجماعة من الحج و هو السید الحاج محی الدین بن سیدی مصطفی بن المختار والد الأمیر السید الحاج عبد القادر، و أسکنه بوهران بمنزلة المثقف و لم یخلّ سبیله إلّا بعد/ أمد طویل متکاثر، و لما سامه بالسجن عفانا اللّه منه، قال فیه العلامة السید (ص 309) السنوسی ابن السید الحاج عبد القادر بن السنوسی الدحاوی قصیدة نونیة لتسلیته و إبعاد الهمّ عنه نصّها بتمامها:
عوّل علی الصبر لا تفزعک أشجان‌و لا ترعک بما فاجتک وهران
أما هی الدار لم تؤمن غوائلهابلی هی الدّار أغیار و أحزان
تخفی الدسائس لم تظهر لها حیل‌و لم تعاقداها و اللّه أیمان
شبّت علی الغدر لم تعطف علی أحدإلّا و من غدرها صد و هجران
ما أنت أول من دهت و لا آخرو لا بأوسط من خانته إخوان
انظر إلی یوسف الصدیق کم لبثت‌فی السّجن نفسه لم تزره خلّان
و انظر إلی ابن رسول اللّه ثم إلی‌هلمّ جرّا و ما لاقاه عثمان
تلک العوائد أجراها علی قدرمدبّر الأمر کیف شاء دیّان
لم یشتوک أمحی الدین عن زلةرأوا و لکن أشقی القوم شیطان
صبرا فلا غرو أن تنحلّ عقدة من‌من أجله قد عاد علیک سلطان
و یکظم الغیظ من خصم و من حکم‌و یکشف الغمّ أن صدّوا و أن خانوا
بل لا علیک و إن ساءت ظنونهم‌سیهزم الجمع أو یشتت دیوان
إن العواقب فی القرآن ثابتةللمتّقین و صدق القول قرآن
و أنت و اللّه لم تزل علی سنن‌یهدی إلی الحق لم یملک طغیان
تقری الضیوف و تسعی فی حوائجهم‌و تحمل الکل لا غشّ و لا ران
تبیت بین الدجا تتلوا المفصّل عن‌قلب و تصبح مثل البدر تزدان
تدرّس العلم مرة و ثانیةتلقّن الذّکر و الفؤاد یقظان
فاللّه أسأل أن أراک منطلقاو ما حوالیک حرّاس و أعوان
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 362 و منه أرغب أن ألقاک معتدلاکالحال قبل و قد أمّتک رکبان
ثم الصلاة بمحمود الصلاة علی‌محمّد المصطفی ما تمّ إیمان

حملته علی الشیخ بلقندوز التیجانی و قتله‌

(ص 310) ثم جمع جیشا عظیما یقینا، و ذهب به لزاویة الشیخ بالقندوز/ القدّاری التجینی یمینا، و لیس عند هذا الشیخ الصریح سوی الطلبة لقراءة القرآن و رام قتله فی الصحیح و لما رءاه علی تلک الحالة التی بها خبره انصدع، قال مثل هذا لا یثور علینا و رجع.
ثم غزاه فی عام خمسة و أربعین و مائتین و ألف فی جیش عظیم لا یطیق له أحد علی الوصف، و لما وصله قال لمن بعثه یأتی به شهیرا، إذا امتنع من الإتیان معک و أراد الطلبة الحرب فارجع لی بذلک و کان عددهم کثیرا، و أوصی جیشه الأتراک أیضا رصدا، بأنه إذا ضرب البارود بالکابوس فعلیکم بنوایل الطلبة فاقتلوهم و لا تحاشوا أحدا. و کان من عادته إذا أراد المکر بأحد و الناکوس، یعض لحیته فصار یعضها و بیده الکابوس، و لما رءا (کذا) ذلک جهرا، ءاغته السید مصطفی بن إسماعیل البحثاوی أتاه فورا، و قال له ماذا ترید أن تفعله وحدک، و لم تنس بواقعة التجینی ما بقصدک، أردت أن یتکلم فیک البارود من جیشک الذی معک فعند ذلک تندم علی رأیک، فقال له و أی سبب، حتی یحل بنا هذا العطب، فقال له أن هؤلاء الطلبة کلهم من الجیش الذی معک بعضهم من البرجیة و الزمالة، و الدوائر بالقول المتراجع، و بعضهم من بنی عامر و الحشم و بین شقران و مجاهر و فلیتة إلی غیر ذلک من النواجع فمنهم من هنا ولده و قریبه، و منهم من هنا أخوه و حبیبه، و إذا رأوا ذلک القتل فیهم و أجهدهم لا جرم أنهم یقاتلونک علی قرابتهم و الحق عندهم و الرأی الذی فیه المصلحة اترک ما نویته و أبعث من یأتک (کذا) به لأنک جئت له لا لکلهم، حیث لم یهدک اللّه فی شأنه و اترک الطلبة یذهبون لأهلهم. قال فقال له رأیک صوابا، و أحسنت تدبیرا و جوابا، فترک ما أمر به بجده و أدخل کابوسه فی غمده، و بعث له السید قدور بن المخفی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 363
فذهب و لم یأت له بعد إعطائه الزیارة ثم بعث له من حلّ به المکر و الخسارة، و هو ابن دهما العامری الخالفی شریر الفعل بکل جواریحه حتی فیه، فدخل علیه بنوالته و لطم خدّه و أخذه بشدة و أسحبه علی الأرض إلی أن أوصله للبای و هو یسحب فیه، فأمر البای بوضع الکبل علیه لقلّه، و افترقت الطلبة من حینهم فذهب کل واحد لأهله. و کان بالقندوز یقول قبل وقوع الأمر به للطلبة، نعم السادات ما تقولون هل الأفضل الذبح أو الخنق بالغلبة، ثم قال الذبح یؤدی لاختلاط الدماء فالخنق أفضل، فمن أراد الذهاب فلیذهب و من أراد البقاء، فلیقعد حتی یشاهد القول الأکمل.
/ ثم ارتحل من موضعه و ذهب مشرقا، إلی أن نزل برهیو فقتله به خنقا مع (ص 311) داوود المزابی قولا محققا. و لما مات الشیخ بالقندوز دون علم أحد من الناس بغیر اشتباه، صار ولیّ اللّه السید الحاج محمد أبو قراب یقول أتی أمر اللّه یا عباد اللّه، فأرسل اللّه علی المحلة ریحا عاصفا بصعصعه، إلی أن تکسرت رکیزة و تاق البای و أزیل الوتاق من موضعه، و ضجت الدواب بالصهیل، و ماجت الناس و هم خائفون من التبدیل، ثم سکن ذلک بعد ساعة، فعلموا بموت السید فواروه فی رمسه باستطاعة. و کان أبو قراب من أولیاء اللّه الکاملین، و الرجال السادات الواصلین، و کان قرابه بیده علی الأبد و یمشی علی رجلیه مع المحلة حیث ذهبت، و لا تسبقه للمنهل و لو فی مشیها أسرعت و غصبت، بل هو الذی یسبقها فی سائر الأحوال، و یبقی فی الصدود من ورائها حتی یذهب ضعفاء الرجال، فلذلک اشتهر بهذه الکنیة، و امتاز بها فی المرثیة. و قد أمات اللّه ابن دهماء أشر موتة، و مقته أشر مقتة. و لما قتل بالقندوز صار الشیخ الکامل القطب الواصل، السالک المجذوب المقرب المحبوب، صاحب الملجأ و المناصی، السید مولای محمد الولهاصی یقول للعجب کل العجب بالتّوفیه، الترک یقتلون بالقندوز و مولای محمد یموت فیه، و بموته یحصل الفرج للإسلام، و یحل بالترک الانتقام ثم یراقب البحر، و یقول بالجهر بالمرکیش أرواح اتعیش، فی لحم البقر و الدشیش، و یکرر ذلک فی سائر الأوقات، إلی أن تم أجله و مات، و بموته انقطع الأتراک، و انفصم حبل الاعتراک. و من الأولیاء من کان یقول فی أیام الصمائم، ماذا یقع بأهل العمائم، و لم ینج ولیّ من البای حسن إلا السید محمد بن عبد اللّه
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 364
المشتهر بابن سحنون و یقال له مولا عین الحوت، فإنه لم یتصرّف فیه بشی‌ء فی المثبوت و کان ساکنا بضواحی تلمسان، و الوشاة ساعون به لدی البای بوهران، فبعث له أناسا یأتوه به، و کل من یصله لا یخبره بشی‌ء من مطلبه، و یرجع للبای فیقول له قد أبی و بان منه العصیان، و لا یأتیک إلا إذا غزوته بجیشک فیحل به ما کان، ثم أن البای قال کیف أغزوا (کذا) رجلا واحدا بجیشی، و ربما یکون به إزالة ریشی، فبعث له الفارس الأمجد الشجاع الأوکد، الواثق بالباری، السید (ص 312) الحاج محمد المزاری/ و قال له اذهب للإتیان به مکبّلا و استعن بالباری، و کان المزاری وقت ذاک لم یکن آغا أصلا، فامتثل الأمر و قال لا قوة إلا باللّه و لا حولا، ما هذه المصیبة التی ابتلیت بها عن غیری و ما هذه الرزیة التی جاءتنی تجری، و لما وصله نزل عنده و نظره فی أحواله، و تدبّر فی أفعاله و أقواله، فألفاه بریئا و أنه من أولیاء اللّه المتعبدین بجحرهم، المعزّین للفقراء و المساکین و الضعفاء و غیرهم و للوافدین علیهم فی محبّة اللّه أهلا، و مرحبا بکم و سهلا، و أنه لیس من أهل الثوران، و لا خوف منه علی بای وهران، فبات عنده و نفسه تدبر فی کیفیة الخلاص من الأمر الذی ابتلی به المفضی للأخذ بالنّواص، و لما أصبح اللّه بخیر الصباح و ارتفع النهار و ضوؤه بان، أراد أن یقول له علی القدوم معه لوهران، فسبقه ذلک الولی بالقول مسرعة و قال له یا لمزاری أنک مأمور بأخذی معک لوهران مکبلا علی برذعة فخذ الکبل و افعل ما أمرت به لا خوف علیک، و کل من جاءنی قبلک لم یقل لی شیئا بما لدیک فقال لی یا سیدی لا أطیق علی حملک معی مقیّدا علی البرذعة و لکن ارکب فرسک مسرجا و اذهب معی و ننیل (کذا) إن شاء اللّه للمنفعة إلی أن نصلا (کذا) لوهران دون تشدید، و یفعل اللّه سبحانه فی ملک ما یرید. فقال له الولیّ لا تعص الأمر لأنه أمر أمیر المؤمنین. و طاعته واجبة علی الذین بقلوبهم مؤمنین، فقال له لا یلیق إلا ما نطقت به إلیک، و لا شی‌ء إن شاء علینا و لا علیک، فقال له الولی خذ القید من بیتی لنذهبا (کذا) راکبین علی السروج، و حیث نقربا (کذا) وهران نرکب البغلة المبردعة مکبّلا و لا فیها حروج، ثم أتاه بالقید، و أمر صاحبه أن یبرذع البغلة بغیر روید و یسرج فرس المزاری و فرسه، و یذهبون لوهران بلا نفسه ففعل الخدیم کل ما قاله الولی و رکبوا و أتوا وهران، و لما قربوا منها أقسم علی المزاری أن یکبله
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 365
و یرکب علی البغلة لیکون الاطمنان (کذا) ففعل المزاری ما رضی به السید الحلیم و دخلا وهران علی تلک الحالة التی مئالها (کذا) الفوز العمیم ثم ذهب به المزاری لبیته و بها بات، و من الغد ترکه بالبیت و ذهب عند البای وقت اجتماع الأغوات، و قال یا سیدنا أن الذی أمرتنی به جئتک به علی تلک الحالة، و أنه ببیتی و أرید منک الأمن علیه و لا تلتفت لقول القوالة، و أخبره بأمر السید من أوله إلی أخره و ما احتوی علیه من باطنه و ظاهره، فظهرت البشری علی وجه البای و قال ما ترید یا المزاری فقال/ له إذا أردت دیته أو الخطیة نؤدیها لک من مالی (ص 313) لما قلت لی و استعن بالباری، کما لا تنتقم منه بالسجن فإنه فی ضمانتی فی داری، فقال له علیه الأمان التام أن لا یخشی من شی‌ء و اللّه شاهد علیّ فی ذلک، غیر أنی أحب أن اختبره ببعض الأمور السیاسیة لیطمئن قلبی بذلک فأحضره المزاری لدیه، و لما مثل بین یدیه حصلت للبای منه هیبة و رهبة و محبّة و رغبة، و قال له یا هذا الرجل ما هذا یسمع عنک من اجتماع الناس فی کل وقت علیک، و وفودهم فی کل آن إلیک، فقال له إذا أخبروک بأنی جاعل خیمة للطلبة و ضیاف اللّه، و المخزن إذا جاء فذلک حق لیس به اشتباه، و إذا أخبروک بغیر هذا فذلک عنّا بعید، و نحن فی طاعة أمیر المؤمنین کما أمرنا الرسول و المولی الکریم المجید، فقال له البای إنی نخایل فیک بعض الأسرار، و أردت اختبارک بأمور تنشأ لک منها الأضرار، فإن کنت من ذوی الأسرار الربانیة خلصت منها بسرک، و إن کنت من الأحزاب الشیطانیة کانت آخرا لعمرک فقال له افعل ما ترید ینفذ، غیر أنی أقول لک قولا إن هلکتنی تهلک و إن أنقذتنی تنقذ و أن بعثتنی برا تبعث برا، و إن أرسلتنی بحرا ترسل بحرا، فبادر بالاختیار و انظر لما یکون لک له النجاة من الأسار، فألقاه أولا علی مخاطیف الحدید، فصار یلعب علیها و البای ینظر و یزید، ثم ألقاه ثانیا ببیت السباع، فبصبصت له و هی ذات إیطاع، و صار یرکبها واحدا بعد واحد و هم به فارحون و له صابرون، و البای بمن معه من أرباب دولته ینظرون، ثم ألقاه ثالثا فی الکوشة، فطفیت نارها کأن الماء بها فی العروشة، فاتّکأ فیها طولا و عرضا و الناس ینظرون له ثم لبعضهم بعضا و یتعجبون من أمر اللّه الواحد الباری، ثم أخرجه و بعثه لبیت المزاری، و قال له غدا نبعثک لبنی یزناسن مع البحر فی اطمأنان (کذا) و یلحقک أهلک فقال للمزاری اعلم أنی
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 366
ضمنت لک من الآن الریاسة و الرفعة و السیاسة، و لأولادک من بعدک مؤّبدة و دائمة مسرمدة لا یقطعها منکم قاطع، و لا یزیلها قانع و لا طامع و لا یتصرف فیکم أحد (ص 314) بسوء فی السر و العلن، و أنتم/ علی الأبد فی أمن و أمان من ضرر المخزن ثم من الغد بعثه البای حسن لبنی یزناسن فی السفینة، و أمر أن یلحق به أهله فی أمن و أمان من کل خوف و غبینة، فکانت دعوته بالخیر علی المزاری هی سبب تولیته ءاغة فإنه فی تلک الأیام صار ءاغة و هی تولیته الأولی لذلک المنصب، و اطمأن قلبه و زال ما به من النصب. هذا ما حدثنی به الفقیه الأدیب، الحاذق اللبیب، الشریف العدل السید محمد بن الحبیب الغربی ثم البو عمرانی أحد أولاد سیدی عمارة أهل السر الربانی. و کذلک خلص من ضرره الشیخ الضریر، السید إبراهیم الخروطی الخریر، فإنه بعث له مکاحله محمد بن المختار الزمالی لیأت (کذا) به لأمر ظهر علیه غیر الموالی، و لما أتاه به نظر فی حاله و أصله، فألفاه من الذین لا یثورون علیه فسرّحه لأهله. و یقال أنه دعا بالشر علی محمد ابن المختار، و مقامه کما مرّ خارج سور وهران، من ناحیة الحمری لاشتهار. و فی أیامه سنة أربعة و أربعین و مائتین و ألف قتل العالم العلامة الحجة الفهامة السید محمد بن قرید الغربی شهیدا ببیته، بخنق النطاح بوهران فی المعترف، قتله بعض من تسلّط علی زوجتیه من اللصوص عمدا لا جهلا، و لما قام لیدافع قتل لیلا، و من الغد أخذت زوجتاه و ذهبتا للبای فأمر بتشکیرهما، و رمیهما فی البحر من غیر تحویرهما، فقیل للبای أن أحدهما حامل، فقال لیست تأتی بابن قرید فی القابل، فنفذ فیهما الأمر تنفیذا، و استحوذ بهما تحویذا، و أمر بحرق نوائل تلک الحومة، و صیّرها تنوح بها البومة، و حضر لدفن العلامة، و شاهد منه عجائب الکرامة، و نجا الظالمان إلی أن قبض أحدهما فی ولایة الأمیر ناصر الدین، السید الحاج عبد القادر بن محی الدین، و رفع به فبحث عن أمره بحثا مشددا.
و لما ثبت القتل علیه مکّنه من قرابة الشیخ ابن قرید فقتلوه قصاصا لا رحم اللّه قاتل الشیخ أبدا.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 367

الهجوم علی قبائل الأحرار و عقابهم‌

ثم غزی أدقافایت قریة من قری القبائل بالظهرا، من رعیة المغرب الأقصا و قصدهم جهرا، فلم یصلهم لبعدهم عن رعیته، بل وصل إلی عیون بنی مطهر و رجع بفوریته، و قد عتقهم اللّه تعالی من ظلمه و غصبه و سبیه و نهبه. و فی عام أربعة و أربعین من القرن الثالث عشر بالاشتهار، غزی من رعیته، قبیل الأحرار، و هم بأرض الیعقوبیة، رکب لهم بمحلته من بلاد بنی عامر فأخذهم الأخذة الکروبیة بحیث شفا فیهم لنفسه/ العلیل، و أبرد فیهم الغلیل و کتب بذلک (ص 315) لحسین باشة الجزائر، یخبره بما نصه بالبشائر: الحمد للّه وحده و صلی اللّه علی سیدنا و مولانا محمد و آله و صحبه و سلم أبقی اللّه سعادة من أنام الأنام فی مهد الأمان و أفاض علیهم سحائب العدل و الإحسان الفاضل الکامل المجاهد الحافل، سیف الدولة و لسانها و عین أولئک الأعیان بل هو إنسانها، مولانا السلطان المعظّم، الملک المفخم، ذو الأیادی الجسام، و الفتوحات العظام، ناصر الدنیا و الدین، قامع أعداء اللّه الکافرین الجاحدین مولانا الدولاتلی سیدنا حسین باشا، لا زالت الأعداء من خوفه بحول اللّه برا و بحرا تضمحل و تتلاشا، سلام علی سیادتکم یملّا البسیطة أرجا و طیبا، و یقوم علی منابر السنا بنشر محاسنکم خطیبا، و رحمت (کذا) اللّه تعالی و برکاته، تغشاکم ما دام الفلک و حرکاته، أما بعد أبعد اللّه عنا و عنکم ما تکرهون، و قرّب لنا و لکم ما تحبّون و تشتهون، فإننا غزونا علی قبیل الأحرار الغرابة بعد المراصدة و تخلّف العیون، لما هم علیه من عدم الغفلة و کثرة الظنون و قد رکبنا إلیهم فی المحلة المنصورة من بلاد بنی عامر و سرنا نحوهم سیرا عنیفا، نحثّ المطایا علّنا (کذا) نظفر بتالیدهم و الطریفا، فأصبحنا علیهم و هم فی غفلة فأحطنا بهم إحاطة الهالة بالقمر، و الخاتم بالخنصر فجمعنا مالهم جمعا، و حزناه وترا و شفعا، فشفا منهم العلیل، و برد الغلیل لکوننا طال ما رمنا أخذهم فلم یأمنوا و الآن قد ظفّرنا اللّه بهم فأخذناهم أخذة رابیة، بغزوة شافیة کافیة، و ذلک ببلاد الیعقوبیة و رجعنا نحن و العسکر بالسعیة، و المخزن بخیر و علی خیر فالحمد للّه علی الغنیمة و السلامة و الکل من فضل اللّه و برکاتکم أدام
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 368
اللّه لنا وجودکم و أفاض علینا برکاتکم وجودکم، و قد وقع ذلک یوم الخمیس الرابع من المحرم الحرام فاتح أشهر سنة أربع و أربعین و مائتین و ألف و یصلکم صحبة الحامل الطالب الذی أمرتمونا ببعثه لیرقی إنسانا مریضا جعل اللّه دواءه علی یده و کشف عن ضره کما کشفه عن أیوب عبده، و قد اخترناه لمعرفته بتلک الأمور و دیانته فإن البرکة تلازم لأهل الدین و التقی، فلذلک تقضی بهم الحوائج دعاء ورقی و المولی جلّ جلاله ییسر الأمور و إنه علی ذلک قدیر، و بالإجابة حقیق و جدیر، و ثم السلام التام فی البدء و الختام، و کتب عن إذن (ص 316) ابنکم المعظم السید حسین بای الإیالة/ الغربیة آمنه اللّه آمین.
و لا زال حسن بایا بوهران إلی أن دخلها الفرانسیس بالبیان سنة ست و أربعین و مائتین و ألف ، بالثبات فحملوه للمشرق و بقی به إلی أن مات.

رأی محمد بن یوسف الزیانی فی الأتراک‌

قال شیخنا الشریف الحسنی الصمدانی، و القدوة الربانی، العلامة السید محمد بن یوسف الزیانی، فی دلیل الحیران و أنیس السهران، فی أخبار مدینة وهران: و اعلم: أن الأتراک لما تمهد لهم الملک بالجزائر کثر ظلمهم و فسادهم، و عتوهم فی الخلق و عنادهم بحیث لا یلیق أن یذکر ما کانوا فیه من الظلم و المناکر، و تواتر ذلک علی الألسنة بغایة المتواتر فاشتغل العلماء فی ذکر ذلک فی نثرهم و نظمهم، و سألت الناس اللّه أن یزیل بهم ما حلّ من ظلمهم، فمن ذلک قول العلامة الأدیب الشاعر الدراکة اللبیب الماهر أبی عثمان سعید بن عبد اللّه المنداسی التلمسانی الحاذق النبیل، فی قصیدته النونیة التی هی من بحر الطویل:
بنا السدّ ذو القرنین للناس رحمةفیا لیته من شوکة الترک هنّنا
إلی آخرها. و منها قول العلامة الکاتب البارع الشاعر، فی رجزه السید مسلم بن عبد القادر:
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 369 أدّبهم ربهم لما طغواعرّفهم بقدرهم لمّا بغوا
فاشتغلوا بالظلم لیس من عدل‌فاتّخذوا (کذا) أخذا و بیلا بالمهل
لمّا نسوا ما ذکروا به ختم‌علی قلوبهم اللّه و انتقم
إلی أن قال:
صنادید لولا الفساد فی الوری‌لقلنا قلّ مثلهم فوق الثّری
عتوا عتوا علی الخلق و جاروافکانوا أکثر العباد و باروا
فرفع الکلّ الأکفّ و دعوابما به أجاب اللّه و رجوا
أمهلهم لن بلغ الوقت الأجل‌أبدلهم بغیرهم تمّ العمل

أغوات البای حسن‌

و کان ءاغته من الدوائر بالنوبة الصنادید الثلاثة الذین لا یرون فی فللهم النّکاثة و هم الحاج عبد اللّه بالشریف الکرطی التلاوی، و مصطفی بن إسماعیل، و ابن أخیه الحاج محمد المزاری البحثاوی، و من الزمالة ثلاثة أیضا بلا زاید، و هم الحاج المرسلی بن محی الدین، وعدة بن قدور، و قدور بن وارد، بقوا علی ذلک/ إلی انقطاع الأتراک، فزال التداول و الاشتراک و الدوام للواحد القهار (ص 317) الملّاک.
انتهی الجزء الأول من طلوع سعد السعود و یلیه الجزء الثانی و مبدؤه الدولة التاسعة.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 371

الفهارس العامة

اشارة

- فهرس الأعلام.
- فهرس القبائل و الجماعات.
- فهرس الأماکن الجغرافیة.
- فهرس الکتب.
- فهرس الخرائط.
- فهرس الموضوعات.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 373

فهرس الأعلام

- أ- أحمد بسطانجی: 252.
أحمد العاقل: 70، 71، 80، 193.
أحمد بن یوسف: 70، 76، 99.
أحمد بن إدریس: 68.
أحمد الهایج: 73.
أحمد بن غانم: 74.
أحمد الفیلالی: 91.
أحمد بن الخوجة: 98.
أحمد بن التهامی: 99، 101، 102.
أحمد بن علی: 99، 104.
أحمد بن أفغول: 106.
أحمد بن الهاشمی: 99، 104.
أحمد بن هطال: 106، 304.
أحمد بن الطاهر الرزیوی: 108.
أحمد العبد: 214.
أحمد بن أبی جمعة الوهرانی: 97.
أحمد الکلاعی: 108.
أحمد الشماع: 156.
أحمد بن مرزوق: 157.
أحمد بابا: 150، 196، 250.
أحمد بن الناصر: 156.
أحمد بن زیان: 216. طلوع سعد السعود ؛ ج‌1 ؛ ص373
مد بن محمد الشقرانی: 214.
أحمد خان الثالث: 246.
أحمد إعراب الجزائری: 274.
أحمد بن الأحرش: 300، 324، 336.
أحمد الترکی: 324، 353.
أحمد التیجانی: 352.
أحمد زروق: 76، 79.
أحمد بن الشماع: 156.
إدریس بن عبد اللّه: 117، 130، 143.
إبراهیم بن الولید: 129.
إبراهیم بن أدهم: 151، 156.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 374
إبراهیم الوهرانی: 95.
إبراهیم باشا: 237، 228.
إبراهیم خزناجی: 252.
إبراهیم أفندی: 256.
إبراهیم الملیانی: 282.
إبراهیم بن یحیی: 362.
إبراهیم التازی: 69، 74، 78، 79، 97.
إبراهیم خزندار: 339.
بن آمنة: 111.
الأخطل: 152.
أبو إسحاق إبراهیم: 157، 285.
أبو إسحاق الشیخ: 163.
أبو إسحاق الشاطبی: 137.
أرطغل: 242.
إسحاق عروج: 252.
إسحاق الإسکندر: 216.
إسماعیل سلطان: 230.
إسماعیل بن علی العلوی: 227.
إسماعیل بن البشیر البحثاوی: 285، 342.
إسماعیل أو علام المدنی: 279.
الأشعری: 241.
أمیة الأموی: 129.
الإسکندر إسحاق: 249.
أندری دوریا: 224، 225.
أوزون حسن: 235، 252، 275.
أورخان: 242.
أوغسطس: 268.
إیزابیلا الکاثولیکیة: 267.
- ب- بادیس بن المنصور: 126، 138، 139.
بابا حسن: 255.
بابا محمد: 256.
بابا عبدی: 256.
بابا علی: 353.
بختی بن عیاد: 82، 97.
بدر الدین: 89، 106.
البشیر بن یحیی: 88.
البخاری: 196.
البشیر بن أحمد: 276.
بلقندوز القراری: 362.
بوقلموس (ن): 211، 216.
ابن بطوطة: 149.
بولکین: 122، 123، 128، 259.
البکری: 56، 117، 121.
أبو بکر الصدیق: 119.
أبو بکر بن عمر اللمتونی: 131، 140.
بکار بن إبراهیم: 132.
أبو بکر بن یحیی: 157.
أبو بکر الحسین: 176.
أبو بکر بن غازی: 186.
بلاحة المهاجی: 231.
أبو البهار بن زیری: 124، 128، 129.
بکیر الحاج: 223.
البیهقی: 207.
البای بوکابوس: 323، 336.
بن یبقی محمد: 82، 47.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 375
- ت- تاشفین: 136، 137، 140.
أبو تاشفین: 176، 188.
ابن تافراکین: 176.
ابن ترقاس: 336.
ترک بن کومر: 230.
التغریزی: 211.
تمیم بن معنصر: 132، 138، 139.
ابن تومرت: 135.
- ث- الثعالبی: 75.
أبو ثابت: 177، 178، 180، 189.
- ج- جابر بن یوسف: 162.
جبور بن حسنة: 215.
جعفر رایس: 254.
جعفر البرمکی: 160.
جعفر بن علی: 123.
أبو جعفر بن عطیة: 144، 146.
ابن جرار: 178.
ابن الجوزی: 204.
جنکیز خان: 242.
جوهر: 122.
ابن جلول: 177.
- ح- الحبیب البخاری: 110.
الحبیب بن بروکش: 104.
الحبیب بن الهاشمی: 104.
ابن حمدون: 123.
ابن حمید داوس: 117.
حماد بن بلکین: 138.
حذیفة بن الیمانی: 241.
الحسن ابرکان: 83.
حسن آغا: 220، 222.
حسن بن خیر الدین: 226، 252، 254، 270.
حسن خوجة: 255، 337، 348.
أبو الحسن المرینی: 231.
حسن بن قبطان: 252.
حسن بابی: 285.
حسن الترکی: 337.
حسن التیجانی: 353.
حسن بن موسی (مکی): 345.
حسین الشیخ: 255.
أبو حفص: 156.
حمد المعاشی: 279.
أبو حمد موسی: 175، 179، 196.
حفص بن حولات: 115.
الرایس حمیدو: 345.
ابن حزم الظاهری: 377.
- خ- خالد بن المنتخب: 157.
أبو خدیجة (بای): 271.
خروفة: 280.
خدیجة: 290.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 376
ابن الخطیب: 142، 176، 179.
ابن خلدون: 117، 179، 199.
ابن خلکان:، 56، 58، 206.
خزر بن حفص: 55، 57، 115.
ابن خمیس: 59.
خلیفة الهواری: 79.
خلیل بکداش: 253.
خوجة بکداش: 253.
الخیر بن محمد: 119، 123.
خیر الدین: 220، 252، 256.
- د- دالی إبراهیم: 253.
دادة أیوب: 67، 137.
بن داود بن المختار: 230.
داود المیزابی: 363.
داود بن حولات: 117.
أبو دبوس: 172.
الحاج داود بن المختار: 324.
أبو دیلم بن خطاب: 128.
دنونة: 173.
أبو دیة: 261، 310.
أبو دهما العامری: 363.
الدرقاوی بن الشریط: 306، 309، 310، 311، 312، 324، 325، 339، 347.
دموش: 279، 280، 286.
- ر- راشد بن مندیل: 165.
راشد بن یحیی: 186.
رابح بن حاولة: 218.
ابن رشد: 135.
ابن رشیق: 142.
الرشاطی: 56.
الرشید المؤمنی: 162.
الرشید عبد الواحد: 135.
أبو راس الناصر: 55، 57، 58، 63، 74، 78، 81، 88، 89، 108، 117، 121، 137، 147، 158، 175، 177، 179، 197، 199، 201، 226، 230، 231، 236، 250، 264.
- ز- زاوی بن بلکین: 139.
زاوی بن کبیسة: 211.
الزرقانی: 267.
ابن زرقون: 146.
زکریا اللحیانی: 157.
زیان بن ثابت: 158.
أبو زکریاء یحیی: 158.
أبو زیان بن سعید: 165.
أبو زیان الرشید: 183.
أبو زیان: 180، 189.
أبو زیان محمد: 194.
أبو زید الهزمیری: 166.
أبو زید ابن الإمام: 176.
الزهار محمد الشریف: 216.
ابن زهر الطبیب: 152.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 377
زیری بن عطیة: 125.
زیری بن مناد: 123، 124، 125، 127، 138.
- س- سارة بنت المنذر: 200.
أبو سالم إبراهیم: 175، 180.
السایح بن خضرا: 328.
السطی أبو عبد اللّه: 177.
سعید المنداسی: 368.
سعید المغربی: 199.
السعید بن أبی عنان: 180.
أبو سعید عبد الرحمن: 178، 179.
أبو سعید عثمان: 165.
السعید المؤمنی: 162.
سلیمان بن عبد الملک: 129.
سلیمان بن النزاری: 108.
سلیمان باشا الترکی: 226.
سلیمان شاه: 242، 244.
سلیمان الثانی: 246.
سلیم الأول: 244.
سلیم الثانی: 244.
سلیم الثالث: 247، 249.
سلیمان بن سابق: 62.
سلیمان أبو الربیع: 175.
سلیمان بن موسی: 194.
ابن السویکت: 283.
السملالی: 240.
سوید بن عمارة: 215.
السموأل: 324.
- ش- شارل الأول: 216.
شارل الثانی: 229.
شارلکان: 220.
شانجة: 174.
الشریف الوادفلی: 106، 111.
ابن الشریف الدرقاوی: 106، 303، 309، 326، 345.
الشحط والد دموش: 231.
شراعة: 92.
الشقرانی أحمد بن محمد: 214.
الشریف الکرطی: 280، 282، 283.
البای شعبان: 229، 230، 231، 252.
شعبان آغا: 253.
شعبان خوجة: 253.
أبو الشلاغم: 235، 258، 276، 282، 289.
الحاج شعبان: 254.
شهاب الدین الخفاجی: 207.
- ص- صالح الزواوی: 78.
صالح القلعی: 74.
الصباغ القلعی: 74.
الصفدی: 56.
صلاح الدین: 150.
صواف البای: 271.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 378
ابن الصغیر: 152.
- ط- الطاهر المشرفی: 99.
طارق بن زیاد: 200.
طیباربوس: 268.
الطیب المشرفی: 111.
- ع- عبد اللّه بن خطاب: 86.
عبد اللّه بن عمارة: 108.
عبد اللّه بن سعد: 115.
عبید اللّه المهدی: 119.
عبد اللّه بن یاسین: 131، 139، 140، 142.
عبد اللّه بن وجلید: 142.
عبد اللّه بن بلکین: 139.
أبو عبد اللّه محمد: 142، 156.
عبد اللّه بن عبد الواحد: 156.
عبد اللّه المستنصر: 158.
عبد اللّه الیعقوبی: 226، 227.
عبد اللّه الغالب: 226.
عبد اللّه بلکباش: 256.
عبد اللّه العباسی: 135.
عبد اللّه بن الشریف: 360.
عابد بن الزرقاء: 277، 279، 282.
بن عبد اللّه بن حواء: 294.
عبد الرحمن الحکم: 55، 56.
عبد المؤمن بن علی: 60، 136، 137، 138، 140، 144، 145، 146، 169.
عبد الرحمن الجامعی: 63، 174، 226، 230، 247.
عبد الرحمن الجوزی: 88.
عبد الرحمن بن الطیب: 110.
عبد الرحمن الناصر: 119، 129.
عبد الرحمن الداخل: 128، 129، 139.
عبد الرحمن بحشو: 342.
عبد الرحمن بن هشام: 129.
عبد الرحمن المعافری: 136.
عبد الحق: 189.
عبد الرحمان العماش: 214.
عبد القادر بن داود: 215.
عبد القادر (الأمیر): 247، 344.
عبد القادر بن السنوسی: 300.
عبد القادر الشریف: 302.
عبد القادر الجیلالی: 284، 285، 302.
عبد القادر المشرفی: 288.
عبد القادر بن مصطفی: 99.
عبد القادر الحسنی: 102.
عبد القادر بن بروکش: 104.
عبد الحق بن محیو: 171.
عبد المالک: 129.
ابن عبد الکریم العجیسی: 128.
عبد الرحمن مقلاش: 96.
عبد الحلیم المستغانمی: 286.
عبد الرزاق التلاوی: 282.
عبدی آغا: 253.
عبد الرزاق الجزائری: 250، 252.
عبد العزیز خان: 248.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 379
عبد الحمید خان الثانی: 248، 249.
عبد الحمید الأول: 247، 248.
عبد الواد: 193.
عبد الواحد: 192.
عبد المؤمن بن عبد الرحمن: 214.
العبدوسی: 68.
العباس بن بختی: 128، 133.
ابن عبد القوی: 165.
ابو عباس البجائی: 167.
عثمان الغازی: 241، 242، 245.
عبد السلام التونسی: 144.
عثمان بن إسماعیل: 300.
عثمان بن محمد: 298.
عثمان الکردی: 290.
عثمان بای: 284.
عثمان الثالث: 247.
عثمان بن یوسف: 162.
عثمان بن یعمراسن: 165، 175.
عثمان السعید: 175.
عثمان بن وزمار: 181.
عثمان بن مسلم: 184.
ابن العالیة: 110.
عثمان بن عفان: 115، 211، 260.
ابن عرفة: 70، 158.
عروج الترکی: 76، 249، 252.
أبو عصیدة: 157.
عقبة بن نافع: 141.
عدة بن محی الدین: 314، 324.
عدة بن المشیر: 283، 286.
عدة بن داود: 278.
عدة ولد الصحراوی: 228.
عدة ولد قدور: 359.
عدة بن ونزار: 361.
علی التدرومی: 75.
علی بن أحمد الکثیری: 75.
علی بن یوسف الدایری: 108، 175.
علی بن أبی طالب: 119، 238.
علی بن ثور: 123.
علی بن یحیی المسوفی: 140.
علی بن محمد: 140.
أبو علی الملیانی: 166.
علی بن راشد: 179.
أبو عزة بن حمیدة: 231.
علاء الدین: 242.
علی آغا: 253.
العلج علی: 254.
علی بو صبع: 255.
علی بن عبد الرحمن: 109.
علی بن أحمد: 357.
علی أبو الوفاء: 351.
البای علی: 346، 347.
علی بن مصطفی: 281.
عصمان بن إبراهیم: 280، 281.
أبو علام: 277، 286.
أبو عباس العاقل: 194.
عمر آغا: 256، 326.
عمر الزحاف: 198.
عمر بن یحیی الهنتاتی: 137.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 380
عمر بن عبد العزیز: 70، 129، 158، 216.
عمر بن الخطاب: 119، 176، 260.
عمر بن العاص: 260.
أبو العلاء: 156.
عمر بن أبی زکریاء: 157.
ابن أبی عمارة: 158.
أبو عنان: 178، 179.
بن عودة: 276، 278، 280.
عیسی بن مریم: 198.
عیسی بن غریب العربی: 211.
العزیز بن المنصور: 139.
عطیة بن موسی: 186.
- غ- غانیة: 140.
ابن غانیة: 196.
غانیوس و یولیوس: 268.
الشیخ غانم بن یوسف: 84، 85، 86.
الغزالی: 135.
الغازی بن قیس: 142.
- ف- فاطمة: 295.
فاطمة الزهراء: 119.
أبو فارس عزوز: 70، 157، 158، 168، 169، 174، 180، 186، 192.
أبو الفداء: 56، 57، 151، 197.
فرقان الفلیتی: 106، 350.
ألفونسو 12: 268.
ألفونسو 13: 268.
فیردیناند: 215.
فیردیناند 6: 258.
فیردیناند 7: 260، 267.
فیلیب: 215، 257.
فیلیب 2: 227.
فیلیب 3: 227.
فیلیب 4: 227.
فیلیب 5: 235، 256.
- ق- القاسم بن محمد: 159.
قارة باغلی: 338.
قارة الجزائری: 108.
القائم العبیدی: 120.
القباب: 68.
قدور الکبیر بن إسماعیل: 296، 298، 300، 324، 353، 344، 347.
قدور بن علی:، 298، 300.
قدور بن الشریف: 364.
قدور الصغیر: 324.
قدور بن سفیر: 353.
قدور بن المخفی: 362.
الفلجاوی: 79.
القائم أبو دیوس: 156.
قسطنطین بن هرقل: 260.
قلودینوس: 268.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 381
- ک- کارلوس: 216.
کارلوس: 229.
کارلوس‌III : 258.
کارلوس: 260.
کجّک علی: 220.
کوسه محمد: 253.
کعب بن زهیر: 97.
کریستوف کولومب: 199.
- ک- لذریق: 200.
لسان الدین ابن الخطیب: 174، 176.
الولید بن عبد الملک: 200.
الولید بن یزید: 125.
لویس: 235.
- م- المأمون العباسی: 162، 205.
مامی الحاج: 222، 223، 253.
محمد بن قرید: 366.
محمد بن المولود: 262.
محمد الصغیر الغبرینی: 269.
محمد بن عیسی: 270.
محمد الزناقی: 271.
محمد المزاری: 272، 351، 358، 359، 364، 365.
محمد المسراتی: 276، 277.
محمد أبو طالب: 277، 278، 279، 282.
محمد بن زرفة: 277.
محمد بن عودة: 284، 315.
محمد بن یوسف الزیانی: 368.
محمد بن علی الشریط: 286.
محمد الصغیر: 290، 295.
محمد بن الجیلالی القلعی: 298.
محمد بن عثمان: 308.
محمد ولد قدور: 308.
محمد الوهرانی: 95، 324، 338.
محمد المجاهد: 324.
محمد ابن عبد اللّه: 350.
محمد بن الخروبی: 353.
محمد الصادق: 324.
محمد بن یوسف القیروانی: 56.
محمد بن أبی عون: 56، 117، 120، 128.
محمد بن عبدون: 56.
محمد بن عثمان: 64، 181.
محمد بن عبد المؤمن: 81.
محمد بن الهواری: 75.
محمد بن عمر الهواری: 78، 83، 96، 158.
محمد الفاسی: 84.
محمد بن حواء: 86، 90، 106، 284.
محمد بن یحیی: 88.
محمد بن أبی یعزی: 89.
محمد بن خمیس: 97.
محمد بن عثمان الکبیر: 97، 231، 261،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 382
264، 269، 289، 290، 324، 338، 388.
محمد بن البشیر الحریزی: 99.
المشرفی الطاهر: 99.
محمد بن الخیر: 122.
بن محمد صالح: 120، 121.
محمد بن خزر: 122، 128.
محمد بن عبد الرحمن: 129.
محمد المهدی: 129.
محمد بن تنعمر المسوفی: 133.
محمد صالح: 136.
محمد بن واقاق: 139.
محمد بن علی: 141، 189.
محمد بن عبد اللّه: 141.
محمد بن سلیمان: 141.
محمد النفس الزکیة: 141.
محمد اللحیانی: 156.
محمد بن أبی بکر: 158.
محمد بن یوسف: 166.
محمد بن قرید: 108.
محمد الصادق الحمیسی: 106.
محمد بن أقوجیل: 106.
محمد بن الجیلالی: 104.
محمد بن جلول: 104.
ماخوخ الزناتی: 168.
محمد بن ورزیشی: 168.
أبو محمد بن تافراکیش: 177.
محمد أبی أبی ظریف: 189، 192.
محمد بن خولة: 191.
محمد بن أبی تاشفین: 192.
محمد المستعین: 196.
محمد بن غانیة: 196.
محمد بن موسی: 205.
محمد أقدار: 214.
محمد بن داود: 215.
محمد الشریف الزهار: 216.
محمد علی الشریف: 216.
محمد بن یحیی: 218.
محمد الشیخ السعدی: 227.
محمد خوجة: 235.
محمد خان: 243.
محمد بکداش: 246، 275.
محمد خان الأول: 227.
محمود الثانی: 247.
محمد بو شناق: 255.
محمد بن صالح: 254.
محمد الرابع: 246.
محرز بن خلف: 226.
محمد بن الحسین: 285.
محمد البوشیخی: 361.
محمد بن جلال: 356.
محمد بن یحیی: 355.
محمد بن کروف: 354.
محمد بن زکموط: 364.
محمد ولد عبد اللّه: 354.
محمد بن عبد اللّه سقاط: 99.
مصطفی بن التهامی: 102.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 383
محی الدین المختاری: 102، 295، 325، 340.
مراد بک خان: 243.
مراد الثانی: 243.
مراد الرابع: 245.
مراد الخامس: 248.
مروان بن محمد: 129.
ابن مرزوق الحفید: 78، 179.
مزدلی: 132.
المزوار بن غانم: 218.
المسعودی: 75.
أبو مدین شعیب: 78، 87، 144، 216، 227.
مسلم بن عبد القادر: 105، 106، 145، 251، 258، 304، 388.
مسعود الزیاتی: 166.
ابن مسعود: 191.
مصطفی بن إسماعیل: 357، 358، 362.
البای مصطفی: 99، 275.
مصطفی قاید: 277.
مصطفی زرق العین: 277، 280، 282.
مصطفی بن عودة: 278.
مصطفی الأحمر: 278، 279، 280، 282.
مصطفی الدحاوی: 99، 273، 308.
مصطفی بن قرادة: 298.
مصطفی بای: 300، 306، 324.
مصطفی بن عبد اللّه: 30، 324.
مصطفی بن الهاشمی: 104. طلوع سعد السعود ؛ ج‌1 ؛ ص383
طفی بو الشلاغم: 246، 256، 257، 274، 277.
مصطفی الثانی: 246.
مصطفی خان: 247.
مصطفی باشا: 253.
مصطفی کوسة: 254.
أبو موسی المشدالی: 167.
موسی بن عیسی: 179.
موسی بن صالح: 179.
موسی بن برغوث: 181.
موسی بن خالد: 186.
موسی بن أحمد: 194.
موسی بن نصیر: 199.
موسی آغا: 253.
موسی بن أبی العافیة: 119، 120.
أبو منصور الماثوریدی: 241.
ابن مکی: 176.
ابن میمون: 136.
ابن مطروح: 141، 149.
موسی بن علی العربی: 166.
مفتاح البخاری: 106.
المعتز: 117.
معاشو بن أحمد: 85.
المعز العبیدی: 120، 121، 123، 138.
المنصور بن أبی عامر: 121، 123، 124.
منشد بن سعید: 119.
المنذر بن محمد: 129.
معاویة بن أبی سفیان: 129.
معاویة بن یزید: 129.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 384
منصور بن بلکین: 125.
مناد الصنهاجی: 138.
مندیل المغراوی: 140.
المعز بن الناصر: 138.
أبو مهدی الزنداوی: 218.
أبو مهدی عیسی: 226.
المهدی بن تومرت: 135، 140، 144، 147.
الحاج المرسلی: 325.
مولای علی الجمل: 300.
- ن- الناصر العبدوسی: 134.
الناصر عیاض: 135.
الناصر بن علناس: 138.
نابولیون بونابرت: 267.
نارون: 268.
نزار العبدلاوی: 228.
ابن النصرانیة: 228.
ابن نصابیة: 230.
- ه- ابن هارون: 177.
هشام المؤید: 121، 124، 129.
هشام الراضی: 128.
هشام بن عبد الملک: 129.
هیدور (الشیخ): 67.
هواری إسحاق: 77.
هواری أبو إسحاق: 76.
الهواری (الشیخ محمد بن عمر): 68، 73، 78، 83، 96.
- و- واضح بن عثمان: 126، 164.
وادفل بن عبو: 186.
وزمار بن عریف: 115، 178، 179.
الوازعی أبو إسحاق: 77.
بن ونان: 310.
- ی- أبو یحیی زکریاء: 81، 194.
یحیی بن تومرت: 136.
یحیی بن محمد: 140، 157.
یحیی بن إبراهیم: 157.
یحیی السائح: 157.
یحیی الحمی: 157.
یحیی بن داود: 179.
بن یبقی سیدی محمد: 82.
یزید بن معاویة: 129.
یعلی بن محمد: 121، 122، 123، 124.
یعقوب المنصور: 150.
یعقوب بن علی: 117.
أبو یعزی العربی: 89، 145.
یوسف بن تاشفین: 120، 121.
یوسف بن قریون: 62.
یوسف الشریف: 85.
یوسف بن تاشفین: 121، 128، 131، 135، 139، 140.
یوسف بن زیری: 132.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 385
یوسف بولکین: 138.
یوسف بن عبد المؤمن: 147، 149.
یوسف الغفاری: 162.
یوسف بن خزرون: 163.
یوسف المرینی: 165.
یوسف بن یعقوب: 166، 176.
یوسف الناصر: 175.
یوسف بن منصور: 177.
یوسف المسراتی: 171، 282.
یغمراسن الزیانی: 154، 162، 175.
الیفرینی: 152، 211.
یونان بن یافث: 198.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 386

فهرس القبائل و الجماعات‌

- أ- آل عثمان: 243، 336.
آل زیان: 175.
الأتراک: 115، 158، 195، 223، 226، 228، 231، 232، 289، 308، 348، 368.
الأثبج: 127.
أزدیجة: 128.
الأحرار: 272.
الأغزاز: 148.
الألبیریون: 198.
الإغریقیون: 207.
الإسبانیون: 217، 228، 246، 247، 257، 258، 266، 276، 280.
الأکراد: 241.
الأدارسة: 117، 130، 160.
الأمویون:، 115، 123، 128.
الإنجلیز: 197.
الأندلسیون: 198.
أوربة: 148.
الأوس و الخزرج: 241.
بنو أمیة: 124.
بنو إسرائیل: 199.
بنو الأحمر: 62.
أولاد حمدان: 212.
أولاد حمزة: 176.
أولاد بلیل: 194، 302.
أولاد عریف: 181.
أولاد سیدی أحمد: 110.
أولاد علی: 212، 229، 231.
أولاد عبد اللّه: 212، 229، 230.
أولاد عابد: 272.
أولاد عیاد: 272.
أولاد عربی: 274.
أولاد الأکرد: 272.
أولاد نصیف: 272.
أولاد بالغ: 272.
أولاد الشریف: 272.
أولاد المیمون: 272.
أولاد سلیمان: 229، 231، 297.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 387
أولاد سیدی محمد بن یحیی: 359.
أولاد رحو: 358، 359.
أولاد علان: 322.
أولاد بلبشیر: 111.
- ب- البرامکة: 337.
البربر: 148، 188.
البرجیة: 228، 232، 272، 273، 321، 356.
البلکانیة: 310، 311، 332، 362.
- ت- التاشفینیون: 139.
التتار: 241، 242.
الترک: 227، 235، 240، 251، 269، 304، 306، 354، 355، 363.
الترکمان: 241.
التوارق: 131.
توجین: 177، 178، 179، 284، 355.
- ث- الثعالبة: 194.
- ج- الجرکس: 241.
الجعافرة: 272.
- ح- الحشم: 146، 228، 354، 355، 356، 357، 362.
حصین: 194.
حمیان: 229، 232، 272.
بو حفص: 156، 176، 181.
بنو حمامة: 115.
- خ- بنو خزر: 117، 133، 221، 241.
خزریون: 128، 240.
- د- الدوایر و الزمالة: 108، 274، 321، 356، 359، 362.
- ذ- الذواودة: 177، 215.
- ر- الراشدیة: 63، 162، 165، 218.
الروس: 241.
الروح: 174، 198، 267.
- ز- بنو زیان: 74.
بنو زروال: 87، 302.
زواوة: 160، 166.
بنو زطاط: 132.
- س- السلاجقة: 242.
سوید: 74، 231.
السبنیول: 197.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 388
- ش- شافع: 212، 229.
بنو شقران: 229، 272، 311، 321، 356، 362.
- ص- الصقالبة: 240.
صنهاجة: 131، 138، 139، 140، 141، 148.
- ع- بنو عامر: 84، 179، 181، 190، 211، 212، 229، 272، 321، 324، 325، 362، 367.
بنو عطیة: 123.
بنو عبس: 144.
بنو العیش: 160.
بنو عبد المؤمن: 162.
بنو و عزان: 272.
عبد الواد و بنو عبد الواد: 115، 162، 169، 173، 177، 178، 179، 189.
عریب: 307، 321، 322.
العبیدیون: 272.
- غ- غمارة: 150.
غمرة: 212، 229.
بنی غدو: 74.
- ف- الفاطمیون: 119، 130.
الفرانسیس: 115، 140، 156، 200.
الفرنج: 134، 208، 240، 245، 268.
الفندال: 198.
الفینیسیون: 198.
فلیتة: 274، 283، 362.
- ق- القرطاجنیون: 198.
القطلان: 200.
القوط: 199.
قیزة: 212، 229.
قیس بن عیلان:، 244.
- ک- کتامة: 121، 156.
کریشتل: 229، 231.
کومیة: 147.
- ل- اللاتینیون: 206.
لمتونة: 139، 141.
بنی لومی: 168.
- م- الموحدون: 115، 136، 137، 140، 141، 147، 148، 150، 156، 166، 177، 231.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 389
المرابطون: 115، 136، 139، 140، 141، 239.
المروانیون: 117، 120، 122، 123، 128.
الملثمون: 115، 139.
المصامدة: 141، 148، 150.
بنو مرین و المرینیون: 156، 163، 174، 188، 189.
بنو مطهر: 162، 272.
بنو مزغنة: 134، 259.
بنو مناد:، 340، 342، 344.
بنو مریانن: 342.
بنو مسفن و مسرفین: 76، 117.
مغراوة: 55، 56، 110، 115، 123، 133، 148، 166، 177، 178، 179، 181، 201.
مضر: 166.
مدیونة: 168.
- ن- بنو النظیر: 266.
النفار: 200.
نفزة: 56.
- ه- الهلالیون: 128.
هبرة: 228، 232.
هوارة: 195.
- و- الونازرة: 228.
بنی واتیل: 201.
بنی وراغ: 85.
بنی وامانو: 169.
بنی مطاط: 181.
- ی- یاجوج و ماجوج: 240.
بنی یزناسن: 133، 175، 193، 345، 365.
بنی یفرن: 117، 121، 133.
یغمراسن: 192.
الیهود: 62.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 390

فهرس الأماکن الجغرافیة

- أ- الأغواط: 230.
أرزیو: 108، 232، 235.
أشبونة: 135، 150، 197.
أشیر: 138.
إشبیلیة: 147، 148، 149، 151، 199.
أزمور: 156، 201.
أرض الروح: 242.
أرقون: 200.
أرض النوبة: 203.
إسبانیا: 177، 204، 256، 219، 223، 267.
الإسکندریة: 158، 188، 260.
أسوان: 203.
آسیا: 204.
إستوریا: 200.
اسطنبول: 285.
أدرنة: 243.
إفریقیا: 115، 138، 146، 147، 148، 150، 156، 162، 175، 176.
إیفیکان:، 120، 121.
أقادیر: 164، 179.
أوروبا: 199، 204.
أمریکا: 199، 204.
أمریکا الجنوبیة: 199.
الإیالة الغربیة: 64، 265، 277، 336.
أوقیانیا: 204.
الأندلس: 56، 115، 117، 120، 121، 122، 125، 134، 135، 138، 139، 140، 148، 151.
- ب- بحر النیل: 139، 140.
بحر البلطیک: 199.
بابل: 204.
البحر المحیط: 135، 202.
باب الواد: 221، 222.
باب الجزیرة: 222.
باب عزون: 222.
بجایة: 135، 138، 139، 140، 153،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 391
156، 165، 184، 188، 194، 221، 250.
البحر المتوسط: 134، 201.
البحر الرومی: 201.
بخاری: 241.
برج الیهودی: 211.
برج المرسی: 62، 221، 226، 232.
برج مرجاج: 59، 293.
برج الحمارات: 62، 232.
برج رأس العین: 62، 229، 293.
برج الفنار: 221.
برج الترک: 276.
برج الأمحال: 276.
برج لویس: 293.
برج فیرناندو: 293.
برج کارلوس: 293.
برج الأحمر: 295، 298.
برقة: 146، 147.
برشک: 165، 193.
برشلونة: 197، 201.
بسکرة: 119.
البصرة: 123.
البطحاء: 21، 122.
بغداد: 134، 244، 245.
البرتغال:، 205.
بروسیا: 243.
بلاد العدوة: 175.
بلد النامسة (النمسا): 199.
بلنسیا: 200.
بلاد درعة: 201.
بلخ: 242.
البلیدة: 298، 308.
بلاد الترک: 338.
بلاد الیعقوبیة: 367.
بنزرت: 202.
- ت- تاهرت: 117، 121، 122، 140.
تادلس: 186.
تاغیة: 179.
تافنة: 324.
تاوریرت: 186.
تافیلالت: 169.
تازة: 189.
تاجرة: 138.
تازة: 170، 175.
تاکدمت: 304.
التبت: 184.
ترکیا: 279.
تمانتفوس: 225.
تلمسان: 70، 78، 117، 123، 124، 125، 132، 133، 136، 144، 156، 172، 173، 175، 176، 179، 180، 186، 192، 219، 271، 272، 281، 282، 283، 284، 285، 287، 323، 365.
تنس: 134، 160، 165، 179، 193، 194.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 392
توزر: 177.
تونس: 70، 78، 119، 156، 165، 176، 177، 178، 192، 202، 205، 226، 246، 261، 267، 270، 282، 323.
تیطری: 188، 269.
تینملل: 149.
- ث- ثنیة ماخوخ: 85.
ثنیة تیزی: 186.
ثنیة المد: 272.
ثنیة بلوزیر: 186.
- ج- جامع الباشا: 295.
جبل تاجرة: 143.
جبل هیدور: 59، 87، 137، 212، 227، 231.
جبل غمرة: 59.
جبل تیطری: 138.
جبل عجیسة: 138.
جبل مرجاجو: 59، 62.
جبل ماخوخ: 84.
جبل قیزة: 120، 212.
جبل الفتح: 146.
جبل البیرینی: 198.
جبل بنی ورنید: 163، 186، 196.
جبل طارق: 198.
جبل راشد: 201.
جبل خیاشة: 201.
جبل الثلج: 202.
جبل درن: 201.
جبل زیان: 188.
جبل المایرة: 282.
جبل سیراط: 212.
جبل تازة: 201، 336.
جدیویة: 324.
جزیرة کورسیکا: 119.
الجزیرة الخضراء: 148، 149، 174، 189.
جزیرة کوبا: 199.
جزیرة العرب: 205.
الجرید: 156.
الجیزة: 306.
جرجرة: 160.
جون تامانتفوست: 222، 223.
- ح- الحراش: 258.
حجر بادیس: 226.
الحجاز: 144.
حلب: 242، 244.
حماة: 56، 57.
الحامة: 223.
حمام بو عزارة: 288.
الحنایة: 353.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 393
- خ- خراسان: 150.
خصیبیة: 294.
خنق النطاح: 294.
- د- دانمارک: 204.
دللس: 189.
دمشق: 69، 129، 149، 150، 200.
- ر- رأس تافورة: 224.
رباط الفتح: 147.
رباط وهران: 137.
الراشدیة: 104.
رشقون: 117.
ریغة: 182.
رأس العین: 266.
- ز- الزاب: 119، 156، 177، 182.
زبوج مولای إسماعیل: 228.
زفیزف: 354.
- س- سبتة: 61، 123، 140، 163، 148، 199.
السرسو: 214.
سعیدة: 215.
السودان: 131، 200.
السند: 204.
السمار: 359.
السوس الأقصی: 135، 146، 147، 201.
سیدی البشیر: 90.
سیجیلماسة: 123، 124، 135، 167، 175، 174.
سیف: 184، 228، 306، 310.
سیراط: 134.
سویسرا: 205.
سد أرمینیا: 214.
سیدی لخضر: 212.
سیدی مبارک: 212، 310، 311.
سیدی داود: 310.
سلا: 147، 148.
- ش- شاطبة: 201.
الشاح: 69، 134، 151، 203، 204، 244.
شریس: 148، 201.
شلف: 134، 140، 166، 186، 201، 230، 277.
- ص- صقلیة: 201، 258.
الصین: 241، 266.
- ط- طرابلس: 153، 159، 177، 205، 244، 249، 270.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 394
طرطوشة: 136، 201.
طلیطلة: 199، 209.
طنجة: 132.
- ع- العراق: 134.
العباد: 195.
عوینت الزیتون: 212.
عین الربط: 273.
العرایش: 227.
عین ماضی: 290، 328.
العرقوب: 286.
- غ- غابة مولای إسماعیل: 310.
غالیسیا: 200.
الغزوات: 284.
غرناطة: 136، 139، 145، 200.
غریس: 63، 247، 277، 300، 306، 328، 354، 355، 357.
غمرة: 82، 86، 148.
غیلیزان: 184.
- ف- فاس: 68، 120، 123، 148، 166، 177، 189، 192، 209، 254.
فرطاسة: 303.
فروحة: 356.
فرنسا: 198، 205.
فلیتة: 356.
- ق- قابس: 140، 177.
قادس: 201.
قرطبة: 119، 121، 122، 123، 124، 135، 136.
قسنطینة: 166، 193، 258، 268، 270، 277.
قشتالة: 174.
قفصة: 148، 177.
قعر الصخرة: 174.
القدس: 65، 123.
القاهرة: 60.
القلعة: 138، 271، 274، 277، 279، 282، 298.
قلعة خولان: 148.
قلعة جابر: 147.
قصبة القلعة: 276.
قلعة مرجاجو: 228.
قصبة طانجة: 175.
قصبة وهران: 187.
قسنطینة: 166، 193، 258، 268، 270، 277.
القسطنطینیة: 241، 243، 251.
قرمان: 242.
قرطاجنة: 198.
قدیل: 232.
قونیة: 242.
القیطنة: 328.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 395
- ک- کاتالونیا: 200.
الکرط: 357.
کدیة الخیار: 229.
کدیة الصابون: 223.
کریشتل: 212.
مالقة: 201.
مازونة: 125، 134، 165، 229، 246، 270، 271، 274، 335، 336.
المدیة: 138، 165، 179، 181، 186، 194، 270، 336.
مدرید: 197، 200.
المدینة الجدیدة: 90.
مرسی وهران: 56، 281.
المرسی الکبیر: 67، 137.
المدینة المنورة: 78، 115، 266.
مراکش: 131، 135، 136، 139، 140، 147، 148، 149، 150، 156، 163، 176، 205.
مرسیة: 200.
مرجاجو: 298.
مدغوسة: 336.
مزاب: 290.
مزغران: 181، 212.
مرسی الجزائر: 249.
مسراته، 75.
مستغانم: 85، 98، 125، 181، 195، 257، 258، 271، 276، 277، 278.
المسیلة: 119، 124، 184.
مسرفین: 228.
مشرع حسین: 357.
مصر: 60، 67، 95، 99، 134، 157، 202، 204، 244، 270.
المحیط الغربی (الأطلسی): 201.
المطمر: 85.
معسکر: 102، 110، 256، 261، 271، 274، 280، 285، 286، 294، 304، 337، 349، 355، 356، 357، 358، 360.
المقطع: 228.
مقبرة سیدی الغریب: 91.
متیجة: 194.
المغرب: 78، 120، 121، 131، 132، 133، 135، 142، 143، 146، 147، 150، 169، 175، 176، 180، 192، 230، 251، 254، 302.
المغرب الأوسط: 117، 120، 122، 124، 131، 138، 139، 140، 156، 229، 247، 270، 336.
المغرب الأقصی: 117، 130، 139، 156، 227، 267، 270.
المشرق: 128، 180، 241، 368.
مکناسة: 148، 181.
مکرة: 181.
ملیانة: 74، 125، 138، 140، 166، 179، 181، 189، 194، 347، 360.
مملکة إسبانیا: 235.
ملیلیة: 209.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 396
مکة: 78.
مملکة المغرب الأقصی: 192.
مملکة غمارة: 196.
المنصورة: 165، 176، 262.
المهدیة: 153، 158.
میورقة: 140، 201.
مینورقة: 201.
- ن- ندرومة: 162، 176، 178، 226.
الناظور: 222.
النرویج: 204.
نفوسة: 139.
نهر برو: 202.
نهر ملویة: 201.
نهر النیل: 202.
نهر دجلة و الفرات: 202، 242.
نهر سیحون و جیحون: 202.
- ه- الهند: 134، 200، 204.
هنین: 143.
هولاندا: 205.
- و- و انشریس: 134، 158، 165، 182، 194.
وجدة: 133، 163، 175، 176، 186، 196، 272. طلوع سعد السعود ؛ ج‌1 ؛ ص396
د مکرة: 354.
واد الحمام: 357.
والد الخیر: 336.
واد تافنة: 322.
واد یلل: 325.
الواد المالح: 314.
واد مینا: 304، 314.
واد العبد: 301، 304.
واد زهور: 300.
واد تلیلات: 261، 262.
واد الهایج: 73.
واد فروحة: 88.
الواد المبطوح: 106.
واد نون: 146.
واد رهیو: 163.
واد تلاغ: 169، 170.
واد الشلف: 179.
واد سلی: 163، 179.
واد ملال: 180.
واد زرقون: 182.
الواد الکبیر: 201.
واد هبرة: 214.
واد الحمام: 214، 215.
واد سیف: 214.
واد فرقوق: 215.
واد الحراش: 225.
واد تخمارت: 215.
ورفلة: 182.
وهران: 55، 60، 67، 69، 78، 86، 87، 89، 90، 91، 104، 108، 109،
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 397
115، 120، 121، 123، 124، 125، 133، 135، 136، 142، 143، 156، 162، 168، 176، 177، 178، 189، 209، 211، 226، 227، 262، 264، 270، 271، 274، 280، 281، 383، 285، 295، 300، 304، 305، 306، 307، 308، 309، 310، 312، 321، 322، 323، 324، 325، 326، 342، 343، 345، 346، 347، 355، 357، 360، 367، 364، 366.
- ی- یابسة (جزیرة): 204.
یسر: 354.
الیونان: 205.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 398

فهرس الکتب‌

- أ- أثمد الأبصا: 69، 76، 88، 84، 88.
الأخبار الجالیة فی أخبار الدولة المرابطیة: 140.
أخبار إفریقیة و تونس: 158.
أنیس الغریب و المسافر: 105، 145، 289، 297، 296، 300.
الأنیس المطرب: 142: 137، 136، 144، 174.
- ت- تحفة الناظر: 149.
ترجمان البحر: 173.
- ج- جواهر الأسرار: 69، 76، 83، 88.
جواهر الاختصار و البیان: 86.
- ح- الحلل السندسیة: 57.
حسن المحاضرة: 60.
- خ- الخبر المعرب: 57، 58، 143، 152، 175، 241، 270.
الخریدة: 202.
- د- در الأعیان: 296، 297.
دلیل الحیران: 57، 58، 64، 67، 95، 115، 136، 137، 200، 206، 248، 266، 300، 304، 349، 368.
الدرر المکنونة: 58.
دوحة الناشر: 249.
- ر- روض السلون: 58.
رجز الحلفاوی: 56، 63، 221، 239، 246.
رقم الحلل: 142، 172، 176.
روض القرطاس: 143.
- ز- زهرة الشماریخ: 181، 199، 250.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 399
زهر البستان: 187.
- س- السهو و التنبیه: 69.
السینیة: 293، 256، 257.
سبائک الذهب: 248.
- ص- صحیح البخاری: 190.
- ع- عجائب الأخبار: 57، 58، 136، 137، 143، 151، 158، 250، 251.
عجائب الأسفار: 56، 58، 71، 88، 119، 165، 175، 180، 187، 192، 206، 229، 250.
العجالة: 161.
عقد الجمان النفیس: 88.
عقد الأجیاد: 95.
- غ- غرائب الأخبار: 229.
- ف- فتح وهران: 63، 99، 295، 300.
فتح الاله و منته: 338.
- ق- قلادة الجواهر: 248.
القول الأوسط: 251.
- ک- کتاب الحاوی: 162، 156.
کتاب الإشارة: 190.
کتاب الشفاء: 190.
کتاب اللباب: 61.
کشف النقاب: 111.
- ل- اللامیة: 74.
- م- المختصر: 56، 57.
مختصر الشیخ خلیل: 78.
المدونة: 146.
- ن- نظم الدر و العقیان: 161، 190.
نظم السلوک: 187.
- و- وفیات الأعیان: 58.
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 400

فهرس الخرائط

- خریطة وهران و المرسی الکبیر و المنطقة الغربیة الوهرانیة 210
- خریطة الأنفاق الأرضیة لمدینة وهران خلال الاحتلال الإسبانی 234
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 401

فهرس الموضوعات‌

تقدیم و توضیح 5
تمهید فی التعریف بمخطوط طلوع سعد السعود 13
أقسام المخطوط و تاریخه 15
محتویات المقاصد الخمسة 17
بعض الملاحظات حول محتوی المخطوط 33
هل مخطوط طلوع سعد السعود من تألیف المزاری 38
طلوع سعد السعود فی أخبار وهران و مخزنها الأسود 49
المقصد الأول فیمن بنی وهران 53
المقصد الثانی فی ذکر بعض أولیائها 65
المقصد الثالث فی ذکر بعض علمائها 93
المقصد الرابع فی ذکر دولها 113
الدولة الأولی مغراوة 115
الدولة الثانیة الشیعة الفاطمیون 119
قائمة حکام وهران 128
قائمة الخلفاء الأمویین 129
قائمة خلفاء الشیعة الفاطمیین 130
قائمة ملوک الأدارسة بالغرب الأقصی 130
قائمة ملوک السلیمانیین بالمغرب الأوسط 131
الدولة الثالثة المرابطون 132
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 402
قائمة ملوک صنهاجة 138
الفرقة الأولی البلکانیة 138
الفرقة الثانیة المرابطون 139
الفرقة الثالثة الغانیة (بنو غانیة) 140
الدولة الرابعة الموحدون 142
قائمة ملوک الموحدین 153
الدولة الخامسة الزیانیون 159
الدولة السادسة المرینیون 168
عودة وهران لدولة بنی زیان 178
عودة وهران للدولة المرینیة 180
عودة وهران للدولة الخامسة الزیانیة 181
عودة وهران للدولة السادسة 189
عودة وهران للدولة الخامسة 189
الدولة السابعة الأسبان 197
أنهار الشمال الإفریقی و العالم 201
جبال العالم 203
موقع إسبانیا و الأقالیم الأرضیة 204
محیط الدائرة الأرضیة 205
أصل الإسبان 206
قائمة ملوک الإسبان 208
غزو المرسی الکبیر و وهران 211
غارات الإسبان علی أحواز وهران 212
غارات الإسبان علی تلمسان و معسکر 217
غارات الإسبان علی مدینة الجزائر 220
حملة شارلکان الکبری علی مدینة الجزائر عام 1154 220
حملة الإسبان علی تونس عام 1535 226
معرکة کدیة الأخیار و استشهاد الدای شعبان 229
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 403
حملة السلطان إسماعیل علی وهران 231
قائمة الملوک الوطاسیین و السعدیین و العلویین 232
منشآت الإسبان بوهران 233
التحریر الأول لوهران عام 1718 235
الدولة الثامنة الترک 240
نسل الأتراک و سلاطینتهم 241
أسباب قدوم الأتراک إلی الجزائر 249
قائمة الحکام الأتراک بالجزائر 251
عودة وهران لحکم الدولة السابعة الإسبانیة 256
التحریر الثانی و النهائی لوهران و المرسی الکبیر 260
من اخترع البارود 266
تتمیم لملوک الإسبانیین 267
قائمة أباطرة الرومان 268
عودة وهران لحکم الدولة الثامنة الترکیة و الألقاب و الرتب الترکیة 269
بایلیکات الجزائر و أقسامها 270
بایلیک الغرب الوهرانی 270
طبیعة حکم البایات و موظفوهم و نوابهم 271
أقسام بایلیک وهران الستة 274
البای مصطفی بوشلاغم المسراتی 274
البای یوسف المسراتی 278
البای مصطفی الأحمر المسراتی 278
البای محمد أبو طالب المجاحی المسراتی 279
الباب مصطفی قائد الذهب المسراتی 280
فضل البایات المسراتیة 282
البای الحاج عثمان 282
البای حسن 285
البای إبراهیم الملیانی 285
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 404
البای الحاج خلیل 287
البای محمد بن عثمان الکبیر 289
منشآت البای محمد بن عثمان بوهران و معسکر و البرج 293
الباب عثمان بن محمد 298
ثورة أحمد بن الأحرش الدرقاوی 299
البای مصطفی العجمی و ثورة درقاوة 300
أسباب ثورة درقاوة 301
معرکة فرطائة و نتائجها 304
البای محمد بن عثمان المقلش و حروبه مع الدرقاوی 308
ظهور الدرقاوی من جدید و اختفاؤه 312
ظهور الدرقاوی مرة أخری و اختفاؤه 316
عودة الدرقاوی للظهور 324
نهایة البای المقلش المحزنة 325
البای مصطفی العجمی و حروبه مع الدرقاوی 326
البای محمد بن عثمان الرقیق و المسلوخ أبو کابوس و حروبه مع الدرقاوی 328
أعراش المخزن الوهرانی الخمسة 331
نهایة البای بوکابوس المحزنة 333
خروج البای من وهران فی طریقه إلی تونس و عصیانه 335
عمر آغا یقتل البای بوکابوس و ینصب البای علی قارة باغلبی 336
أبو راس یرثی البای بوکابوس 337
البای علی قارة باغلی 338
نهایة البای علی قارة باغلی 346
البای حسن بن موسی الباهی 347
سیاسة البای حسن و سلوکه 349
وفاة أبی راس الناصر بمعسکر 349
ثورة أحمد التیجانی 352
تآمر الحشم مع التیجانی ضد البای حسن 355
طلوع سعد السعود، ج‌1، ص: 405
محمد التیجانی یهاجم مدینة معسکر 356
البای حسن یذهب لمعسکر لمحاربة التیجانی 357
المعرکة الفاصلة و مقتل التیجانی 359
حصول القحط و غلاء الأسعار 360
سجن الشیخ محیی الدین بوهران 361
حملته علی الشیخ بلقندوز التیجانی و قتله 362
الهجوم علی قبائل الأحرار و عقابهم 367
رأی محمد بن یوسف الزیانی فی الأتراک 368
أغوات البای حسن 369
الفهارس العامة 371
فهرس الأعلام 373 فهرس القبائل و الجماعات 386
فهرس الأماکن الجغرافیة 390
فهرس الکتب 398
فهرس الخرائط 400
فهرس الموضوعات 401

الجزء الثانی‌

اشارة

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم‌

الدولة التاسعة: الفرانسیس‌

أصل جنس الفرنسیس:

ثم ملک وهران الدولة التاسعة و هی الفرنسیس، و یقال لهم أیضا الفرنج، فتسمیتهم بالفرنج قدیمة التأسیس، ثم سمتهم العامة بعدها بالفرانسیس، نسبة إلی بلدة افرانسا بقطع الهمزة المفتوحة و هی قاعدتهم القدیمة، و ملک دارهم القویمة، و تقرأ بالجیم بدل السین أیضا لا حرجا، کما فی ابن خلدون و غیره فیقال لها افرنجا. و علی کل حال فهم منسوبون إلی قاعدتهم القدیمة بلاد الرّنج، سواء قلنا الفرانسیس أو الفرنج.
و اختلف فی نسبهم علی قولین مع اتفاقهم علی أنهم من ولد یافث بن نوح علیه السلام. فقال أبو الفوز محمد أمین السویدی فی سبائک الذهب بالإلمام، أنهم من ولد طوبال بن یافث بن نوح علیه السلام، فهم إخوة الألمان بفتح اللّام. و قال الحافظ المحقّق أبو راس الراشدی فی زهرة الشماریخ باحتکام، أنهم من ولد کومر بن یافث بن نوح علیه السلام، ثم اختلفوا فی هذا القول علی قولین، بغیر حدس و مین. فقال أبو الفوز السویدی فی سبائک الذهب أنهم من أریغ أو أریغات بن کومر بن یافث بن نوح و حکاه بصیغة قیل فی التاریخ، و به قال الحافظ أبو راس فی أحد قولیه فی کتاب الشماریخ. و قال فیه فی القول الآخر، أنهم من ولد عصرة بن کومر بن یافث بن نوح، فهم إخوة الصقالبة و غیرهم کما مر بالمفاخر. و هم من الأمم المنتصرة التی یقال لها نصاری کالإسبانیین و الروم و الأرمن و القرج بالبیان، و الجرکس و الروس و البلغار و الألمان و البرجان، و الباشقرد و الجلالقة و البنادقة و الإنقلیز، و البربر و الفلامیک و الدینمرک، المشتهرة، و الذوبرة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 6
و الماعون و البرتقال و الطلیان و النامسة إلی غیر ذلک من الأمم المنتصرة التابعة لدین المسیح علیه السلام، و علی إخوته الأنبیاء الکرام خصوصا سیدنا محمد علیه الصلاة و السلام.

موقع فرنسا الجغرافی و سکانها و مساحتها و دیانتها

و مملکة افرانسا کانت تسمی فی السابق ببلد القولیة، و أرضهم بین الأندلس و خلیج القسطنطینیة یجاورون الروم من المشرق، و بإزائهم جلیقة من المغرب فی القول المشرق و إلیها تنسب الجلالقة بتحقیق الأمر، و کماله، فهم فی/ بسائط علی عدوة البحر الرومی من شماله، یفصل بینها و بین الأندلس جبال متوعرة ذات مسالک ضیقة یقال لها البرت یسکنها الجلالقة من شعوبهم المفترقة، و قد استولوا علی قطعة من الأندلس إلی برشلونة کما مرّ و یأتی فی المعلومة، و یحد بلدهم غربا البحر المحیط و قبلة جبل یسمی البرینی و البحر المتوسط و شرقا و جوفا جبل یسمی بالألب و واد الرین فی العلانیة. و کانت الروم غلبتهم قدیما کغیرهم من الأمم المارة و حملتهم علی دین النصرانیة و کانت البربر تؤدی الجبایة لهرقل ملک الروم فولی الفرنج أمر إفریقیة فی المعلوم، و لم یکن للروم بها ولایة، و من کان بها منهم فإنما هو من جملة الفرنج بالدرایة، و ما فی کتب الفتح من ذکر الروم فی فتح إفریقیة فمن باب التغلیب و إلّا فجرجیر الذی قتله الصحابة إنما هو من الفرنج بالتجلیب، و أجازوا البحر قبل الإسلام إلی إفریقیة، ملکوا أمصارها العظیمة مثل جلولا و سبیطلیة و قرطاجنة و میاروقة (؟) و غیرهم، فلما جاء الإسلام نزع العرب کل ذلک من أیدیهم ما بین خیرهم و ضیرهم، ثم رجع لهم الآن کل ذلک. فهم فیه کاوّلا بجمیع المسالک.
و قاعدتهم الآن یقال لها البریز التی هی عندهم أفضل من اللجین و الإبریز.
و محل فرانسا من الأقسام الأروبیة هو الجزء الخامس کما مرّ فی الدولة الاسبنیولیة. و موقعها فی غرب أروبا الوسطی فی القول المحقق المجسطی.
و عائلتهم من عیال الشعوب اللاتانیة التی لهم أسوة. کاهل إسبانیا و إسیانیا و برتغال و طلیان و غیرهم کما مر لأنهم أخوة. و دیانتهم قسمان فی السرّ و العلانیة، و هما: الکاثولیکیة و البرستانیة، فالقسم الأول هو عمومهم و أهله هم المتبعون
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 7
للقسیسین و الرهبان، المتخذین للصوامع و المساجد بغایة الإمکان، و استعمال الصلیب و الصور فی المساجد لنیل المسالک، و ضرب الناقوس و غیر ذلک، و القسم الثانی هو خصوصهم (؟) و أهله هم المجتنبون لکل ما ذکر و لا یرون شیئا من ذلک و إنما هو بمنزلة الضیر، و لیس لهم تصدیق لقسیسهم و رهبانهم فی شی‌ء من ذلک و غیرها و ینکرون علیهم العزوبة و الکل من أهل معرفة الوجود لا غیر.
و مساحة افرانسا قبل فقدها للورین و ألزاس خمسمائة و ثلاثة و أربعون ألف ألف کیل متر (کذا)/ و أما الآن فهی خمسمائة و ثلاثون ألف ألف کیل میتر (کذا) مع جزیرة کروسا اللاحقة و هی من أکبر أقسام أروبا السّابقة. و سکانها یبلغ عددهم سبعا و ثلاثین ملیونا و نصفا بالتبایین. دون سکان مستعمراتها البالغین نحو الستة ملایین. و الملیون هو ألف ألف کما مرّ بالتغایر.

مستعمرات فرنسا

و مستعمراتها فی إفریقیة تونس و الجزائر ثم سنغال و کابون یقتفیها، و برلون و هایوت و ما یلیها. و فی إیسیّا بندیشری و توابعها إلی شرقی الهند المرغوب و سیکون مع توابعها فی امام الجنوب. و فی أوقیانیا کلیدونیا الجدیدة و الجزائر المرکزیة و طایطی (طاهیتی) الفریرة. و فی أمریکا کویانا الفرنسیة و غوادلوب و مرتینیک و هما من الجزائر الأنیلیات العدیدة، و جزیرتا سان بیار القدیس بطرس و میقلون بقرب تارنف الأرض الجدیدة، و هؤلاء زیادة علی افرانسا، فانظر لعظمة هذه الدولة التی قاعدتها سابقا افرانسا.

أشهر مدن فرنسا

و أشهر مدنها مدینا باریز و هی موضوعة علی واد سین محصّنة بغایة التحصین فأسوارها صحیحة غریقة، و فنادیقها (کذا) کثیرة غمیقة. و فیها ما یزید علی ألفی سکة نافذة عریضة، مبنیة علی صفین مستقیمین و کل صف مزیّن بدیار
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 8
عجیبة بالحقیقة بالفریضة بأسافلهن دکاکین للتجارة لبیع السلع المختلفة الأصناف فی غایة الصناعة بالأبنیة الظّراف، و بداخلها اثنان و عشرون قنطرة بلا المزید، بعضها من الحجر و بعضها من الحدید. ثم مدینة لیل و هی علی حدود افرانسا من جهة الشمال بالبیان، فهی حصینة بالغایة یستعمل بها الخیط و الکتان. ثم مدینة روان بالتبیین موضوعة علی وادی سین و بها التجارة العظیمة المختصة بها، و لو کانت بعیدة من البحر لأمکن وصول المراکب إلیها لغمق الوادی الذی یمر بها، و یستعمل بها أقمشة الصوف و الکتان، لکثرة مصانعها ذات البیان. ثم مدینة لیون و هی علی وادی رون حیث اجتمع مع وادی سون و هی بعد باریز من أکبر مدن افرانسا بالتحریر، لکثرة أنواع الصنائع التی بها و العمارة و التجارة و صنعة الحریر. ثم مدینة مرسیلیة و هی مدینة جسیمة علی البحر الأوسط ذات مرسی عظیمة، تسع اثنا عشر مائة مرکب، و مرساها ذات أمن لا ذات عطب/، و قد امتدت تجارتها فی جمیع البلاد، و هی أقدم مدن افرانسا بغیر الانتقاد. ثم مدینة بوردو و هی علی وادی جیرنود و لها مرسی کبیرة تسع ألف مرکب حال الورود و هی أغنا (کذا) مدن افرانسا و أعظمها تجارة، لقربها من البحر و صناعة أهلها وجودة الشراب الذی ینتج من عنبها لما فی عمالتها من الغزارة، ثم مدینة سرط سبور ذات الخیر المشرق، و هی قریبة من وادی الریّن علی حدود افرانسا من المشرق، فهی من أحصن مدن افرانسا فی المشتهر. و الذی ادخلها فی حکم افرانسا سلطانهم لویز الرابع عشر و فیها آلة الصناعة لجمیع الصنائع الجسیمة، و بها التجارة العظیمة.

أشهر موانی فرنسا العسکریة

و بافرانسا من المراسی الحربیة خمسة فی القول الأربط، و هم شربور و بریست و لوریان و رشفور جاء علی البحر المحیط المغربی و طولون جاء علی البحر الأوسط.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 9

أشهر موانی فرنسا و جبالها و ودیانها و خلجانها و جزرها

و أعظم مراسیها التجاریة ثلاثة بالأحوط، و هی: هافر، و بوردو، جاء علی البحر المحیط المغربی، و مرسیلیة جاءت علی البحر الأوسط. و أشهر جبالها خمسة و هی الأصول عندهم فی المحقق، و هم جبل ألب فی الجانب الشرقی، و جبل البیرینی فی الجنوب، و سفیان فی الوسط، و فوج فی الجهة الشرقیة، و جورة فی المشرق. و أشهر أودیتها خمسة بالبحث و النبش، و هی وادی سین یجری من المشرق للمغرب و یصب فی خلیج المنش و یمر بثلاث مدن عظام و هی باریز و روان و هافر و (کذا) و طول مجراه ثلاثمائة کیل میتر (کذا) و الکیل میتر یماثل المیل عندنا فیما حاوروا.
قال فی القادیة فإن هذا المحل الغریب یشقه أحد الأودیة العظام فی الدنیا المسمی لا سین قیل هو المعروف بجیحون قنطرته المعتادة تسع مرور أربع عربات محاذیة لبعضها. و وادی لوار و یجری من المشرق للمغرب و یصب فی البحر المحیط المغربی فیستتر و یمر بثلاث مدن عظام و هی ورلیان. و طور، و نانط، و طول مجراه ألف و أربعون کیل میتر (کذا). و وادی جیروند و یجری من المشرق للمغرب و یصب فی البحر المحیط المغربی و یمر بمدینة عظیمة و هی بوردو و طول مجراه سبعمائة و خمسون کیل میتر (کذا) بلا ریبی. و وادی رون و یجری من الشمال للجنوب و یصب فی البحر الأوسط بقرب مرسیلیة، و یمرّ بمدینتین عظیمتین و هما لیون و أفنیون و طول مجراه/ ثمانیة ثمانمائة (کذا) و أربعون کیل میتر تحقیقة. و واد الرین و یجری من الشمال للجنوب منبعه من بلد سویس و مصبّه فی بلد هولاند باشتهار، و یمرّ بمدینتین عظیمتین و هما سطرسبور و قلمار و طول مجراه ألف و مائة و خمسون کیل میتر (کذا) بلا زیادة غیرها، منها مائتان و عشرون کیل میتر فی أرض افرانسا و الباقی فی غیرها. و غیر هذه الأودیة فیما راویا (کذا)، مائتان و اثنان و عشرون و ادیا، فالتی تحمل منها المراکب ثلاثة مشهورة و هی وادی مارن و مزیل و قارون مسطورة، و أما الأودیة الصغار (کذا) فی المقترب فإنها کثیرة العدد و لا تحسب. و أشهر خلجانها أربعة و هی خلیج نمرمندیا و سان مالوا و کلاهما فی بحر النمش (المانش) کما حکیا. و غسکونیا
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 10
و هو فی الأوقیانوس الاتلنتیکی بالمرتبط. و لیون و هو فی البحر المتوسط. و اخصّ بواغزها اثنان أحدهما بوغاز یادکالة و هو بین افرانسا و انقلتیرة، و الآخر بوغاز بوتیفاشوا و هو بین کورسیا و سردینیا شهیرة. و أشهر جزائرها تسعة فیما یروه، و هی سّان، و بلّیل، و نوارموتیة، ویّو وریّ و الرّون و کلها فی الأنتلنتیک و کورسیا الکبیرة ذات المتاسع، و هی إحدی أقسام افرانسا الستّ و الثمانین التی یقال لها المقاطع. و هیا و کرنیس کلهم فی البحر المتوسط بغیر تخلیس.

الأجناس التی تعاقبت علی فرنسا

قال شیخنا الزیانی فی دلیل الحیران، و کانت افرانسا فی السابق قبل الفرانسیس فی حیازة ثلاثة أمم و هم البلج و الأکیتون و القولیون بالیقین، فکان البلج فی الجهة الجوفیة بین وادی السین و وادی المارن و وادی الرین و أصل هؤلاء من الجرمانیة و هی بلد الألمان، و کان الأکیتون فی الجهة القبلیة بانحراف إلی المغرب بین واد القارون و البرینی بالبیان، و کان القولیون فیما بقی من افرانسا حوالا، إلا أن المملکة کانت للقسمین الأخیرین و لا یعلم أصلهما إلا اللّه تعالی. ثم قدمت قبل نبوة المسیح عیسی بن مریم علیه السلام ستمائة لافرانسا بالتزام. طائفة من الیونانیین یقال لهم القوسیون. و نزلوا بالقول و صاروا فیه بما شاؤوا. یتزیون. فتزوج أمیرها بابنة سلطان/ القول و أقطعه أبوها أرضا بشاطی‌ء البحر فبنا (کذا) بها مدینة مرسیلیة فی المنقول. و کان القولیون أهل شجاعة و جرأة فی المسطور غیر أنهم لا ینتظرون عواقب الأمور، و کانوا یعبدون الأصنام و یحملون السلاح للنزال، و معیشتهم فی الصید و ما قلّ من المواشی و لا یترکون علی الأبد القتال و لم یظهر فیهم دین المسیح عیسی بن مریم علیه السلام، إلا فی القرن الثانی المسیحی و ذلک قبل الهجرة بجملة مائة من الأعوام حیث استلاء (کذا) الرومان علی ملکهم بالطول و العرض و جال هؤلاء الفوسیون جولانا عظیما فی الأرض إلی أن استولوا علی الإنقلیز، و بعض بلاد الإسبانیین.
بالتبریز. ثم علی الجهة الجوفیة الطلیانیة باتقان، ثم بنوا فی بلاد الجرمانیة و دخلوا لإفریقیة و الشام و بلد الیونان، ثم تخطوا الرومیة کرسی مملکة جنس
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 11
الرومان فاستولوا علیها و حرقوها بالمشاهدة و العیان، و ذلک قبل نبوءة المسیح عیسی بن مریم علیه السلام، بثلاثمائة و تسعین من الأعوام و لما کبر خلافهم و حلّ بهم النقض، ضعف حالهم فتفرقوا فی الأرض.

فرنسا الرومانیة

ثم استولی علیها الرومان بخمسین عاما قبل مبعث المسیح عیسی بن مریم علیه السلام، إلزاما، و أمیر هم و قتذاک جول سیزار و حصل القتال بین الفریقین مدة تسعة أعوام باحتراز، إلی أن ضعفوا فأذعنوا للطاعة، و انسحب علیهم الحکم بالجبر و الاستطاعة، فاشتغلوا بتعلیم الصنائع و العلوم و القوانین العقلیة بالجد و التحتیم، فحصل لهم فی ذلک الاستلاء علیهم النفع العظیم و استقر الرومانیون بالقول نحو الخمسمائة سنة، و عمروها بالغرس و البناء للبیوت المحصنة. قال و لا زال أثر ذلک بافرانسا واضح البیان، من القناطر و القنوات و الأبراج و غیرها للآن.
و لما ضعف الرومانیون هجم علیهم أمم عدیدة من الجرمانیة، و استولوا علی بعض الأرض فعمّروها بالبناء فی القولة البیانیة. و کان ذلک فی ابتداء القرن الخامس المسیحی، و هو قبل الهجرة بعد مائة أعوام بالتصحیح و کان منهم السویف، و الفندال، و الألین، و البورکینیّون، و الفیزکوت و الاسکلافون و الفریسیّون و البفورة و النورمان و الفرنک، و غیرهم مما حصل لنا به الترک. غیر أنّ الثلاثة الأولین منهم لم یستقروا فی الملک و لا اشتهروا به، بل رحلوا إلی برّ الإسبانیین و توطّنوا به/ و کان بین هؤلاء الأجناس من العداوة ما لا یحصی، حتی صار کل واحد منهم مستقلا بنفسه و مستقصی. و قد حصل منهم قبل ذلک الغارة الکثیرة، المتعددة علی بلاد القول الشهیرة و اطردهم الرومانیون بالتبیین، و لم یبق إلا البعض من الفرنک ترکوا بین وادی الموزو و وادی الرین و ذلک سنة ثمان و خمسین من القرن الرابع من میلاد المسیح، و هو قبل الهجرة بسنین کثیرة ذات قرون فی الصحیح. قال و أصل مجی‌ء الفرانسیس لإفرانسا أن أمة اسمها الفرنک خرجت من بلادهم لضیقها و کثرتهم، و عدم معرفتهم بتدمیر ما تکون به المعیشة من الفلاحة و غیرها مع قوّتهم و شهرتهم و لیس لهم ببلادهم اقتیات إلّا بألبان المواشی و نحوها من عروق الأرض الرواشی، فهجمت مع جملة من الأمم علی بلاد القول کما مرّ فی القولة المرویة و کانت هذه الأمة الفرنکیة مشتملة علی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 12
جملة من القبائل البربریة و محلهم فی الجهة الجوفیة بالانحراف إلی المغرب من الجرمانیة بالاستبان، و قطعت من هجومها وادی الرین الفاصل بینها و بین افرانسا الآن. و کان ذلک سنة عشرین من القرن الخامس من میلاد عیسی بن مریم علیه السلام، و الذی هو قبل الهجرة بقرون و أعوام، و استقرت ببلاد القول و عمرتها بالبناء و الغرس و الجولان، و تعاشرت مع الأمة القولیة معاشرة الإحسان، و اختلطت هاتان الأمتان بالأنساب، فصارت جنسا واحدا بالارتساب، تسمی بالفرانسیس، و علا و استفحل بالتأسیس و کانت بلاد القول وقت نزول الفرنک بها تحت الرومان، بأمد یزید علی الأربعة قرون، و السبعین سنة بالبیان، و کان سلطانهم یقال له فرامون کما سیأتی قریبا. و کانت کل قبیلة تحت حکم کبیر منها ترتیبا.

الطبقات الأربعة للملوک الفرانسیس‌

اشارة

قال شیخنا فی دلیل الحیران: و اعلم أن جملة سلاطین الفرانسیس من أول أمرهم إلی الآن، هم اثنان و سبعون سلطانا، غیر الرؤساء الجمهوریة بیانا. و هم علی أربع طبقات سلکا، الأولی یقال لها بلغتهم المیرفینجیان و ملکوها اثنان و عشرون ملکا، و الثانیة یقال لها الکارلوفینجیین و ملکوها ثلاثة عشر ملکا بالتبیین، و الثالثة یقال لها الکبیسیان، و انقسمت إلی ستة فروع بالبیان، الفرع الأول یقال له بلغتهم الکابی، و ملوکه أربعة عشر بغیر الارتکابی و الثانی یقال له رومیارد فالوا و ملوکه سبعة فیما قالوا/، و الثالث یقال له دورلیان و ملکه واحد بالعیان. و الرابع یقال له سیقوا بذ دیفیالوا و ملوکه خمسة قد جالوا، و الخامس یقال له دوربون و ملوکه خمسة معربون، و السادس یقال له أرلیان و ملوکه اثنان بالبیان، و الرابعة یقال لها النابلیونون و ملوکها ثلاثة معینون.

الملک فرامون‌

فأول ملوک الفرانسیس یقال له فرامون تولی فی عشرین من القرن الخامس المسیحی الذی هو قبل الهجرة بقرن وعدة أعوام مرامون، و بقی فی الملک ثمانیة أعوام و مات بالبیان، و کان وقت ذلک سلطان الفرنک یقال له السّالیان و فی الحقیقة لیس هو سلطان و إنما هو کبیر قبیلة بالعیان.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 13

الملک کلودیون:CLODION

و ثانیهم هو ابنه کلودیون تولی یوم موت أبیه فیما قال الراویون، و ذلک سنة ثمان و عشرین و أربعمائة من میلاد المسیح عیسی بن مریم علیه السلام، و هو قبل الهجرة بعدة من الأعوام، و لقبه قومه بذی الشعور لطول شعر رأسه، غیر أنه لا یختص بهذا فی نفسه، لکون عادة ملوکهم یتمیزون علی غیرهم بطول شعر الرؤوس حتی أنّ الذی لا یوافق أمتهم منهم للمملکة یحلقون رأسه لما یریدون اطراده و إبعاده عن الإیوان فی الجلوس، و وقع بینه و بین ایسیوس أمیر الرومان الحرب الکبیر و کان له فیه الانتصار علی قبیل الرومان و تجدد الحرب بینه و بینهم و انتصر أیضا علیهم، و استولی علی مدنهم إلی أن بلغ وادی السوم فیما لدیهم و عمّرت بوقته قبیلة الفرنک ما بین وادی الرین و وادی الموز و أذعنت إلیه إلی أن نالت من فضله الفوز، و توفی بمدینة أمیان حزنا علی موت ولده بعد ما ملک عشرین سنة بالبیان.

الملک میروفی:ME ?ROVE ?E

و ثالثهم میروفی أحد أمراء الفرنک و أصله مجهول، تولی سنة ثمان و أربعین من القرن الخامس المسیحی و هو قبل الهجرة بعد أعوام، فی المنقول، و صارت بلد القول فی أیامه فی حیازة أربعة أمم عظیمة، و هم: الفرنک، و البورکینیون، و الفیزیکونت، و الرومان، بحالة جسیمة و غزاهم سلطان الإنس و هو أتیلة التتاری الذین شرقی الموسکو بجیوش تبلغ خمسمائة ألف یروم الاستلاء فدخل البلاد و أفسد زرعها و ضرعها و احتطب بساتینها و خرّب عدة مدنها و منها ما عنها لأهلها أجلا، و کان/ قاسی القلب ذا سطوة مهاب، کثیر التعدی و الجور و الاغتصاب، فاجتمعت الأجناس علی قتاله، و تبدید شمله و إفساد نواله، فوقع المصاف بنواحی شالون المار علی وادی المارن المظنون، و اشتد القتال فهزموه، و قتلوا من جیشه مائتی ألف و منهم من سبوه و غنموه و فرّ هو لبلاد الألمان، و مات بها بعامین بعد الواقعة و أراح اللّه منه العباد و البلاد بنزول الموت الصاعقة، و کان الساعی فی انهزامة میروفی السلطان فسمیت ذریته بالمیروفنجیان، لخلود ذکره
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 14
علی الأزمنة و ظهورها علی لسان کل إنسان، فبعد عشر سنین من ملکه حلّ به الموت و أدرکه بغتة الفوت.

الملک تشیلدیریک:CHILDERIC

و رابعهم ابنه شیلدیریک بترتیب التحریک، تولی یوم موت أبیه و هو عام ثمان و خمسین من الخامس المسیحی، الذی هو قبل الهجرة بعدة أعوام التصریحی و کان ظلوما غشوما خبیث السریرة ردی‌ء الطبیعة جسوما، فأطردته الأمة من الملک بلا توان و جعلت مکانه ایجیدیوس و هو من الرومان، فذهب عند ذلک للألمان و استقرّ عند التورنج بأمان، ثم أنّ الفرنک نفرت من غیر جنسهم، و بعثوا بالرجوع لشیلدیریک لنحسهم فجاءهم مصاحبا لزوجة مجیرة و تزوجها، و أحسن إلیها و بهرجها و وقع بینه و بین ملک الرومان الحرب الشدید، فغلبهم و جلس علی کرسیه لعتید، و مات بعد ما ملک ثلاثا و عشرین سنة معددة محسوبة مبیّنة.

الملک کلوفیس الأول:CLOVIS .1

و خامسهم ابنه کلوفیس الأول المغرر المعلل، تولی یوم موت أبیه و هو عام إحدی و ثمانین و أربعة مائة مسیحیة التی هی قبل الهجرة بسنین عدیدة صریحیة و هو ابن خمسة عشر سنة فألفی الملک غیر مؤسّس فأسّسه و أتقنه و استولی علی أکثر بلاد القول بما عمله و بیّنه و حل الحرب بینه و بین ملک الرومان بمدینة سواسون فقتل ملکهم سیاکریوس و اطردهم من القول و صارت قومه هم الجواسون. و کان من الذین یعبدون الأصنام، و قد تزوّج بامرأة نصرانیة تابعة لدین المسیح عیسی بن مریم علیه السلام. یقال لها کلوتیاد مجتنبة لعبادة الأصنام و عابدة لخالق جمیع العباد، فغزاه الألمان/ بقصد الاستیلاء علی بلده و قاتلوه شدیدا، فأصیب من جیشه سیحیبر أمیر الربیوبر من الفرنک بجرح فی رکبته و انهزمت العساکر فاشتد حزنه شدیدا، و قال إن نصرنی إلاه (کذا) زوجتی لا تدیّن بدینها القویم ثم شجع نفسه و قومه و ثبت عزمه، و هجم بهم علیهم فأحاطوا بهم إلی أن ظفروا منهم بالظفر الجسیم، و مات سلطان الألمان و أذعن قومه فبر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 15
یمینه و وفی بنذره فاتبعه من قومه نحو الثلاثة آلاف و زال لومه، و غزی الفیزیکوت و قاتلهم بمدینة بواطی إلی أن قتل نفسه سلطانهم الأریک الثانی فاشتد بهم الطلب و العواطی و حمل علیه من العدو فرسان و ضرباه بالرماح، إلی أن انجرح جسده، و فرّ به فرسه لجنسه فزال کمده، و فرّ باقی العدو للإسبانیین و استولی من فورهم علی ملکهم الأکیتین، ثم استولی علی سائر البلدان التی کانت بید الحکام، ما بین القتل و النفی و الظفر و غیر ذلک بالاحتکام، و أقطع للعساکر ما شاء من الأراضین، بغیر توظیف و توریث للنساء منها فعد هذا الفعل من جملة ما وضعه من القوانین، ثم بعده بثمانیة قرون حدث القانون العام الذی لا تتولی الأنثی المملکة خشیة دخول من لیس من الجنس بذلک فهم له حافظون و محررون، و حدثته نفسه بالاستیلاء علی البورکینیین، فخرمته منیته قبل ما وقع من التعیین، و مات بمدینة بریز ذات اللجین و الابریز فی انسلاخ یونیه و هو اجوان بلغتهم سنة إحدی عشر من القرن السادس، من میلاد المسیح عیسی بن مریم الرسول المقدس القادس و هو قبل الهجرة بجملة من الأعوام، لیست ببالغة فی الکثرة بالأقوام، بعد ما ملک ثلاثین سنة بالالتزام.

الملک شیلدیبیر الأول:CHILDEBERT .1

و سادسهم ابنه شیلدیبیر الأول الملک المقوّل تولی یوم موت أبیه کما مرّ ذلک قریبا، و کان الملک فی عادتهم وقت ذاک یقسم بین الأولاد کالمال المتروک و کان الأمر غریبا، و کان کلوفیس خلف أربعة أولاد ثلاثة کالثوار، و هم شیلدیبیر و کلوتیر و کلودمیر، و تیار، و لم تبطل قسمة الملک عندهم فی المیراث، إلا عند انقطاع الطبقة الثانیة ذات التراث، فکان الذی ناب لشیلدیبیر الأول فی القسمة البریز و ناب لغیره غیره بالتحریر و التبریز، و بقی فی الملک إلی أن مات سنة ثمان و خمسین و خمسمائة قواما، بعد ما ملک سبعا و أربعین عاما./.

الملک کلوتیر الأول:CLOTAIRE .I

و سابعهم أخوه کلوتیر الأول تولی یوم موت أخیه و هو العام المار، و ذلک قیل الهجرة بأعوام یسیرة بالاشتهار، فحاز جمیع الملک، و دخلت الناس فیما
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 16
بیده من السلک، و فرّ منه ابنه شرامن بأهله و أولاده للبروتون و غزی مع أمیرهم أباه فی غایة الهتون، فلقیهما أبوه بجیوشه و اشتدّ الحرب إلی أن مات أمیر البروتون، و انهزمت جیوشه بالهزیمة الشرورة، و آوی شرامن بأهله إلی دار فظفر بهم أبوه فقیدهم و ترکهم ثم أمر بإحراقهم فی تلک الدّار المذکورة و بقی فی الملک إلی أن مات سنة إحدی و ستین من القرن السادس المسیحی الحرام، بعد ما ملک أربعة أعوام.

الملک کاریبیر:CAREBERT

و ثامنهم ابنه کاریبیر تولی یوم موت أبیه و هو عام إحدی و ستین و خمسمائة من سنین المسیح، الذی هو قبل الهجرة بأعوام لیست بکثیرة فی الصحیح، و لما مات والده خلّف أربعة أولاد کلهم مشاهیر و هم: سیجبیر و شیلبیریک و کونطان و کارییر فاقتسموا ملک أبیهم علی العادة و أباه شیلبیریک، و رام الملک بأجمعه بالمشادة، و جاء فورا إلی منزل أبیه فأخذ ما به من الأموال و فرقها علی الأعیان و أرباب القول لیبایعونه و یدرک المنوال، ففعلوا ذلک و ذهب بمحلته لبریز فلقیته إخوته بالجنود الطامة بالسرعة، و حصل الحرب إلی أن ألزموه القسمة فرضی بماله بالقرعة فنابه فی حظه البریز، و نال کلا منهم ربع مملکة الفرک بالتبریز، و تزوج بست نسوة، منهن اثنتان فی غایة الرذالة فی النسب و شدة القسوة، إحداهما بنت الراعی و الأخری بنت الحیّاک و وقعت العداوة بین الأخوة رغبة فی الملک و اشتد الاشتباک، و اجتنب کارییر تلک الحروب و أعرض عنها، و فارقها و أبعد نفسه منها، و بقی فی ملکه إلی أن مات سنة سبع و ستین من القرن السادس من المیلاد، و لم یعقّب ولدا فتنازع إخوته علی الملک و أخذ الطارف و التیلاد، ثم اتفقوا علی إبقاء بریز بینهم شرکیة، و لا یختص به واحد منهم بل یبقی بینهم شرکة قویة مراضات و جبریة.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 17

الملک شیلبیریک الأول:CHILPERIC .I

و تاسعهم أخوه شیلبیریک الأول، کما علیه القول المعوّل، تولی یوم موت أخیه و هو سنة سبع و ستین و خمسمائة/ مسیحیة، و ذلک قبل الهجرة بأعوام قلیلة صریحیة، فنقض ما بینه و بین إخوته من الاتفاق و استولی علی بریز، قهرا و غصبا، و مکر بالناس قتلا و أخذا و نهبا، و کان جبارا ذا مکر ودهاء فی الظّعن و المقام، حتی اشتهر بذلک عند الخاص و العام، فنفرت منه الأمة، و زالت عنه الأهمّة و اشتد جوره و ظلمه للرعیة، بسبب زوجته فریدیکوند المتعدیة، فقتلت أخا زوجها سیجبیرا، ثم تحیّلت علی قتل زوجها شیلبیریک إلی أن قتله شهیرا، بحکایة أعرضنا عن ذکرها، لشدّة دهائها و ظلمها و مکرها، و ذلک سنة أربع و ثمانین و خمسمائة مسیحیة بعد ما ملک سبعة عشر سنة، محقّقة مدقّقة معیّنة.

الملک کلوتیر الثانی‌

و عاشرهم ابنه کلوتیر الثانی المشهور عند الفرادی و المثانی، تولّی یوم موت أبیه و هی السنة المارة، و ذلک فی السنة الأولی من الهجرة القارة، التی لم یبق لنا إلّا بها التوریخ و إضرابا عن المسیحیة بالتصریح، و هو ابن سنة واحدة فیما حکی علیه، فتصرّفت أمه فریدیکوند بالنیابة علیه فکثر ظلمها و قامت علیها الأمة بالقیام السّدید و حصل بینهم و بینها الحرب الشدید، فانتصرت والدته علیهم، و أذعنوا لها بالطاعة فمالت إلیهم، و کثر الحرب بینها و بین برونهو حلیلة سیجبیر النائیة عن استازی و البورکونیو حفیدیها و کل منهما صغیر و صارت تدیر ملکه إلی أن مات سنة أربعة عشر هجریة إضرابا عن ما هی مسیحیة، فقامت علیه فی حیاته برونهو و حاربته طویلا إلی أن ظفر بها سنة ثلاثین فطیف بها بالجیوش، و هی محمولة علی جمل کأنها العهن المنفوش، ثم ربطت بذنب دابة کثیرة الجموح، فاسحبتها علی الحجارة إلی أن ماتت أشرّ قتلة بالحال
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 18
المفضوح. و قسّم فی سنة أربع و ثلاثین ماله علی أولاده فأعطی لداکوبیر و هو ابن خمسة عشر سنة الاسترازی بأفراده، و کان رایس الوطن بیبان فلم یحصل منه ما یخالف الإذعان، ثم خرج السکسون عن داکوبیر و امتنعوا من إعطاء الضریبة فحاربهم بجیوشه فلم یطق علیهم و استصرخ بأبیه فجاءهم بجیوشه القویة، فهزمهم و أسّر بعضهم ثم رکز سیفه بالأرض بعد ما صقله، و أوقف الناس الأساری معه فکل من جاوزه قتله، و کان کلوتیر عالما بحسب زمانه، و وقته و أوانه لکنه کان مشغوفا/ بقنص الصید، متولعا بالنساء، و صاغ لوساوسهن و هن ذات الکید، و بقی علی حاله إلی أن مات سنة خمس و أربعین بعد ما ملک أربعا و أربعین من السنین.

الملک داکوبیر الأول:DAGOBERT .I

و حادی عاشرهم ابنه داکوبیر الأول، الذی عندهم فی الالتحام المعول، تولی فی الیوم الذی مات فیه أبوه کما سبق، و نقل کرسی المملکة من الاسترازی إلی بریز لمن حقّق، فعظم علی أهل مملکته الانتقال عنهم، و بعده منهم و کان ذا أمور حسنة، و مسائل مستحسنة منها جولانه و فحصه عن الرعیة، و نظره فی أمورهم المفیدة المرعیة، فمهدت له البلاد و أذعنت له العباد، خشیة سطوته و ما رأوا منه من الإحسان، و دعت له بالنصر علی العدوان فهمّ أخوه کارییر بالتعرض له فی ملکه، فقهره و أبقاه علی الأکیتین بفلکه و فی العام الثالث من تولیته حصل له بالحرب مع الفنید المستقرین بالأیلب، من الألمان العتید، لما نهبوا قافلة من رعیته و قتلوا بعضها، فأرسل بعض خواصه لسلطانهم برسالته فلم ینظر لفظها، و رجع الرسول خائبا، و لمالکه ذمیما کائبا، فجهز لهم محالا ثلاثة ما بین الألمان و اللومبار و الاسترازی و ساروا حثاثة، و تحارب الفریقان ثلاثة أیام فظهر من الألمان و اللومبار القتال الذی لا فیه لئام (کذا) و لا احتشام و هزموا العدو و أذاقوه نکال الدوام، و ظهر من الأسترازی جر الهزیمة لکون داکوبیر سلب
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 19
أموالهم و سجن أعیانهم و انتقل عنهم فدسّوا ذلک لوقت الجزیمة. و لما کثر فساد الفنید و دام ثلاث سنین تحیر داکوبیر من ذلک و صار فی حدس و تخمین إلی أن أشار علیه بعض الأسترازی بأن یرسل ولده سیجبیر، سلطانا علی الاسترازی ففعل و اطمأنت نفوس الأستراز و بادروا لقتال الفنید و منعوه من الدخول للفرانسیس. لملاسقة الفنید لهم فی الملک الجسیس ورام داکوبیر الاستلاء (کذا) علی ملک أخیه کلوتیر لما مات فمنعه السکسون کما حقّه الرّوات، و قصد بجیوشه للقتال فجمع داکوبیر جیوشه الکثیرة الأثقال، و قسّمها علی عشرة أقسام، و جعل علی کل قسم أمیرا لا یخالف المرام و خرجوا للقتال فهجموا علی مدینة بواطی و جمیع ما انضم للسکسون، و استولوا علیها و استخدموا الاکیتین و هزموا السکسون/ فسأل کبراؤهم منه الأمان فأمّنهم و ألزمهم الإذعان و هدنهم، و قدّمت جیوشه للبروتون لما خلعوا طاعة السلطان فحاربهم و هزمهم بما لا یصفه لسان، و قدم أمیرهم إلیه بهدایا عظیمة ذات أموال جسیمة و کان لداکوبیر وزیر صائغا (کذا) فصاغ له کرسیا من خالص الإبریز، و هو الذی بنا (کذا) الموضع المعروف بساندی بالدیر الکبیر بالبریز و أقطعه أملاکا لا تحصی فی العدد، و لا تحصر فی المدد، بحیث أقطعه فی یوم واحد خمسا و عشرین مدینة، و صیّره محلا لدفن الملوک الفرانسویة تصییرا موبدا مدینة. و مات بأواسط ینیّر (کذا) سنة الخمسة و الخمسین بعد مالک (کذا) عشرة من السنین. قالوا و لم تقع منه إلّا الفلتة التی قتل فیها نحو التسعة آلاف من التتار المؤتمنین.

الملک کلوفیس الثانی‌

و ثانی عاشرهم ابنه کلوفیس الثانی المعروف عند القاصی و الدانی، تولی یوم موت أبیه لأن أباه لما مات خلف ولدین و هما سیجبیر و کلوفیس بغیر مین، فبایع رؤساء الدولة کلوفیس علی البورکینو و النستری و جعلوا وزیره لإدارة ملکه
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 20
و أمره إیکا البهتری، و ترکوا الاسترازی لأخیه سیجبیر و وزروا علیه لإدارة الملک بیبان لما کان کل منهما صغیر، فمات بیبان و توزّر ابنه کریمولد، ثم مات سیجبیر و ترک ابنا من سبع سنین لیس له قوة و لا جهد، فراع وزیره الاستلاء (کذا) علی الملک و حلق رأس الولد و أرسله لجزیرة الإیرلند فی الفلک فمنعته الأمة و قبضته ثم مکنته مع ولده من کلوفیس فقتلهما و انفرد بالملک الأنیس و مات سنة ثلاث و سبعین بعد ما ملک ثمانی عشرة من السنین، و خلّف ثلاثة أولاد بالأکمل، و هم کلوتیر الثالث و شیلدیریک الثانی و تیاری الأول.

الملک کلوتیر الثالث‌

و ثالث عاشرهم ابنه کلوتیر الثالث الذی لملک أبیه وارث و حالث، تولی یوم موت أبیه علی الملک بالتمام، و هو صغیر ابن ستة الأعوام (کذا) و توزّر علیه لإدارة أموره ایرکیفولد و مات و توزّر بعده ایبروین الرند و هو من عقلاء الوزراء و الأعیان الکبراء، فجعل شیلدیریک الثانی سلطانا علی الاستراز لطلبهم ذلک و مراده وضع الوزراء و إدخالهم فی حکم السلطنة للاحتراز، غیر أنه علا قدرهم وطما/ (کذا) و انتشر صیتهم و سما، و مات کلوتیر سنة سبع و ثمانین بعد ما ملک أربعة عشر سنة بالتبیین.

الملک شیلدیریک الثانی‌

و رابع عاشره أخوه شیلدیریک الثانی تولی یوم موت أخیه ذی البیانی و هو ابن تسعة عشر سنة، محررة محقّقة معیّنة. و سببه أن إبیروین الوزیر أقعد تیاری الأول علی الکرسی من تلقاء نفسه، من غیر مشاورة أبناء جنسه، فأنفت الأمة و غضبت و اتفقت علی العناد و له طلبت و بایعت شیلدیریک المار، و خرجت بجیوشها لمحاربة الوزیر و سلطانه المشهار، و لمّا رأی الناس ذلک تأخروا عن الفتنة و تمکّنت الأعیان من الوزیر و سلطانه فحلقوا رأسیهما و أرسلوهما لبعض
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 21
الدیور للمکث به للمهنة، و استخلص الملک هذا الأمیر الثانی، و جعلوا له وزیرین هما فولفولد و لیجی السّبلانی، و کان هذا السلطان شدید البغض و شرّیر الأخلاق، فکرهته الدولة و حلّ بها الاستقلاق، حیث رأوه سجن وزیره لیجی و ربط مع عمود أبادیون و هو من الأعیان، ثم جلده و خلّ سبیله للذل و الأهوان فدبّر أبودیون الحیلة إلی أن وجد الفرصة فی هذا السلطان فرآه ذات یوم خرج بأهله و ولدیه للتنزه و المهرجان، و ترکه إلی أن وصل إلی غابة بنواحی شیل فأدرکه فورا بأصحابه و قبضه و قتله و لم ینج إلا ابنه الصغیر و هو دنیال فنفاه لدیر إلی سنة مائة و أربعة و ثلاثین لما أراد اللّه صیرورة الملک له بالتحصیل و مات شیلدیریک الثانی سنة تسعین کما حققه أهل المعانی، بعد ما ملک أربعة أعوام و من تیاری الأول إلی آخر الطبقة الأولی قوی تصرف الوزراء و أدام، حتی أتبعهم من أمتهم الخاص و العام، و فاز بطول مدة الوزارة منهم ثلاثة، و هم بیبان و ابنه شارل مرتیل و حفیده بیبان لوبریف إلی أن قصدهم الناس للإغاثة، و تصرف بیبان دیرستال من عام إحدی و تسعین إلی عام مائة و إحدی و ثلاثین و جلس، علی کرسی المملکة فی أیام وزارته أربعة ملوک، و هم تیاری الأول و کلوفیس الثالث و شیلدیریک الثانی و داکوبیر الثانی ذو السلوک.

الملک تییری الأول:THIE ?RRY .I

و خامس عاشرهم أخوه تیاری الأول الذی هو عندهم من ملوکهم التی علیها الاتکال و المعوّل. تولی سنة تسعین و هو العام الذی مات فیه أخوه بالتمرین، فأخرج الوزیرین ألیجی و ابیروین من السجن، فأطاعه أبیروین و أذعن و خرج من فوره بالجیوش لحرب النستری إلی أن أثخن فیهم و أخذ الأموال و من لم یذعن منهم أذاقه العذاب و النکال، و عصاه ألیجی و قدم بجیوشه و هم لاتون للقتال، و لما رأی کثرة الجیوش سلّم نفسه للوبال، فتمکّن منه ابیروین و قلع عینیه
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 22
و حلق رأسه و سجنه. و توزّر لما قوت شوکته علی تیاری رغما بما عیّنه و تصرف فی النستری و البوکوکنیو بما أراد، و تقبّض علی أمیر الاسترازی و هو مرطان بالأمان فقتله و أباد و تمادی بجیوشه للاسترازی فاغتاله فی طریقه شخص من النستری سنة ثمان و تسعین و تولی مکانه بیرتیر فقمع الأعیان و لم یراع لهم حرمة بعد ما کان التوفیر، و لمّا رأوا ذلک فروا من عند بیبان رایس الاستراز، فجاء الرایس بالجیوش إلی تیاری بقصد المقاتلة و البراز، و تصافّا بمدینة تستری فانهزم تیاری و تمکن منه بیبان و أصحابه حیاری، و استولی علی الملک فقامت علیه الفریسون فقصدهم بجنوده إلی أن أذعنوا و أدوا المطالب و المحصون، و مات تیاری سنة مائة و سبعة مبینة بعد ما ملک سبعة عشر سنة.

الملک کلوفیس الثالث‌

و سادس عاشرهم کلوفیس الثالث تولی سنة مائة و سبعة و هو ابن عشرة أعوام فی الحال الحالث و بقی التصرف بید الوزیر بیبان لقصور هؤلاء الملوک و مکثهم بقصورهم بحیث لا یأتوا لقصر الإمارة إلّا وقت اجتماع الأعیان لتدبیر أمورهم، لتحصل منهم الموافقة علی القوانین، و لا شی‌ء لهم غیر هذا بالتبیین، و لو شاء بیبان الاستقلال بالملک لفعل بالجهارة، لکنه لم یر الفضل له فی ذلک و إنما رآه فی الوزارة، و أیضا توقیرا لنسل میروفی فإنه کان عندهم من ذوی الفضل المظروفی، و غزی الألمان مرارا ثلاثا، و عاقب الفریسون لما امتنعوا من المطلب حلاثا، و مات کلوفیس الثالث سنة اثنا عشر و مائة بأقوام، بعد ما ملک خمسة أعوام.

الملک شیلدبیر الثانی‌

و سابع عاشرهم أخوه شیلدیبیر الثانی تولی یوم موت أخیه کلوفیس، و هو ابن اثنا عشر سنة بغایة التنفیس، و لقصوره عن التصرف بقی التصرف لبیبان کمن قبله
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 23
من الملوک کان إلی أن مات سنة ثمانیة و عشرین و مائة و افیة/، بعد ما ملک ستة عشر سنة عافیة.

الملک داکوبیر الثانی‌

و ثامن عاشرهم ابنه داکوبیر الثانی تولی یوم موت أبیه و هو ابن أحد عشر عاما، فقام الوزیر بیبان بإدارة الملک کالذین قبله التزاما، و سار هذا الوزیر سیرة حسنة، و حاز بعقله أمورا مستحسنة، و مات سنة أربع و ثلاثین و مائة معینة بعد توزّره أربعین سنة، و لم یمت حتی عیّن حفیده للوزارة و هو تیودولد ابن ستة أعوام، و التصرف لزوجة جدته بلیکترود، باحتکام و قد کانت فی بلاد الاستراز، فقدمت لبریز بجیوشها لتجعل حفیدها فی مکان جده بالإبراز فغضب النستری من ذلک و أراد القتال، فوقع بنواحی کومبیانیو و ثمّ کبر النزال فهزمت و ریّسوا علیهم رنیفورة و کانت أحواله مشکورة، و لما نال هذا المقام سمی علیه دنیال سلطانا لنیل المرام، و سماه شبلبیریک الثانی فجمع من ذکر الجیوش و قصد لمحاربة الاستراز فی السرّ و العلانی، و کان الجیش المبعوث للقتال، جندی الفریسون و السکسون فی الانقال فخلعت الألمانیة لذلک الطاعة و أکثرت الفساد و الوقاعة، و کان لبیبان ابن من الزنی شدید البأس و العنی، یقال له شارل قد سجنه أبوه رضاء لزوجه، و فرارا من إیقاعه به بلوجه و حین بلغه ذلک هرب من سجنه، و قصد الاستراز، ربما الوصول للملک بالقتل و البراز، و کانت الاسترازی شدیدة الشوکة لکن خمدت نارها لما قلّ عزمها و بار جارها، و لما جاءهم شارل فرحوا و استبشروا، و ریسوه علیهم بعد ما استنفروا، و راموا العناد و الشتات فبلغهم الخبر بأن داکوبیر الثانی قد مات سنة مائة و ثلاث و ثلاثین بعد ما ملک خمسة أعوام بالتعیین، و خلّف ابنا یقال له تیاری الثانی باحتکام فمنعه من المبایعة الخاص و العام و تولی شارل مرتیل الوزارة، و تصرّف فی الملک تصرّف من له الربح فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 24
التجارة، من عام أربعة و ثلاثین بعد المائة إلی عام ثمانیة و خمسین بعد المائة و جلس فی وقته علی کرسی المملکة ثلاثة سلاطین و هم کلوتیر الرابع و شیلبیریک الثانی و تیاری الثانی بالتبیین.

الملک کلوتیر الرابع‌

و تاسع/ عاشرهم کلوتیر الرابع تولی سنة مائة و ثلاث و ثلاثین فی القول الشائع و هو لیس من نسل میروفی فبادر شارل مرتیل لمحاربة الفریسون و السکسون، لما حرکا للاسترازی کما مرّ و قاتلهما فهزمهما و توجه للنستری بجیشه الهتون، فاجتمع به بامبلی و هزمه و فر سلطانه و وزیره فزاد شارل للوطن و اعتزمه فالتقی به بفنسا و حاربه بأشد القتال إلی أن أذاقه الغایة من النکال، و ذلک عام أربعة و ثلاثین و المائة فضعف النستری و أجاب للطاعة ثم دخل شارل بریزا و بایعه بالوزارة کافة الجماعة، و توجه بجنوده لکولونیو قاعدة الاستراز لکون زوجة أبیه و هی بلیکیرود بها لنیل الإنجاز، فسلمت له البلد و ما ترکه أبوه من الذخائر و الأموال رغما علیها خشیة من العذاب و النکال، و لا زال کلوتیر الرابع ملکا إلی أن مات سنة أربع و ثلاثین بعد المائة و هی السنة المارة بعد ما ملک سبعة عشر شهرا فکانت مدته فی النلد القصارة.

الملک شلبیریک الثانی‌

و الموفی لعشرینهم شلبیریک الثانی تولی یوم موت کلوتیر الرابع بالتعیین، و مات سنة المائة و السبع و الثلاثین بعد ما ملک أربعة أعوام، و لا زیادة بعد هذا فی الکلام.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 25

الملک تیاری الثانی‌

و حادی عشرینهم تیاری الثانی تولی یوم موت شلبیریک و هو ابن خمسة أعوام، فدبر أحواله و أدار ملکه شارل مرتیل بأقوام و عظمت شوکة شارل فی الوزارة، و علا صیته فی السرّ و الجهارة و شرع فی تمهید من خرج عن الطاعة، و لم یرد الدخول فی الصناعة فطرّد السکسون من النواحی الجوفیة، و المسلمین الذین بالأندلس من النواحی القبلیة، لکون الإسلام دخل بر الأندلس سنة اثنین و تسعین من الهجرة فی القولة الصحیحة المعتبرة. ثم استولی شارل علی أملاک القسیسین و وزّعها علی عساکره، فقوت همّته و عظمت دولته و أطاعته الناس فی نواهیه و أوامره، ثم حارب السکسون و ما انضم إلیهم من الألمان و الیافورة و الفریسون و غیرهم إلی أن هزمهم و لم یستخدمهم لکثرة الغیظ و توعر بلاد السکسون، و زادت قوته فی الارتفاع للسماء، و انتشر صیته و أمره سما، خصوصا وقت محاربة المسلمین لما یکابده من الأمور الشاقة/ فیظهر قوته بین النصاری و المسلمین لکون المسلمین غزوا سنة مائة و خمس و ثلاثین مملکة الفرانسیس فاستولوا منها علی الّلنکدوک و نریون و صار لهم فیها التجسیس ثم قدموا سنة سبع و ثلاثین من المذکور إلی الأکیتین و حاصروا مدینة تولوز و اسم أمیرها أودّو فبرز للقتال فهزم بعد الحرب الشدید المبروز، و لما خرج عن طاعتهم اللنکدوک، قطعوا البرینی و رجعوا لبر الاسبانیین بالشّدوک، و بقوا هناک إلی سنة اثنین و أربعین و المائة رجعوا و استولوا علی ما کان بأیدیهم من التراب و أزالوا منه الشرک و الارتیاب، و هجموا علی الناحیة القبلیة کثیرة المدن و القری و الحصن و الاخصاص و الدوفانص، التی یقال لها البروفانص و نشب أمیرها أودو المذکور الحرب فهزمهم، و دخلوا بر السبنیول بما جزمهم. ثم قدم عبد الرحمان
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 26
الأول الأموی سنة تسع و أربعین و مائة بجنود لا تحصی و لا تعد، و لا یطیق لإحصائها بالعد أحد، و توجّه لمدینة بوردو الأفرد، و اشتد القتال بینه و بین أمیرها أودو فهزم أودو و مات منه خلق کثیر فاستولی عبد الرحمان علی بوردو و نهب جمیع أموالها و غیّر لرونقها و أحوالها، و دخل المسلمون وطن الاکیتین فأحرقوا الکنائس و سبوا و نهبوا و أسّروا و قتلوا کثیرا بالتبیین، و توجهوا لناحیة الجوف بقصد الاستلاء (کذا) و التخریب و الإجلاء و کان أودو بعد انهزامه، قدم إلی شارل یقصد استنصاره و احتزامه، فلبّاه لمطلوبه و جهّز الجیوش لقتال عبد الرحمان و حروبه، فاجتمع به بین مدینتی بواطی و تور فتقابل الفریقان، و اشتدّ القتال فمات وزیر عبد الرحمان، و کان مدیرا لجیشه بغایة ما کان، و هزمت جیوشه و استولی شارل علی محلته، فألفاها موسوقة بالأموال التی سلبت من الاکیتین برمته، و مات من المسلمین خلق کثیر، و حاز النصاری المحلة بما فیها من قلیل أو کثیر، و بهذه الواقعة لقّب شارک بمرتیل لشدة ضربه فی النزال بلا تحویل، لأن مرتیل بلغتهم المطلقة معناه المطرقة، و رجع المسلمون للّنکدوک و البورفانص بغیر الشک، لکون سکان تلک العمالتین یمیلون للإسلام و یفضلون أهله علی الفرنک، فذهب إلیهم شارک مارتیل و استولی علی لیون و أفینیون/. و غیرهما من سائر المدون (کذا) و جعل فی کل مدینة من قبله حاکما، و رجع لمحلّه عازما، فقام أناس الوطنین، و أدخلوا المسلمین عندهم بلامین، و اطردوا أتباع شارل مرتیل و لما بلغه الخبر رجع یرادف الترحیل إلی أن وصل فاستولی علی البروفانص و تمکن من أفنیون بعد الهجوم، و قتل من بها من المسلمین قتل الحاقد الظلوم، و توجه للنکدوک فحاصر نربون ثم جاءته المسلمون بجیوشهم لإعانة إخوانهم و صار القتال فی أشد ما یکون و حصلت الدائرة له لکنه لم یستول علی نربون و ذلک سنة مائة و أربع و خمسین فی القول المحرر المبین، و جال فی الوطن المذکور فخرق مدینة نیم المشهورة، و أرل، و بیزیا و هدم مدینة ماکولون الموفورة، و نهب أموالا جسیمة و أسّر أناسا عظیمة، و رجع مقیدا للأساری اثنین اثنین و مات تیاری
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 27
الثانی بغیر مین، سنة أربع و خمسین و المائة المارة الذکر، بعد ما جلس علی الکرسی سبعة عشر سنة بغیر النهی و الأمر، و بموته وقعت الفترة من الملوک خمسة أعوام و لم یبق التصرف فیها إلا لشارل منفردا، و لو شاء الاستلاء (کذا) لفعل لکنه اختار الوزارة و بقی منجردا و طال و صال و هاج و جال و قدم فی سنة خمس و خمسین من القرن المذکور لمحاربة السکسون فبادر أمیر البورفانص و هو مورونت بجنوده إلی أفینیون و اطرد منها عساکر شارل مرتیل فتوجه له شارل و استولی علیها بالتحصیل و تمکّن من أرل و مرسیلیة و غیرها عدا نربون و شیئا قلیلا من الناحیة القبلیة، و أطرد المسلمین من غیر المستثنی و أذعنت له الرعیة و نال ما تمنی، و قدم لقصره سنة سبع و خمسین من القرن الثانی للاستراحة و هو فارح بنیل المراد و فاه لسانه بالفصاحة فأتاه کتاب من عند الباب و هو شیخ دین المسیح طالبا منه الإعانة علی اللمبار لهجومهم علیه فعزم علی إجابته فأحزته منیته بالصحیح و ذلک سنة ثمان و خمسین و مائة و هو ابن ثلاث و خمسین سنة، بعد ما تصرف فی الملک خمسا و عشرین سنة، و کان له جملة أولاد منهم اثنان شقیقان، و هما کارلومان و بیبان فقسم التصرف بینهما بحسب إشارة رؤساء الدولة من أهل العیانة، و الصولة، فناب الأول الاسترازی و الألمان و ناب الثانی النستری/ و البوروکونیو و البورفانص بالبیان، و بقی الاکیتین و البافیر و الفسکونیو و البورطانیو مخالفین، لکنهم یدفعون شیئا من مطالب السلاطین، فأهمل کارلومان الملک و ترهب ببعض الدیور، و اختص بیبان بالملک بتمامه الموفور.

الملک شیلدیریک الثالث‌

و ثانی عشرینهم شیلدیریک الثالث الذی تولی الملک بالأمر الحالث، سنة تسع و خمسین من القرن الثانی کما هو المقرر بالتعول ذات المعانی، و بقی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 28
بیبان لویریف بن شارل مرتیل یتصرف بالوزارة نائبا عن السلطان إلی أن ظهر له الاستلاء علی الملک و رأی أنه لا یتم له ذلک إلا بموافقة الباب زکریاء فبعث له بعض خواصّه العیان، و أخبره بما فی ضمیره فوافقه علی ذلک الخطاب، و لما رجع الرسول کتب الوزیر للباب بما نصه: أیها الخلیفة أخبرنی هل الملک للمتصرف أو للمسمّی سلطانا و لکنه لا یفارق بقصره للباب فأجابه الباب زکریا بأن الملک للمتصرف، لا للذی فی قصره جالس و به معترف، فاجتمعت علیه الرؤساء و عقدوا له بیعة السلطان، و ذلک سنة تسع و ستین و مائة فصار بیبان هو السلطان فأخذ شیلدیریک الثالث و حلق رأسه و بعثه إلی دیر فبقی به إلی أن مات سنة إحدی و ثمانین من القرن المذکور و بموته تعرضت الطبقة الأولی فی المشطور بعد ما ملکت تلک الطبقة ثلاثمائة و اثنین و ثلاثین سنة. و انتقل الملک للطبقة الثانیة مبینة.

الملک بیبان لوبریف:PE ?PIN LE BREF

و ثالث عشرینهم بیبان لوبریف الذی هو فی ملک له مطلق التصریف تولی سنة تسع و ستین کما سبق فأذعنت له الرعیة لکونه هو أول الطبقة الثانیة فی المحقق، و کان ذا عقل رشید، و رأی سدید، و اشتهرت أیامه بالفخر و المجد فجرّ فیها لأذیاله، لما ناله من النجاح فی سائر أحواله. و لقب بلوبرف لقصر قامته و شدة قوته و لامته، و غزی اللمبار لما تعدّا علی أرض الباب فحاصره بمدینة یافا و کرّر علیه القتال أضعافا فأضعافا، إلی أن استلبه من خزائن الأموال، و نزع منه جمیع الأراضی فأعطاها هدیة للباب و أعطی الأمان لاستولف ملک اللمبار الجوال، و رحل راجعا لمحله سنة اثنین و سبعین و مائة فی صحیح الأقوال ثم رجع اللمبار لرومیة و حاصرها، و ضیّق علیها و قاهرها، فاستنصره الباب أیضا فنصره،/ و قدم بالجنود للمبار و قهره، و ألزمه برد ما أخذ فامتثل لأمره، و أذعن بعد القسم
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 29
أنه لا یرجع لرومیة و رحل من فوره، و التزم بدفع المغارم، و آل علی نفسه أن لا یعود للظلم و لا یکون هو الظالم، و ارتحل بیبان راجعا لوطنه صائلا صولا عتیدا ثم ذهب للسکسون و قاتلهم قتالا شدیدا، إلی أن أذعنوا له بالطاعة الکلیة، فارتحل عنهم و توجه للجهة القبلیة. لمحاربة المسلمین فحاصر نربون التی هی قاعدة المسلمین بافرانسا و استولی علیها بما یکون و ذلک سنة ست و سبعین و مائة بعد القتال الشدید و خلصت اللنکدوک له بالمرید ثم زحف لقتال الاکیتین و طال الحرب بینه و بینهم ثمانیة من السنین إلی أن أذعنوا له بعد موت أمیرهم مع أکثر الأعیان. و کان لبیبان ولدان و هما شارلمانیو و کارلمان و لما خشی الموت جمع الرؤساء و قسم الملک علیهما، و حقق الأمر إلیهما و کانت له قوة شدیدة و عنایة مدیدة، حتی أنه لما اجتمع مع قومه ینظرون المبارزة بین الثور و الأسد، و قد اشتدّ الکفاح بینهما قال لقومه أیکم یحجز بینهما فلم یجاوبه أحد، فنهض فورا و دخل المیدان بینهما وطعن الثور فقتله، و التفت للأسد فضربه بسیفه و قطع رأسه و بالموت أعجله، ثم التفت لقومه و قال لهم هل أصلح أن أکون علیکم سلطانا أم لا فاستعجبوا من قوته و قالوا له أهلا أهلا، و مات سنة خمس و ثمانین و مائة بعد ما ملک سبعة عشر من الأعوام، و البقاء للّه المالک العلّام.

الملک شارلمانیو:CHARLEMAGNE

و رابع عشرینهم ابنه شارلمانیو تولی یوم موت أبیه بارتباط، ثم وقع بینه و بین أخیه تنافر فانصرف عنه أخوه و مات باحتیاط، فاشتغل شارلمانیو بإقامة المصالح، و جلب المنافع للأمة و دفع المقابح، ثم خرج للاکیتین لما خلعوا الطاعة سنة ست و ثمانین من المار بالاستطاعة و هم بأثقل ما یکون بالسلاح، فهزمهم و استولی علی جمیع ما بأیدیهم (کذا) سیما الرماح و بنا (کذا) بأرضهم و عمر ما بناه بالعساکر ثم رحل عنهم و توجه للسکسون فبلغ أرضهم و استقبله
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 30
العدوّ بالعساکر، و حصل بینه و بینهم الحرب الذی شاب له رأس الغراب، و مهمی حلّ بموضع عمّره بالبناء بلا ارتیاب و دام الحرب ثلاثا و ثلاثین سنة إلی أن أذعنوا و تنصروا متعینة، و لقوة هذا/ الملک شارلمانیو و نجدته، استنصر به غیره و طلب لنجدته ففی سنة مائة و تسعین استنصر به الباب علی اللمبار، فنصره بجنوده إلی أن سلب ما لهم و رأوا ما حلّ بهم منه من الأدمار، و نقضوا العهد و رجع لهم سنة ثلاث و تسعین من المذکور، فأذاقهم النکال و جعل الحکام علیهم من طائفته فلم یقع منهم بعد ذلک النفور، و جعل أحد أولاده سلطانا علی الطلیان، و قدم إلیه فی سنة أربع و تسعین من المار بالبیان بعض أمراء المسلمین من الأندلس للاستنصار به علی الحاکم الأموی حفید عبد الرحمان لما ترک اسم آل العباس من الخطبة بالقبول، و استقل بالأمر بوطن السبنیول فأجابهم لمطلوبهم و جهز محلتین کبیرتین و حرک علی جهتین و جدّ السیر إلی أن ضرب محلته تحت سارکوس و اجتمعت جیوشه فحاصر تلک المدینة إلی أن استخدمها مع غیرها و علت کلمته فیها بضرب الناقوس، و رحل فی السنة التی بعدها راجعا لمملکته، فاتّفق القسکون مع المسلمین علی محاربته مع قوته، و قصدوا الجبل البرینی و کمنوا به بشعب شدید الوعر، کثیر الغیظ و الأخادید و الحجر، إلی أن جاوز الشعب نصف الجیش، و هجموا علی المتأخرین و وقع القتل فیهم بتمامهم و کثر الطیش، فلقد مات فی هذه الواقعة أکثر الأبطال، منهم قریب الملک شارلمانیو و هو رولون و اشتد الکرب و الوبال، فهجم علیهم و کثر القتال إلی أن هزمهم، و تمکن من أمیر القسکون فقتله، و بالغرائم لزمهم و جعل الاکیتین و القسکون و اللنکدوک مملکة وحدها. و سلطن علیهم ابنه القاصر عن التصرف و هو لونرو عن افرانسا أفردها ففرحوا بذلک و نزلت العافیة و کثرت التجارة، و التمدن الکثیر و ذهبت الخسارة، و حرک للتورنج لما خلعوا طاعته فی المشهور، سنة ثلاث و مائتین بالمذکور فحاربهم و ظفر بأمیرهم فقلع عینیه،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 31
و صیّر رعیته من دویه، و فی التی بعدها حرک للبروتون لما امتنعوا من أداء الضریبة، و طال الحرب بینه و بینهم إلی أن أطاعوه و صاروا له من جملة الرعیة، و خرج فی سنة خمس من القرن الثالث فی ثلاث محال للبافورة و الهنش فأطاعه أمیر البافورة و مکنه للتوثق من أولاده، و أنشأ الحرب مع الهنش إلی أن هزمهم و نال/ لمراده، و حصل القتال بینه و بین المسلمین مدة ثمان سنین، و قد جال المسلمون فی اللنکدوک و رحلوا منه مختارین، سنة مائتین و عشرة شهیرة و بأیدیهم أساری کثیرة فقام الأکیتون علی المسلمین بعد ذلک و حاصروا نربون إلی أن استولوا علیها، و انجلا (کذا) المسلمون منها و لم یرجعوا إلیها، ثم حصل الصلح بین المسلمین و الفرانسیس و تصرّف کل فیما بیده من الأراضی بالتمدّن و التأسیس، و قد غزی شارلمانیو ثلاثا و خمسین غزوة، و کلها مشهورة عندهم و معزوة، و حصلت المراسلات و الهدایا بینه و بین الخلیفة العباسی ببغداد هارون الرشید، فأتحفه الرشید بهدیة فیها المقانة لمعرفة الأوقات و کانت إذ ذاک بافرانسا مجهولة التقیید، و هذا القول یخالفه ما فی الخبر المعرب بغیر حمیّة، من أنّ أول من اخترع المقانة لیعرف بها الأوقات أبو القاسم عباس بن قرناس البربری الفلسوفی المنجم حکیم الأندلس مولی بنی أمیّة، و توفی کما فی الدیاربکری، سنة أربع و سبعین و مائتین فی القول المحری . و مات شارلومانیو فی الرابع و العشرین من ینیّر (کذا) سنة إحدی و ثلاثین و مائتین بعد ما ملک ستا و أربعین عاما، و لا تجد لغیر اللّه تعالی (کذا) بقاء و لا دواما.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 32

الملک لویس الأول:LOUIS .I

و خامس عشرینهم ابنه لویز الأول تولی یوم موت أبیه فی القول الذی علیه المعوّل، و قسم ملکه بین أولاده سنة أربع و ثلاثین و مائتین بالاعتبار، و فی التی بعدها قام علیه ابن أخیه بریزنار فظفر به و قلع عینیه و بقی کذلک إلی أن مات بعد ثلاثة أیام، و سجن زوجته سنة سبع و أربعین و مائتین باحتکام، ثم قام علیه أولاده فی عام تسع و أربعین من المذکور و خلعوه من الملک و هو فی حالة المغلوب المقهور المحبور، و مات فی عشرین ینیه سنة سبع و خمسین و مائتین بسبب ما أحاط به من أولاده من الهم و قد رأی منهم کل محنة بعد ما ملک ستا و عشرین سنة.

الملک شارل الأول الأصلع‌

و سادس عشرینهم ابنه شارل الأول و لقبه الأصلع، تولی الملک یوم موت أبیه فی الأصلح و اختصّ بافرانسا عن أخویه، و عظم أمر أجوادهم فی وقته إلی أن خرجوا عن الطاعة و انفرد کل بما لدیه و تمیزوا فیما بینهم بالألقاب الدالة علی الرفعة، و هی مراتب بحسب الأعلا و الأوسط و الوضعیة، و مات مسموما من بعض أطبّائه سنة أربع و تسعین و مائتین بیّنة/ بعد ما ملک سبعا و ثلاثین سنة.

الملک لویس الثانی‌

و سابع عشرینهم ابنه لویز الثانی الملقب لوبیک و معناه الألکن بلا تشریک، تولی یوم موت أبیه بالتحریک. فهو أول من سمّی بسلطان الفرانسیس، و علیه فسلاطینهم علی الحقیقة ست و أربعون بالتجریس، و قامت علیه النورماندی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 33
و الأکیتین بالجیوش، التی مع عدتها کأنها العهن المنفوش فتوجه لقتالهم و مات بمدینة طروة سنة ست و تسعین و مائتین بعد ما ملک عامین .

الملک لویس الثالث‌

و ثامن عشرینهم ابنه لویز الثالث و کارلومان و تولیا یوم موت أبیهما بالبیان فناب للأول النورمان و هی الجهة الجوفیة و ناب للثانی البورفانص و هی الجهة القبلیة، و حصل الحرب بینهما و بین أمیری البورفانص و النورمان مدة من عامین إلی أن انهزم النورمان و مات منهم نحو التسعة آلاف مقاتل، و توفی لویز الثالث فی تلک المراحل سنة تسع و تسعین من الثالث و سببه أنه سقط من فوق فرسه فمات و سیر به فورا إلی رمسه، و حاز أخوه کارلومان الملک بأجمعه و هو فی ضعف من المال و جمعه، و مات سنة واحد من القرن الرابع بعد ما ملک خمسة أعوام، و سببه أن بعض خواصه ضرب خنزیرا فحصل له من ذلک ما مات به من الأسقام.

الملک شارل لوقران الأکبر

و تاسع عشرینهم شارلوقر بن الألکن، و معنی لوقر الضخیم الأبدن، تولی سنة واحد من الرابع فقام علیه النورمان فی السنة الثانیة، من تولیته، و أفسدوا افرانسا شدیدا بکلیته و اشتد الحرب بینه و بینهم عامین، و وقع الحصار للناس بغیر مین، و دفع لهم الأموال للرحلة و سلّم فی وطن البورفونیة و هو فی وجلة، فخلعته الأمة سنة أربعة من الرابع و مات بعد خلعه فی الخامس من الرابع.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 34

الملک أودو:OTTON

و ثلاثینهم أودو تولی سنة خمس من القرن الرابع بلا نقد و کان ذا شجاعة عجیبة و أخبار غریبة، و مات سنة خمسة عشر من الرابع مسطورة، بعد ما ملک عشرة أعوام مشهورة، و من وقائعه أنه أنشأ الحرب مع النورمان و قاتلهم بمدینة مونفوکون فقتل منهم تسعة عشر/ ألف مقاتل و هزمهم و أذعن للطاعة و بذل الأموال بغایة ما یکون، و نشأ (کذا) الحرب مع الجهة القبلیة لما خلعت الطاعة. فبینما هو فی قتالهم إذا بالجهة الجوفیة بایعت شارل الثالث فی الحین و الساعة، فقدم إلیهم و حاربهم، و فاتنهم و ضاربهم، ثم حصل الصلح بینه و بین شارل علی تسلیم الجهة الجوفیة، و یریح الأمة من المحاربة القاویة، و مات سنة خمسة عشر من الرابع المذکور بعد ما ملک عشرة أعوام فی المسطور.

الملک شارل الثالث البسیط

و حادی ثلاثینهم شارل الثالث الملقب لوسینبل و معناه الغشیم، تولی سنة خمسة عشر و ثلاثمائة بالتقویم و سجن سنة أربعین من الرابع بإثبات و بقی فی السجن سبعة أعوام و مات. و من وقائعه الدالة له علی الثبات أن النورماندی المسمة (کذا) فی السابق بالتستری لما استقرت بافرانسا و کان اسم ملکهم رولون، و ظهر منها العبث و الفساد ورأی ذلک تزوج بابنت ملکها لیحصل الهناء بغایة ما یکون، و صیّره أمیرا علی جهته فکان الأمر کذلک برمته، و علّق سوارا ذهبا بشجرة لیختبر رعیته فی الأمان و الطاعة، فبقی السوار بمحله عامین من غیر أخذ و لا ضیاعة و غضبت علیه الأمة فخلعت ما له من الطاعة و بایعوا روبیر سلطانا ستة تسع و ثلاثین و ثلاثمائة فخرج له و قاتله إلی أن قتله وضاع دمه هدرا بما حمله، فجاء ابنه هوق لأخذ ثأر أبیه، و تقاتل مع شارل إلی أن ظفر به فسجنه فی السنة التی تقدم علیها التنبیه، و خلف شارل ابنا قاصر التمییز، فهربت به أمه إلی برّ الانقلیز، إلی أن بویع کما سیأتی علیه الکلام فی غایة ما به المرام.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 35

الملک راؤل:RAOUL

و ثانی ثلاثینهم راول تولی فی شهر جلیت سنة أربعین و ثلاثمائة و مات سنة ثلاث و خمسین و ثلاثمائة بعد ما ملک ثلاثة عشر عاما، و کان له الموت ملتزما إلزاما، و من أموره أنه وهب لأعیان الدولة الأوطان، حتی لم یبق بیده إلّا لان، و أقبلت النورمان من الدیر لافرانسا بعضها فوق بعض یموج، فقاتلهم شدیدا، و أذاقهم الوبال بنواحی لیموج و خرجت الجهة القبلیة عن الطاعة/ فلم یجد لها للنهوض الاستطاعة.

الملک لویس الرابع‌

و ثالث ثلاثینهم لویز الرابع تولی علی الصحیح سنة أربعین و ثلاثمائة بالتصریح و کان الذی بایعه هوق لوفران و لو شاء الاستقلال لفعل ما کان.
و کان فی عمره وقت المبایعة ستة عشر سنة بالمشایعة، و مات بمدینة برانس ساقطا عن فرسه سنة إحدی و سبعین و ثلاثمائة مبینة بعد ما ملک ثمانیة عشر سنة. و من أخباره أنه بادر لمحاربة الخارج عن الطاعة، فبقی و لم ترج له البضاعة و لو لا الباب نهی الخارج لزلت قدم لویز و لنزع من الکرسی و بقی فی الحیز و استولی سنة ثمان و أربعین من المذکور علی النورماندی، ثم سجنه هوق إلی أن ترک له وطن لان و صار علیه متمادی.

الملک لوثر:LOTHAIRE

و رابع ثلاثینهم لوتیر تولی سنة إحدی و سبعین من الرابع المذکور و مات مسموما من زوجته سنة سنة (کذا) ثلاث و أربعمائة بعد ما ملک اثنین و ثلاثین سنة فی المشهور . و فی وقته مات الوزیر هوق و خلّف ولدین أحدهما کابی و الآتی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 36
الذکر بحقوق و من خبر هذا السلطان أنه استولی علی وطن أوطون الثانی ملک الألمان، سنة خمس و تسعین من المتقدم البیان و بطل فی وقته قسمة الملک بین الأخوة، و جعل قانونا بأن الکبیر من الأولاد هو الذی یختص به من بین الأخوة.

الملک لویس الخامس‌

و خامس ثلاثینهم لویز الخامس، تولی سنة أربعمائة و ثلاث بالخامس و هو ابن تسعة عشر عاما إلزاما و لم یجلس علی الکرسی إلّا عاما، و مات کأبیه مسموما، و لم یخلف عقبا معلوما و ذلک سنة أربع من الخامس المذکور، و به انقرضت الطبقة الثانیة بعد ما ملکت مائتین وست و ثلاثین سنة فی المسطور.
و انتقل الملک للطبقة الثالثة ذات الستة الفروع، التی هی المرامة الآن بالشروع.

الملک هیو کابی الأول:HUGUES CAPET .I

و سادس ثلاثینهم هوق کابی أول الفروع، تولی سنة أربع و أربعمائة بالشیوع و مات ببریز سنة ثلاثة عشر من المذکور، بعد ما ملک تسعة أعوام فی المشهور. و من/ خبره أنه سجن شارل أمیر اللورین لمّا تعرّض لمحاربته، و أجلب الأعیان لمبایعته وردّ عدة من الدیور لجلب القسیسین و اشتدت شوکة الأجواد علیه إلی أن وقعت منهم الوقاحة بدلیل أنه لمّا کتب لأمیر الأکیتین و قال له أعرف من جعلک أمیرا فقال و أنت من جعلک سلطانا فتناسبک الفلاحة و کان من أهل المودة العجیبة للرعیة، و المشاورة لهم فی الأمور النافعة لهم و له المرضیة.

الملک روبیر الثانی:ROBERT

و سابع ثلاثینهم ابنه روبیر الذی له مزیة تولی سنة إحدی عشر و أربعمائة و توفی سنة ثمان و أربعین و أربعمائة و من خبره أنه تزوج امرأة من أقاربه المخالف تزویجها للقوانین فغضب علیه الباب و منعه من موجبات الدین، و بقی علی ذلک
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 37
ثلاث سنین، ثم طلقها و تزوج بابنت أرل التی تسمی کونسطانس فلم توافقه فی الطبیعة و لم تجانس فحصل له معها الطیش، و نقصت له لذة الحیوة و طیب العیش، و نشأ الحرب مع البورفونیة بقصد إدخالهم تحت حکم الجماعة، فدام الحرب بینهما اثنا عشر سنة ثم أذعنوا للطاعة، و لسیرته الحسنة مع الرعیة استوجب المدح و لرفقه بالضعفاء و مودته للمساکین أطردت عنه القدح و کان قانعا بملکه لا یحب الزیادة علیه و عفا عن من تجاسر علی قتله من الأشرار و کان الحلم منه و إلیه. و هو عندهم فی دینهم أعلم زمانه و أوحد فصاحة لأوانه، فقد أنشد جملة من القصائد هی عندهم کالعرائس، و لا زالت تذکر عندهم و تقرأ فی الکنائس.

الملک هنری الأول:HENRI .I

و ثامن ثلاثینهم ابنه أنری الأول تولی سنة ثمان و أربعین و أربعمائة بالأکمل و هو ابن ست و عشرین سنة فی المشهور، و مات سنة سبع و خمسین من القرن المذکور بعد ما ملک تسعة أعوام فی المسطور. و من خبره أن زوجة أبیه کونسطانس أرادت أن تجلس ابنها روبیر علی کرسی المملکة و تجعله هو الموافق المجانس فحاربها مع إبنها إلی أن صار له من جملة الرعیة، ثم خصص أخاه بالبورفونیة و تزوج آن ابنة/ سلطان الموسکوا و وقع الخلل فجعل رؤساء الدین قانونا ینهی عن الفساد سمّوه بزعمهم مهادنة الرب فنوسکوا، و جعلوا لعبا شبه الحروب و القتال و ما فیه من المکافحة و النزل، و زالت العداوة و المنافسة بین الأجواد، بسبب الاجتماع لذلک اللعب و راجت السّلع و کثرت التجارة و فرح العباد و افتتح النورمان برّ الطلیان، فکان ذلک سببا لتأسیس الصقلیة و النابولیطان.

الملک فیلیب الأول و أحداث الحروب الصلیبیة

و تاسع ثلاثینهم ابنه فلیب الأول الذی کان لهم علیه الاعتماد و المعول، تولی سنة سبع و خمسین من القرن الخامس و قد عاهد له أبوه بالسلطنة فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 38
حیاته و هو ابن ثمان سنین بالخامس، و أناب عنه أمیر الفلاندرین بودوان و مات سنة خمس و عشرین من السادس بالبیان . و من خبره أنه لما طالت مدّته حدث بها حوادث عظام. بقی ذکرها علی مرور اللیالی و الأیام فقاتل قیلیوم ثم اصطلح معه ثم تجدد الحرب بین الفریقین یروم کل منهما لصاحبه أن یقمعه فجاء قیلیوم حارکا، و لقتاله عازما لا تارکا، و حلّ بمدینة مانط، فحرقها، و احتطبها و خرقها، و ذلک سنة أربع من القرن السادس بالعیان، و زاد لباریز فمرض بقربها و توجّه إلی روان، و بها مات فی صحیح البیان، و کان المسلمون استولوا فی القرن العاشر المسیحی، و قاعدته القدس المطهر من القبیحی و انتشر الإسلام، و ظهر دین اللّه تعالی علی ید سید الأنام، ثم أصحابه من بعده و أمته و هلمّ جرّا إلی یوم القیامة، فرأی قسیس یقال له بیّار أحکام المسلمین، فتخیّل له فی عقله لمخالفتها لقوانین النصاری أنها ظلم و جور بالتبیین فامتلأ قلبه غیضا و غضبا، و کثر همه و نوی لهم عطبا، فعاهد نفسه أن یخبر الدول النصرانیة بذلک، و نام لیلة فرأی بزعمه أن عیسی بن مریم علیه السلام أمره أن یبادر بذلک، و لم یدر أن ذلک من أضغاث الأحلام و معاذ اللّه أن یأمره بذلک نبی اللّه عیسی بن مریم علیه السلام، و إنما ذلک من عمل الشیطان الملعون ما دام الزمان، فرحل فورا و لمّا وصل/ أخبر أجناس النصاری جنسا بعد جنس، و عیّن لهم الاجتماع باصطنبول و قال لهم هی ذات الخنس، و کان ذلک سنة تسعین من القرن الخامس فعبروا خلیج قسنطنطینیة و هم فی أشد المحامس، و وصلوا إلی خلیج أرسلان بن سلیمان بن قطلمش و هی قونیّة و غیرها بالتدلیج و جری الحرب بینهم و بین قلیح أرسلان.
فانهزم قلیح ثم ساروا إلی لیون الأرمنی بغایة الظهور و خرجوا لأنطاکیة فحاصروها تسعة من الشهور ، و ظهر لباغی سیان فی ذلک شجاعة عظیمة، ثم هجموا أنطاکیة و دخلوا عنوة و قوتهم جسیمة، و کان بها ثلاثمائة و خمسون کنیسة، و أکثر أهلها نصاری لهم حالة دنیسة، و خرج أمیرها باغی سیان بالیل (کذا) هاربا مرعوبا، و خائفا مدحوضا فی نفسه مطلوبا، فلما أصبح و رجع وعیه أخذ یتلهّف
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 39
علی أهله و أولاده و المسلمین فلشدّة ما لحقه سقط مغشیا علیه فی الحین، فأراد من معه أن یرکبه فلم یکن فیه من المسکة ما یثبت به علی الفرس، فترکوه مرمیا و أبدل سعده بالمنتحس، و اجتاز به إنسان أرمنی کان یقطع الخشب و هو بآخر رمق فقطع رأسه و حمله للفرنج ففاز به و بالظفر سبق، و ملکوها فی جمادی الأولی سنة إحدی و تسعین و أربعمائة بالتحقیق، و وضعوا السیف فی المسلمین الذین بها و سلبوا أموالهم بتمامها فی القول الحقیق. ثم بعد ثلاثة أیام من الواقعة، قدم أمراء الموصل و حلب و دمشق و معهم ثمانیة و عشرون أمیرا بالواقعة، و جیشهم فیه ثلاثمائة ألف مقاتل و حاصروا انطاکیة و قطعوا منها و عنها المراحل، و صارت النصاری فی الضیق العظیم من قلّة الزاد، و لما أراد اللّه بالمسلمین بأمر فیه النفاذ، صار حاکم الموصل کربوع یتکبّر علی الجیوش و الأمراء، و یستهین بالقواد و الوزراء، فخبثت نیة الناس علیه، و نووا جر المکر إلیه، و لما ضاق الأمر بالفرنج ثبّتوا نفوسهم، و ألقوا للقتال رؤوسهم، و خرج منهم نحو المائة ألف مقاتل فانهزم المسلمون، و کثر القتل فیهم للذاهب و القابل، و نهبت الفرنج خیامهم، و تقوّوا بالأقوات التی أخذوها و السلاح/ فلم یقف أحد أمامهم، ثم تقدم الفرنج للمعرة فاستولوا علیها و وضعوا السیف فی أهلها فقتلوا فیها بالتحریر، ما یزید علی ألف إنسان و سبوا السبی الکثیر، و أقاموا بها أربعین یوما. و منها مختارین ارتحلوا و ساروا إلی حمص و لمّا لها وصلوا صالحهم أهلها و استراحوا ستة أشهر و فیها أصابهم وحلها من القحط و السقم العسیر، إلی أن مات منهم به الخلق الکثیر.
ثم جهّز أمراؤهم جیشا فیه نحو الأربعین ألف مقاتل و قصدوا للقدس فحاصروها نیفا و أربعین یوما بحصر هائل، و قیل حصروها سبعا و ثلاثین یوما، ثم اقتحموها و استولوا علیها حوما، و ذلک یوم الجمعة لسبع بقین من شعبان سنة اثنین و تسعین و أربعمائة بالبیان و بقوا یقتلون فی المسلمین أسبوعا فرادی و أزواجا یوعا، حتی قتلوا فی المسجد الأقصا ما یزید علی سبعین ألف نفس بالتعریف، منهم جماعة کثیرة من أئمة المسلمین و علمائهم و عبادهم و زهادهم ممن جاور فی ذلک الموضع الشریف، و غنموا لما لا یقع
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 40
علیه الإحصاء، و لا یضبطه الحصر و الاستقصاء و وصل المستنفرون إلی بغداد فی رمضان فاشتکوا و اجتمع أهل بغداد فی الجوامع و استغاثوا و بکوا إلی أن أفطروا من عظم ما جری لهم بالاجتهاد و وقع الخلف بین السلاطین السلجوقیة فلذلک تمکن الفرنج من البلاد، و قال فی ذلک المظفر الأبیوردی أبیاتا من الطویل منها هذه الأبیات بالتحصیل:
مزجنا دماء بالدموع السّواجم‌فلم یبق منّا عرصة للمراجم
و شر سلاح المرء دمع یفیضه‌إذا الحرب شبّت نارها بالصوارم
و کیف تنام العین مل‌ء جفونهاعلی هفوات أیقظت کل نائم
و إخوانکم بالشام یضحی مقیلهم‌ظهور المذاکی أو بطون القعاشم
یسومهم الروم الهوان و أنتم‌تجرون ذیل الخفض فعل المسالم
و کم من دماء قد أبیحت و من دمی‌تواری حیاء حسنها بالمعاصم
أترضی صنادید الأعاریب بالأذی‌و تقضی علی ذل کماة الأعاجم
/ فلیتهم إذ لم یذودوا حیّةعن الدین ظنوا غیرة بالمحارم
و مات من النصاری ما بین حتف و معرکة نحو الخمسمائة ألف، ثم ترکوا بالقدس أمیرا یقال له قود فرد بویون و معه خمسمائة من أجوادهم باتباعهم بالکلف، و رجعوا لبلادهم عازمین، و بتمهید أوطانهم جازمین، و ملکوا القدس تسعین سنة و حصل التخالف بین أجوادهم فذلک سبب خروجهم من المشرق و هلاکهم بأحفادهم، و فی مدة إقامتهم بالمشرق کان لهم التسلط العظیم علی المسلمین، و غزوهم لهم فی کل الوقت و الحین. فغزوا فی سنة أربع و تسعین و أربعمائة أرسوف، بساحل عکّا و قیساریة و ملکوها، و فی التی بعدها سار صنجیل الفرنجی بجمع قلیل و حصر ابن عمار بطرابلس الشرق إلی أن صالحه بمال أخذه و سار یهوم هیوما، فحط کلکله علی أهل انطرطوش إلی أن فتحها، و قتل من بها من المسلمین و ربحها ثم صار الأکراد فحصر (کذا) حصنه فأتاه جناح الدولة صاحب حمص بجیوشه فوثب علیه باطنی و هو بالجامع فقتله فارتحل صنجیل و سار إلی حمص فنازلها و ملک أعمالها و أحلّ بأهله و بله، ثم أغاروا فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 41
سنة سبع و تسعین من الخامس المذکور علی قلعة جعبر و الرقة و استاقوا مواشیهما و أسروا من وجدوه بالعلانیة لا بالسرقة. ثم سار صنجیل لما وصله مدد الفرنج من البحر إلی طرابلس الشرق، فی تلک السنة بالیقین و الحق، فحاصرها برا و بحرا، و لما لم یجد لها مطمعا رحل عنها فورا، و عاد إلی جبلة من أرض الشام بالعیان، فحاصرها و تسلمها بالأمان، ثم سار إلی عکّا و وصله مدد من بیت القدس الأطهر، و حصروا (کذا) عکّا فی البر و البحر، و جری بینهم و بین أمیرها بنازهر الدولة الجیوشی قتال طویل الفضیعة، فملکوها بالسیف و فعلوا بأهلها الأفعال الشنیعة، و هرب ملکها ثم قصدوا حران، فاتفق ملک الموصل مع سقمان و معه الترکمان، و قصدوا للفرنج فاجتمعا علی الخابور، و التقا (کذا) الجمعان علی نهر البلیخ، فکانت الدائرة علی الفرنج و قتل منهم خلق کثیر/ و أسّر ملکهم القومص الفلیخ؟ و فی السنة التی بعدها استولی علی ارتاح ثم فی سنة تسع و تسعین من الخامس ساروا إلی قامیة لنیل ارتیاح فحصروها (کذا) و ملکوا البلد و القلعة و قتلوا قاضیها المتغلب علیها و بقوا فی انشراح، ثم سار صنجیل إلی طرابلس الشرق فحصرها (کذا) و بنا (کذا) بالقرب منها حصنا و قهرها و بنا (کذا) تحته ربضا و هو المعروف بحصن صنجیل، فخرج إلیه أبو علی ابن عمار صاحب طرابلس بجیش حفیل، فأحرق الربض و وقف صنجیل علی بعض سقفه المحرقة فانخسف به فمرض من ذلک و بقی عشرة أیام و مات فی القلقلة و حمل إلی القدس فدفن فیه و دام الحرب بین الطرابلسیین و الفرنج خمسة أعوام و ظهر فی الحرب من صاحبها ما یعنیه، ثم ساروا ثالثا إلی طرابلس الشرق و حلوا بها فی أول رمضان سنة ثلاثة من القرن السادس فحاصروها فی البر و البحر و ضایقوها، و شددوا علیها و خانقوها فأرسل إلیها نواب خلیفة مصر العلوی اسطولا، فرده الهواء و لم یقدر علی الوصول إلیها لیقضی اللّه أمرا کان مفعولا، فملکوها بالسیف و قتلوا و نهبوا و أسروا و سلبوا و ذلک فی حادی عشر ذی الحجة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 42
من السنة المذکورة و قد طلب بعض أهلها قبل استلائهم (کذا) علیها الأمان، و خرجوا منها إلی دمشق فنجاهم اللّه مما کان. و فی التی بعدها ملکوا صیدا فی ربیع الآخر بالأمان ثم ساروا و معهم صاحب أنطاکیة إلی الأرثاب لقربها من حلب فحصروه (کذا) و دام القتال ثم ملکوه عنوة بعد ما قهروه و قتلوا من أهله ألفی رجل و أسروا الباقین ثم ساروا إلی- ذردنا- فملکوها عنوة و جری لهم کأهل الأرثاب بالیقین، ثم ساروا إلی منیح و بالس، فألفوهما خالیین من أهلهما فعادوا عنها بلا مخالس، و صالحهم رضوان صاحب حلب علی اثنین و ثلاثین ألف دینار مع خیول و ثیاب، و دخل الخوف و الرعب قلوب أهل الشام منهم و صاروا فی هم و کراب، فشرعوا فی الصلح ببذل الأموال خشیة من النکال و الوبال. فصالحهم أهل مدینة صور علی سبعة آلاف دینار و صاحب شیرز علی أربعة آلاف، و صاحب حماه علی ألفی دینار، و زادوا فی هذه السنة و قیل فی سنة إحدی عشر للدیار المصریة، و کبیرهم بردویل فانتهوا إلی الفرما فدخلوها بالقهریة، و أحرقوها و مساجدها و جوامعها، و أفسدوا محاسنها و مصانعها، و رجعوا إلی الشام، و کبیرهم بردویل مریض بالحریش فهلک فی الطریق قبل وصولهم إلی العریش، فشق أصحابه جوفه و رموا هنالک حشوته، فهی تعلّم للآن بالحجر فورته، و زادوا بجثته فدفنوها بقمامة، و هو صاحب القدس و عکّا و یافا و غیرهم من المدن المرامة.
ثم هجموا علی ربض حماة و لم یتمکنوا منها، لکنهم قتلوا من أهلها ما یزید علی مائة رجل، ثم عادوا عنها، و ذلک سنة إحدی عشر من القرن السادس الشهیر ثم زادوا سنة ثلاثة عشر من ذلک القرن، بالتحریر إلی ربض حلب فلقیهم ایلغازی بن أرتق الأمیر و اشتد القتال بینه و بینهم فدارت علیهم الدائرة حال التدویر فهزمهم و قتل و أسّر منهم کثیرا و کان فی القتلی سرجال صاحب أنطاکیة شهیرا، و کانت الواقعة فی منتصف ربیع الأول من تلک السنة و زاد
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 43
إیلغازی عقبها بالبینة، ففتح الأثارب و ذردنا و رجع فارحا لأهله یترنّنا فمدحه بعض الشعراء بقصیدة منها هاتان (کذا) البیتان:
قل ما تشاء فقولک المقبول‌و علیک بعد الخالق التعویل
و استبشر القرآن حین نصرته‌و بکا (کذا) لفقد رجاله الإنجیل
و فی التی بعدها أغاروا ورایسهم (کذا) جوسلین صاحب الرها علی جموع العرب و الترکمان، و هم نصفین فغنموا من أموالهم و مواشیهم شیئا کثیرا و عادوا إلی تراعة فخربوها بالبیان. ثم ساروا فی سنة سبعة عشر من السادس إلی خرتبرت التی بها منهم جوسلین و غیرهم حال کونهم محبوسین، فاستولوا علیها و خلصوهم من سجنهم فی الساعة و الحین، و فی التی بعدها استولوا بالأمان علی صور، فدخلوها فی العشرین من جمادی الأولی و خرج أهلها بما قدروا علی حمله من أموالهم لغیرها من المدن و الثغور و فیها/ حاصروا حلب فلم ینتج لهم منها شی‌ء، و ارتحلوا و قصدوا محلهم فله ولوا و انتحلوا. ثم فی سنة عشرین من السادس قصدوا دمشق و نزلوا عند قریة شقحب، فلقیهم طغتکین الأمیر مع الترکمان فی أواخر ذی الحجة منها و اشتد القتال فانهزم جیش طغتکین و انقلب، و اتبعهم الفرنج فثبت الترکمان علی الهروب و قصدوا مخیم الفرنج فقتلوا کل من وجدوه و أخذوا الأموال و الأثقال و سلموا من العطوب، و لما رجع الفرنج وجدوا أثقالهم و خیمهم قد نهبت، فانهزمت حینئذ و هربت. و فیها حصروا (کذا) رقینة و ملکوها، و برجالهم دخلوها و سلکوها، ثم قصدوا دمشق أیضا سنة ثلاث و عشرین من المذکور فحصروها (کذا) و لم یظفروا بشی‌ء منها، و کان البرد و الشتاء شدیدا فرحلوا شبه المنهزمین عنها، فأتبعهم توری بعسکر دمشق فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 44
أثرهم و قتلوا کثیرا منهم من غیر أسرهم. و هذه الوقائع کلها فی أیام فیلیب الأول سلطان الفرانسیس، الذی به حصل لدولتهم القوة و التأسیس.
ثم أنهم لما رجعوا من المشرق لبلادهم، بضعفائهم و شدادهم و ترکوا بالقدس کما مرّ أمیرا، و حلوا ببرهم خفیا و شهیرا، أسس أحد أجوادهم جرارد مرتین محلا للغربا (کذا) و من لیس له رفیق، و ذلک سنة سبعة عشر من السادس و عظمت شوکة هؤلاء الأجواد و شاع خبرهم فی البلاد و العباد و لهم عند أجناس النصاری خواتم للتمییز، منقوش علیها ما یحصل لهم به من العلامات الشریف و علو النسب و التبریز، کصورة الأسد و غیره، و سببها أن أسلافهم حال علی حربهم بالمشرق جعل کل منهم علی درقته و بیضته ما یمتاز به من تلک العلامات علی غیره فاتخذ النسل تلک العلامة، یتذکر بها سلفه حال السلامة.

الملک لویس السادس السمین‌

و الموفیّ لأربعینهم ابنه لویز السادس تولی یوم موت أبیه و هو سنة خمس و عشرین من القرن السادس و لقبه عندهم لوقّر و معناه الضخم بالأشهر، و کان أبوه فی حیاته عاهد له بذلک و ألبسه التاج و أناله الکمال و الادراج و توفی سنة أربع و خمسین/ من السادس المذکور بعد ما ملک تسعا و عشرین سنة فی المسطور. و من خبره أنه کان ذا عقل و رأی، و شجاعة و تدبیر و قوة و صناعة، و اشتغل بحرب أجوادهم الذین خلعوا طاعته فحاربهم جهده و استطاعته، فنصره اللّه علیهم بسبب خلع الرعیة لطاعتهم، لما أضرّوا بهم فی أنفسهم و بضاعتهم فجعل لهم ساداتهم القوانین المتضمنة عتقهم و طلبوا من الملک الموافقة علیها فأجابهم و لنیل عتقهم، فمالت له الرعیة، و صیّر لهم القوانین لفصل دعاویهم المرعیة، و عین حکّاما لتنفیذ الأمور و فصل الدعاوی و تیسیر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 45
المعسور، و عدمت حکومة الأجواد، و حلّ الهناء بالمملکة فی العباد و البلاد و تحارب مع أنری الأول سلطان الانقلیز، لیتمیّز کل منهما بالملک و التحییز و ذلک سنة ست و ثلاثین و خمسمائة فالتقیا برانفیل و اشتد القتال، فانهزم الفرانسیس و بقی ملکهم وحده للنزال، فتعلق بلجام فرسه أحد عساکیر (کذا) الانقلیز و هو ثابت فی القتال من غیر فرار و لا تحییز، و نادی العسکری أن الملک فی یدی أسیرا، فأکذبه (کذا) الملک و ضربه بحسامه (کذا) فترکه میتا خسیرا، ثم انعقد الصلح بین الجانبین و صارت الأمة فی الراحة التی لیس بها المین. ثم فی سنة سبع و ثلاثین من المذکور سارت الفرنج من صقلیة إلی طرابلس الغرب، فحاصروها و عادوا عنها بلا نیل الأرب. ثم ساروا فی الأسطل من صقلیة إلی ساحل إفریقیة بالتختیم فملکوا مدینة برسک و قتلوا أهلها و سبوا الحریم.
و ذلک سنة تسع و ثلاثین من المذکور ثم ساروا فی سنة إحدی و أربعین منه إلی طرابلس الغرب فملکوها و دخلوا شوارعها و سلکوها، و سبب ملکها أنهم نزلوا علیها و حاصروها و ضایقوها و قهروها، فلما کان فی الیوم الثالث من نزولهم علیها، سمعوا ضجة عظیمة و خلت الأسوار من المقاتلة و لم یرجع أحد إلیها، بسبب اختلاف أهل المدینة المحصورة، فمنهم من أراد تقدیم بنی مطروح للإمارة و منهم من أراد الملثمین و لم ینظروا للحالة المقهورة، فنشأ الحرب بین الفریقین و خلت الأسوار، فاغتنم الفرنج الفرصة/ و صعدوا بالسلالم (کذا) الأسوار، و ملکوها بالسیف فی محرم السنة المذکورة و سفکوا دماء أهلها فی القولة المشهورة. ثم أعطوا الأمان لمن بقی من أهلها، فتراجعت الناس و حسن حالها بأهلها.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 46

الملک لویس السابع‌

و حادی أربعینهم ابنه لویس السابع الملقب لجون و معناه الصغیر فیما یرجون، تولی یوم موت أبیه و هو سنة أربع و خمسین و خمسمائة و مات سنة سبع و تسعین و خمسمائة بعد ما ملک ثلاثا و أربعین سنة مرتبة معینة، و من أخباره أنه لمّا تزوج بایلیر نورا بنت سلطان الأکیتین، أتته فی مهرها بوطنی البواطر، و الأکیتین، فعظمت بهما مملکة افرانسا، و ترافعت عن غیرها و سلطانها تواسا، و وقع الحرب بینه و بین البّابّ شنئان، فتعصّب أمیر الشمبانیة مع البّابّ و بان منه العدوان فغضب علیه الملک و ذهب له بجیوشه من مدائنه و عروشه، و استولی علی فیتری و أحرق کنیستها بما فیها، و هو ثلاثة عشر مائة نسمة لدخولهم علی سبیل الالتجاء فیها، ثم ندم و سأل للتکفیر، فقال له البّابّ لا بد من قدومک للقدس لیکون لک التطهیر، و فی خلال هذه المدة تغلّب المسلمون علی النصاری الذین بالشام، و استولوا علی مدینة أرفة بالتزام، و قتلوا ثلاثین ألفا و أسروا عشرین ألفا فی منقول الکلام، و ذلک سنة إحدی و ستین من القرن المار فحین وردت علیه بذلک الأخبار، توافق مع البّابّ و سلطان الألمان و راموا القتال و الأشرار، و قد قال أحد القسیسین للملک لا یغفر ذنبک إلّا بالقتال و قال له الآخر اللائق بالملک الاستقرار فی ملکه و لا یلیق به أن یکون من أهل الجوال، فرحل فی جیش قدره مائة ألف و خلف بمکانه سوجر و عزم بالمسیر و ابتدر، و ذلک سنة أربع و ستین من المذکور بإلزام و وقع القتال بینه و بین الأتراک باحتکام، فمات له نحو النصف من جیشه ما بین القتل و الجوع و أسقام، و بلغ القدس سنة خمس و ستین من المذکور ثم توجّهوا لعکّا و عقدوا مجلسا علی محاربة/ دمشق فی المسطور فجهز لها الجیش و قصدوها و حصروها فعجزوا عن الحصار، فترکوها و رجع کل منهم لمحله بالاشتهار، و کان الألمان
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 47
حصرها فی سنة ثلاث و أربعین من المذکور فلم یفد حصارهم شیئا و رجعوا عنها خائبین و عن الرجوع لها فی رأیهم نادمین و تائبین.
ثم أن زوجة ملک الفرانسیس لویز السابع طلبت منه الطلاق و الخروج عن عصمته فی الشائع، فطلقها و تزوّجت بأنری سلطان الانقلیز و حاز لعدة بلاد بغایة التحویز و رام قتال السلطان، و الخروج عن طاعته، بکل ما کان، و ذلک سنة ست و سبعین ، و حصلت بینهما المهادنة سنة سبع و سبعین کل ذلک من القرن السادس الذی فیه الکلام المنافس. و فی أیامه صارت المدن بأنفسها قائمة، و ارتفع حجاب الجهل عن بریز و رجعت العلوم له لازمة، فأنشئت به المدارس إلی أن قصدته الناس من کل ناحیة للعلوم، وسعا (کذا) أهله فی زیادة البناء المحکوم المعلوم.

الملک فیلیب الثانی أوغسطس‌

و ثانی أربعینهم ابنه فیلیب الثانی المقلب أوقست و معناه العظیم المشهور، تولی یوم موت أبیه المذکور، و هو سنة سبع و تسعین و خمسمائة و توفی سنة أربعین و ستمائة. و کان بطلا شجاعا، و عابدا عندهم متورعا مطاعا، و من خبره أنه بمجرد أولیته بالارتفاق، بادر لطرد الیهود من مملکته و حاز کل ما لهم من الأملاک و الأرزاق، لا حتوائهم علی الصنائع و حوزهم لأموال الغیر بتعاطیهم الربی و کثرة التجارة فصار کل منهم فی الضیر ثم أمرهم بالرجوع و لم یرد لهم أموالهم، و أمرهم بأن یکونوا تحت الذمة و من الأرذال. ثم حصلت فتنة بسبب أن أعمامه أرادوا التصرف فی الملک علیه لصغره، فأزال ذلک سلطان الانقلیز و صیّر کلا منهم فی حجره. و بلغه الخبر قلقا بأن الملک صلاح الدین یوسف بن أیوب الکردی قد استولی علی القدس سنة أربع و ستمائة بعد هزمه لملک طبریة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 48
و أخذه أسیرا مع جملة من الأمراء و أربعة عشر ألفا من النصاری، و طرده لمائة ألف من القدس بالتقدم و السبق و استلائه علی ما عدا صور و أنطاکیة و طرابلس الشرق، فاشتدّ حزم النصاری/ و اتفقوا علی الرحیل للقتال و قالوا لا بد من تذویق المسلمین بالنکال، و الاجتماع بعکّا بلا شک و لا إخلال، فذهبوا بجیوشهم سنة سبع و ستمائة و شرع القتال بینهم و بین أهل المدینة بالبیان، إلی أن ضعف أهل المدینة و سألوا الأمان. ثم حصل التحالف بین ملوک النصاری، خصوصا بین فیلیب و ریشار، و بقوا حیاری، فمرض فیلیب شدیدا و رجع لبلاده، و بقی غیره و هو ریشار بجیوشه و قواده ثم وقعت المهادنة بین الفریقین، علی أن یکون بید النصاری من یافا إلی صور بلا مین. و لسیاسة فیلیب الثانی قالت له النصاری أبا الملک البانی.

الملک لویس الثامن‌

و ثالث أربعینهم ابنه لویس الثامن، الملقب بالأسد، لبطشه و صبره علی الکد، تولی یوم موت أبیه و هو سنة أربعین و ستمائة و اجتمعت علی تولیته جمیع الأمة من غیر ملک الانقلیز، و هو أنری الثالث و کان حقه الحضور لوضع التاج علی رأس السلطان بالتنجیز. و من خبره أن أجل المهادنة التی بین الفرانسیس و الانقلیز، لما تمّ أراد لویز الحرب و جهّز الجیوش بقصد حرب الانقلیز. فاشتدّ القتال بین الفریقین، و انهزم الانقلیز بغیر المین، و استولی لویز علی ما کان بولایتهم من بعض الأوطان، و لم یترک لهم إلّا القسقونیة و بوردو بالتبیان. و نشأ (کذا) الحرب مع الألیبجو و أذلهم بعد امتیازهم، و استولی علی أفینیون التی کانت فی احیازتهم ثم أصیب بمرض شدید و به مات بمدینة مونبانسی سنة ثلاث و أربعین من السابع بعد ما ملک ثلاثة أعوام، و اللّه منفرد بالبقاء و الدوام. و ذکر بعض المؤرخین أن أمیر الشمبانیة هو الذی سقاه السم
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 49
السمین الذی یمتزج به الجسد بالجلد و اللحم و العظم و الدم و العصب و یسری لشاربه بجمیع العلل و العطب.

الملک لویس التاسع و حملاته علی مصر و تونس‌

و رابع أریعینهم ابنه لویز التاسع الملقب صان و معناه بلغتهم القدیس الشان، تولی یوم موت أبیه و هو عام ثلاث و أربعین من القرن السابع، و من/ خبره أنه جلس علی کرسی المملکة فی الشایع، و هو ابن اثنا عشر سنة بمعاهدة أبیه فی حیاته إلیه بذلک و صارت أمه بلانش تتصرف عنه فی الملک تصرّف المالک إلی أن بلغ سن التصرف فبادر لقمع أعدائه و شمر عن ساعده لطردهم بحمل لوائه، فجهّز الجیوش العظیمة لحرب المعاندین، و هم أمیر المارش و أمیر الانقلیز بالجیوش الواردین و ارتحل نحوهم سنة تسع و خمسین من القرن المار و تقدم بغایة الاشتهار و لما وصل إلی وادی الشارنت ألفی أعداءه بجیوشهم هنالک و تمکن ملک الانقلیز من قنطرة بون د طابیور التی یکون علیها المسالک. فهجم علیه ببعض خواصه فأتبعه قومه و بدأهم بالحرب الشدید فزال لومه، و زاد علیهم إلی أن هزمهم و أبلغهم إلی سانط المدینة المشهورة، و جدّد من الغد الحرب فهزمهم و أطرد الانقلیز بملکهم و هم فی الحالة المغمورة، و طلب منه أمیر المارش الأمان فأمنه و عفی عنه. ورده لمحله و المحل الأول أبعده منه، و حصلت المهادنة بینه و بین الانقلیز خمس سنین و أصیب بمرض شدید فنذر إن شفاه اللّه أن یزور القدس فی الحین، فشفی و رام أن یتمّ نذره، فمنعته أمه و رؤساء قومه فلم یلتفت إلیهم و فعل أمره، و رحل سنة خمس و ستین من المار و عین أمه و إخوته فی التصرّف فی المملکة، لکی یرتفع الغبن لارتفاع المهلکة. و کانت جنوده مائة ألف مقاتل فعین لاجتماع جنوده جزیرة قبرص ذات الخارج و الداخل، و لما اجتمعت تعسّر علیه الذهاب لمصر لشدة البحر و هیجانه فمکث بها إلی الربیع و قد أعانه ملکها بالزاد و روجانه ثم رکب فی الربیع أساطیله
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 50
و نحا (کذا) من دیار مصر ثغر دمیاط فبلغه بعد أربعة أیام و هو فی أشد رباط، و ذلک سنة ست و ستین و ستمائة فی صحیح الأقوال، فنزل فی الزوارق للبر بجیشه، فألفی المسلمین مستعدین للحرب و القتال، نازلین بالشواطی‌ء بالخیل و الرجال، و لما رأی ذلک رمی نفسه فی الماء و ذهب سابحا إلی أن بلغ البر ناجحا، فتبعه قومه و التحمت ببعضها بعضا الرجال و اشتد الحرب/ و القتال، ثم خرج المسلمون من دمیاط منهزمین و دخلها لویز التاسع و استولی علی جمیع ما فیها من أموال بالجیش المتتابع، و ذلک فی سابع ینیه ، و مکث بها خمسة أشهر و نصفا، ثم توجّه لمصر و سار لقریة علی مرحلتین منها وصفا، فألفی المسلمین مخیمین بمقربة منها بالعدوة القصوی من النیل، فاشتغل بعمل رصیف خمسین یوما بلا طائل، و القتال متکرر و لیس بالقلیل، فجاءه رجل من أهل البلد و أظهر له موضعا سهلا للعبور، علی أخذ مال منه فوفاه به بلا تراخ منه و لا فتور.
و قطع صنو الملک و هو الکونت دارتوه النیل فورا، و معه ألف و أربعمائة و هجموا علی المسلمین جورا و ألزموهم الفرار إلی أن دخلوا للقریة المذکورة فدخلوا أثرهم من غیر انتظار لملکهم و أغلق المسلمون علیهم أبواب القریة المسطورة، و شرعوا فی مقاتلتهم إلی أن قتلوهم عن آخرهم بعد المحاربة سبع ساعات و صار القطع لدابرهم، و ذلک فی ثامن فبرایر سنة سبع و ستین من المذکور ثم اشتد القتال بین لویز و المسلمین إلی أن حلّ بهم الانهزام فی النزال و من الغد تجدّد بین الفریقین القتال، و دام مدة بین هؤلاء الرجال و جاءت ریح لوجوه المسلمین صیّرتهم فی النکال. و کان حاضرا للواقعة القاضی الولی العلامة العزّ بن عبد السلام الشافعی فقال یا ریح خذیهم فانقلبت علیهم شدیدة العصف المتتابعی، فقال الناس الحمد للّه الذی أرانا فی هذه الأمة رجلا سخّر اللّه له الریح و رام الطاغیة الرجوع لدمیاط فالتجأ إلی المنصوریة لیستریح، و إذا بشخص من جیشه توجه للجیوش فی الساعة و الحین و قال إن السلطان یأمرکم بإبطال الحرب
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 51
و تسلیم أنفسکم للمسلمین فتمکن المسلمون من الملک و أخویه و جملة من الأمراء المشهورة فقیدوهم و أرسلوهم إلی قریة المنصورة، و وقع القتل فیهم کثیرا بالتحریر، بحیث بلغ ذلک خمسین و قیل سبعین ألفا ما بین جریح و قتیل و أسیر، و بعث بلویز و من معه إلی دار ابن لقمان فاعتقل بها و وکل به الطوائی صبیح، و بقی هناک إلی أن فدا (کذا) نفسه و من معه بتسلیم دمیاط فأسلمها و ذهب صریح، و کان ذلک سنة سبع و ستین و ستمائة و قال أبو الفدا و غیره أن ذلک کان سنة ثمان و أربعین و ستمائة و ربک أعلم بالصواب، و إلیه المرجع و المئاب. و فی هذه الواقعة یقول جمال الدین أبو زکریاء یحیی بن مطروح، الشاعر بأبیات منها هذه بالشروح:
قل للفرنسیس إذا ما جئته‌مقاله صدق عن قول نصیح
أتیت مصر تبتغی ملکهاتحسب أنّ الزّمر یا طبل ریح
و کل أصحابک أوردتهم‌بحسن تدبیرک بطن الضریح
و خمسون ألفا لا یری منهم‌غیر قتیل أو أسیر جریح
و قل لهم إن أضمروا عودةلأخذ ثأر أو لقصد صحیح
دار ابن لقمان علی حالهاو القید باق و الطوائی صبیح
ثم توجه لعکّا مع أربعة آلاف مقاتل، و مکث بالمشرق نحو الأربع سنین فی الحاصل، ثم أوقع الحرب مرارا مع المسلمین و أصلح أسوار عکّا و یافا و غیرهما من المدن الباقین (کذا) و خلص جمیع من کان بمصر أسیرا بالتحریز، فبلغه خبر موت والدته فرکب البحر و توجّه لباریز، و ذلک سنة سبعین و ستمائة بالتبریز و لما بلغ بلده شرع فی تأسیس الملک و اجتناء العافیة، و دفع المضار و جلب المنافع الوافیة و حطّ علی الناس من واجب الغرامة و خفض جناحه للضعفاء، و هو من أهل الزعامة و جعل القوانین النافعة، و ترک الأمور القامعة، و نصب نفسه للتسویة بین الناس، و أبعد عن الرعیة ما هو من ذات البأس، و صار
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 52
یخرج لغایة بوادی فانسین و یجلس لفصل الدعاوی بین الأقویاء و الأغنیاء و الضعفاء و المساکین، و صارت معه فرانسا فی أطیب عیش، و إبعاد همّ و طیش.
ثم توجه لتونس بقصد القتال، و جهز جیشا قدره ستون ألفا للنزال، و رحل/ لها فی أول یلیل (کذا) باللام سنة سبع و ثمانین من السابع ، و قال الحافظ أبو راس سنة ثمان و ستین من السابع، و ربک أعلم بمن هو أهدی سبیلا، و أقوم قیلا، و معه أولاده و أخوه و ابن أخیه و موالیه، فلما بلغ أرضها أنزل الجیش من أساطیله و شرع فی حصار قرطاجنة (کذا) الکائنة بغرب تونس المدینة، و اشتد بأسهم و حصروا (کذا) تلک المدینة و بها خندقوا، و بالمسلمین أحدقوا، و قد أمر السلطان محمد ابن أبی زکریاء الحفصی ممدوح حازم المسلمین بلا منازعة بحمل السلاح و جمع الحشود فامتلأ الساحل بالأجناد و المطاوعة، حتی أن أهل المغرب الأوسط حضروا ذلک فی عسکر ضخم، و علیهم زیان بن عبد القوی التجیبی (کذا) صاحب تاقدمت رائسا (کذا) فی أشد عزم، فکان المصاف بخرب قرطاجنة (کذا) حیث البحیرة الیوم، فاشتد القتال و کثر صیاح البوم. ثم هجم الفرانسیس علی العسکر فأثخنوا فیه بالبیان، بعد أن قتل منهم نحو الخمسمائة و ظنّ المسلمون الظنون و هم السلطان بالرحیل للقیروان، و استولی النصاری علی تلک الخربة، دون مشقة و لا محنة تضاحیها، و استقر البعض منهم بها و البعض بنا (کذا) بنواحیها و صار لویز یرتجی قدوم أخیه شارل صاحب صقلیة بجیوشه من أقطارها لیزحف إلی تونس بقصد حصارها، فکان من لطف اللّه بالمسلمین أن أحاط الوباء بجیش الفرانسویین إلی أن مات منهم خلق کثیر و أصاب سلطانهم المرض العسیر، فمکث به اثنین و عشرین یوما و مات و القتال حوما حوما، و ذلک خامس عشرین غشت سنة سبع و ثمانین المارة، بعد ما ملک أربعا و أربعین سنة بالحارة، و یقال أنّ سبب موته أن السلطان الحفصی دسّ له سیفا مسموما کثیر الضّرر، من سلّه و نظر فیه أثّر فیه سمه نظیر الأفاعی التی تقتل بالنظر، فبعثه له مع رسول بعد أن رصّعه بنفیس الیواقیت و الجوهر، و قال للرسول هذا الطاغیة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 53
کثیر الطمع و لو لا ذلک ما عاود بالمسلمین بعد أسره بمصر فسیری السیف و یکثر النظر إلیه فإن فعل فانزعه من عنقک و القه إلیه، و قل له هو هدیة منی إلیک فلا/ نملکوه، لأن من رأینا أن کلّما وقع النظر إلیه بالقصد یحرم علینا أن نمسکه، فلما وصل الرسول و رأی الطاغیة السیف و بقلبه استحوذه، فعل معه الرسول ما أمر به ففرح الطاغیة بذلک و أخذه، و أسرع الرسول فی الرجوع لمدینه، فلما سلّه الطاغیة و نظر إلیه هلک من حینه، و فرج اللّه علی المسلمین بموته و حصلت لهم الغنیمة، فرام ابنه إنشاء الحرب ثانیا لتکون له الرفعة و القیمة، فمنعه من ذلک قومه، و لازمه غبنه و لومه، ثم اصطلح السلطان مع زوجة لویس علی عشرة أحمال من النقد المصون، و تولی عقد الصلح القاضی أبو القاسم بن زیتون، ثم انصرفوا و ترکوا تسعین منجنیقا، و أمر الحفصی بهدم قرطاجنة (کذا) التی تترسوا فیها و کانت لهم توثیقا، و لما انصرف ابنه فیلیب حمل معه تابوت أبیه و من معه من صهره و أخته و زوجته و أخیه، و دفنهم بمقبرة ملوکهم ساندانی التی یدفن فیها کل ملک منهم قاص أو دانی، و رحلتهم لتونس هذه هی آخر رحلات الملوک النصرانیة للقتال لأقالیم الإسلام، و إنما صاروا یبعثون الجیوش للقتال تحت رئاسة من انتخبوه من العمال و الحکام، و بهذه الرحلات حصل لهم ضعف الخزائن و مات لهم نحو ألفی ألف بالاحتکام غیر أنهم برحلتهم للمشرق و تسلطهم علیه، استفادوا العلوم من المسلمین و جلب المنفعة منهم و إلیه، فانتشرت فی بر النصاری بذلک الصنائع و الفنون و التجارة و حصول التفریح، و استعملوا أقماش الخیط و المقانات و طواحین الریح.

الملک فیلیب الثالث‌

و سادس أربعینهم إبنه فیلیب الثالث الملقب لوهردی و معناه المتجاسر بالأزواج و الفردی، تولی یوم موت أبیه و هو عام سبع و ثمانین من القرن السابع المذکور، و مات سنة اثنین و سبعمائة فی المسطور، بعد ما ملک خمسة عشر سنة، متوالیة معینة. و من خبره أن فی وقته وقعت الفتنة بقصد قتل الفرانسیس
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 54
الذین بصقلیة و ذلک فی ثلاثین/ مارس الذی هو یوم العید الکبیر عند النصاری بالکلیة، فهجم الصقلیون علی الفرانسیس الذین بها وقت صلاة العصر، و قتلوهم عن آخرهم بغیر التراخی و الفتر، و جملتهم ثمانیة آلاف نسمة حتی أن من شدة بغض الصقلیین، شقوا بطون نسائهم ذات الحمل من الفرانسویین، و استخرجوا الأجنّة فقتلوهم، و لما کان أصلهم الفرانسیس فلم یقبلوهم، فعند ذلک جهّز فیلیب جیشا و أخذ فی الرحلة للأندلس و هم مشاقون، لأخذ الثأر من ملک الأراقون و ذلک سنة اثنین و سبعمائة فأوقع الحرب معهم و استولی علی بعض مدونهم (کذا) و قریهم (کذا) و حصونهم فأصاب قومه المرض فارتحل راجعا بما معه من الجیش فأدرکته منیته بالطریق و هو فی حال الطیش.

الملک فیلیب الرابع‌

و سادس أربعینهم (کذا) ابنه فیلیب الرابع الملقب لوبیل و معناه بلغتهم الجمیل، تولی یوم موت أبیه و هو سنة اثنین و سبعمائة حارس، و هو ابن سبعة عشر سنة فلبس التاج بمدینة رانس و من خبره أنه لمّا تزوّج بابنة الملک النّفار ساقت له فی مهرها ذلک الوطن مع وطن السمبانیة فضمهما إلی مملکته و اتسع فی القرار، و جهز جیشا لقمع الفلاندر لما قتلوا من جنسه الذین عندهم ثلاثة آلافا (کذا) و ریّس علیهم ابن أخیه الکونت سرت اتصافا، فجدّ مرتحلا إلی أن اجتمع بالفلاندری بنواحی کوتوری و تقابلت المحال، فاشتد القتال و ضاق المجال، فکانت الدائرة علی جیش فیلیب، و مات من جیشه نحو العشرین ألفا بتقریب و ذلک سنة تسعة عشر من الثامن المذکور عاجلة، ثم جهّز جیشا قدره اثنان و ستون ألفا الراکب منها اثنا عشر ألفا و الباقی راجلة، و ذهب مع الجیش فکان المصاف بمونس انیوال و اشتدّ بین الفریقین القتال فکانت الدائرة له و قتل من عدوه نحو الخمسة عشر ألفا ثم وقعت المهادنة بینهما عشرة أعوام تلفا، و ذلک سنة إحدی و عشرین من القرن المذکور و سجن البّابّ و قتل الأخوان فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 55
المشهور، و مات سنة إحدی و ثلاثین من المذکور التزاما بعد ما ملک/ تسعا و عشرین عاما، و خلف ثلاثة أولاد کلهم بویعوا علی التّوال، کما ستراهم إن شاء المتعال.

الملک لویس العاشر

و سابع أربعینهم ابنه لویز العاشر الملقب لوهوتان، تولی سنة إحدی و ثلاثین و سبعمائة بالبیان . و من خبره أنه قتل خزناجه أنقیران شنقا و صدر الحکم منه علی أکثر وزراء أبیه بالقتل سیفا و خنقا و غزی الفلاندر فعسرت علیه الأحوال، لکثرة المطر و ضاق بجیشه المجال، فارتحل و ترک ما له من الأثقال فضاعت له بأقلّ الحال، و أمر أصحاب الفلاحة بعتق رقابهم بالمال، فالبعض اشتری نفسه و صار من حینه حرا، و البعض رضی بما کان علیه لألفته بذلک و لم یرد فخرا، و مات سنة ثلاث و ثلاثین من الثامن بعد ما ملک عامین و لم یخلف عقبا، و کانت زوجته وقت موته حبلی رقبا.

الملک فیلیب الخامس‌

و ثامن أربعینهم أخوه فیلیب الخامس، الملقب بلولون و معناه الطویل، تولی سنة ثلاث و ثلاثین و سبعمائة بالتکمیل . و من خبره أنه کان فی ابتداء أمره نائبا عن الحمل الذی خلفه أخوه باحتکام، و لما ولدت زوجة أخیه ولدا ذکرا و مات بعد ثمانیة أیام، اختصّ بالملک لما أراده له المالک العلام، و کان له علم مدید، و عقل رشید، و رأی سدید فاستیقظ لأحوال البلاد، و تحصیل النفع للعباد، و اجتهد فی جلب العافیة للرعیة، التی غایة الأمنیة، و جعل کأخیه قانونا للحریة، فمن رامها فلیشترها بالفوریة، و رام التوجّه للمشرق فمنعه البّابّ، فغضبت الرعیة و أرادوا التوجّه للقدس بلا ارتیاب، فلم تکن لهم طاقة، و ألفوا الأمور
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 56
شاقة، فشرعوا فی فساد الأوطان، و قتل الیهود بالعدوان، فجمع فیلیب جیشا قاهرا، و قصدهم باطنا و ظاهرا، و ذلک سنة سبع و ثلاثین من الثامن الشهیر ، فقاتلهم و هزمهم بالتدمیر، و فرّق أخرابهم بعد موتهم الکثیر، و قتل فی سنة ثمان و ثلاثین من المذکور جمیع المجذومین و الیهود حیث کانوا، و حیث ما وجدوا و بانوا، و کان بافرانسا ما یزید علی ألفی مرستان، لهؤلاء المرضی الخدام و غیره بالبیان، و إنما قتلهم لاتهامهم بجعل السم فی العیون و الأبار، بقصد هلاک الناس و حصول الأضرار، و استولت الدولة علی/ ما لهم من الأرزاق، إلی أن وسم بالطمع بقصد الارتزاق.

الملک شارل الرابع‌

و تاسع أربعینهم أخوه شارل الرابع الملقب لوبل و معناه الجامع، تولی عام تسع و ثلاثین من الثامن المسطور، و توفی سنة خمس و أربعین من المذکور.
و بعد ما ملک ستة سنین و خلف زوجه حبلی فولدت بنتا بالتعیین. و من خبره أنه بوقته حصل النّزاع بین الفرانسیس و الانقلیز بسبب القویان، فادعی الانقلیز أنها له و استولی علیها بالقهر و العدوان، فزحف إلیه الفرانسیس و استولی علیها، و خلع سلطان الانقلیز من کرسیه لما لم یطق إلیها. و انقرض الفرع الأول من الطبقة الثالثة بموت شارل بعد ما کانت من المملکة اللّابثة، و قد ملک أحد و أربعین و ثلاثمائة سنة. متوالیة محققة مبیّنة.

الملک فیلیب السادس‌

و خمسینهم فیلیب السادس الملقب دوفال و هو أول ملوک الفرع الثانی، من الطبقة الثالثة ذات الأفحال، تولی سنة خمس و أربعین و سبعمائة فی صحیح الأنقال. و من خبره أنه وقع النزاع بینه و بین الانقلیز علی المملکة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 57
فصحت له بإجماع الرؤوس من أهل المملکة و أرادت أمة الفلاندر خلع الطاعة، و الخروج عن تلک الجماعة، و جمعت جیشا محتویا علی ستة عشر ألف مقاتل، و جعلوا صورة دیک علی سور المدینة و جاهة الخارج و الداخل، و کتبوا تحته سخریة إذا ظهر هذا الدیک بکلامه یصیح، فثمّ یدخل الملک المدینة لیستریح- فجهز فیلیب لقمعهم جیشا قدره ثلاثون ألفا و أخذ مرتحلا نحوهم عزما و شضفا، و ذلک سنة تولیته، و هو جازم بنصرته و حلیته، و لما وصلهم خیّم قرب کسل بمحلته فهجم رایسهم (کذا) علیه لیلا، و اشتد القتال بین الفریقین بجملته، و مات خلق وافر من جیش فیلیب و لم یخلص من القبض علیه إلّا لشجاعته و عظم سطوته، ثم جاءت جیوشه و أحاطت بالعدوّ إحاطة الخاتم بالخنصر فهزموهم و لم یجدوا سبیلا للمفر، و مات منهم ثلاثة عشر ألف مقاتل، و استولی الملک علی مدینة کاسل، ثم جال فی الفلاندر بأقطارها، و هدم عدّة من أسوار أمصارها، و رجع/ مرتحلا لبلده کثیرة البضاعة ثم خلع الفلاندر ما کان لهم معه من الطاعة و أمدهم ملک الانقلیز بالجیوش، و زاد بنفسه إلی کامبری فحاصرها مظهرا للفشوش، ثم تلاقت مراکب الفرانسیس مع مراکب الانقلیز و اشتد القتال بینهما لأجل التحویز، فهزمت مراکب الفرانسیس لقلتها هزیمة شنیعة، و بقیت بید الانقلیز مائتا اسطول بقاء مطیعة و ذلک سنة سبع و خمسین من الثامن ثم حصلت المهادنة، و تجددت سنة ثلاث و ستین منه العداوة المباینة و فی هذه الفتنة استعمل الانقلیز المدافع، فکانت من أعظم الصواعق التی تدافع. و مات فیلیب السادس سنة سبع و ستین من الثامن التزاما، بعد ما ملک اثنین و عشرین عاما.

الملک جان الجمیل‌

و حادی خمسینهم، ابنه جان الملقب لبون و معناه سلیم القلب من الظنون، تولی سنة سبع و ستین و سبعمائة و مات بالانقلیز سنة إحدی و ثمانین من
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 58
المذکور، بعد ما ملک أربعة عشر سنة فی المسطور. و من خبره أنه کان ذا شجاعة و کرم، غیر أنه کان سریع الخفة و للرأی غیر محتکم فاشتدت الفتنة فی أیامه و ضاق بالعباد الحال، فجددت الانقلیز المحاربة فجددها معهم بالاستعجال و جهز جیشا فیه ستون ألف مقاتل، و بادر بالارتحال من غیر التفات فی ذلک لقول قائل، و ذلک سنة ثلاث و سبعین من المذکور فکان الاجتماع بنواحی بواط و أحاط بها کالحلقة و لما رأی رایس (کذا) الانقلیز قوة الجیوش طلب الأمان لدفع المشقة، فأبی جان و شرع فی القتال فکانت الدائرة علیه و وقع فی الوبال، فأخذ أسیرا نادما للرأی یلفا، و هزم جیشه و قتل منه إحدی عشر ألفا، فعظم قدره سلطان الجیوش و بعثه لأبیه، فسجنه و بقی فی السجن أربعة أعوام بالتنبیه.
و أقامت دولته ابنه شارل للتصرف فی الملک، لیزیل مائة من الحلک. و تشتت علیهم القتال من کل ناحیة، و قامت علیهم أهل کل ضاحیة، ثم حصلت المهادنة بین الانقلیز و الفرانسیس سنة سبع و سبعین من الثامن بالبیان و ألزم الملک جان بعد إخراجه من السجن بدفع الأموال و تسلیم بعض الأوطان، ثم هرب بعد ذلک أحد ولدیه المرهونین مما فیه من الهوان/ و ذلک سنة إحدی و ثمانین من السابق، و لما بلغه الخبر قال الملوک أوفی باللائق فرجع فورا للانقلیز و سلّم إلیهم نفسه، و أزال عنه من فرار ولده بخسه ظنا منه أنهم یردونه لمحله، و لم یدر أنهم یسجنونه بمحلّه، و قال إذا کانت النیة من الأرض منفیة فیحق أن توجد فی قلوب الملوک ذوی الهمم العلیة.

الملک شارل الخامس‌

و ثانی خمسینهم ابنه شارل الخامس الملقب لساج، و معناه الحکیم بالأصول و النتاج. تولی سنة إحدی و ثمانین و سبعمائة و توفی سنة سبع و تسعین من المسطور، بعد ما ملک ستة عشر عاما فی المشهور. و من خبره أنه کان من أفاضل الملوک الفرانسویة فی صحیح الأقوال، فشرع من حینه فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 59
إصلاح الأحوال، لکون الملک فی ولایة أسلافه حصل فی الضعف و الاختلال و اشتدت فی وقته الفتنة، و انتقض ما کان بینهم و بین الانقلیز من الهدنة فحصلت بین الفریقین الحروب العظیمة، و المقاتلة الجسیمة، و کان رایس (کذا) جیوشه بطلا اسمه دوکیکلین مهمی التقی بأعدائه إلا و یصیرهم منهزمین، و انتزع من أیدیهم الأوطان الفرانسویة التی استولوا علیها فی الفارط، حتی أخذهم منه البأس الشدید القاحط، فجعله لذلک أمیر أمراء الجیوش بجعله لأعدائه کالعهن المنفوش، و لما مات هذا الشجاع و هو ابن ست و عشرین سنة فی السلوک، دفنه شارل فی ساندانی مقبرة الملوک. و هذا الملک شارل هو الذی جعل فی وقته القانون الباقی بینهم التزاما، بأنه یحقّ للملک التصرف فی ملکه إذا بلغ فی عمره أربعة عشر عاما.

الملک شارل السادس‌

و ثالث خمسینهم ابنه شارل السادس، تولّی یوم موت أبیه و هو سنة سبع و تسعین من القرن الثامن و هو ابن اثنا عشر عاما. لا غیرها التزاما، و توفی سنة تسع و ثلاثین و ثلاثمائة مبیّنة ، بعد ما ملک اثنین و أربعین سنة. و من خبره أن أعمامه الثلاثة و خاله تنازعوا فیمن ینوب منهم عنه لما رأوه صغیرا و خشوا (کذا) أن ینزع الملک منه. ثم اتّفقوا علی نصب عمه دنجو للتصرف علیه، فنهب الخزنة و اشتدّ ظلمه و بغضته الرعیة، و لم یملّ أحد منهم إلیه/ ففرّ هاربا للنبولیطان و بقی الأمر شوری بین الأقارب بالتبیان و ذلک سنة تسع و تسعین من الثامن بالتحصیل، ثم خرج عن طاعته الفلاندر و أمیرهم در تفیل فبادر شارل لقمعهم و جهّز الجیش الحفیل، و أمّر علیه أولیفی الکونطابل و التقی الجمعان بنواحی روزبک الحاصل، فاشتد القتال إلی أن هزمت الفلاندر بکبیرهم و صغیرهم، و مات منهم نحو الخمسة و عشرین ألفا بأمیرهم. و لما قتل صاحبه
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 60
أولیفی اشتد غضبه علی قاتله و أراد عقابه، و هو مستقر بالبرطانیة یرتجی جوابه، فزحف له بجیوشه سنة تسع من القرن التاسع و لما وصل لغابة دومان، و هو مع جیشه فی أمن و أمان، خرج له رجل عاری الرأس غیر متنعل لیس علیه إلّا قمیص به مستور، فهجم علیه و قبض لجام فرسه و قال أیها الملک ارجع خلفک و لا تزد أمامک خطوة فإنک فی هذا الیوم مغدور، و إن خالفت هلکت لا محالة، و تبقی جثتک مثالة، فذهل الملک من ذلک و دخله الخوف الشدید، و زال من حینه عقله السّدید، و کان سابقا قد أصابه الاختلاط، لکنه یأتی و یذهب بالنشاط.
و لما أصیب فی عقله تولی النظر فی الملک فی موضعه دوبیری ثم أنه رجع إلیه عقله و جعل أخاه دورلیان هو المتصرف فی الملک بالتصییری، ثم بعده ابنه جان و قتل ابن عمه دورلیان سنة أربع و عشرین من القرن التاسع بالتبیان و فی أیام شارل اخترع اللعب بورقة الکاغط لتسلیته لما أصابه اختلال عقله ببلیته.

الملک شارل السابع‌

و رابع خمسینهم ابنه شارل السابع، المشهور الملقب لوفیکتوریو، و معناه بلغتهم المنصور. تولی عام تسع و ثلاثین و ثمانمائة و مات سنة ثمان و سبعین من المذکور، بعد ما ملک تسعا و ثلاثین سنة فی المشطور. و من خبره أنه کان ذا شجاعة عجیبة و أخلاق لطیفة غریبة، لکنه مال فی أیامه للزهو و الانطراب، و غفل عن ملکه فلم یستیقظ له حتی استولی الانقلیز علی کثیره بغیر الارتیاب. و کان القتال بین الفریقین فهزمت جیوش شارل بنواحی فیرنوایل سنة إحدی و أربعین من التاسع فی صحیح المقایل، فجاءته یوما امرأة من/ جیشه یقال لها جان دارک، ابنة تسعة عشر سنة و کانت راعیة فقالت له إن نصرک علی عدوک لا یکون إلّا علی یدی فاجعل أذنک لی واعیة، فوافقها و ذهبت معه للحروب، و تقلدت بآلة الحرب فصارت عارفة للدروب، و ذلک سنة ست و أربعین من المذکور فصار
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 61
الظفر لها بالعدو فی کل حرب، و حلّ بشارل ما لا یوصف من فرح و طرب و أطردت الانقلیز من افرانسا قهرا، و أبعدتهم منها قسرا، ثم أصیبت بجرح فی المیدان فتمکن منها الانقلیز و ذهبوا بها إلی رایسهم (کذا) السلطان، ففرح الانقلیز بأسرها و تزایدوا علی رایتها، و کیف بها حتی حصلت فی بلیتها، فحکموا أولا بسجنها مدة عمرها حکموا ثانیا بحرقها فأحرقوها بالنار، قائلین أنها ساحرة و من الروافض الفجار، و ذلک سنة ثمان و أربعین من المذکور و بقی شارل مع الانقلیز فی المحاربة و المقاتلة و المضاربة إلی أن نزع لهم ما عدا کالی و حصل الهناء و العافیة فی ملکه و رعیته بالأیام و اللیالی، و رتب للخدمة العسکریة، و لم یدعهم کما فی السابق مهملین الأوامر، بحیث صیّرهم لا یفارقون أمکنتهم ما داموا فی الخدمة و مهمی أذن لهم تقدموا للزدمة، و جعل علی الرعیة اللزمة التی یستعین بها علی رواتب الجیوش، و لا یدعهم کالعهن المنفوش، و اخترع فی وقته جان کوتنبرک الألمانی آلة الطباعة، ثم اخترع النقش علی النحاس و السلاح فی غایة الصناعة، ثم إدخال الزیت فی ألوان التصویر و صناعة الورق المستعمل من القماش بالتحریر و ذلک سنة سبع و ستین من المذکور ، و إلی اللّه عاقبة الأمور.

الملک لویس الحادی عشر

و خامس خمسینهم ابنه لویز الحادی عشر، تولی سنة ثمان و سبعین و ثمانمائة فیما اشتهر، و مات سنة تسعمائة مبینة، بعد ما ملک اثنین و عشرین سنة، و من خبره أنه لما تولّی شرع فی عزل أهل الخدمة و أصدقائه، و صیّرها لذوی الأقدار الوضیعة بارتقائه، فشقّ ذلک علی الأعیان و الأمراء و خلعوا الطاعة و راموا حرابته استطاعة، و اجتمعت جیوشهم بجیوش لویز بمولنیزی و اشتد القتال و کثر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 62
القتل/ من الفریقین فی الرجال و ذلک سنة اثنین و ثمانین من التاسع بالمعاینة، و بعد ذلک حصل بین الفریقین المهادنة، ثم تمکن منه شارل سنة خمس و ثمانین من المذکور، و سجنه ثم حصل الحرب بینهما سنة تسع و ثمانین من المسطور، و حصر (کذا) شارل مدینة بوفی و لم یستول علیها، لشدة مقاتلة النساء علیها، ثم حصلت المحاربة بینه و بین النامسة و طالت أربعة أعوام، و حصل الصلح بالمجانسة و قتل من رعیته ما یراهق أربعة آلاف فضلا عن الأمراء و الأعیان الضراف، و ضم إلی افرانسا سبعة عشر وطنا، و أزال عن افرانسا ما کان ضعفا و وهنا، و جعل التأویل باختراعه لإرسال المکاتب مع البرید، و اخترع علامة الافتخار لذی الشجاعة و غیرها مما یحصل به الفوز بالمزید، و شرعت افرانسا فی طبع الکتب سنة سبع و ثمانین من التاسع بالتفرید .

الملک شارل الثامن‌

و سادس خمسینهم ابنه شارل الثامن، تولی سنة تسعمائة و هو ابن ثلاثة عشر عاما، و مات سنة خمسة عشر و تسعمائة بعد ما ملک خمسة عشر عاما. و من خبره أنه کان خمیل الذکر جاهل العلم، فتولت التصرف علیه أخته آن فی الحکم، فقام علیها الدوک دورلیان و أراد التصرف علیه فی السر و الإعلان، فأجمعت رؤساء المملکة، و اتفقوا علی تصرفها للمسلکة و ذلک سنة واحد من القرن العاشر المارّ و اتفق دورلیان، مع أمیر البرطانیة (کذا) علی مقاتلتها و جهّزا معا الجیوش لوجاهتها (کذا) و شرعا فی الرحلة سنة خمس من العاشر المذکور کثیر البضاعة، و کان رایس (کذا) جیشها لا تریموالیو المشهور بالشجاعة، فکان القتال الشدید بینهما بحسب الاستطاعة، و هزم دورلیان (کذا) ثم تقبّض علیه و بعثه لشارل. فسجنه و ترکه مدة فی السجن ثم خلّ سبیله بعد ما أوهنه فرجع إلیه و صار من أحسن خدامه، و القائم بأحواله بأحسن قیامه، و تزوج شارل بابنة أمیر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 63
البورطانیة (کذا). فکان مهرها وطن البورطانیة. و فی سنة اثنا عشر من المارّ جهز الجیوش لوطن النابولیطان فحاربه أربعة أشهر و استولی علیها بالبیان، ثم اتحد البابّ (کذا) و ملک النامسة (کذا) و الأندلس علی ترحیله، فرحل قاصدا مملکته فی ثمانیة/ آلاف مقاتل بتمهیله، و التقی بجیش المتحدین بفرنو وصفا و هم أربعون ألفا، فاشتد بینه و بینهم القتال، و تقابلت مع بعضها الرجال، و دام ذلک إلی أن هزم المتحدین هزیمة شنیعة، و دخل مملکته فی حالة مرضیة منیعة و بموته انقرض الفرع الثانی من الطبقة الثالثة، و تولی الفرع الثالث منها بالماثلة.

الملک لویس الثانی عشر

و سابع خمسینهم لویز الثانی عشر، تولی سنة خمسة عشر و تسعمائة و مات سنة اثنین و ثلاثین من العاشر فیما اشتهر، بعد ما ملک سبعة عشر سنة، فتأسّفت علیه رعیته کأنه درة مثمنة. و من خبره أنه کان شدید الحلم و الرفق بالرعیة فرأت منه ما لا یوصف من الخبرات السنیة، و کان متزوجا بابنة لویز الحادی عشر فطلّقها، و تزوّج بحلیلة شارل الثامن سنة ستة عشر من العاشر فاعتزم بها و حلّقها، فضمّ لمملکته وطن البورطانیة فصارت فرعان من فروع المملکة الفرانسانیة (کذا) ثم جهّز جیوشا لنظر تریفلس بکل ما کان لفتح النبولیطانیة و المیلانیز أرض الطلیان، و ذلک فی السنة المارة فدخل أرض الطلیان و استولی علی جنوة و الملانیز، فرام الملک نظیر ذلک و رحل من باریز، فقام سفروص و أنشأ الحرب و أطردهم عن ملکه، فسمع لویز و أرسل جیشا لقمعه و إدخاله فی سلکه، و ریّس علیه لا تریمولیو فرحل سنة سبعة عشر و تسعمائة، و أنشأ الحرب ثم استولی علی المیلانیز، و تقبّض بسفورص فأرسله فورا إلی السلطان لویز، فسحنه إلی أن مات به ثم استولی علی النبولیطان سنة ثمانیة عشر من العاشر بالبیان، و حصل الحرب بینه و بین ملک الأندلس فکانت الدائرة علیه، و هزمت جیوشه بما لدیه، و لما سمع لویز بذلک ازداد حزنه، و لازمه ضعفه و وهنه و قال خدعنی ملک الأندلس مرتین، و لم نشعر مع نفسی بلا مین، فسمع مقاله
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 64
ملک الأندلس و قال بل خدعته أزید من عشر مرات و لم یشعر بالخدیعة و هو فی جهله بغمرات، ثم اتحد مع الباب و ملک الأندلس و النامسة (کذا) و غیرهم من أمراء الطلیان، علی حرب البنادقة و إزالة شوکتهم/ مع الطغیان، فذهب لهم بجیوشه و حاربهم فهزمهم بنواحی إینادیل ثم برافین و قامت الطلیان علی الفرانسیس للتغییر و التبدیل، فأطردوهم من المیلانیز ثم انعقد الصلح بین لویز و البنادقة و اتحدا علی الذهاب للملانیز، فقصدهم بجیوشه و استولی علیها ثم اتحدت علیه الانقلیز و البابّ (کذا) و النامسة (کذا) و الملانیز و بجیوشهم أطردوه علیها، و هزم جیشه بما لا یوصف و لا یعلم و لا یعرف، و ذلک سنة ثلاثین من القرن العاشر المحبوب، و لمّا تراکمت علیها المصائب و الکروب المفضیة إلی الفرار، و الهروب، عقد الصلح معهم سنة إحدی و ثلاثین من المذکور، علی شرط أن یتزوج بماری أخت أنری الثامن من ملوک الانقلیز فرضی بالمسطور.
و بموته انقرض الفرع الثالث الشائع و تولی الملک من الطبقة الثالثة الفرع الرابع.

الملک فرانسوا الأول:FRANC ?OIS .I

و ثامن خمسینهم صهره افرانصو الأول، تولی سنة اثنین و ثلاثین و تسعمائة و هو ابن إحدی و عشرین سنة فی المسطور، و هو من نسل الدوک دورلیان المذکور، و توفی سنة أربع و ستین من القرن العاشر المشهور . و من خبره أنه کانت له الید فی سائر الفنون لکنه یحب الفتن بلا قیاس، و لا یراعی مصالحه و لا مصالح الناس، ففی سنة تولیته جهز جیشا و أخذ فی الرحلة لأرض المیلانیز، و وقع المصاف بمارینیان محل التنجیر، و اشتد الحرب یومین و ظهر علی أعدائه، و قتل عشرة آلاف مقاتل و هو فی التقدم بمن ورائه فجرح خمس جراحات، و لم یلتفت لها بصراحات، فارتحل أمیر المیلانیز و أذعن بالطاعة، و توجّه لافرانسا و استقر بها لعدم الاستطاعة، فرجع افرانصوا و أبقی بمحله دوبوربون الکنطابل أمیرا علی المیلانیز و معه ستة عشر ألفا من عسکره للتناجیز،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 65
ثم تحارب مع ملک الأندلس لما تملّک بالنامسة، و کثرت بینه و بینهم الحروب ذات النحس الناحسة، و قد أعد لقتالهم الکور و کان مجهولا و ذلک وقت الظهور، فکانت الحرب بینهما سجال، ما دام الحرب و القتال و ذلک سنتی ثمان و تسع و ثلاثین من القرن المذکور، و فی التی بعدهما اتحد البابّ (کذا) و ملک الانقلیز بالمسطور، و ملک النامسة و بعض أمراء الطلیان و وزیره دوبوربون علی مقاتلته و مکافحته/ و مجاولته فاشتدّ الحرب فی کل ناحیة، و کل جهة و ضاحیة، و قدم للمیلانیز فاستولی هذا الملک علی میلان و قدم سنة اثنین و أربعین من المذکور لیافا فحاصروها بما کان، و اشتدّ القتال إلی أن هزمت جیوشه و مات منها ثمانیة آلاف مقاتل و حصل الملک افرانصوا فی الأسر بعد هجومه الطائل، و أرسل إلی مدرید قاعدة الأندلس فسجنه ملکها هنالک. و لمّا بلغ الخبر لافرانسا بایعوا والدته نائبة عن ابنها سریع المدارک، و لم یخرج من سجنه إلّا بشروط شدیدة مؤسسة سدیدة، منها أن یردّ کلّ مملکة أخذها لأهلها، و یعط (کذا) اثنین من أولاده ثقة بکلها، فوافق لکنه عاهد نفسه بعدم الوفاء، و أخرج منه سنة ثلاث و أربعین من المذکور آنفا. و فی وقته سنة اثنین و ستین من العاشر الهجری استنبط شخص من بسیط، البندقیة الصغیرة المسمّة (کذا) بالکبوس (کذا) و بالبشطولة، نسبة للبلدة المخترع فیها ذلک فی صحیح المقولة.

الملک هنری الثانی‌

و تاسع خمسینهم ابنه أنری الثانی تولی یوم موت أبیه و هو عام تسع و ستین و تسعمائة بالتبیانی، و مات سنة ست و سبعین من العاشر المذکور، بعد ما ملک اثنا عشر سنة فی المسطور، و خلّف سبعة من الأولاد الذکور، فثلاثة منهم ملکوا علی التوالی فی المشهور. و من خبره أنه أورث العداوة من أبیه لشارلکین (کذا) بالمستبان. و اتحد علی محاربته مع أمراء الألمان. و جهّز الجیش العتید و سار معه لوطن اللورین و هو فی احتیاز الأندلس وقت ذاک بما یریدون فأنشأ مع
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 66
أهله الحرب إلی أن استولی علی مدائن میس و طول و فیردون. ثم قدم شارل الخامس إلی مدینة مین، بقصد الحرب فی الحین، و ذلک سنة سبعین من المذکور فحاصرها و لم یطق علی الاستلاء (کذا) علیها بالتبیان، فارتحل عنها و استولی علی مدینة طیروان و قتل کل من بها بالعدوان، فجاءه أنری الثانی بجنوده العدیدة الشانطی (کذا) و اشتدّ القتال بینهما بنواحی مدینة رانطی و دام إلی أن هزمه أنری فی المروی، و احتوی علی بعض/ ذخائره بغایة المحتوی، و ذلک سنة إحدی و سبعین من العاشر، و جهز جیشا لنظر دوکیز العابر، فذهب و حاصر مدینة کالی و أخذها فی ثمانیة أیام، بعد ما بقیت بید الانقلیز ما ینیف علی المائتین من أعوام، و أنری هذا هو أول من جعل صورته فی النقدین، و کذا الفلوس بغیر مین.

الملک افرانسوا الثانی‌

و ستینهم ابنه افرانصوا الثانی، تولی یوم موت أبیه و هو عام ست و سبعین و تسعمائة بالبیانی و مات سنة سبع و سبعین من المذکور، بعد ما ملک عاما واحدا فی المسطور. و من خبره أنه کان ضعیف البدن ناقص العقل، لا طاقة له علی منع شی‌ء من الفساد و الوحل، و افترقت علیه أرباب دولته أحزابا، فکان ذلک لاختلاف دینهم أسبابا، و شرعت الناس فی أیامه فی فلاحة الدخان، بعد ما کان مجهولا فی تلک الأوطان.

الملک شارل التاسع‌

و حادی ستینهم أخوه شارل التاسع، تولی یوم موت أخیه فی المسامع، و هو عام سبع و سبعین من العاشر المذکور و مات عام إحدی و تسعین منه فی المشهور بعد ما ملک أربعة عشر عاما، فأتته منیته التزاما. و من خبره أنه کان صغیرا فقامت أمه بالتصرف علیه، لکونه ابن عشرة أعوام و ترد الأمور إلیه،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 67
و کانت من الدهاء و المکر و الغدر فی الغایة، فأظهرت المصالحة مع المتبعین لدین المسیح بالنهایة، و غرضها الفساد لهم و التقویة لشوکتها و تدریب أمورها بحوکتها، و کثر القتال بین الروافض و من هو للطاعة و دین المسیح رافض، ثم قوت شوکته و قتل ما ظفر به من الروافض، و ابتلی بمرض لیس له فیه علاج، و لازم الفراش إلی أن قضی نحبه بالمعلاج، و ظهر فی أیامه أمران: مبدأ العام العجمی الأول من ینیّر (کذا) قصاری، بعد ما کان ابتداء العام من عشیة العید الکبیر عند النصاری و أتی دارک بالبطاطة من المریکة (کذا) و شرعت الناس فی فلاحتها بالشریکة .

الملک هنری الثالث‌

و ثانی ستینهم أخوه أنری الثالث تولی یوم موت أخیه و هو عام إحدی و تسعین من العاشر ، و مات قتیلا سنة ستة من الحادی عشر (کذا)، بعد ما ملک خمسة عشر سنة، و لم یترک نسلا مبینة/ و من خبره أنه کان مستقرا بأرض البولونیز فبلغه خبر موت أخیه و جاء بالعزم لباریز فألفی المملکة فی غایة الفساد، من الوقائع الدینیة و ظهور العناد، فعقد الصلح علی إظهار الروافض لدینهم، لکونه کان قلیل الحزم مختل المزاج و الناس غیر مشتغلة بما یعنیهم، و نشأ الحرب مع النّفار و أظهر من شجاعته ما فیه المقدار، و صار یتحیل علی الانتقام من الأخوین الدوک و الکردینال دوکیز إلی أن قتلهما غدرا بالتجویز، ثم اصطلح مع ملک النفار و جهز جیوشا لمحاربة الباریز فقتله راهب قبل إتمام المراد، و قتل القاتل فورا لتسکن الفتنة بین العباد، و بموته انقرض الفرع الرابع بعد ما ملک أربعا و سبعین عاما. و انتقل الملک للفرع الخامس من الطبقة الثالثة احتکاما.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 68

الملک هنری الرابع‌

و ثالث ستینهم أنری الرابع، بالتعمیم الملقب لوقران، و معناه عندهم العظیم. تولی سنة ستة و ألف و مات قتیلا سنة سبع و عشرین من الحادی عشر بعد ما ملک ثمانا و عشرین فیما اشتهر. و من خبره أنه لما تولّی جهّز جیوشا لدفع الفساد، حین وقف المتحدون بباب العناد. و کان یکره قتل قومه، لحسن عهده و اطراد لومه، ثم أنشأ الحرب أیضا مع المعاندین سنة سبع من الحادی عشر بالتبیین، و کانت جنوده أقل من جنود الدوک دومایین و لما اشتدّ القتال ظهر علیهم و هزمهم فی الساعة و الحین، ثم تجددت بینه و بینهم الفتنة و نصر علیهم، و أظهر من شجاعته ما کان التحدّث به لدیهم، ثم اتّحد مع مملکة الانقلیز، و جاء من حینه لباریز، و حاصرهم بما یزید علی شهرین بالجنود الطامّة، الکثیرة الوافرة العامة، و أحاط بهم القحط العظیم، الذی مات به ما یزید علی الثلاثین ألفا بالتتمیم، و لم تسکن الفتنة إلی أن دخل بدین المسیح، بکنیسة ساندانی فی الصحیح فتوجّه لباریز و اشتهر قدومه، و تسابقت الناس بملاقاته بما یدومه، و ذلک سنة إحدی عشر من الحادی عشر بالسراعة، و فی التی تالیها (کذا) حاربهم و هزمهم و عفا عن دومایین لما أذعن للطاعة، بالاستطاعة/، فاستراحت الناس و حلت بهم العافیة و طاب لهم العیش بالنّعم الوافیة، و أدّی ما علیه من الدیون، و حطّ عن الرعیة حصة من المغارم و استراح کل مغبون، و بنا (کذا) المدون (کذا) و سد الثغور، و زاد فی السفن کثرة بالقدر و المشکور، ثم أسس باریزا و بنا (کذا) بالوادی الذی یشقه قنطرة المرور.

الملک لویس الثالث عشر

و رابع ستینهم ابنه لویز الثالث عشر السدید الملقب لوجوست، و معناه عندهم الرشید تولی یوم موت أخیه و هو عام سبعة و عشرین و ألف و هو ابن تسعة أعوام، و مات سنة ستین منه بعد ما ملک ثلاثا و ثلاثین من الأعوام، و من خبره
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 69
أنه الذی کان یتصرف علیه فی الملک بالنیابة عنه لصغره بالعیانی، أمه و وزیره کونجیبنی الطلیانی، فامتنعت الأمة من الإذعان له و خلعوا الطاعة، و راموا العناد و الفضاعة و لما بلغ الملک فی السن ستة عشر سنة و هو وقت الصولة، خلع أمه و الوزیر و ذلک بأشلاء الدولة، فسجنها و قتل الوزیر خفیة، فصار الناس جهتین أحدهما له و الأخری لوالدته خفیة، و اشتغل باللعب و اللهو، و أدّاه ذلک إلی أمور الهزل و السهو، فخلعت الأمة الطاعة، و أوقدوا الحرب و خرجوا عن الجماعة، و لم یذعنوا إلّا بعد الفتن الشدیدة، و المصائب الوافرة العدیدة، ثم حاصر مدینة روشیل و بها الروافض و فعل بها ما یلیق بکل باغ و رافض ثم جهز الجیوش و أخذ فی الرحلة لروشیل أیضا فحاصرها، إحدی عشر شهرا معدودة لحظة لحظة، و قتل منهم نحو الخمسة و عشرین ألفا، فأذعنوا للطاعة و بها اتصفوا وصفا، فهدم أسوار المدینة و أمنهم و ارتحل عنهم و ترکهم فی غایة الضنک و بلغ مصروف تلک الواقعة أربعین ألف ألف افرنک، ثم توجه لنصرة و الی عمالته بأرض الطلیان بعد ما اتفق علی منعه من الجواز له ملک الأندلس و والی عمالة السّفوا، و ملک الألمان، فهزم الأعداء و استولی علی سوز، ثم زاد لنصرة کزال بلا مانع و لا محوز، فسأل و الی السّفوا المهادنة فوافقه علیها و هو بسوز، ثم نقضها فصرف إلیه وزیره دوریشلیو المبروز فحاصره/ و استولی علی بینیورول عنوة، و أذعنت له بالطاعة سائر عمالة السفوة، ثم استولی لویز علی وطن اللورین و ارتفع قدر دولته عند کافة الملوک بالتمرین.

الملک لویس الرابع عشر

و خامس ستینهم ابنه لویز الرابع عشر الحمیم الملقب لوقران، و معناه بلغتهم العظیم تولی یوم موت أبیه و هو عام ستین و ألف و هو ابن خمسة أعوام، و توفی فی أول ستنبر (کذا) سنة اثنین و ثلاثین و مائة و ألف بعد ما ملک اثنین و سبعین من الأعوام. و من خبره أنه کانت دولته و أیامه من أفخر الدول و الأیام، و وقعت فیها الوقائع العظام، و صارت افرانسا زاهیة، و علی غیرها من دول جنسها
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 70
باهیة، و اتفقت الأمة علی نیابة زوجته عنه، ما دام صغیرا و عن التصرف بعیدا عنه و حصل الحرب بینه و بین الأندلسیین، لحصارهم روکرو فی الحین، و هزمهم شنیعا، و أوقع بهم موقعا بضیعا، و ذلک سنة تولیته و تکرر الحرب بین الفریقین، مرارا عدیدة بلا مین، إلی أن حصل الصلح فی سنة خمس و ستین من المذکور بالتبریز ثم وقعت الحروب بینه و بین الروافض بباریز و انتشرت کثیرا بالتحریز، إلی أن انعقد الصلح سنة ستة و سبعین (کذا) من المذکور، ثم جهز جیوشا قدرها مائة ألف مقاتل، لحروب الهولاندة (کذا) و ریس علیهم من أعیانه کل باسل، و ذلک سنة تسع و ثمانین من المذکور فاستولی علی عدة مدنها، و قراها و حصنها، و لا زال فی المحاربة و المقاتلة و المضاربة مع الأجناس إلی انعقاد الصلح فی سنة ست و تسعین من المذکور.

الحملة الفرنسیة علی الجزائر فی عهد لویس الرابع عشر

ثم جهز عمارة الجیوش لمحاربة الجزائر فی المشهور، و ذلک سنة تسع و تسعین من المسطور و فی عجائب الأسفار للحافظ أبی راس أن ذلک سنة سبع و تسعین من المذکور و کان قدومهم للجزائر فی خمسة و عشرین مرکبا عظیمة، فرموها بالبونیة (کذا) رمیة جسیمة إلی أن هدّموا أکثر دورها و بعض مساجدها، و کذلک رموا علی شرشال بموائدها، و اقتنص المسلمون لهم مرکبا فیه جملة من الأکابر، فحصل الفرج بغیر المفاخر، و سعی الناس فی الصلح علی شرط ردّ/ الأساری النصاری من عند المسلمین، فلم یرض حسن باشا بالموافقة لما یرومه العدو بالتبیین، و استمرت الفتنة إلی أن هاج البحر هیجانا عظیما، فارتحل النصاری لمحلهم ارتحالا عمیما، من غیر حصول طائل، و لا وقع نایل، و غزوها فی السنة التی بعدها فی أیام الباشا المذکور، فی زهاء ثمانین مرکبا بالهزّ للحصور، فرموها فی الیوم الثالث من قدومهم بالبونبة فأصابت واحدة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 71
منها قصر الإمارة، فضاقت مذاهب الباشا و جلّت به الخسارة، و تقلق کثیرا، و اهتم اهتماما عسیرا، و صالحهم بلا مشورة من ساعته، علی أن یسرح لهم النصاری من طاعته، و یبدل لهم المائة و خمسین ألف فرنک التی صرفوها فی تلک الغزوات، مع إعطاء میزومورتی حاکم عمارته و الرایس علی ثقة بالإثبات، و یدفع العدد نقدا فاعترف بالعجز عن الدفع فقال لهم میزومورتی إن الباشا لا معرفة له بالصنع، و أنی أفعل فی الساعة الواحدة ما لم یفعله الباشا فی نصف الشهر، فلم یفهم آل رایسهم (کذا) معنی الکلام لتوجّهه فی الأمر، فترکه و ذهب للجزائر و بوصوله قتل الباشا و تقلّد الولایة، و نصب المدافع و نشر الأولیة الجلایة، و جدّد الحرب و اشتدّ القتال، و دام إلی أن فنت خزنة الفرانسیس، و احتاجوا للبارود فی حال القتال، فلم یجدوه و ارتحلوا عنها، و تصرف هذا الباشا فیها و أصلح ما فسد منها. و حارب لویز سنة سبع من الثانی عشر الجنوس المتحدین لملاحمته، و مقاتلته و مزاحمته، فهزمهم و علیهم انتصر، إلی أن انعقد الصلح سنة أربعة عشر من القرن الثانی عشر، و ابتدعت الکینة لمعالجة المرضی فی أیامه، أوتی بها من المریکة (کذا) بالتزامه.

الملک لویس الخامس عشر

و سادس ستینهم ابن حفیده لویز الخامس عشر، تولی و هو ابن خمسة أعوام و نصف فی سنة اثنین و ثلاثین و مائة و ألف فیما اشتهر، و توفی سنة إحدی و تسعین من القرن الثانی عشر إحکاما ، بعد ما ملک تسعا و خمسین عاما.
و من خبره أنه کان قلیل المروءة، صاغ للوشاة ذا تعدی و جروءة، محبا للغانجات مشتغلا باللهو و الطرب، و الفرجة و النزاهة و العجب/ و تصرّف عنه بالنیابة الدوک دورلیان فجلب إلیه الناس و أحبّه لشجاعته و سیاسته الرجال و النسوان و اخترع السفاتیج و صیّرها سکة فکانت سببا لضعف الناس و حلول الدیون و الإفلاس، و اتحد مع الألمان و الانقلیز و الهولاند علی محاربة أهل الأندلوس (کذا) فحصل
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 72
الصلح ما باهله من النقوس و ذلک سنة سبع و ثلاثین من القرن الثانی عشر المذکور. و لما صار ابن أربعة عشر سنة توجّه لمدینة رانس و لبس التاج بها و ذلک سنة أربعین من المسطور. و تزوّج سنة خمسین من القرن المار بابنة اسمطانیصلاص ملک بلد اللّه و نشأ (کذا) الحرب باتحاده مع الأندلس لنصرة صهره مع من رام تأخیره عن الملک و هم الموسکوا و الألمان بلا اشتباه، و اشتد بین الفریقین القتال فاستولی لویز علی کیل و فیلسبور و استولی أهل الأندلس علی یافا و میلان و بارم و صقلیة و هم فی حبور، و انعقد الصلح بینه و بین الألمان بمدینة فیان قاعدة النامسة (کذا) سنة خمس و خمسین و مائة و ألف فی غایة الحامسة ثم تجدّد الحرب بحسب الظنون، و انعقد الصلح بینهما سنة خمس و ستین من المار الصریح، ثم تحارب مع الانقلیز و دام الحرب سبع سنین بالصحیح، و هزمهم سنتی أربع و خمس و سبعین من القرن السابق و صالحهم سنة ثمانین منه بالحقائق.

الملک لویس السادس عشر

و سابع ستینهم لویز السادس عشر، تولی سنة إحدی و تسعین و مائة و ألف و هو ابن عشرین عاما فی المشتهر، و مات بحکم أهل الدیوان علیه بالقتل فی الحادی و العشرین من ینیّر (کذا) سنة عشر و مائتین و ألف و هو ابن ثمان و ثلاثین سنة، بعد ما ملک تسعة عشر سنة، و من خبره أنه کان ذا أخلاق حسنة، و طبائع مستحسنة، فحط قدرا من المغارم علی الرعیة، و أبطل العذاب فی المسائل الشرعیة، و خرج عن طاعة ملکهم المریکة (کذا) و سألوا منه و من الأندلس النصرة و قامت الحریکة، فأجابهم لویز لذلک/، فاغتاض الانقلیز و أشهر الحرب معه لأجل ذلک، فجهز لهم جیشا للقتال، و دام بینهما أعواما بالاتصال إلی أن حصل الصلح سنة مائتین و ألف مستبن. و لا زال ملکه فی تشتیت و فتن، و قتال و ضعف و وهن إلی أن قتل و صار الأمر لغیره، و عوض بالشر عن خیره. و بقیت الأمة الفرانسویة بعد موته فی هرج کبیر، و همّ شدید غزیر،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 73
مدة عشرة أعوام، و هم فی جمع و افتراق لا یلام. فقام أخوه بعد موته و أخبر الدول النصرانیة بموت أخیه. و کان للهالک ابن فطلب عمه النصرة لابن أخیه فوافقوه لما أراد، و اتحد الانقلیز و الطلیان و الأندلس و الألمان علی محاربة الفرانسیس بکل ما یراد، لأجل أن یجعلوا لویز السابع عشر بن لویز السادس عشر سلطانا، و الحالة أنه فی السجن علی ید الفرانسیس ظلما و عدوانا، فقام أهل الدیوان للمدافعة و المناضلة و المواقعة، و أرسلوا جندا لنظر الجنرال دوک میه لطلون التی استولی علیها الانقلیز فانتزعها منهم بالقهر و التنبیز و کان ذلک سنة موت لویز المذکور، بعد فتن شدیدة العبور. و کان السبب لنصرة الجیش الفرنساوی، نابلیون بنبارت کما قال الراوی، فجعلته الدولة جنرالا مکافأة لما منه وقع وجالا. و مات لویز السابع عشر ابن الملک لویز السادس عشر فی سجنه سنة اثنا عشر من القرن الثالث عشر.

الملک لویس الثامن عشر

اشارة

و ثامن ستینهم عمه لویز الثامن عشر، تولی یوم موت ابن أخیه و هو عام اثنا عشر من الثالث عشر و من خبره أنه لما مات ابن أخیه بالسجن قام و تصدّر لمملکتی افرانسا و النفار و سمی بلویز الثامن عشر بالاشتهار.

ظهور نابلیون بونابرت‌

و حصلت فی وقته فتنة شدیدة فی الباریز (کذا) فأرسل الدیوان جند التخمید لتخمیدها لنظر الجنرال بنبارت. فانتصر الجند و سکنت الفتنة بالتباریز، ثم بعث رؤساء الدولة جیشا لنظر بونابرت قدره ثلاثون ألفا، إلی أرض الطلیان زحفا، و ذلک سنة ثلاثة عشر و مائتین و ألف فدخل بجیشه أرض الطلیان و جال
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 74
فیها، و هزم أعداءه وصال علیهم بما فیها/ و فتح فیها فتوحات بالطبول، کلودی و ریفولی و أرکول إلی أن انعقد الصلح بین الفریقین، سنة أربعة عشر و ألف و مائتین.

حملة بونابرت علی مصر و بلاد الشام‌

ثم زحف بنبارت بجند غزیر لمصر سنة خمسة عشر من القرن الثالث عشر. و قال الحافظ أبو راس فی کتبه کان ذلک فی ثلاثة عشر من المذکور و نصّه، ثم غزی بعصرنا هذا هؤلاء الفرانسیس مصر فی المسطور، فدخلوا الاسکندریة عنوة ثامن یوم من المحرم فاتح سنة ثلاثة عشر و مائتین و ألف، بعد ما أخذوا مالطة من ید الفرائلة بالحتف و تخطوا إلی مصر فلقیهم باشتها مراد بالریف مع النیل بعساکر الغزّ فی نحو تسعین ألفا، فانهزم الغزّ بعد ساعة و صاروا لهفا، و قد حلّ بهم القتل الذریع و الغرق فی النیل الشنیع، و دخلوا مصر مع طاغیتهم بنبارت أول ربیع النبوی من العام المذکور، فقتلوا من وجدوا بها من الغز و استباحوا دیارهم فی المشهور، و امّنوا من سواهم علی المغرم و نزعوا منهم السلاح و هدموا من المدینة کل ما یتوقع منه السوء للإصلاح، و قتلوا کل من توجّهت علیه الظنة فی شأن الغز، مثل کریم الاسکندری و غیره بالّلغز، و فرّ الباشا مراد و أهل دولته إلی أقاصی الصعید، و ترکوا حریمهم فی أیدی النصاری لمّا عجلوا عن التشرید، و قتلوا کل من أثار فتنة أو توهموا منه استنکافا، و لقد ثار بینهم و بین المغاربة الذین بمصر فقتلوا کل من وجدوه استنضافا، و دخلوا جامعها الأعظم و هو الأزهر، و شتتوا خزائن کتبه بما استظهر، و نهبوا بعض علمائها لاتهامهم بودائع الغز و مظاهرتهم و أخذوا أموالا کثیرة من نساء الغز فضلا عن النهب لمبارتهم و شن بنبارت الغارات خلف فلّ الغزّ و بعث عسکرا کثیفا صعد مع النیل، فملک إلی اقنا فضلا عن أسیوط و بنفلوط و جرجا و غیرهم بالترتیل، و تخطّ إلی القصیر من مراسی سویس و بنوا فیه قلعة و حصنوها بالمدافع
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 75
و المتاریس و زحف إلیهم جیش من الطلبة و العلماء من أرض الحجاز/ للمنازع، و أمیرهم العالم الشیخ الجیلانی السباعی، و صحبتهم المدافع، و لما نزلوا بالقصیر أعان أهل تلک الأرض النصاری علیهم فقتلوهم عن آخرهم، إلّا من نجّاه اللّه بالانخفاء عنهم بمآخرهم، و بنا (کذا) بنبارت حول مصر قلاعا کثیرة، لتحصینه شدیدة عسیرة، و بعث جیشا إلی جهة الصالحیة ففتحوا تلک القری علی کثرتها، و تخطّوا إلی العریش و خان یونس بقلّتها و کثرتها، و فرّ منهم أهل غزة من الشام و فلسطین و الرملة إلی القدس و فتح دمیاط و عسقلان و ما حولهما من القری بغیر الحدس، فملک من الاسکندریة و رشید إلی اقنا بلا احتیاط، إلی القصیر إلی خلف العریش إلی دمیاط، إلّا أن الانقلیز سدوا علیه فرصة المجاز فأرسلوا سفنهم حول أبی قیر حیث مصب النیل فی البحر الرومی للاحتیاز، فأخذوا بمخنقه و حالوا بینه و بین بلاده و لولاهم لامتلأت افرانسا من سبی مصر بأزواجه و أفراحه و هدموا کثیرا من قلعة مصر التی هی کرسی مملکتها بالمقادس، و أول من اختّطها یوسف بن أیوب الکردی فی القرن السادس.

بونابرت یغزو بلاد الشام‌

و لما خلا له الجو من المنازع، و أیقن بأنه لیس له عن إقلیم مصر المدافع، و قد ذهب الصارخ و النادی بحیث صار لا حیاة لمن تنادی، سولت له نفسه بالاحتکام، غزو عکّا التی هی أحد قواعد الشام العظام، استخلف بعض وزرائه علی مصر و سار إلیها بالجنود العظام، و رعیتهم من فلاحه مصر و أریافها أکثر و أکثر إلی سواحل الشام، ففر منه أهل یافا و صیدا و غیرهما، و دخلهما جنده و نهب ما وجد و عاث بضیرهما، و ارتجت الشام منه و خافه أهل دمشق و غیرهم علی بعدهم، و قوتهم و غزارة جندهم، حتی همّ أهل القدس و عمراش و نابلس و غیرهم بالانجاء عن دیارهم و أوطانهم و ترک خبرهم.
ثم أناخ علی عکا و حطّ بکلکله، و خیّم بذویه و أهله، و کان بها الجزار أحمد باشا فوقع بینهما قتال شدید، و حروب متکررة بشیب لها الولید، و هجم علیه بنبارت ذات یوم حتی دخل جنده المدینة، و أخرجوه قهرا من تلک المدینة، ثم أقلع عنها لما أحاط بقوسه الوباء و رجع لمصر ثانیا بالبیان، و فی خلل ذلک
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 76
أخذ الانقلیز/ من یده مالطة فهی بیده للآن و قد اقتصر بعد ذلک علی مصر و عمالتها؛ و أقصر من الطموح إلی غیرها لجلالتها، و غشیته عساکر السلطان سلیم بن مصطفی العثمانی الخاقانی بعد ذلک، فزحف لها و کان المصافّ بالعریش الذی هو آخر عمالة مصر مما یلی الشام بما هنالک، فجرت بینهما حروب سجال کان له الظفر فی أکثرها فیما یقال.

بونابرت یعود إلی فرنسا

ثم أنه حمل القناطیر المقنطرة من المال، کاد أن یفرغ منه مصر بغیر احتمال، و رکب البحر سرا من الانقلیز، و تخلّص إلی بلاده الباریز (کذا) بعد ما خلّف علی مصر وزیره الجنرال کلبیر المعبر عنه بصاری عسکر، فبقی الجیش العثمانی آخذا لمخنقه و سدّ علیه مع الانقلیز کل الطریق، حتی کاد أن یغص من ذلک بالریف. ثم وقعت المراودة علی إسلام البلد و عمالتها و ینصرف لبلده، ففعل علی أن یأخذ کل ما هو بیده، فانحدر فی النیل إلی الاسکندریة و قد أفرج عنه الانقلیز للتجریة و منها رکب لبلده أول سنة ستة عشر أو ثمانیة عشر من القرن المار و ما من امرأة لا زوج لها من المومسات و رضیتهم إلّا ذهبت معهم فی الحین، فکان جملة ما مکثوا بمصر ثلاثا من السنین.

إقامة حکومة القنصلیة الثلاثیة

و لما حل بنبارت بافرانسا ألفی بها الهول الطائل، و الهرج الکثیر الهائل، فنزع التصرف من أرباب الدولة و صیره لثلاثة رؤساء أولهم هو و الثانی سریس و الثالث لوبرون فأحسن فی فعله و ما أساء. و کان الموسک (کذا) و النامسة (کذا) اتفقا علی محاربة افرانسا، فحاربهم و استولی علی ما بأیدیهم و لدیارهم جاسا.
و أعظم فتوحاته بها مرانقوا الواقعة سنة سبع أو ثمان عشرة بعد الألف و المائتین.
و حصلت المهادنة بعد ذلک بین الفریقین. و فی التی بعدها وقع الاتفاق بین الفرانسیس و الباب (کذا) علی القیام بأمر الدین الذی منعهم منه بغیر الارتیاب.
و فی التی تلیها تولی رئاسة جمهور الطلیانیین، و انعقد الصلح بین الأجناس و حلت العافیة فی الحین و أذن بالرجوع لمن هاجر من افرانسا فرجع الجمّ
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 77
الغفیر. و جعل فی تاسع میب علامة الافتخار بأدنی التیسیر. و فی ثانی غشت جعله أهل الدین رائسا (کذا) علی الفرانسیس مدة حیاته، و أباحوا له أن یجعل من شاء فی مرتبته و ولایته.

الأمبراطور نابلیون بونابرت الأول‌

و تاسع ستینهم نابلیون بنبارت المذکور فی المرام. تولی سنة إحدی و عشرین و مائتین و ألف فی الثامن عشر من میب (کذا) بالالزام. و توفی بالسجن سنة ثمان و ثلاثین من المذکور بعد ما ملک عشرة من الأعوام. و من خبره ما مر و من کونه هو أول الطبقة الرابعة، و المؤسس لها بالمراجعة، فقدم إلیه البابّ (کذا) من رومیة فی ثانی دسانبر (کذا) من العام المار بالتبریز، و ألبسه التاج بمدینة البریز (کذا)/. و بویع سلطان علی الطلیان و لبس التاج بمدینة میلان، و ذلک فی سادس العشرین من میب (کذا) سنة اثنین و عشرین من المذکور فی البیان. و فی ثالث عاشر نونبر (کذا) تلک السنة زحف بمائتین ألف مقاتل للنامسة و استولی علی قاعدتهم فیان، و حاربهم فی ثانی دسانبر (کذا) فهزمهم و قتل منهم نحو الأربعین ألفا و أسّر ثلاثین ألفا و فرّ ملکهم أمامه بالبیان، و فی الخامس و العشرین من ذلک الشهر اصطلح معهم و ثبت له افرانسا مع الطلیان، و فی ینیّر (کذا) سنة ثلاث و عشرین من القرن المذکور وقع النزاع بینه و بین الانقلیز، فزحف إلیهم و استولی علی مملکة نابلس و ولّی علیها أخاه یوسف بالتحییز.
ثم حارب البروسیة و هزمهم بقرب قاعدتهم بیرلان (کذا)، و فی سادس نونبر (کذا) تلک السنة جدد الحرب معهم فانتصر علیهم و انکسرت شوکتهم بالعیان، و صیّر أخاه جیرون، سلطانا علیها، و انتصر أیضا علی المتحدین فی سابع فبرایر سنة أربع و عشرین من القرن المذکور مع ما انضمّ إلیها، و انعقد الصلح بینهما.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 78
ثم زحف للأندلس و خلع ملکه و ألبس التاج لأخیه یوسف بنبارت، فورا، فدام بذلک القتال سجالا إلی أن سلّم یوسف و هو ززاف بلغتهم فی الملک جهرا، و ذلک سنة ثلاثین و مائتین و ألف، و قد اشتدّ القتال بینه و بین النامسة فی السابق بغیر الخلف، و انتصر علیهم فی جمیعه بالبیان، و انعقد الصلح بینهما بقاعدة فیان. و کان من ثمرته أن بنبارط (کذا) تزوّج بماری لویز، بنت ملک النامسة بالعیان، و ذهب فی سنة تسع و عشرین من الثالث عشر المار بجیش فیه أربعمائة ألف مقاتل، بقصد الاستلاء (کذا) علی الموسک ما بین الراکب منهم و الراجل و لما التقی الجمعان هزمهم و أحرق قاعدتهم بالنار، و رجع لبلده من شدة الثلج و البرد و الصرصار. ثم فی سادس عشر اکتبر (کذا) من السنة التی بعدها تقاتل مع البروسیة و النامسة و انتصر علیهم ثم اتحد الملوک علی مقاتلته بکل ما انضم إلیهم، و ذلک سنة إحدی و ثلاثین من الثالث عشر بالقاطعة، و کان النصر له علیهم فی سائر الواقعة، و هم مع ذلک بالجنود الزاعقة، ثم أرسلوا مائة ألف إلی البریز (کذا) و حاصروها بما لها من الطویل و الوجیز، إلی أن دخلوها فی ثلاثین مارس تلک السنة، و جعلوا بنبارط بالخلعة المیقنة. و جعلوا بدله لویز الثامن عشر المجیز، و قد کان بأهله ملتجئا ببلد الانقلیز، و حین خلع نفسه بنبارط جعل العهد لولده و سلّم له التاج، فلم ترض الملوک و جعلوه سلطانا علی مدینة إیاب بالإزعاج، و ذلک فی الحادیث عشر من إبریل تلک السنة المقرّرة المعیّنة.

الملک لویس الثامن عشر

و سبعونهم لویز الثامن عشر تولی فی ثلاثین مارس سنة إحدی و ثلاثین من القرن المقرر . و من خبره أنه کان غائبا وقت المبایعة فی المشتهر. فنصب أخوه للنیابة عنه للحضور، فشرع فی التصرّف/ بمحل أخیه و أبرم الصلح مع الملوک فی المسطور، و لما قدم أخوه السلطان لملکه مع أهله ببریز فی ثانی میب
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 79
تلک السنة و افق علی ذلک. و جعل قانونا لحفظ حقوق أمته. و کان من جملة الشروط بقاء افرانسا علی حدّها الأصلی برمته. و بینما الناس فی غفلة إذ بنبارط خرج من جزیرته للوجلة، و معه إحدی عشر مائة مقاتل، مع شجاعته التی لیست لصائل، و ذلک فی أول مارس سنة اثنین و ثلاثین من المذکور و قد انضم إلیه جمع فدخل بریزا و بایعته به الناس تنجیزا، ففرّ لویز الثامن عشر، و التجأ بمدینة قان فرام الملوک خلعه عند ذلک فی السرّ و الإعلان، و جهّز جیوشا عظیمة و زحف بها للعدیان، و قاتلهم شدیدا إلی أن هزمهم فی سادس عشر ینیه (کذا) من تلک السنة المعنیة، ثم انتصر علیه أعداؤه فی الثامن عشر من ذلک الشهر من تلک السنة المبینة. و سلّم تاجه لولده ببریز، فلم توافقه الملوک و رجع الملک للویز فی یلیه (کذا) سنته. و عقد الصلح مع المتحدین و أمته و سلّم بنبارط نفسه للانقلیز، ظنا منه الإوایة لا التحویز، فسجنوه بإیلیف (کذا) من بحر الظلمات، و بقی بها سجینا إلی أن مات. و لم تنقل جثته لمقبرة الملوک إلا فی سنة سبع و خمسین من المذکور بالبیان. و فی وقت لویز الثامن عشر مدّت طریق الحدید بأرضه و ابتدع عجلة الدخان، و ذلک سنة أربعین من الثالث عشر الظاهر البیان. و مات لویز فی سادس عشر شتنبر (کذا) سنة إحدی و أربعین و المائتین و ألف و هو ابن ثمان و ستین سنة بغیر الخلف.

الملک شارل العاشر و احتلال الجزائر

اشارة

و حادی سبعینهم أخوه شارل العاشر، المستولی بلا ریب علی مدینة الجزائر، المقصودة للقاطن و الزائر. تولی یوم موت أخیه و هو عام إحدی و أربعین من الثالث عشر فی المشاهر و من خبره أنه لمّا تولی جعل ألف ألف ألف فرنک لحزب السلطان الذین اطردوه من افرانسا لمّا اجتمعوا لأخیه. و اتحد مع الانقلیز و الموسک و استولوا علی مدینة نافرین من الدیار القریقیة (کذا) بتصریخه. و فرّق عمارة السلطان العثمانی الخاقانی و باشا مصر فی العشرین من اکتبر (کذا) سنة خمس و أربعین من الثالث عشر بغایة الوصف. و جهّز جیشا عرمرما
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 80
فأرسله لأخذ الجزائر فی الخامس و العشرین من میب سنة خمس و أربعین و مائتین و ألف. و لما بلغ الجزائر خیّم بمرسی سیدی أفرج فی الیوم الرابع عشر من ینیه و هو جوان بالتحریز. و دخل المدینة فی خامس یلیز و هو جلیت و هو الیوم الرابع عشر و قیل الثالث عشر من المحرم الحرام فاتح سنة ست و أربعین و مائتین و ألف بالتحویز. و سبب ذلک أن حسن باشة/ الجزائر، حصل الکلام بینه و بین القونصل الفرنسی و وقعا فی التحایر، علی بعض المطالب بینهما فلم یشعر الباشا بنفسه، إلی أن لطم وجه القونصل فی حال لبسه، فاغتاض السفیر من ذلک شدیدا، و اشتکی لجنسه بذلک لما رأی فعلا عتیدا فاشتغلوا بتجهیز الجیوش أربعة أعوام، ثم أرسلوا سفنا مشحونة بثمانین ألف مقاتل حزام، فانفصلوا عن البریز (کذا) قاصدین قبر الرومیة، تجنبا عن مرسی الجزائر لما بها من الصواعق الردمیة فنزلوا بقبر الرومیة قرب الجزائر و هی مرسی سیدی أفرج الولی المشتهر، و خرجوا منها للبر و نزلوا به کأنهم الجراد المنتشر. و صار کبیرهم الجنرال دوبرمنت المعبّر عنه باللغة الترکیة بصاری عسکر یکتب الرسائل لأهل الجزائر و یضعها بالطرق و یعلقها بالأشجار، لیجدها المسلمون فیأخذونها لیعلموا ما فیها بالاشتهار. و نصها بالعرف و التحقیق، من غیر إخلال ببعضها و لا نقلها بالمعنی لیلا یکون الخروج عن الطریق و العهدة فیها علی الناقل الأول، لأنه الحارس لأمانته دون المتمول.

نص المنشور الذی وزّعه الفرنسیون علی سکان الجزائر غداة الاحتلال‌

هذه منادات (کذا) من صاری عسکر الجایل، أمیر الجیوش الفرانسویة إلی سکان الجزائر و القبائل. بسم اللّه المبدی المعید و به نستعین فی الإسرار و الإجهار، یأیّها (کذا) ساداتی القضات (کذا) و الأشراف و العلماء و أکابر المشایخ و الأخیار، اقبلوا منی أکمل السلام، و أشمل أشواق قلبی بمزید العز و الإکرام، أما بعد اعلموا هداکم اللّه إلی الرشد و الصواب فقد حلّ أمره، إن سعادة سلطان افرانسا مخدومی (کذا) و عزة جنابه الأعلا نصره قد أنعم علی بتولیته إیای منصب
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 81
صاری عسکر للمباعدة و المقاربة، و یا أعزّ أصدقائنا و محبینا سکان الجزائر و من ینتما (کذا) إلیکم من شعب المغاربة، إن الباشا حاکمکم من حیث أنه تجرأ علی بهدلة بیرق افرانسا المستحق کل الاعتبار، و أقدم علی إهانته و إزالة ما له من الأسرار، فقد سبّب بجهله هذا کل ما هو عتید أن یحلّ بکم من الکوارث و المضرات، لکونه دعا علیکم الحرب من قبلنا للخسوات، فإن عزّة اقتدار سلطان افرانسا دام ملکه و أیامه المسرورة، نزع اللّه من قلبه مرحمته المعهودة و رأفته المعروفة المشهورة، فلا بد أن الباشا حاکمکم من قلة بصیرته و عماوة قلبه و جلیه، قد جدث علی نفسه الانتقام المهول و قدّدنا منه القدر المقدر علیه، و عن قریب یحلّ به ما استحقه من العذاب المهین، أما أنتم یا شعب المغاربة اعلموا و تأکدوا یقینا أنی لست آتیا لأجل محاربتکم فعلیکم أن لا تزالوا آمین و فی أماکنکم مطمئنین، و تعلموا أشغالکم بجهر و سر، و کل ما لکم من الصنائع و الحرف براحة السر، ثم إنّی أحقّق لکم أنه لیس فینا من یرید ضرکم بأحوالکم، لا فی مالکم/ و لا فی عیالکم، و مما أضمن لکم أن بلادکم و أراضیکم و بساتینکم و حوانیتکم و کل ما هو لکم صغیرا کان أو کبیرا عظامی، فیبقی علی ما هو علیه و لا یتعرّض لشی‌ء منی ذاک جمیعه أحد من قومنا بل یکون فی أیدیکم دائما فآمنوا بصدق کلامی، ثم أننا نضمن لکم أیضا و نعدکم وعدا حقیقا مؤکدا غیر متغیر و لا متأوّل، أن جوامعکم و مساجدکم لا تزال معهودة معمورة علی ما هی الآن علیه و أکثر من أول و أنه لا یتعرض لکم أحد فی أمور دینکم و عبادتکم فإن حضورنا عندکم لیس هو لأجل محاربتکم، و إنما قصدنا محاربة باشتکم الذی بدأ و أظهر علینا العداوة و البغضاء بفعله المذموم، و مما لا یخفی علیکم غایة تحکمه و قبح طبعه المشوم و لا ینبغی لنا أن نطلّعکم علی أخلاقه الذمیمة، و أعماله الرذیلة السقیمة، فإنّه واضح لدیکم أنه لا یسعی إلا علی خراب بلادکم و دثارها، و تضییع أموالکم و أعمارکم بخسارها، و من المعلوم أنه إنما یرید أن یجعلکم من الفقراء المنحوسین لدیهم، الخاسرین المبهدلین أکثر من المسخط علیهم فمن أعجب الأمور بلذاته، کیف یغبی عنکم أن باشتکم لا یقصد الخیر إلّا لذاته، و الدلیل کون أحسن العمارات و الأراضی و الخیل و السلاح قد
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 82
أجوده، و اللبس و الحلی و ما أشبه ذلک کله من شأنه وحده، فیأیها (کذا) أحبابنا سکان المغرب أنه عز و جل ما سمح بأن یصدر من باشتکم الظالم بما لدیکم، ما فعل من أعمال الخبث و الرداء إلّا إنعاما منه سبحانه و تعالی علیکم، حتی تحصلوا بهلاکه و بزوال سلطنته علی کل الخیر، و یفرج عنکم ما أنتم فیه من الغم و الشدة و الضیر، و إذا الحال هذه فأسرعوا و اغتنموا الفرصة فیه بالأخذ بالنواص، و لا تعمی أبصارکم عما أشرقه اللّه علیکم من نور الیسر و الخلاص و لا تغفلوا عما فیه مصلحتکم بل استیقظوا لکی تترکوا باشتکم هذا و تتبعوا شورنا الذی یؤول إلیه خیرکم و صلاحکم بمحضه، و تحققوا أنه تعلی لا یبغی قط ضرر خلیقته بل یرید أن کل واحد من برایاه یحوز ما یخصه من وافر نعمه التی أسبغها علی سکان أرضه، یأیّها (کذا) أهل الصلاح إن کلامنا هذا صادر عن الحب الکامل، و إنه مشتمل علی الصلح و المودة بغیر قول القائل، و أنتم إذا شیعتم مراسلکم إلی أوریدنا حینئذ نتکلم و إیاهم بما فیه نجاحکم، و المرجو من اللّه تعالی أن محادثتنا مع بعضنا بعض یؤل إلی ما فیه منافعکم و صلاحکم، و حشمناکم باللّه أنکم بعد ما تحققتم أن مقاصدنا و غایتنا الفریدة، لیست هی سوی خیرکم و منفعتکم الجدیدة، تشیعوا لنا صحبة مراسلیکم کل ما یحتاج إلیه عسکرنا المنصور من الذخائر ما بین طحین و مسن و زیت و عجول و غنم و خیل و شعیر و ما یشبهه من فعل المشاکر، و حین/ وصلت مرسلاتکم هذه إلینا مجالا، ندفع الثمن نقدیة علی ما تریدون و أکثر عجالا هذا و أما إن کان منکم معاذ اللّه خلاف ذلک تختاروا محاربتنا و مقاومتنا و تزکوا علینا أنفسکم اعلموا أن کلّ ما یصیبکم من المکروه و الشر إنما یکون سببه من جهلکم فلا تلوموا إلّا أنفسکم، فأیقنوا أنه ضدّ إرادتنا فلیکن عندکم محققا زیادة علی ما لدیکم، إن عساکرنا منصورة تحیط بکم بأیسر مرام و دون تعب و أن اللّه یسلطها علیکم، فاللّه تعالی کما أنه یأمر لهم النصر و الظفر بالمرحمة و المسامحة علی الضعفاء المظلومین فکذلک یحکم بأشدّ العذاب علی المفسدین فی الأرض العاثیین علی البلاد و العباد المشومین، فلا بد لکم إن تعرّضتم لنا بالعداوة و الشر هلکتم عن آخرکم هذا أیها السادات ما بدا لی أن أکلمکم به ولست بمفاخرکم، فهو نصیحة منی إلیکم فلا تغفلوا عنه، و اعلموا بأن صلاحکم إنما هو فی قبوله و فسادکم فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 83
فرارکم منه، و أن هلاککم لا یردّه أحد منکم إن أعرضتم عما نصحتکم به و أنذرتکم، و أیقنوا یقینا مؤکدا ألا مفخر به، إن کلام سلطاننا المنصور المحفوظ من اللّه تعالی و به مصون، غیر ممکن تغییره لأنه مقدّر و المقدّر لا بد أن یکون.
و السلام علی من سمع و أطاع، و بادر بالإذعان و ترک کل نزاع. فی ذی الحجة عام خمسة و أربعین و مائتین و ألف .
و لما نزل المریشال دو برمنت(DE BORMONT) بجیوشه فی یوم السبت الثانی و العشرین من ذی الحجة الحرام، سنة خمس و أربعین و مائتین و ألف بغایة المرام، الموافق لرابع عشر جوان، سنة ثلاثین و ثمانمائة و ألف بالبیان، علی مدینة الجزائر حاصرها، و حصل بینه و بین المسلمین من أهل الجزائر و قبائلها و العربان، و بای قسنطینة (کذا) و هو الحاج أحمد و بای تیطری و هو أبو مزراق و برسالی خلیفة بای وهران، کل منهم بجیشه بغایة ما کان. و قد کان الباشا و هو حسین دای سأل منهم الإقدام بجیوشهم کما سأل الإعانة للجهاد من أعیان المرابطین، و من له کلمة مقبولة فی ذلک الحین، و کان منهم بعمالة وهران ولی اللّه القطب العلامة السید محی الدین، والد الأمیر بالمغرب الأوسط السید الحاج عبد القادر. و کان عمر هذا الأمیر وقت ذاک عشرین سنة بالقول السائر، القتال الشدید حزما و جزما و عوما، و دام بین الفریقین عشرین یوما.
ثم حصل الخلل و الفلل و الفشل فی المسلمین، فتغلّب علیها المریشال بجیشه و دخلها عنوة ضحوة یوم الاثنین بالتعیین فی ثالث أو رابع عشر من المحرم الحرام فاتح سنة ست و أربعین و مائتین و ألف، الموافق لخامس جلیت سنة ثلاثین و ثمانمائة و ألف، و صارت البهجة و هی أم البهاء من حینها تحت حکم الدولة، و شرعت فی التصرف فیها بالأمر و النهی و الإقبال و الجولة. و إلی ذلک أشار العلامة الماهر، السید مسلم الکاتب بن عبد القادر الحمیری فی رجزه بقوله:
/ ثغر الجزائر به حلّ البلافانحلّ عقد النظم منه و خلا
قد جهّز الأصفر جیشا فاجتمع‌و حثّ فی السّیر حثیث المنتجع
فی نقط ضاد من الفلک نوعامختلف فی الشکل کی ما صنعا
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 84 فیه السفینة غراب فرقطه‌فیه السکونة بریک غلیطه
أرسلها مثل الإبل الکلیلةمشحونة بالجند و الزّاد العیله
بها امتلا الحوض و قال قطنی قطهذا عدوّ الدّین فوق حطّ حط
فی نقط دال أعوام قد حرّجاو عندما تمّ کالنحل خرّجا
بأنواع عسکره منوّعه‌کل علی شاکلة قد أبدعه
من أسود و أبیض و أصفراو أزرق و أحمر معکّرا
من البریز أمّ قبر الرومیةخوف الصواعق الشّداد الردمیّة
باب الجزائر به الموت التزم‌أوجس منه حذرا من الحمم
حطّ فی کب من شهر العید الکبیرأرسی بمرسی الولی القطب الشهیر
بعسکر عدده من الألوف‌قالوا ثمانین بترتیب الصّفوف
جاءت من کل حدب المسلمون‌فرّق جمعهم غدو منهزمین
هبّت له ریاح النصر فابتدرنحو المدینة الجراد المنتشر
کعاشق قد غلب الشوق علیه‌فاقتحم الأهوال و الحب لدیه
فی یج من محرم بها ظفربعد قتال ذارع (کذا) نال الوطر
فارکب الأتراک فی اسطله (کذا)جمیعهم و الباشا فی اکبله
أسلبهم من ملکهم و ذلّهم‌بعد العصیان و الطغیان جلّهم
أموالهم أخذها و الأسلحةقصّ لهم قصّا رؤوس الأجنحة
إلی أن قال:
أم البها فابک علیها یا هذاقد کانت فی عین العدوّ کالقذا
کانت کسد ذی القرنین مثلاقامت بفتها یاجوج عجلا
ثارت بها نار الحروب الساکنه‌من بعد ما کانت فی الکنّ کامنه
أوقدها الزند من قلب الحجرفأوقدت و اشتعلت بالبشر
عمّ شرارها للنّاس کلّهم‌عن دفعها قد عجزوا بکلهم
کانوا فی الأمن و الأمان أهلهاکالراس کان للدنیا محلها
أصابها العین لما تعجّبت‌ملوکها لمّا الأموال کثرت
/ فزحف الروم علیها بغتةأخذوها کالسیل هجما فجأة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 85
و قال قبل هذه الأبیات:
و هاک منی تاریخ الیوم الذی‌فیه وقائع تلی هذه ذی
یوم الاثنین فیه الروم قد نزل‌و کان فیه فتحه یوم الفشل

موقف البای حسن بوهران من الاحتلال الفرنسی‌

قال، و کان حسن بن موسی بای وهران لما جاء النصاری للجزائر خرج بجیوشه و نزل بوادی تلیلات و صارت تجتمع علیه أیضا الجیوش من کل جانب و مکان، لیغزو الجزائر، فبینما هو بذلک یحاول القدوم لناحیة الجزائر، إذ الخبر العام جاءه بأن الجزائر قد صارت تحت حکم الفرانسیس، و جالت فیها أیدیهم بکل المخاییس، فلم یصدق ذلک إلی أن جاءه الخبر الخاص علی ید خلیفته بأنها ملکتها الدولة و دخلتها بالفعل، و تصرفت فیها بما شاءت من العقد و الحل، فرجع فورا بجیوشه الخاصة لوهران و قال للناس من أراد الذهاب فله و من أراد المکث فله و لیعتصم بالرحمان. و لما دخل وهران أغلق أبوابها و صارت الناس ما بین القیل و القال. و حصلت العداوة بین الناس فی بعضها بعض و سدت الطرق بالویل و النکال.

الاستعداد لاحتلال وهران‌

ثم أن المریشال دوبرمنت لما استقل قدمه بالجزائر و اتخذها قاعدة له و صار لا یلتفت لثورة الثائر، جهز شرذمة من جیشه لنظر القبطان دوبرمنت المشارک له فی الاسم و أمره بالذهاب بها لناحیة وهران، و کان ذلک فی ثالث صفر و قیل فی آخر المحرم و الموافق لخامس عشرین جلیت (کذا) فعبر البحر و نزل بالمرسی الکبیر، فی خامس صفر الموافق لسابع عشر جلیت (کذا) بالتحریر. و لما حلّ بها سأل من البای حسن المداخلة بینهما بالبیع و الشراء و غیرهما فی کل الأحوال، فألفی البای سبیلا لنجاته بأهله و ماله من المال، و صار البیع بینهما فی غایة الحال، و صار القبطان ینتظر لحوق (کذا) الجیوش به لیدخل وهران، و یصیّرها عمالة ثانیة طائعة للدولة بغایة الإذعان. و انجلا أکثر أهل وهران فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 86
خامس صفر الموافق لسابع عشرین جلیت بأحسن البیان، و تعرّضت الأعراب البادیة لهم فی السّبل لأخذ الأمتعة و الإهانة لهم بکل ما کان فی کل مکان. و إلی ذلک أشار العلامة الماهر، السید مسلم الکاتب بن عبد القادر، الحمیری فی رجزه بقوله:
فی خامس من صفر حان الرحیل‌لأهل وهران خوفا من التبدیل
فرّوا بأنفسهم و خلّفوابها ملک الوقت عنه انحرفوا
فافترقوا شرقا و غربا و مجواو ساحوا فی کل الأوطان و عجوا
فارتکبوا و انتکبوا و انتهبواو انتهکوا و انهمکوا و انتشبوا
فی یوم ذی حرّ و الناس سکاری‌کیومهم فی الحشر صاروا حیاری
فکم و کم من المتاع ترکوامن عدم الظهر علیه انهمکوا
و کم و کم من الأطفال تلفوامن شدّة الرجف و الخوف اختلفوا
/ و کم و کم من الشیوخ عجزواعن الفرار فی الفلل تحیّزوا
و کم و کم من غانیة ما رأت‌الشمس قط بالحفا قد مشیت
و کم و کم من حاضر ببادیه‌حرمته بعد السّتور بادیه
و کم و کم من عالم مدرّس‌فی مسکن من شجر معرّس
إلی أن قال:
ثم انتقالنا من وهران بدامن غیر حرب حذار من الرّدا

خلع الملک شارل العاشر

ثم أن هذا السلطان المذکور قام علیه أهل دولته، لمخالفته لهم بإظهار صولته فاجتمعوا علیه و حاربوه، و بعد ثلاثة أیام غلبوه بعد ما ضاربوه، فخلعوه من الملک فی سابع صفر الخیر، الموافق للتاسع و عشرین من جلیت (کذا) بغیر الضیر، من العامین المذکورین و حرّموا المملکة علیه و علی ذویه و أهل بیته، و ترکوه مرمی فی زوایا الإهمال مخفضا من حینه لصوته. و لما خلعوه صار أمرهم بینهم شوریا، و فی أحوالهم حکموا حکما جمهوریا. و رجع القبطان دوبرمنت من مرسی وهران للجزائر، لما معه من الجیش فی ثالث أوت الموافق الثانی عشر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 87
صفر بالمشاهر و صارت تلک الأخبار تسمی عندهم بأخبار جلیت، و تغیرت قوانینهم و علا أمرها و انتشرت فی الصیت و تشوش المریشال دوبرمنت تشویشا کثیرا من تلک الأخبار و ذهب فورا لافرانسا و خلفه الجنرال کلوزیل المأمور بإرسال الجیوش لفتح وهران من غیر نظر لتلک الأخبار.

الملک لویس فیلیب الأول‌

اشارة

و ثانی سبعینهم لویز فیلیب الأول تولی فی تاسع أوت سنة ثلاثین و ثمانمائة و ألف، الموافق لثامن عشر صفر عام ست و أربعین و مائتین و ألف. و هذا السلطان من الفخذ السادس، بالتجاریس، من الطبقة الثالثة من طبقات ملوک الفرانسیس.
ثم نزعته دولته من الملک و ترکته بعد ذلک فی الحالة الدالة علی الحلک. و لا یخفی علی أکثر الناس کیفیة نزعه من ملکه الذی کان فیه بما هنالک، و ما جری له من الوقائع فی أثناء ذلک.

الفرنسیون یحتلون وهران‌

و لما تولی هذا السلطان جاءت الجیوش الفرانسویة للمرسی الکبیر، فی أول و قیل فی ثانی ربیع الأول الموافق للعشرین أو الحادی و العشرین من أوت من العام و السنة الواضحی التشهیر. و کانت تلک الجیوش علی أربعة أنواع، أحدها من ذوی المدافع المعلم بعدد اثنین و معه خمسون نفرا من أهل الشغور بلا نزاع، و ثانیها من أصحاب علامة الثلاثة، و ثالثها من أصحاب علامة الأربعة بغیر الحلاثة، و رابعها من أصحاب علامة الإحدی و العشرین و کلها تحت رئاسة الکولونیل قندلفو/ بالتبیین، فعبرت البحر فی یومین و نزلت بالمرسی الکبیر.
فأتاها کبراء المخزن بقصد الإذعان و الخدمة المسهلة للعسیر، فأبی ذلک کبراء المحلة و ظنّوا فیهم لغشامتهم عدم الأمان، و خشیة علی أنفسهم من الوقوع فی شرکة الهوان و لم یدروا أن هذا المخزن هو عین المراد، و أنه الذی به تفتح جمیع البلاد، و لما رأی المخزن ذلک رجع کغیره عدوا للدولة و مظهرا لما له و فیه من البسالة و الصولة.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 88
ثم أتت سفینة من سفن الدولة الکائنة بالجزائر أیضا للمرسی الکبیر، مشحونة بالجیوش العدیدة ذات العدد الکثیرة، و علیها موضوع صورة وثن، و بفور وصولها للمرسی الکبیر شرعت فی هدم البرج المحصن لها من جهة البحر فتشوش کثیرا لذلک البای حسن، و کان وصول هذه السفینة للمرسی الکبیر، فی سابع عشرین جمادی الثانیة الموافق لثالث عشر دسانبر (کذا) بالتحریر و قد خرجت من الجزائر فی خامس عشرین جمادی المذکور، الموافق لحادی عشر دسانبر (کذا) المسطور. و مکثت الجیوش بالمرسی إلی رجب الأصم، الموافق لدسانبر الأحکم، و هی تحت رئاسة الجنرال دمرموا و غرضه الدخول لوهران و الإبعاد عنها للبای حسان.

البای حسن یستنجد بسلطان المغرب الأقصی‌

و لما سمع البای بذلک بعث لسلطان المغرب و هو السید مولای عبد الرحمان بن هشام الشریف العلاوی بالقدوم، لیتولی علی المغرب الأوسط و یضیفه للأقصا (کذا) و یکون هو من جملة نوّابه فهو الأولی به من الروم. فأحبّ سلطان المغرب ذلک لما بلغه الخبر لکنه خشی أن یقع له ما وقع لجدّه مولای إسماعیل، و بعث له ابن عمه مولای علی ولد السلطان مولای سلیمان و معه خلیفة السید أحمد الحجوطی لیقوم مقامه فی الاستیلاء (کذا) علی المغرب الأوسط بالتأویل، و أوصاه أن یبعث الحجوطی للمعسکر و یتخذ هو دار سکناه تلمسان، و أن ینتقم من جمیع أهل المغرب الأوسط و لا یحاشی إلّا الشرفاء الأعیان.

انقسام مخزن وهران علی نفسه‌

و لما وصل مولای علی لتلمسان انقسم المخزن علی شطرین، فشطر صار تحت رئاسة الحاج محمد المزاری و تولی خدمة مولای علی بالنصیحة بغیر مین، و شطر صار تحت رئاسة عمه مصطفی بن إسماعیل. و تولی خدمة البای حسن
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 89
کالعادة بالنصیحة بغایة التفاصیل. و أقسم مصطفی بمخزنه للبای حسن بأنهم فی خدمته بالنیة و الصفاء ما دام بوهران کما أقسم الحاج المزاری بمخزنه للشریف مولای علی بأنهم فی خدمته بالنیة و خالص المودة و الصفاء ما دام بتلمسان فصیر مولای علی الحاج المزاری من أول وزرائه الأعیان، و جعله آغة المخزن حیث کان، فبذل عند ذلک جهده معه فی الخدمة بالنصیحة و تلک عادة المخزن سیما الأعیان سیما البحایثیة المجتنبین للأحوال القبیحة. قال و أما الجنرال دمرموا فإنه لا زال بجیوشه بالمرسی الکبیر. منتظرا اتیان الأمر له لدخول/ وهران بکل حال فی التحبیر.

نفی البای حسن إلی المشرق‌

ثم جاء جیش مولای علی لغنم المخزن الذی بوهران، فأخذها عن آخرها و قصد بها تلمسان. فسمع مخزن وهران ذلک و لحقوا مالهم، و سألوا اللّه أن یجبر حالهم، فبینما هم غائبون عن البلد، و إذا بالجنرال دمرموا لما سمع بذلک اغتنم الفرصة و جاء بجیشه عازما فدخل من حینه غفلة للبلد، و لم یتکلم فیه وجه واحد من البارود، و لمّا حلّ بها لم یتعرض لأحد بالضرر من أهل البلد و الوفود. و کان دخوله لها فی رابع جانفی سنة إحدی و ثلاثین و ثمانمائة و ألف، الموافق لتاسع رجب سنة ست و أربعین و مائتین و ألف. و قال بعضهم دخل فی أول رجب سنة ست و أربعین و مائتین و ألف، الموافق لسابع عشرین دسانبر (کذا) سنة ثلاثین و ثمانمائة و ألف. و کان الجیش الذی دخله بها معلما بعدد إحدی و عشرین و معه بعض الطبجیة و واحد من أصحاب الشفور، و کل من کان من المخزن فی غناء، فربّما عنده لیلا لملاتة و غیرها من النواحی فی المسطور. و لما دخل النصاری وهران بعد الجزائر، أخذوا السلاح لأهلهما و ترکوا الحکم کعادته بید من کان بهما من الأکابر، ثم أرکبوا الباشا بمن معه من الأتراک، و البای حسن بما عنده أیضا من الأتراک و أوصلوا کلا منهم للمحل الذی أراده، و لم یتعرضوا لهم بسوء، و لا لکل واحد منهم الشی‌ء الذی أراده، و ما ذلک إلّا من کثرة الشفقة و العدل، و کل دولة ملة یدوم ملکها بما عندها من العدل.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 90

الأمیر علی یقود زعماء المخزن إلی فاس‌

ثم إن مصطفی ابن إسماعیل لما خرج بمخزنه من وهران، قصد بأعیانه فی ذهابه لناحیة مولای علی بتلمسان، و لما مثّلوا بین یدیه بشّ فی وجوههم بغایة البشاشة، و أدناهم منه دنوا تظهر به مودة البشاشة. و کان الحجوطی قد جمع ما بخزنة المعسکر من المال و أتی به لمولای علی بتلمسان کما جمع مولای علی أیضا ما بخزنة تلمسان، و من الغد ارتحل مغربا لناحیة فاس، حاملا لمصطفی بن إسماعیل و ما (کذا) معه من الأعیان بحایثیة و غیرهم دوائر و زمالة مغولین علی البغال إلی مدینة فاس، و هو بأحد لا یبال، و لا عبرة له إلّا بما جمعه من المال. فتبّا له من العامل الشریر، الذی فعل بالأعیان ما فعل من غیر ذنب صغیر فعلوه فضلا عن الذنب الکبیر. و لما وصل لفاس و مثل أعیان المخزن بین یدی السلطان مولای عبد الرحمان. نظر لهم بالنظرة الدالة علی الخیر و الإحسان، فألفاهم فی الحالة الدالة علی الذل و الهوان سأل عنهم و عن إتیانهم و ما دلیل ذلک بالعبارة أو الإشارة، فلم یجد شیئا فانتقم منه و عزله من حینه من تلک الإمارة، و قال له یا خسیس العقل من سیاسة الملوک إن الأعیان الذین یکون بهم الحل و الربط و التشهیر، لا تکون المؤاخذة لهم إلّا بتکرر الذنب الکبیر، و هؤلاء لا ذنب لهم أصلا، فکیف تؤاخذهم بکلام الوشاة و تأتیهم إلی هنا علی هذه الحالة فلا قوة إلا باللّه و لا حولا.
و أما آغة الحاج المزاری/ فإنه لم یأخذه معهم بل ترکه علی الخدمة و أوصاه بالجهد فیها و لم یفعل به شیئا من الأشیاء التی تکون له الملامة علیها، بل أبقاه فی محله علی الخدمة التی کان علیها. غیر أنه کان فی الحیرة و الجزع، من جانب عمیه و قرابته و أعیان محله الذین ذهبوا للمغرب علی تلک الحالة من غیر سبب وزاد فی القلق و الفزع، إلی أن قدموا علیه بغایة العز و التوفیر و التمکین، و حصل بذهابهم للمغرب الارتباط الشدید بین المخزن و العلاویین، فلقد أحیا (کذا) الفریقان ما درس من الارتباط الواقع بینهما من الأسلاف، حال قدوم مولای إسماعیل بن علی لوهران و المغرب الأوسط من غیر الخلاف و الاختلاف، و أعطاهم هدایا جلیلة و خلع علیهم سیما مصطفی خلعا جمیلة، و بعث معهم خلیفة آخر یقال له السید أحمد بن العامری بالبیان، و معه مائة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 91
وصیف من عسکر السلطان، و لما وصل مصطفی بن إسماعیل بذلک الجیش، أسکنه المعسکر و صار یجلب له الرعیة من کل ناحیة و هو فی غایة الفیش.

الحمایة التونسیة علی وهران‌

قال و فی غیبة مصطفی للمغرب اشتغل النصاری بتنظیم جیش تونسی و أتوا به لوهران، تحت رئاسة خیر الدین التونسی و معه رجل من الزمالة ذهب فارا لتونس اسمه علی ابن التازی و سماه النصاری بای وهران، و دخل من بقی من کبراء المخزن من غیر الحاج المزاری و رحل المخزن ما بین الدوائر و الزمالة من قرب تلمسان و أتوا إلی قرب وهران، و دخل من بقی من کبراء المخزن من غیر الحاج المزاری عند الجنرال دمرموا و تکلموا معه علی الدخول تحت حکم التونسی خیر الدین، و لکنهم یبقون ساکنین بملاتة فقبل منهم الجنرال ذلک و صاروا تحت حکم التونسی فی الحین، و لما رأی المخزن حکم مصطفی بن إسماعیل و ابن أخیه الحاج المزاری مع المغربی السید أحمد بن العامری صاروا یتأخرون عن مخالطة التونسی بوهران و یدخلون تحت حکم مصطفی و ابن أخیه الحاج محمد المزاری الذین لهما الحرمة الوافیة مع السید أحمد بن العامری.
و لما بلغ الجنرال دمرموا ذلک بعث للدولة بافرانسا و أخبرها بفعل سلطان المغرب مولای عبد الرحمان، و ما وقع بسببه من الخلاط فی مخزن وهران، فبعثت الدولة لسلطان المغرب لیکف نفسه عن هذا الفعل و لا یعود له أبدا، و إن عاد سیری ما لا سمعه و لا رآه أبدا. و کان بالعامری قد استقل بالتصرف دون مشاورة أعیان المخزن و غیرهم، بل کان اعتماده علی شرذمته التی لا أمن لأحد من مکرهم، و ظهر فی الوطن عبث المغاربة بالفساد، و الجور و الظلم و عدم الرفق بالعباد. و لما رأی أهل الوطن ذلک فزعوا من فعلهم تفزیعا و عمّوا بالوقوع بهم و قتلهم جمیعا، فشعروا بذلک و رأوا أنه لا ریب توقیعا، و وافق ذلک أمر سلطانهم لهم بالقدوم، و یترکوا المغرب الأوسط لمن هو من غیرهم موصوف بالعکروم فهرب کبیرهم السید أحمد بن العامری لتلمسان و منها زاد لفاس، و هرب أصحابه لوهران و منها زادوا/، فی الفلک لطنجة فی شدة إیاس. و لما حصل لهذا الوطن بالمغاربة الإذلال، أنشد بعض الأدباء من أهله فی ذلک أبیاتا فقال:
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 93 آها للمغرب الأوسط ضاعاو بان وهنه من به جاعا
تراکمت أهواله و زادت‌به الشّدائد الفساد ذاعا
جاء به للحکم أهل فاس‌فجاسوا خلال دیاره سراعا
و حلّوا و أبرموا الحکم بظلم‌و دبّت فیه اجراء ضباعا
کأنه علی التّحقیق لیست‌به رجال قد قهروا سباعا
لا غرو یا علاویین یحلّ‌بکم ما ببنی سعد قد شاعا
فإنهم قبیلکم قد جاء و (کذا)لمغربنا و قد ذهبوا جزاعا
رأوا من بأسنا ما لیس یری‌و أسیافنا للحمهم بضاعا
بنادقنا رصاصها مصیب‌لهم بکلّ حالة وقّاعا
هزمناهم إلی فاس و زدنافی أثرهم قتلا و سبیا إیقاعا

حالة بایلیک الغرب بعد رحیل الأتراک و المغاربة:

و لما ذهب الأتراک من وهران، و المغاربة من المعسکر و تلمسان، و ذلک فی عام ستة و أربعین من الهجری، و عام ثلاثین و إحدی و ثلاثین من المسیحی الحبری، قامت العرب علی بعضها بعض فی کل ناحیة و مکان، و عمت الفتنة و عظمت البلوی فی أقطار المغرب الأوسط مدة من زمان. فقام المخزن و ریّسوا علیهم مصطفی بن إسماعیل و ابن أخیه الحاج محمد المزاری و اعتمدوا فی ذلک علی أهل ملاتة، و تلیلات، و سیق، و هبرة، و مینا، و شلف فی القول الحاری، و وقع القتال ما بین الأعراب و القری و المدون (کذا) و صار کل واحد من رؤساء العرب یروم إرث مملکة الترک إلی أن وقع الخلاط الکبیر فی البوادی و المدون (کذا)، و خرج أهل تلیلات وسیق من دائرة المخزن و دخلوا فی دائرة الأعراب النائیة التی لا تطیق علی الکر و الفرّ فی ما کان و یکون و کثر الجزع و الهرج، و الفزع و الحرج، و أطرد النصاری التوانسة من وهران و أبعدوهم من الدواوین لما رأوا سیرتهم مخالفة للأحکام الخصوصیة، و العمومیة و سائر القوانین و راموا مخالطة العرب بأنفسهم، إلی أن یصیروا بالسیاسة من أبناء جنسهم، فاستقلوا
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 94
برئاسة وهران، و حصّنوها بالعسس المفترقة فی أماکنها المخوفة فی کل حین و زمان، و ذلک کشعبة رأس العین و غیرها من الأماکن المخوفة و رفعوا بالمدینة ما لهم من البنود و ضربوا النواقیس، و أمروا الحراس بضرب من صعد السور بغیر إذن بالبارود. و قبل طردهم للتوانسة نادوا بالأمان لکل خارج و داخل، و أباحوا المخالطة لرائمها (کذا) منهم من/ غیر تعرض بسوء لکل فارّ و قابل، فجاءتهم العرب لبیع الخیل و البغال و الحمیر و مباح الحیوان، و شراء السلع بأنواعها من العطریة و الکتان فاتسعت الدولة فی دخول الأرزاق علیها من کل جهة و مکان، و عاشت جیوشها فی الأرزاق الجدیدة من اللحم و غیره بحسب الإمکان، و عینت المکلف بشراء الخیل لجیوشها فاشتری إلی أن رکب المحتاج، و فرح الضعیف و کثر النتاج.

حاکم وهران الفرنسی یثیر الفرقة و العداوة مع المخزن

طلوع سعد السعود ؛ ج‌2 ؛ ص94
حدثنی من أثق به ممن کان بوهران، إنّ التونسی کان أول عمله خرج بجیشه و غزی بالساحل دواویر حمیان، فغنم منهم کثیرا و أسّر و سبا (کذا) و قتل و اجترّ خمسین رأسا أتی بها علی الأعمدة لوهران. و فی إبریل من سنة إحدی و ثلاثین و ثمانمائة و ألف، الموافق لست و أربعین و مائتین و ألف، جاء الجنرال فداس حاکما بوهران بغایة التحکیم، فأول عمله أنشأ العداوة مع الدواویر و الزمالة الذین هم المخزن بوهران و علیهم العمدة من الزمان القدیم، فکل دولة معتمدة علیهم فی الحرکة و السکون، و بهم تتوصل لکل مطلوب و مظنون، فصار القتال بینهم و بینه شدیدا، و وقع الحرب بین الفریقین مترادفا مزیدا. و فی تاسع عشر ستانبر (کذا) من العامین المذکورین جاء الجنرال بوافی حاکما بوهران و کان ممن حضر لفتح مصر و استلاء (کذا) الدولة علیه، و علم خدمة المسلمین و صارت محفوظة لدیه، فزعم أنه سیلقی علی مسلمی وهران بعض المخوفات
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 95
التی ألقیت علی مسلمی مصر و ما قاربها من المشارقة، و لم یعلم أن مخزن وهران لا خشیة لهم من شی‌ء، و إنما شیمتهم الشجاعة و المبارزة و التقدم للطعن و الضرب و الوفاء بالعهود الصادقة ذات الأحوال المبارقة. و نار الفتنة ثاقبة بین المسلمین بوادیها و الحواضر، منذ دخل النصاری لمدینتی وهران و الجزائر.

ظهور الشیخ محی الدین‌

فقام لإطفائها العلماء و الشرفاء و المرابطون سیما القطب الکبیر، الذی کان یخشاه البای حسن إلی أن سجنه و هو السید محی الدین بن السید المصطفی ابن المختار المختاری الحسنی الراشدی الغریسی والد الأمیر، و افترقوا علی تخمیدها بکل مکان و ناحیة، و کل جهة و ضاحیة، و الشیطان اللعین الطرید، لا یزیدها إلّا إیقادا بین الأحرار و العبید. فشمّر السید محی الدین المذکور عن ساعدیه و ساقیه لإطفائها بغایة التشمیر، لما له من العنایة بالخلف خصوصا المخزن و تفضیله له عن النائبة التحریر و صار یروم الصلح بین الفئتین بحسب القوة و الطاقة، و یزیل ما بینهما من الأمور الضارة و الشاقة. و لما رأی أن إطفاءها لا یکون إلا بجمعهم للجهاد، أتی القطب السید الحاج عبد القادر ابن زیان الزیانی کثیر الأنوار و الأسرار واحد الأفراد، و سأل منه أن یعینه علی ذلک بالتحقیق فألفی للسید الصلاح فی ذلک فوافقه و شمّر من حینه عن ساعدیه و ساقیه بالنیة و التوفیق، و اندبا ابتداء قبیل الغرابة علی ذلک، بعد أن دعیا اللّه علی التوفیق لذلک، و قالا فی دعائهما اللهم اجعل کید المسلمین فی نحر عدوهم، و أبعد عنهم الإذایة و تسلّطها علی عدوّهم/ اللهم وفقنا و إیاهم لهذا السبیل اللهم اهدی العباد اللهم اجمع کلمة الأمة المحمدیة و وفقها للجهاد، فلبّاهما القبیل المذکور، و وافقهما علی الجهاد الذی هو بکورة السعد المبرور و جمع جیشه و أتی به إلیهما. و کان الشجاع الکرّار خلیفة ولد محمود یحرض قبیلة الغرابة بذلک لدیهما. قال فصلّی الشیخان و معهما الأمیر السید الحاج عبد القادر بذلک الجیش العصر و ذهبوا من سیق لوهران، و تمادوا علی سیرهم لیلا بفرح و سرور و خلاص نیة إلی أن صبحوا وهران.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 96

معرکة خنق النطاح الأولی بوهران‌

و لما وصلوا خرج لهم العدو بجیوشه کأنها الجردان، و تصافّ الفریقان للقتال بوادی خنق النطاح من أول النهار، و اشتد القتال بینهما و دام إلی العشیة بالاشتهار فمات من النصاری خلق کثیر، و من المسلمین کذلک فضلا عن الجریح بالتکثیر فکان ممّن مات من الغرابة ستة من الأعیان، و هم الفقیه الخوجة السید الطیب بن المشری، و الشجاع زیان بن سهیلة، و سلیمان بالهرشی، و قدور بالعابد، و الحاج الأخضر بن عیرة، و قدور بن المغراوی، و من تحلایت الحبیب ابن رحّ بغایة البیان، و انجرح (کذا) من کبرائهم ثلاثة فی المعدود، و هم الحبیب بو علام بن الحبوشی، و ابن یعقوب بن سهیلة و خلیفة ولد محمود. و کان ذلک فی سابع إبریل و قیل فی السابع عشر منه سنة اثنین و ثلاثین و ثمانمائة و ألف، المطابقة لعام سبع و أربعین و مائتین و ألف . و إلی هذه الواقعة أشار الفقیه السید الحاج عده بن علی الشریف التحلایتی فی عروبیته بقوله:
بسم اللّه أبدیت نشدی‌و الصلات علی الهادی
راکب البراق سیدی‌من نرجا و شفاعته یوم المیزان
بإذن اللّه إسقام سعدی‌فی بوفاطما أحمد شارح الأدیان
لا غزو نغد الوهران‌یا سایل رانی انعظّم
فی ذا الجیش الی تلایم‌امشا للبهجا ایزادم
و عمل خصایل ضارب عدای الرحمان‌ستر اللّه علیه دایم
ذا النجع الغربی أخباره فی البلدان إلی أن قال:
سیدی محی الدین دبّرفی ذا الرای وجا امزیّر
فی سیق انزل یالحاضرهو و المبروک الأفحال بن زیان
من ثم رکبوا العصرالأقطاب اجتمعوا اتفقوا فی دیوان
خلیفا للجهاد لبّاو اجمع قومان الغرابا
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 97 قال لهم ما کان هربامن یهدر فی الغیب واک الیوم ایبان
للمیمر نعطوا امکبّاو الّی مات امنازله جنّت رضوان
إلی أن قال:
الهذا الناس القول واتامن زادوا للرّوم بهتا
ماتوا ما لابطال ستاسربا مذکورین غیر فلان فلان
ما همشی هذون موتاعالم الغیب امرخهم فی القرآن
إلی آخر القصیدة.
و کانت الدولة عینت من جیشها فرقة یقال لها قراندی و أسکنتها للحراسة بخنق النطاح، و لتمییز بعض الأمور، ففشا فیها النقص بالقتل و غیره و أدخلتها للمدینة بغیر الجناح. و ذلک فی إبریل من العامین المذکورین، الموافق لذی الحجة العربی بغیر المین .

معرکة رأس العین بوهران‌

ثم اندبا (کذا) الشیخان رضی اللّه عنهما بعد ذلک جمیع المخزن الذی هو الدوائر و الزمالة و الغرابة و البرجیة، و غیرهم من رزیو و حمیان و العبید الشراقة و بنی شقران و الحشم و بنی عامر و سائر الجهة الغربیة، فوافقوه علی الجهاد، و رغبوا فیه و هم فی الفرح و السرور بغایة ما یکون من الازدیاد. و لما اجتمع الجیش العرمرم ذهب به الشیخان للحرب و الأمیر علیه هو السید محی الدین، و نزلا به أولا بوادی الحمام، و ثانیا بسیق، و ثالثا بتنازات من أرباض تلیلات و کتبا بطاقة للطاغیة علی أحد الخصال الثلاثة التی هی الإسلام أو الجزیة أو القتال فی الحین و بعثها الشیخ السید محی الدین مع رجل یقال له علی بن زرفة من أصحاب وادی الحمّام، فذهب بها علیّ و لم یظهر له خبر للآن بالاحتکام. و لمّا انقطع خبره و طال أمره جدّا تقدم السید محی الدین بالجیوش و نزل بها فی سیدی معروف و به جاءه المخزن مجتمعا فی غایة الترفّه بما لهم من الملابس
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 98
و الفروش، و عتاق الخیل تحتهم کأنها النعام أو العزلان، و لباسهم منوع بسائر الألوان، و سروجهم مزوقة مرونقة و جلود النمر مسدولة مع الخیول، و هی فی سیرها منهمدة کأنها السیول، و سلاحهم فی غایة الصفاوة له شعاع و بروق، و علی تلک الخیول رجال فی الشجاعة کأنها الأسود و ألوانها لها نور و شروق، فبات المخزن تلک اللیلة معوّلا علی القتال و طالبا للمکافحة و النزال، شائقة أنفسهم للقاء الرحمان، سائلة منه الشهادة للفوز بجنة رضوان، و من الغد تفرق المخزن بالجیش و قسّمه رایات باشتهار، و انتشر ممتدّا من الحافة للمروج لکدیة الخیار، و ضرعوا فی قتالهم فی ذلک الیوم، فلا تری من شدة الوطیس و کثرة القتلی من الجانبین إلّا الطیور لها علیهم الحوم، و افترق الفریقان عشیة، و أخذ کل موتاه أخذة قویة، و قد تمادی المسلمون فی هجومهم، فی ذلک الیوم بغایة الجهد و القوة إلی أن وصلوا لوسط المحلة الفرانسویة و للحفیر الذی ببرج صنطاندری فی غایة القوة، ثم من الغد ارتحلت محال المسلمین و نزلوا بالضایة ، و ابتدأ القتال بین الفریقین من الزوال/ إلی ظلام اللیل (کذا) بالغایة، و المخزن له تقدّم للنزال، و حرص علی دوام القتال، ثم انفصل الفریقان و رجع کل لمحلّه بالتحقیق، و انجرح من الدوائر الحاج المزاری من سبّابته الیمنی لنیل التوفیق، و عدة ولد عثمان من صدره، و انکسر الحاج بن کاملة من رکبته و سلم فی أمره ثم المختار بالتریکی، و المولود بالبرغوث، و أخذ النصاری فرسه الأزرق شدید الرغوث، و یحیی بونوة، و المختار بن ساردی، و هم فی غایة تقدّم و تمادی، و کان ذلک فی ثالث و رابع و خامس و سادس مای سنة اثنین و ثلاثین من الأعوام العجمیة المسطورة، الموافق لسنة ثمان و أربعین من الأعوام العربیة المشهورة و إلی هذه الواقعة فی الأربعة الأیام المتوالیة أشار السید الحاج عده بن علی الشریف المذکور فی عروبیته بقوله:
یا سایلنی نعید للشکر هدیاللجیش الّی مشرّب للکفر الامرار
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 99
إلی أن قال:
یا سایلنی نعید لک هذا الغیوان‌یوم انحرکوا انجوعنا لبلاد الرّوم
الأقطاب اثنین جمع فی ذا الدیوان‌و انصرهم یا لطالب الحی القیّوم
حمر اللحیا الشیخ الأفحل بن زیّان‌یبغی الجهاد قدها عز المظیوم
محی الدین الوقیح زیفط للعربان‌جاته الإسلام کافّه تراس و قوم
أمحال قویّا التمت یا فرسان‌لا من یحصی أعدادها هیلات اطموم
إلی أن قال:
کعجبونی اغرابتی عز علیاعلی الاعلاج یا ملاح احملهم جار
اخبرهم راه شاع فی کل اثنیادمّارین الجهول و شبوب الّی بار
بطّیو ناس قدها ذوک اجزایایوم الدّبلا أعلامهم صاعب غرّار
تعقر من لا اتجیب کیف البرجیاناس الشیعات و الشنا و أهل التفخار
و بنی شقران واکدین اعمومیایزهوا خوتی منین حضر فی المشوار
جات امطافیل مالمعسکر یا خیاخلجوا الاعلاج زینهم کباب- لار
یا عجب شوف ما اضنات الحشمیاطفیل اغریس لیس ما فیهم تعیار
الاعرج صبّار جابها للکلباوات قولی علیه شباب الی بار
ناس الحمّام ثانی لاقوا بیاذکروهم من قبیل للعاد زنجار
و بنی عامر قدها ما صلیاکالخل إذا اعناو یهدم الأسوار
و ادوایرنا أهل الشنا و العشویامن ناس قبیل ها الخوا یسروا الاشکار
أهل امشاطی یوقدوا أهل اجزایاأهل ارکبات بیض و امراکیب احرار
یوم الحیها اتصیبهم فی لولیایقتحم الاصفوف ما فیهم توخار
/ قطّاعین الروس نقم للعدیاأولاد اسماعیل قدها رهج الکفّار
و ازمالتنا امدمرین الکفریامن یتکلف یشطر عظمه تشطار
إلی آخر القصیدة.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 100

الشیخ محی الدین یقترح مبایعة مصطفی بن إسماعیل أمیرا

و فی هذه المرة قام الشیخ السید محی الدین بین الناس خطیبا، فشوّق للجنّة و حذّر من النّار و ذکر فضائل الجهاد و الشهداء، و فضل الإمارة و رغب الناس فیها ترغیبا، و قال لهم أیها الأمة ینبغی لکم أن تنتخبوا أحدا منکم توفرت فیه شروط الإمارة فتعقدون له البیعة علی أنه أمیر علیکم یقوم بأمورکم فی الجهاد و فصل الدعاوی بالتأویل، و إنّی لا أری تلک الشروط مجتمعة إلّا فی ولدنا الشجاع آغة مصطفی بن إسماعیل، فهلمّوا معی و امددوا أیدیکم لعقد البیعة له من الآن، و أکون له واحدا من جملة الأعوان، فأبی ذلک مصطفی غایة و نفر، و هرب منها هروبا خوف من سقر، و قال له أیها الشیخ اتّق اللّه فإنها لا تصلح إلّا لک دون غیرک، لشرف نسبک و علوّ همتک عند اللّه و خلقه و قبول کلمتک و ظهور سرّک و قوة علمک و کثرة خیرک، فأباها أیضا الشیخ المذکور، و قال إنی کبرت و لا أطیق علی النهوض فی القول المشهور، و إن کان غرضکم فی ابنی الحاج عبد القادر و قبلتموه فهو بین أیدیکم، و أنتم أعلم بأمورکم و بما من النار یفیدکم.
و انفصل المجلس فی تلک المرة من غیر اختیار، و ترک ذلک لوقت آخر بغایة الاختیار.

معرکة خنق النطاح الثانیة

ثم جمع الشیخ محی الدین جیش الحشم و بعثه لغزو وهران تحت رئاسة ابنه الأمیر السید الحاج عبد القادر، و معه فی الرفقة أخوه السید محمد سعید و ابنه السید أحمد ذو العز الوافر، و کان فی انتظار ذلک الجیش الشیخ السید عبد القادر بن زیان، و معه قبیل الغرابة و اجتمع المخزن علیهم بوهران بحیث جدّ الجمیع فی السّیر لیلا إلی أن أصبحوا بالمقابر بوهران، فکمنوا إلی أن خرج النصاری بمالهم للرعایة غفلة فلم یشعروا إلا و جیش المسلمین أخذ المال بأجمعه فعند ذلک خرج جیش النصاری و حصل المصاف بجنان بنی مزاب المفسر عنه بلغة النصاری بغابة عسة الأصنام، و اشتد القتال و عظم النّزال و قوی الحرب و کثر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 101
الطعن و الضرب و صار الناس فی الازدحام، ثم انحدر النصاری لناحیة خنق النّطاح، و المسلمون فی أثرهم یریدون نیل النجاح، فمات من جیش المسلمین فی الصدمة الأولی أربعة من الأعیان، أحدهم السید أحمد ولد سیدی محمد سعید المختاری بالاتقان، فتقدّم له عمّه الأمیر، حمله من بین الصفوف رغما علی أنف النصاری و هو فی الغیظ الکبیر، ثم تبارز الأمیر بعد ذلک مع أحد النصاری فضربه النصرانی بحربته لیده الیسری بوسط راحتها و لم تحصل للأمیر منها رعبة و لا حیاری، فجذبها قرنه و هم بضربه بها ثانیا، فاختطفها الأمیر فورا من یده و جاء بها لجیشه ساریا، و هو علی فرسه الأزرق، بعد ما قتل قرنه و ترک النصاری فی الوجل و الفلق، و دام القتال بین الفریقین و المسلمون فی غایة التقدم للقتال، و لیس فیهم متأخر عن الضرب و النّزال/ و تمادی الأمیر فی هجومه إلی أن وصل للحصن یرید الدخول، و رصاص الدولة یصبّ علیه کأنه المطر و هو تحته لا یشعر به رائما من مولاه الفوز و القبول، و انفصل القتال بینهما عشیة، و رجع کل لمحله و صارت نیة المسلمین خالصة قویة، و إنما تأخر سیدی محی الدین عن الحضور بهذه الواقعة لأمر عاقه عنها کالصاعقة، و کانت هذه الملحمة فی الحادی و الثلاثین من شهر أوت من السنة المسیحیة المقررة الموافق لجمادی الأولی من السنة الهجریة المحرّرة .
ثم غزاها المسلمون تحت رئاسة الأمیر قبل التولیة، و لیس معه الشیخان فی القولة الحولیة، و اجتمع لهذه الواقعة المخزن و غیره، و هم سائلون من اللّه فتحها فلم یتم لهم خیره، فحصل المصاف بینهما بالکرمة، و صار القتال العظیم و المدفع یصب علی المسلمین کأنّه المطر من برج الفرمة، و دخل النصاری الرعب العظیم، مما رأوا من القتال الجسیم، و کان ذلک فی شهر أکتبر (کذا) من المسیحیة المسطورة، المطابق لجمادی الثانیة من الهجریة المذکورة .
ثم غزاها الأمیر بجمیع المخزن و الحشم و غیرهم قبل تولیته أیضا یرومون
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 102
فتحها من اللّه تعالی و الاتمام لخیرهم نفلا و فرضا، فحصل المصاف بناحیة عسة سیدی شعبان، و کثر القتل و حمی الوطیس و ظهر الشجاع من الجبان و وقع بین الفریقین القتال العظیم، و افترق المسلمون علی وهران ما بین خنق النطاح و رأس العین و غیرهما من أرباضها بالتلتزیم، و جال الأمیر فی هذه الواقعة و صحبته الحاج المزاری بأرباض وهران إلی أن صعد لهیدور إلی أن حاذی المایدة بغایة الإتقان فقال المزاری فی الأمیر هذا هو الرجل الشجاع، و لا ریب أنه یکون منه ما یکون إن دام بهذا المصراع، و دام القتال الشدید الأکبر، بین الفریقین إلی أن مات تحت الأمیر فرسه الأشقر، و نادی جهرا للإعانة لما سقط بین الصفوف، فأنقذه الحشم فورا من ید العدّو و أتوه بفرس آخر فرکبه بین الصفوف، و تعجّب النصاری من فروسیته و شجاعته و بسالته و براعیته، و انفصل القتال بین الفریقین، و رجع کل لمحلّه بغیر المین، و إلی هاتین الواقعتین أشار السید الحاج عدة بن علی الشریف المذکور فی عروبیته بقوله:
أبدیت نشدی باسم الجلیل بالحاضرو الصلاة علی النبی بالسامعین
شفیعنا بکلتوم الصادق المنوّرو الرضی لأصحاب عشر الفایزین
بعد صلیت علی النبی نعود نشکرفی الفارسین الّی خلعو الکافرین
ابطال و کد خلّوا جیش العد مدمّرما یملوش الحرب لبدو العین
إلی آخر القصیدة.
و کانت هذه الواقعة فی حادی عشر نونبر (کذا) من العجمیة المسطورة، الموافق لعشرین رجب من العربیة المزبورة و إلی هؤلاء الوقائع (کذا) أشار الأمیر/ فی قصیدته الواویة التی من بحر الطویل بقوله:
و نحن سقینا البیض فی کل معرک‌دماء العدا لمّا وهت منهم القوی
ألم تر فی خنق النطاح نطاحناغداة التقینا کم شجاع لهم لوی
و کم هامة ذاک النهار قددتّهابحدّ حسامی و القنا طعنه شوی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 103 و أشقر تحتی کلّمته رماحهم‌ثمانا (کذا) و لم یشک الجوی بل و لا النوی
بیوم قضی نحب ابن أخی فارتقی إلی‌جنان له فیها نبیّ الرضی آوی
فما ارتدّ من وقع السّهام عنانه‌إلی أن أتاه الفوز رغما لمن عوی
و من بینهم حملته و هو قد قضی‌و کم رمیة کالنجم من أفقه تهوی
و یوم قضی تحتی جوادا برمیةو بی جمعوا لولا أولوا البأس و القوی
و أسیافنا قد جردت من جفونناو لا ردّ إلّا بعد ورد به الرّوی
و لمّا بدا قرنی بیمناه حربةو کفی بها نار من الکبش قد شوی
فأیقن أنی قابض الروح فانکفّایولّی فوافاه حسامی بما هوی
شددت علیهم شدة هاشمیةو قد وردوا ورد المنایا علی الغوی
نزلت ببرج العین نزلة ضیغم‌فزادوا بها حسرا و عمهم الجوی
و ما زلت أرمیهم بکل مهنّدو کل جواد همّه الکرّ لا الشوی
و ذا دأبنا فیه حیاة لدینناو روح جهاد بعد ما غصنه ذوی
جزی اللّه عنّا کلّ صقر مولّع‌من أهل غریس إذا أتان و ما انزوی
إلی آخر القصیدة، و انظرها إن شئت فی عقد الأجیاد و غیره و قال السید الحاج محمد بن الشریف المعسکری ثم الغربی دارا فی قصیدته جوهرة الرضا، التی هی من الطویل أیضا:
لقد بان فضله فی حال جهاده‌لمّا الأب غزی وهران فأسمع الخبر
بوهران دار الشرک جرّب جوبه‌فحلّ برأس العین ما له من مفر
رقی لهیدور حتی حاذا مائده‌و لم یخش مرجاج و ما به من ضرر
و کم له بخنق النطاح من کرّةو باعوجه 4 جراحات فابتدر
لنجل لصنو شاهد لمعرکةحیث لجنان الخلد کان به السّفر
فأخذه رغما لأنف عدوه‌و لم یخش مدفعا و لا رصاصا أضر
فیا له من بطل نهیک و باسل‌کمیّ و شهم و المقسّم و الذمر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 104 و عاد لقومه فی غایة عزّه‌بنصر من ربّه جلّا علا المقتدر
و صارت جمیع الناس تحک لحزمه‌و ضبطه ما رأوا من الضرب و الکرر

مبایعة الأمیر عبد القادر أمیرا للجهاد

/ و بسبب هذه الوقائع الجهادیة التی بانت فیها شجاعة الأمیر، و طار صیته و انتشر فی الآفاق بغایة التحریر، حصل الکلام مع الشیخ السید محی الدین والد الأمیر من الأمّة علی أن یکون هو الأمیر، فأبی ذلک و قال لهم علیکم بابننا الحاج عبد القادر فهو الموافق لکم فی أمرکم و هو الجدیر.
قال العلّامة شیخ شیخنا السید الحاج أحمد بن عبد الرحمان البوشیخی ثم الشقرانی، أسکنه اللّه بفضله دار التهانی، فی کتابه: القول الأوسط، فی بعض أخبار ما حلّ بالمغرب الأوسط، و لما یجدوا لذلک المنصب الجلیل، و المقام الجزیل، إلّا ذا النسب الطاهر، و الکمال الباهر، رایس الملة و الدین، القامع لأعداء اللّه الجاحدین، الفقیه البارع، المفضال الجامع، علّامة المحققین، و صدر الأفاضل المبرّزین المدققین، شیخ الطریقة، و إمام أهل الحقیقة، سلالة المختار، الحسنی السید الحاج محی الدین بن السید مصطفی بن المختار، لکونه أهلا لها و أصلح، و أولی بها و أنجح، فامتنع منها و فزع، و أعرض عنها و جزع و ما ذلک إلا لعظمتها عند اللّه و خطرها و شقوقها، و خوف الإفراط و التقصیر فی حقوقها، و أشار بها إلی ولده الأمجد، و طلعته الأسعد، بدیع زمانه، و أدیب عصره و أوانه، و أشجع وقته، و أفرس آنه العاری عن مقته، ذی المقدار النّامی، و المقام السّامی، ناصر الملة و الدین، المخلص فی أحواله لرب العالمین الإمام السید الحاج عبد القادر بن محی الدین، لکونه ذا حزم و شجاعة، و رأی و تدبیر و طاعة، فأذعنوا له و أنفذوا أمره، و أتهموا غرضه و أکملوا فخره، و عقد له البیعة أهل الحل و العقد من العلماء و الشرفاء و الأولیاء و الأعیان ففاز بها بحول اللّه و قوته علی غیره من الأقران.
و اختلف المؤرخون فی وقت إمارته علی أقوال، فقال بعضهم أنها وقعت
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 105
فی حکایته للأقوال، فی ثانی عشرین نونبر (کذا) سنة اثنین و ثلاثین و ثمانمائة و ألف، الموافق لسابع عشرین جمادی الثانیة سنة ثمان و أربعین و مائتین و ألف، و قال بعضهم أنها وقعت فی سابع أو ثامن العشرین دسانبر (کذا) من تلک السنة العجمیة، الموافق لثالث أو رابع شعبان من تلک السنة العربیة و قال آخر أنه تولی فی اثنین أو ثلاثة و ثلاثین و ثمانمائة و ألف الموافق لثمان أو تسع و أربعین و مائتین و ألف.
و قال غیره أنها کانت من عام اثنین و ثلاثین إلی أربعة و ثلاثین بإدخال الغایة من القرن التاسع عشر المسیحی، الموافق لعام ثمان و أربعین إلی خمسین بإدخال الغایة من القرن الثالث عشر الهجری الصریحی. و الصحیح أنه تولی یوم الأحد ثانی عشر رمضان سنة ثمان و أربعین و مائتین و ألف، الموافق لثالث فبری (کذا) سنة ثلاث و ثلاثین و ثمانمائة و ألف، ببطیحة من مزارع غریس یقال لها الدردارة فی المشتهر، محلّ وعدة رجال غریس من أحواز المعسکر و حضر لهذه البیعة من هو من أهل/ التجارب، والده العلامة السید الحاج محی الدین و عمّه السید علی أبو طالب، و القطب الربانی الغوث الصمدانی، أبو الفتوحات و المنازل، و الارتقاء إلی مشرب مناهل أهل اللّه الأفاضل کامل الذکاء و الدّهاء و القریحة، السید الأعرج بن محمد بن فریحة، و الولی الناسک الأشرف، السید محمد بن حواء بن یخلف، و حافظ العصر، و علامة الدهر، الملقب سقاط بالعادة و المعرفی السید محمد بن عبد اللّه سقاط بن الشیخ المشرفی و العلامة النحریر، السید أحمد ابن التهامی والد العلامة السید الحاج مصطفی بن التهامی صهر و خلیفة الأمیر، و العلامة الباری من المساوی، السید عبد الرحمن بن حسن الدحاوی، و العلامة الدراکة الشهیر، السید محمد بن آمنة بن عبد القادر بن دوخة العمراوی خال الأمیر، و العلامة ذو البال الصحیح، الفرغی، السید بالمختار بن عبد الرحمان الورغی، و العلامة ذو الرأی المتعاطی، السید محمد بن الثعالبی الزلماطی و غیرهم من السادات، و جملة الأعیان ما بین المخزن و غیره الذین قد جل عددهم عن الحصران، و کان أوّل من مدّ یده فبایعه من هؤلاء السادات السید
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 106
الأعرج بن محمد بن فریحة، من أولاد سیدی محمد بن یحیی مقرّی الجان ذکی القریحة، فأتبعه الناس علی ذلک و هم فی فرح و سرور بذلک.

الغمز و اللمز فی البیعة

و لمّا عقدوا له البیعة بالتغریس، قال بعض علماء و أولیاء اللّه بغریس، سبحان اللّه هذه البیعة لا یستقیم لصاحبها حال، و لا یهنأ له قرار و منال، و لا شفقة له و رحمة فی الأعیان و غیرهم من النساء و الرجال، و إنما هو سفاک للدماء، و لیس من السادات الرحماء، لکون أول من بایعه أسمه الأعرج و المحل المبایع فیه اسمه الدردارة، فلا ریب أنّ أیامه و أحکامه و أحواله عرجا و لا تستقیم و إنما تبقی مدردارة، و هلّا کان اسم و محل غیر هاذین، من الأسماء التی یکون بها التفاؤل و لا تدل علی الریب و البین.
قلت و کأنه أخذ فی فراسته من قضیة المبایعة للإمام سیدنا علی بن أبی طالب کرم اللّه وجهه و رضی عنه الذی هو لیث الکتائب، لأنه أوّل من بایعه سیدنا طلحة بن عبد اللّه، أحد العشرة رضی اللّه عنه و عنهم فإنه من ذوی الفضل و الجاه، و کانت یده قد شلّت فی قضیة أحد فیما اشتهر، فقال حبیب بن ذؤیب رضی اللّه عنه: إنا اللّه و إنا إلیه راجعون أوّل من بدأ بالبیعة ید شلا لا یتم هذا الأمر. و لمّا سمع الأمیر الراشدی تلک المقاتلة (کذا) أسرّها فی نفسه و أضمر الفتک بمن سیظفر به من علماء و أولیاء غریس، فکان بعد ذلک بینه و بینهم من العداوة الواضحة التغریس، و إلی کون وقائعه مع أبیه فی وهران، هی سبب تولیته أمیر بالمغرب الأوسط بغیر بهتان، أشار الأمیر فی قصیدته الواویة بقوله:
لذاک عروس الملک کانت خطیبتی‌کفجأة موسی بالنّبوءة فی طوی
و قد علمتنی خیر کف‌ء لوصلهاو کم ردّ عنها خاطب بالهوی هوی
/ فواصلتها بکرا لدی تبرّجت‌ولی أذعنت و المعتدی بالنوی نوی
و قال صاحب جوهرة الرّضی:
لذا انعقد الإجماع من آل راشدعلی بیعة الإمام فهو بها أجدر
فأوّل فاه صاح بالبیعة التی‌بدت سلیل النجادی أعرجها الأبر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 107 و أتبعه السادات فی محفل الرّضی‌فنادوا بأعلا الصوت إنک ذو نصر
هنیئا مریئا یا أمیر بلادنالک الطاعة الکبری لک العز و النصر
فأمر بما شئت و انه عمّا تریده‌فیحصل الامتثال بلا ریب لا وزر
فکل الذی یطیع یدرک ما یرضی‌و کل الذی یعصی یحلّ به المکر
فأنت الأمیر الراشدی لک العلاو أنت الذی حقا قد ابنا بک الجفر
و فی بکّه (کذا) المشرّفة و بغدادقیل لأبیک هذا لا شک ینتصر
و أنت فی محفل الفضلاء جالس‌مع الأب حیث قیل ما قیل فافتخر

الأمیر یطلب من مصطفی بن إسماعیل المبایعة

و قد حجّ الأمیر فی صغره مع والده مرتین، و حفظ القرآن فکان یقرأه علی ظهر قلب بلا مین، و کان له تدبیر حسن و شجاعة باشتهار، لکنه فی نفسه جنة و حوائطه نار، و صارت سیرته عند من أطاعه حسنة، و أحواله عندهم مستحسنة، و سمّه (کذا) أهل غریس بالسلطان، و سمّاه المخزن بولد المرابط محی الدین کثیر الإحسان.
و لمّا انعقدت له البیعة خاطب مصطفی بن إسماعیل بمخزنه بالإذعان له بالطاعة، و الدخول تحت حکمه لیکون واحدا من الجماعة، فأبی ابتداء و لبّ ثانیا لمّا رأی الناس بایعته جهارا، و قال امتناعنا لیس فعلا مختارا، مع قول أخیه الحاج بالحضری و ابن أخیه الحاج المزاری و أخیه لأمّه محمد ولد قادی له، إنّ امتناعنا یلحقنا منه لوم کثیر من الحاضر و البادی، فتوجّه الحاج بالحضری و المختار ولد عدّة له بخیول القادة و السّلاح و العبید و الهدایا، و هم فی فرح و سرور باجتماع الکلمة فی الأواسط و الزوایا، فولی من حینه الحاج بالحضری آغة علی المخزن و هو الدوائر و الزمالة و الغرابة و البرجیة، و ولّی المختار قائدا علی الدوائر فی القولة المرجیة، و أمر الحاج بالحضری بالسکنی بالمعسکر، کما هی العادة فسکنها ممتثلا للأمر.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 108

شروع الأمیر فی الجهاد و حروبه حول وهران‌

قال، ثم خرج الأمیر بعد أیام بجیشه للناحیة الشرقیة للتدویخ، فنزل بمینا و خلّف علیه السید محمد الأحمر ولد سیدی عریبی روما للتصریخ، ثم رجع مغربا فنزل ببلاد البرجیة، و الناس معه فی غایة الأحوال المرضیة، ثم ارتحل و نزل ببلاد الغرابة، و زاد لرزیو فقبض علی قاضیها العلامة السید أحمد بن الطاهر بإغراء الحبیب أبی علام و أتی به مکبّلا علی حالة الاستغرابة، فسجنه بالمعسکر ثم قلع عینیه معا بالشیبر، فهو أوّل من قتله من الرعیة و الحکم للّه/ الواحد القدیر.
ثم صارت الناس تأتی له أفواجا أفواجا بقصد الإذعان إلی أن تم أمره و زاد فی الظهر و الإعلان.
و لمّا تولی الجنرال دسمشال (کذا) بوهران فی رابع عشرین إبریل سنة ثلاث و ثلاثین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة ثمان و أربعین و مائتین و ألف، غزی علی (کذا) دوار السید قدور الدبی الغربی و هو نازل بموسی الطویل بإزاء سیدی الترکی من مزارع تلیلات علی مسافة الثمانیة و العشرین کیل میتر (کذا) من وهران و ذلک فی ثامن مای من السنة المذکورة الموافق للسابع عشر من ذی الحجة من السنة العربیة المسطورة، فقتله و زوجه عائشة و ثمانیة عشر نسمة من دواره و غنم غنیمة کبیرة، و حصل بینه و بین المسلمین قتال شدید فاز فیه بالشهادة رجال من الغرابة لکونها مقتلة کثیرة.
ثم توجّه الأمیر لمّا سمع بذلک بجیشه مخزنا و غیره لوهران، فحلّ بها و قاتل العدوّ فی الثلاثة الأیام المتتابعة فی الزمان، و هی الخامس و السادس و السابع و العشرین من مای من السنة المذکورة، الموافق لسادس المحرم فاتح تسع و أربعین من العربیة المسطورة، و کان المصاف بعسة الأصنام و هی جنان بنی مزاب من خنق النطاح، فأحاط الأمیر بها و نال منها نیلا جلیلا لکون القتال الصادر من جیشه کان بالقلب و النیة الخالصة فأظهر من الشجاعة ما دل علی الفوز و نیل النجاح.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 109
ثم جاء الأمیر بجیشه غازیا علی وهران، و انقسم الجیش علی محلتین أحدهما (کذا) بالکرمة تحت رئاسة الأمیر بغایة الاتقان، و الأخری بمسرقین تحت رئاسة مصطفی بن إسماعیل، و وقع القتال الشدید و بانت فیه مقاومة العدوّ للأمیر بغایة التأویل.
و کان والد الأمیر السید محی الدین حاضرا فی غایة المرض مظهرا للتجلد و القوة، و متوکلا علی من به الحول و القوة، و قد مات من البرجیة بمسرقین الشجاع أبو نواشة، و غیره فضلا عمّن انجرح من الأعیان الذین لهم طواشة، فبینما الناس فی ذلک الحال و إذا ببنی عامر من جملتهم بنی مطهر، غاروا علی إبل الدوائر و أخذوها بإغراء الحشم فیما اشتهر، و لمّا سمع الدوائر (کذا) بذلک، رفعوا أمرهم للأمیر بمحضر والده الناسک، فقال لهم سیدی محی الدین علیکم بهم لطغیانهم و تعدیهم و أنا ضامن لکم علیهم النصر، و الغنیمة و الظفر، و قال لولده الأمیر، إیاک أن تنزع المخزن من یدک فإن نزعته فأنت الحقیر، و قال للدوائر إننی ذاهب لتلمسان لأزور ثم ارجع للمعسکر، و إن زاد اللّه فی عمری علی ما رأیت فلأقطعن لبنی عامر و غیرهم الأثر، ثم التفت لولده الأمیر و قال له یا عبد القادر إیاک أن یغرک الزمان، فتنزع من یدک جنود النحل و تمسک جنود الذّبّانّ، فمات رحمه اللّه بتلمسان فی شعبان من السنة المذکورة قبل إتمام ما تمنّاه جعل اللّه الجنة منزله و مأویه (کذا) و أوسع ضریحه، و أسکنه بحبوع الجنة فی غایة فسیحه.
ثم غاز (کذا) المخزن بأجمعه/ علی بنی عامر فألفوهم بالسبخة، التی وقعت فیها المکافحة بالرضخة، فأخذوا منهم الإبل، و ذهب بنوا عامر، بعد أن مات من الفریقین من تمّ أجله القاصر، و انجرح کذلک من الأعیان و غیرهم و تمادی المخزن مع الأمیر، ماشیا إلی أن وصل للمعسکر بالتحریر، و رجعوا لمّا أمرهم بالرجوع، و استقر هو بالمعسکر و مهمی أراد شیئا إلا کان عنده المخزن قبل جملة النجوع.
ثم أمر الأمیر الناس بإعطاء الزکوة (کذا) و العشور المأمورین شرعا بإخراجه و جمعه بمحل معیّن لتعمر بیت المال بإدراجه، فأبی بنوا عامر بین سائر الناس
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 110
من ذلک، فأمر الأمیر مصطفی بن إسماعیل علی ید آغة الحاج بالحضری بمقاتلتهم بمخزنه و لا یدعهم إلا بدفع ذلک، فقاتلهم مصطفی بالمخزن شدیدا، و قاهرهم عنیدا، و لازمهم إلی أن أدوا ما وجب علیهم من الزکوة (کذا) و العشور، و أذعنوا بالطاعة و أبوا من النفور، و اشتکوا للأمیر بأن یأمر المخزن بترک قتالهم، فکاتب المخزن بما یظهر منه الغضب علی قتالهم.
قال: و فی رابع جلیت (کذا) سنة ثلاث و ثلاثین و ثمانمائة و ألف، الموافق لرابع عشر صفر من سنة تسع و خمسین و مائتین و ألف، ظفر الجنرال دسمشال (کذا) بمرسی رزیو عنوة، و منها رکب لمستغانیم فظفر بها أیضا عنوة، و ذلک فی ثلاثین جلیت من العام المذکور، الموافق لحادی عشر ربیع الأول من العام المزبور ، و ألفی بها إبراهیم أبا شناق کبیرا فولاه علیها لإزالة کل شقاق.
و فی خامس أوت من تلک السنة الموافق لسابع عشر ربیع المذکور بعامه هجم المخزن علی وهران إلی أن لحقوا بسورها، و قتلوا کمنادرها (کذا) بلیسا و تمادوا علی حصورها (کذا)، و بها الجنرال فتاس جاص و صار النصاری یسئلون (کذا) النجاة و الخلاص.
ثم فی تلک الأیام غزی الکولونیل لتاف علی (کذا) الزمالة بوادی التافراوی، و هو دوار آغة الحاج المرسلی نازلا بأبی ستار فألفاهم متأهبین لقتاله بضعیفهم و القاوی، فکان القتال شدیدا، و رجع العدو خائبا لا یرید مزیدا، و قد مات لمحمد ولد قادی فرسه و انجرح عدة أناس، فضلا عن الذی مات باحتراس، و رجع الکلونیل لمستغانیم فغزاه الأمیر بجیشه و هو بمزغران، فکان القتال شدیدا مات به جملة من الأعیان، ثم جاءت شرذمة من افرانسا و ذهبت
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 111
لمسرقین، و دخلتها مسایفة بحسب التمکین و ذلک فی ثامن أکتبر (کذا) من السنة المقررة، ثم غزی النصاری دوار الشمالیل من الزمالة بأسفل الشواکی فلم یحصلوا علی طایل و ذلک فی ثالث دسانبر (کذا) من السنة المحرّرة، و قد کان القتال کثیرا، و النزال عسیرا.

قضیة الشیخ بالغماری و بنی عامر

و لمّا دخل الشیخ بالغماری المسمّی بزلبون رایس (کذا) انقاد تحت الطاعة و حصل منه الإذعان، الذی هو سبب العداوة بین الأمیر و المخزن فی الزمان و المکان، و أحسن الأمیر مثواه فی السر و الإعلان طلب من الأمیر فی أثناء الکلام أن یأذن له بالنزول فی التل بالقولة المدیمة خشیة من بنی/ عامر لما بینهما من العداوة القدیمة، و أن یکون محاذیا بنزوله للدوائر و الزمالة و أن یکاتب الدوائر، و یوصی کبراءهم علیه لیکونوا منه ببال فی الجایل و الغائر، یحمونه من أعدائه بغیر ملتغی، فأجابه لذلک و کاتب الدوائر لکن حکمه و قتذاک لیس بنافذ کما یبتغی، و لما دخل انقاد فی حمایة الدوائر، رأوا فی حال ارتحالهم اجتماع بنی عامر فأعلموا بذلک مصطفی بن إسماعیل و غیره من أعیان الدوائر، و قالوا لهم ما نظن فی اجتماعهم خیرا، و إذ رأینا ما یدل علی الحرکة نجحوا (کذا) نحوکم للتعضد نفعا لا ضیرا، فأجابهم مصطفی بمن معه من الأعیان بما یسرهم و أنهم لا خشیة علیهم من السر و الإعلان.
و صارت الأخبار عند ذلک خارجة و داخلة و الآذان لها صاغیة، بأن الأمیر یرید غزو البرجیة و الزمالة و الدوائر فیبدأ بالبرجیة ثم الزمالة ثم الدوائر لأن جمیعهم فرقة باغیة، أو یعکس الأمر علی ما أراده باختیاره من الأحوال، و کثر عند ذلک القیل و القال، و أوقد النار بین المخزن و الأمیر شیاطین الأنس و الجن، و تغیرت الأحوال و سی‌ء الظن.
هذا و أنّ الشیخ بالغماری لا زال بالمعسکر جالسا عند الأمیر، فزحف بنوا عامر بإغراء الحشم أیضا لقتال أنقاد بالکبیر و الصغیر، و أعان المخزن أنقاد للعهد و الرعایة لما به کاتبهم الأمیر، تکون طاعته مطلوبة و هو الذی أمر بالذب عن
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 112
العزیز و الحقیر، و حصل المصاف بینهما بمحل من بلاد بنی عامر یقال له قرقر، انجلا (کذا) فیه الأمر بقتل الحاج المزاری لأبی شویشة ولد العسری رایسهم (کذا) فیما هو مشتهر، بعد تجاولهما فی السروج، و روم أبی شویشة اقتلاع الحاج المزاری من سرجه و کل منهما کأنّه الأسد الهیوج، فاستخرج الحاج المزاری بشطولة (کذا) من حزامه و ضرب بها أبا شویشة فترکه یتشحط فی دمه، و انجرح بالحاج المزاری فرسه و جاء به بلا ندمه.
و لمّا سمع الشیخ بالغماری بالواقعة قال للأمیر قد ظهر ما قلته لک فی بنی عامر و سأل منه التسریح، فجاء صحبة آغة الحاج بالحضری فی القول الصحیح، و ألفی ابنه و ابن أخیه قد ماتا فی تلک الواقعة، کما مات البعض من الدوائر و الخلق الکثیر من أنقاد بنزول الصاعقة، فمنها بنوا عامر رجعوا لمحلهم منهزمین بکلهم لا ببعضهم، و منها الدوائر و أنقاد خیّموا علی حالهم بأرضهم.
ثم وقع قتال آخر بین الدوائر و أنقاد و بین بنی عامر بجمیع أحلافهم و أجنادهم، فانهزم فیه بنوا عامر و أطردوا من بلادهم، حتی أن کبیرهم الزین بن عودة نهبت محلته، و حل فی الغضب و سلبت حلته، فذهب بنوا عامر للحشم و استنجدوهم بالمال الکثیر، و سألوا منهم أن یقولوا فورا للأمیر، أن الدوائر، و من انخرط معهم فی عقد السلک، إن لم یبادرهم بالغزو و تشتیت الشمل لا محالة یتغوّلون علیه و ینتزعون من یده الملک، و أنهم قد ارتبطوا بأهل سیق و هبرة و مینا و شلف و تیارت، و راموا تشتیت شمله و التوصل لملکه بالقول الثابت.
/ و لما قال الحشم ذلک للأمیر، رسخ ذلک بباله وظن صحته و نسی وصیة والده و لم یدر ما یفعله الشیطان العدوّ من التنفیر، و بعث مکاتبه للنواحی الغربیة ذات الغوغاء و الصیاح، مثل و لهاصة، و نزارة، و الغسل، و مدیونة، و أولاد ریاح، قائلا لهم اعلموا أنی فی یوم کذا اغزو الدوائر و الزمالة و أنقاد، ثم أعود للبرجیة و بطیوه فکونوا أمامهم و أنا خلفهم لأمحو أثرهم من الأرض و أقطع ذکرهم من البلاد و أریح منهم العباد، فإنهم کأصحاب مینا و شلف لا زالوا علی سلف الترک سالکین، و للمشی فی سبیلنا تارکین.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 113

محاولة مصطفی بن إسماعیل الدخول تحت طاعة الفرنسیس‌

و کان فی تلک الأقوام المکتوب لهم صدیق لمصطفی بن إسماعیل، فأطلعه علی ما فی مکتوب الأمیر و أنذره بالتأویل، و لما تحقق مصطفی بذلک أخبر مخزنه و ذهب فورا للجنرال دسمشال(DES MICHEL) و سأل منه الدخول تحت الدولة و یکفیه أمر الأمیر بکل حال، فأبی ذلک و حصل بین المخزن و الدولة المقاتلة الفادحة بمسرقین، و حیث تحقق مصطفی بأنه سدت علیه الأبواب البحریة التجأ للناحیة الغربیة و رام الدخول فی طاعة سلطان الغرب بالترقین، و أمر الدوائر و الزمالة و أهل أنقاد بالانتقال للنواحی الغربیة للصیانة و الحمایة بالعنایة، فجدوا السیر بالیل (کذا) و النهار إلی أن نزلوا أسفل تلمسان بالحنایة، و فیها لحقهم الأمیر بجیوشه صباحا، و طعن بعض الدواویر و الزغاریت علیه باختلاف ألحانها من نساء تلک الدواویر صیاحا، فرحا به وظنا منهم أنه لم یرد شیئا من الشرور، و هم معه فی غایة الفرح و السرور و الأعیان فی بعد منه بجیشهم و بأیدیهم خیول القادة، ینتظرون ما یکون به الحال مصاحبین لسلاحهم من البنادق و البشاطیل (کذا) و السیوف اللامعة الصقیلة الهندیة الوقّادة، فابتدأهم الأمیر من قلّة عقله بالحرب، و لم یترقب العواقب فعوّلت لذلک الشجعان علی الطعن و الضرب، و اشتد الحرب و حمی الوطیس، و غاب الحاجز و قوی الحسّ و الحسیس، و ذهب المسامر و الأنیس المنادم و صاحب الجلوس، و دارت رحا (کذا) الحرب و شعلت نارها فوق الرؤوس، فلم یک (کذا) غیر ساعة إلا و انتصروا علیه و هزموه هزیمة شنیعة، و هجم علیه مصطفی فی خمسین فارسا شجاعا إلی أن أنقله من محلّه الثابت به و غنم المخزن منه الغنیمة العظیمة سریعة، و ضربه الشجاع الحاج محمد ولد عبد اللّه بن الشریف الکرطی التلاوی ملامسة بمکحلته فأتت رصاصتها فی فرسه فسقط میتا، و فرّ الأمیر راجلا و لو لا مبادرة جیشه إلیه و إردافهم إیاه خلف فارس لحصل الظفر به حیا کان أو میتا.
و حدّثنی بعض من حضر للواقعة أن ابن عمّه سی المولود بو طالب کان واقعا علی رأسه فقال لخزناجیه سی بن عبّ انزل علی فرسک و ارکب علیه
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 114
الأمیر، فأجابه بقوله لا أنزل لأنه یوم عسیر، و إن أراد النجاة فلیشتری فرسا بخلخال أختک زوجه کما فعلته فی القول الجدیر، فغضب/ لذلک سی المولود و ضربه ببشطوله (کذا) فأتته رصاصته بین الخدّین، و ذهبت للأنف فصار خنّا بغیر المین، ثم فرّ الأمیر بقیة یومه و نزل بوادی سکّاک و هو أبو جرّار، و قال له قدّور بالمخفی انظر أیها الأمیر لرأی الحشم و بنی عامر أصحاب الخداع و جر الهزائم علی الملوک فی السر و الإجهار، إلی أین أوصلک بجیشک حتی هزمنا بالتحقیق، کیف بک تغزی الدوائر و الزمالة و قد أوصاک أبوک علی المخزن بوصیة التوفیق، ألم تعلم یا سیدنا إن خمسة أعراش یکون الغزو بهم لا علیهم، و هم الدوائر و الزمالة و الغرابة و البرجیة و المکاحلیة و ما من أولاد سیدی عریبی قد انضاف إلیهم لأنهم المخزن الحقیقی و غیرهم أتباع لهم فی القولة الشریفة، فالأربعة الأولی مخزن البای و الخامس مخزن الخلیفة، هذا هو الترتیب فی دولة الأتراک.

قبائل المخزن و أوصافهم‌

و المخزن هم الأعیان بالإجماع، و استقامة الملک إنما تکون بالمخزن الأعیان لا بالأتباع، و هل سمعت أحدا من الملوک السالفة، غزی هؤلاء الأعراش قط و من لهم فی الحالفة، و لو أعلمتنا أوّلا أنک ترید الغزو علی أخوتنا، لقلنا لک ما هو صادر فی قولتنا، و ترانا قد مات منّا معک جل أعیاننا منهم الفارس الذی لا ینزل ساحته ضیم و لا کشف یبغی، و هو الشجاع الکرار الشریف الحسنی الزیانی محمد ولد القاید البشیر بن یخلف البلغی، فقال من حضر بالمجلس من الحشم و بنی عامر للأمیر، و هم من کلام بالمخفی فی الغیظ الکبیر یا سیدنا لا تسمع لکلام قدور، و لا تلتفت إلیه لا فی السر و لا الجهور، لأنک خبیر بأنّ البرجیة یحبون الدوائر و ینعرون علیهم، کما أن الدوائر کذلک لا یحبون علیهم، لکونهم أخوة من العهد القدیم، و وجاق واحد نعرة لبعضهم بعض فی الجدید و القدیم، فاجذبهم الأمیر مع ما فیه من الغیظ أیها الناس إن کان هؤلاء إخوة لبعضهم بعض فهم لنا أیضا إخوة، و منا و إلینا و ذاتنا و قرابتنا فهم لنا و نحن لهم أسوة، و قد أوصانی والدی کما قال قدّور علیهما و الغرابة و سائر المخزن عیانا، فکفوا عن کلامکم و لا تعیده (کذا) لنا لأن رأیکم قد أفسد علینا دیننا و دنیانا، ثم قال لهم
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 115
قدّور یا هؤلاء إن کلام العرب المقول فی الأعراش هو الفرق بین أهل الجودة و الرداءة و الشجاعة و الجبانة و النصیحة و الأغشاش، فقالوا ما هذا الکلام، کأنهم لا علم لهم به فی کل محفل و مقام، فقال: قد قالت العرب فی الدوائر، من کان له فی الإعانة الدوائر، فلا یخشی من صولة الماشی و لا الطّایر، و لا یطیق علیه السایر و لا الغایر، و قالت فی الزمالة من کانت أعانته الزمالة، حصل منه لأعدائه النکالة، و لا یخاف من القاطن و لا الجوالة. و قالت فی الغرابة من کان صدیقه الغرابة، زالت عنه النکایة و الکرابة، و وقعت منه لأعدائه الأمور العطابة. و قالت فی البرجیة من کانت حمایته البرجیة، حلّت به الأشیاء المنجیة، و لا یخشی الأضرار القولیة و الفعلیة. و قالت فی مجاهر من کان عونه مجاهر، نال الذی یبتغی من المسافر و الحاضر، و أطرد عن نفسه المذمة فی المناقر/ فهم أهل النجدة و النعرة و ما به اتضاح الأمر، فکل من جاء منهم فإنه علی فرسه یهر.
و قالت فی المکاحلیة من کان فی رفقته نجع المکاحلیة، فإنه لا یری الأضرار المواحلیة، و ساکنهم فی الأمان بغایة الفلاحیة. و قالت فی صبیح من کانت نعرته بعرش صبیح، نال السرور و الرفعة و قهر عدوّه ببارود الفیح. و قالت فی عکرمة من کان فی حلافة عکرمة، أطرد عن نفسه کل مذلة و مذمّة. و قالت فی بنی شقران من کان فی ذمة بنی شقران، فقد نال کل ما کان لأنهم قبیل العز و الأمان، و المنتصر بهم لا یخشی الهوان.

أوصاف قبائل الحشم و الأحرار و بنی عامر

و قالت فی الحشم: الحشم أهل الظلم و المکر و الشتم، فالحشمی ینکرک، و عوده یعرفک و هو لا یعرفک، إن أمّنته خدعک، و إن آویته صدعک، لسانه فی الشر موافق لقلبه، و هو یعبد فی الطاعة من ربه، و یؤذی من ظفر به و لو ولد صلبه، شأنهم البخل و الجبانة، و المکر و الظلم و الخیانة، و قال فیهم سیدی أبو زید التجینی صاحب الفج بمینا الکلخ و الحشم، و الحمری و الدسم، و البخل و الذم، و اللّه لا رجع أبو زید أبدا إلی، ثمّ، و قال أیضا حشم الدشیش، أهل البغض و العشیش، و الخداع لأهل الصلاح و الریش، لا یصدر منهم إلا الدفیش، و محبتهم للطمع کمحبة دوابهم للحشیش. و قالت فی الأحرار، الأحرار هم
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 116
الأقشار، لا یلادیهم ملاد فی الکفاح و الجود و الأصعار، نصرتهم کاملة، و نعرتهم للخیر شاملة. و قالت فی عرب أنقاد من کان فی نعرته أنقاد، نال الذی أحبّ و بلغ المراد، و قالت فی بنی عامر بنوا عامر هم بنوا دامر، أهل الخدیعة الکثیرة و فعل المناکر، و جرّ الهزیمة علی الملک و لو کان هو الطایر، ربّلین (کذا) البقرات بادئین العورات، هاتکین الحرمات، داخلین الظلمات، لا یحصل منهم فرق بین ما فیه النفع و ما فیه المضرّات، و یفرحون بفعل ما فیه المعرّات، أشجعهم الأعور، و مدبرهم الأجهر، و جوادهم الأکول الأحقر، ألم تعلموا یا هؤلاء إن کل دولة سورها الحصین المخصوص هو المخزن لأنه بنیانها المرصوص، و أنتم دائما شأنکم الخلاط، و حرفتکم الخدیعة و العیاط، و فی القتال من شدة الخوف یکثر فیکم الهروب و الضراط فالمخزن هو المخزن، و به تعز الدولة أو تهن (کذا)، و یقوی ساعدها أو یوهن، فتبسّم الأمیر من قوله ضاحکا، و قبل کلامه و صار لکلام غیره تارکا، و انفصل المجلس فی الساعة و الحین، و صار الحشم و بنوا عامر یدبرون الحیلة لإیقاع قدور بالصحراوی و قدور بالمخفی فی شبکة التخزین.

الحرب بین الأمیر و قبائل المخزن‌

قال ثم أن الأمیر بدا له أن یهجم لیلا علی المخزن، و المخزن بدا لهم فی الهجوم لیلا علی الأمیر، و صار کل یترقب وقت الحاجة لاغتنام الفرصة و نیل التیسیر و لمّا جنّ الیل (کذا) جدّد الدوائر و الزمالة الغارة علی محلة الأمیر بغتة و داموا علی ضرب البارود برصاصه و السیف إلی أن غنموا أخبیته و أثاثه و ما فیها من الأثقال، و ألویته و طبوله و دوابّه و فرّ هاربا بنفسه کواحد من جیشه سائلا/ للنجاة من القتال، مستمرا فی هروبه إلی أن بات لیلته بمکرّة و ألفی الضدّ الکلام مع الأمیر، و قالوا له انظر لکلام البرجیة کیف أوصلک إلی هذا الأمر العسیر، فأخذ بقولهم و سجن قدورین مدة ثم سرّحهما لما زال غضبه، و حلّ به سروره و طربه، و إلی هذه الواقعة أشار قدور بالصحراوی البرجی ثم النقایبی بقوله فی عروبیته:
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 117 ما شفنا سلطان جاما لزوایاما شفنا حضری اتقید
هلّکها زلبون باتت داویاعشت فی مکرا اتورّد
إلی آخرها و قال أیضا فی أخری:
امحلّت الروین قعدت بأوتاقهاو سبابها المخزن و عرب زلبون
بین الخدودسی بن عبّ ممکون و لم تحضرنی واحدة منهما.

مصطفی بن إسماعیل یسعی للخضوع للفرنسیس و یفشل‌

ثم أنّ الأمیر لمّا رجع للمعسکر، بعث مصطفی بن إسماعیل للجنرال (کذا) دسمشال (دیمیشال) بوهران، یخبره بأن العداوة قد تمت بین المخزن و الأمیر و أنهم یریدون الدخول فی حمایة الدولة بغایة الإذعان، و بنفس وصول رسل مصطفی للجنرال سجنهم و ظن أن ذلک مکیدة من المسلمین، لیستعین به علی مقاومة المخزن بغایة التمکین، و لما اتضح الأمر بعد ذلک حصلت للدولة الندامة، لما لم تقبل المخزن من أول وهلة إلی أن قامت القیامة، و کانت هذه الواقعة فی عام ثلاثة و ثلاثین و ثمانمائة و ألف، الموافق لعام تسع و أربعین و مائتین و ألف.
و لما رجع الأمیر للمعسکر بقی أیاما و غزی وهران، فکمن الجیش بضایة المرسلی و تقدموا للدار البیضا (کذا) فأفسدوها کثیرا و کان القتال بین السرسور و العرب فی غایة ما کان، و قال بعضهم إن تلک المعرکة کانت بین الغرابة وحدهم، و بعد ذلک الأمیر أمدّهم، و ذلک فی سادس جانفی سنة أربع و ثلاثین و ثمانمائة و ألف الموافق للتاسع و الأربعین و مائتین و ألف .
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 118

قبائل المخزن تسعی للخضوع لسلطان المغرب الأقصی‌

و لمّا انفصل المخزن من المقاتلة مع الأمیر بالحنایة، ذهبوا مغربین و أرسلوا رسلهم لمولای عبد الرحمان سلطان المغرب فأمرهم بالمکث ببلادهم و هو یمدهم بما تکون لهم به العنایة، ففهم مصطفی بأن تلک مکیدة من سلطان المغرب لیکون ناجیا من الکلام، و أنه یروم الصلح بین الفریقین بما یزیل للخصام، فبقی فی الحدود نازلا، و للکواعب حائزا و بازلا.
ثم خرج الأمیر حارکا بجیشه علی وهران، و وقع بینه و بین الدولة شدید القتال بتمزوغة یشیب له الرضیع فی وقت الآمان، ثم اصطلح مع الدولة علی مدة علی ید جنرال وهران، و هو دسمشال علی أن لا یتعرض واحد منهما للآخر بشی‌ء من الحرب، و تمد الدولة الأمیر بما یحتاج إلیه من آلة الحرب، و هو یمدها بما یحتاج إلیه الجیش/، و لا یکون بینهما لغوب و لا طیش، و بعث الأمیر من عنده رهینا سفیرا یقال له بن یخ (کذا) یمکث مدة الصلح بوهران، و بعثت الدولة رهینا سفیرا من الممالک القدم یقال له دسبون و تسمیه العرب عبد اللّه اکمادار (کذا) یمکث بالمعسکر مدة الصلح بلا توان، و ذلک سادس عشرین فبری (کذا) سنة أربع و ثلاثین و ثمانمائة و ألف، الموافق لخامس عشرین شوال و قیل رابع عشر ذی القعدة سنة تسع و خمسین و مائتین و ألف و لمّا تم الصلح قال الجنرال لرسول الأمیر سلم علی سیدک من عندی و قل له ینظم جیشه من العسکر و الخیالة و لا یتکل علی المطاوعة فإنهم بمثابة النخالة، لأنه لا طاقة له علی مقاومة المخزن إلّا بهذا المطلوب، و إلّا فلیترک محاربته من المخزن لأن شکوته صعیبة لقیامهم علی البارود، و معرفتهم بمکائد الحروب، فلذلک شرع الأمیر فی تنظیم الجیش من العسکر و الخیالة، و عمل بأمر الجنرال دسمشال بغیر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 119
المحالة، لما رأی شوکة المخزن عظیمة، و مقاومته لم یکن له علیها طاقة لکونها جسیمة، فنظم جیشه من الرّکاب و المشات (کذا) و لم یتکل علی المطاوعة فإنهم ما بین الطاعة و العصاة، إن رأوا فیه الفرصة اغتنموها، و إن رأوها له من فورهم احتکموها، سیما القوم الضالة و هم الحشم و بنوا عامر، فإنهم کالمنسج منهم الحائر و النایر.

الأمیر یصطدم بالدوائر و الزمالة

و لمّا جمع عنده ما أحبّ من العسکر، و تیقن فی نفسه أن یکون له به الظفر فی الکر و المفر، سأل من البرجیة الغزو معه أیضا علی الدوایر فأبوا و قالوا له لا یحصل منا ذلک و لو آل أمرنا إلی سکنا المقابر، و لنا خبرة بأنک تحب مقاتلتنا طاعة منک للحشم و بنی عامر، فافعل ما شئت و ما ظهر لک فیه بادر، فجمع جیشا من الحشم و الغرابة و بنی شقران و بنی عامر و عسکره و غزاهم، فقاوموه شدیدا مدة من أیام بعد أن أتوه بالقادة فرغب عنها و بالقتال جزاهم، و کان لهم الظفر به لولا جر الهزیمة الواقعة من أهل الجهة الشرقیة، و هم الذین فی طاعة ولد سیدی عریبی فحلت الهزیمة بالجمیع فی غایة الترقیة، ثم کرّ البرجیة فی آخر النهار لقتاله، و دام الحرب فجرّ الشراقة الهزیمة أیضا فانجلا أهل البرج منه و أضرمه نارا و تکرر منه ضرب المدفع فی حال قتاله، و غنم البرج و فرّ أهله لناحیة القلعة، فاتبعهم بها و فروا لرؤوس الجبال الشاهقة و الغیب المانعة فاستخلصوا منه و هم فی الولعة، ثم زادوا لمینا و بها نزلوا، إلی أن أذعنوا له باختیارهم و بالطاعة جزلوا.
و لما تمّ أمره و رأی نفسه أنه اشتد بالإقامة، زحف للدوایر و الزمالة و هم ما بین تافتة و واد الزیتون بالمقامة، و نزل بمحلته فی سیدی أبی الأنوار، و حصل المصاف بملتقی الوادین بموضع یقال له المهراز بالاشتهار و غرض الأمیر أن یخلف یوم الحنایة/ و لیلة سکّاک، و لم یدر أنّ اللّه فعّال لما یرید من غیر شرّاک، فدارت رحا الحرب بین الفریقین و حمی الوطیس، و اشتعلت النار و فقد الأنیس، و دام القتال من أول النهار إلی العشیة، و قد انجرح فیه الأعیان من البحایثیة، فمنها مصطفی بن إسماعیل من کلتا یدیه بلا نزاع، أحدها فی الأصبع و الأخری
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 120
فی الذراع، و أصیب فی ثیابه بما یزید علی السبع رصاصات، و أنجاه اللّه فی ذلک الیوم من الممات، کما انجرح الحاج المزاری محمد ولد قادی، و کذلک انجرح إسماعیل ولد قادی، و غیرهم من الأعیان، و مات نحو الثلاثین نفرا منهم بالعیان، و مات من جیش الأمیر العدد الکثیر، و انجرح ما لا یضبطه العدّ بالتحریر، و کان یرکب من الدوائر ستة عشر مائة، و یرکب من الزمالة ثمانمائة.
و یحکی أن الحاج المزاری لمّا تألم و هو محمول بالجراح، نزل بقرب المعرکة طالبا للاستراح، فقیل له ارکب و بعّد (کذا) من العدوّ فإنک منه لقریب، فقال إن کان عمی مصطفی حیا فلا أخشی لا من العدو البعید و لا القریب، و کلامه یدل علی أن عمه بلغ النهایة فی الشجاعة و البسالة و البراعة.

الأمیر یطلب الصلح مع الدوایر و الزمالة

و لما رأی الأمیر هذه الواقعة بالمهراز، و أنه مع کثرة جیشه لم یجد لهم سبیلا للانتهاز، آل إلی الصلح و بعث رسولین أصلهما من الدوائر، لأعیان المخزن یرغبهم فی الصلح المأمور به شرعا و الکف عن القتال المحرّم شرعا المفضی بالفناء للرجال من الفریقین بسجال القتال و إدارة الدوائر، قائلا لهم نحن إخوة فی الإسلام بغیر المین، و السلم بیننا أولی من إهراق دماء المسلمین من الجانبین، لأنه وصف ذمیم لا یحبه اللّه و لا رسوله، فمنی الایجاب و منکم قبوله، فامتثل لهذا الکلام مصطفی بن إسماعیل و الحاج بالحضری و الحاج المزاری و محمد ولد قادی و غیرهم من الأعیان، و بعثوا محمدا ولد قادی فی رفقة من الأخوان، و بعث الأمیر خلیفته سی محمد البوحمیدی خلیفة تلمسان، فی رفقة التقی الفریقان ملاقة مشروحة و هما فی میدان الحرب و الأموات بینهما مطروحة، فتکلم کل بما یقتضیه الحال من غیر المغایر، فکان من کلام محمد ولد قادی أیها السید إننا قبلنا ما أراده الأمیر فأنت الضامن علیه فیه کما أنا الضامن فی ذلک علی الدوایر غیر أنه لا یخفاکم حال مصطفی بن إسماعیل و ابن أخیه الحاج المازری و سائر الأعیان، و حماستهم و ما هم فیه من القوة و العنایة و المداومة علی الفتن لمن أرادها و الفرح بمن أراد الإحسان، و أنه یقول لنا و لکم إذا تراضیتم بالسّلم و علیه وقع الاتفاق، فلیخرج الأمیر بجیشه من میدان الحرب
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 121
و یرجع إلی محلته لیزول الشقاق، و نحن نرجعوا (کذا) لوطننا و یکون الاجتماع بتلمسان، و بها یکون الکلام علی موجبات الخیر و إزالة الشر و بالملامة یذهب ما فی القلوب من الضغائن و یندمر الشیطان، غیر أن العرب تقول فی وقت الصلح لا تکون ملاومة، لتطمئن النفوس و تکون لها ألفة مع بعضها بعض (کذا) و مقاومة، فعند/ هذا ارتحل الأمیر بمحلته فی الحین، و رجع المخزن بقومه لمکانهم فی أمن رب العالمین.
ثم استبطی (کذا) الأمیر إنجاز الوعد و ما وقع به الاتفاق، فی میدان الحرب و حصل علیه الافتراق، فبعث صهره و خلیفته الحاج مصطفی بن التهامی خلیفة المعسکر و ابن عمه سی أحمد أبا طالب إلی الناس الذین کان معهم الکلام، لتنجیز الوعد و عدم إطالة المقام، فتوجّه من المخزن عند الأمیر أربعة من الأعیان، و هم الحاج بالحضری، آغته سابقا و ابن عمّه محمد ولد قادی، وعده ولد محمد کبیر الزمالة، و الشیخ بالغماری کبیر أنقاد بالاعلام، فنصب فسطاطه و أدخلهم فیه و أجلس بعضهم عن یمینه و البعض عن الیسار، و استخرج فورا صحیح البخاری و وضعه بین أیدیهم فی صحیح الأخبار، فقال له الحاج بالحضری ألم تعلم أن العرب تقول فی کلامها أن القوم إذا تحالفوا تخالفوا، فقال له صدقت و لکن لا بد من التحالف الذی لا یکون بعده التخالف، فتحالف الجمیع علی الطاعة و الإذعان، و عدم الإذایة منه للمخزن فی السر و الإعلان، و وقع الصلح التام من الجانبین، و تسامح الفریقان فی الدماء التی اهرقت بین الفریقین، و اتفقوا علی أن یکونوا إخوة فی الدین، و لا یعود أحدهم للفتنة و لا یتسبب فیها و لا یتفکر مامضی و من خالف فهو المارق من الدین، و تکرر القول بینهم و بینه بالمعاهدة، و هم یقولون نحن طاعة و أنت أمیر و هو یقول أنتم الذین اغتنم بکم مرادی و علیکم نعتمد فی المصادر و المواردة فبعد هذه المعاهدة التی علا قدرها و لا تری فیها بخسها، نهض الدوایر و الزمالة و أنقاد و نزلوا علی تلمسان نفسها، و حین عاین الأمیر ذلک تیقین بانبرام (کذا) الصلح بینه و بینهم و بعث من انتخبه من کبراء النجوع لتلمسان، منهم خلیفته بالمعسکر السید الحاج مصطفی بن التهامی و الحبیب بوعلام آغة المخزن و الهواری آغة الحشم و الزین بن عودة آغة بنی عامر مراهین للمشور علی ید القرغلان.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 122

اللقاء بین الأمیر و مصطفی بن إسماعیل‌

ثم بعث لمصطفی بن إسماعیل یأتیه آمنا مطمئنّا لیجتمع به بمجلسه و یکون الکلام بینهما منفردین، فجاءه و اجتمع به وحده بغیر مین، و لما اجتمع به مصطفی و تأمّل فی أحواله ألفاه لا زال من جملة الصبیان، و أنه بعید عن الملک و مرتبة السلطان، فکان أوّل ما فاه (کذا) به مصطفی بأن قال له أیها الأمیر إذا تصغی لکلامی بأذنیک و ترسخه فی قلبک و أردت الراحة لنا و لنفسک فانعم علی الدوایر بأرض غیر ملاتة یعمرونها، و أحسن إلیهم بالإحسان التی یشکرونها، أمّا أن تبقیهم بنواحی تلمسان، و هم فی قبضتک علی کل ما کان، و أمّا أن تنقلهم لنواحی تیارت، فتجعلهم بین أولاد الشریف و أولاد الأکرد و لک الأجر الثابت، فإن فعلت ذلک فأنا ضامن لک إن شاء اللّه تعالی/ الطاعة و الإذعان، و إن خالفت فأنا بری‌ء مما یؤدی إلی وقد النیران، لأنهم مخزن و أعیانهم تولّعوا بلبس الملف و الحریر و الکتان، و شرب الدخان و شمّه و الأتای و القهوة، و إن رددتّهم إلی ملاتة و أنزلتهم بها کالعادة و هی قریبة من وهران فربما تحصل منهم بعض المخالطة مع بعض أعیان النصاری بذهابهم لها و تحصل لنا و لک الفهوة، و لا یخفاک الحال أن النصاری أهل سیاسة و فطانة و کیاسة، لا سیما الفرانسیس، فإنهم أشد الأجناس فی الفطانة و الکیاسة و الرغبة فی الخلفة و بذل المال و السیاسة و المسامرة و التأنیس، و مع طول المدة تنعقد بینهم و بینهم المحبّة و الموّدة، و المخالطة التامة فی الرخاء و الشدة، و تحسب الظلم لنا جمیعا، و ها أنا لک الآن مذعنا مطیعا، لا نخالف لک أمرا، و لا أرکبک وزرا، و ربما بعض الوشاة یلقی بمسامعک ما یضرک به فیتغیر خاطرک ممّا یستقر فیه، فتغضب علیهم و نرجع معک للحال الذی کنّا فیه، و أنا أعلم بک أنک مثل الصبی الصغیر فی عامه الأول، کل من یبوّص لک و یقول لک أغ تضحک له ظنا منک أنه لک هو النصاح الأعدل، فالأحسن أن تفعل ما ذکرته لک فإن أرضاک الرأی فنعما هی، و إن بعثتهم لوطنهم فأنا أبقی هنا بتلمسان و لا أدخل فی سوقک و لا سوقهم بشی‌ء، و لمّا سمع الحشم و بنوا عامر کلامه، قالوا للأمیر لا تثق به فقد سأل المواضع التی تکون بها کلمته مسموعة و یده قویة فیرسل علیه انتقامه، و کان مراد الأمیر یدخل الدوایر و الزمالة لبلادهم و لا یضف (کذا) أحدا إلیهم و یبقی بنی عامر دونهم مجاورین له کالعسة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 123
علیهم و تخیل له و لأهل دائرته من الحشم و بنی عامر و من انخرط فیهم من کلام مصطفی بن إسماعیل أنه إذا أبقی المخزن بنواحی تلمسان یکون له الضرر الجزیل، لکونهم لهم ارتباط مع سلطان المغرب و ذویه، فإذا أساءهم و جار علیهم فی الحکم یصبحون فی الحدود و یفسدون ملکه و ینزعونه من یدیه، کما أنهم إذا نزلوا بالجهة الشرقیة أو بتیارت یقوی عضدهم بأهل تلک الواحی للأخوة التی بینهم و یضرونه بالقول الثابت.

رأی مصطفی بن إسماعیل فی الأمیر

قال: و قال مصطفی بن إسماعیل أنی لمّا اجتمعت به تیقنت أنه من الأمراء الغادرین، و الملوک الباغضین الماکرین، فقیل له و بما عرفت ذلک، حتی تحقّق الأمر عندک بما هناک، فقال لأنی لما جلست معه و صرت أکلّمه ألفاه لا یجتمع بصره ببصری قط و إنّما ینکس بصره إذا أنظرته و ینظر بالأرض، و إذا نکست رأسی و نظرت بالأرض ینظرنی ببصره و یزننی بالطول و العرض، و تلک عادة الغادر، و الباغض الماکر، الذی لم یکن من أهل الأمن و الأمان، و من کان هکذا لا تکون معه معاشرة و لا خدمة بطول الزمان.
ثم اتفق مصطفی مع أخیه الحاج بالحضری علی بقاء ابن أخیهما الحاج محمد المزاری و محمد ولد قادی عند الأمیر بالعرش و هما و نحو الخمسین إنسانا و فی روایة عشرین ما بین الدوایر و الزمالة من أعیان العرش، یسکنوا (کذا) تلمسان فبقوا بها مدة ثم رجعوا دون مصطفی لبلادهم، و صاروا من جملة أخوتهم فی کل/ مرادهم.

الأمیر یعین الحاج محمد المازی آغا علی المخزن‌

و حیث أذعن المخزن للطاعة، جعل الأمیر الحاج المزاری آغة المخزن و رایس الجماعة، بدلا من عمّه الحاج بالحضری الذی کان عنده سابقا آغة المخزن و قبل الواقعتین سلّم فی الوظیف، و جلس ببیته تارکا من حینه لعدم
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 124
التصرّف و التصریف، لمّا رأی الأمیر مصیغا جدا لکلام الوشات (کذا) و أنه لا یرید اجتماع الکلمة بل یرید لها الشتات، لکون الحاج بالحضری سجن نحو الثلاثین رجلا من الغرابة بالمعسکر لمّا سمع تسوّقوا خفیة لوهران، و کان الحبیب أبو علام خلیفة علیه فذهب للأمیر و أدخل فی أذنیه ما لا یوافق من الکلام و سأل منه تسریح المساجین المتهومین بسوق وهران، فقال له الأمیر اذهب للسجن و انقدهم، و لأهلیهم فانفذهم، و لما رأی آغة الحاج بالحضری تلک (کذا) المساجین قال لهم من أخرجکم من السجن، فقالوا له خلیفتک الحبیب أبو علام هو الذی أزال ما حلّ بنا من الغبن، فذهب للأمیر و قال له کان اللائق فی إخراجهم من السجن أن یکون ذلک فی علمی، لأکون علی بصیرة فی خدمتک کی لا أکون معک فی اللومی، و أنا لا أردّ للخلیفة قولا و لا فعلا، و لا أبطل له عملا و لو عمله جهلا، و حیث کان التخالف فی الأمور بالتوصیف، فها أنا سلّمت من حینی فی الوظیف، فاجعل فیه من شئت أیها الأمیر، فأنت أدری بالأحوال و ستعلم الأعمی من البصیر، و جعل الأمیر قائدا علی الدوایر علی ید آغة المزاری و هو محمد ولد قادی، لکنه أبی و جعل بموضعه سی خملیشا ولد قادی، ثم توفی محمد ولد قادی بعد ثلاثة أشهر و خلّف ابنه سی أحمد ولد قادی باش آغة فرندة، الذی صار للدولة علیه فی تلک الجهة القبلیة العمدة.
فانتقل الحاج المزاری بأهله للمعسکر، و سکنها بجیشه من المخزن بالعرقوب إلی أن حل به منها مع جملة من بها المفر، و دخل المخزن بأسره فی قبضة الأمیر و تحت طاعته، بعد واقعتی الدوایر و الزمالة و مقاتلته للبرجیة و إجلائهم من أرضهم حینا و قتله لقاضی رزیو و الحاج محمد بن عریبی و الحاج المداح الخویدمی و الشیخ بالغماری و النقادی و ابن أخته و الحاج عمّور الزمالی و غیرهم من الأعیان و لم یخرجوا عن حکم الجماعة لرواج بضاعته، و إطاعة أهل المغرب الأوسط ما بین الرضی و الجبر، و استوسق له الملک بغایة الأمر، و حصل بهذا الصلح بین الأمیر و الدولة المحبة العظیمة، و المعرفة الجسیمة، حتی أنّ رومیا اسبنیولیا کان مسجونا بالمعسکر، ففرّ منها لوهران و کتب الأمیر برده فردّ من وهران مکبّلا من یدیه و رجلیه إلی المعسکر.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 125

الأمیر یحارب الحاج موسی الأغواطی فی المدیة

ثم غزی الأمیر بجیشه و معه المخزن بأجمعه مدة الصلح لناحیة المدیة، لما سمع بالثائر أبی حمار موسی بن الحاج اللغواطی الدرقاوی قادما علیه بالجیوش القبلیة، و کان آغة الحاج المزاری متهیئا للقتال، رائما للمکافحة معه و النزال، و لمّا حلّ الأمیر بجیشه ببلاد صبیح تعرّضوا له فی الطریق و منعوه من المرور ببلادهم و سألوا منه الزطاطة، کما هی عادة العرب الذین لا حکم علیهم و دأبهم الخلاطة، فتشاور مع آغة المزاری و قدور ابن المخفی و قدور بالصحراوی/ لا غیر، هؤلاء الثلاثة فیما قال الراوی، فقالوا له الزطاطة هی وضع السیف فی رقابهم و الرصاص فی أجسادهم بالزیادة، و الانتقام منهم بکل وجه لینتهوا هم و غیرهم عن هذه العادة، و بادر الثلاثة لقتالهم مع جیش المخزن و هم الأعراش الأربعة المتوالیة، فلم یکن غیر ساعة إلا و صبیح ولّت الأدبار و التزمت الفرار بالهزیمة الشنیعة المتوالیة و حلّ بهم الهوان، و صاروا یقولون الأمان الأمان، و قد أثخن فیهم المزاری برفیقیه المذکورین إثخانا عظیما، و أوقعوا بهم إیقاعا جسیما، و غنموا منهم غنیمة کبیرة، و قتلوهم مقتلة عسیرة، و کان من جملة المخزن باش آغة السید أحمد ولد قادی، تابعا لآغة فیما یأمره به من الأشیاء التی یکون منه (کذا) له بها التنادی، و تمادی الأمیر بجیشه و النصر یلوح أمامه بسبب المخزن إلی أن وصل لجندل، فحطّ به عند ذلک و نزل، و تقدم جیش أبی حمار للقتال، و سأل الطعن و النّزال، و کان ذلک الجیش کالجراد المنتشر، بحیث غطّ بکثرته السهل و الوعر، فوقع لجیش الأمیر من غیر المخزن عند ذلک الفزع، و دخلهم الرعب و الجزع، لا سیّما الحشم و بنی عامر فإنهم قد حلّ بهم شدید القلق، و اعتراهم الدهش و الخفق، و قالوا للأمیر إنّ هذا السید لا یتکلم فیه البارود و لا یضرّه الرصاص المزید، و لا یجرحه لا هو و لا جیشه، الحدید، فقال لهم الأمیر إن کان هذا حقا فالأمر للّه الحلیم الکریم، و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلی العظیم، فضحک المزاری من قولهم بعد ما تبسّم، و تیقن جبنهم و ما هم فیه من الوهن، فتقدّم قدور بالمخفی للأمیر و قال له یا سیدنا ما قاله لک الحشم و بنوا عامر فإنما هو قول الجبان، الذی من شدة الخوف یبدل العزّة بالهوان، فقلوبهم خائفة مخوّفة، و ألسنتهم راجفة مرجّفة، فلا تخش من
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 126
حلیل و حقیر، و لا من قلیل و کثیر، فإن مخزنک الباسل معک و لک مطیع و آغتک الشجاع الکامل رایسهم (کذا) لقولک سامع و لقتالهم سریع، کیف تصغی لکلام من لا یعرف مکائد الحروب، و إنما له المعرفة بطریق التخویف و الهروب، فآغتک الشجاع الفاضل بیمینک بجیشه واقفا، و یرید منک الاذن للقتال لیؤمّن من کان من جیشک خائفا، کیف یعتریک شی‌ء من الفزع و تسمع لکلام الخائفین المخوّفین فیصیبک شی‌ء من الجزع، و أنت علی أعدائک المنصور، ما دام المخزن معک سیما البحایثیة أولاد إسماعیل و أخوتهم النقایبیة فأنت الأمیر الآمر و آغتک بمخزنه هو المأمور، فعلیک سیدنا بالمخزن الذی عند تراکم الأهوال و اشتداد القتال یقتحمون الصفوف، و یرون الموت علی الفروش من موت حتف الأنوف، و هؤلاء خلط العرب، عند التزاحم یحصل منهم الهرب، و القول لا بد له من فعل و الربط لا بد له من حل.
فعند ذلک قال آغة المزاری للأمیر نعم القول ما قاله قدور، و الشجاعة و المعرفة و الکرم و الثبات إنما تکون فی متّسعین الصدور وصح فیه بلا ریب قول الشاعر، الحاذق اللبیب الماهر:
إذا قالت حذامی فصدقوهافإن القول ما قالت حذامی

دور رجال المخزن فی هزیمة الثائر الحاج موسی الأغواطی‌

/ و حصل المصافّ بین الفریقین فی وادی و امری بالتحقیق، و لمّا جاء البعض من محلة أبی حمار لمحلة الأمیر و ضرب البارود و الناس فی جزع مما سمعوه بالتوفیق، اغتاظ آغة المزاری و معه قدور بالمخفی و قدور بالصحراوی کثیر التدبیر، و قالوا للأمیر کیف یأتوا (کذا) لمحلتنا و یضربوننا بالبارود حتی صرنا فی التحبیر، فقال لهم الأمر لآغة المزاری و أنتم فی أتباعه، و ما اقتضاه نظره یکون لنا و لأشیاعه، فقال بعض الحشم و بنی عامر للأمیر هم یقولون لا إله الا اللّه محمد رسول اللّه فما یکون قولنا أیها الأمیر الأکبر، فقال لهم المزاری نقول
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 127
لتذکیتهم کالببوش باسم اللّه و اللّه أکبر، فقال الأمیر صدق المزاری معلنا، فقولوها و النصر لنا.
و کان آغة المزاری راکبا علی فرسه الأشهب الطویل الوافی، و قدور بالمخفی علی فرسه الأشقر الخلافی و قدور بالصحراوی علی فرسه الأدهم الحلافی، بهذا حدّثنی بعض من حضر و هو البرادعی ابن عتّ الزمالی، هو ممّن یوثق به فی أفعاله و الأقوالی (کذا)، ثم أمر آغته بالإعلان، علی مخزنه و هم الدوایر و الزمالة و الغرابة و البرجیة و اندرج فیهم بنوا شقران، و هجم علی محلة أبی حمار و ساعده قدور بالمخفی فی الهجوم و اتبعهما المخزن إلی أن أثخنوا فی تلک القوم إثخانا کبیرا، و زادوا فی الحملة بالهیجان زیدا (کذا) کثیرا، فلم یک (کذا) غیر ساعة إلّا و أبو حمار قد انهز بجیشه و ولّی الأدبار، و رکب المخزن ظهورهم و هم فی حالة الفرار، و صار یقتل و یأسر (کذا) و یسبی، و یأخذ ما شاءه فیهم من النهبی (کذا) إلی أن أخذهم أخذة جلیلة، و قتل منهم کثیرا قتلة جمیلة، فلا تری إلّا رؤوس جیش أبی حمار أکواما عدیدة بین یدی الأمیر، و هو فارح بالمخزن الفرح الکثیر، و غفل عن جیشه من العسکر و الخیالة و المطاوعة، و لا تری إلا بصره شاخصا بنظر المودة البالغة نحو المخزن بنظر المساطعة، و بعث سناجیقه و نواغره و غوائطه و طبوله زاعقة بالضرب و إطراب النّغم باللحن الوافر للقاء المزاری بمخزنه، و اشتد عضد الأمیر من بعد وهنه، و قال الآن صحت وصیة والدی، و تحققتها بقلبی و جوارحی و موالدی.
قال: و کان آغة المزاری فی حالة القتال یقول لقدور بالمخفی لمّا رآه یجول فی وسط جیش العدوّ و کأنه الأسد الهایج، یا أخی و ابن أخی و رفیقی هکذا نرید منک أن تکون سلعتنا هی الرایج، فأنت لها أهلا، و مرحبا بفعلک و سهلا، فلقد أطلت لنا الرقاب، فی نطقک حضرة الأمیر بالصواب و أعلیت لنا الرؤوس بالعمایم، بفعلک فی العدو لقطع الجماجم، فلا ریب أنّ الدرة من الجوهرة، و الورقة من الشجرة، و التمر من النخلة، و العسل من النحلة، و اقتحام الحروب حال التزاحف إنما یکون للشجعان، و الفرار من العدو و عند الملاقة أو الرؤیة إنما یکون للجبان.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 128
و مات فی ذلک الیوم من المخزن محمد بالصحراوی، و مات فرس محمد ولد قاسم الونزاری و انجرح فرس قدور بالمخفی من الرقبة فیما قاله الراوی، و کانت الضربة به سالمة، و جولته ناعمة، فاستخرج قدور فوطة/ و شدّ بها حلقوم فرسه، و قال کلا منا لا بدّ من مآله إلی رمسه.
قال فالمخزن یحبّ الحروب و المکافحة، و یفرح بالمبارزة و المناطحة، و یرید الجولان بین الصفوف، و یقتحم الحرب بالبنادق و الرّماح و السیوف و یبتغی الکفاح و القتال، و غیره یحب الراحة و جمع المال، و المخزن لیوث الحرب، و رجال الطعن و الضرب، و غیره حضائر الاصطبلات، و عرائر الخصب و النبات، فبین المخزن و غیره بون، کما بین الضب و النّون، فالمخزن فی المثل کبنی هاشم و بنی مخزوم، و غیره کبنی أمیة و أخلاط العرب فی الفرار و عدم الهجوم، و فی المخزن یصدق قول الشاعر بالبیت الواحد الفریدة ذات المفاخرة:
قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم‌دون النساء و إن باتت باطهار
و کانت هذه الواقعة سنة تسع و أربعین و مائتین و ألف، الموافقة لسنة أربع و ثلاثین و ثمانمائة و ألف .

تریزیل و قضیة الدوایر و الزمالة

و لمّا تولّی الجنرال ترزیل(TREZEL) رئاسة وهران بدلا من الجنرال دسمشال فی ثامن فبری سنة خمس و ثلاثین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة خمسین و مائتین و ألف أبقی الصلح لأجله علی حاله، و استقبحه من دسمشال الذی أوقعه و نسبه لفساد حاله، لا سیما رده للصبنیولی (کذا) الفار من الأمیر لوهران لحضرة الأمیر، و جاءه ذلک من الأمر المضرّ العسیر، و کان الجنرال دسمشال جزم بإبطال فعل الجنرال ترزیل و صار یروم نقض الصلح و یتسبب فی طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 129
صیرورته من الجزیل لیظفر بمراده الجزیل و حصلت المخالطة بین أعیان الدوائر و الزمالة و الفسیانات و صاروا یجتمعون معهم فی بعض الأحیان فی الصید، و یظهر بعضهم لبعض المودة بإزالة الکید، فکتب بن یخّ للأمیر من وهران کتابا یخبره فیه بکل ما کان، قائلا له فیه أن إسماعیل ولد قادی و عدة ولد عثمان و الحاج الوزاع بن عبد الهادی الزمالی هؤلاء الثلاثة الأعیان، تری بعض النصاری من وهران یترددون علیهم بالشدة و الحرص، فیرافقونهم للصید و القنص، و إن کبراء الدوائر و الزمالة مالوا إلی النصاری بغایة الإثبات، و خالطوهم و اصطحبوا شدیدا مع بعض الفسیانات، و قالوا لهم نحن نحبکم و لکن نخاف من الأمیر إذا سمع بنا، فإنه یغزو علینا (کذا) و یهلکنا، و لما سمع الجنرال تریزیل قال لهم لا خوف علی المخزن من أحد و أنتم الأصل فی التنزیل، فصار الناس تارة یدخلون وهران باطنا و تارة ظاهرا و باطنا، و تلاقوا بالجنرال لتصحیح المقالة، فقال لهم لا تخشوا أحدا و إن مسکم غیرکم بسوء، فقاتلوه و أنا معین لکم علی تلک الحالة، و لما ثبت عند الأمیر الخبر، أمر کبراء المخزن بأن یأتونه برؤوس من یأتیهم من الفسیانات فأجابوه بأنهم لا یطیقون علی فعل ذلک لأنه ینشأ منه له و بهم الضرر، و لما وصله مکتوب الدوائر و الزمالة، اغتاظ شدیدا و نسبهم لقبح الحالة، و جعل دیوان المشورة بالمعسکر، فاتفقوا علی رفع البحایثیة من بلادهم و تنزیلهم/ بالمعسکر، لأنهم رؤساء العرب، و إذا بقت بلا رؤساء حل بها الوصب، لا سیما إذا افترقوا بکل ناحیة، و لکل جهة و ضاحیة.

الأمیر یأمر باعتقال کبراء المخزن‌

ثم بعد الاتفاق کلّف الأمیر آغة المخزن الحاج المزاری و قال له اذهب فی حفظ الباری، و اقبض إسماعیل ولد قادی، و عدة ولد عثمان، و الحاج الوزاع ابن عبد الهادی، و ایتینی (کذا) بهم مقیدین، و لک الأجر من اللّه المبین، و أعطاه کتابا یتضمّن ذلک، کما کتب له بترحیل البحایثیة للمعسکر من جملة ذلک، فجاءهم
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 130
آغة المزاری فی رفقه من الحشم الأعیان، و لما حل بوسط الدوایر مکنهم من کتاب الأمیر بغیر توان، و قال لهم بفیه (کذا) أن الأمیر یسلم علیکم سلام الرضی و الأمن و الرضوان، و یقول لکم أمّا أنتم یالدوائر، فاشتغلوا بخدمتکم من الفلاحة و کسب المال و الدواب التی تناسبکم و أعظمها الإبل و الخیل و البغال و بالخیل تکون الغوایر، و أمّا أنتم یالبحایثیة أهل المفخرة فنحبکم تقدموا عندی بأهلکم و تسکنوا بالمعسکر، لأنکم المخزن الذی علیه الاعتماد، فیولی منکم الآغاوات و القیاد، و قد أمرنی أن نأتیه بإسماعیل ولد قادی، و عدة ولد عثمان، و الحاج الوزاع ابن عبد الهادی، کل واحد منهم مکبولا، و علی بغلة محمولا مغلولا، فإن کنتم طاعة فأجیبوا بالإذعان، و ارضوا بالأمر الذی أحبّه السلطان، فإنّی کبیرکم و رسول أمیرنا و أمیرکم، و هؤلاء الأعیان من الحشم، شهداء علی من یصدر منه المدح أو الذم، و المطلوب منکم أن لا تمیلوا للنصاری، و اجتنبوهم فإنهم أعداء، و ما المیل لهم إلا خسارا، و هؤلاء الرجال الذین أمرت بالذهاب بهم علی الحالة الموصوفة، المبینة لکم المعروفة، لیس من غرضه معاقبتهم بالقتل، و إنما غرضه توبیخهم لینتهوا عما هم علیه من فعل الوحل، فإنه سمع بهم أنهم تمازجوا مع بعض أعیان النصاری، و أنهم لا یفارقونهم فی الصید و غیره لیلا و لا نهارا، و هذا یا معشر المخزن لیس من شأنکم، و أنتم یالبحایثیة هذا الفعل لا یناسبکم و لیس من شأنکم، فاتقوا اللّه فی السر و الإعلان، فإن فعلکم هذا یؤدی إلی غضب السلطان، و فی غضب السلطان یکون غضب الرحمان، و من غضب علیه الرحمان کان فی الهوان، ألم تنظروا إلی فعل أسلافکم کیف ازدادوا به فخرا، لما فعلوا الملیح و اجتنبوا القبیح و أطاعوا الملک سرا و جهرا، فعند ذلک أجابه الأعیان من الدوائر، و قالوا له قولک نعم القول و هذا شأن النصیحة فی الخدمة مع الملوک أهل السرایر، و لکن أنت ضامن علینا هناک و نحن فی قبضتک بعد قبضة الأمیر بالقولة الیقینیة، فنبقوا (کذا) فی وسط العرب کعادتنا بالسکنی و لا طاقة لنا علی سکنی المدینة أیرضیک و یرضی الأمیر أن تکون حرفتنا بیع القهوة و السکر و الکتان و العطریة، و اشتغالنا بالحرفة التی عند غیرنا من الأمور الجیدة و عندنا من الردیة، ثم استخرج کتاب الأمیر، و قرأه علیهم علانیة بالقول الجدیر فقالوا/ له أرح نفسک الیوم فلقد أتعبتها بالمزید، و غدا إن
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 131
شاء اللّه یفعل اللّه ما یرید، ثم افترقوا و بات کل منهم بمحل، و هم من کلام الحاج المزاری فی خجل.
قال و من الاتفاق العجیب، الذی لا یعلم به إلّا السمیع القریب، إن إسماعیل ولد قادی صاحب الحالة الفریدة، کان تخلّف عن الدوایر و جاء إلی الحاج المزاری من غیر علم بالمکیدة، فبمجرد دخوله علیه تقبّض به و أوثقه فی الحدید، و صیّره فی حالة الذل الجدید، و أرکبه علی بغلة بالتحریر و انتقل به إلی ملاتة بکرة کأنّه الأسیر، فاتفق إذ ذاک البحایثیة علی التعصّب و أنف من الدوایر و الزمالة جمیع الأعیان، و جدّوا فی السیر فی أثر الحاج المزاری لتخلیص صاحبهم من یده بغیر توان، فتعرّضوا له بالتعرّض المنیف، و بعثوا له فارسا شجاعا من عندهم یقال له الحبیب بالشریف، و هذا الرجل من الکراطة أهل الریاسة، الذین لهم نوبة مع البحایثیة أهل السیاسة، فقال له علی لسانهم ما فیه تسبیله، یا آغة لا بد لک أن تطلق إسماعیل من قیده و تترک سبیله، فإننا لا نترکه یذهب معک لا علی هذه الحالة و لا غیرها لدی الأمیر، إلّا إذا أتی الفناء لنا علی الکبیر و الصغیر، فأجابهم الحاج المزاری بقوله، یا هؤلاء القوم اتقوا اللّه فی الأمر و ارجعوا لقوّته و حوله، أتحسبون أنکم لا زلتم قائمین علی أذرعتکم و کل منکم فی استطاعته، أفلا تعلمون أنکم فی حکم السلطان و تحت طاعته، ثم بعث للعرب أعیان الدوائر یحرضهم بقوله فی الإعلان، أنّ البحایثیة و الکراطة أرادوا أن یستخلصوا من یدی مربوط الأمیر و أظهروا العصیان، فإن کنتم علی الطاعة الواجبة علیکم فاحملوا أسلحتکم و انصرونی علی البحایثیة و قاتلوهم معی و أنا أولکم فإنی لا أقدر علیهم وحدی للفراغ، و إن کنتم عصاة مثلهم فأخبرونی فأنا رسول الأمیر إلیکم و کبیرکم و ما علی الرسول إلّا البلاغ، و هؤلاء الحشم السادات، یشهدون علیّ و علیکم فی الحیاة و بعد الممات، فقالوا له أکتب للسلطان أو اذهب إلیه و أخبره بأننا لا نعطوه إسماعیل ولد قادی و لا غیره حتی تبقی لنا سولة و أسوة، و إن شاء اللّه الفداء فنزنه له ذهبا فنحن مع البحایثیة ید واحدة و کلنا أخوة، و قد عرفنا أن الأمیر یحوم علینا دائما حومة الأطیار، و مراده أن یخلف منا بانتقامه الثار، فلا نتخلص منه نحن و لا أنتم، و هو یترقب أحوالکم لیطلع علی ما أسررتم و ما أعلنتم، و قد سلّطه اللّه تعالی بغیر ریبی، علی الدوایر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 132
و الزمالة و أنقاد و البرجیة و بطیوة و القرغلان و أولاد سیدی عریبی، و أراح منه غیرهم من القری و المدون (کذا) و النواجع، فالأمر للّه وحده المرجو حلمه فی المفازع، و لمّا أیّس الحاج المزاری منهم و تحقق لدیه عصیانهم، و خشی علی نفسه و من معه الهلاک قال لهم أنتم أعرف بصلاحکم و صرتم کمن ذهب رضوانهم، و انصرف مغاضبا راجعا للمعسکر لدی الأمیر، و هو فی الغیظ الکبیر، و رفقاؤه یصبرونه و یقولون له لیس هذا من شأن الوزیر، و ترک لهم إسماعیل فی قیده علی ظهر بغلته، فما مشی إلّا قلیل و إذا باسماعیل تبعه علی بغلته، و قال لإخوانه إن کنت/ أنا سبب الفتنة و جر البلاء إلیکم بهذا الجرسی، ها أنا نلحق (کذا) بآغة الحاج المزاری و نذهب معه لدی الأمیر کی أفدیکم بنفسی، و لا یکون بینکم و بینه فتنة و لا هول، و لا یحصل بغض و لا نصب و لا صول، فتعرّضوا له و أنزلوه رغما علیه من فوق بغلته و کسّروا من رجلیه الحدید، غیر أنّ أحد الحجالتین تعسّر علیهم کسرها فترکوها فی رجله بالتحدید، و توّجهوا به فی الحین إلی الجنرال ترزیل بوهران، و أثر الحدید برجله و حکوا له القضیة برمتها و قالوا له مخزن الدوایر و الزمالة قد خرج عن طاعة السلطان، ففرح بذلک و ذهب ما به من الحصر فی وهران، و کان ذلک فی الیوم الخامس عشر من جوان، سنة خمس و ثلاثین و ثمانمائة و ألف الموافق لثامن عشر صفر سنة إحدی و خمسین و مائتین و ألف، و قد کان الجنرال خرج فی الیوم الرابع عشر من جوان من السنة المذکورة و هو الیوم الذی کان به الحاج المزاری هناک، لمسرقین، لتوقیع تعیین الجیش رغبة فی دخول الحاج المزاری عند الدولة و تحصینا لمسرقین.

تریزیل یوقع معاهدة مع الدوایر و الزمالة

ثم دخل الدوایر و الزمالة فی طاعة الدولة، بعد خلعهم لطاعة الأمیر بما له من الصولة، فی تاسع عشر صفر سنة إحدی و خمسین و مائتین و ألف الموافق لسادس عشر جوان سنة خمس و ثلاثین و ثمانمائة و ألف، و ذلک أن الجنرال خرج فی جیش قدره ألفان و أربعمائة و أربعون مقاتلا بالتحقیق، فمن مسرقین ألف و ثمانمائة و أربعون مقاتلا صحبتهم خمسة مدافع لها اثنان و ثلاثون عمارة للتمزیق، و من وهران ستمائة مقاتل من عدد ست و ستین، صحبتهم ثمانیة مدافع
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 133
نصفها کبیر لها مائة عمارة و عمارة کل مکحلة من الأربعین إلی الثمانین، و نزل عشیة بالکرمة علی مسافة اثنا عشر کیل میتر (کذا) من وهران فاجتمع بها بکبراء الدوایر و الزمالة و أذعنوا له بالطاعة، و اتفقوا معه علی اثنا عشر شرطا بالاستطاعة، و هی: أن یرضوا بعمل الدولة فی جمیع أحکامها. و أنّها تعیّن علیهم رائسا (کذا) منهم لإبرامها. و أن یدفعوا لها ما کانوا یدفعونه للترک بغیر الزیادة. و أن تکون المودة بین الجانبین بغایة الزیادة. و أنّ من أراد التجارة فی حاجة لا یحجّر علیه، إلّا أنها فی البحر لا تحمل الا من المحل المعیّن إلیه. و أن لا تجارة لهم فی السّلاح و البارود و سائر آلة الحرب، و إنمّا ذلک من أمر الدولة خشیة من العطب، و أن الدولة متی افتقرت لشی‌ء ببرّ الجزائر تأخذه منهم بغیر امتناع. و أنّ من ذهب من المخزن مع الدولة راکبا و ماشیا سائقا أو قائدا لا یفارقها بشبر واحد بباع، و لکل فارس فرنکان فی الیوم، و للراجل فرنک واحد بغیر اللوم، و أن لا ینشی أحد منهم الفتنة من الجار. و إذا تعدّی علیهم الجار فالدولة تزیل العار، و أنّ أمراءهم و قضاتهم هم الذین یفصلون دعاویهم کل منهم فیما یلیه. و أنّ الدولة إذا مرّت بعرش و افتقرت للدواب و غیرها فإنها تأخذ ذلک بالثمن بالفعل لا بالتقویة، علی أن یکون الأخذ و العطاء من الجانبیین، بالصدق و النیة الخالصة بغیر المین.
و أن یکون علی کل عرش کبیر منتخب منهم للدولة، و یسکن بأهله بوهران إلزاما لدفع الصولة .

رسالة الدوک دورلیان إلی آغا الدوایر و کبراء الزمالة

ثم بعد دخولهم فی الطاعة، و رضاهم بالشروط المطاعة، صیّرت/ الدولة علی الدوایر آغة عدة ولد عثمان البحثاوی، و علی الزمالة الحاج الوزاع بن عبد الهادی کما حکی الراوی، و دلیل کون آغة هو عدة ولد عثمان، ما کتبه له فی رسالته من الجزائر ولد الرّی و هو ولد السلطان، و نصّها: الحمد للّه وحده و کفی من سعادة الکلّی الشرف و الاحترام سیادة مولانا و سیدنا المعظم موسینیور الدیک
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 134
دورلینا ولید سعادة الجزیل المعظمة و الرفعة سلطان الفرانسیس أدام اللّه نصره و عزه، آمین إلی حضرة السید الحاج عدة ولد عثمان آغة الدوایر و کافة کبرائهم و کبراء الزمالة أمنهم اللّه تعالی، آمین یلیه إعلامکم خیرا علی شأن أنّه قد وصلنی کتابکم، و سرّنی لذیذ خطابکم، و ساغ لی نثنی علیکم مدیحا علی شأن المصادقة و الخدمة و النصوحة اللتین (کذا) عندکم لجانبنا الرفیع و ها أننی قریبا نقدم لعندکم و نشاهدکم و نفاوضکم فیما وجب و حینئذ نظهر لکم الفرح الذی یکون لی حین مشاهدتی بینکم و اعلموا أن أخیکم (کذا) سی قدور بن داوود حصل قدومه أمامی و قبلته نظر رجل مرسل من عندکم هذا و لا زائد و السلام بتاریخ الخامس و العشرین من رجب الأصم الذی هو من عام إحدی و خمسین و مائتین و ألف کتب عن إذن و سعادة المذکور أعلاه .
فدلت هذه البطاقة ذات التعظیم و التبجیل، علی أن الدولة لها اعتناء بأمر المخزن الوهرانی و هو الدوائر و الزمالة و لذلک تراهم فی البطاقة یعظمونه و یثنون علیه بالثناء الجمیل.

نفاق الحشم و بنی عامر

قال: و لما ذهب الحاج المزاری للمعسکر لدی الأمیر و صحبته الأعیان من الحشم و هو فی غضب شدید و کثرة الغم و الهم، من الأمر الصادر من الدوائر و الزمالة، و استخلاصهم من یده المربوط بالقهر الدال علی ضعف الحالة و النحالة، و حکی جمیع الواقع للأمیر، قال له أهل مشورته من الحشم و بنی عامر و غیرهم کل شی‌ء من تحت رأسه و یظنک کالصبی الصغیر، فقال له من کان مع الحاج المزاری حاضرا من الرفقاء الأعیان، قد کذب هؤلاء القوم فیما قالوه لک و إن کان کلامهم معک فی سائر الأمور هکذا فإنّ ذلک لمن البهتان، و اللّه ما هم
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 135
لک بنصحاء، و إنما هم لزوال ملکک لفرحاء و أنه لیس لک مثل المزاری نصوحا، و لا عمادا تعتمد علیه شروحا، و أنّ المزاری لمّا شاهدناه فی هذه المرّة لمن السادات الذین یحبون للأمیر المکرمة و یفرّون من المعرّة، و لو حضرت أنت بنفسک لم تعمل عمله، و لا طاقة لک علی ما أراد عمله، و لو وجد معه الجیش لقتالهم لقاتلهم القتال الشدید، و لفعل بهم الفعل العتید، فقال له تلک الوشاة یا سیدنا لا تصغی لکلامهم، و لا تعتقد فیهم صحة کلامهم، فإنهم لا محالة أرشاهم بماله، و لا جرم أنهم عاشوا فی نواله، فقال لهم تلک الرفعة یا أیها الفساق، أهل المکر و الخدیعة و الوشی و النفاق، ألم تخشوا اللّه فی المزاری و أضرابه فکل ما یصدر منکم من القول/ للأمیر فی المزاری فذلک من الاختلاق، ألم تنهوا عن هذا الشقاق، و تجنبوا أنفسکم من الشیطنة و النفاق، و مع هذا لمّا قلنا الحق و الصواب، اتهمتمونا بالارتشاء، و أنتم فعلکم باطل و کذبکم محض و لیس فیکم من یقول الحق و الصواب، و أنت أیّها الأمیر إن بعثتنا لقتالهم فنحن و إیاه لشرذمة قلیلة، و لا یخفاک بأسهم و لهم قوة جلیلة، و إن بعثتنا شهداء علی الواقع، فما قاله لک المزاری هو عین الصدق و الواقع، و نحن من الآن نکونوا (کذا) من جلسائک ببال، لما سمعناه و رأیناه منهم قالوه و فعلوه فی عظیم النوال، و أنت یالحبیب بوعلام و من معک من الغرابة، ناشدناکم اللّه أن تقولوا القولة التی لیست بالاستغرابة هل غزاکم الدوایر و الزمالة و البرجیة حتی مرّة، و أنتم کم غزوتمونهم من مرّة، و هل غزاکم الحشم تعدیا أو غزوتمونهم فقال الحبیب و من معه أمّا الثلاثة أعراش المخزن، فقد غزوناهم تعدیا و نحن منهم فی الأمن (کذا)، و أمّا الحشم فغزونا تعدیا مرّة بعد المرة و کان الزمالة لنا من النعرة، و نحن لم نغزهم أصلا، و لا یخطر ببالنا ذلک کلا، ثم قالوا له و نناشدک اللّه أیضا، هل الأمان و الثبات فی الأعراش الثلاثة أو فی الحشم و بنی عامر محضا، و هل أنتم من جملة أعراش المخزن أو من أعراش النائبة، و هل الحشم و بنی عامر من المخزن أو من جملة النائبة، فقال إن الأمان و الثبات و علو الکلمة فی الأعراش الثلاثة، و أن الحشم و بنی عامر لمن الحلاثة، و أن عرشنا الذی هو الغرابة لمن المخزن فهو رابعهم، و سبب التفریقة (کذا) و انشاء العداوة بیننا هو الشاذلی بن جبور الحسناوی الشقرانی و الزین بن عودة العلیاوی العامری و من هو تابعهم،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 136
و أنّ الحشم و بنی عامر لمن النائبة، و هذا من المعلوم لا ینکره ذو الرایة الصائبة و اللّه لا یستحیی من الحق، و یحب من هو من أهل الصدق، و إنی لتابع لخالی الزین فی جمیع الأحوال من الجملة و التفصیل، و اللّه یقول الحق و هو یهدی السبیل، فأصغی الأمیر لکلام هؤلاء الشهداء الأعیان، و أسرّ ذلک فی نفسه و لم یظهره للإعلان.
و لمّا سمع الحاج المزاری جمیع ذلک الکلام نبذه کله من وراء ظهره و اشتغل عنه اشتغالا کلیا، و أخرجه من قلبه و صیّره نسیا منسیا، و بقی جادا فی خدمة الأمیر بالنصیحة الوافیة، و النیة الصادقة الکاملة الشافیة، إلی أن حصل الافتراق، و قال عند اللّه یکون التلاق.

حملة تریزیل و معرکة المقطع فی جوان 1834

ثم أنّ الدولة لمّا أذعن لها المخزن بالطاعة، تیقنت أنها تستولی علی الوطن بغایة الاستطاعة، فشمرت عن ساق الجد لغزو الوطن، و زال ما بها من الضعف و الوهن، و جهز الجنرال تریزیل جیشا محتویا علی نحو الألفی و خمسمائة مقاتل و أربعین کروسة لحمل الآلة فضلا عن قراریط التجارة ذات المحافل، و کان المخزن نازلا من السبخة ناحیة مسرقین إلی البریدیة، فأکثرهم جلس لحراسة وهران و أقلهم جاء مع المحلة لنفعها النفعة الکلیة، فالذی جاء من أعیان الدوائر عدة ولد عثمان، و إسماعیل ولد قادی صاحب المیدان، و الصحراوی ولد علی، و الحاج الناصر بالطاوی و العربی ولد یوسف، و قادة ولد شقلال، و عبد القادر البوعلاوی/ و الحاج محمد ولد قاره، و أبو مدین ولد بلوط فاهم کل إشارة، و من الزمالة الحاج الوزاع بن عبد الهادی، و الحاج مخلوف ولد امعمر الشجاع المعدود، و الحاج الشیخ ولد عدة، و العربی ولد أحمد، و لیتنه قدور بالمولود.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 137
و کان خروج المحلة من وهران فی الیوم الثامن عشر من جوان سنة خمس و ثلاثین و ثمانمائة و ألف، الموافق للحادی و العشرین من صفر سنة إحدی و خمسین و مائتین و ألف، و لما نزلت بتلیلات بعد جولانها خیّمت للمبات (کذا) و شرعت فی حفر المتاریز الحائطة بها من کل جهة لتطمئن النفوس فی حال المبات (کذا) و فی الحادی و العشرین من جوان رأت المحلة خیالة العدوّ لقصد الحمام، و فی الرابع و العشرین منه سمعت بأن الأمیر خرج من المعسکر بمحلته و هو نازل بوادی الحمّام، و فی الخامس و العشرین منه انقطع عن المحلة ماء وادی تلیلات، فذهبت شرذمة لعنصره لإرساله فأحاطت بها توارق المقاتلة من کل الجهات، إلی أن قتل فرس کبیر محلة الجنرال ترزیل و هو القیطان لقندی بغایة التعجیل، و فی صبیحة الیوم المذکور قدم بن یخّ (کذا) الذی هو قونصل (کذا) وکیل الأمیر بوهران للمحلة لیتبدل مع عبد اللّه الکماندار، فیذهب کل لمحله من غیر خدیعة و لا إنکار، و فی الیوم السادس و العشرین ارتحلت المحلّة صباحا و مالت فی مشیها نحو أجمة مولای إسماعیل، الغابة الکبیرة التی هی مأوی الأسد و الأشابیل.

مقدمات معرکة المقطع فی غایة الزبوج المقیتلة

اشارة

و لمّا حلّ الأمیر بوادی الحمّام سمع بخروجها فجد السیر إلی أن بات بسیق، و لا زال لم یظهر له خبرها علی التحقیق، و صار یتجسس خروجها، و یستشعر خیالتها و مروجها.
قال العلامة، القدوة الفهامة، السید الحاج أحمد بن عبد الرحمان المداحی البوشیخی الصدیقی الذی من بنی شقران، فی کتابه و کان حاضرا للواقعة، ذات الأحوال الناصعة، فوجّه جیشا من صنادید القبائل و أبطالهم، و أهل الحزم فی أقوالهم و أفعالهم، أهل الخیول الجیاد، و الرّکاب الوقّاد، و أمّر علیهم وزیره و آغة مخزنه ذا النجدة و الشجاعة، و البسالة و البراعة، و الجزم و الحزم
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 138
الشهیر، و الفراسة و النصیحة و المعرفة و الرأی و التدبیر، الذی لیس له بوقته الشبیه و لا المساوی، محمد المزاری ولد قدور بن إسماعیل الدایری البحثاوی، لیفتشوا سواحل البحر و أرباض المدینة، هل خرج جیش العدوّ أو لم یخرج من تلک المدینة، و واعدهم بالملاقات فی الکرمة، و بها یحصل الفوز بالنعمة و الحرمة، و کان هذا الموضع قریبا من وهران، علی نحو الاثنی عشر میلا و غالب مجی‌ء النصاری معه فی السر و الإعلان، فذهبوا من سیق عشیة و أخذوا مع طریق الجیرة، و بات هو فی تلک الیلة (کذا) بالوادی المذکور بالمجیرة، بعساکره و بقیة جیشه الخیالة، ثم ارتحل من الغد بکرة یرید الجرف الأحمر بوادی تلیلات بغیر الحیّالة، و منه یذهب لملاقة وزیره المذکور، و کان عنده من العسکر نحو الستمائة و ذلک مبلغ ما کتبه و من المطاوعة ما لیس بالمحصور، فبینما هو ذاهب و العدوّ قابل، و لا علم لواحد بالآخر للاستعداد حیث یقاتل، و إذا بالفریقین/ التقیا غفلة بالزبوج بموضع یقال له المقیتلة، من بلاد الغرابة فبانت به المصائب ذات الحوقلة، و اجتمع البعض بالبعض من أهل البلاد ما بین الراجلة و الفرسان، لا سیما اللیوث منهم و الشجعان و أداروا بالمحلة إدارة السوار بالساعد، أو الخاتم بالخنصر للصادر و الوارد، و أرادوا أخذها و اشتعلت فورا نار الحروب، و ترادفت علی الناس من الجانبین الفتن بالصعوبة و الکروب، و صار من الفریقین السیف بالضرب یلمع، و البندق بباروده یفرقع، و التقت الرجال بالرجال، و الأبطال بالأبطال، و الفرسان بالفرسان، و الشجعان بالشجعان، و اشتبک الناس البعض بالبعض، و أراد کل فریق القضاء لما فاته من النفل و الفرض، و اشتد الزحام و کثر الاشتباک، و غاب الحاجز بینهما و الفکّاک، و حین دخلت المحلّة فی المواضیع المشعرة، أقبلت إلیها الفرسان من الفجوج المسهلة و الموعرة، و تشجعت و صالت صولا، و اتکبتها (کذا) بالضرب الدائم فعلا و قولا، و وقعت من الفرقین العین فی العین، و حان فراق الأرواح بالبین، خشیت من الفرار اللوم بغیر المین، و جدّ عسکر النصاری فی المقاومة بالالتزام و المدافعة عن نفسه و من معه بغایة الاحترام و هو مع ذلک فی التعب الشدید، و العطب الذی ما له من المزید، و کمن العرب فی الأماکن المغیظة التی تؤذی منها و لا توذا، و لا یجد العدو لها فیها بضربه نفوذا، و أهلک الخلق الکثیر من الفریقین و حصل العطب الشدید من الجانبین،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 139
فکم و کم مات منهم بالتصبّر و الثبات، و کم و کم من حصل منهم بعد الهلاک فی النجات (کذا) و دام القتال إلی أن قرب ذهاب النهار، و إقبال الیل (کذا) بما فیه من الاعتکار، و ثبت کل فریق لصاحبه و استقر بمرکزه، إلی أن فنا (کذا) الجلّ من الجیشین بمحرزه، و تعاظم القتل و عدمت النجات (کذا)، و اختلط من کثرة القتلی الأموات بالأموات، و کان للخلیفة الأعظم، و الوزیر الأنجم، صاحب الإیالة الشرقیة للتناجی، السید محمد بن أبی شاقور المجاجی، حملات علی العدو میمنة و میسرة و قلبا و جناحین، لا یأتی أحد من غیره بمثلها من غیر مین، و دام علی ذلک إلی أن استشهد بالتحقیق، کما استشهد الفارس الشجاع رایس (کذا) شواش الأمیر السید مصطفی ولد سعید المعروف بولد حمروش الدنونی ثم النقایبی بالتوفیق.
قال ثم رجع الأمیر و الجیش الفرانسوی فی أثره تابعا له و کل فریق، یرید منهما النزول بوادی سیق فجاوزه الأمیر و نزل، و قابله العدو بجیشه و نزل، و صار الوادی بینهما هو الحاجز، و کل شجاع لقرنه مبارز.
ثم قبل النزول أتی الجیش الذی بعثه الأمیر، لما سمع رعد المدافع و فرقعة البارود خلعهم و هم فی غایة التشمیر، فألفی النصاری بقرب وادی سیق، الذی کاد أن یغص فیه الإنسان بالریق، و صار القتال بینه و بینهم فی فضا سیرات بقیة النهار، إلی أن غشیهم ظلام الیل (کذا) بالاشتهار، فکم للمزاری فی ذلک الوقت من الحملات، و کم له من الضرب الکثیر و الجولات، و هو تارة یغیب فی وسط العدو و تارة یظهر، و مدیما علی الکرّ و لا یظهر منه المفر، و العدو بین یدیه کأنّه الزرزور، یقلبه حیث شاء، و لا یخشی من الرصاص و الکور، و ساعده علی ذلک رفیقه فی الجولان قدور بالمخفی، فکم له أیضا من ظهور و تخفّی، و لا زال المزاری علی ذلک إلی/ أن انجرح به فرسه الأشهب، فأوتی له بفرس آخر و بقی فی میدان الحرب یکافح إلی أن انجرح به فرسه الثانی الأنجب، فبعث له الأمیر فرسه الأدهم المسمی بباش طبلة، فجال علیه فی المیدان، جولان عظیما و تمادی علی الجولة و هو ملازم للکر، و مجانب للفر إلی أن انجرح تحته فرس الأمیر من الظهر، کما انجرح هو أیضا علیه من رجله الیمنی ذات الفخر، فأمر الأمیر فورا بقدومه، و تحیّر منه کثیرا خشیة علی عدومه، لاطلاعه یقینا علی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 140
صدقه، و خلاص نیته و قلبه فیه بحدقه، ثم أرسله فورا لبیته بالمعسکر و بقی الأمیر بمکانه فی المقر و بعد رجوعه للمعسکر صار یتعاهده (کذا) بالوقوف علیه، مرتین فی الیوم ماشیا علی رجلیه، بهذا حدثنی الفقیه السید الحاج محمد بن الشریف ناظم جوهرة الرضا، و کان حاضرا للواقعة و ساکنا بالمعسکر أیضا.
قال، و یحکی أن الأمیر کان یبعث للمزاری و قدور بالمخفی حال القتال لما رأی ما وقع منهما من شدة النّزال، أن یترکا الحرب و یقدما إلیه فیقول الذاهب لهما من الحشم أن الأمیر یقول لکما تقدما للعدو و علیکما بالإقبال علیه، فلیست هذه عادتکما فی الحروب، و إنما عادتکما الاقتحام علی العدوّ إلی أن یصیر فی الهروب، و مراد الحشم بذلک الراحة منهما بالقتل، و التهنئة من رفعتهما وصولهما بالختل إلی أن سمع الشجاع النصوح خلیفة ولد محمود، مقالة الأمیر و مقالة الرّسل من الحشم لهاذین الشجاعین الفارسین حال الوفود، فتعجّب کثیرا و أخبر الأمیر بکل ما رأی و سمع، و قال لا ریب أنّ ما وقع من الحشم لهاذین البطلین فلنا معهم تحقیقا سیقع، فعند ذلک جزم الأمیر بإخراجهما من المعرکة، و قال قبّح اللّه من لا یستحیی و یرید أن یلقی أخاه فی المشرکة، و ما فعله هذان الشجعان (کذا) فی ذلک الوقت من اقتحام الصفوف، لا یحصی و لا یقع إلّا من أجاوید العرب الذین یرون الموت علی الفراش إنما هو من حتف الأنوف، و ما ذاک إلا من شدة الخدمة و قوة النصیحة، و الإذعان التام لمن هما فی خدمته و التجنّب عن الفضیحة، و شأن أجاوید العرب و شجعانها الإذعان، و بذل الجهد و النصیحة فی الخدمة لکل دولة کانوا فی حکمها و تحت أمرها و نهیها فی السر و الإعلان.

ضحایا معرکة المقیتلة فی غابة الزبوج‌

و قد مات من جیش الدولة خمسة و عشرون نفرا و مائة و ثمانون مجروحة، و من جیش الأمیر ما لا یحصی قولة مشروحة، و من جملة أموات الدولة بمولای إسماعیل، رایس الرجیمة الثانیة من سرسور لفریق أدینوا الکرنیل .
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 141
یقال أن الذی قتله من جیش الأمیر الشجاع الباسل، الفارس الکامل السید الحاج محمد بن أعوالی، و هو من أعیان الغرابة قیادة و أغواتا فلیس فی قتاله بأحد یبالی، و أصله من ذریة سیدی الناصر بن عبد الرحمان، و لذلک حاز الفضل عن الأقران، و فی عشیة ذلک الیوم وقع التبدیل، بین بن یخّ و عبد اللّه أکماندار (کذا) فحصل التوصیل.
قال، و بات الأمیر شرقی الوادی و النصاری غربه، و هو بینهما کالحاجز، و اشتغل النصاری من حینهم لتحصین أنفسهم فی محل النزول، لجعل المتارز، و تفرّق عن الأمیر الکثیر من جیوش القبائل، ظنا منهم/ بتلک الواقعة أنه لا یستقیم أمره و لا یجمع شمله کالشمایل، و لم یبق إلا فی القلیل من الناس و عسکره و هو لابث لمحلّه و مقرّه، و لو لا أنّ اللّه أیّده بقبیل الغرابة المزیل لما به من الضیم و اللّوم، لتفرق جمعه و انقطع ملکه من ذلک الیوم.
ثم رجع الناس بعد المکاتبة، و صار جیشه کأنّه لم یفترق للمضاربة.

معرکة المقطع و ضحایاها

و فی سابع عشرین جوان حصلت المکاتبة بین الجنرال و الأمیر، علی شأن مصالح الجرحی من العسکر بالتحریر، و قد حصلت للنصاری الحیرة الکبیرة، و ضاعت للأمیر المنفعة الکثیرة، حیث تأخر عنهم عن القتال، و لو اطّلع لنال المراد بأقرب حال، و استمر الفریقان بالوادی المذکور لیلتین، و الحرب بینهما متصل و الناس فی تزاید بغیر مین.
ثم رحلت محلة النصاری صباحا فی الیوم الثامن و العشرین من جوان، الموافق للیوم الثانی من ربیع الأول بالتبیان، قاصدا مرسی رزیو لقربها و یکون ذلک سببا لخلاصها من العدو و نجاتها، أحسن من رجوعها مع الزبوج البعید المسافة عن وهران المکثّر لأمواتها، فدارت (کذا) المسلمون بالعدو و رکبت أکتافه، و اشتدت فتنتهم له و رامت انکفافه، و محو أثر تلک المحلّة، التی مع کثرتها صارت مع هذا القتال فی غایة القلّة، و لا زال منادی الحرب ینادی بالقتال الأبادی إلی أن ملّت القلوب و عیت النفوس و کلّت الأیادی، و قد تعاظم القتال
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 142
و اشتد فی أرض حمیان، و تداولت الحملات من المسلمین علی المحلّة من کل جانب و مکان، و کان ذلک فی فصل الصیف فاشتد علی الفریقین القیظ الحار، و المحلّة ماشیة کأنها داخلة فی وسط النار لکون قدور بالمخفی تقدّم إلی المرجة فأوقدها بالنار، فکم من میت مات فی ذلک الیوم بالرصاص و النغش و کم من آخر مات بالعیاء و العطش، و أسرف جیش الأمیر فی تلک المحلّة بالقتل و الأسر و سبی الأموال، و هی مبادرة فی مشیها للبحر ناحیة المقطع بغیر الانفصال و اتفق الأمر أن الأدلة الذین یمشون بالمحلّة قد ذهلوا عن الطریق، فترکوها میسرة و مشوا میمنة إلی أن دخلوا فی المرجة فحصلت العجلات فی الوحل لفقد الطریق، و قد مسّ و قتئذ البعض من عسکر النصاری الرعب و الهول، و تضاعفت العرب و اشتد لها الصول، و هجمت علی المحلّة هجوما عنیفا، و تقدّمت لها تقدّما کثیفا، و تسارعت لها بالقتل و النهب، و شدة الطعن و الضرب و تیسّرت لها سائر الوجوه، و عظم الأمر علی ذی العقل و أحری المعتوه، و دارت طواجین المنایا علی رؤوس الرّاجلة و الفرسان و تطایرت الرؤوس بذلک عن الأبدان، و صارت القتلی من الجانبین تحت أرجل الخیل متداثرة، و زهت العرب و صارت عقولها مستنیرة متکاثرة، و قذف اللّه الخوف فی قلوب من بقی حول العجلات، ففرّوا هاربین لاحقین بمتقدم المحلّة من غیر التفات، إلی أن لحقوا بها بقصد المسالک و کانت المحلّة مفترقة/ علی ربوات هناک، و صارت کبراء المحلّة فی غم و لم یجدوا سبیلا للنجات (کذا)، و کل من مات من النصاری قطعت العرب رأسه، و نهبوا المحلّة و لم یمنع من قراریطها إلا واحدة و نکّس کل واحد من النصاری رأسه.
قال العلامة السید الحاج أحمد بن عبد الرحمان الصدیقی فی کتابه، و کان من الحاضرین للواقعة بغیر ارتیابه، و و اللّه إنی رأیت الحجلة تطیر یمینا و شمالا فی أرض حمیان، و لا تجد منفذا و لا مسلکا حتی تنزل فی حجر الراکب أو علی رأسه بالعیان، و الأرنب و الذئب (کذا) لیجریان کذلک و لا یجدان مأوی یخلصهما من الأسر و القتل، حتی یقفان رأسا من غیر ممسک بتحقیق النقل.
قال: ثم بعد هنیئة من الزمان حصل الکلام من کبراء النصاری لبعضهم بعض فنقرت ما لهم من الطبول، و غنت ما لهم من المزامر بحنینها المقبول، و نهضت المحلّة قائمة مجتمعة علی ساق، و برزت للقتال جمیعا من غیر تراخ و لا
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 143
افتراق، و امتزج فرقعة البنادق مع صوت المدافع، فکانت موقعة بوقعات التتابع، إلی أن أخذت العرب فی القهقراء و رجع کل متقدم منهم إلی الوراء، إلی أن بان للمحلّة صوب الذهاب، و فرارها إلی المحل الذی لا تصاب فیه بالعطاب و هی جهة المقطع، فعنت الربوات المتلاسقة (کذا) بالمقطع، و جنحت بعد ذلک للبحر فی المحقق، و وصلت إلی رزیو لیلا لما أعطاها اللّه من الصبر و عدم الفلق، فانجرح لها بالمرجة خمسة عشر نسمة، و مات لها ما بین الزبوج و المقطع ستمائة نسمة، و مات فی ذلک الیوم من أعیان الغرابة البطل المفقود، الشجاع القاید خلیفة ولد محمود، و انجرح الشجاع الباسل قدور بالمخفی و مات فرسه الأشقر، و هو مع الأمیر من جیش آغة الحاج المزاری الأفخر، و قد صحّ فی هذه الواقعة قول الشاعر:
و کم من فرقة فی الحرب جأت‌ترکت کأنّها طعم السّباع
ترکت لیوثهم فی الحرب صرعی‌علی الرمضاء فی تلک البقاع
قال و اکتفی الأمیر فی ذلک الیوم بالغنیمة و لم یرد لحوقهم، و لو لحقهم لفعل اللّه ما أراده فی غیبه و ترک سبوقهم.
و لمّا بلغ الخبر لوهران، أتی الدوائر و الزمالة بجیش حافل من وهران و قصدوا إلی رزیو مع الساحل، متأسفین علی عدم الحضور لتلک المعارک و المقاتل، فرجعوا فی یوم ثلاثین جوان بالخیالة و أهل المدفع و القراریط الذین وجدوهم بالمرسی مع البر لوهران، کأنهم لم یقع بهم شی‌ء من الهوان، و أمّا الجنرال و الأعیان و باقی العسکر رکبوا فی البابور من مرسی رزیو لوهران، فشکر الجنرال ترزیل و أعیان الدولة الذین معه فعلهم، و قالوا لهم لمّا أتیتم بالمحلّة مع البر کأنّها لم یقع لها شی‌ء، و أزلتم عنهم جهلهم، هکذا قاله بعض المؤرخین.
و قال آخران الجنرال ترزیل و العرب الذین معه صارت لهم معرة و ملامة کبیرة من القبرنور فی التبیین، و سمی بالأعور، لأنه أصیب بعینه فی بعض الحروب فضاعت له و صار/ کالأخفر.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 144
و لمّا جاء الأمر إلی الجنرال ترزیل بالدخول لافرانسا بالتصدیق، و ذلک فی ثانی عشر جلیت (کذا) من السنة المسطورة بالتحقیق، طلب منه المخزن من الدوائر و الزمالة أن یجعل لهم بایا یکونون تحت أمره و نهیه بالحسن، لکون من علیهما الاعتماد غائبین من المخزن، و هما الحاج المزاری فإنه آغة الأمیر بالمعسکر، و عمه مصطفی بن إسماعیل فإنه بتلمسان فی حکم الأمیر أیضا بالمشتهر، فجعل لهم إبراهیم أبا شناق الترکی بغیر المنن، لأنه کان مستقرا بمستغانیم وقت ذهاب البای حسن، فذهب الجنرال ترزیل و جاء بمحلّه دارلانج جنرالا بوهران، و استقرّ بها للغزو بغایة ما کان، و لما رأی الأمیر النصر له فی واقعتی الزبوج و المقطع، ظن أن الظفر له لیس بالمنقطع، و لم یدر أنّ الدنیا یوم بیوم، و الدهر قاض ما علیه لوم، جاء بجیشه لوهران حارکا، و للمکث بقاعدته المعسکر تارکا، و حین حل بساحتها خرج لقتاله الدوایر و الزمالة، لأنهم نازلین بخیامهم تحت سورها رایمین خلف ما فات من واقعة الحمّالة، و قد أغلقت النصاری أبواب المدینة من ورائهم، لکون بعض الوشاة المکرهین لأفعالهم و آرائهم، قالوا لهم أنهم یریدون إدخال جیش الأمیر علیکم، و یکون إتفاق العرب بأجمعهم علیکم، فقاتلوا وحدهم الأمیر بحسب الاستطاعة، و قاوموه مقاومة العنایة لرواج البضاعة، من أول النهار للعشیة، و رجعوا بأمواتهم و مجاریحهم بالکلیة، و لمّا رأی النصاری ذلک خرجوا بالمدافع، و تیقنوا أن تلک شیطنة المخابع، فقاتلوا معهم بقیة الیوم، و المخزن معهم کأنّه الطیور الحائمة علی البوم، و رجع الأمیر لمحلّه، و استقر بمکانه لکلّه، و قد مات من المخزن فی ذلک الیوم الشارف ولد خلیفة الدایر، و من الزمالة الحبیب بن شایلة، و انجرح الحاج الوزاع بن عبد الهادی من فمه برصاصة صائلة، و مات لمحمد ولد قدور فرسه الأزرق، و للحاج الجیلانی بن العمری فرسه الأکحل الأسبق، و لعلی أبی تلیلیس فرسه الأشهب، و لبن سعد بالعیشوش فرسه الحماری الأرکب، و من جیش الأمیر ما لا یحصی، و من المخزن ما لا به نقصا.
ثم نزل الأمیر فی ثامن أکتبر (کذا) من تلک السنة بتلیلات، فسمع به أبو
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 145
شناق و هو بمسرقین فدخل وهران بالإثبات، و کان دخوله بأمر دارلانج الجنرال، و من الغد غزی الأمیر مسرقین فحلّ بینه و بین المخزن شدید القتال، مات فیه من جیش الأمیر الکثیر، و من المخزن اثنا عشر شجاعا منهم أبو حفص، و سی غانم الدایران فی القول الشهیر، و محمد ولد عدة، و قدور بوطمیة الزمالیان بغیر التنکیر، و انجرح ثلاثون رجلا حالة التکریر، کما انجرح فرس بن عیسی بن عودة الأشهب و هو فوقه یقاتل بالأرهب، و ذهب الأمیر بأمر عسیر/ و المخزن فی فوح کثیر.
ثم بعد واقعة مسرقین، جمع الأمیر جیشه و نزل به بأغبال بالتبیین و بعث صدیقه آغته المزاری البحثاوی فی جیش من جملته الزین ابن عودة آغة بنی عامر بقومه بالتعیین، لأخذ مطمر الزمالة و هو مطمر أبی تلیلیس الذی بمسرقین، فسمع به أبو شناق و أتاه بالمخزن حارکا من وهران إلی مسرقین، و کان القتال بینهما شدیدا ثم انفصلا بعد ذلک و رجع کل لمحلّه فی الحین، و فی هذه القضیة جاء الحاج المزاری ظافرا بقلایع، و الزین بن عودة حصل فی بلایع، فاشتکی الزین للأمیر المزاری، بأنه رجع سالما بجیشه و هو ذرته المداری، فأراد الأمیر أن یتحقق بالخبر، هل کان من المزاری الکر أو هو فی الفر، فأخبره من حضر للواقعة من الحشم و الغرابة، بأن الضرب کان شدیدا من المزاری بجیشه و کان الفرار من الزین بجیشه مریدا الاسترابة، و أنّ المزاری أتی بعدة قلائع من أبناء عمّه، و الزین أخذت منه القلائع و رجع فی همّه، فعند ذلک قال الحاج عبد القادر بن ونان آغة الغرابة للزین بن عودة غلظت فی قولک یا مغرور، کیف تنازع المزاری بقولک الذمیم و تضاهیه بفعلک الرذیل و أنت ولیت الأدبار و لست بصاحب السعی المشکور، فشأنک المضاهة لی و لأمثالی، لا للمازری یا من لست بذی المنزل العالی، فقال الأمیر لابن ونان کیف تقول هذا لخالی الزین و هو أکبر منک سنا بإعلان، فقال له ابن و نان یا سیدی لا تنظر لسمنه فإنه کبقرة بنی إسرائیل، لأنی أکبر منه سنا و إنما امتلأت بطنه من أکل مواشی بنی عامر فعظمت لذلک و صار یضاهی سلیل إسماعیل، فتبسّم الأمیر ضاحکا، و قال للزین لقد صار قولک حالکا، بهذا حدثنی الفقیه السید الحبیب بن الموفق و کان مع الأمیر حاضرا، و من جملة الغرابة سامعا و ناظرا.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 146
و فی أوّل نونبر من تلک السنة حلّ بوهران جیوش افرانسویة لحمایة وهران، و إعانة لمن بها ذات أصناف ثلاثة بالبیان، أحدهم من علامة إحدی عشر، و ثانیهم من علامة سبعة عشر، و ثالثهم من علامة سبع و أربعین، فذهبت من حینها و نزلت بالکرمة و جعله خندقا محیطا بها کما جعلت بیوتا من التراب فی الحین، ثم جاءت محلّة أخری من الجزائر من علامة الاثنین، تحت رئاسة القبطان شنقرنی بغیر المین، و تعاظم الجیش الفرانسوی بوهران، و صار یرید الغزو بکل ناحیة و مکان، و لمّا نزلت الجیوش التی أتت من افرانسا بالکرمة، ألفت بها محلّة کبیرة مخندقة علی نفسها جاعلة طبابین من التراب لنیل الحرمة، و فی نصف نوانبر (کذا) و قیل فی الرابع و العشرین منه جاء المریشال کلوزیل(CLAUZEL) و معه دوک دلیان من الجزائر لوهران و جیوش عددها اثنا عشر ألفا، بقصد الغزو علی المعسکر مدینة الأمیر قصد اشضفاء (کذا) فعیّن له المخزن ألف جمل لحمل الأثقال، و رکبوا معه فی خمسمائة فارس من الأبطال، فاحتوت المحلّة علی/ ثلاثة رؤساء و هم المریشال کلوزایل و الجنرال دارلانج و البای إبراهیم أبو شناق، مع جملة الجیش العرمرم ما بین النصاری و المخزن الحذّاق، فکان حلولهم بتلیلات فی الیوم التاسع و العشرین من نوانبر (کذا) من سنة خمس و ثلاثین و ثمانمائة و ألف المسیحی المشتهر، و وقعت مقاتلة عظیمة ما بین الکرمة و تلیلات، مات فیها خلق کثیر و صارت العرب تقطع رأس العاجز عن المشی من العسکر فدخله الخوف و لحق بعضه بعضا بإثبات، و فی ثلاثین منه باتت المحلّة بسیق، و حصل القتال الشدید بین المحلّة و البوحمیدی خلیفة الأمیر بتلمسان بالتحقیق، و ذلک بقرب ضریح سیدی أعمر امهاج المهاجی، و کان للخلیفة الظهور فلم یعنه الأمیر بالجیش لأمر حصل فیه التناجی، و کثر بالیل (کذا) علی المحلّة نوح الذیاب و اختلست اللصوص من المحلّة ما حل به الارتهاب، و أقامت المحلّة بسیق إلی أوّل دسانبر، و قد قتل منها نحو المائة فرحلت و نزلت بهیرة فی القول النایر، و لما وصل الفریقان لغایة سیدی مبارک بن
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 147
بخباخ، کثر القتال بینهما و ظهر الوبال و اشتد الصراخ، و لم یفترقا من المقاتلة إلّا بعد الشفق، فجاوزت المحلّة الوادی إلی الجهة الشرقیة و نزلت بالرمیلیة أسفل مدینة باریق الآن فی القول المحقق . قال بعض مؤرخی النصاری و انجرح المزاری فی هذه الواقعة، لکنه جرح سلامة لا جرح الصاعقة و أخذوا للأمیر مدفعین و قتلوا منه کثیرا بلا مین.

کلوزیل یحرق مدینة معسکر

ثم ارتحلت المحلّة من الغد و ذهبت مع طریق سجرارة، و باتت بالعین الکبیرة مبیتة مختارة، و صار الحرب کبیرا لما حلت بجبل البرج، و کثر الهم و وقع الهرج، و أمر الأمیر أهل المعسکر بالانجلا (کذا) فانجلوا عنها، و دخلها المریشال بجیوشه من الغد عند الغروب دون قتال فلم یجد بها أحدا منها، و کان ذلک فی الخامس عشر من شعبان، الموافق لسادس دسانبر بالبیان ، و أقام بها ثلاثة أیام و خرج منها مختارا، بعد أن أخربها (کذا) و أضرمها نارا، و رجع فی راحة لمستغانیم، مستبشرا بالفتح و نیل المغانیم، و فی حال رجوعه اشتد البرد الشدید، و کثر المطر العتید، لکون الفصل فصل الشتاء فی صحیح الأقوال، و قد مات للدوائر وحدهم فی تلک الرجعة مائتا جمل فضلا عن الخیل و البغال و انقطعت محلّة دارلانج مع الکونفة و غلب العدو الجیوش، إلی أن رجع له المریشال فأطرده، و صیّره العهن المنفوش.

الآغا المزاری ینضم للفرنسیین‌

و لمّا انجلا (کذا) الناس من المعسکر، و رأی آغة المزاری أن الأمیر قد غض منه البصر، و صار لا یوافقه لا فی النهی و لا فی الأمر، و سعی الوشاة بینهما
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 148
و کثر القیل و القال و تفکّر العداوة السابقة فخشی منه النکال، مع ما سمعه یوما حال دخوله/ لمجلس الأمیر غفلة، و ألفی الحشم یقولون له کل شی‌ء سألناه منک فقضیته لنا إلّا حاجة لم تقضها و لنا و لک فیها وجلة، فقال لهم الأمیر أنی عارف لما تریدونه منّی، و أجاوبکم بما تأخذونه عنّی، فقالوا له و ما الذی عملت به من قولنا، فقال لهم إنکم أردتم قتل المزاری و قدور بالمخفی قبل تمام حولنا، فقالوا له و اللّه لقد اطلعت علی ما فی قلوبنا من الأسرار، و إنک لأنت حقا الشریف بن المختار، فقال لهم من الآن تیقنوا بأنی لا أقتلهما و لا واحدا منهما، و لا أتعرّض لهما بسوء و لا لواحد منهما، و إنی لأعتقد أنهما یموتان، علیّ فی المعارک، و لا لی مدافع من غیرهما فی کلّ المعارک، فکفّوا عن قولکم فیهما، و انتهوا عمّا تقولونه لی فیهما، فإذا أثبت اللّه یقینی فلا أصغی لما یقال فیهما، فو اللّه لهما عندی أعز من کل عزیز و أحبّ من کل حبیب، و أولی من کل ولی و أقرب من کل قریب، و لا أسمع فیهما أبدا لکل واش، و لا للأندال و الأوباش، و لا غش فیهما و لا خدیعة و أنهما لفی الحالة المرضیة المطیعة، و أنّ الخدیعة و الغش فی غیر الدوایر و البرجیة، بل فی جمیع المخزن أهل النیة الصادقة و الأحوال المرضیة و الأفعال الجیدة المرجیة، و أنهما لعضد من أعضادی، فلا أقطع لرضائکم أعضادی.

قائمة جنود الآغا محمد المزاری‌

جزم بالذهاب لمستغانیم فقصد بأهله و جیشه لبنی شقران، و کان عدة جیشه و قتذاک الذین فی خدمته اثنین و تسعین مقاتلا بالبیان، و هم قرّة عینه ولده إسماعیل و عبیده الأربعة الملازمون له فی الحضر و السّفر أصحاب الحقوق، و هم: البرکة، و محمد، و مسعود، و مرزق، و أبناء عمّه الثلاثة النافعین له فی الرخاء و الشدة، و هم: قدور الأقرع، و أخوه محمد، و الحبیب أولاد عدّة، و أولاد بالفرّاق الثلاثة باتّفاق، و هم: قدور، و علی، و ابنه محمد بالفرّاق، و أولاد بالغول الثلاثة فی صحیح المقول، و هم: الحاج قادة و ابنه محمد، و مصطفی بالغول، و أولاد بن عاشت الأربعة فی الثابت، و هم: قدور، و محمد، و المولود، و مصطفی بن عاشت، و الأربعة أولاد بالشیخی، و هم: أبو زیان، و عبد اللّه،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 149
و عبد اللّه أیضا، و محمد بالشیخ، و شاوش آغة الحاج عدّة بالمولود، و ابنه محمد، و صنوه محمد بالمولود، و ربیبه الحاج العربی قارولد قدور، و محمد الشرقی بالانتعاش، و أولاد بن دعلاش الاثنان و هما: محمد، و مصطفی بن دعلاش، و محمد بن دحّ، و قدور الأکحل، و علی بن عاید، و بن دحّ بارتفاق، و عبد القادر بن برکات، و عابد بن برکات، و بن عبد اللّه بن صواف، و قدور بوزید، و السنوسی ولد عبد الرحمان، و الحبیب ابن مقایز، و أولاد التیجینی الاثنان و هما:
محمد وصنوه عدّة بن جریرة، و الحبوشی صاحب بالغول المناهز، و الحاج قانة و الرویعی بن کرّوم، و أبو خدیمی و صهره البغدادی و قویدر صهر قدور بوزید العکروم، و عدة بالبکوش الحمیانی و خالة بن سونة و قادة بالمغنی فی غایة البیانی، و علی أبو عمامة/ و الصایم ولد العرجة و الحاج محمد بالوهرانی، و الشارف بن عبید، و العربی بالقاید، و صهره محمد بالضیاف کثیر المزاحة، و سی المدانی، و قدور بوروبة و سلیمن (کذا) بن زیدور البوشیخی و عبد الرحمان بالمصابیح ولد بن ساحة، و قارة محمد و أخوه عدة و الحاج عبد القادر بن عبد اللّه و الحاج الهاشمی بن محلّة و خاله بن شعشوع، و أحمد بن یخلف و البکوش و عبد القادر السّماتی و الجیلانی بن الخالدی و صهره محی الدین المشنوع و الشیخ بن دحّ و بالخیر قهواجی البای، و سی التامی و محمد ولد البرقی و بن یوسف الشرقی، فهؤلاء السبع و السبعون کلهم من الدوائر.
ثم من الزمالة خمسة عشر بغیر التدابیر، و هم سی الحبیب بوزندار الخوجة و محمد ولد قاسم و شاوشه بن تبینة و أبو لوفة بن و نزار و محمد ابن و نزار، و الحاج محمد ولد إبراهیم الونزاری و صهره محمد السنی باشتهار، و البشیر بالزبیر و بن یحیی بالزبیر و أبو معیزة و حسن ابن فریحة و محمد بالعیشوش، و محمد بن شملول و محمد بونیف و عبد القادر بالعیشوش. و جدّ السیر مع خلیفته محمد ولد علی بن حمیدة کبیر بنی شقران بجیشه أیضا، إلی أن نزل بغلّال من مزارع بنی شقران فبات به لکثرة المطر المتزاید فیضا، ثم انحدر لفرقوق من تلک البلاد فخیّم به قلائل أیام، و اقتضی نظره أنه لا یلیق به المکث بذلک المحل بإلزام، فارتحل و نزل بعریش طوبال من بلاد البرجیة، فأتاه البرجیة و رائسهم (کذا) قدور بالمخفی بالضیافة و الهدیة، و فرحوا به بغایة الفرح و السرور، «و قالوا الحمد للّه
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 150
الذی أذهب عنا الحزن إنّ ربنا لغفور شکور»، فاطمئنّت (کذا) نفسه لمّا حلّ بأخوته و عرشه، ثم تشاور معهم علی الانتقال لمستغانیم و الإذعان للدولة لإزالة وحشه فوافقوه علی ذلک و قالوا رأیک أصوب، و تدبیرک أعز و أطرب، لاکنّا (کذا) لا نذهب حتی نقتسموا (کذا) إبل الأمیر، فإنها بقربنا فقال لهم معاذ اللّه أن نفعلوا (کذا) ذلک و لا نأخذ لأنفسنا شیئا من رزق الأمیر، ثم بعث مکتوبه خفیة للبای إبراهیم أبی شناق، بمستغانیم، و سأله الأمن له و لمن معه فی حال الإذعان و نیل المغانیم، فأجابه البای بأهلا و سهلا، و مرحبا بک و بمن معک و قولک أفضل و أولا (کذا)، و کان معه من البرجیة تسعة أنفار بغیر التخفی و هم: قدور بالمخفی، و ابنه محمد، و أخوه المجاهد بالمخفی، و عبداه أبو عبدلة و باهی، و شاوشه الحبیب بالغماری، و أبناء عمّه الثلاثة و هم محمد ولد قیشة، و محمد الکعبری، و سی محمد بالصحراوی فی القول المختاری.
فارتحل بهم لیلا فی العشرة الأخیرة من شعبان، سنة إحدی و خمسین و مائتین و ألف الموافقة للسنة المسیحیة المسطورة فانصدع علیه الفجر بمزغران، فألفی بها من رزیو ثلاثة أنفار و هم سی محمد بالماحی، و سی محمد بالحاج، و الربیب، فاجتمع جیشه مائة و أربعة فیه غناء لکل محتاج، فتلقاه البای إبراهیم أبو شناق بالفرح و السرور، و الترحب و الانبساط الکثیر الحبور.
و لمّا سمع بقدومه المریشال کلوزایل و هو بوهران بعثت (کذا) الکماندار (کذا) یوسف العنّابی لیامنه (کذا) و یأت (کذا) به وهران فجاءه یوسف و ذهب به و بالبای إبراهیم أبی شناق و قدور بالمخفی فلمّا حلّ الجمیع بوهران، و مثّلوا بین یدی المریشال بشّ فی وجوههم و فرح بهم کثیرا و أثنی علی المزاری و قدور بالمخفی/ بخیر و إحسان، و جعل له راتبا سنویا مؤقّتا شهریا للإنفاق، و صیّره آغة وطن وهران و خلیفة علی البای إبراهیم أبی شناق، کما جعل لقدور بالمخفی راتبا یوافقه، و ولّاه آغة المزاری منصبا یطابقه، فمنها البای إبراهیم أبو شناق و قدور بالمخفی رجعا لمستغانیم بأمر المریشال، و منها آغة المزاری مکث بوهران أمدا
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 151
لترتیب الأحوال، فأخّر من المنصب عدة ولد عثمان و جعل بدله آغة علی الدوایر الحاج الحبیب بالشریف الکرطی التلاوی و جعل له قائدا محمدا بالبشیر البحثاوی بإتقان، و أخّر علی الزمالة من المنصب الحاج الوزاع بن عبد الهادی و جعل بدله آغة محمد بالمختار و جعل له قائدا قدور بالصحراوی المعروف بولد درباک للاشتهار.

مصطفی بن إسماعیل یستنجد بالآغا المزاری‌

قال فبینما هو جالس فی بعض الأیام، و یتدبر فی أحوال الأمر کیف یکون لغایة الاحتکام، و إذا برسولین أحدهما یقال له العربی بن حطاب و الآخر غاب عنی اسمه لکنّه من المقان علی ید الحاج محمد بن عبد الهادی المقنی جاءاه من عند عمّه مصطفی بن إسماعیل، بکتاب یقول له فیه أخبرک بأن تلمسان انجلا عنها أهلها و هم باعلا (کذا) عوشبة و لم یبق فیها إلا القرغلان و هو و إیاهم مع الأمیر فی أرذل الأجاویل، و أنّ أکثر القرغلان اتفق مع الحضر علی تسلیمی للأمیر، و لم یبق معی فی الکلمة و النعرة و النصرة إلا أبو جنان بحومته و إنی أخشی علی نفسی حینئذ من فتک الأمیر، فلا بدّ من قدومک لأخذی بمن معی من غیر التأخیر، کما بعث مصطفی و القرغلان کتابا للمریشال کلوزیل أیضا، و سألوه القدوم لتلمسان فرضا، فبعث المزاری لعمّه رسولا یعلمه بأنه قادم للإتیان به بالجد لا الهزول فأکل السّبع الرسول بشبعة اللحم قبل الوصول.

کلوزیل یغزو تلمسان‌

ثم ذهب للمریشال و أخبره بذلک، فقال له قد بلغنی الخبر و ما تراه الآن فی ذلک فقال له المزاری لا بد من الذهاب لتلمسان و لو وحدی، و ستری إن شاء اللّه ما یکون فی قصدی، فإنی آخذها مع غیرها عنوة، و لا یکون إلا الفتح بإذن من به الحول و القوّة، ففرح المریشال بکلامه و أثنا علیه خیرا و علم أن ذلک سیکون فورا، فجهّز المریشال محلّة من ستة إلی سبعة إلی ثمانیة آلاف مقاتل،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 152
و کانت الإقامة علی المخزن بأمر آغة الحاج المزاری و هی اثنا عشر مائة دابة ما بین الخیل و البغال و الإبل لحمل المؤنة (کذا) بلا قول لقائل، و خمسمائة من البقر و أربعون فرسا من عتاق الخیل و صحب معهم من المخزن من یعرف الطریق للسیر فی النهار و الیل (کذا) و لمّا سمع کبراء أنقاد و من جملتهم أولاد الشیخ بالغماری الذی قتله الأمیر شنقا بالمعسکر و هم بقرب تلمسان، بقدوم المحلّة صحبة المزاری أتوها مسرعین بقصد الإذعان، و لمّا بلغ الخبر للأمیر و هو بالمسید من بلاد أولاد سلیمان، جمع جیشه من الحشم و بنی عامر و من فی سلکهم بالإتقان، و هجم به من الغد علی أنقاد غفلة و هم بالمنصورة، فحرق خیامهم و قتل کل من اتصل به بالقتلة المقهورة، و لمّا سمع القرغلان ضرب البارود المترادف بناحیة أنقاد الذین فی حالة الکروبة، أدرکوهم للإغاثة فأتی الأمیر من ورائهم و قتل منهم خمسا و سبعین مقاتلا و اجترّ رءوسهم (کذا) و بعثها للمعسکر فعلّقت بالأسوار و تعرف تلک الواقعة بقصّة عوشبة.
ثم بعد ثلاثة أیام دخلت المحلّة/ تلمسان، و خیّمت بدیار الحضر منها لانجلائهم لبنی ورنید و بنی صمیل و لم یبق بها إلا القرغلان، و کان ذلک فی الیوم الرابع عشر من رمضان من السنة العربیة المقررة البیان، الموافق لثالث عشر جانفی سنة ست و ثلاثین و ثمانمائة و ألف بعد ما خرجت فی ثامن جانفی تلک السنة من وهران، و قتل العلامة الأفرد السید محمد بن مزیان، صبرا بعد الظفر به بالعیان، و کان الدخول لتلمسان من غیر قتال و جعلوا بها بایا یقال له مصطفی ولد المقلش، إلا أنه ضعیف الرأی و حکمه فی التعش.
ثم خرج المریشال (کذا) بعساکره و معه الحاج المزاری و مصطفی بن إسماعیل کل منهما بقومه أیضا، و البای بجیشه من الترک و القرغلان محضا، و قصدوا الأمیر و هو بالجبل الذی بین الصفصیف و عمیّر، و وقع القتال الذریع الذی للأرواح مغیّر، انجلا فیه الأمر بفرار الأمیر و سؤاله للنجات (کذا) بعد ما سبی من جیشه خلق کثیر بالثبات.
و اختلف مؤرخوا النصاری فی عدد المخزن الحاضر لتلک الواقعة فقال بعضهم جملته أربعمائة مقاتل تحت رئاسة المزاری الذی فی الحرب بمنزلة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 153
الصاعقة، لنظر یوسف العنّابی کثیر الطعن و الضرب، و بذلک کتب المریشال فی عرض حال لوزیر الحرب، قائلا له من کثرة زعامة العرب الذین معنا من الدوایر و الزمالة، و خفتهم فی القتال و شدتهم فی الطعن و محبّتهم فی التقدم أمامنا لم یضرب أحد من عسکرنا فی هذه المقاتلة رائمین للجمالة، و قال بعضهم کان عددهم ألفا و ثلاثمائة فارس مقاتل و فی أقل من لحظة العین فتکوا بجیش الأمیر من غیر مقافل، و خرجت المحلّة من تلمسان صباحا و معها المزاری و مصطفی بن إسماعیل فقطعت واد یسر و وقفت بروة (کذا) هناک، دون قبة سیدی محمد بالأحسن لنیل المسالک، و کانت تحت رئاسة الجنرال دارلانج و مصطفی و المزاری، فلم تر شیئا و رجعت بغیر التماری.
ثم خرج الجنرلان دارلانج و باریق (بیریقو) الذی تسمیه العرب بأبی القباب، لکونه مهمی نزل بقرب قبة إلا و یبیت بها بغیر الارتیاب، و القبطان کافنیاک(CAVAIGNAC) کل منهم بالمحلّة العظیمة، و قصدوا الأمیر و هو ببنی ورنید فاطردوه من هنالک بالطردة الجسیمة، و أتوا بجمیع التلمسانیین فادخلوهم لتلمسان، و حصل منهم من وقتهم للدولة الإذعان، و تلاقی المزاری و مصطفی فی ذلک الیوم بالأمیر بجیشه، فقتلوا منه کثیرا و داموا علی ذلک إلی أن هزم و اتبعوه لجبل تیزی و قد أبطل من فیشه، و رجعوا فی أمن و أمان، ظافرین بالغنائم و الأساری بلا توان.
قال و فیها اجتمع المزاری مع المریشال کلوزیل و قال له من عادتنا أن لا یتقدم الصغیر مع وجود الکبیر بکل الموزیل، و الآن إنی خلعت نفسی لعمی مصطفی فیبقی هو الکبیر بالجهة الغربیة، و أنا أرجع إلی مستغانیم کبیرا لتدویخ الجهة الشرقیة، فوافقه المریشال علی ذلک الرأی السدید، و أثنی علیه بالثناء الجمیل الذی لیس علیه من المزید و بقّی عمّه/ و المریشال و أرباب الدولة علی خیر، و رجع لمستغانیم فمکث بها مع البای إبراهیم أبی شناق لإزالة کل هول و ضیر، و صار تارة یجتمع مع عمّه لتدویخ الأعراش، و تارة یبقی کل بجهته بالعز و الاقتراش.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 154

معرکة تافنة

ثم خرج المریشال فی أربعة آلاف رجل و معه مصطفی فی خمسمائة مقاتل من مخزنه من تلمسان لرشقون، و کان ذلک فی الیوم الرابع و العشرین من جانفی سنة ست و ثلاثین و ثمانمائة و ألف بعد ما ترک بتلمسان محلّته تحت رئاسة الجنرال الباریق (بیریقو) الناظر بها لکل ما کان و ما یکون، و غرض المریشال أن یجعل طریقا تمر له من تلمسان و مدینة به بحریة لأنه مرسی و یسهل القدوم له من البحر و به المراکب ترسی، و فی الخامس و العشرین منه نزل بملتقی یسر و تافنة، و فی السادس و العشرین منه تقاتلوا مع الأمیر بکل حافنة، و آل الأمر إلی انهزام الأمیر، بعد ما قتل المخزن من جیشه عشرین نفرا و أتی برءوسهم للمارشال (کذا) بالحال الهزیر، و کان النزول بالجهة الغربیة من الوادی عشیة، و فی السابع و العشرین منه تکرّر القتال، و تعاظم الحرب و النّزال و تیقن المریشال بعدم الخلاص، و صارت الناس فی هول کیوم الأخذ بالنواص، فبعث للجنرال باریق (بیریقو) بتلمسان لیأتیه بالعجلة، فجاءه فی تلک الیلة (کذا)، فألفی الأمیر بقبائله و جیوشه متکاثرة و کانت المحلّة غالبة فصارت مغلوبة متداثرة، و قد هجم مصطفی علی الأمیر غفلة فی نصف النهار فهزمه و قتل منه کثیرا، و أخّره من مکانه تأخیرا کبیرا، و حازه فی ذلک الوطاء بالمتوز الکبیر (کذا) و لم یتیسّر للأمیر عبور الوادی إلا بالتعب الکثیر، و دخلت المحلّة تلمسان بالفرح و السرور، و لعبت العرب کعادتها بضرب البارود بغایة المسابقة و العبور، و قبل واقعة تافنة وقعت المقاتلة بین الأمیر و المحلّة، بمحل یقال له بیدر إلی أن صار الأمیر فی المحلّة.
ثم ضرب المریشال (کذا) غرامة حربیة علی التلمسانیین الذین ظفر بهم، و ترک ستمائة مقاتل مع خمسة أو ستة آلاف ما بین ترکی و قرغلی بالمشور تحت رئاسة القبطان کافنیاک و زاد ستة أشهر لذلک الجیش الفرانسوی بکلهم، و ترک له المرضی و أخذ لجیشه زاد خمسة أیام و رجع لوهران، فخرج فی سابع فبری (کذا) من تلک السنة من تلمسان، و معه مصطفی بمخزنه و مصطفی ولد المقلش مع بعض القرغلان فمرّ بأولاد الزایر و ملاتة إلی أن دخل وهران فی الیوم الثالث عشر فبری (کذا) بالبیان، و لما حلّ برجم العیساوی فی حال رجوعه فی عاشر فبری (کذا) المذکور، وقعت له مقاتلة به مع الأمیر فی غایة ما یکون إلی أن حل
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 155
بالأمیر الفرار المشهور، فنالت المحلّة من جیش الأمیر و هو لم ینل منها شیئا، بل أخذت منه غنیمة و فیئا.
قال، و کان المریشال معینا ثلاثة أناس من العرب، یأتون له بالبراوات (کذا) من وهران لتلمسان مدة مکثه بها لنیل الأرب، فاثنان منهم أکلهما السبع بجبل کریولس بالتحقیق، و الثالث صار یأتی بالبراوات (کذا) علی رجلیه فی غایة التوفیق.
و فی التاسع عشر من فبری (کذا) المذکور، سنة ست و ثلاثین و ثمانمائة و ألف المسطور، ذهب المریشال للجزائر، و ترک بمحلّه الجنرال دارلانج کبیرا علی عمالة وهران للترایر/ قائما مقامه فی الأمور الحربیة، و التصرف بما شاء لإزالة الأمور الکربیة، و أمر الجنرال باریق بالذهاب بمحلّته لنواحی هبرة و مینة، لکون أهل تلک النواحی طلبوا فی القولة المبینة، من البای إبراهیم أبی شناق، أن یذعنوا به علی شرط أن تأتیهم محلّة من ناحیة شلف لیزول عنهم کل شقاق، فخرج الجنرال بریق فی رابع عشرین فبری (کذا) من السنة المذکورة، من وهران لیلا و قصد ناحیة خروف فی القولة المشهورة غازیا علی الغرابة النازلین بوطاسیق، و هم فی غفلة من هذا الأمر الوثیق، فوقع القتال الشدید، و الحرب الکثیر العتید، و کان فی جیش العدو و خیّالة لهم حرص کثیر علی القتال، و فیهم طفل صغیر السن یراهق البلوغ، من أبناء الشیوخ أشد اجتهادا علی النزال، إلی أن أصابته رصاصة أشرفته علی الهلاک، فأخذه عبد له و حمله علی سرجه و هرب به بقصد الأسلاک، فباتت المحلّة فی ذلک الیوم بسیق، و من الغد باتت بتلیلات بالتحقیق و هجم علیها العدو فی وقت السحور، و اشتبک هذا بهذا و صار القتال فی غایة الأمور و دخلت المحلّة لوهران.
ثم جهز الجنرال باریق محلّة أیضا بقصد الذهاب للنواحی الشرقیة للتدویخ و الإذعان، فخرج فی ثالث أو رابع عشر مارس من السنة المذکورة، و معه مصطفی بن إسماعیل فی خمس أو ستمائة فارس مقاتل من مخزنه أهل العنایة المشهورة، و مرّ بالساحل علی رزیو و قدیل فی الأحوال الخرّاقة، و فی الیوم الثانی وصل لفرناکة ببلاد العبید الشراقة، و جاءت أیضا محلّة مستغانیم تحت رئاسة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 156
الجنرال و البای إبراهیم أبی شناق، و الشجاع الکرّار المزاری الذی لا یضاهیه کل نطّاق، و کانت هذه المحلّة ضعیفة، فاجتمعت بمحلّة وهران بفرناکة و اندرجت فیها قولة وصیفة، و فی الغد بینما المحلّة تحمل أثقالها قاصدة للفراطیس من بلاد البرجیة بالتحریر، و إذا بالحشم و الغرابة و کافة أهل غریس أتوها سرعة و هم تحت رئاسة السید بن فریحة بن الخضیر المهاجی خلیفة الأمیر، و کان مسموع الکلمة مشهورا فی الحشم کأولاد سیدی قادة بن المختار، فحصلت المقاتلة الشدیدة بین الفریقین و مات من جیش الخلیفة قاید القلعة السید محمد بن الجیلانی و کان رجلا طویلا ضخما من الأخیار، ثم انهزم جیش الخلیفة و اتبعه المخزن و السرسور إلی نواحی شارب الریح، قرب مدینة بریق الآن من بلاد بنی شقران فی القول الصریح، و غنم المخزن منه غنما کثیرة، ثم فی صبیحة الغد أخذت المحلّة العبید الشراقة بجبل أبی زیری قولة شهیرة، و مات من المخزن العربی بالقاید و انجرح محمد المحلّی و مات له فرسه، کما مات لکل واحد من محمد ولد عدة ولد عثمان و الشارف بن عبید و محمد ابن جریوة التجینی و العربی قار کلهم من جیش المزاری فرسه، ثم ذهبت المحلّة بأجمعها للجهة الشرقیة/ قاصدة تدویخها و إذعانها بالأحوال الحقیة، فمرت بهبرة و نزلت بحاسی الغمری ببلاد بنی غدّ فمکثت به للاستراحة یومین، و زادت لیلّل ثم لمینا بغیر مین، و بها اجتمعت بمخزن شلف و هم أولاد سیدی عریبی و السحاری، و المکاحلیة، و المحال، فأذعنوا کما أذعن القلعیة و غیرهم علی ما یقال، و لما خرجت المحلّة من أولاد سیدی السنوسی بقرب الملتقی تلاقت ببنی زروال و أولاد خلوف و أولاد بورحمة فی نار ما بین مینا و کلمیت و حصل القتال، فخرج مصطفی و المزاری کل بجیشه و أثخنوا فیهم غایة و عظم علی العدو النّزال، و انجرح المزاری و الحبیب ولد عدة ولد عثمان، کما مات الشجاع أبو زنبیل بغیر بهتان، و کان وصول المحلّة لمینا فی ثالث عشر مارس، و مجی‌ء بن عبد اللّه ولد سیدی عریبی لها فی ثالث عشرین منه فی غایة البیان، ثم رجعت المحلّة لمستغانیم و دخلت فی أول إبریل لوهران، و ذهبت الجیوش للجزائر فلم یبق منها إلا ثلاثة آلاف بوهران، ما بین المخزن و النصاری بتوضیح البیان، و صارت الجهة الشرقیة تحت المزاری تنظر للمکافحة و الجهة الغربیة تحت مصطفی ترید المناطحة، و لما بلغ الخبر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 157
للأمیر بقلّة الجیش، شرع فی جمع جیشه من الجهة الغربیة لإمرار العیش، و خرج الجنرال دارلانج إلی البریدیة لیجول و یطلع علی الأمور فلم ینتج له شی‌ء من الأمور الجدیدیة، فجهّر العساکر التی جمعها الجنرال بریق و ذهب بها فی سابع إبریل من سنة ست و ثلاثین المارة لأخذ حب بنی عامر الذی بتاسلة و تدویخهم، و کان جملة جیشه ألفین و أربعمائة مقاتل بتصریخهم، و معه من الزاد مسیرة خمسة أیام أو ثلاثة عشر بالتحقیق، و ذلک للدوران و بعد الطریق، و قد أخذت محلّته علی السبخة و قدمها له رسوخ، فسمع الأمیر بذلک و اجتمع بجیشه فی سبعة شیوخ، و فی الثانی نزلت أعلا (کذا) واد الحمیر بملاتة لکل عابر، فأقامت به أربعة أیام و فی الخامس رحلت لتاسالة لتدویخ بنی عامر، و المخزن أمامها و قد أفرج له بنو عامر للجواز، و خشیة من حصول الانتهاز، و أخذت حبّ المطمر بکل مالها و رجعت علی حمّام أبی حجر إلی أن دخلت لوهران من غیر متعرّض لها.

معارک واد تافنة

ثم فی الثالث عشر من الشهر المذکور بالسنة، خرجت المحلّة من وهران و المخزن أمامها إلی أن نزلت بوادی سنّان و لم تخش السّنة فکانت بالرابع عشر منه بالقطّارة، و فی الخامس عشر منه للواد الغازر کثیر العطّارة، و به تلاقت مع العدو خارجا من الجهة الغربیة من سبعة شیوخ فتقاتل معه من الصبح إلی الظهر بالقتال المزیل للیفوخ، و مات من المخزن أکثر من ثلاثین نفرا، و نزل الجنرال بمحلّته عشیة الواقعة بمشرع مسعودة جهرا، و مات من المحلّة خمسة عشر نسمة، و انجرح سبعون نسمة، و ذلک فی أقل من رمشة العین، و نادی المنادی بالفراق و البین، ثم من الغد نزلت المحلّة بشاطی‌ء البحر یمین تافنة من غیر قتال/ و لا زال الأمیر بسبعة شیوخ بجیشه رائما لعز و إقبال، و کتب لطاعته بالجهة الغربیة و الصحراء علی القدوم لدیه قائلا لهم أنی حصرت العدو بشاطی‌ء البحر فلم یطق تقدما و لا تأخرا و لا ریب أتاهم منا القهرا، فأتته النجوع بقوتها من کل
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 158
جهة لنیل الأحور، و نزل بهم قرب واد یسر وراء الجبل الذی بوسط الوادی المذکور.
ثم رحل الجنرال دارلانج من محله بجیشه بمخزنه قاصدا تلمسان لتبلیغ المؤنة (کذا) لها بحسب الإمکان، و کان جملة الجیش ألف مقاتل زیادة علی اسکدرونین (کذا) و مدفعین، و ذلک عشیة فی الرابع و العشرین من الشهر المذکور بغیر مین، فصعد لموضع مرتفع بسیدی یعقوب، لیرا (کذا) قوة العدّو وضعفه و یکون ببال فی المطلوب، فلم یر شیئا وظن أنه فی أمان، فبینما هو کذلک و إذا بالعدّو أحاط به غفلة من کل جانب و مکان، و لم یخلص منه لا مدفع و لا بارود، و لا قیام و لا قعود، و تکاثرت منه الحملة، و اختلط الفریقان إلی أن أخذ الأمیر مدفعا من المحلّة، و کان مصطفی بن إسماعیل بمخزنه فی جهة أخری یقاتل العدو إلی أن دخل بجیشه فی وسطه، و لما سمع بأخذ المدفع هجم بجیشه و زاد فی تقدمه إلی ردّ المدفع بعد القتال الکبیر فلله (کذا) در المخزن و رایسه (کذا) مصطفی ینشطه، و کادت محلّة الجنرال دارلانج تئول (کذا) للانهزام، بعد انجراحه (کذا) و تفویضه الأمر للکولونیل کومب(COMB) علی المحلّة خشیة الانهزام، و لو لا مصطفی بمخزنه و الکولونیل کومب لحصل الفشل للنصاری جهیرا، فإنه بعد رده للمدفع هجم بمخزنه عشر مرات و فی کلها یهزم العدو و یقتل منه خلقا کثیرا، و کانت مدة المقاتلة أربعة سوائح (کذا) و نصف بالأقوال ذات الترجیح، و لمّا رجع المخزن لمحلّة الکولونیل کومب أتوا معهم بثمانیة و ثلاثین نفرا منهم ما بین الموتی و المجاریح، فمن الموتی المولود بن خدة و بن زاید، و غیرهما من کل متزاید، و من المجاریح محمد بن الحضری و الحاج بن الشریف، و الحاج الجیلانی بالعمری و الصحراوی ولد علی و غیرهم مما لا یحصی اسمه للتعریف، و مات للحاج ابن عودة ولد القادرة و محمد بن صواق، و الصایم ولد علّال خیولهم باتفاق، و کان العدو مهمی وجد أحدا من المحلّة طائحا (کذا) إلا ذبحه و غنم ما أراده و صبحه، و مات من المحلّة صباحا ستون نفرا منهم ثلاثة من الأعیان، و انجرح (کذا) مائتان و ثمانون منهم سبعة عشر من الأعیان، و هلک من جیش الأمیر ما لا یحصی، و لا یقدر علیه أحد فی الاستقصی و هجم العدو فی بعض الیالی (کذا) علی المحلّة غفلة فأثخن فیها
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 159
إلی أن أیقنت الناس بالهلاک، و ضبط المخزن برائسه (کذا) نفسه للخلاص من ذلک و السلاک، فدفع العدو بقدر ما له من الطاقة، و قد ارتکب فی تلک الیلة (کذا) أمورا شاقة، و مکثت المحلّة بتافنة نحو الشهر إلی أن انقطع عنهم الزاد و قلّ ما بأیدیهم لصوابهم، فصاروا فی نصف الشهر الأول قوتهم نصف الأکل و فی النصف الآخر قوتهم ربع الأکل و کذلک لدوابّهم/.
قال باش آغة السید أحمد ولد قادی فی کتابه و کان حاضرا لتلک الواقعة ذات الویل، ثم رجعوا إلی المحلّة برشقون فمکثوا بها نحو الشهرین منحصرین حتی اضطروا لأکل لحوم الخیل، و قال بعض مؤرخی النصاری و کان من الحاضرین للواقعة المذکورة، و صبرت الجیوش علی هذا الامتحان الذی به الواقعة المشهورة، و فی العشیة ذهبوا یلتمسون الحشیش فی الموضع الذی صار فیه الحرب، و لذلک حصلت الإقامة بتافنة حیث تکرر العطب، و صارت الجیوش بعضها یخدم و بعضها یحارب، و کل یوم هی فی الهلاک و الذهول المنجارب، حتی ظننا لیلة من اللیالی أننا هلکنا فی مواضعنا، و من ذهب للحشیش أتی بسرعة للمحلّة و مکثنا بمواضعنا، و منع هیجان البحر المراکب من اتیان الزاد و تعاظم الرعد و المطر علی العباد، و ضاعت المراکب بزادها، و وقعت المشاجرة علی لحوم الخیل الذین قتلهم العدو أو عطبها و ترکها فی نفادها و حصل الاذن فی قتل خیول المدفع و تفریقة (کذا) لحمها علی الجیش، و ضاعت الدواب من قلة الأکل وطالت الشدة علی الجیش، و ذلک من خامس عشر إبریل، إلی عشرین میب (کذا) بالترتیل. ه .
و بعد هذه الواقعة بشهر وقع بین المخزن و الأمیر معرکتان إحداهما میمنة تافنة و الأخری میسرتها تسمیان بواقعتی الشباک، لکون المعرکة تقع بینهما علی أخذ التبن من الاندر فی الشباک، و فی الرابع عشر من میب (کذا) جاءهم شی‌ء من الزاد، و فی تلک المدة کان البعض من جیش الأمیر یأتی من وراء فساطیط المخزن و یقول لهم أن نساءکم و أولادکم هم فی السجن عند الأمیر و ما ترکتمونه من أموالکم بنجعکم أخذناه و قسمناه بیننا فموتوا جوعا و حسرة لا نال منکم أحد
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 160
للمراد، و کان الکلام الصادر صحیحا، لأن الأمیر أو خلیفته البوحمیدی ذهب لیلا لناحیة وهران و جال بشاطی‌ء البحر جولانا صریحا، فخرج بالحفرة و المسیلة و هجم علی بعض الدواویر من الدوائر فأخذ نساءهم و صبیانهم و أموالهم و نال للوطایر، و کانت ثلاثة دواویر بالمعتبر، و هم أهل الموفق و أهل الحبیب بالشریف کانوا نازلین فی خروبة أولاد البای فی المشتهر، و أهل قادی کانوا نازلین بعین النعجة فی الحفرة قرب العنصر، و قد مات من أهل قادی سی زلاط بالطاوی، و من غیره بن عبید بالهاشم الخضراوی، و الشیخ بوعافیة بالنبی و الحاج الحبیب بن عودة المعروف بولد القادرة، و مجاهد بالسنوسی و عدة بن سعد بالمشاهرة.
قال و لنرجع بالکلام إلی الناحیة الشرقیة فإن أهل مینا و شلف التحتانی السابقین الذکر لما أذعنوا حصل لهم الخوف من العدو و راموا للبرقیة، سألوا من البای و آغة المزاری أن یجعلا لهم تأویلا، و کانا لم یکن عندهما أمر علی ذلک و خشیا أیضا علی أنفسهما فارتحلا من مزغران لمستغانیم و راما تجاویلا، غیر أنّ الجیش الذی عندهما ما بین النصاری و المخزن لیست فیه کفایة، لکون أکثره،/ بالجهة الغربیة من أول الأمر لأخذه و جیشها لیست به وقایة.
قال و لنرجع بالکلام علی الجنرال دارلانج بالجهة الغربیة فإنه بعد واقعة سیدی یعقوب أراد أن یأخذ نصف الجیش و یدخل به لوهران و یترک النصف الآخر عسة بسیدی یعقوب إلا أنه لم یأته أمر علی ذلک و تشاور مع مصطفی بن إسماعیل علی السفر هل بالبرّ أو البحر فی حال رجوعهم لوهران، فقال له لا أعرف لا أنا و لا مخزنی البحر و معرفتنا البرّ علی ظهور الخیل، و لا عبرة بالعدو و لو کان عدده کالسیل، و إنما الذی یذهب فی البحر الأمراض لا غیر، و کانوا مائة و أربعین فرکبوا مع العسکر و سافروا لوهران فی البحر بالمحقق لا ضیر.
ثم جاء الخبر بقدوم أربعة آلاف و خمسمائة عسکری فی البحر للحمایة و النصرة، و إدراک المراد من العدوّ و حصول الظفرة، فذهب الجنرال فورا لوهران، لیتحقق بالخبر و علی ما وقع من الغرابة و کان، لکونهم لهم تسلط علی وهران عظیم، و لا فرق عندهم بین النصاری و المخزن و لهم تلصّص جسیم، ثم
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 161
رجع لتافنة محل الخوف، لیزیل ما به من الرعب و الخوف، و فی سادس جوان من تلک السنة رسّ البابور بالجند القادم للنصرة و إزالة الشرور، ففرح الناس بذلک بعد ما کانوا فی أشد الجوع و التعب و الألم ثلاثة من الشهور، و کان رایس (کذا) المحلّة الواردة الجنرال بیج فنزلت بتافنة لنیل الفرح و السرور، و فی ثانی عشر جوان خرجت المحلّة من الحصار، و زال ما بها من الضنک و فازت بقضاء الأوطار، و بعد استراحة الجیش أیاما رجعت المحلّة لوهران مع الطریق القدیمة التی مرّت علیها محلّة الجنرال دارلانج المذکور، و کان ذهابها لیلا علی و لهاصة فی المسطور، فبنفس صدودها من تافنة بدأها العدوّ بالمقاتلة و کثر علیها بالواد العازر، و فی صباح الغد تشجعت المحلّة و تجهدت للقتال و نیل الوطایر، و برز للعدّو الشجاع مصطفی بمخزنه و شفی بقتاله العلیل و أبرد الغلیل و قتل منه خلقا کثیرا بالمشاهر، و مات (کذا) من المحلّة نحو العشرین و لا لحقها خوف و لا ضنین، فلله درّ المخزن بأعیانهم سیما ما ولد إسماعیل، فلقد کان العدّو بین أیدیهم یتقلّب کالزروز خوفا أن یکون فی العذاب الجلیل، قال و من ذلک الیوم بدأ العدّو فی النقص مما کان فیه من التزایود (کذا)، و فی سادس عشر جوان دخلت المحلّة وهران فی أمن و أمان و لم یتکلم فیها بعد ذلک وجه واحد من البارود.
ثمّ بعد یومین أمر/ الجنرال بیج (بیجو) بإحضار خمس أو ستمائة دابة من المخزن لحمل الأثقال فأتته و حمل أثقاله و خرج بمحلته و المخزن أمامه من وهران، فمرّ بالکرمة و تلیلات و أولاد علی و ما بعدهم من بلاد بنی عامر إلی أن دخل تلمسان فی الیوم الرابع و العشرین من جوان، و ألفی المحلّة التی ترکها عسّة فی غایة الراحة و لا یخصها إلا الزاد، و قال مرطبلی: ألفی الثغر محصورا و لا علم لأحد بذلک فی غایة المراد، فذهب بمحلّته لتافنة لیأت (کذا) لها بالزاد، قال مرطبلی و لا یظن أحد أن برّ الجزائر لیس به رجال و لا أبطال، و إنما
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 162
به ما لا یحصی و لا یعد من الأبطال و الرجال، و لولاهم لم یفسد هذا الوطن علی الأمیر و لا یملکه أحد بالعنان و النصال، قلت و مراده بذلک المخزن، الذین بهم تعز الدولة أو تهن. و فی الغد أتت المحلّة إلی یسر، و کان یوما شدید الحر، و هجمت فی ثلث الطریق فرسان الأمیر علی مؤخر الجیش، و کثر الصیاح بصواعق الطیش، و هجمنا علی العدّو و معنا مصطفی بمخزنه، و تزاید العدّو و لا زال عن وهنه، و لا زال القتال متزایدا بین الفریقین بغایة ما کان إلی أن دخل الجنرال بجیشه مدینة تلمسان، و کان صدود المحلّة من تافنة لتلمسان، فی رابع جلیت (کذا) من السنة المذکورة، و فی عشیة ذلک الیوم خرج جیش الأمیر علی ثلاث بطیونات الذین فی رئاسة الکولونیل کومب وشدد علیهم بأحواله المشهورة، فارتحل الکولونیل بجیشه فی أول النهار خفیة و سار إلی أن نزل بسبعة شیوخ، علی مسافة نحو العشرة کیل میتر (کذا) من موضعه الأول المرسوخ، و لم یخلص من ذلک الجیش إلا بالمحلّة التی کانت تأتی من تافنة بالزاد المرضوخ، فإنها وصلتهم بعد ساعة من نزولهم بسبعة شیوخ، و من الغد بعث ألفی فارس لیمین الواد، و نزل هو بجیشه أسفل المحلّة نحو الأربعة کیل میتر بتحقیق المراد، و حصلت المقاتلة الشدیدة بین الفریقین فانجرح مصطفی بن إسماعیل برصاصة من خنصر یمناه إلی أن تکسرت بغیر المین.
قال باش آغة ولد قادی فی حکایاته و لم یتضعضع مصطفی من ذلک بل لا زال یقاتل علی ذلک الحال، و لما همّوا بمعالجته أبی و قال الدّماء حنّاء الرجال، و زاد العدّو فی هجومه و زاد جیش الدولة فی ضربه بلطومه، إلی أن مات و انجرح من جیش الدولة ثلاثین نفرا، و أخذ من جیش الأمیر مائة و خمسون أسرا (کذا) و بعد المقاتلة جمع الجنرال المحلّة و قام فیهم خطیبا، فمدح مصطفی و مخزنه الذی قدره أربعمائة فارس ترتیبا/ و ذکر فی خطبته إسماعیل ولد قادی الذی جرح فی خامس عشرین إبریل المار، و کان فی خامس جلیت (کذا) من المتقدمین فی الصف الأول إلی إتمام القتال بالاشتهار، و قد کان السرسور موجودا فهرب العدّو و ترک مجاریحه و موتاه، و بعد القتال بعث الجنرال بیج علی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 163
عشرة من علامة الافتخار لمکافات (کذا) المخزن علی جمیل فعله فی أوله و أخراه، و أتی الجنرال إلی حذو سیدی أبی الأنوار و من الغد دخل تلمسان و هو سابع الشهر المذکور، و أمر الجنرال فی ثامن الشهر المقرّر بأخذ زرع و قمح مطامیر بنی ورنید لتتزود به محلّة تلمسان فی المسطور، و فی ثانی عشر ذلک الشهر مرّ الجنرال بمحلّته و أمامها المخزن علی یسّر و تالوت و سائر بلاد بنی عامر الذین فی طریقه و الجمعة و مکدرة و تلیلات، و الکرمة و دخل وهران فی الثامن عشر منه بعد ما أخذ حبّ جمیع الأماکین (کذا) التی مرّ علیها و أتی بعدة أساری (کذا) فبعثهم للجزائر ثم لافرانسا بإثبات، ثم ذهب الجنرال بیج للجزائر و منها لافرانسا لتجهیز الجیوش لاسبانیا بغیر التحایر.
هذا و أنّ الأمیر بعد واقعة سکّاک ذهب لقاعدته و استقر، و ذهب الجنرال بیج لافرانسا کما مرّ و ترک للجنرال دارلانج الأمر، فبقی هذا الجنرال بوهران أیاما، و أتاه الأمر بالذهاب لافرانسا إلزاما، فذهب و خلّف بموضعه الجنرال لیطان، فمکث أیاما لاستراحة الجیوش و خرج من وهران فی أول أوت، من سنة ست و ثلاثین و ثمانمائة و ألف فی قول ثابت، و المخزن أمامه لأنه علیه الاعتماد، و غرضه التوجّه إلی تاسالة فمرّ بتلیلات و الجرف الأحمر و جنین مسکین و أخذ ما فی مطمر مکدرة من حب أولاد علی أحد بطون بنی عامر و صار ذلک الحب للمحلّة من جملة ما لها من الزاد، و فی الغد حصل الکلام مع أولاد سیدی غانم و غیرهم من المرابطین، و اشترت الدولة منهم مائة ثور و کان الوطن خرابا لا راحة فیه لمسکین، و فی هذه الغیبة أخذ الغرابة من وهران غنم البایلک، و وهران محصورة بغایة ما هنالک، و فسد سوقها و حلت بأهلها المصائب و الکروبة و صار الخبز و الدقیق و اللحم و القمح و الشعیر و الحشیش و جمیع الأشیاء لا تأتیها إلا من أوروبة (کذا) و مع ذلک لا یصلهم هذا الزاد إلا بشق الأنفس بالمشقة الفادحة، و من خشیة انقطاع الزاد صاروا یبدلون الخبز بالرّوز و هم فی الأحوال القادحة.
ثم بعد انصراف حرّ الصیف خرج الجنرال لیطان بمحلّته و المخزن أمامه، و علامة النصر وراءه و قدّامه، فمرّ بتلیلات و مکدرة و ثینة ماخوخ التی ببلاد أولاد علی فأخذ کلّ من وجده فی طریقه، و بقی یجول بها اثنا عشر یوما و رجع بما غنمه مع طریقه، و قد خرج الدوایر فی ثالث الأیام فی فج أولاد علی علی فرسان
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 164
بنی عامر، فهربت تلک الفرسان کأنّ قلوبها فی جناح الطایر/ و لما وصل الجنرال لوهران جهز جیشا لنظر مرطبلی لجواس غابة المسلة، فذهب و رجع من غیر ملاقات شی‌ء بغابة المسیلة، و فی ثانی أکتبر (کذا) من السنة المذکورة، خرج الجنرال من وهران فی ستة آلاف من العسکر، و معه مصطفی فی خمسمائة من مخزنه المعتبر، فمرّ بتلیلات و سیق و هبرة، و اجتمع بها مع البای إبراهیم و المزاری فی محلّة لاکنها (کذا) ضعیفة فی صحة الخبرة فصار هو و المخزن یمشون أمام المحلة إلی أن وصلت لماسرة باشتهار، فأخذوا مطمر أولاد سیدی عبد اللّه بن خطاب ثم زادوا لمعذار، و لما کانت المحلة بین کلمیت و معذار من بلاد مهاجر، أتاهم الأمیر فی ثلاثة أو أربعة آلاف فارس فقتل منهم عشرة فوارس و زاد لموضع آخر لکونه یرید الهجوم علی أهل مینا و شلف التحتانی، الذی أذعنوا للدولة و حصل لهم التهانی، و فی ذلک الیوم جاء الأمر للجنرال لیطان و هو بماسرة بالقوة الیقینیة، لیبعث أربع بطایونات لعنابة للمریشال کلوزیل الذی قدم من افرانسا لیذهب بهم إلی قسمطینة (کذا) فبعث له ذلک و رجع لمستغانیم ثم دخل وهران فی حادی عشرین أکتوبر من السنة المقررة، و ذهب بما عنده من الجیش لتلمسان فی ثالث عشرین نوانبر (کذا) و وصلها فی الثامن و العشرین منه فی القولة المحررة، و أمر مصطفی بمخزنه بالذهاب لأخذ الحب القریب، فذهب و أخذ بتمامه و أتی مسرعا فی أمر عجیب، و فی لیلة التاسع و العشرین من لیلة نوانبر (کذا) المذکور، دخل الجنرال وادی یسر من غیر متعرض له بشی‌ء من المشهور. و فی صبیحة تلک الیلة (کذا) ألقوا بعض العدو بناحیة نخلة أبی غایط، فأخبر ذلک البعض الأمیر و معه خلیفته البوحمیدی و معهما الخلق الکثیر المتعایط، فکان مصطفی بن إسماعیل بمخزنه فی الجهة الیسری للعدو، و الکولونیل کومب فی الجهة الیمنی و الجنرال لیطاق دار بالعدو و حصل القتال الشدید بین الکرار فی الجروب مصطفی بمخزنه و بین الأمیر و ظهر علیه مصطفی بمخزنه غایة الظهیر، و قد وقع محمد ولد قدور البحثاوی فی ید العدو فأخلصه الجنرال بجیشه، و أطرد العدو علی نحو العشرة کیل میتر (کذا) بغرب تموشنت و رجع العدو لإمرار عیشه و بطل من عنده البارود و ذهب للموضع الذی کان به نازلا، فجاء الجنرال بکبراء المحلة إلی فسطاط مصطفی بجیشه
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 165
عاجلا، و أثنی علیه و علی مخزنه بما صدر منهم من الفعل الجمیل و القتال الوافر فی ذلک الیوم، و أنهم من أهل الشجاعة و البسالة و النجدة و الکرم لا من أهل الجبن و الخوف و البخل و اللوم، و فی أول دسانبر (کذا) من تلک السنة جاء الأمر بأن المریشال قدم من عنابة للجزائر بالبیان، و رجع الجنرال لطان من سفره فی رابع ذلک الشهر لوهران، و ذهب کل من المریشال و الجنرال لیطان لباریز بالاشتهار، و جاء جنرال آخر لوهران بدلا من لیطان یقال له ابروسار و ذلک فی ثالث عشر جانفی سنة سبع و ثلاثین و ثمانمئة و ألف، موافقة لسنة اثنین و خمسین و مئتین و ألف، و معه یهودان (کذا) أخوان/ من الجزائر أحدهما اسمه مسعود بن دران کانا عدوان للمخزن و صدیقان بزعمهما للأمیر بحسب البیان، لکون المخزن ألفاهما المرة بعد الأخری بالدار البیضاء بسوائج وهران، ذاهبین بالقراریط المشحونة بالحدید و الکبریت و الذکیر و ملح البارود و کل ما فیه الضرر للدولة بالمشاهدة و العیان، فأخبروا الجنرال بذلک و تغافل عنهم بالسریعة. لکونه له علم بذلک و مواقفهما فی الخدیعة، و کان الغرابة فی بعض تسلطهم علی وهران أخذوا الغنم المعینة للمحلة کما مر فاختصت المحلة للحم المورث للغبن، فاتفق الجنرال ابروسار مع ابن دران الیهودی علی أن یأتیه من عند الأمیر بما یخص المحلة من الغنم و بما یخص الذین بتلمسان من الحب و غیره و یعطیه فی نظیر ذلک جمیع أساری سکاک الذین بافرانسا أو یدفع له إن شاء الثمن، فنشر الأمیر الخبر قبل أخذه الثمن، و لما سمع المخزن ذلک حصل لهم القلق و الهول و شدة التعسیر، و صار من ذلک الحال فی الانحصار الکثیر، و لما بلغ الخبر لافرانسا أخروه عن وهران و بعثوا بدله الجنرال بیج بالبیان، فاستراح المخزن و زال ما به من الضیق و القلق و حصل فی السرور و الأمان، و أتی الجنرال بیجو معه بالجیش و الزاد و الخیل و ستمائة بغل لحمل الأثقال فی النهار و اللیل (کذا).
ثم فی أوائل إبریل من سنة سبع و ثلاثین و ثمانمئة و ألف، الموافقة لعام اثنین و خمسین و مئتین و ألف ذهب المریشال کلوزیل و جاء بمحله الجنرال دمریم بغایة التبدیل و فی أول مای توجه الجنرال بیج بجیشه لتلمسان، و وعظ
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 166
العرب کثیرا علی التقصیر فی الخدمة فلبوه بالقبول و الإحسان و سار نحوها من غیر رعب و لا خوف و لا هول، بل اعتمد علی جیشه و مخزنه و ما رزق اللّه من القوة و الصول، فضاع له فی الیوم الثالث من البغال خمس و سبعون بغلا لصغر سنهم، فأفزعته تلک الخسارة الفادحة الواقعة فی کنهم، و لما حل بقرب البریج هجمت علی المحلة فرسان من أولاد الزایر، لکن هجومهم کان کهجوم الرجل الخائف الحائر و وصلت المحلة لتلمسان و واد تافنة فی أمن و أمان، و قد حصل من کبراء المحلة بعض التراخی فی الطریق حال هجوم أولاد الزایر فاستوجبوا عقوبة لتقصیرهم فی العمل و تفریطهم فی الخدمة فی صحیح المخایر، و لما حل الجنرال بیجو بتافنة ألفی بالتحقیق قیمة ما بنیت به تلک المدینة، و هو ستمئة ألف فرنک فی القولة الصحیحة المبینة. و فی أثناء ذلک الحال بعث الجنرال الکبیر/ من وهران للجنرال بیجو لیقدم عنده من النواحی الغربیة فقدم لدیه لوهران بمحلته التی فیها ثمانیة آلاف إنسان، و لما وصله تشاورا بینهما علی الصلح مع الأمیر بواسطة ولدی بن دران، الذین کانا فی التجارة بین الفریقین التی لیس للیهود فیها خسران، فبعثا معا بن دران الکبیر للمعسکر فذهب و أتی معه بالمولود بن عراش آغة الشرق و سفیر الأمیر بکل ناحیة علی شان الصلح فوصلا لوهران و تکلم معه الجنرال علی الصلح فأجابه بأنی نائب الأمیر و لا یکون الصلح إلا بالشروط التی تبان، منها أن یکون الدوایر و الزمالة کغیرهم علی حکم الأمیر، فعظم هذا الشرط علی الدولة لکونهم من صدقائهم (کذا) و حضروا معهم للمعارک کلها قلت أم جلت و تقدموا قبلهم للموت للدفع علی أنفسهم و علیهم و جاءهم من الأمر الشدید العسیر، و منها أن الأمیر لا یدع لهم یبقی علی أیدیهم من البلاد فی عمالة وهران و الجزائر إلا ما کان بسواحل البحر بالتحریر، ففی وهران من البریدیة للمقطع لمستغانیم، و ألحّ علیه فی سائر الأمور.
و لما رأی الجنرال طول الأمد و أن الخبر بینهما ذاهب و آت و انتشر الخبر بأن الصلح سینعقد بین الدولة و الأمیر، و سیصیر المخزن تحت حکمه فیخلف منه الثأر تقلق المخزن بالتقلق الکثیر، و صار مصطفی یضحک من ذلک و یسلی مخزنه و یخاصمهم علی الجزع، و ینهیهم علی ما حل بهم بلا فائدة من الفزع، خرج من وهران فی الخامس عشر مای من السنة السابقة، و معه مصطفی بمخزنه
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 167
بالمصاحبة، الموافقة اللاحقة، فنزلت المحلة بالبریدیة بالتحریر، و فی تلک اللیلة (کذا) هجم الأمیر علی دواویر المخزن النازلین بالهایج الکبیر، فسبا (کذا) أربعة دواویر أحدهم دوار قدور بن إسماعیل محفون و کان الجنرال قد ذهب معه فی تلک السفرة یهودی من وهران لتلمسان یقال له مخلوف خلفون و قد کتب هذا الیهودی للجنرال لما کان بافرانسا بأنه ألفی للصلح بابا مفتوحا أسهل من الأول بغایة الاقتدار، و لما وصل الجنرال لتلمسان سأل منه الیهودی خلفون تسریح السی حمادی السقال قاید الحضر فی أیام الأمیر و قد سجنه لما ظفر به الکوماندار، فأخرجه الجنرال من السجن و تکلم معه بواسطة خلفون علی الصلح و بعثه فورا للأمیر، و هو نازل بتالوت القصبات من بلاد أولاد المیمون فی القول الشهیر، فذهب الصقال فورا و رجع من الغد للجنرال برضاء الأمیر بالصلح علی شروط أسهل من الشروط التی حضرها الیهودی بن دران، قال فبنفس ما وصل الخبر للجنرال بیجو ذهب للمحلة التی هی بتافنة بعد ما أرسل مرة ثانیة سی حمادی الصقال للأمیر بالعیان.

إبرام معاهدة تافنة و شروطها

ثم جاء الأمیر و نزل بمحلته فی سیدی علی الزناقی غربی تموشنت/ بالتقریر، و بعث سی حمادی السقال و خلیفته البوحمدی و حبیبه الحاج محمد بلخروبی القلعی مصاحبین للوکالة عند الجنرال إلی تافنة لإبرام الصلح بغایة التشهیر، و حین تفاوضوا رضوا بالشروط التی صدرت من الجنرال إلا شرط واحد أنکره أصحاب الأمیر یکون فی حمایة الدولة و قالوا له أن شریعة الإسلام تنهی عن هذا من غیر التخییر، و کانت الشروط المقبولة من الجانبین ثمانیة، و هی: أن تفرغ الدولة للأمیر تلمسان، و أن تفرغ له تافنة علانیة، و أن تسرح له فورا جمیع أساری سکاک. و أن یدع الأمیر بید الدولة وهران و نواحیها من طریق صلاد إلی سبخة وهران إلی المرجة إلی سیدی سعید و منه للبحر بغیر اشتراک و أما ملاتة دایریة و زمالیة فهی للأمیر، و أن یدع لها بنواحی مستغانیم ما فعله بوهران و لا حد فی ذلک إلا بإذن الأمیر، و أن یدع لها ما بیدها من نواحی الجزائر و أن یکون البیع و الشراء بین الفریقین فی غایة التسریح، و أن یدفع الأمیر للدولة الحبوب و الدواب
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 168
المباحة الأکل التی تفتقر إلیه موصلة إلی محل الاحتیاج بغایة التبریح، و کانت هذه الشروط قد عزم علیها الجنرال أبروسار حال قدومه، فذهب قبل إتمامها و صار فی عدومه.
ثم اجتمع الجنرال بالأمیر بفج العطش فی أول جوان، و کان الأمیر معه کبراء عسکره و خلفائه الاثناعشر و جیوشه الخمسة عشر ألف بالبیان، و هو راکب علی فرسه الأدهم لابسا برنوسا أبیض جاعلا قلمونته علی رأسه و علیها خیط من الوبر، و کان فارسا شجاعا بطلا مطاعا و له أربعة عبید تابعة له بالأثر، فجلسا معا علی الأرض و حذاءهما الترجمان أراهمشة فی المضمون و الیهودی مخلوف خلفون، فذکر الجنرال ما أراده و به فاه، و أجابه الأمیر بقوله إن شاء اللّه. فوقف الجنرال و قال له قد سؤت الأدب (کذا) لما لم تجاوبنی و أنا وکیل الدولة، و جذبه من یده و أوقفه بسرعة للجولة، فاستغاظ الأمیر و رکب فرسه و دخل جیشه و ذهب إلی سبیله، و ترک الجنرال واقفا بسبیله ففطن الجنرال لفعله و ذهب لمحله بتافنة باعتبار البیان، و فی رابع جوان المذکور رجع الجنرال بجیشه لوهران و کان هذا الصلح فی ثالث عشر صفر من السنة العربیة المذکورة، و یعرف بصلح سکاک و بتافنة المشهورة، و قد کان مصطفی بن إسماعیل لا خبرة له بهذا الصلح و لم تشاوره علیه الدولة إلا بعد إبرامه فقال لهم أنتم أعلم بما ینفعکم و یلیق بکم غیر أن الذی یظهر لی أنکم غلطتم کثیرا و ستندموا علی رأیکم و الصدوق یظهر صدقه من کلامه.
ثم بعد انبرام الصلح بتافنة بعث الجنرال بیج للجنرال دمریم بوهران، و قال له لا تبعث للمعسکر الیهودی بن دران، لأنه فی فعله یخلط و یزید الهوان، و لما وصلت المکاتب للجنرال الکبیر بوهران، ألفی الیهودی بن دران قد ذهب للمعسکر، و بفور وصوله للمعسکر، کتب للمولود بن عراش و الأمیر أن ینکر الصلح الذی فعله خلیفته/ بمن معه فی المستبن لأنهم ترکوا من الشروط ما شرطه الأمیر علی الدولة من أمر المخزن، و کان الجنرال قال مرة أخری للأمیر انزل بمحلتک فی مقطع أم الربیع نیشان العنصر بالتحریر، لأنی نازل بفم تافنة فقبل منه ذلک الأمیر و لما سمع الیهودی بن دران بذلک بعث مکتوبا للمولود بن عراش یقول له فیه بالقوة و الجهد، احذر نفسک من النزول فی الموضع المعین
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 169
و لا تأمن فی أحد، و حین سمع الأمیر ذلک لم یرد النزول به فی المشتهر، و لما سمع الجنرال أتی بنفسه لیتحقق بالخبر، و لما أراد الانصراف أتی المولود بن عراش بینهما و مکن للأمیر بطاقة و هو مکنها من الجنرال، و أمره أن لا یطلع ما فیها إلا إذا وصل لمحله و کان فارغا من الأشغال، و کان الأمیر شرط فی تلک البطاقة علی الجنرال أن ینفی اثنا عشر رجلا من المخزن و یبعدهم عن الوطن، منهم رایسهم (کذا) بالجهة الغربیة مصطفی ابن سماعیل و رایسهم (کذا) بالجهة الشرقیة المزاری بغیر الوهن، و اسماعیل ولد قادی، و محمد ولد قدور البحثاوی، و عدة ولد عثمان، و الحاج الوزاع بن عبد الهادی، و غیرهم لیحصل للجمیع الراحة مع الأمن، و ینفی من مستغانیم إبراهیم أبا شناق، لیکون الارتباط بینه و بین الدولة بغایة ارتفاق، و لما أطلع الجنرال علی ما فی البطاقة ترک الجواب عنها و صیر نفسه کأنه غفل عن حلها.
ثم بعد أیام جاء الأمر لمصطفی بأنه تسمی جنرالا و معناه رایس (کذا) الجیوش المخزنیة و کبیر قسمة وهران بکلها، و لما سمع الأمیر بارتقائه لذلک المنصب و مکافأت الدولة للمخزن بإعطاء الجوامک أیس من ذلک و أمره تلف، و لم تنقطع تلک المکافآت علی خیالة المخزن إلا فی المعرکة الواقعة فی عام خمس و أربعین و ثمانمئة و ألف، و کان انبرام الصلح بالنسبة للشهور المسیحیة فی ثلاثین مای المتقدم الذکر، و فی رابع جوان من تلک السنة فی القول الشهیر خرج الجنرال بجیشه من تلمسان و تافنة و دخل وهران فی تاسعه و دخلت تلمسان فی طاعة الأمیر.

الأمیر ینظم دولته بعد صلح تافنة

قال مرطبلی فی تاریخه و فاز الجنرال بیجو بافتخاره و همته علی سائر الأقران، کما فاز الأمیر بدین الإسلام و ناربه المکان، قال و اشتد الأمیر فی شراء السلاح و الخیل و کل ما یفتقر إلیه من الآلة، و کتب کثیرا من العسکر و الخیالة، و ضبط أمره بحسب استطاعته، فهو شجاع لکن (کذا) الخدیعة فی جماعته، مع شدة رأیه العسیر، و عدم إنصاته لأهل الرأی و التدبیر، بل کان رأیه فی ید بنی عامر و الحشم، فهو مصغ لهم إلی أن أورثه ذلک للتلاشی و الفصام، و لو مشی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 170
برأی السید الحاج عبد القادر أبی کلیخة و السید الحاج محمد بن الخروبی و المولود بن عراش، لکان مستقیم الأمر و مستدیم الملک لکنه (کذا) کان مصغیا للأندال و الأوباش.
و صیر رعیته علی تسعة أقسام، و جعل علی کل قسم خلیفة علیه لتدبیر الأمور و الأحکام، و نقل کرسی مملکته لمدینة تاقدمت و صیرها قاعدة ملکه لکونها بلد أسلافه بالاحتکام/ و ضرب بها السکة و السلاح و دام الصلح بین الفریقین أربعة أعوام و صار سلطان الفرانسیس یهادیه بأتحف الهدایا التی لدیه، و هو یبعثها لمولای عبد الرحمن سلطان المغرب الأقصی (کذا) و صیر نفسه کأنه الخلیفة علیه.
قال فی جوهرة الرضی:
و بدا له فی نقل أهله دخره‌لتاقدمت الغد أحل بها و استقر
لکونها کانت مسکنا لأسلافه‌فصیرها دارا للتعش بها أجدر
و عاد بها الإیوان للخیر و الرضی‌و أنواره تلوح بالعز و النصر
و أهل التلول و الصحاری بنصره‌تنادی جهارا رائمة نیل الوطر
و عدد الخلفاء لضبط أموره‌فی سائر ملکه فحق له الوقر
کما عدد الآغات ثم قیاده‌و رتب ملکه ترتیب من انتصر
و قال فیها أیضا:
و رتب جیوشا لدفع عدوه‌من رکاب و المشاة یضبطها الدفتر
فرکابها سیافة و خیالةو مشاتها هم المسمون بالعسکر
و کل فریق اسم رایسه آغافحبذا من جیش و حبذا من أمر
قال و لنرجع بالکلام إلی الیهودی بن دران الذی کان سببا فی الصلح لدخوله تحت رأس الجنرال و المکلف بتبلیغ الهدایا للأمیر، فإنه قال للجنرال مرة کان اللائق بک أن تهادی أعیان دولة الأمیر و أهل دائرته و حزبه کما تهادی الأمیر، لتکون کلمتک عنده و عندهم مسموعة و عالیة، و بذلک یدوم الصلح فی قولة جالیة، فوافقه الجنرال علی ذلک و بعث هدیة من الدراهم لأم الأمیر و زوجته
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 171
و الحاج الجیلالی بن هاویة صاحب الأمیر و الحاج البخاری أبی زید قائد المعسکر و غیرهم من أهل صحبته، و کان هذا الیهودی انتقم اللّه منه سمسارا عظیما، و جعل بین الدولة و المخزن و بین الأمیر خلاطا جسیما، من جملته أنه أتی ذات یوم إلی مصطفی و المزاری، و صار یعطیهما فی الرأی الذی نظرهما فیه أحسن و یقول لهما لو ذهبتما لبیت اللّه الحرام لأداء الفریضة لکان لکما أحسن من کل شی‌ء بغیر التماری، فأجابه مصطفی بقوله أیها الیهودی قد علی شأنک إلی أن صرت مدبرا لنا (کذا) اذهب فی حالک عنا فإن الدولة إذا أرادت نقلنا لمحل آخر فلها ذلک، و إنی بحمد اللّه لمتهی‌ء لذلک، و أما الحج فهو من دیننا إذا یسره اللّه علینا/ فلا أشاور فیه أحدا سوی رأسی و لا مدخل لأحد فی ما هو اختیاری، و وافقه علی ذلک ابن أخیه المزاری و لما لم یجد حیلة لتفریقة (کذا) بین مصطفی و المزاری و المخزن فی جمیع ما قد انتخب، ذهب للحاج الوزاع بن عبد الهادی الزمالی و قال له أنی وجدت لک منصبا فی عمالة الجزائر إذا أردته و تستریح من مصطفی فخذه فأجابه لذلک و ذهب، و أما البای إبراهیم أبو شناق ذو الرأی الجایر، فإنه لما رأی ذلک سلم فی الوظیف و دخل للجزائر، و لما رأی الأمیر جیشه قد زاد فی القوة و الکثرة و استراح، وقع منه الاعوجاج علی ما کان علیه لکونه کان لا یأخذ المکس المعبر عنه بالقمرث من الذاهبین لوهران بالمبیع و الآتیین (کذا) منها به حال الصلح بانشراح، و کل ذلک بسبب بن دران، لیحصل له الربح بکل ما کان.
و لما رأی الجنرال بیجو کثرة الخلاط الذی سببه الجنرال بروسار رفع أمره لشریعتهم بافرانسا بالتحقیق و کان بروسار ذهب لاسبانیا و منها رجع لافرانسا فأدخل فی السجن لغایة التحقیق، و حین سمع الیهودی بن دران بأن صاحبه فی الشرع خشی أن یقر بفعله الأمیر، و یکون فیه من أهل الصدق الکثیر آجر فورا رجلا من الزمالة بمائة دور و أمره أن یذهب عجلا، للمعسکر ببطاقتین أحدهما للأمیر و الأخری لبنی عراش فأخذهما و ذهب لیلا، و لما سمع الیهودی عقّ أمسلم المطلع علی أسرار الأمیر بفعل بن دران، و کان بینهما التنافس أخبر الدولة بالبطاقتین و ما فیها قد کان.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 172

الفرنسیون یحتلون قسنطینة

و لما شرعت الدولة فی البحث علی هذا الأمر فی بلد بربینیا، حصل القتال بقسمطینة (کذا) بین الدولة و البای أحمد حتمینیا، و بها مات المرشال دمریم بالکورة فی الحادی و العشرین من اکتوبر من سنة سبع و ثلاثین و ثمانمئة و ألف الموافقة لعام اثنین و خمسین و مئتین و ألف و تولی بموضعه فالی مریشالا و ذهب الجنرال بیج لافرانسا فی السابع من دیسمبر من العام المار، و تولی بموضعه الجنرال أوفری الذی کان بموضع الجنرال أبروسار إلا أنه لم یطل لکونه ذهب للجزائر عند المرشال فی الخامس و العشرین من جانفی سنة ثمان و ثلاثین من القرن المسیحی المذکور، و تولی بموضعه لیتنة جنرال و هو رفتیل الذی کان یروم إبطال الصلح إلا أنه مرض و ذهب لافرانسا فی أوت من تلک السنة فی المشهور.

المولود بن عراش یسافر إلی فرنسا

و کان المولود بن عراش ذهب سفیرا لافرانسا فی الخامس و العشرین من جویلیة من تلک السنة و صحبته هدایا عظام من عند الأمیر لسلطان افرانسا باشتهار، و قد ذهب مصطفی بن إسماعیل قبله إلی مدینة بربینیا فی افرانسا فی الثانی و العشرین من جوان شاهدا فی قضیة الجنرال أبروسار و لما ذهب الجنرال رافتیل لافرانسا مریضا تولی بموضعه الجنرال فینوی/ فی أول ستانبر (کذا) من السنة المحاصلة، و حین رأی الأمیر غشامة الجنرال و غیبة مصطفی أخذ فی الاستعداد لإبطال الصلح و الشروع فی المقاتلة.

تقریر ابن عراش للأمیر عن حالة فرنسا

و لما رأی بن عراش افرانسا و أحوالها و جیشها و ما هی علیه من القوة و التنظیم، قال للأمیر حال رجوعه أنک لا تطیق علی محاربة هذا الجنس لقوته
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 173
و ما علیه من التحتیم، و إذا أردت ذلک فینبغی لک أن لا تشرع معه فی العداوة و القتال و جمیع ما الأمر یؤل (کذا) إلیه، حتی تعین لنفسک و تابعک مکانا بعیدا محصلا لتمتنع به إذا غلبت و فررت إلیه.

الأمیر یهاجم حصن عین ماضی و یخربه‌

فاختار الأمیر عند ذلک عین ماضی بالصحراء التی غزتها الأتراک المرة بعد الأخری (کذا) ظنا منه أنها لبعدها من وهران و حصنها محل المنع، فذهب لها بجیشه و حصرها ثمانیة أشهر و عشرین یوما إلی أن قل ما بیده من الزاد و امتنع من النفع، و لم یطق علیها و لا وجد سبیلا لکبیرها التیجینی، و هو السید محمد الصغیر بن القطب المکتوم العلامة السید الحاج أحمد بن سالم التیجینی و کان نزوله علیها فی الیوم الرابع من ربیع الأول سنة أربعة و خمسین و مئتین و ألف، الموافق لسنة ثمان و ثلاثین و ثمان مئة ألف.
و لما لم یطق علی الدخول إلیها، استعمل الحیلة التی توصله لدخولها و الاحتواء علیها فبعث جماعة من العلماء و المرابطین و معهم صهره خلیفته الحاج مصطفی بن التهامی و هو الخلیفة بالمعسکر ذات الانتظامی فدخلوها بالإذن من صاحبها و قالوا له أن الأمیر المجاهد فی سبیل اللّه لم یرد مقاتلتک و لا العتو علیک، و إنما أنت أبیت من دخوله علیک، لأن النصاری إذا سمعوا بمقاتلتکما یضحکون علیه و علیک، و إنما أراد الملاقاة (کذا) معک للتبرک بک و الاقتباس مما لدیک، لما سمع بک أنک شریف النسب ناسک متعبد و أنک موصوف بالفضل و الخیر و قد ستر اللّه علیک و علی من معک فی بلدک مما أنظم إلیک، فلذک أراد الدخول لمدینتک بجیشه و یمکث بها أیاما بالتعبد و الصلاة بمساجدها، و یسأل اللّه (کذا) فیها أن یعینه علی النصاری مع مشارکتک له فی الدعاء بذلک و تأمین جیشک و جیشه علیکما بأورادها، ثم یذهب لمقاتلة العدو، الذی بغی علیه و شرع فی العتو، فرضی التجینی بذلک و أذن له فی الدخول و ذهب لموضع آخر من الصحراء و ترکه دخلها فی السابع و العشرین من شوال من السنة المذکورة، الموافق للثانی عشر من شهر جانفی فاتح سنة تسع و ثلاثین من المسیحیة المشهورة، و بمجرد دخولها شرع فی هدم صورها و تخریبها، فلم یطل بها بل
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 174
أخرج منها جبرا بقیام أهل الصحراء علیه مع ولد التجینی فی تخریبها، و رجع لبلده تاقدمت و استقر فیها بحسب الإمکان، و رامی نقض الصلح بینه و بین الدولة و الدخول فی حالة المیدان، فأمر خلیفته البوحمیدی بالذهاب للدوایر و الزمالة یتکلم معهم علی نقض الصلح فی السر و الإعلان، و ذهب هو لناحیة بجایة فی تلک السنة فی شهر جوان، و اشتغل بجمع الجیش بقصد المحلابة و الافتان:
و لما رجع من الجهة الشرقیة استیقض من نومه و فطن من غفلته التی بها قد کان، و اطلع یقینا علی أن الخلاط الواقع إنما هو بأسره من الیهودی بن دران، فسقاه/ کأس سم بملیانة و استراح من هم الیهودی کثیر البهتان، فیا لیته لو تمادی علی الصلح و تعضد بالمخزن بأجمعه من أول حاله لکان من أهل الإحسان.

نقض معاهدة تافنة

قال و لنرجع بالکلام علی البوحمیدی فإنه لما وصل إلی الدوایر و الزمالة سأل منهم الإذعان للأمیر، فلم یقبل کلامه منهم إلا من کان نازل بقرب طاعة الأمیر لما واعدهم بتبلیغ مرادهم لدی الأمیر فممن أذعن له من الدوایر الحاج قادة بالغول و یحیی بن رحو و الحاج بختی ولد الحشمیة، و ممن أذعن له من الزمالة السی أحمد بن مختار و بن یحیی ولد یوسف و قدور بن شایلة قولة مرویة.
ثم قدم الدوک دورلیان ابن سلطان فرانسا لوهران فی نصف ستانبر (کذا) من سنة تسع و ثلاثین و ثمانمئة و ألف و ذهب للجزائر، و استولت الدولة علی البیبان و مزایة فی ثامن عشرین أکتبر (کذا) من تلک السنة بالتصایر. و فی العید الکبیر من تلک السنة نادی منادی الأمیر بالجهاد، فاجتمعت علیه خلفاؤه و أغواته و قیاده بملیانة من سائر البلاد، ثم هجم علی متیجة فقتل کل ما فیها من عسکر الدولة و أضرمها نارا، و لم یراع لها حرمة و لم یخش عارا، و جاء البوحمیدی ثانیا بمحلته لقرب وهران، فتقاتل المخزن معه فی ناحیة و فی الناحیة الأخری مع الغرابة فی صحیح البیان.
و فی الثانی و العشرین من شهر جانفی سنة أربعین و ثمانمئة و ألف الموافقة للعام السادس و الخمسین و مئتین و ألف، حصل القتال الشدید بین المخزن
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 175
و خلیفة الأمیر بالمعسکر و هو الحاج مصطفی بن التهامی فی أبی التشیش، فانتصر المخزن علیه و هزمه إلی أن فرد فی حالة تفیش و من ثانی فابری (کذا) إلی سادسه من السنة المتقدمة البیان، ذهب هذا الخلیفة بجیشه إلی مدینة مزغران، فحاصرها أولا و انصرف عنها بإلزام، ثم رجع لها فی تلک المدة فحاصرها ثلاثة أیام، ثم أقلع عنها بعد ما ضاع له الکثیر من محلته علی ما قیل باحتکام، و مات من المخزن قدور بورقیبة و سی التامی، و بلفراق دوایر، و سی محمد بالصحراوی النقایبی البرجی فی قول من کان حاضرا و لیس بحایر، و من القرغلان خمسة و عشرون نفرا منهم بن عودة ولد المازونی و محمد بن دواجی و الزواوی ولد الحاج أحمد تریکی إلی غیرهم جهرا، و رومی فرانساوی (کذا) و عبد یقال له القرم.
و سبب قتله أنهم دخلوا دارا و اشتغلوا بالقتال و الذب عن أنفسهم و غیرهم إلی أن انقضی لهم البارود فی القول غیر المرم، ثم رجع لها مرة ثالثة ففتک بها کثیرا، و قتل أهلها قتلا عسیرا و ذلک أن العسکر الفرانساوی دخل جامعها و صیره حصنا للقتال، و شرع فی الدفع بغایة الأحوال فمن التجأ له نجی و من عجز أو لم یلتجأ (کذا) له قتله بتمامه، و فاز بنیل غرضه و مرامه و کان رجل من رزیو یقال له الزبیب رامیا، فجعل بشارا إلی أن قتل من جیش الخلیفة أربعة عشر نفرا قولا حافیا و لما انقضی له البرود قتل مع أمه و هو کالطود، و قد قتل العدو امزابیا بقبر العود، و کان العدو هجم علی مستغانیم/ فی الخامس عشر دیسمبر من سنة تسع و ثلاثین التی قبل هذه السنة، و حصل القتال بینه و بین أهلها و لذلک جعلت الحمایة بمزغران فی القولة البینة، و کانت الحمایة بها فی السادس عشر منه بتحقیق، و فیها من الشجعان المزری و قدور بالمخفی و غیرهما من ذوی البأس و التوفیق، و لولاهما لنال جیش الأمیر مراده، لکنه ذهب خائبا عن جمیع ما أراده.
قال القبرنور مرطبلی فی تاریخه و لما رجعت من مستغانیم لوهران أتیت برجل معی من أشجع العرب و أبغضهم للأمیر فی غایة ما کان، و هو الشجاع قدور بالمخفی البالغ النهایة فی قتل الفرسان، و بقینا بوهران فی حصار شدید،
.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 176
و ضیق مساحة بما لیس من مزید و مواشی الدوایر و الزمالة قد ضاعت لهم بغایة النفاذ، لقلة الخصب و الکلأ و هی تحت حیطان البلاد، و هم معنا فی الضیق الشدید، و الحصار الذی بلغ الغایة فی المزید، و فرسانهم مع سیدهم مصطفی مکابدین علی القتال، و قد ظهرت شجاعته حال المبارزة و النزال و کان مسندنا علیه فی غالب الأحوال، فلقد شاهدناه بأنفسنا بجیشه فی الغایة الصغیرة مبارزا للجیوش الکثیرة ذات الوبال، و أعانته خیالتنا من السرسور الثانی، و قد کان العسکر قریبا منهم و لو أحاطت بهم تلک الجیوش لهدمت لهم ساس (کذا) المبانی.
و فی الثالث مارس من العام المذکور، هجم البوحمیدی خلیفة الأمیر بتلمسان علی المشور علی الدواویر و هم بقرب المرسی الکبیرة، فلم یلحقه منه ضرر و دفعوا (کذا) عن أنفسهم بغایة التحریر و فی خامسه هجم علیهم غفلة و هم بمسرقین فلم یخلصوا منه إلا بالتعب الشدید و العذاب المهین، و کان الکورینیل یوسف العنابی بناحیة تنسانمت، فأتاهم للإغاثة و اشتد القتال إلی أن مات من السبایسی خمسین و رجع الأمر للفایت.
و فی سابعه جاء البوحمیدی بجیشه من الألفین إلی الأربعة آلاف حارکا لأخذ غنم الدوایر و الزمالة و هم بین مسرقین و المرسی الکبیرة، و قد جمع هذا الجیش بالوادی المالح فی القول الشهیر، فخرج له مصطفی بمخزنه المؤید بالنصر و قاتله إلی أن رجعه لورائه هاربا، و للنجاة من فتک المخزن به طالبا.
و فی عاشره جمع البوحمیدی أیضا جیشا کبیرا ما بین أولاد سیدی یحیی و غیرهم و نزل به فی سیدی عبد اللّه بن ابرکان من أولاد الزایر و صار یختلس به کأنه السامت (کذا) و لم یشعر المخزن به إلی أن صبحهم فی الثانی عشر من ذلک الشهر و هم بتنسانمت، فقاتلهم شدیدا و اجتز منهم سبعا و أربعین رأسا، و ذهب مسرورا و ترک المخزن تعسا.
و فی الرابع عشر منه جاء البوحمیدی أیضا بجیوشه فاجتمع بالمحلة و معها
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 177
المخزن ما بین البریدیة و مسرقین و کان القتال شدیدا، آل فیه الأمر إلی انهزام البوحمیدی بجیشه بعد موت الکثیر منه و ذهب فی هم و تخزین.
قال و لنرجع بالکلام إلی الجهة الجزائریة، فإن فی سابع العشرین من إبریل سنة أربعین و ثمانمائة و ألف أیضا الموافقة للسنة السادسة و الخمسین و مائتین و ألف محضا، وقع القتال الذارع (کذا) بین الدولة و الأمیر بعفرون/ و دخلت المدینة فی یدیها فی سابع مای و قیل فی السابع عشر منه فیما یروون.
و فی السابع عشر منه وقع القتال الشدید بین محلة الدولة و محلة البوحمیدی بالبریدیة آل فیها الأمر إلی انهزام محلة العدو بالکلیة، و فی ثامن جوان أخذت الدولة ملیانة عنوة و فازت بها علی الأمیر و ذهب هو حنوة (کذا) و فی الثامن و العشرین منه قدم البوحمیدی لناحیة الحفرة فمر بطریق سیدی حمادی و خرج لعین خدیجة بغرب المرسی الکبیر، فلقیه فی تلک الواقعة المخزن خاصة و وقع القتال الشدید من الصبح إلی نصف النهار بالتحریر بعد ما أدخلوا خیامتهم و أموالهم للبلد، و قتلوا منه خلقا کثیر لا یحصی فی العدد.
قال و کان البوحمیدی جاء فی الرابع مای الذی قبل هذا الشهر من سنة أربعین و ثمانمائة و ألف الموافقة لسنة ست و خمسین و مائتین و ألف، و هم بخنق البریدیة بواسطة المسیلة، ما بین البریدیة و الجبل فی القولة الجلیلة، و کانت الدولة بلغها الخبر علی ذلک فذهبت له فی ثلاثة آلاف فارس و معها المخزن تحت رئاسة الشجاع الکرار المزاری کثیر المدارک، فهجم علی العدو فی ذلک الیوم بلا أمر من الحکام، لما هم فیه من الغیظ من تسلطه علیهم بهؤلاء الأقوام و قتلوا منه کثیرا لا یحصی فی الکلام و لا تری فی القتال إلا المزاری کأنه الأسد الهصور، أمام جیشه متقدما للطعن و الضرب و فی أثره جیشه المنصور، ففتکوا به فتکا شدیدا قد خلفوا به الثأر، و أزالوا عن أنفسهم اللوم و العار، و اشتغل المخزن بجمع السبی و الخیول المتروکة من جیش العدو الغریقة فی السبخة غائشة فی الوحل عدة أیام بالعز و النفخة، و أثنی حکام الدولة علی المزاری و مخزنه فی تلک الواقعة بالثناء الجمیل، و شکروا فعلهم بالشکر الجزیل.
ثم جاء البوحمیدی إلی الدوایر و الزمالة و سأل منهم الإذعان للأمیر و قال
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 178
لهم أنتم مؤمنون و أبناء المؤمنین و رجوعکم للأمیر أفضل و أنا أعطیکم بلاد أولاد الزایر و ما حاذها بالتحریر، فوافقه علی ذلک عدة أناس و ذهبوا معه بخیامهم، و جمیع ما فی ملکهم کدوابهم و أغنامهم، و هم دوار أولاد بو علی و المغان رائمین بزعمهم لخیرهم، و الفراطسة، و أولاد البهیلیل، و الوشاشنة، و الکرادسة، و غیرهم، و کلهم دوایر بالقولة التی لیست ذات الاستغرابة، و لما رأی الزمالة ذلک سألوا من خلیفة الأمیر بالمعسکر أن یدعهم ینزلون بسیق بوسط الغرابة، و هم قیزة و الشوایلیة و الطوایلیة و القدادرة و الشمالیل و الرواونة و غیرهم بالمشتهر، و کثر الخلاط بین الدوایر و الزمالة و بین الفرانسیس فغضوا عنهم البصر، و بعد خدمتهم بالنیة و الصدق اتهموهم بالکثیر، و صار المخزن یذهب کل یوم فوجا فوجا عند الأمیر، و لما زال ذلک الضرر و أبطلوا عنهم الشک ألفوهم ذهب منهم عند الأمیر ستة عشر دوارا من الدوایر و سبعة عشر دوارا من الزمالة فی قولة الخایر و من بقی منهم بقی فی الرزیة الکبیرة الحالة بهم فی شدة الأمور و باعوا کسبهم للمعیشة و طال بهم الحصار جملة من الشهور، و صار المخزن من شدة/ الضیق معیشتهم فی طبخ الدقیق بالزیت و أکل ما لا یوافقه من أرذل العیش فی قصر الصیت، و لا زالوا علی ذلک إلی أن قدم الجنرال لمرسیر الذی تسمیه العرب أبا هراوة لوهران، فاستراح المخزن من ضیقه و زال ما به من الضیم و الهم و الأحزان.
و لما تسمی الجنرال لمرسیار بوهران فی عشرین أوت سنة أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة ست و خمسین و مأتین و ألف أمر (کذا) بإبطال محلة البریدیة و اعتنی بأمر المخزن غایة الاعتناء و أحبه کثیرا و ألفاه العمدة فی کل شی‌ء، و صار یمونه بالمقح و الشعیر و الحشیش للدواب و کل ما یفتقر إلیه و بالزاد للسّفر، و أمر العسکر أن یجعل علیه خندقا یمنعه من العدو فکم من مرة دخل علیهم العدوّ فی الخندق المحتفر.
و لما رأی المخزن ذلک الاعتناء بهم و حصونهم فی العز امتنعوا بعد ذلک من الفرار عند العدوّ و رجع الجنرال یبعث الجواسیس کل لیلة للإتیان بالخبر من کل جهة عل العدو، و الأمیر محاصر لوهران بجیوشه من ناحیة الغرب و القبلة، فالبوحمیدی بمحلته من جهة الغرب و الحاج مصطفی بمحلته من جهة القبلة، و الغرابة فی غایة ما یکون من التسلط علی وهران، و لا فرق عندهم بین النصاری
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 179
و المخزن فی إرسال الذل و الهوان، و کان المخزن تحت رئاسة مصطفی و ابن أخیه المزاری الذین لهما أصل جید و لهما الحکم من أول الحال إلی آخره بغیر التداوی. قال مرطبلی فی تاریخه و کان مصطفی فی حکمه فی شد و حزم، و ضبط و عزم له تحلیلات فی القتال عظیمة و لم یبلغها إلا قلیل من الرجال و له کلمة مسموعة جسیمة، و کان بطلا معاندا شدید الثبات فی القلب و لا یرجع علی عدوه إلا بحصول الغلب، و له توفیر و شجاعة کبیرة و لا یفرق بین الموت و الحیاة و له معرفة کبیرة، و کان لا یحب الانحصار فی دائرة الحفیر، و یقول الفوز و العز یحصل (کذا) بالتقدم للعدو و لا بالتأخیر و کذلک ابن أخیه المزاری فإنه مرادفه فی الأمور، و مضاهیه فی الأحوال و ربما فاقه فی بعض الأمور.
قال و لما سمع الجنرال بأن البوحمیدی بجیشه و منه بنی عامر، جاء و کمن بالعین البیضاء بإزاء السبخة الکبیرة فی قولة کل عامر، یقصد، نهب المواشی، و لم یعلم أنه سیکون فی التلاشی حاله فی الرضخة، و قد کان مصطفی توجه بمخزنه فی ذلک الیوم بکرة لناحیة الکرمة و رجع علی دیخة، فاجتمع بقوم الغرابة فظهر بهم و قتل منهم و اجتز کثیرا من رؤوسهم و یعرف ذلک الیوم بیوم القرناع و أزال لهم ما کان بهم من الطیسة و النفخة، و کان ذلک فی ثالث اکتبر (کذا) من السنة المذکورة بالتحقیق و صار المخزن یمنع العدوّ من المجی‌ء إلیه و یدافع عن نفسه و ملازم للتصدیق، و فی الثانی و العشرین من الشهر المذکور، الموافق للخامس و العشرین من شعبان فی المسطور، خرج الجنرال بجیشه و مخزنه غفلة قبل أن یکون الخبر عند خلفاء الأمیر و غزی (کذا) علی دوار بن یعقوب بن سهیلة الغربی آغة الأمیر و هو بجبل المحقن بنواحی جنین مسکین بغرب/ مکدرة فوق تلیلات، فأخذ کل ما وجده عنده من السلاح و الحلی و القش و الدواب و غیرها بغایة الثبات، و ألفی بخیمته مال الأمیر و هی اللزمة قدرها اثنا عشر ألف ریال بوجهه و سبا (کذا) المخزن نساءه و حلائل أولاده و کان آغة (کذا) غائبا بالمعسکر لنیل أوراده و لم یشعر العدوّ بالمحلة إلی أن دخلت وهران، فانتشر الخبر و للناس ظهر و بان و بهذه الواقعة تشجعت (کذا) العساکر و صار للجنرال فسحة فی خدمته و دخل الخوف قلوب الأعراش المجاورین لوهران و جلس کل واحد بخیمته. و فی ثامن نوانبر (کذا) من سنة أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق لثالث عشر رمضان من
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 180
عام ست و خمسین و مائتین و ألف، خرج الجنرال لیلا بجیشه و أمامه مصطفی بمخزنه الأسود و هم فی سیرهم کأنهم الفهود إلی أن وصل لیلا لمطمر أولاد علی الذی هو یمین وادی تلیلات، فأخذه فی نصف الیل (کذا) و رجع لناحیة مدینة تلیلات، فبینما الجیش سائر و إذا بالعدوّ غشی المحلة من کل جهة رائما للافتیات و کانت هناک شعبة فصلت بین عساکر المحلة فصلا کبیرا، و أبعدتها عن بعضها بعض إبعاد کثیرا و حصل القتال الذریع و الناس فی القتال ما بین خائف و سجیع، و دام القتال إلی أن صارت الناس فی الهلاک، و رجع کل واحد یطلب لنفسه النجاة. و السلاک (کذا) إلی أن مات من المحلة الکرنیل (کذا) مسیون مع ستة من أعیان السرسور و مات من المخزن إسماعیل ولد بالمختار ولد أعمر البحثاوی فی المسطور، و عدة ولد بلاحة الزمالی فیما للراوی و مات فرس محمد بالبشیر البحثاوی. و تعرف هذه الواقعة بواقعة الجرف الأحمر و کدیة الغندول و باتت المحلة تلک الیل (کذا) بتلیلات و ذلک فی تاسع الشهر المذکور و فی عاشره وقع القتال الشدید بین المحلة و جیش البوحمیدی فی المشهور، و ذلک بموضع یقال له دیخة و ذهب العدوّ مفلولا و دخلت المحلة لوهران بمخزنها فی نفخة.
ثم خرجت المحلة و صحبتها المخزن بالتبیین، إلی أن لحقت البعض من بنی عامر نازلین بشعاب تمزوعة فی غایة التعیین بأعلا (کذا) وطاء ملاتة فی المنقول فأخذت لهم حب مطمر أبی شویشة الذی أخذوه سابقا من الدوایر و الزمالة، و بهذا صار الانحصار یزول عن الدولة و مخزنها من الدوایر و الزمالة و ظهر بیع الأشیاء من العرب بسوق وهران و اشتغلت الناس بالبناء فی کل زمان و مکان و کان ذلک فی الشهر المذکور.
ثم غزی بجیشه و مخزنه المشکور أولاد جبارة و أولاد خالفة فی ثامن العشرین من نوانبر (کذا) المذکور فأخدهم، أخدة رابیة و غنمهم غنیمة جابیة و کل ما ظفر به من السبی قسمه علی مخزنه إلی أن خلفوا ما ضاع لهم و لم یبقی واحد منهم فی مخزنه. قال و لنرجع بالکلام إلی جهة الجزائر بالقولة المبینة، فإنها فی الحادی و الثلاثین من دسانبر من السنة المعینة، حصل بینها و بین العدو قتال شدید بما لا مزید علیه، بین الشفة و البلیدة فکان النصر لها علیه.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 181
ثم خرج الجنرال من وهران و معه مصطفی بمخزنه یمشی أمامه، و النصر یلوح وراءه و أمامه، فی الثالث عشر/ جانفی سنة إحدی و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق لعشرین ذی القعدة سنة ست و خمسین و مائتین و ألف، و قائده بالطریق الحاج محمد زیدون الذی کان قاطعا للطریق بغابة مولای إسماعیل فیما ینشدون، و کان جملة الجیش اثنا عشر بطیون (کذا)، و عشرة اسکدرونات (کذا) فیما یتریون فضلا عن المخزن قاصدا لغریب الغرابة بعریش سیق، و لیس مع المحلة إلا مدفع واحد کبیر بالتحقیق، فمرت بسیدی الشحم (کذا) إلی أن حلت بحسیان أبی فطیس، و هی فی غایة من الأمن و التأنیس و لما وصلت المحلة لأبی فطیس رأت کثرة النیران، فظنت أن ذلک عسسا (کذا) لاکنها (کذا) لم یشوشها أحد فی کل مکان ثم استراحت بقرب الملح من أرض الغرابة، و هی طامعة فی نیل الغنیمة و سرعة الإجابة، ثم رکبت و سارت. و بعد مرورها بالحیرة زهت و طارت و حین فارقت المحلة لیلا مصطفی بجیشه تحیرت من ذلک ساعة، إلی أن حصل الاجتماع رجعت طاعة، فأشرفت علی واد واسع الجهات، و کثیر الخصب و النبات، فافترقت العساکر یمینا و شمالا بالإثبات، و حام أمامهم قوم الدوایر فی فضا سیرات و کان الوصول فی ثمان ساعات، و قصدت الصبایحیة لعریش سیق، و العرب مجتمعة بقرب بلاج شلابی من دیور سیق، فأخذتهم أخذا ذریعا بالتبیین. و رجع القوم و العسکر و غیرهم سالمین غانمین، و سبت الدوائر فی ذلک الیوم ما بین الخیل و الأمهار نحو الأربعین، و کذا السروج و السلاح و الأثاث فی التعیین، و بیوت الشعر و ثلاثمائة رأس من البقر، و سبا (کذا) الصبایحیة ألف و خمسمائة شات (کذا) من الغنم و ستمائة من البقر، و سبا (کذا) السرسور أربعمائة نصفها من الغنم و نصفها من البقر، و مات من الدوایر فارسین بعد الظفر بهما فی المشتهر، ثم ذهبت المحلة و نزلت بسیدی عبد الرحمان الصماش للراحة و إزالة التعب و الانتقاش.
قال و کان خلیفة الأمیر بالمعسکر و هو الحاج مصطفی بن التهامی نازلا بمحلته ببرج شلابی، أو ببرج الشیخ بن زیان الزیانی بأعلا سیق من غیر ترامی، و لما سمع بالوقائع التی قبل هذه الواقعة خرج من برج شلابی بسیق بجیشه فی الیلة (کذا) الثالثة عشر من جانفی المارة من سنة المذکورة بقصد الغزو علی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 182
المخزن بوهران، و قد ذهب مع طریق مولای إسماعیل و تلیلات فی الروایة المسطورة فأدرکه الخبر بطریقه بأن المحلة غزت علی الغرابة الذین بسیق و قتلت من وجدته و أخذت الأموال بالتحقیق، و أنها نازلة بسیدی عبد الرحمان الصماش و حین سمع ذلک غلغل فی سیره إلی أن تلاقا (کذا) بها بوطا (کذا) سیرات بالانتغاش، و قد أمر جیشه بأن تلقی الفرسان العدو فی المشتهر، و العسکر و من/ انخرط فیه من المشاة یکمن بالجبال و الغیب (کذا) و الأودیة التی بقرب سیدی الأخضر، فحصل بعد الملاقة بین الفریقین ذریع القتال، و اشتد و کثر الضرب و النزال، و صار الحرب بینهما سجالا ثم صار جیش الخلیفة فی الاضمحلال، و مات له فیه فی ذلک الیوم ثلاثمائة من العسکر، و سبا (کذا) المخزن کثیرا فقسم الجنرال أبو هراوة السبی بین المخزن و السبایس و السرسور بالمشتهر. و أثنت الدولة علی المخزن کثیرا و کافت (کذا) کثیرا منهم علی ذلک الیوم الذی ظهروا فیه علی العدو کفاء شهیرا، و رجعت لوهران مع رزیو فی الأمان و الأمن، و بهذه الغزوة علی ما قیل انفتح باب عظیم للدولة فی الوطن.
قال و لنرجع بالکلام إلی مستغانیم فإنها نزل علیها بجیشه الطیب ابن قرنیة آغة القوم الحمر أمتاع الأمیر فی ذلک التاریخ، و صار یقتل کل من ألفاه خارجا من المدینة أو داخلا لها إلی أن سالت الناس للصاریخ و لما رأی الکولونیل تمبور(TEMPOUR) الذی بمستغانیم ذلک الفعل خرج له بالجیش الذی عنده و معه عدد قلیل من خیالة المخزن الذین ترکهم المزاری لما ذهب لوهران بالجد لا بالهزل، و حصل بین الفریقین القتال الشدید فی الفاروغ، آل فیه الأمر إلی انهزام العدو و بعد ما قتلوا کثیرا من الشرفة و حشم داروغ، و أثنی کل من بالمحلة علی ذلک القدر القلیل الذی کان معهم من المخزن، فلقد صاروا به فی قوة بعد ما وقعوا فی الوهن.
و لما ذهب المریشال فالی فی تاسع عشرین دیسنبر من سنة أربعین و ثمانمائة و ألف المتقدمة لافرانسا، و جاء بمحلة الجنرال بیجو فی اثنین و عشرین فبری سنة إحدی و أربعین و ثمانمائة و ألف تحقیقا لا قیاسا، أمر الجنرال لمرسیار بالذهاب لنواحی بنی عامر فذهب بجیشه و مخزنه فی وسط مارس من السنة المذکورة لبنی عامر فمر علی السبخة شمالا إلی الواد الحیمر (کذا) و منه صعد
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 183
لتاسالة بالتحقیق إلی أن وصل لمکرة بعد ما مر برجم العساوی و عین الحجر ثم رجع لوهران، بعد جولته اثنا عشر یوما للتوقیة، و فی أوائل إبریل ذهبت الجیوش من وهران لتأسیس مستغانیم، فمرت بتلیلات و سیق و هبرة و ماسرة إلی أن حلت بمستغانیم، و ذهب الجنرال بیجو فی ثانی عشر مای فی البحر للجزائر. بقصد المقاتلة و تبلیغ الزاد لأهل ملیانة و المدیة من غیر التخایر، لکون جیوش الأمیر قد قتلت کثیرا من جیش الدولة بالغوالی، فأفنت کثیره من الأسافیل و الأعالی، و فی سادس أو ثامن عشر منه الموافق بحسب الروایة الأولی للثالث و العشرین من ربیع الأول فی الوصف، من عام سبعة و خمسین و مائتین و ألف، خرج الجنرال بمحلته و معها المخزن أمامها فباتت بالکرمة و فی الغد باتت بتلیلات، و فی الخامس و العشرین من العربی باتت بالسیق و فی السادس و العشرین بهبرة و فی السابع و العشرین منه باتت بیلل بإثبات و خرجت محلة مستغانیم فی السابع و العشرین من العربی المذکور، و به باتت أیضا بیلل فی القول المشهور، و لما اجتمعت المحلتان و صارتا محلة واحدة مجهودة/ رحلت فی الثامن و العشرین من ربیع الأول و باتت بسیدی محمد بن عودة و فی التاسع و العشرین منه باتت بعقبة الابغال، و فی الثلاثین منه نزلت بوادی المناصفة بالاحتفال، و فی الیوم الأول من ربیع الأول الموافق للرابع و العشرین من مای باتت بعین الکرمة و یقال له واد العلق و خنوق، من بلاد فلیتة فوقعت به المعرکة الکبیرة بین جیش الأمر و المحلة إلی أن انجرح الشجاع قدور بالمخفی من ذراعه الأیمن و لم یبل (کذا) بذلک و هو ملازم للحقوق، و أسر منهم المخزن سبعة رجال أخوة، یقال لهم القرایعیة بغیر فهوة، و فی الیوم الثانی من ربیع الثانی الموافق للخامس و العشرین من مای خیمت المحلة بتاقدمت و وقع القتال بینهما و بین الأمیر إلی أن قضت المحلة للفایت ثم دخلتها عنوة و خربتها و أضرمتها نارا، و أزالت رونقها و صیرتها دثارا، و أفسدت ما بها من معالم السلاح و ترکتها خاویة علی عروشها تنادی بالفواح و کان القتال بوادی القنجار و ألفت المحلة بقوس البرج کلبا و قطا معلقین بالاشتهار، إشارة من العرب إلی أن دولة الأمیر کالکلب مع القط متقابلین للفتنة و توریث القحط، و لما حلت المحلة بتاقدمت تبین لها أن أقالیم الجزائر علی ثلاثة أنواع، تل یصلح للفلاحة و الغراسة (کذا) بلا نزاع، و وطاء عالی یلیق لتربیة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 184
المواشی و الحلفا، و صحرا (کذا) محتویة علی قصور لا غیر هذا یلفا، و باتت المحلة بتاقدمت فی الیلة (کذا) التی دخلتها، و جالت فیها لما وصلتها، و فی الیوم الثالث من ربیع الثانی سنة سبع و خمسین و مائتین و ألف، الموافق للسادس و العشرین من مای سنة إحدی و أربعین و ثمانمائة و ألف، ارتحلت المحلة من تاقدمت و باتت بمشرع الصفی. و فی الرابع منه باتت بسیدی الجیلالی بن عامر بمینة بغیر التخفی. و فی الخامس منه نزلت بفرطاسة، و فی السادس منه باتت بتغنیف التی بماوسة و العدو تابع لها جواسة. قال بعض من حضر و لما کنا بالتات أطلق الأمیر علینا بجیوشه السیوح المعبر عنها بالسواقی، ظنا منه أنها لنا مهلکة و له فی التواقی، فتلقاه المخزن و قاتله إلی أن هزمه و اتبعه منهزما إلی المناور، فرجع عنه بعد ذلک للمحلة فرسان الدوایر، قال و بتغنفین و (کذا) و ماوسة تقاتل المخزن من الحشم إلی أن انهزم الحشم هزیمة شنیعة، و صال المخزن علیهم صولة عظیمة منیعة. و فی السابع/ من ربیع الثانی من عام سبع و خمسین و مائتین و ألف، الموافق لثلاثین مای سنة إحدی و أربعین و ثمانمائة و ألف وصلت المحلة للمعسکر، و دخلتها فی أول جوان بالنیل و الظفر، فألفتها خاویة علی العروش و لم یبق بها إلا من أذعن للدولة، و أنجا (کذا) نفسه من الفروش فمکثت بها یومین ثم ترکت بها حامبة تحت ریاسة الکماندار جیری(JERY) و ارتحلت لمستغانیم فأخذت طریقا موعرة (کذا) و هی عقبة خدة من بلاد بنی شقران، و ذلک فی الیوم الثالث من جوان، الموافق للعاشر من ربیع الثانی، فوقع القتال الشدید فی تلک العقبة الذی یذهب بالعیان، و کان الأمیر خرج للمحلة من ناحیة البرج فی القول الشهیر، فترادف القتال بین المحلة و جیش الأمیر و کانت المحلة قلیلة، لبقاء جلها بالمعسکر حامیة جلیلة، فعند ذلک برز الطود العظیم مصطفی بن إسماعیل بجیشه خاصة للعدو، و قاتله قتلا شدیدا آل فیه الأمر إلی انهزام الأمیر لناحیة المعسکر انهزاما عتیدا، و قد مات الخلق الکثیر من الفریقین، فمن جملة من مات من المخزن الحاج عبد القادر، ابن شاعة الزمالی بلا المین، و لما تزاید العسکر مع المخزن زادوا فی قتال العدو إلی أن انفرجت الطریق للمرور، فانحدرت المحلة مع الطریق و القتال مستمر بین الفریقین إلی العرجة البیضا و شاطی‌ء هبرة، المسمی الآن بمدینة باریق فی المشهور، و باتت المحلة بباریق
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 185
و دخلت لمستغانیم فی رابع جوان، فمکثت بها ثلاثة أیام للراحة و إزالة الهتان.
ثم بعد ما نظمت الدولة جیشا عرمرما خرجت المحلة من مستغانیم فی السابع من جوان تلک السنة، و فی ثقلة عظیمة قاصدة للمعسکر المعنیة، فحلت بها فی راحة کاملة و نعمة وافیة شاملة و فی نصف جوان الموافق للثانی و العشرین من ربیع الثانی کلاهما من العامین المذکورین خرجت المحلة بالمخزن من المعسکر لوطا غریس فحصدت ما به من فلاحة و درستها و حملتها حبا و تینا للمعسکر بغیر المین فجعلت الحب فی البیوت و التبن أندرا، فکان زادا لها مدة بغیر شراء ثم رجعت المحلة لمستغانیم فدخلتها فی العشرین جوان الموافق للسابع و العشرین من الربیع الثانی، و فی ذلک الیوم ذهب الجنرال بیجو للجزائر بالاعتبار فمکث بها أیاما ثم بعث إلی الجنرال لمرسیار و أمره/ أن یبعث محلة أخری لتحصین المعسکر، و کان القبرنور (کذا) فی حال رجوعه للمستغانیم من المعسکر أخذ علی البرج فوقع فیه بینه و بین العدو قتال عظیم و ذلک فی العشرین جوان بغیر تنظیم، ثم مر بوادی القلعة فتقبض علی عدة أساری من المسلمین و بات بحاسی الغمری فی غایة التسمین. قال ثم إن الجنرال ارتحل بمحلته التی جمعها فی المشتهر و ذهب بها و ترکها بالمعسکر، و أمر المخزن و العسکر و جمیع الجیوش بخدمة جمیع الفلاحة الدائرة بالمعسکر فی المشهور، فکان ما جمعه من حب العدو و تبنه زادا کثیرا لجملة عدیدة من الشهور، و کان الکولونیل المقیم بمستغانیم قد بلغه الخبر بأن العدو وصل إلی فم الشلف فخرج بالمحلة القلیلة القائمة بمستغانیم المحتویة علی اثنا عشر مائة نفر و أربعین فارسا من المخزن بغیر خلف، و کان الأمیر نازلا بمحلته فی وطامینا، و یحب الهجوم علی محلة المعسکر قولا مبینا و لما بلغه الخبر علی تلک المحلة الضعیفة، التی خرجت من مستغانیم لجبر التلیفة هجم علیها ورام أن یمحو لها الأثر، و کان المصاف بسور کلمیت فی القول الأشهر، و طالت المقاتلة بینهما یومین بالشدة و الوهن، و کان الکولونیل تمبور رایس المحلة معتمدا علی تلک الأربعین فارسا من المخزن فکان یحرضهم علی قتال العدو و نیل المنن، و ظهرت النجابة الکثیرة من الأربعین فارسا فی ذلک الیوم، بحیث قاتلوا قتالا کثیرا قاوموا به العدو تقویما جمیلا و أزالوا عن أنفسهم و أبناء جنسهم و تلک المحلة البخس و اللوم، و لما رأی الکولونیل قوة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 186
العدو دخل بجیشه لمستغانیم و أثنا (کذا) علی تلک الأربعین فارسا من المخزن بالثناء الکثیر و قال لهم لقد حزتم للمغانیم، و کانت تلک المقاتلة فی السابع و الثامن من جلیت (کذا) بالبیان و کان دخول الجنرال بالمحلة المتقدمة للمعسکر فی الرابع و العشرین جوان.
قال و لنرجع بالکلام علی الجنرال برقی دلی الذی کان یقاتل بالنواحی الشرقیة فإنه دخل فی الثالث و العشرین من مای لأبی غار و طازة فهدمهما و کانتا معتدا (کذا) للأمیر فی حدود التل بکل الحیشیة، و هذه طازة قد اختطها الأمیر فی سنة خمس و خمسین و مائتین و ألف، و لما دخلها أشهد اللّه علی فعله بهذه الأبیات الثلاث و أمر بکتبها (کذا) برخامة و علقت علی برجها بغیر خلف:
اللّه یعلم هذا لم یکن‌منی علی طول الأمال دلیل
کلا و إن منیتی لقریبةمنی و أصبح فی التراب ذلیل
و قصای ما أبغی رضاء إلا هناو بقا نفعی للخلف بعدی طویل
و کان فتح الدولة لها فی التاریخ المذکور، من عام إحدی و أربعین المسطور قال و لنرجع بالکلام إلی ما کنا بصدده من أمور مستغانیم، فإن الجنرال بیج بعد دخول المحلة ذهب للجزائر لنیل المغانیم و ذهب الأمیر بعد معرکة کلمیت بجیشه لناحیة فرطاسة یمینا و جلس ینتظر خروج محلة المعسکر لیهجم علیها، و یغتنم منها ما أراده إذا وفقه اللّه و قدره علیها، و جاء الخبر بأن مجاهر قد راموا للطاعة و ترکوا التعب و راموا/ الرواج للبضاعة.
و فی ثالث عشر جلیت (کذا) سنة إحدی و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافقة لعام سبع و خمسین و مائتین و ألف، هجم الخلیفة الحاج مصطفی بالتهامی علی الحاصدین للحب بسیدی دحوا (کذا) و خرجت له المحلة فی نصف النهار و داموا علی القتال، و له لحوا إلی نصف اللیل (کذا) و کان الموت من الفریقین کثیرا، و صار الحرب عتیدا کبیرا، ثم خرجت المحلة من المعسکر فی نصف جلیت
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 187
الموافق للثانی و العشرین من جمادی الأول، و باتت بتلوانت فی سابع عشر جلیت الموافق للرابع و العشرین من جمادی الأول، و بها هجم العدو فی نصف اللیل (کذا) علی المحلة بغتة فتعدد منه ضرب البارود نحو ساعة و نصف، و باروده مترادف الضرب بغیر خلف، و ارتحلت المحلة من الغد و لما وصلت لسیدی المقداد بیلل بدأها جیش الأمیر بالقتال و دام بقتاله بما یکون به النکل، و لم تدخل تلک المحلة لمستغانیم إلا بعد یومین، فدخلتها و زال ما بها من التعب و البین، و مکثت بمستغانیم أیضا یومین بالبیان ثم ذهب الجنرال بمحلته و معه مصطفی بمخزنه لوهران، فمرت بحسیان الفلالی و هبرة و سیق و منه دخلت لوهران فی الخامس و العشرین جلیت بالبیان، الموافق للثالث من جمادی الثانیة بغایة التبیان، و لما ذهبت المحلة لوهران هجم الأمیر علی مجاهر الماکثین بشلف التحتانی و مذعنین للدولة أو رائمین الإذعان، و أنقلهم من محلهم إلی أنزلهم (کذا) باعلا (کذا) مینا من بلاد فلیتة ما بین ملعب قربوصة و غلیزان، و لم یدعهم یرجعون لمحلهم حتی أخذ منهم ثلاثمائة فرس بسروجها و بنادقها محمولة فی القرابیس، و لما رجعوا أعلموا بذلک الفرانسیس، ثم خرج الکولونیل تمبور لمحلة مستغانیم خرجة لیست بالمامنة و هجم علی أحمد بن کزداغ کبیر أولاد أبی کامل و العمارنة، فقتل منهم کثیرا و أذعن الباقی، و نزل أسفل سور مستغانیم للتواقی و بعد مضی أیام للتفاروغ أذعن الشرفة و حشم داروغ، و لما سمع بهم الأمیر و هو بفلیتة أتاهم لیردهم فألفی الأمر قد انقضا (کذا) لکون المحلة بشطوط شلف علیهم وقایة فصبر للقضا، و لما بلغ الخبر للکلونیل تمبور خرج من مستغانیم بمحلته و مخزنه فاقتتلوا معه و کان الظفر للمخزن علیه، و قتلوا منه کثیرا و فر بما لدیه، و لم ینج الأمیر إلا بنفسه؛ بسبب سبق فرسه و قد کاد أن یقع فی الشبکة و یدخل فی وسط الشبکة، فأنقده الإلاه (کذا) الکریم فإنه السمیع العلیم، و لما عبر النهر وقف بجانبه و أمعن النظر بعینیه فألفی رعیته مذعنة للدولة و هی متکالبة علیه، تأسف و لحقته الغبینة ثم صفق بیدیه.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 188

تعیین الحاج مصطفی بن عثمان بایا علی مستغانم‌

و لما طار الخبر للجهة الشرقیة قدم المریشال من الجزائر لوهران و منها و معه الجنرال لمرسیار لمستغانیم بالبیان، و اتفق رأیهم أن سمّوا الحاج مصطفی ولد البای عصمان حفید البای محمد الکبیر بایا بمستغانیم و المعسکر و سموا المزاری آغة و ذلک فی تاسع أوت سنة إحدی و أربعین المارّة بالمشهر، الموافق للسابع عشر من جمادی الثانیة من تلک السنة فی المتحرر، و رجع کل من المریشال و الجنرال لمحله، و بعث/ أولاد حمدان و أولاد مالک و أولاد سیدی عبد اللّه و أولاد أبی کامل إلی أبناء عمهم بالإذعان و لیرجع کل إلی محله فأذعن مجاهر بأجمعهم فی نصف ستانبر (کذا) الموافق للرابع و العشرین من رجب الفرد من السنتین المذکورتین بما هو متواتر.
ثم قدم الجنرال لموریسیار بمحلته و معه مصطفی بمخزنة لمستغانیم فی المشهور و فی الیوم التاسع عشر من سبتانبر (کذا) سنة إحدی و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق للثامن و العشرین من رجب سنة سبع و خمسین و مائتین و ألف، قدم لمستغانیم أیضا القبرنور (کذا) و اتفق الکل علی الخروج لمراقبة العدو و الوصول للمعسکر المعمور فانقسموا علی محلتین أحدهما تحت رئاسة القبرنور و معه المزاری و الأخری تحت رئاسة الجنرال أبی هراوة و معه مصطفی بالقول الجاری.
فمنها محلة القبرنور (کذا) توجهت شرقا فمرت بوطا مینا و شلف و فاتت فوق یلّل فسمعت بالأمیر نازلا فی فلیتة بسیدی طیفور، فهجمت علیه لیلا بغتة و سبت منه نساء و صبیانا و رجالا أتوا بهم أساری لمستغانیم فی المذکور، و قد ترکت الکولونیل تمبور عسة فی معذار. و منها محلة الجنرال أخذت الزاد الکثیر و ذهبت به للمعسکر باشتهار، و لما وصلت بحسیان الغمری سمعت بالأمیر فی جیش کثیر نازلا بالعین الکبیرة من بلاد سجرارة، یروم مقاتلة تلک المحلة الوارد جهارة. و رأی الجنرال ثقلة المحلة و وعر الطریق المعطشة ذات الشرور، مکث بمحله و بعث فورا للقبرنور (کذا) و لما بلغه الخبر خرج عزما بمحلته و اجتمع بالجنرال فی سیدی المقداد بنواحی یلل و وصلوا فی سابع اکتبر (کذا) للعین الکبیرة الموافق للسادس عشر من شعبان فی الروایة الشهیرة، و بالغد و هو الثامن
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 189
من اکتوبر (کذا) و السابع عشر من شعبان تلاقوا بالأمیر بجیشه بقرب البرج و حصلت المعرکة الکبیرة ذات البیان، و اختلط الخیالة بالسرسور، و کثر القتل المعمر للقبور، و دام بغایة ما یکون إلی أن حمی الوطیس، و غاب الحاجز و الأنیس، فانجرح من المخزن آغة محمد بالبشیر البحثاوی کما انجرح آغة السید محمد بن داوود بالجرح الذی لا یفتقر فیه لضعفه للتداوی، و قتل باش آغة (کذا) السید أحمد ولد قادی رجلا من أعیان خیالة الأمیر یقال له ولد شاقر، الذی ضرب مصطفی بن إسماعیل و لم یصبه فی قول شاهر، و کان فی الکرة الأولی هجم مصطفی بمخزنه و صحبته ابن أخیه المزاری بمخزنه علی العدو أیضا، و معهم محلة الدولة التی کانت فی اتباع المخزن فقتلوا کثیرا و انهزم العدو بجیشه و باتت المحلة بماوسة مبیتا مرضا بعد ما اتبعوا العدو إلی وادی أعبادی علی ما قال ولد قادی، و إلی واد العبد علی ما قال مرطبلی فی قوله الوقادی، و قبل دخول المحلة للمعسکر بلغ الخبر للجنرال و معه مصطفی بالبیان، بأن البوحمیدی غزی بغتة علی وهران و اقتحم الخندق المحیط بدواویر المخزن بناحیة رأس العین من وهران و کان ذلک فی الیوم الثانی من اکتوبر (کذا) الموافق للحادی عشر من شعبان و أخذ جملة من نساء المخزن و الصبیان و أوصلهم إلی العامریة ثم فرقهم علی دواویره الذین بتاسلة نازلین. و کانت امرأة من تلک النسوة یقال لها بدرة أبت من الذهاب/ معهم و شرعت فی شتمهم بغایة المبازلین، و قالت للخلیفة البوحمیدی بمحضر جیشه لا تعتقد فی زعمک أنک فارس شجاع و إنما أنت سارق لیل، تأتی للنساء خفیة من رجالهم فتأخذهم و تهرب بهم فی اللیل فالشجاع هو الذی یأتی علانیة للأبطال و یکافح الفرسان و الرجال و أنت لا طاقة لک علی الوقوف أمام مکاحل الدوایر و الزمالة، و اعلم أنک حیث ما ذهبت یتبعک سیدک مصطفی بن إسماعیل بجیشه المخزن المؤید بالنصر و یخلف منک الثأر بالقوة فی نساء الدوایر و الزمالة، فبعث غضبا تلک المرأة لندرومة و حیث أذعنت تلک الجهة و ذهب المخزن لندرومة کان أول ما طلب مصطفی منهم، بأن قال لهم نحبکم تأتونی ببدرة الداریة علی بلغة جیدة مکفلة بالکفل المخیر عندهم و فی أتباعها جمیع کبراء تلک البلاد و إلا فلا ترون إلا ما یفسد للمراد.
قال و بعد ما دفنت المحلة موتاها بمواسة دخلت دخولا معلوما للمعسکر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 190
و ذلک فی الیوم الثامن عشر من شعبان الموافق للتاسع من اکتوبر (کذا) و قد وقع قبل هذه الواقعة مقاتلة بالمعسکر، و لما وصلت المحلة الزاد للمعسکر زادت إلی وادی أفکان فحل بها الحرب الکثیرة ثم انقسمت علی محلتین بالبیان، فمنها محلة القبرنور (کذا) ذهبت لناحیة الزفیزف بلاد أولاد سلیمان فوجدت القطارنیة و الشرفة فأخذتهم بتشتوین و تعرف الواقعة بالشناقیر و انحدرت لناحیة وادی الحمام فوصلت بالتحریر لقیطنة سیدی محی الدین فی خامس عشرین شعبان الموافق لسادس عشر اکتبر (کذا) فخربتها تخریبا بلیغا و أضرمتها نارا و أخذت حبها و ذهبت للمعسکر، و معها أربعمائة و ستون امرأة أساری ما بین القطارنیة و الشرفة و غیرهم فی المشتهر. و منها محلة الکولونیل جیری و الجنرال لفسور أتت بجمیع حب مطمر نخلات و غیره و رجعت للمعسکر فی المشهور و اجتمعتا معا بالمعسکر فی سابع اکتبر (کذا) الموافق لسادس العشرین من شعبان.
ثم صارت المحلتان محلة واحدة و ذهبت من المعسکر فی تاسع عشر اکتبر الموافق للثامن و العشرین من شعبان لناحیة سعیدة التی هی آخر الأمکنة الباقیة للأمیر بآخر التل، و المخزن أمامها یلوح نصره و لم یر شیئا من الوابل و الطل، و لما وصلت لسیدی بن مانوا و هو واد الخراریب هجم جیش الأمیر علی المحلة لیلا و کان القتال الشدید إلی أن وصل جیش العدو و مجامیر المکاحل بغیر التخاریب، و مات من المحلة خمسة عشر نفرا و ارتحل القبرنور (کذا) بتلک المحلة فی اللیل (کذا) جهرا، و کان فی الحادی و العشرین اکتوبر من سنة إحدی و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق لأول رمضان من عام سبع و خمسین و مائتین و ألف، و بعد طلوع الشمس و قبل الوصول لسعیدة بأن للمحلة عجاج الدخان، و سمعوا بأنها حرقت و لم تصلها المحلة حتی ألفتها خرابا کالدکان، و قد ضاع للمحلة ما بین سیدی عیسی بن مانوا و سعیدة أناس فی تلک الغابة العظیمة العتیدة و صار لها بها ما صار لها بتاقدمت و لما حلت بها هدمت سورها فی الحین، و ذلک فی الثانی و العشرین من اکتوبر (کذا) الموافق لثانی رمضان بالتبیین.
و فی الغد بعد الظهر أتی الحساسنة/ و أمامهم شیخهم الخمسی و أظهروا أنهم فی المضادة مع الخلیفة الحاج مصطفی بغایة التقسی، و أنهم للدولة فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 191
غایة الإذعان و المقاتلة للأمیر و سائر جیشه بغایة ما کان، و فی عشیة ذلک الیوم تفرقت جواسیس المحلة علی الیعقوبیة و الصحراء شرقا و غربا، بعدا و قربا، و فی الغد غزت الحساسنة بالمحلة علی واد فوفط بأشد الواد فأخذوا به قافلة حاملة للبأس علی الجنس الواحد، لاکن (کذا) القبرنور (کذا) لم تعجبه تلک الغازیة، و أنها لیست بالکافیة و لیست الجازیة، فصار یلوح للخمسی و فیه یلوم، و یقول له فقد أظهرت شطارتک و أنت لا معرفة لک و تضاهی بزعمک من لهم أفلاک فی البحر الکبیر تعوم و حصل بین أهل الوطن مشاحنة عظیمة، و مقاولة کبیرة جسیمة و واعدوا الدولة بإتیان الهدایا العظیمة التی لم تکن فیها لغیرهم القیمة و زادت المحلة فی سیرها مع وادی فوفط إلی شرقه فنزلت بتخمارت بواد العبد و ذلک فی اکتبر (کذا) الموافق لرمضان بغیر النقد، و بها هجمت القوم الحمرا من جیش الأمیر علی المحلة غفلة، و منعتها من الحشیش منعة حفلة، فلقیتهم خیالة الکولونیل یوسف العنابی و السرسور و المخزن و کان القتال شدیدا بین الفریقین إلی أن قتلت المحلة بمخزنها من القوم الحمرا ما خلفت به الثأر بغیر المین، و أتت بعدة أساری مقیدین بالأحبال، داخلین فی الویل و النکال، و لما سمعت الأعراش بذلک أسرعت للطاعة، و نیل المراد و رواج البضاعة، ثم زادت المحلة لوطاء غریس بحیث أخذت ما بین واد تازوطة و کاشرو بالتحقیق.
و ذهبت علی سیدی علی بن عومر لیلا، و فی تلک الیلة (کذا) جاء الخبر من عند القبطان فلسن المتریص (کذا) علی العسة بأنه ظفر بآغة و هو فی أسره فی غایة التوثیق، و دخلت المحلة للمعسکر، و هی فی الحالة الدالة علی الفرح للمستبشر، ثم بعث الکولونیل جیری الذی هو بجیشه عسة فی کاشرو بأن الحشم تسلطوا علیه، و قد قتل منهم ما قدره اللّه و وفقه إلیه، فخرجت المحلة نحوه و جاست خلال تلک الدیار، و مزارعها و بساتینها و رجعت بعد قضاء الأوطار.
قال ثم رجع الجنرال بیجو و معه الجنرال لمرسیر بمحلته و المخزن معه لناحیة مستغانیم، فأخذوا علی واد الحمام طریق وهران بالتغانیم، و مروا بالفراقة وهبرة فبینما هم بها و إذا بفارس عربی أتی ببطاقة و وضعها بخشاب و ذهب خشیة النفرة، و لما وصلت بید القبرنور ألفاها مبعوثة من عند الأمیر لقاید مرسی الجزائر المشهور مضمنها: أیها الفرانسیس أنتم تحبون الخیل الذین لهم (کذا) ذیل
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 192
قصیر، فنرجوا من رمکاتنا أن تلد لنا مثل ما تحبونه فناتی بها لکم قادة علامة لإذعاننا لکم بقول بصیرة، و دخلت المحلة لمستغانیم فی خامس نوفمبر (کذا) الموافق للسادس عشر من رمضان المعتبر، و منها ذهب المخزن بوهران، فوصلوها فی أمن و أمان، و فی نوفمبر (کذا) أیضا خرج الکلونیل تمبور بمحلته لکلمیت فأخذته صدمة عظیمة، و حلت بمحلته خسارة جسیمة، و رجع مسرعا لمستغانیم، سائلا الفوز بنجاته و التغانیم.
و کان الکلونیل الذی بوهران خرج بمحلته مغربا لناحیة الواد المالح و لما وصل للبردیة/ خرج فیه العدو و تکالب علیه، و لما رأی أنه لا طاقة له علی العدو رجع لوهران بما لدیه لکون مصطفی بمخزنه مع القبرنور غائبا، و سیعود لوهران أیبا، و لما دخل مصطفی لمستغانیم وصلته الرسائل لیرجع لوهران لیزیل ما بها من الکدور، و یکون فی رفقته الجنرال لفسور فذهبا بالعزم الشدید، و السیر الذی لیس علیه فی العزم من المزید و لما حلا بوهران ألفی مصطفی أمامة الجواسیس و هما الحاج الشیخ البوعلاوی، و ودیعه، و إبراهیم ولد عدة و سی الحبیب بالزواوی، فأخبروه بأن العدو و من جملته الدوایر المصادقین، هم بالنزول ما بین حمام أبی حجر و سیدی عبد اللّه بن أبرکان، و لا علم لهم بالمحلة و هم فی أمن من حالة المترافقین، فخرج لهم الجنرال لفسور بمحلته و معه مصطفی بمخزنه فی رابع عشر نوفمبر (کذا) عام إحدی و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق لخامس العشرین من رمضان سنة سبع و خمسین و مائتین و ألف، و أخذ بشاطی‌ء البحر إلی أن خرج علی سیدی البارودی وراء جبال غمرة، فنزل بمحلته و زاد فی سیره فی اللیل (کذا) سیر شهرة إلی أن خرج فی العدو قبل الفجر فی الموضع الذی ذکره له الجواسیس، فأثخن فیهم بغتة و ظفر مصطفی بعدة أناس من الدوایر فقطع رؤوسهم و ترکهم تصیح علیهم النواقیس، و هم القاید المولود ولد الحساسنة و بخذة، و ابلوفة بالحاج، و کان یحتال کثیرا علی القاضی سی سلیمان بالترادی و القاید الشیخ البوعلاوی و محمد بن خلیفة و العید بالحنصالی الذین أفلتوا له هاربین و خلصوا منه فی صفحة المحتاج، ثم زاد مصطفی بالمحلة و بما بیده من السبی لیلحق المحلة التی نزلت بوادی المزمومة ثم زاد الجنرال لفسور إلی البریج أمام تلمسان المحتمة و رجع علی بلاد بنی عامر و دخل وهران من غیر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 193
ملاقة عدو و لا أری شیئا من القتال، و ذلک فی الثالث و العشرین من نوفمبر (کذا) الموافق للرابع من شهر شوال.
و لما ذهب القبرنور (کذا) للجزائر بعث للجنرال لمرسیر لیذهب للمعسکر بالمحلة، فذهب لها فی السابع و العشرین من نوفمبر (کذا) الموافق للثامن من شوال بالقولة التی لیست بذات القلة. و معه قلیل من قوم المخزن الذی علیه الاعتماد، لمکثهم کثیرا بالمعسکر فی القول المراد بعضهم من مخزن مستغانیم و بعضهم من مخزن وهران، تحت رئاسة قدور ولد عدة و مصطفی بالضیف بالبیان و قد اتخذ الجنرال محمد بالحضری و إسماعیل ولد قادی بمنزلة فسیانین معه فی کل شی‌ء ملازمین، و أخذ رجلا جاسوسا یقال له جلول الحضری الحشمی کان بأهله فی غایة الإهانة ففر لمستغانیم فاتصل بالجنرال فصیره جاسوسا علی الوطن الحشمی و کانت له حیلة و معرفة کبیرة و طول باع، لا یحاشی أحدا من مطامیر الحشم و محل نزولهم فکان للدولة به غایة الانتفاع، بحیث اطلعت به الدولة علی سائر المطامیر فأخذت ما بها من الحبوب و اطلعت علی الأماکن المخفیة التی یکون (کذا) للحشم و غیرهم السکنی و تعد للهروب، و أتی للدولة بالحمیر و أراهم بما فیها من المنافع فکان الاعتماد علیه فی الجولان و ما یکون من المضار و المنافع، و فی حال صدود المحلة من مستغانیم للمعسکر لم یکن بها شی‌ء فی الطریق إلی أن وصلت للمعسکر فألفتها فی غایة ما یکون بها من الراحة الکثیرة و التوفیق و هم/ فی انتظار الجیش بالاشتیاق لشدة ما حصل من ألم الافتراق، و کان جلول الحضری وعد الجنرال بالاطلاع علی مطمر کاشرو و المعروف بالمطمر الأبیض و شاق (کذا) الجنرال لأخذه إلی أن أخذه بالنفل و الفرض، ثم غزت المحلة علی (کذا) أولاد سیدی دحّ (کذا) فأخذته أخذة شنیعة، و صیرتهم صیرورة فضیعة، و کان ذلک فی ثامن من دسانبر سنة إحدی و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافقة لعام سبعة و خمسین و مائتین و ألف، و سبب هذه الغزوة أن جیش الأمیر غزی المعسکر و أخذ لها جمیع المواشی، و أسر لینتال (کذا) مراندول و ترکه فی التلاشی و جاء رجلان من عرش مجاهر ببطاقة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 194
للجنرال، و باتا بأولاد سیدی دحّ فأضروا بهما إضرارا مفضیا للنکال و لما أخبرا الجنرال بذلک استغاط مع ما فیه من الغضب علی ما حل بجیشه من جیش الأمیر، فغزی أولا سیدی دحّ نکایة لهم بالأمر المدیر، ثم وقع قتال شدید بین الدولة و خیالة الأمیر بماوسة، کان الظهور فیه للدولة و أسرت آغة الخیالة و هو بن عیسی بواقعة مطمر کاشرو و ماسة، کما حصل الظفر بخیالة بن عیسی و أتوا معه أسارا، و صارت الدولة تروم البراز جهارا، و بماوسة حصل للدولة خسران کبیر، لشدة المطر المترادف الغزیر، ثم رجعت الدولة للبرج و دخلت محلتها للمعسکر، بعد القتال الذریع بالبرج فی المشتهر، و کان ذلک فی الثامن و العشرین من دسانبر المذکور، و أتی بالزاد من وهران الجنرال بید(BEDEAU) للمعسکر و معه الکولونیل طنبور: و ذلک فی آخر جانفی من سنة اثنین و أربعین و مائتین و ألف الموافقة لعام ثمانیة و خمسین و مائتین و ألف، و أخذ الجنرال جمیع الأساری و ذهب لمستغانیم، فحل به الوحل الذی مات به القبطان مرزور فی خضخاض ذمیم.
ثم خرجت المحلة من المعسکر و ذهبت لجبل نسمطی فألفت به بارودا کثیرا مدفونا به للأمیر، فأخذته بالفرح و السرور الکثیر، و حصلت المخالطة بین الدولة و الحساسنة و الجعافرة بالإذعان، حتی أن مرابطهم العربی جاء بأهله بأمر عرشیه للمعسکر و سکن فی الأمن و الأمان، و بعد غازیة أولاد سیدی دحّ أذعن بنوا شقران، و سائر الأعراش الحائطة بالمعسکر و صارت فی الراحة و الأمان، و عمر سوق المعسکر و غیرها و کثر البیع و الشراء بین النصاری و العربان، و استقام الخطّ الممدود من مستغانیم للمعسکر بغایة ما کان، و کان الجنرال بیدو: غزی فی الیوم الثامن من دسانبر المار الذی وقعت فیه الغازیة من المعسکر علی أولاد سیدی دحّ ذات الأحوال الشراقة، غزی غزوة عظیمة علی مجاهر و البرجیة الذین بسرات و غیرهم و العبید الشراقة و أذعنوا له بالطاعة إذعانا عظیما، و ترکوا الجنوح للأمیر ترکا جسیما، و صارت المراسلة بین هؤلاء و الجنرال لیست بمنقطعة، و لا مبتوتة و لا منصدعة، و کانت طاعة جل الأعراش فی شهر فبری (کذا) سنة اثنین و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لعام ثمانیة و خمسین و مائتین و ألف.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 195

ظهور الشریف محمد بن عبد اللّه‌

قال ثم ظهر بعض التشویش و التخلیط، بالنواحی الغربیة بغیر التعلیط، بسبب و لهاصة و ترارة و الغسل و بنی عامر، و ذلک أنّ مولای الشیخ بن علی الذی کان آغة و أزاله البوحمیدی لمّا/ تولی امتلأ غیظا و نوی الفتک به و صار یدبّر الحیلة للتوصل لإزالته من کل غامر و عامر، فعمد إلی رجل یقال له السید محمد بن عبد اللّه من أولاد سیدی الشیخ الزین بالتل کان شیخ طلبة القرآن محبوبا عند الناس متعبدا ناسکا یزور سیدی أبا مدین المغیث فی کل جمعة ماشیا إلیه بالحفا بمرآت الناس و قال له قم للتولیة علینا فأنت المنصور، و أنّ البوحمیدی هو الذلیل المحقور، فخرج بن عبد اللّه ذات یوم و صار ینادی فی وسط الناس کونوا لنا فی الإذعان و الطاعة، فإنّ الحکم من البوحمیدی و أمیره قد زال و أنا إن شاء اللّه مولی الساعة، و لمّا سمع البوحمیدی ذلک بعث شواشه و أعوانه للتفتیش علیه، و حین یتصلون به یأتوا به إلیه، و لمّا رأی بن عبد اللّه ذلک فرّ إلی ترارة و بنی ریمان، و مکث هناک بریهة من الزمان، فجنّدت علیه الجنود، و أتته الحشود و الوفود، و زحف له البوحمیدی فلم یطق بن عبد اللّه علی مقاومة الشقاق، ثم أنف بقومه، فلم یظفر به و حلّ فی لومه، و لما تضایق الأمر علی بن عبد اللّه و لم یقدر علی مقاومة کثیر الشقاق، اتفق مع أصحابه الذین نصروه و أشاروا علیه بالوفاق، أن یتقصد بمصطفی بن إسماعیل و الدولة فتصیر له الوقایة و یکون من أهل الصولة، فبعث رسولا من عنده لمصطفی بن إسماعیل بغایة الاشتهار، و من و لهاصة یقال له أحمد ولد مروان المکنی بأبی الأنوار، و کان شجاعا حیولا ذا سیاسة، و تدبیر و معرفة و قنابصة (کذا) و ریاسة، و لما اجتمع بمصطفی سأل منه علی لسان بن عبد اللّه الإعانة و النصرة، بمخزنه و جیش الدولة علی الأمیر و خلفائه بغایة الرسوخ، و قال له فی مکتوبه إذا خرجت المحال فانی نجتمع بها فی سبعة شیوخ، فخرج للقائه مصطفی بن إسماعیل بمخزنه و معه الکولونیل تنبور بمحلّته من وهران فی ثالث دسانبر من السنة المذکورة، الموافق للرابع عشر من شوال من السنة المزبورة، و مرّ بحمّام أبی حجر و وصل لیلا لمحل الاجتماع، فبات به و ظل به من الغد و لمّا لم یظهر له خبر خشی من الخداع، لاکنّه (کذا) لم یبرح من مکانه، و لا خالف الوعد، بزمانه، فبینما هو بذلک المکان و إذا ببعض
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 196
الجواسیس أتوه من عنده و قالوا له أنه لقادم للقائک بغیر التوان، و لمّا مرّ بمدیونة لم یترکوه یأتی بلا ضیافة، فسمع البوحمیدی و هجم علیه و أبطلهم من تلک الضیافة، و حرق لهم الخیام، و لمّ یخلص منه بن عبد اللّه إلا بالفرار لترارة بأشد الزام، و لمّا سمع مصطفی ذلک انقلب راجعا لوهران، فتلاقی به فرسان من الأغواط مذعنین له لما سمعوا به فی ذلک المکان، فبعث معهم شرذمة من مخزنه لخیامهم بأغلال من بلاد أولاد الزایر، لینقلوهم من ذلک المحل و ینزلوهم بوسط مخزن الدوایر.
ثم بعث بن عبد اللّه مرّة أخری للاجتماع، فخرج له مصطفی کعادته بالمحلّة و معه الکولونیل المذکور بلا نزاع، فی ثامن عشر دسانبر، الموافق للتاسع و العشرین من شوال بلا مخابر، و نزلت المحلّة بسیدی أحمد أبی کراع، قرب حمام أبی حجر بلا نزاع، و أذعن له بذلک المحل عدة نجوع، ففرح بهم و ذهبوا فی نفوع.
ثم فی ثامن العشرین من الشهر المذکور، الموافق لتاسع ذی القعدة الحرام من الشهور،/ ذهب الکولونیل طنبور: و معه فسیالات (کذا) و مصطفی بن إسماعیل، بمخزنه بعد ما ترکوا المحلّة بموضعها إلی کدیة الدّیس، لملاقاة بن عبد اللّه بقرب عین البریج فی غایة التحدیس، و لمّا رآهم بن عبد اللّه ترک قومه فی رأس الحمّار، و أتاهم بصحبته آغته مولای الشیخ ذو الافتخار، و قصد مصطفی بمن معه من الدولة، فترجّل الجمیع و جلسوا حذاء دومة للاتفاق علی ما یئول (کذا) للصولة، فأتی الکولونیل و أهدی بن عبد اللّه هدیة جلیلة، و جعله فی حمایة الدولة قولة جمیلة، و عیّن له خراجا سنویا یأخذه مفضوضا مشاهدة قدره ثمانیة عشر ألف فرنک و بما وقع بینهما الاتفاق حصل علیه الافتراق، فمنها الکولونیل رجع بأمر القبرنور لوهران، و منها مصطفی ذهب و فی صحبته بن عبد اللّه لناحیة تلمسان لیعطیه (کذا) المحلّة التی اتفق معه علیها لقتال الأمیر و أتباعه حیث کان، و بقی مولای الشیخ فی محلّته، متأمّرا علیها و یجول فی جولته.
ثم قدم القبرنور من الجزائر و وصل لوهران فی العشرین من جانفی سنة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 197
اثنین و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق لثانی ذی الحجة من عام سبع و خمسین و مائتین و ألف، و خرجت المحلّة التی تحت رئاسته من الجزائر فی الرابع و العشرین هذا الشهر من السنة المشهورة، الموافق للسادس من ذی الحجة المار من السنة المزبورة و وصلت لتلمسان فی ثلاثین من الشهر المذکور، الموافق للثانی عشر من ذی الحجة المزبور.
ثم خرجت إلی أولاد ریاح فی ثانی فبری (کذا) من تلک السنة، الموافق للخامس عشر من ذی الحجة من السنة المعنیة، و فی هذه الأیام هجم البوحمیدی علی بعض خیام الدوایر الذین بالخندق لیلا و أخرجهم من الخندق، و هذه بلیة صارت الناس من أجلها فی غایة القلق. قال و لنرجع بالکلام إلی الأمیر الذی أمر خلیفته الحاج مصطفی بمقاتلة النجوع التی بدائرة المعسکر، و أتی هو لناحیة تلمسان لجمع الجیوش فی المعتبر، فإنّه فی رابع فبری (کذا) تلاقی بمحلّة القبرنور: فأمر القبرنور مخزنه بقتاله فانتضوا علیه کالصقور، و أثخنوا فیه بالقتل الکثیر و هزموه إلی أن بلغ لأولاد سیدی المجاهد، و سبوا منه ستا و ثلاثین فرسا و أتوا بأساری کثیرة فی المصافد، و هذه المقاتلة قد انفرد بها المخزن وحده، فبلغ بها الثناء الجزیل و مجده، و دخل القبرنور: بکافة محلّته تلمسان، و استقرّ بها برهة من الزمان.
ثم خرج القبرنور: بمحلّته من تلمسان إلی سبدو الذی هو فی حدّ التل من بلاد أولاد و ریاش، لکونه من أوتاد الأمیر کسعیدة و تاقدمت بعمالة وهران و طازة (کذا) بعمالة الجزائر بالارتیاش، و لمّا وصله هدمه فی تاسع فبری (کذا) علی مالسزیاری (کذا) الموافق للثانی و العشرین فی ذی الحجة. و علی ما لمرطبلی فی الرابع و العشرین من الشهر المذکور، الموافق لثامن محرم فاتح ثمان و خمسین و مائتین و ألف فی المسطور، و أذعنت الناس بالجهة الشرقیة إذعانا تاما من شلف للمعسکر، و منها لرزیو فی المعتبر و لم یبق خارج عن الطاعة إلا لغرابة، قد تحیزوا بأماکن یرون أن لا تکون لهم بها الاسترابة، و لما رأوا الدولة قد أحاطت بهم من کل جهة، و لم یجدوا سبیلا للوجیهة/ بعثوا للقبرنور:
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 198
بالإذعان، و معهم طرف من بنی عامر و الحشم و أحبّوا أن یکونوا من الدولة فی الأمان، فقبل کلامهم القبرنور: و أذعنوا، و أزال ما بهم من الخوف و تامّنوا، حدّثنی آغة الغرابة الحاج عدّة ولد الموسوم، أن الغرابة لما أذعنوا و صاروا من جیش مصطفی بن إسماعیل قال الحمد للّه الذی جمع الخیمة التی کانت مفترقة بالرسوم، حیث الأعراش الأربعة المخزنیة صارت فی قبضة واحدة و ذهب ما بهم من النیّة الحائدة.
ثم بعث القبرنور: للجنرال بیدو: بمستغانیم و أمره بالذهاب لجهة تلمسان، لیفتش علی محلّة الأمیر و یقاتلها حیث ما وجدها و فی أی مکان، فذهب فورا لما أمر به و وصل لتلمسان فی رابع عشرین فبری (کذا) من سنة اثنین و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق للتاسع من المحرم الفاتح لسنة ثمان و خمسین و مائتین و ألف. ثم خرج علی الغسل و وصل لندرومة فأذعنوا له من غیر اختلاف، ثم زاد مصطفی و ابن أخیه المزاری بمخزنهما إلی قریة الکاف، فأمر مصطفی المخزن بالنزول و الدخول علیهم فی الغیران، ففعلوا و أخذوهم عن آخرهم أخذة شدیدة الأحزان، و لمّا رأت الدّشور (کذا) التی بحوائط الکاف ذلک النکال، بادروا للإذعان من غیر القتال، و لما تولی الجنرال داربو فیل:(D'ARBOUVILLE) علی مستغانیم بدلا من الجنرال بیدو الذی ارتقی لتلمسان، جمع جیشا عرمرما و خرج به لترتیب فلیتة بحسب الإمکان، ثم ذهب لتاقدمت و لما صار بمدغوسة وقع الثلج العظیم، فذهب لفرندة و بمروره غزی غزوة کبیرة ظفر فیها بالسّبی الجسیم، فبینما هو کذلک و إذا بالمطر السائل کأفواه القرب تزاید فدخل محلّته للغابة لنیل الأرب، و فلت من یده کثیر السبی و الأسارا (کذا)، و مات الکثیر من باقی الأسارا، و مات له أربعون فرسا ما بین خیل الطبجیة و لتران (کذا) و التجأ إلی کهوف افرندة للنجاة، و قدم فی تلک الیلة (کذا) صدامة لمحلّة دولینی و کان لیتنان (کذا)، لکون تلف بالنهار مع بعض الخیالة، و أرادوا التغلظ علیه ثم أذعنوا فی حالة الجیالة و بقیت تلک المحلّة نصف شهر لا تأکل إلا حبوب المطامیر، و لما انجلا الحال جاءت تلک المحلّة مع طریق أم العساکیر (کذا) و کان ذلک فی شهر مارس سنة اثنین و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لعام ثمان و خمسین و مائتین و ألف، و ذهب الحشم لجبل البرج فی المشهور، و ذهب الغرابة و القطارنیة و أولاد
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 199
سلیمان لوهران لملاقات القبرنور: و لمّا اجتمعوا به سألوه أن یجعل لهم حدود النجوع، و لا یدعها مهملة لیلا (کذا) یتولد منها بعض الصدوع.
قال و لنرجع بالکلام علی بن عبد اللّه فإنه لما رأی أنه لا فائدة له فی المقاتلة للأمیر مع الدولة، و رام أن یحصل له الثناء و المزیة وحده و یفوز بالصولة و کان الأمیر أراد أن یرد لنفسه من رعیته کل من أذعن للدولة، فجمع جیشا لقتال الأمیر بالنکایة، فسمع به الأمیر و هجم علیه لیلا و أخذ محلّته ففرّ هاربا لعین الحوت سائلا للوقایة، ثم قدم عند الجنرال بیدو: فجعل له صلة بغایة الوصف، إلی أن ذهب للحجاز فی سنة ست و أربعین و ثمانمائة و ألف.
ثم هجم الأمیر علی من کان بقربه/ من أولاد سیدی الخوان و أولاد عومر من الغسل فأخذ أموالهم غنما و غیرها، و مرّ علی حمام بن زمرة و تافنة غانما خیرها، فسمع به مصطفی بن إسماعیل صباحا فلحقه بمخزنه فی ذلک الوقت وفک له الغنیمة، و لم یخلص منه بالفرار لترارة باکیا نواحا، و کانت مدة العیبة ثلثی الیوم، و دخل لتلمسان بتلک الغنیمة و الأمیر حل فی اللوم.
ثم جاء السرسور لوهران لإراحة المخزن فی سابع إبریل سنة اثنین و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافق لثانی عشر صفر سنة ثمان و خمسین و مائتین و ألف، و جاء الجنرال داربوفیل: لمستغانیم کما مرّ فی البیان، فبعد أیام خرج علی شلف و زاد لدار آغة بن عرّاش بالبیان، و صحبته المزاری و قدور بالمخفی بمخزنهما جهارا فبمجرد حلوله بها خرّبها و أضرمها نارا، و بذلک المحل أذعنت العرب من مینا لأولاد خویدم، و أذعن للجنرال لمرسیار: بعد المحلّة الکبیرة غیر ما مرة طرف من فلیتة و جمیع صدامة و الحوارث و الحشم و الکثیر من أهل الیعقوبیة بغیر عویدم.
ثم أمر القبرنور بانتظام محلّة بمستغانیم فی أول یوم من مای الموافق للسادس عشر من ربیع الأول تکون تحت رئاسته، لیغزوا (کذا) بها علی النواحی الشرقیة إلی أن یربصها بسیاسته. و لما سمع الجنرال أبو هراوة صمّم علی الجولان بتلک المحلّة المنتظمة للقبرنور: و خرج من المعسکر لمستغانیم و جمع الزاد و أمر الأعراش المذعنین بالخروج مع المحلّة فلبّوه لذلک بغایة السرور،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 200
و ذهب للنواحی الغربیة بشلف لتدویخ العصات (کذا). و قد خرج الجنرال شانقرنی:(CHANGARNIER) بمحلّته من ملیانة مغربا لتدویخ البغات، و غرضه الاجتماع بأبی هراوة بوادی الروینة الذی یحصل به الفرح حین الملاقات (کذا) و تذهب کل الغبینة، لکون أبی هراوة کان معه قبل هذه الجولة الجیش العظیم، الذی فیه مصطفی بن إسماعیل و ابن أخیه المزاری بمخزنهما و قوم کثیرة من بنی مطهر و أولاد بالغ المذعنین سابقا فی القول العمیم، و جال بهم تنیرة وضایة بخراج و کرسوط، و الوهابیة و أولاد سیدی یحیی و ذوی ثابت و بنی مریانن إلی أن دخل المعسکر فی غایة البسوط و رجع مصطفی بمخزنه لحمایة وهران، و بقی أبو هراوة بالمعسکرة و ظنّ شانقرنی: أنّ المخزن لا زال معه مجتمعا فأتی لیراه لما یسمع عنه من بسالة الشجعان، و فی تاسع مای الموافق للرابع و العشرین من ربیع الأول دخلت المحلّة للمعسکر، و جلس لمرسیار: بها و للأمر بالمنتظر.
ثم خرجت المحلّة من مستغانیم تحت رئاسة الجنرال برجلی: و فیها ثمانیة فواس (کذا) من العرب تحت رئاسة قدور بالمخفی منهم بالمصابیح بن ساحة، فجالت یمینا و شمالا و رجعت و لم تر جناحه.
ثم خرج القبرنور: فی خامس عشر مای الموافق لثلاثین ربیع الأول بالمحلّة التی کانت فی انتظاره مقیمة بسیدی بالعسل، فجال بها یمینا و شمالا و رجع لمحلّه الأول، و فی ثامن عشر مای الموافق لثالث ربیع الثانی، خرج القبرنور بیج أیضا بمحلّته و معه من المخزن ألفی/ فارس تحت رئاسة الحاج المزاری و مصاحبا له قدور بالمخفی فی غایة التبیانی، و ذهب لتدویخ بنی زروال و غیرهم من الأعراش، الذین أذعنوا ثم حصل منهم التخالف و التشواش، فأطاعوه قهرا، و دخلوا فی حکمه قسرا، و انجرح بالمزاری فرسه بغیر قول قال، و تعرف هذه الواقعة بواقعة سبت بنی زروال.
و أخذ المزاری فی ذلک الیوم علامة الافتخار، کما تعرف تلک الواقعة أیضا بغازیة الکاف الأصفر فی السر و الإجهار، و قد أثخن المخزن فی العدو إثخانا عظیما، و نال من الدولة ثناء جمیلا و شکرا جسیما، و مات من جیش الکولونیل لتورجین فی تلک الواقعة خلق کثیر، و فاز بعده بالظفر الکبیر، و تمادا
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 201
(کذا) ماشیا للجهة الشرقیة من غیر متعرض له إلی أن وصل لجبل مزایة، فحل به الانتقام، و کان ذلک الیوم کبیرا مات فیه جیش کثیر عزّته فیه نائحة العزایة.
ثم جاءت محلّة الجنرال بیجو لمتیجة فهدمت سورها و زادت المحلّة للبلیدة و أزالت للأعداء نفورها.
قال و کان الجنرال أبو هراوة خرج بمحلّته فی خامس عشر مای سنة اثنین و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافق لثلاثین ربیع الأول عام ثمان و خمسین و مائتین و ألف، من المعسکر قاصدا لنواحی تیارت رائما لقضاء ما کان له فی الفایت، فمرّ بمنداس و وصل إلی تاقدمت فأضرم نوایلها نارا، و لقی بطریقه العدو مرتین فقاتله جهارا، فالمرة الأولی مع الأمیر بخیالته فقتل المخزن من الخیالة ثلاثة أو أربعة رجال و أخذ خیولهم، و المرة الثانیة فی عین الکرمة من بلاد عکرمة مع الأمیر و خلیفته قدور بن عبد الباقی فهدم المخزن سیولهم، و کانت هذه الملحمة فی غایة ما یکون من القتال، مات فیها من جیش الأمیر خلق کثیر من خلیفته بن عبد الباقی و خزندارة بن عبّ الخن من کثرة النزال، و کان القاتل لبن عبّ آغة الزمالة محمد بن المختار، و منهم من یقول قتله آغة الغرابة الحاج عدة ولد المرسوم و الصحیح أنهما اشترکا فی قتله کما فی صحیح الأخبار، و نهب المخزن للعدو جملة من الخیول، کما نهبت المحلّة ما أرادته من السّعی بالقول المنقول، و مات من المخزن بن عبد اللّه ولد البهیلیل و مسعود ابن شهیدة، و العربی بن یحیی فی القولة التی لیست برویدة، و تمادی الجنرال سائرا بمحلّته إلی أن خرج علی الکاف، و زاد علی بنیان الرومان جیهة (کذا) تیارت ثم زاد لعین تاودة بناحیة الأصنام بغیر الخلاف، و قد أذعن له أولاد الشریف و أولاد الأکرد و الأحرار الشراقة و حلویة فی سابع عشرین مای المذکور، الموافق لثانی عشر ربیع الثانی بالمشهور، و لمّا رجع بمحلّته للمعسکر بلغه الخبر فی حادی ثلاثین مای الموافق لسادس عشر ربیع الثانی، من عند مدغوسة بأن الأمیر هجم علی الحشم الشراقة فی واد العبد بغیر التوانی، فبلغ الخبر فورا لمصطفی بن إسماعیل و هو بوهران، فخرج بمخزنه حارجا إلی أن وصل للکرط بقرب المعسکر فی ثالث جوان، الموافق لتاسع عشر ربیع الثانی بإیضاح البیان، و کان الجنرال أبا هراوة/ ترک محلّة صغیرة بحوائط المعسکر وقایة بها بالعیان، و زاد علی سعیدة و عین الحجر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 202
و تمطلاس و خرج فی حسیان سفید، و به أذعن بعض الجعافرة فی القول المفید، و کان الأمیر بذلک الوقت فی غریس، و معه شرذمة قلیلة یروم بها التخلیس، و فی ثانی عشر جوان سنة اثنین و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافق للثامن و العشرین من ربیع الثانی سنة ثمان و خمسین و مائتین و ألف، خرجت المحلّة من مستغانیم بقصد فلیتة فی الجولان، و التقت فی زمورة بخلیفة الأمیر الحاج مصطفی صاحب واقعة مزغران، و حصل القتال الذریع ثم انفصل عن بعضهم بعض الفریقان، و قد حصل الثناء الجمیل فی ذلک الیوم لمخزن المزاری بالغایة لکثرة قتاله و هجومه علی العدوّ بما بلغ به للغایة. قال و بعد استراحة أبی هراوة بالمعسکر ثلاثة أیام، خرج بمحلّته و معه المخزن لنیل المرام، و ذلک فی عشرین جوان الموافق لسابع رجب، و ذهب لفرطاسة و واد التات دون وصب، و مکث به إلی خامس جلیت الموافق لثانی عشرین رجب الأصم، و اشتغل جیشه بحصاد حب فلیتة و الحشم.
قال و أما الجنرال داربوفیل: الذی کان بنواحی شلف، فإنه دخل بمحلّته لمستغانیم فی أوائل جلیت الموافق لأوائل العشرة الثالثة من رجب بغایة وصف.
ثم ذهبت محلّة المعسکر بمخزنها من فرطاسة فی خامس جلیت الموافق للثانی و العشرین من رجب الموصوف بالفضل و الصیت، لتلک النواحی فمرت بعرجة القطف و سیدی الجیلالی بن عمّار، و سیدی بلقاسم إلی أن خرجت لمن أذعن من الأحرار و زادت لبلاد قجیلة التی فیها زاد الأمیر و ما له من السلاح، فبحثوا عن ذلک و أخذوا ما وجدوه و هم فی غایة الافتلاح، قال و لمّا وصلوا لقجیلة تأمّل مصطفی بن إسماعیل فیها غایة و لما أعجبته تلک البلاد، فاه متکلما بهذه الأنشاد:
یا ولاد محی الدین الکاثرین الإفسادالساکنین ذا البلد الزین فی السحری
ما تستهلوش یا سراق الهذا البلادیستاهلها الفرانسیس و نخدمهم التال عمر
حین وصلتهم للصحرا زولوا الانکادنقدر نموت مطرح حین خلفت ثاری
و منهم من یقول أنه لم ینشد شیئا و إنما قام خطیبا بأعلا (کذا) صوته بمرآت الناس، قائلا الحمد للّه الذی خلفت ثاری من أولاد محی الدین و نحیت
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 203
ملکهم و أطردتهم عن البلاد و وصلت فی أثرهم بجیش الفرانسیس إلی قجیلة و لا زلت تابعا لهم إلی أن أمحی آثارهم بالکلیة و یحصل لأنفسهم الإیاس، و من بلد قجیلة افترق المخزن مع الجنرال أبی هرواة بالبیان، فمنها الجنرال زاد للتل و منها المخزن رجع لوهران، فدخلها فی أوائل أوت سنة اثنین و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافق لأواسط العشرة الثانیة من شعبان سنة ثمان و خمسین و مائتین و ألف، و فی ثامن ستانبر (کذا) الموافق للسابع و العشرین من رمضان، جمع القبرنور جنرالاته و أمرهم بالتفتیش علی الأمیر و جیشه و الباعة أین ما کان، فمنها/ الجنرال دربوفیل: أتاه الأمر بأن یرجع لفلیتة البحریة، و یبحث فی سائر أماکنها من ملعب قربوسة و غیب الشرفة من جهة العمارنة بالکلیة، و منها مصطفی بن إسماعیل یخرج بستمائة فارس مقاتل من مخزنه و یجتمع بالجنرال أبی هراوة فی السادس عشر من ستمبر سنة اثنین و أربعین و ثمان مائة و ألف الموافق لخامس شوال سنة ثمان و خمسین و مئاتین و ألف، فی عین الکرمة ثم یخرج علی الطریش و عین تاودة و واد سوسلم و قصر بن حماد إلی أن یصل إلی رأس عین طاقین و لما سمع الأمیر ذلک خرج من الصحراء و دخل التل فأخذ علی رهیو و الشلف و هجم علی أولاد خویدم و أولاد العباس الذین کانوا للدولة مذعنین، فأخذهم کثیرا و ذهب لناحیة المعسکر فوصلها فی ثلاثین ستانبر (کذا) الموافق لتاسع عشر من شوال و هو الیوم الذی وصلت فیه المحلة لطاقین و لما مر الأمیر بالبرج أضرمه نارا، و ترکه رماد بتمامه جهارا، بعد ما انجلا (کذا) عنه أهله لسجرارة و بنی شقران، و منهم من وصل إلی سیرات رایمین له عدم الإذعان و فی ثامن أکتبر (کذا) الموافق لسابع العشرین شوال سمع الأمیر بأن الکثیر من الأحرار أتوا بأمر الجنرال لمرسیار أبی هراوة إلی مطمر أولاد الشریف المذعنین له لأخذ حبه بتمام و هم له فی الاضطرار فهجم علیهم معتقدا أن المحلة لم ترجع من طاقین و کان ذلک قرب الطریش باللوحة بالتعایین فسمعت المحلة النازلة هناک و رکبت بمخزنها القساور، و هجمت علیه فنزعت له جمیع ما سباه من الأحرار و قتل منه المخزن مائة نفرا فی حالة المضاجر، و غنموا له مائتین و ثمانیة من الخیول، و أسروا خمسین نفرا من جیشه و أتوا بهم فی الکبول و قد حاز المخزن فی ذلک الیوم للثناء الجمیل و شکرته الدولة بالشکر الوافر الجلیل، و لما رأی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 204
الجنرال أبی هراوة صفاء خدمتهم و کثرة تعبهم و شدة صدمتهم أذن لهم بالرجوع إلی وهران، للراحة و إزالة الأوساخ و الأدران و ذلک فی اثنین و عشرین اکتبر (کذا) سنة اثنین و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق للحادی عشر من ذی القعدة الحرام سنة ثمان و خمسین و مائتین و ألف، و زادت المحلة إلی فلیتة و منداس و هجم الأمیر أیضا علی فلیتة أیضا الغربیة و الشکالة و حلویة، و الکرایش و بنی نسلم بغیر التباس، و ذلک ما بین جانفی و فبرایر من سنة تلات و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق لشهر صفر من عام تسع و خمسین و مائتین و ألف و هجم فی مارس الموافق لربیع الأول علی شرفة فلیتة و لم یدع لهم تفلیتة، و لما سمع بدخول محلة الجزائر بالقوة المعینة افترق علی جبال و انسریس و شلف و الظهر بجیشه و أقام مدة الشتاء ما بین جدیویة و واد الروینة.
ثم تلاقت المحلة التی هی فی مستغانیم تحت رئاسة الجنرال جانتی مع العدو فی أولاد خلوف، و حصل القتال الذریع فیه بین الفریقین المفرق بین الألف و المألوف، و شمر فیه المزاری و صحبته قدور بالمخفی و المخزن عن ساعد الجد وصال علی العدو إلی أن أذاقه النکال و أزال ما به من القوة و الجد، و هزم العدو هزیمة شنیعة وقع بها فی الفلل، و هذه الواقعة تسمی بواقعة سیدی الأکحل/ و ذلک فی عشرین مارس سنة ثلاث و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق لثانی عشر ربیع الثانی سنة تسع و خمسین و مائتین و ألف و کثر القتل فی بنی زروال، و رأوا من المخزن غایة العذاب و النکال ففاز المخزن فی تلک الواقعة بالثناء الجمیل و الشکر الکثیر الجلیل و هو آغة بالجهة الشرقیة تولاها فی تاسع أوت سنة إحدی و أربعین و ثمانمائة و ألف تولی بایا بمستغانیم مصطفی ابن عصمان و تولی أخوه إبراهیم خلیفته بالمعسکر بالقولة الفرقیة. قال و لنرجع بالکلام إلی نواحی تلمسان فنقول و باللّه الاستعان، أن الجنرال بیدو الذی کان مترئسا بتلمسان، خرج فی شهر نوفبر (کذا) بجیشه فجاس بلاد بنی عامر، و رجع لتلمسان فی حالة زاهر، ثم خرج أیضا فی مارس و إبریل من السنة المذکورة الموافقین لربیع الثانی و جمادی الأول من السنة المسطورة و جاس غربی تلمسان، لجیال بنی سنوس و بنی أبی سعید و لما وصلت المحلة للمحل المسمی بشجرة برّافراف تکلم فیها وجوه البارود من مخزن الأمیر و لم تکن فیهم فائدة بکل ما
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 205
کان، و فی خامس إبریل الموافق للثامن و العشرین من ربیع الثانی اجتمع الجنرال بیدو بقائد وجدة و اتفق معه علی الصلح و جعل الحدود فأبی ذلک المغاربة و قاموا علی قائد وجدة و رموا المقاتلة مع المحلة بالشدود و لما رأی الجنرال ذلک الخلاط و کونه فوق مقدور القائد ترک ذلک لوقت آخر خشیة من بعض العیاط.
قال و لنرجع بالکلام علی القبرنور فإنه بعد المقاتلة فی السنة المذکورة بالاتزام ذهب بمحلته إلی بلاد الأصنام، و ذهب الجنرال أبو هراوة إلی تیارت.
و کانت محلة معسکر تجمعوا فی خدمة البناء بها بالقول الثابت.
ثم خرج الأمیر من محل الشتاء و مر لمحلة قبرنور ثم زاد للجعافرة و أولاد إبراهیم و الیعقوبیة فی المشهور ثم انحدر لوطاء غریس فی ألف و ثمان مئة فارس، و هجم علی الحشم فی تاسع عشر أبریل الموافق لثانی عشر جمادی الأول من غیر حادس. و لما سمعت الدولة بذلک بعثت لمصطفی بن إسماعیل بوهران، لیقدم بمخزنه و معه المحلة تحت رئاسة الکلونیل جیری لناحیة المعسکر لدفع العدو عن الأعراش المذعنة لها بغایة الإذعان، و لما وصل ذلک المعسکر ترک الجنرال أبو هراوة الکولونیل جیری بذلک المکان و ذهب بالمخزن للیعقوبیة عند أولاد خالد و الحساسنة بالعیان، ثم زاد قاصدا لتیارت، و لما وصل إلی أسفل فرندة فی الحادی و العشرین من أبریل الموافق للرابع عشر من جمادی الأولی بالنقل الثابت، مکث هنالک لتلحقه المحلة الثانیة من المعسکر، و فی ذلک الیوم هجم الأمیر علی صدامة و خلافة فی مدغوسة فی القول المشتهر، فاجتمع العرشان علی قتاله إلی أن لحقتهم المحلة للإعانة فقتلوا من جیشه خمسین فارسا فی حال الإعانة، ثم ذهب و نزل فوق وادی مینة، و هو فی حالة الکربة و الغبینة، و بعد أیام افتقر للزاد فخرج علی المناصفة بناحیة منداس، و ذهب إلی فلیتة الفواقة المذعنین للدولة بغایة اقتباس، فقاوموه عتیدا، و قاتلوه شدیدا إلی أن قتلوا منه ثلاثین فارسا/ و غنموا منه ستة و خمسین فارسا حارسا.
و کان من جملة القتلی سیاف جیشه علی بن عومر و أتوا للمحلة برأسه مجزوزا، و ذلک بقرب سیدی محمد بن عیسی قولا مفروزا. و أما آغة بن رباح فقد أسر باللوحة و هذان الرجلان قد اجتمع (کذا) بالجنرال أبی هراوة بوادی التاغیة بنیة الصلح مع الأمیر فی شهر جانفی سنة اثنین و أربعین و ثمانمائة و ألف بالتحریر.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 206
و فی رابع میب (کذا) سنة ثلاث و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافق لسابع و العشرین من جمادی الأولی سنة تسع و خمسین و مائتین و ألف خرج الجنرال لمروسیال و معه الکولونیل جیری و المخزن من المعسکر إلی واد العبد بمحض اختیار، و حیث سمع بمقاتلة صدامة و خلافة أولا و فلیتة ثانیا للأمیر و مقاومتهم له فرح کثیرا و تحقق بأن الرعیة أذعنت للدولة و قال الآن علمت ببغض العرب للأمیر. و فی سابع میب المذکور، الموافق لثلاثین جمادی الأولی المسطور خرج من سیدی الجیلالی بن عمار صباحا و وصل إلی الأحرار و هم بأعلا (کذا) مینة. و کان صدامة و خلافة مجتمعین و لهم قوة علی محاربة الأمیر من غیر افتقار لمعینة. و بعد ذلک ذهب لناحیة الدوک دومال (LE DUC D'AUMAL) المقاتل للعدوّ غربی ذلک المکان بغیر محال و ذلک فی عاشر مای الموافق لثالث جمادی الثانیة کما ذلک محقق فی السر و العلانیة. و فی ثلاث عشر مای الموافق لسادس جمادی الثانیة وصل للناظور بالتعین، و بعد المقاتلة الکثیرة دخل للوسخ و الرغای بناحیة طاقین و حاز العدو لجبل العمور، و لما خشی الجنرال علی محلته من انقلاب العدو علیه و یحل به بعض الألم رجع علی أعین سیدی منصور. و فی الرابع عشر من مای الموافق لسابع جمادی الثانیة تلاقی الجنرال جانتی(GENTIL) بمحلته بالعدو و الذی تحت رئاسة الحاج محمد ابن الخروبی فی سیدی راشد، فوقع بین الفریقین القتال الشدید المتزاید.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 207

معرکة عین طاقین و نتائجها علی الأمیر

اشارة

قال و فی لیلة عشر مای الموافق لثانی عشر جمادی الثانیة جاء الخبر و هو بتیارت، بأن دائرة الأمیر أخذها الدوک دومال بطاقین فی عاشر مای الموافق لثالث جمادی الثانیة فی القول الثابت و ذلک أن عبدا من أهل الدائرة المأسورین هرب و قبض فأخبر الجنرال و هو بتیارت و أن خلقا کثیرا من الحشم هربوا و ذهبوا للکرایش بنهر واصل. و لما سمع الجنرال ذلک رکب بمحلته و مخزنه فورا و سار إلی أن لحق بهم بالخمیس علی مسافة أربعین کیلومتر (کذا) من تیارت بالتواصل فصار القتال الشدید بین الفریقین بالتشرید و غنم منهم إبلا و غنما و زادا کثیرا و نزل بمحلته فی ذلک الیوم بعین الترید. و من الغد و هو الیوم الثالث و العشرون من مای الموافق للسادس عشر من جمادی الثانیة نزل بمحلته فی التات، و من ذلک المحل انقسمت المحلة فذهب قلیلها للمعسکر و دخلها بالإثبات و ذهب الجنرال لمحلته إلی تیارت بحالته الزینة.

مقتل مصطفی بن إسماعیل‌

و أراد مصطفی بن إسماعیل بمخزنه المرور علی فلیتة إلی أن یصل لوطا مینة، فذهب علی جبال المناصفة و له الزهو، و لما وصل واد تامدة خرج له العدو و کان مخزنه فی غایة الثقل بما سباه من الحشم. فقاتلوا العدوّ إلی أن أخروه عنهم بالعزم ثم تمادی مصطفی بمخزنه إلی أن وصل وقت العصر ما بین المناصفة و مینة فخرج العدو علیه فی ضیقة العقبة البیضاء المورثة للغبینة و کثر ضرب البارود فی أول محلته/ فأخذ مکحلته (کذا) و تقدم لیر (کذا) ما بمحلته.
و بفور وصوله لوسط العدو أصابته رصاصة فی صدره من عند العدو فسقط میتا فی الحین و افترقت محلته شغر بغر (کذا) و بقیت جثته فی ید العدو بالتبین.
و اشتغل العدو بأخذ السعی من المحلة الفارة عن ما کان بیدها. و خلفت رایسها (کذا) منفردا وحیدا بیدها، و لم یعلم أحد من العدو بأن الجثة هی جثة مصطفی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 208
أصلا إلی أن سمع قربوصة بالمقاتلة و أتوا لمحل المعرکة و نظروا للجثة فعرفها رجل أجنبی من الشرفة و أخبرهم بأنها جثة مصطفی بن إسماعیل الذی کان کهفا وصولا و أراهم الجرح الذی بیمناه الحال به فی واقعة سکاک بالتحریر، فجزوا رأسه ویده الیمنی و ذهبوا بهما للأمیر فلم یقبل منهم الأمیر ذلک، و قالوا لقد فعلتم عظیما بذلک، فإنی لا أحب أن یکون مصطفی بهذه الحالة و إنما أحببته أن یأتینی علی فارسه حیا مزیل عنا للنکالة. ثم أمر الأمیر بدفن الرأس و الید بعد التقسیم و التکفیف لهما و الصلاة علیهما. و تأسف کثیرا من ذلک و عاتبا فلیتة بما صدر منهم و مال إلی ناحیة الرأس و الید متأسفا ملتفتا إلیهما و کان موته فی الثالث أو الرابع و العشرین من مای سنة ثلاث و أربعین و ثمان مائة و ألف الموافق للسادس أو السابع عشر من جمادی الثانیة سنة تسع و خمسین و مائتین و ألف .
و بقیت جثته مدفونة هنالک إلی أن جاء ابن أخیه الحاج المزاری من الحج فنقلها بالتحقیق و دفنها بمقبرة سیدی البشیر بوهران فی النقل الحقیق. و توفی و هو ابن ثمانین سنة و قلما یوجد بوقته من الرجال و لا یضاهیه أحد من الشجعان الأبطال و رثاه الکواش أبو عبد اللّه محمد ولد قدویر (کذا) الزمالی بقصیدة من الملحون فقال :
محمد شاش یا بابابین القومان
یبکی یبکی ما شافشی صافایجری لهفان
اخرج محمد الدانی‌رأس امحانی
یلقی مرباع الأعیانی‌عوده عرینان
قال لهم یا اعمومیاوین بویا
عز المضیوم بابا یافیکم ما بان
فی بالی مات لا شکازین الحرکا
روح للدایم برکازهو العربان
روح للدایم دنش‌ذا المتفحشش
و أبقیت أنا الاندفش‌بین الأقران
ظنیت اطفا و مصباح‌عز املاح
و الحق رفاقته راح‌تحت المدران
دبلونی ارفاقته جاح‌ضاع أسلاح
بین الویدان یلتاح‌رهبت الأعیان
سید ما بانش حزنی‌و اخبرونی
یا ناس اللوم ما جانی‌سرطة ثعبان
نبکی حزنی علی بابامولا الرهبا
زین التحزام و الرکباغیب ما بان
قالوا له ناس بکایاو اعمومیا
لا تحزن یا بن خویاربی رحمان
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 209 صفا نبکوه بالدمعاعام و ساعا
ما دام الناس مجتمعاو اللّه رحمان
واجب نبکوه بالجملایا رجالا
من موته جاتنا غفلارد البیان
/ کلی ما شافته عینی‌یا مقوانی
یهمر فی القوم سیسنی‌یوم المیدان
ما شفت الیوم ما نحکی‌کانک شبکی
ترانی ها ابنی نبکی‌بکی الحیران
یرکب ما لدوب بالخفاثم یلفا
و تجیه القوم بالعلفاتلغا باعنان
ارکب ازرق مزغتم‌باعلامه ثم
طیفیل اخداه تتحزّم‌مثل العقبان
ارکب اکحل سودانی‌سرجه تغنی
تحلف تقول ذاجنی‌و لا ثعبان
روح الفاس بالکلماوازها ثما
و اجلس مع الکرماطیب الإحسان
عرفوه أصلان من جدّثم شدّ
و أعطاه امکافته وحدعبد الرحمان
زاده قدات ینقادوابلا عود
و اعمل معاه مرادتسریح أمان
أعلاه القوم ملتماقلت زعما
تخلف صاحب القیمامن دار الشان
منه الناس مهتمازین الهما
و اعشر الالحاد فی الظلماتحت المدران
أفلیت یا بنی طاغوراهم زاغوا
قتلوا المشنوع بافراغواناس البهتان
صفا قتلوه بالزهداقوم الاعدا
أرذال الناس ذی نکداکثرت الامحان
حین أن قتلو لنا صفاقالوا کفا
فرحا و سرور و وفابذا الثعبان
قطع راس مع یدبهم صدّ
لابن الزهرا و میعادیبغوا الإحسان
لما وصلوا البشّرالابن الزهرا
حصلت له یا بن عبراو ابقی زعفان
حین أوصل رأسه و یدزاد اکماد
و ابقی مردوف تنهدهذا السلطان
قاللهم ما هنا صنعافی الطمعا
أفلیت یالخداعاغیر أبلامان
ما عندی ربح فی موت‌کون أهدیت
مصطفی حین و جیت‌به تعیان
لو جیت لی البحثاوی‌حی مساوی
نفرح و نزید الازهاوی‌یحصل الأمان
و تعود الناس فی خوابه الدوا
و یزول الهم بالسواو تزول أحزان
و تصیر الناس فی شرحازهو و فرحا
و اقلوب الناس منطرحاجاهم رمضان
و یعود الصلح و الفدالا تحیذا
و یکون الخیر من وجدالأرض الزبان
و اطیع الناس مجموعاغیرا بساعا
و الحکم یکون بالصنعاتطفا النیران
و النصاری ایخاووناو یهنونا
و الصلح یکون بیننافی کل امکان
اللّه الحد ذی شمتاقوم فلیتا
تقتل عالم النهتاصفا السجعان
حزنی حزنی علی صفازین الصفا
ولد اسمعین‌ما یخفا
ساکن مدران‌کلی ماعش فی الدنیا
رهج العدیاما شاف
أتراک و ندیاهم الأعیان
حزنی حزنی علی الرقبامولا الرهبا
صفا صندید بوعذباعز الفرسان
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 210 عز الفرسان ما جانی‌راه أهدانی
أکثر همی و تشطانی‌من ولد فلان
/ من بوعرنین بوهدباوقعت غلبا
من موته یا بنی صعبارحمه رحمان
ابقا عرش مع ناس‌فی تدناس
و اقراره کامل انطمس‌کلی مکان
مرکاح الناس فی الشداسور العمدا
مولا النطحا مع الهداسبع الافتان
صفا صفا ابن الوکداناس الشدا
أهل أقواطین مقصوداناس الزنزان
ضیمی ضیمی علی سبعی‌یا تبوعی
صفا المشنوع بالنفع‌و امس دکان
ضیمی ضیمی علی الرقبازین الرکبا
صفا قلاع للغلبامنه حیران
ضیمی ضیمی علی صفازین العلفا
إذا هو ابنی یلفاتبقی دکان
ضیمی ضیمی علی الجیدرآه المرمد
ولد اسماعیل بو و الجدعاش مدران
أفلیت به کشاعواعاد ارتفعوا
قتلوا صفا الی سمعواعابوا ما کان
اللّه الحد مادرت‌یا من جیت
و لصفا قاع خلیت‌بید العدیان
امحمد یالمزاری زهوأبصاری
عمک متروک فی القفرنحک ما کان
طل طل المزاری‌یا جبار
خلاص انقام متحذری‌رهبت الأعیان
ارجع برکاک من حجک‌و اعمل جهدک
و اقطع الکل لا تترک‌حتی النسوان
فی افلیت حط باوتاقک‌یا بن عمک
و اخلص الثار من عمک‌یا عال الشان
محمد یا بن یشکرولد اقویدر
ناس الخصلا أهل الحیمرعز العربان
محمد شاش یا بابابین القومان
یبکی ما شافشی صافایجری لهفان
و مات رحمه اللّه بعد الظهر بالمریرة التی بغابة سیدی حراث، بالعقبة البیضا المحاذیة للعشبة الکبیرة التی ببلاد الرقایقیة ذات الاکتراث، و هم بأرض منداس، التی حصل بها الهم الجزیل و صارت الناس بموته فی الأحداس، و تأسف لفقده کل من له معرفة به من النصاری و المسلمین حتی الأمیر. و حل بالجنرال أبی هراوة من الغضب ما حل إلی أن صار علی فلیتة فی الغیظ الکبیر.
ثم کتاب الجنرال أبو هراوة للجنرال تیری بوهران و قال له تعلم کافة الدوایر و الزمالة و سائر المخزن بأنه صار علیهم بموضع المرحوم آغة محمد بن البشیر، و تأمر أبناء عمه و کافة المخزن بأنی لا أحب واحد منهم لما ترکوا سیدهم بأرض العدو و غنموا سلامة أنفسهم بالفرار. و ذهب الجنرال للنواحی الغربیة لیهدن روعتها و یمهدها بسائر الأقطار.
ثم إن الأمیر لما رأی الجنرال توجه للناحیة الغربیة هجم بجیشه علی الأحرار، و سبا (کذا) لهم جمیع ما یملکونه و ترکهم فی حاله الأشرار، و ذلک فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 211
ثامن جوان سنة ثلاث و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافق لثالث رجب سنة تسع و خمسین و مائتین و ألف .
و لما اتفق قدوم الحاج المزاری من الحج بأثر موت عمه مصطفی بن إسماعیل ولته الدولة بمحله بل بموضعه فی القول الراجح الشهیر. و جعل علیه خلیفة ابن عمه محمدا بالبشیر.
ثم أمر الجنرال الکبیر، المخزن بالخروج من وهران و الإتیان عنده بلا أخبیة و لا یرجعون إلا بأخذ الثأر، و إزالة اللوم و العار، و الأفهم من جملة النائبة أهل المذلة و النیة الخائبة. فامتثلوا أمره و خرجوا تحت رئاسة آغة الحاج المزاری القادم من حجة یوم موت عمه مصطفی فی قول التماری، فی ثالث عشر جوان سنة ثلاث و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافق لسابع رجب سنة تسع و خمسین و مائتین و ألف و لحقوا به و هو فی الرحویة من بلاد فلیتة، و جزموا بأن لا یدعوا لأحد منهم تفلیتة. و کان الأمیر نازلا بالکرایش ثم نزل و معه الکرایش و فلیتة و حلویة برهیو، و هم فی صولة عظیمة لا عبرة لهم بمحلة الدولة و مخزنها بغایة الترهیو.
و حصل القتال الشدید فی ذلک الیوم، و ظهرت من الحاج المزاری الشجاعة التی أزال بها للعار و اللوم، و أتبعه المخزن فی فعله بغایة المراد، و ظفر بالعدو و هو فی الازدیاد. و قد کان العدو حمل أمتعته علی الإبل و قاوم المحلة بما أراد، فخیب اللّه له ما تمنی و أراد، و صارت أمواله صارخة. و من شدة القتل عادت نائخة. و کان رجل فی غایة الشجاعة علی فرسه و هو کبیر بنی لومة، و معه آخرین فی غایة الشجاعة التی صیرتهم عدومة. یقاتل و هو حصن العدو المنیع و کهفهم الحصین المنجی لهم من التوقیع، فلاقت علیه خمسة فوارس من الدوایر فی میدان المعرکة بغایة التلاق، و هم محمد بالبشیر، و السید محمد بن داوود آغة. و السید أحمد ولد قادی باش آغة، و بن عودة بن إسماعیل، و الحاج قدور بالشریف الکرطی، و صار بینهم کثعلب بین السلاف، إلی أن قتله باش آغة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 212
المذکور. و بموته دخل الرعب قلب العدو و ساعده الفرور. فغنمت أموالهم و أتلادهم، و سبیت نساؤهم و أولادهم. و مات منهم خلق کثیر. و مات من المخزن ثمانیة فوارس ما بین الدوایر و الزمالة منهم قائدان قول شهیر. فحصل فی ذلک الیوم للمخزن من الجنرال و أعیان الدولة الثناء الکبیر. و بالغوا فی شکر المزاری بجیشه و حل بالمخزن المدح الکثیر، قائلا لهم الجنرال هکذا أیها المخزن نعرفکم لما أشفیتم لنا و لأنفسکم العلیل، و أبردتم لنا و لکم الغلیل، و أخذتم الثأر فیمن تسبب فی هلاک أبینا و أبیکم مصطفی بن إسماعیل، الذی لحقنا الحزن منه بجزئه و کله، و سنجدد الانتقام من العدو لأجله. ثم انتقلت المحلة و نزلت بالکرایش، و کانت دائرة الأمیر نازلة فی الرشایقة من بلاد أولاد خلوف لحمل أثار الأحرار الباقیة بمحل المعرکة بغایة الترایش. و فی رابع جلیت من السنة المسطورة، الموافق للثامن و العشرین من رجب من السنة العربیة المذکورة ، نزلت المحلة بتیارت و سمعت بأن البعض من محلة الأمیر أتوا لأخذ حب المطامیر الذین هم للمذعنین. فرکب المخزن ذو الغل و الحقد علی قاتل مصطفی، و السرسور و اتبعوهم إلی أن جاوزوهم اللوحة و أوصلوهم لسیدی العابد بالتبیین، و قتلوا منهم أکثر من مائة و خمسین فارسا، و غنموا مائة و تسعة عشر من الخیل أغناما حارسا، و وقف الجنرال أبو هراوة هناک علی ربوة/ و عرض علیه رایس المخزن الحاج المزاری الخیول المغنومة فصففت أمامه فی صحیح المنقول. و لما تأمل فیها بتمامها نزل من فوق فرسه للأرض و أمر المخزن بالنزول، ثم قام فیهم بنفسه فی الحین خطیبا، رافعا لصوته ترغیبا لهم و تطریبا.
و قال أیها المخزن السادات الکرام، الشجعان الفرسان العظام، یا جملة مخزن الدوایر و الزمالة و من انخرط فیکم، أنتم سادات الناس و لیس لنا شک فیکم.
فإنی ما أمرتکم أن تأتوا بلا أخبیة إلا لتأخذوا من العدو القاتل لمصطفی ثأرکم، و تزیلوا عنا و عنکم العار الذی حل دارکم. و ذلک مما هو واجب علی أن آمرکم به و أعمی عنکم البصر لکون مصطفی قد أحزن الجمیع، و هو الذی دوخ الوطن و لو لا هو و ابن أخیه بکم لم یکن لنا أحد بالمطیع. و قد لحقنی لأجله الغضب
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 213
و الغیظ الشدید، الذی زادنا بفقده ترادف الهم العتید. و ما تکلمت معکم به إلا لما نعرفه فیکم من الحماسة و البسالة، لکونکم لستم من أهل الجبن و الجزاعة المفضیة للبطالة، فغرضی بذلک أن أحرک لکم الإنافة باعلا (کذا) الأنوف، لتموتوا عن آخرکم أو تخلفوا الثأر بغایة القتال الکائن بالبنادق و السیوف. و لما خلفتم الثأر و أزلتم عنا و عنکم البخس و العار. فقد زال غضبی، و ذهب عطبی، فإنکم الیوم عند الدولة بأعیانها فی غایة العز و المکانة العالیة أکثر مما کنتم فیه.
و ذلک شأن الرجال فی مکائد الحروب السجالیة فعلیکم بالصبر علی قضاء اللّه تعالی بالحکم له وحده منفرد به فی ملکه و هو المتصرف فیه، و أن الموت لازمه لکل مخلوق، و الفراق لا یخلوا (کذا) منه مخلوق.
قال الشاعر:
و من لم یمت بالسیف مات بغیره‌تعددت الأسباب و الداء واحد
و فی الیوم المذکور و هو رابع جلیت (کذا) سنة ثلاث و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق للثامن و العشرین من رجب سنة تسع و خمسین و مائتین و ألف تلاقی الجنرال بورجلی بالشریف بن عبد اللّه المتریس علی الجیش الکثیر فی غیب زمورة، فحصل القتال الذارع بین الفریقین و انهزم بن عبد اللّه بجیشه بعد ما قتل منه الکثیر و صارت حالته مدمورة. ثم فی الرابع عشر من جلیت (کذا) الموافق لثامن من شعبان اجتمعت المحال مع محلة الجنرال أبی هراوة بفرطاسة، و تفرقت علی غیب قربوسة و فلیتة و أودیتها للتفتیش علی العدو صاحب الحالة الغطاسة. فخرج الدوایر و الزمالة فی الشرفة و أولاد سیدی یحیی و أولاد سیدی الأزرق، فأسرفوا فیهم بالقتل و سبوا من نسائهم و أولادهم نحو الألف نسمة و أثخنوا فیهم إلی أن أذعنوا بالطاعة فی القول المحقق، و ذهبوا بالسبی فی عشرین جلیت (کذا) الموافق لرابع عشر شعبان لوهران، و ذهب الأمیر للناحیة الغربیة بالاتقان. و فی الحادی و العشرین من جلیت الموافق لخامس عشر شعبان، تلاقی به الکولونیل جیری بعیوت البرانس و وقع بینهما القتال بغایة ما
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 214
کان. فقتل منه الکولونیل مائتی و إحدی و خمسین رجلا منهم واحد مترجلا و الباقی فوارس، و أسر أربعة رجال و سبا (کذا) له جمیع الزاد و مائة و إحدی/ و عشرین فرسا من خیل الفوارس.
و لما رأی الأمیر ذلک تقدم لغریس فی اثنا عشر مائة مقاتل ثلثها رواجل، و ثلثها فوارس فی غایة التواجل، ما بین أنقاد و الجعافرة و بنی مطهر، و هجم بهم علی الحشم الذین بإزاء المعسکر، و هم نحو السبعة دواویر فی حکم آغة بالمصابیح، ثم زاد إلی دخل (کذا) العرقوب و بابا علی فی غایة التصاریح، و حصل القتال بینه و بین أهل البلاد إلی أن أجلوه للکرط بالاحتکام، ثم زاد للعسة التی تخدم فی القنطرة و المدینة بواد الحمام، فأثخن فیهم بالقتل الشدید، إلی أن ترک الموتی أکواما بغیر المزید، و جملة من بالعسة مائتان و خمسون نفرا، فلم ینج منهم إلا من أطال اللّه عمره جهرا. و کان ذلک فی السادس و العشرین من جلیت (کذا) سنة ثلاث و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافق لعشرین من شعبان سنة تسع و خمسین و مائتین و ألف و فی الیوم السابع و العشرین من جلیت (کذا) الموافق للحادی و العشرین من شعبان ذهب الجنرال أبو هراوة بمحلته و المخزن أمامه کأنهم العقبان إلی أن دخل بحلویة و اجتمع بالقبرنور بأعلا (کذا) رهیو فجالوا فی بنی وراغ و جبال و انسریس بالتحریر، و أذعن لهم بنوا مسلم و الشکالة و حلویة و الکرایش و جمیع الأعراش التی هی فی مصادقة الأمیر قال و بعد واقعة واد الحمام ذهب الأمیر للجعافرة و استقر، و صار یغتنم الفرصة إذا ألفاها و افتقر، و اشتغل الجنرال بترتیب الأعراش و إدخالهم إلی التل و صیر محمد بالحضری الملازم له آغة علی الأحرار بالمرتل قال و فی أوائل أوت الموافق لأواخر شعبان و أوائل رمضان ذهب من عند الجعافرة الأمیر بجیشه إلی المرابطین أهل المسید الذین بملغیغ ثم زاد للعین الصفراء بتاسلة و هو فی التفریغ فسمع الکلونیل تمبور لیلا ببلعباس فخرج له بجیشه و قاتله إلی أن هزمه و قتل منه کثیرا
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 215
و بقتاله لزمه. و لما بلغ الخبر للدوایر و الزمالة خرجوا فورا من وهران و نزلوا بالجرف الأحمر بتلیلات، رائمین القتال الذین یصلو به لأعلی (کذا) الدراجات و فی سادس عشر أوت الموافق لثانی عشر رمضان أتاهم الأمر بالذهاب ببلعباس لیکون أمام محلة الجنرال بیدو التی أتت من تلمسان فذهبوا و تلقوا بزیتونی أبی شارب خلیفة الأمیر علی الجعافرة بوادی سفیون و وقع القتال إلی أن أسروه بنفسه و قتلوا منه کثیرا و فر الباقی فی حال المغبون.
و أذعن دوی ثابت و الأقل من الجعافرة و فرّ الکثیر بعدما أخذوا ما بمطامیر التل من الحب و حرق التبن فی القول الشهیر. و فی هذا الیوم نفسه خرج ستمائة فارس من المخزن فی الجعافرة بواد الخشیبة المتخرج من سفیون، فأثخنوا فیهم بالقتل و غنموا غنمة کبیرة و أتوا بالسبی للمخزن فکفاهم الجنرال مکافئة علی ذلک بما هو مکنون. و حصل الثناء الجمیل للمخزن علی فعله، و ما ذلک إلا لکون الفرع فی الخصال تابع لأصله. و فی العشرین أوت الموافق للسادس عشر رمضان نزلت المحلة بحسیان تود موت، و تلاقت بالعدو فقاتلته کثیرا إلی أن هزمته و سبت منه کثیرا و أتت بعدة أساری و الزاد فی المثبوت. و فی السادس و العشرین من أوت الموافق للثانی و العشرین من رمضان خرج الجنرال لموریسیر بمحلته/ فلقی محلة من محال الأمیر التی کانت نازلة بوادی بربور.
فقاتلها إلی أن قتل منها کثیرا و غنم أخبیتها و سائر بارودها و سلاحها و کسوتها و غیر ذلک من أمتعتها و صار بفرح و سرور. و أما الأمیر فإنه ذهب بالمحلة التی کانت معه إلی الحساسنة و هجم علی محلة الکلونیل جیری باشتهار، فقاومته تلک المحلة کثیرا و أثخنت فیه بالقتل و السبی إلی أن رجع إلی الفرار و خلص فی تلک الواقعة من الدخول فی الحبالة و لما رأی ذلک و تحقق بأنه و إن طال أمره لا بد من وقعة فی الحبالة، و بعث إلی جیشه الذی کان تحت رئاسة خلیفته السید محمد بن علال أحد أولاد سیدی علی بن مبارک الشجاع المشهور. و کان هذا الخلیفة یحب الصلح مع الدولة کثیرا و لیس کأهل الشرور. و فی السابع عشر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 216
ستانبر (کذا) سنة ثلاث و أربعین و مائتین و ألف (کذا) الموافق للرابع عشر من شوال سنة تسع و خمسین و مائتین و ألف خرج الجنرال لمورسیر أبو هراوة بمحلته من وزغت قاصدا للیعقوبیة دون علم له بالمحال التی فیها الأمیر نازلا بفوفط من أرض الیعقوبیة فترکها الأمیر إلی أن وصلت لسیدی یوسف و حلت بالوعر، هجم علیها فی أربعمائة فارس مقاتل فی المشتهر و أثخن فیها بالقتل الشدید سیما من السرسور فإنه أفشا (کذا) فیه بما ما له من مزید، و غنم من المحلة ما لیس له إحصاء، و لا انتها (کذا) و لا استقصاء، و أخذ عددا کثیرا فی أسره و فرح بنهیه و أمره. و لما رأی رجل من المحلة الجنرال یقال له اسکوفی من أهل الزمار، ما وقع بالمحلة و تفرقه و موته و حلوله بالایسار، و ضرب زماره علی باقی الجیش، و هو فی الافتراق و الطیش فاجتمع و هجم علی الأمیر، و قاتله إلی أن قتل منه کثیرا و من جملة القتلی ابن خلیفته ابن عبد الباقی الذی مات بالنوحة و رجلا کبراء الحشم الغرابة بالتحریر، یقال له أبو زیان ولد باسیت، و أخذ للأمیر لواءه و صار فی التشاتیت. و ذهب الأمیر فی ثلاثة مائة فارس و ترک بقیة جیشه مع المحلة التی فی رئاسة السید محمد بن علال مفترقة فی غیب الیعقوبیة فی صحیح الأقوال و لم تصل محلة الجنرال إلی سبدو إلا فی عشرین من ستنمبر (کذا) الموافق للسابع عشر من شوال فی القول المتحابر .
و لما رأت الدولة ذلک خرجت فی محلتین إلی المعسکر إحداهما (کذا) تحت رئاسة الجنرال تمبور و الأخری لنظر الکولونیل جیری فی المشتهر، لاتباع الأمیر حیث کان و قضاء نحبه بالسر و الإعلان و کان الکولونیل جیری هو الذی خرج بجیشه أولا و حیث رأی الخلیفة بن علال ذلک التجأ إلی غیب الحساسنة فرجع الکلونیل جیری للمعسکر و أعقبه الجنرال تمبور و لحقه القبرنور جنرال الذی قدم لامتحان المحال فی المشهور. و کان ذلک فی خامس نوفمبر (کذا) بالتحقیق، الموافق لرابع ذی الحجة بالتوفیق و لما سمع الأمیر باتباع المحال
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 217
لخلیفته بن علال، أتاه و ذهب به إلی قور أنقاد فیما یقال و کانت محلة المعسکر فی أثرهم فاجتمعت بمحلة الخلیفة بن علال فی الواد المالح. و حصل القتال الشدید بین الفریقین بالقتل الذی وقعت به شدة المنایح/ و من تلک الواقعة لم یظهر للأمیر خبر بالبیان إلا بواقعة بنی اهذیل بنواحی تلمسان. و کانت واقعة الواد المالح فی حادی عشر نوفمبر (کذا) سنة ثلاث و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق لعاشر ذی الحجة سنة تسع و خمسین و مائتین و ألف .
و فیها مات الخلیفة ابن علال و اجتز رأسه و أوتی به لوهران فی شکارة من الجلد فیما یقال. فطرب الجنرال أبو هراوة لما رأی رأس الرجل المحسن فتأسف کثیرا، و قال هذا واحد من الأصدقاء الراغبین فی الخیر من جیش الأمیر قد صار میتا حقیرا.
قال ثم انتقل الأمیر بدائرته من مسیون و نزل بطاعة سلطان المغرب مولای عبد الرحمان، و صار یشن الغارات علی أهل المغرب الأوسط فی کل وقت و مکان. و کان الجنرال تمبور فی ذلک الوقت بمحلته غازیا علی الجعافرة الذین بسیدی خلیفة، و مسلطا علیهم بقصد الإذعان فی القولة المنیفة. کما کان الجنرال بورجلی بمحلته محاصرا فلیتة، و مدوخا لهم بحسب الکفایة إلی أن لم یدع لهم تفلیتة، و الجنرال بیدو محاصرا للقبائل الذین بتافنة و هم معه فی العذاب الشدید و العافنة.
ثم إن آغة الحاج المزاری سأل من الدولة التقاعد، فوافقه القبرنور جنرال علی ذلک و عین له خراج و صار فی بیته مقبول القول مسموع الکلمة مطاع الأمر فی جمیع التراصد. و حصل البغض بین قرابته علی التولیة بمحله فلم تعطی لواحد منهم و جعل بها فسیانا یقال له فلصة سزاری لکی لا یقع الخلل بسبب ذلک منهم.
ثم خرجت المحلة من وهران لنظر القبطان المذکور و معه من المخزن المؤید بالفتح قاصدا محلة الجنرال بیدو بتافنة فی المسطور. ثم محلة من
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 218
تموشنت (کذا) فیها ستمائة فارس و أجمعوا فی أمرهم إلی أن وصلوا لمحلة الجنرال بیدو بغایة البیان فقاتلوا و لهاصة قتالا ذریعا إلی أن رجعوا إلی الإذعان.
و فر عنهم البوحمیدی خلیفة الأمیر و ترکهم حیاری فی ترک التدبیر. فأحسنت الدولة لهم فی غایة الإحسان و ندم و لهاصة علی ما صدر منهم وجدوا فی الإذعان و قد تلاقوا معهم بتافنة بالموضع المسمی بأبی روبیة و لو لا تأخر الدولة عنهم لتلاشوا فی الحروبیة. و قد حصل الثناء الجمیل بالمخزن فی هذه المعرکة، التی صارت بها و لهاصة و غیرهم فی المترکة. و کانت هذه المقاتلة فی الخامس و العشرین من دیسمبر من السنة المسحیة المذکورة الموافق للخامس و العشرین من محرم سنة ستین و مائتین و ألف فی القولة المشهورة و فی شهر جانفی سنة أربع و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق لصفر سنة ستین و مائتین و ألف أخذ غانم بن فریحة آغة بنی عامر الشراقة، و بعث مسجونا لافرانسا مدة ثم سرح فی القولة البراقة.
قال و صار الدوک دومال فی هذه السنة مشتغلا بتدویخ الجهة الشرقیة من بر الجزائر. و تقاتل کثیرا مع خلیفة الأمیر محمد الصغیر بتلک النواحی سیما ببسکرة إلی أن أخرجه من الزبیان فی قولة الحاذق لا الحایر. و اشتغل الجنرال ماری بالمقاتلة بتلک النواحی إلی أن وصل غربی عین مهدی من تلک الضواحی کما کان المرشال مقاتلا لخلیفة الأمیر و هو ابن سالم، و زاد إلی أن دخل علی/ زواوة بجرجرة و نال للمغانم. و بعد معرکتان کبیرتان (کذا) أذعن له من بیمین یسر إلی الصفصاف و دخل فی الطاعة وزال ما به إلی الاختلاف. قال و لنرجع بالکلام إلی الجهة الغربیة بالتحقیق، فإن الأمیر لما دخل طاعة المغرب و استقر بدائرته ذات التصدیق، و کان جملة جیشه ثلاثة آلاف و مائتان و أربعة عشر مقاتل، شن الغارة علی أولاد سلیمان إحدی بطون بنی عامر للتقاتل و ذلک فی جانفی سنة أربع و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافق لصفر سنة ستین و مائتین و ألف . و فی أول مای من السنة المذکورة، الموافق للخامس جمادی الثانیة من السنة طلوع سعد السعود ؛ ج‌2 ؛ ص219
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 219
المسطورة ، ضربت محلة الدولة مدافعها فی خراب الرومان و هو المسمی بلالة مغنیة فی هذا الزمان، و کان ذلک الیوم عند المحلة هو عید السلطان و أسست به مدینة سمیت باسم المراءة التی کانت به ساکنة و هی لآلة مغنیة البلاحیة ذات البرکة الظاهرة و الکامنة. و قررت حدود إقلیم الجزائر الذی فی طاعتها و أسسته لرواج براعتها و کان من الجهة الشرقیة مملکة بای تونس، و من الجهة الغربیة مملکة سلطان المغرب الذی آخره ضریح سیدی یحیی بن تونس.
و فی ثالث العشرین مای من تلک السنة الموافق للسابع و العشرین من جمادی الثانیة من سنته المبنیة بعث قائد وجدة و هو السی علی القنوای جسوسا من عنده لیحقق له الخبر علی البناء بالخراب المذکور، لقربه من وجدة علی نحو الستة عشر کیلومتر (کذا) فی المسطور. و فی ثلاثین مای الموافق للخامس رجب غزت بغتة محلة المغاربة علی محلة الدولة التی کانت بمغنیة فتلقتهم المحلة بغایة المنال و لما رأت المغاربة ذلک رجعوا لمحلهم و لم یحصل بین الفریقین قتال. و لما سمع القبرنور جنرال لذلک و هو بجرجرة أتی فورا لوهران و خرج منها فی السابع جوان الموافق للثالث عشر من رجب للبیان بمحاله و معه أربع مائة فارس مقاتل ما بین الدوایر و الزمالة. وجد السیر إلی أن وصل لمغنیة فی ثلاث عشر جوان الموافق للتاسع عشر رجب بغایة الزمالة. و فی الخامس عشر من جوان الموافق للحادی و العشرین من رجب اجتمع قائد وجدة بالجنرال بیدو بغرب وادی المولحة بقرب سیدی عزیز و حصل الکلام بینهما علی الصلح فلم یتم و تکلم البرود من عند المغاربة الذین بمحلة المأمون لغایة التبریز و وقعة الملحمة العظمی بین الفریقین التی بقیت بها القتلی قوتا للوحوش و الطیور. و أثنا (کذا) القبرنور فی ذلک الیوم علی المخزن الثناء الجمیل الذی فی غایة السرور. و فی التاسع عشر من جوان الموافق للخامس و العشرون من رجب دخلت محلة الدولة وجدة بغیر قتال، و قد انجلا (کذا) أهل وجدة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 220
لسیدی ماخوخ فی تحقیق المقال ثم رجعت المحلة للناحیة البحریة و اختطت مدینة الغزوات، لأنها مجمع الطوق الآتیة من وجدة و مغنیة و ندرومة بالإثبات و الآتیة من بنی یزناسن و سیدی أبی جنان، لترسّ (کذا) بها المراکب البحریة الآتیة من کل وقت و زمان و بعد ذلک دخلت المحال فی أول جلیت (کذا) الموافق لسابع شعبان لوهران. و فی ثالث جلیت الموافق لتاسع شعبان هجم المغاربة علی المحلة التی بمغنیة فوقع بین الفریقین شدید القتال آل فیه الأمر إلی انهزام المغاربة بعد ما مات بینهم کثیر و ذهبوا/ فی أرذل الحال. و لما رأی المریشال ذاک قال لا یلیق لهؤلاء إلا المخزن المقیم بوهران، لشجاعتهم و معرفتهم بالأرض و ما فیها من الطرق و البلدان، و أمر بقدومهم لمغنیة من وهران.
و فی الیوم التاسع عشر من جلیت (کذا) سنة أربع و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق للخامس و العشرین من شعبان سنة ستین و مائتین و ألف اجتمع المخزن بالمریشال فی مغنیة، و جال جولة حصلت بها راحة و تهنئة و لما سمع القائد الجدید بوجده و هو سی أحمیدة بقدوم المخزن خشی من الحرکة علیه صار یکاتب الدولة بأن سلطان المغرب یروم الصلح و تکرر منه ذلک لتحصل العافیة فی زعمه إلیه لکن المخزن قال للدولة أن هذه المکاتب لا أساس لها و أنها هی مبنیة علی الغش و الخدیعة و غرض القاید بذلک الاجتماع بالجیوش المغربیة السلطانیة القادمة للزریعة لا لسد الذّریعة.
قال فذهب المریشال لتدویخ امسیردة و السواحل، و هو علی بال من المغاربة و لیس بالمغافل، فبینما هو سائر و إذا به تلاقی بمحال المغاربة، لنظر السید محمد ولد سلطان المغرب بالجیوش القاطبة و حصل القتال الشدید بین الفریقین بموضع یقال له واد سلی، فصار المغاربة فی الضرار و صارت الدولة بمخزنها فی غایة التخلی، و سبیت محلة المغاربة سبیا جسیما و أخذت أخذا عظیما، و حصل الثناء الجمیل للمخزن الذی لیس علیه فی ذلک الیوم من المزید لکونهم قاتلوا شریفا و ابن أمیر کبیر و لم یخشوا منه و لا حصلوا فی التنفید. و کانت
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 221
تلک الواقعة فی الیوم الرابع عشر من أوت من السنة المسیحیة المقررة الموافق للثانی و العشرین و قیل الرابع و العشرین من رمضان من السنة العربیة المحررة .
ثم بعد أیام غزت مراکب الدولة بالبحر علی طنجة و أقادیر بسوس و حصل القتال الشدید الذی لا یطیق وصفه بالمزید، و آل فیه الأمر إلی الصلح بین الفریقین و ذلک فی الخامس عشر من ستانبر (کذا) من السنة المذکورة. الموافق للرابع و العشرین من شوال من السنة المسطورة .
و کان من شرط الدولة علی أمیر المغرب أن یطرد الأمیر من طاعته، و إلا فلا صلح و لا رواج لبضاعته. و قد حصل لعساکر الدولة علی عساکر المغرب الفوز فی البر و البحر، و انتصرت علیهم بالانتصار المشتهر. و لم یحصل قتال من الأمیر بجیشه فی واقعة سلی، لکون المرض بجیشه فی غایة التعلی.
ثم فی ثلاثین جانفی سنة خمس و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق للرابع عشر من ربیع الأول سنة إحدی و ستین و مائتین و ألف ، ثار درقاوة بمدینة بلعباس فی یوم سوقها و هو الخمیس، و شرعوا فی القتال فلم یفدهم شی‌ء إلی أن قتل کبیرهم شیخهم عبد الرحمان الطوط البراهیمی و صاروا فی الحال النحیس.
و حصل للمخزن غیظ و تخمیم شدید، لکون من أذعن بالطاعة بعدهم صارت له الجامکة بحسب ما یرید. و هم منعوا من ذلک، و دخلهم الریب فیما هنالک.
ثم استیقظت الدولة من غفلتها فی شأنهم، و صیرت منهم أغوات لإزالة خزنهم. فبعضهم بصدامة، و البعض بفلیتة، و البعض بسعیدة، و البعض بتیارت إزالة للفلیتة.
قال: و کان الأمیر نازلا بالمولیحة، و یستخبر فی هذا المحل علی القبیحة و الملیحة، و یعرف من هو للدولة فی خدمته بالنصیحة و بالسیرة الصحیحة/ و صار یبعث للذین أذعنوا للدولة لیرجعوا لطاعته، لتعلو کلمته، کما کانت أولا،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 222
و یصیر الرواج لبضائعه، ففر المنصح للدولة من مقالته، و لم یلتفت لأمره و لم یعمل برسالته و مال إلیه غیر المنصح ظنا أنه أدرکته الحیوة (کذا) بعد الموت.
و لم یدر أنه لا رجوع لشی‌ء إلی محله بعد الفوت. و خرجت محلة الدولة غازیة علی صحراء وهران فی أول مارس سنة خمس و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافقة لسنة إحدی و ستین و مائتین و ألف فجالت بها عدة أشهر إلی أن وصلت بها لکسال و الغاسول، و ستین و البرزینة، و المشریة، و غیرها من تلک النواحی، و هجم علیها العدو لیلا بالغاسول، فلم تلتفت له إلی أن ظهرت بالمأمول، و وقع القتال بینها و بین أولاد سیدی الشیخ فی تلک الجولة فی أوائل مای من السنة المذکورة، فانهزم العدو بالهزیمة الشنیعة المشهورة و لا زالت جایلة إلی أن دخلت لفرندة فی شهر جوان، راجعة بالغنیمة لناحیة وهران.
و قد جاء الأمیر بجیشه لطلبها بالصحراء فلم ینل شیئا، و لم یأخذ فیئا، ثم افترقت محال الدولة لنظر أمرائها بعمالة وهران للتدویخ و الحراسة، و سیرها فیها مع أهلها بغایة السیاسة، فذهبت محلة الکلونیل مرت لحدود سعیدة بأرض الیعقوبیة و مرت محلة الکلونیل قشوت لوادی الشولی بنواحی بلعباس، و ذهبت محلة الجنرال کافنیاک للغزو علی بنی أبی سعید، و بنی سنوس، و سائر الجهة الغربیة فی غایة الشدة للاحتراس. و مرت محلة الجنرال برجلی لناحیة فلیتة و شلف، و الظهرة، و هؤلاء (کذا) المحال لنظر الجنرال الکبیر أبی هراوة، و شرعت فی تدویخ الوطن و تمدینه ببناء القری و المدن (کذا) و القناطیر (کذا) و تنجیز الطرق و تحجیرها لمشی الدواب و الکراریط و الکراریس و غیرها و تفجیر المیاه و جلبها لمحل النفع من الأماکن البعیدة و القریبة من القری و غیرها و غرس الأشجار الدالة علی العمارة و الأحیاء و کثرة السراوة.

ظهور الثائر بومعزة

فبینما الناس فی راحة و عافیة، و نعمة شاملة وافیة، إذا بأبی معزة و یقال له أبو یوسف، و أبو غزالة، رجل من أولاد خویدم ثار بنواحی الأصنام، و اشتهر ذکره عند الخاص و العام.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 223
ثم أتی علی ما یحکی غفلة إلی المخزن الذی علیه العمدة فی سائر الأمول النافعة و الناکلة، و هم الدوائر و الزمالة فی شهر جلیت (کذا) من السنة المذکورة، فألفاهم فی مهرجان الشوفان و سأل منهم الإذعان و النصر له فأبوا ذلک و رجع فورا خفیة إلی بلدته المسطورة فقتل الموسوس آغة صبیح غیلة، و جمع جیشا للعثو و أظهر الحیلة. ثم ثار بفلیتة رجل اسمه بالصافی، و بصدامة رجلان لنیل الوافی أحدهما اسمه السی قدور بن جلول، و الآخر سی بن حلیمة فی القول المقبول، و هؤلاء الثلاث خلفاء علی أبی معزة، و جعل آغة علی بنی نسلم اسمه بن رغیوة و رام فوزه.
و ارتبط الأمیر مع الجهة الغربیة من بنی یزناس و أولاد ملوک و بنی واسین و الأعشاش، و الترارة و السواحلیة و ندرومة و الغسل و بنی وارسوس و غیرهم من الأعراش فعند ذلک خرج عن الطاعة الغسل و ترارة و ولهاصة و سائر بنی عامر و لما نزل بتافنة حرق قنطرتها و قنطرة یسر/ وسدت الطرق عن مرور العابر و قتل أولاد و ریاش کماندار (کذا) سبدو حاکم بیر العرب و ما معهما من الجیش و قتل جعافرة الضایة الکماندار شراس و قتل قاید سعیدة بعرشه الجیش الذی بسعیدة و أفسد البلد و حرق دیارها و أندرها و قطع سبل الاحتراس، و قتل بنوا مدیان حاکم تیارت بما معه من الجیش، بعد تمکینه بید الأمیر علی ما قیل. و انجلا (کذا) أولاد الشریف و الأحرار و غیرهم عن أماکنهم و أذعنوا للأمیر و کثر فی العمالة الطیش، و حرق بنوا مریانن ما بوزغت من الحشیش و نهب الفراقة الأمتعة الذاهبة من وهران للمعسکر، و حرقوا القناطیر (کذا) و القراریط إلی أن صارت تلک السنة تعرف بسنة القراریط، و خرج عن الطاعة بنوا شقران و صار القتال بینهم و بین محلة المعسکر ثلاث أیام بغایة التحریش، کما خرج البرجیة الجبلیة من مدینتهم للأماکن الموعرة، و من بالوطا منهم تحصن بالعریش، و ثار بالحشم الشراقة سی عبد القادر بو طالب المختاری ابن عم الأمیر بأمر آغة الحشم قادة بالمختار.
و قتل من بحائطة المعسکر من الناس و لم یخشی من الواحد القهار، و ثار بالقلعة محمد بن حسن، و بسجرارة الحاج محی الدین بن مخلوف و عمت البلوة من الأصنام إلی مغنیة إلی أن فر الألف من المألوف، و لم یبق علی نصیحة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 224
الدولة إلا الأعراش الثلاثة المتوالیة، و هم الدوائر و الزمالة و الغرابة فی القولة الجالیة.

معرکة سیدی إبراهیم و نتائجها

و تفصیل ذلک أن فی الثالث عشر سبتمبر (کذا) سنة خمس و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة واحد و ستین و مئتین و ألف خرج الجنرال برجلی النائب عن الجنرال الکبیر أبی هراوة من مستغانیم بحملته لتمهید فلیتة فلم یحصل علی طائل، و لا ظفر بنائل. و فی ثالث العشرین منه وقعت المقاتلة العظیمة بین الدولة و فلیتة بسیدی الطیفور. و لما سمع الأمیر حال ارتباطه بالنواحی الغربیة بواقعة سیدی طیفور، و بثوران من ذکر فی القول المشهور. و کان بجیشه ذاهبا للناحیة لأنقاد لنیل الاستدراک، رام التوجة لنواحی الشرقیة فبلغه الخبر أن محلة الفرنسیس خارجة من الغزوات لنظر الکلونیل الذی تسمیه العرب القرینی و اسمه مونتانیاک قاصدة لناحیته أو لناحیة تلمسان، فتوجه نحوها لغنیمتها و نیل الرضوان، و معه جیش عظیم فیه من طلابة (کذا) المشارقة المسافرین للقراءة بتلک النواحی، نحو الثلاثمائة طالب فی غایة الصحاحی. فریس علی الأولی سی المولود الصبیحی، و علی الثانیة سی المختار براهمی، و علی الثالثة سی محمد بن اعمارة التحلایتی المعروف بالسوسی کثیر المراهمی، فنزل من یومه بشراعة و بها بات. و من الغد نزل بأغبال الغربی و به بات. و فی الیوم الثالث نزل بمناصب کیس و بهم بات. ثم بعث أمامه خلیفته البوحمیدی الولهاصی لتجسس الأخبار بغایة الثبات. فبینما خلیفته سائرا بجیشه و إذا به رأی محلة الدولة بنواحی سیدی إبراهیم من نواحی زاویة بن میرة. فبعث رسولا للأمیر لیخبره بذلک فی القولة الشهیرة و لما بلغ الخبر للأمیر و قد رأی الحشم السرسور و معه الکولونیل رایس (کذا) المحلة متقدما بعیدا عن العسکر و الثقلة غاروا علیه من غیر إذن من الأمیر إلی أن أدرکوه بغتة و غفلة، فوقع القتال/ بینهم و بین السرسور. و کثر الازدحام و تباعدت الناس عن النفور، إلی أن أتی الحشم علی آخر السرسور فی القتل. و لم یخلص منه إلا فسیان واحد فلقیه خیال فقتله فی صحیح النقل، و جز رأس الکلونیل و حمل علی عمود للأمیر. فتهیأ الأمیر للقتال
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 225
و اجتمع بالبوحمیدی و قسم جیشه علی ثلاثة: مقدمة و میمنة و میسرة فی القول الشهیر، فجعل فی المیمنة خلیفته الحاج مصطفی بالتهامی بجیشه. و فی المیسرة خلیفته البوحمیدی بجیشه، و بقی هو فی المقدمة بجیشه. و حصل القتال العظیم بین الفریقین، مات فیه خلق عظیم من الجانبین. و لم یفلت من محلة الدولة إلا سبعون عسکریا دخلوا فی قبة سیدی إبراهیم، و جعلوا بها شارات، و جعلوا دوابهم أمام القبة ترسا لهم و صاروا یدافعون عن أنفسهم بغایة المدافعات بحیث قتلوا بذلک من جیش الأمیر و جرحوا کثیرا، و قد جرح الأمیر من أذنه الیسری فی ذلک الیوم جرحه فسیان فی المعرکة قولا شهیرا، بحیث ضربه الفسیان برصاصة بشطولة، فالتفت إلیه الأمیر و ضربه بسکینه للجبهة ثم للخد الأیمن فجرحه من الموضعین و خلصه منه الخیالة و هو بدمه فی هطوله.
قال و لما رأی الأمیر لحوق الضرر بجیشه من الذین فی القبة، أمرهم بعدم التقدم لناحیتهم و جعل جیشا غزیرا عسة علی القبة، و أمرهم بعدم المقاتلة إلا إذا خرجوا منها و صاروا علی بعید، و أن لا یبرح أحد من مکانه و لو بقوا مدة و ذهب لولهاصة و بات بها فی القول المفید، فمکث العسکر بالقبة ثلاثة أیام، و لما لحقهم الجوع و العطش خرجوا لیلا و ذهبوا لناحیة الغزوات، فظفرت بهم العسة و قتلتهم و لم ینجوا منهم إلا خمسة دخلوا لمدینة الغزوات. و اتفق المحدثون علی أن هذه الواقعة کانت فی العشرین من رمضان، و أن الأمیر خرج بجیشه من دائرته فی السادس عشر من رمضان ، و ربکم أعلم بالصواب، و إلیه المرجع و المآب.
ثم أمر الأمیر بإحضار العسل فطبخ علی النار اللینة (کذا) إلی أن علا (کذا) زبده. و زفت به محل القطع من الرؤوس (کذا) المقطوعة، و إنما فعل ذلک خشیة تغییرهم و فساد رائحتهم فی الحکایة المسموعة، و جعلهم فی الأخراج و حملهم علی البغال و بعث بهم لدائرتهم مع الذین أسرهم و المجاریح بالتحقیق.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 226
و کتب لنائب دائرته أن یذهب بهم إذا وصلوه لیلا لسوق الأحلاف لیشاهدهم کل عدو و صدیق، و کتب کتابا وضعه فی جعبة نحاس و جعله مع رأس کبیرهم القرینی (مونتانیاک) فی المنصوص، مضمنه السلام علی المغاربة، عموما و علی العلماء و الأولیاء و الوزراء و الأکابر خصوصا. و علی مولانا السلطان خصوص الخصوص.
و بعد أن کنتم خصصتم لنا الإسلام دونکم قبلناه و رضیناه و الحمد للّه علی ذلک إذا العبد فارح بما منحه به مولاه. و إن کان دین الإسلام لنا و لکم، و نحن فیه أخوة و الجهاد فرض علینا و علیکم فکیف بکم لم تحصل منکم إعانة لنا لا بنفس و لا بمال و نحن ببلدکم. ه.
و لمّا جاء الناس للسوق رأوا تلک الرؤوس (کذا) تعجبوا کثیرا و لما رأوا تلک الجعبة فتحوها فألفوا بها ما ذکر تحریرا، فبعثوا (کذا) بها للسلطان مولای عبد الرحمان، و لما وصلته و علم مضمنها/ جمع العلماء و الأولیاء و الوزراء و أکابر التجار و قرأه علیهم بالإعلان. و قال لهم أن الحاج عبد القادر الحشمی قد لزمکم فی کتابه بأکبر التلزیمات فبماذا تجاوبونه فی هذا الأمر. فاتفقوا علی جوابه بما سیذکر، و هو أنکم یا أهل المغرب الأوسط حاضرکم و بادیکم، و سائر من هو من أهل نادیکم، قد رزقکم اللّه القوة بالإثبات، فأنتم علی حد السواء فی الصبر و الثبات عن الفرار و لکم القرار و الطاقة علی سائر النوائب و البلایات، و لذلک عظمت شجاعتکم، و ظهرت براعتکم، و نحن أهل المغرب الأقصی لا یطیق حاضرنا و بادینا، و سائر أهل نادینا علی شی‌ء من غیر المهادنة علی أنفسنا و أولادنا و مالنا و بلادنا، فلا نطیق علی إعانتکم لا بنفس و لا مال، لأن ذلک یؤدی بنا لنکال، و إن کنا إخوة فی دین الإسلام، فعلیکم بأنفسکم خاصة و السلام. ه.
و حدثنی الفقیه الربانی السید إبراهیم (کذا) بالبخاری الشقرانی و کان من الحاضرین لواقعة سیدی إبراهیم (کذا) و جرح بها فی الغزایة، إن واقعة سیدی إبراهیم لا یماثلها إلا واقعة الزبوج و المقطع و سکاک و مزایة.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 227

الأمیر یستولی علی قافلة تموین بعین تموشنت و رجالها

قال ثم ارتحل الأمیر فی تلک الغزوة من ولهاصة و نزل بتافنة و بها بات ثم ارتحل من الغد و نزل ببلاد أولاد الزایر ثم ارتحل و نزل ببلاد أولاد قانة من أولاد خالفة بالإثبات. فبینما هو بذلک المحل و إذا بالخبر بلغه أن محلة صغیرة قادمة من تلمسان إلی تموشنت بالزاد، و عددها مئتان و خمسون نفرا فی تحقیق المراد، و أول من سمع الخبر و أشرف علیها و هی واقفة بسیدی موسی البریشی خلیفته البوحمیدی بجیشه، فأراد جیشه المقاتلة فمنعه خشیة لطیشه و بعث للأمیر بذلک بالبیان، فقدم و بعث لکبیرهم و هو قبطان واحد فی غایة التبیان.
و قال له أیها الکبیر لکم محلة صغیرة، و جیشنا عدته کثیرة، و لا محالة أنکم تقاتلون علی أنفسکم کما هی عادتکم و ذلک یؤدی إلی فنائکم بالکلیة و فناء أکثر جیشنا فی مقاتلتکم.
و کان المترجم شخصا من قرغلان، قدم مع المحلة من تلمسان، و الذی أخبر بها عبد هرب من السخارة فظفر به الأمیر. هذا هو القول الصحیح الشهیر.
و لکن الرأی الذی یلیق بنا و بکم أن تقدم عندی لأتکلم معک مشافهة و علیک بالأمان. و ها أنا أبعث لک صاحبی قادة بالهاشمی الحشمی آغة الخیالة لیمکث بمحلتک حتی یحصل بیننا الاتفاق علی الأمر و یرجع کل منکما لمحله فی أمان.
و لما فهم القبطان ذلک و رأی قادة بالهاشمی و تیقن أنه من الأعیان، استشار محلته علی ذلک فأشاروا علیه بالقدوم عند السلطان، فجاءه و مکث قادة بالهاشمی بالمحلة فیما انجلاء (کذا). و لما اجتمع الأمیر بالقبطان و تکلم معه ألفاه من العقلاء النبلاء. فقال اختر لنفسک و جیشک أحد الأمرین الذهاب بجیشک معی لدائری (کذا) و تبقی علی ما أنت علیه بجیشک من الاحترام. و أنت الکبیر علی جیشک إلی أن یحصل الفداء و الصلح بیننا و بین الدولة بإذن المالک العلام أو القتال لکنه فیه الضرر للفریقین، و لجیشک أکثر من جیشنا لقلتکم و لا محالة إنی أعرفکم أهل شجاعة و ضرب علی لواء الدولة إلی أن یحصل الفناء بغیر مین فأجابه بأنه اختار الذهاب علی شرط رضاء الجیش بذلک. فترکه ذهب للمشورة إلی أن اتفق رأیهم علی ذلک و لما/ حصل الاتفاق جاء للأمیر فقال له لا بد من
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 228
وضع السلاح. فوضع فی الحین حتی السکین الصغیر فی الأقوال الصحاح.
فجعلها الأمیر فی الإخراج علی الدواب. و قال للقبطان من کانت له حرفة من صناعتکم فلیأتی بها کالعادة علی الصواب. فضربت الطنابیر و تکلمت بألحانها المزیقة (کذا). و صوتت بنغمها المورثة للشریقة. و أدخل الأمیر ذلک الجیش فی جیشه، و بعثه لدائرته و هو فی فیشة. و کان أخذه لتلک المحلة صباح الیوم السابع و العشرین من سبتمبر (کذا) سنة خمس و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق للثامن و العشرین من رمضان. علی ما قیل سنة إحدی و ستین و مائتین و ألف ، و کانت الدولة وقع بینها و بین عدوها فی الیوم الرابع و العشرین من سبتمبر (کذا) المذکور قتال شدید فغنمت منه مائتی و خمسین أسیرا فی المشهور و حاز المخزن فی هذه الواقعة لغایة الثناء الجمیل لکونه لا یخشی فی المصادقة من شی‌ء و لا یری أن الفرار من الفعل الجمیل. و فی هذا الیوم نفسه بعث الأمیر و هو بالجانب الأیسر من یسّر الغربی بتافنة لأولاد خالفة و غیرهم من بنی عامر، صحبة خیالته بأنه هو الغالب لا محالة و أنه هو الضافر.
و فی السادس و العشرین من المذکور جاء البوحمیدی بجیشه قبل الأمیر لحصار تموشنت (کذا) و بها محلة قلیلة فنزل بأغلال فی المشهور و هدم ما ألفاه بطریقه من البنیان فبلغ الخبر لمخزن وهران فاجتمعوا بالسبخة و ألزموا أنفسهم بالحراسة فی کل مکان. و أتی الأمیر بجیشه فنزل بحسیان أبی رشاش، و رام الغنیمة و الرفعة و کثرت الفتن و توارد الکلام بالأخبار الذمیمة. و کان أولاد الزایر و أولاد خالف هم و غیرهم متهیئین للذهاب عند الأمیر لنیل الکریمة، و ذلک فی الثامن و التاسع و العشرین من الشهر المذکور، و کان للمخزن و الدولة خبرة بذلک فلم یشعروا بأنفسهم إلا و المخزن أحاط بهم من کل جهة و لا وجدوا عند ذلک سبیلا للنفور، و صارت مدینة تموشنت (کذا) فی غایة الانحصار. و بعث الأمیر لرائسها (کذا) بالإذعان و قد انقضی لهم البارود و تیقنوا بالایسار، فذهب لهم المخزن فی التاسع و العشرین و الثلاثین من الشهر المار فی مائة و خمسین فارسا
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 229
من الأنجاد، و فی صحبتهم بغلة حاملة لصنادیق البارود إغاثة لهم و إزالة لهم من الأنکاد.
و لشدة شجاعة المخزن و ثباته و نجدته، تعرض لهم العدو فی الطریق بجیشه الکثیر من عدته و هم فی ذلک العدد القلیل فقاوموه و قاتلوه شدیدا إلی أن أطردوه عنهم و وصلوا للقریة بتلک البغلة الحاملة للبارود ففرح بهم القبطان کثیرا و أثنا (کذا) علیهم جمیلا، و نال المخزن فی تلک الواقعة شکرا جلیلا.
قال و لما بعث الأمیر تلک (کذا) الأساری لدائرته، کتب رسالة لنائب دائرته، علی أن یستوصی بهم خیرا و یجری علیهم الیازیف (کذا) فی کل شهر و یکون القبطان هو الکبیر علیهم، و المتولی لأمورهم و الکلام معه فی کل شی‌ء من غیر متعرض إلیه و إلیهم.
کما بعث الفسیان (کذا) الذی جرحه مع أصحابه و کتب لأمه کتابا، مضمنه إیاک و الحقر (کذا) للذی جرحنی/ أو تدعی أحد یتعرض له بسوء علی التحقیق، و ناولیه الأکل و الشرب و الدواء و اخدمیه بنفسک علی التوفیق. لأن شأن الملوک و أجواد العرب و شجعانها لا یتعرضوا لمن وقع منه شی‌ء فی حالة الحرب إذا أسروه. و إیاک ثم إیاک أن تغفلی عن جملة الأساری و القبطان الکبیر علیهم فی أمورهم و تتکلی علی نائبی فی الدائرة بل ابذلی جهدک فی کل ما حاوره (کذا) فإن هؤلاء فی الحقیقة لیسوا بأساری، و ابذلی جهدک فی الفعل الجمیل مع القبطان و خلفائه لأنهم أعیان یجب الاهتمام بهم حتی یجعل اللّه الفرج لنا و لهم جهارا.
ثم ارتحل الأمیر من نواحی تموشنت (کذا) مغربا لدائرته و بات بسکاک من تافنة لنیل المسالک. ثم ارتحل و نزل بحمام أبی غرارة فأمر الجویدات بالضیافة فأبوا ولجئوا (کذا) إلی کهف هناک، و لما رأی ذلک غزاهم و هم فی ذلک الکهف فلم یستطع علی ضررهم بشی‌ء من الأضرار، فأمر خیالته بالنزول و اتیانه من الجانب الآخر لقضاء الأوطار، و لما رأی الجویدات ذلک خرجوا من الکهف فکان القتال بینه و بینهم شدیدا، فدام علیهم إلی أن هزمهم و غنم أموالهم و ذهب بها لدائرته سائلا مریدا.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 230
و لما وصل للعین الکبیرة من بلاد ترارة بالتبیین، أحاطت به محال الدولة فی الساعة و الحین، لکون الجنرال أبی هراوة قدم من الجزائر لوهران فألفی المخزن فی غایة التعب و شدة النصح للدولة فی السر و الإعلان، و کان ذلک فی ثالث أکتبر و (کذا) من سنة خمس و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافقة لسنة إحدی و ستین و مائتین و ألف و لم تحصل الراحة للمخزن من سادس العشرین ستانبر (کذا) إلی ثالث أکتبر (کذا) الذی قدم فیه أبو هراوة فزال التعب عنهم و حصلت لهم الراحة ذات الثراوة فکتب الجنرال المذکور فی رابع أکتبر (کذا) لوزیر الحرب بأن المخزن ازداد فی صلاح حاله و حسن نیته و خلوص قوله و فعله و لولاهم لم تقم للدولة فی هذه المرة و غیرها قائمة و لدخل العدو لوهران بالجیوش، و صیر من بها کالعهن المنفوش، و حکی له الواقع بالتمام، و أثنی علی المخزن بثناء الکرام و أنه هو النافع للدولة فی اللیل و النهار و أنه هو الباذل جهده لحمایتها و جلب المنافع لها و دفع المضار عنها فی السر و الإجهار و أن الدولة بغیر مخزن وهران تکون کالجسد بلا رأس فی صحیح البیان، و بعث بذلک لوزیر الحرب و شکر المخزن بالشکر الجالب للنفع و الدافع للوصب و الکرب و أمر الجنرال المخزن بالمکث بوهران للاستراحة و الاتیان له بدوابهم لحمل أثقال المحلة لإضاعة دوابها فی القولة الصراحة، فأتوه فورا بما طلب و سأله منهم و فیه رغب و خرج بجیوشه العدیدة ذات الأعداد المدیدة. وجد السیر إلی أن نزل بالعین الکبیرة من بلاد ترارة. و حصل القتال الشدید بین الدولة و الأمیر و تلک القبائل إلی أن دخل (کذا) القبائل فی خسارة و افترقت الأمحال علی تلک الجبال، و نزل الأمیر بتاجراره، و رأی ما حل بالقبائل من الویل و النکال/ و صارت مقاتلة شدیدة بالعین الکبیرة و أخری بباب الحدید و أخری بباب المسمار و ذهب جل محلة الدولة لناحیة الغزوات و جال الجنرال لناحیة سیدی الخوان و صارت القبائل فی الحالة العسیرة. ثم ذهب الأمیر لدائرته و مکث بها أیاما کثیرة و فی ثالث عاشر أکتبر (کذا) سنة خمس و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافقة لسنة إحدی و ستین و مائتین و ألف، قام سی عبد القادر بوطالب المختاری بن عم الأمیر بالحشم الشراقة، و محمد ولد حسن بالقلعة، و الحاج محی الدین المخلوفی بسجرارة قاصدین للفتنة البراقة، فأخذ الأول بعض دواویر الحشم النازلین بغرب
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 231
المعسکر بالبیان و حصل القتال من الأخیرین مع الدولة فی واقعة بنی شقران.
و جاء المریشال بیجو من افرانسا بالجیوش العدیدة لمّا بلغه خبر هذه الفتنة و عمومها بهذا الوطن بالبلوة و المحنة فقصد الجهة الغربیة بالمخزن فی خامس عاشر الشهر المذکور.
و لا زال المخزن یفترس فی العدو و یغنم منه إلی أن أذعنت تلک الجهة الغربیة بالإذعان الماحق للنفور کما أذعنت نواحی المعسکر بغایة الإذعان، بعد المقاتلة الفادحة بالتمازنیة و أولاد ریاح و البرج و القلعة و تلوانت و بنی شقران. و فی الثامن و العشرین من الشهر المذکور جمع أبو معزة بالجهة الشرقیة جیشا فیه نحو الثلاث أو الاربعمائة فارس فضلا عن العسکر و هجم علی حشم داروغ بقرب مستغانیم، فخرج له الکمندار سبریور الذی بها بمحلته القلیلة و قاتله إلی أن هزمه بغایة التهازیم.
قال ثم أن الأمیر جمع جیشه بزاده و توجه للمشرق غازیا غزوته الطویلة، فارتحل و نزل بشراعة و بها بات ببنیته الجلیلة، ثم ارتحل و نزل بأغبال الغربی و به بات، ثم ارتحل من الغد و نزل بمناصب کیس و بهم قد بات، ثم من الغد فنزل بتافنة و بات بها تحقیقا، و منها ارتحل قولا و ثیقا، فزاد لنواحی تموشنت (کذا) و بها بات ثم توجه لناحیة الضایة فبدا (کذا) له فی الرجوع من طریقه و رجع لعین لحجر و بها قد بات ثم من الغد توجه لناحیة بلعباس فألفی جنود الدولة مشعرة به و هی فی غایة الاحتراس، ثم ارتحل و نزل بالمسید، و به بلغه خبر التحقیق بقیام أبی معزة و اجتماع الجیوش علیه للتبدید.
و أن بنی شقران و سائر الجبلیة قد خرجوا عن طاعة الدولة و تقاتلوا مع حاکم المعسکر، و قد حرقوا القناطیر (کذا) و القراریط و قطعوا الأشجار و خربوا الدور فی المشتهر و أن ابن عمه سی عبد القادر بوطالب و الحاج محی الدین السجراری و محمد ولد حسن القلعی کلهم قد ثاروا فقال بعد تبسمه أما ابن عمی و القلعی و السجراری الثائرون فلم ینتج منهم شی‌ء و هم فی أمرهم قد حاروا، و أما عصیان بنی شقران فلیس بصوان، لأنهم فی حلق الأسد و لا طاقة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 232
لهم علی الفرار و الذهاب، و قطعهم للأشجار و هدمهم للدیار، و حرقهم للقناطیر (کذا) فذلک من الفساد بالاعتبار، لأن هذه الأشیاء، نفعها للمقیم بها هم أو غیرهم، و أما أبو معزة فاللّه أعلم به/، غیر أن أهل الشر سیظهر شرهم و أهل الخیر سیظهر خیرهم، ثم ارتحل و نزل بوزغت إلی أن سار فی الاستراح، فزاد لذراع الرمل و به قتل اثنا عشرة رجلا من أعیان بنی مریانن بإغراء الغیر بعد ما ضیفوه فصاروا فی الاقتراح بعد الافتراح.
ثم ارتحل و نزل بأم الرخایل برأس عین سعیدة و بها کان المبات. و من الغد غزی قائد أولاد خالد لیقتله فألفاه بالمعسکر فأخذ ماله و له الافتیات. ثم ارتحل فبات بعین الحجاج بقرسیف، ثم رجع لصدامة فضیفوه و لم یتعرض لهم بسوء بالتعریف، ثم ارتحل و نزل بقرب فرندة لحصرها و بات، و من الغد سار لعین لحدید فنزل بها و بات، ثم ارتحل جازما وجد السیر للناحیة الجدیدة و هو قبلة العمور و سار له من عین الحدید خمس لیال متتابعة إلی أن أصبح علی عرش العبید و هم الأجواد فلم یتعرض لهم بشر فی المذکور، و زاد إلی أن وصل لأولاد شعیب و هم عرش الجدید، فألفاهم نازلین مع أولاد خلیف فی محل واحد فلم یفر منهم فی القول المفید، فأخذهم أخذة رابیة و قتل منهم خلقا کثیر.
و فر الجدید فی سبعین فارسا من قرابته و أعیان عرشه هاربین بالنساء و الأولاد فرارا شهیرا، فأتبعهم فی ثلاثة عشرة فارسا من جیشه بالتحقیق، و هم خلیفته و الطیب بن قرنیة آغة القوم الحمرا (کذا) و محی الدین ولد الحاج قدور السایس الحشمی و آغة الحشم الشراقة عدة ولد محمد ولد التفنشی مع ابنی أخیه أبی خنونة فی القول الحقیق، و ابنی بختی الاثنان و الشریف النایلی مع ابنی عمه و محمد ولد عبد الرحیم البرجی الخیال و قادة ولد عیسی الحشمی الغربی ثم الموساوی.
و حصل القتال بین الفریقین إلی أن قتل ابن عم الجدید الطیب بن قرنیة لما رآه ضرب الجدید فیما قال الراوی، و تلاقی الجدید مع الأمیر فی الحرب فضربه الأمیر و کسره من ترقیته الیمنی، و لم یسقط بها للأرض و هرب جریحا من غیر الیمنی فضرب شخص من أبناء عم الجدید الأمیر و جاءت غیر صائبة،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 233
فضربه عند ذلک قادة ولد عیسی الموساوی فکسره من ترقیته و خر میتا لتلک الضربة الصائبة. ثم زاد الأمیر للسواقی الحمر و نزل عند سیدی عیسی و أمر لفتح القبور لدفن الأموات. فدفن الطیب ابن قرنیة بملبوسه و کذلک غیره من الأموات.
و به جاء الجدید مذعنا للأمیر، فباع له الغنیمة، بالنقد المعجل من الثمن الکثیر، ثم ارتحل وزاد إلی أن وصل لطاقین، و شهد بها محل الأخذ لدائرته و هو من الشاقین.
ثم غزی أولاد عیاد و هم بالوانسریس، فمر بالشلف وجد لهم السیر لیلة کاملة بالتوارسریس، و لما دنی منهم أخبر بأن محلة الدولة هی بوسطهم نازلة لأجل الشرایش، فکر راجعا علی عاقبیه للصحراء و صار یتابع المحلة و هی جائلة علیه إلی أن وصل للقطیفة فرجع للکرایش.
قال فسأل منه أهل الوانسریس أن یدع عندهم خلیفته سی قدور بن علال و هم ضامنون فیه و فی جمیع ما یقع من الأعلال، فترکه عندهم و زاد إلی الجهة الشرقیة/ إلی أن وصل لجبل الصحاری، فأقام به یومین للراحة و قدم أمامه أبا زید بن أحمد آغة البویرة و غیره فی القول الجاری. ثم سار لیلا و نهارا إلی أن وصل للحمام فنزل به و بات. و من الغد ارتحل و سار لیلا و نهارا قاصدا للغزو متیجة إلی أن یذعن له کما قد فات، و رایس (کذا) تلک الناحیة سی محمد بن محی الدین.
فقال ذلک الرایس لمن کان بقربه إذا رأیتم الدخان بمتیجة فلتأتونی فی الحین. و لما وصل الأمیر لموضع یقال له تمضیقت بلغه الخبر بأن محلة الدولة نازلة بثنیة بنی عائشة قادمة إلیه فرجع إلی بنی سالم و أهل یسر الشرقی و نهبهم نهبا شنیعا من غیر وقوع دائرة علیه، و رجع من یسّر الشرقی إلی شمذر و به بات و ارتحل من الغد و نزل بموضع یقال له بغّال بإثبات، فغزته محلة الدولة و أخذته أخذا عظیما، و فرقت جمعه بذلک المکان تفریقا جسیما، و هذه الواقعة تعرف عند أصحابه بواقعة واد سباو، و بها مات باش سائسه محمد ولد مصطفی ولد عون اللّه العدانی الغربی و کاتب إنشائه سی محمد بن عبد الرحمان التیجینی الحشمی الغربی من بنی مقضاو، و صار النهب فی محلته فی تلک الیلة (کذا) من جیشه لبعضهم بعض و هم فی قلق و وجل فی نفلهم و الفرض. ثم ارتحل من
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 234
بغّال و نزل بواد الروافع و أقام به یومین، و أمر برد ما نهبه کل واحد لصاحبه فرد بغیر مین، و به أتاه نجع الدروع بفرس من عتاق الخیل قادة للإذعان و لما سمعوا بأخذ محلة الدولة له نکثوا فی الإذعان، فغزاهم و أخذهم أخذا و بیلا، إلی أن ترک عزیزهم ذلیلا، ثم ارتحل و نزل بثلاثاء الطاید فی أملیل من بلاد فلیسة، و هو جبل جرجرة من بلاد زواوة و أقام بها ثلاثة أیام و ذهب لضریح سیدی محمد بن عبد الرحمان الجرجری فزاره لإزالة ما به من التفلیسة.
و لما سمع بمحال المریشال و هو رایس الجزائر نزلت بتمضیقت و رامت فوزة، رحل من ثلاثاء الطاید و نزل علی بنی أبی معزة، و تهیأ للحرب و سأل من المریشال الخروج معه للبراز، فأبی المریشال ذلک و قال هذا الفعل انقطع منذ أمد جاز، فلم یقع قتال فی تلک المرة و لا حصل لفریق منهم شی‌ء من المعرة.
و فی هذا المنهل جاءه الخبر من عند خلیفته البوحمیدی بأن دائرته انتقلت من صبرا و نزلت بعین زورا، و أن الحشم و بنی عامر و الجعافرة ذهبوا بأهلهم للمغرب و جعلوا أمرهم بینهم شوری. و أن ابنی عمه أحمد بوطالب و المولود بوطالب و آغته المولود بن عراش، ذهبوا بأهلهم إلی فاس و ترکوا المکث معه سائلین للاقتراش و أن المکاتب تکررت من عند الدولة لسلطان الغرب مولای عبد الرحمان علی أخذ الأساری الذین بالدائرة رغما علیها و اطراد الدائرة من طاعته لأن أمیرها قد أکثر الفساد بالمشرق و إن أبی لا بد من حربه بالإعلان، و أن أهل الدائرة لما تحققوا بذلک جزموا بقتل هؤلاء الأسری لینفصم الحبل و تحصل الراحة من النفقة و ذلک صحبة المکاتب التی بعثتها الدولة للغرب و لما اتصلت بید الوزیر سی محمد بن إدریس/ بعثها لخلیفة الأمیر للشفقة، و لما قرأها الأمیر تأسف و قال یا عجبا من الدولة کیف تکاتب أهل المغرب بذلک، و هو لا طاقة له علی شی‌ء من ذلک فکان المراد منها تکاتبا علی ما تحبه. و أما سلطان المغرب فهو جالس علی کرسیه سائلا للنجاة من المهالک. ثم کتب لخلیفته البوحمیدی کتابا، مضمنه أما الذین ذهبوا من عندنا لغیرنا فلا نفع فی بقائهم و لا ضرر فی ذهابهم و لا نزیدک علی هذا جوابا.
و أما کون سلطان المغرب یأخذ من أیدینا الأساری قهرا، و یطردنا من بلاده و طاعته جهرا، فلا طاقة له علی شی‌ء من ذلک و إنما أمره و أمر الأساری و سائر الخلق بید اللّه تعالی الواحد المالک.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 235
و أما کون أهل الدائرة قد اتفقوا فی غیبتنا علی قتل العسکر الأسیر، فإن اتفاقهم کالعدم بقدرة اللّه القدیر، و أن هؤلاء الأساری لیسوا عندهم و إنما هم عندنا بالبیان. و هم فی الحقیقة لیسوا بأساری و إنما هم أهل أمان. و أن مؤنتهم (کذا) لیست من عندهم حتی یتضرروا بها و إنما هی من عندنا من بیت مال المسلمین، الذی یجمع فی الغزو و غیره بالتعیین، فمؤنتهم (کذا) و مؤنتنا (کذا) و أهل الدایرة کلها من عند اللّه. و نؤکد علیک أن تکف أعیان الدائرة المجتمعین علی هذا الرأی الفاسد المتکلمین به الشائع فی الأفواه. و إن هم قتلوا شخصا واحدا فإن من ظفرت به منهم ننتقم منه بإذن اللّه انتقاما جامدا. و احذر نفسک من خدیعتهم لک بقتلهم لیلا و إن راموا ذلک فبادرهم بالقتل قبلا و مکن الأساری من سلاحهم لیکونوا لک عونا و دعهم فی محلهم حتی یفتح اللّه علینا و علیهم و یجعل لنا و لهم صونا و أنی سأقدم نحوکم بإذن اللّه و الأمر کله بید اللّه.
قال ثم ارتحل إلی بنی مدوّر بوادی تاسالة الشرقیة و أقام به یومین، ثم انتقل إلی مطمر الخرابشة فنزل به و بات و قلبه متعلق بالأساری بالدائرة بغیر مین.
ثم ارتحل من الغد و جدّ السیر لیلا و نهارا لنجع آغة شورار. و کان بناحیة المسیلة بالصحراء فی القول المختار. و لا زال سائرا إلی أن بلغه فأرسل جیشه علیه و أخذه أخذة رابیة. و لما رأی شورار ذلک سأل الإذعان و أذعن قولة وافیة و کانت خیول جیش الأمیر قد کلّت من السیر المترادف و عجز نحو الثلث من السیر، و تخلف الأمیر بمخزنه عن سرعة السیر فبینما هم فی تلک الحالة و إذا بمحلة الدولة قد ظهرت و له قاصدة فنکث شورار فی فعله و أذعن للدولة و صار بعرشه معها و هی علی الأمیر وافدة و حصل القتال الشدید بین الفریقین فی صحیح الأخبار فانهزم الأمیر بجیشه و کانت الدائرة علیه و اتبعته تلک المحلة إلی وادی أبی حمار و قد ظفرت بالعاجز منه و بنصف الغنیمة التی أخذها من عرش شورار و نجا فی فل جیشه فبات بوادی أبی حمار، ثم ارتحل من الغد مغربا بما معه من الجیش رحلة الإیاس من المشرق و لا یزال یتنقل من محل لآخر فی الأشهر إلی أن اجتمع بخلیفته سی قدور بن علال و الثائر أبی معزة بأصحابهما فی الخضر لکون أبی معزة فرّ من الظهرة لما تکاثرت علیه محال الدولة، کما فرّ/ سی قدور بن علال المذکور من وانسریس لما تکاثرت علیه محال الدولة و قد عجز
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 236
عن الصولة و وقت اجتماعه مع من ذکر بالخضر بلغه الخبر القطعی من المغرب بقتل الأساری و هو بالسواقی الحمر فتأسف کثیرا وجد السیر مرادفا للمراحل إلی أن وصل إلی دائرته فی حالة الهوان و الخسر. قال و لنرجع إلی وقائع عمالة وهران مع الدولة، و کیفیة جولانها بها و إظهارها الصولة، ففی جانفی من سنة ستة و أربعین و ثمانمائة و ألف مسیحیة جاءت الحوادث طائعة بعد انهزام أبی معزة و المقاتلة مع خیالة الأمیر بحافة مدغوسة قولة ساطعة، ثم سأل صدامة الإذعان لما نهبت مطامیرهم الدولة و لحقهم الجوع الفادح فلم یقبل منهم الجنرال ذلک إلا بعد إعطاء خطیة کبیرة فی القول الواضح، و هدم سور فرندة و جعل بها حامیة للدولة، و أخذت أربعة دواویر من مرابطی الأحرار و هم فی حالة المذلة. و رجعت محلة الدولة لسعیدة و کان الفصل شاتیا، فأخذت من بطریقها و أذعنت الحساسنة للدولة بمشتت مایه و صار حالها وافیا، ثم غزت المحلة علی بنی مریانن فی شهر فبری من تلک السنة فأخذتهم بغتة أخذة معینة و فی شهر مارس من تلک السنة رجع أبو معزة من مدغوسة لناحیة الظهرة. و هجم علی الکثیر من دواویرها (کذا) و أعراشها إلی أن هجم علی أولاد سیدی عریبی فی بالعسل فی القولة ذات الشهرة فتلقاه لیتنان کلونیل (کذا) ملینی بجیشه من مستغانیم و قاتله شدیدا إلی أن هزمه أبو معزة و رجع فی تسلیمه فریدا. ثم جدد جیشا لقتاله فکان الفوز للکلونیل و خلف ما ضاع له و کثرت علیه المقاتلة، و لم یبقی صدوق للدولة إلا أصحاب الشط الشمالی من أهل الشلف صدوقة المباتلة. و فی شهر أبریل من تلک السنة غزت الدولة علی الشلافة و الهرارسة و هجمت علی مجاهر و الأمیر بشرق قبلة العمالة فی القول الظاهر. فأخذت الهرارسة و من کان عدمیا بقربها أخذة رابیة، و أشفت غلیلها منها شفوة شافیة، و نزلت بسور کلمیت فألفت به مطمرا کان لها فیه کافیة من الشعیر، ثم جعلت قنطرة علی شلف و عبرت علیها فأخذت الشرفة أخذة أورثتهم للتدمیر، ثم اتبعت فورا أثر الأمیر بالأماکن التی فیها، فلم تشعر به إلا أن مربوطاء مینا و عرجة القطف و صدامة و توجه للناحیة الشرقیة و قد خفا (کذا) سیره علیها فحارت فی أمره للسطارة التی هو فیها، فاتبعت أخباره و توجهت لناحیة قجیلة إلی أن وصلت للوسخ و إلی غای و لم تجد لذلک حیلة، و تمادت فی سیرها إلی أن لحقت بالأحرار و أولاد خلیف فغنمت
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 237
منهم نحو تسعة آلاف من الغنم و أذعنوا للطاعة، و جعلت علیهم خطیة عظیمة تودی بالاستطاعة.
و فی شهر مای من السنة المذکور/ الموافقة لسنة اثنین و ستین و مائتین و ألف من الهجرة المبرورة، صارت الکلون (کذا) متفرقة بالسکنی فی الاقلیم الجزائری لاحیائها، و إزالة مشعراتها و تمدینها و تفجیر مائها.
و فی شهر جوان من السنة نفسها اطمأنت نفوس الکلون بالسکنی و قسمت علیهم الأراضی للتمدین، و رأوا الاقلیم یوافقهم للمکث و زال ما بنفوسهم من الحدس و التخمین، و رتبت الدولة قوانینها علی أن تجعل الأحکام سبیلا و منتیرا، و حکاما جنرالات و ابریفیات للتصرف بالإقلیم تصرف جمیلا شهیرا. و جهز الکلونیل رنول(RENAULT) محلة ذهب بها للشلالة لکونه سمع بأن الأمیر مدّ یده علیها فی تحقیق القوالة، و کان المریشال لم یرضی بنزع الأرض من ید العرب و إعطائها للأوروبیین و لا ما استعمل فیها من القوانین، لکونه رأی العرب قد تضرروا من ذلک و أعطاهم الحق فی الضرر و قال اللائق بالدولة الرفق بالعرب فی الحرکة و السواکین لکن الدولة أبرمت أمرها و صار فعلها قانونا مؤرخا بتاسع دیسانبر سنة ثمان و أربعین و ثمانمائة و ألف بالتحقیق، و أبرز العمل به بهذا الاقلیم بعنایة التوفیق، و أن العرب تؤخذ منهم البلاد للمعمرین لها بالثمن بلا ریب. و قد کان آغة مصطفی عین للدولة أرض البایلک التی کانت فی حیازة الأتراک فدخلت فی ید الدمین بلا ریب و ذلک فی سنة ثلاث و أربعین و ثمانمائة و ألف باشتهار، فجری ذلک العمل فی سائر الأقطار.
ثم فر بنو عامر عن بلادهم و بقی جبل تاسالة و جبل القعدة بما فیها من الوطاء إلی رأس الماء خالیا من أهله، و أما وطاء ملاتة فهو عامر بأهله لکون کل واحد ملاحظ بشکله.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 238
و بعد أمد قدم أولاد بالغ و بنو مطهر و نزلوا بالتل مع الأغواط، و انضاف إلیهم أولاد عبد اللّه الذین لم یفروا لمجاورتهم للدواویر و هم معهم فی الاختلاط. و فی دیسانبر من سنة ستة و أربعین و ثمانمائة و ألف جعلت الدولة قدور ولد عدة البحثاوی الذی هو قریب النسب لآغة مصطفی و ابن أخیه الحاج المزاری آغة علی بنی مطهر و أولاد بالغ بتاسالة، و کان رجلا شجاعا له نجدة کثیرة و شدة و حزم موصوفا بالبسالة فرضوا به و فرحوا، و سیسهم بسیرته الحمیدة إلی أن نجحوا.
و فی مدة ستة أشهر من تولیته اجتمعت علیه منهم أربعمائة خیمة، و رکب منهم مائتا فارس و أزال عن کل منهم ما کان به ضیمة و حل بملاتة و أهلها العافیة و الراحة و حصل ببنی مطهر و أولاد بالغ السرور و الفراحة و شرعت الدولة فی غزو أعراش الصحراء و بانت نجاحة آغة قدور ولد عدة فأمن أهل التل و صار یغزو بجیشه أمام جیش الدولة و تارة وحده علی أهل الصحراء و صار الأمیر بالمغرب فی الزیادة إلی أن امتدت دایرته لملویة و أهلها فی الانقیادة ثم أنه غاب بالمشرق غیبته الطویلة فقتل أهل دائرته ما عندهم من عسکر النصاری الذی/ أخذ فی واقعة سیدی إبراهیم و تموشنت (کذا) و لم یخلص من القتل إلا الفسیانات و الکماندار و کان ذلک فعلا ذمیما من الدائرة عند العبید و الأحرار. و قد مر الکلام علی قتل هؤلاء الأساری و تأسف الأمیر علیهم سرا و جهارا. و لما سمع الجنرال کافنیاک بقتل جیشه الأسیر و هو بتلمسان أراد الذهاب بجیشه لأخذ الثأر من أهل الدائرة و یدخل فی حدود المغرب فی السر و الإعلان، لکون سلطان المغرب لیست له طاقة و لا یستطیع للأمور الشاقة لأنه تأخر لما نظر لأمر الصلح الواقع بطنجة بین سلطان المغرب و الدولة و أنه یطرد الأمیر من بلاده و یزیل ما له من الصولة.
ثم أن الأمیر ظهر له فی التوجه بجیشه لناحیة الصحراء بعد ما أیس من الجهة الشرقیة فی واقعة شورار جهرا، فغزی حمیان فی وقت الربیع سنة ستة و أربعین و ثمانمائة و ألف الموافق لسنة ثلاث و ستین و مائتین و ألف و قد جد لهم
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 239
السیر فلم یحصل علی طائل و رجع لدائرته فی غایة الطائل.
ثم أخذ الفسیانات (کذا) و الکماندار (کذا)، و بعثهم لملیلیة لیبعثوا لافرانسا بالعز و الافتخار و فی روایة أنه ذهب بهم بنفسه لملیلیة فی خمسمائة فارس من الجیش، و معه خلفاؤه و هو علی فرسه الأصفر المزیل للطیش. و حصل بینه و بین الاسبانیین مداخلة و مخالطة، و رجع لدائرته و هی بعین زورا من بلاد المطالسة بغیر خلاف، ثم رحل منها و نزل بحمار العرعار المعروف بواد زلاف، فأقام به أیام ثم ارتحل و نزل ببلاد بطیوة بالبیان. و أقام أمدا ثم ارتحل و نزل بسیدی وردان، فمکث به أمدا و فی وقت الربیع بعث خیالته و أهل الدائرة بخیولهم و جمیع دوابهم إلی واد قارت، لکثرة خصبه و بقیت الدائرة بما فیها من الأعیان و العسکر مفترقة حللا مطمئنة و فی أمر المغرب حارت، فبینما الأمیر غافلا و إذا بسلطان المغرب مولای عبد الرحمان جهز جیشا لقتاله و نفیه من بلاده تحت رئاسة باشته هشام الأحمر مشتملا علی تسعة آلاف مقاتل فنزل بمدشر تفرسیت من مداشر الریف و مکث أیاما بالبیان فتنافس الکلام بأنه جاء لأخذ الدائرة و نفیها و قبض الأمیر و قتله، فسمع بذلک طالبان من الغرابة أحدهما یقال له الحاج محمد بن أبی خالفة من دوار أهل العید بتصحیح نقله و الآخر یقال له سی الأخضر بالقاضی من دوار العمایمیة کانا متزوجین هنالک. و کان سی الأخضر شجاعا و الحاج محمد ذا رأی و تدبیر فجاءا للأمیر و أخبراه بذلک. و لما تیقن الأمیر لکلامهما خزنه فی سویداء قلبه و سکت. و لما سمع الأحمر بانتشار الخبر نهی الناس عن ذلک ودس الخدیعة و مقت، و صارت المکاتبة بینه و بین الأمیر متداولة علی التوافق و کل منهما من صاحب علی حذر و الخیالة لا زالوا بقارت فی القول الأشهر.
ثم إن الأحمر انتخب من جیشه کتیبة تشتمل علی خمس مائة فارس مقاتل من الأنجاد، و بعثهم لیلا للدائرة و أمرهم بأن یجعلوا أنفسهم زائرین إذا وصلوا لخیمة الأمیر فإذا ظفروا به حیا یأتونه به و إلا قتلوه و أتوه برأسه لأن الحرب خدعة و به یبلغ للمراد و لکم عنده الاحترام و التوقیر، فجاءوا بقصد ذلک و هم فی الطمع بالظفر فی الفرح الکثیر و لما/ وصلوا للدائرة کان وقوفهم نهارا علی خیمة الجیلانی ولد السایح القصیری فی حلته، لأنهم رأوها بیتا من الشعر کبیرة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 240
محترمة و هی فی بطحاء وادی فظنوا أنها للأمیر و هو فی حلته. و لما سمع ابن السایح حس المهامیز و حوافر الخیل خرج مسرعا فألفاهم قرب بیته فقال من هؤلاء فقالوا جیش الأحمر جئنا للتبرک بالأمیر و نیل حرمته و بیدینا مکاتب الباشا الأحمر بعثها له فقال لهم هو أمامکم و تلک بیته و أراهم إیاهم فظنوا أن ذلک خدیعة لهم و تکلم البارود من عندهم بالقوة فی قولة من رواها. فبعث ابن السایح للأمیر و أمر من معه بالضرب و رکب فرسه. و کان من الشجعان فجال بأصحابه فی وسط حومة المیدان إلی أن فرقهم و ساروا فی فلولهم و لما سمع أهل الدائرة تراکم البارود اجتمعوا علی خیولهم و کان الأمیر معهم فقاتلوهم شدیدا سریعة و هزموهم هزیمة شنیعة و رکبوا أکتافهم و هم منهزمون من غیر التفات، فلم یرجعوا عنهم إلی أن أوصلوهم لقرب محلتهم فرجعوا معهم بعدما أتوا منهم لثمانین فرسا غنیمة قتلوا أهلها بالإثبات، و لما حل هذا الأمر بعث الأمیر لخیالته بأن یأتوه و یدعوا بقارت الرعاة بدوا بالدائرة، و لما اجتمع بخیالته بعث للطالبین المذکورین بالإتیان لیجعل جیش الأحمر بباشته فی شبکة الدائرة و لما جاآه أمرهما بالذهاب لیلا مع العسکر لمحلة الأحمر لمعرفتهما بالطریق و هو بخلفائه و خیالاته و قوم الدائرة فی أثرهم بالتحقیق، و أمر رایس (کذا) کبراء العسکر. و العسکر و هو سی الحبیب بن التراری الحشمی بأن یأمر کل کبیر یأمر عسکره بأخذ السلاح و الذهاب مع الطالبین لمحلة الأحمر و من أعانه من القبائل لمقاتلهم (کذا) مقاتلة الفلاح فامتثل الکل أمره و ذهبوا مع الطالبین لیلا، وجد الطالبان بالعسکر السیر سیرا عجلا ثم رکب الأمیر فی إثرهم بخیالاته و خلفائه و أغواته و المطاوعة و سار و کانت لیلة ممطرة لا یطیق فیها أحد علی المنازعة فسبق الطالبان بالعسکر و تربص الأمیر بمن معه لما حل به من المطر و الظلام بحیث صارت قوائم الخیل تسوخ بالأرض من شدة المطر و هم فی الظلام ثم سأل الأمیر رایس (کذا) العسکر المذکور عن العسکر فقال له أنه لمعنا و الحال أنه لا علم له بشی‌ء من سرعة سیره مع الطالبین لشدة المطر و الظلام فی المشتهر و لا زال الأمیر متربصا فی سیره بجیشه یترقب ظهور الضوء لکون الفجر قریبا من الطلوع فبینما هو فی المکالمة مع الجیش و إذا به رأی شفق البارود و تعدد ضربه بناحیة الأمیر فقال الرایس (کذا) العسکر غررتنی إلی أن هلک جیشی و انقطع عسکری و صرت فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 241
حالة المخدوع، ثم أسرع فی السیر بجیشه إلی أن وصل للمدشر و به أحاط، فوجد الأمیر قد تم إتمام نشاط بأن قتل العسکر من محلة الأحمر ثمانمائة و أخذوا المحلة بأجمعها و ظفروا بالأحمر بغایة التحصیل. فقتله محمد بن الخیر الذی هو آغة بموضع المیمونی الذی هلک و اجتز رأسه و جعله علی رمح طویل. و هذا محمد بن الخیر قد کان ارتکب ذنبا یعاقب به و تضرر بذلک الأمیر، فأمر بعقوبته إذا ظفر به لکونه فر، و لما قتل الأحمر عفی عنه الأمیر، و ترکه/ فی رتبته و ظفروا بابنی الأحمر و جاریته و فرسه الأشقر بسرجه ذهبا و جمیع ذخائره.
و دخل الطلبة المشارقة الذین مع العسکر لغرفة الأحمر و شرعوا فی تلاوة القرآن جماعة لهم دوی عظیم نکایة لنظرائه. و فی وقت المقاتلة افترق العسکر علی المحلة فلم یهتدوا بعد الفراغ من قتلها لبعضهم بعض لشدة الظلام. فقال أحد الطالبین لصاحب الترنبیط (کذا) و هی الموزقة (کذا) الذی معهما اتبعنی لجمع العسکر و الانتظام. فصعد به لمحل مرتفع و أمره بضربها و لما سمع العسکر صوتها أتوها إلی ان اجتمع الجمیع عندها بالتحریر. ثم ذهب الطالبان بالعسکر لقصبة الأحمر إلی أن علا النهار فذهب الجمیع مع الطالبین عند الأمیر، فجاء الأمیر و دخل إلی القصبة ثم ارتحل راجعا بجیشه بما فی أیدیهم من الغنائم لدائرتهم إلی أن استقر بها فی فرح و سرور. ثم أن الحشم و بنی عامر و الجعافرة المضافین لهم الذین ذهبوا سابقا من عند الأمیر کاتبوا الأمیر بالقدوم إلیهم لأنهم صاروا مع المغاربة فی المقاتلة ذات الشرور. و لما بلغه الخبر (کذا) سار لناحیتهم خمس لیال متتابعة إلی أن بلغ لمکناسة بإزاء غیاثة. و لم یبقی بینه و بین الذین بعثوا له إلا یوم واحدا فبلغه الخبر ثانیا أنهم رفضوا القدوم لناحیتهم و راموا البقاء بالمغرب فرجع الأمیر لدائرته و ترک الإغاثة. فبینما هو بدائرته و إذا به أتاه الخبر مرة أخری من عنده و ذکر بأنه إذا لم یدرکهم هلکوا لا ریب و أنهم قادمون إلیه، فرکب و سار لنجدتهم فأدرکه الخبر بالطریق بأنهم أخذوا و شتت شملهم فلم یحصل له تصدیق إلی أن لقی فلّهم قادمین علیه، و کانت واقعة الحشم بموضع یقال له المزاریة حذاء زرهون، و واقعة بنی عامر بوادی ورغة و جبالها فیما یروون، فأخذوا شنیعا، و قتلوا قتلا ذریعا، بحیث ملکت بناتهم و نسائهم و بیعت بالأسواق. فسبحان المعز المذل العظیم المالک الخلاق. و سبب ذلک أنهم لما
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 242
أرادوا الرجوع للدائرة و قد کانوا فی غایة الراحة و التوفیر، فشرعوا فی نهب الأموال و حرق الأندر و الأشجار و قطع السبل و وقع ذلک منهم من الکبیر و الصغیر.
و لما سمع سلطان المغرب مولای عبد الرحمان بذلک، أمر القبائل کأولاد جامع و الشراقة و غیرهما من القبائل و البرابر بالتسلط علیهم لذلک. فتسلطوا علیهم بالأخذ و القتل و الأسر و السبی و الإجلاء فی کل زمان و مکان، فحل بهم ما وقع و وقعت لهم الإهانة الکبیرة و شأن العز و الذل یتعاقبان. و لما وصل للدائرة من خلص منهم کان ذا مال أم لا أکرمه الأمیر بما عنده و صار فی عز و علو کلمة، بعد أن کان فی ذل و إهانة.
ثم انتقل الأمیر بدائرته من سیدی وردان و نزل بکهف سیدی الحاج بالغربة بلا نکث. فمکث أیاما ثم ارتحل و نزل بقصبة سلوان و یقال له أوزیّ و هی عین تخرج من جبل کبدرانة و تصب فی واد سلوان و مکث. فبینما هو فی ذلک المکان و إذا بطالب اغرسی کان متزوجا بمزوجة (کذا) أحد بطون قلعیة جاءه فورته، و قال له أیها الأمیر إن الوطن و الإنافة لم یدعیا لی صبرا علی ما سمعته، و ذلک أن قبائل الریف الشلحیة/ من بنی یزناسن إلی صنهاجة الأخماس، قد اتفقوا مع سلطانهم مولای عبد الرحمان ابن هشام علی قتلک و نهبک و سبیک و اجلائک من رعیتک بالعلانیة و الاختلاس، و أنه سیجهز جیشا عظیما لنظر خلیفته ولده مولای محمد یقدم به لقتالک، و أن قلعیة هم الذین یبتدئون (کذا) کما ستراه بقتالک، فقال له الأمیر جزاک اللّه خیرا، و أعد لک مثوبة و أجرا، فإنی لا أکذب طلبة المشارقة فی قولهم من قضیة الأحمر، و لا أنسا (کذا) خیرهم معی فی واقعة سیدی إبراهیم و ما سمعته الآن منک و واقعة الأحمر، و أنه لم یکن لی صدوق من طلبة الشلح إلا الفقیه السید جدّ بن محمد التمسانی (کذا)، و غیرهم أعداء لا خیر فیهم و لو کان البعض فیهم أصله تلمسانی. و کان الأمیر قد أراد القبض علی الفقیه السید محمد الحضری السعیدی لما سمع بأنه یغری (کذا) أهل الریف علی الفتک به. فوجده هرب لمدینة تیطاون لما بلغه الخبر بأنه وقع فی شبکة الأمیر و لا محالة یظفر به.
ثم أن قلعیة صاروا فی کل یوم یجیشون الجیوش و یریدون الهجوم علی الأمیر. و لما رأی الأمیر ذلک جمع جیشه لغزوهم و بعث إلی قبائل العرب الدائرة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 243
به فی المنزل کالأحلاف و المطالعة و السجع و غیرهم بالتحریر. و لما جاءته قال لهم ما عندکم من الرأی فی شأن قلعیة فإنهم أرادوا الهجوم علیّ و أنی أرید الغزو علیهم. فأما أن تکفوهم عنا و نحن أخوة فی الدین و مهاجرون بأرضکم و أما أن تکونوا لنا عونا علیهم.
فقال له الأحلاف أیها الأمیر أما الکف فلا سبیل لنا إلیه. و أما الإعانة فنحن لا نعینک و لا نعینهم فیما مآل أمرکما إلیه. و إنما ننتظر الغالب لنشارکوه (کذا) فی الغنیمة، سواء کنت أنت أو هم فی القولة العمیمة. فضحک الأمیر و قال صار حالکم کسلوقی الفارس بلا محالة، إذا مات الفارس أکل منه و إذا مات الفرس أکل منه فهو آکل علی کل حالة. فجهز الأمیر جیشا لنظر خلیفته البوحمیدی و أمره بالذهاب لیلا للوادی من ناحیة زغنغان أحد بطون قلعیة و لا یظهر لهم و لا یبدأهم بالقتال إلا إذا بدوه به و ما وقع یخبره به بغایة البیان. فذهب البوحمیدی لیلا إلی أن وقف بجیوشه بالمحل الذی عینه الأمیر إلیه و إذا بأهل أزغنغان و غیرهم من أهل قلعیة جاءوا بجیوشهم عسکرا و خیلا لدائرة الأمیر بقصد الهجوم علیه فألفوا بطریقهم البوحمیدی فبدؤه (کذا) بالقتال. و لما رأی البوحمیدی ذلک أمر جیشه بالقتال و بعث للأمیر فارسا علی الواقع، فذهب و أخبره بالأمر الواقع، فلم یک (کذا) غیر ساعة و إذا بالأمیر بجیشه رکابا و مشاتا قد وصل للبوحمیدی و قد ارتفع النهار، فشرع فی قتالهم و أثخن فیهم إثخانا عظیما و حلت بهم الهزیمة شدیدة الفرار. و اتبعهم الأمیر و رکب جیشه أکتافهم ارتکابة قطیعة. فلم یک غیر ساعة إلا و انفصل القتال عن قتله لسبعمائة و خمس و سبعین من قلعیة.
یحکی أن أربعین امرأة من الذین (کذا) مات أزواجهم (کذا) بها أسماؤهن عائشة فضلا عن أسامی النساء الأخری (کذا) بالتتمة.
و رجع الأمیر لدائرته فارحا مسرورا ظافرا بالغنیمة/ ثم صارت القبائل و الأعراش ثانیة بالهدایا و الخیول المسوّمة قادة. و هو یقول لهم ما کان زیارة و هدایا فنأخذه عادة. و ما کان قادة فلا نأخذه لأنی لست علیکم بسلطان. و أنا و أنتم کلنا فی طاعة السلطان مولانا عبد الرحمان و أن الأقوام الذین حل بهم الانتقام إنما ذلک لما تعدوا علینا و اجترءوا و بدأ منهم الظلم و الخصام، و لو کفهم السلطان عنا
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 244
لم یصدر منا شی‌ء، و لا یکون منا و لا منهم شی‌ء. قال فاستحسن کبراء العرب کالأحلاف و المطالسة و هوارة و السجع و غیرهم کلامه و کتبوا بذلک لمولای عبد الرحمان مخبرین له بأن الأمیر معترف له بالفضل و المملکة و أنه کواحد من خلفائه و نحن نشهد له بذلک فإنه لا یرید مقاومته و لا خصامه، و لما بلغ لمولای عبد الرحمان مکاتب العرب حوقل و قال الناس ما بین مادح و قادح، و زام و مازح، و اللّه أعلم بمن هو أهدی سبیلا، و أصدق قیلا، و بقی الأمیر بسلوان أمدا و قد أذعنت له الشلح و أجری حکمه علیهم، بحیث أمر بحفر مطمورة قدر ما یجلس ثلاثة ثلاثة بلا مزید علیهم، ثم صار کل من یسجنه منهم یدخله لتلک المطمورة و یناوله القفة و الفأس بتحقیق الأمر، و یقول له احفر لنفسک فیها محلا لجلوسک إلی أن عظمت تلک المطمورة بالحفر، ثم أن المولود بن عراش و سی المولود بوطالب و أخاه سی أحمد بوطالب الذین فروا من الأمیر لفاس، اجتمعوا بمولای عبد الرحمان علی وزرائه و قالوا له لنا علم بحیل الأمیر و حربه فجهز لنا جیشا نذهب به لحربه لاجلائه عن طاعتک أو الاتیان به حیا أو برأسه میتا لک فوافقهم علی ذلک بغایة الاقتباس.
فأشار علیه بعض وزرائه بإبطال ذلک و قال له هذا من خبث فعلهم و قبح نعوتهم، لأنهم لما أرادوا خدیعة أمیرهم و قریبهم الذین کانوا فی نعمته و حرمته لا ریب أنهم یخدعونک أو جیشک فأطردهم مولای عبد الرحمان و أمرهم بإلزام بیوتهم.
ثم أن کبراء الأحلاف و غیرهم من العرب أتوا للأمیر و حثوا علیه فی إرسال الهدیة التی کان جهزها لمولای عبد الرحمان و توانی عن إرسالها بسبب واقعة الأحمر و قلعیة فتشاور مع خلفائه و أعیان دائرته و جیشه علی ذلک فأشاروا علیه بإرسالها، فانتخب من جیشه فرسین ذکرین من عتاق الخیل أحدهما للجیلانی ولد السایح، و ثانیهما لمحمد ولد العزری الحشمی فتبین بفرس الثانی عیب مفرط فترکه فی القول الراجح. و أخذ فرس السید أحمد بن الشریف المعسکری و کان کمیتا و بأرجله الأربعة سواد خلقة سار بهم فی غایة الجمال یقال له البصری لکونه اشتراه من قبیلة بإزاء تیارت یقال لهم البصرة و هو فی غایة الکمال. و جعل علیهما سرجین جیدین من ذهب خالص مع أشیاء جلیلة فی الهدیة و بعثها مع
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 245
خلیفته البوحمیدی و کان غرض هذا الخلیفة السکنة فی فاس و الراحة من التعب إلی أن یموت فی القولة المحکیة، بعد ما کتب له الأمیر المکاتب لمولای عبد الرحمان/ و مکنه من المکاتب التی کان یکاتبه بها الوزیر السید محمد بن إدریس وزیر مولای عبد الرحمان، و أمر بأنه إذا لم یتعرض له أحد من الوشاة بشی‌ء فلا یظهرها للسلطان، و إلا فلیظهرها و الأمر کله للمالک الدیان. ثم شیعه و رجع و قلبه فی فلق من فراقه. و أما السید محمد البرکانی خلیفته أیضا فکان قدم سابقا بالإذن لفاس بقصد السکنی فأکرم مثواه مولای عبد الرحمان و عین له خراجا لاتفاقه. ثم جدّ البوحمیدی السیر بتلک الهدیة. و صحبته أعیان الدائرة و أعیان العرب المریدین للهدیة. و لما وصل لفاس اجتمع بالسلطان فدفع له الهدیة و وقع الکلام بینهما علی الأمیر بالإحسان فبالغ البوحمیدی فی الثناء علی الأمیر، وزینه فی قلب السلطان فأصغی له السلطان غایة الإصغاء بالتحریر. فقام الوزیر ابن ادریس و قال له یا سیدنا لا تصغی لکلام هذا الخلاط الشیطان، فإنه هو و أمیره و جمیع الخلفاء شیاطین مفسدین فی الأرض و أن کلامه هو البهتان، قد أفسدوا المغرب الأوسط بفعلهم و قولهم و عثوا فیه إلی أن فر أهله منهم للفرانسیس فإنهم لأولاد إبلیس لصلبه. ثم جاءوا لمغربنا و شرعوا فی الفساد فغزوا الأحلاف ثم الأحمر و قتلوه و أخذوا محلته ثم قلعیة و قتلوهم و أخذوا أموالهم و تصرفوا بالحکم فیهم فقد وقع هذا کله منهم و ظفرت بواحد منهم و لم تبادر بالفتک به. فعلا الغضب علی وجه مولای عبد الرحمان، و لما رآه البوحمیدی قال له یا سیدنا نعم السلطان إن ما نسبه لنا من الشیطان و الخلاطة لیس ذلک من شئننا و إنما ذلک من شأنه الغادر اللئیم. و أنت خبیر بأن أمیرنا هو بایالته و فی أیامه و هو مذعن لک بالطاعة و معترف لک بالبیعة و مرسل لک بالهدایا الجلیلة و مکاتبه لا تنقطع عنک فما تأمره به یفعله و ما تنهاه عنه یترکه بمحله فضلا عن هذا المحل العظیم. و إنما الذی جعل الخلاط الجلیل، و أبعد بینک و بین الفعل الجمیل، و صار بینکما شیطان، و أوقد للحرب بینکما النیران، هو الغادر لک و الماکر بک فرخ إبلیس، و هو وزیرک هذا محمد بن إدریس لأنه کان یکاتب الأمیر بغیر قیاس، و یقول له فی مکاتبه جدّ السیر لتملک المغرب بأسره و تسکن مدینة فاس، فإن بابها من کل ناحیة لک مفتوح، إن شئت فادخل من باب القیسة و إن شئت من باب الفتوح،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 246
و أنی متفق مع الکبراء من التجار و الأعیان و العلماء و أهل الدیوان، علی تملیک المغرب لک علی حسب ما ترید، و تکون أنت سلطانه الطود العظیم و اللیث الشدید. فإن وطئة العلاویین و ظلمهم قد عظمت عجل اللّه بمحقها علی ید الأدارسة. فالغرب لا یسعد إلا علی الأدارسة و أنت واحد من الأدارسة. و إن أکذبتنی یا سیدنا فی مقالتی، و أصدقته فی تغییر حالتی، فمکاتبه تحتی خذها و اقرأها ثم قل له اقرأ کتابک لیزول/ عنک الریب و یحل لک الانتقام منه لأنه عدو غادر ماکر لک و بک فی الشهادة و الغیب.
ثم استخرج المکاتب من جیبه بسرعة و ناولها للسلطان، و لما قرأها الأمیر مولای عبد الرحمان، اشتد الغضب به علی وزیره الغادر، ابن ادریس الخادع الماکر، و قال له اقرأ کتابک یا خادع، لتعرف أنک أنت الماکر و هو الصدوق الذی بأمره مصادع. ثم أمر مولای عبد الرحمان کل من حضر بقتل ابن ادریس بالنعال و لا یدعوا له بابا للمفر. فاشتغلت الناس بضربه بالنعال. لکل ناحیة من جسده إلی أن مات بأشد النکال. و أمر بطبع أبواب ما یملکه من الدور، و نزع الملک من ید الجسور، فنزعت فی الحین، و صارت ورثته من جملة الفقراء و المساکین.
و قرب البوحمیدی و أدناه. و لأحسن الدور بفاس ملّکه و أعطاه، و زوجه من ابنة العلامة السید محمد بن عبد اللّه سقاط، و تولی مئونه (کذا) و جعل له راتبا شهریا و أعطاه من یخدمه من الإیماء فصار فی عز و انبساط. و لا زال کذلک إلی أن سأل الزیارة لدار و ازان، و ضریح القطب مولای عبد السلام فأذن له السلطان. و لما تمت زیارته و رجع لأهله بفاس قبض علیه السلطان لکون الوشاة قالوا له أن جولانه لیس للزیارة و إنما هو للتجسس و الاختلاط و الاتفاق مع الناس، و سجنه إلی أن سقاه سما به مات ثم ندم السلطان علی ذلک. و علم أن تلک شیطانة حلت به إلی أن ارتکب تلک المهالک.
قال و لما رجع أصحاب البوحمیدی المصاحبین له لفاس، اعلموا الأمیر فتأسف کثیرا و حصلت له الندامة علی إرساله و قال یا لیتنی لم أترکه ذهب (کذا) عند الظالمین البخاس.
ثم ارتحل الأمیر بدائرته من سلوان، و نزل بملویة و مکث بغایة الإطمنان
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 247
(کذا). فبینما هو بها و إذا بالخبر بلغه أن سلطان المغرب جهز جیشا لنظر ولده مولای محمد خلیفة عهده محتویا علی سبعة محال کل محلة لا طاقة علی إحصاء عددها بلا محال. و أمره بالغزو علی الأمیر لیأخذ دائرته و یقتله إن ظفر به أو یجلیه من طاعته، فجاء ابن السلطان بجیوشه و نزل بقارت، ثم بسلوان، ثم بملویة، بالارتحال و المکث علی عادته. و لما رأی الأمیر ذلک انتقل من الجهة الغربیة فعبر ملویة و هی (کذا) حاملة و نزل بالجهة الشرقیة، و هیأ نفسه و جیشه للقتال و ذلک سنة أربعة و ستین و مائتین و ألف. الموافقة لسنة سبع و أربعین و ثمانمائة و ألف، و لما کان الیوم الرابع من محرم تلک السنة کما للقائل، زحف الأمیر لیلا للمغاربة فلم یحصل علی طائل. و کانت الدولة الفرانسویة واقفة فی الحدود، و لها جیش عظیم لتنظر من هو الغالب ممن هو فی الصدود، فصار الأمیر بین الجیوش فجیش الدولة من جملته المخزن من الجهة الشرقیة إن اتصل (کذا) به قتله بجیشه و أخذ محلته، و جیش المغاربة من الجهة الغربیة، إن اتصل به قتله/ بجیشه و أخذ محلته. و کان رائس (کذا) الجیوش الفرانسویة کبیرین (کذا) أحدهما ولد الرّی صاحب الدراوة، و الآخر الجنرال أبی هراوة، و استدارت جیوش المغاربة بالأمیر و اتبعته من البعد و خشیت أن تقربه فتحل فی الأمر العسیر. و کان ابن سلطان المغرب قد فتح طریقا للأمیر لیخلصه من الأهوال إلی جانب الظهرة. فلم یلتفت الأمیر لذلک لأمرین: أحدهما خشیة أن تکون تلک مکیدة. و الثانی لقربه من الجنرال أبی هراوة بجیوشه وظن أنه إن فعل یحل فی الحسر. و کان الواحد من جیش الأمیر یقابل العشرین من المغاربة، الذین لا خیر فیهم بالقاطبة. و لشدة شجاعته و ثباته فی الحروب، لم یلتفت لکثرة المغاربة و لم یظن أصلا أنه فی الکروب.
قال ثم إن الأمیر مکث إلی الیوم التاسع من المحرم و دبر حیلة لعله یظفر بابن سلطان المغاربة، و یخلص نفسه من الأهوال القاطبة. فعقد إلی جملین من خیار الإبل و جمع الحلفاء و جعلها حملین مشدودین بالغایة، و طلاهما بالقطران
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 248
و وضعهما علی أظهر الجملین و أحسن ربطهما فی البدایة و النهایة، و أمر أصحابه أن یعبروا بهما وادی ملویة لیلا و یضرمون الناس فی حملی الجملین بوسط محال المغاربة لیلا، ثم یرتکبون ظهور المغاربة بالقتل حال الفرار. و کان ابن سلطان المغرب سمع بذلک فصار مرتقبا للأخبار. ففعل جیشه ذلک غیر أنهم أتوا بالجملین من الجهة الغربیة لنیل المراد، و لو فعلوا ذلک من الجهة الشرقیة لنالوا المراد لکون المغاربة لما فروا للمغرب وجدوا الخیالة أمامهم، فرجعوا لناحیة البحر فنجوا و بلغوا ذمامهم، و لو کان فرارهم لناحیة المغرب لم تقم لهم قائمة.
و وقع الرغاء بالجملین و الصدود من مکان إلی مکان و أحوالهما سائمة. و صار جیش الأمیر یقتل فی المغاربة شدیدا إلی أن أصبح اللّه بخیر الصباح. و نادی المؤذن بحیّی علی الفلاح. و غنموا من فسطاط ابن السلطان نحو المدفعین.
و لما علا النهار اجتمعت الأمحال من الفریقین، و کثر القتل من جیش الأمیر فی المغاربة و هم ابن سلطانهم بالفرار فثبته ولد البشیر بن المسعود کبیر بنی یزناسن و قال لا بد من المحاربة. و کان للأمیر فی حال القتال زهیر کزهیر الأسد: و هو من شدة الشجاعة لا یخشی فی الحرب من أحد. و قد ضاع له النصف من الجیش. و صار فی حالة الغضب و الطیش. ثم تقدم مولای محمد بجیشه لناحیة الأمیر. فازداد الأمیر فی الغضب و الزهیر. و لمّا رأی الحشم و بنوا عامر ذلک فروا و جاءو (کذا) بأموالهم و دوابهم لناحیة الدولة و خدعوا. و تلک عادتهم من أسلافهم فقبحهم اللّه علی فعلهم و بئس ما صنعوا.
ثم بعث الأمیر خلیفته الحاج مصطفی للحشم و بنی عامر لیردهم إلی الجهاد فی سبیل اللّه. و لما وصلهم أمرهم بالرجوع فأبوا فشدد علیهم فضحکوا منه ثم سألهم برفق فأبوا فترکهم و رجع/ له و لم یرجع منهم عنده إلّا من لحقه الحیاء أو دخله خوف اللّه. و لمّا لم یبق الأمیر إلا فی قلیل الجیش تأخر عن الوادی و صار ابن السلطان یعبر فیه بجیوشه فأکمن له الأمیر شرذمة من جیشه ما بین العسکر و الخیالة. فشعلت نار الحرب و تقدم الأمیر للحرب ببقیة جیشه و هو فی غایة العیالة. فالتقت الأبطال بالأبطال، و الفرسان بالفرسان و الرجال بالرجال.
و طلع لجو السماء الغبار، و عظمت المصیبة و کبر النهار، و اشتد القتال، و کثر الطعن و الضرب و النزال. و صارت الحرب بین الفریقین تارة فی الغلب و تارة فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 249
السجال. و حمی الوطیس، و غاب الأنس عن الأنیس و بقی الحرب بینهما من أول النهار إلی أن قرب الیل (کذا). و فشت الجراحات فی جیش الأمیر و کثر القتل فی جیش المغاربة مع الویل. و دخل الأمیر للحرب بنفسه و هو فی غیظه و عبوسه، بمکحلته و سیفه و کبوسه، و انحرقت ثیابه بالبارود، و انجرح من ساقه و مات تحته ثلاثة من الخیل فی المعدود، و خلصه أصحابه من ید العدو، و هو کالأسد الغضبان، و تغیر وادی ملویة من دم الفریقین، فرجع مختلف الألوان و کان ذلک عند الموضع الذی مات فیه کبراء الدولة. و ضعف حاله و نقص جیشه من الصولة. و هرب کثیر أصحابه إلی وادی کیس، و دخل کثیر دائرته إلی وطن الدولة للراحة من الطیش. و قد مات من المغاربة نحو الألف و ستمائة فی صحیح الروایة. و لما رأی الأمیر قلة جیشه صعد لیلا لبنی یزناسن. و من الغد أخذ عیاله و صار بمن معه فی التردد هل یرجعون لناحیة الدولة أو یذهبون علی وجدة لناحیة توات فی غایة الدرایة. و قد سدت الدولة علیه طرق المجاز و هو لا علم له بذلک. ثم أسرع السیر بقصد أن یأخذ أسفل الجبل، و یصعد علی وجدة، و یذهب لصحراء المغرب إلی أن یصل إلی توات، و یستریح من جمیع المهالک.
فبینما هو سائر إذا به وجد نفسه قد دخل بعسة الدولة. و کان فی تلک العسة رجلان أحدهما یقال له محمد بن خویة الزمالی، و الآخر یقال له أحمد بن حطّاب الدایری، و هما من أهل السیاسة فی الفعلة و القولة فاجتمعا به و عرفاه بأنفسهما (کذا) و قالا له أیها الأمیر أین ترید الذهاب، فأخبرهما بالواقع فقالا له نحن لا طاقة لنا علی إهلاکک و لا تسریحک للجواز بغیر ارتیاب. و لکن الرأی عندنا الذی لا ندلّاک (کذا) علیه هو أن تسلم نفسک للدولة و تکتب لهم بأنک رجعت لهم برضائک و نحن نضمن لک إن شاء اللّه تعالی أنه لا یقع لک شی‌ء و تریح نفسک من هذا التعب. و نحن من تلامذتک فخذ رأینا لأنه لک مصلحة و تصیر من أهل الراحة لا من أهل الوصف.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 250

الأمیر یستسلم و ینقل إلی فرنسا

قال فوافقهما علی ذلک و کتب لهما کتابا للجنرال لمنسیر یطلب فیه من الدولة الأمن و الأمان لکون الدولة فی غایة تأسیس البنیان. فأخذ محمد بن خویة الزمالی تلک الرسالة و ذهب مسرعا لولد الرّی و أبی هراوة. و لما وصلهم ذلک حصل بهم السرور للمقیمین و أهل السراوة./ و قد ذهب مع خویة طائفة من کبراء الأمیر لاتمام الأمر و إزالة التعسیر. فبعث الجنرال سیفه للأمیر علامة الأمان علی القدوم. فقدم الأمیر و سلم نفسه للجنرال و کان غائبا فعرض خلیفة الجنرال و هو الکلونیل منتوبه للأمیر فاجتمع به بسیدی إبراهیم المعلوم. و لما أقبل الأمیر علیهم، جاز علی الفرسان و حیاهم بغایة التحیة و توجه إلی جامع الغزوات و قلبه مائیل غایة إلیهم. فوصل إلیه عشیة فألفی هناک أهل بیته، فأتی الجنرال فی أثره مع الباقین من ناس الأمیر فی وقته. و فی ثانی یوم اتفق الجنرال مع الدولة علی بعث الأمیر و کبراء دائرته لمکة أو عکة و کان یوم دخول الأمیر فی حمایة الدولة یوما مشهورا بإقلیم الجزائر. و ضربت المدافع بجامع الغزوات الدالة علی سرور القاطن و الزائر.
و کان الأمیر لما دخل الغزوات دخلها حاملا لسیفه، علامة علی أنه لم یؤخذ قهرا و إنما أسلم نفسه للدولة و لیس به شی‌ء من خوفه. و لما اجتمع الجنرال بالأمیر أهدی له الأمیر سیفه و تأسّف و أخذه البکاء و الحزن و بات هو و خلفاؤه فی غایة من الحزن. و من الغد صباحا رکب فرسه و ذهب معه أصحابه إلی محل ولد الرّی و هو الدوک دومال فنزل بالبعد و أخذ فرسه بیده و أقبل علی ابن السلطان فرحب به وهنأه و أظهر له جمیع الکمال. ثم رجع الأمیر ماشیا إلی قیطونه، و عند الزوال رکب ابن الرّی و الجنرال و الأمیر البحر فوصلوا للمرسی الکبیر بوهران فی نصف الیل (کذا) و أزال الأمیر ما کان بقلبه من حزونه (کذا)، و فوض أمره للّه و توکل علیه. فکان مآله الصلاح فی کل ما عول علیه.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 251
ثم کلفت الدولة بحفظ الأمیر و خدمته من کان مریشالا مرطمبری صاحب التألیف المشهور. فطلب منه الأمیر أن یأتیه بطبیب لدواء ساقه المجروح منه فی المسطور. فأنسه و أجابه بلذیذ الخطاب. و قال له لا تجزع فلقد نلت علی دینک ما نلت من الملک الوهاب. و إنک فی عام خمس و ثلاثین و ثمانمائة و ألف حصل لک الرج فی تافنة، و فیض العطش، و الزبوج و المقطع، لما کانت صولة ملکک لأنی حضرت لتلک الوقائع و الآن لما زال ملکک فلا تکن من أهل الجزع. لأن الأیام جعلها اللّه متداولة بین عباده. و کل منهم یبلغ منها بإذن اللّه ما شاء من مراده. و کان الأمیر منکسا لرأسه لا یتکلم بشی‌ء من الکلام. و إنما هو مشغل بالکتابة و حوله خلیفته صهره السید الحاج مصطفی بن التهامی یملی علیه فی بعض الأحیان بعض الکلام. و عند الثمانیة جاءت الفرقاطة لحمله بأصحابه و خلفائه و أهلهم و هم فی غایات الجراح. فرکبوا بقصد الذهاب لمرسیلیة و لزموا أنفسهم بالانشراح. و عند العشرة توجهوا لافرانسا بمراء (کذا) العیون. و وقت الاثنا عشر غابت بهم فی لجة البحر عن العیون. و لما دخل ولد الرّی لوهران ذهب و معه الجنرال و الحکام أهل النظام. للکنیسة و أنشدوا أشعار السلطان/ لوی(LOUIS) و بالغوا فی الثناء علی إزالة الفتنة بعد هطل الدماء الکثیر و علی قبضهم للأمیر و بعثهم إیاه لافرانسا و علی تملک الوطن و العلو علی الإسلام. و لما أثبتت الدولة للجنرال أبی هراوة قبض الأمیر هنوه (کذا) علی ذلک بغیر الحدسة.
فأجابهم بأنه قبضه علی وجه أن یبعثه للمشرق هذا وجه القبض لا مطلقا فقالوا له هذا منک وقع علی وجه الهندسة، فإنه لا یخرج من افرانسا أبدا لأنه إذا خرج بأهله لا محالة أنه یأتی من صحراء القبلة و یعود لما کان علیه. فقال لهم الجنرال الشرط لازم و قد ذکرته لکم من غیر میل منی إلیه. ثم إن الدّوک خرج من وهران لمسرقین و منها زاد لسیق. ثم لمستغانیم ثم رجع للمقطع و رکب البحر من رزیو لوهران ثم توجه للجزائر بالتحقیق. ثم توجه الجنرال لمنسیر (کذا) لافرانسا لیتکلم فی قضیة الأمیر مع أهل القامرة. و لما ذهب الأمیر لافرانسا رجع بنوا عامر من المغرب لبلادهم بعضهم برا و بعضهم بحرا و هم فی سوء حال و قلة عیش و الکثیر منهم ضاع فی القولة القامرة.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 252

إطلاق سراح الأمیر و ذهابه إلی ترکیا ثم دمشق و وفاته‌

و مکث الأمیر بافرانسا بعد مروره بمدینة طولون بمدینة یقال لها أنبواز فیما یقولون من سنة سبع و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة أربعة و ستین و مائتین و ألف إلی سنة اثنین و خمسین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لعام ثمانیة و ستین و مائتین و ألف. فاتفقت الدولة علی تسریحه للمشرق و سرح لمدینة برسا و هی ابروس فحل بها و صار فی غایة الهناء و علت کلمته عند جمیع الرءوس (کذا)، ثم انتقل إلی دمشق الشام فی سنة خمس و خمسین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لعام اثنین و سبعین و مائتین و ألف، فحل بها و استراح، و نال العز و الأفراح و صار مقصودا عند الخاص و العام لقضاء الأوطار، و جعلت له الدولة راتبا جلیلا سنویا شهریا للإنفاق بغایة الاشتهار. و ارتفعت رتبته عند جمیع الدولة، و علت کلمته علی الآخر و الأول. و صار لا یضاهیه فی الرتبة من أبناء جنسه عند الدول إلا القلیل و لا یرقا (کذا) لسمائه إلا بضوء المصباح و القندیل. و لا زال علی ذلک إلی أن نشبت فیه المنیة أظفارها لما دعاه داع الارتحال، و الإقبال فی قدومه علی الکبیر المتعال. فتوفی فی منتصف لیلة السبت من آخر رجب سنة ثلاثمائة و ألف، الموافق لخامس عشرین میی (کذا) سنة ثلاث و ثمانین و ثمانمائة و ألف.
و دفن بالصالحیة جیرة ضریح ولی اللّه الأکبر الشیخ محی الدین بن العربی الحاتمی داخل القبة بالإیصاء منه، فنفذت وصیته من غیر إحالة عنه. و لما توفی أخبرت الدولة بموته فی الورقة الخبریة التی یقال لها المبشر المؤرخة بثالث شعبان سنة ثلاثمائة و ألف فی المشتهر، المعلمة بعدد 2438 بالتحقیق. و هاک نصها بالحرف فی الأمر الحقیق، قد صار/ إلی رحمة اللّه السید الحاج عبد القادر بدمشق و کان ازدیاده بالمعسکر سنة 1806 و أما سبب موته فهو مرض بقلبه لازمه مدة سنین حتی أن أقاربه کانوا یتوقعون وفاته فی کل وقت فأخبرنا بوفاته ولده السید محمد برسالة تلغرافیة وجهها إلی رائس (کذا) الحکومة الجمهوریة فی یوم 27 می (کذا) و نص عبارته: ها أنا أخبر أیها السید بما قد لحقنی من
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 253
الحزن بوفاة والدی فی منتصف لیلة السبت و أنه أوصانی وقت وفاته أن أکون متصرفا علی عائلته و رضی بی جمیع العائلة فاقبل منی أیها الحضرة السنیة مزید السلام لجنابکم و تأکید محبتی للدولة الفرانسویة، ففی سنة 1880 کان المظنون أنه قد قضی نحبة لورود رسالة أشاعت وفاته و نقلتها الأوراق الخبریة و رثوه بما علموا من سیرته فذکروا بطولیته (کذا) و حسن أخلاقه إلی غیر ذلک فعربت تلک النبذات و أطلع علیها المذکور فی حیاته بعد أن شفاه اللّه مما کان اعتراه فاضطرب قلبه عند قراءتها اضطرابا عظیما و تفکر هنیئة ثم قال: الحمد للّه الذی أجری الوهم فی افرانسا بوفاتی حتی تحققت بذلک أنه لا ینقطع احترامی لدیها بعدی و هذا المؤمل من البخت و مقالته هذه لا ریب فیها لأنه بعد أن قاومنا مدة خمسة عشر سنة ودارت علیه الدائرة سلم للقضاء و القدر و أحب الأمة التی قهرته و تمتت (کذا) اعتزازها بتعظیم من ألزمته بالطاعة و الإذعان و صار یستحیل التغلب علیها حتی أنه فی سنة 1870 لما تحتم انکسارنا لم یصدق بالواقع و عندما تحقق لدیه ما لحقنا من الانهزام اعتراه حزن شدید و رأی ذلک مما یستهون به فشله و فی ذلک الأیام (کذا) قدم إلی دمشق عدة من المسافرین الأجنبیین فزاروه و ظهر لهم أنه یشفی غلیله بذکرهم له ما حاق بافرانسا فاعتذر إلیهم بمفارقته إیاهم برهة ثم عاد إلیهم و هو متقلد بنیشان الحرمة فأعلمهم بذلک سماحة کلامهم و من ذلک الیوم صار یتجنب من الزائرین و لا یقبل إلّا من قدمه القنصل بل رغب منه أن یخفف عنه مشقة الزائرین و لازم المکث بداره الموجودة فی حومة کان تملک لدیارها شیئا فشیئا و کل من تلک الدیار مختصة لشأن من الشئون (کذا) فبعضها لجمیع حریمه و نحو عشرة منها لولدیه الذین (کذا) هما من زوجته التی أخذها بالمعسکر فی صغره منذ سنة 1830 و أعظم الدیار التی فی الوسط صیرها مسجدا للعبادة و دیارا صغیرة جعلها سکنی لأهل الجزائر الذین رحلوا معه و هم ما بین 300 إلی 400 نفر فکان الحاج عبد القادر فی وسطهم شیخا مالکا بل أبا و سلطانا و کان یلقبه بالسلطنة کل من قصده و قبل یده و بایعه و لم یزل وجهه إلی آخر ساعة من حیاته فی سماحة و بشاشة و من طبعه أنه دائما یکتحل بالإثمد کعادة العرب و یخضب لحیته و أنه قصیر القامة نحیل الجسم منطلق فی حرکته کالسهم و ذلک مما یذکر کل من رآه فی فروسیته و حزمه و ضربه بالحسام/. و من ثیابه أنه یلبس
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 254
عباءة زرقاء مفتوحة اللون و علی رأسه عمامة بیضاء و مما اتصف به خلاف ما هو فی عادة العرب أنه لم یتعاطی الفروسیة و أهمل العلم بل أنه جمع بینهما کما قال رحمه اللّه فی قصیدته التی کان أنشدها فی أیام سلطنته:
فإن شئت علما تلقانی خیر عالم‌و فی الروع و الوغا أحادیثنا تروی

نشاط الأمیر فی دمشق‌

هذا و له خوض فی جمیع الفنون لم یقتصر علی الفقه فقط، لا سیما علم الأدب و الشعر کما شوهد من عدة رسائله، فقد قال أهل دمشق أنه حصل سرور عظیم حین صادف فرصة فی حمایة النصاری من الفتک بهم حیث الثورة التی وقعت فی سنة 1860، و فرح بإعادته لما کان متحلفا به من الحومة فی میدان الحروب بعد التخلی عنها زمانا لا سیما إذا کان ذلک دون نقض المعاهدة مع الدولة الفرانسویة فوثب علی الفاتکین بالنصاری کالأسد الضاری و لا زالت دکانه فی دمشق تشهد علی جلوسه علیها متحزما ثلاث لیالی لدفع کل هجوم یقع علی المساکین الملتجئین إلیه فبینما کان و الی دمشق أحمد باشا لم یبرز منه أمر بکف ذبح النصاری تریس (کذا) الحاج عبد القادر علی عدة من الجزائریین المصادقین له، و قصد دار قنصل افرانسا و منها خرج سبع مرار للتفتیش علی النصاری الفارین فی الأزقة الفازعین من شدة الرعب لیبوأهم (کذا) فی داره حتی اجتمع عنده ثلاثة آلاف نفر.
کما أمن فی القلعة عشر آلاف و جعلهم تحت حمایة جزائریة فمات من خدامه بإزائه سبعة أنفس ثم إن شیخ الإسلام أمر بمقاتلة الأمیر عبد القادر فی داره و هو تأهب للمدافعة عن نفسه إذا بألف نفس من دروز حوران دخلوا البلاد تحت أمر أسعد عمر الذی هو محب لقنصل الیونان و وعده بنصرته کلما حل الخطر و حمی الوطیس و کان الأمیر کذلک فجاء أسعد إلی الأمیر و قال له ها أنا بین یدیک فأمرنی بما شئت؛ و بمساعدته أمکن للأمیر تخلیص الثلاثة آلاف من الفتک.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 255
و اعلم منذ یوم 22 دسمبر (کذا) 1847. الذی طاع فیه الحاج عبد القادر لافرانسا و سلم نفسه إلیها التزمت أوربا (کذا) بصرف النظر إلیه مراقبة لما یصدر منه. ففی سنة 1863 مرّ بمصر و شاهد أعمال خلیج السویس و صعد إلی الحج و قضی مناسکه. ثم فی سنة 1867 حضر المعرض العام المتخذ بباریز. و فی شهر نونبر (کذا) 1869 کان فی محفل من حضر افتتاح خلیج السویس . و لما اتقدت الحروب بین افرانسا و المانیا طلب هذا الهمام من سلطان افرانسا فی شهر جلیت 1870 أن یعطیه التریس علی العساکر الافریقیة، و فی شهر سبتمر (کذا) السنة المذکورة و کذا فی شهر جانفی 1871 جدد طلبه من أرباب الدولة. ثم فی شهر جوان 1871 اتفق أن ولده الکبیر تحزب مع بعض الأشرار الساعیین (کذا) فی الفساد کی یفتن أهل الجزائر فأنکره والده و تبرأ منه، و فی سنة 1873 أثبت ثانیا محبته لافرانسا بإرساله ثلاثة آلاف فرنک لفقراء ألزاس لورین. هذا و قد/ وقعت جنازته یوم 26 مای 1883 حضرها جمیع الحکام من الأهالیین و العسکریین بخلعهم الرسمیة و کذلک قناصل الدولة و خمسة جنرالات فبلغ عدد من شیعها ما ینیف علی ستین الف نسمة و قد دفن بضریح هناک مراعاة لشرف قدره کأنه ولی من أولیاء اللّه رحمة اللّه علیه ه.

العودة للحدیث عن الجزائر

و لنرجع بالکلام علی أحوال الدولة بإقلیم الجزائر فنقول: و من اللّه أسئل (کذا) تمام المأمول، أن فی سابع مارس من سنة سبع و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافق للرابع و الستین و مائتین و ألف، سأل المخزن من أمراء الدولة تقسیم البلاد علیهم بالتملیک. و یبنی کل منهم فی المحل الذی یریده فوافقهم علی ذلک بغیر التحلیک. و فی می (کذا) من السنة المذکورة جال الجنرال کفنیاک بالقبلة جولانا عظیما. و زاد لأهلها تدویخا جسیما. و فی أوت منها حصل الجولان من الجنرال طاربوفیل(D'ARBOUVILLE) بمسیردة و بنی سنوس فدوخها تدویخا، و ألزمها بالإذعان و العقوبة و وبخها توبیخا. و فی دسانبر من السنة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 256
المارة وقع بین الأمیر قبل تسلیمه نفسه لافرانسا و بین الکماندار (کذا) ملیلة مخالطة عظیمة. و سعی له فی الصلح لکنه لم یتم سعیة جسیمة. و فی الثانی و العشرین منه سلم الأمیر نفسه للدولة کما سبق الکلام، و حصل الخلاف بین الدولة علی شأن الأحکام صارت جمهوریة إلی أن لحق ذلک العرب الذین ببر الجزائر بالتمام. و ذلک فی شهر فبری (کذا) سنة ثمان و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة خمس و ستین و مائتین و ألف. ثم بعد ذلک حصلت الراحة الکثیرة لجمیع الناس و صار کل منهم مشتغلا بما ینفعه بغیر الاختلاس و فی سنة تسع و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافق لسنة ست و ستین و مائتین و ألف: غزت الدولة علی مدینة زعطاشة ففتحها عنوة، و هی فی عمالة قسمطینة (کذا) و لیس هفوة .

الامبراطور نابولیون الثالث‌

ثم ثالث سبعینهم نابلیون الثالث بنبارط القائم بالدولة قیام الارتباط، تولی فی ثانی دسانبر سنة اثنین و خمسین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة تسع و ستین و مائتین و ألف. و من خبره أنه تولی أول رئاسة الحکم الجمهوری الواقع فی عاشر دسانبر سنة ثمان و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافق لعام خمس و ستین و مائتین و ألف. ثم تولی ثانیا رئاسة الحکم الجمهوری علی عشرة أعوام فی ثانی دسانبر سنة إحدی و خمسین و ثمانمائة و ألف، الموافق لعام ثمان و ستین و مائتین و ألف.
ثم تولی ثالثا السلطنة بافرانسا فی السنة المتقدمة أولا المقررة، الموافقة للسنة الهجریة المذکورة سابقا المحررة، و تسمی باسم نابلیون الثالث فأذعنت له الأمة الفرانسویة بأجمعها من غیر المناکث. و لما علی (کذا) الملک احتوی و تولی،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 257
و رسخ به قدمه و استقلّی (کذا) سرّح الأمیر للمشرق کما سبق علیه الکلام، و حط کلکله علی کل أحد و تم له المرام.

حرکة الشریف محمد بن عبد اللّه‌

و فی وقته حرکت الدولة بجیوشها و معها المخزن الفخیم، لصحراء الجزائر و وهران لفتح مدینة الأغواط، و لها النصر الجسیم، و لما وصلت الجیوش لموضع یقال له الحویطة، بقی الجنرال أبو سکران بالمخزن و جل الجیوش بالحویطة، و سبق المریشال بلیسی(PELISSIER) و الجنرال دولینی(DELIGNY) بالشاسور و الصبایحیة و نحو الستمائة عسکری محمولة علی الإبل فی صحیح المقال، فأسروا لیلا نحو الاثنا عشر ساعة لناحیتها لتمییزها بساحتها و محلّ النّزال. و من الغد لحقت الأثقال و اجتمعت الجیوش، و خیمت المحلة علی البلد قبالة سیدی عیسی الأغواطی و عظم الحال علی أهل البلد و زال الفشوش. و فی الیل (کذا) أمر المریشال بلیسی الجنرال بوسکران بالاستیلاء علی سیدی عیسی فنصبت المدافع، و اشتد الأمر و زال المدافع. و من الغد شرع العسکر فی القتال، و إرسال المدافع علی البلد و اشتعلت نار الحرب و اشتد حال النزال، و جاء الجنرال یوسف العنابی بمحلته من المشرق فنزل من ناحیة الخیر، و جاءت محلة من جهة أبی سعاد فنزلت قبلة بغیر الطیر.
و دام القتال إلی أن انهدم السور و صعد العسکر بالسلالیم و الحبال المعدة للصعود. فلم یک (کذا) غیر ساعة و إذا بالمدینة فتحت عنوة بعد ما مات من أهلها نحو ألف و نصف فی المعدود. و کان الهجوم علیها علی السبعة (کذا) صباحا فی الیوم الرابع من دسانبر سنة اثنین و خمسین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة تسع و ستین و مائتین و ألف. و کان الإنهدام للسور وقت العشرة (کذا)، فبانهدامه حصل الدخول للمدینة، فدخلها المریشال بلیسی بجیوشه. و کانت الأغواط علی مسافة مائة مرحلة من الجزائر فی القولة المدینة. و فی سنة ثلاث
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 258
و خمسین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة سبعین و مائتین و ألف، وجه المریشال راندون(RANDON) محلة لمدینة ورقلة و معها المخزن الباسل، لتفقد أحوالها و أحوال سی حمزة البوشیخی فیها و سیرته لنظر الکلونیل دوریو(DURIEU) الکامل و محلة ثانیة من المعسکر لنظر الکلونیل نیکو(NICOT) ، و محلة ثالثة من المکیّة لنظر الکمناندانث (کذا) دوربای و أمرهم بالاجتماع فی متلیلی فی بادی الرأی. فلما وصلوه فی ذلک الحال ألفوا به رسول سی حمزة جاءهم بأنه وجه لهم من ینتظرهم فی باروخ، و باروخة، لیکون قائدا لهم فی جمیع الأحوال فزادت المحال الثلاثة فی سیرها إلی أن وصلت لورقلة و بها جاءهم سی حمزة مع أعیان ورقلة، و سعید عتبة، و المخادمة، و شعانیة متلیلی، فزادوا جمیعا للأغواط و اجتمعوا بالمریشال راندون، فکافأهم بالهدایا، و خاطبهم بخطاب التمرتیلی.

المشارکة فی حروب القرم شمال البحر الأسود

و فی سنة رابع و خمسین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة إحدی و سبعین و مائتین/ و ألف، اتحد السلطان المذکور مع الانجلیز علی إعانة السلطان العثمانی علی قتال الموسکوا فأعانه إلی أن انعقد الصلح لدیه بباریز ما بین سلطان الترک و الموسکوا (کذا).
ثم فی سنة تسع و خمسین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة ست و سبعین و مائتین و ألف، جهز جیشا عظیما لقتال لتریش (کذا) و الطلیان. فانتصر علیهم إلی أن صیرهم فی الهوان، و استولی علی مدینة منجینب من بلاد الطلیان.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 259

أحداث بنی یزناسن‌

و فی هذه السنة جهز جیشا محتویا علی مائة ألف من المقاتل (کذا) لقتال بنی یزناسن أحد قبائل الریف الذین بالحدود الغربیة من بر الجزائر لتغیر المشاکل، فکان الصلح بین الفریقین بلا کبیر قتال، علی أن یعطوا بنی یزناسن قدرا معینا للدولة من المال. و تم قتاله لبر الجزائر فی عام الستین و ثمانمائة و ألف الموافق لسنة سبع و سبعین و مائتین و ألف.

نابولیون یزور الجزائر

و فی هذه السنة قدم نابلیون بأهله مرة أولی لمدینة الجزائر، التی هی مأوی للقاطن و الزائر، فتلقته الرعیة بها من العرب و النصاری و الیهود من کل جهة بغایة القبول. و اجتمعت علیه الجیوش من الفروع و الأصول، و جاء لملاقته (کذا) بای تونس محمد الصادق فأجابهم السلطان بالترحب الذی ذهلت منه العقول، و أبذل العطا (کذا) بحسب عادة الملوک للکافل و المکفول. و فیها جهز جیشا لفتح لزیة من إقلیم الصین، فاستولی علی مرسی یقال لها کنشالشین (کوشنشین). و فیها جهز أیضا جیشا لبلاد لمریک (کذا) الشمال (امریکا الشمالیة) طالبا للفخارة، فاستولی علی بلد یقال لها المکسیک و ذلک للتجارة.

ثورة أول سیدی الشیخ‌

و فی سنة أربع و ستین و ثمانمائة و ألف. الموافقة لسنة إحدی و ثمانین و مائتین و ألف، خرج عن الطاعة أولاد سیدی الشیخ رایسهم (کذا) سلیمان بن حمزة مع الأحرار و حمیان، و فلیتة تحت رئاسة السید الأزرق بالحاج فدام القتال علیهم إلی أن حصل منهم الإذعان. و قد مات القبطان (کذا) بوبریط بعوینة أبی بکر علی ما قیل.
و عظم الأمر و اتسع الخرق علی الراقع و صار کل واحد من الخارجین
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 260
کالفیل: وحل بآغة إسماعیل ولد المزاری ما حل من قتل أصحابه و نهب العدو لأموالهم، و الکثیر منهم جرح و هم فی الحالة الرذیلة الدالة علی فساد أحوالهم و خلص إسماعیل من الموت، و نجا من الفوت. و مات سی الأزرق بالحاج قتیلا، و تشتت أمر فلیتة بحیث صار الوجیه فیهم لا یساوی فتیلا، کما مات فی الصحراء (کذا) من أولاد سیدی الشیخ سلیمان بن حمزة أیضا قتیلا. و جاء المریشال مرطمبری(MARTIMPREY) و الجنرال لبسیط (لاباسی) لفلیتة فمهدوهم (کذا) تمهیدا و أمکرت الدولة بفلیتة مکرا عتیدا، و صار سی محمد بن حمزة و عمه سی العلا یترددان فی صحرا (کذا) وهران و الدولة تجهز لتدویخهما الجیوش فی کل زمان و مکان، ثم افترق العلا مع محمد بن حمزة. فمنها العلا غرب بمحلته لناحیة راس الماء بنواحی بلعباس، و منها محمد بن حمزة بقی یجول فی نواحی البیض إلی أن حل کل منهما فی الإفلاس/.
و فی شهر اکتبر (کذا) من سنة أربع و ستین و ثمانمائة و ألف الموافقة لسنة إحدی و مائتین و ألف غزت محلة الدولة و معها المخزن الذی به یکون الفتح فی کل معرکة، و یحصل له الثناء فی مقحمة و محرکة، علی دواویر محمد بن حمزة و هو بالبنود، فلم یشعر بنفسه إلّا و أحاط به المخزن و لم یجد سبیلا للصدود.
فقاتل. إلی أن جرح و سقطت به رمکته میتة، ثم حمل جریحا بآخر رمق إلی فقیق فمات بها قولة محیتة.

زیارة نابولیون الثانیة للجزائر

و فی سنة خمس و ستین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة اثنین و ثمانین و مائتین و ألف، قدم نابلیون (الثالث) مرة ثانیة إلی بر الجزائر، فجاله لتفقد الرعیة، و حصلت منه الصلة العظیمة للمخزن خاصة و إعطاء الهدیة، و لشدة محبته للعرب و رغبته فیهم خاطبهم بالخطاب المقبول، بأنه سلطانهم کما أنه سلطان النصاری بغیر الملل. ونص خطابه و فصاحة جوابه:
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 261

إعلان نابلیون لسکان الجزائر

إعلان من حضرة لمبرور سلطان الفرانسویین إلی کافة المسلمین أهل المملکة الجزائریة أن الدولة الفرانسویة لما وضعت قدمها بوطن الجزائر منذ خمس و ثلاثین سنة لم یکن مرادها فی اندثار شمل سکان الوطن المذکور بل المراد فی خلاصهم من الظلم المترادف علیهم منذ أحقاب. و قد جاءت بحکم أحلم و أعدل و أبلغ رشدا مما کانت علیه التصرفات الترکیة أخلفناها. و مع ذلک فإنکم فی السنین الأولی من الاستیلاء حصل لکم قلق حیث رأیتم أمة أجنبیة تتصرف فیکم فلذلک قاتلتم من خلصکم من الظلم فمعاذ اللّه أن نظن أن ما صدر منکم وقتئذ کان ذنبا یوجب الملام علیکم بل نوقر ما جبلتم علیه من الخصال الحربیة التی حملتکم علی رفع السلام ساعتئذ حال کونکم منتظرین فبل الإذعان إلینا إجراء حکم اللّه و لکن قد نفذ حکمه بما أراد فلیس إلا الرضی بما قدرته الحکمة الإلاهیة (کذا) الخفیة عنا أسرارها التی تبلغ المرء إلی الخیر فی الغالب و یضطر المرء إلی نیل مراده مع خیبة قصده و عکس اجتهاده، فمثل ما وقع بکم حل بأسلافنا منذ عشرین قرنا بأن هجمت علیهم أمة أجنبیة فلم یرضوا بطاعتها و قاتلوها ثم هزموا و من یومئذ تجددت حالتهم إلی ما کان أحسن منها و هو مبدؤا (کذا) تاریخ ارتقائهم، و إن القولوة (کذا) أی أسلافنا لما انهزموا تخلقوا بأخلاق الرومانیین المنتصرین علیهم و بالاتصال الملازم مع اختلاف فضائلهم الأدبیة و مضادة عادتهم تولدت منه علی مرور الأزمنة هذه الأمة الفرانسویة التی وقت اللّه لها وقتا لتنشر فی الدنیا ما ألهمها اللّه به من زرع محاسنها فمن یعلم أنه لا یأتی یوم تجد أمة العرب فیه مساعدة علی الاستقلال بتصرفات أمورها کما کانت قبل فی القرون الماضیة مالکة لبعض سواحل البحر الأوسط و لا یکون ذلک/ إلا بعد صلاح أحوالها و اختلاطها بالأمة الفرانسویة فارضوا أیها العرب بما حکم اللّه، و قد قال تعالی فی سورة البقرة «وَ اللَّهُ یُؤْتِی مُلْکَهُ مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ»* علی هذا الملک بقدرته، نرید أن نصرفها فی جلب فوائدکم و خیرکم و أن مرادی لا یخفی علیکم فقد قررت لکم ملکیة الأراضی التی کنتم تستغلونها تقریرا بتّا (کذا) مستمرا و وقرت مقام کبرائکم، و مرغوبی أن نزید فی رفاهیتکم و نشرککم معنا فی تصرفات الوطن زیادة عما أنتم علیه الآن. کما أن
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 262
مرغوبی فی مشارکتکم فی أنواع خیرات التمدن، لکن ذلک مقرون بشرط و هو أن تطیعوا و تحترموا أنتم کل من ینوبنی فی الحکم و التدبیر و أخبروا إخوانکم المغرورین بأن تکرار سعیهم فی النفاق یعود بالنحس علیهم، فالملیونان من العرب لا یقدر (کذا) علی مضادة أربعین ملیونا من الفرانسویین و من الحمق أن یتعنت الواحد علی العشرین و ذلک ظاهر. و مع هذا فقد حلفتم لدی علی الوفاء بالعهد و ذمتکم توکد علیکم المیثاق بالوفاء، و التمام حسبما هو مذکور فی کتابکم الشریف بسورة التوبة، و نستکثر خیر جماعة کثیرة منکم الذین لم یغیروا صدقهم باتباع الآراء الفاسدة المتولدة من الجهل و التعمق و الغلو فی الدین حیث تحققتم بأنی سلطانکم فاعلموا أنی حام لکم و أن کل من عاش طائعا فی ظلم حکمنا فله حق مساوی فی اعتنائنا. و اذکروا ما هو مرسوخ بأذهانکم من انتسابکم إلینا إذ کنتم منذ عشرة أعوام أخذتم حظا من صیت نصر جنودنا و وقف أولادکم بإزاء أبنائنا فی المعارک الواقعة بالکرم و الإیطالیة (کذا) و الصین و المیکسیک، و لا ینحل الارتباط المنعقد فی میادین الحروب. و قد شاهدتم ما أمکنکم التحقق به من طاقتنا و ما نفعل مع عدونا وقت عداوته و محبنا وقت محبته فاعتمدوا یا معشر العرب علی الدولة الفرانسویة حیث أن أحوالکم و أحوالها متحدة و اعترفوا بأن من یهدی اللّه فهو المهتدی حسبما نطق به القرآن فی سورة الأعراف. کتب بالجزائر فی الخامس من شهر مای سنة 1865.
و لما جال السلطان بإقلیم الجزائر و وصل إلی وهران، و نظر إلی مخزنها الفائق للأقران، أعجبه غایة الإعجاب، و أکثر من الثناء علیه وصاله بالصلة التی تحیر فیها أولوا الألباب. و فی سنة ست و ستین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة ثلاث و ثمانین و مائتین و ألف حرکت الدولة بمحالها و مخزنها علی فقیق، و صممت علی ذلک فی القول الحقیق. و سبب ذلک أنه لما مات سی محمد بن حمزة کما سبق قام مقامه أخوه سی أحمد بن حمزة فجیش الجیوش و غزی بهم علی فرقة من أولاد زیاد، کانت قادمة للبیض فأخذها و أضافها إلیه و ارتحل بها لناحیة الغرب للترداد فلحقه الکلونیل دکلوب بمحلته و قاتله شدیدا و قاومه عتیدا.
و لما سمع الجنرال الکبیر بوهران، جهز الجیوش لقتاله فی کل زمان و مکان، فأدرکت نجوع دراقة و الکثیر من أولاد/ ازیاد و ظفرت بالمخالفین، و أخذتهم أخذة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 263
رابیة و غنمت الغنیمة التی لیست فی وصف الواصفین، و أتبعت أثر أحمد بن حمزة إلی أن ترکت مدینة فقیق خلفها. و أخذت عرب الظهرة کعرب الطرافی و غیرهم و ألزمتها بالرجوع لمحلها و لا تعرف حلفها، و ذلک فی المحل المسمی اثنا عشرة قارة و قارة و بلاد المحروق. و دخل للبایلک من تلک الغنیمة خمسة و عشرون ألف فرنک فی القول المصدوق. قال، و لما رجع السلطان من جولانه لباریز أعقبه الشر العظیم و الوفاء المفرط للجائز و المجیز.

مجاعة عام 1867

و فی سنة سبع و ستین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة أربعة و ثمانین و مائتین و ألف، حصلت المجاعة العظمی بسائر البلاد، و وقعت تلک المسغبة الکبری التی أفنت کثیر العباد.

جلب الماء لمدینة وهران‌

و فی تلک السنة جلبت الدولة لوهران ماء یفری فی الموازب الحدیدیة .
ثم فی أعوام السبعین و الثمانین المسیحیة جلبوا لها أیضا ماء البریدیة. و فی سنة سبعین و ثمانمائة و ألف الموافقة لسنة سبع و ثمانین و مائتین و ألف، جهزت الدولة جیشا للصحراء الغربیة من وهران فجالوا بها بالتحریر، و حصل القتال بینهم و بین أهل عین الشعیر، و وادی قیر، و لم یحصلوا فی ذلک علی طائل، و لم یدرکوا النائل. و مرا لمدینة القنادسة، و صاروا فی جولاتهم بالحالة الحادسة.

الحرب الفرنسیة البروسیة عام 1870

فبینما هم فی تلک الجهة یموجون، و إذا بالبروس و هم الألمان فاضوا علیهم فی برهم و صاروا لهم من کل ناحیة یخرجون، فترکوا حال الإقلیم الجزائری و توجهوا لقتال البروس. و دام القتال الشدید بینهم إلی أن سلم نابلیون
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 264
نفسه و ألقی سلاحه للبروس، و ذلک فی أول ستانبر (کذا) من السنة المذکورة الجروس. ثم حصل الصلح بین الفریقین، بعد القتال الشدید و موت الکثیر من الجانبین. و صار أمر الدولة جمهوریا شوریا. و لم یبق لهم الحکم السلطانی من ذلک الوقت للآن تحقیقیا، و هو سنة تسعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة ثمانیة و ثلاثمائة و ألف. و لوفاء المسلمین بالعهود، لم یحصل منهم شی‌ء من نقض المواثق و العهود. فلم یکن منهم نفاق و لا مخالفة و لا شق للعصا بل بقوا علی ما کانوا علیه من المؤالفة.

الجنرال أتراش:TROCHO

ثم تولی الجنرال أترش أبرزدان (کذا)، و معناه رائس (کذا) الدولة الجمهوریة للاتقان. فی رابع ستانبر (کذا) سنة سبعین و ثمانمائة و ألف، و تسمی بکل عمالة من افرانسا عامل، و کثر القتل و الهرج الغیر المشاکل.

الرئیس تییر

ثم تولی اتیاری (تییرTHIERS ) رئاسة الجمهور (کذا) فی الثامن و العشرین من جانفی سنة إحدی و سبعین و ثمانمائة و ألف الموافقة للثامن و الثمانین و مائتین و ألف. فهدن افرانسا بأسرها و عقد الصلح بینها و بین الألمان علی أن ترک لهم للزس (کذا) و لرین (کذا) بالبیان. و نقد لهم إثر القتال خمسة ملاییر، و انبرم الصلح انبرام التخاییر.
و فی هذه السنة اتفق أولاد سیدی الشیخ الشراقة برئاسة سی أحمد بن أحمد بن حمزة و الغرابة تحت رئاسة الحاج العربی ولد سیدی الشیخ بن الطیب مع نجوع الغرب علی الدخول للتل من ناحیة سبد (کذا) للهجوم علی الذین فی طاعة الدولة. و أرادوا إظهار ما بهم من القوة الکاملة و الصولة فخرج لهم الکلونیل مالواز(MELOISE) بمحلته من تلمسان، و صمم علی قتالهم فی کل مکان و زمان: فکان المصاف بینه و بینهم بمحل یقال له ماقورة. فألزمهم بالقتال إلی أن أطردهم و کانت تلک الواقعة تعرف بواقعة ماقورة. و فی التاسع و العشرین
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 265
من أوت سنة اثنین و سبعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة ثمان و ثمانین و مائتین و ألف، دخل أهل التل بأجمعهم مخزنا و غیرهم تحت الحکم العمومی و هو السبیل و خرجوا عن الحکم الخصوصی و هو الملتیر (کذا) فسمی عام التبدیل. و انتقل الحکم الخصوصی للصحراء، و هما بمنزلة الجناحین للطائر فلا یطیر بأحدهما دون الأخرا (کذا).

الرئیس جول قریفی:JULES GREVY

ثم تولی جول قریفی الرئاسة فی سنة تسع و سبعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة ست و تسعین و مائتین و ألف، فلم یستقم له الأمر من عام تولیته إلی رابع عشر جلیت سنة ثمانین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة سبع و تسعین و مائتین و ألف، فاستقام له الأمر و تقرر، و تمکن من الملک و تحرر.

ثورة الشیخ بوعمامة و الحملة علی تونس و غزو الطونکان‌

و فی سنة إحدی و ثمانین الموافقة للثامن و التسعین من القرنین المذکورین، جهز جیشا للثائر بالصحراء و هو أبو عمامة البوشیخی الدرقاوی تلمیذ السید محمد بن العربی العلاوی الفلالی بغیر المین، فأجلاه من الأرض و جعل بالصحراء مدونا (کذا) جلیلة بها الحکام. و صیرها أمهد و أمدن من التل بغایة الاحتکام و أصل القضیة من شهر مارس من السنة المذکورة، اتفق الأحرار الشراقة و الطرافی و الأغواط علی التخلیط و الخروج عن الإذعان مع أبی عمامة فی القولة المشهورة فثارت الفتنة و حل القتال بین الفریقین إلی أن حل ما حل بالفسیان (کذا) فانبرونیر(WEINBRENER) بمحل یقال له الجرامنة، فجهزت الدولة الجیوش و معهم المخزن لإجلائه من الأرض إلی أن أجلی و لم یبق له أثر بالصحراء ذات الجرامنة. و فیها جهز جیشا لغزو تونس فوقع القتال بین تلک
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 266
الجیوش و خمیر إلی أن انهزت خمیر. و حل بهم ما حل من الضرور و ذهاب الخیر. ثم تقدمت الجیوش لتونس فاستولت علیها بسائر ضواحیها، و کافة بوادیها بنواحیها. ثم فی سنة الثلاث و الثمانین الموافقة لسنة ثلاثمائة و ألف بالتعیین، جهز جیشا. لغزو طونکان فاستولی علیها بغایة ما کان. ثم اطلعت الدولة علی تخلیط کبیر فعله زوج ابنته، فشددوا إلی أن سلم فی الوظیف جبرا علیه بغیته، و ذلک سنة ثمان و ثمانین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لعام خمسة و ثلاثمائة و ألف.

سعدیة کارنو:SADI CARNOT

ثم تولی سعدیة (کذا) کارن(CARNOT) فی عام التسلیم/ و هو العام المار بغایة التحکیم، و هذا الرائیس (کذا) هو الموجود الآن فی عام التسعین و الثمانمائة و الألف، الموافق للعام الثامن و الثلاثمائة و ألف. و هو من بیت الرئاسة و العلم، و السیاسة و الحکم، فکان جده الأول وزیر الحرب بوقت البوبلیک (کذا) الأول و کان فی غایة الربط للأمور و التدریب، بحیث نظم العسکر غایة التنظیم إلی أن غلب عدوه بالشجاعة و السیاسة و الترتیب. و کان جده الآخر فی غایة من العلم لکونه هو الذی ترجم ما أتی به الشاعر سعدیة الفارسی، من تلک اللغة إلی لغة الفرانسی (کذا) و لذلک سمی بسعدیة کارن لترجمته لقصیدة سعدیة قارن.

تکمیل و تذییل جلیل‌

- أول مرشال (کذا) تولی بالجزائر فاتحها الکنت دوبرمون(DEBOURMONT) تولی فی خامس العشرین میب (کذا) سنة ثلاثین و ثمانمائة و ألف مسیحیة، و بقی حاکما بها إلی ثانی ستانبر (کذا) من تلک السنة قولة صریحیة.
- ثم الکنت کلوزیل(CLAUZEL) فی المرة الأولی تولی فی ثانی ستانبر (کذا) سنة ثلاثین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة ست و أربعین و مائتین و ألف، و بقی بها إلی حادی عشرین فبرایر من تلک السنة، المقررة المبینة.
- ثم البارون برتیزن(BERTHEZE ?NE) تولی فی ثانی دسانبر من السنة المذکورة، المقررة المشهورة.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 267
- ثم دوک دورفیقوا (کذا)(LEDUC DEROVIGO) تولی من سنة إحدی و ثلاثین إلی سادس جوان من سنة ثلاث و ثلاثین.
- ثم الکنت دوری درلون(DROUET D'ERLON) تولی من سادس جوان سنة ثلاث و ثلاثین إلی ثامن أوت من خمس و ثلاثین.
- ثم الکنت کلوزیل(CLAUZEL) فی المرة الثانیة تولی من ثامن أوت سنة خمس و ثلاثین إلی ثالث عشر جانفی سنة سبع و ثلاثین.
- ثم الکنت دنی دودنرمون(DENIS DE DAMRE ?MONT) قولة مقضینة، تولی من ثالث عشر جانفی سنة سبع و ثلاثین إلی ثانی عشر أکتبر (کذا) من تلک السنة و قتل بقسنطینة.
- ثم الکنت فالی(VALLE ?E) تولی من ثانی عشر أکتبر (کذا) سنة سبع و ثلاثین، إلی عشرین جانفی سنة إحدی و أربعین. و هو الذی انتقض فی وقته الصلح الثانی بالتحائر، بسبب مروره فی البر من قسنطینة علی البیبان إلی الجزائر.
- ثم بیجوا (کذا)(BUGEAUD) تولی فی عشرین جانفی سنة إحدی و أربعین و بقی فی تصریفه إلی حادی عشر ستانبر (کذا) من سنة سبع و أربعین فسلم فی وظیفه.
- ثم الدوک دومال(LEDUC D'AUMALE) قولة حلیفة، تولی فی حادی عشر ستانبر (کذا) من سنة سبع و أربعین و بقی إلی ثالث مارس من سنة ثمان و أربعین فأخّر و بقی نائبا بمحله سنقرلی (کذا) لأنه خلیفة .
- ثم کفیناک(CAVAIGNAC) تولی من ثالث مارس سنة ثمان و أربعین و ثمانمائة و ألف إلی حادی/ عشر مای من تلک السنة و حکم شهرین بالوصف.
- ثم شنقرلی (شانقارنی) تولی من حادی عشر مای سنة ثمان و أربعین و ثمانمائة و ألف، إلی ثانی عشرین جوان من تلک السنة فأخر و بقی ماری(MARIE) خلیفة عنه فی غایة الوصف.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 268
- ثم شارون(CHARON) تولی من ثانی عشرین جوان سنة ثمان و أربعین، إلی رابع نوانبر (کذا) سنة خمسین.
- ثم الکنت دوتبول(D'AUTEBOULE) تولی من رابع نوانبر سنة خمسین إلی ثالث عشرین أبریل من سنة إحدی و خمسین، و بقی بمحله بلیسی(PELISSIER) خلیفة، إلی أن تسمی الحقیقی بغایة التوصیفة.
- ثم رندون(RANDON) . تولی من ثالث عشرین أبریل سنة إحدی و خمسین، إلی سابع عشرین جلیت من سنة ثمان و خمسین.
- ثم نابلیون جروم(JE ?ROM NAPOLEON) عم السلطان بالخرایریة، تولی من سابع عشرین جلیت سنة ثمان و خمسین إلی رابع عشرین جوان من تلک السنة.
و جلس بباریز و هو یحکم علی الإیالة الجزائریة.
- ثم الکنت دو شاسلوا لوبة(CHASSELOUP -LAUBAT) تولی فی الرابع و العشرین من جوان سنة ثمان و خمسین و ثمانمائة و ألف، إلی رابع عشرین مارس من سنة تسع و خمسین. و مکث بباریز و یحکم علی إقلیم الجزائر کالذی قبله فی الوصف.
- ثم بیلیسی دوک دومالاکوف(PELISSIER DUC DE MALAKOFF) تولی فی رابع عشرین مارس سنة تسع و خمسین، و بقی متصرفا فی الحکم به إلی أن مات فی ثانی عشرین مای سنة أربع و ستین.
- ثم دوک معون (ماکماهون). تولی فی الثانی و العشرین مای سنة أربع و ستین و بقی إلی سادس عشرین جلیت سنة سبعین.
- ثم البارون دوری (دوریو:DURIEU ) خلیفة فی تلک السنة.
- ثم السان خلیفة.
- ثم لیشمتین(LITCHLIN) خلیفة.
- ثم دوبوزی(DU BOUZET) الذی کان بریفی (کذا) بوهران. تولی علی ید الحکم الجمهوری و بقی ثلاثة أشهر غیر ثمانیة أیام فی التحریری.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 269
- ثم ألکسیس لامیر(ALESIS LAMBERT) الذی کان بریفی (کذا) بوهران أیضا، و بقی شهرین غیر تسعة أیام محضا.
- ثم الکنت دوقیدن(DE GEYDON) و هو میراند صغیر تولی فی الحادی و العشرین من مارس سنة إحدی و سبعین و ثمانمائة و ألف، و بقی إلی سابع عشر جوان سنة ثلاث و سبعین و ثمانمائة و ألف.
- ثم شانزی(CHANZY) تولی فی سابع عشر جوان سنة ثلاث و سبعین و بقی إلی ثامن عشر فبری (کذا) سنة تسع و سبعین.
- ثم ألبیر قریفی(ALBERT GREVY) صنورائس (کذا) الدولة الجمهوریة تولی فی ثامن عشر فبری (کذا) سنة تسع و سبعین، و بقی إلی سادس عشرین نونبر (کذا) سنة إحدی و ثمانین.
- ثم ترمان(TIRMAN) تولی فی سادس عشرین نونبر (کذا) سنة إحدی و ثمانین و ثمانمائة و ألف، و هو الموجود الآن سنة تسعین و ثمانمائة و ألف.

الضباط الذین حکموا وهران‌

- و أول جنرال دفزیون (کذا)(GENERAL DIVISION) بوهران، و معناه رایس (کذا) القسمة لعمالة وهران، داریمن(DAMREMONT) تولی بالمرسی الکبیر فی رابع جانفی سنة إحدی و ثلاثین و ثمانمائة و ألف مسیحیة بالتحریر و لم یجلس بالبرج الأحمر و إنما کان ماکثا بالمرسی الکبیر/.
- ثم خیر الدین التونسی و جلس بالبرج الأحمر، تولی سنة إحدی و ثلاثین و ثمانمائة و ألف فی الأشهر.
- ثم المرکیز دوفودواس تولی سنة إحدی و ثلاثین أیضا بتقیید القرطاس.
- ثم بوی(BOYER) تولی فی سابع عشر أوت تلک السنة المقررة المعینة.
- ثم دیمیشل(DESMICHELS) تولی سنة ثلاثة و ثلاثین.
- ثم تریزیل(TREZEM) صاحب الزبوج و المقطع تولی سنة خمس و ثلاثین.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 270
- ثم دولیتان(DELETANG) تولی سنة ست و ثلاثین.
- ثم ابروسار(BROSSARD) الموافق للأمیر فی أحواله تولی سنة سبع و ثلاثین.
- ثم قهنک(GUEHENEUC) تولی سنة ثمان و ثلاثین.
- ثم لمرسیار(LAMORICIERE) المکنی عند العرب بأبی هراوة تولی سنة أربعین.
- ثم کفنیاک(CAVAIGNAC) تولی سنة ثمان و أربعین.
- ثم بلیسی(PELISSIER) تولی بعده بشهرین سنة ثمان و أربعین.
- ثم منطوبان(MONTOBAIN) و تسمیه العرب بن طوبة، تولی سنة خمس و خمسین قولة مکتوبة.
- ثم دو منطانبری(MARTIMPRY) و تسمیه العرب مرطبلی تولی سنة سبع و خمسین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لعام أربع و سبعین و مائتین و ألف.
- ثم دولینی(DELIGNY) و تسمیه العرب أدلی تولی سنة تسع و خمسین و ثمانمائة و ألف.
- ثم ومفان(WIMPFFEN) صاحب وادی قیر تولی سنة تسع و ستین و ثمانمائة و ألف.
- ثم هسترازی(WALSIN ESTERHAZY) تولی سنة سبعین.
- ثم وسمون(WISMON) تولی سنة إحدی و سبعین.
- ثم سریس(CERIZ) تولی سنة ثمان و سبعین.
- ثم دلبیک(DELBIC) تولی سنة إحدی و ثمانین.
- ثم طوماسة(THOMASSIN) تولی سنة ثلاث و ثمانین و ثمانمائة و ألف فی القول الأشهر.
- ثم دیتری(DETRIE) تولی سنة أربع و ثمانین و ثمانمائة و ألف و هو الموجود الآن بالبرج الأحمر.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 271

الحکام المدنیون لوهران‌

و أول حکام السبیل بوهران و هو الحکم العمومی بإیضاح البیان:
- الدیرکتور (کذا) سبیل مرسی لکب.(MERCIER LACOMB) تولی فی أول ستانبر (کذا) سنة سبع و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لسنة أربعة و ستین و مائتین و ألف.
- ثم الدیرکتور (کذا) سبیل پرینی تولی فی سابع عشر مارس من سنة ثمان و أربعین.
- ثم صار البریفیات (کذا) بوهران و أولهم قری تولی فی اثنین و عشرین فبری من سنة تسع و أربعین.
- ثم دفیل درمیت تولی فی حادی عشرین جوان سنة خمسین.
- ثم ماجوریل تولی فی الحادی و الثلاثین من اکتبر (کذا) سنة إحدی و خمسین.
و صدر الأمر السلطانی فی سنة أربعة و ستین بغیر قول قال، علی أن یکون البریفی (کذا) علی ید الجنرال.
- ثم ابروسلار(BROSSARD) تولی فی خمس و ستین. ثم دبرزی، ثم لانتیری. ثم دلونک، بالتبیین، ثم میاس. ثم نوفی. ثم بتریل.
- ثم لوزی ماتی ثم دونقیر(DENE ?GRIER) و هو الموجود وقتئذ بوهران المواتی.
تولی فی مارس سنة ثلاث و ثمانین و ثمانمائة و ألف/ الموافقة سنة ثلاثمائة و ألف.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 272

مساحة عمالة وهران‌

و اعلم أن مساحة عمالة وهران بأجمعها أحد عشر ملیونا من الهیکتارات و خمسمائة ألف هیکتار. و اثنان و سبعون ألف هیکتار و سبعمائة هیکتار و اثنان و سبعون هیکتارا باشتهار. منها للحکم العمومی و هو السبیل ملیونان من الهیکتارات و تسعمائة ألف هیکتارا، و تسع و سبعون ألف هیکتار و تسعمائة و اثنان و سبعون هیکتارا بغیر اختصار. و منها للحکم الخصوصی و هو الملتیر (کذا) ثمانیة ملاین (کذا) من الهیکتارات و خمسمائة ألف هیکتار (کذا) بالعیان، و اثنا و سبعون ألف هیکتار (کذا) و ثمانمائة هیکتار (کذا) و هیکتاران بالبیان.

الطبقات الفرنسیة الحاکمة بالجزائر

و هؤلاء النصاری هم فی الحکم علی ثلاثة أقسام، خصوصی، و عمومی، و شرعی، فیهما (کذا) بالتزام، فالخصوصی هو الحربی و هو المنتیر (کذا) سمی بذلک لتصرفه فی الجنود و أمور الحرب فی القول الشهیر، و العمومی هو السیاسی و هو السبیل، و له التصرف فی الأمور السیاسیة و الترتیل. و طبقات الخصوصی سبعة فیما یقال، و هی الکبلار (کذا)، و المرسلوجی (کذا)، و الفسیان (کذا)، و القبطان (کذا)، و الکماندات (کذا)، و الکلونیل، و الجنرال. و طبقات العمومی أربعة فی غایة التوظیفی و هی المیر (کذا)، و الدمنسترتور (کذا)، و السوبریفی، (کذا)، و البریفی. و الشرعی هو المتصرف فی الأمور الشرعیة لا غیرها، سواء کانت مالیة أو بدنیة جنایة أو غیرها، و طبقاته أربعة باعتدال و هی: الجوج، (کذا) و وکیل الدولة، و البرزدان، (کذا) و البرکرور (کذا) جنرال. و أما الضبطیة و سائر أصحاب الشرطة من البلیسیة (کذا) و غیرهم باتقان، فهم تحت تصرف الأحکام الثلاثة التی هی الشرعی و الخصوصی و العمومی لأنهم لهم أعوان. و جمیعهم تحت نظر والی الولات (کذا) بالجزائر، و هو تحت نظر رائس (کذا) الدولة بافرانسا فی القول الثاقب النایر.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 273

المقصد الخامس مخزنها و هو عین المراد

اشارة

طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 275
المقصد الخامس فی ذکر مخزنها و هو عین المراد، و التعرض إلی سیرته التی لا یکون فیها الانتقاد.
اعلم أنار اللّه قلبی و قلبک بأنواره و أفاض علینا و علیک ما یکون به النفع فی الدارین من علومه و أسراره، أن المخزن هو الناصر للدولة کیف ما کانت و حیث ما وجدت و تملّکت و بانت و النسبة إلیه مخزن و مخازنی مفرد المخازنیة فی تحقیق المبانی، سمی بذلک لأنه یخزن بصدره ما یؤلمه إلی وقت الظفر و حصول الانتقال، فیفعله بصاحبه و به یلزمه. و قد یطلق المخزن (کذا) مجازا علی دار الحکم نفسها فی المستبن، و منه قولهم إنی ذاهب إلی دار المخزن.

أقسام مخزن وهران‌

و مخزن وهران علی قسمین، و هما: المخزن الشرقی، و المخزن الغربی بغیر مین، فالشرقی هو نجع المکاحلیة و أولاد سیدی عریبی، و صبیح، و أولاد العباس، و غیرهم من أهل النواحی الشرقیة من مینا لشلف بغیر التباس،/ و الغربی هو نجع الدوایر و الزمالة و الغرامة، و البرجیة، لا غیر هؤلاء الأربعة فی القولة المحکیة. فمنها الدوائر و البرجیة فهم أخوة بالتحقیق و الخدمة بینهما متفاوضة فی القول الحقیق، و جمیعهما الفریق الکبیر، و غیرهما هو الفریق الصغیر، و أصل الریاسة فی الدوایر إنما هی للبحایثیة.
ثم فی إیالة الترک صارت تدول علی ثلاثة و هم: البحایثیة و الکراطة (کذا)، و البناعدیة. و صارت فی إیالة الدولة للدوایدیة ذات المحایثیة، و هی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 276
نوبة بین هؤلاء الأربعة فرق بالترتیب و أکثرها للبحایثیة بینهم نوبة أیضا بحسب الترتیب. و أصل الرئاسة فی البرجیة نوبة بین فریقین فی إیالة الترک، و هما النقایبیة و البلاغة الزیانیون بحسب الشّرک. و فی إیالة الأمیر صارت لغیرها إلی وقت الدولة صارت لها دین الفریقین. ثم تمخضت للنقایبیة بغیر المین.

أصل قبائل البحایثیة و نسبها

فأما البحایثیة فهم من أولاد المسعود و هم من سوید بلا خلاف، و إنما اختلف فی سوید علی قولین بغیة الائتلاف فذهب ابن خلدون فی تاریخه الکبیر فی الخبر علی أولاد مالک بن زغبة بشجرتهم إلی أنهم من قبائل العرب الهلالیین و أنهم من المحال. و ذهب ابن الخطیب التلمسانی و أبو مهدی بن موسی بن عیسی المغیلی المازونی، و أبو راس الحافظ فی أحد قولیه: إلی أنهم من بنی مخزوم و یقال لهم المضارب لا من المحال. و اختلف فی هذا القول أیضا علی قولین: فقال ابن الخطیب التلمسانی أنهم من ذریة خالد بن الولید بغیر مین. زاد ابن خلدون فی نظمه أن جدهم للأب هو خالد بن الولید، و أن جدهم للأم هو الزبیر بن العوام بغیر التولید. و قال الشیخ موسی بن عیسی المغیلی المازونی فی تاریخیه، و الحافظ أبو راس فی عجائب الأسفار، أنهم من ذریة صعصعة بن حادثة الذی هو من ذریة هشام بن إسماعیل المخزومی و نصه بالاشتهار. و الإمام المازونی المذکور هو الذی جعل کتابا فی نسب قبائل المغرب الأوسط بغایة ما یکون، و قد ذکر فیه أن المحال أهل البطحا من بنی هلال، کما قال ابن خلدون، و أن الذین یقال لهم المضارب کأولاد دفیش و أولاد حمیدة العبد، و أولاد و زمار، و أولاد عریف، و أولاد أبی بکر، و أولاد المسعود الذین منهم البحایثیة کثیر الأعراج، هم من بنی مخزوم من ذریة صعصعة بن حارثة من ذریة هشام بن إسماعیل المخزومی، و قد أجمل ابن خلدون، و المشاهد الآن من إقرار المحال للمضارب بالسیادة و التعظیم و التسلیم لهم یشهد للمازونی لا لابن خلدون. و قد کانوا قبل تلاشیهم و رکود ریحهم لا یزوجون بناتهم للمحال، مع
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 277
أن المحال لا یتوهمون ذلک و لا یطمعون فیه تعظیما لهم و لا یخطر لهم ببال. قد أخذا ذلک عن آبائهم. فهم علی ذلک بأولادهم/ و أحفادهم.
و من المضارب نفر بقبیلة الشکالة، و نفر بأولاد فارس، و نفر بوادی سلی، و غیرهم، و کلهم درس ذکرهم و عفت مراسمهم و صارت مظلمة کلیل دامس. و لم تبق لهم الصولة إلا فی البحایثیة الذین بدوایر وهران. فإنهم للآن فی غایة الرئاسة فی کل زمان و مکان. قال و قد یقال أن الولی الصالح سیدی أحمد الناصر بن عبد الرحمان کثیر المسالک المدفون بالصحراء بالوادی المشهور، أنه من بنی مخزوم و اللّه أعلم بحقیقة ذلک. و قال الحافظ أبو راس فی القول الآخر فی کتابه: سلسلة الذهب، فیمن ثبت له الشرف بالمغرب الأوسط باشتهار النسب، أنهم شرفاء الآل، و هم من ذریة عبد القوی النصبی فهم إخوة النقایبیة و المخاتریة بغیر الإشکال. ه. فشجرتهم علی أنهم من المحال، أحد بطون بنی هلال، هم أولاد البشیر الباحث الثالث بن أحمد نجد الملقب بحث الباحث الثانی بن أحمد الباحث الأول بن عودة بن محمد بن عبد اللّه بن عطیة بن نور الدین بن سعید بن یحیی بن عثمان ابن عمر بن مهدی بن عیسی بن عبد القوی بن حمدان بن مقداد بن مجاهر بن سوید بن عمر بن مالک بن زغبة بن أبی ربیعة بن هلال بن صعصعة بن معاویة بن بکر بن هوازن بن منصور بن عکرمة بن یزید بن حفصة بن قیس بن غیلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
و شجرتهم علی أنهم من المضارب من ذریة صعصعة، هم سوید بن مضرب بن عمر بن ربیعة بن عمر بن یزید بن صعصعة بن حارثة بن حفصة بن هشام بن إسماعیل بن عامر بن مخزوم بن یقظة بن مرة بن کعب بن لؤی بن غالب بن فهر و هو قریش بن مالک بن النضر بن کنانة بن خزیمة بن مدرکة بن إلیاس بن مضر بن نزال بن معد بن عدنان.
و علی أنهم من المضارب من ذریة خالد بن الولید فهم سوید بن عامر بن ربیعة بن اعمر بن سلیمان بن خالد بن الولید بن المغیرة بن عبد اللّه بن عمر بن عامر بن مخزوم بن یقظة بن مرة بن کعب بن لؤی بن غالب بن فهر، و هو قریش بن مالک بن النضر بن کنانة بن خزیمة بن مدرکة بن إلیاس بن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 278
و شجرتهم علی أنهم من الآل من جهة أبیهم فهم البحایثیة أولاد البشیر بن أحمد نجد بن أحمد بحث بن بن عودة بن محمد بن عبد اللّه بن عطیة نور الدین بن المسعود بن یحیی بن عثمان بن اعمر بن مهدی بن عیسی بن عبد القوی الثالث بن علی بن أحمد بن عبد القوی الثانی بن خالد بن یوسف بن أحمد بن بشار بن محمد بن مسعود بن طاوس بن یعقوب بن عبد القوی الأولی بن أحمد بن محمد بن إدریس الأصغر بن إدریس الأکبر بن عبد اللّه الکامل بن الحسن المثنی بن الحسن السبط بن علی بن أبی طالب کرم اللّه وجهه و رضی عنه و ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم. و علی الشرف من جهة أمهم هم البحایثیة أولاد البشیر بن أحمد نجد بن کاملة/ بنت أحمد بن حنظلة الزیانی بن أبی یقور محمد بن داوود بن أحمد بن یحیی بن فارس بن یوسف بن أبی زیان بن عبد اللّه بن عبد الرحمان بن محمد بن أبی حمّ (کذا) موسی بن یوسف بن عبد الرحمان بن یحیی بن یغمراسن بن زیان بن ثابت بن محمد بن یندوکس بن طاع اللّه بن علی بن یمل بن یزوجن بن القاسم بن محمد بن عبد اللّه بن الریس بن عبد اللّه الکامل بن الحسن المثنی بن الحسن السبط بن علی کرم اللّه وجهه و ابن فاطمة بنت محمد رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم و شرف و کرم و مجد و عظم.
و کان جدهم المسعود علی کل قول من مشایخ العرب فکانت له الرئاسة علی سوید فی الدولة المرینیة و الزیانیة بالبیان. فکانت سوید شیعة لبنی مرین کما کانت بنوا عامر شیعة لبنی زیان. و کان المسعود یأخذ نوبته مع ابن عمه و زمار بن عریف. و لما حرک أبو الحسن المرینی علی الزیانیین بتلمسان و نزل بتاسالة فی القرن الثامن بغایة التعریف وفد علیه المسعود مع ابن عمه و زمار بن عریف و قومهما فی القول المشهور فعقد أبو الحسن لوزمار علیهم دون المسعود فی المذکور. و لما رأی ذلک فر منه و لحق ببنی عامر فی الفقر فی السر و الإعلان.
و أجلبوا علی و زمار بدعاء ابنه صرارشة أبی عبد الرحمان، فجمع لهم و زمار الجموع و قاتلهم إلی أن هزمهم بعد القتال الشدید الطویل.
و فیه مات المسعود فی ثامن القرون بالترتیب. و خلف أربعة أولاد بغیر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 279
اشتباه، و هم: نور الدین عطیة، و عیسی، و سعید، و عطاء اللّه. فتنسل من عطیة البحایثیة، و تنسل من عیسی العوایسیة: و تنسل من سعید السعایدیة بالإثبات.
و تنسل من عطاء اللّه العطوات، ثم تولی ابنه عطیة رئاسة قومه مزاحمة لوزمار إلی أن مات محضا. فقام ابنه عبد اللّه مقامه فی رئاسة قومه إلی أن مات أیضا. فقام بعده ابنه محمد برئاسة قومه سوید مع تجین. ثم قام بعده بالرئاسة ابنه بن عودة بالتبیین. و لما مات قام بعده برئاسة قومه ابنه أحمد بحث، الذی فی العطاء لا یعدّ و أنا یحث، فهو بفتح الباء الموحدة من تحت و سکون الحاء المهملة و ضم الثاء المثلثة فی صدورها. و معناه المفتش فی الأمور، الباحث علیها غایة لاستخراجها و ظهورها. لقب بذلک لشدة بحثه علی الأمور الدینیة و الدنیاویة فی جمیع أحواله و احترامها، إلی أن یعرف حقها من باطلها، و صحیحها من فاسدها، و حلالها من حرامها. و جاء لملاتة فی وسط القرن الحادی عشر.
و سبب مجیئة علی ما اشتهر، أن أخاه لأمه و هو سعید بن محرز الهلالی لما قتله المهدی بن یعقوب العامری غیلة و فر هاربا خشیة علی نفسه فی الأیام و اللیالی، جاء أحمد بحث بن عودة المسعودی فی إثره یبحث علیه فی الأمکنة و الأزمنة لیقتص منه فی رسمه، فسمی بالباحث و یبحث و اشتهر به إلی أن غلب لقبه علی اسمه، فقیل لذریته البحایثیة جمع باحث، و توارث/ ذلک خلفا عن سلف فهذا سبب تسمیتهم بالبحایثیة بالتوارث، و لما وصل أحمد بحث لملاته ألفی المهدی بن یعقوب العامری قاتل أخیه لأمه سعید بن محرز الهلالی بغمرة خلف جبل هیدور و هو جبل وهران فقتله أحمد بحث المسعودی أخذا بثار أخیه حینذاک و لذلک حصلت العداوة بین البحایثیة و بنی عامر و صارت مطردة للآن و کل زمان غابر. ثم أن أحمد بن حنظلة الزیانی لما رأی أحمد بحث فی غایة الثبات و الشجاعة، و الفروسیة و القوة و العقل و المعرفة الکاملة و البراعة و علو القدر و الهمة و الأنافة (کذا) و البسالة و الغایة القصوی فی اللبابة و الظرافة، سأله عن نسبه، و منصبه، و حسبه، فأخبره بأنه هو أحمد بن بن عودة من أولاد المسعود بن سعید بن یحیی بن عثمان السویدی المضربی، المخزومی بغیر فرار من الحربی. و حین تحقق ابن حنظلة بنسبه، و اطلع علی مقامه و منصبه، زوجه من ابنته السانیة القدر الفائقة فی الجمال و الفخر، و هی الحرة العذراء أمة اللّه کاملة،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 280
المحذرة فی بیت رئاسة أبیها بنعمة شاملة. و کانت فی غایة الحسن و الجمال، و القدّ و الاعتدال، فاقت نساء وقتها فی المعرفة و جمیع الأحوال و تخلی له عن رئاسة القوم و الجلوس بالتختی، فمکث بها بضواحی وهران رافلا فی عدل الرئاسة إلی أن مات فی عام ثمانین و ألف فدفن فی سیدی بختی، فهو الباحث الأول من جدود البحایثیة بغیر مین، و قد ترک زوجه حاملا فأتت بولدین ذکرین توأمین، و هما مصطفی أبو کاملة، و أحمد الصغیر نجد محضا، و منه تنسل البحایثیة أیضا.
فتولی مصطفی رئاسة قومه مزاحمة لأخیه أحمد نجد، و خلف بعد موته ابنه بن عودة، و هو خلف ثلاثة أولاد: الصحراوی، و أبا کاملة، و عابد الجعد.
فخلف الصحراوی علیا و أحمد، و قد خلف علیّ عبد القادر، و الصحراوی، و لم یعقبا بولد. و خلف أحمد ابنه القاید، ثلاثة أولاد: سی أحمد، و البشیر، و علیا، بغیر الزاید، فسی أحمد هو حی الآن، و خلف البشیر ولدین: عامر، و قدورا، کلیهما فی الحیوة (کذا) الآن. و خلف علی ابنه أحمد و هو حی بالبیان، و خلف أبو کاملة خمسة أولاد و هم: عبد الرحمان، و اعمر، و عامر، و عبد اللّه، و الموفق الکبیر، بالبیان. فخلف عبد الرحمان ولدین: محمد، و منصورا، فمنصور هو حی للآن، و محمد خلف محمد و هو حی أیضا قولا محصورا. و خلف اعمر محمدا و مات و لم یعقب شیئا. کما أن عامرا لما مات لم یعقب شیئا./ و خلف بن عبد اللّه ولدین: دالی، و الحاج، فخلف دالی ابنه علیا و هو حی من أهل الإنتاج. و خلف الحاج ابنه عدة و هو خلف المولود، و بن عثمان، و مات بلا عقب بغایة البیان. و الموفق الکبیر لا عقب له أصلا، و عابد خلف أربعة أولاد:
أبا عزة، وعدة، و الأکحل، و أحمد، حررناه نقلا. فخلف أبو عزة ابنه عدة و هو حی الآن، و الثلاثة الباقون و هم عدة و الأکحل و أحمد لم یعقبوا شیئا بغایة البیان.
و هذه صفة شجرتهم بالوصف السابق، و إنما فیه زیادة الإیضاح لاتصال کل من اللاحق بالسابق:
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 281
شجرة قبائل البحایثیة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 282
قال و أحمد نجد و یقال له أحمد الصغیر سمی علی أبیه بحث فهو الباحث الثانی من جدود البحایثیة. فإنه لما کبر و بلغ مبلغ الرجال صار من أهل النجدة فی القولة الحایثیة. فلقب بنجد لحصول النجدة منه فی جلب خیرها و دفع شرها و ضیرها و بانت شجاعته و ظهرت رئاسته و علت کلمته عند الأتراک بتلمسان و غیرها. تولی رئاسة قومه بمزاحمة أخیه مصطفی له فیها فی بعض الأحیان، و کثر غزوه علی الإسبانیین بوهران./ و صار فی رئاسته بغایة الارتفاع. و عدل فی سیرته بأحسن ما یکون إلی أن صار فی أعلا (کذا) درج الارتفاع. و تزوج بابنة خاله الکامل ابن أحمد بن حنظلة الزیانی، و هی الدرة الفائقة نساء وقتها أمة اللّه العالیة ذات القدر و الحسن و الصیت المنتشر عند القاصی و الدانی. و لا زال یزید فی الفضل و النجابة، و إصابة الرأی و التدبیر و حصول البسالة فی غایة الإصابة، و العطاء المدید فی الرخاء و الشدة، و الذب عن قومه بغایة الدرء و العدة إلی أن جاء سلطان المغرب و هو مولای إسماعیل بن علی العلاوی الشریف، بجیشه العرمرم الذی جمعه من أقاصی سوس إلی بنی یزناسن، و وجدة غازیا علی وهران لقتال الاسبانیین بها فی اثنا عشر من القرن الثانی عشر بالتعریف. و حل بجبل هیدور، و قد افتقر لزبد و تمر للفطور، فأتاه به أحمد نجد مع الضیافة الجلیلة. و دام بإتیانه له کل یوم مع الضیافة الجمیلة. ثم أن الشریف لما اطمأن بذلک و نظره بالإحسان، سأله عن اسمه و نسبه فعرفه به بأوضح البیان. فقال له الشریف لک النجدة و الرئاسة المؤبدة لست بالباحث و إنما أنت الباخت بالبخت و الرئاسة و الفضل و النجدة و الجمال وحب الفاخت یتوارثون فیک و فی ذریتک إلی قیام الساعة مهما غاب نجم من ذریتک طلع الآخر فی غایة الضوء و الشعاعة.
فقال له أحمد نجد یا سیدی إنی لا ذریة فی هذا الوقت بلا تشکیک. فقال له الشریف أن زوجک حاملا و عن قریب یأتیک البشیر بابن مطاع مهاب مترئس یکون فی ذریته اسمی و یلقب بلقب أبیک.
و أخبرنی بعض الطاعنین فی السن، من أهل الفضل و الکمال و المن، أنه لم یقع له ذلک مع الشریف حال الإقدام علی وهران، و إنما وقع له بعد الصدود عنها و حال رجوعه من التشریف و هو فی جوعة و تعب من أعراب الأوطان، فأتی له بالضیافة و فیها الزبد و التمر. فنال منه الدعاء الصالح المخلد فی ذریته بطول
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 283
الدهر. قال و لما رحل الشریف بقصد الجزائر فیما قد اشتهر، حیث أیس من وهران و قال أنها أفعی (کذا) تحت حجر تضر و لا تضر، ذهب معه أحمد نجد بأهله و کافة مخیس و استقر بابناء عمه أولاد المسعود، إلی أن حدث عنده الابن فسماه البشیر لما قال له الشریف سیأتیک البشیر المسعود. و لما کبر البشیر و بلغ مبلغ الرجال تنازع مع ابناء عمه، فقتل منهم أشجعهم میمون بن العباس ابن سعید المسعودی و ترکه ملقی بدمه. و بحث فی الأرض فارا منهم فقالوا فیه قد بحث فیه البشیر صحیحا. و قد أحسن فی فراره و لم یفعل قبیحا، فقدم لفلیتة، ثم زاد للمعسکر، ثم لمستغانیم، ثم زاد لضواحی وهران عند أخواله و استقر.
و قد مات أبوه بأولاد المسعود فلقب بالباحث أیضا، فهو الباحث الثالث من جدود البحایثیة محضا، فقیل لأولاده البحایثیة/ و توارث ذلک فیهم للآن، بل النسبة باقیة فیهم إلی آخر الزمان.
و لما مکث بضواحی وهران و بانت شجاعته و حاز الرئاسة عند الأتراک بغیر الجحودی، تزوج بابنة عمه عائشة بنت مصطفی أبی کاملة بن أحمد بحث الباحث الأول المسعودی. و زاد فی علو الکلمة و الرئاسة إلی أن صار فی وقت مصطفی أبی الشلاغم المسراتی آغة المخزن بأسره فی عمالة وهران. و لا زال فی المنصب الکبیر إلی أن مات بمزغران، ثم حمل إلی مستغانیم فدفن بها بمدینة المطمر بالقبة التی فیها البای مصطفی أبو الشلاغم المسراتی، بای مازونة و تلمسان، و الجامع بین الإیالة الغربیة لکونه لها هو المواتی. و تقدم تاریخ موته و سیرته و ما قیل فیه من الأشعار، فی ترجمة أبی الشلاغم بغایة الاشتهار.
و لما مات خلف خمسة أولاد ذکور، و هم بن عودة، و إسماعیل، وعدة، و یوسف، و الموافق الصغیر، فی المشهور. فأقام بعده ابنه بن عودة بالرئاسة الکبری و هی آغة مخزن وهران بأسره فی حیاة والده لکونه تخلی له عنها باختیاره فعلت کلمته عند العرب و الأتراک، لا سیما أتراک الجزائر أهل الریاسة و قاعدة الملک فی غایة الاشتراک، و کان فی وقت المسارتیة الثلاثة أهل التراجی، و هم یوسف، و مصطفی الأحمر، و محمد أبو طالب المجاجی. و انتشر صیته فی المشارق و المغارب إلی أن تخوف منه المجاجی فقتله غدرا کما تقدم الکلام علیه لما خشی منه من المعاطب. و لم یخلف عقبا لا من الإناث و لا من الذکور،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 284
و دفن مع أبیه بالمطر من مستغانیم المذکور، و تقدم ما کان من سیرته و ما قیل فیه من الشعر، بما یغنی عن إعادته فی الذکر.
ثم قام برئاسة المخزن بأجمعه أخوه إسماعیل و سکن المعسکر. کما سکن أخوه و أبوهما مستغانیم فی القول الأشهر، و اختط بالمعسکر دارا بالعرقوب بأحسن التأویل، فنسب ذلک إلیه و قیل عرقوب إسماعیل. و من خبره بالاختصار، لکون الکلام تقدم علیه بغایة الاشتهار، أنه لما مات أخوه آغة بن عودة قدم بأمه و إخوته إلی الغرابة بغایة المرام، و سکن عند القاید أبی علام ابن الحبوشی فأحسن مثواه و بربه غایة البرور و أکرم مثواه، و تزوج دموش بأمه فصار عنده من جملة الأولاد، مقدما له علی الأزواج و الأفراد، و بقی عنده فی غایة الإکرام، إلی أن تولی الخدمة عند الأتراک بالمعسکر بحسن المرام، فتولی أولا خلیفة علی الشریف الکرطی التلاوی، فی زمان الحاج عصمان، و حسن بای، ثم ارتقی آغة المخزن بأجمعه لما بانت شجاعته فی وقت البای إبراهیم/ الملیانی فانتشر ذکر البحثاوی، و صیر أخاه عدة خلیفة علیه، کما صیر أخاه الموفق الصغیر قایدا علی الدوائر وضم کل شی‌ء إلیه. و کان من أهل الفضل و الإحسان، محبا للعلماء، و الأولیاء، و الفقراء، و المساکین، و ضعفاء الزمان. و لا زال آغة إلی أن مات بالمعسکر فدفن بها علی التحقیق و تقدم الکلام علی تولیته و حاله من أوله إلی آخره بالتدقیق.
و هذه صفة شجرة أولاد البشیر بحسب الوصف الشهیر:
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 285
شجرة نسب أولاد البشیر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 286

طبقات أولاد البشیر

اشارة

و اعلم أن الکلام علی أولاد البشیر ینحصر فی أربع طبقات بالتحریر.

الطبقة الأولی‌

اشارة

الطبقة الأولی أولاد إسماعیل و هم سبعة فی القول الحری و هم: قدور الکبیر، و عثمان، و قدور الصغیر، و مصطفی، و عدة، و محمد، و الحاج بالحضری. و ذکر فروعهم بشجراتهم/ للآن. و نبتدی‌ء بوضع شجرة إسماعیل فی البیان.
و هذه صفتها بالتحقیق. و اللّه الموفق لسواء الطّریق:
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 287

الآغا قدور الکبیر

ثم اعلم أن إسماعیل لما مات قام بعده بالرئاسة ابنه قدور الکبیر، و صار آغة المخزن بأسره فی القول الشهیر. فسار سیرة حسنة. و صارت أحواله مستحسنة. و عدل فی سیره بغایة المراد. و أظهر العدل للحاضر و الباد. و کان محبا للعلماء و الأولیاء و جمیع أهل الصلاح، و کافلا للیتامی و الأرامل و سالکا سبل النجاح. و مشفقا بأحوال المساکین (کذا) و الضعفاء و معظما للطلبة و الشرفاء، و کان یمیل مع الحق حیث مال، و مدحضا للباطل و لا یتبع فیه قول من قال. و کم له من حملات علی العدو و فی فتح وهران، حتی دهش منه العدو فی کل زمان و مکان. و کان بطلا شجاعا، و محبا للخیر و مهابا مطاعا، لا تأخذه فی اللّه لومة لائم. حتی کانت عمامته فوق جمیع العمائم. و لما أراد البای محمد الکبیر فاتح وهران إجلاء الطلبة من المدرسة لما تکررت بهم الشکایة من أهل البلد بادر إلی إطفاء ذلک و قال للبای لا تطرد الذاکرین اللّه المکلمین له بکلامه فی کل وقت بهذه المحدسة. و إنما اجعل نظرک علیهم و عاقب من جاوز الحدود، و اکفف أهل البلد عن الشکایة بحاملین کلام الالاه (کذا) المعبود. فسر البای بقوله و فرح، و اطمأن قلبه و انشرح، و عمل برأیه السدید، فکان الثناء الجمیل علیه من کافة الناس علی ذلک القول المفید. و صارت الناس من فعله الجمیل فی غایة الهذیان إلی سارت (کذا) الرکبان بجمیل فعله لسائر النواحی فی کل زمان و لقد کان محمود الأفعال و الأقوال، و مقبول الکلام و مطاع الأمر فی سائر الأحوال. فلا تجد مثله فی زمانه من علا صیته و انتشر، و فرحت الناس بسیرته غایة الفرح و کل منهم/ به قد استبشر. و لا زال فی علّو الهمة و رفع الکلمة و الارتفاع فی الرئاسة و بذل الجهد فی فعل المعروف مع الکبیر و الصغیر، إلی أن توفی فدفن بوهران بمقبرة سیدی البشیر. و تقدم الکلام علی سیرته و ما قیل فیه من الأشعار فی ترجمة البای محمد الکبیر بالزیادة، بما یغنی عن الإعادة. و لما مات خلف أربعة أولاد باشتهار، و هم: الحاج محمد المزاری، و الحاج عبد القادر، و الموفق، و محمد الفار.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 288

الآغا الحاج محمد المزاری والد المؤلف‌

فالحاج المزاری تربی عند کافلته الغولیة و کافلة العربی بن نعمة إلی قرب الاحتلام و زار ولی اللّه الضریر سیدی محمد أبی دیة فدعا علیه بالخیر و نیل علوّ المقام، فرجع لأهله عند أعمامه و تدرب بالخیل إلی أن صار فی غایة الفروسیة و النیل لمرامه. و قد ولد بالمعسکر فی عام واحد و مائتین و ألف الموافق لسنة أربعة و سبعین و سبعمائة و ألف، و لما صار فی عمره ستة عشر سنة دخل خدمة المخزن بالتحقیق، و بانت شجاعته إلی أن بادت للعدوّ و الصدیق. و حین قام رایس (کذا) درقاوة و هو السید عبد القادر بن الشریف، علی البای مصطفی بن عبد اللّه فی ولایته الأولی لینزع منه الملک و یدع الترک فی صورة التحریف، و هو عام تسعة عشر و مائتین و ألف، الموافق لسنة ثلاثة و ثمانمائة و ألف، اجتهد هذا الشجاع المزاری و هو مع عسکر الأتراک فی القتال البدیع علی لواء البای، و اشتهرت شجاعته عند الغبی و بادی الرأی، و ما ذلک إلا لکونه من أبناء البیوت الکبار ذات النجم النایر، و کبیر القدر و الجاه و قد ظهر منها آغوات عدیدة فی عرش الدوایر. و لا زال ملازما للقتال إلی أن تعجب منه سائر الناس و هو لا یعبؤا (کذا) بالعدوّ و کثرة الحراس. ثم تولی الخدمة المخزنیة فی وقت البای محمد المقلش فی عام إحدی و عشرین و مائتین و ألف، الموافق لسنة خمس و ثمانمائة و ألف، و لما رجع البای مصطفی إلی منصبه مرة ثانیة رجع المزاری لخدمته سیارا علانیة، أی مختصا بالسیر من وهران للجزائر، واسطة بینه و بین الباشا مالکا بر الجزائر. و هذا المنصب فی ذلک الوقت کان من أعلا (کذا) المناصب، المعتبرة عند الأجانب و الأقارب. فابتدأ فی خدمتها من عام ستة و ثمانمائة و ألف، الموافق لعام اثنین و عشرین أو ثلاث و عشرین و مائتین و ألف:
ثم ارتقی قایدا علی بنی مطهر و ذلک فی أیام محمد أبی کابوس فی عام ثمانیة أو تسعة و ثمانمائة و ألف، الموافق لعام أربعة و عشرین و مائتین و ألف، و مکث فیها إلی سنة سبعة عشر و ثمانمائة و ألف، الموافقة لعام اثنین و ثلاثین و مائتین و ألف فی وقت حسن باشا. فصار خلیفة علی عمه مصطفی بن إسماعیل آغة الدوائر، و ظهرت نجابته و علت کلمته عند القاطن و الزائر. فلم یک (کذا) إلّا أمد قلیل و إذا به ارتقی لمنصب آغة الدوائر. و صار یأخذ نوبته مع عمه مصطفی بن
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 289
إسماعیل، و مضاهیا له فی النواهی و الأوامر، فارتفع علی أقرانه و فاز بالخصائل الحمیدة. و ظهرت صولته و انتشر صیته و طلعت نجومه بالسعادة/ الجدیدة.
و حین جاء التجینی حارکا من عین ماض علی البای حسن آخر بایات الأتراک، و حل بغریس و دخل بابا علی من المعسکر و خرج البای حسن لقتاله بجیشه من وهران فکان المصاف بأسفل خصیبیة من بلاد غریس و وقع الفریقین (کذا) فی الاشتراک، قاتل المزاری إلی أن انجرح (کذا) من ساقه الأیمن فی عام اثنین و أربعین و مائتین و ألف الموافق لسنة ستة و عشرین و ثمانمائة و ألف ثم انجرح ثانیا فی واقعة السید محی الدین بوهران. و ثالثا فی واقعة السید قدور الدبی بتلیلات و کلیهما فی الجهاد بالبیان. و رابعا فی وقعة (کذا) عین تموشنت حال مقاتلة المخزن مع بنی عامر. و خامسا بالمهراز من تحت سرته حال المقاتلة مع الأمیر فی الأمر الظاهر. و سادسا فی الجهاد و هو مع الأمیر فی وطی سیف فی واقعة الزبوج و سابعا فی الجهاد مع الأمیر فی وقعة سیدی مبارک حاملا علی العلوج و انجرح (کذا) تحته أربعة من الخیول فی صحیح المقال، ثلاثة فی واقعة الزبوج اثنان منهم له، و الثالث للأمیر، و الرابع له فی واقعة السبت ببنی زروال و قد مات له الجواد فی واقعته مع بنی عامر و قتل فی تلک القضیة أبا شویشة ولد العسری رایس (کذا) بنو عامر و لم یزل مضاهیا لعمه مصطفی و عضدا له فی الحکم علی الدوایر، من وقت حسن باشا إلی وقت استلاء (کذا) الدولة الفرانسویة علی الجزائر. و لما تولی مولای علی بن سلیمان، بأمر مولای عبد الرحمان. حکم المغرب الأوسط و استقر بتلمسان، تولی الحاج المزاری آغة المخزن وجد فی العمل الصالح المزیل للمحن و لما دخل المخزن تحت طاعة الأمیر سکن عمه مصطفی تلمسان و تولی المزاری آغة المخزن عند الأمیر و سکن بأهله بالمعسکر إلی أن فتحها المریشال کلوزیل فحینئذ دخل هذا الشجاع تحت الدولة و أذعن بغایة الإذعان و سمی آغة بمستغانیم عند البای إبراهیم أبی شناق فألزم نفسه الذب عن الدولة بغایة جهده و بقی بذلک المنصب إلی أن سلم إبراهیم فی منصبه فانتقل هذا الشجاع لوهران و لم یفتح بابا للشقاق و حضر عند ذلک کل معرکة وقعت هناک إلی سنة إحدی و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لعام ست و خمسین و مائتین و ألف، و فی تاسع غشت (کذا) من السنة المذکورة،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 290
أرسل بمثل وظیفه لمستغانیم عند الحاج مصطفی ولد عصمان لما تسمی بها بایا فی القولة المشهورة. و لما توفی المرحوم عمه مصطفی بن إسماعیل بفلیتة فی ثالث العشرین من مای سنة ثلاث و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة للعام التاسع و الخمسین و مائتین و ألف، تولی السید الحاج المزاری بعد رجوعه من الحج فی المرة الأولی حکم أعراش المخزن و لم یزل مع الدولة الفخیمة فی سوق الطعن و الضرب، مع القبائل و العرب و هو فی الغایة القصوی من أنواع الحرب، و کان علی یدیه العسکر و القوم، و جواده محزوما بالذهب و هو لا یخشی أحدا و لا یفعل ما یؤدیه للوم، و زناده مکحولا، و سیفه للقتال مسلولا، و صار شوکة فی عین الأعداء، کعمه و أسلافه إلی أن خففت علی الدولة الألویة و البنود/، و ضربت الطبول و نغمت النغائر من الجزائر إلی أقصا (کذا) عجرود، و قام مقام لیث الحروب الأوفی، و هو عمه المرحوم مصطفی و بقی علی ذلک فی العز و الإقبال، و الهزم للعدو یضرب النضال، إلی أن سلم فی وظیفه فی شهر دسامبر (کذا) من السنة المذکورة، لدی المریشال بیجو و هو بوهران فقبل منه ذلک و استعفاه لما سأله فی المقالة المشهورة و من کثرة فواعله الذاتیة الباهرة، و التی کشمس الآفاق الظاهرة أنه قد تشرف من عند الدولة بالحاشیة الوردیة الزاهرة، ثم رجع ثانیا إلی مکة المشرفة و مکث بها إلی سنة ثمان و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لعام أربعة و ستین و مائتین و ألف رجع إلی بلده فسکن أولا بالجزائر، و بقی بها نحو السنة مجاورا للبای أحمد بای قمسطینة (کذا) فی القول النایر ، ثم قدم إلی ملاتة و سکن بها أمدا ثم ظهر له أن البادیة لا توافقه، و لا تجانسه و لا ترافقه، فانتقل لوهران و بنا (کذا) بیتا برأس العین بالیقین و سکن بها إلی أن أتاه الیقین و قد جعلت له الدولة ستة آلاف فرنک سنویة و یأخذها مشاهرة و اشتغل بالعبادة و لازم قراءة المصحف إلی أن ختم فیه عدة ختمات و ترک المفاخرة، و لا زال یأخذ شهریته إلی أن توفی بداره برأس العین من وهران، فی یوم الأربعاء الموفی عشرین من شعبان، عام ثمانیة و سبعین و مائتین و ألف، الموافق لتاسع عشر فبری (کذا) سنة اثنین و ستین و ثمانمائة و ألف، و له من العمر ثمان و ثمانون سنة، فی الروایة الصحیحة المبینة و دفن یوم الجمعة ثانی عشرون
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 291
شعبان، الموافق للحادی و العشرین فبری (کذا) بالبیان من السنتین المذکورتین، بمقبرة سیدی البشیر بن یحیی بوهران بغیر المین و قد وافقه صاحبه قدور بن المخفی فی یوم الموت و الدفن أیضا فلشدة محبتهما کانت الموافقة بینهما محضا و شیع جنازته عدد لا ینحصر و حضر لمواراته بقبره أمة لا تحصی تعدیدا، ما بین المسلمین و النصاری و الیهود رجالا و نساء کبارا و صغارا أحرارا و عبیدا، فکان التأسّف علیه کثیرا و الثناء جمیلا و التفجع جلیلا و حضر لجنازته جمیع المخزن و أرباب الدولة الذین بوهران ما بین عمومها و خصوصها و فعلت به ما فعلت بعمه مصطفی و قام الجنرال رایس (کذا) القسمة الوهرانیة خطیبا بنفسه علی قبره فبالغ فی الثناء علیه فی خطبته و ذکر جمیع سیرته من حین ولد إلی أن توفی و الناس واقفة تسمع من المخزن و جمیع أعیان الدولة و من نالوا للرئاسة و الصولة و لما طار خبر موته للولی العام و هو والی الولات (کذا) بالجزائر، تأسف کثیرا و عزی أولاده و قرابته بما یسلیهم و أدرج أخباره کلها بسیرته المحمودة من حین ولد إلی أن مات فی الرسم الخبری المعبر عنه بالمبشر المستعمل بالجزائر و ذلک الرسم لا یستعمل إلا علی ید الدولة بمکتب و الیها العام بالجزائر، مکتوبا فی ورقتین أحدهما (کذا) بالخط العربی و لغته، و ثانیهما بالخط الفرانسوی و لغته، فی سابع عشر مارس سنة اثنین و ستین/ و ثمانمائة و ألف الموافق لحادی عشر رمضان عام ثمانیة و سبعین و مائتین و ألف و قد نسیت رقم عدده لطول العهد بالوصف، و نصه بالحرف:
هذه سیرة المرحوم السید الحاج محمد المزاری ولد قدور بن إسماعیل آغا عرش المخزن کان: إن السید الحاج محمد المزاری ازداد فی المعسکر سنة أربعة و سبعین و سبعمائة و ألف مسیحیة و أنه ابن خیمة کبیرة ذات قدرة و جاه ظهر منها أغوات فی أعراش الدوایر فهذا الرجل دخل فی خدمة مخزن وهران و هو ابن ستة عشر سنة، و فی سنة ثلاثة و ثمانمائة و ألف حیث قام ابن الشریف علی البای مصطفی لیفک له منصبه اجتهد الحاج محمد المزاری فی قتال ابن الشریف مع عسکر البای و اشتهرت شجاعته. و فی سنة خمس و ثمانمائة و ألف کان فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 292
الخدمة المخزنیة تحت أمر البای محمد المقلش. ثم فی سنة ست و ثمانمائة و ألف و سنة ثمان و ثمانمائة و ألف حین رجع البای مصطفی إلی منصبه عاد المزاری إلی خدمته و کان وقتئذ سیارا مختصا بالمسیر إلی الباشا و هذا المنصب کان فی ذلک الوقت من المراتب المعتبرة فخدمها نحو السنة.
و فی دولة البای محمد أبی کابوس سنة ثمان و ثمانمائة و ألف و تسعة و ثمانمائة و ألف تولی قیادة بنی مطهر فمکث بها إلی أن تولی حسن باشا المملکة سنة سبعة عشر و ثمانمائة و ألف فعند ذلک ارتقی إلی منصب خلیفة عند عمه مصطفی بن إسماعیل آغة الوایر، ثم ما کان إلا قلیلا و إذا به نال منصب عمه فی العرش المذکور و فاز بالخصایل الحمیدة و انتشرت صولته و لما ظهر النفاق من التجینی و أراد معاندة البای و وقع قتال بینهم انجرح فیه السید الحاج محمد المزاری کما انجرح أیضا فی وقعة (کذا) عین تموشنت حین وقع القتال مع بنی عامر و مات جواد تحته هذا و لم یزل واقفا مع عمه مصطفی بن إسماعیل فی الحکم علی الدوایر من زمان حسین باشا إلی وقت استیلاء الدولة الفرانسویة علی الجزائر و لما دخل مخزن الدوایر تحت طاعة الحاج عبد القادر و کان وقتئذ عمه مقیما فی مشور تلمسان تولی المزاری آغا الدوایر علی ید الأمیر الجدید ثم لم یزل مقیما بداره فی المعسکر إلی أن فتحها المریشال کروزیل (کذا) فحینئذ دخل تحت طاعة الدولة الفرانسویة و سماه آغة عند البای إبراهیم أبی شناق فی مستغانیم فمکث فی ذلک المنصب إلی أن سلم إبراهیم المذکور فی منصبه فعند ذلک دخل وهران و حضر فی کل حرکة کانت هناک إلی سنة إحدی و أربعین و ثمانمائة و ألف و فی الیوم التاسع من غشت (کذا) هذه السنة أرسل فی مثل وظیفه إلی الحاج مصطفی والد عصمان بای، و لما توفی المرحوم السید مصطفی بن إسماعیل فی الیوم الثالث و العشرین من مای سنة ثلاث و أربعین و ثمانمائة و ألف تولی السید الحاج المزاری بعد رجوعه من الحج حکم أعراش/ المخزن لاکن (کذا) فی شهر دیسمبر (کذا) من هذه السنة سلم وظیفة لدی المریشال بیجوا الذی کان وقتئذ فی وهران فقبل منه ذلک ثم رجع ثانیا إلی مکة و مکث فیها إلی سنة ثمان و أربعین و ثمانمائة و ألف و فی تلک السنة رجع إلی إقلیم الجزائر و سکن فی داره التی بناها برأس العین فی ناحیة وهران و کانت الدولة تتفضل علیه بستة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 293
آلاف فرنک سنویة إلی أن توفی رحمة اللّه علیه فی الیوم التاسع عشر من فبری (کذا) سنة اثنین و ستین و ثمانمائة و ألف و هو فی سن ثمان و ثمانین سنة فمات و هو ثابت العقل و قد کانوا یشهدونه (کذا) مرارا یرکب جواده إلی وهران لقضاء مشاربه (کذا) فخلف خمسة ذکور و ثلاث بنات أکبرهم السید إسماعیل و السید الحاج مصطفی فأما الأول فإنه آغا بتیارت و الثانی آغا ببنی مسلم من دائرة عمّ (کذا) موسی. ه.
و قال فی ظهور سعود الدراری، فی أخبار المرحومین قدور بالمخفی و الحاج محمد المزاری، ما نصّه: تنبیه وافق هذا المرحوم الإمام أحمد بن حنبل صاحب المذهب رضی اللّه عنه فی شیئین: أحدهما أن الإمام رضی اللّه عنه دفن یوم الجمعة بعد الصلاة و کذلک هذا المرحوم دفن یوم الجمعة، ثانیهما فی کثرة حضور الناس للجنازة فقد روی أن الإمام أحمد بن حنبل رضی اللّه عنه حضر جنازته ثمانمائة ألف رجل و ستون ألف امرأة و أسلم یوم موته و دفنه نیف و عشرون ألفا من (کذا) النصاری و الیهود و المجوس، و کذلک هذا المرحوم حضر جنازته العدد الکثیر الذی لا ینضبط حصره ما بین النصاری و المسلمین و الیهود رجالا و نساء کبارا و صغارا أحرارا و عبید.
و اعلم أن کثرة العدد فی حضور الجنائز مما یدل علی صلاح حال المیت لأن الجنائز هی الفرق بین أهل السنة و غیرهم فقد روی أن الإمام أحمد بن حنبل رضی اللّه عنه کان یناظره المعتزلة قبّحهم اللّه و أقلّ عددهم و أخلا منهم الأرض و لما یفحهم (کذا) یسدلون لقولهم بکثرة أتباعهم و قلّة أتباعهم فیقول لهم رضی اللّه عنه الفرق بیننا و بینکم الجنائز. و لمّا مات حضر جنازته و أسلم ما مرّ، و لا ریب أنّ الثناء علی المیت و الشهادة له بالخیر مما یدل علی صلاحه، و نجاته و نجاحه، لقول رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فی حق أمته أنتم شهداء اللّه فی أرضه من أثنیتم علیه خیرا وجبت له الجنة و من أثنیتم علیه شرا وجبت له النار. رواه الإمام أحمد و البخاری و النّسائی، و روی مسلم من حدیث عبد العزیز بن صهیب عن أنس قال مرّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بجنازة فأثنی علیها خیرا فقال نبی اللّه صلی اللّه علیه و سلم وجبت وجبت وجبت و مرّ بجنازة فأثنی علیها شرا فقال وجبت وجبت وجبت. فقال عمر فداک أبی و أمّی مررت بجنازة فأثنی علیها خیرا فقلت وجبت وجبت وجبت. فقال صلی اللّه علیه و سلم من أثنیتم
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 294
علیه خیرا وجبت له الجنة و من أثنیتم علیه شرا وجبت له النار أنتم شهداء اللّه فی أرضه. و قوله شرا و خیرا بالنصب کذا فی کثیر الروایات و هو منصوب علی نزع الخافض و فی روایة بالرفع قاله النووی.
هنا یوجد بتر ثمانی صفحات من المخطوط: 538- 545
/ علیک بتقوی اللّه العظیم فی الحرکة و السکون، و الأداء لما فرضه اللّه علیک من قواعد الإسلام الخمسة التی هی نقطة الظل و الحرکة و السکون، و ملازمة الطهارة مائیة أو ترابیة، لبدل الثانیة عن الأولی فی حالة الأعذار المصابیة، و علیک بالمداومة لذکر اللّه حتی یکون لسانک رطبا بذکر اللّه، و إیاک و التراخی أو الغفلة عن أداء فرض اللّه ودع الظلم فإنه ظلمة یوم القیامة، و الزم العدل فإنه یکون صاحبه فی أعلا (کذا) الدرج فی الجنان و لا یخشی فی مواقف القیامة، و کن محبا للعلماء و الأولیاء و سائر الطلبة و الشرفاء، و راحما بالفقراء و المساکین و الأرامل و الیتامی و الضعفاء و کن کافلا للیتامی و الأرامل، و مرفقا برعیتک و مشفقا من حالهم فی سائر المسائل، فإنک راع لهم و کل راع مسئول عن رعایته، و الزمهم الصدق تخلص من رذائل الشیطان فی بدیانه (کذا) و وسطه و نهایته، ومل مع الحق حیث مال و اجتنب الباطل و لا تلتفت فیه لقول من قال، و اخفض جناحک لجملة العباد، و إیاک الکبر و التجبّر فإنه هو عین المضرة و الفساد، و علیک بزیارة ذوی الفضل أحیاء و أمواتا، و ادع لنفسک و نسلک و قرابتک و کافة المومنین عندهم بما فیه النجاة یوم تصیر الناس عظاما رفاتا، و لا تملل (کذا) من مطالعة الکتب سیما کتب الفقه و التفسیر و الحدیث، فإنّ فیها النجاة من البلاء القدیم و الحدیث، فهذا ما أوصیک به و إذا عملت بهذه الوصیة الباهرة، نجوت من سائر الأضرار و المهلکات فی الدنیا و الآخرة. و کتب محمد بن یوسف الزیانی، رحمه اللّه و رحم أبویه و کافة المؤمنین و أسکن الجمیع دار التهانی، ولی فی هذا الوقت ولدان بلا مین، أکبرهما إسماعیل و الآخر الحسین.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 295
و خامسهم عبد الدایم أمّه أم ولد مکیة تسمی بالزعفران، و اسمها دال علی المسمی الدال علی الصدق و الإیقان و قد ولد بوهران، و لمّا شبّ أعجبته الخدمة الجندیة فصار جندیا، ثم انتقل للاصبایحیة (کذا) فصار إصباحیا، ثم تولی قایدا بالدوایر، ثم انتقل قائدا بأهل الواد من عمالة تلمسان فی القول النایر، ثم تولی قایدا أیضا بتلک الناحیة بعین إفزاء و هم بنوا أصمیل فازّ عدوّه من حینه ازّاء، و سار فی جمیع ذلک بالسیرة الحسنة، و راضهم بالریاضة المستحسنة، إلی أن فرحت به رعیته و الدولة، و غنم السیاسة و بانت له الصولة، و لا زال قائدا للآن بالحالة المرضیة المصابة، و له معرفة باللسان الفرانسوی تکلّما و قراءة و کتابة فی غایة الانتخابة، و له من الأولاد اثنان فی صحیح تحقیق و إعلام و هما الشابان المکرّمان الحبیب و شقیقه أبو علام.
و الحاج عبد القادر ولد قدور الکبیر بن إسماعیل، کان سیارا ثم صار رائس (کذا) السیارة ثم خلیفة آغة ثم قایدا بالدوایر بأحسن التأویل، و کان من أهل العدل و السیاسة و العقل الوافر و المعرفة و الکیاسة، و کان نصوحا فی الخدمة/ بغایة النصیحة، و صدوق القول و حسن الفعل فی القولة الصحیحة، و لمّا مات خلّف ثلاثة أولاد ذکور، و هم: الحبیب و لم یتولّ، و لم یعقب شیئا فی المشهور، و محمد و لم یتولّ أیضا، و خلف ولدین: علی، و عبد القادر، هما فی الحیاة محضا، و الحاج قادی و لم یتولّ و خلّف خمسة أولاد، و هم: بن عودة هو رائس (کذا) الدوار و الأخضر، و محمد، و أبو مدین کان شاوشا (کذا) بمحکمة تموشنت ثم تقهقر بأخیاره إلی حراسة ضاحیة الصباح لنیل المراد، و الحبیب کان شاوشا (کذا) بمحکمة تموشنت ثم انتقل بمثل وظیفه لسعیدة، ثم انتقل بذلک الوظیف لفرندة و بها مات و کانت خدمته جیدة سعیدة، و له ثلاثة أولاد فی القول الباهر، و هم: بن عودة، و محمد، و عبد القادر.
و الموفق ولد قدور الکبیر، فکان قایدا بالدوایر و کانت سیرته جیدة مستحسنة بغایة التدبیر، و خلّف بعد موته ولده عبد القادر، تولی قیادة عرش الدوایر فی الأمر الظاهر، و کانت سیرته مقبولة، و أحواله بالإحسان مجبولة، و خلّف بعد موته ثلاثة أولاد و هم بالحضری لم یتول و لم یعقب شیئا، و محمد و لم یتول أیضا و خلّف بعد موته ابنه عبد القادر هو حی الآن و یطلب من مولاه
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 296
فیئا، و مصطفی و هو قاید بالبرجیة، و له سیرة حسنة و أحوال مستحسنة بالغایة المرضیة، و هو حی للآن فی غایة الحالة المستحسنة المحکیة.
و محمد الفار ولد قدور الکبیر بن إسماعیل، و لم یتولّ و مات و لم یعقب شیئا فی تحقیق المقیل.
و هذه صفة شجرتهم کل فرع ملحق بأصله اتجد الفرع أو تعدد فافهم حقیقة ذلک، و میز جمیع ما هنالک، تنل صوابا، و تحسن خطابا و جوابا:
شجرة نسب عائلة المؤلف الآغا المزاری
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 297
/ ثم بعد موت قدور الکبیر، تولی أخوه عثمان آغة المخزن فی القول الشهیر، و من خبره أنه کان خلیفة علی أخیه الکبیر بن إسماعیل، ثم ارتقی قایدا علی الدوایر ثم ارتقی آغة بدولة الترک بتحقیق التفاصیل، و کانت سیرته محمودة، و أحواله مرفودة، و أوقاته مسعودة، فکان ذا رأی و تدبیر، و نجاحة و تیسیر، مقبول القول عند القریب و البعید، مطاعا فی الأمر و النهی بغایة المزید، و لمّا مات خلّف ابنه عدة فکان خلیفة علی ابن عمّه آغة المزاری فی إیالة الترک، و حاله فی الأقبال دون التّرک، ثم صار آغة فی وقت الدولة، و هو أوّل من صار آغة فی أیام الدولة، لما أذعن المخزن للدولة و نشر لعرشه و من فی معناه العدل و العز و الأمان، و نال علامة الافتخار الفضیة المسمّة (کذا) بالشیعة و النیشان، و حین توفی خلّف سبعة من الأولاد، و هم: قدور الملقب الأقرع، و محمد، و الحبیب، و علی، و عبد القادر، و إسماعیل بغیر الازدیاد .
فقدور الأقرع کان فی غایة الشجاعة، و الزعامة و البراعة، فتولّی أوّلا خلیفة علی إسماعیل ولد المزاری لما غاب والده المزاری للحج و أداء الفریضة، ثم ارتقی قایدا بالدوایر ثم ارتقی آغة تاسالة علی بنی مطهر فی القولة العریضة، ثم انتقل بمثل منصبه لتیارت ثم للضایة فی القولة المفیدة، ثم انتقل بمثل منصبه لسعیدة، و کان مقبول القول محبوبا عند الناس، لا یخشی بأسا و لیس من أهل الإیاس، بارعا فی الشجاعة و البسالة، قاصما فی خدمته للأمور البطّالة.
و حدّثنی محمد بن الشیخ الدایری أنه کان حاضرا معه فی المقاتلة بین الدولة و جیش الأمیر بفلیتة، أنّ آغة قدور بن المخفی لما تلاقا (کذا) مع الطیب بن قرنیة آغة القوم الحمراء و صار القتال بینهما حصلت الضربة من الطیب لفرس قدور بن المخفی فکسرت رجله الأولی الیسری و رام التفلیتة، و وقع الانهزام بسبب مجاهر، جاء قدور الأقرع إلی بالمخفی و قال له ما صیّرک لأمر الحایر، فقال له أنت تری المقاتلة، و الهزیمة بعد المقاتلة إیاک أن تدعنی وحدی و أنا فی هذه الحالة، فقال له یا بن عمّی کیف ندعک وحدک و أنت علی هذه
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 298
الحالة، ثم أنه من فوره أمر الجیش بالرجوع للقتال، و کان هو السابق للنّزال، فردّ من حینه الهزیمة، و خلّص بالمخفی من حالته الذمیمة.
قال المحدّث، و قلت یوما لقدور بالمخفی حال رئاسته بفلیتة و أنا عنده خیال، یا سیدی لم أر شجاعا مثلک فی وقتنا هذا من الرجال، فقال لی یا محمد لست بشجاع فی صحیح المقال، و إنما الشجاع الذی خلّصنی من العدو و لما کان فرسی علی ثلاثة و أنا خائف وداوی، و هو الباسل الکامل قدور ولد عدة البحثاوی، و لا زال آغة بالمخفی یراعی له تلک المزیة إلی أن مات هذا الشجاع بالمعسکر فی القولة الموقانیة، فحمل لوهران و دفن بها بالمقبرة الوازانیة.
و لما سمع بموته والی الولات (کذا) بالجزائر، أدرج سیرته المحمودة فی الورقة الخبریة المسمة (کذا) بالمبشر المستعملة علی ید الدولة بالجزائر، المؤرخة بیوم السبت/ أول ذی القعدة الحرام عام واحد و ثلاثمائة و ألف، الموافق للثالث و العشرین من أوت سنة أربعة و ثمانین و ثمانمائة و ألف، المعلّمة فی القول الوثیق، بعدد أربعة و ستین و خمسمائة و ألفین بالتحقیق، فقال ما نصّه.
مرثیة فی حق المرحوم آغة قدور ولد عدة المتوفی فی السابع و العشرین من جلیت (کذا) سنة أربعة و ثمانین و ثمانمائة و ألف أنّ هذا المرحوم کان من بیت البحایثیة التی کبیرها و عمدتها الآن ابن عمّه السید أحمد ولد قادی و لا یخفی أنّ هذا البیت هی (کذا) من منابع الأبطال فی الإیالة الوهرانیة فکم أبرزت من فوارس مشتهرة بالبأس و الإقدام و النصیحة لافرانسا الفخیمة فبمجرد دخولنا بإیالة وهران کان المرحوم فارسا یحوم حول کتائبنا الجرارة و هو من جملة الستین فارسا الذین ثبتوا فی الرباط حمایة لمستغانیم حین عاد آغة المزاری إلی وهران فیا له من فتی وارثا لشجاعة عمّه مصطفی بن إسماعیل و شهامته حتی امتاز بشدة البأس فی سائر الغزو المتجدد نهارا بعد نهار فی نواحی مستغانیم، و لاشتهاره بالحزم و العزم انتخب قائدا علی الدوایر بعد واقعة اسلی کما أنه لنصیحته و بذل نفسه مع الدولة أوقف أخاه عن الافتتان، و عابه عن العصیان، حین وقائع سنة خمس و أربعین و ثمانمائة و ألف فتولّی آغة علی تاسالة ثم الضایة ثم تیارت و سعیدة مکافأة له لحسن عمله و کرم سجیته و من تمام فضائله أنه کان لا یقع حرب إلا
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 299
و حضر میدانه فکلما وقعت معرکة إلّا و نهض إلیها مغضبا کاللیث فی الساعة معزّة لافرانسا و قد حضر حروب المقطع و البرج و معرکتنا الأولی بالمعسکر و هو إذ ذاک ابن سبعة عشر سنة کما شاهد قتال مزغران و رشقون سنة أربعین و ثمانمائة و ألف و کذا تاقدمت و أصیب بجراحة (کذا) حالة استلائنا (کذا) علی المعسکر ثانیا و لمّا فکّ رایة من ید العدوّ فی یوم تاخمارت سنة إحدی و أربعین و ثمانمائة و ألف امتاز بنیشان الحرمة من رتبة شوفایلی یعنی الرکاب علی الخیل. و کما حضر سنة اثنین و أربعین و ثمانمائة و ألف فی معرکة سعیدة. و سنة ثلاث و أربعین و ثمانمائة و ألف فی معرکة مستغانیم و أصیب فیها بجراحات ثلاثة. ثم یوم اسلی سنة أربع و أربعین و ثمانمائة و ألف لما غنم حصان ولد السلطان و أسلحته استحق الرئاسة بشجاعته المستوجبة الالتفات إلیه فنال بالیوم المذکور فی میدان الحرب نفسه منصب القیادة علی الدوایر، ثم بعد ارتقائه إلی رتبة آغة بتیارت عارک الأحرار مرارا حین تعصّبوا مع الأرباع و فاز بنیشان الحرمة من الرتبة الوردیة المنعم بها علیه بعد معرکة مزاب و متلیلی کما بدت لنا منه المزایا الجمیلة المعتبرة بأخذه حظا وافرا تحت إمارة السید أبی بکر بن حمزة فی تشتیت جموع الشریف محمد بن عبد اللّه قرب ورقلة. و کما أنه قاتل حمیان المتعصبین مع فرق من المغاربة عندما انتقل بمثل/ وظیفة آغة علی الضایة و هزم حشودهم هزیمة شنیعة قرب الجبل الأخضر، ثم أنّ فی یوم الثالث و العشرین من دیسمبر (کذا) و أربعة و عشرین منه سنة إحدی و سبعین و ثمانمائة و ألف جدّ فی الأرداف مع خیالته علی حشود قدور بن حمزة و لم یزل متبعا أثرهم إلی أن بلغ منه ما بلغ فی ردّ جلّ البیوت المفتنة فی الفتنة الآخرة للطاعة نذکر منها زاویة السید قدور بن حمزة الذی صیّره مکسور الشوکة إلی الیوم و لذا نعم علیه بنیشان الحرمة من رتبة التطویق و لاکن (کذا) فی سنة إحدی و ثمانین و ثمانمائة و ألف لمّا أدرکه الهرم و اعترته الأسقام، خانه الدهر و ولّت علیه الأیام، فهجم علی الطرافی بین الخضرا و الصفیصیفة بشجاعته المعتادة کما هو دأبه إلا أنه لم یبلغ المراد فیا حسرتی علی هذا الأنجب السید قدور ولد عدة و یا أسفی علی فقده ضاع لافرانسا بوفاته أحد
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 300
نصحاء خدامها، و أحد مشاهیر فتیانها، الذین عضّدونا و ثبتوا لنا الاستیلاء علی إیالة وهران بمقاتلة الأعداء فی مقدمات جیوشنا، و أیّدونا بالانتصار النافع لنا، هذا و لکرم سجیته و تهذیب أخلاقه أحبّه رؤساء جیوشنا و ولّات (کذا) بلادنا محبّة بالغة فأبقوا معه زمانا بالمخالطة الحسناء و المعاشرة الطیبة و لا ریب أن اسم هذا المرحوم و أصحابه یبقی (کذا) علی الألسنة بالخیر مذکورا، و فی الدفاتر المحفوظة بالقلم مسطورا، لأنهم کانوا أبطالا یعتمد علیهم فی النوائب لم یشاهد مثلهم قبل و لا بعد رحم اللّه من مات منهم عزیزا و لم یمت اسمه، و أسعد من بقی فی قید الحیوة (کذا) تحت ظل الدولة متصاعدا نجمه، فلله درّ أولائک الأعلام، الذین سطّرت الأقلام محاسنهم فی طروس الأیام، رجال و ما أدریک من رجال، أنشد فیهم لسان الحال و قال:
إنّ الفتی من یقول ها أنا ذالیس الفتی من یقول کان أبی
و قد قال من قال:
رحلت فضائلهم و سارت بسیرهم‌و مضت بهم أیام تلک الوقائع
أیامهم و حروبهم لالها ثناولدوا و ما ولدوا بتلک المواضع
فازوا علی أقرانهم و تمتعوابمحاسن و محامد و منافع
و لمّا مات خلّف ستة أولاد بالبیان، و هم: محمد، و عبد القادر، و الحبیب، و إسماعیل، و أبو مدین، و أبو زیان، فتولی محمد القیادة بسعیدة فی حیات (کذا) أبیه إلی أن مات بالمعسکر و حمل لوهران فدفن بالمقبرة التی بها والده، و خلّف ابنه عثمان بل خلّف عثمان، و عبد السلام، و محمد، و کلهم فی قید الحیاة لا من یجاحده (کذا) و تولی بعهد القیادة بمحلّه أخوه الحبیب و هو فی قید الحیاة کباقی إخوته هم فی الحیوة (کذا).
و محمد ولد عدّة کان رجلا موصوفا بالزعامة، و القوة و الدعامة، مشهورا بالفضل عند الناس، مقصودا فی النوائب لإزالة الباس، و کان قائدا علی الدوایر، محمود السیرة بغایة البوادر، و لمّا مات خلّف ثلاثة أولادهم فی قید الحیوة (کذا) بالتقریب، و هم مصطفی/ و عثمان و الحبیب.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 301
و الحبیب ولد عدة کان فی غایة البسالة، و الشجاعة و الکمالة، و تولی القیادة علی الدوایر، و سار السیرة الحسنة المزیلة للمغایر، و لمّا مات خلّف ابنه عبد القادر، فهو فی قید الحیوة (کذا) لا من أهل المقابر، و علیّ ولد عدة کان اصبایحیا بالإثبات، و خلّف ثلاثة أولاد و هم: عدة، و المولود، و قدور، و کلهم فی الحیاة، کما أنّ إسماعیل ولد عدة کان اصبایحیا و هو أوّل من قرأ من أولاد المخزن بالدولة الفرانسویة، و عثمان ولد عدة لم یتول شیئا، کعبد القادر ولد عدة أیضا فی القولة الخانسویة، غیر أنّ عبد القادر خلّف ابنا اسمه محمدا هو فی الحیاة، و عثمان و إسماعیل لم یعقبا شیئا بالإثبات، و هذه صفة شجرتهم المحرّرة، المحققة المؤسّسة المقرّرة.
شجرة نسب قدور ولد عدة البحثاوی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 302
ثم قدور الصغیر بن إسماعیل البحثاوی، تولّی آغة و کان طاهرا من سائر المساوی، و من خبره أنه کان فی ابتداء أمره سیارا و المراد بالسیار هو السفر، الواسطة بین البای و الباشا صاحب التحریر، ثم ارتقی قائدا علی بنی مطهر، و کانوا خرجوا عن طاعة بای وهران/ و لما تولی علیهم هذا الصندید فرحوا و رجعوا للإذعان، لما لهم من الرغبة و البخت فی تولیة البحایثیة علیهم، و السعادة الطالعة لهم إلیهم، أتی بکبرائهم لبای وهران فأکرم مثواهم، و فرح بهم لما أذعنوا له و هم تحت رئاسة هذا الشجاع الذی هو کهفهم و مأویهم (کذا). ثم سعا (کذا) فی مصاهرة البای مع شیخ انقاد، فتزوّج البای بابنة الشیخ علی ید هذا الباسل و صارت رئاسته فی الازدیاد، ثم سلّم فی هذا الوظیف و رجع لما کان علیه قبل سفیرا، لأنها من أعلا (کذا) المراتب و أجودها شهیرا، و کان البای مصطفی یحبّه کثیرا، حتی أنه من شدة محبته إیاه یخاطبه بقوله یا ولد الحلال خطابا کبیرا، ثم ارتقی لمنصب آغة بالتحقیق فکان مقبول القول و مطاع الأمر بالتوفیق، و سبب تولیته أنّ ابن عمّه علی ولد عدة ولد البشیر تولی آغة فقال له هذا الباسل نرغبک یا بن عمّی أن تقید تحتک علی الدوایر ابن عمّک بالحضری، و لک الأجر و الرفعة علی الغیری، فقال له لا نقیّد إلا ولد عدة فلما رآه هذا الشجاع مصمما علی ابنه و له فی ذلک قوة و شدة، طلب ذلک من البای فقال البای لآغة علی نحبک تجعل ابن عمّک بالحضری قایدا، فأجابه بأنه إذا کان آغة لا یولی إلا ابنه و إلا فهذا الکلام کله زائدا، فأمره البای بنزع البرنوس و عزله فورا من التولیة، و ولّی هذا الشجاع آغة فی القولة المرویة، و قال له: و اللّه یا ولد الحلال ما کنت أنطق إلّا بأنک أنت آغة بلا ریب، فسبقنی لسانی لعلی و اللّه شاهد علیّ فی أمری فی الحضور و الغیب، و کان هذا الشجاع محمود الأقوال و الأفعال، و جامع لسائر خصال الکمال، کثیر الشجاعة و السیاسة، و البراعة و الکیاسة، توفرت فیه شروط الکمال، و نال العز و الرفعة و الإقبال، و قد تقدم الکلام علیه و ما قیل فیه من النثر و النظم مستوفیا فی ترجمة البای المقلش و المسلوخ و علی بما یغنی عن الإعادة، و قد مات ببنی مناد فی المعرکة. و کم به من الجراحات فی سائر المعارک بغایة الزیادة، و لمّا مات خلّف ابنه الوجیه البارع أبا مدین خزنة الحفظ و الفهم، و کثیر المعرفة و الحفظ للنثر و النظم، و لم یتول شیئا إلی أن مات فخلّف
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 303
ابنه إسماعیل، و لما توفی دون خدمة خلّف ابنیه و هما: الحبیب، و محمد، کلاهما فی قید الحیوة (کذا) بغایة التأویل.
و هذه شجرتهم بحسب المراد، و من اللّه نکون فی الإعانة بالاستمداد:
شجرة قدور الصغیر بن إسماعیل
/ ثم تولی مصطفی بن إسماعیل البحثاوی آغة، فنال العزّ و الإقبال و الوجاهة و البلاغة، و کان رجلا موصوفا بالشجاعة و الزعامة، و البسالة و النزاهة و القیادة، ذا رأی سدید و تدبیر، و طلاوة و معرفة کبیرة و تحبیر، قد اجتمعت فیه خصال الکمال، و العنایة البالغة و أوصاف الاکمال، مسموع الکلمة مقبول القول مطاع الأمر، مهابا معظما مبجّلا کثیر الفکر، فقد نال الاحترام الجلیل مع الأتراک، ثم مع سلطان المغرب مولای عبد الرحمان بغایة الاشتراک، ثم بلغ النهایة القصوی فی الرئاسة و التبجیل مع الدولة، بحیث لم یدرک أحد مقامه
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 304
الذی بلغ به غایة الصولة، فقد کان آغة أغوات بالتحقیق، و ما ذلک إلا لعلمه الصحیح الخالی من التوبیق، و کانت به جراحات عظیمة، صارت له بها رفعة جسیمة، فأحدها (کذا) بصدره قد انجرح به بعین البرانس، بحیث أصابته الرصاصة بصدره و مشت فی جسده إلی أن سکنت منه باللوحة الیسری فی غایة التجانس، و ثانیها قد انجرح من رأسه فی واقعة الحد ببلاد أولاد الزایر، فی واقعة البای المقلش مع درقاوة و بنی عامر، و وجه ذلک فی المنقول من صحیح الأخبار، أنّ هذا الباسل هجم علی فارسین من أولاد المیمون فألفی فی المعرکة أحدهما قد کلّ فرسه و عجز عن الفرار، فترکه و ذهب للآخر و حصلت بینهما المضاربة، فأخطأ کل منهما صاحبه فی تلک المضاربة، فجاء صاحب الفرس الکال من وراء الباسل و ضربه للرأس بالسکین فسجّه، و قد ضربه آغة بالکابوس فأخطأه ثم ضربه بمؤخر المکحلة فشجه، و لما حل الجرح العظیم برأس الباسل غشی علیه، فرآه ابن عمّه علی ولد عدة علی تلک الحالة من بعید، فخشی أن یخلص العدوّ الضارب له رماه من بعید، و کان رامیا فأصابه بضربته للصدر و الید التی بها السکین فخر میتا بغیر تفنید، و ثالثهما قد انجرح من اصبعه و ذراعه الأیمن فی واقعة المهراز، و هی الواقعة بین المخزن و الأمیر إلی أن صار الأمیر فی غایة الانحیاز، و رابعها قد انجرح من یده فی واقعة سکاک بغیر الاحتیال، و هی الواقعة بین الدولة و الأمیر حال کون المخزن مع الدولة و فیها قال هذا الباسل الدماء حناء الرجال، و قد تقدم الکلام علیه مستوفیا فی دولة الترک و الدولة الجمهوریة بما فیه الکفایة، فلیراجعه من أراده فإن فیه الوفایة، و قد ذهب لافرانسا و جلس بها مع سلطانها و رؤسائها و أکل علی موائد سلطانها و سائر رؤسائها، و لمّا مات خلّف ثلاثة أولاد ذکور.
أحدهم آغة محمد بن إسماعیل المشهور، و من خبره أنه کان قائدا علی الدوایر، ثم ارتقی آغة بنی مطهر فی القول النایر، ثم انتقل بمثل وظیفه لعین تموشنت ثم جمع له ما بین العریشة و تموشنت ثم انفرد بتموشنت، و نال علامة/ الافتخار الفضیة، و سیدرک بحول اللّه و قوته العلامة الوردیة، و قد ذهب لافرانسا غیر ما مرّة، و جلس مع کبرائها و سلطانها و أکل معهم علی موائدهم و نال الهدایا منهم بغایة مسرّة، و هو رجل موصوف بالعقل و الثبات، و لا زال فی قید الحیوة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 305
(کذا) من خیار عباد اللّه الثقات (کذا) مشتغل بتلاوة القرآن فی اللوح و المصحف، مطالع لکتب الحدیث و القصص التی بها الارتقاء للمغترف.
و ثانیهم قدور و لم یدرک شیئا من الخدمة فی المذکور، و لمّا مات خلف ابنین فی القول المتواتر، هما فی قید الحیاة مصطفی و عبد القادر، و ثالثهم مصطفی أمّه حرّة جزائریة و کان قائدا أوّلا بفلیتة ثم انتقل بمثل وظیفه لبنی زنطیس، ثم انتقل لعرشه الدوایر بمثل وظیفه، من غیر تحدیس، ثم انتقل به لأولاد خالفة من بنی عامر، ثم انتقل به لعرش أولاد الزایر، ثم سلّم فیه و سکن وهران، فهو بها فی غایة الاحترام و الأمان.
و هذه صفة شجرتهم، بحسب الظاهر من شهرتهم:
شجرة نسب الآغا محمد بن مصطفی بن إسماعیل
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 306
ثم عدّة ولد إسماعیل و محمد ولد إسماعیل، و لم یتول منهما إلّا عدة فی القول الجلیل، و ماتا و لم یعقبا شیئا، فکان حالهما جمالا وفیئا.
ثم تولی الحاج بالحضری بن إسماعیل البحثاوی، فکان رحمه اللّه فی غایة الصفاوة من الأدناس و المساوی، و تولی أوّلا قایدا علی الدوایر، ثم صار ثانیا خلیفة علی أخیه آغة مصطفی فی القول النایر، ثم ارتقی ثالثا إلی المنصب الکبیر، فصار آغة المخزن بأجمعه فی دولة الأمیر، و کان موصوفا بالکرم و السیاسة، و الأدب و المعرفة و الشجاعة و الکیاسة/ محبا للعلماء و مجالسا لهم، جمع خزنة من الکتب ممارسا لهم، و ذلک کله بالسماع دون المناظرة، حتی صار إذا حصل سؤال عن القضیة بمحضر العلماء یقول انظروها فی الباب الفلانی من الکتاب الفلانی فقد سمعتکم تقرءونها فیه فی الوقت الفلانی حال المذاکرة، و لم یجمع أحد الکتب من البحایثیة ما جمعه هو إلّا ابن أخیه الحاج المزاری و أولاده، فإنهم مثله فی ذلک و قد فاقوه فیها فی بعض أفراده، و مات رحمه اللّه بمصر حال ذهابه لحجّه، فأتمّ اللّه له المراد بنیل المکارم التی أفضت لضجّه، و خلّف محمدا بالحضری و کان من خبره فی قول الحضری، أنه تولی قائدا بعرش الدوایر، و تمّ حزمه و صار فی الحال البارق النایر، ثم ارتقی آغة بتیارت، ثم انتقل بمثل وظیفه للدوایر فی القول الثابت، ثم انتقل بمثل ذلک الوظیف إلی بلعبّاس، فنال الاحترام و طاب بطیب الأنفاس، ثم انتقل إلی تلک الریاسة بفلیتة، فنال بزمّورة الافتخار الذی لم ینله ممّن تولی بفلیتة، و لا زال آغة بزمّورة إلی أن مات بها فی عام سبع و سبعین و ثمانمائة و ألف، الموافق لعام أربعة و ثمانین و مائتین و ألف، ثم حمل لمستغانیم و منها لوهران، و دفن بها بمقبرة سیدی البشیر جیرة أعمامه و قرابته فی غایة البیان، و قد نال علامة الافتخار المسمّة (کذا) بالتطویق، فکان فی سمائه بدرا کامل الهالة و النّور إلی أن ناداه منادی الارتحال و النفریق، و لمّا مات خلّف عشرة أولاد ذکور، و هم: بالحضری، و بلقاسم، و مصطفی، و محمد، و أحمد، و یوسف، و عبد القادر، و البشیر، و محمد، و الحبیب، و ما عدا الآخر (کذا) أحیاء و هو لم یعقب فی المشهور، و قد تولی بالحضری قیادة الدوایر و لا زال بها للآن، و بلقاس تولی قیادة الدوایر و تأخّر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 307
عنها فی هذا الزمان، و مصطفی هو من أعضاء مجلس المشورة الصغیر بوهران، و غیرهم لم یتول خدمة بالبیان.
و هذه صفة شجرتهم، بغیر نقص من شهرتهم:
شجرة نسب الحاج بالحضری و أولاده
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 308

الطبقة الثانیة [أولاد عدة ولد البشیر البحثاوی]

/ الطبقة الثانیة أولاد عدة بالبشیر أهل التأویل، کان جدهم عدة خلیفة علی أخیه آغة إسماعیل، موصوفا بالشجاعة و الکرم و الکفالة للیتامی و الأرامیل (کذا) و تقدّم الکلام علیه مستوفیا نظما و نثرا فی دولة البای إبراهیم، بما یغنی عن الإعادة للتفاهیم، و لمّا مات خلّف ستة أولاد ذکور بالتحریر، و هم علی و منصور و قدور، و اعمر، و الحاج، محمد، و البرادعی الکبیر.
فعلی ولد عدة تولی آغة بدولة الأتراک، و کان موصوفا بالفضاضة و الشجاعة و الرمایة و الغلظة البالغة للاشتراک، حتی کان لا یدخل علی البای علی ما حکی إلّا بسلاحه، حاملا لکوابسه معه غیر خافض لجناحه، فتضرّر بای وهران من غلظته و رفع لباشا الجزائر أمره فی شکیته (کذا) فاغتاظ علیه الباشا و سجنه بالجزائر حولا کاملا ثم عفا عنه لشجاعته و قال له اتق اللّه و لاکن (کذا) علی البای صائلا، و لمّا مات خلّف ثلاثة أولاد، و هم عدة، و أحمد، و قدور، بغیر الازدیاد، فعدّة تولّی قائدا علی الدوایر فی تولیة والده، و علیه وقع الخصام بین بای وهران مصطفی و والده، و مات و خلّف ابنه الحاج علی و لم یتول شیئا، و لمّا مات خلّف ابنه محمدا حمیة (کذا) فمات و لم یعقب شیئا، و أحمد بن علی لم یتول شیئا، و لما مات خلّف ابنه الحاج فمات و لم یعقب شیئا، و قد ولد علی البحثاوی، فإنه لم یتول خدمة فیما للراوی، و لمّا مات خلّف ابنه محمد الکبیر، فتولی قیادة الدوایر فی دولة الأتراک فی القول الشهیر، و لمّا جاءت الدولة الغولیة تولّی خدمتها بالرکوب، فکان محبوبا عند رائسها (کذا) بیجوا بغایة المطلوب، و کان فی غایة الشجاعة، و الفراسة (کذا) و البراعة، لاکنه (کذا) کان فضا غلیظ القلب کجده علی لیس بذی المراعة، و قد أخذ علامة الافتخار الوردیة، فکان بها فی غایة الأحوال المرضیة، و مات سنة تسع و أربعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لعام ست و ستین و مائتین و ألف، و سبب موته علی ما قیل أنّ ابنه البهلول غاب نهارا علیه، فرکب فرسه لیلا و ذهب للتفتیش علیه، فوثب فرسه مطمورة ألفاها بالطریق، فأصابه قربوس سرجه المقدّم للصدر فتألّم به و مات بالتحقیق، و لمّا مات خلّف ثلاثة أولاد ذکور، و هم محمد الصغیر الأحول و عبد اللّه البهلول المفقود و الحبیب الکفیف بالمشهور، فکان محمد الأحول قایدا بعتبة فی وقت
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 309
الدولة، و کان فضا شجاعا کأبیه وجده فی الفضاضة و الصولة، و سبی فی واقعة فلیتة التی مات بها مصطفی بالتحریر، ثم رجع من سبیه فی الشهیر، و مات دون عقب سنة تسع و سبعین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لعام ست و تسعین و مائتین و ألف، و عبد اللّه البهلول مات بلا عقب فی البیان، و الحبیب الکفیف هو حیّ الآن/.
و منصور ولد عدة بالبشیر، لم یتول الخدمة فی القول الشهیر، و مات و خلّف ابنه محمدا و هو خلّف ولدین، و هما علی و مصطفی فماتا بلا عقب بلا مین.
و قدور ولد عدة بالبشیر، لم یتول الخدمة بالتحریر، لاکنه (کذا) کان موصوفا بالبشالة (کذا) و البراعة و البطالة، و خلّف ولدین بالإثبات، و هما مصطفی لم یعقب و خملیش فی الحیاة.
و اعمر ولد عدة بالبشیر، لم یتول الخدمة فی غایة التشهیر، و کان شجاعا زدّاما، هجّاما فی المعارک عوّاما، جوادا کریما، أدیبا فهیما، و خلّف ثلاثة أولاد، و هم بالمختار و محمد المکنی بن إسماعیل و أبو مدین فی صحیح الإسناد، فبالمختار کان قائدا بالدولتین ثم آغة فی الدولة موصوفا بالشجاعة و البسالة محمود السیرة مسموع الکلمة بغیر المین، و نال علامة الافتخار الفضیة، و لشجاعته کانت به جراحات (کذا) فی القولة المحکیة، و مات مریضا و خلّف أربعة أولاد و هم محمد و غاب للآن، و إسماعیل لم یعقّب و قد مات بواقعة تلیلات فی البیان، و أحمد و خلّف ابنه إسماعیل فی الحیاة، و الحبیب و خلّف ابنه عبد القادر فی الحیاة، و محمد ولد اعمر المکنی بن إسماعیل، لم یتول الخدمة و لم یعقب فی التأویل، و أبو مدین ولد اعمر لم یتول خدمة أیضا، و خلّف ابنه محمدا محضا، و هو خلّف المولود، لا زال فی الحیوة (کذا) و الوجود.
و الحاج محمد ولد عدة بالبشیر، فکان قایدا بالدوایر مشهورا بالعز و التوقیر، شجاعا مقداما، کریما فهاما، زداما عواما، بطلا هجاما، و قد خلّف ولدین، و هما السید اعمر و البرادعی الصغیر بغیر مین، فالسید اعمر کان حاملا لکتاب اللّه العظیم، حافظا له علی ظهر قلب فاهما له بغایة التفهیم، بحاثا فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 310
العلوم غواصا، محقّقا لدینه حرّاصا، موصوفا بالشجاعة و الرمایة، و الکرم الذی لا یضاهیه فیه غیره و الخمایة، و لشدة بأسه هجم علی بنی مطهر حال مقاتلتهم مع الدوایر، فدهمهم بالهجوم إلی أن فرّقهم یمینا و شمالا فی القول النایر، و صار یشتمهم شتما کثیرا، و لم یرد قتلهم بل قصد بضربه خیلهم فقتل منهم کثیرا، و لو رام قتل رجالهم لقتلهم عن آخرهم شهیرا، و ما ذلک إلا من شدة الرمایة، و قوّة الشجاعة و الحمایة، و کان قایدا علی الدوایر و نال علامة الافتخار الفضیة، و له فهم دقیق فی العلوم و الأقوال المحکیة، فلقد حدّثنی عنه شیخنا العلامة الصمدانی، الدراکة الربانی، الحسنی السیدی محمد بن یوسف الزیانی، أنّ هذا المرحوم سأل بمحضره العلامة الربانی الشیخ السید الحاج بن عبد الرحمن البوشیخی الشقرانی، عن قوله صلی اللّه علیه و سلم أکرموا عمّتکم النخلة هل هذا الحدیث صحیح أو باطل، و علی صحته فما وجه تسمیتها بالعمة فی أکرم الأقاول، فأجابه الشیخ بأنه لم یسمع بهذا الحدیث إلّا منه فی هذه الساعة/ و أنه فی فهم معناه لقلیل البضاعة، فسأل شیخنا من شیخه الإذن فی الجواب، فأذن له فقال له شیخنا إن الحدیث صحیح مذکور فی غیر ما کتاب، و قال صاحب المزیدة فیه النخل هو شجر البلح و هی أول شجرة استقرت علی وجه الأرض، و أنها شجرة مبارکة توجد فی کل مکان فی النفل و الفرض، قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم أکرموا عمّتکم النخلة، و إنما سمیت عمّتنا فی واضح القولة، لأنها خلقت من فضلة طینة آدم علیه السلام و لأنها تشبه الإنسان بالاحتکام، من حیث استقام قدّها و طولها بالإثبات، و امتیاز ذکرها من بین النبات، و اختصاصها باللقاح، و رائحة طلعها کرائحة المنی بالإنشراح، و لطلعها غلاف، کالبشّمة (کذا) التی یکون فیها الولد للاغتلاف، و لو قطع رأسها لماتت، و لو أصاب جمارها أفاة (کذا) لهلکت و فاتت، و أنّ الجمار من النخل کالمخ من الإنسان، و علیها اللیف کشعر الإنسان، و إذا تقارنت ذکورها بین أناثها ألقحتها بالریح لاشتراقه، و ربما قطع آلفها من الذکور فلا تحمل بفراقه، و إذا دام شربها للماء العذب تغیّرت و إذا سقیت المالح و طرح الملح فی أصولها حسن ثمرها و تحررت، و یعرض لها أمراض مثل الإنسان، منها الغم و العشق و منع الحمل و سقوط الثمر بعد الحمل کما ذلک فی الإنسان، فأخذ السائل ید شیخنا و قبّلها، و شرّفها فی التقبیل
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 311
و جبّلها، و سأل منه صالح الدعاء المزیلة للکروب و فرح الشیخ البوشیخی بالجواب المحرر النقل المشفی للمطلوب، و هذا دلیل علی غوص السائل فی العلوم، و اطّلاعه علی المنطوق و المفهوم، و خلّف أربعة أولاد ذکور، و هم:
محمد، و خلّف أربعة أولاد ذکور، عبد القادر و بقدور و الحبیب و بالمختار الصغیر، ثم بالحضری و خلّف ثلاثة أولاد اعمر و قدور و بغداد أحیاء بالتحریر، ثم الحبیب و البرادعی و هما فی الحیاة، لم یتول واحد منهم الخدمة بالإثبات، و البرادعی الصغیر بن الحاج محمد کان قایدا فی وقت الدولة، موصوفا بالشجاعة و الصولة، مشهورا بالسخاء و الجود، مذکورا فی المجالس بقصد الوفود، و خلّف ولدین ذکرین، و هما أحمد لم یعقب و عبد القادر حی بلا مین.
و البرادعی الکبیر ولد عدة بالبشیر، کان خلیفة علی ابن عمّه قدور الکبیر، و کان موصوفا بالنجدة، مقصودا للناس فی الرخاء و الشدة، مشهورا بالشجاعة و البسالة، مذکورا بالبراعة و الکمالة، و لم یعقب شیئا، و هذه شجرتهم أصلا و فیئا.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 312
شجرة نسب عدة بن البشیر البحثاوی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 313
الطبقة الثالثة

الطبقة الثالثة أولاد یوسف بن البشیر البحثاوی،

کان جدهم یوسف موصوفا بالبسالة و النجدة و التشمیر، تولی قیادة الدوایر فی دولة الأتراک، و ظهرت شجاعته و جوده بغایة الاشتراک، و خلّف ولدین ذکرین و هما عدة، و علی، بلا مین.
فعدة ولد یوسف کان موصوفا بالشجاعة و الفطانة و البراعة و خلّف ولدین و هما الموفق و یوسف بالترتیب، فالموفق لم یتول الخدمة و خلّف ولدین أحدهما المولود، و کان قایدا بالدوایر فی الدولتین شجاعا و مات دون التعقیب، و ثانیهما العربی و لم یتول الخدمة و خلّف ابنه عدة، و هو خلّف العربی فی قید الحیوة (کذا) موصوفا بالنجدة، و یوسف ولد عدة کان قاید الدوایر بغایة الخدمة، و کان موصوفا بالشجاعة و الزدمة، و خلّف أربعة أولاد و هم عبد القادر و غاب للآن، و الحاج قدور و تولی قیادة أولاد سوید فی وقت الدولة بالبیان، و کان موصوفا بکثرة التّراث، و حجّ بیت اللّه الحرام لنیل الاکتراث، و لم یخلّف ذکرا، و عبد اللّه/ و خلّف ابنه بن عبد اللّه هو حی مشتهرا، و بن عبد اللّه و لم یعقّب شیئا.
و علی ولد یوسف لم یتول الخدمة شیئا، و خلّف ولدین محمدا. و خلّف ابنه بالحضری و لم یعقّب ذکرا، و عبد الرحمان و خلّف ابنه عبد القادر و لم یعقب مشتهرا، و هذه صفة شجرتهم المحررة، الموضحة المقرّرة.
شجرة نسب أولاد یوسف بن البشیر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 314
الطبقة الرابعة

الطبقة الرابعة أولاد الموفق بالبشیر البحثاوی‌

، کان جدهم الموفق قایدا علی الدوایر فی وقت أخیه آغة الکبیر إسماعیل بن البشیر البحثاوی، موصوفا بالأخلاق الجمیلة، و الأقوال الصادقة و الأفعال الکاملة الجلیلة، و لمّا مات خلّف ابنه قادی، فلم یتول الخدمة و خلّف أربعة أولاد ذکور للتعدادی، و هم محمد الکبیر و یقال له المولود، و محمد الصغیر، و قدور، و خملیش بالتحریر.
فمحمد الکبیر لم یتول خدمة، و خلّف ولدین: المولود، و سی خملیش.
و ماتا بلا تعقیب صدمة، و قد کان سی خملیش قایدا علی الدوایر وقت الدولة، فنال غایة الاحترام و التوقیر و الصولة.
و محمد الصغیر کان قایدا علی الدوایر بدولة الأتراک و الأمیر، و خلّف أربعة أولاد ذکور بالتشهیر، أوّلهم السید أحمد تولی أوّلا قیادة الدوایر ثم آغة الدوایر ثم آغة فرندة، ثم ارتقی باش آغة فرندة و لصفاء خدمته نال علامة الافتخار الفضیة، ثم الوردیة ثم الطوقیة، ثم علامة الافتخار الکبیرة، و له شیعة التوقیر من جنس آخر کما روی فی القولة الشهیرة/ و کان حافظا للقرآن، موصوفا بالفهم الثاقب، ذا شجاعة و نجدة و بسالة ناصرا للمظلوم و المغلوب قاهرا للظالم و الغالب، و قد جلس کأعیان بنی عمّه علی موائد الملوک و أکابر الدولة، و کان ذا مال جزیل قد أزال به همّه و غمّه و صار به فی الصولة، و لمّا مات سنة خمس و ثمانین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لعام اثنین و ثلاثمائة و ألف، بداره برأس العین بوهران، و حمل لمقبرة أسلافه بالعامریة من جبال ملاتة البحریة بمقبرة سیدی علی البسیسی فدفن بها بغایة البیان، بعد أن شیّع نعشه أمّة من المسلمین و النصاری و الیهود، و هم فی الحزن الشدید لفراقه دون الجحود، خلّف ثمانیة أولاد ذکور هم: بالحضری و کان قایدا بصدامة و الشلف و غیرهم من دایرة فرندة، شجاعا جوادا فی المذکور، و له الشیعة الفضیة فی المشهور، و قد خلّف ابنه عبد القادر هو من أعضاء مجلس العامریة من عرش الدوایر، و علّی و هو قاید بعرض المحامید من الحشم الشراقة بدون التخایر، و له علامة الافتخار الفضیة، و من جملة أعضاء مجلس المشورة الکبیر بوهران فی القولة المرویة، و محمد و کان قایدا علی فرقة من عرش الدوایر، و محمد و هو قاید بعرش الأحرار بالتخایر، و الزبیر، و أبو مدین کلاهما قایدان بافرندة للأول منهما علامة الافتخار التونسیة، و عبد القادر و محمد الصغیر
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 315
التوأمان لم یتولیا شیئا من الخدمة الجونسیة، جمیع الأولاد السبعة فی الحیوة (کذا) بالانتخاب، ثانیهم سی الحبیب و کان من حمالة (کذا) الکتاب، فکان قایدا علی أهل الوادی من تلمسان ثم انتقل بمثل وظیفه للمحامید من عرش الحشم الشراقة بغایة الصواب، و مات و خلّف ستة أولاد ذکور، و هم عبد القادر، و أحمد، و المولود، و أبو مدین، و الجیلانی، و أبو عزة. کلهم أحیاء و لم یتول واحد منهم الخدمة فی المشهور، ثالثهم أحمد الصغیر لم یتول الخدمة و لم یعقب شیئا، رابعهم قادی هو حی و لم یتول خدمة و لا نال فیئا.
و قدور لم یتول الخدمة و خلّف ابنه محمد المعروف بولد الخوات، و یقال له محمد بالبشیر، فکان موصوفا بالفروسیة و الشجاعة و تدریب الخیل بالتحریر، و تولی أوّلا قایدا علی عرش الدوایر، ثم ارتقی آغة بالدوایر ثم بعین تموشنت، فی القول النایر، و نال علامة الافتخار الفضیة من الدولة، فصال بها علی غیره بغایة الصولة، و لمّا اعتراه المرض ترک الوظیف و جلس ببیته لمعالجة دائه إلی أن مات، و خلّف أربعة أولاد ذکور و هم محمد التلمسانی و کان قایدا بأولاد خالفة، و أبو مدین و عبد القادر الکفیف لم یتول واحد منهما الخدمة و کلاهما فی الحیاة، و الموفق و کان قایدا علی الدوایر المرة بعد المرة، و نال علامة الافتخار الفضیة المزیلة للمعرّة، و خلّف أربعة أولاد، و هم محمد و بن عودة و أحمد کلهم أحیاء، و عبد القادر/ و مات بلا عقب بغیر انتقاد.
و خملیش لم یتول شیئا من الخدمة، و لا نال شیئا من التوقیر و الحرمة، و لمّا مات خلّف ابنه إسماعیل، فکان أولا لیتنان بالمجامیل و التفاصیل، ثم صار قایدا مع وظیفه بالمدینة الجدیدة بوهران، ثم قایدا بأولاد خالفة بالبیان، و نال علامة الافتخار الوردیة فکان موصوفا بالسخاء، و الشجاعة المرضیة، هو الذی اشتد الأمیر فی قبضه علی ید وزیره الأعظم الحاج محمد المزاری، فأتاه و قبضه و أوثقه کتابا کرفیقه محمد بالحمام إلی أن خلصوهما من یده الدوایر فی القول الحاری، و لمّا مات سنة أربع و ستین و ثمانمائة و ألف الموافقة لعام ثمانین و مائتین و ألف، و دفن بمقبرة سیدی البشیر من وهران خلّف ابنه محمدا أبا الانفاض، فکان فی غایة الریاسة بالأصول و الأنقاض، فتولی أوّلا قایدا علی الأغواط بالدوایر، ثم انتقل بمثل وظیفه لأهل الوادی من تلمسان بالتخایر، ثم ارتقی قاید
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 316
القیاد بولهاصة، ثم ارتقی آغة الحشم الشراقة بالمعسکر فنال لهاصة، ثم انتقل آغة الخشنة، ثم صار آغة بتنقرت و وادی ریغ بدلا من الخشنة، و کان لیتنان، و له علامة الافتخار الفضیة بالبیان، و لمّا مات خلّف ابنه إسماعیل، فهو بقید الحیوة (کذا) قد تمهّر فی اللغة الفرانسویة قراءة و کتابة و تکلّما بها بغایة التأویل.
و هذه صفة شجرتهم، بحسب شهرتهم:
شجرة أولاد البشیر البحثاوی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 317
/ و هذا آخر الکلام علی البحایثیة، مبیّنا فی القولة الحایثیة، بحسب طبقاتهم الأربع و أصولهم و فروعهم، و حسبهم و نسبهم و شجراتهم و سیرتهم و خدمتهم التامة و حرمتهم و توقیرهم فی نهایتهم و شروعهم.

الکراطة أو الکرطیة

و أمّا الکراطة فهم أولاد الشریف الکرطی، و اسمه عبد اللّه بن عبد الرزاق التلاوی الفرطی، من شرفاء الراشدیة الأعیان، الثابتین الشرف بغایة البیان، نسبة لمدینة الکرط، و من نسبهم لأولاد الأکرد فقد غلط بالفرط، و أصلهم من مدینة الکرط أحد مدن غریس الغربی، فهم بطن من بنی تالة أحد شرفاء بنی راشد بغایة النجبی، و سبب تولیتهم رئاسة المخزن أن جدهم الشریف الکرطی لما مات أبوه ذهبت به أمّه إلی عرش أولاد الأکرد، فتزوجت هناک بأحد الأندال و بقی معها ولدها إلی أن کبر فجاء إلی محل أسلافه الأفرد و سکن بحومة بابا علی من مدینة المعسکر، و اشتری فرسا ذکرا من عتاق الخیل أشهب اللون قد لحقه الضعف و اندبر ظهره و حلّ فی المکر، فعالجه بالدواء و جعل لظهره الحناء إلی أن صار فی غایة الجودة، فصار یرکبه و یذهب علیه للدواویر بالبادیة لبیع العطریة و یدوس علیه بالجودة، و لمّا یرجع لمحله یربطه بالفندق المقابل لمحکمة البای، و هو علی تلک الحالة فی الجولان و تدبیر الرأی، إلی أن رأی فرسه بای المعسکر فأعجبه و قال لمن هذا الفرس الذی علی هذه الصفة، فقیل له أنه للحضری الشریف الکرطی و هو الذی صیّره علی هذه الصفة، فأمر بإحضاره لدیه، و لما مثّل بین یدیه، قال له نحبک تذهب ببطاقتی لمستغانیم و ترجع فورا، و کان الخبر قد انقطع علی البای لخوف الطریق و کثرة اللصوص و السباع فذهب و أوصلها و جاء بالجواب فورا، فجعله البای من جملة الاصبایحیة (کذا) ثم صیّره خلیفة البحثاوی آغة بن عودة بن البشیر فی القولة الموافیة، ثم صیّره آغة المخزن و غیره، لمّا مات بن عودة و صار الغیر فی ضیره.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 318
یحکی أنه وقعت بحضرة البای عصمان بالمعسکر المفاخرة بین إسماعیل بن البشیر البحثاوی، لما کان خلیفة علی الشریف الکرطی، و بین الکرطی کما قال الراوی، فقال الشریف الکرطی لخلیفته إسماعیل یا إسماعیل قد طال أمرک، و ازداد علینا فخرک، فقال له إسماعیل أیها الشریف إنما ذلک بحسب ما نشأت أنا و أنت علیه، فأنت تزوجت أمک بأحد أندال أولاد الأکرد فکبرت عنده و تعلّمت الحیلة علیه، ثم صرت حضریا تجول فی الدواویر و تقول أیّاو الحضری یا بناتی، أبوکم بن هطّال قد جاء لبیع ما یواتی، إلی أن صرت إلی هذا المقام العظیم، و لا أصل لک فی الرئاسة فی المخزنیة و إنما لک الأصل فی الشرف الجسیم، فدرّبک أخی بن عودة لما کنت خلیفة علیه إلی أن علت لک الکلمة، فاحمد اللّه علی ما أولاک لما جاءتک الحرمة، و أنا خالطت أوّلا الماجد الفاضل الشیخ أبا علام بن الحبوشی، صاحب الأقوال المسموعة و الأفعال المحمودة و الأموال المبذولة و الآراء السدیدة النافعة و الشجاعة الکاملة المهزمة للجیوشی، ثم خالطت ثانیا الفاضل الماجد/ الشجاع الواکد، الشیخ دموش ولد الشحط رئیس أولاد علی و أحد أجوادهم و أعلاهم کلمة و رتبة بأزواجهم و أفرادهم، صاحب الأموال المنقودة، و الأحوال المحمودة، و الأقوال الکاملة و الأفعال الجلیلة، و الرمایة و الشجاعة و الفضل العمیم و الأخلاق الجمیلة، فتزوّج بأمّی و کبرت عنده بکبر أولاد البیوت الکبار، و سرت بسیرته الحمیدة إلی أن بلغت الخلافة علیک علی ید سیدنا و مولانا عصمان بای الإیالة الغربیة بأجمعها المجاهد فی سبیل الغفار، کما بلغت أنت الخلافة علی أخی بن عودة بعد أن کنت دواسا، و جائلا فی الدواویر و القری جواسا، فانظر أینا أحق بالمفاخرة أنت أم أنا و سیدنا مع أهله مجلسه لهم معرفة کاملة بالمسامرة، فضحک البای و أهل مجلسه و قال للشریف إنک لمغلوب، و إن إسماعیل لغالب بغایة المطلوب، و لما مات خلّف ثلاثة أولاد بغیر اعتساف، و هم: علی الیسیر، و بن سالم، و محمد الزحاف.
فعلیّ الیسیر لقب بذلک لکونه أسّره الاسبانیون بوهران من الکرط لوهران، ثم فدی و تولی قیادة المعسکر فی صحیح البیان، و خلّف ابنه الحاج محمد فتولی قیادة المعسکر، و خلّف ابنه الحاج أحمد فتولی قیادة المسعکر، و خلّف ولدین
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 319
أحدهما السید الطاهر ابن أمة و هو المؤذن بجامع سعیدة، و الآخر السید محمد و خلّف ابنه بالمختار و هو خلّف أحمد لم یعقب فی القولة المفیدة، و بن سالم لم یتول علی ما قیل الخدمة و لم یعقب.
و محمد الزحاف تولی آغة المخزن فی الأصوب، و خلّف ثلاثة أولاد قولا فیئا، أحدهم المعزوز و کان قایدا علی الدوایر و لم یعقّب شیئا و ثانیهم الحاج قدور الأطرش قولة موجودة کان آغة المخزن و کانت سیرته محمودة، و خلّف ابنه الحاج الحبیب کان آغة المخزن بوقت الدولة، ثم صار آغة فلیتة و نال للصولة، ثم سافر للحج و به مات بالبیان، و خلّف ابنا زمینا اسمه أبو زیان، و ثالثهم الحاج عبد اللّه و کان أوّلا قاید الدوایر ثم ارتقی آغة المخزن محمود الأقوال و الأفعال، و له سیرة محمودة و موصوف بالمال، و لمّا حجّ بنا (کذا) سقایة ماء بالحرم الشریف، للشرب لوجه اللّه تقبّل اللّه منه و جعل عمله مقبولا من العمل الظریف، و خلّف ولدین أحدهما الحاج محمد الذی قتل الفرس بالأمیر حال مقاتلته مع المخزن بواقعة الحنایة بالبیان، ثم سافر للمشرق و لم یرجع منه للآن، و ثانیهما الحاج قدور الصغیر صاحب الأقوال المرضیة، کان قایدا ببنی مدیان بناحیة تاقدمت فی وقت الدولة و له علامة الافتخار الفضیة، و خلّف ستة أولاد بغیر لفظی، و هم أحمد و الزبیر و النعیمی و محمد و عبد اللّه. و السادس ابن أمة غاب اسمه عن حفظی، و هذه صفة شجرتهم المقررة المبینة المحرّرة/:
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 320
شجرة أولاد الکرطی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 321

البناعدیة

و أمّا البناعدیة فجدّهم یقال له بن عودة بن خدّة، النافع لهم فی الرخاء و الشدة، و هو من ذریة الشیخ الممدود، و هو من ذریة الشیخ السنوسی الموصوف بالشجاعة و الجود، و أصلهم من أجواد واد الحمام، من أجواد الحشم بغایة الانتظام، و کانت لهم الرئاسة علی الحشم بالتحقیق، فتولی الریاسة جدهم الشیخ السنوسی فی القول الحقیق، ثم تولی الرئاسة حفیده الممدود، فطالت صولته و فاز بالکرم و الجود، و کان جدهم بن عودة بخدة شاوشا علی آغة قدور الکبیر بن إسماعیل البحثاوی، فتزوّج آغة ابنته و صیّره خلیفة علیه فیما للراوی، ثم صار خلیفة علی البحثاوی آغة عثمان بغیر انتقاد، ثم ارتقی آغة المخزن إلی أن مات بواقعة انقاد، و خلّف ابنه بن عودة و هو خلّف ابنه عبد القادر و لم یعقب/ فی القول الظاهر، و هذا وصف شجرتهم، بحسب شهرتهم:
شجرة نسب البناعدیة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 322

الدوایدیة أو الدواودیة

و أمّا الدوایدیة فأصلهم من هبرة، و کان أبوهم بن داوود ابن الحاج المختار بن محمد بن یحیی بن العربی بن تجین بن قدور بن جعفر بن محمد بن أحمد بن الحسین بن مالک بن أحمد بن محمد بن داوود بن هبرة، وکیلا علی آغة عثمان بن إسماعیل البحثاوی بهبرة، فأنقله (کذا) إلی ملاتة بعرش الدوایر، و استقر به إلی أن مات آغة عثمان و تولی آغة قدور الصغیر بن إسماعیل البحثاوی فی القول الظاهر، فصار عنده شاوشا، و لأموره ذابّا و حائشا، فلا زال علی تلک الحالة إلی أن أرسل جیشه آغة و هذا الشاوش مع الجیش لواقعة الحشم، فی وقت البای أبی کابوس فمات بوادی الحمّام قتله به الحشم، و خلّف ولدین، و هما عبد القادر، و السید محمد بغیر مین.
فعبد القادر کان سفیرا بین آغة عدة ولد عثمان البحثاوی، و ابن السلطان افرانسا لمّا کان مقیما بالجزائر کما للراوی، ثم صار آغة بسعیدة و غیرها بالتحقیق، و له علامة الافتخار الوردیة فی القول الحقیق، و کان موصوفا بالرأی و التدبیر، و الکیاسة الدالة علی الغوص للخبیر، و لمّا مات خلّف ابنه بن عبد اللّه فکان قائدا علی أهل الوادی بنواحی تلمسان، و له علامة الافتخار الفضیة بغایة البیان.
و السید محمد کان أوّلا کاتبا عند آغة السید الحاج محمد المزاری، ثم صار کاتبا عند عمّه رایس (کذا) الأغاوات السید مصطفی بن إسماعیل البحثاوی فی القول الحاری، ثم ارتقی کاتبا بمحکمة الدولة لدی حاکم البیر (کذا) بوهران، ثم صار آغة الدوایر بغایة البیان، و هو موصوف بالمعرفة و التحدیس، حامل للکتاب العزیز بغایة التدریس، و نال علامة الافتخار/ التطویقیة و الحمالة الکروشیة، من الدولة القولیة و التونسیة، و له ولدان أحدهما الحبیب، کان قایدا علی الدوایر و له علامة الافتخار المسمة (کذا) بالمدای فی القول المثیب، و الآخر محمد قد قرأ بالمدرسة الکبری بافرانسا إلی أن تعلم بها اللغة الفرانسویة قراءة و کتابة و تکلما بها بغایة التعلیم، و منها خرج للخدمة الخصوصیة کبیرا
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 323
فحضر لوقائع لطونکة و الطلیان و غیرهما و فاز بالتعلیم، ثم حضر لوقائع عمالة وهران کلها من سنة تسعة و خمسین و ثمانمائة و ألف، الموافقة لعام ست و سبعین و مائتین و ألف، إلی عام التاریخ بالبیان، و صار فی الارتقاء إلی أن نال منصب کلونیل کبیر علی الاصبایحیة و نال علامة الافتخار التطویقیة بغایة البیان ثم سأل التقاعد فأجیب للمراد، و هو فی غایة التوقیر المتم للمراد.
و هذه صفة شجرتهم المقررة المحققة المحرّرة:
شجرة نسب الدواویدیة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 324
تنبیه وجیه: و من جملة الدوایر مخزن وهران أولاد محمد بالضیف و هما مصطفی و الحاج و لم یتولیا الخدمة و الریاسة بوهران و إنما تولیاها بمستغانیم، فمصطفی کان قایدا علی/ الوکلة ثم صار خلیفة علی حاکم الدایرة بمستغانیم، ثم صار آغة علی فلیتة و نال علامة الافتخار الفضیة، و خلّف ابنه عبد القادر لیس من أهل الأفعال المرضیة، و الحاج تولی أوّلا خلیفة علی حاکم دایرة مستغانیم، ثم صار آغة علی عرش مجاهر فنال غایة التغانیم، و نال علامة الافتخار الفضیة، و صار من جملة أعضاء مجلس وهران الکبیر الذی لا یسمّی فیه إلا أهل الأفعال المرضیة، و هذه صفة شجرتهم، بحسب الظاهر من أهل شهرتهم:
شجرة نسب أولاد بالضیف
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 325

البرجیة

و أمّا البرجیة، فإنهم لیسوا بملتقطین و إنما هم عمومیة فی القولة المرجیة، و منهم قاید العرش بالتحقیق، و یندرج تحت رئاستهم فی دولة الأتراک سجرارة و خلافة و الحوارث و جلّ صدامة فی القول الحقیق، و کانت الرئاسة مأصّلة (کذا) فیهم فی النقایبیة و البلاغة، و أکثرها فی النقایبیة فی الروایة البلاغة.

النقایبیة

فأمّا النقایبیة فجاء جدهم من خلافة و هم أبناء عم الأمیر، یجتمعون معه فی شجرة النسب فی أحمد بن عبد القادر الشهیر بابن خدة بن أحمد بن محمد بن عبد القوی الثالث بن علی بن أحمد بن عبد القوی الثانی بن خالد بن یوسف بن أحمد بن بشار بن محمد بن مسعود بن طاوس بن یعقوب بن عبد القوی الأول بن أحمد بن محمد بن إدریس بن إدریس بن عبد اللّه الکامل بن الحسن المثنی بن الحسن السبط بن علی بن أبی طالب رضی اللّه (عنه) و ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم بغایة التحریر، لکون أحمد بن عبد القادر بن خدة المذکور، خلّف ولدین فی المسطور، و هما عبد القادر و محمد، فعبد القادر خلّف ابنه المختار فی القول المفرد، و المختار خلّف عدة أولاد، منهم محمد خلّف المصطفی و هو خلّف ولدین علیا أبا طالب و محی الدین و هذا الثانی خلّف عدة أولاد منهم الحاج عبد القادر الأمیر بغیر انتقاد، و محمد خلّف/ ابنه الأصفر و هو خلّف ولدین أحدهما بغداد، و هو جد ستّار و الحاج المخفی الذین (کذا) کانت لهما القیادة علی الحیطیة فی دولة الأمیر و الدولة، و نالا غایة الاحترام و أدرکا معا للصولة، و کان ستار أیضا خلیفة علی آغة الشاذلی فی وقت الدولة، و انقطعت ذریتهما بالکلیة بغایة الحولة و الآخر محمدا أبا نقاب، و منه تفرّع النقایبیة بغایة انتخاب، قال وجدهم الأصلی و هو عبد القوی الثالث المعروف بالنصبی، و هو مدفون بمدشر تفرسیت من بلاد الریف فی القول المجتبی، و لما مات خلف عدة أولاد منهم عیسی و محمد بغایة المراد، فانتقلا من المغرب الأقصا (کذا) إلی المغرب الأوسط و نزلا منه فی المسطور، بقبة سیدی أبی زید بجبل العمور، إلی أن ماتا و دفنا هناک، و قبراهما مشهوران للاستبراک.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 326
فعیسی بن عبد القوی خلّف ابنه المهدی فانتقل لتیارت و سکن بها فی القول المفید، و کانت له الرئاسة علی سائر سوید، و خلّف ابنه اعمر فحاز رئاسة قومه بعد موت أخیه یوسف الذی اقطعه یغمراسن الزیانی البطحاء و سیرات، و استخلفه فی سفره علی تلمسان و ما والاها من المشرق بالإثبات، و هو خلّف ابنه عثمان، و تولی أمر الطاعنین من سوید بعد أبیه فی البیان، و هو خلّف ابنه یحیی و هو خلّف ابنه سعیدا و هو خلّف ابنه المسعود، و یقال لذریته أولاد المسعود و هم بفم العقبة فی الموجود، و هو الذی فرّ من أبی الحسن المرینی لما نزل بتاسالة و عقد للشیخ یعقوب بن و زمار بن عریف دونه علی سوید، فاجتمع ببنی عامر بالقفر و جنحوا للزیانی و صاروا شیعة له بالتسدید، و أجلبوا الغارة علی و زمار بإغراء ابنه صراشة و هو عبد الرحمان بإجهار، و کانت بینهم و بینه المعرکة الکبیرة التی مات فیها المسعود، و خلّف عدة أولاد منهم عطیة صاحب الکرم و الجود، و هو خلّف ابنه عبد اللّه و هو خلّف ابنه محمدا و هو خلّف ابنه بن عودة، صاحب الخصال الکثیرة المحمودة، و هو خلّف ابنه أحمد بحث، الذی لا یعد المال فی العطاء و إنما فیه یحث، لقّب بذلک لشدة بحثه علی أمر دینه و دنیاه، و بحثه علی قاتل أخیه لأمه سعید بن محرز و هو المهدی بن یعقوب من بنی عامر إلی أن ألفاه بهیدور بغمرة کما مرّ الکلام علی ذلک فی الأمر الظاهر، فهو جد البحایثیة فی المشهور، و هو خلّف ابنه أحمد و هو خلّف ابنه البشیر جد البحایثیة المذکور.
و محمد بن عبد القوی خلّف ابنه أحمد و هو خلفه ابنه عبد القادر، فانتقل لخلافة و سکن بهم و هو فی الحال المتظاهر و تزوج منهم بامرأة یقال لها الیاقوت، و خلّف معها ولدا یقال له أحمد و صار فی الظهور بغایة النعوت، و تزوج من أخواله بامرأة یقال لها النفیسة، و کانت من الصالحات ذات الأحوال النفیسة و خلّف معها ولدین و هما/ محمد و عبد القادر، و لما کبرا انتقلا من خلافة للراشدیة فی القول الظاهر، فسکن محمد بجبل المناور، و سکن بوادی العبد أخوه عبد القادر، و تزوج کل منهما بمحل سکناه، و بلغ بذلک مراده و ما یتمنّاه، فخلّف محمد ابنه الأصفر جد النقایبیة، و خلّف عبد القادر ابنه المختار جد المخاتریة، ثم انتقل المختار للمعسکر فشنّعوا علیه، و انتقل بعدها لکاشرو إلی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 327
أن قضی اللّه علیه، و انتقل الأصفر إلی بلاد أولاد ریاح، و سکن إلی ولد (کذا) له ابنه محمد أبو نقاب جد النقایبیة و صار فی السرور و الافتراح، و کان الأصفر فی غایة الشجاعة و الفروسیة و حوز الرئاسة، و کان المختار فی غایة التعبّد و المعرفة باللّه کثیر الکیاسة.
قال و کان للأصفر مخالطة و مصاحبة مع أبی بکر الملّی رایس (کذا) سوید، ثم انتقل لمدینة البرج و سکنها و علت کلمته فی القول السدید، و سبب تکنیة جدهم بأبی نقاب، أنه کان متطبعا بجعل اللثام و هو النقاب، فجاء ولی من الراشدیة الواصلین یقال له سیدی أبو جناح لسوق البرج لبیع جلبه فنهب له و صار فی غیر انشراح، فقیل له إذا أردت أن لا یضع لک شی‌ء من جلبک فعلیک بالرجل الجالس فی الکدیة الواضع النقاب علی أنفه فإنه لا یعصی فی القول، و له علی أهل البلد من محبتهم إیاه شدة الصول، فقصده و حکی له القضیة بالالتزام فأمر فورا برد الجلب أو ثمنه فأخذ الولیّ الثمن من حینه بالتمام، فدعا له بالخیر بأن قال یا أبا نقاب، جعل اللّه أنفک فی النّقاب، و رجلک فی الرّکاب، و خضّع لک الرّقاب، و هوّن علیک الأمور الصّعاب، إلی یوم البعث للحساب، فقال له قبلت منک بغیر ارتیاب، ثم قال له الولیّ: البرجیة بک و بذریتک یعمرون، و بغیرکم یغمرون، و الرئاسة فیکم مؤبّدة، و التولیة باقیة مسرمدة، ما لم تظهر منکم مفسدة، و تحصل منکم الإهانة للأولیاء و الأشراف و العلماء بنین و حفدة، فإن ظهر ذلک منکم فإنه یحل بکم الانتقام، و یبتلیکم اللّه بدعاء الخاص و العام، فاقبل وصیتی، و احفظ دعوتی فإنها بنیّتی، و من ذلک الوقت سمّی بأبی نقاب تغلیبا للکنیة علی الاسم، و یقال لذریته النقایبیة لمّا غلبت الکنیة علی الاسم.
قال، ثم اصطحب أبو نقاب مع دموش جد العربی أبی معزة السویدی و کان مسکن دموش بوطا (کذا) سوق الحدّ من نواحی البرج الحمیدی، و اشتغل هذان الرجلان بالقنص و الصید، و لا لهما التفات لما بید عمر و لا زید، و کانت لأبی نقاب طیور و سلاق فی غایة الجودة و التعلیم، فطلب دموش أبا نقاب بعضها لنیل التعلیم، فشاور والده علی ذلک فقال له اعطه ما أحب و سئله (کذا) یطلب من أبیه یعطیک بلاد سیرات الشرقیة، فشاور دموش أباه علی طلب أبی نقاب
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 328
فوافقه/ علی ذلک و أعطاه جهة الحسیان فی القولة المرویة، کما أعطاه من خدامه رجلا بأهله یقال له یحیی (کذا)، لخدمته و ذریته یقال له بنوا یحیی، فانتقل الأصفر لسیرات البرجیة و معه خدیمه یحیی (کذا) ثم مات الأصفر و بقی ابناه أبو نقاب جد النقایبیة و بغداد جد البغادید، فبقی النقایبیة بالوطاء و بقی بالجبل البغادید.
تنبیه: أصل البرجیة من مدینة برجة أحد (کذا) مدن الأندلس فی صحیح الأقوال، و جاء أسلافهم منها فی وقت السلطان الزیانی أبو یحیی یغمراسن بن زیان أول ملوک بنی زیان بالاستقلال، و ذلک فی القرن السابع من الهجرة النبویة، الموافق للقرن الثالث عشر من السنین المسیحیة، فسکنوا بمدینة السمّار من نواحی یلّل ثم انتقلوا لمدینة تافسرة من نواحی القلعة، ثم انتقلوا لمدینة البرج فسکنوها و شیّدوا بها برجا، فسمیت المدینة به خرجا، و کان الذی أتی من برجة و بنی البرج بقال له عیاش، و أولاده یقال له (کذا) العیایشة و أولاد عیاش، و استخرج به عینا لشرب المدینة فی غایة الحلاوة تسمی بعین عیاش، و یقال لها بالرطانة زنادی و معناها عذبة الماء المهضمة للمعاش، و مدینة البرج هی سدس هوّارة کما فی الصبّاغ و الحاوی، و أرضها رملة توافق الغراسة لبرودتها فیما للراوی، و لمّا جاء الأصفر و استقر بها ثم ذهب لسیرات، ذهب معه بعضهم و بقی البعض بالبرج فیما للروات، فصار نصفهم بالجبل و نصفهم بالوطاء للآن، و البرجیة مهمی قیل بهم فهم أهل سیرات و الحیطیة و أولاد ریاح و التمازنیة و جبوشة و أولاد سیدی أعمر و أولاد سیدی عبد الرحیم و حلویة و الکرارمة و الکرابشیة بغایة البیان، و نسبهم الآن للبرج لا لبرجة، و منهم القاضی بالمغرب بقوت (کذا) الدولة المرینیة کثیرة الخرجة، و هو العلامة أبو القاسم البرجی الذی جاء رسولا من عند المرینی لأبی حمّو موسی الأوسط الزیانی، علی شان الصلح بین الدولتین فأبّر و وافقه علی ذلک السلطان الزیانی، قاله السید محمد الصغیر فی کتابه: ظهور سعود الدراری، فی أخبار المرحومین قدور بالمخفی و الحاج محمد المزاری. و لمّا مات أبو نقاب خلّف أربعة أولاد و هم دنون و الغرمول و المختار و الصحراوی بتحقیق المراد.
فدنّون تولّی من (کذا) ذریة مصطفی ولد سعید و یعرف بولد حمروش فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 329
القول المفید، کبیر الشواش عند الأمیر و مات بواقعة زبوج مولای إسماعیل، و تولی بمنصبه أخوه قدور المعروف بأبی علام إلی أن مات فی صحیح الأقاویل، فتولی بمنصبه أخوه عبد اللّه إلی انقطاع دولة الأمیر، و تولی ابن أخیهم بن فریحة و هو مصطفی، القیادة بالدولة بالفوز الکبیر.
و الغرمول تولی من ذریته محمد القیادة بدولة الأمیر، و تولی بمنصبه ابنه محمد فی وقت الدولة بالتحریر، کما تولی أخوه/ مصطفی فی محلّه منصبه بالدولة، و أدرک للتوقیر و الصولة، و تولی الحبیب ولد محمد بالغرمول القیادة بالدولة، و افتخر بها علی غیره بغایة الصولة.
و المختار کان قایدا بدولة الأتراک مشهورا بالشجاعة و النجدة، و الرأی السدید المزیل للإدراک، و تولی بعده ابنه مصطفی القیادة بالدولة المذکورة، و کان موصوفا بالکمال و الکرم و الشجاعة و النجدة و الرمایة و الأخلاق الجمیلة المشهورة، و من ذریته المتولیین الرئاسة، أهل الکمال و العنایة و السیاسة، قدور بالمخفی الشجاع، الشهم الکبیر المطاع، تولّی أوّلا شاوش بنی عرب بدولة الأتراک، ثم ارتقی قایدا علی البرجیة بدولة الأمیر فأزال للاشتراک، ثم ارتقی آغة فلیتة بوقت الدولة، ثم آغة البرج، برعیثة (کذا) الکثیرة و بلغ نهایة الصولة، و نال علامة الافتخار التطویقیة، و اتصف بالبسالة و الکرم و دحض مسائل التوبیقیة، و جلس علی موائد أعیان الدولة بهذه العدوة و العدوة الأخری، و أکل مع سلطان افرانسا علی موائده و جلس معه الجلوس الذی نال به کأعیان المخزن المدرکین لذلک الفوز و الدّخر، و تولی من بنیه الرئاسة الحاج محمد فکان أوّلا خلیفة علی أبیه ثم ارتقی قایدا علی التمازنیة و أولاد ریاح، و نال علامة الافتخار الفضیة الدالة علی الفوز و الأرباح، و تولی المخفی قیادة الحیطیة إلی أن مات، و نال الاحترام الجزیل فقطع به التبات، و تولی محمد قیادة الحیطیة فاتصف بالعقل إلی أن أحیا (کذا) به ما مات، فلا زال للرئاسة کاسبا، و لخیول الحکم راکبا، و نال علامة الافتخار الفضیة، و اتصف بالأحوال المرضیة، و تولی المجاهد الصغیر قیادة أولاد عوف إلی أن سلم فیها رائما السلامة من کل خوف، و کان المجاهد الأوسط صنو (کذا) آغة قدور بالمخفی خلیفة علی أخیه المذکور، إلی أن مات و نال للسرور، و کان آغة قدور له مصاحبة بالغة المودة خالیة من المساوی، مع رفیقه الشجاع
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 330
المدبر آغة الأکبر الحاج محمد المزاری البحثاوی، و لما مات هذا الشهم فی یوم الأربعاء سابع عشرین رجب عام ثلاثة و ثلاثمائة و ألف، الموافق لسابع إبریل سنة ست و ثمانین و ثمانمائة و ألف، بداره بالبرج، شیّع نعشه خلق کثیر، و حضر لجنازته جمع غفیر، ما بین المسلمین و النصاری و الیهود، و النساء و الصبیان و العبید فی المشهور، فکان الثناء علیه جمیلا، و التفجع علیه جلیلا، و عمره تناهز التسعین سنة بالتحقیق و لمّا بلغ خبر موته الولی (کذا) العام بالجزائر عزّا (کذا) أولاده برسالة جلیلة تدل علی أنه عند الدولة فی سواد العین بالتوفیق، و أعلن بموته مع ذکر سیرته الجمیلة فی الورقة الخبریة التی تسمّی بالمبشر، المستعملة علی ید الدولة بالجزائر فی صحیح الخبر، و من أراد استیفاء سیرته و سیرة رفیقه الحاج محمد المزاری فلیطالع کتاب ظهور سعود الدراری فی أخبار المرحومین قدور بالمخفی و الحاج محمد المزاری، للفقیه الشریف الأمجد الفاخر، السید محمد الصغیر بن السید محمد بن الجیلانی بن مصطفی بن عامر، و ممّن تولّی الرئاسة من ذریة المختار بن أبی نقاب المجاهد الکبیر فإنه تولی قیادة البرجیة و من فی سلکهم فی دولة الأتراک، و کان موصوفا بغایة الأخلاق المرضیة الداعضة لجمیع الأحراک، و تولی بعده بمنصبه ابنه قدور زرواط، فنال العزّ/ و الاحترام بدولة الأتراک و بلغ منصّة الامتیاط، فکان موصوفا بالشجاعة و الریاسة و البسالة و الفطانة و الکرم و الکیاسة، ثم تولّی ابنه الکعبری الصغیر قیادة البرجیة بوقت الدولة، و نال علامة الافتخار الفضیة و بلغ لغایة الصولة، موصوفا بالعطاء و الکرم، و الأدب و البسالة و الشهم و تولّی بموضعه بعد موته ابنه أحمد قیادة البرجیة، و اتّصف بالأحوال المرضیة، و من أولاده محمد بن الکعبری کان فی الاصبایحیة و أدرک وظیف لیتنان (کذا)، ثم سلّم فیه و جلس للأمن و الأمان، و کان محمد الأکحل خلیفة علی أخیه الکعبری المذکور، و اتصف بالبسالة فی سائر الأمور، و من أولاد المجاهد الکبیر الذین تولّوا الرئاسة، الکعبری الکبیر الذی کان من أهل الشجاعة و السیاسة، فإنه کان قایدا بدولة الأتراک علی البرجیة و من فی سلکهم، إلی أن مات بواقعة عین السدرة، رابع أبناء عمّه منهم مصطفی والد قدور بن المخفی فی حال دور فلکهم، و من حفدة المختار الذین تولوا قیادة البرجیة، مصطفی ولد أحمد الذی هو قاید الآن بالقولة المرجیة.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 331
و الصحراوی کان قایدا بدولة الأتراک، و أدرک معالی المعانی و الرئاسة و أزال للاستدراک، و کان موصوفا بالرئاسة و غامض الفهوم، مشهور بالکرم و الشجاعة و مجالسا لأهل الأدب و العلوم، و تولّی من ذریته عدّة، فبلغ النهایة و أزال کل شدة، و تولّی منهم محمد بتّیخ، فکان موصوفا بالمعارف لاکنه (کذا) شدید الإنافة کثیر التوبیخ، و تولّی منهم قدور بالصحراوی المعروف ببالسنینات، فکان رایسا (کذا) مطاعا بدولة الأتراک شاعرا فی الملحون مشهورا بالکرم و الأدب و إزالة النائبات، و تولّی منهم بن عامر قیادة البرجیة فکان من أهل الکمال، و الأخلاق الجمیلة فی الأقوال و الأفعال، و تولّی القیادة منهم بدولة الأتراک و الأمیر و الدولة الأدیب الجلیل قدور ولد محمد بتیخ فنال کل عز و أدرک کل صولة.

البلاغة أو البلغیة

و أمّا البلاغة فنسبة لجدهم سیدی أعمر البلغی الزیانی بن الناصر بن سعید بن محمد بن أحمد بن أعمر البلغی بن جبارة بن أبی حمّو موسی بن یوسف الزیانی بن عبد الرحمن بن یحیی بن یغمراسن بن زیان بن ثابت بن محمد بن یندوکس بن طاع اللّه بن علی بن یمل بن یزوجر بن القاسم بن محمد بن عبد اللّه بن إدریس بن إدریس بن عبد اللّه الکامل بن الحسن المثنی بن الحسن السبط بن فاطمة بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و سلم فهم من بنی زیان، من الأدارسة فی الصحیح و قیل من بنی سلیمان، و علی کل فهم من ذریة عبد اللّه الکامل، و إنما الخلاف فی کونهم أدارسة أو سلیمانیون للتواصل، و الذی تولی الرئاسة منهم فی دولة الأتراک محمد حتّور، کان خلیفة علی المسارتیة واحدا بعد واحد إلی أن قتله عصمان مع جملة المسارتیة فی القول المشهور، و تولّی منهم البشیر ولد أعمر بن تجلف جد الحاج قدور ولد الحاج سلیمان لأمّه قیادة البرجیة بدولة الأتراک و الأمیر، و تولّی منهم أعمر ولد خلیل قیادة البرجیة بوقت الدولة إلی أن مات فی القول الشهیر، و صار ولده محمد خلیفة علی المخالفة قیاد الحیطیة للآن، و فوّضوا له الأمر فی السر و غایة الإعلان.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 332

الزمالة و الغرابة

و منها الزمالة و الغرابة: فإنهم فریق صغیر، و هم أخوة لما بینهم من التناصر و القرابة و أمرهم ظاهر شهیر.
فأمّا الزمالة فمنهم آغة القسمة و قاید العرش/ و رئاستهم منحصرة فی ثمانیة بغایة القرش، و هم المخالیف و القدادرة و القرایدیة و یقال لهم المعایزیة، و الورادردیة و المخاتریة و الونازرة و الیساسفة و الشوایلیة.

المخالیف‌

فأمّا المخالیف فنسبة لجدهم مخلوف و أصلهم من بنی زروال، و جاء جدهم للمخزن فنال العزّ و غایة الکمال، و أوّل من تولّی منهم قدور بن مخلوف، فکانت له رئاسة الزمالة فی القول المعروف، و قتله بای المعسکر بدولة الأتراک، لمّا أکل الربطة المخزنیة و عجز عن الأداء و حلّ فی الإدراک، و تولّی من ذریته الحاج المرسلی بن محی الدین فکان آغة الزمالة و من فی حکمهم بالتعیین، و نال غایة الاحترام، و اشتهر عند الخاص و العام، و تولی قیادة العرش بالترک حسن بن فریحة بن محی الدین، و کان أبوه فریحة خلیفة علی أخیه الحاج المرسلی ولد محی الدین، و تولّی منهم قیادة العرش بالأتراک أیضا عدة ولد محی الدین و مات بواقعة ماسرة فی المقاتلة بین البای المقلش و مجاهر فی فتنة درقاوة بالتبیین، فکان من أعیان المخزن قائدا مشهورا، و فارسا شجاعا مذکورا، و تولّی منهم قیادة العرش بالأتراک أیضا محمد ولد الحاج عدة بن مخلوف، فکان فی غایة الاحترام و الموصوف، و تولّی منهم قیادة العرش فی وقت الترک، محمد بن عبد الهادی فصار فی غایة العز و الحرک، و تولّی منهم بالدولة الحاج الوزاع بن عبد الهادی فکان أوّلا آغة الزمالة ثم صار آغة الحجاحیط ثم آغة سعیدة، و نال علامة الافتخار الفضیة و صارت أحواله سعیدة، و تولّی منهم بالدولة الحاج الشیخ، فکان آغة الزمالة و نال علامة الافتخار الفضیة و عرف بالفیخ، و تولّی منهم قیادة العرش بالدولة السید محمد بالصحراوی، فکان أوّلا قاید الوکلة ثم صار قاید الزمالة فیما قال الراوی، و کان منهم المختار ولد الحاج عدة قاید الضیاف بتیارت، و نال
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 333
علامة الافتخار المسمی (کذا) بالمدای فی القول الثابت، و کان منهم أحمد الهلالی لیتنان (کذا) و نال المدای ثم علامة الافتخار الفضیة و قضی للفایت.

القدادرة

و أمّا القدادرة فنسبة لجدهم قدور بن علی بن الحبوشی، فهم أخوة العلایمیة فی القول المنقوشی، و ذلک أن الحبوشی و أولاده ثلاثة بالتحقیق، و هم علی جد القدادرة والد قدور و أحمد أبو معزة جد المعایزیة و هم القرایدیة و أبو علام جد العلایمیة فی القول الوثیق، و لا تلتفت لغیر هذا التحقیق، و أوّل من تولّی من القدادرة جدهم علی بن الحبوشی ثم من بعده ابنه قدور فکان آغة الزمالة و قطب رحاهم الذی علیه تدور، ثم من بعده أولاد الخمسة و هم:
الوهرانی و عدة، و محمد، و صافة، و علی المکنی أبو علام، إلّا أن الثلاثة لکل منهم تولّی آغة، و صافة و علیا تولیا قیادة العرش بإلزام، و قد مات محمد مع آغة قدور بن إسماعیل الصغیر بالکرایش بواقعة بنی مناد فی المقاتلة التی بین البای علی و بنی مناد، و تولّی منهم قیادة العرش قدور بن صافة و محمد بن علی المعروف بولد خودة فأزالا کل ضیم و سودة، و ذلک بدولة الأتراک، فنال کل منهما غایة العز و الإدراک.

القرادیة و المعایزیة

و أمّا القرادیة (کذا) و یقال لهم المعایزیة فتسمیتهم بالأوّل نسبة لجدهم أحمد أبی معزة بن الحبوشی والد قرادة/ فهم أخوة القدادرة و العلایمیة کما مرّ الکلام فی القولة الملایمیة، و أول من تولّی منهم بدولة الأتراک آغة أحمد أبو معزة بالتحقیق، ثم بعده ابنه قرادة فی القول الوثیق، ثم ابنه مصطفی بن قرادة و هؤلاء فی دولة الأتراک ثم الحاج مخلوف ولد امعمّر بالدولة و له علامة الافتخار الفضیة ذات الأعراک، و تولّی منهم قیادة الزمالة عدة ولد مخلوف، و تولّی منهم قیادة بنی تیغرین أخوه الحاج محمد بن مخلوف، و أصل القدادرة و المعایزیة من بنی مدیان، و سیأتی الکلام علیهم مستوفیا فی العلایمیة بغایة البیان.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 334

الوراردیة

و أمّا الوراردیة فنسبة لجدهم وارد، و أصلهم بزعمهم من أولاد المسعود فی الوارد، و جاء جدهم موسی بن وارد لبلاد الغرابة لشی‌ء ارتکبه بأولاد المسعود، فسکن بعرش سیق و بانت شجاعته و علت کلمته عند الأتراک فی القول المعهود، فتولّی مشیخة العرابة، فهو أوّل من تولّی منهم الرئاسة بهذا المحل إلی أن قتله أبو علام بالحبوشی جد العلایمیة بغیر الاستغرابة، فانتقل ابنه قدور للزمالة و بهم سکن، و تولّی بدولة الأتراک قیادة وجدة فحل بها و اطمأن، و بنا (کذا) بها قبة بمقام الشیخ عبد القادر الجیلانی تعرف للآن بقبة بن وارد، لکون وجدة کانت بعمالة الأتراک، و ندرومة بعمالة سلطان المغرب ثم وقعت المبادلة بالمدینتین بین الدولتین لینتظم الأمر فی القول الوارد، و تولّی حفیده قدور الصغیر و هو عبد القادر آغة الزمالة فکان موصوفا بالمعرفة و الحنانة مؤاخیا لآغة الحاج محمد المزاری البحثاوی فی القول الصادر، و تولّی ابنه الحاج جلول بن والد خلیفة علی آغة الحاج الشیخ ثم علی آغة محمد بن المختار، ثم تولّی قایدا علی الزمالة ثم قایدا علی البوازید فی القول المختار، و تولّی أخوه قدور خلیفة علی قاید الزمالة ثم صار حارسا للضاحیة، ثم هو الآن خلیفة المیر بتلیلات فی القولة الجالیة.

المخاتریة و الزوابریة

و أمّا المخاتریة و یقال لهم الزوابیریة، أما تسمیتهم بالأول فنسبة لجدهم القریب المختار و أمّا تسمیتهم بالثانی فنسبة لجدهم البعید الزبیر و یقال لهم أیضا أولاد یحیی بالزبیر فی القولة الجاریة، و جاء جدهم من صبیح و سکن عرش الزمالة و بانت شجاعته و علا أمره و سمعت کلمته فی القولة التی بالمزالة، فتولّی منهم قیادة العرش بدولة الترک یحیی بالزبیر ثم ابنه المختار، و تولّی منهم آغة الزمالة محمد بالمختار، و کان أوّلا بدولة الترک مکاحلیا ثم صار خلیفة آغة بن
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 335
وارد بغایة الاشتهار، ثم تولّی بالدولة آغة الزمالة ثم انتقل آغة لتیارت ثم صار آغة ببلعباس ثم رجع آغة بعرشه إلی أن مات فی القول الثابت، و أدرک الحرمة بغایة الوجدیة، و نال علامة الافتخار الوردیة و تولّی ابنه یحیی قیادة أولاد سیدی دحوّ بالمعسکر بوقت الدولة، و نال غایة الاحترام و الصولة، و تولّی أخوه بالقاسم بالمختار قیاده الزمالة، إلی أن مات فی القولة الزمّالة.

الونازرة

و أمّا الونازرة، فنسبة لجدهم و نزار و هم یقولون أنّ جدهم جاء من السوس من الساقیة الحمرا (کذا) و یؤیده قول ابن خلدون لما ذکر البرابرة ذکر من جملتهم و نزار و ذریته فهم علی هذا برابرة مخلدون، و الذی فی بهجة الناظر لأبی المکارم الشیخ المشرفی أنهم من أولاد عبد اللّه أحد بطون بنی عامر، و هو الذی علیه المعوّل للوارد و الصادر/ و نصّه:
و من جملة جند النصاری الاسبانیین الذین بوهران من الأعراب بطن من أولاد عبد اللّه بن سقیر بن عامر بن إبراهیم بن یعقوب بن معروف بن سعید بن رباب بن حامد بن حجوش بن حجاز بن عبید بن حمید بن عامر بن زغبة یقال لهم الونازرة نسبة لجدهم و نزار بن عبد اللّه بن سقیر بن عامر الزغبی و هم فرقة ذات بأس شدید، و حقد عدید، فیهم نحو الستة دواویر عظام، و أصل مسکنهم بوادی سنان بنواحی تموشنت من مزارع أولاد خالفة الخارجین کأولاد الزایر عن سلسلة بنی عامر فی النسب، ثم انتقلوا لنواحی تارقة فسکنوا بجبالها مع إخوتهم قیزة العامریین، ثم انتقلوا مع قیزة و سکنوا بالجبل المطل علی وهران قبلتها من نواحی تمزوغة و استقروا بملاتة جبالا و وطا (کذا)، و تصرّفوا فیها بما شاؤوا و کانوا أهل شجاعة و بسالة. و لمّا جاء الإسبانیون لوهران کانوا من جملة جنودهم المعتمدة علیها منهم العیون و الجیوش و غیر ذلک، ثم أن قیزة صاروا عند الاسبانیین لصوصا و الونازرة صاروا لهم زمالة أیضا و من ثمّ أطلق هذا الاسم علیهما دون غیرهما فمهمی قیل باللصوص فهم قیزة العامریون و مهمی قیل بالزمالة فهم الونازرة العبدلاویون و لا یقال لغیرهما من شافع و حمیان و أولاد
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 336
عبد اللّه و أولاد علی و سائر بنی عامر و کرشتل لخ (کذا) کلامه، و أوّل من تولّی منهم الریاسة بدولة الإسبانیین و نزار، فکان جنرالا کبیرا و علیه المدار، و هو الذی تنسب له العین بساحل وهران البحری من ناحیة المرسی التی یقال لها للآن عین و نزار، و تولّی منهم بدولة الأتراک عدة ولد أحمد بن و نزار، فکان أوّلا قاید المکاحلیة ثم صار آغة الزمالة بوقت الدولة، و نال غایة الاحترام و الصولة، و تولّی ابنه المولود بن و نزار بالدولة قیادة الحساسنة بمینة، فنال المراد و أزال الغبینة، و ابنه ابلوفة هو الآن خلیفة المیر (کذا) بتمزوغة، و أدرک الأمور التی أرادها و أذهب الفروغة، و تولّی منهم العربی ولد أحمد بن و نزار، آغة بنی عامر فنال ما رام و اختار، و تولّی منهم محمد ولد قاسم قیادة المکاحلیة بدولة الترک ثم صار بالدولة آغة بفرندة، و هو أوّل من تولّی من المخزن بها و نال غایة المراد و أذهب کل شدة، و له علامة الافتخار الفضیة و کان من أهل الأحوال المرضیة، و تولّی منهم بالدولة آغة علی الزمالة بغفور، فنال المراد و بلغ لکل سرور، و له علامة الافتخار الفضیة، و کان فی سیرته بالسیرة المرضیة، و تولّی منهم محمد بغفور و هو لینان (کذا) القیادة بأولاد سوید، ثم قیادة عرشه الزمالة مرتین فی القول المفید، و له علامة الافتخار الفضیة، و کان من أهل الخصال المرضیة، و تولّی منهم محمد ولد محمد المشورة بمجلس تانسانمت فنال المراد و الأمر الثابت، و تولّی منهم قیادة الزمالة الحاج قدور بالصحراوی المعروف بولد درباک، و له علامة الافتخار الفضیة فهو من أهل الاحتباک.

الیساسفة أو الیوسوفیون‌

و أمّا الیساسفة فنسبة لجدهم یوسف، و لم یتول منهم إلّا العربی ابن یوسف، فکان أولا قاید الزمالة ثم صار آغة سعیدة و نال علامة الافتخار الفضیة فیما یوصف.

الشوایلیة

و أمّا الشوایلیة فنسبة لجدهم أو جدتهم شایلة/ و جاء جدهم من الحشم بغریس فی القولة الجایلة، و تولّی منهم قدور بن شایلة قیادة الزمالة بدولة الترک
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 337
ثم تولّی منهم قیادة العرش بدولة الأمیر الحاج بن قادة، و مات بعین الروینة بالجهاد فی القولة الوقادة، و تولّی منهم ابنه إبراهیم بن شایلة، فکان أولا شاوشا بوقت الدولة عند الجنرال ثم صار قایدا علی الزمالة ثم صار آغة بنی مطهر فی القولة الجایلة، و تولّی منهم الحاج الحلوی بن قادة قیادة الزمالة و نال مرتبة و قادة، و تولّی قیادة العرش بوقت الدولة الحاج محمد بن عبد العزیز، و نال علامة الافتخار الفضیة و کان بدولة الترک قاید الظلیلة فی القول المجیز، و تولّی ابنه الحبیب خلیفة علی آغة الزمالة، ثم صار قایدا علی فرقة من الزمالة، و تولّی قیادة العرش بوقت الدولة الحبیب ولد بلاحة و محمد بالنجادی، و ابنه سی جلول بغایة البیان، و الحاج محمد بقدور ادیابلو (کذا) و ابن عمّه الحبیب ولد قدور بالمولود و هو المتولی الآن، و کان أبوه قدور ملازما لخدمة الجنرال بوقت الدولة ثم ارتقی لتنان (کذا) ثم صار قاید العسس (کذا) إلی أن مات بالتبیان، و کان الحاج محمد ادیابلو أوّلا اصباحی ثم صار شاوشا بالبیر ثم ارتقی قایدا علی الوکلة ثم قایدا علی حمیان، ثم صار قایدا علی الزمالة إلی أن سلم فی الوظیف و ذهب للحج فحج و رجع لأهله فی أمن و أمان، و تولّی قیادة الزمالة بوقت الأمیر الموسوم بن مفتاح، و تولّی من الزمالة القیادة بغیر عرشه الکیحل بالشیخ، و أخوه الحبیب بالشیخ فالأول ببنی مریان أهل وزغت و الثانی بأهل کرسوط بغایة انشراح.

العبید الغرابة

و أمّا الغرابة فإنهم عرش ملتقط کالزمالة و الدوایر، و یطلق لفظ العبید علی الشراقة و الغرابة و الزمالة دون الدوایر، و کان الغرابة و الشراقة فی الأصل دوار واحد فالسماط الغربی یقال له الغرابة و الشرقی یقال له الشراقة، ثم افترق الدوار و صار عرشین فالغربی صار عرش الغرابة و الشرقی صار عرش الشراقة، و رئاسة الغرابة منحصرة فی ثمانیة و هم الوراردیة و العلایمیة، و الخدایمیة و الوناویة و السماملیة و المحاصید و الرفافسة و العوایلیة.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 338

الوراردیة

فأمّا الوراردیة فجدهم موسی بن وارد کانت له الرئاسة علی الغرابة، و تقدم الکلام علیهم مستوفیا فی رئاسة الزمالة بغیر الاستغرابة.

العلایمیة

و أمّا العلایمیة فنسبة لجدهم أبی علام بالحبوشی و هو أبو علام ابن سی الجیلانی بن یوسف بالبیان، و أصلهم من بنی امدیان الذین بناحیة تاقدمت بالتبیان، و جاء جدهم سی الجیلانی لفلیتة و سکن بهم إلی أن مات، فتزوجت زوجته رحمة برجل من حبوشة یقال له الحبوشی فکفل أولادها الثلاثة و هم أبو علام و هو الصغیر و علیّ و أحمد أبو معزة فنسبوا إلیه دون أبیهم بالثبات، و کان من جملة الأعیان، فدرّب الأولاد و ربّاهم أحسن تربیة بتربیة الأعیان، و لمّا مات جاءت زوجته رحمة بأولادها الثلاثة إلی سیق فسکنت بدوار موسی بن وارد شیخ القبیل بالتحقیق، و لمّا ترعرع أبو علام ذهب أخواه علیّ و أحمد أبو معزة للزمالة، و تریّس (کذا) کل منهما علی القبیلة کما مرّ الکلام فی ذکر الزمالة، و بقی أبو علام بالغرابة فی غایة الانتظام، و کان رجلا ضخما خالص البیاض طویل القامة غلیظ الصوت أعور العین الیمنی شدید الفروسیة کثیر العطاء سریع الانتقام، و کان بدوار موسی بن وارد رجل محلّی یقال له غرتیل فتأمل فیه غایة و ألفاه لا محالة أنه ستکون منه کاینة الترتیل، فقال لموسی إنّ هذا الجمل/ الأعور الذی تراه فی ازدیاد الشأن ستظهر منه بعیثة عظیمة لا تطاق، و ستحیر فی أمرها و یحل بک الانشقاق و الفراق، ثم تولّی أبو علام مکاحلیا عند البای بالمعسکر و بانت شجاعته و ظهرت کلمته فی فرده و جمعه، و تمازج مع رؤساء المخزن و هم البشیر بن بحث، آغة المخزن بأجمعه و ابنه بن عودة آغة المخزن بعده بأجمعه، و اصطحب أیضا مع رایس (کذا) الزمالة و هو الشیخ قدور بن مخلوف صحبة بالغة، ثم أن قدور بن مخلوف أکل ربطة العرش و لم یجد سبیلا لدفعها و عجزا کلیا فاستغاظ علیه البای و همّ بقتله ففرّ فرّة بالغة، و التجأ بضریح سیدی محمد ابن مخلوف فلم یطق البای علی إخراجه احتراما لضریح الولی المذکور، و قال من یقتله أو یأتینی به حیا فله عندی ما یرید من سائر الأمور، و کان قدور فی غایة
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 339
الشجاعة و القوّة و الرمایة فألفی موسی بن وارد السبیل لقتل أبی علام بالحبوشی لیستریح و یخلص من العمایة، فأتی للبای و قال إن لم یأتک بالشیخ قدور أو یقتله أبو علام بالحبوشی فلا طاقة لأحد علیه من غیره، فأمر باحضاره فجاءه قال له اقتل قدورا أو ایتنی به أو اقتله بمحله و نستریح (کذا) من شرّه و خیره، فقال له علی شرط إن قضیت الأمر اقتل موسی بن وارد و املک رزقه، فقال لک ذلک إن فعلت و قضیت رمقه، فأخذ أبو علام جیشا و اکمنه و أمرهم بالمبادرة له إن اخرجه من الضریح، فقصده و ناداه، فقال له قدور ابطأت عنّی فدخل علیه بالقبّة ثم أخرجه منها إلی أن أبعده عن الضریح، فبادر الجیش لأخذه بعد ما قبضه أبو علام، فرکبه (کذا) علی بغلة و أتی به للمعسکر فقتله البای و وفی بالشرط لأبی علام، بأن صیّره رایسا (کذا) علی القبیل و أعطاه رزق موسی و أمره بقتله، فجاء أبو علام لموسی و قتله بکابوسه و احتوی علی جمیع رزقه و دخل فی حلّه، ثم قال لغرتیل إنک قلت الجمل الأعور ستظهر منه بعیثة عظیمة لا تطاق، فقال له غرتیل أ و کذبت فی قولی فقد ظهر ما قلته و الجمل لیس بعیب فعفی عنه و قال أصبت فی النطاق، و بقی فی الرئاسة إلی أن مات فدفن بسیدی هلال، فسمع البای خلیل بموته فبعث لأولاده الخمسة للحضور لدیه لیختار منهم من یولیه بموضع أبیهم الصایر لعفو المتعال، فجاءوه بأجمعهم و أعطی لکل منهم عددا من المال علی السویة و أمرهم بالذهاب للقهوة إلی حکومة العشیة، فأعطی أولاده الکبار الأربعة للقهواجی قدرا معینا من تلک الدراهم، و أعطی ابنه محمد و هو الصغیر للقهواجی جمیع ما أعطاه البای من الدراهم، و قد سأل البای القهواجی فأخبره بالواقع و لما مثل الأولاد بین یدیه قال لهم أیکم الکبیر نولیه بموضع أبیه قبل أن یتسع الخرق علی الراقع، فقال له محمد إن أردت کبر السن فهؤلاء الأربعة أکبر منی و أکبرهم قدور، و إن أردت کبر المعرفة فأنا خدیمک الصغیر منهم فولاه البای قایدا فی المشهور، و جعل له خلیفة یوسف بن المقداد، لأنه کان خلیفة أبیه و له معرفة بالخدمة و ابن خیمة کبیرة و ذو خیمة کبیرة بغایة المراد، فبقی قایدینا و به فیها الوناونیة بالتحقیق، و تولّی منهم ابنه أبو علام ولد محمد و کلهم/ فی دولة الأتراک فی القول الحقیق، و کان لأبی علام هذا کلمة مسموعة، و أمر نافذ و محبة فی القلوب مطبوعة، و تولّی منهم ابنه الحبیب بوعلام، فکان أوّلا بدولة الترک
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 340
شاوش بنی عرب ثم ارتقی قایدا علی العرش و ظهر أمره عند الخاص و العام، ثم تولّی خلیفة علی آغة المخزن الحاج بالحضری البحثاوی بدولة الأمیر، ثم ارتقی آغة المخزن أیضا بدولة الأمیر، و مات بأرض الحجاز، و قد نال المرام بالتطنیب و الإیجاز، و تولّی منهم من أولاده الحاج محمد قایدا علی العرش بدولة الأمیر، و ذهب للحج و لما رجع مات بالجزائر فی القول الشهیر، و تولّی منهم من أولاده محمد بوعلام الصغیر بوقت الدولة، فکان أولا خلیفة القاید ثم ارتقی قایدا علی عرش الغرابة إلی أن مات بالطاعون و قد نال للصولة، و تولّی منهم من أولاده قدور بوعلام فکان قایدا علی الغرابة بوقت الدولة و ظهر نفعه للخاص و العام، و تولّی منهم بدولة الترک سی عابد بن یوسف، فکان قایدا علی الغرابة و نال لکل ما یوصف، و تولّی منهم الصدیق بوعلام، فکان بدولة الترک شاوش بنی عرب مبلغا للمرام، ثم صار قاید العرش بوقت الدولة، ثم صار آغة بوقت الدولة، و کان له میل کثیر للدوایر و الزمالة، محبا لأعیانهم محبوبا عندهم فی القولة التی للهموم ذات المزالة، یحکی أن کبیر الأغاوات مصطفی بن إسماعیل البحثاوی لمّا أذعن الغرابة للدولة و اجتمع المخزن علی و تیرة قال بمحضر الناس أیها الدوایر و الزمالة و الغرابة السالمین من المساوی، إنکم فی الأصل خیمة واحدة ثم افترقت لمانع حالک، ثم اجتمعت کعادتها فالحمد للّه علی ذلک، فکونوا إخوانا، و للحمایة أعوانا، و من له دین علی الآخر فلیسامحه فیه أو یخلصه منه فی الحیاة، فقال له الصدیق یا سیدنا و ابن عمّنا لا تقل هذا الکلام فإنه لا مداینة بیننا، بالإثبات، و إن کان غرضک ما فات من أمر الحرب فأمور الحرب منعدمة وقت الإذعان، و إن کان غرضک صداق أختی عائشة التی کانت تحتک زوجة و ماتت تحتک فلسنا ممّن یتبع المیراث لا من الرجال و لا من النساء فی المستبان، فقال له مصطفی معاذ اللّه أن یتصور بقلبی شی‌ء من هاذین الأمرین، و إنما هو کلام جری علی اللسان من غیر مراعة شی‌ء بغیر المین، و لو لا صداقتک (کذا) معنا و قرابتک لنا لم تقل ذلک، و لا زلنا نراعی لک کلام الخیر الذی کنت تقوله لأبناء عمّک حال المحاربة ذات المهالک، حیث کانوا یقولون فعلنا کذا و کذا و أنت تقول لهم لم یحضروا لکم من نعرفه من الرجال، و لمّا وقعت واقعة الحمول بتلیلات المعروفة بواقعة القرناع و کان الظفر لنا و رجع موتی عرشک بعدد الرمال،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 341
و رأیت بکاء النساء فی کل ناحیة علی الرجال، أمرت من تحبّه من النساء بالزغاریت علی ذلک فی الحال، و قلت لهم ألم أقل لم یحضروا لکم الرجال، فانظروا ما حلّ بکم لم حضروا (کذا) لکم الرجال، و تولّی منهم بوقت الدولة قیادة العرش ابنه محمد ولد الصدیق، کما تولّی خلیفة علی القاید ابنه أیضا عبد القادر ولد الصدیق/ و تولّی منهم قیادة العرش بوقت الدولة، محمد بوعلام المعروف بزلیط و أدرک للصولة.

الخدایمیة

و أمّا الخدایمیة فنسبة لجدهم أبی خدیم و هم أوّل من عمّر الوطن من الغرابة، و جاء جدهم من شافع فسکن بحامول تلیلات بغیر الاستغرابة، و أوّل من تولّی منهم رئاسة الغرابة قار أحمد بواخدیم، فکان مرفوع الشأن مقبول القول عند الخویص (کذا) و العویم (کذا)، و تولّی منهم بعده ابنه عدیدة ولد قارة، فکانت له رئاسة العرش بدولة الأتراک نوبة مع العلایمیة فی قولة قارة، ثم کان بعده ابنه بن عودة ولد عویدة فکان شاوش بنی عرب بدولة الأتراک، و خلیفة قاید الغرابة بالدولة کثیرة الاعتراک، و کان شاعرا فی الملحون مشهورا، کثیر الهجاء للناس مذکورا، و تولّی منهم بالدولة قیادة العرش محمد المجاهد ولد أحمد بن محمد بن قارة أحمد بواخدیم، و هو الآن قاید بالحالة المزیلة للضیم. طلوع سعد السعود ؛ ج‌2 ؛ ص341

الوناونیة

و أمّا الوناونیة فنسبة لجدهم و نان بن العید، و أصلهم من ماقضة و هم أولاد سیدی العید، من التجاجنة من أهل غریس، و جاء جدهم و نان لسیق لشی‌ء ارتکبه فصار فی غایة التعریس، و أوّل من تولّی منهم قیادة الغرابة بلقاسم الکبیر بن و نان بن العید، فأدرک المرام فی قیادته نوبة مع العلایمیة بغایة التفرید، و تولّی منهم بعده ابن أخیه بلقاسم الصغیر بن و نان الصغیر بن و نان الکبیر بن العید، فأدرک المرام بدولة الأتراک و وقت ابن الشریف الدرقاوی بجمیع المفید، و کان مشهورا بالبسالة و الشجاعة، و العطاء و الرئاسة و البراعة، و تولّی منهم بعد موته بدولة الترک أخوه قادة بن و نان، فبلغ للمرام و نال للإحسان و تولّی منهم
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 342
الحاج عبد القادر بن و نان، فکان بوقت الأتراک خلیفة علی عمّه قادة بن و نان، ثم صار قاید العرش بدولة الأمیر، ثم صار آغة العرش بوقت الدولة و هو أوّل من تولّی علیهم آغة بوقت الدولة فی القول الشهیر، و تولّی منهم قیادة العرش أخوه الحبیب ابن و نّان، فکان خلیفة علی أخیه آغة ثم صار قاید العرش بالدولة فی العز و الأمان، و تولّی منهم بعد موته ابن عمّه الحاج عبد القادر بالصغیر قیادة العرش بالاشتهار، فکان أوّلا خلیفة علی ابن عمّه الحبیب ثم ارتقی قائدا و هو للآن قاید فی صحیح الأخبار.

السهایلیة

و أمّا السهایلیة فنسبة لجدتهم سهیلة بالتحقیق، و جاء جدهم محمد بن شاعة من الصحاری فسکن الغرابة فی القول الحقیق، و سبب تسمیة جدهم ببن سهیلة دون بن شاعة أنه نزل بقوم لا یحبون ذکر بن شاعة، و ذلک وقت نزولهم بالغرابة، فسأل النساء زوجته سهیلة عن اسم زوجها فقالت بن شاعة فقلن لها لا محالة أنه هالک فلا تذکری هذا الاسم فإن هؤلاء لا یحبونه و إنما قولی أنت و هو أن اسمه بن سهیلة باسمک بغیر الاستغرابة، فإن قلتما ذلک لا ریب أنه یسلم من المعاطب فقالا ذلک فاشتهر به و تنسی (کذا) اسمه فی المراغب/ و أوّل من تولّی منهم قیادة الغرابة قدور بن سهیلة صاحب الفرس المقرونة، و کان موصوفا بالفروسیة و الشجاعة و البسالة و الأحوال المصونة، و تولّی منهم قیادة العرش الحاج بن یعقوب ولد مصطفی ولد محمد ولد قدور بن سهیلة، و کان أوّلا شاوش بنی عرب بدولة الأتراک ثم ارتقی قایدا بدولتهم علی الغرابة نوبة مع العلایمیة بالغا لأمور الخیلة، و صار بعد ذلک آغة المخزن بدولة الأمیر، و کان موصوفا بالعقل و الثبات بغایة التحریر، و تولّی منهم ابنه محمد بن سهیلة قیادة عرشه و هو للآن فی القیادة بعرشه، و نال علامتی الافتخار المدایة (کذا) و الفضیة، و نال الأمور فی أحواله المرضیة، و تولّی منهم ابنه المولود، قیادة العرش فسلم و صار من أهل القعود، و تولّی منهم قیادة العرش ابن عمّه عبد القادر ولد زیان، فکان من أهل الثبات بالبیان.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 343

المحامید

و أمّا المحامید فنسبة لجدهم محمود، فهم من المحامید الذین بالحشم الشراقة و أصلهم من حمیان کما فی الشماریخ للحافظ أبی راس بغایة الوجود، و جاء جدهم من بلاد غریس، فسکن الغرابة و نال العز و بلغ للتغریس، و أوّل من تولّی منهم قیادة العرش سی بن فریحة ولد عدة بن محمود، فکان قائدا بدولة الترک و نال لکل محمود، و تولّی منهم أخوه خلیفة ولد محمود قیادة العرش بدولة الأتراک، و کان موصوفا بالعقل و الرئاسة و الکرم و الشجاعة مدرکا لجمیع الإدراک، و توفی فی الجهاد بواقعة المقطع مع الأمیر، و کان محبوبا عند الناس مشهورا بالکیاسة و التدبیر، و تولّی منهم ابنه عدة ولد خلیفة قیادة عرشه بدولة الأمیر، و تولّی منهم عمّه محمد ولد عدة بن محمود بالدولة قیادة العرش، و کان مشهورا بالشجاعة فبلغ المرام و نال للقرش، و تولّی منهم بوقت الدولة قیادة العرش ابن أخیه سی العربی ولد خلیفة بن محمود، فکان أوّلا خلیفة علی الحبیب بن ونان ثم صار قایدا من جملة الأعیان. و بلغ للمقصود، و تولّی منهم بوقت الدولة أیضا أخوه أحمد ولد خلیفة حراسة الضاحیة، فکان فی غایة المرام من الخدمة الوافیة الراحیة.

الرفافسة

و أمّا الرفافسة فنسبة لجدهم الرفاس، فهم من أولاد عوف من سیدی الرفاس، و جاء جدهم من أولاد عوف، فسکن بالغرابة و زال ما به من کل خوف، و أوّل من تولّی منهم قیادة العرش بدولة الأمیر، سی محمد بن فارس فی القول الشهیر، و کان فی وقت الترک شاوش بنی عرب التحقیق، ثم ارتقی بدولة الأمیر قایدا علی الغرابة فی القول الحقیق، و تولّی منهم الریاسة علی العرش ابن أخیه الحاج عدة ولد الموسوم، فکان أوّلا خلیفة علی عمّه المار ثم صار قائد العرش بدولة الأمیر فی القول المعلوم، ثم ارتقی آغة العرش بوقت الدولة، فبلغ کلّ مراد و نال للصولة، و تولّی منهم ابنه أبو علام قیادة عرشه، فنال به مرامه و اشتهر بفرشه، و تولّی منهم أخوه بالمختار ولد الحاج عدة المشورة بمجلس تلیلات/ فهو به للآن فی غایة الاثبات.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 344

العوایلیة

و أمّا العوایلیة و یقال لهم أولاد بن أعوالی، نسبة لجد بن عوالی أو جدتهم أعوالی، و هم من أولاد سیدی الناصر بن عبد الرحمان الذی بنواحی جبل العمور بالصحرا (کذا) و جاء جدهم لعتبة فسکن معهم بأرض هبرا، ثم انتقل للغرابة و سکن بوادی تلیلات بمشتی بنی زواغ، و اشتهر بالطاعة المزیلة لکل دنس و فراغ، و أوّل من تولی منهم الحاج مصطفی بن أعوالی المعروف بولد الکحلة، فکان خلیفة علی قاید الغرابة الذابح لکل سحلة، و تولّی منهم الرئاسة بعرشه السید الحاج محمد بن أعوالی، فنال المراد و أدرک لسائر المعالی، فکان أوّلا قاید العرش بدولة الأمیر، ثم صار قاید العرش بوقت الدولة ذات العز الشهیر، ثم ارتقی فی وقتها آغة عرشه، فنال العز و التوقیر و علت کلمته و قبل قوله و أدرک المراد فی عرشه، و کان موصوفا بالشجاعة و البسالة و الرئاسة و داحضا للبطالة، و نال علامة الافتخار الفضیة، و اتّصف عند الخاص و العام و الأحوال المرضیة، ثم رفض الخدمة و هاجر لتونس و استقر بها إلی أن مات، و کان محبوبا عند أهل تونس مشهور الذکر مقبول القول بغایة الاثبات و کان والده الحاج جلول بن أعوالی ساعیا بدولة الأمیر، مشارا إلیه بالفضل و الصلاح و الرأی و التدبیر، و تولّی منهم الحاج علی بن أعوالی فکان خلیفة علی ابن عمّه آغة المذکور، فاشتهر عند الناس بغایة الظهور، و تولّی منهم عبد الرحمان بن أعوالی فکان خلیفة علی ابن عمّه آغة المذکور أیضا، فبلغ المراد و قضی الأحوال نفلا و فرضا، و هو للآن فی قید الحیاة، غیر أنه اعتراه الفالج الذی صیّره و هو حی من جملة الأموات، فنسئل (کذا) اللّه أن یعافینا من سائر المضرات، و یبلغ لنا المراد بالغایة القصوی فی الحیاة و الممات، بجاه سیدنا محمد صلی اللّه علیه و سلم الشفیع غدا یوم القیامة فی سائر المخلوقات، و ممّن تولّی قیادة الغرابة عبد القادر بن بکار فکانت سیرته مضرة بالمکروه و المحبوب، و کان خلیفة علیه ابن عمّه بن صابر بن المجدوب، و تولّی ریاستهم أیضا المرة بعد المرة، باهی بن مسعود، فکانت سیرته محمودة بغایة الشهود، و تولّی بعده الریاسة ابنه الحبیب ولد باهی، و هو الآن من أهل المشورة بمجلس تلیلات لتسلیمة فی الوظیف الأول فی غایة التباهی.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 345
و هذا آخر ما قصدنا جمعه، و ترکیبه و وضعه، فجاء بحمد اللّه کتابا جلیلا، و تألیفا بأخبار وهران و مخزنها کفیلا، نفّع اللّه به فی الحیاة و الممات، و جعله خالصا من البوائق التی للقدم مزلّات، إنه علی ما یشاء قدیر، و بالإجابة جدیر، و آخر دعوینا (کذا) أن الحمد للّه رب العالمین، سبحن (کذا) ربک رب العزة عمّا یصفون و سلام علی المرسلین و الحمد للّه رب العالمین، و هو حسبنا و نعم الوکیل ذو النفع العمیم، و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلی العظیم.

تقریض عبد العال شبکة

الحمد للّه وحده و الصلاة و السلام علی سیدنا محمد و آله و صحبه و سلم.
أما بعد فإنی قد تصفحت فصول هذا الکتاب فوجدته قد جمع من التاریخ ما تفرق فی غیره مما تسر الناظر قراءته و تبهج الفکر عبارته.
و قد أثنیت و شکرت لجناب مؤلفه السید اللبیب و الفاضل النجیب لغا بن عودة المزاری قاید دوایر و أذنته فی طبه (کذا).
الفقیر عبد العال شبکه (کذا).
سنة 1314 ه- 1897 م.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 346

تقریض عبد الرحمن بن سلیمان المصری‌

«بسم اللّه الرحمن الرحیم»
الحمد للّه و الصلاة و السلام علی رسول اللّه صلی اللّه علیه و علی آله و صحبه و سلّم.
حمدا لمن شرف الأنام بعلماء الشریعة و جعلهم مبدأ و ملجأ فی الختام و نور بصائرهم بمعارف العوارف، و لطائف المعارف و صلاة و سلاما علی من جاء بالبیان و قواطع سواطع التبیان، أما بعد فقد تصفحت بعض المقاصد من التاریخ المسمی بطلوع سعد السعود فحق أن یقصد لنیل المرام کل القاصد لاحتوائه علی بناء وهران من الأمراء الأوّل و توضیح الأولیاء و العلماء ذی (کذا) المجد و الحلل و زاده رشاقة و طلاوة ذکره نحن العامة فهو بهذا حری بالطلب لکل العامة فرید العصر و الأوان و مذکر لشجاعة الأسود من الفرسان و مضهر (کذا) العجائب و مبدی الغرایب لمن أراد الرکائب سالکا فی ذلک أوضح المسالک و مرتکبا فیه الطرق السهلة بألطف المسالک فلذلک أجزته و لثمرات فتواه أیدته. کتبه عبد ربه عبد الرحمن بن سلیمان المصری المالکی غفر اللّه له و لولدیه (کذا) و الأمة أمین أمین أمین.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 347
الصفحة الأخیرة من مخطوط: طلوع سعد السعود
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 348
الصفحة بعد الأخیرة و فیها التقریضان، و خاتم المتحف و رقم المخطوط فی مکتبة المتحف
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 349

الملاحق‌

اشارة

طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 351

قائمة حکام وهران الأوائل‌

أ- الحکام المغراویون الخزریون:

1- خزر بن حفص.
2- محمد بن خزر.
3- الخیر بن محمد.
4- محمد بن الخیر.
5- الخیر بن محمد.
6- یعلی بن محمد.
7- محمد بن الخیر.
8- محمد بن یعلی.
9- زیری بن عطیة.
10- محمد الصغیر بن محمد.

ب- الحکام الأزدیجیون العجیسیون:

11- أبو دیلم بن الخطاب الأزدیجی.
12- شجرة بن عبد الکریم العجیسی.

ج- الحکام الشیعیون الفاطمیون:

13- محمد بن أبی عون.

د- الحکام الیفرینیون:

14- یعلی بن محمد بن صالح الیفرینی.

ه- الحکام الصنهاجیون:

15- بلکین بن زیری بن مناد الصنهاجی.
16- أبو البهار بن زیری بن مناد الصنهاجی.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 352

قائمة السلاطین العثمانیین 1288- 1922

- عثمان 1288- 1326 م.
- أورخان 1326- 1359 م.
- مراد الأول 1359- 1389 م.
- بایزید الأول 1389- 1402 م.
- فترة شغور 1402- 1413 م.
- محمد الأول 1413- 1421 م.
- مراد الثانی 1421- 1451 م.
- محمد الثانی 1451- 1481 م.
- بایزید الثانی 1481- 1512 م.
- سلیم الأول 1512- 1520 م.
- سلیمان القانونی 1520- 1566 م.
- سلیم الثانی 1566- 1574 م.
- مراد الثالث 1574- 1595 م.
- محمد الثالث 1595- 1603 م.
- أحمد الأول 1603- 1617 م.
- مصطفی الأول 1617- 1623 م.
- مراد الرابع 1623- 1640 م.
- إبراهیم 1640- 1648 م.
- محمد الرابع 1648- 1687 م.
- سلیمان الثانی 1687- 1691 م.
- أحمد الثانی 1691- 1695 م.
- مصطفی الثانی 1695- 1703 م.
- أحمد الثالث 1703- 1730 م.
- محمود الأول 1730- 1754 م.
- عثمان الثالث 1754- 1757 م.
- مصطفی الثالث 1757- 1774 م.
- عبد الحمید الأول 1774- 1789 م.
- سلیم الثالث 1789- 1807 م.
- مصطفی الرابع 1807- 1808 م.
- محمود الثانی 1808- 1839 م.
- عبد المجید 1839- 1861 م.
- عبد العزیز 1861- 1876 م.
- مراد الرابع 1876 (خلع بعد 3 أشهر).
- عبد الحمید الثانی 1876- 1909 م.
- محمد الخامس 1909- 1918 م.
- محمد السادس 1918- 1922 م.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 353

قائمة الحکام الأتراک العثمانیین بالجزائر 1516- 1830

أ- ولاة الفتح و البایلر بای‌

1- باب عروج 1512- 1518 م.
2- خیر الدین 1518- 1534 م.
3- محمد حسن آغا 1534- 1544 م.
4- حسن باشا بن خیر الدین 1544- 1551 م.
5- صالح رایس 1552- 1556 م.
6- حسّان قرورصو 1556- 1557 م.
7- حسن باشا (مرة ثانیة) 1557- 1561 م.
8- أحمد باشا بسطانجی 1561-
9- القائد یحیی (مؤقتا) 1561-
10- حسن باشا (مرة ثالثة) 1562- 1567 م.
11- محمد بن صالح رایس 1567- 1568 م.
12- قلج علی 1568- 1572 م.
13- عرب أحمد 1572- 1574 م.
14- القائد رمضان 1574- 1577 م.
15- حسن فنزیانو 1577- 1580 م.
16- جعفر باشا 1580- 1582 م.
17- قائد رمضان (مرة ثانیة) 1582-
18- مامی الأرناؤوط 1582-
19- حسن فنزیانو (مرة ثانیة) 1583- 1587 م.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 354

ب- ولاة عهد الباشاوات‌

1- دالی أحمد باشا 1587- 1589 م.
2- الخضر باشا 1589- 1592 م.
3- الحاج شعبان 1592- 1595 م.
4- مصطفی باشا 1595- م.
5- الخضر باشا (مرة ثانیة) 1595- 1599 م.
6- دالی حسن أبو ریشة 1599- 1600 م.
7- سلیمان باشا 1600- 1603 م.
8- الخضر باشا (مرة ثالثة) 1603- م.
9- محمد قوصة 1603- 1605 م.
10- قوصة مصطفی القابجی 1605- 1607 م.
11- رضوان باشا 1607- 1610 م.
12- قوصة مصطفی (مرة ثانیة) 1610- 1611 م.
13- مصطفی باشا 1611- 1613 م.
14- حسین الشیخ 1613- 1616 م.
15- مصطفی خزناجی 1616- 1617 م.
16- سلیمان قاطانیا 1617- 1618 م.
17- حسین الشیخ (مرة ثانیة) 1618- 1619 م.
18- الخضر باشا 1620- 1621 م.
19- مصطفی حافظ قصور 1621- م.
20- حسین باشا 1621- 1623 م.
21- مراد باشا 1623- 1624 م.
22- إبراهیم باشا 1624- 1625 م.
23- خصرف باشا 1625- 1626 م.
24- حسین باشا (مرة ثانیة) 1626- 1634 م.
25- یوسف باشا 1634- 1637 م.
26- علی باشا 1637- 1639 م.
27- الشیخ حسن باشا 1639- 1640 م.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 355
28- أبو جمال یوسف باشا (مرة ثانیة) 1640- 1642 م.
29- محمد بورصالی باشا 1642- 1644 م.
30- أحمد باشا 1644- 1647 م.
31- أبو کمال یوسف (مرة ثالثة) 1647- 1650 م.
32- محمد باشا 1650- 1653 م.
33- أحمد باشا 1653- 1655 م.
34- إبراهیم باشا 1656- 1659 م.

ج- ولاة عهد الآغاوات‌

1- خلیل آغا 1659- 1660 م.
2- رمضان آغا 1660- 1661 م.
3- شعبان آغا 1661- 1665 م.
4- علی آغا 1665- 1671 م.

ه- ولاة عهد الدایات‌

1- الحاج محمد باشا 1671- 1682 م.
2- باب حسن باشا 1682- 1683 م.
3- الحاج حسین باشا میزومورتو 1683- 1688 م.
4- الحاج شعبان باشا 1688- 1695 م.
5- الحاج أحمد باشا 1695- 1698 م.
6- حسن باشا الشاوش 1698- 1700 م.
7- الحاج مصطفی باشا 1700- 1705 م.
8- حسین خوجة باشا 1705- 1707 م.
9- محمد بقطاش باشا 1707- 1710 م.
10- علی باشا شاوش 1710- 1718 م.
11- محمد بن حسن باشا 1718- 1724 م.
12- کرد عبدی باشا 1724- 1733 م.
13- إبراهیم باشا 1733- 1745 م.
14- إبراهیم باشا کوجوک 1745- 1748 م.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 356
15- محمد بکیر باشا 1748- 1754 م.
16- علی باشا ملمولی (بوصباع) 1754- 1766 م.
17- محمد عثمان باشا 1766- 1791 م.
18- حسن باشا 1791- 1798 م.
19- مصطفی باشا 1798- 1805 م.
20- أحمد باشا 1805- 1808 م.
21- علی باشا الغسال 1808- 1809 م.
22- الحاج علی باشا 1809- 1815 م.
23- عمر باشا 1815- 1817 م.
24- علی خوجة 1817- 1818 م.
25- حسین باشا 1818- 1830 م.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 357

قائمة بایات بایلیک الغرب الوهرانی‌

ذکر الشیخ محمد بن یوسف الزیانی فی کتابه: دلیل الحیران، بأن عدد بایات بایلیک الغرب الوهرانی ثلاثة و ثلاثون، و أورد أسماء ثلاثة و عشرین منهم، و اعتذر عن ذکر أسماء عشرة لعدم معرفته لهم کما اعتذر عن ذکر تواریخ حکم البعض کذلک.
و فعل مثله بعض المؤرخین قبله، و قلده من اعتمد علیه بعده. و نوردهم کما ذکرهم:
1- حسن بن خیر الدین
2- أبو خدیجة
3- صواق
4- السایح المازونی
(العدد من 5 إلی 15 مجهولون) 16- محمد بن عیسی
17- شعبان الزناقی 1679- 1686
18- مصطفی بو الشلاغم المسراتی 1686- 1733
19- یوسف المسراتی 1733- 1734
20- مصطفی الأحمر المسراتی 1734- 1735
21- محمد بو طالب المجاجی 1735- 1742
22- قاید الذهب المسراتی 1742- 1747
23- عثمان بن إبراهیم 1747- 1756
24- حسن بای 1756
25- إبراهیم الملیانی 1756- 1771
26- الحاج خلیل 1771- 1778
27- محمد بن عثمان الکبیر 1778- 1798
28- عثمان بن محمد 1798- 1802
29- مصطفی العجمی المنزلی 1802- 1805
30- محمد المقلش 1805- 1807
31- محمد الرکید بوکابوس 1807- 1812
32- علی قارة باغلی 1812- 1817
33- حسین بن موسی الباهی 1817- 1831
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 358

ملوک قشتالة

فیردیناند الأول (العظیم) 1033- 1065 م
سانشو (شانجة) الثانی 1065- 1072 م
الفونسو السادس 1065- 1109 م
أوراکا 1109- 1126 م
الفونسو السابع (الأراقونی) 1109- 1126 م
الفونسو الثامن 1126- 1157 م
سانشو (شانجة) الثالث 1157- 1158 م
الفونسو التاسع 1158- 1214 م
هنری الأول 1214- 1217 م
فردیناند الثالث (القدیس) 1217- 1252 م
الفونسو العاشر (الحکیم) 1252- 1284 م
سانشو (شانجة) الرابع 1284- 1295 م
فردیناند الرابع 1295- 1312 م
الفونسو الحادی عشر 1312- 1350 م
بطرس (القاسی) 1350- 1369 م
هنری الثانی 1369- 1379 م
حنا الأول 1379- 1390 م
هنری الثالث 1390- 1406 م
حنا الثانی 1406- 1454 م
هنری الرابع 1454- 1474 م
ایزابلا الکاثولیکیة 1474- 1505 م
فیردیناند الخامس الکاثولیکی 1474- 1505 م
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 359

ملوک أراقون‌

الفونسو الأول (المحارب) 1104- 1134 م
رامیرو 1134- 1137 م
بترونیلا 1137- 1172 م
ریموند برنجار 1137- 1162 م
الفونسو الثانی 1162- 1196 م
بطرس الثانی 1196- 1213 م
جیمس الأول (الفاتح) 1213- 1276 م
بطرس الثالث (العظیم) 1276- 1285 م
الفونسو الثالث 1285- 1291 م
جیمس الثانی 1291- 1327 م
الفونسو الرابع 1327- 1336 م
بطرس الرابع 1336- 1387 م
حنا الأول 1387- 1395 م
مارتن 1395- 1410 م
فردیناندو الأول 1412- 1416 م
الفونسو الخامس 1416- 1458 م
حنا الثانی 1458- 1474 م
فیردیناند الثانی (الکاثولیکی) 1474- 1516 م
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 360

قائمة ملوک اسبانیا الموحدة

الملوک الکاثولیکیون (1474- 1516 م)

1- فیرناندو (فیردیناند) الکاثولیکی، 1474- 1515 م.
2- إیزابیل الکاثولیکیة، 1474- 1505 م.

الملوک المنحدرون من العائلة النمساویة

3- کارلوس الأول أو شارلکان الألمانی (1516- 1556 م).
4- فیلیب الثانی (1556- 1598 م).
5- فیلیب الثالث (1598- 1621 م).
6- فیلیب الرابع (1621- 1665 م).
7- کارلوس الثانی (1665- 1700 م).

الملوک المنحدرون من عائلة البوریون‌

8- فیلیب الخامس دوق أنجو (1700- 1746 م).
9- فیرناندو الرابع (1746- 1759 م).
10- کارلوس الثالث (1759- 1788 م).
11- کارلوس الرابع (1788- 1808 م).

فترة حرب الاستقلال (1808- 1814 م)

12- فیرناندو السابع (1814- 1833 م).
13- إیزابیل الثانیة (1833- 1868 م).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 361

الجمهوریة الأولی 1868

14- أمادیو الأول (1874).
15- الفونسو الثانی عشر (1874- 1885 م).
16- ماریاکر یستینا (1885- 1902 م).
17- الفونسو الثالث عشر (1902- 1931 م).

الجمهوریة الثانیة (1931- 1939 م)

عهد الجنرال فرانکو 1939- 1975.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 362

قائمة ملوک فرنسا

فرامون 420- 428 م
کلودیون 428- 448 م
میروفی 448- 457 م
شیلدیریک الأول 457- 481 م
کلوفیس الأول 481- 511 م
شیلدیبیر الأول 511- 558 م
کلوتیر الأول 511- 561 م
شیلبیرک الأول 561- 584 م
کلوتیر الثانی 584- 629 م
کاریبیر 629- 632 م
داقوبیر الأول 629- 638 م
کلوفیس الثانی 635- 657 م
کلوتیر الثالث 657- 673 م
شیلدیریک الثانی 662- 675 م
تییری الثالث 673- 691 م
کلوفیس الثالث 675
شیلدیبیر الثانی 675- 696 م
داقوبیر الثانی 676- 679 م
کلوفیس الرابع 691- 695 م
شیلدیبیر الثالث 695- 711 م
داقوبیر الثالث 711- 715 م
شیلبیریک الثانی 715- 721 م
کلوتیر الرابع 718- 719 م
تییری الرابع 721- 737 م
شیلدیریک الثالث 743- 551 م
بیبان القصیر 751- 768 م
شارل العظیم (شارلمان) 768- 814 م
لویس التقی 814- 840 م
شارل الأصلع 840- 877 م
لویس الثانی 877- 879 م
لویس الثالث 879- 882 م
کارلومان 879- 884 م
شارل السمین 884- 887 م
أودو 888- 898 م
شارل الثالث البسیط 898- 923 م
روبیر الأول 922- 923 م
راؤول البرجبدی 923- 936 م
لویس الرابع 936- 954 م
لوثر 954- 986 م
لویس الخامس 986- 987 م
هیوکابیه الأول 987- 996 م
روبیر الثانی 996- 1031 م
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 363
هنری الأول 1031- 1060 م
فیلیب الأول 1060- 1108 م
لویس السادس السمین 1108- 1137 م
لویس السابع 1137- 1180 م
فیلیب الثانی أوغسطس 1180- 1223 م
لویس الثامن 1223- 1226 م
لویس التاسع 1226- 1270 م
فیلیب الثالث 1270- 1285 م
فیلیب الرابع الجمیل 1285- 1314 م
لویس العاشر 1314- 1316 م
جان الأول 1316
فیلیب الخامس 1316- 1322 م
شارل الرابع 1322- 1328 م
فیلیب السادس (قالوا) 1328- 1350 م
جان الثانی الجمیل 1350- 1364 م
شار الخامس الکسول 1364- 1380 م
شارل السادس 1380- 1422 م
شارل السابع 1422- 1461 م
لویس الحادی العشر 1461- 1483 م
شارل الثامن 1483- 1498 م
لویس الثانی عشر 1498- 1515 م
فرانسوا الأول 1515- 1547 م
هنری الثانی 1547- 1559 م
فرانسوا الثانی 1559- 1560 م
شارل التاسع 1560- 1574 م
هنری الثالث 1574- 1589 م
هنری الرابع 1589- 1610 م
لویس الثالث عشر 1610- 1643 م
لویس الرابع عشر 1643- 1715 م
لویس الخامس عشر 1715- 1774 م
لویس السادس عشر 1774- 1793 م
الجمهوریة الأولی 1793- 1804 م
الأمبراطور نابولیون الأول 1804- 1815 م
لویس الثامن عشر 1814- 1824 م
شارل العاشر 1824- 1830 م
لویس فیلیب 1830- 1848 م
الجمهوریة الثانیة 1848- 1852 م
الأمبراطور لویس نابولیون الثالث 1852- 1870 م
الجمهوریة الثالثة 1870- 1914 م
تییر 1871- 1873 م
ماکماهون 1873- 1879 م
جول قریفی 1879- 1887 م
سادی کارنو 1887- 1894 م
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 364

قائمة الحکام الرومان‌

أ- العهد الملکی (753- 509 ق. ج.):

1- رومولوس/ROMULUS :/ 753- 717 ق. م
2- نومابومبیلیوس/NUMA POMPILIUS :/ 617- 673 ق. م
3- تولیوس أوستیلیوس/TULLIUS HOSTILIUS :/ 673- 641 ق. م
4- أنکوس مارتیوس/ANCUS MARTIUS :/ 641- 616 ق. م
5- لوکیوس تارکیونیوس/LUCIUS TARQUIONIUS :/ 616- 579 ق. م
6- سیرفیوس تولیوس/SERVIUS TULLIUS :/ 579- 535 ق. م
7- تارکوینیوس الفخور/TARQUINIUS LE SUPERBE :/ 535- 509 ق. م‌

ب- العهد الجمهوری (509- 27 ق. ج):

ج: نهایة العهد الجمهوری:

1- غانیوس.
2- یولیوس.

د- العهد الأمبراطوری (27 ق. م 395 م):

1- أوغسطس/AUGUSTE :/ 27 ق. م/ 14 م
2- تیبریوس/TIBERIUS :/ 14/- 37 م
3- کالیقولا/CALIGULA :/ 37/- 41 م
4- کلودیوس/CLAUDIUS :/ 41/- 54 م
5- نیرون/NERON :/ 54/- 68 م
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 365
6- قالبا/GALBA :/ 68/- 69 م
7- أوتون/OTHON :/ 69 م
8- فیتیلیوس/VETELLIUS :/ 69 م
9- فیسبازیان/VESPASIEN :/ 69/- 79 م
10- تیتوس/:TITUS :/ 79/- 81 م
11- دومیتیان/DOMITIEN :/ 81/- 96 م
12- نیرفا/NERVA :/ 96/- 98
13- تراجان/TRAJAN :/ 98/- 117 م
14- هادریان/HADRIEU :/ 117/- 138 م
15- انطونان التقی/ANTONIN LE PIEUX :/ 138- 161 م
16- مارک أوریل/MARC AUREL :/ 161- 180 م
17- کومود/COMMODE :/ 180- 192 م
18- بیرتیناکس/PERTINAX :/ 193 م
19- دیدیوس یولیانوس/DIDIUS JULIANUS :/ 193 م
20- سبتیمیوس سیفیروس/SEPTIMIUS SEVERUS :/ 193- 211 م
21- کاراکلا و جیتا/CARACALLA ET GETA :/ 211- 212 م
22- کاراکلا/CARACALLA :/ 212- 217 م
23- ماکران/MACRIN :/ 217- 218 م
24- ایلاقابال/ELAGABAL :/ 218- 222 م
25- سیفیر ألیکساندر/SEVERE ALEXANDRE :/ 222- 235 م
26- ماکسیمان الأول/MAXIMIN 1 e ?r :/ 235- 238 م
27- قوردیانوس الأول/GORDIANUS 1 e ?r :/ 238 م
28- قوردیانوس الثانی/GORDIANUS 2 e ?me :/ 238 م
29- قوردیانوس الثالث/GORDIANUS 3 e ?me :/ 238- 244 م
30- فیلیب العربی/PHILIPPE L'ARABE :/ 244- 349 م
31- دیکیوس/DECIUS :/ 249- 251 م
32- قالوس/GALLUS :/ 251- 253 م
33- فالیریان/VALERIEN :/ 253- 260 م
34- قالیان/GALLIEN :/ 260- 268 م
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 366
35- کلود الثانی القوطی/CLAUDE 2 e ?me LEGOTHIQUE :/ 268- 270 م
36- أورلیان/AURELIEN :/ 270- 275 م
37- تاسیث/TACITE :/ 275- 276 م
38- بروبوس/PROBUS :/ 276- 282 م
39- کاروس/CARUS :/ 282- 283 م
40- نومیریان/NUMERIEN :/ 283- 284 م
41- کاران/CARIN :/ 283- 285 م‌

ه- فترة الحکم الرباعی:

42- دیوکلیتیان/DIOCLETIEN :/ 284- 305 م
43- میکسیمیان/MIXIMIEN :/ 286- 305 م
44- کونسطانس کلور/CONTANCE CHLOR :/ 293- 305 م
45- قالیر/GALERE :/ 293- 305 م
46- کونسطانس کلور/:/ 306 م
47- قالیر/GALERE :/ 306 م
48- سیفیر/SE ?VE ?RE :/ 306 م
49- ماکسیمین دایا/MAXIMIN DAIA :/ 306 م
50- قالیر/GALERE :/ 306- 307 م
51- سیفیر/SE ?VE ?RE :/ 306- 307 م
52- قنسطنطین/CONSTANTIN :/ 306- 307 م
53- ماکسیمین دایا/:/ 306- 307 م
54- قالیر/GALERE :/ 307- 310 م
55- لیکینیوس/LICINIUS :/ 307- 310 م
56- ماکسیمین دایا/:/ 307- 310 م
57- قنسطنطین/CONSTANTIN :/ 307- 310 م
58- قنسطنطین/:/ 306- 324 م
59- لیکینیوس/:/ 306- 324 م
60- قنسطنطین (وحده)/:/ 325- 337 م
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 367
61- قنسطنطین الثانی (فی الغرب) 337- 340 م
62- قنسطانط (فی الغرب) 340- 350 م
63- قنسطانس الثانی (فی الشرق) 337- 350 م
64- قنسطانس الثانی (وحده)/:/ 350- 361 م
65- جولیان المارق/JULIEN L'APOSTAT :/ 361- 363 م
66- جوفیان/JOVIEN :/ 363- 364 م
67- فالانتینیان الأول/VALENTINIEN .I : (فی الغرب):/ 364- 375 م
68- فالانس/VALENS :/ 364- 378 م
69- قراتیان/GRATIEN :/ 375- 383 م
70- فالانتینیان الثانی/:/ 375- 392 م
71- تیودوز/THEODOSE :/ 379- 392 م
72- تیودوز (وحید)/:/ 392- 395 م‌

و- أباطرة الغرب (395- 476 م):

1- هونوریوس/HONORIUS :/ 395- 423 م
2- فالینتینیان الثالث/:/ 423- 455 م
3- بیترون ماکسیم/PETRONE MAXIME :/ 455 م
4- أفیتوس/AVITUS :/ 455- 456 م
5- ماجوریان/MAJORIEN :/ 457- 461 م
6- سیفیر/:/ 461- 465 م
7- أنتیمیوس/ANTHEMIUS :/ 467- 472 م
8- أولیبریوس/OLYBRIUS :/ 472 م
9- قلیسیریوس/GLYCERIUS :/ 473- 474 م
10- نیبوس/NEPOS :/ 474- 475 م
11- رومولوس أوقسطول/ROMULUS AUGUSTULE :/ 475- 476 م‌

ز- أباطرة الدولة البیزنطیة:

1- أرکادیوس/ARCADIUS :/ 395- 408 م
2- ثیودوسیوس الثانی/THEODOCIUS II :/ 408- 450 م
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 368
3- مارکیان/MARCIAN :/ 450- 457 م
4- لیو الأول/LEO I :/ 457- 474 م
5- زینون/ZINON :/ 474- 491 م
6- أنسطسیون الأول/ANCTOCIUS I :/ 491- 518 م
7- جوستین الأول/:/ 518- 527 م
8- جوستانبان الأول/JUSTANIEN I :/ 527- 565 م
9- جوستین الثانی/:/ 565- 574 م
10- طیبیربوس الثانی/TIBIRIUS II :/ 574- 582 م
11- موریس/:/ 582- 602 م
12- فوکاس/:/ 602- 610 م
13- هرقل/:/ 610- 641 م
14- قنسطنطین الثانی/:/ 641- 642 م
15- قنسطانز الثانی/:/ 642- 668 م
16- قنسطنطین الثالث/:/ 668- 685 م
17- جوستانیان الثانی/:/ 685- 695 م
18- لیونتیوس/:/ 695- 698 م
19- طیبیریوس الثالث/:/ 698- 705 م
20- جستنیان الثانی (مرة أخری)/:/ 705- 711 م
21- فیلیب/:/ 711- 713 م
22- أنسطوسیوس الثانی/:/ 713- 716 م
23- ثیود و سیوس الثالث/:/ 716- 717 م
24- لیو الثالث الأیسوری/:/ 717- 740 م
25- قنسطنطین الخامس/:/ 740- 775 م
26- لیو الرابع/:/ 775- 780 م
27- قنسطنطین السادس/:/ 780- 797 م
28- إیرین/:/ 797- 802 م
29- نقفور الأول/:/ 802- 811 م
30- ستور اکیوس/:/ 8111
31- میخائیل الثانی/:/ 811- 813 م
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 369
32- لیو الخامس الأرمنی/:/ 813- 820 م
33- میخائیل الثانی/:/ 820- 829 م
34- ثیوفیلوس/:/ 829- 842 م
35- میخائیل الثالث/:/ 842- 867 م
36- باسل الأول المقدونی/:/ 867- 886 م
37- لیو السادس/:/ 886- 912 م
38- اسکندر/:/ 912- 913 م
39- قنسطنطین السابع/:/ 913- 959 م
40- رومانوس الأول/:/ 919- 944 م
41- رومانوس الثانی/:/ 959- 963 م
42- نقفور الثانی فوقاس/:/ 963- 969 م
43- حنا الأول شمیشق/:/ 969- 976 م
44- باسل الثانی/:/ 976- 1025 م
45- قنسطنطین الثامن/:/ 1025- 1028 م
46- روی/:/ 1028- 1050 م
47- رومانوس الثالث/:/ 1082- 1034 م
48- میخائیل الرابع/:/ 1034- 1041 م
49- میخائیل الخامس/:/ 1041- 1042 م
50- قنسطنطین التاسع/:/ 1042- 1054 م
51- ثیودورا/:/ 1054- 1056 م طلوع سعد السعود ؛ ج‌2 ؛ ص369
- میخائیل السادس/:/ 1056- 1057 م
53- إسحاق الأول کومنین/:/ 1057- 1059 م
54- قنسطنطین العاشر/:/ 1059- 1067 م
55- رومانوس الرابع/:/ 1067- 1071 م
56- میخائیل السابع/:/ 1071- 1079 م
57- نقفور الثالث/:/ 1079- 1081 م
58- الیکسیوس الأول کومنین/:/ 1081- 1118 م
59- حنا الثانی/:/ 1118- 1143 م
60- مانویل الأول/:/ 1143- 1180 م
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 370
61- الیکسیوس الثانی/:/ 1180- 1183 م
62- أندرونیک الأول/:/ 1183- 1185 م
63- إسحاق الثانی أنجیلوس/:/ 1185- 1195 م
64- ألیکسیوس الثالث/:/ 1195- 1203 م
64- إسحاق الثانی (مرة أخری)/:/ 1203- 1024 م
66- الیکسیوس الرابع/:/ 1204 م
67- الیکسیوس الخامس (خضوع القسطنطینیة لأباطرة الغرب)/:/ 1204 م
68- بلدوین الأول (من رجال الحملة الصلیبیة)/:/ 1204- 1206 م
69- هنری الأول/:/ 1206- 1217 م
70- بطرس/:/ 1217 م
71- یولاند/:/ 1217- 1221 م
72- روبیر/:/ 1221- 1228 م
73- بولدوین الثانی/:/ 1228- 1229 م
74- حنابرین/:/ 1229- 1259 م
75- میخائیل الثامن (عودة القسطنطینیة إلی أباطرة الشرق)/ 1259- 1282 م
76- أندرونیق الثانی/:/ 1282- 1328 م
77- أندرونیق الثالث/:/ 1328- 1341 م
78- حنا الخامس/:/ 1341- 1376 م
79- حنا السادس/:/ 1341- 1355 م
80- أندرونیق الرابع/:/ 1376- 1379 م
81- حنا الخامس (مرة أخری)/:/ 1379- 1391 م
82- حنا السابع/:/ 1390- 1391 م
83- مانویل الثانی/:/ 1391- 1425 م
84- حنا الثامن/:/ 1425- 1448 م
85- قنسطنطین الحادی عشر/:/ 1448- 1453 م
- الفتح العثمانی، و سقوط القسطنطینیة بید العثمانیین/ 1453 م
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 373

مراجع و مصادر الکتاب‌

[المراجع العربیة:]

- ابن الآبار (أبو عبد اللّه محمد القضاعی):
أ- التکملة لکتاب الصلة. نشر کودیرا. 2 أ ج. (مدرید 1883)، ط 2، نشر عزت العطار الحسینی (القاهرة- 1956).
ب- التکملة لکتابة الصلة. (ملحق) نشر ابن أبی شنب (محمد) و بل (ألفرید) (الجزائر- 1920 م).
ج- الحلة السیراء فی أشعار الأمراء. تحقیق مؤنس (حسین) 2 أ ج.
(القاهرة- 1963 م).
- إبراهیم حسن (د. حسن):
أ- انتشار الإسلام فی القارة الإفریقیة. ط 2 (القاهرة- 1963) ص 248.
ب- تاریخ الدولة الفاطمیة فی المغرب- و سوریا، و مصر، و بلاد العرب.
(القاهرة- 1958). 741 ص.
- إحسان (د. عباس): أخبار و تراجم أندلسیة (بیروت- 1963).
- ابن الأحمر (إسماعیل بن یوسف).
أ- مستودع العلامة و مستبدع العلّامة، تحقیق الترکی التونسی (محمد الطاهر) و ابن تاویت (محمد). (تیطوان المغرب).
ب- روضة النسرین فی دولة بنی مرین. تحقیق بن منصور (عبد الوهاب) ط 2 (الرباط- مطبوعات القصر الملکی- 1962). ط 1 (باریس- 1917).
- أرسلان (شکیب): الحلل السندسیة فی الأخبار و الآثار الأندلسیة. (فاس- 1936)، (القاهرة- 1939 م) 3 أ ج.
- أبهلول (أبو علی بن الحسن بن علی المجاجی): العقد النفیس فی بیان علماء و شرفاء غریس. (مخطوط وضع فی بدایة القرن 11 ه و أواخر 16 م).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 374
- ابن الأثیر (عز الدین أبو الحسن علی):
أ- الکامل فی التاریخ (بیروت- دار الکتاب العربی 1387 ه- 1967).
ب- کتاب اللباب فی معرفة الأنساب، اختصره من کتاب الأنساب للسمعانی أبی سعید محمد (بغوتا 1835 م).
- الإدریسی (أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه): صفة المغرب و أرض السودان و مصر و الأندلس، مأخوذة من کتاب نزهة المشتاق فی اختراق الآفاق (لیدن- مطبعة بریل 1968).
- الأزکوی (سرحان بن سعید): کشف الغمة الجامع لأخبار الأمة. نشره فاروق عمر فوزی ضمن بحثه ملامح من تاریخ الحرکة الإباضیة، مجلة المؤرخ العربی.
عدد 2 (بغداد- 1975).
- إسماعیل العربی: دولة بنی حماد ملوک القلعة و بجایة (الجزائر د. م. ج. 1986).
- الإصطخری (أبو إسحاق إبراهیم بن محمد الفاسی): المسالک و الممالک تحقیق محمد جابر عبد العال (القاهرة- دار القلم 1381 ه- 1961 م).
- الأفرانی أو الیفرینی (محمد الصغیر):
أ- صفوة من انتشر فی أخبار القرن الحادی عشر. م. خ. ع. الرباط. د 671.
ب- نزهة الحادی بأخبار ملوک القرن الحادی. ترجمه هوادس إلی الفرنسیة عام 1888. (منشورات أرنست لوروکس).
- أقوجیل (محمد بن علی): عقد الجمان اللامع من قعر البحر الجامع (مخطوط).
- الإدریسی (محمد بن عبد العزیز الشریف): نزهة المشتاق فی ذکر الأمصار و البلدان و الأقطار و الآفاق. (روما- 1592 م).
- الأصفهانی (عماد الدین) خریدة القصر و جریدة العصر. تحقیق محمد المرزوقی، و محمد العروسی المطوی، و الجیلانی بن الحاج یحیی 3 أ ج (تونس- 1971- 1972- 1973) ص 435+ 341+ 415 ص.
- ابن أبی أصیبعة (موفق الدین أبو العباس أحمد الخزرجی): عیون الأنباء فی طبقات الأطباء، تحقیق نزار رضا (بیروت- دار الحیاة 1965).
- البارونی (أبو الربیع سلیمان النقوسی):
أ- الأزهار الریاضیة فی أئمة و ملوک الإباضیة. ج 2 (القاهرة. مطبعة الأزهار البارونیة- بدون تاریخ).
ب- مختصر تاریخ الإباضیة (تونس. مکتبة الاستقامة 1347 ه- 1938).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 375
- البرادی (أبو القاسم بن إبراهیم): الجواهر المنتقاة (القاهرة- مطبعة البارونی 1302 ه).
- بدوی (عبد الرحمان): مؤلفات ابن خلدون (القاهرة- 1962).
- ابن بشکوال (أبو القاسم خلف): کتاب الصلة فی تاریخ أئمة الأندلس و علمائها. 2 أج (مدرید- 1882- 1883 م) ط 2 (القاهرة- 1962 م).
- ابن بسام: (الشنترینی): الذخیرة فی محاسن أهل الجزیرة. (القاهرة- کلیة الآداب) (دوزی- لیدن) ط 2 تحقیق عباس (إحسان) (الدار العربیة للکتاب- لیبیا- تونس- 1975).
- البغدادی (إسماعیل باشا):
أ- إیضاح المکنون فی الذیل عن کشف الظنون (اسطنبول 1945- 1946 م) 2 أج.
ب- هدیة العارفین. 2 أج (اسطنبول 1951 م).
- ابن بطوطة (أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه): تحفة النظار فی غرائب الأمصار، و عجائب الأسفار، حققه و علق علیه و قدم له الکتانی (د. المنتصر) 2 أج.
(بیروت- 1395 ه- 1975 م) ص 832.
- البکری (أبو عبید اللّه): المغرب فی ذکر بلاد إفریقیة و المغرب (من کتاب المسالک و الممالک). نشر البارون دی سلان: ط 2 (الجزایر- 1913).
- بروکلمان (کارل): تاریخ الشعوب الإسلامیة. ترجمة فارس (نبیه أمین) و البعلبکی (منیر). ط 2. (بیروت- 1974) مجلد ص 1- 901.
- بو عزیز (یحیی):
أ- علاقات الجزائر الخارجیة 1500- 1830 م (الجزائر- 1985 م). ص 206.
ب- ازدهار الحضارة و الفکر الإسلامیین فی المغرب الإسلامی و دورهما فی نهضة أوروبا و یقظتها. مجلة الأصالة. أعداد 75، 76، 77 و 78. (الجزائر- نوفمبر، دیسمبر 1979 جانفی، فیفری 1980) ص 113- 144.
ج- مفاوضات الصلح بین الجزائر و إسبانیا من خلال مراسلات الدای محمد عثمان باشا 1780- 1787 م. مجلة التاریخ- النصف الأول من عام 1985 عدد 18.
ص 125- 152.
د- ثورة 1871 دور عائلتی المقرانی و الحداد (الجزائر- 1978) 471 ص.
ه- وهران عبر التاریخ. (الجزائر- 1985) 206 ص.
و- جهود الجزائر الفکریة فی موکب الحضارة العربیة. الأصالة. عدد 19 (مارس، أفریل 1974 م). 287- 301 ص.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 376
ز- ماضی مدینة وهران و أمجادها التاریخیة. مجلة الثقافة عدد 52. (الجزائر یولیو، أغسطس 1979 م) ص 29- 57.
ح- تلمسان عاصمة المغرب الأوسط (الجزائر- 1985).
ط- کفاح الجزائر من خلال الوثائق (الجزائر- 1986).
ی- ثورات الجزائر فی القرنین 19 و 20 (الجزائر، قسنطینة 1980).
ک- مراسلات الأمیر عبد القادر مع إسبانیا و حکامها العسکریین بملیلیه. ط 2 (الجزائر- 1986).
- البلاذری (حمد بن یحیی بن جابر) فتوح البلدان. تحقیق رضوان محمد رضوان ط 1. (القاهرة- المطبعة المصریة 1932 م).
- بلحمیس (د. مولای): صفحات من تاریخ العلاقات الجزائریة- الإسبانیة معاهدة 1786 بین الجزائر و إسبانیا (الجزائر- مجلة تاریخ و حضارة المغرب جوان 1974 م).
- ابن تغری بردی (أبو المحاسن یوسف): النجوم الزاهرة فی ملوک مصر و القاهرة. (القاهرة- طبعة برکلی- 1915- 1936 م) 6 أج.
- التمیمی (أبو العرب محمد بن أحمد): کتاب طبقات علماء إفریقیة.
(الجزائر- 1332 ه- 1914 م).
- التنبکتی (أحمد بابا): نیل الابتهاج بتطریز الدیباج. طبع علی هامش الدیباج المذهب لابن فرحون (القاهرة- 1351 ه- 1932 م) ص 362.
- الستنسی (محمد بن عبد الجلیل): نظم الدر و العقیان فی شرف بنی زیان و ذکر ملوکهم الأعیان و من ملک من أسلافهم فیما مضی من الزمان (مخطوط).
- التیجانی (أبو زید عبد الرحمن): عقد الجمان النفیس فی ذکر الأعیان من أشراف غریس (مخطوط) و هو عبارة عن رجز شرحه تلمیذه محمد الجوزی بعنوان: فتح الرحمن فی شرح عقد الجمان.
کما شرحه أبو راس الناصر. و قام السید. ل. فان: بترجمته و نشره فی المجلة الافریقیة عام 1891 م.
- الجامعی (عبد الرحمان): شرح أرجوزة الحلفاوی. مخطوط بمکتبة المتحف البلدی لمدینة وهران.
- الجیلالی (عبد الرحمان): تاریخ الجزائر العام (الجزائر- 1982) ط 2- 4.
أج. (325+ 288+ 607 ص).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 377
- حاجیات (د. عبد الحمید): أبو حمو موسی الثانی. حیاته و آثاره. (الجزائر- 1974 م) 397 ص.
- ابن حجر العسقلانی (أحمد بن علی): الدرر الکامنة فی أعیان المائة الثامنة. ط 1. (حیدر باد- 1348 ه) ط 2 تحقیق محمد عبد الحق (القاهرة- 1966) 4 أج.
- حاجی خلیفة (مصطفی بن عبد اللّه): کشف الظنون عن أسامی الکتب و الفنون (اسطنبول- 1941- 1943 م) 2 أج. (طهران- 1967 م- 1387 ه).
- ابن حزم (أبو محمد علی بن سعید الأندلسی):
أ- الفصل فی الملل و الأهواء و النحل (بیروت- دار الکتاب- اللبنانی 1321 ه).
ب- جمهرة أنساب العرب. نشر و تحقیق. و تعلیق. لیفی بروفنسال (القاهرة دار المعارف- 1368 ه- 1948 م).
- الحلفاوی (أبو عبد اللّه محمد بن أحمد): الحلفاویة. (أرجوزة فی فتح وهران عام 1708 م).
- ابن حماد (أبو عبد اللّه بن علی الصنهاجی): أخبار ملوک بنی عبید و سیرهم تحقیق و تعلیق أحمد جلول البدوی (الجزائر- 1984).
- ابن حمادوش (عبد الرزاق): تاریخ ابن حمادوش و رحلته. تحقیق د. ابن القاسم سعد اللّه (الجزائر- 1982).
- الحموی (یاقوت بن عبد اللّه الرومی): معجم البلدان. (بیروت- 1967).
- الحمیدی (أبو عبد اللّه محمد) جذوة المقتبس فی ذکر ولاة الأندلس (القاهرة- الدار المصریة للتألیف و الترجمة- 1966).
- ابن حواء (الشیخ محمد): سبیکة العقیان فیمن حل بمستغانم و أحوازها من الأعیان.
(مخطوط).
- ابن حوقل (أبو القاسم النصیبی): کتاب صورة الأرض (بیروت. دار الحیاة- بدون تاریخ).
- ابن حیان (أبو مروان حیان بن خلف): المقتبس من أنباء أهل الأندلس تحقیق محمود علی مکی. ط 2. (القاهرة- 1390 ه- 1971 م). ط 1 تحقیق علی الحجی (د. عبد الرحمن) (بیروت- 1965).
- حسین خوجة:
أ- در الأعیان فی أخبار مدینة وهران (مخطوط) ترجمة الفونس روسو و نشره فی
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 378
جریدة المونیتور الجزائریة فی أعداد 1395- 1398. و عرف به مارسیل بودان.
ب- بشائر أهل الإیمان فی فتوحات آل عثمان (مخطوط).
- حسن (د. حسن إبراهیم):
أ- تاریخ الإسلام السیاسی و الدینی و الثقافی و الاجتماعی. 3 أج (القاهرة- 1961).
ب- تاریخ الدولة الفاطمیة فی المغرب و مصر و بلاد سوریا و بلاد المغرب (القاهرة- 1958) 741 ص.
ج- انتشار الإسلام فی القارة الإفریقیة (القاهرة- 1962 م) ط 2/ 248 ص.
د- الحفناوی (أبو القاسم محمد): تعریف الخلف برجال السلف. 2 أج. ط 2 (تونس- 1982 م). 2 أج. 203+ 624 ص.
- الحلفاوی (محمد بن أحمد): أرجوزة فی فتح وهران من 72 بیتا. منشورة ضمن کتاب التحفة المرضیة فی الدولة البکداشیة.
- الحلل الموشیة فی ذکر الأخبار المراکشیة (مؤلف مجهول) (الرباط- 1936 م).
- الحمیدی (أبو عبد اللّه): جذوة المقتبس فی ذکر ولاة الأندس. تحقیق ابن تاویت (محمد). (القاهرة- 1956) ط 2 (القاهرة-) 1966.
- الحصری (ساطع): دراسات عن مقدمة ابن خلدون. (القاهرة- 1953) 2 أ ج.
- الحمیری (أبو عبد اللّه محمد): الروض المعطار (القاهرة- 1948 م).
- الحسنی (محمد): العقد الثمین: (القاهرة- 1388 ه- 1969 م).
- ابن حوقل: کتاب المسالک و الممالک. نشر دی غویه- 2 أج. (لیدن- 1973 م).
- ابن خاقان (الفتح): قلائد العقیان. (القاهرة- 1283 م).
- ابن خلکان (شمس الدین): وفیات الأعیان و أنباء أبناء الزمان. تحقیق محیی الدین عبد الحمید. (القاهرة- 1948) 6 أج. ط 2. تحقیق إحسان عباس، (بیروت- 1971) 8 أج.
- الخشنی (أبو عبد اللّه محمد): قضاة قرطبة و علماء إفریقیا (القاهرة- 1372 ه الجزائر- 1914 م).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 379
- ابن خرداذبة (أبو القاسم عبید اللّه): المسالک و الممالک. (بغداد- مکتبة المثنی- 1889 م).
- ابن الخطیب (لسان الدین):
أ- الإحاطة فی أخبار غرناطة. 2 أج. (القاهرة 1319 ه/ 1911 م).
ب- الإحاطة فی أخبار غرناطة تحقیق محمد عبد اللّه عنان. (القاهرة 1375 ه- 1955 م) ج 1. 642 ص.
ج- الکتیبة الثامنة فیمن لقیناه من شعراء المائة الثامنة. تحقیق إحسان عباس (بیروت- 1963 م).
د- أعمال الإعلام فیمن بویع قبل الاحتلام من ملوک الإسلام. نشر لیفی بروفنسال (الرباط- 1934 م). ط 2 تحقیق أحمد مختار العبادی. و محمد إبراهیم الکتانی (الدار البیضاء- 1964 م).
ه- رقم الحلل فی نظم الدول. (تونس- 1316 ه).
و- نفاضة الجراب فی علالة الاغتراب. تحقیق العبادی (القاهرة- بدون تاریخ).
ز- اللمحة البدریة فی الدولة النصریة (القاهرة- 1347 ه).
- ابن خلدون (عبد الرحمان):
أ- کتاب العبر. 7 أجزاء. (بیروت- 1969 م).
ب- التعریف بابن خلدون و رحلته غربا و شرقا. تحقیق و تعلیق ابن تاویت (محمد الطانجی). (القاهرة- 1370 ه/ 1951 م) 459 ص.
ج- التعریف بابن خلدون و رحلته غربا و شرقا (ط. بیروت- 1979 م) ص 430.
د- کتاب العبر. ج 7. (القاهرة طبعة بولاق- 1284 ه) 464 ص.
ه- ابن خلدون (یحیی): بغیة الرواد فی ذکر الملوک من بنی عبد الواد، نشر ألفرید بل. 2 أج. (الجزائر- ج 1- 1904- ج 2- 1913) ط 2. ج 1 تحقیق و تعریب. عبد الحمید حاجیات. (الجزائر- 1980 م) 325 ص.
- ابن خمیس: المنتخب النفیس من شعر أبی عبد اللّه بن خمیس. جمع و تقدیم عبد الوهاب بن منصور. (تلمسان- 1965).
- ابن أبی دینار (أبو عبد اللّه محمد بن أبی القاسم القیروانی): المؤنس فی أخبار إفریقیة و تونس: تحقیق محمد شماخ (تونس- 1967 م).
- دیورانت (ول): قصة الحضارة. ترجمة بدران (محمد). ج 9. (القاهرة- 1963) 459 ص.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 380
- الدباغ (أبو زید عبد الرحمن): معالم الإیمان فی معرفة أهل القیروان. تحقیق إبراهیم شبوح. (القاهرة- مکتبة الخانجی 1968).
- الدرجینی (أبو العباس أحمد بن سعید): طبقات المشایخ بالمغرب تحقیق إبراهیم طلای. 2 أج (مطبعة البعث. قسنطینة 1394 ه- 1974 م).
- أبو راس الناصر (محمد بن أحمد):
أ- زهرة الشماریخ (مخطوط).
ب- درء الشقاوة فی حروب الترک مع درقاوة (مخطوط).
ج- الحلل السندسیة فیما جری بوهران و العدوة الأندلسیة أو نفیس الجمان فیما جری بالأندلس و وهران (مخطوط).
د- عجائب الأخبار فی لطائف الأسفار عما جری بوهران و الأندلس للمسلمین مع الکفار (مخطوط).
ه- عجائب الأسفار و لطائف الأخبار فیما جری بالأندلس و وهران بین المسلمین و الکفار (مخطوط).
و- روضة السلوان المؤلفة بمرسی تیطوان فی أخبار الأندلس و وهران (مخطوط).
ابن رویلة (قدور): و شاح الکتائب وزینة الجیش المحمدی الغالب. تحقیق ابن عبد الکریم. (محمد) (الجزائر- 1968 م) ص 196.
- ابن رشیق (القیروانی).
أ- میزان العقل فی تاریخ الدول.
ب- أنموذج الزمان فی شعراء القیروان (تونس- 1406 ه- 1986 م).
ج- الجمع و البیان فی تاریخ القیروان.
- ابن رقیة التلمسانی (محمد بن عبد الرحمن الجیلانی): الزهرة النیرة فیما جری فی الجزائر حین أغارت علیها جنود الکافرة (مخطوط حول غارة أوریلی علی مدینة الجزائر عام 1775 م).
- الرقیق القیروانی (أبو إسحاق إبراهیم): تاریخ أفریقیا و المغرب تحقیق المنجی الکعبی (تونس- 963).
- بن رمضان شاوش (محمد): الدر الوقاد من شعر بکر بن حماد (مستغانم المطبعة العلویة 1966 م).
- ابن زاکور (محمد): نشر أزاهر البستان فیمن أجازنی بالجزائر و تطوان. (الجزائر- 1902).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 381
- الزبیری (محمد العربی): التجارة الخارجیة للشرق الجزائری 1792- 1830 (الجزائر- بدون تاریخ).
- ابن الزبیر (أبو جعفر محمد): صلة الصلة: (القسم الأخیر) تحقیق لیفی بروفنسال (الرباط- 1937 م) ط 2. (بیروت بدون تاریخ).
- ابن أبی زرع (أبو الحسن علی بن عبد اللّه): الأنس المطرب بروض القرطاس فی أخبار ملوک المغرب و تاریخ مدینة فاس. (أوبسالا- 1843 م- 1846 م) (باریس- 1860 م). (فاس- 1303 ه) (الرباط- 1936 م).
- الزرکشی (أبو عبد اللّه محمد بن إبراهیم): تاریخ الدولتین الموحدیة و الحفصیة. ط 2. تحقیق محمد ماضور (تونس- 1966 م) 189 ص.
- الزرکلی (خیر الدین): الأعلام (القاهرة 1954- 1955 م) 10 أج.
- ابن الزیات (أبو یعقوب یوسف التادلی): التشوف إلی معرفة رجال التصوف.
نشر أدولف فور. (الرباط- 1958 م) 551 ص.
- الزیانی (محمد بن یوسف): دلیل الحیران و أنیس السهران فی أخبار مدینة وهران. تقدیم و تعلیق المهدی البو عبدللی. (الجزائر- 1978 م) 293 ص.
- ابن زرفة (محمد المصطفی بن عبد اللّه الدحاوی):
أ- الرحلة القمریة فی السیرة المحمدیة (مخطوط سجل فیه رحلة محمد بن عثمان الکبیر إلی الجنوب عام 1791 م و قد لخص هوداس هذه الرحلة و قدمها إلی مؤتمر المستشرقین الرابع عام 1905 بالجزائر.
ب- فتح وهران و جامع الجوامع الحسان. (مخطوط).
ج- الاکتفاء فی حکم جوائز الأمراء و الخلفاء. (مخطوط).
- أبو زکریا (یحیی بن أبی بکر الورجلانی): کتاب سیرا الأئمة و أخبارهم. تحقیق و تعلیق إسماعیل العربی (الجزائر- 1979).
- زکی (محمد حسن): الرحالة المسلمون فی العصور الوسطی. (القاهرة دار المعارف- 1945 م).
- الزهار (أحمد الشریف): مذکرات الحاج أحمد الشریف الزهار. تقدیم و تحقیق المدنی أحمد توفیق (الجزائر- 1974 م).
- الزیانی (أبو القاسم المغربی): الترجمان المعرب عن دول المشرق و المغرب.
تحقیق عبد الکریم الفیلالی و قد نشرها تحت عنوان: الترجمانة الکبری (المغرب 1967).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 382
- السبکی (تاج الدین عبد الوهاب أبو نصر): طبقات الشافعیة الکبری. تحقیق محمد محمد الطانجی، و عبد الفتاح الحلو. (القاهرة- م. عیسی الحلبی- 1976 م).
- ابن سحنون و الراشدی (أحمد بن محمد بن علی): الثغر الجمانی فی ابتسام الثغر الوهرانی. تحقیق و تقدیم الشیخ المهدی البوعبدلی. نشر وزارة الشؤون الدینیة (الجزائر- قسنطینة مطبعة البعث- 1973).
- السملالی (أبو زکریا بن یحیی السوسی): خیر الزمان. (رجز مخطوط).
- السویدی (أبو الفوز محمد الأمین) سبائک الذهب فی أخبار من ذهب (مخطوط).
- السلاوی (أحمد بن خالد الناصری): الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصی تحقیق ولدیه: جعفر، و محمد. (الدار البیضاء 1954- 1955) 9 أج.
- السخاوی (شمس الدین محمد): الضوء اللامع لأهل القرن التاسع.
(القاهرة- 1354- 1355 ه) 12 أج- ط 2 (بیروت بدون تاریخ) 12 أج.
- ستودار (لوثروب): حاضر العالم الإسلامی. ترجمة و تعلیق أرسلان (شکیب) (نویهض) (عجاج). (ط 3- بیروت- 1971) 4 أجزاء.
- ابن السراج (الوزیر): الحلل السندسیة فی الأخبار التونسیة، تحقیق محمد الحبیب الهیلة (تونس- 1970) ج 1.
- ابن سعید (علی بن موسی المغربی): کتاب المغرب فی حلی المشرق و المشرق فی حلی المغرب. تحقیق د. شوقی ضیف (القاهرة- 1953- 1955 م) 2 أج.
- السلفی (أبو طاهر أحمد): أخبار و تراجم أندلسیة (من کتاب معجم السفر) تحقیق إحسان عباس. (بیروت- 1963 م).
- ابن سودة (عبد السلام): دلیل مؤرخی المغرب الأقصی. ط 2 (الدار البیضاء- 1960 م) 2 أج.
- السیوطی (عبد الرحمان):
أ- بغیة الوعاة فی طبقات النحویین و اللغات. ط 2. تحقیق محمد أبی الفضل إبراهیم (القاهرة- 1384 ه/ 1964- 1965 م).
ب- حسن المحاضرة فی أخبار مصر و القاهرة. تحقیق محمد أبی الفضل إبراهیم (القاهرة- 1387 ه/ 1939 م).
ج- الکنز المدفون و الفلک المشحون (القاهرة- 1239 ه/ 1939 م).
- شالر (ولیم): مذکرات ولیم شالر قنصل أمریکا بالجزائر 1819- 1824 م ترجمة و تعلیق و تقدیم العربی إسماعیل (الجزائر- 1982).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 383
- الشقرانی (أحمد عبد الرحمن):
أ- القول الأوسط فی أخبار بعض من حلّ بالمغرب الأوسط (مخطوط).
ب- القول الیقین فی وقائع هبرة مع الإسانیین (مخطوط).
- الشماخی (أبو العباس أحمد بن سعید): کتاب السیر (القاهرة- 1301 ه).
- أبو شامة (عبد الرحمان شهاب الدین): ذیل الروضتین فی أخبار الدولتین (تراجم لرجال القرنین 6 و 7 ه) (القاهرة- 1947 م) 2 أج.
- ابن الشماع: الأدلة البینة النورانیة علی مفاخر الدولة الحفصیة. تحقیق عثمان الکعاک. (تونس- 1936 م- 1355 ه).
- ابن شاکر الکتبی: فوات الوفیات. (القاهرة- 1283 ه).
- الشوکانی (محمد بن علی): البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (القاهرة- 1348 ه- 1929 م) 2 أجزاء.
- ابن أبی شنب (محمد): دراسة حول الشخصیات المذکورة فی إجازة الشیخ عبد القادر الفاسی. (باریس- 1917).
- الصفدی (صلاح الدین): الوافی بالوفیات. تحقیق هلموت ریتر و آخرین.
طبع منه 4 أج فقط.
- الصباغ القلعی (محمد): بستان الأزهار فی مناقب زمزم الأخیار و معدن الأسرار سیدی أحمد بن یوسف الراشدی المنسب و الدار. طبعه محمد بن عبد اللّه الهاشمی ضمن کتاب: جواهر الأسرار فی معرفة آل النبی المختار (الجزائر- 1927). و نشره بودان فی المجلة الإفریقیة لعام 1925 م.
- ابن الصباغ (محمد بن أبی القاسم): درة الأسرار و تحفة الأبرار (مخطوط).
- ابن صعد التلمسانی للأندلسی:
أ- روضة النسرین فی التعریف بالأشیاخ الأربعة المتأخرین (الهواری- و التازی- و الحسن أبرکان- و أحمد الحسن الغماری). (مخطوط).
ب- النجم الثاقب فیما لأولیاء اللّه من مفاخر المناقب (مخطوط).
- الصغیر (محمد). ظهور سعود الدراری فی أخبار المرحومین: قدور بالمخفی، و الحاج محمد المزاری. (مخطوط).
- ابن الصغیر: تاریخ الأئمة الرستمیین. نشر مونتیلینسکی أعمال المؤتمر الرابع عشر للمستشرقین بالجزائر 1905. (باریس- 1908). الدفاتر التونسیة عدد 91- 92 (سبتمبر 1975 م).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 384
- الصیادی (أبو الهدی): قلادة الجواهر فی ذکر الغوث الرفاعی و أتباعه الأکابر (مخطوط).
- الصیرفی (الحافظ): الأنوار الجلیة فی أخبار الدولة المرابطیة.
- الضبی (أحمد): بغیة الملتمس فی رجال أهل الأندلس. (مجریط. م. م. روجس- 1884 م) القاهرة- 1967).
- ابن أبی الضیاف (أحمد): إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوک تونس و عهد أمان (تونس- 1977) 2 أجزاء.
- الطبری (أبو جعفر محمد بن جریر): تاریخ الأمم و الملوک. (القاهرة م. الاستقامة- 1358 ه/ 1939 م).
- ابن عبد الحکم (أبو القاسم بن عبد الرحمن بن عبد اللّه): فتوح مصر و المغرب.
تحقیق عبد المنعم عامر (القاهرة- لجنة البیان العربی. بدون تاریخ).
- العبدری (أبو عبد اللّه محمد): رحلة العبدری المسماة بالرحلة المغربیة. تقدیم، و تحقیق، محمد الفاسی (الرباط- 1968).
- عبد الوهاب (حسن حسنی):
أ- ورقات فی الحضارة العربیة بإفریقیا. (تونس- 1964 م).
ب- خلاصة تاریخ تونس. ط 3 (تونس- 1373 ه) 188 ص.
- أبو العرب (محمد بن أحمد بن تمیم القیروانی): طبقات علماء إفریقیا و تونس.
تحقیق علی الشابی و نعیم حسن الباقی. (الدار التونسیة للنشر- 1968 م).
- ابن عبد الجبار (إبراهیم- الفیجیجی): روضة السلوان. تحقیق د. عبد الهادی التازی (الرباط- 1986).
- ابن عذاری (أبو محمد عبد اللّه المراکشی): البیان المغرب فی أخبار ملوک الأندلس و المغرب. القسم الأول 2 أج. نشره لیفی بروفنسال. و کولان.
(لیدن- 1948- 1951 م). القسم الثانی ج 3. نشره بروفنسال (باریس- 1930 م). الجزء 4 (المرابطون) نشره إحسان عباس (بیروت- 1967) الجزء 5 (الموحدون) نشره میرندا و ابن تاویت الکتانی. (تیطوان- 1953- 1954 م).
- ابن عربی (محیی الدین): ترجمان الأشواق (بیروت- 1961 م).
- ابن عربشاه (أحمد بن محمد): عجائب المقدور فی أخبار تیمور. (لیدن- 1936 م).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 385
ه- ابن عمار: نحلة اللبیب بأخبار الرحلة إلی الحبیب (الجزائر- ط فونتانة 1320 ه/ 1902 م).
- ابن العماد (الحنبلی): شذرات الذهب فی أخبار من ذهب. (القاهرة- 1350 ه/ 1931 م) 8 أج.
- العقبانی (سعید): نظم الدر و العقیان فی شرف بنی زیان. (مخطوط المکتبة الوطنیة بباریس- رقم 1975).
- العمری (ابن فضل اللّه): مسالک الأبصار، و ممالک الأمصار. نشرة جزئیة من طرف حسن حسنی عبد الوهاب تحت عنوان: وصف إفریقیة و الأندلس. أواسط القرن الثامن الهجری (تونس- 1341 ه).
- عنان (محمد عبد اللّه):
أ- عصر المرابطین و الموحدین بالمغرب و الأندلس. (القاهرة- 1964- 1965 م) 2 أج.
ب- ابن خلدون. حیاته و تراثه الفکری (القاهرة- 1938).
ج- لسان الدین بن الخطیب حیاته و تراثه الفکری (القاهرة- 1968).
د- دول الطوائف بالأندلس منذ قیامها حتی الفتح المرابطی (القاهرة- 1830 ه/ 1980) 467 ص.
- عبد الحمید (د. سعد زغلول): تاریخ المغرب العربی لیبیا و تونس و الجزائر و المغرب من الفتح العربی حتی قیام دولة الأغالبة و الرستمیین و الأدارسة (القاهرة- 1965) ص 520.
- علی علام (عبد اللّه): الدعوة الموحدیة بالمغرب (القاهرة- 1964) 406 ص.
- الغبرینی (أبو العباس أحمد): عنوان الدرایة فیمن عرف من العلماء فی المائة السابعة بیجایة (الجزائر- 1971 م).
- عبد الرحمن (أبو زید): عقد الجمان النفیس فی ذکر الأعیان من أشراف غریس.
(مخطوط).
- بن عبد القادر (مسلم): أنیس الغریب و المسافر فی طرائف الأخبار و النوادر. حققه و نشره رابح بونار (الجزائر- 1974) و ترجمه أدریان دلبیش و نشره فی المجلة الإفریقیة عام 1874.
- بن عثمان خوجة (حمدان). المرآة. تقدیم و تعریب العربی الزبیری (الجزائر- 1975).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 386
- العبادی (عبد الحمید): المجمل فی تاریخ الأندلس (القاهرة- 1948) 216 ص.
- عبد العزیز سالم (د. السید): المغرب الکبیر. العصر الإسلامی (القاهرة- 1966) ص 969.
- بن عزوز (عبد اللّه): أثمد البصائر فی معرفة حکمة المظاهر (مخطوط).
- ابن عسکر (أبو عبد اللّه محمد): دوحة الناشر بمحاسن من کان بالمغرب من مشایخ القرن العاشر (الرباط- 1397 ه/ 1977 م).
- العشماوی (أحمد): کتاب الاعتبار و التعریف بآل النبی المختار. (مخطوط).
- علی إبراهیم حسن: تاریخ جوهر الصقلی قائد المعز لدین اللّه الفاطمی (القاهرة- ط 2- 3691).
- الغریسی المعسکری (محمد بوزیان ابن أحمد): کنز الأسرار فی مناقب مولانا العربی الدرقاوی و بعض أصحابه الأخیار. (مخطوط).
- الغزال (أبو العباس أحمد بن المهدی): نتیجة الاجتهاد فی المهادنة و الجهاد. تحقیق إسماعیل العربی. (بیروت- دار الغرب الإسلامی الجزائر. د. م. ج. 1980).
- ابن فرحون (برهان الدین): الدیباج المذهب فی معرفة أعیان المذهب (القاهرة- 1351 ه/ 1932 م) 362 ص.
- ابن الفرضی: تاریخ العلماء و الرواة للعلم بالأندلس (القاهرة- 1954) 2 أج. ط 2 (القاهرة- 1966).
- فؤاد السید: فهرست المخطوطات المصورة (القاهرة- معهد الدراسات العربیة- 1954) 10 أج.
- فیشل (والتر): لقاء ابن خلدون لتیمورلنک. ترجمة توفیق (محمد) (بیروت- بدون تاریخ) 231 ص.
- الفاسی (أبو عبد اللّه محمد): أثمد الأبصار فی آل النبی المختار (مخطوط).
- الفاسی (عبد الرحمن):
أ- أثمد الأبصار فی آل النبی المختار (مخطوط).
ب- أثمد الأبصار بذکر الشرفاء الأبرار (مخطوط).
- أبو الفداء (إسماعیل):
أ- تقویم البلدان (باریس- 1940).
ب- المختصر فی أخبار البشر (بیروت- دار الکتاب اللبنانی- بدون تاریخ).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 387
- ابن الفرضی (عبد اللّه): تاریخ العلماء و الرواة للعلم بالأندلس. تحقیق، عزت العطار الحسینی (بغداد. م. المثنی 1373 ه/ 1954 م).
- ابن فضل اللّه العمری: وصف إفریقیا و الأندلس. نشر حسن حسنی عبد الوهاب (تونس- بدون تاریخ).
- الفشتالی (أبو فارس عبد العزیز): مناهل الصفا فی أخبار الملوک الشرفاء. تحقیق عبد اللّه کنون (المهدیة- تطوان 1384 ه/ 1964 م).
- القادری (محمد بن الطیب):
أ- نشر المثانی لأهل القرن الحادی عشر و الثانی (فاس- 1310 ه/ 1892 م).
ب- مستودع المواعظ و العبر فی أخبار أعیان أهل المائة الحادیة و الثانیة عشر (مخطوط).
ج- الإکلیل و التاج تذییل لغایة المحتاج (مخطوط).
- القاضی النعمان (أبو حنیفة): رسالة افتتاح الدعوة. تحقیق: د. وداد القاضی.
(بیروت دار الکتاب- 1970 م).
- القزوینی (زکریا بن محمد): آثار العباد و أخبار العباد (بیروت- دار صادر).
- القلقشندی (أحمد): صبح الأعشی فی کتابة الانشاء. (القاهرة بدون تاریخ).
- ابن القاضی (أحمد الفاسی):
أ- جذوة الاقتباس فیمن حل من الأعلام بمدینة فاس (فاس- 1309 ه).
ب- نیل الأمل فیما به بین المالکیة جری العمل. (مخطوط).
ج- درة الحجال فی غرة أسماء الرجال. تحقیق ش. علواش. (الرباط- 1934/ 1936) 2 أج. رجز ذیل به کتاب رقم الحلل لابن الخطیب.
د- ابن القطان: نظم الجمان فی أخبار الزمان. تحقیق محمد مکی (تیطوان- بدون تاریخ).
- ابن قنفذ (أبو العباس أحمد الخطیب القسنطینی):
أ- أنس الفقیر و عز الحقیر. تحقیق محمد الفاسی. و أدولف فور (الرباط- 1965).
ب- الفاریسیة فی مبادی‌ء الدولة الحفصیة. تحقیق الشاذلی النیفر، و عبد المجید الترکی. (تونس- 1968 م) ص 355.
ج- الوفیات، تحقیق هنری بیریز. (الجزائر- بدون تاریخ) ط 2 تحقیق عادل نویهض (بیروت- 1971 م).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 388
- القلصادی (علی بن محمد): الرحلة. تحقیق. محمد أبو الأجفان. (تونس-؟).
- قنان (جمال): معاهدات الجزائر مع فرنسا 1619- 1830 م. (الجزائر- 1987).
- کاثکارت: مذکرات أسیر الدای کاثکارت قنصل أمریکا فی المغرب. ترجمة و تعلیق إسماعیل العربی (الجزائر- 1982 م).
- الکتانی (محمد عبد الحی): فهرس الفهارس و الأثبات، و معجم المعاجم و المشیخات المسلسلات. (المغرب الأقصی- 1346- 1347 ه/ 1927- 1928 م) 2 أج.
- الکتانی (محمد بن جعفر): سلوة الأنفاس و محادثة الأکیاس فیمن أقبر من العلماء و الصلحاء بفاس (فاس- 1316 ه) 3 أج.
- کحالة: (عمر رضا): معجم المؤلفین. (دمشق- 1957- 1961) 15 أج.
- المراکشی (ابن عبد المالک): الذیل و التکملة لکتابی الموصول و الصلة.
السفر الأول. تحقیق محمد بن شریفة. 2 أج. السفر الرابع. القسم الأخیر. و السفر الخامس 2 أج. و السفر السادس. تحقیق إحسان عباس (بیروت- 1964- 1973 م).
- المراکشی (عبد الواحد): المعجب فی تلخیص أخبار المغرب. تحقیق محمد سعید العریان (القاهرة- 1963 م).
- المراکشی (الأفرانی): صفوة من انتشر من أعیان القرن الحادی عشر. (طبعة حجریة).
- المراکشی (أبو العباس بن إبراهیم): الإعلام فیمن حلّ بمراکش من الأعلام. (فاس- 1936- 1938 م) 8 أج.
- المازونی (یحیی بن موسی بن عیسی): دیباجة الافتخار فی مناقب أولیاء اللّه الأخیار. أو مناقب الشلفیین (مخطوط لوالد صاحب الدرر المکنولة).
- المازونی (یحیی بن أبی عمران موسی): الدرر المکنولة فی نوازل مازونة (مخطوط).
- المالکی (أبو بکر عبد اللّه): ریاض النفوس فی طبقات علماء إفریقیا و زهادهم.
تحقیق و نشر حسین مؤنس. (تونس- 1951).
- محمد بن عبد القادر (الأمیر) تحفة الزائر فی مآثر الأمیر عبد القادر و أخبار الجزائر.
(الاسکندریة 1903) 2 أجزاء.
- محمود إسماعیل: الخوارج فی المغرب. (الدار البیضاء- 1966).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 389
- المسعودی (علی بن الحسین): مروج الذهب و معادن الجوهر (بیروت- دار الأندلس- 1965).
- المقدسی (محمد بن أحمد): أحسن التقاسیم فی معرفة الأقالیم. ط 2 (لیدن- 2 بریل 1906 م).
- المقریزی (أحمد بن علی):
أ- الخطط المقریزیة (بیروت).
ب- إتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطمیین الحنفاء. تحقیق و نشر جمال الدین الشیال. القاهرة- دار الفکر العربی- 1948 م).
- م. مجهول. کتاب الاستبصار فی عجائب الأمصار. نشر و تعلیق عبد الحمید سعد زغلول (الاسکندریة- 1958).
- م. مجهول: الذخیرة السنیة فی تاریخ الدولة المرینیة. تحقیق محمد بن أبی شنب (الجزائر- 1339 ه/ 1920 م).
- م. مجهول: غزوات عروج و خیر الدین. نسخ محمد الصالح العنتری سنة 1102 ه (1774 م).
- مؤنس (حسین): فتح العرب للمغرب. (القاهرة- 1947 م).
- المحبی (محمد): خلاصة الأثر فی أعیان أهل القرن الحادی عشر. (القاهرة م.
الوهبیة- 1284 ه/ 1867 م).
- ابن المختار الغریسی (الطیب): القول الأعم فی بیان أنساب الحشم نشرها الشیخ بلهاشمی بن بکار ضمن کتاب: النسب و الحسب. (تلمسان. م. ابن خلدون 1381 ه/ 1961 م).
- ابن مریم (أبو عبد اللّه محمد الملیتی): البستان فی ذکر الأولیاء و العلماء بتلمسان. تحقیق ابن أبی شنب. (محمد). (الجزائر- 1326 ه/ 1908 م) ص 315+ 65.
- ابن مرزوق الخطیب (محمد): المسند الصحیح الحسن فی مآثر و محاسن مولانا أبی الحسن. تحقیق فیغیر (د. ماریا خیسوس). (الجزائر- 1401 ه/ 1981 م) ص 602.
- المشرفی (عبد القادر): بهجة الناظر فی أخبار الداخلین تحت ولایة الإسبان بوهران من الأعراب کبنی عامر. تحقیق ابن عبد الکریم (محمد) بیروت- دار الحیاة- 1972).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 390
- المدنی (أحمد توفیق):
أ- محمد عثمان باشا دای الجزائر 1766- 1792 م. ط 2 (الجزائر- 1986).
ب- حرب الثلاثمائة سنة بین الجزائر و إسبانیا 1492- 1792 (الجزائر- 1976 م) ص 553.
ج- کتاب الجزائر. ط 2 (الجزائر- 1963).
د- صقلیة فی أربعة عصور. ط 2 (الجزائر- 1980).
- المری التلمسانی (أحمد بن محمد): أزهار الریاض فی أخبار عیاض. الرباط- 1398 ه/ 1978 م).
- المغراوی (أحمد بن أبی جمعة الوهرانی): جامع جوامع الاختصار و التبیان فیما یعرض بین المعلمین و آباء الصبیان. تقدیم و تعلیق الدکتور عبد الهادی التازی (مکتبة التربیة العربی لدول الخلیج- ط 1- 1407 ه- 1986 م). (بیروت- المکتب الإسلامی- 1986 م). و قد أدرجت ضمن هذا الکتاب الفتوی التی أصدرها المؤلف لأهل الأندلس بعنوان: الجیش الکمین فی الکر علی من یکفر عوام المسلمین.
عام 920 ه (5151 أ 7151 م). و نشرها محمد عبد اللّه عنان فی مجلة الثقافة المصریة (عدد 724 بتاریخ 10 نوفمبر 1952 م).
- المنجد (صلاح الدین): قواعد تحقیق المخطوطات. (بیروت 1 دار الکتاب الجدید بدون تاریخ).
- المنداسی (سعید): العقیقة. رجز شرحه أحمد بن سحنون الراشدی تحت عنوان:
الأزهار الشقیقة المتضوعة بعرف العقیقة. و شرحها أبو راس بعنوان الدرة الأنیقة فی شرح العقیقة.
- ابن المغوفل (عبد اللّه بن محمد): الفلک الکواکب و سلم الرقی إلی الکواکب.
(مخطوط فی تراج علماء البطحات و قلعة بنی راشد).
- المکناسی (أحمد بن محمد): درة الحجال فی أسماء الرجال. (تونس. م. العتیقة. ط 2- 1390 ه/ 1970 م).
- المکناسی (محمد بن عثمان): الإکسیر فی فکاک الأسیر. حققه و علق علیه محمد الفاسی (الرباط- بدون تاریخ).
أ- المزری (ابن عودة): طلوع سعد السعود فی أخبار وهران و مخزنها الأسود، (مخطوط بمکتبة متحف بلدیة وهران. و به ص 582 تحت رقم 466).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 391
ب- المغربی (عبد القادر): ابن خلدون فی المدرسة العادلیة بدمشق، فی کتاب: محمد و المرأة. (دمشق- 1347 ه- 1929 م) ص 38- 82.
ج- ابن محرز الوهرانی (رکن الدین محمد بن محمد): منامات الوهرانی و مقاماته و رسائله. تحقیق إبراهیم شعلان، و محمد نفش: (القاهرة- 1387 ه/ 1968 م) ص 308.
- المقتبس (جریدة) (القاهرة- 1906- 1908 م).
- المقری (أحمد بن محمد):
أ- نفح الطیب من غصن الأندلس الرطیب و ذکر وزیرها لسان الدین بن الخطیب، تحقیق و تعلیق د. إحسان عباس. (بیروت 1388 ه- 1968 م) 8 أجزاء.
ب- أزهار الریاض فی أخبار القاضی عیاض. تحقیق الأساتذة: السقا، و الأبیاری، و شلبی. (القاهرة- 1939- 1942 م) 4 أج.
ج- روضة الآس العاطرة الأنفاس فی ذکر من لقیته من أعلام الحاضرتین مراکش و فاس. (الرباط- 1964 م).
- المغیلی (محمد بن عبد الکریم): أسئلة الأسقیا و الأجوبة المغیلی. تحقیق و تقدیم عبد القادر زبادیة. (الجزائر- 1974) 70 ص.
- ابن میمون (محمد): التحفة المرضیة فی الدولة البکداشیة فی بلاد الجزائر المحمیة. تحقیق و تقدیم ابن عبد الکریم (د. محمد) (الجزائر- 1972) 413 ص.
- المیلی (مبارک بن محمد): تاریخ الجزائر فی القدیم و الحدیث (الجزائر- 1963- 1964) ج 3- 333 ص.
- ابن الندیم: الفهرست (القاهرة- 1348 ه).
- النمری (ابن الحاج): فیض العباب و افاصة قداح الآداب. فی الحرکة السعدیة إلی قسنطینة و الزاب. تحقیق د. محمد بن شقرون (الرباط-؟).
- نیقولا زیادة: الرحالة العرب. (القاهرة- 1965).
- ابن هطال (أحمد التلمسانی) رحلة البای محمد بن عثمان الکبیر إلی الأغواط و عین ماضی. حققها و نشرها محمد بن عبد الکریم (بیروت- 1972).
- الهواری (محمد بن عمر): السهو و التنبیة للفقراء أهل الفضل النبیه. (مخطوط).
- وجدی (محمد فرید): دائرة معارف القرن العشرین. 10 أجزاء.
- الورتلانی (الحسین): نزهة الأنظار فی فضل التاریخ و الأخبار المعروفة بالرحلة الورتلانیة. تحقیق محمد بن أبی شنب (الجزائر- مطبعة فونتانة- 1920).
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 392
- الوسیانی (أبو الربیع سلیمان): سیر مشایخ المغرب. تحقیق و تعلیق إسماعیل العربی (الجزائر- 1985).
أ- الونشریسی (أبو العباس أحمد بن یحیی): کتاب المعیار المغرب و الجامع المعرب عن فتاوی علماء إفریقیة و الأندلس و المغرب. (فاس 1314- 1315 ه) 12 جزءا.
- یحیی معمر:
أ- الإباضیة فی موکب التاریخ (القاهرة- 1966).
ب- الإباضیة بین الفرق الإسلامیة (القاهرة- 1976).
- الیعقوبی (أحمد بن أبی یعقوب بن واضح).
أ- فتوح البلدان (لیدن- بیریل- 1892 م).
ب- وصف إفریقیا الشمالیة مأخوذ من کتاب البلدان، نشره هنری بریس (الجزائر- 1380 ه/ 1960 م).
ج- یاقوت الحموی: معجم البلدان. تحقیق د. س. مرجلیوث. (بیروت- 1374 ه/ 1955 م) 12 ج.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 393

المراجع الأجنبیة

طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 399

الفهارس العامة

اشارة

- فهرس الأعلام.
- فهرس القبائل و الجماعات.
- فهرس الأماکن.
- فهرس الخرائط.
- فهرس الموضوعات.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 401

فهرس الأعلام

- أ- إبراهیم ولد عدة: 192.
أتراش: 203.
أحمد ولد مروان: 195.
أحمد بو طالب: 234.
أحمد الحجوطی: 88.
أحمد العامری: 90.
أحمد ولد القاضی: 25، 158، 184، 189، 211.
أحمد باشا: 254.
البای أحمد: 172.
الحاج أحمد البوشیخی: 82، 104.
أحمد بن سعید: 101.
أحمد بن التهامی: 106.
أحمد بن الطاهر: 108.
أحمد بن عبد الرحمن: 142.
أحمد بن الشریف: 243.
أحمد بن حمزة: 261، 263.
أحمد بن خطاب: 249.
ابن إدریس: 246.
الأعلاج بن فریحة: 269.
ألبیر قریفی: 269.
الأخضر بلقاضی: 239.
إبراهیم بوشناق: 110، 144، 145، 150، 156، 164، 169، 171، 204.
أوتیلا: 13.
أودو: 25، 34.
أولیفی: 59.
إسماعیل ولد القاضی: 21، 29، 121، 130، 131، 132، 145، 169، 193.
أودینو: 140.
إسماعیل ولد المختار: 181.
السلطان إسماعیل: 88.
الأزرق بلحاج: 259.
- ب- بابا علی: 214.
باریق (بیریفو): 153، 157.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 402
بختی ولد الحشمیة: 174.
بلحضری: 110، 121، 124.
البرادعی: 127.
بروسار: 165، 168، 171، 172، 269.
البشیر بن المسعود: 248.
بلمختار بن عبد الرحمن: 106.
بلغماری: 111، 121، 152.
بوعلام آغا: 121.
بومزراق: 82.
بو عمامة: 265.
بلوفة: 192.
بو معزة: 222، 223، 231، 232، 234، 236.
بو رجولی: 166، 213، 217، 222، 224.
البوحمیدی: 146، 158، 164، 167، 174، 176، 177، 178، 179، 189، 224، 225، 227، 234، 241، 246.
بیجو: 161، 162، 163، 165، 167، 168، 170، 171، 172، 182، 192، 201، 231، 267.
بیدو: 166، 213، 217، 222، 224.
بیلیسی: 268، 270.
بیرتزین: 266.
بیبان القصیر: 21، 27.
- ت- تریزیل: 132، 136، 137، 143، 144، 269.
تشیلدیریک: 14.
تیاری‌I : 20.
تیاری‌II : 25.
تیودور: 23.
تییری (جنرال): 210.
تیرمان: 219.
تمبور: 182، 214.
- ج- جان قوتنبرق: 61.
جان الجمیل: 57، 58، 60.
جبور الحسناوی: 135.
جمال الدین أبو زکریاء: 51.
جول سیزار: 11.
جنتی (جنتل): 204.
جیرار مارتین: 44.
جلول الحضری: 193.
الجیلانی السباعی: 75.
الجیلانی ولد السایح: 239، 243.
الجیلانی ولد العمری: 144.
جیری: 205، 213، 216.
- ح- الحبیب بن أبی علام: 108، 124، 135.
الحبیب بن الموفق: 145.
الحبیب بن شایلة: 144.
الحبیب بین الحبوشی: 96.
الحبیب بن الشریف: 131.
الحبیب بن رحو: 96.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 403
الحبیب بن النزاری: 240.
حسن باشا: 80.
حسن بن موسی بای: 85.
حسن بای: 88، 95، 144.
حبیب بن ذبیب: 106.
الحاج الحضری: 120.
حمادی العقال: 167.
سی حمزة: 258.
أبو حمو موسی: 125.
- خ- ابن خلدون: 5.
خیر الدین التونسی: 89، 269.
خلیفة ولد محمود: 140، 143
خلوف خلفون: 167.
- د- دانیال: 21.
داکوبیرII : 23.
دارلانج: 144، 146، 147، 153، 157، 160، 163.
داربوفیل: 189، 199، 202، 255.
دامرمون: 89، 165، 168، 267، 269.
دوبوربون: 64، 85، 266.
دورلیان: 60، 70، 133، 174.
دوریو: 258.
الدوک دومال: 206، 218، 250، 267.
درویت دیرلون: 267.
دیمیشال: 108، 117، 118، 269.
بن دران: 166، 168، 170، 171، 174.
دارتوا: 50.
دوتیول: 268.
- ر- أبو راس: 5، 52.
راندون: 258، 268.
بن رحو: 173.
بن ریاح آغا: 205.
راوول: 35.
روبیر: 34.
رفتل: 172.
رونول: 237.
ریشار: 48.
روبیرII : 38.
ریشیلیو: 69. طلوع سعد السعود ؛ ج‌2 ؛ ص403
فیقو: 267.
- ز- الزیانی محمد بن یوسف: 10.
زیان بن عبد الرحمن: 52.
زیان الزناقی: 95.
زیان بن سهلة: 96.
الزین بن عودة: 112، 135، 145.
بن زاید: 157.
الزواوی ولد الحاج: 175.
ابن زیتون: 53.
- س- سعید المختاری: 101.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 404
سعید عتبة: 158.
سعدیة کارنو: 266.
سلیمان بلعربی: 96.
سلیمان بن حمزة: 259.
سیفیروس (البابا): 5.
- ش- شارل‌I : 32.
شارل لوقران: 33.
شارل‌III : 34.
شارل‌IV : 56.
شارل‌V : 58، 66.
شارل‌VI : 29.
شارل‌VII : 66.
شارل‌VIII : 62.
شارل‌XI : 66.
شارل‌X : 69.
شارل ملاتل: 21.
شارکتان: 65.
شارلمانیو: 29.
الشارف بن عبید: 57.
شارون: 268.
الشاذلی بن جبور: 135.
الشارف ولد خلیفة: 144.
شانقارنی: 146، 200، 268.
شاسلولوبا: 268.
شانزی: 269.
شیلدیبیر: 15.
شیلدیریک‌II : 20.
شیلدیریک‌III : 27، 28.
شیلبیریک: 23.
شیلیبریک‌II : 24.
الشریف محمد بن عبد اللّه: 195، 257.
الشریف بن عبد اللّه: 213.
ابن الشریف المعسکری: 102.
أبو شویشة: 109، 112.
- ص- صلاح الدین الأیوبی: 47.
- ط- طلحة بن عبد اللّه: 106.
الطیب بن المشری: 96.
الطیب بن قرنیة: 232، 233.
- ع- عبد الرحمن الأول: 25.
عبد الرحمن الجرجری: 234.
عبد القادر البوعبدلاوی: 136.
عبد الرحیم البرجی: 232.
عبد الرحمن بن هشام: 234، 239، 241، 246.
عبد القادر بو طالب: 231.
عبد القادر بن زیان: 95.
عبد القادر بن ونّان: 145.
عبد القادر (الأمیر): 182، 199، 226، 252، 253، 254، 255، 256.
عبد اللّه الکماندار: 141.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 405
بن عبد اللّه ولد عربی: 156.
العربی عبد السلام: 50.
عدة ولد محمد: 132.
عدة بن علی التحلایتی: 96.
عدة ولد المیسوم: 198، 201.
العربی قارة: 156.
عدة ولد عثمان: 129، 130، 136، 151.
علی بن أبی طالب: 106.
علی بوتلیلیس: 144.
علی بن عومر: 191، 205.
بن عودة بن إسماعیل: 211.
عیسی بن مریم: 13.
بن عیسی بن عودة: 145.
- ف- فرانسواI : 64.
فرانسواII : 6.
فرامون: 12.
فالی: 172، 267.
بن فریحة: 156.
فیلیب‌I : 37، 44.
فیلیب‌II : 47، 48.
فیلیب‌III : 53.
فیلیب‌IV : 54.
فیلیب‌V : 55.
فیلیب‌VI : 56.
فیلیب‌VII : 57.
أبو الفداء: 57.
- ق- قادة ولد عیسی: 232، 233.
قادة بلهاشمی: 227.
قدور بلعابد: 96.
قدور الغمراوی: 96.
قدور بلمخفی: 114، 125، 126، 127، 128، 140، 142، 175، 182.
قدور بالصحراوی: 125، 126، 127.
قدور بن داود: 134.
قدور بلمولود: 136.
قدور بن شایلة: 174.
قدور بن عبد الباقی: 201.
قدور بن علال: 233، 235.
قدور ولد عدة: 238.
قیلیوم: 38.
- ک- کارلومان: 27، 29.
کامینیاک: 159، 222، 238، 255، 267.
بن کاملة: 98.
کلودیون: 13.
کلوفیس: 14، 20.
کلوتیر: 14.
کلوتیرI : 15.
کلوتیرIII : 22.
کلوتیرIV : 24.
کلوزیل: 87، 164، 266.
کومب: 157، 162، 164.
کونستانس: 37.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 406
کلیبیر: 76.
- ل- لویس‌I : 32.
لویس‌II : 32.
لویس‌III : 33.
لویس‌IV : 35.
لویس‌V : 36.
لویس‌VI : 44.
لویس‌VII : 46، 47.
لویس‌VIII : 48.
لویس‌IX : 50.
لویس‌X : 55.
لویس‌XI : 61.
لویس‌XII : 63.
لویس‌XIII : 68.
لویس‌XIX : 69.
لویس‌XV : 71.
لویس‌XVI : 72.
لویس‌XVII : 73.
لویس‌XVIII : 73.
لویس فیلیب: 87.
لامور سییر: 182، 188، 191، 206.
- م- ماری لویز: 78.
محمد بن عبد اللّه: 113.
محمد بن الخضراء: 157، 193.
محمد ولد قدور: 164، 169.
محمد بن إدریس: 243.
محمد البرکانی: 243.
محمد الصادق بای: 259.
محمد بن حمزة: 260.
محمد ولد قاضی: 106، 111، 121، 123، 124.
محمد بن أبی زکریا الحفصی: 52.
محی الدین العربی: 252.
محی الدین المختاری: 82، 95، 100، 109، 110، 190، 220.
الحاج المرسلی: 111.
المزاری: 88، 93، 101، 106، 118، 120، 123، 125، 126، 127، 129، 130، 131، 132، 134، 135، 136، 139، 143، 144، 145، 147، 148، 156، 157، 164، 168، 171، 175، 179، 188، 200، 210، 217، 219، 238.
مزطیلی (مارتینری): 161، 169، 179، 189، 251، 260.
مصطفی ولد المقلش: 152.
مصطفی بن التهامی: 121، 174، 180، 197، 225، 251.
مصطفی بن إسماعیل: 88، 93، 100، 109، 117، 119، 121، 122، 123، 144، 151، 156، 160، 162، 172، 184، 189، 195، 196، 198، 199، 200، 201، 202، 204، 205، 210، 238.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 407
المولود بن عراش: 166، 168، 169، 170، 172، 234، 243.
مونتانیاک: 224، 226.
المولود بو طالب: 234.
میروفی: 13.
- ن- نابولیون بونابرت: 72، 76، 256، 259، 260.
نیکو: 258.
- ه- هارون الرشید: 31.
هرقل: 6.
أبو هراوة (لامور سییر): 182، 188، 200، 212، 213، 214، 218، 222، 224، 230.
هنری‌I : 37.
هنری‌II : 65، 66.
هنری‌III : 48، 67.
هنری‌IV : 68.
هنری‌VIII : 69.
هشام الأخیر: 239.
هیوکابی الأول: 38.
- و- ولد الرای (أومال): 251.
الحاج الوزاع: 129، 130، 133، 136، 171.
- ی- یوسف العنابی: 153، 157.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 408

فهرس القبائل و الجماعات‌

- أ- الأتراک: 96، 89، 111، 173.
الأحرار: 259.
الأدارسة: 246.
الأرمن: 5.
الألمان: 5، 38، 263.
الإسبان: 10، 25، 239.
الإنجلیز: 47، 48، 49، 56، 57، 58، 59، 60، 66، 68، 76.
بن أمیة: 128.
أولاد جامع الشراقة: 241.
أولاد ریاح: 112، 231.
أولاد سیدی عربی: 114، 134.
أولاد القاضی: 160.
أولاد عبد اللّه: 138.
أولاد الزایر: 166، 176، 178، 228.
أولاد خالفة: 80، 222، 228.
أولاد عومر: 199.
أولاد حمدان: 188.
أولاد مالک: 188.
أولاد ملوک: 123.
أولاد سیدی عبد اللّه: 164، 188.
أولاد وریاش: 197.
أولاد سلیمان: 190، 198.
أولاد سیدی مجاهد: 197.
أولاد سیدی دحو: 193.
أولاد سیدی الشیخ: 193، 222.
أولاد سیدی السنوسی: 156.
أولاد ریاح: 197.
أولاد إسماعیل: 126.
أولاد خویدم: 199، 222.
أولاد الشریف الشراقة: 201، 223.
أولاد بالع: 200.
أولاد محی الدین: 202.
أولاد إبراهیم: 205.
أولاد خلوف: 294.
أولاد خالد: 205، 232.
أولاد حمدان: 188.
أولاد الزایر: 227.
أولاد خالف: 228.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 409
أولاد علی: 161.
أولاد شعیب: 232.
أولاد خلیف: 232، 236.
أولاد عیاد: 233.
أولاد مالک: 188.
أولاد بالغ: 238.
أولاد سیدی محمد بن یحیی: 106.
- ب- البربر: 6، 11، 241.
البرجیة: 108، 109، 119، 223.
البلغار: 6، 97.
البنادقة: 6، 64.
البحایثیة: 130، 131.
- ت- التمازنیة: 231.
التوارق: 137.
- ج- الجرکس: 5.
الجرمانیون: 10، 11.
الجعافرة: 205، 214، 215، 241، 234.
- ح- الحشم: 100، 125، 135، 145، 152، 156، 169، 182، 205، 223، 230، 232، 234، 241، 248.
الحساسنة: 190، 205، 236.
حمیان: 259.
- د- الدوایر و الزمالة: 94، 104، 116، 119، 120، 121، 123، 124، 127، 129، 130، 131، 133، 134، 135، 136، 143، 144، 153، 166، 167، 176، 177، 178، 196، 210، 212، 213، 215، 223، 224.
- ر- الروس: 5.
الروم، الرومان: 5، 10، 11.
- ز- بنی زروال: 156، 200، 204.
- س- بنی سالم: 233.
السکسون: 29.
بنی سنوس: 228.
- ش- بنی شقران: 97، 113، 137، 156، 194، 223، 231، 232.
- ص- الصقالبة: 5.
الصقلیون: 54.
صنهاجة: 241.
- ع- بنی عامر: 109، 111، 116، 119، 121،
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 410
122، 125، 134، 135، 136، 152، 157، 161، 163، 164، 179، 198، 204، 218، 223، 234، 241، 248، 250.
- ف- الفاندال: 11.
الفرنج: 5، 11، 12، 26، 43، 45.
الفلاندر: 54، 55، 57، 59.
الفرنسیون: 5، 44، 45، 47، 48، 52، 53، 54، 56، 57، 59، 64، 70، 85، 117.
- ل- بنی لومی: 211.
- م- المرابطون: 83، 173.
المطالسة: 243.
بنی میزاب: 100، 108.
بنی مخزوم: 128.
بنی مطهر: 214، 237.
بنی مدور: 235.
- ن- النورمان: 11، 37.
بنی نسلم: 204، 223.
- ه- بنی هاشم: 128.
هوارة: 243.
- و- بنی ورنید: 152، 153، 163.
و لهاصة: 161، 218.
- ی- بنی یزناسن: 220، 223، 259.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 411

فهرس الأماکن‌

- أ- أرزیو: 108، 154، 175، 182، 221.
أراقون: 54.
إیرلندا: 20.
أبو قیر: 75.
أقادیر: 221.
الإسکندریة: 75، 76.
آسیا: 7.
أفینیون: 26، 48.
الأصنام: 222.
أسیوط: 74.
الأصنام: 222.
الأغواط: 237، 257، 258.
ألمانیا: 255.
الألزاس و اللورین: 7، 255.
اصطمبول: 38.
إفریقیا: 10، 45.
أمبواز: 252.
أمریکا: 7.
أغبال: 145، 224، 231.
أنطاکیا: 38، 48.
أمیان: 13.
الأندلس: 7، 23، 25، 30، 54، 62، 64، 69.
أوروبا: 255.
- ب- باریس: 7، 8، 51، 62، 67، 68، 165، 255، 268.
البحر الرومی: 75.
بحر الظلمات: 79.
برشک: 45.
بروسة: 218.
البریدیة: 177.
بطیوة: 112.
البلیدة: 180.
بسکرة: 218.
البندقیة: 65.
بوردو: 8، 26، 58.
البیض: 262.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 412
بواتی: 26، 58.
البرج الأحمر: 269.
البویرة: 233.
- ت- تافنة: 113، 154، 157، 158، 161، 166، 167، 169، 228، 251.
تاسالة: 157، 182.
تاکدمت: 170، 174، 182، 198.
ترکیا: 252.
تلمسان: 93، 120، 121، 122، 123، 144، 146، 152، 154، 157، 161، 162، 163، 166، 169، 176، 196، 197، 198، 199، 204، 215، 224، 263.
تلیلات: 93، 137، 146، 155، 163، 164، 179، 215، 231.
تیارت: 122، 123، 205، 212، 221، 223.
توزر: 96.
تونس: 7، 52، 53، 219، 266.
تیموشنت: 167، 228، 229، 231.
تیغنیف: 182.
توات: 249.
تولوز: 25.
- ج- جبل و انشریس: 204، 214.
جبل تاسالة: 237.
جبال البرج: 147.
جبال الألب: 9.
جبال البیرینی: 30.
جرجرة: 219، 234.
جبال عمرة: 192.
جزیرة کورسیکة: 7.
الجزائر: 7، 70، 80، 85، 146، 156، 165، 188، 197، 204، 218، 250، 254، 256، 257، 262، 267، 268، 272.
جندل: 25.
- ح- الحجاز: 75.
حماة: 42.
الحمری: 115.
حلب: 39، 42، 43.
حمام بو حجر: 192، 195.
حمام بو غرارة: 228.
الحنایة: 113، 118.
- خ- خنق النطاح: 97، 108.
خان یونس: 75.
- د- الدار البیضاء: 117، 165.
دمشق: 40، 43، 75، 252، 354.
دمیاط: 49، 75.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 413
- ر- رأس العین: 94، 189.
الرحویة: 69، 189.
رانس: 54.
رشید: 75.
رشقون: 154، 158.
الرملة: 75.
روان: 8، 38.
روینة: 204.
- ز- زفیزف: 190.
- س- سبیطلة: 6.
ستیتن: 222.
سردینیا: 10.
ستراسبورق: 9.
سعیدة: 190، 221، 222، 223، 236.
سکاک: 226.
سبدو: 197.
سویس: 9.
سیدی فرج: 80.
سیدی مبارک: 146.
سیدی الشحمی: 180.
سید لخضر: 182.
سیدی لکحل: 204.
سیدی إبراهیم: 224، 225، 226، 238، 250.
سیدی موسی: 227.
سیدی عیسی: 233، 257.
سیدی الجیلانی: 182.
السینیغال: 7.
سیف: 93، 112، 146، 151، 155، 164، 178، 181.
- ش- الشاح: 10، 46، 75.
شالون: 13.
شرشار: 70.
شربورق: 8.
لشفة: 181.
لشلف: 63، 160، 164، 188، 197، 200، 222، 233، 236.
- ص- صقلیة: 37، 45، 46، 54، 72.
صور: 43.
صیدا: 75.
- ض- لضایة: 98، 231، 234.
- ط- طاقین: 206، 233.
طبریة: 47.
طرابلس: 46، 48، 40.
طنجة: 91، 221، 238.
طولون: 66، 252.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 414
طونکان: 266.
- ع- العامریة: 189.
عسقلان: 75.
عکة: 48، 51، 75.
العنصر: 160.
عنابة: 164، 165.
عین الکرمة: 182.
عین الحوت: 199.
عین تیموشنت: 227.
عین ماضی: 173.
عین البیضاء: 179.
- غ- غزة: 75.
الغزوات: 220، 229، 250.
- ف- فاس: 90، 234، 246.
فرندة: 134، 198، 205، 222، 232، 236.
فرناکة: 155.
فرطاسة: 213.
فلسطین: 75.
فرنسا: 6، 8، 29، 32، 46، 52، 61، 76، 91، 144، 146، 166، 167، 172، 174، 218، 231، 251، 255.
- ق- قرطاجنة: 6، 52، 53.
قدیل: 155.
القدس: 40، 44، 46، 47، 48، 49، 55.
القسطنطینیة: 6.
قسنطینة: 38، 164، 172، 267.
قبرص: 49.
قرسیف: 232.
قیصریة: 40.
- ک- کاسل: 57.
کالی: 61، 66.
کامبری: 57.
الکرمة: 123، 146، 161.
کلمیتو: 164، 236.
- ل- اللانکدوک: 25، 29.
اللومبار: 28.
لیل: 8.
لیون: 8.
لیموج: 35.
- م- مالطة: 74، 76.
ماسرة: 164، 182.
متلیلی: 258.
مرسیلیا: 8، 9، 27، 251.
مدرید: 64.
مدیونة: 112.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 415
متیجة: 114، 201.
مسرقین: 145، 177، 251.
مشریة: 218.
مزغران: 175.
المعذر: 164.
مغنیة (لا لا): 219، 223.
معسکر: 106، 116، 121، 134، 122، 132، 134، 137، 144، 147، 151، 188، 189، 197، 204، 216، 223، 231، 232، 236، 258.
مستغانم: 144، 147، 150، 156، 163، 164، 166، 169، 175، 182، 188، 199، 202، 224، 251.
المغرب: 83، 90، 118، 123، 218، 234، 237، 239، 246.
المرسی الکبیر: 85، 177، 250، 269.
المغرب الأوسط: 52، 83، 88، 93، 134، 217، 226.
المغرب الأقصی: 170، 226.
مصر: 50، 74، 76، 95، 255.
ملاتة: 89، 93.
مکرة: 116.
المقطع: 137، 142، 144، 166، 226، 243، 251، 269.
ملیانة: 172، 173، 182.
ملیلیة: 239، 256.
ملویة: 238، 246.
مکناسة: 40.
منداس: 204، 205.
میلان: 64، 72.
المنصورة: 15، 50، 152.
موسکو: 13.
- ن- نابلس: 75، 77.
نانت: 9.
نافار: 73.
ناربون: 25، 26، 29.
ندرومة: 189، 198، 220.
النیل: 50، 74، 76.
- ه- هافر: 9.
هبرة: 146، 154، 182.
هولاندا: 9.
- و- واد الرون: 8.
واد السان: 7، 8، 9.
واد اللوار: 9.
واد الراین: 9، 11، 13.
واد الجیروند: 9.
واد الموزل: 11، 13.
واد المارن: 13.
واد السوم: 13.
واد شارانت: 99.
واد تلیلات: 85، 137، 139، 180.
واد الحمام: 97، 137، 190.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 416
واد سکاک: 114.
واد الزیتون: 113.
واد سیف: 139.
واد یسر: 153، 157.
واد تافنة: 166.
واد افکان: 190.
واد المالح: 192، 216.
واد مینا: 205.
واد التاغیة: 205.
واد سباو: 233.
واد تسالة: 235.
واد کیس: 249.
ولهاصة: 225، 227.
وانشریس: 235.
ورقلة: 258.
وهران: 89، 93، 118، 122، 124، 128، 132، 133، 137، 139، 141، 143، 144، 145، 146، 155، 156، 157، 159، 161، 163، 164، 173، 174، 175، 188، 199، 204، 210، 211، 213، 215، 217، 222، 223، 236، 257، 260، 272.
- ی- یافا: 51، 72، 75.
یسر: 154، 233.
یلل: 182.
الیونان: 11، 254.
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 417

فهرس الخرائط

- خریطة مدینة وهران عام 1831 92
- خریطة وهران و المرسی الکبیر و منطقتها عام 1757 م 371
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 419

فهرس الموضوعات‌

الدولة التاسعة الفرنسیس 5
أصل جنس الفرنسیس 5
موقع فرنسا الجغرافی و سکانها و مساحتها و دیانتها 6
مستعمرات فرنسا 7
أشهر مدن فرنسا 7
أشهر موانی فرنسا العسکریة 8
أشهر موانی فرنسا و جبالها و ودیانها و خلجانها و جزرها 9
الأجناس التی تعاقبت علی فرنسا 10
فرنسا الرومانیة 11
الطبقات الأربع للملوک الفرانسیس 12
الملک فرامون 12
الملک کلودیون 13
الملک میروفی 13
الملک تشیلدیریک 14
الملک کلوفیس الأول 14 طلوع سعد السعود ؛ ج‌2 ؛ ص419
ملک شیلدیبیر الأول 15
الملک کلوتیر 15
الملک کارییر 16
الملک شیلبیریک الأول 17
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 420
الملک کلوتیر الثانی 17
الملک داکوبیر الأول 18
الملک کلوفیس الثانی 19
الملک کلوتیر الثالث 20
الملک شبیدریک الثانی 20
الملک تییر الأول 21
الملک کلوفیس الثالث 22
الملک شیلدیبیر الثانی 22
الملک داکوبیر الثانی 23
الملک کلوتیر الرابع 24
الملک شیلبیریک الثانی 24
الملک تیاری الثانی 25
الملک شیلدیریک الثالث 27
الملک بیبان لوبریف 28
الملک شارلماتیو 29
الملک لویس الأول 32
الملک شارل الأول 32
الملک لویس الثانی 32
الملک لویس الثالث 33
الملک شارل لوقران الأکبر 33
الملک أودو 34
الملک شارل الثالث البسیط 34
الملک راؤول 35
الملک لویس الرابع 35
الملک لوثر 35
الملک لویس الخامس 36
الملک روبیر الثانی 36
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 421
الملک هنری الأول 37
الملک فیلیب الأول و أحداث الحروب الصلیبیة 37
الملک لویس السادس السمین 44
الملک لویس السابع 46
الملک فیلیب الثانی أوغسکس 47
الملک لویس الثامن 48
الملک لویس التاسع و حملاته علی مصر و تونس 49
الملک فیلیب الثالث 53
الملک فیلیب الرابع 54
الملک لویس العاشر 55
الملک فیلیب الخامس 55
الملک شارل الرابع 56
الملک فیلیب السادس 56
الملک جان الجمیل 57
الملک شارل الخامس 59
الملک شارل السادس 59
الملک شارل السابع 60
الملک لویس الحادی عشر 61
الملک شارل الثامن 62
الملک لویس الثانی عشر 63
الملک فرانسوا الأول 64
الملک هنری الثانی 65
الملک فرانسوا الثانی 66
الملک شارل التاسع 66
الملک هنری الثالث 67
الملک هنری الرابع 68
الملک لویس الثالث عشر 68
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 422
الملک لویس الرابع عشر 69
الحملة الفرنسیة علی الجزائر 70
الملک لویس الخامس عشر 71
الملک لویس السادس عشر 72
الملک لویس الثامن عشر 73
ظهور نابلیون بونابرت 73
حملة بونابرت علی مصر و بلاد الشام 74
بونابرت یغزو بلاد الشام 75
بونابرت یعود إلی فرنسا 76
إقامة حکومة القنصلیة الثلاثیة 76
الإمبراطور نابلیون بونابرت الأول 77
الملک لویس الثامن عشر 78
الملک شارل العاشر و احتلال الجزائر 79
نص المنشور الذی وزعه الفرنسیون علی سکان الجزائر 80
موقف البای حسن بوهران من الاحتلال 85
الاستعداد لاحتلال وهران 85
خلع الملک شارل العاشر 86
الملک لویس فیلیب الأول 87
الفرنسیون یحتلون وهران 87
البای حسن یستنجد بسلطان المغرب الأقصی 88
انقسام مخزن وهران علی نفسه 88
نفی البای حسن إلی المشرق 89
الأمیر علی یقود زعماء المخزن إلی فاس 90
الحمایة التونسیة علی وهران 91
حالة بایلیک الغرب بعد رحیل الأتراک و المغاربة 93
حاکم وهران الفرنسی یثیر الفرقة و العداوة مع المخزن 94
ظهور الشیخ محیی الدین 95
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 423
معرکة خنق النطاح الأولی بوهران 96
معرکة رأس العین بوهران 97
الشیخ محیی الدین یقترح مبایعة مصطفی إسماعیل أمیرا 100
معرکة خنق النطاح الثانیة 100
مبایعة الأمیر عبد القادر للجهاد 104
الغمز و اللمز فی البیعة 106
الأمیر یطلب من مصطفی بن إسماعیل المبایعة 107
شروع الأمیر فی الجهاد و حروبه حول وهران 108
قضیة الشیخ بغماری و بنی عامر 111
محاولة مصطفی بن إسماعیل الدخول تحت طاعة الفرنسیین 113
قبائل المخزن و أوصافهم 114
أوصاف قبائل الحشم و الأحرار و بنی عامر 115
الحرب بین الأمیر و قبائل المخزن 116
مصطفی بن إسماعیل یسعی للخضوع للفرنسیس و یفشل 117
قبائل المخزن تسعی للخضوع لسلطان المغرب الأقصی 118
الأمیر یصطدم بالدوایر و الزمالة 119
الأمیر یطلب الصلح مع الدوایر و الزمالة 120
اللقاء بین الأمیر و مصطفی بن إسماعیل 122
رأی مصطفی بن إسماعیل فی الأمیر 123
الأمیر یعین الحاج محمد المزاری آغا علی المخزن 123
الأمیر یحارب الحاج موسی الأغواطی فی المدیة 125
دور رجال المخزن فی هزیمة الثائر الحاج موسی الأغواطی 126
تریزیل و قضیة الدوایر و الزمالة 128
الأمیر یأمر باعتقال کبراء المخزن 129
تریزیل یوقع معاهدة مع الدوایر و الزمالة 132
رسالة الدوک دورلیان إلی آغا الدوایر و کبراء الزمالة 133
نفاق الحشم و بنی عامر 134
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 424
حملة تریزیل و معرکة المقطع فی جوان 1834 136
مقدمات معرکة المقطع فی غابة الزبوج المقیتلة 137
ضحایا معرکة المقیتلة فی غابة الزبوج 140
معرکة المقطع و ضحایاها 141
کلوزیل یحرق مدینة معسکر 147
الآغا المزاری ینضم للفرنسیین 147
قائمة جنود الآغا محمد المزاری 148
مصطفی بنی إسماعیل یستنجد بالآغا المزاری 151
کلوزیل یغزو تلمسان 151
معرکة تافنة 154
معارک وادی تافنة 157
إبرام معاهدة تافنة و شروطها 167
الأمیر ینظم دولته بعد صلح تافنة 169
الفرنسیون یحتلون مدینة قسنطینة 172
المولود بن عراش یسافر إلی فرنسا 172
تقریر ابن عراش للأمیر عن حالة فرنسا 172
الأمیر یهاجم حصن عین ماضی و یخربه 173
تعیین الحاج عثمان بایا علی مستغانم 188
ظهور الشریف محمد بن عبد اللّه 195
معرکة عین طاقین و نتائجها علی الأمیر 207
مقتل مصطفی بن إسماعیل 207
ظهور الثائر بومعزة 222
الأمیر یستولی علی قافلة تموین و رجالها بعین تیموشنت 227
الأمیر یستسلم و ینقل إلی فرنسا 250
إطلاق سراح الأمیر و ذهابه إلی ترکیا ثم دمشق 252
نشاط الأمیر فی دمشق 254
الإمبراطور نابلیون الثالث 256
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 425
حرکة الشریف محمد بن عبد اللّه 257
المشارکة فی حروب القرم 258
نابلیون یزور الجزائر 259
زیارة نابلیون الثانیة للجزائر 260
إعلان نابلیون لسکان الجزائر 261
مجاعة عام 1867 263
جلب المیاه لمدینة وهران 263
الحرب الفرنسیة البروسیة عام 1870 263
الجنرال أترش 264
معرکة ماقورة عام 184 264
جول قریفی 265
ثورة الشیخ بوعمامة و احتلال تونس و غزو الونکان 265
سعدیة کارنو 266
تکمیل و تذییل جلیل 266
مساحة عمالة وهران 272
الأنظمة الإداریة الثلاثة 272
المقصد الخامس فی ذکر مخزنها و هو عین المراد 273
أقسام مخزن وهران 275
أصل قبائل البحایثیة و نسبها 276
شجرة نسب قبائل البحایثیة 281
شجرة نسب أولاد البشیر 285
طبقات أولاد البشیر 286
الطبقة الأولی و شجرة نسبها 286
الآغا قدور الکبیر 287
الآغا الحاج محمد المزاری والد المؤلف 288
شجرة نسب عائلة المؤلف الآغا المزاری 296
شجرة نسب قدور الصغیر بن إسماعیل 303
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 426
شجرة نسب الآغا محمد بن مصطفی بن إسماعیل 305
شجرة نسب الآغا محمد بن الحاج بالحضری بن إسماعیل 307
الطبقة الثانیة أولاد عدة ولد البشیر البحثاوی 308
شجرة النسب عدة بن بشیر البحثاوی 312
الطبقة الثالثة أولاد یوسف بن البشیر البحثاوی 313
شجرة نسب أولاد یوسف البشیر البحثاوی 313
الطبقة الرابعة أولاد الموفق بالبشیر البحثاوی 314
شجرة أولاد البشیر البحثاوی 316
الکراطة أو الکراطیة 317
شجرة أولاد الکرطی 320
ابن عدیة و شجرة نسبهم 321
الدوایریة أو الدواوودیة 322
شجرة نسب الدواوودیة 323
شجرة نسب أولاد بالضیف 324
البرجیة 325
النقایبیة 325
البلاغة أو البلغیة 331
الزمالة و الغرابة 332
المخالیف 332
القرادرة 333
القرادیة و المعایزیة 333
الوراردیة 334
المخاتریة و الزوابریة 334
الونازرة 335
الیساسفة أو الیوسوفیون 336
الشوایلیسة 336
العبید الغرابة 337
طلوع سعد السعود، ج‌2، ص: 427
الوراردیة 338
العلایمیة 338
الخدایمیة 341
الوناونیة 341
السهایلیة 342
المحامید 343
الرفافسة 343
العوایلیة 344
تقریض عبد العال شبکة 345
تقریض عبد الرحمن بن سلیمان المصری 346
الملاحق 349
مصادر الکتاب 373
الفهارس العامة 399
فهرس الأعلام 401
فهرس القبائل و الجماعات 408
فهرس الأماکن 411
فهرس الخرائط 417
فهرس الموضوعات 419

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.