موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين

اشارة

سرشناسه : عزاوي، عباس، م - 1888

Azzawi, Abbas

عنوان و نام پديدآور : تاريخ العراق بين احتلالين/ عباس العزاوي

مشخصات نشر : قم: مكتبه الحيدريه، 1425ق = 1383.

مشخصات ظاهري : 8 ج.مصور، نقشه، نمونه

شابك : 964-8163-30-830000 ريال :(دوره) ؛ 964-8163-31-6(ج. 1) ؛ 964-8163-32-4(ج. )2 ؛ 964-8163-32-2(ج. )3 ؛ 964-8163-34-0(ج. )4 ؛ 964-8163-35-9(ج. )5 ؛ 964-8163-36-7(ج. )6 ؛ 964-8163-37-5(ج. )7 ؛ 964-8163-38-3(ج. )8

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : افست از روي چاپ: مصلبعه بغداد، 1353ق = 738ق = 1258 = م 1338

يادداشت : عنوان روي جلد: تاريخ العراق بين الاحتلالين.

يادداشت : كتابنامه

مندرجات : ج. 1. حكومه المغول، 738 - 656ق = 1338 - 1258م .-- ج. 2. حكومه الجلايريه، 814 - 739ق = 1481 - 1338م .-- ج. 3. الحكومات التركمانيه، 941 - 814ق = 1534 - 1338م. .-- ج. 4. العهد العثماني الاول، 1048 - 941ق = 1638 - 1534م. .-- ج. 5. العهد العثماني الثاني، 1163 - 1049ق = 1750 - 1639م. .-- ج. 6. حكومه المماليك، 1247 - 1162ق = 1831 - 1749م .-- ج. 7. العهد العثماني الثالث، 1289 - 1247ق = 1872 - 1831م. .-- ج. 8. العهد الثماني الاخير، 1335 - 1289ق = 1917 - 1872م .-

عنوان روي جلد : تاريخ العراق بين الاحتلالين.

عنوان ديگر : تاريخ العراق بين الاحتلالين

موضوع : عراق - تاريخ

رده بندي كنگره : DS70/9 /ع 43ت 2 1383

رده بندي ديويي : 956/7

شماره كتابشناسي ملي : م 83-19225

[الجزء الأول]

المقدمة

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي رسوله محمد و آله و صحبه اجمعين أما بعد:

فالتاريخ اليوم غيره بالأمس عليه ترتكز العلوم الاجتماعية و الاقتصادية، و هو معول الأمم في تأسيس إدارتها و

نظامها، و تسيير سياستها … و من هذه النواحي و غيرها لا يقل أهمية و فائدة عن العلوم المادية بل يفوقها بكثرة … فإذا كانت هذه سهلت وسائل الراحة، و غيرت في الأوضاع الحياتية فالتاريخ سير الجماعات نحو الإدارات الفاضلة، و ساقها إلي قبول خير المناهج الأممية، و لا زالت الأقوام تتمشي علي ضوء نوره نحو الغاية الفضلي و الكمال اللائق … و ما قاله شاعرنا:

و ما كتب التاريخ في كل ما روت لقرائها إلا حديث ملفق

نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا فكيف بأمر الغابرين نصدق

يحمل علي اسباب طفيفة، و مراسم و أشكال ظاهرية لا علاقة لها بالأساس … فلا يعني نكران اساس التاريخ، و التشكيك في كل رواياته أو الارتياب فيها.. و إنما هنا نواح لا يصح التغاضي عنها أو التردد في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 6

قبولها كوجود الأمم، و الاعتراف بتشكيلاتها، و تعيين اداراتها و التعرف بثقافاتها و علاقاتها بمجاوريها، و حياتها الاجتماعية و الفردية … إلي آخر ما هنالك مما لا يصح أن يجابه بالإنكار إلا أنّ المبالغات في إظهار ذلك، أو تصغير شأنه و عدم المبالاة به و ما ماثل من الأمور … مما لا يلتفت إليه، و التدقيق العلمي يعيده إلي سيرته الأولي، و المبالغة تفسر في إظهار تلك بمظهر العظمة، أو التقليل من شأنها … لمحب مفرط، و مبغض مفرط و الأمثلة علي ذلك كثيرة، و الحقيقة إن مكانة الأقوام معروفة و وضعها يتجلي للرائي بوضوح …

و لما كان التاريخ ذا علاقة بالمجتمع من ناحية تدوين وقائعه فخير التواريخ ما بصّر بأخبارنا، و قرب ما هو الألصق بنا تسهيلا للقبول و التناول و هو الأولي بالأخذ و الاستفادة، و

الأحق بالاعتبار … و من هذا التاريخ صفحة تنبي ء عن ارتباط الوقائع بنا في وقت، أو تجربة لا مندوحة لنا من ذكراها دوما للاستقاء من معين فوائدها عظة و عبرة متصلة لا ننفك عنها و لا تنفصل عنا … و لا تزال حوادثها ترن في الآذان و خبرها يقص بنفرة و استياء، و آلامها تعدد بين آونة و أخري، و قد أحدثت دويّا لا في العراق وحده بل بلغ صداها أطراف المعمورة أعني بها (حكومة المغول) أو حكومة هلاكو في العراق … و هذه دامت سيطرتها من صفر سنة 656 ه 1258 م و امتدت إلي سنة 738 ه. 1338 م و هي أول حكومة أجنبية، غير مسلمة احتلت العراق بعد الفتح الإسلامي بستة عصور و نصف تقريبا، فرأي العراقيون غير مألوفهم، و شاهدوا ما لم يخطر بخيالهم. و هكذا شأن الأمم فيما كتب عليها من المقدرات و ما أصابها من نكبات …

تواريخ العراق و مراجعه

اشارة

إن تواريخ العراق و مراجعه فيما يخص هذا الدور كثيرة، و لا نجد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 7

مغوليا كتب عن هذا العهد ليكون تاريخه مرجعا بعده، و غالب من كتبوا من العرب و باللغة العربية قبل كل أحد و دوّنوا مشاهداتهم و مسموعاتهم ثم كتب العجم عنهم بالعربية و الفارسية، إلا أنها غير موصولة و فيها فترات لم يتيسر العثور عليها أو الاطلاع علي تفصيلاتها بسهولة. أو أنها بقيت مجهولة … و غالب الموجود مختلف المشارب و النزعات، أو من صنائع نفس المغول، أو مقصور علي وصف الملوك و أعاظم رجال الإدارة ممن نال مكانة تاريخية باعتبار أنه الناهض بأمته، و القائم بشؤونها، و المسير لمقدراتها …

و لكن لم تدقق

هذه الوثائق الأمم باعتبار قوتها و مناعتها، و أخلاقها و سيرها التاريخي و الاجتماعي، و تحفزها للوثوب و النهوض، أو ذلها و خضوعها …

و لهذه المراجع أوصاف خاصة ستوضح عند الكلام علي كل منها، و غالبها يعاب بأنه كتب في أزمنة محاطة بظروف و تمايلات أدت إلي كتمان الحقيقة أو توجيهها و عدم التصريح بها أو الإشارة الخفيفة، أو المبالغة الزائدة و الإشادة … ذلك ما يدعو للارتياب و أن نستنطق وثائق كثيرة، و نقابل بل نقارن بعضها ببعض، و نلاحظ الدواعي و الأسباب مما يفيد لتمحيص الوقائع، و تمييز الصحيح من المدخول …

قد بذلت الجهود في التحري و التنقيب، و استنطقت مراجع كثيرة … عرضتها علي ميزان النقد التاريخي … إلا أنني أقول بكل اطمئنان إن تاريخ العراق لهذا الزمن لم يكتب فيه إلا القليل، و بصورة متفرقة … و هذه أول تجربة جربها القلم فلم أعدل عن نقد من يستحق النقد، و لا عوّلت إلا علي ما اعتقدت صحته، أو لم تكن له رواية أو نقل آخر غير ما هو محل النظر و موضع الاشتباه حذرا من أن يبقي فراغ لمدة قد تكون فترة في التاريخ و العهدة في ذلك علي راويها بالشكل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 8

الذي رواها مقرونا بمصدرها و مرجع نقلها … فلا نهمل فكرة و لا نقبل كل خبر، و لا نترك كل رأي قدر الطاقة و المستطاع …

المراجع العراقية و العربية

و المراجع العراقية أو العربية في هذا الدور لم تنقطع، و لا تزال بقاياها موجودة فقد انجب العراق مؤرخين توالي ظهورهم، و تكاثر عددهم فخدموا العراق بما نشروه من مؤلفات خالدة و كتب قيمة … و الكل سعيهم

متواصل، و هم في تكاتف و تساند لإحياء وقائع هذا المحيط، و تدوين ماجرياته. و بيان سائر احواله و أوضاعه من نعيم و شقاء و سعادة و بؤس، و أفراح و آلام … و لا نزال نري الأيام تميط اللثام عن آثار هم مما خفي …

فنظراتهم صادقة، و معولهم علي وثائق صحيحة؛ أو مشاهدات عيانية؛ و أخبار معتمدة.. هذا في غالب أحوالهم، و أكثر مدوناتهم مما وصلنا من دراسة مجاري التاريخ … و عليهم ركن مؤرخو الأقطار، و بالتعبير الأوضح نهج مؤرخو الأقطار علي طريقتهم و ساروا علي سنتهم …

وصف المؤلفات التاريخية

اشارة

لا نراجع في الغالب عن وصف المؤلفات التاريخية الأقوال المنقولة و المتكررة، و إنما حاولنا تدقيق نفس المؤلفات التاريخية التي عولنا عليها كمرجع أثري، و لا نعدل عن هذا إلا إذا كان وصف الآخرين منطبقا، أو لا بد أن يراجع كالسنين و التواريخ الضرورية، أو الحياة الخاصة …

و هذه منها ما هو من مدونات هذا العصر الذي نكتب تاريخه، أو بعده بقليل من التواريخ العامة و الخاصة، و لم نراجع المتأخر إلا إذا كان جامعا لمصادر تتعلّق به و لها فائدة كبري في بيان الوقائع و ارتباطها، أو التفصيل عنها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 9

و قد تكلمت عن المهم من هذه المؤلفات و الباقي أشرت إليه في حينه من تاريخ العراق فلا أري حاجة للكلام علي كافة المراجع سواء قلّ النقل، أو كثر … و إلّا تألف منها كتاب …

و هذا بيان الكتب المشهورة:
الكامل

هو لا بن الأثير علي بن محمد الجزريّ الملقب بعز الدين المولود عام 544 ه 1150 م و المتوفي سنة 630 ه 1233 م قد اجمل الأمر اجمالا يكاد يغني المطالع عن حالتهم الأولي. كتب الوقائع التترية متسلسلة، واضحة تقريبا، و ذكر شعوره و تألمه من وقائع جنگيز فلم يتمكن من كتم الإحساس و التألم للمصاب فليس هو حجر، لم يسعه أن يتخلي عن الوقائع المؤثرة … و لكنه- مع هذا- لا نراه يحيد عن تدوين الواقع …

كل المؤرخين يعولون عليه سواء كانوا أجانب، أو تركا أو عربا، أو فرسا … فلم يجدوا في غيره ما يوضح خروج المغول.

و لا نلومه من ناحية الكناية دون الصراحة في بعض المطالب، نظرا لما يحوطه من الظروف و الأوضاع آنئذ إذ إن الحكومة العباسية لا

تزال قائمة، و لا يزال تأثيرها مكينا إلي أيام وقوف حوادثه و هي صاحبة الحول و الطول نوعا، و لذا قال عن حوادث التتر:

«و قيل في سبب خروجهم إلي بلاد الإسلام غير ذلك مما لا يذكر في بطون الدفاتر.

قد كان ما كان مما لست أذكره فظن خيرا و لا تسأل عن الخبر» اه.

و يريد أن يقول ان خروجهم كان بإيعاز من الخليفة العباسي و بهذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 10

يتهمه.. و قد قيل (الكناية أبلغ من التصريح) و قد بسطنا القول عن ذلك في أصل التاريخ …

تقف وقائعه عند عام 629 ه أي إلي نهاية سنة 628 ه 1231 م و ما ذكره فهو ثقة فيه، و قد اعتمد عليه الترك المتأخرون أنفسهم كغيرهم مما مر بيانه فقد بين حوادث التتر سنة 617 ه- 1220 م و عقب الوقائع إلي ان انتهي الكتاب، و فيه حوادث بضع سنين فهو خير مصدر، و حوادثه علي السنين، و قد اختصره أبو الفداء و زاد عليه الحوادث التالية إلي أيامه …

طبع ببولاق سنة 1290 ه، و قد تلتها طبعة أخري عادية بتاريخ سنة 1302 ه، و في ليدن سنة 1851: 1871 م، و طبع له فهرس في ليدن أيضا سنة 1874- 1876 م و هو مهم و نافع …

تاريخ أبي الفداء

اختصر مؤلفه أبو الفداء به تاريخ الكامل و مضي به إلي سنة 848 ه 1327 م و هو من المراجع المهمة لحكومة التتر، و يعتمد في تاريخ ظهور التتر علي المنشي النسوي و هو شاهد عيان لوقائع خوارزمشاه، يذكر أسباب الخذلان و يعول علي دواعي كثيرة، و بواعث مهمة، و منها طفيفة، و منها ما لا يستهان

به و فيه بيانات مفيدة عن (تاريخ التتر) و منه أخذ أبو الفداء …،

و كان المصدر الوحيد في بيان أحوال التتر إلي أن عثر علي كتاب المنشي المذكور، لخص أبو الفداء مباحثه و مع هذا بقيت بعض الاعلام شاغرة لعدم المعرفة، و لفقدان المراجع، و بوجوده زال الخفاء، و سد الفراغ فصلح هذا لتصحيح تاريخ أبي الفداء و ليلتئم الخلل، و من ثم توضحت نوعا وقائع المغول …

و لا يفوتنا أن تاريخ أبي الفداء يفصل الحالة عن تاريخ سورية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 11

و يجمل القول عن الاقطار الأخري فلم تكن الاستفادة مهمة خصوصا عن بغداد بعد سقوط حكومتها فلا يري لها من الأهمية …

المختصر في اخبار البشر

لعمر ابن الوردي المصري الشافعي، اختصر به تاريخ أبي الفداء بنحو ثلثيه و زاد عليه في بعض المواطن، و فيه تثبيت لبعض الأعلام المشتبه فيها مما ذكره أبو الفداء في تاريخه و مع هذا لا يخلو من اغلاط نساخ مما سيبين اثناء الحوادث و مقارنتها. و قد قال إنه فصل ما زاده بقوله (قلت) و أنهي كلامه بقوله (و اللّه أعلم) و بين أنه ذيل تاريخ أبي الفداء من سنة 709 ه 1310 م إلي آخر الكتاب. هذا في حين أننا نري حوادث أبي الفداء في تاريخه المطبوع تمتد إلي سنة 748 ه 1348 م، و تقف حوادث المختصر عند نهاية سنة 749 ه 1349 م و الكتاب مذيل ببعض الحوادث إلي تاريخ الطبع … و يقال فيه ما قيل في تاريخ أبي الفداء …

طبع سنة 1285 ه في مجلدين، و تمتاز طبعته في اتقانها و مراجعة المصادر في تحقيق بعض المطالب …

سيرة جلال الدين منكبرتي
اشارة

للعالم الفاضل شهاب الدين محمد بن علي بن محمد المعروف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 12

هلاكو ببزة حربية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 13

بالمنشي النسوي جاء في الدر المكنون: «و فيها- سنة 647 ه- توفي بمدينة حلب شهاب الدين محمد بن عبد الواحد (في اسم الأب اختلاف هنا) المنشي النسوي صاحب تاريخ (جلال الدين خوارزمشاه) (سيرة منكبرتي) و كاتب إنشائه اتصل بعد قتل مخدومه بالملك المظفر غازي بن العادل الأيوبي صاحب ميافارقين، ثم اتصل بخدمة بركة خان مقدم الخوارزمية (كذا) و لما قتل بركة خان تقدم المترجم عند الناصر يوسف ابن العزيز الأيوبي صاحب حلب، و بعثه رسولا إلي التتر، و عاد فمات في حلب». ا ه نقلا عن مخطوط

باريس رقم 4949 لياسين العمري (قاله الصديق الدكتور مصطفي جواد) و بهذا عرفنا ترجمته و وفاته.

و تاريخه هذا في سيرة السلطان جلال الدين المنكبرتي من الخوارزمشاهية و هو آخرهم، و عليه اعتمد أبو الفداء، ورد اسمه بلفظ المنشي النسوي حينما تكلم عن (ظهور التتر)، و فيه تصحيح لوقائعه و سد لفراغ الكلمات و تصحيح لها. و قد راجعناه و عولنا علي غالب نصوصه. و قد مر الكلام عليه اثناء مراجعة تاريخ أبي الفداء. طبع باعتناء المستشرق الفاضل هوداس بأصله العربي مع ترجمة فرنسية سنة 1891 م.

قال النسوي في مقدمته:

«إنني لما وقفت علي ما ألف من تواريخ الأمم الماضية، و سير القرون الخالية، و اتساق اخبارها من لدن انتشار ولد آدم أبي البشر عليه السّلام إلي زماننا هذا سوي ما صادف فترة، رأيت قصاري كل مؤرخ تكرير ما ذكره المتقدم عليه … بيسير من الزيادة و النقصان إلي أن يسوق الحديث إلي زمانه، و حوادث أوانه، فيوردها شافية كافية، و من وراء الاشباع و الاقناع آتية، و شتان ما بين الخبر و الخبر و أين العيان من اقتفاء الأثر، و رأيت الكامل من تأليف علي بن محمد بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير، يتضمن من أحاديث الأمم عموما، و غرائب أخبار العجم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 14

خصوصا ما شذ عن غيره، و أنصف لعمري في تسميته كاملا ما ألف و لم استبعد ظفره بشي ء من تواريخهم المؤلفة بلغتهم و إلا فما الأمر مما يؤخذ بالقياس، و الذي أودعه تأليفه منها أكثر من أن يتلقف من أفواه الناس … الخ» ا ه.

جهانكشاي جويني

من التواريخ الفارسية التي كتبت أيام حكومة المغول تأليف علاء الدين عطا ملك صاحب الديوان ابن الصاحب بهاء الدين محمد الجويني المتوفي سنة 683 ه 1285 م. قال في كشف الظنون: ذكر فيه سير جنگيز و هلاكو مشتملا علي دولة المغول و سلاطينها و ملوك الأطراف و زمانهم و قد أطراه صاحب تاريخ و صاف و أثني عليه كثيرا علي ما سيجي ء.

و هذا التاريخ من أقدم ما كتب عن المغول بعد ابن الأثير و المنشي النسوي فقد تكلم عن أحوالهم و هو من المعاصرين و أولي بالاعتماد زيادة علي غيره و ذلك لأنه اتصل بالمغول و تجول في مملكتهم و شاهد

العارفين بأحوالهم كما أنه كان قد شاهد بنفسه حوادث كثيرة و صاحب هلاكو مدة و قد حصل علي كتب علمية مهمة حين القضاء علي الاسماعيلية و حكي ذلك … ثم أودع إليه منصب بغداد و كانت حكومته هناك نحو 21 سنة علي ما فصل القول عنه في محله، في خلالها حصلت عليه بعض الشكاوي فكتب إليه أخوه الوزير (شمس الدين محمد الجويني) يدعوه أن يتنبه للأمور و لا يغفل عما يجري و بين سطور هذه يقول:

كم لي أنبه مقلة من نائم يبدي سباتا كلما نبهته

فكأنك الطفل الصغير بمهده يزداد نوما كلما حركته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 15

ذلك ما دعا أن يقضي علي تاج الدين علي ابن الطقطقي بحيلة احتالها … و لكنه لم يسلم من الغوائل … و مهما يكن فقد كان مؤرخا عارفا بالأمور، و لكتابه قيمته العلمية و الأدبية … إلا أن الألفاظ المغولية صعبة التلفظ فهي غير مأمونة الصحة من النساخ.

طبع هذا التاريخ في ليدن عام 1329 ه 1911 م في مجلدين؛ و في ايران في مجلد واحد إلا أن طبعة أوروبا المذكورة متقنة جدا و ستأتي ترجمته خلال وقائع الكتاب، و المؤلف كان قد دام في حكومة بغداد مدة طويلة، ولي العراق إحدي و عشرين سنة و شهورا، و هو أخو الصاحب شمس الدين، كان عادلا، حسن السيرة، أديبا، فاضلا، و له رسائل جيدة؛ و أشعار حسنة.

و من شعره:

أبادية الأعراب عني فإنّني بحاضرة الاتراك نيطت علائقي

و أهلك يا نجل العيون فإنّني بليت بهذا الناظر المتضايق

و فيه ما يدل علي درجة علاقته بالعراق …

و له أيضا أيام نكبة أصابته:

لئن نظر الزمان إليّ شزرا فلا تك ضيّقا- أفديك- صدرا

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 1، ص: 16

و كن باللّه ذا ثقة فإنّي أري للّه في ذا الأمر سرّا

زمان إن رماني لا أبالي فقد مارسته عسرا و يسرا

تراني ثابتا جأشا إذا ما جيوش الحادثات عزمن أمرا

إذا دكت جبال الصبر دكا تري مني فؤادا مستقرا

و إن شاهدت في صبري فتورا جعلت عزيمتي للصبر أزرا

و مما رثاه به أخوه بالفارسية:

أي دو نور ديده جهان فروزم رفتي و زهجر تو سياه شد روزم

بوديم دو شمع و هر دو سوزان بوديم أيام ترا بكشت و من ميسوزم

يقول: «أي نور عيني دنياي اللامعة قد صيرت أيام هجري سودا بفراقك، كنا شمعتين موقدتين فاخترمتك (محقتك) الأيام، و لا زلت أستعر و أشتعل..!!

و قد ذكرنا ترجمته في التاريخ عند الكلام علي وفاته. و علي كل نري المؤرخين يلهجون بحسن سياسته للعراق فهو من خيرة ولاته في ذلك العهد …

تاريخ وصاف
اشارة

و هو المسمي (تجربة الأمصار، و تزجية الأعصار) و جاء في كشف الظنون عنه أنه (تجزية الأمصار …) أوله: حمد و ستايش كه أنوار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 17

اخلاص آفاق و أنفس راجون فاتحه صبح صادق متلالي سازد الخ. و أثني في مقدمته علي علاء الدين صاحب جهانكشاي جويني و مدح كتابه و نعت مؤلفه بصاحب القلم، و إدارة الملك ثم أبدي أن أيام محمود غازان قد مضت بالعدل الشامل، و عادت المملكة أشبه بجنة الخلد. فرفع منار الإسلام و أزال الكفر و الضلال و أقام شعائر الدين الإسلامي؛ و أسس المدارس و المساجد. و المؤلف و هو عبد اللّه بن فضل اللّه، سنح له أن يدون ما جال في خاطره، و ما بدر لفكره من فضائل هذا السلطان و ما انقضي من أيامه

إلي اليوم الذي هو فيه و هو آخر شعبان سنة 699 ه 1300 م فشرع في تاريخه من هذا الوقت و استمر إلي انتهاء أيامه؛ و وعد أنه سوف يفصل المنقول و المسموع و ما شاهده عيانا؛ و قد فعل ذلك وقص حوادث تدعو للعجب، و هو بمثابة تكملة لتاريخ الجويني و ختمه بمناقب السلطان أبي سعيد و الدعاء له، فرغ من تأليفه في شعبان سنة 711 ه 1312 م إلا أن المؤلف لم يقف عند حدود هذه السنة و إنما امتدت حوادثه إلي سنة 728 ه فزاد عليه. و فيه بحث مستفيض عن المغول في إيران و تركستان و ما وراء النهر من الممالك الأخري و قد تطرّق لغيرها أيضا … و اشتهر مؤلفه (بوصاف الحضرة) من جراء أنه مدح السلطان الجايتوخان بقصيدة فلقبه بهذا و صار يعرف به و التاريخ أضيف إليه. و كان هذا المؤلف قد احتمي بالخواجة رشيد الدين و ركن إليه فنال منه كل رعاية …

و موضوعه في الحقيقة يتضمن إظهار المقدرة الأدبية و الترصيعات الشعرية و الأوصاف السلطانية فأبرز فيه من البلاغة ما يناسب عصره من سجع و تضمينات و أمثال و أبيات فارسية و عربية … و يحتوي علي أهم حوادث العراق كحادثة بغداد، و بعض المخابرات السياسية مما لا يخص العراق مباشرة إلا القليل؛ و ستري النقول عنه، و غالب ما فيه يوضح حكومة المغول …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 18

و قد نال هذا الأثر اعتناء من العلماء فمنهم من شرح ألفاظه، و منهم من علق عليه، و منهم من ترجمه؛ و أجمل حوادثه … و من هؤلاء حسين افندي آل نظمي، البغدادي و قد

بينت عنه في (لغة العرب) عند الكلام علي آل نظمي، ثم شاهدت تأليفاته علي (تاريخ و صاف) و هي من الأهمية بمكانة فالمؤلف كتب أثرين عن تاريخ وصاف:

أحدهما: أوله: الحمد للّه الذي خلق الإنسان، علمه البيان …

الخ ألفه سنة 1118 ه 1757 م في مجلد ضخم أوضح فيه اللغات العربية المغلقة و الفارسية و الجغتائية و المغولية و ترجمها إلي اللغة التركية. و فيه توضيح لبعض البلدان العراقية. و قد ذكر في كتب التاريخ من مكتبة أيا صوفيا باسم (ترجمة تاريخ و صاف) رقم 2151 و علاقته باللغة أكثر، فقد شرح لغات و صاف، و كنت أشرت إليه في لغة (العرب) أن له نسخة أخري في مكتبة ويانة. و هذه النسخة قيمة من جهة اللغة و علاقة العراقيين بها … و يعد من علماء عصره في اللغة … و من بيانه يعرف ما دخل العربية من الكلمات الأجنبية …

و ثانيهما: ترجمة تاريخ وصاف منه نسخة رأيتها في مكتبة ولي أفندي في الأستانة رقمها 2408 و أولها: الحمد للّه الذي رفع سبع طباق الخضراء بغير عمد ترونها الخ. قال إنه كان قد كتب مجلدا علي ترتيب حروف الهجاء و بطلب من بعض الإخوان الأعزاء، شرح عبارات و صاف علي ترتيبها. و النسخة مجذولة و في مجلد ضخم يحتوي علي 456 ورقة بالقطع الكبير و عدد سطور كل صفحة 25 تملكها ولي الدين افندي القاضي باستانبول. و هذه لحسين أفندي آل نظمي كسابقتها. و هذا الكتاب يصلح أن يسمي (ترجمة تاريخ و صاف) فقد أخذ كل جملة منه و ترجمها و شرح مغلقاتها و بالغ في إيضاحها و يا ليته ترجم الكتاب رأسا و قلبه للتركية لتزيد

الفائدة و يكثر الانتفاع به و لم يتكلم صاحب (عثمانلي مؤلفلري) إلا عن النسخة الأولي و ذكر أن منها نسخة في مكتبة بشير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 19

آغا، إلا أنه غلط غلطا فاحشا في جعل مرتضي افندي آل نظمي و حسين افندي آل نظمي اسمين لمسمي واحد و مزج بينهما فقال: (نظمي زادة حسين مرتضي افندي) و عقد ترجمة واحدة للاثنين باعتبارهما شخصا واحدا، و عدد مؤلفات الاثنين بهذه الصورة و بين هذه المؤلفات ما يستحق التدقيق و يدعو للنظر …

و علي كلّ الأثران مهمان يوضحان تاريخا نافعا من تواريخ المغول و الفوائد اللغوية جاءت عرضا و بالواسطة … و الاعتناء فيه كبير سواء لحل مغلقاته، أو لشرح كلماته و جمله …

و التاريخ الأصلي و هو تاريخ و صاف طبع في بومبي سنة 1269 ه 1853 م في خمسة اجزاء، و طبع في ايران المجلد الأول منه و لكن المطبوع في الهند عليه حواش لتفسير ألفاظه و في آخره (فرهنك لغات غريبة) و فيه شرح لبعض اللغات الغريبة مرتبة علي حروف الهجاء و غالبها مغولية و عربية و لا تبلغ السعة التي بلغها حسين افندي آل نظمي …

و ممن اعتمد عليه في تاريخ بغداد مرتضي افندي آل نظمي صاحب (گلشن خلفا).

ملحوظة:

قد يلتبس القاري ء فيظن أن هذا الكتاب نفس الكتاب المنسوب إلي قاضي القضاة منهاج الدين بن سراج الدين الجوزجاني و الحال أنه غيره و إن كان يتضمن أحوال دولة المغول من خروج جنگيز إلي فتح بغداد و سائر حوادثهم إلا أنه يسمي (كتاب سياسة الأمصار في تجربة الأعصار و تاريخ آل جنگيز) فأكتفي بالإشارة إليه … و هو مطبوع في الهند.

موسوعة تاريخ

العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 20

جامع التواريخ
اشارة

و يسمي بالتاريخ الغازاني. و هذا التاريخ لوزير من وزراء المغول، و مدون تاريخهم و هو الخواجة رشيد الدين فضل اللّه الوزير المقتول في جمادي الأولي سنة 718 ه 1318 م. و فيه نري وجهة نظرهم في سياستهم طبعا ظاهرها و المعلن منها دون المكتوم- و عليه عوّل كتاب الترك العثمانيون و مؤرخوهم في ترويج سياسة الخلافة بدخولها فيهم و بيان ضعفها، و ما كانت عليه أيام هجوم المغول استفادة من أقوال هذا المؤلف. فإنه فتح نهجا مشي عليه من جاء بعده فاتخذه مثالا يحتذي فكانت طريقته و سلوكها مقدمة. أو ضرورة لازمة لخلافتهم …

نعم علمتنا السياسات المختلفة، و تداول الأيدي علي العراق آمال كل قبيل من الأمم مهما تكتم أصحابها في إخفائها، و بالغوا في الإيهام … و عند مراجعة التواريخ يظهر لنا جليا أن المغول راعوا خطة في إدارة الممالك ثم مضي عليها العثمانيون في خطتهم التي اختطوها، و إن كانوا بالغوا في تقريع المغول و ذمهم، فراعوها بتبديل الشكل قليلا …

و هذا الكتاب أبان رموز تلك السياسة و ضروبها، و كشف عن نوايا المسيطرين و خطط حكوماتها معنا … و هو يشتمل علي أربع مجلدات، و الأول منه يتكلم علي ظهور الترك و تعداد قبائلهم و تواريخ أجداد جنگيزخان و أولاده و أحفاده … و الثاني في حوادثهم و تفصيلات عنهم … و الثالث في الأنبياء و الخلفاء و قبائل العرب و الصحابة إلي آخر خلفاء العباسيين. و الرابع في صور الأقاليم …

و قبل أن يكتسب هذا الشكل الكامل و يدون بصورة مفصلة كان قد شرع المؤلف في تبييضه و حينئذ مات السلطان غازان في شوال

سنة 704 ه 1305 م و جلس مكانه ولده خدابنده محمد فأمر باتمامه و إدخال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 21

اسمه في العنوان، و طلب أن يضم إليه وصف الاقاليم و أهليها، و طبقات الأصناف، و أن يجعله جامعا لتفاصيل ما في كتب التاريخ … كتبه بالفارسية و بالعربية …

وصف نسخة استانبول المخطوطة

و من حسن الحظ أن رأيت في سفري إلي استانبول في صيف سنة 1934 م نسخة من التاريخ باللغة العربية، و في نظري أنها أعز شي ء عثرت عليه، كتب عليها (تاريخ جنگيز) و هي الجلد الأول من جامع التواريخ أوله: الحمد الوافر و الثناء المتكاثر للّه الذي ابدع الأكوان بقوله كن فيكون الخ. كتبت هذه النسخة سنة 785 ه في غرة المحرم، و تنتهي حوادثها بالجايتو و هي في مجلد ضخم و لم يذكر في صلب المتن اسم الكتاب إلا أنه قيل علي الغلاف (تاريخ جنگيزخان)، و أماكن الفراغ التي بقيت بياضا أعدت لاجل التصاوير، و لكتابة العناوين بحبر أحمر، و ذلك لأن المؤلف ذكر في نسخته الاصلية تصاوير الأسرة المالكة، و بعض مجالس سلاطينها و أولاد السلاطين و الأمراء إلا أن الناقل لم يمض إلي ذلك و إنما أبقاه فراغا أو تركه علي حاله و قبل أن يتمه اخترمته المنية …

و الكتاب من الآثار المهمة لعهد المغول، و كان الواجب أن يهتم به فيطبع و يذاع لمعرفة حروب جنگيز و حياته و آثاره و أنسابه و أولاده و أحفاده و غيرهم مما يتعلق بهم من امراء … و في الكثير من هذه الأمور لا يراعي المؤلف سياسة و إنما يقص حكاياتهم كما سمعها …

و في مقدمته ذكر أن جنگيزخان كان قد فتح العالم

و سخره بكياسته و وفور عقله، و قضي علي الجبابرة و المردة المفسدين الذين كل واحد منهم كان فرعونا في الطبيعة ضحاكا في السيرة … فكسرهم و جعل العالم علي وجه واحد، و نظف بيضة المملكة من تصرف المتغلبين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 22

الجائرين و ظلم المعتدين المتجبرين، و أورثها أولاده و أحفاده فكان السعد حليفهم، و التوفيق قرينهم … حتي جاءت النوبة إلي السلطان السعيد محمود غازان، و هذا كان نصير الإسلامية، و مدمّر الأصنام و الداعي إلي اللّه تعالي، فهو إبراهيم المسلمين الثاني … و كان في الأعصر الماضية علماء و حكماء يؤرخون معظمات الوقائع خيرها و شرها في كل زمان حتي يعتبر بها أولادهم و عقبهم و يعالجوا أحوال الأدوار في القرون الماضية، و يذكروا السلاطين، و يبقي ذكرهم مخلدا علي صفحات الأيام و الليالي في بطون الأوراق … (و ذكر العتبي بين هؤلاء و بيّن) أن المؤرخين أكبر الداعين، و أجود الناصحين لدول السلاطين … و قال:

و حيث إن الأقوام الموسومين باسم الترك مقامهم و سكنهم في البلاد البعيدة التي طولها و عرضها من ابتداء طرف ماء جيحون و سيحون إلي انتهاء حدود بلاد الشرق و انتهاء صحراء قبجاق إلي غاية نواحي جورجية و الختاي، يسكنون الجبال و الوهاد و الآجام، و لم يعتادوا السكني في القري و البلاد … و لم يكن في تواريخ المتقدمين من أحوالهم ذكر مستوفي … قد ورد في بعض الكتب شي ء يسير من ذكرهم و لم يجدوا من أرباب الحقيقة أحدا يتحققوا أحوال أخبارهم و يتفحصوا من آثارهم و حكاياتهم كما ينبغي مشروحا مبسوطا، مع أن الاتراك و المغول و شعبهم يتشابهون و

لغتهم في الأصل واحدة، و أن المغول صنف من الأتراك، و بينهم تفاوت كثير و اختلاف كما سنشرحه في مواضعه … و هذا الاختلاف إنما وقع بسبب أن تواريخهم المحققة لم تقع في هذه الديار.

و لما انتهت نوبة الخانية إلي سلطان العالم (لم يذكر اسمه و إنما هناك بياض يريد أن يكتبه بمداد أحمر و هو جنگيزخان) و أولاده العظام و أخلافه فانقاد لهم أهل الممالك …

و قد أورد بعض علماء العصر و أكابر الدهر في سوابق الأيام شيئا من ذكر أحوال تسخير الممالك و فتح البلاد و البقاع … خلاف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 23

الواقع … و ذلك بسبب عدم الاطلاع علي كيفية الأمور و الأحوال التي تتعلق بهذه الدولة و قلة معرفته بعظائم الوقائع و جلائل الحوادث التي كانت لهذه الحضرة الشريفة … لكن وجدت في خزائنهم المعمورة تاريخ عهد قد عهد علي وجه صحيح مكتوب بالخط المغولي و عبارتهم، إلا أنه لم يكن مرتبا بل كان فصولا … حافظوا عليها و صانوها عن أعين الأغيار و الأخيار و كانوا يكتمونها عن العوام و الخواص، و لم يمكنوا كل أحد من الاطلاع عليها إلي هذا الزمان الذي تشرف بوجود سلطان الإسلام … فالتفت خاطره الشريف … إلي ترتيب تلك الاجزاء و تدوينها و أشار عبد هذه الدولة الايلخانية و المعتصم بعون الرب مؤلف هذا التركيب و هو (فضل اللّه أبو الخير الهمداني الملقب بالرشيد الطبيب …) أن أكتب تواريخ أصل المغول و نسبهم و نسب سائر الأتراك الذين يشبهون إلي المغول فصلا بعد فصل، و أرتب تلك الروايات و الحكايات التي تتعلق بهم مما كان موجودا في خزائنهم، و مما وجده

بعض الأمراء و المقربين مودعة و إلي هذه الغاية لم يجمعها أحد و لم يتيسر له سعادة هذا التصنيف و شرف هذا التركيب و التأليف. و كل واحد من المؤرخين كتب سطرا من ذلك من غير معرفة بحقيقة الحال بل سمعه من أفواه العوام و تصرف فيه علي وجه اقتضاه رأيه و لم يتيقن صحة ذلك لا هو و لا غيره. فأنا أورد عرائس هذه الأبكار و نفائس هذه الأفكار و خيار هذه الاخبار التي بقيت محجوبة في استار الكتمان إلي هذا الأوان بعد المبالغة في تصحيحها و الاجتهاد في أصل تلك الأجزاء من علماء الختا و حكمائهم و من علماء الهند و الاويغور و الاغور في تنقيحها بلفظ مهذب و عبارة منقحة و طريقة مرتبة، و أجلوها لأعين النظار علي منصة الاظهار؛ و التفحص عن مجملاتها و تفصيلاتها مما لم يكن مذكورا، و القبجاق و غيرهم من أعيان كل الطوائف ملازمون للحضرة الشريفة العالية خصوصا من خدمة الأمير المعظم و النويان الأعظم، قائد جيوش

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 24

ايران و توران مدبر ممالك الزمان (بياض يراجع عنه الأصل الفارسي) دام معظما الذي لم يوجد مثله في بسيط الربع المسكون في أنواع الفضائل و ألوان المفاخر و المناقب و في علم نسب الأقوام الاتراك و تواريخ أحوالهم خاصة تاريخ قوم المغول، و أقتبس من كتب التواريخ الالفاظ المصطلحة التي لهم و آتي بها علي وجه يفهمه الخواص و العوام و يعلمها جميع الانام من أوله إلي آخره … انتهي.

و في هذه الكلمات المقتبسة من مقدمة المؤلف ما ينبي ء عن بحث عظيم، و مزاولة أمر جلل مما استدعي أن يخلد هذا الأثر فقد تكلم

في القبائل، و في بيان حكايات ظهور الأتراك و تعداد عمائرهم، ثم ذكر قوم المغول، ثم عقد فصلا في أحوال آباء جنگيز و ظهور دولته، و أنهم كانوا في الأصل طوائف كالأعراب … ثم فصل وقائع جنگيز تفصيلا لا مزيد عليه …

و في آخر هذا المجلد ذكر أن هذا التاريخ كان كتبه للسلطان غازان خان و في 11 شوال سنة 704 ه قد توفي، ثم ذكر محمد خدابنده (جاء في موطن آخر خربنده) و هذا هو المجلد الأول و لا يستغني عما فيه و ذكر أنه بعد أن أتم المجلد الأول توفي السلطان محمود غازان فالحق به ما يتم به حوادثه …

و النسخة لا تخلو من اغلاط لغوية إلا أنها نظرا لقدمها أقرب إلي الصحة … و أما الاعلام فسيأتي الكلام عليها في حينها و قد رأيت هذه النسخة في مكتبة أيا صوفية رقم 3034 هذا و قد بسطنا القول عن ترجمة المصنف في تاريخنا هذا.

كان اتخذ المصنف وقفا بظاهر بلدة تبريز سماه (الربع الرشيدي) و أجاز للناس أن يكتبوا من المجموعة الرشيدية التي من جملتها هذا الكتاب و هو (جامع التواريخ) نسخا منها هذا التاريخ.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 25

و من شروط وقفه أن تكتب في كل سنة نسخة من المجموعة و ترسل إلي إحدي بلاد الإسلام، نسخة في العربية و أخري في الفارسية.

و قد فصّل القول علي ذلك في مقدمة الجزء الأول من جامع التواريخ طبعة باريس. و هذه الطبعة متقنة جدا و عليها تعاليق بالافرنسية طبعت بمجلد ضخم و قد طبع المجلد الثاني منه بقطع صغير في باريس أيضا و عليه تعاليق و مصوّر كتب باللغة الفارسية و نسخة منه

عربية في المكتبة المصرية.

ذيل جامع التواريخ

إن كتاب جامع التواريخ لم يقتصر الاعتناء به علي مؤلفه و درجة اهتمامه به، فإنه بعد أن سخطت عليه الحكومة المغولية و قتلته، و أصابته النكبة ضاعت أكثر نسخه حتي ظن الكثيرون أن قد فقد هذا التاريخ و ناله ما نال صاحبه.. و في أيام شاهرخ بن تيمور لنك كان قد ألف ذيل علي جامع التواريخ كتبه صاحبه لشاهرخ المشار إليه و قال في مقدمته: إنه كان نديم السلطان في قصص الأخبار و يسمر له في التواريخ و وقائعها، و يعتمد علي جامع التواريخ فالتفت السلطان إلي ذلك فأمره أن يكتب له ذيلا في أحوال السلطان محمد خدابنده و ابنه السلطان أبي سعيد ففعل و أتم عصر المغول إلي أواخر أيامهم …

و من المؤسف أنني تحريت كثيرا عن معرفة اسم المؤلف لهذا الذيل بقصد الاطلاع عليه فلم أنل مطلبي و قد شاهدت نسخة منه في مكتبة ويانة تحت رقم 327 و ليس فيها اسم المؤلف، و كذا رأيت منه نسخة في الاستانة في مكتبة نور عثمانية تحت رقم 3271 قال ما معناه رأيت أن أتم الحوادث ليكون ذيلا للتاريخ المذكور، و جمعت الحوادث من كتب متفرقة، و أنا و إن كنت ليس من رجال هذا الميدان إلا أن ما شجع به الإخوان كان أكبر باعث و أرجو إصلاح الخطأ و الغلط مما لا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 26

يخلو منه امرؤ … بدأ به من حيث انتهي الخواجة رشيد الدين و تكلم عن الجايتو محمد خدابنده فعدد وقائعه و فصّلها تفصيلا زائدا و ذكر الملوك المعاصرين له ثم مضي إلي أبي سعيد بهادرخان و فصل أيضا أحواله و ختم أخباره

و به تم الكتاب، و النسخة الموجودة في نور عثمانية عدد أوراقها 77 و الخط واضح و البحث فيه مستوفي جدا و هو من الكتب المعتبرة في بابه … و الملحوظ أنه سمي في المكتبة المذكورة (جامع التواريخ) في حين أنه ذيله …

و الاحتمال مصروف إلي أن المؤلف المذكور لأحد نديمي الملك شاهرخ و هما حافظ ابرو أو شرف الدين علي اليزدي إلا أن كثرة النسخ من هذا الأثر و التحري عن اسم مؤلفه لا بد أن يطلعنا يوما علي صاحب هذا الأثر و منه نسخة في باريس و أخري في آيا صوفية تحت رقم 3271.

مختصر الدول

لابن العبري المعروف بأبي الفرج (غريغوريوس) بن (اهرون) و هذا التاريخ من خير المصادر التي يعول عليها في تاريخ المغول عاش معهم مدة، كان قد جاء إلي الموصل و منها سافر إلي مراغة فمات فيها في 30 تموز سنة 1286 م و كان قد ولد سنة 1226 م كتب تاريخه الأصلي في السريانية ثم نقله إلي العربية باختصار من جهة و إضافات من جهة أخري. و المؤلف من رجال الدين المعروفين عند النصاري، نال مكانة سامية …

و إنما نقل تاريخه إلي العربية بإلحاح من اصحابه، و كان نقله في أواخر حياته و قد ضمنه أمورا كثيرة لا توجد في المطول السرياني لا سيما فيما يتعلق بدولتي الإسلام و المغول … ذكر فيه رجال حكومة المغول و سياستهم و طريق حكمهم و القائمين بالأمر و المدبرين للمملكة … و مما يمدح عليه أنه لا يتحامل علي الأمم الأخري و ذكر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 27

أن قسوسهم يترددون إلي هؤلاء المغول و بين أنهم يراعونهم، و يبدي أن جنگيزخان

كان يميل إليهم و لم يقل اعتنق دينهم و إنما روي بلفظ «قيل إن اونك خان و أقوامه كانوا نصاري …» و لم يقطع.

انتهي تاريخه إلي حوادث 15 شعبان سنة 683 ه 1284 م و من تاريخه هذا نسخة خطية تحتوي علي النصف الأول في مكتبة أوقاف بغداد و هي قديمة و قد طبع الكتاب في بيروت سنة 1890 م و من مزايا هذا الكتاب أنه يوضح بعض الألفاظ التي دخلت حديثا في التاريخ لسبب الاتصال بالمغول … و كان قد طبع لأول مرة سنة 1663 م في اكسفورد بالعربية و اللاتينية …

الحوادث الجامعة

هو تاريخ عراقي كتب باللغة العربية و سمي بهذا الاسم و نسب إلي المؤرخ المشهور كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد الشيباني المروزي الأصل البغدادي الأخباري الكاتب المؤرخ ابن الصابوني و يعرف بابن الفوطي الذي كان ولد في 17 المحرم سنة 642 ه بدار الخلافة و توفي في بغداد في المحرم سنة 723 ه و ترجمته مبسوطة في الشذرات و تذكرة الحفاظ و ابن خلكان و غيرها … و هو حنبلي.

و هذا الكتاب لا نعوّل علي صحة اسمه. و لا علي نسبته إلي هذا المؤرخ فلم نجد ما يحملنا إلي القول بما رآه بعضهم … فكاتبه لا يزال غير معروف، و من الملحوظ أن مؤلفه اعتمد علي مؤلفات مؤرخنا …

أما الحوادث الجامعة فقد ذكر في الوفيات و في كشف الظنون و غيره كفوات الوفيات، و في الأصل المنقول منه لم يذكر عنوان الكتاب، و لا أوله، و لا منتهاه، و لا تاريخ كتابته مما يساعد علي معرفة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 28

مؤلفه ابتداء … و الظاهر أنه أجزاء من مجموع

لا يعرف مقداره، و قد كتب مؤرخون ذيولا علي مؤلفات عراقية في التاريخ، أو دوّنوا رأسا …

فالنسبة فرض و تخمين و لا نجد دليلا يدعمها … و صاحب الشذرات يقول باستمراره بتدوين الحوادث إلي أن مات و في هذا المبدأ و المنتهي غير معلومين.

و علي كل إن الكتاب يشير إلي أن مؤلفه من رجال عصر تال لهذا العصر. و لذا نراه لا يتأثر بالحوادث و إنما لخص ما وجد، و نقل ما سمع، و كتب ما عرف … أما وجود مقاربة في اللفظ فإنه يدل علي أن المؤلف اعتمد علي كتب ابن الفوطي و لا يبعد أن يكون أخذ العبارة بعينها، و عول علي النص الحرفي و لم يشأ أن يتصرف … هذا في حين أننا نعلم أن ابن الفوطي ذو علاقة بحوادث بغداد، و بالطوسي و بابن الساعي … فلم يصرح بشي ء عن أمثال ذلك، و لا بما ذكر عن آل الفوطي ممن له معهم قرابة، أو صلة نسبية مما لا يصح تجرده عنه …

أو إغفال علاقته … فهو أشبه بمخابر جريدة أو سائح جاءنا من بلاد نائية يقص ما رأي، و يصور ما شاهد بكل ما أوتي من بيان وسعة علم و قدرة … ذلك مما يبرهن علي أن المترجم لم يكن من أهل هذا العصر و إنما هو من أهل العصور التالية و قد راجع الكثير من المؤلفات التاريخية و أن لم يصرح بالنقل … هذا و لم نعدم مؤرخين كثيرين كتبوا بعده فاغتالت يد الزمان اشلاء من بعض تآليفهم فأبقته أثرا مهشما من أطرافه، ينبي ء عن مقدرة، و إتقان صناعة، و ينم عن مواهب عالية، و حسن اختيار …

أماط اللثام عن

محيا حوادث نحن في حاجة لبسط القول عنها خصوصا القسم التالي لحوادث هلاكو و من وليه … فهو متمم لحوادث ابن الأثير و يبتدي ء تقريبا من حيث انتهي و يقف عند السبعمائة فهو خير أثر …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 29

و الفضل في نشر نسخه للمغفور له أحمد باشا تيمور فإنه أذاعه، و كتب عنه و نشر بضع نسخ فتوغرافية منه … و لو لا أنه تناوبته أيدي النساخ فشوهت بعض الاعلام و أهمّها الأعلام المغولية، أو شيوع التلفظ بها آنئذ بهذا الوجه دون اعتناء في النطق … لكان خاليا من كل قيل … و هذه طفيفة بالنظر لما احتوي عليه من الفوائد …

و كنا نأمل أن يطبع طبعة متقنة و يذاع في الأطراف للانتفاع به في معرفة هذا العصر لأن أهميته لا تقتصر علي بغداد وحدها و إنما تعرض لوقائع أخري لها صلة بالمجاورين من ناحية، و فيها تعريف صحيح بحكومة هلاكو و من خلفه من ملوك المغول … مما يهم أمر التاريخ الإسلامي و علاقة هذه الحكومة به … طبع عام 1351 ه 1933 م طبعا مغلوطا لا يمثل الأصل، و لا ينبه علي صحة الاعلام، و لا تعيين المواقع، و لا أشار إلي المهملات من الحوادث … فقد مسخت الأصل و مع هذا نري هذه الطبعة خالية من قائمة في الخطأ و الصواب و من الفهارس … و قد اعتمدنا في النقل عنه علي النسخة الخطية المقابلة مع الأصل الفتوغرافي لنسخة المرحوم أحمد باشا تيمور …

تاريخ المغول

تأليف موراجا دوهسون ترجمه إلي التركية مصطفي رحمي نشرته وكالة المعارف للجمهورية التركية في استانبول سنة 1340 ه 1922 م من مطبوعات المطبعة العامرة،

و فيه بيان عن ماضيهم و عنعناتهم المحفوظة و المنقولة علي أيدي العرب و العجم و ظهور جنگيز و قبائل المغول معه و أولاده و أحفاده و ما أوجدوه من حكومات و فيه ايضاح عن حروبهم مع الخوارزمشاهية و العرب المسلمين … و تأسيسهم الإدارات المتفرقة …

و مباحثه لا يخص الكثير منها موضوعنا فإننا لم نتكلم إلّا عن ماضيهم و تأسيس حكومة الايلخانية علي يد هلاكو ثم من وليه حتي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 30

مغفر مغولي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 31

انقراضهم … و الكتاب يعتمد علي مراجع عربية و فارسية مهمة و غالبها مما عوّلنا عليه و هو في مجلد واحد … و الملحوظ هنا معرفة طراز الناحية التي عقبها الأوروبيون في توجيه المجري التاريخي و التعديل فيه بالنظر لآمالهم و نفسياتهم مع الاعتماد علي الوثائق الشرقية …

نظام التواريخ

للقاضي أبي الخير عبد اللّه بن عمر البيضاوي المفسر المشهور و كان قد اشتهر بتفسيره (أنوار التنزيل و أسرار التأويل) أما تاريخه (نظام التواريخ) فقد كتبه باللغة الفارسية علي خلاف مؤلفاته الأخري و احتوي علي الوقائع من الخلقة إلي سنة 674 ه 1276 م و قد تكلم عن الأنبياء و الخلفاء الراشدين، و الدولة الأموية، و العباسية، و الصفارية، و السامانية، و الغزنوية، و الديلمية، و السلجوقية، و السلغرية، و الخوارزمية، و عن دولة المغول … و كان قد شاهد أيام تفوق الدولة السلغوية و انقراضها، و استيلاء المغول فكتبها بقلم معتدل. و الكتاب منتشر و مبذول في مكتبات عديدة و قد رأيت منه بضع نسخ في مكتبات الاستانة، إحداها في مكتبة بايزيد العامة كما أني شاهدت هناك ترجمته إلي اللغة التركية. و

عندي نسخة من التركية المترجمة و لم يذكر اسم مؤلفها سواء هناك أو في مخطوطتي. و قد حكي لي اسماعيل صائب بك مدير المكتبة العامة في الاستانة أن فرجا الكردي قد ترجم الأصل الفارسي إلي اللغة العربية لينشره فلم يظهر لحد الآن، و علي كل هذا التاريخ مختصر لا يسمن و لا يغني من جوع و قد ترجمه الغياثي إلي العربية و أدرجه في تاريخه المعروف (بالغياثي) و زاد عليه من بعد انتهاء حوادثه إلا أن لغته عامية و لا يخلو من غلط …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 32

طبقات الشافعية

لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي المتوفي سنة 771 ه 1370 م و قد تعرض فيها لوقائع جنگيزخان و وقائع التتر، و أوضح جهات هجوم هلاكو علي العراق و غيره و فيها من البيانات ما اغفله كثيرون فتصلح أن تكون مصدرا تاريخيا لهذا العصر … و إننا لم نشأ أن نذكر كل ما عرض لنا من نتف المباحث … و لو لا أن هذا التاريخ من الكتب المعتبرة لما نوهنا في النقل عنه كمصدر، أو مرجع نرجع إليه … إلا أنه في ذكر النقول سيطلع القاري ء علي حوادث بغداد و المغول في كتب مختلفة هي بمنزلة جرائد هذه الأيام فنكتفي هنا بالإشارة إلي بيان حوادث صاحب الطبقات مما كتب في الأيام القريبة من أيام المغول …

إن المؤلف- في مقدمته- شرح حال التتار و بين وقائع جنگيزخان في (صحيفة 175 ج 1 من طبقات السبكي) و فيها يوضح وقائع جنگيزخان و مقارعاته مع خوارزمشاه و وقيعته ببلاد المسلمين … ثم تكلم عن حوادث حفيده هلاكو خان في (صحيفة 113 ج 5

منه) و قد ذكر عن ابن الأثير- تأييدا لما حكاه- «و اللّه لا أشك أن من يجي ء بعدنا إذا بعد العهد و رأي هذه الحادثة مسطورة ينكرها و يستبعدها و الحق في يده قال فمن استبعدها فلينظر أننا سطرناها في وقت يعلم كل من فيه هذه الحادثة، و قد استوي في معرفتها العالم و الجاهل لشهرتها …» اه (ص 184 ج 1 طبقات السبكي). طبع بمصر سنة 1324 ه.

تقويم الوقائع التاريخية
اشارة

هو لكاتب چلبي صاحب كشف الظنون كتبه بالفارسية و يعدّ من المصادر المعتبرة سوي أنه مختصر بل تقويم للوقائع كاسمه. و لا يخلو من فائدة لا يستهان بها؛ و المؤلف ثقة في نقله و يلام الطابع في اختصاره

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 33

لبعض جداوله و عدم مراعاته الترتيب بالنظر للسنين … و إن كانت مذيلة بوقائع تالية إلي حين الطبع فلا تغني عن الأصل …

و علي كل، شهرة مؤلفه لا تحتاج إلي بيان … كما أن اطلاعاته علي التواريخ الفارسية و التركية واسعة فهو ممن يوثق بقوله …

شجرة الترك

في تاريخ الترك و المغول لأمير خيوه أبي الغازي بهادرخان و يتعلق بنشأة الترك و أنسابهم كتب بلغة الجغتاي فنقله إلي التركية الدكتور رضا نور الكاتب التركي المشهور من كتاب العثمانيين و الجمهورية التركية طبع سنة 1925 م و 1343 ه و لأصله نسخ في المتحف الأسيوي ببطرس برج، و بقازان، و برلين و گوتنغن …

لم يجد مؤلفه في أمته من يقوم بما عزم عليه من تاريخ قومه، و خشي أن يفقد تاريخهم أو تعدم آثارهم فدوّن كتابه هذا … و قال في مقدمته:

«إنني لم اكتب هذا الكتاب لإعلاء شأن نسلي، أو أن أتبجح به فأكتم الحقيقة و أدون خلاف الواقع … و حيث إن اللّه تعالي خلقني ممتازا بمزايا … لم أحتج إلي ذلك بل سجلت الحقيقة كما هي. و قد مكنني اللّه تعالي من ثلاثة أمور خصّني بها، إحداها الجندية و قوانينها و نظاماتها فإني ماهر بصنعة إدارة الجيوش و سوقها (تعبية الجيش)، و الاطلاع علي نظام الحرب، و أصول المداولة مع الأعداء و الأصدقاء، و ثانيا الشعر بأنواعه من تركي و عربي

و فارسي. فلو قلت لا شاعر مثلي في هذه اللغات لما تجاوزت الحدّ و لكنني لم أشاهد من يقاربني في صناعة الجندية لا في الكفار و لا في المسلمين، و ثالثا معرفة تاريخ ملوك المغول، و التوران (الطوران)؛ و العجم، و العرب …» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 34

و أبو الغازي هذا من أسرة جنگيزخان و هو ابن عرب محمد خان الخوارزمي كتبه عام 1074 ه 1663 م و كان مريضا و الكتّاب حوله و منهم من يملي عليه فيكتب، و منهم من يراجع له المصادر و آخر يقرأ له و هكذا و من جملة ما اعتمد عليه (جامع التواريخ) فقد كان اقتني منه نحو عشرين أو ثلاثين نسخة ليقابل عنها الاعلام و مع هذا لم يعول علي واحدة منها في ضبط الألفاظ خصوصا ما يتعلق بأسماء الجبال، أو الأودية، أو الأرضين، أو اسماء الناس المغولية أو التركية فقد استنسخها عجم أو مستعجمون ممن لم يعرفوا المغولية و التركية فلو علّمنا هؤلاء لمدة عشرة أيام لا يستقيم لسانهم في التلفظ بها، فالصعوبة كل الصعوبة عليهم في نقلها و استنساخها … قال: إن بعض الأعلام لو لفظناها أمام أعجمي مرات لما تيسر له النطق بها … و كان قد ذهب إلي مملكة المغول إلي قالموق ليدرس لغتهم هناك و يتلقاها من أهلها قضي سنة لتعلمها و معرفة عادات هؤلاء … فكان قد عاني في سبيل تاريخه المشاق حتي ظهر في أتقن شكل …

و في سنة 1871 م طبعه البارون دمزن مدير مدرسة اللغات الشرقية بعد مقابلته بنسخ كثيرة، طبعه عينا و بلهجته الأصلية، و في سنة 1874 م نقلت هذه إلي اللغة الافرنسية

و طبع معها اصلها … و نقله إلي التركية الدكتور رضا نور الموما إليه و نقد الترجمة و الطبعة، و أبدي أنها لم تكن بالوجه الأتم، و إنما وقعت فيها أغلاط فاحشة جدا، و ما أضافه المترجم التركي جعله بين قوسين كما أنه طوي منه ما يتعلق بآدم و نسله لاعتقاده أنه خرافي فلخص القول و ابتدأ من تاريخ القوم.

و كان قد سبقه إلي ترجمته إلي التركية أحمد وفيق باشا العالم التركي المشهور صاحب لهجة عثماني في اللغة و أتالرسوزي، و مؤلفات عديدة منها هذا الكتاب و سماه (أوشال شجرة تركي) إلا أنه لم يتم.

و الملحوظ هنا أن الدكتور رضا نور كان قد طوي الانساب من آدم إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 35

نوح عليه السّلام و لم يتعرض لها فجاء مكملا لتمام الترجمة، و أن الباشا المؤلف مشهور بسعة علمه، و معروف في الإحاطة باللغات الشرقية و أكثر اللغات الغربية … و الكتاب لم يكن شجرة انساب كما هو المتعارف من التسمية- و إن كان يسلسل الأفراد و يعين الاتصال- فهو تلخيص عن حالة المغول، و عن أوائل الترك، و ينبي ء عن اطلاع و خبرة واسعة …

و هو خير مأخذ، و عليه اعتمدنا في مواطن كثيرة … و لم نتوغل في تفصيل أحوال الترك و المغول الاما كان تمهيدا لمعرفة أولاد جنگيز و مكانتهم، و أقوامهم … و خصوصا ما يتعلق بالعراق و له صلة به و اتصال … و من مقابلة النصوص وجدناه كتابا قيّما … و لا يضر ذلك أو يقلل من قيمته التاريخية أن لا نشاركه في كل مباحثه …

تاريخ ابن خلدون

و هذا التاريخ فيه مباحث مهمة عن المغول و وقائعهم

مع المسلمين إلا أنه لا يوثق بصحة الأعلام التي ذكرها و هي أعلام المغول فإن أغلاطه فيها كبري. و لعل ذلك ناشي ء من غلط النساخ و تصحيفاتهم أو شيوعها كذلك. و الكتاب أشهر من أن يذكر و إنما نكتفي هنا بالإشارة إلي اغلاطه، و أنها لم يلتفت إليها حين الطبع و لا قوبلت المطبوعة بنسخ كثيرة للتصحيح … و لا سد الفراغ في بعض المواطن التي بقيت بحالة بياض … و غالب آرائه يتحامل بها علي العرب و أهل البادية منهم …

كلشن خلفا

هذا التاريخ لمرتضي أفندي آل نظمي المتوفي عام 1136 ه 1724 م تقريبا. و فيه سلسلة مباحث حكومة هلاكو و من وليه من ملوك المغول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 36

و أطنب في وقعة بغداد، و نقل عن تواريخ متعددة منها تاريخ مصلح الدين اللاري، و تاريخ وصاف، و تواريخ أخري … فهو مهم من ناحية نقوله و وقائعه المطردة، و قد سد ثلمة في ايضاح الوقائع بسبب تكاثر المصادر و تعددها كما أننا أخذنا عنه القسم المترجم من التواريخ المذكورة … و سيأتي الكلام عن هذا التاريخ و النقل منه عن الأيام المعاصر لها، و الأيام التي قبل هذا التاريخ من مشاهداته و نقوله عن مشاهدي الوقائع من الحوادث المباشرة … و هنا ننقل عنه بعض ما يتعلق بموضوعنا …

و مباحثه عن هذه الحكومة تبلغ 24 صفحة … كتب باللغة التركية.

التاريخ العام للهون و الترك و المغول و سائر التتر

تأليف دوكيني ترجمه إلي التركية حسين جاهد بك الكاتب التركي الشهير في ثمان مجلدات عن الفرنسية و الكتاب مبسوط و مفصل إلا أن النسخة الأصلية فيها غلط أعلام ناشئة عن اللغة و صححها بقدر الإمكان مكرمين أفندي. و لم نعتمد نحن علي الأجانب في تثبيت الأعلام إلا بعد تحقق أصلها من الكتب المعتبرة. و النسخة مطبوعة فلا محل للاطناب في وصفها كثيرا …

ترك تاريخي

للدكتور رضا نور في مجلدات كثيرة وصلنا منها من المجلد الأول إلي المجلد الثاني عشر، و هو تاريخ واسع عن الترك العثمانيين في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 37

الغالب و سائر الترك و المغول و لا يخلو من فائدة. و مؤلفه استند إلي مؤلفات كثيرة إلا أنه متعصب لقوميته تعصبا يكاد ينسيه أنه مؤرخ. و هو مترجم (شجرة الترك).

الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة

لشيخ الإسلام الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد الشهير بابن حجر العسقلاني المتوفي سنة 752 ه 1449 م و الكتاب من أجل الكتب التاريخية و أنفسها في موضوعه و هو من خير المراجع التي عوّلنا عليها و يعد من أوثق المصادر. طبع في دائرة المعارف الكائنة في الهند ببلدة حيدر آباد دكن سنة 1349 ه و قد بذلت الجهود في تصحيحه إلا أنه لم تراجع المصادر التاريخية للتعليق عليه و تدوين ما فاته من و فيات أو تصحيح ما أوخذ عليه … و مهما يكن فالمؤلف خير كتاب في ناحيته و لا أدري معني ما جاء أثناء التعليق من بيان النسخ دون ابداء أي رأي أو مطالعة حولها … فلم يقم المصحح بأكثر من حادثة مقابلة بين النسخ و ما جاء من التعليقات القليلة فلا تسمن و لا تغني من جوع …

و هو في أربع مجلدات، و كأن المطالع يشاهد اربع نسخ معا. و للطابع الفضل في هذا … و إن لم ينبه علي الصحيح.

و تمتد حوادثه إلي ما بعد هذا العصر أي أنه يكاد يستغرق حكومة الجلايرية أيضا مما يتعلق بموضوعنا …

و يعاب علي المؤلف أنه لم يذكر مواطن بعض الاشخاص و لا عرّف بطريقتهم الفقهية أو نحلتهم العقائدية … و أكبر

ما يراعي المحدثين و لم يتعرض كثيرا لغيرهم … و فيه معلومات قيّمة عن المغول و العلاقات معهم … فالكتاب يفيد بإعداد المادة للمتتبع ليراعي تصليح الغلط من غيره … و كان الأولي أن لا تهمل هذه الناحية إذا عرف المراجع التاريخية و تمكن من التنبيه علي ما فيها من الاخطاء … و قد أتعبنا هذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 38

الموضوع كثيرا لا من ناحية الترجيح المجرّد بل عن خبرة و تحليل للفظ و ما لحقه من تحريف أو تصحيف أو غلط نساخ …

عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان

تأليف العلّامة الشيخ بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني الحنفي المتوفي سنة 851 ه 1448 م أوله: الحمد للّه الذي دلت علي الوهيته الكائنات الخ. قال في مقدمته «كنت جمعت في حداثة سني و عنفوان شبابي تاريخا من مبدأ الدنيا إلي سنة 805 حاويا قصص الأنبياء عليهم السّلام و ما جري أيامهم و سيرة نبينا صلّي اللّه عليه و سلّم و ما جري بعد بين الخلفاء و الملوك في كل زمان مع الاشارة إلي و فيات الأعيان … ثم بدا لي أن أنقحه بأحسن منه ترتيبا و أوضح تركيبا مع زيادات لطيفة، و نوادر شريفة، و ضبط ما يقع فيه من المهمات من اسامي الرجال و الأمكنة المذكورات و ترجمته (بعقد الجمان في تاريخ أهل الزمان) و فصلته علي فصول تسهيلا للحصول متوّجة بمقدمة تغني عن أصل التاريخ و معناها، و تخبر عن سبب وضعها و مبناها … الخ و هو في 24 مجلدا و تنتهي حوادثه عام 850 ه 1447 م. و منه نسخة في مكتبة ولي افندي في الاستانة كاملة إلا أن الجلد العشرين منها

فيه بطش المداد بحيث لا يقرأ إلا بصعوبة و النسخة منقولة من نسخة المؤلف الموجودة في مدرسة البدرية العينية القريبة من الجامع الازهر بالقاهرة و فيها أنه توفي أي المؤلف سنة 851 ه 1848 م مع أن التواريخ الأخري تقول سنة 855 ه 1852 م و تاريخ المنقولة يوم الخميس 19 جمادي الأولي سنة 893 ه و قد اعتمدت عليها في الحوادث الخاصة بسني تاريخنا هذا و ما يليه من التواريخ الأخري و يتكلم بسعة عن علاقة سورية بحكومة هلاكو و من بعده و ينمّ عن اطلاع واسع و توثق من الاخبار و يعتمد علي ابن كثير و عيون التواريخ للكتبي و غيرهما مما سيأتي النقل عنه في حينه.. و حوادثه علي السنين و قد أطنب في تاريخ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 39

هلاكو و سماه هلاوون و فيه حوادث عامة لا تختص بقطر إلا أنها قليلة جدا … و مضي في أول الأمر من حين ابتداء أيام هلاكو في العراق عن و فيات عراقيين ثم طوي البحث إلا نادرا أو ممن توفي من العراقيين في سورية أو في مصر و ليس في عبارته تعقد أو تشوش و إنما هي بسيطة و سهلة … و كان الاولي أن يرجح طبعه علي غيره من سائر التواريخ لهذا السبب، و لامتداد حوادثه إلي السنة المذكورة اعلاه … و لسعة مواضيعه و بسطها … و المؤسف أنه بقي غير مطبوع لحد الآن، و قد أخبرني محافظ المكتبة أن المصريين أخذوا نسخة فتوغرافية منه و أهم ما يجلب الأنظار أنه يعين بوضوح علاقات العشائر بسورية و العراق ببسط زائد وسعة وافية و نافعة جدا … عدا ما يتعلق

بالحكومات و مفاوضاتها، و الرسل و بعثاتهم، و المخابرات الجارية مع الملوك …

كتب أخري
اشارة

و هناك كتب أخري قيّمة و مفيدة جدا لمباحثنا من معاصرين للوقت الذي نكتب عنه و غيرهم أمثال (تاريخ گزيده)، (التاريخ الغياثي)، و (روضة الصفا)، و (رحلة ابن بطوطة)، و (نزهة القلوب) مما سنتعرض للنقل عنه … و المصادر من هذا النوع من تركية و فارسية كثيرة كتبت عن هذا العصر و نقولها مهمة، و لولا خوف السأم لأوردنا عنها التفصيلات الوافية …

ملحوظة:

و في هذا و ما سبق الكلام عنه ما ينبي ء عن سير التواريخ و لم نلتفت إلي ما رأيناه في بعض التواريخ من النقص و اعتمدنا علي المفصلات بقدر الإمكان فلا نزيد القاري ء ضجرا في بيان المعايب، و إظهار المثالب … مما نحن في غني عن ذكره … و ذلك بعد أن توضحت لدينا المراجع أعذرنا من كتب في أزمنة محاطة بظروف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 40

خاصة، أو أوضاع شاذة … دعت إلي الاطراء الزائد أو التكتم …

و من حيث العموم لا نجد أصدق لهجة في بيان حقيقة الوقائع من مؤرخينا و إنما نوجه اللائمة في المحاكمة و الاستنتاج أو المدح أو الاخفاء … و لا تلبث أمثال هذه أن تزول بعد عصر أو عصرين فتظهر الحقيقة ناصعة مجردة … فأنا مقتنع من مصادرنا و قاطع بصحتها إلا ما رأيته خلاف الوثائق المعروفة و الثابتة … فكانت طريقتي أن استمع القول و أتبع أحسنه بمراعاة الواقع بقدر ما يمكن الحصول عليه و التوصل لمعرفته … و كل أحد يؤخذ من قوله و يرد … في أمثال القضايا الموضوعة البحث.

و لا يفوتنا أن نقول كلمتنا عن بعض المؤرخين الذين لا يعتمدون علي أنفسهم و إنما يذكرون النص بعينه و حرفيا دون

مراعاة المجري للوقائع و التثبت منها و يتقيدون به تقيدا لا يأتلف و التاريخ الحقيقي …

فهؤلاء لا تكون نظرتهم صائبة إلا في الاختيار أحيانا و غالب نقولهم مغلوطة … ذلك أن النظرات العامة سواء منها مما يتعلق بالاجتماع، أو بالادارة، أو بالعقائد أو باللغة … إنما تستنتج من خلال الوقائع، و مجموعها … استفادة من الأوضاع، أو السير التاريخي و تياره الجارف … لذا لا يصح الاعتماد علي قول شخص قد يكون رأي صفحة، أو لاحظ ناحية، أو عثر علي نص تاريخي يتعلق بوقعة جزئية … أو تصوير للحادثة ناشي ء عن توهم … و العمدة علي المجري، و علي تشميل الوقائع و إجمالها بصورة عامة … فما خالف ذلك لا يركن إليه … فالنص الذي يجب نقله هو الذي لا يعدو هذه الناحية … فالتاريخ- في نظري- يدقق تيارات الأمم، و مجاري سيلها الجارف، و أثرها في الحقوق و الإدارة و الاجتماع، و عمارة الأرض و خرابها … و لا نجد شيئا من ذلك في الوقائع الجزئية بعينها … مما مبناه قصر البصر … فهو ملخص جميع الوقائع، و زبدتها و النظرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 41

السريعة و العامة في صفوة حالها إلي آخر ما هنالك … و لا يحصل المطلوب إلا بذكر الوقائع الموثوقة و النصوص المؤيدة المسهلة و النافعة … مما فيه الكفاية للوصول إلي الغرض …

قد تتضاءل الوقائع الجزئية المشتبه فيها امام هذه الأمور التي قد يؤدي إلي الجمود التمسك بها و الوقوف عندها دون ربط الوقائع المقطوع بها و إيرادها مما يهيي ء القاري ء إلي تجريدها لاستخراج المجاري العامة و القواعد الكلية … و لا يعني ذلك أننا سوف نهمل

الوقائع الجزئية مطلقا. فالإهمال نصيب المردودة و المدخولة لا غير … و الغرض ايجاد الصلة دائما و مراعاة الموازنة و عند تكرر الوقائع المتماثلة يظهر أثرها و تدخل ضمن ما تتطلبه … و من ثم تتولد العلاقة بين الوقائع و النظم، و المسير لهذه و مديرها الشخص ضرورة و قسرا … فالارتباط لازم، و النفوذ الفكري له دخل عظيم في صحة الحكم بناء علي الشهادات التاريخية، أو المشاهدات … و التنطعات ليس من شأننا.

و الغالب أن لا نعوّل علي مرويات السياحات و الرحلات أمثال رحلة ابن بطوطة و إنما يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار مشاهدات السائح و مدوّناته عن هذه … و لا نتطلب منه أكثر من ذلك … لأن مشاهدات هؤلاء السياحين صادقة لا تكذب فهم أبصر فيما رغبوا في الاطلاع عليه، و التدوين عنه … و علي هذه الناحية ركنّا و بها أخذنا بزيادة علي غيرها و ترجيح …

هذا ما رأينا أن نذكره عن المراجع التاريخية …

نظرة عامة في أحوال هذا الدور

اشارة

توطئة للبحث نري أن نبدي ملاحظة عامة عن هذا العهد تبصر بحوادثه الجزئية و تكون كتمهيد و ذلك أن الحكومة الايلخانية كانت قد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 42

احتلت العراق و الأمة العراقية بدا كل أمر جديد لديها، الإدارة و الدين، و اللغة، و الاجتماع … فلم تألف منها هذه الأمور كلها، و لا علاقة سابقة لها بها، و قد تكون سمعت عنها و لكنها غريبة من مألوفها …

قضت علي الحكومة العباسية، و أسست إدارة خاصة، و هي ما عدا أيام حروبها و مقارعتها لم تتعرض للأديان و المذاهب إلا أنها ناصرت الاقليات أو بالتعبير الأصح اعتمدت عليها و لم تدع جانبا من جوانب السياسة

إلا ولجته … و استخدمت هؤلاء لتقوي في الإدارة علي العنصر الغالب و تجعلها وفق مرغوبها، أو لتمشي خطتها، و تسيّر سياستها كما تشاء … فكانت من أمهر الإدارات في خططها الاستعمارية، و سياستها الداخلية … و بحثنا في هذا القسم مقصور علي الإدارة … و المسلمون في هذه الحالة كانوا في يأس من أمرهم رغم أن الحكومة الفاتحة لم تتعرض لأوقافهم، و لا لإداراتهم الدينية و لا لأحوالهم الداخلية … و لم تستخدم إلا بعض الموظفين المحصوري العدد بل القليلين جدا كالوزراء و بعض الموظفين …

أما الإدارة الحاضرة- عن هذا الدور- فقد خرجت فيها من طريق الخلافة و أبهتها العامة الكبري فعادت ايالة لها حكمها، و قد احتفظت بشهرتها السابقة، و مركزها العلمي و الأدبي بين الممالك و الأمم …

نعم لم تفقد بذلك مزاياها الأخري- ما عدا الاستقلال و السياسة العامة و هما أعظم شي ء- و قد نبغ فيها علماء أكابر، و أدباء و شعراء …

يكادون يضارعون من سبقهم لولا تأثير الفارسية و شيوعها بكثرة، و اكتسابها شكلا سياسيا نوعا، و نجاحها في الإدارة المباشرة …

و علي كل تغير من أوضاعها، و تبدل نوعا من اجتماعها و انحطت مدارك أهليها عن ذي قبل مما سيوضح في قسم خاص … و سيري القاري ء حوادث هذه الأيام السياسية في هذا الجزء بتفاصيلها علي قدر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 43

ما تسمح به الوثائق، و يتيسر عليه الاطلاع …

و منه تعالي المعونة.

احتلال بغداد علي يد هلاكو في 5 صفر سنة 656 ه 1258 م

قتل الخليفة

امر هولاكو بقتل الخليفة يوم الخميس 4 صفر سنة 656 كما في تجارب السلف ص 11 و أورد رباعية فارسية للنصير الطوسي بذلك، و في السلوك للمقريزي أن هلاكه كان في 6 صفر- و

في طبقات ناصري مباحث موسعة عن قتلة الخليفة. و أقوال عديدة تتعلق بقتل ابنه أبي بكر.

احتلال بغداد:

الرواية المعول عليها أن المغول دخلوا بغداد تحت قيادة هلاكو يوم الاثنين 5 صفر سنة 656 ه 1258 م بعد أن كانوا قارعوا للتغلب عليها سنين كثيرة و هاجموها بكتائب قوية هجومات متوالية فعادوا بالخيبة. و لكن الخلفاء لم يطيقوا الدوام علي الدفاع و كبح جماح العدو في هجومه الأخير. فكانت النتيجة أن تم الاستيلاء عليها و ما زالوا في قتل و نهب و أسر و تعذيب للناس بأنواع العذاب و استخراج الأموال منهم بالضغط و أليم العقاب مدة قدرت في أربعين يوما أو في أسبوع علي اختلاف في الرواية فقتلوا من الرجال و النساء و الصبيان و الأطفال خلقا كثيرا من أهل البلد و النازحين إليهم من أهل الأطراف فلم يبق إلا القليل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 44

و قد عيّنوا للنصاري شحاني حرسوا بيوتهم و التجأ إليهم أناس عديدون فسلموا … و هنا يلاحظ أن الأوروبيين كانوا قد اتفقوا مع التتر و لهذا سلم النصاري أو أنهم راعوا العناصر الضعيفة لأجل إطلاعهم علي خفايا المسلمين لا أنهم كانوا نصاري منهم، و لا يحتمل أنهم تجسسوا لهم علي المسلمين.

و كان ببغداد أيضا جماعة من التجار الذين يسافرون إلي خراسان و غيرها قد تعلقوا من قبل بأمراء المغول و كتب لهم يرليغات فلما فتحت بغداد خرجوا إلي الامراء و عادوا معهم من يحرس بيوتهم. و التجأ إليهم أيضا جماعة من جيرانهم و غيرهم فأنقذوهم.

و كذلك دار الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي نجا بها جماعة كثيرة.

و مثلها دار صاحب الديوان ابن الدامغاني و دار صاحب الباب ابن الدوامي.

و فيما

عدا هذه الأماكن لم يسلم أحد إلا من كان في الآبار و القنوات. و أحرق معظم البلد و (جامع الخليفة) و ما جاوره …

و استولي الخراب علي المدينة. و كانت القتلي في الدروب و الأسواق كالتلول و وقعت الأمطار عليهم و وطأتهم الخيول فاستحالت صورهم و صاروا مثلة بتشوه الخلقة …

الأمان:

ثم نودي بالأمان فخرج من تخلف و قد تغيرت ألوانهم و ذهلت عقولهم لما شاهدوا من الأهوال و المصائب التي لا يستطيع القلم التعبير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 45

عنها و هم أشبه بالموتي لما نالهم من الخوف و الجوع و البرد …

حقن دماء الأطراف:

و أما أهل الحلة و الكوفة فإنهم نزحوا إلي البطائح بأولادهم و بما قدروا علي حمله من أموالهم. و حضر اكابرهم من العلويين و الفقهاء مع مجد الدين ابن طاوس العلوي إلي السلطان (هلاكو) و سألوا حقن دمائهم فأجاب سؤالهم و عين لهم شحنة فعادوا إلي بلادهم و أرسلوا إلي من في البطائح من الناس يعرفونهم ذلك فحضروا بأهليهم و أموالهم. و جمعوا مالا عظيما و حملوه إلي السلطان هلاكو فمنّ عليهم بنفوسهم.

و أما واسط فإن الأمير بغاتمر انحدر إليها بعساكره و انتهي فيها إلي قريب البصرة فقتل و نهب و سبي. و كان الولاة و النقباء و أكابر الناس قد انحدروا بأهليهم و أموالهم إلي البطائح فسلموا.

عدد القتلي:

قيل أن عدد القتلي ببغداد زاد عن ثمانمائة ألف نفس عدا من ألقي من الأطفال في الوحول و من هلك في القني و الآبار و السراديب فمات جوعا و خوفا و هذه الرواية لم يقطع فيها ابن الفوطي و لذا عبّر عنها بقيل. و لعلها بناء علي أن السكان كثيرون و لم يبق منهم إلا القليل فلم يلاحظ من فروا و انحدروا إلي الانحاء الأخري. و علي القول الراجح أنهم يبلغون نحو ثمانين الفا كما في تاريخ مصلح الدين اللاري نقلا عن گلشن خلفا و لا عبرة بقول من أبلغهم إلي ألفي ألف أو إلي ثلاثة آلاف ألف فالمبالغة ظاهرة جدا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 46

الوباء:

ثم وقع أثر ذلك الوباء في من تخلف بعد القتل من شم روائح القتلي و شرب الماء الممتزج بالجيف و العفونات الأخري … و كان الناس يكثرون من شم البصل لقوة الجيفة و كثرة الذباب فإنه ملأ الفضاء و كان يسقط علي المأكولات فيفسدها.

و كان أهل الحلة و الكوفة و المسيب يجلبون إلي بغداد الأطعمة فانتفع الناس بذلك و كانوا يبتاعون بأثمانها الكتب النفيسة و صفر المطعم و غيره من الأثاث بأبخس ثمن. فاستغني بهذا الوجه خلق كثير.

الأمة الفاتحة و روحيتها، أو التعريف بجنگيزخان و قومه
اشارة

و لما كان هذا الهجوم الأخير من قبل هلاكو نتيجة التزام الخطة التي صمم جنگيز و أعقابه علي المضي بمقتضاها، و أنه تقدمته هجومات أخري إلي أن قام هلاكو بهجومه هذا اقتضي التعريف بجنگيزخان و قومه و ما راعاه من الخطة لاستخدام أمته و قيادته لها تنفيذا لما قام به من مقدمات عسكرية و هجومات أخري علي الانحاء المجاورة لبغداد بقصد التزام الجيش العراقي مدة طويلة لمحافظة الثغور بقوة كافية مما أدي إلي بذل عظيم و مصارف باهظة لا يتيسر القيام بها لحكومة مثل حكومة بغداد و حالتها علي ما سيوصف فذلك كان إضعافا لها و تشويشا لإدارتها …

و قبل الكلام علي ذكر توالي الهجومات و مبادي ء الهجوم الأخير و اطراد هذه لزم أن نعلم روحية الأمة الفاتحة و الإطلاع علي أساس (حكومة جنگيز).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 47

أحوال الأمة الفاتحة

الأمة الفاتحة، و أوائل أحوالها: إن هذه الحكومة أعني بها (حكومة جنگيز) كان موطنها (أرض المغول). و لم تكن في الأصل حكومة. و إنما هي رياسة علي بضع قبائل مما يسمي عندنا بالإمارة القبائلية، تقطن هذه الإمارة القطعة التي هي قسم من مملكة الصين و يتولي أمرها- كما قال المنشي النسوي- (خان) و معناه الملك أو الأمير بلغتهم و فوقه الخاقان و فوق الكل قاآن. و أن حكمه نيابة عن خاقانهم الأعظم (قاآن). و كان خاقانهم الكبير المعاصر لخورزمشاه محمد بن تكش يقال له (آلطون خان) و قد توارث الخانية.

قال المنشي النسوي: و من عادة خانهم الأعظم الإقامة (بطوغاج) و هي عاصمة الصين. و أن مملكة الصين كانت منقسمة إلي ستة أجزاء كل جزء منها مسيرة شهر يتولي أمره (خان) و كان من زمرة

هؤلاء الخانات في العصر المذكور الذين يحكمون نيابة عن خانهم الأعظم (امبراطورهم) شخص يسمي (دوشي خان) و هو أحد الخانات المتولي قسما من الأجزاء الستة. و كان متزوجا بعمة جنگيز خان.

و قبيلة جنگيز خان هي المعروفة بقبيلة (التمرجي) من سكان البراري. و مشتاهم موضع يسمي (أرغون). و هم المشهورون بين التتر بالشر و الغدر. و لم تر حكومة الصين ارخاء عنانهم لطغيانهم. فاتفق أن دوشي خان زوج عمة جنگيزخان قد توفي فحضر جنگيز إلي عمته زائرا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 48

و معزيا. و كان الخاقانان المجاوران لعمل دوشي خان يقال لأحدهما كشلو خان (كشلي خان) و للآخر … فكانا يليان ما يتاخم عمل دوشي (منطقة حكمه) من الجهتين فأرسلت المرأة (عمة جنگيزخان) إلي كشلي خان و الخان الآخر (جنگيز) تنعي إليهما زوجها دوشي خان و أنه لم يخلف ولدا و أنه كان حسن الجوار لهما و أن ابن أخيها جنگيزخان إن أقيم مقامه يحذو حذو المتوفي في معاضدتهما. فأجابها الخانان المذكوران إلي ذلك. و تولي جنگيز من الأمور ما كان لدوشي خان المتوفي بمعاضدة الخانين المذكورين.

فلما أنهي الأمر إلي الخان الأعظم الطون خان أنكر تولية جنگيزخان و استحضره و أنكر علي الخانين اللذين فعلا ذلك. فلما جري ذلك خلعوا طاعة الطون خان و انضم إليهم كل من هو من عشائرهم. ثم اقتتلوا مع الطون خان فولّي منهزما، و تمكنوا من بلاده مشتركين في الأمر. فاتفق موت الخان الواحد و استقل بالأمر جنگيزخان و كشلوخان.

ثم مات كشلوخان و قام ابنه مقامه و لقب كشلوخان أيضا.

فاستضعف جنگيزخان جانب هذا لصغره و حداثة سنه و أخل بالقواعد التي كانت مقررة بينه و بين أبيه. فانفرد كشلوخان عن جنگيزخان و فارقه لذلك و وقع الحرب

بينهما. فجرد جنگيز جيشا مع ولده دوشي خان فسار هذا و اقتتل مع كشلوخان فانتصر دوشي خان و هزم خصمه فتبعه و قتله و عاد إلي جنگيزخان برأسه. فانفرد جنگيزخان بالمملكة.

ثم إن جنگيزخان راسل خوارزمشاه محمد بن تكش في الصلح فلم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 49

ينتظم فجمع جنگيزخان عساكره و التقي مع خوارزمشاه محمد فانهزم خوارزمشاه فاستولي جنگيزخان علي بلاد ما وراء النهر. ثم تبع خوارزمشاه محمدا و هو هارب بين يديه حتي دخل بحر طبرستان. ثم استولي جنگيز علي البلاد.

و يستفاد من هذه بالنظر لمصادرنا أن جنگيزخان هو المؤسس لهذه الحكومة المعروفة (بحكومة المغول) أو (حكومة التتر) و لم تكن لهم حكومة و لا ذكر إلا في زمن جنگيز. و إنما كانت هذه الأقوام أشبه بقبائل العرب الرحل. و لها مدن تقطنها و مواقع مدنية تقيم فيها هي أقرب إلي البداوة أو الطريق الموصل إلي المدنية بين البداوة و الحضارة.

و تكاد تكون قبائلهم و أقوامهم في عزلة عن العالم لو لم يكن الإسلام قد هاجم ديارهم أو ما جاورها أثناء الفتح الإسلامي و إبان النهضة العربية، و المعروف أنه هاجم أقوامهم الانحاء الغربية بل هاجروا بهجرات متوالية لا محل لذكرها هنا. و مع هذا فإن (المغول) أبعد عن الاحتكاك و لم يظهروا للوجود إلا في أواخر العصر السادس للهجرة.

و قبل هذا نري المدونات العربية عنهم سواء كانوا مغولا أو تترا حين الاستيلاء عليهم و المكافحة معهم و نشاهد منهم أسري كثيرين قد انتشروا في العالم الإسلامي و في المملكة الإسلامية كما أنه قد تكونت حكومات منهم و تألف الجيش التركي في الخلافة العباسية و برز فيهم القواد و الوزراء. و لكن لم يؤمل

أن تظهر منهم أمة بعيدة عن الإسلام و عن الحضارة و تهاجم الترك المسلمين من جهة و تحارب الصين من أخري و تدوخ الهند آونة و تستولي علي ديار العجم و ممالك روسية و تهدم صرح الخلافة الإسلامية و تقضي علي حضارة المسلمين و تدهش العالم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 50

الإسلامي مدة و تدعه في اضطراب و حيرة من أمره فتخلف أثرا ما زال و لا يزال باقيا يرن في الآذان و يفكر فيه كل من درس التاريخ …

هذه الصولة علي البلاد الإسلامية أشبه بصولة العرب و هم في جزيرة قاحلة … علي العالم المتحضر، المجاور لهم إلا أنه بينهما جهات اشتراك و افتراق و إن كان كل منهما خلف أثرا في النفوس عظيما. فكلاهما يعتمد علي قوة بدوية اختط المدبر لها منهاجا ساق به هذه الجماعات للمضيّ بمقتضاه و العمل بموجبه فنال بغيته …

و شتان بين المنهجين فأحدهما فك الأغلال و القيود عن البشرية و محا الفوارق بين بعضها و بعض فهو خالد، و هو إصلاح لها و إسعاد لحياتها كلما مشت علي مرسومه و الآخر دمر البشرية و أهلكها لانتفاع أمة واحدة و قيادتها لاستدرار خيراتها حبا في إعاشة تلك الأمة و إقامة أودها و إنعاشها …

و في هذا الأخير رجعة للاستعباد مرة أخري … لكنها كانت أي هذه الرجعة ضرورة لا بد منها نظرا لتناسي المبدأ الإسلامي القويم و العدول عنه أو إهماله و الصدود عنه … فنري القائم به مثل الخليفة أو الملوك الذين يعدون أنفسهم بمنزلة حماة للدين و حراس له يحاول كل منهم أن يستعبد القوم لا أن يقيم العدل و يؤمن السبل … و ينقذ البشرية

مما انتابها …

فكان الأصلح للبشرية أن يقوض هذا البناء الذي صدف أهله عن صراطه السوي و أولي لها أن يدمر رغم فظاعة الآلة الهدامة … هذه ضرورة لا بد من ركوبها أو وقوعها و تحمل أخطارها و في الحقيقة أن الحكومات الإسلامية كانت تركية أو سلطتها بأيديهم فالمقارعة بين طاغيتين كلاهما مخرب و مدمر للديار و هادم للحضارة، و لم يؤثر فيه المبدأ الإسلامي، و علي كل لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 51

و من نظر إلي الحالة الاجتماعية عندنا آنئذ و سوء الوضع و تذبذب الإدارة و ما يعاني الأهلون من جراء المنازعات و تعدد الحكومات و انحلال ما بينها و الشؤون الداخلية و ما يجري فيها أو ما يتحمله الأهلون بل و المخالفون من المضض و العناء، و التزام وجهة (خطة) مطردة لا تقبل أي تطور و تبدل … تيقن أنها سريعة الزوال و إن كانت الأسس في الأصل قويمة فهي سائرة إلي الانحلال و إن كانت الأركان عزيزة و فاضلة …!!

أمة الترك أو حالة الأمة الفاتحة
التواريخ و الأمم أو دراسة تاريخية:

إن التواريخ القديمة لم تجعل في الغالب قيمة للأمم لا في الفتوح و لا في الاكتشافات و لا في غيرها … و إنما نسبت ذلك كله و غيره للملوك و أعاظم الرجال ممن كانت لهم مكانة تاريخية باعتبار أنهم المسيرون للأمة و الناهضون بها و لم يراجع التاريخ و يعدل به عن هذه الفكرة إلا بعد تجارب مرة و آماد طويلة … فصارت تلاحظ منزلة العظيم في استفادته من هذه القوة- قدرة الأمة- و استخدامه إياها لما أعد نفسه لأجله بحيث تمكن من قيادتها …

مضت أدوار طائلة علي هذا الترتيب حتي

الأيام الأخيرة و حينئذ نالت الأمم مكانتها التاريخية و استعادت قدرتها المادية و المعنوية …

فصار يستطلع رأيها في أكثر الأمور و يدقق الحادث الكبير (بظهور الفاتح أو العظيم) في أنه إنما حصل له ما حصل بتوجيهه استقامة الأمة و تعيين منهاج لها في سيرها التاريخي لما أحسّ به من الضرورة لقيامها و نهوضها …

فاليوم تدقق الأمم باعتبار قوتها و مناعتها و وحدتها و صلاح مبدئها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 52

و سائر حالاتها الاجتماعية و مزاياها القومية و النفسية و حينئذ يتجلي لنا أن ما فعله الرجل العظيم عبارة عن استقائه من معين تلك الأمة و ما أحاط بذلك من ظروف و انتهاجه الخطة التي رآها لازمة للعمل … و قد يكون هذا المنهاج مغلوطا أو ناقصا و لكن ضرورة قيام الأمة لا تؤخر تطبيقه رغم غلطه أو نقصه … و إن كان غير مكفول الدوام، سائرا للزوال من جراء أدني عارض، أو أي انحلال في الوحدة …

نعلم هجوم جنگيز علي العالم المجاور له مجاورة قريبة أو بعيدة و إحداثه الضجة في هذه الأرض أو الدوي الذي ولد ارتجاجا و هزة شعر بهما كل أحد. و لا يزال أثرهما في النفوس كما مرت الإشارة إلي ذلك.

و لما كنا قاطعين بأن جنگيز لم يقم بما قام به إلا باستخدام أمة عظيمة حصلت علي مكانتها التاريخية … رأينا من المحتم درس هذه الأمة و معرفة أحوالها في ماضيها و حاضرها إلي أيام الهجوم علي بغداد …

و الظروف التي سهلت لهذا الفاتح الكبير قيامه بما قام به فاشغل الأفكار من حين ظهوره إلي اليوم …

الأمة و فاتحها:
و هناك شيئان جديران بالبحث:

1- الأمة: التي انقادت للفاتح فوجه روحيتها للإذعان له وجعلها طوع ارادته

فسخرها … و أذعنت.

2- المنهاج: الذي اختطه لنجاحه في الاستيلاء و الطريقة التي سار عليها …

و هذه تدعو للبحث و تستحق التمحيص لتقدير (السير التاريخي) و التحول الجديد الذي أحدثه و ما حصل عليه هو و أعقابه و الحكومة التي تأسست من جراء هذا التبدل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 53

أما العوامل المسهلة لهذا الفاتح من اختلال النظام و الاضطرابات و الفتن في الأمم المجاورة و الحروب القائمة فيها علي قدم و ساق و تذبذب سياستها و تشتت آرائها و انحلال وحدتها باشتداد الخصام الأدبي و الاجتماعي و تصلب أهليه تقوية لهذا الخلاف و تسهيلا للانفصال فهذه و أمثالها لا تخرج عن كونها وسائل مسهلة و خادمة لمصلحة الفاتح في فتوحه و اكتساحه البلدان …

لذا لا نري وجها لأن نجعل قيمة في الدرجة الأولي إلي جنگيز وحده كما فعل ابن الأثير و غيره فنعتوه (بطاغية التتر و قهارها) و جعلوه هو الذي فعل ما فعل. فوجب أن نلم ببعض أحوال أمته لنكون علي بينة من قابليتها الاستيلائية علي عالم عظيم في مدة و جيزة و تدرجها و ظهورها بحيث حازت مقاما عظيما في التاريخ مما دعا للانتباه … ثم ندخل في أمر هذا الفاتح و الطريقة التي سار عليها. فلا نتصور أن يظهر عظيم في وسط غير صالح … و من ثم نعرف مكانة هلاكو (فاتح بغداد).

و هنا نسير سيرا حثيثا و باستعجال فنتكلم عن اوائلهم إلي ظهور جنگيز سوي أننا نفرق الموضوع إلي مباحث تقريبا له. و في كل الأحوال نراعي الإجمال.

بيان أصلهم الترك و مكانتهم بين الأمم:

إن العلماء يعتبرون الأمم ثلاث كتلات أو مجموعات: طورانية و سامية و آرية. فالأوروبيون و العجم و الأرمن من نسل الآريين

و يقال لهم الهند الجرمني و الهند الأوروبي. و العرب و السريان و العبرانيون من الأقوام السامية. و الترك من الطورانيين أو بالتعبير الأصح أن الطورانيين من الترك. و هو اسمهم العام. و في ضمنهم المغول.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 54

فالترك- بصورة عامة- أمة مستقلة، كثيرة العديد و متألفة من قبائل و أقوام كثيرة يشملها هذا الاسم سوي أن المؤرخين اختلفت آراؤهم في اصلهم إلي ثلاثة منازع بالنظر لاختلاف المنابع التاريخية و المصادر التي عولوا عليها، فالذي اعتمد علي (الاغوز نامة) بين أن اصلهم يرجع إلي اوغوزخان. فكان اصلهم يقف عنده فلم يعلم من كان قبله. و أما ما اختاره علاء الدين الجويني و من حذا حذوه و عول علي كتابه (جهانكشا) يقول إن نسبهم يبتدي ء من اويغور. و الرأي الثالث يركن إلي قول الخواجة رشيد الدين و يرجح ما جاء في كتابه (جامع التواريخ) أن أصلهم المغول فيراعي تسلسل ملوكهم و اشتقاقهم من اجداد المغول.

و قد رجح المؤرخ التركي (الدكتور رضا نور) رواية أوغوز و طعن في رواية الاويغور مبديا أنها خرافية. و أن القول بالمغولية فيها إكثار من الاسرائيليات. و ما ركن إليه رشيد الدين فقد اقتبسه من العجم حين استيلاء جنگيز عليها و قال الدكتور إن هؤلاء العجم قد اشبعوا بحب الاسرائيليات …

و هذه الروايات لا تخلو من نظر و تحتاج إلي تمحيص. و إن الترجيحات مبنية علي تزلفات للمغول أو غيرهم نظرا لما نعلمه من أننا لا نجد أمة تكره اعلاء شأنها أو لا تحب عظمتها و مكانتها أو التباهي بنسبها و الافتخار به … مما دعا لبقائها إلي اليوم، و لم نر قوما لا يرغب في اعتلاء صهوات

المجد، و خصوصا أن هذا القول قد يصدق أو يعد أقرب للصدق في حق من نال مقاما تاريخيا مجيدا … فمن كتب التاريخ حين ظهور هؤلاء كان ممن يمت إليه بسبب أو يتزلف له …

فالقول الذي يصح الاعتماد عليه- بتعديل- ما حكاه صاحب (شجرة الترك) من أن الترك أقوام و قبائل تجمعها التركية و لم يرجح المغول و لا الاويغور و لا اوغوز بعضهم علي بعض و لكنه ينقد من جهة أنه لم يقف عند هذا الحد بل جعل لهم شجرة أوصلها إلي آدم (س) فأوصل (ترك)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 55

أسلحة المغول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 56

و هو جد الترك الأعلي بيافث بن نوح، ثم راعي اجداد التوراة، فكأنه جمع الروايات الأولي و سلسل النسب و اتخذ منه وحدة و استفاد من أنساب العرب و قواعد ترتيبهم فوضع كتابه. و لعله اعتمد علي الروايات الشائعة و المدونات كما حكي ذلك. و قد قضي ما عليه من بلغ الجهد … سوي أن اللغة و اشتراك ألفاظها حتي في الأبعد تدل علي أن الأصل واحد مما لا يدع ارتيابا.

و لما كنا نري كل أمة تدعي أن لها جدا تقف عنده أو اسما عاما سميت به ثم اتخذته جدا و وقفت عنده صارت بذلك كل أمة تدعي أنها بنت ذلك الجد الذي تعده ابن السماء و أنها العريقة في الأصل لا تضارعها أمة و هو مدار فخرها و تنظر إلي باقي الأمم بدرجة منحطة عنها فقيل إن (ترك) جد أعلي لأمة الترك و هكذا اعتبرت أيضا أقسامها الكبري أقسام الأمة من قبائل اساسية- اجدادا تالين. و هكذا علي مراتبهم بأن اعتبرت لكل جد

فروعا كما هو مرئيّ لها في تفرع الافخاذ … فلم تشأ أن تخرج عن هذا الأمر المحسوس لديها.

و أما الفكرة القائلة بأن الناس كلهم من آدم و آدم من تراب، و أن القبائل و الشعوب وسائل التعارف لا طريق التناطح و التخاصم … فلم تكن معروفة قبل الإسلام، أو أنها كانت بصورة ضئيلة جدا. فلتأييد هذه الصلة بين الأقوام قرّب علماء الإسلام، بين أنساب الشعوب فوصلوها بأنساب العرب و الإسرائيليين اعتمادا علي أقدم كتاب ذكر أولاد آدم و سلسل احفاده و هو (التوراة) و وسعوا القول فيه. و لا يزال العلماء يتحرون جهات التقارب من طريق اللغة و السحنات و الحالات الاجتماعية و العادات و هكذا نري علماء الغرب يقربون إليهم من عدوه من العنصر الآري … و لذا حينما اتصل المغول بالعجم انتقلت إليهم هذه الفكرة من طريق المسلمين فوصلوا اجدادهم بآدم و ربطوا هذه الصلة بأقوي الاسباب تأييدا لما جاء في القرآن الكريم و استفادة من عموميته و تقريبه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 57

بين الأقوام وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ. و من الحديث القائل (كلكم من آدم و آدم من تراب) فلم يخرجوا عن هذا الوضع … و من ثم جري تلاعب الشعراء في المعني و منها:

شرق و غرب تجد من صاحب بدلا فالأرض من تربة و الناس من رجل

أو كما قيل:

إذا كان اصلي من تراب فكلها بلادي و كل العالمين أقاربي

و لما كان اجدادهم معروفين بالوجه المذكور سابقا و بالصورة المبينة و صلوا هذه الصلة بمن عرف فربطوا ترك بيافث بن نوح (س).

مقارنة بين قبائل الترك و العرب:

لو رجعنا إلي قبائل العرب و أحوالهم التاريخية و استنطقنا مخلفاتهم

و استقينا معلوماتهم من شعرهم و مفاخراتهم من اقوالهم وجدنا متقدمي شعرائهم بالغوا في الفخر و الحماسة فلو طالعنا إحدي معلقاتهم رأينا فيها:

ملكنا البر حتي ضاق عنا و ماء البحر نملؤه سفينا

و حينئذ يتبادر إلي اذهاننا أن حكومتهم كانت من أقوي الحكومات شكيمة، و أن أمتهم من أكبر الأمم حضارة و تقدما و لكننا لو رأينا بلادنا في مواطن العرب الأصلية و لا حظنا عيشتنا لا نلبث أن تزول منا هذه الفكرة (النخوة) و يذهب هذا الاعتقاد. فتظهر لنا البداوة واضحة بحذافيرها … و أن ملوك كندة و غيرهم امراء قبائل و لو سموا بالملوك …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 58

و كذا يقال عن الترك فإننا و إن سمينا رئيس كل قبيلة بخان و كل من حكم علي بضع قبائل (بخاقان) و قلنا (قاآن) لمن لا حاكم وراءه أو فوقه و ما ماثل و رجعنا إلي حالتهم و ما هم عليه من البداوة و سكني الخيام- كالعربي- علمنا ضخم الألقاب و عظم الاسم دون أن يكون وراء ذلك ما يدعو للانتباه.

و لا ينسي أن الترك لا يماثلون العرب من كل وجه فلكل من القومين مزايا و خصائص و عوائد قد لا توجد في الأخري منها ما هو من مزاياهم الخلقية و منها ما هي نتائج المناخ و المحيط الذي عاشوا فيه …

سواء في حره و برده و ما يلتزمانه فيه … فأثر ذلك في التحول و الانتقال لكل من القومين و حينئذ يقرب الواحد من الآخر نوعا.

و علي كل حال إن أمة الترك و في ضمنها المغول في الأصل قبائل رحل موصوفة بالشجاعة و الصبر علي المكاره و تحمل المشاق، سكناها الخيام و

مولعة بالصيد و مواطنها الاصلية مغولستان و تركستان و هما معروفان و ما ذكر عن ملوكهم القدماء و أحوالهم فلا يخرج عن كونهم رؤساء قبائل و يتفاوتون في التسمية بين من يسيطر علي قبيلة أو قبائل متعددة أو قوم عظيم من اقوامهم كما ان ما ذكر عن ملوكهم القدماء لا يعوّل عليه كحقيقة ناصعة. و إنما هو روايات و أخبار تناقلوها حسب ما هو معهود بين الأمم الأمية و إن كان تثبيت ذلك قد اتخذ وسائل للإشادة و الفخر … و أن خير المدونات و أصدقها عنهم ما كان في زمن المسلمين أثناء الفتوح و ما بعدها. فتاريخهم الحقيقي عرف من ذلك الوقت. و حينئذ تكاثرت التتبعات و زاد البحث وضوحا و لا يعتمد علي ما قبله من الروايات إلا لإيجاد الصلة و الاطلاع علي الماضي حسب المحفوظات و إن كان خرافيا و قد يعرف الوضع من خلاله فلا يخفي علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 59

المتدبر ما يجري في مطاويه رغم ما جري علي اللسان من وقائعه التي داخلتها الأساطير و الخرافات و الابطال التاريخيون …

و لم يزد الأوروبيون علي ما ذكره العرب و العجم رغم سياحاتهم و تتبعاتهم الأخيرة عن الماضي إلا قليلا يتعلق بتحقيق بعض الأعلام و هذه أيضا فيها نظر و لا يكاد يعول الواحد علي تلفظ لهم … و وصف الأقوام و تدقيق اللغات و نعت الأقاليم و تدوين الهجرات. و هذا كشف نوعا و زال عنه الغموض و إن لم يعثر علي وقائع الماضي. أما الآثار فهي قليلة جدا، و المعلوم من الوقائع سد فراغا مهما في المعرفة …

و من المراجع المهمة لمعرفة أوصافهم و مزاياهم رسالة الجاحظ

في (تفضيل الترك) و (كتاب تلفيق الأخبار، و تلقيح الآثار، في وقائع قزان و بلغار و ملوك التتار)، و (كتاب اخبار الزمان للمسعودي)، و غيرها من الكتب و المراجع …

و بعد ملاحظة ما تقدم نبين حالة الترك القدماء باعتبارها قصصا منقولة إلي تكون المغول و التتر حسب ما هو معروف عن علماء الترك و مؤرخيهم كأساطير و روايات شفهية …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 60

الترك القدماء إلي تكوّن المغول و التتر:

يقول أبو الغازي في شجرة الترك إنهم من نسل يافث بن نوح و يوصلهم بآدم علي ترتيب التوراة أو كتب الأنساب العربية و يعدد أولاد يافث بأنهم ترك (و منه الترك)، و خزر (و منه الخزر)، و صقلب (و منه الصقلب)، و روس، و منيغ وصين (يلفظ چين)، و كيماري، و تارنج. و هم أمم من نجار تركي فجعلوها اسماء أجداد. و الظاهر أن التسمية إنما نشأت من مراعاة كتب الانساب و تحديها. و لعل الأصل كذلك فلا يخرج عن التخمين. و لما كان باقي أولاد يافث لا يكونون موضوعا لنا أضربنا عن ذكرهم و إن كانت قد تألفت منهم أقوام. هذا و يلاحظ أن أبا الغازي بهادرخان لم يخل من التأثر بالآداب العربية و أنسابها كما مر يقصّ عن نفسه أنه شاعر مفلق في لغات منها العربية و الفارسية … قال:

إن ترك خلف أباه في حكومته و لقب بابن يافث. و كان عالما، عاقلا و مدبرا، ارتاد المواطن الكثيرة فاختار أحسنها و هو المسمي (ببحيرة ايسيغ) فأقام بها. و يقال إنه أول من نصب خيمة. و أن بعض عوائد الترك الموجودة لحد الآن قد انتقلت منه. و قد توفي عن أربع بنين خلفه في حكومته منهم (طوطوق خان).

و

هذا أيضا كان عاقلا، قديرا و عدلا. و من هذا تأصلت عوائد كثيرة أيضا. و يعاصره أول سلاطين العجم (كيومرث). و يحكي عنه أنه ذهب مرة للصيد فصاد (ظبيا) فشواه. ثم سقطت منه قطعة علي الأرض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 61

فتناولها و أكلها فوجد طعمها قد صار لذيذا و كانت الأرض ملحا. و من ثم صار يوضع الملح في الطعام فهو أول مكتشف له. عاش 240 سنة.

و خلفه ابنه (ايليجه خان) ثم خلف هذا ابنه (ديب باقوي خان) و مضت له أيام سعيدة و هنيئة. ثم صار ابنه (قويرخان) فحكم بالعدل.

و من ثم توفي فأعقبه في حكمه (النجه خان). و هذا دام ملكه طويلا.

و كان أولاد يافث إلي حكومة ألنجه خان هذا علي (دين الحق) أي (ديانة التوحيد). و في زمنه عمرت المملكة و نال هؤلاء ثروة و غني فأبطرهم ذلك و اعتادوا أن يتخذوا هياكل لأعز أولادهم سواء كان الكبير منهم أو الصغير أو أيا كان محبوبا لديهم فيحفظونه في بيوتهم تذكارا لمن يموت منهم. فيقولون هذه صورة فلان و يقبلونها و يمسحون بوجهها و ما ماثل من أنواع التلطف و إظهار الحب كما أنهم اعتادوا أن يضعوا أمام الهياكل اللقمة الأولي من اكلاتهم و يمسحون وجوههم و عيونهم بها و ينحنون لها إلي الأرض (يسجدون). و بهذه الوسيلة و دون أن يشعروا عبدوا الاصنام و تظاهروا بعبادتها …

و هذا و غيره في الأمم الأخري مما دعا علماء الأديان إلي القول بأن الأديان في الأصل موحدة ثم طرأ عليها الفساد و داخلها الشرك و عبادة الاصنام كما أن التدقيقات الدينية و مراجعة نصوص الديانات لكل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 62

أمة تؤدي

الباحث إلي أن الأصل التوحيد مما يقطع فيه بأن الدين الحق يتضمن الإيمان بمبدع الكائنات و أنه واحد لا شريك له … و علي كل حال اكتفي بذكر من نال الرئاسة و قام ببعض الأمور من الأولاد و الأحفاد و هكذا.

المغول و التتر:

اشارة

إن النجةخان قد ترك ولدين توأمين أكبرهما اسمه (تتر) أو (تاتار) أو (تتار) و اللفظان الأول و الأخير هما المعروفان في الأكثر …

و الأصغر يقال له (مغول) و أحيانا يلفظ في التواريخ العربية (مغل) فقسم النجه خان ملكه بين ولديه المذكورين. و علي هذا القول أن منشأ انقسام الترك يبتدي ء من هذين. و الظاهر أن قدم الانفصال بين هذين القومين المنتسبين إلي فصيلة الترك أدي إلي هذا القول. و يحكي أنهما عاشا لمدة عيشة هادئة. فلم يتنافرا و لا حصل بينهما خصام. و يلاحظ أن التباعد و الافتراق لمدة طويلة هو الذي أدي إلي اختلاف في اللغتين أو بالتعبير الأصح أن كل قبيلة منهما يظن أنها انفصلت عن الأخري من مدة طويلة بحيث تباعدت الواحدة عن الثانية و لا كبعد العبرية عن العربية أو السريانية عنهما كما أن الاشتراك ظاهر و الأخوة النسبية من طريق اللغة و السحنات متوضحة و لذا نري علماء العرب لا يسمونهم في الأكثر إلا بالتتر و يقولون (طاغية التتر) عن جنگيز و حكومة التتر و وقائع التتر …

فلم يفرقوا بين التتر و المغول. و قد أشار في جامع التواريخ أن لغتهم في الأصل واحدة …

و لا ينكر أن اللغة تباعدت و لكنها أبعد مما بين تيمور و دمير أي التفاوت بين التركية الحديثة و التركية القديمة أو تركية الاستانة و تركية تركستان … أو هي قريبة منهما. فالمقاربة في

الأصل اللغوي واضحة. فاللغة طورانية النجار و إن احتاج التفاهم إلي ترجمان. و كذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 63

يقال عن المسموع و المحفوظ أنهما أقارب …

التتر:
اشارة

إن تتر خان حكم مدة طويلة ثم مات فخلفه أعقابه من نسله:

1- ابنه بوقاخان. و هذا طال حكمه.

2- «يلنجه».

3- آدلي. و كان مشغولا بالملاهي و الملاذ.

4- «آتسز». قضي عمره بالصيد.

5- «اردو» سلك طريق والده.

6- «بايدو».

و يحكون أنه إلي زمن بايدو لم يقع ما يكدر الصفو و الألفة بين المغول و التتر أو يشوش بينهما. فكان كل منهما حاكما في جهته. و لكن (بايدو) المذكور كان شابا طائشا لا يفكر في عواقب الأمور. و فيه خفة و تسرع. ففتح حربا بينه و بين المغول و هاجم مملكتهم. و قد هلك هو في هذه الحرب.

ثم خلفه ابنه سوينج خان. و في زمنه استعرت نيران الحروب لدرجة أنها ولدت اعتقادا مؤداه أن مياه جيحون لو صبت عليها لما أطفأتها. و في كل هذه الحروب و المقارعات كان النصر حليف المغول.

و كان سوينج خان معاصرا لإيلخان المغولي. و قد تغلب المغول علي التتر في زمنه فاستعان بقرغيزخان و دامت الحرب عشرة أيام. و في هذه كانت الغلبة لجهة المغول …

ثم تداولوا في الأمر فأصبحوا و قد تركوا مواشيهم و أثقالهم خدعة و فروا. فطمع اعداؤهم و ظنوا أنهم هربوا فتابعوهم في هزيمتهم و تقدموا نحوهم. و لكنهم لم يشعروا إلا و قد رجعوا عليهم و عادوا الكرة. و كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 64

الأمر مدبرا ليلا فنكلوا بهم و استولوا علي خيامهم و لم يدعوا منهم كبيرا إلا قتلوه و لا صغيرا و لا امرأة إلا اسروهما. و من ذلك الحين

قضي علي المغول. و انهزم من بقي فأخذوا بعض المواشي معهم و ذهبوا وراء الجبل بحيث لا يصل إليهم احد. و أضاعوا الطريق (المضيق) فلم يتيسر لهم العودة إذ إنه كان لا يمكن لأحد المرور منه إلا منفردا كما يأتي فبقوا هناك تائهين نحو أربعمائة سنة تكاثروا في خلالها و تيسر لهم الخروج فخرجوا و حاربوا التتر فتغلبوا عليهم و أخذوا بثأرهم و محوا الكثير من قبائل التتر كما أن بعض قبائل التتر لحقت بهم و صارت تعد منهم مع أنها خارجة عنهم و صار الكل بمثابة قبيلة واحدة للائتلاف الحاصل. و سيأتي في بحث المغول الكلام عن حروبهم.

و في هذا الأوان سكن التتر قرب جورجيت. و هي أراضي واسعة و فيها المدن و القري حتي مشي عليهم أوغوزخان و استظهر عليهم. و قد اشتهروا باسم (تتر) قديما. و كانوا عدة قبائل و كل قبيلة تعيش مستقلة عن الأخري. و أهم قبائلهم يقطن قرب الخطا (خيتاي) في الأماكن المسماة (بويور- ناور). و هم تابعون لسلاطين خيتاي. و أحيانا يعصون عليهم.

و قد هاجموهم مرة بجيش جرار فأخضعوهم.

و أكثر هذه القبائل تقيم قرب نهر آنقارا موران علي شواطئه. و لهم مدن في تلك الأنحاء و قري عدا سكني البادية.

و من قبائلهم:

1- أويرات. و هذه أطاعت لجنگيز.

2- بولغاچين

3- كيره موجين كانتا متنافرتين و هما قريبتان من القرغز و قد دخلتا في طاعة جنگيز.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 65

4- لوله نكون.

5- أوراسوت.

6- كدره موچين.

7- نايمان.

8- كرايت.

9- أونغوت.

10- خيتاي. و هؤلاء منهم السود انفصلوا من قومهم و ذهبوا إلي قرغز و لكنهم سلبوهم أموالهم ففروا منهم و رحلوا إلي محل يقال له (ايميل) فبنوا مدنا و أقاموا هناك و

تكاثروا حتي صاروا قبيلة كبيرة بلغت أربعين ألف بيت. و يقال إن هذه القبيلة هاجمتها قبيلة الجورجيت فدمرتها و حكمتها سنة 513 ه ففر من الخيتاي قبيلتان التحقنا بالقرغز.

11- توقاق. قبيلة لا يعرف أنها من أي قبيلة من قبائل الترك أي من نوع القبائل المتحيرة عند العرب …

المغول:
اشارة

المغول. و يقال لهم عند الغربيين مونغول و يلفظهم العرب (مغول و مغل) و جاءت في تواريخ كثيرة بهذين اللفظين و الغالب يسمون بالمغول و يقال إن أصل هذه اللفظة مونغول أو (مونغ أول) فتغيرت علي لسان العوام (مون) بمعني الغم و الغائلة و (أول) الرجل البسيط فيكون معناها البسيط المضطرب. و لا يعول علي أمثال هذه التحليلات كثيرا أولهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 66

مغول خان. و آخرهم إيل خان. و يقال إن مغول خان استمرت حكومته طويلا. ثم خلفه أكبر أولاده (قاراخان). و هذا حكم في جميع مملكته المسماة اليوم (أولوطاغ). و في زمنه صار المغول جميعهم كفارا حتي أنهم لم يكن فيهم من يعرف اللّه تعالي. ثم خلفه ابنه اوغوز خان.

اوغوز خان (نبي الترك)

و هذا ابن قاراخان من زوجته الكبيرة. أعطاه اللّه ما شاء من جمال. و يحكي عنه أنه بقي ثلاثة أيام بلياليها لا يرضع ثدي أمه.

و كانت أمه في كل ليلة من هذه الليالي تري رؤيا يدعوها فيها ابنها إلي الدين الحق و إلا فلا يمتص ثديها. أما أمه فإنها لم تعاند في مخالفة ابنها بل آمنت بوحدانية اللّه تعالي. و لذا أخذ يرضع ثديها. و لكن أمه لم تبح بسرها هذا لأحد.

و الناس كانوا في السابق علي (دين التوحيد) إلا أنهم اغتنوا أيام النجه خان فاستأسرتهم الثروة و أبطرهم الغني فنسوا اللّه و صاروا كفارا حتي أنهم بلغوا من ذلك أنهم إذا سمعوا بأحد أقاربهم قد اعتقد باللّه قتلوه في الحال.

ثم إن هؤلاء القوم كانوا قد اعتادوا أن لا يسموا المولود إلا بعد مضيّ سنة علي ولادته، فما لم يحل الحول لا يدعونه باسم. و حينئذ أراد قاراخان أن يضع لابنه

اسما عند بلوغه الحول و اتخذ له ضيافة أذيع خبرها. فلما احتشد الجمع قال الأب يخاطب الحاضرين: «إن ابني بلغ عاما كاملا فماذا ترون أن أسميه؟!» و قبل أن يجيبوا و يبدوا رأيهم نطق الولد قائلا «اسمي اوغوز» و حينئذ صاروا في حيرة مما سمعوا و شهدوا.

قالوا: (لما كان الصبي اختار لنفسه هذا الاسم فلا يرجح عليه اسم آخر أحسن من هذا. فعرف بهذا الاسم. و قد أخذ العجب و الاستغراب مأخذهما من الجماعة لما نطق به و هو في المهد. لذا تفاءلوا به خيرا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 67

و أن يكون ذا دولة عظيمة و عمر طويل و حياة سعيدة هنيئة مع سعة ملك.

أما الصبي فإنه نطق (اللّه! اللّه) و لكن السامعين صرفوا ذلك إلي أن الصغير لا يعلم ما يقول، لأن لفظة الجلالة (اللّه) عربية و لم تكن معروفة لدي أحد من المغول. و مع هذا صاروا يعتقدون أنه خلق صالحا و سيكون له شأن. و لذا جري لفظ الجلالة علي لسانه و قلبه.

ثم إن والده زوّجه بابنة عمه (اوزخان). و لما خلا بها دعاها إلي القول بأن للخلق خالقا هو اللّه و أن تعتقد به و أنه واحد، لا شريك له فلا تخرج عن أمره فلم تقبل. فهجرها و لم يتصل بها. فأعلموا أباه أنه لا يحبها و أنه لم يقربها من حين تزوجها إلي اليوم … فزوجه بابنة عمه الآخر و هو: (كوزخان) فحملها علي الاعتقاد باللّه و أنه واحد أحد فلم توافق فترك مضجعها أيضا …

و بعد سنة خرج للصيد. و لما رجع و وصل إلي شاطي ء نهر هناك رأي نساء كثيرات يغسلن أثوابا فرأي بينهن ابنة عمه

(كورخان) فدعاها لجانبه و باح لها بسره بعد أن أخذ عليها المواثيق أن لا تفشي سره فآمنت بما آمن به و وافقته علي طريقته …

ثم أن اوغوز خان أخبر أباه و طلب أن يعقد له عليها فأجري احتفالا عظيما و تزوجها. مضت سنون و أعوام علي تلك الحادثة. ثم إنه ذهب أوغوزخان إلي الصيد لمحل بعيد. فدعا قاراخان جميع زوجات ابنه فسألهن عن سبب حبه لزوجته الأخيرة دونهن فلم تقبل الوسطي أن تفشي أمره فتقدمت الكبري و قالت إن ابنك يعتقد بإله واحد و يحاول أن يسوقنا إلي هذا المعتقد و يكرهنا عليه. فلم نقبل ذلك منه. و لذا يحبها دوننا.

و علي هذا دعا قراخان اعيانه و أمراءه و عقد مجلسا (كنگاش) و تفاوض فكانت النتيجة أن قرروا لزوم القبض عليه في الصيد و أن يقتل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 68

فأعطي والده الأوامر الصارمة … لتنفيذ ما قرروا.

و لما سمعت زوجة اوغوز الصغري بذلك بادرت بسرعة في ايصال الخبر إليه و إعلامه بما جري فعرفته بالأمر. أما اوغوزخان فإنه طير الخبر إلي اعوانه و أعلمهم بما عزم عليه والده من أنه يريد قتله و قال لهم: من كان يحبني فليتبعني و من اختار أبي فليلتحق به. و قد تبع القسم الأكبر أباه و لم يبق معه إلا القليل. و لكن لحق به أكثر ابناء اعمامه مما لم يخطر ببال أحد فسماهم (اويغور) أي المؤتلفين معه (الأنصار و الأعوان). و معني ذلك أنهم صاروا ألصق الناس به و أكثرهم تفاديا في سبيله.

و حينما اشتبكوا في القتال كان النصر حليف اوغوزخان و قد فر خصومه. و في أثناء الحرب أصاب قاراخان والد اوغوزخان سهم طائش

فأرداه قتيلا. و حينئذ جلس اوغوزخان علي تخت أبيه.

و إثر ذلك دعا قومه إلي الدين الحق فمن دخل في دينه نجا و من تخلف حاربه و أسر أولاده. و كانت قبائل أخري لأمراء آخرين تتجمع عليه فمن تبعه سلم و من ناوأه التحق بأولئك. فصار يضايقهم و يقاتلهم سنة بعد سنة فيظفر بقسم منهم كل حين إلي أن استولي علي الكل.

إن الذين لم يدينوا بدينه فروا إلي التتر و لجأوا إليهم. و كان التتر آنئذ يسكنون قرب جورجيت كما تقدم فقاتلهم اوغوزخان فكان النصر حليفه. فحصل علي غنائم تفوق الحصر حتي أنه لم يجد من الدواب ما يحملها فاتخذ بعض رجاله العربة و تسمي (قانق). و للآن تسمي القبيلة التي اخترعتها بقبيلة (قانقلي).

إن اوغوزخان كافح لمدة طويلة حتي أطاعه الجميع من التتر.

و كذا اكتسح الأقوام المجاورة كالأفغان و الغور و لم يغلب إلّا في جهة الهند. و بعد نحو 17 سنة أعاد الكرة عليهم فانتصر و قتل ملكهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 69

(ايت باراق) و استولي علي مملكتهم.

ثم إنه أرسل قائده المسمي (قبچاق) إلي الروس و الأولاح و المجر فأذعنوا له. و أما من لم يذعن للدين الحق منهم فقد قتله و أسر النساء و الأطفال. و لا تزال الأماكن التي استولوا عليها تسمي صحراء قبچاق (دشت قيپچاق) و لا يوجد فيها أحد غيرهم.

و كذا حارب تركستان (التتر) فضبط سمرقند و بخارا و سيرام و بلخ و عين لها ولاة كما أنه ضبط غور و بعدها استولي علي كابل و غزنة.

و تقدم إلي الهند فضبط كشمير و غنم غنائم و فيرة جدا و عاد إلي وطنه مغولستان.

و بعد سنة تأهب لحرب ايران فأصابه

عناء من جراء ذلك لضياعه الطريق. و في هذه الأثناء لم يحكم ايران (شاه كبير) إذ كان (كيومرث) قد توفي و لحد ذلك التاريخ لم يتخذ هوشنك ملكا.

أما العرب فكانوا طوائف و قبائل لكل قبيلة أو عشيرة رئيس لا تعرف سواه و لا جامعة هناك تجمع القبائل و توحد بينها و لما كانت حال ايران بهذا الوضع استولي اوغوزخان علي خراسان ثم علي العراق و آذربيجان و ارمينية و الشام و مصر. و قد اكتسح بعض هذه الممالك حربا و القسم الآخر اذعن له بلا جدال و لا حرب و عين ولاة يقال لهم (داروغا) و هؤلاء ضباط عسكريون أوما يسمي اليوم (بالحاكم العسكري).

و لما حصل علي هذا الظفر عاد لمملكته بسرور و احتفال عظيمين لا مزيد عليهما. و قد وسعوا ذلك أيضا ببعض الخرافات بل إن هذه الوقائع مما يبعد وقوعها من شخص أو قوم إلا شذوذا …

و يحكي أنه كان لأوغوزخان ستة أولاد وزع عليهم ممالك و مدنا و نصحهم بنصائح نافعة. و بعد أن حكم 116 سنة [لعل هذه السنين أقل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 70

من سنتنا المعروفة و علي كل حال فيها نظر] توفي. و كان وزيره و وكيله ابرقيل خوجا من اويغور. و كان عالما عاقلا و مدبرا. عمر طويلا و بقي وزيره مدة حياته. و علي كل حال لا يخلو عصره من اساطير. بل هو مملوء بها و قد عده بعض المؤرخين من الاشخاص الخياليين و أنه لا وجود له. و لعل وجوده يصادف زمن السمريين و العيلاميين و يقال عنه إنه هو الذي ألف مجلس الشوري المسمي (قورلتاي) و كان بمقام مجلس الأمة أي أنه لم

يكن من اختراع جنگيز. و هو الذي جعل الأمة ضباطا (نوكر) (وجندا).

ثم خلفه ابنه گون خان:

و هذا لم يخالف الوزير المذكور و أبان له أنه موافق علي كل ما يراه حسنا. و كان يذكر وصايا أبيه بأن لا يخالف إخوته و أن الخلاف مدمر الممالك و موجب لضياعها و استيلاء الأجانب عليها. و بناء علي وصية الوزير فرّق الأموال و الذهب الموروث علي إخوته. و حكم هذا 70 سنة (كذا).

ثم خلفه أخوه (آي خان) و كان عالما عدلا و حكمه صارم مشي علي نصائح أبيه و وزيره. ثم حكم حفيده ييلديز خان و هو خير ملك.

و بعده ابنه منكلي خان و كان ملكا فاضلا و قد خلفه (دكزخان) (و هذا جد السلجوقيين). حكم كثيرا و عمر طويلا. و قد أعطي في حياته الملك إلي ابنه (ايلخان) لما رأي نفسه قد طعن في السن و لم يطق القيام بأعباء الملك فقضي بقية أيامه في العبادة و الطاعة.

إن ايلخان هذا كان معاصرا إلي (سوينج خان) الملك التاسع من ملوك التتر فحدث بينهما الحرب و النضال العنيفان فكان النصر حليف ايلخان. و حينئذ استعان سوينج خان بقرغزخان فأعانه كما تقدم و اتخذ خدعة حربية بأن فر من أمامه حتي أخرجه من الحصار بإظهار أنه كسر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 71

فعاد الكرة و دمرهم و استولي علي مواطنهم و خيامهم و لم يدعوا كبيرا إلا قتلوه و أسروا صغارهم و سبوا نساءهم و من ذلك الحين قضي علي المغول.

و إثر هذه الوقعة رجع ايلخان إلي وطنه و قد قتل ابناؤه و بقي أصغرهم و هو (قييان) و كان تزوج في هذه السنة. و كذا كان تزوج ابن بنته و هو (نكون) ففر هؤلاء

مع نسائهما و أخذا معهما بعض المواشي من بقر و غنم و إبل و خيل و لجأوا إلي محل بعيد وراء الجبل المسمي (أركنه قوي).

و قد تكررت في تواريخ عديدة بهذه الصورة. و قال في لغة جغتاي:

«اسم جبل في تركستان كان سكنه قيان دنكوز، و سد بابه سونج خان.

ثم فتح هذا السد و انتشروا في العالم» أي انهم تاهو في هذا الجبل مدّة كبني اسمائيل في ارض التيه ثم ظهروا.. و جاء في (ترك بيو گلري) تفصيلات اساطيرية، و حكايات خرافية عنه، و حلل صاحب الكتاب المذكور لفظها إلي معان كلها لا تتجاوز الحدس و التخمين.. و لكنه ضبط اللفظ بالوجه المشروع فلم يبق محل للتردد فيه.

تكاثروا هناك و لم يصلهم أحد فأضاعوا الطريق (تاهوا) و كان لا يسع أكثر من واحد فعاشوا وراءه بأرض خصبة واسعة. و بعد اربعمائة سنة أقاموها و تكاثروا خلالها اتخذوا طريقا للخروج. و حينئذ حاربوا التتر فانتصروا عليهم و أخذوا بثأرهم و محوا من عصاهم من التتر و أطاع الباقون. فصارت طوائف المغول هي الغالبة حتي أن بعض القبائل التترية التي لحقت بهم و عاشت معهم عادت تعتبر منهم و إن كانت خارجة عن جذمهم كما مرّ.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 72

المغول الثانية:

إن قبائل المغول هذه تكونت في اركنة قون. لأن قييان بن أيل خان و ابن اخته (نكون) تكاثروا هناك فصار يسمي أولاد قييان باسمه و أولاد نكون باسم (دورلگن) أو (دورليگن).

و من هاتين القبيلتين تفرعت قبائل فأهمل اسمهما الأصلي. فمن قبيلة قييان تفرعت طائفة (قورلاس) و هي الأكثر نفوسا. و بيدها كانت السلطة و الرياسة فهي منها الأمراء. و لكن لم يعرف اسماء رؤسائهم أو امرائهم

أو كما يقولون (خاناتهم) و من هذه الطائفة يقصون أن قد ظهرت امرأة تدعي (الانقووا) قد ولدت ثلاثة بنين اثنين منهم من زوجها الأول قبل أن يتوفي و الآخر ولدته دون أن يتصل بها امرؤ. و سيأتي تفصيل الخبر عند ذكر ملوكهم في هذا الزمن.

كبر هؤلاء و تكاثر نسلهم و من الابن الأخير تكونت طائفة يقال لها (نيرون) و معناه النسل الطاهر. و سبب تسميتهم أن المغول يعتقدون أنهم خلقوا من نور.

إن جد جنگيزخان الثالث من هذه الفرقة و هو (قابول خان) قد ولد له ستة بنين كلهم اشتهروا بالشجاعة و البطولة. و صاروا يسمون (قييات) و معناه السيول المنحدرة من الجبال.

و كان أكبر أولاد قابول خان (نارتان خان) و ابنه يسمي (يه سو كه ي بهادرخان) و هو والد جنگيزخان و قد ولد اشهل العيون. و يقال له في لغتهم (بورجاغين) و لذا يقول جنگيزخان نحن نسل بورجاغين يه سوكه ي بهادر. و بهذه الصورة تجدد اسم قييات (جمع قييان) فصار يطلق علي أولاد قابول خان فتكررت التسمية به.

و ليس في الوسع احصاء قبائل المغول و تعدادهم كما يقول صاحب شجرة الترك و أشهرهم:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 73

1- مركيت أو مكريت. و هذه حاربت جنگيزخان و تغلبت عليه و قد اسرته مرة ثم اطلقته بفداء.

2- ايكراس.

3- آلقنوت، و هما أخوان. فصار كل منهما جد قبيلة. و إن أم جنگيز منهم.

4- قارنوت.

5- قورلاس.

6- ايلجيگن هما أخوان فصارا لقب قبيلتين.

7- اورماووت. و يقال لها اويماووت. و من هذه تفرعت قبيلة (قونقومار) سميت باسم أحد افرادها و كان يلقب بهذا اللقب و معناه كبير الأنف. و من هذه القبيلة تولد (مينكيليك ايچيگه). و اللفظ الأول من هذه الكلمة

وصفه أبوه به و الثاني يعني الجد و هو دليل الاحترام. كان زوج أم جنگيز. و سيأتي الكلام عنه.

8- ارلات.

9- باداي.

10- قيشاق هذان أخوان فصار كل منهما لقب طائفة. و مما يحكي عن أحدهما (باداي) أنه كان يرعي قطعان سيده (بيكه) أحد بيكات أونغ خان و كان هذا قد اكتشف اغتيالا دبر علي جنگيز فأخبره به هو و أخوه دون أن يشعر احد فنالا مكانة عنده و حصلا علي امتياز و لقب (ترخان).

11- اويشان.

12- سولدوس. اوسلدوز و النسبة إليه سلدوزي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 74

13- ايلدور كيت.

14- كيتكيتلر.

15- دوريان.

16- بارين.

17- سوقوت (أولاد الخادمة).

18- كورلوت.

19- بارقوت.

20- جويرات (جاجيرات).

21- بابا اوت. و لها فروع كثيرة جدا.

22- جلاير. و هذه قبيلة قديمة، و نفوسها كثيرة فلما تحاربوا مع الخيتاي اجتمعوا و كونوا نفوسا و فيرة. فصارت خيامهم 70 (كورن) و [الكورن ألف خيمة]. و لهم شعب كثيرة و كل واحدة مستقلة عن الأخري. ففي بعض الأيام هاجمهم الخيتاي علي حين غفلة فأنزلوا عليهم ضربة قاضية و أسروا الباقين منهم. و لم يبق منهم إلا قبيلة (چابولغان). و هذه عاشت عيشة بدوية و علي البصل البري.

ففي هذا الأوان قد مات الجد السابع لجنگيزخان «دوتومينين».

و كان له تسعة أولاد و أمهم «مونولون» و أكبر الأولاد قايدوخان. و هذا خطب بنتا فكان ذاهبا إلي صهره و قرب دار أبي الأولاد صحراء واسعة كان يتطارد فيها أولاده و يصيدون فيلعبون علي ظهور الخيل. و لهذه الأرض بصل بري كثير.

أما القبيلة المسماة چابولغان فإنها اصابتها مجاعة فحفرت الأرض و أكلت بصلها فصارت الأرض لا تصلح للطراد فشكوا ذلك لأمهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 75

فغضبت من ذلك و ركبت فرسها فرأتهم

يحفرون فأمرت بضربهم. و حينئذ اجتمع الجلاير فصارت معركة قوية قتل فيها منهم بضعة أشخاص أما من الجهة الأخري فقتلت أمهم مونولون مع قسم من خدمها. و علي هذا هاجم الجلاير خيامها و نهبوها. و قد وصل إلي يدهم ثمانية من أولادها فقتلوهم جميعا و نهبوا ما عندهم، و غنموا غنائم كثيرة.

و لما عاد قايدوخان من صهره و سمع بما جري … جمع أقاربه و قبائله و عساكره و أرسل إلي الجلاير يسألهم عن فعلتهم هذه. و حينئذ عدوا من اشتبك بهذه الوقعة فكانوا خمسمائة فأمسكوهم بنسائهم و أولادهم و سلموهم إلي قايدوخان ترضية له و قالوا له: «اصنع بهم ما شئت!».

و علي هذا تشاور قايدوخان مع اقاربه و قبيلته فقال أحد الحضار:

«إن دماءكم لا تكافأ بدماء هؤلاء. فالأولي أن تستخدموهم موالي لكم مدي بقاء نسلهم.». فاستصوب الجميع هذا الرأي و حسنوه فعمل بموجبه. فتكاثر نسلهم. و صاروا يسمون ابناء قييان إذ كان معتادا أن يسمي القن باسم سيده علي حد ما هو معروف عندنا من القول المشهور (مولي القوم منهم).

و عند ما حكم جنگيز و صار ملكا عظيما اتصل باقي الجلاير بهؤلاء و صاروا مثلهم يحملون اسم ابناء غلمان مغول قييان. فبقوا خدما له و لنسله إلي عشرة بطون أو أحد عشر بطنا. و كان يستخدم لكل (تورة) (ألف بيت) عشرة إلي عشرين من خيام الجلاير.

و أصل نسب الجلاير أنهم من نسل المغول من أولاد نكون من قبيلة (دور ليگين).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 76

سلاطين المغول:

لما كان المغول في اركنة قون تكاثروا هناك و من (قييان) و (نكون) تكونت عدة قبائل. و أكثر هذه الطوائف (قبيلة قورلاس). و هذه نصبت عليها اميرا

(پادشاه) فصار يحكم عليها جميعها و لكنه لم يعلم اسمه.

و لا عرف الملوك الذين خلفوه.

و حين خرجوا من اركنة قون كان ملوكهم بالتوالي:

1- برته چينه.

2- قوي مارال.

3- بيچين قييان.

4- نيماج.

5- قيچي مه ركه ن.

6- قوجوم بورول.

7- بوكه بندون.

8- سام سائوجي.

9- فاليماجو.

10- تيمور طاش.

11- مينكيلي هوجا.

12- يولدوز.

فهؤلاء الأمراء (يادشاه) الواحد ابن الآخر. تعاقبوا بهذا الترتيب.

و لهذا الأخير ولدان توفيا قبله، لأحدهما ابن اسمه (دو بون بايان).

و للآخر بنت اسمها قووا فتزوج الولد من البنت. و لما توفي يلدوزخان خلفه:

13- دو بون المذكور. و هذا قبل أن يصل إلي 30 عاما من العمر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 77

توفي و له ولدان أحدهما و هو الكبير (بلكوداي) و الصغير (بوكجه داي) و لا يتجاوز عمرهما السابعة و السادسة. و في بعض النسخ يسمون (بولگونوت و بوكونوت).

وصاية الأم (الانقووا) و حكومتها:

و نظرا لصغر الولدين صارت أمهما وصيا عليهما. فزاولت شؤون القبيلة … متربصة أن يكبر أولادها و يتولوا الحكم. و في خلال ذلك طلب منها إخوة زوجها و غيرهم أن يتزوجوها فلم تقبل معتذرة بأنها تدير أمور القبيلة إلي أن يبلغ ابناؤها أشدهم و لا ترغب بسوي ذلك. مضت بضع سنوات علي ذلك و لكنها- كما يحكي- في ليلة وقت السحر رأت نورا من أعلي الخيمة قد دخل عليها ثم تمثل لها بشرا سويا أبيض الوجه أصفر الشعر أشهل العينين. فحاولت أن توقظ النساء حولها فتصيح إلا أنها أحست بأن لسانها قد أمسك و أرادت أن تنبه من حولها فترفسه برجلها فلم يتيسر لها ذلك و مع هذا كانت تملك عقلها. فتقرب منها ذلك النور و اتصل بها ثم خرج لم تبيّن ذلك لأحد بل كتمته خشية أن لا تصدق.

و بعد خمسة أيام أو ستة ظهر عليها ذلك الشخص ثم صار يتردد عليها فحملت منه من أول ليلة. ثم بعد بضعة أشهر ظهرت عليها علائم الحبل فسألوها عن السبب فقالت:

«لو أردت زوجا لحصل بسهولة. و قد صرت أميرة برغبة القبيلة.

و لكني لم أعدل أحدا بقومي و لا بأولادي. و لم آت امرا منكرا. و إنما جاء النور فتمثل لي رجلا. و إذا أراد اللّه أن لا يخذلني و لا ينالني خجل فسوف تظهر قدرته و سترون الولد عند الولادة هذا و للّه الحكم».

فاعتقد حتي اعداؤها بصدق قولها. لأنهم يعلمون صحة لهجتها و أنها لا تكذب و أنها طاهرة الذيل. ثم إنهم شاهدوا النور يدخل خيمتها. فتحقق لهم صدق ما نطقت به.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 78

و إن ابناء الانقووا:

1- (بو- قوق- قاتاغين). و هو أكبرهم. و من أولاده قبيلة تسمي بهذا الاسم.

2- (بوسقين جالجي). و بهذا الاسم قبيلة تنسب إليه.

3- (بودانجار موناق). و هذا صار خانا عليهم.

13- (بودانجار موناق) المذكور. فجنگيزخان و كثير من قبائل المغول من نسله و تنسب إليه. و إن القبائل التي تفرعت من هؤلاء الثلاثة يقال لها (نيرون) و معناه الأطهار الأصل. لأن المغول يعتقدون أن هؤلاء ولدوا من نور. و لهذا ولدان (بوقا) و هو الأكبر و (توقا) و هو الأصغر و قد خلفه ابنه الأكبر:

14- بوقا. و لم يعرف عن الصغير شي ء. فلم يدر هل له ذرية أو ليس له. و أما الأكبر فخلفه:

15- دوتوم- مه نين خان. و لهذا تسعة أولاد قتل الجلاير ثمانية منهم و بقي الأكبر فخلف أباه في الخانية و هو:

16- قايدوخان. و لهذا ثلاثة أولاد. أكبرهم (باي سونقور) و أوسطهم (چارقا- له ن- قوم)

و منه تكونت قبيلة تايجوت. و قد تحارب (بارغو قايدي) من امراء هذه القبيلة مع جنگيز كثيرا.

و (جاوچين) و هو الابن الثالث و منه تفرعت قبيلتا چاجوت وايرته كين.

و قد خلف قايدو في حكومته ابنه الأكبر:

17- باي سونقور. و كان عاقلا مدبرا و عادلا. و قد تبعته قبائل كثيرة. ثم خلفه:

18- تومه نه. و حكم هذا علي جميع قبائل نيرون سنين عديدة.

و نالت مملكته في أيامه ثراء وراحة. و لهذا تسعة أولاد تكون من كل منهم قبيلة أو قبيلتان فأكثر. و هؤلاء:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 79

(أولهم) چاقسو و له ثلاثة أولاد: (نرتاقين) و (اوروت) و (مانقوت) فتفرعت منهم ثلاثة قبائل عرفت بهذه الأسماء.

(و ثانيهم) ياريم شير بوقانجو صار جد قبيلة عرفت باسمه.

(و ثالثهم) قاجولي و منه تولد ابن اسمه (ايرومجي) أو ارده مجي بارولاس فقبيلة بارولاس منه. و أن (آقساق تيمور) من هذه القبيلة [و يقال له تاراغاي أوغلي تيمور، أمير تيمور، تيمور كوركان] و يعرف عندنا بتيمور لنك.

(و رابعهم) سام قاجون. و إن قبيلة ادور كين من نسله.

(و خامسهم) بات كه لكي. و منه قبيلة بودات.

(و سادسهم) قابول خان. و أن جنگيزخان مع قبائل كثيرة من نسله.

(و سابعهم) اودوربايان. و منه قبيلة كيقوم.

(وثامنهم) بولجا دوغلان. و منه قبيلة دوغلات.

(و تاسعهم) چنتاي. و منه قبيلة ييسوت. و هؤلاء مشهورون بالشجاعة و منهم چبه چنتاي الذي أمره جنگيزخان بتعقيب سلطان محمد خوارزمشاه و أعطاه ثلاثين ألف مقاتل و هو الذي أسر أولاد خوارزمشاه و ضبط خزائنه و اكتسح جميع ايران و آذربيجان و كرجستان حتي وصل إلي داغستان و الچركس و ذلك في خلال أربع سنوات و عاد إلي جنگيز.

و بعد وفات الملك خلفه

ابنه.

19- قابول خان. و هذا له ستة أولاد خلفه منهم:

20- به رتان. و لهذا أربعة أولاد. و من أولاده تكونت قبيلة قييان و قد خلفه ابنه:

21- يسوكي. و له خمسة أولاد أكبرهم (جنگيزخان) و كان سماه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 80

جندي مغولي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 81

أبوه (ته موچين). و يقال لأولاد يسوكي و من تناسل منهم بورجيكين قييان. لكونهم شهل العيون و بيضا. و قد خلفه من أولاده ابنه الأكبر و هو جنگيزخان و بهذا انتهت (امارات المغول) و ابتدأت (حكومتهم العظمي).

و لذا أفردت بالبحث.

حكومة جنگيزخان
أوائل أيامه:

وضع له أبوه اسم (تموچين) و في تحفة النظار: أنه كان حدادا بأرض الخطا و كان له كرم نفس و قوة و بسطة في الجسم و كان يجمع الناس و يطعمهم ثم صارت له جماعة فقدموه علي أنفسهم و غلب علي بلده و قوي و اشتدت شوكته و استفحل أمره فغلب علي ملك الخطا ثم علي ملك الصين و عظمت جيوشه و تغلب علي بلاد الختن و كاشخر (كاشغر) و المالق و كان جلال الدين … خوارزمشاه له قوة و شوكة فهابه تنكيز و أحجم عنه و لم يتعرض له. و مثلها في غيرها. و لما صار خانا لقب (بجنگيزخان). و يقال له و لإخوته و لمن تناسل منهم قبيلة (بورجكين قييان) لكونهم بيض البشرة و شهل العيون. و هذا ما توسمته فيهم جدتهم العليا الانقووا في البطن التاسعة.

إن جنگيز ولد سنة الخنزير (549 هجرية) في المغول في محل يقال له ييلون بيلدوق (ديلون بولداق). و كانت إحدي يديه وجدت مقبوضة علي قطعة دم. و كان أحد الحضار في مجلس والده- حين تداولوا في غرابة ذلك-

أبدي أن هذا يدل علي أنه سيكون ملكا عظيما.

وأبوه يسوكي بهادور. و قد مر القول عن أجداده سوي أن المغول يقفون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 82

عند الجد السابع و لا يعدون ما بعده. و في المثل عند الترك في الاناضول إلي الآن يقال: [هو حداد من سابع ظهر] كما أن عندنا ما يشابه هذه العادة فإذا سب أحدنا الآخر يشتمه إلي [سابع ظهر].

و لما توفي يسوكي (والده) كان له من العمر عشر سنوات و كان إخوته صغارا و أن نسل بودانجار كلهم كانوا تابعين ليسوكي خان فيأخذ منهم العشر من أموالهم. و أن الأموال التي يؤخذ عليها العشر: هي الخيل و الإبل و البقر و الغنم. و من عوائدهم أن الخان إذا مات و ترك أولادا ينصبون أحدهم. و أما الباقون فيختلطون بالأهلين فيكونون كأحدهم. و في كل سنة يؤدون للخان فرسا أو بعيرا. و لكن هؤلاء إذا ماتوا و قد خلفهم أولادهم فحينئذ يؤدون العشر كسائر أفراد العشيرة بلا فرق.

فالذين يؤدون إلي يسوكي الخراج نحو 30 أو 40 ألف بيت. و لما مات و خلفه ابنه و كان صغيرا صار الناس لا يخشون بطشه. و لذا حلا المال بأعينهم و صار يصعب عليهم إعطاؤه ففروا منه و لم يبايعوه و ذهبوا إلي مواطن بعيدة بقصد التخلص من القيود …

افترقت قبيلة أبيه بعد موته و هي من عشائر التايجوت و تبعثرت أمورها و انقسمت إلي فريقين أحدهما و هو ثلاثة أرباعها قد اتفق مع التايجوت و الفريق الآخر بقي مع جنگيز. و أيضا بقي معه من القبائل الأخري البيت و البيتان و الثلاثة أو الأربعة إلي الخمسة و الباقون انفصلوا عنه فوقعت حروب

دامية بين الفريقين و أما القبائل الأخري فقد مالت إلي التايجوت.

إن أم جنگيزخان كانت تسمي اولون، و هي من قبيلة اولقنوت و كانت عاقلة مدبرة، و هذه إثر وفاة والده تزوجت من (مينكيليك) الملقب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 83

(ايچيكه)، و بهذه الوسيلة قد التحقت قبيلته المسماة (قونغ قومار) بجنگيزخان فصارت تابعة له، و هذا مما ساعد جنگيزخان كثيرا في نجاحه علي مناوئيه و تسلطه عليهم …

محاربات جنگيز القبائلية:

و لما بلغ جنگيزخان ثلاث عشرة سنة من عمره حارب قبيلة تايجوت و نيرون اللتين من قبيلة والده في أكثر أحيانه حروبا وبيلة، و عديدة، فلم يظهر الغالب تماما فكانت سجالا بين الفريقين.

و في سنة 590 للهجرة (1193 م) بلغ جنگيز الإحدي و الأربعين سنة من عمره. و حينئذ اتحدت القبائل و اتفقت علي مقارعته و القضاء عليه …

و في هذا الحين عرك الدهر بتجاربه فعرف حلوه و مره و حلب أشطره فمخض شؤونه و قد تمرن علي الكفاح و نال مهارة، فلما سمع بالخبر جمع أمواله و قبائله. فكان معه في ذلك الوقت 13 قبيلة (أوروق) فاتخذ ثلاثة عشر مقرّا (كوران) لجيوشه علي عدد قبائله و قرب الواحد من الآخر فجعلهم بشكل دائرة و وضع في وسط هذه الدائرة نفائس أمواله، و شد أحمالها، و أما الردي ء و التافه من الأموال فقد وضعه خارج الفيالق …

و لما جاءته الأعداء أركب خيالته و جعلهم صفوفا لمحافظة الكتائب و الجيوش من الوراء. أما جنگيز فقد كان معه عشرة آلاف في حين أن أعداءه كانوا ثلاثين ألفا فاشتبك القتال بين الطرفين و نالت الحرب شدة وقوة. فتغلب جنگيز علي اعدائه و قد فقد من جيوشه خمسة آلاف إلي ستة

آلاف.

أما الذين قبض عليهم من قبيلة تايجوت فقد أغلي لهم الماء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 84

بمراحل و رماهم فيه أحياء فقتلهم بهذه الطريقة و أبقاهم حتي نضجوا.

و حينئذ تقدم إلي مواطنهم فاستولي عليها و انتهب ما فيها من أموال و اتخذ أبناء الرؤساء أسري و موالي و الباقين ألحقهم بقبيلته.

و بهذا النصر نال غلبة وقوة فاكتسح بعد هذه الوقعة جميع انحاء مغولستان. و هذه الحروب و إن كان غاية ما يقال عنها إنها قبائلية و لم تكن مقارعة حكومة بحكومة إلا أنها تعلق عليها أهمية كبري أولا من ناحية تمرنه علي الحروب و ممارسته لها و ثانيا من حيث توحيد أمة المغول و توجيهها نحو وجهة واحدة، معلقة به قلبا و قالبا. و تظهر نتائج هذه و أهميتها في غلبته علي الأقوام الأخري. و ظهوره بمظهر فاتح …

حرب جنگيز مع ملك كرايت و تغلبه عليه:

إن چاموقا چچن (و معني چچن العاقل المدبر) جاء يوما إلي سنكون بن أونغ (أونك) خان الكبير و قال له: إنكم تعرفون جنگيز صديقا لكم. و الحال أنه اتفق مع تايانك خان و بويوروق خان خفية لمحوك و أباك و إزالة أثركما. و لم يكن أحد واقفا علي أسرار جنگيز مثلي لأني من أقاربه و ألصق الناس به خصوصا أنا عشنا سويّة …

و بتأثير من قوله هذا حدثت منافرة بين المتجاورين كرايت و نايمان و اشتد العداء بينهما فالكل اعتقدوا بصحة ما قاله چچن إلا أن الأب قال لابنه: «ان يسوكي، و ابنه جنگيز، قد صنعا جميلا معنا فإذا لم يتجاوزوا علينا فلا نقدر أن نعتدي عليهما و إن چاموقا چچن كثير الكلام و مفسد.

فلا أعتقد بكلامه و لا أشتري عداوة صديقي و من له لطف علي

فليس ذلك مني بصحيح».

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 85

و سبب الصداقة القديمة هو أن قبيلة كرايت كان يملكها (مارغوزخان). و لهذا ابنان (قوجاقور) و (كور). و لما مات أبوهما اقتسما المملكة بينهما. و كان لقوجاقور خسمة أولاد أونغ خان (اونك)، و أركه قارا، و باي تيمور، و ما ميشاي، و جاكه مبو. و لما مات أبو هم لم يقسم في حياته الملك بينهم فصارا اونغ خان مع جاكه مبو في جهة واركه قارا مع باقي أخويه في جهة أخري فتحارب الفريقان، فتغلب اونغ خان فاضطر اركه قارا علي الفرار و التجأ إلي نايمان فأمده. و علي هذا تمكن من الوقيعة باعدائه «أخوته» و حلوله محلهم. أما اونغ خان فأنه التجأ إلي يسوكي و هذا هاجم اركه قارا فهزمه و أقام أونغ مقام أبيه. ثم أن اركه قارا التجأ إلي عمه كورخان و أراد أن يتوسط الأمر صلحا فلم يقبل اونغ خان و لذا مشي عليه عمه و تحارب معه و في هذه المرة أعانه يسوكي أيضا بعد أن ذهب عنه جميع من معه و ألتحقوا بأخيه فتغلب علي الكل و قتل أخاه و استقل بالخانية و من ذلك الحين لم يطرأ علي دولته خلل بل زادت و تكاملت بمرور الأيام.

و الحاصل أن اونغ خان نسي هذا الجميل مؤخرا و هو الذي دبر قتل جنگيزخان بحيلة و ذلك أنه أعطاه ابنته فدعاه إلي بيته بأمل أن يأتيه فيقتله و كان اسم بنته چاأور بيكي، و دعا جنگيز بواسطة «بوقداي قونجات» و يسمون الداعي «چاقيرنا»، و كانت البيوت متقاربة. أما چنكز فانه كان غافلا عما دبروه من الحيلة للوقيعة به، و لذا أخذ معه أثنين من أعوانه و خرج للذهاب

إلي بيت اونغ خان. و لكن صادفه في طريقه (مينكيليك ايچيكه) و هذا أطلع جنگيز علي الحيلة و ما ينويه اونغ خان. و لهذا عاد جنگيز و أبدي أن فرسه متعب و لا يستطيع الذهاب. و أنه بعد أيام سيرسل خبرا بذلك معتذرا عن حسن معاملته.

و بعد بضعة أيام جاء إلي جنگيز شابان اسم الكبير منهما (باداي) و الآخر (قيشاق) فأخبرا جنگيزخان أن (بوكه چه ران) الذي يرعيان بقره

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 86

حينما جاء كبيرهما بحليب إلي بيته و قبل أن يدخل سمعه يكلم زوجته أن بوقداي حينما عاد من جنگيز عقد الخان مجلس شوري (كنكاش) و الظاهر أن جنگيز اطلع علي الحيلة و لذا لم نتمكن من الوقيعة به. فليلة غد نركب خيولنا و نخرج وقت السحر و سنفاجئهم علي غرة … و لما سمعت هذا القول منه قدمت لهم الحليب و رجعت توا إليك لأخبرك بما جري.» ا ه.

و لما سمع جنگيز بهذا الخبر أرسل علي أفراد قبيلته و أمر أن يرحلوا إلي عين بالجونا و أرسل رجاله إلي هناك و بقي أعوانه المسلحون معه. و كانوا كلهم 2500 رجل فانتظروا الليل كله و أعنة خيولهم بأيديهم و تأهبوا للطواري ء يتربصون الوقت المنتظر للهجوم. و قبل أن ترتفع الشمس نحو رمح أو رمحين جاءهم الأعداء و كانوا اثني عشر ألفا فتقارعا.

ثم إن جنگيز تشاور مع قو يولدار چچن رئيس قبيلة مانقوت فأبدي له أنه بقبيلته يهاجم الأعداء و يركز علمه (توغه) وراء الأعداء و أن يلازم جنگيز الجبهة و يهاجم من ناحيتها و علي هذا هاجم قو يولدار من الخلف وصال جنگيز من الأمام.

أما الكرايت فإنهم هاجموا بجماعاتهم ثلاث هجومات و

في الرابعة هاجم (سنكون) ابن اونغ خان فاخترق صفوف المغول و لكنه في هذه الأثناء جرح في وجهه. و هذا ما دعا أن يقتل من الكرايت كثيرون و ينسحب الباقون لما نالهم من الجروح.

و بعد هذا النصر قال جنگيز: «إننا لو بقينا في مواطننا تضررنا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 87

لأن الكرايت سوف يأتيهم مدد كبير. فينبغي أن ننسحب بانتظام إلي المواطن التي فيها رحالنا». و علي هذا تركوا الأعداء في مواقعهم و رحلوا لمكانهم الأول. أما الأعداء فإنهم كانوا قد ذهبت منهم ضايعات كثيرة. فلم يستطيعوا اللحاق بالجيش و تعقب أثره فبقوا في مواطنهم.

وصل جنگيز و من معه إلي عين (بالجونا) [بالجونا بولاق] حيث كانت رحالهم، و لكن لم يكن هناك من الماء ما يكفي لسد حاجتهم فرحلوا منه إلي ساحل نهر قولا فأقاموا فيه و نزلوا علي طول النهر قليلا.

و هناك صادفوا قبيلة قونقرات، و حينئذ بعثوا إليهم خبرا بأننا جئنا إلي هنا فإن كنتم حربا معنا- رغم أننا لم تكن بيننا و بينكم أمور تستوجب ذلك- فبينوا رأيكم و صارحونا، و إن كنتم سلما معنا فعرفونا الصحيح. و علي هذا وافي الرؤساء إليه و أبدوا الطاعة و بايعوا جنگيزخان، ثم إن جنگيزخان رحل من هناك أيضا و ترك نهر قولا و توجه نحو نهر تونقانور فجاؤوا إلي ساحله و حلوا به فنزلوا فيه براحة و طمأنينة.

ثم إن جنگيزخان أرسل سفيرا إلي اونك (اونغ) خان ملك كرايت مذكرا له بالحقوق القديمة و هذا أحال الأمر إلي ابنه سنكون فأجابه أننا سوف نصطدم و سيجعل اللّه الفوز لواحد منا و لا جواب لنا غير ذلك، و مع هذا كرر جنگيز إرسال السفراء لعدة مرات

و كلفهم بالصلح فلم يوافقوا. و لما لم يبق له أمل في الصلح هاجم اونك (اونغ) خان فكانت المعركة قوية و دامية جدا فتغلب فيها جنگيز، و إن اونغ خان و ابنه سنكون فرّ كلّ منهما لجهة مع بضعة أفراد، فتمكن جنگيز من الاستيلاء علي أموالهم و مواشيهم و مزارعهم، و كانت الغنائم وافرة جدا.

و كانت وجهة اونغ خان الهزيمة إلي ملك نايمان و هو تيانغ خان، و لكنه حينما وصل إلي قريب من هناك صادفه بعض الأمراء و هما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 88

قوروسوماجو و تانيكا فهؤلاء حاذروا أن يأتوا به إلي ملكهم فيغضب عليهم نظرا للعداء السابق بينه و بينهم فقتلوه و قدموا رأسه إلي خانهم (تيانغ خان) المذكور، و كذا من كان معه، فلما جاؤوا برأسه غضب و أسف لقتل ملك عظيم مثل أونغ.

أما سنكون فإنه ذهب إلي تيبت و بقي هناك بضع سنوات، و قد حاول التيبتيون مرة قتله فعلم بذلك و هرب إلي خوتان (ختن)، و هناك كان الملك (قليچ قارا) ملك قبيلة قالاچ في ختن فألقي القبض عليه و قتله، و أرسل رأسه مع عائلته و صغاره من أولاد و غيرهم إلي جنگيزخان.

و قد أشار في تاريخ العبري في وقائع سنة 599 ه 1203 م إلي هذه الوقائع بين ملك كرايت أونك خان (اونغ خان) و بين تموچين (قبل أن يتسمي جنگيز)، و قال عن الكرايت إنها تدين بالنصرانية و إن تموچين كان في خدمته و هو من قبيلة أخري و قد ابرز من سن الطفولية إلي أن بلغ حدّ الرجولية بأسا و قهرا للأعداء فحسده الأقران وسعوا به إلي اونك خان، و ما زالوا يغتابونه حتي اتهمه و تغيرت نيته و هم

باعتقاله و القبض عليه فانضم إليه غلامان من خدم أونك خان فأعلماه القضية و عينا له الليلة التي يريد فيها اونك خان اغتياله و كبسه و في الحال أمر تموچين أهله بإخلاء البيوت و كمن هو و رجاله بالقرب منها فلما هاجم اونك خان و أصحابه البيوت لقيها خالية من الرجال و كر عليه تموچين و أصحابه من الكمين و أوقعوا بهم و هزموهم، و بعد هذه حاربوه مرتين حتي قتلوه و أبطاله و سبوا ذراريه.

و في ابن العبري أيضا أنه «أنعم علي ذينك الغلامين و ذريتهما بأن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 89

جعلهم (ترخانية) و الترخان هو الحر الذي لا يكلف بشي ء من الحقوق السلطانية و يكون ما يغنم من الغزوات له مطلقا لا يؤخذ منه نصيب للملك و زاد لهؤلاء أن يدخلوا علي الملوك بغير إذن و لا يعاقبوا علي ذنب إلي تسعة ذنوب» و ذلك حينما انتصر علي الأقوام و علا شأنه.

و علي كل حال إن مصادرنا القديمة أخذت الوقائع بصورة موجزة كما تقدم في أبي الفداء و العبري فلم تبين حقيقة الوضع، و من هذا القبيل الوقائع التالية الموجودة في تاريخ العبري و سائر التواريخ إلي أيام مقارعتهم مع المسلمين … و لكن يقطع بالصحة من حيث الأساس رغم الاختصار، و رغم الغلط في الإعلام سواء من النساخ أو من التلقي لبعد الاتصال، أو صعوبة التلفظ ببعض الأعلام …

صيرورة جنگيزخانا (ملكا) إعلانه الملكية
اعلانه السلطنة و وجه تسميته بجنگيز:

في هذه الحروب و الانتصارات حصل جنگيزخان علي ملك عظيم، و لكن مع هذا كانت هناك قبائل أخري لا تزال غير منقادة له خصوصا القبائل ذات الحول و الطول منها. فلم يلتفت لمخالفة هؤلاء و أعلن خانيته (ملوكيته) سنة 599 ه اي

في تلك السنة (1203 م) التي تغلب بها علي كرايت. و كان عمره آنئذ 49 عاما و ذلك في محل يقال له [نيمان كهره].

و حينئذ أجري له احتفال عظيم بأبهة و زينة لا مثيل لهما، و قد جاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 90

[كوكجه] ابن مينكليك ايچيگه الذي هو من قبيلة [قونقامار]. و هذا يدعوه الناس (صنم اللّه) (تكري بتي) فقال لجنگيز: «أمرت من جانب اللّه تعالي أن آتيك و أنبئك و سائر الناس بأن لا يدعوك تموچين. و ليكن اسمك جنگيز و أن اللّه أعطاك كافة أقطار الأرض». [و چنيك مفرد چنكز بمعني العظيم أو القهار أو الفظ القاسي]. و كان كوكجة هذا يتجول في البراري و الجبال من أرض المغول و في شتائها القارس حافيا عاريا و يغيب أياما ثم يأتي و كان يقول إنه يأتيه فرس أدهم من الغيب فيركبه و يسري به إلي السماء فيكلمه اللّه هناك ثم يرجع» و قد تفاءل تموچين خيرا بهذه التسمية فلم يعدل عن قوله. و مثل هذه القصة ما جاء في ابن العبري و لكنها غير واضحة بهذه الصورة: (ص 394: 395).

أعماله التالية لإعلانه الاستقلال:

و حينئذ أرسل الرسل إلي جميع شعوب الترك فمن أطاعه و تبعه نجا و من خالفه خذل و ذل (ص 395 العبري). و إن أول من عارضه (تيانك خان) [تيانغ] ففي سنة 600 ه (1203 م) حاربه و كانت من أعظم الحروب التي صادفت جنگيز و كان هولها خطيرا.

و هذه المحاربة الدموية طالت من وقت السحر إلي الغروب جرح فيها تايانك (تيانغ) و كسر جيشه و قد فر مجروحا فمات في الطريق فانتصر عليهم جنگيز و تغلب بصورة باهرة و ذلك لأن

جنگيز علم بتأهبه من رئيس قبيلة اونغوت التي كتب لها أن لا تتابع جنگيز و هذه أخبرته،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 91

و أما ابنه و هو (كوچلو) فقد سلم و ذهب إلي عمه الأكبر بويروق خان.

و هذه الفتن و الأحوال الحربية كان منشأها و سببها الوحيد چاموقا چچن المار الذكر فإنه أوهم اونك خان حتي وقع فيما وقع و في هذه المرة أهلك تيانك خان (تيانغ) و لذا اتفق الجويرات فألقوا القبض عليه و سلموه إلي جنگيزخان خلاصا من شره فقتله.

و مما يحكي عنه حين قتله و تعذيبه أنه قال: لو كنت قبضت علي جنگيز لفعلت به هذه الفعلة.

و بعد أن قضي جنگيز الشتاء لدي أهله عزم في الصيف علي مركيت، و كانت تحت امارة توقتا، و هذا اتفق مع تيانغ و تقاتل مع جنگيز، فأحس بضعفه فانهزم و ذهب إلي بويوروق خان ملك نايمان، فاكتسح جنگيز ملكه و ألحقه بممالكه.

و من هناك ذهب إلي تانغوت و كانوا قد تحاصروا في القلعة و في مدة قليلة تمكن من الاستيلاء عليهم و جعل القلعة قاعا صفصفا و قتل رئيسهم و جعل علي ولاياتهم حاكما، و رجع عنهم.

قضي الشتاء في هذه المرة أيضا ثم ذهب في الصيف المقبل علي ملك نايمان و هو بويوروق خان و حينما قارب نايمان في الربيع لم يكن ل (بويوروق خان) علم و كان قد ذهب للصيد فصادفه جنگيزخان فقتله حالا. (و كانت مواطنهم سلطنة (هيا) و عاصمتهم (هياچه أودي) (و الآن هينغ هيا). فهم في اولوداغ في شمال بحيرة بالقاش و هي الأراضي التي تفصل تركستان القديمة عن سبيريا). أما كوچلو بن تيالغ و أمير مركيت و أولادهم فلم يكونوا قد ذهبوا معه للصيد

و بقوا في الخيام. و لكن قد فرّ أحدهم و قص الخبر عليهم ففرّ كوچلو مع توقتا و ذهب إلي (ايرتيش).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 92

فضبط جنگيزخان خيامهم و قبائلهم و رجع، ثم إنه بايعه القرغز و قدم له أميرهم أوروس اينال الهدايا الفاخرة.

و في السنة التالية ذهب جنگيزخان لتعقب أثر كوچلو و توقتا بك فصادف في طريقه قبيلة أويرات و قبيلة قارلوق فبايعتاه و صارتا تريانه الطريق و تدلانه كخريت له، و بصعوبة و علي ساحل ايرتيش عثروا علي توقتا فقتلوه. أما كوچلو فقد نجا و التجأ إلي تركستان إلي كورخان ملك الخيتاي (الخطا هكذا يلفظه مؤرخو العرب). و قد أكرمه كورخان و أعطاه بنته و جعله كاتبه … و من ثم رجع جنگيزخان إلي فيلقه.

بيعة الأويغور:

إن ملكهم ايديقوت كان تابعا إلي گورخان ملك قراخيتاي (قراخطا) و يؤدي له الخراج. و أن كورخان كان قد أرسل واليا (داروغا) عليهم أحد أعوانه و هو شادكه م و هذا شرع يظلمهم و يتعدي عليهم بحيث صار الأويغور لا يتحملون ظلمه و قسوته، و في هذه الأثناء ذاع صيت جنگيز في كافة الأقطار و زيادة علي هذا فإن ايديقوت قتل شادكه م و حينئذ أرسل إلي جنگيزخان رسولا يعرفه بأنه مخلص له و أنه في طاعته إلي أن يموت؛ و أن جنگيزخان أيضا بالمقابلة أرسل إليه سفيرا من قبله يسمي (دورباي).

ثم إن ايديقوت أعد هدايا عظيمة و ذهب بنفسه لزيارة جنگيزخان سنة 606 ه (ابن العبري) فرأي التفاتا كبيرا من الخان و علي هذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 93

عرض ايديقوت عليه قائلا: «آمل من كرم الخان الأعظم أن أكون خامس أولاده». فانتبه الخان

إلي أنه يقصد التزوج ببنته فأعطي إحدي بناته إليه.

و هذه ظروف جديدة و مسهلات لاكتساح الممالك الأخري.

و بهذه الحادثة قد تم لجنگيزخان الاستيلاء علي كافة أنحاء المغول «مغولستان» و لم يبق له فيها مناوي ء أو منازع.

فتح خيتاي و قراخيتاي و جورجيت

إن جنگيزخان بعد استيلائه علي كافة أنحاء المغول كما تقدم جمع أمراء المغول كلهم و قال لهم: «إن آلتان خان: ملك الخيتاي (الخطا) كان قد عامل أجدادي و أقاربي معاملة قاسية و رديئة، فأنا عازم علي أخذ الثأر منه و لكني مرسل إليه قبل ذلك رسولا يدعوه للطاعة لئلا تبقي له حجة». فوافقه الحضار و أرسل ضابطا (نوكرا) مدربا و زوده بمعلومات كافية للمفاوضة و للاطلاع علي الحالة و معرفة الطرق و الأوضاع الحربية فلما ورد إليه و قص عليه القصص أجابه بأني متأهب للنضال فليأت بسرعة.

و حينئذ وافاه جنگيزخان بجيش قوي كما أن الطرف الآخر قام بتأهبات حربية كافية و كل من المتنازعين عبّي جيشه، أما جنگيز فإنه تقدم و صار يهلك ما وجده أمامه و لم يبق و لم يذر من قتل و حرق … و أرسل آلتان خان أيضا قوة كبري مع أحد أمرائه لإيقافه عند حده. و في هذا الحين فر واحد من جيش جنگيزخان و عرف آلتان خان بأنه جاءهم بقوة كبري و أنه استولي علي إحدي المدن فقتل أهليها قتلا عاما و حرق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 94

المدينة، و ها إني جئتك منه و هو في هذه الحالة. و قد فررت منه. و علي هذا تقدم الأمير من قبل آلتان خان و كذا جنگيز سار عليه فتلاقي الجمعان و تناضلا فظهر جنگيز علي عدوه و استولي حينئذ علي كثير من ممالك الخيتاي (الخطا) و

حينئذ وصل جنگيزخان إلي المضيق الذي فيه آلتان خان فصارت المحاربة هناك، و في هذه الحرب أيضا أضاع آلتان خان نحو ثلاثين ألفا من جيشه كما فقد جيشه المرسل مع أحد أمرائه.

و علي هذا انسحب آلتان خان إلي طريق خان باليق [پكين، يه كينگ]، و أن الأمراء في خان باليق كانوا يحملون اسم آلتان خان، و في هذا قد ضبط جنگيزخان ولايات كثيرة أخري من بلاد الخيتاي.

المصالحة مع آلتان خان:

إن آلتان خان بعد أن وصل إلي خان باليق سمع بأن جنگيزخان اكتسح بلادا كثيرة منه و استولي علي قري عديدة و علي هذا عقد مجلس شوري (كنكاش) في ترجيح ما إذا كان يتحارب أو يتصالح مع جنگيز الذي هو متوجه نحو خان باليق فأشار عليه وزيره (چينغ سانغ بولاداغا) بترجيح الصلح لأنه من المأمول أن يعود جنگيزخان إذا تم الصلح و يرجع إلي بلاده، فرأي الملك أن فكرة الوزير هي الصواب فأرسل رسولا إلي جنگيزخان، و قدم بنته هدية له مع تقدمات أخري ثمينة، فلما رأي الرسول رحب به و أعزه و تزوج البنت و أمضي الصلح.

أما آلتان خان فإنه وجد مملكته قد تخربت كثيرا، و لذا انسحب إلي تمينگ، و كانت هذه المدينة قد بناها أبوه و جعلها محكمة و هي علي الساحل و قد اتخذ في أطرافها ثلاثة استحكامات أخري، و قد جعل ابنه في خان باليق و أقام هو في تمينك و لكنه حينما تحرك من خان باليق كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 95

قد قتل قائد قراخيتاي لجريرة ارتكبها، و لهذا فإن امراء قراخيتاي و شجعانها قد انتهبوا الخيول و البغال و الحمير و الأغنام و الإبل و البقر …

العائدة إلي ابن آلتان خان فساقوها معهم و

التحقوا بجنگيزخان، ثم ظهر من قراخيتاي بطل فاستولي علي عدة ولايات و أرسل رسولا إلي جنگيزخان فبايعه.

و علي هذا قبل جنگيزخان منهم ذلك بل تلقاه منهم بقبول حسن.

و لهذا و لأدني سبب قد ألتحق أمراء آلتان خان بجنگيزخان. و بعد ستة أشهر رأي الابن- ابن آلتان خان- أن الحالة مضطربة هناك و هي في تشوش فترك خان باليق لبعض امرائه و ذهب إلي أبيه.

أما جنگيزخان فإنه تحقق لديه عجز آلتان خان و ابنه و لذا سير أميرين من امرائه و هما (ساموقا بهادر و مينكار بهادر) مع جيش عظيم إلي خان باليق، و في أثناء سيرهما قد التحق بهما خلق كثير من أهالي خيتاي، و حينئذ سمع آلتان خان بأنه في خان باليق مجاعة و لذا لم يرسل جيشا كبيرا إلي هناك بل أرسل بمقدار الحاجة و هذا الجيش لأول ملاقاة قد تشتت شمله و قضي عليه، فلما علم آلتان خان بالقضاء علي جيشه انتحر بشرب السم، و علي هذا ضبط جيش جنگيزخان عاصمته خان باليق، و هناك كانت خزائن لآلتان خان فأوصلت إلي جنگيزخان بما فيها.

إن جنگيزخان في خلال خمس سنوات استولي علي أكثر مدن الخيتاي و عين فيها ولاة (داروغا) و عاد لبلاده. و ضبط هناك بلادا أخري.

و كان في نية جنگيز أن يستولي علي البلاد الباقية من الخيتاي و لكنه عدل عن ذلك لسبب أن تيانغ خان بعد أن توفي قد هرب ابنه كوچلو إلي تركستان، و هناك اتفق مع بعض اعداء جنگيزخان فأعلنوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 96

كوچلو (خانا أي ملكا عظيما، يادشاه)، و أن كوچلو هذا أرسل سفيرا إلي سلطان محمد (خوارزمشاه) و ساقه علي حرب گورخان، و في ذلك الوقت كانت تركستان

تابعة إلي كورخان ملك قراخيتاي، و أن كوچلو قد ضبط نحو نصف تركستان منه …

فلما علم جنگيزخان ذلك قال في نفسه: «ليس من المصلحة أن أدع عدوا عظيما يتوسع في جواري و أنا أتوغل في الممالك النائية البعيدة»، فترك السفر إلي الخيتاي و عدل عن مهاجمتهم.

و في هذه الأثناء ظهر من أمراء مركيت و هو قودو (عم الأمير الأصلي توقتا) مع اولاده فمضي إلي مملكة نايمان فصار يعيث هناك و يفسد علي جنگيزخان، و لأجل القضاء علي هذه الحركة أرسل عليهم جنگيز قوة. و لما صادفوا عسكر قودو كسروه قرب ساحل نهر جم موران و ذلك سنة 613 (1216 م). و هذه الحرب قضت علي سلطنة مركيت.

و في هذا الحين عصت قبيلة نومان فأرسل عليها سرية فكسرتها و عاد قائد جنگيز بغنائم و فيرة.

قتل كوچلو (كشلوخان):

إن كوچلو كان قد التجأ إلي كورخان في قراخيتاي و هناك قد اختل ما بينهما فاستولي علي بعض ولايات كورخان و جمع اعداء جنگيزخان إليه. فلما سمع جنگيزخان بذلك أرسل إليه چپه نويان من قبيلة ييسوت و جهزه بفيلق عظيم، و لما اشتبك القتال العظيم بينهما غلب كوچلو علي أمره و قد فر بجيش قليل كان معه، فاستولي علي عائلته و أولاده فأسرهم بعد أن قتل الباقين. ثم إنه عقب كوچلو فتمكن من اللحاق به و قتل عساكره و ضباطه، و مع هذا قدر أن يفر كوچلو مع ثلاثة من أصحابه فوصل وادي بدخشان إلي محل يقال له (صاري قول) فاستمر علي تعقبه حتي ألقي القبض عليه فقتله و قطع رأسه فأتي به إلي جنگيزخان، فأنعم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 97

عليه جنگيزخان و أكرمه بل بالغ في الإحسان إليه

جزاء ما أبداه في هذه الحرب و قتله كوچلو.

نظرة عامة و نتائج ضرورية:

كل هذه الوقائع جرت و هذه الحروب الطاحنة مضت بين جنگيز و أعدائه حتي تمكن من الكل و سيطر علي الجميع و مع هذا كان المسلمون في مأمن حتي أنهم لم يشعروا بهذه الحروب، و لم يعلموا عنها كثيرا إذ إنها لا تهمهم لبعد الشقة و انقطاع المواصلة … و لكن الوقائع المهمة بالنظر إلينا هي التي تخص المسلمين، و وقعت بينه و بينهم، و هي ما يتلو هذه الحوادث سوي أنني هنا أقول إن جنگيز قضي علي امارات صغيرة و حكومات مفرقة و مشتتة الحالة سواء في المغول أو في الترك. و بذلك تمكن من السيطرة علي تلك الأنحاء لعلمه بأنه لا يتم له الأمر، و لا يستطيع أن يوسع سلطته، فيحارب المجاورين و الخارج بصورة عامة. إن لم يؤمن جماعته له حتي لا يبقي منهم معارض فتيسر له القضاء علي السلطات و الامارات الصغيرة، و الكبيرة و استقل في كافة هذه الأنحاء استقلالا تاما، و وحد وجهته و استقامته بعد ذلك إلي خارج بلاد الترك فهاجم العالم الإسلامي.

و هذا ما دعا ابن الطقطقي أن يقول عن المغول بعد أن توحدت قبائلهم:

«لم ينقل في تاريخ، و لا تضمنت سيرة من السير أن دولة من الدول رزقت من طاعة جندها و رعاياها ما رزقته هذه الدولة القاهرة المغولية، فإن طاعة جندها و رعاياها لها طاعة لم ترزقها دولة من الدول …» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 98

و في هذا ما يبين عن هذه الوحدة و لكنها علي كل حال لم تكن كما حصل للعرب من الألفة إبان ظهور الشريعة الإسلامية الغراء …

و قد

قال ابن السبكي: «كانوا ببادية الصين و هم من أصبر الناس علي القتال و أشجعهم فملكوا جنگيزخان عليهم و أطاعوه طاعة العباد المخلصين لرب العالمين» ا ه.

العلاقات الأولي بين جنگيزخان و خوارزمشاه:

نظرا للبعد و وجود حكومات أو إمارات بين جنگيز و البلاد الإسلامية الكبري كانت بطبيعة الحال العلاقات مفقودة و لكن بعد أن استولي المغول علي البلاد المجاورة نشأت العلاقات و ذلك أن كشلوخان بعد مفارقته جنگيزخان مال إلي حدود قيالق و المالق فصالحه صاحبها ممدو خان بن ارسلان خان علي أن تكون الأيدي واحدة و متفقة و في هذه الأثناء كانت هزيمة كورخان ملك الخطا (خيتاي) من وقعة جرت بينه و بين السلطان خوارزمشاه و هي آخر الوقائع بينهما فوصل إلي حدود كاشغر فأخذ ممدوخان يزين لكشلوخان قصد كاشغر و الاستيلاء علي كورخان فنهضا من قيالق و كبساه بحدود كاشغر و اقتنصاه و أجلساه علي سرير الملك و صارا لا يعملون بأوامره إلا قليلا.

و لما سمع السلطان بذلك هدد كشلوخان بلزوم تسليمه إليه و ما معه من نفائس و أن يأتيه ببنته و خزانته و أوعده فيما إذا امتنع فقدم له طرفا نفيسة جدا و تشفع مستعفيا من إرسال كورخان و كان السلطان يلح و هذا يطاول و آخر رسول بعثه السلطان هو الأمير محمد بن قرا قاسم النسوي و أمره بمخاشنة كشلوخان ففعل فقيده كشلوخان ثم نجا بوقعة جرت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 99

لسرية السلطان مع كشلوخان فأنعم عليه السلطان برياسة عامة علي خراسان فمني منه الرؤساء بداهية دهياء و خطة نكراء و أما كشلوخان فإن السلطان جهز عليه جيشا بلغت عدته ستين ألفا و ذلك بعد أن بعث إليه عدة سرايا. هذا من جهة

و من أخري هاجمه جنگيزخان فوقع بين نارين لا مخلص له منهما فقضي عليه و من ثم نشأت العلاقات و صار جنگيزخان مجاورا لبلاد المسلمين فاقتضي التطلع علي أحوال التتر ففي سنة 609 ه 1213 م قصد ثلاثة نفر من تجار البخاريين ديار التتر و معهم البضائع من الثياب المذهبة و الكرباس و غيرهما مما يليق بالمغول لما سمعوا أن للمتاع عندهم قيمة وافرة … ذهبوا إلي هناك بقصد التجارة ظاهرا و لكن لا يغب عن اذهاننا أن استيلاء جنگيزخان علي المجاورين و قيامه بهذا الفتح العظيم مما دعا إلي التطلع علي أحواله و الوقوف علي نواياه و التجسس عن أخباره. فكانت هذه القافلة الأولي التي ارسلها خوارزمشاه باسم تجار لنفائس البضائع، فلم يضع الفرصة و لم يدع هذا الفاتح الجديد يتوغل و هو في جهالة عنه، و إهمال لشأنه و إنما راعي الحيطة بأقصي ما يمكن …

إن هؤلاء التجار وجدوا الطرق محروسة قد أقام بها جنگيزخان جماعة يسمونهم (قراقجية) أي مستحفظين يخفرون المترددين إليهم أو أنهم يراقبون الحدود و يترصدون المارة كما هو معلوم اليوم من تفتيش المارة علي الحدود و طلب جواز منهم و مراقبة أحوالهم. فقوي عزمهم و ساروا نحوهم. و لما وصلوا إلي نواحيهم وافاهم المستحفظون و وقفوا علي ما معهم من السلع (و لم تكن السلع هي الغرض الوحيد من التحريات) فرأوا قماش واحد منهم اسمه أحمد لائقا للخان فسيروه مع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 100

صاحبيه إليه. و الغرض في التسيير معلوم فعرض أحمد متاعه علي الحجاب و طلب الثمن عن كل ثوب كل مشتراه عليه عشرة دنانير إلي عشرين دينارا ثلاثة بواليش. فغضب لذلك جنگيزخان و قال:

هذا الغافل كأنه يظن أننا ما رأينا ثيابا قط و أمر الخازن فأراه من الأقمشة التي اهداها إليه ملوك الخطا أشياء نفيسة و تقدم أن يكتب ما معه و أنهبه لمن حضر من الحاشية و اعتقل أحمد، إلا أن تمنع هذا و طلبه ثمنا غاليا مغزاه معلوم أيضا إذ الغرض ليس بيع السلعة و الربح بها و العودة بسرعة و طلب موظف جنگيز أو خازنه صاحبيه فعرضا عليه متاعهما برمته و قالوا: هذا كله إنما أتينا به لنقدمه خدمة للخان لا لنبيعه عليه، فألحوا عليهما أن يثمناه فلم يفعلا. فأمر جنگيزخان أن يعطيا لكل ثوب مذهب باليش من ذهب و لكل كرباسين باليش من فضة. و عوض لأحمد أيضا مثل ما اعطاهما … و من مجري هذه الوقعة يفهم أنهم لم يتمكنوا من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 101

المضي إلي مملكة جنگيز و التطلع علي أحوالها بشراء جنگيز أموالهم …

بعثة جنگيز إلي بلاد خوارزمشاه:

ثم إن جنگيزخان تقدم إلي الأولاد و الخواتين و الأمراء أن ينفذوا مع هؤلاء بجماعة من أصحابهم. و معهم بواليش الذهب و الفضة ليجلبوا لهم من طرائف البلاد و نفائسها ما يصلح لهم فامتثلوا ما أمرهم فاجتمع معهم مائة و خمسون تاجرا من مسلم و نصراني و تركي و في رواية شجرة الترك 450 شخصا و أرسل معهم رسولا إلي السلطان محمد يقول له:

«إن التجار و صلوا إلينا و قد أعدناهم إلي مأمنهم سالمين غانمين، و سيرنا معهم جماعة من غلماننا ليحصلوا من طرائف تلك الأطراف، فينبغي أن يعودوا إلينا آمنين ليتأكد الوفاق بين الجانبين و تنحسم مواد النفاق من ذات البين». و هؤلاء جيش لجب من الجواسيس يخشي طبعا منهم و يحسب لهم

الحساب العظيم … إذ إنهم سوف يجوسون خلال الديار فيقفون علي كافة أسرارها و ظواهرها، في حين أن جماعة خوارزمشاه الذين ذهبوا لم يتمكنوا من الاطلاع علي الوضع و الحالة و علي كل كان الملك الواحد منهما مستوحشا من الآخر و حذرا منه …

جاء هؤلاء التجار مدينة (أوترار) و كان أميرها (اينالجق) و هو خال السلطان محمد خوارزمشاه و كان قد لقبه السلطان خوارزمشاه بلقب (غايرخان) فوردوا إليه و طمع هذا الأمير غاير خان فيما معهم من الأموال و الصحيح اشتبه منهم بل قطع في أنهم جواسيس فطالع السلطان في أمرهم و حسن له إبادتهم و اغتنام أموالهم فأذن له في ذلك فقتلهم طرا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 102

إلا واحدا منهم فإنه هرب من السجن. و لما رأي ما جري علي اصحابه لحق بديار التتار و أعلمهم بما وقع.

و في ابن بطوطة: إن ملك خوارزم له قوة عظيمة و شوكة فهابه جنگيزخان و أحجم عنه و لم يتعرض له، فاتفق أن بعث جنگيزخان تجارا بأمتعة الصين و الخطا من الثياب الحريرية و سواها إلي بلدة أطرار آخر عمالة جلال الدين فبعث إليه عامله عليها معلما بذلك و استأذنه ما يفعل في أمرهم فكتب إليه يأمره أن يأخذ أموالهم و يمثل بهم و يقطع اعضاءهم و يردهم إلي بلادهم … فلما فعل ذلك تجهز جنگيز بنفسه في عساكر لا تحصي كثرة برسم غزو بلاد الإسلام.

و في شجرة الترك ضعف هذه الرواية و عول علي أن جنگيزخان أرسل محمود يالواجي و قال للسلطان محمد خوارزمشاه عن لسان جنگيزخان: «إن اللّه اعطاني ملك الشرق إلي حدود ملكك، فأنت ابني، فاجهد علي الجميل يكن المسلمون في راحة

و طمأنينة!». و قد عرض رسالته هذه علي السلطان محمد، ثم إن السلطان قدم لؤلؤة إلي محمود يالواجي ثم جرت بينهما محادثة … قال: «إني سائلك فاصدقني هل كان أخذ خانك للخيتاي (الخطا) صحيحا؟ فأجابه: «و حق اللّه إن خاني ينطق بالصدق، و سيأتيكم نبأ صدقه قريبا»، أما السلطان محمد فقد قال له بحنق و غضب: «إنك تعلم يا محمود سعة ملكي و قوة سلطاني، و من خانك ليعد نفسه أكبر مني فيقول لي ابني؟ و ما مقدار عسكره ليري نفسه أعلي مني؟».

و حينئذ خاف محمود يالواجي من توسع الموضوع فكان جوابه:

«إن جند جنگيز تجاه عسكرك كضياء القمر حيال نور الشمس!». فانتهي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 103

القول بينهما و انقطع بهذه الصورة و نجا يالواجي من غضب السلطان.

و بهذه الصورة دامت الصداقة و الوفاق بينهما فصار عدو أحدهما عدو الآخر، و صديقه صديقه فتعاهدا علي أن لا يضر الواحد الآخر.

سفير الخليفة إلي جنگيزخان:

و علي هذا ذهب سفراء جنگيزخان إليه فسر، و عزم أن لا يتجاوز علي السلطان محمد ما لم يتعد عليه و في هذه الأثناء جاءه سفير الخليفة الناصر فلم يلتفت إليه، أو بالتعبير الأصح أظهر طرد سفير الخليفة و لم يقبله حبا في المصافاة … و في هذا من التكتم ما فيه … حتي دعا ذلك أن يقال إنه لم يفكر في الإخلال في المعاهدة كما في (شجرة الترك) هذا في حين أننا نري صحبة الطرفين علي دخل و لم يهمل واحد منهما الطريقة اللازمة للتزود من المعرفة و وقوف كل علي احوال الآخر. و ما يحكيه صاحب الشجرة من أن التجار حين وردوا إلي غايرخان عرفه أحدهم و كان يعرف اسمه الأصلي

(أينالجق) فدعاه به فغضب و كان هذا التاجر لا يعرف اللقب الجديد فكتب الوالي إلي السلطان محمد بأنه وردنا جواسيس فاستطلع رأيه فيهم … فهذا غير صحيح و لا يعول عليه بوجه. فلا يكون مغفلا لهذا الحد و لكن الغلط كان فيما أجراه من قتل التجار و الرسل فكان الواجب عليه أن يعاملهم بالحسني و يعيدهم دون أن يدعهم يتوغلون في المملكة أو يؤخر أمرهم إلي أن يستأذن فلم يؤذن لهم إلا إلي وقت آخر و أن يعين الطريق الذي يجب أن يسيروا فيه تحت مراقبة و ترصد تامين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 105

رأي ابن الأثير في اتهام الخليفة:

و مهما كانت الروايات فإن الذي دعا لهذه النفرة و الاشتباه من هؤلاء القوم (جنگيزخان و قومه) وصول سفير الخليفة الناصر لدين اللّه العباسي يغريه علي القيام و مناصرة الخليفة له و يروي أنه لم يقبله أو تظاهر بذلك. و قد شاعت هذه القضية حتي أن ابن الأثير لم يستطع كتمانها و هو يدون التاريخ لذلك الحين و إنما قص قضية قتل التجار و نهب أموالهم و أن ذلك هو السبب و قال: «و قيل في سبب خروجهم إلي بلاد الإسلام غير ذلك مما لا يذكر في بطون الدفاتر:

فكان ما كان مما لست أذكره فظن خيرا و لا تسأل عن الخبر» انتهي

فتراه يخشي من تدوينه في بطون الدفاتر كما أن في قوله (فكان ما كان مما لست أذكره) تأييدا لصحة هذه الشائعة و ترجيحا لصدقها و إن لم يبينها. و الكناية أبلغ من التصريح في مثل هذا المقام … و منها يتبين أن مهمة رسول الخليفة هي حث جنگيزخان علي الخروج علي خوارزمشاه …

و جاء في ابن السبكي ما

يوضح ذلك قال: «و كان السلطان الأعظم للمسلمين- أيام جنگيز- هو السلطان علاء الدين خوارزمشاه محمد بن تكش … اتسعت ممالكه و عظمت هيبته و أذعنت له العباد و دخلت تحت حكمه، و خلت الديار من ملك سواه … فتجبر و طغي و أرسل إلي خليفة الوقت الناصر لدين اللّه الذي لا يصطلي لمكره بنار، و لا يعامل في احواله بخداع يقول له: كن معي كما كانت الخلفاء قبلك مع سلاطين السلجوقية … فيكون أمر بغداد و العراق لي و لا يكون لك إلا الخطبة فيقال- و اللّه أعلم- إن الخليفة جهز رسله

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 106

إلي جنگيزخان يحركه عليه …» ا ه.

و في الفخري: «كان كل أحد من أرباب المناصب يخافه- الناصر و يحاذره بحيث كأنه يطلع عليه في داره، و كثرت جواسيسه و أصحاب أخباره عند السلاطين و في أطراف البلاد و له في مثل هذه قصص غريبة …» ا ه مما لا يسع المقام إيراده …

و علي كل حال إن السلطان محمد أمر بقتل السفراء و التجار و وجد أن مطالعة أميره ملحوظة و واردة فحاذر أن يختبروا المسالك و الطرق و يعرفوا الوضع السياسي و العسكري فأوقع فيهم غايرخان. و يؤيد هذا الحكاية التالية:

قال ابن الأثير: فلما قتل نائب خوارزمشاه (أميره غايرخان المذكور) أصحاب جنگيزخان أرسل جواسيس إلي جنگيزخان لينظر ما هو و كم مقدار ما معه من اليزك و ما يريد أن يعمل فمضي الجواسيس و سلكوا المفازة و الجبال التي علي طريقهم حتي وصلوا إليه. فعادوا بعد مدة طويلة و أخبروه بكثرة عددهم و أنهم يخرجون عن الإحصاء و أنهم من أصبر خلق اللّه علي القتال

لا يعرفون هزيمة و أنهم يعملون ما يحتاجون إليه من السلاح بأيديهم. و مثل هذا جاء في تحفة النظار قال: «لما سمع عامل اطرار (أو ترار) بحركة جنگيزخان بعث الجواسيس ليأتوه خبره فذكر أن أحدهم دخل محلة بعض امراء جنگيز في صورة سائل فلم يجد من يطعمه و نزل إلي جانب رجل منهم فلم ير عنده زادا و لا اطعمه شيئا فلما أمسي أخرج مصرانا يابسة عنده فبلها بالماء و قصد فرسه و ملأها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 107

بدمه و عقدها و شواها بالنار فكانت طعامه فعاد إلي أطرار (أو ترار) فأخبر عاملها بأمرهم و أعلمه أن لا طاقة لأحد بقتالهم فاستمد ملكه جلال الدين (خوارزمشاه) …» ا ه.

و يريد أن يقول إن الصائل قوي، متعود علي شظف العيش، و متمرن علي الكفاح و يحاول أن يهتم القوم للأمر، و هذا ما دعا أن تكون الحروب طاحنة، و الوقائع بين الفريقين دامية و مهولة …

خوارزمشاه و هذا الحادث:

«إن خوارزمشاه كان قد ندم علي قتل اصحاب جنگيز و أخذ أموالهم. و حصل عنده فكر آخر، فأحضر الشهاب الخيوفي و هو فقيه فاضل كبير المحل عنده لا يخاف ما يشير به فحضر عنده فقال له: قد حدث أمر عظيم لا بد من الفكر فيه فآخذ رأيك في الذي نفعله و ذاك أنه قد تحرك إلينا خصم من ناحية الترك في كثرة لا تحصي فقال له في عساكرك كثرة و نكاتب الأطراف و نجمع العساكر و يكون النفير عاما. فإنه يجب علي المسلمين كافة مساعدتك بالمال و النفس ثم نذهب بجميع العساكر إلي جانب سيحون (هو نهر كبير يفصل بين بلاد الترك و بلاد الإسلام) فنكون هناك. فإذا

جاء العدو و قد سار مسافة بعيدة لقيناه و نحن مستريحون و هو و عساكره قد مسهم النصب و التعب. فجمع خوارزمشاه أمراءه و من عنده من أرباب المشورة فاستشارهم فلم يوافقوه علي رأيه بل قالوا نتركهم يعبرون سيحون إلينا و يسلكون هذه الجبال و المضايق فإنهم جاهلون بطرقها و نحن عارفون بها فنقوي حينئذ عليهم و نهلكهم فلا ينجو منهم أحد. فبينما هم كذلك إذ ورد رسول من جنگيزخان معه جماعة يتهدد خوارزمشاه و يقول اتقتلون اصحابي و تأخذون أموالهم!؟ استعدوا للحرب فإني واصل إليكم بجمع لا قبل لكم به!؟» انتهي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 108

أما جنگيزخان فإنه عند ما سمع قتل أصحابه عظم ذلك عليه و غضب منه غضبا كبيرا جدا و هجر النوم و صار يحدث نفسه و يفكر فيما يفعله. و قيل إنه صعد إلي رأس تل عال و كشف رأسه و تضرع إلي الباري تعالي طالبا نصره علي من بادأه بالظلم و بقي هناك ثلاثة أيام بلياليها صائما. و في الليلة الثالثة رأي في منامه راهبا عليه السواد و بيده عكازة و هو قائم علي بابه يقول له: لا تخف افعل ما شئت فإنك مؤيد.

فانتبه مذعورا ذعرا مشوبا بالفرح و عاد إلي منزله و حكي حلمه إلي زوجته و هي ابنة أونك خان فقالت له: هذا زي أسقف كان يتردد إلي أبي و يدعو له و مجيئه إليك دليل انتقال السعادة إليك. فسأل جنگيزخان من في خدمته من نصاري الأويغور: هل هنا أحد الأساقفة فقيل له عن ماء دنحا. فلما طلبه و دخل عليه بالبيرون الاسود قال هذا زي من رأيت في منامي لكن شخصه ليس ذاك. قال

الأسقف: يكون الخان قد رأي بعض قديسينا. قال العبري بعد أن أورد هذه الحكاية و عبر عنها بلفظ قيل إن استمر في قوله: و من ذلك الوقت صار يميل إلي النصاري و يحسن الظن بهم و يكرمهم.

هذا و إن جنگيزخان أراد في سياسته أن يستفيد من العناصر الضعيفة و المخالفة للمسلمين و المذاهب المستضعفة من المسلمين فقرر لزوم رعايتهم ليحصل علي المعلومات الكافية و ليدلوه علي خفايا المسلمين و بواطنهم و كافة أحوالهم في الوقت الذي هم عائشون معهم و أعرف بهم، و يظهر أثر ذلك بوضوح في فتح بغداد علي يد هولاكو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 109

خان، فقد مشي أولاده علي هذه الفكرة و لم يشذوا عنها و هذه الحكاية قد اختلقت بعد أن وقع الأمر ففسرت أعماله بهذه الحكاية، و ميله للنصاري يؤوّل بما ذكرت من الاستعانة.

و المعلوم أن المغول قد تعاطوا المخابرات السياسية بينهم و بين الافرنج فكانت الحماية لهذا الغرض و من طريق القسوس … و كانت السلطة السياسية بأيدي القسوس فهم هناك ليسوا دعاة دين و إنما هم سياسيون … و الوقائع التاريخية تبرهن علي وجود المخابرات علي يد سواح الغربيين و ترددهم لهذا الغرض … و مثل ذلك يقال عن اعتناقهم النصرانية فإنه لا صحة له و إنما العلاقة سياسية لا غير و يفسر بتكاتف الأمتين علي الهجوم و القضاء علي العالم الإسلامي و التناصر علي توهين قواه و اكتساحه …

حكومة خوارزمشاه:
اشارة

إن حكومة خوارزمشاه كانت في ذلك العصر من أقوي الحكومات الإسلامية. و كانت في أمل الاستيلاء علي الخلافة أو جعلها منقادة إليها كما كانت طوع أمر السلاجقة و الصحيح أن المساعي مصروفة لإلغائها … فهي ذات

الحول و الطول. و ملكها المعاصر لجنگيزخان هو محمد علاء الدين. و كان لقبه قطب الدين فغيره.

استقر في الحكم حين توفي والده خوارزمشاه تكش بن ارسلان في 20 رمضان سنة 596 ه 1200 م. و كان والده عادلا حسن السيرة يعرف الفقه و الأصول علي مذهب الحنفية. و حكومتهم في خوارزم و بعض خراسان و الري و غيرها من البلاد الجبلية و كان ضبطها طغرل بك السلجوقي من آل سبكتكين ثم جعلها سنة 434 ه 1043 م إلي ابريقداره و بعدها وجهت حكومتها إلي انوشتكين من عتقاء السلاجقة و بوفاته سنة 490 ه 1097 م توالي عليها أولاده المعروفون بالخوارزمشاهية و هم:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 110

1- قطب الدين محمد بن انوشتكين (490 ه 1097 م: 521 ه 1128 م).

2- اتسز خوارزمشاه بن محمد (521 ه 1128 م: 551 ه 1157 م).

3- ايل ارسلان بن محمد (551 ه 1157 م: 568 ه 1173 م).

4- سلطان شاه بن ايل ارسلان (568 ه 1173 م: 589 ه 1194 م).

5- علاء الدين تكش بن ايل ارسلان (589 ه 1194 م: 596 ه 1200 م).

6- علاء الدين محمد بن تكش (596 ه 1200 م: 617 ه 1221 م).

و هذا الأخير عند ما خلف والده هرب ابن أخيه هندوخان بن ملكشاه بن تكش منه و ذهب إلي ملك الغورية و هو غياث الدين أبو الفتح محمد بن سام بن الحسين الغوري صاحب غزنة و بعض خراسان و غيرها يستنصره علي عمه فأكرمه و وعده بالنصر. و من ثم تولدت الحروب بين الطرفين إلي أن توفي غياث الدين في جمادي الأولي سنة 599 ه 1203 م و كان غياث

الدين هذا مظفرا منصورا لم تنهزم له راية قط، و كان له دهاء و مكر، و كان حسن الاعتقاد كثير الصدقات فيه فضل غزير و أدب مع حسن خط و بلاغة، و كان ينسخ المصاحف بخطه و يقفها في المدارس التي بناها. و كان علي (مذهب الكرامية) ثم تركه و صار شافعيا.

فخلفه ابنه محمود و لقب غياث الدين بلقب والده و لم يحسن عمه شهاب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 111

الدين الخلافة علي ابن أخيه و لا علي غيره من أهله.

و في سنة 600 ه 1204 م كان بين شهاب الدين ملك الغورية و بين خوارزمشاه محمد قتال انتصر فيه ملك الغورية و استنجد خوارزمشاه بالخطا فساروا و تحاربوا مع شهاب الدين فهزموه ثم عاد و وصل إلي غزنة و تراجعت الأمور إليه علي ما كانت عليه. و في أول ليلة من شعبان سنة 602 ه 1206 م قتل شهاب الدين أبو المظفر محمد بن سام بن الحسين الغوري ملك غزنة و بعض خراسان، قيل أنه قتله الإسماعيلية.

و كان شجاعا كثير الغزو عادلا في الرعية. و كان الإمام فخر الدين الرازي يعظه في داره.

و لما قتل كان صاحب باميان بهاء الدين سام بن شمس الدين محمد بن مسعود عم غياث الدين المذكور، فسار بهاء الدين ليمتلك غزنة و معه ولداه علاء الدين و جلال الدين، فأدركت بهاء الدين الوفاة قبل أن يصل إلي غزنة و عهد بالملك إلي ابنه علاء الدين محمد فوصل غزنة و دخلها هو و أخوه و تملكها. و كان تاج الدين يلدوز مملوك غياث الدين ملك الغورية كبير الدولة و كانت كرمان اقطاعه و مرجع الأتراك إليه، فسار هذا علي

غزنة و من ثم انسحب علاء الدين و جلال الدين ولدا بهاء الدين إلي باميان و جمعا عليه العساكر فكانت النتيجة أن انتصرا عليه، فاستقر علاء الدين في غزنة و ذهب أخوه جلال الدين إلي باميان، ثم إنه لم تستقر الأحوال و دام النضال بينهما حتي انتصر يلدوز فألقي القبض عليهما و علي هندوخان ابن أخي ملك خوارزم المار الذكر فحبسهم، ثم ظهر غياث الدين محمود بعد قتل عمه في (بست) فسار إلي فيروزكوه و تملكها و جلس في دست أبيه و تلقب بألقابه و قد حاول استمالة يلدوز مملوك أبيه فلم ينجح و الحاصل كانت مملكة الغورية في اضطراب بالغ أشده.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 112

قتال خوارزمشاه مع الخطا (الخيتاي):

و في سنة 604 ه 1208 م كاتب ملوك ما وراء النهر مثل ملك سمرقند و ملك بخاري خوارزمشاه يشكون ما يلقونه من الخطا و يبذلون له الطاعة و الخطبة و السكة ببلادهم إن دفع الخطا فعبر علاء الدين محمد خوارزمشاه نهر جيحون و اقتتل مع الخطا. و حدثت عدة وقائع و الحروب بينهم و بينه سجال. فاتفق أن خوارزمشاه انهزم و أخذ اسيرا و لكن شخصا من أصحابه و هو ابن شهاب الدين مسعود احتال في خلاصه باستخدامه له كغلام فقال للخطا إنه فلان و يخشي أن ينقطع خبره فأراد أن يعلمهم بحاله و طلب ذلك منهم فأجابوه إلي سؤاله فأرسل خوارزمشاه فعاد إلي مملكته و تراجع إليه عسكره.

و كان لخوارزم شاه أخ يقال له (علي شاه) بن تكش و كان نائب أخيه بخراسان فلما بلغه موت أخيه في الوقعة مع الخطا دعا إلي نفسه بالسلطنة و اختلف الناس بخراسان و جرت فيها فتن كثيرة.

فلما

عاد خوارزم شاه محمد إلي ملكه خاف أخوه (علي شاه) فسار إلي غياث الدين محمود ملك الغورية فأكرمه و أقامه عنده (بفيروزكوه). و بعد أن استقر خوارزم شاه في ملكه و بلغه ما فعله أخوه علي شاه أرسل عسكرا إلي قتال غياث الدين محمود الغوري و كان مقدم عسكره (أمير ملك) فسار إلي (فيروز كوه) و بلغ ذلك غياث الدين محمودا فأرسل يبذل الطاعة و يطلب الأمان فأعطاه (أمير ملك) الأمان فخرج غياث الدين مع علي شاه فقبض عليهما و أرسل يعلم خوارزم شاه بالحال فأمره بقتلهما فقتلهما في يوم واحد. و استقامت خراسان كلها لخوارزم شاه و ذلك سنة 605 ه 1209 م بانقراض دولة الغورية بقتل آخر ملوكهم. و كانت دولتهم من أحسن الدول. و كان محمود هذا عادلا كريما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 113

الكرة علي الخطا (الخيتاي):

لما خلا الجو لخوارزمشاه في جهة خراسان عبر (نهر جيحون) و سار إلي الخطا، و كان وراء الخطا المغول في حدود الصين و كان هناك ملك يقال له كشلي خان (كوچلو) (و قد مر ذكره في مقارعاته مع جنگيزخان). و كان بينه و بين الخطا عداوة مستحكمة فأرسل كل من كشلي خان و من الخطا يسأل خوارزم شاه أن يكون معه علي خصمه.

فاجابهما بالمغلطة و انتظر ما يكون منهما فتقارعا بينهما فانهزمت الخطا فمال عليهم خوارزم شاه و فتك فيهم و كذلك فعل كشلي خان بهم فانقرضت الخطا. و لم يبق منهم إلا من اعتصم بالجبال أو استسلم و صار في عسكر خوارزم شاه.

و هذه الوقعة من الظروف الكبري المسهلة لجنگيزخان في فتحه و امتلاكه لهذه (المملكة الكبري) بحيث صار مجاورا لخوارزمشاه بعد ما قضي عليها و اكتسحها …

بقايا الغورية:

و في شعبان سنة 612 ه 1215 م ملك خوارزم شاه محمد مدينة (غزنة) و أعمالها. و أخذها من يلدوز مملوك الغوري فهرب يلدوز إلي لهاوور من الهند و استولي عليها ثم سار يلدوز من لهاوور و استولي علي بعض بلاد الهند الداخلة تحت حكم قطب الدين أيبك خشداش. فجري بينه و بين عسكر قطب الدين مصاف فقتل. و كان حسن السيرة في الرعية كثير الإحسان إليهم.

وقائع أخري:

و في سنة 614 ه 1218 م سار خوارزم شاه إلي بلاد الجبل و غيرها فملكها. و منها ساوه و قزوين و زنجان و أبهر و همذان و اصفهان و قم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 114

و قاشان. و دخل ازبك بن بهلوان صاحب اذربيجان و أران في طاعة خوارزم شاه و خطب له ببلاده.

مسير خوارزمشاه إلي بغداد:

ثم عزم خوارزم شاه علي المسير إلي بغداد للاستيلاء عليها (سنة 614 ه 1218 م) و قدم بعض العسكر بين يديه و سار خوارزم شاه في أثرهم عن همذان يومين أو ثلاثة. فسقط عليهم من الثلج ما لم يسمع بمثله فهلكت دوابهم، و خاف من حركة التتر علي بلاده. فولي ولاة علي البلاد التي استولي عليها، و عاد إلي خراسان، و قطع خطبة الخليفة الإمام الناصر من بلاد خراسان سنة 615 ه 1219 م، و كذلك قطعت خطبة الخليفة من بلاد ما وراء النهر. و بقيت خوارزم و سمرقند و هراة لم تقطع الخطبة منها، فإن أهل هذه البلاد كانوا لا يلتزمون بمثل هذا بل يخطبون لمن يختارون …

و هذه الحادثة فاتحة المناوشات الكبري بين الخليفة و خوارزمشاه؛ و أشار ابن الأثير و غيره إلي ما شاع عن الخليفة في إغراء التتر للهجوم علي خوارزم شاه، و لكن أبا الفداء لم يتعرض لذلك و إنما اكتفي بقوله:

«إن جنگيزخان راسل خوارزمشاه في الصلح فلم ينتظم فجمع جنگيزخان عساكره و التقي مع خوارزمشاه محمد، فانهزم خوارزمشاه فاستولي جنگيزخان علي بلاد ما وراء النهر، ثم تبع خوارزمشاه محمدا و هو هارب بين يديه حتي دخل بحر طبرستان. ثم استولي علي البلاد …» انتهي و علي كل حال وقوع الاغراء من الخليفة ليس

بالمستبعد و قد استعان خوارزمشاه محمد بالخطا علي الغورية بمثل ذلك. و مع هذا لا تصلح أن تكون سببا رئيسيا يعول عليه … فالواحد يخشي الآخر بل إن جنگيز متأهب للوثوب …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 115

التتر و الخوارزمشاهية:

إن خوارزمشاه محمد علاء الدين قضي علي حكومات صغيرة و خرب فيها و انتهب و قارع الخلافة و الحكومات مبعثرة، لم تكن كتلة واحدة، و لا استقرت حكومة خوارزمشاه بعد الحروب الدامية و لا اكتسبت انتظاما و لا قويت سلطتها علي الممالك المفتوحة … فهي في حالة تأسيس إدارة قوية ففاجأها التتر، و لم تبق حكومة قوية تخلفها في انكسارها. و هذه الممالك انهكتها الحروب و تبعثرت أحوالها …

و عن هذه قال ابن الأثير: «إن هؤلاء التتر إنما استقام لهم هذا الأمر لعدم المانع، و سبب عدمه أن خوارزمشاه محمدا كان قد استولي علي البلاد، و قتل ملوكها و أفناهم، و بقي هو وحده سلطان البلاد جميعها، فلما انهزم منهم لم يبق في البلاد من يمنعهم و لا من يحميها …» انتهي.

و هذا السبب المسهل يضاف إلي قوة جنگيزخان التي قضت علي حكومات و أقوام كثيرة، و أنهم من أهل البداوة و الاعتياد علي شظف العيش و البساطة، و الاكتفاء بما حصل و أن الكل محاربون، و نساؤهم و أولادهم عون لهم في غزوهم و حروبهم … و هذه الأسباب و الظروف المتقدمة لا تخرج عن كونها مسهلات و إلا فالقوة في الأصل عظيمة و مدربة، و قانونها (الياساق) قاطع لا يقبل التردد، أو الافتكار، بل هو واجب التنفيذ، و أمراؤهم منقادون لرأس واحد و لا يسوغ لهم الاختلاط بأحد، و المراجعة مع آخر أو التدخل

في سياسة، (فالطاعة) أصل الآمرية و المأمورية … و الجيش منسق و منظم تنظيما لا يكاد يتيسر لمن قبله …

و أقوي من كل مقارع له من أي قوم و أمة، و ليس هناك سر من الأسرار أو شي ء خارق للعادة، فمن ملك هذا الجيش المنقاد و دبره هذا التدبير،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 116

و حصل علي مثل هذه الظروف … نال مبتغاه قطعا … و لم يكن ذلك إلا نصيب القليل من الفاتحين و أعاظم الرجال …

ظهور المغول في المملكة الإسلامية:

في سنة 616 ه كان ظهور المغول و فتكهم في المسلمين و كذا في هذه السنة كان تمكن الافرنج و تملكهم لدمياط و قتلهم أهلها و أسرهم … و كأن هذه الأقوام في صلة و تآزر للقضاء علي المملكة الإسلامية استفادة من تذبذب الحالة فلم ينكب المسلمون بأعظم مما نكبوا في هذه السنة. و المصيبة الكبري هي (ظهور التتر) و تملكهم أكثر بلاد الإسلام و سفك دمائهم و سبي حريمهم و ذراريهم. و لم يفجع المسلمون منذ ظهر دين الإسلام بمثل هذه الفجيعة … أما الذي سلم من هاتين الطائفتين (الافرنج و التتر) فالسيف بينهم مسلول و الفتنة قائمة علي ساق.

و إن خطر هؤلاء التتر كان أعظم فإنهم لم يبقوا علي أحد بل قتلوا النساء و الرجال و الأطفال و شقوا بطون الحوامل و قتلوا الأجنة. فهذه الحادثة استطار شررها و عظم ضررها و سارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح و لا يزال صداها يرن في الأذان حتي الساعة فإن قوما خرجوا من اطراف الصين فقصدوا بلاد تركستان مثل كاشغر و بلاساغون. ثم منها إلي بلاد ما وراء النهر مثل سمرقند و بخاري و غيرهما فيملكونها

و يفعلون بأهلها الأفاعيل علي الوجه الذي سيذكر ثم تعبر طائفة منهم إلي خراسان فيفرغون منها ملكا و تخريبا و قتلا و نهبا ثم يتجاوزونها إلي الري و همذان و بلد الجبل و ما فيه من البلاد إلي حد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 117

العراق ثم يقصدون بلاد اذربيجان وارانية و يخربونها و يقتلون أكثر أهليها و لم ينج إلا الشريد النادر في أقل من سنة … هذا ما لم يسمع بمثله.

ثم لما فرغوا من اذربيجان و أرانية ساروا إلي دربند شروان فملكوا مدنه و لم يسلم غير القلعة التي بها ملكهم و عبروا عندها إلي بلد اللّان و اللكز و من في ذلك الصقع من الأمم المختلفة فأوسعوهم قتلا و نهبا و تخريبا. ثم قصدوا بلاد قفچاق. و هم من أكثر الترك عددا فقتلوا كل من وقف لهم فهرب الباقون إلي الغياض و رؤوس الجبال و فارقوا بلادهم و استولي هؤلاء التتر عليها … فعلوا هذا في أسرع زمان لم يلبثوا إلا بمقدار مسيرهم لا غير.

و مضت طائفة أخري غير هذه الطائفة إلي غزنة و أعمالها و ما يجاورها من بلاد الهند و سجستان و كرمان ففعلوا فيها مثل فعل هؤلاء و أشد.

هذا ما لم يطرق الأسماع مثله. فلم يبت أحد من البلاد التي لم يطرقوها إلا و هو خائف يتوقعهم و يترقب وصولهم إليه.

و الغريب في هؤلاء أنهم لا يحتاجون إلي ميرة و مدد يأتيهم. فإنهم معهم الأغنام و البقر و الخيل و غير ذلك من الدواب يأكلون لحومها لا غير. و أما دوابهم التي يركبونها فإنها تحفر الأرض بحوافرها و تأكل عروق النبات لا تعرف الشعير. فهم إذا نزلوا منزلا لا

يحتاجون إلي شي ء من خارج. كذا قال ابن الأثير، لخص وقائعهم و بين أوصافهم و الرعب الذي استولي علي القلوب من جراء هجومهم ثم ذكر التفصيل …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 118

أول وقعة جرت بين خوارزم شاه و بين جوجي خان

إن جنگيزخان حينما سمع بقتل التجار و الوفود أرسل رسولا اسمه ابن كفرج بغرا مصحوبا باثنين من التتر إلي خوارزمشاه يتهدده و يقول:

«تقتلون اصحابي و تأخذون أموالهم، استعدوا للحرب فإني و اصل إليكم بجمع لا قبل لكم به» و كان جنگيزخان قد سار إلي تركستان فملك كاشغر و بلاساغون و جميع البلاد و أزال عنها التتر الأولي، فلم يظهر لهم خبر و لا بقي لهم أثر بل بادوا كما أصاب الخطا و أرسل الرسالة المذكورة إلي خوارزمشاه، فلما سمعها خوارزمشاه أمر بقتل رسوله فقتل و أمر بحلق لحي الجماعة الذين كانوا معه و أعادهم إلي صاحبهم جنگيزخان يخبرونه بما فعل بالرسول و يقولون له إن خوارزمشاه يقول لك أنا سائر إليك و لو أنك في آخر الدنيا حتي أنتقم و أفعل بك كما فعلت بأصحابك فتجهز خوارزمشاه و سار بعد الرسول مبادرا ليسبق خبره و يكبسهم. فأدمن السير فمضي و قطع مسيرة أربعة أشهر فوصل إلي بيوتهم فلم ير فيها إلا النساء و الصبيان و الأطفال فأوقع بهم و غنم الجميع و سبي النساء و الذرية …

و كان سبب غيبتهم عن بيوتهم أنهم ساروا إلي محاربة أحد ملوك الترك كشلوخان (كوچلوخان) فقاتلوه و هزموه و غنموا أمواله و عادوا فلقيهم في الطريق. فوصل إليهم الخبر بما فعل خوارزمشاه بمخلفيهم فجدوا السير فأدركوه قبل أن يخرج من بيوتهم فلما رآه جوجي خان تذاكر مع أمرائه فنهوه عن الدخول بالحرب إذ لم يأمر جنگيزخان

موسوعة

تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 119

بالمقاتلة و الحرب مع السلطان محمد خوارزمشاه خصوصا أنهم قليلون و هم كثيرون و لكن لو عقبهم خوارزمشاه حاربوه اضطرارا. أما جوجي خان فلم يوافق علي هذه الفكرة و قال لا يبقي لي وجه لملاقاة أبي و إخواني و تصافوا للحرب فاقتتلوا اقتتالا لم يسمع بمثله فبقوا في الحرب ثلاثة أيام بلياليها، فقتل من الطائفتين ما لا يعد، و لم ينهزم أحد منهم … و هاجم جوجي خان (دوشي خان) بنفسه لبضع مرات حتي وصل إلي صاحب اللواء و موكب السلطان.

أما المسلمون فإنهم صبروا حمية للدين و علموا أنهم إن انهزموا لم يبق للمسلمين باقية و أنهم يؤخذون لبعدهم عن بلادهم، و أما التتر فصبروا لاستنقاذ أهليهم و أموالهم و اشتد بهم الأمر حتي إن أحدهم كان ينزل عن فرسه و يقاتل قرنه راجلا و يتضاربون بالسكاكين و جري الدم علي الأرض حتي صارت الخيل تزلق من كثرته و استنفذ الطائفتان وسعهم في الصبر و القتال …

هذا القتال جميعه مع ابن جنگيزخان. و لم يحضر أبوه الوقعة و لم يشعر بها فأحصي من قتل من المسلمين في هذه الوقعة فكانوا عشرين ألفا، و أما من المغول فلا يحصي، من قتل منهم، فلما كان الليلة الرابعة افترقوا فنزل بعضهم مقابل بعض، فلما أظلم الليل أوقد التتر النيران و تركوها بحالها و ساروا، و كذلك فعل المسلمون، كل منهم سئم القتال، فأما التتر فعادوا إلي ملكهم جنگيزخان ففرح جنگيز بما فعله ولده و أنعم عليه بإنعامات كبيرة …

و أما المسلمون فرجعوا إلي بخاري. فاستعد خوارزمشاه للحصار لعلمه بعجزه، لأن طائفة من عسكره لم يقدر أن يظفر بهم فكيف إذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 1، ص: 120

جاؤوا جميعم مع ملكهم؟ فأمر أهل بخاري و سمرقند بالاستعداد للحصار و جمع الذخائر للامتناع. و جعل في بخاري عشرين ألف فارس من العسكر يحمونهم، و في سمرقند خمسين ألفا. و قال لهم احفظوا البلد حتي أعود إلي خوارزم و خراسان و أجمع العساكر و أستنجد بالمسلمين و أعود إليكم.

فلما فرغ من ذلك رحل عائدا إلي خراسان فعبر جيحون و نزل بالقرب من بلخ فعسكر هناك.

هجوم جنگيزخان علي بلاد المسلمين:

في سنة 615 ه (قال العبري سنة 610 ه و ليس بصحيح) قصد جنگيزخان بلاد السلطان محمد فهاجم مدينة أوترار من نواحي تركستان و التحق به خان قارليق و هو ارسلان خان بعساكر كثيرة و كذا أيدي قوت بقبائل الأويغور من بيش باليق، و ساغناق بقبيلة تكين من الماليق فالتفوا حول جنگيزخان. و قال ابن العبري و لما وصل أعني جنگيزخان إلي نواحي تركستان أتاه الأمير ارسلان خان من غياليق (صحيحها قارليق) و الأمير أيدي قوب (صحيحها أيدي قوت) من بيش باليغ (باليق) و الأمير سفتاق (ساغناق أو بالتخفيف سغناق فالتحريف ظاهر) من الماليغ (الماليق) و ساروا بعساكرهم.

و لما اجتمعت العساكر جميعها بقرب مدينة أوترار رتب جنگيزخان علي محاصرة أوترار ولديه اوكه داي (اوكتاي) و چاغاتاي (جغاتاي) فابتدرا بمحاصرتها و سير جوجي خان (دوشي خان) إلي مدينة خجند

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 121

(و في العبري) أنه سير ابنه الكبير في تومانين من العساكر إلي جانب خجند و الآقانويان و سه كتو بوغا بخمسة آلاف علي فناكت (بناكت) و خجند و ذهب هو بالباقي من الجيش مع ابنه تولي خان إلي بخارا.

محاصرة أوترار و ضبطها:

دام القتال علي او ترار مدة خمسة أشهر. لأن السلطان محمدا كان قد سير إليها غايرخان في خمسة آلاف فارس (و في الشجرة كان معه خمسون ألفا لمحافظة المدينة) ثم لما علم أن المغول سوف يهاجمون المدينة سير من ضباطه قراجا خان حاجب و أمدّه في عشرة آلاف و كانوا كلهم بها. و لما ضاقت الحيلة بمن في المدينة و عجزوا عن المقاومة شاور قراجاخان و أشار إلي غايرخان في لزوم الصلح و تسليم البلد فأبي غايرخان إلّا المجاهدة حتي الموت، لعلمه أن المغول لا يبقون عليه،

فلم ير في المصالحة مصلحة، فتوقف قراجا إلي هجوم الليل و خرج في أكثر عسكره إلي الخارج من باب الصوفي فأخروه إلي الصبح، ثم حمل إلي ابني جنگيزخان فاستنطقاه و استعلما منه كنه أحوال البلد و أمر بقتله و قتل كل من معه، قائلين: إذا كنت لم تبق علي مخدومك و ولي نعمتك فلا تبق علينا، و زحف العسكر إلي المدينة فدخلوها و أخرجوا أهلها جميعهم إلي ظاهرها و أغاروا علي ما فيها، و بقي غايرخان في عشرين ألفا من عسكره متفرقين في دروب المدينة لم يتمكن منهم المغول، و كانوا يخرجون خمسين خمسين يكاوحون و يطعنون في عسكر المغول و يقتلون ثم يقتلون.

و كان هذا دأبهم شهرا إلي أن بقي غابر خان و معه نفران يجالدون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 122

في سطح دار السلطنة و كان قد برز مرسوم الخان أن لا يقتل غايرخان في الحرب و طلب أن يحمل حيا إليه. فلذلك كثر التعب معه، و قتل صاحباه و بقي وحده يقاتل بالآجر الذي كان الجواري يناولنه من الجدار، فلما عجز عن المناولة أحاط به المغول و قبضوه و حملوه إلي جنگيزخان بعد عودته من بخاري إلي سمرقند، و قتل هناك في كوي سراي.

و لو أن كل مدينة قاومت هذه المقاومة و ناضلت هذه المناضلة لما تمكن المغول من الوقيعة العظمي بالبلاد لهذا الحد، و بعد أن ذكر ذلك العبري بين أنه في شعبان سنة 612 ه 1215 م ملك السلطان محمد مدينة غزنة. و كان استولي علي عامة خراسان و ملك باميان. و لذا يلاحظ الفرق في تاريخ الهجوم بين 610 و 615 ه في شجرة الترك و العبري مع

أن العبري يسلسل الحوادث و لكنه خرج عن كافة المؤرخين مثل أبي الفداء و ابن الأثير و سيرة منكبرتي و الشجرة و الصحيح ما جاء في الشجرة فإنه يتفق و منكبرتي.

تقدم جنگيزخان علي بخاري:

إن جنگيزخان توجه من اوترار علي بخاري. و لذا وافي علي حين غرة علي قلعة يقال لها زرنوق فلما رأي الأهلون جنگيزخان قد حاصر القلعة استولي عليهم الرعب و خافوا كثيرا، فغلقوا الأبواب، أما جنگيزخان فإنه كان له عالم يقال له (حاجب) و هو مسلم، فبعثه إلي المدينة سفيرا و هذا نصح الأهلين و حذرهم، و علي هذا أخذ جميع الأهلين هناك هدايا و قدموها إلي جنگيزخان، فعاملهم بالحسني و سمي مدينتهم قوتليق باليق و معناه في لغة المغول المدينة المباركة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 123

و حينئذ أخذ شبان المدينة و ترك شيوخها و استمر في طريقه فجاء مدينة نور، و هؤلاء أيضا حاصروا في المدينة فأرسل عليهم جنگيزخان رسولا. و بعد تعاطي السفراء الكثيرين جاء الأهلون بهدايا إلي الخان و رأوا منه حسن معاملة، فأمر أن يأخذ الأهلون ما يتمكنون علي أخذه من بذور و بقر و غيرها و أن يخرجوا بها، و الباقي ترك جيشه ينتهبه فانتهبه.

و في سنة 616 ه (و في العبري في اوائل المحرم سنة 617 ه 1220 م) جاء إلي بخاري فأحاط بها، و في منتصف الليل هاجم كوك خان، و سوينج خان و كوچلوخان بعشرين ألفا من العساكر، فعلم بذلك جنگيزخان فاتخذ لذلك الترتيبات اللازمة فتقاتل الفريقان بشدة و كانت الحرب طاحنة. و في النتيجة تمت الغلبة لجنگيزخان فنكل بالعشرين ألفا.

(و في ابن العبري أن هؤلاء تحققوا عجزهم عن مقاومة المغول فخرجوا من الحصار بعد غروب

الشمس فأدركهم المحافظون من عسكر المغول علي نهر جيحون فأوقعوا فيهم و قتلوهم كافة و لم يبقوا منهم أثرا). و في وقت السحر؛ قد فتح مفتي المدينة و علماؤها الأبواب فجاؤوا إلي الخان، فدخل جنگيزخان بنفسه المدينة، و قد قال ابن الأثير إن دخول جنگيز المدينة كان يوم الثلاثاء رابع ذي الحجة سنة 616 ه 1220 م و ذلك أنهم حصروا بخاري و قاتلوا أهلها ثلاثة أيام قتالا شديدا متتابعا.

فلم يكن للعسكر الخوارزمي بهم قوة ففارقوا البلد عائدين إلي خراسان.

(و لم يدر ابن الأثير بما اصابهم بعد خروجهم و لا حكي ذلك). فلما أصبح أهل البلد و ليس عندهم من العسكر أحد ضعفت نفوسهم فأرسلوا القاضي بدر الدين قاضيخان ليطلب الأمان للناس فأعطوهم الأمان.

و كان قد بقي من العسكر طائفة لم يمكنهم الهرب مع أصحابهم فاعتصموا بالقلعة. فلما أجابهم جنگيزخان إلي الأمان فتحت أبواب المدينة في اليوم المذكور فدخل التتر بخاري و لم يتعرضوا إلي أحد بل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 124

قالوا لهم كل ما هو للسلطان عندكم من ذخيرة و غيرها أخرجوه إلينا و ساعدونا علي قتال من بالقلعة، و أظهروا عندهم العدل و حسن السيرة و دخل جنگيزخان بنفسه و أحاط بالقلعة و نادي في البلد أن لا يتخلف أحد و من تخلف قتل فحضروا جميعهم فأمرهم بطمّ الخندق فطموه بالأخشاب و التراب و غير ذلك … ثم تابعوا الزحف إلي القلعة و بها نحو اربعمائة فارس من المسلمين فبذلوا جهدهم، و منعوا القلعة اثني عشر يوما يقاتلون التتر و أهل البلد، فقتل بعضهم و لم يزالوا كذلك حتي زحفوا إليهم و وصل النقابون إلي سور القلعة، فنقبوه و اشتد حينئذ

القتال، و من بها من المسلمين يرمون بكل ما يجدون من حجارة و نار و سهام، ثم باكروهم في اليوم التالي فجدوا في القتال، و قد تعب من بالقلعة و جاءهم ما لا قبل لهم به فقهروا و دخل التتر القلعة و قاتلهم المسلمون. الذين فيها حتي قتلوا عن آخرهم …

فلما فرغ جنگيزخان من القلعة أمر أن يكتب له رؤوس البلد و رؤساؤهم ففعلوا ذلك فلما عرضوا عليه أمر بإحضارهم فحضروا فقال أريد منكم (النقرة) التي باعكم خوارزمشاه فإنها لي و من اصحابي أخذت و هي عندكم فأحضر كل من كان عنده شي ء منها بين يديه، ثم أمرهم بالخروج من البلد فخرجوا مجردين من أموالهم ليس مع أحد منهم غير ثيابه التي عليه، و دخل الكفار البلد فنهبوه و قتلوا من وجدوا فيه و أحاط بالمسلمين فأمر اصحابه أن يقتسموهم فاقتسموهم و كان يوما عظيما من كثرة البكاء من الرجال و النساء و الولدان و تفرقوا أيدي سبا و تمزقوا كل ممزق و اقتسموا النساء أيضا و أصبحت بخاري خاوية علي عروشها كأن لم تغن بالأمس و ارتكبوا من النساء العظيم، و الناس ينظرون و يبكون و لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم شيئا مما نزل بهم فمنهم من لم يرض بذلك و اختار الموت علي ذلك فقاتل حتي قتل، و ممن اختار ذلك الإمام ركن الدين إمام زاده و ولده و القاضي صدر الدين خان و من استسلم أخذ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 125

أسيرا و ألقوا النار في البلد و المدارس و المساجد و عذبوا الناس بأنواع العذاب من طلب المال، ثم رحلوا نحو سمرقند، و قد تحققوا عجز خوارزمشاه عنهم و

هم بمكانة بين ترمذ و بلخ و استصحبوا معهم من سلم من أهل بخاري أساري فساروا بهم مشاة علي أقبح صورة فكل من أعيا و عجز عن المشي قتل.

فلما قاربوا سمرقند قدموا الخيالة و تركوا الرجالة و الأساري و الأثقال وراءهم حتي تقدموا شيئا فشيئا ليكون أرعب للقلوب، فلما رأي أهل البلد سوادهم استعظموه، فلما كان اليوم الثاني وصل الأساري و الرجالة و الأثقال و مع كل عشرة من الأساري علم فظن أهل البلدان الجميع عساكر مقاتلة و أحاطوا بالبلد و فيه خمسون ألف مقاتل من الخوارزمية، و أما عامة البلد فلا يحصون كثرة …

القتال علي سمرقند:

و حينئذ خرج إليهم شجعان أهل سمرقند و أهل الجلد و القوة رجالة (مشاة) و لم يخرج معهم من العسكر الخوارزمي أحد لما في قلوبهم من خوف هؤلاء التتر فقاتلهم الرجالة بظاهر البلد فلم يزل التتر يتأخرون و أهل البلد يتبعونهم و يطمعون فيهم. و كانوا قد كمنوا لهم كمينا. فلما جاوزوا الكمين خرجوا عليهم و حالوا بينهم و بين البلد و رجع الباقون الذين أنشبوا القتال أولا فبقوا في الوسط و أخذهم السيف من كل جانب فلم يسلم منهم أحد. قتلوا عن آخرهم و كانوا سبعين ألفا علي ما قيل.

فلما رأي الباقون من الجند و العامة ذلك ضعفت نفوسهم (عزائمهم) و أيقنوا بالهلاك، فقال الجند و كانوا أتراكا نحن من جنس هؤلاء و لا يقتلوننا فطلبوا الأمان فأجابوهم ففتحوا أبواب البلد، و لم يقدر العامة علي منعهم و خرجوا إلي التتر بأهليهم و أموالهم، فقال لهم التتر ادفعوا إلينا سلاحكم و أموالكم و دوابكم و نحن نسيركم إلي مأمنكم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 126

ففعلوا ذلك، فلما أخذوا

أسلحتهم و دوابهم وضعوا السيوف فيهم و قتلوهم عن آخرهم و أخذوا أموالهم و دوابهم و نساءهم.

و في اليوم الرابع نادوا في البلد أن يخرج أهله جميعهم و من تأخر قتلوه فخرج جميع الرجال و النساء و الصبيان ففعلوا مع أهل سمرقند مثل فعلهم مع أهل بخاري من النهب و القتل و السبي و الفساد و دخلوا البلد فنهبوا ما فيه، و أحرقوا الجامع و تركوا باقي البلد علي حاله، و افتضوا الأبكار و عذبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال و قتلوا من لم يصلح للسبي و كان ذلك في المحرم سنة 617 ه 1220 م.

إن أمثال هذه الأعمال لا تزال مشهورة عن المغول و مدونة في منشوراتهم للتهديد، فعلوها باتفاق من عامة المؤرخين. و إليك أيها القاري ء ما قصه ابن العبري قال:

و فيها (سنة 617 ه 1220 م) في ربيع الأول نزل جنگيزخان علي مدينة سمرقند و كان قد رتب السلطان محمد فيها مائة ألف و عشرة آلاف فارس يقومون بحراستها. فلما نازلها منع أصحابه عن المقاتلة و أنفذ سنتاي نوين و معه ثلاثين ألف محارب في أثر السلطان محمد، و غلاة نوين و بسور نوين إلي جانب طالقان، و أحاط باقي العسكر بالمدينة وقت السحر فبرز إليهم مبارزو الخوارزمية و نازعوهم القتال، و جرحوا جماعة كثيرة من التاتار، و أسروا جماعة و أدخلوهم المدينة فلما كان من الغد ركب جنگيزخان بنفسه و دار علي العسكر و حثهم علي القتال، فاشتد القتال ذلك اليوم بينهم و دام النهار كله من أوله إلي أول الليل و وقف الأبطال من المغول علي أبواب المدينة و لم يمكنوا أحدا من المجاهدين من الخروج فحصل عند الخوارزمية

فتور كثير، و وقع الخلف بين أكابر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 127

المدينة، و تلونت الآراء فبعض مال إلي المصالحة و التسليم، و بعض لم يأمن علي نفسه و إن اؤمن خوفا من غدر التاتار، فقوي عزم القاضي و شيخ الإسلام علي الخروج فخرجا إلي خدمة جنگيزخان و طلبا الأمان لهما و لأهل المدينة فلم يجبهما إلا إلي أمان أنفسهما و من يلوذ بهما.

فدخلا إلي المدينة و فتحا أبوابها فدخل المغول و اشتغلوا ذلك اليوم بتخريب مواضع من السور و هدم بعض الأبرجة و لم يتعرضوا إلي أحد إلي أن هجم الليل فدخلوا إلي المدينة و صاروا يخرجون من الرجال و النساء مائة مائة بالعدد إلي الصحراء، و لم ينكفوا إلا عن القاضي و شيخ الإسلام و عمن التجأ إليهما، فاحتمي بهما نيف و خمسون ألفا من الخلق، و لما أصبح الصباح شرع المغول في نهب المدينة، و قتل كل من لحقوه مختبئا في المغائر و متواريا بالستاير، و قتلوا تلك الليلة نحو ثلاثين ألف تركي و قنقلي، و قسموا بالنهار ثلاثين ألفا علي الأولاد و الأمراء و أطلقوا الباقي ليرجعوا إلي المدينة و يجمعوا من بينهم مائتي ألف دينار ثمن أرواحهم، و كان المحصل لهذا المال ثقة الملك و الأمير عميد و هما من أكابر سمرقند و الشحنة طايغور (و يروي كايغور).

و من هناك توجه جنگيزخان بعساكره إلي نواحي خوارزم و أنفذ الرسل إليهم يدعوهم إلي الايليه، و الدخول في طاعته».. الخ انتهي.

و كان خوارزمشاه بمنزلته كلما اجتمع إليه عسكر سيره إلي سمرقند فيرجعون و لا يقدمون علي الوصول إليها فاستولي عليهم الخذلان حتي ضبطها جنگيزخان فقد سيّر مرة عشرة آلاف فارس فعادوا

و سيّر عشرين ألفا فعادوا أيضا …

و في الشجرة أن خانات السلطان محمد قد قتلوا جميعهم مع جيشه في محاربة سمرقند بعد أن خرجوا و حاربوا بشدة و أسروا قسما من المغول في اليوم الأول، و في اليوم التالي هاجمهم جنگيز بنفسه فكانت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 128

الحرب طاحنة فلم يجسر أحد من الخوارزميين أن يخرج إلي المحاربة خارج البلد و لكن تحاربوا علي السور بشدة أيضا …

و عند الغروب ذهب شيخ الإسلام و القاضي و أتوا إلي جنگيز يطلبون منه الأمان فعاملهم بالحسني و فتحوا أبواب البلد، فتحوا باب المصلي، و حينئذ هجم المغول و دخلوا من الباب و انتهبوا ما في المدينة … سوي أن ألب خان قاتل و تضارب مع جيش جنگيز حتي تمكن من النجاة بألف جندي …

ثم إن جنگيز وزع ثلاثين ألفا من الأهلين علي النويان و عفا عن خمسين ألفا لشيخ الإسلام و القاضي و أخذ من الباقين مائتي ألف دينار.

و هذه الوقعة جرت في 616 ه (1219 م).

مسير التتر إلي خوارزمشاه:

لما ملك التتر سمرقند عمد جنگيزخان و سير عشرين ألف فارس (و في رواية الشجرة ثلاثين ألفا) تحت قيادة چيه نويان، و سو بوداي بهادر، و دوغاچار القونقراتي و هذا الأمير قتل من قبل تيمور ملك في نيسابور و الرواية المعول عليها: أنه قتل في بلخ و قال لهم اطلبوا خوارزمشاه أين كان و لو تعلق بالسماء حتي تدركوه و تأخذوه و هذه الطائفة تسميها التتر المغربة لأنها سارت نحو غرب خراسان ليقع الفرق بينهم و بين غيرهم.

فلما أمرهم جنگيزخان بالمسير ساروا و قصدوا موضعا يسمي فنج آب (و في أبي الفداء پنج آب) و معناه (خمسة مياه أو

خمسة أنهار) فوصلوا إليه فلم يجدوا هناك سفينة فعملوا من الخشب مثل الأحواض الكبار و ألبسوها جلود البقر لئلا يدخلها الماء و وضعوا فيها سلاحهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 129

و أمتعتهم و ألقوا الخيل في الماء و أمسكوا أذنابها و تلك الحياض التي من الخشب مشدودة إليهم فكان الفرس يجذب الرجل و هو يجذب الحوض المملوء من السلاح و غيره فعبروا كلهم دفعة واحدة …

و كان المسلمون قد ملئوا منهم رعبا و خوفا. و قد اختلفوا فيما بينهم و ظنوا أنهم كانوا يتماسكون بسبب أن النهر بينهم فلما عبروه إليهم لم يقدروا علي الثبات و لا علي المسير مجتمعين بل تفرقوا أيدي سبا و طلبت كل طائفة منهم جهة، و رحل خوارزمشاه لا يلوي علي شي ء في نفر من خاصته و قصدوا نيسابور، فلما دخلها اجتمع عليه بعض العساكر فلم يستقر حتي وصل اولئك التتر إليها، و كانوا لم يتعرضوا في مسيرهم لشي ء لا بنهب و لا قتل بل يجدون السير في طلبه لا يمهلونه فيجمع لهم، فلما سمع بقربهم منه رحل إلي مازندران، و هي له أيضا فرحل التتر المغربون في أثره و لم يعرجوا علي نيسابور بل تبعوه، فسار منها و وصل الري. ثم منها إلي همذان و التتر وراءه ففارق همذان في نفر يسير جريدة ليستر نفسه و يكتم خبره و عاد إلي مازندران و منها وصل الساحل المعروف بالسكون (آبسكون) و ركب البحر المسمي ببحر طبرستان إلي قلعة البحر. فلما نزل هو و أصحابه في السفن وصلت التتر فرأوا خوارزمشاه قد دخل البحر فوقفوا علي الساحل. فلما يئسوا من اللحاق به رجعوا.

و هؤلاء هم الذين قصدوا الري و ما

بعدها. و ذلك أنهم رجعوا إلي قاراندار فضبطوها و أسروا زوجته و أولاده الذكور هناك و منها توجهوا إلي ايلال. و كان أولاد السلطان محمد الصغار هناك فحاصروها. و يروي أنها في تلك السنة لم تأتها المياه مع أنها كانت كثيرة فلم تصبها الأمطار. و في مدة 15 يوما نفدت مياهها. فاستولوا عليها. و هذه الوقعة كانت سنة 617 ه 1221 م و يحكي أنه حين سمع بسقوط هذه المدينة أغمي عليه فمات. و بعدها استولوا علي نخچوان و آذربيجان فخربوهما،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 130

جنگيز خان عظيم المغول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 131

و جاؤوا إلي شروان و مضوا من دربند، فاتفقوا مع القفچاق بداعي أنهم منهم و سحقوا اللان. و حينئذ و بعد سحق اللان و تحققهم من ضعف القفچاق تحاربوا معهم و عادوا ظاهرين. و علي هذا اكرمهم جنگيزخان بإنعامات كبري …

وفاة خوارزمشاه محمد:

أما خوارزمشاه فإنه حين وصل القلعة المذكورة مرض بذات الجنب في الجزيرة الكائنة في البحر فأقام بها طريدا لا يملك طارفا و لا تليدا، و المرض يزداد حتي توفي سنة 617 ه 1221 م.

و كانت مدة ملكة 21 سنة و شهورا تقريبا. اتسع ملكه و عظم محله و أطاعه القاصي و الداني و لم يملك بعد السلجوقيين أحد مثله فإنه ملك من حد العراق إلي تركستان و ملك بلاد غزنة و بعض الهند و ملك سجستان و كرمان و طبرستان و جرجان و بلاد الجبال و خراسان و بعض فارس و فعل بالخطا الأفاعيل العظيمة و ملك بلادهم، و كان فاضلا عالما بالفقه و الأصول و غيرهما، و كان مكرما للعلماء محبا لهم محسنا إليهم، يكثر مجالستهم

و مناظراتهم بين يديه، و كان صبورا علي التعب و إدمان السير غير متنعم و لا مقبل علي اللذات، إنما همه في الملك و تدبيره و حفظه و حفظ رعاياه، و كان معظما لأهل الدين، مقبلا عليهم متبركا بهم …

و هذه خصال عددها ابن الأثير و هي كافية لبيان مكانة الرجل و مقدرته، و أقول إنه لم يدخر وسعا في تدبير المملكة، و لو لم يقتل التجار و السفراء و لم يعاملهم بهذه المعاملة القاسية و اتخذ الطريقة التي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 132

راعاها جنگيزخان مع تجاره لكان أكبر ملك حقيقة مهما كانت نتائج مقدراته، كما أن غلطته في مقاومة الخلافة و قطع الخطبة و ضرب النقود … مما هيجت عليه الرأي العام و أحبطت مساعيه أكثر مما لو صحت مكاتبة الخليفة الناصر للتتر و دعوتهم للتسلط علي خوارزمشاه …

و له أغلاط كبري غير هذه مثل قتلة الشيخ مجد الدين العالم المشهور. و كانت حروبه شديدة و طاحنة و لو لا هذه الحروب و توقف جنگيز من أجلها لما صده صاد … فقد رأي الهول منه و كاد ينتصر عليه … و علي كل كانت عظمته تفوق سائر الملوك و موكبه فخما و علامات أعلامه لا تشبه غيرها … و من أراد التفصيل أكثر فليرجع إلي أبي الفداء و إلي المنشي النسوي فإنهما نقلا أمورا مستقصاة لا يسعها بحثنا هذا فقد التزمنا الاختصار لبيان الأوضاع بين الحكومتين و المقارعات الحاصلة بينهما …

جلال الدين منكبرتي:

سار جلال الدين منكبرتي بعد موت أبيه السلطان محمد من الجزيرة إلي خوارزم ثم هرب من التتر و لحق بغزنة و جري بينه و بين التتر قتال فهرب جلال الدين من

غزنة إلي الهند فلحقه جنگيزخان إلي ماء السند و تصافقا صبيحة يوم الأربعاء لثمان خلون من شوال سنة 618 ه 1222 م و كانت الكرّة أولا علي جنگيزخان ثم عادت علي جلال الدين وبالا و حال بينهما الليل و ولي جلال الدين الأدبار منهزما و أسر ولد جلال الدين و هو ابن سبع سنين أو ثمان و قتل بين يدي جنگيزخان صبرا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 133

و لما عاد جلال الدين إلي حافة ماء السند كسيرا رأي والدته و أم ولده و جماعة من حرمه يصحن باللّه عليك اقتلنا أو خلصنا من الأسر فأمر بهن فغرقن …

ثم اقتحم جلال الدين و عسكره ذلك النهر العظيم فنجا منهم إلي جانب البر الآخر نحو أربعة آلاف رجل حفاة عراة … ثم جري بين جلال الدين و بين أهل تلك البلاد وقائع انتصر فيها جلال الدين و وصل إلي لهاوور من الهند. و لما عزم جلال الدين علي العودة إلي جهة العراق استناب بهلوان أزبك علي ما كان يملكه من بلاد الهند و استناب معه حسن قراق و لقبه (وفاء الملك). و في سنة 627 ه 1230 م طرد (وفاء الملك) بهلوان أزبك و استولي وفاء الملك علي ما كان يليه البهلوان من بلاد الهند.

و كان جلال الدين قد عاد من الهند و وصل كرمان في سنة 621 ه 1225 م و قاسي هو و عسكره في البراري بين كرمان و الهند شدائد.

و وصل معه أربعة آلاف رجل. ثم سار جلال الدين إلي خوزستان و استولي عليها ثم علي اذربيجان ثم كنجه و سائر بلاد أران.

و عند ذلك نقل جلال الدين أباه من الجزيرة إلي قلعة

ازدهن و دفنه بها. و لما استولي التتر عليها نبشوه و أحرقوه. و كذا فعلوا في محمود سبكتكين حين استولوا علي غزنة.

و في هذه الأثناء تمكن التتر من اذربيجان فسار يريد ديار بكر ليذهب إلي الخليفة و يلتجي ء إليه و يعتضد بملوك الأطراف علي التتر و يخوفهم عاقبة أمرهم، و طلب النجدة من الملك الأشرف فلم ينجده، و عزم علي المسير إلي اصفهان، ثم انثني عزمه و بات بمنزله …، و حينئذ أحاط به التتر و صبحوا عسكره:

فمساهم و بسطهم حرير و صبحهم و بسطهم تراب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 134

و من في كفه منهم قناة كمن في كفه منهم خضاب

فلم يشعر إلا و أحاطت به أطلاب التتر بمخيم جلال الدين و هو نائم … فحمل بعض عسكره و هو اورخان و كشف التتر عن المخيم و دخل بعض الخواص و أخذ بيد جلال الدين و أخرجه و عليه طاقية بيضاء فأركبه الفرس و ساق أورخان مع جلال الدين و تبعه التتر فقال جلال الدين لأورخان انفرد عني بحيث تشغل التتر بتتبع سوادك. و كان ذلك خطأ منه. فإن أورخان تبعه جماعة من العسكر يقدرون بأربعة آلاف فارس و قصد أصفهان و استولي عليها مدة.

و لما انفرد جلال الدين عن أورخان ساق إلي انحاء آمد فلم يمكن من الدخول، فسار إلي قرية من قري ميافارقين طالبا شهاب الدين غازي ابن الملك العادل صاحب ميافارقين، ثم لحقه التتر في تلك القرية فهرب إلي جبل هناك و به أكراد يتخطفون الناس فأخذوه و سلبوه ثم قتلوه.

و يحكي عنه المنشي النسوي أنه كان اسمر قصيرا تركي الشارة و العبارة، يتكلم الفارسية، و أنه كان يكاتب الخليفة

علي مبدأ الأمر علي ما كان يكاتبه به أبوه. فكان يكتب (خادمه المطواع منكبرتي) و بعد أخذ خلاط كاتبه بعبده. و يكتب إلي ملك الروم و ملوك مصر و الشام اسمه و اسم أبيه و كانت علامته علي توقيعه (النصر من اللّه وحده). و كان جلال الدين يخاطب ب (خداوند عالم) أي صاحب العالم.

و قال المنشي: «كان اسدا ضرغاما، اشجع فرسانه اقداما، و كان حليما لا غضوبا و لا شتاما، و قورا لا يضحك إلا تبسما، و لا يكثر كلاما، و كان يحب العدل غير أنه صادف أيام الفتنة فغلب، و يحب الترفيه علي الرعية لولا أنه ملك في زمان الفترة فغصب..» و علي كل «فتقلبات الأيام بجلال الدين من إهباط و إصعاد، و إطفاء شعلة نار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 135

و إيقاد، يوما نفاذ حد و إيراء زند، و آخر ضرع خد، و سقوط جد، بينا تملكه، إذ تكاد تهلكه، و حال تعليه، إذ رأيته تبتليه، لبلغ افادة الغرض، إذ في تصاريف أحوال الزمان به عجائب لم توجد أخواتها … لفظته بلاد الترك إلي أقاصي الهند و أقاصي الهند إلي أواسط الروم من مليك مطاع، و طريد مرتاع … الخ» مما يعين روحيته و يبين مقدرته … و له أربع عشرة وقعة مع المغول في إحدي عشرة سنة فصلها النسوي المذكور …

و كان مقتله في منتصف شوال سنة 628 ه 1231 م و محمد المنشي ء النسوي ممن كان في خدمة جلال الدين و ملازمته في جميع اسفاره و غزواته إلي أن قتل. و كان كاتب الإنشاء و محظيا متقدما عنده فهو أخبر بأحوال جلال الدين و والده.

و قد مر الكلام علي كتابه

(سيرة منكبرتي) و وقائعه و بعض النقول عنه … و كان قد ذكر في أواخره أنه كتبه سنة 639 ه. و أما النسخة المطبوع عليها فقد نجزت سنة 667 ه.

ثم إن الخوارزمية عاثوا في البلاد في انحاء حلب و حصلت منهم غارات نهب و سفك دماء ما لا يقل عن أعمال التتر كما في أبي الفداء و ابن الفوطي مما يلي المباحث المتقدمة.

وقائع جنگيزخان الأخري:

إن جنگيزخان بعد أن ضبط سمرقند توجه بعساكره إلي نواحي خوارزم و أنفذ الرسل إليهم يدعوهم إلي الايليّة و الدخول في طاعته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 136

و شغلهم أياما بالوعد و الوعيد و التأميل و التهديد إلي أن اجتمعت العساكر و رتب آلات الحرب من منجنيق و ما يرمي بها فأنشبوا الحرب و القتال علي المدينة من جميع جوانبها حتي عجز من فيها عن المقاومة فملكوها بعد قتل و نهب و أسر …

و في أوائل سنة 618 ه 1221 م عبر جنگيزخان نهر جيحون و قصد مدينة بلخ فخرج إليه أعيانها و بذلوا الطاعة و حملوا الهدايا و أنواعا من (الترغو) فلم يقبل منهم بسبب أن السلطان جلال الدين كان في تلك النواحي يهيئ أسباب الحرب و يستعد للقتال. و لذا أمر بخروج أهل بلخ فقتل فيهم أكثر الأهلين و أسر …

و من هناك توجه نحو الطالقان و فعل بأهليها مثل ما فعل بأولئك و أبقي البعض و منها سار إلي باميان فعصي أهلوها و قاتلوا قتالا شديدا و اتفق أن أصيب بعض أولاد جغاتاي بسهم فقضي نحبه، و كان من احب أحفاد جنگيزخان إليه فعظمت المصيبة بذلك و اضطرمت النيران في قلوب المغول وجدوا في القتال إلي أن فتحوها

و قتلوا كل من فيها حتي الدواب و البقر و الأجنة و لم يأسروا منها أحدا قط و تركوها أرضا قفرا، لم يسكنها أحد اليوم (كذا قال ابن العبري) و سموها ما و باليغ أي مدينة البؤس.

و لما فرغ جنگيزخان من تخريب بلاد خراسان سمع أن السلطان جلال الدين قد استظهر بالعراق فسار نحوه ليلا و نهارا بحيث إن المغول لم يتمكنوا من طبخ لحم إذا نزلوا فحين و صلوا إلي غزنة أخبروا بأن جلال الدين قد رحل عنها منذ خمسة عشر يوما و هو عازم علي أن يعبر نهر السند فلم يستقر جنگيزخان و رحل في الحال و حمل علي نفسه بالسير حتي لحقه في اطراف السند فأحاط به العسكر من قدامه و من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 137

خلفه و داروا عليه دائرة وراء دائرة و هو في الوسط و بالغ المغول في المكاوحة و تقدم «1» الأقمشة الحريرية. أو النفائس الأخري «لغة الجغطاي ص 116». جنگيزخان أن يقبض حيا و وصل جغاتاي و أوكتاي أيضا من جانب خوارزم. فلما رأي جلال الدين حراجة الموقف حمل عليهم حملات و شق صفوفهم مرة بعد مرة وطال الأمر بذلك و أبدي من البطولة و الشهامة ما لا يوصف …

و عند ما رأي التضييق عليه و أن لا نجاة بهذا الديدن همّ بالعبور و أقحم فرسه النهر بعد أن ودع أولاده و خواصه فانقحم و عام و خلص إلي الساحل و جنگيزخان و أصحابه ينظرون إليه و يتأملونه حياري …

فتعجب جنگيزخان من ذلك و قال لولديه: من مثل أبيه ينبغي أن يلد ابنا مثله فإذا نجا من هذه الوقعة جرت علي يديه وقائع كثيرة، و

من كلامه: لا يغفل من يعقل. و أراد جماعة من البهادرية أن يتبعوه فمنعهم جنگيزخان قائلا إنكم لستم من رجاله. و ذلك لأنه كان يرامي المغول بالسهام و هو في وسط الشط و حينئذ أمر جنگيزخان بقتل جميع الذكور من أولاده. و كان ذلك قد حدث في شهر رجب و لذا قيل في المثل، عش رجبا تر عجبا. و قال أبو الفداء إنه غرق أهله كما مر ذلك عند الكلام علي جلال الدين … و إنما ذكرناها هنا و بنص آخر لاطراد وقائع جنگيز …

و في سنة 624 ه 1227 م قفل جنگيزخان من الممالك الغربية إلي منازله القديمة الشرقية. ثم رحل من هناك إلي بلاد تنكوت (تنغوت) (و هي بلاد شرقي التبت و غربي نهر الصين المسمي (هو) أي النهر الأصفر و هنالك عرض له مرض من عفونة الهواء الوخيم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 138

و لما اشتد مرضه استدعي أولاده: جغاتاي و اوكتاي و الغ نوين و كلكان و جورختاي و أوردجار (و في رواية اوروجان و في نسخة أخري اردوجار) فأوصاهم أن يخلفه ابنه اوكتاي لمزية رأيه المتين و عقله الرزين فجعله ولي عهده فوافقوه علي اختياره. و هذا نص وصيته لأولاده:

«اعلموا يا أولادي الجياد أنه قد قرب سفري إلي دار الآخرة و دنا أجلي، و أنا بقوة الإله؛ و التأييد السماوي استخلصت مملكة عريضة، بسيطة بحيث يسلك من وسطها إلي طرف منها مسيرة سنة من أجلكم يا أولادي، و هيأتها لكم فوصيتي إليكم أنكم تشتغلون بعدي بدفع الأعداء و رفع الأصدقاء، و تكونون جميعا علي رأي واحد حتي تعيشوا في نعمة و عز و دلال، و تتمتعوا بالمملكة» ا ه.

و

قد أورد هذه الوصية صاحب جامع التواريخ بنص عربي و نقلتها من تاريخه العربي. و كان يوصي أولاده بالصيد و القنص و مطاردة الوحش عند ركود الحروب و هدنة القتال كأنه يريدهم أن يكونوا في تمرن دائم للحروب مع الناس، أو مع الحيوان …

ثم اشتد وجعه فتوفي في 4 رمضان 624 ه 1227 م (و في شجرة الترك أنه توفي بتاريخ 14 رمضان و قد عاش 73 سنة و في تواريخ الصين أنه عمر 66 سنة وطالت حكومته 25 عاما).

و حينئذ شكلوا مجمعا كبيرا يسمي عندهم (قور يلتاي) (و هذا هو الصحيح و لا يلتفت إلي القول بأنه القعر يلياي فإنه غير معروف و لا صحيح). فكان اجتماعهم سنة 626 ه 1229 م و أجمعوا علي أوكتاي حسب الوصية فألحوا عليه بالقبول و هو يتمنع لمدة 40 يوما حتي قبل.

فلقبوه (قاآن) أي ملك أو سلطان و أجلسوه علي سرير المملكة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 139

صفوة القول عن جنگيزخان:

إن هذا الملك كانت ادارته أشبه بحكومات اليوم. فلم يضع عقلا و لم ينتهج غيا. فهو صاحب حكومة مدنية لم يؤسس عمادها علي دين و شكلها استعماري، استخدم جماعات من العناصر المختلفة و الأمم المستضعفة لترويج غرضه و تمشية منهاجه. و إن كان الأقوام الذين معه سلكوا المحرمات و أباح هو المنهيات لأمور لا تخفي علي العاقل مغازيها بالنظر لأوضاع الاجتماع آنئذ … و لكنهم احترموا ضعفاء الأقوام و جعلوهم احرارا في كل مراسمهم الدينية فصار يظن لأول وهلة أنهم نصاري من قبل النصاري و هكذا … و لكن المفهوم أنهم يقدسون الشمس فتراهم في تولية اوكتاي السلطنة مقام أبيه قد جثوا علي ركبهم تسع مرات دلالة علي

التعظيم له. ثم خرجوا من المخيم و جثوا ثلاث مرات حيال الشمس … و من هذا يفهم أنهم يعظمون الشمس و يخضعون لإشراقها …

قال ابن السبكي في الطبقات: «كان من أعقل الناس، و أخبرهم بالحروب و وضع له شرعا اخترعه، و دينا ابتدعه … سماه (الياسا) لا يحكمون إلا به، و كان كافرا يعبد الشمس …» ا ه و قد مر النقل عنه أن قومه أطاعوه طاعة العباد المخلصين لرب العالمين …

و إن القصة التالية توضح عقيدة جنگيزخان:

«إن جنگيزخان بعد أن ضبط طوران و إيران و بعد أن أتم أمراؤه و أبناؤه ما عهد إليهم من تخريب أنحاء غزنة من قبل اوكتاي و تعقيب أثر السلطان جلال الدين من قبل جغتاي خان فانعدم أثره و عاد بغنائم وفيرة و أسري كثيرين … جاء إلي سمرقند و عين في الولايات حكاما عسكريين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 140

(داروغا) و مضي من نهر آمو و جاء إلي بخاري. و إن أولاده الذين بعثهم إلي الأطراف عادوا جميعا و التحقوا به.

و حينئذ أرسل إلي أهليها أن يبعثوا إليه أحد علمائهم يسأل منه بعض الأمور فبعثوا إليه القاضي أشرف و معه واعظ آخر فجرت بينهما المحاورة الآتية:

جنگيزخان- ما المسلمون؟ و لماذا انتم مسلمون؟

الجماعة- المسلمون عبيد اللّه. و اللّه واحد، و ليس له مثل و لا شريك.

/- أنا أيضا اعتقد أن اللّه واحد!

هم- و للّه رسل. هم سفراء اللّه. ارسلهم ليبينوا أوامره و نواهيه.

ج- و هذا مقبول.

هم- و نحن نصلي خمس أوقات نعبد اللّه بها.

ج- و هذا حسن.

هم- و نصوم شهرا في السنة.

ج- و هذا حسن أيضا.

هم- إن للّه بيتا في مكة. فإذا تمكنا من الذهاب إليه فعلنا.

ج- لا أوافق

علي هذا فالعالم كله بيت اللّه. فلما ذا يخصص في محل معين؟ ثم انتهت المحاورة بهذا الوجه.

و لم يبين له هؤلاء العلماء السبب الذي أورده القرآن الكريم نفسه و هو أنه أول بيت وضع للناس و أنه واسطة التعارف بين المسلمين و موطن التكبير للّه علي الهداية باعتبار أنه موطن الهداية و الدعوة الأولي …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 141

فأذن جنگيزخان لهما بالعودة و لكنهما طلبا أن يعفو عنهم فلطف بهم و أعطاهم طرخانا. و من هناك توجه إلي سمرقند و منها ذهب إلي صحراء قبچاق. هناك أمر أن يجروا الصيد. و بعدها عاد لوطنه و نصح أولاده و أوصاهم ببعض الوصايا في ادارة الممالك و كيفية المحاربة و بأي صورة يعامل الناس و ما ماثل …».

و من وصاياه: لا يؤذ بعضكم بعضا علي أمور الدنيا فإذا شعر بعضكم بألم من الآخر فليسارع لإزالته حالا لتكونوا بمأمن من شرور الأعداء، اجعلوا اوكتاي ملكا بعدي، أطيعوه و كونوا دائما في جانبه، اقتلوا شيدورقو و كافة من معه قبل أن يعلم بوفاتي (و هذا كان قد عصي ثم طلب الأمان و هو والي تنغوت)، ثم أعلنوا وفاتي للناس.

هذا مجمل وصاياه و عقائده.

و إن أقواله و قوانينه و التقاليد التي وضعها تبين بوجه الإجمال إدارته زيادة علي ما مرّ من أعماله و تدابيره و هي:

1- أنه قسّم جيشه إلي أقسام كل قسم عشرة آلاف نسمة سماه (تومانا) و هو المعروف عندنا اليوم (بالفرقة) و جعل عليه قائدا يقال له (نويان) أو (نوين) و هو (آمر الفرقة) ثم قسم هذا فجعل لكل ألف منه قائدا يقال له بيكباش أو ما يسمي عندنا (آمر فوج) و قسم هؤلاء إلي مئات جعل

قائدا علي كل مائة يدعي يوزباش و عندنا (آمر السرية). فرّقه إلي عشرات فجعل علي كل عشرة مقدما (أو نباشي) يسمي عندنا (آمر حضيرة) كما أنه اعتبر علي الخمسين مقدما يدعي عندنا (آمر فصيل)،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 142

و منع أن يتصل قائد النومان (النويان) بآخر مثله و ليس له أمر علي الغير كما أنه يجب أن تراعي السلسلة في الآمرية فالنفر لا يراجع إلا آمره و هكذا من فوقه علي مراتبهم.

2- ألزم بقانونه أن لا يقصر فرد في لوازمه من الخيط إلي الإبرة إلي قطعة الخام فكل لوازمه ينبغي أن تكون جاهزة بلا نقص … و من لا يراعي ذلك يعاقب بأشد العقوبة.

3- و كان يعاقب بشدة كل من لم يسمع كلام أبيه من الأولاد و الأخ الأكبر من بين باقي الإخوة و الزوجة من زوجها …

4- يعاقب كل من يسرق و يقطع الطريق أو يعمل الشر بعقوبة شديدة، لذا لم توجد في زمنه أمثال هذه الأمور.

5- إن جنگيزخان كان يقدم للقيادة من كان عاقلا، شجاعا، و يجعل الأفراد من سائر الناس. و أما الضعفاء و العجزة فإنه يتخذهم رعاة فيوزع الأعمال بهذه الصورة. و الأمم المتمدنة اليوم تراعي هذا القانون تقريبا في جنديتها..

و هكذا قضي أشغاله بنجاح وقويت دولته و حكومته و ازداد شأنها يوما فيوما.

6- و من قوانينه أن يأتيه القواد كل سنة من أونباشي (آمر حضيرة) إلي النويان (آمر الفرقة) فيواجهونه و يتلقون منه الأوامر و يصغون إلي نصحه. و قال: إن من فعل ذلك تمكن أن يصير قائدا لجيش عظيم و من لم يفعل فلا يصلح للقيادة. لأن هؤلاء في نظره يشبهون الصخرة التي لو طرحت في ماء

عميق أبقت بعدها اثرا و ذهبت عن العيان.

7- كان جنگيز يقول: إن من يدبر بيته أحسن تدبير يتمكن من إدارة المملكة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 143

8- و كان يقول: من تمكن علي إدارة عشرة أفراد و أحسن سوقهم تيسر له سوق جيش عظيم.

9- من تمكن من نظافة بيته يستطيع أن يحرس حكومته من السراق و أهل الشقاء.

و له أقوال كثيرة أمثال هذه. فلو كتبناها كلها لكونت كتابا ضخما و لذا اكتفينا ببعضها … و قد شاعت قوانينه هذه و انتشرت بين الأمم، و قد تعرض لها مؤرخو الإسلام و لكن صاحب فوات الوفيات سماها (النسق) و الحال أنها (اليساق) أو (الياسا) و معناها النواهي أو المحرمات و الزواجر أو الواجبات التي لا يصح التهاون بها … و قد بالغ الناس في التشديد بخصوصها و قد أورد صاحب الخطط (المقريزي) الكثير منها.

و قال: «أخبرني … أبو هاشم أحمد بن البرهان … أنه رأي نسخة من الياسه (الياسا) بخزانة المدرسة المستنصرية ببغداد». ا ه ثم بين جملة مما شرعه هاشم خان فيها …

و كذا صاحب جامع التواريخ وجها نكشا للجويني و (تيمور و تزوكاتي) … و الظاهر أن الذين نقلوها لم يجدوها مدونة و مكتوبة و إنما هي محفوظة. لأن الأمة كانت أمية و تتلقي هذه الأوامر فتحفظها و هي أوامر مختصرة أو قوانين كلية و قواعد معتادة. و لا يزال العراقيون يطلقون علي منع الدخول (بيسق) أو كما يقول العوام (يصغ) و كذا الترك يلفظونها بهذا اللفظ و لعلها وصلتنا منهم أو من الترك سكان العراق القدماء.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 144

و علي كل حال أوامره تعني التزام النظام و الطاعة و

لا تقبل التساهل أو التهاون بوجه فالشدة مرعية في تطبيقها و العقوبة علي المخالفة صارمة جدا … و أما النظر إلي التخريبات و اعتبارها هدما للنظام فهذا غير صحيح. لأن المراد من ذلك امحاء قوة العدو و أن لا يتبدل عليهم الأهلون فيكونوا بلاء، و فيها ترهيب للناس و قسر علي الطاعة. فالغاية في نظرهم تبرر الواسطة و مع هذا فالخوف و الاحتراس ضروري و الحساب للأمور شأن العقلاء و أكابر الفاتحين … و لكن هذا القائد أفرط في الاحتراس فأبقي له سمعة سيئة في التاريخ فصار مضرب المثل في الظلم و العدوان و كل ما جاوز حده انقلب الغرض منه و صار إلي ضده. فالبشرية جربت هذه التجربة المرة و سجلتها في أعمالها و فيها عبرة لمن جاء بعده من القواد و الفاتحين و لا يزال اللوم و التنديد موجهين علي من يخرج عن الطريق المعروف. و اكتسبت الحروب في هذه الأيام (أيامنا أثناء تحرير هذا التاريخ) شكلا مؤسسا علي حقوق الحرب و أسباب صحيحة و قطعية و المخالف يقبح و يطعن من أجله بشرف الأمة التي قام باسمها من جراء عمله … و مع هذا فلا تفترق بعض الحكومات عن سابقاتها من أنها عصابات منظمة فلم تكتف بما لديها … و لكنها سائرة من حيث العموم إلي أن تكون جماعة لإدارة الأمة إدارة رشيدة …

حكومة اوكتاي قاآن
اوكتاي قاآن:

اتفق مؤرخو الإسلام علي تلفظ هذا الاسم بالوجه المذكور في صدر هذا المقال. و في شجرة الترك ينطق به هكذا (اوكه داي) و ليس هناك تفاوت كبير. و إنما هو من جهة ضبط الكلمة و إظهار حركاتها الحرفية بإشباع الحركات لا غير. و لذا راعينا تلفظه الشائع. و

هذه اللفظة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 145

جلوس اوكتاي قاآن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 146

تعني الصاعد، أو المعتلي …

إن اوكتاي ثالث أولاد جنگيزخان تولي زمام الحكم سنة 626 ه 1229 م أي بعد أبيه بسنتين و ذلك أن الأولاد و الأمراء ارسلوا الرسل إلي باقي الأولاد و الأمراء ليجتمعوا في القوريلتاي (المجلس العام و يعقد للأمور المهمة و القضايا الكبري المدلهمة و يتألف من أهل الحل و العقد لا تخاذ القرار فيما يمكن عمله).

و في سنة 626 ه 1229 م (و في شجرة الترك سنة 627 ه 1230 م) تم اجتماع الأولاد و أمراء المغول فوصل من جهة القفچاق (قپچاق) الأولاد دوشي (جوجي خان) و أولاده. و من جانب اتميل أوكتاي و من ناحية المشرق عمهم أوتكين و بلكتاي نوين و الجتاي نوين و الغ نوين.

و أما الأولاد الصغار فكانوا في أوردو جنگيزخان.

و في زمن الربيع حضروا كلهم في عساكرهم و اتخذوا الأفراح لمدة ثلاثة أيام متوالية ثم شرعوا فيما تقدم به جنگيزخان من الوصية و العهد بالمملكة إلي اوكتاي فامتثلوا الأوامر الجنگيزية، و اعترفوا بأهليته لذلك فاستقالهم اوكتاي الولاية قائلا: إن أمر الوالد و إن كان لا اعتراض عليه و لكن ههنا أخ أكبر مني و أعمام أولي مني بها. فلم يقبلوا منه و أصروا علي أنه لا بد من امتثال مرسوم الوالد و داموا علي اصرارهم أربعين يوما و ما زالوا يتضرعون إليه و يلحون عليه بالمسألة حتي أجاب إلي ذلك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 147

فكشفوا رؤوسهم و رموا مناطقهم علي اكتافهم و أخذ جغاتاي (أخوه الكبير) بيده اليمني و أوتكين عمه بيده اليسري فأجلساه علي سرير المملكة و

لقباه (قاآن) و أمسك له الغ نوين كأس شراب فسقاه و جثا كل من كان حاضرا داخل المخيم و خارجه علي ركبتيه تسع مرات و دعوا له، ثم برزوا كلهم إلي الخارج و جثوا ثلاث مرات حيال الشمس.

و إنما اختص الغ نوين بمسك الكأس لأنه أصغر أولاد جنگيزخان.

و من عادة المغول أن الابن الصغير لا يقتسم و لا يخرج عن بيت أبيه.

و إذا مات الأب فهو يتولي تدبير المنزل ففي تلك الأربعين يوما كان يقول اوكتاي: إن الغ نوين هو صاحب البيت و أكثر مواظبة لخدمته و أبلغ مني تعلما لسياسته. فالمصلحة تفويض هذا الأمر إليه. فلذلك سبق الجميع بتصريح الطاعة.

و أما الأمراء فانتخبوا من بناتهم الأبكار الصالحة لخدمة قاآن أربعين بنتا و حملوهن مزينات بالحلي الفاخرة و الخيول الرائعة إلي خدمته.

و لما فرغ من هذه الأمور صرف همته إلي ضبط الممالك و جهز جورماغون في ثلاثين ألف فارس و سيره إلي ناحية خراسان لتعقب السلطان جلال الدين لأنه كان أتي من الهند و استولي علي كرمان و شيراز و أذربيجان و تبريز و علي مدن أخري و جمع له جيوشا عظيمة. فلما سمع جلال الدين بسوق الجيوش عليه انسحب إلي انحاء ديار بكر فكردستان بالوجه المنوه عنه فقتله الأكراد رغبة في فرسه و كركه و قيل إنه ترك لباسه و اكتسي أثواب درويش و لم يبق له خبر فطمس أثره. و أنفذ سنتاي بهادر (و يروي سيناي بهادر) في مثل ذلك العسكر إلي جانب قفچاق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 148

و سقسين و بلغار. و جماعة أخري ذهبت إلي التبت و قصد هو بنفسه بلاد الخطا و ذلك في ربيع الأول 627 ه

1230 م فكانت الحروب سجالا بين الطرفين و بالنتيجة أكمل فتحها و في هذه الأثناء توفي تولي خان لمرض أصابه في حين أنهم كانوا مسرورين بفتح بلاد الخطا و كان أحب الإخوة إلي قاآن فاغتمّ لذلك كثيرا. و أمر أن تتولي زوجته سرقوتني بيكي (بنت أخي اونك خان هي سورقوقتي) تدبير عسكره و كان لها من الأولاد أربعة بنين أحدهم منگو قاآن و الآخر هلاكو فأحسنت تربيتهم و إدارة أصحابه.

و كانت تدين بالنصرانية.

و بعد قليل مات أيضا الأخ الكبير و هو توشي (دوشي) و خلف سبعة بنين كان أحدهم باتو تسلم بأمر القاآن البلاد الشمالية و هي بلاد الصقالبة و اللان و الروس و البلغار و جعل مخيمه علي نهر أتل و غزا هذه النواحي فانتصر انتصارات باهرة … و نالته في الأخير مغلوبية فاحشة و لكن لم تفلّ من غرب المغول و لا فترت من عزمهم و في سنة 633 ه 1236 م غزا التاتار بلد أربل و عبروا إلي بلد نينوي و نزلوا علي ساقية ترجله (لفظها ابن العبري ترجلي) و كرمليس فهرب أهل كرمليس و دخلوا بيعتها. و كان لها بابان فدخلها المغول و قعد أميران منهم كل واحد علي باب و أذنوا للناس في الخروج عن البيعة فمن خرج من أحد بابيها قتلوه و من خرج من الباب الآخر اطلقه الأمير الذي علي ذلك الباب و أبقاه فتعجب الناس لذلك.

و في سنة 634 ه 1237 م في شهر شوال غزا التاتار بلد أربل و هرب أهل المدينة إلي قلعتها فحاصروها أربعين يوما. ثم أعطوا مالا فرحلوا عنها في 6 ذي الحجة لأنهم سمعوا أن قد جاء المدد من بغداد.

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 1، ص: 149

و في سنة 635 غزا التاتار العراق و وصلوا إلي تخوم بغداد إلي موضع يسمي زنكاباد و في ابن الفوطي إلي دقوقا، و إلي سر من رأي فخرج إليهم مجاهد الدين الدويدار و شرف الدين اقبال الشرابي في عساكرهما فلقوا المغول و هزموهم و خافوا من عودهم فنصبوا المنجنيقات علي سور بغداد.

و في آخر هذه السنة عاد التاتار إلي بلد بغداد و وصلوا إلي خانقين فلقيهم جيش بغداد فانكسر جيش الخليفة و عادوا منهزمين إلي بغداد بعد أن قتل منهم خلق كثير و غنم المغول غنيمة عظيمة و عادوا. و كانت هذه الوقعة في 3 ذي القعدة. و قد اضطرب أمر بغداد بسببها.

و يلاحظ أن المغول في حروبهم إذا أصابتهم نكبة لا يفتر عزمهم و لا تقلل من مقدرتهم و إنما يراعون الدواعي و يتخذون التدابير لإعادة الكرة … و هذا من العقل بمكانة، كما أن التزام الحكومة العراقية بالجيش و بذل المصاريف و ايجاد الشغب و الاطلاع علي الحالة و جسّ النبض … مما يعرف بحقيقة الوضع، فالقوم ليسوا غزاة طالبين الاستفادة المؤقتة و إنما هم عارفون و منتهجون خطة سليمة للفتح و اتخذوا الارهاب و القسوة وسائل لتأمينها و القضاء علي الشعب و الحكومة معا …

و بعد هذا التاريخ جرت للمغول حروب عظمي سواء في الاناضول أو الكرج و الأرمن و أذربيجان و كانوا المنتصرين فنهبوا و سلبوا و قتلوا …

ثم مضوا فلم يسلم منهم المسلمون و لا النصاري فقد عم أذاهم الطوائف جميعها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 150

و في سنة 642 ه 1245 م أغار التتر علي بغداد و لم يتمكنوا من منازلتها … أو

بالتعبير الصحيح عادوا بعد أن قتلوا و نهبوا و منهم كان فريق عبر دجيل و فعل هناك مثل هؤلاء …

مرض القاآن:

و في سنة 643 ه 1246 م مرض القاآن. و لما اشتد مرضه سير رسولا في طلب ابنه كيوك فلم يمهله القضاء للاجتماع به فأقام بالمكان الذي بلغه فيه وفاته. و كانت والدته توراكنه خاتون ذات دهاء كاف و فطنة فاتفق جغاتاي و باقي الأولاد علي أنها تتصرف في تدبير الممالك إلي وقت القوريلتاي (مجلس الشوري) لأنها أم الأولاد الذين لهم الاستحقاق في الخانية.

و في و زمن هذا القاآن نري المحاربات شديدة و لكنها لا تخرج عن كونها غزوا و نهبا و سلبا لحد هذا التاريخ و لم تستقر الحكومة و تكتسب شكلا مدنيا منظما، أو أنها لم تتيسر لها إدارة الممالك المضبوطة و الوقوف مع المجاورين عند حد دولي معروف، و أن إرسال الرسل و المخابرات لم تدعهم يركنون إلي مسالمة فلا يرضون بغير التسليم و الانقياد التام …

هذه هي الحالة العامة لحكومة المغول، و لا يفوتنا أن نذكر لهذا القاآن خطته الدالة علي التعديل نوعا في الأوضاع السياسية و تطييب قلوب المسلمين و هي:

1- يحكي أنه جاء رجل لا يؤمن بالدين الإسلامي فقال له: «إني

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 151

رأيت رؤيا، قال لي جنگيزخان فيها في الحلم: أخبر اوكتاي أن يقتل المسلمين!» فقال له هل هو الذي قال لك أو ترجمانه. فقال هو قال لي من لسانه ثم سأله اوكتاي عن معرفته اللغة المغولية فأجاب بالسلب.

و حينئذ قال: اقتلوه! تكلم بالكذب. لأن جنگيزخان لا يعلم لغة سوي لغته.

2- و يحكي أنه كان اوكتاي قاآن أمر أن تذبح الشياه بشق صدرها لا

بذبحها من مذبحها. فأخذ أحد المسلمين شاة و أغلق بابه فذبحها بالوجه الشرعي عند المسلمين. و حينئذ جاءه مغولي فدخل عليه و أخبر الملك بذلك. فقال إنه أطاع الأمر بغلقه الباب فلا يستحق عقوبة، و أمر بقتل المغولي لانتهاكه حرمة دار المسلم.

و القصص و الحكايات تنقل عن لطفه و كرمه … بكثرة و كان له أربع زوجات و 60 سرية، و له من الأولاد سبعة منهم خمسة من زوجته توراكنه و اثنان من السرايا. و ولي عهده حفيده شيرامون كوجو [و نظرا لقول الخواجه رشيد الدين هو كوجر].

و قد خلفه ابنه كيوك رغم وصيته بأن يكون ابن ابنه شيرامون كوجو.

حكومة گيوك بن اوكتاي
گيوك بن أوكتاي:

في سنة 644 ه 1247 م تم اجتماع الأولاد و الأحفاد و أمراء المغول في وقت الربيع. و حضر في المجمع من غير المغول جماعة مما وراء النهر و تركستان الأمير مسعود بيك، و من خراسان الأمير أرغون آغا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 152

و صحبته أكابر العراق و اللور و اذربيجان و شروان و وفود آخرون من الروم، و من الأرمن، و من كرجستان، و من الشام، و من بغداد فخر الدين قاضي القضاة، و من علاء الدين صاحب الالموت محتشمو قهستان …

فلما تم هذا المجمع الذي لم يعهد مثله وقع الاتفاق علي گيوك.

و إنما اختير هو دون إخوته لكونه مشهورا بالغلبة و الشطط و الاقتحام و التسلط. و كان هو أكبر الإخوة فأهل للولاية و أجلس علي سرير الملك و خدموه و دعوا له كالعادة و سموه گيوك قاآن و كان قد حضر حفلة سلطنته اثنان من قسوس الافرنج.

و في سنة 645 ه 1248 م ولي گيوك خان علي بلاد الروم و

الموصل و الشام و الكرج (و في رواية و الأرمن) نوينا اسمه ايلجيكتاي؛ و علي ممالك الخطا الصاحب محمود يالواجي و علي ما وراء النهر و تركستان الأمير مسعود، و علي بلاد خراسان و العراق و اذربيجان و شروان و اللور و كرمان و فارس و اطراف الهند الأمير ارغون آغا …

و أما رسول الخليفة فخاطبه خطاب واعد و موعد بل واعظ و منذر.

و أما رسل الملاحدة فصرفهم مذلين مهانين …

و كان بمقام الاتابكية لكيوك خان أمير كبير اسمه قداق و شاركه أمير آخر اسمه جنيقاي (و يروي تجنيفاي) قال العبري و هذان أحسنا النظر إلي النصاري و حسنا اعتقاد كيوك خان في النصرانية و والدته و أهل بيته فصارت الدولة مسيحية …

و قال صاحب الشجرة إن هذا الملك وزع الخزائن علي الناس بصورة لم يسبقه إليها أحد قبله و كان يراعي النصاري و مبني هذا الاتفاق … دامت سلطنته سنة واحدة.

و بهذا وزع الأعمال و شرع في تنظيم الحكومة و ترتيبها. و في سنة 647 ه 1249 م توفيت توراكينه خاتون أم كيوك خان فتشاءم كيوك خان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 153

و رحل إلي البلاد الغربية. و لما وصل إلي ناحية قمستكي و بينها و بين مدينة بيش باليغ خمس مراحل ادركه أجله في تاسع ربيع الآخر من السنة المذكورة. فأرسلت زوجته المسماة قاميش و في العبري (أغول غانميش) رسولا إلي باتو بن تولي و أعلمته بالقضية و توجهت هي إلي جانب قوناق و ايميل و أقامت بالمكان الذي كان يقيم به كيوك خان أولا. فسيرت سورقوقتي بيكي زوجة تولي خان و هي أكبر الخواتين يومئذ إليها رسولا تعزيها و حمل إليها ثيابا و

بوقتاقا (و يروي و بوقتايا).

أما باتو فإنه سار من بلاده الشمالية متوجها إلي المشرق ليجتمع بكيوك خان لأنه كان يلح عليه بالمسير إليه. فلما وصل إلي موضع يقال له الاقماق و بينه و بين مدينة فياليق ثماني مراحل بلغه وفاة كيوك خان. فأقام هناك و سير رسولا إلي قاميش (اغول غانميش) زوجة كيوك خان و أذن لها بالتصرف في الممالك إلي أن يقع الاتفاق علي من يصلح للأمر و أرسل أيضا إلي الجوانب ليجتمع الأولاد و العشائر و الأمراء.

مانگو قاآن:

هو ابن تولي خان من زوجته الكبري سورقوقتي بيكي بنت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 154

جاكمپو، أخ اونك خان ملك كرايت. و للمترجم زوجات و سراري (قوما) كثيرة.

ففي سنة 648 ه 1251 م اجتمع أولاد الملوك و أمراء المغول.

فوصل من حدود قراقروم مانگو بن تولي خان و أما سيرامون و باقي احفاد و خواتين القاآن فسيروا قونقو رتقاي و كتبوا خطهم أنه قائم مقامهم و أن باتوهو أكبر الأولاد و هو الحاكم و هم راضون بما يرضاه.

و أما اغول غانميش خاتون (قاميش) زوجة كيوك خان و من معها من أولاد الملوك فوصلوا إلي خدمة باتو و لم يقيموا عنده أكثر من يوم بل رجعوا إلي معسكرهم و استنابوا أميرا منهم يقال له تيمور نوين و أذنوا له أن يوافق علي ما يتفق عليه الجمع كله و إن اختلفت الأهواء فلا يطيع أحدا حتي يعلمهم كيفية الحال. فبقي جغاتاي و مانگو و سائر من كان حاضرا من الأولاد و الأحفاد و الأمراء يتشاورون أياما في هذا الأمر و فوضوا الأمر إلي باتو لأنه أكبر الجماعة و أسدّهم رأيا. فبعد ثلاثة أيام من يوم التفويض قال:

إن مثل هذا الخطب الخطير ليس فينا

من يفي بحق القيام به غير مانگو. فوافقوه كلهم علي ذلك و أجلسوه علي سرير المملكة في قراقروم و كلوران أصل وطن جنگيزخان. و باتو مع باقي الأولاد و الأكابر خدموه جاثين علي ركبهم كالعادة. ثم انصرف كل واحد إلي محله بناء علي أنهم يجتمعون في السنة المقبلة يعقدون مجمعا كبيرا (قوريلتاي) ليحضره الأولاد و الأكابر ممن لم يحضر الآن إتماما للبيعة العامة.

و في سنة 649 ه 1251 م وقت الربيع حضر أكثر الأولاد مثل بركه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 155

اغول و أخيه بغاتيمور و عمهم الجتاي الكبير و الأمراء المعتبرين من أردو جنگيزخان. و في اليوم التاسع من ربيع الآخر كشفوا رؤوسهم و رموا مناطقهم علي اكتافهم و رفعوا مانگو علي سرير المملكة و سموه مانگو قاآن و جثوا علي ركبهم تسع مرات. و كان له حينئذ سبعة من الإخوة منهم قبلاي و هلاكو … فترتبوا جالسين علي يمينه و الخواتين علي يساره و أقاموا الاحتفال و المهرجان لمدة سبعة أيام.

و حينئذ نظم مانگو قاآن أمور حكومته و أرسل بعض الجيوش إلي الثغور و صار يرعي شؤون البلاد التي تحت سلطته و يقضي حاجات اتباعه و أعوانه من قريبين و بعيدين.

و أول فكرة عرضت له بعد أن تمت مراسم جلوسه و انفضاض المهنئين الذين جاؤوه للتبريك أن أرسل بايجو نويان مع جيش جرار لمحافظة ايران. و هذا حينما وصل إلي محل مأموريته بعث رسولا إلي الخليفة يعرض فيه شكواه من الملاحدة و حينئذ قدم إليه قاضي القضاة شمس الدين القزويني طاعته و المثول بين يديه. و كان القاضي لابسا درعا. و بين إلي بايجو نويان أنه يخشي من الملاحدة أن يظفروا به

و يقتلوه. و لذا لبس الدرع. ثم أخذ يظهر تألمه من تغلب هؤلاء الملاحدة. و أن هذا القاضي طلب أن تعرض شكواه إلي القاآن.

و في سنة 650 ه 1252 م توجهت قاميش (اغول غانميش) و جماعتها في عساكرهم نحو فيلق مونگو قاآن (مانگو). و كان المقدم علي جيوشهم سيرامون و نافوا. و لما قربوا اتفق أن رجلا من اردو مانگو قاآن من الذين يربون السباع لأولاد الملك هرب منه أسده فخرج في طلبه متحريا عنه في الجبال و الصحاري فاجتاز بطرف من عسكر سيرامون فوجد صبيا منهم قد انكسرت عجلته و هو جالس عندها فلما رأي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 156

المذكور مجتازا استدعاه ليستعين به في ترميم عجلته. فأجابه إلي ذلك و نزل عن فرسه و أخذ يصلح معه العجلة فوقع بصره علي أسلحة مستورة في باطن العجلة فسأل الغلام عنها فقال له ما أغفلك كأنك لست منا كيف لا تعرف أن كل العجلات التي معنا كهذه مشحونة بآلات الحرب.

فلما تحقق ذلك ترك الأسد الآبق و سار مسيرة ثلاثة أيام في يوم واحد عائدا إلي اصحابه و أعلمهم بما رأي و سمع. فأمر مانگو قاآن أن يمضي إليهم (منكسار) في ألفي فارس و يستطلع حالهم. فمضي و ذكر ما نقل عنهم فلم يتمالكوا توجيه أمرهم و داخلهم الرعب و لم يسعهم إلا التسليم لما يقضي به القاآن عليهم.

و لما حضر الكبير منهم و الصغير وقع السؤال و ثبتت الجريمة عليهم فعوقبوا بما استوجبوا من الهلاك و تقسيم عساكرهم علي الأولاد و الأمراء. فتم القضاء علي أمر المخالفين.

أعمال منگو قاآن:

بعد أن قضي علي المخالفين شرع في ترتيب العساكر و ضبط الممالك. فأقطع بلاد الخطا و

ما چين و قراجائك (الظاهر قراخطا) من حد الميري إلي سليكاي [سولنقا] و تنكوت [تنكقوت] و تبت و جورجه و كولي لقبلاي اغول (و في الرشيدي قوبلاي). أخيه، و البلاد الغربية و تحصيل الأموال لهلاكو أخيه، و ولي علي البلاد الشرقية من شاطي ء جيحون إلي منتهي بلاد الخطا الصاحب المعظم يلواج (هو محمود يالواجي) و ولده مسعود بيك، و علي ممالك خراسان و مازندران و هندوستان و العراق و فارس و كرمان و لور و أرّان و أذربيجان و كرجستان و الموصل و الشام الأمير ارغون آغا (كذا في العبري …) و أمر أن يؤدي المتمول الغني في بلاد الخطا في السنة 15 دينارا و الوضيع الفقير دينارا واحدا. و ببلاد خراسان يزن المتمول في السنة 10 دنانير و الفقير دينارا واحدا. و عن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 157

ذوات الأربع مما يسمونه [قويجور] يؤخذ واحد عن مائة رأس من جنس واحد و من ليس له مائة لا يؤخذ منه شي ء.

و أطلق العباد و أرباب الدين من الوثنيين و النصاري و المسلمين من جميع المؤونات و الأوزان و التكاليف …

[حكومة هلاكو خان]
توجه هلاكو إلي البلاد الغربية:

إن القاآن كان يري في سيماء أخيه هلاكو خان إمارات الفتح و الغلبة و يتفرس في عزائمه أنه سيستولي علي العالم كما أنه يفكر في أن بعض الممالك الآن في حوزة آل جنگيزخان و البعض الآخر لا يزال في تصرف غيرهم و لم تدخل بعد في حوزتهم و تحت سلطتهم و أنه يلاحظ أن فسحة العالم واسعة الأرجاء فعزم أن يدع كل صوب و إقليم إلي إدارة واحد من إخوته و أمرته فيجعلها تحت سلطانهم و يكون هو في وطنه مترفها و رئيس الكل

في منتصف الممالك فيقرر العدل كما يجب …

نضج هذا الفكر عنده و تم له تدبيره فجهز إخوته تنفيذا لما ارتآه و لا يهمنا تفصيل القول عن وقائع الأقاليم الأخري و ما أحرز فيها من نصر و ما تأسست من حكومة إذ لا تعلق لها بنا سوي أننا نقول إن هذه الحكومة كان حليفها النصر حيثما توجهت و نكتفي ببيان طراز قيامهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 158

و الخطة التي مشوا بمقتضاها لفتح العالم.

و ذلك أنه بعد أن نضج هذا الفكر و تم التدبير جهز أحد إخوته و هو قبلاي قاآن بجيش إلي ممالك خيتاي و ماچين و قراجائك و تنكقوت و تبت و جورجه و سولنقا و كولي و بعض اقاليم الهند التي تتصل بخيتاي و ماچين.

و من ثم انقطعت عنا أخبار الحكومة الأصلية إلا قليلا فصرنا لا ننظر إلا إلي وقائع هذا القائد و الفاتح العظيم (هلاكو) خان فإنه انفصل رويدا رويدا عن أصل حكومته التي أسسها جنگيزخان. و لذا نري البعض يزعم أنه الملك المطلق و الخان الأعظم.

ففي سنة 651 ه 1253 م توجه هلاكوخان من نواحي قراقروم إلي الأقطار الغربية و سير معه منگو قاآن خمس الجيوش و صحبه أخوه الصغير سنتاي أوغول، و من جانب باتو يلغاي ابن سبقان و قورنار اوغول و قولي (و يروي بلغاي عوض يلغاي و تولا عوض قولي) في عساكر باتو، و من قبل جغتاي تكودار (و يروي توكدار) اوغول ابن بوخي اغول، و من جانب جيجكان بيكي بوقا تيمور في عسكر الاويرات، و من ناحية الخطا ألف بيت من صناع المنجنيقات و أصحاب الحيل في إصلاح آلات الحرب. فكان أمير الترك كيدبوقا الباورجي، و

كان القائم مقام هلاكو بجيش منگو قاآن ولده جومغار بسبب أن أمه أكبر خواتين أبيه هلاكو.

و من الأمراء الذين رافقوا هلاكو خان: دوقوز خاتون و هي أعظم الخواتين. و اولجاي خاتون، و الابنان الكبيران: آباقا، و يشموت [و ما ورد في العبري من أنه يسمون فغير صحيح].

فالقاآن كان أمره أن يتوجه أولا لجهة غربي ايران ثم يذهب إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 159

سورية و مصر و الروم و أرمينية، فباشر في العمل و استصحب معه الجيوش التي كانت أرسلت من قبل مع بايجو نويان كما أن القاآن عززه بجيوش أخري، فهاجم بهم الغرب.

وصية منگو قاآن لهلاكو:

و كان منگو قاآن قد وصي هلاكو بالوصية التالية قائلا ما مؤداه:

«إني مرسلك مع هذا الجيش الجرار من ملك توران (طوران و لا يزال العرب و الغرب يقولون اللغات الطورانية) إلي مملكة ايران و موصيك ان تعمل بمقتضي يوسون (تعاليم أو بالتعبير الأصح قواعد) و ياسا جنگيزخان في كليات الأمور و جزئياتها، نفذ تعاليم جنگيزخان بحذافيرها و لا تتهاون بها، و اعلم أن من أطاعك و انقاد لأمرك و نهيك من هنا إلي أقصي بلاد مصر فاخفض له جناحك و أظهر له حبك، و من عصاك أو خالفك فاسحقه و أذله مع زوجه و ولده و سائر أقربائه و متعلقاته و نكّل بهم جميعا.

«ابدأ بهدم القلاع و الأسوار و الاستحكامات و خرّبها من أول قهستان إلي منتهي خراسان، فإذا أنهيت ذلك و تم لك الفوز في ايران فتوجه نحو العراق، و أهلك من انتصب لمناوأتك و أراد أن يكون عثرة في طريقك من لرّ و كرد و غيرهما ممن يعادونك أو يعارضونك.

«و لا تتعرض للخليفة ببغداد إن كان أظهر لك

الطاعة و انقاد لخدمتك. و أما إذا أبدي غرورا و كبرا و لم يخلص لك قلبا و لسانا فعامله كغيره ممن سبق.

«و عليك أن تجعل العقل رائدك و الرأي الصائب مقتداك و نهجك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 160

في كل الأحوال و لا تزغ عن ذلك، و أن تراعي الحيطة و الرزانة و تكون يقظا متنبها في جميع الأحوال.

«و لا تكلف الرعايا بتكاليف باهظة لا يطيقونها و لا يستطيعون القيام بها، و عليك أن ترفه عليهم، و أن تعمر البلاد التي كنت استوليت عليها و هدمتها في حينها، و أعد لها عمارتها ثانية.

«و عليك أن تفتح ممالك الطغاة بالقوة الإلهية لتكون الممالك المفتوحة ميدانا فسيحا للمربع و المشتي و أن تشاور في جميع القضايا دوقوز خاتون و تعقد معها مجلسا». انتهي.

و كان في نية منگوقاآن أن يرسل هلاكو بجيش عظيم ففعل و عززه بغيره و أمله أن يبقي في ايران بعد الاستيلاء عليها و يكون سلطانا مطلقا فيها، و لكنه أمره ظاهرا أن يرجع إليه إذا تم له الفوز.

و بعد أن أتم وصاياه و نصائحه بهذا الوجه أكرمه و من تبعه من الخواتين و الأولاد كلّا علي حدة في الذهب و اللباس و الخيل ما يليق بهم من وافر العطايا و أنعم علي بقية الأمراء و الأتباع الذين كانوا بصحبته …

و لما وصلوا حدود تركستان استقبلهم صاحب تركستان و ما وراء النهر أمير مسعود بك و أمراء تلك الأنحاء. و قاموا بخدمات جلي نحوهم و قدموا الهدايا اللائقة.

و الحاصل أن هلاكوخان ذهب إلي معسكره في أواخر سنة 650 ه 1253 م في ذي الحجة و في ذي الحجة من سنة 651 ه 1254 م

توجه لغربي ايران. فكانوا أثناء ذهابهم يسهلون الطرق و المعابر للمرور و ينشئون الجسور علي الانهار و كل واحد من الأمراء و الأولاد يدبر الجيش الذي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 161

في عهدته و تحت قيادته و يسعي في نظامه و ترتيبه لئلا يتشوش انتظامه.

و في سنة 652 ه 1254 م تواردت (الرسل) في طلب السلطان عز الدين صاحب الروم ليحضر بنفسه في خدمة منگو قاآن. فاعتذر بظهور أعداء له من ناحية المغرب. و قد أوضح أبو الفداء العلاقة معهم في حوادث سنة 641 ه و ما بعدها، فنكتفي بالإشارة هنا.

سفر هلاكو و قصده بلاد الملاحدة و وقائع أخري

: و في شعبان سنة 653 ه 1255 م نزل هلاكو بمروج مدينة سمرقند، أقام بها أربعين يوما و حينئذ استقبله الملك شمس الدين كرت و نال حظوة عند الخان أكثر من غيره من سائر الذين استقبلوه و هناك أدرك أخاه سنتاي اوغول اجله و أخبر بوفاة أخيه الآخر في طرف بلاذر فتكدر خاطره لهاتين الوقعتين فوصل إليه الأمير أرغون و أكثر اكابر خراسان و قووا عزمه.

ثم و صلوا خراسان و عسكروا هناك. فأقاموا شهرا واحدا في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 162

خلاله نشروا أوامر (يرليغات) إلي ملوك الطوائف تشعر بنواياهم و أنهم لم يأتوا بقصد التسخير. و إنما جاؤوا لإبادة (الملاحدة) و القضاء علي هذه الطائفة المفسدة. و من سلم و أتي إلي المعسكر و ساعد بالعدد و العدة بقي له وطنه و حافظ علي جيوشه و أهليه و قبلت طاعته …

و من أبدي التهاون و الإهمال في امتثال الأمر فحينئذ و إثر أن نسحق تلك الطائفة بقوة الباري تعالي نتوجه علي العاصي و لا نسمع منه عذرا و نعامله آنئذ

بما نعامل به الطائفة المذكورة.

و أرسل هلاكو لتبليغ هذه الأوامر سفراء سريعي السير. و حين سمعوا بالخبر وافت الوفود من أنحاء كثيرة لعرض الطاعة. فورد من الروم السلاطين عز الدين و ركن الدين، و من فارس سعد ابن اتابك مظفر، و من العراق و خراسان و أذربيجان آخرون. و كذا من كرجستان و غيرها. فأبدوا الطاعة و الانقياد.

و في غرة ذي الحجة سنة 653 ه 1256 م انشأوا جسرا علي نهر جيحون و عبروا. و كان الوقت شتاء شديد البرد لا يقشع غيمه و لا ينقطع وقوع الثلج، و هناك قضي جيشه الشتاء فلم يستطع المضي لتلف الخيول الكثيرة. فأمر الأمراء أن يقصدوا في عساكرهم قلاع الملاحدة …

و كان مقدم الإسماعيلية يومئذ ركن الدين خورشاه بن علاء الدين و أخربت خمس قلاع من قلاعه التي لم يكن فيها ذخائر للحصار و أقبل رسول هلاكو إلي حد قصران و كان أرسل كيتو بوقا نويان قائدا بتاريخ جمادي الثانية سنة 650 ه 2652 م إلي حرب الملاحدة فذهب إلي هناك.

و في اوائل المحرم لسنة 651 ه 1253 م عبر نهر جيحون و أخذ يغزو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 163

ولايات قهستان. و كان معه خمسة آلاف من الخيالة و مثلهم من المشاة و وصل إلي كردكوه.

و في خلال المدة بين ربيع الأول لسنة 651 و صفر سنة 655 ه 1257 م استولي علي بقاع عديدة حتي حدود زاوه … فتمرض هناك، من ثم أرسل كوكا ايلكا و كيتوبوقانويان مع سائر الأمراء لفتح باقي المدن.

و في 7 ربيع الأول و صلوا إلي بلدة تون و في 19 ربيع الآخر استولوا علي بلدة شهرستان و توجهوا نحو طوس

ففتحوها و توجهوا إلي دامغان و خربوا الموت (عاصمة الإسماعيلية).

و في هذه الأثناء لازم الخواجه نصير الدين الطوسي هلاكوخان و كان في خدمة علاء الدين محمد بن الحسن الإسماعيلي فحظي عنده و أنعم عليه فعمل الرصد بمراغة. ثم توجه نحو خورشاه ملك الإسماعيلية للاستيلاء علي قلاعه و بلاده و كان من محاسن الصدف- كذا قال الخواجه رشيد الدين- مرافقة نصير الدين الطوسي لهلاكو في هذه الحملة. و كان هو السبب في حقن الدماء و تسليم البلاد لهلاكو. لأن الناس كانوا لا يستطيعون الحرب معه فسعي في المسالمة و أخذ ينصح خورشاه لطاعة هلاكو و الانقياد له. فقبل خورشاه النصيحة. و كان يتماهل في إظهار الطاعة إلي أن حاصروه من جميع الجهات في قيادة بوقاتيمور و كوكا ايلكا و ذلك في 14 شوال سنة 654 م 1256 م حتي اضطروه إلي التسليم في اواخر ذي القعدة من السنة المذكورة. و قتل سنة 655 ه. فافتتحت بلاد الملاحدة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 164

اجمال عن الملاحدة:

هذه الحكومة من حكومات الإسماعيلية، دامت من سنة 473 ه (و علي قول صاحب جامع التواريخ من سنة 477 ه) إلي سنة 654 ه ولي أمرها ثمانية امراء أولهم الحسن بن علي بن محمد الصباح الحميري و آخرهم ركن الدين خورشاه؛ و كانت قاسية في حكمها و أنتهكت حرمات و قتلت علماء و أمراء، و أجرت مظالم سجلها التاريخ عليها …

و هذه قائمة بأسماء حكامها:

1- الحسن بن علي بن محمد الصباح (473 ه 1081 م: 518 ه 1125 م).

2- كيابزرك أميد (518 ه 1125 م: 533 ه 1139 م).

3- كيا محمد بن كيابزرك أميد (533 ه 1139 م: 557 ه 1162 م).

4-

الحسن بن كيا محمد (557 ه 1162 م: 561 ه 1166 م).

5- خواند محمد بن الحسن (561 ه 1166 م: 607 ه 1211 م).

6- خواند جلال الدين حسن ابن خواند محمد (607 ه 1211 م:

618 ه 1222 م).

7- خواند علاء الدين محمد ابن خواند جلال الدين حسن (618 ه 1222 م: 653 ه 1256 م).

8- خواند ركن الدين خورشاه بن علاء الدين محمد (653 ه 1256 م: 654 ه 1257 م).

و هذا الأخير و والده قتلهما المغول و قضوا علي ادارتهم …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 165

و قال في جامع التواريخ ملوكهم سبعة بإغفال جلال الدين حسن السادس من المذكورين في القائمة.

و أوضح عقائدهم ناصر خسرو في كتبه (وجه دين)، و (زاد المسافرين)، و (سفر نامة)، و (روشنائي) و غيره و كان هذا قد تلقي تعاليمه من مصر مركز الدعوة، و من نفس قرامطة البحرين فصارت أساسا لهؤلاء …

و يعتقدون ما يعتقده غلاة التصوف من الوحدة و الاتحاد و الحلول و هم منهم، و يتمسكون بالفلسفة اليونانية، و بأمور من شأنها ابطال الشريعة الإسلامية بالركون إلي تأويلات خرجوا بها عن مدلول اللفظ، و صرفوها عما يفهم منها إلي معاني الحروف، و الرموز المكنونة فيها و هي من اختراعهم لتوجيه الناس إليها دون الالتفات إلي معاني الآيات …

و منهم اشتقت عقائد (غلاة التصوف)؛ و (الحروفية)، و (الدروز)، و الأغاخانية و الكشفية و البابية، و البهائية … في أزمنة مختلفة، و أشكال متنوعة …

و أصل عقيدتهم تسليم القياد للأشخاص بحيث يعدونهم تارة آلهة، و أخري أئمة أو دعاة، أو دعاة الدعاة و هكذا … فيتمسكون بالأشخاص تمسكا ليس وراءه حد …

و قد تكلم كثيرون عن

عقائدهم، و أظهروا بعض ما أبطنوا منها، و لا تزال المجاهيل عديدة، و اشتهر من كتبهم (رسائل إخوان الصفا)، و كتب، (ناصر خسرو)، و في كتب الملل و النحل بيانات كثيرة عن عقائدهم، و في (كتاب الفرق) و عندي مخطوط منه تفصيل كثير عن عقائدهم، و طريق دعوتهم، و مؤلفه أبو محمد لا نعرف عنه أكثر من أنه يمان، مجاور لهم، اطلع علي مؤلفاتهم و نقل عنها عازيا كل قول لصاحبه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 166

و عند استئصال هذه الفرقة من قبل هلاكوخان طلب علاء الدين الجويني من هلاكو حينما كان في (لمسر) أن يطلع علي مكتبتهم المشهورة في بلدة (الموت) فوافق و حينئذ ذهب إليها و أخرج منها المصاحف و الكتب النفيسة، و الكراسي و كتاب الحلق، و الاسطرلابات و غيرها فانتقاها من بين كتبهم، و حرق الباقي مما يتعلق بضلالاتهم مما لا يستند إلي معقول أو منقول … حكي ذلك كله الجويني و نشر لهم ملخص ما يسمي عندهم ب (سيرة سيدنا) (سركذشت سيدنا) في مناقب الحسن ابن الصباح مؤسس حكومة الملاحدة، ذكر ذلك في الجلد الثالث من كتابه (جهان گشا)، ثم بسط القول أكثر الخواجه رشيد الدين في كتابه جامع التواريخ في المجلد الثاني منه …

و لا تزال كتب الإسماعيلية موجودة في الهند و اليمن. و قد عثرنا مؤخرا علي رسالة منظومة في عقائدهم تسمي (سمط الحقائق) للداعي علي بن حنظلة بن أبي سالم …

و علي كل ما زالت و لا تزال النشرات عنهم متوالية …

توغل هلاكو خان في فتوحه:

و في شوال سنة 654 ه كان توجه هلاكو نحو مدينة طالقان، و منها توجه نحو قهستان.

و في ربيع الأول سنة 655 ه

أتم هلاكوخان أمر الملاحدة و توجه من قزوين إلي همذان و حينئذ وصله القائد باجونويان من حدود آذربيجان. فعاتبه هلاكوخان و قال إني لولا كثرة الجيوش و وعورة الطرق لافتتحت بغداد. و أنقذتها من أيدي الكفار (يقصد الخلفاء). ثم ذهب بايجو نحو الروم و حارب الأمير غياث الدين بن علاء الدين في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 167

قبلاي قاآن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 168

مكان يسمي كوسه داغ فكان المنتصر.

أما هلاكو خان فإنه مع سائر أمراء الجيش أخذ يهيي ء العدد في صحراء همذان بقرب كردستان و يستعد للكفاح.

و في هذه الأثناء سيّر السلطان عز الدين رسولا إلي خدمة هلاكو خان شاكيا علي باجو نويان أنه ازاحه من ملكه فأمر هلاكوخان أن يقتسم الممالك هو و أخوه ركن الدين …

ثم خرج بايجو نويان من حدود الروم طالبا العراق. و لما وصلوا ملطية خرج أهلها إلي خدمة بايجو نويان بأنواع الهدايا (الترغو) و التحف …

توجه هلاكو تلقاء بغداد

توجه هلاكو علي بغداد- تردد الرسل: في 9 ربيع الآخر سنة 655 ه 1257 م وصل هلاكو خان إلي دينور قاصدا بغداد و من هناك رجع إلي همذان في 12 رجب من تلك السنة.

و في 10 رمضان أرسل رسولا إلي الخليفة مزودا بالتهديدات و الوعيد و معاتبا له في عدم نصرته له في حرب الملاحدة (الإسماعيلية) قائلا:

«كلما استنجدت بك اعتذرت و لم تبعث لنا مددا مع أنك من عائلة قديمة و سلالة نبيلة. أما سمعت بأننا من ظهور جنگيزخان إلي يومنا هذا قد أصبنا العالم ما أصبناه بجيشنا المغولي و ألحقنا بالأسرة الخوارزمية و السلجوقية و ملوك الديالمة و الاتابكية و غيرهم ما ألحقنا مع ما كانوا عليه من الكبرياء

و العظمة و المقدرة … أما رأيتم ما نالهم الآن من الذل و الهوان …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 169

و لم تكن بغداد في يوم مسدودة علي هؤلاء الأمراء. و إنما كانت مفتحة الأبواب لهم فكيف تكون مغلقة في وجوهنا و موصدة عنا مع ما لنا من الحول و السلطة و العظمة …

إننا نحذرك مغبة المناوأة و العداء و أن تتقي الحرب و إلا تضرب …

فالشمس لا تستر بغربال … هذا و قد مضي ما مضي فعليك أن تهدم القلاع و تطمّ الخنادق و تسلم البلدة و الممالك إلي أحد أولادي، و أن تتوجه لملاقاتنا، و إذا صعب عليك المجي ء فأرسل إلينا الوزير و سليمان شاه و الدواتدار ليأخذوا العهد منا و يوصلوه إليك بلا زيادة و لا نقصان.

و إذا لم تفعل ذلك و لم تراع ما انطوي عليه هذا الكتاب فتأهب للقتال و استعد للنضال و جهز جيشك و عين جبهة القتال. فإنا متهيئون للكفاح، و مستأنسون به …

فإذا جهزت العساكر و غضبت عليك فاعلم أنك لا تنجو مني و لو صعدت إلي السماء أو اختفيت في باطن الأرض فلا واقي لك … و إن أردت أن تبقي رئيسا لأسرتك القديمة النبيلة فاسمع نصيحتي … و إلا فنري ما يريد اللّه بنا و بكم». انتهي.

هذا و كان أيام محاصرته قلاع الملاحدة قد سير رسولا إلي الخليفة المستعصم يطلب منه نجدة- كما أشار في هذا الكتاب- فأراد الخليفة أن يسير إليه فلم يمكنه الأمراء و قالوا:

إن هلاكو رجل صاحب احتيال و خديعة. و ليس محتاجا إلي نجدتنا. و إنما غرضه إخلاء بغداد من الرجال ليملكها بسهولة …

فتقاعد الخليفة بسبب ذلك عن إرسال الرجال.

و لما فتح هلاكو تلك القلاع أرسل رسولا آخر إلي الخليفة و عاتبه علي إهماله تسيير النجدة بكتابه المدون اعلاه فوصل الرسل إلي بغداد و أنذروا الخليفة و حينئذ شاور الوزير فيما يجب أن يفعلوه فقال:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 170

- لا وجه لإرضاء هذا الملك الجبار إلا ببذل الأموال و الهدايا و التحف له و لخواصه …

و عند ما أخذوا في تجهيز ما يسيرونه من الجواهر و المرصعات و الثياب و الذهب و الفضة و المماليك و الجواري و الخيل و البغال و الجمال قال الدويدار الصغير و أصحابه:

إن الوزير إنما يدبر شأن نفسه مع التتار و هو يروم تسليمنا إليهم.

فلا نمكنه من ذلك!!

و حينئذ أبطل الخليفة تنفيذ الهدايا الكثيرة و اقتصر علي شي ء نزر لا قيمة له و أرسله مع شرف الدين عبد اللّه ابن استاذ الدار محيي الدين يوسف ابن الجوزي و كان رجلا فصيحا و جعل صحبته جماعة سيرهم مع رسل هلاكو، و زود الخليفة رسله بجواب إلي هلاكو و هو:

أيها الولد الغر الذي لم يبلغ الحلم أظن أنك تريد أن تذهب بحياتك و تتطلب قصر الأجل، تتخيل أن اقبال الأيام و مساعدة الظروف تدوم لك، كأنك تحاول أن تسيطر علي العالم، و تحسب أن أمرك قضاء مبرم، و إرادتك حكم محتم، فأراك تطمع بما لا يتيسر …!

أما تعلم أن أهل المشرق و المغرب من غني و فقير و شيخ و شاب ممن يدينون بدين اللّه يذعنون لي بالطاعة، و إذا أشرت عليهم أن يجمعوا شملهم فعلوا و استولوا علي ايران و توجهوا من هناك إلي توران فاكتسحوا ممالككم إلا أني لا أرغب في ايجاد البغضاء و لا أود

أذي الخلق فلا أحب أن يفتح لسان الوري من هيبة جيوشي و رهبتهم بتحسين أو استياء …!!

و أنت لو كنت تزرع بذر المحبة و السلم في قلبك لما كنت تكلفنا بهدم القلاع و طمّ الخنادق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 171

و الحاصل أدعوك أن ترجع إلي خراسان! و إلا فإن جيشنا كبير يحجب غبار خيله نور الشمس». انتهي.

و أرسل معهم بعض الهدايا و التحف كما تقدم.

و لما صار رسل هلاكو خارج بغداد كانت الصحراء مملوءة من عوام الناس و أخذوا يسبون الرسل و يظهرون السفه. و كانوا يأخذون بأثواب الرسل و يمزقونها و يشتمونهم و يتفوهون بما يؤذونهم به … فلما علم الوزير بذلك أرسل من يفرقون هؤلاء السفهاء عنهم.

و حينما وصل الرسل إلي هلاكو عرضوا عليه ما شاهدوه و ما نالهم فغضب هلاكو و قال:

تبين أن الخليفة ليس له كفاءة. فإذا ساعدني اللّه و أمدني بمدد منه فسأقوم معوجّه!!.

ثم وصل رسل الخليفة إلي هلاكو عقيب ذلك و هم ابن الجوزي المذكور و بدر الدين وزنكي و بلغوا الرسالة فغضب هلاكو من كلمات الخليفة و قال في نفسه:

يظهر أن اللّه يريد السوء بهؤلاء القوم!

و أذن هلاكو بانصراف رسل الخليفة و قال لهم:

إن الخالق القديم منذ نشر لواء جنگيز و هبنا وجه الأرض من الشرق إلي الغرب فكل من كان مخلصا لنا حفظ ماله و أهله و أولاده و نجا من مخالب الموت و من خالفنا فليس له أمان و لا أمن.

و أخذ يعاتب الخليفة و كتب له:

إن حب الجاه و المال و الغرور قد أثر ببصيرتك بحيث لم تسمع نصائح المصلحين و مريدي الخير و لم تعد تسمع أذناك كلام المشفقين فانحرفت عن طريق

آبائك و أجدادك فعليك أن تستعد للقتال فإني سائر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 172

عليكم نحو بغداد بجيوش عدد النمل و الجراد. و إذا تبدلت الأحوال فذاك للّه …!

و في سنة 655 ه تجاوز هلاكو حدود همذان بجيوشه الكثيرة …

و لما وافي رسل بغداد بعدما أدوا الرسالة إلي الخليفة و قرروا ما قاله هلاكو برمته و عرضوها علي الخليفة استطلع الخليفة رأي وزيره و أمرائه في دفع هذا الخصم القاهر، و العدو القادر فقال له الوزير:

إن ساعدي الخصم لا تغلان إلا ببذل المال، و النصرة علي الأعداء لا تحصل إلا بالصرف، لأن المال إنما يدخر لوقاية العز و الشرف. فعلينا أن نرسل إليهم ألف حمل من الأموال النفيسة محمولة علي ألف من كرائم الإبل و ألف حصان عربي نجيب و أن نقدمها مع موسيقي تعزف أمامها، و أن نبعث للأمراء لكل منهم تحفا و هدايا تليق بمقامهم …

و هذه تقدم مع رسل دهاة كفاة و أن نعتذر عما بدر و أن تقرأ الخطب، و تضرب النقود باسمه». انتهي.

فقبل الخليفة رأي الوزير. ثم أمر بتنفيذ ما ذكره الوزير، و كان بين مجاهد الدين ايبك و يسمي الدواتدار الصغير و بين الوزير عداوة مستحكمة و كدورة قديمة فانتهز الدواتدار الفرصة للفتك بالوزير فذهب إلي الخليفة و معه الأمراء و ذوو الأغراض و قالوا: إن رأي الوزير و تدبيره ناشي ء عن مصلحة شخصية و يريد بذلك أن يحبب نفسه إلي هلاكو ليفتك بنا و بجيشنا فيوقعنا بمحن. فيجب أن نرسل الجيش و نستعد للنضال …

فخدع الخليفة بهذه الكلمات و عدل عن رأيه بحمل الأموال و قال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 173

لا خوف من المستقبل. لأن

بيني و بين هلاكوخان و أخيه منگو قاآن روابط و دية و محبة صميمة لا عداوة و نفرة. و حيث إني أحبهم فلا شك أنهم يحبونني و يميلون إلي و أحسب أن الرسل قد بلغوني عنهم كذبا.

و إذا ظهر خلاف فلا خشية منه. لأن كل الملوك و السلاطين علي وجه الأرض بمنزلة جنود لنا فهم مطيعون و منقادون فلا خوف من تهديد المغول و وعيدهم و لو أنهم ممتعون بقوة و شوكة … فهم بالنسبة للعباسيين لا أهمية لهم …

فاضطرب الوزير من هذه الكلمات و أيقن بالوبال عليهم و علي الخلافة. و كان يري انقراض الخلافة و سقوط العباسيين في وزارته صعبا عليه و هو يراه مجسما في ذهنه و مخيلته و كان يتألم جدا من هذه الأحوال فهو كالملدوغ فلم يدخر وسعا من السير الحثيث و التدبير الصائب لسلامة هذه العائلة …

و كان أعاظم بغداد كسليمان شاه بن برجم و فتح الدين ابن كره و مجاهد الدين الدواتدار الصغير … قد اجتمعوا عند الوزير و فتحوا ألسنتهم بالطعن علي الخليفة، و قالوا إنه مولع بالمطربين و منهمك باللهو و يبغض العسكريين و أمراء الجيش …

قال سليمان شاه: إن الخليفة إذا لم يقدم علي دفع العدو و لم يبادر إلي رتق الخلل فلا يؤمل أن يجلب خواطر الناس إليه، و عما قريب نري الجيش المغولي مسلطا علي بغداد لا يرحم احدا كما فعل بسائر البلاد و فتك بأهلها و هتك الحرمات و تجاوز علي عصمة المخدرات … و لما لم يستول المغول علي كافة المواطن فإننا نتمكن من مهاجمتهم ليلا و مداهمتهم علي حين غرة خصوصا أنهم لم يضيقوا علينا بعد و لم

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 1، ص: 174

يحصرونا من كل جانب … فلو جمعنا جيشا و فتكنا بهم ليلا و علي غفلة لاستطعنا تفريق شملهم. و إذا وقع خلاف ذلك فنكون قد أدينا الواجب في المقاومة و الدفاع لآخر نفس.

فلما سمع الخليفة بذلك قال: إن رأي سليمان شاه و تدبيره مصيب فاستعرضوا الجيوش حسبما قرره …! لأراهم و أبذل لهم ما يحتاجون.

أما الوزير فإنه يعلم أن الخليفة لا يبذل المال و لكنه لا يظهر ذلك خشية من اعدائه و قال لرئيس الاستعراض (التجهيزات) أن يجهز الجيش تدريجا ليذاع صيت تجمعهم في القريب و البعيد من الأماكن و ليتشجع في البذل و لئلا يحصل فتور في قصده و إرادته.

و بعد خمسة أشهر أعلم رئيس التجهيزات الوزير بأنه جمع فرقا عظيمة و جيوشا كثيرة، و أنهم يحتاجون إلي المال من الذهب و الفضة فعرض الوزير ذلك علي الخليفة فاعتذر.

و حينئذ يئس الوزير من مواعيده تماما و رضي بالقضاء و وجه عيون الانتظار إلي أبواب الاصطبار …

و كانت العلاقة لا تزال سيئة في هذه الفترة بين الدواتدار و الوزير فأخذ اراذل البلد و الأوباش المشايعين للدواتدار يشيعون علي أفواه الناس أن الوزير متفق مع هلاكوخان و يريد نصرته و خذلان الخليفة فأرسل الخليفة إلي هلاكوخان قليلا من التحف و الهدايا مع بدر الدين و زنكي و القاضي البندنيجي و بلغهم أن يقولوا لهلاكو:

إننا مع علمنا أن هلاكو لا يقصد لنا السوء و لكنه يسأل من الواقفين علي الأحوال بأن ما من ملوك و سلاطين قصدوا السلالة العباسية و دار السلام إلا كانت عاقبتهم و خيمة مع ما كان لهم من الصلابة و القوة، لأن بناء هذا البيت محكم للغاية و سيبقي

أبد الدهر، و أن يعقوب الصفاري قصد الخليفة بجيش عظيم و توجه إلي بغداد و لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 175

يصل إلي غرضه فابتلي بوجع البطن و قبل أن يتحقق غرضه مات من الوجع المذكور و كذا أخوه عمرو عزم علي الوقيعة بالخليفة فألقي القبض عليه إسماعيل بن أحمد الساماني و سجنه و أرسله إلي بغداد ليري جزاء ما كسبت يداه. و كذا البصاصيري توجه إلي بغداد و معه جيش لجب من مصر فوصلها و ألقي القبض علي الخليفة و حبسه في حديثة و أمر الناس أن يخطبوا باسم المستنصر (أحد خلفاء الإسماعيلية بمصر) و تضرب النقود باسمه. فاطلع طغرل بيك السلجوقي علي ذلك و توجه بعسكر جرار من خراسان لنصرة الخليفة فنكل به و أخرج الخليفة من الحبس و أجلسه علي مقر خلافته، و كذلك السلطان محمد السلجوقي قصد أيضا بغداد فانهزم في أثناء الطريق كما أن السلطان محمدا خوارزمشاه عزم علي إبادة هذا البيت بجيش عظيم و من أثر غضب اللّه نزل عليهم امطارا غزيرة و صواعق فرجع خائبا خاسئا بعد ان هلك أكثر جيوشه و رأي جزاء أعماله من جدك جنگيزخان في جزيرة (آبسكون).

لذا كان قصدكم هذا البيت ليس من مصلحتكم فاعتبر بهذا الزمان الغدار» انتهي.

فغضب هلاكو من هذه الكلمات غضبا شديدا و أرجع الرسل من حيث أتوا، و علي كل حال لا يري هلاكو قيمة للبيت العباسي و لا يعرف له شأنا، و أن الوقائع أمثال هذه كان لها عوامل و أسباب لم تقترن بنتيجة لا أن تولد اعتقادا مثل هذا خصوصا في من يعتقد أن الخلفاء كفار. فلا يصد جيش العدو إلا بمثله و لا يقارع بالبيان و

اللسان. فالحجة للقواضب و للعدة الكافية الكافلة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 176

و مع هذا نري النقول جاءتنا من رجال المغول و كتابهم …

و الأقلام بيد اعداء الخلافة العربية يكتبون بها ما شاؤوا …

و كل هذه الأقوال مصروفة لتبرئة ساحة الوزير و بيان الوضع السيي ء للخليفة باسناد كل خرق له …

تدابير هلاكو للزحف علي بغداد:

إن هلاكو حينما رجع رسل الخليفة أخذ يوجس خيفة علي نفسه من كثرة جيوش بغداد. ثم أمر بتجهيز الجيوش و التأهب بنية أن يستولي أولا علي اطراف بغداد و نواحيها ليسهل عليه دخولها في يده نظرا للاستحكامات المنيعة التي كانت تعترضه في طريقه.

و عليه أرسل إلي حسام الدين عكة. و كان هذا حاكما علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 177

درتنك و نواحيها من قبل الخليفة و كان متألما من الخليفة فلبي دعوة هلاكو بلا تردد ففوض ما تحت يده من الممالك إلي ابنه أمير سعد و ذهب بنفسه لخدمة هلاكو فرأي منه كل عطف و لطف فأمره بالرجوع و جعل تحت تصرفه نواحي أخري مثل ذر وروده، و دزمرج، و نواحي أخري.

سخر هذا دزا و أطاعه الدزيون و انقادوا له. و لما رأي أنه نال ما كان يأمله بالأمس و اجتمع تحت أمرته جيوش سليمان شاه و قبلوا طاعته أخذه الكبر و الغرور (كذا في خواجه رشيد الدين) و أرسل إلي حاكم اربيل تاج الدين محمد ابن صلايا العلوي و قال له إني زرت هلاكوخان و اطلعت علي كفاءته و كياسته. و إني رأيته رجلا مهيبا و ذا أنفة. و لكن لم أخش سطوته و ليس هو ذا قدر و منزلة في نظري فإن الخليفة أكرمني و شجعني و أرسل إليّ

جيشا لتأييدي و نصرتي فأنا أيضا أتمكن أن أبرز جيشا من الكرد و التركمان ما يقرب من مائة ألف مقاتل و أسد الطرق في وجه هلاكو و عساكره و لا يستطيع مخلوق حينئذاك من دخول بغداد.

و علي هذا أعلم حاكم أربيل ذلك للوزير فعرض هذا الأمر إلي الخليفة فلم يلتفت الخليفة إليه فوصل الخبر إلي مسامع هلاكو و ثار ثائره و زاد حنقه و أمر بإعزام قائد الجيش كيتو بوقا نويان بثلاثين ألف مقاتل للتنكيل بهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 178

و لما تقدم الجيش المغولي إلي تلك النواحي أرسل القائد إلي حسام الدين يخبره أنهم متوجهون إلي بغداد و يحتاجون إلي مشورته و لم يدر أنها خدعة و حيلة للوقيعة به فعزم علي الذهاب بلا تدبر و لا تفكر.

فجاء إليهم فأمره القائد بأن يخرج زوجته و أسرته و أولاده و سائر متعلقاته و عساكره … إن كان يريد النجاة و أن يعرضوا أنفسهم أمامه للإحصاء ليقرر لهم الرواتب طبق عددهم.

فلم ير بدا من الامتثال و حينئذ أخرج هؤلاء فقال له القائد إنك إن تخلص لنا و تكون في صفاء مع السلطان هلاكو خان فعليك أن تأمر اصحابك بهدم القلاع و الحصون ليتحقق لنا حسن نيتك … فأحس حسام الدين بأنهم اطلعوا علي منوياته (مذكراته مع الخليفة و المكاتبات معه) فيئس من حياته و أمر الأصحاب بهدم القلاع.

و بعد أن امتثلهم فيما أمروه و أصحابه إلا ابنه أمير سعد الذي امتنع عن طاعتهم و كان متحصنا في القلعة مع اعوانه فأنذروه بالتهديد فلم يجب لذلك و قال:

إنكم أناس لا وثوق بمواعيدكم و لا اعتماد عليكم. و ما مواعيدكم إلا دسائس وحيل.

و بقي متواريا في

الجبال و الوديان ثم ذهب إلي بغداد فلقي حين قدومه إكراما من صاحب الديوان. و أقام بها إلي أن قتل في الحرب.

ثم رجع القائد كيتوبوقا نويان ثملا بخمرة النصر و جاء إلي هلاكو خان و هذا الذي أوقعوا به هو حسام الدين خليل بن بدر الكردي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 183

الوارد ذكره في حوادث سنة 653 ه من ابن الفوطي إلا أنه بينهما تخالف و ما جاء في جامع التواريخ يفصل الوقعة، و الشخص واحد، و بعض العبارات تتفق تماما …

و كان هلاكو يستشير أركان دولته و أعيان حاشيته عن فتح بغداد.

فكل واحد كان يبدي رأيه حسب اعتقاده فطلب حضور حسام الدين المنجم الذي كان مصاحبا لهلاكو خان بأمر القاآن. و هذا لم يقدم علي أمر ما إلا برأيه و مشورته فقال له:

بيّن لنا رأيك بلا تردد و لا مداهنة فيما تراه من الحوادث الدالة علي وقوع ذلك استطلاعا من سير الكواكب و مطالع النجوم فقال له المنجم بلا تردد و لا خوف:

إني لا أري من المصلحة أن تقصد الخلافة العباسية و أن تدفع بجيشك إلي بغداد إذ ما من ملك مقتدر و سلطان قاهر أراد سوءا بالعباسيين بقصد الاستيلاء علي بغداد إلا كان نصيبه الخيبة و الخذلان و انسلاب الملك من يده و انقطاع حياته. و إذا لم يسمع الملك بما نصحته و قصد بغداد و أساء إلي العباسيين فسيقع من عمله هذا ست حوادث:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 184

1- هلاك الدواب و الحيوانات و مرض الجنود.

2- لا تطلع الشمس من مشرقها.

3- تقطع الأمطار.

4- تهب ريح صرصر أو عاصفة شديدة و يقع زلزال يخرب العالم.

5- لا تنبت الأرض نباتا.

6- يموت

في تلك سلطان عظيم.

فطلب هلاكو منه أدلة قاطعة و حججا دامغة و براهين ساطعة يأتي بها إثباتا لما بينه فعجز عن ذلك.

ثم أخذ الأمراء و قواد الجيوش يحثون هلاكو بالمسير و يقوون عزمه و يقولون له: إن توجهنا إلي بغداد عين الصلاح و الصواب.

و حينئذ أمر أن يحضر الخواجه نصير الدين الطوسي فاستطلع رأيه في القضية فتوهم الخواجه أن هذا الطلب علي سبيل الامتحان له فقال مبديا رأيه بأن ما بينه حسام الدين المنجم غير صحيح و لا تقع حادثة ما، فقال هلاكو: فماذا يكون؟ قال له:

إنما تكون أنت خليفة بمكانه.

ثم أمر هلاكو باجتماع المنجمين المذكورين فقال الخواجه:

اتفق جمهور علماء الإسلام بأن أكثر الصحابة قتلوا و لم يقع فساد في الكون. و إذا قالوا إن هذه الحوادث سوف تقع لأجل العباسيين و من خصائصهم فإن طاهرا قد ذهب بأمر المأمون من خراسان و قتل أخاه محمدا الأمين، و أن المتوكل قد قتل بتحريك من ابنه أو أن ابن المتوكل اتفق مع الأمراء و قتل أباه، و أن المنتصر و المعتز قتلا من قبل الحراس و الحجاب بتحريك من الأمراء … و قد قتل من الخلفاء عدد كثير و لم يقع خلل في الكون.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 185

الزحف علي بغداد:

ثم إنه بعد الاطلاع علي ما تقدم و سماع الأقوال و تدبرها من قبل هلاكو استعد للزحف و عزم عزما جازما لفتحها و جيّش جيوشا من الأطراف و الجوانب. و أمر بعض القطعات المغولية المرابطة في جهة الروم التي كانت تحت قيادة جرماغون و بايجونويان أن تسير علي ميمنته من أطراف أربيل و تتوجه نحو مدينة الموصل و تعبر جسرها و تعسكر في الجانب الغربي من بغداد و عين لمسيرهم إلي غرب بغداد وقتا معينا يصادف وقت مجي ء الرايات المغولية من المشرق و أمر أيضا قوادا آخرين من المغول أن يسيروا إلي ميمنته و هم:

(بلغا بن شيبان بن جوجي)، و (توتار بن سنقور بن جوجي)، و (قولي بن أورده بن جوجي)، و (سونجاق نويان)، و (بوقا تيمور نويان)، و أمر (كيتو بوقا نويان) و (قدسون) و (ترك ايلكا) أن يسيروا علي الميسرة من حدود لورستان و بيات و تكريت و خوزستان و كانت جبهتهم ممتدة إلي سواحل عمان.

ثم توجه هلاكوخان من أرياف همدان و وضع علي رأسه التاج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 1، ص: 186

المغولي المسمي [قباق نويان] و يعني (تاج القيادة) أو (تاج الإمارة).

و في أواخر المحرم لسنة 655 توجه و معه جيش عظيم و سار من طريق كرمنشاه و حلوان و برفقته من أعاظم الأمراء:

كوكا ايلكا، و ارقنو، و ارغون آغا، و قراتاي بتيكجي (بمعني كاتب)، و سيف الدين بتيكجي.

و كانوا من مدبري مملكته. و كذا كان معه الخواجة نصير الدين الطوسي و الصاحب علاء الدين عطا ملك مع أعاظم ايران و كتابها.

و لما وصلوا إلي أسد آباد أرسل أيضا رسولا إلي الخليفة يبلغه لزوم حضوره إلي هلاكوخان. و جاءهم أيضا من بغداد إلي دينور ابن الجوزي للمرة الأخري حاملا كتاب الخليفة ممزوجا بالوعد و الوعيد و التضرع و الالتماس طالبا رجوع هلاكوخان مع جيشه و انصرافه عن التوجه إلي بغداد مبينا انقياد الخليفة لما يقرره هلاكو و ما يطلب إرساله من المال في كل سنة إلي خزانة هلاكو.

تدبر هلاكو في الأمر و ظن أن الخليفة ينوي بهذا أن يرجع مع جيشه ليستعد هو و يكتب للأطراف فقال:

نظرا لقطعنا المسافات البعيدة لا يسعنا أن نرجع بلا ملاقاة الخليفة و مواجهته. ثم بعد الحضور و المشافهة نرجع بإجازته.

و من هناك توغلوا في جبال كردستان.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 187

و في 27 من الشهر المذكور نزل في كرمانشاه فتطاولت أيديهم بالسلب و الغارة للأطراف …

ثم أمر هلاكو بإحضار الأمراء (الشهزادية) و سونجاق و بايجو نويان و سونتاي علي وجه السرعة و أن يصلوا إليه قرب طاق كسري، فألقوا القبض علي (ايبك الحلبي) و (سيف الدين قلج) و أتوا بهما إلي هلاكو فعفا هلاكو عن ايبك و تعهد هذا أن يعرض له الأمر علي وجه الصحة.

ثم

عينه هلاكوخان ضابطا ليزك المغول.

و في الحوادث الجامعة: «سار السلطان حينئذ نحو بغداد، و أمر الأمير سوغو نجاق أن يسير بقطعة من الجيوش علي اربل، و يعبر دجلة ففعل و سار السلطان في باقي الجيوش. فلما بلغ الخليفة مسيره أمر الدويدار أن يخرج من بغداد بالعساكر فخرج و نزل قريبا من بعقوبا. فلما بلغه وصول سوغو نجاق و ابيجو عبر دجلة و نزل حيال حربي، و أرسل أميرا يعرف بايبك الحلبي في مقدمته فمضي و اتصل ببايجو و أقبل بين يدي العسكر يعرفهم الطرق و يهديهم.» ا ه.

ثم أنعم هلاكو علي الأمراء و أمرهم أن يعبروا دجلة و يتوجهوا نحو غربي بغداد. و كانت لهم عادة أن يحرقوا الصوف الذي في كتف الأغنام فأحرقوه و عبروا دجلة و توجهوا نحو غربي بغداد.

و كانت جيوش بغداد معسكرة في تلك الجهة تحت قيادة قراسنقور القبجاقي و لما كان سلطان جوق من الخوارزميين بمعية المغول (في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 188

يزكهم) و هو في خدمة هلاكو أرسل رسالة إلي قراسنقور يخبره بأننا و إياكم من جلدة واحدة و قوم واحد و نحن بعد الدفاع الكثير عجزنا و اضطررنا إلي طاعة هلاكو و الآن نحن في خدمته و هو يحسن إلينا.

و أنتم أيضا ارأفوا بأرواحكم و أشفقوا علي أولادكم و أطيعوا المغول حتي تكونوا في مأمن منهم علي أنفسكم و أموالكم و أولادكم. فأجابهم قراسنقور:

إن المغول أعجز من أن يتمكنوا من الفتك بالبيت العباسي. لأن هذا البيت رأي أمثال جنگيزخان كثيرا. فأساسه أحكم من أن يمسه جنگيز و أتباعه بسوء و لا يتزلزل لكل عاصفة مهما كانت شديدة. و هم منذ أكثر من خمسمائة سنة يحكمون كابرا

عن كابر. و كل من قصدهم بسوء نال جزاءه، و لا يأمن سطوات الدهر.

و لما كنت تكلفني بالطاعة لدولة المغول الحديثة العهد فقولكم هذا بعيد عن الكياسة. و من لوازم القرابة و الصداقة أنكم لما رأيتم هلاكو خان فتح قلاع الملاحدة أن تصدوه و ترجعوه إلي الري و ترجعوا إلي مواطنكم تركستان و خراسان.

فالخليفة متألم من تطاول هلاكوخان. و أن هلاكوخان إذا كان ندم عن فعله وجب عليه أن يرجع بجيشه إلي همذان حتي يتشفع الدواتدار له عند الخليفة ليعفو عن هلاكو و يقبل الصلح فيسد باب القتال و الجدال.

و هذا الكتاب قدمه (سلطان جوق) إلي هلاكوخان.

و حينما اطلع هلاكو علي مضمون هذا الكتاب ضحك بسخرية و قال:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 189

- إن قوتي و عظمتي نتيجة فعلي و إرادتي و لم تكن بدرهم و لا دينار. و إذا يسر اللّه نصرتي و أعانني فلا أخشي من الخليفة و جيشه.

ثم إنه أرسل رسولا آخر يبلغ الخليفة أنه يدعوه بالحضور إليه قبل سليمان شاه و الدواتدار حتي يسمع نصيحته. و توجه في اليوم التالي إلي اطراف نهر حلوان. فأقام هناك من 9 ذي الحجة إلي 22 منه و في تلك الأثناء ورد إليه كيتو بوقا نويان آتيا من لورستان و كان قد استولي علي الكثير منها طوعا و كرها. و في 9 المحرم سنة 656 ه توجه بايجو نويان و بوقا تيمور و سونجاق علي الموعد من طريق دجيل فعبروا دجلة و منها مضوا حتي وافوا إلي حدود نهر عيسي.

و قد التمس سونجاق نويان من بايجو أن يكون في مقدمة العسكر المتوجه إلي غربي بغداد فوافق و سار مع جيشه و وصل إلي

حربي.

و كان مجاهد الدين ايبك الدواتدار قائد جيش الخليفة هناك مع فتح الدين بن كر القائد و عسكروا بين بعقوبة و باجسري. و لما سمعوا بوصول المغول إلي غربي بغداد غيروا وجهتهم و ساروا من دجلة إلي حدود الأنبار علي ابواب قصر المنصور في صدر المزرفة و يبعد تسع ساعات عن بغداد و رتبوا صفوفهم و استعرضوا الجيوش مع عساكر سونجاق نويان و بوقا تيمور، أما جيش المغول فإنه عطف عن المصاف و انحاز إلي نهر بشير من بز الدجيل فرأوا بايجو و اتصلوا به فقال لهم ارجعوا. و في هذا المكان كسروا سدة النهر من هناك ليغرقوا جيش بغداد و لتغمر المياه تلك الصحراء …

و في يوم الخميس وقت طلوع الفجر من يوم عاشوراء هاجم بايجو و بوقا تيمور جيوش الدواتدار و ابن كر و هزموهم شر هزيمة. و قتل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 190

في هذه الحرب قراسنقور و فتح الدين بن كر و هما قواد الجيش مع اثني عشر ألفا من الجيش. و هؤلاء عدا من غرق في النهر. و انهزم إلي نواحي الحلة و الكوفة و بقوا متفرقين مدة.

و في يوم الثلاثاء منتصف المحرم استولي بوقا تيمور و بايجو و سونجاق علي الجانب الغربي من بغداد و نزلوا في ساحل دجلة في اطراف البلدة.

و وصل في هذه الأثناء من أطراف نحاسية و صرصر القائد كيتو بوقا نويان مع امراء آخرين بجيش عظيم.

و عن هذه جاء في ابن الفوطي:

«ذكرنا في سنة 55 مسير السلطان هلاكو قاآن من بلاده نحو بغداد، و أنه أمر الأمير بايجو بالمسير إلي اربل و أن يعبر دجلة و يسير إلي بغداد من الجانب الغربي ففعل ذلك، فلما بلغ الخليفة وصوله تقدم

إلي الدويدار الصغير مجاهد الدين ايبك و جماعة من الأمراء بالتوجه إلي لقائه، فعبروا دجلة فلما تجاوزوا قنطرة باب البصرة بفرسخ واحد رأوا عساكر المغول قد أقبلت كالجراد المنتشر فالتقوا و اقتتلوا يوم الأربعاء تاسع المحرم، فانكسرت عساكر المغول قصدا و خديعة، فتبعهم الدويدار و قتل منهم عدة كثيرة و حمل رؤوسهم إلي بغداد، و ما زال يتبعهم بقية نهاره فأشار عليه الأمير فتح الدين بن كر بأن يثبت مكانه و لا يتبعهم،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 191

فلم يصغ إليه، فأدركه الليل و قد تجاوز نهر بشير ببز دجيل فباتوا هناك فلما أصبحوا حملت عليهم عساكر المغول و قاتلوهم قتالا شديدا، فلم يثبت عساكر الدويدار، فانكسروا و كروا راجعين إلي بغداد فوجدوا نهر بشير قد فاض من الليل و ملأ الصحراء فعجزت الخيول عن سلوكه، و وحلت فيه، فلم يخلص منه إلا من كانت فرسه شديدة، و ألقي معظم العسكر نفسه في دجلة فهلك منهم خلق كثير، و دخل من نجا منهم بغداد مع الدويدار علي أقبح صورة، و تبعهم الأمير بايجو و عسكره يقتلون فيهم، و غنموا سوادهم و كل ما كان معهم، و نزلوا بالجانب الغربي، فشرعوا بالرمي بالنشاب إلي الجانب الشرقي، فكانت سهامهم تصل الدور الشطانية ا ه.

أما هلاكو فقد توجه من خانقين إلي بغداد و نزل في شرقيها في 11 المحرم سنة 656 ه 1258 م و كان العسكر المغولي منتشرا في اطراف بغداد كالجراد و قد توغل في هذه الأنحاء و نصبوا المنجنيقات حوالي بغداد.

و في يوم الثلاثاء 22 المحرم ابتدأوا بالحرب و اشتبكوا في القتال.

و كان جيش هلاكو قد اتخذ مقره و سار هلاكو من (طريق خراسان)

من نواحي الخالص متوجها علي ميسرة المدينة و هدفه (برج العجمي).

و كان هدف ايلكا نويان، نحو باب كلواذي، و قولي، و بلغا، و توتار، و شيرامون، و أرقيو، كانت وجهتهم وسط المدينة باب سوق السلطان (الباب الوسطاني).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 192

و بوقا تيمور متوجه من أطراف القلعة من جانب القبلة في موضع دولاب. و توجه بقل و بايجو و سونجاق من جانب غربي بغداد نحو البيمارستان العضدي.

و كان هؤلاء قد اشتبكوا مشتركا و نصبوا مقابل (برج العجمي) مجانيق متعددة و ضعضعوا البرج المذكور.

و في هذه الأثناء أرسل الخليفة الوزير و معه الجاثليق و قال لهم بلغوا هلاكو بأن الخليفة أوفي بعهده و أرسل لك الوزير الذي أردته قبلا فيكون بعمله هذا قد نفذ أمر السلطان فقال هلاكوخان:

إن هذا قد اشترطته علي أبواب همذان حينما كنت هناك. و في هذا الوقت وصلنا بغداد و تلاطمت الفتن و الانقلابات. فلا يسعني أن اكتفي أو أقنع بوصول وزير واحد فأريد أن يأتوا إلي ثلاثتهم: الدواتدار و سليمان شاه و الوزير فرجع الرسل إلي المدينة و دخلوها.

و في اليوم التالي توجه الوزير و صاحب الديوان و جماعة من مشاهير البلدة و أعيانها إلي هلاكو فخرجوا من بغداد فأرجعهم الجيش المغولي. و دامت الحرب ستة أيام متوالية. و أمر السلطان هلاكو أن يرسلوا يرليغات (فرامين سلطانية) إلي القضاة و العلماء و الشيوخ و العلويين و الأعيان (أو التجار) و الذين ليسوا معهم في حرب … يؤمنونهم بها علي أرواحهم و شدوا هذه الكتب بألواح و نشروها في أنحاء المدينة (رموها) للإعلام بها و إعلانها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 193

و لما لم يكن لديهم أحجار للرمي

صاروا يجلبون الأحجار من جبل حمرين و جلولاء فصاروا يرمونها بواسطة المنجنيقات في المدينة.

و كانوا يقطعون النخيل و يجعلون ذلك مكان الأحجار للرمي.

و في يوم الجمعة 25 المحرم هدموا (برج العجمي).

و في يوم الاثنين 28 منه تقابلت الجيوش قرب (برج العجمي) و أخذ التتار يستولون علي البرج و ينسحب الناس من داخلها. و كذا اشتد الأمر من جانب سوق السلطان.

و لما كان القائدان بلغا و توتار اللذان كان هدفهما جانب السوق السلطاني لم يتمكنا بعد من الاستيلاء عليه وافاهما السلطان هلاكو و شد عزمهم بتحريك نخوتهم. و كانوا طول الليل يحاولون الاستيلاء علي سور المدينة.

ثم إن هلاكو أمرهم أن ينصبوا جسرين أحدهما في أعلي بغداد و آخر في أسفلها فأعدوا السفن لها و المجانيق و قطعوا طريق المدائن و البصرة.

و هؤلاء كانوا تحت قيادة بوقاتيمور و معه تومان أي فرقة (عشرة آلاف من الجيش) فأقاموا علي طريق المدائن و البصرة. و كان قصدهم من قطع الطريق أن يمنعوا كل من يريد الفرار من بغداد و يحاول الهزيمة.

في هذا الموقف اشتد الحرب في بغداد و ضاق الأمر بالناس و حينئذ أراد الدواتدار أن يركب في سفينة و ينهزم إلي جانب السيب.

و لما مر من قرية (العقابية) أحاطه جيش بوقاتيمور و أخذوا يرمون السفينة بالأحجار و السهام و قوارير النفط بواسطة المنجنيقات و استولوا علي ثلاث سفن و أهلكوا من فيها فرجع الدواتدار حينما رأي الفرار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 194

صعبا عليه. فاطلع الخليفة علي هذه الحالة فيئس من حكومة بغداد و ملكها يأسا كليا. لأنه لم ير مفرا و لا ملجأ لنفسه فقال: ليس لي بد من طاعتهم.

و علي هذا أرسل الخليفة فخر الدين

الدامغاني و ابن الدرنوس و معهما تحف قليلة. لأنه حاذر أن يرسل تحفا كثيرة فتدل علي خوفه منهم فيحصل بذلك تعنت من العدو و عناد. فلم يلتفت هلاكو إلي التحف المرسلة و من ثم رجعوا خائبين.

و في يوم الثلاثاء 29 المحرم خرج أحد أولاد الخليفة و هو المتوسط منهم أبو الفضائل (الفضل) عبد الرحمن و معه الوزير و صاحب الديوان و جمع من الأعاظم و معهم أموال كثيرة فلم يقع ذلك كله موقع القبول من هلاكو خان …

و في سلخ المحرم خرج ابن الخليفة الأكبر و الوزير و جمع من المقربين بقصد الرجاء و الشفاعة فلم يجد ذلك نفعا. و حينئذ أرسل هلاكو الخواجة نصير الدين و ايتيمور بصفتهما رسلا إلي الخليفة و بصحبتهما صاحب الديوان فخر الدين الدامغاني و ابن الجوزي و ابن درنوس و كانوا يقصدون جلب سليمان شاه و الدواتدار.

و في غرة صفر دخلوا بغداد و جاؤوا بيرليغ (أمر سلطاني) و عهد (بايزه) ليطمئنوهما و قالوا:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 195

- إن الخليفة إذا أراد أن يخرج فليخرج. و إلا فالرأي له.

و أمر هلاكو الجيش المغولي أن يستقر في أطراف بغداد إلي أن يرجع الرسل و يبلغوه النتيجة.

و في يوم الخميس غرة صفر تمكنوا من إقناع الدواتدار و سليمان شاه فخرجوا بمعيتهم. و لما وصلوا إلي المعسكر أمرهما أن يرجعا ثانيا و يخرجا متعلقاتهما من بغداد حتي يكونوا في مأمن من الفتك. فلما رأي الأهلون في بغداد ذلك عزموا أن يتبعوهما. و حينئذ أحاط بهم الجيش المغولي و قسموهم ألفا و مائة و عشرا إلي العسكر و قالوا لهم هؤلاء سهامكم فاقتلوهم فقتلوهم عن آخرهم.

و من بقي في المدينة أخذوا

يختفون في الزوايا و التكايا و الأماكن غير المنظورة كالثقوب و السواقي و الآبار … ليبعدوا عن الأنظار فخرج جماعة من أعيان بغداد و أرادوا نجاة منهم و قالوا إن خلقا كثيرا يطلب الأمان و يظهر الطاعة. و إن الخليفة و أولاده سيخرجون فأمهلونا.

و في هذه الأثناء أصاب سهم عين أحد أكابر أمراء هلاكو و هو (هندوي بتيكجي) فغضب هلاكوخان و سخط علي الأهلين فاستعجل في الاستيلاء علي بغداد و أمر الخواجة نصير الدذين أن يقف عند باب الحلبة و يؤمن الناس للخروج من هذا الباب فأخذ الناس يخرجون جماعات كثيرة.

و في يوم الجمعة ثاني صفر قتلوا الدواتدار فاحتال سليمان شاه للخلاص فجمع نحو سبعمائة نسمة من أقاربه و قد حضروا كلهم لدي هلاكوخان مكتفين (مغلولي الأيدي) فعاتبه هلاكوخان و قال له: إن لك علما في التنجيم و سير الكواكب و تعلم حالات السعود و النحوس. أما كنت تري هذا اليوم الأسود، اليوم الذي تكون عاقبته سيئة عليك فلم لم تنصح مولاك؟! ليبادر لخدمتنا من طريق الصلح!

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 196

فقال له سليمان شاه (هو شهاب الدين الأمير ابن برجم):

إن الخليفة مستبد و لم يكن رجلا سعيدا (موفقا) ليسمع نصائح المصلحين الذين يريدون له خيرا!!

فأمر بقتلهم و أتباعهم تماما. و قتلوا أيضا ابن الدواتدار الكبير و هو الأمير (تاج الدين) ابن علاء الدين الطبرسي و قطعوا رؤوس هؤلاء الثلاثة و سلموها إلي الملك الصالح بن بدر الدين لؤلؤ فأرسلها إلي الموصل.

فبكي بدر الدين للصداقة بينه و بين سليمان شاه و لكن لم ير بدّا من تعليق رؤوسهم فعلقت حذرا من أن تصيبه نقمة من هلاكوخان.

ثم إن الخليفة لما رأي الأمر قد تضايق

عليه من كل الجوانب و أنه خرج الأمر من يده دعا الوزير و سأله تدبيرا فأجابه:

يظنون أن الأمر سهل و أنما هو السيف عدت للقاء مضاربه

و في يوم الأحد 4 صفر سنة 656 ه خرج الخليفة من بغداد و معه ابناؤه الثلاثة و هم أبو الفضل عبد الرحمن و أبو العباس أحمد أبو المناقب مبارك مع ثلاثة آلاف من السادات و الأئمة و القضاة و الأكابر و الأعيان فوصلوا إلي هلاكو خان فلم يبد هلاكو خان أثرا من الغضب عليهم و أخذ يسأل أحوالهم بكلمات طيبة ثم قال للخليفة:

مر الناس أن يلقوا السلاح و يخرجوا من المدينة حتي أحصيهم فرجع الخليفة إلي المدينة و نادي المنادي بأمر الخليفة أن يلقوا السلاح و يخرجوا فألقوا اسلحتهم و أخذوا يخرجون من المدينة. و كان الجيش المغولي يقتلهم عند خروجهم.

ثم أمر أن يخيم الخليفة و أولاده و متعلقاته محاذيا لباب كلواذي و هو محل معسكر كيتو بوقا نويان فنزلوا هناك و عين بعض أفراد المغول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 197

لحراستهم و كان الخليفة يري أنه سيهلك قطعا فلم يبق له ارتياب. و كان يأسف علي إبائه قبول النصائح …

احتلال بغداد:
اشارة

ثم بتاريخ 5 صفر سنة 656 ه استولي المغول علي بغداد و دخلوها و قد مرّ الكلام علي ذلك في أول الكتاب …

و قد أوقعوا بالأهلين ما لم يخطر ببال، و قد اتفق المؤرخون في حكاية الحادث و عظم المصاب …

و في يوم الأربعاء 7 صفر باشر المغول بالقتل العام و سلب الأموال فهجم الجيش المغولي دفعة واحدة و كانوا يحرقون الأخضر و اليابس فلم يسلم منهم أحد إلا البيوت الحقيرة للغرباء و الزراع … فكان الهول

عظيما …

و في يوم الجمعة 9 صفر دخل هلاكو المدينة و توجه إلي مقر الخليفة و جلس في الميمنية و أمر أن يحضر الأمراء و أشار بإحضار الخليفة و قال له:

إننا ضيوف و أنت رب المنزل فأت إلينا بما يليق لضيافتنا. فزعم الخليفة أن ذلك صحيح و كان يرتجف من الخوف و مندهشا لدرجة أنه عاد لا يعلم مفاتيح خزائنه فأمر أن يكسروا الأقفال فأخرجوا ما يقدر بألفين من الثياب و عشرة آلاف دينار و نفائس و مرصعات و جواهر عديدة … فلم يلتفت هلاكو خان إلي هذه الأشياء و وزعها علي الأمراء الحاضرين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 198

ثم خاطب الخليفة بأن الأموال الموجودة في سطح الأرض ظاهرة فنريد أن تبين الدفائن و موضعها و ماهيتها فاعترف الخليفة بوجود حوض مملوء من الذهب في وسط السراي (البلاط الملكي أو القصر الملكي) فأخذوا يحفرون المكان الذي عينه فوجدوه مملوءا من الذهب الإبريز (الخالص). و كانت كل قطعة منه بزنة مائة مثقال.

ثم أمر أن يحصوا حرم الخليفة فوجدوا 700 من النساء و السرايا و ألفا من الخدم …

فلما اطلع الخليفة علي احصاء حرمه تضرع و قال إن حرمي لم تكن الشمس و القمر تطلع عليها فقال له هلاكو: إن عليك أن تختار مائة منهن و خل الباقين فجمع الخليفة مائة من النساء اللآتي لهن علاقة به من أقاربه و الخاصين به فجمع منهن مائة و هن القريبات إليه فأرسلهن خارج بغداد و رجع هلاكوخان إلي معسكره ليلا و أمر القائد سونجاق أن يذهب إلي المدينة (بغداد) و يضبط أموال الخليفة و يخرجها فجمع هذا ما كان ادخره الخلفاء في مدة خمسمائة سنة فلفها بأقمشة و

أخرجوها …

و قد أحرقت أكثر المواقع الشريفة في هذه الوقعة كجامع الخليفة و مشهد موسي الجواد و مراقد الخلفاء.

و حينئذ التمس الناس من شرف الدين المراغي و شهاب الدين الزنجاني و (ملك دل راست) ليذهبوا إلي هلاكوخان و يطلبوا الأمان فتشفع هؤلاء فشفعهم و أمر أن يكفوا عن القتال و سلب الأموال. و أمر باستقرار الناس و اشتغالهم بكسبهم. و عليه أمن من بقي من الناس ممن نجا من سيوفهم …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 199

و قال ابن الطقطقي:

«و أما حال العسكر السلطاني فإنه يوم الخميس رابع المحرم من سنة 656 ه … قد طبق وجه الأرض و أحاط ببغداد من جميع جهاتها، ثم شرعوا في استعمال أسباب الحصار، و شرع عسكر الخليفة في المدافعة و المقاومة إلي يوم 29 المحرم فلم يشعر الناس إلا ورايات المغول ظاهرة علي سور بغداد من برج العجمي … و تقحم العسكر السلطاني هجوما و دخولا، فجري من القتل الذريع، و النهب العظيم، و التمثيل البليغ ما يعظم سماعه جملة فما الظن بتفصيله …» ا ه و لا محل لإيراد جميع النصوص المنقولة و استيعابها …

خروج هلاكو من بغداد و وقائع أخري:

في يوم الأربعاء 14 صفر رحل هلاكو خان من بغداد نظرا لعفونة هوائها بسبب القتلي و نزل في قرية الوقف و الجلابية. و أرسل الأمير عبد الرحمن لفتح ولاية خوزستان و طلب إحضار الخليفة فكان يري الخليفة أمارات سيئة مما سيصيبه و اشتد خوفه فقال للوزير:

ما التدبير لنجاتنا!

فأجابه:

لحيتنا طويلة! (و كان قصده من ذلك أنه لما دبر أول الأمر و أبدي رأيه بإرسال تحف كثيرة لدفع هذه المصيبة قال الدواتدارآنئذ: لحية الوزير طويلة!) و كان قد أفسد تدبيره بهذه الكلمة فقنع الخليفة بقوله.

و الخلاصة أن الخليفة لم يبق له أمل في الحياة و طلب رخصة أن يدخل الحمام و يجدد غسله. فأمر هلاكو أن يصحبه خمسة من المغول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 200

و كان الخليفة يكره صحبة هؤلاء الخمسة الذين عينوا لحراسته و كان يكرر:

و أصبحنا لنا دار كجنات و فردوس و أمسينا بلا دار كأن لم نغن بالأمس

القضاء علي الخليفة:

و في آخر يوم الأربعاء 14 صفر صنة 656 قضوا علي الخليفة و علي أولاده و خمسة من خدمه و ملازميه في (قرية الوقف).

و في اليوم التالي قتلوا من كان اتبع الخليفة و خرج معه و أقام في باب كلواذي. و لم يبقوا ممن وجدوا من العباسيين إلا نفرا معدودا ممن لم يدخل في الحساب.

و وهبوا مبارك شاه ابن الخليفة الأكبر إلي اولجاي خاتون. و هذه ارسلته إلي مراغة و كان مع الخواجة نصير الدين فزوجوه بامرأة مغولية فولد لها منه ولدان.

و في يوم الجمعة 16 صفر استشهد ابن الخليفة المتوسط، قضي عليه و ألحق بأبناء الخليفة الآخرين و كانوا قد قتلوا في باب كلواذي فتم أمر آخر الخلفاء العباسيين و انقرضت حكومتهم و

بهذا خلصت بغداد للتتر …

ترجمة الخليفة المستعصم باللّه:
اشارة

هو أبو أحمد عبد اللّه ابن الخليفة المستنصر باللّه أبي جعفر. و لما توفي والده بكرة الجمعة 10 جمادي الثانية لسنة 640 ه 1242 م لم يكن حاضرا فاستدعاه شرف الدين إقبال الشرابي من مسكنه بالتاج سرا من باب يفضي إلي غرفة في ظهر داره فحضر و معه خادمه مرشد الهندي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 201

فسلم عليه الشرابي بالخلافة و أجلسه علي سرير الخلافة و كان والده مسجّي، و كتم الأمر إلي ليلة السبت 11 من الشهر المذكور، ثم استدعي الوزير ابن الناقد فحضر في محفة لعجزه عن المشي و أحضر أستاذ الدار ثم حضر عمه أبو الفتوح حبيب و جماعة من بيت الخلافة و من أولاد الخلفاء فبايعوه ثم بايعه الوزير و أستاذ الدار ثم تقدم بتعيين الأمراء لحراسة البلد.

أصبح الناس يوم السبت فشاهدوا أبواب دار الخلافة مغلقة و قد أمر عبد اللطيف بن عبد الوهاب الواعظ أن يشعر الناس بوفاة الخليفة المستنصر باللّه و جلوس ولده المستعصم.

ثم استدعي إلي دار الوزارة المدرسون و مشايخ الربط و الولاة و الزعماء و أعيان الناس و فتح باب العامة فدخل منه من استدعي الدخول و عليهم ثياب العزاء فبايعوا علي اختلاف طبقاتهم و تفاوت درجاتهم.

و أستاذ الدار يلقن الناس لفظ البيعة.

ثم أسبلت الستارة و انفصل الناس. و كانت الحال ساكنة و الناس علي اشغالهم. ثم جلس في اليوم الثاني فدخل كافة الأمراء و المماليك و بايعوه. و في اليوم الثالث كانت البيعة العامة حضرها من تخلف من الأمراء و الغرباء و ضروب الناس كالتجار و غيرهم …

ثم أمر الناس بالخروج و مضي الوزير و أستاذ الدار …

هذا و لا

محل لتفصيل كل ما جري من مراسم أبهة، و أشكال عظمة …

ثم تقدم الخليفة بالإفراج عمن كان محبوسا بحبس الجرائم و ليس في قتله حد شرعي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 202

و في يوم الجمعة 17 جمادي الآخرة قد نثرت مبالغ كثيرة من النقود في الجوامع عند ذكر الخليفة.

ثم جاءت الوفود من الجهات القريبة و النائية للعزاء و التبريك. و في 2 رجب أمر الخليفة بتغيير ثياب العزاء و خلع علي الأمراء و الأعيان و نفذت خلع إلي ولاة الأطراف أيضا.

و هنا نقول لم تكن الخلافة و البيعة في الحقيقة إلا من قبل مملوكه الشرابي … ثم استدعي بعض أهل الحل و العقد … و ما هذه المراسم و الترتيبات إلا بقايا عن الفرس و الأعجام، و مثلها ما مر عن تتويج ملوك المغول و الأبهة و العظمة … لمن لا يستحق أن يستعظم لهذا الحد …

فإننا أمرنا بطاعة الخليفة للقيام بواجب الخلافة و مراعاة لوازمها … و إن هي إلا الإدارة الرشيدة بتطبيق الشرع و تأمين العدل و المحافظة علي بيضة الإسلام … و من حين دخلت هذه الظواهر و المظاهر و استعظام الأمور إظهارا للكبرياء و الأبهة … دب دبيب الضعف و الانحطاط و حاول القوم بهذه و أمثالها أن يبرزوا لأعين الرائين …

و غالب من تكلموا علي الخليفة من كتاب المغول و مؤرخي عصورهم فلا يعول علي ما يقولون من وصفه الشخصي، و لنورد بعض النصوص، قال ابن الطقطقي:

«كان … شديد الكلف باللهو و اللعب و سماع الأغاني لا يكاد مجلسه يخلو من ذلك ساعة واحدة، و كان ندماؤه و حاشيته جميعهم منهمكين معه علي التنعم و اللذات لا يراعون له

صلاحا … و كتبت له الرقاع … في ابواب دار الخلافة فمن ذلك:

قل للخليفة مهلا أتاك ما لا تحب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 203

ها قد دهتك فنون من المصائب غرب

فانهض بعزم و إلا غشاك و يل و حرب

كسر و هتك و أسر ضرب و نهب و سلب

كل ذلك و هو عاكف علي سماع الأغاني …» إلي آخر ما جاء … مما كتب إرضاء للقوم و أمرائهم … و كان قد نقل عنه حكاية عبد الغني بن الدرنوس و تقبيح رأي المستعصم مما لا يسع المقام ذكر أمثالها … و قص ترجمته الواسعة عند بيان الخلفاء …

و قد نعته ابن العبري بقوله:

«و كان صاحب لهو وقصف، و شغف بلعب الطيور و استولت عليه النساء و كان ضعيف الرأي، قليل العزم، كثير الغفلة عما يجب لتدبير الدول. و كان إذا نبه علي ما ينبغي أن يفعله في أمر التتار إما المداراة و الدخول في طاعتهم و توخي مرضاتهم، أو تجييش العساكر و ملتقاهم بتخوم خراسان قبل تمكنهم و استيلائهم علي العراق فكان يقول: أنا بغداد تكفيني و لا يستكثرونها عليّ إذا نزلت لهم عن باقي البلاد و لا يهاجمونني و أنا بها و هي بيتي و دار مقامي. فهذه الخيالات الفاسدة و أمثالها عدلت به عن الصواب فأصيب بمكاره لم تخطر بباله …» ا ه.

و في تواريخ المغول الأخري ما يؤيد هذه و قد مر ذكر بعضها …

و في خلاصة الذهب المسبوك المختصر من سير الملوك لعبد الرحمن سنبط قنيتو الاربلي ما نصه:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 204

«قال ابن الساعي: شاهدته يعني الخليفة المستعصم و هو اسمر اللون مسترسل اللحية، ربعة، ليس بالطويل، ظاهر الحياء، لين الكلام،

سهل الاخلاق، سليم الصدر …

كان حافظا للقرآن المجيد، عاكفا علي تلاوته مواظبا علي الصلوات في أوقاتها و صوم الأثنين و الخميس من كل شهر و صوم شهر رجب دائما لا يخل بذلك مدة خلافته و قبل خلافته و له جاريتان قبل الخلافة له من إحداهما ثلاثة بنين و بنت و من الأخري أربع بنات فلما أفضت الخلافة إليه لم يتغير عليهما و لا اغارهما بل راعاهما حفظا لعهدهما. ثم طلبت منه أم البنين أن يعتقها و يتزوجها ففعل ذلك فلما ماتت استجد أخري و حظيت عنده فلم يعترض بغيرها و جاء منها بولد ذكر و طلبت منه أيضا أن يعتقها و يتزوجها ففعل ذلك. هذا فيما يرجع إلي حسن العشرة و حفظ العهد و مراعاة الصحبة و الوفاء. و كان عفيف الفرج لم ينكشف ذيله علي حرام قط، و لا شرب مسكرا و لا وقعت عينه عليه، و لم يعلم أنه عصي اللّه بفرجه و لا فمه غير أنه لم ينزه سمعه من سماع المحرم فإنه كان مغرما بسماع الملاهي محبا للهو و اللعب، يبلغه أن مغنية، أو صاحب طرب في بلد من البلاد فيراسل سلطان ذلك البلد في طلبه.

ثم و كل أموره الكليات إلي غير الأكفاء و أهمل ما يجب عليه حفظه و النظر فيه فأنفذ اللّه فيه قضاءه و قدره و أجري عليه ما قدره فقتل … فكانت مدة خلافته 16 سنة و 7 أشهر و 4 أيام و عمره 46 سنة … و كان ولد يوم 11 شوال سنة 609 و أمه أم ولد و اسمها هاجر.» ا ه.

و الظاهر كما يفهم من الاستدلال ببعض الحوادث و النقول المارة أنه كان مغلوبا

علي أمره، و أمراؤه متخالفون، فهو مضطر للمماشاة و توجيه الإدارة بقدر الإمكان …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 205

و كان الأمراء قد ضربوا علي يد الخليفة باستخدام العوام و الإذاعة في تقبيح عمل الوزير. و بالنتيجة توجيه اللائمة علي الخليفة من جراء التزامه الوزير و قسره علي متابعة اولئك … مما دعا إلي تذبذب الإدارة و سقوط المملكة …

و الأمراء كلهم أو أكثرهم كانوا من المماليك الترك أو كان أهل السلطة منهم و كانوا يتناوبونها و يتنازعون عليها من مدة طويلة و يتحكمون في غيرهم … فانحلت الإدارة أو بالتعبير الأصح صارت منقادة طوع ارادتهم و تسييرهم، و كان منهم إقبال الشرابي و قد تنازع علي السلطة قبل هذا مع رشيق فالخليفة من حين تسنم عرش الخلافة قربه و كان شرابيا له … فنال مكانة لحد أنه ولي زمام القيادة للخيالة (سرخيل العسكر) أو قل إنه صار أكبر أهل العقد و الحل، و غالب رجال الجيش من الترك.

و مهما كان الأمر أو تعدد الأمراء العرب أو كثروا … فالعروة بيد الكواز، و الحكومة حقيقة بيد الجيش التركي …

و من الأدلة التاريخية المذاكرات و المعارضات الجارية عند الحوادث المهمة كحوادث المغول العديدة و المداولات من أجلها و الاستفادة من الأوضاع السياسية و حوادث العزل و النصب … فكان الخلفاء فداء هذا الإصرار و العناد الذي قام به الأمراء و الوزير دون انصياع إلي الصواب أو محافظة للاعتدال و لا مراعاة الغرض و كانت الحزبية بالغة غايتها … و كانت الفتن تجري و منها ما وقع بين الدواتدار الصغير و بين الوزير، و مثلها ما جري بين محلة أبي حنيفة و الخضريين و بين أهل

الرصافة، و منها ما وقع بين أهل الكرخ الشيعة، و السنة …

و هكذا أهمل البلد بوقوع الغرق العظيم و تلف أكثر عماراته … و من ثم زادت النقولات و كثرت علي الخليفة و علي وزيره و أمرائه التنديدات، و أهمها أن الخليفة أهمل حال الجند و منعهم أرزاقهم بميله لرأي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 206

الوزير … فآلت أحوالهم إلي سؤال الناس و بذل وجوههم في الطلب في الأسواق و الجوامع …

هذه الحالة من وسائل توليد العداء بين أفراد الشعب، و عدم سماع الأقوال النافعة … يضاف إلي هذه فقدان الأقوات بحدوث الغلاء، و العدو علي الأبواب توجه نحو العراق … قال المجد النشابي متألما لما وقع و لما ستؤدي إليه التذبذبات في الإدارة و قلة الحزم و لم يستثن أحدا:

يا سائلي و لمحض الحق يرتاد اصخ فعندي نشدان و إنشاد

***

عن فتية فتكوا في الدين و انتهكوا حماه جهلا برأي فيه إفساد

إذا ترامت أمور الناس ليس لهم فيها رواء و لا حزم و انجاد

أما الوزير فمشغول بعنبره و العارضان فنساج و مداد

و حاجب الباب طورا شارب ثمل و تارة هو جنكي و عواد

و شيخ الإسلام صدر الدين همته مقصورة لحطام المال يصطاد

***

إن جئت يثرب أو شارفت ساحتها فقل لمن انزلت في حقه صاد

الكفر أضرم في الإسلام جذوته و ليس يرجي لنار الكفر اخماد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 207

و اضيعة الملك و الدين الحنيف و ما تلقاه من حادثات الدهر بغداد

أين المنية مني كي تساورني فللمنية إصدار و إيراد

من قبل واقعة شنعاء مظلمة يشيب من هولها طفل و أكباد

و مع هذه الآلام و المصائب علي الأهلين و الجند لا يؤمل ضبط الإدارة و

تحسين الحالة فضلا عن صد غائلة العدو الذي جاء بجيوش تملأ الفضاء و استصحب آلات الحصار و غيرها و أجفل أهل السواد من بين يديه إلي بغداد حتي ضاقت علي سعتها و امتلأت شوارعها و نال الناس الخوف الشديد …

و لا نطيل القول بأكثر فقد مر بنا بعض الحوادث الخاصة بالمغول و التدابير المتخذة ضدهم … مما يعين حقيقة الحالة … كما أن الوضع الراهن بالنظر لحدود سلطة الخليفة جغرافيا صريح في الاستدلال علي ضعف إداراته، و الأهواء تتجاذبه، و الأمواج السياسية تتقاذفه … و تكاد تقضي عليه قبل أن يتصادم مع جيش قوي قد اتخد كل أهبة، و احتاط بكل ما وسعه من تبصر و حساب للأمر …

قتل الخليفة بالوجه المشروح، و الأسف مل ء القلوب علي انقراض هذه الأسرة و علي تسلط حكومة أجنبية لا علاقة للأهلين بها و لا رابطة لهم معها سوي القدرة الحربية التي قضت علي جيش المسلمين … فاستولي اليأس علي القلوب، و ماتت السجايا العالية …

و العوامل في إمانتها كثيرة و منها ما وقع علي يد نفس الحكومة المنقرضة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 208

حبا في الاحتفاظ ببيتها و إشادته … خذلت العرب في مواطن عديدة، و حوادث كثيرة إلي أن وصلوا إلي حالة لم تعد فيهم معها قدرة أن يقودوا الجيوش و أن يناضلوا عن الكيان و يحرصوا علي حفظ بيضة الإسلام … و اليأس قتال و لا أضر منه علي النفوس … و قد استولي علي الكل … و لعل أكبر عامل فيه الوزير فإنه لم يتخذ تدبيرا و إنما كان يخذل … فلم تظهر منه مساعدة، و لا أي عمل من شأنه أن يدفع العدو

و كل ما عرف التخذيل لكل تدبير و إظهار التألم منه و تقوية اليأس …

و هكذا قضي الأمر. و لم تفرح النفوس، و تنتعش لمدة قصيرة إلا عند ما قبل المغول الشريعة الإسلامية و مالوا إليها رغبة فيها … و لكن هذه لم تفد لإحياء الروح العربية و إنعاشها بإعادة قدرتها الأولي و سجاياها الماضية …

نظرة عامة في عهد العرب المسلمين في العراق

أيام العرب المسلمين في العراق

اشارة

في عام 17 ه 638 م- علي أصح الروايات- خلص العراق للعرب المسلمين و اختطوا الكوفة و عسكروا فيها بتاريخ المحرم لسنة 17 ه بعد مقارعات دامت بضع سنوات من المحرم 12 ه 633 م يتخللها بعض فواصل قليلة آخرها وقعة جلولاء، و كان في أيدي الفرس الساسانيين و شعوبه مختلفة من فرس و عرب و كلدان و كرد …

و أذلت هذه الحروب الساسانيين و عركتهم عركة قطعت أوصالهم.

و مزقتهم أي ممزق. و عاون العرب المسلمين جماعات من عرب العراق من الشيبانيين و رئيسهم المثني و غيرهم و العرب آنئذ في ضواحي الفرات و في الحيرة و مواطن أخري كثيرة حتي خليج فارس (الأبلة). و أساسا عهدهم قديم في سكني العراق فاندغموا في العرب المسلمين سواء منهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 209

من قبل الاسلامية أو من بقي علي دينه الأصلي و غالبهم آنئذ نساطرة …

رأي الفرس من العرب و فيهم من كان تحت نير سلطتهم و إدارتهم ما لم يروه من قوم، و لا شاهدوا كحروبهم من أمة ما … و المدة التي قضوها لتخليص العراق و فتحه قليلة جدا لم تتيسر لأمة حتي في هذه الأيام … مع ملاحظة الفواصل، و الحروب الأولي و هي أشبه بحروب عصابات لغرض التشويش في الإدارة و التزام جيوش كثيرة

في أنحاء عديدة و المطاولة في ذلك …

و كان الميل إلي الدين الإسلامي و اعتناقه كبيرا جدا. دخل الناس فيه أفواجا … و بعد استقراره للعرب المسلمين جاءته الفرس. و قد قبلت الإسلامية كما أن أقواما جديدة أخري دخلت في الإسلامية و أهم عناصرها الترك و لا تزال بقاياهم إلي اليوم … و موضوعنا يتناول:

1- العرب:

من أوضح العناصر العراقية الشعب العربي فهو أكثرها دائما و تغلب علي سائر الأقوام … و عناصره القحطانية و العدنانية. و كانت الإسلامية ظهرت في الحجاز عام البعثة في مكة المكرمة و أكثر الأهلين هناك حتي صاحب الدعوة عليه الصلاة و السلام من الجذم العدناني و أهل المدينة من القحطانية و مثلهم أهل اليمن …

و أهل المدن في ذلك العهد من العرب عامة اصحاب إمارات صغري محددة سلطتها في مدنها، و في بعض القبائل المجاورة لها …

و أهل البادية قبائل تمتّ إلي أحد الجذمين و لها رؤساء يديرون شؤونها و هم في حالة مبعثرة، مشتتة لا تجمعهم جامعة، و في الغالب لا علاقة لقبيلة مع أخري و لا ارتباطا سياسيا أو قوميا إلا بعض الحلوف و العهود

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 210

بنتيجة المجاورة أو القربي … و الإمارات لديهم قليلة جدا، و لا يلتفت إلي دعاوي بعض امرائهم. أو شعرائهم في حماستهم من أنهم أقوي الأمم، و أنهم تخر لهم الجبابرة ساجدين، و أنهم ملكوا البر و البحر …

و من شاهد القوم في باديتهم لأول وهلة، و رأي إدارتهم بنظرة بسيطة قطع أنهم أهل بداوة … و الأمر بين ذاك الغلو في الدعوي و المبالغة في الذم من المجاورين (الفرس خاصة) … فللعرب نظام اجتماعي لكل قبيلة و

يكاد يتشابه في القبائل بتفاوت قليل مما أصله معروف و متعين …

يضاف إلي هذا ما لديهم من أخلاق نبيلة في كثير من أحوالهم كالشمم و الإباء، و حفظ الجوار و الوفاء … و الصلاح لكل ما يستطاع من المكانة الاجتماعية. و الفضائل النفسية …

كان يفقدهم التضامن، و الاجتماع العام نظرا إلي تأصل العداء و تمكنه منهم، و من ظواهره الأخذ بالثأر و لو تقادم العهد … و النهب و السلب (الغزو)، و التباعد من بعضهم البعض بحيث تكاد كل قبيلة أن تنفصل عن غيرها و تستقل في كافة شؤونها … يدل علي ذلك التفاوت نوعا في لغاتهم، و التباين في أديانهم، و التخالف في عوائدهم، و غزو بعضهم بعضا، و قتالهم سواء في حلهم و ترحالهم … لم تؤلف بينهم جامعة، و تغلب عليهم الفوارق أكثر من التشابه، و لم يتفقوا إلا بعض الاتفاقات كما في (التنوخ) المعروف تاريخيا … و هؤلاء حلوا البحرين.

ثم مالوا إلي ضواحي العراق و تملكوا بعض أنحائه … و كونوا إمارات صارت ملجأ للعرب الذين هاجروا إليهم بعد ذلك؛ و كان قد سبقهم إلي التوطن (الحضر) في العراق. و (الغسانيون) في سورية، و لهؤلاء تاريخ معروف اجمالا. و تنقل عنهم مبالغات زائدة مثلما ينقل بفخر و حماسة عن امراء البادية … المجاورون- خصوصا الفرس- تجاوزا الحد في الذم و نبزوهم بشر الأوصاف، و عدوها خصائص لازمة قطعا، و غير منفكة … و لم يدروا أن الأقوام في تبعثرها الاجتماعي و أوضاعها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 211

المشتتة لا تختلف عن العرب، و أنها تحتاج إلي من ينفخ فيها روح الشجاعة و البطولة، و الدعوة إلي الاصلاح … و العرب

أقرب الأمم لقبول الحضارة، و أكثر استعدادا للحصول عليها …

و بينا هي في هذه الحالة، أو ما يقاربها إذ ظهر المبدأ الإسلامي الجليل، و الدين القويم فأصلح العقيدة و وحد الأمة، و نظم شؤون العائلة، و القبيلة؛ و سير كافة أقسام الشعب نحو نظام اجتماعي عام أساسه الأخوة الدينية، و هذب الكل، و ألف بين شؤونهم، و ساقهم إلي الوحدة في كل معانيها، و جعل أساسها الاخلاص في العقيدة و الأخوة التامة، و التبشير بالاخلاق الفاضلة الشريفة … و بعث فيهم روحا جديدة لها علو همتها، و قرر التعاون علي البر و التقوي و الإصلاح ما استطاع إلي ذلك سبيلا و منع من الإثم و الفسوق و التنابز بالألقاب مما شأنه أن يولد البغضاء. و الحاصل جعل الأساس الاخلاص للّه وحده، و أن يراعي الخير لصلاح الجماعة و الأمة و نفعها بل هو إصلاح لجميع الشعوب … مما لم تألفه البشرية في عصورها البائدة …

نهض هذا المبدأ السامي بهؤلاء القوم؛ و بشر و دعا أن يترك أكثر ما كان عليه القوم، و ما كانوا تلقوه عن آبائهم من الرذائل و الشرور فصاروا خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف و تنهي عن المنكر …

فنالته مصاعب كبري و مخالفات شديدة في سبيل هذه الدعوة شأن الجديد الذي لم يجرب و لم تعرف نتائجه … أو لغرابته و عدم مألوفيته …

خصوصا في جزيرة العرب حتي اذعن الكل … و من ثم دعا هؤلاء القوم مجاوريهم فعارضوهم أيضا و جادلوهم بل جالدوهم حتي استظهر العرب المسلمون عليهم …

قوم عمائمهم ذلت لعزتها ال قعساء تيجان كسري و الأكاليل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 212

و من الأقطار التي أذعنت بالطاعة:

العراق و كثير من أهليه عرب فإنه جادل مدة قليلة و حكومته فارسية فأذعن بالطاعة و ولي القوم الأدبار … و من ثم تغلب العنصر العربي و خلص العراق بالوجه المذكور آنفا …

و حينئذ كون حكومة عربية، و أسس حضارة علي يد الخلفاء الراشدين و من وليهم و كانت حكومته مستقلة في إدارتها إلا في بعض الشؤون كالولاية، و القضاء، و الاستشارة في المهمات و عظائم الأمور و هي من خير الإدارات، و حكومته من أفضل الحكومات … لم تدع مجالا للتدمير و التخريب و لا محلا للقسوة و الظلم …

2- حكوماته:

1- و حكوماته من زمن عمر (رض) إلي آخر أيام الإمام علي (رض) تدعي (حكومة الخلفاء الراشدين). و هذه بشرت بالمبدأ الإسلامي الجليل و رأت من الناس قبولا كبيرا و لم يصبها خلل إلا في أواخر أيام عثمان (رض) و أيام الإمام علي (رض) فصار العراق فيها موطنا لوقائع مهمة مثل وقعة الجمل و صفين و النهروان … حدثت من جراء نزاع الخلافة و القيام عليها من جوانب مختلفة و في هذا الحين صار العراق موطن الخليفة الإمام علي (رض) حتي كان مشهده الأخير فيه …

2- و قد تلتها (الحكومة الأموية) و بهذه انقاد العراق إلي الشام ببيعة الحسن (رض) عام 40 ه لمعاوية (رض) و من ثم انقطع النزاع علي الخلافة نوعا و لأمد قصير، تخلص الحكم للأمويين و صارت مملكة العراق تابعة للشام بعد أن كانت منقادة للحجاز أولا و عاصمة للخليفة الإمام علي (رض) ثانيا … و دامت سلطة الأمويين إلي عام 132 ه و في أيامها نالت الخلافة الإسلامية مكانة عظمي و رسوخا وسعة في الملك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 1، ص: 213

و في خلال الحكم الأموي حدثت وقائع سياسية و حربية مهمة …

و نهضات علي الحكم الأموي من كثيرين و الكل يري أنه الأهل للحكم و الأحق به … و لكن هذه الحوادث كلها لم تؤثر علي الروح الإسلامية في فتوحها و انتشارها … و لم تقض علي وضعها و إدارتها القويمة رغم تلاعب الأهواء و اختلاف النزعات و الحزبية القاسية في وضعها، و القاهرة في نكايتها بعدوها و المتصلبة في سائر أحوالها …

و توالي علي العراق سواء في عهد الخلفاء أو في عهد الأمويين أمراء كثيرون و حدثت وقائع ذات بال أهمها قتلة الحسين (رض)، و حوادث المختار، و وقائع الحجاج، و ما أعقبها من حوادث العلوية و العباسية … إلي آخر ما هنالك مما لا طريق فيه للتوسع …

3- الخلافة العباسية و هذه نتيجة تشويش في الإدارة، و ثورة علي الأمويين بصورة متوالية و من كل فج، و أحزاب قوية … فكان العراق و خراسان موطن النشرات و الإذاعات و الترتيبات المختلفة علي الأمويين لبعده عن العاصمة حتي تغلب الحزب العلوي و العباسي فاتفقا علي الوقيعة بالأمويين، و القضاء علي حكومتهم فتمكن القوم من مرادهم …

تكونت الحكومة العباسية. و هذه قد صفا لها الجو و سارت أمورها بنجاح و قويت في أيامها ثقافة المسلمين و نشطت عقيدتهم نشاطا تاما إلا أنها بعد قليل وجدت من العلويين نفرة، و صار دينهم الدعوة و التكتم و مراعاة الحزبية تارة و الظهور أخري فشوشوا علي العباسيين أمرهم …

فلم تقو الدعوة العلوية علي قلب هذه الحكومة و السيطرة علي الإدارة … و لكنها لم تخل من ازعاج و نفرة، و من تكدير الصفو، أو الخوف أو

التخوف من جانب العباسيين بانضواء الأحزاب المعارضة إلي العلوية و غالبهم فارسي النزعة … و قد وقعت فتن أدت إلي استقلال العلويين في مصر و المغرب، و تكوين حكومة أيضا باسم العلويين في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 214

اليمن و أخري في نجد (الإحساء و البحرين)، و في ايران بأنحاء قهستان و الموت … و كل هذه لم تفلّ من غرب العباسيين، و لا استطاعت القضاء عليهم و لم يتم ذلك إلا علي يد هلاكو عام 656 ه و الخلافة العباسية في آخر رمق من حياتها … و خلصت المملكة العراقية للتتر بعد أن دامت حكومتها للعباسيين من 12 ربع الأول عام 132 م 749 م إلي 5 صفر 656 ه 1258 م.

و بهذا فقد العراق الحكم العربي في البلاد. و في الحقيقة كان فقدانه لاستقلاله و حكمه من أمد بعيد، فالاسم كان للعباسيين و الواقع أن العباسيين كانت حكومتهم فارسية في اوائل أمرها، تركية في اواخرها … و لم يكن حكم للعباسيين عربيا فالحربية بيد أهلها و الوزارة منقادة للسيف و كفي … و إن كانت المدونات عربية.

هذا و لا مجال للتفصيل و الإطالة … و علي كل دام الحكم في العراق للعرب المسلمين من سنة 17 ه إلي سنة 656 ه.

3- الشعوب الأخري في العراق:

إن الأقوام العراقية بعد الفتح الإسلامي تغلبت عليهم العربية و العرب منهم يمتون إلي العنصر القحطاني و يتلوهم في الكثرة الجذم العدناني. و أول من مال إلي العرب المسلمين من غير العرب الديلم فإنهم انحازوا إلي العرب و قاتلوا معهم … أيام الفتوحات الإسلامية الأولي و هناك و إثر تأسيس الحكم المدني أو بالتعبير الأصح بعد انقراض الفرس مالت ايران إلي

العراق و عاودته مسلمة و تكاثر فيه الفرس و حصل علي ثقافة جديدة، هي الثقافة العربية و لكنها كانت تنزع إلي حضارتها الفارسية الأولي بتلقينات و بلا تلقينات، أو بذكري الماضي و الميل إليه … خصوصا إن بعض القوم لا يزال علي ديانته الأولي و صار هؤلاء يبشرون بالوطنية الإيرانية و يدعون إليها حينما رأوا أن لا قدرة لهم و لا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 215

قوة علي المناضلة عن كيان دينهم … و هكذا فعل باقي أعداء المسلمين ممن دخلوا في الذمة، و صاروا من المعاهدين … يبثون ما من شأنه التشويش و يروجون إذاعة روح التفرقة سواء في كلماتهم، أو أعمالهم، أو سائر أحوالهم حتي مدوناتهم التاريخية … إلا أن قلة العناصر الأخري من أكبر دواعي خذلانها و عدم الاستطاعة في التأثيرات الكبري علي الدين و الثقافة، و تغلبت الأخوة الدينية في الأكثرية الساحقة …

و أن كان الأثر مشاهدا في السياسة و ملموسا … و لا تعاب الحكومة إلا من جهة تعصبها الشديد للعرب بزيادة عن غيرهم …

لم ينتبه العرب في الدور الأموي لتغلب الفرس من طريق الاعتصام بالمخالفين إلا و قد انقلب الحكم و زالت الأموية من العراق و غيره …

و قد جربت تجارب عديدة أو اكتشفت مؤامرات كثيرة لقلب الحكومة العباسية في عين الطريقة التي قضي بها علي الأموية بل أشد و أقوي فذهبت التدابير عبثا و بلا جدوي و إن كلفت بما لا يستهان به بل تعد من البواعث الكبري للقضاء علي الحكومة العباسية … لما نالها من التأثير المتوالي … و نجاحها في هذه ظاهري …

أما التدابير الأخري التي قامت بها العباسية كالقضاء علي أبي مسلم الخراساني أولا

و علي البرامكة ثانيا، و جلب الأتراك لإيقاف تغلب الفرس عند حد و السيطرة عليهم … فهي مما كون بلاء آخر و حول الحكومة من فارسية إلي تركية …

و ذلك أن القوم لم يحتاطوا دائما و في غالب أحوالهم لقهر اعدائهم، أو المناوئين لهم، أو المتغلبين من رجالهم … كما فعل أسلافهم و أوائلهم الذين كانوا يفكرون في الأخطار و ما ينجم من بوادر الحوادث و الإشارة الخفيفة تكفي للتنبه … و أن يتداركوا الخلل و توقع المصائب ببصيرة …

و إنما استهوي القوم النعيم و تركوا الحزم و فاتتهم اليقظة للحوادث و أبطرهم المال، و انغمسوا في الملاذ و اتبعوا الشهوات و الأهواء …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 216

فلما استخدم القوم الترك و خلفهم ابناؤهم و لم يلقنوا السياسة و منطوياتها. أو أنهم أهملوا أمرها لانهماكهم في ملذاتهم، و لأنهم أمنوا الطواري ء بخدامهم الصادقين فأمّروهم و باتوا بطمأنينة كاملة … و من هنا داهمهم الخطر و تسرب إليهم الضرر، و نالهم المكروه من جراء الإهمال … أو قل سلموا مقاليد الأمور إليهم، بل إنهم استرسلوا في الأهواء فناب عنهم خدامهم و أعوانهم فصاروا هم الأمراء بل الخلفاء و أودع إليهم الحل و العقد و صارت الدولة في أيديهم …

عرف هؤلاء الأمراء خلفاءهم. و لما استقر لهم المقام في ادارتهم، و نالوا الإمارة؛ تسلطوا … و تدخلوا في كافة الشؤون حتي في أمور الخلافة، و لم تدر الخلفاء ماذا يفعل بهم … فعهدت الأمور إلي هؤلاء المماليك من حوط الثغور و النظر في السياسة … و لما شعر بعض الخلفاء بما جري حاول القيام فلم يتمكن و هو في حالة من يصحو من سكرته

قليلا فقام المماليك في وجههم علنا. و طغوا علي ملوكهم …

فأصاب الخلفاء منهم ما أصابهم، و قد يكون ما أصاب بعض الخلفاء بلا علم منه و لا معرفة بما وقع … ذلك لأن الأمراء تقارعوا فيما بينهم فكانت العاقبة أن سخط هؤلاء علي الخليفة للسخط علي مملوكه و هو أمير آخر … و هكذا.

و من ثم قوي أمرهم كثيرا و استمروا في الإدارة و لم يستطع في هذه الحالة الخلفاء أن يستعينوا بغيرهم للقضاء عليهم … إلي أن قضي علي الخلفاء و عليهم … بالصورة المشروحة عند الكلام علي الخليفة المستعصم. لذا نري قادة جيشنا في محاربة المغول تركا و تترا و المخابرات السياسية و الاستهواء كان من هذه الناحية و حادثة ايبك الحلبي من جملة هذه، فقد مال للجيش المغولي و صار هاديه في سيره … و لعل أكبر دواعي تمكن المغول هو أن الترك كانوا منبثين في كل الأنحاء فلم يجد المغول غرابة أو عدم ألفة معهم بل التفاهم سهل جدا … و هكذا وقع …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 217

و العامل المهم في التسلط لم يكن في تغلب العناصر وحدها فقد رأينا الأمة اليقظة لا تبالي بتغلب عنصر أو أكثر … و إنما تستفيد من هذا التغلب لتجعلهم في تطاحن … أو كما فعلت الإسلامية بأن سوت بين الجميع … و إنما كان الخلل في سوء الإدارة فالعباسيون شغلوا بالملاذ و الملاهي و لم يكن لهم من الوقت ما يبصرهم بإدارة المملكة و لم ينظروا إلا لنعيم أنفسهم و تنعمهم فساق ذلك إلي قهر الأهلين و ظلمهم … و من ثم تدخل المماليك في الإدارة و ذاقوا حلاوتها فسيطروا و

هكذا استمروا حتي انتزعوها من أهليها … و كان الانتباه أحيانا من بعض العباسيين بعد أن قضي الأمر و سبق السيف العذل يعد في غير أوانه و لم يعدل في الوضع، و لا في التغلب علي العنصر القابض علي أزمة السلطة … و من العدل الإلهي أن لا يدوم ملك بلا نظر، و حسن إدارة …

و الأمة في الحقيقة لا تدري إلا بقيام خليفة مكان آخر و هي في حالاتها تئن من ظلم السابق و تتوقع عتوّ اللاحق … و كانت السلطة تتناوبها المماليك و أمراء الترك الواحد إثر الآخر، و الحكم للأقوي …

و الخليفة تابع لمراسم يجريها فكأنه آلة ميكانيكية تابعة لحركة غيرها ليس له من الأمر شي ء … و يكفيه الجواري الكثيرة، و الملاذ النفسية و لا تهمه الإدارة و لا الشعب …

و الأولي لحكومة مثل هذه أن تموت أولا لأنها ساعدت علي سحق الشعب فلم تسوّ بين أفراده، و ثانيا لم تبق فيه من المقدرة للنهوض في وجهها و محاسبتها علي اعمالها … و هذه الغلبة أي انتصار الحكومة علي الشعب لم يسبق له نظير في أمة … و المأسوف عليه أنها لم تستبدل بما هو اصلح منها. و إنما الحالة سارت إلي التسافل و التدني يوما فيوما إلي أن قضي عليها و علي الأهلين و لم يبق فيهم من يعرف للحرية قيمة و لا للحياة الاجتماعية مكانة فهم مسيرون لا يدرون ماذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 218

يفعل بهم أو يراد … يسومهم الملوك و الأمراء سوء العذاب يذبحون ابناءهم و يستحيون نساءهم … و لا بلاء أكبر من هذا …

و يتبادر إلي الذهن أن تبديل الإدارة إلي الترك أو

استبدالها بهم كان غير صواب و الأمر لم يكن كذلك و إنما كان تدبيرا صالحا إلا أن هذا العنصر ترك و شأنه و مال الخلفاء إلي الانهماك بالملذات و تسليم الإدارة إلي الخدم و الحشم من هؤلاء … دون علم بما ستصير إليه الحالة فساق ذلك إلي نتائج مؤلمة و إلا فلم يعوز حل و لم يعص تدبير لو كانت الادارة استمرت علي رشدها و يقظتها … و اللوم في التدبير الأول فإنه الذي ساق إلي الانهماك في الملاذ النفسية أي أن القوم لم يعلموا بما ستجري عليه الحالة و أن الملوك لم تطرد فيهم المزايا … و كان الأولي أن يقووا العنصر العربي و يعتمدوا عليه و لكنهم كانوا حاربوه للقضاء علي الأموية فلم يعد لهم أمان منه فكأنه عدو ألد لا يصير يوما صاحبا و حبيبا … و كانوا يخشون أن يتقدم قائد عربي خوفا أن ينتزع السلطة، أو يشمخ عليهم بأنفه و لم يروا متسعا من الوقت إلي أن يفكروا في الذي أمنوا منه أو اطمأنوا به و نالوا الانتصار به علي عدوهم أنه سيعاديهم يوما ما، أو ينازعهم السلطة و الإدارة … و هذا من نقص التدبير فكانوا محل العبرة و الاستبصار، و حديثا لمن بعدهم و خير مزدجر للملوك أمثالهم …

نعم إن الأقوام الأخري من العناصر السائرة ممن جعلوهم آلة لتدمير عدو … ملتفة حولهم لا يتحاشون من تقبيل الأقدام، و إبداء كل ذل و خضوع للتوصل إلي الإدارة أو الدخول في الخدمة من أي فرجة وجدت … مما لا يأتلف و النفس العربية الشماء، و الروح الأبية المجبولة علي الحرية، و النفسية الكاملة لا الذليلة المقهورة …

و الحاصل أن

التنازع صار أخيرا و بعد انعزال العرب عن الإدارة بين العناصر غير العربية، و أهين الشعب العربي و لكنه لم يستكن لهذه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 219

الإهانة و رجح شظف العيش و العري علي الذل و الخنوع … و صار في الانزواء أو في الانحياز التام عن التدخلات الإدارية … و استغني عن الحكومة و رضي بالميسور إذ لم يجد له ناصرا … بل طارده القوم حتي في خصه و بيت شعره، أو خيامه الخلقة … فلم يبال … و أصاب اولئك الخلفاء من الذل و المسكنة ما لا يقل عن أي ذل رغم ظواهر السلطان. و بهرجة الديوان، و ضخامة البنيان … هذا و لا يكاد يقف القلم عن جريه فالشجي يبعث الشجي و الحديث ذو شجون و شؤون بل آلام و أوجاع … و نكتفي بهذا.

و العناصر العراقية:

1- العرب:

و هم المسلمون و فيهم النصاري و لا تزال جزيرة العرب تفيض بعشائرها العربية المسلمة كلما ضاق موطنها بهم. و قد مر القول عنهم.

2- العجم

و غالبهم المسلمون و فيهم المجوس و المزدكية …

و أكثر الإفسادات كانت من غير المسلمين منهم، و المسوق بآرائهم من المسلمين قليل.

3- الترك.

و فيهم التتر و غيرهم و من بقاياهم اليوم البيات.

4- الكرد.

و هؤلاء من العناصر الفعالة في العراق و كلما زادت نفوس سكان الجبال منهم مالت إلي المدن.

و في وقائع كثيرة خدموا الإسلامية، و ناصروها، فكانوا عضدها القوي و ساعدها المكين … و هم من أقدم سكان العراق و من أوضح العناصر فيه … و قد برز منهم علماء، و أمراء كثيرون …

5- الكلدان.

و هم نصاري و لهم كيانهم الديني و لم يكن لهم من الكثرة ما يترك أثرا كبيرا إلا أنهم كلما زادت نفوسهم مالوا من القري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 220

إلي المدن و ما زالوا و لا يزالون في قلة … و لا يفرقون عن العرب في احوالهم و عاداتهم …

6- الصابئة..

أرباب دين و كيان معا. و هم من أقل العناصر العراقية.

7- اليهود.

و هم أهل دين و سكناهم قديمة … و هم في قلة أيضا.

وزارة مؤيد الدين ابن العلقمي من 14 صفر سنة 656 ه إلي مستهل جمادي الثانية

تنظيم إدارة بغداد:

إن حادثة بغداد شوشت الإدارة و بعثرت الأمور و غيرت المعالم، و هذا أمر طبيعي، بقيت الحالة العسكرية و الحربية إلي اليوم الذي قتل فيه الخليفة (14 صفر) و من ثم عين لإدارة بغداد و ترتيب شؤونها الوزير مؤيد الدين محمد ابن العلقمي فقد جعل وزيرا.

فهو آخر وزير للعباسيين و أول وزير للمغول في بغداد و اختير معه من الموظفين في الإدارة:

فخر الدين ابن الدامغاني صاحب الديوان نصب للديوان أيضا، و الأمير علي بهادر للشحنة، و أرتاقان و أوزان كمرشحين له (ردء) و نائبين لقراتاي عماد الدين عمر القزويني و (الأعمال الشرقية) كالخالص و طريق خراسان و البندنيجين فوضت إلي نجم الدين أبي جعفر أحمد بن عمران الذي كان يسمي بالوزير الصادق أو المخلص (راست دل)، و هو من أهل باجسري، و كان يخدم زمن الخليفة عاملا فاتصل ببعض الأمراء أيام الحرب و حضر بين يدي السلطان هلاكو خان و أنهي إليه من حال العراق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 221

ما أوجب تقديمه و تشريفه، فعهد إليه أن يتفق مع الوزير و صاحب الديوان في الحكم و لقب ب (الملك)، و نجم الدين عبد الغني بن درنوس، و شرف الدين العلوي المعروف بالطويل، و جعل تاج الدين علي ابن الدوامي حاجب الباب (صدر الأعمال الفراتية)؛ كان قد خرج مع الوزير إلي حضرة السلطان فأمر أن يكون صدر الأعمال الفراتية فلم تطل مدته و توفي في ربيع الأول فنصب ولده مجد الدين حسين مكانه.

و حضر (قاضي القضاة) نظام الدين عبد المنعم و جاء في جامع التواريخ أنه (عبد المؤمن) البندنيجي و لما

صار بين يدي هلاكو خان أقره علي القضاء. و كان قاضي القضاء في زمن الحكومة العباسية إلي أواخر أيامها، قد عين لهذا المنصب سنة 655 ه نقل إليها من قضاء الجانب الغربي.

فلما عاد الوزير و الجماعة المذكورة من السلطان هلاكوخان قرروا حال البلاد و مهدوا قواعدها و عينوا بها الصدور و النظار و النواب فعينوا:

سراج الدين بن البجلي في الأعمال الواسطية و البصرية.

و نجم الدين بن المعين صدر الأعمال الحلية و الكوفية.

و فخري الدين مبارك ابن المخرّمي صدر دجيل و المستنصري.

و عز الدين بن أبي الحديد كاتب السلة. فلم تطل أيامه و توفي فرتب مكانه ابن الجمل النصراني.

و عز الدين بن الموسوي العلوي نائب الشرطة.

و الشيخ عبد الصمد بن أبي الجيش إمام مسجد قمرية خازن الديوان.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 222

و رتبوا في جميع الأعمال نوابا و شرعوا في عمارتها.

و وصل الأمير قيراغا (و في جامع التواريخ قرابواقا) و ايلكان نويان إلي بغداد مع ثلاثة آلاف من المغول ليعمروا ما كانوا هدموه و أن يقبضوا علي نواصي الأمور.

و عين الأمير قراتاي عماد الدين عمر بن محمد القزويني نائبا عن الوزير. فكان يحضر الديوان مع الجماعة. و كان ذا دين و مروءة و عين شهاب الدين بن عبد اللّه صدرا للوقوف و تقدم إليه بعمارة جامع الخليفة.

و كان قد أحرق و كذا مشهد موسي الجواد (مشهد الكاظمين) ثم فتح المدارس و الربط و أثبت الفقهاء و الصوفية و أدرّ عليهم الأخباز و المشاهرات و سلمت مفاتيح دار الخليفة إلي مجد الدين محمد بن الأثير و جعل أمر الفراشين و البوابين إليه.

و حينئذ أخذ الناس يدفنون قتلاهم و رفعوا جثث الدواب المطروحة في الأسواق و

الأزقة و شرعوا في تعمير الأسواق …

و مما نقله الفوطي أن الجاثليق تقدم بسكني دار علاء الدين الطبرسي الدويدار الكبير التي علي شاطي ء دجلة فسكنها و دق الناقوس علي اعلاها و استولي علي (دار الفلك) التي كانت رباطا للنساء تجاه هذه الدار المذكورة، و علي الرباط البشيري المجاور لها، و هدم الكتابة التي كانت علي البابين و كتب عوضها بالسرياني …

التشكيلات الإدارية:

هؤلاء موظفو العراق آنئذ، و إن التشكيلات الإدارية أبقيت علي ما هي عليه و أهم أوصافها أن الوزير في الحقيقة لم يكن مستقلا في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 223

الحكم، و هذا طبيعي في حكومة أجنبية لم تعرف حقيقة الأشخاص و مع هذا راعت الترتيبات السابقة بمقياس صغير فأضافت إلي الوزير من يراقب أعماله مراقبة عامة …

نعم إن حكومة هلاكو لم تتول ادارة العراق رأسا و إنما استعانت بنا و لو كانت تدار رأسا من قبل الفاتحين لامّحت كافة نضاراتها، و لذهب حسنها بمدة و جيزة و ما أصابها حين الفتح من دمار فكان أشبه بالمرض يعتري البدن ثم يزول … سوي أن هؤلاء كانوا أبصر بالمضرة، و أعلم بطرق افادة الأجنبي فثبّتوا مواقعهم و استفادوا و قد قرروا الادارة السالفة باختصار …

و الحكومة المركزية كانت تودع شؤونها لأمير مغولي بمقام مراقب حذرا من اختلاس الأموال، أو التدخل في شؤون السياسة المضرة بصالحهم … لكنها رأت من القوم الفساد الأخلاقي و التنازع بين الأفراد علي الوظائف بحيث صار كلّ يسند الخيانة لصاحبه و يظهر الخدمة و الإخلاص … فلم تقف الحكومة علي حقيقة الأقوال من كل جانب فولت الإدارة إلي غيرهم … إلا أنها لم تنزع كل الوظائف و إنما احتفظت ببعضها و

استخدمت الباقين من أهل العراق.

و التشكيلات الإدارية آنئذ تقسم إلي:

1- بغداد. و فيها الوزير و في الغالب له مشرف و نائب و صاحب الديوان و الشحنة و نائب الشرطة و خازن الديوان.

2- الأعمال الشرقية (الخالص و طريق خراسان و البندنيجين).

3- الأعمال الفراتية.

4- الأعمال الواسطية و البصرية.

5- أعمال دجيل و المستنصري.

6- الأعمال الكوفية و الحلية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 224

7- أعمال الأنبار.

8- أعمال داقوقا.

و الأخيرتان لم ينظر في هذه الأيام في أمر إدارتها، و لا عدتا ضمن الأعمال التي جري التوظيف من أجلها للقيام بشؤونها …

و أما إربل فإنها لا تزال خارجة عن حدود هذه المملكة … و كان يعين لهذه الأعمال الصدور و الصدر هنا بمقام (متصرف) و كل منطقة من هذه الأعمال بمنزلة (اللواء)، و قد يسمي القائم بإدارته الملك و هذا اللقب يناله من كانت له خدمة يستحق عليها هذا اللقب مثل نجم الدين أبي جعفر أحمد بن عمران الباجسري و غيره و معهم النواب و النظار حسب الحاجة وسعة الأعمال …

و علي هذا اكتسبت الإدارة استقرارا نوعا و أبقيت المملكة علي إدارتها السابقة و قوانينها … إلا أنها لم تبقها علي اتساعها بل صغرت الإدارة و جعلتها متناسبة مع القابلية الحاضرة …

وقائع و حوادث أخري:

و لنرجع إلي ذكر وقائع بغداد. فبعد أن رتبت أمور بغداد و وجهت الأعمال أي في يوم الخميس 29 صفر توجه عز الدين ابن الوزير و صاحب الديوان إلي اعتاب السلطان هلاكوخان لإطلاعه علي الأحوال فسمعوا أوامره و رجعوا إلي بغداد.

و كان في يوم الجمعة 23 صفر رحل هلاكو و نزل بجوار قبة الشيخ مكارم و من هناك رحل حتي وصل مع معسكره إلي خانقين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 225

و أثناء حصار بغداد كان قد

أتي نفر من العلويين و أعاظم أهل الحلة و علمائها فالتمسوا أمانا من هلاكو فأرسل إليهم (بوكله) و (أمير نجلي النخچواني) و أرسل في أثرهم بوقا تيمور و هو أخ اولجاي خاتون ليمتحنوا إخلاص أهل الحلة و الكوفة فاستقبلوهم و جيوشهم استقبالا باهرا و نصبوا جسرا علي الفرات لعبورهم و فرحوا بوصولهم و أظهروا مزيد السرور …

رأي بوقا تيمور إخلاصهم و ثباتهم فرحل في 10 صفر و توجه إلي واسط. و في اليوم 17 منه وصلها فلم يطعه الأهلون هناك و شرع في قتالهم و محاربتهم و قتل منهم ما يقارب الأربعين ألفا.

و من هناك توجه إلي خوزستان و اصطحب معه شرف الدين ابن الجوزي فأطاع أهل تستر و قتل من بقي من جيش الخليفة هناك و انهزم بعضهم و أظهر الطاعة البعض الآخر ممن كان قد فر إلي حدود البصرة.

ثم إن الأمير سيف الدين البتكيچي (البيتكچي) التمس أن يرسل معه مائة من المغول إلي النجف لمحافظة مشهد أمير المؤمنين علي (رض) و أهليه و من جاوره.

و في 12 ربيع الأول عاد بوقا تيمور إلي معسكر هلاكو في سياه كوه. و في 19 منه ارجع رسل حلب الذين جاؤوا إلي بغداد.

نص الكتاب المرسل إلي حلب:
اشارة

و هذا نص الكتاب الذي كتبه الخواجة نصير الدين الطوسي بأمر من هلاكوخان:

«أما بعد فقد نزلنا بغداد سنة 656 ه فساء صباح المنذرين فدعونا مالكها و أبي فحق عليه القول فأخذناه أخذا وبيلا. و قد دعوناك إلي طاعتنا فإن أتيت فروح و ريحان و إن ابيت فخزي و خسران. فلا تكن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 226

كالباحث عن حتفه بظلفه، و الجادع مارن أنفه بكفه … فتكون من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم

في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. و ما ذلك علي اللّه بعزيز. و السلام علي من اتبع الهدي.» انتهي.

ما جري بعد ذلك:

و في يوم الأربعاء 11 ربيع الآخر وصل هلاكوخان إلي معسكره في حدود همذان و سياه كوه. فاستراح هناك من عناء السفر و انحرف مزاجه اسبوعا كاملا ثم كسب الصحة.

و في 16 منه إلي 20 منه توالي وصول الأمراء إلي هلاكوخان و هم (ايلكا نويان) و آخرون.

أواخر أيام الوزير ابن العلقمي: (وفاته)
اشارة

لم تطل أيام هذا الوزير و لم يبق في الادارة إلا قليلا و غاية ما عمله أن أبقي الإدارة كما كانت تقريبا بعد أن زال من البين مناوئوه علي يد هلاكو و بعد أن نالت المملكة مكانتها الحقيقية فاكتسبت شكلها المصغر … و حينئذ عاجلته المنية في مستهل جمادي الثانية من هذه السنة فخدم حكومة العباسيين و المغول معا و نال رضاهما رغم الشغب الموجه عليه … و دفن في مشهد موسي بن جعفر عليه السّلام (الكاظمية). فخلفه ابنه عز الدين أبو الفضل فصار وزيرا.

ترجمة حاله:

إن غالب ترجمة الرجل، و تاريخ حياته رسمي و حكومي أي أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 227

سياسي أوضح من غيره. و هو آخر وزير للعباسيين و أول وزير للمغول.

و في الفخري:

هو أسدي أصله من النيل (قرب الحلة) و قيل لجده العلقمي لأنه حفر النهر المسمي بالعلقمي، ثم سمي الغازاني. اشتغل في صباه بالأدب ففاق فيه، و كتب خطا مليحا». ا ه.

كان إلي سنة 629 مشرف دار التشريفات للخليفة المستنصر، …

و في يوم الاثنين 19 شوال من السنة المذكورة ولي استاذية الدار و بقي في هذا المنصب إلي آخر أيام المستنصر و من بعده في أيام المستعصم حتي سنة 643 ه و فيها نال الوزارة آخر نهار الاثنين 13 صفر و استمر فيها إلي آخر أيام العباسيين …

و هذا الوزير كان كاملا في العلوم و الآداب و قد نقلت عنه جملة صالحة من الآثار الأدبية عن مؤرخين عديدين منهم الفوطي، و ابن أبي الحديد في شرح النهج، و فوات الوفيات، و الوافي بالوفيات و فيها النثر و النظم في ساعات خطرة و حالات حرجة و آنية مما يدل علي غزارة أدبه و فضله …

و في الفخري «و اشتملت خزانته علي عشرة آلاف مجلد من نفائس الكتب، و ممن صنف له الصغاني اللغوي صنف له (العباب) في اللغة، و ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 228

و كان خواص الخليفة جميعهم يكرهونه و يحسدونه، و كان الخليفة يعتقد فيه و يحبه، و كثروا عليه عنده فكف يده عن أكثر الأمور، و نسبه الناس إلي أنه خامر، و ليس ذلك بصحيح.» ا ه.

فالحوادث أثرت تأثيرا كبيرا علي سمعته في الداخل و

الخارج و لا تزال باقية ما بقي التاريخ و بقيت آثاره …

و من نظر قدرة الحكومة العباسية آنئذ و درجة سلطتها و شاهد وضعها السياسي و العسكري و أنها لم تكن لها من المكانة ما تستطيع أن تدفع عنها الملوك الذين هاجموها قبل المغول … قطع بأن منزلتها كانت اسمية أكثر منها فعلية … خصوصا بعد أن عرفنا أن حكومة المغول بقوتها القاهرة قد قضت علي حكومات جمة، و أرعبت العالم بما أحدثته من دويّ و ضجة … فليس في وسع الحكومة العباسية أن تقاوم، و كان وزيرها أعلم بالوضع فأبدي لزوم المسالمة فلم يسمع منه قول.

و كان قد أنشد:

كيف يرجي الصلاح من أمر قوم ضيعوا الحزم فيه أي ضياع

فمطاع الكلام غير سديد و سديد المقال غير مطاع

و كان بينه و بين أمراء بغداد مشاحنة و استفادة من وقائع المغول نسبوا إليه الخيانة و أتخذوها وسيلة للوقيعة به كما أنه نسب إليهم محاولة خلع الخليفة … فكانت نتائج هذا الخلاف بين الطرفين و خيمة …

فاتخذ مناجزوه آراءه هذه وسيلة للوقيعة به و التنديد بها و تفنيدها و الإذاعات المرة عنها بنسبة الخيانة إليه … و قد ذكرها غالب المؤرخين ففي التاريخ المسمي بالفوطي قال:

«توفي الوزير … و عمره 63 سنة و كان عالما، فاضلا أديبا، يحب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 229

العلماء و يسدي إليهم المعروف إلا أن خيانته لمخدومه تدل علي سوء أصله.» ا ه.

و في ابن خلدون:

«بينا هلاكو سائرا نحو الإسماعيلية بلغه في طريقه وصية من ابن العلقمي وزير المستعصم ببغداد في كتاب ابن الصلايا صاحب إربل يستحثه للمسير إلي بغداد و يسهل عليه أمرها لما كان ابن العلقمي رافضيا هو و أهل محلته

بالكرخ، و تعصب عليهم أهل السنة و تمسكوا بأن ابن الخليفة و الدوادار يظاهرونهم و أوقعوا بأهل الكرخ و غضب لذلك ابن العلقمي و دس إلي ابن الصلايا بإربل و كان صديقا له بأن يستحث التتر لملك بغداد و أسقط عامة الجند يموه أنه يصانع التتر بعطائهم … و سار هلاكو و التتر إلي بغداد و استنفر بنحو (هوبايجو) مقدم التتر ببلاد الروم فيمن كان معه من العساكر فامتنع أولا ثم اجاب و سار إليه (الخ ما هناك من حوادث الفتح حتي قال): و استبقي ابن العلقمي علي الوزارة و الرتبة ساقطة عندهم فلم يكن قصاري أمره إلا الكلام في الدخل و الخرج متصرفا من تحت آخر أقرب إلي هلاكو منه فبقي علي ذلك مدة ثم اضطرب و قتله هلاكو.» انتهي.

و مثله في تواريخ أخري عديدة و لا نرانا في حاجة إلي نقل كل ما شاع من هذا النوع … و إنما نكتفي بملخص ما قصه صاحب كتاب (الوافي بالوفيات) قال:

«أبو طالب الوزير المدبر مؤيد الدين محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن العلقمي البغدادي الرافضي وزير المستعصم، ولي الوزارة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 230

14 سنة فأظهر الرفض قليلا، و كان وزيرا كافيا، خبيرا بتدبير الملك، و لم يزل ناصحا لأستاذه حتي وقع بينه و بين الدوادار، لأنه كان يتغالي في السنة، و عضده ابن الخليفة، فحصل عنده من الضغن ما أوجب له أنه سعي في دمار الإسلام، و خراب بغداد علي ما هو مشهور لأنه ضعف جانبه و قويت شوكة الدوادار بحاشية الخليفة حتي قال في شعره:

وزير رضي من بأسه و انتقامه بطيّ رقاع حشوها النظم و النثر

كما تسجع الورقاء و هي

حمامة و ليس لها نهي يطاع و لا أمر

و أخذ يكاتب التتار إلي أن جرّ هولاكو و جرأه علي أخذ بغداد، و قرر مع هولاكو أمورا انعكست عليه و ندم حيث لا ينفعه الندم، و كان كثيرا ما يقول عند ذلك:

و جري القضاء بعكس ما أملته.

لأنه عومل بأنواع الهوان من اراذل التتار و المرتدة … و لم تطل مدته حتي مات غما و غبنا في أوائل سنة 657 ه، و مولده في شهر ربيع الأول سنة 591 ه … (إلي أن قال): و اشتغل بالحلة علي عميد الرؤساء أيوب و عاد إلي بغداد، و أقام عند خاله عضد الدين أبي نصر المبارك بن الضحاك و كان أستاذ الدار».

و علي كلّ إن الحكومة كانت ضعيفة و محكومة الزوال قطعا، و ليس لها قدرة علي المقاومة بوجه و لكن اللوم إنما يوجه علي الوزير من جراء تخذيل الخلافة و الشعب بإضاعته قسرا لآراء الآخرين التي استقر عليها رأي حكومته بالوجه المذكور دون أن يتخذ معها تدبيرا حازما، و إن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 231

الترجيح أو المتابعة لآراء الآخرين و القطع به يجب أن يكون مقرونا بقوة و مساعدة قلبا و قالبا ما دام القوم رجحوا غير رأيه … فلم يقم بعمل، و لا شوق الخليفة علي الدوام في الحرب و اتخاذ لوازمها.

و في هذا جريرة عظمي إلا أن مؤرخي المغول مثل صاحب جامع التواريخ و الفخري و جهوا اللوم مباشرة علي الخليفة من جهة أنه لم يتمكن من الوزير و لم يتسلط عليه في أمور المال و الصرف علي الجند، و الحال أن هذا الإهمال إنما ينسب إلي الوزير المسؤول عن الحكومة فكان الأولي به

أن يعتزل المنصب أو يقوم بواجباته لا أن يمنع ارزاق الجند، و يسقط أكثرهم من ديوان العرض بحيث آلت أحوالهم إلي سؤال الناس و بذل وجوههم للطلب في الأسواق و الجوامع … مع أن العدو علي الأبواب …

و تابع هؤلاء المؤرخين آخرون في هذه الفكرة و التزام التوجيه بموجبها …

و مدة وزارته- أيام الحكم المغولي- قليلة جدا، و فيها بعد قتل الخليفة عاد و الجماعة الذين معه من خدمة هلاكو، فقرروا حال البلاد؛ و مهدوا قواعد الحكومة و عينوا لها الصدور و النظار و النواب … و رتبوا جميع الأعمال، و شرعوا في عمارة المدينة … و كان يندد به من جهة قبوله الوزارة بعد قتل الخليفة، … و من جراء لومه الخليفة و تسفيهه لرأيه بعتاب و تقريع … و أمثال ذلك مما كان يتمثل به من البيت المشهور و المنقول سابقا … و مهما يكن فالآراء متضاربة في أمره، و وضعه ما حكيناه، و التقصير موجه علي الكل فلا يسلم منه أحد …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 232

وزارة عز الدين أبي الفضل بن العلقمي من 2 جمادي الثانية سنة 656 ه

وزارة بغداد:

يوم الخميس 2 جمادي الثانية و جهت وزارة بغداد بأمر من السلطان هلاكو إلي عز الدين أبي الفضل بن مؤيد الدين العلقمي و قد جاء في جامع التواريخ أنه شرف الدين و الصحيح المنقول عن التاريخ المنسوب للفوطي و كتاب الوافي بالوفيات أنه ما قدمنا. فصار وزيرا مكان أبيه الوزير المتوفي.

إربل- الاستيلاء عليها (قتلة ابن صلايا):

إن إربل من ألوية العراق و كان يعين لها صدر فلما عزم هلاكو علي فتح بغداد كان قد أرسل ارقيو نويان لفتح هذه المدينة (اربل) و هي قلعة حصينة يكاد لا يكون لها نظير في البلاد فزاول ارقيو نويان محاصرتها و فتحها و لكن سكانها الأكراد قاوموه مقاومة الأبطال …

و في هذه الأثناء انفرد بإظهار الطاعة تاج الدين أبو المعالي محمد ابن الصلايا العلوي و وصل إلي القائد ارقيو نويان فقال له:

إنما يصح إظهار الطاعة بتسليم القلعة:

فرجع تاج الدين إلي باب القلعة و بذل جهودا لإقناع الأكراد فلم ينل مطلوبه منهم و لم يسمعوا قوله فأخذ يبالغ في الإلحاح و التماس العفو فلم يفده ذلك فاضطر للذهاب إلي ارقيو نويان و هذا أرسله إلي هلاكو خان فلم ينل قبولا منه و أمر بقتله فقتل في سياه كوه، و كان كريما، جوادا، فاضلا متدينا يبالغ في عقوبة من يفسد أو يشرب الخمر. و هذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 233

هو الصاحب تاج الدين أبو المكارم محمد بن نصر بن يحيي الهاشمي العلوي المدائني نائب الخليفة بإربل كان من رجال الدهر عقلا و ورأيا و هيبة … قتله هلاكو في ربيع الآخر …

ثم إن القائد ارقيو نويان حاصر قلعة إربل مدة فلم ينقادوا له بل بقوا في الحصار. فاستعان عليهم بالسلطان بدر الدين لؤلؤ ليرسل

جيشا إليه فأرسل. و إن سكان أهل القلعة نزلوا ليلا و باغتوا المغول و قتلوا منهم خلقا كثيرا و أحرقوا منجنيقاتهم ثم رجعوا إلي المدينة مقرهم.

فعجز القائد ارقيو نويان من مقاومتهم الشديدة و دعا إليه بدر الدين لؤلؤ و استشاره فقال له بدر الدين لؤلؤ:

التدبير هو أن تترك مهمة الفتح إلي موسم آخر. لأن الأكراد عاجزون عن الحروب و يملون منها. و في زمن المعركة يفرون إلي الجبال حيث إن هذا الموسم طيب الهواء. و لهم ذخائر كثيرة و مؤن كافية، و القلعة في غاية الإحكام … و لذا يتعذر فتحها إلا بالحيلة.

ثم إن القائد المذكور فوض مهمة فتح القلعة- مدينة إربل- إلي السلطان بدر الدين لؤلؤ و هذا قد هدم سور القلعة. و بهذه الوسيلة و التدبير استولي علي المدينة.

و علي كل تسلط العدو علينا بتدبير منا و حيل احتلناها لمصلحته، فالكل عاونوه و ساعدوه بأمور لا تخطر علي بال …

و كانت إربل لزين الدين علي المعروف بكوچك من التركمان ملك إربل و بلادا كثيرة في تلك النواحي و فرقها علي أولاد أتابك قطب الدين ابن مودود بن زنكي صاحب الموصل و لم يبق له سوي إربل و انقطع بها إلي أن توفي ليلة الأحد 11 ذي القعدة سنة 563 فولي بعده ولده مظفر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 234

الدين أبو سعيد كوكبوري (كوكبري) و كان عمره (14 سنة) فأقام مدة ثم تغلب عليه أتابكه مجاهد الدين قايماز، و كتب محضرا أنه ليس أهلا، و أقام أخاه زين الدين أبا المظفر يوسف و كان أصغر منه، ثم أخرج مظفر الدين من البلاد، فتوجه إلي بغداد فلم ينل بها مطلوبه، ثم سار إلي الموصل

فأقطعه مالكها سيف الدين غازي بن مودود مدينة حران فانتقل إليها و أقام بها مدة.

ثم اتصل بخدمة السلطان صلاح الدين و حظي عنده و تمكن منه وزاده في الإقطاع الرّها سنة 578 ه أخذها صلاح الدين من ابن الزعفراني و أعطاها مظفر الدين مع حران. و أخذ الرقة من ابن حسان و أعطاها ابن الزعفراني. ثم اعطاه سميساط و زوجه اخته الست ربيعة خاتون بنت أيوب. و شهد مظفر الدين مع صلاح الدين مواقف كثيرة و أبان فيها عن نجدة و قوة نفس و عزة و ثبت في مواضع لم يثبت فيها غيره.

ثم لما كان السلطان صلاح الدين منازلا عكا بعد استيلاء الفرنج عليها وردت إليه ملوك الشرق تنجده و تخدمه و كان في جملتهم زين الدين يوسف أخو مظفر الدين و هو يومئذ صاحب إربل فأقام قليلا، ثم مرض و توفي في 28 رمضان سنة 586 ه بالناصرة فلما توفي التمس مظفر الدين من السلطان أن ينزل عن حران و الرّها و سميساط و يعوضه إربل فأجابه إلي ذلك و ضم إليه شهر زور فتوجه إليها و دخل إربل في ذي الحجة سنة 586 ه و بقي فيها إلي أن توفي 8 رمضان عام 630 ه و كانت ولادته بالموصل ليلة الثلاثاء 27 من المحرم سنة 548.

و كان قد جاء إلي بغداد عام 628 ه فاحتفل به احتفالا باهرا و لم يكن قدم بغداد قبل ذلك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 235

و في 17 رمضان لسنة 630 ه ورد الخبر بوفاة مظفر الدين أبي سعيد كوكبري (ورد في ابن خلكان كوكبوري و ضبطه كذلك) فتقدم الخليفة بتعيين جماعة من الأمراء للتوجه إلي إربل

و كان بها خادمان أحدهما برنقش و الآخر خالص فامتنعا من فتح البلد فحصلت معركة ثم افتتح و جاءت البشائر إلي بغداد فأمر الخليفة بإحضار الأمير شمس الدين باتكين أمير البصرة فورد بغداد في 14 ذي القعدة فوجهت إليه، و سار فوصلها في 19 منه.

و هكذا توالي الأمراء عليها، إلي أن جاء هلاكو فاستولي عليها و كان ناظرها ابن الصلايا فقتله … و ليها بعد الوقيعة من التتار في سنة 635 ه و بقي إلي أن قتل سنة 656 ه بالوجه المشروح.

أما الأمير شمس الدين باتكين فإنه عاد إلي بغداد و بقي فيها إلي أن توفي سنة 640 ه.

نقل أموال بغداد و أموال الملاحدة و غيرها:

إن هلاكو أمر بإرسال الخزائن و الأموال الوافرة المستحصلة حين فتح بغداد إلي اذربيجان بصحبة الملك ناصر الدين بن علاء الدين صاحب الري. و كذا الأموال التي حصلوا عليها حين استيلائهم علي قلاع الملاحدة و بلاد الروم و الكرج و الأرمن (و اللر) و الكرد و أمر الملك مجد الدين التبريزي بإنشاء عمارة عالية و محكمة علي الجبل الذي هو في ساحل بحيرة أورمية و سلماس.

و هذا قد بني عمارة عالية في غاية الإحكام و المتانة و أخذوا من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 236

هناك جميع النقود و الأموال و وضعوها في العمارة بعد أن صيروا الذهب و الفضة قطعا.

كذا في جامع التواريخ. و جاء في غيره أن هلاكو أمر أن تبني عمارة عالية داخل جزيرة في بحيرة اورمية (بحر كبودان) ما بين مدينة سلماس و أورمية فتمت كما اراد و وضعت فيها الأموال و قطع الذهب و الفضة، و أن هذه الجزيرة غارت سنة 681 ه في السنة التي مات فيها ابقا خان.

و أرسل

هلاكو خان إلي أخيه منگوقاآن من هذه الأموال تحفا و هدايا مع بشائر ظفرهم و فتحهم و أطلعه علي كيفية استيلائهم علي ممالك ايران، ثم عاصمة الخلافة، و أعلمه أنه عازم علي الذهاب إلي ديار مصر و الشام إذ تم له فتح بغداد.

و كان حامل هذه الرسالة الأمير هولاجو.

أما القاآن فإنه قد فرح بهذا الفتح و سر كثيرا لنبأ هذه البشارة العظمي …!

وفود إلي هلاكوخان:

بتاريخ 29 رجب سنة 656 ه و فد بدر الدين لؤلؤ إلي هلاكو بإشارة من حضرته فوصل إليه في حدود مراغة. و كان تجاوز من العمر 90 عاما. فبالغ هلاكوخان بإكرامه و إعزازه و رجع في 6 شعبان من السنة المذكورة.

و في 7 شعبان من تلك السنة و فد إليه اتابك سعد بن أبي بكر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 237

اتابك فارس ليهني ء هلاكوخان بفتح بغداد وصل إلي اعتابه فرأي منه كل لطف و إنعام، ثم رجع.

و في 4 منه وصل إليه السلطان عز الدين ملك الروم في حدود تبريز ثم وصل إليه السلطان ركن الدين يوم الأربعاء 8 منه.

و كان هلاكوخان متألما من السلطان عز الدين لعدم التفاته إلي أحد قواده بايجونويان و محاربته له. و بعد استيلاء المغول علي بغداد أحس عز الدين بالخطر الحائق به فدبر حيلة ينقذ بها نفسه و يتذرع بها للخلاص فركن إلي المثول بين يدي هلاكوخان و اغتنم فرصة الوفادة بصنع نعل جعل صورته مصورة فيه و قدمه إلي هلاكو و قال له:

إن صورتي التي تحت نعلك آمل أن تكون شفيعا لي و تجعلني مفتخرا بلطفك.

فاستذل لهذا الحد فتعسا له و لما صنع …

و حينئذ رق عليه هلاكوخان و بتوسط دوقوز خاتون عفا عنه.

حكاية عن هلاكو تعين خطته:

لا نري فائدة في استيعاب أحوال هذا الفاتح و ذكر وقائعه مما ليس له تعلق بالعراق و أحواله. فهو بالإجمال فاتح عظيم،- و القصة الآتية تبين سياسته و خطته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 238

يحكي أن الخواجه نصير الدين الطوسي عرض علي هلاكوخان أن السلطان جلال الدين خوارزمشاه الذي كان قد انهزم من استيلاء المغول و لما وصل إلي تبريز أخذ جنده

يمدون الأيدي و يتطاولون علي الرعايا فطلب منه لزوم تأديبهم و عرض له عن هذه الحالة فقال:

إننا في هذا الوقت نشتغل في الفتح و الاستيلاء لا في حراسة الملك و إن حالة الاستيلاء لا يلتفت فيها إلي أحوال الرعايا … و لما كنا لم نتم الاستيلاء فلا نراعي ذلك. و لكننا بعد أن تنتهي الفتوح نصغي إلي سماع شكاوي الناس و تظلمهم.

و أما ما تفضل به السلطان هلاكو فهو:

«أنه بحمد اللّه تعالي قد استولي و ملك و لا يزال مع الطغاة في حالة الحرب و مع المطيعين في حالة العدل»، لا كجلال الدين فإنه في حالة ضعف و عجز لم يكن فاتحا (جهانكير) فحسب، و لا مالكا لزمام الادارة وحدها (جهاندار) …

و هذه توضح أوضاعهم و حالاتهم السياسية و الحربية بصورة جلية.

و الحاصل أن هلاكو خان بعد هذا توجه إلي ديار الشام و استولي علي حلب و مدن كثيرة من سورية و كل هذا الدور هو زمن حروب و استيلاء كما تقدم …

اثر سقوط بغداد في النفوس

كانت بغداد إلي حين سقوطها علي يد هلاكو تعتبر عاصمة العالم الاسلامي و مركز خلافته لمدة تزيد علي خمسمائة سنة و لم تفقد مكانتها العظمي و سيطرتها الدينية و العلمية و الصناعية و الأدبية و إن حصل اعتلال في السياسة في غالب الأحيان و كان قد حاول خوارزمشاه محمد إلغاء الخلافة، و رفع الخطبة … فلم يفلح كما مرّ ذلك فيما سبق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 239

مزاياها العلمية لم تعتل بوجه و إن كانت تأسست مواطن علمية كبري في الأقطار الإسلامية النائية و المستقلة عنها … فهي في احتكاك معها دائما و اتصال بها و لو علي طريق الحج و الزيارة أو علي سبيل الأخذ و التلقي للدراسة من جانب رجال المدارس الأخري و سائر العلماء …

هي السوق الأعظم لتجارة العلوم و عرضها و المعهد الأكبر للمعارف و الثقافة و الحضارة، كانت غنية برجالها لا يضارعها قطر ما، و مركز اساسي للحضارة بأنواعها و البواقي فروع قد تفرعت منه و لم تستغن عنه … و غالب من رحل عنها من علمائها نال المكانة السامية في القطر الذي حل

فيه …

هذه المكانة من دينية و علمية و سياسية و أدبية و صناعية إنما يستدعي فقدانها و ضياعها الحزن العظيم و الألم الكبير. فإنها صارت مدينة عادية يعين لها وال أو وزير و تابعة لغيرها بعد أن كانت رأس المدن و أم البلاد و عادت لا قيمة لها سياسية و لا منزلة علمية …

ناهيك مما اصابها في النفوس و الأموال، و (حادثة الضياع الكبري) هي في الحقيقة ضياع الاستقلال و الإدارة و المركز الديني، فالأهلون و إن كانوا في تذمر من إدارة العباسيين بسبب ما كانوا يرون من أنواع الجفاء و الظلم علي يد المسيطرين من الاتراك فإن رأسها (خليفتها) منهم، و صبغتها صبغتهم و طابعها طابعهم، و إدارتها- و إن كانت قاسية و مؤلمة- تعد منهم. فلا يودون الأجنبي و لو ملك خير الصفات و لا يرغبون في سيطرة الأغيار و إن جاؤوا من السماء …

هذا ما دعا الشعراء أن قالوا قصائد كثيرة أبدوا فيها احساسهم، و ما نالهم من آلام في هذه الوقعة التي لم تضارعها وقعة اصابت البلاد إلا حادثة (ضياع بغداد) علي يد الانجليز …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 240

و علي كل حال إن النفوس لا تريد أن تحكم إلا بما شاءت و طبق رغبتها، و لا تود أن يسيطر عليها إلا من تهواه و تميل إليه من رجالها المخلصين و أبنائها البررة …

و الأمم اليوم لم يأت لها الوقت أن تدقق فيه المبادي ء فتختار أحسنها، و أن تراعي الإدارات فتنتقي خيرها … فلا تزال تنظر إلي الطوابع الخاصة و العلائم الفارقة فلا لوم عليها أن تحزن و أن يذكر شعراؤها المصاب …

فاض علي لسان شعرائها ما كان يشعر

به الكل. فهلاكو لم يغير في الإدارة و لا في رجال الحكومة إلا قليلا و لكنه بدل السلطة و غير الرأس (رأس الحكومة) و إن كان أبقي الشرائع علي مجراها و ترك الشؤون تجري بمقتضي حالتها … بعد أن انتهب خزائنها و أموالها و قتل في نفوسها …

و لا محل لإيراد جميع ما قيل من شعر عن هذه الحادثة و ما ولدته من ضجة في العالم الإسلامي و إنما أكتفي بما قيل إثر المصاب قال شمس الدين محمد بن عبد اللّه الكوفي الواعظ:

بانوا ولي أدمع في الخد تشتبك و لوعة في مجال الصدر تعترك

بالرغم لا بالرضي مني فراقهم ساروا و لم أدر أي الأرض قد سلكوا

يا صاحبي ما احتيالي بعد بعدهم أشر عليّ فإن الرأي مشترك

عزّ اللقاء و ضاقت دونه حيلي فالقلب في أمره حيران مرتبك

يعوقني عن مرادي ما بليت به كما يعوق جناحي طائر شرك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 241

أروم صبرا و قلبي لا يطاوعني و كيف ينهض من قد خانه الورك

إن كنت فاقد إلف نح عليه معي فإننا كلّنا في ذاك نشترك

يا نكبة ما نجا من صرفها أحد من الوري فاستوي المملوك و الملك

تمكنت بعد عزّ في احبتنا أيدي الأعادي فما أبقوا و لا تركوا

لو أن ما نالهم يفدي فديتهم بمهجتي و بما أصبحت أمتلك

ربع الهداية أضحي بعد بعدهم معطلا و دم الإسلام منسفك

أين الذين علي كل الوري حكموا أين الذين اقتنوا أين الألي ملكوا

وقفت من بعدهم في الدار اسألها عنهم و عما حووا فيها و ما ملكوا

أجابني الطلل البالي و ربعهم ال خالي نعم ههنا كانوا و قد هلكوا

لا يحسبوا الدمع ماء في الخدود جري و إنما هي روح الصب

تنسبك

و لما شاهد هذا الشاعر ترب الرصافة و قد نبشت قبور الخلفاء و أحرقت تلك الأماكن و أبرزت العظام و الرؤوس علي بعض الحيطان قال:

إن ترد عبرة فتلك بنو العباس حلت عليهم الآفات

استبيح الحريم إذ قتل الأحيا ء منهم و أحرق الأموات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 242

و مما قاله أيضا:

يا عصبة الإسلام نوحوا و اندبوا أسفا علي ما حل بالمستعصم

دست الوزارة كان قبل زمانه لابن الفرات فصار لابن العلقمي

و لهذا الشاعر مراث أخري في خراب بغداد و انقراض الخلفاء.

و ما قاله غيره من هذا النوع كثير و من هؤلاء سعدي الشيرازي فقد أبدي تألمه لهذا الحادث الجلل بما نظمه في العربية و الفارسية …

و لم يكن أثر هذه الوقعة مقصورا علي موقع، أو مختصا بزمن و إنما أثر في نفوس شعرائنا في عصور مختلفة و مواطن عديدة فلا نري فائدة في ذكرها سوي إعادة الأسي و تحريك الأشجان و تهيج الأحزان، مما لا يفيد في التربية و السجايا القويمة بل ذلك لم يكن شأن الرجال، و العاقل من فكر في طريقة الخلاص دون أن يستولي اليأس علي قلبه و يأخذ القنوط منه مأخذه … و المطلوب تعمير المغلوبية، استفادة مما حدث بأن ننهض من الكبوة لا أن نجعل البكاء دينا و الندب ديدنا …

و لا ينكر أن المرء تفيض نفسه، و تشتد آلامه و أحزانه من عظم المصاب، أو ينفد صبره و يظهر أثر ذلك علي لسانه أو وجهه.

و هذا الرصافي ابن عصرنا يتوجع لهذه القارعة و يتألم لها قال:

هو الدهر لم يرحم إذا شدّ في حرب و لم يتئد إما تمخض بالخطب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 243

يزمجر أحيانا و يضحك تارة فيظهر في بردين للجد و اللعب

فلا هو في سلم

فنأمن بطشه و لا هو في حرب فنقعد للحرب

يسالم حتي تأخذ القوم غرة فيهجم زحفا في زعازعه النكب

أري الدهر كالميزان يصعد بالحصي و يهبط بالموزون ذي الثمن المربي

أدال من العرب الأعاجم بعدما أدال بني عباسها من بني حرب

و لم أر للأيام أشنع سبة لعمرك من ملك العلوج علي العرب

***

صفت لبني العباس أحواض عزهم زمانا و عادت بعد مخلبة الشرب

عنت لهم الدنيا فساسوا بلادها بعدل أضاء الملك في سالف الحقب

فكانوا طفاح الأرض عزا و منعة خلائف ساسوا بالسيوف و بالكتب

لقد ملكوا ملكا بكت أخرياته بدمع علي المستعصم الشهم منصب

تشاغل باللذات عن حوط ملكه فدارت علي ابن العلقمي رحي الشغب

أطال هجودا في مضاجع لهوه علي ترف و الدهر يقظان ذو إلب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 244

لقد غره أن الخطوب روابض و لم يدر أن الليث يربض للوثب

فكان كمروان الحمار إذ انقضت به دولة مدت يد الفتح للغرب

***

جرت فتنة من شيعة الكرخ جلّحت علي شيعة في الكرخ بالقتل و النهب

فقامت لدي ابن العلقمي ضغائن تحجرن من تحت النياط علي القلب

فأضمر للمستعصم الغدر و انطوي علي الحقد مدفوعا إلي الغش و الكذب

و خادعه في الأمر و هو وزيره مواربة إذ كان مستضعف الإرب

فأبعد عنه في البلاد جنوده و شتتهم من أوب أرض إلي أوب

و دسّ إلي الطاغي هلاكو رسالة مغلغلة يدعوه فيها إلي الحرب

و قال له إن جئت بغداد غازيا تملّكتها من غير طعن و لا ضرب

فثار هلاكو بالمغول تؤمه كتائب خضر تضرب السهل بالصعب

و قاد جيوشا لم تمرّ بمخصب من الأرض إلا عاد ملتهب الجدب

جيوش تردّ الهضب في السير صفصفا و تعرك في تسيارها الجنب بالجنب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 245

فما عتمت حتي بنت

بغبارها سماء علي أرض العراق من الترب

و لما أبادت جيش بغداد هالكا علي رغم فتح الدين قائده الندب

أقامت علي اسوار بغداد برهة تعض بها عض الثقاف علي الكعب

فضاق عليها بالحصار خناقها و غصت بكرب يا له اللّه من كرب

و قد حمّ فيها الأمن بالرعب فانبرت له رحضاء من عيون أولي الرعب

هناك دعا المستعصم القوم باكيا بدمع علي لحييه منهمل سكب

فأبدي له ابن العلقمي تحزنا طوي تحته كشحا علي المكر و الخلب

و قال له قد ضاق بالخطب ذرعنا و أنت تري ما للمغول من الخطب

فكم نحن نبقي و العدو محاصر نذل و نشقي في الدفاع و في الذب

و ماذا عسي تجدي الحصون بأرضنا و هم قد أقاموا راصدين علي الدرب

فدع (يا أمير المؤمنين) قتالهم علي هدنة تبقيك ملتئم الشعب

و لسنا (و إن كانت كبارا قصورنا) نردّ هولاكو بالقتال علي العقب

و إلا فإن الأمر قد جدّ جدّه و ليس سوي هذا لصدعك من رأب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 246

تولي خان وزوجته سورقوقتي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 247

فلما رأي المستعصم الخرق واسعا و أن ليس للداء الذي حل من طب

مشي كارها و الموت يعجل خطوه يؤم لفيفا من بنين و من صحب

وراح بعقد الصلح يجمع شمله كمن راح بين النون يجمع و الضب

فأمسكه رهنا و قتل صحبه هلاكو و لم يسمع لهم قط من عتب

و أغري ببغداد الجنود كما غدا بادماء يغري كلبه صاحب الكلب

فظلت بهم بغداد ثكلي مرنّة تفجع بين القتل و السبي و النهب

و جاسوا خلال الدور ينتهبونها و صبوا عليها بطشهم أيما صب

و أمسي بهم قصر الخلافة خاشعا مهتكة استاره خائف السرب

و باتت به من واكف الدمع بالبكا عيون المها شتراء منزوعة

الهدب

و راحت سبايا للمغول عقائل من اللآء لم تمدد لهنّ يد الثلب

لقد شربوا بالهون أوشال عزّها و ما أسأروا شيئا لعمرك في القعب

فقلص ظلّ كان في الملك وارفا و أمحل ملك كان مغلولب العشب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 248

لقد بات إذ ذاك الخليفة جاثما علي الخسف مرقوبا بأربعة غلب

و خارت قواه بالسعار لمنعه ثلاثة أيام عن الأكل و الشرب

فقال و قد نقت ضفادع بطنه ألا كسرة يا قوم أشفي بها سغبي

فقال هلاكو عاجلوه بقصعة من الذهب الإبريز و اللؤلؤ الرطب

و قولوا له كل ما بدا لك إنها لآلي ء لم تعبث بهن يد الثقب

ألست لهذا اليوم كنت ادخرتها فدونك فانظر هل تنوب عن الحب

و كنت بها دون الممالك معجبا و فاتك أن المقت من ثمر العجب

و لو كنت في عز البلاد أهنتها و أنزلت منها الجند في منزل خصب

لما اكلتك اليوم حربي و إن غدت تذيب لظاها عنصر الحجر الصلب

سأبذلها دون الجنود ازيدهم صيالا بها فوق المطهمة القبّ

و سوف و إن لم يبق إلا حديثنا تميز ملوك الأرض دأبك من دأبي

***

هنالك و الطوسي أفتي بقتله قروه بقتل آدب أفجع الأدب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 249

أشار هلاكو نحو علج فتلّه فخرّ صريعا لليدين و للجنب

فأدرج في لبد و ديس بارجل إلي أن قضي بالرفس ثمة و الضرب

و قد اثخنت بغداد من بعد قتله جروح بوار جاء بالحجج الشهب

و ما اندملت تلك الجروح و إنما ببغداد منها اليوم ندب علي ندب

و إلي مدة قريبة اعتدنا المصائب و استولي اليأس و كادت تزول من اذهاننا فكرة الاستقلال …

لولا أننا نري النفوس اليوم طافحة بالأمل، و الانتعاش باد، و الصدور منشرحة …

حوادث الموصل

وفاة بدر الدين لؤلؤ:

توفي بالموصل في شعبان

سنة 656 ه و جاء في جامع التواريخ أنه توفي سنة 659 ه و في تاريخ ابن خلكان أنه توفي يوم الجمعة 3 شعبان سنة 657 ه بقلعة الموصل و دفن بها في مشهد هناك و عمره نحو ثمانين سنة، و كان قد توجه إلي السلطان هلاكو بعد واقعة بغداد فأنعم عليه و أعاده، فلما دخل الموصل مرض أياما و مات و عمره ثمانون سنة و في جامع التواريخ بلغ 96 عاما، ملك الموصل خمسين سنة و دفن بالقلعة ثم نقل إلي مدرسة انشأها علي شاطي ء دجلة تعرف بالبدرية. و كان عاقلا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 250

حازما لبيبا جوادا كريما، ذا دهاء و حيلة. مدحه ابن سنان الخفاجي فأجازه بألف دينار و خلع عليه و طلب من الشيخ عز الدين ابن الأثير أن يجمع تاريخا و يجعله باسمه ففعل و عمل التاريخ الكامل فأجزل صلته.

و كرمه وجوده و صنائعه و حسن سيرته مشهور. كان كثير الإحسان إلي الرعية، مائلا إلي رغباتهم عادلا شهما، حسن السياسة، كثير القتل و التشويه و المواخذة و قيل كان موته سنة 57، و قام بعده ابنه الملك الصالح إسماعيل و هذا ملك الموصل كما أن ابني بدر الدين الآخرين تملك المظفر علاء الدين منهما سنجارا و المجاهد إسحق تملك جزيرة ابن عمر فأبقاهم هلاكو عليها مدة ثم استولي عليها و لحقوا بمصر فانقرضت حكومتهم و لم يبق لها ذكر …

و من الغريب أن صاحب و فيات الأعيان لم يعقد له ترجمة خاصة مع أنه معاصر له و كذا في فوات الوفيات، و خلاصة ما علم من الآثار التاريخية أنه كان ممن تربي في احضان اتابكة العراق المعروفين بأتابكة

الموصل من الأمراء الذين كانوا تبعا لحكومة السلاجقة و برزوا في خدمات كبري و نالوا الإمارة و أولهم عماد الدين زنكي ولي عام 521 ه 1137 م و دامت حكومتهم إلي سنة 631 ه 1234 م و من ثم استقل بدر الدين لؤلؤ في دار المملكة، و كان ارمنيا مملوكا لنور الدين ارسلان شاه ابن عز الدين مسعود صاحب الموصل، دبر دولة استاذه و دولة ولده الملك القاهر عز الدين مسعود فلما مات القاهر سنة 615 ه 1219 م، أقام بدر الدين ولد القاهر و هو نور الدين ارسلان شاه و يسمي عليّا صورة و بقي اتابكه إلي آخر السنة، فمات فاستقل هو بالسلطنة …

و في الحقيقة أنه استقل بالإدارة من وفاة نور الدين عام 607 ه 1211 م و لذا لم يخطي ء من قال إنه ملك خمسين عاما. و كانت حكومته تضيق و تتسع إلي أن زحف هلاكو علي العراق فاستولي علي بغداد ثم عاد إلي آذربيجان و حينئذ أتاه بدر الدين لؤلؤ و أذعن له بالطاعة فأقره

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 251

علي الموصل و قد توفي عام 657 ه أو 656 ه علي اختلاف في ذلك و ترجمته مذكورة في قاموس الأعلام و دائرة المعارف للبستاني و تاريخ الفوطي و الشذرات … و قد خلفه أولاده بالوجه المشروح.

وفيات
اشارة

مضي الكلام عن أشهر الوفيات، و الآن نذكر سائر المعروفين ممن توفي:

1- علم الدين أحمد.

أخو الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي. توفي بعد أخيه بقليل.

2- تاج الدين علي ابن الدوامي

كان حاجب الباب، و لاه هولاكو صدرية الأعمال الفراتية. و كانت وفاته في 13 ربيع الأول.

3- الشيخ أبو المناقب شهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني.

الفقيه الشافعي كان رئيس الشافعية ببغداد، و كان قاضي القضاة فعزل.

قتل شهيدا في وقعة التتار. و هو والد عز الدين أحمد بن محمود الذي كان قد ولي قضاء الجانب الغربي ببغداد سنة 655 ه. قال عنه في طبقات السبكي: «برع في المذهب و الخلاف و الأصول و درس بالنظامية و عزل و درس بالمستنصرية و صنف تفسير القرآن …» ا ه.

4- مجد الدين محمد بن الحسن بن طاوس العلوي.
5- القاضي موفق الدين أبو المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني،

توفي في جمادي الثانية. و في الشذرات توفي ببغداد في رجب و قال: كان متكلما أشعريا، كاتبا، منشئا بليغا، و فقيها أديبا، شاعرا، محسنا، مشاركا في أكثر العلوم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 252

6- أخوه عز الدين عبد الحميد بن هبة اللّه المدائني،
اشارة

توفي بعده بأربعة عشر يوما، كذا في الحوادث الجامعة. و في فوات الوفيات أنه توفي سنة 655 ه، و في آخر شرح نهج البلاغة من مصنفاته ترجمة منقولة عن ابن الفوطي من كتابه (مجمع الآداب في معجم الألقاب) و فيها أنه لما أخذت بغداد كان ممن خلص من القتل في دار الوزير مؤيد الدين مع أخيه و الشيخ تاج الدين علي بن انجب الخ.

و هو معتزلي، فقيه، شاعر …

و من مؤلفاته:

(1) الفلك الدائر علي المثل السائر.

(2) نظم فصيح ثعلب.

3) شرح نهج البلاغة. كتبه باسم الوزير ابن العلقمي و هو كتاب مفيد في موضوعه و فيه تكلم عرضا عن وقائع المغول قبل تسلطهم علي بغداد و اكتساحها، و مباحثه عنها مهمة، أوضح وقائع المغول و هجومهم علي الممالك الإسلامية، و غارتهم علي بغداد و إربل بتفصيل زائد و تقف حوادثه عند سنة 643 ه أيام وزارة مؤيد الدين ابن العلقمي، و مدحه هناك بقصيدة …

طبع بمصر سنة 1329 ه و لا تخلو هذه الطبعة من اغلاط فاحشة، منها أنه سمي (اترار) المدينة المشهورة (اتران) غلطا. و ضبطها صاحب الوافي بالوفيات (اطرار) بضم الهمزة و سكون الطاء و بألف بين راءين و قال: فاراب من بلاد الترك و تسمي الآن اطرار …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 253

و للمترجم تعليقات علي كتابي المحصول و المحصل للرازي و غيرها …

7- موفق الدين أبو محمد عبد القاهر بن محمد ابن الفوطي البغدادي الحنبلي.

قال ابن الساعي: كان إماما ثقة، أديبا، فاضلا، حافظا للقرآن، عالما بالعربية، و اللغة، و النجوم، كاتبا شاعرا، صاحب أمثال … ولي كتابة (ديوان العرض)، و قتل صبرا في الواقعة ببغداد.

8- الشيخ علي الخباز الزاهد.

أحد مشايخ العراق، له زاوية و أتباع، و أحوال و كرامات قتله التتار و ألقي علي مزبلة بباب زاويته ثلاثة أيام حتي أكلت الكلاب من لحمه.

9- الإمام شعلة.

هو أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن محمد الموصلي المقري ء العلّامة قرأ القرآن علي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الإربلي و غيره و تفقه، و له معرفة تامة بالعربية، و برع في الأدب و القراءات، و شعره في غاية الجودة. و من مؤلفاته:

(1) نظم كتاب الشمعة في القراءات السبعة.

(2) شرح الشاطبية.

(3) كتاب الناسخ و المنسوخ.

(4) كتاب فضائل الائمة الأربعة توفي في صفر بالموصل.

10- محيي الدين أبو نصر محمد بن أبي صالح نصر بن عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجيلي،

سمع من والده و من الحسن بن علي بن المرتضي العلوي و غيرهما. كان عالما؛ ورعا زاهدا، يدرس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 254

بمدرسة جده و يلازم الاشتغال بالعلم إلي أن توفي. ولي أبوه قضاء القضاة في خلافة الظاهر بأمر اللّه و لم يقلد قضاء القضاة سواه عن الحنابلة و عزل سنة 623 ه و ولاه والده القضاء و الحكم بدار الخلافة فجلس في مجلس الحكم مجلسا واحدا و حكم، ثم عزل نفسه و ترك القضاء تورعا و لازم مدرستهم بباب الأزج. توفي ليلة الاثنين 12 شوال ببغداد و دفن إلي جنب جده الشيخ عبد القادر بمدرسته، و كانت وفاته بعد انقضاء الواقعة. و كانت وفاة والده سنة 633 ه.

11- ابن شقير الشيخ عفيف الدين أبو الفضل المرجي بن الحسن الواسطي المقري ء التاجر السفار.

ولد سنة 561 ه، و قرأ القراءات علي أبي بكر الباقلاني و أتقنها و تفقه، و كان آخر من روي وحدث عن أبي طالب الكتاني.

12- الصرصري. الشيخ العلّامة أبو زكريا يحيي بن يوسف بن يحيي بن منصور بن المعمر بن عبد السلام الصرصري (بفتح الصادين نسبة إلي قرية علي فرسخين من بغداد)،

الشاعر المادح الحنبلي، الضرير البغدادي، و شعره في مديح الرسول صلّي اللّه عليه و سلّم مشهور، كان حسان زمانه، و ديوانه معروف. كان إليه المنتهي في معرفة اللغة، و يقال إنه حفظ صحاح الجوهري، و صحب الشيخ علي بن إدريس البعقوبي تلميذ الشيخ عبد القادر الجيلي، و كان ذكيا يتوقد ذكاء، ينظم علي البديهة و له:

1- نظم الكافي للشيخ موفق الدين بن قدامة.

2- نظم مختصر الخرقي.

قتله التتار حينما دخلوا بغداد برباط الشيخ علي الخباز و حمل إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 255

صرصر و دفن بها.

13- شيخ الشيوخ ببغداد صدر الدين أبو الحسن علي بن الحسين ابن النيار.

كان أولا مؤدبا للخليفة المستعصم باللّه فلما صارت إليه الخلافة نال رفعة عظيمة و ولاه مشيخة الشيوخ ببغداد. ثم إنه ذبح بدار الخلافة كما تذبح الشاة في وقعة التتار.

14- عز الدين حسين بن النيار

أخو شيخ الشيوخ.

15- آل الجوزي.

توفي منهم الصاحب العلّامة محيي الدين أبو المحاسن يوسف ابن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد التيمي البكري البغدادي الحنبلي، أستاذ دار المستعصم باللّه. ولد سنة 580 ه، سمع من أبيه و ذاكر ابن كامل و ابن برش و طائفة و قرأ القرآن بواسطة علي ابن الباقلاني، و كان كثير المحفوظ، قوي المشاركة في العلوم، وافر الحشمة، لبس الخرقة من الشيخ ضياء الدين ابن سكينة، و اشتغل بالفقه و الخلاف و الأصول و برع في ذلك و كان أشهر فيه من أبيه، و ولي الولايات الجليلة ثم انقطع في داره يعظ و يفتي و يدرس …

و له من المصنفات (معادن الابريز في تفسير الكتاب العزيز) و (المذهب الأحمد في مذهب أحمد) و (الايضاح) في الجدل. قتل مع أولاده الثلاثة و هم الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن. و كان فاضلا بارعا واعظا له تصانيف قتل و قد جاوز الخمسين.

و شرف الدين عبد اللّه. ولي الحسبة ثم تزهد عنها و درّس.

و تاج الدين عبد الكريم ولي الحسبة أيضا لما تركها أخوه و درس.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 256

قتل و لم يبلغ عشرين سنة.

16- ابن الحلاوي.

هو شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد ابن أبي الوفاء الهزبر، له فضيلة تامة، و شعره في غاية الجودة و الرقة.

مدح الملوك و الكبار، عاش 53 سنة، و كان في خدمة صاحب الموصل.

وقائع العراق سنة 657 ه (1259 م)

تغيير في الموظفين:

في هذا العام توجه فخر الدين ابن الدامغاني (صاحب الديوان) إلي (السلطان هلاكو) و معه (صدور أعمال العراق). فأنعم السلطان عليه و أراد أن يفوض أمر العراق إليه فوقع نجم الدين بن عمران عليه و نسب إليه أنه أطلق من السجن بالمدائن رجلا من انساب الخليفة المستعصم فتوجه إلي الشام … فانتقض أمره و اعتقل. فتوفي بنواحي اشني (اسني) من أعمال اذربيجان. و كان عمره نحوه 65 سنة … و رتب نجم الدين ابن المعين (صاحب ديوان بغداد) فسار إليها و جماعة الصدور صحبته.

فلما دخلها مرض و توفي بها.

و كان من جملة من توجه إلي الاردو سراج الدين ابن البجلي صدر واسط و البصرة فأثبت عليه أنه أخربها و أهمل مصالحها فأمر بقتله فقتل.

و رتب في واسط مجد الدين صالح بن الهذيل نقلا من صدرية نهري عيسي و ملك و لقب (بالملك). فلما وصل إليها و قرر قواعدها عمل لها جسرا فتم في أمد يسير و لم يكن لها من حين عمرت جسر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 257

ضريبة شخصية:

و في هذه السنة تقدم بجمع أهل بغداد و كتبت اسماؤهم و جعل عليهم امراء ألوف و مئات و عشرات و قرر علي كل واحد منهم ما يؤديه في كل سنة علي قدر حاله ما عدا الشيخ الكبير و من هو غير بالغ إلا أنه لم يعين إحصاء عنهم مجموعا … فما زالوا علي ذلك إلي أن ولي الصاحب علاء الدين عطا ملك الجويني العراق فأسقط ذلك عنهم.

وفاة الوزير عز الدين أبي الفضل العلقمي

وفاة الوزير و بعض احواله: في ذي الحجة سنة 657 ه توفي عز الدين أبو الفضل محمد ابن الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي. ولي الوزارة بعد وفاة أبيه. و كان علي القاعدة التي كانت زمن الخليفة في الملبوس و المركوب.

دخل يوما فقيل لعلي بهادر شحنة بغداد أن فرس الوزير علي الباب و في حلقها مشدة و عليها كنبوش ابريسم فقام و مضي و شاهدها فعجب من ذلك فقيل له هذه كانت علي قواعد الوزراء و العظماء في زمن الخليفة فبال قائما علي المشدة و أمر بإخراج الفرس من الدرگاه و عاد و هو مغتاظ، منكر لهذه الحال.

و كان عمر عز الدين نحو أربعين سنة قال في الوافي بالوفيات:

«قرأ القرآن و العربية علي التقي حسن ابن الباقلاني الحلي النحوي، و اللغة علي رضي الدين الصغاني، و كتب التقاليد عن الخليفة أيام والده.

و له النظم المتوسط، كتب علي كتاب معجم الأدباء لياقوت الحموي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 258

سماء انارت للفضائل انجما و بحر أثار الدر فذّا و توأما

جلا أوجه الآداب زهرا مضيئة فثقف عود العلم حتي تقوّما

آثار خفيات الفضائل فانثني سناها مضيئا بعد أن كان مظلما

و ألف من بعد التفرق شملها علي أن فيه حسنها متقسّما

تضمن

أسماء ينير بها الدجي و يهدي بها الغاوي و يجلي بها العمي

و لا يعلم عن أحواله و مقدرته في الإدارة و غاية ما نعلمه أنه كان تزوج بنت القمي و أنه ولي الوزارة بعد أبيه. و في الحقيقة اليد للفاتح فكانت ولايته اسمية نوعا و لم يبد منه عمل يدل علي مقدرة أو يبين عن مهارة … و الغرض من نصب هذا و أمثاله الاطلاع علي الحالة و التبصر في الادارة و طريق الجباية و معرفة من لهم و عليهم …

ولاية علاء الدين عطا ملك الجويني في ذي الحجة سنة 657 ه

في هذه السنة في ذي الحجة ولي بغداد علاء الدين عطا ملك الجويني و جعل معه عماد الدين عمر بن محمد القزويني، و من ثم انقطعت الوزارة من البغداديين و صارت لصنائع المغول و موظفيهم من الايرانيين و لهم حق السبق في الطاعة … و لذا نري بعض المؤرخين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 259

يتهمون الايرانيين في تشويق هلاكو للاستيلاء علي بغداد … من جراء قبضهم علي إدارة بغداد …

و علاء الدين هذا من أسرة عريقة في الآداب و الادارة، و لها مكانتها في ايران … و من أفراد هذه الأسرة من استخدم عند الخوارزميين و المغول، و أول من انتسب إلي المغول منهم بهاء الدين محمد بن شمس الدين الجويني أيام امارة چينتمور علي خراسان و مازندران فجعله صاحب ديوان خراسان و مازندران … و أظهر كفاءة تامة و مقدرة وافرة.

و في سنة 633 ه ذهب إلي قراقروم بصحبة گرگوز إلي اوكتاي قاآن فنال التفاتا منه و لقبه (صاحب الديوان) و هذا اللقب لازمهم، و منحه (بايزه) و (يرليغا) مختوما بختم احمر، و بقي في خدمة المغول في ايران أيام گرگوز و

أيام الأمير (ارغون) و توفي بهاء الدين سنة 651 ه عن عمر 66 سنة. و له من الأولاد شمس الدين صاحب ديوان الممالك و المترجم علاء الدين.

و قد اضطربت الآراء في أصل هذا البيت، يقال إنهم يمتون إلي امام الحرمين الجويني لمجرد الموافقة في الانتساب إلي جوين كما هو رأي صاحب مجالس المؤمنين، و صاحب مجمع الفصحاء إلا أن هذا غير معروف لمعاصريه. و بعضهم جعل أنه ينتمي إلي الفضل بن الربيع الوزير و من القائلين بهذا شمس الدين الذهبي صاحب التاريخ نقلا عن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 260

ابن الفوطي فاتخذ صاحب تاريخ الفخري هذه الاشاعة المذكورة وسيلة للطعن به اظهارا لغضاضته بسبب قتلة والده علي ما سيبين …

و مهما يكن فالمترجم ولي بغداد و كان قد ولد سنة 623 ه و صار كاتبا خاصا للأمير ارغون (والد الأمير نوروز الذي كانت له اليد البيضاء و المساعي العظيمة في إسلامية السلطان غازان من سلاطين المغول في العراق و ايران)، فذهب إلي مغولستان مرارا و شاهد بنفسه بلاد الترك و اتصل بالقوم اتصالا مباشرا فتمكن أن يجمع مادة تاريخه … اطلع علي الأقوام هناك، و شاهد البلدان، و عرف الأمراء كما أوضح ذلك في مقدمة كتابه (جهانگشا)، و هذا الكتاب كان المرجع المهم لتاريخ المغول إلا أنه وقف به عند حكومة الملاحدة فلم يتجاوزها، و اشترك الجويني مع هلاكو في حرب الملاحدة مما مرّ البيان عنه و هكذا لازمه إلي أن أودع إليه منصب بغداد.

و في جامع التواريخ أنه ولي بغداد عام 661 ه حينما قتل هلاكو وزيره الأمير سيف الدين بيتكجي و وجه منصب الوزارة إلي شمس الدين الجويني … و هذا غير

صحيح لما جاء في ابن الفوطي من أن ذلك كله كان سنة 657 ه، و لما جاء عن علاء الدين نفسه في رسالة له يقال لها (تسلية الإخوان) أنه عين لهذا المنصب عام 657 ه قال فيها ما معناه:

«إن القادر تعالي … انتزع ممالك العراق و بغداد و خوزستان من أيدي بني العباس و تصرفهم، و أودعهم ليد السلطان هلاكو … و في شهور سنة 657 ه أي بعد وقعة بغداد بسنة قد أسندت هذه المملكة، و فوضت إليّ لأقوم بمهماتها …» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 261

و باقي احواله سيأتي الكلام عليها في حينها …

كاتب الانشاء في الديوان:

و في هذه السنة وصل بهاء الدين علي بن الفخر عيسي الإربلي إلي بغداد و رتب كاتب الإنشاء في الديوان. و أقام ببغداد إلي أن مات، و ستأتي ترجمته عند بيان و فيات سنة 692 ه.

وقائع سنة 658 ه (1260 م)

شكوي علي الوالي (صاحب الديوان):

في هذه السنة اتفق علي بهادر شحنة بغداد و عماد الدين القزويني و جماعة من صدور العراق و قصدوا السلطان هلاكوخان حيث كان في الشام (كان سار إلي حلب و الشام في أواخر سنة 657 فافتتحها و بلادا أخري من سورية) و رفعوا علي علاء الدين صاحب الديوان أشياء اعتمدوها و أثبتوا ما استوعبه من الأموال فأعاده معهم إلي بغداد ليقابل علي ذلك. فلما قوبل و ثبت عليه ما نسب إليه أنهوا ذلك إلي السلطان فأمر بقتله فسئل العفو عنه فأمر بحلق لحيته فحلقت و كان يجلس في الديوان و يستر وجهه.

قضاء القضاة ببغداد:

و في هذه السنة ولي الصاحب علاء الدين عز الدين أحمد بن محمود الزنجاني قضاء القضاة ببغداد نقلا من الجانب الغربي و خلع عليه. و كان قضاء الجانب الغربي يقوم به قاض، و الجانب الشرقي يقوم به قاضي القضاة. و هذا الترتيب كان جاريا زمن الخلفاء العباسيين فلم يتغير الحال في القضاء … و كانت المراسم لا تزال مرعية. و كان يخلع علي قاضي القضاة عند توجيه المنصب إليه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 262

و كان عز الدين أحمد بن محمود الزنجاني قد عين لقضاء الجانب الغربي زمن العباسيين سنة 655 ه و هو ابن محمود بن أحمد الزنجاني و قد مرّ الكلام علي وفاة والده المذكور في السنة الماضية.

وقائع سنة 659 ه (1261 م)

الملك الصالح إسماعيل صاحب الموصل و حوادث سورية:

إن الملك الصالح نظرا للحوادث التي وقعت أخيرا في سورية من انخذال عساكر المغول انتقض علي هلاكو و ذهب إلي دمشق و اتفق مع الملك الظاهر ثم عاد إلي الموصل و سيأتي تفصيل ذلك …

صاحب الديوان شمس الدين في بغداد:

و في هذه السنة وصل صاحب الديوان شمس الدين إلي بغداد و معه (يرلينغ) يتضمن براءة أخيه علاء الدين مما نسب إليه و ولايته العراق و بسط يده فيها فلما قري ء في الديوان قال الصاحب شمس الدين لعلي بهادر شحنة بغداد (الشعر إذا حلق نبت و الرأس إذا حلق لم ينبت) و دبر في قتله و قتل عماد الدين القزويني علي ما نذكره.

في المدرسة المستنصرية:

و في هذه السنة أيضا رتب الشيخ جلال الدين عبد الجبار بن عكبر الواعظ مدرس طائفة الحنابلة بالمدرسة المستنصرية نقلا من الاعادة بها و حضر درسه الصاحب علاء الدين و الأكابر و العلماء فخلع عليه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 263

المستنصر باللّه- العراق:

في رجب بويع بمصر المستنصر باللّه أحمد بن الظاهر محمد بن الناصر لدين اللّه العباسي الأسود و فوض الأمور إلي الملك الظاهر بيبرس ثم قدما دمشق ثم سار المستنصر ليأخذ بغداد و يقيم بها و كان في آخر العام مصاف بينه و بين التتار الذين بالعراق فعدم المستنصر في الوقعة و انهزم الحاكم قبجا. و المستنصر هذا كان محبوسا ببغداد حبسه التتار فلما اطلقوه التجأ لعرب العراق فأحضروه إلي مصر و بايعوه، و كان شديد القوي عنده شجاعة و إقدام.

كان محبوسا ببغداد، فلما أخذت التتار بغداد أطلق فهرب و صار إلي عرب العراق اختبأ في قبيلة طيّي ء فأوصله أميرها عيسي بن مهنا إلي ملك مصر الظاهر بيبرس وفد عليه و معه عشرة من بني مهارش، و شهد الأمير عيسي و قومه أنه من نسل العباسيين فبويع له بالخلافة في رجب سنة 659 ه و لقب بالمستنصر باللّه و جرت له البيعة و احتفل به احتفالا باهرا قال الذهبي و لم يل الخلافة أحد بعد ابن أخيه إلا هذا و المقتفي، و نقش اسمه علي السكة، و خطب له …

إن المستنصر هذا عزم علي التوجه إلي العراق فخرج معه السلطان يشيعه إلي أن دخلوا دمشق فجهز السلطان الخليفة و أولاد صاحب الموصل و غرم عليه و عليهم من الذهب ألف ألف دينار و ستة و ستين ألف درهم فسار الخليفة و معه ملوك الشرق،

و صاحب الموصل، و صاحب سنجار و الجزيرة … ففتح المستنصر حديثة، ثم هيت فجاءه عسكر من التتار فتصافوا له فقتل من المسلمين جماعة و عدم الخليفة المستنصر فقيل قتل و هو الظاهر، و قيل سلم و هرب فأضمرته البلاد و ذلك في الثالث من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 264

المحرم سنة 660 ه.

الحاكم بامر اللّه العباسي:

ثم ولي الخلافة بعد المستنصر باللّه بسنة أبو العباس أحمد بن أبي علي القبيّ ابن علي بن أبي بكر ابن الخليفة المسترشد باللّه بن المستظهر باللّه. و هذا كان قد اختفي وقت أخذ بغداد و نجا ثم خرج منها و في صحبته جماعة فقصد حسين بن فلاح أمير بني خفاجة فأقام عنده مدة ثم توصل مع العرب إلي دمشق و أقام عند الأمير عيسي بن مهنا مدة فطالع به الناصر صاحب دمشق فأرسل يطلبه فبغته مجي ء التتر فلما جاء الملك المظفر دمشق سير في طلبه الأمير فلج البغدادي فاجتمع به و بايعه بالخلافة، و توجه في خدمته جماعة من امراء العرب فافتتح الحاكم عانه بهم و حديثة، و هيت، و الأنبار، و صاف التتار و انتصر عليهم ثم كاتبه علاء الدين طيبرس نائب دمشق يومئذ و الملك الظاهر يستدعيه فقدم دمشق في صفر فبعثه إلي السلطان و كان المستنصر باللّه قد سبقه بثلاثة أيام إلي القاهرة فما رأي أن يدخل إليها خوفا من أن يمسك فرجع إلي حلب فبايعه صاحبها الأمير شمس الدين أقوش و رؤساؤها … فلما رجع المستنصر وافاه بعانه فانقاد الحاكم له و دخل تحت طاعته. فلما عدم المستنصر في الوقعة المذكورة في ترجمته قصد الحاكم الرطبة و جاء إلي عيسي بن مهنا فكاتب الملك الظاهر بيبرس

فيه فطلبه فقدم إلي القاهرة و معه ولده و جماعة فأكرمه الملك الظاهر و بايعوه بالخلافة يوم الخميس 8 المحرم سنة 661 ه و امتدت أيامه … فمات في 18 جمادي الأولي سنة 701 ه فخلفه ابنه المستكفي باللّه أبو الربيع سليمان في جمادي الأولي من هذه السنة. و هذا في سنة 736 ه وقع بينه و بين الملك الناصر أمر فقبض عليه و اعتقله بالبرج و منعه من الاجتماع بالناس، ثم نفاه في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 265

ذي الحجة سنة 737 ه إلي قوص هو و أولاده و أهله و رتب لهم ما يكفيهم و هم قريب من مائة نفس، و استمر المستكفي بقوص إلي أن مات بها في شعبان سنة 740 ه و دفن بها …

و هكذا استمروا إلي أن انقرضوا علي يد السلطان سليم العثماني المعروف ب (ياوز).

و هذه قائمة بأسماء الخلفاء منهم:

1- المستنصر المذكور (659 ه: 660 ه).

2- الحاكم بأمر اللّه (661 ه: 701 ه).

3- المستكفي باللّه (701 ه: 740 ه).

4- الواثق باللّه إبراهيم بن محمد بن الحاكم (740 ه: 742 ه).

5- الحاكم بأمر اللّه أحمد بن المستكفي (742 ه: 753 ه).

6- المعتضد باللّه أبو الفتح أبو بكر بن المستكفي (753 ه:

763 ه).

7- المتوكل علي اللّه أبو عبد اللّه محمد بن المعتضد (763 ه:

785 ه).

8- الواثق باللّه عمر بن إبراهيم المذكور (785 ه: 788 ه).

9- المستعصم باللّه زكريا بن إبراهيم المذكور (788 ه: 791 ه).

10- المستعين باللّه أبو الفضل العباس بن المتوكل (808 ه:

815 ه).

11- المعتضد باللّه أبو الفتح داود بن المتوكل (815 ه: 824 ه).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 266

12- المستكفي باللّه أبو الربيع سليمان بن

المتوكل (824 ه:

854 ه).

13- القائم بأمر اللّه أبو البقاء حمزة بن المتوكل (854 ه:

859 ه).

14- المستنجد باللّه أبو المحاسن يوسف بن المتوكل (859 ه:

865 ه).

15- المتوكل علي اللّه أبو العز عبد العزيز بن يعقوب بن المتوكل (865 ه: 902 ه).

16- المستمسك باللّه بن المتوكل (902 ه: 923 ه).

و هذا الأخير انقرضت الخلافة علي يده و كان طاعنا في السن، و أن ولده المتوكل علي اللّه محمد ذهب به ياوز سلطان سليم و سجنه في (يدي قله) و أطلق في سنة 926 فتوفي بعد سنة و كان له من الأولاد عمر و عثمان و كانت قد أجريت لهم المخصصات من خزانة الدولة و بوفاتهم لم يبق أثر للخلافة العباسية.

وقائع سنة 660 ه (1262 م)

قتل الملك الصالح و أخيه: (حوادث الموصل)

تقدمت الإشارة إلي أن السلطان هلاكوخان قد سار في أواخر سنة 657 ه بعساكر عظيمة إلي الشام و كان في أول الاستيلاء كتب إلي الاطراف يهددها و يدعوها لطاعته … و كان استدعي ملكها الملك الناصر صاحب الشام فأنفذ ولده الملقب بالملك العزيز و أصحبه التحف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 267

و الهدايا فأنعم عليه و أعاده و قال له نحن طلبنا أباك و حيث لم يحضر نحن نسير إليه، فلما بلغه ذلك حار في أمره و سار بأهله و أولاده إلي الكرك.

ثم إن السلطان هلاكو خان أمر بعمل ثلاثة جسور علي الفرات و سار بجيوش لا تحصي فعبروا، و توجه إلي حلب فحصروها و قاتلوا من بها و فتحوها في 5 صفر، ثم ملك الشام جميعها عنوة و صلحا لمن سأله الأمان. ثم إن السلطان أحكم ثغور الشام و ترك هناك جيشا عليه الأمير كتبغا و رحل عنها فترك علي ماردين صاحبها نجم الدين غازي

فأرسل إليه ولده قرا أرسلان الملقب بالملك المظفر فأنعم السلطان عليه و أمره أن يحسن لأبيه الطاعة فلما عاد إليه و أبلغه الطاعة اعتقله خوفا منه أن يقبض عليه فدام حصار ماردين و وقع فيها و باء كاد يفني من بها فمات صاحبها نجم الدين غازي فخرج ابنه الملك المظفر من الحبس و نزل إلي عبودية السلطان فخلع عليه و أعاده ثم رحل قاصدا مقرّ ملكه.

و أما كتبغا فإنه نزل علي الكرك و استنزل الملك الناصر بأمان و سيره إلي عبودية السلطان فأكرمه و وعده أنه إذا ملك مصر أعاده إلي الشام.

و في سنة 659 سار الملك المظفر قطز صاحب مصر إلي الشام لما عرف أن السلطان هلاكوخان قد عاد إلي بلاده فخرج إليه الأمير كتبغا و من معه من العساكر و التقوا و اقتتلوا عند (عين جالوت) فقتل كتبغا و عدة من أولاده و جمع كثير من عسكره و انهزم الباقون و تعد هذه الوقعة من الانتصارات المهمة و من أكبر العوامل لصد التتار عن التقدم …

و فرح بها المسلمون و كانوا يظنون أن لن تكسر راية للمغول. و من العوامل الأخري التي صدت تيار المغول الخلاف بين هلاكو و ابن عمه بركة (بركاي) فإنه مما فلّ من قوتهم و شغلهم … ثم إنه دخل الملك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 268

المظفر قطز دمشق و استولي علي الشام جميعه و أحكم أموره و قرر قوانينه و عاد إلي مصر.

فلما كان بنواحي غزة وثب البندقدار في عدة من مماليك الصالح ايوب فقتلوه و اتفق الأمراء عليه فجعلوه سلطانهم و لقب الملك الظاهر فسار في الجيوش حتي دخل مصر. فلما استقر بها شرع في قتل

كل من توسم فيه الرئاسة حتي توطد ملكه …

فلما بلغ السلطان هلاكوخان ذلك أمر بقتل الناصر و أخيه و أصحابهما و كانوا عنده ثم أمر ايلكانوين بالمسير إلي الشام فسار بخلق كثير من العسكر. فلما قرب من دمشق بلغه أن الملك الظاهر قد تجهز للقائه و وصل إلي دمشق فعاد إلي بلاد الروم.

كل ذلك بلغ الملك الصالح إسماعيل بن بدر الدين لؤلؤ ففارق الموصل و قصد الملك الظاهر و هو بدمشق و طلب منه جيشا يمنع به المغول عن قصد الموصل فوعده بذلك.

و عند ما عاد ايلكانوين عين له جماعة من العسكر فسار بهم إلي الموصل و أنفذ سنجر مملوك أبيه علي مقدمته فلما بلغ الموصل منع عن دخولها أياما فوثب محيي الدين بن زيلاق في طائفة من العوام و فتحوا له باب الجسر فدخل منه و وضع السيف في النصاري فقتل أكثرهم و نهب أموالهم فبلغه أن عسكر المغول و اصل إليه فخرج و معه ألف فارس و سار نحو نصيبين فالتقي به عسكر المغول فقتلوه و قتلوا أكثر من معه.

فلما بلغ السلطان هلاكوخان ذلك سير الأمير سمداغو نوين إلي الموصل و أما الملك الصالح بن بدر الدين فإنه وصل الموصل و دخلها فلما استقر بها وصل الأمير سمداغو نوين و حصره و نصب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 269

المجانيق علي سور الموصل و خندق عليها و واصل الزحف و القتال مدة اثني عشر شهرا و كان أهلها قد أبلوا في الجهاد بلاء حسنا و قام الملك الصالح في ذلك قياما تاما و نصب حيال مجانيق المغول بباب الميدان و الجصاصين ثلاثين منجنيقا ترمي ليل و نهار.

فلما طال الحصار و رأي سمداغو أن

القتال و الزحف لا يجديان نفعا أمسك عن ذلك إلي أن فنيت ميرة أهلها و تعذرت الأقوات عليهم و اشتد بهم الأمر حتي أكلوا الميتة و لحوم الكلاب …

فحينئذ طلب الملك الصالح من سمداغو الأمان له و لأهل البلد و ترددت الرسل بينهما فاجابه إلي ذلك فلما خرج إليه قبض عليه و علي ولده و أتباعه و دخل العسكر إلي البلد و قتلوا و نهبوا و سبوا و أسروا …

ثم أمر بقتل ولده الملقب علاء الملك فقتل و علق رأسه علي باب الجسر و سير الملك الصالح و أخاه الملك الكامل إلي السلطان هلاكو خان. فأمر بالملك الصالح فسلخ وجهه و هو حي ثم قتل و قتل أخوه و كان طفلا و قتل أصحابهم و أتباعهم.

و كان الملك الصالح لما اشتد حصار الموصل كاتب سلطان الشام يسأله مساعدته فأرسل لنصرته أميرا اسمه ايلبرلك في جماعة فلما وصل سنجار كتب علي الجناح إلي الملك الصالح يعرفه وصوله فاتفق أن بعض المغول رمي ذلك الطائر بسهم فوجد الخط فحمله إلي سمداغو فأرسل جماعة من عسكره نحو ايلبرلك فساروا إليه و قاتلوه بظاهر سنجار فقتلوه و قتلوا معظم اصحابه و انهزم الباقون.

ابن زيلاق:

و من جملة من قتل بالموصل في هذه الوقعة محيي الدين محمد بن يوسف بن زيلاق و كان من الفضلاء و شاعرا مجيدا حسن المعاني و له

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 270

رسائل و أشعار مشهورة. منها قوله يعتذر إلي من يستدعيه:

أنا في منزلي و قد وهب اللّه نديما وقينة و عقارا

فابسطوا العذر في التأخر عنكم شغل الحلي اهله أن يعارا

و ترجمته و بعض شعره مذكور في الشذرات و بلفظ زيلاق.

ابن يونس الباعشيقي (والي الموصل الجديد):

ثم رتب ابن يونس الباعشيقي واليا بالموصل. و رتب معه الأمير نوروز شحنة.

نقرة و فلوس:

و في هذه السنة ابطلت الدراهم السواد بالموصل و كانت نحو أربعين درهما بدينار و ضرب بها دراهم نقرة و فلوس.

فتح جزيرة ابن عمر:

و لما فرغ سمداغو من فتح الموصل سار إلي جزيرة ابن عمر ففتحها بأمان و قتل حاكمها و استعمل عليها رجلا نصرانيا اسمه مارحيا.

ثم عاد إلي السلطان.

وقائع بغداد في هذه السنة
قتل عماد الدين القزويني:

و في سنة 660 ه قتل عماد الدين القزويني أحد الحكام ببغداد.

و سبب ذلك ما تقدم ذكره في وقائع السنة الماضية. فلما كان الصاحب شمس الدين بالعراق أخذ خطوط الولاة و الأكابر بما صار إليه من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 271

الأموال و عرض ذلك علي السلطان هلاكوخان فأمر بالفحص عنه فثبت عليه أكثره فأمر بقتله.

قتل مجد الدين ملك واسط:

و في هذه السنة أيضا قبض الصاحب شمس الدين علي مجد الدين صالح ابن الهذيل ملك واسط و طولب بالبقايا و شدد عليه. ثم دوشخ و ضرب و طيف به في واسط و استوفي منه قدر يسير ساعده به الناس و قبض علي اصحابه و نوابه و طولبوا بالأموال و ضربوا …

ثم سلمت الأعمال الواسطية إلي الملك فخر الدين منوجهر ابن ملك همدان فانحدر إليها و استصحب فخر الدين مظفر ابن الطرّاح و جعله نائبا عنه في تدبيرها. و هذا جاء ذكره في فوات الوفيات عند الكلام علي أخيه الصاحب قوام الدين الحسن بن محمد و قال:

«من بيت رياسة و حشمة و علم و حديث … و كان لأخيه فخر الدين المظفر بن محمد تقدم عند التتار …» ا ه.

وقائع سنة 661 ه (1263 م)

قتل علي بهادر شحنة بغداد و العلوي المعروف بالطويل:

في هذه السنة قتل علي بهادر شحنة بغداد و العلوي المعروف بالطويل و كانا ممن سعي في الصاحب علاء الدين كما تقدم فأخذ الصاحب شمس الدين خطوط حكام بغداد بما صار إليهما من الأموال و ما اعتمدا في العراق و عرض ذلك علي السلطان فأمر بقتلهما. فأرسل الايلچية في طلبهما من بغداد فلما سارا عنها أنفذ من قتلهما …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 272

و عين الأمير قرابوقا شحنة بغداد.

و كان علي بهادر حسن السياسة مظهرا للخير ملازم الصلوات في الجمع و التراويح و غيرهما فلما قتل قبض علي شهاب الدين داود بن عبدوس وكيله و ثقل بالحديد و طولب بالأموال فأدي عشرة آلاف دينار.

ثم إن الصاحب علاء الدين خاطب في أمره فتقدم بإعادة ذلك عليه.

نقابة الطالبيين:

و في هذه السنة ولي السيد رضي الدين علي بن طاوس نقابة الطالبيين بالعراق.

وفيات

1- توفي عز الدين عبد الرحمن بن الناقد و عمره إحدي و خمسون سنة و خمسة أشهر.

2- الرسعني. نسبة إلي رأس العين و هو العلّامة عز الدين عبد الرزاق بن رزق اللّه بن أبي بكر المحدث، المفسر، الحنبلي، ولد سنة 589 ه و سمع بدمشق من الكندي، و ببغداد من ابن منينا، و صنف تفسيرا جيدا سماه رموز الكنوز، و كان شيخ الجزيرة في زمانه. ولي مشيخة دار الحديث بالموصل، و كانت له حرمة وافرة عند صاحب الموصل و غيره من ملوك الجزيرة، و من مصنفاته (كتاب مصرع الحسين) ألزمه بتأليفه صاحب الموصل فكتب فيه ما صح من المقتل دون غيره و كان متمسكا بالسنة و الآثار و له نظم حسن توفي 12 ربيع الآخر من هذه السنة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 273

علي بن سنجر ابن السباك:

لأول وهلة كنا ظننا أن هذا المترجم غير المذكور في المجلد الثاني من كتابنا هذا و قلنا إن المشابهة في الاسم و الأب لا يدل علي العينية إلا أن الذي جلب انتباهنا أننا رأينا صاحب الفوائد البهية يذكر له عين المؤلفات المنسوبة إلي ذاك و بين أنه ولد في شعبان سنة 561 ه و قال أخذ عنه ابن الساعاتي صاحب المجمع. و في كشف الظنون أنه توفي سنة 661 ه أو سنة 700 ه.

و قد راجعنا كتبا كثيرة بقصد التوصل إلي الصحيح خصوصا أن آل السباك اشتهر منهم جماعة و قد ذكر منهم محمد بن علي ابن السباك و كان ممن أخذ عنه الفيروز آبادي و مضي البيان عنه في المجلد الأول من تاريخ العراق و لكن التراجم التي عثرنا عليها لم تبق شكّا في أن المترجم هو نفس المذكور

في تاريخ الجلايرية و يتوضح ذلك من النصوص التالية:

1- جاء في طبقات الحنفية لعلي بن سلطان محمد القاري: أنه عالم بغداد له ارجوزة في الفقه، و شرح الجامع الكبير. و هو القائل:

هل أري للفراق آخر عهد ان عمر الفراق عمر طويل

طال حتي كأننا ما اجتمعنا فكأن التقاءنا مستحيل

2- جاء في معجم ابن رافع: علي بن سنجر بن عبد اللّه البغدادي المعروف بابن السباك. سمع من الرشيد محمد بن عبد اللّه بن أبي القاسم … و من الكمال محمد ابن المبارك المخرمي … و من محمد بن عبد اللّه المالحاني، و من ست الملوك بنت أبي البدر …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 274

و كل هذه التراجم لم تعين تاريخ وفاته و لا فصلت من أخذ عنهم لنتحقق صحة ما جاء في الفوائد و في كشف الظنون.

3- جاء في المنتخب المختار عنه ما نصه: «علي بن سنجر بن عبد اللّه البغدادي أبو الحسن بن أبي اليمن الحنفي الملقب تاج الدين بن قطب الدين المعروف بابن السباك».

سمع من الرشيد محمد بن عبد اللّه المعروف بابن أبي القاسم، و من كمال الدين محمد بن المبارك المخرمي، و من صفي الدين محمد ابن عبد اللّه بن إبراهيم المالحاني و من ست الملوك فاطمة بنت أبي نصر علي بن علي بن أبي البدر، و أجاز له أبو الفضل محمد بن محمد الدباب و أبو عبد اللّه محمد بن عمر بن المرنج (كذا لم تقرأ تماما) و علي ابن محمد بن عبيد اللّه الخالدي بن مشرف.. و حفظ القرآن و أخذ القراءات عن امين الدين المبرز بن عبد اللّه الموصلي المعري و منتجب الدين الحسين.. التكريتي و قرأ علم الشريعة

علي الشيخ ظهير الدين محمد بن عمر البخاري قرأ عليه من فقه المذهب وحدث. سمع منه ابن المطري و الدهلي، و علي مظفر الدين أحمد بن علي ابن تغلب ابن الساعاتي مصنفه المسمي بمجمع البحرين و الهداية، و قرأ الفرائض علي الشيخ شهاب الدين عبد الكريم بن بلدجي، و أصول الفقه علي العفيف ربيع بن محمد و قرأ السراجية علي الشيخ شمس الدين محمود بن أبي بكر البخاري، و العروض و علم الأدب علي الحسين بن أبان … و صار ببغداد رئيس الحنفية و عالم العراق و مدرس المستنصرية، له الكتابة الفائقة و الاشعار الرائقة قال الإمام سراج الدين عمر بن علي القزويني له ارجوزة في الفقه و شرح قريبا من ثلثي الجامع الكبير و خطه يشبه خط الرشيد بن أبي القاسم، و درس بمشهد الإمام أبي حنيفة مضافا إلي تدريس المستنصرية. و له من الفصاحة و البلاغة أوفر نصيب. ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 275

سئل عن مولده فقال في شعبان سنة ستين أو إحدي و ستين و ستمائة و له:

الأمر أعظم مما يزعم البشر لا عقل يدركه منا و لا نظر

فانظر بعينك أو فاغمض جفونك و أحذر أن تقول عسي أن ينفع الحذر

فكل قول الوري في جنب ما هو في نفس الحقيقة إن هم فكروا هذر

و له:

يا نهار الصيام طلت و صالا مثلما طال ليل هجر الحبيب

ذاك قد طال بانتظار طلوع مثل ما طلت بانتظار مغيب

و قد علم من هذا أن صاحب الفوائد غلط في تاريخ ولادته كما يظهر من المقارنة بين النص المنقول عن المنتخب المختار و هو مخطوط في القرن التاسع و بين الفوائد و كذا يفهم من مقابلة

النص المذكور بسابقه أن المترجم أخذ عن ابن الساعاتي لا أنه أخذ عنه و هكذا. فزال الغموض الذي وقع فيه صاحب كشف الظنون و صاحب الفوائد تبعا، و التراجم لواحد و المؤلفات المذكورة له فلم يبق إشكال، و علي هذا لا محل لذكره في و فيات هذه السنة. و إنما ذكر هنا للتنبيه إلي الغلط الواقع لئلا يتكرر..

أبو محمد عبد الكريم ابن السباك:

هذا و إن للمترجم ابنا فاتنا أن نذكره في المجلد الثاني و هو عبد الكريم بن علي بن سنجر البغدادي أبو محمد ابن الشيخ تاج الدين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 276

المعروف بابن السباك الحنفي سمع من أبي عبد اللّه محمد بن عبد المحسن الدواليبي مسند أحمد بن محمد بن حنبل و الأحكام للشيخ محيي الدين بن تيمية و علي جماعة، منهم: الكمال عبد الرزاق ابن الفوطي، و تفقه و اشتغل و أعاد ببعض المدارس … مولده سنة 709 ه و توفي سنة 749 ه …

وقائع سنة 662 ه (1264 م)

نصير الدين الطوسي و الدويدار في بغداد:

في هذه السنة وصل نصير الدين الطوسي إلي بغداد لتصفح الأحوال و النظر (في أمر الوقوف) و البحث عن الأجناد و المماليك …

ثم انحدر إلي واسط و البصرة و جمع من العراق كتبا كثيرة لأجل الرصد.

و وصلها أيضا جلال الدين ابن مجاهد الدين ايبك الدويدار الصغير.

القبض علي ابن عمران- محاكمته: (قتله)

قبض علي نجم الدين أحمد بن عمران الباجسري و أخرج مكتوفا راجلا إلي ظاهر بغداد و قد نصبت هناك خيمة بها:

صاحب الديوان علاء الدين

و الخواجة نصير الدين الطوسي

و ابن الدواتدار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 277

و جماعة من الأمراء.

فعمل (يارغو) و قوبل علي أمور نسبت إليه فوجب عليه القتل فقتل و أخذ ابن الدواتدار مرارته. ثم طيف برأسه علي خشبة و نهبت داره …

و كان حسن السيرة ذا مروءة، كان من متصرفي السواد ببغداد فلما وصل السلطان هلاكو العراق توصل حتي مثل في حضرته و أنهي إليه من الأحوال ما أوجب الإنعام عليه و تقديمه حتي صار من جملة الحكام ببغداد. و شارك في تدبير الأعمال و خوطب بالملك. فقال في حق علاء الدين صاحب الديوان و عاداه فأفضت حاله إلي ما جري عليه … و كان قد وقع في كثيرين فأصابه ما أصابهم …

ابن الدويدار:

ثم إن ابن الدواتدار شرع في بيع ماله من الغنم و البقر و الجواميس و غير ذلك و اقترض من الأكابر و التجار مالا كثيرا و استعار خيولا و آلات السفر و أظهر أنه يريد الخروج إلي الصيد و زيارة المشاهد و أخذ والدته و قصد مشهد الحسين عليه السّلام ثم توجه إلي الشام فتأخر عنه جماعة ممن صحبه من الجند لعجزهم.

فلما عادوا إلي بغداد أخذهم قرابوقا شحنة بغداد و قتلهم و قبض علي كل من كان ببغداد و واسط و غيرها من الجند فقتلهم …

اعتقال علاء الدين صاحب الديوان:

و في هذه السنة قبض قرابوقا شحنة بغداد علي علاء الدين صاحب الديوان و اعتقله و نسب إليه أشياء قد عزم علي أن يعتمدها فأرسل إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 278

أخيه الصاحب شمس الدين و هو بأذربيجان يعرفه ذلك فعرض أمره علي السلطان فأمر أن يأتي إليه باختياره و معه كل من قال عنه وسعي به إلي قرابوقا تحت الاستظهار …

فلما وصلوا و عمل (اليارغو) لم يثبت علي الصاحب علاء الدين ما نسب إليه فأمر بقتل من سعي به و عزل قرابوقا عن العراق و أعيد الصاحب علاء الدين علي قاعدته إلي بغداد … و رتب (توكال بخشي) شحنة بغداد (هوشتاي) توكره (و جاء بلفظ هوشتكتاي) … كذا في ابن الفوطي و فيه نظر علي ما سيجي ء في حوادث سنة 665 ه.

وقائع سنة 663 ه (1265 م) وفاة السلطان هلاكو خان

وفاة هلاكوخان:

في 19 ربيع الآخر توفي السلطان هلاكو خان و في ابن خلدون أنه توفي سنة 662 ه و دفن في قلعة تلا من أعمال مراغة عن نحو خمسين سنة من العمر، كان عالي الهمة عظيم السياسة عارفا بغوامض الأمور و تدبير الملك. فاق من تقدمه بالرأي السديد و البأس و السياسة القاهرة …

كان يحب العلماء و الفضلاء و يحسن إليهم و يجزل صلاتهم و يشفق علي رعيته و يأمر بالإحسان إليهم و التخفيف عنهم و لم يثقل عليهم و لا كلفهم ما جرت عادة الملوك به من التكليفات و التوزيعات و غير ذلك …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 279

و لم يكن هو القاآن أي الملك الأعظم للمغول كما تقدم و إنما أرسله أخوه منكو قاآن لاكتساح ايران و بلاد الملاحدة و العراق و سورية … إلا أنه كان مستقلا

في إدارته كما أن أخاه ليس له الأمل أن يكون هلاكو تحت ادارته و إنما غرضه ان يستقل …

و الحق أنه بالنظر لما مر من الحوادث لم يقبل بالظلم و التعدي، و لم يغمض عينا أو يتهاون لأحد في سوء الادارة و لا رضي باختلاس … و من أهم ما يذكر عنه أنه ساوي بين العناصر وراعي الحرية لكل دين و مذهب في تقاليده و مراسمه و لم يطلب من أحد سوي الصدق و الاخلاص و العقل القويم … و بعدها جعل الحرية في أن يعتقد كلّ بما شاء و رغب، يضاف إلي ذلك أنه حافظ علي مؤسسات كل طائفة و موقوفاتها و راعي ما أرصدت لأجله …

و في تاريخ دول الأعيان شرح قصيدة نظم الجمان في ذكر من سلف من أهل الأزمان للعلّامة الأثري المؤرخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر المقدسي الشافعي الشهير بابن أبي عذيبة ما نصه:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 280

«كان هلاكو … من أعظم ملوك التتر، و كان شجاعا، مقداما، حازما، مدبرا، ذا همة عالية، و سطوة مهابة، و خبرة بالحروب، و محبة في العلوم العقلية من غير أن يعتقل منها شيئا، اجتمع له جماعة من فضلاء العالم، و جمع حكماء مملكته، و أمرهم أن يرصدوا الكواكب، و كان يطلق الكثير من الأموال و البلاد و هو علي قاعدة المغل في عدم التقييد بدين من الأديان، و كان سعيدا في حروبه طوي البلاد، و استولي علي الممالك في أيسر مدة … قال الظهير الكازروني حكي النجم أحمد ابن البواب النقاش نزيل مراغة قال: عزم هلاكو علي زواج بنت ملك الكرج فأبت حتي يسلم فقال عرفوني ما أقول

فعرضوا عليه الشهادتين فأقربهما و شهد عليه بذلك خواجة نصير الدين الطوسي و فخر الدين المنجم فلما بلغها الفخر المنجم أنعمت بالزواج و عقدوا العقد باسم تامار خاتون بنت الملك داود علي ثلاثين ألف دينار. قال ابن البواب و أنا كتبت الكتاب في ثوب اطلس أبيض.» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 281

كان قد ذكره الأديب الفاضل الشيخ كاظم الدجيلي في المجلد 28 من مجلة الهلال صحيفة 617 و وصف تاريخه وصفا كافيا بعنوان (تاريخ ابن أبي عدسة) و نقل الترجمة المذكورة علي ظهر الكتاب من تاريخ أنس الجليل في أخبار القدس و الخليل. ثم تعقب البحث الأستاذ عيسي المعلوف و بين أنه وقف علي نسخة من التاريخ في مكتبة (آل الحسيني) في دمشق، و رجح أن الأرجوزة التي شرحها المؤرخ للشيخ عبد الرحمن بن علي بن أحمد البسطاحي الحنفي المتوفي سنة 843 ه.

ثم أن الأستاذ عبد اللّه مخلص صحح اسم المؤرخ بأنه ابن أبي عذيبة كما جاء في الهلال في المجلد 30 ص 862 فكان لتحقيقه قيمته العلمية و نبه إلي أن للمؤلف (كتاب قصص الأنبياء) عليهم السلام.

و أقول قد ذكرت عنه بعض الملاحظات في صحيفة 279 من هذا الكتاب و ترجمه صاحب الضوء اللامع قال و يعرف بابن أبي عذيبة. ولد سنة 819 ه ببيت المقدس و توفي سنة 856 ه و ترجمته مبسوطة هناك، و قال: «ولع بالتاريخ و جمع من ذلك جملة لكنه تتبع مساوي الناس فتفرق لذلك بعده و لم يظفر مما كتبه بطائل مع ما فيه من فوائد و أن كان ليس بالمتقن، و جمع لنفسه معجما وقفت علي جلد بخطه و فيه أوهام كثيرة جدا، و

مجازفات تفوق الحد بل من أجل ما سلكه كان القدح فيه بين كثيرين» ا ه.. و كان لقي ابن قاضي شهبة فاستمد منه و انتفع بتاريخه و تراجمه و أذن له بالتاريخ و قال له أنت حافظ هذه البلاد بل و غيرها..

و بهذا زال الشك عنه و عرفت ترجمته و من اراد التفصيل فليرجع إلي الضوء اللامع.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 282

و لا نري فائدة في النقل عن مؤرخين كثيرين فتكاد الأقوال تتفق في الاعجاب مما قام به مما لم يتيسر لفاتحين كثيرين … و لم يعترضه في طريقه إلا معاداة بركة خان ابن جوجي بن جنگيز فإنه ناصبه الحرب و صارحه القتال و كان ملك (قبجاق) و أراد أن يذل هلاكو لما قام به من القسوة في المسلمين و في الخليفة دون عقد شوري فجهز جيشا عظيما لمقارعته و في شوال سنة 660 ه تقاتلا فانتصر هلاكو عليه، و أرسل ابنه ابقاخان بجيش قوي عليه و تأهب هو أيضا للمرة الثانية فالتقي الجمعان فتغلب بركةخان علي عدوه و ولي الأدبار في جمادي الأولي سنة 661 ه، و كذلك وقعة (عين جالوت) أثرت علي الوضع وضعضعت من القوة … ما دعا أن تتوقف الفتوح و يفتر العزم بل تخور القوي فلم تتحقق الأماني و الاتفاقات مع الصليبيين …

و لولا أن الخوف لا يزال مستوليا علي النفوس لهاجت عليه البلاد من كل صوب … و لكنه لم يخل من الحساب للأمر، يقال إنه السبب الوحيد لوفاته … قال ابن أبي عذيبة المذكور:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 283

فلما بلغ هلاكو قتل كتبغا و عسكره و ما جري لهم (في عين جالوت) حنق و

طلب الملك الناصر … و قتله … ثم لما انكسر عسكر التتر جرد قطز في أثرهم بيبرس البندقداري فتبعهم إلي أطراف البلاد و قتلوا عن آخرهم. فلما سمع هلاكو بهذه القضية و كان متوجها إلي العراق لحقه خناق و مات بعلة الصرع …» ا ه.

و الظاهر أن السببين اجتمعا أو بالتعبير الأصح تواليا فأوديا بحياته غما … و كان قد اشغله هم القضاء علي بركة خان و تأهب لمناضلته مرة أخري إلا أنه مرض في ربيع الأول سنة 663 ه قال في جامع التواريخ و توفي في 19 ربيع الآخر في شاطي ء نهر جغاتو الكائن في جنوب بحيرة اورمية و دفن في جبل شاهو تجاه قرية خوارقان (دهخواركان).

و كان محبا للعمارات و أقام الكثير منها في حدود مراغة، و بحيرة اورمية و نهر جغاتو، و جبل الآتاع (طاغ) و ميله إلي التنجيم، و الفلك و الكيمياء كان كبيرا، و يقال إنه بذل ما انتهبه من ثراء في سبيل الكيمياء، كا بني الرصد في مراغة و بذل له الأموال الوافرة و اتخذ له مكتبة كبري …

و كان علي مذهب البوذية، و في خوي بني دارا للأصنام … و لكن زوجته دوقوز خاتون بنت ابن اونك خان من الكرايت كانت علي النصرانية، و هذه كانت زوجة والده تولي خان، و بعد وفاته تزوج بها و كان لها نفوذ عظيم عليه و رأي النصاري بسببها توجها زائدا … و كان ذلك مما أدي إلي اتفاقات مهمة بين المغول و الحكومات المسيحية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 284

الغربية للقضاء علي الإسلامية … فخذل المغول في الوقائع السالفة فصارت من البواعث الرئيسية لتوقفهم، و حبوط مساعيهم في تحقيق امانيهم … خصوصا

كانت الإسلامية قد تجدد نشاطها بإسلام مملكة القبجاق علي يد بركةخان رأس حكومتها و هناك سبب آخر و هو أن امراء ايران كان لهم النفوذ الكبير لمنع توسيع سلطة الأرمن و توقيف نفوذهم عند حده … و ماتت (دقوز خاتون) بعد قليل أي في 5 جمادي الثانية 663 ه و يعزو صاحب جامع التواريخ تأثره من حادث ابن الدواتدار الصغير و ما فعله في بغداد و ذهابه إلي سورية هاربا من حكم المغول … و هذا أيضا يعد سببا آخر لاضطرابه …

و كان قد رثاه الطوسي بأبيات فارسية مبينا فيها تاريخ وفاته …

خلفه ابنه اباقاخان في 8 جمادي الثانية من السنة المذكورة …

و الحاصل أن حكومته أشبه بالحكومات المتمدنة التي تراعي الحرية الدينية بحذافيرها و لم تتقصد النكاية بأهل نحلة أو دين …! بل هو أوسع صدرا.

لم يحارب إلا المحارب و مهمته سياسية حربية صرفة … و ما قام به الجيش من سوء الأحوال و انتهاك الحرمات فلا يعذر من أجله و الظاهر أنه كان هذا منهاجه، أو أنه لا مندوحة له من وقوعه و لا يتيسر صده قضاء علي النزعات و استئصالا لها من أساسها مما دعا أن يعد من أكبر السفاكين … و علي كل كان من السياسة المدنية بمكان …

و لو كانت الحكومة العباسية طبقت الخطة السياسية الإسلامية في منتهاها كما راعتها في أولاها لما تسلطت عليها الأقوام، و لا خشيت بطش الزائغين، و لما ركنت إلي العصبية الحزبية التي أدت إلي الخلاف أكثر و إلي الثورات أعظم، و لما فزعت إلي التوسل بالعنصرية، أو المذهبية و ما شاكل …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 285

و معلوم أن تطبيق هذا المبدأ

يحتاج إلي قوة و سلطة قهارة تدع كلّا يقف عند حده و يراعي غيره كما يراعي نفسه و لكن المبدأ العباسي تداعي بنيانه و هوت حيطانه و لم يعد يصلح للحياة بل البقاء في جانبه خطر و مهلكة …

و هنا يلاحظ في حكومات ذلك العصر أنها أصل الجماعة و سائر الأقوام الذين تحت سلطتها خلقوا لتعيش هي برفاه و سعادة و اطمئنان دون أن يلتفت إلي ما يؤدي إلي ثراء الشعب و نعيمه و رفاهيته. فتري الخليفة يخزن أموال الأمة و يجعلها لنفسه و لم تستفد الأمة ما يعود لمصلحتها بالخير شيئا يذكر … و كذا هلاكو يهاجم الأمة و يسلبها أموالها و يغتنم ما خزنه الخليفة غنيمة باردة … فلم تبق للأمة مؤسسات نافعة، و مفيدة اللهم إلا ما يساعد علي مصلحة اعدائها و أعمالهم العسكرية من صنع جسور و تسهيل طرق … و الحاصل لم تدع هذه الحكومات من قوتها لسلب أموال الأمة و التنعم بها … إلا فعلته …

و حكاية نصير الدين الطوسي المارة آنفا عنه كاشفة لحقيقة خطته رغم المبالغة فيها كما أنها مطابقة لنهج جنگيزخان و وصاياه لأولاده و سلوكه مع الأقوام … فهو فاتح (جهانكير) و مدبر (جهاندار) مما يعبر به عنه … و علي كل هي تعديل في الخطط …

أما سياسته في العراق بعد الفتح فإنه لم يداج أحدا و لم يراع جانبا و لا أغمض عن عات و لا تغافل عن ظالم أو ناهب و همه إقامة العدل و مراعاة السياسة الحكيمة فكانت أذنه صاغية و محاكمة الموظف المنسوبة إليه الخيانة حاسمة … لم يتردد في إقامة العدل و تنفيذه في حق من استوجب العقوبة و لو

كان أعز الناس إليه أو أكبر من قام بخدمة له …

و هذه سجايا لا نكاد نراها في حكومة و لا نعرفها عند أحد من معاصريه و من بعدهم … حكومة رشيدة و لكن النفوس فاسدة و السلوك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 286

ردي ء و الناس منطوون علي سيي ء الأعمال و خبيث الأفعال … و تكاد تضارع إدارته خطة العرب المسلمين لو لا قسوتها و فظاعتها …

و مما ينكر عليه نهجه الديني أيضا فهو غير مسلم، و أعماله ليست مصروفة لخير الجماعة و صلاحها … و أنه أول كافر وطأ هذه الأرض مذ زمن عمر بن الخطاب (رض) فنفرته الأمم الإسلامية جمعاء من جراء هجومه علي بغداد و نكايته بالخلفاء و القضاء عليهم و سفكه الدماء الوفيرة و سيطرته علي هذه البلاد، و جعلها منقادة له، مما أوجب استياء كافة المسلمين في شرق البلاد و غربها … و لا يزالون يذكرونها و الحزن رفيقهم و الهمّ حليفهم …

ذلك أمر أراده اللّه تعالي ليعلموا أن دعوي الإسلامية وحدها لا تجديهم نفعا ما لم يسلكوا طريقها الحق و منهجها القويم، و أهم ما في هذا الايمان الخالص و الاستقامة التامة و مراعاة العدل و لو مع من نكره … و هذه مقومات الاجتماع و وسائل حسن الارتباط بين القوم و الأمة أو الأمم قلبا و قالبا …

و علي كل حال إن الحوادث الجزئية المارة و غيرها مما هو معروف عنه تنبي ء عن مقدرة هذا الفاتح العظيم و السياسي الخطير الذي في وسعه ادارة عالم لا أمة أو بضعة أمم بسياسة حكيمة و عقل مدبر و فكر كامل … و من أهم ما قام به ضدنا أنه أضاع

مزايا العراق باتخاذه عاصمة الملك في موطن بعيد عن العراق … مما قلل من مكانته …

و جعله مملكة أصغر شأنا من غيرها …

و مهما يكن الأمر فهو ليس فاتحا فحسب و إنما هو سياسي خطير و لا تزال الأمم تري الصعوبات الجمة في تطبيق خطته لأنها لا تزال تمشي بمقتضي الحزبية (هذا من شيعته و هذا من عدوه) و لكنها تتضاءل أمام عظمة الإسلامية و اعتدال دمها مع كافة الأقوام بنهجها القويم الأقوم و العام الشامل …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 287

أسس حكومة عظمي في ايران و انقاد له العراق من الموصل إلي بغداد فالبصرة و قارع الأطراف و أهم حروبه كانت في سورية و في القفجاق (قبجاق) حينما نازعه بركةخان و أراد أن يقضي عليه من جراء حنقه و غضبه علي الخليفة و تألمه لمصابه … فلم ينجح في حروبه معه و مقارعاته له … فتم لهلاكو الفوز و استقل بإيران و ما والاها و أحكم إدارة العراق، و بعث بكتبه ثم سار بجيشه القوي إلي الاطراف إلا أنه شعر بالخطر مؤخرا لما رأي من الأوضاع.

دام حكمه ببغداد من 5 صفر سنة 656 ه و استمرت ادارته إلي تاريخ وفاته في 19 ربيع الآخر سنة 663. و هو الذي قارع العباسيين و قضي عليهم و قتل الخليفة المستعصم و لم يبق منهم احدا إلا ابن الخليفة و أخاه. أما الأخ فكان استنجد و جمع و حشد عساكر الشام و مصر و جاؤوا علي طريق الانبار فقتلهم المغول عن آخرهم و قتلوا أخا الخليفة. و بقي الابن في مصر فأعلنوا خلافته و سموه (ابن البركة) فتحولت الخلافة إلي هناك و لم تخرج من

كونها خلافة بالاسم و مراعاة مراسم دون قيام بأعبائها و مهماتها … فلا يجلس السلطان بمصر إلا بإذنهم و بيعتهم ظاهرا إلي أن انقرضوا الانقراض الأخير علي يد السلطان سليم المعروف بياوز فنقل الخلافة إليه و سمي نفسه بالخليفة. و تلك الأيام نداولها بين الناس.

السلطان آباقاخان ولي في 25 ربيع الآخر سنة 663 ه

و في 25 ربيع الآخر لسنة 663 ولي آباقاخان و أجمع الأمراء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 288

و العساكر علي طاعته و ذلك بعد أبيه السلطان هلاكوخان و كان حين توفي والده حاكما في مازندران فتحرك علي وجه السرعة و العجلة فجاء إلي تبريز و حلّ محل أبيه.

و في زمن والده كان يذكر في عناوين الأحكام اسماء منگوقاآن، ثم قبلاي قاآن أما أباقا فلم يوافق علي ذكر اسم قوبيلاي و إنما ذكر اسمه أصالة و أعلن نفسه ملكا علي ايران مستقلا.

و ذلك أن مانگوقاآن كان قد توفي في مملكة الصين بعد أن اكتسح غالبها فولي بعده قوبيلاي قاآن و قد وقع خلاف في ملوكيته إلا أنه تمكن من إخضاع المخالفين و اذعن الجميع له بالطاعة، و فتح مملكة الصين بتمامها، ولي الحكم 35 عاما، و علي ما جاء في خلاصة الاخبار أنه توفي سنة 693 ه …

و قد عمرت بلاد ايران و الروم بحسن سيرته. و كان مدار ملكه علي الأمير سوغنجاق، و الوزير الخواجة شمس الدين صاحب الديوان و هو ابن الصاحب بهاء الدين الجويني. و كانوا أبا عن جد اصحاب ديوان خراسان و كانوا قائمين بأنواع الكمالات، و حازوا فنون العلم، و فازوا بالنصيب الكامل، و أحرزوا قصب السبق في تربية العلماء الأفاضل، و نالوا من حسن السيرة و العدل ما لم يصل إليه همم الأواخر و

الأوائل،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 289

و كانوا ملجأ لسلاطين ايران و ملاذا و موئلا للملوك و معاذا في ذلك الزمن.

حوادث العراق في هذه السنة:

أقر السلطان آباقاخان ولاية الصاحب علاء الدين ببغداد، وصله يرليغ منه و خوله به أن يكون حاكما مطلقا لا يكون فوق يده يد و كان شحنة بغداد قرا بوغا و نائبه إسحق الارمني … كذا في ابن العبري و فيما يلي ما يخالف هذا … و قد نسبا إليه الممايلة إلي سورية فلم يثبت ذلك عليه.

حوادث الموصل:

و في هذه السنة (سنة 663) عين رضي الدين المعروف بالبابا واليا بالموصل و في تاريخ الموصل أنه ناصر الدين الفأفأ فدخلها و قبض علي الزكي الإربلي الذي كان و اليها و طالبه بالبقايا التي ساقها الحساب عليه و استوفي منه معظمها ثم قتله، و الزكي الإربلي هذا كان من اجناد الموصل و بعد ان استولي سمداغو علي الموصل و جعل حاكمها الأمير شمس الدين محمد بن يونس الباعشيقي نظرا لخدمته في ايصال الكتاب الوارد إلي الملك الصالح من أخيه علاء الدين يدعوه أن يكون مع البندقدار سعي الزكي الإربلي في الامير المذكور و قال عنه إنه جمع الأموال و الجواهر من خزائن بيت بدر الدين … فأنكر فضربوه أشد الضرب ليقر و قتل و تولي الموصل الزكي سنة 661 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 290

وقعة الجاثليق:

و في هذه السنة قبض مليخا الجاثليق علي نصراني من أهل بغداد قد اسلم فاعتقله بداره المعروفة (بدار الدويدار الكبير) علي شاطي ء دجلة و عزم علي تغريقه فبلغ العوام ذلك فاجتمعوا و نهبوا سوق العطارين برأس درب دينار و غيره من محال النصاري و حصروا الجاثليق و أحرقوا باب داره و قابلوا اصحابه فنزل في سفينة و قصد صاحب الديوان علاء الدين و استجار به فأمر (الكلخية) بكف العوام و ركب (توكال بخشي) شحنة بغداد و أخذ نفرا من العوام و قتل منهم و حبس جماعة فسكنت الفتنة.

ثم إن الجاثليق توجه إلي الاردو السلطاني و عاد إلي إربل و بني بقلعتها بيعة. ثم قدم بغداد و أقام بها إلي أن مات و رتب في منصبه (ماردنحا) الإربلي.

وقائع سنة 664 ه (1265 م)

فيلان ببغداد:

و فيها وصل إلي بغداد رجل معه فيلان أفرد الديوان لهما دارا فأقام أياما ثم توجه بهما إلي السلطان.

وفاة المخرمي:

في هذه السنة توفي فخر الدين أبو سعيد المبارك بن المخرمي.

ترجمة المخرمي:

توفي فخر الدين أبو سعيد المبارك ابن المخرمي و كان قد خدم الخلفاء في عدة خدمات منها القضاء و منها نيابة ديوان الزمام ثم رتب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 291

وكيل باب طراد و النظر بدار التشريفات عوض علي ابن العنبري نقلا من نيابة ديوان الزمام.

و في ربيع الآخر سنة 633 ه نقل إلي صدرية المخزن و خلع عليه و أعطي مركوبا بعدة كاملة و أنعم عليه بألف دينار و أسكن في الدار المنسوبة إلي الوزير عبد اللّه بن يونس المجاورة للديوان، ثم نقل فخر الدين ابن المخرمي إلي صدرية ديوان الزمام في تلك السنة.

و في سنة 637 ه توفي والده عز الدين أبو زكريا يحيي و هو شيخ خير، دين من بيت معروف بالرواية و الدراية و القضاء و العدالة و التنابه و التصوف و الولاية … قد تصرّف في أعمال السواد نظرا و إشرافا، و كان مشكور السيرة، كيسا، متواضعا. ركب في 12 رمضان سنة 637 إلي الجامع فصلي الجمعة و خرج ليركب فلما قارب الباب وقع إلي الأرض و مات فحمل إلي دار ولده فخر الدين أبي سعيد المبارك صاحب ديوان الزمام و لم يكن حاضرا ببغداد فغسل وصلي عليه في جامع القصر و حضر جنازته الولاة و أرباب الدولة و الأمراء و الأعيان و شيعوه إلي دجلة و حمل إلي مقبرة باب حرب فدفن بالقرب من قبر أحمد (رض) و قد جاوز الثمانين و قدم ولده فخر الدين بعد وفاته بثلاثة أيام.

و بقي المترجم فخر الدين في منصبه إلي سنة 643 ه و حينئذ كفت يده فانقطع إلي داره

إلي أن ملك السلطان هلاكو بغداد فلما تقرر حال الحكام بها ولاه صدرا بدجيل ثم نقل إلي مشيخة رباط الحريم بموجب التماسه و إيثاره العزلة و العبادة فبقي علي ذلك إلي أن مات و دفن بحضرة الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللّه.

و قد ورد في حوادث عزله عن ديوان الزمام أن له ابنا اسمه كمال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 292

الدين محمد، و أخا اسمه شمس الدين عبد الرحمن و آخر جمال الدين علي، و ابن عم اسمه رضي الدين علي ابن المخرمي.

و المترجم من أسرة قديمة السكني ببغداد فإن والده عز الدين أبا زكريا يحيي بن المبارك بن علي بن الحسين بن بندار المخرمي، وجده بندار المخرمي كان اعجميا قدم بغداد و استوطنها و سكن المخرّم (محلة أعلي البلد) فنسب إليها. و أما جده المبارك بن علي فكان فقيها فاضلا عالما: عدلا ثقة اشتغل بالفقه حتي برع و درس و أفتي و بني المدرسة المنسوبة إلي تلميذه الشيخ عبد القادر الجيلي رحمه اللّه، و شهد عند قاضي القضاة أبي الحسن الدامغاني سنة 488 ه ثم ولي قضاء باب الازج و كان نزها في ولايته.

و من هذا تعرف مكانة هذه الأسرة و قيمتها الادبية و العلمية و شهرتها بالصلاح و حسن السلوك و آخرها بالنظر لحوادث هذه الأيام مترجمنا.

وفيات
1- وفاة ابن طاوس.

توفي السيد النقيب الطاهر رضي الدين علي بن طاوس و حمل إلي مشهد جده علي بن أبي طالب عليه السّلام قيل كان عمره نحو ثلاث و سبعين سنة. و قد مر بيان توليه النقابة … و قال عنه ابن الطقطقي:

«لما فتح السلطان هلاكو بغداد سنة 656 ه أمر أن يستفتي العلماء أيما أفضل السلطان الكافر

العادل، أو السلطان المسلم الجائر، ثم جمع العلماء بالمستنصرية لذلك فلما وقفوا علي الفتيا احجموا عن الجواب، و كان رضي الدين عليّ بن طاوس حاضرا هذا المجلس و كان مقدما محترما، فلما رأي احجامهم تناول الفتيا و وضع خطه فيها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 293

بتفضيل العادل الكافر علي المسلم الجائر، فوضع الناس خطوطهم بعده.» ا ه.

و لا مجال لقبول هذه الفتوي بعد العلم بأن السلطان المسلم مهدد بالأمة و سخطها عليه و خلعه و الملتزم أن لا تقبل حكومة الكافر و ولايته … و اليوم- بصورة عامة- لا ترضي الأمة أن تحكم إلا بنفسها، و الإدارة أو الارادة للأمة و تختار رئيسها ليمثل رغبتها و يمضي طبق ما تريد … و التهديدات الإلهية كثيرة في لزوم اتباع المسلم دون سواه … و تقييده بما قيده الشارع …

و المترجم من العلماء المشاهير و رجال الشيعة المعروفين و له مؤلفات عديدة ذكرها صاحب روضات الجنات، و صاحب أمل الآمل، و صاحب لؤلؤة البحرين … و المطبوع منها كتاب الاقبال و مهج الدعوات و غيرها … و كان بينه و بين الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي و أخيه و ابنه صداقة متأكدة أقام ببغداد نحوا من 15 سنة ثم رجع إلي الحلة ثم سكن المشهد الشريف برهة ثم عاد في دولة المغول إلي بغداد إلي أن توفي في 5 ذي القعدة و كانت ولادته في المحرم سنة 589 ه.

2- وفاة أبي بكر الشيباني البغدادي.

هو الشيخ المعمر أبو بكر ابن إبراهيم الشيباني البغدادي الصوفي بخانقاه سعيد السعداء. مات ليلة 22 ذي القعدة و دفن بالسفح المقطم، و كان قد ولد سنة 551 ه و هو شيخ صالح، صوفي، من اكابر المعروفين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 294

وقائع سنة 665 ه (1266) م

اشارة

إن السلطان آباقاخان أول من انفصل من حكومة جنگيزخان الأصلية و أعلن استقلاله كما تقدم فكانت نتيجة ذلك ان هاجمه في هذه السنة (665 ه) براق بن جغتاي بن قبلاي قاآن فعبر النهر إلي غربيه بعساكر كثيرة … فسار آباقاخان للقائه فالتقوا بنواحي هراة و اقتتلوا قتالا شديدا استظهر فيه براق خان ثم صار النصر حليف آباقاخان فانهزم براق خان و عسكره و تمت هزيمتهم إلي جيحون و تبعهم عسكر السلطان آباقاخان يقتلون فيهم و ينهبون و يأسرون و غرق منهم خلق كثير في جيحون و نجا براق خان و بعض عسكره …

هذه هي حادثة الانفصال و من ثم اعتبر آنئذ الاستقلال و انفردت الحكومة بالادارة و تدبير شؤون الحكومة باسمها …

وقائع العراق الأخري في هذه السنة:

1- فيها عزل توكال بخشي عن نوكرية هوشتكتاي شحنة بغداد و جعل عوضه (تتارقيا).

2- و فيها وصل شمس الدين محمد الكبشي إلي بغداد و عين مدرسا بمدرسة النظامية و حضر درسه الحكام و العلماء فلم يزل علي ذلك إلي أن خطر له التوجه إلي بهاء الدين ابن الصاحب شمس الدين الجويني فسار إليه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 295

وقائع سنة 666 ه (1267 م)

بناء رباط:

أمر علاء الدين صاحب الديوان ببناء رباط بمشهد الإمام علي (رض) ليسكنه المقيمون المجاورون هناك و وقف عليه وقوفا كثيرة، و أدرّ لمن يسكنه ما يحتاج إليه.

ضرب نقود:

أمر بضرب فلوس من المس (النحاس) ليتعامل بها الناس ببغداد و غيرها و جعل كل أربعة و عشرين فلسا بدرهم و بكل دينار خمسة أرطال …

التأهب للحج:

أمر الناس بالتأهب للحج و أحضر (عرب الطريق) و أطلق لهم من ماله شيئا كثيرا و أخذ منهم الرهائن علي أن يسيروا الحجاج و يعيدوهم …

و لما توجه الناس مضي الصاحب معهم إلي الكوفة، و جهز الفقراء و زوّدهم و عين للناس من يتأمّر عليهم في السفر فحجوا و عادوا سالمين …

قتل ابن الخشكري:

أمر الصاحب بقتل (ابن الخشكري) النعماني الشاعر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 296

وفيات:
1- توفي الشيخ عفيف الدين يوسف بن البقال

شيخ رباط المرزبانية.

2- توفي الشيخ ضياء الدين محمود الجاجرمي

شيخ رباط الشونيزي.

3- عفيف الدين علي بن عدلان. و هو أبو الحسن الربعي الموصلي،

ولد سنة 583 ه و توفي في 9 شوال سنة 666 ه و كان علامة تصدر بجامع الصالح، و كان من اذكياء بني آدم و أحد الائمة المشهورين بمعرفة الأدب و له مصنفات … و ترجمته في فوات الوفيات.

4- الشريف أبو العباس أحمد بن أبي محمد عبد المحسن الواسطي العراقي التاجر

مات بثغر الاسكندرية في 5 صفر. و مولده بالغراف … (عقد الجمان ج 19).

ولاية الموصل:

و في هذه السنة ولي علي الموصل رجل نصراني اسمه مسعود.

و هو من قري إربل اسمها برقوطا. و عزل عنها البابا. و رتب معه شحنة من المغول اسمه اشموط.

و مسعود هذا كان ابوه أعلم الدين يعقوب التاجر من أخص ثقات آباقا و أعز المقربين إليه و كان في هذه السنة جاء لزيارة اباقا و في عودته أدركته المنية فكافأ ولده الأكبر بولاية الموصل و إربل … و عزل (البابا).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 297

وقائع سنة 667 ه (1268 م)

قدوم السلطان آباقاخان إلي بغداد:

في هذه السنة قدم السلطان آباقاخان إلي بغداد و في خدمته الأمراء و الوزراء و العساكر فأقام إلي زمن الربيع و عاد و اعتمد الصاحب علاء الدين في الخدمة بالتحف و الاعلاق النفيسة ما يجب.

صدر الأعمال الحلية:

و في هذه السنة رتب السيد النقيب تاج الدين علي ابن الطقطقي العلوي صدرا بالأعمال الحلية.

وفيات:
1- توفي اقضي القضاة نظام الدين عبد المنعم البندنيجي

و دفن في صفة الشيخ جنيد. و بلغ 76 سنة. و كان ورعا، تقيا، حسن السيرة اشتغل في عنفوان شبابه بمدرسة دار الذهب ببغداد حتي برع، و أفتي ثم رتب معيدا بالمدرسة المستنصرية، ثم شهد عند اقضي القضاة كمال الدين عبد الرحمن ابن اللمغاني، ثم جعل في ديوان العرض … ثم عين قاضيا في الجانب الغربي سنة 52 ثم نقل إلي الجانب الشرقي و خوطب بأقضي القضاة سنة 55 فاستمر علي ذلك … فلما توفي رتب قاضي القضاة سراج الدين محمد بن أبي فراس الهنايسي الشافعي نقلا من التدريس بالمدرسة البشيرية …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 298

2- القاضي فخر الدين عبد اللّه بن عبد الجليل الطهراني الراوي الحنفي.
3- الشيخ الصالح الزاهد محمد بن السكران

و دفن في رباطه بناحية المباركة من الخالص. و التفصيل عنه في ابن الفوطي. و مرقده معروف اليوم قرب الجديدة من انحاء الخالص.

حوادث أخري:

1- سقط في هذه السنة و فر كثير كان سمكه في السطوح دون الشبر.

وقائع سنة 668 ه (1269 م)

ولاية الموصل و شحنتها:

في هذه السنة رفع البابا علي مسعود البرقوطي والي الموصل و أشموط الشحنة بما وصل من الأموال إليهما فأخذا و حوسبا و عزلا و سلمت الموصل إلي البابا و جعل معه بعض امراء المغول شحنة.

وقائع في بغداد:

1- تقدم علاء الدين صاحب الديوان بعمل دولاب تحت مسناة المدرسة المستنصرية يقبض الماء من دجلة و يرمي إلي مزملتها ثم يجري تحت الأرض إلي بركة عملت في صحن المدرسة. ثم يخرج منها إلي مزملة عملت تجاه ايوان الساعات خارج المدرسة و جدد تطبيق صحنها و تبييض حيطانها و كان المتولي لذلك شمس الدين الخراساني (صدر الوقوف).

2- ثم أمر بعمارة مسناة مسجد قمرية بالجانب الغربي و كانت قد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 299

خربت في زمن الخليفة المستعصم عند زيادة دجلة و غرق بغداد و عمل موضعها سكرا من الخشب و بقي إلي الآن فتقدم بتجديده و عمله كما كان أولا.

3- تقدم بترتيب الشيخ نور الدين علي بن الاطلبي الحنفي مدرسا بالبشيرية عن فخر الدين الطهراني المتوفي في السنة الماضية.

حادثة اغتيال:

في 15 جمادي الآخرة ركب علاء الدين صاحب الديوان لصلاة الجمعة فلما وصل إلي المسجد الذي عند عقد مشرعة الابريين نهض عليه رجل و ضربه بسكين عدة ضربات فانهزم كل من كان بين يديه من (السرهنكية) و هرب الرجل أيضا. فعرض له رجل كان قاعدا بباب غلة ابن تومة و ألقي عليه كساءه و لحقه السرهنكية فضربوه بالدبابيس و قبضوه.

و أما الصاحب فإنه أدخل دار بهاء الدين بن الفخر عيسي و كان يومئذ يسكن في الدار المعروفة (بديوان الشرابي) و لما عرف بذلك خرج حافيا و تلقاه و دخل بين يديه و أحضر الطبيب فسبر الجرح و مصه فوجده سليما من السم و أحضر الجارح و سئل من وضعه فلم يقل شيئا و عاجله الموت. لكن توهموا أن ذلك بوضع بعض النصاري.

وفيات:
1- توفي الشيخ أبو نصر محمد بن أبي الحسن الخراز الصوفي ببغداد.

كان شيخا ورعا يقول الشعر. و له ديوان مشهور …

و جاء عنه في عقد الجمان أنه الشيخ أبو نصر محمد بن الحسن الحوار الصوفي … كان جميل المعاشرة حسن المذاكرة و له:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 300

نهض القلب حين اقبلت أجلا لا لما فيه من صحيح الوداد

و نهوض القلوب بالود أولي من نهوض الأجساد للأجساد

2- تقي الدين بن كليب النحوي الواسطي.

و كان فاضلا، شاعرا.

حوادث أخري:

في هذه السنة غلت الأسعار ببغداد حتي بلغ الكر من الحنطة مائة و خمسين دينارا و كان الخبز يتعذر في الأسواق أكثر الأوقات.

وقائع سنة 669 ه (1270 م)

ذيول حادثة بغداد:

في هذه السنة قتل العدل نجم الدين يحيي بن عبد العزيز الناسخ، و سبب ذلك أنه نسب إلي مكاتبة ملوك الشام فحبس و قرر فاعترف بذلك فأمر بقتله. و كان فاضلا ورعا تقيا. و الاتهامات في هذه مما يلتفت إليه دائما.

وفيات:
1- توفي صفي الدين عبد اللّه بن جميل الجبي.

كان أديبا فاضلا، ظريفا، خليعا حسن الأخلاق طيب المحاضرة. من شعراء الديوان أيام الخليفة، و له أشعار حسنة.

2- توفي الشيخ سراج الدين عبد اللّه ابن الشرمساحي المالكي،

مدرس المستنصرية، و كان عالما كثير العبادة. ورد زمن الخليفة المستنصر و معه أخوه علم الدين أحمد، فلما توفي عين أخوه علم الدين موضعه نقلا من تدريس البشيرية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 301

وقائع سنة 670 ه (1271 م)

عقد نكاح لبنت ابن الخليفة:

في هذه السنة وصل الخواجة شرف الدين هارون ابن الصاحب شمس الدين محمد الجويني صاحب ديوان الممالك و سأل من الصاحب علاء الدين عمه تزويجه بابنة أبي العباس أحمد ابن الخليفة المستعصم و هي رابعة فأحضر قاضي القضاة سراج الدين محمد بن أبي فراس الهنايسي و جماعة العدول و المشائخ فاشترطت والدتها و هي زوجة علاء الدين قبل العقد أن لا يشرب الخمر و أجاب إلي ذلك فعقد العقد و كتب (كتاب الصداق) بخط بهاء الدين أبي الفخر عيسي الإربلي المنشي فشهد فيه قاضي القضاة و عدلان. و هذه صورته:

«الحمد للّه الذي جمع الشمل و نظمه، و قوّي عقد الألفة و أحكمه، و أوثق حبل الاجتماع و أبرمه، و صلواته علي سيدنا محمد الذي شرفه و عظمه، و رفع قدره و كرمه، و علي آله و صحبه الذين أوضحوا منار الايمان و علمه، و أظهروا برهانه و أناروا ظلمه، و كشفوا لبسه و خصصوا مبهمه.

هذا ما أشهد عليه المولي الصاحب المعظم، شرف الدولة و الدين، ملك الوزراء مفخر الدنيا، هارون بن المولي الصاحب (المعظم شرف الدولة و الدين) الأعظم العادل المؤيد المجاهد المرابط، شمس الدين اصف العهد، ملك وزراء الآفاق، مالك رق المعالي بالاستحقاق، فريد العصر في شرف الخلال و كرم الاخلاق، محمد بن الصاحب المعظم بهاء الدين محمد. أطال اللّه عمر الخلف، و أهدي الرضوان إلي السلف، في صحة من رأيه الكريم، و نفاذ من تصرفه القويم، و مضاء

من سداده المستقيم أن عليه و قبله و في ذمته، و خالص ماله لزوجته السيدة الجليلة المعظمة المكرمة المقدسة الطاهرة الزكية أمة اللّه المباركة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 302

المدعوة رابعة اخت البتول الزهراء في طهارة الميلاد و ابنة عمها في نسب الآباء و الاجداد بنت الأمير الكبير السعيد الشهيد أبي العباس أحمد ابن الإمام السعيد الشهيد أبي أحمد عبد اللّه الإمام المستعصم باللّه أمير المؤمنين (و ذكر نسبه إلي العباس عم النبي صلّي اللّه عليه و سلّم) من العين مائة ألف دينار ذهبا عينا صحاحا و ذلك بحق صداقها الذي تزوجها عليه تزويجا صحيحا شرعيا تولي مرشد و شاهدي عدل و تولي هذا العقد الميمون قاضي القضاة شرقا و غربا و بعدا و قربا سراج الدين محمد بن أبي فراس الهنايسي بإذنها و رضاها فصار المبلغ المشار إليه دينا لها عليه و حقا واجبا ثابتا لازما و صداقا حالّا غير مؤجل يؤديه إليها متي شاءت من ليل أو نهار، من غير دفع و لا منع و لا اعتذار، أقر المولي الصاحب المعظم شرف الدين المشهد علي نفسه أنه ملي ء بالنقد المذكور و هو مائة ألف دينار من النقد المعين فيه و فيّ به قادر عليه و قبل ذلك و صحّ قبوله و بذلك جميعه أشهد علي نفسه الكريمة في جمادي الآخرة سنة 670 ه» انتهي.

و في ابن أبي عذيبة و تعرف بالسيدة النبوية توفيت معه في سنة واحدة علي ما سيجي ء و لها منه المأمون عبد اللّه و الأمين محمد و زبيدة قال «قتل زوجها هارون فلم يعلم أحد منهما بموت الآخر و كان صداقها مائة ألف دينار و هذا ما سمع بمثله

إلا لملك فإن القائم بأمر اللّه أصدق خديجة السلجوقية مائة ألف دينار و كذلك المكتفي زوج ابنته زبيدة بالسلطان مسعود بن محمد ملكشاه علي صداق مائة ألف دينار.» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 303

منارة جامع الخليفة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 304

تجديد منارة جامع الخليفة:

و في هذه السنة أمر علاء الدين صاحب الديوان بتجديد منارة جامع الخليفة، و كان صدر الأوقاف يومئذ شهاب الدين علي بن عبد اللّه فشرع في ذلك و انتجزت في آخر شعبان. ثم سقطت في شهر رمضان بعد فراغ الناس من صلاة التراويح و لم يتأذّ أحد ممن كان هناك.

حريق في سوق المدرسة النظامية:

و في هذه السنة وقع حريق بسوق المدرسة النظامية فاحترق جميعه و هلك فيه خلق كثير ممن كان في الغرف. و ذهب من أموال الناس شي ء كثير. فأمر الصاحب علاء الدين بعمارته من حاصل وقف المدرسة.

عمارات أخري: (في واسط)

و في هذه السنة أمر علاء الدين صاحب الديوان بعمارة موضع في نهر جعفر من أعمال واسط سماه (المأمن) و بني فيه ديوانا و جامعا و خانا و حماما و سوقا و انتقل إليه خلق كثير. و كان التجار المنحدرون إلي البصرة و المصعدون منها يصعدون متاعهم إليه فانتفعوا به و أمنوا علي أموالهم و بني فيه ناصر الدين قتلغ شاه الصاحبي مدرسة.

وفيات:
1- توفي قاضي القضاة سراج الدين محمد بن أبي فراس الهنايسي في آخر رمضان

و دفن في الضفة التي تقابل ضريح الشيخ معروف (ر)؛ كان في مبدأ أمره فقيها، ثم ولي مدرسا في المدرسة البشيرية، ثم نقل إلي القضاء و ولي القضاء بعده عز الدين أحمد الزنجاني.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 305

جلوس منكوقاآن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 306

2- قتل نجم الدين خواجة إمام، كان من نواب الصاحب علاء الدين،

قدم معه من خراسان فأثبته فقيها بالمدرسة المستنصرية و فوض إليه أمر و كالته في خاصته و قدمه و أعلي مرتبته حتي صار المشار إليه في بغداد و حصل أموالا عظيمة ثم كفر النعمة و استعد للقول في الصاحب فبلغه ذلك، فقبض عليه و حبسه في داره فنقب الحبس و خرج منه ليلا و التجأ إلي بعض امراء المغول و ضمن له مالا علي أن يوصله إلي السلطان فأدركه الصاحب و قتله …

وقائع سنة 671 ه (1272 م)

المدرسة العصمتية:

في هذه السنة تكاملت عمارة المدرسة التي أمرت بإنشائها زوجة علاء الدين صاحب الديوان مجاور مشهد عبيد اللّه عليه السّلام ظاهر بغداد و سميت العصمتية و وقفتها علي الطوائف الأربعة و بنت إلي جانبها تربة لها و رباطا للمتصوفة و فتحت في هذه السنة و رتب بها القاضي عز الدين أبو العز محمد بن جعفر البصري مدرس الطائفة الشافعية و عفيف الدين ربيع بن محمد الكوفي مدرس الحنفية و شرف الدين داود الجيلي مدرس الحنابلة، و مجد الدين المعروف بشقير الواعظ مدرس المالكية و خلع علي الجميع و عمل بها وليمة و جعلت النظر فيها إلي شهاب الدين علي ابن عبد اللّه و الإشراف عليه إلي من ولي قضاء القضاة ببغداد.

قاضي و مدرس: (وفاته)

و فيها عين تاج الدين عبد الرحيم بن يونس الموصلي الشافعي قاضيا بالجانب الغربي ببغداد و أضيف إليه الدرس بالمدرسة البشيرية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 307

و كان رجلا فاضلا عالما. له مصنفات مشهورة. فلم تطل أيامه و توفي في آخر هذه السنة.

وفاة قاض آخر:

و في هذه السنة توفي أيضا القاضي مجد الدين أحمد الدوري فجأة.

الخواجة شرف الدين و المدرسة النظامية:

و في هذه السنة جلس الخواجة شرف الدين هارون ابن الصاحب شمس الدين بن الجويني صاحب ديوان الممالك علي السدة (بالمدرسة النظامية) و ألقي دروسا و حضر علاء الدين صاحب الديوان عمه و كافة أرباب الدولة و المدرسون و العلماء و الفقهاء تحت سدته. و أنشد الشعراء بعد فراغه.

نائب القاضي ببغداد: (وفاته)

في هذه السنة رتب قاضي القضاة عز الدين أحمد ابن الزنجاني عز الدين أبا العز أحمد بن جعفر البصري نائبا عنه في القضاء ببغداد و قد توفي بعد ذلك بقليل أي لم يكمل السنة و دفن عند الجنيد و كان عالما فاضلا ولي تدريس النظامية بعد واقعة بغداد ثم نقل إلي تدريس مدرسة الأصحاب و درس في المدرسة العصمتية عند فتحها و ناب في الحكم و القضاء كما تقدم.

وفاة ابن القاسم الموصلي:

توفي تاج الدين عبد الرحيم بن محمد الموصلي من بيت الفقه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 308

و الرياسة. ولد سنة 598 ه و سمع وحدث و صنف، و اختصر الوجيز و المحصول، و له طريقة في الخلاف …

وقائع سنة 672 ه (1273 م)

السلطان آباقاخان في بغداد:

في هذه السنة وصل السلطان آباقاخان إلي بغداد و في خدمته الأمراء و العساكر و الخواجة نصير الدين الطوسي و عبر دجلة و تصيد في أراضي قوسان حتي بلغ قريبا من واسط. ثم عاد إلي بغداد و نزل بالمحوّل.

و أمر بالإحسان إلي الرعايا و تخفيف التمغات و حذف الأثقال عنهم و كتب ذلك علي حيطان باب جامع المستنصرية.

ثم أقطع المحول بلغان خاتون.

فلما انقضي الشتاء عاد إلي مقر ملكه.

و أما الخواجة نصير الدين الطوسي فإنه أقام ببغداد و تصفح أحوال الوقوف و ادرّ أخباز الفقهاء و المدرسين و الصوفية و أطلق المشاهرات و قرر القواعد في الوقف و أصلحها بعد اختلالها.

اضافة تستر و أعمالها:

و أمر السلطان بإضافة تستر و أعمالها إلي علاء الدين صاحب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 309

الديوان و كانت أيام الخلافة مرتبطة ببغداد و تعد من أعمالها فتوجه الصاحب إليها و تصفح احوالها و عين بها نوابا و بهذا صارت إحدي ألوية العراق فذكروا له أن بها رجلا يدعي النبوة و قد أتفق معه جماعة و قد نقص لهم من الفروض صلاة العصر و عشاء الآخرة فأمر بإحضاره و سأله عن هذه الحال فرآه ذكيا عارفا ببعض العلوم فأمر بقتله فقتل و سلم إلي العوام و أخذ أكثر من كان قد اتبعه. و هذا كان صبيا من ابناء التجار اسمه كي اشتغل بحفظ القرآن و الفقه و الاشارات و النجوم و كان ينظم شعرا بالفارسية فادعي أنه عيسي ابن مريم و قال إن بلغت من العمر ثماني و ثلاثين سنة تم امري. و نظم شعرا يتضمن ذلك فقيل و لم يبلغ ما ذكره من العمر.

تعيين مدرسين:

و في هذه السنة عين نجم الدين محمد بن أبي العز البصري مدرس الطائفة الشافعية بمدرسة الأصحاب، و نصير الدين الفاروقي مدرس المدرسة النظامية.

علاء الدين صاحب الديوان في واسط:

و في هذه السنة انحدر علاء الدين صاحب الديوان إلي واسط و قبض علي فخر الدين مظفر ابن الطراح و أصحابه و نوابه و أخذ منهم أموالا كثيرة و عزله و رتب عوضه شمس الدين محمد ابن البروجردي.

الأبهري الزمهرير:

و فيها أحضر عماد الدين محمد بن حسن الأبهري المعروف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 310

بالزمهرير تقدم بعض الخواتين إلي الخواجة نصير الدين الطوسي بمشيخة رباط الخلاطية فرتبه عوضا عن شمس الدين ابن اليزدي. و كان شيخا لم يخالط الصوفية و لا عرف قواعدهم و لا تأدب بآدابهم و كان الناس يولعون به فقال له يوما شمس الدين الكوفي الواعظ أنا و أنت لا نري الجنة فتأثر لذلك و اغتاظ منه فقال له إن اللّه تعالي يقول لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً. و لم يزل شيخا بالرباط إلي سنة 677 ه ثم سافر و أعيد ابن اليزدي إلي الرباط.

وفيات:
1- قتل النقيب تاج الدين علي بن رمضان بن الطقطقي بظاهر سور بغداد

وثب عليه جماعة من أهل الحلة و ضربوه بالسيوف و كان السلطان ببغداد فلم يزل الصاحب علاء الدين يفحص عن قاتليه حتي حصلهم و قتلهم ثم أخذ أملاكه بشبهة ما بقي عليه من ضمان الأعمال الحلية.

و الطقطقي من آل طباطبا علوي و هو والد صفي الدين محمد صاحب (تاريخ الفخري) كما عليه أهل الأنساب قتله علاء الدين عطا ملك الجويني بتحريض من أخيه شمس الدين الجويني حينما علم منه أنه شكا أحواله لدي السلطان فأرسل إليه الشكوي بعينها، و حينئذ عزم علي الوقيعة به و دبر ما يلزم فكانت القاضية عليه قال في عمدة الطالب:

«تاج الدين علي بن محمد بن رمضان يعرف بابن الطقطقي، ساعدته الأقدار حتي حصل من الأموال و العقار و الضياع ما لا يكاد يحصي، و من غرائب الاتفاقات التي حصلت له أنه زرع في مبادي ء احواله زراعة كثيرة في أملاك الديوان و هو إذ ذاك صدر الأعمال الفراتية، و أحرز ما تحصل له من الغلات في دار له كان

قد بناها و لم يتمها و فصل حسابه مع الديوان و قد بقي له بقية صالحة من الغلات،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 311

فأصاب الناس فحط شديد، و سعر النقيب تاج الدين في بيع الغلات فباع بالأموال ثم بالاعراض، ثم بالاملاك، و كان يضرب المثل بذلك الغلاء فيقال غلاء ابن الطقطقي نسب إليه لأنه لم يكن عند أحد شي ء يباع سواه … و ترقي أمره إلي أن كتب إلي السلطان أبقا بن هلاكو في عزل صاحب الديوان و اقامته عوضه و وعده بأموال جزيلة و إشارة كفايات غريبة فوقع كتابه إلي الوزير شمس الدين الجويني فأخذ قرطاسا و كتب فيه:

كم لي انبه منك مقلة نائم يبدي سباتا كلما نبهته

فكأنك الطفل الصغير بمهده يزداد نوما كلما حركته

و جعل كتاب النقيب فيه و أرسله إلي أخيه فاستعد صاحب الديوان و تقرر أمره عنده علي أن أمر جماعة بالفتك به ليلا ففتكوا به و هربوا إلي موضع ظنوه مأمنا أمرهم بالمصير إليه صاحب الديوان فخرج إليه من ساعته إلي ذلك الموضع فقبض علي اولئك الجماعة و أمر بهم فقتلوا و استولي علي أموال النقيب و أملاكه و ذخائره …» ا ه.

و بهذا نجا للمرة الأخري من الشكاوي الموجهة إليه و التدابير المرتبة لإسقاطه و الوشايات عليه …

و سيأتي الكلام علي ابنه صفي الدين محمد صاحب الفخري و بيان علاقته بالجويني … في حوادث سنة 701 ه.

2- في منتصف ذي القعدة توفي الملك عز الدين عبد العزيز بن جعفر النيسابوري ببغداد.

و كان شيخا جوادا مواصلا لكل من يسترفده و اشتهر ذكره بالكرم. تولي شحنكية واسط و البصرة و كان حسن السيرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 312

عظيم الناموس و دفن في مشهد علي (رض) و رثاه الشعراء بأشعار كثيرة منها

قول ابن الكبوش البصري من قصيدة هذا منها:

يزدحم القول حين أمدحه كجوده و الوفود تزدحم

كأنما النظم من سهولته ينظمه قبل نظمه الكلم

و القصيدة طويلة راجع عنها الفوطي.

3- و في ثامن ذي الحجة توفي الخواجة نصير الدين أبو جعفر محمد بن محمد الطوسي
اشارة

و دفن في مشهد موسي بن جعفر عليه السّلام (الكاظمية) في سرداب قديم البناء، خال من دفن قيل إنه كان عمل للخليفة الناصر لدين اللّه.

ترجمته:

اشتهر هذا الرجل كاشتهار هلاكوخان ورافق في الغالب اسمه في حادث بغداد اسمه اتصل بهلاكو خان إثر القضاء علي الملاحدة الإسماعيلية و يقال إنه كان سجينا عندهم. و قد ترجمه علماء كثيرون منهم صاحب فوات الوفيات و صاحب الوافي بالوفيات و صاحب عقد الجمان و صاحب الشذرات و غيرهم جماعة. و الكل شهد بسعة علمه و بمقدرته البارزة سواء في مؤلفاته، أو في استهوائه لهذا الرجل القهار (هلاكو) أو بنائه الرصد بمراغة، و قصة بناء الرصد و اعتراض هلاكو عليه في المقادير و جوابه عنها مفصل في فوات الوفيات و غيره، و استخدامه علماء كثيرين لهذه المهمة …

و غالب ما يوجه عليه اللوم و التنديد من جراء مناصرته لكافر و تحبيذه اكتساح بغداد استنادا إلي ما اوحاه له علم الطالع و وقيعته بالخليفة، و إيعازه بقتله و تسليطه علي بلاد المسلمين …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 313

و لا أري ما رآه صاحب الوافي بالوفيات من أنه نصيري و يعتقد ما يعتقدون و أنه كتب رسالة في النصيرية فلم تعرف هذه عنه و إنما هو مشبع بعقائد غلاة المتصوفة أمثال الحلاج و ابن سبعين و أبي يزيد البسطامي ففي رسالته (أوصاف الأشراف) صراحة بذلك، يري الاتحاد و الوحدة، أو الظهور بصورة لا تقبل الارتياب … و في كتابه (اخلاق ناصري) نراه إلي الباطنية أقرب و ذلك أنه كان في خدمة علاء الدين محمد بن حسن الإسماعيلي و محتشم قهستان ناصر الدين عبد الرحيم بن أبي منصور و لهذا الأخير

ترجم كتب الحكمة و الأخلاق من العربية إلي الفارسية فكان محترما عنده و بمؤلفاته أيد مذهب الإسماعيلية و تعاليمهم و قد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 314

ترجم له تطهير الاعراق و كتاب الطهارة و أبرزهما بشكل (اخلاق ناصري) و هو مطبوع مرارا في ايران.

و أساسا أنه لم يحصل بينه و بين الإسماعيلية خلاف فهو متصل بهم … و ما ينسب إليه من الخلاف السياسي فلم نعثر له علي أصل صحيح.

أما مؤلفاته في عقائد الشيعة كالتجريد فإنها تعين معتقده و أن كان يرمي بأنه ممن يكتبون تبعا لرغبات الآخرين … و مؤلفاته كثيرة …

و المطبوع منها أوصاف الأشراف، و التجريد، و زبدة الهيئة (فارسي)، و أخلاق ناصري …

و في القسم الأدبي و العلمي من هذا التاريخ سوف نناقش هذه النواحي و نتحري المعتقد بالاستناد إلي نصوص قطعية و ثابتة … و نبدي قولنا الفصل فيه … فلا نلتفت لما قيل دون تمحيص.

و هنا نقول إن أعمال هذا الرجل مصروفة إلي مناصرة العلماء و الحكماء، و أنه حينما ورد بغداد عام 662 ه تصفح أحوال بغداد، و نظر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 315

أمر الوقوف و البحث عن الاجناد و المماليك … و في هذه المرة جمع من العراق كتبا كثيرة لأجل الرصد الذي وضعه بمراغة عام 657 ه و عين فيه جماعة يتولون عمله إلي أن انتجز سنة 672 ه؛. و تنسب إليه رسالة في واقعة بغداد و حوادثها لا تفترق عن الوقائع المعلومة …

و قد وصفه الفوطي بقوله:

«كان فاضلا، عالما، كريم الأخلاق، حسن السيرة، متواضعا، لا يضجر من سائل، و لا يرد طالب حاجة. ولد سنة 597 ه و رثاه الشعراء فمما قاله

بهاء الدين ابن الفخر عيسي الإربلي المنشي فيه و في الملك عز الدين عبد العزيز النيسابوري المذكور:

و لما قضي عبد العزيز بن جعفر و أردفه رزء النصير محمد

جزعت لفقدان الاخلاء و انبرت شؤوني كما ارفض الجمان المبدد

و جاشت إليّ النفس حزنا ولوعة فقلت تعزّي و اصبري فكأن قد

و ترجمته مبسوطة في روضات الجنات أيضا … و له المكانة الكبري لدي الشيعة و أساسا فضله و قدرته العلمية مما لا ينكر …

حوادث أخري:

ظهر جراد كثير و أكل الغلات و سائر الزروع و خوص النخل و ورق الأشجار في الحلة و الكوفة و بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 316

وقائع سنة 673 ه (1274 م)

صدر الحلة:

في هذه السنة رتب فخر الدين مظفر ابن الطراح صدر الحلة و الكوفة و السيب.

مدرس المدرسة المغيثية:

و في هذه السنة أيضا رتب الشيخ محيي الدين محمد بن المحيا العباسي مدرسا بالمدرسة المغيثية.

قاضي الجانب الغربي ببغداد:

و عين القاضي نظام الدين محمود الهروي المعروف بشيخ الإسلام قاضيا بالجانب الغربي من بغداد. فعين الشيخ محيي الدين المذكور نائبا عنه في القضاء.

وفيات:
1- توفي السيد النقيب جمال الدين محمد ابن طاوس بالحلة

و دفن عند جدّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام.

و في روضات الجنات أنه أحمد بن طاوس عالم مشهور صاحب مؤلفات و هو أخو السيد رضي الدين علي المذكور سابقا. و لعله اشتهر بلقبه فالتبس اسمه … أخذ عن فخار بن معد، و عن الشيخ نجيب الدين ابن نما و غيرهما و من تلاميذه الحسن بن داود صاحب الرجال و تفصيل القول عنه مبسوط في كتب الرجال العديدة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 317

2- توفي نجم الدين منصور بن المؤذن.

كان يخدم في زمن الخليفة ناظرا بالحجر البر و رتب بعد واقعة بغداد في الديوان مشاركا للنواب و لم يزل علي ذلك إلي الآن. و كان حسن السيرة مشكور الطريقة.

3- مات العلم الشرمساجي أخو سراج الدين المالكي

و هو مدرس المالكية بالمستنصرية.

وقائع سنة 674 ه (1275 م)

اشارة

في هذه السنة عين الشيخ محيي الدين محمد بن المحيا العباسي خطيبا بجامع المدينة المعروف (بجامع السلطان) و لصلاة العيدين بالمدرسة المستنصرية. و شرط الواقف أن لا يخطب بها إلا هاشمي عباسي. و لم يخطب بالعراق بعد الواقعة خطيب هاشمي سواه.

نقيب الكاظمية:

و فيها عزل أمين الدين مبارك الهندي الجوهري من نقابة مشهد موسي بن جعفر عليه السّلام و عين في النقابة نجم الدين علي ابن الموسوي.

و لما كان مبارك المذكور نقيبا قال فيه بعض الشعراء:

رأيت في النوم إمام الهدي موسي حليف الهم و الوجد

يقول ما تنكبني نكبة إلا من الهند أو السند

تحكم السندي في مهجتي و حكم الهندي في ولدي

فلعنة اللّه علي من به تحكم السندي و الهندي

و فيها رتب الشيخ جمال الدين عبد اللّه ابن العاقولي مدرس مدرسة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 318

الأصحاب و رتب نجم الدين بن أبي العزّ البصري نائبا عن قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني في القضاء ببغداد.

وفاة مؤرخ عراقي كبير:
اشارة

في هذه السنة توفي تاج الدين أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان ابن عبيد اللّه البغدادي السلامي المعروف (بابن الساعي) المؤرخ.

ترجمته:

ولد سنة 593 ه و كان اديبا فاضلا و إماما حافظا له مصنفات كثيرة جدا آخرها (كتاب الزهاد) وجد عليه بخط الشيخ زكي الدين عبد اللّه بن حبيب الكاتب:

ما زال تاج الدين طول المدي من عمره يعنق في السير

في طلب العلم و تدوينه و فعله نفع بلا ضير

علا عليّ بتصانيفه و هذه خاتمة الخير

كان خازن كتب المستنصرية و من مؤلفاته (مشيخته بالسماع و الإجازة) في عشر مجلدات. قرأ علي ابن النجار تاريخه الكبير ببغداد و قد تكلم فيه. قال الكازروني و له أوهام انتهي. و في تذكرة الحفاظ أن الظهير الكازروني قد طول في ترجمته و سرد تصانيفه و هي كثيرة …

و قال صاحب الشذرات هو شافعي المذهب و نقل عن ابن شهبة في طبقاته أنه كان فقيها، بارعا، قارئا بالسبع، محدثا، مؤرخا، شاعرا لطيفا؛ كريما له مصنفات كثيرة في التفسير و الحديث و الفقه و التاريخ منها تاريخ في ستة و عشرين مجلدا …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 319

و نجد ترجمته في الفوطي و الشذرات و غيرهما كالذهبي و عقد الجمان … و هو من مشاهير المؤرخين و أكثر النقول عن وقائع بغداد أيام حوادث التتر عنه و عن الفوطي و الكازروني … ممن له مكانته المعروفة في التاريخ …

و قد طبع ببولاق مصر عام 309 ه مختصر أخبار الخلفاء كما أن مختصر سير الملوك قد طبع في بيروت و مر النقل عنه … و قد طبعت من تاريخه الكبير قطعة تحتوي علي الحوادث من سنة 595 ه إلي سنة

606 و كان طبعها ببغداد سنة 1353 ه (1934 م) طبعة معتني بها في تعليق هوامش و عمل فهارس مترجمة ضافية للمؤلف …

وفيات آخرين:
1- سقط ركن الدين ابن النقيب محيي الدين نقيب الموصل بفرسه إلي دجلة ببغداد

و كان مجتازا علي الجسر …

2- توفي تاج الدين علي بن عبدوس.

كان من كبار المتصرفين ببغداد.

3- تقي الدين مبارك بن حامد بن أبي الفرج الحداد.

كان من كبار علماء الشيعة عارفا بمذهبهم و له صيت عظيم بالحلة و الكوفة و عنده دين و أمانة.

4- ابن ورخز البغدادي:

عبد اللّه بن علي بن مكي بن جراح بن علي بن ورخز البغدادي.

أبو محمد بن أبي القاسم الخباز أبو عبد الرحيم سمع من عبد العزيز..

و من أبي الفتح أحمد بن علي بن الحسين الغزنوي و من أبي أحمد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 320

الأكمل بن أحمد بن مطر العباسي و أبي محمد عبد العزيز بن سعود بن الناقد و أبي العز مشرف بن علي الخالصي و أبي زيد بن يحيي بن هبة اللّه و من الشيخ محيي الدين أحمد بن صالح البريدي و من الانجب بن أبي السعادات الحمامي وحدث. سمع منه الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي ببغداد و ذكره في معجمه، و نجم الدين عبد العزيز بن عبد القادر البغدادي بالنظامية ببغداد سنة 672 ه. و أجاز لأبي العباس أحمد بن محمد الكازروني. و كان رجلا صالحا. مولده في يوم السبت خامس المحرم سنة 603 ه و توفي في ليلة السبت السادس و العشرين من شهر رمضان سنة 674 ه و دفن بمقبرة الإمام أحمد.

حوادث أخري:
1- في هذه السنة وقع ببغداد وفر كثير علي الأرض مقدار شبر.

و هبت ريح شديدة و اظلم الجو فخاف الناس و انزعجوا و عادوا بالتضرع إلي اللّه تعالي و الاستغفار حتي انشكف و تأخر وقوع الغيث في هذه السنة فخرج الناس إلي ظاهر بغداد للاستسقاء مشاة يتقدمهم قاضي القضاة عز الدين أحمد ابن الزنجاني و خطب الشيخ جلال الدين عبد الجبار بن عكبر الواعظ. ثم خرجوا من الغد كذلك و خطب الشيخ عماد الدين ذو الفقار مدرس الشافعية بالمستنصرية. ثم خرجوا في اليوم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 321

الثالث و خطب الشيخ ظهير الدين محمد بن عبد القادر فلم يسقوا ماء الغيث إنما زادت الفرات

عقيب ذلك و سقت الزروع.

2- و في آذار جاء برد عظيم جمد الماء منه و أتلف الأشجار

و وقع في نيسان ببغداد برد كبار أهلك الزروع و قتل المواشي و الغنم و الطيور.

وقائع سنة 675 ه (1276 م)

وقائع المغول:

في هذه السنة سار الملك الظاهر البندقدار بعساكره إلي بلاد الروم فخرج المغول إلي لقائه و كانوا نحو ثلاثة آلاف فارس فالتقوا به في قيسارية و قاتلوه فاستظهر عليهم و قتل أكثرهم و انهزم الباقون.

وقائع بغداد:

في هذه السنة تكرر وقوع النار في أسواق بغداد و مساكنها من منتصف المحرم إلي آخر صفر فلم يخل الانذار بوقوعها ليلا و نهارا.

و اشتد خوف الناس لذلك. و أمر علاء الدين صاحب الديوان بعمل حياض في دروب بغداد و أن تملأ ماء و يستعد الناس في السطوح بالماء لإطفاء النار و لم يعلم سبب ذلك. إنما كان الإنسان يري النار في كيسة داره أو خصها …

و حكي أن بعض الفقراء كان نائما علي الجسر فاستيقظ و النار في خلقانه و اشتغل الناس بحفظ مساكنهم و لم يبق لهم اهتمام بغير الرصد لما يقع من الحريق و إطفائه.

وفيات:
1- توفي شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد اللّه الهاشمي الكوفي الواعظ ببغداد

و هو من مشاهير شعراء هذا العصر و في الفوطي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 322

كثير من قصائده و مقطوعاته و قد تقدم ذكر بعضها أثناء الكلام علي مصاب بغداد … و كان ولي التدريس بالمدرسة النششية …

و جاء في فوات الوفيات بلفظ شمس الدين محمود و أورد جملة صالحة من شعره.

2- أبو محمد التكريتي:

هو عبد السلام بن يحيي بن القاسم بن المفرج التكريتي أخو أحمد ابن عبد الرحمن و هو الأكبر تفقه علي والده و حفظ القرآن و قرأ الأدب و برع فيه. و له النظم و النثر و الخطب و المكاتبات و المصنفات الأدبية.

ولد سنة 570 ه و توفي سنة 675 ه و قد ذكر في فوات الوفيات جملة من شعره.

3- التلعفري:

الأديب البارع شهاب الدين محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة الشيباني التلعفري الشاعر المشهور. ولد في الموصل سنة 593 ه و اشتغل بالأدب و مدح الملوك و الأعيان و كان خليعا، معاشرا، امتحن بالقمار … توفي سنة 675 ه و ديوانه طبع في بيروت سنة 1326 ه.

4- أبو إسحق البرهان الخياط:

إبراهيم بن أحمد أبي المفاخر الازجي أبو إسحق الخياط المنعوت بالبرهان. سمع من أبي الحسن محمد بن أحمد بن عمر القطيعي، و علي ابن أبي بكر بن روزبة و أبي النجا عبد اللّه بن عمر بن اللتي، و من محمد ابن محمد بن السباك، و من عبد اللطيف بن محمد القبيطي، و حدث

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 323

سمع منه أبو محمد عبد العزيز بن أبي القاسم بن عثمان البغدادي البابصري، و أجاز لشيخنا أبي إسحق إبراهيم بن عمر الجعبري، و أبي العباس أحمد بن محمد بن علي الكازروني. توفي هذا الشيخ في ليلة الجمعة خامس محرم سنة 675 ه ببغداد و مولده سنة 606 ه.

وقائع سنة 676 ه (1277 م)

قتل والي الموصل و نصب غيره:

في هذه السنة أنهي مسعود البرقوطي والي الموصل و أشموط الشحنة بها إلي السلطان آباقاخان أنهما ظلما في المحاسبة علي ضمان الموصل فأمر بتحقيق ذلك. فلما علموا حسابهما أثبتوا أن البابا كان علي الباطل فيما اعتمده معهما فأمر بقتله فقتل و ولاهما الموصل و إربل فعادا برأسه و طافا به و علق علي باب الجسر.

غرق بغداد:

في هذه السنة زادت دجلة و غرق ببغداد عدة أماكن و انفتح في القورج فتحة عظيمة فخرج علاء الدين صاحب الديوان و كافة الولاة و الأكابر و العوام و أخذ الصاحب باقة شوك وضعها علي فرسه فلم يبق أحد إلا و فعل مثله و نزل الصاحب و عمل بيده و تكاثر الناس و تساعدوا فاستدركوها و سدوها.

برد في بغداد:

و في آذار وقع برد كبار أتلف كثيرا من الزروع في الحلة و نهر ملك و نهر عيسي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 324

خصومة في ثلاثة فلوس:

و في هذه السنة تحاكم نفران عند قاضي بغداد في ثلاثة فلوس.

و قيل إنه في سنة 652 تحاكم رجلان عند قاضي تكريت في نصف درهم.

وفيات:
1- توفي بهاء الدين أحمد بن عثمان البروجردي ببغداد.
2- ثم توفي أخوه شمس الدين محمد في جمادي الآخرة.
3- توفي العميد شمس الدين علي بن الأعوج.

كان حمالا ثم صار بائعا للغلة و التمور في الخانات. كان أميا، ثم تولي (تمغات بغداد) فأثرت حاله مع الناس و المتصرفين و أهل البيوتات و المروءة و واصلهم و أحسن إليهم، و تجمل تجملا ظاهرا و صار له المماليك …

و بقي علي ذلك مدة، ثم رتب صدر الأعمال الحلية و الفراتية، فلما قدم ششي بخشي و الأمراء لتصفح حال العراق قال في علاء الدين صاحب الديوان أشياء، فلما انتصر الصاحب و عاد إلي منصبه عزله و أخذ أمواله، فرقت حاله و سافر إلي توريز (تبريز) فمات بها.

4- توفي الشيخ مجد الدين عبد الصمد بن أحمد البغدادي الحنبلي المقري ء أمام مسجد قمرية،

ثم نقل إلي مشيخة رباط دار سونيسان و بعد واقعة بغداد رتب خازنا بالديوان، ثم أعيد إلي مسجد قمرية. ولد سنة 593 ه.

5- توفي عز الدين عبد السلام بن الكبوش البصري الشاعر.

سكن في آخر وقته في المدرسة النظامية، و كان مولعا بالكيماء و قد أورد له الفوطي جملة من شعره.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 325

6- نجم الدين علي اسفنديار بن موفق الدين البغدادي بدمشق.

عاش 60 سنة و هو واعظ مشهور، حسن الإيراد، و له لطف شمائل، و بهجة محاسن، توفي في رجب.

وقائع سنة 677 ه (1278 م)

ضريبة و اضطراب:

في هذه السنة ورد تقدم إلي علاء الدين صاحب الديوان باستيفاء خمسين ألف دينار بالعسف و القهر. ثم أمر بإثبات الادؤر ببغداد فأثبتت جميعها و طالبوا أربابها بالأجرة عنها عن شهرين. فبينما هو علي ذلك وصل من طلبه إلي الأردو المعظم للموافقة علي ما نسب إليه من مكاتبته سلطان مصر و الشام، و قبض علي شرف الدين علي بن اميران كاتب الإنشاء و طوق و حمل صحبته. و قبض علي حمزة التكريتي التاجر و نهبت داره و طوق و حمل صحبته أيضا.

و انفرد مجد الدين ابن الأثير باستيفاء ما قرر علي الناس فغلقت الأسواق و اختفي أكثر الناس فطولب النساء بما قرر علي رجالهن، و لم يخلص من هذا أحد حتي أن العلويين و القضاة و العدول استوفي منهم بالقهر و المضايقة العنيفة …

و كذلك جري في أعمال بغداد جميعها.

أما الصاحب علاء الدين فإنه حيث قوبل علي ما نسب إليه ظهر كذب القائل فأمر بقتله و حملت اطرافه إلي البلاد. و كتب الصاحب إلي بغداد مع الواصلين برأس المذكور كتابا قري ء ببغداد في الجامع بعد صلاة الجمعة مضمونه:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 326

«ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي انعمت عليّ و علي والدي و أن أعمل صالحا ترضاه»، إن للّه تعالي ألطافا خفية تري في أول الأمر خشنة جفية، و يحسب الجاهل أنها نقمة، فإن انتهت عرف كل احداثها نعمة، و معني هذا الكلام، لا يخفي علي الخاص و العام، و ذلك فضل اللّه في إيراد كل امر و إصداره، و قد اردنا أن

نوضح من أول الأمر إلي آخره كيفية الحال جليا، و نتلو عليكم آيات رحمته التي انزلها علينا بفضله بكرة و عشيّا، فألهمنا اللّه العظيم قوله الكريم الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ … فهذه الآية قضية امورنا التي جرت، و عنه الحال أسفرت، فكأنما انزلت في هذا الشأن، فما احتجنا معها إلي زيادة تفصيل و برهان، و في الساعة التي قدم الكذاب المزور بين يدي الامراء ظهر من فلتات لسانه أنه كذب و افتري، فما احتجنا في تكذيبه إلي شاهد يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعلمون:

و هبني قلت هذا الصبح ليل أيعمي العالمون عن الضياء؟

فلما عرضوا كلامه علي الآراء الشريفة برز التقدم المطاع لا زال نافذا بعرضه علي السيف علي ملأ من الناس و أنفذوا يديه إلي بغداد و إلي الروم الرأس، و نادوا في الأسواق هذا جزاء من يقدم علي عبيدنا المخلصين بالزور و الالتباس، فقطع دابر القوم الذين ظلموا و الحمد للّه رب العالمين.

و حيث نعرف التفات قلوب أهل بغداد حفظهم اللّه من كل سوء و فساد أنفذنا الأمير محمدا يبشر بطيبة نفوسنا ليعلموا خلو بالنا من كل ما يكدر بواطنهم و يشوش خواطرهم و يعلم أن كل ما يصل من خير و فضل هو بصالح دعاء أهل بغداد و حسن نيتهم و صفاء قلوبهم فليقابلوا هذه المراحم بإعلان الدعوات الصالحات لهذه الدولة القاهرة التي ما اندحض فيها حق و لا غلب فيها باطل و نحن و اصلون عقيب هذا إن شاء اللّه». انتهي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1،

ص: 327

و وصل بعد ذلك شرف الدين بن اميران و الصاحب علاء الدين بعده.

شغب آخر علي الصاحب:

و في هذه السنة التجأ إلي تتارقيا شحنة بغداد رجل يعرف بالمنجم ابن حسين و يلقب بالكيباية كان من دلالي العقار يتمسخر و يضحك بنفسه و يضحك عليه من يعاشره …

و كان سبب قربه من الشحنة التزامه بأحمد الشربدار. و هذا أحمد من أهل واسط يعرف بابن بقا أسر في الواقعة ثم خلص و خدم في بغداد في اسطبل اليام ثم صار يتولي عصر الشراب في شرابخانة الديوان فصار له قرب بالشحنة و التزام تام فأثرت حاله و اشتهر اسمه فشرع في البحث عن أحوال صاحب الديوان و عرف باطن حاله و ما يعتمده. ثم إنه اتفق هو و الكيباية علي أن نسبا أكابر أهل بغداد إلي مكاتبة سلاطين الشام باتفاق صاحب الديوان فتحدث الكيباية بذلك عند الأمراء و الحكام فأحضروا صاحب الديوان و جماعة من الأكابر الذين نسبهم إلي المكاتبة و استعادوا كلامه فقال أشياء كثيرة فطولب بالبرهان علي صحتها فلم يقدر علي ذلك. فلما شدد عليه و ضويق قال إني كاذب في كل ما قلته و الذي بعثني علي الكلام نصرة الدين ابن أرغش و أخوه و ولده فأحضروا و سئلوا عن ذلك فاعترفوا به و قالوا إن تتارقيا الشحنة وضع القائل علي ما قاله فأمروا بحبس الجميع و احضر ابن بقا الشربدار و سئل عن الحال فاعترف بها فسلم إلي صاحب الديوان فأمر بحبسه فحبس أياما ثم عمل له حجلة و سمر عليها و جعل علي رأسه مسخرة كان ببغداد يعرف بالموصلي يصفعه بنعل و يروحه به ثم يبول عليه و الناس يمدون الحجلة بالحبال في الأسواق و

الدروب في جانبي بغداد فأخذ في سب الصاحب و بسط لسانه فيه فنفذ إليه من قال له إن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 328

الصاحب قد عفا عنك و أمر بتخليصك من الحديد علي أن يقطع لسانك فإن آثرت ذلك فأخرج لسانك لنقطعه فأخرجه فوضعوا فيه مسلة فامتنع من الكلام. و ما زالوا يعذبونه بمد الحجلة و اضطرابها إلي آخر النهار ثم قطع رأسه و وضع مكانه رأس معز بأسلحته و طيف به و أحرق العوام جثته و رفع رأسه علي خشبة و طيف به.

ثم إن ابن أرغش أحضر رجلا من العرب و أعطاه كتبا ملصقة و أشار إليه ان يقول هذه سلمها إلي صاحب الديوان. فلما قال ذلك اخذ و حبس. أما الكيباية فإنه قال إن فخر الدين بغدي بن قشتمر كان أيضا من جملة الجماعة الذين اتفقوا علي المكاتبة مع ابن ارغش فأحضر و سئل عن ذلك فأنكر فوكل به فقال الكيباية إن العدل جمال الدين أحمد ابن عصية هو كان يكتب عن بغدي فأحضر و سئل فأنكر فوكل به.

ثم إن الصاحب عرف صدق العدل و براءة ساحته فأفرج عنه و خلع عليه و تقدم له بمال و لم يزل الكيباية و البدوي في السجن إلي أن توجه الصاحب إلي الأردو المعظم و أخذ بهما صحبته و قتلا هناك. و في هذه و سوابقها لسان حاله يقول: «و كم مثلها فارقتها و هي تصفر».

ظهور مفسدين ببغداد:

و في هذه السنة ظهر ببغداد صبيّان من الشطار يعرف أحدهما (بابن الحماس) و الآخر (بالتاج الكفني) و انضم إليهما جماعة من الجهال و قويت شوكتهم و انتشر ذكرهم فأعمل صاحب الديوان الحيلة حتي احضر ابن الحماس إليه و

عين عليه واليا في الشرطة فبقي علي ذلك أياما و استعفي فعفاه و جعله ملازما باب داره ثم أشار إليه بإحضار التاج الكفني فأحضره و طيب قلبه و جعله رفيقا له فكبس جماعة من اهل الحلة بباب الصاحب في بعض الليالي عليهما فلم يظفروا بهما و لا يمكن الصاحب من تحصيلهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 329

ثم إن قتادة نائب الشرطة حكي لصاحب الديوان عن ابن الحماس و الكفني أشياء من الفساد و التجري ء علي الناس و تكليفهم سرا و تخويفهم إن امتنعوا عن مساعدتهم فجمع بينهم و سئل قتادة عما قاله عنهما فقال أشياء أثبتها عليهما فأمر بقتلهما و طيف برأسيهما. فكبس علي قتادة بعض اصحابه فأمر صاحب الديوان بنبش جثتي ابن الحماس و الكفني و حرقهما.

عزل ناصر الدين قتلغ شاه:

و في هذه السنة عزل الملك ناصر الدين قتلغ شاه الصاحبي من الأعمال الواسطية و رتب بها فخر الدين مظفر بن الطراح.

القضاء بالجانب الغربي: (وفاة القاضي)

و فيها أعيد صدر الدين محمد بن شيخ الإسلام الهروي إلي القضاء بالجانب الغربي من بغداد و تدريس المدرسة البشيرية فبقي علي ذلك مدة شهرين و أصبح ميتا فقال أكثر الناس إن ابنه خنقه. و كان قد ولي القضاء قبله و التدرس بالبشيرية ابن يونس الموصلي. و توفي بعد ذلك بشهور قليلة فقال زين الدين ابن الدهان:

اظن قاضي القضاة ايده اللّ ه إلي كردكوه ينتسب

إذ كل قاض يقضي إلي الجا نب الغربي يقضي و ماله سبب

يا صاحب الملك يا عطا ملك يا من به المكرمات تكتسب

ولّ الأعادي اللئام لجانب الغر بي فصل القضا و قد نكبوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 330

نقل من يوجد له قبر:
اشارة

في هذه السنة رأي الناس في الليلة التاسعة من شهر رمضان بظاهر بغداد نورا متصلا بالسماء و في صبحها قال بعضهم إنه رأي قبرا فيه أحد أولاد الحسن بمحلة الهروية فانهال الناس لزيارته ثم شرعوا في عمارته و تواترت بعد ذلك أخبار العوام يرون المنامات و كثرة الظواهر و تحدثوا بقيام الزمني و المرضي و فتح أعين الأضراء و نقل قوم عن قوم أشياء لا أصل لها غير أهوية العوام و بطل الناس من معايشهم و أشغالهم بسبب ذلك فتقدم صاحب الديوان بنقل كل من يوجد له قبر إلي مشهد موسي ابن جعفر عليه السّلام ففعلوا ذلك و سكن العوام.

دعوي:

ثم حضر بعض من يدعي أنه علوي و زعم أنه رأي في منامه ما يدل علي ظهور قبر بعض أولاد الائمة عليهم السّلام بتل الزبيبة فانهرع العالم إليه فلما كشفوا التراب عنه وجدوا صبيا مقتولا و عليه قميص و في جيبه كعاب كان يلعب بها فعرفه بعض الناس و قال هذا ولدي و إني فقدته منذ أيام و ذكر فيه علامات فلما لمح بان صدقه و وجدوا عند رأسه صخرة عليها مكتوب هذا قبر عمر بن عبد اللّه فلما أخبر صاحب الديوان بذلك عزم علي قتل العلوي الذي اخبر به فسأله أكابر الناس الصفح عنه فأجابهم إلي ذلك و افتضح المشار إليه بين العالم و عرفوا قلة دينه و فساد عقله.

و هذه نقلها صاحب (غاية الاختصار في أخبار البيوتات العلوية المحفوظة عن الغبار) بشكل آخر قال «ظهر ببغداد سنة 675 ه بتل الزبيبة و هي محلة من محال مدينة السلام قبر زعم جماعة أنه قبر عبد اللّه الباهر … و بنوا عليه الأبنية الجليلة و

وضعوا عليه ضريحا … و ها هو إلي اليوم من المشاهد المعتبرة و ليس بصحيح ما زعموه فإن عبد اللّه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 331

الباهر مات بالمدينة و دفن بها …

وفيات:
1- توفي بهاء الدين حسن بن محاسن التاجر الصرصري.
2- توفي أيضا عبد الغني بن الدرنوس

و دفن في داره و كان في مبدأ أمره يعمل في (الكلة) مع ارباب تنانير الآجر و هو الذي ينقل اللبن إلي التنور ثم يحطه بعد طبخه ثم ولع بالطيور الحمام فكتب في جملة البراجين بدار الخليفة ثم ترقت حاله إلي أن صار مقربا عند الخليفة يراسل به الوزير و يشاوره في الأمور و يعمل برأيه و لقب (نجم الدين) و رتب بعد واقعة بغداد خازنا بالديوان ثم نقل خازنا إلي الكارخاناه فبقي علي ذلك إلي أن مات.

3- الشيخ نجم الدين البادراني البغدادي.

ذكره صاحب عقد الجمان.

حوادث سنة 678 ه (1279 م)

سعال:

فسد الهواء في أكثر بلاد العجم و الموصل و بغداد و الحلة و الكوفة و واسط و البصرة و جميع نواحي العراق. فأصاب الناس السعال و كثر ذلك فيهم حتي صار الطباخون في الأسواق يعملون المزاوير حسب و غلا الماش و العدس و الحمص و السلق و دام ذلك شهورا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 332

تزييف النقود:

نسب جماعة من أهل بغداد إلي ضرب الدراهم الزيوف فأخذ بعضهم و ضرب فأقر علي جماعة منهم نجم الدين حيدر بن الايسر و كان من أعيان المتصرفين و أمر الصاحب بقطع ايدي جماعة منهم ابن الاخضر كان ينقش السكة، و قرر علي ابن الايسر مالا فأدّاه.

غلاء:

انقطعت الغيوث في هذه السنة و غلت الأسعار و تعذرت الأقوات و مات أكثر المواشي.

عمارة منارة جامع الخليفة:

تمت عمارة جامع الخليفة و كانت قد سقطت في شهر رمضان سنة 670 ه و هذا هو المعروف بجامع الخلفاء و قد سبق الكلام عليه و الآن أعيد بناؤها بإتقان و هي المعروفة بمنارة سوق الغزل و قد أشير إلي النقل عن تاريخ الغياثي و اسمها لا يزال معروفا بالسوق المجاور لها (الايكجية) و هو سوق الغزل أو المغازل … و لا يزال سوق الغزل و المغازل معروفا إلي اليوم … و الجامع كان كبيرا فصغر …

عمارة مسجد معروف الكرخي:

و كملت عمارة الشيخ معروف الكرخي بالجانب الغربي من بغداد علي شاطي ء دجلة أمر بعمارته شمس الدين محمد ابن الجويني صاحب ديوان الممالك. و كان قد خرب لما غرقت بغداد سنة 653 ه. كذا في التاريخ المعروف بابن الفوطي مع أن المشهور إلي اليوم أنه خارج البلد من جانب الكرخ …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 333

وفيات:
1- توفيت شمس الضحي شاهلتي بنت عبد الخالق بن ملكشاه بن أيوب زوجة علاء الدين عطا ملك الجويني صاحب الديوان

فدفنت في التربة التي انشأتها مجاور مدرستها المعروفة بالعصمتية ظاهر بغداد عند (مشهد عبيد اللّه) و كانت كثيرة الصدقات و الإحسان و المبرات كانت تحب أهل بغداد و تري مصالحهم و تقوم في حوائجهم و تساعدهم. كانت أولا لأبي العباس أحمد ابن الخليفة المستعصم باللّه و هي والدة ابنته رابعة التي تزوجها الخواجة شرف الدين هارون ابن الصاحب شمس الدين محمد ابن الجويني. و رابعة هذه لها من هارون ثلاثة أولاد زبيدة و الأمين و المأمون … و زبيدة هذه سيأتي الكلام عليها في حوادث سنة 706 ه عند وفاة ظهير الدين محمد بن الحسن الصرصري زوجها …

و لشمس الضحي من علاء الدين بنات إحداهن زوجة الشيخ صدر الدين الجويني …

2- توفي بهاء الدين محمد ابن الصاحب شمس الدين الجويني

و كان ملكا بأصفهان ظالما سيي ء السيرة متفننا في الظلم جدد القتل بالقنارة التي كان وضعها البساسيري في ايامه و قد نسيت لطول العهد بها.

3- توفي كمال الدين علي ابن الصلايا العلوي.

كان قد ولي نهر ملك فالتقاه جماعة من المغول و معه نفر قليل من اصحابه فقتلوهم و كتفوه و ألقوه في دجلة فسار نحو فرسخ فوجده بعض صيادي السمك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 334

فأخرجه و به رمق و كان الزمان شتاء فدثروه و حملوه إلي المدائن فعاش بعد ذلك عدة سنين و ظهر عليه رمد فكان سبب وفاته.

الحج:

و في هذه السنة حج جماعة من العراق و عادوا سالمين.

حوادث سنة 679 ه (1280 م)

منصب مشرف الممالك:

في هذه السنة اتصل مجد الدين اليزدي الذي كان ينوب عن عماد الدين القزويني ببغداد بعد فتحها بالسلطان (أباقاخان) و تحدث في الصاحبين شمس الدين و علاء الدين فرتبه مشرفا (في جميع الممالك) و عين بها نوابا و كانت علامته مشرف الممالك.

عمل جسر لتستر:

و في هذه السنة أمر علاء الدين صاحب الديوان بعمل جسر و حمله إلي تستر مكملا بسلاسله و آلاته فنصب تحت البند عند دزدبول.

غلاء في بغداد:

و في هذه السنة غلت الأسعار ببغداد و اشتد الغلاء و انسلخ العام علي ذلك.

حادثة غريبة:

و فيها دخل تاج الدين عمر الهمذاني كاتب الكارخانة إلي علاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 335

الدين صاحب الديوان و بين يديه مسخرة اسمه علي فادعي علي المذكور بمال فأنكر ذلك فقال للصاحب لي عليه بينة ولي فيه علامة و قد كنت طالبته من قبل فجحد فلكمته و كسرت بعض أسنانه فتقدم إليه ان يريني فمه فلما فتح فاه لطمه المسخرة بدقيق كان في يده فطار في خياشيمه فاختنق في الحال.

ابن ميثم:

هو الشيخ كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني صاحب شرح نهج البلاغة. كان من العلماء المبرزين في فنون عديدة، و شهد له النصير الطوسي بالتبحر في الحكمة و الكلام … صنف شرح نهج البلاغة للصاحب الخواجة عطا ملك الجويني. كان ورد بغداد و من مصنفاته شرحه الصغير علي نهج البلاغة، و كتاب الاستعانة، و كتب النجاة في الإمامة، و كتاب شرح الإشارات للشيخ علي بن سليمان البحراني و هو استاذه مات في البحرين سنة 679 ه في قرية هلتا من قري الماخونة و قبر جده ميثم في قرية الدونج.

حوادث سنة 680 ه (1281 م)

قدوم السلطان آباقاخان:

في هذه السنة قدم السلطان آباقاخان إلي بغداد. و كان قد ارسل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 336

أخاه منكوتمر وعدة من الجند في آخر السنة الماضية إلي الشام حيث كاتبه سنقر الاشقر يسأله انفاذ جيش ليأخذ به الشام و مصر و كان الاشقر المذكور قد حارب الملك المنصور الألفي فجهز عليه الألفي ستة آلاف فارس مقدمهم أيبك الحلبي فلما قرب من دمشق خرج سنقر الاشقر لقتاله في اثني عشر الفا فالتقوا و اقتتلوا ساعة فانهزم اصحاب الاشقر.

و مضي الاشقر في خواصه إلي عيسي بن مهنا بنواحي الرطبة فأقام هناك و راسل السلطان أباقاخان، فجهز إليهم خمسين ألف فارس جعل عليهم أخاه منكو تمر فدخل بهم الشام أما الاشقر فإنه لما بلغه مسير منكو تمر إليه ندم علي ما فرط منه و أخذ عياله و أصحابه و لحق بقلعة صهيون و تحصن بها. فنزل منكوتمر علي الرطبة و حصرها مدة أربعين يوما و لم يحضر سنقر الاشقر إليه و تحصن بقلعة صهيون. فلما رأي ذلك بالغ في القتل و النهب و الخراب. ثم سار

يريد دمشق فخرج الألفي منها في جيوشه و نزل إليه سنقر الاشقر من القلعة و سار معه فالتقوا بالقرب من حمص و اقتتلوا فانهزمت المغول و قتل منهم خلق كثير و عادوا إلي بغداد ثم انحدروا إلي السيب و أطراف بلاد واسط فنهبوا من الاعراب المفسدين خلقا كثيرا و عادوا إلي بغداد و معهم الاسري و الأموال …

الصاحب علاء الدين:

و نزل من الجيش في هذه السنة خلق كثير في الأدؤر ببغداد و أخرجوا أهلها منها و قبض السلطان علي علاء الدين صاحب الديوان و أصحابه و نوابه و أتباعه و سلم الصاحب إلي (مجد الملك) فاستوفي منه أموالا كثيرة و بيع من اعلاقه و أسبابه جملة طائلة و دوشخ و ألقي تحت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 337

(دار المسناة) التي بأعلي بغداد علي شاطي ء دجلة مكتوفا عليه قميص واحد و كان البرد شديدا جدا و ضرب خواصه و خدمه و أتباعه و استوفيت الأموال منهم.

و كان قد انضم إلي مجد الملك في الرفع علي الصاحب علاء الدين رجلان نصرانيان احدهما من بيت الجمل بغدادي اسمه عبد اليشوع و الآخر من ماردين اسمه يعقوب. و قالا فيه قولا كثيرا و كشفا من أحواله و أموره أشياء.

و قد حكي علاء الدين ذلك كله مفصلا في رسالته (تسلية الإخوان) و بين الإهانات من ضرب و قيد و تحكم فيه ما يقشعر منه بدن الإنسان إلا أنه أفرج عنه في 4 رمضان لسنة 680 ه و بهذا التاريخ ختم رسالته المذكورة …

وفاة السلطان آباقاخان:

أما السلطان فإنه توجه إلي بلاد الجبل. فلما وصل همذان مرض فعهد بالملك إلي ابنه ارغون و كان بخراسان و اشتد مرضه فتوفي في ذي الحجة فسارت الرسل إلي أخيه (منكوتيمور) بالخبر فصادفوا الرسل من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 338

اصحابه تخبر السلطان آباقاخان بوفاته و هذا من غريب الاتفاق و كانت وفاته بسبب انهماكه في الشرب في مرض هذيان السكاري. و في دائرة المعارف الإسلامية أنه توفي في أول نيسان سنة 1282 م.

ترجمة السلطان آباقاخان:

قد مر من الوقائع ما ينبي ء عن ناحية من حياته و قد كتب عنه مؤرخون كثيرون من معاصريه فمنهم من أوضح وقائعه في سورية و بلاد الروم مثل ابن العبري، و منهم من بسط القول عن وقائعه في العراق كالتاريخ المنسوب للفوطي، و منهم من اشبع وقائعه و فصلها عن حوادث المغول و القفجاق كالخواجة رشيد الدين، و وصاف و كانت طاحنة جدا … و قد أوضحت دائرة المعارف الإسلامية علاقاته مع الغربيين كما أن البستاني و صاحب شجرة الترك قد بينا وقائعه بصورة عامة …

و من هذه كلها أو مجموعها نحصل علي فكرة صادقة و صحيحة عن حياة هذا السلطان …

و حاصل ترجمته أنه ولي الحكومة لمدة ثماني عشرة سنة في خلالها قام بأعمال كبري من اصلاحات كتخفيض الضرائب. و من حروب كبري أهمها انفصاله عن حكومة المغول الاصلية و وقائعه مع القفجاق، و اتخاذه الوسائل السياسية المهمة للانتصار علي سورية و مصر فأنشأ علاقات مع الغربيين ففي سنة 673 ه (1274 م) وصلت وفوده إلي ليون و في سنة 1277 م إلي روما فنالوا مكانة لدي الغربيين و من ثم راسله كل من ادوارد الأول ملك انكلترا عام

1274 م و البابا كلمنت الرام سنة 1267 م و غريغوار العاشر (1274 م) و نقولا الثالث (1277 م) و مع كل هذا لم يتمكن من الانتصار علي حكومات مصر و سورية بل خذل في بعض هذه الحروب بمخذولية كبري … و كان قد تزوج ابنة ملك القسطنطينية التي كان ابوه خطبها و توفي قبل وصولها إليه فبني بها آباقا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 339

خان سنة 1265 م و كان في أيامه و أيام والده علماء كثيرون ذاع صيتهم مثل الخواجة نصير الدين الطوسي و غيره. و قد مضي ذكر جماعة من المؤرخين و العلماء في العراق كما أنه سيأتي القول عن الباقين في بغداد و سائر انحائها فلا تزال بقايا رجال العباسيين و علمائهم و من تلقي العلوم عنهم في العراق و في خارجه … و قد رأي العلماء توجها زائدا و حماية كبري بسبب شمس الدين الجويني و أخيه علاء الدين … إلا أن هؤلاء رأوا نكبة في أواخر أيامه بوشاية من مجد الملك اليزدي الذي توصل إلي ارغون بها …

و في البستاني أنه توفي يوم الأربعاء 20 ذي القعدة بخلاف ما جاء عن الفوطي.

و قال الفوطي عنه إنه كان عمر السلطان آباقاخان نحو خمسين سنة … و كان عادلا حسن السيرة محبا لعمارة البلاد، و لا يري سفك الدماء، عفيفا عن أموال الرعية و في الشذرات له ترجمة مختصرة و سماه (أبغا). و لا يسع الكلام فيما يتعلق بالعراق بأكثر من هذا …

وقائع أخري
رباط في مشهد سلمان الفارسي:

و في هذه السنة عمر ناصر الدين قتلغ شاه الصاحبي رباطا للفقراء في مشهد سلمان الفارسي رضي اللّه عنه و أسكن فيه جماعة و وقف عليه قري

بواسط وعدة مواضع ببغداد.

وفيات
1- وفاة مجد الدين صالح بن الهذيل:

توفي مجد الدين صالح بن الهذيل بواسط و كان عمره نيفا و ستين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 340

سنة و كان جوادا كريما ذا معرفة و كفاءة و مروءة من أكابر المتصرفين بواسط و غيرها خدم بها نائبا في ديوانها في زمن الخليفة و رتب بعد واقعة بغداد صدرا في نهر ملك و نهر عيسي ثم نقل إلي صدرية واسط و لقب (بالملك) ثم اخذ و دوشخ و طولب بأموال واسط و استوفي منه جملة كبيرة و بيعت أملاكه و أسبابه، ثم رتب بعد ذلك حاكما في إربل، ثم عزل و رتب صدرا في طريق خراسان ثم اخذ و خزم انفه و طيف به ببغداد ثم رتب بعد ذلك ناظرا بقوسان. ثم عزل فرتبه شمس الدين محمد بن البروجردي نائبا عنه في ديوان واسط و فوض إليه تدبير الأعمال فبقي علي ذلك إلي أن توفي شمس الدين المذكور و أعيد فخر الدين ابن الطراح إلي صدرية الأعمال الواسطية فرتبه علاء الدين صاحب الديوان مشرفا عليه فبقي إلي أن توفي …

2- علاء الدين أبو الحسن اليشكري:

علي بن محمد بن حسن بن نبهان بن سند اليشكري الربعي البغدادي الأصل البصري المولد، الشاعر المنجم، ولد سنة 575 ه و توفي سنة 680 ه كانت له اليد الطولي في علم الفلك و حل التقاويم مع النظم و حسن الخط. و كانت وفاته بدمشق. و له شعر أورده صاحب فوات الوفيات.

3- الشيخ موفق الدين الكواشي:

(نسبة إلي كواشة قلعة بالموصل) و هو أبو العباس أحمد بن يوسف الشيباني الموصلي الشافعي. ولد بكواشة سنة 591 ه كان منقطع القرين … و له تفسير صغير و كبير. أخذ عنه القراءات محمد بن علي بن خروف الموصلي و غيره. توفي في 17 جمادي الآخرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 341

4- ابن أبي الدنية:

مسند العراق شهاب الدين أبو سعد محمد بن يعقوب ابن أبي الفرج البغدادي. و في تذكرة الحفاظ ورد أنه ابن أبي الدثنة. ولد سنة 589 ه. ولي مشيخة المستنصرية إلي أن توفي في 18 رجب.

5- عبد الدائم بن محمود الموصلي:

كان قد سمع وحدث بالموصل، و تفقه بدمشق علي الحصيري.

مات سنة 680 ه و هو أخو عبد اللّه بن محمود المذكور في صحيفة 374 باسم عبد اللّه بن بلدجي.

6- المجد ابن الجليلي:

عبد العزيز بن الحسين بن الحسن بن إبراهيم بن سنان بن موسي ابن حسن بن بشر بن إبراهيم التميمي الداري، أبو محمد المنعوت بالمجد المعروف بابن الجليلي. سمع ببغداد سنة 620 ه و بعدها من الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي كتاب عوارف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 342

المعارف … و من أبي الحسن علي بن أبي بكر بن روزبه … و محمد ابن النفيس بن عبد الوهاب بن سكينة و محمد بن النفيس بن عطاء و عمر ابن كرم، و الأنجب الحمامي. توفي سنة 680 ه.

وقائع سنة 681 ه (1282 م)

السلطان أحمد 16 المحرم سنة 681 ه
السلطنة بين ارغون و أحمد:

إن السلطان آباقاخان كان قد توفي بالوجه المذكور آنفا و لم تتفق الآراء علي من يخلفه و حينئذ اجتمع الأمراء و الصاحب شمس الدين الجويني علي رفع ارغون عن التخت و تسليمه إلي أحمد و هذا اسمه في الأصل تكودار ابن السلطان هلاكو خان و قد أسلم فجعل اسمه أحمد و هو أول من اسلم من أولاد هلاكوخان. و من ثم اطلقوا الصاحب علاء الدين من الاعتقال و اعتقلوا مجد الملك اليزدي و بعثوا الرسل (الايلچية) إلي بغداد للقبض علي الأمير (علي جكيبان)، و (صفي الدولة ابن الجمل كاتب السلة) و غيرهما، ثم ساروا إلي الطاق ليجلسوا السلطان أحمد علي التخت فوصلوا إليه و أجلسوه علي تخت الملك في 16 المحرم قال في الشذرات: اسلم و هو صبي و يسر له قرين صالح و هو الشيخ عبد الرحمن الذي قدم الشام رسولا و سعي في الصلح …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 343

و لما استقر في الحكم أمر بتفريق الأموال المدخرة في الخزائن علي أهل بيته و علي الأمراء و أعاد الصاحبين شمس الدين و

علاء الدين إلي منصبهما و سلم مجد الملك إلي الصاحب علاء الدين فقتله في يوم الاربعاء 7 جمادي الأولي سنة 681 ه علي ما جاء في جامع التواريخ و قد حكي علاء الدين الجويني ما جري بالوجة المتقدم فلم تكن امارة مجد الملك إلا مدة يسيرة فناله جزاء غدره … و مجد الملك هذا هو ابن صفي الدين اليزدي. و كان قد انتسب إلي بهاء الدين بن شمس الدين الجويني في اصفهان ثم توصل إلي ان استخدم لدي شمس الدين الجويني إلا أنه رأي منه ما يكره فاضطر أن يعود إلي يزد، ثم ذهب إلي اصفهان و عاد إلي بهاء الدين ثم صار إلي شمس الدين فأرسله إلي بلاد الروم. و كان رجلا مفسدا اتخذ الوسائل للقضاء علي آل الجويني، فلم يدخر وسعا في الوقيعة بهم … و في آخر مرة توصل إلي ارغون بواسطة أحد المقربين من أمرائه و هو (اباجي) و فعل فعلته …!

و في كلشن خلفا أنه أغري بقتله فقتله قتلة شنيعة فولي ذلك شرف الدين هارون ابن أخيه و حملت أطرافه إلي البلاد و سلخ رأسه و حمله إلي بغداد و شوي الخربندية لحمه و أكلوا منه و شربوا الخمر في قطعة من رأسه … و انتقم منه.

السلطان أحمد و الملك المنصور الألفي:

ثم إن السلطان أحمد ارسل القاضي قطب الدين محمود الشيرازي إلي الملك المنصور الألفي رسالة خلاصتها: إن اللّه تعالي حبانا بالايلخانية و أمرنا بالعدل و حقن الدماء فإن اردت الموادعة فنحن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 344

هلاكو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 345

نكف عسكرنا عن قصد بلادك و نفسح للتجار في السفر كيف شاؤوا آمنين فإن فعلت ذلك و إلا فعين

للقتال موضعا و اعلم أن اللّه يطالبك بما يسفك بيننا من الدماء فسار قطب الدين فلما وصل البيرة سير إلي مصر و لم يدخل الشام و أدخل إلي الألفي ليلا فوقف بين يديه و أدي الرسالة فقال له الترجمان نحن نجيب إلي ذلك و أمر في الحال بإنشاء الكتب إلي سائر البلاد ليتمكن التجار من السفر، ثم أذن لقطب الدين في العود و أمر له بمال و أعيد إلي البيرة.

توجه علاء الدين نحو العراق:
اشارة

ثم توجه علاء الدين نحو العراق. فلما وصل اشني بلغه أن أرغون سار من خراسان لما بلغه وفاة أبيه السلطان آباقاخان يريد العراق.

فأقام في اشني فأنفذ الكرزدهي و الجلال بخشي و نجم الدين الأصغر و مجد الدين ابن الأثير و جماعة من أصحابه و معهم راس مجد الملك و كتب معهم كتابا.

صورة الكتاب:

و هذه صورته: «من صاحب الديوان أضعف عباد اللّه تعالي.

أما بعد حمد اللّه منقذ العباد من الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب. إن ربك لبالمرصاد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 346

السلام عليكم يا أهل بغداد! أهل الوفاء و الوداد. أردنا أن نعرفكم حيث نعرف منكم صدق المحبة و حسن الصفاء و الاعتقاد و نطلعكم علي ما يرد من جانبنا من بلوغ المرام و المراد و ما أسفر الحال من جلية الأمور فيدخل بها بعد الترح علي القلوب و الصدور ايراد الفرح و السرور فألهمنا إلهام الصدق و الصواب ما قاله اصدق القائلين في محكم الكتاب: يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلي إِبْراهِيمَ. وَ أَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ فأغنانا عن الجمل و التفصيل، و كفانا تعب الاطناب و التطويل، و ستسمعون من العين و الرأس ما لا ريب فيه و لا التباس. و تبيان ذلك ما عرضنا بذكره من حال المسكين المنبوز بمجد الملك الذي أورده سوء نيته و فساد سريرته مورد الهلك فرحم اللّه امرأ عرف قدره و لم يتعد طوره. وفقنا اللّه تعالي للقيام بشكر الائمة الصمدانية الأحدية، و دعاء الدولة القاهرة الايلخانية الأحمدية، التي نشرت ألوية الشريعة المحمدية و بسطت يد العدل في الارضين، و كفت عن البلاد و العباد أكف أمثاله

من الظالمين، و الحمد للّه رب العالمين. و قد نفذ ملك الأمراء و النواب جلال الدين و الصدر فخر الدين الكرزدهي و النوكرية ليشافهوكم بما شاهدوا من نعم اللّه تعالي التي تدور علينا من قديم كؤوسها و الانعام الصادر عن الحضرة الشريفة الايلخانية التي طلعت من أفق الميامن شموسها. أعز اللّه سلطانها و أعلي في الخافقين شأنها» ا ه.

و كان وصولهم بغداد في رجب و قري ء هذا الخط في جامع الخليفة قرأه جلال الدين بن عكبر الواعظ و طيف براس مجد الملك في بغداد و شوارعها. ثم دخلوا دار مجد الملك و نهبوا ما كان بها.

و قبضوا علي صفي الدولة ابن الجمل كاتب السلة و أصحابه و نهبوا داره و طلبوا الامير علي جكيبان فلم يوجد. و كان قد اتصل به الخبر فانهزم و كان قد وصل مع الجماعة فخر الدين عبد العزيز ابن النيار و في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 347

حلقه طوق من حديد فوكلوا به في داره. و كان معهم أيضا صبي مثقل بعتلة من اهل إربل كان يخدم دلالا في العقار يعرف بعلوش كان قد ادخل نفسه في الشنقصة و اذي الناس، و عبد يشوع و يعقوب النصرانيان اللذان تقدم ذكرهما. كانا قد خدما مع مجد الملك و تجردا للقول في صاحب الديوان و أكثرا من ذلك فطيف بهم في بغداد عراة و العوام يصفعونهم و يضربونهم بالآجر. ثم قتلوا بقية اليوم و جر العوام جثتهم و أحرقوهم بباب قلاية النصاري.

ثم وصل الامير منصور ابن الصاحب علاء الدين و أخوه مظفر الدين و نجم الدين الاصغر و معهم رأس النجم الدلال المعروف بالكيباية. و قد سبق ذكر ما وقع منه،

من القول في الصاحب ففرح أهل بغداد بوصولهم و علق رأس الكيباية بباب النوبي. و كان قتله في إربل.

ثم إن الامير منصور اخرج فخر الدين النيار من السجن ليلا و قتله في النوفلية ظاهر بغداد فأصبح الناس و وجدوه مقتولا و كان شابا مليح الصورة اتصل بمجد الملك و خدمه، و قال في صاحب الديوان أشياء كثيرة. و كان قبل ذلك قد اخذه الصاحب و ضربه ضربا عظيما. و سبب ذلك ما بلغه عنه من الزيادة في الكلام و الغيبة و أنه كان في جماعة منهم رجل من أهل الحلة يعرف بابن الدربي و جري بينهم حديث نجم الدين بن الدرنوس و حكمه في زمن الخليفة، و إن نجم الدين الاصغر قد استولي في هذه الدولة كما استولي هو فأنشد ابن الدربي أبياتا لنفسه و هي:

نجمان كل منهما في بلدة لا ناصح فيها و لا مأمون

و كلاهما ساسا العراق فذاك قد كان الخراب به و ذا سيكون

إن كان تأثير الكواكب هكذا هذا جنون و الجنون فنون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 348

فأمر الصاحب بتحصيل الجماعة فاختفوا أياما و أمسك الصاحب عنهم و استمر حكم نواب الصاحب علاء الدين في بغداد شهورا من السنة.

الاضطراب في بغداد و (وفاة علاء الدين):

ثم اختلت الأحوال و اضطربت الأمور و توفي نجم الدين الاصغر نائبه في بغداد في شعبان و توفي بعده الصاحب في ارّان (مغان) في 4 ذي الحجة و حمل إلي تبريز فدفن بها، و أن السلطان أحمد نصب ابن أخيه الخواجة هارون ابن شمس الدين مكانه.

و قد اختلفت الأقوال في تاريخ وفاة علاء الدين الجويني سواء في كشف الظنون أو في أبي الفداء و ابن الفوطي و جماعة من المؤرخين و

المعول عليه ما ذكرناه من تاريخ الوفاة فإنه موافق لما جاء في وصاف و جامع التواريخ و هما من المعاصرين … و يعزي سبب وفاته إلي ما أصابه من تأثر لما قام به ارغون من القسوة بنوابه ببغداد حتي أنه امر أن ينبش نجم الدين الاصغر من قبره و يرمي في قارعة الطريق … بقصد الإهانة …

ترجمة الصاحب علاء الدين الجويني:

هو علاء الدين عطا ملك بن محمد بن محمد الجويني صاحب ديوان خراسان أخو الصاحب شمس الدين كان قد ولد في 10 ربيع الأول سنة 623 ولي العراق 21 سنة و شهورا. و كان عادلا حسن السيرة اديبا فاضلا. جمع تاريخا للمغول سماه (جهانگشاي) و يعرف بجهانگشاي جويني و له رسائل جيدة منها (تسلية الإخوان) و ذيلها و أشعار حسنة.

كان له الحل و العقد- كما لأخيه- في دولة آباقا، و نال من الجاه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 349

و الحشمة ما يجاوز الوصف. و قد مرّ من وقائع بغداد ما يتعلق به أيام ولايته عليها. و في سنة 680 ه قدم بغداد مجد الملك اليزدي فأخذ علاء الدين و غله و عاقبه و أخذ امواله و املاكه و عاقب سائر خواصه بتهمة نهب أموال الدولة و اخفائها فصادروا كل ما ملك و تحروا عن جميع ما عنده و رموه بالممايلة إلي حكومة سورية و الاتفاق معها، و أن المغلوبيات و الوقائع علي المغول جرت بسببه … و اختلقوا عليه أمورا كثيرة …

و لعل العلاقة الصهرية بالبيت العباسي مما قوي التهمة و أيد القول …

ثم إن السلطان أحمد اطلقه و أعاد له سلطته فتمكن من الوقيعة بمجد الملك اليزدي و من معه … و اختفي البعض من مناوئيهم

و هرب …

فلما ملك ارغون اختفي الاخوان و توفي علاء الدين بعد الاختفاء بشهر سنة 681 ه و قد ذكر الذهبي أن علاء الدين في ولايته علي بغداد قد عمر ما خربه المغول، و أزال عنهم ما نالهم، و أعاد إلي بغداد … عمارتها، و راحتها … و سعي سعيا بليغا لذلك و كذلك في تاريخ و صاف و عد من عماراته أنه أجري نهرا من قصبة الانبار إلي النجف الأشرف و صرف له مبالغ وافرة قدرها بمائة الف دينار ذهبا فتأسست عمارات و قري في جانبيه و عددها مائة و خمسون قرية فانقلبت تلك الأراضي القاحلة إلي مزارع متصلة … هذا عدا ما مر بيانه. و الظاهر أن النهر المذكور هو المعروف اليوم ب (كري سعده). كما أنه أسس رباطا في النجف و قد مر القول عنه … و قال صاحب فوات الوفيات:

«كان علاء الدين و أخوه فيهما كرم و سؤدد و خبرة بالأمور و عدل و رفق بالرعية و عمارة للبلاد. و بالغ بعض الناس فقال كانت بغداد أيام الصاحب علاء الدين أجود مما كانت أيام الخليفة. و كان الفاضل إذا عمل كتابا و نسبه إليهما تكون جائزته ألف دينار. و كان لهما إحسان إلي العلماء و الفضلاء. لهما نظرة في العلوم الادبية و العقلية.

و قد مرّ البيان عن بعض شعره و ما رثاه به أخوه شمس الدين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 350

الجويني عند الكلام علي المراجع التاريخية …

و أكبر اثر له التاريخ المعروف ب (جهانگشاي جويني) و هذا التاريخ قد اخذ عنه مؤرخون عديدون و بين هؤلاء ابن الطقطقي و إن لم يصرح بالنقل عنه.. و هو خير صفحة كاشفة

عن المغول بقلم أحد ولاة بغداد و مؤرخيها و قد مر بنا أن وصفنا الكتاب في المراجع التاريخية و كنا نأمل أن يدون عن قطرنا أيام حكومته فيكون اساسا لغيره خصوصا جرت وقائع مهمة تدعو للبحث و التدقيق عن صفحة خفية و إن كان تاريخه عاما يتعلق بالحكومة الاصلية … و المؤرخون مثل و صاف و إن كان يعد بمثابة ذيل لهذا التاريخ إلا أنه لم يكن صادرا من أهله، و ذو صلاحية في التدوين …

و علي كل فقد جمع المؤلف بين السياسة و العلم و تدوين الوقائع و الدوبيت المذكور سابقا يعين علاقته بهذا المحيط و حبه له رغم تظاهره بأنه كلف بحاضرة الأتراك و ما فيها من جمال و يكفي للدلالة علي ذلك أنه لم يشأ ان يبرح العراق و يفارق بغداد … و الأهلون محبون له و راغبون فيه علي خلاف ما رأوه من سائر أمراء العجم ممن سيجي ء القول عنهم … و قد قال صاحب الشذرات عنه أن امر العراق كان راجعا إليه فساسه أحسن سياسة. طلب في هذه السنة (سنة 683 ه) فاختفي و مات في الاختفاء. و الصحيح عن وفاته ما أسفلنا.

و كان قد تزوج بنته الإمام الجليل و الصوفي الزاهد الشيخ صدر الدين أبو المجامع ابراهيم ابن الشيخ سعد الدين محمد ابن المؤيد بن أبي بكر بن محمد ابن حمويه الجويني الشافعي. و هو الذي اسلم علي يده السلطان غازان بمساعدة من امير نوروز فتابعه المغول في اسلامه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 351

فدخلوا افواجا في الدين الإسلامي و نال أيام هذا السلطان حرمة عظمي و توفي سنة 722 ه.

و الحاصل، نري أكثر المؤرخين يلهجون بالثناء علي

علاء الدين و ما جاء في وقائع العراق من التنديد به من بعض المغرضين فإنه ناشي ء عن عداء و حزبية و إلا فإن الأهلين حينما سمعوا برجوعه إلي بغداد أيام السلطان أحمد سمع لهم دوي فرح و سرور بل عيد و ابتهاج … و كان يرعي العلماء و يلحظ المدارس … و قد مدحه شعراء كثيرون بينهم سعدي الشيرازي، و مما مدح به من عز الدين عبد العزيز بن جعفر النيسابوري:

عطا ملك عطاؤك ملك مصر و بعض عبيد دولتك العزيز

تجازي كل ذي ذنب بعفو و مثلك من يجازي أو يجيز

و نسبها الفخري إلي ابن الكبوش البصري توصلا لذم قائلها و لذم علاء الدين للغضاضة القديمة بينهما …

وقائع ارغون:
اشارة

أما ارغون فإنه لما بلغه وفاة أبيه السلطان آباقاخان أقبل من خراسان فاتصل به جلوس السلطان أحمدخان علي التخت فتمم المسير إليه و حضر عنده.

ثم رحل إلي بغداد فدخلها في شعبان و الأمير علي جگيبان بين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 352

يديه و استنقذ صفي الدولة ابن الجمل كاتب السلة من اصحاب علاء الدين صاحب الديوان و خلصهما مما كانا فيه …

ثم أمر بعمل حساب العراق فعمل و تخلف علي الضمناء شي ء كثير فطولبوا به و ضويقوا عليه. و ألزم أهل بغداد بالمساعدة. و أحضر قاضي القضاة عز الدين الزنجاني و قرر عليه و علي العدول عشرة آلاف دينار و استوفي ذلك بالعسف و كان كل من اختفي من الناس نهبت داره و بيع ما فيها و ألزم نواب الأعمال الحلية و الواسطية و البصرية و غيرهم بمثل ذلك.

ثم طولب اهل بغداد بأجرة املاكهم عن ثلاثة أشهر فاستوفي من اكثرهم ثم تقدم باعفاء الناس كافة. ثم عاد

إلي خراسان في الربيع.

ملحوظة:

الغزو علي بغداد و نهب ما يتيسر نهبه و القسوة بالناس صار معتادا فكأن المدن العراقية خلقت لإعاشة الأشخاص الملقبين بالسلاطين و بالأمراء فلم يلتفت إلي حالهم و لم ينظر إلي ضرورة عمارة المملكة و تفقد أحوال اهلها و ضعفائها و النظر في مصالح القوم و راحتهم …

وفيات:
1- فقد الشيخ ظهير أحمد ابن عبد القادر الجيلي الحنبلي من مدرسة جده.

و لم يعلم حقيقة حاله و أتهم به أولاد كديدا فوجد سنة 686 في بئر داره التي في مدرسة جده. و عرف بخاتم كان في يده.

حكي بعض اصحابه أنه رآه في المنام بعد فقده بثلاثة أيام فسأله عن حاله فقال له يضرب المثل بمن يده تحت الرحا فكيف بمن حصل كله تحت الرحا.

2- توفي الشيخ جلال الدين عبد الجبار بن عكبر الواعظ

مدرس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 353

الحنابلة بالمستنصرية و كان عالما، فاضلا، و رعا، زاهدا … جلس للوعظ بباب بدر في زمن الخليفة و بقي علي ذلك إلي واقعة بغداد، ثم جلس في جامع الخليفة و استمر إلي أن مات و كان له قبول عند العالم.

3- توفي الشيخ الصالح أسد الدين محمد بن برس شيخ رباط القصر.

ولد هو و الشيخ جلال الدين في يوم واحد و ماتا في يوم واحد.

4- توفي القاضي الفاضل المحقق شمس الدين أحمد بن محمد ابن أبي بكر ابن خلكان

. و كان فاضلا عالما تولي القضاء بمصر و الشام و له مؤلفات جليلة منها و فيات الاعيان من اشهر الآثار ولد في 11 ربيع الآخر سنة 608 بإربل.

5- توفي جمال الدين أبو إسحاق يوسف بن جامع بن أبي البركات البغدادي القصصي

الضرير النحوي المقري ء الحنبلي الفرضي كان شيخ القراء ببغداد ولد 7 رجب 606 ه بالقصص من أعمال بغداد، انتفع به الناس في العربية و القراءات و الفرائض و اللغة و في الذهبي أنه توفي سنة 682 ه.

6- كمال الدين أبو البدر محمد الواسطي:

محمد بن محمد بن محمود بن النجيب الواسطي الشرقي أبو البدر بن أبي طالب الشافعي المعدل كمال الدين نزيل بغداد. سمع من أبي بكر محمد بن مسعود ابن بهروز، و من أبي بكر محمد بن سعيد بن الموفق الخازن. حدث، سمع منه أبو العلاء الفرضي. و قال: كان شيخا فقيها عالما فاضلا عدلا. سمع بواسط جماعة و قدم بغداد في سنة 625 ه و تفقه بالمدرسة النظامية. ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 354

و قال ابن الفوطي لم أسمع منه شيئا و أجازني جميع مسموعاته مولده سنة 603 ه و توفي في 3 ذي الحجة سنة 681 ه و صلي عليه من الغد بجامع القصر الشريف و دفن بمشهد باب التبن بمقابر قريش غربي بغداد.

7- أبو الحسن البغدادي:

علي بن أبي بكر بن الكردي الشهرزوري، أبو الحسن البغدادي … شيخ صالح عمل علي طريقة السلف الصالح. قليل الكلام، كثير التلاوة، دائم الفكر.. قدم بغداد في صباه … مولده في شهرزور سنة 612 ه و توفي سنة 682 ه.

حوادث سنة 682 ه (1283 م)

ولاية شرف الدين الجويني علي بغداد
صاحب ديوان بغداد الجديد:

في رجب من هذه السنة وصل شرف الدين هارون ابن الصاحب شمس الدين محمد ابن الجويني صاحب ديوان الممالك إلي بغداد. و قد فوض إليه تدبيرها و جعل (صاحب ديوانها) علي قاعدة عمه علاء الدين فاستبشر الناس بقدومه و حضر الشعراء بين يديه و أنشدوه المديح. فمما قاله جمال الدين ياقوت المستعصمي الكاتب:

الحمد للّه قد مضي الترح و قد أتانا السرور و الفرح

و جاء صرف الزمان معتذرا فكل ذنب جناه مطرح

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 355

لا تعيبوا الدهر بعدها فبنو الدهر و أحداثه قد اصطلحوا

لئن عراهم من صرفه محن لقد تلتها الهبات و المنح

و قد أتاهم بكل ما طلبوا منهم و وافاهم بما اقترحوا

فهمهم بعد ضعف همته يبدو عليه النشاط و المرح

***

و كل حزب يسر حزبكم يربح في سعيه الذي ربحوا

إن ينج من بطشكم بجثته جان فلم ينج قلبه القرح

أو يتخلف من العدي شبح فسوف ينزاح ذلك الشبح

يا شرف الدين و الذي شرفت بمدحه المادحون و المدح

ما خلق اللّه من عطا ملك بابا لملك عليك ينفتح

آنست بغداد بعد وحشتها فصدرها باللقاء منشرح

قد جليت بعد طول عطلتها و زينتها القباب و الملح

فدم لأهل العراق ملتجأ تأسو بجدوي يديك ما جرحوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 356

و ابق مدي الدهر ما بدا قمر و ما دنا بالإياب منتزح

و عين شمس الدين زرديان نائبا عنه.

قضاء و حسبة:

خلع علي القاضي بدر الدين علي بن محمد بن ملاق الرقي و فوض إليه أمر القضاء بالجانب الغربي إضافة إلي ما كان يتولاه (من الحسبة) بجانبي بغداد و التدريس بمدرسة سعادة، و عين الشيخ نصير الدين عبد اللّه ابن عمر الفاروثي مدرس الشافعية بالمدرسة المستنصرية و سلك طريقة عمه في

تدبير العراق.

و وصل بعده نظام الدين عبد اللّه ابن قاضي البندنيجين و قد رتب كاتب السلة بالديوان.

مجد الدين محمد ابن الاثير:

أحضر مجد الدين محمد ابن الأثير و طالبه الوزير بما وصل إليه من أموال الديوان و دوشخ و وكل به أياما كثيرة و استوفي منه مقدار خمسين ألف دينار. ثم وصل في المحرم سنة 83 من طلبه إلي الاردو و أعيد عليه كل ما اخذ منه ثم ندب للنيابة عن الخواجة شرف الدين هارون فأجاب إلي ذلك و عاد إلي الحكم في الديوان علي ما كان عليه فبقي علي ذلك مدة شهرين. ثم اخذ و طوق بالحديد و ضويق و طولب بمال كثير و استوفي منه مبلغ مائة ألف دينار و حمل إلي الاردو.

ضرائب و تضييقات:

و في هذه السنة ألزم التجار ببغداد بالقرض و المساعدة و ضويقوا علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 357

ذلك و ألزم الناس بأجرة مساكنهم عن ثلاثة شهور و طولب ارباب الأموال بإقامة عسكر و قرر عليهم علي قدر أحوالهم و استوفي ذلك بالقهر و العسف.

النقود: (دناكش)

في هذه السنة ابطلت الفلوس النحاس و ضرب عوضها فلوس فضة و جعلت كل اثني عشر فلسا بدرهم و سميت دناكش. ثم ابطلت في سنة 83 و أعيدت الفلوس المس (النحاسية) و تعامل الناس بها كل ثلاثين فلسا بدرهم.

شحنكية بغداد: (شرطتها)

في هذه السنة أعيد تتارقيا إلي شحنكية بغداد.

المارستان العضدي:

و عزل سعد الدولة ابن صفي الدين عن نظر وقف المارستان العضدي و سلم إلي العميد زين الدين ضامن تمغات بغداد فقام فيه أحسن قيام و أجري أموره علي أحسن القواعد.

بين المدرسة النظامية و البشيرية:

و فيها نقل مجد الدين علي بن جعفر من التدريس بالمدرسة النظامية إلي المدرسة البشيرية و رتب في المدرسة النظامية نور الدين أبو البيان الحلبي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 358

رسول إلي الشام: (وفاته)

في هذه السنة ارسل السلطان أحمد الشيخ عبد الرحمن إلي الشام لتقرير ما كان التمسه من الملك المنصور قلاوون لما ارسل إليه قطب الدين الشيرازي في السنة الماضية فلما وصل إلي دمشق حبس بها، و لم يعلم عنه شي ء بعد.

و كان ابوه مملوكا روميا للخليفة المستعصم، فلما نشأ عبد الرحمن جعل من جملة فراشي السدة، و أسر في واقعة ببغداد، و قد ظفر بأشياء نفيسة من الجواهر و غيرها فجعل من فراشي الاردو، فأظهر الزهد و الناموس حتي صار يعرف بالشيخ فدفن ما كان معه في قلعة (تلا)، ثم تنقلت به الأحوال حتي صار إلي الموصل، و اتصل بعز الدين ايبك دزدار العمادية، و كان مولعا بصناعة الكيمياء مهوسا بها فمخرق عبد الرحمن عليه بشي ء من ذلك فحظي عنده و قربه، ثم سار عز الدين إلي السلطان و عبد الرحمن صحبته. فقال للسلطان إني رأيت في المنام في موضع من قلعة (تلا) دفينا فيه جواهر و مال كثير فسيره إلي هناك فأظهره و عاد به إلي السلطان. و من ثم قربه و عمل له بعض المخاريق فزاد اعتقاد السلطان فيه، ثم اتصل بالسلطان أحمد و حسن له الإسلام فأسلم و تسمي بأحمد و وعده بانتقال الملك إليه فلما ملك خدمه الأمراء و الوزراء و عظمت منزلته عندهم. فلما ارسل الآن إلي سلطان الشام عرف حاله فأمر بحبسه من غير ان يجتمع به … و جاء في الشذرات أنه مات في الاعتقال بقلعة دمشق

سنة 683 ه بعد السلطان أحمد.

وفيات:
1- توفي عماد الدين زكريا بن محمود القزويني

قاضي واسط بها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 359

و هو صاحب كتاب عجائب المخلوقات حمل إلي بغداد و دفن بها في الشونيزية و كان عالما فاضلا، و يكتب خطا جيدا، تولي قضاء الحلة سنة 650 ه ثم نقل إلي قضاء واسط سنة 652 ه و أضيف إليه التدرس بمدرسة الشرابي … و ترجمته معروفة فلا نطيل القول بها.

2- توفي الحكيم أبو منصور ابن الصباغ الطبيب

و كان طبيبا حاذقا عمره زيادة عن مائة سنة، يكتب خطا حسنا …

3- توفي الشيخ أحمد بن القش شيخ رباط جهبر و رباط الشيخ علي بن ادريس ببعقوبا

و دفن تحت أقدام الشيخ علي بن ادريس. و كان زاهدا ورعا.

حوادث سنة 683 ه (1284 م)

حكومة ارغون
قتل السلطان أحمد و حكومة أرغون:

في هذه السنة قبض أرغون علي وجيه الدين زنكي بن عز الدين طاهر والي خراسان و استصفي أمواله. ثم اخذ من أعيان خراسان أموالا كثيرة. فلما بلغ ذلك السلطان أحمد جهز إليه جماعة مع (علي ناق) فالتقوا بظاهر قزوين و اقتتلوا اقتتالا شديدا حتي كثرت القتلي بين الفريقين و حجز الليل بينهما فانهزم علي ناق و أصحابه و عاد أرغون إلي خراسان. فلما وصل علي ناق إلي السلطان أحمد عظم ذلك عليه و سار بعساكره إلي خراسان فمال أكثر من كان مع أرغون إليه و التحقوا به فعند ذلك راسله السلطان أحمد يدعوه إلي طاعته و ترددت الرسل بينهما فجمع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 360

أرغون أهله و خواصه و سار إلي بلد (كلات) في جبل فسيح قريب من طوس ليس له طريق إلا من جهة واحدة و لا سور عليه فسار في أثره الأمير بوقا و أحاط به فاستسلم حينئذ و نزل فحمله بوقا إلي السلطان أحمد فسلمه إلي علي ناق فجعل معه جماعة يحفظونه و قتل اصحابه و كل من كان معه من الأمراء …

ثم رحل السلطان يريد آذربيجان. و تخلف بعده الأمير بوقا و علي ناق أياما. فخلا الأمير بوقا بجماعة من الأمراء و أجمعوا رأيهم علي تسليم الملك إلي أرغون. فلما اتفقوا علي ذلك مضي بوقا إلي ارغون ليلا و ركب معه جماعة من الأمراء و قبضوا علي أصحاب علي ناق و استخلصوا ارغون منهم و عرفوه ما اتفقوا عليه فركب أرغون في جماعة من العسكر و قصد علي ناق و كبس عليه و قتله و قتل جماعة

من اصحابه فاضطربت العساكر.

و لما اسفر الصبح صعد الأمير بوقا تلّا و أمر فنودي في الجيش هذا ارغون هو السلطان. و أما علي ناق فقد قتل و هذا رأسه. فلما رأوا الرأس سكنوا …

ثم أجلسوا أرغون علي التخت و أرسلوا من يقبض علي السلطان أحمد فانتهت حكومة السلطان أحمد يوم الاربعاء 11 جمادي الأولي سنة 683 ه فلما بلغه ذلك ركب قاصدا (بركةخان) فلم يتمكن من ذلك و عاجلوه و أحاطوا به و قبضوا عليه و أرسلوا إلي السلطان أرغون يعرفونه ذلك فأمر بتسليمه إلي أولاد قنقورتاي فسلم إليهم فقصفوا ظهره فمات ليلة الخميس 26 جمادي الأولي سنة 683 ه و في ابن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 361

العبري الاربعاء 2 جمادي الثانية و يعزي سبب القيام عليه من أمرائه ميله إلي الإسلامية و محاذرتهم ضياع حكومتهم و ديانتهم فتعصبوا عليه و علي أمرائه … و أساسا ناصب السلطان ارغون العداء لكل من كان مع السلطان أحمد … و الملحوظ هو في الحقيقة النزاع بين الأمراء علي السلطة، و الأمور الأخري من مسهلاتها و أسباب نجاحها …

بركةخان و حكومة القفجاق:

و من النص الصريح المذكور أعلاه يفهم أن بركه خان ملك القفجاق لا يزال حيا سنة 683 و أن السلطان أحمد حاول الالتجاء إليه لما رآه من أمرائه و ميلهم إلي ارغون خان في حين أن ما جاء في شجرة الترك عن وفاته أنها وقعت عام 664 ه و أنه حكم 25 سنة و كان جلوسه بعد سنة 654 ه و لعل التاريخ كان عام 684 ه.

و هذا هو ابن جوجي خان و قد نصبه القاآن خانا علي القفجاق.

و كان والده جوجي خان بن جنگيزخان قد توفي في حياة

أبيه فصار ابنه باتوخان بعده خانا في صحراء القفجاق و هذا توفي سنة 654 ه 1256 م فخلفه سارتاق أوغلاني ابن باتوخان و لكنه توفي قبل ان ينال السلطنة و من ثم نصب القاآن أخاه اولاقجي (اولاقيچ) خانا فلم يطل أمده و إنما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 362

توفي بعد قليل فصار (بركه خان) سلطانا علي القفجاق و من ثم صارت تسمي (صحراء بركة) و ذلك لأنه أول مسلم من ملوك المغول. و كانت إسلاميته عن اعتقاد قوي و لذا أعلنها و قاتل من بقي علي كفره من قومه و غيرهم. و من ثم تكونت حكومة المغول المسلمة في القفجاق. ثم توفي بمرض القولنج عام 664 ه (و في الشجرة أنه حكم 25 سنة مع أنه نظرا لجلوسه و وفاته لم يحكم أكثر من عشر سنوات) فخلفه منكو تيمور خان و علي يد تيمور توقاي (في خلاصة الأخبار ورد توقان أو طوغان) هاجم آباقاخان بجيش عظيم حتي وصل ايران فتصالح مع آباقاخان و من ثم دام الصلح بين الحكومتين ثم إن آباقاخان توفي عام 680 ه فخلفه أحمدخان (و هو ابن هلاكو السابع توقودار أو تكودار و قد اسلم و سمي نفسه السلطان أحمد) و لما استشهد هذا علي يد ارغون و خلفه هذا في حكومته سار منكو تيمور الآنف الذكر علي ارغون بجيش عظيم يبلغ الثمانين ألفا تحت قيادة طوغان و تورك تاي من أكابر قواده؛ و أن أرغون قابله بفيلق تحت قيادة اميره طوغاجار و تأهب هو لإمداد قائده و عقب أثره فتصادم الفريقان في قاراباغ و هناك اصابت الهزيمة جيش منكو تيمور فكان لهذه المغلوبية وقع كبير في نفس منكو تيمور فأدت

إلي وفاته لشدة ما أصابه من الألم. فخلفه تودا منكو بن توقاي بن باتوخان و هذا خلفه توقناغو بن منكو تيمورخان ثم أوزبك خان بن طوغرول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 363

خان بن منكو تيمور بن باتوخان بن جوجي خان بن جنگيزخان و هكذا تولوا مما لا يسع المقام استقصاء أخبارهم.

ثم إن السلطان ارغون اختص الأمير بوقا و سماه (چينكسانك) و معناه أمير الأمراء و جعل إليه تدبير ممالكه.

ولاية اروق علي العراق في 10 جمادي الأولي
ولاية العراق: (ادارتها)

ثم إن السلطان ولي أخاه (أروق) العراق و ديار بكر فعين علي بدر الدين خاص حاجب صاحب ديوان بغداد و رتب سعد الدين مظفر ابن المستوفي القزويني مشرفا عليه …

فسار إليها و معه الأمير تمسكاي شحنة، و مجد الدين ابن الأثير مشارك في الحكم. فأرسلوا بعض مماليك مجد الدين ابن الأثير و جماعة من المغول إلي بغداد فوصلوها في 10 جمادي الأولي و أعلموا الأمير تتارقيا بصورة الحال و قبضوا علي الخواجة هارون صاحب الديوان و شمس الدين زرديان نائبه و عز الدين جلال المشارك في كتابة السلة و نظام الدين عبد اللّه ابن قاضي البندنيجين و طلبوا مجد الدين إسماعيل ابن الياس نائب الخواجة هارون في خاصته فلم يجدوه فأخذوا هؤلاء و وكلوا بهم و دوشخوا و طوق الخواجة هارون و حملوا جميعهم إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 364

العصمتية المجاورة لمشهد عبيد اللّه و حبسوا هناك.

ثم اخرج نظام الدين ابن قاضي البندنيجين من الغد في (دوشاخة) و قد سود وجهه و أركب علي بهيم و شهر في سوق بغداد و العوام يطرقون بين يديه استهزاء به.

ثم أعيد إلي موضعه و قبض علي شرف الدين محمد بن بصلا وكيل الديوان و دوشخ أيضا و طولب

بمال كثير. و كان زوج أخت النظام المذكور (نظام الدين عبد اللّه) و كل ما كان يفعله النظام من الحيف و الظلم كان بإشارته لأنه كان داهية خبيثا ذا شر غير محمود السيرة في تصرفاته.

و وصل تقدم من مجد الدين ابن الأثير إلي مهذب الدولة نصر بن الماشعيري اليهودي بأن ينوب عنه في الديوان فصار هو المشار إليه و تولي الأمور فقال يوما للأمير تتارقيا الشحنة و قد أحضر النظام و ابن بصلا بين يديه: هذا و ابن بصلا مع النظام مثل الوزغة مع الأفعي. قال له ما معني هذا قال: إن الوزغة تسقي الأفعي السم طول الليل فإذا كان النهار ألقت الأفعي ذلك السم علي الناس فضحك تتارقيا و أمر بضربهما فضربا ضربا كثيرا و أدي ابن بصلا ألف دينار في عدة دفعات و عزل من الوكالة و رتب عوضه نجم الدين حيدر بن الأيسر. و أما النظام فإنه أدي مالا كثيرا و عوقب معاقبة عظيمة و قصفت رقبته بدوشاخة فمات.

و أما الخواجة هارون فإنه لم يزل موكلا به إلي أن وصل الأمير (أروق) إلي العراق فحمل إليه و هو بطريق خراسان و الطوق في حلقه فأمر بإزالته و سلم إليه ما اخذ منه من الدواب و غيرها و عاد إلي داره علي اختياره و ظهر أصحابه الذين اختفوا و مجد الدين إسماعيل بن الياس وكيله …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 365

شمس الدين صاحب الديوان:
اشارة

أما شمس الدين صاحب ديوان الممالك فإنه لما بلغه جلوس السلطان أرغون علي التخت فارق السلطان أحمد و التحق بأتابك يوسف شاه بلرستان و استتر عنده. ثم عرف أنه لا ينجيه ذلك و لا يعصمه فحضر بين يدي السلطان و

تنصل مما فرط منه و اعتذر بما أمكنه و ضمن القيام بأمر الدولة و عمارة الممالك فهم باستبقائه ورق له فأشير عليه بقتله فأمر بتسليمه إلي من يحفظه و استيفاء الأموال منه فضرب و عوقب فقال:

ضرب مثلي غير لائق و مهما طلب مني من الأموال قمت به.

فعرضوا ذلك علي السلطان فأمر بالتخفيف عنه فأخذ في جمع الأموال و القرض من التجار و غيرهم فأشار اعداؤه بقتله علما بما في تأخر ذلك من الضرر فأمر بقتله فلما احضر ليقتل سأل المهلة ساعة ليوصي فأمهل فكتب بخطه وصية بالفارسية قال في آخرها:

فإن وجد الناظر فيها خللا فلا غرو أني سطرتها و أنا عريان و السيف مشهور! فلما فرغ من ذلك قتل في محل يقال له (أهر) بجوار قره طاغ من توابع اذربيجان و ذلك يوم الثلاثاء 15 شعبان سنة 683 ه و حملت جثته إلي تبريز و دفن إلي جانب أخيه علاء الدين في مقبرة يقال لها (چرنداب) معروفة هناك.

ترجمة شمس الدين صاحب الديوان:
اشارة

قد مرت ترجمة أخيه علاء الدين صاحب الديوان و هذا من أكبر وزراء المغول، و أعظم رجالها، و قد لعب دورا مهما، و نال مكانة لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 366

ينلها أحد قبله في هذه الحكومة و أصابته أخطار و مصائب كثيرة لم يبال بها، و أكبرها هذه التي أدت إلي قتله، و كانت مقدرات ايران في قبضته و هو رئيس ديوانها … و به نال الفرس مكانتهم و حصلوا علي نفوذهم …

قال ابن العبري:

«كانت هذه آخرة مثل ذلك الرجل العظيم الهيوب الحكيم الذي كانت الدولة بأسرها معلقة بخنصره، و كان عنده العقل و الخبرة، و كان كاملا بجميع السياسات و التدابير و التواضع الحسن، و يقولون عنه إنه ما سبقه أحد بالسلام. بل هو كان يبتدي ء من تقدم إليه» ا ه.

و قد ترجمه جماعة منهم الكتبي في فوات الوفيات ذكره مع أخيه علاء الدين بترجمة واحدة عند ذكر عطا ملك علاء الدين الجويني و قد سبق النقل عنه و أورد ما قاله شمس الدين محمد الجويني المذكور في أخيه عطا ملك، و لا محل للإطالة بترجمته فإنها تحتاج إلي مؤلف خاص بها … و أهم ما فيها أن إدارة المغول منغصة بل هي بلاء أكبر لولاه و قد رأف بالناس، و له أعمال بر، و مناصرة للعلماء و مشاركة لهم، و لا تذكر حكومة هلاكو و أخلافه إلا و اسمه معروف و ذكره شائع …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 367

و بعد قتله أمر السلطان بقتل أولاده يحيي، و فرج اللّه، و مسعود، و أتابك و لم يبق منهم إلا القليل فقضي عليهم و ماتت أسرتهم … و قد تألم (و صاف)

لما نالهم تألما كبيرا و نقل ما وجد مكتوبا في مقابرهم..

و عد ذلك من أكبر المصائب علي ايران بفقدان أعاظم رجالها …

و الحق أن المترجم و أخاه خدموا ايران و العلم و بروا بالعلماء و ناصروهم و مكنوا ما يجب لإحياء العلم … و نظم سعدي الشيرازي الشعر الكثير في هذين الأخوين … و كان قد اتهم المترجم بأنه سمّ أباقاخان و الصحيح أنه كان من مناصري السلطان أحمد فناصبه ارغون خان العداء … و علي كل لا تزال سلطة هؤلاء قوية، و فيهم من يستعينون به حفظا للملك و السلطنة من التغلب … و في دستور الوزراء بين أنه من أولاد إمام الحرمين حجة الإسلام عبد الملك الجويني بصورة القطع دون الترجيح و بسط القول عن ترجمته بتفصيل زائد … و أثني علي خدماته للإسلامية و تقويتها أيام المغول … كما أنه ساعد لانتشار العلوم و تقوية أربابها و معاونتهم … الخ.

الحكومة في هذا العهد:

و لما تم لأرغون السلطان و قضي علي مناوئيه ممن كان قد ركن إلي السلطان أحمد … جعل ابنه غازان في خراسان و ولاه الثغر. و من هذه نري أن السلطنة لا حكم لها. و إنما الحكم للمتنفذين و المسيطرين من الأمراء دون الملوك و السلاطين. فهم في الحقيقة أرباب السلطة و لا يخرج السلطان عن ايعازهم فهم الآلة الميكانيكية للأوامر و هي صادرة من أصحابها الأمراء. فإن النزاع إنما كان بين الأمراء بعضهم مع بعض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 368

و أن امراء ارغون كانوا قد قتلوا و لم يبق معه عضد يشد ازره و لكن امراء السلطان أحمد كانوا في مشادة فيما بينهم مما دعا إلي هذا التبدل.

و أحدث تغيرا

في كل الإدارات للملحقات المهمة و لم يقف الأمر عند ذلك بل أدي إلي التنكيل بالامراء السابقين و لم يكن ناشئا عن اتفاق أو افتراق يؤدي إلي اختيار السلطان ما يراه مناسبا فلا اختيار له و لا رأي بل هو مغلوب علي أمره، و النزاع واقع دائما بين الأمراء و إنما كان فيهم القتل و المحو إلي أن أدت هذه الأحوال إلي هلاك الشرق و اضمحلال أكابر رجاله و انقراضهم و تسلط زعانفته و شياطينه و قضوا علي حسن الإدارة و النظام و تولي الطغام، الأشرار و الجهال و الفجار …!!!

و قد شاهدنا هذه الحالة بعينها في حكومة الترك العثمانيين أيام اضمحلالهم و انحلال حكمهم و ما وليها من الإدارات الحكومية عندهم و عند غيرهم ممن قام مقام المغول. و مبدأهم الاقصاء، و القتل، و التبعيد و تسليم الإدارة بيد الجهال و الحمقي و المغفلين و الأشرار الفساق …

و سيتضح الوضع أكثر فيما يلي من الحوادث …

حوادث في بغداد:
1- ظهور نائب المهدي:

في شهر رمضان من هذه السنة ظهر في سواد الحلة رجل يعرف بأبي صالح ادعي أنه (نائب صاحب الزمان) و قد ارسل ليعلم الناس أنه قد قرب ظهوره و استغوي الناس بذلك فكثر جمعه و انضم إليه خلق كثير من الجهال فقصد بلاد واسط و نزل في موضع يسمي (بلد الدجلة) من أعمالها و أخذ من أموال الناس شيئا كثيرا و سار إلي قرية قريبة من واسط تعرف (بالارحا) و أرسل صدر واسط فخر الدين ابن الطراح بأن يخرج إليه فقال لرسوله: قل له يرحل عن موضعه و يحفظ نفسه و متي تأخر انفذت العسكر لقتاله فرحل و قصد الحلة فأرسل إلي صدرها … ابن محاسن يستدعيه إليه

فأخرج ولده في جماعة من العسكر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 369

فالتقوا و اقتتلوا قتالا شديدا فقتل ابن محاسن و جماعة من أصحابه و انهزم الباقون فكاتب والده الحكام ببغداد يعرفهم ذلك … فركب (شحنة العراق) و سار إليه.

و أما أبو صالح فإنه قصد قبة الشيخ ابن البقلي بناحية النجمية من أعمال قوسان فقتل كل من بها من الفقراء و الصالحين و نهب أموال أهل الناحية فوصل شحنة العراق بعساكره إليه و أحاط به و بأصحابه و وضع السيف فيهم فلم ينج منهم إلا نفر يسير و حمل رأس أبي صالح و أصحابه إلي بغداد و علق بها.

2- ذيول هذه الحادثة و داعية آخر:

و لما رحل أبو صالح من واسط ظهر في قرية من قراها تعرف (بقرية الشيخ) رجل اسمه شامي ادعي ما ادعاه أبو صالح و أمر الناس بالمعروف و نهاهم عن المنكر فمال الناس إليه و تاب خلق كثير علي يده و اعترف قوم بالقتل و غيره و سأل أن يقتص منه. و اعترف آخرون أنهم سرقوا مال فلان و فلان يوم كذا. فكثر جمعه فأرسل فخر الدين ابن الطراح صدر واسط إليه ينهاه عن فعله و يتهدده بالقتل …

فلما اتصل به ما جري لأبي صالح هرب و التجأ إلي العرب و تفرق جمعه.

3- ابن كمونة و كتاب الأبحاث عن الملل الثلاث:

في هذه السنة أيضا اشتهر ببغداد عز الدولة (ابن كمونة) اليهودي صنف كتابا سماه (الأبحاث عن الملل الثلاث) تعرض فيه بذكر النبوّات و قال ما نعوذ باللّه من ذكره فثار العوام و هاجوا و اجتمعوا لكبس داره

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 370

و قتله فركب الأمير (تمسكاي) شحنة العراق و مجد الدين ابن الأثير و جماعة الحكام إلي (المدرسة المستنصرية) و استدعوا قاضي القضاة و المدرسين لتحقيق هذه الحال و طلبوا ابن كمونة. فاختفي و اتفق ذلك اليوم يوم جمعة فركب قاضي القضاة للصلاة فمنعه العوام فعاد إلي المستنصرية فخرج ابن الأثير ليسكن العوام فأسمعوه اقبح الكلام و نسبوه إلي التعصب لابن كمونة و الذب عنه فأمر الشحنة بالنداء في بغداد بالمباكرة في غد إلي ظاهر السور لإحراق ابن كمونة فسكن العوام و لم يتجدد بعد ذلك له ذكر …

و أما ابن كمونة فإنه وضع في صندوق مجلد و حمل إلي الحلة.

و كان ولده كاتبا بها فأقام اياما و توفي هناك.

و جاء في كشف الظنون عند الكلام علي (شرح الاشارات) أنه

لعز الدولة سعد ابن منصور المعروف بابن كمونة المتوفي سنة 676 ه.

و الوفاة فيها نظر و سمي الشرح المذكور «شرح الأصول و الجمل من مهمات العلم و العمل» قدمه لشمس الدين صاحب ديوان الممالك …

و في مكتبة الأوقاف العامة في خزانة المرحوم نعمان الآلوسي (كتاب شرح الاشارة) خط في مجلد واحد، شرح به اشارات الرئيس. أوله:

أحمد اللّه علي حسن حسن توفيقه الخ. و النسخة برقم 3076.

هذا و سيأتي الكلام علي كتاب (الابحاث عن الملل الثلاث) و أنه يسمي (كتاب تنقيح الابحاث عن الملل الثلاث) و الرد عليه في ترجمة أحمد ابن الساعاتي..

و قد ذكر شاعرنا الأستاذ جميل صدقي افندي الزهاوي أن لديه كتابا في الحكمة لابن كمونة المذكور سماه (الجديد في الحكمة).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 371

4- شغب علي صدر الوقوف:

و في هذه السنة اجتمع الفقهاء بالمستنصرية علي جمال الدين الدستجردي صدر الوقوف و نالوا منه و اسمعوه قبيح الكلام فحماه منهم الشيخ ظهير الدين البخاري المدرس و خلصه من أيديهم فاتصل ذلك بالحكام فعزلوه و رتبوا رضي الدين ابن سعيد فلم ينهض بأمور الوقف فأعيد جمال الدين الدستجردي و وصل بعد ذلك فخر الدين أحمد ابن الخواجة نصير الدين الطوسي و قد أعيد أمر الوقوف بالممالك جميعها إليه و حذفت (حصة الديوان) من الوقوف و وفرت علي أربابها فعين مجد الدين إسماعيل بن الياس صدرا بالوقوف عوضا عن جمال الدين الدستجردي فعين عز الدين محمد بن شمام نائبا عنه فيها.

5- تولية القضاء نيابة:

و في هذه السنة قلد قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني جمال الدين عبد اللّه ابن العاقولي القضاء نيابة عنه و جعله مقدما علي كل النواب منفردا (بالشبال) و أضاف إليه (الحسبة) عوضا عن القاضي بدر الدين الرقي و أقر علي القضاء (بالجانب الغربي).

6- صدر الأعمال الواسطية:

و فيها رتب نور الدين أحمد بن الصياد التاجر صدر الأعمال الواسطية عوضا عن فخر الدين مظفر ابن الطراح فأنفذ خادما له اسمه (إقبال) لينوب عنه فأصعد فخر الدين إلي بغداد و تحدث في ضمان أعمال واسط فعقد ضمانها عليه فانحدر إليها و كانت مدة ولاية ابن الصياد شهرا واحدا.

7- غرق وجراد في بغداد و انحائها:

و فيها زادت دجلة زيادة عظيمة غرق في الجانب الغربي من بغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 372

عدة نواح و وصل الماء إلي قباب (دير الثعالب) و الجنثة و معروف الكرخي و تهدمت حيطان البساتين و الادؤر الرقيقة و هلكت الأشجار و ظهر بعد ذلك (جراد دباب) اتلف أشياء كثيرة من الزروع و الغلات و الكروم و غير ذلك.

أمير العرب:

مضي في حوادث سنة 680 ه الكلام عن أمير العرب عيسي بن مهنا رئيس آل فضل. و في هذه السنة توفي في ربيع الأول و خلفه ابنه الأمير حسام الدين مهنا صاحب تدمر و هؤلاء لم تنقطع علاقتهم من العراق و ستظهر فيما يلي بوضوح أكثر … و آل فضل بن ربيعة هؤلاء أمراء طي ء و هم بنو عيسي بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عقبة بن فضل و فضل هذا ينتهي إلي فضل بن ربيعة. و هم عدة بطون اعظمهم شأنا و أرفعهم قدرا (آل عيسي). و أميرهم أعلي رتبة عند الملوك و غيرهم من سائر أمراء العرب. و منازلهم من حمص إلي قلعة جعبر إلي الرطبة آخذين علي شقي الفرات و أطراف العراق حتي أن حدهم قبلة بشرق الوشم آخذين يسارا إلي البصرة … و (آل علي) منهم نزلوا غوطة دمشق حيث صارت الإمرة إلي عيسي بن مهنا و بقي هذا جار الفرات في تلابيب التتار و لهذا يضاعف إكرامهم و يوفر لهم الإقطاعات و صاروا الآن بيتين:

بيت مهنا بن عيسي و بيت فضل بن عيسي و تقسمت بقية بني عيسي قسمين مع كل أهل بيت منهما قسم و (آل ملحم) ابن مهنا من بقية أمراء طيي ء الأول و هم أهل السابقة

من إمارة عرب الشام و أصحاب الذروة الشامخة فيهم … و أما جماعاتهم فمن أشتات العرب علي اختلاف الشعوب و القبائل مستخدمون معهم أو منضمون إليهم … و قد ورد ذكر عمود نسبهم بصورة أخري تختلف عن هذه قليلا …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 373

وفيات:
1- توفي شهاب الدين علي بن عبد اللّه وكيل الديوان.

و كان سبب موته أنه أحيل به فكبس داره فارتقي إلي سطحها فسقط من الكبسة فمات و عمره 74 سنة و كان من أكابر المتصرفين خدم في عدة خدمات في زمن الخلفاء و ما زال محترما مقدما ذا رأي سديد و تدبير جيد.

2- توفي الشيخ زكي الدين عبد اللّه بن حبيب الكاتب

كتب علي طريقة (ابن البواب). و كان عالما فاضلا رتب شيخ الصوفية برباط الأصحاب سنة 57 و أضيف إليه مشيخة رباط مجد الدين ابن الأثير سنة 72 و كان عمره 76 سنة.

3- توفي نور الدين علي بن تغلب الساعاتي:

كان يتولي تدبير الساعات التي تجاه المستنصرية. كان مولده سنة 601 ه. و هو الذي عمل الساعات المشهورة علي باب المستنصرية ببغداد، و كان مشتهرا بالهيئة و النجوم و عمل الساعات …

4- توفي مجد الدين حسين بن الدوامي:

و كان مولده في شعبان سنة 620 ه و هو من البيت الاثيل المشهور خدم والده وجده الخلفاء. و كانوا مقربين عندهم و كان تاج الدين والده (حاجب الباب) يحضر دائما عند الخليفة في الخلوات. و لما ملك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 374

السلطان هلاكو خان بغداد حضر عنده و أمره أن يتولي تدبير (الأعمال الفراتية) فلم تطل أيامه و توفي قبل عود السلطان إلي بلاد الجبل. فأمر أن يتولاها ولده مجد الدين فبقي علي ذلك مدة و نقل إلي (أشراف الحلة) و غير ذلك من الخدم الجليلة. و كان أديبا فاضلا عفيفا يقول شعرا جيدا.

5- توفي مجد الدين عبد اللّه بن بلدجي الموصلي مدرس (مشهد أبي حنيفة)

و عمره ثلاث و ثمانون سنة. و دفن بالمشهد المذكور. و كان فاضلا مبرزا في العلوم الدينية.

سماه في الفوائد البهية عبد اللّه بن محمود بن مودود بن محمود أبو الفضل مجد الدين الموصلي. ولد بالموصل سنة 599 ه و حصل عند أبيه أبي الثناء محمود المتوفي سنة 633 ه مبادي ء العلوم و رحل إلي دمشق فأخذ عن جمال الدين الحصيري و تولي القضاء بالكوفة، ثم عزل و دخل بغداد و رتب الدرس بمشهد أبي حنيفة و لم يزل يفتي و يدرس إلي أن مات يوم السبت 19 المحرم سنة 683 ه. و كان من أفراد الدهر في الفروع و الأصول … صاحب (المختار) المتن الفقهي المعروف من المتون الأربعة المعتبرة عند الحنفية و هي المختار و الكنز و الوقاية و مجمع البحرين و منهم من يعتمد علي الوقاية و الكنز و مختصر القدوري. و له (شرحه) المسمي ب (الاختيار) من الكتب المعتبرة. و عندي مخطوط قديم من المختار و نصف من الاختيار قديم أيضا.

و له ثلاثة إخوة هم:

1-

عبد الدائم. مر ذكره في هذا الملحق.

2- عبد العزيز.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 375

3- عبد الكريم.

و هذان الأخيران اشتغلا بالعلوم و كانا فقيهين مدرسين بالموصل.

و لم يعين تاريخ وفاتهما..

و قد جاءت ترجمة مجد الدين عبد اللّه المذكور في منتخب المختار قال:

«عبد اللّه بن محمود بن مودود بن محمود بن بلدجي (بضم الأول و الثالث) الموصلي أبو الفضل و قال الدمياطي أبو محمد بن أبي الثناء الحنفي الملقب مجد الدين ابن الإمام شهاب الدين المفتي سمع بالمدرسة الصارمية في الموصل من عمر بن محمد بن طبرزد و من مسمار ابن عمر بن العويس التيار و من والده محمود بن أبي العز الواسطي و أبي الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة، و من الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي و أبي النجا عبد اللّه بن عمر اللتي و نصر بن عبد الرزاق الجبلي و عثمان بن إبراهيم … و أجاز له جماعة … قال الفرضي كان شيخا فقيها إماما عالما فاضلا له مصنفات في الفقه عدة و في الخلاف و معرفة الرجال و رجع إلي بغداد في سنة 667 ه و لم يزل يفتي و يدرس و سمع الحديث إلي حين وفاته …

و من مصنفاته المختار في الفتوي، و الاختيار لتعليل المختار، و المشتملة علي مسائل المختصر … و مولده في يوم الجمعة سلخ شوال سنة 599 ه بالموصل و توفي ببغداد في بكرة السبت 19 المحرم.

قال ابن الفوطي يوم السبت العشرين منه سنة 683 ه و صلي عليه من يومه بجامع القصر و بالمستنصرية و خارج باب سوق السلطان و بمشهد الإمام أبي حنيفة. و دفن بالمشهد المذكور إلي جانب القبر. و

كان يوما مشهودا» ا ه..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 376

6- ابن الصباغ:

قال في منتخب المختار: «المبارك بن المبارك بن عمر الأواني أبو منصور المنعوت بالشمس طبيب المستنصرية المعروف بابن الصباغ، كان عالما بالطب، ماهرا في صناعته، له فيه تصانيف، و كان ناهز المائة و نيف عليها. قاله ابن الفوطي، و كان ممتعا بسمعه و بصره. توفي سنة 683 ه.

توفي شمس الدين الصباغ:

الطبيب المشهور. و عمره 106 سنين و كان بارعا في علم الطب.

7- شرف الدين الشيرازي:

إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم البكري. أبو إسحاق الزنجاني ثم الشيرازي الملقب شرف الدين الشافعي. قدم بغداد حاجا، و صنف كتابا علي طريقة جامع الأصول لابن الأثير، و حدث بمراغة و تبريز بكتاب الانوار اللمعة في الجمع بين الصحاح السبعة تأليف تاج الدين الساوي.

سمع منه الصاحب شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجويني و أولاده، توفي بشيراز سنة 683 ه.

حوادث سنة 684 ه (1285 م)

1- مشرف العراق:

في المحرم من هذه السنة وصل الأمير (تاج الدين علي جكيبان) إلي بغداد و قد عين مشرفا بالعراق بدل سعد الدين مظفر ابن المستوفي القزويني. و عين المذكور كاتب سلة بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 377

2- كسر الدراهم: (نقود جديدة)

و في هذه السنة ابطلت الدراهم. و تعطلت أمور العالم لذلك و بطلت معايشهم و ضرب دراهم غيرها و قرر سعرها ثمانية مثاقيل بدينار.

و اختلفت قيمة الدراهم الأولي. فكان منها عشرة مثاقيل و منها اثنا عشر مثقالا بدينار فذهب من الناس شي ء كثير.

ثم ضرب في بقية السنة دراهم مثل الدراهم الآبقائية و تقدم ان يتعامل الناس بها عددا كما تعاملوا بالآبقائية.

3- الغلاء:

ثم غلت الأسعار فبلغ الكرّ من الحنطة مائة و ثمانين دينارا، و كر الشعير مائة دينار، و بيع الخبز ثلاثة ارطال بدرهم، و وصل من الموصل دقيق و خبز مرقق بيع بالحجر و أخذت تمغته و لم يسمع قبل هذا أنه بيع في الحجر خبز و لا جلب إلي بغداد إلا بعد الواقعة فإن أهل الحلة أمنهم السلطات علي نفوسهم و أموالهم كما ذكرنا فكانوا يحملون الغلة و الخبز و التمر و السمك و غير ذلك، و باع القوم الضعفاء أولادهم و ألقت امرأة نفسها في دجلة قيل إنها كانت علي الجسر تطلب فلم يعطها أحد شيئا فآثرت إتلاف نفسها، و أكل الناس ورق الجزر و السلجم و البصل و نبات الأرض كعروق القصب و البردي و الحلفاء و غيره و انقضت السنة و الناس علي ذلك و لقوا شدة عظيمة من الغلاء و كسر الدراهم.

4- غارة عسكر الشام علي الموصل و أنحائها:

أغارت طائفة من عسكر الشام علي ديار بكر و الموصل و إربل و قتلوا و نهبوا و سبوا و أخذوا أموال التجار من قيسارية الموصل و قتلوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 378

كثيرا من النصاري في إربل. و نهبت الاكراد بلد البوازيج منهم و باصيدي و قتلوا من النصاري و نهبوا الأموال و هرب شحنة البوازيج منهم و قصد بغداد.

و في تاريخ الموصل أنها جرت في السنة التالية و أن والي الموصل الذي كان أعاده ارغون و هو مسعود البرقوطي خرج عليهم في 22 ربيع الأول سنة 685 ه (1286 م) فلم يتمكن منهم و هرب و انتهبت الموصل.

ثم عاد مسعود البرقوطي إلي الموصل …

5- تدريس:

أعيد التدريس في البشيرية إلي جمال الدين عبد اللّه بن العاقولي و عزل عنه صدر الدين محمد ابن شيخ الإسلام و رتب مدرسا بمدرسة الأصحاب.

وفيات:
1- توفي موفق الدين أبو الفتح ابن أبي فراس الهنايسي أخو قاضي القضاة

و كان رجلا صالحا. خطب بجامع الخليفة إلي أن أضرّ فاستناب ولده مكانه.

2- توفي تقي الدين علي بن عبد العزيز المغربي الأصل البغدادي المنشأ،

و كان شابا اديبا فاضلا شاعرا؛ و له ديوان مشهور.

3- توفي نجم الدين محمد بن هلال المنجم:

و كان حاذقا في علم النجوم فقيها شافعيا.

4- أبو طالب نور الدين العبدلياني:

عبد الرحمن بن عمر بن أبي القاسم بن علي بن عثمان البصري أبو طالب العبدلياني الحنبلي الملقب نور الدين الضرير سمع من أبي بكر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 379

محمد بن سعيد بن الخازن، و من محمد بن علي بن أبي السهل.. قال الإمام سراج الدين عمر بن علي القزويني ليس له سماع قديم فيما علمت بل كان سمع بعد الواقعة و قيل إنه سمع علي جماعة من أهل البصرة ا ه … و كان عالما فاضلا درس بالمدرسة البشيرية سنة 662 ه و نقل إلي تدريس المستنصرية بعد وفاة جلال الدين بن عكبر.

و له تصانيف مفيدة منها جامع العلوم في تفسير كتاب اللّه الحي القيوم، و الحاوي في الفقه و الكافي شرح الخرقي، و الواضح في شرح الخرقي، و الشافي في المذهب، و مشكل كتاب الشهاب. و له طريقة في علم الخلاف تحتوي علي عشرين مسألة.

مولده يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 624 ه بناحية عبدليا من نواحي البصرة … و توفي ليلة السبت غرة شوال سنة 684 ه و دفن بمقبرة الإمام أحمد بن حنبل بباب حرب. كذا في منتخب المختار.

حوادث سنة 685 ه (1286 م)

تبدلات إدارية كبري في العراق:

في المحرم فوض الأمير اروق أمر (العراق) إلي عز الدين الإربلي و مجد الدين إسماعيل بن الياس و خلع عليهما و عزل مجد الدين محمد ابن الأثير و الأمير تاج الدين علي جكيبان المشرف و سعد الدين القزويني الكاتب و سلموا إلي عز الدين و مجد الدين و أمر بمحاسبتهم و مطالبتهم بما تعهدوا به من المال فطولبوا و ضويقوا ثم حملوا إلي الأردوا فأمر بقتلهم فقتلوا و حملت جثة ابن الأثير إلي بغداد و دفن في تربة له في مدرسته

و حملت جثة الأمير علي جكيبان إلي بغداد أيضا و دفن في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 380

تربة له مجاورة داره و جثة سعد الدين حملت إلي بلده و وصل الملك ناصر الدين قتلغ شاه مملوك الصاحب علاء الدين بعد ذلك و قد رتب مشرفا بالعراق و عزل فخر الدين مظفر بن الطراح من الأعمال الواسطية و رتب بها نور الدين ابن الصياد ثم رتب فخر الدين صدر الأعمال الحلية.

توجيه قضاء الحلة:

و في هذه السنة استناب قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني في القضاء ببلاد الحلة العدل الفقيه تاج الدين محمد ابن محفوظ بن و شاح الحلي.

مدرس في المستنصرية:

رتب نجم الدين محمد بن العز البصري الشافعي مدرسا بالمستنصرية.

الاسعار في بغداد:

و في هذه السنة أيضا كانت الأسعار علي ما كانت عليه و الضعفاء في ويل عظيم من تعذر القوت. و كثرت الأمراض ببغداد و الموت.

و لطف اللّه بخلقه فتراخت الأسعار في جمادي الأولي و رخصت الأشياء في آخر السنة و زادت الفرات زيادة عظيمة غرقت أعمال الكوفة و الحلة و نهر ملك و نهر عيسي و الأنبار و هيت. و ذهب من الأموال شي ء كثير.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 381

وفيات:
1- توفيت رابعة ابنة أبي العباس أحمد ابن الخليفة المستعصم باللّه

زوجة الخواجة هارون ابن الصاحب شمس الدين محمد بن الجويني ببغداد و دفنت في تربة والدتها التي بمشهد عبيد اللّه. و قد مر ذكر أولادها.

2- توفي الخواجة شرف الدين هارون الجويني.

ورد الخبر بعد ذلك أن السلطان أمر بقتل الخواجة هارون في حدود الروم. قيل كان قتله بعد وفاة زوجته رابعة المذكورة بسبعة أيام.

و قد نقلنا فيما سبق حادثة تزوجه برابعة و بيان أولاده منها، و ولايته علي بغداد … و كان مهذبا، كاملا درس في عنفوان شبابه العلوم و حصل الفضائل و الكمالات النفسية و يعد من المتبحرين في ضروب الفنون، و تعلم الموسيقي من استاذه صفي الدين عبد المؤمن و لأستاذه الموما إليه رسالة في الموسيقي سماها باسمه «الرسالة الشرفية» …

3- توفي نجم الدين حيدر بن الايسر.

و كان من أكابر المتصرفين ببغداد خدم في آخر وقته وكيل الديوان ببغداد. و كان حسن السيرة مشكورا في تصرفاته بلغ من العمر 75 سنة.

4- جمال الدين ابن الدباب البابصري.

محمد بن محمد بن علي ابن أبي الفرج بن أبي المعالي البغدادي البابصري أبو الفضل بن أبي الفرج بن أبي الحسن الحنبلي الواعظ جمال الدين المعروف بابن الدباب و يقال بن الزراد أيضا. سمع من جماعة … و سمع منه أبو عبد اللّه محمد بن عبد الرحيم و كمال الدين عبد الرزاق ابن الفوطي و أبو العلاء محمود و هذا الأخير ذكره في معجمه و قال: و كان من جملة المعدلين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 382

ببغداد و كان جده عرف بالدباب لأنه كان يمشي رويدا و الدبيب المشي الرويد. و كان والده من أهل باب البصرة و هي مدينة المنصور. بغربي بغداد و بظاهرها جامع المنصور. و كان شيخا عالما، زاهدا، عابدا، عارفا ثقة، عدلا، مكثرا، مسندا، صحيح السماع، من بيت الحديث و الزهد … ولد بباب البصرة في 23، أو 24 من صفر سنة 603 ه و توفي ليلة الخميس آخر يوم من سنة 685 ه.

5- العفيف ابن الزجاج.

عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس بن راضي العلثي البغدادي أبو محمد بن أبي عبد اللّه الحنبلي المنعوت بالعفيف المحدث المعروف بابن الزجاج عم عبد الحميد بن أحمد المقدم ذكره من أهل المأمونية شرقي بغداد و كان شيخا، عالما، فقيها. محدثا، مكثرا، مفيدا، زاهدا، عابدا، ابن بيت الحديث، متبعا السنة، شديدا علي المبتدعة، ملازما لقراءة القرآن و العبادة …

كان مولده بالمأمونية في سنة 612 ه توفي في طريق الحج سنة 685 ه؛.

6- شرف الدين ابن الخطيب.

هو علي بن عبد اللّه بن هبة اللّه بن المنصور باللّه المنصوري، أبو الحسين بن أبي محمد و أبي المنصور بن أبي القاسم المعدل الملقب شرف الدين ابن الخطيب فخر الدين أخو الجلال محمد. سمع من أبي الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة، و من اسماعيل بن يحيي المقري و سمع منه ابن الفوطي. و كان من اعيان المعدلين و خطيبا بجامع السلطان أيام الخلفاء. مولده في المحرم سنة 624 ه و توفي سنة 685 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 383

حوادث سنة 686 ه (1287 م)

والي العراق قتلغ شاه
ذيول التبدلات في حكومة العراق:

في السنة الماضية كان الأمير أروق قتل جماعة من الحكام (بالعراق). و في هذه السنة جعل عوضهم الملك (ناصر الدين) قتلغ شاه ابن سنجر مملوك علاء الدين صاحب الديوان فسأل إبعاد سعد الدولة ابن الصفي الحكيم اليهودي عنه و أن يكف يده عن الحكم معه فأجيب إلي ذلك فأقام سعد الدولة في الأردو علي قاعدة الأطباء هناك فاتفق له القرب من السلطان ارغون و الخلوة و حصل له ما لم يخطر بباله فكشف له أمور العراق و عرفه جميع الأحوال ثم أخذ في الطعن علي الأمير بوقا و أخيه أروق و بين له وجوه ارتفاقهما من الممالك فتغير قلبه عليهما.

و لما وصل قتلغ شاه إلي بغداد قسط علي الناس أموالا علي سبيل القرض و ثقل عليهم في استيفائها فنفرت الناس منه فبينما هو علي ذلك وردت الأخبار بوصول الأمير (أردوقيا) و سعد الدولة لتصفح أحوال العراق. ثم إنهما وصلا و اجتمعا بالأمير أروق فكان أول ما اعتمداه إسقاط ما قرر علي الناس من القرض. ثم أصلحا حال العراق و استرفعا حسابه و جمعا المال من وجهه و توجهوا جميعا إلي السلطان

فأنهي إليه سعد الدولة ما فعل أروق و قتلغ شاه بالرعية و ما صار إليهما من الأموال فأمر باستخراج ذلك من قتلغ شاه فعاد سعد الدولة إلي بغداد و استصحبه معه. فكان وصول الأمير اردوقيا في المحرم هو و سعد الدولة ابن الصفي اليهودي إلي بغداد و حضرا عند الأمير أروق و عرضا عليه ما معهما من الفرامين فأمر أن ينادي في بغداد أن يحضر إلي الديوان كل من معه فرمان و بايزة. فلما حضروا أخذوا ذلك منهم و عزل ناصر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 384

الدين قتلغ شاه عن الحكم ببغداد و أعيد أمر الإشراف بالعراق إلي سعد الدولة …

و تقدم بإعادة ما أخذ من الرعية في السنة الحالية من القرض. ثم طولب (ولاة الأعمال) و (الضمناء) بما عليهم من البقايا و ضويقوا علي ذلك فأدوا أموالا كثيرة و ضرب عز الدين عبد العزيز الإربلي ناظر الكوفة فباع أملاكه فلم يقم بما عليه. و كان مريضا فمات من تواتر الضرب و العقاب.

و ضرب الزين الحظائري عميد بغداد و دوشخ فأدي بعض ما قرر عليه و أخذ مجد الدين إسماعيل بن الياس و دوشخ و وكل في داره فأدي مالا كثيرا و باع أملاكه و أسبابه و قام بما تخلف عليه من ضمان الحلة فلما تكاملت الأموال في الخزانة توجه الأمير اردوقيا بها إلي السلطان و استصحب سعد الدولة معه فعين شرف الدين محمد بن أحمد السمناني (صاحب ديوان العراق) و رتب سعد الدولة ابن الصفي الحكيم مشرفا عليه فوصلا بغداد و صحبتهما ناصر الدين قتلغ شاه مطالب بما عليه من الأموال. و رتب فخر الدين مظفر بن الطراح صدرا في الحلة عوضا من

مجد الدين إسماعيل بن الياس. و سيأتي الكلام علي باقي الإدارات في السنة التالية و لنرجع إلي بقية حوادث هذه السنة 686 ه.

وقائع أخري:

و في هذه السنة طولب نجم الدين أحمد كاتب الجريد بالحساب و دوشخ علي بقايا وجبت عليه. فلما عرف من نفسه العجز عما يطلب منه و خشي من العقاب قتل نفسه و كان شابا حسن الصورة.

و فيها أيضا عقد ضمان الأعمال الحلية علي مجد الدين إسماعيل ابن الياس إضافة إلي نيابة الديوان و الحكم في بغداد. و كان ذلك سببا لذهاب أمواله و أملاكه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 385

غارة الأعراب:

و في هذه السنة دخلت العرب يوم الجمعة إلي الجامع (بالمحوّل) فأخذوا ثياب كل من كان فيه. ثم قصدوا (ناحية الحارثية) و كبسوها ليلا و أخذوا ما قدروا عليه و قتلوا جماعة من اهلها. فلم يزل شحنة العراق يفحص عنهم حتي ظفر بأكثرهم و ضرب أعناقهم و بني رؤوسهم في قبة عند الجسر و جعل وجوههم ظاهرة ليعتبر بهم كل مفسد. و هنا لم يسم القبيلة المهاجمة.

وقوع برد في نيسان:

و وقع في نيسان برد كثير كبار اتلف الزروع في أعمال بغداد. قال الشيخ ظهير الدين الكازروني في تاريخه: حكي لي (قاضي طريق خراسان) أن جماعة شهدوا عنده أنهم رأوا في (ناحية الخوزية) من أعمال (براز الروز) بردا كبارا فيه بردة عظيمة كالرجل النائم …

و المبالغة ظاهرة …

في هذه السنة كثر اهتمام العوام بقتل السباع و جري بينهم فتن كثيرة و حروب بين أهل المحال فأنكر الديوان ذلك و تقدم بمنع حرب السباع لإطفاء الفتنة و منعوا عن الخروج بعد ذلك لقتل السباع.

الحج:

في هذه السنة حج الناس و عادوا طيبين و أخبروا بأمن الطريق و رخص الأشياء في مكة و المدينة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 386

حوادث سنة 687 ه (1288 م)

إتمام التبدلات الإدارية:

في هذه السنة تمت التبدلات و الوقائع الملحقة بها مما يتعلق بالإدارة بالوجه المار …

تركات المسلمين و التوريث:

في صفر هذه السنة وصل بغداد جماعة من اليهود من أهل تفليس و قد رتبوا ولاة علي تركات المسلمين. فأجروا الأمر علي أن لا يورثوا ذوي الأرحام. فأنكر الأمير أروق ذلك و أمر أن يعمل بمذهب (الإمام الشافعي) (رض) كما كان يعمل قديما. فاتفق وفاة بعض العوام و قد خلف ابن عم له فأنكر النواب نسبه و ختموا علي تركته. فاستغاث و استنصر بالعوام فاجتمع معه خلق كثير و وقعت فتنة أوجبت خوف النواب من القتل فاختفوا و تحصنوا في بيوتهم فنهب العوام دكاكين اليهود من المخلطين و غيرهم فكفهم الديوان عن ذلك فخرج النواب من بغداد متوجهين إلي بلادهم فصادفهم الأكراد في الجبل فقتلوهم.

تزوج:

في هذه السنة تزوج مبارك شاه ابن الشيخ نظام الدين محمود شيخ المشايخ بابنة فخر الدين ابن الخواجة نصير الدين الطوسي علي صداق عشرة آلاف دينار و حضر العقد قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني.

مدرسة النظامية:

و رتب نجم الدين محمد بن أبي العزيز مدرسا بالنظامية حيث توفي مدرسها نور الدين عبد الغني المعروف بأبي البيان الحلبي إضافة إلي القضاء و خلع سعد الدولة عليه. فلما ألقي الدرس قال: هذه بضاعتنا ردت إلينا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 387

وقوف العراق:

و فيها كفت يد صدر الدين و إخوته أولاد الخواجة نصير الدين الطوسي عن النظر في وقوف العراق. و أعيد الأمر فيها إلي حكام بغداد.

ثم عاد الأمر إليهم سنة 688 ه.

الحج:

حج في هذه السنة من العراق خلق كثير و أخبروا بتعذر الأقوات و عدم الأشياء هناك.

1- وفاة برهان الدين النسفي:

هو الشيخ برهان الدين محمد بن محمد بن محمد النسفي الحنفي المنطقي صاحب التصانيف. قال ابن الفوطي: هو شيخنا المحقق، المدقق العلّامة الحكيم، له التصانيف المشهورة، كان في الخلاف و الفلسفة أوحد، متع بحواسه، و كان زاهدا و قد لخص تفسير الإمام فخر الدين، قدم بغداد حاجا سنة 675 و اشتغل عليه هارون بن الصاحب، مولده تقريبا سنة 600 و توفي ببغداد سنة 687 ه. كذا في الوافي بالوفيات (ج 1 ص 282) و الملحوظ هنا أن النقل كان عن ابن الفوطي و في الاصل المنسوب إلي ابن الفوطي لم يتعرض لهذا الحادث، و الظاهر أنه منقول عن كتب أخري له … و النسفي المذكور يسمي تفسيره (الواضح) كما في كشف الظنون في مادة (مفاتيح الغيب) تفسير الرازي و ترجمته في الجواهر المضية، و الفوائد البهية …

2- نور الدين المالكي:

عثمان بن إبراهيم بن يعقوب بن عبد الملك الآمدي المالكي أبو عبد اللّه بن أبي إسحق الملقب نور الدين استنابه القاضي بدر الدين محمد بن علي الرقي الحنفي في الحكم و القضاء بالجانب الغربي و درس بالعصمتية مجاور مشهد عبد اللّه (كذا) و كان ورعا،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 388

متدينا، توفي في الخامس عشر من ربيع الأول سنة 687 ه.

3- عثمان بن مسعود الواسطي:

عثمان بن مسعود الواسطي أبو عمرو المالكي الملقب نور الدين.

قال ابن الفوطي سمع من شيخنا سراج الدين الشارمساحي و هو مفيد الطائفة المالكية بالمدرسة المستنصرية توفي في ذي القعدة سنة 687 ه و دفن بمقبرة معروف.

4- كمال الدين ابن المخرمي:

محمد بن المبارك بن يحيي بن المبارك بن علي بن المبارك بن علي بن الحسين بن بندار البغدادي، أبو نصر بن أبي سعد بن أبي الفضل بن أبي سعد الملقب كمال الدين ابن الصاحب فخر الدين المعروف بابن المخرّمي. سمع من أبي محمد الحسن بن علي بن الأمير السيد الدرة، و أبي حفص عمر بن محمد السهروردي، و عبد اللطيف بن محمد بن القبيطي … و سمع منه أبو الفضل عبد الرزاق ابن الفوطي و اجاز لشيخنا احمد بن محمد الكازروني. ولد في بغداد سنة 609 ه و توفي في 25 من شهر رمضان سنة 688 ه و دفن بجنب غرفة معروف الكرخي.

حوادث سنة 688 ه (1289 م)

التمغات و عميد بغداد:

في هذه السنة تقدم الملك شرف الدين السمناني صاحب ديوان العراق بإعادة الزين عميد بغداد إلي التمغات بعد أن استوفي ما عليه من بقايا الضمان بالضرب و العذاب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 389

تبدلات إدارية في العراق أيضا:

في هذه السنة عزم الملك شرف الدين السمناني صاحب ديوان العراق علي التوجه إلي الأردو. فقصد سعد الدولة المشرف عليه مشهد موسي بن جعفر عليه السّلام وزار ضريحه الشريف و أخذ المصحف متفائلا به فخرج له: يا بني اسرائيل قد انجيناكم من عدوكم و واعدناكم جانب الطور الأيمن و نزلنا عليكم المنّ و السلوي فاستبشر بذلك و أطلق للعلويين و القوام مائة دينار. فلما و صلوا إلي حضرة السلطان عزل الملك شرف الدين و رتب سعد الدولة صاحب ديوان الممالك و أمر السلطان بقتل بغانوين (بوقا) فقتل هو و أولاده و أصحابه و كان الأمير أروق أخوه في ديار بكر فأنفذ إليه من قبض عليه ثم قتله. و كان ذلك لتغير نياتهما في طاعته.

ثم إن سعد الدولة رتب في العراق أخاه فخر الدولة و مهذب الدولة نصر ابن الماشعيري و رتب معهما جمال الدين علي الدستجرداني كاتبا فوصلوا إلي بغداد و قرروا قواعد أعمالها.

ثم وصل تقدم سعد الدولة بالقبض علي الزين الحظائري ضامن التمغات و مجد الدين إسماعيل بن الياس و استيفاء ما عليهما من الأموال في ثلاثة أيام ثم قتلهما بعد ذلك فقبض عليهما و وكل بهما و عوقبا بالضرب و غيره و أخذ كل مالهما من مال و ملك. ثم قتل الزين ظاهر سوق بغداد في العشرين من جمادي الآخرة و قتل مجد الدين يوم الأربعاء في الثاني و العشرين منه تحت دار الشاطيا، و سلمت جثته إلي

أولاده. و كان قتله آخر النهار و هو صائم فطلب ماء فلما أتي به نظر إلي الشمس و قد قرب غروبها فلم يشربه. و قال للسياف اضرب ضربة واحدة فقال له نعم.

كان رحمه اللّه تعالي من محاسن الزمن عالما فاضلا أديبا جوادا سخيا كريما يكتب خطا جيدا و يقول الشعر …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 390

الوالي قتلغ شاه
قتل قتلغ شاه:

ثم قتل الملك ناصر الدين قتلغ شاه الصاحبي في تبريز و حملت جثته إلي بغداد فدفنت في رباط كان قد عمره مجاور قبر سلمان الفارسي (رض) و جعل فيه جماعة من الفقراء و وقف عليهم عدة نواح بواسط و غيرها. و كان يحب الفقراء و يواصلهم. و بني في البصرة لما كان واليا فيها رباطا و حماما و وقف الحمام و غيره عليه. و بني في المأمن الذي عمله الصاحب علاء الدين في أعمال واسط مدرسة.

قتل منصور بن علاء الدين الجويني:

ثم قتل منصور بن علاء الدين صاحب الديوان ببغداد في رجب و دفن في تربة والدته …

عزل و نصب:

و في هذه السنة عزل نور الدين الصياد من واسط و رتب عوضه الملك نور الدين عبد الرحمن بن تاشان.

قتل والي الموصل:

إن الوالي مسعود البرقوطي كان قد ألقي القبض عليه و أمسك عليه مع الأمير أروق و ذلك أن السلطان أرسل جندا مع الأمير بيتمش فقتلهما مع أصحابهما و قبض علي تاج الدين بن مختص و أوسعه ضربا و غرمه خمسين ألف دينار.

ثم أثار بيتمش اضطهادا علي النصاري الذين تظاهروا بالتصحب لمسعود و قتل منهم كثيرا في الموصل و إربل و ما جاورها من القري.

ثم ولي الموصل و سعي في توطيد الأمن إلا أنه في هذه السنة هوجمت سنجار و ما والاها من عصابات سورية فعاثوا في القري ثم إن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 391

أمير الموصل أدركهم عند الخابور و استرد منهم بعض المنهوبات.

و بعد هذا ولي الموصل أمين الدولة أخو سعد الدولة و بقي حاكما بها إلي أيام نكبة اليهود بعد قتلة سعد الدولة إلا أنه لم يبين تاريخ حكومته في الموصل بالضبط.

وفيات:
1- توفي عز الدين علي بن عفيجة

و دفن تحت قدمي سلمان الفارسي و كان من أكابر المتصرفين ببغداد.

2- توفي بهاء الدين عبد الوهاب ابن قاضي دقوق

و دفن في مدرسة بناها علي شاطي ء دجلة بباب الأزج. و كان ذا مال و جاه من أكبر التناة بالعراق.

3- توفي صفي الدولة سليمان ابن الجمل النصراني

كاتب السلة ببغداد.

حوادث أخري:

في هذه السنة غلت الأسعار ببغداد و حج من بغداد خلق كثير.

حوادث سنة 689 ه (1290 م)

شغب في بغداد علي سعد الدولة: (اليهود)

فيها سطر ببغداد محضر كتب فيه أعيان الناس يتضمن الطعن علي سعد الدولة يتضمن آيات من القرآن و أخبارا نبوية أن اليهود طائفة أذلهم اللّه تعالي، و من حاول إعزازهم أذله اللّه عز و جل فعرف سعد الدولة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 392

بذلك، فلما وصل المنفذ به أخذه منه و عرضه علي السلطان أرغون فحكمه في كل من كتب فيه فتأني في مؤاخذتهم و استعمل الحزم و حاذر عاقبة العجلة لكنه تقدم بصلب جمال الدين ابن الحلاوي ضامن تمغات بغداد فصلب بباب النوبي و ثيابه عليه و سلم إلي أهله بقية النهار.

عزل:

و فيها عزل نجم الدين بن أبي العز البصري و نجم الدين عبد اللّه القوساني و عفيف الدين ربيع الكوفي من القضاء ببغداد.

الحج: (و نهب العرب):

و حج من العراق في هذه السنة خلق كثير و عادوا من بعض الطريق و قد نهبهم العرب.

بقايا أولاد شمس الدين الجويني

في هذه السنة سأل السلطان عمن تخلف من أولاد شمس الدين محمد الجويني صاحب الديوان فأخبر بهم فأمر بقتلهم. و كان في تبريز منهم مسعود و فرج اللّه فقتلا و دفنا في تربة أبيهما، أما مسعود فإنه كان قد أعرس منذ ليال، و أما فرج اللّه فإنه كان صبيا في المكتب فلما أخرج ليقتل توهم أنهم يريدون تأديبه لئلا ينقطع عن المكتب فجعل يقول بالفارسية و اللّه ما بقيت أنقطع عن المكتب فرقت له الناس، و كان أخوهما نوروز في الروم فسارت الايلچية إليه فقتل هناك.

حوادث سنة 690 ه (1291 م)

وقائع عراقية- والي بغداد:

في هذه السنة انحدر مهذب الدولة ابن الماشعيري إلي واسط و قبض علي ملكها نور الدين عبد الرحمن تاشان و طوقه بالحديد و نفذه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 393

إلي بغداد علي أن يقتل بها و يحمل رأسه إليه.

و سبب ذلك أنه تحدث علي السكر أن سعد الدولة قد قتل فلما وصل بغداد و كل به في دار النيابة ثلاثة أيام. فلما كان اليوم الثالث وصلت الايلچية من أردو (بايدو) و دخلوا بغداد ليلا و حضروا عند جمال الدين الدستجرداني كاتب العراق و عرفوه أن السلطان أرغون توفي و أن الأمراء قتلوا سعد الدولة قبل وفاة السلطان و أنه قد فوض أمر العراق إليه و أمر بالقبض علي فخر الدولة أخي سعد الدولة فاتفق مع الايلچية و بعض الأمراء و شحنة بغداد و قبضوا علي فخر الدولة في ربيع الآخر و أحضروا الملك نور الدين عبد الرحمن و أخرجوه من السجن و تقدموا إليه بالانحدار إلي واسط و القبض علي مهذب الدولة و حمله إلي بغداد.

فانحدر بقية الليل و قبض عليه و طوقه و أنفذه إلي بغداد.

و لما

قبض علي فخر الدولة نهب (الكلحية) و عوام بغداد داره و أدؤر اليهود كافة و أخذوا أموالهم و دام ذلك ثلاثة أيام. فركب جمال الدين في جماعة من الجنود و الكلحية و منعوا العوام عن ذلك و حبسوا جماعة منهم و قتلوا نفرين فسكنت الفتنة.

و قد فصل صاحب (تاريخ و صاف) ما جري علي اليهود من الوقائع و الانتقام منهم علي ما قام به سعد الدولة و أعوانه مما لا محل للإطناب في البحث عنه …

و لما وصل مهذب الدولة إلي بغداد حبس في دار النيابة أياما فسأل من جمال الدين أن ينقل إلي حجر البر فنقل و أحضر بعد أيام إلي الديوان و سئل عن الأموال فقال:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 394

- أما مال الديوان ففي الخزانة. و أما ما يخصني فأنت تعلم أني لم أجمع مالا …!

فأمر بضربه فضرب ثم أقعد و سئل فلم يعترف بشي ء غير الظاهر فأمروا بقتله فضرب بالسكاكين و السيوف و كان بالاتفاق في الديوان نجار قد جاء متفرجا و معه فاس فضربه عدة ضربات ثم قطع إربا إربا و تناهبه العوام فتعمم نفاط بمصرانه و طافوا به في شوارع بغداد و دروبها ثم أحرق بباب جامع الخليفة ما عدا رأسه فسلخ وحشي تبنا و طيف به في جانبي بغداد و حمل إلي واسط فعلق علي جسرها.

و قتل من اليهود شاب يعرف بابن فلالة و قطعت أعضاؤه …

و طافوا به سحبا في دروب بغداد ثم أحرق بباب جامع الخليفة أيضا.

فلما سكنت الفتنة و خرج اليهود علي عادتهم في معايشهم أشاع طائفة من العوام أن الحكام قد فسحوا في نهبهم فسارع الأشرار و السفل و الشطار في ذلك

و نهبوا دورهم و دكاكينهم فركب جمال الدين في جمع من الكلحية و كفهم عن ذلك و لم يبق بلد من بلاد العراق إلا و جري فيه علي اليهود من النهب مثل ما جري في بغداد حتي أسلم منهم جماعة ثم عادوا بعد ذلك. ثم طولب فخر الدولة و جماعة من أعيان اليهود بالأموال و ضويقوا و عوقبوا عليها فادعوا أن أموالهم نهبت من دورهم و أرسل بايدو إلي الموصل من قبض علي أمين الدولة أخي سعد الدولة و كان حاكما بها و اعتمد معه مثل ما اعتمد مع أخيه فخر الدولة. حكي أن فخر الدولة مظفر بن الطراح حرض جمال الدين الدستجرداني علي قتل مهذب الدولة و قال إن ترك لا يؤمن و خوفه من عاقبة الحال حتي أنه أوعز إليه بأن (عجل بقتله قبل أن يقتلك).

سعد الدولة و اليهود:

إن سعد الدولة هذا توصل إلي السلطان من طريق الطب و شرح له

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 395

أحوال بغداد، و بعد أن اقتنع منه مكنه من العراق فحصل له أموال طائلة … و عده من الناصحين له و المخلصين لمصالحه فصارت بيده خزائن المغول و نال كل سلطة و صار قوله الفصل فعين إخوته ولاة في بغداد و الموصل.. و تسلط اليهود في المملكة المغولية.. حتي إن الشعراء و الأدباء قد بالغوا في مدحه و قدموا له القصائد مملوءة بالثناء، و في خلال سنتين بلغ ما مدح به من الشعر مجلدا و أن أحد مقربيه جمعها له قال و صاف و في بغداد نسخة منه. و قد اشترك في مدحه كثيرون من عرب و عجم … و قد قيل فيه أبيات و قصائد متفرقة لم

تدخل في المجموعة و مما قيل فيه:

لا زلت يا مولي الزمان و أهله في الناس رب مواهب و منائح

سعد السعود لكل داع مخلص و لكل من يشناك سعد الدابح

و قد أضر بالمسلمين و بنفقات جوامعهم و أوقافهم فتألم الكل منه … و مما قيل من التألم منه و من توقع زواله:

يهود هذا الزمان قد بلغوا مرتبة لا ينالها فلك

الملك فيهم و المال عندهم و منهم المستشار و الملك

يا معشر الناس قد نصحت لكم تهودوا قد تهود الفلك

فانتظروا صيحة العذاب لهم فعن قليل تراهم هلكوا

و قد جري علي اليهود من المصاب عند قتله و الوقيعة بهم ما لا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 396

يحصيه قلم، أو يسعه كتاب …

وفاة السلطان أرغون خان و سلطنة كيخاتوخان
وفاة و جلوس:

كان قد توفي السلطان أرغون في 6 ربيع الأول سنة 690 ه فأرسل الأمراء إلي كيخاتوخان و كان بالروم يعرفونه وفاة أخيه فسار إليهم و جلس علي التخت يوم الأحد 23 رجب 690 ه و كان حدث خلاف بين الأمراء قبل القطع في اختيار كيخاتوخان.

ترجمة السلطان أرغون:

كان قد جلس علي سرير الملك في 7 جمادي الأولي سنة 683 ه بالوجه المشروح …

و في الفوطي: «كان ملك السلطان أرغون نحو ثماني سنوات و كان عادلا محمود السيرة رؤوفا بالرعية» و في ابن خلدون أنه كان قد عدل عن دين الإسلام. و أحب دين البراهمة من عبادة الأصنام و انتحال السحر و الرياضة، و وفد عليه بعض سحرة الهند فركب له دواء لحفظ صحته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 397

و دوامها فأصابه منه صرع فمات …

و في الشذرات: تملك بعد عمه الملك أحمد و كان شهما مقداما، كافر النفس شديد البأس، سفاكا للدماء عظيم الجبروت. هلك في هذا العام فيقال إنه سمّ فاتهمت المغل (المغول) وزيره سعد اليهودي بقتله فمالوا علي اليهود قتلا و نهبا و سبيا …

و في دائرة المعارف الإسلامية: «استوزر أرغون بوكاي (بوقا) الذي يدين له بالعرس إلي عام 1289 م (687 ه) و في هذا العام صرف هو و جلال الدين السمنان ثم قتلا. و في غضون الأعوام التالية كانت إدارة البلاد في يد الوزير سعد الدولة … و في أثناء مرض أرغون …

قتل … و كان أرغون كأسلافه متسامحا كما كان شعوره طيبا نحو المسيحيين، و واصل أرغون المفاوضات التي بدأها آباقا مع الدولة الأوروبية … للاشتراك في محاربة مصر …» ا ه.

و قد ترجمه آخرون كثيرون و هو في الحقيقة كانت

إدارته بيد الأمراء فهو مسيّر لا مخيّر و ليس له من الأمر شي ء، و أن قتله أو سمه أسهل الأمور و قد مر من وقائعه في العراق ما يبصر بصحة ترجمته يضاف إلي ذلك أنه قتل الوزير شمس الدين الجويني و أولاده و غياث الدين كيخسرو صاحب بلاد الروم … و ليس فيها ما يشعر بالمدح و الإطراء، أو يبين عن عدل و روية بل كما قلت كان ألعوبة بيد الأمراء، تابعا لمقاصدهم و منقادا لتدابيرهم و هم أنفسهم يمثلون الحكم من خير أو شر و لو لا علي ناق و قيام الأمراء عليه لما وصل إلي الحكم … و من ثم سارت أمور

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 398

المغول علي هذه الطريقة تتدهور، و استولي عليهم أمراؤهم و تحكموا فيهم … و أوضاعها تابعة لروحية المتغلبين و سلوكهم …

ورود علي بن علاء الدين الجويني:

و في هذه السنة وصل مظفر الدين علي بن علاء الدين عطا ملك الجويني صاحب الديوان إلي بغداد حيث اتصل به قتل سعد الدولة و كان قد هرب لما قتل أخوه منصور و التجأ إلي بعض مشايخ العرب بالسيب.

ثم توجه إلي تبريز و تزوج ببكي ابنة أرغون آغا التي كانت زوجة عمه شمس الدين. ثم جاء إلي بغداد و هي صحبته و قد استخلصت له بعض أملاك أبيه و صار بسببها ذا جاه ثم قتل بعد ذلك.

حوادث أخري:

في هذه السنة أحبست الغيوث حتي انقضاء بعض شباط فاجتمع الناس عند قاضي القضاة عز الدين ابن الزنجاني ثم خرجوا إلي مقبرة معروف (ر) يوم الخميس 27 صفر و اجتمعوا في باب المدرسة البشيرية و نصب هناك كرسي خطب عليه العدل شمس الدين ابن الهنايسي خطيب جامع الخليفة ثم تضرع الناس و سألوا اللّه عز و جل أن يعمهم برحمته و أكثروا من البكاء و الاستغفار و عادوا. ثم خرجوا يوم الجمعة إلي ظاهر سور بغداد يتقدمهم شيخ المشايخ نظام الدين محمود راجلا مستكينا و كذلك قاضي القضاة و اجتمعوا وراء جامع السلطان و خطب الخطيب المذكور، ثم تلاه الشيخ شهاب الدين عبد المحمود ابن السهروردي فأرخت السماء عزاليها و تواترت الغيوم فدخلوا بغداد و قد توحلت الطرق و دام نزول الغيث ثلاثة أيام ثم سكن وزادت دجلة بعد ذلك و انتفع العالم بما عمهم من لطف اللّه و رحمته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 399

وفاة الألفي:

في هذه السنة توفي الملك المنصور قلاوون الألفي بالقاهرة و عمره (80) سنة و دفن في مدرسة بناها سماها المنصورية … و علاقته مع أصل حكومة المغول إلا أن الغوائل و الاتهامات لأمراء العراق كانت تسمع باهتمام … و تصدق في الغالب دون حاجة إلي برهان …

وفيات
1- الصفي ابن المالحاني:

محمد بن عبد اللّه بن إبراهيم بن القاسم بن إبراهيم المرزبان البغدادي المقري، أبو عبد اللّه بن أبي محمد الشافعي الزاز (غير منقوطة) المنعوت بالصفي المعروف بابن المالحاني.

سمع من أبي الحسن محمد بن أحمد القطيعي، و من أبي الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة، و سمع من إبراهيم بن محمود بن الخير. و أجاز له إبراهيم بن إسماعيل و داود بن معمر بن الفاخر، و أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه بن أبي ياسر القطيعي المواقيتي، و أبو الفتح أحمد بن علي بن الحسين الغزنوي … و حدث، سمع منه الإمام أبو العلاء الفرضي و ذكره في معجمه و قال: من أهل بغداد كان شيخا ثقة جليلا حسنا 1 ه … و قال ابن الفوطي: سمع عليه بالأنبار و كان صديق والدي كثير الترداد إليّ. مولده في شهر رمضان سنة 616 ه ببغداد..

و توفي يوم الأربعاء 26 من صفر سنة 690 ه. و دفن بالشونيزية. أجاز لأبي محمد عبد العزيز بن القادر البغدادي.

2- شرف الدين العباسي:

هو عبد الرحمن بن محمد بن أبي البدر ابن الأنجب القرشي الهاشمي العباسي شرف الدين بن أبي عبد اللّه البغدادي الحنبلي المعدل. سمع من جماعة. كان شيخا مقربا، ثقة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 400

جليلا عالما، عدلا، صحيح السماع. سمع منه عبد الأحد بن سعد اللّه ابن نجيح بالمظفرية شرقي بغداد. مولده في رمضان سنة 615 ه و توفي بالبيمارستان العضدي يوم الاثنين 10 رجب سنة 690 ه.

3- الشمس بن سعد بن مظفر البغدادي:

محمد بن سعد بن المظفر البغدادي أبو عبد اللّه و أبو الخير و يكني أبا سعد المنعوت بالشمس. سمع من الأعز بن العليق، و من أبي الفضل محمد بن علي بن أبي السهل المقري و من أبي بكر محمد بن سعيد بن الخازن، و من المؤتمن يحيي بن أبي السعود نصر ابن القميرة. و حدث، و سمع منه أبو العلاء الفرضي و ذكره في معجمه.. و قال: من أهل بغداد كان شيخا، زاهدا، عارفا، عابدا. حسن السمت من بيت التصوف، و كان شيخ رباط الأخلاطية غربي بغداد ا ه … مولده في حدود سنة 629 ه. توفي ليلة السبت 5 شوال سنة 690 ه و دفن في الشونيزية إلي جانب والده.

حوادث سنة 691 ه (1292 م)

في إدارة العراق: (ولاية العراق)

في هذه السنة أمر السلطان كيخاتوخان بإنفاذ أميرين هما ساطي و بكتمر إلي العراق لتصفح الأعمال و عمل الحساب. فقدما بغداد فقام جمال الدين الدستجرداني بين ايديهما فأقاما شهورا و اعتمدا ما أمرا به ثم عادا فمات ساطي و ولده و نساؤه جميعا في أيام قلائل. و جمع جمال الدين مال العراق ثم وجهه و حصل سلاحا كثيرا و توجه بذلك إلي حضرة السلطان فأنعم عليه و أقره علي (ولاية العراق) و رتب معه رفيقين هما أثير الدين التستري ابن أخت مجد الدين محمد ابن الأثير و تاج الدين علي تاشان و سيرهم جميعا مع أمير اسمه (نيطاق) فكانوا بالعراق إلي آخر السنة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 401

نائب جمال الدين: (نائب الوالي)

ولما توجه جمال الدين استخلف علي بغداد سعد الدين أسد ابن الأمير علي جكيبان فناب عنه إلي حين عودته.

1- شرف الدين الشهرستاني:

أحمد بن علي الموصلي أبو علي الملقب شرف الدين المعروف بالشهرستاني معيد النظامية. قال ابن الفوطي سمع معنا علي مجد الدين أبي الفضل عبد اللّه بن بلدجي جامع الأصول بروايته عن مصنفه مجد الدين ابن الأثير. و كان مواظبا علي سماع الأحاديث و مجالس الذكر، متوددا جميل الاخلاق ا ه.. و كان عالما، فاضلا توفي في شوال سنة 691 ه.

حوادث سنة 692 ه (1293 م)

1- في دار السلطنة:

ولي السلطان كيخاتو صدر الدين أحمد بن عبد الرزاق الخالدي الزنجاني ديوان الممالك و فوض إليه تدبير ملكه، و لقب (صدر جهان) كما أن أخاه قطب الدين اختير لمنصب قاضي القضاة و نعت ب (قطب جهان) و فوض إليه أمر النظر في الأوقاف و بيت المال، و أبواب البر و الصدقات و سائر المصالح الدينية و المطالب الشرعية …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 402

2- أحد الباطنية:

في هذه السنة وثب باطني علي نقاجو أمير المسلحة بالعراق علي رأس الجسر العضدي ببغداد و ضربه بخنجر عدة ضربات قتله بها و شد هاربا فمد له رجل اصفهاني رجلا علي الجسر فسقط فقبض، فجعل يقول «فداء الملك الأشرف! فداء الملك الأشرف!» فسلم إلي ابن نقاجو فمثل به و قطع أطرافه و هو حي …

حوادث سنة 693 ه (1294 م)

1- ولاية العراق:

أمر السلطان كيخاتوخان شمس الدين محمد التركستاني المعروف بالسكورجي بالمسير إلي العراق واليا عليه مزيلا عن الرعية ما جدد عليهم من الأثقال فلما دخل بغداد أظهر العدل و الإحسان و حسن النظر في أحوال الناس و اجراهم علي أجمل القواعد و نظر في أمر الوقوف و أجري أربابها علي شروط الواقفين و أدر عليهم الأخباز و المشاهرات و وعد الناس بأشياء يخاطب فيها السلطان و يعتمدها معهم فلم تطل أيامه و قتل علي ما نذكره.

2- بايدو و واسط:

اتصل بالسلطان أن في بلاد واسط و سوادها جماعة من الأعراب الباغية المفسدين فأمر بايدو بالمسير إلي هناك و قتلهم و نهبهم فسار من سياه كوه إلي بغداد و انحدر إلي واسط حتي وصل إلي آخر أعمالها و لم يتعرض بأحد و لا ثقل علي الرعية فلما عاد شرع في نهب القرايا و أخذ الأموال و الجواميس و البقر و أسر الذراري و سبي النساء كل ذلك من الرعية …

و أما الفئة الباغية فإنها اعتصمت بالبطائح فلم يقدر عليها و صادف عسكره سفن التجار الواصلين من البحر فنهبوا بعض ما فيها من القماش

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 403

و خرجت الأعراب من البطائح فنهبوا الباقي و أحرقوا بعض السفن فأصبح التجار عراة حفاة لا يقدرون علي شي ء.

ثم انفذ بايدو جماعة من العسكر إلي عين التمر و الكبيسات فنهبوا الرعية و سبوا و أسروا و عملوا كل منكر و عادوا إلي بايدو و قد وصل إلي بغداد فتكمل معهم زيادة علي ثلاثين ألف أسير. ثم رحل من بغداد راجعا إلي سياه كوه.

توجه والي بغداد إلي السلطان:

ثم توجه شمس الدين محمد السكورجي إلي السلطان و أخبره بما فعل بايدو بالرعية فأنكر عليه ذلك و أمر بحبسه فحبس في خركاه (نوع خيمة) ثلاثة أيام ثم كلم فيه فأطلقه و استخلص من العسكر بعض الأسري و سلموا إلي شمس الدين محمد السكورجي فكساهم و عاد إلي بغداد و هم صحبته فأطلقهم فتوجهوا إلي أهليهم.

التعامل بالأوراق النقدية: (الجاو)

و في هذه السنة وضع صدر الدين صاحب ديوان الممالك بتبريز (الجاو) و هو كاغد بشكل مستطيل عليه تمغة السلطان عوض السكة علي الدنانير و الدراهم و في أعلاه كلمة (لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه) و أمر الناس أن يتعاملوا به و دعوا للتعامل به و بعض الشعراء حبب للناس هذا و جعله فاتحة خير و سعادة … و اتخذوا لصنعه دار ضرب و عينوا لها الموظفين … و كل ما فعلته الحكومة من الدعاية له لم يجد نفعا، و لم يروا ما يقوم مقام الذهب الأحمر و لا الفضة البيضاء و كان من عشرة دنانير إلي دون ذلك حتي ينتهي إلي درهم و نصف و ربع فتعامل به أهل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 404

تبريز اضطرارا لا اختيارا بالقسر و القهر فاضطربت أحوالهم اضطرابا اضربهم و بغيرهم حتي تعذرت الأقوات و سائر الأشياء و أنقطعت المواد من كل نوع. فكان الرجل يضع الدرهم في يده تحت (الجاو) و يعطي الخباز و القصاب و غيرهما و يأخذ حاجته خوفا من أعوان السلطان.

و في لغة الجغتاي جاء بلفظ (چاو) بالچيم الفارسية و يراد به النقود القرطاسية المعروفة عندنا بالأوراق النقدية و تتداول بمقام النقود الذهبية و الفضية و الفلوس و هي شائعة عند المغول مثل الباليش كما

أن تنگة من نقودهم إلا أن تنگة من النقود الفضية أي الدراهم أو ما هو من نوعها و قد مرت في هذا الكتاب بلفظ (دناكش) و لم يألف الناس التداول بالأوراق إذ ذاك لا في العراق و لا في الممالك المجاورة له فكان من الصعب الأمر بالتداول بها و تنفيذ هذا الأمر و لا تزال المصاعب مشهودة في كل تغير من هذا النوع. و قد بين مؤرخون كثيرون مثل و صاف و جامع التواريخ ما أصاب الناس من الضيق و التضييق علي التعامل بها …

و نسب إلي الوزير اختراعه و هو مضطر علي قبوله و تنفيذ أمر الحكومة و لم يكن من عمله …

و في أيام المغول كان يستعمل في الصين (البالش أو الباليش) و قد مرت الإشارة عنه إلا أن قيمته تختلف عن الجاو. و البالش بقيمة عشرة دنانير إذا كان ورقا؛ و بقيمة خمسمائة مثقال، أو مئتي بالش ورقي و يساوي ألفي دينار و أما البالش الفضي فإنه يساوي عشرين من البالش الورقي و قيمته مائتا دينار … و قد تداول الچاو أيام بايدوخان و أيام غازان في أوائل سلطنته … كذا قيل و فيما يأتي ما يخالف ذلك فقد ألغي الچاو في سلطنة كيخاتو …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 405

الجاو في بغداد:

ثم حمل منه عدة أحمال إلي بغداد صحبة الأمير لكزي ابن ارغون آقا فلما بلغ ذلك أهلها استعدوا بالأقوات و غيرها حيث عرفوا ما جري في تبريز فلما أنهي ذلك إلي السلطان كيخاتو أمر بإبطاله فأبطل قبل وصول لكزي إلي بغداد و كفي اللّه العالم شره.

النقود في هذا العهد:

من حين انقراض الخلافة إلي مدة ليست بالقليلة تداولت نقودها، و لا تزال دفائنها تظهر بين آن و آخر، و هي موجودة بكثرة في المتاحف و الخزائن … أما المغول فقد مر بنا القول عن بعض نقودهم، و أن الآبقائية كانت متداولة و معروفة، و كذا الباليش المتعامل به أيام جنگيز و السلطان محمد و جلال الدين منكوبرتي من الخوازرمشاهية و قد تكلمنا عن الدناكش … و اليوم لم يعرف إلا بعض النقود الفضية و النحاسية لجنگيزخان و كيوك، و مونكو (مونككا)، أو ما هو مشترك بين هذا و بين هلاكو، أو ما هو باسم هلاكو خاصة مما هو موجود في بعض المتاحف إلا أننا لم نعثر علي نقود من ضرب هلاكو في بغداد و إنما هناك ما ضرب في الموصل. و في أيام آباقاخان ضربت نقود في الموصل سنة 683 و 678 ه، و في البصرة و أما في تبريز فالمضروب كثير و في أيام السلطان أحمد كان الضرب في تبريز، و في أيام كيخاتو كان الضرب في تبريز أيضا.

و النقود في هذا العصر لا تخلو من التأثر بالنقود العباسية و أنها قريبة منها أو مماثلة … و في كلها الطابع الإسلامي بارز حتي لغير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 406

المسلمين من ملوكهم، و فيها كلمة الشهادة، و أيام حكومة المسلمين منهم أضيف إليها اسماء الخلفاء الراشدين.

تبدلات في الولاية و الإدارة:

و في هذه السنة وصل بغداد الملك إمام الدين يحيي القزويني البكري و فخر الدين الرازي العلوي. و قد فوض إليهما (أمر العراق) فأقاما إلي آخر السنة ثم توجها إلي السلطان و استخلفا جمال الدين الدستجرداني علي بغداد.

قاضي القضاة:

و فيها وصل إلي بغداد زين الدين محمد الخالدي علي أنه قاضي القضاة متولي الوقوف و الوكالة و التركة و المقاطعات و الجوالي. فلم يمض شمس الدين محمد السكورجي له من ذلك غير القضاء و الحسبة فحكم إلي آخر السنة و عاد إلي الأردو و استخلف أحد أصحابه علي منصبه. و هو أخو صدر جهان قطب جهان …

الملك الأشرف:

في هذه السنة قتل الملك الأشرف ابن الألفي فخلفه الشجاعي و تلقب بالملك القاهر و بعد قليل قتل و سلطن أخو الملك الأشرف و كان صبيا ثم أعلن كتبغا سلطنته …

وفيات:
1- توفي شرف الدين علي بن أميران كاتب الإنشاء ببغداد.

و كان عالما فاضلا يكتب خطا حسنا.

2- توفي النقيب غياث الدين عبد الكريم ابن طاوس

في مشهد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 407

موسي بن جعفر و حمل إلي جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام.

هو غياث الدين عبد الكريم بن أحمد بن موسي المعروف بابن طاوس الفقيه النسابة النحوي العروضي. كان قد ولد في شعبان سنة 648 ه و توفي بالكاظمية في شوال سنة 693 ه. قال في كنز الأديب:

«كان جليلا ورعا». و قال ابن داود: «الفقيه، النسابة، النحوي، العروضي، الزاهد، العابد، أبو المظفر.. و كان أوحد زمانه، حائري المولد، حلي المنشأة، بغدادي التحصيل، كاظمي الخاتمة. ولد سنة 648 ه و توفي سنة 693 ه في شوال.

و له ولد اسمه أبو الفضل محمد ولد في سلخ المحرم سنة 670 ه و له ولد آخر يدعي رضي الدين أبا القاسم.

و قد أطنب صاحب روضات الجنات في ترجمته. و له كتاب الشمل المنظوم و كتاب فرحة الغري و غير ذلك.

3- توفي بهاء الدين علي بن أبي الفتح بن الفخر عيسي الإربلي ببغداد.

و كان كاتبا بارعا، له شعر و ترسل، و كان رئيسا كتب لمتولي إربل ابن الصلايا، ثم خدم ببغداد في ديوان الإنشاء أيام علاء الدين صاحب الديوان ثم إنه فتر سوقه في دولة اليهود، ثم تراجع بعدهم و لم ينكب إلي أن مات، و كان صاحب تجمل و حشمة و مكارم أخلاق و فيه تشيع و كان ابوه واليا بإربل، و من مصنفاته الأدبية المقامات الأربعة و رسالة الطيف المشهورة و غير ذلك. كذا في فوات الوفيات و جاء فيه أنه مات سنة 692 ه و ذكر جملة صالحة من شعره …

صحيح اسمه أبو الحسن بهاء الدين علي بن فخر الدين عيسي بن أبي الفتح الإربلي و قد ذكره صاحب تاريخ مفصل ايران و صاحب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 1، ص: 408

روضات الجنات. و من اشهر كتبه كتاب كشف الغمة في معرفة الائمة و هو معتبر في تاريخ الائمة الاثني عشر. و فيه صرح بفكره و لم يداج في عقيدته و جاهر بذلك. و الكتاب يعتمد علي كتب كثيرة ينقل منها نصوصها عينا و لا يخلو من فوائد تاريخية. و في آخر المجلد الأول ذكر أنه اتمه في 3 شعبان سنة 678 ه ببغداد و فيه اجازة من مؤلفه سنة 691 ه لمجد الدين الفضل بن يحيي بن علي بن المظفر الطيبي الكاتب بواسط و هذا ذكر من أجازهم به و هم جماعة من مشاهير العصر. و لا محل الآن للتفصيل عنهم و في آخر المجلد الثاني قال: كمل الكتاب و تم بحمد اللّه و عونه في 11 رمضان سنة 687 ه و أن الطيبي المذكور قرأه علي مصنفه.

طبع في ايران علي الحجر في رجب سنة 1294 ه.

و في تاريخ ابن أبي عذيبة ترجمة مفصلة له. قال و خلف تركة عظيمة محقها ابنه أبو الفتح و مات صعلوكا بإربل.

4- توفي صفي الدين عبد المؤمن بن يوسف بن فاخر الأرموي

و عمره نحو 80 سنة كان كثير الفضائل و يعرف علما كثيرا منه العربية و نظم الشعر و علم الإنشاء كان فيه أمة و علم التاريخ و علم الخلاف و علم الموسيقي و لم يكن في زمانه من يكتب المنسوب مثله و فاق فيه الأوائل و الأواخر و به تقدم عند الخليفة و كانت آدابه كثيرة و حرمته وافرة و أخلاقه حسنة و قد حكي ترجمة نفسه للعز الإربلي الطبيب بصورة مفصلة نقلها عنه في فوات الوفيات. و مهارته في الموسيقي مشهورة كتب الرسالة الشرفية فيه و هذه الرسالة «الشرفية» أولهما: أحمد اللّه علي آلائه

… الخ منها نسخة في دار الكتب المصرية قسم الفنون الجميلة، و أخري برقم 598 منقولة بالتصوير الشمسي من كتبة طوپقپو رقم 2130 في 112

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 409

لوحة، و نسخة برقم 348 بالتصوير الشمسي أيضا (راجع نشرة الموسيقي و الغناء لدار الكتب المصرية ص 11.

و قال صاحب كشف الظنون إن صاحبها من رجال هذا الفن و من له اليد الطولي، و كذا الخواجة عبد القادر بن غيبي الحافظ المراغي، فيه كتب عديدة كشف الظنون ج 2 ص 59. و للصفي من المصنفات «الاوار» ذكره في الضوء اللامع (الضوء اللامع ج 4 ص 6). و الأدوار في الموسيقي منه نسخة في مكتبة نور عثمانية رقم 3653 و أخري في دار الكتب المصرية قسم الفنون الجميلة 349 بخط عبد الكريمابن السهروردي كتبت سنة 727 ه بآخرها رسالة في الموسيقي. و كذا (شرح دائرة الأصل الأول- الراست) نقلا عن صفي الدين عبد المؤمن..

و فيها أنه توفي في صفر سنة 693 ه (راجع نشرة الموسيقي و الغناء لدار الكتب المصرية ص 11.

و قال ابن الطقطقي عنه: «كان قد صار في آخر أيام المستعصم مقربا عنده، و من خواصه، و كان قد استجد (الخليفة) في آخر أيامه خزانة كتب؛ و نقل إليها من نفائس الكتب و سلم مفاتيحها إلي عبد المؤمن فصار عبد المؤمن يجلس بباب الخزانة ينسخ له ما يريد، و إذا خطر للخليفة الجلوس في خزانة الكتب جاء إليها و عدل عن الخزانة الأولي التي كانت مسلمة إلي الشيخ صدر الدين علي ابن النيار … الخ» ا ه.

5- توفي شمس الدولة بن مجلد النصراني

كاتب السلة.

6- توفي أبو منصور الطبيب النصراني المعروف بكتيفا

و كان حاذقا في علم الطب محمود العلاج …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 410

حوادث سنة 694 ه (1295 م)

اشارة

قتل السلطان كيخاتو

قتل كيخاتوخان:
اشارة

في هذه السنة تغيرت نيات الأمراء في طاعة السلطان كيخاتو و راسلوا بايدو و كان في (دقوق) يعرفونه أنهم اتفقوا علي طاعته و تمليكه فأعاد الجواب بقبول ذلك و وعدهم بالإجابة إلي ملتمساتهم فقبضوا علي السلطان كيخاتو و قتلوه.

ترجمة السلطان كيخاتو:

قتل السلطان كيخاتو بن آباقاخان في ربيع الآخر و في رواية في 6 جمادي الاولي من هذه السنة و كان عمره آنئذ نحو ثلاثين سنة و قد لفظ أبو الفداء اسمه (كيختو) مرارا و في الفوطي (كيغاتو) و شائعها (كيخاتو) و هو الصحيح. ولي السلطنة بعد أخيه و جعل وزيره الخواجة صدر الدين أحمد الخالدي الزنجاني في ذي الحجة سنة 691 ه و وصف صاحب تاريخ كزيده السلطان بأنه صاحب أهواء نفسية، لا يبالي بالمحرمات و يتعاطي الفجور بأنواعه من زنا و لواطة … قال أبو الفداء و سبب قتله أنه أفحش في الفسق في ابناء المغول فشكوا ذلك إلي ابن عمه بايدو فاتفق معهم علي قتله فعلم و هرب فتبعوه و عقبوه بسلاسلار من أعمال موغان و قتلوه بها.

و الظاهر أن السبب الذي أورده أبو الفداء- كما في تاريخ كزيده- من تعاطي المحرمات كان أحد دواعي قتله و لم يكن الغرض التشنيع عليه ليظهروه متهتكا. فالأمراء أرادوا القضاء عليه لما مرّ من الأعمال … فخرجوا عن طاعته و أساسا اتخذ ذلك وسيلة إذ من أمد خرج الحكم من أيدي ملوك المغول و صار لأمرائهم بحيث تحكموا فيهم فلا يقطعون أمرا دونهم …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 411

و من وقائعه غير ما مر من حوادث العراق أنه إثر وفاة السلطان ارغون قد خرج عن الطاعة الاتابك افراسياب الفضلوي اتابك اللر و استولي علي أصفهان

فبعث كيخاتوخان عليه جيشا فنكل به و بقي افراسياب حيا إلي أيام السلطان غازان. و هذا قتله و نصب أخاه الأتابك نصرة الدين أحمد علي مملكة اللر. و قضي علي غوائل أخري إلا أنه اشتهر بالإسراف و البذل في سبيل الأهواء لدرجة لا تطاق، و من آثار ذلك أن أصدر الجاو و شدد في لزوم التعامل به إلي أن حصلت نفرة عامة و اضطربت الحالة الاقتصادية و السياسية معا … فاتفق الأمراء علي قتله فقتلوه بالوجه المشروح …

و قد ذكر أبو الفداء و الفوطي و جامع التواريخ و تاريخ كزيده حياته في السلطنة و الحكم مما لا مجال للإطالة فيه فهو خارج عن حدود نطاق تاريخنا …

سلطنة بايدوخان

سلطنة بايدو: بعد أن قتل كيخاتوخان أرسل الأمراء وراء بايدوخان ابن طرغاي خان بن هلاكوخان يعرفونه ذلك فوافاهم و ولي السلطنة في جمادي الأولي من هذه السنة. و لم يستقر في الملك حتي ظهر (غازان) لحربه و مقارعته كما سيجي ء:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 412

ولاية الدستجرداني العراق
تولية العراق: (أحوال بغداد)

ثم إن السلطان بايدوخان أرسل الأمير چارغتاي إلي بغداد و أمره بالقبض علي محمد السكورجي و حمله إليه و ولي جمال الدين الدستجرداني العراق فوصل بغداد يوم السبت 18 ربيع الأول و قبض علي محمد السكورجي و أبيه و أخيه و عمه و جميع أهل بيته و أصحابه و نهب أموالهم و كل ما في دورهم و حمل محمدا إلي بايدو و هو في نواحي (البت) فأمر بقتله فقتل و قطعت اعضاؤه و حمل رأسه إلي بغداد و يداه و علق الجميع علي الجسر.

و كان جمال الدين الدستجرداني معتقلا لإيضاح بقايا العراق مع أصحاب محمد السكورجي فأحضره الأمير جارغتاي إليه و ولاه أمر العراق فركب و سكن الناس و كانوا قد اضطربوا و انزعجوا لما قبض علي محمد السكورجي ثم جلس في الديوان و طلب فخر الدين مظفر بن الطراح صدر الحلة و كان موكلا به مع أصحاب محمد السكورجي علي بقايا الحلة فولاه قوسان و واسط و البصرة عوضا عن نور الدين عبد الرحمن بن تاشان.

و ولي الأمير دولة شاه بن سنجر الصاحبي الحلة، و رتب شمس الدين محمد زرديان مشرفا بواسط، و رتب عز الدين محمد بن شمام ناظرا لنهري عيسي و ملك، و عين النواب في سائر الأعمال …

ثم أخذ في جمع الأموال الديوانية و كلف أرباب الأموال من أهل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص:

413

بغداد و التجار و التتار و غيرهم شيئا علي وجه المساعدة و حمل ذلك إلي بايدو أولا فأولا ثم توجه إلي بايدو و عين في العراق نور الدين عبد الرحمن بن تاشان، و شرف الدين بديع. فلما وصل إلي بايدو و الأموال صحبته ولاه (ديوان الممالك) و فوض إليه تدبير الملك.

قتلة السلطان بايدو:

لما بلغ غازان بن ارغون خان ما جري علي السلطان كيخاتو و كان في خراسان عظم ذلك عليه و أقبل بعساكره و معه الأمير نوروز و قصد بايدو و هو بأذربيجان. فلما قرب منه أرسل إليه نوروز ينكر عليه قتل عمه. فاعتذر بالأمراء و ركب عليهم الحجة في ذلك و طلب من نوروز أن يصلح الحال بينهما فعاد إلي غازان و عرفه ذلك فترددت الرسل بينهما حتي تم الصلح إلا أن نوروز لما أقام عند بايدو أخذ باستمالة المغول فمال أكثر الأمراء إلي غازان. و لما استوثق نوروز من المغول في الباطن كتب إلي غازان بخراسان و أمره بالحركة فتحرك غازان و بلغ بايدو ذلك فتحدث مع نوروز في الأمر فقال نوروز لبايدو أرسلني إلي غازان و بلغ بايدو ذلك فتحدث مع نوروز في الأمر فقال نوروز لبايدو أرسلني إلي غازان لأفرق جمعه و أرسله إليك مربوطا فاستحلف بايدو نوروز علي ذلك و أرسله فسار نوروز إلي غازان و أعلمه بمن معه من المغول و عمد نوروز إلي قدر فوضعها في جولق و ربطه و أرسل بذلك إلي بايدو و قال و فيت بيميني حيث ربطت غازان و بعثته إليك و قازان اسم القدر بالتتري فلما بلغ بايدو ذلك جمع عساكره و سار إلي جهة غازان و التقي الجمعان بنواحي همدان فخامر اصحاب بايدو عليه

و صاروا مع غازان فولي بايدو هاربا بنفر من أصحابه فأدركوه و حملوه إلي غازان فأمر بتسليمه إلي اصحاب كيخاتو فسلم إليهم فقتلوه. و كان ذلك في شوال. و كان عمره نحو أربعين سنة و ملكه سبعة أشهر. و علي رواية تاريخ كزيده ثمانية أشهر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 414

و قتل في أواخر ذي القعدة، و في تاريخ مفصل ايران أنه قتل في 23 ذي القعدة و في أبي الفداء أنه قتل في ذي الحجة. و التواريخ متقاربة و لعل مبناها وصول الخبر و تاريخه … و سبب القيام عليه امراؤه فإنه لم يتمكن منهم بسبب خرقه و عدم تمكنه من القبض علي زمام الإدارة و قضائه علي أصحاب النزعات …

جلوس السلطان غازان:

ثم جلس السلطان غازان بن ارغون علي التخت في سلخ ذي الحجة و دخل تبريز و صلي في جامعها … و ولي أخاه خدابنده خراسان علي قاعدته لما كان هناك، و جعل نائبه الأمير نوروز بن ارغون آغا و ولي الأمير طغاجار الروم فسار إليها.

قال في الدرر الكامنة: و حسن له نائبه نوروز فأسلم سنة 694 ه و نثر الذهب و الفضة و اللؤلؤ علي رؤوس الناس و فشا بذلك الإسلام في التتار … و كان إسلامه علي يد صدر الدين إبراهيم بن سعد اللّه بن حمويه الجويني و عمره يومئذ بضع و عشرون سنة و كان يوم إسلامه يوما عظيما، دخل الحمام فاغتسل و جمع مجلسا و شهد شهادة الحق في الملأ العام فكان لمن حضر ضجة عظيمة و ذلك في شعبان سنة 694 ه و لقنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 415

نوروز شيئا من القرآن و علمه الصلاة و

صام رمضان تلك السنة … و لما أسلم قيل له إن دين الإسلام يحرم نكاح نساء الآباء و كان قد استضاف نساء أبيه إلي نسائه و كان احبهن إليه بلغان خاتون و هي أكبر نساء أبيه فهم أن يرتد عن الإسلام فقال له بعض خواصه إن أباك كان كافرا و لم تكن بلغان معه في عقد صحيح إنما كان مسافحا بها فاعقد أنت عليها فإنها تحل لك ففعل و لو لا ذلك لارتد عن الإسلام و استحسن ذلك من الذي افتاه به لهذه المصلحة …

و قد ذكر ابن بطوطة في رحلته (تحفة النظار): أن التتر يسمون المولود باسم أول داخل علي البيت عند ولادته … و قازان و قازغان هو القدر قيل سمي بذلك لأنه لما ولد دخلت الجارية و معها القدر و يلفظ في الغالب (غازان) و هو المعروف عند الترك في مؤلفاتهم و نطقهم … و إلي التسمية أو اللفظ أبهم نوروز في حلفه و أوهم أنه يريد السلطان كما تقدم …

أهل الذمة:

و من حين جلس السلطان غازان أصدر يرليغا في دعوة المغول إلي قبول الإسلامية، و أن يحكموا بالعدل بين الناس، و أن تقوض دور الأصنام و الكنائس و معابد المجوس و تحول البيع إلي مساجد … و أمر بإلزام أهل الذمة الغيار فكانت علامة النصاري شد الزنار في أوساطهم و اليهود خرقة صفراء في عمائمهم فداموا علي ذلك شهورا ثم أزيل بمجرد تسلط العوام عليهم و طمع الجهال فيهم.

ادارة العراق: (قاضي القضاة)

و تقدم السلطان بأخذ دار علاء الدين الطبرسي الدويدار الكبير من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 416

النصاري فإنها كانت بأيديهم من حيث ملكت بغداد و أزيل ما بها من التماثيل و الخطوط السريانية و استعيد الرباط الذي تجاه هذه الدار المعروف بدار الفلك و كان قد جعله النصاري مدفنا لأكابرهم فأزيلت القبور منه و صار مجلسا للوعظ. جلس فيه الشيخ شرف الدين محمد بن عكبر و كان يجتمع عنده خلق كثير.

ثم ولي الأمير بوغولدار (شحنة بغداد) و رتب شرف الدين السمناني صاحب الديوان بها و رتب جمال الدين عبد الجبار البصري قاضي قضاة بغداد نقلا من قضاء البصرة و عزل عز الدين أحمد ابن الزنجاني عن قضاء القضاة حيث كف بصره …

قتلة فخر الدين مظفر ابن الطراح:

ثم إن جمال الدين الدستجرداني تقدم إلي نور الدين عبد الرحمن نائبه ببغداد فأخذ فخر الدين مظفر ابن الطراح صدر واسط و البصرة و قتله فانحدر إلي واسط و قبض عليه و علي اصحابه ثم دوشخ و طوق و أسمع كل قبيح و أخذ خطه بأنه وصل إليه شي ء كثير من الأموال و أشهد عليه بذلك القاضي و العدول ثم حمله إلي بغداد و وكل به أياما. ثم ضرب و عوقب و قتل و حمل رأسه إلي واسط و علق علي الجسر بعد أن طيف به في شوارعها و سوقها.

و كان جوادا سخيا كريما ذا ناموس عظيم و سياسة يخافه الأعراب و سائر الرعايا. خدم في أعمال العراق، ناب في صباه عن نجم الدين ابن المعين في الحلة. ثم ولي ناظر طريق خراسان و ناب عن الملك فخر الدين منوجهر ابن ملك همذان في واسط. فلما سافر إلي بلاده استقل بالحكم فيها

و أضيف إليه قوسان و البصرة. ثم عزل و رتب صدرا في الحلة و الكوفة و السيب. ثم نقل إلي صدرية واسط و بقي مدة ثم عزل و رتب صدرا بالحلة و الكوفة و السيب ثم نقل إلي صدرية واسط و بقي مدة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 417

ثم عزل و رتب صدرا بالحلة و السيب ثم عزل و أعيد إلي واسط مرة أخري ثم عزل و أعيد إلي الحلة و السيب. ثم نقل في هذه السنة إلي صدرية واسط و قوسان و البصرة و آلت حاله إلي القتل. و دفنت جثته في مشهد موسي بن جعفر عليه السّلام و كان قد تجاوز في العمر ستين سنة. و كان يقول الشعر الجيد. و له أشعار كثيرة مدح بها الصاحب علاء الدين ابن الجويني و أخاه شمس الدين. و آخر ما قاله و هو في السجن بدار النيابة ببغداد قبل أن يقتل بأيام وجدت بخطه:

القول فيما مضي من عمرنا هذر فدعه و اصبر لما يأتي به القدر

و استشعر الصبر إن تأتيك نائبة فالصبر أجمل ما حلي به البشر

إلي أن يقول:

و كل حادثة في الدهر هينة إذا غدا سالما في طيها العمر

قل للعتاة من الغايات و يحكم طيبوا فقد فقد الرهبالة الذمر

و قل لبيض السيوف المرهفات لدي الاغماد قري فقد أودي به القدر

مضي المظفر ليث الغاب عن كثب فليهن اعداءه من بعده الظفر

وفيات:
1- توفي نور الدين عبد الرحمن بعد قتل مظفر ابن الطراح بمدة شهرين

و كان يسلك نور الدين في أيام حكمه قاعدة بهاء الدين بن شمس الدين الجويني صاحب ديوان الممالك في التمثيل و شناعة القتل و أحدث

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 418

القنارة بواسط كما أحدثها بهاء الدين في اصفهان و كانت قد نسيت

من عهد البساسيري.

2- توفي سعدي الشيرازي الشاعر المشهور بالفارسية.

و كلستانه و بوستانه و كلياته معروفة. و له قصيدة في واقعة بغداد علي يد هلاكو قالها باللغة العربية يتألم بها للمصاب و مطلع قصيدته في واقعة بغداد:

حبست بجفني المدامع أن تجري فلما طغي الماء استطال علي السكر

نسيم صبا بغداد بعد خرابها تمنيت لو كانت تمر علي قبري

و له المكانة الأدبية في أنحاء العراق بآثاره المذكورة فالاهتمام بها كبير جدا و قد ترجم الكلستان للتركية مرارا، و للعربية أيضا … و لا تزال بقية في العراق تدرس كلستانه و كلياته …

3- توفي شمس آل الكبشي بشيراز.
4- توفي الفاروثي:

الإمام عز الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم ابن عمر الواسطي الشافعي المقري الصوفي شيخ العراق ولد بواسط في ذي القعدة سنة 614 ه و مات بواسط في أول ذي الحجة سنة 694 و تفصيل ترجمته في الشذرات. و فاروث قرية علي دجلة.

5- الشيخ الإمام مظفر الدين أحمد بن نور الدين علي بن تغلب ابن أبي الضياء البغدادي البعلبكي الأصل المعروف بابن الساعاتي،

سكن بغداد و نشأ بها، و أبوه هو الذي عمل الساعات المشهورة علي باب المستنصرية ببغداد. و كان مظفر الدين إماما عظيما، فاضلا، و له

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 419

تصانيف منها (مجمع البحرين) في الفقه، أسسه علي قواعد لم يسبق إليها، و شرحه في مجلدين كبيرين، اختصر و قد اختصر العيني هذا الشرح و سماه المستجمع في شرح المجمع و زاد فيه مذهب الإمام أحمد، و في كشف الظنون إيضاح عن تاريخ تأليف المجمع و أنه فرغ منه في 8 رجب لسنة 690 ه. و النسخة التي بخط مؤلفه رآها كاتب چلبي في مكتبة فاتح في استانبول. و الكتاب من معتبرات كتب الحنفية … و له ابن أخت هو تاج الدين أبو طالب علي بن أنجب المعروف بالساعاتي أيضا المتوفي سنة 664 ه و هو من شيوخ الإجازة، و للمترجم المظفر بنت فقيهة اسمها فاطمة … و علي كل نال المترجم شهرة عظيمة في الفقه الحنفي و لا يزال كتابه يعد من الكتب المعتبرة و المعول عليها عند الحنفية …

و من مؤلفاته كتاب البديع في الأصول. جمع فيه بين أصول البزدوي و أحكام الآمدي قائلا في خطبته إنه لخصه من كتاب الأحكام، و خصه بالجواهر النفيسة من أصول فخر الإسلام، و جعله حاويا للقواعد الكلية و الأصولية، مشحونا بالشواهد الجزئية الفروعية..

و له (كتاب الدر المنضود في الرد علي فيلسوف اليهود)

و يعني بفيلسوف اليهود ابن كمونة اليهودي صاحب كتاب (تنقيح الابحاث عن الملل الثلاث). و النسبة إلي بعلبك بعلي. قال ابن رافع: و كتب المنسوب. أجاز لشيخنا أبي حيان النحوي قاله ابن رافع في تاريخه …

(منتخب المختار).

هذا و قد ورد في صحيفة 369 أنه كتاب الأبحاث عن الملل الثلاث (لا تنقيح الابحاث).. فاقتضي التنبيه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 420

6- ابن البزوري:

أبو بكر محفوظ بن معتوق البغدادي التاجر، روي عن ابن القسطي، و وقف كتبه علي تربته بسفح قاسيون و كان نبيلا، سريا جمع تاريخا ذيل به علي المنتظم و توفي في صفر عن 63 سنة و هو أبو الواعظ نجم الدين.

فظاعة في عقوبة:

وقعت حادثة رجل أعجمي يعرف بتاج الدين الدامغاني قد قتل في درب حبيب أنه اتهم به جماعة و حبسوا فحصل الحماة بقية النهار علي قاتله فاعترف بالقتل. و لذا ضرب في يديه مسامير إلي لوح وراء ظهره و طيف به بجانبي بغداد. ثم سمر بباب السور و عمل عليه بقية الشمس ليطول عذابه فبقي أياما ثم قتل بعد ذلك علي خشبته و هو قوي الجنان فتري الفظاعة في العقوبة و الشدة في المغالاة في تنفيذها.

حوادث سنة 695 ه (1296 م)

نائب بغداد:

في هذه السنة رتب جمال الدين الدستجرداني أخاه عماد الدين نائبا عنه ببغداد حيث توفي نور الدين عبد الرحمن ابن تاشان. و كان قليل المعرفة بأحوال العراق فأعتمد علي عز الدين محمد بن شمام في ذلك فكان هو الحاكم و عماد الدين صورة.

صاحب ديوان الممالك:

و عزل شرف الدين السمناني صاحب ديوان الممالك و رتب عوضه جمال الدين الدستجرداني فلم تطل أيامه و قتل في سنة 696 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 421

تصفح أعمال العراق:

و في رجب من هذه السنة سير السلطان غازان إلي بغداد أميرا اسمه توختاي لتصفح أعمال العراق و سير معه سعد الدين أسد بن علي مشرفا علي العراق فقدما بغداد و قبضا علي شرف الدين بديع و كان مشرفا به فهرب من الموكلين عليه بعد شهر و لحق بنوروز بخراسان.

و أما توختاي و سعد الدين فإنهما جمعا جباية وافرة من السلاح و برزا بها إلي الكوشك بظاهر باب الحلبة في شوال منها.

ففي بعض تلك الأيام ركب سعد الدولة عامد توختاي يريد داره ببغداد و ذلك وقت العتمة في نفر يسير من أصحابه غير مستظهر بسلاح و لا عدة، فلما جاز باب الظفرية تواثب عليه رجالة ملثمون من رجالة الحلة و ضربوه بالسيوف و الخناجر فجرحوه في رأسه و يده اليسري و كادوا يقتلونه فهرب أصحابه عدا غلام توختاي فجعل يضرب قطاة بغلته و يحثها و جعل سعد الدين يدافع عن نفسه بالمقرعة فنجا و لم يكد، و كانت نجاته من العجب الذي هو فرج بعد شدة، و كان ذلك بوضع جمال الدين الدستجرداني و كان المدبر لهذه القضية حسن بن مجهر، و هو من بطانته.

وفيات:
1- توفي أثير الدين البشيري مشرف العراق

و هو ابن عم مجد الدين محمد ابن الأثير.

2- توفي قاضي القضاة جمال الدين عبد الجبار البصري بالبصرة

انحدر إليها فمرض و مات، و ولي بعده ولده عماد الدين قضاء القضاة ببغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 422

حوادث سنة 696 ه (1297 م)

السلطان غازان و العراق:

في المحرم سار السلطان غازان يريد العراق. فلما وصل همذان بلغه أن نوروز قد تغيرت طاعته في نيته و فسدت سريرته و بالتعبير الأصح أن صدر الدين الخالدي المعروف بصدر جهان قد اتهمه و وشاه لدي السلطان و بين أن جمال الدين الدستجرداني صاحب الديوان عين له يخبره بالأحوال. فأمر بقتل الدستجرداني فقتل توسطا و رتب صدر الدين الخالدي عوضه، و كانت مدة ولايته ديوانية الممالك لم تتجاوز الشهرين.

ثم توجه إلي بغداد بجيوش كثيرة و شمل الناس بالعدل و الإحسان و لم يتعرض أحد من العسكر لأهل السواد بما جرت به العادة من رعي الزروع و لا غير ذلك. و كانت الرعية تسير بينهم و معهم الأشياء المجلوبة للبيع فلا يأخذ أحد منهم شيئا إلا ابتياعا باللطف و اللين، و رأي الناس من العدل ما أوجب زيادة دعائهم لدوام دولته …

فلما دخل بغداد لم ينزل في دار إلا بالأجرة و ما أنزع أحد من منزله.

دخوله المدرسة المستنصرية:

ثم دخل المدرسة المستنصرية من الدار المجاورة لها و كان يسكن بها نظام الدين محمود شيخ المشايخ و كان المدرسون و الفقهاء قد جلسوا علي عادتهم و الربعات الشريفة في أيديهم فلما عاينوه قاموا و خدموه.

فأمر رشيد الدين يقول لهم أنتم مشغولون بقراءة كتاب اللّه عز و جل كيف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 423

جاز لكم تركه و الاشتغال بغيره فقال أحد المدرسين: السلطان ظل اللّه في أرضه و طاعته و تعظيمه و الانقياد له واجب في الشرع. فدخل (خزانة الكتب) و لمحها. ثم عاد إلي الدار المذكورة فبات بها هذا ما ذكره الفوطي.

و في الدرر الكامنة: و لما دخل غازان بغداد … حضر المستنصرية و اجتمع الناس لتلقيه

و حضر الشيخ زين الدين العابر و هو علي بن أحمد ابن يوسف بن الخضر الآمدي الحنبلي فأمر غازان من معه أن يدخلوا المدرسة واحدا واحدا كل منهم يوهم الشيخ زين الدين أنه غازان امتحانا له (و كان أضر) فجعل الناس كلما وصل أمير يزهزهون له و يعظمونه و يأتون به إلي زين الدين ليسلم عليه فيرد عليه السلام و لا يتحرك حتي جاء غازان فلما سلم عليه و صافحه نهض له قائما و قبل يده و أعظم ملتقاه و بالغ في الدعاء له بالمغلي ثم بالتركي ثم بالفارسي ثم بالرومي ثم بالعربي و رفع صوته فأعجب غازان به و خلع عليه في الحال و أمر له بمال و رتب له في كل شهر ثلاثمائة و حظي عنده و عند من يليه و لم يزل علي حاله حتي مات ببغداد سنة بضع عشرة و سبعمائة. و كان مقرئا ببغداد و غيرها و صنف التبصير في التعبير و تعاليق في الفقه و تعاني تعبير المنامات و كان هو يري المنامات الصائبة و كان يتاجر في الكتب و أضر فلم يكن يخفي عليه منها شي ء و كان لا يفارق الاشغال و الاشتغال و للناس عليه قبول … أخذ عن عبد الصمد بن أبي الجيش المقري ببغداد و عن غيره و يعرف بزين الدين العابر.

و قد أورد ابن الطقطقي هذه الوقعة و بين أنها كانت سنة 698 ه قال:

لما ورد السلطان إلي بغداد في هذه السنة دخل المستنصرية لمشاهدتها و التفرج فيها و كان قبل وروده إليها قد زينت، و جلس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 424

المدرسون علي سددهم، و الفقهاء بين أيديهم أجزاء القرآن و هم

يقرأون فيها فاتفق أن الركاب السلطاني بدأ بالاجتياز علي طائفة الشافعية و مدرسها الشيخ جمال الدين عبد اللّه ابن العاقولي و هو رئيس الشافعية ببغداد، فلما نظروا إليه قاموا قياما فقال للمدرس المذكور كيف جاز أن تقوموا و تتركوا كلام اللّه فأجاب المدرس بجواب لم يقع بموقع الاستصواب في الحضرة السلطانية …» ا ه.

ثم إنه قال يمكن أن يقال في الجواب إننا أمرنا فيه بتعظيم سلاطيننا و لم يختلف عما أورده الفوطي و هذا شأن صاحب الفخري دائما في الاعجاب بنفسه و الدعوي و النقل المغلوط و التحامل من طرف خفي فقد غلط في التاريخ و لم يؤد النقل …

الخراج:

ثم نزل من الغد في شبارة و قصد المحول و أقام بدار الخليفة أياما فتألم الناس من إلزامهم بالخراج ذهبا أحمر.. و كان جمال الدين الدستجرداني قد استوفاه في السنة الماضية كذلك. و قال قد كانوا في زمن الخلفاء يؤدونه ذهبا فأضر ذلك بالناس فأمر السلطان بإجرائهم علي عادتهم منذ فتحت بغداد فتوفر عليهم شي ء كثير من التفاوت فزادت أدعيتهم.

السلطان في الحلة: (و زيارة المشاهد)

ثم توجه إلي الحلة و قصد مشهد علي عليه السّلام فزار ضريحه الشريف و أمر للعلويين بشي ء كثير. ثم قصد مشهد الحسين عليه السّلام و فعل مثل ذلك و عاد إلي أعمال الحلة و قوسان متصيدا و زار قبر سلمان الفارسي (رض)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 425

و أمر للفقراء المقيمين هناك بمال و توجه إلي بغداد و أقام إلي أيام الربيع.

خروجه من بغداد و ما جري- (قتلة نوروز):

ثم سار إلي بلاد الجبل و قد تأكد عنده ما بلغه من حال نوروز. و قد جاء في الدرر الكامنة: أول ما وقع له القتال كان مع نوروز بن أرغون الذي كان حسن له الإسلام فإن نوروز خرج عليه فحاربه ثم لجأ نوروز إلي قلعة خراسان فأخذ منها و قتل ثم عاد غازان إلي الأكراد الذين اعانوا نوروز فأوقع بهم فقتل في المعركة خمسون ألف نفس و بيعت البقرة السمينة في هذه الوقعة بخمسة دراهم و الرأس من الغنم بدرهم و الصبي الحسن الصورة المراهق و البالغ باثني عشر درهما … و ذلك أنه لما وصل خانقين أمر بقتل إخوة نوروز و أهله و أصحابه و كل ما يتعلق به من نائب و غيره فقتلوا و كان من جملتهم كمال الدين كوجك و كان ببغداد فأحضر و قتل و أمر بإلزام أهل الذمة (الغيار) فألزموا بذلك في بغداد مدة شهرين ثم أزيل. ثم أمر الأمير قتلغ شاه بالمسير إلي خراسان و القبض علي نوروز و قتله فسار و أوقع ببيوته و قتل كثيرا من أهله حتي أدركه بنواحي هراة فاعتصم بها و قاتل أهل البلد عنه أياما فأرسل الأمير قتلغ شاه إليهم يتهددهم و يخوفهم عاقبة الأمر فتخاذلوا عنه فقبض عليه و

أخرج راجلا و سلم إلي قتلغ شاه فقتله في ذي الحجة بترتيب من صدر جهان و حيلة منه … و ذلك أنه اختلق كتابا يشعر بمخابرة مع سلطان مصر … و كل هذا كان لنيل الإمارة … مما يدل علي أخلاق القوم آنئذ و درجة تفسخهم حبا في الرياسة و نيل الكراسي … و أنفذ رأسه إلي السلطان فطيف به في تلك البلاد و نفذ إلي بغداد و كان هذا بمنزلة الاعلان في أمثال هذه ترهيبا للناس و تخويفا لهم. و كانت الوشايات علي أمراء المغول و رجالهم تتري إلي أن قضوا علي أكثرهم و عدمت المملكة حسن الإدارة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 426

حوادث بغداد
قتل علي بن علاء الدين الجويني:

ثم أمر بقتل مظفر الدين علي بن علاء الجويني صاحب الديوان فنفذ إلي بغداد من قبض عليه و اعتقله أياما ثم قتل و دفن في دار المسناة التي بأعلي بغداد و عملت الدار رباطا. ثم نقل منها و دفن عند والدته في الرباط المجاور للعصمتية.

قتل عز الدين محمد بن شمام:

و قبض علي عز الدين محمد بن شمام نائب جمال الدين الدستجرداني ببغداد و طولب بأموال صارت إليه من الديوان ثم قتل.

ضمان العراق:

و في هذه السنة عقد (ضمان العراق) علي الشيخ جمال الدين إبراهيم ابن السواملي. و الملك إمام الدين يحيي البكري القزويني.

قضاء القضاء:

رتب قاضي القضاة ببغداد زين الدين محمد الخالدي علي القاعدة التي تقدم ذكرها في سنة 693 فوصل إلي بغداد و جري بينه و بين قاضي القضاة عماد الدين البصري من المنافسة علي المنصب و الحكم أشياء لا يليق ذكرها. فاستظهر زين الدين عليه بمساعدة أخيه صدر الدين (صدر جهان) صاحب ديوان الممالك.

و طولب عماد الدين بحقوق ديوانية كان قد سومح بها أبوه في البصرة و غيرها و سلم إلي من يستوفي ذلك منه فأدي بعضه ببغداد ثم أحدر إلي البصرة لاستيفاء الباقي فهرب و اعتصم بالبطائح. فلما قتل صدر الدين (صدر جهان) سنة 97 ظهر من البطيحة و توجه إلي الاردو فأعيد إلي القضاء علي ما نذكره.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 427

أبو محمد عفيف الدين الحنبلي:

عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد بن عزّان المقري البصري المدني، أبو محمد بن أبي عبد اللّه المحدث عفيف الدين الحنبلي نزيل المدينة. سمع من أبي الحسن المبارك بن محمد بن مزيد بن هلال الخواص بالمستنصرية، و من أبي العباس أحمد بن عمر بن عبد الكريم الباذبيني، و من أبي الحسن علي بن عبد اللطيف ابن يحيي …

و من فضل اللّه بن عبد الرزاق الجيلي، و من المؤتمن يحيي بن أبي السعود ابن قميره، و حدث. كان إماما فاضلا، فقيها، زاهدا، عابدا، عارفا بفنون العلم و الأدب، توفي في 23 صفر سنة 696 ه.

حوادث سنة 697 ه (1297 م)

ذيول (الجاو)- (حوادث العراق):

في هذه السنة أمر السلطان غازان بقتل صدر الدين (صدر جهان) أحمد بن عبد الرزاق الخالدي (صاحب ديوان الممالك) لما ظهر من سوء حركاته و كان غير محمود السيرة ظالما أظهر (الچاو) و قسر الناس علي المعاملة به فأضر بهم و بطلت معايشهم و تعطلت أمورهم إلي أن لطف اللّه تعالي و ألهم السلطان إبطاله ثم ضاعف الخراج كما فعل جمال الدين الدستجرداني و ألزم الناس بالقيجور و زاد في قرارات التمغات و بالغ في المصادرات و التثقيلات فلما قتل أمر بقتل أخيه قطب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 428

الدين (قطب جهان) فقتل و طلب أخوه زين الدين الذي كان (قاضي القضاة) ببغداد فهرب و لحق بصاحب جيلان فسأل من السلطان العفو عنه فأجاب سؤاله فسأل أن يعاد إلي (القضاء بالعراق) فأخذ و حبس بتبريز فهرب من الحبس فأدرك و أعيد إليه ثم قتل. كذا في ابن الفوطي. و جاء في تاريخ كزيده أن السلطان غازان اطلع علي تزويرات صدر الدين (صدر جهان) فحاذر منه و قتله في

21 رجب سنة 697 و فوض الوزارة للخواجة رشيد الدين و لمحمد ساوجي الملقب (وزيرنكو) ابن الخواجه سعد الدين.

شحنة بغداد:

و فيها عزل الأمير (ناولدار) شحنة بغداد و سبب ذلك أن نائبه رستم أساء السيرة و تعدي الحد في الشنقصة و أنواع التأويلات علي الناس و اعتمل ما أوجب قتله و عزل ناولدار و رتب عوضه (الأمير اذينا) فمهد العراق بحسن سيرته و عظم سطوته و شدة و زعته لا تأخذه في المفسدين لومة لائم فالناس في أيامه آمنون علي نفوسهم و أموالهم في البلاد و النواحي و الطرق …

وفيات:
1- في يوم عرفة حضر الشيخ الصالح شمس الدين محمد بن الزياتين في الجامع و صلي العصر و قد اجتمع الناس للتعريف فمات فجأة

فحمله أصحابه إلي زاويته. و كان علي قاعدة جميلة من الزهد و الانقطاع و الانعكاف علي عبادة اللّه تعالي.

2- مؤرخ عراقي (الكازروني):

توفي الشيخ ظهير الدين علي بن محمد الكازروني ببغداد. و كان عالما فاضلا خدم الديوان في الاشغال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 429

الجليلة. و جمع تاريخا. و عمل كتابا في الاختيارات سلك فيه طريقة ابن حراز في الاختيارات التي عملها لشرف الدين اقبال الشرابي و كتب خطا جيدا و تجاوز في العمر 80 سنة و كثيرا ما ينقل عنه صاحب التاريخ المنسوب للفوطي. و كذا الذهبي في مواطن كثيرة … و أكثر المتأخرين عالة عليه … و من المؤسف أن لم نقف له علي أثر، و لا عثرنا علي ترجمة ضافية له في الكتب المتداولة و المعروفة … و في طبقات السبكي قال عنه:

«مولده سنة 611 ه و سمع الحديث من الأمير أبي محمد الحسن بن علي بن المرتضي و أبي عبد اللّه بن سعد الواسطي و غيرهما، و كان حيسوبا، فرضيا، مؤرخا شاعرا، و له كتاب النبراس المضي ء في الفقه، و كتاب المنظومة الأسدية في اللغة، و كتاب روضة الأديب في التاريخ، و له شعر حسن. توفي في حدود السبعمائة.» ا ه، و أمثال هذا المؤرخ ممن له أصبع في الادارة، أو علاقة بالحكومة … يستفاد منه صحة النقل فيما يتعلق بالحكومة من جهة، و البصيرة بسير الشؤون و الإدارة من أخري …

و قال في الدرر الكامنة عنه هو ظهير الدين البغدادي الشافعي ولد سنة 611 و سمع من الحسن ابن السيد و الدبيثي و غيرهما و تمهر في الفنون و صنف التصانيف منها روضة الأديب في سبعة عشر سفرا في التاريخ و النبراس

المضي ء في الفقه و (كنز الحساب) في الحساب مجلدا، و السيرة النبوية، و الملاحة في الفلاحة.

3- شيخ المستنصرية:

توفي الكمال القويرة مسند العراق أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن محمد البغدادي الحنبلي المقري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 430

البزار المكثر شيخ المستنصرية. قرأ القراءات علي الفخر الموصلي و سمع من أحمد بن صرما و جماعة و أجاز له ابن طبرزد و عبد الوهاب بن سكينة و انتهي إليه علو الاسناد في القراءات و الحديث و توفي في ذي الحجة و له ثمان و تسعون سنة و وقع في الهرم رحمه اللّه تعالي.

4- الشيخ مجد الدين محمد بن أحمد بن عمر

و هو أبو عبد اللّه ابن الظهير الإربلي الحنفي الأديب ولد بإربل في 2 صفر لسنة 602 ه و سمع ببغداد في الكهولة من أبي بكر بن الخازن و الكاشغري و غيرهما … و كان من كبار الحنفية، و هو من أعيان شيوخ الأدب و فحول المتأخرين في الشعر. و له ديوان شعر في مجلدين. و كانت وفاته سنة 697 ه.

حوادث سنة 698 ه (1298 م)

مسير السلطان غازان إلي العراق:

في هذه السنة سار السلطان غازان إلي العراق و جعل طريقه علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 431

(جوخي) و سير بعض العسكر إلي بطائح واسط فحصروا الأعراب و أكثروا القتل فيهم و النهب و السبي و غنموا أموالهم و عين جماعة لملازمة أعمال واسط و منع من تخلف من العرب عن الفساد.

ثم توجه إلي الحلة و قصد زيارة المشاهد الشريفة و أمر للعلويين و المقيمين بها بمال كثير. ثم أمر بحفر نهر بأعلي الحلة فحفر و سمي (النهر الغازاني) تولي ذلك شمس الدين صواب الخادم السكورجي و غرس الدولة …

غازان مجيئه إلي بغداد- ضرب النقود:
اشارة

ثم سار إلي بغداد و أمر بالإحسان إلي الرعية و زاد في العدل و الرأفة بهم و أمر أن يصفي الذهب و الفضة من الغش و يبالغ في ذلك و تضرب الدراهم متساوية الوزن ليتعامل بها الناس عددا يكون وزن الدرهم نصف مثقال و عملت دراهم وزن الدرهم ثلاثة مثاقيل و مثقال يخرج بنسبة ذلك و يكون كل مثقال من الذهب بأربعة و عشرين درهما.

و ضرب من الذهب أشياء مختلفة الوزن خمسة مثاقيل و ثلاثة مثاقيل و مثقالان و مثقال و نصف مثقال و ربع مثقال و أمر أن يعمل ذلك في جميع الممالك فعمل و انتفع الناس به …

و مما ضرب في بغداد و البصرة موجود في المتاحف و بعضها قبل هذا التاريخ أي سنة 696 و 697 ه و ما يلي من السنين و علي النقود المذكورة كلمة الشهادة و اسم السلطان محمود غازان و محل الضرب …

ملحوظة:

التبس علي صاحب الفخري الأمر فظن أن دخول السلطان المستنصرية في هذه السنة مع أنها كانت سنة 696 ه. فخلط في السنين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 432

و شوش في النقل و أبدي رأيه بالرجوع إلي صحة ما شوشه …

عودته:

ثم عاد في زمن الربيع إلي بلاد الجبل …

ولاية العراق- تبدلات إدارية
1- ضمان العراق:

في هذه السنة عقد (ضمان العراق) علي الملك إمام الدين يحيي القزويني البكري و استقل بالحكم فيه و كفت يد الشيخ جمال الدين إبراهيم السواملي.

2- قضاء القضاة:

و فيها أعيد جمال الدين البصري إلي قضاء القضاة ببغداد. و قد تقدم ذكر ما جري له و اعتصامه ببطائح واسط فلما قتل صاحب الديوان صدر الدين (صدر جهان) ظهر و قصد الأردو و عرض حاله علي الوزراء فأعادوه علي القضاء فوصل بغداد في صفر.

وفيات:
1- توفي في بغداد جمال الدين ياقوت المستعصمي الكاتب
اشارة

كان أديبا عالما فاضلا شاعرا بلغ من الخط غاية كما بلغها (ابن البواب) كان قد اشتراه الخليفة المستعصم صغيرا و ربي بدار الخلافة و اعتني بتعليمه الخط صفي الدين عبد المؤمن ثم كتب علي الشيخ (ابن حبيب) و كتب عليه ابناء الأكابر ببغداد. و حظي عند (علاء الدين الجويني) صاحب الديوان و كتب عليه أولاده و ابن أخيه شرف الدين هارون.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 433

و قال عنه صاحب الشذرات: «الكاتب الأديب، البغدادي، آخر من انتهت إليه رياسة الخط المنسوب، كان يكتب علي طريقة ابن البواب …» ا ه و قد عثرت علي قرآن بخطه فحصلت علي نماذج مصورة منه و ألواح خطية و لم يعدم خطه … و إليه ينتهي خطاطون مشاهير في اجاراتهم ممن جاء بعده و غالب الخطاطين من الترك العثمانيين يصلون إليه في اجازاتهم خصوصا ابن الشيخ و من أخذ عنه …

و له الأشعار المستحسنة الرائقة التي جمعت من الأوصاف ما تفرق في جميع الأشعار و ذلك قوله:

بدا بوجه مخجل شمس النهار المشرقة

في أذنه لؤلؤة كأنها و الحلقة

قد أخذا من وردة بالياسمين ملحقة

و له تهنئة بعيد:

همك إسعاف و إسعاد فدمت تزدان و تزداد

ما العيد في عصرك مستظرفا جميع أيامك أعياد

و له:

اتعتقدون أن الملك يبقي و أن العيش في الدنيا يدوم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 434

و لا يجري الزوال لكم ببال كأن الموت ليس له هجوم

فهبكم نلتم ما نال كسري و قيصر و التبابعة القروم

و متعتم بذلك عمر نوح و حفتكم بأسعدها النجوم

أليس مصير ذلك إلي زوال لعمر أبي لقد هفت الحلوم

و له:

أراك فأغضي الطرف عنك مخافة عليك و عندي منك داء مخامر

يزيد علي مر الجديدين جدة و ليس ببال يوم تبلي السرائر

و قد أورد له صاحب الشذرات بعض الأبيات غير ما ذكر.

و ترجمه في المنتخب من المختار بما نصه:

«ياقوت بن عبد اللّه الرومي المستعصمي أبو الدر الملقب كمال الدين الكاتب كان بارعا في علم و أدب و ملح الشعر و الخط كتب عليه خلق من أولاد الأكابر..

و من شعره:

صدقتم فيّ الوشاة و قد مضي في حبكم عمري و في تكذيبها

و زعمتم أني مللت حديثكم من ذا يملّ من الحياة و طيبها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 435

و من شعره:

و عدت أن تزور ليلا فألوت و أتت في النهار تسحب ذيلا

قلت هلا صدقت في الوعد قالت كيف صدقت أن تري الشمس ليلا» ا ه.

و في غيره:

رعي اللّه أياما تقضت بقربكم قصارا و حياها الحيا و سقاها

فما قلت إيه بعدها لمسامر من الناس إلا قال قلبي آها

2- توفي صدر الدين أبو عبد اللّه أحمد بن محمد بن الأنجب ابن الكسار الواسطي الأصل البغدادي المحدث الحافظ الحنبلي

ولد سنة 626 ه و سمع ببغداد من ابن قميرة و غيره و بواسط من الشريف الداعي الرشيدي و عني بالحديث و كانت له معرفة حسنة به …

حوادث سنة 699 ه (1299 م)

السلطان غازان و الشام:

في هذه السنة سار السلطان غازان إلي بلاد الشام حيث بلغه ما فعلوا بأهل ماردين في السنة الماضية من النهر و كان قنجاق أحد أمراء الشام، اتصل بالسلطان فحسن له ذلك و عرفه ضعفهم عن لقائه فلما قرب من حلب راسل و اليها و دعاه إلي طاعته فأجاب و سأل أن يمهل إلي أن يملك الشام فتركه و سار إلي حمص. فلما قاربها لقيته الجيوش المصرية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 436

فاقتتلوا ساعة فلم يلبث المصريون أن انهزموا راجعين فغنم عسكر السلطان سوادهم و سار السلطان إلي دمشق فنزل بظاهرها و تصدق بحقن دماء أهلها و أمنهم علي أموالهم فلم يعرض أحد من العسكر للرعية بنهب و لا غيره و احتوي علي ما في القلعة من الأموال و الذخائر …

و رتب في دمشق (الأمير قنجاق) المذكور و جعل عنده الأمير مولاي في عشرين ألفا من الفرسان و عاد السلطان إلي الموصل يريد مقر ملكه. فلما عرف قنجاق أنه بعد عن الشام أرسل إلي مولاي يقول له:

إني أكلت من نعمة القاآن و شملني إحسانه و إنعامه و رحمته و لا يجوز لي الغدر بأصحابه. و قد وصلت عساكر سلطان مصر و أعرف أن لا طاقة لك بهم. و الرأي أن ترحل إلي العراق فرحل و لم يلبث فخلت البلاد لقنجاق فكاتب الأمراء بمصر يعرفهم ذلك فسيروا إليه جيشا خوفا من عود مولاي أو غيره.

فلما بلغ السلطان غازان ما اعتمده قنجاق تجهز للمسير إلي الشام في سنة 700

ه.

وفيات:
1- توفي عز الدين دولة شاه الصاحبي العلائي بلرستان

و كان مستترا هناك بسبب بقايا تخلفت عليه من ضمان الحلة. فلما توفي حمل إلي تربة أخيه الملك ناصر الدين قتلغ شاه بمشهد سلمان الفارسي (رض).

2- شرف الدين أبو أحمد داود بن عبد اللّه بن كوشيار الحنبلي، الفقيه المناظر،

كان بغداديا، فقيها، مناظرا بارعا، عارفا بالفقه، صنف في أصول الفقه كتابا سماه (الحاوي)، و في أصول الدين كتابا سماه (تحرير الدلائل).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 437

حوادث سنة 700 ه (1300 م)

حرب السلطان مع أهل الشام:

في المحرم سار السلطان غازان إلي بلاد الشام في جيوش تملأ الفضاء لا تحصي كثرة فرقهم في طرق شتي و سار هو إلي الموصل و عبر الفرات. فلقيت مقدمته طائفة من عسكر الشام فقاتلوهم فانهزم الشاميون و غنم المغول سوادهم و قتلوا منهم خلقا كثيرا و أسروا …

فاتفق تواتر الغيوث و شدة البرد و دام ذلك حتي امتنعوا من الحركة و تلفت خيولهم و قلت الميرة عليهم فجعل السلطان علي الجيش الأمير قتلغ شاه و توجه إلي سنجار فأقام قتلغ شاه إلي رجب فلم يخرج إليه أحد من عسكر الشام و مصر فانتهي ذلك إلي السلطان فأذن له في العودة و رحل السلطان من سنجار عائدا إلي بلاده.

التاريخ المبارك الغازاني:

في هذه السنة أمر السلطان غازان الخواجة رشيد الدين بكتابة التاريخ المسمي أخيرا ب (التاريخ المبارك الغازاني) و الذي صار مؤخرا المجلد الأول من جامع التواريخ. و كان قد استعان المؤلف الخواجة رشيد الدين بالعالم الصيني المدعو «بولاد- چينگسنك» و بعالمين آخرين متبحرين في الطب و الفلك و التاريخ و هما (ليتاجي)، و (يكسون) من علماء الخطا فاستفاد منهما كثيرا للوقوف علي المنابع الصينية و كانا في عاصمة الايلخانيين … و كانت قد تمكنت العلاقة بين ايران و الصين منذ حلول هلاكو هذه الديار كما مر في التعليق علي ترجمة النصير الطوسي …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 438

ولاية بغداد
وفاة والي بغداد:

توفي الملك امام الدين يحيي البكري القزويني صاحب ديوان بغداد في الحلة و حمل إلي بغداد و دفن في تربة عملها في مدرسة بدرب فراشا و أقيم ابنه افتخار الدين في العراق مقامه.

تاريخ الفوطي:

وقفت حوادث التاريخ المنسوب للفوطي هنا. و عليه اعتمدنا في الغالب عن هذا العصر مع مراعاة النصوص الأخري للمؤرخين الآخرين مما مر النقل عنه بقدر الحاجة و ما سمحت به الوقائع و في الغالب لا حظنا نص عبارته نظرا لعلاقته الخاصة بقطرنا …

وفيات:
1- توفي مفيد الدين أبو محمد عبد الرحمن بن سلمان الحربي الضرير،

الفقيه الحنبلي، معيد الحنابلة بالمستنصرية، سمع من الشيخ مجد الدين ابن تيمية و غيره و كان من أكابر الشيوخ و أعيانها عالما بالفقه، و العربية، و الحديث، قرأ عليه الفقه جماعة، و سمع منه الدقوقي و غيره.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 439

2- شمس الدين الفرضي:

محمود بن أبي بكر بن أبي العلاء بن علي بن أبي العلاء البخاري الكلاباذي أبو العلاء الحنفي الصوفي الملقب شمس الدين المحدث المعروف بالفرضي. تفقه ببخارا و سمع بها الحديث في سنة بضع و سبعين … ثم قدم العراق في سنة بضع و سبعين فسمع بها من أبي الفضل محمد بن محمد بن الدباب، و محمد ابن يعقوب ابن أبي الدنية و محمد بن عمر بن المريخ، و أبي الفضل عبد اللّه بن محمود بن يلدجي و غيرهم، و بالموصل من الشيخ موفق الدين احمد بن يوسف بن الحسن الكواشي المفسر ثم صار إلي ماردين فدخل مصر.. و كتب بخطه الحسن كثيرا … و كان إماما، فقيها، و أديبا ورعا، متبحرا، كثير المعارف، حسن المعاشرة، كثير الإفادة و بلغ في الفرائض الغاية … و له ضوء السراج (شرح السراجية في الفرائض).

توفي في أوائل شهر ربيع الأول سنة 700 ه عن 56 سنة.

حوادث سنة 701 ه (1301 م)

التاريخ الايلخاني:

في هذه السنة وضع التاريخ الايلخاني و صار يعمل في الممالك التي تحت حكم السلطان غازان محمود … و هو مؤسس هذا التاريخ و كان قد وضعه في 12 رجب لسنة 701 ه. و به طبق التاريخ الهجري القمري علي الشمسي و حاول أن يجمع بينهما إلا أنه لم يدم العمل به طويلا و إنما أهمل بعد أمد قليل … و كان قبل هذا قد حاول العباسيون اعتبار السنة الشمسية أيام الخليفة المطيع للّه … و قد اطنب و صاف في ذكر تطور هذه القضية …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 440

توحيد الموازين و المكاييل:

في هذه السنة صدر الأمر إلي كافة الممالك المغولية بلزوم توحيد الموازين و المكاييل و ذلك لما دعته الحالة من التذبذب و الاختلاف و ما جرت إليه من الاضرار بالأهلين و التعديات عليهم … و قد اتخذ ما يجب مراعاته لتنفيذ الأمر المذكور …

تاريخ الفخري- والي الموصل:

في هذه السنة كتب صفي الدين محمد بن علي ابن طباطبا المعروف بابن الطقطقي تاريخه المسمي ب (تاريخ الفخري) و جاء في آخره: «فرغ من تأليفه و استنساخه مؤلفه في مدة أولها جمادي الآخرة من سنة 701 و آخرها خامس شوال من السنة المذكورة بالموصل الحدباء …» ا ه.

أتم حوادثه باحتلال بغداد علي يد هلاكو حتي وفاة الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي إلا أنه خلال سطوره تعرض للوقائع بعد هذا التاريخ بكثير تكلم فيه عن حكومة الخلفاء و الأمويين و العباسيين إلي آخر أيامهم … و في أثنائها، و في مقدمته قارن بين الوقائع، و فضل حكومة المغول علي سائر الحكومات غير حكومة الخلفاء الراشدين خشية القيام عليه، و كان قد كتبه بشكل ليقدمه لملك المغول، أو لوزيره ثم عدل عن ذلك فحور في شكله، و أبرزه بوضعه الحاضر … و الدعوي بأنه ألفه في هذه المدة الوجيزة ظاهرة البطلان … و قال في مطاوي مقدمته:

«التزمت فيه أمرين: أن لا أميل فيه إلا مع الحق، و أن لا انطق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 441

فيه إلا بالعدل، و أن أعزل سلطان الهوي، و أخرج عن حكم المنشأ و المربي، و أفرض نفسي غريبا منها و أجنبيا بينهم، أن اعبر عن المعاني بعبارات واضحة تقرب من الافهام لينتفع بها كل احد …» ا ه.

قدمه لوالي الموصل آنئذ و هو فخر الدين

عيسي بن إبراهيم و قد أثني عليه و غالي في مدحه و بيان أوصافه، و كان عزمه أن يذهب إلي تبريز … فعدل و أهدي كتابه إليه و جعله باسمه و اشتهر الكتاب باسم (تاريخ الفخري) إضافة إلي اسم الوالي و أصل اسمه (منية الفضلاء في تواريخ الخلفاء و الوزراء) كما أشار إلي ذلك هندوشاه النخچواني و هذا كان ترجمه إلي الفارسية سنة 724 ه باسم (تجارب السلف) و أضاف إليه اضافات و قدمه إلي الاتابك نصرة الدين أحمد اللري …

و هذا الوالي لم يعرف عنه أكثر مما جاء في الفخري بل لولاه لما عرف واحد منهما و مبدأ ولايته، و مدة بقائه مجهولان …

و نري ابن الطقطقي ينوه بالمغول، و يمدحهم مدحا زائدا، و يدعو لهم بالدوام و التوفيق، و يبين رجحان حكومتهم و فضلها علي غيرها من سائر الحكومات … و ليس لدينا ما يميط اللثام عن حياته الشخصية، و وقائعه الذاتية، و لكن تاريخه خير مرآة لمعرفة روحيته، و هو جليل في موضوعه … و لو لا أن كتاب عمدة الطالب يفتضح ما كان بينه و بين علاء الدين الجويني من العداء لما مر في حادث قتلة والده لظننا أن ما قاله عنه صحيح و ما أورده لا يعدو شاكلة الصدق و أن ما اشترطه علي نفسه قد تابعه و التزمه … فعرفنا تحامله، كما أننا أشرنا إلي نفسيته في قلب بعض الحقائق و نقوله عن السلطان غازان حينما شاهد المستنصرية … و هكذا يقال عن تحامله علي حكومات الإسلام إرضاء للمغول أو تشفية لغرض في نفسه بحيث صار لا يري سوي مساوي ء الحكومات الإسلامية، أو لم ينقل إلا ما أشاعه المغرضون،

و أعداء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 442

النظام، و أرباب الخصومات … كأن هذه و أمثالها هي التاريخ دون غيره … فاتخذها بعض أعداء الإسلام وسيلة لإظهار المعايب خاصة، و نوهوا بذكره، و بالغوا في الثناء العاطر عليه لأنه أعد لهم ما كانوا يأملون، فوافق مذاقهم … من الطعن في الحكومات الإسلامية و التنديد بها و ترجيح حكومة المغول عليها …!!

و لا يفوتنا أن رجال الادارة، و وزراء الحكومة نسمع عنهم أشياء، و يندد بهم كثيرون من المتضررين بحق أو بغير حق، و أرباب الحزبية أو العداء الشخصي دون مراعاة للواقع … فمؤرخنا لم يراع هذه الظروف و لا بالي بها فدون كل ما سمع من طعن، و أغفل غيره، أو لم يلاحظ حقيقة الوضع بنظرة صادقة فخالف ما التزمه و جاري أهواءه دون تحاش من باطل، أو اتباعا لرغبات الآخرين … قال:

«و أما الدول الإسلامية فلا نسبة لها إلي هذه الدولة حتي تذكر معها» ا ه.

و علي كل لا تنكر قدرته و لا يبخس تلاعبه في البيان لاستهواء القاري ء و جذبه لناحيته … مما يدل علي وفور مادة، و تتبع قويّ …

و لا يضره الغمز المتوجه عليه فلا يخفي عند المقارنة … و لا تمكن هو من ستر مدحه و غلوّه في ترويج سياسة المغول، و قد كتب لهذه الغاية و تلك المصلحة … و لا يكتم ذمه للجويني مع تحقق الغضاضة …

و المؤلف و إن كان قد قسا في حكمه علي الجويني فقد أخذ الكثير من آرائه و نصوصه و جعلها مادته التي عوّل عليها و كتب عنها و اتخذ الوقت المناسب للنشر أيام نكبة آل الجويني، و هو يعرف الفارسية، و

أسلوب كتابه يضارع أسلوب الجويني و قد حذا حذوه بصورة عامة … و استفاد من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 443

الآداب العربية و غزارة معينها و الاستقاء من ذلك الأدب الجم …

و مما استشهد به من الشعر الفارسي و يدل علي المعرفة في هذه اللغة قوله:

شاها زمي گران چه برخواهد خواست و زمستي هر زمان چه برخواهد خواست

شه مست و جهان خراب و دشمن بس و پيش پيداست كه ازين ميان چه برخواهد خواست

و قد نقل صاحب معجم المطبوعات عن لويس شيخو أنه توفي سنة 709 ه و لا سند يعضده و عمر المؤلف تقريبي نظرا أن والده توفي سنة 672 ه و من المحتمل أن عمره كان نحو العشرين فيكون عمره آنئذ نحو خمسين سنة حينما ألف كتابه …

طبع هذا التاريخ آهلوارد ثم درانبورغ في بلاد الغرب، و بعد ذلك جري طبعه في مصر بمطبعة الموسوعات سنة 1317 ه.

1- وفاة يحيي بن محمد بن علي: بن زيد بن هبة اللّه الحنفي رشيد الدين أبي طالب الشاعر البغدادي.

و من شعره:

إن كنت من أهل الصبابة و الهوي فاسمع و لا تبخل بنفسك في الجوي

من لا يذل لمن يحب فحظه من حبه إما الصدود أو النوي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 444

مات سنة 701 ه.

2- أحمد بن يوسف بن أبي البدر البغدادي: هو مجد الدين ابن الصيقل التاجر السفار كان من كبار التجار. دخل الهند مرارا و المعبر (المغبر) و الصين و أقام أكثر من عشرين سنة و كان يحكي عن العجائب التي شاهدها. مات بحلب في مستهل صفر 701 ه.

حوادث سنة 702 ه (1302 م)

اشارة

في هذه السنة توجه السلطان غازان بعسكره إلي الشام، رأي من ملك مصر ما

يغضب له لما سمع من الكلمات الخشنة و الأمور التي هي خلاف مرغوبه. جاء البحث عن الرسل في أبي الفداء في حوادث سنة 700 ه قال: «وصلت رسل غازان ملك التتر و كان مضمون رسالتهم التهديد و الوعيد فأعيد جوابه علي مقتضي ذلك. و لكنه اكتفي بإرسال بعض المشاهير من قواده مع قوة جيش و ذهب هو إلي انحاء تبريز …

أما الجيش الذي ارسله فقد سمع أخيرا أنه انكسر و فر هاربا و قد فصل أبو الفداء هذه الوقعة و أطنب فيها في حوادث سنة 702 ه فغضب السلطان لذلك و اغتم و لما علم بقرب الأجل و أنه نوي الرحيل إلي الدار الآخرة جعل ولاية العهد إلي أخيه الجايتو خان و هو خدابنده محمدخان بن ارغون خان.

و قد ذكر صاحب الشذرات عن هذه الوقعة ما نصه:

«فيها- سنة 702 ه- طرق غازان التتري الشام فالتقاه يزك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 445

الإسلام و فيهم الشيخ تقي الدين ابن تيمية، التقوا علي مرج الصفر فقتل من التتار خلق عظيم و أسر منهم جماعة و لكن استشهد من المسلمين جماعة» ا ه. و هكذا نري (كتاب دول الإسلام) للذهبي قد أطنب في تفصيل الوقعة كغيره … ا ه و تسمي هذه الوقعة بوقعة (شقحب).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 446

الضرائب:

كانت الضرائب في بغداد جارية من أمد بعيد علي طريقة استيفاء الخراج، أو علي سبيل الضمان، أو أصل الأمانة و هكذا يقال في التمغة و سائر المقاطعات و أن كل واحد من هؤلاء كان يقوم بما عهد إليه مستقلا و في 22 رجب من هذه السنة ألغيت الضمانات لتحقق ما تولد منها من أضرار علي الملتزمين

من جهة و علي الأهلين من أخري.

وفيات:
1- نجم الدين معتوق ابن البزوري:

هو معتوق بن محفوظ بن معتوق بن أبي بكر البغدادي الواعظ ولد سنة 615 و تعاطي الوعظ فبرع فيه و كان ينظم الشعر في الحال.

حوادث سنة 703 ه (1303 م)

وفاة السلطان غازان:
اشارة

في هذه السنة يوم الأحد 11 شوال توفي السلطان غازان خان بأجله الموعود فانتقل إلي دار البقاء. مات و لم يكتهل … و كانوا قد اشاعوا موته مرارا فلم يصح ثم تحقق فقال الوداعي:

قد مات غازان بلا مرية و لم يمت في المدد الماضية

و كانت الأخبار ما أفصحت عنه فكانت هذه القاضية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 447

ترجمته:

هو ابن ارغون خان و من المؤرخين من يسميه (محمود غازان) و هكذا ذكر في نقوده المضروبة … و بعضهم يدعوه (غزن) و قال في الدرر الكامنة غازان و اسمه محمود و تقول العامة قازان بالقاف عوض الغين … و قد مر النقل عن ابن بطوطة في سبب تسميته.. بلغ من العمر 33 عاما و مدة حكمه عشر سنين. و في تاريخ كزيده (ص 595) أنه توفي بتاريخ 10 شوال سنة 703 بحدود قزوين فنقل إلي تربته بتبريز و أظهر قبره و لم يكن المغول يظهرون قبورهم … و بلغ من العمر 30 سنة، سم في منديل يمسح به بعد الجماع (الشذرات).

و لما شرفه اللّه بالإسلامية صارت له من العظمة و السطوة ما لا يوصف و أحبه المسلمون ورأوا منه كل خير مما فاق به مآثر القدماء و أنسي ذكر السلاطين العادلين. و سماه صاحب تاريخ كزيده (سلطان الإسلام).

و في شجرة الترك ما نصه:

«هو أول من أسلم من ذرية تولي خان، و قد بذل جهودا كبري لنشر الدين الإسلامي و بسعيه و اهتمامه أسلم كل المغول الذين في ايران …» ا ه فكان تأثيره علي المغول في نشر الإسلامية كبيرا جدا …

و في الدرر الكامنة: «و كان هلاكو و من بعده يعدون أنفسهم نوابا لملك السراي فلما

استقرت قدم غازان تسمي بالقاآن و قطع ما كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 448

يحمل إليهم و أفرد نفسه بالذكر و الخطبة و ضرب السكة و طرد نائبهم من بلاد الروم (العراق) و قال أنا أخذت البلاد بسيفي لا بغيري».

و قال الذهبي عنه: «كان شابا عاقلا شجاعا، مهيبا، مليح الشكل … و في غيره كان اشقر، ربعة، خفيف العارضين، غليظ الرقبة، كبير الوجه، يعف عن الدماء …

أما حروبه مع سورية فإنها كانت طاحنة و يلام من جرائها لاراقته دماء المسلمين. و مخابراته السياسية و طلبه الصلح و الدخول في المفاوضة لا يبرر ذلك. و مخذوليته كانت أكبر سبب في توقف المقارعات بين الطرفين …

و لا ننسي قضاءه علي وزراء كثيرين بقصد استعادة السلطة لملوكهم من أيدي الأمراء فلم ينجح …

و جاء في الدرر الكامنة عنه: «و لما ملك أخذ نفسه بطريق جده الأعلي جنگيزخان و صرف همته إلي اقامة العساكر و سد الثغور و عمارة البلاد و الكف عن سفك الدماء … و كان يتكلم بالفارسية مع خواصه و يفهم أكثر ما يقال باللسان العربي …».

و من آثاره (في العراق و غيره):

1- نهر أخرجه من الفرات ما بين دجلة (الظاهر الحلة) و بغداد و عمل عليه كثيرا من العمارة و سمي النهر الغازاني.

2- نهر من الفرات أجراه إلي مشهد الشيخ أبي الوفاء.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 449

3- قرر في كل مدينة كبيرة مثل بغداد و الحلة و تبريز و أصفهان و شيراز و الموصل مكانا سماه (دار السيادة) و جعل وقفه يصل إلي الفقراء و المساكين من العلويين و تصرف غلته كلها في وظائفهم.

و علي كل كانت خيراته عميمة و عماراته في

العراق و الخارج كثيرة و اتخذ له مدفنا في ظاهر تبريز و هو ما تعجز العبارة عن بيانه و جعل فيه من ابواب البر ما لا يوصف من مدرسة و خانقاه و دار الحديث و دار القرآن و مستشفي و مكتب للأيتام و له عمارات أخري منها (رباط سبيل) في حدود همذان و جعل له من الأوقاف للمارة، و منها مدينة اوجان، و منها سور مدينة تبريز و بساتينها و جملة عمارتها و لكنه لم يتمها و كلها تدل علي علوّ الهمة.

و من أهم إصلاحاته أن لا يصدر يرليغ، أو بايزه إلا بنظام خاص، و أصدر يرليغا في إصلاح المرافعات و انتخاب القضاة و الاعتناء بأمر العدل و تثبيت ما يجب أن تسير عليه المحاكم، و مراعاة مرور الزمان في القضايا، و في ملكية العقارات … و توحيد الموازين و المكاييل، و قرر العقوبات علي من يظهر في حالة السكر في المحال العامة … و هكذا منع من التعديات علي التجار و المارة باسم (تسيير) أو أجرة (محافظة طرق) و ما ماثل … إلي آخر ما هنالك من المآثر الجميلة و النافعة …

و لا محل للتفصيل الآن و الإطالة في أمرها و من اراد التبسط فليرجع إلي جامع التواريخ و حبيب السير و غيرهما من الكتب و ذلك لأنها تخص حكومتهم العامة.

و أهم ما قام به من الاصلاحات النافعة (إلغاء الضمان) للبلاد و الألوية … و ذلك لظهور الاضرار الناجمة من جراء قسر الناس و التعديات عليهم لإيفاء ما التزمه الضمان. أو التهاون في ذلك و التعرض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 450

للمسؤولية و غالب ما يعاقب الموظفون لهذا السبب، أو للسبب الأول …

فلا يسلم من هذين إلا القليل من الملتزمين … و لا تزال آثار هذه البدعة باقية و تعرف أيضا ب (الالتزام) و هو ضمان الميري بأنواعه … فلم يتمكن من تسيير الناس علي الأمانة بأن تقوم الحكومة رأسا بالجباية دون توديعها إلي ضمان …

و من حسنات أيامه الوزير الخواجة رشيد الدين فقد عهد إليه بتدوين تاريخ للمغول فاستعان بالوثائق الرسمية، و شيوخ المغول و كبار رجالهم ممن له علم بأخبارهم و قبائلهم و مواطنهم … فكتب تاريخه المسمي (بالتاريخ الغازاني) نسبة للسلطان فخلف أكبر أثر في تاريخ المغول و لولا أنه قد مسخت ألفاظه المغولية و تناولتها يد النساخ بالتبديل و التحريف … لكان خير أثر. و نري صاحب شجرة الترك يعتذر لذلك و ينسب الغلط إلي العجز عن تلفظ الكلمات المغولية، أو عسر النطق بها … و مهما يكن فالأثر لم يفقد جدته: و لم تقل قيمته و نسخته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 451

الفارسية مبذولة. و أما العربية فإن الوحيدة منها موجودة و من فلتات الدهر أن بقيت إلي اليوم … فقد رأينا منها نسخة في مكتبة أيا صوفيا في استانبول و قد مر وصفها و في المكتبة المصرية نسخة منقولة في التصوير و لم يعين محل وجود اصلها كما يستفاد من مطالعة دفتر المكتبة، و الظاهر أنها منقولة منها.

ثم ابرزه المؤلف في عهد (اولجايتوخان) المعروف (بخدابنده) أو (خربنده) و سيأتي باقي الكلام عليه في حينه …

السلطان الجايتو محمد خدابنده
سلطنته:

لما توفي السلطان غازان في 11 شوال سنة 703 ه بحدود قزوين أوصي لأخيه بولاية العهد و كان أخوه الجايتو بخراسان و في الشذرات أنه كان في سنجار و ابنه بسطام بن غازان عنده فأراد

جماعة الأمراء أن يولوا بسطاما فكتبوا إليه خفية ليصل إليهم و لما جاء القاصد إلي الاردو قصد خدابنده و سلم إليه الكتاب فوقف عليه و من ثم نفذ في الحال من قضي أمر بسطام و رفعه من البين فلم يجسر بعد ذلك أحد علي مخالفته و ظهر تمكنه و أجريت له المراسم المطلوبة و وافي حاضرة الإسلام أو جان بموكبه العظيم و ذلك يوم الاثنين 2 ذي الحجة من هذه السنة فاحتفل به و حضروا إليه لعرض الإخلاص له و الطاعة … فابتدأ أمره بالدخول في الدين الإسلامي و سمي نفسه محمدا خدابنده و لقب بغياث الدين و أقر قتلغ شاه علي نيابته …

و في ابن خلدون و في كتب أخري كثيرة جاء بلفظ (خربنده)، و نائبه قطلو شاه و لكن في تاريخ كزيده و كلشن خلفاء ورد (خدابنده) كما دعي نائبه قتلغ شاه. و في ابن بطوطة جاء أن اللفظين شائعان و أن خدابنده معناه عبد اللّه، و أما خربنده فإن المغول كانوا قد اعتادوا أن يسموا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 452

المولود باسم أول داخل للبيت فصادف دخول زمال (حمار) يقال له بالفارسية (خر) أي عبد الحمار.

و التدقيقات الأخيرة أماطت اللثام عن حقيقة اسمه و تبين أن خدابنده من استعمال الايرانيين، أما غيرهم من الترك كأبي المحاسن تغري بردي في تاريخه النجوم الزاهرة في ملوك مصر و القاهرة فقد عبر عنه بخربندا و هكذا قال الذهبي و هو في الأصل من كلمات الترك و هذا اللفظ بمعني الثالث في لغة المغول و هو عين (خوربندا). و هكذا نري الصينيين يدعون الجايتو (هو- أول- يان) مما يدل علي أن اللفظ مأخوذ من المغولية

بهذا المعني و يراد به الثالث … مما يؤيد أن العجم حرفوا اللفظ و استعمله علي الأصل مؤرخون كثيرون و أيد ذلك ما جاء في التعليق علي مادة محمد خدابنده في الدرر الكامنة …

و من ثم شرع في تدبير الأمور و تنظيمها، و التزم التيقظ و التحرس لحسن الإدارة إذ كانت الأمور في اضطراب و الإدارة في تشتت و انحلال و الحكومة متداعية البنيان إلا أنها بهمة هذا السلطان الجديد قد اكتسبت كل هدوء وراحة و انتظام لم يسبق أن نالته فيما قبل فأزيلت المشاكل و الصعاب و أخمدت الثورات و استقرت شؤون المملكة و من جملة ما قام به أن أمر بإبقاء ما كان علي ما كان أيام أخيه من الموظفين و الأمراء … و أن يمضي علي طريقة أخيه و نهجه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 453

وقائع أخري:
اشارة

في هذه السنة حدث و باء عام في البهائم.

رسول إلي التتار:

في هذه السنة جاء من مصر رسول اسمه عماد الدين بن مجد الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين و كان من مشيخة الإسماعيلية و مشهورا بالعقل و الديانة و رشح مرة للوزارة. جهز في هذه السنة (703) رسولا فأحسن السفارة و رجع في جمادي الأولي. و مما اتفق له أنه لما وصل وجد غازان قد مات علي ما قيل مسموما و استقر بعده أخوه خربندا فلما اجتمعا خلع عليه و أعطاه قدح خمر فأخذه بيده و لم يشربه فسئل عن ذلك فقيل له إنه فقيه و ما يقدر أن يشرب هذا فأخذه منه و ناوله رغيفا فأخذه و جذمه و أكله فأعجبه ذلك و كتب جوابه و أرسل معه رسولا فطلب الصلح سنة 705 ليعمر البلاد هذا و قد اطنب صاحب الدرر في ترجمته و قال كان عنده عقل وافر و ديانة …

حوادث سنة 704 ه (1304 م)

ولادة:

و من حوادث هذه السنة ولد للسلطان محمد خدابنده ابن سمي علاء الدين أبا سعيد بهادر و ذلك ليلة الأربعاء ثامن ذي القعدة و هو الذي ولي السلطنة بعد أبيه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 454

وفيات:
1- توفي علم الدين العراقي المفسر.
2- توفي محدث بغداد و مفيدها أبو بكر أحمد بن علي بن عبد اللّه ابن أبي البدر القلانسي البغدادي الحنبلي

ولد في جمادي الآخرة سنة 640 ه و عني بالحديث سمع الكثير و تفقه و كتب الكثير بالخط الجيد المتقن و خرج لغير واحد من الشيوخ و حدث بالقليل و سمع من جماعة و أجاز لجماعة منهم الحافظ الذهبي و توفي في رجب ببغداد و دفن في باب حرب.

3- نجم الدين المقري:

عبد اللّه بن عبد المؤمن بن الوجيه بن هبة اللّه الواسطي. أبو محمد الملقب نجم الدين المقري التاجر. قرأ بالروايات علي العماد أحمد بن المحروق و ابن غزال و أخيه.. نظم في العشرة كتابا نفيسا سماه الغاية … ولد سنة 671 ه و توفي سنة 704 ه ببغداد.

حوادث سنة 705 ه (1305 م)

وقائع مشهورة:
1- في هذه السنة بتاريخ 20 شوال أمر السلطان بقتل السيد تاج الدين سرخي نائب الأمير هورقو داق

و نيابة عن الأمير سونج اتابك فخالفه و من ثم أمر بقتله في التاريخ المذكور.

2- في هذه السنة انهزم السلطان خدابنده سلطان المغول في حرب گيلان

و في ابن خلدون أن حربه كان مع الأكراد هناك … و لعل هذه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 455

الوقعة غير ما حدث سنة 710 ه و أما في تاريخ كزيده فإنه بين أن هذه الوقعة جرت في ذي الحجة سنة 706 ه و أن السلطان عزم علي الوقيعة بأهالي گيلان فحاربهم و سخر القطر و في هذه الحرب قتل القائد قتلغ شاه و كان أمير الوس فقتل في هذه الحرب و وضعت ضريبة علي الأهلين كمية وافرة من الحرير و بعد أن قتل قتلغ شاه فوضت إمارة خراسان إلي بسلودل … أما السلطان فقد ولي مكان قتلغ شاه الأمير چوبان.

و جاء في دول الإسلام للذهبي أن هذه الواقعة كانت قد حدثت سنة 707 ه و أن قتلغ شاه أصابه سهم فقتل. و ورد فيه بلفظ (خطلو شاه) كان قتله سلطان جيلان شمس الدين دوباج رماه بسهم، و كان قتلغ شاه هذا مقام التتار في ملحمة شقحب.

وفاة عيسي بن داود البغدادي:

الحنفي، سيف الدين المنطقي ولد في حدود 630 ه أخذ عن البدر الطويل و الفخر بن البديع و برع في المنطق … و أملي علي الموجز للخونجي شرحا، و علي الإرشاد كذلك و ارتحل إلي القاهرة … مات في جمادي الأولي سنة 705 و له سبعون سنة و نقل عنه أنه قال: كان لي وقت بناء المستنصرية سبع أو ثمان سنين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 456

حوادث سنة 706 ه (1306 م)

السواملي:

1- مات رئيس التجار الصدر جمال الدين إبراهيم بن محمد ابن السواملي العراقي كان يثقب اللؤلؤ فصمد ألفي درهم ثم اتجر و سار إلي الصين فتمول و عظم و ضمن العراق من القاآن و رفق بالرعية و صار له أولاد مثل الملوك ثم صودر و أخذ منه أموال ضخمة و مات فجأة بشيراز عن ست و سبعون سنة.

و قد مرّ الكلام عليه في هذا الكتاب.

مدرس المستنصرية:

2- العلّامة نصير الدين أبو بكر عبد اللّه بن عمر بن أبي الرضا الفاروثي الشافعي. قال البرزالي في تاريخه قدم علينا دمشق و كان يعرف الفقه و الاصلين و العربية و الأدب و كان جيد المناظرة. ولد بفاروث و هي قرية من عمل شيراز و سكن بغداد و مات بها و درس بالمستنصرية و غيرها من المدارس الكبار.

رئيس العراق:

3- ظهير الدين محمد بن الحسن بن عبد الرحمن بن عبد السيد ابن محاسن الصرصري الحنبلي ظهير الدين. كان رئيس العراق في دولة ابغا و من بعده، وافر الجلالة، محترم الجناب. ولد سنة 652 و كان ذا مروءة وجود و كرم و جاه و له مطالعة في العلم و مشاركة. كان يتردد إليه حكام البلد فيتحفهم و يتفضل و كان يفطر في رمضان كل ليلة مائة فقير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 457

و فقيرة و كانت له نحو عشرين ضيعة لا يؤدي عنها شيئا و كان علي بابه نحو عشرة خدام. و بلغ من رياسته أنه تزوج زبيدة بنت هارون ابن الوزير الجويني فأصدقها اثني عشر ألف مثقال ذهبا و اتفق أنه كان وعد غلاما له بزواج بنت جارية له ثم بدا له فزوجها لغيره فبادر المذكور و قتل الزوج فبلغ ذلك ظهير الدين فخرج فضربه القاتل بسكين في خاصرته فعاش بعدها ليلة واحدة و مات عن توبة و إنابة في شوال سنة 706 ه.

السيدة زبيدة:

و تعرف (بالست زبيدة) و هذه بنت هارون الجويني من زوجته رابعة بنت أبي العباس أحمد ابن الخليفة المستعصم. و التربة المعروفة باسم ست زبيدة نقطع بأنها لها، إذ لم نر من نال مكانة مثل هذه في عصرها و لا مثل أبيها و أمها و زوجها … فلا غرابة أن تكون لها هذه التربة …

و قد مرّ بيان صداقها …

و ما ذكره الأستاذ المرحوم السيد محمود شكري أفندي الآلوسي من التشكيك في نسبة هذه التربة إلي زبيدة العباسية كان في محله …

و الذي دعا الناس إلي الاشتباه أولا العلاقة الموجودة فهذه عباسية من جهة أمها، و ثانيا الاشتراك في

الاسم فإن هذه زبيدة و تلك زبيدة، و ثالثا الصلة الصهرية … يضاف إلي ذلك أن إخوتها سموا بالأمين و المأمون … و أبوها هارون …

و قد ذكرنا جدتها لأمها شاهلتي زوجة علاء الدين الجويني، و أمها رابعة و زواجها بهارون الجويني و إخوتها … و لا أظن أنه بقي خفاء بعد ما أوردنا من النصوص المارة عن زواج هارون الجويني بالعباسية، و عن أولاده منها، و عن زواج بنته زبيدة هذه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 458

و قلة النصوص و إن كانت حالت دون معرفة أمور أخري عن المترجمة و لكني أري الغامض قد انجلي نوعا …

حوادث سنة 707 ه (1307 م)

شعار الشيعة:

في هذه السنة أظهر السلطان خدابنده شعار الشيعة و ذلك بسعي ابن مطهر … و كان إلي هذا التاريخ يراعي عامة الخلفاء الراشدين و يعظمهم و يضرب النقود بأسمائهم …

و لما ركن إلي مذهب الشيعة حذف ذكر الشيخين من الخطبة و نقش اسماء الائمة الاثني عشر علي نقوده و ذلك اعتبارا من هذه السنة كما يستفاد من النقود المضروبة و الموجودة في المتاحف و بين هذه ما ضرب في بغداد … و في ابن بطوطة:

«كان ملك العراق السلطان خدابنده قد صحبه في حال كفره فقيه من الروافض الإمامية يسمي جمال الدين بن المطهر فلما أسلم السلطان المذكور و أسلمت بإسلامه التتر زاد في تعظيم هذا الفقيه فزين له مذهب الروافض و فضله علي غيره و شرح له حال الصحابة و الخلافة و قرر لديه أن أبا بكر و عمر كانا وزيرين لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم و أن عليا ابن عمه و صهره فهو وارث الخلافة و مثل له ذلك بما هو مألوف

عنده …

فأمر السلطان بحمل الناس علي الرفض و كتب بذلك إلي العراقين و فارس و أذربيجان و أصفهان و كرمان و خراسان و بعث الرسل إلي البلاد فكان أول بلاد وصل إليها ذلك بغداد و شيراز و أصفهان فأما أهل بغداد فامتنع أهل باب الازج منهم (محلة باب الشيخ) و هم أهل السنة و أكثرهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 459

علي مذهب الإمام أحمد بن حنبل و قالوا لا سمع و لا طاعة و أتوا المسجد الجامع يوم الجمعة في السلاح، و به رسول السلطان فلما صعد الخطيب المنبر قالوا له و هم نحو اثني عشر ألفا في سلاحهم و هم حماة بغداد و المشار إليهم فيها فحلفوا له أنه إن غير الخطبة المعتادة أو زاد فيها أو نقص منها فإنهم قاتلوه و قاتلو رسول الملك و مستسلمون بعد ذلك لما شاء اللّه.

و كان السلطان أمر بأن تسقط اسماء الخلفاء و سائر الصحابة من الخطبة و لا يذكر إلا اسم علي و من تبعه كعمار رضي اللّه عنهم فخاف الخطيب من القتل و خطب الخطبة المعتادة.

و فعل أهل شيراز و اصفهان كفعل أهل بغداد فرجعت الرسل إلي الملك فأخبروه بما جري في ذلك فأمر أن يؤتي بقضاة المدن الثلاث فكان أول من أتي به منهم القاضي مجد الدين قاضي شيراز و السلطان إذ ذاك في موضع يعرف بقراباغ و هو موضع مصيفه فلما وصل القاضي أمر أن يرمي به إلي الكلاب التي عنده و هي كلاب ضخام في أعناقها السلاسل معدة لأكل بني آدم فإذا أتي بمن يسلط عليه الكلاب جعل في رحبة كبيرة مطلقا غير مقيد ثم بعثت تلك الكلاب عليه فيفر أمامها

و لا مفر له فتدركه فتمزقه و تأكل لحمه. فلما ارسلت الكلاب علي القاضي مجد الدين و وصلت إليه بصبصت إليه و حركت اذنابها بين يديه و لم تهجم عليه بشي ء فبلغ ذلك السلطان فخرج من داره حافي القدمين فأكب علي رجلي القاضي يقبلهما و أخذ بيده و خلع عليه جميع ما كان عليه من الثياب و هي أعظم كرامات السلطان عندهم و إذا خلع ثيابه كذلك علي أحد كانت شرفا له و لبنيه و أعقابه يتوارثونه ما دامت تلك الثياب أو شي ء منها و أعظمها في ذلك السراويل. و لما خلع السلطان ثيابه علي القاضي مجد الدين أخذ بيده و أدخله إلي داره و أمر نساءه بتعظيمه و التبرك به و رجع السلطان عن مذهب الرفض و كتب إلي بلاده

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 460

تربة السيدة زبيدة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 461

أن يقرّ الناس علي مذهب أهل السنة و الجماعة …» ا ه.

و قد جاء في الدرر الكامنة عن هذه الحادثة «كان حسن الإسلام لكن لعبت بعقله الإمامية فترفض و أسقط من الخطبة في بلاده ذكر الائمة إلا عليا … و كان فيما يقال قد رجع عن الرفض و أظهر شعار أهل السنة فقال بعضهم في ذلك:

رأيت لخربندا اللعين دراهما يشابهها في خفة الوزن عقله

عليها اسم خير المرسلين و صحبه لقد رابني هذا التسنن كله

و قد نقل بعض المؤرخين أن السلطان كان اسمه خدابنده فصار يسميه أهل السنة (خربنده) تحقيرا له من حين قبل مذهب التشيع … و قد نقلنا ما يخالف ذلك في سبب تسميته و لا يعوّل علي أمثال هذه الإشاعات استفادة من قرب اللفظ …

و في عقد

الجمان أنه أظهر الرفض في بلاده سنة 709 ه و أمر الخطباء أن لا يذكروا في خطبهم إلا عليّ بن أبي طالب (رض) و ولديه و أهل البيت …

و في تاريخ كزيده يعزو سبب عدوله عن مذهب أهل السنة إلي غير ابن المطهر فقد ذكر أنه السيد تاج الدين علي ما سيأتي.

و في تقويم التواريخ في حوادث عام 716 ه أن خدابنده توفي و ولي بعده ابنه أبو سعيد و هذا أبطل شعار الشيعة و هذا هو المعول عليه نظرا للنقود المضروبة في أيامه و استمرارها إلي حين وفاته … و غاية ما يفسر من النصوص أنه ترك الناس و ما يدينون وراعي عقائدهم و خطبهم و لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 462

يقسرهم علي أمر مما يؤثر علي معتادهم المذهبي … و في بغداد ما يأتي من الحوادث أنه كان يراعي جانبهم بسبب بعض ما وقع من السياسة الداخلية …

و مهما كان الأمر فلا نري مجالا للبحث في النضال بين الشيعة و السنة و لا في تاريخ هذه الناحية أي درجة نطاق هذا المذهب و انتشاره في الاقطار و أثره أو تأثيره … خصوصا أننا نعلم إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ و أن السياسة هي التي نفرت بين الإخوان و باعدت ما بينهم و استخدمت علماء كل فريق و تقويته علي الآخر حبا في الاستفادة للحصول علي نيل مكانة … فكان اولئك العلماء آلة شحناء و واسطة بغضاء بين الإخوان في الدين ترويجا لمطالب السياسة و مرغوباتها …

وفيات:
1- توفي رشيد الدين أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن عمر بن أبي القاسم البغدادي الحنبلي المقري المحدث الصوفي الكاتب.

ولد ليلة الثلاثاء 13 ذي القعدة سنة 623 ه و سمع الكثير من ابن روزبه و السهروردي و ابن الخازن و ابن اللتي و غيرهم و عني

بالحديث و سمع الكتب الكبار و الأجزاء كان عالما صالحا من محاسن البغداديين و أعيانهم ذا لطف و سهولة و حسن أخلاق من اجلاء العدول و لبس خرقة التصوف من السهروردي و حدث بالكثير و سمع منه خلق كثير من أهل بغداد و الرحالين و انتهي إليه علو الاسناد. و توفي في جمادي الآخرة ببغداد و دفن بمقبرة الإمام أحمد.

و زاد في الدرر الكامنة أنه باشر مشيخة المستنصرية بعد الكمال ابن القويرة و ذكر أنه توفي في رجب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 463

2- يعقوب الشهرزوري:

هو بهاء الدين. كان أراد القدوم إلي مصر في أيام الصالح أيوب فلما خرج المظفر قطز إلي قتال التتار شهد معه (وقعة عين جالوت) و معه جمع كثير من الشهرزورية و أبلوا بلاء حسنا ثم قبض عليه المنصور و حبسه ثم أفرج عنه الاشرف خليل و أمّره و كان من الأكابر، له مكارم و أتباع. مات في أواخر سنة 707 ه.

3- نجم الدين أحمد بن غزال ابن مظفر بن يوسف بن قيس الواسطي المقري المجود.

ولد في رمضان سنة 627 و تعاني القراءات إلي أن مهر فيها و اشتهر بها فصار شيخ الاقراء بواسط و كان قد سمع كثيرا من ابن شقيرة و غيره. مات في شهر رجب سنة 707 ه بواسط.

4- خطلو شاه (قتلغ شاه) أو قطلو شاه المغلي:

كان مقدم العسكر في أيام غازان و فعل بدمشق الافاعيل ثم كان مقدمهم في وقعة شقحب فعاد مكسورا ثم جهزه غازان إلي كيلان ففتكوا به و قتلوه في أول سنة 707 ه. و قد مرّ الكلام عليه.

5- داود بن أبي نصر بن أبي الحسن البغدادي:

سمع من محمد ابن الحصري و ابن شاتيل وحدث. مات في 16 شعبان سنة 707 ه.

6- صالح بن عبد اللّه البطائحي:

هو شيخ المنيع بالشام. كان لبيدرا حال نيابته عن الديار المصرية فيه اعتقاد. و كان أصله من بلاد العراق. و لما دخل التتار دمشق في وقعة غازان عرفه جماعة منهم فأكرموه و نزل عنده قطلو و أحد أكابر أمرائهم و كانت له شهرة بين طائفته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 464

و مات 2 جمادي الآخرة سنة 707 ه.

7- أبو سعد عبد اللّه بن محمد بن نصر بن عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجيلي.

ولد سنة 650 تقريبا و سمع الحديث من عم والده فضل اللّه بن عبد الرزاق و مات في 7 شوال سنة 707 ه.

حوادث سنة 708 ه (1308 م)

اشارة

في هذه السنة التجأ إلي السلطان الجايتو (محمد خدابنده) كل من شمس الدين آق سنقر صاحب حماة و جمال الدين الأفرم صاحب حلب و بعض أمراء الشام و أظهروا له الطاعة فرحب بهم الجايتو و أكرمهم و أعزّهم و منح لكل واحد منهم مدينة في ايران ليحكم فيها …

و لم نجد أثرا لهذا الخبر في أبي الفداء أو غيره في حين أننا نري بعد هذا التاريخ وقائع و أوضاع لجمال الدين اقوش الأفرم في أبي الفداء و لم يتعرض لهذه الناحية بل نراه نائبا في الكرك في هذه السنة سنة (708 ه). إلا أن الوقعة التالية تعين حقيقة الأوضاع آنئذ …

وقعة أحمد بن عميرة: (أمير الموصل)

إن أحمد بن عميرة هو من آل فضل و كان بينه و بين ابن عمه مهنا ابن عيسي نزاع. و قد زوج هذا اخته من ثابت بعد أن كان اعطاها لعميرة … فكانت نتيجة الخلاف بينهما أن التجأ أحمد بعد وفاة والده في الحبس إلي التتار و كان أمير الموصل آنئذ ايليا حميش: و هذا الأمير بعد وقعة أحمد و انكساره عزل و كان نازلا علي الموصل و يحكم في تلك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 465

البلاد نيابة عن خربندا. و لما عزله ولي اميرا آخر يقال له (سوتاي) و كان من أمكر المغل و أخبثهم و أفرسهم. و هذا واقع سورية و الحروب في هذا الحين متوالية بين الطرفين و كان أحمد مجروحا فشفي و صار معه …

جرت حروب دموية قد غلب في آخرتها …

هذا ما ورد في عقد الجمان و قد فصل القول فيه عن أحمد و التجائه إلي خربنده و الوقائع الجارية هناك … و الملحوظ أن السياسة العشائرية لعبت

دورها في هذا الوقت، و هذه و إن كانت في الحقيقة لا تعد الحروب فيها مع العراق مباشرة و لكنه لا يخلو من علاقة، و التفاهم غالبا إنما يكون مع أمراء العراق … و في هذه الأيام نري الاهتمام بالعشائر بالغا حده و من مراجعة وقائعهم نعلم دخائل السياسة مع المجاورين و درجة مجاريها …

وفيات:
1- توفي شيخ المستنصرية: المعمر عماد الدين أبو البركات اسماعيل

ابن الشيخ الزاهد أبي الحسن علي بن البطال (الطبال) الازجي شيخ المستنصرية سمع من عمر بن كرم و ابن القطيعي، و ابن روزبة و جماعة وحدث بالكثير و لم يخلف بالعراق مثله و تفرد و مات ببغداد.

2- ابن شامة السواري:

الحافظ مفيد مصر شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن شامة بن كوكب الطائي السواري الحكمي- و حكم بالفتح قرية من قري السوار- الحنبلي الحافظ الزاهد. ولد في رجب سنة 662 ه و سمع من احمد بن أبي الخير و ابن أبي عمر و غيرهم و رحل سنة 83 إلي مصر و سمع بها من العز الحراني و ابن خطيب المزة و غيرهما، و بالإسكندرية من ابن طرخان و جماعة و ببغداد من ابن الطبال و خلق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 466

و بأصبهان و البصرة و حلب و واسط عني بهذا الفن و حصل الأصول و كتب العالي و النازل.

قال الحافظ عبد الكريم الحلبي: كان إماما عالما فاضلا حسن القراءة فصيحا، ضابطا، متقنا قرأ الكثير و سمع من صغره إلي حين وفاته.

قال البرزالي: خالط الفقراء و صارت له أوراد كثيرة و تلاوة و استوطن ديار مصر و تزوج و صارت له بها حظوة و شهرة بالحديث و القراءة و كان معمور الأوقات بالطاعات.

قال الذهبي في معجمه: أحد الرحالين و الحفاظ و المكثرين و دخل اصبهان طمعا أن يجد بها رواة فلم يلق شيوخا و لا طلبة فرجع و كان ثقة صحيح النقل عارفا بالأسماء من أهل الدين و العبادة.

قال ابن رجب: سمع منه البرزالي و الذهبي و عبد الكريم الحلبي و ذكروه في معاجمهم.

توفي يوم الثلاثاء 14 ذي القعدة و دفن بالقرافة بالقرب من الشافعي.

3- توفيت ييلدوزش خاتون زوجة الجايتو في جمادي الأولي.

و جاء في تاريخ گزيده أنها ايلدوزش خاتون.

4- عبد الغفار البندنيجي البغدادي:

هو ابن عبد اللّه بن محمد بن أبي الغنائم بن فضل البندنيجي البغدادي سمع من ابن أبي النجا اللتي. و سمع منه أبو العلاء النجاري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 467

وحدث. مات في جمادي الأولي سنة 708.

5- علي بن أبي عفان بن الحسين الخطيبي البغدادي:

هو محيي الدين أبو عثمان المعروف بابن شيخ النجل ولد سنة 628 (627) و سمع من الكاشغري و غيره. و مات في جمادي الآخرة سنة 708 ه.

6- محمد بن أبي بكر بن محمد بن عبد الرزاق القزويني ثم البغدادي.

حدث ببغداد و مات في شعبان سنة 708.

حوادث سنة 709 ه (1309 م)

بناء مدينة سلطانية:

1- في هذه السنة أمر السلطان خدابنده ببناء مدينة سلطانية.

تزوج السلطان:

2- و فيها تزوج السلطان خدابنده ملك التتار ببنت الملك المنصور نجم الدين غازي ابن المظفر قره ارسلان الارتقي صاحب ماردين المتوفي سنة 712 ه و هو ابن قره ارسلان الارتقي.

عودة احمد بن علي بن عميرة الأمير من آل فضل:

كان ممن سار إلي بلاد الططر (التتار) و آذي الناس ثم رجع عن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 468

ذلك و تاب و دخل الشام بالأمان في صفر سنة 709 ه.

و فيات:
1- توفي أبو العباس أحمد بن طالب الحمامي البغدادي الزانكي

المجاور من زمان بمكة بحيث صار مسندها أخذ عنه ابن مسلم القاضي و شمس الدين بن الصلاح مدرس القيمرية و أجاز لأبي عبد اللّه الذهبي و توفي بمكة في جمادي الآخرة عن بضع و ثمانين سنة.

2- إبراهيم بن أبي الحسن بن صدقة بن إبراهيم البغدادي المخرمي

ولد سنة 24 و سمع أبا نصر بن عساكر و ابن اللتي و ابن المقير و غيرهم. أجاز له أبو الوفاء ابن مندة و الناصح ابن الحنبلي و جعفر و آخرون و تفرد و روي الكثير و كان حسن الأخلاق يؤم بمسجد و يقري ء الصغار و أخذ عنه المزي و البرزالي و ابن المحب و السبكي و آخرون.

مات في شهر رمضان.

3- أحمد بن أبي طالب بن محمد البغدادي:

هو أبو العباس أحمد البغدادي الحمامي نزيل مكة سمع من قرابته الأنجب الحمامي و حدث عنه و كان الدباهي يثني علي دينه و مروءته مات بمكة و قد قارب التسعين.

4- آذينه التتري (شحنة بغداد): (اذينا).

كان شحنة بغداد من قبل التتار، عادلا، صارما. ولي بغداد فمهدها من المفسدين و قمع من بها من المعتدين و خفف ظلما كثيرا، و حمدت سيرته إلي أن مات في اوائل سنة 709 ه بناحية الكوفة و كان دينا حسن الإسلام، يمشي إلي صلاة الجمعة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 469

5- ايرنجن التتري:

النوين خال أبي سعيد كان اتفق مع أبي سعيد علي إمساك چوبان و قتله فتحيل عليه هو و قرمش و دقماق و جماعة ففطن لهم فهرب فطلبوه و حرجوه فلجأ إلي قلعة مرند ثم توجه إلي أبي سعيد فدخل عليه و معه كفنه فقال قتلت رجالي و نهبت أموالي فإن كنت تريد قتلي فها أنا بين يديك فتبرأ أبو سعيد من ذلك فاستخدم رجالا و أوقع بايرنجن و من معه فانكسر ثم أسر هو و قرمشي و دقماق فعقد لهم مجلس فقالوا ما فعلنا شيئا إلا بإذن القاآن فأنكر أبو سعيد فقال ايرنجن هذا خطك معي فضربه بسيخ (سهم) في فمه فقتله و طيف برأسه و تمكن جوبان و أباد أضداده و ذلك سنة 709 ه و قتل دقماق و قرمشي.

حوادث سنة 710 ه (1310 م)

الكيلانيون:

في هذه السنة ذكر الغياثي أن جماعة في أرض كيلان تمردوا و قال ابن خلدون هم الأكراد فجهز عليهم نائبه قتلغ شاه فحاربهم في جبال كيلان فهزموه و قتلوه و ولي مكانه الأمير چوبان و قد مرّ ذلك في الحوادث الماضية و الظاهر أنه بعد قتله قتلغ شاه انتصر عليهم في هذه السنة تأليفا بين النصوص المختلفة في تواريخها …

بين الوزيرين:

في هذه السنة حدث بين الوزيرين الخواجة رشيد الدين و الخواجة سعد الدين مخالفة فانقلبت الصداقة إلي بغضاء فكان الخواجة رشيد الدين يستفيد من كل فرصة ليبغض السلطان علي الخواجة سعد الدين إلي أن غير طبع السلطان عليه و جعله ينفر منه و بلغ تشنيعه عليه امرا كبيرا حتي أنه لم يقف عند هذا الحد و إنما لقن السلطان أن جماعته و أعوانه أيضا علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 470

شاكلته و علي وفاق معه و اتفاق … و ساعده علي ذلك علي شاه …

و في عاشر شوال قتل هو و من معه في بغداد من نوابه أمثال الأمير ناصر الدين يحيي بن جلال الدين الطبري و الخواجة زين الدين الماستري و الخواجة شهاب الدين مباركشاه السباوي و داود شاه فاستشهدوا في المحول من بغداد جميعا و ذلك بفرمان من السلطان بعد أن أجريت محاكمتهم. و صارت الوزارة بعده للخواجة تاج الدين علي شاه التبريزي و هو الوزير الذي انضم إلي الوزيرين و اتفق مع الخواجة رشيد الدين علي خصمه … و فوضت إليه الوزارة علي أن لا يخرج عن أمر الخواجة رشيد الدين و لا يتجاوز مرسومه …

و أن علي شاه كان قد عرف مواطن الضعف في الخواجة سعد الدين و ذلك أن

أعوانه كان قد أعماهم الطمع فساقوا الوزير في الهاوية و لم يقف الأمر عند هؤلاء من رجال السوء فإن الخواجة سعد الدين كانت له زوجة يقال إنها في الأصل يهودية و قد ملكت لبه فلم يستطع مخالفتها، و كانت تطلب منه أمورا هي من جملة أسباب نكبته … و قد أثني علي سلوكه و حسن سيرته أبو القاسم عبد اللّه بن محمد القاشاني في تاريخه المعروف ب (تاريخ الجايتو) و بين مواطن ضعفه في الناحيتين المذكورتين و قد نعتت زوجته بأنها شيطان في صورة إنسان و أنها رمته في ورطة … أما الموظفون عنده فقد عرف حالتهم علي شاه و كشف مخبآت … فأوجب سقوط الخواجة سعد الدين سقوطا هائلا …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 471

و لكن الأمور لم تجر وفق المطلوب و إنما اضطربت الحالة و ساءت بسبب التقيد الزائد، و الاحتياط الكبير فكانت داعية التخوف البليغ أدت إلي الخلل العظيم و صار الوزير الجديد يعارض في كل أمر و لا يلتفت إلي أوامر الخواجة رشيد الدين هذا و أن زوجة الخواجة سعد الدين كانت قد اتفقت مع نجيب الدولة من أطباء البلاط و هذا أيضا كان ممن اعتنق الإسلامية و هو في الأصل من اليهود فلعب في أيام الجايتو و أبي سعيد هو و أمثاله من اليهود الذين قبلوا الإسلامية لمصلحة ادوارا هائلة و كانت تقع علي أيديهم وقائع فجيعة كادوا بها يقضون علي جميع الوزراء بل قضوا و دمروا الحكومة …

و علي كل حال أوضح هذه النواحي القاشاني و فصل ما جري …

غلاة الشيعة- مشهد ذي الكفل:
اشارة

و في ثالث ذي الحجة من هذه السنة قتل السيد تاج الدين اللوحي و هو من متقدمي

رجال الشيعة و رؤسائهم و كان من أهل الغلو العظيم في الرفض فهذا كان قد حرض السلطان الجايتو علي هذا المذهب. و قتل ابن السيد تاج الدين و جماعة آخرين بسبب اتفاقهم مع الخواجة سعد الدين فقضي عليهم جميعا … و أن السيد عماد الدين علاء الملك السمناني قد سمل بسبب ميله إلي جانبهم …

و في هذه الوقعة و الخلاف بين الوزراء ما يؤيد وجهة نظر كلّ فضاع التدبير في تدارك الخلل و جاء في ابن بطوطة كما في النص

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 472

المنقول ما يؤيد الحالة و الوضع و أساسا إن الأوضاع السياسية و الحالة الراهنة مضطربة فلا أمل في إصلاحها و التنافس بين الوزراء قائم …

و في عمدة الطالب ما نصه:

«من بني زيد ابن الداعي السيد الجليل الشهيد تاج الدين أبو الفضل محمد بن مجد الدين الحسين بن علي بن زيد المذكور. كان أول أمره واعظا و اعتقده السلطان الجايتو محمد و ولاه نقابة نقباء الممالك بأسرها العراق و الري و خراسان و فارس و سائر ممالكه و عانده الوزير رشيد الدين الطبيب. و أصل ذلك أن مشهد ذي الكفل (ع) بقرية بئر ملاحة علي الشط بين الحلة و الكوفة و اليهود يزورونه و يترددون إليه و يحملون إليه النذور فمنع السيد تاج الدين اليهود من قربه و نصب من صبيحته منبرا و أقام فيه جمعة و جماعة فحقد ذلك الرشيد مع ما كان في خاطره منه بجاهه العظيم و اختصاصه بالسلطان، و كان السيد تاج الدين (ابنه) هو المتولي لنقابة العراق و كان فيه ظلم و تغلب فأحقد سادات العراق بأفعاله فتوصل الرشيد … و استمال جماعة … و أوقعوا في خاطر السلطان..

فقتلوهم عتوا و تمردا موافقة لأمر الرشيد …

و كان ذلك في ذي القعدة سنة 711 ه و أظهر عوام بغداد و الحنابلة التشفي …» ا ه.

وفيات:
اشارة

خطيب جامع المنصور و شيخ المستنصرية:

1- توفي نجم الدين أبو بكر عبد اللّه بن أبي السعادات بن منصور ابن أبي السعادات بن محمد الأنباري ثم البابصري المقري ء

خطيب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 473

جامع المنصور و شيخ المستنصرية بعد ابن الطبال (و في عقد الجمان ابن البطال) سمع ابن بهروز و الأنجب الحمامي و أحمد بن المارستاني.

و مات ببغداد في رمضان عن اثنتين و ثمانين سنة.

2- ست الملوك فاطمة بنت علي بن أبي البدر

روت كتابي الدارمي و عبد بن حميد عن ابن بهروز الطبيب و توفيت ببغداد في ربيع الأول قاله في العبر.

3- محمد بن عمر الحراني ثم البغدادي:

هو الملقن بالجامع الأموي كان عارفا بالتجويد حسن الأداء مات في شهر رجب سنة 710 ه.

4- أحمد بن موسي الموصلي:

حنبلي مقري ء نزل دمشق و كان عارفا بالقراءات أخذ عن عبد الصمد ابن أبي الجيش و غيره. و كان فصيحا عارفا توفي سنة 710 ه و قد قارب الستين.

5- محمد بن دانيال بن يوسف المراغي الموصلي:

هو الحكيم شمس الدين الكحال الفاضل الأديب تعاني الآداب ففاق في النظم و سلك طريق ابن حجاج و مزجها بطريقة متأخري المصريين يأتي بأشياء مخترعة و صنف طيف الخيال الشاهد له بالمهارة في الفن و له أرجوزة سماها عقود النظام في من ولي مصر من الحكام و كان كثير النوادر و الرواية … (أورد له جملة من الشعر). مات في 12 جمادي الآخرة سنة 710 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 474

و نعته في عقد الجمان بالحكيم الأديب الخليع، صاحب النكت الغريبة و النوادر العجيبة … كان كثير المجون و الخلاعة، و كان أعجوبة في النوادر و الأجوبة … ولد بالموصل سنة 647 ه و من شعره:

قد عقلنا و العقل أي وثاق و صبرنا و الصبر مرّ المذاق

كل من كان فاضلا كان مثلي فاضلا عند قسمة الأرزاق

حوادث سنة 711 ه (1311 م)

مدينة سلطانية:

في هذه السنة كملت عمارة مدينة سلطانية و هي بين قزوين و همذان فنزلها السلطان خدابنده و اتخذ بها بيتا لطيفا بني بلبن الذهب و الفضة و أنشي ء بإزائها بستان فيه أشجار الذهب بثمر اللؤلؤ و الفصوص و أجري فيه اللبن و العسل انهارا و أسكن فيه الغلمان و الجواري تشبيها له بالجنة و أفحش السلطان في التعرض لحرمات قومه.

و جاء في عقد الجمان أن السلطان كان قد طلب من تبريز و بغداد صناعا و مهندسين لعمارتها. و السلطانية هذه هي (قنغرلان) و جعلها عاصمة ملكه …

قراسنقر و الأفرم:

جاء في عقد الجمان أن في هذه السنة توجه الأمير قراسنقر المنصوري إلي خربندا ملك التتار و كان نائب حلب، توجه إلي الحجاز

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 475

مشهد ذي الكفل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 476

و من هناك مال إلي العراق … فتمكنت حكومة المغول من استهوائه و استهواء غيره مثل الأفرم، و العشائر بجلب رؤسائهم … و قد اطنب في ذلك مما لا نري الآن محلا للإطالة فيه و إنما نلاحظ الأوضاع العشائرية في مبحث خاص … و علي كل كانت الحالة تدعو للارتياب و كل واحد من المتجاورين لم يقصر في تدبير و يحاول ربح قضيته …

تاريخ وصاف: (تجزية الامصار و تزجية الاعصار)

في هذه السنة في شعبان أتم عبد اللّه بن فضل اللّه الشيرازي كتابه المعروف بتاريخ (وصاف) و قد مرّ القول عنه.

وفيات:
1- وفاة محمد بن علي الساوجي العجمي و جماعة:

إن محمد العجمي كان من الكبار بالعراق و أنشأ ببغداد جامعا غرم عليه ألف ألف، غضب عليه خربندا فأمر بقتله و قتل الوزير مبارك شاه و يحيي بن إبراهيم ابن صاحب سنجار فقتلوا جميعا في شوال سنة 711 ه بسبب أن الشريف تاج الدين رفع عليهم عند خربندا أنهم توطؤوا علي قتله … و قد مرّ خبر ذلك.

2- سعد الدين مسعود الحارثي:

هو ابن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي العراقي. ولد سنة 652 ه و عني بالحديث فسمع من الرضي ابن البرهان و النجيب و عبد اللّه بن علاق و طبقتهم، و بدمشق من أحمد بن أبي الخير و الجمال ابن الصيرفي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 477

و ابن أبي عمرو، سمع الكثير و اتسعت معارفه في الفن و كان ولي مشيخة الحديث النورية بدمشق ثم تركها و رجع إلي مصر. و كان أبوه تاجرا فنشأ هو في رياسة و بزة فاخرة و حرمة وافرة. قال الذهبي و كان رئيسا فصيح الايراد، عذب العبارة، قوي المعرفة بالمتون و الأسانيد، صيّنا و درس بالصالحية و جامع ابن طولون ثم ولي القضاء في ربيع الآخر سنة 709 ه بعد موت عبد الغني بن يحيي الحراني من قبل المظفر بيبرس فاستمر إلي أن مات و كان متيقظا، محتاطا و قدم الفضلاء من كل طائفة. و كان ابن دقيق ينفر منه لقوله بالجهة، و يقال إنه الذي تعمد إعدام مسودة كتاب الإمام لابن دقيق العيد بعد أن كان أكمله فلم يبق منه إلا ما كان يبيض في حياة مصنفه … مات في 14 ذي الحجة سنة 711 ه.

3- شيخ الخرامية أحمد بن إبراهيم الواسطي ثم الدمشقي الصوفي:

ولد سنة 657 و تفقه علي مذهب الشافعي و تعبد و انقطع و كان يرتزق من النسخ و خطه حسن جدا. و له اختصار دلائل النبوة و تسلك به جماعة و كان يحط علي الاتحادية. قال الذهبي تفقه و كتب المنسوب و تزهد و تجرد و تعبد و صنف في السلوك و شرح منازل السائرين. و كان منقبضا عن الناس حافظا لوقته لا يحب الخوانك تسلك به جماعة و كان ذا

ورع و إخلاص.

و له نظم حسن. مات في شهر ربيع الآخر سنة 711 ه.

4- مبارك شاه الوزير:

هو وزير خربندا قتل في شوال سنة 711 هو قد مر الكلام عنه في ترجمة محمد بن علي الساوجي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 478

5- ابن الدباهي البغدادي:

هو محمد بن أحمد بن أبي نصر الدباهي البغدادي الحنبلي كان تاجرا ثم ترك و تزهد و لقي المشايخ و تكلم علي الناس و قدم دمشق فلازم ابن تيمية قال الذهبي كان ذا صدق و تأله و ديانة جاور مدة و لقي المشايخ و له مواعظ نافعة و كان ممن يقول الحق و إن كان مرا و فيه صفات حميدة مات في شهر ربيع الأول سنة 711 ه.

حوادث سنة 712 ه (1312 م)

السلطان الجايتو و سورية:

في شوال سنة 712 ه عزم السلطان علي الذهاب إلي الشام و إفتتح قلعة الرطبة بعد معركة حصلت هناك و رأف بالصلح معهم و في هذه الأثناء صال علي خراسان كپك و ميسور من أمراء الجغتاي و بعد أن أحدثوا أضرارا كبري عادوا … و أن السلطان الجايتو لما سمع بذلك سير الأمير علي القوشجي بجيش عظيم عليهم لينتقم و من ثم عبر الفيلق نهر جيحون و خرب انحاء ترمذ و ما وراء النهر فأخذ الحيف و عاد إلي السلطان و حينئذ نصب السلطان ابنه أميرا علي خراسان و جعل الأمير سونج معه كأتابك له كما أنه أنفذ بصحبته أمير أمراء خراسان … أما أهل ما وراء النهر فإنهم قد أحدثوا اختلافا بين ميسور و كپك فمال الأمير ميسور إلي السلطان و أبدي له الطاعة و من ثم لطفه السلطان و كتب له كتابا يناصره فيه أما الأمير كپك فقد تأهب لحرب الأمير ميسور و قد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 479

أمدّ الايرانيون الموما إليه فكانت النتيجة أن انهزم كپك …

و ذكر أبو الفداء عن وقعة الرطبة ما يلي:

«و كان خربندا نازل الرطبة بجموع المغل (المغول) في آخر شعبان من هذه السنة (سنة 712 ه) … و استمر خربندا محاصرا للرطبة و أقام عليها المجانيق و أخذ فيها النقوب و معه قراسنقر و الأفرم و من معهما و كانا قد اطمعا خربندا أنه ربما يسلم إليه النائب بالرطبة و هو بدر الدين بن اركش الكردي لأن الأفرم هو الذي كان قد سعي للمذكور في النيابة بالرطبة فطمع الأفرم بسبب تقدم إحسانه إلي المذكور أن يسلم إليه الرطبة و حفظ المذكور دينه و ما في عنقه من الأيمان للسلطان و قام بحفظ

القلعة أحسن قيام و صبر علي الحصار و قاتل أشد قتال.

و لما طال مقام خربندا علي الرطبة بجموعه وقع في عسكره الغلاء و الفناء و تعذرت عليه الأقوات و كثر منه المقفزون إلي الطاعة الشريفة و ضجروا من الحصار و لم ينالوا شيئا و لا وجد خربندا لما أطمعه به قراسنقر و الأفرم صحة فرحل خربندا عن الرطبة راجعا علي عقبه في 26 رمضان من هذه السنة … و تركوا المجانيق و آلات الحصار علي حالها …» ا ه.

و في ابن الوردي: «… حاصروها ثلاثة و عشرين يوما و رموها بالمجانيق و أخذوا في النقوب ثم أشار رشيد الدولة علي خربنده بالعفو عن أهلها و أشار عليهم بالنزول إلي خدمة الملك فنزل قاضيها و جماعة و أهدوا لخربندا خمسة أفراس و عشرة اباليج سكر فحلفهم علي الطاعة له و رحل عنهم …» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 480

و في عقد الجمان تفصيل عن هذه الوقعة و عن وصول خربندا إليها و رحيله ثم نزوله الموصل … و عند ذلك جاءته التقدمات و الوفود من كل صوب ثم رحل إلي تبريز. و هناك جاءه رسول من ملك الترك (ولدي) و طلب منه الحمل لانقطاعه لمدة ثلاث سنوات فجمع خربندا المجلس ثم انتظر چوبان فأجابه ليس سوي الحرب و ضرب الرسول ضربا مبرحا …

و من ملخص الأسباب الصحيحة أن القوم تركوا الحصار لأن المغول في ما وراء النهر عانوا في خراسان و ما والاها فلا معني لبقائهم علي حصار الرطبة. و أن الصلح وقع لهذا السبب و انسحب الجيش للأمر الأهم … كما أنه التجأ الأفرم و قراسنقر إلي خدابنده بعد التاريخ الذي بيناه

و قد حكي ابن بطوطة ذلك بصورة مفصلة قال:

«كان قراسنقر من كبار الأمراء و ممن حضر قتل الملك الأشرف أخي الملك الناصر و شارك فيه. و لما تمهد الملك للملك الناصر و قرّ به القرار و اشتدت أواخي سلطانه جعل يتتبع قتلة أخيه فيقتلهم واحدا واحدا إظهارا للأخذ بثأر أخيه و خوفا أن يتجاسروا عليه بما تجاسروا علي أخيه و كان قراسنقر أمير الأمراء بحلب فكتب الملك الناصر إلي جميع الأمراء أن ينفروا بعساكرهم و جعل لهم ميعادا يكون فيه اجتماعهم بحلب و نزولهم عليها حتي يقبضوا عليه. فلما فعلوا ذلك خاف قراسنقر علي نفسه. و كان له ثمانمائة مملوك فركب فيهم و خرج علي العسكر صباحا فاخترقهم و أعجزهم سبقا و كانوا في عشرين ألفا و قصد منزل (أمير العرب) مهنا بن عيسي و هو علي مسيرة يومين من حلب و كان مهنا في قنص له فقصد بيته و نزل عن فرسه و ألقي العمامة في عنق نفسه و نادي الجوار يا أمير العرب و كانت هناك أم الفضل زوج مهنا و بنت عمه فقالت له قد أجرناك و أجرنا من معك فقال إنما اطلب أولادي و مالي فقالت له لك ما تحب فانزل في جوارنا ففعل ذلك و أتي مهنا فأحسن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 481

نزله و حكمه في ماله فقال إنما أحب أهلي و مالي الذي تركته بحلب فدعا مهنا بإخوته و بني عمه فشاورهم في أمره فمنهم من أجابه إلي ما اراد و منهم من قال له كيف نحارب الملك الناصر و نحن في بلاده بالشام فقال لهم مهنا: أما أنا فأفعل لهذا الرجل ما يريده و أذهب معه

إلي سلطان العراق. و في أثناء ذلك ورد عليهم الخبر بأن أولاد قراسنقر سيروا علي البريد إلي مصر فقال مهنا لقراسنقر أما أولادك فلا حيلة فيهم و أما مالك فنجتهد في خلاصه فركب فيمن أطاعه من أهله و استنفر من العرب نحو خمسة و عشرين ألفا و قصدوا حلب فأحرقوا باب قلعتها و تغلبوا عليها و استخلصوا منها نحو مال قراسنقر و من بقي من أهله و لم يتعدوا إلي سوي ذلك و قصدوا ملك العراق و صحبهم أمير حمص الأفرم و وصلوا إلي الملك محمد خدابنده سلطان العراق و هو بموضع مصيفه المسمي (قراباغ) و هو ما بين السلطانية و تبريز فأكرم نزلهم و أعطي مهنا عراق العرب و أعطي قراسنقر مدينة مراغة من عراق العجم و تسمي (دمشق الصغيرة) و أعطي الأفرم همذان و أقام عنده مدة مات فيها الأفرم.

و عاد مهنا إلي الملك الناصر بعد مواثيق و عهود أخذها منه و بقي قراسنقر علي حاله. و كان الملك الناصر يبعث له الفداوية مرة بعد مرة و منهم من يدخل عليه داره فيقتل دونه و منهم من يرمي بنفسه عليه و هو راكب فيضربه و قتل بسببه من الفداوية جماعة و كان لا يفارق الدرع أبدا و لا ينام إلا في بيت العود و الحديد. فلما مات السلطان محمد و ولي ابنه أبو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 482

سعيد وقع ما سنذكره من أمر الچوبان كبير أمرائه و فرار ولده الدمرطاش إلي الملك الناصر و وقعت المراسلة بين الملك الناصر و بين أبي سعيد و اتفقا علي أن يبعث أبو سعيد إلي الملك الناصر برأس قراسنقر و يبعث إليه الملك الناصر برأس

الدمرطاش فبعث الملك الناصر برأس الدمرطاش إلي أبي سعيد فلما وصله أمر بحمل قراسنقر إليه. فلما عرف قراسنقر بذلك أخذ خاتما كان له مجوفا في داخله سمّ ناقع فنزع فصه و امتص ذلك السم فمات لحينه فعرف أبو سعيد بذلك الملك الناصر و لم يبعث له برأسه.» ا ه.

أمير العرب مهنا بن عيسي:

إن هذا الأمير و هو مهنا بن عيسي لما اعتمد المساعدة من قراسنقر و لغير ذلك من الأمور التي استوحشها من سورية كاتب السلطان خربنده ثم أخذ منه إقطاعا بالعراق مدينة الحلة و غيرها و استمر إقطاعه من السلطان بالشام و هو مدينة سرمين و غيرها علي حاله و عامله بالتجاوز و لم يؤاخذه بما بدا منه و حلف علي ذلك مرارا فلم يرجع عما هو عليه و جعل مهنا ولده سليمان منقطعا إلي خدمة خربندة و مترددا إليه و استمر ابنه موسي في صداقة السلطان و مترددا إلي الخدمة و استمر علي ذلك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 483

بأخذ الإقطاعين بالشام و العراق و تصل إليه الرسل من الفريقين و خلعهما و إنعامهما و هو مقيم بالبرية يتنقل إلي شط الفرات من منازله لا يصل إلي إحدي الفئتين. و هذا أمر لم يعهد مثله و لا جري نظيره فإن كلّا من الطائفتين لو اطلعوا علي أنه يكتب إلي الطائفة الأخري سطرا قتلوه لساعته و لا يمهلونه ساعة و وافق مهنا في ذلك سعادة خارقة.

و قد ذكر ابن بطوطة عن أمراء العرب في طريق الحج بين العراق و مكة المكرمة أنه كان أمير الحج يخشي العربان فلما قرب منهم صار علي أهبة من الحرب و صادفوا في هذه الأثناء فياضا و حيارا ابني الأمير مهنا

بن عيسي المذكور و معهما من خيل العرب و رجالهم من لا يحصون كثرة فظهر منهما المحافظة علي الحاج و الرحال و الحوطة لهم و أتي العرب بالجمال و انضم فاشتري منهم الناس ما قدروا عليه … قال ثم رحلنا و نزلنا بالموضع المعروف بالأجفر …

و في ابن الوردي أن مهنا المذكور توفي سنة 735 و كان قد أناف علي الثمانين فأقيم له مأتم و لبس عليه السواد و له معروف من ذلك مارستان جيد بسرمين و لقد أحسن برجوعه إلي طاعة السلطان قبل وفاته.

و كانت وفاته بالقرب من سلمية ا ه. و هو من آل فضل أمراء قبيلة طيي ء و في صبح الأعشي أنهم تشعبوا شعبا كثيرة منهم آل عيسي و آل فرج و آل سميط و آل مسلم و آل علي. و من المشهورين من أولاد مهنا غير من ذكرنا نعير بن حيار بن مهنا المتوفي سنة 808 ه و له ابن اسمه عجل بن نعير توفي سنة 816 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 484

و كان لهذه الإمارة شأن كبير وصيت ذائع و سلطة واسعة في جزيرة العرب. و ستأتي بقية حوادثهم في حينها من ناحية علاقتها بالعراق.

و من هذا تتعين درجة قدرة هؤلاء الأمراء و نفوذهم علي العشائر نفوذا كبيرا و لا يستغرب أن يداريهم الملوك المجاورون في العراق و سورية و يماشونهم في رغباتهم …

و في أيام المغول الأولي نظرا لقدرة الحكومة و قوتها لم يذكر للعشائر شأن أو لم تعرف لهم مكانتهم و في عهدها الأخير ضعفت فصارت تلجأ إلي السياسة العشائرية أو أنها لم تشعر بسطوتها آنئذ و طريق الاستفادة منها … و من ثم عادت العشائر

لميدان السياسة و صار يحسب لها وزنها …

وفاة هدية البغدادية:

هدية بنت علي بن عسكر البغدادية: اللبان أبوها، و الهراس جدها الصالحية ولدت سنة 626 ه و روت عن الزبيدي حضورا و عن ابن اللتي كثيرا و عن جعفر الهمذاني و غيرهم و كانت صالحة، كثيرة الصلاة تحولت إلي القدس إلي أن ماتت هناك في جمادي الأولي سنة 712 ه.

صاحب ماردين:

في هذه السنة في ربيع الآخر مات صاحب ماردين الملك المنصور غازي ابن المظفر قره ارسلان الأرتقي في عشر السبعين و دولته نحو عشرين سنة و ملك بعده ابنه العادل علي فعاش بعده سبعة عشر يوما و مات فملك أخوه الملك الصالح.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 485

حوادث سنة 713 ه (1313 م)

في الصيد:

في هذه السنة تصيد السلطان خربندا، و كان الصيد باليد و كان قد صاد صيدا لم يسبقه أحد إليه … و كان خربندا من الفرسان المعدودين، و الأبطال المشهورين … بقي أياما في الصيد بصحراء واسعة …

الطاعون:

في هذه السنة حدث الطاعون بالعراق خاصة. كذا قاله صاحب الدرّ المكنون في المآثر الماضية من القرون.

محمد بن أحمد بن شبل الحريري البغدادي:

مالكيّ. ولد سنة 647 ه و أسره التتار صغيرا فنشأ ببغداد و تفقه لمالك و كان كثير الاشتغال و الأشغال و أفتي و درس و عرض عليه نيابة الحكم فامتنع و قال: الشهادة أسلم. و مات في شعبان سنة 713 ه.

وفيات:
1- إسماعيل بن عثمان بن المعلم.
2- شمس الدين دوباج سلطان كيلان.

مات بقباقب من ناحية تدمر و نقل فدفن بقاسيون و عملت له تربة حسنة و عاش 54 سنة مات في طريقه للحج. و هذا هو الذي رمي قتلغ شاه في حرب كيلان بسهم فقتله و انهزم التتر و هلك قتلغ شاه علي الكفر و هو مقدم التتر في ملحمة شقحب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 486

3- توفي محتشم العراق القدوة شهاب الدين عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد بن الشيخ شهاب الدين السهروردي

و خلف نعمة جزيلة و كان عالما واعظا حدث عن جده. و سيمر بنا الكلام عن ولده في حوادث سنة 737 ه.

4- محمد بن محمود بن حسن الموصلي:

هو المعمر الصالح الزاهد. كان يقال إنه عاش 160 سنة. مات بمصر سنة 714 ه.

5- شمس الدين الجويني محمد ابن الكويك:

تاجر مشهور، له معروف و بر، و هو عم والد أبي جعفر و أبي اليمن المحدثين ولدي عبد اللطيف بن أحمد بن محمود مات في 28 ذي القعدة سنة 714.

6- عبد اللّه بن علي بن محمد بن محمود الكازروني ثم البغدادي

الشافعي الأديب جلال الدين بن ظهير الدين كان جده محمد أصوليا وجد أبيه محمود شيخا قدوة و ولد الجلال سنة 51 و تفقه و اشتغل و كان لغويا أديبا بارع الخط يكتب الكوفي و يذهّب و سمع أباه و عبد الصمد بن أبي الجيش، و كان إلي حسن تذهيبه المنتهي، و كان متصوفا خيرا حلو المحاضرة، و كف بصره في الآخر توفي بخانقاه الطاحون في رمضان سنة 714.

و قال في عقد الجمان، «البغدادي الكاتب، مات بدمشق و دفن بمقابر الصوفية، و كان له دكان بالجسر باللبادين و يذهّب المصاحف و الهياكل، و عنده أدب و أضرّ في آخر عمره و رتب صوفيا بخانقاه الطاحون و كان أبوه من عدول بغداد و أكابرها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 487

و من شعره:

قال لي صاحبي و قد بان شيبي بعذاري و بان مني شبابي

هصر الشيب منك غصنا نضيرا مستسرّا يانعا فلذ بالخضاب

قلت أن الشباب مع صدقه خان فماذا يرجي من الكذاب» اه

حوادث سنة 715 ه (1315 م)

الملك الصالح:

في هذه السنة سار الملك الصالح و اسمه صالح ابن الملك المنصور غازي ابن الملك المظفر قرا ارسلان صاحب ماردين إلي خدمة خربنده ملك التتر بالتقادم علي عادة والده فأحسن إليه خربنده. ثم عاد الملك الصالح المذكور إلي ماردين في جمادي الآخرة من هذه السنة.

جمال الدين آقوش:

و في هذه السنة أفرج السلطان عن جمال الدين أقوش الذي كان نائبا بالكرك ثم صار نائبا بدمشق و أحسن إليه و أعلي منزلته.

و جاء في الدرر الكامنة أنه تقلب في مناصب عديدة في سورية ثم عمل الناصر علي إمساكه ففر إلي ابن عيسي ثم إلي خربنده ملك التتار فأنعم عليه بأمرة همذان فأقام بها و ترددت إليه الفداوية مرات فلم يقدروا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 488

عليه إلي أن مات و قد أصابه الفالج بعد سنة 720 و كان فارسا بطلا عاقلا جوادا يحب الصيد و كان خليقا للملك لما فيه من المهابة و الحماية و كان خيرا عديم الشر و الأذي يكره الظلم و كان يعاشر أهل العلم …

قراسنقر:

و فيها: وصل قراسنقر إلي بغداد في رمضان هذه السنة و تقدم مرسوم إلي التتر الذين ببغداد و ديار بكر و تلك الأطراف بالركوب مع قراسنقر إذا قصد الاغارة علي بلاد الشام و كان خربنده مقيما بجهة موغان و أقام قراسنقر و قدم عليه بها فداوي و سلم قراسنقر.

و في مستهل المحرم سنة 716 توجه قراسنقر من بغداد إلي جهة خربنده.

غارة أمير العرب:

و في أواخر ذي القعدة أغار سليمان بن مهنا بن عيسي بجماعة من التتر و العرب علي التركمان و العرب النازلين قرب تدمر و نهبهم و أخذ لهم اغناما كثيرة و وصل في اغارته إلي قرب البيضاء بين القريتين و تدمر و عاد بما غنمه إلي الشرق و كثيرا ما كان يستعان بهؤلاء العشائر للتشويش و توليد الاضطراب في الجهة المقابلة أو المعادية لهم …

آل مرا:

إلي هذه السنة يسكنون سورية و إن رئيسهم نجاد بن أحمد بن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 489

حجي بن زيد ابن شبل امير آل مرا قد توفي و كانت وفاته في آخر هذه السنة. و استقر بعده في امرة آل مرا ثابت بن عساف بن أحمد بن حجي المذكور و بقي ثابت المذكور و توبة بن سليمان بن أحمد يتنازعان في الأمرة.

و لهؤلاء تنسب الوقعة المعروفة (بذبحة المرا) و هم فرقة من طيي ء و الإمارة كانت فيهم فانتزعها آل فضل من طيي ء أيضا.

وفيات:
1- كمال الدين موسي قاضي الموصل:

في هذه السنة في جمادي الأولي توفي موسي بن محمد بن موسي ابن يونس الإربلي القاضي كمال الدين (جمال الدين) ابن الرضي بن يونس تفقه ببلاده و ولي قضاء الموصل و هو من بيت كبير و كان فاضلا علامة. و حضر رسولا إلي الناصر من عند غازان و معه جماعة في معني الصلح فقري ء الكتاب و خطب خطبة بليغة و هو قائم بحضرة الناصر فأكرم و أعيد جوابه و جهز صحبته حماد الدين علي بن السكري خطيب الجامع الحاكمي …

2- الحسن بن محمد بن شرف شاه الحسيني:

الاسترابادي ركن الدين عالم الموصل كان من كبار تلامذة النصير الطوسي و كان مبجلا عند التتار، وجيها متواضعا حليما … تخرج به جماعة من الفضلاء و له شرح المختصر و المقدمتين جميع ذلك لابن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 490

الحاجب و شرح الحاوي شرحين. مات سنة 715 ه و كان من ابناء السبعين.

3- سنجر البغدادي:

هو مجد الدين الطبيب البغدادي غلام ابن الصباغ. كان ماهرا في صناعة الطب و ولي المستنصرية ببغداد و غير ذلك و مات في أوائل شعبان سنة 715 ه.

4- عبد اللّه بن إبراهيم بن سالم البغدادي، ثم المصري.

سمع علي الشمس بن العماد الحنبلي وحدث. مات في 12 صفر سنة 715 ه.

5- الإمام الشيخ أصيل الدين الحسن ابن الإمام نصير الدين محمد بن محمد بن محمد الطوسي البغدادي:

عالي الهمة، كبير القدر في دولة غازان. وصل مع غازان إلي الشام و رجع معه إلي بلاده، و لما تولي خربندا و وزر تاج الدين علي شاه قرب أصيل الدين إليه حتي ارضاه فولاه نيابة السلطنة ببغداد، ثم عزل و صودر. و كان كريما، رئيسا، منجما، عارفا، و كان له فهم و نظر في الأشعار، و صنف كتبا كثيرة، و كان فيه خير و شر، و ظلم و جور. مات ببغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 491

حوادث سنة 716 ه (1316 م)

عزل الوزير تاج الدين علي شاه:

لما قضي علي الوزير سعد الدين نال الوزارة تاج الدين علي شاه و قد اشترط أن لا يخرج عن رأي الوزير الخواجة رشيد الدين … و كان المأمول أن يتم الصفاء بين هذين الوزيرين فقد خلا الجو لهما و نجا كلاهما من أكبر عدو، مزاحم لهما … إلا أن الحوادث الماضية بعد قتلة سعد الدين برهنت علي أن تاج الدين علي شاه لم يكن قد تخلص من سلفه إلا لأمر الوقيعة بالآخر و ليخلو له الأمر و يستقل بالإدارة …

فالحرص يبلغ بالمرء أكثر من هذا و لم تقف الآمال عند حد محدود فصار يعادي متفقه بالأمس و ينصب له الحيل و الخدع للوقيعة، و يتوسل بأنواع الوسائل للوصول إلي غرضه …

و كذا زوجة المقتول سعد الدين لم تقف عند المصاب و إنما كانت تتحين الفرص و تترقب حصول الخلل لتثأر من الوزير الخواجة رشيد الدين كما أشير إلي ذلك فيما مرّ و استخدمت كل ما في وسعها بجد و نشاط و يقال هي في الأصل يهودية و امرأة فتانة فلم تدع طريقا إلا ولجته. و كان جل معولها أن تري ما يحدث بين الوزراء من برودة أو

نفرة، أو تصادم في المطالب و اختلاف في الأهواء … و كانت تستعين بامري ء آخر كان يهوديا فأسلم و هو أحد أطباء البلاط نجيب الدولة … فكانوا جميعا يسعون في أن يشعلوا الجذوة و يزيدوا في الفتنة … و أساسا نري تاريخ المغول مملوءا من حوادث الخدع و غالبها ينسب إلي اليهود و تسويلاتهم و ألعابهم في هذه الحكومة باطنا و ظاهرا سواء في أيام الجايتو أو في زمن ابنه أبي سعيد فقد كان نفوذهم واسع النطاق جدا …

و يقال إن الخواجة رشيد الدين كان قد استخدمهم لصالحه في بادي ء الأمر و نكل بخصومه الأولين و قضي بهم لوازمه فكانوا القاضية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 492

عليه لحد أن بعضهم نظرا لاستخدامه لهؤلاء اليهود و اعتماده عليهم في أموره … عده منهم و اعتبره يهودي الأصل … و هكذا وجدنا في ابن بطوطة ما يؤيد هذه الفكرة و أخذ بتيارها و كان آنئذ اعداؤه القابضين علي زمام الأمور (اصحاب الكلمة) فقد قال إنه من مهاجرة اليهود.

و علي كل حال إن تاج الدين نصب نفسه لمخالفة الخواجة رشيد الدين و معارضته و علي ما جاء في حبيب السير أنه لم يبق له سلطة رغم ما بذل الخواجة له من المساعي و المناصرة … فلما رأي الوزير رشيد الدين أن قد عادت الوسائل لا تنجع و أن الأمور قد اضطربت و انحل ما بينهما … شكاه للسلطان و من ثم صدر الأمر بعزله و ذلك في سنة 715 ه فعزل إلا أنه لم تدم مدة عزله فأعيد بعد قليل إلي الوزارة و أيضا عاد الخلاف بل زاد فأراد السلطان أن يؤلف بينهما و فرق الوظائف بين

الاثنين و عين لكلّ ما يجب أن يقوم به فجعل الوزارة مشتركة فكانت الإدارة للخواجة و المالية للآخر … فاستعاد نفوذه رغم قوة خصومه أمثال طوقماق و الوزير رشيد الدين … و هذه أيضا كانت من أكبر الغوائل التي مرت علي الخواجة و كم كان يتمني لو قبل استعفاؤه و عاش منزويا و مجردا عن كل ما ملك …!

و علي كلّ لم ينته الخلاف بعودته و لا زال تاج الدين علي شاه مخالفا الوزير رشيد الدين و لا يلتفت إلي أقواله و إنما يعمل الأعمال من تلقاء نفسه … و دام ذلك ما بينهما إلي أيام وفاة الجايتوخان (محمد خدابنده).

وفيات:
1- محمود الأصم:

ابن محمد بن محمد بن عبد المؤمن المدايني

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 493

البغدادي ثم الصالحي سبط الشيخ أبي عمرو. سمع علي أحمد بن المفرج (فرج) و البلخي و المرسي و غيرهم و أجاز له أحمد بن يعقوب المرستاني و إبراهيم بن عثمان الكاشغري و ابن القبيطي و غيرهم. مات في 26 شعبان سنة 716 ه.

امراء العرب في سورية:

في 22 ربيع الأول من هذه السنة وصل إلي حماة من ديار مصر الأمير بهاء الدين ارسلان الدواداري و أوقع الوصية علي أخبار آل عيسي. ثم استقرت الوصية علي خبر مهنا و محمد ابني عيسي و أحمد و فياض ابني مهنا المذكور … و سار إلي مهنا و اجتمع به علي مربعة و هي منزلة تكون يوما تقريبا من السخنة يوم الاثنين سلخ ربيع الأول من السنة المذكورة و تحدث معه في انقطاعه عن التتر و لم ينتظم حاله فعاد الأمير بهاء الدين المذكور إلي دمشق ثم عاد إلي موسي بن مهنا بالقرب من سلمية ثم عاد إلي دمشق و توجه هو و فضل بن عيسي إلي الأبواب الشريفة و استقر فضل اميرا موضع أخيه مهنا و وصل إلي بيوته بتل اعدا في اوائل جمادي الأولي من هذه السنة.

و من هذه الحادثة تعرف درجة الاهتمام بالعرب و الخوف من أن يميلوا مع التتر. و قد أدرك سلاطين التتر هذه الجهة و سبقوا بها أمراء سورية في تقريب هؤلاء العشائر خوف أن تتولد أمور تؤدي إلي ما لا يحمد …

شريف مكة في العراق:

و في هذه السنة قصد حميضة بن أبي نمي خربندا مستنصرا في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 494

أعادته إلي ملك مكة و دفع أخيه رميثة فجرد خربندا مع حميضة و الدرفندي و هو النائب علي البصرة و جرد معه جماعة من التتر و عرب خفاجة …

و قد جاء عن عرب خفاجة هؤلاء في ابن بطوطة أنهم كانت بيدهم سلطة الكوفة و الأنحاء المجاورة لها هناك … (ص ج 1 منها) و لا تزال مواطنهم حتي الآن قريبة من تلك الأنحاء أي القسم الكبير منهم في لواء

المنتفق.

و كان والدهما الشريف أبو نمي محمد بن أبي سعد حسن بن علي ابن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسي بن حسين بن سليمان بن علي بن الحسن بن عليّ (رضي اللّه عنهم) قد توفي سنة 701 ه و اختلفت أولاده و تنازعت السلطة و هم رميثة و حميضة و أبو الغيث و عطيفة و كان النزاع علي إمارة مكة قائما و تدخلات الحكومة المصرية مستمرة و أول علاقة للعراق بهم من ناحية التدخل في الإمارة الوقعة السابقة … و كان والدهم توفي و هو من ابناء السبعين. قال الذهبي كان اسمر ضخما شجاعا سايسا مهيبا ولي 40 سنة قال لي الدباهي لولا أنه زيدي لصلح للخلافة لحسن صفاته …

و في عقد الجمان:

«كان حميضة قد التجأ إلي خربندا و طلب منه جيشا يغزو به مكة و ساعده جماعة من الروافض و كان قد عين مقدما اسمه الدلقندي و عين معه أربعة آلاف فارس، و عولوا أنهم إذا ملكوا مكة يروحون إلي المدينة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 495

و يتعرضون إلي نبش قبر أبي بكر و عمر (رض) و شاع ذلك، و اغتم أهل السنة، و أن الأمير محمدا بن عيسي أخا مهنا جمع عسكرا من العربان و قصد المقدم المذكور و كبسه فكسر عسكره و نهبهم و شتت شملهم و ذلك في ذي الحجة و أخذ القوس و المعاول التي كانوا هيأوها لنبش الشيخين» ا ه.

و زاد أن الفاطمية أيام الحاكم حاولوا نقل نعش الرسول صلّي اللّه عليه و سلّم فلم يفلحوا كذا روي عن تاريخ بغداد في ترجمة أبي القاسم عبد الحليم بن محمد المغربي الزاهد …

وفاة السلطان محمد خدابنده (الجايتو) في غرة شوال سنة 716 ه
اشارة

وفاة السلطان: جاء في أبي الفداء أنه توفي في السابع و العشرين من رمضان و في تاريخ كزيدة في غرة شوال سنة 716 ه و أنه توفي بمرض الهيضة في آخر رمضان كما في الشذرات. و قد اتهم الخواجة رشيد الدين وزيره بقتله لكونه أعطاه علي هيضته مسهلا فتقيأ فخارت قواه …

ترجمته:

أصل اسمه الجايتو و قد مرّ من الوقائع السابقة ما يبصر بترجمته … جلس في 15 ذي الحجة سنة 703 ه و كان يخشي من ابن عمه الأفرنك أمير هورقوراق (هورقودان) … و من حين استقراره في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 496

السلطنة سعي لإذاعة الإسلامية في المغول فصاروا يدخلون أفواجا و جعل لليهود و النصاري غيارا (خالف لباسهم) …

و أما حروبه الداخلية و الخارجية فقد أشير إليها و علاقته مع مصر قد أوضحت كما أن عماراته قد مضي الكلام عليها …

و أهم ما في الأمر أن نائبه كان الأمير چوبان و ذلك بعد قتلة قتلغ شاه. و أما وزيره فهو الخواجة رشيد الدين و أشرك معه الخواجة سعد الدين. و هذا قتل فصار مكانه تاج الدين علي شاه و قد داخلت هؤلاء الوزراء منافسات و أصاب كلّا الحرص للقضاء علي الآخر و استفادة من هذا الخلاف لعب اليهود أو من كان يهوديا أدوارا هامة فصار كلّ يستخدمهم للوقيعة بصاحبه و من هؤلاء الذين كانوا يهودا زوجة الخواجة سعد الدين فلم تدخر وسعا للاستفادة من الخلاف و الانتقام لزوجها من الخواجة رشيد الدين … و أما هذا فقد استعان بهم بكثرة … و هكذا يقال عن طبيب البلاط نجيب الدولة الذي ركنت إليه زوجة الخواجة سعد الدين … و من ثم عزل

تاج الدين علي شاه عام 715 ه و لم تطل مدة نكبته فأعيد و قد أمر السلطان عزل تاج الدين علي شاه عام 715 ه و لم تطل مدة نكبته فأعيد و قد أمر السلطان في تفريق المهام بين الوزيرين و أن لا يقطع علي شاه امرا دون مشاورة الخواجة رشيد الدين و مع هذا لم يحصل اتفاق و دام خلافهم إلي أن توفي السلطان …

و دفن في دار الملك في المحل المعد له و هو (أبواب البر) و كان بناه لهذا السبب.

و العراق في هذه الأيام استفاد من استقرار الإدارة و جريان الأمور

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 497

علي و تيرة واحدة أي أنه عرف ما يؤخذ منه في كل سنة و ما عليه من الضرائب فصار يؤديها … و لا تضره التبدلات الإدارية …

و جاء في الدرر الكامنة عنه أنه ولد سنة نيف و سبعين و كان جميل الوجه إلا أنه أعور و كان حسن الإسلام لكن لعبت بعقله الإمامية فترفض … و حاصر الرطبة سنة 712 ه …

و في ابن الوردي:

«و فيها- سنة 716 ه- و صلت الأخبار بموت خربنده و اسمه خدابنده محمد بن ارغون … ملك العراق و خراسان و عراق العجم و الروم و أذربيجان و البلاد الإيرانية و ديار بكر و جاوز الثلاثين من العمر و كان مغري باللهو و الكرم و العمارة أقام سنة في أول ملكه سنيا ثم ترفض إلي أن مات و جرت فتن في بلاده بسبب ذلك و دفن في مدينته التي انشأها السلطانية الغياثية.» ا ه.

و قد ترجمه صاحب عقد الجمان بترجمة مفصلة قال:

«في هذه السنة- 716 ه- توفي خربندا و لقبه السلطان غياث الدين … و لما أسلم تسمي بمحمد و لهذا سمي أولاده بأسماء المشايخ. و اسمه الأصلي الذي هو بلغة المغل فهو (ابجيتو) أو (انجيتو). و كان أول حكومته أظهر الإسلام، و اقتدي بالكتاب و السنة، و كان يحب أهل الدين و الصلاح، و ضرب علي الدراهم و الدنانير اسماء الصحابة الأربعة أبي بكر و عمر و عثمان و علي (رض) و بقي كذلك مدة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 498

طويلة، ثم اجتمع به السيد تاج الدين الأوي فحرفه عن مذهب أهل السنة و صيّره رافضيا، و سيّر إلي سائر ممالكه يأمرهم أن لا يذكروا في خطبهم إلا اسم عليّ و ولديه (رض)، فوقع بسبب ذلك في مملكته حروب و فتن ملك فيها طوائف كثيرة و ثارت أحقاد قديمة، و ضرب علي الدنانير و الدراهم اسماء الائمة الاثني عشر، و بقي علي مذهب الروافض مدة تسع سنين. فلما كانت سنة وفاته رجع إلي مذهب أهل السنة و كتب إلي سائر ممالكه بذلك. قال النويري: و كان خربندا قبل موته بسبعة أيام قد أمر بإشهار النداء أن لا يذكر أبو

بكر و عمر (رض) و عزم علي تجريد ثلاثة آلاف فارس إلي المدينة النبوية لينقل أبو بكر و عمر (رض) من مدفنهما فعجل اللّه بهلاكه. و الصحيح ما قاله غير النويري.

و كان خربندا كثير العبث بالغلمان الحسان و بالطرب، و بلغ من شدة ميله إلي الصور الحسان أنه كان أي من رآها من محارمه و أعجبته تزوجها، و أي من سمع بها أخذها من زوجها، و أي من سمع به من أولاد الناس أخذه، يفعل ذلك في سائر بلاده طوعا، أو كرها، و يتمتع، و كان يحب أفعال المصارعين، و الملاكمين، و يلعب بالقرد، أو الدب، و من يتمسخر، و كان كريما جدا يصنع له كل يوم اربعمائة بندقية من الذهب يرمي بها علي الناس بقوس البندق فأي من أصاب منها شيئا انتفع به.

و ذكر حسن الإربلي أن خربندا بني في دار المملكة بالمدينة السلطانية بيتا لطيفا و سماه الجنة، اتخذ لبنة من ذهب و لبنة من فضة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 499

مرقد الجايتو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 500

و طول هذا البيت خمسة أذرع بذراع النجار و عرضه أيضا كذلك، و الارتفاع عشرة، و طول اللبنة شبر، و عرضها اصبعان، و أجري في وسطه أربعة أنهار، نهر من لبن. و نهر من عسل، و نهر من خمر، و نهر من ماء، و جعل فيه خمسة أشجار، طول كل شجرة ثلاثة أذرع، مصنوعة هي و ثمارها، أصلها من ذهب و ثمارها من نفيس الجواهر و اللؤلؤ الكبار، و جعل في هذا القصر من البنات الحسان، المختارات من سائر مملكة المغل اثنتين و أربعين بنتا، و أضاف إليهن من الغلمان الفائقين في الجمال

اثنين و أربعين غلاما، و كان يلبسهم القماش الرفيع الخاص و يأمرهم فيلعبون بين يديه بالنرد و الشطرنج، و تارة يتصارعون، و تارة يرمون بالنشاب، و تارة يسبحون، و تارة يتهارشون، و يقبل بعضهم بعضا، و تارة يغنون بين يديه بأنواع الملاهي، و يرقصون رقصا عجيبا، فمن أعجبه منهم في شي ء من هذه الحالات جذبه إليه، و قضي منه و طره.

مات في 20 رمضان هذه السنة (716 ه) بمدينة السلطانية في أرض قنغرلان بالقرب من قزوين، و قيل إنه مات مسموما، و إن الذي اغتاله شخص من أمرائه يسمي دقماق و إن الباعث له علي ذلك أنه بلغه أن خربندا تعشق امرأته و تولع بها، و غير بذلك بعض خداشينه فاتفق مع امرأته علي اغتياله بسمّ و به كان مماته، و عرف بذلك الكبرك.

و لما جلس ابنه أبو سعيد بعده أعلموه بما كان منهما فقتلهما، و كانت مدة ملكه 14 سنة و لما مات كان عمره (32) سنة تقريبا، و قيل إن خربندا حين مات راسل چوبان الملك ازبك ملك البلاد الشمالية يحسّن له التوجه إليه ليتسلم الملك فأبي.» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 501

وفيات:
الطوفي البغدادي:

و في هذه السنة توفي نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطوفي الصرصري ثم البغدادي الحنبلي الأصولي المتفنن ولد سنة بضع و سبعين و ستمائة بقرية طوفا من أعمال صرصر ثم دخل بغداد سنة 691 ه و قرأ العلوم و سمع الحديث و سافر إلي دمشق سنة 704 و لقي ابن تيمية و المزي و البرزالي.

ثم سافر إلي مصر سنة 705 ه و أقام بالقاهرة مدة و صنف تصانيف كثيرة

منها الاكسير في قواعد التفسير. و الرياض النواظر في الأشباه و النظائر، و بغية الواصل إلي معرفة الفواصل و شرح مقامات الحريري في مجلدات و غير ذلك و كان شيعيا و صنف كتابا سماه الفراط الواصب، علي أرواح النواصب، و له من قصيدة في الإمام علي (رض):

كم بين من شك في خلافته و بين من قيل إنه اللّه

حوادث سنه 717 ه (1317 م)

السلطان أبو سعيد بهادر خان
سلطنة أبي سعيد:

لما مات السلطان الجايتو (محمد خدابنده) ولي بعده ابنه أبو سعيد بهادرخان و هو إن عشرين سنين و استولي علي الإدارة الأمير چوبان ابن الملك تناون و كان السلطان ملكا فاضلا كريما و لما ملك كان شابا أجمل خلق اللّه صورة لا نبات بعارضيه … و مدة صباه لم يحصل له

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 502

من السلطان إلا الاسم و السكة و الخطبة … فكان الآمر الناهي الأمير چوبان و أولاده و نوابه … و كان حين وفاة والده جاء من خراسان إلي السلطانية هو و الأمير سونج و بحكم وصية والده أجلس علي سرير الملك في صفر سنة 717 ه.

دعي إلي السلطانية و كان هذا التردد في تأخير إعلان سلطنته ناشئا من الاختلاف علي تعهد الوصاية عليه و النزاع في النيابة عنه بين الأمير سونج و بين الأمير چوبان. فتأخر جلوسه لذلك. ثم إنهم اتفقوا و أخرجوا استقطالو عنهم و جهزوه إلي خراسان و كان قد تحرك علي خراسان التتر الذين بخوارزم و ما وراء النهر و قيل إن ملكهم باشو.

و جاء في عقد الجمان نقلا عن بيبرس في تاريخه: «لما توفي خربندا أرسل الأمراء و الأكابر إلي ولده الاكبر المسمي بأبي سعيد فأحضروه و أجلسوه علي تخت مملكة أبيه في 13 ربيع الأول

سنة 717 ه و هو مشتغل بالكتاب و السنة فإن والده عدل عن آراء الكفار و ترك اسماء التتار و اسمي أولاده بأسماء الصالحين … ا ه.

و في الحقيقة لم ينل السلطنة إلا بعد قضائه علي الأمير چوبان و أولاده و من ثم ولي زمام الأمور و صار يدبر شؤون المملكة مباشرة كما سيأتي مفصلا في الوقائع التالية …

شريف مكة و البصرة:

جاء في عقد الجمان عن هذه الوقعة ما مر بيانه في حوادث سنة 716 ه و جاء في أبي الفداء عنها و عن ذيولها ما نصه:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 503

«كان السلطان خدابنده قد جهز حميضة و جهز معه الدرفندي (الدلقندي) نائب السلطنة بالبصرة و جهز معه عسكرا و خزانة ليسير الدرفندي بالعسكر مع حميضة ليملكه مكة المكرمة بدل أخيه رميثة فسار الدرفندي و حميضة و من معهما من عسكر التتر و العرب حتي جاوزوا البصرة فبلغهم موت السلطان خدابنده فتفرقت تلك الجموع و لم يبق مع الدرفندي غير ثلثمائة من التتر و أربعمائة من عقيل عرب البصرة. و كان استولي علي البصرة ابن السوابكي فأرسل استوحي محمد بن عيسي علي الدرفندي فجمع محمد بن عيسي عربه من خفاجة و عرب إخوته و أولاد إخوته و سار إلي الدرفندي فأحرز له بالقرب من البصرة و اتقع معه في العشر الأخير من ذي الحجة من ستة 716 ه فانهزم الدرفندي في بضع و ثلاثين نفسا من ألزامه و انهزم حميضة برقبته و أخذ حريم حميضة و ما كان معه من الأموال و كذلك الخيام و الأثقال و الجمال و كان ذلك شيئا عظيما و فيها هرب التركمان (التراكمة) و الكنجاوية إلي حكومة سورية و فارقوا

التتر فسارت التتر في طلبهم فأنجد الكنجاويين عسكر البيرة و اتقعوا مع التتر فانهزم التتر هزيمة قبيحة و أسر منهم نحو خمسين من المغول و قتل منهم جماعة و وصل الكنجاوية إلي سورية سالمين بذواتهم و حريمهم …» ا ه.

التتار- الشام:

في أواخر شعبان هذه السنة قطع جماعة من التتار الفرات إلي جهة الشام و في 6 رمضان وصل منهم طاطي و معه جماعة إلي دمشق و منها ذهبوا إلي مصر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 504

محمد بن عيسي:

و في هذه السنة أيضا التجأ محمد أخو مهنا بن عيسي مخبرا باستمرار أخيه علي الطاعة، و أنه لم يقم ببلاد الشرق فرد السلطان (سلطان سورية) عليه أمرته …

و هذه لا تخلو من علاقة بما مر … و نري الأمور مضطربة بين سورية و العراق فلم تستقر و لذا نجد الاشاعات بالغة حدها …

روضة أولي الالباب في تواريخ الأكابر و الأنساب (تاريخ مغولي)

في هذه السنة (سنة 717- 1317 م) في 25 شوال منها قدم فخر الدين أبو سليمان داود بن أبي الفضل محمد التباكتي كتابه هذا للسلطان أبي سعيد. و يعرف ب (تاريخ التباكتي) و هو خلاصة تاريخ الخواجة رشيد الدين إلا أنه يحتوي مطالب مهمة و نافعة عن الخطا (الصين) و الهند و اليهود و القياصرة … و هو تسعة أبواب، ترجمت بعض أقسامه إلي اللاتينية … و أهم ما فيه يخص عصر المغول وصل به إلي أيام السلطان أبي سعيد. و من هذا الكتاب نسخة في مكتبة عاثر افندي باستانبول مرقمة 254 و أخري في اياصوفية برقم 3026 و قد رأيتها و تحتوي تسعة أقسام:

«1» في الأنبياء. «2» في ملوك الفرس و معاصريهم، «3» في نسب الرسول صلّي اللّه عليه و سلّم و الخلفاء الراشدين إلي آخر بني العباس. «4» في السلاطين أيام بني العباس. «5» في اليهود و ملوك بني اسرائيل. «6» في تاريخ النصاري و الافرنج. «7» في تاريخ الهنود. «8» في تاريخ جنگيز و نسبه و خروجه و استيلائه علي الممالك الايرانية و شعب أولاده إلي يومه الذي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 505

كتب فيه هذا التاريخ.. و في خلال سطوره يحكي الاستيلاء علي بغداد و هكذا يمضي إلي وقائع العراق و غيره و في آخره يتكلم

علي سلطنة أبي سعيد و ذهابه إلي السلطانية و في الخاتمة يذكر مناقبه. و النسخة التي شاهدتها مؤرخة 27 ربيع الآخر سنة 746 ه … و سنذكر ترجمة المؤلف في حوادث سنة 730 ه …

وفيات:
1- ابن قاضي الموصل:

في هذه السنة- و قال ابن شهبة في التي قبلها- توفي يوسف ابن محمد بن موسي بن يونس بن منعة كمال الدين أبو المعالي بن بهاء الدين بن كمال الدين بن رضي الدين بن قاضي الموصل. انتهت إليه رياسة إقليمه و شرح الحاوي و قدم رسولا من غازان علي الملك الناصر فأكرمه و ظهر له من الحشمة و المهابة ما يليق ببيته و أصالته مات بالسلطانية.

2- الشيخ مجد الدين موسي الإربلي:

هو ابن أحمد بن محمد بن علي المنذري ولد في شعبان سنة 645 ه و تفقه و تعاني الأدب و النظم.

مات سنة 717 ه.

3- عبد الرحمن بن إبراهيم بن قنينو:

بدر الدين الإربلي الأديب أبو محمد كان مشهورا بالبلاغة و حسن النظم مدح الملوك و تعاني التجارة مات سنة 717 و له سبعون سنة و هو القائل:

و غريرة هيفاء باهرة السنا طوع العناق سقيمة الأجفان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 506

غنت و ماس قوامها فكأنها الورقاء تسجع في غصون البان

و له كتاب خلاصة الذهب المسبوك المختصر من سير الملوك لابن الساعي. طبع هذا الكتاب في بيروت و مر النقل عنه في ترجمة الخليفة المستعصم … و فيما مضي كان قد ذكر أنه قنيتو و لكنه في عقد الجمان ورد بلفظ قنينو …

حوادث سنة 718 ه (1318 م)

فضل بن عيسي أمير العرب- البصرة:

في أوائل هذه السنة سار فضل بن عيسي إلي السلطان أبي سعيد و إلي الأمير چوبان إلي بغداد و اجتمع بهما و أحضر لهما تقدمة من الخيول العربية فأقبل الأمير چوبان عليه و أعطي فضلا المذكور البصرة و استمرت له اقطاعاته التي كانت له بالشام بيده مع البصرة و أقام فضل عندهما مدة و اجتمع بقراسنقر هناك ثم عاد إلي بيوته و بعد مسير فضل عنهما سار السلطان أبو سعيد و الأمير چوبان عن بغداد إلي السلطانية (قنغرلان). و هكذا يفعل السلطان يجي ء في الغالب إلي العراق شتاء ليقضي أيام البرد في بغداد و يذهب إلي السلطانية صيفا …

قتلة الوزير الخواجة رشيد الدين و ابنه عز الدين:

قتلة الوزير الخواجة رشيد الدين و ابنه عز الدين:

هذا الوزير كان عضد الحكومة الأيمن و تدابيره صائبة و آراؤه سديدة إلا أن المزاحمات و المنازعات علي الوزارة و الحرص الزائد عليها مما أودي بالوزير الخواجة سعد الدين و جعل موقفه حرجا لمن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 507

ولي بعده و هو تاج الدين علي شاه و صار يتوسل بالوسائل اللازمة للقضاء علي مناوئيه لحد أنه بعد أن قضي علي الخواجة سعد الدين رأي أن تاج الدين علي شاه من أكبر المعارضين له فنصب نفسه لمقاومته و اتخذ كل ما يجب من تدابير للقضاء عليه … فعزل تاج الدين علي شاه عام 715 ه إلا أنه لم يلبث كثيرا و إنما أعيد إلي موقعه بعد مدة و جيزة و ذلك أنه نال مقاما رفيعا و صار بيده الحل و العقد و من حسن الصدف المساعدة له أن توفي الجايتو خان الذي كاد يقضي علي الخواجة رشيد الدين بل إنه أصدر فرمان القتل إلا أنه برجاء و

التماس من نفس تاج الدين علي شاه عفا عنه السلطان … و قد سنحت للخواجة رشيد الدين الفرصة للتنكيل بعدوه استفادة من اتصاله بالأمير چوبان و مع هذا لم يشأ الوقيعة رغم أن أكابر الرجال ركنوا إليه مثل ضياء الملك و الخواجة عز الدين القوهدي و الخواجة علاء الدين الهندي و استعانوا به و حضوه علي ذلك فقابلهم ببرودة و تؤدة و لعل طعنه في السن هو السبب في عدوله عن القضاء عليه فمال المذكورون إلي تاج الدين علي شاه و صاروا علي الخواجة رشيد الدين و أساسا استمال القوم الأمير چوبان …

ذلك ما دعا أن يغيروا السلطان عليه و أغروه للوقيعة به فخسرت الحكومة أكبر مدبر و رجل قدير من رجالها فقتل و ابنه الخواجة عز الدين في 17 جمادي الأولي سنة 718 ه فصفا الجو لتاج الدين علي شاه و استقل بالأمر خصوصا بعد وقعة الأمير چوبان. اختلقوا عليه أنه سم السلطان الجايتو بمناسبة أنه طبيب … لحد أن السلطان أبا سعيد و الأمير چوبان اعتقدوا صحة ذلك و من ثم كثرت التقولات و الإشاعات عليه من جانب خصومه و إذاعاتهم و حينئذ جلبوا طبيب السلطان في ذلك الوقت و هو جلال الدين ابن الحزان الطبيب اليهودي طبيب خربندا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 508

فاستجوبه و استطلع رأيه فقال إن السلطان كان فيه قي ء و إسهال و كان من رأي الأطباء و هو منهم ان يعطي له دواء قابض أما الخواجة رشيد الدين فكان من رأيه أن هذا نتيجة امتلاء المعدة، و المسهل يفيدها أكثر و علي هذا و بسبب الانطلاق توفي السلطان.

و علي هذا حكم بقتل الخواجة رشيد الدين و أرسل

رأسه إلي تبريز و صاروا يطوفون به و يلعنونه و يقولون إن هذا رأس يهودي بدل كلام اللّه لعنه اللّه …

و الحاصل قد اختلفت عليه هذه القضية و كان أصل مبدئها تاج الدين علي شاه … و كذا يقال عن دعوي أنه من أصل يهودي فهذا إنما كان من الخواجة سعد الدين ثم تاج الدين بسبب تشنيعاتهم عليه …

و عن هؤلاء نقلها القاشاني في تاريخ الجايتو و مثله في الدرر الكامنة.

و علي كل حال كان من أشهر الوزراء و الأطباء و العلماء و خلد ذكري عظيمة في تاريخه الذي لا تزال بقاياه موجودة و قد وصفناه أثناء الكلام علي المراجع التاريخية … و مؤلفاته في الطب و العلوم الأخري كثيرة أودع اسماءها في مقدمة كتابه جامع التواريخ … و له الخانقاه المعروف بالربع الرشيدي.

و دون أن نمضي وجب أن نقول أنه قد ذكر وفاته جماعة من المؤرخين قال في الشذرات:

«و فيها- سنة 717 ه- توفي الرشيد فضل اللّه بن أبي الخير الهمداني الطبيب كان ابوه يهوديا عطارا فاشتغل هذا في المنطق و الفلسفة و أسلم و اتصل بغازان و عظم في دولة خربندا بحيث إنه صار في رتبة الملوك قام عليه الوزير علي شاه بأنه هو الذي قتل القاآن خربندا لكونه اعطاه علي هيضته مسهلا فتقيأ فخارت قواه فاعترف و برطل چوبان بألف ألف دينار فما نفع بل قتل هو و ابنه. و كان يوصف بلين و لطف و سخاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 509

و دهاء، فسر القرآن العظيم فشحنه بآراء الأوائل، عاش نيفا و سبعين سنة و قيل بل كان جيّد الإسلام و هو والد الوزير المعظم محمد بن الرشيد و كان

وزير التتار و مدبر دولتهم.» ا ه.

و جاء في الدرر الكامنة:

«فضل اللّه بن أبي الخير بن غالي الهمذاني الوزير رشيد الدولة، أبو الفضل، كان أبوه عطارا يهوديا فأسلم هو و اتصل بغازان فخدمه و تقدم عنده بالطب إلي أن استوزره. و كان يناصح المسلمين و يذب عنهم و يسعي في حقن دمائهم، و له في تبريز آثار عظيمة من البر و كان شديدا علي من يعاديه أو ينتقصه، و كان متواضعا، سخيا، كثير البذل للعلماء و الصلحاء، و له تفسير علي القرآن فسره علي طريقة الفلاسفة فنسب إلي الالحاد، و قد احترقت تواليفه بعد قتله، و كان نسب إلي أنه تسبب في قتل خربندا ملك التتار فطلبه چوبان إلي السلطان علي البريد فقال له أنت قتلت القاآن فقال معاذ اللّه أنا كنت رجلا عطارا، ضعيفا بين الناس فصرت في أيامه و أيام أخيه متصرفا في الممالك ثم احضر الجلال الطبيب ابن الحزان اليهودي طبيب خربندا فسألوه عن موت خربندا فقال اصابته هيضة قوية انسهل بسببها ثلثمائة مجلس و تقيأ قيئا كثيرا فطلبني بحضور الرشيد و الأطباء فاتفقنا علي أن نعطيه أدوية قابضة مخشنة فقال الرشيد هو إلي الآن يحتاج إلي الاستفراغ فسقيناه برأيه مسهلا فانسهل به سبعين مجلسا فسقطت قوته فمات. و صدقه الرشيد علي ذلك فقال الچوبان للرشيد فأنت قتلته و أمر بقتله فقتل و فصلوا أعضاءه و بعثوا إلي كل بلد بعضو و أحرقوا بقية جسده و حمل رأسه إلي تبريز و نودي عليه هذا رأس اليهودي الملحد. و يقال إنه وجد له ألف ألف مثقال و كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 510

موته بعد موت خربندا … و قال البرزالي في ترجمته كان حسن

البراعة، و طبيبا صادقا، و استوزره خربندا و غازان و تعسف بعلمه و حكمه في الممالك و بني عدة من الخوانك و المدارس و كان له من الأموال من كل جنس و نوع الكثير سوي مآكله فبصفات معروفة عاش نحوا 80 سنة. قال الذهبي كان له رأي و دهاء و مروءة. و كان الشيخ تاج الدين الأفضلي يذمه و يرميه بدين الأوائل و قدر عليه فصفح عنه و بالجملة كانت له مكارم و شفقة و بذل و تودد لأهل الخير …

و في ابن الوردي: قتل رشيد الدولة طبيب خربندا اتهمه چوبان بأنه غش خربندا في المداواة و قطع رأسه و سيره إلي تبريز و أحرقت جثته و استأصلوا أملاكه و أمواله و جواهره و اختلف في طويته فقال الشيخ تاج الدين الأفضل التبريزي قتل الرشيد أعظم من قتل مائة ألف من النصاري و قال قاضي الرطبة رأيت منه شفقة علي أهل الرطبة و سعيا في حقن دمائهم يعني أيام حصارها و إنما كان يتبع أعداءه صالحين كانوا أو فسقة» ا ه.

و في عقد الجمان جاء عنه:
اشارة

«أبو الفضل رشيد الدولة، فضل اللّه بن أبي الخير بن غالي الهمذاني الطبيب، كان أصله يهوديا من يهود همذان، ثم أسلم و هو شاب ابن ثلاثين سنة، و خدم بالطب ابغا ملك التتار، فلما صار الملك إلي ارغون بن ابغا لازمه رشيد الدولة، و ما زال يخدم ملكا من ملوك التتار حتي جاء خربندا فكان عنده في أعلي المنازل، و خيره أن يكون وزيرا فأبي و اختار أن تكون وظيفته تخيير الوزراء فاستخدم سعد الدين الساوجي عنده ثم سعي به حتي قتله، و رتب له علي تعيين الوزراء كل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1،

ص: 511

سنة مائة تومان (و التومان عشرة آلاف دينار، كل دينار ستة دراهم)، ثم إن خربندا ضعف فأسهله رشيد الدولة اسهالا مفرطا فمات، و تولي بعده ابنه أبو سعيد فضرب عنق رشيد الدولة بعد مدة سنة و ثمانية أشهر من موت أبيه و ذلك في شهر جمادي الأولي و هو في عشر الثمانين، و ضبطت ضياعه فكانت أربعة آلاف ضيعة مفرقة في ملك التتار، و أما أملاكه فكان عددها في ستة عشر ألف موضع ما بين دكان و دار و بستان، و خلف ما يزيد علي خمسين ألف كتاب.

قال الشيخ شمس الدين الاصفهاني: و له من التصانيف (كتاب شرح فصول ابقراط)، و (كتاب شرح مقامة العارفين)، و (كتاب في الفلاحة)، و (كتاب تاريخ جمع فيه أخبار الدولة التتارية) و ذكر فيه فروع انسابهم و أجناس قبائلهم، و جعله مشجرا، و من ولي الملك منهم من أيام نوح (ع) إلي أيام خربندا، و (كتاب تاريخ آخر) ذكر فيه اخبار الأمم من الصين و الخطا و الترك و الفرنج و القبط و اليونان و الروم و الفرس و العرب إلي غير ذلك و سماه (كتاب الرسائل الرشيدية)، و (كتاب التعليقات الطبية)، و (كتاب مفتاح التفاسير)، و (كتاب المباحث السلطانية)، و (كتاب شرح المحصل في ثلاث مجلدات)، و (كتاب سماه التوضيحات) يتضمن رسائل متفرقة، كل رسالة في معني من المعاني، و أخذ عليه خطوط العلماء بأنه لم يصنف كتاب أجود منه و قدمه إلي خربندا، و قرر بين يديه أن ارسطاطاليس لم يكن في زمانه أعلم منه، و كان مشيرا و وزيرا عند الاسكندر و صنف باسمه كتابا فأعطاه جائزته ألف ألف دينار و جعل له في كل

سنة مائة ألف دينار و اتفق الناس كلهم بأنك أعظم من الاسكندر، و أن كتابي أجود من كتاب ارسطاطاليس فقال الملك خربندا: - أنا أعمل معك بأكثر من الذي عمل الاسكندر مع ارسطاطاليس.

فرسم أن يعطي من المال النقد ألف ألف دينار و خمسمائة ألف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 512

دينار و قال له إن شئت أن تأخذ هذا المال أو تأخذ بقيمته أملاكا نفيسة من املاكي فقال آخذ أملاكا فعينوا له أملاكا تغل في كل سنة مائة و خمسين ألف دينار. و له كتاب تفسير يشتمل علي تفاسير (قل يا أيها الكافرون).

و قال الشيخ شمس الدين الاصفهاني: بلغني أن له سبعين مصنفا ما بين صغير و كبير و سعادته مفرطة لكن اختصرنا.

و ذكر صاحب عيون التواريخ أن ولده إبراهيم قتل قبله و عمره 16 سنة و حمل رأس رشيد الدولة إلي تبريز و نودي عليه هذا رأس اليهودي الذي بدل كلام اللّه تعالي … و قطعت اعضاؤه و حمل كل عضو إلي بلد و أحرقت جثته. و خلف عدة أولاد، و كانت رتبته فوق رتبة الوزارة قال:

و كان عدوّ الإسلام و هو ملحد.

و قال ابن كثير: قد بلغ في أيام قازان في علو المرتبة و نفاذ الكلمة مبلغا عظيما و كذلك في أيام خربندا أخيه. و لما مات خربندا عزل عن مناصبه و وظائفه و درأ عن نفسه بجملة كبيرة من المال، ثم اتهم بقتل خربندا فطلب علي البريد و شهد عليه الأطباء أنه سقي الملك دواء مسهلا عقيب هيضة مثلغة فزاده إسهالا فقتله و صدقهم الرشيد علي ذلك فقتل» ا ه.

و الظاهر أن النقل المتضمن التحامل عليه من أهل الحزب المعارض له …

مبناه الإذاعة و التشويش في السمعة …

و جاء في تقويم التواريخ لكاتب چلبي أنه قتل عام 717 ه. و الفتن في هذه الأيام و ما يليها مشتعلة بين أمراء المغول و النزاع علي الوزارة قوي و لكلّ مناصرون و مناوئون …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 513

و هكذا ترجمة كثيرون امثال صاحب دستور الوزراء و غيره. و ممن ذكره دولتشاه السمرقندي في تذكرة الشعراء و أثني عليه و بيّن أنه توفي سنة 719 عن عمر 36 عاما فدفن في قبة السلطانية و قال: إن مدينة السلطانية من بنائه.

ذيول هذه الوقعة: (ابن الخوام)

إثر قتلة الوزير كان قد شهد علي ابن الخوام و هو عبد اللّه بن محمد ابن عبد الرزاق الحريوي عماد الدين بن الخوام العراقي الحيسوب الطبيب بالكفر بسبب أنه قرظ تفسير الوزير رشيد الدولة فقال في تقريظه فهو انسان رباني بل رب انساني تكاد تخال عبادته بعد اللّه فثاروا عليه بعد قتل رشيد الدولة فبادر هو إلي الحاكم فأعطاه ذهبا فعقد له مجلسا و استسلمه و حكم بحقن دمه …

و كان ولد سنة 43 و تمهر في المعقولات و الحساب و الطب و لازم النصير الطوسي و صنف في الطب و الحساب و قرأ عليه جماعة و صنف تصانيف و له انشاء و بلاغة و درس في مذهب الشافعي بدار الذهب و ولي رياسة الطب و مشيخة الرباط ببغداد و أدب هارون ابن الوزير و أولاد عمه علاء الدين صاحب الديوان و كثرت أمواله و كان يصلح مزاجه بالمفرحات و المعاجين …

و لم تصل إلينا مؤلفاته الدينية لنقف علي حقيقة ما قيل فيه … و لا تزال المجاهيل عنه كثيرة و ليس من الإنصاف متابعة أهل

الأغراض دون تروّ في الموضوع و تقدير لأهميته …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 514

عشائر الإحساء و البصرة- أمير العرب:

في أواخر هذه السنة حالفت عقيل عرب الإحساء و القطيف علي مهنا بن عيسي و طردوا أخاه فضلا عن البصرة فجمع مهنا العرب و قصد عقيلا و التقي الجمعان و افترقا علي غير قتال و لا طيبة بعد أن أخذت عقيل أباعر كثيرة تزيد علي عشرة آلاف من عرب مهنا المذكور و عاد كل من الجمعين إلي أماكنهما و كانت هذه البرية و غالب بلاد الإسلام مجدبة لقلة الأمطار و هلك العرب و ضرب دواب تفوت الحصر.

غلاء و جلاء:

و في هذه السنة كان بديار بكر و الموصل و إربل و ماردين و الجزيرة و ميافارقين و بغداد غلاء و جلاء حتي بيعت الأولاد و أكلت الميتة …

وفيات:
1- الشهاب المقري الجنايزي:

في هذه السنة توفي الشهاب المقري الجنايزي أحمد بن أبي بكر بن حطة البغدادي صاحب الألحان و الصوت الطيب و له نظم و نثر و فضائل و ظرف و منادمة و وعظ. توفي في ذي القعدة عن 85 سنة.

2- يونس بن حمزة بن عباس الإربلي:

هو أبو محمد القطان كان يقال إنه ولد سنة 606 بإربل و طال عمره جدا و لم يوجد له سماع و لا إجازة علي قدر سنة فقرؤوا عليه بالإجازة العامة عن دواوين محمد بن الفاخر. و كانت وفاته في نصف ذي القعدة سنة 718 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 515

3- عبد الرحمن بن محمد بن أبي حامد التبريزي:

تاج الدين الواعظ و كان يعرف بالأفضلي ولد سنة 661 و تعاني الوعظ. و كان ممن بالغ في الطعن علي الرشيد وزير المغل و طعن في نحلته فما قدر الرشيد منه علي شي ء لجلالته في نفوس أهل تبريز. و كان التاج حسن الاعتقاد، و قورا، مهيبا، قوالا بالحق، ذا سكينة و إخلاص. مات راجعا من الحج ببغداد في صفر سنة 719 و قال في الشذرات: مات في رمضان سنة 718 ه. و قد مر القول عن الخواجة رشيد الدين و الطاعنين.

4- الحكيم العلّامة علاء الدين علي بن تبان بن مختار البغدادي:

يعرف بالخطاي مات بحماة، و كان فاضلا في العلوم العقلية و طبيبا، سكن حماة، و قرأ عليه ملكها المؤيد إسماعيل بن علي كتاب التذكرة في الهيئة للطوسي، و خلف كتبا كثيرة و أثاثا و غير ذلك أخذ بيت المال جميعها.

5- ابن الخراط:

هو الشيخ عفيف الدين أبو عبد اللّه محمد بن عبد المحسن بن عبد الغفار الواعظ الشهير بابن الخراط البغدادي الحنبلي كان فاضلا متكلما، فقيها كثير التعفف، يقنع باليسير، جمع بين الديانة و الفضيلة و باشر مشيخة المستنصرية، و مات ببغداد عن ثمانين سنة.

6- الدلقندي:

قد مر ذكره قال عنه في عقد الجمان «الخارجي قتله چوبان نائب السلطان أبي سعيد في رمضان من هذه السنة لما بلغه أنه اتفق مع جماعة من الأمراء علي قتله و قتل معه الوزير علي شاه و هو منسوب إلي مدينة سمنان من مدن خراسان.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 516

حوادث سنة 719 ه (1319 م)

اختلاف أمراء التتر و فتن:

في رجب هذه السنة اختلف التتر و قتل منهم نحو ثلاثين الفا و أكثر حتي كاد يزول ملكهم و استحالوا علي مقدم جيوشهم الأمير چوبان نائب السلطنة و أبي سعيد و كرهوا نيابته. و هكذا دامت الفتن و اشتعلت نيرانها و كانت نتيجة انتصاره أن جعل الچوبان أولاده أمراء كل واحد في قطر … و كانت حروبه مع ايرتخين (ايرنجي أو يرنجي) و قورمش فقتل خلق كثير و ألقي القبض علي ايرتخين و قورمش، و سمرا و قتلا شر قتلة …

و من ذلك اليوم لقب السلطان أبو سعيد ببهادرخان و كتب اسمه بذلك في الأحكام و من ثم أخذ أمر الأمير چوبان في الترقي و الازدياد اعتبار من هذا التاريخ و ما بعده …

تفصيل الخبر:

إن الأمير چوبان كان قد عاد من مقاتلة يسوك بعد أن جرت بينهما مراسلات و مفاوضات و قرر له بلادا من اقليم خراسان، و في عودته أرسل يستدعي يرنجي من الموصل و كان هو مرتبا في الموصل و ماردين و أعمالها، و كان في خاطر چوبان منه شي ء فعلم يرنجي أنه إنما طلب ليوقع به فعلا و يهلكه قتلا فأظهر عناده، جمع جموعا و سار إليه علي غرة منه فكبسه بغتة فبادر چوبان بالهرب إلي أبي سعيد فأعلمه بما فعله يرنجي من العصيان و المحاربة فاتفقا علي قتله فقتل هو و جماعة من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 517

الذين كانوا مشاركين له في الآراء من الأمراء، و رتب سوتاي علي عادته بديار بكر …

ثم إنه لم يقف الأمر عند هذا الحد و إنما وقع الخلف بين چوبان و بين الأمراء، و لم يبق لأبي سعيد إلا الاسم فانحصر أبو سعيد

من ذلك و استشار الأمراء في أمره و اتفقوا علي قتله فعمل قورمشي (قورمش) دعوة عظيمة و دعاه إليها ليقبض عليه إذا حضر فأجاب چوبان و توجه فأخبر في أثناء توجهه أنها مكيدة، و أنهم يريدون القبض عليه ففارق مخيمه و ركب و ولده حسن إلي مدينة مرند و حضر قرمشي في عشرة آلاف من المغل فكبس المخيم فلم يجد چوبان فيه فنهبه و ساق خلف چوبان فلم يدركه. و لما وصل چوبان إلي مدينة مرند و حضر قرمشي تلقاه الأمير ناصر الدين صاحبها و أمده بالخيل و السلاح و المال و وصل خبره إلي تبريز فخرج إليه الوزير علي شاه التبريزي وزير أبي سعيد و التقاه و أكرمه و فرح به أهل المدينة و أمدوه بالخيل و السلاح و توجه إلي المدينة السلطانية و صحبته علي شاه فتقدم الوزير فاجتمع بأبي سعيد و تلطف في أمر چوبان و أحسن الثناء عليه و أغراه بقرمشي و من اتفق معه فرضي عن چوبان و أذن له في حرب الأمراء و قتلهم إن ظفر بهم و أمده بعشرة آلاف من المغل و انضم إليه قراسنقر المنصوري في كثير، و كذلك وصل إليه ولده تمرتاش بجيش كثير فتوجه إلي قرمشي و اقتتل معه فانهزم اصحاب قرمشي وعدة أمراء ممن كانوا معه و حضروا إلي المدينة السلطانية فقال لهم أبو سعيد لم فعلتم كذلك؟ فقال إن ما فعلناه بأمرك و كذبهم فأمر بقتلهم عن آخرهم. و أما قرمشي فإنه ألبس طرطورا أحمر و حلقت لحيته و سمر و طيف به. ثم قتل بعد ذلك» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 518

الحج في هذه السنة

في هذه السنة وصل الركب العراقي

إلي الحجاز للحج و فيه جماعة من التتار فأخفوا أنفسهم خوفا من القبض عليهم فأمر السلطان (سلطان مصر و كان قد حج في هذه السنة) بإحضارهم فأحضروا فأحسن إليهم و خلع عليهم الخلع السنية و أطلقهم و هو سبب الصلح بين الملك الناصر و بين الملك أبي سعيد» ا ه.

وفيات:
1- الساعاتي:

هو عبد الرحيم بن علي بن عبد الرحيم البغدادي الأستاذ في شد البياكيم و يعرف بالساعاتي. ولد سنة 641 تقريبا و قدم الشام بعد الخمسين و تفقه بمصر ثم قدم الشام و كان مليح الشكل حسن البشر خيرا عالما يدري القراءات و ينسخ القرآن علي الرسم و كان يعتمد علي شد البياكيم لتحريرها و أم بالرباط الناصري مدة و مات بالحمام فجأة في جمادي الأولي سنة 719.

و في عقد الجمان: «الشيخ الصالح المقري زين الدين عبد الرحيم … سمع الحديث و لبس الخرقة، و كان شيخا صالحا، نسخ بخطه كثيرا، و كان يكتب المصاحف علي المرسوم، و يعمل البياكيم و الساعات في غاية الجودة و الصحة، و كان الناس يقصدونه و يرغبون في عمله» ا ه.

2- البلدي:

هو عبد العزيز بن عدي البلدي كان في بدايته صيرفيا في سوق الغزل ثم اشتغل و برع و أتقن الطب و الفرائض و الجبر و المقابلة و حفظ الحاوي الصغير و تميز في المذهب و ولي القضاء في ارزن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 519

الروم … ثم قدم الموصل و درس و ناب في القضاء و نسب إليه رأي النصيرية فهرب مات سنة 719.

3- تاج الدين الافضلي:

عبد الرحمن بن محمد بن أبي حامد التبريزي الشافعي الملقب تاج الدين المعروف بالأفضلي. كان فاضلا مولده في سنة 661 ه بتبريز. و توفي في العشر الأول من صفر سنة 719 ببغداد.

حوادث سنة 720 ه (1320 م)

آل عيسي و طردهم من سورية:

و في هذه السنة قطعت اخبار آل عيسي (مرتباتهم) و طردوا من الشام بسبب سوء صنيعهم و رحلوا عن بلاد سلمية يوم الاثنين 2 جمادي الأولي و صاروا إلي جهات عانه و حديثة علي شاطي ء الفرات. و عند رحيل المذكورين وصل الأمير سيف الدين (من امراء سورية) و سار بجمع عظيم من العساكر الشامية و العرب في أثر المذكورين حتي وصل إلي الرطبة ثم سار منها حتي وصل إلي عانه. و لما وصل المذكور إلي هناك هرب آل عيسي إلي وراء الكبيسات و عيسي المذكور هو عيسي بن مهنا بن مانع بن حذيفة بن عصية بن فضل بن ربيعة. و أقام السلطان (ملك سورية) موضع مهنا محمد بن أبي بكر بن علي بن حذيفة بن عصية المذكور و لما جري ذلك عاد الأمير سيف الدين المذكور و أقام بالرطبة حتي نجزت مغلاتها و حمل إلي القلعة ثم سار منها و نزل علي سلمية يوم الخميس منتصف رجب من السنة المذكورة و استمر مقيما علي سلمية حتي وصل إليه الأمر بالعودة فسار منها إلي الديار المصرية يوم الاثنين 9

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 520

شهر رمضان من السنة المذكورة.

رسول السلطان أبي سعيد إلي سورية:

و في هذه السنة ذهب إلي سورية المجد اسماعيل السلامي رسولا من جهة السلطان أبي سعيد ملك التتر و من جهة چوبان و علي شاه بهدايا جليلة و تحف و مماليك و جواري مما يقارب قيمته خمسين تومانا (و التومان البدرة و هي عشرة آلاف درهم) فوصلها يوم الاثنين 9 ذي الحجة و منها سار إلي سلطان مصر.

و جاء في عقد الجمان: «قدم رسول الملك أبي سعيد و چوبان نائبه قد ورد مع مملوك مجد الدين

السلامي و مضمون رسالته أنه يطلب سنجق السلطان أن يكون صحبة ركبهم إذا خرج من العراق إلي الحجاز و مرسوم السلطان أن لا يتقدم علي محملهم أحد غير محمل السلطان فأقبل السلطان عليه و أنعم بما سأله و سير سنجقا أصفر بطلعة ذهب و كتب مرسوما بما سأله و كتب أيضا إلي أمير مكة شرفها اللّه بإكرامهم و احترامهم و عرف الرسول بأن رسول السلطان يأتي إلي الملك أبي سعيد عن قريب» ا ه.

أوضاع العشائر- إيضاح:

«و لما سافر رسول أبي سعيد حضر عقيبه كتاب من نائب حلب أن الفياض و سليمان و جماعة من أولاد مهنا قد كثر فسادهم و بغوا علي المسافرين و التجار و أخافوهم و انقطعت الطرق و أن الأمير فضل أو عربه لم يمكن منعهم و ربما بلغ مهنا أن أبا سعيد قد جهز ركبا عظيما و نادي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 521

في سائر بلاده من أراد الحج إلي بيت اللّه الحرام فليبادر و اجتمع خلق عظيم من ديار بكر و سائر الأقاليم قاصدين الحج و أن مهنا لما بلغه ذلك ركب و أقام لهم علي الطريق فوجد السلطان من ذلك أمرا عظيما و تحقق أن مهنا متي وقع علي ركب العراق أخذه فتقع العداوة بينه و بين الملك أبي سعيد و يفسد الحال المنتظم بينهما و يؤول الأمر إلي تعب عظيم ثم أرسل وراء سيف بن فضل بن عيسي و أمره ان يحضر سريعا و كان يعلم أن مهنا يحب سيفا بن أخيه محبة عظيمة و خشي أن يطلب من أولاد مهنا فياض أو سليمان و لا يجيبه فطلب سيفا فلما حضر إليه قال له يا سيف قل لوالدك

فضل أن يتحيل علي مهنا بكل حيلة و تكون أنت تمشي بينهما إلي أن يرجع مهنا عن التعرض لركب العراق فإني قد أعطيت لهم عهودا فوثقوا مني و أخشي أن يفسد عليّ مهنا جميع ما فعلته و أنا ما عملت أباك أميرا علي العرب إلا أن يمنع مهنا و أولاده من التعرض إلي بلادي فلو عرفت أن أباك يتفق مع مهنا لما كنت أبعدت مهنا مني فاركب إليه و عرفه أنه متي لم يرجع مهنا عن ركب العراق فلا حاجة لي بأحد منكم و أكد عليه الوصية و فارقه إلي أن وصل إلي أبيه و عرفه ما قال له السلطان فقال له أبوه و اللّه يا سيف هذه قضية صعبة و ما يصلحها أحد غيرك أنت و أخوك قال و كيف قال تركب إلي مهنا و تسأله أن لا يفعل شيئا مما قصده و لا تقل إنك سمعت شيئا من السلطان فإذا رأيته و قد قوي عزمه علي ما قصده من التعرض إلي الركب العراقي أقم عنده و أمسك ذيله و قل له إن أبي قد أمرني بالدخول عليك في هذه النوبة …

فلما وصل إليه رحب به و ضمه إلي صدره و قال له ما جاء بك إلي هذا المكان يا ابن أخي فقال اشتقت إليك و عرفت أبي فقال اغد إلي عمك أنت و أخوك قال فتبسم و قال و اللّه يا و غيد ما جئت إلا في أمر ارسلك أبوك إليه قال فقلت لا بد من ذلك ثم أقمت عنده ذلك اليوم و الثاني و الثالث ثم عرفته بجميع ما اتفق من السلطان و من أبي و كيف ارسلني إليه

موسوعة تاريخ العراق بين

احتلالين، ج 1، ص: 522

و قال ما لأبيك فإنه يأكل خبز مهنا و أنت تأكل خبز أولاده و لم لا تحفظون البلاد و تراعون حق السلطان في كل ما يقصده؟ فأنتم تأكلون الأخباز و مهنا يأكل كسب سيفه و كيف أرجع عن هذا الركب العراقي و فيه مكسب يقوت لمهنا سنة كاملة؟ و إذا أخذت بحقي فإني رجل ما أنا تحت طاعة سلطان مصر و لا سلطان العراق و إنما آكل من سيفي!.

قال فسكت عنه أياما قليلة و قد حضر عنده من عرفه أن ركب العراق قد خرج و وصل إلي المكان الفلاني و اهتم للركوب إليه. قال سيف: فقمت إليه و دخلت عليه و لم أزل اترفق له و أتذلل حتي أنعم عليّ بتركهم و بعد أيام وصل الركب و هم خلق كثير من أهل العراق و غيرهم و معهم أموال جمة و سير مهنا إليهم و قال لهم: لنا خفر عليكم خمسة آلاف دينار و بذلك جرت العادة من العرب. فقالوا نحن ما نعلم شيئا من هذا و لا رأينا ركبا من العراق سافر إلي مكة من غير هذه الأيام، و لو لا أن علمنا أن البلاد بلاد واحدة، و الاسلام واحد، و أن الصلح قد انتظم بين ملك مصر و ملك بغداد و الموصل ما خرجنا. و هذا سنجق الناصر معنا بهذا السبب فلم يشوش مهنا عليهم بل أكرمهم و سهل أمرهم و قال يا سيف قد قبلت دخولك علي لأجلك لا لاجل أبيك، و لا لأجل الملك الناصر فارجع إلي أهلك. قال و أعطاه فرسا و لأخيه فرسا و رجع إلي أبيه و عرفه بما جري فقال له أبوه اركب و اذهب

إلي السلطان و عرفه بما وقع و أقم في مصر إلي أن يدخل موسي و إخوته أولاد مهنا إلي مصر فأنا أعلم أن السلطان ما يفسد ما بينه و بين مهنا و لا بد أن يعيد إليهم اخبازهم فذهب سيف إلي السلطان فرأي أولاد مهنا موسي و إخوته و هم أربعة قد سبقوه بيوم و هم عند السلطان مكرمون و قد عرفوه خبر ركب العراق و أن مهنا لم يتعرض بهم.

ثم لما اجتمع سيف بالسلطان و حكي له بما اتفق شكره علي فعله ثم اجتمع كلهم يوما عند السلطان و جرت بينهم مفاوضة فقال السلطان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 523

لموسي بن مهنا يا موسي كيف يكون أبوك عاصيا عليّ و لا يدخل تحت طاعتي. فقال له موسي: و اللّه يا مولانا السلطان لو اطاعك مهنا ما كنا عندك بهذه المنزلة و اللّه إن عصيانه عليك جيد لنا، و اللّه لو أطعنا ما اطقناك فاحمر وجه السلطان خجلا منه. ثم قال لسيف: أبوك عاجز أن يخرج مهنا عن البلاد و أنا أضيف إليه عرب بني كلاب، و بني مهدي فقال موسي: يا خوند أقول الصحيح أو أسكت قال قل الصحيح قال:

و حياة رأسك و رأس مهنا إن فضلا لو جمع له مائة ألف بدوي لا يقدر أن يقاتل مهنا و لا كان يرمي أخاه ابدا و لا يسل احد منهما سيفا في وجه أخيه، و اللّه تعالي يحفظ مولانا السلطان لا يقل أحد إن فضلا يرمي مهنا، أو مهنا يرمي فضلا، و أي من ترضي منه كان في خدمتك إذا رأي مهنا أخاه يأكل خبزه ما يعظم عليه ذلك، و إذا رددت خبزه عليه

كذلك ما يعظم علي فضل: فالغريب ما يدخل بيننا. و لما سمع السلطان ذلك لم يرد عليه جوابا ثم قاموا من المجلس. و لما رأي الأمراء أن السلطان قد انحرف من هذا الكلام انحرافا عظيما قال له الأمير عز الدين الخطيري يا خوند هذا وقتك فإن أولاد مهنا أربعة قد حصلوا عندك فاقبض عليهم و جردني أنا و الأمير سيف الدين الأبو بكري و مقدرين من الشام و نحن نقيم في بلاد الرطبة سنة كاملة و نأكل اقطاع العرب و لا ندع مهنا و لا غيره ينظر إلي البلاد ابدا و يدخلون تحت طاعتك فكان جواب السلطان له: يا أمير عز الدين احذر أن تذكر شيئا من هذا فمثل مهنا و أولاده ما يفرط فيهم.

و لما سمع الأمراء ذلك سكتوا و لم يردوا عليه جوابا و بعد أيام طلب السلطان موسي و إخوته و خلع عليهم و أكرمهم و أعطاهم أنعاما كثيرا، و اتفقوا معه علي أنهم يرسلون إليه محمدا أخا مهنا ليضمن حضور أخيه إلي طاعته فخرجوا علي ذلك و سافروا …» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 524

قاصد و هدايا- أوضاع العشائر:

«و في هذه السنة جاء مصر قاصد قدم إليها من عند علي شاه وزير ملك التتار و صحبته تقادم و هي بخاتي و قماش و جوار و مماليك، و ذكر أن سلطانهم قطع اخباز العربان من عنده و هم مهنا و أولاده و إخوته و أقاربه و كان لهم معظم العراق.

و كذا الخواجة مجد الدين إسماعيل السلامي التاجر المشهور حضر إلي القاهرة من المدينة السلطانية و معه هدية سنية جليلة من جملتها خركاه مجوهرة و خيمة سقلاط و مماليك و جوار ترك ملاح

و جمال بخاتي و قماش نفيس و غير ذلك فتكلم في الصلح بين السلطان الملك الناصر و السلطان أبي سعيد.

قال صاحب النزهة لما وصل مجد الدين خرج القاضي كريم الدين إلي قبة النصر تلقاه و لما حضر مجلس السلطان سأله عن أخبار أبي سعيد و چوبان و عن أحوال البلاد فقال الجميع داعون لمولانا السلطان و ليس لهم مراد إلا رضي السلطان و هم مجتهدون في الصلح. و كان مجد الدين سبق التقادم التي سيرها أبو سعيد.

ثم ورد الخبر من نائب حلب أن سليمان بن مهنا عارض الرجال الذين معهم التقادم و أخذ ما كان معهم، و أنه خرج عن الطاعة … و كان سبب خروجه أن السلطان كان طرد أباه مهنا عن البلاد و أخرج الإمرة عنه، و كان السلطان أرسل إليه شهاب الدين قراطاي بأن يخرج عن البلاد فقال له مهنا: أي شي ء رسم لك السلطان رسم بقتالنا أو غيره قال ما رسم لي إلا بطردك أنت و أولادك عن بلاد السلطان فقال مهنا: أما رحيل عن بلادنا فلنا غيرها و إن طلبنا العوض وجدنا و لكن هو عوضنا ما يجد و إن كان قد ضاقت أرضه بنا فالفلاة واسعة ثم أنشد:

إن ضاق نزل يا فتي بدياركم فزمامها بيدي و ما ضاق الفضا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 525

ثم رحل منها إلي أن قارب أرض العراق و تفرق أولاده في نواحيها.

و لما بلغ سليمان حضور الرسل ركب و قصد استغنام الفرصة، و لما رآهم اصحاب أبي سعيد وجدوهم و معهم كثير من العرب فتحققوا أن سليمان قاصد الفتنة فلم يواجهوهم بشر بل وقفوا و سيروا إليه قاصدا من جهتهم و قالوا: إنا

رسل أبي سعيد إلي السلطان الملك الناصر وايش الغرض منا فقال ارجع إليهم و عرفهم أن البلاد التي للملك الناصر قد طردنا منها و خرجنا عن طاعته، و أعطي اخبازنا لغيرنا من العرب و ما بقي لنا معاش و مكسب إلا قطع الطريق و إخافة السبيل و الذي معكم نأخذه، و بعد ذلك إما ارجعوا إلي بلادكم و إما روحوا إلي الملك الناصر.

و كان في الرسل من يعرف سليمان و أباه عند ما دخلوا إلي خربندا و صار له معهم صحبة و لما عرف أنه سليمان أخذ معه هدية حسنة و ركب في جماعة من المغل إليه فرآه و سلم عليه و قدم له ما أحضره و اعتذر إليه، و ترفق له في السؤال فترك لهم سليمان أمرهم و رجع عنهم رعاية لذلك الرجل.

(الرسل عند سلطان مصر: (التقادم))

«ثم لما وصلوا إلي السلطان أكرمهم و سأل عن أبي سعيد و نائبه چوبان و الوزير ثم أحضروا التقادم و كان فيها خوذة فولاذ منقوش عليها القرآن كاملا و جميعه ذهب و لم ير احد هدية أفخر منها و ثلاث قطر بخاتي و عشر جوار و ستة مماليك و قليل من اللؤلؤ و قالوا للسلطان: إن أخاك الملك أبا سعيد يسلم عليك و يقول إن أباه خربندا كان يقول أنا و السلطان الملك الناصر شي ء واحد، و المسلمون جيش واحد، و نسكن الفتن القديمة، و نقيم الملة الإسلامية …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 526

ثم انزلهم السلطان دار الضيافة.

أمر الصلح:

«و كان أبو سعيد ذكر في كتابه شروطا عديدة منها:

1- أن يمنع حضور الفداوية في بلاده فلا يدخل أحد منهم.

2- أن من حضر من مصر إلينا فلا يطلب، و أن من حضر من عندنا إليكم فلا يعود إلا أن يكون برضاه.

3- أن لا يدخل في بلادنا غارة من عرب و لا تركمان.

4- أن تكون الطريق بيننا مفتوحة يدخل من عندنا إليكم التاجر و غيره فلا يعارض و كذلك إذا حضر منكم أحد.

5- أن يكون لنا سنجق سلطاني (علم) يحمل في الركب الذي يخرج من عندنا إلي مكة.

6- إن لا يطلب قراسنقر و لا يذكر لأنه نزيل عندنا فوجبت حرمته علينا.

7- أن يبعث السلطان إلينا رجلا معروفا بالجودة و ممن يوثق به في الأمور و يكون معه نسخة يمين من السلطان و نحن أيضا نحلف و چوبان كذلك يحلف فيستمر الصلح فيما بيننا و يصير الإقليمان إقليما واحدا.

فلما وقف السلطان علي ذلك شاور الأمراء و قرأ عليهم الكتاب فأشاروا عليه بأن يفعل ما في خاطره.

ثم إن

الرسل أقاموا أياما قليلة ثم جهزهم السلطان بأحسن جهاز و أنعم علي الرسول شيئا كثيرا سوي الخلع و الحوايص، و جهز برسم أبي سعيد هدية و هي فوقاني اطلس بطراز. و زاير بأولي مزركش، و قباتيري،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 527

و قرقلات، و بركستوانات و خود. و جهز لكل واحد من نوابه و خواصه هدية تصلح لهم.

و كتب الجواب بجميع ما سألوه … و أن العرب آل عيسي قد كثر فسادهم في البلاد و خرجوا عن طاعتي و قد أخرجتهم من بلادي، و أريد أنا أيضا أن لا تمكنوهم من الدخول إلي بلادكم و تمنعوهم و أنا أخرج عسكرا من عندي، و أنتم أخرجوا عسكرا من عندكم فنشيل سائر العرب …» ا ه.

و في هذا ما يبصر بالأوضاع السياسية بيننا و بين مصر و سورية، و حالة العشائر البدوية في ذلك الزمن و روحيتها نحو الحكومات المجاورة …

الفداوية من الإسماعيلية:

و في هذه السنة عاث الفداوية من الإسماعيلية و حاولوا كثيرا قتل قراسنقر، و علم أنهم لم يقفوا عنده، و أن أبا سعيد و چوبان و علي شاه خافوا منهم … فسيروا الرسل إلي الملك الناصر يخبرونه بالأمر، و قد ارتبك بهم الحال و خافوا حتي أن أبا سعيد لم يخرج من الخركاه أياما، و لاموا السلطان الملك الناصر بأنه يريد أن يتم الصلح و يبعث بالفداوية ليعيثوا …

الركب العراقي- عودته من الحج:

مر القول عن ذهاب الركب العراقي إلي الحج و وصوله إلي هناك و كان معه خال السلطان أبي سعيد و غياث الدين صاحب هراة و هو أمير الركب و شحنة بغداد و الشيخ صدر الدين ابن حمويه من خراسان و جمع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 528

عظيم و تحمل زائد و محملهم مذهب و فيه احجار جوهرية بديعة، و عمل چوبان نائب أبي سعيد و الخواجة علي شاه الوزير صدقات كثيرة و معروفا من أنواع القربات حتي أنه كان في كل منزلة من منازل الركب العراقي يضرب لكل من أبي سعيد و چوبان و الوزير حوض سبيل فيه سكر سويق و ينادي هذا سبيل فلان. ثم إن الركب تعرض إليهم مهنا كما قدمنا و لم يأخذ منهم شيئا، ثم خرج عليهم من عرب البحرين نحو ألف فارس و مشاة كثيرة و قطعوا عليهم الطريق، و كان أكابر هؤلاء قد حضروا إلي الملك الناصر … فأنعم عليهم أنعاما كثيرا … و لما رآهم أكابر الركب العراقي الذين هم من اصحاب أبي سعيد و چوبان … و عرفوهم أن معهم كتاب السلطان الملك الناصر و سنجقه و هو منشور في محملهم و في كتابه إلي سائر العرب

بالإكرام و الإحسان إلي الركب فلما و قفوا علي الكتاب و رأوا السنجق قالوا (السمع و الطاعة) للملك الناصر ثم فسحوا لهم الطريق. قال صاحب النزهة: ثم ساروا آمنين …

وفيات
1- ابن عصبة البغدادي:

في هذه السنة توفي القاضي جمال الدين أحمد المعروف بابن عصبة البغدادي الحنبلي. قال الطوفي حضرت درسه و كان بارعا في الفقه و التفسير و الفرائض. و أما معرفة القضاء و الأحكام فكان أوحد عصره في ذلك.

2- حميضة بن أبي نمي:

هو الشريف عز الدين أمير مكة كان هو و أخوه رميثة وليا إمرة مكة … و جرت له وقائع في العراق و ناصره السلطان خربندا قتل في جمادي الآخرة سنة 720 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 529

حوادث سنة 721 ه (1321 م)

مهنا ابن عيسي أمير العرب:

و في هذه السنة عبر مهنا بن عيسي الفرات و توجه إلي السلطان أبي سعيد ملك التتر مستنصرا به علي سورية و أخذ معه تقدمة برسم التتر سبعمائة بعير و سبعين فرسا وعدة من الفهود.

هدايا السلطان أبي سعيد:

و في هذه السنة أهدي السلطان أبو سعيد إلي سلطان مصر صناديق و دقيقا و جمالا و تحفا.

و في عقد الجمان أن الرسل وصلت في 29 المحرم … و كانت الرسل أيضا قد توالي توافدهم من أوزبك نظرا لتوتر العلاقات بينهم و بين السلطان أبي سعيد و الكل منهم يخطب ود ملك مصر حذرا من وقوع حرب بينهما أو توقع حدوثها …

كتاب من بغداد:

قال ابن الوردي: «و في هذه السنة في آخر جمادي الآخرة ورد كتاب من بغداد مؤرخ بالحادي و العشرين من جمادي الآخرة و فيه أنه جري ببغداد شي ء ما جري من زمان الخليفة إلي الآن و ذلك أنهم خربوا البازار من أوله إلي آخره و ما يعلم ما عزموا عليه إلا اللّه تعالي ما تركوا بالبلد خاطئة إلا توبوها و زوجوها و أراقوا الشراب و منعوا الناس من العصير و نودي أن من تخلف عنده شي ء من الشراب حل ماله و دمه للسلطان فطلع بعد ذلك عند شخص جرة فقتلوه و عند آخر جرتان فقطعوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 530

رأسه و علموا اليهود و النصاري بالعلائم و أسلم جماعة في كل يوم جمعة يسلم جمع …» ا ه.

و جاء في عقد الجمان: «ابطل أبو سعيد ابن خربندا مكس الغلة و رسم علي الخمارين و ألزمهم بإحضار الخمور في الظروف فاجتمع نحو عشرة آلاف ظرف فاهريقت و أحرقت الظروف، و فعل ذلك في جميع بلاده.» ا ه.

وفيات:
1- وفاة محمد بن قيصر بن عبد اللّه البغدادي:

أصله بغدادي ثم توطن ماردين. و هو نجم الدين النحوي. كان أبوه مملوكا لبعض التجار و اشتغل هو ففاق في النحو و التصريف و المعاني و القراءات و العروض و غير ذلك وصنف في جميع ذلك. و له قصيدة علي وزن الشاطبية بغير رمز. و لحق ياقوت المستعصمي فكتب عليه وجوّد طريقته و عليه كتب أهل ماردين: و كان كثير الهجاء سيي ء السيرة. مات في ذي القعدة سنة 721 ه.

2- ابن جار اللّه:

هو محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن فضل اللّه الواسطي أبو عبد اللّه بن الطحان و يعرف بابن جار اللّه ولد سنة 652 سمع من عمر الكرماني و غيره. مات في 17 جمادي الأولي سنة 721.

3- محمد بن مقلد بن علي العاني:

هو الدلال المقسمي ولد سنة 653 مات بالقاهرة في 13 ذي الحجة سنة 721 ه.

4- أحمد بن حامد بن عصبة:

توفي في هذه السنة أو التي قبلها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 531

حوادث سنة 722 ه (1322 م)

رسل أبي سعيد- شروط الصلح:

«بتاريخ العشر الأخير من ربيع الأول وصلت إلي الأبواب العالية رسل أبي سعيد ملك العراقيين و هم حسن بن شادي بن صنوجق و مملوك چوبان نائب أبي سعيد و القاضي نصير الدين محمد ابن القزويني الشافعي قاضي تبريز و صحبتهم ابن خاله السلطان أحمد و كان مجيئهم بسبب المصاهرة بين الملكين فأنعم السلطان عليهم و سفر معهم ايتمش المحمدي أحد مقدمي الألوف رسولا بهدية سنية من الخيول الاصائل و الحوايص المجوهرة و حمار الوحش مخطط بأبيض و أسود وصل من اليمن. و قال صاحب النزهة و كان رسل أبي سعيد المذكورين قرروا مع السلطان أن يستمر الصلح بينهم و بين المسلمين فإنهم قد لحقوا بالإسلام و تلفظوا بالشهادة و أقيمت عندهم الخطبة و الصلوات و أن يكون بينهم يمين أن لا يدخل بلادهم فداوي، و أن يكون الحاج مستمرا، و أن كل من يحضر إلي بلادهم يرجع إلي مصر و كل من يحضر منا إليهم يرجع إلي بلادنا، و أن الرسول الذي يحضر من جهة السلطان يكون ممن يوثق بدينه و أمانته.

فلما سمع السلطان أجاب إلي ذلك و أمر القاضي كريم الدين أن يستعمل بالإسكندرية تفاصيل عليها اسم السلطان أبي سعيد و نائبه چوبان، و جهز له تحفا كثيرة و عشر قوافل و عشر بركستوانات و خوذا و سيوفا و خيلا عربية كاملة العدد و أشياء فاخرة و عين للسفر الأمير ايتمش المحمدي لأنه كان رجلا جيدا صادق اللسان عاقلا يعرف لسان التتار و كتب معه و ذكر في الجواب عن جميع ما في كتاب أبي سعيد غير أنه خالف في

قولهم أن كل من يحضر إلي بلادهم يرجع إليهم و ذكر أيضا أنه يخطب باسمه في بلادهم و يذكر اسمه قرين اسم أبي سعيد و أن يكون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 532

له تاجر مقيم في الأردو برسم شراء مماليك و جوار و هو مجد الدين السلامي و أن من كان في بلادهم من الزام السلطان يرسلونه إليه و لا يمنعوا احدا من الدخول في بلاد السلطان و أن السلطان فسح لركب العراق في الحج و أوصي أمراء مكة بهم، و أن عرب آل مهنا لا يقربونهم، و ذكر أنه يكون هو و إياه متفقين علي إخراجهم من البلاد و إن كان لأبي سعيد أخت أو واحدة من عظم الخان برسم المصاهرة بينهم يكون ذلك لأنه آكد للصلح، ثم إن السلطان أنعم علي ايتمش بألفي دينار و أمره بالسفر و كتب معه إلي نائب الشام و نائب حلب بإكرامه و القيام بخدمته.» ا ه.

الأمير فضل بن عيسي:

عاد إلي سورية من الحجاز صحبة الادر السلطانية داخلا عليهم مستشفعا بهم فرضي عنه سلطان مصر و أقره علي أمرة العرب موضع محمد بن أبي بكر أمير آل عيسي و كان اقامه السلطان مقام مهنا سنة 720 ه و الأمير فضل هو أخو مهنا المذكور.

وفيات:
1- وفاة عبد اللّه بن محمد بن عبد العظيم الواسطي:

المقري نجم الدين. قرأ بواسط علي الشيخ خريم، و علي حسن الكوساني، و أحمد و محمد امين غزال و غيرهم، ثم قدم دمشق فقطنها و جلس للإفادة و نظم قراءة يعقوب في كراسة. قال الذهبي جودها و مات في شوال سنة 722 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 533

2- وفاة نصير الدين بن وجيه الدين التكريتي:

هو عبد اللّه بن محمد بن علي بن أبي طالب بن سويد بن معالي الربعي التغلبي التكريتي ثم الدمشقي ولد في شوال سنة 57 و سمع من الرضي ابن البرهان (و البرهان) و النجيب و عبد الدائم فأكثر و أجاز له محمد بن عبد الهادي و عبد اللّه بن بركات الخشوعي و غيرهما … و هو من بيت كبير، و صدر محترم و كان أبوه تاجرا … مات في العشرين من رجب سنة 722 ه.

3- وفاة الشيخ صدر الدين الجويني:

صدر الدين أبو المجامع: هو إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الجويني و جاء في روضات الجنات صحيفة 49 تفصيل عن المترجم و ضبط لفظ حمويه و ذكر له من المصنفات (فرائد السمطين في فضائل المرتضي و البتول و السبطين) فرغ منه في سنة 718. و شاهد صاحب الروضات تأليفه هذا و ترجمه بالاستناد إليه و عرّف آل حمويه فكان بحثه مهما. ولد سنة 44 و سمع من عثمان بن الموفق صاحب المؤيد الطوسي و سمع علي علي بن أنجب و عبد الصمد بن أبي الخير و ابن أبي الدنية و أكثر عن جماعة بالعراق و الشام و الحجاز و له رحلة واسعة و كان دينا و قورا مليح الشكل جيد القراءة و علي يده أسلم غازان.

و تزوج بنت علاء الدين صاحب الديوان سنة 71 و كان الصداق خمسة آلاف دينار ذهبا. و قال عنه الذهبي حاطب ليل. و مات سنة 722 في 5 المحرم بالعراق و في عقد الجمان أنه توفي سنة 723 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 534

حوادث سنة 723 ه (1323 م)

رسل السلطان أبي سعيد:

في هذه السنة ذهبت رسل السلطان أبي سعيد و رسل نائبه الأمير چوبان و توجهوا إلي سلطان مصر بالقاهرة ثم عادوا إلي بلادهم.

و في عقد الجمان ما نصه:

«ورد رسل أبي سعيد بسبب الأيمان التي عليها الصلح الذي بينه و بين الملك الناصر و رسم السلطان للأمير ايتمش بالخروج إلي ملتقاه و صحبته المهمندار و أن يأخذ معه كل ما يحتاج إليه من سائر الأشياء فركب إليهم في جماعة و تلقاهم من الصالحية … و عند دخولهم أمر السلطان للأمراء بلبسهم علي العادة المستمرة فدخلوا و رأوا موكبا عظيما و حصل لهم من

السلطان إقبال و قدموا تقدمة أبي سعيد فكانت شيئا كثيرا من البخاتي و الأكاديش و التفاصيل المثمنة، و معهم كتاب يترفق فيه أبو سعيد و يعرف السلطان الذي قصده من الأمور لم يخرج عن شي ء من ذلك و أن الذي طلبه من أمر الخطبة و الرغبة في المصاهرة فإنه يقصد المهلة في ذلك إلي حين يقع الغرض و يعلم أنه يصلح لمثله و كتب في كتابه أيضا أن يعرف نائب حلب و نائب الشام أن لا يمنعوا أحدا من دخول الفرات و لا الإقامة في مدينة يختارها و تكون مصر و الشام و بلاد الشرق بلادا واحدة، و كذلك نائبه چوبان و الوزير أيضا كتب و أرسل كل منهما هدية علي قدره و أرسلوا أيضا هدية للقاضي كريم الدين و كاتبه الوزير من جهته يعرفه أن جميع ما قصده مولانا قد فعله المملوك فإن أساس الصلح بين هذين الملكين كان كريم الدين بمصر و الوزير الخواجة علي شاه، فإن الرسالات كانت متصلة بين الوزيرين و الهدايا متوالية،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 535

و كان السفير في ذلك مجد الدين السلامي، و كان القاضي كريم الدين قد أذهل هذا الوزير بأنواع العطايا و الهدايا التي كان يرسلها إليه بحيث استجلبه إلي أن حكم علي چوبان و حكم چوبان علي أبي سعيد و أكابر المغل و أراد اللّه أن يجمع شمل الإسلام علي كلمة واحدة.

و لما قرب سفر الرسل أحضرهم و أحضر الأمراء و حلف اليمين التي عقد عليها الصلح و كتب بها نسخة علي العادة و سير صحبتهم ما حسن و افتخر به من كل شي ء، و خلع علي كبير الرسل ثلاث خلع مكملة بحوايص

ذهب و أعطاه ألفي دينار و أنعم علي سائر من كان معه و أطلق له شراء الخيل العربيات و جميع ما يختاره و أمر أن لا يتعرض إليه أحد من النواب و لا الولاة و كذلك القاضي كريم الدين أرسل من جهته أشياء مناسبة و أشياء مفتخرة هدية لأبي سعيد و چوبان و الوزير و كتب السلطان أيضا إلي نائب الشام و إلي نائب حلب و سائر المملكة أن لا يمنع من يريد دخول الفرات و لا من يريد النزول بأراضيه، و أن يكون كل من يحضر آمنا علي نفسه و ماله و كذلك التجار و المسافرون و سائر أرباب الصنائع، و أن الشرق و بلاد مصر بلاد واحدة، و الإسلام قد جمع بين الكل.

و كتب القاضي كريم الدين إلي مجد الدين السلامي و عرفه أن السلطان أقبل علي الرسل إقبالا عظيما و سأله أن يحضر إلي مصر ليجتمع بالسلطان و يعود في أمر مهم يختص به. و كان طلب السلامي ليرسل معه فداويا متنكرا ليغتال قراسنقر و قد اعتذر السلامي فلم يقبل عذره، و أوعز إليه أن يبقي مدة بصفة مملوك ثم يجري فعلته. فلم يوفق لغرضه فأعيد و معه هدايا من السلطان و من القاضي …

رسول مصر إلي السلطان أبي سعيد:

و في هذه السنة وصل الأمير ايتمش المحمدي إلي تبريز فتلقاه الوزير و قد عرف منزلته من قراسنقر و جاء بحشمة و أبهة لا مزيد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 536

عليهما … و قد تكلم العيني عن ذلك مفصلا و بين أن مكالمته كانت بالمغولية، و أنه مغولي فأقيمت له الضيافات و امتنع من شرب الخمر …

و قد قضي الأمور التي ذكرها السلطان في كتابه و

الشروط المبسوطة فيه … و التمس چوبان من الرسول عفو السلطان من إرسال فداوية متوالين إلي قراسنقر لاغتياله، و طلب العفو عن الغدر به …

و بعدها صعد الخطيب يوم الجمعة فدعا للسلطانين و بين ما جري عليه الصلح، و أن الإسلام ملة واحدة، فعاد إلي مصر مزودا بالهدايا للسلطان.

حج بنت السلطان ابقا:

و في هذه السنة ذهبت الملكة بنت ابقا و اسمها قطلو و في خدمتها عدة كثيرة من التتر إلي الحج و رسم السلطان و رتب لها في الطرقات الإقامات الوافرة. سماها صاحب الدرر الكامنة يلقطو و هي عمة غازان. كانت جيدة الإسلام كثيرة المناصحة للمسلمين و كان يقال لزوجها عرب طيي ء و لما قتل ركبت بنفسها فقتلت قاتله و خطبها الافرم و هو نائب دمشق فنهرت رسله و امتنعت بعد أن كان بذل لها حمص و بلادها مهرا. و حجت سنة 723 ه في تحمل زائد فيقال تصدقت في الحرمين بثلاثين ألف دينار و كانت تركب بالجتر و تتصدق في طول الطريق و دخلت دمشق فتلقاها تنكز و بالغ في إكرامها و رجعت إلي بلادها إلي أن ماتت سنة 723 ه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 537

وفيات
1- وفاة مؤرخ عراقي (ابن الفوطي):
اشارة

ترجمه جماعة. توفي في ثالث المحرم هذه السنة و قد مر وصف الكتاب المنسوب إليه المسمي (بالحوادث الجامعة). قال صاحب الشذرات: مؤرخ الآفاق، العالم، المتكلم كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد بن عمر بن أبي المعالي محمد بن محمود بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي الفضل بن العباس بن عبد اللّه بن معن بن زائدة الشيباني المروزي الأصل البغدادي الأخباري الكاتب المؤرخ الحنبلي ابن الصابوني و يعرف بابن الفوطي- (محركا نسبة إلي بيع الفوط)- و كان الفوطي المنسوب إليه جده لأمه. ولد في 17 المحرم سنة 642 بدار الخلافة من بغداد و سمع بها من ابن الجوزي ثم أسر في واقعة بغداد و خلصه النصير الطوسي الفيلسوف وزير الملاحدة فلازمه و أخذ عنه علوم الأوائل و برع في الفلسفة و غيرها و أمده بكتابة الزيج

و غيره من علم النجوم و اشتغل علي غيره في اللغة و الأدب حتي برع و مهر في التاريخ و الشعر و أيام الناس و أقام بمراغة مدة ولي بها كتب الرصد بضع عشرة سنة و ظفر بها بكتب نفيسة و حصل من التواريخ ما لا مزيد عليه و سمع بها من المبارك بن المستعصم باللّه سنة 666 ه ثم عاد إلي بغداد و بقي بها إلي أن مات.

و قال في عقد الجمان: «الشيخ الإمام الحافظ المحدث المؤرخ العلّامة الأخباري الأديب … صاحب التصانيف … و له شعر كثير بالعربي و العجمي … أسر في واقعة بغداد و سار إلي النصير الطوسي و أشتغل عليه بعلوم الأوائل و برع في الأدب و النظم و النثر و مهر في التاريخ، و كان قلمه سريعا مع خط بديع … لهج بالتاريخ و أطلع علي كتب نفيسه ثم تحول إلي بغداد و صار خازن كتب المستنصرية و اكب علي التصنيف رحمه اللّه.» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 538

و من مؤلفاته:

1- تاريخه الكبير:

2- مجمع الآداب في معجم الأسماء علي معجم الألقاب. منه مجلد واحد في المكتبة الظاهرية بدمشق.

3- كتاب درر الاصداف في غرر الأوصاف مرتب علي وضع الوجود من المبدأ إلي المعاد في عشرين مجلدا.

4- كتاب المؤتلف و المختلف و هو المسمي تلقيح الأفهام.

5- كتاب التاريخ علي الحوادث من آدم إلي خراب بغداد.

6- كتاب حوادث المائة السابعة و إلي أن مات.

7- كتاب الدرر الناصعة في شعراء المائة السابعة.

8- معجم شيوخه.

9- ذيل تاريخ ابن الساعي.

10- تلقيح الأفهام عن تنقيح الأوهام.

و له مؤلفات أخري و ترجمه الذهبي في تذكرة الحفاظ و الكتبي في فوات الوفيات و جاء وصف بعض

مؤلفاته في كشف الظنون … و له خط بديع جدا و يد بيضاء في النظم و ترصيع التراجم و بصر بالمنطق و الحكمة.

2- وفاة مدرس البشيرية:

في هذه السنة توفي شمس الدين أبو عبد اللّه محمد بن محمود الجيلي نزيل بغداد المدرس للحنابلة بالبشيرية. كان إماما، فقيها، عالما، فاضلا، له مصنف في الفقه لم يتمه سماه (الكفاية) ذكر فيه أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 539

الإمام أحمد نص علي أن من وصي بقضاء الصلاة المفروضة نفذت وصيته. توفي ببغداد يوم الثلاثاء 10 جمادي الأولي.

3- قاضي المغول:

و توفي برهان الدين محمد بن أبي بكر بن عمر بن محمد السمرقندي النوجاباذي الحنفي قاضي المغول (المغل) برهان الدين. ولد سنة 643 و تفقه ببلاده و قدم بغداد مرارا … و كان صدرا معظما كثير اللطائف، حسن المذاكرة اتفق أنه لما أكمل ثمانين سنة عمل وليمة حافلة فمات بعدها بجمعة في رمضان سنة 723 سمع من محمد بن يوسف الزرندي و السراج القزويني …

4- صفي الدين الأرموي العراقي:

هو صفي الدين محمود بن محمد الأرموي العراقي المتوفي سنة 723 ه و هذا قد هذب (كتاب المحكم و المحيط الأعظم) لابن سيده و له ترتيب خاص من حروف الهجاء غير النسق المعروف بينه صاحب كشف الظنون في مادة المحكم …

حوادث سنة 724 ه (1324 م)

مهنا بن عيسي أمير العرب:

في هذه السنة نزل الأمير مهنا بن عيسي بظاهر سلمية من بلاد حمص عند تل اعدا و كان له ما يزيد علي عشر سنين لم ينزل بأهله هناك و كان الأمر و النهي إليه في العرب و خبز الأمرة لأخيه فضل بن عيسي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 540

و في هذه السنة توفي محمد بن عيسي بن مهنا أمير العرب و كان عاقلا نبيلا فيه خير و هو أخو مهنا توفي بسلمية عن نيف و سبعين سنة و دفن عند أبيه …

و جاء في الدرر الكامنة أن محمد بن عيسي هذا لما جهز خربندا مع حميضة عسكرا ليأخذ له مكة كبسهم محمد المذكور و قتل منهم كثيرا و أرسل إلي الناصر منهم أربعمائة أسير فأعجب الناصر ذلك و بالغ في الإحسان إليه.

رسل السلطان أبي سعيد في مصر:

في هذه السنة حضر مصر رسل السلطان أبي سعيد و هم طوغان بغا و خادمه الخر بدار و رسل من جهة چوبان و معهم هدايا و تحف كثيرة من خيل و سروج محلاة بالذهب مرصعة بالجواهر و سيف و منطقة و أربع قطر بخاتي محملة صناديق ملونة الجلود و برانس الجمال بمحمل و جوخ و غير ذلك من أنواع الثياب النفيسة و قضيت اشغالهم و سفروا.

وفاة الوزير علي شاه:

و في هذه السنة توفي الوزير علي شاه و قد مر الكلام عن وقائعه مع الخواجة رشيد الدين و اتفاقهما للوقيعة بالخواجة سعد الدين ثم مخالفته للخواجة رشيد الدين إلي أن سعي بقتله و نال الوزارة بالاستقلال و كان قد شنع علي الخواجة رشيد الدين فوجد آذانا صاغية … قال أبو الفداء: «و كان قد بلغ منزلا عظيما من أبي سعيد و غيره. و أنشأ بتبريز الجامع الذي لم يعهد مثله و مات قبل إتمامه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 541

و هو الذي نسج المودة بين الإسلام و التتر …» ا ه.

و هنا يسمي أبو الفداء السوريين و المصريين بالإسلام و ملوك المغول بالتتر مع أنهم أسلموا … و هكذا في كل تعابيره المارة …

و مثله من مؤرخي سورية و مصر كثيرون …

و في الشذرات جاء عنه «فيها- سنة 724 ه- توفي وزير الشرق علي شاه ابن أبي بكر التبريزي كان سنيا معظما لصاحب مصر، محبا له. توفي بأرجان في جمادي الآخرة و قد شاخ.» ا ه و لم يمت من وزراء المغول علي فراشه سواه …

و في الدرر الكامنة هو وزير التتر خدم القاآن أبا سعيد و تمكن منه و كان في أول أمره سمسارا و كان

محبا لأهل السنة مصافيا للناصر و قد أهدي إليه رقعة بليغة ذهبية و كان مغري بالعمارة. حتي أنه عمر بستانا في داخله أربع ضياع بغير اقمين (تنور الحمام) بل ركب قدرها علي أربع منافخ للحدادين فكلما أوقدوا نارهم حميت القدر فسخن الماء و أنشأ جامعا كبيرا بتبريز و مات بأرجان في جمادي الآخرة سنة 724 ه و هو في نحو الستين.

و جاء في عقد الجمان: «… خدم الوزير رشيد الدين و باع له و اشتري و تقرب إليه و بخدمته تقرب إلي الأمير چوبان و حاشيته و كان يسافر و يتاجر لأجل الوزير، ثم جعله الوزير كاتبا في الضياع، ثم تنقل إلي حفظ الأموال و جمعها من البلاد، و كان كريما سمح النفس مليح العبادة فأوصافه الحميدة أوصلته إلي أن صار نائب الوزير و قوي أمره مع چوبان و صحبه إلي عمل علي الوزير رشيد الدين حتي قتل و تولي مكانه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 542

إلي أن اتفق ما ذكر من ملاقاة چوبان مع أمراء المغل و ساعده بالأموال و التحف و الرجال و قام معه قياما أوجب حفظ صحبته إلي أن انتصر چوبان و قوي أمره، و كان هذا الوزير نسج المودة بينه و بين كريم الدين حتي أنهما اتفقا علي الصلح بين الملكين و إخماد الفتن، و نقل أهل البلاد عن كرم هذا الوزير و عن فتوته و إحسانه للغرباء و لمن يرد عليه و من يقصده … و قد وصف صاحب النزهة الجامع الذي انشأه و بناه ببناء لا يقدر أحد أن يبني مثله و نقل وصفه علي لسان من سافر مع ايتمش المحمدي المذكور.

وفيات
1- نجم الدين بن عكبر:

إبراهيم بن محمد بن عبد

الخالق بن محمد بن أبي نصر بن عبد الباقي البغدادي. أبو إسحاق بن أبي عبد اللّه الملقب نجم الدين المعروف بابن عكبر. سمع الكثير من عمه الجلال عبد الجبار بن عبد الخالق و سمع من عبد اللّه بن أبي القاسم بن ورخز، و من محمد بن يعقوب بن أبي الدنية، و من أبي الفضل محمد بن محمد بن الدباب.

و أجاز له يوسف بن محمد بن علي بن سرور الوكيل، و عبد الصمد بن أبي الجيش و غيرهما. و توفي في ذي الحجة سنة 724 ه. أجازني من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 543

مدينة السلام (مؤلف الكتاب). قاله في منتخب المختار.

2- زين الدين أبو الحسن علي الحنبلي:

هو علي بن عبد اللّه بن عمر بن أبي القاسم البغدادي، أبو الحسن ابن أبي القاسم الحنبلي المقري الملقب زين الدين أخو رشيد الدين محمد. قال الشيخ الإمام سراج الدين أبو حفص عمر بن علي القزويني:

و كان مسند بغداد في وقته. مات في 28 ربيع الأول سنة 724 ه.

حوادث سنة 725 ه (1325 م)

الغرق في بغداد:

«وقع الغرق ببغداد و دام أربعة أيام و زاد الشط عظيما و غرق دائر البلد و منع الناس من الخروج من المدينة و انحصروا و لم يبق حاكم و لا قاض و لا كبير و لا صغير إلا نقل التراب و ساعد في عمل السكور لمنع الماء عن البلد و بقيت بغداد كلها جزيرة في وسط ماء و دخل الماء إلي الخندق و غرق كل شي ء حول البلد و خربت أماكن كثيرة و جميع الترب و البساتين و الدكاكين و المصلي و وقعت (مدرسة الجعفرية) و (مدرسة عبيد اللّه) و غرقت خزانة الكتب التي بها و كانت تساوي أكثر من عشرة آلاف دينار و صار الرجل إذا وقف علي سور البلد لا يري مد البصر الأسماء و ماء و غرق خلق و اشتد الخطب و امتنع النوم من الضجات و خوف الغرق و دار الناس في الأسواق مكشفة رؤوسهم و عمائمهم في رقابهم و الربعة الشريفة علي رؤوسهم و هم يتلون و يستغيثون و يودع بعضهم بعضا خائفين و جلين أن يخرق الماء من الخندق مقدار خرم ابرة فيهلكون و غلت الأسعار لذلك أياما و من العجب ان مقبرة الإمام أحمد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 544

تهدمت قبورها و لم يتغير قبر الإمام أحمد و سلم من الغرق و اشتهر ذلك و استفاض. ثم ورد

كتاب أن الماء حمل خشبا عظيما و زنت منه خشبة فكانت ستمائة رطل بالبغدادي و جاء علي الخشب حيات كبار خلقهن غريب منها ما قتل و منها ما صعد في النخل و الشجر. و من الحيات كثير ميت. و لما نضب الماء نبت بالأرض صورة بطيخ شكله علي قدر الخيار و في طعمه فجوجة و أشياء أخر من النبات غريبة الشكل و ما يحصي ما خرب من الجانبين إلا اللّه تعالي.» ا ه.

و في الشذرات جاء عن هذا الغرق ما نصه: «في جمادي الأولي كان غرق بغداد المهول و بقيت كالسفينة و ساوي الماء الأسوار و غرق أمم لا تحصي و عظمت الاستغاثة باللّه تعالي و دام خمس ليال و قيل تهدم بالجانب الغربي نحو خمسة آلاف بيت. قال الذهبي و من الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوي البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع و وقف بإذن اللّه تعالي و بقيت البواري عليها غبار حول القبر. صح هذا عندنا.

شيخة رباط بغداد:

حجاب بنت عبد اللّه الشيخة الصالحة كانت شيخة رباط بغداد مشهورة بالصلاح و الخير. ماتت في المحرم سنة 725 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 545

حوادث سنة 726 ه (1326 م)

مهنا و عربه:

أمر سلطان مصر بطرد مهنا و عربه …

رسل أبي سعيد إلي الناصر محمد:

في رجب هذه السنة (726) حضرت رسل أبي سعيد إلي الناصر محمد و حضر بين هؤلاء يحيي بن ظهر بغا المغلي و كان هذا ينوب أبوه عن أبي سعيد بن خربندا و كانت بينه و بين الناصر محمد قرابة فاستدعاه فحضر مع الرسل فأعطي اباه إمرة أربعين و يحيي إمرة عشرة.

1- وفاة جمال الدين البغدادي:

و في هذه السنة توفي جمال الدين يوسف بن عبد المحمود بن عبد السلام البغدادي المقري الفقيه الحنبلي الأديب النحوي المتفنن. قرأ بالروايات و سمع الحديث من محمد بن حلاوة، و علي بن حسين، و عبد الرزاق الفوطي و غيرهم و قرأ بنفسه علي ابن الطبال و أخذ عن ابن القواس شارح ألفية ابن معطي الأدب و العربية و المنطق و غير ذلك و تفقه بالشيخ تقي الدين الزريراني و كان معيدا عنده بالمستنصرية قال الطوفي استفدت منه كثيرا و كان نحوي العراق و مقريه عالما بالأدب له حظ من الفقه و الأصول و الفرائض و المنطق. و قال ابن رجب نالته في آخر عمره محنة و اعتقل بسبب موافقته للشيخ تقي الدين ابن تيمية في مسألة الزيارة و كتابته عليها مع جماعة من (علماء بغداد): و تخرج به جماعة و توفي في 11 شوال و دفن بمقبرة الإمام أحمد. هذه الفكرة و آراء ابن تيمية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 546

اساسها فقه الظاهرية و لم يعدم هذا الفقه من العراق بعد و لا تزال بقية باقية تقول به … فلا يستغرب من شيوع فكرة ابن تيمية في بغداد و القول بها … فهي في الحقيقة مناصرة لصريح الكتاب و واضح نصوصه …

2- ابن المطهر:

و يعرف عند الشيعة بالعلّامة و هو الحسن ابن الشيخ يوسف بن علي ابن المطهر الحلي ولد في رمضان سنة 648 ه و توفي في الحلة ليلة السبت 21 المحرم سنة 726 ه و هو من مشاهير علماء الشيعة و المعول عليهم في الفقه و الكلام و مؤلفاته الفقهية لا تزال معتبرة إلي اليوم و غالبها مطبوع و قد مر القول

عنه في قبول الجايتو (خدابنده) المذهب الشيعي في أيامه و بتشويق منه عام 707 ه و له في الفقه المنتهي و التحرير و التبصرة و غيرها و من مؤلفاته كتاب الالفين في الامانة، و استقصاء النظر، و إيضاح المقاصد، و الباب الحادي عشر، و من هذه فسخ في دار كتب المشهد الرضوي، و الباب الحادي عشر نسخه كثيرة. كما أن مؤلفاته في الاخبار و التفسير و الكلام كثيرة و له في المنطق و الحكمة و النحو مما لا يسع تعداده و قد انتصب ابن تيمية للرد علي كتابه منهاج الكرامة في كتاب منهاج السنة و هو مطبوع و ترجمته مبسوطة في روضات الجنات و في كتب الرجال العديدة. و في الدرر الكامنة و لا محل للإطالة فللبحث عن نهجه الكلامي و الفقهي موطن غير هذا …

3- ابن الهيتي:

هو ناصر بن أبي الفضل بن إسماعيل المقري الصالحي ابن الهيتي ولد سنة 66 و نشأ جميلا جدا و كان صوته مطربا ثم صحب الباجريقي فصار يقع منه كلمات معضلة و سلك سبيل التزهد و دخل بغداد مع ركب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 547

العراق فيقال إنهم نقموا منه شيئا فهمّوا به فتوجه إلي ماردين ثم فر منها إلي حلب فجري علي عادته في الشطح فأنكر عليه كمال الدين ابن الزملكاني و هو يومئذ قاضي حلب فقبض عليه و أرسله مقيدا إلي دمشق فقامت عليه البينة بالزندقة فقتل في ربيع الأول سنة 726 ه …

حوادث سنة 727 ه (1327 م)

الأمير چوبان و أولاده:

كانت و لا تزال الإدارة و السلطة بيد الأمير چوبان و أولاده. و كان الخواجة دمشق ابن الأمير چوبان ملازما للسلطان أبي سعيد في السلطانية و في بغداد شتاء و صيفا. و أما الأمير چوبان فإن الحالة اقتضت ذهابه إلي خراسان و إن الخواجة دمشق بقي برفقة السلطان و في أول سنة 727 ه جاء ابن بطوطة العراق فوجد السلطان أبا سعيد و الخواجة دمشق في بغداد و الوزير محمد غياث الدين ابن الخواجة رشيد الدين فشاهد السلطان و الأمير الخواجة دمشق و الوزير قال:

«كان السلطان- ملكا فاضلا كريما ملك و هو صغير السن ببغداد و هو شاب أجمل خلق اللّه صورة لا نبات بعارضيه و لم يحصل له من السلطان إلّا الاسم و السكة و الخطبة و وزيره إذ ذاك الأمير غياث الدين محمد ابن الخواجة رشيد الدين و كان أبوه من مهاجرة اليهود و استوزره السلطان محمد خدابنده والد أبي سعيد رأيتهما يوما بحراقة في الدجلة و تسمي عندهم الشبارة و هي شبه سلورة و بين يديه

دمشق خواجة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 548

ابن الأمير چوبان المتغلب علي أبي سعيد و عن يمينه و شماله شبارتان فيهما أهل الطرب و الغناء و رأيت من مكارمه في ذلك اليوم أنه تعرض له جماعة من العميان فشكوا ضعف حالهم فأمر لكل واحد منهم بكسوة و غلام يقوده و نفقة تجري عليه و لما ولي السلطان أبو سعيد و هو صغير كما ذكرنا استولي علي أمره أمير الأمراء الچوبان و حجر عليه التصرفات حتي لم يكن بيده من الملك إلا الاسم و يذكر أنه احتاج في بعض الأعياد إلي نفقة ينفقها فلم يكن له سبيل إليها فبعث إلي أحد التجار فأعطاه من المال ما أحب و لم يزل كذلك إلي أن دخلت عليه يوما زوجة أبيه دنيا خاتون فقالت له لو كنا نحن الرجال ما تركنا الچوبان و ولده علي ما هما عليه فاستفهمها عن مرادها بهذا الكلام فقالت له لقد انتهي أمر دمشق خواجة ابن الچوبان إلي أن يفتك بحرم أبيك و أنه بات البارحة عند طغا خاتون و قد بعث إليّ و قال لي الليلة ابيت عندك و ما الرأي إلا أن تجمع الأمراء و العساكر فإذا صعد إلي القلعة مختفيا برسم المبيت أمكنك القبض عليه و أبوه يكفي اللّه أمره و كان الچوبان إذ ذاك غائبا بخراسان فغلبته الغيرة و بات يدبر أمره فلما علم أن دمشق خواجة بالقلعة أمر الأمراء و العساكر أن يطيفوا بها من كل ناحية فلما كان بالغد و خرج دمشق و معه جندي يعرف بالحاج المصري فوجد سلسلة معرضة علي باب القلعة و عليها قفل فلم يمكنه الخروج راكبا فضرب الحاج المصري السلسلة بسيفه فقطعها

و خرجا معا فأحاطت بهما العساكر و لحق أمير من الأمراء الخاصكية يعرف بمصر خواجة و فتي يعرف بلؤلؤ دمشق خواجة فقتلاه و أتيا الملك أبا سعيد برأسه فرموا به بين يدي فرسه و تلك عادتهم أن يفعلوا برأس كبار أعدائهم و أمر السلطان بنهب داره و قتل من قاتل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 549

من خدامه و مماليكه و اتصل الخبر بأبيه الچوبان و هو بخراسان و معه أولاده أمير حسن و هو الأكبر و طالش و جلوخان و هو أصغرهم و هو ابن أخت السلطان أبي سعيد، أمه ساطي بك بنت السلطان خدابنده و معه عساكر التتر و حاميتها فاتفقوا علي قتال السلطان أبي سعيد و زحفوا إليه فلما التقي الجمعان هرب التتر إلي سلطانهم و أفردوا الچوبان فلما رأي ذلك نكص علي عقبيه و فرّ إلي صحراء سجستان و أوغل فيها و أجمع علي اللحاق بملك هراة غياث الدين مستجيرا به و محصنا بمدينته و كانت له عليه أياد سابقة فلم يوافقه ولداه حسن و طالش علي ذلك و قالا له إنه لا يفي بالعهد و قد غدر ب (فيروز شاه) بعد أن لجأ إليه و قتله فأبي الچوبان إلا أن يلحق به ففارقه ولداه و توجه و معه ابنه الأصغر جلوخان فخرج غياث الدين لاستقباله و ترجل له و أدخله المدينة علي الأمان ثم غدر به بعد أيام و قتله و قتل ولده و بعث برأسيهما إلي السلطان أبي سعيد و أما حسن و طالش فإنهما قصدا خوارزم و توجها إلي السلطان محمد الأزبك فأكرم مثواهما و أنزلهما إلي أن صدر منهما ما أوجب قتلهما فقتلهما و كان للچوبان ولد

رابع اسمه الدمرطاش فهرب إلي ديار مصر فأكرمه الملك الناصر و أعطاه الإسكندرية فأبي من قبولها و قال إنما أريد العساكر لأقاتل أبا سعيد و كان متي بعث إليه الملك الناصر بكسوة أعطي هو للذي يوصلها إليه أحسن منها إزراء علي الملك الناصر و أظهر أمورا أوجبت قتله فقتله و بعث برأسه إلي أبي سعيد (قد ذكرنا قصته و قصة قراسنقور فيما تقدم) و لما قتل الچوبان جي ء به و بولده ميتين فوقف بهما علي عرفات و حملا إلي المدينة ليدفنا في التربة التي اتخذها الچوبان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 550

بالقرب من مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و سلّم فمنع من ذلك و دفن بالبقيع و الچوبان هو الذي جلب الماء إلي مكة شرفها اللّه تعالي و لما استقل السلطان أبو سعيد بالملك أراد أن يتزوج بنت الچوبان و كانت تسمي بغداد خاتون و هي من أجمل النساء و كانت تحت الشيخ حسن الذي تغلب بعد موت أبي سعيد علي الملك و هو ابن عمته فأمره فنزل عنها و تزوجها أبو سعيد و كانت احظي النساء لديه و النساء لدي الأتراك و التتر لهن حظ عظيم و هم إذا كتبوا امرا يقولون فيه عن أمر السلطان و الخواتين و لكل خاتون من البلاد و الولايات و المجابي العظيمة و إذا سافرت مع السلطان تكون في محلة علي حدة و غلبت هذه الخاتون علي أبي سعيد و فضلها علي سواها و أقامت علي ذلك مدة أيامه ثم إنه تزوج امرأة تسمي بدلشاد فأحبها حبا شديدا و هجر بغداد خاتون فغارت لذلك و سمته في منديل مسحته به بعد الجماع فمات و انقرض عقبه

و غلبت امراؤه علي الجهات و لما عرف الأمراء أن بغداد خاتون هي التي سمته أجمعوا علي قتلها و بدر لذلك الفتي الرومي خواجة لؤلؤ و هو من كبار الأمراء و قدمائهم فأتاها و هي في الحمام فضربها بدبوسه و قتلها و طرحت هنالك أياما مستورة العورة بقطعة تليس و استقل الشيخ حسن بملك عراق العرب و تزوج دلشاد امرأة السلطان أبي سعيد كمثل ما كان أبو سعيد فعله من تزوج امرأته.

و يلاحظ هنا أن ابن بطوطة كان أول مجيئه إلي العراق أيام السلطان أبي سعيد أوائل عام 727 ه كما تقدم ثم إنه عاود العراق بعد انقراض دولة المغول فحكي ما شاهده أولا و آخرا فجمع كافة ما علمه و رآه في المشاهدات العديدة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 551

و في كلشن خلفا أن السلطان لما وصل حد البلوغ علق بزوجة الشيخ حسن الايلخاني و هي بغداد خاتون بنت الأمير چوبان و له من الشعر فيها:

بيا بمصر دلم تا دمشق جابيني كه ارزوي دلم در هواي بغداداست

فكان مغرما قد تيّمه الحب و أخذ بلبه العشق و كبله. و لما شعر الأمير چوبان بالأمر حسب أن ذلك كان عشقا مجازيا، أو أن ذلك لم يتمكن فيه و علي هذا سير بغداد خاتون و زوجها الشيخ حسن الايلخاني إلي قره باغ قطعا لدابر التقولات … أما السلطان فلم يطق صبرا فحرك ركابه نحو من يهوي رضي الچوبان أم لم يرض و حينئذ وافي إلي بغداد خاتون بشوق لا مزيد عليه …

و علي كل كان في اضطراب و وله … و يصغي لكل تدبير في سبيل نيل أمنيته … و أن من وزرائه الملك نصرة الدين

عادل النسوي (البسري) الملقب (صاين وزير) قد بلغ السلطان عن الأمير چوبان أمورا نسب فيها اقبح الأحوال إليه فوجد من السلطان اذنا صاغية … فاطلع علي ذلك الخواجة دمشق ابن الأمير چوبان بواسطة بعض الأمراء فأعلم والده بما جري خفيا و اهتم للانتقام من هذا الوزير بعزله و انتزاع الوزارة منه، و أن ينال العقوبة بقتله …

أما السلطان فإنه سار من بغداد إلي السلطانية و لتهمة نسبت إلي الخواجة دمشق ابن الأمير چوبان و سعي من بعض ارباب الاغراض قد قتله السلطان في 5 شوال من هذه السنة … و لما وصل خبر ذلك إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 552

الأمير چوبان أمر بقتل الوزير و كذا أعدم ركن الدين لأنه كفر نعمته ثم سار بجيش لجب يبلغ نحو السبعين ألفا فأغار علي فيلق السلطان و في الأثناء و في القرب من هناك جاء الچوبان إلي الشيخ علاء الدولة و أبدي له ما وقع و طلب أن يقتص من قاتلي ابنه فتوسط الشيخ الموما إليه و طلب من السلطان أن يعدل في القضية و نصحه في ذلك و وعظه و حذره نتائج إهمال ذلك فلم ينل غرضا منه و أبي عليه و يئس الأمير چوبان فالتهب غيظا و جزع للمصاب دون أن يجد له ناصرا سوي قوة ساعده و ما لديه من أعوان … فتأهب للانتقام و المباشرة في الحرب إلا أن أكثر الأمراء مالوا لجانب السلطان و تابعوه كما مر و حينئذ ندم الأمير چوبان و رجع مرة أخري إلي خراسان مختفيا، هاربا فذهب إلي انحاء هراة و التجأ إلي الملك غياث الدين لحقوقه السابقة بينه و بينه و نظرا للحكم القطعي الصادر

من السلطان لم يتمكن من ايوائه فقتله و علي وصية منه جي ء بنعشه إلي المدينة المنورة …

ثم إن السلطان أرسل القاضي مبارك شاه إلي الأمير حسن الايلخاني أن يطلق زوجته بغداد خاتون فاضطر إلي مفارقتها خوفا علي حياته فطلقها ثلاثا و لما انقضت عدتها عقد عليها السلطان و تزوجها …

و في أبي الفداء عن هذه الوقعة ما نصه:

«و كان أبو سعيد ملك التتر صبيا عند موت أبيه خربندا فقام بتدبير المملكة چوبان و لم يكن لأبي سعيد معه من الأمر شي ء و لما كبر أبو سعيد و وجد أن چوبان قد استبد به و ليس له معه حكم اضمر له السوء و كان چوبان قد سلم الأردو لابنه الخواجة دمشق فحكم علي أبي سعيد فاتفق في هذه السنة (سنة 727 ه) أن چوبان سار بالعساكر إلي خراسان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 553

و استمر ابنه الخواجة دمشق حاكما في الأردو و كان الأردو إذ ذاك بظاهر السلطانية، و كان الخواجة دمشق يذهب سرا بالليل إلي بعض خواتين خربنده فلما خرج شهر رمضان من هذه السنة و دخل شوال توجه الخواجة دمشق في الليل و دخل القلعة و نام عند تلك الخاتون و كان هناك امرأة أخري عينا لأبي سعيد عليها فأرسلت تلك المرأة و خبرت أبا سعيد بالخبر و اسم المرأة التي هي عين (حجل) و بقلعة السلطانية بابان فأرسل أبو سعيد عسكرا و وقفوا علي الباب و أحس الخواجة دمشق بذلك فحمل و خرج من الباب الواحد فضربوه و أمسكوه و قصدوا إحضاره إلي أبي سعيد فأرسل أبو سعيد و قال لهم اقطعوا رأسه و أحضروه فقطعوا رأس الخواجة دمشق و أحضروه بين يدي أبي سعيد و بقي المغل (المغول)

يرفسون رأسه و جمع أبو سعيد كل من قدر عليه و خاف من چوبان و أرسل إلي العسكر الذي مع چوبان و خبرهم بأنه قد عادي چوبان و لما بلغ چوبان ذلك سار من خراسان بمن معه من العسكر طالبا أبا سعيد و سار أبو سعيد إلي جهته حتي تقارب الجمعان عند مكان يسمي صاري قامش أي القصب الأصفر و ذلك علي مراحل يسيرة من الري.

و لما تقارب الجمعان فارقت العساكر عن آخرها چوبان و رحلوا عنه إلي طاعة أبي سعيد و ذلك في ذي الحجة من هذه السنة فلم يبق مع چوبان غير عدة يسيرة فابتدر چوبان الهرب و قصد نواحي هراة و اختفي خبره ثم ظهر في السنة الأخري ثم عدم قيل إنه قتل بهراة قتله صاحبها و قيل غير ذلك و تتبع أبو سعيد كل من كان من أولاده و الزامه فأعدمهم و استقر قدم أبي سعيد في المملكة و كان أبو سعيد يهوي بنت چوبان و اسمها بغداد و كانت مزوجة للأمير حسن بن آقبغا و هو من أكبر امراء المغلة (المغول) فطلقها أبو سعيد منه و تزوجها و بقيت عنده في منزلة عظيمة جدا» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 554

و جاء في الدرر الكامنة:

«چوبان النوين الكبير نائب المملكة القاآنية تمكن من المملكة و أباد عددا كثيرا من المغول و كان ابنه دمشق خواجة قائد عشرة آلاف فلما تنكر له أبو سعيد قتل ابنه دمشق و هرب ابنه تمرتاش إلي القاهرة و سار چوبان إلي هراة فأطلعه و اليها إلي القلعة ثم غدر به و قتله و كان صحيح الإسلام كثير النصح للمسلمين أجري الماء إلي مكة حتي لم يكن الماء

يباع بها و أنشأ مدرسة بالمدينة مجاورة للحرم الشريف و كان اعظم الأسباب في تقرير الصلح بين أبي سعيد و الناصر. و لما نزل خربندا علي الرطبة و نصب المجانيق رمي تمس قراسنقر حجرا يضيع (كذا) القلعة فأحضر چوبان المنجنيق و هدده بعد أن سبه لئن عدت سمرتك علي سهم المنجنيق و كان ينزع النصل من النشاب و يكتب عليه إياكم أن ترعبوا فهؤلاء ما عندهم ما يأكلونه و اجتمع بالوزير و قال له ماذا يقول الناس إذا غلب خربندا علي الرطبة و سفك دم أهلها و هدمها في هذا الشهر العظيم و كان شهر رمضان. أما كان عنده نائب مسلم و لا وزير مسلم فدخلا إلي خربندا و حسنا له الرحيل عنها و أن يطلب اكابرها و يخلع عليهم و يعطيهم الأمان ففعل فكان حقن دماء المسلمين علي يدي الچوبان و كانت ابنة چوبان زوج أبي سعيد فنقلت والدها لما قتل إلي المدينة الشريفة ليدفن في تربته التي بناها بمدرسته فوصلوا به لكن لم يمكنوا من الدفن بمنع السلطنة فدفنوه بالبقيع و كان قتله سنة 828 ه و هو ابن ستين سنة. و كان بطلا شجاعا عالي الهمة، مهيبا، شديد الوطأة، كبير الشأن، كثير الأموال …» ا ه «و كان قد منع من دفنه بمدرسته طفيل بن منصور بن جماز أمير المدينة المنورة فدفن بالبقيع و مات طفيل هذا في رمضان سنة 752».

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 555

و علي كل نكب الأمير چوبان و أولاده و استقل السلطان أبو سعيد بالحكم و كان وزيره غياث الدين محمد ابن الخواجة رشيد الدين و مهما يكن السبب و مهما يكن نوع التقولات فقد بلغت

ادارتهم الغاية و لم يتحمل القوم سلطتهم و ثاروا عليهم مرة قبل هذا فلم ينجحوا … و في هذه المرة غروا السلطان فكانوا معه عليهم … و بالنتيجة قتل آخرهم التمرطاش …

و الچوبان هذا من قبيلة (سلدوز) و قد مر ذكرها بين قبائل المغول و التتر و ذكر له الغياثي أعمال خير و برّ أهمها أنه أجري بمكة المكرمة ماء القناة التي كانت مندرسة من زمن الخلفاء و أنقذ الناس من الضيق و قلة الماء إلي سعته فقد نقل أن قربة الماء الملح بيعت بمكة زمان الحج بعشرين درهما طاهرية و كان الحصول عليها عسرا فصارت بعد إخراج القناة تباع بربع درهم مع السعة فيها و كان يفضل من الماء شي ء كثير يزرع به الخضر في مدينة مكة و ينتفع به الناس أيام الحج و غيرها …

الوزارة في هذا العهد:

إن الوزارة بعد قتلة دمشق خواجة عهدت إلي غياث الدين محمد ابن الخواجة رشيد الدين و أشرك معه الخواجة علاء الدين محمد بن الصاحب عماد الدين إلا أنه بعد ستة أشهر أو ثمانية استقل غياث الدين وحده بالوزارة … و دام فيها إلي آخر أيام السلطان أبي سعيد …

ولي الوزارة سنة 727 ه و بين له السلطان أنه من حين فارق والده لم يجد من يصلح للإدارة و يقوم بأعباء الأمور كما هو المطلوب و هذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 556

الوزير الجديد أبدي من المقدرة و الحنكة في أيام هذا السلطان ما أوجب رضاه و قام بما قام به والده و زيادة أيام السلطان غازان و السلطان محمد خدابنده …

ترتيب السلطان:

قد مر الكلام عن ترتيب سلطنة المغول و جلوس ملوكها و قد حدثنا هذه المرة ابن بطوطة عن ترتيب ملوكهم و عادتهم في حلهم و رحيلهم، بين منهم من شاهده بأم عينه و هو السلطان أبو سعيد ليقاس عليه سائرهم قال:

«و عادتهم أنهم يرحلون عند طلوع الفجر و ينزلون عند الضحي و ترتيبهم أنه يأتي كل أمير من الأمراء بعسكره و طبوله و أعلامه فيقف في موضع لا يتعداه قد عين له إما في الميمنة أو الميسرة فإذا توافوا جميعا و تكاملت صفوفهم ركب الملك و ضربت طبول الرحيل و بوقاته و أنفاره و أتي كل أمير منهم فسلم علي الملك و عاد إلي موقفه ثم يتقدم أمام الملك الحجاب و النقباء ثم يليهم أهل الطرب و هم نحو مائة رجل عليهم الثياب الحسنة و تحتهم مراكب السلطان و أمام أهل الطرب عشرة من الفرسان قد تقلدوا عشرة من الطبول و خمسة من

الفرسان لديهم خمس صرنايات و هي تسمي عندنا بالغيطات فيضربون تلك الأطبال و الصرنايات ثم أمسكوا و غني عشرة من أهل الطرب نوبتهم فإذا قضوها ضربت تلك الأطبال و الصرنايات ثم أمسكوا و غني عشرة آخرون نوبتهم إلي أن تتم عشر نوبات فعند ذلك يكون النزول و يكون عن يمين السلطان و شماله حين سيره كبار الأمراء و هم نحو خمسين و من ورائه أصحاب الأعلام و الأطبال و الأنفار و البوقات ثم مماليك السلطان ثم الأمراء علي مراتبهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 557

و كل أمير له أعلام و طبول و بوقات و يتولي ترتيب ذلك كله أمير جندار و له جماعة كبيرة و عقوبة من تخلف عن فوجه و جماعته أن يؤخذ تماقه فيملأ رملا و يعلق في عنقه و يمشي علي قدميه حتي يبلغ المنزل فيؤتي به إلي الأمير فيبطح علي الأرض و يضرب خمسا و عشرين مقرعة علي ظهره سواء كان رفيعا أو وضيعا لا يحاشون من ذلك أحدا و إذا نزلوا ينزل السلطان و مماليكه في محلة علي حدة و تنزل كل خاتون من خواتينه في محلة علي حدة و لكل واحدة منهن الإمام و المؤذنون و القراء و السوق و ينزل الوزراء و الكتاب و أهل الاشغال علي حدة و ينزل كل أمير علي حدة و يأتون جميعا إلي الخدمة بعد العصر و يكون انصرافهم بعد العشاء الأخيرة و المشاعل بين أيديهم فإذا كان الرحيل ضرب الطبل الكبير ثم يضرب طبل الخاتون الكبري التي هي الملكة ثم أطبال سائر الخواتين ثم طبل الوزير ثم أطبال الأمراء دفعة واحدة ثم يركب أمير المقدمة في عسكره ثم يتبعه الخواتين ثم

أثقال السلطان و زاملته و أثقال الخواتين ثم أمير ثان في عسكر له يمنع الناس من الدخول فيما بين الأثقال و الخواتين ثم سائر الناس.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 558

وفيات:
1- شمس الدين أبو عبد اللّه محمد الوراق الموصلي:

(ابن خروف) هو شمس الدين أبو عبد اللّه بن علي بن القاسم بن أبي العز بن الوراق الموصلي المقري الفقيه الحنبلي المحدث النحوي و يعرف بابن خروف ولد في حدود الأربعين و ستمائة بالموصل و قرأ بها القراءات علي عبد اللّه بن إبراهيم الجزري الزاهد و قصد الإمام أبا عبد اللّه شعلة ليقرأ عليه فوجده مريضا مرض الموت ثم رحل ابن خروف إلي بغداد بعد الستين و قرأ بها القراءات بكتب كثيرة في السبع و العشر علي الشيخ عبد الصمد بن أبي الجيش و لازمه مدة طويلة و قرأ القراءات أيضا علي أبي الحسن ابن الوجوهي و سمع الحديث منهما و من أبي وضاح و ذكر الذهبي أنه عني بالحديث و قرأ في التفسير علي الكواشي المفسر بالموصل و قرأ بها أيضا علي الغزنوي معالم التنزيل للبغوي و تصدي للإقراء و الاشتغال ببلده مدة و قرأ عليه جماعة و قدم الشام سنة سبع عشرة فسمع منه الذهبي و البرزالي و ذكره في معجمه و أثني عليه و سمع منه أيضا أبو حيادة و عبد الكريم الحلبي و ذكره في معجمه و رجع إلي بلده الموصل فتوفي به في ثامن جمادي الأولي و دفن بمقبرة المعافي بن عمران رضي اللّه عنه، و في الدرر الكامنة تفصيل ترجمته.

2- أحمد ابن الزكي بن عبد اللّه الموصلي:

الجزري الجندي شهاب الدين نائب البيسري كان من اجناد الحلقة سمع من تاج الدين محمد بن محمد بن سعد اللّه ابن الوزان و حدث بمشيخته أخذ عنه الذهبي و البرزالي و ابن رافع. مات بالمزة في المحرم سنة 727 ه أو في جمادي الأولي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 559

3- النظام:

هو الحسن بن علي بن مسعود بن حسين التكريتي المنعوت بالنظام قال ابن رافع في ذيل تاريخ بغداد كان اسمه حسينا ثم اشتهر بحسن و كان أهله ببخارا فلما كثرت المصادرات بالموصل تحول بحلب و كان يقيم بمقصورة الحلبيين مدة و حفظ التنبيه و مات في رمضان سنة 727 ه.

4- محيي الدين ابن الصباغ:

هو صالح بن عبد اللّه بن جعفر بن علي بن صالح الأسدي الحنفي الكوفي. كان فريدا في علوم التفسير و الفقه و الفرائض و الأدب نادرة العراق في ذلك مع الزهد و الفضل و الورع. و طلب لرياسة الحنفية بالمستنصرية فامتنع، مات في 27 صفر سنة 727 ه و له 88 سنة. قال صاحب الدرر الكامنة: حدثنا صاحبنا القاضي تاج الدين النعماني قاضي بغداد بعد العشرين و ثمانمائة بدمشق عن عمه حسام الدين عن محيي الدين أبي الفضل صالح ابن الشيخ تقي الدين عبد اللّه ابن الصباغ الكوفي الراشدي و هذا هو الحق في اسمه و صفته …

و بعد أن صحح صاحب الدرر هذا التصحيح عاد فذكره باسم عبد اللّه بن جعفر بن صالح الأسدي محيي الدين و ذكر وفاته في تلك السنة و نقد نقله هذا و قال و قد تقدم فما أدري ما هذا …

و فيها أنه أخذ عنه المطري و ابن الفصيح فخر الدين و أجاز لتقي الدين بن رافع، كما أنه أجاز له الصاغاني و الموفق الكواشي …

ملحوظة: سيأتي الكلام علي النعماني و علي الجامع المنسوب إليه في موطنه من (تاريخ الجلايرية).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 560

حوادث سنة 728 ه (1327 م)

أمير الموصل- أمير بغداد:

في هذه السنة كان أمير الموصل السيد علاء الدين علي بن شمس الدين محمد الملقب بحيدر، كان كريما، فاضلا، و له صدقات و مكارم و انعامات، و له حرمة عند السلطان أبي سعيد فوض إليه الموصل و الأنحاء المجاورة لها … و قد أثني عليه ابن بطوطة في رحلته … أما أمير بغداد في هذه الأيام فكان يدعي الخواجة معروف …

و هنا يلاحظ أن النصوص التاريخية جاءتنا مبتورة، و مفرقة و قد

ذكرنا مرارا أنها أساسا و أصلا لا تخص العراق و ما جاء إنما ورد عرضا فلم نجد بيانا شافيا عن حوادث بغداد و ما والاها بصورة تفصيلية …

رسل السلطان أبي سعيد:

في هذه السنة وصلت مصر رسل السلطان أبي سعيد مبشرة بهروب الأمير چوبان و نصرة السلطان أبي سعيد عليه و استقراره في الملك و أنه مقيم علي الصلح و المحبة و قصدوا من صاحب مصر استمرار الصلح فأكرم السلطان رسل أبي سعيد و أنعم عليهم بما يليق و ذلك في 28 المحرم سنة 728 ه و كان الرسل ثلاثة نفر كبيرهم شيخ كأنه كردي الأصل يسمي أرش بغا، و الثاني اباجي، و الثالث برجا قرابة الأمير بدر الدين جنكي. و كان يوما مشهودا و أنعم السلطان علي كل من في صحبتهم من أتباعهم و كانوا نحو مائة و سافر الرسل المذكورون يوم الأربعاء مستهل صفر و عادوا إلي أبي سعيد …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 561

قتلة تمرتاش ابن الامير چوبان:

كان تمرتاش صاحب بلاد الروم في حياة أبيه و استولي علي جميع بلادها من قونية إلي قيسارية و غيرهما من البلاد المذكورة فلما انقهر أبوه و هرب ضاقت بتمرتاش الأرض ففارق بلاده و سار إلي الشام ثم منها إلي مصر قاصدا السلطان و كانت نفس المذكور كبيرة جدا بسبب كبر أصله في المغل (المغول) و كبر منصبه و لم يكن له عقل يرشده … وصل المذكور إلي السلطان بالديار المصرية في العشر الأول من ربيع الأول فأنعم عليه السلطان الانعامات الجليلة و عرض عليه أمرة كبيرة و إقطاعا جليلا فأبي أن يقبل ذلك و أن يسلك ما ينبغي و اتفق أن الصلح قد انتظم بين السلطان و بين أبي سعيد. و كان أبو سعيد يكاتب و يطلب تمرتاش المذكور و انضم إلي ذلك ما بلغ السلطان عنه أنه أخذ أموال أهل بلاد الروم و ظلمهم الظلم الفاحش

فأمسكه السلطان و اعتقله في أواخر شعبان من هذه السنة. ثم حضر اباجي رسول ابي سعيد فبالغ في طلب تمرتاش المذكور فاقتضت المصلحة إعدامه فأعدم تمرتاش المذكور في 4 شوال من هذه السنة بحضرة اباجي رسول أبي سعيد. و في ابن بطوطة ما يوضح الأسباب أكثر … و قد مر الكلام علي ذلك …

و قد ذكر صاحب الدرر الكامنة عنه أنه كان شجاعا فاتكا إلا أنه خف عقله فزعم أنه المهدي فرده والده عن هذا المعتقد ثم ولاه أبو سعيد الحكم في بلاد الروم و كان جوادا مفرطا ثم وقع له بعد قتل أخيه دمشق خواجة خوف من أبي سعيد ففر إلي الناصر محمد فتلقاه بالإكرام و صيره أميرا، و كانت المهادنة بين الناصر و أبي سعيد فكتب أبو سعيد يطلب منه إرسال تمرتاش فامتنع من إرساله ثم أمر بقتله و إرسال رأسه و تأسف الناس عليه و أرسل الناصر يقول قد أرسلت لك رأس غريمك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 562

فأرسل إليّ رأس غريمي يعني قراسنقر فلم يصل الكتاب إلا بعد موت قراسنقر فكتب أبو سعيد إلي الناصر أنه مات حتف أنفه و لو كنت أنا قتلته لأرسلت لك برأسه. و كان قتل تمرتاش في شهر رمضان سنة 728 ه.

وفيات:
1- مدرس المستنصرية العاقولي (جامعه):

و هو الشيخ جمال الدين عبد اللّه بن محمد بن علي ابن العاقولي الواسطي الشافعي مدرس المستنصرية قال ابن قاضي شهبة في طبقاته مولده في رجب سنة 638 و سمع الحديث من جماعة و اشتغل و برع و قال ابن كثير درس بالمستنصرية مدة طويلة نحو 40 سنة و باشر نظر الأوقاف و عين لقضاء القضاة في وقت و أفتي من سنة سبع

و خمسين و إلي أن مات و ذلك إحدي و سبعون سنة و هذا شي ء غريب جدا و كان قوي النفس له و جاهة في الدولة كم كشفت به كربة عن الناس بسعيه و قصده و قال السبكي: ولي قضاء القضاة بالعراق، و قال الكتبي انتهت إليه رئاسة الشافعية ببغداد و لم يكن يومئذ من يماثله و لا يضاهيه في علومه و علو مرتبته و عين لقضاء القضاة فلم يقبل توفي في شوال ببغداد و له تسعون سنة و ثلاثة أشهر و دفن بداره و كان وقفها علي شيخ و عشرة صبيان يقرأون القرآن و وقف عليها أملاكه كلها.

و داره الآن جامع و لا يزال معروفا بهذا الاسم إلي اليوم (جامع العاقولية).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 563

2- ابن الدواليبي:
اشارة

هو عفيف الدين أبو عبد اللّه محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن البغدادي ابن الخراط الحنبلي مرت ترجمته منقولة عن عقد الجمان عند ذكر و فيات سنة 718 ه إلا أن المؤرخين الآخرين عينوا تاريخ وفاته في هذه السنة و يعرف بابن الدواليبي و ترجمته مبسوطة في الدرر الكامنة و في تذكرة الحفاظ و قد نعتوه بمسند العراق شيخ المستنصرية، ولد في ربيع الأول سنة 638 ه سمع من عجيبة و ابن أبي الخير و ابن قميرة و طائفة …

ابن الخراط الدواليبي:
اشارة

إن ترجمته ذكرت مكررة في هذا الكتاب و الصحيح أنه من وفيات هذه السنة قال في منتخب المختار:

«و محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن بن عبد الغفار البغدادي، أبو عبد اللّه بن أبي محمد الحنبلي الواعظ، عفيف الدين المعروف بابن الدواليبي و بابن الخراط. أجاز له جماعة.. كان شيخا صالحا، معمرا، مسندا … و له شعر حسن. ذهبت اثباته و اجازاته في واقعة بغداد …

تولي مشيخة دار الحديث المستنصرية. ولد سنة 638 ه ببغداد و توفي سنة 728 ه.» ا ه. باختصار.

و في الدرر الكامنة:

«كان حسن المحاضرة، طيب الاخلاق، أخذ عنه جمع منهم ابن الفوطي، و البرزالي، و عمر القزويني و آخرون … و انتهي إليه علو الاسناد ببغداد. و له نظم و كان ينظم (كان و كان) و غير ذلك …» ا ه.

3- قراسنقر:

مر الكلام علي وفاته و عمر جوامع و مساجد و كان ذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 564

فهم و دهاء و هرب إلي التتر فأقام عندهم محترما و أقطعوه مراغة و جاوز التسعين …

4- أحمد بن محمد بن إسماعيل الدبلي (التعجيزي):

و يعرف بالتعجيزي لحفظه كتاب التعجيز و كان ينظم الشعر بغير إعراب و لا تصور معني. و ذكر له صاحب الدرر الكامنة بعض النماذج. توفي في شعبان سنة 728 ه.

حوادث سنة 729 ه (1328 م)

رسول أبي سعيد:

في هذه السنة توجه إلي الرطبة رسول أبي سعيد و هو رسول كبير يسمي تمر بغا و حضر إلي السلطان و كان حضوره بسبب أن أبا سعيد سأل الاتصال بالسلطان و أن يشرفه السلطان بأن يزوجه ببعض بناته و وصل مع الرسول المذكور ذهب كبير لعمل مأكول و غيره يوم العقد فأجابه السلطان بجواب حسن و أن اللاتي عنده صغار و متي كبرن يحصل المقصود و عاد تمر بغا الرسول بذلك.

نائب الملك أبي سعيد:

في يوم الاثنين 17 جمادي الأولي سنة 729 ه استقر الشيخ حسن ابن عمة أبي سعيد أخت غازان و خربندا في منصب نائب الملك عوضا عن الأمير چوبان و هو منصب أمير الأمراء. و الشيخ حسن هذا هو زوج بغداد خاتون ابنة چوبان الذي رسم له بطلاقها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 565

وفيات:
1- الزريراتي البغدادي:

و هو الإمام تقي الدين أبو بكر عبد اللّه بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن أبي البركات بن أحمد الزريراني ثم البغدادي الحنبلي فقيه العراق و مفتي الآفاق ولد في جمادي الآخرة سنة 668 ه و سمع الحديث من إسماعيل ابن الطبال و خلائق و تفقه ببغداد علي جماعة منهم الشيخ مفيد الدين الحربي و غيره ثم ارتحل إلي دمشق فقرأ بها المذهب علي الشيخ زين الدين بن المنجا و الشيخ مجد الدين الحراني ثم عاد إلي بلده و برع في الفقه و أصوله و معرفة المذهب و الخلاف و الفرائض و متعلقاتها و كان عارفا بأصول الدين و بالحديث و بأسماء الرجال و التواريخ و باللغة و العربية و غير ذلك و انتهت إليه معرفة الفقه بالعراق. قال ابن رجب: انتهت إليه رياسة العلم ببغداد من غير مدافع و أقر له الموافق و المخالف و كان الفقهاء من سائر الطوائف يجتمعون به و يستفيدون منه في مذاهبهم و يتأدبون معه و يرجعون إلي قوله و يردهم عن فتاويهم و يذعنون له و يرجعون إلي ما يقوله حتي ابن مطهر شيخ الشيعة كان الشيخ يبين له خطأه في نقله لمذهب الشيعة فيذعن له و يوم وفاته قال الشيخ شهاب الدين عبد الرحمن بن عسكر شيخ المالكية: لم يبق

ببغداد من يراجع في علوم الدين مثله، و قرأ عليه جماعة من الفقهاء و تخرج به ائمة و أجاز الجماعة و ولي القضاء. توفي ببغداد ليلة الجمعة ثاني عشري جمادي الأولي و دفن بمقابر الإمام أحمد قريبا من القاضي أبي يعلي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 566

حوادث سنة 730 ه (1329 م)

وفيات:
1- وفاة أبي رزين ثابت بن أحمد بن ثابت الموصلي: السلامي.

سمع من يوسف ابن المجاور وحدث و كان رجلا عاقلا حج مرات.

مات بعد سنة 730 ه.

2- عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن نصر الموصلي:

الإمام نجم الدين ابن الشحام الشافعي ولد سنة 653 و تفقه ببلاده ثم قدم دمشق سنة 724 و ولي مشيخة خانقاه القصرين و درس بالجاروخية و الظاهرية البرانية و كان يعرف الفقه علي مذهب الشافعي و الطب. مات في ربيع الآخر سنة 730 ه.

3- محمد بن أسعد التستري:

عرف بالعلم و الفهم ثم ضعف بقلة الدين و الرفض و ترك الصلاة … و كان فقيها فائقا في الأصلين و المنطق و الحكمة و له شرح ابن الحاجب و البيضاوي و الطوالع و المطالع و الغاية القصوي قدم الديار المصرية سنة 727 فأقام بها قليلا ثم رجع فكان يصيف بهمذان و يشتي ببغداد مات سنة 730 ه و نيف.

4- المعافي الموصلي:

هو جمال الدين المعافي بن إسماعيل بن الحسين بن الحسن بن أبي السنان الموصلي. و كان فاضلا، عارفا بمذهب الشافعي و هو من طبقة الرافعي، و أجاز للتقي … و له من المصنفات:

1- الكامل في الفقه. جمع فيه بين الطريقين، و مشي فيه علي ترتيب التتمة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 567

2- كتاب انس المنقطعين.

3- «البيان في التفسير».

مات بالموصل سنة 730 ه و قد قارب الثمانين. و جاء في كشف الظنون في مادة الكامل في الفروع ما يخالف هذا.

5- مؤرخ مغولي:

في هذه السنة توفي فخر الدين أبو سليمان داود البناكتي. و بناكت مدينة من بلاد ما وراء النهر تقع في الجانب الايمن من نهر سيحون بجوار جدول ايلاق المسمي اليوم انكرن (اهنكران). و هذه البلدة خربها جنگيز و أعاد بناءها تيمور باسم (شاهرخية)، و اشتهر بالانتساب إليها هذا المؤرخ و كان شاعرا مفلقا أيام السلطان غازان و لقبه ب (ملك الشعراء).

و في أيام الجايتو لم ينل مكانة و لكنه استعاد منزلته في أيام أبي سعيد و قدم له تاريخه (روضة اولي الألباب) المذكور في حوادث سنة 717 ه في المستدركات. و تاريخه لا يزال موجودا. و كان عالما، فاضلا، أورد له دولتشاه السمرقندي مقطوعة من شعره و أثني عليه. و ترجمه مؤرخون كثيرون …

حوادث سنة 731 ه (1330 م)

وفاة علي بن إسحاق بن لؤلؤ:

علي بن إسحاق بن لؤلؤ الموصلي: هو علاء الدين ابن المجاهد بدر الدين صاحب الموصل ولد سنة 657 بالجزيرة و قدم القاهرة فسمع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 568

بها و قرر في الاجناد في القاهرة. مات في ربيع الآخر سنة 731 ه.

حوادث سنة 732 ه (1331 م)

وفيات:
1- الدجيلي:

سراج الدين أبو عبد اللّه الحسين بن يوسف بن محمد بن أبي السري الدجيلي ثم البغدادي الفقيه الحنبلي المقري ء الفرضي النحوي الأديب ولد سنة 664 ه و سمع الحديث ببغداد من إسماعيل بن الطبال و مفيد الدين الحربي الضرير و ابن الدواليبي و غيرهم و بدمشق من المزي و الحافظ و غيره و له اجازة من الكمال البزاز و جماعة من القدماء و عني بالعربية و اللغة و علوم الأدب و تفقه علي الزريراني و كان في مبدأ أمره يسلك طريق الزهد و التقشف البليغ و العبادة الكثيرة ثم فتحت عليه الدنيا و كان له مع ذلك أوراد و نوافل و صنف كتاب الوجيز في الفقه و عرضه علي شيخه الزريراني و صنف كتاب نزهة الناظر و كتاب تنبيه الغافلين و غير ذلك. توفي ليلة السبت سادس ربيع الأول و دفن بالشهيد قرية من أعمال دجيل.

2- أبو الفداء:

السلطان الملك المؤيد إسماعيل ابن الملك الأفضل علي صاحب حماة مؤلف التاريخ المعروف بتاريخ أبي الفداء و له تصانيف أخري مثل نظم الحاوي و تقويم البلدان … و قد مر وصف تاريخه و هو عمدة في أخباره إلا أن الأعلام لم تضبط و قد لعبت بها أيدي النساخ اعتمد علي تاريخ المنشي ء النسوي المعروف بالمنكبرتي في تاريخ المغول و علاقاتهم بخوارزم شاه و قد طبع هذا المأخذ فكان خير مكمل لتاريخ أبي الفداء … و ترجمته في كتاب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 569

أبي الفداء ص 108 و في ابن الوردي و غيرهما …

3- مدرس المستنصرية: العلّامة شهاب الدين أبو أحمد عبد الرحمن بن محمد بن عسكر المالكي البغدادي مدرس المستنصرية

و له مصنفات في الفقه و كان حسن الأخلاق ولد سنة 644 ه بباب الازج و بلغ 88 سنة. قال في الدرر و تعاني التصوف … و صنف عمدة السالك و الناسك و غير ذلك مات في شوال سنة 732 ه و هو والد الفقيه شرف الدين أحمد بن عبد الرحمن الذي درس بعده و في منتخب المختار ايضاح اكثر. قال: «عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي المالكي أبو محمد و أحمد الملقب شهاب الدين مدرس المستنصرية.

سمع من عماد الدين بن ذي الفقار محمد بن أشرف العلوي … سمع منه شيخنا أبو العباس أحمد بن محمد الكازروني. و كان صاحب أخلاق حسنة و تواضع علي طريق الصوفية يوافقهم في السماع، محبوبا إلي الطوائف من لطفه، و ترك الناموس في المركوب و الملبوس و سافر كثيرا و دخل اليمن. و له مصنفات في المذهب و غيره، منها جامع الخيرات و الأذكار و الدعوات، و المعتمد في الفقه، و شرحه، و عمدة الناسك و إرشاد السالك، و العدل في شرح العمدة،

و الإشارة، و النور المقتبس..

مولده في المحرم سنة 644 ه بمحلة البصلية بباب الازج. و توفي يوم الخميس 11 من شوال سنة 732 ه.» ا ه.

4- تقي الدين إبراهيم الجعبري:

هو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم ابن خليل بن أبي العباس الجعبري الخليلي. و كان يقال له شيخ الخليل، و لقبه ببغداد تقي الدين و بغيرها برهان الدين و يقال له أيضا ابن السراج و اشتهر بالجعبري و استمر علي ذلك. سمع في صباه سنة نيف و أربعين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 570

من كمال الدين محمد بن سالم المنبجي ابن البواري قاضي جعبر …

و رحل إلي بغداد بعد الستين فسمع بها من الكمال ابن وضاح و العماد بن أشرف العلوي و عبد الرحمن ابن الزجاج و غيرهم. تلا بالسبع علي الوجوهي علي بن عثمان بن عبد القادر صاحب الفخر الموصلي و سكن دمشق مدة ثم ولي مشيخة الخليل إلي أن مات بها و صنف نزهة البررة في القراءات العشرة و شرح الشاطبية و شرح الرائية و التعجيز من نظمه في النثر و له عروض و مناسك إلي غير ذلك من التصانيف المختصرة التي تقارب المائة. مات في رمضان سنة 732 و قد جاوز الثمانين.

5- سوتاي التتري:

هو النوين الحاكم علي ديار بكر ولد في حدود سنة 640 أو قبلها و حضر واقعة بغداد و كان أمير آخور عند ابغا ملك التتار معظما عند جميع ملوكهم ثم تولي أمرة ديار بكر بعد وفاة النوين ابك (ايبك) و استمر بها إلي أن مات قرب الموصل سنة 732 و يقال إنه بلغ المائة و رأي أربعة بطون من أولاده و أولادهم حتي انافوا علي الأربعين و كان قد أضر قبل موته بسنوات. قال ابن حبيب في ترجمته: كان محببا إلي الرعية له حزم و سياسة و عمر طويلا.

و خلفه ابنه طغاي فحاربه علي باشا خال أبي سعيد فلم

يزل يقاومه حتي قتل علي ثم قتله إبراهيم شاه أخو علي سنة 743 و كان ردءا للمسلمين في مدافعة التتر.

حوادث سنة 733 ه (1332 م)

وفيات:
1- الشيخ علي الواسطي:

هو الإمام القدوة الولي الشيخ علي بن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 571

الحسن الواسطي الشافعي كان من أعبد البشر و مات ببدر محرما قاله في العبر. و ترجمه في الدرر الكامنة قال: و كان متعبدا متجمعا، له كرامات و أحوال و كان كبير الشأن منقطع القرين منجمعا عن الناس و له كشف و حال و له محبون يتغالون في تعظيمه و كان علي طريقة السلف في العقيدة …

2- الدقوقي شيخ المستنصرية:

هو تقي الدين أبو الثناء بن علي ابن محمود بن مقبل بن سليمان بن داود الدقوقي ثم البغدادي الحنبلي المحدث الحافظ ولد سنة 663 ه و سمع الكثير بإفادة والده من عبد الصمد بن أبي الجيش و علي بن وضاح و ابن الساعي و عبد اللّه بن بلدجي و عبد الجبار بن عكبر و غيرهم و أجاز له جماعة كثيرة من أهل العراق و الشام ثم طلب بنفسه و قرأ ما لا يوصف كثرة و كان يجتمع عنده في قراءة الحديث آلاف و انتهي إليه علم الحديث و الوعظ ببغداد و لم يكن بها في وقته أحسن قراءة للحديث منه و لا معرفة بلغاته و ضبطه ولي مشيخة المستنصرية و له اليد الطولي في النظم و النثر و إنشاء الخطب و كان لطيفا حلو النادرة مليح الفكاهة ذا حرمة و جلالة و هيبة و منزلة عند الأكابر و جمع عدة أربعينات في معان مختلفة و له كتاب مطالع الأنوار في الأخبار و الآثار الخالية عن السند و التكرار، و كتاب الكواكب الدرية في المناقب العلوية و تخرج به جماعة في علم الحديث و انتفعوا به و سمع منه خلق و حدث عنه طائفة و توفي يوم

الاثنين بعد العصر في العشرين من المحرم ببغداد رحمه اللّه تعالي و ما خلف درهما.

3- أثير الدين محمود بن يحيي بن عمر بن أبي الحسن التميمي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 572

الموصلي: ثم الدمشقي (ابن المرحل) ولد سنة 66 و سمع من ابن عبد الدائم و ابن أبي اليسر وحدث. سمع منه العز ابن جماعة و البدر النابلسي. مات في 14 شوال سنة 733 ه.

حوادث سنة 734 ه (1333 م)

وقائع بغداد:

و مما جري ببغداد في هذه السنة أن الزمت النصاري و اليهود بالغيار، ثم نقضت كنائسهم و دياراتهم، و أسلم منهم و من أعيانهم خلق كثير … منهم سديد الدولة و كان ركنا لليهود، عمر في زمن يهوديته مدفنا له خسر عليه مالا طائلا فخرب مع الكنائس و جعل بعض الكنائس معبدا للمسلمين و شرع في عمارة جامع بدرب دينار و كان بيعة كبيرة جدا …

و أطلق ببغداد مكس الغزل، و ضمان الخمر، و الفاحشة و أعطيت المواريث لذوي الأرحام دون بيت المال، و خفف كثير من المكوس …

وفيات:
1- وفاة سيف الدين الجيلي:

في هذه السنة توفي الشيخ سيف الدين يحيي بن أحمد بن أبي نصر محمد بن عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجليي بحماه. و كان شهما سخيا. رحمه اللّه (أبو الفداء).

2- أبو الهدي محمد بن مقلد بن النصير التكريتي القرافي:

و يعرف بابن الصائغ. سمع من العز الحراني وحدث و كان مقيما في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 573

القرافة. مات في ذي الحجة سنة 734.

3- سراج الدين ابن الكويك:

هو عبد اللطيف بن أحمد بن محمود بن أبي الفتح التكريتي التاجر الاسكندراني الربعي. ولد سنة 659 (660) و تفقه للشافعي و مهر و رحل إلي الشام فسمع بها و كان من الرؤساء الكبار و بني مدرسة بالثغر قال صاحب الدرر هو جد شيخنا أبي الطاهر محمد بن محمد بن عبد اللطيف و أنجب هو أبا جعفر و أبا اليمن مات سنة 734 ه.

حوادث سنة 735 ه (1334 م)

وفيات:
1- مدرس البشيرية ابن عكبر البغدادي:

هو نصير الدين أحمد بن عبد السلام بن تميم بن أبي نصر بن عبد الباقي بن عكبر البغدادي المعمر الحنبلي سمع الكثير من عبد الصمد بن أبي الجيش و ابن وضاح و هذه الطبقة وحدث و سمع منه خلق و تفقه و أعاد بالمدرسة البشيرية للحنابلة و أضر في آخر عمره و انقطع في بيته و كان يذكر أنه من أولاد عكبر الذي تاب هو و أصحابه من قطع الطريق لرؤيته عصفورا ينقل رطبا من نخلة إلي أخري حائل فصعد فنظر حية عمياء و العصفور يأتيها برزقها فتاب هو و أصحابه ذكره ابن الجوزي في صفوة الصفوة: توفي صاحب الترجمة في جمادي الأولي ببغداد عن خمس و تسعين سنة.

2- مهنا بن عيسي أمير العرب:

هو حسام الدين مهنا. و قد مر الكلام عرضا عن تاريخ وفاته: و قد قال عنه صاحب الدرر الكامنة بما نصه:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 574

«مهنا بن عيسي بن مهنا بن مانع بن حديثة بن عصية بن فضل بن ربيعة التدمري أمير آل فضل من بني طيي ء. ولد بعد سنة 650 و كانت أولية هذا البيت من أيام اتابك زنكي. و كان مري بن ربيعة أخو فضل أمير عرب الشام أيام طغتكين و كان مهنا يلقب حسام الدين و كان ابن عمه أبو بكر بن علي بن حديثة أميرا علي العرب فاتفق أن الظاهر بيبرس قبل السلطنة رمته الليالي في بيوتهم فطلب من ابن علي فرسا فلم يعطه فرآه عيسي بن مهنا فتوسم فيه فضمه إليه و أعطاه فرسا و بالغ في إكرامه.

فلما تسلطن انتزع الامرة من أبي بكر و أعطاها لعيسي ثم تأمر ولده مهنا هذا في أيام المنصور قلاوون و كان معظما

خليقا بالأمرة … (ثم ذكر علاقته مع آل مري و كان رئيسهم أحمد بن حجي أمير آل مري و أوضاعه مع حكومة سورية و مصر … و صار لم يطمئن هو و قومه فقال):

و تجهزوا إلي خربندا و كتب مهنا (هذا) إلي خربندا فقابلهم بالإكرام، و خلع علي سليمان بن مهنا و جهز لمهنا معهم أموالا جمة و خلعا و اعطاه البلاد الفراتية و بلغ الناصر فغضب و أعطي الامرة لأخيه فضل فتوجه مهنا إلي خربندا فأكرمه و قرر معه أمر الركب العراقي فأعطاه مهنا عصاه خفارة لهم وجهد الناصر أن يحضر إليه مهنا فصار يسوق به من وقت إلي وقت آخر و في طول المدة يرسل إخوته و أولاده و الناصر ينعم عليهم بالأموال و الاقطاعات … إلي أن كان في سنة 733 فتوجه مهنا من قبل نفسه إلي الناصر فأكرمه إكراما زائدا ورده علي أمرته إلي أن مات في ذي القعدة سنة 735 ه. قال الذهبي:

كان مهنا و قورا متواضعا لا يحفل بملبس، دينا، حليما ذا مروءة و سؤدد. و له من الأولاد موسي تأمر بعده و سليمان و أحمد و فياض و جبار و قارا و سعنة (كذا) و غيرهم.» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 575

3- البرزالي البغدادي: (مدرس المستنصرية):

هو شمس الدين أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن محمود بن قاسم ابن البرزالي البغدادي الفقيه الحنبلي الأصولي الأديب النحوي قرأ الفقه علي الشيخ تقي الدين الزريراني و كان إماما متقنا بارعا في الفقه و الأصلين و العربية و الأدب و التفسير و غير ذلك و له نظم حسن و خط مليح درس بالمستنصرية بعد شيخه الزريراني و كان من فضلاء أهل

بغداد و كذلك كان والده أبو الفضل إماما مفتيا صالحا توفي أبو عبد اللّه ببغداد في هذه السنة.

4- همام (هلال) بن صالح:

بن همام بن صالح البغدادي ثم الصالحي أبو الحارث المؤدب سمع من الفخر مشيخته تخريج ابن الظاهري وحدث. سمع منه الذهبي مات في 19 ربيع الآخر سنة 735 ه.

وقائع سنة 736 ه (1335 م)

وفاة السلطان أبي سعيد
اشارة

وفاة السلطان: في هذه السنة بتاريخ 13 ربيع الآخر توفي السلطان أبو سعيد فخلفه السلطان ارباخان … مات بلا عقب …

ترجمته:

وصفه مؤرخون كثيرون و أطنبوا و قد مر من أعمال في العراق و غيره ما يبين عن حكمة و قدرة … و قال عنه في تاريخ أبي الفداء:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 576

«مات القاآن أبو سعيد بن خربنده … صاحب الشرق و دفن بالمدينة السلطانية و له بضع و ثلاثون سنة و كانت دولته عشرين سنة و كان فيه دين و عقل و عدل و كتب خطا منسوبا و أجاد ضرب العود …» ا ه.

و مثله في تاريخ ابن الوردي. و جاء في الشذرات أن فيه رأفة و ديانة و قلة شر، و أنه هادن سلطان الإسلام (ملك مصر). و ألقي مقاليد الأمور إلي وزيره ابن الرشيد، و قدم بغداد مرات، و أحبه الرعية. توفي بالازد (صحيحها بالأردو كما يأتي) و نقل إلي السلطانية فدفن بتربته و له بضع و ثلاثون سنة …

و جاء في الدرر الكامنة عنه ما نصه:

«أبو سعيد بن خربندا بن ارغون بن ابغا بن هلاوون (هذا يوافق كتابة اسمه في التواريخ الصينية و المغلية كما قال كرنكو عند تعليقه علي هذا اللفظ في الدرر) المغلي صاحب العراق و الجزيرة و خراسان و الروم.

قال الصفدي: الناس يقولون أبو سعيد بلفظ الكنية لكن الذي ظهر لي أنه علم ليس في أوله ألف فإني رأيته كذلك في المكاتبات التي ترد منه إلي الناصر هكذا (بو سعيد). و كان أبو سعيد مسلما حسن الإسلام جيد الخط جوادا عارفا بالموسيقي مبغضا في الخمر اراق منها خزانة كبيرة و كان يرغب في الدخول في الإسلام و هو آخر بيت هلاوون انقضوا بهلاكه. و أقام في الملك عشرين سنة. و كان قبل موته بسنة قد أرسل الركب العراقي إلي مكة فسلم الركب

فلما كان في السنة المقبلة جهزهم أيضا فنهبهم العرب فسأل عن السبب في ذلك فقيل له إن هؤلاء أقوام يقيمون في البراري ليس لهم رزق إلا ما يتخطفونه فقال نحن نجعل لهم من بيت المال مقدارا يكفيهم و يكفون عن الحاج و رتب ذلك و أمر به

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 577

فمات في تلك السنة و كانت وفاته بالأردو في ربيع الآخر سنة 737 و تأسف الناصر عليه لما بلغه موته» ا ه و ذكره لتاريخ الوفاة غير صحيح فإن المؤلف نفسه ذكر وفاة بغداد خاتون بعد السلطان سنة 736 كما سيجي ء النقل عنه قريبا. و زاد في حرف السين:

«كان يكتب خطا منسوبا، و يجيد ضرب العود و أبطل مكوسا كثيرة و قد اختتن و هدم الكنائس ببغداد. و أكرم من يسلم من أهل الذمة و هادي الناصر و هادنه و عمرت البلاد و قتل الذي أقيم بعده، بعد شهور و قتل وزيره محمد بن الرشيد و كان الذي يحمله علي عمل الخير. و كان موته بأذربيجان في شهر ربيع الآخر سنة 736 ه و نقل إلي تربته بالسلطانية و دفن بها.» ا ه.

و في عقد الجمان ما نصه: فيها- سنة 736- السلطان أبو سعيد ملك البلاد الشرقية مات في الباب الجديد و كان متوجها لملتقي ازبك خان لأنه وقع بينهما بسبب الشيخ حسن بن چوبان لأنه كان قد هرب و لحق بأزبك خان و ذلك حين وقع بين چوبان و بين أبي سعيد كما ذكرنا ثم نقل أبو سعيد إلي تربته التي انشأ بالقرب من المدينة السلطانية، و حين توفي كان عمره 30 سنة، و كان شابا، حسن الصورة عديم النظير مقربا

لذوي العلم و الدين، و كان يكتب خطا منسوبا، و يعرف علم الموسيقي جيدا، أحكم أمر دولته و أبطل كثيرا من المكوس، و عدم عدة من الكنائس و كان يلعب بالعود غاية ما يكون، و تولي عوضه بالبلاد الشرقية أرباكاوون و هو دهون ذرية جنگيزخان فلم تطل أيامه …» ا ه.

و تلخص حياته في السلطنة أنه كان في بادي ء الأمر مغلوبا علي يده بسبب تسلط الأمير چوبان عليه و علي الأمراء الخارجين عليه و قضائه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 578

علي المناوئين و قسم المملكة بين أولاده و جعل الأمير چوبان وزيره الملازم له ابنه الخواجة دمشق … فكان لهذا وقع كبير في نفسه إذ شعر بالوطأة الشديدة فلم يطق الصبر عليها، و لا بالي بالمخاطر … و مهما كان السبب الظاهري فالغرض القضاء علي سيطرة چوبان و أولاده فكان ما كان مما مر بيانه و استورز الخواجة محمد غياث الدين ابن الوزير الخواجة رشيد الدين فكان لإدارته خير وقع في النفوس فانتظم أمر المملكة و اتسعت الأحوال و لم يبق لأحد ما تدخل في الحكم من الرعايا و العسكر و البلاد سوي حكم السلطان و الوزير … فأمن الرعايا أيام وزارته أمنا لم يروا مثله ابدا، و لا شاهدوا نظيره من كثرة الخيرات، و رخص الاسعار، و انتظام أمور المملكة في جميع أيام المغول …

و الأوضاع الخارجية مع المصريين خاصة علي أحسن ما يرام و قد أوسعنا القول عنها فيما مضي …

و كان السلطان من نوادر الشعراء. توفي بمرض الصرع، و علي ما قص آخرون أنه سمته زوجته بغداد خاتون بمنديل مسموم تمسح به بعد الجماع لأنه تزوج عليها دلشاد خاتون … و

قد ذكره ابن خلدون و ابن الوردي و صاحب تاريخ كريده و صاحب كلشن خلفاء و غير هؤلاء من معاصرين و غير معاصرين … و أخص بالذكر صاحب ذيل جامع التواريخ فإنه أتم به باقي سلاطين المغول و أوسع القول عن السلطان أبي سعيد و والده و اعتمد في الغالب علي أبي القاسم عبد اللّه القاشاني و كان كتبه بأسلوب سهل الأخذ، و فيه تفصيل إلا أن حظ العراق منه قليل …

و الغريب أني لم أجد له للأصل ترجمة تركية بخلاف التواريخ الأخري فقد رأيت غالبها مترجما.

و قد مر في حوادث 727 من التفصيلات عن قضية تزوج السلطان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 579

ببغداد خاتون و أنها سمته فقتلت و هنا نقول جاء في الدرر الكامنة أن بغداد خاتون بنت النوين چوبان زوج أبي سعيد كانت أولا زوج الشيخ حسن و كان أبو سعيد يعشقها و كان أبوها يفهم ذلك فلا يمكنها من دخول الأردو فلما هرب چوبان و قتل أخوها و هرب الآخر إلي مصر اغتصبها أبو سعيد من زوجها و صارت عنده في أعلي مكانة و يقال إنه لم يكن في تلك البلاد أحسن منها و صار لها في جميع الممالك الكلمة النافذة و كانت تركب في مركب حفل من الخواتين و تشد في وسطها السيف فلم تزل علي علو منزلتها إلي أن مات أبو سعيد فقتلت بعده و ذلك سنة 736 ه.

ملحوظة:

سيأتي الكلام عن الوزير في عهد ارپاخان الذي ولي السلطنة بعد السلطان أبي سعيد و في ذلك إيضاح لأيام وزارته جميعها …

وفيات:
1- توفي المسند الرحلة أبو الحسن علي بن محمد بن ممدود بن جامع البندنيجي البغدادي الصوفي

سمع صحيح مسلم من الباذيني البغدادي و جامع الترمذي من العفيف بن الهيتي و أجاز له جماعات و تفرد و أكثروا عنه و توفي بالسميساطية في المحرم عن 92 سنة.

2- قطب الدين الأخوين و اسمه محمد بن عمر التبريزي الشافعي

قاضي بغداد سمع شرح السنة من قاضي تبريز محيي الدين و كان ذا فنون و مروءة و ذكاء و كان يرتشي و عاش 68 سنة قاله في العبر. و في الدرر الكامنة تفصيل عنه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 580

3- معتقل بن فضل بن عيسي أمير العرب:

ساق في الدرر الكامنة نسبه معتقل بن فضل بن عيسي بن مهنا بن مانع بن حديثة أمير العرب من آل فضل ولي الامرة شريكا لابن عمه زامل و كان محبوبا إلي الناس حسن السيرة. مات بأرض يرقع من بلاد الشام سنة 736 ه و قد قارب السبعين.

4- أحمد بن محمد بن أحمد السمناني:

و يلقب بعلاء الدين (علاء الدولة) و ركن الدين ولد في ذي الحجة سنة 59 و تفقه و طلب الحديث و سمع من الرشيد بن أبي القاسم و غيره و شارك في الفضائل و برع في العلم و اتصل بارغون بن ابغا … صحب ببغداد الشيخ عبد الرحمن و خرج عن ماله و حج مرارا و له مدارج المعارج … كان يحط علي ابن العربي و يكفره و كان مليح الشكل، حسن الخلق غزير الفتوة كثير البر … أخذ عنه صدر الدين بن حمويه و سراج الدين القزويني و إمام الدين علي بن مبارك البكري و ذكر أن مؤلفاته تزيد علي ثلثمائة و كان أولا قد داخل التتار ثم رجع و سكن تبريز و بغداد: مات في رجب ليلة الجمعة سنة 736 ه.

السلطان ارباخان من 13 ربيع الآخر سنة 736 إلي غرة شوال سنة 736 ه
سلطنته:

ولي السلطنة بعد وفاة السلطان أبي سعيد و هو ارپاخان ابن آريق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 581

بوقا من أولاد تولي خان و من حين جلوسه ثارت الفتن و توالت علي المملكة الإحن و القلاقل … و ذلك أنه لما تحقق ازبك خان موت السلطان أبي سعيد من غير وارث قام للمطالبة بالمملكة و قصد أن يحوزها فسار إليها بجيش لا يحصي …

و كذا والي بغداد علي باشا أمير الأويرات حينما سمع بموت السلطان أبي سعيد نهض للمطالبة و سار يدعو له … و كان بين هذا الوالي و بين الوزير غياث الدين محمد كره شديد و بغضاء فإنه بعد قتل چوبان كان يتوقع أن يكون حاكما في ايران فمشي بعد وقعة الچوبان إلي السلطان أبي سعيد فرأي الوزير ما يظهر من الأويرات من الاطماع و الآمال، و أنهم شديد و

المراس علي من يريد إصلاحهم … فسعي لإبعادهم عن حضرة السلطان و دفعهم عما كانوا عليه من المنزلة فصدر أمر السلطان أبي سعيد إلي علي باشا مع جماعة الأمراء أن يتوجهوا إلي خراسان ليصدوا غائلة عسكر كان قد خرج عليهم هناك … فذهبوا إلي السلطانية ثم ندموا علي خروجهم من (الاردو)، و رأوا ان الوزير أبعدهم فشق عليهم ذلك و بقوا في السلطانية و هموا بالرجوع.. فلم يجبهم إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 582

ذلك و أكد عليهم في السير إلي خراسان فعظم عليهم أن يرجعوا عن قصدهم و عزموا أن يدخلوا الأردو و يوقعوا بالوزير … فلما و صلوا إلي قرب الأردو باوجان انفذت والدة السلطان إلي علي باشا تخبره أنه إن رجع قتل لا محالة … فخاف جماعة الوزير و أكثر الخواجكية فهربوا بما عز عليهم من الأموال عن مخيم الوزير إلي الجهات الأخري …

أما علي باشا فإنه لما سمع كلام أخته رجع إلي مصيفه خائبا و تفرقت العساكر عنه و إثر هذه الحادثة بقي في نفسه الألم و الغيظ حتي توفي السلطان أبو سعيد ثم علم بنصب ارپاخان سلطانا و تيقن أن الجماعة الذين كانوا معه كانوا متفقين معه علي الوزير و وجدهم مائلين عن اولئك فأظهر حنقه لما فعله الوزير و خالفه في الرأي و كاتب الجماعة المذكورين و أبدي لهم ما كان منه من عدم الرضا …

ثم إن علي جعفر الذي كان أمير الجيش و هو ابن وفادار بن ايريختن لم يكن متوسما في الوزير خيرا و إنما اتفق مع بغداد خاتون (عمة دلشاد خاتون) فهرب علي جعفر مع دلشاد خاتون حين أمر السلطان ارپاخان بقتل بغداد خاتون التي

دعت إلي فتن كبيرة و إلي ارتباك الأحوال و اضطرابها … و التجأ إلي علي باشا و الي بغداد ففرح علي باشا بهما فرحا عظيما و أشاعوا أن دلشاد خاتون زوجة السلطان أبي سعيد و بنت دمشق خواجة حامل من السلطان أبي سعيد و أخذها علي باشا و نزل بها علي العراق و أظهر أن الحكومة للولد الذي هو حمل دلشاد خاتون من أبي سعيد سواء كان ذكرا أو أنثي …

و استولي علي العراق و حكم علي الخواجة عز الدين معروف و شيخ زاده ابن السهروردي الذي كان هو ختن الوزير (زوج اخته).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 583

و كان الوزير ختنه (زوج أخته) و ضيق علي جميع أكابر بغداد و طلب منهم مالا كثيرا بحيث إن الرجل منهم إذا ظن فيه أنه يملك ألف دينار طلب منه ألف دينار. ثم بعد مصادرة هؤلاء الأكابر و الأعيان و أخذ أموال جميع البلاد انضم إلي هؤلاء لفيف من المفسدين و المعتدين و كل المتمردين و انقطعت بذلك الدروب و خيفت السبل و سدت الطرقات و صار كل واحد يتوقع المهالك و يترقب المصائب …

و في هذه الآونة صال السلطان ازبك علي المملكة بجيشه طامعا في السيطرة كما أن علي باشا قصد العاصمة لعين الغرض و بأمل الاستيلاء. فرأي الوزير أن دفع السلطان ازبك اولي بالاهتمام فلا جرم أن ارپاخان توجه بعساكره الجمة و تقدم نحو جيش ازبك فأنفذ هذا شيخ زاده بن پروانه إلي الوزير للمفاوضة معه في الأمر. و قال له:

إننا من نسل جنگيزخان و نحن من عصبة أبي سعيد و قد توفي و ليس له وارث غيرنا فميراثه يعود لنا فكيف تمنعوننا إرثه و

تسلمون مملكته إلي غيرنا و تجلسونه علي سرير الملك ظلما و أنتم تعلمون؟!

فقال الوزير:

أما قولكم عن ازبك فأظهر من الشمس. و أما صلاح نفسه و سلامة نيته فأبين ما يكون و اتصال نسبه بجنگيزخان معلوم لا شك فيه و لا شبهة و لكن جنگيزخان في حال حياته قسم مملكته علي أولاده فصارت تلك الممالك بأسرها إلي السلطان ازبك و أصوله فانحصرت فيهم و هي لا تزال بأيديكم لا ينازعكم فيها أحد إلا ظلما و عدوانا. و أما هذه المملكة فإنها لأولاد تولي خان وصلت الآن من السلطان بعهد منه و وصية فلا يجوز للسلطان ازبك أن ينازعهم فيها و علي كلّ الخصم حاضر مطاع في ملكه مقبول القول في عسكره، له شوكة و قوة فلا يمكنني أن أواجهه بذلك و إنما اتكلم بما جري فضولا …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 584

فلما سمع شيخ زاده البروانه هذا الكلام و رأي لهم الاستعداد و الأهبة رجع خائفا و عرض علي السلطان ازبك مقالة الوزير و حينئذ تحقق له ما حكاه شيخ زاده بن بروانه و لاحت له الآراء الصائبة فعلم أن لا مصلحة له في التعرض بهذه الممالك فقفل راجعا …

و كان أرسل السلطان ارپاخان حملة من عساكره عليهم فلم يجدوا لهم أثرا و رجع السلطان و الوزير و الأمراء و العساكر بنشوة حسن السمعة و السلامة … تحقق ذلك كله لعلي باشا و علمت دلشاد خاتون أن طائفة الأويرات صاحبة اطماع و شرور و أنها إذا ظفرت بالملك أخربت العالم فكرهت أن تجعل نفسها سببا لهلاك الناس فأبدت أنها لم تكن حاملا من السلطان أبي سعيد و تنحت عن الدخول في هذا الأمر و ركوب معمعته

فلما رأي علي باشا أن هذه الخاتون قد تنصلت منه و خافت العاقبة دعا إليه شخصا نساجا من المغول المقيمين شتاء حول دقوقا و أعلن أنه من نسل بايدوخان و سماه (موسي خان) و تابعه هو و من معه من الأمراء و أجلسه علي تخت السلطنة و حينئذ سمع الوزير بفعله فأنكره و أنفذ إليه رسائل يعظه بها و يحذره و يرغبه في الدخول في طاعة السلطان و وعده بمواعيد حسنة فما بالي و أصر علي النزاع ثم توجه نحو اردو السلطان ارپاخان و الوزير بعساكره وجهوا للقائه فتقاربوا في حدود حقو قريبا من بلدة مراغة.

فلما شاهد موسي خان تلك العساكر العظيمة و الرايات السلطانية خاف خوفا شديدا. أما علي باشا فقد كاتبه جماعة من الأمراء الذين مع السلطان مثل أميرزاده محمود و الأمير اكرنج و سلطان شاه و هؤلاء فكروا أن أرباخان رجل حاد و فيه صلابة و أن الوزير لا يدع لأحد منهم مجالا يرفع فيه رأسا و أنهم إذا عدلوا إلي علي باشا يكونون حكاما و الأمر لهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 585

و لا يمكن أن يخالفهم أحد فتباعد علي باشا و موسي خان من محاذاة عسكر ارپاخان فظنوا أنهم قد هربوا … و لما تحقق الوزير و من معه قصدهم ارادوا أن يتداركوا الأمر فعسر عليهم و رأوا أن أكثر عساكرهم قد التحق بعسكر علي باشا و موسي خان فانكسر باقي العسكر و قبض القوم علي ارپاخان و علي الوزير فقتلا و صفا الملك للسلطان موسي خان و آلت الوزارة لعلي باشا و كان مدة حكم ارپاخان ستة أشهر.

و جاء في الشذرات:

«و فيها- سنة 736- توفي القاآن ارپاخان الذي تسلطن بعد أبي

سعيد ضربت عنقه صبرا يوم الفطر و كانت دولته نصف سنة خرج عليه علي باشا (كذا) و القاآن موسي فالتقوا فأسر المذكور و وزيره الذي سلطنه محمد بن الرشيد الهمذاني و قتلا صبرا و كان المصاف في وسط رمضان …

و جاء في الدرر الكامنة عنه ما نصه:

«اربكوون (اربكووت) أو (ارپاخان) المغلي من ذرية جنگيزخان.

كان أبوه قتل فنشأ هذا جنديا في غمار الناس. فلما مات أبو سعيد نهض الوزير محمد بن رشيد الدولة. فقال هذا الرجل من عظماء القاآن فبايعه العسكر و ولي السلطنة بعد القاآن أبي سعيد فظلم و عسف و قتل الخاتون بغداد بنت چوبان زوج أبي سعيد و كان علي باشاه بالجزيرة فلم يدخل في الطاعة و أخذ بغداد و أحضر موسي بن علي بن بايدو بن ابغا ابن هلاكو و سلطنه و عمل بين الفريقين مصاف فاستظهر ابن علي بابه (علي بابه أو باشاه) و قتل الوزير صبرا في 8 رمضان و قتل ارپكون في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 586

شوال من سنة 736 و كانت مدة سلطنته خمسة أشهر أو ستة و استقر موسي الذي سلطنوه نحو ثلاثة أشهر.» ا ه.

و أكثر المؤرخين سماه أرپا خان علي خلاف ما جاء في الدرر الكامنة … و في تاريخ مفصل ايران كسائر الكتب الايرانية الأخري أن اسمه (ارپاگاون) و أنه حدث المصاف في ساحل نهر چغاتو في 17 رمضان سنة 736 ه فانهزم جيش السلطان فقتل هو و وزيره بالوجه المشروح …

و ليس لهذا السلطان من الحكم ما يستدعي الإطالة بترجمة حاله و حكمه فمن حين صار ملكا إلي أن قتل هو في نزاع داخلي و خارجي و قد تغلب علي المملكة كثيرون و تقسمت الأهواء فيها شيعا

علي ما سنتعرض له … سوي أننا نقول قد انقرضت به في الحقيقة حكومة المغول و تقلص ظلها من بغداد خاصة و بعد أمد قليل امحت من سائر الأطراف بهلاك موسي خان …

ترجمة غياث الدين محمد الوزير:
اشارة

مر أنه قتل صبرا مع السلطان ارپاخان في 8 رمضان أو يوم الفطر سنة 736 ه و هذا الوزير من خير وزراء المغول قام مقام أبيه و قد و في الوزارة حقها … و ذلك أنه لما توفي تاج الدين علي شاه حتف أنفه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 587

مقطع من مرقد الجايتو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 588

و لم يمت في عهد المغول وزير كذلك و كان قد توفي في اوجان في اواخر جمادي الآخرة عام 724 ه اضطربت أمور الوزارة و تشوشت الإدارة … فجعلت لنصرة الملك الملقب بصائن وزير و هذا ساءت إدارته في نظر الچوبان … و هكذا استفاد من هذه الفرصة الأمير چوبان سنة 725 فغير قلب السلطان عليه لما شعر منه ما لا يرضاه و من ثم عين ابنه دمشق خواجة وزيرا في كافة الأمور و دام فيها إلي أن قتل ليلة 5 شوال سنة 727 ثم قتل ابنه الآخر تمر تاش بمصر و قتل الأمير حسن في مملكة أوزبك و الشيخ محمود في كرجستان بيد الجيش …

و من ثم و بعد قتلة دمشق خواجة أحيلت الوزارة للخواجة غياث الدين محمد و أشرك معه الخواجة علاء الدين ابن الخواجة عماد الدين و لقب هذا ب (وزير نيكو) إلا أنه لم تطل أيامه فجعل في ايران بلقب (مستوفي الممالك) فصارت الوزارة خالصة للوزير غياث الدين محمد …

و هذا دامت وزارته من تاريخ القضاء علي دمشق خواجة

كل أيام السلطان أبي سعيد الباقية و إلي آخر أيام ارپاخان.

و كانت إدارته من أحسن الإدارات و خير عهد للمغول فكانت خالصة بيد السلطان و في ادارة وزيره و جرت الأمور علي أتم نظام …

نعم انتظم الملك و اتسعت الأحوال في زمن هذا الوزير و لم يبق لأحد دخل من الأمراء أو الخواتين … و لا تحكم علي الرعايا أو الجيش و بسطت يد الوزير في الإدارة و ضبط الممالك و نفذ حكمه في جميع المملكة … فقضي الوزير نحو تسع سنوات و هو يحسن إلي جميع الناس و خاصة العلماء و الأكابر الفضلاء و يكرم الصلحاء و المنقطعين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 589

و العباد المتزهدين … و لم ير ممن تقدمه ما كان يقوم به، و أظهر حمايته للدين أكثر من غيره، و أمن الرعايا تأمينا لم يروا مثله أبدا … و مكن العدل بين الكافة فرخصت في عهده الأسعار، و زاد الرخاء …

و أراد الوزير أن لا يقع تذبذب و اضطراب في المملكة حينما أحس بما نال السلطان من الضعف و المرض ما أنهك قواه … فلاحظ أنه من الضروري انتخاب ولي عهد إذ لم يكن للسلطان ولد و لا أخ … فوقع الاختيار علي ارپاخان من احفاد تولي خان بن جنگيزخان …

فولي السلطنة بعد أبي سعيد و جري عليه و علي الوزير ما جري.

و في هذه المدة حتي وفاة السلطان أبي سعيد كان الوالي ببغداد علي باشا الأويرات.

ملحوظة:

إن القاشاني في تاريخ الجايتو يتحامل علي الخواجة رشيد الدين والد هذا الوزير و علي العكس من ذلك صاحب تاريخ كريده فإنه ينتصر للوزير غياث الدين و أبيه و يتحامل علي الآخرين و

لكلّ وجهة، و الظاهر أن القاشاني كتب ما كتب إرضاء للسياسة و تبريرا للقضاء علي الخواجة رشيد الدين … و في هذا العصر بلغت الحزبية غايتها …

وفاة: علي بن محمد بن ممدود بن جامع بن عيسي البندنيجي:

هو أبو الحسن ابن المحدث محب الدين ولد سنة 43 و سمع علي العز أحمد بن يوسف الاكاف و علي أحمد بن عمر الباذبيني، و أجاز له النشتري و محمد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 590

ابن علي السباك و ابن الحصري و علي ابن عبد اللطيف الالخمي و آخرون من الموصل و بغداد. و كان له أثبات عدمت في كائنة بغداد و كان علي ذهنه أشياء كثيرة من أخبار الوقعة ببغداد و غيرها و أقام مدة بوابا بدار الوكالة ببغداد و سمع علي علي بن محمد بن محمد بن وضاح في مدح العلماء و ذم الاباحية … و سئل كيف نجوت من التتار فقال كنت صغيرا فتركت. قدم دمشق فحدث بالكثير. مات في المحرم سنة 736 (737).

سلطنة موسي خان في غرة شوال سنة 736 ه
سلطنته (علي باشا- قتله):

لما قتل ارپاخان و الوزير غياث الدين محمد صفا الأمر لعلي باشا و هو خال السلطان أبي سعيد فأجلس موسي خان علي التخت و هو موسي خان بن علي بن بايدو ابن طاراغاي بن هلاكوخان فاستشعر من لم يكن محبا لعلي باشا من أمراء الاويرات الظلم و التعدي فنفروا من الحكومة و هم الأمير طغاي و هو من مشاهير أمراء المغول و الحاج طوغا بك لما كان بينهم و بينه من البغضاء و توجهوا نحو الأمير الشيخ حسن الكبير الايلخاني و هو أمير الروم آنئذ و علي هذا و لما سمع ذلك غضب من وقوع هذه الحوادث فاتفق الشيخ حسن مع الأمير طغاي لدفع شر هذا الوزير علي باشا و قطع ضره فأنفذ الأمير الشيخ حسن رسولا إلي صورغان شير بن الأمير چوبان و كان في كرجستان و طلبه و أمره أن يستصحب معه عساكره فأتي إليه

بعسكر عظيم …

فلما تقارب الجيشان في تبريز كر موسي خان و علي باشا علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 591

مقدمة عساكر الشيخ حسن فانكسرت هذه المقدمة فظن موسي خان و علي باشا أن هذا العسكر الذي انكسر هو الذي جمعه الشيخ حسن فبات موسي خان و أمراؤه آمنين و تركوا الاحتياط و جعل بعضهم يهني ء البعض الآخر بالنصر و الفتح و حينئذ ظهرت رايات الشيخ حسن الكبير فضربوا عساكر السلطان موسي خان و علي باشا الاويرات و تقابل العسكران فلم يبد أحد في هذه المعركة من الشجاعة ما أبدي علي باشا فقد ثبت ثباتا ليس له نظير.

و آخر الأمر خرج علي باشا ثم توحل فرسه فسقط به و حينئذ مر به من عرفه و أحضره إلي أمير الأمراء الشيخ حسن فأراد استبقاءه فلم يوافقه جماعة الأمراء فقتله و ولي الشيخ حسن (مظفر الدين محمدا). و أما موسي خان فإنه هرب بين قبيلة الأويرات … ثم قتل.

حوادث سنة 737 ه (1337 م)

وفيات:
1- وفاة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي:

ثم الدمشقي أبي عوانة و أبي محمد و أبي يوسف ولد سنة 57 و سمع من الجمال عبد اللّه بن يحيي بن أبي بكر بن يوسف بن حيون الجزائري و من أحمد ابن عبد الدائم و ابن أبي اليسر و ابن النشبي و غيرهم وحدث. مات في 8 جمادي الأولي سنة 737 ه.

2- وفاة عبد الرحمن السهروردي:

هو عبد الرحمن بن عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد ابن الشيخ شهاب الدين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 592

عمر بن محمد السهروردي نزيل بغداد يلقب جمال الدين. كان ناظر اوقاف العراق و تزوج بنت رشيد الدولة الوزير فعظم شأنه و كان شابا محتشما، تياها، قليل التقوي، متظاهرا بالمعاصي و الجبروت و العتو، كان يهتك الحرمات ثار عليه ابن البلدي و أعوانه فقتلوه في ذي الحجة سنة 737 ه.

السلطان مظفر الدين محمد المتوفي سنة 738 ه

سلطنة مظفر الدين محمد و المتغلبة: و هو ابن پول قوتلوق (يال قوتلوق) بن تيمور بن آيناجي بن منگو تيمور ابن هلاكوخان و كان صغيرا فتولي تدبير الأمور كلها الشيخ حسن الكبير الجلايري و ذلك أن الشيخ حسن حينما سمع بسلطنة موسي خان جاء بجيش عظيم من انحاء الكرج و الروم و سار علي ايران و بقرب تبريز تقارع مع السلطان موسي خان فانتصر الشيخ حسن عليه … و في هذه المعركة قتل علي باشا أمير الاويرات. و أن موسي خان هرب بين قبيلة الاويرات …

و بعد قتلة علي باشا الاويرات صار موسي خان إلي بغداد و حكم مع هذه الطائفة العراق و لكن دولة الشيخ حسن نالت اقبالا و سعدا و تمكن الشيخ حسن من الانتقام و عقد نكاحه علي دلشاد خاتون زوجة السلطان أبي سعيد الذي كان أكرهه أن يطلق زوجته بغداد خاتون …

و لما جاءت النوبة في السلطنة إلي محمدخان فر من موسي خان امراؤه المغول و التحقوا بالسلطان محمد … و هذا الخبر نزل كالصاعقة علي الشيخ حسن بن تيمور طاش ابن الأمير چوبان فجاء بمن معه و ساق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 593

جيوش الروم لتدارك الأمر علي عجل … فلما

ورد خاف السلطان محمد منه.

و في هذا الأوان نهض الشيخ علي ابن الأمير علي القوشجي و جمع كافة المغول في خراسان فضمهم إليه و مشي علي بسطام و أعلن الخانية باسم طغاي تيمور (طغا تيمور) فجعله ملكا و من هناك سار علي محمدخان الذي أقامه الشيخ حسن الجلايري و في طريقه في آذربيجان صادق قبيلة الاويرات و معهم موسي خان فانضم إلي طغاي تيمور و الشيخ علي فسمع الشيخ حسن الجلايري بالخبر فوافي لمقارعه طغاي تيمور فاشتبك القتال بينهما في موقع يقال له (كرم بود) فانتصر الشيخ حسن عليهم و قتل في المعمعة موسي خان و من ثم فر طوغاي تيمور و الشيخ علي ابن الأمير علي و ذهبوا إلي خراسان …

و لما علم الشيخ حسن الصغير و هو ابن تيمورطاش ابن الأمير چوبان السلدوزي و كان واليا من قبل السلطان أبي سعيد في بعض بلاد الروم … سار إلي الشيخ حسن الجلايري بجيشه العظيم فكانت المعركة بينهما في نخچوان و في هذه المرة انتصر الچوباني علي الجلايري و قتل السلطان محمد في الحرب ففر الشيخ حسن الجلايري إلي السلطانية …

و ذلك سنة 738 ه.

و جاء في الدرر الكامنة أنه محمد بن عنبرجي البان المغلي بن نوبن. أقيم في المملكة بعد قتل أبي سعيد. و كان أبو سعيد لما مات زعمت سرية له أنها حبلي فوضعت و كان محمدا هذا. فلما هزم الشيخ حسن جموع موسي بن علي سنة 38 و قتل موسي عمد الشيخ حسن إلي هذا الصبي فأقامه في السلطنة و له عشر سنين و ناب له و اضطربت المملكة في زمانه فأقبل من الروم ولدا تمرتاش و معهما محفّة أوهما أن أباهما فيها

و أنه لم يقتل و أن الناصر لما أمر بقتله عمد بكتمر و بكلش

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 594

إلي تركي يشبهه فقطعا رأسه فأحضراه للناصر و اختفي تمرتاش ثم بعثاه سرا في البحر إلي بلاد الروم فلما وقع ذلك هرب الشيخ حسن الكبير إلي خراسان و هاج الناس و اشتد البلاء و كثر الظلم و النهب و انقطعت السبل ثم هلك محمد هذا و ماجت البلاد و ذلك في آخر سنة 738 ه و أرسلوا إلي طغاي تمر ملك خراسان و هو ابن عم ارپكون (ارپاخان) المقتول فتوقف و وثب جماعة علي الذي زعم أنه تمرتاش فطردوه فقدم العراق في زي الصوفية ثم خمل ذكره و قتل و استولت صاتي بك بنت خربندا أخت أبي سعيد علي الممالك و تسلطنت و خطب لها سنة 739 ه.

و ذلك أن الشيخ حسن الجوباني بعد أن أجلسها علي سرير الملك سار الچوباني علي الجلايري ثم استقر الصلح بينهما و صار الجلايري تابعا للچوباني.

و بعد سنة عزل الشيخ حسن الصغير صاتي بك و أجلس مكانها سليمان خان ابن محمد بن سنگه بن يشموت بن هلاكو و زوج منه صاتي بك …

ثم إنه بعد أمد ثار الشيخ حسن الكبير علي الشيخ حسن الچوباني و جاء بغداد فأعلن السلطنة إلي جهان تيمور بن الافرنك بن كيخاتو بن أقانا خان سنة 743 ه و جمع جيشا فتحارب مع السلدوزي (الچوباني) فانتصر عليه الچوباني فهرب الشيخ حسن الكبير و عاد إلي بغداد فعزل الخان المذكور و أعلن سلطنته …

و أما الشيخ حسن الصغير فإنه قتلته زوجته فخلفه أخوه الصغير الملك الأشرف و أقيم انوشروان من ذرية هلاكو خانا و بعد مدة

عزل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 595

هذا و أعلن نفسه خانا و هذا أساء السيرة ثم إنه جهز عليه جاني بك خان جيشا عظيما فتقاتلوا في خوي فتغلب علي الملك الأشرف و قتله و ذلك سنة 759 ه.

و الحاصل قد كثر التغلب و تمزقت المملكة بين أمراء المغول فلم تعد لها حياة … و ممن هرب من بغداد بسبب الفتن القائمة:

1- حسام الدين حسن بن محمد بن محمد بن علي البغدادي الغوري الأصل الحنفي. ولد ببغداد و تولي الحسبة بها ثم القضاء. قدم القاهرة صحبة وزير بغداد نجم الدين محمود بن علي بن سروين في صفر سنة 738 ه لما وقعت الفتنة ببغداد فاستقر في قضاء الحنفية هناك في 18 جمادي الآخرة من السنة قال في الدرر الكامنة سار سيرة غير مرضية …

إلي أن أخرج من الديار المصرية فسكن دمشق مدة ثم توجه إلي بغداد و ولي التدريس في مشهد أبي حنيفة.

2- الوزير نجم الدين محمود بن علي المذكور من وزراء بغداد … و لا نعلم عنه شيئا يذكر.

3- خليفة بن علي شاه ناصر الدين كان أبوه وزير بلاد التتار و قدم هو الشام فأعطي طبلخاناة و كان شكلا حسنا و كان وصوله صحبة نجم الدين محمود وزير بغداد توفي في دمشق في جمادي الأولي سنة 737 ه.

المتغلبة علي حكومة المغول:

قد مر القول عن بعض الثائرين و مدعي السلطنة في انحاء المملكة المغولية و بينهم من ضربت السكة باسمه و قرئت الخطبة له علي رؤوس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 596

المنابر و لم يكن لواحد منهم مكنة و ثبوت في السلطنة و لا يد في الإدارة و إنما كانت لمن دعاهم و نهض باسمهم …

و هؤلاء …

1-

ارپاخان (13 ربيع الأول: 4 شوال 736 ه) مر الكلام عليه و يلقب معز الدين و هذا لم تعرف له نقود مضروبة في العراق و إنما له بعض النقود مضروبة في الممالك الأخري … في حين أن النقود الكثيرة أيام السلطان أبي سعيد ضربت في بغداد و الموصل و واسط و الحلة و إربل.

2- موسي خان. (شوال: ذي الحجة سنة 736 ه). و هذا أيضا لم يعثر له علي نقود مضروبة في بغداد … و هو ابن علي بن بايدو.

3- السلطان محمد (ذي الحجة سنة 736: ذي الحجة سنة 738 ه). و هذا و إن كانت له بعض النقود إلا أنه لا يعرف ما ضرب في بغداد أو الأنحاء العراقية …

4- طغا تيمور (طوغاي تيمور) (737: 753) و له نقود مضروبة في الحلة و في بغداد و في أماكن أخري …

5- صاتي بيك خاتون (ساتي بك) (739: 741). و هذه بنت السلطان محمد خدابنده. و لها نقود مضروبة خارج العراق …

6- سليمان خان (741: 745). و هذا كسره ارتنا صاحب الروم عام 744 ه. و له نقود مضروبة خارج العراق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 597

الحكومة الجلاليرية- التيمورية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 598

7- جهان تيمور (عز الدين جهان تيمور) (ذي الحجة 739: ذي الحجة 741) لم يعثر له علي نقود مضروبة في العراق.

و كل هؤلاء كانوا ألعوبة في أيدي أمراء المغول و متغلبة سائر الأمراء أو الدعاة لأولئك السلاطين وهم:

1- أبو إسحاق بن محمد شاه ينجو قال ابن بطوطة عنه:

«فلما مات أبو سعيد و انقرض عقبه و تغلب كل أمير علي ما بيده خافهم (خاف الأهلين في شيراز) الأمير حسين و خرج عنهم و

تغلب السلطان أبو إسحاق المذكور عليها و علي اصفهان و بلاد فارس …

و اشتدت شوكته و طمحت همته إلي تملك ما يليه من البلاد فبدأ بالأقرب منها و هي مدينة يزد … فحاصرها و تغلب عليها … و قد اطنب ابن بطوطة في الكلام عليه راجع بقية البحث هناك و كان داعيا لنفسه …

2- الأمير مظفر شاه:

و هو ابن الأمير محمد شاه ابن المظفر تغلب هو و أبوه علي يزد و كرمان و ورقو و كانت يزد بيده فانتزعها منه أبو إسحاق المار الذكر.

و آل مظفر تكونت منهم حكومة صارت تعد في عداد من حكم ايران.

3- الشيخ حسن الكبير و هو المعروف بالجلايري و قد استقل بحكومته في العراق و قد قام باسم أحد سلاطين المغول و هو جهان تيمور المذكور آنفا.

4- إبراهيم شاه ابن الأمير سنيته (الموصل و ما والاها): تغلب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 599

علي الموصل و ديار بكر.

5- ارتنا: تغلب علي بلاد التركمان المعروفة أيضا ببلاد الروم.

6- حسن خواجة (الشيخ حسن الصغير): و هو ابن تيمورطاش بن الأمير چوبان السلدوزي و هذا تغلب علي تبريز و السلطانية و همذان و قم و قاشان و الري و ورامين و فرغان و الكرج.

و جرت له حروب مع الشيخ حسن الجلايري فكان المنتصر …

و زاد نفوذ هذا بكثرة و عظمت مملكته و كاد يخلف التتر في حكومتهم …

و كانت زوجته عزة الملك قد عشقت يعقوب شاه، و هذا فعل بعض ما يستوجب حبسه فحبسه حسن خواجة فظنت امرأته أنه اطلع علي الأمر.

و في ليلة جاءها و هو في حالة السكر فاتخذت هذه الفرصة فمردت خصيتيه فلم تدعه حتي قتلته فخلفه أخوه الصغير الملك

الأشرف. و هذا نصب انوشروان من نسل هلاكو (علي قول) فجعله ملكا و يعرف بأنوشروان العادل و لهذا نقود مضروبة باسمه … ثم بعد مدة يسيرة عزله الملك الأشرف و أعلن نفسه خانا و صارت تقرأ الخطبة و تضرب النقود باسمه …

و كان هذا سيي ء السيرة، قاتله ملك القفجاق جاني بيك خان فقتله سنة 759 ه.

7- طغا تيمور: و جاء في ابن بطوطة بلفظ طغيتمور. تغلب علي بعض بلاد خراسان.

8- الأمير حسين ابن الأمير غياث الدين: تغلب علي هراة و معظم بلاد خراسان.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 600

9- ملك دينار: تغلب علي بلاد مكران و بلاد كيج.

10- الملك قطب الدين: و هو ابن تمهتن طمهتن تغلب علي هرمز و كيش و القطيف و البحرين و قلهات.

11- السلطان افراسياب اتابك: تغلب علي ايذج و غيرها من بلاد اللور … كان تابعا لحكومة المغول و يؤدي لها الخراج السنوي …

و من مراجعة هذه القائمة يظهر التغلب و تمزيق اشلاء المملكة و اضطرابها و الناس آنئذ بسبب هذا الخلاف و النزاع في ارتباك من أمرهم لا يدرون مصيرهم و لا ما سيحدق بهم … و قد شاهد هذه الحالة ابن بطوطة و قصها كما رآها … و لم يستقم للناس أمر حتي سنة 744 ه و قد ابتلي الأهلون في كافة انحاء المملكة بأنواع الظلم و الجور و عدم الأمن.

و علي كل حال لما دخلت سنة 738 ه انتهي حكم المغول من بغداد بدخول الشيخ حسن الجلايري فيها بعد انكساره في معركة جرت بينه و بين الچوباني قتل فيها جهان تيمور … و في سنة 744 ه زالت حكومة المغول من ايران و أذربيجان فانقرضت تماما و

تكونت حكومات صغري علي أطلالها و لا يهمنا تفصيل القول عن هؤلاء المتغلبة فإنهم خارجون عن نطاق البحث عن العراق و حكوماته و سيأتي الكلام عن (حكومة الجلايرية في العراق).

عشائر العراق- في عهد المغول-

غالب عشائر العراق سكناهم قديمة فيه … و من ذلك الحين إلي اليوم اختلفت أوضاعهم و تبدلت سلطاتهم بين قوة و ضعف و قد ورد لهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 601

بعض الحوادث في هذا الدور و غاية ما يقال عنهم أن قوة حكومة المغول في اوائل صولتها لم تعد لهم ذكرا و لا ابقت لهم همة … و إنما سكنوا و سكتوا ينتظرون الفرص و ما تأتي به الأيام … فعادوا بعد مدة و حصلوا في اواخر هذه الدولة علي مكانتهم …

و نزوحهم إلي المدن و توطنهم فيها قليل و فردي … و هؤلاء تميل نفسيتهم إلي البداوة و هوائها الطلق و حريتها الواسعة فلا تحكم عليهم كما علي أهل المدن و لا تضيق بهم أرض …

و في أدوار الظلم أمثال هذه يندر جدا أن يستوطن البدوي المدن …

و المعروف ممن ظهر له اسم من هذه القبائل:
1- قبيلة طيي ء.

و كانت صاحبة السيادة العشائرية و لها كل السلطة بين الحجاز و العراق و سورية و قد مر من حوادث أمرائهم و علاقتهم بالسياسة و أوضاع الاختلافات الدولية جعلت لهم مركزا ممتازا بحيث صارت تخطب و دهم كل من حكومة سورية و العراق فترغب في إمالتهم نحوها ترويجا لمآربها و أغراضها … و أمراؤهم مهنا و أولاده و أخوه …

2- قبيلة خفاجة.

و هذه القبيلة لها الصولة في أنحاء الكوفة و المواطن الجنوبية منها و قد نعتها ابن بطوطة بأن السلطة في تلك الأنحاء كانت بيدها … و قد جاء ذكرها عند الكلام علي ابن الدواتدار الصغير أيضا.

3- قبيلة بني أسد و هي في أنحاء الحلة و في جنوبي واسط

و قد استعان بها ابن بطوطة في زيارته مرقد الشيخ أحمد الرفاعي. و كانت من القبائل القوية و لها المكانة المعروفة … و يطول بنا البحث عنها في هذا الموطن …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 602

4- المعادي:

سمي ابن بطوطة القبائل الصغري في أنحاء الكوفة و الأطراف المجاورة لها ممن في طريق واسط و الكوفة ب (المعادي) و يطلق عليهم عندنا (المعدان) و (المعدنة). و أما جمع ابن بطوطة فمفرده معيدي و في المثل تسمع بالمعيدي خير من ان نراه … و هذه القبائل الصغري لم تشتهر باسم عام يجمعها و هم الآن عشائر كثيرة غالبها من ذلك التاريخ و قبله مقيم في العراق في مواطنه …

5- قبائل عقيل:

و هؤلاء في انحاء البصرة و قد مر القول عنهم …

6- البيات:

من قبائل التركمان القديمة السكني في العراق و كان زعماؤها أصحاب مكانة لدي الحكومة و قد أفردنا لهم بحثا في (تاريخ عشائر العراق) …

7- عبادة:

و هذه القبيلة قديمة السكني في العراق. و هي و إن لم يرد لها ذكر في حوادث هذا العهد إلا أنها معروفة قبله …

و هي من أكثر القبائل انتشارا، و لهذا السبب يقولون إن ضاع أصلك فقل (عبادي). و من هذه القبيلة (بنو عز) و جماعتهم قليلة و لا محل للإطناب في البحث عن هذه القبيلة.

8- ربيعة.

و هذه لم تظهر قوتها إلا في العهود التالية و إن كانت قديمة التوطن.

9- كعب.

و هي منتشرة و مجموعة في مواطن عديدة من العراق.

10- قبائل المنتفق بكافة فروعها كانت تقيم من أمد بعيد في العراق …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 603

و لا مجال للكلام عن باقي العشائر الآن ممن لم يرد لهم ذكر في هذا التاريخ لعدم وجود وقائع لهم ذات مساس بسياسة الحكومة أو بسبب أن الوقائع لم تتعرض إلا للقبائل المناوئة للحكومة فتظهر حوادثها و إن كان يرجع توطنهم إلي ما قبل هذا العهد.

و علي كلّ إن الضعف في حكومة المغول كان قد دب في العهد الأخير و ظهرت آثاره … ذاك ما دعا أن تنهض القبائل بقوتها و أن تبرز بسلطانها … و توضحت قدرة العشائر أكثر في الحكم العثماني لما وصلنا من الوثائق عنهم بسبب أن هناك وثائق عراقية تتعرض لأمثال هذه. و أما الحوادث المذكورة من قبل المؤرخين الآخرين فإن نظرتها عامة و من ناحية علاقتها بالحكومة لا غير …

الحكومات المجاورة

لم يكن للعراق كيان خارجي، أو سياسة خاصة في هذا العهد …

و إنما كان تابعا لسياسة حكومة المغول فالعلاقة بين المغول و بين مجاوريهم بعيدة عنا و أهمها كانت مع (القفچاق) و حكومتها مغولية و مع سورية و هذه كانت تابعة لمصر و أمراؤها منقادون لها … و كانت العلاقة في بادي ء أمرها حربية ثم دخلتها في أواخر أيامها المفاوضات السياسية و المعاهدات الصلحية … و يعد منها قتلة (تيمورطاش) ابن الأمير چوبان و قتلة قراسنقر … و انتهت بمسالمات لمدة … و لا محل للخوض في بيان واسع عن الحكومة المصرية في ذلك الزمن بأكثر مما مر بيانه …

و إنما أقول إن سلاطينهم المعاصرين.

1- الملك المظفر قطز (657: 658 ه).

2- الملك الظاهر بيبرس (658: 676 ه).

3- الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة ابن الملك الظاهر بيبرس (676: 678 ه).

موسوعة تاريخ العراق بين

احتلالين، ج 1، ص: 604

4- الملك العادل بدر الدين سلامش ابن الملك الظاهر بيبرس (678: 678 ه).

5- الملك المنصور قلاوون الصالحي 678: 689 ه).

6- الملك الأشرف صلاح الدين خليل ابن الملك المنصور (689: 693 ه).

7- الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون (693:

741 ه).

و يعبر عنهم المؤرخون في سورية و مصر مثل أبي الفداء و ابن الوردي و ابن كثير و العيني (بسلاطين الإسلام) كما ينعتون أمراء المغول (بسلاطين التتر). و في سورية إمارات تابعة للحكومة المصرية …

هذا و قد تولدت بعض علاقات و روابط مع شريف مكة و حاولت أن تتدخل الحكومة المغولية في أمورها كما تدخلت الحكومة المصرية إلا أن أجلها قريب و لم يطل أمرها كثيرا و قد مر بعض الحوادث عن ذلك … و قد حكم أحدهم الحلة و انحاءها و لعل تأسس امارة المنتفق مؤخرا ناشي ء من جراء هذا الحادث ببقاء بعض رجالاتهم بين عشائر المنتفق فتمكنوا من الإدارة و أخذوا السلطة العشائرية بأيديهم … و أما الغربيون فقد كانت علاقاتهم قوية في بادي ء أمرها و فقدت أو كادت تفقد. حينما أعلن ملوك المغول إسلامهم و من ثم قويت العلاقات و توالت الرسل و عقدت المعاهدات أو استقرت المطالب بين الطرفين …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 605

الحضارة و الثقافة

لا يسع الآن التبسط، و البحث عن موضوع (التاريخ العلمي و الأدبي) و قد أفردناه علي حدة. و هنا أقول إن القطر العراقي بعد أن فقد استقلاله، و زال عنه الطابع الإسلامي و لو صورة، و بعد أن صار نهبا بيد الفاتحين لم يبق بيده ما يعول عليه، أو يركن إلي قوته سوي الأوقاف الإسلامية. و هذه كانت في عهدها العباسي مكينة،

و تسابق الأهلون و رجال الدولة إلي أعمال البر لتقوية الثقافة، و تنمية الصلاح بمقاييس واسعة جدا …

و لما لم يتعرض الفاتح للمؤسسات الدينية أيام احتلاله كان من نتائج ذلك الاحتفاظ بالمعارف و العلوم و من أوضح ظواهرها المدارس الكبري مثل المستنصرية و النظامية و البشيرية … و الرباطات و مشيخاتها … فصارت خير واسطة للم الشعث و استبقاء الحضارة …

مما دعا أن ينبغ كثيرون ذاعت شهرتهم و طبقت الآفاق …

ترجمنا مختصرا بعض المشاهير إلا أن الموضوع ليس محل بيان مناهجهم العلمية، و ما أحدثوه من آثار … و بين هؤلاء المتكلمون، و الحقوقيون أي الفقهاء الذين لا تزال كتبهم المعول عليها، و الأطباء، و اللغويون و المؤرخون، و الخطاطون، و الموسيقيون، و الشعراء و الأدباء و المجّان … و هكذا يقال عن الزهاد و الصوفية و المتصوفة و قد اشتهر منهم كثيرون …

و المدارس كانت ادارتها مودعة إلي رجالات العراق و غالب أيامها إلي قاضي القضاة أو إلي صدر الوقوف ينظر فيها و في المعاهد الخيرية و الدينية … و لم يستول علي أوقافها غيرهم فيتولي ادارتها و تعهد إليه صدارة الوقوف إلا مدة يسيرة.. و في هذا أيضا لم يهمل شأنها و لا أودعت إلي من هو غريب عن الإسلامية أو اجنبي عنها … فكانت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 606

خدماتها كبري، و فوائدها عظمي سواء في الحضارة أو في الثقافة العامة أو الخاصة و السياسة لم تعارضها … و لم يؤثر في سيرها ضياع الكتب و بعض المكتبات، أو الذهاب بها إلي مراغة و انتزاعها من العراق فلا تزال بقية باقية تغذي العقول، و تحبب العلوم و تمكنها في البلد دون

حاجة إلي مناصرة من حكومة و الحكومة آنئذ أجنبية فلم تؤثر علي عقائدها و لا ثقافتها، و لا تغير مركز الحكومة من بغداد إلي ايران …

كل ذلك لم يضرها الضرر الكبير و لا قلل من روحيتها …

ثم إن التجاء الهاربين من علماء العراق أيام الواقعة و بعدها قد ولد انتباها في الأقطار الإسلامية الكبري مثل سورية و مصر … هاجروا هربا من المغول فأوجدوا نهضة علمية، و اشتهر فيها جماعة من علماء العراق فأثروا في الثقافة و نالوا منزلة لا يستهان بها … و لم يفقد العراق مزاياه بذهابهم و إنما تمكن في مدة يسيرة من استعادة مجده العلمي و الثقافي …

و العراق لم يقف عند مؤسساته القديمة أو بقاياها و إنما أسس معاهد جديدة مثل المدرسة العصمتية إلا أنها قليلة و لا تقاس بما بقي إلي ما بعد الاحتلال من المؤسسات العباسية، و بقاؤها كان نعمة فهي خير معهد تربية علمية و أدبية و فنية … و الحكومة آنئذ لم تتعرض للمؤسسات أمثال هذه … و لكنها بعد أن أسلمت ناصرتها و أيدت مركزها …

نعم كان أكبر عمل هدام لهذه المؤسسات و للتقليل من شأنها أن الفاتحين بسبب أنهم لم يكونوا مسلمين راعوا ما يوافق رغبتهم من العلوم و الثقافات كالعلوم الفلكية و الرياضية و الطب … و من الفنون الموسيقي و أمثال ذلك كالرسم أو ما يتعلق بالمعاملات اليومية فكان هو المعتبر عندهم. أما سائر العلوم فإنها قامت بمؤسساتها … و هناك عامل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 607

نطاق حكومة المغول في عهد جنگيزخان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 608

آخر لا يقل عن سابقه و هو تمركز الإدارة في ايران و

انقياد العراق لها …

و هذا العهد علي ما فيه من زوابع و غوائل كان خير العهود التي وليته و اشتهر فيه من النوابغ في العلوم و الفنون و الصناعات المختلفة بحيث صار أساسا و قدوة … و قد أشرنا إلي أمثلة كثيرة علي ذلك سواء في العلوم، أو في آثار الريازة في بناء السلطانية و استخدام عراقيين كثيرين للهندسة و العمارة … و هكذا يقال عن الخطوط فقد ظهرت في خط ياقوت و أضرابه ممن مرت تراجمهم و صارت أساسا يتحداه سائر أهل الاقطار الأخري، و عن الصناعات مما ظهر في الهدايا و التقادم المرسلة إلي ملوك مصر …

و الحاصل لا يسع المقام التبسط في أمثال هذه فنكتفي بالإشارة و نجتزئ بما مر من المباحث …

الخاتمة

إن الحالات الاجتماعية لا تتغير بسهولة و لا التشكيلات الإدارية تتبدل بسرعة فإن بقاءها أو هدمها لا يتوقف علي عمل الشخص …

فالأمة لا ترضي بعمل الفرد و لا توافقه عليه بوجه إذا كان في نظرها قبيحا و لا تكون مكرهة علي البقاء و الاحتفاظ … سواء كان ذلك الفرد خليفة أو وزيرا و علي كلّ حدث استيلاء المغول و اكتسح العراق مهما كان السبب و أيّا كان … فالعراق كان من الضعف و سوء الإدارة بمكانة … و مما قيل في الحكومة العباسية أيام ضعفها:

ما لي رأيت بني العباس قد فتحوا من الكني و من الأسماء أبوابا

و لقبوا رجلا لو عاش أولهم ما كان يجعله للحش بوابا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 609

قل الدراهم في كفي خليفتنا هذا فأنفق في الأقوام ألقابا

و بعد الاستيلاء علي العراق سنة 656 ه عاد قطرا تابعا رأسا إلي حكومة المغول و دام

حكمهم إلي عام 738 ه و كان العراق في بادي ء أمره يعين ولاته من العراقيين و دام هذا الحال مدة و من ثم راجت الفتن و التقولات من بعضهم علي بعض حتي صارت الحكومة لا تأمن من أحد كما أنها نكلت بالكثيرين منهم الواحد أثر الآخر بما وقع بينهم من فتن و نسبة خيانة و نهب أموال … و لم يترك هؤلاء و شأنهم و إنما كان يعين مع الوالي نائب من المغول و في الغالب يشرك مع الوزير غيره … و كان يعاقب المرتكب لخيانة ما بالإعدام …

ثم صارت الحكومة تنصب وزيرا رأسا من أمرائها الذين دخلوا في حكم المغول من الايرانيين و زاد نفوذهم في الحكم بشدة … و قد مضي الكلام عن جماعة منهم إلا أنه يلاحظ أن الولاة لا يذكر لهم شأن إلا في حوادث خاصة و معينة و من المحتمل أن هناك ولاة آخرين لم نطلع عليهم ممن قضوا حكمهم بهدوء و سكينة …

و هؤلاء في الحقيقة رؤساء الديوان و القائمون بالإدارة الداخلية- كما كان الشأن أيام الدولة العباسية في عهدها الأول- و بيدهم الحل و العقد و هم المرجع و في الأكثر لم يغير شي ء من مألوف الأهلين و من أصول الإدارة و أول وزراء بغداد ابن العلقمي و آخرهم علي شاه الاويراتي … و كان القضاة يعينون من بغداد من أشهر المدرسين و من تظهر له مكانة علمية و يعتبر قاضي بغداد قاضي القضاة و هذا انتزعت منه ادارة الوقوف و صار يعين لها من يسمي (صدر الوقوف) للنظر في الأوقاف الخيرية و لم يتعرض المغول للمناصب الدينية إلا لهذا المنصب فجعل للخواجة نصير الدين الطوسي ثم لابنه

و بعدها انتزع و أعيد إلي قاضي القضاة … و أبقي القوم لقاضي القضاة نائبا و هو يقوم بحسم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 610

الخصومات. هذا عدا قاضي الكرخ …

و علي كل بقيت التشكيلات الإدارية علي حالها بصورة مصغرة و الألوية كذلك و تسمي الكور و لكل منها صدر و قد تسمي صدارة لا كورة و قد يكون للصدر نائب و زعيم و هكذا … فأبقيت الأوضاع كما كانت سوي أن الإدارة صارت محدودة، و أن للحكومة عائدات تستوفيها و لكنها فيها من القسوة و الظلم في أكثر الأحيان ما لا يوصف …

و الألوية المعروفة آنئذ:

1- بغداد و فيها الوزير.

2- طريق خراسان (لواء ديالي).

3- الحلة و الكوفة.

4- قوسان و منه النعمانية (لواء واحد في غالب الأحيان).

5- واسط و البصرة (قد تنفصل أو تتصل).

6- دجيل و ما والاه.

7- الأنبار.

8- الموصل.

9- إربل.

10- دقوقا.

11- تستر او خوزستان (في بعض الأحيان قد تابعت بغداد).

و هذه الألوية لم تكن كلها مرتبطة ببغداد و إدارتها … فالموصل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 611

كانت تدار رأسا، و كذا إربل … و أما لورستان فإنها إمارة تابعة و إدارتها الداخلية مستقلة …

و في الأيام الأخيرة نال بغداد ظلم و قسوة من جراء اختلاف أمراء المغول علي السلطة و الإدارة فكانت المصيبة عظمي، و الكارثة كبري …

و العراق و إن كان في اوائل أيامها لا يزال محافظا علي وضعه. و حسن ادارته. و راحته بعد السقوط خصوصا بعد أن أسلم القوم … إلا أن النكبة الأخيرة أمضت فيه و قست عليه أعني انهماك السلاطين في الأهواء النفسية و تسلط الأمراء و نفوذهم و هي مقدمة الارزاء و أول النكبات …

و من ثم

تدرجت المملكة العراقية في التدهور و مضت في سبيل الانحطاط إلي ما شاء اللّه …

و أما المغول فإنهم لما كانت حكومتهم علي نشاطها و قدرتها و بيدها اليساق لم يسمع لها خلاف أو مناوأة من الأمراء و لا هناك من شق عصي الطاعة إلا قليلا و لكن الأمر تزايد و صار الزعماء كل واحد يري في نفسه الكفاءة للقيام بالإدارة … و من ثم لعبوا بمقدرات الملوك و بالشعب و زاد الخلاف إلي أن كانت نتيجته القضاء علي هذه الإدارة و تمزيق شملها و لو كان الأمر مقصورا علي انقراض المغول لقلنا نعم ما وقع و لكن ذلك أدي إلي ما امض بالأهلين و أنهك قواهم و سلب ثروتهم و لم يعد لهم أمل في أن يتمكنوا من استعادة قوتهم و مجدهم …

هذا و لم يدخل خلاف في أمة و لم تتشعب اهواؤها إلا قضي عليها و ماتت … مما هو مشاهد، محسوس في كافة الحالات الاجتماعية للأمم، و الإدارية فرع منها و لكل أمة أجل …

و العراق نظرا لهذه الأوضاع و إنحلال الإدارة لم يبق فيه رأس مرعي الجانب، مسموع الكلمة، محترم القول … و السلطة السياسية القابضة عليه كانت يدها من حديد و هي بين مغولية و ايرانية … و اساسا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 612

الآمال القومية و الأماني الاستقلالية ماتت روحها بسبب الأجنبي و يده الفعالة في تفريق صفوف الأمة و توليد الخلاف بينهم و تقويته … و ظواهر ذلك و أمثلته كثيرة مضي القول علي بعضها … و نقف عند هذا من تاريخ حكومة المغول في العراق و اللّه ولي الأمر.

تم المجلد الأول في حكومة المغول من موسوعة تاريخ

العراق بين احتلالين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 613

الفهارس العامة

اشارة

1- فهرس الأعلام

2- فهرس الشعوب و القبائل و البيوت و النحل

3- فهرس الأمكنة و البقاع

4- فهرس الكتب

5- فهرس بعض الألفاظ الدخيلة و الغريبة

6- فهرس الصور

7- فهرس المواضيع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 615

1- فهرس الأعلام

حرف الألف

آباقاخان (ابغا): 158، 236، 282، 284، 287، 288، 289، 294، 297، 308، 311، 323، 334- 339، 342، 345، 348، 351، 362، 367، 397، 405، 477، 536

آدلي خان: 63

آدم أبو البشر: 13، 34، 54، 56، 60، 459

آقانويان: 121

آقساق تيمور: 79

آق سنقر، آقسنقر (شمس الدين): 464

آلا نقووا: 72، 77، 78، 81

آلتان، آلتون: (آلطون): 47، 48، 93، 94، 95

آلوسي (محمود شكري)

آمدي (علي بن أحمد)

آهلوارد: 443

آوي (تاج الدين، محمد)

آي خان: 70

أباجي: 343، 560، 561

ابجيتو، انجيتو (خدابنده): 497

إبراهيم بن إسماعيل: 399

إبراهيم الجعبري (شيخ الخليل؛ ابن السراج): 569

إبراهيم الجويني (صدر الدين أبو المجامع): 350، 414، 512، 533

إبراهيم بن أبي الحسن بن صدقة البغدادي: 468

إبراهيم الخليل: 60

إبراهيم السواملي (جمال الدين): 426، 432، 456

إبراهيم شاه ابن الأمير سنيته: 570، 598

إبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي: 399

إبراهيم بن عثمان الكاشغري: 493

إبراهيم بن عمر الجعبري: 323

إبراهيم بن محمود بن الخير: 399

أبرقيل خوجا: 70

أباجي: 343، 560، 561

ابجيتو، انجيتو (خدابنده): 497

إبراهيم بن إسماعيل: 399

إبراهيم الجعبري (شيخ الخليل؛ ابن السراج): 569

إبراهيم الجويني (صدر الدين أبو المجامع): 350، 414، 512، 533

إبراهيم بن أبي الحسن بن صدقة البغدادي: 468

إبراهيم الخليل: 60

إبراهيم السواملي (جمال الدين): 426، 432، 456

إبراهيم شاه ابن الأمير سنيته: 570، 598

إبراهيم بن عبد الرحمن القطيعي: 399

إبراهيم بن عثمان الكاشغري: 493

إبراهيم بن عمر الجعبري: 323

إبراهيم بن محمود بن الخير: 399

أبرقيل خوجا: 70

أبريقدار: 109

أبغا؛ أبقا (آباقا)

أبك، أيبك النوين: 570

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 616

أبلي (حسن)

ابن إياس: 264

ابن أبي الجيش (عبد الصمد)

ابن أبي الحديد: 179

ابن أبي الحديد

(قاسم بن أبي الحديد، و عز الدين، و عبد الحميد)

ابن أبي الخير: 563

ابن أبي الدنية، ابن أبي الدثنة: (ر:

محمد بن يعقوب)

ابن أبي عذيبة (أحمد)

ابن أبي عمرو: 465، 477

ابن أبي اليسر: 571، 572، 591

ابن الأثير (عز الدين علي بن محمد الجزري): 9، 13، 14، 28، 32، 53، 103، 104، 105، 106، 114، 115، 117، 122، 123، 131، 376

ابن الأثير (مجد الدين محمد)

ابن الأخضر: 332

ابن الباقلاني: 255

ابن البديع (فخر)

ابن برش: 255

ابن البزوري (محفوظ و معتوق)

ابن بصلا (محمد بن بصلا)

ابن بطوطة: 100، 415، 447، 451، 458، 471، 480، 483، 492، 547، 557، 561، 598، 599، 600، 601، 602

ابن البقال (يوسف)

ابن البقلي: 369

ابن البلدي: 592

ابن بهروز: 473

ابن البواب (علي بن هلال؛ و أحمد):

432، 433

ابن تيمية (تقي الدين): 276، 478، 501، 545، 546، 580

ابن تيمية (الشيخ مجد الدين): 438

ابن الجليلي: 341

ابن الجمل النصراني (صفي الدولة):

221، 346

ابن جميل (ر: فخر الدين باشا؛ عبد اللّه ابن جميل الجبي)

ابن الجوزي (يوسف ابن الجوزي، شرف الدين ابن الجوزي، و عبد اللّه):

171، 186، 194، 573

ابن الحاجب: 490

ابن حبيب: 432، 570

ابن حجاج: 473

ابن حجر (أحمد بن علي)

ابن حراز: 429

ابن حسان: 234

ابن حسين (المنجم): 327

ابن الحصري: 590

ابن الحصري، محمد: 463

ابن الحلاوي (شرف الدين أبو الطيب أحمد): 256

ابن الحماس: 328، 329

ابن الخازن: 462

ابن الخراط (محمد بن الخراط)

ابن خروف (محمد بن علي)

ابن الخشكري النعماني: 295

ابن خطيب المزة (المزي): 465

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 617

ابن الخطيب (شرف الدين): 382

ابن خلدون: 272، 278، 396، 454، 469، 482

ابن خلكان: 27، 249، 353، 366

ابن الخوام (عبد اللّه بن بن محمد)

ابن الدامغاني (فخر الدين؛ تاج الدين):

44

ابن داود: 407

ابن الدربي: 347

ابن الدرنوس؛ (نجم الدين؛ و عبد الغني)

ابن الدقوقي: 438

ابن دقيق العيد: 477

ابن الدواتدار

(علي)

ابن الدواليبي (محمد بن الخراط)

ابن الدوامي (تاج الدين؛ علي): 44

ابن رافع (صاحب ذيل تاريخ بغداد):

419، 558، 559

ابن رجب: 466، 545، 565

ابن روزبة: 342، 462، 465

ابن الزعفراني: 234

ابن زيلاق (محمد بن يوسف)

ابن الساعي: 28، 204، 253، 372، 506، 571، 602

ابن سبعين: 313

ابن السبكي: 98، 105، 139

ابن السراج (إبراهيم الجعبري)

ابن سعود: 445

ابن السكري (علي)

ابن سكينة (ضياء الدين)

ابن سنان الخفاجي: 250

ابن السوابكي: 503

ابن سيده: 539

ابن شاتيل: 463

ابن شامة السواري: 465

ابن شقير (الشيخ عفيف الدين أبو الفضل المرجي): 254

ابن شقيرة: 463

ابن الشيخ: 433

ابن شيخ النجل (علي بن أبي عفان)

ابن الصائغ (محمد بن مقلد التكريتي)

ابن الصباغ (صالح)

ابن صدقة (إبراهيم بن أبي الحسن)

ابن الصفي اليهودي (سعد الدولة)

ابن الصلاح (شمس الدين)

ابن الصلايا (صلاية) ر: محمد بن صلايا

ابن طاوس (محمد بن الحسن، و محمد بن أحمد؛ و عبد الكريم، و علي)

ابن طاوس العلوي (مجد الدين): 45

ابن الطبال (إسماعيل): 545، 565

ابن طبرزد: 430

ابن الطراح (مظفر و محمد و فخر الدين) ابن طرخان: 465

ابن الطقطقي (تاج الدين علي): 15، 297

ابن الطقطقي (صفي الدين محمد): 97، 194، 198، 292، 350، 409، 423

ابن الظاهري: 575

ابن عبد الدائم: 572

ابن العبري (أبو الفرج غريغوريوس بن أهرون): 26، 88، 89، 90، 92، 108، 120، 122، 123،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 618

126، 135، 136، 137، 138، 152، 153، 197، 203، 289، 338

ابن العربي: 580

ابن عصبة (جمال الدين أحمد): 328، 528

ابن عكبر البغدادي: 573

ابن العلقمي (محمد): 44، 609

ابن العماد (شمس الدين)

ابن غزال: 454

ابن الفرات: 242

ابن الفصيح (فخر الدين)

ابن فلالة اليهودي: 394

ابن الفوطي (عبد الرزاق الصابوني):

27، 28، 45، 135، 149، 150، 181، 183، 187، 190، 200، 201، 207، 227، 228، 232، 260، 276، 278، 295، 298، 309، 312، 315، 319، 332،

334، 337، 338، 339، 345، 348، 354، 381، 382، 387، 388، 392، 399، 410، 411، 423، 424، 428، 429، 438، 537، 563

ابن قاضي البندنيجين: 364

ابن قاضي شهبة: 280، 281، 318، 562

ابن القبيطي: 493

ابن القسطي: 420

ابن القطيعي: 465

ابن قميرة (أحمد بن محمد): 435، 563

ابن القواس: 545

ابن القويرة: 462

ابن الكبوش البصري (عبد السلام):

312، 351

ابن كثير: 38، 562، 604

ابن كفرج بغرا: 118

ابن كمونة اليهودي (عز الدولة): 369، 370، 419

ابن الكواشي (أحمد)

ابن الكويك (محمد، و عبد اللطيف)

ابن اللتي (ابن أبي النجا): 462، 466، 468، 484

ابن مجلد النصراني (شمس الدولة)

ابن محاسن: 368، 369

ابن المحب: 468

ابن المرحل (أثير الدين محمود التميمي الموصلي): 571

ابن مسكويه: 313

ابن مسلم القاضي: 468

ابن المشطوب: 249

ابن المطري: 274

ابن المطهر (العلامة الحسن بن يوسف الحلي): 458، 461، 546، 565

ابن معطي: 545

ابن المقير: 468

ابن منينا: 272

ابن ميثم البحراني: 335

ابن الناقد (أحمد): 227

ابن النجار: 318

ابن النشبي: 591

ابن نقاجو: 402

ابن النيار (فخر الدين و حسين)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 619

ابن الهيتي (ناصر بن الهيتي)

ابن ورخز البغدادي: 319، 542

ابن الوردي (عمر)

ابن وضاح (علي بن وضاح)

ابن يونس الموصلي: 329

أبهري (عماد الدين بن حسن)

أبو أحمد الأكمل بن أحمد: 319

أبو إسحاق البرهان الخياط: 322

أبو إسحاق بن محمد شاه ينجو: 598

أبو بكر بن إبراهيم الشيباني: 293

أبو بكر الباقلاني: 254

أبو بكر بن الخازن: 430

أبو بكر الصديق: 458، 495، 497، 498

أبو بكر بن علي بن حديثة: 574

أبو البيان الحلبي (نور الدين عبد الغني): 357، 386

أبو الثناء: 374

أبو جعفر بن عبد اللطيف: 486

أبو الحسن الدامغاني: 292

أبو الحسن الوجوهي: 558

أبو حيادة: 558

أبو حيان التوحيدي: 419

أبو زيد بن يحيي: 320

أبو سعيد (السلطان بهادرخان؛ بو سعيد):

17، 25، 26، 453، 461، 469، 471، 482، 491، 500، 501، 502، 505، 506، 507،

511، 515- 518، 520، 521، 524، 525- 532، 534، 535، 540، 541، 545، 547، 548، 549، 550، 552، 553، 554، 555، 556، 560، 561، 562، 564، 567، 570، 575، 576، 577، 578، 579، 581، 582، 583، 584، 585، 589، 590، 592، 593، 596، 597

أبو صالح (نائب صاحب الزمان): 369

أبو طالب العبدلياني: 378

أبو طالب الكناني: 254

أبو عبد اللّه الواسطي: 429

أبو العز الخالصي: 320

أبو العلاء الفرضي: 353، 399، 400، 439

أبو العلاء محمود: 381

أبو العلاء النجاري: 466

أبو عمرو: 493

أبو الغيث: 494

أبو الفتح: 399، 408

أبو الفتح بن أبي فراس الهنايسي (موفق الدين): 378

أبو الفتوح حبيب: 201

أبو الفداء: 10، 11، 13، 89، 91، 93، 114، 122، 132، 135، 137، 161، 410، 444، 445، 464، 479، 483، 487، 488، 489، 495، 540، 541، 552، 568، 575

أبو الفضل البغدادي: 575

أبو الفضل ابن العلمي: 232

أبو الفضل محمد: 407

أبو محمد: 165

أبو المظفر الدمشق بن عبد اللّه: 190

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 620

أبو منصور بن الصباغ الطبيب: 359

أبو نصر بن عساكر: 468

أبو وضاح: 558

أبو الوفاء ابن مندة: 468

أبو يزيد البسطامي: 313

أبو يعلي (القاضي): 565

أبو اليمن بن عبد اللطيف: 486

أتابك بن شمس الدين: 367

أتسز خوارزمشاه بن محمد: 63، 110

الأثري: 279

أثير الدين البشيري: 421

أثير الدين التستري: 400

أحمد: 99، 100

أحمد (علم الدين): 251، 300

أحمد بن إبراهيم الواسطي: 477

أحمد بن البرهان (أبو هاشم): 143

أحمد بن أبي بكر بن حطة البغدادي (الشهاب): 514

أحمد بن البواب النقاش (النجم): 280

أحمد باشا تيمور: 29

أحمد ابن الجيلي (الشيخ ظهير الدين):

352

أحمد بن حامد بن عصبة: 530

أحمد حجي أمير آل مري: 574

أحمد بن حنبل (الإمام): 276، 291، 419، 459، 462، 545

أحمد بن خلكان ابن خلكان

أحمد بن أبي الخير: 465، 476

أحمد الدوري (القاضي مجد الدين):

307

أحمد

الرفاعي: 181، 601

أحمد بن الزكي الموصلي (شهاب الدين): 558

أحمد بن الساعاتي (الإمام مظفر الدين):

273، 275، 370، 418

أحمد الشربدار بن بقا: 327

أحمد بن صالح البريدي: 320

أحمد بن صرما: 430

أحمد بن الصياد التاجر (نور الدين):

371، 380، 390

أحمد بن طالب البغدادي الحمامي (أبو العباس): 468

أحمد بن عبد الدائم: 591

أحمد بن عبد الرحمن (شرف الدين):

569

أحمد بن عبد الرزاق الخالدي الزنجاتي (صدر الدين صاحب الديوان الملقب صدر جهان): 401، 403، 410

أحمد بن عثمان البروجردي (بهاء الدين):

324

أحمد بن أبي عذيبة (شهاب الدين):

279، 280، 281، 282، 302، 408

أحمد بن عكبر (نصير الدين): 573

أحمد بن علي بن تغلب: 274

أحمد بن علي بن الحسين الغزنوي: 319

أحمد بن علي القلانسي البغدادي (أبو بكر): 454

أحمد بن علي بن محمد الشهير بابن حجر العسقلاني (شيخ الإسلام شهاب الدين): 37

أحمد بن علي المقري: 320

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 621

أحمد بن عمر الباذبيني: 427، 579، 589

أحمد بن عمران الباجسري المعروف بوزير راست دل؛ ملك دل راست (نجم الدين أبو جعفر): 198، 220، 224، 276، 397

أحمد بن عميرة من آل فضل: 464، 465، 467

أحمد بن غزال الواسطي (نجم الدين):

463، 532

أحمد الفاروثي (الإمام عز الدين أبو العباس): 418

أحمد ابن القش (الشيخ): 359

أحمد كاتب الجريد (نجم الدين): 384

أحمد ابن الكواشي (الشيخ موفق الدين أبو العباس): 340

أحمد اللري (نصرة الدين أتابك): 411، 441

أحمد ابن المارستاني: 473

أحمد بن المحروق: 454

أحمد بن محمد بن الأنجب الواسطي بن قميرة (صدر الدين أبو عبد اللّه):

435

أحمد بن محمد الدبلي التعجيزي: 564

أحمد بن محمد السمناني (علاء الدين، علاء الدولة): 580

أحمد بن أبي محمد عبد المحسن الواسطي: 296

أحمد بن محمد الكازروني: 320، 323، 388، 569

أحمد بن محمود الزنجاني (عز الدين):

251، 261، 262، 304، 307، 318، 320، 371، 386،

416

أحمد ابن الخليفة المستعصم (أبو العباس): 196، 301، 302، 333

أحمد المفرج (الفرج): 493

أحمد بن مهنا: 493

أحمد بن موسي الموصلي: 473

أحمد بن الناقد (نصير الدين أبو الأزهر):

227

أحمد ابن الخواجة نصير الدين الطوسي (فخر الدين): 371، 386

أحمد بن هولاكو (السلطان تكدر توقودار): 342، 343، 351، 358، 359، 361، 362، 365، 367، 368، 531

أحمد وفيق باشا: 34

أحمد بن يعقوب المارستاني: 493

أحمد بن يوسف الأكاف (العز): 589

أحمد بن يوسف البغدادي: 444

أحمد بن يوسف الكواشي: 439

إدوارد الأول (ملك إنكلترا): 338

أذينا، أذينة التتري (الأمير): 428، 468

أرباخان (معز الدين، أرپكوون؛ أربكوون، أرپاكلون): 575، 579، 580، 582، 583، 584، 585، 586، 590، 594، 596، 577

إربلي (زكي الدين؛ عبد العزيز؛ العز، علي بن أبي الفتح مجد الدين؛ موسي، يونس بن حمزة)

أرتاقان: 220

أرتنا (صاحب الروم): 596، 599

أردمجي، أيرومجي بارولاس: 79

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 622

أردو: 63

أردوقيا: 383، 384

أرسطاطاليس: 511

أرسلان خان: 120

أرسلان الدواداري (الأمير بهاء الدين):

493

أرسلان شاه علي (نور الدين): 250

أرش بغا: 560

أرغون: 151، 152، 156، 161، 259، 260، 337، 339، 342، 343، 345، 348، 349، 351، 359، 360، 361، 362، 392، 397، 411

أرغون أغا: 186، 581

أرغون بن أبغا (السلطان): 363، 365، 367، 328، 383، 393، 396، 397، 398، 510، 580

أرقيو نويان؛ ارقتو: 186، 191، 232، 233

أركه قارا: 85

أرموي (صفي الدين، عبد المؤمن)

أروق (الأمير): 363، 364، 379، 383، 386، 389، 390

أزبك: 500، 529

أزبك بن بهلوان: 114

أزبك خان: 362، 577، 581، 583، 584، 588

استقطالو: 502

إسحاق الأرمني: 289

إسحاق (المجاهد): 250

أسد بن الأمير علي جكيبان (سعد الدين): 401، 421

الإسكندر: 381، 511

إسماعيل بن أحمد الساماني: 175

إسماعيل بن إلياس (مجد الدين): 363، 364، 371، 379، 384، 389

إسماعيل بن بدر الدين: 250

إسماعيل السلامي (المجد): 520، 524، 532، 535

إسماعيل صائب بك: 31

إسماعيل

ابن الطبال، البطال (عماد الدين أبو البركات): 465، 473، 565، 568

إسماعيل بن عثمان المعلم: 485

إسماعيل بن علي: 515

إسماعيل بن يحيي المقري: 382

إسماعيلي (محمد بن الحسن)

الأشرف (الملك صلاح الدين خليل بن الألفي): 406، 463، 480، 594، 595، 599، 604

أشرف (القاضي): 140

أشموط؛ أشموت: 296، 298، 323

الأصفر، الأصغر (نجم الدين): 345، 347، 348

أطلبي (علي)

الأعز بن العليق: 400

أغول غانميش: 154، 155

افتخار الدين القزويني: 438

أفراسياب (الأتابك؛ السلطان): 411

الإفرنك: 495

إقبال (خادم): 371

إقبال الشرابي (شرف الدين): 149، 180، 181، 182، 200، 201،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 623

202، 205، 429

إقباس عباس: 236

الأفضل التبريزي، الأفضلي (الشيخ تاج الدين): 510

أقوش الأفرم (جمال الدين): 474، 476، 478، 479، 480، 481، 487، 536

أكاف (أحمد بن يوسف)

أكرنج (الأمير-): 584

ألب خان: 128

ألجاي خاتون، أولجاي خاتون: 158، 200، 225

ألجايتوخان (ر: خدابنده): 17، 444، 451، 452، 454، 464، 466، 471، 472، 478، 481، 482، 485، 487، 488، 491، 492، 507، 508، 509، 510، 567

الجتاي: 146

الألخمي (علي بن عبد اللطيف)

ألغ نوين: 138، 146، 147

الألفي (غازي؛ قلاوون): 345

النجه خان: 61، 62، 66

أم البنين: 204

أم الفضل: 480

إمام ركن الدين إمام زاده: 124

الأمين: 302، 457

أمين الدولة: 391، 394

الأنجب الحمامي: 320، 342، 468، 473

أنوشتكين: 109

أنوشروان: 594، 599

أوتكين: 146، 147

أودوربايان: 79

أورخان: 134

أوردجار، أوروجان، أردوجار: 138

أوروت: 79

أوروس: 92

أوزان: 220

أوزبكي (سليمان أفندي)

أوزخان: 54، 67

أوغوزخان: 66، 67، 68، 69

أوكتاي، أوكه داي قاآن: 120، 137، 138، 139، 141، 144، 146، 147، 150، 259

أولاقجي (أولاقيچ): 361

أولون: 82

أونغ، أونك خان: 27، 73، 85، 86، 87، 88، 91، 108، 148، 154

أويراتي (علي شاه)

أويغور: 54، 68

أيبك خشداش (قطب الدين): 113

أيبك الحلبي: 187، 216، 336

أيبك دزدار العمادية (عز الدين): 358

أيبك الدواتدار، الدويدار الصغير (مجاهد الدين): 172، 173، 174، 181، 189، 190، 191، 192، 193، 194، 195،

205

أيت باراق: 68، 69

أيتمش المحمدي: 531، 532، 534، 535، 542

أيتيمور: 194

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 624

أيديقوت؛ أيدي قوب: 92، 93، 120 أيرنجن؛ أيرتخين؛ أيرنجي، التتري:

469، 516

أيل أرسلان بن محمد: 110

أيل خان: 66، 70، 71

أيلبرلك: 269

إيلدوزش خاتون: 466

أيلكانويان؛ أيلكو: 191، 222، 226، 268

أيليا حميش: 464

أيليجه خان: 61

إيميل: 153

أينالجق، ينال: 101، 103

أيوب: 230

حرف الباء

بابا، الفأفأ ناصر الدين، رضي الدين:

289

البابا: 289، 296، 297، 298، 323

بابا، بابان؛ بيه: 296

بابصري (عبد اللّه)

بات كه لكي: 79

باتكين (شمس الدين): 235

باتو، باتوخان: 148، 152، 154، 158، 361

باجربقي: 546

باجسري (أحمد بن عمران)

باجو، بنجو نويان، بايجونويان: 155، 159، 166، 168، 185، 187، 189، 190، 191، 192، 237

باداي: 73، 85

بادراني (نجم الدين)

باذبيني (أحمد بن عمر)

بارغو قايدي: 78

پاشو: 502

باعشيقي (محمد بن يونس)

باقلاني (حسن)

باي تيمور: 85

بايدوخان: 63، 402، 403، 404، 410، 411، 412، 413، 584

باي سونقور (بايسنقر): 78

بجلي (سراج الدين)

بخاري (أبو العلاء؛ سليمان أفندي؛ ظهير الدين)

بدر الدين: 171، 174، 289

بدر الدين بن أركش: 479

بدر الدين جنكي: 560

بدر الدين الرقي القاضي: 371

بدر الدين سلامش (الملك العادل): 604

بدر الدين الطويل: 455

بدر الدين قاضي خان: 123

بدر الدين لؤلؤ: 233، 236، 249، 250

بدر الدين النابلسي: 572

بديع (شرف الدين): 413، 421

براق، باراق (السلطان غياث الدين):

294

برتچينه: 76

برجا: 560

برزالي (محمد البرزالي): 456، 466، 468، 501، 510، 558، 563

برقاي، بركه، بركاي خان: 13، 282،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 625

283، 284، 287، 361، 362

برقوطي (مسعود بن أعلم الدين يعقوب)

برنقش: 235

برهان الدين النسفي: 387

بروجردي (أحمد بن عثمان؛ محمد)

بزار (عبد الرحمن)

البزدوي: 419

بزوري (محفوظ بن معتوق؛ معتوق)

البساسيري: 175، 333، 418

بسري، (عادل)

بسطام: 497

بسطام بن غازان: 451

بسطامي (أبو يزيد)

بسور نوين: 126

بشير آغا: 18

بشيري (أثير الدين)

بصري (عبد الجبار، عبد السلام؛ عماد الدين؛ محمد بن أبي العز؛ محمد بن جعفر؛ محمد بن العز)

بطائحي

(صالح بن عبد اللّه)

بعقوبي (علي بن إدريس)

بغا، بوقا: 63، 78، 360، 363، 383، 389، 397

بغاتمر، بوقا تيمور نوين: 45، 158، 163، 185، 189، 190، 192، 193، 195

بغداد خاتون: 550، 551، 552، 553، 564، 577، 578، 579، 582، 585، 592

بغدادي (إبراهيم بن أبي الحسن، أحمد بن طالب؛ أحمد بن علي، حسن بن محمد، سنجر عبد الصمد؛ عبد اللّه؛ عبد اللّه الزريراني؛ علي بن عبد العزيز، محمد بن الخراط، محمد بن عبد اللّه، محمد بن عمر، محمد بن قيصر، هدية، همام، يوسف؛ يوسف عبد المحمود)

بغوي بن قشتمر: 328

البغوي: 558

بقل: 192

بكي: 398

بكتمر (الأمير): 400

بكري (علي بن مبارك)

بكلمش: 593

البلخي: 493

بلدي (عبد العزيز)

بلغا (بلغاي) بن شيبان بن جوجي: 158، 185، 191، 193

بلغار: 59

بلغان خاتون: 308، 415

بلكتاي: 146

بلكوداي: 77

بنت القمي: 258

بندار المخرمي: 292

البندنيجي القاضي: 174

بندنيجي (عبد الغفار، عبد اللّه؛ عبد المؤمن، عبد المنعم، علي بن محمد)

بهاء الدين الجويني: 259، 294، 333، 343، 417، 418

بهاء الدين ابن الفخر عيسي: 261، 299، 301، 315، 407

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 626

بهاء الدين علي الإربلي: 15

بهادرخان أمير خيوه ابن عرب محمد خان الخوارزمي (أبو الغازي):

33، 34، 60

به رتان: 79

بهلوان أزبك: 133

بودا نجار موناق: 78، 82

بورجاغين يسوكي، يه سوگه ي بهادرخان: 72، 79، 81، 82، 84، 85

بوسقين جالجي: 78

بوغولدار (الأمير): 416

بوقداي قونجات: 85

بوقوق قاتاغين: 78

بوكجه داي: 77

بوكله: 225

بوكه بندون: 76

بوكه چه ران: 86

بوكونوت: 77

بولاد- جينكسنك: 437

بولجا دوغلان: 79

بولكونت: 77

بويوروق خان: 84، 91

بيبرس (المظفر): 477

بيبرس البندقدار: 283، 289، 502

بيتمش (الأمير): 390

بيچين قييان: 76

بيدار: 463

پيشدادي (منوجهر)

بيضاوي (عبد اللّه بن عمر)

بيكه: 73

حرف التاء

تاج الدين (الشريف): 476

تاج الدين الدامغاني: 420

تاج الدين الدوامي: 373

تاج الدين الساوي: 376

تاج الدين سرخي (السيد): 454

تاج الدين عبد الكريم: 255

تاج الدين بن علاء الطبرسي: 196

تاج الدين

الكفني: 328، 329

تاج الدين اللوحي أو آوجي، أو الآوي (السيد): 471، 472، 498

تاج الدين بن محمد بن حمزة الحسني:

331

تاج الدين بن المختص: 390

تاج الدين النعماني قاضي بغداد: 559

تامار خاتون: 280

تانيكا: 88

تايانك، تيانغ، تيانك: 84، 90، 91

تبريزي (أفضل، عبد الرحمن، علي شاه، مجد الدين، محمد الخالدي)

تتارقيا (الأمير): 294، 327، 363، 357، 364

تترخان: 63

تتري (أذينا، أيرنجن، سوتاي)

ترخان: 73

ترك: 56

ترك إيلكا: 185

تستري (أثير الدين، محمد بن أسعد)

تعجيزي (أحمد بن محمد)

تغري بردي (أبو المحاسن): 452

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 627

تقي الدين ابن تيمية: 445، 545

تقي الدين بن رافع: 559

تقي الدين الزريراني: 545، 575

تقي الدين بن كليب النحوي: 300

تكري بتي (صنم اللّه؛ تبت تنكري): 90

تكريتي (حسن بن علي، حمزة؛ عبد السلام، عبد اللّه، محمد بن مقلد)

تكش بن أيل أرسلان (علاء الدين):

109، 110

تلعفري (محمد الشيباني)

تمربغا: تيموربوقا: 564

تمرتاش، تيمورطاش، تمرطاش: 517، 554، 555، 561، 562، 588، 593، 594، 603

تمسكاي (الأمير): 363، 370

تنكز، تنكيز، ته موجين تموجين (راجع جنگيز)

توبة بن سليمان بن أحمد: 489

توتار بن سنقور بن جوجي: 185، 191، 193

توختاي (الأمير): 421

تودامنكو: 362

توراكنه خاتون: 150، 151، 152

تورك تاي: 362

توشي، دوشي، جوجي: 120، 146، 148

توقا: 78

توقتا، توقتاغو، طغططاي، توقتاي: 91، 92، 96، 362

توقودار، تكودار (راجع السلطان أحمد)

توكال بخشي: 278، 290، 294

تولي خان: 121، 148، 153، 283، 447، 581، 589

توميجي: 314

تومه نه: 78

تيانغ: 87، 88

تيمور بن تاراغاي، تيمور كوركان

آقساق تيمور: 79، 567

تيمور توقاي (توقان، طوغان): 362

تيمورطاش: 76

تيمورملك: 128

تيمورنوين: 154

حرف الثاء

ثابت: 464

ثابت بن أحمد الموصلي السلامي (أبو رزين): 566

ثابت بن عساف رئيس آل مري: 489

ثقة الملك: 127

حرف الجيم

چاأور بيكي: 85

جاجرمي (محمود)

جاحظ: 59

چارغتاي (الأمير): 412

چارقا- له ن- قوم: 78

چاقسو: 79

چاقيرنا: 85

جاكه مبو: 85

جاموقا چچن: 84، 91

جاني بك: 595، 599

جاوچين: 78

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 628

جبار بن مهنا: 574

چبه چنتاي: 79

چپه نويان: 96، 128

الجتاي: 155

جرماغون، جورماغون: 147، 185

جزايري (عبد اللّه بن يحيي)

جعبري (إبراهيم)

جعفر: 468

جعفر الهمذاني: 484

جغتاي؛ جاغاتاي، چغتاي: 120، 136، 137، 138، 139، 147، 154، 294

جغتاي تكودار، توكدار اوغول بن بوخي اوغول: 150، 158

جلال (عز الدين): 363

جلال بخشي: 345

جلال الدين: 102، 133، 134، 135، 136، 139، 147

جلال الدين بن بهاء الدين: 111

جلال الدين بن الحزان الطبيب اليهودي:

507، 509

جلال الدين خوارزمشاه منكبرتي (منكوبرتي): 81، 107، 112، 113، 238، 405

جلال السمناني: 397

جلال الدين بن عكبر: 346، 352، 379

جلال الدين بن مجاهد أيبك الدويدار الصغير: 276، 277، 284

الجلال محمد: 382

جلايري (حسن بن آقبغا)

جلوخان (جلاو) بن چوبان: 549

جمال الدين الأفرم: 464

جمال الدين البصري: 432

جمال الدين الحصيري: 374

جمال الدين ابن الحلاوي: 392

جمال الدين بن الدباب: 381

جمال الدين الدستجرداني: 371، 389، 393، 394، 400، 401، 406، 412، 416، 420، 422، 424، 426، 427

جمال الدين علي: 292

الجمال الصيرفي: 476

جميل صدقي الزهاوي: 370

جنتاي: 79

جنگيزخان: 9، 14، 19، 20، 22، 24، 26، 27، 29، 32، 34، 35، 46- 49، 52- 54، 62، 64، 70، 72- 75، 78، 79، 81- 109، 113- 115، 118- 128، 131، 132، 135- 137، 139- 142، 146، 147، 151، 154، 155، 157- 159، 168، 171، 175، 188، 285، 294، 405، 448، 567، 577، 581، 583

جنيد: 297، 307

جنيقاي: 152

جهان تيمور (عز الدين): 589، 600

چوبان (الأمير): 469، 480، 482، 496، 500، 501،

502، 506، 507، 508، 509، 510، 515، 516، 517، 520، 524، 525،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 629

526، 527، 528، 531، 534، 535، 536، 540، 541، 542، 547- 555، 560، 564، 577، 578، 579، 581، 588، 603

جوجي؛ توشي؛ قوشي: 118، 119، 120، 361

جورختاي: 138

جوزجاني (منهاج الدين)

جوزي (شرف الدين، ابن الجوزي، يوسف)

جومغار: 158

جوهري: (مبارك)

الجويني (إمام الحرمين) [راجع: إبراهيم، عطا ملك؛ هارون، شمس الدين محمد، و محمد بن شمس الدين، بهاء الدين؛ زبيدة، صدر الدين بن حمويه، عبد اللّه المأمون، عبد الملك؛ و علي بن علاء الدين؛ محمد الأمين، منصور]

جيجكان بيكي: 158

جيلي؛ جيلاني؛ كيلاني، (أحمد؛ داود؛ سيف الدين، عبد القادر عبد اللّه بن محمد؛ محمد بن أبي صالح نصر؛ محمد بن محمود)

چينتمور: 259

چينغ سانغ پولاد آغا: 94

حرف الحاء

حاج المصري: 548

حاجب: 122

حارثي (مسعود بن أحمد)

حافظ أبرو: 26

الحاكم بأمر اللّه (أحمد بن المستكفي):

265، 495

الحاكم بأمر اللّه (بن المستنصر): 265

حجاب بنت عبد اللّه: 544

الحجاج بن يوسف: 213

حجل: 553

حراني (عبد الرحمن بن سليمان، عبد الغني، العز؛ مجد الدين؛ محمد بن عمر)

حربي (عبد الرحمن؛ مفيد الدين)

حريري (محمد بن أحمد)

حسام الدين المنجم: 176، 178، 179، 180، 181، 182، 183، 184

حسام الدين مهنا: 372

حسام الدين النعماني: 559

حسن: 549

حسن بن آقبغا الجلايري (الشيخ): 549، 550، 551، 552، 553، 564، 579، 591، 592، 593، 594، 598، 599، 600

حسن الإربلي: 498

حسن الباقلاني: 257

حسن بن داود: 316

حسن ابن السيد: 429

حسن بن شادي بن صنوجق: 531

حسن بن الصباح: 161، 164، 166

حسن الصغير ابن تيمورطمش الچوباني السلدوزي (الشيخ): 540، 549، 588، 592، 593، 594، 599، 600، 601

الحسن بن علي ابن الأمير: 388

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 630

حسن بن علي (الأمير أبو محمد): 429

الحسن بن علي بن أبي

طالب: 212، 330

حسن بن علي بن المرتضي العلوي: 253

حسن قراق (وفاء الملك): 133

حسن بن كيا محمد: 164

حسن الكوساني: 532

حسن بن مجهر: 421

حسن بن محاسن الصرصري (بهاء الدين): 331

حسن بن محمد (جلال الدين): 104، 164، 165

حسن بن محمد (قوام الدين): 271

حسن بن محمد البغدادي الغوري (حسام الدين): 595

حسن بن محمد الحسيني (ركن الدين):

489

حسن بن الخواجة نصير الدين محمد الطوسي (الشيخ أصيل الدين):

490

حسن بن يوسف ابن المطهر الحلي (العلامة جمال الدين): ر: ابن المطهر

الحسين بن أبان: 274

حسين أفندي آل نظمي: 18، 19

الحسين التكريتي: 274

حسين جاهد بك: 36

حسين بن چوبان (الأمير): 598

حسين بن الدوامي (مجد الدين): 221، 373، 374

الحسين بن علي بن أبي طالب: 110، 213

حسين ابن الأمير غياث الدين (الأمير):

599

حسين بن فلاح: 264

حسين ابن النيار (عز الدين): 255

حسين بن يوسف الدجيلي (سراج الدين أبو عبد اللّه): 568

حسيني (تاج الدين؛ حسن بن محمد)

الحصيري: 341

حظايري (زين)

حلاج: 313

حلاوي (جمال الدين)

حلبي (أيبك؛ عبد الغني، عبد الكريم)

حلي (حسن بن يوسف؛ و محمد بن محفوظ)

حمامي (أحمد بن طالب؛ الأنجب)

حمد اللّه المستوفي: 385، 471

حمزة التكريتي: 325

حميضة بن أبي نمي(الشريف عز الدين):

493، 494، 503، 528، 540

حيار بن مهنا: 483

حيدر بن أيسر (نجم الدين): 332، 364، 381

حرف الخاء

خالدي (أحمد بن عبد الرزاق؛ محمد)

خالص: 235

خدابنده محمدخان؛ خربندا محمدخان (السلطان): 20، 24، 25، 26، 414، 453، 458، 461، 465، 467، 474، 476، 477، 478، 479، 480، 490، 495، 498، 500- 503، 511، 512، 525،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 631

528، 530، 540، 546، 547، 552، 553، 554، 556، 564، 593

خديجة السلجوقية: 302

خراز (محمد بن أبي الحسن)

خراساني (شمس الدين)

خربدار: 540

خريم (الشيخ): 532

خشوعي (عبد اللّه بن بركات)

خطيري (عز الدين)

خليفة بن علي شاه (ناصر الدين): 595

خوارزمشاه: 10، 13، 32، 47،

48، 49، 79، 14، 118، 124، 125، 127، 128، 129، 132، 568

خوارزمي (بهادرخان)

خورشاه (ركن الدين): 162، 163، 164

حرف الدال

الدارمي: 473

الداعي الرشيدي (الشريف): 435

دامغاني (أبو الحسن، تاج الدين، فخر الدين)

داود البناكتي: 567

داود الجيلي (شرف الدين): 306

داود شاه: 470

داود الظاهري: 445

داود بن عبد اللّه كوشيار (شرف الدين أبو أحمد): 436

داود بن عبدوس (شهاب الدين): 272

داود بن أبي الفضل التباكتي: 504

داود بن معمر: 399

داود بن أبي نصر البغدادي: 463

دباهي (محمد بن أحمد): 468، 494

دبلي (أحمد بن محمد)

دبيثي: 429

دجيلي (حسين بن يوسف)

درانبورغ: 443

درفندي، دلقندي: 494، 503، 515

دستجردي، دستجرداني (جمال الدين، علي، عماد الدين)

دقماق، طوقماق: 469، 492، 500

دقوقي (محمود)

دكزخان: 70

دل راست (أحمد بن عمران)

دلشاد خاتون: 550، 578، 582، 584، 592

دمرطاش (تمرتاش): 482، 549

دمزن (البارون): 34

دمشق خواجة: 547، 548، 551، 552، 553، 554، 555، 561، 578، 582، 588

الدمياطي أبو محمد بن أبي الثناء: 375

دنيا خاتون: 548

الدهلي: 274

دواتدار (أيبك)

دواداري (أرسلان)

دواليبي (محمد بن الخراط)

دوامي (تاج الدين، حسين)

دوباج (سلطان كيلان شمس الدين):

455، 485

دوبون پايان: 76

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 632

دوتومينين خان: 74، 78

دورباي: 92

دوري (أحمد الدوري)

دوشي خان (توشي؛ جوجي): 47، 48

دوغاچار: 128

دوقوز خاتون: 158، 160، 237، 283، 284

دوكيني: 36

دولتشاه السمرقندي: 452، 513، 567

دولة شاه بن سنجر الصاحبي: 412، 436

دولگن؛ دورليگن: 72

دويدار (جلال الدين)

ديب باقوي خان: 61

دي كوين: 92

دينار (ملك): 600

حرف الذال

ذهبي (أبو عبد اللّه، شمس الدين):

259، 263، 319، 349، 353، 362، 429، 445، 448، 455، 452، 466، 468، 477، 478، 494، 510، 532، 533، 538، 544، 558، 574، 575

حرف الراء

رابعة بنت أبي العباس أحمد بن الخليفة المستعصم: 301، 302، 333، 338، 457

راست دل (أحمد بن عمران)

الرافعي: 566

ربيع محمد الكوفي (عفيف الدين):

306، 392

ربيعة خاتون بنت أيوب: 234

رستم: 428

رسعني (عبد الرزاق)

رشيد بن أبي القاسم: 580

رشيد الدين (الخواجة): ر: (فضل اللّه بن أبي الخير الهمذاني: 17، 20، 23، 26، 54، 151، 163، 166، 177، 338، 422، 437، 450، 469، 470، 471، 472، 479، 491، 492، 495، 496، 504، 506، 507، 508، 509، 510، 511، 512، 513، 515، 540، 541، 543، 578، 585، 586، 589

رشيدي (الداعي)

الرشيدي: 156

رشيق: 205

رصافي: 242

رضا نور (الدكتور): 33، 35، 36، 54

رضي بن برهان: 476، 533

رضي الدين بن سعيد: 371

رضي الدين الصغاني: 227، 257

رضي الدين أبو القاسم: 407

رقي (بدر الدين؛ علي بن محمد)

ركن الدين: 124، 552

ركن الدين (السلطان): 17، 162، 168، 237

ركن الدين ابن النقيب: 319

رميثة بن أبي نمي: 494، 503، 528

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 633

حرف الزاي

زامل أمير العرب: 580

زبيدة العباسية: 457

زبيدة بنت المكتفي: 302

زبيدة بنت هارون الجويني: 333، 457

زبيدي: 484

زجاج (عبد الرحمن)

زرديان (شمس الدين): 356، 363

زرندي (محمد بن يوسف)

الزريراني (عبد اللّه)

زكريا القزويني (عماد الدين): 358

زكي الدين الإربلي: 289

زملكاني (كمال الدين)

زنجاني (أحمد بن عبد الرزاق؛ أحمد بن محمود، شهاب الدين، محمود بن أحمد)

زنكي: 171، 174

زنكي (أتابك): 574

زنكي (وجيه الدين): 359

زهاوي (جميل صدقي)

زين الحظائري: 384، 389

زين الدين ابن الدهان: 329

زين الدين (قاضي القضاة): 428

زين الدين (العميد): 357

زين الدين الماستري (الخواجة): 470

زين الدين ابن المنجا (الشيخ): 565

حرف السين

ساتي، صاتي بك بنت السلطان: 549، 594، 596

سارتاق أوغلاني: 361

ساطي (الأمير): 400

ساعاتي (أحمد، عبد الرحيم، علي بن أنجب؛ علي بن تغلب، فاطمة بنت أحمد)

سام ساوجي: 76

سام بن شمس الدين محمد (بهاء الدين):

111

سام قاجون: 79

ساماني (إسماعيل بن أحمد)

ساموقا بهادر: 95

ساوجي (سام، سعد الدين، محمد بن علي)

سباوي (مبارك شاه)

سبكي: 32، 468، 562

ست الملوك بنت أبي بدر: 273، 274، 473

سديد الدولة اليهودي: 572

سراج الدين ابن البجلي: 221، 256

سراج الدين الشارمساحي: 388

سراج الدين القزويني: 539، 543، 580

سراج الدين المالكي: 317

سراج الدين محمد بن أبي فراس الهنايسي: 297، 301، 302، 303

سرخي (تاج الدين)

سرقوتني بيكي: 148، 153

سعد (الأمير): 177، 178

سعد بن أبي بكر (أتابك): 236

سعد بن أتابك مظفر: 162

سعد الدولة بن صفي الدين: 357،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 634

383، 384، 386، 389، 392، 393، 394، 397، 398

سعد الدين (الخواجة): 469، 470، 471، 491، 496، 506، 507، 508، 540، 586

سعد الدين الساوجي: 510

سعد الدين القزويني: 363، 379، 380

سعد الدين مسعود: 476

سعدي الشيرازي: 242، 351، 367، 418

سعنه بن مهنا: 574

سغناق، ساغناق: 120

سكتو بوغا: 121

سكورجي (صواب الخادم؛ محمد)

سلامي (ثابت بن أحمد)

سلدوزي (چوبان؛ تمرتاش؛ حسن)

سلطان جوق؛ سلطانجق: 187، 188

سلطان شاه: 110، 584

سلمان الفارسي: 391،

424

سليم خان (ياوز سلطان): 265، 266، 287

سليمان (النبي): 380

سليمان أفندي الأوزبكي البخاري (الشيخ): 100

سليمان خان: 594، 596

سليمان شاه بن برجم: 169، 173، 174، 177، 179، 180، 181، 182، 189، 192، 194، 195، 196

سليمان الصائغ: 296

سليمان الطوفي (نجم الدين أبو الربيع):

501

سليمان القانوني (السلطان): 177

سليمان بن مهنا: 482، 488، 520، 521، 524، 525، 574

سمداغو (الأمير): 268، 269، 270، 289

سمرقندي (محمد بن أبي بكر)

سمناني (جلال؛ شرف الدين، علاء الملك، محمد بن أحمد)

سنتاي أغول، سونتاي: 158، 161، 187

سنتاي بهادر؛ سيناي: 147

سنتاي نوين: 126

سنجر: 268

سنجر البغدادي (مجد الدين): 490

سنقر الأشقر: 336

سنكون، شنكون بن أونغ (أونك): 84، 86، 87، 88

السهروردي: 341، 462

سواملي (إبراهيم)

سوبوداي بهادر: 128

سوتاي التتري (الأمير، النوين): 465، 517، 570

سوغنجاق؛ سوغونجاق؛ سونجاق نويان:

185، 187، 189، 190، 192، 198، 288

سونج؛ سوينج: 63، 70، 71، 123، 454، 478، 502

سيف الدين الأبوبكري: 523

سيف الدين بيتكجي: 186، 225، 260

سيف الدين الجيلي، الجيلاني: 572

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 635

سيف الدين غازي بن مودود: 234

سيف الدين بن فضل (الأمير): 519، 521، 522، 523

سيف الدين قليچ: 187

حرف الشين

شاپور: 381

شادكم: 92

شافعي: 466، 477، 566، 573

شامي (نائب صاحب الزمان): 369

شاه رخ بن تيمورلنگ: 25، 26

شاه هلتي (شمس الضحي): 333، 457

شجاعي (قاهر)

شرابي (إقبال)

شرف الدين بديع: 421

شرف الدين ابن الجوزي: 170، 225

شرف الدين السمناني: 388، 389، 416، 421

شرف الدين الشيرازي: 376

شرف الدين العباسي: 399

شرف الدين العلوي الطويل: 221

شرف الدين علي اليزدي: 26

شرف الدين المراغي: 198

شرمساحي (عبد اللّه): 317

ششي بخشي: 324

شعلة (أبو عبد اللّه، محمد بن أحمد الموصلي): 253، 558

شقير الواعظ (مجد الدين): 306

شمس الدين الأصفهاني: 511، 512

شمس الدين أقوش: 264

شمس بن سعد بن مظفر: 400

شمس الدولة بن مجلد النصراني: 409

شمس الدين الجويني (محمد صاحب الديوان): 14، 15، 259، 260، 262،

270، 271، 278، 288، 310، 311، 332، 334، 339، 342، 343، 348، 349، 365، 366، 370، 376، 392، 397، 398، 417

شمس الدين الخراساني: 298

شمس الدين الصباغ: 376

شمس الدين بن الصلاح: 468

شمس الدين بن العماد: 490

شمس الدين القزويني: 155، 161

شمس الدين الكبشي: 418

شمس الدين كرت: 161

شمس الدين الكوفي: 310

شمس الدين الهنايسي: 398

شمس الدين ابن اليزدي: 310

الشهاب الخيوفي: 107

شهاب الدين الزنجاني: 198

شهاب الدين السهروردي: 486

شهاب الدين بن عبد اللّه: 222

شهاب الدين ملك الغورية: 110، 111

شهرزوري (يعقوب)

الشهرستاني أحمد بن علي الموصلي:

401

شيخ الخليل: 569

شيخ زاده بن پروانه: 583، 584

شيخ زاده ابن السهروردي: 582

شيدورقو: 141

شيرازي (سعدي، محمود)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 636

شيرامون: 151، 154، 155، 191

حرف الصاد

صاحبي (دولة شاه)

صاغاني: 559

الصالح (الملك): 196، 262، 268، 269، 289، 484، 487

الصالح أيوب (الملك): 268، 463

صالح بن الصباغ (محيي الدين): 559

صالح بن عبد اللّه البطائحي: 463

صالح بن الهذيل (مجد الدين): 256، 271، 339

صباغ (شمس الدين، صالح)

صدر جهان (ر: أحمد بن عبد الرزاق):

422، 425، 426، 427، 428، 432

صدر الدين بن حمويه الجويني: 333، 527، 580

صدر الدين القاضي: 124

صدر الدين محمد بن شيخ الإسلام الهروي: 329، 378

صدر الدين ابن الخواجة نصير الدين الطوسي: 43، 387

صرصري (حسن بن محاسن، محمد بن الحسن)

صغاني (رضي الدين)

صفاري (يعقوب)

الصفدي: 576

صفي الدولة بن الجمل: 342، 346، 352، 391

صفي الدين الأرموي: 539

صفي الدين بن عبد المؤمن: 381، 408، 409، 432

الصفي بن المالحاني: 399

صفي الدين محمد: 310، 311

صلاح الدين (السلطان): 234

صواب الخادم السكورجي (شمس الدين): 431

صورغان شير بن الأمير چوبان: 590

صيرفي (الجمال)

حرف الضاد

ضياء الدين بن سكينة: 255

حرف الطاء

طاطي: 503

طالش بن چوبان: 549

طايغور، كايغور (الشحنة): 127

طبرسي (تاج الدين، علاء الدين)

طبري (يحيي بن جلال الدين)

طغا خاتون: 548

طغاي: 570، 590

طغاي تيمور، طغا تيمور؛ طوغاي تيمور، طغيتمور: 593، 594، 596، 599

طغتكين: 574

طغرل بيك: 109، 175

طفيل بن منصور: 554

طهراني (عبد اللّه بن عبد الجليل)

طوسي (نصير الدين، محمد بن محمد، أحمد بن الخواجة نصير الدين؛ حسن بن الخواجة نصير الدين، صدر الدين): 28

طوطوق: 60

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 637

طوغا بيك: 590

طوغاجار، طغاجار، تغاجار ياغوجي:

362، 414

طوغان بغا: 540

الطوفي (سليمان): 528، 545

الطويل العلوي: 271

حرف الظاء

الظاهر بأمر اللّه: 254

الظاهر بيبرس (الملك): 262، 263، 264، 268، 321، 574، 603

الظاهري (داود، محمد)

ظهير الدين البخاري: 274، 371

ظهير الدين الكازروني (الكازروني):

280، 385

ظهير الدين محمد بن عبد القادر: 321

حرف العين

العادل بدر الدين سلامش (الملك): 604

العادل بن المنصور: 484

عادل النسوي؛ البسري صاين وزير (الملك نصر الدين): 551

عاقولي (عبد اللّه)

عاني (محمد بن مقلد)

العباس (رض): 302

العباسي (محمد بن المحيا)

عبد الأحد بن سعد اللّه بن نجيح: 400

عبد اللّه (شرف الدين): 255

عبد اللّه بن إبراهيم البغدادي: 490

عبد اللّه بن إبراهيم الجزري: 558

عبد اللّه الباهر: 330

عبد اللّه بن بركات الخشوعي: 533

عبد اللّه بن بلدجي الموصلي (مجد الدين): 374، 375، 401، 439، 571

عبد اللّه بن جعفر (محيي الدين): 559

عبد اللّه بن جميل الجبي (صفي الدين):

300

عبد اللّه بن حبيب الكاتب (الشيخ زكي الدين): 318، 373

عبد اللّه الزريراني البغدادي (تقي الدين أبو بكر): 565، 568

عبد اللّه بن أبي السعادات الأنباري البابصري (نجم الدين أبو بكر):

472

عبد اللّه الشرمساحي (الشيخ سراج الدين): 300

عبد اللّه العاقولي (الشيخ جمال الدين):

317، 371، 378، 424، 562

عبد اللّه بن عبد الجليل الطهراني (القاضي فخر الدين): 298، 299

عبد اللّه بن عبد المؤمن (نجم الدين المقري): 454

عبد اللّه بن علاق: 476

عبد اللّه بن عمر البيضاوي (القاضي أبو الخير): 31

عبد اللّه بن عمر بن اللتي: 322، 375

عبد اللّه الفاروثي (الشيخ نصير الدين أبو بكر): 356، 456

عبد اللّه بن فضل اللّه الشيرازي المعروف بوصاف الحضرة: 17، 476

عبد اللّه ابن قاضي البندنيجين (نظام الدين): 356، 363

عبد اللّه بن محمد القاشاني المؤرخ (أبو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 638

القاسم): 470، 471، 578، 589

عبد اللّه القوساني (نجم الدين): 392

عبد اللّه الكازروني (جلال الدين): 486

عبد اللّه بن محمد المعروف بابن الخوام:

513

عبد اللّه بن محمد بن نصر الجيلاني (أبو

سعد): 464

عبد اللّه بن محمد الواسطي (نجم الدين):

532

عبد اللّه بن محمود: 341

عبد اللّه مخلص: 279، 281

عبد اللّه بن وجيه الدين التكريتي (نصير الدين): 533

عبد اللّه بن يحيي الجزائري (الجمال):

591

عبد اللّه بن يونس: 291

عبد الجبار البصري (جمال الدين):

416، 421

عبد الجبار بن عكبر الواعظ (جلال الدين): 262، 320، 542، 571

عبد الحليم بن محمد المغربي: 495

عبد بن حميد: 473

عبد الحميد بن أحمد: 382

عبد الحميد بن هبة اللّه المدائني المعروف بابن أبي الحديد (عز الدين): 252

عبد الدائم: 374، 533

عبد الرحمن (الأمير): 199

عبد الرحمن (شمس الدين): 292

عبد الرحمن (أبو الفرج الشيخ جمال الدين): 255

عبد الرحمن (أبو الفضل؛ أبو الفضائل):

194، 196

عبد الرحمن (الشيخ): 342، 358، 580

عبد الرحمن البزار (أبو الفرج): 430

عبد الرحمن بن تاشان (نور الدين):

390، 393، 412، 416، 417، 420

عبد الرحمن التبريزي (تاج الدين): 515، 519

عبد الرحمن ابن الزجاج: 570

عبد الرحمن بن سلمان الحربي (مفيد الدين أبو محمد): 438

عبد الرحمن السهروردي (جمال الدين):

591

عبد الرحمن بن عسكر (شهاب الدين أبو أحمد): 565، 569

عبد الرحمن بن علي بن أحمد: 281

عبد الرحمن قنيتو المؤرخ: 203، 505، 506

عبد الرحمن بن اللطيف (الكمال القويرة): 429

عبد الرحمن بن اللمغاني: 297

عبد الرحمن ابن الناقد (عز الدين): 272

عبد الرحيم بن عبد الرحمن الموصلي:

566

عبد الرحيم بن علي الساعاتي: 518

عبد الرحيم بن محمد الموصلي (تاج الدين أبو القاسم): 307

عبد الرحيم بن أبي منصور (ناصر الدين):

313

عبد الرحيم بن يونس الموصلي (تاج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 639

الدين): 306

عبد الرزاق الرسعني (عز الدين): 272

عبد الرزاق الفوطي (فوطي و ابن الفوطي): 545

عبد السلام ابن الكبوش البصري (عز الدين): 324

عبد السلام بن يحيي التكريتي: 322

عبد الصمد بن أحمد البغدادي (الشيخ مجد الدين): 324

عبد الصمد بن أبي الجيش: 221، 423، 473، 486، 542، 558،

571، 573

عبد الصمد بن أبي الخير: 533

عبد العزيز: 319

عبد العزيز الإربلي (عز الدين): 384

عبد العزيز بلدجي: 374

عبد العزيز بن جعفر النيسابوري (عز الدين): 311، 315، 351

عبد العزيز بن سعود بن الناقد: 320

عبد العزيز بن عبد القادر البغدادي:

320، 399

عبد العزيز بن عدي البلدي: 518

عبد العزيز بن أبي القاسم البغدادي البابصري: 323

عبد الغفار بن عبد اللّه البندنيجي: 466

عبد الغني بن الدرنوس (نجم الدين الخاص): 194، 203، 331

عبد الغني بن يحيي الحراني: 477

عبد القادر الجيلي؛ الكيلاني: 191، 192، 193، 254، 255، 292

عبد القادر بن غيبي: 409

عبد القاهر بن محمد ابن الفوطي (موفق الدين أبو محمد): 253

عبد الكريم بن بلدجي: 274، 375

عبد الكريم بن الحلبي: 466، 558

عبد الكريم بن السباك: 275، 276

عبد الكريم السهروردي: 409

عبد الكريم ابن طاوس (غياث الدين):

406، 407

عبد اللطيف بن أحمد بن محمود: 486

عبد اللطيف بن عبد الوهاب الواعظ:

201

عبد اللطيف بن الكويك (سراج الدين):

573

عبد اللطيف بن محمد القبيطي: 322

عبد المؤمن البندنيجي: 221

عبد المؤمن بن خلف الدمياطي: 320

عبد المحمود ابن السهروردي: 398

عبد الملك الجويني (إمام الحرمين):

367

عبد المنعم البندنيجي (نظام الدين):

221، 297

عبد الوهاب بن سكينة: 430

عبد الوهاب ابن قاضي دقوق: 391

عبد اليشوع: 337، 347

عبيد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: 333

عثمان بن إبراهيم: 375

عثمان بن عفان: 212، 497

عثمان بن المتوكل: 266

عثمان بن مسعود الواسطي: 388

عثمان بن الموفق: 533

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 640

عجل بن نعير: 483

عجيبة: 563

عراقي (علم الدين)

العز الإربلي (الطبيب): 408

العز ابن جماعة: 572

العز الحراني: 465، 572

عز الدين (ابن الوزير العلقمي): 224، 226

عز الدين ابن الأثير: 250

عز الدين جلال: 363

عز الدين بن أبي الحديد: 221، 227

عز الدين ابن الزنجاني: 307، 352، 371، 380، 386، 398

عز الدين الخطيري: 523

عز الدين ابن الخواجة

رشيد الدين: 506

عز الدين بن فتح الدين: 190

عز الدين القوهدي (الخواجة): 507

عز الدين ملك الروم (السلطان): 161، 162، 168، 237

عز الدين ابن الموسوي العلوي: 221

عزة الملك: 599

العزيز (الملك): 266

عسقلاني (أحمد بن علي)

عطيفة: 494

عطا ملك ابن الصاحب بهاء الدين محمد الجويني (الصاحب علاء الدين):

14، 15، 17، 54، 143، 166، 186، 257- 262، 271، 272، 276، 277، 278، 289، 290، 295، 297، 298، 299، 301، 304، 306- 310، 321، 323، 324، 325، 327، 328، 333، 339، 340، 342، 343، 345، 348، 349، 351، 352، 360، 366، 380، 383، 390، 417، 441، 442، 457، 513، 533، 555

العفيف ابن الزجاج: 382

عفيف الدين الحنبلي: 427

علاء الدولة (الشيخ): 552

علاء الدين: 152، 250

علاء الدين التون پارس (الدواتدار الكبير): 181، 196

علاء الدين بن بهاء الدين: 111

علاء الدين الطبرسي: 222، 415

علاء الدين طيبرس: 264

علاء الدين ابن الخواجة عماد الدين (الخواجة): 588

علاء الدين الهندي (الخواجة): 507

علاء الدين (علاء الملك): 269

علاء الملك السمناني: 471

علقمي (ابن العلقمي)

علوش: 347

علوي (حسن بن علي، شرف الدين، عز الدين، علي ابن الصلايا؛ عماد؛ محمد بن الحسن؛ محمد ابن صلايا، محمد بن نصر الهاشمي)

علي (رضي الدين): 212، 292، 316

علي بن أبي بكر بن روزبة: 322، 375، 382، 399

علي بن أبي بكر بن الكردي: 354

علي بن أبي طالب (رض): 295، 312، 316، 407، 458، 459، 461،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 641

497، 498، 501

علي بن أبي عفان الخطيب المعروف بابن شيخ النجل (محيي الدين): 467

علي بن أبي الفتح ابن الفخر عيسي الإربلي (بهاء الدين)

علي بن أحمد الآمدي (الشيخ زين الدين العابر): 419، 423

علي بن إدريس البعقوبي (الشيخ): 254، 359

علي إسفنديار (نجم الدين): 325

علي بن الأطلبي (الشيخ نور الدين):

299

علي بن الأعوج (شمس الدين):

324

علي بن أميران (شرف الدين): 325، 327، 406

علي بن أنجب الساعاتي (الشيخ تاج الدين أبو طالب): 252، 318، 419، 533

علي بدر الدين: 363

علي بن بدر الدين إسحاق بن لؤلؤ الموصلي: 567

علي بهادر شحنة بغداد (الأمير): 220، 257، 261، 262، 271، 272

علي تاشان (تاج الدين): 400

علي بن تغلب الساعاتي (نور الدين):

373

علي بن جعفر (الأمير): 582

علي بن جعفر (مجد الدين): 357

علي جكيبان (شكيب): 342، 346، 351، 376، 379

علي بن الحسن الواسطي (الشيخ): 570

علي بن حسين: 545

علي بن الحسين النيار (أبو الحسن):

255

علي الحكيم الخطاي (علاء الدين): 515

علي بن حنظلة بن أبي سالم الداعي:

166

علي الخباز (الشيخ): 253، 254

علي الدستجردي (جمال الدين)

علي ابن الدوامي (تاج الدين): 221، 251

علي ابن السكري: 489

علي بن سلطان: 273

علي بن سليمان البحراني: 335

علي بن سنجر بن السباك: 773 274

علي شاه الأويراتي: 515، 517، 520، 524، 527، 528، 541، 570، 581، 582، 583، 584، 585، 586، 589، 590، 591، 592، 609

علي شاه التبريزي (الخواجة تاج الدين):

470، 490، 491، 492، 496، 507، 508، 585، 586

علي شاه بن تكش: 112

علي ابن الصلايا العلوي (كمال الدين):

333

علي ابن طاوس (السيد رضي الدين):

272، 292

علي ابن الطقطقي (السيد تاج الدين):

310، 311

علي بن عبد اللّه (شهاب الدين): 304، 306، 373

علي بن عبد اللّه الحنبلي: 543

علي بن عبد العزيز الإربلي: 253

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 642

علي بن عبد العزيز المغربي البغدادي (تقي الدين): 378

علي بن عبد اللطيف الألخمي: 590

علي بن عبد اللطيف بن يحيي: 427

علي بن عبدوس (تاج الدين): 319

علي بن عثمان بن عبد القادر الوجوهي:

570

علي بن عدلان (عفيف الدين): 296

علي بن عفيجة (عز الدين): 391

علي بن علاء الدين عطا ملك الجويني (مظفر الدين): 398، 426

علي القوشجي (الأمير): 478، 593

علي كوچك (زين

الدين): 233

علي ابن العنبري: 291

علي بن مبارك البكري (إمام الدين): 580

علي بن شمس الدين محمد الملقب بحيدر (أمير الموصل السيد علاء الدين):

560

علي بن محمد الرقي (بدر الدين): 356

علي بن محمد بن حسن بن نبهان اليشكري: 340

علي بن محمد بن محمد بن وضاح:

570، 571، 573، 590

علي بن محمد بن ممدود البندنيجي (أبو الحسن): 579، 589

علي بن محمد الكازروني: 428، 429

علي بن الموسوي (نجم الدين): 317

علي بن النيار: 409

علي بن هلال المعروف بابن البواب (أبو الحسن): 373

علي اليزدي (شرف الدين): 26

علي اليناق، ناق؛ آل يناق، اليناخ:

359، 360، 397

علم الدين العراقي: 454

عماد بن أشرف العلوي: 32، 569، 570

عماد الدين زنكي: 250

عماد الدين الدستجرداني: 420

عماد الدين علاء الملك السمناني: 471

عماد الدين بن عبد الجبار البصري:

421، 426

عماد الدين بن مجد الدين: 453

عمار بن ياسر: 459

عمر (ابن المتوكل): 266

عمر بن الخطاب (رض): 212، 286، 458، 495، 497، 498

عمر بن عبد اللّه: 330

عمر القزويني (قراتاي عماد الدين):

220، 222، 258، 261، 262، 270، 274، 334، 379، 563

عمر بن كرم: 342

عمر الكرماني: 530

عمر بن محمد السهروردي: 375، 388

عمر بن محمد بن طبرزد: 375

عمر الهمذاني: 334

عمر ابن الوردي: 11، 478، 479، 483، 484، 485، 490، 497، 510، 529، 604

عمرو الصفاري: 175

عميد (الأمير): 127

عنبري (علي)

عيسي بن إبراهيم والي الموصل (فخر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 643

الدين): 441

عيسي بن داود المنطقي البغدادي: 455

عيسي ابن مريم عليهما السّلام: 309

عيسي المعلوف: 281

عيسي بن مهنا (أمير العرب): 263، 264، 336، 372، 519، 574، 482

العيني: 419، 536

حرف الغين

غازان (السلطان محمود): 17، 20، 22، 24، 260، 350، 367، 463، 404، 411، 413، 414، 415، 421، 422، 423، 425، 427، 428، 430، 431، 435، 436، 437، 439، 441، 444، 445، 446، 447،

452، 453، 463، 489، 490، 505، 508، 509، 510، 533، 536، 556، 564

غازي الألفي (الملك المنصور نجم الدين): 267، 336، 343، 463، 467، 484

غازي ابن الملك العادل (شهاب الدين):

13، 134

غايرخان نائب خوارزمشاه: 101، 103، 106، 121، 122

غريغوار العاشر: 338

الغزنوي: 558

غلاة نوين: 126

غوري (حسن بن محمد، محمد بن سام) غياث الدين صاحب هراة: 527، 549، 552، 555

غياث الدين بن علاء الدين (الأمير):

166

غياث الدين محمد: 581، 588، 590، 593

غياث الدين بن همام الدين خواندمير:

367

غياثي: 31، 469، 555

حرف الفاء

فارسي (سلمان)

فاروثي (عبد اللّه)

فاروقي (نصير الدين)

فاطمة الزهراء: 302

فاطمة بنت مظفر الدين أحمد الساعاتي:

419

فتح الدين كر: 173، 189، 190

فخار بن معد: 316

فخر بن البديع: 455

فخر الدولة: 393، 394

فخر الدين باشا ابن جميل: 280

فخر الدين الإمام: 387

فخر الدين ابن الدامغاني: 194، 220، 256

فخر الدين الرازي العلوي: 111، 406

فخر الدين ابن الطراح: 368، 369، 371، 380، 384، 394، 412، 416، 417

فخر الدين ابن الفصيح: 559

فخر الدين المنجم: 280

فخر الدين ابن النيار: 346

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 644

الفخر الموصلي: 430، 542، 570، 575

فرج الكردي: 31

فرج اللّه بن شمس الدين صاحب الديوان:

367، 392

الفرضي: 375

فضل بن الجيلي: 438

الفضل بن الربيع: 259

فضل بن ربيعة: 372

فضل بن عيسي (أمير العرب): 372، 493، 506، 520، 521، 532، 539، 574

فضل بن يحيي الطيبي: 408

فضل اللّه بن عبد الرزاق: 427، 464

فلج البغدادي: 264

فوللرس: 357

فياض بن مهنا: 483، 493، 520

فيان دنكوز: 71

الفيروز آبادي: 273

فيروز شاه: 549

حرف القاف

قائم بأمر اللّه: 266، 302

قابول خان: 72، 79

قاجولي: 79

قاراخان: 66، 67، 68

قازان: 415، 512

قاسم بن أبي الحديد المدائني (موفق الدين أبو المعالي-): 251

قاشاني: 508

قاليماجو: 76

قاميش: 153

قانوني (سليمان)

قاهر الشجاعي (الملك): 406

قايدوخان: 74، 75، 78

قايماز (مجاهد الدين): 234

قباذ بن فيروز: 177

قبجا: 263

قبجاق: 69

قبجاقي (قراسنقر)

قبلاي أغول (قوبلاي): 155، 156

قبلاي قاآن (قوبلاي، قوبيلاي): 288، 294

قتادة نائب الشرطة: 329

قتلغ شاه، قتلو، خطلو المغلي (ناصر الدين): 304، 329، 339، 380، 383، 384، 390، 425، 436، 437، 451، 455، 463، 469، 485، 496

قداق: 152

قدسون: 185

قرا أرسلان: 267، 467

قراتاي، قراطاي بيتكجي (شهاب الدين):

186، 222، 524

قراجاخان، قرا حاجب: 121

قراسنقر: 474، 480، 488، 506، 526، 527، 535، 536، 554، 562، 563، 603

قراسنقر، سنقور القبجاقي: 187، 188، 190

قراسنقر المنصوري (الأمير): 474، 478، 479، 480، 481، 482، 517

قرمشي؛ قورمشي: 469، 516، 517

موسوعة

تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 645

قزقز الناصري: 182

قزويني (زكريا، سراج الدين؛ سعد الدين، عمر، محمد بن أبي بكر؛ محمد، يحيي)

القزويني: 185، 192

قطب الدين (الملك): 600

قطب الدين الزنجاني: 401

قطب الدين الشيرازي: 358

قطب الدين مودود: 343، 344

قطب الدين بن مودود بن زنكي: 233

قطز (الملك المظفر): 264، 267، 268، 283، 463، 603

قطلو؛ يلقطو: 536

قلانسي (أحمد بن علي)

قلاوون الألفي (سيف الدين أبو مظفر الملك المنصور): 345، 358، 499، 574، 604

قليج قارا: 88

قنجاق (الأمير): 435، 436

قنيتو (عبد الرحمن)

قونقورتاي؛ قونغرتاي؛ قونغرناي: 360

قوتوقابكي: 581

قوجاقور: 85

قوجوم بورول: 76

قودو: 96

قورنار اوغول: 158

قوروسوماجو: 88

قوساني (عبد اللّه)

قوشجي (علي؛ الأمير علي)

قولي (تولي) بن أورده بن جوجي: 185

قوناق: 153

قونقورتقاي: 154

قوهدي (عز الدين)

قووا: 76

قوي مارال: 76

قويوخان: 61

قويولدارچچن: 86

قيچي مركن: 76

قيراغا، قرابوقا، قرابوغا: 222، 272، 277، 278، 289

قيرغيزخان: 63، 70

قيشلق: 85

قييات، قييان: 71، 72، 75

حرف الكاف

كاتب چلبي: 32، 419، 512، 576

كاترمير: 427

كاشغري (إبراهيم بن عثمان): 430، 467

الكازروني: 318

كازروني (محمود، علي بن محمد؛ عبد اللّه، ظهير الدين)

كاظم الدجيلي: 281

كامل (الملك): 269

كبشي (شمس الدين؛ محمد)

كپك: 478، 479

كتبغا، كيتوبوقا (الأمير): 162، 163، 177، 178، 185، 189، 190، 196، 267، 283، 406

كتبي: 38، 366، 538، 562

كتيفا (أبو منصور الطبيب النصراني):

409

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 646

كديدا: 352

كردي (خليل بن بدر؛ فرج)

كرزدهي (فخر الدين): 345، 346

كركوز: 259

كرماني (عمر)

كريم الدين القاضي: 524، 531، 534، 535، 542

كشلو، كشلي؛ كوچلو، كوچلوك: 48، 91، 92، 95، 96، 97، 98، 99، 113، 118، 123

كفني (تاج الدين)

كلكان: 138

كلمنت الرام (البابا): 338

كمال البزاز: 568

كمال الدين الزملكاني: 547

كمال الدين كوچك: 425

كمال الدين ابن المخرمي: 388

كمال الدين محمد: 292

الكندي: 272

كواشي (أحمد، الموفق): 558، 559

كورخان: 67، 85، 92، 96، 98

گوزخان: 67

كوساني (حسن)

كوفي (ربيع محمد؛ شمس الدين؛ محمد بن أحمد، محمد بن عبد اللّه)

كوك خان:

123

كوكا أيلكا، كوكا أيكا: 163، 186

كوكبري، كوكبوري (مظفر الدين أبو سعيد): 234، 235

كوكجه بن منكليك ايچيكه: 90

گون خان: 70

كي: 309

كيابزرك أميد: 164

كيباية (نجم الدلال): 326، 327، 347

كيخاتو، كيغاتو، كيختوخان: 396، 400، 401، 402، 404، 405، 410، 411، 413

كيخسرو (غياث الدين): 397

كيد بوقا الباورجي: 158

كيوك بن أوكتاي: 150، 151، 152، 153، 154، 405

كيومرث: 60، 69

حرف اللام

لؤلؤ دمشق خواجة: 548، 550

لبان: 484

لري، لوري (أحمد)

لكزي بن أرغون أقا: 405

لمغاني (عبد الرحمن)

لويس شيخو: 443

ليتاجي: 437

حرف الميم

مارحيا: 270

ماردنحا: 290

مارستاني (أحمد، أحمد بن يعقوب)

مارغوزخان: 85

ماستري (زين الدين)

مأمون: 302، 333، 457

ماميشاي: 85

مانقوت: 79

مبارز الدين كك: 176

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 647

مبارك بن حامد (تقي الدين): 319

مبارك شاه: 386، 476، 477، 552

مبارك شاه السباوي الوزير (أبو المناقب الخواجة شهاب الدين): 196، 200، 470

المبارك بن الضحاك (عضد الدين): 230

مبارك بن علي: 292

المبارك بن محمد بن مزيد: 427

مبارك ابن المخرمي (فخر الدين أبو سعيد): 221، 290، 291

مبارك ابن المستعصم: 537

مبارك الهندي الجوهري (أمين الدين):

317

المبرز بن عبد اللّه الموصلي: 274

متوكل (عبد العزيز): 184، 266

المتوكل (محمد): 265، 266

المثني: 208

المجد النشابي: 206

مجد الدين (الشيخ): 132

مجد الدين التبريزي: 235

مجد الدين الحراني (الشيخ): 565

مجد الدين بن الظهير الإربلي: 430

مجد الدين قاضي شيراز: 459

مجد الدين اليزدي: 334، 336، 337، 339، 342، 343، 345، 346، 349

محفوظ بن معتوق المعروف بابن البزوري (أبو بكر): 420

محمد بن عبد اللّه (النبي صلّي اللّه عليه و سلّم): 301، 302، 458، 495

محمد السلجوقي: 175

محمد (صفي الدين- ابن الطقطقي):

311، 440، 441

محمد (الملك الناصر): 604

محمد بن أبي بكر: 519

محمد بن أبي بكر القزويني: 467

محمد بن أبي بكر السمرقندي (برهان الدين): 539

محمد بن أبي الحسن الخراز (الحوار):

299

محمد بن أبي سعد (الشريف أبو نمي):

494

محمد بن أبي العز البصري (نجم الدين) محمد ابن الأثير (مجد الدين): 222، 325، 345، 356، 363، 364، 370، 379، 421

محمد بن أحمد الدباهي: 478

محمد بن أحمد السمناني (شرف الدين)

محمد بن أحمد بن شبل الحريري: 485

محمد بن أحمد بن طاوس (النقيب جمال الدين)

محمد بن أحمد القطيعي: 399

محمد (محمود) بن أحمد بن عبد اللّه الهاشمي الكوفي الواعظ (شمس الدين): 321

محمد بن

أحمد بن عمر القطيعي: 322

محمد الآوي، أوجي، اللوحي السيد (تاج الدين أبو الفضل)

محمد أزبك: 549

محمد بن أسعد التستري: 566

محمد الأمين: 184

محمد أمين غزال: 532

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 648

محمد بن أنوشتكين (قطب الدين): 110

محمد بن برس (أسد الدين): 353

محمد البرزالي (شمس الدين أبو عبد اللّه): 575

محمد بركة (الملك ناصر الدين): 603

محمد البروجردي (شمس الدين): 309، 324، 340

محمد بن بصلا (شرف الدين): 364

محمد بكتمر: 593

محمد بن تكش (علاء الدين، خوارزمشاه قطب الدين): 96، 98، 99، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 109، 110، 111، 131، 175

محمد بن جار اللّه (أبو عبد اللّه): 530

محمد بن جعفر البصري (القاضي عز الدين): 306

محمد بن جلال الدين (علاء الدين):

164

محمد بن الحسن (خواند): 164

محمد بن حسن الأبهري: 309

محمد بن الحسن الإسماعيلي (علاء الدين): 163، 313

محمد بن الحسن الصرصري (ظهير الدين): 333، 456، 457

محمد بن الحسن ابن طاوس العلوي (مجد الدين): 251

محمد بن الحصري: 416

محمد بن حلاوة: 545

محمد الخالدي التبريزي (قطب جهان زين الدين): 406، 426، 427، 579

محمد بن الخراط و يعرف بابن الدواليبي

البغدادي (الشيخ عفيف الدين أبو عبد اللّه): 515، 563، 568

محمد بن دانيال الكحال المراغي الموصلي (شمس الدين): 573

محمد رضا الشبيبي: 190

محمد بن الخواجه رشيد الدين (غياث الدين): 509، 547، 549، 555، 576، 577، 578، 586

محمد زرديان (شمس الدين): 412

محمد بن الزياتين (الشيخ شمس الدين):

428

محمد بن سالم المنبجي (كمال الدين):

570

محمد بن سام بن حسين الغوري (غياث الدين أبو الفتح): 110

محمد بن سعيد بن الخازن: 379، 400

محمد بن سعيد بن الموفق: 353

محمد بن السكران: 298

محمد السكورجي (شمس الدين): 402، 403، 406، 412

محمد (السلطان): 120، 121، 122، 126

محمد سنقر: 182

محمد شريف الداماد: 557

محمد بن شمام (عز الدين): 371، 412، 426

محمد

الشيباني التلعفري (شهاب الدين):

322

محمد ابن صلايا (ابن صلاية) العلوي (تاج الدين أبو المعالي): 177، 229، 232، 235

محمد بن طاوس (جمال الدين): 316

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 649

محمد بن عبد اللّه البغدادي المحدث الصوفي (رشيد الدين أبو عبد اللّه):

462

محمد بن عبد اللّه بن أبي القاسم: 273، 274

محمد بن عبد اللّه المالحاني: 273، 274

محمد بن عبد اللّه الكوفي الواعظ (شمس الدين): 240

محمد بن عبد الرحيم: 381

محمد بن عبد المحسن الدواليبي: 276

محمد عبده (الشيخ): 445

محمد بن عبد الهادي: 533

محمد بن أبي العزيز: 386

محمد بن عكبر (الشيخ شرف الدين):

416

محمد ابن العلقمي (مؤيد الدين): 44، 220، 227، 229، 242، 243، 244، 245، 251، 252، 293، 440

محمد ابن العلقمي (عز الدين أبو الفضل): 224، 226، 232، 244، 245، 257

محمد بن علي ابن الوراق المعروف بابن خروف الموصلي (شمس الدين أبو عبد اللّه): 340، 558

محمد بن علي الرقي: 387

محمد بن علي الساوجي وزير نيكو:

428، 476، 477

محمد بن علي السباك: 273

محمد بن علي بن المنشي النسوي (شهاب الدين): 10، 11، 91، 568

محمد بن علي بن أبي السهل: 379، 400

محمد ابن الصاحب عماد (الخواجة علاء الدين): 555

محمد بن عمر الحراني البغدادي: 473

محمد بن عمر بن المرنج: 274، 439

محمد بن عيسي (أمير العرب): 493، 495، 503، 504، 523، 540

محمد ابن الفاخر: 514

محمد بن قرا قاسم النسوي (الأمير): 98

محمد القزويني (القاضي نصير الدين):

531

محمد بن قلاوون (الناصر): 594، 596

محمد بن قيصر البغدادي (نجم الدين):

530

محمد الكبشي (شمس الدين): 294

محمد بن كرام: 110

محمد ابن الكويك (شمس الدين): 486

محمد بن كيا بزرك أميد: 164

محمد (السلطان مظفر الدين): 592، 598

محمد بن المبارك المخرمي: 273، 274

محمد بن محفوظ بن و شاح الحلي (تاج الدين): 380

محمد بن محمد الدباب (أبو الفضل):

274،

439، 542

محمد بن محمد بن السباك: 322

محمد بن محمد الطوسي (الخواجة نصير الدين الطوسي)

محمد بن محمد الوزان (تاج الدين):

558

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 650

محمد بن محمود بن حسن الموصلي:

486

محمد بن المحيا العباسي (الشيخ محيي الدين): 316، 317

محمد بن مسعود بن بهروز: 353

محمد بن مقلد التكريتي المعروف بابن الصائغ (أبو الهدي): 572

محمد بن مقلد العاني الدلال المقسمي:

530

محمد المندو: 337

محمد بن أبي صالح نصر الجيلي (الجيلاني)؛ (أبو نصر): 253

محمد بن نصر الهاشمي العلوي (تاج الدين أبو المكارم): 233

محمد بن النفيس بن عبد الوهاب: 342

محمد بن النفيس بن عطاء: 342

محمد بن هلال المنجم (نجم الدين):

378

محمد الواسطي (أبو البدر): 353

محمد بن يعقوب ابن أبي الدنية؛ أبي الدثنة (شهاب الدين أبو سعيد):

341، 439، 533، 542

محمد بن يوسف بن زيلاق (محيي الدين): 268، 269

محمد بن يوسف الزرندي: 539

محمد بن يونس الباعشيقي (شمس الدين): 270، 289

محمدي (أيتمش)

محمود (أميرزاده): 584

محمود (غياث الدين): 110، 111، 112

محمود (نظام الدين): 398

محمود بن أبي بكر البخاري: 274

محمود بن أحمد الزنجاني (أبو المناقب شهاب الدين): 251

محمود بن أحمد العيني (الشيخ بدر الدين أبو محمد): 38

محمود الأصم: 492

محمود الجاجرمي (الشيخ ضياء الدين):

296

محمود الدقوقي (تقي الدين أبو الثناء):

542، 571

محمود سبكتكين: 133

محمود شكري أفندي الآلوسي (السيد):

457

محمود (شيخ الشيوخ نظام الدين): 422

محمود بن أبي العز الواسطي: 375

محمود بن علي وزير بغداد (نجم الدين):

595

محمود غازان (السلطان): ر: غازان محمود الكازروني: 486

محمود الهروي (القاضي نظام الدين):

316

محمود يالواجي؛ يالواج: 102، 103، 152، 156

محيي الدين قاضي تبريز: 579

المختار الثقفي: 214

مخرمي (بندار، علي؛ مبارك)

مدائني (عبد الحميد، قاسم)

مراغي (شرف الدين؛ محمد بن دانيال)

مرتضي أفندي آل نظمي: 19، 35

مرسي: 493

مرشد الهندي: 200

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 651

مري بن ربيعة: 574

مزي: 501، 568

مسعود: 296

مسعود بك بن

محمود يالواجي: 156، 160

المسترشد باللّه: 264

المستعين باللّه: 265

المستعصم (الخليفة): 169، 180، 194، 200، 201، 203، 204، 216، 227، 229، 242، 243، 244، 245، 247، 255، 256، 287، 299، 358، 409، 432، 506

المستكفي باللّه: 264، 265، 266

المستمسك باللّه: 266

المستنجد باللّه: 266

المستنصر (الخليفة): 175، 194، 196، 197، 198، 199، 200، 201، 227، 263، 264، 265، 300

مسعود (الأمير): 152

مسعود بن شمس الدين محمد صاحب الديوان: 367، 392

مسعود بن محمد ملكشاه: 302

مسعود بن أعلم الدين يعقوب البرقوطي:

298، 323، 378، 390، 391

مسمار بن عمر بن العويس: 375

مشرف بن علي الخالصي: 320

مصر خواجة: 548

مصري (الحاج المصري)

مصطفي جواد: 13، 176، 177

مصطفي رحمي: 29

مطري: 559

المطيع للّه: 439

مظفر الدين ابن الصاحب: 347

مظفر ابن الطراح (فخر الدين): 271، 309، 316، 329، 340، 380

المظفر (الملك): ر: قطز

مظفر بن المستوفي (سعد الدين): 363، 376

المعافي الموصلي: 566

معاوية بن أبي سفيان: 212

معتز: 184

المعتضد باللّه (داود): 265

المعتضد باللّه (ابن المستكفي): 265

معتقل بن فضل (أمير العرب): 580

معتوق بن البزوري (نجم الدين)

معروف (عز الدين أمير بغداد الخواجة):

560، 582

معروف الكرخي: 332، 388

مغربي (عبد الحليم، علي بن عبد العزيز)

مغول خان: 66

مفيد الدين الحربي (الشيخ): 565، 568

المقتفي: 263

مقريزي: 43، 143

مكتفي: 302

مكرمين بك: 36

مليخا: 290

ممدوخان: 98

م. م. رمزي: 59

منبجي (محمد بن سالم)

منتصر: 184

منشي النسوي (محمد بن علي): 10، 11، 13، 14، 47، 91، 118، 132، 134، 135

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 652

منصور (الملك): ر: غازي الألفي

منصور ابن الصاحب علاء الدين الجويني: 347، 398، 390

منصور (الملك): ر: قلاوون

منصور بن المؤذن (نجم الدين): 317

منكبرتي؛ منكوبرتي (جلال الدين خوارزمشاه)

منكسار: 156

منكلي خان: 70

منكو قاآن، مانغو؛ مانكو: 148، 153، 154، 155، 156، 158، 159، 160، 161، 173، 180، 181، 236، 279، 288، 405، 581

منكوتمر؛ منكوتيمورخان و يلقب (كلك):

336، 337، 362

منهاج الدين

بن سراج الدين الجوزجاني (القاضي): 19

منوجهر الپيشدادي (فخر الدين): 271، 416

المهدي: 368

مهنا بن عيسي (الأمير حسام الدين):

464، 480، 483، 487، 493، 495، 514، 519، 521، 522، 523، 524، 528، 529، 532، 539، 540، 573، 574

موراجادوهسون المستشرق: 29، 146

موسي الإربلي (الشيخ مجد الدين): 505

موسي الإربلي (كمال الدين): 489

موسي خان (السلطان): 584، 585، 586، 590، 591، 592، 593، 596

موسي بن مهنا: 482، 493، 522، 523

موصلي (أحمد بن الزكي، أحمد بن موسي، ثابت بن أحمد، عبد الرحيم بن عبد الرحمن، عبد الرحيم بن محمد، عبد الرحيم بن يونس، عبد اللّه؛ علي بن بدر الدين إسحاق؛ فخر، محمد بن أحمد، محمد بن دانيال، محمد بن علي؛ محمد بن محمود، يعقوب بن إسحاق؛ يوسف بن محمد)

مولاي (الأمير): 436

مونولون: 74، 75

ميسور: 478

مينكار بهادر: 95

مينكيليك ايچيگه: 73، 82، 83، 85

مينكيلي؛ هوجا: 76

حرف النون

نابلسي (بدر الدين)

نارتان خان: 72

ناصح ابن الحنبلي: 468

ناصر (الملك): 264، 266، 267، 268، 283، 329، 383، 480، 481، 482، 489، 505، 518، 522، 524، 525، 527، 528، 534، 540، 542، 545، 549، 562، 574، 577، 593، 596

ناصر خسرو: 165

ناصر الدين (الأمير): 517

ناصر الدين بن علاء الدين: 235

ناصر لدين اللّه (الخليفة): 103، 104، 105، 106، 114، 132، 312

ناصر ابن الهيتي: 546، 579

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 653

نافوا: 155

ناولدار (الأمير): 428

نجاد بن أحمد أمير آل مري: 488

نجلي النخچواني (الأمير): 225

نجم الدين: 420

نجم الدين معتوق ابن البزوري: 446

نجم الدين البادراني: 331

نجم الدين خواجة: 306

نجم الدين بن الدرنوس: 221، 334، 347

نجم الدين بن عكبر: 542

نجم الدين بن عمران: 220، 256

نجم الدين محمد بن أبي العز البصري:

309، 318، 380، 392

نجم الدين بن المعين: 221، 256، 416

نجيب: 476، 533

نجيب الدولة الطبيب اليهودي: 471، 491، 496

نجيب الدين

بن نما (الشيخ): 316

نحوي (تقي الدين بن كليب)

نخچواني (نجلي؛ هندوشاه)

نسفي (محمد)

نسوي (محمد بن قرا قاسم، محمد بن علي المنشي)

نشتري: 589

نصر بن عبد الرزاق الجبلي: 375

نصر بن الماشعيري اليهودي (مهذب الدولة): 364، 389، 392، 393، 394

نصراني (شمس الدولة)

نصرة الدين بن ارغش: 327، 328

نصرة الملك (صائن وزير): 588

نصرة الدين أحمد: 411

نصير الدين الطوسي (الخواجة) [ر:

محمد بن محمد الطوسي]: 163، 184، 186، 194، 195، 200، 225، 238، 248، 276، 280، 284، 285، 308، 310، 312، 313، 335، 339، 387، 437، 489، 513، 515، 533، 537، 609

نصير الدين الفاروقي: 309

نعمان الآلوسي: 370

نعماني (تاج الدين، حسام الدين)

نعير بن حيار: 483

نقاجو: 402

نقاش (أحمد بن البواب)

نكون، نوكون: 71، 72، 76

نوح: 35، 434، 511

نور الدين عبد الرحمن: 392، 393

نور الدين المالكي: 387

نوروز بن شمس الدين الجويني (الأمير):

260، 270، 350، 392، 413، 414، 415، 421، 422، 425

النويري: 498

نيسابوري (عبد العزيز)

نيطاق (الأمير): 400

نيقولا الثالث: 338

نيماج: 76

حرف الهاء

هاجر: 204

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 654

هارون الجويني (الخواجة شرف الدين):

301، 302، 307، 333، 343، 348، 354، 356، 363، 364، 381، 387، 432، 457، 513

هاشم خان: 143

هدية البغدادية: 484

الهراس: 484

هروي (محمد ابن شيخ الإسلام، محمود) هلاكوخان، هولاكو، هلاوون؛ قولاخو، قولاقو: 6، 14، 28، 29، 32، 35، 38، 39، 43، 45، 46، 53، 108، 148، 155- 163، 166- 178، 183- 188، 190- 199، 214، 220، 221، 223، 224، 225، 226، 229، 230- 233، 235- 238، 240، 245، 246، 248، 249، 250، 251، 256، 259، 260، 261، 262، 266، 267، 268، 269، 271، 277، 278، 279، 280، 282، 283، 285، 287، 288، 291، 292، 312، 314، 342، 366، 374، 405، 437، 440، 447، 576، 581، 594، 599

همام (هلال) بن

صالح البغدادي (أبو الحارث): 575

همذاني (جعفر؛ رشيد الدين، فضل اللّه) هنايسي (أبو الفتح، شمس الدين، محمد بن أبي فراس)

هندوخان بن ملكشاه بن تكش: 110، 111

هندوشاه النخچواني: 441

هندوي بيتكجي: 195

هندي (علاء الدين، مبارك، مرشد)

هوبايجو: 229

هوداس المستشرق: 13

هورقوداق (الأمير): 454، 495

هوشتاي، هوشتكتاي: 278، 294

هيتي (ناصر)

حرف الواو

الواثق باللّه (إبراهيم): 265

الواثق باللّه (عمر): 265

واسطي (أحمد بن غزال، أحمد بن محمد؛ عبد اللّه، علي بن أحمد؛ محمد بن سعد)

وجوهي (أبو الحسن؛ علي بن عثمان) وداعي: 446

وصاف الحضرة (عبد اللّه بن فضل اللّه الشيرازي)

ولدي: 480

ولي أفندي: 18

حرف الياء

ياريم شير بوقانجو: 79

ياسين العمري: 13

يافث: 56، 57، 60، 61

ياقوت المستعصمي (جمال الدين):

257، 354، 432، 434، 608

يحيي (عز الدين أبو زكريا): 291، 292

يحيي بن إبراهيم ابن صاحب سنجار:

476

يحيي البكري القزويني (إمام الدين):

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 655

406، 426، 432، 438

يحيي بن جلال الدين الطبري (ناصر الدين): 470

يحيي بن أبي السعود: 400، 427

يحيي الصرصري (أبو زكريا): 254

يحيي بن ظهر بغا المغلي: 545

يحيي بن عبد العزيز الناسخ (نجم الدين):

300

يحيي بن شمس الدين محمد صاحب الديوان: 367

يحيي بن محمد بن علي (رشيد الدين أبو طالب): 443

يزدي (علي، مجد الملك)

يسوك: 516

يشكري (علي بن محمود)

يشموت، يسموت: 158

يعقوب: 337، 347، 532

يعقوب بن إسحاق الموصلي (أبو عوانة):

591

يعقوب التاجر: 296

يعقوب شاه: 599

يعقوب الشهرزوري (بهاء الدين): 463

يعقوب الصفاري: 174

يكسون: 437

يلدوز (تاج الدين): 111، 113

يلنجه خان: 63

يوسف (زين الدين أبو المظفر): 234

يوسف أتابك لرستان: 365

يوسف البغدادي (جمال الدين أبو إسحاق): 353

يوسف ابن البقال (الشيخ عفيف الدين):

296

يوسف بن الجوزي (محيي الدين أبو المحاسن): 255

يوسف بن عبد المحمود البغدادي (جمال الدين): 545

يوسف بن المجاور: 566

يوسف بن محمد بن علي بن سرور: 542

يوسف بن محمد ابن قاضي الموصل:

505

يولدوزخان: 76

يونس بن حمزة القطان (الإربلي أبو محمد): 514

يهودي (جلال الدين، سديد الدولة، سعد الدولة، فخر الدولة، نجيب الدولة؛ نصر)

ييلدوزش خاتون، أيلدوزش: 466

ييلديزخان: 70

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 656

2- فهرس الشعوب و القبائل و البيوت و النحل

حرف الألف

آرية: 53، 56

آغا خانية: 165

ألقنوت: 73

اتحادية: 477

أدوركين: 79

أرلات: 73

أرمن: 53، 149، 152، 235، 284

بنو أسد: 601

بنو إسرائيل: 71، 389، 504

إسرائيليات: 56

إسماعيلية: 14، 111، 161، 163، 164، 166، 168، 175، 229، 312، 313، 453، 481

الأغاخانية: 161

أفغان: 68

أموية: 31، 212، 213، 440

إنجليز: 191، 239

أوراسوت: 65

أورماووت: 73

أوروبيون: 44، 53، 59

أوروت: 79

أولاح: 69

أولقنوت: 82

أونغوت: 65

أويرات (أورياد): 64، 92، 158، 581، 584، 590، 591،

592، 593

أويشان: 73

أويغور (ايغور؛ اغور): 23، 61، 70، 92، 108، 120

أويماووت: 73

إيرتكين: 78

إيكراس: 73

إيلجيگن: 73

إيلخانية: 23، 42، 437

إيلدوركيت: 74

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 657

حرف الباء

بابا اوت: 74

بابية: 165

بارقوت: 74

بارولاس: 79

بارين: 74

باطنية (إسماعيلية): 161، 313، 314، 402

براهمة: 396

برمك (آل): 215، 482

بلغار: 148

بهائية: 165

بودات: 79

بوذية: 61، 283

بورجيكين قييان: 81

بوسقين حالجي: 78

بوقوق قاتاغين: 78

بولغاچين: 64

بيات: 488، 602

بيت الجمل: 337

حرف التاء

تاتار (ر: تتر)

تارنج: 60

تايجوت: 78، 82، 83

تتر: 9، 10، 32، 36، 44، 47، 49، 53، 59، 60، 62، 63، 64، 68- 71، 99، 104، 114 116، 118، 119، 123- 125، 127، 128، 129، 132- 135، 148، 149، 150، 170، 179، 180، 193، 200، 203، 214، 216، 219، 229، 230، 235، 251، 253، 254، 255، 263، 264، 267، 271، 280، 283، 320، 372، 413، 414، 415، 444، 445، 453، 455، 458، 463، 464، 467، 468، 474، 478، 485، 487، 488، 489، 493، 494، 502، 503، 509، 510، 511، 516، 518، 520، 524، 529، 531، 536، 541، 550، 552، 555، 564، 570، 580، 590، 595، 599

ترك، أتراك: 9، 10، 15، 20، 22، 23، 24، 33، 35، 36، 37، 49، 51، 53، 54، 57- 60، 62، 65، 66، 82، 90، 97، 107، 111، 117، 118، 135، 143، 158، 205، 209، 215- 219، 237، 239، 252، 260، 337، 350، 368، 411، 415، 433، 452، 480، 511، 550

تركمان: 177، 179، 182، 233، 488، 503، 526، 599، 602

تكين: 120

تمرجي: 47

تنغوت (تنگوت): 91، 137، 141

تنوخ: 210

توران (طوران): 24، 33، 60، 139، 159، 163، 170

توقاق: 65

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 658

حرف الجيم

چاپولغا: 74

جاجيرات: 74

چركس (شركس): 79

جروفية: 165

چغتاي: 33، 478

جلاير؛ جلايرية: 74، 75

جمهورية التركية: 29، 33

الجهمية: 110

جورجيت: 93

الجوزي (آل) 255

جويرات: 74، 91

جويني (آل): 343

حرف الحاء

حمويه (آل): 533

الحنابلة: 262، 306، 353، 438، 472، 538، 573

الحنفية: 274، 306، 419، 430، 559، 595

حرف الخاء

ختن (خوتان): 81، 88

الخرامية: 477

خزر: 60

خطا (خيتاي، ختا): 22، 64، 65، 74، 81، 92- 96، 98، 100، 102، 104، 111- 114، 118، 131، 148، 152، 156، 158، 437، 504، 511

خفاجة: 264، 494، 503، 601

خوارزمية؛ خوارزمشاهية: 13، 29، 31، 109، 115، 128، 135، 168، 187، 259، 405

حرف الدال

دروز: 165

دوربان: 74

دورليگين: 72، 75

دوغلات: 79

ديلمية: 31، 168

حرف الراء

ربيعة: 602

الروافض: 458، 494

روس: 60، 69، 148

روم: 152، 161، 162، 166، 168، 185، 229، 235، 237، 268، 288، 326، 338، 343، 381، 392، 396، 397، 414، 511، 593، 594

حرف السين

سامانية: 31

سامية: 53

السباك (آل): 273

سبكتكين (آل): 109

سريانية؛ سريان: 53

سقسين: 148

سلجوقيين، سلجوقية: 31، 70، 109، 168، 237، 250

سلدوز؛ سلدوس: 70، 555

سلغرية: 31

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 659

السمريون: 70

سميط (آل): 483

السنة: 205، 458، 461، 462، 495، 498

سوقوت: 74

حرف الشين

الشافعية: 306، 309، 320، 424، 562

شامانية: 61

الشيبانيون: 208

شيعة: 205، 313، 319، 458، 461، 462، 471، 546، 565

حرف الصاد

صابئة: 220

صفارية: 31

صقلب: 60، 148

صوفية (متصوفة): 605

صين: 60

حرف الطاء

الطالبيون: 272

طباطبا (آل): 310

طورانية: 53

طيي ء: 263، 295، 336، 372، 483، 489، 536، 574، 601

حرف العين

عبادة (قبيلة): 602

العباسيون: 31، 173، 174، 184، 200، 213، 214، 215، 217، 220، 226، 227، 239، 241، 243، 260، 261، 262، 263، 287، 339، 440، 504، 608

عبرية، عبرانيون: 53، 62

عرب، عربية: 7، 8، 9، 18، 20، 29، 33، 35، 50، 53، 56، 57، 58، 59، 62، 65، 69، 205، 208، 209، 210، 211، 215، 219، 220، 243، 263، 336، 369، 372، 392، 395، 480، 481، 483، 488، 493، 503، 519، 520، 522، 523، 525، 527، 529، 532، 574، 576

عجم: 7، 13، 29، 33، 34، 49، 53، 54، 56، 59، 103، 141، 192، 202، 219، 232، 331، 350، 355، 452

العدنانية: 209

عز (بنو عز): 602

عقيل (قبيلة): 602

العلوية: 213، 225، 424، 431، 449

علي (آل): 104، 372، 482، 483

عيسي (بنو، آل): 372، 483، 493، 519، 527، 532

العيلاميون: 70

حرف الغين

غزنوية: 31

الغسانيون: 210

غلاة التصوف (المتصوفة): 165، 313

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 660

غور؛ غورية: 68، 69، 111، 112، 114

حرف الفاء

فاطمية (إسماعيلية): 495

فداوية: 481، 488، 526، 527

فرج (آل): 483

فرس: 9، 202، 208، 209، 210، 215، 366، 511

فرنج: 109، 116، 152، 234، 504، 511

فضل (آل، بيت): 336، 372، 464، 467، 482، 483، 489، 574، 580

فيلية: 365

حرف القاف

قارلوق: 92

قارنوت: 73

قالاج: 88

قانقلي: 68

قبط: 511

قپچاق، قفجاق: 22، 23، 117، 131، 141، 146، 147، 282، 284، 338، 594، 603

القحطانية: 209

قراخطا، قراخيتاي: 92، 93، 95، 96، 156

قرامطة البحرين: 165

قرغز: 64، 65، 92

قنطورا (بنو): 60

قورلاس: 72، 73، 76

قونقرات: 87

قونقومار، قونقامار، قونغ قومار: 73، 83، 90

قيشلق: 73

قييات، قييان: 71، 72، 76، 79

حرف الكاف

كرامية: 110

كرايت؛ كريت: 65، 84، 85، 86، 87، 88، 89، 154، 283

كرج: 235

كرد (أكراد): 147، 159، 177، 179، 180، 208، 219، 232، 233، 235، 378، 386، 425، 454، 469

كشفية: 165

كعب: 602

كلاب (بنو): 523

كلحية: 393، 394

كلدان: 208، 219

كنجاوية: 503

كندة: 57

كورلوت: 74

كوره موچين: 64

كيانية: 594

كيتكيتلر: 74

كيقوم: 69

كيماري: 60

حرف اللام

لان: 117، 131، 148

لر، لور (فيلية): 73، 159، 179، 235

لوله نكون: 65

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 661

حرف الميم

المالكية: 306، 565

مانقوت: 79، 86

مجر: 69

المجوس: 219، 415

مرجئة: 110

مري، مرا (آل): 488، 489، 574

المزدكية: 219

مسلم (آل): 483

آل مظفر: 598

معادي، معدان: 602

مكريت، مركيت: 73، 91، 96

ملاحدة: 161، 162، 163، 166، 168، 169، 175، 188، 235، 260، 312، 537

ملحم (آل): 372

مغول، مغل، مونغول، مونغ أول: 6، 7، 9، 14، 17، 19، 20- 26، 28، 30، 31، 32، 33، 35، 41، 42، 45، 47، 51، 52، 53، 55، 56، 59، 60، 62- 67، 72، 75، 76، 78، 81، 84، 86، 90، 93، 97، 98، 99، 100، 104، 109، 113، 116، 119، 121، 122، 123، 126، 127، 128، 135، 136، 137، 146، 147، 149، 150، 151، 154، 173، 176، 178- 183، 185، 187- 191، 196، 197، 199، 202، 203، 205، 207، 208، 216، 220، 222، 225، 226، 227، 228، 231، 233، 237، 238، 244، 245، 247، 252، 258، 259، 260، 262، 267، 268، 269، 270، 279، 283، 284، 287، 293، 296، 298، 306، 321، 333، 338، 348، 349، 350، 362، 363، 365، 366، 367، 395، 397، 398، 399، 404، 405، 410، 413، 415، 437، 440، 441، 442، 447، 450، 451، 452، 454، 465، 476، 479، 480، 484، 491، 496، 497، 500، 503، 504، 512، 515، 517، 525، 535، 539، 541، 550، 553، 554، 555، 556، 560، 578، 581، 584، 586، 587، 590، 593، 595، 598، 600- 604، 606، 609، 611

منتفق: 602، 604

مهارش: 263

مهدي (بنو): 523

مهنا (بيت): 372، 532

مينغ: 60

حرف النون

نايمان: 65، 84، 85، 87، 91

نسطورية: 61

نصرانية: 26، 44، 61، 88، 108، 109، 139، 152، 157، 219، 283، 290، 299، 378، 390، 397، 415، 416، 496، 504، 510، 572

نصيرية: 313،

519

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 662

نظمي (آل): 18، 19

نوتاقين: 79

نيرون: 72، 78، 83

حرف الهاء

الهند الأوروبي: 53

الهند الجرمني: 53

هون: 36

حرف الواو

وثنية: 61، 157

حرف الياء

ياداي: 73

ياريم شير بوقانجو: 79

يزيدية: 110

يهود: 220، 386، 391، 393، 394، 395، 397، 407، 415، 419، 471، 472، 492، 496، 504، 530، 547، 572

يونان: 511

ييسوت: 79، 96

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 663

3- فهرس الأمكنة و البقاع

حرف الألف

آب سكون: 129، 175

آذربيجان (أذربيجان): 66، 79، 114، 117، 129، 133، 147، 149، 152، 156، 162، 166، 235، 250، 256، 278، 360، 365، 413، 458، 497، 577، 593، 600

آريس (نهر): 120

آستانة (ر: استانبول)

آمد: 134

آلتون كوبري: 176

آمو (نهر): 128، 140

آنقارا، انقارا موران (نهر): 64، 581

أبلة: 208

أبهر: 113

أبواب البر: 496

أترار (ر: اطرار)

أتميل: 146

أجفر: 483

أحساء: 214، 514

أران: 113، 133، 156، 348

أرانية: 117

إربل (أربيل): 148، 177، 185، 187، 190، 224، 229، 232، 233، 234، 235، 252، 290، 296، 323، 340، 347، 353، 377، 378، 390، 407، 408، 514، 596، 610

أرجان: 541

أرحا: 368

أرزن الروم: 518

أرغون: 47

أركنه قون: 71، 76

أرمينية: 69، 159

أزدهن: 133

أسد آباد: 186

إستانبول (الأستانة): 18، 21، 25، 29، 31، 38، 62، 176، 419، 451، 504، 557

إسكندرية: 296، 465، 531، 549

إسني (إشني، إشنة): 256، 345

أصبهان، أصفهان: 113، 133، 134،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 664

333، 343، 411، 418، 449، 458، 459، 466، 598

أطرار، أو طرار (اترار): 101، 102، 106، 107، 120، 121، 122، 252

الأقماق: 153

أكسفورد: 27

ألموت: 152، 163، 166، 214

أناطول (أناضول): 82، 149

انبار: 189، 224، 264، 287، 349، 380، 399، 610

إنگلترا (إنجلترا): 338

أهر: 365

أوجان: 449

أورمية، أرمية: 235، 236، 283

أورنبورغ: 59

أوروبا: 15

أولواغ (أولوطاغ): 66، 91

أيا صوفية: 18، 24، 26، 504

أيذج: 600

إيران: 15، 17، 19، 24، 69، 79، 139، 155، 158، 159، 160، 170، 177، 186، 214، 236، 259، 260، 279، 284، 287، 288، 289، 314، 362، 366، 367، 408، 437، 447، 464، 581، 588، 592، 594،

598، 600، 606

أيرتيش: 91، 92

أيسيغ (بحيرة): 60

إيلاق: 567

أيلال: 129

أيميل: 65

حرف الباء

باب الأزج: 254، 292، 391، 458، 569

باب بدر: 353

الباب الجديد: 577

باب حرب: 291، 379، 454

باب الحلبة: 421

باب السور: 420

باب الشيخ: 458

باب الصوفي: 121

باب طراد: 291

باب الظفرية: 421

باب غلة ابن توما: 299

باب قلاية النصاري: 347

باب كلواذي: 191، 196، 200

باب المصلي: 128

باب الميدان: 269

باب النوبي: 347، 392

باب الوسطاني: 191

باجسري: 189، 220

بئر ملاحة (قرية ذي الكفل): 472

باريس: 13، 25، 26، 260

باصيدا: 378

بالجونا؛ بالجونا بولاق: 86، 87

بالقاش: 91

باميان: 111، 122، 136

بت: 412

بحرين: 165، 210، 214، 335، 528، 600

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 665

بخاري: 69، 112، 116، 11، 120، 121، 122، 123، 124، 125، 126، 140، 439، 559

بدخشان (وادي): 96

بدرية (مدرسة): 38، 249

براز الروز (بلد روز): 385

برج العجمي: 191، 192، 193، 199

برقوطا: 296

برلين: 33

بست: 111

بسطام: 593

پشتكوه: 365

بشير (نهر): 189

بشيرية (مدرسة): 297، 300، 304، 306، 329، 357، 378، 379، 398، 538، 573، 605

بصرة: 45، 193، 225، 235، 256، 276، 287، 304، 311، 331، 372، 379، 382، 390، 405، 412، 416، 417، 421، 426، 431، 466، 494، 502، 503، 506، 514، 602، 610

البصلية: 569

بطائح (بطيحة): 45، 402، 426، 431

بطرس برج: 33

بعقوبة (بعقوبا): 182، 187، 189، 359

بعلبك: 419

بغداد: 14، 15، 17، 28، 29، 32، 36، 43- 46، 52، 53، 105، 108، 114، 143، 148، 149، 150، 152، 159، 166، 168، 169، 171- 187، 189- 200، 203، 207، 220، 223، 224، 225، 228- 231، 234- 239، 242، 244، 245، 247، 249- 264، 270، 271، 272، 274، 276، 277، 278، 280، 286، 287، 290- 295، 297، 299، 300، 306- 312، 314- 337، 339- 343، 346- 359، 363، 364، 368- 371، 373- 395، 398-

403، 405- 408، 412، 413، 416، 417، 418، 420- 426، 428، 430- 432، 435، 438، 440، 449، 454، 456، 458، 459، 462، 465، 467، 468، 470، 472- 474، 476، 485، 486، 488، 490، 498، 501، 505، 506، 513، 515، 522، 527، 529، 537، 539، 542- 547، 551، 558- 560، 562، 563، 565، 566، 570- 573، 575- 577، 579- 583، 589، 590، 592، 594، 595، 596، 606، 609، 610، 611

بقيع: 550، 554

پكين: 94

بلاد الجبل: 116، 131، 331، 374، 425، 432

بلاد الروم: 321، 338، 397، 448، 561، 576، 592، 594، 596، 599

بلاذر: 161

بلاساقون (ساغون): 116، 118

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 666

بلخ: 69، 120، 125، 128، 136،

بناكت، فناكت: 121، 567

پنج آب (فنج آب): 128، 129

بندنيجين: 220، 223، 356

بوازيج: 378

بولاق: 10، 319، 331، 602

بومبي: 19

بويور- ناور: 64

بيات: 185

بيت اللّه الحرام: 521

بيت المقدس: 280، 281

بيرة: 345، 503

بيروت: 27، 319، 322، 506

بيش باليق: 120، 153

بيمارستان العضدي: 192، 400

حرف التاء

التاج: 200

تبت؛ تيبت: 88، 137، 148، 156، 158

تبريز؛ توريز: 24، 147، 237، 238، 288، 324، 348، 365، 376، 390، 392، 398، 403، 404، 405، 414، 428، 441، 444، 447، 449، 474، 480، 481، 508، 509، 510، 512، 515، 517، 519، 531، 535، 540، 579، 580، 590، 592، 599،

تدمر: 372، 485، 488

تربة الست زبيدة: 457

ترجلة: 148

تركستان: 17، 58، 62، 69، 71، 91، 92، 95، 96، 116، 118، 120، 133، 151، 152، 160، 188، 294، 393

ترمذ: 125، 478

تستر: 225، 308، 334، 610

تفليس: 386

تكريت: 185، 324

تلا: 358

تل أعدا: 539

تل الزبيبة: 330

تمينك: 94

تنارقيا: 327

تنكوت (تنكقوت): 156، 158

توقاق: 65

تون: 163

تونقانور (نهر): 87

حرف الجيم

الجاروخية (مدرسة في الشام): 566

الجامع الأزهر: 38

جامع الأموي: 473

جامع الخليفة (جامع الخلفاء): 44،

198، 304، 332، 353، 394

جامع السلطان (جامع المدينة): 317، 398

جامع الصالح: 296

جامع طولون: 477

جامع العاقولي (العاقولية): 562

جامع علي شاه: 540، 541

جامع القصر: 291

جامع المستنصرية: 308

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 667

جامع المنصور: 382، 472، 473

جبال كيلان: 469

جبل الآتاع: 283

جبل حمرين: 193

جبل شاهو: 283

جديدة: 298

جرجان: 131

جرنداب: 364

جزيرة: 263، 272، 514، 567، 576

جزيرة ابن عمر: 250، 270

جزيرة العرب: 211، 484

چغاتو (نهر): 283، 586

جلابية (جلالية، گلابية): 199

جلولاء: 193

جنثة: 372

جم موران «نهر»: 96

جوخي: 431

جورجة: 156، 158

جورجيت: 64، 65، 68

جورجية: 22

جوين: 259

جيحون: 63، 112، 113، 120، 123، 136، 156، 162، 294، 478

جيلان (گيلان): 428، 454، 455، 463، 469، 485

حرف الحاء

حارثية: 385

حجاز: 209، 212، 474، 518 520، 532، 533، 601

حجر البر: 317، 393

حديثة: 175، 263، 264، 519

حران: 234

حربة، حربي: 187، 189

حصن العليقة: 481

حصن القدموس: 481

حصن الكهف: 481

حصن مصياف: 481

حصن المنيقة: 481

حلب: 13، 135، 225، 238، 261، 264، 267، 331، 435، 444، 464، 466، 474، 480، 481، 520، 524، 532، 534، 535، 547، 559

حلة: 45، 46، 190، 225، 227، 230، 293، 310، 315، 316، 319، 323، 328، 331، 359، 368، 370، 374، 377، 380، 384، 412، 416، 417، 421، 424، 431، 436، 438، 449، 471، 472، 482، 546، 596، 601، 604، 610

حلوان: 177، 178، 179، 186، 189

حكم (قرية): 465

حماة: 464، 493، 515، 572

حمص: 336، 372، 435، 481، 536، 539

حيدر آباد دكن: 37، 445

حيرة: 208

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 668

حرف الخاء

خابور: 391

خالص: 191، 220، 223، 298

خان باليق: 94، 95

خانقاه سعيد السعداء: 293

خانقاه الطاحون: 486

خانقاه القصرين: 566

خانقين: 149، 181، 182، 191، 224، 425

ختيمية: 380

خجند: 120، 121

خراسان: 44، 69، 99، 109، 110- 114، 116، 120، 122، 123، 128، 131، 136، 147، 151، 152، 156، 159، 161، 162، 171، 175، 182، 184، 188، 191، 203، 213، 220، 223، 259، 288، 306، 337، 340، 345، 348، 351، 352، 359، 364، 367، 385، 413، 414، 416، 421، 425، 451، 455، 458، 472، 478، 480، 497، 502، 515، 516، 527، 547، 548، 549، 552، 553، 576، 581، 582، 593، 594، 599، 610

خزانة كتب عبيد اللّه: 543

خليج فارس: 208

خليل: 570

خوارزم: 102، 109، 111، 114، 120، 127، 132، 135، 137، 502، 549

خوارقان (خوارگاه): 283

خوزستان: 133، 185، 199، 225، 260، 610

خوزية: 385

خولنجان: 180

خوي: 283، 595

خيوة: 330

حرف الدال

دار الدريدار: 290

دار الذهب: 513

دار السيادة: 449

دار الشاطيا: 389

دار الفلك: 222، 416

دار المسناة: 337، 426

داغستان: 79

دامغان: 163

دجلة: 187، 189، 190، 191، 222، 249، 290، 291، 298، 299، 308، 319، 323، 332، 333، 337، 368، 371، 377، 391، 398، 418، 448، 547

دجيل: 189، 191، 221، 223، 291، 568، 610

درب حبيب: 420

درب دينار: 290، 572

درب فراشا: 438

الدربند: 180

دربند شروان: 117، 131

درتنك: 176، 177، 180

دز: 176، 177

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 669

دزدبول؛ دزفول، دزيول: 334

دزمرج: 177

دزيزا: 181

دستجردان؛ دستكردان؛ دشت جردان:

412

دقوق؛ دقوقا: 149، 224، 410، 584، 610

دمشق الصغيرة: 481

دمشق (الشام): 69، 134، 152، 156، 212، 236، 238، 256، 261- 264، 266- 269، 272، 277، 281، 287، 300، 325، 336، 340، 341، 342، 345، 353، 358، 372، 374، 377، 435، 436، 437، 444، 456، 463، 464، 468، 473، 476، 477، 478،

482، 483، 486، 487، 488، 481، 490، 493، 501، 503، 506، 518، 519، 523، 532، 533- 536، 538، 547، 551، 559، 561، 565، 566، 568، 570، 571، 573، 574، 580، 590، 595

دمياط: 116

الدورة: 193

الدونج: 335

ديار بكر: 133، 147، 363، 377، 389، 488، 497، 514، 517، 521، 570، 599

ديالي: 610

دير الثعالب: 372

ديلون بولداق: 81

دينور: 168، 186

ديوان الشرابي (دار): 299

حرف الراء

رأس درب: 290

رأس العين: 272

رباط البشيري: 222

رباط بغداد: 544

رباط جهبر: 359

رباط الحريم: 291

رباط الخلاطية: 310، 400

رباط دارسونيسان: 324

رباط الشونيزي: 296

رباط الشيخ علي: 254، 359

رباط القصر: 353

رباط مجد الدين: 373

رباط محمد سكران: 298

رباط المرزبانية: 296

رباط الناصري: 518

الربع الرشيدي: 24، 508

الرطبة: 264، 336، 372، 478، 479، 480، 497، 510، 519، 523، 554، 564

الرصافة: 205، 241

الرقة: 234

روده: 176، 177

روذان؛ راذان (الروضان): 412

روسية: 49

روما: 338

الرها: 234

الري: 109، 116، 129، 188، 235، 472، 553، 599

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 670

حرف الزاي

زاب الأعلي (النيل): 308

زاوة: 163

زرنوق: 122

زنبرانية: 380

زنجان: 113

زنكاباد: 149

حرف السين

ساغناق: 120

ساوة: 113

سبريا: 91

سجستان: 117، 131، 549

السخنة: 493

سرمين: 482، 483

سلاسلار: 410

سلطانية (قنغرلان): 467، 474، 481، 496، 497، 498، 500، 502، 505، 506، 513، 517، 524، 532، 551، 553، 576، 577، 581، 599

سلماس: 235، 236

سلمية: 483، 493، 519، 539، 540

سليكاي (سولنقا): 156، 158

سمرقند: 69، 112، 114، 116، 120، 122، 125، 126، 127، 128، 135، 139، 141، 161

سمنان: 515

سميساط: 234

سميساطية (مدرسة): 579

سنجار: 263، 269، 390، 437، 451، 476

سند: 132، 133، 136، 317

سوار: 465

سورية: 10، 38، 39، 90، 159، 210، 238، 261، 262، 279، 284، 287، 289، 336، 338، 349، 390، 448، 465، 478، 481، 482، 487، 488، 493، 503، 504، 519، 520، 527، 529، 532، 541، 574، 601، 603، 604، 606

سوق الإيكجية (سوق الغزل أو المغازل):

332، 518

سوق السلطان: 191، 193، 375

سوق العطارين: 290

السيافية: 380

سياه كوه: 225، 232، 403

سيب: 316، 336، 398، 416، 417

سيحون (سير دريا- نهر): 107، 120، 567

سيرام: 69

سيواس: 343

حرف الشين

شابور: 181

شام (ر: دمشق)

شروان: 131، 152

شقحب: 445، 455، 463، 485

شهرزور: 181، 354

شهرستان: 163

شهيد (قرية من أعمال دجيل): 568

شونيزية: 359، 399، 400

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 671

شيراز: 147، 376، 418، 449، 456، 458، 459، 598

شيكان: 181

حرف الصاد

صارقول: 96

صاري قامش: 553

صالحية: 477، 534

صحراء بركة (قفجاق): 22، 361، 362

صرصر: 190، 255، 501

صفين: 212

صهيون: 336

صين: 47، 49، 81، 98، 100، 102، 113، 116، 138، 288، 314، 404، 437، 444، 456، 504، 511

حرف الطاء

طاق كسري: 187

طالقان: 126، 136، 166

طبرستان: 49، 114، 129، 131

طمغاج: 47

طوس: 163، 360

طوغاج: 47

طهران: 236

طوفا: 501

الطيب (نهر): 15

حرف الظاء

الظاهرية (مدرسة في الشام): 566

حرف العين

عانه: 264، 519

عبادان: 185

عبدليا: 379

عراق العجم: 481، 497

العراق: 6، 7، 8، 9، 16، 17، 18، 21، 32، 35، 39، 42، 69، 105، 117، 131، 133، 136، 143، 149، 152، 156، 159، 162، 168، 176، 183، 203، 206، 208، 209، 210، 212، 213، 215، 219، 220، 222، 223، 232، 237، 245، 250، 253، 256، 257، 260- 263، 270، 272، 274، 276، 277، 278، 279، 283، 285، 286، 287، 289، 309، 315، 317، 324، 331، 334، 337، 338، 339، 341، 345، 347، 348، 350، 351، 352، 355، 356، 363، 364، 369، 370، 372، 376، 379، 380، 383، 384، 385، 387، 388، 389، 392- 395، 397، 399، 400، 402، 404، 406، 411، 412، 413، 415، 416، 418، 420، 421، 422، 426، 428، 429، 430، 432، 436، 439، 445، 448، 449، 456، 458، 463، 465، 472، 476، 481- 485، 493، 494، 496، 497، 504، 505، 506، 520، 521، 522، 524،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 672

525، 528، 532، 533، 545، 546، 547، 550، 559، 560، 562، 563، 565، 571، 575، 576، 578، 582، 592، 593، 596، 598، 600- 603، 605، 606، 608، 609، 611

عرفات: 549

العصمتية (مدرسة): 333، 364، 378، 426

عظيم (نهر): 412

عقاب، عقابية (قرية): 193

عكا: 234

علقمي (غازاني- نهر): 227

عمان: 185

عين التمر: 403

عين جالوت: 267، 282، 283 463

حرف الغين

غازاني (نهر): 431، 448

غراف: 296

غزة: 268

غزنة: 69، 110، 111، 113، 122، 131، 132، 133، 136، 139

غور، غورية: 111

غوطة: 372

غياليق، قارليق: 120

حرف الفاء

فاراب: 252

فارس: 131، 152، 156، 162، 237، 458، 472، 598

فاروث: 418، 456

فرات: 208، 267، 321، 372، 380، 437، 448، 478، 483، 503، 519، 529، 534، 535

فرغان: 599

فياليق: 153

فيروز كوه: 111، 112

حرف القاف

قاراباغ: 362، 365، 459، 551

قاراندار: 129

قازان: 33

قاسيون: 420، 485

قاشان: 114، 599

قالموق: 38، 264، 399، 452، 455، 501، 524، 530، 534، 554، 567، 567، 568، 595

قباقب: 485

قبة الشيخ ابن البقلي: 369

قبة الشيخ مكارم: 224

قبة النصر: 524

قپچاق (فقجاق، صحراء بركة، دشت قپچاق): 23، 69، 287، 599

قبر أحمد: 291

قبر سلمان الفارسي: 390، 424

قبر معروف الكرخي: 304، 372، 388، 398

قبر النذور: 333

قدس: 484

فراجائيك: 156، 158

قرافة: 466، 573

قراقروم: 154، 158، 259

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 673

قرمسين (كرمنشاه، كرمانشاهان): 186، 187

قرية الخضريين: 205

قرية الشيخ: 369

قزوين (قزبين): 113، 166، 359، 447، 451، 474، 500

قسطنطينية: 338

قصران: 162

قصر المنصور: 189

القصص: 353

قطيف: 514، 600

قلعة تلا: 278، 358

قلعة جعير: 372، 570

قلعة الذهب: 176

قلعة المرج: 176

قلعة وهار: 180، 181

قلمينيا: 448

قلهات: 600

قم: 113، 599

قمستكي: 153

قنطرة باب البصرة: 190

قنطرة الذهب: 176

قوتليق باليق: 122

قهستان: 152، 159، 163، 166، 214، 313

قوسان: 308، 340، 369، 412، 416، 417، 424، 610

قولا (نهر): 87، 158

قونية: 561

قيالق: 98

قيسارية: 321، 377، 561

حرف الكاف

كابل: 69

كاشغر (كاشخر): 81، 98، 116، 118

كاظمية (ر: مشهد موسي بن جعفر)

كبودان (بحيرة أورمية): 236

كبيسات: 403، 519

كرج، كرجستان: 79، 149، 152، 156، 162، 588، 590، 592، 599

كرخ: 205، 229، 244، 332

كردستان: 147، 168، 186

كردكوه: 163

كرك: 267، 464، 487

كرمان: 111، 117، 131، 133، 147، 152، 156، 458، 598

كرم بود: 593

كرمليس: 148

كري سعده: 349

كريت: 185

كشمير: 69

كلات: 360

كلوران: 154

كنجه: 133

كواشة: 340

كوتنغن: 33

كوسه داغ: 168

كوشك: 421

كوفة: 45، 46، 190، 208، 225، 295، 315، 316، 319، 331، 374، 380، 384، 416، 468، 471، 472، 494، 601، 602،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 674

610

كولي: 156، 158، 191

كوي سراي: 122

كيج: 600

كيش: 600

حرف اللام

لان: 117

اللحف: 181

لكز: 117

لمبسر، لمسر: 166

لهاوور: 113، 133

لورستان، لرستان (مملكة اللر): 152، 156، 181، 182، 185، 189، 365، 411، 436، 600، 611

ليدن: 10، 16

ليون: 338

حرف الميم

ماچين: 156، 158

الماخونة: 335

ماردين: 267، 337، 435، 439، 467، 484، 487، 514، 516، 530، 547

مازندران: 129، 156، 259، 288

ماليغ (ماليق): 81، 98، 120

مأمن: 304، 390

المأمونية: 382

ماوباليغ: 136

ما وراء النهر: 49، 112، 114، 116، 151، 152، 160، 294، 567

المباركة (قرية): 298

محلة أبي حنيفة: 205

محلة الهروية: 330

محول: 308، 385، 424، 470

مخرم: 292

مدائن: 193، 334

مدرسة ابن الأثير: 379

مدرسة الأصحاب: 307، 309، 317، 378

مدرسة الأمير چوبان: 554

مدرسة الجعفرية: 181، 543

مدرسة دار الذهب: 297

مدرسة سعادة: 356

مدرسة الشرابي: 359

مدرسة الشيخ عبد القادر الجيلاني: 292

مدرسة عبيد اللّه: 543

مدرسة العصمتية: 306، 307

مدرسة المغيثية: 316

المدينة: 209، 385، 427، 549، 552، 554

مراغة: 26، 236، 278، 280، 283، 312، 315، 376، 481، 564، 584، 606

مرج الصفر (مرج الصفة): 445

مرند: 469، 517

مزة: 558

مزرفة: 189

مستنصري: 221، 223

مستنصرية (مدرسة): 143، 251، 262، 274، 292، 297، 298، 300، 317، 318، 320، 341، 353، 356، 370، 371، 373، 375،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 675

376، 379، 380، 388، 418، 422، 423، 427، 429، 430، 431، 438، 441، 455، 456، 462، 465، 472، 473، 490، 515، 537، 542، 545، 559، 562، 563، 569، 571، 575، 605

مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و سلّم: 550

مسجد قمرية: 221، 298، 324

مسيب: 46

مشرعة الأيريين: 299

مشهد أبي حنيفة: 274، 374، 375

مشهد باب التبن: 354

مشهد الحسين (كربلا): 277، 424

مشهد ذي الكفل: 471، 472

مشهد سلمان الفارس: 339، 436

مشهد الشيخ أبي الوفاء: 448

مشهد عبيد اللّه (ر: قبر النذور): 306، 333، 364، 381، 543

مشهد الإمام علي (النجف الأشرف):

180، 225، 293، 349، 424

مشهد موسي بن جعفر (الكاظمية):

198، 222، 226، 312، 317، 330، 389، 406، 407، 417

مصر: 32، 41، 69، 134، 159، 165، 175، 213، 236، 250، 252، 263، 267، 268، 287، 319، 325، 331، 336، 338، 345، 351، 353، 397، 425، 436، 437، 439، 443، 444، 452، 453، 463، 465، 466، 473، 477، 481، 486، 493، 496، 501، 503، 518، 522، 524، 525، 526، 527، 529، 531، 532، 534، 535، 536، 540، 541، 545، 549، 551، 560، 561، 566، 574، 576، 579، 588، 595، 603، 604، 606

مصلي العيد (الأعياد): 333

مطبعة الموسوعات: 443

معبر (مغير): 444

مغان: 348

مغرب: 161، 213

مغولستان: 58، 69، 84، 260

مقابر الصوفية: 486

مقابر قريش: 354

مقام الشيخ: 191

مقبرة الإمام أحمد: 320، 462، 543، 544، 545، 565

مقبرة باب البردان: 333

مقبرة المعافي بن عمران الموصلي: 558

مقصورة الحلبيين: 559

مقطم: 293

مكتبة آل الحسيني: 281

مكتبة أوقاف بغداد: 27

مكتبة أيا صوفيا: 451، 470

مكتبة بايزيد: 31

مكتبة طوبقبو: 408

المكتبة الظاهرية: 538

مكتبة عاثر أفندي: 504

مكتبة فاتح: 419

مكتبة محمد أحمد المحامي: 335

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 676

المكتبة المصرية: 451

مكتبة نور العثمانية: 25، 123، 409

مكتبة ولي أفندي: 38

مكة: 209، 385، 468، 483، 493، 494، 502، 503، 522، 526، 528، 532، 540، 550، 554، 555، 576، 604

مكران: 600

ملطية: 168

منارة سوق الغزل: 332

منتفق (لواء): 494

منصورية (مدرسة): 399

موصل: 26، 152، 156، 185، 196، 233، 234، 237، 249، 250، 251، 253، 256، 262، 263، 268، 269، 270، 272، 287، 289، 296، 298، 319، 322، 323، 331، 340، 341، 358، 374، 375، 377، 391، 394، 395، 405، 436، 437، 439، 440، 441، 449، 464، 474، 480، 489، 505، 510، 516، 519، 520، 522، 558، 559، 560، 567، 570، 590، 596، 599

موغان: 480، 488

ميافارقين: 13، 134، 514

الميري:

156

حرف النون

ناصرة: 234

نجد: 214

النجف الأشرف (ر: مشهد الإمام علي)

النجمية: 369

نحاسية: 190

نخچوان: 129، 593

نششية (مدرسة): 322

نصيبين: 268

نظامية (مدرسة): 304، 307، 309، 320، 324، 353، 357، 386، 401، 605

نعمانية: 308، 610

نهر أتل: 148

نهر بشير: 191

نهر جعفر: 304

نهر عيسي: 189، 256، 323، 340، 380، 385، 412

نهر ملك: 323، 333، 340، 380، 412

نهروان: 212

نورية: 477

نوفلية: 347

نيسابور: 128، 129

نيل: 227

نيمان كره: 89

نينوي: 148

حرف الهاء

هراة: 113، 294، 425، 527، 549، 552، 553، 554، 599

هرمز: 600

الهروية: 330

هلتا: 335

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 677

همذان: 113، 114، 116، 129، 166، 168، 172، 185، 188، 192، 226، 271، 181، 182، 337، 413، 416، 422، 449، 474، 481، 487، 510، 599

هند- أوربي: 53

هند- جرمني: 53

هندستان (هند): 19، 23، 37، 49، 68، 69، 113، 117، 123، 131، 132، 133، 135، 147، 152، 156، 158، 161، 166، 313، 317، 396، 444، 452، 504

هو (نهر في الصين): 137

هيا: 91

هياچه أودي: 91

هيت: 263، 264، 380

هينغ هيا: 91

حرف الواو

واسط: 45، 225، 256، 271، 276، 277، 308، 309، 311، 327، 331، 336، 339، 340، 353، 358، 359، 368، 369، 371، 390، 392، 393، 394، 402، 408، 412، 416، 417، 418، 431، 432، 435، 466، 596، 601، 602، 610

ورامين: 599

ورقو: 598

وشم: 372

وقف (قرية): 199، 200

ويانة (مكتبة): 18، 25، 59

حرف الياء

يثرب: 206

يزد: 598

يكينگ: 94

يمن: 166، 209، 214، 531، 569

ييلون ييلدوق: 81

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 678

4- فهرس الكتب

حرف الألف

الأبحاث عن الملل الثلاث: 369، 370

اتالرسوزي (م): 34

أحكام الأصول: 419

الأحكام: 276

أخبار الزمان للمسعودي: 56

الاختيار: 374

أخلاق ناصري (م): 313، 314

إخوان الصفا (م): 165

الأدوار: 409

أربعينيات الدقوقي: 571

الإرشاد: 455

الاستعانة: 335

إسلامده تاريخ و مؤرخلر (م): 260، 360، 362، 496

الإشارة: 569

أصل اليزيدية في التاريخ (تاريخ اليزيدية- م): 110

أعلام النبلاء: 483

أغوزنامه: 54

الإقبال (م): 293

الأكسير في قواعد التفسير: 501

أمل الآمل (م): 293

أنس الجليل: 279، 281

أنس المنقطعين: 567

أنوار التنزيل و أسرار التأويل (م): 29

الأنوار اللمعة: 376

الأوار: 409

أوشال شجرة تركي (م): 34

أوصاف الأشراف (م): 313، 314

الإيضاح في الجدل: 255

حرف الباء

البداية و النهاية (تاريخ ابن كثير): 512

البديع في الأصول: 419

بغية الواصل إلي معرفة الفواصل: 501

بهجة الأسرار: 191، 192، 448

بوستانه (م): 418

البيان في التفسير: 567

حرف التاء

تاج التراجم: 419

تاج العروس (م): 377

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 679

تاريخ ابن خلدون: 35، 578

تاريخ ابن الساعي: 318، 602

تاريخ ابن النجار الكبير: 318

تاريخ ابن الوردي (تتمة المختصر في تاريخ البشر- م): 11، 497، 514، 516، 529، 530، 544، 569، 576، 578

تاريخ أبي الفداء (المختصر في تاريخ البشر- (م): 10، 11، 47، 48، 49، 84، 89، 116، 128، 131، 132، 288، 342، 343، 348، 353، 410، 414، 493، 494، 495، 496، 502، 503، 514، 520، 529، 532، 534، 536، 540، 541، 545، 554، 562، 564، 568، 569، 571، 573، 577، 604

تاريخ بغداد (م): 19، 320، 333، 495

تاريخ بيبرس: 502

تاريخ التباكتي: 504

تاريخ الجايتو: 470، 472، 508، 589

تاريخ جنگيز: 21

تاريخ الخلفاء (م): 45، 264، 265، 266

تاريخ دول الأعيان: 103، 104، 279، 282، 302

التاريخ العام (م): 36، 511

تاريخ الجلايرية: 273

تاريخ عشائر العراق: 488، 602، 603

تاريخ العراق: 179، 273

التاريخ علي الحوادث: 538

تاريخ الفخري (منية الفضلاء في تواريخ الخلفاء): 97، 106، 191، 203، 226، 227، 231، 260، 293، 310، 331، 351، 409، 424، 431، 440، 441، 442

تاريخ الكازروني: 319

تاريخ گزيده (م): 39، 179، 181، 185، 410، 411، 412، 413، 414، 422، 425، 428، 439، 450، 451، 455، 461، 464، 466، 471، 472، 479، 495، 496، 497، 501، 502، 541، 557، 578، 581، 589، 599

تاريخ محمود كيتي: 495

تاريخ مساجد بغداد: 457

تاريخ مصلح الدين اللاري: 36، 45

تاريخ المغول (م): 29، 146، 333، 568

تاريخ مفصل إيران (م): 179، 182، 236، 283، 313، 314، 337، 359، 360، 362، 407،

408، 414، 486، 505، 513، 567

تاريخ الموصل (م): 289، 296، 378، 391

تاريخ المنكبرتي (تاريخ التتر، سيرة جلال الدين المنكبرتي- م): 11، 13، 16، 47، 48، 99، 101، 102، 116، 118، 122، 131، 132، 135، 568

تاريخ وصاف (تجربة الأمصار و تزجية الأعصار- م): 14، 16، 18،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 680

19، 36، 288، 338، 343، 345، 348، 349، 350، 360، 362، 363، 367، 393، 396، 397، 401، 403، 404، 411، 439، 440، 446، 476، 498

التبصرة (م): 546

التبصير في التعبير: 423

تتمة المختصر في أخبار البشر (ر: تاريخ ابن الوردي)

تجارب السلف: 43، 441

التجريد (م): 313، 314

التحرير (م): 546

تحرير الدلائل: 436

تحفة النظار (رحلة ابن بطوطة- م): 39، 81، 90، 100، 101، 102، 106، 415، 462، 482، 483، 492، 494، 501، 547، 550، 551، 556، 557، 560، 561، 585، 598، 599، 600

تذكرة الحفاظ (م): 27، 318، 324، 325، 340، 341، 353، 538، 562، 563، 564

تذكرة الشعراء: 452، 513، 567

التذكرة في الهيئة (م): 515

ترجمة تاريخ وصاف: 18

ترك بيوكلري (م): 71، 278، 294

ترك تاريخي (م): 36

تسلية الإخوان: 260، 337، 348

تطهير الأعراق: 313، 314

التعجيز: 370

التعليقات الطبية: 511

تفسير قل يا أيها الكافرون: 512

تفسير الكواشي: 340

تفضيل الترك (رسالة- م): 59

تقويم البلدان (م): 568

تقويم التواريخ (م): 439، 453، 458، 461، 474، 512، 576

تقويم الوقائع التاريخية (م): 32

تلفيق الأخبار و تلقيح الآثار (م): 59، 60، 61، 71

تلقيح الأفهام عن تنقيح الأوهام (المؤتلف و المختلف): 538

التنبيه (م): 559

تنبيه الغافلين (م): 568

تنقيح الأبحاث: 370، 419

التوراة (م): 56، 60

تهذيب المحكم و المحيط الأعظم: 539

توضيحات في رسائل متفرقة: 511

تيمور و تزكاتي (م): 143

حرف الجيم

جامع الأصول: 376، 401

جامع الأنوار: 471

جامع الترمذي (م): 579

جامع الخيرات: 569

جامع التواريخ (التاريخ الغازاني- م):

20، 24،

25، 26، 34، 54، 59، 83، 138، 143، 153، 154، 162، 163، 164، 165، 166، 173، 176، 180، 181، 183، 185، 186، 187، 189، 192، 197، 198، 221، 222، 224، 226، 231، 232، 235، 236، 249، 260، 281، 283،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 681

284، 288، 314، 345، 348، 351، 404، 408، 411، 437، 449، 450، 452، 508

الجامع الرشيدي: 155، 158، 160

جامع العلوم: 379

الجامع الكبير: 273، 274

الجديد في الحكمة: 370

جهانگشاي (م): 11، 14، 17، 54، 104، 143، 157، 161، 166، 185، 192، 260، 337، 345، 348، 350

الجواهر المضية (م): 387، 419

حرف الحاء

الحاوي: 436

الحاوي الصغير: 518

الحاوي في الفقه: 379

حبيب السير (م): 367، 449، 492، 589

حقيقة الدين: 161

الحوادث الجامعة (م): 27، 43، 44، 46، 132، 148، 149، 158، 164، 172، 185، 191، 192، 193، 202، 221، 222، 224، 226، 227، 228، 232، 233، 235، 242، 251، 252، 254، 255، 258، 262، 268، 278، 288، 289، 291، 292، 321، 324، 331، 358، 359، 362، 370، 371، 373، 375، 376، 378، 393، 396، 397، 414، 422، 425، 427، 429، 537، 538

حوادث المائة السابعة: 538

حرف الخاء

خطط المقريزي (م): 143

خلاصة الذهب المسبوك في سير الملوك (م): 203، 506

الخلق: 166

حرف الدال

دائرة المعارف الإسلامية (م): 185، 338، 397

دائرة معارف البستاني (م): 251، 288، 339

الدر المسلوك: 335

الدر المكنون: 13، 467، 474، 483، 485، 490، 514

الدر المنضود: 419

درر الأصداف في غرر الأوصاف: 538

الدرر الكامنة (م): 37، 320، 414، 423، 425، 429، 438، 444، 445، 446، 447، 448، 452، 453، 455، 456، 457، 461- 464، 467، 468، 469، 473، 476، 477، 478، 482، 484- 490، 493، 497، 501، 505، 506، 507، 509، 513، 514، 515، 518، 519، 528، 530، 532، 533، 536، 538، 539- 542، 545، 546، 547، 555، 558، 559، 561- 576، 578، 579، 580، 581، 585، 586، 591- 596، 598

الدرر الناصعة: 538

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 682

دستور الوزراء: 513، 367، 381

دول الإسلام: 445، 455، 485، 490

حرف الذال

ذيل تاريخ ابن الساعي: 538

ذيل تاريخ بغداد لابن رافع: 559

ذيل تسلية الإخوان: 348

ذيل جامع التواريخ: 25، 578

ذيل المنتظم: 420

حرف الراء

رحلة صدر الدين أبي المجامع: 533

الرسائل الرشيدية: 511

الرسالة الشرفية: 381، 408

رسالة الطيف: 407

رسالة في واقعة بغداد (م): 315

رموز الكنوز: 272

روشنائي (م): 165

روضات الجنات (م): 293، 313، 315، 316، 407، 408، 414، 419، 533، 546

روضة الأديب في التاريخ: 429

روضة أولي الألباب: 504، 567

روضة التسليم: 161

روضة الصفا (م): 39، 450

الرياض النواضر: 501

حرف الزاي

زاد المسافرين (م): 165

زبدة الهيئة (م): 314

الزهاد: 318

حرف السين

سركذشت سيدنا: 166

سفرنامة ناصر خسرو (م): 165

سمط الحقائق: 166، 175

سياسة الأمصار في تجربة الأعصار (تاريخ آل جنگيز): 19

سيرة المنكبرتي (ر: تاريخ المنكبرتي):

السيرة النبوية للكازروني: 429

حرف الشين

الشافي في المذهب: 379

شجرة الترك (م): 33، 37، 45، 47، 54، 60، 65، 72، 88، 92، 101- 104، 119، 121، 122، 127، 128، 131، 132، 137، 138، 143، 144، 146، 150، 151، 152، 153، 154، 281، 288، 294، 338، 342، 361، 362، 411، 447، 450، 555، 582، 591، 596، 600، 602

شذرات الذهب (م): 27، 28، 233، 242، 251، 253، 254، 255، 256، 263، 270، 272، 287، 312، 318، 319، 322، 324، 325، 339، 340، 341، 342، 350، 353، 358، 372، 397، 414، 418، 420، 430، 433، 434، 435، 436، 438، 444، 445، 447، 451، 454، 456، 465، 466، 473، 482، 483، 484، 486، 494، 501، 505، 508، 514، 515، 528، 537،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 683

540، 541، 544، 546، 562، 565، 566، 569، 571، 576، 577، 579، 581، 585، 586

شرح ابن الحاجب: 566

شرح الإشارات: 335

شرح الإشاراة: 370

شرح الأصول و الجمل: 370

شرح البيضاوي: 566

شرح الحاوي: 490، 505

شرح الرائية: 570

شرح السراجية: 439

شرح السنة: 579

شرح الشاطبية: 253، 570

شرح الطوالع: 566

شرح الغاية القصوي: 566

شرح فصول أبقراط: 511

شرح لغات وصاف: 18

شرح المحصل: 511

شرح المختصر: 489

شرح المطالع: 566

شرح مقامات الحريري: 501

شرح مقامة العارفين: 511

شرح نهج البلاغة (م): 179، 180، 182، 227، 229، 252، 335

الشمعة: 253

الشمل المنظوم: 407

شرفنامه: 185

حرف الصاد

صبح الأعشي: 483

صحاح الجوهري: 254

صحيح مسلم (م): 579

صفوة الصفوة (م): 573

حرف الضاد

الضوء اللامع: 280، 281، 409

حرف الطاء

طبقات ابن شهبة: 283

طبقات الحنفية: 273

طبقات الشافعية للسبكي (م): 32، 98، 106، 108، 139، 153، 251، 429، 563

طبقات ناصري: 11، 43، 157، 161، 190

الطهارة: 313

طيف الخيال: 473

حرف العين

العباب: 227

العبر لابن خلدون (م): 33، 229، 278، 288، 411، 578، 579

عجائب المخلوقات (م): 359

عثمانلي مؤلفلري (م): 18، 33

العدل في شرح العمدة: 569

عروض الجعبري: 570

عقد الجمان للعيني: 38، 251، 253، 255، 293، 296، 299، 308، 312، 319، 331، 373، 419، 461، 465، 467، 471، 474، 476، 480، 485، 486، 487، 489، 490، 494، 495، 497، 500، 502، 503، 504، 506،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 684

510، 511، 515، 516، 517، 518، 520، 523، 527، 528، 530، 532، 533، 534، 536، 537، 541، 542، 563، 565، 577

عقود النظام: 473

عمدة السالك و الناسك: 569

عمدة الطالب (م): 310، 311، 441، 472

عوارف المعارف: 341

عيون التواريخ: 38، 512

حرف الغين

الغاية: 454

غاية الاختصار في أخبار البيوتات العلوية المحفوظة عن الغبار (م): 330

الغيائي: 31، 39، 287، 289، 304، 332، 447، 449، 474، 516، 549، 550، 556، 585، 589، 591، 596، 599، 602

حرف الفاء

فرائد السمطين: 533

الفراط الواصب علي أرواح النواصب:

501

فرحة الغري: 407

الفرق: 165، 175

فرهنك لغات وصاف (م): 19، 363، 397، 444

فضائل الأئمة الأربعة: 253

الفلاحة (كتاب فيها): 511

الفلك الدائر علي المثل السائر (م): 252

الفلك الدوار: 161

الفوائد البهية في تراجم الحنفية (م):

274، 275، 314، 373، 374، 375، 387، 419

فوات الوفيات (م): 27، 227، 242، 250، 253، 271، 273، 296، 312، 322، 340، 342، 349، 350، 352، 353، 366، 407، 408، 430، 538

حرف القاف

قاموس الأعلام (م): 251، 287

القرآن الكريم (م): 56، 140، 204، 253، 254، 255، 257، 274، 309، 391، 415، 424، 509، 525

قصص الأنبياء: 279، 281

قصيدة علي وزن الشاطبية: 530

قواعد العقائد: 313

حرف الكاف

الكامل في الفقه: 566

كاترمير (م): 427

الكافي شرح الخرقي: 379

الكامل لابن الأثير (م): 9، 10، 13، 106، 107، 115، 116، 117، 118، 126، 131، 250

كشف الظنون (م): 14، 16، 27، 32، 273، 274، 275، 320، 348، 370، 373، 387، 409، 419، 538، 539، 567

كشف الغمة: 408

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 685

الكفاية في فقه الحنابلة: 538

گلستان (م): 418

گلشن خلفا (م): 19، 35، 45، 265، 266، 342، 343، 350، 351، 380، 411، 447، 451، 476، 551، 553، 578، 579، 581، 582، 585، 589، 596، 602

كليات سعدي (م): 418

الكنز: 374

كنز الأديب: 335، 407

كنز الحساب: 429

الكواكب الدرية في مناقب العلوية: 571

حرف اللام

لؤلؤة البحرين (م): 293

لغة جغتاي (م): 71، 100، 136، 141، 146، 157، 186، 288، 343، 357، 363، 397، 427، 582

لغة العرب (م): 18

لهجة عثماني (م): 34

حرف الميم

المباحث السلطانية: 511

مجالس المؤمنين (م): 259

مجلة المرشد البغدادية (م): 315

المجمع: 273

مجمع الآداب في معجم الأسماء علي معجم الألقاب: 190، 252، 538

مجمع البحرين: 274، 374، 419

مجمع الفصحاء: 259

المجموعة الرشيدية: 24

المحصل: 353

المحصول: 253، 308

المحكم: 539

المختار في الفتوي: 374، 375

مختصر ابن النجار: 276

مختصر أخبار الخلفاء لابن الساعي (م):

319، 372، 602

مختصر الدول لابن العبري (م): 26، 43، 84، 86، 88، 89، 90، 92، 99، 101، 102، 108، 120، 121، 122، 137، 138، 147- 150، 153، 157، 163، 287، 289، 345، 359، 360، 366

مختصر سير الملوك: 319

المختصر في أخبار البشر (م): راجع تاريخ أبي الفداء

مختصر القدوري: 374

مدارج المعارج: 580

المذهب الأحمد في مذهب أحمد: 255

مراصد الاطلاع (م): 308، 412

المستجمع في شرح المجمع: 419

مسكوكات إسلامية تقويمي (م): 406، 431، 594

مسكوكات إيلخانية (م): 406

مسكوكات قديمة إسلامية (م): 404، 461، 594

مسند أحمد بن حنبل: 276

مشكل كتاب الشهاب: 379

مشيخة ابن الساعي: 318

مصرع الحسين: 272

مطالع الأنوار: 571

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 686

مطيع المؤمنين: 161

معادن الإبريز في تفسير الكتاب العزيز: 255

معالم التنزيل: 558

المعتمد في الفقه: 569

معجم ابن رافع: 273

معجم الأدباء: 257

معجم البرزالي: 558

معجم البلدان (م): 308، 445

معجم شيوخ ابن الفوطي: 538

معجم المطبوعات: 443

مفاتيح الغيب (م): 387

مفتاح التفاسير: 511

المقامات الأربعة: 407

الملاحة في الفلاحة: 429

الملل و النحل: 165

مناسك الجعبري: 570

منتخب المختار: 274، 275، 320، 323، 341، 354، 375، 376، 379، 382، 388، 399، 401، 419، 430، 434، 438، 519، 543، 563، 569

المنتظم: 420

المنتهي في الفقه: 546

المنظومة الأسدية في اللغة: 429

منهاج السنة (م): 546

منهاج الكرامة (م): 546

منهج الدعوات (م): 293

منية الفضلاء: 441

حرف النون

الناسخ و المنسوخ: 253

ناصحة الموحدين و فاضحة الملحدين: 580

النبراس المضي ء في الفقه: 429

النجاة: 335

النجوم الزاهرة: 452

نزهة البررة في القراءات العشرة: 570

نزهة القلوب (م): 39، 177، 381،

385، 471، 524

نزهة الناظر: 568

نظام التواريخ: 31، 366

نظم الحاوي: 568

نظم فصيح ثعلب: 252

نظم قراءة يعقوب: 532

نظم الكافي: 254

النظم المتوسط: 257

نظم مختصر الخرقي: 254

النور المقتبس: 569

حرف الهاء

الهداية الآمرية: 161

هفت باب: 161، 314

حرف الواو

الواضح: 379، 387

الوافي بالوفيات (م): 224، 227، 229، 230، 232، 257، 258، 312، 313، 387

وجه دين (م): 165

الوجيز (م): 308، 568

وفيات الأعيان (م): 27، 153، 234، 250، 353، 366، 373

الوقاية: 374

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 687

5- فهرس بعض الألفاظ الدخيلة و الغريبة

حرف الألف

أتابك، أتابكه: 236

أقمين: 541

ألتون تمغا: 259

أميراخور: 570

أمير جندار: 557

أمير الوس: 455

اوردي، اوردو: 146، 155

اونباشي: 141، 142

اوروق، اوروغ: 83

إيكجية: 304، 332

إيلچية: 342، 392

إيلخانية: 343

إيلية: 127، 135

حرف الباء

بازار: 529

بالش، باليش، بالشت، بواليش (نوع نقد): 100، 404

بركستوانات: 527

بك؛ بيك: 279

بكلر بكي: 279

البندقدار: 268

بوقتاق؛ بوقتاي: 153

بهادرية: 137

بياكيم: 518

بيكباش: 141

پايزه، پايزه سرشير: 194، 259

پادشاه: 76

حرف التاء

ترخان؛ طرخان، ترخانية: 89، 141

ترغو، تورغو: 136، 168

تكري بتي (صنم اللّه): 90

تنگه (نوع نقد): 404

تملق: 557

تمغات، طمغات: 324

توره: 75

تومان: 141، 520

تيمور، دمير: 62

حرف الجيم

جهاندار: 285

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 688

جهانكشاي: 14

جهانكير: 285

جاو (نوع نقد): 404، 427

چچن: 84

چينغ سانغ، چينك سانك: 94، 363

حرف الخاء

خان: 89

خربندية: 343

خركاه: 527

خواجكية: 582

خوند: 523

حرف الدال

داروغا: 69، 92، 95

دركاه: 257

دروازه: 121

دشت: 282

دل راست؛ راست دل: 220

دنكشه، دناكش (نوع نقود، دنكجه):

357، 404

دويدار، دواتدار: 187، 188، 199، 229، 230

دهليز: 544

حرف الزاي

زاير باولي: 526

حرف السين

سرخيل العسكر: 205

سرهنكية: 299

سنجق، سنجاق: 520

حرف الشين

شهزاده: 187

حرف الفاء

فرمان: 192

فيطات، غيطات: 556

حرف القاف

قاآن: 47، 68، 138، 148، 150، 154، 157، 158، 159

قباتيري: 526

قباق نويان: 186

قراتمغا: 259

قراقجية: 99

قرقلات: 527

قنارة: 333

قوريلتاي، قورلتاي: 70، 138، 146، 150

قوما: 154

قيجور، قغجور: 427

حرف الكاف

كارخانه: 334

كنكاش: 67، 86، 94

كوران: 83

كورن: 74

حرف الميم

المهمندار: 534

حرف النون

ناق؛ ايناق: 397

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 689

نقره: 124

نوكر، نوكرية: 70، 93، 346

نويان؛ نوين: 128، 141، 142، 152

حرف الياء

ياساق، يساق، ياسا، ياسه، يسا، يوسون: 115، 143، 159

يارغو: 277، 278

يام: 327

يرليغ، يرليغات: 44، 194، 259، 262، 289

يزك: 444

يوزباشي: 141

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 690

6- فهرس الصور

هلاكو ببزة حربية 12

مغفر مغولي 30

أسلحة المغول 55

جندي مغولي 80

جنگيزخان عظيم المغول 130

جلوس أوكتاي قاآن 145

قبلاي قاآن 167

تولي خان و زوجته سورقوقتي 246

منارة جامع الخليفة 303

جلوس منكو قاآن 305

هلاكو 344

تربة السيدة زبيدة 460

مشهد ذي الكفل 475

مرقد الجايتو 499

مقطع من مرقد الجايتو 587

الحكومة الإيلخانية في العراق 597

نطاق حكومة المغول في عهد جنگيز 607

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 691

7- فهرس المواضيع

المقدمة 5

تواريخ العراق و مراجعه 6

المراجع العراقية و العربية 8

وصف المؤلفات التاريخية 8

الكامل 9

تاريخ أبي الفداء 10

المختصر في اخبار البشر 11

سيرة جلال الدين منكبرتي 11

جهانكشاي جويني 14

تاريخ وصاف 16

جامع التواريخ 20

وصف نسخة استانبول المخطوطة 21

ذيل جامع التواريخ 25

مختصر الدول 26

الحوادث الجامعة 27

تاريخ المغول 29

نظام التواريخ 31

طبقات الشافعية 32

تقويم الوقائع التاريخية 32

شجرة الترك 33

تاريخ ابن خلدون 35

كلشن خلفا 35

التاريخ العام للهون و الترك و المغول و سائر التتر 36

ترك تاريخي 36

الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 37

عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان 38

كتب أخري 39

نظرة عامة في أحوال هذا الدور 41

احتلال بغداد 43

الأمة الفاتحة و روحيتها، أو التعريف بجنگيزخان و قومه 46

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 692

الأمة الفاتحة، و أوائل أحوالها 47

التواريخ و الأمم أو دراسة تاريخية 51

الأمة وفاتحها 52

بيان أصلهم 53

الترك و مكانتهم بين الأمم 53

مقارنة بين قبائل الترك و العرب 57

الترك القدماء إلي تكوّن المغول و التتر 60

المغول و التتر 62

التتر 63

و من قبائلهم 64

المغول 65

المغول الثانية 72

سلاطين المغول 76

حكومة جنكيزخان 81

أوائل أيامه 81

محاربات جنگيز القبائلية 83

حرب جنگيز مع ملك كرايت و تغلبه عليه 84

اعلانه السلطنة و وجه تسميته بجنگيز 89

أعماله التالية لإعلانه الاستقلال 90

بيعة الأويغور 92

فتح خيتاي و قراخيتاي و جورجيت 93

المصالحة مع آلتان خان 94

قتل كوچلو (كشلوخان) 96

نظرة عامة و نتائج ضرورية 97

العلاقات

الاولي بين جنكيز خان و خوارزمشاه 98

بعثة جنگيز إلي بلاد خوارزمشاه 101

سفير الخليفة إلي جنگيزخان 103

رأي ابن الأثير في اتهام الخليفة 105

خوارزمشاه و هذا الحادث 107

حكومة خوارزمشاه 109

قتال خوارزمشاه مع الخطا (الخيتاي) 112

الكرة علي الخطا (الخيتاي) 113

بقايا الغورية 113

مسير خوارزمشاه إلي بغداد 114

التتر و الخوارزمشاهية 115

ظهور المغول في المملكة الإسلامية 116

أول وقعة جرت بين خوارزم شاه و بين جوجي خان 118

هجوم جنگيزخان علي بلاد المسلمين 120

محاصرة أوترار و ضبطها 121

تقدم جنگيزخان علي بخاري 122

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 693

القتال علي سمرقند 125

مسير التتر إلي خوارزمشاه 128

وفاة خوارزمشاه محمد 131

جلال الدين منكبرتي 132

وقائع جنگيزخان الأخري 135

صفوة القول عن جنگيزخان 139

اوكتاي قاآن 144

مرض القاآن 150

گيوك بن أوكتاي 151

مانگوقاآن 153

أعمال منگوقاآن 156

توجه هلاكو إلي البلاد الغربية 157

وصية منگو قاآن لهلاكو 159

سفر هلاكو و قصده بلاد الملاحدة و وقائع أخري 161

اجمال عن الملاحدة 164

توغل هلاكوخان في فتوحه 166

توجه هلاكو تلقاء بغداد 168

تدابير هلاكو للزحف علي بغداد 176

الزحف علي بغداد 185

احتلال بغداد 197

خروج هلاكو من بغداد و وقائع أخري 199

القضاء علي الخليفة 200

ترجمة الخليفة المستعصم باللّه 200

نظرة عامة في عهد العرب المسلمين في العراق 208

أيام العرب المسلمين في العراق 208

العرب 209

حكوماته 212

الشعوب الأخري في العراق 214

وزارة مؤيد الدين ابن العلقمي من 14 صفر سنة 656 إلي مستهل جمادي الثانية 220

تنظيم إدارة بغداد 220

التشكيلات الإدارية 222

وقائع و حوادث أخري 224

نص الكتاب المرسل إلي حلب 225

أواخر أيام الوزير ابن العلقمي:

(وفاته) 226

ترجمة حاله 226

وزارة عز الدين أبي الفضل بن العلقمي من 2 جمادي الثانية سنة 656 ه وزارة بغداد 232

إربل- الاستيلاء عليها (قتلة ابن صلايا) 232

نقل أموال بغداد و أموال الملاحدة و غيرها 235

وفود إلي هلاكوخان 236

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1،

ص: 694

حكاية عن هلاكو تعين خطته 237

اثر سقوط بغداد في النفوس 238

حوادث الموصل

وفاة بدر الدين لؤلؤ 249

و من مؤلفاته 252

وقائع العراق سنة 657 ه (1259 م)

تغيير في الموظفين 256

وفاة الوزير عز الدين أبي الفضل العلقمي

وفاة الوزير و بعض احواله 257

ولاية علاء الدين عطا ملك الجويني في ذي الحجة سنة 657 ه 258

وقائع سنة 658 ه (1260 م) شكوي علي الوالي (صاحب الديوان) 261

وقائع سنة 659 ه (1261 م) الملك الصالح إسماعيل صاحب الموصل و حوادث سورية 262

وقائع سنة 660 ه (1262 م)

قتل الملك الصالح و أخيه:

(حوادث الموصل) 266

ابن زيلاق 269

ابن يونس الباعشيقي (والي الموصل الجديد) 270

وقائع بغداد في هذه السنة

قتل عماد الدين القزويني 270

قتل مجد الدين ملك واسط 271

وقائع سنة 661 ه (1263 م)

قتل علي بهادر شحنة بغداد و العلوي المعروف بالطويل 271

وقائع سنة 662 ه (1264 م)

نصير الدين الطوسي و الدويدار في بغداد 276

القبض علي ابن عمران- محاكمته: (قتله) 276

ابن الدويدار 277

اعتقال علاء الدين صاحب الديوان 277

وقائع سنة 663 ه (1265 م) وفاة السلطان هلاكوخان 278

السلطان آباقاخان ولي في 25

ربيع الآخر سنة 663 ه 287

حوادث العراق في هذه السنة 289

حوادث الموصل 289

وقعة الجاثليق 290

وقائع سنة 664 ه (1265 م)

فيلان ببغداد 290

وفاة المخرمي 290

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 695

ترجمة المخرمي 290

وقائع سنة 665 ه (1266 م) 294

وقائع العراق الأخري في هذه السنة 294

وقائع سنة 666 ه (1267 م) 295

بناء رباط 295

ضرب نقود 295

التأهب للحج 295

قتل ابن الخشكري 295

ولاية الموصل 296

وقائع سنة 667 ه (1268 م) 297

قدوم السلطان آباقاخان إلي بغداد 297

حوادث أخري 298

وقائع سنة 668 ه (1269 م) 298

ولاية الموصل و شحنتها 298

وقائع في بغداد 298

حادثة اغتيال 299

وقائع سنة 669 ه (1270 م)

300

ذيول حادثة بغداد 300

وقائع سنة 670 ه (1271 م) 301

عقد نكاح لبنت ابن الخليفة 301

تجديد منارة جامع الخليفة 304

وقائع سنة 671 ه (1272 م) 306

المدرسة العصمتية 306

نائب القاضي ببغداد: (وفاته) 307

وفاة ابن القاسم الموصلي 307

وقائع سنة 672 ه (1273 م) 308

السلطان آباقاخان في بغداد 308

علاء الدين صاحب الديوان في واسط 309

الأبهري الزمهرير 309

وقائع سنة 673 ه (1274 م) 316

صدر الحلة 316

مدرس المدرسة المغيثية 316

قاضي الجانب الغربي ببغداد 316

وقائع سنة 674 ه (1275 م) 317

نقيب الكاظمية 317

وفاة مؤرخ عراقي كبير 318

ترجمته 318

وقائع سنة 675 ه (1276 م) 321

وقائع المغول 321

وقائع بغداد 321

وقائع سنة 676 ه (1277 م) 323

قتل والي الموصل و نصب غيره 323

غرق بغداد 323

برد في بغداد 323

وقائع سنة 677 ه (1278 م) 325

ضريبة و اضطراب 325

شغب آخر علي الصاحب 327

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 696

ظهور مفسدين ببغداد 328

عزل ناصر الدين قتلغ شاه 329

حوادث سنة 678 ه (1279 م) 331

سعال 331

تزييف النقود 332

غلاء 332

عمارة منارة جامع الخليفة 332

عمارة مسجد معروف الكرخي 332

حوادث سنة 679 ه (1280 م) 334

منصب مشرف الممالك 334

غلاء في بغداد 334

حوادث سنة 680 ه (1281 م) 335

قدوم السلطان آباقاخان 335

الصاحب علاء الدين 336

وفاة السلطان آباقاخان 337

ترجمة السلطان آباقاخان 338

رباط في مشهد سلمان الفارسي 339

وقائع سنة 681 ه (1282 م) 342

السلطنة بين ارغون و أحمد 342

السلطان أحمد و الملك المنصور الألفي 343

توجه علاء الدين نحو العراق 345

صورة الكتاب 345

الاضطراب في بغداد و (وفاة علاء الدين) 348

ترجمة الصاحب علاء الدين الجويني 348

وقائع ارغون 351

حوادث سنة 682 ه (1283 م) 354

صاحب ديوان بغداد الجديد 354

قضاء و حسبة 356

مجد الدين محمد ابن الاثير 356

النقود: (دناكش) 357

شحنكية بغداد: (شرطتها) 357

المارستان العضدي 357

بين المدرسة النظامية و

البشيرية 357

رسول إلي الشام: (وفاته) 358

حوادث سنة 683 ه (1284 م) 359

قتل السلطان أحمد و حكومة أرغون 359

بركةخان و حكومة القفجاق 361

ولاية اروق علي العراق 363

ولاية العراق: (ادارتها) 363

شمس الدين صاحب الديوان 365

ترجمة شمس الدين صاحب الديوان 365

الحكومة في هذا العهد 367

حوادث في بغداد 368

ذيول هذه الحادثة وداعية آخر 369

ابن كمونة و كتاب الأبحاث عن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 697

الملل الثلاث 369

تولية القضاء نيابة 371

غرق و جراد في بغداد و انحائها 371

أمير العرب 372

حوادث سنة 684 ه (1285 م) 376

مشرف العراق 376

كسر الدراهم: (نقود جديدة) 377

غارة عسكر الشام علي الموصل و أنحائها 377

حوادث سنة 685 ه (1286 م) 379

تبدلات إدارية كبري في العراق 379

توجيه قضاء الحلة 380

الاسعار في بغداد 380

حوادث سنة 686 ه (1287 م) 383

ذيول التبدلات في حكومة العراق 383

غارة الأعراب 385

وقوع برد في نيسان 385

حوادث سنة 687 ه (1288 م) 386

إتمام التبدلات الإدارية 386

مدرسة النظامية 386

وقوف العراق 387

حوادث سنة 688 ه (1289 م) 388

التمغات و عميد بغداد 388

تبدلات إدارية في العراق أيضا 389

الوالي قتلغ شاه 390

قتل قتلغ شاه 390

قتل منصور بن علاء الدين الجويني 390

قتل والي الموصل 390

حوادث سنة 689 ه (1290 م) 391

شغب في بغداد علي سعد الدولة: (اليهود) 391

الحج: (و نهب العرب) 392

بقايا أولاد شمس الدين الجويني 392

حوادث سنة 690 ه (1291 م) 392

وقائع عراقية- والي بغداد 392

سعد الدولة و اليهود 394

وفاة السلطان أرغون خان و سلطنة كيخاتوخان 396

وفاة و جلوس 396

ترجمة السلطان أرغون 396

ورود علي بن علاء الدين الجويني 398

وفاة الألفي 399

حوادث سنة 691 ه (1292 م) في إدارة العراق: (ولاية العراق) 400

نائب جمال الدين: (نائب الوالي) 401

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 698

حوادث سنة 692 ه (1293

م) 401

في دار السلطنة 401

حوادث سنة 693 ه (1294 م) 402

ولاية العراق 402

بايدو و واسط 402

توجه والي بغداد إلي السلطان 403

التعامل بالأوراق النقدية:

(الجاو) 403

النقود في هذا العهد 405

تبدلات في الولاية و الإدارة 406

قاضي القضاة 406

الملك الأشرف 406

حوادث سنة 694 ه (1295 م) قتل كيخاتوخان 410

ترجمة السلطان كيخاتو 410

سلطنة بايدوخان 411

سلطنة بايدو 411

ولاية الدستجرداني العراق 412

تولية العراق: (أحوال بغداد) 412

قتلة السلطان بايدو 413

جلوس السلطان غازان 414

أهل الذمة 415

إدارة العراق: (قاضي القضاة) 415

قتلة فخر الدين مظفر ابن الطراح 416

حوادث سنة 695 ه (1296 م) 420

نائب بغداد 420

صاحب ديوان الممالك 420

تصفح أعمال العراق 421

حوادث سنة 696 ه (1297 م) 422

السلطان غازان و العراق 422

دخوله المدرسة المستنصرية 422

الخراج 424

السلطان في الحلة: (و زيارة المشاهد) 424

خروجه من بغداد و ما جري- (قتلة نوروز) 425

حوادث بغداد 426

قتل علي بن علاء الدين الجويني 426

قتل عز الدين محمد بن شمام 426

ضمان العراق 426

قضاء القضاء 426

أبو محمد عفيف الدين الحنبلي 427

حوادث سنة 697 ه (1297 م) 427

ذيول (الجاو)- (حوادث العراق) 427

شحنة بغداد 428

حوادث سنة 698 ه (1298 م) 430

مسير السلطان غازان إلي العراق 430

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 699

غازان مجيئه إلي بغداد- ضرب النقود 431

ولاية العراق- تبدلات إدارية 432

ضمان العراق 432

قضاء القضاة 432

حوادث سنة 699 ه (1299 م) 435

السلطان غازان و الشام 435

و فيات 436

حوادث سنة 700 ه (1300 م) 437

حرب السلطان مع أهل الشام 437

التاريخ المبارك الغازاني 437

ولاية بغداد 438

وفاة والي بغداد 438

تاريخ الفوطي 438

حوادث سنة 701 ه (1301 م) 439

التاريخ الايلخاني 439

توحيد الموازين و المكاييل 440

تاريخ الفخري- والي الموصل 440

حوادث سنة 702 ه (1302 م) 444

الضرائب 446

حوادث سنة 703 ه (1303 م) 446

وفاة السلطان غازان 446

ترجمته 447

السلطان الجايتو محمد خدابنده

451

سلطنته 451

رسول إلي التتار 453

حوادث سنة 704 ه (1304 م) 453

ولادة 453

حوادث سنة 705 ه (1305 م) 454

وقائع مشهورة 454

حوادث سنة 706 ه (1306 م) 456

السواملي 456

حوادث سنة 707 ه (1307 م) 458

شعار الشيعة 458

حوادث سنة 708 ه (1308 م) 464

وقعة أحمد بن عميرة: (أمير الموصل) 464

حوادث سنة 709 ه (1309 م) 467

بناء مدينة سلطانية 467

تزوج السلطان 467

عودة احمد بن علي بن عميرة الأمير من آل فضل 467

حوادث سنة 710 ه (1310 م) 469

الكيلانيون 469

بين الوزيرين 469

غلاة الشيعة- مشهد ذي الكفل 471

حوادث سنة 711 ه (1311 م) 474

مدينة سلطانية 474

قراسنقر و الأفرم 474

تاريخ وصاف: (تجزية الامصار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 700

و تزجية الاعصار) 476

حوادث سنة 712 ه (1312 م) 478

السلطان الجايتو و سورية 478

أمير العرب مهنا بن عيسي 482

وفاة هدية البغدادية 484

صاحب ماردين 484

حوادث سنة 713 ه (1313 م) 485

في الصيد 485

الطاعون 485

حوادث سنة 715 ه (1313 م) 485

الملك الصالح 487

جمال الدين آقوش 487

قراسنقر 488

غارة أمير العرب 488

آل مرا 488

حوادث سنة 716 ه (1316 م) 491

عزل الوزير تاج الدين علي شاه 491

امراء العرب في سورية 493

شريف مكة في العراق 493

وفاة السلطان محمد خدابنده (الجايتو) في غرة شوال سنة 716 ه 495

وفاة السلطان 495

ترجمته 495

حوادث سنة 717 ه (1317 م)

السلطان أبو سعيد بهادر خان 501

سلطنة أبي سعيد 501

شريف مكة و البصرة 502

التتار- الشام 503

محمد بن عيسي 504

روضة أولي الالباب في تواريخ الأكابر و الأنساب (تاريخ مغولي) 504

حوادث سنة 718 ه (1318 م) 506

فضل بن عيسي أمير العرب- البصرة 506

قتلة الوزير الخواجة رشيد الدين و ابنه عز الدين 506

ذيول هذه الوقعة: (ابن الخوام) 513

عشائر الإحساء و البصرة- أمير العرب 514

غلاء و جلاء 514

حوادث سنة 719

ه (1319 م) 516

اختلاف أمراء التتر وفتن 516

تفصيل الخبر 516

الحج في هذه السنة 518

حوادث سنة 720 ه (1320 م) 519

آل عيسي و طردهم من سورية 519

رسول السلطان أبي سعيد إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 701

سورية 520

أوضاع العشائر- إيضاح 520

قاصد و هدايا- أوضاع العشائر 524

(الرسل عند سلطان مصر:

(التقادم)) 525

أمر الصلح 526

الفداوية من الإسماعيلية 527

الركب العراقي- عودته من الحج 527

حوادث سنة 721 ه (1321 م) 529

مهنا ابن عيسي أمير العرب 529

هدايا السلطان أبي سعيد 529

كتاب من بغداد 529

وفيات 530

حوادث سنة 722 ه (1322 م) 531

رسل أبي سعيد- شروط الصلح 531

الأمير فضل بن عيسي 532

حوادث سنة 723 ه (1323 م) 534

رسل السلطان أبي سعيد 534

رسول مصر إلي السلطان أبي سعيد 535

حج بنت السلطان ابقا 536

وفاة مؤرخ عراقي (ابن القوطي) 537

و من مؤلفاته 538

قاضي المغول 539

صفي الدين الأرموي العراقي 539

حوادث سنة 724 ه (1324 م) 539

مهنا بن عيسي أمير العرب 539

رسل السلطان أبي سعيد في مصر 540

وفاة الوزير علي شاه 540

حوادث سنة 725 ه (1325 م) 543

الغرق في بغداد 543

شيخة رباط بغداد 544

حوادث سنة 726 ه (1326 م) 545

مهنا و عربه 545

رسل أبي سعيد إلي الناصر محمد 545

وفاة جمال الدين البغدادي 545

ابن المطهر 546

ابن الهيتي 546

حوادث سنة 727 ه (1327 م) 547

الأمير چوبان و أولاده 547

الوزارة في هذا العهد 555

ترتيب السلطان 556

حوادث سنة 728 ه (1327 م) 560

أمير الموصل- أمير بغداد 560

رسل السلطان أبي سعيد 560

قتلة تمرتاش ابن الامير چوبان 561

ابن الخراط الدواليبي 563

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 1، ص: 702

حوادث سنة 729 ه (1328 م) 564

رسول أبي سعيد 564

نائب الملك أبي سعيد 564

حوادث سنة 730 ه (1329 م) 566

حوادث سنة 731 ه (1330 م) 567

وفاة علي

بن إسحاق بن لؤلؤ 567

حوادث سنة 732 ه (1331 م) 568

حوادث سنة 733 ه (1332 م) 570

حوادث سنة 734 ه (1333 م) 572

وقائع بغداد 572

حوادث سنة 735 ه (1334 م) 573

وقائع سنة 736 ه (1335 م) 575

وفاة السلطان 575

ترجمته 575

السلطان ارباخان 580

سلطنته 580

ترجمة غياث الدين محمد الوزير 586

سلطنة موسي خان في غرة شوال سنة 736 ه 590

سلطنته (علي باشا- قتله) 590

حوادث سنة 737 ه (1337 م) 591

السلطان مظفر الدين محمد المتوفي سنة 738 ه 592

سلطنة مظفر الدين محمد و المتغلبة 592

المتغلبة علي حكومة المغول 595

عشائر العراق- في عهد المغول 600

الحكومات المجاورة 603

الحضارة و الثقافة 605

الخاتمة 608

1- فهرس الأعلام 615

2- فهرس الشعوب و القبائل و البيوت و النحل 656

3- فهرس الأمكنة و البقاع 663

4- فهرس الكتب 678

5- فهرس بعض الألفاظ الدخيلة و الغريبة 687

6- فهرس الصور 690

7- فهرس المواضيع 691

[المجلد الثاني]

المقدمة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي رسوله و آله و صحبه أجمعين.

(و بعد) فللأمم سنن لا تحيد عنها، و أنظمة ثابتة تجري عليها، هي القدر المشترك و النفسيات العامة لأفرادها، لا تتغير إلا بعوامل اجتماعية، أو ظهورات و حوادث عظيمة تدعو للتنبيه … و حالة الأمم هذه في أزمانها المختلفة، و أوضاعها المتبدلة تحتاج إلي تدوين لنتبين نفسياتها الاجتماعية و ما اعتراها من تطورات عارضة، و حوادث أو نوازل خاصة، و نتوضح منها إدارتها اللائقة بها، و نواميسها السائرة عليها، أو نهجها الذي مضت عليه …

و شرح ذلك يطول، و إنما نقتصر علي صفحة من تاريخ هذه التقلبات و الطواري ء عن قطرنا تتلو سابقتها، و تسد بعض الحاجة، فنراها الأولي في دراسة عواملنا الاجتماعية، و حوادثنا النفسية لسهولة التفهم و

إدراك العلاقة المباشرة من وقائعنا القومية، و حكوماتنا المختلفة …

و من ثم تتوضح أوضاع السلطة الحاكمة أو المتحكمة و ما ترمي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 8

إليه، و ما ينزع إليه الأهلون، أو ما يرونه من معارضات شديدة، أو بالتعبير الأولي الاطلاع علي تاريخ علاقتها بنا، و روابطها معنا …

و موضوعنا هذه المرة (الحكومة الجلايرية) و هي بعيدة عنا، و غريبة منا و أن كانت إسلامية.. تميل في إدارتها، و روحيتها، إلي ما اعتادته من الاعتبارات القومية … فلم تتدرب علي التربية الإسلامية كما يجب و لا تخلقت بأخلاقها الفاضلة في الدرجة اللائقة، لتوافق المثل الأعلي، أو علي الأقل لم تأتلف مع ما في نفوسنا.

و محط الفائدة أن يتطلع العراقي علي حوادث هذه الأقوام، و سياستها و تأثيرها علينا و علي هذا القطر، أو تأثره منها … و هذه بمثابة ترجمة الشخص في أدوار حياته و ما لاقاه في أيامه … و يتعين لنا تاريخ القطر في زمان لنعلم ما جري عليه خلال هذا العصر، و ما انتابه من مصائب و آلام، و حوادث أخري … و هنا نري القسوة و الظلم قد بلغا منتهاها، نعم صار العراق موطن الحكم، و مقر السلطنة إلا أن العنصر التتري كاد يتغلب عليه كما تحكم فيه، و السلطة قوية لم يستطع دفعها، أو رفعها … و الثقافة الفارسية كادت تسوده و تسيطر عليه …

و أراني في غني عن إيضاح ما بذلته من جهود لتثبيت ما تمكنت من جمع شتاته، و الأخبار المختلفة فيه، و النزعات المتضاربة للتأليف بينها، و التقريب لما بعد منها. حتي حصل ما أقدمه الآن للقراء الأفاضل و لعلهم يجدون ما يطمئن بعض الرغبة

بالوقوف علي صفحات متقطعة، غير موصولة من تاريخه في وقت معين، و فيها ما يشير إلي ما وراءها … فإن وافق الرغبة فهو ما آمله و إلا فكم سار غرّه قمر،

فتاه في بيداء …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 9

المراجع التاريخية

اشارة

مراجعنا في هذا العهد غامضة، و في الوقت نفسه قليلة بالرغم من كثرتها و تعددها. من ناحية أن كلّا منها لا يخلو من نقل عن الآخر رأسا أو بالواسطة. و في الحقيقة أمهات المراجع قليلة، و نري الفرق كبيرا جدا بين حكومة المغول السابقة، و بين هذه الحكومة. فإن المراجع الرسمية و غير الرسمية هناك كانت كثيرة جدا، و قد مر بنا منها ما يكاد يجعلنا نقول بأنه لم يبق خفاء خصوصا منها ما يعود إلي التاريخ العلمي و الأدبي علي خلاف هذه الحكومة فإن السلطان حسن الجلايري مثلا دام حكمه في بغداد نحو العشرين سنة و هو مؤسس السلطنة فيها و لم نذكر له من الحوادث ما يصلح أن يدون كوقعة أو وقائع مطردة و متتابعة …

و هكذا من جاء بعده. فنري العلائق الخارجية عديدة في حين أن الحوادث الداخلية تكاد تكون مفقودة. و المعلوم أن هذا القطر لا يقف عند تلك الحوادث ساكنا هادئا لطول هذه المدة، و بهذا الصبر الجميل مع أننا نجد أوضاعه متبدلة و أطواره متغيرة دائما كتغير هوائه و فصول سنيه.

و أساسا إن هذا العهد يعد من أنحس الأدوار و أسوئها و أيامه كلها أو غالبها ظلم و قسوة، و سياسته متبدلة الأهواء و النزعات، لم تدع مجالا لأحد أن يفكر في تدوين الحوادث عنها، أو أن اضطرابها و تموجها مما دعا أن تهمل أو أن هناك وقائع

قد سجلت بمختلف صفحاتها و لكنها لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 10

تصل إلينا. و لم يردنا إلا بعض النتف منها. فانعدمت لما انتابته من ثورات و كوارث، أو بقيت في زوايا النسيان و الإهمال حتي هلكت.

جاءتنا أكثر وقائعه من طريق المجاورين و الأجانب عنا أو البعيدين فلم يذكروا سوي ما له ارتباط بحوادثهم، أو مساس بأوضاعهم. و لم يردنا عن رجال هذا المحيط إلا النزر القليل. و المؤرخون العراقيون قليلون و ربما صاروا مرجعا في بعض حوادثه، و أكثرهم أيام تيمور، و غالبهم عجم، أو ترك، و المصريون و السوريون بعيدون و لكنهم كتبوا كثيرا عن هذه الأيام، و دونوا ما يهمهم ذكره دون خصوصيات العراق إلا عرضا أو ما وصلهم خبره و في كل أحوالهم نجدهم يتألمون لمصاب العراق علي طول المدي و شقة البعد و يستطلعون أبناءه دائما و يدونون ما وصلهم.

و علي كل حال نذكر المراجع التالية، و نشير إلي المآخذ الأخري خلال الحوادث إذ لا نري طائلا وراء بيان جميع ما عولنا عليه، أو اعتمدنا من المآخذ.

بزم و رزم:

مؤلف في الفارسية لعزيز بن أردشير الاسترابادي طبع في استانبول سنة 1928 في مطبعة الأوقاف و فيه مطالب قيمة عن العراق بهذا العصر الذي نكتب عنه، و المؤلف كان نديم السلطان أحمد الجلايري. استطرد في بعض المواطن إلي ذكر العراق و إن كان موضوعه خاصا بالقاضي برهان الدين السيواسي. و أورد صاحب عجائب المقدور اسم المؤلف بلفظ (عبد العزيز) و مثله جاء في كشف الظنون. و في الكتاب اسم المؤلف و والده و بلده بالوجه المشروح و كان في صباء جاء إلي بغداد و قضي شبابه فيها و لما ورد تيمور بغداد

في 20 شوال سنة 795 ه و ضبطها فر المؤلف و السلطان أحمد إلي أنحاء المشهد (النجف الأشرف) و قد وافي المشهد ثلة منهم فقبضوا علي المؤلف و جاؤوا به

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 11

إلي الحلة و سلموه إلي ميران شاه (ابن الأمير تيمور) فعطف عليه و لطف بحياته فبقي مدة عنده، و لم يقف الجيش عند بغداد فتوجه نحو ديار بكر فانتهز الفرصة ليلا من بين ماردين و آمد و فر إلي صور و من هناك إلي سيواس فوصلها في 11 شعبان لسنة 796 ه- 1394 م فنال كل رعاية من السلطان برهان الدين و كان قد أمره السلطان بكتابة تاريخ هو «بزم و رزم». و أن ابن عربشاه لم يتعرض للصلة بينه و بين السلطان أحمد الجلايري في حين أنه يشير إلي أن السلطان أحمد بعد أن جلس علي تخت السلطنة قتل في أمرائه المعروفين و من هم تربية السلطنة و أعيان رجالها الواحد بعد الآخر و اتصل بجمع من الأجلاف و أصحاب السفاهات و الدنايا فكان نديمهم، اتخذ أمراء من الأوباش و من لا يعرف. فاضطربت الأحوال و تشوشت الأمور. و في أول الأمر هاجم توختامش تبريز سنة 787 ه- 1386 م في ذي الحجة فدمرها و قتل منها خلقا عظيما ثم هاجمها بعد تسعة أشهر فاتح آخر و قاهر أعظم فقضي علي البقية و هو تيمور لنك فكان سيل تقدمهم جارفا فخربوا إيران، و أضروا بالخلق إضرارا بالغا فاضطر السلطان أحمد أن يترك تبريز فالتجأ إلي بغداد. و لكنه و هو في هذه الحالة لم يتنبه و لم يؤدبه الزمان و إنما استمر فيما كان فيه من سوء الحالة

و مصاحبة الأشرار و الأنذال و لم يعتبر بما جري فكان المؤلف يأسف لما وقع منه و لما هو دائب عليه، و كان في نيته أن يأتي إلي السلطان برهان الدين، و لم يرض من سوء إدارة السلطان أحمد و إنما كان من المتذمرين الناقدين.

قدم هذا الكتاب إلي السلطان برهان الدين بعد أن ورد إليه سنة 796 و بقي عنده إلي سنة 800 ه ثم إنه بعد ذلك سار إلي مصر، و عاش في القاهرة، و كان متبحرا في الآداب العربية و متأثرا بها و له شعر فائق في العربية و الفارسية. فحط رحاله هناك بعد أن رأي من المصائب ضروبا و من الأرزاء أنواعا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 12

و إن صاحب عجائب المقدور قد أثني عليه و عده من عجائب الدهر، و رجح كتابه بزم و رزم علي تاريخ العتبي و إن نظمي زاده مرتضي قد بين أن له ديوانا عربيا و آخر فارسيا إلا أنه لا يعرف طريق توصله إلي هذا و لعله استفاد ذلك من قول صاحب عجائب المقدور.

و هذا ما قاله عنه ابن عربشاه:

«ثم إن الشيخ عبد العزيز (عزيز) هذا بعد لهيب هذه الثائرة انتقل إلي القاهرة و لم يبرح علي الأبراح و معاقرة راح الأتراح حتي خامرته نشوة الوجد فصاح و تردي من سطح عال فطاح و مات منكسرا ميتة صاحب الصحاح» ا ه.

و أما مرتضي آل نظمي فإنه أشار إلي أنه كان مقبولا عند الأكابر، و مرغوبا لدي الأفاضل، فمضي أوقاته بهذه الصورة إلا أنه كان مبتلي بالشرب. و لما كان شاربا ثملا سقط من مكان عال فهلك و انتقل إلي الدار الآخرة.

و الكتاب يبين عن خبرة

و اطلاع في الأدبين العربي و الفارسي نثرا و نظما و أنه كان ذا قدرة علي البيان و بين ما أورده من الشعر ما هو من قوله و نظمه سواء كان عربيا أو فارسيا و كان أول وروده إلي السلطان برهان الدين مدحه بقصيدة عربية و أن تحصيله كان عربيا و نشأته في العراق فكانت تغلب عليه العربية أكثر من الفارسية و اهتمامه بها أزيد إلا أن القوم لا يعرفون العربية و كانوا أقرب للتأثر بالآداب الفارسية فاضطر أن يكتبه باللغة الفارسية و كانت معاملات القوم و محرراتهم فارسية فاللغة المعروفة هناك الفارسية. و لم يشر المؤلف إلي أنه كان يعرف التركية و لكن التأليف يشعر بقدرة و إتقان علمي أدبي لهذا الرجل، و هكذا يقال عن معرفته بالفلك و تعبير الرؤيا، و أنه مختص بهما، أما التصوف فنجده متأثرا بالقسم الغالي منه و يطري جلال الدين الرومي، و يثني علي الشيخ محيي الدين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 13

و الملحوظ أن هذا الأثر لا تنكر علاقته بالعراق، و أنه متأثر بآدابها في ذلك العصر، و إننا نستطيع أن نعرف عقلية المتعلمين من أكمل رجل منهم، و تاريخ السلطان أحمد و لو بنظرة عامة و بصورة إلمامة من رجل عراقي. يميط اللثام عن وجه الحقائق فتخرج ناصعة المحيا، و قد طبع علي نسخة أيا صوفية المرقمة 3465 مع مقابلته بنسخ أخري خطية و هذه النسخة مكتوبة بخط خليل بن أحمد الخطاط المشهور الذي كتب بخطه ديوان القاضي برهان الدين و منه نسخة في المتحفة البريطانية و منه نسخة في الأندرون، و أخري في مكتبة أسعد أفندي، و نسخة في مكتبة راغب باشا. و قد

برز بوضعه الصحيح و نال تدقيقا زائدا، و هو و إن كان يخص غير العراق فما ذكره عن العراق كان عمدة فيه، و صاحب خبرة و معرفة، و معولنا كان علي المطبوع المذكور.

و لو كنا عثرنا علي ديوان عربي أو فارسي للمؤلف لعلمنا شيئا كثيرا عن قطرنا المحبوب كما علمناه من ديوان سلمان الساوجي، و لا طلعنا علي وقائع تأثر بها الرجل تدعو لكشف المجهول. و لعل التنقيب و التتبع يؤديان إلي الغرض.

عجائب المقدور في نوائب تيمور:

و هذا من أقدم المراجع الخاصة، لأحمد بن محمد بن عبد الله بن عربشاه المتوفي عام 845 ه- 1442 م و كان قد ولد سنة 791 ه- 1389 م و يعرف بالعجمي أيضا، و عليه الاعتماد في وقائع هذا الفاتح لدي كافة المؤرخين. أوضح حوادثه حتي خصوصياته و أحواله النفسية كأنه من مدوني وقائعه و الملازمين له.

و لا نجد الفرق كبيرا بين ما ذكره، و ما كتبه مؤرخو دولته، و إنما يصلح للمقارنة، و المقايسة مع مباحث أولئك و ما سجله فهو من الوثائق المعارضة. قال المؤلف في مقدمة كتابه:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 14

«و كان من أعجب القضايا بل من أعظم البلايا الفتنة التي يحار فيها اللبيب، و يدهش في دجي مندسها الفطن الأريب، و يسفه فيها الحليم، و يذل فيها العزيز و يهان الكريم، قصة تيمور، رأس الفساق، الأعرج الدجال، الذي أقام الفتنة شرقا و غربا علي ساق. فتحققت نجاسته بهذا الغسل، أردت أن أذكر منها ما رأيته و أقصّ في ذلك ما رويته …» ا ه و أثبتت التدقيقات التاريخية أنه من أصدق المؤلفات، و أحقها بالأخذ، و مما يركن إليها إلا في بعض المواطن التي ظهر

أنها كتبت بتحامل فلا يزال محتفظا بقيمته التاريخية إلي اليوم بالرغم مما يتبين أنه ساخط علي تيمور.

و الكتاب لم يقف عند تحرير وقائعه التاريخية و الاكتفاء بها و إنما هو تاريخ الحكومات المعاصرة له، و التي قارعها و استولي عليها و خاصة ما يتعلق بالعراق، و الحكومة العراقية (الجلايرية). فقد تعرض لها كثيرا.

و أبان في موضوعها عن سعة علم و اطلاع أتمه عام 840 ه (1437 م).

و مما يستحق الذكر هنا أن المؤلف عول في بعض وقائعه فيما يخص تيمور و العراق علي عالم عراقي هو تاج الدين أحمد النعماني القاضي الحنفي الحاكم ببغداد فقد قصها نقلا عنه، و أن حادثة بغداد وقعت يوم الأضحي سنة 803 ه إلا أنها لا تخلو من مبالغة هي من لوازم عبارات الناقل و التزاماته في السجع و التهويل كما هو جاري عادته.

و لا يفوتنا أن نقول: إن المؤلف ثقة في هذه الحوادث لما كان له من الاتصال الكبير بعلماء الترك و العجم. فقد تجول في سمرقند و بلاد الخطا و ما وراء النهر و برع في فنون العلم، و أتقن الفارسية، و التركية،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 15

و العربية، و الخط المغولي. و كان يقال له ملك الكلام في اللغات الثلاث، و استمر في تجواله إلي بلاد الدشت و سراي، ثم جاء إلي قرم، ثم قطع بحر الروم (البحر الأسود) إلي مملكة العثمانيين فأقام بها نحو عشر سنين، و باشر عند سلطانها ديوان الإنشاء، و كتب عنه إلي ملوك الأطراف. فبالعجمي لقرا يوسف و نحوه، و بالتركي لأمراء الدشت و سلطانها، و بالمغلي لشاه رخ و غيره، و بالعربي للمؤيد شيخ. ثم رجع إلي وطنه القديم

فدخل حلب، ثم الشام و قد أطنب صاحب الضوء اللامع في ترجمته و بيان مؤلفاته و من بينها (فاكهة الخلفاء و مفاكهة الظرفاء)، و كان ممن شاهده و نقل عنه.

غلب علي المؤلف الأدب و السجع، و استعمل ألفاظ الذم و التزم التنديد بتيمور و شتمه بما شاء. و كل هذا لم يقلل من شأن الكتاب فلم ينحرف عن تثبيت الواقع و تدوين الصحيح قدر وسعه و استطاعته. بالرغم من كرهه لتيمور و السخط عليه. و كم بينه و بين شرف الدين اليزدي من التخالف في الفكرة؛ فيري هذا أن وجود تيمور نعمة، و ذاك يعده نقمة.

طبع الكتاب في أوروبا و مصر مرارا إلا أن الطابعين لم يراعوا فيه الاعتناء في صحة إعلامه و مع كل هذا نال مكانة و حظا وافرا من الاهتمام لدي مؤرخين تالين له. لخصه المقريزي، و نقل عنه مؤرخون لا يحصون حتي عصرنا و ترجم إلي التركية. و لا يسع المقام بيان ترجمة المؤلف بإسهاب فلها موطن غير هذا.

تاريخ تيمور لنك:

لمرتضي البغدادي من آل نظمي و المؤلف هو صاحب كلشن خلفا، و ذيل سيرنابي. و قد أوضحت عنه في لغة العرب و وصفت مؤلفاته و هذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 16

الكتاب ترجمة «عجائب المقدور» إلي اللغة التركية كتبه أولا علي الطريقة التي نهجها مؤلف الأصل من التزام السجع و البلاغة المنمقة في تركيباته و كان ذلك عام 1100 ه- 1689 م و قدمه لوالي بغداد آنئذ الوزير علي باشا إلا أن الوزير إسماعيل باشا والي بغداد طلب إليه تسهيل العبارات و مراعاة البساطة فيها بالترجمة ليكون مفهوما للكافة فأجاب الطلب عام 1131 ه- 1719 م أيام ولايته فذلل صعابه و

أخرجه بشكله المعروف.

و إن ترجمته ذكرها صاحب كشف الظنون عند الكلام علي عجائب المقدور و سماها في موطن آخر ب (تيمور نامه).

طبعت الترجمة السهلة بعنوان (تاريخ تيمور لنك). و هذه أضاف إليها المترجم أولاد تيمور و أخلافه من بعده و بذلك أضاف فائدة جديدة تزيد علي الأصل و لكنه من أخري طوي بعض المباحث فكادت تعدم الغرض منه لو لا وجود الأصل و انتشاره.

التاريخ الغياثي:

تأليف عبد الله بن فتح الله البغدادي الملقب بالغياث المتوفي أواخر العصر التاسع، كان حيا عام 891 ه (1486 م) و سمي هذا الأثر ب (التاريخ الغياثي)، و يتعلق بالعراق في غالب مباحثه، و تهمه حوادثه أكثر من غيره، و فيه سعة نوعا و إن كان لم يراع السنين و ترتيبها، و لغته عراقية عامية، و هو مغلوط في أكثر المواطن، و فيه نقص كما نبهت علي ذلك في حينه.

و كل هذا لم يقلل من قيمة الكتاب، و من السهل تعيينها بالمراجعة إلي الآثار الأخري لتحقيق ما جاء فيه، و لتوسيعه منه. فيستفاد من التفصيلات الواردة خلال سطوره..

أوله: «الحمد للّه الباقي بعد فناء خلقه الخ».

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 17

و جاء في مقدمته:

«إن من كثرة الفتن، و تواتر الإحن التي جرت بأرض العراق لم يضبط أحد تواريخها من دور الشيخ حسن إلي يومنا هذا أولا من عدم أهل هذا العلم و من ينظر فيه؛ و ثانيا أن أكثرها تواريخ ظلم و عدوان تركها خير من ذكرها، لأن هذا الدور الذي نحن فيه يسمي (دور الإدبار) «إلي أن قال»:

فما كان من زمن آدم عليه السّلام إلي أيام السلطان أبي سعيد ملتقط من نظام التواريخ للقاضي ناصر الدين عمر البيضاوي و

غيره، و ما كان من زمان الشيخ حسن (أول سلاطين الجلايرية) إلي يومنا هذا لم أنقله من كتاب بل نقلته من أوراق و حواشي، و أكثره من ألسن الراوين؛ و بعض ما جري في زماننا، و كتابه عالمون، فكتبت ذلك و حويته في هذه الأوراق، و العهدة علي الراوي، لا علي الحاوي» ا ه، و النسخة الوحيدة من الكتاب وجدتها لدي الأستاذ الفاضل و اللغوي المعروف انستاس ماري الكرملي و نقلت نسختي المخطوطة منها.

و الملحوظ فيها أن المؤلف يكرر المباحث عند كل حكومة لها علاقة بأخري في الاثنتين لأدني علاقة و لما كانت النسخة ساقطة بعض الأوراق، و مضطربة المباحث لتشوش في ترتيب أوراقها كما يظهر فمن السهل أن يتلافي النقص نوعا، و هكذا فعلت أثناء تثبيت الحوادث مع تمحيص و عرض علي النصوص التاريخية الأخري و مقابلتها و تنبيه علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 18

المشتبه. استنادا إلي إيضاحاته في هذا العهد و ما يليه و غالبه في أيامه و هو القسم الأخير من كتابه، و كله مما يهم موضوعنا …

و النقول عنه من الكتب الأخري مما يكمل مباحثنا، و يسد النقص الذي في الكتاب خصوصا ما جاء عن المشعشعين. هذا و لا ننس أن المؤلف يتعصب للحكومات الأخيرة فيتألم لمصاب هذه، أو يفرح كما يستدعي وضع تأثره، و فيه بيان عن بعض الأشخاص … و هكذا.

تحرينا مراجع تاريخية كثيرة فلم نعثر علي ترجمة وافية، و لا علي نسخة ثانية لأثره هذا، و إنما نري بعض الكتب مثل مجالس المؤمنين تنقل عنه بعض المطالب و لكنها لا تصلح بحال لإكمال جميع نقصه.

و عندي نسخة خطية تسمي ب (الأنوار) في رجال الشيعة و تراجمهم

تذكر المؤلف في عداد هؤلاء و لم تتوسع في تاريخ حياته، و لا ذكرت عام وفاته و إنما اكتفت بذكر اسمه و أن له تاريخا هو الموضوع البحث..

و هو عراقي سكن سورية مدة كما يفهم من خلال سطور كتابه …

و النسخة الأصلية قديمة و لعلها المكتوبة في عصر المؤلف، أو هي نسخة المؤلف. و قد وصفها صاحب لغة العرب و نقل عنها الكتاب عندنا الشي ء الكثير..

أنباء الغمر في أبناء العمر:

للشيخ شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد الشهير بابن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852 ه (1449 م) و للمؤلف آثار مهمة و نافعة جدا مر منها في تاريخ المغول كتاب (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) و هو أحد مراجعنا في هذا المجلد أيضا. أما كتابه هذا و هو الأنباء فإنه مرتب علي حوادث السنين و ترتيبها، يبتدي ء من حوادث سنة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 19

773 ه، قد شاهدت منه نسخا عديدة في مختلف مكتبات الآستانة.

و الكتاب من أفضل المؤلفات للعصر الذي كتب عنه. و منه الجلد الأول في مكتبة السيد نعمان خير الدين الآلوسي برقم 3744 من كتب الأوقاف العامة ببغداد و النسخة قديمة و غلافها مذهب و تجليدها نفيس. أولها:

الحمد للّه الباقي الخ. قال في مقدمتها:

هذا تعليق جمعت فيه حوادث الزمان الذي أدركته منذ مولدي سنة ثلاث و سبعين و سبعمائة و هلم جرا مفصلا في كل سنة أحوال الدول من وفيات الأعيان مستوعبا لرواة الحديث خصوصا من لقيته أو أجاز لي و غالب ما أورد فيه ما شاهدته أو تلقفته ممن أرجع إليه أو وجدته بخط من أثق به من مشايخي و رفقتي كالتاريخ الكبير للشيخ ناصر الدين ابن الفرات، و لحسام الدين

ابن دقماق و قد اجتمعت به كثيرا و غالب ما أنقله من خطه و من خط ابن الفرات عنه، و للحافظ العلامة شهاب الدين أحمد ابن علاء الدين حجي الدمشقي و قد سمعت منه و سمع مني، و الفاضل البارع المفنن تقي الدين أحمد المقريزي، و الحافظ العالم شيخ الحرم تقي الدين محمد بن أحمد بن علي الفاسي القاضي المالكي.. و الحافظ المكثر صلاح الدين خليل بن محمد بن محمد الأقفهسي و غيرهم.

و طالعت عليه تاريخ القاضي بدر الدين محمود العيني و ذكر أن الحافظ عماد الدين ابن كثير عمدته في تاريخه و هو كما قال لكن منذ قطع ابن كثير صارت عمدته علي تاريخ ابن دقماق حتي كاد يكتب منه الورقة الكاملة متوالية و ربما قلده فيما يهم فيه حتي في اللحن الظاهر مثل اخلع علي فلان و أعجب منه أن ابن دقماق ذكر في بعض الحادثات ما يدل أنه شاهدها فكتب البدر كلامه بعينه بما تضمنه و تكون تلك الحادثة وقعت بمصر و هو بعد في عينتاب و لم أتشاغل بتتبع عثراته بل كتبت منه ما ليس عندي مما أظن أنه اطلع عليه من الأمور التي كنا نغيب عنها و نحضرها.

(إلي أن قال): و هذا الكتاب يحسن من حيث الحوادث أن يكون ذيلا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 20

علي ذيل تاريخ الحافظ عماد الدين ابن كثير فإنه انتهي في ذيل تاريخه إلي هذه السنة و من حيث الوفيات التي جمعها الحافظ تقي الدين بن رافع فإنها انتهت أيضا إلي أوائل هذه السنة.. ثم قدر اللّه سبحانه لي الوصول إلي حلب في شهر رمضان سنة 36 فطالعت تاريخها الذي جمعه الحاكم بها العلامة

الأوحد الحافظ علاء الدين ذيلا علي تاريخها لابن العديم. و سمعت منه أيضا و سمع مني …» الخ.

هذا ما قاله و أعتقد فيه الكفاية لبيان قيمة هذا الأثر الجليل و التعريف بمزاياه.

و حوادث هذا المجلد تنتهي بسنة 812 ه و المجلد الثاني تنتهي حوادثه في سنة 850 ه و به يتم الكتاب. أما نسخة الآلوسي فلا شك أنها خير ما رأيت من النسخ صحة و إتقانا، و الأولي مراجعتها عند ما يراد طبع هذا السفر الجليل. و في دار الكتب المصرية نسخة منه في مجلدين بخط عادي رقم 2476 منقولة من نسخة مكتبة الأزهر. و عليه عولنا كمرجع في حوادث هذه الأيام فيما وجدنا له فيه مباحث فهو ثقة، و لا قول فيه و النسخة واضحة و خطها جميل و لم يكن فيها تاريخ و قد تداولتها الأيدي و وصلت العراق من الشام.

الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع:

لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفي سنة 902 ه (1497 م) رتبه علي الحروف، و قد صنف السيوطي في رده مقالة سماها: (الكاوي في تاريخ السخاوي) و شنع عليه فيها، و انتخبه الشيخ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 21

زين الدين عمر بن أحمد الشماع المتوفي سنة 936 ه 1530 م و سماه:

(القبس الحاوي لغرر ضوء السخاوي) و كذا الشهاب أحمد بن العز محمد الشهير بابن عبد السلام المتوفي سنة 931 ه- 1525 م و سماه:

(البدر الطالع من الضوء اللامع) و اختصره الشيخ أحمد القسطلاني و سماه: (النور الساطع في مختصر الضوء اللامع).

و الكتاب جليل في موضوعه و هو علي نسق الدرر الكامنة و فيه فوائد عن عراقيين كثيرين و لكنه لا يتكلم عليهم في الغالب إلا عرضا أو لعلاقة

اتصال بهم لأنهم ذهبوا إلي أنحاء سورية و مصر. طبع في هذه الأيام (سنة 1354 ه- 1936 م) في أجزاء عديدة و لم يتم طبعه لحد الآن. منه نسخة في مكتبة آل باش أعيان في البصرة و الجلد الأول منه في مكتبة السيد نعمان خير الدين الآلوسي بين كتب الأوقاف.

تزك تيمور:

هو تاريخ السلطان تيمور و مذكراته الحربية و السياسية أملاها لنفسه في اللغة المغولية و ترجمها إلي الفارسية أبو طالب و من الفارسية نقلت إلي الفرنسية و طبعت سنة 1787 م نقلها إلي لغته المستشرق المعروف الأستاذ (لانگله)، و هذه النسخة الإفرنسية موجودة في مكتبة جامعة جنويز و منها ترجمها مصطفي رحمي إلي التركية باسم (تيمور و تزوكاتي) طبعت عام 1339 ه و قد عولنا عليها و علي النسخة الفارسية المطبوعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 22

في بمبي للمرة الأولي في مطبعة فتح الكريم بتاريخ 29 شعبان سنة 1307 ه و هذه النسخة مطبوعة علي طبعة كلارن في لندن سنة 1783 م.

و موضوع هذا الأثر الجليل يتضمن ما سار عليه تيمور من القوانين، و ما عمل بمقتضاه من الدساتير العملية، و ما اكتسبه من الحوادث اليومية و التجارب الشخصية، فأوصي أن تكون هذه الأعمال خطة أولاده و أخلافه من ذريته لتعينهم في حياتهم السياسية و الحربية …

و هي أشبه بما مضي عليه جنگيز من (الياساق) أو (الياسا) …

و هذه في الحقيقة نتائج أعماله في إدارته و ما زاوله من المهام في حياته فهي التاريخ الصحيح المجمل و الوقائع الجزئية أمثلة لها و تطبيقات لما قام به. و قد تحرينا تعريبا لهذه فلم نعثر عليه مع أنها من الوثائق المهمة للتحقيق عن حياته الصحيحة، و

لتأييد النصوص الأخري الواردة عنه أو الطعن فيها … و ينطوي تحتها الاستفادة من الآراء، و الاستعانة بالشوري و الحزم و الاحتياط في إدارة المملكة، و تدبير الأمور في السياسة الخارجية، و الاهتمام بأمور الجيش و حسن تدريبه و إدارته..

و منها نري أنه لم يضيع حزما، و لا تهاون بفكرة بل راعي ما أمكنه من التدابير الصائبة.

و في هذه و غيرها مما يفهم من مطاوي الكتاب ما يبصر بأنه لم يضع فرصة، و لا تواني عن تسجيل ما رأي و شاهد، أو ما صادف بالعودة إلي التفكير فيما وقع. و بهذا يكذب أعداءه و الطاعنين به من أن همه السفك و النهب و القتل كأن غايته تشفية غليله من البشرية باتخاذها مجزرة له.. و إنما راعي المصلحة، و نصب الغاية أمام عينيه فلم يتحاش

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 23

من الركون إلي الواسطة مهما كانت قاسية، و تمسك بالتدابير رغم فظاعة الآلة … و في كل هذه لم يضع رشده، و لم يدع الفرصة، و لا تأخر عن العمل بها عند سنوحها بلا تهاون أو توان بل لم يعرف التواني … و إنما يحاول بكل ما أوتي من قدرة لإدراك مواطن الضعف في خصومه، و التطلع علي أحوالهم و التبصر بشؤونهم حتي الشخصي منها ليعرف قوة العلاقة بالأعمال العامة و إن كانت تري لأول وهلة أنها ليس لها مساس بشؤون المملكة خارجا و داخلا.

و علي كل كانت هذه الأوضاع أمامه بارزة.. فإذا غلب ناحية مال إلي الأخري أو غلب هو علي أمره من جهة ركن إلي غيرها حتي يتم الفوز ما دام هو في الحياة … و ولعه بالشطرنج يعين خطته أكثر و يفسر

مذكراته هذه …

روضة الصفا في سيرة الأنبياء و الملوك و الخلفاء:

تاريخ فارسي في ست مجلدات للخواجه حميد الدين محمد مير خواند ابن سيد خوارزمشاه البلخي و في كشف الظنون أنه لمير خواند محمد بن خاوند شاه بن محمود و كان قد ولد المؤلف عام 837 ه 1434 م في بلخ و ولع في التتبعات التاريخية من صغره ثم إنه كان قد رماه الزمان و ضاقت به الوسيعة فمال إلي علي شير النوائي وزير حسين بايقرا حاكم خراسان و مازندران و ركن إلي مكتبته المشهورة في العالم آنئذ فصار يتردد إليها و ينتفع بها … و من ثم و بسبب الانتساب إلي الوزير المشار إليه تعرف بفطاحل العلم هناك أمثال عبد الرحمن جلبي، و شيخ أحمد السهيلي، و الخواجة عبد الله مرواريد و الخواجه أفضل الدين محمد، و الولي الخواجة آصفي، و دولتشاه السمرقندي من أكابر العصر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 24

و صفوتهم … فاتصل مؤرخنا بهؤلاء بواسطة الوزير … ذلك ما دعا أن يزيد في تتبع هذا المؤرخ و يقوي نشاطه فصار يجهد بشوق و عشق ليس وراءهما … كما أن الرغبة تكاثرت في الكل لحد أن الوزير نفسه استقال من الوزارة و عمد إلي العلم و التأليف … و هكذا فعل هذا المؤرخ لكتابة تاريخه فقد أقام في تكية من تكايا هراة براحة و طمأنينة مال فيها إلي التدوين … و هذه التكية (خانقاه خلاصية) التي أنشأها الأمير علي شير …

سعي مؤرخنا سعيا حثيثا لإكمال تاريخه هناك و لما وصل إلي الجلد السابع منه وافاه الأجل المحتوم علي حين غرة فقضي قبل أن يشرع في الجلد السابع عام 904 ه 1498 م عن عمر 67 في مدينة هراة فلم

يتم تأليفه و إنما كان ذلك نصيب ابنه (غياث الدين خواندمير).

و جاء في مقدمته أن جمعا من إخوانه التمسوا تأليف كتاب منقح محتو علي معظم وقائع الأنبياء و الملوك و الخلفاء ثم دخل الوزير مير علي شير و أشار إليه أيضا فباشره مشتملا علي مقدمة و سبعة أقسام و خاتمة فالقسم الخامس منه في ظهور جنكيز و أحواله و أولاده و السادس في ظهور تيمور و أحواله و أولاده و السابع في أحوال سلطان حسين بايقرا …

فالأقسام الأخيرة منه فيها تفصيلات مهمة عن الترك و المغول و التتر و من يليهم و أوضح الوقائع بكل سعة حتي زمان السلطان حسين بايقرا … فهو من الكتب الجامعة المستوعبة لتواريخ كثيرة كانت قد سبقته.. و علي كل هو خير أثر لعصرنا الذي نكتب عنه و للعصور التالية له إلي أواخر أيامه و خلاصة لما فيها من حوادث. و يعد من أفضل المراجع التي عولنا عليها.. و لا يكاد يصدق أن امرءا واحدا قام بهذا العمل الجليل.. و لا يوجه عليه لوم من ناحية أنه كتب عن الحكومة الجلايرية بإجمال فهو بعيد عنها فلا ينظر إلا إلي المباحث العمومية و مع هذا نجد فيه بعض المطالب التي قد لا نجدها في غيره.. و المؤلف علي كل حال و كما يفهم من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 25

أسلوب كتابه تحدي جامع التواريخ، و مؤلفات المغول التاريخية الأخري فاتخذها أساسا و لكنه هذب و نقح و رتب أي أنه عدل في الأساليب …

و اختصر و حذف ألفاظ المدح الزائد و الثناء الكثير …

اعتني الهند و الإيرانيون بطبعه عدة طبعات و الأوروبيون زاد انتباههم إليه أكثر من غيره فترجموا غالب

أقسامه إلي لغاتهم فكان له أكبر وقع في نفوسهم … و هو في الحقيقة يبصر بالوقائع السابقة و يفصل القول عنها بكل سعة و عندي بضعة أجزاء مخطوطة منه.

حبيب السير:

تأليف غياث الدين خواندمير بن حميد الدين مير خواند المذكور و هذا ممن نشأ علي يد الوزير علي شير النوائي و درس عليه و تخرج في مدرسة عرفانه.. ولد عام 880 ه 1476 م و تتلمذ علي الوزير المشار إليه و قد نبغ في شبابه و اشتهر في حياة أبيه بالعلم و العرفان و حصل علي مكانة لائقة …

إن الوزير ساعد هذا الشاب أن يحضر المجالس العلمية.

و المناقشات التي تجري في المواضيع المختلفة لما رآه فيه من الكمال و الأدب الجم و العلم الواسع و لما هناك من علاقة صحبة مع والده. و قد برهن المترجم صاحب التاريخ علي كفاءته و مقدرته العلمية بما أبرزه من المؤلفات النافعة … إلا أن مجالس الوزير لم تدم طويلا كما أن هراة لم تبق مركز الثقافة و لم يطل أمد علميتها … فالوزير توفي عام 906 ه 1500 م فانطفأت تلك الفعالية الفكرية و القدرة العلمية، و زالت الرغبة.. إذ إن السلطان حسين بايقرا حامي العلم و العلماء توفي بعد خمس سنوات عام 911 ه 1505 م فأخذ يتقلص أمر الالتفات إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 26

التهذيب الفكري رويدا رويدا حتي زالت الرغبة من البين.. فإن خلفاء السلطان لم يهتموا ذلك الاهتمام كما أن الأوضاع السياسية كانت غير مساعدة … ظهر الشاه إسماعيل فاضطربت الحالة. و ساءت الأمور و زال ملك و لديه ميرزا بديع الزمان، و ميرزا مظفر حسين …

ذلك ما دعا مؤرخنا أن يتأثر للمصاب،

و لما جري علي الحكومة التي حمته و والده مدة لا يستهان بها. فاختار الانزواء و اشتغل بالتأليف.

و حينئذ شرع في إكمال الجلد السابع من روضة الصفا تأليف والده فأتمه طبق الأسلوب الذي جري عليه والده و راعي طريقته في تأليفه ثم اختصره بتمامه باسم (خلاصة الأخبار).

و لم يقف عند هذه المؤلفات و إنما شرع بمؤلفه القيم (حبيب السير) و هذا هو الذي عقدنا له الكلام هنا و هو شاهد عيان عن أواخر العصر التاسع حتي أواسط القرن العاشر و ما جري في هذا الأوان من الحوادث في آسيا … و من هذه الناحية يعد كتابه من الوثائق المهمة و الجليلة … و كله تاريخ عام كتبه باسم أستاذه (كريم الدين حبيب الله الأردبيلي) و يبتدي ء من الخلقة و ينتهي بوفاة الشاه إسماعيل الصفوي و يحتوي علي وقوعات العالم الإسلامي و له علاقة كبري في تاريخنا عن هذا العهد فهو من المراجع المهمة … و أهم ما فيه القسم الباحث عن موضوعنا … جعل الأصل الذي اعتمده عين الأصل الذي عول عليه والده إلا أنه رأي الاختصار أولي، و التلخيص أشد، و الناس لا يستطيعون مباحث مفصلة كهذه من ناحية الاستنتساخ و الاقتناء و المطالعة و أضاف إليه معلومات قيمة تتعلق بعصر تيمور و ما بعده إلي آخر الأيام التي كتب عنها … طبع في الهند في مجلد ضخم يحتوي علي أجزاء.

و للمؤلف آثار أخري أهمها: (مآثر الملوك)، و (دستور الوزراء) و سيأتي ذكره، و (أخبار الأخيار)، و (مكارم الأخلاق) و (منتخب تاريخ و صاف) و (جواهر الأخبار) و (غرائب الأسرار). كتب هذه المؤلفات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 27

أيام الجدال الحربي بين الأوزبك

و الصوفيين … و أكبر مساعد له علي إظهار هذه الآثار المكتبات الغنية بالمؤلفات الكثيرة و المتنوعة …

و لما لم يستطع البقاء مع فداحة الأمر، و اضطراب الحالة ترك وطنه مكرها عام 932- 1525 م و ذهب إلي (بابرشاه) الحاكم في الهند من آل تيمور فجاء إلي (اكره) ملتجئا إلي ملكها فرأي منه حسن قبول و التفات … و كان قد أعز العلماء و أبدي لهم توجها كبيرا و علي الأخص نال المترجم احتفاء السلطان لما رآه منه من العلم الجم و الخبرة الواسعة في التاريخ و غيره.. و كذا حصل علي مكانة لائقة لدي (همايون شاه) بن بابر شاه و من ثم كتب المترجم له (همايوننامه) لما رآه منه من الالتفات الزائد و الاحترام اللائق …

و في سنة 942 ه 1535 م سار مع الشاه إلي كجرات فمرض في سفره و مات في الطريق فأمر السلطان أن ينقل جسده إلي دهلي و دفن في جوار أعاظم الرجال المدفونين هناك أمثال (أمير خسرو الدهلوي) و (نظام الدين أوليا) ذلك لما كان له من المكانة لديه …

و الحاصل أن هذا المؤرخ من أكابر المؤرخين لا يقل عن والده في تأليفاته التاريخية بل ربما فاقه أو أنه أتم ما قام به والده فمؤلفاته مكملة من ناحية و موضحة من أخري … و هي السلسلة التاريخية الموصولة بين دور المغول و بين الحكومات التالية له إلي زمانه …

و الملحوظ أن المؤلف في تاريخه حبيب السير لم يتعرض لخصوصيات العراق، و حوادثه مما لا علاقة له بالأقطار الأخري …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 28

دستور الوزراء:

لصاحب حبيب السير أيضا، فارسي و موضوعه جليل جدا، عيّن فيه الوزراء في

إيران من أقدم أزمانهم إلي أيامه و فيه تعرض لبيان وزراء و ملوك سيطروا علي العراق و إيران معا، تعرض لهم أثناء بحوثه. وجدنا فيه من السعة ما لم نرها في غيره أوله مصدر في هذا الدوبيت:

أي منت احسان توبر خوان همه فضل تو بود منبع احسان همه

در روز حساب هم باذنت باشد لطف نبوي شافع عصياه همه

تكلم فيه علي الوزراء و من أهم مباحثه كلام علي ابن العلقمي، و حسن الصباح و الإسماعيلية في مصر و في إيران و الخوارزمشاهيه، و آل مظفر و وزراء جنكيز و الجلايرية و تيمور لنك و المباحث الأخيرة منه تخص موضوعنا … و عصره قريب من أشخاص الوقائع ففائدته فيما تعرض له كبري و مهمة جدا … ننقل منه ما نشير إليه خلال سطور الكتاب..

أخبار الدول و آثار الأول:

لأبي العباس أحمد جلبي بن يوسف بن أحمد الدمشقي القرماني ولد سنة 939 ه 1533 م و توفي سنة 1019 ه 1610 م. أوله: الحمد للّه علي تصاريف العبر الخ. طبع علي الحجر في بغداد سنة 1282 ه 1866 م و الكتاب مباحثه عامة و قد يتعرض لبعض الحوادث الخاصة من حكومات العراق التالية لحكومة المغول قال في كشف الظنون اختصره مؤلفه من تاريخ الجنابي المتوفي سنة 999 ه 1591 م و فرغ من اختصاره في صبيحة يوم السبت مستهل المحرم سنة 1008 ه 1600 م و المؤرخ أجمل الوقائع التالية للمغول بقوله: «لم يصل إلينا خبر من تولي بعده (بعد أبي سعيد) ثم قال: اتفق المؤرخون علي أنه لم يبق من بني

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 29

هلاكو من تحقق نسبه لكثرة ما وقع فيهم من القتل غيرة علي الملك، و

من نجا طلب الاختفاء بشخصه فخفي نسبه و استمرت بحار الفتن منهم تثور و تمور، إلي أن نبغ الأعرج تيمور، فأهلك الحرث و النسل، و اختلط المليح بالبسل، و حل بالعالم البأس، و فسدت أحوال الناس» ا ه.

فهو يصلح أن يكون مرجعا لأيام الأمير تيمور.

مراجع أخري:

لا مجال لإيراد جميع المراجع الجديدة التي سأعتمدها غير ما تقدم و إنما أذكر منها (تاريخ گزيده) (و نزهة القلوب) و (تاريخ محمود كيتي) و (لب التواريخ) و (ظفر نامه) و غيرها. و يأتي النقل منها و أشير هنا إلي أن المراجع منها ما ذكر في المجلد السابق مما تستمر حوادثه إلي هذه الأيام …

الحكومة الجلايرية

حوادث سنة 738 ه 1337 م

سلطنة الشيخ حسن الجلايري:

في هذه السنة أو التي قبلها علي اختلاف في ذلك استولي الشيخ حسن الجلايري علي بغداد، فقضي علي حكومة المغول في العراق و أسس حكومة جديدة فيه هي «الحكومة الجلايرية»، و تسمي «الايلگانية» أيضا، و لما كان أول ملوكها الشيخ حسن المذكور قيل لها «الشيخ حسنية».

و الشيخ حسن هذا هو ابن حسين كوركان و يقال له الأعرج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 30

(زوج بنت أرغون خان) ابن آقبغا (آق بغا) بن ايلگا نويان الجلايري، و نسبة إلي ايلكا نويان المذكور يقال لحكومتهم «الايلگانية» رأس فرعهم الذي يرجعون إليه و جاء ذكره في أيام استيلاء المغول علي بغداد بلفظ (ايلكو نويان) و بعضهم ذكره (ايلكان) و المعول عليه أنه بلا نون و قد مر ذكره في المجلد الأول من هذا الكتاب. و قد تشتبه هذه النسبة في النسبة إلي الحكومة الايلخانية، و الفرق واضح في أن الايلخانية تطلق علي هلاكو و أخلافه لأن لقب ايلخان أعطاه منگو قاآن لأخيه هلاكو خان حينما سيره لاكتساح إيران و ما جاورها و من ثم سميت حكومته بالايلخانية بخلاف هذه فإنها تمت إلي ايلكا نويان باعتباره جدا أعلي. و كان هذا في أيام هلاكو و له مكانة عنده.

الحكومة الجلايرية:

جلاير قبيلة كبري من قبائل المغول توصلت إلي الحكومة بهمة رجلها و اتصاله الوثيق بحكومة المغول.. و كانت جموعها (كورن) كثيرة و تفرعت إلي فروع عديدة، و أوشكوا أن ينقرضوا في حروبهم مع الخيتاي فلم يبق منهم سوي طائفة واحدة يقال لها (چابولغان)، و هؤلاء كان بينهم و بين قييات حرب أدت إلي أسر قسم كبير منهم و لما تسلط جنكيز اتصل باقي الجلايرية به.. و أصلهم من المغول من أولاد

(نكون) من قبيلة (دورلكين) و قد مر تفصيلها في الجلد السابق، و لم يكن جلاير الجد الأقرب كما توهم صاحب كلشن خلفا، و قد غلط صاحب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 31

الشذرات في عده ايلكا نويان بن هلاكو لأن قبيلة الجلايرية لا تتصل بآل جنكيز اتصالا قريبا و إن كان الكل من المغول، و ايلكانويان هذا هو رأس الفخذ الأقرب من هذه الطائفة أو الجد الأعلي كما تقدم و كان قد جاء مع هلاكو إلي إيران بقبيلته و افتتح بغداد معه. و مع هذا نري الغياثي لم يقطع في أن السلطان من قبيلة الجلاير قال: «ذكر بعض المؤرخين أن أصله من جماعة الأتراك الذين يقال لهم جلاير» حالة أن التواريخ الأخري متفقة علي أنهم من قبيلة الجلاير و هكذا في دستور الوزراء يعده من الجلائر قطعا. و هذه القبيلة عارضت جنكيز خان في بادي الأمر ثم صارت له عضدا مهما و ناصرا قويا.. كما أنها كانت ساعدا عظيما لحكومة هلاكو، و أولاده و أحفاده. و ذلك أن آقبغا (آق- بوغا) كان أمير الأمراء في زمن كيخاتو خان سلطان المغول و في فتنة بايدو خان قتل. أما ابنه الأمير حسين فقد تزوج بنت أرغون خان و في أيام أبي سعيد كان أمير قبيلة (ألوس) فتوفي بأجله..

و إن ابنه الأمير الشيخ حسن حكم الروم زمن السلطان أبي سعيد و قد جري عليه ما جري من تطليق زوجته بغداد خاتون و تزوج السلطان أبي سعيد بها بعد نكبة الچوبان و أولاده و بعد وفاة السلطان أبي سعيد ظهر التغلب و قامت الفتن فورد العراق عدة دفعات و اقتحم مهالك عظمي و مخاطر كبري في حروبه فاجتاز العقبات

إلي أن تملك العراق و هو الذي يطلق عليه (الشيخ حسن الكبير) كما أنه يقال لابن الأمير جوبان (حسن الصغير). و لما انقرضت دولة أبي سعيد و لم يكن له ولد صفا الأمر لعلي باشا الاويرات أثر قتلة السلطان ارپا خان فتجاوز الاويرات حدودهم و قسوا في تعديهم و من ثم نفر منهم جماعة مثل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 32

الحاج طغاي و الحاج طوغا بك فمالوا عنهم و ركنوا إلي الشيخ حسن الكبير و ندبوه لدفع شرور هذه الطائفة فأنفذ الشيخ حسن رسولا إلي صورغان شير ابن الأمير جوبان و كان في كرجستان فطلبه و كلفه أن يصحب معه عساكر من الكرج فأتي إليه بعسكر عظيم. فعندها توجه الشيخ حسن بالعساكر الجمة إلي محاربة علي باشا و قمع شره فوقع الحرب بينهما في نهار السبت 17 ذي الحجة سنة 736 ه 1336 م و كان ابتدأ في يوم الخميس 15 ذي الحجة سنة 736 ه 1336 م فخذل علي باشا و استظهر الشيخ حسن و قتل علي باشا و خلص الأمر للشيخ حسن سنة 737 ه 1336 م و في أيامه كان أولاد الأمير جوبان من أكبر المتغلبة و كانوا قبل هذا بسبب الأمير جوبان حكاما بأطراف البلاد، فمنهم بير حسن بن محمود بن جوبان بشيراز و أعمالها، و الملك الأشرف ابن تمرتاش بن جوبان بتبريز و مضافاتها. و قد عقدنا فصلا للمتغلبة أيام المغول في المجلد الأول فنكتفي هنا بالإشارة و كادوا يتغلبون علي مملكة المغول لو لا أن عرض لهم ما عرض و علي كل تم للشيخ حسن الأمر في بغداد و تمكن من الحكم فيها بلا مزاحم تقريبا، أو تغلب

علي غيره. و تزوج دلشاد و كانت من قبل لدي علي باشا الاويرات تدعي الحمل من أبي سعيد، و كانت من أحب النساء للسلطان أبي سعيد و هي بنت الأمير دمشق ابن الأمير جوبان تزوج بها فتمكن من أخذ حيفه منه بالتزوج بها بعد مماته فقد كان أكرهه علي تطليق زوجته بغداد خاتون و قال الغياثي: «و من الغرائب أن الأمير حسينا والد الشيخ حسن كان قد تزوج بغداد خاتون بنت الأمير جوبان عمة دلشاد خاتون فبلغ أبا سعيد حسنها فانتزعها منه فشاء اللّه تعالي أن جلس ولده موضع أبي سعيد و تزوج امرأته دلشاد خاتون» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 33

و الصحيح أن الشيخ حسن هو الذي انتزعت زوجته و أرغم علي تطليقها فكان أن قدر تزوجه بزوجة أبي سعيد دلشاد خاتون … و هذا كاف للتعريف بهذا السلطان الذي كان يعد في أول أمره متغلبا فاستقر له و لأعقابه الملك مدة …

غلاء في الموصل و بغداد:

في هذه السنة كان الغلاء في الموصل و بغداد. و لهذه الفتن دخل فيه كما هو المعهود من أن الغلاء يتولد إثر هكذا وقائع ينشغل الناس فيها و ينصرفون عن الزراعة و ما ماثل …

ملحوظة: عد كثيرون تاريخ استقلال الشيخ حسن الكبير سنة 740 ه و لم يعتبروا أيام التغلب فقالوا الاعتداد بتاريخ إعلانه السلطنة لنفسه لا التزامه من يمت إلي هلاكو بنسب …، و آخرون اعتمدوا علي تاريخ سنة 737 ه 1336 م و هو تاريخ تخلص العراق. و في كلشن خلفا كان ذلك عام 738 ه 1337 م و عليه عولنا فإنه مؤرخ عراقي و أعرف بمراجعه.

و أما غالب المؤرخين من الترك العثمانيين فقد عوّلوا علي

سنة 736 ه من جهة الحادثة الحاسمة بين علي باشا الاويرات و بين الشيخ حسن وقعت في ذي الحجة من هذه السنة فعدوها مبدأ الحكم. و لكل وجهة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 34

وفيات
1- يحيي بن عبد اللّه بن عبد الملك الواسطي:

هو أبو زكريا الواسطي كان فقيه العراق في زمانه. ولد سنة 662 ه و تفقه علي والده و سمع من الفاروثي، و أجاز له ابن أبي الدنية، و عبد الصمد بن أبي الجيش و غيرهم. حدث ببغداد و درس في المدرسة البرانية بواسط. و له مصنف في الناسخ و المنسوخ، و كتاب مطالع الأنوار النبوية في صفات خير البرية. قال الذهبي برع في الفقه و كان يقال في حقه فقيه العراق في زمانه. مات بواسط في ربيع الآخر سنة 738 ه.

2- قطب الدين إبراهيم بن إسحق بن لؤلؤ:

حفيد صاحب الموصل. نزل مصر و سمع من ابن حلاق و النجيب و غيرهما و حدث. مات في 24 شوال سنة 738 ه.

3- محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي:

الشيخ القدوة ناصر الدين ابن شيخ الحرامية أبي إسحق و قد تقدم ذكر أخيه أحمد في المجلد السابق و عاش هذا بواسط إلي سنة 738 ه و مات عن نيف و ثمانين سنة. كذا في الدرر الكامنة عن سير النبلاء. و ما جاء من أنه ابن شيخ الحرامية فغير صحيح و الصواب ما قدمنا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 35

حوادث سنة 739 ه- 1338 م

توجه السلطان إلي بغداد:

لم يذكر مؤرخونا مثل صاحب كلشن خلفا و الغياثي وقائع معينة لهذا السلطان مع أنه طالت حكومته في العراق كما تقدم سوي أن صاحب كلشن خلفا قال: و لما دخلت سنة 739 ه 1338 م فر السلطان الشيخ حسن من الحروب بينه و بين الچوباني و توجه إلي بغداد و كان الوالي فيها ابنه أويس فحكم ببغداد و لا يأتلف هذا التاريخ مع تاريخ تزوج السلطان بدلشاد خاتون و عمر السلطان أويس ليكون واليا اللهم إلا أن يكون عمره لا يتجاوز الأشهر فصار واليا..

و علي كل هذه الأيام لا تخلو من حروب مع الخارج و مشغوليات في النزاع علي السلطنة فلا يؤمل أن تدون حوادث أخري، و لعل الأمور جرت في أيامه علي محورها فلم يقع ما يكدر صفو الأهلين و إنما جرت بطمأنينة و سلام. و هذا مستبعد جدا لما يتوضح من الوقائع الأخري.

رسول بغداد إلي مصر:

جاء في عقد الجمان أنه «وصل رسول من بغداد، و ذكر أن الشيخ حسن وصل بغداد و طلب طغاي، و حافظ الدين، و ضرب السكة باسم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ببغداد، و أنه يطلب بعض أولاد السلطان ليملكوه عليهم و يكون معه بعض الجيش. فقال السلطان أولادي صغار و لكني أنا أجي ء إليهم إذا وصل رسول طغاي و حافظ الدين و الشيخ حسن» ا ه.

و في ابن خلدون: «و يقال إنه أرسل إلي الملك الناصر صاحب مصر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 36

بأن يملكه بغداد و يلحق به فيقيم عنده و طلب منه أن يبعث عساكره لذلك علي أن يرهن فيهم ابنه فلم يتم ذلك لما اعترضه من الأحوال» ا ه.

و في هذا إن صح ما يعين

درجة الضعف إلا أننا لم نعثر علي هذه السكة المضروبة بين نقود الشيخ حسن بالوجه الذي بينه صاحب عقد الجمان.

بين مصر و العراق:

و في السلوك للمقريزي: «في سنة 738 ه توجه الأمير حيار بن مهنا الطائي من آل فضل في جماعته إلي بلاد العراق، و صار في جماعة الشيخ حسن الكبير، و أن الأمير أرتنا صاحب بلاد الروم تمكن و عظم شأنه فيها، و أرسل رسولا إلي السلطان الملك الناصر و معه هدية، و سأل في رسالته أن يكون نائب السلطان ببلاد الروم، و يضرب السكة باسم السلطان أيضا، و يقيم دعوته … فخلع الناصر علي رسوله، و أنعم عليه و علي من صحبه، و كتب له تقليد بنيابة الروم … و ازداد أرتنا بذلك عظمة، حتي خافه الشيخ حسن أن يتفرد بمملكة الروم، فأخذ في التأهب لمحاربته … و التزم له حيار.. بجمع العرب فكتب له تقليدا بالإمرة، و مع ذلك لم يستغن عن استعطاف الناصر لأنه كان في عهد تأسيس دولته، فوصل مجد الدين إسماعيل السلامي و معه رسل رسميون إلي القاهرة، و قد مكنه الشيخ حسن إدامة الصلح بينه و بين السلطان الملك الناصر، و جهز معه هدية جليلة، و كان قد وصل إلي الناصر مستعيذا مستعينا أيضا ناصر الدين خليفة ابن الخواجة علي شاه فأكرمه السلطان، و أنعم عليه … و كان الشيخ حسن يهاب الأمير حسنا الجوباني مع القاآن سليمان و حاول غزوهما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 37

و في صفر سنة 741 ه قدم القاهرة رسول الشيخ حسن الكبير بكتاب يتضمن طلب عسكر بتسليم بغداد و الموصل و عراق العجم لتقام بها الدعوة للسلطان، و سأل أن يبعث السلطان إلي

طغاي بن سوتاي في الصلح بينه و بين الشيخ حسن فأجيب إلي ذلك و وعد بتجهيز العسكر إلي تبريز، ثم ركب الأمير أحمد قريب السلطان إلي طغاي و معه هدية لينتظم الصلح بينه و بين الشيخ حسن، و كان طغاي قد راسل السلطان الناصر سنة 739 ه و بعث إليه هدية و طلب مصاهرته. فجهز الناصر إليه هدية و خلع علي رسوله و أصحابه و أنعم عليهم و أمرهم بالعود علي أحسن حال.

و كلف الناصر رسوله المذكور أن يبلغ الملكين طغاي بن سوتاي و الشيخ حسنا الكبير بما معناه «إن أردتم أن أرسل لكم جيشا لتقووا به علي أعدائكم.. و تغزوا بلادهم و تضربوا باسمي السكة، و تقيموا لي الخطبة، و تحالفوني في السراء و الضراء فأرسلوا إلي برهائن منكم، و من أسلم إليه الجيش علي ثقة من أمري» كذا قال الشجاعي في ما نقل عنه ابن قاضي شهبة.

و خرج الأمير أحمد المذكور برسالة الناصر فوصل إلي طغاي في أواخر شهر رمضان من هذه السنة 741 ه، و طلب منه رهينة، فأعد لذلك ولده برهشتين (كذا) و طلب منه الأمير أحمد رسلا، فأوصلوه إلي الشيخ حسن الكبير ببغداد، و كان مع الشيخ حسن صلغان شير بن چوبان، فاجتمع بهما الأمير أحمد ببغداد، و اتفقوا علي الصلح، و تحالفوا، و خطب للملك الناصر، و أرسل الشيخ حسن رهينة من جهته، و هو ابن أخيه إبراهيم شاه بن جلوا، و سار الجميع و معهم القاضي بدر الدين قاضي اربل، و القاضي معين الدين قاضي الموصل، و أرسل صاحب ماردين صحبتهم القاضي صدر الدين قاضي ماردين و علي أيديهم نسخة اليمين و المهادنة، و كان وصولهم إلي القاهرة

يوم الأربعاء سادس ذي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 38

الحجة، فأنزلوا بالميدان، و أقبل عليهم السلطان إقبالا عظيما، و قابلهم بالتبجيل، و خلع عليهم …

و كان من حديث الأمير حسن بن دمرداش بن جوبان أنه علم بمراسلة هؤلاء للملك الناصر فخشي أن المتحالفين ينزعون منه تبريز و غيرها، فأرسل عمه صلغان شير إلي حسن الكبير يقول: «أنا و أنتم بنو عم، و نحن ما عملنا معكم شيئا يوجب أن تدخلوا سلطان مصر بيننا، و البلاد بلادكم» فمشت الرسل بينه و بينهم، فاتفقوا و تحالفوا علي الصلح و ذلك بعد أن وصل رسلهم و رهائنهم المذكور إلي السلطان الملك الناصر، و بعد أن أمر نقيب الجيش بإعداد العدد، و استعجال السفر إلي تبريز … في هذه التجريدة … و رسم أن يكون خروجهم إلي تبريز في نصف ذي الحجة … (و هناك تفصيلات).

و بينما هم في انتظار العرض، فالحركة إذ قدم إلي القاهرة إدريس القاصد صحبة مملوك صاحب ماردين بكتابة تحقق اتفاق حسن بن دمرداش و الشيخ حسن الكبير و طغاي بن سوتاي، و أن حسنا خطب لهما علي منابر بغداد و الموصل، و اتفق أولاد دمرداش و الشيخ حسن علي أن يعبروا الفرات إلي الشام نكاية في الملك الناصر … و كان الناصر في هذه الأيام في غاية ما يكون من المرض … تحقق الأمر فتبين صحة الاتفاق و خيبة الناصر من بلاد العجم و العراق. (و مات السلطان بعد أيام) فأمر ذوو السلطان بتجهيز ابن طغاي، و إبراهيم شاه و من معهما و رجعهم إلي بلادهم فتجهزوا و ساروا في صفر سنة 742 ه.. هذا ملخص قول ابن قاضي شهبة و المقريزي. قاله

الصديق الأستاذ مصطفي جواد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 39

وفيات
1- عالم بغداد:

في هذه السنة توفي عالم بغداد صفي الدين عبد المؤمن ابن الخطيب عبد الحق بن عبد اللّه بن علي بن مسعود بن شمايل البغدادي الحنبلي الإمام الفرضي المتقن ولد في سابع عشري جمادي الآخرة سنة 658 ه 1260 م ببغداد و سمع بها الحديث من عبد الصمد ابن أبي الجيش و ابن الكسار و خلف و سمع بدمشق و بمكة من جماعة و تفقه علي أبي طالب عبد الرحمن بن عمر البصري و لازمه حتي برع و أفتي و مهر في علم الفرائض و الحساب و الجبر و المقابلة و الهندسة و المساحة و نحو ذلك و اشتغل في أول عمره بعد التفقه بالكتابة و الأعمال الدنيوية مدة ثم ترك ذلك و أقبل علي العلم فلازمه مطالعة و كتابة و تدريسا و تصنيفا و إفتاء إلي حين موته و صنف في علوم كثيرة فمن مصنفاته شرح المحرر في الفقه ست مجلدات و شرح العمدة مجلدان، و إدراك الغاية في اختصار الهداية مجلد لطيف و شرحه في أربع مجلدات، و تلخيص المنقح في الجدل، و تحقيق الأمل في علم الأصول و الجدل و اللامع المغيث في علم المواريث و اختصر تاريخ الطبري في أربع مجلدات و اختصر الرد علي ابن المطهر للشيخ تقي الدين ابن تيمية في مجلدين لطيفين و اختصر معجم البلدان لياقوت و هو المعروف اليوم بكتاب (مراصد الاطلاع في الأمكنة و البقاع)، اختصره و أضاف إليه فعرف بهذا الاسم و فصل ما قاله عن الأصل. طبع باعتناء الأستاذ جوينبول في ليدن، و في إيران

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 40

سنة 1315

ه و له غير ذلك و خرج لنفسه معجما لشيوخه بالسماع و الإجازة نحوا من ثلاثمائة شيخ و سمع منه خلق كثيرون و له شعر رائق توفي ليلة الجمعة عاشر صفر ببغداد و دفن بمقبرة الإمام أحمد.

2- عبد الرحمن بن عمر بن حماد الخلال:

الربعي البغدادي الحريري ولد سنة 686 ه سمع من محمد بن أحمد بن حلاوة ببغداد و من آخرين. كان كثير التطوف و حدث بالبلاد التي دخلها حتي ذكر أنه حدث بخان بالق (بجاق) من بلاد الخطا و كان حسن الخلق كثير التلاوة و هو مولي المحدث سعيد الهذلي مات ببغداد في شعبان سنة 739.

3- محمد بن أحمد بن علي بن غدير الواسطي:

الشيخ شمس الدين ابن غدير المقري ء أخذ القراءات عن العز و الفاروثي و صحبه مدة و جاور معه بمكة و سمع من عبد الله بن مروان الفارقي و غيره و كان ماهرا في القراءات عارفا بطرقها مستحضرا، تصدر للإقراء بجامع الحاكم و كان سيي ء الخلق بذي ء اللسان قال الذهبي هو من فضلاء المقرئين علي مزاح فيه و لعب. و بلغني عنه سوء سيرة، مات في 4 المحرم سنة 739 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 41

الأمير تيمور لنك علي عرشه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 42

4- جلال الدين محمد بن عبد الرحمن بن عمر العجلي القزويني:

و هو جلال الدين أبو المعالي محمد ابن القاضي سعد الدين أبي القاسم عبد الرحمن القزويني الشافعي، ولد في الموصل سنة 666 ه و تفقه علي أبيه و أخذ عن الإربلي و سكن الروم مع أبيه، و اشتغل في أنواع العلوم، و أفتي و درس و ناب في القضاء عن أخيه … ثم ولي الخطابة بدمشق، ثم القضاء بها، ثم انتقل إلي قضاء الديار المصرية..

ثم صرف سنة 738 ه و نقل إلي قضاء الشام و كان لطيف الذات، حسن المحاضرة، كريم النفس … درس بمصر و الشام. و له تلخيص المفتاح في المعاني و البيان لخصه من القسم الثالث من المفتاح للسكاكي طبع مرارا … و الإيضاح في المعاني و البيان طبع ببولاق … و الشذر المرجاني من شعر الأرجاني. توفي بدمشق في جمادي الأولي و دفن بمقابر الصوفية.

5- شمس الدين محمد بن عبد العزيز ابن الشيخ عبد القادر الجيلي:

شيخ بلاد الجزيرة الإمام القدوة. كان عالما، صالحا، وقورا، وافر الجلالة روي بدمشق و ببغداد، و خلف أولادا كبارا لهم كفاية و حرمة، توفي في أول ذي الحجة بقرية الحيال من عمل سنجار عن 87 سنة. و في قلائد الجواهر ذكر عنه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 43

حوادث سنة 740 ه- 1339 م

حكومة الشيخ حسن في بغداد:

في هذه السنة علي ما جاء في عقد الجمان «ولي الشيخ حسن بن الأمير حسين بن اقبغا بن ايلگان سبط القاآن أرغون أمر الملك في بغداد، ورد إليها من خراسان و استولي عليها، و الشيخ حسن بن دمرداش إذ ذاك حاكم بتبريز» ا ه.

و يفسر هذا بوصول الخبر إلي الديار المصرية في إعلانه استقلاله رأسا.. و إلا فقد مضي خبر وصوله بغداد … و كان وروده مغلوبا من حرب الچوباني كما يستفاد من شعر لسلمان الساوجي …

ملحوظة: قد ساعدت الأحوال الشيخ حسن الجلايري في بغداد و ذلك أن مصر زاد خللها و توالي أمر وفاة الملوك هناك و تعاقبوا علي السلطنة مما أدي إلي اضطراب الإدارة فكانوا في شغل عنه، فنري حوادث العلاقة مع مصر و سورية صارت قليلة لا تكاد تذكر، و الشيخ حسن يحاول تثبيت ملكه استفادة من هذه الأوضاع، و الملوك آنئذ مرتبكون من الاضطراب فلم تستقر لهم إدارة..

كما أن المؤرخ البدر العيني (صاحب عقد الجمان) لم يتعرض لحوادث القطرين و علاقتهما في غالب مدوناته و إنما ذكر النزر اليسير …

الشريف أحمد و الحلة: (أمراء المنتفق)

في هذه السنة أو التي قبلها تغلب الشيخ حسن سلطان العراق علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 44

الأمير الشريف أحمد بن رميثة بن أبي نمي و كان قد انتصر عليه في حربه معه فعذبه و قتله و أخذ الأموال و الذخائر التي كانت عنده. هذا و إن الأمير أحمد كان قد استولي علي الحلة بعد موت السلطان أبي سعيد و حكمها أعواما و كان حسن السيرة يحمده أهل العراق و بقي فيها إلي أن غلب عليه الشيخ حسن.

و جاء عنه في عمدة الطالب: إنه كان الشريف شهاب الدين أحمد مكرما عند

السلطان أبي سعيد و ذهب مرة بالحج العراقي، و فوض إليه أمر الأعراب بالعراق بعد عودته من الحج … و كثر أتباعه و أقام بالحلة نافذ الأمر عريض الجاه كثير الأعوان إلي أن توفي السلطان أبو سعيد فأخرج الشريف أحمد حاكم الحلة الأمير علي ابن الأمير طالب الدلقندي و تغلب علي البلد و أعماله و نواحيه و جبي الأموال … فلما تمكن الشيخ حسن ابن الأمير حسين اقبوقا من بغداد وجه إليه العساكر مرارا فأعجزه.. ثم إن الشيخ حسن توجه إليه بنفسه في عسكر ضخم و عبر الفرات من الأنبار و أحاط بالحلة فحصر الشريف أحمد بها فغدر به أهل الحلة. و خذله الأعراب الذين جاء بهم مددا و تفرق الناس عنه حتي بقي وحده و ملك عليه البلد فقاتل عند باب داره في الميدان … و قتل معه أحمد بن فليتة الفارس الشجاع و أبوه فليتة و لم يثبت معه من بني حسن غيرهما. و لما ضاق به الأمر توجه إلي محلة الأكراد و كان قد نهبها مرارا و قتل جماعة من رجالها إلا أنهم لما رأوه قد خذل أظهروا له الوفاء و وعدوه النصر … حتي يدخل الليل ثم يتوجه حيث شاء …

و لكنه خالفهم و ذهب إلي دار النقيب قوام الدين ابن طاووس الحسني و هو يومئذ نقيب النقباء الأشراف. فلما سمع الأمير الشيخ حسن بذلك أرسل إليه شيخ الإسلام بدر الدين المعروف بابن شيخ المشايخ الشيباني

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 45

و كان مصاهرا للنقيب … فآمن الشريف و حلف له و أعطاه خاتم الأمان، أرسل به الأمير الشيخ حسن فركب الشريف معه إلي الأمير و هو نازل خارج البلد

و لم يكن الشريف يظن أن الشيخ حسن يقدم علي قتله … إلا أن بعض بني حسن أغراه بذلك و خوفه عواقبه، و أنه ما دام حيا لا يصفو العراق له. فلما ذهب مع الشيخ بدر الدين و كان في بعض الطريق استلبوا سيفه فأحس بالشر … فلما دخل علي الأمير الشيخ حسن … أظهر القبول منه و طالبه بأموال البلاد في المدة التي حكم فيها و هي قريب من ثماني سنوات أو أزيد فأجاب بأنه أنفقها فعذب تعذيبا فاحشا. فأراد الشيخ حسن إطلاقه فحذره بعض خواص الشريف فاحتال في قتله بأن جاؤوا بالأمير أبي بكر بن كنجاية و كان الشريف قتل أباه الأمير محمد بن كنجاية … قتله في بعض حروبه فأمر أن يقتله … فضرب عنقه..

و قد مر الكلام عن الشريف رميثة و أبيه نمي و عن حميضة بن نمي المذكور في المجلد السابق و هنا أقول إن أصل نسبة أمراء المنتفق إلي الشرفاء جاءت من هؤلاء الشرفاء أو من يمت إليهم و لم يكن الأمير أحمد و سائر الشرفاء الذين جاؤوا العراق وحيدين عقيمين و من ثم قوي الاعتقاد بصحة نسب أمراء المنتفق من الشرفاء.. و هذا معلوم عنهم قديما …

وفيات
1- آمنة بنت إبراهيم بن علي الواسطية:

ثم الدمشقية. ولدت تقريبا سنة 640 و سمعت علي أحمد بن عبد الدائم، و الكرماني، و من والدها و أبي بكر الهروي و إسماعيل القتال،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 46

و إبراهيم بن أحمد بن كامل و غيرهم. ماتت في 6 ذي الحجة سنة 740.

2- علي بن محمد بن محمد البغدادي:

المعروف بالرفاء سبط عبد الرحيم بن الزجاج ولد سنة 662 و اشتغل بالقراءات و الحديث و سمع من ابن أبي الدنية و عبد الله بن ورخز صاحب ابن الأخضر و من عبد الصمد بن أحمد وجده لأمه و أجاز له الشريف الداعي و غيره من واسط و كان قد أقام بقرية يقال لها برقطا و اشتري بها أرضا يستغل منها كفايته و لقن هناك خلقا كثيرا و مات في واسط سنة 740 ه.

حوادث سنة 741 ه- 1340 م

اشارة

في هذه السنة خلد السلطان الشيخ حسن إلي الراحة، و إلي توطيد ملكه و تقوية حكومته في العراق و أساسا مل القوم الحروب و كل واحد منهم رغب في تهدئة أوضاعه و تأمين ما بيده.. و الأصح قد أخذ المتنازعون يستعدون، أو يتأهبون بأمل العودة للنضال مرة أخري..

وفيات
1- مدرس المجاهدية:

توفي ركن الدين شافع بن عمر بن إسماعيل الجيلي الفقيه الحنبلي الأصولي، نزيل بغداد، سمع الحديث ببغداد علي إسماعيل بن الطبال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 47

و ابن الدواليبي و غيرهما، و تفقه علي الشيخ تقي الدين الزريراني و صاهره علي ابنته، و أعاد عنده بالمستنصرية، و كان رئيسا، نبيلا، فاضلا، عارفا بالفقه و الأصول و الطب مراعيا لقوانينه في مأكله و مشربه، و درس بالمجاهدية بدمشق و أقرأ جماعة من رجال الأئمة الأربعة قال ابن رجب منهم والدي و له مصنف في مناقب الأئمة الأربعة سماه زبدة الأخبار في مناقب الأئمة الأبرار و كان قاصر العبارة لأن في لسانه عجمة، توفي ببغداد يوم الجمعة 12 شوال و دفن في دهليز تربة الإمام أحمد.

2- مدرس البشيرية:

توفي شرف الدين أبو محمد عبد الرحيم بن عبد الملك بن محمد ابن أبي بكر بن إسماعيل الزريراني البغدادي الحنبلي ابن شيخ العراق تقي الدين أبي بكر ولد ببغداد و نشأ بها و سمع الحديث ثم رحل إلي دمشق و مصر فسمع من جماعة ثم رجع إلي بغداد بفضائل جمة و درس للحنابلة بالبشيرية بعد وفاة صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق ثم درس بالمجاهدية بعد وفاة صهره شافع المذكور و لم تطل بها مدته.

و ناب في القضاء ببغداد، و اشتهرت فضائله، و خطه في غاية الحسن، و ألف مختصرات في فنون عديدة. توفي ببغداد يوم الثلاثاء 10 ذي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 48

الحجة و دفن عند والده بمقبرة الإمام أحمد.

3- محمد بن علي بن محمود الدقوقي البغدادي:

ولد سنة 687 ه سمع من ابن أبي الدنية و من أبي محمد و رخز و من ابن أبي الجيش و المجد بن بلدجي و غيرهم و أجاز له محمد بن المخرمي و أحمد بن أبي الحديد و نصر النعماني و غيرهم، مات ببغداد سنة 741 ه.

4- محمد بن عمر بن فياض الباريني:

هو نائب الخطابة ببغداد سمع من الرشيد بن أبي القاسم و ابن حلاوة و غيرهما مات في ذي القعدة سنة 741 ه.

5- محمد بن محمد بن محمد البغدادي:

هو ضياء الدين الوراق المصري سمع من القاضي سليمان و إسماعيل بن مكتوم و طائفة و كان له خط حلو و خلق حسن مات بالقاهرة سنة 741 ه.

6- أحمد بن يحيي بن محمد البكري:

الشهرزوري و هو شمس الدين الكاتب المشهور. ولد سنة 654 و تفقه للشافعي و أتقن الخط المنسوب و الموسيقي و كان قد حظي عند الملوك. و كتب عنه أبو سعيد القاءان و الوزير غياث الدين و جمع جم من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 49

أولاد الوزراء و القضاة و الأمراء و لم يزل علي تقدمه في فنونه إلي أن مات في ربيع الآخر سنة 741 ه و لم يظهر في لحيته من الشيب إلا اليسير.

7- عبد الله بن عبد المؤمن التاجر الواسطي:

هو تاج الدين و يقال نجم الدين المقري ء. ولد سنة 671 ه في أوائلها بواسط و قرأ القراءات علي جماعة بتلك البلاد، قدم دمشق ثم دخل القاهرة اقرأ الناس ببغداد و واسط و البصرة و البحرين … و كان تاجرا سفارا. و صنف (المختار) في القراءة و (الكنز) في القراءات العشر جمع فيه بين الإرشاد للقلانسي و بين التيسير للداني و زاده و نظمه في قصيدة لامية سماها (الكفاية) علي وزن الشاطبية في 1273 بيتا و نظم الإرشاد للقلانسي و زاد عليه الإدغام الكبير لأبي عمرو و سماه (روضة الأزهار) في قراءات العشرة و أئمة الأمصار و هو 1153 بيتا، و صنف (تحفة الإخوان في مآرب القرآن) و له مقدمة في النحو سماها (اللمعة الجلية). و قصيدته في القراءات العشر أولها:

بدأت أقول الحمد للّه أولا إلها عظيما واحدا صمدا علا

مات في شوال سنة 741 ه و قال آخرون سنة 40 في ذي القعدة.

8- عبد الرحيم بن محمد بن سعيد بن محمد بن أبي النجم الحدادي:

ينتسب إلي الحدادية و هي قرية بقرب بغداد ولد في ربيع الأول سنة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 50

671 و سمع من الرشيد بن أبي القاسم و عبد الوهاب بن إلياس و غيرهما و أجاز له ابن الدباب و ابن الزجاج و الفخر و ابن أبي عمر و ابن شيبان و غيرهم. و كان مناولا بخزانة الكتب المستنصرية كأبيه و له بها معرفة تامة. و كان أبوه صاحب ابن الساعي و وصيه. مات ببغداد في أواخر سنة 741 ه.

9- الحسن بن علي بن إسماعيل الواسطي:

هو عز الدين أبو محمد. ولد ببغداد سنة 654 ه و نشأ بواسط.

و قرأ القراءات و قدم مصر سنة 691 فسمع بها علي جماعة. و ناب بالإمامة بالمسجد النبوي و كان قد حج مرات. مات في شعبان سنة 741 ه.

10- علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر بن خليل الشيحي البغدادي:

الصوفي علاء الدين خازن الكتب بالسميساطية. ولد سنة 678 ه ببغداد و سمع بها من ابن الدواليبي و قدم دمشق فسمع بها و جمع تفسيرا كبيرا سماه التأويل لمعالم التنزيل، و شرح العمدة و هو الذي صنف مقبول المنقول في عشرة مجلدات جمع فيه بين مسند الشافعي و أحمد و الستة و الموطأ و الدارقطني فصارت عشرة كتب و رتبها علي الأبواب و جمع سيرة نبوية مطولة و كان حسن السمت و البشر و التودد. مات في آخر شهر رجب أو مستهل شعبان سنة 741 ه بحلب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 51

حوادث سنة 742 ه- 1341 م

حرب و هزيمة:

في هذه السنة تحارب الشيخ حسن الكبير مع الأمير حسن الصغير الجوباني في نخجوان فدارت الدائرة علي الشيخ حسن الكبير سلطان العراق فلم يقو علي خصمه. و ليست هذه أول هزيمة منه في حروبه مع الجوباني..

وفيات
1- مظفر الدين موسي بن مهنا:

هو أمير العرب من آل فضل. ولي بعد أبيه المتوفي سنة 735 ه و لم يخرج عن الطاعة لحكومة سورية زمن غضبها علي والده … مات في جمادي الأولي سنة 742 ه.

2- الحسين بن مبارك الموصلي الصوفي:

كان بالسميساطية بدمشق و كان خازن الكتب بها و هو خيّر ديّن و له سماع من العماد ابن الطبال و الرشيد بن أبي القاسم و غيرهما، مات في جمادي الآخرة سنة 742 ه عن نحو من (70) عاما.

3- أبو الثناء رجب بن حسن بن محمد بن أبي البركات البغدادي:

جد الشيخ زين الدين ولد سنة 677 تقريبا و سمع من ابن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 52

المالحاني عن القطيعي و من المعيد ابن المحلح و ابن عزال و غيرهما و كان يقري ء حسين و اسمه عبد الرحمن و يقال له رجب لكونه ولد في رجب مات في 5 صفر سنة 742 ه.

4- محب الدين علي بن عبد الصمد بن أحمد البغدادي:

هو أبو الربيع البغدادي الحنبلي و يقال إنه كان يدعي عبد المنعم.

ولد في ربيع الآخر سنة 656 ه بعد كائنة بغداد بنحو شهرين و سمع من والده و ابن أبي الدنية و ابن بلدجي و جماعة و أم بمسجد حمويه و ولي قبل موته مشيخة المستنصرية. مات في نصف صفر سنة 742 ه و في نسخة سنة 749.

حوادث سنة 743 ه- 1342 م

إمارة العرب:

في ربيع الآخر من سنة 743 ه عزل الأمير سليمان بن مهنا بن عيسي عن إمارة العرب و وليها مكانه الأمير عيسي بن فضل بن عيسي و ذلك بعد القبض علي فياض بن مهنا بمصر. و كان سليمان قد ظلم و صادر … ثم أعيد بعد مدة قريبة للإمارة. و من هذا نجد سلطة مصر كانت قوية عليهم …

مجمع الأنساب:

تاريخ فارسي. تأليف محمد بن علي بن محمد بن حسين بن أبي بكر الشبانكاري كتبه في عهد السلطان أبي سعيد بهادر خان سنة 733 ه،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 53

و كان المؤلف من الشعراء و الكتاب، و من مداحي الخواجه غياث الدين محمد بن الرشيد، ولد في حدود سنة 697 ه في إحدي أعمال شبانكارة، و اشتهر في الإكثار من الشعر، و كان في أيام وزارة الخواجه غياث الدين يقدم كل سنة القصائد في مدحه.

شرع في تاريخه سنة 733 ه و لكنه لم يتمه إلا في سنة 736 ه و قدمه للخواجه غياث الدين محمد ليعرضه علي السلطان أبي سعيد إلا أنه قبل أن يصل إليه توفي أبو سعيد. و إن هذا التاريخ قد فقد أثناء الغارة علي الربع الرشيدي، فأعاد المؤلف كتابته للمرة الأخري بعد أن قتل بمدة أي سنة 743 ه. و في هذه المرة أضاف إليه وقائع السلطان أبي سعيد، و سماه أيضا مجمع الأنساب، و إن القسم السابق للمغول عول فيه علي التواريخ المتداولة. و أما القسم الخاص بعهد أولجايتو و أبي سعيد و ملوك فارس و سبانكاره و هرمز فقد احتوي مطالب مفيدة و مهمة … و علاقته ظاهرة و يصلح أن يكون متمما للتواريخ التي سبقته..

وفيات
1- محمد بن يحيي البغدادي:

ثم الدمشقي الإبري (الأثري)، سمع من الصفي عبد المؤمن و أخذ عنه الفرائض و كان ماهرا فيها، و في الجبر و المقابلة، مشهورا بذلك، و سمع علي كبر من المزي مات في المحرم سنة 743 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 54

2- أحمد بن داود بن مندك الموصلي:

هو دنيسري، ثم موصلي، تفقه علي الشيخ تاج الدين عبد الرحيم ابن محمد بن محمد بن يونس ثم انتقل إلي ماردين، و كان كثير المجون، توفي سنة 743 ه.

حوادث سنة 744 ه- 1343 م

حروب- وفاة الأمير حسن الجوباني:

في هذه السنة و ما قبلها لم تسفر الحروب بين متغلبة المغول بعضهم مع بعض عن نتيجة، و قد انقطعت السبل و زال الأمن، و كثرت الفتن … و في آخر رجب سنة 744 ه علمت زوجة الأمير حسن الجوباني المسماة عزة الملك أن زوجها قد سجن يعقوب شاه الذي هو من أمرائه، و كان بينها و بينه صلة حب و عشق فظنت أن زوجها قد انكشف له الأمر و خافت الوقيعة بها. و في ليلته حينما أخذ السكر بلبه أمسكته من خصيتيه فمردتهما و بذلك قضت علي حياته …

و كان الأمير حسن هذا يعرف بالشيخ حسن الصغير. لأن صاحب بغداد كان يشاركه في اسمه و هو أسن و أدخل في نسب الخان فميز بالكبير، و هذا ميز بالصغير … و لما استقل حسن الصغير بالملك و الخان عنده عجز عنه الشيخ حسن الكبير و غلبته أمم التركمان بضواحي الموصل إلي سائر بلاد الجزيرة … ذلك ما دعا أن يستعين الجلايري بملك مصر و قد مر …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 55

و علي هذا الحادث تنفس سلطان العراق الصعداء، و نجا من غوائل عدوه.. و كان حسن الجوباني تأمر بسيواس بعد قتل أبيه تمرتاش (دمرداش أو تيمورطاش) سنة 738 ه، و كان داهية، ماكرا، بعيد الغور … و خلفه ابنه الملك الأشرف …

و الحاصل استمرت منازعات الأمراء إلي هذا التاريخ و بعده..

وفيات
1- محمد بن القاسم بن أبي البدر

المليحي (الملحي) الواسطي، الواعظ. اشتغل بالفقه و الأصول، و قرأ القراءات العشر، و كان حسن الصوت، بعيد الصيت في الوعظ، و أنشأ خطبا، و قصائد، و مدائح، و خطب ببغداد بالجامع الذي أنشأه الوزير محمد بن الرشيد، و مات بواسط في

آخر جمعة من رمضان سنة 744 ه و قد ناهز السبعين، و أورد صاحب فوات الوفيات جملة من شعره من موشحات و قصائد، و كان و كان.

2- ابن الجحيش:

إبراهيم بن محمد بن علي الموصلي الأصل، البغدادي، الكاتب.

ولد في شعبان سنة 676 ه روي عن أبي الحسين محمد بن علي بن أبي البدر، و محيي الدين أبي عثمان «ابن أبي عثمان». علي بن عثمان بن عفان الطيبي، و برع في كتابة المنسوب. مات في صفر سنة 744 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 56

3- سليمان بن مهنا:

سليمان بن مهنا بن عيسي بن مهنا. ولي إمرة العرب، و توجه مع قراسنقر إلي بغداد و التتر فأقام سبع عشرة سنة ثم عاد إلي سورية و مصر، ولاه الناصر عوض أخيه موسي إمرة العرب إلي أن توفي سنة 744، أو 745 ه. و قد مرت بعض أخباره في المجلد الأول.

4- عيسي بن فضل الله بن عيسي بن مهنا:

هو شرف الدين بن شجاع الدين. مات في جمادي الأولي سنة 744 ه. و كان من خيار أهل بيته. ولي الإمرة بعد وفاة موسي بن مهنا سنة موته ثم صرف عنها و مات بعد قليل.

جامع محمد الفضل و مدرسته

مر أن محمد بن القاسم خطب ببغداد بالجامع الذي أنشأه الوزير محمد بن الرشيد و قد فصلنا أخبار هذا الوزير في المجلد الأول و أوضحنا أن إدارته كانت من خير الإدارات في عهد المغول، أظهر حمايته للدين أكثر من غيره … فلا يبعد أن ينشي ء جامعا، و لكن المؤرخين البعيدين لم يتعرضوا لأعماله الخاصة في العراق … و لم يبسطوا القول في تاريخ هذا الجامع.

و المعروف أن هذا الوزير «أثر آثارا جميلة» و من أهمها هذا الجامع المشهور ب «جامع محمد الفضل» و محمد هو الوزير، و الفضل والده

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 57

«فضل اللّه الخواجه رشيد الدين» الوزير صاحب جامع التواريخ. و معتاد الناس أن يتساهلوا في اختصار الأعلام فيقولوا محمد الفضل و يريدون محمد بن الفضل …

قال المرحوم الأستاذ شكري الآلوسي إنه «من الجوامع القديمة في جانب الرصافة … و ليس علي جدرانه من الكتابات المتقدمة ما يعرفنا بمنشي ء عمارته.. جدده سليمان باشا والي بغداد سنة 1210 ه» «إلي أن قال»:

«و في هذا الجامع علي ما يقال قبر محمد الفضل فلذلك سمي بجامع الفضل؛ و هو علي ما ذكر بعضهم ابن إسماعيل بن جعفر الصادق، و محمد الفضل و السيد سلطان علي أخوان» ا ه.

جاء في دوحة الوزراء أن الوزير سليمان باشا عمر فيه مدرسة أيضا …

و النص المنقول في ترجمة ابن القاسم يعين أن منشي ء عمارته هو الوزير محمد بن الفضل، و القول بأن محمد

الفضل هو ابن إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السّلام باطل فإن محمدا رأس الإسماعيلية، و المعروف أنه سار إلي أنحاء مصر، و لم تكن وفاته في بغداد، و إنما ينسب الإسماعيلية «الحكومة المصرية الفاطمية» إليه … هذا مع الإشارة إلي أن محمد الفضل لم يكن أخا للسيد سلطان علي … و أعتقد أن قد وضح باني الجامع، أو مؤسسه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 58

أحد مجالس الأمير تيمور لنك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 59

حوادث سنة 745 ه- 1344 م

وفيات
1- ابن الفصيح:

في هذه السنة توفي جلال الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد الفقيه الحنفي النحوي العراقي الكوفي المعروف بابن الفصيح، طلب الحديث و سمع من الجزري و الذهبي. ولد سنة 702 ه نقلا عن الصفدي.

2- عبد الرحمن بن علي التكريتي:

هو عبد الرحمن بن علي بن حسين بن مناع التكريتي ثم الصالحي التاجر. ولد في رمضان سنة 662 ه و وجد بخطه 63 سمع من ابن عبد الدائم و غيره، و حدث و كان تاجرا، حسن الشكل، مهيبا، كريم الأخلاق. مات في شعبان سنة 745 ه.

حوادث سنة 746 ه- 1345 م

طاق كسري:

في هذه السنة في رابع صفر انهدم طاق كسري كذا في تقويم التواريخ و الظاهر أنه سقط قسم منه و إلا فإن بقاياه لا تزال قائمة إلي العام الذي نكتب فيه هذا التاريخ و هو سنة 1354 ه- 1936 م.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 60

شريف مكة أسد الدين رميثة:

توفي في هذه السنة و كان ينازع الإمارة أخاه عطية، و استقر رميثة في إمارة مكة منفردا عام 738 ه. ثم نزل عن الإمارة لولديه ثقبة و عجلان إلي أن مات.

و أحمد المذكور آنفا ابنه. و في الشذرات و الدرر الكامنة تفصيل عنه و عن ثقبة و رميثة إلا أن صاحب الدرر ذكر وفاة رميثة سنة 748 ه.

وفيات
1- محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الكوفي:

ثم البغدادي الأتراري (الإبراري) الأصل جلال الدين أبو هاشم الهاشمي من ولد ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. ولد سنة 663 ه.

و كان أبوه واعظ بغداد في زمانه و له مراث في المستعصم و آل بيته، كان ينشدها في مجالسه بالمستنصرية، نشأ ولده علي طريقته، و سمع من الرشيد بن أبي القاسم و النظام الهروي، و أجاز له عبد الصمد بن أبي الجيش، و الموفق، و الكواشي و آخرون رتب مسمعا للحديث بالمستنصرية بعد تقي الدين الدقوقي، و كان من أكابر أمناء بغداد. توفي في رجب هذه السنة.

2- محمد بن يونس بن حمزة الإربلي:

إربلي الأصل صالحي و هو القطان العدوي. روي عن ابن عبد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 61

الدائم و عبد الوهاب بن الناصح و غيرهما، و حدث، و كان فاضلا عالما بالفنون، ذا ورع و زهد. مات في المحرم من هذه السنة.

3- محمد بن طاهر الواسطي:

النقيب، حدث عن الفخر، و مات في صفر سنة 746 ه و في رواية سنة 744 ه أو سنة 747 ه.

4- الدلقندي:

في هذه السنة في يوم عاشوراء توفي فجأة الأمير السيد عماد الدين ناصر بن محمد الدلقندي و قد مر بنا ذكر الأمير علي ابن الأمير طالب الدلقندي و لا تعرف درجة قرابتهما و لا مكانتهما … و قد رثي صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلي المترجم بقصيدة مطلعها:

اليوم زعزع ركن المجد و انهدما فحق للخلق أن تذري الدموع دما

و منها:

يا ابن الأئمة و القوم الذين سموا علي الأنام فكانوا للهدي علما

مثواك في يوم عاشوراء يخبرنا بقرب أصلك من آبائك الكرما

و ذكر له ولدين هما نظام الدين و تاج الدين … و قد مضي البحث عن الدلقندي في المجلد الأول من هذا التاريخ …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 62

حوادث سنة 748 ه- 1347 م

السلطان- حرب اللر:

شاهد ابن بطوطة السلطان فقال: «كان سلطان بغداد و العراق في عهد دخولي إليها (في هذه السنة) الشيخ حسن ابن عمة السلطان أبي سعيد … و كان السلطان حسن غائبا عن بغداد في هذه المدة متوجها لقتال السلطان أتابك افراسياب صاحب بلاد اللر …».

إمارة اللر الكبيرة:

يراد ببلاد اللر إمارة «اللر الكبيرة» أو المعروفة اليوم ب «البختارية» تمييزا لها عن اللر الصغيرة «إمارة الفيلية» و تأسست إمارة اللر الكبيرة أيام أبي طاهر محمد عام 545 ه، أو سنة 550 ه و توالي فيها تسعة أمراء:

1- أبو طاهر (545 ه: 550 ه).

2- هزار اسف (550 ه: 554 ه).

3- تكله (554 ه: 556 ه).

4- شمس الدين الب ارغون (656 ه: 671 ه).

5- يوسف شاه (671 ه: 680 ه).

6- افراسياب (680 ه- 696 ه).

7- نصرة الدين أحمد (696 ه: 732 ه).

8- ركن الدين يوسف شاه (732 ه: 740 ه).

9- مظفر الدين أفراسياب (740 ه: 795 ه).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 63

و قد أطنب ابن بطوطة في الكلام علي أميرها افراسياب المذكور و الموضوع البحث.. و إمارتهم تسمي «الأتابكة الفضلوية» و قد امتدت سلطتها إلي تستر و ايذج … و هذه كان لسلطان العراق مقرر عليها أي أنها تابعة و منقادة له … و لا يسع المقام التفصيل و لا ذكر من جاء بعد افراسياب. و قد مر في المجلد الأول الكلام علي افراسياب الأول و نصرة الدين أحمد و غيرهما …

وقائع العرب (قبيلة طيي ء):

في هذه السنة حدثت وقائع و حروب بين أمراء العرب من طيي ء و ذلك أن سيف بن فضل بن عيسي بن مهنا جمع لحرب مهنا بن عيسي و وقعت بينه و بين فياض بن مهنا وقعة انكسر فيها، ثم تواترت الحروب و نهبوا من مال سيف.. و حصل للرعية بسبب هذه الحروب شرور كثيرة في هذه الأيام و ما بعدها إلي أن قتل سيف..

الملك الأشرف- حصار بغداد:

في أول موسم الربيع من سنة 748 ه تحرك الملك الأشرف من قراباغ و صال علي الشيخ حسن الايلگاني متوجها إلي بغداد فعلم الشيخ بذلك فاتخذ الأهبة و استعد للكفاح. توجه الأشرف نحو قلعة كماخ أولا فلم ينل منها مأربا و كانت المواطن قد استحكمت و منع من دخولها دلشاد خاتون و الخواجه مرجان و قرا حسن فمال نحو بغداد و لما وصلها رأي البلد محكما مضبوطا أيضا فتحارب جيش الأشرف بضعة أيام فلم يحصل علي طائل. و إن الأمير أحمد من مقربي الملك الأشرف تكلم مع البغداديين علي ساحل دجلة بقصد الإقناع فلم يفز بغرض أيضا، و في الأثناء هاجمه بعض الخيالة من البغداديين فاستولي الخوف عليه و علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 64

الملك الأشرف و انهزموا بمن معهم فحاول أمراء بغداد أن يعقبوا أثرهم و ينكلوا بهم أثناء هربهم فمنعتهم دلشاد خاتون حذرا من الخدعة و آوت من مال إلي بغداد من الأفراد الملتجئين من عسكره المنهزم …

وفيات
1- نجم الدين محمود (وزير بغداد):

هو ابن علي بن شروين البغدادي كان وزير بغداد و في سنة 738 ه سار إلي الديار المصرية لما رأي من كثرة الاختلاف فاتفق مع جماعة عند إرادة الفتك به … فتوجهوا إلي الشام ثم قدموا القاهرة فلما سلم علي الناصر و قبّل الأرض قبل يده فوضع فيها حجر يلخش وزنه أربعون درهما قوّم بأكثر من عشرة آلاف دينار فأكرمه السلطان و قرره أمير طبلخانات و أعطاه إمرة و تشريفا و وصي السلطان أن يرتب وزيرا بعده فولي الوزارة في أول دولة المنصور فعامل الناس بالجميل و استمر إلي أن ولي الصالح إسماعيل فحظي عنده ثم عزل في دولة الكامل شعبان، فلما ولي

المظفر حاجي أعيد إلي أن خرج في أوائل شهر رجب سنة 748 ه و طغيتمر النجمي الدوادار و غيرهما إلي غزة ثم قتلوا بها في السنة المذكورة. و كان جوادا كثير الصدقات. و هو الذي أقدم ابن عبد الهادي إلي القاهرة حتي سمعوا صحيح مسلم.

و ممن كان معه حين سفره إلي الديار المصرية محمود فخر الدين نائب الحلة أيام أبي سعيد و بعده، كان موصوفا بالشجاعة و الإقدام و هو الذي باشر قتل ابن السهروردي لما قدم لإرادة مصادرة أهلها. و لما وصلوا إلي دمشق استقر محمود هذا أميرا بأربعين فرسا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 65

و ممن كان معه نظام الدين يحيي بن عبد الرحمن الجعبري «الجعفري» المعروف بابن النور الحكيم أصله من بغداد و كان أبوه من فضلاء المتميزين في صناعة الكحل و خالط الوزير و كثر ماله و اشتغل ابنه يحيي و تأدب و كتب الخط الجيد و اتصل بأبي سعيد فكان يكتب عنه الكتب التي بالعربية و يكتب عنه إلي مصر و غيرها بعبارة جيدة و حج بالناس مرة علي الركب العراقي، ثم قدم دمشق مع الوزير نجم الدين ثم دخل صحبته إلي القاهرة و استقر نجم الدين أمير مائة و بقي هو في خدمة قوصون، و كان حاذقا بالموسيقي ثم عاد إلي دمشق فاستقر بها في مشيخة الربوة و طلب الحديث فسمع بدمشق و القاهرة فأكثر و كتب الخط الجيد كثيرا … و كان له نظم حسن …

2- نجم الدين سليمان النهرماوي:

هو ابن عبد الرحمن بن علي النهرماوي (النهرماري) البغدادي الحنبلي، حدث بالإجازة عن كمال البزار و الرشيد بن أبي القاسم، و تفقه علي أبي بكر الزريراني و تقدم في معرفة الفقه

إلي أن صار شيخ الحنابلة ببغداد، و ولي قضاءها نيابة و التدريس بالمستنصرية (ورد المستظهرية) و ترك ذلك قبل موته بقليل و استقل ولده بالحكم و التدريس. و كانت وفاة النجم في جمادي الآخرة سنة 748 ه.

3- نجم الدين عبد العزيز بن عبد القادر الربعي البغدادي:

ولد سنة 662 ه ببغداد و سمع بها و قدم الشام. و كانت له نباهة.

صنف كتاب نتائج الشيب من مدح و عيب في مجلد. و له رسالة في الرد علي من أنكر الكيمياء و غير ذلك، سمع منه جماعة.. مات سنة 748 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 66

حوادث سنة 749 ه- 1348 م

الطاعون العام:

في هذه السنة كان الطاعون العام الذي لم يسمع بمثله، عم البلاد حتي قيل إنه مات نصف الناس و نصف الطيور و الوحوش و الكلاب و عمل فيه ابن الوردي مقامة..

جاء عنه في تحفة اللبيب و بغية الكئيب الموجود في خزانة باريس الأهلية لأبي الفتح محمد بن علي بن القاضي تقي الدين العوفي المصري ما نصه:

«و أشهرها الطاعون الجارف الذي كان ببغداد و سائر العراق، ابتدأ في أواخر صفر سنة 749 ه من قرية يقال لها حصصتا من عمل الدجيل، ثم انتقل إلي المشهد الكاظمي، و عبر الجانب الشرقي و الغربي، و أباد أهلها و كان الرجل يخرج من بيته معافي صحيحا فيودع الناس، و يرجع إلي بيته فيموت، و تكاثر في رجب، و اشتد في رمضان، و صعب في ذي القعدة، و بلغ الغاية العظمي في ذي الحجة و المحرم سنة 750 ه إلي حادي عشرين صفر …» ا ه. قاله الصديق الأستاذ مصطفي جواد.

أمير العرب:

في هذه السنة توفي الأمير أحمد بن مهنا ابن الأمير عيسي أمير العرب من آل فضل توفي بناحية السلمية. و كان جميل السلوك محترما عند الملوك رحمه اللّه. و فتّ موته في أعضاد آل مهنا و توجه أخوه فياض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 67

الغشوم القاطع للطرق الظالم للرعية إلي مصر ليتولي الإمارة علي العرب مكان أخيه أحمد فأجيب إلي ذلك فشكا عليه رجل شريف أنه قطع عليه الطريق و أخذ ماله و تعرض إلي حريمه فرسم السلطان بإنصافه منه فأغلظ فياض في القول طمعا بصغر سن السلطان فقبضوا عليه قبضا شنيعا.

و كان في عام 747 ه قد اقتتل هؤلاء مع سيف بن فضل بن عيسي أمير العرب

فانكسر سيف و نهبت جماله و أمواله و نجا بعد اللتيا و اللتي و قد نال الأهلين من هؤلاء الأمر الكبير من التعديات علي بلد المعرة و حماة و غيرهما بما لا يوصف …

و إن سيف هذا كان قد عزل عن الإمارة عام 746 ه و نصب مكانه أحمد بن مهنا و أعيد إقطاع فياض بن مهنا إليه …

و علي كل كانت السلطة تابعة للأقوي و لمن يتغلب علي منازعيه فيها … و هي إمارة عشائرية … و لم يعلم في هذه الأيام عن علاقة هؤلاء بالعراق و درجة اتصالهم به لقلة المصادر المعروفة … و لما كانت أقسام كبيرة من عشائر العراق ترجع إلي قبائل طيي ء و هؤلاء أمراؤها فالاتصال ظاهر. و هذا ما دعا أن نشير إلي وقائعهم فيما بينهم و بين الحكومة السورية …

و أول من ذاع ذكره من هذا البيت في أيام العادل عمرو بن بلي.

و ديارهم من حمص إلي قلعة جعبر إلي الرحبة آخذة علي سقي الفرات و أطراف العراق. و لهم مياه كثيرة و مناهل. و كان أحمد هذا أمير العرب.

ولد سنة 684 ه و ولي أمرة آل فضل في أيام الناصر، و صرف عنها ثم أعيد، و كان جوادا كريما، خيرا، جيد المعاملة، وفيا بالعهد، لم يكن في أولاد مهنا مثله في العقل و السكون و الديانة. قد جرت له وقائع،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 68

قدم القاهرة مرارا، و اعتقله طقزدمر نائب الشام سنة 745 ه بدمشق، ثم بصفد، و أطلقه الكامل في شعبان سنة 746 ه و أكرمه، و أمره عوضا عن سيف بن فضل ثم أعيد سيف في أيام المظفر حاجي، و عزل أحمد

و كان بالقاهرة فأخرج منها، ثم قدم سنة 749 ه و أعاده السلطان حسن و رجع إلي بلاده فمات في رجب هذه السنة.

عودة السلطان من تستر- خبيئة:

قد جاء في الشذرات أنه في هذه السنة و علي ما جاء في ابن بطوطة في السنة التي قبلها توجه السلطان إلي تستر ليأخذ من أهلها قطيعة قررها عليهم فأخذها و عاد فوجد نوابه في رواق العدل في بغداد ثلاث قدور مثل قدور الهريسة مملوءة ذهبا مصريا و صوريا و يوسفيا و في بعضها سكة الخليفة الناصر البغدادي و غير ذلك فيقال جاء وزن ذلك أربعين قنطارا بالبغدادي … و في تاريخ الغياثي:

«و ظفر- الشيخ حسن- في بغداد بخبيئة قيل إنه وجد فيها خمسمائة ألف مثقال ذهبا» ا ه.

وفيات
1- ابن الوردي:

في هذه السنة أو في التي قبلها توفي ابن الوردي و هو الشيخ زين الدين عمر بن الوردي. و علي تاريخه عولنا في حوادث كثيرة إلا أنه قليل التعرض لحوادث العراق و كتابه في مجلدين طبع بولاق مصر عام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 69

1285 ه و عليه بعض التعاليق و قد أضيفت حوادثه الأخيرة إلي تاريخ أبي الفداء المطبوع في الآستانة لذا نجد النصين متفقين في اللفظ …

و ترجمته مذكورة في فوات الوفيات.

2- صفي الدين الخطيب البغدادي:

في هذه السنة توفي صفي الدين أبو عبد الله الحسين بن بدران بن داود البابصري البغدادي الفقيه الحنبلي المحدث النحوي الأديب ولد سنة 712 ه و سمع الحديث متأخرا و عني به و تفقه و برع في العربية و الأدب و نظم الشعر الحسن و صنف في علوم الحديث و غيرها و اختصر الإكمال لابن ماكولا. توفي يوم الجمعة 17 رمضان سنة 749 ه ببغداد مطعونا و دفن بمقبرة باب حرب.

قال في الدرر الكامنة ولي الإعادة بدار الحديث بالمستنصرية.

و كان بارعا في الأدب مشاركا في الحديث و التاريخ مع الصيانة و الديانة.

3- أبو الخير سعيد الذهلي الحريري: (مؤرخ عراقي):

توفي أبو الخير سعيد بن عبد الله الذهلي الحريري الحنبلي الحافظ مولي صلاح الدين عبد الرحمن بن عمر الحريري سمع ببغداد من الدقوقي و خلق و بدمشق من زينب بنت الكمال و أمم و بالقاهرة و الإسكندرية و بلدان شتي و عني بالحديث و أكثر من السماع و الشيوخ و جمع تراجم كثيرة لأعيان أهل بغداد و خرج الكثير و كتب بخطه الردي ء كثيرا، قال الذهبي:

«له رحلة و عمل جيد و همة في التاريخ و يكثر المشائخ و الأجزاء و هو ذكي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 70

صحيح الذهن عارف بالرجال حافظ» انتهي.

4- سراج الدين البزار:

توفي سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن موسي بن الخليل البغدادي الأزجي البزار الفقيه الحنبلي المحدث ولد نحو سنة 688 ه و سمع من إسماعيل بن الطبال و ابن الدواليبي و جماعة و عني بالحديث و قرأ الكثير و رحل إلي دمشق فسمع بها و أخذ عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية و حج مرارا ثم أقام بدمشق و كان حسن القراءة ذا عبادة و تهجد، و صنف كثيرا في الحديث و علومه ثم توجه إلي الحج في هذه السنة فتوفي بمنزلة حاجر قبل الوصول إلي الميقات و معه نحو خمسين نفسا بالطاعون و ذلك صبيحة يوم الثلاثاء حادي عشر ذي القعدة و دفن بتلك المنزلة.

حوادث سنة 750 ه- 1349 م

الطاعون في الموصل:

إن الطاعون الآنف الذكر قد عم الموصل أيضا فكان تأثيره كبيرا دخلها في هذه السنة. و هذه الأمراض نري فتكها عظيما مع قلة وسائط النقل و الاختلاط. و استولي علي بغداد أيضا.

وفيات
1- عمر بن علي بن عمر القزويني:

الحافظ الكبير، محدث العراق سراج الدين ولد سنة 683 و عني

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 71

بالحديث و سمع من الرشيد بن أبي القاسم و محمد بن عبد المحسن الدواليبي و النجم أحمد بن غزال و جمع جم، و أجاز له التقي سليمان و غيره من دمشق، و صنف التصانيف و عمل الفهرست و أجاد فيه. مات سنة 750 ه روي عنه جماعة من آخرهم صاحب القاموس.

2- حمد الله المستوفي: (مؤرخ معروف)

في هذه السنة توفي الخواجة حمد الله أحمد بن تاج الدين أبي بكر بن نصر المستوفي القزويني من أسرة قديمة في قزوين. و كان لهذا البيت سعي بليغ في استئصال آل الجويني. ولد المترجم سنة 680 ه في قزوين، و كان من أخص كتاب الخواجه رشيد الدين فضل الله صاحب جامع التواريخ. و في سنة 711 ه بعد قتل سعد الدين الساوجي نال بعض المناصب المهمة. و لما قتل الخواجة رشيد الدين لازم ابنه الخواجه غياث الدين محمدا ثم انقطعت عنا أخباره فلم نقف علي تفصيل عنها … و كان شاعرا و كاتبا بليغا و له اطلاع واسع علي اللغة الفارسية. و أما التاريخ فيعد من أكابر رجاله تخرج علي الخواجه رشيد الدين فنال حظا وافرا من العلوم في أيامه …

و له:

1- تاريخ گزيده من أجلّ الآثار التاريخية. قدمه للخواجه غياث الدين محمد و كان اعتماده علي جامع التواريخ و كتب تاريخية أخري و من أهم ما فيه بيانه في آخر كتابه هذا عن العلماء و الأئمة و الفضلاء، و أوضح عن قزوين إيضاحا جغرافيا كافيا. أتمه سنة 730 ه.

و قد ألحق به محمود كيتي مبحثا جليلا عن آل مظفر كتبه سنة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2،

ص: 72

823 ه تكلم عليهم من ابتداء ظهورهم سنة 718 ه إلي أن انقرضوا عام 795 ه و عندي نسخة قديمة و معتني بها منه إلا أنها ناقصة الأول و الآخر و فيها تصحيحات مهمة و النسخة المطبوعة في لندن و إن كانت تمثل الأصل القديم لا تخلو من أغلاط فاحشة جدا …

2- ظفرنامه: تاريخ منظوم يبتدي ء من أيام العرب، و يتكلم علي سلاطين إيران و حكومة المغول.. و أهم ما فيها، عن أيام المغول..

و هي في 75 ألف بيت باري بها الفردوسي قال في أولها:

ظفر نامه كن نام اين نامه را بدين تازه كن رسم شهنامه را

و كان نظم منها خمسين ألف بيت في خمس عشرة سنة ثم تركها و كتب تاريخ گزيده و بعد أن أتمه عاد إليها و أتمها سنة 735 ه و منها نسخة في المتحفة البريطانية برقم 2833 بين الكتب الفارسية هناك.

3- نزهة القلوب، و هذه في الجغرافية و فيها مطالب عن العراق و إيران لا يستهان بها. أتمها سنة 740 ه طبعت في الهند سنة 1311 و طبع في ليدن منها قسم المقالة الثالثة سنة 1331 ه (1913 م).

و المؤلف ذو علاقة بالعراق و بياناته عنها وافرة و موثوقة..

3- جمال الدين البابصري:

و في هذه السنة توفي جمال الدين أبو العباس أحمد بن علي بن محمد البابصري البغدادي الحنبلي الفقية الفرضي الأديب ولد نحو سنة 707 و سمع الحديث علي صفي الدين بن عبد الحق و غيره و تفقه علي الشيخ صفي الدين و لازمه و علي غيره و برع في الفرائض و الحساب، و قرأ الأصول و العربية و العروض و الأدب و نظم الشعر الحسن، و كتب بخطه الحسن الكثير،

و اشتهر بالاشتغال في الفتيا و معرفة المذهب، و أثني عليه فضلاء الطوائف، و كان صالحا، متواضعا، حسن الأخلاق طارحا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 73

للتكلف. توفي سنة 750 ه ببغداد في الطاعون بعد رجوعه من الحج..

4- ابن ترشك البغدادي:

هو تاج الدين محمد بن يوسف بن عبد الغني بن ترشك البغدادي المقري ء الصوفي ولد سنة 668 ه و سمع من ابن الحصين و أجاز له جماعة، و قرأ بالروايات و كان ذات سمت حسن و خلق طاهر و نفس عفيفة، و هو حسن الصوت مطرب إلي الغاية. قدم دمشق مرارا و حدث.

حج غير مرة ثم عاد إلي بلده و مات سنة 750 ه.

5- صفي الدين الحلي:

هو صفي الدين عبد العزيز بن سرايا السنبسي الطائي الحلي. ولد في ربيع الآخر سنة 677 ه. شاعر ذائع الصيت، انتشر ديوانه، و تداول الناس مختارات شعره.. و في دراسة ديوانه ما يبصر بدرجة إحساسه ورقة شعوره … و المهم أنه برز في عصر كادت تغلب عليه العجمة و تسود الفارسية حكومة العراق فتستولي علي كافة شؤونها حتي الآداب …

و المغول و أخلافهم استخدموا الإيرانيين في مصالحهم … و في أواخر الحكومة الزائلة، و في هذا العصر حاولوا أن يعيدوا عصر الفردوسي و جربوا تجارب عديدة في أن ينالوا مكانته، أو يحصلوا علي منزلته في الشعر … و الحق أن هذا مما أعاد لإيران عهدا أدبيا فقد اتقنوا فروع الآداب و ظهر فيهم الشعراء، و الكتاب و المؤرخون … و ضيقوا الخناق علي العربية و آدابها، كما زاحموا العرب في السياسة و مقدرات المملكة فكان الشعراء و الأدباء منهم … و لم نعلم شاعرا عربيا نال مكانة تذكر في هذه الحكومة (الجلايرية) و إنما نري شعراء العجم في درجة رفيعة و اتصال وثيق من البلاط الملكي أمثال سلمان الساوجي و عبيد زاكاني و غيرهما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 74

جامع مرجان- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص:

75

و شاعرنا الصفي يعد من مشاهير أدباء العصر و علمائه و إن كانت أشعاره ليست في الذروة العليا … و لم نر له مدحا أو اتصالا بملك الجلايرية و لكننا نري له علاقة مكينة بالأمراء و الملوك الذين لا تزال العربية رائجة الأسواق لديهم.. و الملحوظ أن العراق ربي جماعات فمالوا إلي الأقطار الأخري و لجأوا إليها لما رأوا من خذلان و قد قال المترجم في مقدمة ديوانه:

«ثم جرت بالعراق حروب و محن، و طالت خطوب و إحن، أوجبت بعدي عن عريني، و هجر أهلي و قريني، بعد أن تكمل لي من الأشعار، ما سبقني إلي الأمصار، وحدت به الركبان في الأسفار …» الخ.

فحط رحاله في آل أرتق و نعتهم بجابري كسر الإسلام و المسلمين..

و له (درر النحور في مدائح الملك المنصور)، و مدائح في السلطان شمس الدين أبي المكارم صالح من ملوكهم … ذهب إلي الحج فمال إلي مصر سنة 726 ه و مدح الناصر و جمع له ديوانه و رتبه و وسمه باسمه و علي كل توجهت الآداب نحو البلاد العربية الأخري و قد حمت الأدباء كما أجلت العلماء و من بين هؤلاء مترجمنا …

و قد نعته صاحب روضات الجنات بقوله: «كان عالما، فاضلا، منشيا أديبا، من تلامذة المحقق نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي، و له القصيدة البديعية، و شرحها، و له ديوان كبير، و ديوان صغير … و قد كان رحمه اللّه من كبار شعراء الشيعة، و مسلما بين الفريقين فضله و نبالته» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 76

و الرجل شاعر عربي يتحمس لقومه، و يتعصب لهم، و يناضل عنهم، و يبث فيهم روح الطموح و الأنفة و

هذه من أكبر مزاياه في عصر تغلغل فيه العجم و أحرجوا العرب، و شاركوهم في أرزاقهم. و زاحموهم في حياتهم و أوطانهم.. ذلك منه كبير، يعظمه في عيون العرب فقد نطق حين سكت الكثيرون و أذاع فكرته في مخلتف الأقطار و كان الناس مشغولين بأنفسهم …

انقطع مدة إلي ملوك ماردين، و دخل القاهرة، و كان يتعاني التجارة و يرحل إلي الشام و مصر و غيرها، و ثم يرجع إلي بلاده و في غضون ذلك يمدح الملوك و الأعيان.. و فيه ذكر لمشاهير عراقيين ضاعت غالب أخبارهم … توفي سنة 750 ه. ديوانه مطبوع معروف، و ترجمته مبسوطة في كتب كثيرة مثل الدرر و فوات الوفيات و غيرهما من كتب التراجم..

6- تاج الدين علي بن سنجر البغدادي المعروف ب (ابن السباك):

تاج الدين بن قطب الدين أبو الحسن بن أبي النجيب (ابن السباك) الحنفي ولد سنة 661 ه أو قبلها و سمع الأحكام للمجد بن تيمية منه و إحياء العلوم من محمد بن المبارك المخزومي و أجاز له أبو الفضل بن الزيات و غيره و أخذ القراءات عن مبارك بن عبد الله الموصلي و تفقه علي ظهير الدين محمد بن عمر البخاري و علي مظفر الدين أحمد بن علي الساعاتي صاحب مجمع البحرين و قرأ الفرائض علي أبي العلاء الفرضي الكلاباذي و الأدب علي الحسين بن أبان و شرح أكثر الجامع الكبير و نظم أرجوزة في الفقه و كان يكتب خطا حسنا جيدا و أخذ عنه أبو الخير الذهلي و العفيف المطري و آخرون.

و لما ولي حسام الدين الفوري (الغوري) قضاء بغداد دخل عليه و هو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 77

شيخه فقال له و هو بالخلعة الحمد للّه الذي جعل من غلمانك قاضي القضاة..

و كان قد انتهت إليه رئاسة الفقه ببغداد. و كان قيما بالعلوم الأدبية. مات سنة 750 ه (أو سنة 741، أو سنة 755) قال الذهبي كان فصيحا بليغا ذكيا، كبير الشأن.

و قد مدحه صفي الدين الحلي بقصيدة فريدة و هو بمصر و أثني علي حكمه و دقة نظره و هي:

تركتنا لواحظ الأتراك بين ملقي شاكي السلاح و شاك

حركات بها سكون فتور تترك الأسد ما بها من حراك

و منها:

قل لساجي العيون قد سلبت عي ناك قلبي و أفرطت في انتهاكي

فابق لي خاطرا به أسبك النظ م و أثني علي فتي السباك

حاكم مهد القضاء بقلب ثاقب الفهم نافذ الإدراك

فكرة تحت منتهي درك الأر ض و عزم في ذروة الأفلاك

مذ دعته الأيام للدين تاجا حسد الدين فيه هام السماك

رتبة جاوزت مقام ذوي العل م و فاقت مراتب النساك

ذو يراع راع الحوادث لما أضحك الطرس سعيه و هو باك

بمعان لو كنّ في سالف العص ر لسكت مسامع السكاك

زاد قدري بحبه إذ رأي النا س التزامي بحبه و امتساكي

مذهب ما ذهبت عنه و دين ما تعرضت فيه للإشراك

أيها الأروع الذي لفظه و ال فضل بين الأنام زاه و زاك

إن تغب عن لحاظ عيني فللقل ب لحاظ سريعة الإدراك

لم تغب عن سوي عيوني فقلبي شاكر عن علاك و الطرف شاك

و في هذا ما يعين منزلة المترجم، و المادح عراقي عارف بفضله،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 78

و بصير بعلمه …

7- ابن الثردة:

علي بن إبراهيم بن علي بن معتوق بن عبد المجيد بن وفاء المعروف بابن الثردة الواعظ الواسطي البغدادي. ولد في 12 شعبان سنة 697 ه ذهب إلي دمشق مرات و وعظ بها بالجامع الأموي و ساءت حالته فاضطرب عقله في

آخر أيامه … و كان ينظم الشعر الجيد في هذه الحالة. و أورد له صاحب فوات الوفيات جملة من شعره و فيه موشحات و مواليا. مات في أوائل سنة 750 ه.

حوادث سنة 751 ه- 1350 م

وفيات
ابن هندوا:

قال المقريزي في حوادث سنة 751 ه: «قدم الخبر بأن ابن هندوا أخذ الأكراد و استولي علي بلاد الموصل و صار في جمع كثير يقطع الطريق و التحق به نجمة التركماني فاستنابه و تقوي به و ركب إلي سنجار و تحصن بها و أغار علي الموصل و نهب و قتل و مضي إلي الرحبة و أفسد فيها و مشي علي بلاد ماردين و نهبها فخرجت إليه عساكر الشام و حصروه بسنجار و معهم عسكر ماردين و نصبوا عليها المنجنيق مدة شهر حتي طلب ابن هندوا الأمان علي أنه يقيم الخطبة للسلطان و يبعث بأخيه و نجمة و رفيقه إلي مصر. فلما نزلا منزلة قانون هرب نجمة (كذا).

و مثله تقريبا في ابن حبيب في درة الأسلاك و فيه أن هندوا تتاري.

قال ذلك كله الأستاذ الصديق مصطفي جواد. و أن ابن هندوا هذا هو (حسن بن هند) المذكور في صحيفة 84 و صوابه ابن هندوا كما عليه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 79

المؤرخان المنقولة نصوصهما أعلاه كما أن محمة المذكور هناك هو الذي جاء بلفظ نجمة.

وفيات
1- شرف الدين أحمد الكازروني:

هو ابن محمد بن علي بن محمد بن محمود الكازروني نزيل دمشق.

ولد سنة 673 ه و سمع من الشيخ كمال الدين عبد الرحمن بن عبد اللطيف ابن وريدة … و سمع من جده المؤرخ ظهير الدين علي الكازروني. قال أبو العباس البغدادي الناسخ: «نعم الرجل مروءة و ديانة و صلاحا»، و له اعتناء بالرواية و فضيلة و معرفة. مات سنة 751 ه.

2- الحسن بن علي بن محمد البغدادي:

ثم الدمشقي، أبو علي الحنبلي الصوفي النقيب بالسميساطية، سمع من العز الفاروثي، و سمع من جماعة في مصر و الشام و غيرهما، و كان خيرا، صالحا محبوب الصورة، محبا للسماع، له وجاهة. مات في شوال سنة 751 ه و له 87 سنة و أشهر. و كان قد ولد سنة 667 ه ببغداد.

حوادث سنة 752 ه- 1351 م

وفيات
1- دلشاد بنت دمشق خواجة: (ملكة العراق)

زوجة الشيخ حسن الجلايري تزوجها بعد عمتها بغداد خاتون في أوائل سنة 737 ه فحظيت عنده و نالت مكانة عظيمة. و قد مر بنا ذكرها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 80

كثيرا في المجلد الأول و في هذا الكتاب. و كان أمرها نافذا في الممالك، و لها في كل ما يحكم عليه زوجها نائب … و الصحيح أنها كانت الحاكمة في مملكة العراق و ترجمتها مذكورة في الدرر الكامنة و غيرها، و قد أثني دولتشاه في تذكرته علي كرمها و أطري أدبها و جمالها، و بين أن السلطنة كانت في يدها، و لم يكن للسطان أمر و لا نهي إلا الاسم. و إن سلمان الساوجي الشاعر المشهور كان يقرنها بزوجها في قصائده، و قام بتعليم ابنها أويس الشعر، و له فيها قصائد كثيرة و اعتنت هي بتعهد الشعراء، و بعمارة البلد، و الأعمال الخيرية و المبرات العديدة.. تميل إلي الغرباء و تحسن إليهم. ماتت في ذي القعدة و ما قيل من التردد في تاريخ وفاتها، و بيان بعض الاحتمالات فهو مما لا يعول عليه …

و لها من الأولاد:

1- أويس: و سيأتي التفصيل عنه في محله.

2- الأمير قاسم: و هذا ولد في جمادي الأولي سنة 748 ه و توفي بمرض السل في سنة 769 ه.

3- الشيخ زاهد و هذا ولد في 19 ربيع الآخر

سنة 750 ه و سقط في سنة 773 ه من عمارة أوجان في أذربيجان فمات.

4- دوندي: و هذه مدحها سلمان الساوجي بقصائد عديدة و هي في أيام أويس تضارع دلشاد خاتون في سلطتها و تسلطها … و لفظها ورد في بعض النسخ من المخطوطات دندي، و تندو و مرة دولندي فلحقه تغيرات عديدة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 81

2- يحيي بن محمد الحارثي:

و هو يحيي بن محمد بن أحمد بن سعيد الخراز الكوفي النحوي، سبط الشريف شرف الدين عبد الله بن يحيي الابزاري ولد في شعبان سنة 678 ه بالكوفة و اشتغل بها و ببغداد و صنف في النحو كتابا سماه (مفتاح الألباب لعلم الإعراب) ذكره في كشف الظنون. قدم دمشق و سمعوا عليه من نظمه. مات بالكوفة سنة 752 ه.

حوادث سنة 753 ه- 1352 م

مرض في الدواب:

في هذه السنة وقع في بغداد موت في الدواب. كذا في الدر المكنون.

حريق في النجف:

في هذه السنة احترقت عمارة المشهد و كانت أول قبة بنيت بأمر من هارون الرشيد الخليفة و من بعد ذلك أخذ الناس في زيادتها و دفن الموتي هناك حوله إلي أن كان زمن عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي فعمره عمارة عظيمة و أخرج عن ذلك أموالا جزيلة و عين له أوقافا و لم تزل عمارته باقية إلي سنة 753 ه و كان قد ستر الحيطان بخشب الساج المنقوش فاحترقت تلك العمارة و جددت علي ما هي عليه الآن و قد بقي من عمارة عضد الدولة قليل و قبور آل بويه هناك ظاهرة مشهورة لم تحترق (عمدة الطالب ص 44).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 82

وفيات
1- شهاب الدين أحمد بن الحسن الحسني:

الفرضي الضرير البغدادي. جال البلاد علي زمانته فدخل مصر و إفريقية و استمر مغربا إلي غرناطة. و كان له نظر سديد في مذهب الشافعي و ممارسة في الأصول و المنطق، و قيام علي القراءات، و كان كثير الملاحاة، شكس الأخلاق، يقبل الصدقة مانا بقبولها. و أقام بغرناطة إلي أن ارتحل سنة 753 ه.

2- خواجو الكرماني:

شاعر فارسي. هو كمال الدين أبو العطاء محمود بن علي الكرماني الملقب ب (خواجو) من أكبر شعراء كرمان. ولد في 5 شوال سنة 679 ه في كرمان. و يعد من مداحي آل مظفر، ثم قصد علاء الدولة السمناني أحد المشاهير في التصوف، و أقام ببغداد مدة، و له قصائد عديدة في السلطان أبي سعيد و الخواجة غياث الدين محمد الوزير ابن الخواجه رشيد الدين فضل الله الوزير، و في آخر أيامه التجأ إلي الشاه الشيخ أبي إسحق اينجو …

و من أكبر البواعث لشهرته بالعراق و احتكاكه بمحيط أثر علي لغته و ساعد علي نبوغه و مثله كثيرون نالوا حظا من الآداب و مكانة من الشعر بسبب هذه العلاقة كسعدي الشيرازي و سلمان الساوجي و حمد اللّه المستوفي و وصاف الحضرة.. و قد حاذي سعدي و قلده في أسلوب غزله و كان يدعي ب (لص ديوان سعدي) (دزر ديوان سعدي)..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 83

و له ديوان يبلغ نحو عشرين ألف بيت فيه مثنويات جري فيها علي نهج «خمسة نظامي» و له أيضا:

1- هماي و همايون: قصة في عشق همايون هماي بنت فغفور الصين و هي من المتقارب نظمها سنة 732 ه في بغداد و في مقدمتها أثني علي السلطان أبي سعيد و مدح الخواجه غياث الدين الوزير و كأنها روضة

أزهار في ملاحتها و لطافتها …

2- كمال نامه: في العرفان علي وزن «هفت پيكر» لنظامي نظمها باسم أبي إسحق اينجو سنة 744 ه.

3- روضة الأنوار: في العرفان أيضا نظمها باسم شمس الدين محمود بن صاين وزير الشاه الشيخ أبي إسحق سنة 743 ه. و هذا الوزير كان من رجال الملك الأشرف و في سنة 744 ه ترك خدمته فجعله الأمير مبارز الدين المظفري من أمرائه فدخل في إدارة الشيخ أبي إسحق و صار وزيره. و في 4 صفر سنة 746 ه. قتل بأمر الأمير مبارز الدين.

4- گل و نوروز: قصة الشهزاده نوروز ابن ملك خراسان، و گل هي بنت سلطان الروم نظمها علي غرار (خسرو و شيرين) لنظامي باسم تاج الدين العراقي وزير الأمير مبارز الدين المظفري.

5- گوهر نامه جعلها بوزن خسرو و شيرين أيضا نظمها سنة 746 ه باسم بهاء الدين محمود بن عز الدين يوسف من أحفاد الخواجه نظام الملك الطوسي و هو وزير الأمير مبارز الدين.

و كل هذه بالنظر لتواريخ نظمها إنما كانت بعد أن تعرف ببغداد و أدبائها و شاهد محيطها فألهمه ما ألهمه من رقة شعور، و من عذوبة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 84

ألفاظ و ردد ذكر بغداد كثيرا في أشعاره … و كان ممن جاراه في غزلياته الخواجه حافظ الشيرازي.

توفي سنة 753 ه. و في تذكرة الشعرا لدولتشاه السمرقندي أنه توفي سنة 742 ه.

حوادث سنة 754 ه- 1353 م

المغول في بطون التاريخ:

في كلشن خلفا أن المغول انقرضت حكومتهم سنة 744 ه و لكن سائر المؤرخين مثل صاحب الدر المكنون و تقويم التواريخ قالوا إن دولة المغول (دولة هلاكو و أحفاده) انقرضت في هذه السنة من أذربيجان و خراسان بقتل طغاتيمور خان و سكنت الفتن

نوعا و العراق علي كل حال أصابته راحة أكثر، و إن السلطان أخلد للسكينة خصوصا أنه وجد كنزا فصرف معظمه علي العمارات.

حاكم سنجار و الموصل:

هو حسن بن هند، كان يكاتب المسلمين و يترامي إليهم و يظهر المودة و المحبة و لكنه كان يأوي محمة (كذا) التركماني الذي يقطع الطرقات علي المسلمين. قتله صاحب ماردين في أواخر سنة 754 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 85

حوادث سنة 755 ه- 1353 م

المسكوكات: (النقود)

حاولنا الحصول علي مسكوكات أو نقود مضروبة في أيام السلطان الشيخ حسن الجلايري أيام إعلانه سلطنته في بغداد، و ضبط تاريخ حكمه، أو ما أشار إليه رسله إلي مصر من أنها ضربت باسم ملكها فلم نظفر بطائل إلا أننا وجدنا له نقودا مضروبة في بغداد يرجع تاريخها إلي هذه السنة (سنة 755 ه)، و مثلها في عين التاريخ ضربت في البصرة و أخري في تستر، و منها ما صنعت في بغداد في السنة التالية و هي سنة وفاته.. و في الحلة ضربت له نقود إلا أنها لم يقرأ تاريخ ضربها.

و المضروبة في بغداد قد كتب علي أحد وجهيها تاريخ ضربها (سنة 755 ه) و كلمة الشهادة (لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له) و علي الوجه الآخر محل الضرب (ضرب بغداد) في الوسط و في الأطراف بخط كوفي و بشكل مربع (محمد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلّم) و في أضلاع ذلك المربع أبو بكر و عمر و عثمان و علي. و في النقود المذكورة نري الوضع واحدا و الشكل كذلك و هي من فضة إلا أن الوزن مختلف..

فواز بن مهنا أمير العرب:

يضاف إلي حوادث سنة 755 ه «و فيها قصد المتغلب علي البصرة عرب البحرين فالتقاهم بعسكره المغل فعجزوا عنهم فأمدهم صاحب بغداد الشيخ حسن الكبير بالأمير فواز بن مهنا الطائي فالتقاهم و هزمهم و أسر منهم طائفة من الرجال و النساء بعد أن قتل من الفريقين عدد كثير ثم منّ عليهم فواز» ا ه. قاله الصديق الفاضل مصطفي جواد نقلا عن ابن قاضي شهبة و بين أنه توفي سنة 757 ه و كان أحد الشجعان …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 86

وفيات
1- زين الدين الموصلي (ابن شيخ العوينة):

في هذه السنة توفي زين الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن القاسم بن منصور بن علي الموصلي الشافعي المعروف (بابن شيخ العوينة). كان جده الأعلي من الصالحين، و احتفر عينا في مكان لم يعهد بالماء فقيل له (شيخ العوينة). ولد زين الدين في رجب سنة 681 ه و قرأ القراءات علي الشيخ عبد الله الواسطي الضرير و أخذ الشاطبية عن الشيخ شمس الدين ابن الوراق و رحل إلي بغداد و قرأ علي جماعة منهم مهذب الدين النحوي و قدم دمشق و سمع بها من جماعة ثم رجع إلي الموصل و صار من علمائها و له تصانيف منها (شرح المفتاح للسكاكي) و شرح مختصر ابن الحاجب، و شرح التسهيل، و شرح البديع لابن الساعاتي و غير ذلك. قال ابن حبيب: «إمام بحر، علمه محيط، و ظل روحه بسيط، و ألسنة معارفه ناطقة، و أفنان فنونه باسقة، كان بارعا في الفقه و أصوله، خبيرا بأبواب كلام العرب و فصوله، نظم كتاب الحاوي، و شنف سمع الناقل و الراوي، و بينه و بين صلاح الدين الصفدي مكاتبات..» ا ه. توفي بالموصل في شهر رمضان.

و أطنب صاحب الدرر في ترجمته و ذكر شيوخه، و شروحه علي مؤلفاتهم كما أن البدر العيني بسط القول في ترجمته …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 87

2- فخر الدين ابن الفصيح:

هو أبو طالب فخر الدين أحمد بن علي بن أحمد الهمداني الكوفي ثم البغدادي المعروف، بابن الفصيح والد جلال الدين عبد الله. كان إماما علامة، جامعا للعلوم العقلية و النقلية انتهت إليه رئاسة المذهب في زمانه و كان كثير التودد، لطيف المحاضرة، سمع مع ابن الدواليبي و صالح بن الصباغ و أجاز له إسماعيل بن الطبال. و كان مدرسا بمشهد أبي حنيفة، أخذ عن الحسن السغناقي صاحب النهاية، و درس ببغداد في المستنصرية، اقرأ العربية بها و كان له صيت في العراق و دمشق، و أفتي، و صنف نظم الكنز، و نظم النافع، و نظم السراجية في الفرائض، و نظم المنار في أصول الفقه. و كانت وفاته بدمشق سنة 755 ه و مولده سنة 680 ه و لما قدم دمشق أكرمه نائبها.. و في الذهبي أنه ولد سنة 679 ه كما أنه ذكر وفاة ابنه في سنة 737 ه.

حوادث سنة 756 ه- 1354 م

وفيات
1- أحمد بن محمد بن سلمان الشيرجي (ابن الشيرجان)

بغدادي حنبلي. ولد سنة 691 ه و سمع من الدواليبي، و قرأ بالروايات و أعاد بالمستنصرية و كان دينا خيرا، و له مدائح نبوية و كان يقال له ابن الشيرجاني. قدم دمشق و حدث بها و كتب عن مشايخها، مات سنة 756 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 88

حوادث سنة 757 ه- 1356 م

وفاة السلطان الشيخ حسن الجلايري:
اشارة

في شهر رجب هذه السنة توفي الشيخ حسن. و قد رثاه الخواجه سلمان الساوجي بقصيدة تتضمن التوجع للمصاب و بيان صفات الراحل في عدله و سائر مزاياه و هي فارسية لا نري محلا لإيرادها..

ترجمته: (بيان عن العصر)

إن حياة هذا الرجل إنما تظهر أكثر ببيان حالة العصر الذي كان يعد من رجاله و قد أسس حكومة كان لها شأنها مدة. و ذلك أنه في 13 ربيع الثاني لسنة 736 ه كان قد توفي السلطان أبو سعيد بهادر خان و بوفاته قامت الزعازع و ثارت الفتن من كل صوب بعد أن كانت قد هدأت الحالة مدة، و نال الأهلين طمأنينة فركنوا إلي الراحة و التبسط في العلوم و مراعاة أسباب الزينة و ترقية الفنون و الصناعات … فبرزت المواهب و كاد يعود ما كان قد فقد أيام هلاكو، أو أهمل … لو لا أن السلطة كانت أجنبية، و الإدارة ليست بعربية..

حكينا ذلك كله فكان لقانون جنكيز (الياسا) قيمته في ردع النفوس، و إيقافها عند حدودها … و لكن هذه السلطة لم تكن إلا عن خشية و خوف و ليست ناشئة عن قبول نفسي و لا رادع باطني … مما جعلها أن تكون ملازمة دائما للقوة، و التيقظ دون تهاون أو تراخ …

مات أبو سعيد و كأن القوم كانوا ينتظرون وفاته، و الخلافات التي ولدها الأمراء في حينها كانت تصرف إلي الحزبية و تسنم كراسي الإدارة، و تعهد السلطنة مع الاحتفاظ ببيتها و لما توفي السلطان تغيرت الفكرة، و حدث التغلب من كل صوب، و صار كل أمير، أو متنفذ يدعو لنفسه،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 89

أو يتخذ أحد أفراد الأسرة المالكة سندا له في دعوته … و

قد بسطنا القول في ذلك …

لم يكتف هؤلاء المتغلبة أن يعلن كل واحد منهم حكومته في المواطن التي هو فيها و يتقاسموا الميراث بتوزيع هادي ء ساكن فيقنع الواحد بما في يده … و إنما حاول أن يقوي إدارته و يمكنها من جهة و يهاجم الأخري المجاورة له ليبتلعها، أو التي يخشي أن يستفحل أمرها فيوقفها عند حدها … و هكذا دامت القلاقل و زالت الراحة و شغل الناس بأنفسهم و بمتغلبتهم فكانوا من أقوي الوسائل الفتاكة، و أشد البلايا علي الحضارة و المدنية، و العلوم و الصناعات، و فيها من التخريب و التدمير ما لا يوصف …

و إن المترجم أحد هؤلاء، جرب تجارب عديدة، و حاول محاولات كثيرة أن يكون نصيبه أكثر مما في يده، و غنيمته أوفر …

و لكنه لم ينل مرغوبه فاكتفي (بالعراق) و احتفظ به، و تسلط علي سائر أنحائه … و في هذه المرة كان الأمل أن يستفيد الرب من هذا الانحلال و من تلك المحاولات بسبب تفرق الكلمة و أن ينالوا المكانة اللائقة في العراق … إلا أن أمراء المغول كانوا متمرنين في الإدارة و الحرب فلم يستطع العرب أن يتمكنوا منهم فقضي علي إدارتهم في الحلة بعد أن كانت قد تمكنت مدة … فقويت قدم المغول مرة ثانية و تكونت منهم حكومة الجلايرية …

و هذه لم تقاوم البقية الباقية من العلماء، و لما كانت إسلامية لم تتخذ مشروعا من شأنه إفساد المدارس، و القضاء علي حياتها … و إنما كانت هذه الغفلة عنها، أو الإهمال لها … مما دعا أن تعود ثانية و يظهر نورها متلألئا بعد مدة قليلة … و كان هذا السلطان (الشيخ حسن) قد أخلد إلي

السكينة و تنظيم المملكة، و راعي لوازم الراحة … فقويت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 90

الروح العلمية، و ثبتت.. و مع هذا مال كثيرون إلي الممالك الإسلامية الأخري المجاورة لقلة المناصرة … و ظهر جماعة في علوم مختلفة إلا أن التربية الفارسية كانت سائدة، و هي صاحبة القول الفصل فنفق سوق هذه أكثر و إن كان الاهتمام بعلماء المدارس و النظر إليهم لم يهمل …

- نعم إن أكثر الشعراء في الديوان الملكي عجم، و لا يلتفت إلي غير مدحهم و لا يقرب سواهم و مجري المدارس سائر إلي ناحية، و الرغبة إلي أخري … و العلماء و الشعراء كلما برزت مواهبهم مالوا إلي الأقطار العربية الأخري …

و لا نطيل القول، فهذا السلطان سمي بالشيخ حسن لعدله، و محافظته علي النظام و لا يريد الأهلون أكثر … في حين أن المتغلبين الآخرين لا يزالون علي أطماعهم، و شدة تغلبهم لم يركدوا؛ و لا سكنوا حتي قضي علي أكثرهم؛ و انحصرت الإمارات في عدد محدود … و لكنها لم تخل حتي هذه الأيام من مناوشات، أو محاربات … و هكذا، و قد مضي من حوادث المترجم ما تيسر تدوينه و كله ذو علاقة بالعراق، أو الدفاع عن حوزته و صد الغوائل عنه لتأمين سلطة …

و في هذه المرة عادت بغداد عاصمة الملك، و صار يبذل لزينتها و تحسينها جهودا عظيمة و برز فيها علماء فحول … إلا أنها مشوبة بتلك الغوائل المارة … و مع هذه نجد السلطان في أيامه الأخيرة قد صرف أموالا طائلة في سبيل العمارة … و لا ينسي أن لزوجته النفوذ العظيم في هذا الإعمار؛ و في حسن الإدارة … و قد

استنطقنا مؤرخين عديدين و الكل يثني عليه و قد جاء في عقد الجمان عنه:

«توفي الشيخ حسن بن حسين بن اقبغا بن اليكان (كذا و صوابه ايلگا) في هذه السنة (سنة 757 ه) و هو سبط أرغون بن ابغا بن هلاوون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 91

(هلاكو) و لم يستقم أمره إلا بعد وفاة أبي سعيد ملك التتار. و كانت دولته مدة سبع عشرة سنة، و تولي عوضه ابنه الشيخ أويس» ا ه.

و هذا المؤرخ عد سلطنته سنة 740 ه و علي مثل هذا جري صاحب (تاريخ مفصل إيران)، و غيره …

و جاء في الشذرات عنه:

«توفي سلطان بغداد حسن و يعرف بالكبير … و كان ذا سياسة حسنة و قيام بالملك أحسن قيام، و في أيام ولايته وقع ببغداد الغلاء المفرط حتي بيع الخبز بصنج الدراهم و نزح الناس عن بغداد، ثم نشر العدل إلي أن تراجع الناس إليها. و كانوا يسمونه الشيخ حسن لعدله …» ا ه.

و مثله في الدرر الكامنة … و قد مرت باقي النقول عنه. و زاد في كلشن خلفا أنه أقام عمارات نفيسة و جميلة في بغداد و النجف الأشرف … و في دستور الوزراء أن وزيره الخواجة شمس الدين زكريا ابن أخت الخواجة غياث الدين محمد بن رشيد الدين و صهره. و هذا الوزير قد لازم السلطان الشيخ حسنا في جميع أيامه من سنة 737 ه فقد أسند إليه الوازرة مراعاة لحقوق الخواجة غياث الدين، و استمر في أيام أولاده بعده إلي أيام السلطان حسين و كان عدلا صاحب إنصاف و علم … و للخواجة سلمان الساوجي مدائح فيه … و قد روعي جانبه كثيرا إلي سنة 777 ه

و بسبب ذلك عين أخوه نجيب الدين للوزارة و ابنه إسماعيل لولاية بغداد …

و للسلطان من الأولاد ما مر ذكرهم في ترجمة دلشاد خاتون. و له ابن آخر و هو (ايلگا) توفي في حياة دلشاد و ذكره سلمان الساجي في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 92

شعره و لهذا ولد يسمي (آقبوغا) و آخر يدعي (أبا إسحق). و هذا كان قد رشحه السلطان أويس لمحاربة أمير ولي و لكنه انهزم إلي البصرة لخاطر عرض له و بأمر من أويس قد سمّ …

و من هذا كله و من الوقائع المارة في أيامه اعتقد أن تعينت ترجمته و إن كنا نري المؤرخين لم يتعرضوا إلا إلي نواح من حياته العامة دون وقائعه المطردة و هذه نتف مفرقة … لا تكاد تفي بالغرض. و الملحوظ أن هذا القطر يدعو ضرورة إلي النظام، و أن الاضطرابات لا تدوم …

و من ثم يخلد الأهلون للسكينة و العمل و المترجم كان من العوامل الفعالة لتهدئته و تثبيت نظامه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 93

الكتابة فوق طارمة المصلي من جامع مرجان- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 94

سلطنة أويس
السلطان معز الدين أويس:

في هذه السنة في شهر رجب ولي السلطان أويس بعد والده و قد مدحه الشاعر الخواجة سلمان الساوجي بقصيدة فارسية و بين في شعره تاريخ سلطنته.. و علي هذا اتفقت كلمة المؤرخين مثل صاحب روضة الصفا و كلشن خلفا و الشذرات و حبيب السير و أيدها سلمان الساوجي في شعره إلا أن التاريخ الغياثي قال:

«السلطان حسين ولي بعد أبيه سنة 657 ه و مات سنة 760 ه فكانت مدة حكمه ثلاث سنين» اه. ثم ذكر سلطنة أويس و بين

أنه ولي السلطنة ببغداد بعد أخيه في التاريخ المذكور … و في هذا مخالفة صريحة للنصوص الأخري و لما جاء في شعر سلمان الساوجي الذي يعين التاريخ في متن الشعر، و هو خير وثيقة تاريخية و كذا ما جاء في وقفية الخواجة مرجان فلا أصل لما ذكره الغياثي و قد عقد رشيد ياسمي فصلا في حياة سلمان و أويس في رسالته «سلمان ساوجي» يؤيد ما ذكرناه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 95

و حياته الأولي أنه ولد من دلشاد خاتون بعد أن تزوجها والده بسنة واحدة و كان قد تزوجها سنة 737 ه فسمي معز الدين أويس. و كان الشاعر سلمان يدعوه في بعض الأحيان بغياث الدين و قد اختص هذا الشاعر بمدحه من حين ولي السلطنة و لازمه ملازمة شديدة … و كان يصف بعض فتوحه. و السلطان حينما ولي كان شابا جميلا. و أهل بغداد يرغبون في مشاهدته حينما يخرج راكبا فرسه، يراقبون ذلك فيهرعون للنظر إلي محياه و صورته الجميلة … كما أنه كان صاحب ذوق، و نقاشا ماهرا، و مبدعا في الموسيقي، و خطه الواسطي يحير بجماله الباهر و اتقانه، و يعجز المصورين و الخطاطين الحذاق أن يماثلوه.. و تعلم الشعر علي يد مربيه الخواجة سلمان فكان له نصيب منه و ربما فاق أستاذه.. و له مراسلات في الشعر مع السلاطين المعاصرين له.. و لا تخلو وقعة إلا و يمدحه الخواجة المذكور من أجلها و ديوانه مشحون بمدائحه الكثيرة و للسلطان إنعامات عليه ليست بالقليلة بل هي وافرة جدا و قد قيل (اللهي تفتح اللها)..

و سيأتي من الحوادث ما يبصر بحياته السياسية و سلطنته..

غرق بغداد:

كانت بغداد خلال المدة بين وقعة هلاكو

و هذا التاريخ قد اكتسبت وضعا جديدا، و نالت عمارة، و رونقا.. و كان قد رآها ابن بطوطة فوصفها في رحلته كما أن الخواجة سلمان الساوجي شاهدها أيام السلطان أبي سعيد و في عهد الجلايرية خصوصا و قد اتخذوها عاصمة فنالت من الأبهة و المكانة ما يجلب الأنظار و كانت الراحة و الطمأنينة و لو لمدة قليلة تعيد لها جدتها.

قضي فيها سلمان الساوجي مدة في عهد تلك الراحة و الأبهة فخلبه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 96

ما رآه من مناظرها، و أوضاع مياهها و شواطئها، و الفلك التي تجري، و بساتينها و أزهارها فكان لها وقع كبير في نفسه. ناهيك بصفاء سمائها و لياليها المقمرة إلي غير ذلك مما يعجز القلم عن تبيانه و شرحه.. و كله يبعث في الشاعر روحا و نشاطا و ينعش الأمل فيه فيقول:

قطر فسيح و ماء ما به كدر حفت بشطيه الفاف البساتين

و لما أصابها الغرق في هذه السنة و تبدلت أوضاعها الزاهية الجميلة فعادت خرابا، و رآها الشاعر سلمان بصورتها المؤلمة تأثر تأثرا عظيما، فوصف دجلة بفيضانه و عربدته و نعته بمجنون مكبل بسلاسل حديدية..

كسر قيوده و استولي بمياهه علي المدينة فخرب عماراتها العالية. و أغرق نحو أربعين ألفا من أهليها و كان هذا الحادث سنة جلوس السلطان أويس … فناح الشاعر علي مصاب بغداد لما رآه فيها من دعة، و كان حصل في بغداد علي نعيم و شهرة ذائعة في الأقطار …

قال الخواجة سلمان:

بسال هفصد و پنجاه و هفت گشت خراب بآب شهر معظم كه خاك بر سراب

دريغ روضه بغداد آن بهشت آباد كه كرده است خرابش سپهر خانه خراب

و في هذا ما يشير إلي ما كانت عليه بغداد

و ما نالها من دمار …

وفيات
1- جمال الدين أبو محمد البغدادي:

هو ابن عبد الرحمن بن أحمد بن ماجد، سمع من ست الملوك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 97

بنت أبي نصر بن أبي البدر الكاتب، و سمع منه المقري ء شهاب الدين ابن رجب و أثني عليه. قال: اقرأ بالمستنصرية، و كان حريصا علي الخير، انتفع به خلق كثير. مات في المحرم سنة 757 ه.

حوادث سنة 758 ه- 1357 م

جامع مرجان و دار الشفاء
أوقاف الخواجة مرجان:
اشارة

لم ينقطع أهل الخير و البر في مختلف العصور و الأزمان. و من أعظم الأعمال ما خدم الثقافة و ساعد علي حسن السلوك، أو نفع الجماعة مما يودي بهم من الأمراض الفتاكة، و لعل الخواجة مرجان أراد أن يجمع بين الحسنيين الثقافة الفكرية و الصحة البدنية للجماعة فوقف موقوفاته و هي:

1- مدرسة مرجان:
اشارة

و الخواجة مرجان من ولاة بغداد، و من أعظم آثاره الباقية مدرسته و تعرف اليوم ب (جامع مرجان) و فيها ما يشعر بإتقان البناء، و صناعة النقش، و حسن الخط ما يبهر المتفرج المشاهد، و يعين درجة مراعاة الإحكام في العمل، و القدرة سواء من ناحية مادة البناء و بقائها علي الدهر. أو من جهة الدقة في الصنع و الزينة …

قيمة هذه المؤسسة لا تقدر. و أوقافها لا تكاد تحصي.. و لا تزال بقاياها إلي اليوم، و غلتها ليست بالقليلة.. كانت جامعة تدرس فيها أنواع العلوم و ضروب الفنون.. زادت في الثقافة، و رقت في المدارك،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 98

و جددت سوق العلم و ولدت نشاطا كافيا … و سيأتي التعريف بواقفها الخواجة مرجان رحمه اللّه الذي بقي اسمه خالدا و إن كان قد اندثرت أعمال السلطان أويس الذي هو أحد ولاته فلا تزال هذه المدرسة قائمة و شاهدة بعظم العمل و تاريخ وقفها كان سنة 758 ه قال الغياثي:

«كان مرجان رجلا خيرا، استأنف عمارات، و جدد أخري، وقف العقار و الضياع، و عمر المدرسة المرجانية، و دار الشفاء، و أسواقا و خانات لم يتفق في دور أحد من السلاطين مثلها كما نطقت وقفيته و نقر ذلك علي جدران العمارات و كان له خيرات علي الفقراء، و المساكين حتي السنانير و

سمك الشط و الطيور من اللحم و الخبز و الشيلم في صحن دار الشفاء، و صحنها، علي جانب دجلة. و كان ثلثا الوقف لدار الشفاء و ثلث للمدرسة. ا ه» ملخصا.

اشتهر جماعة من العلماء في التدريس بها و أول من وصل إلينا اسمه بدر الدين محمد الأربلي. و في العصر الأخير عرف من الآلوسيين السيد محمود شهاب الدين و قد عطلت بعد وفاته فذهب ابنه السيد نعمان خير الدين إلي استانبول في أواخر جمادي الأولي سنة 1300 ه فعين مدرسا لمدرسة مرجان و رجع إلي بغداد في 5 رمضان 1302 و بعد وفاته في 7 المحرم سنة 1317 ه خلفه في التدريس ابنه السيد علي علاء الدين قاضي بغداد الأسبق المتوفي في جمادي الأولي سنة 1340 ه فالسيد محمود شكري الآلوسي و آخرهم اليوم السيد إبراهيم ابن السيد ثابت ابن السيد نعمان خير الدين الآلوسي، و لا يزال مدرسا فيها و كان يتولي التدريس فيها مفتي بغداد، و له فضلة ريعها، ثم ضبطتها دائرة الأوقاف في العهد التركي و جعلت للمدرس راتبا مقررا …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 99

و هذا ما قاله المرحوم الأستاذ السيد محمود شكري الآلوسي عن هذه المدرسة:

«مسجد محكم البناء، راسخ القواعد، مشيد الأرجاء، مبني بالحجارة المهندسة، ذو طبقتين سفلي و عليا، و فيه مصلي واسع، و حجر في الطبقة السفلي و العليا، و قد جعله بانيه مدرسة حاكي بها المدرسة النظامية، و جعل الحجر مسكنا لطلبة العلم، و أجري عليها الجرايات الوافرة، و رتب لهم المدرسين علي مذهبي الإمام الشافعي و الإمام أبي حنيفة (ر ض)، و وقف الأوقاف الكثيرة و كان المصلي محل تدريسهم كما كان محل عبادتهم»

ا ه.

الوقفية و شروطها: (نصها)

كان المرحوم جميل صدقي الزهاوي ذكر أن لديه «كتاب الوقفية و الموقوفات» للخواجة مرجان فلم أتمكن من مشاهدته … و الوقفية محفورة علي جدران الجامع، و كذا الموقوفات الأخري كتبت بخط أحمد شاه النقاش التبريزي المعروف ب (زرين قلم) و هو من الخطاطين المشاهير … ذكر اسمه علي ما كتب. و هذا نص الوقفية:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم. الحمد للّه الذي وفق المطيعين لعمارة أبنية بيوت العبادات، و ألهم المخلصين إشادة أعمدة دور الطاعات، و رفع ذكر الولاة، بتأسيس قواعد معالم المكرمات، و دل أرباب السعادات علي سلوك سبل الخيرات و منح المحسنين بتشريف إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ، و حباهم بآية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 100

وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ، و الصلاة و السلام علي نبي الرحمة محمد المصطفي خير الأنام و أصحابه مصابيح الدجي و بدور الظلام.

أما بعد فيقول المفتقر إلي عفو الملك المنان، مرجان بن عبد الله ابن عبد الرحمن، بدل اللّه سيئاته حسنات: إني هاجرت في الأرض مدة، و جاهدت سنين في الطول و العرض، ذات شمال و يمين، متورطا في مخاوف البر و البحر، متوردا في متالف البرد و الحر، حتي أداني الجد الصاعد، و أدناني التوفيق المساعد فعلمت أن الدنيا دار الفرار، و أن الآخرة هي دار القرار، و أيقنت أن أولي ما أنفقت فيه الأموال، و أحري ما توجهت إليه همم الرجال ما كان وسيلة إلي أبواب رحمته محط الرحال، و ذخيرة ليوم المحاسبة و السؤال، قال النبي عليه الصلاة و السلام «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا عن ثلاث صدقة جارية، و علم ينتفع به. و ولد صالح يدعو له» و الصدقة الجارية هي الوقف فشمرت

عن نية صادقة صافية، و سريرة للخير وافية، و شرعت في عمارة هذه المدرسة المسماة ب (المرجانية) و توابعها المتصلات بعضها ببعض في زمن المخدوم الأعظم الدارج إلي جوار اللّه و جنانه، المستريح علي أعلي غرفات جنانه، الشيخ حسن نويان، أنار اللّه برهانه، و تممت في أيام دولة نوّر حدقته، و نور حديقته، المخدوم الأعظم، الأعدل، رافع رايات السلطنة علي الأفلاك، ناصب غايات المملكة إلي السماك؛ ساحب ذيل الرحمة علي الأعراب و الأتراك، محيي مراسم الملة المصطفوية، و مزين شعار الدولة الجنكيز خانية شاه أويس خلد اللّه ملكه؛ و وقفت علي الفقهاء و طلاب العلم و التفسير و الحديث و الفقه علي مذهب الإمام الأعظم محمد بن إدريس الشافعي المطلبي و الإمام الأقدم أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي رضي اللّه تعالي عنهما وقفا علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 101

مصالحها، كما شرح في الوقفية الموقعة بتوقيع قضاة الإسلام، الموشحة بشهادة الأمراء و الوزراء العظام بالريحانيين أربعة و أربعين دكانا، و اثنتي عشرة عصارة في السوق الجديد المجاور للمدرسة و الصاغة، و تسعة و عشرين دكانا أخري، و ثلاث خانات و نصف خان إحداهن إنشاء الواقف، و مواضع بالبدرية و الامشاطيين ثلاثة داكين؛ و بالمشرعة أربعة عشر دكانا و خانا جديدا من إنشاء الواقف تقبل اللّه منه صالح الأعمال، و بالحلبة ثلاثة عشر دكانا و عصارة و خانا فيه اثنتان و خمسون حجرة، و في الجانب الغربي من محلة القصر دارا و مدارا و خانا يعرف بالجواري؛ و في الخليلات خان الزاوية و مدارا هي الآن من حقوق الخان المذكور. و بالحريم دكان الكاغد. و بنهر عيسي ناحية عقر قوف و نصف القائمية، و

تل دحيم و بساتين بالمخرمية و بساتين بقرية البرك، و الجوبة، و قراح الجاموس، و بالعراة مزرعة، و بالقاطون ناحية زادمان، و بجلولا من خان آباد النصف، و من بساتين ببعقوبة و ببوهريز النصف و بخانقين دوري و نصف دور جوري و أرحية الماء و بغمايا، و دولتاباد و بساتين في البندنيجين، و بستان جديد في بوهريز إنشاء الواقف، و نهر خرناباد و سائر أراضيها و مزارعها المدعو هرارشته و ذلك بين جبل حمرين و خانقين وقفا صحيحا شرعيا مؤبدا مخلدا، محرما بجميع ما حرم اللّه مكة و البيت الحرام و الركن و المقام لا زال ذلك كذلك إلي أن يرث اللّه الأرض و من عليها و هو خير الوارثين، لا يندرس بكرور الأعصار، و لا ينطمس بمرور الأدوار، لا يؤجر من متغلب و متعزز و جندي و من يخاف غائلته بل يؤجر من رجل مسلم، معامل بتمكين الوالي علي هذا الوقف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 102

ما فوق المحراب من جامع مرجان- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 103

من مرافعته بين يدي الحكام، و قضاة الإسلام، قادرا علي أداء ما يتوجب عليه من ضمان الوقف، و من فعل ذلك فتلك الإجارة باطلة، و تصرفه حرام سحت، و وصيتي إلي حكام كل زمان و عصر و أوان، و إلي قاضي القضاة ببغداد أن يساعد الوالي علي هذا الوقف و استخلاص الحقوق الواجبة، لوقف هذه المدرسة، و أن ينظروا إليهم بنظر الرحمة و الرأفة، فإن الحاكم العادل في رعيته كالوالد الشفيق علي ولده ألا و إن كل من سن سنة حسنة كان له أجرها و أجر من عمل بها إلي يوم القيامة، و

من سن سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من يعمل بها إلي يوم القيامة، و أن لا يتعرضوا بمتولي هذا الوقف و مستوفيه و مشرفه من استرفاع حساب أو نصب أو ترتيب و لا يداخلوهم في ذلك بشبهة من الشبه و لا يعقد بهذه المدرسة ديوانا لفصل القضايا الشرعية، أو ينازعوا فيه. فإن هذا الموضع موطن العلماء و منزل الصلحاء فطوبي ثم طوبي لمن استجلب ترحما لنفسه؛ و ويل ثم ويل لمن صاحبته اللعنة في رمسه، فيمثل ما تعاملون في حياتكم تعاملون في مخلفاتكم بعد مماتكم فإن المكافأة من الطبيعة واجبة، كما تدين تدان، و كما تزرع تحصد، فإن الدنيا غدارة غرارة و إن طالت مدتها فما طالت، و إن نالت لصاحبها فما نالت. و من غير شروط هذه الأوقاف، أو تصرف فيها خلاف ما شرطت في الوقفية فهو ظالم عند اللّه ألا لعنة اللّه علي الظالمين؛ و عليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين؛ و مأواه جهنم و بئس المصير و ألحق بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا و ما ذلك علي اللّه بعزيز؛ و شرط الواقف تقبل اللّه منه الحسنات و لا و اخذه ما كسبت يداه من السيئات أن لا يسلم من الأراضي الموقوفة من النواحي و البساتين و البسوط بالقرار الشمسي شيئا أصلا؛ و لا من المسقفات من الدكاكين و الخانات و الطواحين بالعرضة أبدا، و من فعل ذلك فحكمه باطل؛ و شرطه مفسوخ؛ و تصرف من تصرف فيها بهذه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 104

الشبهة حرام سحت و فاعله مأثوم، ملوم الخالق و الخلق فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما

إِثْمُهُ عَلَي الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ و كتب في شهور سنة ثمان و خمسين و سبعمائة و الحمد للّه وحده و الصلاة و السلام علي نبي الرحمة و شفيع الأمة؛ و كاشف الغمة النبي الأمي العربي الهاشمي القرشي المكي المدني سيد المرسلين و رسول رب العالمين و خاتم النبيين و علي آله الطاهرين الكرام و صحبه المنتخبين البررة و سلم تسليما كثيرا. ا ه.

الكتابات المنقورة علي الجدران:

و في المدرسة كتابات أخري في مواطن متعددة تتعلق بالموقوفات نقلها بوقتها المرحوم السيد نعمان خير الدين الآلوسي و عليه اعتمدت في ذكر نص الوقفية و الكتابات الأخري في المدرسة. و هذا نص المكتوب في إيوان المزملات: «بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه حق حمده، و الصلاة و السلام علي نبي الهدي محمد و آله و صحبه من بعده. يقول الواقف مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن السلطاني الأولجايتي من غير شروط أوقافي، أو تصرف فيها خلاف ما شرطت لعن في الدنيا و الآخرة، و ألحق بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً و شرطت أن لا يؤجر أكثر من سنة واحدة: و لا يعقد عقد إجارة قبل انقضاء العقد الأول، و لا يوفر من الموقوفات شي ء بوجه المرسومات بعد المرتزقة بها مما ذكر فهو ظالم عند اللّه. و صلي اللّه علي سيدنا محمد النبي الأمي. و علي آله

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 105

الطيبين الطاهرين و صحبه و سلم. و ذلك في شهور سنة ثمان و خمسين و سبعمائة. كتبه أضعف عباد اللّه تعالي

أحمد شاه النقاش التبريزي أحسن اللّه إليه في الدنيا و الآخرة». ا ه.

و هذه الكتابة سقطت من مدة و قد احتفظ بأحجارها … و لكنها لم تعد إلي موطنها …

و هذا نص الكتابة المحفورة علي ظاهر جدار المصلي و الموجودة فوق سطح الطارمة:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم. في بيوت أذن اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه. أنشأه المفتقر لمغفرة الملك المنان مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن السلطاني الأولجايتي. تقبل اللّه منه في الدارين طاعاته، و صلي اللّه علي سيدنا محمد و آله و صحبه الطيبين الطاهرين و سلم». ا ه.

و المكتوب علي باب الجامع: (المدرسة)

بسم اللّه الرحمن الرحيم. إِنَّما يَخْشَي اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ و إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ. هذه مدرسة رصينة البناء؛ مشيدة الأرجاء، أنشأها المفتقر إلي عفو ربه الملك المنان مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن.

ابتدأ بها في أيام دولة المخدوم المكرم؛ و النويان الأعظم؛ السلطان حسن أنار اللّه برهانه، و كملت في أيام ايالة ولده النويان الأعظم، سر العدالة في العالم؛ سلطان السلاطين، غياث الدنيا و الدين و مغيث

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 106

الإسلام و المسلمين، الشيخ أويس، لا زال هذا الملك الأعظم ملجأ و ملاذا للأمم؛ علي أن يدرس فيها مذهبا الإمامين الهمامين، و المجتهدين الأعظمين الإمام أبي حنيفة و الإمام محمد بن إدريس الشافعي عليهما الرحمة و الرضوان. و ذلك في سنة ثمان و خمسين و سبعمائة. و الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي سيدنا محمد و آله و صحبه أجمعين. بقلم الفقير إليه تعالي أحمد شاه النقاش التبريزي عفا اللّه

عن تقصيره» ا ه.

هذا ما نقله صاحب مساجد بغداد و قال نعمان الآلوسي بعد أن ذكر الآية إلي آخرها و أنه أتمها في زمن أويس أن بعد ذلك أسطرا قد محيت و اندرست و مسح عليها بالجص أيضا ككثير مما كتب علي جدران أوقافه.. و في لغة العرب ذكر الأديب الفاضل مصطفي جواد نص ما تمكن من قراءته …

و قد رمم باب الجامع و احتفظ بوضعه القديم و أعيد المنهدم إلي مثل ما كان عليه كما أصلح مصلاه و عليت أرضه في أيام تولية المرحوم الشيخ أمين عالي آل باش أعيان العباسي وزارة الأوقاف سنة 1345 ه فاحتفظ بهذا الأثر الجليل.

و هذه المدرسة قويت علي الأيام و لا تزال قائمة و كان قد أمر سليمان باشا الكبير والي بغداد أن يوسع المصلي بهدم بعض الحجر المبنية و إدخالها فيه، و جعل فيها عبد الله الراوي أو عبد الرحمن الراوي مدرسا فأرخ ذلك بهذه الأبيات:

تبارك من أنشا الأنام و أوجدا و قيض منهم من يقام به الهدي

ففي كل قرن يبدو منه مجدد حديث أتي عن سيد الرسل مسندا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 107

فكان بهذا القرن حقا مجددا وزير محا رجس الضلالة و الردي

فأحيا ربوع العلم بعد دروسها و كم جامع أحيا و جدد مسجدا

و مذ بان في هذا المكان تخلخل تداركه فورا فأضحي مشيدا

هنيئا له حاز الثواب لأنه نوي عملا للّه صرفا مجردا

و فيه روي الراوي الحديث مؤرخا سليمان أضحي عادلا بل مجددا

1200 ه هذا ما ذكره السيد نعمان الآلوسي و من دفتره نقلت و يقاربه ما جاء في مساجد بغداد. و الملحوظ أن باب المصلي قد كتبت عليه هذه الأبيات منقوشة علي الكاشي

في التاريخ المذكور أعلاه بخط الخطاط العراقي الشهير نعمان الذكائي.

2- دار الشفاء:

من آثار الخواجة مرجان دار الشفاء. و هذه عادت اليوم قهوة تحتانية و أخري فوقانية و تعرف ب (قهوة الشط). ثم صارت التحتانية محلا معدا للأعمال التجارية و لا تزال الأخري قهوة. و كانت تؤدي (إجارة عرصة) للأوقاف، و هي الآن من أوقاف (مدرسة اليانس) اليهودية و كذا الأملاك المتصلة بها.. و قد نبه علي ذلك المرحوم السيد نعمان خير الدين و عينها في هامش دائرة المعارف للبستاني الموقوفة بين كتب مكتبته التي انضمت إلي دار كتب الأوقاف العامة. و أيد ذلك الأستاذ السيد محمود شكري الآلوسي في تاريخ مساجد بغداد..

و من الموقوفات علي المدرسة و علي دار الشفاء (خان الأورتمة) و سيأتي الكلام عليه في حينه. و قد اندرس غالب الموقوفات لهما، فلا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 108

زينة الطابوق في جامع مرجان- هرتسفيلد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 109

يفيد مع النفوس الشريرة اللعن و التهديد بغضب اللّه … مما ذكره الواقف رحمه اللّه تعالي في متن وقفيته و سائر ما حفره علي الأحجار..

و الواقف أول من التفت إلي عمل مثل هذا الأثر الجليل من عهد انقراض الحكومة العباسية فلم تهتم هذه الحكومة بمثل هذه الأمور …

و الأهلون مهملون من ناحية الصحة و الثقافة لو لا أن أهل الخير شخصيا، و الواقفين السابقين أسسوا هذه المؤسسات النافعة.. فالحكومة لا هم لها إلا الجباية و سلب الأموال … و لم تقلل من جشعها حتي في أيام اتخذت فيها بغداد عاصمة و زاد الاعتناء بها … و إنما قام بالأعمال الخيرية أفراد حبا في الثواب …

الملك الأشرف- انقراض الحكومة الجوبانية:

كان قد ولي الملك الأشرف بعد أخيه الشيخ حسن الصغير كما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 110

مر

سابقا و هذا نصب (نوشيروان العادل) من ذرية هلاكو ملكا، ثم عزله و أعلن حكومته مستقلا فضربت باسمه النقود، و قرئت له الخطب و كان سيئ السيرة جدا. و في أيامه ترك غالب المسلمين أوطانهم و هاجروا إلي الأنحاء الأخري، فلم يطيقوا الصبر علي شراسته و قسوته. و كان بين هؤلاء النازحين القاضي محيي الدين البردعي فقد هرب من وجهه، و ترك تبريز فالتجأ إلي جاني بيك ملك القفجاق؛ و كان قد ولي هذا بعد والده أوزبك أما القاضي المزبور فإنه عدد مساوي الملك الأشرف و قصها علي جاني بيك و حضار ديوانه فلم يتمالكوا استماع ما ذكره فأجهشوا بالبكاء … ذلك ما دعا أن يجهز الملك عليه في مدة قليلة جيشا لجبا، و يحضر الحرب بنفسه فدخل آذربيجان سنة 758 ه و تصادم مع جيش الملك الأشرف في خوي. و في هذه المعركة تغلب القفجاق علي الملك الأشرف السلدوزي فقتل و استولي السلطان علي خزائنه …

و كان الأشرف قد ظلم الخلق و اكتنز الخزائن فاستفاد غيره منها و قد قيل في ذلك:

ديدي كه چه كرد أشرف خر أو مظلمه برد و ديكري زر

فانقرضت بهذا الحكومة الجوبانية و هي من متغلبة المغول و قد بسطنا القول في غالب حوادثها مع العراق فصارت في خبر كان. أما جاني بيك ملك القفجاق فإنه أسر تيمورتاش ابن الملك الأشرف و سلطان بخت بنته و عاد إلي عاصمته (السراي)، و أبقي ابنه بردي بيك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 111

بخمسين ألفا في آذربيجان و لكن ابنه لم يلبث إلا قليلا فعاد إلي مملكته (القفجاق) لمرض أصاب والده جاني بيك فجعل بردي بيك عوضه الأمير أخي جوق نائبا عنه

في تبريز.

و قد بسط صاحب (تلفيق الأخبار و تلقيح الآثار) القول في هذه الوقعة و نقل عن مؤرخين كثيرين و بحث عن ملوكهم مفصلا و ذكر أن محمود جاني بيك مرض في الطريق أثناء عودته إلي مملكته فأرسل أمراؤه وراء ابنه بردي بيك يعلمونه بالخبر و يطلبونه للحضور سريعا و حينئذ ولي علي تبريز أميرا قيل هو وزيره سراي تيمر، و قيل أخي جوق وزير الملك الأشرف و وصل بردي بيك إلي (سراي) و قد توفي أبوه السلطان في هذه السنة (758 ه).. فنصب الابن بردي بيك ملكا مكانه في تلك السنة. قال أبو الغازي صاحب شجرة الترك: «إن بردي بيك كان ظالما غشوما فاسقا قاسي القلب ما ترك أحدا من إخوانه و أقاربه بل قتل الكل، و ظن أن الملك يدوم له و لم يدر أن الدنيا فانية سريعة الزوال فلم يدم له الملك إلا مقدار سنتين فمات في سنة 762 ه، و انقطع بموته نسب صاين خان يعني الملك باتو..» ا ه. و قال ابن خلدون: «استقل بالدولة لثلاث سنين من ملكه» ا ه، فيكون جلوسه سنة 759 ه، و بموته وقع الاختلال في دولتهم و كثر الهرج و المرج فتفرقوا إلي دويلات صغيرة …

حوادث سنة 759 ه- 1358 م

السلطان- فتح آذربيجان:

في هذه السنة أيام الربيع علم السلطان أويس أن بردي بيك خان رجع إلي مملكة الدشت (القفجاق) و إن أخي جوق بالنيابة عنه استولي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 112

علي آذربيجان بالوجه المذكور أعلاه، أو أنه تغلب علي الأمير المنصوب.. فجهز السلطان جيشا عرمرما من بغداد و توجه تلقاء تبريز.

أما أخي جوق فقد تأهب للنضال و سارع لقتاله و صار ينتظره بجيشه عازما علي حربه فكانت المعركة

بينهما شديدة و الصدام قويا إلا أن الحرب لم تسفر في اليوم الأول عن نتيجة، و لم يظهر الغالب من المغلوب و هكذا استمرت إلي اليوم الثاني فأصابت أخي جوق الهزيمة فمال إلي أنحاء تبريز فارا و لكن السلطان أويس لم يمهله و تعقب أثره فقطع أخي جوق أن السلطان لاحق به فهرب إلي جهات نخچوان و حينئذ ورد السلطان تبريز و نزل (الربع الرشيدي) في رمضان سنة 759 ه. و من ثم وافي أمراء الشرق لعرض الطاعة له و تقديم الإخلاص … إلا أنه لم تمض عليهم بضعة أيام حتي نووا الغدر بالسلطان و علي هذا طبق عليهم «الياسا» أي أنه قتل منهم في رمضان هذه السنة ما يقرب من 47 أميرا. و الباقون ذهبوا إلي أخي جوق و لحقوا به، و هذا سار من نخچوان إلي قراباغ اران، و عند ذلك رشح السلطان الأمير علي بيلتن لحرب هؤلاء المخالفين فتوجه نحو أخي جوه و لكنه تهاون كثيرا و أبدي تكاسلا، و لم يبال بالأمر فأصابته الكسرة و انتصر عليه أعداؤه فقدر لهذه البلاد أن يستولي عليها هذا الأمير ثانية. فاضطر السلطان أن يعود إلي بغداد و يعد للأمر عدته.. و تمكن أخي جوق من التغلب عليها مرة أخري. و قد أصاب هذه الأنحاء من الأضرار في النفوس و الأموال ما لا يدخله إحصاء …

حوادث سنة 760 ه- 1359 م

عود إلي وقائع آذربيجان:

مرت حوادث تبريز في السنة الماضية. و في فصل الربيع من هذه السنة جرد الأمير مبارز الدين محمد مظفر جيشا من شيراز و ساقه إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 113

تبريز فلم يطق الأمير أخي جوق الصبر علي مقارعته ففر من وجهه …

و في ذلك الحين فاجأت الأخبار

بمسير السلطان أويس و توجهه تلقاء تبريز فلم ير الأمير مبارز الدين بدا من العودة إلي مملكته بخفي حنين و ترك البلاد فدخل السلطان تبريز و نزل دار الخواجة الشيخ كج من مشايخ و علماء تبريز …

و في هذه الأثناء التجأ الأمير أخي جوق إلي صدر الدين الخاقاني و من ثم دارت المفاوضات في الصلح و طلب العفو للأمير أخي جوق فنال عطف السلطان إلا أنه بعد أن اطمأن و استراح مدة أنبأ الخواجة الشيخ السلطان أويس دخيلة الأمير و ما عزم كل من علي بيلتن و جلال الدين علي الغدر به فأمر السلطان أن يقتل هؤلاء الثلاثة فقتلوا و نجا الناس من فتنهم و غوائلهم …

و من ثم دخلت تبريز في حوزة السلطان و كذا آذربيجان و اران و موقان و الأنحاء المجاورة الأخري حتي سواحل بحر الخزر فوسعت مملكة الجلايرية توسعا كبيرا و صارت آذربيجان مصيفا، و العراق مشتي لها كما كانت علي عهد المغول.

خان الاورتمة: (أثر تاريخي)

في هذه السنة بني هذا الخان. و لا يزال قائما إلا أنه تداعت بعض أركانه فرممته دائرة الآثار و أصلحت بعض نواحيه في هذه السنة (سنة 1355 ه)، و هو شاهد الاعتناء في اتقان العمارة و إحكامها … و هذا نص ما جاء مكتوبا علي بابه نقلا عن السيد نعمان خير الدين الآلوسي قال:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 114

الكتابة علي باب خان الأورتمة- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 115

صورة ما حرر في الحجر في باب الخان المعروف بخان الأورتمة أي المسقف بالأحجار، و قد ذهب بعض الأسطر من أعلي المكتوب و الذي بقي هو هذا:

«… الاولجايتي وقفها علي المدرسة المرجانية و دار

الشفاء بباب الغربة (كذلك عقرقوف)، و النصف للقائمة (من القائمية)، و تل دحيم، و مزرعة بالصراة، و بساتين بالمخرمية و بساتين بقرية البزل (الترك)، و الرادماز، و خرم آباد و رباط جلولا المعروف بقزلرباط، و زرين جوي، و نصف دوري، و بساتين ببعقوبة و بوهريز و بالبدنيجين، و خان و دكاكين بالحلبة، و أربع خانات و دكاكين بالجوهريين، و خان بالجانب الغربي، و دكان كاغد بالحريم كما هو محدود مشروح في الوقفية وقفا صحيحا شرعيا، تقبل اللّه تعالي منه الطاعات في الدارين و (بلغه) نهاية المراد، و كان الفراغ منه سنة ستين و سبعمائة. و الحمد للّه وحده و صلي اللّه علي سيدنا محمد النبي الأمي العربي الصادق، و علي آله الطيبين الطاهرين و صحبه و سلم.

كتبه الفقير إلي رحمة ربه احمد شاه النقاش المعروف بزرين قلم.

غفر اللّه ذنوبه» ا ه.

هذا ما وجد بخطه.

و جاء في لغة العرب نص المكتوب بقراءة الأديب الفاضل مصطفي جواد:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم. أمر بإنشاء هذا النيم و المنازل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 116

و الدكاكين المولي المخدوم الأمر الصاحب الأعظم الأعدل ملك ملوك الأمر في العالم. صاحب العدل الموفور. عضد السلطنة و الإمارة، حاوي مرتبة الإمارة و الوزارة، افتخار شهد الأوان، المخصوص بعناية الرحمن، أمين الدين مرجان الأولجايتي وقفها علي المدرسة.

الخ» ا ه.

و الباقي لا يختلف عن النص السابق إلا في بعض الألفاظ، ذكرتها بين قوسين في النص المنقول عن الآلوسي و النص في تاريخ مساجد بغداد غير صحيح..

و كتب علي صخرة في مدخل باب الخان ما نصه:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم. في أيام حضرة السلطان الوالي الدال علي المذهب الإمامي شاه إسماعيل بن حيدر الصفوي الحسني. أيدت دولته و

وقف عالي جناب الأمير الكبير، المخصوص من اللّه بالعناية و الإحسان، الأمير العادل (قنغرار) سلطان علي قول اللّه تعالي: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ و اعلم أن عواقب الظلم ذميمة، و موارده وخيمة، فصدر الأمر العالي بألا يؤخذ من دلالي الإبريسم و من غرة (الظاهر غير) الأقمشة شي ء بعلة التمغا و من غير ذلك أو شيئا منه فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين، و كتبه في ذي الحجة سنة 921 و الحمد للّه وحده» ا ه.

ذكره الأديب الفاضل مصطفي جواد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 117

وفيات
1- الأمير سيف بن فضل:

مرت حوادثه سنة 748 ه و قد دامت الحروب مع سائر الأمراء إلي أن قتل في هذه السنة أو التي قبلها. و جاء في عقد الجمان أنه توفي سنة 760 ه مقتولا، و التفصيل عنه في الدرر الكامنة.

2- محمد بن علي بن أحمد السهروردي:

مات ببغداد سنة 760 ه، و كان مولدته في رجب سنة 686 ه سمع من الرشيد بن أبي القاسم العوارف للسهروردي، و منه أخذ مشيخة السهروردي و لبس الخرقة؛ و أجاز له جماعة.

حوادث سنة 761 ه- 1360 م

بيرام بيك ابن سلطان شاه- السلطان أويس:

إن هذا الأمير كان محبوب السلطان أويس، و نديمه الملازم له، أحبه حبا جما.. و في بعض مجالس الشراب تعارك مرة مع أحد الندماء فغضب مما ناله و ذهب إلي بغداد، و ترك السلطان في تبريز، و إن الخواجة سلمان الساوجي نظم للسلطان «فراقنامه» و لكن السلطان لم يطق فراقه و عظم عليه الأمر فأرسل إليه بعض رجاله فطلبه إلي تبريز و استعاده إليه. كذا في حبيب السير.

و فراقنامه هذه مثنوي فارسي يحتوي ما يقرب من ألف بيت و هو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 118

مبتن علي أن بيرام شاه (بيرام بيك) كان معشوق السلطان بحيث لا يستطيع أن يفارقه لحظة. إلا أن هذا المثنوي نظمه الخواجه سلمان الساوجي في حادث وفاته سنة 769 ه لا في هذه الأيام، و كان تاريخ نظمه عام 770 ه بعد أن رأي أن قد نفدت الحيل و الوسائل في صرف السلطان و تسليته إلي ناحية أخري بسبب وفاة بيرام شاه فقد كان يورد له قصصا أدبية لمشاهير الشعراء مثل (فراق شمس و قمر) و (روز و شب)، و (گل و بلبل)، و (شيرين و فرهاد)، و (ليلي و مجنون)، و (وامق و عذراء) … فلم يجد فيها ما يسكن ملتهب شوقه و علي هذا الحادث نظم الشاعر له فراقنامه هذه فكانت تعد من الآثار المهمة ذات المكانة الأدبية الممتازة. قال الجامي عنها إنها «كتاب بديع و نظم لطيف» و هذه شهادة كافية للتعريف بقيمتها

الأدبية …

و كان السلطان أويس أمره بنظم حكاية تناسب الحالة و لكنه فضح بها السلطان و أذاع حادث حبه و ولهه … لبس عليه السواد، حزن حزنا عظيما فحكي الخواجة سلمان قصة عشقه هذه، و ما ناله من نصب الفراق و عودته له ثم وفاته … فانكشف أمره بهذه القصيدة، و دعت إلي التقول عليه..

وفيات
1- فياض بن مهنا بن عيسي:

من آل فضل، أمير العرب. ولي الإمرة من الناصر، ثم وليها بعد أخيه أحمد و بعدها عزل … و هكذا حتي جاء العراق فتوفي سنة 761 ه و كان سيئ السيرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 119

حوادث سنة 762 ه- 1361 م

مخدوم شاه داية السلطان:

في هذه السنة تزوج سلمان بك داية السلطان (مرضعته) و تسمي مخدوم شاه و تلقب ايكجي. و كانت تعد من الأميرات، و هي عظيمة الشأن، صائبة الرأي و كان يهرع إليها في حل القضايا المهمة و الخطوب المدلهمة.. و بهذا نال زوجها منصب الإمارة … فإن هذا الزواج كان بأمر من السلطان و رغبته، و كان السلطان لا يزال في تبريز …

و من ثم صار يدعي هذا الأمير (سليمان أتابك)، و هو أمير الأمراء كما أن الوزارة نالها الخواجة نجيب الدين و قد نظم المولي الياس قلندر أبياتا فارسية في ذلك ذكرها صاحب روضة الصفا (ج 5 ص 170).

حوادث سنة 763 ه- 1362 م

مدرسة و دار شفاء
آثار مخدوم شاه:
اشارة

في هذه السنة ذهبت مخدوم شاه إلي الحج و قامت بالعمارات التالية:

1- عمارة الايكجية:

لقبت مخدوم شاه المذكورة باسم عمارتها هذه. فقيل لها ايكجية، أو أن لقبها هذا انتقل إلي عمارتها و الظاهر أنها عمارة سوق الغزل.

و لفظ إيكجية يعني أصحاب المغازل و هو سوق المغازل و لا يزال إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 120

اليوم معروفا بسوق الغزل و تباع فيه المغازل و بعد أن خرب الجامع و اندثرت موقوفاته عمرتها مجددا … و أحيت (جامع الخلفاء) الذي لا يزال يسمي جامع سوق الغزل أيضا. و قد ضاعت عنا تفاصيل أخبارها.

2- المدرسة:

و هذه لا يعرف مكانها بالتحقيق و إنما جاء في الغياثي «لها مدرسة عظيمة» و لم يعين موقعها … و الصلة قد انقطعت فلم تعد تعرف ما كانت عليه … و إلي إين صارت …

3- دار الشفاء:

و هذه أيضا من آثارها، و علي ما جاء في تاريخ الغياثي كانت دار الشفاء علي جانب دجلة. فبني السلطان أحمد في وجهها القلندر خانة.

المولي خانة أو جامع الآصفية

و القلندر خانة هذه هي المعروفة بعد ذلك ب (المولي خانة) أو (المولوي خانة) بناها محمد چلبي كاتب الديوان و كاتم السر في عهد أحد المتغلبة علي بغداد أحمد الطويل سنة 1017 ه، و جعلها تكية لدراويش المولوية. و حافظت علي اسمها إلي أيام داود باشا فجدد عمارتها و من ثم صارت تسمي ب «جامع الآصفية» نسبة إلي داود باشا المنعوت بآصف زمانه.. و قد جاء في الوقفية المؤرخة في غرة رجب سنة 1243 ه أن القاضي بمدينة بغداد إبراهيم أفندي بن محمد أفندي قد ثبت عنه أنه في 2 رجب سنة 1241 ه جاء جماعة من العلماء إلي قاضي بغداد يومئذ محمد راشد أفندي بن فخر الدين فأخبروه بأن طريق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 121

الجسر النافذ إلي الجانب الشرقي من البلد الممتد من مسناة الجسر إلي القهوة الشهيرة بقهوة زنبور فيه ضيق علي المجتازين بسببه يحصل ازدحام و مشقة للمارين خصوصا من ضعف منهم كالصبيان و الشيوخ و الزمنين، و سبب ذلك أنه جادة واحدة ليس لها ثانية، و يقابله من طرف الجسر الآخر الغربي ثلاث طرق متحاذية متباينة، فطلبوا منه أن يعرض هذا الحال لحضرة الوزير … داود … و يرجو منه أن يفتح بابا للجسر آخر، و يجعل داخل الباب طريقا عاما يسلك منه الصغير و الكبير فيكون في ذلك تيسير للسالكين و أن يفتح الباب من مكان في حذاء الجسر هدمت عمارته و هو الآن خراب ليس فيه منفعة دنيوية و لا مصلحة أخروية،

و مع ذلك فهو مأوي المفسدين و الزناة و الفسقة. و بعد الإلحاح علي القاضي أجابهم معتذرا بأنه لقرب عهده لم يميز أمور البلد الخيرية عن الشرية. و في اليوم الثاني جاءه أعيان العلماء بأجمعهم و بينهم مفتي الحنفية محمد أسعد أفندي، و مفتي الشافعية عبيد الله أفندي، و السيد محمود أفندي نقيب الأشراف فالتمسوا منه أن يعرض الحال علي الوزير الذي منذ جلس علي تخت المملكة باشر بتعمير الجوامع و المساجد و القناطر و الجسور. فذهبوا جميعا إلي المكان لرؤيته، و مشاهدة الازدحام و ما فيه من الأذي … و من ثم تحققت له المنفعة فعرض حينئذ الحالة علي حضرة الوزير … فلما اطلع الوزير علي إعلام حاكم الشرع الشريف و علم أن في ذلك مصلحة شرع في عمارة الباب و الطريق العام. و عمر عمارات في رأس الطريق فجعل قهوة مشرفة علي الدجلة العظمي و خانا للتجار و 26 دكانا، و دكة صراف و كرخانة يحمس فيها قهوة البن تسمي بالتحميس، و كرخانة أخري يعمل فيها الخبز و بني بحذاء الطريق (جامعا) حسنا في داخله مدرستان و حجر كثيرة لسكني طلبة العلم.. و في طرفيه مأذنتان. ثم إن حضرة الوزير.. لما فرغ من هذه العمارات وقفها علي (جامع الآصفية) الذي أنشأه و عدد شروط الوقف و مصارف الجامع و المدرستين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 122

و علي كل لا يزال يسمي الجامع ب (الآصفية) و ب (المولي خانة) و قد ذكر في تاريخ مساجد بغداد ما قيل من الشعر في تاريخ تجديده و فصلت أمور أخري مهمة لا نري حاجة في تكرارها.. و الأصل من مؤسسات مخدوم شاه المذكورة. و لا يعرف

بالتحقيق ما كان قبل ذلك.

وفيات
1- ابن الدريهم الموصلي:

هو تاج الدين علي بن محمد بن عبد العزيز الثعلبي المعروف بابن الدريهم، و هو لقب أحد أجداده سعيد ولد في شعبان سنة 712 ه؛ و قرأ القرآن بالروايات علي أبي بكر بن العلم سنجر الموصلي، و تفقه علي الشيخ نور الدين علي ابن شيخ العوينة، و أخذ عن علاء الدين بن التركماني، و شمس الدين الأصفهاني.. و سافر إلي دمشق ثم القاهرة فأثري و تمول، و له حوادث في مصر و سورية؛ ثم رتب مدرسا بالجامع الأموي، ثم في صحابة ديوان الجامع؛ ثم رتب في ديوان الأسري.

دخل مصر فبعثه الناصر حسن رسولا إلي الحبشة و هو مكره علي ذلك فوصل إلي قوص فمات في صفر هذه السنة (762 ه).

و كان ماهرا في الأحاجي و الألغاز و حل المترجم و الأوفاق و الكلام علي الحروف و خواصها.

و في كشف الظنون توفي سنة 763 ه و له منظومة في المعمي شرحها في كتاب سماه مفتاح (الكنوز في حل الرموز)..

2- شمس الدين محمد بن عيسي بن كر:

و يروي كثير عوض (كر) و هو مرواني بغدادي ثم مصري حنبلي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 123

ولد سنة 681 ه و كان قدم أبوه من بغداد إلي القاهرة حين غلب عليها هلاكو. ولي مشيخة الزاوية التي بجوار المشهد الحسيني، و أخري بالقرب من الدكة … كان موسيقيا، أخذها عن غير واحد ففاق الأقران و صنف فيها تصنيفا بديعا في فنه فهو فرد لا يلحق، فقد نقل مذاهب القدماء و حررها، و أخذ علي نفسه بأن لا يمر به صوت مما ذكره الأصبهاني إلا و يجي ء به علي وجهه، و لم يتكسب ببضاعة الموسقي، ذكر ذلك ابن فضل الله و قال لقد رأيته يوما غني فأضحك،

ثم غني فأبكي، ثم غني فنوم فرأيت بعيني ما كنت سمعت بأذني عن الفارابي.

مات سنة 763 ه.

حوادث سنة 764 ه- 1363 م

وفيات
محمد بن الحسين الربعي (ابن الكويك):

هو شرف الدين محمد بن الحسين بن محمود بن أبي الفتح المعروف بابن الكويك الربعي التكريتي ثم المصري كان من أعيان التجار الكارمية، و هو صاحب المدرسة الكبيرة بمصر، جعلها دار الحديث، و رصد لها أوقافا كثيرة. مات بمكة مجاورا سنة 764 ه و ترك مالا كثيرا جدا فأفسده ولده محمد في سنة واحدة فيقال إنه أتلف فيها سبعين ألف مثقال ذهبا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 124

حوادث سنة 765 ه- 1364 م

عصيان والي بغداد الخواجة مرجان:

كان السلطان قد بقي في تبريز إلي هذه الأيام، و فيها عصي الوالي الذي كان قد نصبه علي بغداد من حين ذهب، و حاول أن يستقل في بغداد، و أعلن حكومته، و جاهر بمخالفة السلطان.. و هذا هو صاحب الأوقاف المذكورة سابقا فسار السلطان إليه من حين سمع؛ و عزم علي دفع غائلته، فتأهب الفريقان للقتال. و في أثناء تقابل الجيوش قام الأمير زكريا وزير السلطان أويس و نادي الأمراء الذين مع الخواجة مرجان كلّا باسمه (يا فلان) فقالوا نعم: فقال إننا إذا جاء أمر ربنا و بذلنا نفوسنا في سبيل السلطان فلنا العذر، و أما أنتم فتبذلون أنفسكم لطواشي قليل القيمة و القدر. فلما سمعوا هذا الكلام انحازوا إلي عسكر السلطان، و بقي مرجان وحده فريدا ففر إلي المدينة و خرب جسر دجلة. و في اليوم التالي طلب رحمة السلطان و لطفه به و رأفته و فتح له أبواب بغداد، و إن العلماء و السادة و المشايخ و العارفين قد استقبلوا موكب السلطان؛ كما أوصاهم الخواجة مرجان و شفعوا في العفو عنه فدخل بغداد. و حينئذ عفا عن الخواجة مرجان إذ تبين له أن الأمراء كانوا قد شوشوا عليه أمره؛ و أشاروا إليه أن يعصي

فلم يستطع أن يخالفهم خوفا علي نفسه فقبلت معذرته.

و ما جاء في الدرر من أن سبب عصيانه كان أحمد بن حسين أخي السلطان أويس و أن السلطان قتل أخاه حسينا المذكور فلا أثر له في التواريخ الأخري كما أن الوقعة لم تكن سنة 767 ه.

هذا و كان الخواجة مرجان قد فتح سدود دجلة فأغرق أطراف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 125

بغداد لمسافة أربع ساعات فقد كسر سد (قورج) و قطع الطريق فلم يتمكن السلطان من الاستيلاء علي البلد و مضت أيام و الوضع في توقف و لم يتيسر الأمر و من ثم أمر السلطان جماعة من أمرائه أن يذهبوا إلي النعمانية و يحصلوا علي سفن. و في هذه الأيام وافي لخدمة الملك قرا محمد حاكم واسط و سارع بإمداد السلطان و قدم له سفنا كثيرة فتمكن من العبور و الاستيلاء علي بغداد و ألقي القبض علي الخواجة مرجان بالوجه المذكور.

و الخواجة مرجان كان طواشا، رومي الأصل و يلقب بأمين الدين ابن عبد الله بن عبد الرحمن الأولجايتي نسبة إلي السلطان أولجايتو (محمد خدابنده) أحد سلاطين المغول و كان من مماليكه … و من المقطوع به أنه لم يرجع إلي ولاية بغداد ثانية إلا بعد مدة. و بيانه في نص الوقفية يشعر بمجمل حياته.. و الأمراء أساس الفتن و منبع الغوائل، و هم الذين اضطروه علي القيام فلم يره صالحا للحكم إذ تحقق ضعف نفسه. و في هذه الوقعة قتل السلطان من أمرائه كيخسرو، و شيخ علي، و محمد بيلتن، و علي خواجة و جماعة آخرين كان قد ارتاب فيهم …

و لهذه دخل علي ما يظهر في أصل الحادث.

و للخواجة سلمان الساوجي قصيدة في هذه

الوقعة ذكرها صاحب روضة الصفا و مثبتة في ديوانه و في كتاب سلمان الساوجي لرشيد ياسمي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 126

فتح فارس:

في هذه السنة أشار الخواجة سلمان في قصيدة له إلي استيلاء السلطان علي فارس و لكن هذه مساعدة من السلطان أويس لشاه محمود المظفري، و فيها تسلطت الجيوش علي شاه شجاع و جعلت هذه الوقعة نفوذا للجلايرية و صيتا ذائعا إلي حدود كرمان و هرمز و خليج فارس …

و صار يخطب ود هذه الحكومة كل من شاه شجاع و أخيه شاه محمود و يريد أن يكون له حماية و صلة بها.

وفيات
1- مدرس البشيرية:

القاضي جمال الدين عبد الصمد بن إبراهيم بن خليل و يعرف بابن الخضري (الحصري) الحنبلي، محدث بغداد؛ المدرس في البشيرية، اختصر تفسير الرسعني، كان يحدث و يحضره خلق منهم المدرسون و الأكابر، و له ديوان شعر حسن، و خطب و وعظ. مدح الشيخ تقي الدين الزريراني و رثاه. و رثي الشيخ تقي الدين ابن تيمية أيضا توفي ببغداد في رمضان و دفن في مقبرة الإمام أحمد.

2- شهاب الدين الشيرجي (السرحي):

هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن سليمان الشيرجي (السرحي) مرت ترجمته في هذا المجلد و هو من وفيات هذه السنة فذكر هناك سهوا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 127

3- أبو عبد الله محمد الواسطي:

هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عبد الله الحسيني الواسطي المؤرخ ولد سنة 717 ه درس بالصارمية و أعاد بالشامية البرانية و كتب الكثير نسخا و تصنيفا بخطه الحسن. فمن تصانيفه مختصر الحلية لأبي نعيم في مجلدات سماه مجمع الأحباب، و تفسير كبير، و شرح مختصر ابن الحاجب في ثلاثة مجلدات، و كتاب في أصول الدين في مجلد، و كتاب في الرد علي الإسنوي في تناقضه و كان منجمعا عن الناس و الفقهاء خصوصا توفي في ربيع الأول و دفن عند مسجد القدم.

4- القاضي جمال الدين الشهيد:

جمال الدين أبو حفص عمر بن عبد المحسن بن إدريس الأنباري ثم البغدادي الحنبلي الشهيد الإمام الفاضل قرأ علي جمال الدين أحمد ابن علي البابصري و غيره و تفقه حتي مهر في المذهب و نصره و أقام في قمع البدع … و كان إماما في الترسل و النظم. و له نظم في مسائل الفرائض و ارتفع حتي لم يكن في المذهب أجل منه من زمانه. استشهد في هذه السنة. و في الدرر سنة 766 ه. و قال «كان من قضاة العدل، كثير الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، تعصب عليه جماعة …

و نسبوه إلي ما لا يصح عنه فضرب بين يدي الوزير، ضربا مبرحا فمات» ا ه. دفن في مقبرة الإمام أحمد في المدرسة التي عمرها.

5- مجد الدين أحمد بن علي بن الحسن بن خليفة البغدادي:

الحسيني التاجر ولد سنة 691 ه. أخذ عن ابن المطهر الحلي في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 128

المعقول، و قدم دمشق فشغل الناس و انتفع به جماعة و خلف ثروة جيدة مات في رمضان سنة 765 ه.

حوادث سنة 766 ه- 1364 م

سفر السلطان- والي بغداد الجديد:

إن السلطان أويس قضي- بعد وقعة الخواجة مرجان- نحو 11 شهرا براحة و طمأنينة و فوض منصب ولاية بغداد إلي (سلطان شاه خازن) و هذا الوالي هو والد بيرام شاه (بيك) المذكور سابقا …

وقائع الموصل و ما جاورها:

ثم توجه إلي الموصل فاستولي عليها و انتزعها من يد مراد خواجة أخي بيرام خواجة التركماني مؤسس حكومة قرا قوينلو و للخواجة سلمان الساوجي قصيدة في فتح الموصل ذكرها صاحب روضة الصفا … و من هناك سار إلي صحراء موش فحارب بيرام خواجة هناك و دمره و قبائله، ثم مال من طريق قرا كليا تبريز فأقام بها.. و دامت مدة إقامته فيها إلي آخر أيام حياته …

و قد تعرض لهذه الوقائع صاحب الشرفنامة في حوادث سنة 766 ه كما أن سلمان الساوجي جمعها مع فتح فارس سنة 766 في قصيدة واحدة مدح بها السلطان، و سماها (مفتاح الفتح) فمنحه السلطان من أجلها خمسة آلاف دينار أعطاها له من أموال الغنائم …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 129

وفيات
1- الشيخ نور الدين محمد بن محمود البغدادي:

هو الإمام المقري ء الحنبلي. سمع و خرج و قرأ و اقرأ، و تميز و ولي الحديث بمسجد يانس (كذا) بعد القاضي جمال الدين عبد الصمد المذكور في وفيات السنة السابقة. توفي ببغداد سنة 766 ه و دفن بمقبرة الإمام أحمد.

حوادث سنة 767 ه- 1365 م

1- الصاحب عز الدين أبو المكارم الحسين بن محمد الحسيني الأسدي:

البغدادي المعمر أبو المكارم بن كمال الدين بن تاج الدين المعروف بابن النيار ولد سنة 674 ه سمع من أبيه و الرشيد بن أبي القاسم … و أجاز له المجد بن بلدجي و ابن الطبال و غيرهما من شيوخ بغداد كما أنه أخذ عن غيرهم، و ناب في الحكم ببغداد علي مذهب الشافعي. و كان ممن ثبتت رياسته مات في صفر سنة 767 ه.

2- علي بن محمد بن يحيي بن هبة الله العباسي:

الحنفي البغدادي. سمع علي عبد الكريم بن بلدجي و علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 130

الرشيد بن أبي القاسم و ولي قضاء بغداد، و نقابة الأشراف، و درس و خطب. مات في رجب سنة 767 ه.

حوادث سنة 768 ه- 1366 م

وفيات
1- ابن العاقولي:

هو محيي الدين محمد بن جمال الدين عبد الله بن محمد بن علي ابن حماد بن ثابت الواسطي الأصل البغدادي المعروف (بابن العاقولي).

أخذ عن والده و غيره، و درس بالمستنصرية للشافعية، و انتهت إليه رئاسة العلم و التدريس ببغداد قال ابن رافع بلغنا أن والده كان يقول «ولدي محمد ممن أوتي الحكم صبيا». و هو والد الشيخ غياث الدين محمد. مات في 14، أو 17 رمضان سنة 768 ه عن 64 سنة، و مولده سنة 704 ه و أبوه ذكره الإسنوي في طبقاته.

حوادث سنة 769 ه- 1367 م

حكومة شروان:

هذه الحكومة أيام ملكها كاوس بن كيقباد كانت قد عاثت في أنحاء آذربيجان استفادة من غياب السلطان أويس فعزم علي تأديبها و الوقيعة بها.. فلما رأي كاوس ذلك أرسل جماعة من الأئمة و المشايخ في طلب العفو … فعنا السلطان عنه و هدأت الأمور.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 131

فيضان- غرق:

في هذه السنة فاضت دجلة و دخل الماء بغداد، فاض ليلا و دخل المدينة، و عند الصباح نقص الماء …

والي بغداد:

في هذه السنة توفي والي بغداد سلطان شاه خازن و هذا لم يظهر في أيامه ما يستحق التدوين أو لم يصل إلينا من حوادث أيامه شي ء يذكر.

والي بغداد الجديد:

عاد للمرة الثانية الخواجة مرجان و أعطاه السلطان الطوغ و العلم و النقارة … و دامت إيالته في بغداد لمدة ست سنوات (إلي سنة 774 ه) و قد بذل العدل و أمن السبل … و بني العمارة العالية الجديدة و أتم ما كان قد شرع به سابقا من الأبنية …

وفيات
1- الأمير قاسم ابن السلطان الشيخ حسن:

في هذه السنة توفي الأمير قاسم أخو السلطان أويس بمرض الدق فأجريت له مراسم الحداد فنقل إلي النجف الأشرف و دفن بجوار والده الشيخ حسن الايلگاني و كان قد ولد في جمادي الأولي سنة 748 ه.

و مقبرتهم موجودة داخل الصحن، عثر عليها في الأيام الأخيرة فأعيدت إلي ما كانت عليه … و للخواجة سلمان مرثية فيه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 132

2- بيرام شاه بن سلطان شاه خازن:

توفي في هذه السنة بيرام شاه ابن والي بغداد … فارتبك السلطان لموته و اضطرب، فتنغصت حياته و زاد حزنه عليه بحيث لم يفتر لحظة عن ادكاره … و قد مر بنا في سنة 761 ه حادث انفعاله من بعض الندماء و ذهابه إلي بغداد ثم استعادته إلي تبريز … و إن مصابه أثر تأثيرا عظيما علي السلطان. و قد أشرنا إلي ما كلف به الخواجة سلمان من نظم قصة فراقه (فراقنامه) و كان قد نظمها سنة 770 ه … فلا نري حاجة لإعادة الكلام هنا … و كان سبب وفاته إدمان الشرب …

حوادث سنة 770 ه- 1368 م

أمير العرب:

ولي في هذه السنة زامل بن موسي بن عيسي بن مهنا، ولاه الأشرف عوضا عن جماز بن مهنا أمير آل علي من طيئ، و كان قد تقلد جماز مكان مهنا بن موسي. و لما مات جماز أمر الناصر ولده رملة بن جماز.

وفاة الحاجة ماما خاتون:

في أوائل هذه السنة توفيت الحاجة ماما خاتون زوجة السلطان أويس و أم أولاده. فحزن عليها السلطان و أجريت لها مراسم الحداد …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 133

حوادث سنة 771 ه- 1369 م

طاعون عظيم:

حدث في تبريز طاعون عظيم، و كذلك في البلدان الشمالية، و قد بالغ المؤرخون في وفياته كثيرا فهو وباء فتاك جدّا..

وفيات
1- ابن العلامة الحلي:

هو الشيخ فخر الدين أبو طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي. مضت ترجمة والده في حوادث سنة 726 ه، و المترجم ولد في 22 جمادي الأولي سنة 682 ه ذكره جماعة من علماء الرجال منهم صاحب لؤلؤة البحرين و صاحب روضات الجنات.. و هو من مشاهير رجال الشيعة في الفقه و الكلام و علوم أخري إلا أنه لم يبلغ درجة والده العلامة، و غالب مؤلفاته شروح و حواش أو توضيحات لكتب والده … و له المكانة الرفيعة عند الشيعة و المعروف أنه أخذ عن عمه الشيخ رضي الدين علي بن المطهر و عن والده دون بيان سائر شيوخه.

و لعل شهرة والده غطت علي الكل. و الحق أن فقه والده لا يزال معمولا به من الفقهاء المعاصرين حتي الآن فيراعون غالب اختياراته و آرائه الفقهية في فقه الشيعة فلا غرابة أن يميل المترجم إلي جهة إيضاحها و شرحها و من مؤلفاته:

1- شرح القواعد سماه (إيضاح الفوائد في حل مشكلات القواعد) و الأصل لوالده.

2- شرح خطبة القواعد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 134

3- حاشية الإرشاد.

5- الكافية الوافية في الكلام.

6- شرح نهج المسترشدين و الأصل لوالده.

7- شرح مبادي ء الأصول.

8- شرح تهذيب الأصول.

أخذ عنه من المشاهير:

1- الشهيد.

2- السيد بدر الدين حسن بن نجم الدين المدني.

3- فخر الدين أحمد بن عبد الله المتوج البحراني.

4- السيد تاج الدين بن معية.

5- الشيخ ظهير الدين ابن السيد تاج الدين المذكور.

6- الشيخ نظام الدين علي بن عبد الحميد النيلي من مشايخ ابن فهد الحلي.

توفي في 15 جمادي الآخرة سنة

771 ه. و له ابن اسمه الشيخ ظهير الدين محمد …

2- شمس الدين ابن المعافي الموصلي:

هو محمد بن تاج الدين عبد الله بن عز الدين علي بن المعافي بن إسماعيل بن الحسين بن الحسن بن أبي سنان الموصلي الدمشقي. سمع بالموصل و دمشق و حدث عن أبي نصر بن الشيرازي، و ولي إمامة العدلية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 135

منارة جامع العاقولي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 136

وجه صندوق ضريح العاقولي- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 137

بدمشق، و كان له حانوت يتجر فيه.. و كان قد أضر، و كان خيرا، ساكنا، يلازم مواعيد الحديث …

مات في سادس ذي القعدة سنة 771 ه وجده المعافي المذكور من العلماء المشاهير توفي سنة 730 ه.

حوادث سنة 772 ه- 1370 م

الأمير ولي و السلطان أويس:

إن السلطان كان قد فتح فارس، ثم حدثت له منازعات مع الأمير ولي. و ذلك أنه بعد قتلة والده طغاي تيمور استولي علي مازندران و جرجان و قومس و لم يخل من مقارعات فهزمه السلطان أويس و جعل حكومة الري التي انتزعها منه إلي أحد أمرائه قتلغشاه. و بعد سنتين توفي المزبور فنصب السلطان مكانه (عادل آغا) و هذا كان شحنة بغداد فتعالت رتبته حتي صار من متميزي أمراء الدولة الإيلگانية المعروفين.

و للخواجة سلمان الساوجي قصيدة يهني ء بها السلطان في انتصاره علي عدوه الذي كان قد عاث في ساوة (بلدة الشاعر) و خربها.

حوادث سنة 773 ه- 1371 م

شعار السادة:

أمر الملك الأشرف (ملك مصر) في هذه السنة أن تلف عصائب خضر علي العمائم علامة للعلويين فعمت في الأقطار، و شاعت، و لا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 138

يزال أثرها باقيا إلي اليوم … و قال في هذا الحادث عبد الله بن جابر الأندلسي نزيل حلب:

جعلوا لأبناء الرسول علامة إن العلامة شأن من لم يشهر

نور النبوة في كريم وجوههم يغني الشريف عن الطراز الأخضر

و قال الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم بن بركة الدمشقي:

أطراف تيجان أتت من سندس خضر بأعلام علي الأشراف

و الأشرف السلطان خصهم بها شرفا ليفرقهم من الأطراف

و هكذا شاع لقب (السيد) للاختصاص في العلوية و لكن هذا لم يعين بمرسوم من أحد الملوك. و لا ذاع في زمن ما تعيينه. و في الأيام الأخيرة اكتسب شمولا.

ظهور تيمور لنك- أوليته:

في هذه السنة كان أول خروج تيمور لنك و استقلاله بالملك في تركستان و ما وراء النهر و هو تيمور لنك بن طرغاي (ترغاي) بن ابغاي الجغطايي ظهر بين كش و سمرقند.. قام كفاتح عظيم و قد أرخ بعضهم ذلك بكلمة (عذاب) و فيها من الرمز و الإشارة إلي أنه كان فاتكا قاسيا …

و وقائعه في العراق لا تزال ترن في الآذان، و تتناقلها الألسن، فنري التعريف بأوليته لازم كتمهيد لتفسير وقائعه و ما قام به من أعمال في الأقطار الإسلامية. و يعد من أكبر الفاتحين و حاول أن يقوم بأكبر مما قام به جنكيز خان المشهور … و قد أفرد جماعة من المؤرخين أيام نهضته بالتأليف لما قام به من أعمال جليلة تركت أثرا عظيما في النفوس …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 139

كان عام 773 ه تاريخ نهضة تيمور و مبدأ فتوحه

و استقلاله …

و مولده كان سنة 728 ه في قرية تسمي خواجة إيلغار من أعمال كش إحدي مدن ما وراء النهر … كان أبوه من الفلاحين و نشأ خاملا إلا أنه كان قوي القلب، شديد البطش ذكيا، فطنا. مطبوعا علي الشر … و لما بلغ أشده و ترعرع صار يتجرم فسرق مرة غنما فرماه راعيها بسهم فأصاب رجله فعرج منه فمن حينئذ قيل له (اللنك) و تعني في لغة العجم الأعرج، و الترك يدعونه (آقساق تيمور) و يقصدون عين الغرض …

ثم انضمت إليه طائفة فصار يقطع الطريق … و كان لا يتوجه إلي جهة فيرجع خائبا، و كان يلهج بأنه يملك البلاد و يبيد العباد. و كان له اتصال بشمس الدين الفاخوري و ببركة أحد الزهاد المشهورين في أيامه … مما جعل الناس يتقولون بنسبة كرامات منهما أو دعوات له … لأنهم مشبعون في هذه النسبة إلي أمثال هؤلاء الشيوخ و الزهاد … و إنما كانت نفسه كبيرة، و عزمه قويا و هميته عالية و إرادته لا تتزعزع في تطلعه إلي الملك، و هو ذو عقل وافر جدا فكان ذلك كله من أسباب نجاحه و أقوي الكرامات التي يجب أن تعزي إليه.. لا إلي شيخ أو درويش.

اشتهر أولا بمعرفة الخيل فطلبه صاحب خيل السلطان بسمرقند فقرره في خدمته، و حظي عنده فاتفق أنه مات عن قريب فقرره السلطان مكانه، و كان اسمه حسين من ذرية جنكز خان فكانت هراة و غيرها من بلاد المشرق في ملكه فاستمر اللنك في خدمته إلي أن بدا منه إجرام فخشي علي نفسه فهرب و انضم إليه جمع و عاد إلي قطع الطريق، فاهتم السلطان بأمره و جهز إليه جيشا،

فظفروا به، فلما أحضروه استوهبه بعض أقارب السلطان، فاستتابه و أقره في خدمته رغبة في شهامته فاستمر إلي أن خرج خارج بسجستان و كان ينوب فيها، فجهز إليه السلطان عسكرا رأسهم اللنك فأوقعوا بذلك النائب، و استولي اللنك منه علي مال كبير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 140

فقسم بين العسكر الذين صحبته و استتبوا هم في الاستبعاد في ذلك البلد و ما حوله، فأطاعوه و عصوا علي السلطان فاتفق في تلك الأيام موت السلطان حسين المذكور، و قام بعده ولده غياث الدين في المملكة فجهز إلي اللنك عسكرا كثيفا فلم يكن له بهم طاقة ففر منهم إلي أن اضطروه إلي نهر جيحون فترجل عن فرسه و أخذ معرفتها بيده و دلج النهر سابحا إلي أن قطعه و نجا إلي البر الآخر فتبعه جماعة من أصحابه علي ما فعل و انضموا إليه، و تبعهم جمع كانوا علي طريقتهم الأولي فالتفوا عليه و قصدوا نخشب (مدينة حصينة) فطرقوها بغتة فقتل أميرها و استولي اللنك علي قلعتها و اتخذها حصنا له فلجأ إليه، ثم توجه إلي بدخشان و بها أميران من جهة السلطان و كانا قريبي العهد بغرامة ألزمهما بها السلطان لجناية صدرت منهما فكانا حاقدين عليه فانضما إلي اللنك فكثر جمعه و اتفق في تلك الأيام خروج طائفة من المغل علي قمر خان صاحب هراة فجمع لهم و التقوا فهزموه فبلغ ذلك اللنك فسار إليهم و صاروا علي كلمة واحدة فتوجه صاحب هراة إلي بلخ و توجه اللنك بمن معه إلي سمرقند فنازلها فصالحه النائب بها و اسمه (علي شير) علي أن تكون المملكة بينهما نصفين، فأقر بسمرقند و توجه إلي بلخ فتحصن السلطان منه فحاصره

إلي أن نزل إليه بالأمان فقبض عليه و تسلم البلد و رجع إلي سمرقند فدخلها آمنا و ذلك في أوائل هذه السنة (سنة 773 ه) فأقام رجلا من ذرية جنكز خان يقال له صرقتمش. و كانت السلطة يومئذ قد أنهيت إلي طقتمش خان بالدشت و تركستان و ذلك بعد مجاهدات عظيمة و وقائع وبيلة كان تيمور لنك قد ساعده في غالبها … و لكن تيمور لنك انقلب عليه في وقائع لها مساس في العراق علي ما سيوضح.. و قد جعل صاحب الأنباء وقعة انتصاره علي طقتمش في حوادث هذه السنة و ليس بصحيح …

و علي كل استولي اللنك علي ممالك كثيرة، فبلغه ما اتفق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 141

لسلطان هراة فجمع العساكر و قصد اللنك بسمرقند فالتقوا بين سمرقند و خجند فكانت الكسرة أولا علي اللنك ثم عادت له الغلبة فانتصر اللنك. دخل اللنك خجند ففر أميرها و أمر فيها بعض جنده فاستولي علي بقية البلاد التي لم تكن دخلت في طاعته رهبة و رغبة. ثم دخل سمرقند فأول شي ء فعله بعلي شير صاحبه الذي أعانه علي مستنيبه و قسم البلد بينه و بينه أن قتله غيلة … ثم أوقع بمن كان بسمرقند من الزعر و كان عددا كثيرا قد أسعروا البلاد و كان اللنك أعلم بهم من غيره لأنه كان يرافقهم كثيرا، و كان إيقاعه بهم بالتدريج بطريق المكر و الخديعة و الحيلة إلي أن استأصلهم و كفي أهل البلاد شرهم ثم لما استقرت قدمه في المملكة خطب بنت ملك المغل و هو فرحان فزوجها له و زادوا في اسمه (گورگان) فلذلك كان يكتب عنه تيمور گورگان و معناه بلغة المغول الصهر

أو الختن ثم توجه بعساكره إلي خوارزم و جرجان فصالحوه علي مال ثم قصد هراة فنزل إليه ولد ملكها غياث الدين بالأمان فاستولي عليها و استصحب ملكها معه إلي سمرقند فسجنه فاستمر في سجنه إلي أن مات، ثم قصد سجستان فنازل أهلها فتحصنوا منه مدة ثم طلبوا منه الأمان فأمنهم علي شريطة أن يمدوه بما عندهم من السلاح فاستكثروا له من ذلك ليرضوه و صار يستزيدهم فبلغوا الجهد في التقرب إليه بما قدروا عليه منه فلما ظن أن غالب سلاحهم صار عنده و أن غالبهم صار بغير سلاح بذل فيهم السيف و خرب المدينة حتي لم يبق منها بعد أن رحل عنها من تقوم بهم الجمعة و لما استولي علي هذه الممالك مع سعتها و شدة فتكه بأهلها توارد أمراء النواحي علي الدخول في طاعته، و الوفادة عليه و منهم خجا (خواجة) علي بن مؤيد بطوس و أمير محمد ببناورد و أمير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 142

حسين بسرخس فأنزلهم نوابا في ممالكهم. و كذا جميع من بذل له الطاعة ابتداء، و من راسله فعصي عليه يتعذر أن يعفو عنه إذا قدر عليه، و كان من جملة من راسله شاه شجاع صاحب شيراز و عراق العجم فبذل له الطاعة و سأله المصاهرة فزوج ابنته بابن اللنك و هاداه و هادنه و استمر علي ذلك إلي أن مات في سنة 777 ه و الحاصل صفت له ممالك سمرقند و ولاياتها و ممالك ما وراء النهر و جهاتها و تركستان و ما حواليها و ممالك خوارزم و ما يتعلق بها … و هذه الأخبار تعرف بأولية اللنك مجملا … و ممن نازله اللنك في هذه السنة

حسين صوفي صاحب خوارزم و مات فاستقر ولده يوسف مكانه و استولي اللنك علي خوارزم و خربها كدأبه في غيرها من البلاد.

و لكنه مع كل هذا لم يظهر بعد بمظهر فاتح عظيم و كل ما في الباب أنه قضي علي الدويلات الصغيرة في تلك الأنحاء … و برزت فيه آثار القدرة و الدهاء و العظمة … و إنما ذاع اسمه و اشتهر صيته بعد أن قارع أكابر الملوك و دوخ الممالك علي ما سنشير إليه في الوقائع المتعلقة بالعراق …

ملحوظة: إن طقتمش (توقتامش) المذكور ولي السلطنة بعد بردي بك المذكور سابقا و كانت قد تفرقت مملكتهم إلي إمارات صغيرة …

و المعروف أنه ابن بردي بيك أو أنه من بيت الملك علي اختلاف في ذلك. و في شجرة الترك أن الأسرة المالكة انقرضت.. و كان توقتامش من أعظم ملوك التتار شوكة و أعلاهم همة، و أحسنهم سياسة، و أقواهم جأشا و أشدهم سطوة و بأسا و في تلفيق الأخبار يميل إلي أنه ابن بردي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 143

بيك و لما استقر له الملك صار تيمور لنك يخشي توسعه و ينوي الوقيعة به خصوصا بعد أن علم بأنه قد بقي بلا مزاحم و لا معارض في ملكة الدشت (القفجاق) … و أخذ يعده من المنافسين له … و له وقائع أخري مهمة مع ايدكو ملك الترك من قبيلة قونكرات (قونقرات) و ملوك المسقوف … مما لا علاقة لها بموضوعنا و هي مذكورة في تلفيق الأخبار … و قد ترجمه صاحب الضوء اللامع و غيره.

حوادث سنة 774 ه- 1372 م

الخواجة مرجان (والي بغداد):

في هذه السنة توفي الخواجة مرجان، و قد مر بيان أوقافه، و واقعة عصيانه و كان طواشيا و من موالي

السلطان أويس، استنابه علي بغداد، ثم استوحش مرجان منه، أو كما ذكر اضطره الأمراء فأعلن استقلاله ببغداد و جاهر بالمخالفة …

و كان قد كاتب الأشرف صاحب مصر يخبره أنه خطب له ببغداد و التمس منه التقليد بالنيابة فأرسل إليه ذلك منه و من الخليفة. و أرسل الأعلام و الخلع، و أذن له أن يدخل الديار المصرية إن رابه من أويس ريب..

ثم إن أستاذه (السلطان أويس) تجهز إليه بعساكر كثيرة، و حاصره إلي أن غلب عليه بالوجه المبسوط سابقا في حوادث سنة 765 ه. قال في الدرر و يقال إنه كحله. و لكن هذا لم يثبت من المؤرخين المعاصرين. و لعل مبني هذا الخبر الإشاعة..

و بعد وفاة سلطان شاه خازن قرره السلطان نائبا عنه ببغداد (واليا)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 144

لما علم من شهامته و حفظ الطرقات في زمانه.. و كانت الطرقات في أيام خلفه قد فسدت فلما أعيد للنيابة انصلحت فلم يزل علي ذلك إلي أن مات سنة 774 ه و من خير ما وصف به الحاكم العادل ما قاله في وقفيته:

«الحاكم العادل في رعيته كالوالد الشفيق علي ولده، ألا و إن كل من سن سنة حسنة كان له أجرها و أجر من عمل بها إلي يوم القيامة، و من سن سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلي يوم القيامة …» ا ه.

و رغبة الناس فيه و إعادته لولاية بغداد، و دوامه فيها إلي أن مات تدل دلالة واضحة علي أنه كان من حكام العدل.

والي بغداد الجديد:

ولي وزارة بغداد إثر وفاة الخواجة مرجان الخواجة سرور. و هذا من ممدوحي الشاعر الخواجة سلمان الساوجي إلا أن هذا الوالي لم يعرف عنه من

التفصيل ما يبصر بوقائعه و أيامه في بغداد و هنا نشير إلي أن صاحب (كتاب ساوجي) جعل وزارة الخواجة سرور بعد وفاة السلطان شاه خازن و لم يكن هذا صحيحا منه.

وفيات
1- أحمد بن رجب الحنبلي:

توفي في هذه السنة أو التي قبلها أحمد بن رجب بن حسين بن محمد بن مسعود السلامي البغدادي، نزيل دمشق، والد الحافظ زين الدين بن رجب. ولد ببغداد سنة 644 ه و نشأ بها، و قرأ بالروايات،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 145

و سمع من مشايخها، و رحل إلي دمشق بأولاده فأسمعهم بها و بالحجاز و القدس و جلس للإقراء بدمشق، و انتفع به، و خرج لنفسه معجما و كان ذا خير و دين و عفاف …

2- ابن كثير المؤرخ:

هو عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البصري (البصروي) ثم الدمشقي الفقيه الشافعي ولد سنة 700 ه، و تفقه بجماعة، و انتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ و الحديث و التفسير و هو القائل:

تمر بنا الأيام تتري و إنما نساق إلي الآجال و العين تنظر

فلا عائد ذاك الشباب الذي مضي و لا زائل هذا المشيب المكدر

و من مصنفاته التاريخ المسمي (بالبداية و النهاية) و التفسير و اختصر تهذيب الكمال و أضاف إليه ما تأخر في الميزان سماه التكميل، و طبقات الشافعية و له سيرة صغيرة و غير ذلك و تلامذته كثيرون منهم ابن حجي و قال فيه: «احفظ من أدركناه لمتون الأحاديث و أعرفهم بجرحها و رجالها و صحيحها و سقيمها و كان أقرانه و شيوخه يعترفون له بذلك و ما أعرف أني اجتمعت به علي كثرة ترددي إليه إلا و استفدت منه» و كانت له خصوصية بابن تيمية و مناضلة عنه توفي في شعبان و دفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية رحمه اللّه تعالي و كان العيني صاحب عقد الجمان ينقل من تاريخه كثيرا و ترجمه ترجمة واسعة. قال عنه عند ذكر مؤلفاته:

موسوعة تاريخ

العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 146

«و التاريخ الذي فاق علي سائر التواريخ و هو عمدة تاريخي (عقد الجمان) هذا الذي جمعته و زدت عليه من غيره …» ا ه.

و تاريخه عمدة و معول المؤرخين بعده … و كنا نظن أن هذه العصور لم يكتب فيها أحد مفصلا سوي مؤرخي العجم و لما رأينا تواريخ الذهبي و ابن كثير و العيني و المقريزي و ابن تغري بردي و أضرابهم قطعنا في السبق لمؤرخي العرب علي غيرهم و هي مرجع سائر المؤرخين …

3- شمس الدين محمد الموصلي:

هو شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان الموصلي الشافعي نزيل دمشق ولد علي رأس القرن و كتب الخط المنسوب و نظم الشعر فأجاد و كان أكثر مقامه بطرابلس ثم قدم دمشق و ولي خطابة يلبغا و اتجر في الكتب فترك تركة هائلة تبلغ ثلاثة آلاف دينار قال ابن حبيب عالم علت رتبته الشهيرة، و بارع ظهرت في أفق المعارف شمسه المنيرة، و بليغ تثني علي قلمه ألسنة الأدب، و خطيب تهتز لفصاحته أعواد المنابر من الطرب، كان ذا فضيلة مخطوبة و كتابة منسوبة، و جري في الفنون الأدبية، و معرفة بالفقه و اللغة العربية، و له نظم المنهاج و نظم المطالع و عدة من القصائد النبوية و هو القائل في الذهبي لما اجتمع به:

ما زلت بالطبع أهواكم و ما ذكرت صفاتكم قط إلا همت من طربي

و لا عجيب إذا ما ملت نحوكم و الناس بالطبع قد مالوا إلي الذهب (ي)

تصدر بالجامع الأموي و ولي تدريس الفاضلية بعد ابن كثير. و قد أطنب العيني في ترجمته في المجلد الثالث و العشرين من عقد الجمان، و في الأنباء في المجلد الأول منه.

موسوعة

تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 147

حوادث سنة 775 ه- 1373 م

غرق بغداد:

في هذه السنة كان الغرق ببغداد، زادت دجلة زيادة عظيمة و تهدمت دور كثيرة حتي قيل إن جملة ما تهدم من الدور ستون ألف دار و تلف للناس شي ء كثير بسبب ذلك و يقال إنه لم يبق في بغداد عامر إلا قدر الثلث و دخل الماء في الجامع الكبير و المدارس و صارت السفن في الأزقة تنقل الناس من مكان إلي مكان ثم من تل إلي تل. ثم يصل الماء إليهم يغرقهم و جرت بسببه في بغداد خطوب كبيرة و جلا أكثر أهليها ثم عاد من عاد فصار لا يعرف محلته فضلا عن داره …

و كانت قد زادت دجلة حتي اختلطت بالفرات فأرسلت إليها الأنهار و العيون و السحب من كل جهة و بقيت بغداد في وسط الماء كأنها قصعة في فلاة و صارت الرصافة و مشهد أحمد و مشهد أبي حنيفة و غيرهما من المشاهد و المزارات لا يوصل إليها إلا في المراكب كان قد انفتح من البستان الذي كان الخليفة اتخذه متنزها في وسط دوره فتحة علي باب الأزج فتدافع أمراء بغداد في سدها و رمي ذلك بعضهم علي بعض فكان الشيخ نجم الدين التستري تلك الأيام قد عزم علي الحج في خمسين نفرا من الصوفية و قد هيأ من الزاد ما لا مزيد عليه فاستدعي خادمه و قال: أنفق علي سد هذه الفتحة جميع ما معنا حتي الزاد ففعل، و يقال إنه صرف عليها عشرة آلاف دينار و بلغ السلطان أويس ذلك فاستعظم همته و وعد أنه يكافيه. ثم أكري من الملاحين علي حمل رحله و رجالته من بغداد إلي الحلة و كان سفر الناس

أجمعين في تلك السنة في المراكب و خرجوا في خامس شوال فلم يمض لهم إلا خمسة أيام حتي هبت ريح عاصفة قصفت سور المدينة ثم تزايد الماء فانكسر الجسر و غرقت الدور حتي إن امرأة من الخواتين ركبت من مكانها إلي كوم من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 148

الكيمان بألف دينار و تقاتل الناس و ذهبت أموالهم و أصبح غالب الأغنياء فقراء ثم بعد عشرين يوما نقصت دجلة و انقطع الماء فبقيت البلد كأنها سفينة غرقت. ثم نقص الماء فبقيت ملآنة بالموتي من الأهلين و الدواب فجافت و نتنت و بقي الماء كأنه الصديد فوقع الفناء في الناس بأنواع من الأمراض من الاستسقاء و حمي الدق و غلت الأسعار. و كان أويس بتبريز، فلما بلغه الخبر غضب علي نوابه فالتزم الوزير عن نائبه أن يعمر بغداد من خالص ماله بشرط أن يطلق للناس العراق ثلاث سنين للزراع و المقاتلة و أن لا يطالب أحدا بدين و لا بصداق و لا حجارة و لا بحق فقبل السلطان فشرع في ذلك و نادي من أراد عمارة بيته ليجئ يأخذ دراهم و يسكن بيته بالأجرة حتي يوفي ما اقترضه ثم يصير البيت له و أخذ في عمارة السوق و السور … هذا ما ذكره صاحب الأنباء …

و قد عين تاريخ الغياثي حادث الغرق ليلة السبت 23 شوال من هذه السنة كما أن الخواجة سلمان الساوجي ذكر وقوعه في السنة المذكورة. و لكن غالب المؤرخين مشي علي حدوثه في سنة 776 ه و يفسر هذا بوصول الخبر و في تاريخ وفاة نائب بغداد عبد الغفار الآتي ذكره يشعر بذلك أيضا …

و في حبيب السير ذكر الغرق في سنة

776 ه و قال: طغت مياه دجلة فصار الغرق ببغداد و تهدمت عماراتها العالية، و ذهب الآلاف من دورها فصارت أنقاضا، و مات خلق عظيم تحت الأنقاض … فكانت الخسارة عظيمة في النفوس و الفادحة لا تقدر في الأموال و عادت بغداد خرابا بعد نضارتها و زهوها. و جاء في الدر المكنون أن الغرق كان في السنة المذكورة.

و هذا المصاب يذكرنا بما هو معروف لدي الأهلين و راسخ في أذهانهم من أن بغداد بين غرق و حرق …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 149

ولاية بغداد:

جاء في الغياثي أنه كان السلطان بتبريز فوصل إليه خبر الغرق في بغداد فأسف علي ذلك، فندب أمراءه و قال من لبغداد و عمارتها، و تكون خمس سنوات مطلقة من الخراج فقام الأمير إسماعيل ابن الأمير زكريا و قبل بذلك فسيره إليها، و أرسل معه الشهزاده الشيخ علي، و أنكر الأمير زكريا علي ابنه الأمير إسماعيل فعله، و قال له سوف تهلك فيها، و كان كما قال فإن الأمير زكريا كان رجلا عاقلا لبيبا مجربا للأمور. فتوجه الأمير إسماعيل بأموال بغداد فحفر نهرانها، و أجري مياهها، و زرع أراضيها … و أسس عمارته المشهورة ببغداد و مدرسة و خانات و أسواقا علي جانب دجلة الشرقي، و لم يتفق له إتمام المدرسة.

هذا ما قاله الغياثي و كان الوالي السابق الخواجة سرور. و هذا قد توفي لما أصابه من ألم خراب بغداد كما نقل ذلك صاحب حبيب السير.

وفيات
1- علي بن الحسن البغدادي:

توفي علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن الكلائي البغدادي الحنبلي المقري ء سبط الجمال عبد الحق ولد سنة 698 و أجاز له الدمياطي و مسعود الحارثي و علي بن عيسي بن القيم و ابن الصواف و غيرهم. قال ابن حبيب كان كثير الخير و التلاوة و حج مرارا و جاور و خرج له ابن حبيب مشيخة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 150

2- نائب بغداد:

توفي عبد الغفار بن محمد بن عبد الله المخزومي الشافعي رضي الدين. اشتغل بالفقه فمهر و ولي نيابة بغداد و مات في ذي القعدة بعد الغرق من هذه السنة و كان حسن الخلق و الخلق، دينا، متواضعا.

3- بدر الدين محمد الإربلي: (مدرس المدرسة المرجانية)

و توفي بدر الدين محمد بن عبد الله الإربلي الأديب الشاعر المعمر ولد سنة 670 ه و مهر في الآداب و درس بمدرسة مرجان ببغداد و مات في جمادي الآخرة.

4- إمام جامع بغداد:

توفي في هذه السنة محب الدين محمد بن عمر بن علي بن عمر الحسيني القزويني ثم البغدادي إمام جامع بغداد كان أبوه آخر المسندين بها حدث عن أبيه و غيره و اشتغل بعد أبيه علي كبر إلي إن صار مفيد البلد مع اللطافة و الكياسة و حسن الخلق و صار يسمع البخاري، و كل سنة يجتمع عنده خلق كثير. توفي عن نيف و ستين سنة.

5- بدر الدين الجيلي السنجاري:

هو حسن بن شمس الدين محمد بن سرسق بن محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي. كانت له حرمة و وجاهة في أنحاء سنجار و ماردين مات أبوه سنة 739 ه و قد ذكر في هذا المجلد و الصحيح في اسمه أنه شمس الدين محمد بن سرسق كما ذكر هنا،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 151

و مات بدر الدين حسن المذكور عن سن عالية و الحياليون في سنجار ينتسبون إليه و منهم جماعة منتشرة في أنحاء بغداد و في تاريخ اليزيدية بيان عن قرية الحيال.

حوادث سنة 776 ه- 1374 م

وفاة السلطان:
اشارة

في هذه السنة 2 جمادي الأولي توفي السلطان بمرض السل (الدق) و كان قد لازمه من 27 ربيع الآخر و قال في كتاب (سلمان ساوجي) إن موته كان من صداع لازمه من 27 ربيع الآخر حتي توفي.

ترجمته:

نري ترجمته مبسوطة في حبيب السير و روضة الصفا و كلشن و الغياثي و الشذرات و الأنباء إلا أن هذه الكتب تختلف في الكلام عنه بين سعة و اختصار و قد مر بنا من الحوادث ما يبصر بترجمته سوي أننا نقول ما ذكره صاحب الدرر الكامنة بما نصه: «أويس بن حسين بن حسن بن آقبغا المغلي ثم السريري استقر في سلطنة بغداد بعد سنة 760 و مات سنة 776 ه» ا ه غير صحيح و الصحيح أنه ابن الشيخ حسن بن حسين و لعل هذا غلط ناسخ و لم تعرف هذه النسبة (السروي) و صحيحها الجلايري فاقتضي التنبيه.

و كذا ما جاء في الضوء اللامع من أنه (السريسري) محرف عن الجلايري.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 152

و الغياثي اعتمد الدرر في تاريخ سلطنته كما أشرنا إلي ما قاله في هذا الباب. و في حبيب السير أنه ذو نصفة و حصل علي السلطنة بالاستحقاق و له رأفة بالأهلين و حب زائد بهم و موصوف بالعدل و التفاته و اهتمامه بأهل الفضل و العلم كبير جدا و كذا بالشعراء و هو عالي الهمة، جعل المملكة في أمن و أمان و راحة و طمأنينة كما أنه بما كان له من المآثر و الميزة علي غيره تمكن من ضبط العراق و آذربيجان ضبطا تاما فكانت إدارته قويمة … و علي كل امتدت سلطته و سطوته إلي ما وراء حدود مملكة أبيه فاستطاع

أن يضم إلي ما وصل إليه من أبيه ممالك أخري و دامت سلطنته نحو عشرين سنة.

و جاء في روضة الصفا أنه مرض أواخر ربيع الآخر سنة 776 ه بمرض صعب و توفي في التاريخ المذكور آنفا، و قبل وفاته كان قد استوصي الأمراء السلطان فيمن يخلفه و كان قد جاء إليه أركان دولته و القاضي الشيخ علي و الخواجة كحجاني فحضروا عنده و استطلعوا رأيه فقال السلطنة بعدي للسلطان حسين و ولاية بغداد للشيخ حسن أخيه الأكبر فأبدوا أنه لا يطيق الصبر علي ذلك و لا يتحمل هذه فأحال الأمر إليهم فاتخذوا هذه الإشارة وسيلة للقبض علي الشيخ حسن و تقييده ثم إن السلطان صار لا يقدر علي الكلام و في اليوم التالي في الليلة التي مات فيها السلطان قتل الشيخ حسن المذكور و جاء في عقد الجمان:

«توفي القاآن أويس بن الشيخ حسن بن حسين بن اقبغا بن ايلكان صاحب تبريز و بغداد و ما أضيف إليهما. توفي في هذه السنة (سنة 776 ه) و كان رأي في المنام قبل موته أنه يموت يوم كذا و كذا فخلع نفسه من الملك و ولي عوضه في تبريز و بغداد ولده الأكبر الشيخ حسين و اعتزل هو و صار يتشاغل بالصيد و يكثر من الصلاة و العبادة إلي الوقت الذي عينه لهم فمات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 153

فيه و كان ملكا عادلا حازما ذا شهامة و صرامة منصورا قليل الشر، كثير الخير للفقراء و أهل العلم و كان شابا، سليما، شجاعا ورث ملك العراق و آذربيجان عن أبيه، و أقام في السلطنة تسع عشرة سنة ثم توفي في تبريز عن نيف و ثلاثين سنة رحمه

اللّه». و في عجائب المقدور:

«كان الشيخ أويس من أهل الديانة و الكيس، ملكا عادلا و إماما شجاعا فاضلا، مؤيدا منصورا، صارما مشكورا، قليل الشر، كثير البر، صورته كسيرته حسنة و كانت دولته تسع عشرة سنة، و كان محبا للفقراء، معتقدا للعلماء و الكبراء، و كان قد أبصر في منامه، وقت موافاة حمامه، فاستعد لحلول فوته، و رصد نزول موته، و خلع من الملك يده، و ولاه حسينا ولده.. و نبذ دانيه و دنياه، و أقبل علي طاعة مولاه و استعطفه إلي الرضي، و العفو عما مضي، و لازم صلاته و صيامه، و زكاته و قيامه، و لا يزال يصلي و يصوم، حتي أدركه ذلك الوقت المعلوم، فأظهر سره المصون، و تلا إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون، فدرج علي هذه الطريقة الحسنة، و قد جاوز نيفا و ثلاثين سنة …» ا ه و قال في أنباء الغمر في أبناء العمر:

«كان محبا في الخير و العدل، شهما، شجاعا، عادلا، خيرا، دامت ولايته 19 سنة، و قد خطب له بمكة، راسل عجلان بن رميثة صاحب مكة بمال جليل، و قناديل ذهب و فضة للكعبة، و خطب باسمه عدة سنين، عاش 37 سنة (كذا) قيل إنه رأي في النوم أنه يموت في وقت كذا فخلع نفسه من الملك و قرر ولده حسين بن أويس، و صار يتشاغل بالصيد و يكثر العبادة فاتفق موته في ذلك الوقت بعينه، و كتب إلي المؤرخ حسن بن إبراهيم القيسي الحصيني أنه كان استدعي ولده لذلك فاتفق موته قبل وصوله إلي بغداد.. و له من الأولاد حسن و حسين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 154

و أحمد و علي و

غيرهم، و أكبرهم حسن» ا ه و مثله في تاريخ الغياثي و في الشذرات ما يقرب من هذا … و قد رثاه الخواجة سلمان الساوجي بقصيدة فارسية … و كان في أيامه قد مدحه جملة من الشعراء أمثال الخواجة سلمان المذكور و شرف رامي و الخواجة محمد عصار، و عبيد زاكاني، و ناصر النجاري و غيرهم من فصحاء عصره … و من العلماء شمس منشي بن هندوشاه النخچواني و غيرهم ممن مضي ذكرهم …

و هؤلاء من أدباء العجم و علمائهم..

و في أيامه حدثت عمارات مهمة منها ما لا يزال باقيا إلي اليوم، و أصاب الناس رغد في العيش و رفاه و راحة لو لا أن تنغص في بعض الحوادث المارة …

النقود في أيامه:

إن النقود المضروبة في أيام السلطان أويس و الموجودة اليوم أكثر مما هو معروف عن عهد والده بينها الفضية و الذهبية … و منها ما ضرب سنة 762 ه في بغداد، و نري في أحد وجهيها (لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه) داخل دائرة بخط كوفي، و شكل مربع كتب في أضلاعه (أبو بكر، عمر، عثمان، علي) و في الوجه الآخر سنة الضرب و أنه ضرب في بغداد بصورة مربعات في وسطها السلطان الأعظم، أويس بهادر، خلد اللّه ملكه في ثلاثة أسطر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 155

و باقي النقود منها ما هو مضروب في السنة المذكورة أيضا في بغداد، و الشكل واحد إلا أن كتابته لا تختلف كثيرا عن سابقتها، و هكذا يقال عما ضرب في البصرة في السنة المذكورة، و في الحلة و في تبريز و في همذان و قد ضربت نقود باسمه أيضا في شيراز و لا تختلف عن

سابقاتها إلا في أوصاف السلطان و الدعاء له و من النقود ما هو مضروب سنة 770 ه، عثر علي قطعة ذهبية منها، و أخري مضروبة سنة 762 ه و ثالثة لم يتعين تاريخها و كلها من ضرب بغداد. و في هذه كتب اسم السلطان بحروف مغولية- أو يغورية …

السلطان جلال الدين حسين بهادر خان
جلوسه:

السلطان جلال الدين حسين بهادر خان هو ابن السلطان أويس.

ولي باتفاق من الأمراء و أركان الدولة، و جلس علي سرير السلطنة في تبريز و كان آنئذ شابا.. هنأه الخواجة سلمان الساوجي بقصيدة فارسية في غاية البلاغة … و أول ما قام به من الأمور أن قرر وضع والده، و أبقي الحالة كما كانت. نقل ذلك صاحب حبيب السير. و قد مر الكلام عن العهد له بالسلطنة من أبيه السلطان أويس … و لكن صاحب الأنباء قال: «أكبر أولاده حسن، قتله الأمراء خشية من شره و سلطنوا حسينا لضعفه فتشاغل باللهو و اللعب، يخطف النساء من الأعراس و غيرها فقتلوه أيضا …» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 156

ضرب النقود باسمه:

و في هذه السنة ضربت النقود باسمه «جلال الدين حسين بهادر خان».

و عثر له علي نقود أخري تاريخها سنة 783 ه ضربت في بغداد منها سكة ذهبية موجودة في المتحفة البريطانية و باقي النقود فضية لا يقرأ تاريخها و هي من مضروبات بغداد، و بعضها لا يعرف محل ضربه لملس فيها …

وفيات
1- إبراهيم بن عبد الله البغدادي:

نزيل دمشق، و هو شيخ زاوية البدرية تجاه الأسدية ظاهر دمشق، و كان خيرا؛ معمرا، صالحا، مثابرا علي الخير. مات في ربيع الآخر.

2- جمال الدين السرمري:

توفي في هذه السنة جمال الدين أبو المظفر يوسف بن محمد بن مسعود بن محمد بن علي بن إبراهيم العبادي ثم العقيلي السرمري الحنبلي الشيخ العالم المفنن الحافظ ولد في رجب سنة ست و تسعين و ستمائة و تفقه ببغداد علي الشيخ صفي الدين عبد المؤمن و غيره ثم رحل إلي دمشق و توفي بها و من تصانيفه نظم مختصر ابن رزين في الفقه و نظم الغريب في علوم الحديث لأبيه نحو من ألف بيت، و نشر القلب الميت بفضل أهل البيت، و غيث السحابة في فضل الصحابة، و الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، و عقود اللآلي في الأمالي، و عجائب الاتفاق، و الثمانيات.

قال ابن حجي رأيت بخطه ما صورته مؤلفاتي تزيد علي مائة مصنف كبار و صغار في بضعة و عشرين علما ذكرتها علي حرف المعجم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 157

في الروضة المورقة في الترجمة المونقة و قد أخذ عنه ابن رافع مع تقدمه عليه و حدث عنه و ذكره الذهبي في المعجم المختص و أثني عليه توفي في جمادي الأولي.

3- الأمير حيار:

و هو الأمير حيار بن مهنا بن عيسي بن مهنا بن مانع بن حديثة …

أمير آل فضل توفي في هذه السنة (سنة 776 ه) بنواحي سلمية عن بضع و ستين سنة و تولي عوضه أخوه الأمير قارا و في الأنباء: استقر ولده بعده.

حوادث سنة 777 ه- 1375 م

قصد السلطان بيرام بيك و قرا محمد التركماني:

في موسم الربيع من هذه السنة سار السلطان نحو الخواجة بيرام بيك و قرا محمد التركماني فأزاحهما و استولي علي بعض القلاع التي دخلت في تصرفهما ثم إنه حصلت مفاوضات في الصلح فتم علي أن أمراء التركمان يقدمون له تقدمة في عشرين ألفا من الغنم كل سنة فقبل بذلك و عاد.

ظهور دولة قرا قوينلو و الاستيلاء علي الموصل:

جاء في تقويم التواريخ أن دولة قرا قوينلو ظهرت في هذا التاريخ باستيلاء الخواجة بيرام علي الموصل … و هؤلاء كانوا علي عهد سلاطين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 158

المغول أمراء ألوس (قبيلة) فلما مات السلطان أويس رأي الخواجة بيرام بيك في نفسه قوة فتغلب و استولي علي الموصل بعد حصار طال مدة أربعة أشهر فأخذها بالأمان و تملك سنجار و بعض المواطن في آذربيجان …

حروب السلطان- شاه شجاع:

في هذه السنة سار شاه شجاع ابن الأمير محمد بن مظفر بجيش قوي إلي أنحاء آذربيجان فالتقي مع السلطان حسين فوقعت حرب دامية، و فيها انهزم السلطان حسين، و بقي شاه شجاع نحو أربعة أشهر في تبريز بنشاط و طمأنينة … ثم سمع أن شاه يحيي عزم علي أخذ شيراز فاضطر أن يترك تبريز، و يسرع في العودة … و حينئذ نهض السلطان من بغداد و ذهب توا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 159

إلي تبريز، و تمكن من إدارتها … هذا ما ذكره صاحب حبيب السير.

و في الأنباء ذكر هذا الحادث في السنة الماضية، و أوضح أن شاه شجاع وثب علي تبريز بعد موت السلطان أويس و ملكها، و أساء السيرة، فراسل أهل تبريز السلطان حسينا فتجهز إليه في العساكر، فلما بلغ ذلك شاه شجاع تقهقر عن تبريز و دخلها السلطان و من معه بغير قتال …

و في تاريخ الغياثي أن شاه شجاع سار من شيراز إلي تبريز سنة 781 ه (و في موطن آخر منه سنة 780 ه) و بعد ثلاثة أشهر انهزم شاه شجاع و عاد السلطان حسين إلي تبريز. و في هذا مخالفة للتواريخ الأخري المعتبرة، و المؤرخ لم يقطع في التاريخ الصحيح. و

أما تاريخ محمود كيتي المعاصر فإنه يذكر الوقعة موافقا لما جاء في حبيب السير.

و ذلك أن شاه شجاع كان قد تأهب للهجوم علي تبريز استفادة من وفاة السلطان أويس و اغتناما للفرصة و لكن لم يحصل ذلك بهذه السرعة …

آل مظفر:

هؤلاء سبقت بعض الوقائع معهم … و أمراؤهم سبعة كان قد ابتدأ حكمهم سنة 718 ه و دام إلي 10 رجب سنة 795 ه؛ و مدة إمارتهم 77 سنة سواء في فارس، أو في عراق العجم و كرمان و باميان و آذربيجان …

و لهم اتصال وثيق و علاقات مهمة بالعراق و كثير من حوادثه … و المعول عليه من تواريخهم تاريخ معين الدين اليزدي المتوفي سنة 789 ه ألف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 160

تاريخا سماه (مواهب إلهي) أو المواهب الإلهية … و في كشف الظنون ألفه سنة 757 ه و الصحيح أن حوادثه تمتد إلي سنة 766 ه. كان أتمه في أواخر أيام مبارز الدين. و لما مات قدمه إلي شاه شجاع في السنة التالية و جعله باسمه و أضاف إليه وقائع تلك السنة..

و هذا من التواريخ الأساسية للبحث عن هذه الحكومة.. إلا أنه لا يفترق في أسلوبه عن تاريخ و صاف و العتبي فهو مملوء من الاستعارات العجيبة و العبارات الغريبة، و الإطراء الزائد، و المدح و ألفاظ التفخيم، فطفح من الإغراق في النعوت بحيث ضاعت الفائدة أو كادت … و باقي المؤرخين المعاصرين و إن كان قد تعرض لذكرهم مثل صاحب تاريخ گزيده، أو ابن بطوطة … إلا أنهم لم يستوعبوا أخبارهم؛ و لا وسعوا في البحث عن تاريخ حكومتهم و إدارتهم. و إنما كان ذلك نصيب (محمود كيتي) فإنه من

المعاصرين، عاش معهم فدون ما يشاهد، و سجل ما سمع من الثقات، و استقصي أحوالهم؛ و حرر وقائعهم من أولها إلي آخرها و أبدي عن ماضيهم الكفاية و استمر في البيان حتي انقراضهم …

كتبه سنة 823 ه و سهل به ما جاء مغلقا من كتاب المواهب الإلهية المذكور، فلم يراع ما راعاه؛ و إنما استعمل البساطة، و جعل همه الوقائع و إيضاحها … أضافه مؤلفه إلي تاريخ گزيده إلا أن النسخة الموجودة عندي من تاريخ گزيده ناقصة الأول و الآخر و أما رسالة محمود كيتي فهي كاملة و صحيحة لم يمسها نقص و المطبوع من تاريخ كزيده لا يعتمد عليه لوجود أغلاط كثيرة فيه … و نسختي الخطية نفيسة جدا و جيدة الورق و الخط، و هذه الحكومة مستوفاة المطالب هناك و لا يطمئن القلب لغيرها، و صاحبها معاصر القوم و كان أحد موظفيهم … و ما جاء في غيرها فيتحتم التبصر فيه … و من الأسف أننا لم نطلع علي أحوال المؤلف أكثر مما بينه في مقدمة كتابه و المفهوم منها أنه كان أبا عن جد في خدمتهم، و أنه قص ما شاهد، أو علم من الثقات الأكابر كتبها- كما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 161

قال- علي نمط منبسط و طراز منشرح، فزادت صفحة في التاريخ، و أضافت ورقة إلي حوادث الأيام … فصارت خاطرة في دفاتر الأيام و الليالي …

و من الأمثلة لذلك أنه جاء في تقويم التواريخ أن هذه الحكومة ظهرت عام 733 فنري الاختلاف واضحا بين ما قدمناه و بين ما عينه كاتب چلبي، و هذا يفسر في تولي الإدارة و الدخول في معمعتها أو بالتعبير الأصح الانتساب إلي حكومة

المغول و تعهد الوظائف بها …

كان في ذلك التاريخ و أن الاستقلال في الحكومة كان في التاريخ الذي بينه كاتب چلبي فلا تباين بين النصين كما يفهم من خلال السطور …

و لا ننسي أن ابن خلدون و الغياثي و غيرهما قد تكلموا عن هذه الحكومة إلا أننا قصدنا الإشارة إلي المراجع المهمة عنها … لمن أراد التبسط في الموضوع و قد بينا في المجلد الأول بعض الكلمات عنهم بين الحكومات المتغلبة أيام المغول … و هنا زبدة تعين للقاري ء حالتهم..

أولهم الأمير مبارز الدين محمد هو ابن مظفر بن المنصور ابن الحاجي و جدهم الأعلي من أصل عربي جاء إلي خراسان أيام الفتح و توطن الحاجي منهم يزد و كان لهذا ثلاثة أولاد أبو بكر و محمد و منصور و إن أبا بكر كان من ملازمي علاء الدولة أتابك يزد فاستصحبه معه حينما ذهب مع هلاكو لفتح بغداد و سار بعد تسخير بغداد إلي حدود مصر و قتل هناك في بعض الحروب و أن محمدا قد بقي ملازما الأتابك في يزد فتوفي هناك و لم يعقب و إن منصورا ابن الحاجي كان في خدمة والده في خطة ميبد يزد. و لما مات والده صار مكانه. و كان له ثلاثة أولاد مبارز الدين و زين الدين علي و شرف الدين مظفر. أما علي فلم يعقب.

و شرف الدين مظفر نال التفاتا من السلطان أرغون و بعد أن قضي سنين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 162

كثيرة في مواطن أخري عاد إلي يزد … و لما توفي أرغون و خلفه كيخاتو خان حصل علي مكانة كبري لديه و تولي أمر إدارة الجيش المرسل إلي الأتابك أفراسياب بن يوسف شاه

في لرستان فقام بالأمر و لمعرفته السابقة تمكن من أن يحصل علي مطلوب السلطان دون حرب أو سفك دماء. و في سنة 694 التحق بالسلطان غازان و ولي عنده موقعا رفيعا و مكنه بما يمكن من الأمراء و في أواسط جمادي الآخرة سنة 700 ه ولد له ابنه مبارز الدين محمد. ثم توفي السلطان غازان و في سنة 703 ه ولي السلطان الجايتو فزاد هذا في رفعة الأمير مظفر و جعله علي محافظة الطرق و السابلة بفارس و الحاصل تقلب في مناصب و أبدي من المهارة في القيام بمهام جلي إلي أن توفي بتاريخ 13 ذي القعدة سنة 713 ه و في كل أيامه الأخيرة كان يصحبه ابنه مبارز الدين محمد فيمرنه علي الأسفار و التدابير التي يجب أن يقوم بها … و نقل بعد وفاته إلي ميبد و دفن في مدرسة كان عمرها هناك و هي المدرسة (المظفرية).

و تبتدي ء حكومتهم و شهرتهم العظيمة أيام مبارز الدين محمد الذي خلف والده و لما توفي والده كان له من العمر 13 سنة و بعد أربع سنوات أي عام 717 ه أيام السلطان أبي سعيد نال توجها من السلطان و موقعا مهما فحصل علي حكومة تلك الأنحاء و محافظة الطرق هناك …

وهذا هو طليعة تاريخ ظهورهم الذي ذكره المؤرخ (محمود كيتي) …

و من أكبر المسهلات لتوطيد الحكم هناك أنه أبدي تفاديا في القضاء علي حكومة الأتابكة أيام حاجي شاه ابن الأتابك يوسف شاه فلم يبق للأتابكة قدرة في مقاومته فكان عضد الأمير كيخسرو فاضطروا إلي الفرار و كانت عاقبة أمرهم أن انقرضوا …

و في شوال سنة 718 ه تقدم للسلطان أبي سعيد و عرض خدمته عليه فأنعم

عليه السلطان بحكومة يزد و فوض إليه أمر المحافظة علي الطرقات … و هذا مبدأ الإمارة … و لا مجال لاستيعاب كل ما قام به

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 163

الأمير مبارز الدين محمد و في سنة 725 ه ولد له الشاه شرف الدين مظفر. و في سنة 729 ه تزوج خان قتلغ بنت السلطان قطب الدين محمد ابن الأمير حسام الدين ثم نقلها إلي تبريز في السنة المذكورة أيام وزارة الخواجة شهاب الدين بن عز الدين، و حصل علي المكانة المطلوبة بسبب العلاقة السببية مع المغول …

و في يوم الأربعاء 22 جمادي الثانية سنة 733 ه ولد جلال الدين شاه شجاع و في 14 المحرم سنة 744 ه ولد نصرة الدين يحيي و لم يلبث المترجم أن نال الإمارة …

و في خلال هذه الأيام أو إثر وفاة السلطان أبي سعيد عام 736 ه كانت المقارعات و الحروب بين المغول و أمرائهم طاحنة فكان همّ هؤلاء مصروفا إلي تقوية السلطة لما في يد كل منهم و توسيع نطاقها … و دامت الحروب بين هؤلاء و بين الأمير الشيخ أبي إسحق و غيره فصارت كل إمارة تجادل عن نفسها و كان ما كان مما مرت الإشارة إليه..

و في عام 755 ه بعد أن افتتح شيراز و الأنحاء الأخري المجاورة لها بايع الخليفة أمير المؤمنين المعتضد باللّه أبا بكر العباسي و قرأ الخطبة باسمه و بايعه علماء فارس و يزد و كان هو نائبه و لم يقفوا عند حدود هذه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 164

الأقطار و الاكتفاء بفتوحها و إنما مضوا إلي لرستان لاكتساحها و عزموا علي القضاء علي إمارتها في أواخر المحرم سنة

757 ه فتمكنوا من ذلك في أواخر صفر للسنة المذكورة و قد أفردنا رسالة خاصة في (إمارة اللر) فلا مجال للخوض الآن بشأنها و هكذا فتحت أصفهان و قضي علي المناوئين لحد أن تقدموا نحو البلاد الأخري و اكتسحوها ثم استعيدت بالوجه المذكور آنفا ثم إن مبارز الدين محمد ملك ابنه محمودا أصبهان و ابنه شجاعا شيراز و كرمان و في سنة 760 ه نال الإمارة ابنه شاه شجاع و توفي الأمير مبارز الدين في آخر ربيع الآخر لسنة 765 ه و دفن في المدرسة المظفرية في ميبد يزد عند والده و سيأتي الكلام علي حكومة شاه شجاع في حادث وفاته عام 787 ه و علي كل حال التفصيل في (تاريخ آل مظفر) لمحمود كيتي المذكور. و من أهم ما فيه تاريخ العلاقات و السياسة التي كانت تجري مع المجاورين و هي مبسوطة في التاريخ المذكور عند كلامه علي النزاع القائم بين شاه شجاع و شاه محمود و الوقائع بينهما … و وفاة شاه محمود في 14 شوال سنة 776 ه و التأهب للهجوم علي تبريز و اغتنام فرصة وفاة السلطان أويس مما لا مجال لتفصيله …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 165

وفيات
1- الخواجة سلمان ساوجي:
اشارة

في يوم الثلاثاء 13 صفر من هذه السنة توفي الخواجة جمال الدين سلمان الساوجي، و كان شاعرا معروفا في الفارسية، و له في أشعاره علاقات كثيرة و كبيرة في حوادث العراق المهمة كما أشير إلي ذلك.. و في الغالب اشتهر اسمه مقرونا باسم السلطان أويس. فنري له في تذاكر الشعراء و الأدباء مباحث مهمة … و كانت الثقافة الغالبة للأمراء و بلاط الحكومة مشبعة بالآداب الفارسية، و أن السلطان أويس كان

قد تخرج علي الخواجة سلمان، و لازمه أيام سلطنته … فهو شاعر الحكومة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 166

و أهملت الآداب العربية و بقيت محصورة في الشعب … فعاش الكثير من علمائنا في الأقطار الأخري و إن عدد العلماء و كثرتهم المستفادة من تاريخ وفياتهم و إن كان لا يستهان بها إلا أن الثقافة الفارسية رجحت عليها …

و الملحوظ أن الفضل بهذا العصر في أن يهملوا و تترك لهم مؤسساتهم العلمية و دور ثقافتهم دون أن يمسوها بسوء لينالوا حظا منها لأنفسهم و يتعهدوا تربيتهم بذاتهم.. لا أن يكونوا من رجال الدولة، أو أعضائها الفعالة … إلا أن من رغب فما عليه إلا أن يميل بكليته إلي تحصيل لغة القوم، و الأخذ بنصيب وافر من آدابهم لينال بعض الوظائف، أو يأمن الغوائل … و علي كل تعينت ثقافة الحكومة في دراسة الآداب الفارسية بترجيح … و المترجم ركن عظيم من أركانها …

اشتهر في هذا العصر شعراء عديدون من العجم و نالوا شهرة فائقة، و حاول بعضهم أن يجاري الفردوسي في شهنامته … و راجت سوق الأدب الفارسي و أثر تأثيره العظيم حتي في العراق قطر العرب و مركز الثقافة العربية.. و من البواعث المهمة الأمراء و السلاطين كما تقدم فقد كانت تربيتهم إيرانية و الموظفون إيرانيون فتأثرت الآداب بهذه الطوابع و إن كانت الحكومة إسلامية، و الديانة هي السائدة و إنما سار الناس علي نهج ملوكهم و أمرائهم …

و لا نمضي بعيدا، و بصورة عامة دون أن نتناول حياة المترجم فقد كان من شعراء الوزير غياث الدين محمد ابن الخواجة رشيد الدين فضل الله، ثم صار من شعراء الشيخ حسن و ابنه السلطان

أويس و ابنه السلطان حسين. و هو من أهالي ساوة من أسرة لها مقامها الرفيع هناك …

و المترجم له الوقوف التام علي كتابة السياقة (نوع خط) و لكنه ذاع صيته في الشعر و تقرب من السلاطين و صار الشعراء إذا أرادوا أن يقدموا قصيدة يتقربون إليه في تقديمها … و الأدباء الإيرانيون لم يحلوه في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 167

المنزلة العليا الفائقة من الشعر و لا الفذة فيه و إن كان قد قال فيه علاء الدولة السمناني ما مؤداه «رمان سمنان، و شعر سلمان، و لا مثيل لهما في سائر البلدان».

و الخواجة جاء بغداد و لازم سلاطين الجلايرية و مدحهم، و مدح دلشاد خاتون، أنطقه ما رأي و شاهد من أبهة و جلال و نضارة.. فرأي منهم و منها كل إعزاز و إكرام كما أنه مدح وزراء هذه الدولة و أمراءها و ولاة بغداد و ألهمه المحيط ما ألهمه من وحي الطبيعة و جمال المناظر … و إن اتصاله هذا و ملازمته لهذه الحكومة دعته أن يقول:

من از يمن اقبال اين خاندان كرفتم جهان را بتيغ زبان

من از خاوران تا در باختر ز خورشيدم امروز مشهورتر

و لم يكن الموما إليه وحيدا في شعره و إنما كان هناك من الشعراء من مر البيان عنهم في ترجمة السلطان أويس و كلهم أصحاب تراجم حافلة … و كان أمثال هؤلاء يستعربون فيبدعوا في آدابهم … و لكن الفارسية احتفظت بهم و اقتنصت مقدارا جما من أدباء العرب …؟؟

و مؤلفاته:

1- ديوانه. و منه نسخ مخطوطة في إيران ذكرها الفاضل رشيد ياسمي في كتابه (سلمان ساوجي)؛ و طبع في الهند باسم «كليات سلمان ساوجي». و هذا خير وثيقة

تعرب عن أخبار بغداد لو لا أنه يتعرض لمدح الشخص أكثر من بيان ماهية الوقائع و حالة القطر … و هو صفحة كاشفة لهذا العصر، و لا يستفاد من شعره أكثر مما يفهم من ظاهره فليس فيه إشارة، أو دقة … و غالب ما فيه مدح السلاطين الجلايرية و الوزير شمس الدين زكريا … و القسم الأخير منه غزل …

2- فراقنامه. و قد مضي الكلام عليها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 168

3- ساقي نامه.

4- جمشيد و خورشيد. مثنوي نظمه سنة 763 ه باسم السلطان أويس و يدعي أنه لم يقلد فيه غيره و إنما هو من مبتكراته …

5- قصيدة جامعة لأنواع الصنائع الأدبية و البحور … مدح بها الخواجة غياث الدين محمدا الوزير. و في مقدمتها يقول في مدحه:

ما إن مدحت محمدا بمقالتي لكن مدحت مقالتي بمحمد

طبعت علي الحجر سنة 1313 ه في مجموعة تحتوي رباعيات الخيام و رباعيات بابا طاهر و رباعيات أبي سعيد و رباعيات الخواجة عبد الله الأنصاري.

و الحاصل قد أطنب رشيد ياسمي في إيضاح حياته و علاقته بالجلايرية و غيرهم في كتابه المسمي (سلمان ساوجي)، و للمترجم معارضات لظهير الدين الفارابي في قصائده العديدة، و غالب ذلك باقتراح دلشاد … و رباعياته كثيرة؛ و له القدم المعلي في الغزل، و يتهم في دلشاد بغزله و أنه يقصدها في غالبه … و أوصافه تنطبق عليها، أو علي دوندي …

أكتفي بهذا و لا محل للإطالة.

2- محمد بن علي الواسطي:

في رجب هذه السنة توفي بمصر، و هو واعظ أديب، و أحد الصوفية في البيبرسية و له عدة مقاطيع أوردها صاحب الدرر الكامنة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 169

حوادث سنة 778 ه- 1376 م

سلطنة بغداد:

في هذه السنة تسلطن في بغداد الشاه منصور بن عمر بهرام (الخواجة بيرام بيك) صاحب الموصل. كذا في الدر المكنون. و في حوادث سنة 785 ه أزيح عن السلطنة بواسطة السلطان أحمد الجلايري كما جاء فيه أيضا … و ليس لدينا من النصوص التاريخية ما يؤيد هذه الوقعة و إنما الوقائع المعروفة علي الضد منها … و جل ما نعلمه عن شاه منصور أنه ابن شاه مظفر، و لم تكن له قربي نسبية مع (الخواجة بيرام) و أنه مال عن شاه شجاع و جاء إلي السلطان و إلي عادل آغا فجعله عادل آغا حاكما في همذان و ذلك إثر تسلط عادل آغا علي السلطان حسين و اختلاف الأمراء و انتقاضهم عليه في هذه السنة (778 ه) و ذهابهم إلي بغداد و هم أمثال إسرائيل عبد القادر و رحمان شاه درويش فأبدوا مخالفتهم للسلطان و ذهبوا إلي بغداد عام 778 ه … و إن شاه منصور قد صار إلي عادل آغا و السلطان قد سار لتعقب أثر هؤلاء المخالفين قبل وصولهم إلي بغداد فتمكن من بعضهم الملتجئين إليه و البعض الآخر فر و حينئذ أمر عادل آغا و السلطان بقتل المقبوض عليهم و قد التمس شاه منصور أن يعفو فلم يلتفت إلي ذلك و لم يعف إلا عن القاضي الشيخ علي و حينئذ عاد الشاه منصور إلي همذان و إن عادل آغا مضي إلي تبريز لملازمة السلطان …

و سيأتي القول عن نصبه حاكما علي تستر و

الأنحاء المجاورة لها بأمر من السلطان أحمد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 170

حوادث سنة 779 ه- 1377 م

وفيات
1- زينة الموصلية:

هي زينة بنت أحمد بن عبد الخالق بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يونس الموصلية. سمعت من عيسي المطعم و ابن النشو و غيرهما. و حدثت بالكثير. ماتت في شعبان.

حوادث سنة 780 ه- 1378 م

وفيات
1- الحسن بن سالار:

توفي في هذه السنة (سنة 780 ه) الحسن بن سالار بن محمود الغزنوي ثم البغدادي الفقية الشافعي رحل قديما فسمع من الحجار و غيره ثم رجع و حدث ببغداد صحيح البخاري عن الحجاز و تلخيص المفتاح عن مصنفه الجلال القزويني و توفي في شوال.

2- قتلة والي بغداد (مجد الدين إسماعيل):

في هذه السنة أو في التي قبلها قتل الشهزاده الشيخ علي الأمير إسماعيل بن زكريا بن حسن الدامغاني البغدادي والي بغداد باتفاق پير علي باوك و استشارته فسار السلطان حسين من تبريز إلي بغداد فانهزم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 171

الشهزاده الشيخ علي من بغداد و كان استمر بولاية بغداد إلي أن أزاحه السلطان … كذا في الغياثي و قال في حبيب السير أن سبب قتله الوالي إسماعيل دعت إلي الخلاف و القتال بين الإخوة من آل السلطنة كما أن الشيخ علي ولي بغداد بعد إسماعيل و حكمها.

و حينئذ سار السلطان حسين من تبريز إلي بغداد مستمدا بعادل آغا الذي استولي علي عراق العجم فأمده و ناصره فتمكن من قتل بعض أرباب الحل و العقد للمرة الثانية، و في هذه الأثناء انهزم الشهزاده الشيخ علي من بغداد عند ما رأي عادل آغا نصب خيامه قريبا من المدينة و علم أن لا طاقة له بمقاومة هذا الصائل فتوجه إلي أنحاء دسفول (دسبول) و تستر و أقام السلطان ببغداد.

و جاء في تاريخ ابن خلدون «كان إسماعيل بن الوزير زكريا بالشام هاربا أمام أويس فقدم علي أبيه زكريا و بعث به إلي بغداد ليقوم بخدمة الشيخ فاستخلصه و استبد عليه … فتوثب به جماعة من أهل الدولة منهم مبارك شاه و قنبر و قرا محمد فقتلوه و عمه الأمير أحمد منتصف سنة 81

و استدعوا قنبر علي بادك (بير علي باوك) من تستر فولوه مكان إسماعيل و استبد علي الشيخ علي ببغداد و نكر حسين عليهم ما آتوه و سار في عساكره من توريز إلي بغداد ففارقها الشيخ علي و قنبر علي باوك إلي تستر و استولي حسين علي بغداد و استمده (أخوه أحمد و كان بواسط) فاتهمه بممالأة أخيه الشيخ علي و لم يمده و نهض الشيخ علي من تستر إلي واسط و جمع العرب من عبادان و الجزيرة فأجفل أحمد من واسط إلي بغداد و سار الشيخ علي في أثره فأجفل حسين إلي توريز و استوثق ملك بغداد للشيخ علي و استقر كل ببلده» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 172

و قد أوضح صاحب حبيب السير هذه الوقعة فقال إن الأمير إسماعيل جمع إليه بعض الأداني في ولايته علي بغداد و لم يدع للشيخ علي اختيارا في أمر من الأمور بل غل يده و دامت هذه الحالة إلي أن كان في يوم جمعة من سنة 780 ه ذهب الأمير إسماعيل إلي الجامع فصادفه في طريقه رجل يدعي (مبارك شاه) فضربه بحسام كان معه فأرداه قتيلا و في الأثناء و بناء علي استمداد القتيل خرج من داره الأمير مسعود عم الأمير إسماعيل و الأمير زكريا (هو غير والد الأمير إسماعيل) فناداهما فتقدما و حينئذ أسرع مبارك شاه و آخر معه يدعي قرا محمد فقتلاهما فعلم الشهزاده الشيخ علي بالأمر فسر بذلك و قطع رأس الأمير إسماعيل و صلبه في بنايته و أتي إليه برأسه … فلما وصل الخبر إلي تبريز و علم أبوه الأمير زكريا حزن علي ولده و أصابه ألم عظيم من اغتيال أخيه

مسعود أكثر لأنه كان يعلم ما سيحل بابنه … و كان امرأ طاعنا في السن أما السلطان حسين فقد أصدر منشورا بإيالة بغداد و سلطنتها إلي أخيه الشيخ علي و أرسله إليه و بين له أنه لا يضايقه في حاكمية بغداد فتمكن الشيخ علي في الإمارة و فوض الوزارة إلي عبد الملك التمغاتي و أوصل قاتلي الأمير إسماعيل إلي أوج العز و الرفعة إلا أنه رأي أن الأمر لا يستقيم له بهؤلاء فسير وراء (پير علي باوك) من أمرائهم القدماء و كان حاكم تستر من جانب شاه شجاع فطلبه لبغداد و إن الشيخ پير علي باوك جاء إلي بغداد ليتولي زمام أمورها كما أن الشيخ علي تصرف ببغداد و سائر أنحاء العراق مستقلا دون أن تكون له علاقة مع أخيه السلطان … فلما سمع السلطان حسين و عادل آغا بما جري لم يوافقهما ذلك و لم يقع هذا الأمر موقع القبول فجهزا الجيوش و في سنة 782 ه نهضا من تبريز و توجها إلي أنحاء بغداد. أما الشهزاده الشيخ علي و پير علي باوك فقد تيقنا أن لا قدرة لهما في مقابلة الجيش فتركا بغداد و ذهبا إلي جهة تستر … و كان من رأي عادل آغا أن يترك الشيخ پير علي باوك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 173

في تستر و أن لا يتعرض له هناك و أن لا يعود مرة أخري إلي بغداد و لا يتدخل في شؤونها …

أما عبد الملك التمغاتي فإنه استفاد من الوضع و تمكن أن يجمع من أعيان بغداد مبلغا وافرا قدر بمبلغ 1500 تومان و أرسله إليه و استدعي حضوره … و علي هذا نهض توا و سار

إلي بغداد … و إن السلطان حسين سير إليه محمود واقي و عمر قبچاق لمقابلته و هذان قد وقعا أسيرين في قبضة پير علي باوك و قتل أكثر من معهم من الجيوش و عندئذ و لما سمع السلطان بالخبر أمال عنان عزمه نحو تبريز و هناك رأي من المشاق في عودته ما لا يوصف و وصف بحالة سيئة جدا … هذا مجمل ما ذكره صاحب حبيب السير.

و من هذا نري دوام الحروب و طول المنازعات بين الأخوين. و في روضة الصفا من التفصيلات ما لم نرها في غيره سوي أن تاريخ الغياثي ذكر أن قد نال الناس حيف من السلطان و لذا مالوا إلي أخيه ثانية و طلبوه من تستر ليوافيهم و ناصروه علي العودة إلي بغداد فعاد و استقر في الحكم. و جاء في الأنباء عن إسماعيل المذكور أنه أحد الأمراء ببغداد و كانت له في عمارتها بعد الغرق اليد البيضاء مات في رجب سنة 780 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 174

حوادث سنة 781 ه- 1379 م

وفيات
1- ابن عسكر البغدادي:

في سنة 781 ه توفي الشيخ شرف الدين أحمد بن عبد الرحمن ابن محمد بن عسكر البغدادي المالكي نزيل القاهرة كان فاضلا قدم دمشق فولي قضاء المالكية بها ثم قدم القاهرة في دولة يلبغا فعظمه و ولاه قضاء العسكر و نظر خزانته الخاصة و قد ولي قضاء دمياط مدة و حدث عن أبيه و ابن الحبال و غيرهما و لم يكن بيده وظيفة إلا نظر الخزانة فانتزعها منه علاء الدين بن عرب محتسب القاهرة فتألم من ذلك و لزم بيته إلي أن كف بصره فكان جماعة من تجار بغداد يقومون بأمره إلي أن مات في 26 شعبان و له 84

سنة قال ابن حجر سمع منه جماعة من شيوخنا و من آخر من كان يروي عنه شمس الدين محمد بن البيطار الذي مات سنة 825 ه.

2- تقي الدين عبد الرحمن الواسطي:

هو الشيخ تقي الدين عبد الرحمن بن أحمد بن علي الواسطي البغدادي نزيل مصر شيخ القراء قدم القاهرة و تلا علي التقي الصائغ و سمع من حسن سبط زيادة و وزيره و تاج الدين دقيق العيد و جماعة خرج له منهم أبو زرعة ابن العراقي مدة مشيخته و هو آخر من حدث عنه سبط زيادة و تصدر للاقراء مدة و انتفع به الناس و درس القراءات بجامع ابن طولون قال ابن حجر و قرأ عليه شيخنا العراقي و شرح الشاطبية و نظم غاية الإحسان لشيخه أبي حيان، توفي تاسع صفر عن 79 سنة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 175

جامع الشيخ سراج الدين- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 176

3- قارا بن مهنا أمير العرب:

هو أحد أمراء آل فضل، مات في هذه السنة (781) بأرض السر من عمل حلب، أثني عليه طاهر بن حبيب. و قال في عقد الجمان «أمير آل فضل، كان عمود الجود و ذروة سنامه، و حامية المستجيرين بحرمة ذمامه و حسامه …» ا ه.

و في الأنباء أنه مات معتقلا، و كان مطويا علي دين و شجاعة و سلامة باطن، و جاوز السبعين. و في سنة وفاته أرسل نعير عمه صول بن حيار ليأخذ له الإمارة فلم يفلح في مسعاه و سجن …

حوادث سنة 782 ه- 1380 م

اضطراب الحالة:

لا تزال الاضطربات كما عرفت في حوادث سنة 780 ه و الحروب بين الأمراء (إخوة الملك) و بين السلطان حسين لم تسفر عن نتيجة بعد و قد امتد لهيبها إلي ما بعد هذا التاريخ أي إلي سنة 784 ه.

و حادث قتلة الأمير إسماعيل أثار فتنا أخري … فالسلطان بعد أن أقر أخاه الشيخ عليا في بغداد رآه قد مد يده علي الأطراف الأخري و تمكن من الاستيلاء علي كافة أنحاء العراق … ذلك ما دعاه أن يسير إليه و أن ينتزع منه بغداد و غيرها.. ثم إن الشيخ عليا عاد للمرة الأخري و كان قد جهز له عبد الملك التمغاتي أموالا كثيرة تبلغ ألفا و خمسمائة تومان فاستعان بها و تقدم و من ثم رأي أن البغداديين قد طلبوه لما رأوه من أخيه من العسف و التطاول … فرجع إليهم و حكم بغداد …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 177

حوادث سنة 783 ه- 1381 م

قصاد السلطان إلي الشام:

في هذه السنة ذهب من قصاد السلطان جماعة إلي الشام بينهم القاضي زين الدين علي بن جلال الدين عبد الله بن نجم الدين سليمان العبايقي الشافعي قاضي بغداد و تبريز، و الصاحب شرف الدين ابن الحاج عز الدين الحسين الواسطي وزير السلطان و غيرهما.

و جاء في الأنباء في جمادي الأولي حضرت رسل حسين بن أويس صاحب بغداد و تبريز إلي برقوق و هم قاضي البلد الشيخ زين الدين علي ابن عبد الله بن سليمان بن السامي المغربي العبايقي الآمدي الشافعي، و شرف الدين بن عطا، ابن الحسن الواسطي الوزير، و شمس الدين محمد بن أحمد البرادعي فأكرموا غاية الإكرام، و ذكر العبايقي أنه غرم علي سفرته عشرة آلاف دينار، و أنه جاء في مائة

عليقة، و كان يكثر الثناء علي أهل الشام، و تردد الكبار للسلام عليهم حتي القضاة، و رتب لهم برقوق رواتب كثيرة، و طلبهم عنده مرة، و مد لهم سماطا حافلا.

و كان سفرهم في 25 من رجب.

و هنا نري الاختلاف في ضبط هذه الأعلام و تحقيقها يحتاج إلي مراجع أخري.. و في الغياثي أن هؤلاء الرسل إنما أرسلوا بناء علي تملك السلطان حسين برقوق مصر و كان أول من تسلطن من الممالك الجراكسة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 178

وفيات
1- حسام الدين النعماني:

هو حسام الدين بن أبي الفرج أحمد بن عمر بن محمد بن ثابت ابن عثمان بن محمد بن عبد الرحمن بن ميمون بن حسان بن سمعان بن يوسف بن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة النعمان بن ثابت الفرغاني النعماني نزيل بغداد. اشتغل كثيرا، و سمع الحديث من سراج الدين عمر القزويني، و له من أبي الفضل صالح بن عبد الله بن جعفر بن الصباغ إجازة، و أعاد بمشهد أبي حنيفة ببغداد، و نقلت نسبه من خط ابن أخيه القاضي تاج الدين البغدادي لما قدم علينا من بغداد بعد العشرين و ثمانمائة و كان قدم في أواخر زمن المؤيد فارا من ابن قرا يوسف لأنه كان آذاه و جدع أنفه ففر منه إلي القاهرة و ألب عليه فهم المؤيد بغزو بغداد و صمم علي ذلك، ثم فاته الأجل فتحول تاج الدين بعد موت المؤيد إلي دمشق و ولي بها بعض المدارس و مات بها. و كان تاج الدين حدث بمسند أبي حنيفة جمع أبي المؤيد محمد بن محمود بن محمد الخوارزمي بروايته عن عمه عن ابن الصباغ عن مؤلفه و بروايته عن عبد الرحمن بن لاحق

الفيدي عن علي بن أبي القاسم بن لميم الدهساني إجازة عن مؤلفه سماعا. هذا ما قاله أنباء الغمر في أبناء العمر.

و قد مضي الكلام علي تاج الدين في المجلد الأول و قد ترجمناه في حوادث سنة 834 ه. و ابنه قد ترجم في حوادث سنة 868 ه …

جامع النعماني و جامع الشيخ سراج الدين
اشارة

الآثار الإسلامية في هذا العصر كثيرة سواء كانت مدارس أو جوامع، أو مستشفيات أو عمارات أخري.. و السبب في ذلك اتخاذ بغداد عاصمة، و أن الأمراء و الأكابر صاروا يبذلون الثروة في سبيل الزينة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 179

و العمارة من جهة، و في ناحية الثقافة و الدين و الصحة من أخري. و كذا أصحاب البر يراعون الثواب فيعملون لصالح الجماعة …

و بعض الجوامع لا تزال معروفة بأسماء أصحابها من أولئك المؤسسين، و الشهرة محتفظ بها. مما يجعلنا نميل إلي التقريب بينهما و نري صحة التسمية و النسبة إلي الأشخاص المعروفين الذين ذاع اسمهم في هذا العصر من المشاهير من أقوي الأدلة و للذيوع و الشيوع حكمه..

و من هذه الآثار:

1- جامع النعماني:

و هذا لا يزال محفظا باسمه، و سعته تدل علي مكانته السابقة و هو الكائن اليوم في شارع الكيلاني و نري أنه من مؤسسات العالم المشهور حسام الدين النعماني المذكور في وفيات هذه السنة..، أو من أحد أصحاب الخير فسماه باسمه تخليدا لذكراه.. و الشهرة و التسمية المحفوظة تنطبقان علي هذا الجامع و مؤسسه.. و هما من أقوي ما نعول عليه، فلا مانع من الركون إليهما.. و إن فقدان النصوص لا يمنع من قبول ذلك.

و قد اكتفي المرحوم الأستاذ شكري الآلوسي بقوله في هذا الجامع إنه من مساجد بغداد القديمة، فيه منارة بيضاء مطلة علي الطريق..

و اشتهر في هذا البيت تاج الدين النعماني قاضي بغداد ابن أخي حسام الدين المذكور و هذا توفي عام 834 ه خارج بغداد. فزال احتمال بنائه منه … و لتاج الدين هذا ابن له مكانته أيضا و من دواعي بقاء هذا الجامع ظهور علماء كثيرين من أسرة واحدة

مكنت من بقاء هذا الجامع و دوامه لما ناله علماؤهم من المكانة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 180

و كان قد عمره داود باشا سنة 1239 ه و في الأيام الأخيرة آل إلي الخراب و هدمت منارته سنة 1353 و الآن بدأت دائرة الأوقاف بتعميره في هذه السنة 1354 ه- 1936 م.

2- جامع سراج الدين:

و في هذا العصر اشتهر الشيخ سراج الدين عمر القزويني المتوفي سنة 750 ه و لا يزال الجامع معروفا باسم (جامع الشيخ سراج الدين)، و في بغداد اليوم محلة تسمي ب (محلة سراج الدين) و قد مضت ترجمة هذا الشيخ في هذا الكتاب و هو من علماء الإجازة، و الكثيرون يفتخرون في الأخذ عنه فلا إبهام في النسبة.. و إن عدمت الصراحة في النصوص التاريخية.. و يقوي هذا مكانة ابنه المترجم و مهما يكن فلا يبعد أن نجد ما يؤيد رأينا هذا فيما يظهر من الوثائق و المخلدات التاريخية …

و للتعرف بمنزلة الرجل ننقل نص ابن بطوطة فيه قال:

«لقيت بهذا المسجد- جامع الخليفة- الشيخ الإمام، العالم، الصالح، مسند العراق سراج الدين، أبا حفص عمر بن علي بن عمر القزويني، و سمعت عليه فيه جميع مسند أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن فضل بن بهرام الدارمي و ذلك في شهر رجب الفرد عام 727 ه … الخ» ا ه.

و في هذا ما يعين أنه اشتغل بالتدريس بعد هذا لمدة 23 سنة.

و أمد مثابرته علي الإفادة مما زاد في احترامه و الاعتقاد في علمه و مكانته في القلوب …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 181

و كان قد عمر هذا الجامع الوزير حسن باشا سنة 1131 ه. و قال المرحوم شكري الآلوسي

في مساجد بغداد إن الشيخ سراج الدين هذا من رجال الصوفية و له ذكر في تاريخ أولياء بغداد، و التفصيل هناك.

حوادث سنة 784 ه- 1382 م

قتلة السلطان حسين: (ترجمته)

في عجائب المقدور كان قتل السلطان غياث الدين حسين في جمادي الآخرة من سنة 783 ه و في الانباء ذكر هذا الحادث في تلك السنة و قال: و قيل في ربيع الآخر من السنة التي بعدها (سنة 784 ه) و ترجمه في المواطنين و في حبيب السير كانت قتلته بتاريخ 15 صفر سنة 784 و مثله في الغياثي دون تعيين الشهر. و سبب قتله أنه اغتاله أخوه أحمد و كان استنابه السلطان علي البصرة، و توجه إلي تبريز فمالأ الأمراء عليه حتي قتل و استقل أحمد بالسلطنة … و كانت هذه المواطأة بإشارة الشيخ الكحجاني … كانت في نتيجة النزاع مع إخوته … فالسلطان أحمد يبدي أنه لم يطق الصبر علي هذه الحالة من الاضطراب و التشوش و انحلال الأمور فنهض لطلب الحكم و خرج من تبريز فجمع له جيشا و عزم علي اكتساح تبريز و الاستيلاء عليها فقتل السلطان و قيد شمس الدين زكريا و الخواجة جمال الدين..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 182

و جاء في ابن خلدون أن السلطان حسين لما رجع من بغداد إلي توريز (تبريز) عكف علي لذاته و شغل بلهوه و استوحش منه أخوه أحمد فلحق بأردبيل و بها الشيخ صدر الدين (الصفوي) و اجتمع إليه من العساكر ثلاثة آلاف أو يزيدون فسار إلي توريز و طرقها علي حين غفلة فملكها و اختفي حسين أياما ثم قبض عليه أحمد و قتله …

و قد كثرت الأقاويل في السلطان حسين بين مادح له و ذام، و أكثر المؤرخين كانوا يميلون

إلي مدحه و الثناء عليه و لعل الذم كان موجها من جانب خصومه المنتصرين عليه مما دعا إلي تقولات كهذه … و قد قيل «و لأم المخطي ء الهبل» و إلا فهذا صاحب الأنباء نعته بقوله كان شجاعا شهما؛ حسن السياسة، قتل غيلة … و في عجائب المقدور:

«هو جلال الدين حسين، أفاض علي رعيته فضله و إحسانه، و كان كريم الشمائل، جسيم الفضائل، وافر الشهامة، ظاهر الكرامة، أراد أن يمشي علي سنن والده، و يحيي مآثره من رسوم آثاره و معاهده فخذلته الأقدار، و خالفت صفو مساعيه الأكدار». ا ه.

و في هذا مخالفة لما جاء في النصوص الأخري. و جل ما نعلمه عن خلفه السلطان أحمد يشير إلي خرق و شراسة و ذم من مؤرخين لا يحصون …

و علي كل كان السلطان حسين قد ولي الحكومة عام 776 ه و قد أسلفنا البحث عما وقع في أيامه من الاضطراب و انتقاض الأمراء عليه.

قالوا هو مولع باللهو و اللعب غافل عن تدبير المملكة، و بلغ به من حب النساء أن صار يتزيا بزيهن و يدخل الولائم و الأعراس فيما بينهن و لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 183

يعلموا به و مما يحكي عن هؤلاء الأمراء أنهم شكوا ذلك إلي وزيره الأمير زكريا فقال لهم الوزير اشكروا اللّه الذي بلاكم بمن يجعل القناع علي رأسه و لم يبتلكم بمن يضع القناع علي رؤوسكم فقام عليه رجاله و عصوا عليه فاستعان عليهم بعادل آغا الذي استولي علي عراق العجم … هذا ما دعا أن دبر مناوئوه و في مقدمتهم الشيخ علي أخوه قتلة الأمير إسماعيل و قيام الشيخ علي الشهزاده مكانه في منصب بغداد فارتبك أمر السلطان حسين

من جراء هذا الحادث فركن إلي عادل آغا فأمده و تقدم نحو بغداد فلما وصلها فر الشيخ علي من وجهه و مضي إلي دسبول و تستر و استقر السلطان حسين في حكومة بغداد و لما كان غير مدبر و لا ناظر لأمور الرعية بعقل و حكمة تكاثر ظلمة و زاد عتوه في بغداد … فاجتمع الأهلون عليه و اتفقوا علي معارضته و قتاله و دعوا الشيخ عليا الشهزاده ليجعلوه حاكما عليهم فوافي إليهم و ولي حكومة بغداد. و حينئذ التجأ السلطان مرة أخري إلي عادل آغا فظهر عليه أخوه الآخر أيضا و هو السلطان أحمد فقضي علي السلطان حسين المذكور و قتله.

و لم يكن له من الأولاد سوي بنت يقال لها دوندي سلطان و هذه غير دوندي بنت دلشاد المذكورة في هذا الكتاب و سيأتي لها من الحوادث ما له علاقة بالعراق …

وفيات
1- الوزير شمس الدين زكريا:

إن قتلة السلطان غطت علي ما جري علي الخواجة شمس الدين زكريا بن حسن الدامغاني البغدادي صهر الخواجة الوزير غياث الدين محمد بن رشيد الدين فضل الله الوزير و ابن أخته فلم نعد ندري ما حل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 184

محراب جامع الشيخ سراج الدين- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 185

الجبهة الأمامية لجامع سيد سلطان علي- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 186

به و المعروف أن السلطان أحمد قتل الأمراء. و لذا انقطع بأنه قتله.

و هذا نال الوزارة أيام الشيخ حسن سنة 737 ه و كان انتخابه لمحض التأثير و الاستفادة من شهرة الخواجة غياث الدين محمد و قد مدحه الخواجة سلمان الساوجي بقصائد كثيرة مدونة في مواطن من ديوانه ثم إنه اعتزل

و نالها مرة أخري سنة 757 ه أيام السلطان أويس و كان هذا الوزير لا يزال حيا بعد قتلة ابنه الأمير إسماعيل و الملك حسين و كان محترما لدي هذه الحكومة و لمحض هذا الاحترام نال أخوه نجيب الدين الإمارة و أما إسماعيل ابنه فإنه نال الوزارة و حكومة بغداد و في دستور الوزراء «تصرف- الشيخ حسن الكبير- بممالك العراق.. و جعل الخواجة شمس الدين زكريا.. لمنصب الوزارة، و بقي في منصبه في جميع أيام دولته و في أيام أولاده (أويس و حسين) و في عهده اختار العدل و الإنصاف و العلم حتي وفاته.. فكان له الذكر الجميل» ا ه.

و باقي ما ذكره لا يختلف عن النص السابق و قد مر من البيان ما يبصر بحياته … و نرجح أنه توفي أو قتل في هذه السنة فقد طوي ذكره بعد حادث السلطان حسين و بعد القبض عليه و تقييده بالوجه المار …

و المعروف أن السلطان أحمد من حين ولي أوجس خيفة من الأمراء فقتل جماعة منهم.. فلا يبعد أن يكون الوزير أحدهم …

2- محمد بن عرب الهيتي:

في هذه السنة (784 ه) توفي محمد بن عرب الهيتي الحسني الحنفي العراقي نزيل حماة كان فصيح اللسان؛ عزيز الأخلاق، وصل من العراق إلي سلمية فاتفق توجه قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 187

البارزي إليها فأعجب به فذهب إلي حماة و قرره مشغلا في علم العربية بالجامع الكبير، و النوري بحماة، و انتفع به جماعة. فإن تقريره كان سهلا، سريع المأخذ، توفي في الطاعون.

حوادث سنة 785 ه- 1383 م

حرب السلطان أحمد و الشيخ علي:

كان السلطان أحمد بعد قتلة أخيه أعلن سلطنته مستقلا فكان كما وصفه صاحب حبيب السير سفاكا، رديئا للغاية، لا يستقر علي حالة …

و إنما يلتمس الشغب و يتحري التشويش دائما، و كان قاسي القلب، قليل الرحمة، شديدا و جاهلا، و له ولع بالموسيقي … قال الغياثي: «و لما قتل أخاه السلطان حسينا استشعر بالخوف من الأمراء و الأكابر الذين قتلوا أخاه. فقبض علي بعضهم و قتلهم فنفرت قلوب باقي الأمراء منه و جاؤوا إلي بغداد و أقاموا الشهزاده الشيخ عليا سلطانا و توجهوا به إلي تبريز … و زاد في حبيب السير: أنه تواترت الأخبار في أن الشهزاده الشيخ عليا و پير علي باوك بإغراء من عادل آغا عزموا علي حرب السلطان أحمد فسارع السلطان أحمد للملاقاة و الحرب و تصادموا عند السبعة أنهار (هفت رود)، و إن عمر قپچاق قد انفصل أثناء المعركة من السلطان أحمد و التجأ إلي الشيخ علي فاضطرب أمر السلطان فوقعت المغلوبية عليه و هرب من طريق خوي إلي نخچوان و التحق بقرا محمد بن تورميش (والد قرا يوسف) صاحب الموصل و كان السلطان قد تزوج بنته فاستمده و هذا اشترط شروطا وافقه السلطان أحمد عليها منها أنه ليس له

أن يتقدم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 188

إذا رأي النصر دون أمر منه، و أنه إذا فتح عليهم تكون الغنائم خالصة لهم فلا يطمع فيها … فوافق السلطان أحمد … و حينئذ رتب قرا محمد جيشا و نظمه كما يريد و قصد الشيخ علي فحدثت المعركة بين الفريقين، و في هذه المعركة قتل الشيخ علي أصابه سهم و غنم التركمان غنائم وفيرة جدا و كذا قتل پير علي باوك و إن السلطان أحمد أرسل رأسه إلي عادل آغا ليظهر له نتيجة أعماله.. و من ثم ذهب السلطان إلي تبريز … و في الغياثي أنه قبل الحرب راسل خضر شاه بن سليمان شاه السلطان أحمد و كان أجل أمراء بغداد فانهزم خضر شاه و أصيب الشيخ علي بسهم فحمل إلي أخيه السلطان أحمد و به رمق فمات و ذلك عام 786 ه … و تقرر الملك للسلطان أحمد.. و في هذا إيضاح يوافق ما جاء في ابن خلدون …

و جاء في الأنباء في حوادث سنة 786 ه أن شيخ علي شاه زاده.. كان من جملة الأمراء فلما قتل أحمد بن أويس أخاه حسينا في سنة 784 ه قبض علي أمراء الدولة فقتلهم و أقام أولادهم في وظائفهم فنفرت منه قلوب الرعية و تمالأوا عليه و أقاموا أخاه هذا سلطانا و توجهوا به من بغداد إلي تبريز فالتقاهم بمن معه و معه قرا محمد بن بيرم خجا (بيرام خواجة) صاحب الموصل و هو صهره كانت بنته تحت أحمد فالتقي بمقدمة القوم فراسله خضر شاه بن سليمان شاه الإسلامي و كان أجل أمراء بغداد فانهزم خضر شاه و أصيب شاه زاده (الشهزاده علي) بسهم و حمل إلي

أخيه و به رمق فمات» ا ه.

أما صاحب حبيب السير فإنه يعين الحادث في سنة 795.

ترجمة السلطان علي:

في أواخر أيام السلطان أويس أرسل الشيخ علي الشهزاده- إثر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 189

الغرق ببغداد- مع الوالي الأمير إسماعيل فكان أمير البلد إلا أنه رأي استبدادا من الأمير إسماعيل فاغتاله و أعلن ولايته علي بغداد و بعد وفاة السلطان أويس استمر في ولايته … و لما قتل الأمير إسماعيل بل بعد ذلك بمدة سار السلطان حسين من تبريز إلي بغداد فانهزم الشيخ علي ثم عاد بالوجه المار … و لما تسلطن السلطان أحمد مال الأمراء المخالفون إليه و شوقوا الشيخ عليا لمقارعة أخيه فكانت النتيجة أن قتل في المعركة … فكانت مدة حكمه ببغداد تقرب من عشر سنوات و ترك ابنا اسمه شاه ولد.

جامع سيد سلطان علي:

مر بنا من الحوادث ما يبصر بقتلة الشيخ علي و الكتب التاريخية لم تذكر أعماله التي قام بها ببغداد و مآثره فيها و لا يعلم بالتحقيق تاريخ بناء هذا الجامع إلا أنه يصادف العصر الذي بني فيه جامع مرجان و النظر إلي مأذنة كل منهما تجعلنا نقطع بأن البناء متقارب في الزمان إن لم يكن مماثلا … و مأذنة جامع النعماني المذكور لا تختلف عنهما. علي كل هذا الجامع من بناء هذه الحكومة و الظاهر أنه بني لمناسبة وفاة و قد ضاعت عنا الأخبار الخاصة و لم يدون إلا ما يتعلق بالحروب و السياسة العامة و قد ذكر الأستاذ المرحوم الحاج علي علاء الدين الآلوسي في تعليقة له علي كتاب كلشن خلفا عند ذكر قتلة الشيخ علي ما نصه:

«و الظاهر أن شيخ علي هذا هو المنسوب إليه جامع السيد سلطان علي فإنه ولي بغداد و توفي فيها و موضع الجامع في مرافق دار الخلافة العباسية و هو الأنسب

بالسلاطين و أما ما يقال من أنه الرفاعي فذلك من الموضوعات» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 190

و يؤيد هذا النص ما ذكر من الاستدلال السابق … و أن الشيخ علي أعلن نفسه سلطانا في بغداد و كان حكمها مدة و لعل اللفظ المشهور أصله (سيدي السلطان علي) فخفف بالوجه الشائع (سيد سلطان علي) و علي كل نبدي ملاحظتنا و لا يبعد أن يظهر نص يعين الباني …

أما الأستاذ المرحوم شكري الآلوسي فقد قال هو من مساجد بغداد القديمة مطل علي دجلة من نهر المعلي المعروف موضعه اليوم بمحلة سبع أبكار أو المربعة و قد جدد عمارته السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1310 ه.

و أقول كانت الكتابة علي باب هذا الجامع بخط عثمان ياور و منارته من بناء عصر الجلايرية و قد هدمت في هذه الأيام أي سنة 1353 ه.

أحوال بغداد- طورسون:
اشارة

أما أهل بغداد فإنهم بعد قتلة الشيخ علي أرسلوا خبرا إلي عادل آغا بأن يبعث معتمدا ليحكم بغداد دار السلام فأجاب الطلب و أرسل الأمير تورسن (طورسون) و هو من الأمراء و ابن خالة عادل آغا ليتولي إدارة بغداد و نصب قوام الدين النجفي ليقوم بوزارة بغداد … و لما وصل الأمير طورسون إلي بغداد استقبله عبد الملك التمغاتي الذي كانت بيده

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 191

أزمة الأمور و جاء معه الذين كانوا قد قتلوا الأمير إسماعيل فأمر حالا بقتل هؤلاء و استولي علي ما بأيديهم من أموال و تقدر بعشرة آلاف تومان و كثر النهب و السلب و اضطرمت نيران الفتن و أرسلت المبالغ المذكورة إلي عادل آغا … و في هذا السبيل جري ما جري مما لا يكاد يحصيه

قلم.. فانتهكت حرمات و استبيحت أموال.

السلطان أحمد و بغداد:

جاءت الأخبار إلي تبريز فعلم السلطان أحمد بكل تفاصيلها..

و حينئذ سار توا و علي وجه الاستعجال إلي بغداد و أن السلطان في هذه الأثناء ورد إليه شاه منصور من آل مظفر فارا من حبس القلعة و اتصل به … أما طورسون فإنه حينما علم بورود السلطان و توجهه إلي بغداد فر منها و ذهب من طريق بعقوبة فاقتفي بعض الرجال أثره و ألقي القبض عليه فأمر السلطان بقتله و قتل قوام الدين النجفي و قتل بعض من أوجس منهم خيفة و أعاد الشاه منصور إلي حاكمية تستر كما كان سابقا و قضي السلطان الشتاء في بغداد و في موسم الربيع من سنة 785 ه نصب الخواجة يحيي السمناني حاكما علي بغداد و عاد هو إلي تبريز …

و قد وردت هذه الوقعة في ابن خلدون بما نصه:

«ثم سار أحمد إلي بغداد و قد كان استبدّ بها بعد مهلك الشيخ علي الخواجة عبد الملك (التمغاتي) من صنائعهم بدعوة أحمد ثم قام الأمير عادل في السلطانية بدعوة أبي يزيد (أخي السلطان أحمد) و بعث إلي بغداد قائدا اسمه برسق (صحيحه تورسون) ليقيم بها دعوته فأطاعه عبد الملك و أدخله إلي بغداد ثم قتله برسق (تورسون) ثاني يوم دخوله و اضطرب البلد شهرا ثم وصل أحمد من توريز (تبريز) و خرج برسق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 192

(تورسون) القائد لمدافعته فانهزم و جي ء به إلي أحمد أسيرا فحبسه ثم قتله و قتل عادل بعد ذلك و كفي أحمد شره و انتظمت في ملكه توريز (تبريز) و بغداد و تستر و السلطانية و ما إليها و استوثق أمره فيها ثم انتقض عليه أهل

دولته سنة 786 ه …» ا ه.

ملحوظة: كان أبو يزيد ابن السلطان أويس مع الأمير عادل قد مالا إلي شاه شجاع و بالمفاوضة و المخابرات السياسية تمكن السلطان أحمد من استعادة أخيه أبي يزيد إليه إلي بغداد و أمنه فأعيد كما أن عادل آغا انتهز فرصة مجي ء تيمور لنك فذهب إليه و جعله حاكما علي تبريز ثم قتله …

و كان عادل آغا ممن انتقض عليه من أهل دولته بالوجه الذي ذكره ابن خلدون … و سيجي ء البحث عن ذلك.

الركب العراقي

و فيها- سنة 785 ه- أخبر جماعة من الركب العراقي وصلوا إلي مكة أنه كان قد تجهز ركب كبير من شيراز و البصرة و الحسا فخرج عليهم قريش ابن أخي زامل و معه ثمانية آلاف نفس و كل معهم أموال كثيرة لؤلؤ و جوهر و ذهب و فضة فنهب جميع ما معهم و قتل منهم خلقا و من سلم رد إلي بلاده ماشيا عريانا و بعضهم حضر إلي مكة صحبة الركب العراقي علي الصفة المذكورة. و أما ركب العراقيين فلم يمكنهم قريش من السفر حتي جمعوا له عشرين ألف دينار حسابا عن كل حمل خمسة دنانير ذكر ذلك ابن قاضي شهبة و مثله المقريزي في السلوك و أن مبشيري الحاج المصري هم المخبرون بذلك. بين ذلك كله الصديق الأستاذ مصطفي جواد و قال: قريش هذا ابن أخي زامل بن عيسي بن عمر بن مهنا من آل فضل الطائي و ورد أيضا زامل بن موسي بن عساف (عيسي).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 193

الكتابة فوق مدخل مرقد سيد سلطان علي- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 194

محراب و منبر جامع سيد سلطان علي-

دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 195

وفيات
1- عبد اللّه بن خليل الأسداباذي:

هو جلال الدين البسطامي نزيل بيت المقدس، ولد ببغداد و صحب الشيخ علاء الدين العسفي البسطامي لما قدم من خراسان فلازمه و سلك طريقه و صحبه إلي الشام ثم إلي بيت المقدس و ترك ما كان فيه ببغداد و كان قد قرأ و اشتغل و أعاد بالمدرسة السلطانية للشافعية فترك وظائفه و وقف كتبه علي الطلبة و استمرت إقامته ببيت المقدس مقبلا علي أنواع المجاهدة و الرياضة و له رسالة معروفة فيها آداب حسنة و كانت وفاته في المحرم سنة 785 ه.

مدرسة الخواجة مسعود بن سديد الدولة و عمارته:

إن الخواجة مسعود بن سديد الدولة كان من أكابر بغداد فأسس مدرسة و أسواقا (عمارة) في غاية الحسن جعلها وقفا علي المذاهب الأربعة علي صفة المستنصرية و وقف عليها الأوقاف الكثيرة و الخطوط التي علي جدران المدرسة بيده و دار الكتب أكثرها بخط يده و كان يكتب خطا حسنا و كتب اسمه علي جدران المدرسة بهذه العبارة «و كتبه مسعود ابن منصور بن أبي الهارون نسبا الشافعي مذهبا» و كان يتصل بهارون أخي موسي بن عمران و كان أبوه يلقب سديد الدولة و كان دينه القديم اليهودية و له جاه عند السلاطين ثم أسلم …

و لما مات سديد الدولة عن مال كثير ورثه ولداه داود و مسعود ثم مات داود و استولي مسعود علي الجميع ثم اقتضي رأيه أن يعمر هذه المدرسة فابتدأ بعمارتها في أيام السلطان أويس و انتهت في أيام السلطان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 196

أحمد و لما تمت استدعي السلطان لينظرها و فرشوا تحت أرجله الديباج من مسافة ثلاثمائة ذراع و الخواجة بهادر مملوك الخواجة مسعود علي كتفه قربة السقاء مملوءة من الدراهم ينثرها تحت أرجله و أما

باقي الولائم و التقاديم فلا يحصي شرحها و لم يكن الخواجة مسعود وزيرا و إنما كان من أعيان البلد …

و قال بعض الشعراء من جملة قصيدة يمدح بها الخواجة و يصف المدرسة:

و للقراءات في الأسحار هينمة كالورق ما بين تسجيع و تغريد

أضحت مزامير داود و لا عجب أن المزامير تتلي عند داود

يشير إلي أن المدفون في المدرسة هو داود …

اليهود في هذا العصر:

قد مضي القول في المجلد الأول عن اليهود و عن سديد الدولة و ما حصل عليه من المكانة. و لكن لم يذكر عن إسلام أولاده أثناء بيان الحوادث و لعل الوقائع الماضية لها دخل في قبول الإسلامية، و إن الثراء وصل إليه من تلك السلطة أو المكانة التي حصلوا عليها..

إن تلك الحوادث التي جرت علي اليهود بعد أن نالوا المنزلة الكبيرة في الدولة أخفتت صوتهم و لم نسمع عنهم ما يستحق الذكر لعدم العلاقة بمصالح الحكومة و التدخل في سياستها فأهملوا و لم يظهر لهم صوت إلا بعد أزمان طويلة سنعرض لذكرها في حينها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 197

حوادث سنة 786 ه- 1384 م

الانتقاض علي السلطان أحمد- خروج تيمور لنك:

في سنة 784 ه ظهر الأمير تيمور لنك بمظهر الفاتح العظيم في تركستان و بخاري و سائر بلاد ما وراء النهر و خرج في جموع من المغول و التتر و ساقها نحو خراسان و دامت حروبه إلي عام 787 ه.

و كان في أيام خروج تيمور لنك من وراء النهر انتقض علي السلطان أحمد أهل دولته عام 786 ه و سار بعضهم و هو الأمير عادل آغا إلي السلطان تيمور فاستصرخه فأجاب صريخه و بعث بالعسكر معه علي تبريز فأجفل عنها السلطان أحمد إلي بغداد و استبد بها ذلك الثائر و عاث تيمور لنك في تبريز و آذربيجان و خربها و جاء إلي أصفهان و طلائعه وافت تخوم العراق فأرجف الناس منه و أعاد إلي الذاكرة وقائع جنكيز و أولاده و كانت حروبه بآذربيجان مع التركمان سجالا ثم تأخر إلي ناحية أصفهان و جاءه الخبر بظهور خارج عليه و هو قمر الدين فعاد إلي مملكته عام 787 ه و خفي خبره إلي سنة 795 ه

… و انفرد السلطان أحمد ببغداد و أقام بها …

و قد ذكر في الحديث عن أولية تيمور من هذا الكتاب و موضح أيضا في الضوء اللامع …

وفيات
1- محمد بن مكي العراقي:

توفي في هذه السنة محمد بن مكي العراقي كان عارفا بالأصول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 198

و العربية فشهد عليه بدمشق بانحلال العقيدة و اعتقاد مذهب النصيرية و استحلال الخمر الصرف و غير ذلك فضربت عنقه بدمشق في جمادي الأولي و ضربت عنق رفيقه عرفة بطرابلس و كان علي معتقده».

2- الشيخ شمس الدين الكرماني:

الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف بن علي بن عبد الكريم الكرماني الشافعي نزيل بغداد ولد في 16 جمادي الآخرة سنة 717 ه و اشتغل بالعلم فأخذ عن والده ثم حمل عن القاضي عضد الدين و لازمه اثنتي عشرة سنة و أخذ عن غيره، ثم طاف البلاد و دخل مصر و الشام و الحجاز و العراق، ثم استوطن بغداد و تصدي لنشر العلم بها نحو ثلاثين سنة و كان مقبلا علي شأنه معرضا عن أبناء الدينا. قال ولده الشيخ تقي الدين يحيي: كان متواضعا بارا لأهل العلم و سقط من علية فكان لا يمشي إلا علي عصا منذ كان ابن أربع و ثلاثين سنة. قال ابن حجي:

صنف شرحا حافلا علي المختصر، و شرحا مشهورا علي البخاري و غير ذلك و حج غير مرة و سمع بالحرمين و دمشق و القاهرة، و ذكر أنه سمع بجامع الأزهر علي ناصر الدين الفارقي، و ذكر الشيخ ناصر الدين العراقي أنه اجتمع به في الحجاز و كان شريف النفس مقبلا علي شأنه، و شرح البخاري بالطائف و هو مجاور بمكة و أكمله ببغداد، و توفي راجعا من مكة بمنزلة تعرف بروض مهنا في سادس عشر المحرم و نقل إلي بغداد فدفن بها و كان اتخذ لنفسه قبرا بجوار الشيخ أبي إسحق الشيرازي و بنيت عليه قبة، و مات

عن تسع و ستين سنة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 199

طاق كسري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 200

النصيرية

هؤلاء من الغلاة القائلين بإلهية الإمام علي، و هم لم ينقطعوا من العراق، و لا يزالون إلي اليوم و يعرفون ب (النصيرية) و أسماء أخري، يخفون عقائدهم و يتكتمون كثيرا. و يظن لأول وهلة أنهم مسلمون، و يظهرون أحيانا الشعائر الإسلامية خوفا، فلا يبعد أن يقوم بعضهم مثل المترجم المذكور أعلاه فيجاهر بمعتقده فيفتضح أمره، و يناله ما يناله..

و الروح الإسلامية لا تزال شديدة و قوية في هذا العصر، لا تسمح لأحد بمخالفة أساساتها بعقيدة زائغة … و قد اتفقت الفرق الإسلامية بأن هؤلاء خارجون عن الملة..

و ليس من موضوعنا التعرض لأكثر من بيان تلخيص في معرفة تطور هذه العقيدة و هي منتشرة في أنحاء العراق المختلفة.. و من المؤسف أن لم نعثر لهم علي مؤلفات واضحة و صريحة تعين معتقدهم تفصيلا..

و لكن العلماء بحثوا و ذكروا بعض معتقداتهم. و من أوضح أساسات عقائدهم الاعتقاد (بعبادة الأشخاص) و أهمها الاعتقاد بإلهية الإمام علي و أولاده … و اشتهروا باسم (النصيرية). و (العلي اللهية)، و (المشعشعين)، و (القزلباشية)، و (الشبك) و غيرهم … و من عقائدهم التناسخ و الحلول أو الاتحاد.

و نذكر بعض النصوص الخاصة بالنصيرية و بالعلي اللهية لنتبين أن المعتقدات الأخري لا تفترق إلا بالأسماء.. و هذا ما قاله السمعاني:

«النصيرية … نسبة لطائفة من غلاة الشيعة يقال لهم النصيرية …

ينتسبون إلي رجل اسمه نصير و كان في جماعة قريب من 17 نفسا، و كانوا يزعمون أن عليا هو اللّه. كان زمن علي فحذرهم، و قال: إن لم ترجعوا عن هذا القول؛ و تجددوا إسلامكم

عاقبتكم عقوبة ما سمع مثلها في الإسلام، ثم أمر بأخدود، حفر في رحبة جامع الكوفة فأشعل فيه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 201

النار، و أمرهم بالرجوع فما رجعوا، فأمر غلامه قنبرا حتي ألقاهم في النار فهرب واحد من الجماعة اسمه نصير و اشتهر هذا الكفر منه..

و هذه الطائفة بالحديثة (بلدة علي الفرات). سمعت الشريف عمر بن إبراهيم الحسيني شيخ الزيدية بالكوفة يقول: لما انصرفت من الشام رحلت إلي الحديثة مجتازا فسألوني عن اسمي فقلت عمر فأرادوا أن يقتلوني لأن اسمي عمر حتي قلت إني علوي، و إني كوفي فتخلصت منهم و إلا كادوا يقتلونني …» ا ه.

و حديثة هذه تسمي حديثة الفرات و حديثة النورة و الآن ليس فيها نصيرية. و إنما المعروف أنهم لا يزالون في عانة في محلة الحقون..

و يحكي أهل عانة القصص الغريبة عنهم سواء في إظهار شعائر الإسلام، أو في الأمور الخفية التي يتعاطون العبادات أو الاجتماعات فيها..

و عندهم سر (عمس) لا يحلفون به كذبا و يقصدون بالعين (عليا)، و بالميم (محمدا)، و بالسين (سلمان الفارسي) … و يتقول عليهم المجاورون بعض الأمور مثل قولهم «يا أبا السعود يا أبا السعود منك خرجنا و إليك نعود» فيزعمون أنهم يجردون بنتا يخاطبون فرجها بما ذكر.. و يعزون إليهم حادث الكفيشة أو الكفشة و تنسب أيضا إلي كثيرين من أمثال هذه الطائفة بسبب التكتم من اتخاذ ليلة ساهرة تطفأ فيها الشموع و يتصل رجالهم بنسائهم و يكذبها الواقع فلا يعتمد علي هكذا إشاعات … و قد نقلت هذه العادة قديما و ألصقت ببعض طوائف الغلاة كما نقل صاحب (الفرق بين الفرق) عن طائفة البابكية في جبلهم قال:

«للبابكية في جبلهم ليلة عيد لهم

يجتمعون فيها علي الخمر و الزمر و تختلط فيها رجالهم و نساؤهم فإذا أطفئت سرجهم و نيرانهم افتض فيها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 202

الرجال النساء..» ا ه و يقصدون من ذلك أن هؤلاء إباحية..

و المعروف في أمثلة كثيرة أنهم يعتقدون بالتناسخ و يسبون الصحابة الكرام.. و في كتاب الفرق: و تولوا عبد الرحمن بن ملجم.. و قالوا خلص روح اللاهوت من الجسد البراني.. و الصارلية علي هذا الاعتقاد.

و قد اشتهرت هذه الطائفة بواسط أيضا، و منها اشتق المشعشعون علي ما يظهر.. و نظرا لعلاقة البحث سأذكر المراجع الخاصة في هذه العقيدة عند الكلام علي المشعشعين لأن هؤلاء النصيرية لم يحافظوا علي اسمهم بل تسموا بأسماء أخري ففي غير العرب يقال لهم بصورة عامة (النيازية) (أصحاب النذور) لا يقيمون (شعائر الإسلام)، و لا يقصون شواربهم. و لهم مواسم معينة لإجراء النذور و ينعتون سائر المسلمين ب (النمازية) أي أهل الصلاة. و اللفظة فارسية و هي (نماز) يراد بها الصلاة.. و يعين هذه العقيدة المكتومة- عقيدة العلي اللهية- ما جاء في (دبستان مذاهب) فإنه عمدة في تدوين كثير من العقائد أمثالها قال:

«عقائد العلي اللهية: في جبال المشرق بالقرب من الخطا موطن يدعي (أرنيل) و أحيانا يسمي (رمال) و يقال لملكه (باب) فأهل هذا الموطن يقولون: من المعلوم لمن تبحر في حقائق الأمور و أدرك دقائقها أن لا مجال للتقارب بين السفليين و العلويين، و لا صلة للخلقة بين العنصريين و الملكوتيين، و أن الرابطة بين الزمانيين و اللازمانيين مفقودة، كما لا علاقة بين المكانيين و اللامكانيين.. و هم جميعا مع كل ذلك مكلفون بحكم العقل و الشرع بمعرفة اللّه تعالي، و الملائكة العلويون،

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 2، ص: 203

و الأنبياء السفليون لا قدرة لهم و لا طريق إلي معرفة اللّه تعالي علي حد «ما عرفناك حق معرفتك»».

ذلك ما دعا أن يهبط تعالي من المرتبة الصرفية و درجة البحتية و الإطلاق.. ففي كل عصر و دور بمقتضي فرط لطفه يتصل بجسم من الأجسام ليبصره عباده فيمتثلوا أوامره عن معرفة فيصغوا إليها و يعملوا بموجبها …

و قد ورد في هذا الشأن آيات و أحاديث تتعلق بالرؤية و فيها إشارة واضحة إلي ذلك. فعليه و لما كان ظهور الروحاني في صورة جسمانية أمر ممكن و قد سلم العقلاء بذلك و جاء في الأخبار عند المسلمين و تقرر أن المجرد يتيسر تمثيله فجبرائيل عليه السّلام ظهر بصورة دحية الكلبي. و كذلك تظهر الجن و الشياطين بصور البشر، فمن الأولي أن يبدو القادر المتعال للخلق بهذا التجلي، و هكذا أفراد الناس لا يستغنون عن الاستعانة بغيرهم …

و هذه الطائفة نظرا لتلك القاعدة المتفق عليها تقول بأنه يجب أن لا يدوم ظلم و أن ينتظم العالم و يمضي بمقتضي قوانين ثابتة و سنن دائمة، و هذا لا يمكن أن يقوم به أحد سوي اللّه تعالي.. و علي هذا قضت حكمته و إرادته أن يظهر بمظهر البشر إنفاذا لأوامره فيضع لهم الشرائع لترتيب الأمور و تنظيمها.. و العقل و النقل يؤديان إلي أنه لم يكن هناك في دور الشمس و القمر من توفرت فيه الشرائط للقيام بهذه المهمة سوي علي المرتضي …

و الحق أن النبي صلّي اللّه عليه و سلّم الذي كان أعلم بكثير من سائر الأنبياء و اجتمعت فيه كافة الصفات الحميدة التي اتصف بها الأنبياء قبله مما دعا أرباب العقول أن يروه يخرج من

الجنة و يحل جسم أبي البشر فيشاهدوه بصورة آدم، و تارة يجدونه مجسما بهيئة نوح فيصنع الفلك، و أحيانا يبصرونه في شكل إبراهيم يلعب بالنار، و ينظرونه في لباس الكليم ناطقا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 204

لهم. و مما يؤيد ذلك قول (من عرف نفسه فقد عرف ربه)، و (أن اللّه خلق آدم علي صورته).. و ما آدم أبو البشر سوي المرتضي بدليل (رأيت ربي في صورة امري ء) إشارة إلي قدم الذات التي تظهر بصورة نبي في جسم رجل عظيم فذّ كما أن البصير ذكر هذه الأبيات الدالة علي حيرته في الأمر:

غرض زبت شكنيها جز اين نبود بني را كه دوش خود بكف پاي مرتضي برساند

و معناه: لم يكن يقصد النبي من كسر الأصنام سوي أن تمس قدم المرتضي كتفه. و يقولون إن الكعبة لم تأت إلي الوجود إلا بسبب حضرته، فإن كل دور يتصل فيه بأجساد الأنبياء و الأولياء كما تدرج من آدم إلي أحمد و هكذا نور الحق أخذ بالتنقل (التناسخ) في الأمة …

و بعضهم يقول إن نور الحق ظهر في هذا الدور بمظهر علي فكان هو (اللّه) و بعده يحل في أولاده.. و يعتقدون أن (محمد علي) هو رسول (علي اللّه) و لما رأي الحق لم يتمكن رسوله من إتيان عمل فبادر إلي مقاومته، و حل في جسد رجل اسمه أحمد الذي كان يقول إن هذا المصحف الذي بين أيديكم لا يليق العمل به لأن هذا المصحف لم يكن المصحف المودع من (علي اللّه) إلي محمد بل إن هذا مرتب من أبي بكر و عمر و عثمان ليس إلا.

و قد كان شمس الدين- كما شوهد- يقول: إن هذا المصحف هو كلام

علي اللّه إلا أنه نظرا لكونه مرتبا من قبل عثمان فلا تجوز تلاوته.

و قد وجد أن بعضهم قد جمع ما كان هناك من نظم و نثر مما يتعلق بعلي و أدخله ضمن القرآن، و كانوا يرجحون هذا القرآن الأخير علي القرآن الأصلي لاعتقادهم أنه وصل إليهم من علي اللّه بطريق مباشر، و أن القرآن الأصلي وصل إلي الناس بواسطة محمد بطريق غير مباشر و فيهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 205

جامع الآصفية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 206

طائفة تدعي (علوية) و ينتسبون إلي علي اللّه و أنهم منه فيشاطرون بقية إخوانهم في العقائد المذكورة إلا أنهم يقولون إن هذا المصحف الموجود ليس كلام علي اللّه إذ إن الشيخين قد سعيا في تحريفه فتبعهم عثمان، و تركه لفصاحته و صنف مصحفا آخر بدله به و أحرق الفرقان الأصلي …

و شأن هذه الطائفة أنهم كلما وجدوا مصحفا أحرقوه، و يعتقدون أن علي اللّه اتصل بالشمس فلا يزال شمسا و قد كان من الشمس و قد اتصل مدة بجسم عنصري. و لهذا رجعت الشمس بأمره إذ كان هو عين الشمس. و علي هذا يقولون للشمس (علي اللّه)، و عندهم الفلك الرابع (دلدل)، و أصبحوا عبدة النيران، و صارت الشمس في نظرهم هي اللّه و هم خلق عظيم، و يزعمون أنهم حينما يدعون الشمس تجيب دعوتهم و تعينهم في الشدائد …

و منهم رجل اسمه عبد اللّه قد نقل من أحوالهم عن آخر اسمه عزيز الأمر العجيب، كان قد ذكر (علي اللّه) بحرص و انهماك زائدين، و شوق تام، و أنه لم يكن ليؤثر به السيف كما أن أحدنا أنكر هذا الأمر فأخذ عزيز يشتغل بذكر (علي اللّه)

و استمر علي انهماكه و حرصه إلي أن أزبد فمه و خاطب المنكر قائلا:

- أيها الملعون اضربني فبادر المنكر في ضربه بالسيف فلم يؤثر فيه، فأدي ذلك إلي أن التحق المنكر بهم..

و هذه الطائفة لا يجوز لأهلها أن يذبحوا الحيوانات، و لا كل ذي روح، و يتجنبون أكل اللحوم بحكم مفاد ما قاله (علي اللّه): «لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوانات» و ما ورد في المصحف من ذبح بعض الحيوانات و أكل لحومها إنما يراد به لحم أبي بكر و عمر و عثمان و أتباعهم، و أنهم المقصودون بالمحرمات، و أن إبليس و الحية و الطاووس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 207

عبارة عن هؤلاء الثلاثة. و كذلك شداد و نمرود و فرعون يراد بهم هؤلاء الثلاثة. و يجوز السجود لصورة (علي اللّه)، و أن كسر الأصنام، و عبادتها إشارة إلي هؤلاء الثلاثة، و أن الشيخين هما صنما قريش، و يعتقدون بالتاريخ، و يقولون إن عليا لما ظهر بصورة الأنبياء قديما كانت تتألب عليه جبهة المعارضين و المنكرين و هم هؤلاء الثلاثة» ا ه.

و هذا المؤلف افتضح عقائدهم، و أزال عنها الخفاء، و نشر المكتوم، و أعلن المبهم، و هتك الستر فصرنا كلما وجدنا الظواهر متماثلة قطعنا في العينية.. و كنا قد وصفنا كتابه (دبستان مذاهب) في تاريخ اليزيدية فلا نري باعثا لإعادة الكلام عليه.. و مهما يكن ففي هذه الوثائق و اختلاف المستندات في العصور المتوالية مما يعرف بعقائدهم و لا نزال نتحري و نثبت ما تيسر لنا العثور عليه. و سيأتي في حوادث سنة 841 ه و ما يليها من النصوص ما يوضح أكثر و يبصر بحقيقة نحلتهم.. و كل ما نلخصه هنا للقاري ء

مما مر أن القوم من الغلاة و أغراضهم مصروفة إلي إهمال القرآن و أنه مبدل، و دعوة الناس إلي لزوم نبذه.. و في هذا ما يكفي لمعرفة دخائلهم و نواياهم الهدامة … و ما عبادة الشمس و الخروج بألفاظ القرآن إلي أمور لا تقرها اللغة و لا يساعد عليها النص إلا نتائج يتوصلون بها إلي تبديل معانيه عند من لا يجسر علي المجاهرة في تكذيبه.. و في گوران عقائدهم شائعة و لكنهم يتكتمون فيها و في عبادة الشمس. و قد حكي لي جماعة عن عبادتهم الشمس عند بزوغها و غروبها..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 208

حوادث سنة 787 ه- 1385 م

شاه شجاع من آل المظفر:

في هذه السنة توفي شاه شجاع و قد مر الكلام علي تكون إمارتهم في إيران و أوضحت بعض علاقاتهم بنا.. و أن شاه شجاع ولي الحكم عام 760 ه و كان قد استبد بوالده هو و شاه محمود ابنه الآخر فكحلوه و سجنوه … و تولي ذلك شاه شجاع في قلعة من عمل شيراز سنة 765 ه و في السنة المذكورة وقع الخلف بين شاه محمود و شاه شجاع فسار إليه شاه محمود من أصبهان بعد أن استجار بالسلطان أويس الجلايري فأمده بالعساكر و ملك شيراز و لحق شاه شجاع بكرمان من أعماله و أقام بها، و اختلف عليه عماله ثم استقاموا علي طاعته، ثم جمع بعد ثلاث سنوات و رجع إلي شيراز فآل الأمر إلي انتصاره ففارقها أخوه محمود إلي أصبهان و أقام بها إلي أن هلك سنة 776 ه فاستضافها شاه شجاع إلي أعماله و أقطعها لابنه زين العابدين و زوجه بنت السلطان أويس و كانت تحت محمود، و قد مرت الإشارة إلي وقائعه مع الجلايرية،

ثم هلك شاه شجاع سنة 787 ه و صادف ذلك ظهور تيمور لنك في تلك الأنحاء أيام النزاع علي السلطة بينه و بين أقاربه فقارع اللنك بعضا و قرب آخرين إلي أن عاد إلي مملكته. و قد مضي الكلام علي شاه منصور و التجائه إلي السلطان أحمد …

و كان شاه شجاع ملكا، عادلا، عالما بفنون من العلم محبا للعلماء و كان يقري ء الكشاف و الأصول و العربية و ينظم الشعر بالعربية و الفارسية و يكتب الخط الفائق مع سعة في العلم و الحلم و الكرم. و كان قد ابتلي بالنهم (كثرة الأكل) فكان لا يسير إلا و المأكول علي البغال صحبته فلا يزال يأكل، و لما مات صار ولده زين العابدين بعده، و في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 209

أيام هذا انقرضت حكومتهم كما سيجي ء.

آل فضل- عثمان بن قارا:

في هذه السنة توفي أمير آل فضل و هو عثمان بن قارا بن مهنا بن عيسي و كان شابا كريما شجاعا جميلا يحب اللهو و الخلاعة و مات شابا قاله ابن حجر. كذا في الشذرات و الأنباء و هذا لم يكن أميرا منصوبا من الحكومة و لكنه من أبناء الأمراء و قد ورد في الدرر الكامنة بلفظ عثمان بن قارا بن مهنا بن عيسي بن مهنا بن مانع بن حذيفة (حديثة) بن فضل أمير العرب من آل فضل بالشام و العراق … و هو ابن أخي نعير و يؤيده ما جاء في الأنباء من أنه عثمان بن قارا بن مهنا بن عيسي و جاء في الشذرات بلفظ (فار) و ليس بصحيح و كذا ما جاء في ابن خلدون بلفظ (قاري ء) و (قارة) و هو غلط ناسخ..

و في عقد الجمان

جاء قارا بن مهنا بن عيسي بن مهنا بن مانع..

و قد مر الكلام عليه في حوادث سنة 781 ه كما ذكر الأمير حيار بن مهنا في حوادث سنة 776 ه.

و هنا نقول: إن هذه القبيلة لم تنقطع سكناها عن العراق بل لا تزال قاطنة فيه إلي اليوم … فالعلاقة و الارتباط موجودان.. و يؤيد هذا ما جاء في ابن خلدون من أن هذه القبيلة و كذا أمراؤها من آل فضل رحالة ما بين الشام و الجزيرة و نجد من أرض الحجاز يتقلبون بينها في الرحلتين و ينتسبون في طيي ء و معهم أحياء زبيد و كلب و هذيل و مذحج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 210

أحلاف لهم و يناهضهم في الغلب و العدد آل مراد ثم ذكر ابن خلدون مواطن إقامتهم من سورية و كذا إقامة زبيد …

و الناحية المهمة التي يجب الالتفات إليها هي أن آل فضل اتصلوا بالحكومة السورية و تعهدوا لها في إصلاح السابلة بين الشام و العراق فأقطعتهم الإقطاعات و ولتهم الإمارة العشائرية و الرياسة العامة لا لهذا الغرض وحده بل حذرا من أن يميلوا إلي التتر لعلمهم أن العربي لا يتقيد ببقعة خاصة و لا يقبل بالذل و قاعدتهم الطبيعية (و إذا نبا بك منزل فتحول) فاستظهروا برياستهم علي آل مراء (مري) و غلبوهم علي المشاتي..

و مهنا هذا هو ابن مانع بن جذيلة (ورد بلفظ حديثة و هو الأشبه بالصواب نظرا لتكرره) بن فضل بن بدر بن ربيعة بن علي بن مفرج بن بدر بن سالم بن حصة بن بدر بن سميع و يقفون عند هذا فلا يتجاوزونه في العد …

و قد مر بنا في حوادث عام 749 ه الكلام

علي إمارة أحمد بن مهنا … و قبله كانت الفتنة قائمة بين سيف بن فضل و بين فياض بن مهنا فسكنت في أيام أحمد المذكور …

ثم توفي في سنة 749 ه فولي مكانه أخوه فياض و هلك سنة 762 ه فولي مكانه حيار بن مهنا فولي مكانه ابن عمه زامل بن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 211

موسي بن عيسي سنة 770 ه و كان معه بنو كلاب فعاث في أنحاء حلب فولي مكانه معيقل بن فضل بن عيسي و في سنة 775 ه أعيد حيار إلي إمارته فتوفي سنة 777 ه فولي أخوه قارا إلي أن توفي سنة 781 ه فولي مكانه معيقل بن فضل و زامل بن موسي المذكوران شريكين في إمارتهما ثم عزلا لسنة ولايتهما و ولي نعير ابن حيار بن مهنا و اسمه محمد و لا يزال أميرا علي آل فضل و جميع أحياء طيي ء بالشام و السلطان يزاحمه بحجر بن محمد بن قارا حتي سخط عليه و ظاهر محمد بن قارا ثم سخط عليه و ولي مكانهما ابن عمهما محمد بن كوكبتين بن موسي بن عساف بن مهنا فقام بأمر العرب و بقي نعير منتبذا بالقفر.

و الحاصل أن رياسة طيي ء و إمارتها لا تزال إلي هذا العهد الذي نكتب عنه لآل فضل و بينهم آل مهنا و آل فضل و قد نازعهم الإمارة (آل علي) من طيي ء أيضا إلا أنهم لم تدم لهم الإمارة و عرف منهم محمد بن أبي بكر ثم عادت إلي آل فضل بالوجه الموضح.. و لا مجال للإطناب في أمر علاقة هؤلاء بالعراق … نظرا لقلة التدوينات فيها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 212

حوادث سنة 788 ه- 1386 م

اجتياح تبريز:

في

هذه السنة اجتاح تيمور لنك مدينة تبريز نقل ذلك صاحب عقد الجمان و فصل القول عن ظهوره تفصيلا زائدا و سيأتي الكلام علي تاريخ ظهوره عند الكلام علي اكتساح بغداد في حينه … و هنا نقول إن صاحب الأنباء ذكر أن اللنك قصد تبريز و نازلها و واقع صاحبها أحمد بن أويس إلي أن كسره و انهزم إلي بغداد و دخل تيمور لنك تبريز فأباد أهلها و خربها و جهز أحمد بن أويس إلي صاحب مصر امرأة يخبره بأمر تيمور لنك و يحذره منه و يخبره بأنه توجه إلي قراباغ ليشتي بها ثم يعود في الصيف إلي بغداد فوصلت المرأة إلي دمشق فجهزها بيدمر صحبة قريبه جبرئيل.

و كان في هذه السنة أيضا طرق اللنك شيراز فحاربه شاه منصور و قد ثبت ثباتا عظيما.. ذكر ذلك صاحب الأنباء.

النزاع علي إمارة مكة المكرمة:

انقطعت العلاقة السياسية بين مكة المكرمة و العراق إلا من الناحية الدينية و هي الحج و تقديم بعض الهدايا و الخيرات، و قصد البيت الحرام للزيارة و إلا فلم تقع تدخلات في الإدارة كما مضي القول عليه ففي هذه السنة في شعبانها توفي أمير مكة الشهاب أحمد بن عجلان بن رميثة بن نمي الحسيني و استقر ولده محمد بن أحمد فعمد كبيش بن عجلان إلي أقاربه فكحلهم منهم أحمد بن ثقبة و ولده و حسن بن ثقبة و محمد بن عجلان ففر منه عفان بن مغامس إلي القاهرة فشكا إلي سلطانها من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 213

صنيعه و التزم بتعمير مكة و سعي في أمرتها فأجيب إلي ذلك. قال ابن حجر: كان أحمد بن عجلان عظيم الرياسة و الحشمة اقتني من العقار و العبيد شيئا كثيرا إلي

غير ذلك.

و هذا غير أحمد بن رميثة الذي مر الكلام عليه في حوادث سنة 740 ه و قد جاء ذكر هذا في ابن خلدون و فيه بيان لعلاقتهم بحكومة مصر و تدخلاتها بشؤونهم و تفصيل لمن ولي الإمارة منهم …

وفيات
1- شمس الدين محمد الحلي:

هو شمس الدين محمد بن الحسين بن أحمد الحلي و يعرف بابن البقال ولد بالحلة في جمادي الأولي سنة 708 و تعاني الآداب فمهر و قدم حلب و مدح أعيانها كتب عنه أبو المعالي ابن عشائر من نظمه ما كتب به إلي الشريف عبد العزيز بن محمد الهاشمي و من نظمه:

يا صاحبي بأرض النيل لي قمر جمال بهجته أبهي من القمر

ورد الخدود و رمان النهود علي بان القدود به قد عيل مصطبري

توفي في حدود سنة 788.

حوادث سنة 789 ه- 1387 م

اللنك و حوادثه:

في هذه السنة عاد اللنك مرة أخري إلي عراق العجم فاستقبله ملوكها، و أذعنوا بالطاعة مثل اسكندر الجلالي، و إبراهيم العجمي، و أبي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 214

إسحق السرحاني و سلطان أحمد ابن أخي شاه شجاع و ابن عمه شاه يحيي، فكان جملة من اجتمع عنده من ملوك العجم 17 ملكا فبلغه علي أنهم تواعدوا علي الفتك به فسبقهم و أمر بالقبض عليهم و قد اجتمعوا في خيمة و قرر في ممالكهم أولاده و أحفاده و بيع ذراري المقتولين فلم يبق منهم أحد. ثم توجه نحو عراق العرب فبلغ ذلك أحمد بن أويس فجهز له عسكرا كثيفا مع أمير يقال له استباي. فتلاقيا علي مدينة سلطانية فانهزم جند بغداد فلم يتبعهم اللنك و عطف علي همذان و ما يليها و قبض علي متوليها؛ و استناب فيها ثم كر راجعا إلي بغداد و بلغ أحمد بن أويس ذلك فعرف أنه لا طاقة له بلقائه و كان أحمد بن أويس استولي علي مملكة تبريز عوضا عن أخيه حسين بعد قتله و لم يلبث إلا قليلا حتي فاجأه عسكر اللنك فلما بلغه ذلك رحل عنها و ترك أهلها حياري فهجم

عليهم العسكر عنوة فانتهبوها و قتلوا منها ما لا يمكن شرحه و أقاموا بها شهر رجب كله لاستخلاص الأموال و تخريب الدور و تعذيب ذوي الأموال بالعصر و الإحراق و الضرب و أنواع العذاب و انتهكوا الحرمات و سبوا الحريم و الذراري و كان قبل ذلك قد استولي علي تبريز و فعل بها الأفاعيل. و كان أحمد بن أويس قد أرسل ذخائره و حريمه و أولاده إلي قلعة يقال لها نجا في غاية الحصانة و قرر فيها أميرا يقال له آلتون مع ثلثمائة نفس من أهل النجدة فسار له اللنك فلم يقدر عليها و قتل في الحصار أميران كبيران من عسكره ثم رحل عنها لما سمع أن قد طرق بلاده طقتمش خان و أنه قد تعرض لأطراف بلاده راجعا أيضا. و لما بلغ ذلك قرا محمد التركماني انتهز الفرصة و وصل إلي تبريز فملكها و قرر فيها ولده مصر خجا (مصر خواجة) و رجع إلي بلاده و في 9 رجب أمر المحتسب يطلب ذوي الأموال و استخراج زكواتها منها و أن يتولي قاضي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 215

الحنفية الطرابلسي تحليفهم فعمل ذلك في يوم واحد. فلما ورد الخبر برجوع تيمور لنك رد علي الناس ما أخذ منهم و بطلت مطالبتهم في الزكاة و بالخراج أيضا.

قلعة النجا:

لما رأي السلطان أحمد أنه لا قدرة له بمقابلة هذا الطاغية قرر الخروج من ممالكه بغداد و العراق و تبريز، و جهز ما يخاف عليه صحبة ابنه السلطان طاهر إلي قلعة النجا، ثم قصد البلاد الشامية في سنة 795 ه في حياة الملك الظاهر أبي سعيد برقوق، فوصل تيمور إلي تبريز و نهب بها، و وجه إلي قلعة

النجا العساكر لأنها كانت معقل السلطان أحمد، و بها ولده و زوجته و الذخائر، و توجه هو إلي بغداد … و كان الوالي بالنجا رجلا شديد البأس يدعي آلتون كان يعتمد عليه و منه جماعة نحوا من ثلثمائة رجل، كان ينزل بهم التون ليلا و يشن الغارة … فوهن أمر العسكر فأبلغوا تيمور ذلك فأمدهم بنحو 40 ألفا مع أربعة أمراء كبيرهم يدعي قبلغ تيمور فوصلوا إلي القلعة و لم يكن إذ ذاك آلتون فيها فتعاضد و من معه بهمة صادقة فاخترقوا الصفوف و قتلوا من العسكر أميرين أحدهما قبلغ تيمور.. فلما سمع تيمور لنك نهض إليها بنفسه و أحاط بجوانبها …

و كانت هذه القلعة أمنع من عقاب الجو فلم يتمكن منها تيمور، و كان آلتون عارفا بشعابها، و يهاجم عدوه ليلا و في أوقات مختلفة فيسلب و ينهب و يقتل و يرجع سالما، و لم يزل هذا دأبه حتي أعجز تيمور و أصحابه، فلم ير تيمور بدا من الارتحال لضيق المجال فارتحل بعد أن رتب للحصار اليزك، و استمر الحصار مدة طويلة، قيل إنها مكثت في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 216

الحصار اثنتي عشرة سنة ثم استولي عليها. و تمام القصة مذكور في عجائب المقدور.

و الحق أن الدفاع و الحصار و القدرة تابعة لقوة النفس و عزتها …

فإذا أرادت أن لا تستذل قاومت و ناضلت، و لو كان كل بلد قارع هذا القراع و جادل جدال رجال هذه القلعة لتمكن من المحافظة علي استقلاله، و الاعتزاز بكيانه … و الخوف و الخذلان ما استوليا علي أمة إلا نالها ما نال الأقوام أمام تيمور … تفسخوا فتمكن منهم أكثر مما كان لديه من قوة

وفيات
العز الموصلي:

و هو علي بن الحسين بن علي بن أبي بكر بن محمد بن أبي الخير، العلامة عز الدين الموصلي الشاعر نزيل دمشق مهر في النظم و جلس مع الشهود بدمشق تحت الساعات و أقام بحلب مدة و جمع ديوان شعره في مجلد و له البديعية المشهورة قصيدة نبوية عارض بها بديعية الصفي الحلي … و شرحها في مجلدة و له أخري لامية علي وزن (بانت سعاد) مات سنة 789 ه.

حوادث سنة 790 ه- 1388 م

[وفيات]
1- شجاع الدين أبي بكر السنجاري:

في هذه السنة توفي شجاع الدين أبو بكر بن محمد بن قاسم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 217

السنجاري الحنبلي نزيل بغداد الشيخ الإمام المحدث كان فاضلا مسندا حدث بالكثير و حدث عنه الشيخ نصر اللّه البغدادي و ولده قاضي القضاة محب الدين و توفي عن ثمانين سنة.

2- ابن الدواليبي:

في هذه السنة توفي عبد المحسن بن عبد الدائم بن عبد المحسن ابن محمد الدواليبي البغدادي الحنبلي. ولد سنة 723 ه و روي عن جده عفيف الدين عبد المحسن بن محمد و غيره و كان واعظا يكني أبا المحاسن ذكره في الأنباء و قد مر الكلام علي جده الأعلي و هو محمد ابن عبد المحسن المعروف بابن الخراط و الدواليبي و هو عفيف الدين في كما جاء في المجلد الأول في هذا الكتاب.

3- بدر الدين محمد بن إسماعيل الإربلي:

و هو المعروف بابن الكحال. عني بالفقه و الأصول، و كان جيد الفهم، فقيرا، ذا عيال.. جاوز الأربعين.

حوادث سنة 791 ه- 1389 م

التصلية بعد الأذان:

في هذه السنة كانت التصلية بعد أذان المغرب لضيق وقتها، و روعي فيها ما كان يراعي من التصلية كل ليلة جمعة ذكر ذلك في الأنباء. و هذا يعد تاريخ استعمالها في مصر و سورية …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 218

حوادث سنة 792 ه- 1390 م

وفيات
1- شرف الدين إسماعيل الفروي:

في هذه السنة توفي شرف الدين إسماعيل الفقيه ابن حاجي الأزدي الفروي بفتح الفاء و سكون الراء نسبة إلي فروة، الفقيه الشافعي، كان أحد علماء بغداد، ثم قدم دمشق في حدود السبعين، فأفاد بها في الجامع و غيره و درس بالعينية و غيرها و كان دينا خيرا تصدق بما تملكه في مرض موته و مات في صفر.

حوادث سنة 794 ه- 1392 م

شاه منصور من آل المظفر- تيمور لنك:

في هذه السنة رجع تيمور لنك إلي إيران و قصد عراق العجم في جمع عظيم فملك أصبهان و كرمان و شيراز و فعل بها الأفاعيل المنكرة ثم قصد شيراز فتهيأ شاه منصور لحربه فبلغ تيمور لنك اختلاف من في سمرقند فرجع إليها فلم يأمن شاه منصور من ذلك بل استمر علي حذره ثم تحقق رجوع تيمور لنك فأمن فبغته تيمور لنك فجمع أمواله و توجه إلي هرمز ثم انثني عزمه و عزم لقاء تيمور لنك فالتقي بعسكره و صبروا صبر الأحرار لكن الكثرة غلبت الشجاعة فقتل الشاه منصور في المعركة ثم استدعي ملوك البلاد فأتوه طائعين فجمعهم في دعوة و قتلهم أجمعين.

و كانت هذه الوقعة مقدمة السير إلي بغداد فاضطرب الأهلون و أصابهم الخوف و كذا السلطان أحمد و سيأتي الكلام علي ذلك عند ذكر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 219

وقعة بغداد. و شاه منصور هذا من آل المظفر و قد مضت بعض وقائعه.

و هكذا فعل تيمور لنك بإمارة اللر إلا أن حاكمها الملك عز الدين العباسي أطاعه فأنعم عليه مؤخرا بإمارته و أعاده إلي مكانته …

حوادث سنة 795 ه- 1392 م

انقراض آل مظفر:

إن زين العابدين كان قد ولي الإمارة بعد والده شاه شجاع بالوجه المذكور و هذا كان قد ناهضه شاه منصور و قام من تستر و سار إلي شيراز فامتلكها و أخوه يحيي ولي يزد و ذهب هو إلي أصفهان و امتلك عمهما أحمد بن محمد بن المظفر كرمان.

ثم كان ظهور تيمور لنك بالوجه المشروح فقارع هؤلاء و قرب بعضهم، دام ذلك إلي سنة 787 ه و بعدها عاد تيمور لنك إلي مملكته و في سنة 795 ه اكتسح مملكتهم فانقرضت حكومتهم في هذه السنة..

و لم تقف حوادثه

عند هذا الحد فقد عاث في تبريز و شيراز. فذاع خبره في الأقطار فارتاع لما يحكي عنه كل قلب فسار إلي السلطانية فنازلها و قتل صاحبها، ثم قصد تبريز فدخلها عنوة و نهبها كعادته و أرسل إلي جميع البلاد نوابا من قبله ثم طلب بغداد و من ثم توجه نحو العراق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 220

حكومة تيمور في العراق في 20 شوال سنة 795 ه- 1383 م
تيمور لنك- فتح بغداد:

كان ظهور تيمور لنك في إيران سابقا لهذا التاريخ و قد مر الكلام علي أوليته في هذا الجزء من الكتاب و أشير إلي وقائعه المباشرة في حوادث سنة 786 ه إلي هذه السنة لم يظهر لها أثر بارز بسبب الذهول و الاندهاش الذي أصاب الناس أو أن حوادث تيمور غطت علي غيرها.

و في يوم الجمعة 11 شوال هذه السنة دخل تيمور لنك بغداد و جاء في كتاب (بزم و رزم) أنه استولي علي بغداد في 20 شوال سنة 795 ه و لعل هذا هو الصحيح لأنه من معاصر حاضر الوقعة.. و في التواريخ الأخري ما يخالف هذه مما لا محل لاستقصائه الآن … و فر السلطان أحمد الجلايري من بغداد فكان هذا مبدأ حكمه علي العراق.

تفصيل وقعة بغداد:

إن تيمور لنك قد استولي علي مملكة العجم بطولها و عرضها.

وتناولها ضرره و أصابها و باله، ذلك ما ولد الاضطراب في مدينة بغداد و العراق كله، و أزعج سلطان العرب و هو السلطان أحمد الجلايري فالتهب غيظا عليه، و ثار ثائر غضبه و حميته فجهز جيشا عظيما جعل آمر قيادته مودعة إلي أميره سنتائي فعينه سردارا (قائدا) و فوض إليه مهمة صد غائلة الأمير تيمور و الوقوف في وجهه.. فلما سمع تيمور لنك اتخذ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 221

هذا وسيلة للتقدم نحو العراق و الوقيعة بالسلطان أحمد.. و حينئذ تقابل الجيشان قرب مدينة السلطانية من ممالك السلطان أحمد فكانت جيوش تيمور لا تحصي عدّا و لهجومها وقع كبير في نفوس الجيش الجلايري فقد هجموا هجوما عاما فكانت المعركة دامية فلم يطق القوم الصبر عليها ففروا من وجه عدوهم و تفرقوا شذر مذر في الأنحاء و الأطراف فعاد

الأمير قائد الجيش إلي بغداد بخفي حنين.. فغضب السلطان عليه و ضربه فأوجعه بالوجه المارّ … أما تيمور فإنه لم يستمر علي سيره و إنما اكتفي بهذه النصرة و عاد إلي مملكته..

هذه أول علاقة حربية وقعت له مع السلطان و هي مقدمة فتح العراق و أن عودته تفسر في اتخاذ الأهبة الكافية للاستيلاء علي بغداد … و هكذا فعل المغول قبله فلم تمض مدة حتي ظهرت طلائعه في لرستان و تبين جيشه هناك فقد كان إذا أراد السير إلي جهة أظهر أنه عازم علي غيرها..

و كان حاكم اللر آنئذ الملك عز الدين العباسي فهذا انقاد للأمير تيمور و قدم له المملكة فكانت النتيجة أن أقره. و بهذه الصورة استولي علي همذان و بلاد اللر و لم يبق حائل بينه و بين بغداد …

و هذه الأخبار قد اضطرب لها العراق و سلطانه.. أما السلطان فإنه انتابته الهواجس و أصابته الفكر و أعوزته الحيل في الدفاع و النضال و سدت الطرقات أمامه فكان يتوقع النازلة و يترقب القارعة … فلم يجد خلاصا إلا بالهزيمة و أن يترك العراق و تبريز.. و لذا أخذ ما تمكن علي أخذه من نقود و أموال، و جعل ابنه طاهرا مع أهله و عياله في قلعة (النجا) القريبة من شروان بالوجه المشروح.. و رحل هو من بغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 222

عام 795 ه ملتجئا إلي الملك الظاهر أبي سعيد برقوق..

أما تيمور فإنه سار إلي تبريز فنهبها و أذل أهليها ثم وجه قسما من العسكر نحو (قلعة النجا) كما تقدم.. و سار هو نحو بغداد..

قال صاحب عجائب المقدور:

و لما استولي السلطان (السلطان أحمد) علي ممالك العراق مد يد تعديه.. و

شرع يظلم نفسه و رعيته، و يذهب في الجور و الفساد … بالغ في الفسق و الفجور، فتجاهر بالمعاصي. و اتخذ سفك الدماء إلي سلب الأقراض و ثلم الأعراض سلما. فقيل إن أهل بغداد مجّوه و استغاثوا بتيمور.. فلم يشعر إلا و التتار قد دهمته.. و ذلك يوم السبت (11 شوال سنة 795 ه) فاقتحموا بخيلهم دجلة و قصدوا الأسوار، و لم يمنعهم ذلك البحر التيار، و رماهم أهل البلد بالسهام، و علم أحمد أنه لا ينجيه إلا الانهزام فخرج فيمن يثق به قاصدا الشام فتبعه من الجغتاي طائفة. فجعل يكر عليهم و يرد عنهم و يفر منهم فيطمعهم و حصل بينهم قتال شديد، و قتل من الطائفتين عدد عديد، حتي وصل إلي الحلة فعبر من جسرها.. ثم قطع الجسر و نجا من ورطة الأسر، و استمرت التتار في عقبه تكاد أنوفها تدخل في ذنبه فوصلوا إلي الجسر و وجدوه مقطوعا فتراموا في الماء و خرجوا من الجانب الآخر و لم يزالوا تابعا و متبوعا ففاتهم و وصل إلي مشهد الإمام و بينه و بين بغداد ثلاثة أيام.» ا ه.

و لم يوضح وقعة بغداد و إنما اكتفي بما سرده و قال في موطن آخر:

«فوصل تيمور إلي تبريز و نهب بها. و وجه إلي قلعة النجا العساكر …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 223

و توجه هو إلي بغداد و نهبها و لم يخربها و لكن سلبها سلبها» ا ه.

و في ابن خلدون جاء عنه بعد عودته من أصل مملكته ما نصه:

«ثم خطا إلي أصبهان و عراق العجم و الري و فارس و كرمان فملك جميعها من بني المظفر اليزدي بعد حروب هلك فيها ملوكها و

بادت جموعها. و شد أحمد ببغداد عزائمه و جمع عساكره و أخذ في الاستعداد ثم عدل إلي مصانعته و مهاداته فلم يغن ذلك عنه و ما زال تيمور يخادعه بالملاطفة و المراسلة إلي أن فتر عزمه و افترقت عساكره فنهض إليه يغذ السير في غفلة منه حتي انتهي إلي دجلة و سبق النذير إلي أحمد فأسري بغلس ليله و حمل ما أقلته الرواحل من أمواله و ذخائره و حرق سفن دجلة و مر بنهر الحلة فقطعه و صبح مشهد علي (رض) و وافي تيمور و عساكره دجلة في 11 شوال سنة 795 ه و لم يجد السفن فاقتحم بعساكره النهر و دخل بغداد و استولي عليها و بعث العساكر في اتباع أحمد فساروا إلي الحلة و قد قطع جسرها فخاضوا النهر عندها و أدركوا أحمد بمشهد علي (رض) و استولوا علي أثقاله و رواحله فكر عليهم في جموعه و استماتوا و قتل الأمير الذي في اتباعه و رجع بقية التتر عنهم و نجا أحمد إلي الرحبة من تخوم الشام.» ا ه.

قال في الأنباء و في هذه السنة (795 ه) طلب بغداد و ذلك في أواخر شوال فنازلها في ذي القعدة فلم يلبث صاحبها أحمد أن أخذ خزائنه و حريمه و هرب فبلغ تيمور لنك فأرسل ابنه مرزا في طلبه فأدركه فلما كاد أن يقضي عليه رمي بنفسه في الماء فسبح إلي الجهة الأخري و سلم هو و من معه، و أحيط بأهله و خزائنه و هجم تيمور لنك علي بغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 224

فملكها قهرا ثم شن الغارات علي بلاد بغداد و ما حولها و ما داناها و عادوا إلي البصرة و

الكركر (كذا) و الحلة و غيرها و أوسعوا القتل و الفتك و السبي و الأسر و النهب و التعذيب و فر من نجا من أهل بغداد فوصل الشيخ غياث الدين العادلي إلي حصن كيفا هاربا فأكرمه صاحبها..

و إنما هرب أحمد بن أويس من بغداد لأنه كان شديد العسف بالرعية و لما قصده تيمور لنك كان إذا أرسل أحدا من الأمراء يكشف خبره يعيد إليه جوابا غير شاف فعميت عليه الأخبار إلي أن دهمه فلم يكن بد من نجاته فخرج من أحد أبواب البلد و فتح أهل البلد الباب الآخر لتيمور لنك فأرسل في طلب أحمد ففات الطلب و دخل الشام و كان تيمور لنك قد غلب قبل ذلك علي تبريز و كاتب أحمد أن يذعن له بالطاعة و يخطب باسمه فأجاب لذلك لعلمه أن لا طاقة له بمحاربته فكاتب أهل بغداد تيمور لنك في الوصول إليهم فوصل و كان أحمد أرسل الشيخ نور الدين الخراساني إلي تيمور فأكرمه و قال أنا أتركها لأجلك و رحل، و كتب الشيخ نور الدين الخراساني يبشره بذلك و سار تيمور لنك من ناحية أخري فلم يشعر أحمد و هو مطمئن إلا و تيمور قد نزل بغداد في الجانب الغربي فأمر أحمد بقطع الجسر و رحل و هرب أحمد لكن لم يعامل تيمور لنك البغداديين بما كسبوه فإنه سطا عليهم و استصفي أموالهم و هتك عسكره حريمهم و خلا عنها كثير من أهلها و أرسل عسكرا في أثر ابن أويس فأدركوه بالحلة فنهبوا ما معه و سبوا حريمه و هرب هو و وضع السيف بأهل الحلة ليلا و نهبوها و أضرمت فيها النار. و لما وصل أحمد في هزيمته إلي

الرحبة أكرمه نعير (أمير آل فضل) و أنزله في بيوته ثم تحول إلي حلب فنزل الميدان و أكرمه نائبها و طالع السلطان بخبره فأذن له في دخول القاهرة …» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 225

و في حبيب السير يوضح أكثر عن تيمور و وصوله إلي بغداد بتفصيل قال:

«إن الأمير تيمور كور كان بعد أن فتح مملكة العجم لم ير قاصدا من سلطان بغداد، و لا أذعن له بطاعة فكان همّ الأمير تيمور مصروفا إلي فتح عراق العرب. و في 26 رجب سنة 795 ه توجه من أصفهان نحو همذان و بقي فيها بضعة أيام للاستراحة و فوض إدارة أنحاء آذربيجان إلي الشهزادة معز الدين ميرانشاه و يوم الثلاثاء 13 شعبان هذه السنة نهض من همذان و في أوائل رمضان وصل صحراء قولاغي … و في يوم الأحد 10 رمضان عاد من صحراء قولاغي و وافي آق بولاق و قضي أيام رمضان هناك. و أجري في غرة شوال مراسيم العيد. و بعد يومين جاءه الشيخ عبد الرحمن الأسفرايني من أعاظم مشائخ العصر و بين له أنه رسول السلطان أحمد الجلايري فعظمه الأمير تيمور و احترمه غاية الاحترام إلا أنه لم يقبل منه الهدايا من جراء أن السلطان أحمد لم يضرب السكة باسمه و لا خطب له. أما الشيخ فإنه نال بشخصه من الأمير تيمور الخلعة و كل توقير و مكانة … و لم يتوان الأمير تيمور في السير و أعاد الرسول، و في يوم الجمعة 13 شوال نهض الأمير تيمور من آق بولاق و في ثلاثة أيام وصل مزار الشيخ يحيي المسمي بقبة إبراهيم و حين عاين أهل القبة غبار العسكر قبل وصولهم

إليهم أرسلوا إلي بغداد حمامة بورقة تخبر بمجي ء تيمور فلما وصل تيمور القبة سأل منهم هل أرسلتم خبرا قالوا نعم أرسلنا حمامة فطلب منهم حمامة أخري و أمرهم في الحال أن يكتبوا كتابا آخر يبينون فيه أن الغبار الذي رأيناه كان غبار التراكمة و الأحشام الذين هربوا من عسكر تيمور و جاؤوا إلي هذه الأطراف و أرسلوها فلما وصلت الحمامة الأولي إلي بغداد عبر السلطان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 226

أحمد إلي الجانب الغربي و عبر جميع أثقاله و يراقه و خيله و عسكره و عياله و لما جاءت الحمامة الأخري سكن روعه إلا أنه توقف هو و أرسل الأثقال أمامه. أما تيمور فقد سارع في سيره نحو بغداد … و في 29 شوال وافي الأمير تيمور بغداد … أما السلطان أحمد فإنه عبر إلي الجانب الغربي و أغرق السفن و رفع الجسر و فر إلي الحلة و كان عبر جيشه بسفينة الثقات كما أنه هو عبر بالسفينة الخاصة به المسماة شمس و حمل ما استطاع حمله من نقود و مجوهرات و نفائس علي البغال و الإبل و مضي في طريقه بسرعة لا مزيد عليها.. و كان معه جماعة من الأمراء. فتعقب أثره رجال الأمير تيمور و لم يمهلوه في سيره فانقطع جماعة من قومه و ترك أثقالا كثيرة. فلم يظفر العدو به … ا ه ملخصا منه و من الغياثي …

و في روضة الصفا مثله و زاد أنه لم يتعرض جيش الأمير تيمور بالأهلين و استراح هناك مدة.. سوي أنه أخذ منهم (مال الأمان) و لم يقع أي تعد عليهم من الجيش و فيه موافقة لما جاء في عجائب المقدور نوعا و نقل

أن المؤرخ نظام الدين شاهد جيش تيمور في بغداد و بين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 227

أنه لا يحصي عدّا و لا يحصر استقصاء … فالناس اطمأنوا و طابت خواطرهم، و أما التجارة فإنها اتصلت بالعراق من سائر الممالك التي في حوزة الأمير تيمور بأمان و طمأنينة …

و الحاصل من النصوص المتقدمة عرفنا بعض الشي ء عن فتح بغداد و الاستيلاء عليها فصارت العراق ضمن ممتلكات تيمور و تحت سلطته و سيطرته و من ثم استولي علي أنحاء بغداد الأخري و سار بعض أمرائه إلي واسط و البصرة.. و أما كثافة الجيش و كثرته فإنها لم تقف عند هذا الحد و إنما انتشرت في الأنحاء الأخري و وجهتها الموصل و في طريقها مضت إلي تكريت … و أن تيمور توجه من بغداد إلي تكريت في 24 ذي الحجة سنة 795 ه.

وفيات
1- أحمد بن صالح البغدادي:

هو شهاب الدين أحمد خطيب جامع القصر ببغداد. كان من فقهاء الحنابلة مات قتيلا بأيدي اللنكية (جيوش تيمور لنك) لما هجموا علي بغداد سنة 795 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 228

هماي و همايون- لوحة 1- التصوير في الإسلام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 229

2- عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي:

هو الحافظ زين الدين عبد الرحمن البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي.

ولد ببغداد سنة 736 ه، و سمع بمصر و دمشق و رافق زين الدين العراقي في السماع كثيرا و مهر في فنون الحديث أسماء و رجالا و عللا و طرقا و اطلاعا علي معانيه. صنف شرح الترمذي فأجاد فيه في نحو عشرة أسفار و شرح قطعة كبيرة من البخاري و شرح الأربعين للنووي في مجلدة و عمل وظائف الأيام سماه اللطائف، و عمل طبقات الحنابلة ذيلا علي طبقات أبي يعلي. و كان صاحب عبادة و تهجد، و نقم عليه إفتاؤه بمقالات ابن تيمية، ثم أظهر الرجوع عن ذلك فنافره التيميون فلم يكن مع هؤلاء و لا مع هؤلاء فكان قد ترك الإفتاء بآخره، و قال ابن حجر: أتقن الفن و صار أعرف أهل عصره بالعلل و تتبع الطرق و كان لا يخالط أحدا و لا يتردد إلي أحد، مات في رمضان رحمه اللّه. تخرج به غالب أصحابنا الحنابلة بدمشق. هذا ما ذكره في الأنباء بصورة القطع دون تردد إلا أنه في الدرر الكامنة اضطربت كلمته فإنه بعد أن ذكر اسمه بالوجه المذكور قال و يسمي عبد الرحمن بن الحسن بن محمد بن أبي البركات مسعود و بين أنه ولد في ربيع الأول سنة 706 و في مادة عبد الرحمن بن الحسن ترجمه أيضا..

و هنا لم يتثبت من صحة الإعلام

فاقتضت الإشارة و الشرح هنا …

3- عبد الرحيم ابن الفصيح:

عبد الرحيم بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن الفصيح الهمداني الأصل ثم الكوفي ثم الدمشقي الحنفي. قدم أبوه و عمه دمشق فأقام بها و أسمع أحمد أولاده من شيوخ العصر بعد الأربعين و قدم عبد الرحيم هذا القاهرة في سنة 795. و في هذه السنة حدث عن أبي عمرو بن المرابط بالسنن الكبري للنسائي بسماعه منه في ثبت كان معه و قد وقعت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 230

علي الأصل بخط والده و ثبته سماعه و سماع ولده بخط و ليس فيهم عبد الرحيم. فلعله في نسخة أخري. و حدث عن محمد بن إسماعيل بن الخباز بمسند الإمام أحمد كله، و الاعتماد علي ثبته أيضا، و سمع منه غالب أصحابنا ثم رجع إلي دمشق فمات بها في شوال هذه السنة و هو والد صاحبنا شهاب الدين ابن الفصيح.

4- عمر بن نجم البغدادي:

عمر بن نجم بن يعقوب البغدادي نزيل الخليل، يعرف بالمجر و كان مشهورا بالخير و العبادة مات في ذي الحجة و له 63 سنة …

حوادث سنة 796 ه- 1393 م

وقائع العراق الأخري
وقعة تكريت:

بعد حادث بغداد و تخلص الإدارة للأمير تيمور لم يستقر جيشه في مكانه كما هو شأنه و إنما سار إلي ديار بكر فاستولي عليها … و في الأثناء وجد أن قلعة تكريت قد عصت عليه و أنها لا تزال لم تذعن له بطاعة فسلط عليها مقدارا من عساكره فحاصروها يوم الثلاثاء 14 ذي الحجة من السنة الماضية فلم تسلم له بالأمان و صبر أهلها فراسلوا تيمور فأمدهم بأمير شاه ملك و أردفه بخواجة مسعود صاحب خراسان و أقام هو ببغداد إلي آخر السنة … فسلمت له بالأمان في صفر هذه السنة و كان متوليها حسن بن بولتمور و كانوا قد عاهدوه أن لا يراق دمه فقتل هو و من بها من رجال و سبي النساء و أسر الأطفال و الحاصل دمر تيمور القلعة و مضي عنها.

و في ابن خلدون: «و قد كان بعد ما استولي علي بغداد زحف في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 231

عساكره إلي تكريت مأوي المخالفين و عش الحرابة و رصد السابلة و أناخ عليها بجموعه أربعين يوما فحاصرها حتي نزلوا علي حكمه و قتل من قتل منهم ثم خربها و أقفرها و انتشرت عساكره في ديار بكر إلي الرها.» ا ه.

و جاء في الأنباء أن تيمور في أول هذه السنة سار بنفسه و عساكره إلي تكريت، و حاصرها في بقية المحرم كله، و دخلها عنوة في آخر الشهر فقتل صاحبها و بني من رؤوس القتلي مأذنتين و ثلاث قباب، و خربت البلد حتي صارت نفرة،

و كان استولي علي قلعة تكريت و أميرها حسن ابن زليمور، فنزل بالأمان فأرسله إلي اللنك إلي دار دس عليه من هدمها، و مات تحت الردم، ثم أثخن في قتل الرجال و أسر النساء و الأطفال …

إربل:

و بعد وقعة بغداد سار عسكر تيمور إلي إربل فحاصرها فأطاعه صاحبها.. و جاء في روضة الصفا أن حاكم إربل الشيخ عليا جاء إلي الأمير تيمور و قدم له الهدايا اللائقة فقبلها منها و عادت إربل بلدة تابعة له …

البصرة و البحرين:

ثم إن اللنك جهز ولده بعسكر حافل إلي صالح بن صيلان صاحب البصرة و البحرين فقاتلوه فهزمهم، و أسر ولد تيمور لنك و جرح في إحضاره عز الدين ازدمر و جهز السلطان إليه بثلثمائة ألف درهم فضة برسم النفقة، فبعث إليهم عسكرا آخر فظفر بهم …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 232

الموصل و ما جاورها:

ثم إنه بعد الاستيلاء علي تكريت جعل يعيث و يستأصل ما مر به حتي أناخ يوم الجمعة 11 صفر سنة 796 ه في الموصل … و كان واليها يارعلي جاء إليه أثناء حصار تكريت و قدم له هدايا تليق به.. فلم يبال بذلك.. و إنما خربها و دمرها ثم أتي رأس عين و نهبها و أسرها ثم تحول إلي الرها و دخلها يوم الأحد 10 ربيع الأول فزاد عيثا …

و في الأنباء ثم نازل الموصل و صاحبها يومئذ علي بن برد خجا (خواجة) فصالحه و سار في خدمته …

و قد مر ابن خلدون بهذه الحوادث مجملا قال: «نجا أحمد إلي الرحبة من تخوم الشام فأراح بها و طالع نائبها السلطان بأمره فسرح بعض خواصه لتلقيه بالنفقات و الأزواد و ليستقدمه فقدم به إلي حلب و أراح بها، و طرقه مرض أبطأ به عن مصر. و جاءت الأخبار بأن تيمور عاث في مخلفه و استصفي ذخائره و استوعب موجود أهل بغداد بالمصادرات لأغنيائهم و فقرائهم حتي مستهم الحاجة و أقفرت جوانب بغداد من العيث. ثم قدم أحمد بن أويس علي السلطان بمصر في شهر ربيع سنة 796 ه مستصرخا به علي طلب ملكه و الانتقام من عدوه فأجاب السلطان صريخه و نادي في عسكره بالتجهيز إلي الشام … فاستوعب الحشد من سائر أصناف

الجند و استخلف علي القاهرة النائب سودون و ارتحل إلي الشام علي التعبية و معه أحمد بن أويس … و دخل دمشق آخر جمادي الأولي و كان أوعز إلي جلبان صاحب حلب بالخروج إلي الفرات و استنفار العرب و التركمان للإقامة هناك رصدا للعدو … و كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 233

قد شغل العدو بحصار ماردين فأقام عليها أشهرا و ملكها … فارتحل إلي ناحية بلاد الروم …» ا ه.

ولاية الخواجة مسعود- مال الأمان:

في هذه السنة في غرة صفر رحل الأمير تيمور عن بغداد بعد أن استصفي أموالها جميعها كذا في الغياثي. و جاء في روضة الصفا أنه رحل عن بغداد في 24 ذي الحجة سنة 795 ه و توجه نحو تكريت بالوجه المار و كان أرسل إليها بعض الأمراء، و أخذ من الأهلين في بغداد مال الأمان. و قد قص الغياثي هذا الحادث بما نصه:

«دخل تيمور بغداد و أرمي علي الأهلين مال الأمان (ضريبة حربية) فطالب أمراؤه الناس علي غير طاقتهم. و كان المتولي ذلك شرف الدين البليقي (كذا) و مات في سبيل ذلك خلق من جراء التعذيب و العقوبة، و ذكروا أن الموكلين أرادوا تعذيب رجل فأراهم موضعا و قال احفروا ههنا. و أراد بذلك أن يشغلهم بالحفر عن تعذيبه و لم يكن له شي ء فحفروا فلم يجدوا فأرادوا تعذيبه فأقسم لهم أن الذي يعرفه ههنا فحفروا ثاني مرة و عمقوا فوجدوا مالا عظيما، و ذهبا كثيرا. فمن كثرته شرحوا حاله عند تيمور فأحضر ذلك الشخص، و سأله عن أصل هذا المال فقال لا أعلم له أصلا، و إنما أردت أن يشتغلوا بالحفر عن تعذيبي فعند ذلك كف تيمور عن تعذيب الناس». ا ه.

و

لما خرج تيمور من بغداد ولي بها الخواجة مسعود الخراساني …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 234

السلطان أحمد إلي هذه الأيام:

إن صاحب كتاب بزم و رزم كان في بغداد أيام الوقعة و فر مع من فر مع السلطان أحمد إلا أنه قبض عليه … و هذا نعت أحمد لهذه المدة فقال ما ملخصه: إن السلطان أحمد من حين ملك زمام السلطنة و استولي علي العراقين و آذربيجان صار يفتك بأمرائه الكبار، و أعاظم رجاله ممن كانت لهم التدابير الصائبة، و القدرة علي إدارة المملكة الواحد بعد الآخر و لم يلتفت إلي أنهم كانوا أصحاب كفاءة و دراية، و أنهم أهل الرأي الصائب. و التدبير اللائق.. كانوا معروفين في التزام الأخطار، و اقتحام الأهوال، فأضاع تجاربهم، و أغفل آراءهم … و كانوا كما قال الأول:

إذا ما عدوا بالجيش أبصرت فوقهم عصائب طير تهتدي بعصائب

و هم يتساقون المنية بينهم بأيديهم بيض رقاق المضارب

و لا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب

قتل هؤلاء الواحد بعد الآخر، و أقام مقامهم الأذناب من المتجندة، و من أوباش الناس ممن هم غير معروفي المكانة، و لا النسب، و خاملو الذكر، لا عقل لهم يدبرهم، و لا شجاعة تؤهلهم..

عطل من الفضائل … فنالوا المنازل الرفيعة بلا جدارة و استحقاق …

إن سوء هذا التدبير كان أكبر باعث للعدول عن محجة الصواب، فكثرت الفتن، و زادت الاضطرابات فظهرت من كل صوب و انحلت الأمور، و التذمرات بلغت حدها …

ففي هذه الأيام ظهر تختاميش خان (توقتامش) في مائة ألف من الجند في ذي الحجة سنة 787 ه اجتاز بهم باب الأبواب و ساق جيوشه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 235

علي تبريز دار الملك،

و كانت آنئذ أشبه بالجنة فأغاروا عليها، قتلوا منها نحو عشرة آلاف من النفوس و فعلوا فعلات قاسية فأسروا أولاد المسلمين و ذهبوا بهم إلي أقصي تركستان و لم يقصروا في هتك الأعراض، و قتل الأبرياء، و فعل الفساد … فكانت هذه مقدمة الشرور، و أول الآلام و الرزايا علي العباد و البلاد … إذ تبعتها وقائع تيمور و أعوانه … و لم يجد في القوم من يذب عن البلاد …

و ذلك أن وقعة تختاميش (توقتامش) لم يمض عليها تسعة أشهر (في سنة 788 ه) إلا و ظهرت في حدودها طامة كبري، و داهية عظمي، جاء الأمير تيمور في جيش بلغت عدته ثلثمائة ألف فوصل همذان، و هاجم تبريز علي عجل فانهزم السلطان أحمد إلي بغداد فوصل الجغتاي و التتار أذربيجان فاستباحوها مدة 40 يوما و قضوا علي البقية الباقية من الحرب السابقة فكانت هذه الوقعة أشد قسوة، و أبلغ في انتهاك الحرمات، و المصادرات الشنيعة و المظالم الأليمة … فلم يدعوا منكرا إلا فعلوه، و لا فجورا إلا أتوه، برزوا بمظهر أكبر، و شناعة لا يستطيع القلم وصفها …

و لم تقف الحوادث عند هذا الحد ففي 20 شوال من سنة 795 جاء البلاء، و عمت المصيبة بغداد بهجوم جيش الأمير تيمور، و ذلك أن إيران أصابها سيل جارف من المغول و التتار فخرب بلادها و قلب ممالكها فقضي علي ممالك فارس و كرمان و خوزستان و مازندران و أصفهان، و هذه الويلات من تخريب و دمار مما لا يسع القول ذكرها لطولها … و قصد همذان دار الملك فاكتسحها و من ثم مال إلي بغداد.

وصلوا بغداد، و لم يدعوا رطبا و لا يابسا إلا

قضوا عليه فأهلكوا الحرث و النسل، و أهلكوا المسلمين و أسروا من أبقوا عليه، و نهبوا الأموال … فهم في الحقيقة كما جاء في الآية: إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 236

مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فانتهكوا كافة الحرمات … و عليهم تصدق آية:

أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ (86).

أما السلطان أحمد فقد توالت علي مملكته الأرزاء من حين ولي.

و كان كما قدمنا صار يقتل بالأمراء الواحد إثر الآخر فحدث ما حدث من وقائع توختامش و تيمور فهرب إلي العراق و جاء بغداد و لكنه لم ينتبه من غفلته و لا التفت إلي ما أصابه و إنما تمادي في غيه و انهمك في ملاذه و ما كان فيه من أنس و مجالس لهو كأنه خلق لهذه الأمور و مضت الحال عليه و هو غارق في بحر المعازف و الملاهي، و ارتكاب المحرمات و المناهي بل مستغرق فيها استغراقا لا يكاد يكون معه صحو … لحد أنه لم يلتفت و لو لحظة واحدة إلي إدارة الملك كأنه بعيد عنها لا تهمه.. و يري وقته الثمين يجب أن لا يضيع في مثل هذه الالتفاتة.

و مضت علي ذلك مدة سبع سنوات و هو علي ما عليه …

و يصدق فيه ما قيل:

إذا غدا ملك باللهو مشتغلا فاحكم علي ملكه بالويل و الحرب

أما تري الشمس في الميزان هابطة لما غدا برج نجم اللهو و الطرب

و نتائج ذلك معلومة فقد سببت هذه الغفلة إهمال الأمور، و اختلال القواعد، و اضطراب الأوضاع و تشوش الأحوال … و في الوقت نفسه كسد سوق العلم، و راج النفاق، و ضاعت الحكمة أو ابتذلت …

و

أهملت الفضائل.. و من ثم تسنم الجهال و المجاهيل أعلي المراتب، و أسني المناصب … فجري ما جري و وقع ما وقع … فلم يحصل مدافع عن حوزة البلاد، و لا صادّ عن حريمه فصار الناس بين قتيل و أسير، و كانت أموالهم نهبا و غنائم مقسمة و هكذا يقال عن الأمور الأخري … فضربت علي القوم الذلة و المسكنة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 237

أصابته الضربة و هو علي حين غفلة فلم يسعه إلا الفرار إلي بلاد الشام، و لم ينتبه للحوادث قبل الواقعة، و إنما أضاع الحزم، و فقد العزم …

و عاجز الرأي مضياع لفرصته حتي إذا فات أمر عاتب القدرا

فلله العجب! لا برز بروز الشجاع، و لا انهزم انهزام الحازم الجازم، غفل سهوا، و اشتغل زهوا و لهوا؛ حتي جري ما جري من تقلب الأحوال؛ و تغلب الأهوال، و استقلال الأراذل، و استئصال الأفاضل، و ازدحام الفتن، و اقتحام المحن، و هتك الأستار، و قتل الأحرار، و سبي الحرم، و أسر الخدم و الحشم، و انحلال نظام الأمور؛ و اختلال مصالح الجمهور؛ و انكسار الناموس، و انحصار الناس في اليأس و البوس، و تخريب البلاد، و تعذيب العباد، فبقيت المدارس مندرسة؛ و الخوانق مختنقة؛ و البرايا عرايا، و الأجّلة أذلة، و البدور أهلّة، و بلغ الأمر إلي أن وقع في كربة الغربة، و حرقة الفرقة، و حيرة الغيرة، و كسرة الحسرة؛ و دهشة الوحشة، و ابتلي بالحور بعد الكور، و الذلة بعد العزة؛ و القلة بعد البزة، فأصبح نادما علي ما فات، و قال هيهات و هيهات «ما أغني عني مالية؛ هلك عني سلطانيه».

إلي اللّه أشكو عيشة قد تكدرت عليّ

و دهرا قد ألحت نوائبه

تكدر من بعد الصفاء نميره و أحزن من بعد السهولة جانبه

أما ميران شاه ابن الأمير تيمور فإنه عبر الفرات؛ و سار يتعقب أثر السلطان أحمد … و هذا مال إلي طريق الشام فسلكه خائفا و جلا «كم دب يستخفي و في الحلق جلجل»، و ناله من الندم ما ناله و أصابه من الرعب ما أصابه … و لكن لم ينفع ذلك الندم «و لات حين مناص».

إذا كنت ترضي أن تعيش بذلة فلا تستعدن الحسام اليمانيا

و لا تستطيلن الرماح لغارة و لا تستجيدن العتاق المذاكيا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 238

عثر عليهم القوم في صحراء كربلاء؛ فلم ينج هو و أعوانه إلا بشق الأنفس …

نسوا أحلامهم تحت العوالي و لا أحلام للقوم الغضاب

إذا كانت دروعهم نحورا فما معني السوابغ في العياب

و علي كل نجا السلطان أحمد من تلك المهلكة، و أن أعوانه كل واحد منهم سلك ناحية، فتفرقوا في الصحاري شذر مذر فاختفوا فيها..

الخ. ما جاء هناك مما ذكره المؤلف فكان مع القوم من ضرب إلي جهة النجف و لكنه ألقي القبض عليه و أحضر إلي ميران شاه في الحلة و من ثم عفا عنه ميران شاه؛ و عطف عليه بنظر عنايته، و لحظه بعين رأفته فسلم من الأخطار … كما قال …

و هذا الجيش بعد أن أتم أعماله في بغداد من قلع، و قتل، و أسر مالت الجيوش إلي أنحاء ديار بكر فوصلوا جهات ماردين … و من هناك سنحت لصاحب الكتاب المذكور الفرصة للهزيمة و هم بين آمد و ماردين و حدثته نفسه بذلك فسار ليلا و وصل قلعة صور و منها توجه نحو سيواس فوصلها في 11 شعبان

سنة 796 ه. و بقي عند سلطانها و قدم له كتابه (بزم و رزم) و قد سبق وصفه.

و من هذا النص المنقول عرفت حالة السلطان أحمد و أعتقد فيها الكفاية …

وقائع تيمور الأخري:

ثم إن تيمور لنك نزل رأس العين فملكها و نازل الرها فأخذها بغير قتال و وقع النهب و الأسر و انتهي ذلك في أواخر صفر و اتفق هجوم الثلج و البرد. و لما بلغ ذلك صاحب الحصن جمع خواصه و ما عنده من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 239

التحف و الذخائر و قصد تيمور لنك ليدخل في طاعته فقرر ولده شرف الدين أحمد نائبا عنه و سار إلي أن اجتمع به بالرها فقبل هديته و أكرم ملتقاه و رعي له كونه راسله قبل جميع تلك البلاد. ثم خلع عليه و أذن له بالرجوع إلي بلاده و أصحبه بشحنة من عنده ثم قصده صاحب ماردين فتنكر له كونه تأخرت عنه رسله و تربص به حتي قرب منه فوكل به فصالحه علي مال فوعده بإرساله إذا حضر المال فلما حضر زاد عليه في التوكيل و الترسيل ثم أخذ في نهب تلك البلاد بأسرها. و استولي علي بلاد الجزيرة و الموصل و سار فيهم سيرة واحدة من القتل و الأسر و السبي و النهب و التعذيب. ثم أقام علي نصيبين في شدة الشتاء فلما أتي الربيع نازل ماردين في جمادي الآخرة فحاصرها و بني قدامها جوسق يحاصرها منها ففتحوها عن قرب و قتل من الناس من لا يحصي عددهم و عصت عليه القلعة فرحل عنها، ثم رحل إلي آمد فحاصرها إلي أن ملكها و فعل بها نحو ذلك. ثم توجه إلي خلاط ففعل بها نحو ذلك.

و

سبب رجوعه عن البلاد الشامية أنه بلغه أن طقتمش (توقتامش) صاحب بلاد الدشت و السراي و غيرها مشي علي بلاده فانثني رأيه فقصد تبريز و صنع في بلاد الكرج عادته في غيرها من البلاد ثم رحل راجعا إلي تبريز فأقام بها قليلا ثم توجه قاصدا إلي قتال طقتمش خان صاحب السراي و القفجاق. و كان طقتمش قد استعد لحربه فالتقيا جميعا و دام القتال و كانت الهزيمة علي القفجاق و السراي فانهزموا و تبعهم الجقطاي بآثارهم إلي أن ألجأوهم إلي داخل بلادهم و راسل اللنك صاحب سيواس القاضي برهان الدين أحمد يستدعي منه طاعته فلم يجبه و أرسل نسخة كتابه إلي الظاهر صاحب مصر، و إلي أبي يزيد ملك الروم.

و في رجب غلب علي سائر القلاع و توجه في ذي القعدة إلي بلاده و أمر بسجن الظاهر بمدينة سلطانية …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 240

رسل تيمور- علاقات عراقية:

و في هذه السنة وصل رسل تيمور لنك إلي الظاهر (برقوق) يتضمن الإنكار علي إيواء أحمد بن أويس و التهديد إن لم يرسل إليه فجهز السلطان إليهم من أهلكهم قبل أن يصلوا إليه؛ و أحضر إليه ما معهم من الهدايا فكان فيها ناس بزي المماليك فسألهم عن أحوالهم فقالوا إنهم من أهل بغداد و من جملتهم ابن قاضي بغداد و إن تيمور لنك أسرهم و استرقهم فسلمهم السلطان لجمال الدين ناظر الجيش فألبس ابن قاضي بغداد بزي الفقهاء. و كان في كتاب تيمور لنك إيعاد و إرعاد. و في أوله:

«قل اللهم فاطر السماوات و الأرض عالم الغيب و الشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اعلموا أنا جند اللّه خلقنا من سخطه، و سلطان علي من

حل عليه غضبه، لا نرق لشاكي، و لا نرحم عبرة باكي» و هو كتاب طويل و فيه: و دعاؤكم علينا لا يستجاب فينا و لا يسمع فكيف يسمع اللّه دعاءكم و قد أكلتم الحرام و أكلتم أموال الأيتام، و قبلتم الرشوة من الحكام …».

قال صاحب الأنباء: قلت و أكثر هذا الكتاب منتزع من كتاب هولاكو إلي الخليفة ببغداد، و إلي الناصر بن العزيز بدمشق، و هو من إنشاء النصير الطوسي.

و كتب جواب اللنك ابن فضل اللّه (العمري) و هو كلام ركيك ملفق غالبه غير منتظم لكن راج علي أهل الدولة و قري ء بحضرة السلطان و الأمراء فكان له عندهم وقع عظيم و عظموه جدا و أعادوه.. و تجهز السلطان إلي السفر … و دخل دمشق 12 جمادي الأولي فأقام بدمشق خمسة أشهر و عشرة أيام و استسر الأخبار يتحقق رجوع اللنك فجهز

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 241

أحمد بن أويس إلي بغداد و دفع له حين السفر خمسمائة ألف درهم (قيمتها 20 ألف دينار) و خمسمائة فرس و 600 حمل، و جهزه أحسن جهاز فخرج في مستهل شعبان و سار في 13 و سار معه عدة من الأمراء الكبار إلي أطراف البلاد، ثم صحبه سالم الدوكاري، ثم جهز السلطان كمشيغا و عدة من الأمراء إلي حلب … ثم توجه بعدهم في أول ذي القعدة فدخلها في العاشر و أقام إلي عيد الأضحي و رجع إلي الديار المصرية في الثاني عشر منه …

و ذكر أحمد بن أويس في كتابه للسلطان أنه لما وصل إلي ظاهر بغداد خرج إليه نائب تمر و قابله فأطلق المياه علي عسكر ابن أويس فأعانه اللّه و تخلص …

زبيد- طيي ء:

في هذه

السنة مات عامر بن ظالم بن حيار بن مهنا غريقا بالفرات و معه 17 نفسا من آل مهنا في وقعة بينه و بين عرب زبيد، و قتل معه خلق كثير جدا … و من هنا نجد علاقة الخصومة حدثت في هذه الأيام، و لم يتكدر ما بينهما من أيام المغول إلي هذا الحين …

قبائل زبيد:

من أعظم القبائل العراقية، لا تقل عددا عن القبائل الأخري، منتشرة في أنحاء عديدة من هذا القطر، و بمجموعات لها شأنها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 242

و مكانتها … إلا أن السياسة العشائرية كانت مكتومة، أو غير واضحة، و كانت الحكومات ترضي من العشائر بالقليل؛ و أحيانا بالطاعة الاسمية … أو استخدام البعض علي الآخر … و كذا هذه القبائل لا أمل لها في التدخل بمقدرات المملكة و لا ترغب أن تكون رمية الأغراض فقد رأت في عصور مختلفة تلاعبات جمة يقصد منها الاستعانة بها للتسلط، أو الحصول علي السلطة من هذا الطريق …

و زبيد في هذا العصر نراهم في سورية مع قبيلة طيي ء، و بصورة منفردة، و في الفرات الأعلي، و في مواطن كثيرة … و يتكون منهم شطر كبير في العراق … و قد حافظوا أحيانا علي اسمهم (زبيد) بالتصغير، أو اكتسبوا أسماء أخري، و بينهم من ينتسب رأسا إلي (زبيد الأكبر) و هم العبيد و الجبور و الدليم و زبيد الذين في لواء الحلة و بينهم من يمت إلي (زبيد الأصغر) و هم العزة و غالب من يمت إلي زبيد الأصغر في أنحاء بغداد و لواء ديالي و عمرو بن معدي كرب الزبيدي من أبطال فتح العراق من زبيد الأصغر … و للكلام علي قبائل زبيد بتفصيل

محل آخر …

حوادث سنة 797 ه- 1394 م

السلطان أحمد في بغداد:

إن والي بغداد الخواجة مسعود الخراساني دامت إدارته في بغداد مدة … و لما رأي السلطان أحمد أن قد سنحت له الفرصة استفاد من غياب الأمير تيمور في حروبه مع توقتامش في صحراء القفجاق عاد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 243

إلي بغداد فوجد الوالي نفسه أمام أمر واقع فلم يستطع المقاومة إذ جاء السلطان أحمد بجيش عظيم. ففر الوالي من بغداد و حينئذ دخلها السلطان أحمد … و كان الأمير زاده ميران شاه ابن الأمير تيمور حاكما بتبريز فأمر إذ ذاك بحصار قلعة النجا و فيها السلطان طاهر ابن السلطان أحمد و جماعة من خواصه و أمواله و ذخائره فمكث مدة في حصارها …

و جاء في روضة الصفا أن بغداد كان فيها الخواجة محمود السبزواري فتركها و توجه إلي أنحاء البصرة و تمكن السلطان في بغداد سنة 799 ه و التخالف بين النصين ظاهر في حين أننا نري كلشن خلفا يؤيد أن الوقعة جرت بالوجه المنقول سابقا فرجحناه لأن الوقائع التالية و محاربته مع الشهزاده أميران شاه جاءت بعد هذا الحادث كما أن وفاة ابن العاقولي تعين تاريخ مجيئه و كلها تنطق بصحة هذا التاريخ.

ملحوظة: جاء في الغياثي: «أن تيمور استصفي أموال بغداد جميعها و رحل عنها يوم السبت غرة صفر، دخل السبت و خرج السبت … و أما السلطان أحمد فإنه لما هرب علي طريق مشهد الحسين (رضه) وصل إلي الرحبة فأكرمه نعير و أنزله في بيوته ثم تحول إلي حلب و نزل الميدان و أكرمه نائبها و طالع السلطان بخبره فأذن له في دخول القاهرة في سنة 796 ه. وصل أحمد إلي القاهرة في شهر ربيع الأول فتلقاه الأمراء

و خرج إليه السلطان إلي الربدانية و كان السلطان حينئذ برقوق فقعد بالمصطبة المبنية له هناك فترجل له السلطان أحمد من قدر رمية سهم فأمر السلطان الأمراء بالترجل له، ثم لما قرب منه قام له فنزل من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 244

المصطبة فمشي إليه فالتقاه و أراد أحمد أن يقبل يده فامتنع فطيب السلطان خاطره و أجلسه معه علي مقعده ثم خلع عليه، و أركبه صحبته إلي القلعة فأنزله في بيت طغا تيمور علي بركة الفيل و نزل جميع الأمراء في خدمته، ثم أرسل له السلطان مالا كثيرا و قماشا و مماليك تخدمه يقال قيمة ذلك عشرة آلاف دينار ذهبا ثم حضر الموكب السلطاني فأذن له في الجلوس ثم أركبه معه إلي الجيزة للصيد، ثم تزوج السلطان برقوق بنت أخيه دوندي سلطان و بني عليها قريب السفر، ثم تجهز … و بقي السلطان أحمد في القاهرة … و بعد مدة طلب إجازة التوجه إلي بغداد فتوجه و حين سمع الخواجة مسعود بتوجه السلطان رحل عن بغداد و دخل السلطان أحمد …» ا ه.

وباء و غلاء:

في هذه السنة وقع الوباء ببغداد و تخلي عنها أكثر أهليها فدخل سلطانها الحلة فأقام بها، و أعقب الوباء غلاء فلذلك تحول. و كان في المحرم توجه غلمان السلطان و حريمه إلي بغداد …

وفيات
1- أبو بكر الموصلي:

في هذه السنة توفي أبو بكر بن عبد البر بن محمد الموصلي الشافعي قال في ذيل الأعلام: الشيخ الإمام القدوة الزاهد العابد الخاشع العالم الناسك الرباني بقية مشايخ علماء الصوفية و جنيد الوقت، كان في ابتداء أمره حين قدم من الموصل و هو شاب يتعاني الحياكة و أقام بالقبيبات عند منزله المعروف زمانا طولا علي هذه الحال و في أثناء ذلك يشتغل بالعلم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 245

هماي و همايون- لوحة 2- التصوير في الإسلام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 246

و يسلك طريق الصوفية و النظر في كلامهم و لازم الشيخ قطب الدين مدة و اجتمع بغيره و كان يطالع أيضا كتب الحديث و يحفظ جملة من الأحاديث و يعزوها إلي رواتها و له إلمام جيد بالفقه و كلام الفقهاء فاشتهر أمره و صار له أتباع و كان شعاره إرخاء عذبة خلف الظهر ثم علا ذكره و بعد صيته و صار يتردد إليه نواب الشام و يمتثلون أوامره و سافر بآخره إلي مصر مستخفيا و حج غير مرة ثم عظم قدره عند السلطان و كان يكاتبه بما فيه نفع للمسلمين ثم إن السلطان عام أول اجتمع به في منزله و صعد إلي علية كان فيها و أعطاه مالا فلم يقبله و كان إذ ذاك بالقدس الشريف و قال في أنباء الغمر و كان يشتغل في التنبيه و منازل السائرين و كان ولده عبد الملك يذكر عنه أنه قال:

كنت في المكتب ابن سبع سنين فربما لقيت فلسا أو درهما فأنظر أقرب دار فأعطيهم إياه و أقول لقيته قرب داركم توفي بالقدس في شوال و قد جاوز الستين.

2- محمد ابن العاقولي: (مدرسة المستنصرية):

توفي غياث الدين أبو المكارم محمد بن صدر الدين محمد بن محيي الدين عبد اللّه بن أبي الفضل محمد بن علي بن حماد بن ثابت الواسطي ثم البغدادي الشافعي المعروف بابن العاقولي قال ابن قاضي شهبة في طبقاته: صدر العراق و مدرس بغداد و عالمها و رئيس العلماء بالمشرق مولده في رجب سنة 733 ه ببغداد و نشأ بها و سمع من والده و جماعة و أجاز له جماعة. قال الحافظ شهاب الدين بن حجي كان (مدرس المستنصرية) ببغداد كأبيه و جده و درس أيضا (بالنظامية) كأبيه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 247

و درس هو بغيرهما، و كان هو و أبوه و جده كبراء بغداد و انتهت إليه الرياسة بها في مشيخة العلم و التدريس و صار المشار إليه و المعول عليه فهرع القضاة و الوزراء إلي بابه و السلطان يخافه و كان بارعا في الحديث و المعاني و البيان و شرح مصابيح البغوي و خرج لنفسه أربعين حديثا عن أربعين شيخا و فيها أوهام و سقوط رجال في الأسانيد و كانت نفسه قوية و فهمه جيدا و كان بالغا في الكرم حتي ينسب إلي الإسراف و لما دخل تيمور لنك بغداد هرب منها مع السلطان أحمد فنهبت أمواله و سبيت حريمه و قدم الشام و اجتمعنا به و أنشدنا من نظمه فلما رجع السلطان إلي بغداد رجع معه فأقام دون خمسة أشهر و قال الحافظ برهان الدين الحلبي كان إماما علامة متبحرا في العلوم

غاية في الذكاء مشارا إليه و كان يدخله كل سنة زيادة علي مائة ألف درهم و كلها ينفقها و صنف في الرد علي الشيعة في مجلد توفي في صفر و دفن بالقرب من معروف الكرخي بوصية منه. و قال ابن حجر شرح منهاج البيضاوي (في أصول الفقه) و الغاية القصوي (في فقه الشافعية مختصر الوسيط للإمام الغزالي) و حدث بمكة و بيت المقدس و أنشد لنفسه بالمدينة: -

يا دار خير المرسلين و من بها شغفي و سالف صبوتي و غرامي

نذر علي لئن رأيتك ثانيا من قبل أن أسقي كؤوس حمامي

لأعفرن علي ثراك محاجري و أقول هذا غاية الإنعام

و قد ترجمه المقريزي في كتابه السلوك في دول الملوك في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 248

الجزء السابع منه في حوادث هذه السنة قال: «إنه توفي يوم الأربعاء 16 ربيع الآخر ببغداد. و كان قدم القاهرة في الجفلة من تيمور، و هو من علماء الشافعية» ا ه.

قال في الأنباء: «كان وقع بينه و بين أحمد بن أويس وحشة ففارقه إلي تكريت، ثم توجه إلي حلب، و كان إسماعيل وزير بغداد بني له مدرسة فأراد أن يأخذ الآجر من إيوان كسري فشق علي الغياث ذلك و قال هذا من بقايا المعجزات النبوية، و دفع له ثمن الآجر من ماله.

و من شعره:

لا تقدح الوحدة في عازب صان بها في موطن نفسا

فالليث يستأنس في غابه بنفسه أصبح أو أمسي

أنست في الوحدة في منزلي فصارت الوحشة لي أنسا

سيان عندي بعد ترك الوري و ذكرهم أذكر أم أنسي

جامع العاقولي:

إن هذا الجامع من أول أمره اتخذ مدرسة لطلاب العلم بصورة محدودة. و الظاهر أنه اكتسب شكل جامع، و نال وضعه المشاهد أيام المترجم

و مكانته و سخاؤه مما يجعلنا نميل إلي أنه لم ينس عمارة جده.

و منارته من بناء هذا العصر.. و الآثار من النقوش و الكتابات تنبي ء عن صناعة هذه الأيام … و هي من بقايا العصور السالفة فلم تمت بعد و لا تزال سوقها رائجة بعض الرواج … و لا أدل علي ذلك من نشر صور بعض الألواح …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 249

حوادث سنة 798 ه- 1395 م

قتلة توقتامش خان:

في هذه السنة قتل توقتامش حان و قد تكلمنا عليه في أحوال تيمور و هو صاحب بلاد الدشت (القفجاق)، فاستراح تيمور من أكبر مناضل له، شوش عليه أمره كثيرا، و كان يخافه، و يحذر أن يتوسع نفوذه بعد أن ناصره، و صار يحسب له حسابه … و لا يزال تيمور مشغولا بحروبه حتي في هذه السنة، و كانت الحروب بينهما دامية جدا …

قتل بعد أن انكسر من اللنك، قتله أمير من أمراء التتر يقال له قطلوا. و ما جاء في الضوء اللامع من أنه لا يزال حيا إلي ما بعد سنة 814 ه فغير صحيح. و فيه تفصيل زائد …

و كان توقتامش من المشاهير بين ملوك القفجاق و قد ذكرنا بعض الشي ء عنهم في الحوادث السابقة. و غاية ما نقوله هنا أن تيمور لنك كان من أكبر مناصريه حبا في خضد شوكة أرص خان من ملوكهم لأنه كان من منافسيه. و لما استقل توقتامش خان بالملك و انتشرت شهرته صار يتوهم منه و يحاول وجود سبب ما لمحاربته فاتخذ وقائع آذربيجان و خراسان خير وسيلة للقيام في وجهه … و ذلك أن تيمور لنك سمع بانحلال أمر الجلايرية، و وقوع الحروب بين أمرائهم فتعلقت نواياه بتلك المملكة، و تمهيدا لذلك

أرسل أخص معتمديه الحاج سيف الدين إلي هذه البلاد بوسيلة الحج في الظاهر و تفحص أحوال البلاد و تجسسها في الحقيقة و هو في المكانة اللائقة من الدهاء بل هو أعظم من أعان تيمور في تأسيس الملك فلما رجع أخبره أن الغنم لا راعي لها و البلاد غنيمة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 250

باردة لأن ملوكها في محاربة و مقاتلة فيما بينهم فيمكن الاستيلاء عليها واحدة بعد واحدة. فلما سمع ذلك لم يشك في أنه يستولي عليها و قصد هذه البلاد. و هنا ابتدأت حروبه، و اكتسح السلطانية من أعمال تبريز، و رجع عنها بالوجه المشروح سابقا …

و كانت بين السلطان أحمد و بين توقتامش خان مواصلة و مراسلات، و الرسل بينهما تتردد … و في العام الذي شتي فيه تيمور لنك بالري كان قاضي سراي قد توجه نحو تبريز برسالة من عند توقتامش خان إلي السلطان أحمد فتبين أن السلطان أحمد في بغداد و بين أمرائه ببلاد آذربيجان مقاتلة، و أن البلاد في هرج و مرج فأرسل إلي توقتامش يخبره بذلك و يحثه علي لزوم حفظ الحدود و الثغور، و أن لا يغفل ذلك، فأرسل توقتامش خمسين ألف فارس و أمرهم أن يقيموا هناك … و أما القاضي فقد وصل بغداد و أدي الرسالة و بينما هو مقيم ببغداد و كان معه واحد من أولاد المغل فائق الحسن و الجمال فحصل للسلطان علاقة بذلك الغلام فرجع القاضي منفعلا من هذا السلطان و أغري توقتامش خان علي ترك معاونته و حرضه علي مخالفته فأرسل توقتامش عساكر كثيرة إلي دربند، و أمرهم أن يتوجهوا إلي تبريز و أن يقبضوا علي السلطان أحمد فلما وصلوا إلي

تبريز وجدوها في تحصن الأمير سنتاي (مر ذكره) قائد جيش السلطان أحمد، و بعد حصار أسبوع دخل عسكر توقتامش خان تبريز عنوة و نهبوا ما فيها، و لم يروا السلطان أحمد فهو في بغداد و كان هو المقصود فرجعوا عنها … و استصحبوا معهم الشيخ كمال الدين الخجندي. و كان ذلك سنة 787 ه.

و هذه الوقعة أغضبت تيمور لنك، و عدها تجاوزا علي حدود منطقة نفوذه.. فاتخذها وسيلة لمخالفة توقتامش بحيث نسبه إلي كفران النعمة و نسيان الحقوق … و التواريخ التي كتبت في أيام تيمور و بعده و في أيام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 251

أخلافه مشت علي هذه الوتيرة … و كان لمخابرات توقتامش و مراسلاته مع ملوك مصر وقع عظيم في تقوية هذا الظن … و الصحيح يريد أن لا يزاحمه في النفوذ أحد … و من ثم حاربه بمحاربات عديدة مضي بيان أكثرها و آخرها هذه المرة.. و تيمور لم يهمل أمرا و إنما كان يرعي مصالحه و يلاحظ كل دقيقة فيها و لا يتهاون … و قد فصل صاحب تلفيق الأخبار وقائع توقتامش الحربية مع تيمور و غيره إلي أن مات بالوجه المذكور و في التواريخ الأخري أن حادث قتله كان سنة 799 ه و هو الصحيح …

وفاة سعد بن إبراهيم الطائي:

و في هذه السنة توفي سعد بن إبراهيم الطائي الحنبلي البغدادي قال في أنباء الغمر كان فاضلا و له نظم فمنه:

خانني ناظري و هذا دليل لرحيل من بعده عن قليل

و كذا الركب إن أرادوا قفولا قدموا ضوءهم أمام الحمول

حوادث سنة 799 ه- 1396 م

الحرب بين أميران شاه و السلطان أحمد:

في هذه السنة توجه أميران شاه إلي بغداد و حاصرها و كان السلطان أحمد فيها فدافع عنها إلا أن أميران شاه لم يطل أمد حصاره لبغداد و إنما رجع بسرعة إلي تبريز من جهة أنه جاءته الأخبار في مخالفة بعض أعدائه له. أما تيمور فإنه كان في هذه السنة في الهند …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 252

السلطان طاهر ابن السلطان أحمد في بغداد:

و في هذه السنة استفادة من غياب أميران شاه عن تبريز و صولته علي بغداد خرج السلطان طاهر ابن السلطان أحمد و خواصه من الحصار في قلعة النجا (و في الغياثي سماها النجق) بمعاونة أمراء الكرج و اتصل بأبيه في بغداد …

حوادث سنة 800 ه- 1397 م

السلطان أحمد في بغداد:

في هذه السنة- علي ما جاء في الجلد الرابع و العشرين من عقد الجمان- كان السلطان أحمد بن أويس ملكا ببغداد. و صاحب العقد في غالب مباحثه عن هذه الأيام أسدل الستار عن بغداد و وقائعها، و تكلم علي حوادث تيمور في حلب و أنحاء سورية و فصل ذلك بكثرة … و هو عارف بما يجري آنئذ …

و في هذا العهد كسابقه لم تكن للعراق علاقة مباشرة في السياسة الخارجية، و إنما هي تعود لحكومة العراق الأصلية (الجلايرية). لأنها المسيطرة علي مقدراته و بيدها الحل و العقد. و هذه تأسست لها علاقة مع مصر بسبب حوادث تيمور كما ذكر و الملحوظ هنا أن العراق كان ارتباطه بالجلايرية أقوي و أكثر من سائر الحكومات …

وفيات
وفاة تاج الدين أبي محمد عبد اللّه السنجاري:

في هذه السنة أو التي قبلها توفي تاج الدين أبو محمد عبد اللّه بن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 253

علي بن عمر السنجاري الحنفي قاضي صور. ولد سنة اثنتين و عشرين و تفقه بسنجار و ماردين و الموصل و إربل، و حمل عن علماء تلك البلاد و حدث عن الصفي الحلي بشي ء من شعره، و قدم دمشق فأخذ بها عن القونوي الحنفي، ثم قدم مصر فأخذ عن شمس الدين الأصبهاني و أفتي و درس و تقدم و نظر المختار في فقه الحنفية و غير ذلك و كان يصحب أمير علي المارداني فأقام معه بمصر مدة و ناب في الحكم ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق و درس بالصالحية و كان حسن الأخلاق، لطيف الذات، لين الجانب و من شعره.

لكل امري ء منّا من الدهر شاغل و ما شغلي ما عشت إلا المسائل

توفي بدمشق في ربيع الآخر كذا في صحيفة 358 من

الشذرات و أعاد ذكره في صحيفة 365 من الجلد السادس و من نظمه (سلوان المطاع لابن ظفر) …

حوادث سنة 801 ه- 1398 م

خلاف أمراء بغداد- السلطان أحمد:

قال الغياثي: إن تيمور أراد أن يحتال علي السلطان أحمد بأن يقبض عليه حيا فلم يتم ما أراد و ذلك أنه أرسل إليه أحد أمرائه و هو شروان، لجأ علي سبيل أنه انهزم من تيمور و انضم و استصحب معه مالا كثيرا ليقسمه في أمراء السلطان خفية ليستميل به قلوبهم و ليقبضوا عليه و يسلموه إلي تيمور، دخل بغداد فتلقاه السلطان بالإعزاز و الإكرام و أعطاه القبة و زنكاباد و اختصه بمزيد العناية و اشتغل شروان سرا يدس الأموال إلي الأمراء و المقربين من عشرة آلاف إلي ثلثمائة ألف كل علي قدر مرتبته حتي لم يترك أحدا من الأمراء و المقربين إلا أعطاه شيئا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 254

و السلطان غافل إلي أنه ذات يوم من الأيام سقطت الورقة المفصل بها أسماء الجماعة من كاتب شروان فالتقطها شخص يقال له كورة بهادر فأوصلها إلي السلطان في حين ورود الأخبار عن عساكر تيمور أنها وصلت البندنيجين و قد هرب منها أمير علي قلندر و هو آنئذ حاكمها و دخل بغداد و السلطان قد أمر بسد أبواب بغداد إلا بابا واحدا و هو في غاية الحيرة و الاضطراب و إذا بهذه الورقة أوصلت إليه، مكتوب اسم حاملها قد خصص له عشرة آلاف دينار، فأمر حالا بضرب عنقه ثم أرسل يادكار الأختجي إلي شروان و معه عدة أمراء بينهم قطب الحيدري و منصور و غيره لنهب الأويرات فجاؤوا برأسه …

ثم قتل جميع من له اسم في تلك الورقة بحيث كان يرسل واحدا و يقول له اقتل فلانا و

لك ماله و بيته فيما إذا تم الأمر حتي يرسل الآخر فيقتل ذلك القاتل و هكذا قتل الواحد تلو الآخر حتي قتل في خلال أسبوع ألفين من أمرائه و أقاربه و مقربيه و قتل عمته وفا خاتون و أكثر الحرم و الخدم الذين كانوا عنده … ثم بعد ذلك غلق الباب عليه و لم يترك لأحد من الناس سبيلا إليه حتي طعامه الخاص كانوا يأتي به الياورجية و يطرقون الباب و يسلمون الطعام للخدام من الباب و يرجعون. و لما مضي علي هذا الحال عدة أيام أمر ستة أنفار من الخدم المقربين بالخفية أن يأخذوا من الاسطبل سبعة خيول خاصة و يعبروها إلي الجانب الغربي و ركب مع الستة أفراد و سار إلي قرا يوسف فاستنصره و قال له تعال انهب بغداد و جاء به و بعسكره بهذا الطمع علي أنهم ينهبون بغداد و أنزلهم في الجانب الغربي و دخل إلي داره و ندم علي ما فعل فأخرج إليهم النقود و الأقمشة و الرخوت من خزانته و الخيول و الأموال الأخري حتي أرضاهم و لم يدعهم يتعرضون بالمدينة و رحلوا إلي مواطنهم كذا في الغياثي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 255

و جاء في كلشن خلفا أن أمراء بغداد اتفقوا علي دفع السلطان عنهم فلما علم بذلك قتل الكثيرين منهم ثم سار إلي ديار بكر و استعان بقرا يوسف فجاء معه إلي بغداد و ألقي الهيبة و الرعب في قلوب الباقين و تمكن هو ببغداد.

جامع الوفائية:

الظاهر من مكانة وفا خاتون أنها صاحبة الجامع المعروف اليوم (بجامع الوفائية) و هو الجامع القديم الكائن في سوق الكبابية و يرجع بالنظر إلي آثاره إلي هذا العهد و اليوم

بيد متولّ هو عبد اللطيف و له مرتزقة في فضلة الغلة. و إن مرور العصور حال دون اتصالهم بالواقفة..

و لكنهم أثبتوا بموجب إعلام شرعي التعامل القديم …

قال الآلوسي في مساجد بغداد: إنه من مساجد بغداد القديمة العهد … و سماه باسم من قام بعمارته من ولاة بغداد (مسجد الإسماعيلية). و اليوم معروف ب (جامع الوفائية) كما يستفاد من حجج التولية أيضا و قد شاهدتها كما أني رأيت في وقفية (جامع علي أفندي) ذكر المدرسة (الوفائية) عند تحديد أملاك الوقف هناك و لم يرد في تاريخ مساجد بغداد بيان لهذه التسمية …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 256

عزيز بن أردشير الاسترابادي:

قد ذكرنا مجمل ترجمته عند الكلام علي (كتاب بزم و رزم)، و كان ألفه للقاضي برهان الدين السيواسي و قد ضبط في الأنباء تاريخ وفاة هذا القاضي سنة 801 ه قال: «فيها قتل القاضي برهان الدين أحمد السيواسي أمير سيواس قتله قرا يلك التركماني عثمان بن قطلبك، قتل و سبي و غنم فرجع.» ا ه. و في الدرر الكامنة و الشقائق توفي في أواخر سنة 800 ه.

فارق سيواس إلي مصر أثناء هذه الوقعة فتوفي بعدها … و لم نعثر علي وفاته و الكتاب خير وثيقة لبيان مصاب بغداد بسلطانها أحمد و بتيمور لنك …

قال في كشف الظنون في مادة تاريخ القاضي برهان الدين السيواسي في أربع مجلدات للفاضل عبد العزيز البغدادي ذكر ابن عربشاه في تاريخه أنه كان أعجوبة الزمان في النظم و النثر عربيا و فارسيا، و كان نديم السلطان أحمد الجلايري ببغداد فالتمسه منه القاضي عند نزوله إليها فامتنع و أقام من يحرسه و هو يريد الذهاب فوضع ثيابه بساحل دجلة ثم غاص و خرج

من مكان آخر، ثم لحق برفقائه فزعموا أنه غرق فصار عند القاضي مقدما معظما فألف له تاريخا بديعا ذكر فيه بدء أمره إلي قرب وفاته و هو أحسن من تاريخ العتبي في رقيق عباراته، ثم بعد وفاة القاضي رحل إلي القاهرة فتردي هناك من سطح عال و مات منكسر الأضلاع ذكره ابن عربشاه في حاشية الشقائق انتهي.

و يفهم من هذا أن صاحب كشف الظنون لم ير الكتاب فقص نقله في هذه القصة و يكذبها ما جاء في نص كتاب بزم و رزم المذكور. و هو كاف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 257

للتعريف به و معرفة المخالفة و قد مر النقل منه، حكي ما شاهد؛ و لازم السلطان أحمد فألقي القبض عليه و عفا عنه ابن تيمور. و اسمه الصحيح (عزيز) لا (عبد العزيز) …

حوادث سنة 802 ه- 1399 م

ذهاب السلطان أحمد إلي العثمانيين:

كان السلطان أحمد في غاية الخوف من تيمور و كانت جواسيسه تأتيه بالأخبار دون انقطاع. و لما علم في أواخر سنة اثنتين و ثمانمائة بعزم تيمور علي السفر إلي سيواس توهم أن سوف يسد عليه طريق الروم و أن مصر و الشام في اضطراب و تشوش، و أن السلطان برقوق قد توفي فخشي أن يقطع عليه طريقه فذهب توّا إلي بلاد الروم مع قرا يوسف و أخذ أهله و أولاده و أمواله و نفائسه فترك بغداد إلي وال يدعي (فرجا) كذا في الغياثي و في كلشن خلفا، و أما في روضة الصفا فقد جاء اسمه (فرخ) بتشديد الراء و تكرر مرارا و هو اسم أعجمي و التسمية به معروفة …

و هذا دامت إمارته علي بغداد إلي حين مجي ء الأمير تيمور و افتتاحه لها …

و جاء في الأنباء: «في شوال (سنة

802 ه) بلغ أهل بغداد عزم تيمور لنك إلي التوجه إليهم ففر أحمد سلطانها، و استنجد بقرا يوسف فأخذه و رجع إلي بغداد و تحالف علي القتال، و أعطاه مالا كثيرا، فأقام عنده إلي آخر السنة، ثم توجه هو و قرا يوسف إلي بلاد الروم قاصدين أبا يزيد بن عثمان … فوصل اللنك إلي قراباغ في شهر ربيع الأول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 258

و قصد بلاد الكرج فغلب علي تفليس، ثم قصد بغداد فبلغه توجه أحمد و قرا يوسف إلي جهة الشام، و قصد بلاد قرا يوسف فعاث فيها و أفسد، و بلغ قرا يلك حال اللنك … فسار إليه و وقف في خدمته كالدليل، و عرفه الطرقات، و استقر في جملة أعوانه فدخل اللنك سيواس عنوة فأفسد فيها عسكره علي العادة و خربوا فرد آخر السنة؛ و قد كثر اتباعه من المفسدين …» ا ه.

و هنا نري صاحب الأنباء كرر المباحث و خلط فيها بين حوادث هذه السنة و التي بعدها فصرنا نشاهد البحث و قد سبق منه الكلام عليه …

حوادث سنة 803 ه- 1400 م

دخول تيمور بغداد:

و هذه المرة الثانية التي دخل بها تيمور بغداد. قال الغياثي: و كان يوم السبت 26 ذي القعدة لسنة 803 ه بخلاف كلشن خلفا فإنه عين دخول تيمور عام 802 ه و كان قد تركها السلطان أحمد و تفصيل الخبر أن السلطان أحمد بعد أن ذهب إلي مصر عاد إلي بغداد و حينئذ فر واليها الخواجة مسعود بالوجه المذكور فدخلها و دام حكم السلطان أحمد فيها إلي سنة 801 ه فتركها إلي الوالي فرج و ذهب إلي ييلديرم بايزيد سلطان العثمانيين و في هذه الأيام وافي تيمور لاستعادة بغداد و انتزاعها

من أميرها المذكور …

حاصرها الأمير تيمور بنفسه و معه الأمير زاده سلطان خليل و الشيخ نور الدين و رستم طغا فأحاطوا بها و لم يبالوا بمناعتها فدخلوها … أما الأمير فرج فإنه لم يجد مخلصا، و سدت السبل في وجهه فلم يستطع الدفاع فركب السفن هو و أهله و ذهب إلي أنحاء البصرة … و بينما هو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 259

كذلك إذ ألقي المغول القبض عليه … و حينئذ توجه الجيش نحو بغداد و قتلوا الأهلين قتلا عاما؛ فكان المصاب عظيما لا يستطيع البيان أن يعبر عن بعضه فلم يجد القوم ملجأ، و عاث فيهم التتر فلم يبقوا و لم يذروا، و دمرت الآثار العباسية و زالت بقاياها من البين، و دثرت الجوامع و خربت المساجد، و بلغ الظلم و القسوة حدهما. و دام البلاء و الفتك لمدة أسبوع ثم كف عن القتل …

و الحاصل صارت بغداد في قبضته و أضاف إليها الجزائر و البصرة و ولي إمارتها إلي ميرزا أبي بكر بن ميران شاه و ذهب هو إلي بلاد الروم (المملكة العثمانية).

و جاء في تواريخ عديدة أن تيمور بعد أن عزم إلي الروم ثني عزمه إلي الشام فسخرها و رجع إلي قلعة آلنجق (النجا) و كان لها عشر سنوات محصورة فتوقف هناك حتي سخرها و قتل سيدي علي الأوغل شاهي الذي كان بها و أرسل جيشا إلي بغداد فامتنعت عليه و وقع الحرب بين أميرها فرخ و بينهم و جاء أمير علي قلندر من البندنيجين و غيره من الأمراء الآخرين و عبروا دجلة من قرب المدائن و سار فرخ شاه من الحلة و ميكائيل من السيب فالتقوا جميعا عند صرصر و

اجتمع معهم مقدار ثلاثة آلاف فارس فوقعت المعركة بينهم و بين الجغتاي حوالي عمارة أمير أحمد فانكسر الجيش العراقي … إلا أن الأمير فرخ لم يسلم المدينة و حاصر فيها و طلب أن يجي ء الأمير تيمور بنفسه فبعث المغول بالخبر إلي تيمور فتوجه إليهم بنفسه من طريق آلطون كبري و چمچمال و شهرزور فجاء إلي بغداد فلم يصدق الأمير فرخ و أصر علي الدوام بالحرب. و ليعتقد الأمير فرخ بصحة وجود تيمور جاءهم الشيخ بشر من الصلحاء في الأعظمية فخاطب أكابر الأهلين في بغداد الحاضرين علي السور فحلف لهم أن هذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 260

هو تيمور بعينه فكذبوه و شتموه و رموه بالنشاب..

فلما شاهد تيمور ذلك الحال نزل بعساكره إلي قرية العقابية و هناك نصب جسرا و مضي لجانب الرصافة فضيق الخناق و حاصر بغداد لمدة أربعين يوما فملّ الناس الحرب و ضجروا من فقدان المأكول و امضّ بهم الحر … فتركوا الحصار و دخل الجغتاي من برج العجمي و عاثوا في المدينة فقتلوا الأهلين تقتيلا فظيعا فهلك أكثر الناس … و من الأمراء المعروفين الذين جاؤوا معه أمير زاده خليل سلطان و من القواد أصحاب لقب (نويان) أمير شيخ نور الدين و رستم طغاي بوقا و الأمير زاده شاه رخ و الأمير سليمان شاه و أمير زاده رستم و أمير شاه ملك و برندق و علي سلطان و غيرهم من أمراء التومان الآخرين.

أما الأمير فرخ فإنه ركب سفينة مع بعض أهله و خواصه إلا أنه تمكن الجغتاي من قتله فلم ينج منهم …

ثم إن تيمور بعد أن فرغ من قتل الناس انتشر قومه في البلد فأحرقوا الدور و أخربوا المدارس و

العمارات …

و جاء في روضة الصفا أن فتح بغداد كان بعد محاصرة دامت أربعين يوما يوم السبت 7 ذي القعدة لسنة 803 ه و قتل خلق لا يحصي و اتخذت من رؤوسهم منارات و خرج منها في العشرة الأولي من ذي الحجة إلا أنه لم يصل إلي العلماء منه ضرر … و من هناك زار مشهد الإمام موسي الكاظم (ر ض) و مضي إلي الحلة فزار مشهد الإمام علي (ر ض) و قضي نحو عشرين يوما تثبيتا للسطوة و السيطرة علي تلك الأنحاء و علي واسط و تجمع إليه علماء العراق و آذربيجان و غيرهم و كانت مجالسه مشغولة بالمناظرات العلمية و ما ماثل.. و نري التفصيلات عن دخوله و إقامته بالعراق و فتحه و ذهابه في تاريخ روضة الصفا موافقة للغياثي و هي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 261

هماي و همايون- لوحة 3- التصوير في الإسلام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 262

أولي بالأخذ لتعيينها أوقات حركته و علي كل دامت حروبه من أواخر سنة 802 ه إلي هذا التاريخ … فذهب متوجها إلي الروم …

قال في الشذرات عن وقعة بغداد:

«ثم سار علي بغداد و حاصرها أيضا حتي أخذها عنوة يوم عيد النحر من هذه السنة (سنة 803 ه) و وضع السيف في أهلها و ألزم جميع من معه أن يأتي كل واحد منهم برأسين من رؤوس أهلها فوقع القتل حتي سالت الدماء أنهارا و قد أتوه بما التزموه فبني من هذه الرؤوس مائة و عشرين مئذنة ثم جمع أموالها و أمتعتها و سار إلي قراباغ فجعلها خرابا بلقعا …» ا ه.

و قد بالغ أيضا صاحب الدر المكنون في قتلي بغداد علي يد

تيمور فقال إنهم تسعون ألفا و لعله و غيره أرادوا التهويل منه و التنفير من عمله … كما بالغوا و هولوا بوقائع هلاكو و قتلي البغداديين عنها تخويفا للناس و اهتماما بأنفسهم أن ينالهم ما نال أولئك بغرض التأهب للطواري ء و الاستماتة في الدفاع إذ لا وراء ذلك إلا الموت.. و قد نقل ابن جزي قال:

«أخبرنا شيخنا قاضي القضاة أبو البركات ابن الحاج أعزه اللّه قال سمعت الخطيب أبا عبد اللّه بن رشيد يقول لقيت بمكة نور الدين بن الزجاج من علماء العراق و معه ابن أخ له فتفاوضنا الحديث فقال لي:

هلك في فتنة التتر بالعراق أربعة و عشرون ألف رجل من أهل العلم و لم يبق منهم غيري و غير ذلك و أشار إلي ابن أخيه». ا ه من رحلة ابن بطوطة. و في هذا ما فيه و قد ذكرنا علماء العراق هناك و بذلك إبطال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 263

لقول ابن الزجاج فلا تزال المدارس آهلة و العلماء علي أوضاعهم و في أيام الفتن جمع مال وافر إلي الأقطار الإسلامية الأخري … فلا يعول علي النشرات و الإذاعات أيام الحروب و وقت الفتن إلا بتروّ و توثق من صدق الخبر …

قال في الأنباء: «و في شوال (هذه السنة) كان تيمور لنك وصل ماردين.. و أرسل من عنده رسولا في خمسة آلاف نفس إلي بغداد يطلب من متوليها مالا كان وعد به … فلما وصل الرسول ورآه أهل البلد في قلة طمعوا فيه فقتلوا غالب من معه فأرسل الرسول إلي تيمور لنك يطلب منه نجدة فتوجه نحوه بالعساكر فوصل في آخر شوال فملكها و بذل فيها السيف ثلاثة أيام، ثم أمر أن

يأتيه كل فارس من عسكره برأس فشرعوا في قتل الأسري حتي أحضروا إليه مائة ألف رأس فبناها مواذن أربعين، ثم أمر بنهب الحلة فنهبوا و خربوا بعد أن أمر بخراب بغداد» ا ه.

وفيات
1- جلال الدين الشيرازي:

عرف بجلال الدين الشيرازي و اختلف في اسمه فقد ذكر صاحب الشذرات أنه أسعد بن محمد بن محمود الشيرازي الحنفي، و في الضوء اللامع سماه (أسدا)، و في الأنباء (أحمد) و الظاهر تغلب عليه اللقب.

قدم بغداد صغيرا فاشتغل علي الشيخ شمس الدين السمرقندي في القرآن و في مذهب الحنفية، ثم حضر مجلس شمس الدين و قرأ عليه البخاري … و جاور بمكة سنة خمس و سبعين و كان يقري ء ولديه و يشغلهما بشغل في النحو و الصرف و غيرهما و درس و أعاد و حدث و أفاد و كانت عنده سلامة باطن و دين و تعفف و تواضع، يكتب خطا حسنا و ولي آخر أيامه إمامة الخانقاه السميساطية بدمشق و مات بها في جمادي الآخرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 264

و قد جاوز الثمانين.

«… و ارتحل بسبب الفتنة اللنكية في سنة 795 ه عن بغداد إلي دمشق فأقام بها بعد زيارته القدس و الخليل حتي مات عن نيف و ستين أو سبعين و دفن بظاهر دمشق …» ا ه.

2- عز الدين أبو أحمد الشاعر العراقي:

و توفي عز الدين الحسن بن محمد بن علي العراقي المعروف بأبي أحمد الشاعر المشهور نزيل حلب، قال ابن خطيب الناصرية: كان من أهل الأدب و له النظم الجيد، و ينسب إلي التشيع … و كان يجلس مع العدول للشهادة بمكتب داخل باب النيرب و من نظمه:

و لما اعتنقنا للوداع عشية و في كل قلب من تفرقنا جمر

بكيت فأبكيت المطي توجعا و رق لنا من حادث السفر السفر

جري در دمع أبيض من جفونهم و سالت دموع كالعقيق لنا حمر

فراحوا و في أعناقهم من دموعنا عقيق و في أعناقنا منهم در

و له مؤلف سماه (الدر النفيس

في أجناس التجنيس) أوله:

لو لا الهلال الذي من حيكم سفرا ما كنت أنوي إلي مغناكم سفرا

و لا جري فوق خدي مدمعي دررا حتي كأن جفوني ساقطت دررا

يا أهل بغداد لي في حيكم قمر بمقلتيه لعقلي في الهوي قمرا

يشتمل علي سبع قصائد في مدح البرهان ابن جماعة و له عدة قصائد في مدح النبي صلي الله عليه و سلم مرتبة علي حروف المعجم و توفي بحلب في سابع المحرم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 265

3- عبد الجبار بن عبد اللّه الخوارزمي:

من علماء تيمور و كان معه في حروبه، قدم حلب معه في ربيع الأول سنة 803 ه. و دخل معه دمشق، ثم بلاد العجم فمات هناك في ذي القعدة من هذه السنة. و كان عالم الدشت، و هو موصوف بالفضل و الذكاء، و يقال إنه معتزلي. و كان إماما بارعا متفننا في الفقه و الأصلين و المعاني و البيان و العربية، انتهت إليه الرياسة في أصحاب تيمور بحيث كان عظيم دولته، و كان يباحث العلماء، و لديه فصاحة بالعربية و العجمية و التركية و ثروة و حرمة. كل ذلك مع تبرمه من صحبة تيمور بل ربما نفع المسلمين عنده، و لكن في الأغلب لا تسعه مخالفته.

قال المقريزي: كان من فقهاء تيمور الحنفية و هو معه علي عقيدته و سمي أباه نعمان بن ثابت.

حوادث سنة 804 ه- 1401 م

السلطان أحمد و قرا يوسف في العراق:

جاء في كلشن خلفا: «و بعد ذهاب الأمير تيمور إلي مملكة الروم (الأناضول) وافي قرا يوسف إلي العراق مرة أخري و جمع هناك جموعا عند نهر العلقمي قرب الحلة و عقد همته لمقارعة آل تيمور … و لما سمع الميرزا أبو بكر و من معه من الأمراء بادروا لدفع غائلته و سد الطرق في وجهه فلم ينل مأربا و رجع بخفي حنين بل بخيبة تامة. و من ثم تخلص العراق لآل تيمور.

و هنا نري الوقعة التي نقلها صاحب كلشن خلفا جاءت مجملة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 266

بالنظر للنصوص التاريخية الأخري كما أن التاريخ الغياثي جاءت فيه الوقعة مبتورة و إن كان نقلها من روضة الصفا و علي كل يفهم من مراجعة هذه النصوص خروج تيمور من بغداد و توجهه إلي تبريز كان في أوائل ذي الحجة لسنة 803 ه و

قد مضي القول عنه فلما علم السلطان أحمد و قرا يوسف اللذان كانا قد هربا إلي الروم أن تيمور قد عزم علي الذهاب إلي بلاد الروم و تأهب لمقارعة السلطان ييلديرم بايزيد عادا و جاءا من طريق قلعة الروم علي شاطي ء الفرات إلي هيت و من هيت عبر السلطان أحمد إلي بغداد فاستعاد بغداد و جمع ما تمكن عليه من أمرائه المشتتين في الأطراف و استقر بها فوجدها خاوية فاشتغل بعمارتها و زراعتها … و لما سمع تيمور هذا الخبر و هو في تبريز أمر بالعساكر أن تتوجه نحو بغداد و سير أمير زاده أبا بكر و أمير جهانشاه و آخرين غيرهم فضبطوا الدروب و في ليلة السبت 8 رجب سنة 804 ه وصلوا بغداد علي حين غفلة بحيث إن السلطان أحمد أصابه الارتباك و الاضطراب و العجلة فلم يتمكن من لبس ثيابه بتمامها و إنما رمي بنفسه إلي سفينة فعبر إلي الجانب الغربي و كان ولده السلطان طاهر هناك فتوجه معه و جماعة معدودة من أمرائه إلي صوب الحلة ركبوا خيلا جردا. أما عسكر تيمور فإنه كان منهوك القوي من السير و الغارة المستمرة فتوقفوا تلك الليلة ببغداد و في الصباح سار الأمير جهانشاه إلي الحلة فرأي الجسر مقطوعا و السلطان قد رحل إلي جزيرة خالد و مالك فتوقف الأمير جهان شاه في الحلة و أرسل قاصدا إلي تيمور لعرض الحالة إليه و من ثم توارد الأمراء الآخرون من الأنحاء الأخري و جاؤوا من مواطن مختلفة فنهبوا و سلبوا و غنموا غنائم لا حد لها و قضوا علي كل من كانوا يرتابون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 267

منه و عاد بعض هؤلاء الأمراء

… و استقرت بغداد تحت إدارة تيمور …

إن الذي أوقع المؤرخين في الغلط هو أنه كانت حدثت وقعة مماثلة أو مقاربة لهذه كما سيجي ء التفصيل عنها فاشتبه الأمر في حين أن هذه الوقعة جرت قبل أن يذهب إلي بلاد الروم و يقارع السلطان ييلديرم بايزيد …

الحروفية و نحلتهم
فضل اللّه الحروفي:
اشارة

«فضل اللّه بن أبي محمد التبريزي أحد المتقشفين من المبتدعة.

كان من الاتحادية ثم ابتدع النحلة التي عرفت ب (الحروفية) فزعم أن الحروف هي عين الآدميين إلي خرافات كثيرة لا أصل لها، و دعا اللنك إلي بدعته فأراد قتله فبلغ ذلك أمير زاده (ميران شاه) لأنه فر مستجيرا به فضرب عنقه بيده و بلغ اللنك فاستدعي برأسه و جثته فأحرقها في هذه السنة (804 ه). و نشأ من أتباعه واحد يقال له نسيم الدين (نسيمي) فقتل بعد ذلك و سلخ جلده في الدولة المؤيدية سنة 821 ه بحلب.» قاله في أنباء الغمر. و قال صاحب الضوء و أظنه هو (فضل اللّه أبو الفضل الاسترابادي العجمي) و اسمه عبد الرحمن و لكنه إنما كان يعرف بالسيد فضل اللّه حلال خور أي يأكل الحلال كان علي قدم التجريد و الزهد..

مع فضيلة تامة و مشاركة جيدة في علوم و نظم و نثر. و حفظت عنه كلمات عقد له بسببها مجالس بكيلان و غيرها بحضرة العلماء و الفقهاء ثم مجلس بسمرقند حكم فيه بإراقة دمه فقتل بالنجا من عمل تبريز سنة 804 ه و كان له مريدون و أتباع في سائر الأقطار لا يحصون كثرة متميزون بلبس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 268

اللباد الأبيض علي رأسهم و بدنهم و يصرحون بالتعطيل و إباحة المحرمات، و ترك المفترضات و أفسدوا بذلك عقائد جماعة من

الجغتاي و غيرهم من الأعاجم. و لما كثر فسادهم بهراة و غيرها أمر القاءان معين الدين شاه رخ بن تيمور لنك بإخراجهم من بلاده و حرض علي ذلك فوثب عليه رجلان منهم وقت صلاة الجمعة و هو بالجامع و ضرباه فجرحاه جرحا بالغا لزم منه الفراش مدة طويلة استمر به حتي مات و قتل الرجلان من وقتهما شر قتلة. و هو في عقود المقريزي.

و هذا من أشهر دعاة الباطنية في القرن الثامن الهجري، ظهر بثوب آخر من الإبطان بل وسع ناحية من نواحي معتقد الباطنية و هي «طريقة الحروفية» فقد برع فيها، و أطنب في تفسيرها، و جاهر بها بحيث دعا إلي لزوم إغفال الأحكام الشرعية فأول الآيات و صرفها عن معناها بوجه آخر غير ما ركن إليه الغلاة أو بالتعبير الأصح جاهر بما لم يستطيعوا المجاهرة به..

و من المؤكد أن هؤلاء لم يكونوا مسلمين و إنما دعوا إلي طريقة رأوها الأصلح في الإفساد فجربوها و نجحت عندهم و هي طريقة التأويل الذي لا يحتمله اللفظ، و لا تقارب بين الأصل و المعني الذي قرروه، فعرفت مطالبهم، و كشف العلماء عن حقيقة نحلتهم.. فهم من غلاة المتصوفة و عرفوا (بالحروفية) …

و كانت نوايا هؤلاء الباطنية- كغيرهم من نوعهم. هدم الديانة الإسلامية إلا أنهم رأوا المجابهة بالإنكار و المعارضة بالنقد، أو إعلان محاربة رجاله … غير مقدور لهم، و جربوه بتجارب عديدة فلم يولد نتيجة حسنة لما يتطلبونه بل رأوا معارضة شديدة؛ و نالتهم نكبة قاسية من جراء ما قاموا به فعادوا بالخيبة و الخذلان و من ثم ركنوا إلي ما ركنوا إليه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 269

و لم يكن يهمنا البحث و

التوسع في هذه الناحة لو لا أن صاحب كتاب النواقض تعرض لداعيتهم هذا فقال: «و أما أمر فضل اللّه الاسترابادي فإنه جاور النجف مدة عشرين سنة … و لم يحصل منه ما يدل علي أنه من زمرة المسلمين في الصفاء …» ا ه. فهل تلقي نحلته هنا أو أنه جاء لبثها، أو كانت لها علاقة بالإسماعيلية و هم يترددون إلي مشهد الإمام علي (ر ض) فاتصل بهم …؟ مما دعا للتفكير في شأنهم و التتبع لآثارهم خصوصا بعد أن علمنا أن نسيمي البغدادي من تلامذة فضل اللّه الحروفي و في آثار فضولي و روحي البغدادي ما يشير إلي أنهما من هؤلاء … فعلاقة نحلته بالعراق و إن كانت ضعيفة إلا أنها تستحق التدقيق و تستدعي النظر.. فلم يخل العراق من دخول عقائد متنوعة يستهوي اتباعها الناس بضروب مختلفة، تارة من طريق الآداب الفارسية، و طورا من ناحية الشيعية و باسمها في وقت أن العقيدة الشيعية معروفة و منتشرة بين ظهرانينا … و آونة من ناحية التصوف و نحله الغالية..

و هكذا مضوا في تطبيق نهجهم و ساروا في عملهم دون أن يعتريهم كلل، أو ينالهم ملل …

و لا نتجاوز حدود موضوعنا. فهذه النحلة لم تلبث أن دخلت في نحلة التصوف المعروفة ب (البكتاشية) و توثقت العلاقة بين الحروفية و البكتاشية لحد أن صار يعد الواحد مرادفا للآخر … و بعد استيلاء العثمانيين دخلت البكتاشية بغداد و رؤساؤهم حروفية قطعا …

و للمترجم مؤلفات حصلت علي مكانتها عندهم:

1- جاودان كبير:

اشتهر المترجم بكتابه هذا و هو جاودان كبير فكان أساسا لغيره بحيث صار كل كتاب من كتبهم المعتبرة يسمي جاودان و كتاب فضل اللّه ينعت بجاودان كبير، و الأخري المعتبرة

تسمي بجاودان أيضا و هي نحو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 270

ستة كتب و لا توصف بكبير. قال في كشف الظنون عن جاودان كبير «فارسي، منثور، ألفه في مذهبه و هو متداول بين الطائفة الحروفية» ا ه.

و لأول مرة رأيت منه نسخة مخطوطة في مكتبة فاتح في استانبول برقم 3728 و كان قد ترجمه إلي التركية درويش مرتضي البكتاشي إلا أن هذه الترجمة لا توافق أصلها تماما. ثم حصلت علي نسختين من الأصل مخطوطتين. و هذا من الكتب التي لا يبيحون مطالعتها لكل أحد و إنما هو محرم علي غيرهم. و المؤلفات الأخري توضيح أو إجمال لمطالبهم و سائر ما يرمون إليه. يأخذ بعض الآيات و يفسر حروفها و لا يتيسر الاطلاع علي إشاراته ما لم يعرف مفتاحه لحل رموزه.

2- عرفنامه:

ذكرها صاحب كشف الظنون و قال هي «للسيد جلال الدين فضل اللّه عبد الرحمن الاسترابادي …» ا ه و لم أرها. و القوم يحتفظون بآثار رئيس نحلتهم و يتهالكون في صيانتها.

3- عرشنامة. له:

و مما يلفت الأنظار أن غالب ملائية الصبيان كانوا منهم، و القول «بفضل بسم اللّه الرحمن الرحيم» من تأثيراتهم الباقية، و شاراتهم المعروفة … يلقنونها للناس بطريق الإيهام و التعمية … و من تلامذة المترجم نسيمي البغدادي و سنتعرض لترجمته في حينها. و عندي ديوانه مخطوطا. و من بين تلامذته من نال المكانة الرفيعة في بلاد الترك (علي الأعلي) و له اسكندرنامه و عرشنامه و محبتنامه …

و لا نجد تعريفا وافيا برجال نحلتهم في مختلف العصور بصورة منتظمة و ترتيب صحيح إلا أن المعلوم من مشاهيرهم يبصر نوعا بأوضاعهم.. و دراستهم ملازمة لدراسة الطريقة البكتاشية و هي التي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 271

أسسها بكتاش ولي الخراساني الأصل من مدينة نيسابور و كان أخذ الطريقة في خراسان عن شيخ لقمان. و في أوائل القرن الثامن الهجري جاء مهاجرا إلي الروم فاشتغل في الإرشاد في الأناضول، و أن السلطان أورخان غازي العثماني زاره فدعا له و هو الذي وضع اسم الينكچرية (الانكشارية) لجيشه و انتزع كم خرقته و وضعه علي رأس الينكرية فصار معتادا لهم وضع ما يشبه الكم في رؤوسهم … توفي أيام السلطان أورخان و دفن بجوار قير شهري … و الرسوم الموجودة ليست من وضعه و إنما ابتدعها درويش يقال له (باليم سلطان) و صار في الحقيقة هو المؤسس لهذه الطريقة …

و عندنا في المثل العامي (شايل قزان بكتاش) لمن يتحمل أمرا عظيما غير ملتزم بتحمله …

و من كتبهم الموجودة عندي

مخطوطة:

1- جاودان كبير.

2- كشفنامه محيطي دده.

3- قسمتنامه محيطي بابا.

4- ديوان محيطي.

5- كتاب ويراني.

6- ديوان ويراني.

7- كرسي نامه علي الأعلي.

8- ذره نامه سيد شريف.

9- قيامتنامه علي الأعلي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 272

10- محشر نامه. للأمير علي.

11- مجموعه كلشني و نسيمي.

12 و 13- فيضنامه و رسالة أخري لم أعرف اسم مؤلفها.

14- ديوان نسيمي.

15- مبدأ و معاد.

16- مناقب بكتاش ولي.

أما الكتب المطبوعة فغالبها دواوين. و من أهم الكتب للتعريف بنحلتهم و بيان دخائلهم كتاب (كاشف أسرار بكتاشيان) لاسحق أفندي و هو مطبوع فيه تتبع مهم و افتضاح لهذه الطائفة. و من رسائلهم الأصلية بعض الكتب التي نشرت مصدرة بمقالة للدكتور الفيلسوف رضا توفيق و كليمان هوار … و فيها بيان للموجود في المكتبات المعروفة …

و من كتبهم:

1- بشارتنامه لرفيعي.

2- عشقنامه لابن فرشته (ابن ملك).

3- آخرتنامه. له.

4- وحدتنامه لمقيمي.

5- حقيقتنامه.

6- اطاعتنامه. لكمال السنائي.

7- حقايقنامه أو مقدمة الحقائق.

8- رساله فضل اللّه.

9- تحفة العشاق.

10- رساله بدر الدين.

11- رساله نقطه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 273

12- رساله حروف.

13- ترابنامه.

14- اسكندر نامه.

15- محبتنامه.

16- استوانامه.

17- هدايتنامه.

18- محرمنامه.

19- ولايتنامه.

و من مشاهير رجالهم خليفة اللّه علي الأعلي الشيخ أبو الحسن، و أمير غياث الدين، و كمال سنائي؛ و حسن حيدر، و سيد شريف، و ويران ابدال، و ابن فرشته و هو عبد المجيد. و من رجالهم بابا نديمي و ترجمته في تذكرة سهي و من شعره:

فلكك يازدي چاق بروجنده كه دونه م بن دخي براوجنده

نه زكاتن ايده م طمع مالك نه نمازكده، نه اوروجكده

و الكلام في ذا يطول و قد يخرج بنا عما التزمناه و غاية ما أقول أن هؤلاء لا يختلفون عن غيرهم من الباطنية في إباحة المحرمات و ترك الواجبات و

حكاياتهم متداولة و هم من أهل الاتحاد و الحلول و أهم خصيصة لهم (فكرة الحروفية) و هي قديمة و يرجع عهدها إلي (سفر يصيرا) عند اليهود و هو سفر الخليقة شاعت عند الباطنية هذه الفكرة في مختلف عصورهم، و أكتفي أن أشير إلي مراجعة كتب ناصر خسرو، و الكتب التالية له من أهل نحلته، و أنقل النص التالي من «كتاب الفرق» قال:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 274

«قالوا في تفسير كلمة التوحيد التي هي «لا إله إلا اللّه» إنها بتكرارها اثنا عشر حرفا و أربع كلمات و صوروها منفردة (لا إلاه إلا الاه) فصارت اثني عشر حرفا و إذا كانت بغير تفصيل كانت سبعة أحرف و صوروها هكذا (لا إله إلا اللّه) قالوا و هي دالة علي المنافذ السبعة التي برأس ابن آدم التي هي أيضا دالة علي النطقاء السبعة.. الخ» و أوضحوا وجه الدلالة و استنتجوا غرائب من شأنها أن تصرف الناس عن مفهوم الكلمة … و أولوا آيات كثيرة مثل حرمت عليكم الميتة و الدم.. بغير معناها، و كذا في إسقاط معني الزكاة، و إبطال الصيام، و الغرض من الحج و أولوا البعث، و أمورا أخري كالغسل و الوضوء … الخ.

أكتفي بهذا و لا محل للمقابلة بين نصوص الطائفتين …

حوادث سنة 805 ه- 1402 م

السلطان أحمد- بغداد:

إن ذهاب جيش الأمير تيمور إلي بلاد الروم (الأناضول)، و خلو العراق من قوة … مما ولد في السلطان أحمد أمل العودة فاستولي عليها مرة أخري فحكم بغداد و أنحاءها، و جعل ابنه السلطان طاهرا في الحلة و البقاع المجاورة لها … و أساسا في الوقعة السابقة لم يفارق السلطان العراق و إنما تجول في الأطراف البعيدة متخفيا و متربصا العودة.. فتم

له الأمر و سنحت له الفرصة … أما الأمير قرايوسف فإنه بقي في جهات هيت و الأقسام الشمالية من العراق يتجول فيها …

ثم إن السلطان أحمد أراد السفر إلي الحلة و كان فيها ابنه السلطان طاهر و في الأثناء ألقي القبض علي وزيره آغا فيروز فارتاب السلطان طاهر من ذلك و توهم أنه المقصود و تذاكر مع أمراء والده مثل محمد بك و أمير علي قلندر و ميكائيل و فرخ شاه. و هؤلاء لم يأمنوا غائلة السلطان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 275

أحمد فاتفق الكل علي لزوم القيام عليه و الخروج من طاعته فرفعوا الجسر و كسروا المياه في منتصف الليل و اتخذوا الأهبة … فعلم السلطان أحمد بما وقع و شاهد التدابير المتخذة فوقف مكانه و نصب خيامه تجاه جيش ابنه و لما خشي أن يقع خلاف مأموله أرسل قاصدا إلي الأمير قرايوسف و التمس منه أن يوافيه و وعده بمواعيد …

و علي هذا سار قرا يوسف بجيش لجب مؤلف من تركمان و عرب و وافي السلطان أحمد فعبر هؤلاء جميعا النهر و مضوا إلي ناحية السلطان طاهر فتقابل الجيشان و شرعا في المعركة فكانت بينهما طاحنة جدا فظهر فيها الانكسار بجانب السلطان طاهر و أثناء هزيمته عثرت فرسه في نهر فوقع و مات … و نال الجيش غنائم وافرة و ربح قوم الأمير قرا يوسف الشي ء الكثير …

انتهت هذه السنة في الأثناء و دخلت السنة الجديدة.

أوضاع تيمور لنك:

إن الأمير تيمور لم يبق له منازع في الحقيقة إلا السلطان بايزيد (أبا يزيد) و كان كل واحد منهما يحاول القضاء علي الآخر، أو صدّ غائلته، فكانت المقارعة بينهما أليمة و قاسية جدا، و تعد من

أكبر الحروب العالمية آنئذ، و قد استعد لها كل واحد منهما بما لديه من قوة و ما استطاع من قدرة … فكانت نتيجتها الانتصار علي جيش الترك العثمانيين و أسر السلطان بايزيد و ولده موسي ثم موته … و كانت الوقعة حدثت في هذه السنة، و كان هولها كبيرا جدا …

و يقال إن بايزيد (أبا يزيد) أوصي الأمير تيمور بثلاث وصايا: أن لا يسفك دماء الروم (يقصد العثمانيين) فإنهم ردء في الإسلام، و أن لا يترك التتار بهذه البلاد فإنهم من أهل الفساد، و أن لا يخرب قلاع المسلمين و حصونهم فتتسلط الكفرة عليهم … فقبل وصيته في الأمور

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 276

التصوير في القرن الثامن- لوحة 4- التصوير في الإسلام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 277

الثلاثة و عمل حيلة قتل فيها غالب رجال التتار … و لعل هذه حكاية ما وقع ففسرت بوصية منه …

و علي كل اكتسب الأمير تيمور منتهي القدرة و السطوة، و عزم بعد هذه الوقعة علي حرب ممالك الصين فلم يمهله الأجل …

وفيات
1- سلمان البغدادي:

هو ابن عبد الحميد بن محمد بن مبارك البغدادي ثم الدمشقي، الحنبلي، نزيل القابون سمع من جماعة و كان عابدا خيرا، صوفيا بالخاتونية، مستحضرا للمسائل الفقهية علي طريقة الحنابلة، و لديه فضائل. مات في هذه السنة (805 ه) …

2- قاضي تيمور لنك:

في هذه السنة توفي حميد بن عبد اللّه الخراساني الحنفي قاضي تيمور لنك. مات بعد رجوعه من الروم …

حوادث سنة 806 ه- 1403 م

قرا يوسف- بغداد:

إن السلطان أحمد كان قد شعر بالخطر من هذه المساعدة، و أحس بنوايا الأمير قرا يوسف، و علم أنه المقصود بالذات، و أن الآمال موجهة عليه … ذلك ما دعاه أن يعود إلي بغداد توّا ليري تدبيرا، و يفكر في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 278

الخلاص من هذا المأزق.. إلا أن الأمير قرا يوسف لم يمهله و سار وراءه بسرعة فلم يتمكن من النجاة بحياته إلا بشق الأنفس. فدخل قرا يوسف بغداد و هرب هو ليلا، أخرجه منها امرؤ يقال له (قرا حسن) حمله علي كتفه و قطع به نحو خمسة فراسخ و في طريقه وجد بقرة ركبها السلطان أحمد و جاء بأسوأ حالة إلي تكريت. و كان هناك عمر الأويرات و هو أمير من جانب السلطان أحمد فأعد له ما استطاع من خيول.

و وصل إلي تكريت جماعة من الأمراء الذين تشتتوا مثل الشيخ مقصود، و دولت يار، و عادل و غيرهم … فاجتمعوا هناك و ساروا و السلطان إلي أنحاء الشام …

و جاء في تاريخ ابن أبي عذيبة أنه «في سنة 806 ه دخل السلطان أحمد بن أويس إلي حلب في صورة فقير هاربا إلي الشام فمسك حسب المرسوم بطلب السلطان أحمد من حلب إلي دمشق ثم ورد مرسوم آخر بإمساكه و الاعتقال عليه بها فمسك …» ا ه.

فاستولي قرا يوسف علي بغداد و بقيت بيده مدة إلا أن المؤرخين لم ينقلوا شيئا عن أعماله هناك … و إنما مضت و لا تزال في طي الغموض و الخفاء … إلي أن استعادها جيش تيمور …

الميرزا أبو بكر- بغداد:

أما الأمير تيمور فإنه كان في حروب خطرة و وقائع دموية جرت له مع السلطان ييلديرم بايزيد فلم يكن

يفكر في غيرها؛ و خلا الجوّ للسلطان أحمد و ابنه فعاد إلي بغداد و الحلة ثم جري ما جري بينهما و بين الأمير قرا يوسف و قد مضت حوادثه مع الميرزا أبي بكر … و لما عاد الأمير تيمور من حرب الروم ظافرا و سار إلي الكرج عام 806 ه بقصد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 279

الاستيلاء عليها و وصل تفليس فكر في هذه الأثناء في لزوم عمارة بغداد و إصلاح ما اندثر منها بسبب الوقعة المؤلمة عام 803 ه ففوض حكومتها إلي الميرزا أبي بكر و هذا سارع في الذهاب إليها.. و جاء أمير زاده أبو بكر إلي أنحاء الحلة، و وافي إليه الأمير زاده رستم من بروجرد و آخرون كان الأمير تيمور قد أرسلهم لمعاونة الميرزا أبي بكر فتوجهوا من ناحيتين إلي بغداد فقابلهم الأمير قرا يوسف و بجوار نهر الغنم قرب الحلة التقي الفريقان و كانت الحرب شديدة و المعركة طاحنة و قتل أثناء النضال أخو قرا يوسف و انهزم هو إلي أنحاء سورية … كما انهزم قبله السلطان أحمد …

أما الميرزا رستم فإنه رجع إلي فارس كما أن الميرزا أبا بكر وصل إلي بغداد فاستقر بها … و بناء علي رغبة الأمير تيمور في عمارتها بادر في القيام بالأمر، و شرع بما يلزم لإصلاح الحالة و لم يعلم بما قام به هذا الأمير إلي أن سمع بموت الأمير تيمور و استيلاء السلطان أحمد علي بغداد مرة أخري.

في هذه السنة نهض أمير العرب هذا علي قرا يوسف التركماني، فهرب منه قرا يوسف و جاء إلي الشام، فشفع فيه نائب الشام شيخ المحمودي الذي صار سلطانا بعد ذلك عند السلطان الملك الناصر،

فقبلت شفاعته، و استقر في الشام أميرا يركب في خدمة النائب.

ثم في شعبان أرسل الناصر كتابا إلي نائب الشام بقتل قرا يوسف، و قتل سلطان بغداد أحمد بن أويس أيضا و كان جاء أيضا عنده، فتوقف الأمير شيخ في ذلك، و عوق السلطان أحمد عنده بدار السعادة، ثم قيدهما و سجنهما ببرجين في قلعة دمشق، ثم هرب السلطان أحمد. و أما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 280

قرا يوسف فإن نائب الشام شيخ لما خامر علي السلطان الناصر و دخل القاهرة لمحاربته استصحب معه قرا يوسف أيضا مستعينا به، و هو الذي أشار علي شيخ و هم بمنزلة السعدية أن يكسرا بالليل علي الملك الناصر، و مع هذا لم يبلغوا مقصودهم منه و انكسروا و رجعوا و معهم قرا يوسف المذكور، ثم إنه رجع إلي بلاده، و عظمت حاله، و صار أكبر أعداء شيخ لما تسلطن و حصل منه الإفساد بهذه المملكة … (مجموعة تواريخ التركمان و فيها تفصيلات مهمة عن هذه الأيام و ما قبلها..).

وفيات
1- زين الدين العراقي:

هو الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم المهراني المولد العراقي الأصل الكردي الشافعي حافظ العصر قال في أنباء الغمر: ولد في جمادي الأولي سنة 725 ه و لازم المشايخ في الرواية و سمع من عبد الرحيم ابن شاهد الجيش و ابن عبد الهادي و علاء الدين التركماني و قرأ بنفسه علي الشيخ شهاب الدين ابن البابا و أدرك أبا الفتح الميدومي فأكثر عنه و هو من أعلي مشايخه إسنادا و سمع أيضا من ابن الملوك و غيره ثم رحل إلي دمشق فسمع من ابن الخباز و من أبي عباس المرداوي

و نحوهما و عني بهذا الشأن و رحل فيه مرات إلي دمشق و حلب و الحجاز و أراد الدخول إلي العراق ففترت همته من خوف الطريق و رحل إلي الإسكندرية ثم عزم علي التوجه إلي تونس فلم يقدر له ذلك و صنف تخريج أحاديث الإحياء و اختصره في مجلد … و نظم علوم الحديث لابن الصلاح و شرحها و عمل عليه نكتا و صنف أشياء أخر كبارا و صغارا و صار المنظور إليه في هذا الفن من زمن الشيخ جمال الدين الإسنائي و هلم جرا و لم نر في هذا الفن أتقن منه و عليه تخرج غالب أهل عصره و من أخصهم به نور الدين الهيتمي،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 281

دربه و علمه كيفية التخريج و التصنيف و هو الذي عمل له خطب كتبه و سماها له و ولي شيخنا العراقي قضاء المدينة سنة ثمان و ثمانين فأقام بها نحو ثلاث سنوات ثم سكن القاهرة و أنجب ولده قاضي القضاة ولي الدين. توفي عقب خروجه من الحمام في ثاني شعبان و له 81 سنة و ربع سنة. انتهي. باختصار.

وادث سنة 807 ه- 1404 م

أحمد بن أويس:

في ذي الحجة من هذه السنة هرب أحمد بن أويس من دمشق إلي جهة بلاده (أنحاء العراق) و كان النائب قد أطلقه من السجن فخشي من عوارض الزمان من جهة الدولة فهرب من دمشق بمن معه …

تيمور لنك في سمرقند- خطط حربية جديدة:
اشارة

في أول هذه السنة وصل اللنك إلي سمرقند، و استقبله ملوك تلك البلاد، و قدموا له الهدايا، و أمر بعد قدومه بتزويج ولده شاه رخ، و عمل له عرسا عظيما بلغ فيه المنتهي و راعي وصية ابن عثمان في التتار، فاستصحبهم معه في جملة العسكر إلي أن فرقهم في البلاد، و لم يجعل لهم رأسا فتمزقوا …

و هناك دبر خطة حربية جديدة فعزم علي الدخول إلي بلاد الخطا، فأمر أن تصنع له خمسمائة عجلة تضبب بالحديد، و برز في شهر رجب، و رحل إلي تلك الجهة فلما وصل إلي أترار فاجأه الأمر الحق فوعك، فاستمر في وعكه أياما، و لم ينجع فيه الطب إلي أن قبض يوم الأربعاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 282

17 شعبان و حمل إلي سمرقند.

وفاة تيمور لنك:

مات هذا الفاتح العظيم بعلة الإسهال القولنجي؛ و له 79 سنة، كان قد دوخ الممالك و أدهش العالم، و ملك أقطارا كثيرة، و عزم في آخر عمره علي الدخول إلي الصين فمضي في الشتاء فهلك من عسكره أمم لا يحصون، و هلك هو … و كان قد شغل العالم الإسلامي مدة في أيام اضطرابه، و حالة تعدد حكوماته، و لا يزال ذكر وقائعه تردده الألسن … فلا تقل أثرا في النفوس عن وقائع جنكيز و أخلافه أيام صولتهم و تمكن دولتهم …

و الغريب أن هذا الفاتح ترك وقعا في النفوس و أثرا في الأذهان يستحق الدرس و الاعتبار و يدعو للبحث و التنقيب، و المشروع الذي قام به كفاتح عظيم؛ و سياسي كبير محنك يهم أمر مطالعته كل أحد، و يجب الالتفاتة إليه برغبة زائدة لكل متفكر، و خاصة من يحاول إدارة مقدرات البلاد …

و

يختلف عن أكثر الأبطال غير أنهم غالب أحوالهم عادت خرافية، و صارت حوادث بطولتهم أساطيرية مخلوطة غثا بسمين … و هذا جاءت أخباره واضحة، و وقائعه مدونة، و آثاره مسجلة في تواريخ كتبت في أيامه، و بعده بقليل انتقلت إلينا من ثقات الرواة و في كل حروبه و غزواته لم يخل مجلسه من علماء، و لا من مباحث علمية و تاريخية …

و أكابر الرجال الذين أدركوا وقته بصروا بوقائعه؛ و قدروا عظمته، و نقل عنهم الرجال المشاهير بعض خصاله و مزاياه … فهو من الفاتحين الذين يحق للمرء أن يقف علي نزعاتهم في الفتوح و الطريقة التي مضوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 283

عليها في إدارة الممالك للحصول علي المعرفة، و الاستفادة مما قام به بحيث كان النصر حليفه في غالب مواقفه.

خلف هذا الفاتح في كل قطر من الأقطار التي افتتحها أثرا من آثار عظمته و ظاهرة من ظواهر قدرته … و قد التزمنا الإجمال في تاريخ حياته لنلم بنوع من نهجه إلماما توضيحا لما قدمنا من بعض وقائعه في العراق …

أحوال الأمير تيمور
تيمور لنك: (حياته)

إن تاريخ الرجل العظيم هو في الحقيقة ما قام به من الأعمال الكبري، و ما أحدثه من دوي في هذه الحياة و تظهر عظمة مترجمنا بما زاوله من الأعمال و المشاريع، أو ما اختطه من المناهج … ليسير بها البشرية كما شاء … لا من ناحية تولده، و الطالع الذي صادفه، و لا من البيئة التي برز فيها، و لا من القوم الذين عاش معهم … فكان من الغلط الاعتماد علي المجتمع، أو المحيط، أو الطقس و تفاعلاته و الألزم أن يظهر للوجود دائما أمثال هذا العظيم في حين أن الأمم لا

تستطيع أن تعد من نوابغها الأفذاذ إلا القدر اليسير … و غاية ما يمكن تلقيه من البيئة أنه استفاد من الأوضاع و ربح من الظروف … و لو لم يجدها لأوجد أمثالها، و أبدع نظائرها … ذلك ما دعانا أن نجمل القول في ماضيه قبل ظهوره كفاتح، و أن نراعي خطته التي نهجها؛ و ما يتراءي من خطيئات أو أغلاط مما شعر به نفسه، أو ما عرف في نتائج التجارب الحياتية لفاتحين كثيرين …

يقص علينا أهل الأخبار أن المترجم من ذرية تومنه خان، من ملوك المغول القدماء، حكم علي قبائل نيرون سنين عديدة؛ و كان له من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 284

الأولاد تسعة. و من كل من أولاده تفرعت القبيلة و القبيلتان، أو الثلاث، و الأربع … و أن من أولاده (قابول) و (قاجولي) قد وضعتهما أمهما توأمين كما أن هؤلاء ثالث البطون من أولاده و أن أحدهما (قاجولي) صار له ابن اسمه ايرومجي أو (ارده مجي) بارلاس و أن القبيلة المعروفة باسم (بارلاس) تفرعت منه … و أن الأمير تيمور من هذه القبيلة. و معني (بارلاس) في لغة المغول (القائد).

و تيمور يعرف ب (تيمور لنك) و (تيمور كوركان) و (اقساق تيمور) … و هو ابن تاراغاي و يلفظ (طراغاي) و (طوراغاي) أيضا و ساق صاحب وقائع تاريخية و هو الفريق حافظ إبراهيم باشا نسبه أنه تيمور بن طوراغاي بن أمير يركل بن الشكر بهادر. و «أمه تكين خاتون من آل جنكيز. ولد يوم الثلاثاء 25 شعبان سنة 736 ه في مدينة كش من بلاد ما وراء النهر (في قرية خواجة ايلغار). و كان والده تابعا للسلطان غازان ملك الترك و ما وراء

النهر. و قد أطنب المؤرخون في بيان ما وقع أيام ولادته أو ما شوهد في يده من دم … و يقصدون إلفات الأنظار من طريق أساطيري إلي عظمته من صغره مما لا يهم كثيرا في التطلع علي أحواله إلا أنه من صغره كان مولعا في الألعاب التي من شأنها أن تكون فيها أمرة و سيطرة و إدارة ليتولي القيادة و يدبر شؤون رفقائه خصوصا التي هي بشكل حربي … لحد أن قيل إنه كان يشعر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 285

بذلك و أن رؤيا بعض أجداده أشارت إلي ظهوره … و كان في أوائل أيامه يمرن نفسه علي الركوب و استعمال الأسلحة و التصيد مستمرا …

و لما بلغ العشرين أو تجاوزها صار يزاول الحروب و يشترك في شؤونها … و في أيام فراغه يميل إلي المطالعة و مجالسة العلماء فلا يدع وقته يمضي هباء.. و علي كل ظهر في الخامسة و العشرين من سنه و اشتهر أمره في الشجاعة …

و كانت أحوال ما وراء النهر آنئذ من الاضطراب و الاختلال ما يضيق القلم عن تبيانه و ذلك من أمد ليس باليسير فإن ملك الجغتاي (غازان خان) كان قد قتله الأهلون لما رأوا من جوره و استبداده، و كذا لم يقف الأمر عند ذلك و إنما قتل ثلاثة آخرون من أخلافه … و من ثم افترقت المملكة إلي أمراء عديدين كل صار يتولي إمارة ناحية من تلك المملكة … و يحارب بعضهم البعض و يتنازعون السلطة.

و في هذه الأثناء أعلن (طغلوق تيمور) خانيته علي الجغتاي و هو من أحفاد جنكيز خان و الأولي بمملكة ما وراء النهر فأراد القضاء علي الأمراء المتعددين هناك، المتحاربين دائما

فساق جيوشه عليهم إلي ما وراء النهر فخاف أكثر هؤلاء الأمراء و فروا إلي خراسان عام 761 ه.

أما تيمور فإنه لم يهرب و إنما وافي إلي قائد الجيش و تكلم معه أن يفاوض طغلوق تيمور خان في إشراكه معه في حروبه فوافق و ولاه قيادة عشرة آلاف أي صار (نويانا) ثم ولي قيادة ما وراء النهر برضي من (طغلوق تيمور) …

ثم ظهر الأمير حسين من أحفاد أحد الأمراء القدماء في ما وراء النهر و صار يدعي السلطنة فأقام زعزعة الحروب هناك فاضطر (طغلوق تيمور) أن يسير عليه جيشا عام 762 ه فانتصر علي الأمير حسين و اكتسح مملكته و أجلس ابنه (الياس خواجة) في حكومة ما وراء النهر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 286

و جعل الأمير تيمور وزيره و قائده.. إلا أن تيمور لم يرض بأعمال الياس خواجة و نقم عليه أمورا كثيرة ذلك ما دعاه أن يميل إلي (الأمير حسين) و هو صهره تزوج تيمور بأخته … و من هناك تولد العداء فساق الياس خواجة جيشا عليهم فتأهبوا له و قابلوه فتمكنوا من طرد جيشه إلي خارج المملكة فذهب الياس خواجة إلي مغولستان و صار ملكا عليها إذ وجد أباه قد توفي …

إن هذه الأعمال التي قام بها تيمور حببته من أفراد الجيش فإنه لم يدع فرصة ترغبهم فيه إلا اغتنمها … و من ثم صار الأمير حسين يخشي من تيمور و عزم علي البطش به و القضاء عليه فلم يوفق فأخفق الأمير حسين في المعركة و غلب عليه فقتل في رمضان سنة 771 ه.

و علي هذا انقادت لتيمور مملكة ما وراء النهر و أعلن سلطنته و لقب (بصاحب قران) إلا أنه لم

يلقب نفسه بخان و إنما لقب به أحد الأمراء من أحفاد جنكيز خان ممن أتي إليه و جعله (قائدا) عنده و هكذا نال الحكومة بعد أن رأي من الأخطار الجمة ما لا يوصف فلم يبال بها و قابلها بعقل رزين و تدبير فائق … و في كل هذا لم يهمل استشارة و لم يضع حزما …

ثم إنه قضي بعد إعلانه السلطنة نحو ست سنوات في حروب مع مملكة المغول و خوارزم و انتصر فيها علي أعدائه.. أسس الصلح مع سلطان خوارزم و تزوج من أسرته ببنت كما أنه قضي علي ثائرين كثيرين عليه فلم ينل أحد منهم مأربا … و بينا هو في حرب و انتصار و ما ماثل إذ دهمه خبر وفاة ابنه جهانكير فكان لها وقع كبير في نفسه و تأثر للمصاب الجلل و ذلك عام 777 ه فأهمل الأمور، و لم يلتفت إلي إدارة المملكة إلا أن وزراءه كانوا لا يبرحون مجدين في تسليته … و في الأثناء هجم المغول علي مملكته فاضطر للكفاح فكانت هذه من أكبر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 287

دواعي نسيانه الرزء فأدب القائمين و أرجعهم علي أعقابهم خاسئين …

و لما عاد ركن (توقتامش) من أحفاد جنكيز خان إلي تيمور و رجا منه أن يناصره و يساعده لنيل إمارة تاتارستان الكبري نظرا لحق سلطنته فيها و كان حاكمها آنئذ الأمير (أروس) (أرص) فوافق تيمور علي ذلك و أجاب الملتمس فأقام (توقتامش) مكان (أروس) عام 778 ه.

و هذا زاحم الأمير تيمور أو أن تيمور خاف من توسعه و اتخذ بعض حروبه في إيران وسيلة و حاربه مرارا إلا أنه في جميع حروبه قد خذل … و توفي بالوجه

المذكور سابقا فخلفه في سلطنته ابنه محمود …

هذه الانتصارات الكبري المتوالية بالقضاء علي إمارات صغري و المظفريات العظيمة علي المجاورين … مما شجع الأمير تيمور علي امحاء الإمارات المتعددة في إيران و عزم علي أن يضمها إلي مملكته لإنهاء أمر هذا التذبذب و الاضطراب الذي مله الناس و ضجروه …

فمضي إلي خراسان فاستولي عليها عام 787 ه و هكذا سار في طريقه حتي اكتسح جميع ممالك العجم و ساق جيوشه إلي العراق فكان ما كان مما مر تفصيله … و هكذا جرت له الوقائع الأخري في سورية و الأناضول و الهند … حتي أيام وفاته …

و أكبر داع لانتصاراته أنه لم يغتر بقوة، و لم يضع فرصة، و لا يزال في اتصال من أخبار المجاورين و معرفة حركاتهم و سكناتهم، و التطلع إلي مواطن الضعف فيهم … كما أنه لم يقصر في تأهب، و لم يخاطر بمقامرة، و لا سلم للطالع … و لم ينم، أو يغفل عن أمر. فهو أشبه بالذئب نعته العربي بقوله:

ينام بإحدي مقلتيه و يتقي بأخري المنايا فهو يقظان هاجع

و من كانت هذه حالته، سار علي طريق الحكمة و السداد، و لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 288

يضع الحزم و اليقظة.. و حصل علي مطلوبه مهما عز و غلا.. هذا و لا ينسي ما زاوله من سفك و ما قام به من قتل فقد ندم عليه مؤخرا و أراد أن يكفر به عن سيئاته في محاربة الخطا و القضاء علي حكوماتهم …

و لات حين مندم … و كان رأيه بل فعله ينطق أن الغاية تبرر الواسطة …

و كان لم يقصر في وسائل الحضارة و ضروب العمارة و لكن في مملكته

و وطنه فقد عرف عنه من الأنباء و غيره أنه كان أنشأ بظاهر سمرقند بساتين و قصورا عجيبة و كانت من أعظم النزه و بني عدة قصبات سماها بأسماء البلاد الكبار كحمص و دمشق و بغداد و شيراز …

كان حادث وفاته من أكبر الحوادث في هذا العالم بعد أن كان في قراع و نضال مع ممالك عظيمة و حكومات متعددة … فإنه من حين فتح بغداد لأول مرة افتتح ماردين و حلب و الشام و بلاد الروم (الأناضول) و أقساما كبري من الهند و حارب القفچاق و من في أنحائهم … و في خلال هذه الحروب قضي علي إمارات كثيرة مختلفة الأهواء لم يكن لتألفها الممالك و الأقوام و كانت هذه الممالك بين نيران ملتهبة و حروب دامية و تغلب متوال … فلا راحة، و لا استراحة.. ضجر الناس من هذه الحالة و ملوها … بل العالم في حاجة إلي من يقضي علي هذه الدويلات و سيطرتها و تحكمها بأهليها و أموالهم، و ليس لها من همّ إلا أن تنال حظا أو قسطا من مجاوريها … فكان هذا الدواء- ظهور تيمور- بلاء فتاكا و لكن لا مندوحة منه للقضاء علي أمثال هذه الحكومات …

أبدي في ظهوره حتي أواخر أيامه من الشدة و القسوة ما أرعب قلوب الناس و ذكرهم بأيام جنكيز الأولي و حذرهم بطشه، و أخافهم صولته. لا يعرف التواني، و لا يبالي بالتعب، و لا يقف عند غلبة …

فتراه يقضي علي حكومة من الحكومات بمعركة دامية انهكت قوي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 289

الفريقين … و يتأهب أثرها للوثوب علي أخري فيسير لمفاجأتها و الصدام معها … فكأنه قرر فتح العالم، و

السيطرة عليه و المنقول عنه أنه يري الدنيا لا تكفي لأكثر من واحد كما أن اللّه واحد … و نجد عمله لا لنفسه و إنما كان لمن يخلفه و أراد أن يكون ملكه أبديا، وضع التصاميم للمحافظة علي ما في اليد، و الحصول علي الباقي … و هكذا.

و يتبادر لأول وهلة أن الذي ولد فيه شعور الفتح، و الاستمرار علي فكرته المتأصلة فيه عاملان مهمان أحدهما فتوح جنكيز و سيطرته علي العالم الشرقي الإسلامي المحتضر بسبب قوة جيشه و حسن قيادته و تدريبه علي قوانين خاصة (الياسا) رأي لزوم تطبيقها بشدة لا تقبل الرأفة و لا الرحمة … و الآخر الفتح الإسلامي و اكتساحه عوالم شرقية و غربية عديدة … و لكنه بعد أن علم أن قد زالت مهمة الفتوح الإسلامية المصروفة للصلاح العام الشامل و خمدت تلك الفتوح و عادت الأقوام الإسلامية بسبب الحرص علي الملك فأغفلت النهج الإسلامي و تركت العمل بأحكامه.. فصارت في تذبذب و اضطراب و تشعب إدارات و تعدد حكومات و اختلاف أهواء!.

و هنا يرد سؤال سهل الإيراد و هو هل كان من رأيه تطبيق الخطة الحربية كما جاء بها جنكيز عينا أو الفكرة الإصلاحية لتوحيد قيادة المسلمين و جمعهم بحيث يكونون قوة و جهتها موحدة … ليسيروا علي سنن لا يتغير؟!.

شوهد من الأدلة علي أنه قرر المضي بمقتضي فكرة جنكيز في قسوته و قتله في المسلمين و تخريب بلادهم، و القضاء علي حكوماتهم بقصد الاستيلاء عليهم … أو قل إن ذلك كان سجية فيه و في قومه ببذل الجهود لهذه الناحية … كما أن عمارته لمملكته، و إطماعه لقومه، و عدم اكتراثه بالممالك الأخري مؤيدات وطنيته الشديدة و حرصه

القوي، أهلك غيره ليعيش هو و قومه و لتعمر مملكته …!

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 290

أما الوجهة الأخري فلم تعدم أدلة أيضا و أهمها الصلة التجارية بين الأقطار التي تحت سلطته و أن تسير بحرية و أمن لم تر نظيرهما. و عدله في حكومته و بيانه أنه لم يقطع رؤوس المسلمين و يتخذ منها منارات إلا من القتلي إرهابا للناس و تخويفا و هكذا.. و احترامه للعلماء و صحبتهم.. و للصلحاء و إظهاره الحب و التكريم لهم و الاستمداد بشيخه السيد بركة. و قوله للسلطان ييلديرم بايزيد العثماني حينما انتصر عليه معاتبا له: «إنك رأيت ما زرعت، كنت أود أن أصافيك فاضطررتني للحرب كارها.. و هذه نتائج عنادك، كنت أفكر في نصرتك لحرب أعدائك، و لو كانت المخذولية أصابتني في حربك لرأيت و جيشي ما لا يدور في حسبان، كن واثقا سأحتفظ بحياتك و أؤدي واجب الشكر للّه» هذا و أمله أن سيكون قوة ظهر له علي أعدائه و أنه ركن ركين له في حراسة مملكته من الأعداء.

و علي كل رأي أن المملكة الإسلامية يجب أن يحكمها أمير مسلم لا أكثر و أن تتجمع القوي لتتمكن أن تقوم بما قامت به الإسلامية في أوائل أمرها … كما أنه ندم في أواخر أيامه علي ما فعل لأنه لم يتيسر له تحقيق أغراضه فعزم علي الجهاد في سبيل اللّه و محاربة غير المسلمين فمات في هذه الطريق..

و مهما كانت الآمال، أو التصاميم فقد وقع ما وقع، و جري ما جري.

و الظاهر أنه حاول مزج الطريقة الإسلامية بشدة جنكيز في الصرامة و القطع … يشهد بذلك وصاياه في إدارة الجيوش من غير الترك و الاستفادة من

مجموع قوة الكل.. و إرادة اللّه غالبة، و عمل الإنسان في هذه الحياة ضئيل فيجب أن يصرف للإصلاح، و العمارة و العدل، و لراحة الناس و اطمئنانهم و تآلفهم لا السيطرة عليهم و التحكمات المتنوعة فيهم فالطمع و الحرص علي ما في يد الآخرين لم يولد نتائج مرضية … و إنما الانكشاف الفكري و المدني في الأمة من أقوي دعائم الاستقلال و العزة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 291

إن حالة العصر الذي ظهر فيه تيمور كانت مشتتة الأهواء في السياسة، مفرقة الآراء في النحل و العقائد، مختلفة العوائد.. و هكذا في عقولها و علومها.. فلا أمل في التأليف بين هذه الأمم إلا بمراعاة طريقة هذه الفاتح التي اختطها و علم أنها الناجحة لما عزم علي القيام به..

قال في الشذرات: «كان له فكر صائب و مكايد في الحروب و فراسة قل أن تخطي ء، و كان عارفا بالتواريخ لإدمانه علي سماعها، لا يخلو مجلسه عن قراءة شي ء منها سفرا و لا حضرا، و كان مغري بمن له صناعة ما حاذقا فيها، و كان أميا لا يحسن الكتابة و كان حاذقا باللغة الفارسية. و التركية و المغولية خاصة، و كان يقدم قواعد جنكيز خان و يجعلها أصلا … و كانت له جواسيس في جميع البلاد التي ملكها و التي لم يملكها، و كانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة علي جليتها و يكاتبونه … فلا يتوجه إلي جهة إلا و هو علي بصيرة من أمرها …» ا ه.

و علي كل كان في أيام تغلب و كان قد فاق الكل و تمكن من الاستيلاء علي ممالك كثيرة و كاد يضارع جنكيز في حروبه.. بل فاقه في نواح عديدة …

و قد مر من حوادثه ما له علاقة بالعراق، و قد وصفه صاحب الضوء اللامع بقوله:

«كان شيخا، طوالا، مهولا، طويل اللحية، حسن الوجه، أعرج، شديد العرج، سلب رجله في أوائل أمره و مع ذلك يصلي عن قيام مهابا، بطلا، شجاعا، جبارا، ظلوما، غشوما، فتاكا، سفاكا للدماء، مقدما علي ذلك أفني في مدة ولايته من الأمم ما لا يحصون. جهير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 292

الصوت، يسلك الجد مع القريب و البعيد، و لا يحب المزاح، و يحب الشطرنج و له فيها يد طولي و مهارة زائدة و زاد فيها جملا و بغلا، و جعل رفعته عشرة في أحد عشر بحيث لم يكن يلاعبه فيه إلا أفراد، يقرب العلماء و الشجعان و الأشراف و ينزلهم منازلهم. و كانت هيبته لا تداني..

كان ذا فكر صائب و مكائد في الحرب عجيبة، و فراسة قل أن تخطي ء، عارفا بالتواريخ لإدمانه علي سماعها، لا يخلو مجلسه عن قراءة شي ء منها سفرا أو حضرا، مغري بمن له معرفة بصناعة ما إذا كان حاذقا فيها … و له جواسيس في جميع البلاد التي ملكها و التي لم يملكها و كانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة علي جليتها، و يكاتبونه بجميع ما يروم، فلا يتوجه إلي جهة إلا و هو علي بصيرة من أمرها.. مات و هو متوجه لأخذ بلاد الخطا علي مدينة أترار … و بالجملة فكانت له همة عالية و تطلع إلي الملك.. و القدر الذي اقتصرت عليه هنا اعتمدت فيه ابن خطيب الناصرية و شيخنا (ابن حجر في أنبائه)، و ترجمته في عقود المقريزي نحو كراستين» ا ه.

و في هذا و غيره من النصوص العديدة ما يعين خطته و أنه

لم ينهج نهجا مغلوطا و لا تحرك دون حساب و أهبة للأمر …

و يطول البحث بالكلام عليه كثيرا إلا أننا نري محل استفادتنا في دراسة نهجه الحربي و السياسي و معرفة التعديل في مناهج الفاتحين لإنقاذ البشرية من أوضاعها السيئة التي ولدتها آمال خسيسة و السير بها نحو الطريقة المثلي و هي طريقة الإصلاح لا التخريب، و العمارة لا الإبادة، و العلوم لا الجهل و السخافة، و الرأفة لا القسوة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 293

و قد مر بنا الكلام علي أوليته ثم وقائعه في العراق حتي وفاته …

نهجه السياسي و الحربي:

من المعروف أن تيمور أوصي أولاده و هو في فراش الموت قائلا:

«أولادي! لا تنسوا وصيتي التي تركتها لكم لتأمين راحة الأهلين، كونوا دواء لأمراض الخلق، احموا الضعفاء و أنقذوا الفقراء من ظلم الأغنياء.

ليكن نهجكم في كل أعمالكم العدل و الإحسان. فإذا أردتم دوام سلطتكم فاستعملوا السيف بيقظة و احتياط و لياقة، اعتنوا كثيرا و احترسوا أن يدخل الشقاق و النفاق بينكم، و لا تدعوا للصديق الحميم، أو العدو الألد طريقا ينفذ فيه لإلقاء البذور من هذا النوع أو أن يسعي لها …

و إذا مضيتم علي وصيتي و بقيتم عليها دائبين و بدساتيرها آخذين احتفظتم بتاجكم دائما، اسمعوا وصايا أبيكم الذي هو في فراش الموت و تمسكوا بها، و لا تنسوها.» ا ه … و هذه تعين حسن نيته؛ و عنايته بحكومته و إدارته القويمة و قد قررها بنظام قطعي متبع …

الوصاية المنوه عنها:

إن وصاياه في خطابه هي المذكورة في (تزك تيمور) و قد مر وصفها.. و فيها تتجلي نفس هذا الرجل العظيم أكثر مما قام به في حروبه و ما اشتهر في مقارعاته الفعلية و ما عرف عنه نقلا عن أعدائه من أصحاب الحكومات المغلوبة، فهي تجاربه و أعماله الإدارية و السياسية و فيها علاقته بأمرائه و وزرائه و جيوشه و سائر أتباعه و بالأهلين ممن دخل تحت سلطته.. و هنا يجب أن نقول إن هذا الرجل متمسك بعقيدته الإسلامية تمسكا ليس وراءه … و اشتهر تواترا عنه حبه للعلماء و مصاحبتهم حتي في حروبه و أسفاره … و لعله أول من استفاد من أصحاب العلوم و المواهب للحياة العملية و السياسة المدنية فجمع بينهما … و نري في تاريخ ابن الشحنة صفحة من مجالسه العلمية،

موسوعة

تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 294

قبر تيمور في سمرقند

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 295

و حمايته العلماء، و سعة الصدر لهم و أن يتكلموا بحرية تامة …

و مخابراته السياسية مع الحكومات الأوروبية لا تتجاوز حدود المجاملة و المقابلة بالمثل؛ و مراعاة المصافاة لمن ليس بينه و بينه علاقة جوار؛ أو احتمال حرب.. و ليس أصح للبرهنة علي ذلك من كلامه للسلطان ييلديرم بايزيد حين أصر في حروبه معه.. و من بكائه لفقده يوم وفاته، و انعامه علي أولاده … و المنقول أنه لم يقتله و إنما مات كمدا مما أصابه في الاعتقال …

- نعم نري أعداءه من رجال الحكومات كثيرين و أكبر من شنع عليه الترك العثمانيون و العرب و نخص بالذكر صاحب عجائب المقدور و صاحب الأنباء و بعض العجم …

و مما نقله ابن أبي عذيبة في (تاريخ دول الأعيان) عن وقائع تيمور ما نصه قال: «رأيت الشيخ جلال الدين بن خطيب داريّا كتب علي هذه الوقعة- وقعة التتر- في الهامش من تاريخ الذهبي:

لقد عظموا فعل التتار و لو رأوا فعال تمر لنك لعدوه أعظما

لقد خرب الدنيا و أهلك أهلها و طائره في جلق كان أشأما

قال لي الشيخ شهاب الدين ابن عرب شاه الأمر كما قال ابن خطيب داريّا. فإن تيمور سار بأعوان قيل كالجراد المنتشر فالجراد من أعوانها. أو كالسيل المنهمر فالسيل يجري من خوضانها، أو كالفراش المبثوث فالفراش يحترق عند تطاير شهابها، أو كالقطر الهامي فالقطر يضمحل عند انعقاد قتامها، برجال توران، و أبطال إيران، و نمور تركستان، و صقور الدشت و الخطا، و كواسر الترك. و نسور المغول، و أفاعي خجند و أندكان، و هوام خوارزم و جرجان، و

عقبان صغانيان، و ضواري حصار شاه و مان. و فوارس فارس، و أسود خراسان، و ليوث مازندران، و طلس أصبهان، و ضباع الجبل، و سباع الجبال، و أفيال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 296

الهنود، و هنود الأفيال، و عقارب شهرزور، و عسكر سابور مع ما أضيف إلي ذلك من التراكمة و العرب و العجم ما لا يدخل تكييفه ديوان، و لا يضبطه دفتر و لا حسبان. و بالجملة كان معه يأجوج و مأجوج، و الرياح العقيمة الهوج …

و ذكر ابن الشحنة أن المدوّن من عسكر تيمور كان ثمانمائة ألف و ما عمل أحد عمله من إحراق البلاد و إزالة رسومها. قال ابن عرب شاه «و كان معه أهل الثلاث و سبعين فرقة الإسلامية ما عدا أهل الكفر و هم كثير، من كل فرقة خلق كثير متظاهرون بمذاهبهم» ا ه.

هذا ما نقله ابن أبي عذيبة عن المؤرخين المعاصرين في الجلد الخامس من كتابه. و نحوه في تاريخ الخلفاء للسيوطي …

و مما نقل أن تيمور قال علي قبر الفردوسي صاحب الشهنامة:

سر از كور بردار و ايران ببين ز دست دليران توران زمين

و حينئذ تفاءل بالشهنامة فظهر له هذا البيت:

چو شيران برفتند زين مرغزار كند روبه لنك اينجا شكار

فكان جوابا مسكتا له و ذلك أنه في البيت الأول قال أخرج رأسك من القبر و عاين ما يكابده الإيرانيون من أيدي الطورانيين. و أما الجواب فهو أن هذه الأرض المترعة بطيورها دخلتها السباع فولت عنها الطيور فصارت قنصا للثعلب الأعرج يتصيد دون أن يخشي بطشا، و لا أصابته رهبة … و المظنون أنه تقوّل عليه.

و الظاهر كما يستدل من أوضاع تيمور، و حالاته أنه لم يعتن بالشعراء، و

لم يقرب منهم أحدا و إنما يكره لقياهم … و من المشهور

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 297

عنه تخريب قبر الفردوسي و لعل ذلك من جراء انصرافه للخيال، و مبالغاته الزائدة في شعره بما نسبه للقدماء من الفرس كأنهم خلق آخر غير هؤلاء البشر …

هذا و نقف في ترجمته هنا و نقول إن المترجم كان في نيته أن يعمر بغداد بعد أن خربها و دمرها و لكنه لم يتحقق له ذلك و لا تيسر لأولاده من بعده فبقيت علي خرابها، و كان قد هدم آثارها الناطقة بالعظمة؛ و مخلفاته الجليلة … فلم ينتفع منه العراق و إنما تضرر كثيرا … هذا و من أراد التوسع و أحب التفصيل عن وقائعه و إتقانها من ناحية سوق الجيش، أو عن سياسته و إدارته الممالك و معرفة وزرائه مع مقابلة سائر أعماله بالإدارات الحاضرة، و بأعمال الفاتحين الآخرين … لاستخلاص نتائج عصرية نافعة فليرجع إلي المصادر التي تستحق النظر و المطالعة مما مر بيانه من المراجع التاريخية المعاصرة له، أو التالية لعصره بقليل …

و هذه التواريخ مكتوبة في أيامه:

[التواريخ المكتوبة في ايامه]
1- ظفر نامة نظام الشامي:

و هذه مر الكلام عليها في هذا الكتاب. و منها نسخة في المتحفة البريطانية برقم 23980 و مؤلفها نظام الدين الهروي المعروف ب (شنب غازاني) و هذا هو أول من قدم مستقبلا للأمير تيمور من بغداد حين قصد إليها فصار مكرما عنده …

2- جوشن و خروشن:

للشيخ محمود زنكي الكرماني، قارب إتمامه و مات، سقط في النهر من قنطرة تفليس سنة 806 ه. و هذا لم ينتشر كما ذكر صاحب حبيب السير.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 298

3- تاريخ صفي الدين الختلاني من علماء سمرقند:

كتب طرفا من وقائعه باللغة التركية. كذا في كشف الظنون.

و هذه الكتب لم تنل رواجا و لا عرفت مواطن وجودها، غطت عليها الكتب التاريخية المدونة بعد هذا التاريخ في أيام أولاده منها ما ذكرناه في المراجع أو مر أثناء البحث و منها ما سنتعرض لذكره … فلم يبق غامض من تاريخ حياة تيمور و وقائعه و إنما عرف (تزك تيمور) الذي مر وصفه. و فيه ما يفوق كثيرا من الكتب … و الكتب العربية المعاصرة أو التالية لهذا العصر كتبت بسعة زائدة … و لا يستغني عنها نظرا لما نراه من كتاب آل تيمور من الإغراق في المدح غالبا …

أولاد تيمور و أحفاده:

و هنا نجمل عن أولاده و أحفاده لنكوّن فكرة مختصرة و الأولي أن نقدم مشجرا في أولاده و أحفاده و من وليهم … فهو أعلق في الذهن و أقرب للفهم. و ملخص القول أن أخلافه من حين وفاته خرقوا وصيته و انتهكوها و مضوا علي الضد منها … و وقع ما كان يتوقعه من الفتنة و سوء الحالة و التقاتل علي الإمارة فتوزعت المملكة إلي إمارات عديدة و طمع فيها المجاورون و الأمراء ممن كانوا يعدون بمنزلة ساعد له فصاروا يتطلبون الإمارة، و يولدون الشغب و هكذا … علي أن بعض الحكومات دامت لأحفاده طويلا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 299

مشجر في تيمور لنك و أولاده:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 300

تابع مشجر في تيمور لنك و أولاده:
اشارة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 301

هذه اللوحة في أولاد تيمور و أحفاده، نظرة سريعة أخذت من تواريخ عديدة مثل دستور الوزراء و كلشن خلفا و تاريخ تيمور لنك لمرتضي أفندي آل نظمي و وقائع تاريخية و دول إسلامية و غيرها.. و جعلنا أساس بحثنا يدور علي فروع كل من أولاد تيمور بذكر المشاهير منهم ذكرا مختصرا …

1- معين الدين شاه رخ و أولاده:

إن شاه رخ حكم بالاشتراك مع والده الأمير تيمور ممالك خراسان سنة 799 ه و قضي ثماني سنوات في عهد والده و دامت حكومته في إيران و طوران 40 سنة و توفي سنة 850 ه في نيسابور و في أيامه كتب تاريخ (مغز الأنساب). و هذا في التاريخ لم يعرف اسم مؤلفه انتهي منه في رجب سنة 837 ه كتبه بأمر شاه رخ. و قد أكمل به جدول الأنساب من جامع التواريخ و منه نسخة في دار الكتب في باريس..

و أولاده قد أوضحوا في اللوحة منهم بايستقر. و هذا توفي في حياة أبيه شاه رخ سنة 837 ه. و في أيامه كتب له حافظ ابرو (نور الدين بن لطف اللّه) المتوفي سنة 834 ه تاريخه المسمي (زبدة التواريخ) انتهي به إلي سنة 829 ه اختصر به جامع التواريخ إلي أيامه و مضي إلي ما بعده فصار مكملا له، و أصلا يرجع إليه في تاريخ هذه الحكومة شرع بتأليفه سنة 826 ه و سمي (تاريخ مبارك بايسنقري) و مؤلفه من العلماء و الأدباء المعروفين. ترجم هذا التاريخ إلي التركية و منه نسخة في نور عثمانية.

و من أولاد شاه رخ إبراهيم ميرزا. و هذا كان قد أعطاه والده منصب الإمارة في فارس و العراق. و هو الذي أمر

شرف الدين عليا اليزدي أن يكتب تاريخ تيمور المسمي أخيرا ب (ظفر نامه). و فيه مقدمة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 302

سماها (تاريخ جهانكير) أوضح فيها أنساب الجغتاي و قبائلهم و مجمل الوقائع أيام تيمور حتي أيام إبراهيم ميرزا. أمر بتحريرها سنة 822 ه و أتمها سنة 828 ه و عليها ذيل التاج السليماني يحتوي وقائع السنين من المحرم 807 ه إلي 813 ه و اشتمل علي وقائع شاه رخ. ترجم ظفر نامه المذكورة إلي التركية حافظ الدين محمد بن أحمد العجمي. و قد اعتمد الغياثي عليها في أخبار تيمور.

و من أولاد شاه رخ ميرزا محمد توفي في حياة أبيه سنة 838 ه كما أن أحمد المعروف ب (چوكي) توفي أيضا في حياة أبيه في شعبان سنة 839 ه و كان من أعيان أولاد أبيه المتميزين، و له سطوة و إقدام و شجاعة، كان يرسله بالعساكر إلي الأقطار، فتح عدة بلاد و قلاع، و وقع بينه و بين اسكندر بن قرا يوسف متملك تبريز حروب و وقائع آخرها في سنة وفاته … فاشتد حزن أبيه لحادث وفاته، و ذكره ابن حجر في أنبائه باختصار قال: «و اتفق أن والده مات له في هذه السنة ثلاثة أولاد كانوا ملوك الشرق بشيراز و كرمان و هذا كان من أشدهم.

و أما أولغ بك فإنه أنشأ رصدا في سمرقند سنة 828 ه و هناك عمل الزيج المشهور بأولغ بك و جمع له جماعة من العلماء مقدمهم قاضي زاده الرومي و المولي جمشيد كاشي و المولي علي القوشجي و صار زيجه هو المعمول به و انتسخ به (الزيج الايلخاني) و ابتدأ تاريخه يوم الخميس أول المحرم سنة 841 ه.

و عندي نسخة مخطوطة منه.

و لما توفي شاه رخ خلفه أولوغ بك المذكور في السلطنة عام 849 ه و هذا كان مشغولا بالعلوم و لم تكن له من الشدة ما يقضي علي أهل الشرور و الزيغ من رجال مملكته ذلك ما دعا أن يعصيه ابنه عبد اللطيف و يودي بحياته عام 852 ه ففقد العلم أكبر نصير و مشجع.. و من ثم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 303

قامت الفتن في كل صوب. و جاء في تاريخ الغياثي أنه توفي بتاريخ 10 رمضان سنة 853 ه.

و أولغ بك هذا له تاريخ (ألوس أربعه جنكيزي) المسمي أيضا (بشجرة الأتراك) و يتضمن الوقائع التاريخية من أقدم عهدها الأساطيري إلي سنة 851 ه و المهم من حوادثه يبتدي ء من سنة 703 ه و أما ما كان قبل ذلك فلا يختلف عن التواريخ الأخري المتداولة. و مختصر هذه النسخة في المتحفة البريطانية برقم 26190.

2- جلال الدين ميران شاه و أولاده:

و هذا حكم العراقين و آذربيجان و ديار بكر إلي حدود الروم و الشام … عين بفرمان من والده تيمور سنة 802 ه عند قدومه من بلاد الهند إلي البلاد الشامية و في سنة 810 ه وقعت بينه و بين قرا يوسف محاربة فقتل فيها. و في الضوء اللامع كان ذلك سنة 809 ه.

و من أولاد ميران شاه السلطان خليل. ملك سمرقند بعد جده في حياة والده و أعمامه، كان معه عند وفاته سنة 807 ه فلم يجد الناس بدا من سلطنته. و عاد بجثة جده إلي سمرقند، استولي علي الخزائن و تمكن من الأمراء و العساكر ببذله لهم الأموال العظيمة حتي دخلوا في طاعته سيما و فيه رفق و تودد مع حسن سياسة و

صدق لهجة و جميل صورة. فلما قارب سمرقند تلقاه من بها و هم يبكون و عليهم ثياب الحداد و معهم التقادم فقبلها منهم و دخلها و كانت جثة جده في تابوت آبنوس بين يديه و جميع الملوك و الأمراء مشاة، مكشوفة رؤوسهم حتي دفنوه و أقاموا عليه العزاء أياما. ثم أخذ صاحب الترجمة في تمهيد مملكته. و ملك قلوب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 304

الرعية بالإحسان و استفحل أمره و جرت حوادث إلي أن مات بالري مسموما في سنة 809 ه. و نحرت زوجته شاد ملك نفسها بخنجر من قفاها فهلكت من ساعتها و دفنا في قبر واحد ثم قتل والده بعده بقليل و ولي مكانه پيير عمر و طوّل يوسف بن تغري بردي ترجمته تبعا للمقريزي في عقوده.

و من أولاده أمير زاده عمر كان في أيام تيمور حاكما في العراقين و آذربيجان و ديار بكر. و بعد وفاة تيمور تحارب مع أخيه الميرزا أبي بكر فانهزم و التجأ إلي شاه رخ. ثم تحارب مع عمه شاه رخ المذكور فجرح و مات عام 809 ه. أما ميرزا محمد فلم يرد له ذكر إلا أن ابنه السلطان أبا سعيد ولي سمرقند بعد أن قتل ميرزا عبد اللّه بن إبراهيم بن شاه رخ و دامت سلطنته في سمرقند ثماني سنوات و تسلط علي خراسان و كابل و سيستان و العراق. و في سنة 873 ه توفي مقتولا علي يد البايندرية فخلفه ابنه السلطان أحمد و دامت حكومته عشرين سنة و مات سنة 899 ه …

أما ميرزا أبو بكر فإنه بعد أن فر من وجهه أخوه ميرزا عمر تصدي لخدمة والده و ناب عنه في الحكم علي

آذربيجان و بعد قتلة والده من جانب قرا يوسف فر إلي كرمان و سيستان و هناك تحارب مع حاكم كرمان في حدود جرفت فقتل سنة 811 ه. و السلطان خليل كان لدي الأمير تيمور حين وفاته فنال السلطنة مقامه و لم يبال بوصية تيمور إلي (پير محمد) فاغتصبها منه … و صار له ملك ما وراء النهر و تركستان و قد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 305

بسط القول عنه صاحب عجائب المقدور. و بمؤامرة من أمرائه قد خلع عام 811 ه بعد أن حكم مدة أربعة سنوات و ترك الأمر لشاه رخ عمه و بمنشور من عمه المذكور أعطيت له بعض المناصب و حكومة الري و قضي فيها أيامه هناك إلي أن توفي بالري عام 814 ه. أما السلطان محمود بن أبي سعيد فإنه بعد وفاة أخيه السلطان أحمد صار ملكا علي ما وراء النهر إلا أنه لم تدم له السلطنة أكثر من شهرين فتوفي و من ثم حدثت بين ابنيه الميرزا بايسنقر و السلطان علي منازعة فكانت النتيجة أن فر بايسنقر و التجأ إلي أحد خدام أبيه أمير خسرو حاكم قندهار. و هذا قتله سنة 905 ه و لم يراع نعمة والده فخلصت الحكومة للسلطان علي.

و في هذه السنة خرج عليه شيبك خان الأوزبكي و حاصر مدينة سمرقند ثم إنه أيام الحصار خدع السلطان بأن يتزوج بأمه فغدر به و بها … و لما ظهر الشاه إسماعيل الصفوي تحارب مع شيبك خان المذكور فقتل في المعركة …

ثم إن الشاه إسماعيل الصفوي سعي أن يتولي السلطنة علي ما وراء النهر الميرزا بابر بن ميرزا عمر شيخ بن أبي سعيد و بعد أمد قليل هاجمه

عبيد خان الأوزبكي للانتقام منه ففر من وجهه و قنع بحكومة غزنة و بعض بلاد الهند فدامت سلطنته 43 سنة و توفي عام 937 ه. ثم توفي بعده بسنتين أبوه عمر شيخ. و حينذاك زالت حكومة آل تيمور من ما وراء النهر و صارت للأوزبك.

و لما توفي بابر شاه ولي بعده ولده ميرزا همايون تسلطن علي ممالك الهند و زابلستان و قندهار و غزنة و كابل و افتتح مدينة دهلي عاصمة الهند و حكم 26 عاما مستقلا و في سنة 963 ه سقط من السلم، عثرت رجله فوقع و توفي لحينه. فخلفه أخوه ميرزا كامران و قد قنع ببعض بلاد الهند و تورث الملك عن همايون شاه بعد وفاة ابنه ميرزا جلال الدين محمد أكبر شاه و هذا دامت سلطنته و نال في مملكة الهند بلادا كثيرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 306

و حصل علي فتوحات عظيمة فوسع حدود سلطته. و في سنة 1012 ه قد توفي فخلفه ابنه سليم شاه و صار ملك الهند و في 1020 ه توفي فخلفه ابنه شاه جهان خرم و قد امتاز عن غيره من الملوك بمساعدة الحظ و كثرة المال و الخول و المناقب الفاضلة و دامت سلطنته مدة و لما رأي نفسه قد طعن في السن جعل ابنه دارا شكوه ولي عهده إلا أن ابنه الآخر مراد بخش لم يوافق علي هذا الأمر فحدث نزاع بين الأخوين و قد سعي أخوهما الآخر أورنك زيب لإصلاح ذات البين ظاهرا فألقي القبض علي أحدهما مراد بخش فقتله ثم استأصل الثاني دارا شكوه و اعتقل والده و أعلن سلطنته عام 1069 ه و دامت حكومته أكثر من أربعين سنة..

و

هذا هو الذي كتب له حسن بن طاهر بك القجاري تاريخا قدمه إليه بعد أن فتح قندهار و غيرها من بعض البلدان. و عندي نسخة مخطوطة منه كتبت سنة 1103 ه و فيها ذكر أن السلطان هو ابن شاه جهان بن جهانكير بن همايون بن بابر بن عمر شيخ ابن السلطان أبي سعيد بن ميران بن سلطان محمد بن ميران شاه بن تيمور.

أما أخوهم الآخر شاه شجاع فقد كان حاكما في بنكاله فلما رأي النزاع قائما بين الإخوة و أبيهم نفر من الكل و ترك دعوي السلطنة و لبس ثياب درويش فاختار العزلة و لا يعرف عنه شي ء.

و الحاصل استمرت سلطنة هؤلاء و دامت في أولادهم و أحفادهم إلي أن انتزعها الإنجليز منهم و ذلك أن فرخ شير محمد شاه بن عظيم الشان بن شاه عالم محمد بهادر قد تملك عام 1125 و في زمانه نالت الشركة الإنجليزية بعض الامتيازات و في سنة 1173 ولي شاه عالم الثاني أبو المظفر علي كوهر بن عالمكير. و في أيامه كان يخشي من تجاوز المهرانة و بهذه الوسيلة أدخل الإنجليز جيوشهم المدينة و طمعا بما أعطوه من المخصصات سلمت مملكة بنكالة إلي الإنجليز. و في عام 1253 ه ولي بهادر شاه الثاني سراج الدين محمد بن أكبر شاه الثاني و هو آخر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 307

ملوكهم و دامت حكومته اسميا 21 سنة و في سنة 1274 ه (1858 م) ظهرت ثورة ادعي الإنجليز أنه ذو دخل في الأمر فنقل إلي كلكتة و وقف هناك و بهذا انقرضت الحكومة التيمورية من الهند..

و بتاريخ 1293 ه (1877 م) أعلنت القراليجة فيكتورية امبراطوريتها في دهلي …

3- معز الدين الشيخ عمر و أولاده:

إن الشيخ

عمر كان قد عينه والده الأمير تيمور علي ممالك فارس حينما استأصل آل مظفر عام 795 ه فحكمها لمدة سنة ثم إنه في سنة 796 ه أصابه سهم طائش أيام محاصرة مدينة حرمانتون (خرماتو) فجرح و كان ذلك داعية وفاته. و له من الأولاد اسكندر، و پير محمد، و بيقرا، و رستم، و أحمد.

أما بيقرا فله ابن اسمه ميرزا منصور؛ و لميرزا أحمد المذكور ميرزا سنجر و إن ميرزا منصور له ابن هو السلطان حسين و لهذا ولدان ميرزا بديع و ميرزا مظفر، و أما ميرزا اسكندر فإن جده الأمير تيمور عند ما عاد من حرب الروم عام 806 ه منحه حكومة همذان و نهاوند. فلما خرج قرا يوسف التركماني خاف منه فترك بلاده و ذهب إلي أخيه ميرزا پير محمد في فارس فصار حاكما هناك فقتله أحد ملازميه حسين الشرابي غدرا، ثم ضبط الميرزا اسكندر فارس و أصفهان و عصي علي عمه شاه رخ، فتحارب معه، و بالنتيجة قبض عمه عليه و كحله. و أما ميرزا بايقرا فإنه كان متفقا مع الميرزا اسكندر المكحول و لما كان في أصفهان حارب أخاه الآخر رستم و هذا أسر اسكندر في المعركة و قتله. ثم إن ميرزا بايقرا بفرمان من شاه رخ صار حاكما علي همذان و نهاوند فعصي في هذه الأثناء و عزم علي الذهاب إلي شيراز و كان حاكمها السلطان إبراهيم ابن شاه رخ فحاربه و ضبط المدينة فقام شاه رخ عليه و ضيق أنفاسه و من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 308

ثم طلب العفو عما اقترفه و استأمن منه فجي ء به إليه و علي هذا أرسله إلي حاكمية قندهار. و هناك أيضا ظهرت

منه بعض الأحوال التي لا يرضاها فأرسل محبوسا للمرة الأخري إلي شاه رخ و حينئذ بعث به إلي أنحاء سمرقند فلم يعلم عنه شي ء.

أما الميرزا رستم فإنه كان أيام جده تيمور حاكم أصفهان و بوفاته نازع أخاه اسكندر بالوجه المار و سقط عن أي دعوي فأقر في حكومة أصفهان.

أما ميرزا أحمد ابن شيخ عمر فإنه جاء إلي سمرقند عام 811 ه فمنح حكومة أوركنج ثم إنه أثناء محاربته مع ابن عمه أولوغ بك بن شاه رخ فرّ و ذهب إلي أنحاء المغول ثم عاد إلي خراسان و إن عمه شاه رخ راعي جانبه كثيرا ثم إنه بعد ذلك قصد الحج و توجه لزيارة بيت اللّه الحرام فطوي خبره..

أما ميرزا سنجر بن ميرزا أحمد فإنه عام 863 ه اتفق مع ميرزا إبراهيم بن علاء الدولة بن بايستقر بن شاه رخ فقاتل الميرزا أبا سعيد فقتل في المعركة. أما ميرزا منصور فلم يعلم عنه أمر. و أما السلطان حسين بن منصور بن بيقرا فهو ممدوح الملا جامي بعد أن استأصل أمير خراسان الميرزا يادكار محمد استقل بالمملكة و حكم بلا منازع …

لمدة 38 سنة و مات سنة 911 ه.

و هذا كانت في أيامه سوق العلم رائجة و مكانتها معتبرة.. و قد ألفت كتب تاريخية في عهده كثيرة مثل روضة الصفا و تيمور نامه للمولي عبد اللّه الهاتفي ابن أخت عبد الرحمن الجامي و سماها في كشف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 309

قبر تيمور أيضا- مقطع من قبته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 310

الظنون (ظفر نامه) و كذا من المؤلفات التاريخية (مطلع السعدين) لكمال الدين عبد الرزاق بن جلال الدين إسحق السمرقندي و حوادثه من أيام

السلطان أبي سعيد المغولي إلي عهد السلطان حسين بايقرا الذي كان جلوسه سنة 875 ه و فيه إيضاح كاف عن تيمور و أولاده. و من وزراء هذا السلطان علي شير نوائي صاحب التآليف المهمة و منها في اللغة كتاب (سبعة أبحر) و كان حامي العلماء و الأدباء في وقته …

فخلفه ابنه السلطان مظفر. و هذا تحارب مع شيبك خان (شاهي بك) الأوزبكي ملك ما وراء النهر عام 913 ه ففر في المحاربة و ذهب إلي استراباد و هناك توفي. أما ابنه الآخر و هو ميرزا بديع الزمان فإنه شارك أخاه المذكور في الحكومة إلا أنه حين محاربة شيبك خان فر و التجأ إلي الشاه إسماعيل الصفوي و في محاربة چالديران التي ربحها السلطان سليم العثماني المعروف بياوز أخذه أسيرا في تبريز فجاء به مكرما إلي استانبول و لم يبق هناك إلا قليلا فتوفي.

4- محمد غياث الدين جهانكير و أولاده:

هذا هو ابن تيمور و له ولدان (السلطان محمد) و كان جده الأمير تيمور في حياته نصبه ولي عهده عند ما شتي في بلاد الروم و في ربيع سنة 805 ه و لما عزم علي السفر إلي سمرقند توفي بأجله و حينئذ جعل أخاه پير محمد ولي عهده … و كان حاكما علي قندهار و غزنة و حدود الهند و بخيانة من أمرائه و غدرهم انتقل إلي الدار الآخرة عام 809 ه.

و صفوة القول إن حكومات هؤلاء قد طفحت التواريخ بالبيان عنهم و تفصيل أحوالهم … و لم نجد اهتماما تاريخيا في عصر من العصور التالية كالاهتمام بهم و تدوين وقائعهم … كما أن العناية بالعلماء، و حمايتهم لهم، مما دعا أن يروج سوق العلم … و نري اشتهار جملة صالحة من

العلماء برزت في مختلف الفروع.. و مؤلفاتهم شاهدة في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 311

درجة الرغبة و رواج سوق العلم.. و أظن أن هذا كاف في التعريف بمجمل أحوال تيمور و أخلافه …

وفيات
1- جمال الدين عبد اللّه النحريري:

في هذه السنة (سنة 807 ه) توفي جمال الدين عبد اللّه بن محمد ابن إبراهيم بن إدريس بن نصر النحريري المالكي ولد سنة 740 ه و اشتغل بالعلم بدمشق و بمصر و سمع من الظهير بن العجمي و غيره ثم ناب في الحكم بحلب ثم ولي قضاء حلب سنة 67 ثم أراد الظاهر إمساكه فهرب إلي بغداد فأقام بها علي صورة فقير فلم يزل هناك إلي أن وقعت الفتنة اللنكية ففر إلي تبريز ثم إلي حصن كيفا فأكرمه صاحبها فأقام عنده و كان صاحب الترجمة يحب فقهاء الشافعية و تعجبه مذاكراتهم ثم رجع إلي حلب ثم توجه إلي دمشق سنة 806 ه فحج و رجع قاصدا الحصن و كان إماما فاضلا فقيها يستحضر كثيرا من التاريخ و يحب العلم و أهله و كان من أعيان الحلبيين. توفي بسرمين راجعا من الحج بكرة يوم الجمعة 12 ربيع الأول.

2- الشيخ شرف الدين عبد المنعم البغدادي:

و فيها توفي شرف الدين عبد المنعم بن سليمان بن داود البغدادي ثم المصري الحنبلي ولد ببغداد و قدم إلي القاهرة و هو كبير فحج و صحب القاضي تاج الدين السبكي و أخاه الشيخ بهاء الدين و تفقه علي قاضي القضاة موفق الدين و غيره و عين لقضاء الحنابلة بالقاهرة فلم يتم ذلك و درس بمدرسة أم الأشرف شعبان و بالمنصورية و ولي إفتاء دار العدل و لازم الفتوي و انتهت إليه رياسة الحنابلة بها و انقطع نحو عشر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 312

سنين بالجامع الأزهر، يدرس و يفتي و لا يخرج منه إلا في النادر و أخذ عنه جماعات و توفي بالقاهرة في 18 شوال.

و في الضوء اللامع تفصيل عن ترجمته و تنبيه لما وقع

به المترجمون قبله من الغلط في ذكر اسم أبيه و جده. و ترجمته في الأنباء و لم يزد عل هؤلاء المترجمين …

3- جلال الدين عبد اللّه الأردبيلي:

و فيها توفي جلال الدين عبد اللّه بن عبد اللّه الأردبيلي الحنفي لقي جماعة من الكبار بالبلاد العراقية و غيرها و قدم القاهرة فولي قضاء العسكر و درس بمدرسة الأشرف بالتبانة و غير ذلك. توفي في أواخر شهر رمضان.

حوادث سنة 808 ه- 1405 م

السلطان أحمد و بغداد:

مرت حوادث السلطان أحمد و الأمير قرا يوسف و حروبهما مع تيمور و أمرائه فلم يستقر لهما قرار في الأنحاء العراقية فمال كل منهما بحياله و ذهب إلي مصر و كان خروج السلطان أحمد يوم الخميس 5 المحرم سنة 806 ه إلا أن سلطان مصر نظرا للاتفاق الحاصل بينه و بين الأمير تيمور أمر بحبسهما حينما وردا إليه منهزمين و اعتقلهما في إحدي القلاع و لم يمنع أحدهما عن الآخر..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 313

و بينا الأمير تيمور كان عازما علي غزو الصين و الخطا إذ وصل إليه قاصد من سلطان مصر و معه كتاب مضمونه أن السلطان أحمد و قرا يوسف من هيبة العساكر السلطانية (جيش تيمور) قد التجأ إلينا و قد حبسناهما و أرسلنا الخبر بذلك لاستطلاع الرأي الشريف بما يأمر فكتب في الجواب أن السلطان أحمد يقيد و يرسل إلينا و أما قرا يوسف فيحز رأسه و يبعث إلينا أيضا.

و قبل أن يرسل قاصد مصر علم أن قد توفي تيمور في طريقه إلي الصين و الخطا فلم ينفذ مرغوب تيمور في حق المذكورين … و أثناء بقائهما بمصر ولد لقرا يوسف ابن سمي پير بوداق كان يتعهده السلطان أحمد و هناك تعاهدا إن أنجاهما اللّه تعالي من هذا القيد و أقبل عليهما الدهر مرة ثانية فيكونان متفقين، متحدين، و الأساس المتفق عليه هو جعل بغداد للسلطان أحمد و حكومة تبريز للأمير

قرا يوسف ثم إن قرا يوسف رأي رؤيا مؤداها أن الأمير تيمور أعطي له خاتما من خواتيمه فقصها علي السلطان أحمد فكان تعبيره لها أنه سينال قطرا من الأقطار التي يملكها تيمور …

مضت مدة علي اعتقالهما ثم جاءت الأخبار إلي مصر بوفاة الأمير تيمور و حينئذ أفرج عنهما سلطان مصر و أنعم عليهما بإنعامات وافرة و أن الأمير قرا يوسف كان قد بقي من جماعته ثلة كبيرة و عند ما كان يسير راكبا يظهر بعين الجلال و الأبهة فكره المصريون منه ذلك و أنكروا عليه تيهه فشعر بالأمر و عندئذ استأذن السلطان بالذهاب فأذن له فسار هو و من معه مسرعين إلي ديارهم مع أهليهم و جاؤوا إلي ديار بكر و قد لقوا عناء في طريقهم من حراس القلاع إلا أنهم لم يبالوا و ظفروا في كل المعارك التي حدثت بينه و بينهم أثناء مرورهم. وصلوا الفرات و تقدموا إلي ديار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 314

بكر و هناك حصل بين الأمير قرا يوسف و بين الملك شمس الدين حاكم أخلاط و تفليس محبة كاملة لحد أن الملك تزوج بنت قرا يوسف. ثم إن قرا يوسف بإيعاز من الملك جهز جيشا إلي حدود وان … و نهب هناك غنائم وافرة … و قد التحق به جميع قبائل التراكمة إلي أن استولي علي أونيك …

أما السلطان أحمد فإنه بعد خروج قرا يوسف لم يعبأ به أحد و عاد إلي أنحاء الشام بيأس و من هناك توجه إلي ديار بكر و منها جاء إلي الحلة و من ثم مال إليه أعوانه السابقون و من كان كارها حكومة تيمور فشاع أمر وصوله إلي العراق و ذاع في

الأطراف هناك. و من ثم ظهرت الأراجيف في بغداد و صاروا يتحدثون بذكره و من جراء ذلك اضطرب أمر حاكم بغداد و هو دولة خواجة إيناق و خاف أن يبقي فترك حكومة بغداد و التجأ إلي معكسر الميرزا عمر و بعد مضي أسبوع من ذهاب دولة خواجة عاد السلطان إلي وطنه السابق و جلس علي سرير الحكم ببغداد يوم الخميس 5 المحرم سنة 808 ه.

و في أواخر سنة 808 ه كان قد شغل ميرزا أبو بكر بمحاربة أصفهان من جهة و من جهة أخري أن الشيخ إبراهيم الشيرواني دخل تبريز ذلك ما دعا إلي اضطراب الحالة و اقتضي صد غوائل هؤلاء مما جعل السلطان أحمد في مأمن من العوادي بل تأهب لمقارعات جديدة.

و قوي أمله في استعادة باقي ملكه استفادة من هذا التشوش.

السلطان علاء الدولة و الأمراء معه:

كان الأمير تيمور أثناء حروبه في العراق قد أخذ أسري من جملتهم السلطان علاء الدولة ابن السلطان أحمد و حاجي باشا و معه اتباع كثيرون و لهم أولاد و أشياع و كان كبيرهم حاجي باشا المذكور. أما السلطان خليل فإنه أفرج عنه و عمن معه و جعله ذا مكانة فاتفق هؤلاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 315

جميعا أن يخرجوا من سمرقند و يذهبوا إلي العراق و صاروا تحت امرة حاجي باشا فخرجوا في جنح من الليل ليلة الاثنين غرة شوال هذه السنة (سنة 808 ه) و جدّوا في سيرهم لما علموا أن السلطان أحمد ولي بغداد و حصل علي حكومتها … فتركوا ما وراء النهر و مالوا نحو العراق …

فقطعوا جيحون و وصلوا إلي خراسان و من ثم انفرط نظامهم فتقطعوا في البلاد قبل وصولهم إلي العراق … و أين بغداد

من توران؟!..

و علي كل وصل علاء الدولة إلي آذربيجان إلي الأمير قرا يوسف.

فرحب به و تلقاه بإعزاز و إكرام … إلا أنه رأي منه بعض ما يكره و كان يحاول أن يستولي علي بعض المدن هناك بمن معه فألقي القبض عليه و اعتقله …

وفيات
1- ابن خلدون:

في هذه السنة يوم الأربعاء لأربع بقين من رمضان سنة 808 ه توفي ابن خلدون المؤرخ المشهور، و كنا عولنا علي تاريخه باعتباره مرجعا لتاريخنا فإنه خصوصا في حوادث هذه الحكومة من المعاصرين و هو عمدة إلا أن النسخة المطبوعة لم يعتن الطابعون في ضبط أعلامها … و إنما تحتاج إلي تحقيق و تثبيت … أما المترجم فقد ذكر عنه صاحب الضوء اللامع ما يدل علي الذم و المدح.. و المعاصرون لا يخلون من تأثر … نري الهيتمي يبالغ في الغض منه و ينقل أنه ذكر الحسين بن علي رضي اللّه عنهما في تاريخه فقال قتل بسيف جده، و قال صاحب رفع الإصر لم توجد هذه الكلمة في التاريخ الموجود الآن..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 316

و كان المقريزي يفرط في تعظيم ابن خلدون لكونه كان يجزم بصحة نسب بني عبيد خلفاء مصر المعروفين (بالفاطميين) قال صاحب الضوء اللامع و كان صاحبنا ينتمي إلي الفاطميين … لكونه أثبت نسبهم و غفل عن مراد ابن خلدون فإنه كان لانحرافه عن آل علي يثبت نسب الفاطميين إليهم لما اشتهر من سوء معتقد الفاطميين و كون بعضهم نسب إلي الزندقة و ادعي الإلهية كالحاكم و بعضهم في الغاية من التعصب لمذهب الرفض حتي قتل في زمانهم جمع من أهل السنة، و كان يصرح بسب الصحابة في جوامعهم و مجامعهم فإذا كانوا بهذه المثابة

و صح أنهم من آل علي حقيقة التصق بآل علي العيب، و كان ذلك من أسباب النفرة عنهم..

و قال في الأنباء عن ابن خلدون أنه صنف التاريخ الكبير.. و ظهرت فيه فضائله و أبان فيه عن براعته و لم يكن مطلعا علي الأخبار علي جليتها لا سيما أخبار المشرق و هو بين لمن نظر كلامه … قال في الضوء: و طوّل المقريزي في عقوده ترجمته جدا … و هو ممن يبالغ في إطرائه و ما هو إلا من المصنفات التي سارت ألقابها بخلاف مضمونها.

و الملحوظ أنه عالم، مؤرخ فحل لو لا أنه مشبع بفكر الشعوبية و آرائهم بسبب أن الحكومات آنئذ بيد غير العرب و أن تاريخه مملوء غلطا في اعلامه من النساخ.. إلا أن نظراته في السياسة العشائرية كانت نتيجة بحث و تدقيق زائد و مزاولة للموضوع من جميع أطرافه … فهو خير وثيقة لتقدير قيمة المباحث العشائرية.. و مضت بعض التصحيحات لأعلامه المتعلقة بالعراق و ألفاظ المغول و التتر..

2- أمير العرب نعير بن حيار:

نعير أمير العرب بنون و مهملة مصغر هو محمد بن حيار بالمهملة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 317

المكسورة ثم التحتانية الخفيفة ابن مهنا بن عيسي بن مهنا بن مانع بن حديثة الطائي، أمير آل فضل بالشام يلقب شمس الدين و يعرف بنعير، ولي الأمر بعد أبيه و دخل القاهرة مع يلبغا الناصري و لما عاد الطاهر من الكرك وافق نعير منطاش في الفتنة المشهورة و كان مع منطاش لما حاصر حلب ثم راسل نعير نائب حلب إذ ذاك كتبغا في الصلح و تسليمه منطاش ثم غضب برقوق علي نعير و طرده من البلاد فأغار نعير علي بني عمه الذين قرروا بعده و طردهم

فلما مات برقوق أعيد نعير إلي إمرته ثم كان ممن استنجد به دمرداش … فقتل في حلب في شوال من هذه السنة و قد نيف علي السبعين. و كان شجاعا، جوادا، مهيبا، إلا أنه كان كثير الغزو و الفساد و بموته انكسرت شوكة آل مهنا. ولي بعده ولده العجل.

حوادث سنة 809 ه- 1406 م

استيلاء السلطان أحمد علي تبريز:

إن السلطان أحمد لم يقف عند بغداد أو الاكتفاء بها و قد رأي الحالة مضطربة و الفتن قائمة علي قدم و ساق، و وجد الفرصة سانحة لاستعادة ملكه المغصوب فنشط للأمر في أواخر سنة 808 ه و جمع إليه الكرد و الأويرات و سائر الأتراك هناك و سار بهم إلي تبريز و في المحرم من سنة 809 ه ذاع خبر ذلك و وصل إلي سمع الأمير الشيخ إبراهيم الشرواني و كان استولي عليها قبل هذا فقرر بالاتفاق مع أمرائه أن هذه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 318

شاه رخ ميرزا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 319

المدينة عاصمة السلطان أحمد و آبائه و أجداده و نحن من قديم الزمان مرتبطون معهم بمحبة و ولاء و لم يكن مجيئنا إلي هذه المدينة إلا لرفع الظلم، و انقاذ المدينة من التعديات … و لما جاء صاحبها إليها و توجه نحوها فالأجدر بنا أن نعود إلي وطننا شروان فرجع فعلا إلي وطنه المذكور.

و في أواخر هذا الشهر وافي السلطان أحمد إلي عاصمته الأولي (تبريز) فاستقبله الأهلون و أظهروا الفرح بوروده و زينوا المدينة و احتفلوا احتفالا باهرا … و كان يحسب الأهلون أن قد أقلع السلطان عن أعماله السابقة لما ناله من الغربة و النكبات. إلا أنهم لم يلبثوا أن رأوه بعد قليل ركن إلي ما توهموا أنه أقلع

منه … فصار يقضي غالب أوقاته في الملاهي و الملاذ …

فلما تبين للأهلين سوء أعماله هذه مال أكثر الأعيان و الأمراء إلي ميرزا أبي بكر و في هذا الوقت ائتلف الميرزا مع الأصفهانيين و عقد معهم صلحا فأمن غائلتهم و حينئذ سار إلي تبريز لمقارعة السلطان أحمد.. و عند ما علم السلطان بذلك استولي عليه الرعب و لم يستطع البقاء في تبريز و مضي إلي أنحاء بغداد … و في 8 ربيع الأول من تلك السنة دخل الميرزا تبريز بلا مقاومة و لا حرب..

و حينئذ سمع أن قرا يوسف قد اكتسح مدينة أونيك و غنم منها غنائم كثيرة فصمم علي حربه … و توجه لجانبه فوقعت بينهما معركة دامية انتهت بهزيمة الميرزا أبي بكر.. فمضي توا إلي مرند … و صار اتباعه لا يمرون ببلد إلا نهبوه و هكذا فعلوا بتبريز و لما وردها ظن أن التراكمة هناك فذعر و ذهب رأسا إلي السلطانية. ثم إن قرا يوسف جاء إلي نخچوان.. و شتي في نواحي مرند. و في شهر جمادي الثانية سنة 809 ه ورد إلي قرا يوسف الأمير بسطام جاكير فنال منه منصب أمير الأمراء. و كذلك حصل سائر الأمراء كل واحد منهم علي ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 320

يليق به.. فأرضي الوضيع و الشريف …

إن قرا يوسف كان قد أعلن السلطنة لابنه بمناسبة أن تبريز كانت عاصمة السلطان أحمد و أن هذا السلطان كان قد تبني پير بوداق بن قرا يوسف فكان الأولي بها. فأذاع ذلك في الأطراف و ضربت السكة باسمه و قرئت له الخطبة كما أنه أرسل قاصدا إلي السلطان أحمد يقول له إنك قد تبنيت پير بوداق بسبب

أنك ربيته فالآن أجلسته علي سرير الملك..

و حينئذ رحب السلطان أحمد بالقاصد و أبدي رضاه و قدم له الهدايا السلطانية و دام الصفاء بين الاثنين علي ما جرت به العهود لمدة …

وفيات
1- شهاب الدين أحمد البغدادي الجوهري:

و في هذه السنة توفي الشيخ شهاب الدين أحمد بن عمر بن علي بن عبد الصمد البغدادي الجوهري، ولد سنة 725 ه و قدم من بغداد قديما مع أخيه عبد الصمد فسمعا من المزي و الذهبي و داود بن العطار و غيرهم و سمع بالقاهرة من شرف الدين بن عسكر و كان يحب التواجد في السماع مع المروءة التامة و الخير و المعرفة التامة بصنف الجواهر. قال ابن حجر قرأت عليه سنن ابن ماجة بجامع عمرو بن العاص و قرأت عليه قطعة كبيرة من طبقات الحفاظ للذهبي و قطعة كبيرة من تاريخ بغداد للخطيب مات في ربيع الأول و قد جاوز الثمانين و تغير ذهنه قليلا … كذا في الشذرات و مثله في عقد الجمان. و قال في الضوء اللامع «كان شيخا وقورا، ساكنا حسن الهيئة محبا في الحديث و أهله، عارفا بصناعته جميل المذاكرة به علي سمت الصوفية …» ا ه. و مثله في الأنباء أيضا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 321

2- صاحب الموصل:

توفي صاحب الموصل طور علي بك التركماني. و أصله من آق قوينلو و ملك بعده ابنه قطلي بك الموصل و ديار بكر و آذربيجان و ماردين و الرها و من جراء انفصال الموصل عن حكومة العراق صارت لا تذكر فكأنها نسيت و في هذا تقصير من المؤرخين و إهمال لشأن أجزاء المملكة.

3- شيخ زاده الخرزياني:

بفتح الخاء المعجمة و سكون الراء و كسر الزاء بعدها.. الشيخ العالم الفاضل توفي يوم الأحد سلخ ذي القعدة سنة 809 ه و دفن في تربة شيخون عند الشيخ أكمل الدين في الخانقاه التي في صليبة جامع ابن طولون. و كان رجلا فاضلا في العلوم و خصوصا في علم الهيئة و الحكمة و المعقول. و له فيها تصانيف منها شرح كتاب العين في الحكمة و غير ذلك و كان السلطان الظاهر طلبه من بغداد و ولاه مشيخة خانقاه شيخون و لم يزل بها إلي أن أخرجه كمال الدين بن العديم بالعسف و بذل الدنيا عند بعض الظلمة …

و من هنا نري أن علماء بغداد في هذا العصر كانوا يطلبون من الأقطار فأفادوا في ثقافتها كثيرا. فكان أكابر العلماء منهم أو ممن تخرج عليهم أو أخذ منهم …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 322

حوادث سنة 810 ه- 1407 م

وفيات
وفاة صاحب الموصل: (قطلي بك):

في هذه السنة توفي صاحب الموصل قطلي بك و ملك بعده عثمان بك و يلقب بقرا أيلوك (قرا يلك) لأنه كان أسمر اللون. و في شبابه يحلق وجهه فلقب بذلك.

حوادث سنة 811 ه- 1408 م

وفيات
وفاة شاعر موصلي:

في هذه السنة توفي الشاعر أحمد بن أبي الوفاء الموصلي.

حوادث سنة 812 ه- 1409 م
بين السلطان أحمد و قرا يوسف:

كان كل من السلطان أحمد و الأمير قرا يوسف قد التزم العهود التي تحالفا عليها و مضوا جميعا بمقتضاها قال الغياثي:

«ثم إن السلطان أحمد مكث ببغداد بعد ذلك خمس سنوات و عزم إلي شوشتر (تستر) و أجلس مكانه ببغداد أحد أمرائه فغضب ولده علاء الدولة و انهزم فاتفق مع كيمرز ابن الشيخ إبراهيم الشرواني حاكم الدربند و شروان و ساروا إلي تبريز. و في بعض الأخبار أن السلطان أحمد أرسله

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 323

من غير هرب.. و كان قرا يوسف آنئذ قد عزم إلي أرزنجان و لم يكن في تبريز سوي أميره «داروغه» و معه نحو ثلاثمئة نفر و حينئذ خرجوا من البلد و هربوا فلما سمع علاء الدولة و من معه طرحوا عنهم أهبة الحرب و ساروا مطمئنين فاجتازوا عليهم و لم يشعروا بهم و هم في كهف الجبل فنظر التركمان إليهم فصبروا حتي جاز العسكر فلما وصل علاء الدولة بنفسه و كيمرز وثب عليهم نحو مائة نفر من التركمان … و ألقوا القبض علي علاء الدولة و كيمرز فانكسر العسكر و انتهبه التركمان و جاؤوا بالأميرين إلي البلد مقبوضا عليهما. فلما عاد الأمير قرا يوسف و حضر البلد سجن علاء الدولة في جب (عادل جواز) قرب آذربيجان. أما كيمرز فإنه بقي عنده مدة و تنصل هو و أبوه مما صدر منهم و اعتذروا فقبل المعذرة و خلي سبيله. و أما علاء الدولة فكلما اعتذر أبوه لم تقبل معذرته لما تحقق عنده من غدرهم فلما طالت المدة و لم يجد الاعتذار و التشفع في ولده و لم يبال بالتحف التي أرسلها

إليه و تعند في أن لا يطلق سراحه و لا يفرج عنه عزم السلطان أحمد السير إلي تبريز» ه..

و أما حبيب السير فقد جاء فيه: «إنه حصلت مؤخرا بعض الأمور التي أدت إلي النفرة بينهما و ذلك أن علاء الدولة قد تخلص من أسر سمرقند و جاء إلي آذربيجان فتلقاه الأمير قرا يوسف بإعزاز و إكرام.. ثم رخصه في الذهاب إلي أبيه … إلا أنه نظرا لما علق في ذهنه من بعض الخيالات رجع من طريقه … و لما كان الأمير قرا يوسف في خوي قد لف حوله شرذمة من الأشرار و عاد إليها فسمع قرا يوسف بذلك و أمر حاكمه في تبريز بإلقاء القبض علي علاء الدولة و ألقي معتقلا في قلعة عادل جواز..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 324

وصل هذا الخبر إلي السلطان في بغداد فأمر بإحكام سور بغداد و أبراجها، و أرسل قاصدا إلي قرا يوسف و إلي ابنه پير بوداق و ذكر أنه يريد أن يصيف الربيع القادم في أنحاء همذان بسبب ضعف مزاجه و وجود الحر هنا و لم يبحث عن ابنه علاء الدولة فتلقي قرا يوسف هذا ببرودة و لم يلتفت إليه بل تأثر و في موسم الربيع توجه قرا يوسف بقصد التصييف إلي الأطاق (الأطاغ) و ضبط تلك البلدة ثم ذهب إلي حدود أرجيش و عادل جواز. أما السلطان أحمد فإنه ذهب بأبهة إلي همذان بقصد التصييف هناك … و في الأثناء ظهر امرؤ يسمي (أويس) يدعي أنه ابن السلطان فجمع إليه أناسا و أحدث غائلة هناك فاضطر السلطان أحمد إلي العودة فعاد و رفع هذه الغائلة فقتل هذا المدعي و من معه من أهل الشغب (سنة

812 ه) …» ا ه.

وفيات
وفاة شاعر بغدادي:

في هذه السنة (سنة 812 ه) توفي الشاعر نصر اللّه البغدادي.

حوادث سنة 813 ه- 1410 م

وفاة السلطان أحمد سفر السلطان أحمد إلي تبريز: (وفاته)

و في الشتاء من (عام 812 ه) كان قرا يوسف في تبريز فعلم بظهور تعرض من قرا عثمان نحو ولاية أرزنجان و كان الحاكم بها طهرتن فسارع الأمير قرا يوسف إلي تلك البلدة. فلما علم السلطان أحمد بذلك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 325

انتهز الفرصة فجيش جيشا عظيما من بغداد و سار به في المحرم سنة 813 ه إلي تبريز و إن شاه محمد النجوي فر من وجه السلطان و كان قائما مقام الأمير قرا يوسف فدخل تبريز في غرة ربيع الأول دون مقاومة من أحد فإن الشاه محمد النجوي الذي كان حاكمها انهزم.

ثم إن الأمير قرا يوسف فتح أرزنجان بطريق المصالحة و عين نائبا عنه پير محمد عمر. و لما وصل إليه خبر دخول السلطان تبريز رجع فعلم السلطان بعودته فاستعد لحربه و في يوم الجمعة 28 ربيع الآخر من السنة المذكورة وقع بين الجانبين في منخفضات غازان مقاتلة أسفرت عن تغلب الأمير قرا يوسف و انهزام السلطان أحمد إلي المدينة …

و في أثناء هزيمته ضربه تركماني فوقع من فرسه، فانتزع منه أسلحته و ثيابه و تركه و شأنه فاضطر السلطان أن يسلك من ممر ماء إلي بستان هناك فعرفه شيخ اسكافي و أسرع إلي خدمته و قال له: أيها السلطان ما هذه الحال فأجابه عليك بالسكوت و لا تفش سري. لأن اتباعنا في هذه المدينة كثيرون و عند ما يحل الليل أذهب إليهم و أحصل منهم علي ما احتاجه من الذهب و الخيل. و سأراعيك عند وصولي إلي بغداد و أمنحك مقاطعة بعقوبة. فقبل الشيخ الأسكافي منه هذا الوعد و انصرف

إلي بيته و كان لهذا الشيخ امرأة عجوز تزعم أن لها مهارة في أمور مختلفة …

كالطالع و الأخبار بالمغيبات فلما قص عليها ما وقع و طلب منها بيان ما هو الصالح شرعت في أخذ المال و قالت: بيننا و بين بعقوبة مسافة بعيدة و لا يجدينا النفع من هذا الطريق فالأولي أن ننتهز الفرصة ليلا وقت اجتماع الناس عند السلطان و قبل أن يفرط من أيدينا الأمر و تذهب إلي قرا يوسف فتخبره بأمر السلطان و تحصل منه علي ما يرضيك أو يغنيك لقاء هذه الخدمة … فوقع كلام العجوز منه موقع القبول و استصوب ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 326

استنتجته و ذهب إلي الأمير قرا يوسف و بين له وضع السلطان أحمد و ما هو عليه فأمر قرا يوسف حالا جماعة من معتمديه لإلقاء القبض علي السلطان فنفذوا الأمر و ألقوا القبض علي السلطان و ألبسوه ثيابا بالية و علي رأسه طاقية ممزقة و أتوا به إلي الأمير فقام الأمير قرا يوسف تعظيما له و أجلسه بجنبه فتكلم معه بكلمات خشنة و عاتبه علي نقضه العهد لما كان بينهما من المواثيق …

ثم أمر قرا يوسف بإجلاس السلطان في صف النعال و كلفه أن يكتب بخطه صكا بإيالة آذربيجان إلي ابنه پير بوداق، و آخر في حكومة بغداد إلي شاه محمد. و حينئذ قام الشاه محمد من مجلسه هذا و سار توا إلي بغداد دار السلام و لم يكن في النية أن يتعرض للسلطان إلا أن أمراء بغداد ألحوا كثيرا في القضاء عليه فأثروا عليه و حينئذ أغمض عن قتله فقتل … و لم يتول هو ذلك و دفن بجنب أخيه السلطان حسين

الذي كان قتله سابقا. و أما علاء الدولة الذي هو من أولاد هذا السلطان و الذي كان معتقلا في قلعة عادل جواز فقد قتل أيضا.

ترجمة السلطان أحمد (سنة 784- 813 ه):

إن ترجمة هذا السلطان من أغرب التراجم، ناضل عن عرش العراق و جالد بكل ما أوتي من همة، و ما استطاع من تدبير … و لو لا ظهور تيمور بصورة جبارة و قضائه عليه مرارا و عودته الكرّة تلو الأخري …

لكان له شأن في تاريخ ملوك العراق … نفسه وثابة لا تعرف الكلل، و لا تخمدها الكوارث و لا المخذوليات … و لسان حاله ينطق:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 327

يا نفس من همّ إلي همة فليس من عب ء الأذي مستراح

أما فتي نال العلي فاشتفي أو بطل ذاق الردي فاستراح

و المؤرخون أكثروا القول فيه من نواح عديدة … علاقاته بالمجاورين، و حرصه علي العراق، و ملاذه و شهواته و أظن هذه مبالغا فيها و جاءت من طريق أعدائه الناقمين عليه و تنديداتهم لترويج سياسة الحكومة المناضلة له و المعادية (حكومة قرا يوسف) أو بيان سبب مخذوليته … و علي كل كان يطمح في التوسع و يحاول بسطة في الملك … فلا يعرف الكلل و لم يصبه توان أو خطل … فهو في الحقيقة يعد من أكبر ملوك العراق في هذه الأعصر … إلا أنه لم يجد راحة من أمرائه، و لا رأي طمأنينة من الخارج لينال العراق في أيامه خيرات جمة … و أساسا لم تبق معالم للسابقين من أهل الحكومات قبله إلا القليل.

و جاء في الشذرات عنه:

«إنه ملك بعد موت أخيه الشيخ حسين بن أويس سنة 784 ه و كان سلطانا فاتكا، له سطوة علي الرعية، مقداما، شجاعا،

مهابا، سفاكا للدماء و عنده جور و ظلم علي أمرائه و جنده و كانت له مشاركة في عدة علوم و معرفة تامة بعلم النجامة و يد في الموسيقي يجيد في تأديته إجادة بالغة الغاية منهمكا في اللذات التي تهواها الأنفس، فأكرمه برقوق غاية الإكرام و أنعم عليه أجل الأنعام و أعطاه تقليد نيابة السلطنة ببغداد … ثم سار إلي بغداد فدخلها … و بعد وفاة تيمور صار بها حاكما علي عادته إلي أن تغلب قرا يوسف علي التتار (آل تيمور) و أخذ منهم تبريز و ما والاها فوقع الخلف بينه و بين ابن أويس فتقابلا للقتال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 328

فكانت الكرة علي ابن أويس و أخذ أسيرا ثم قتل يوم الأحد آخر ربيع الآخر» ا ه بتلخيص.

و جاء في الضوء عنه كلام طويل و تعداد لوقائعه و علاقته بملك مصر (الظاهر برقوق) و حروبه لاستخلاص بغداد مرارا … قال:

«ثم تنازع هو و قرا يوسف فكانت الكسرة عليه فأسره و قتله خنقا في ليلة الأحد سلخ ربيع الآخر سنة 813 ه و طول شيخنا (ابن حجر) ذكره في أنبائه، و أنه سار السيرة الجائرة و قتل في يوم واحد ثمانمائة نفس من الأعيان قال: و كان سفاكا للدماء، متجاهرا بالقبائح و له مشاركة في عدة علوم كالنجوم و الموسيقي، و له تتبع كبير بالعربية و غيرها و كتب الخط المنسوب مع شجاعة و دهاء و حيل و صحبة في أهل العلم، و كذا طول المقريزي في عقوده، و ابن خطيب الناصرية ترجمته و قال إنه كان حاكما عارفا مهيبا؛ له سطوة علي الرعية، فتاكا منهمكا علي الشرب و اللذات، له يد طولي في

علم الموسيقي». ا ه.

و جاء في تاريخ الجنابي عنه ما نصه:

«كان ذا فهم لطيف، و إدراك حسن إلا أنه كان غدارا، ظلوما،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 329

سفاكا يتجاهر بالقبائح، و له مشاركة في عدة علوم، و الموسيقي، و علم براية السهم و القوس و صنعة الخاتم و له شعر كثير بالعربية و الفارسية، و كتب الخط المنسوب، و كانت له شجاعة و دهاء و ميل و محبة في أهل العلم.. دس إليه قرا يوسف من قتله في آخر ربيع الآخر لسنة 813 ه، و كان انكساره في 18 ربيع الآخر..» ا ه.

و لم نعثر علي نقود له في أيامه إلا قليلا منها قطعة ذهبية مضروبة في بغداد مؤرخة سنة 790 ه كتب في أحد وجهيها (ضرب بغداد) و في أطرافه كتب بخط كوفي و بشكل مربع (لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه) و (أبو بكر، عمر، عثمان، علي) و في ظهرها في الأركان بالتوالي (سنة، تسعين، و سبعمائة) و في الوسط (السلطان الأعظم، سلطان أحمد بهادر خان خلد اللّه ملكه) في ثلاثة أسطر و له نقد فضي ضرب في إربل، و آخر في بغداد، و كذا في تبريز؛ و في الحلة و كلها لا يقرأ تاريخها.. و في الموصل و العمادية و واسط ممسوحة لا يقرأ تاريخها. و له نقود أيام حكومته الثانية منها ما هو موجود في المتحفة البريطانية …

و كان قد أثني عليه حافظ الشيرازي المتوفي سنة 791 ه صاحب الديوان الفارسي المعروف «بديوان حافظ» المتداول بين الناس.

و الحاصل قد انقرضت حكومة الجلايرية من بغداد و العراق بعد وفاته بقليل و صارت بقاياها في تستر لمدة بعد أن قاومت في

بغداد بعض المقاومة كما سيجي ء …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 330

وفيات
1- شمس الدين محمد البغدادي الزركشي:

في هذه السنة (813 ه) توفي شمس الدين محمد بن سعد الدين ابن محمد بن نجم الدين محمد البغدادي نزيل القاهرة الزركشي مهر في القرانات (في عقد الجمان في القراءات) و شارك في الفنون (في عقد الجمان في الفتوي) و تعاني النظم و له قصيدة حسنة في العروض و شرحها، و نظم العواطل الحوالي ست عشرة قصيدة علي ستة عشر بحرا ليس فيها نقطة. و سمع منه ابن حجر و سمع هو أيضا من ابن حجر و رافقه في السماع، و جرت له في آخر عمره محنة و توفي في ذي الحجة.

2- قتلة صاحب الموصل:

و قتل في هذه السنة صاحب الموصل قرا عثمان بك و ملك بعده ابنه حمزة بك …

حوادث سنة 814 ه- 1411 م

الشاه محمد- فتح بغداد: (5 المحرم سنة 814 ه):

من حين قتل السلطان أحمد سار الشاه محمد إلي بغداد بقصد الاستيلاء عليها إلا أنه لم يتم له ذلك إلا في أول سنة 814 ه و كانت بقايا الجلايرية هناك فحاصرها والي بغداد آنئذ (بخشايش) من أمراء السلطان أحمد نصبه حينما ذهب لمحاربة الأمير قرا يوسف.. و لما علم بقتل السلطان أحمد طلب من دوندي سلطان بنت السلطان أويس أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 331

يتزوج بنتها فلم تستطع مخالفته و أجابته علي ما طلب و عمل لها عرسا عظيما ثم شرب إلي نصف الليل و قام ليجي ء إلي القلندر خانة و يدخل إلي العروس فلما حط رجله في الركاب ليذهب و إذا قد ضرب عنقه و جعل رأسه علي رمح و جثته علي الفرس و واحد خلفه قد أمسكه و الرأس قدام الفرس علي الرمح و الدفوف أمامه تضرب إلي الصبح و قتل آخرون غيره بإشارة السلطانة عن لسان السلطان أحمد.. و دوندي هذه هي بنت السلطان أويس زوّجها السلطان أحمد في حياته من ابن أخيه شاه ولد ابن الشهزاده شيخ علي فولدت منه ثلاثة بنين و هم محمود و أويس و محمد و ثلاث بنات ثم توفي.

أما أهل بغداد فإنهم أشاعوا أن السلطان أحمد لا يزال حيا و أنه لم يمت و أصروا علي الحصار و لم يسلموا البلد بترتيب من دوندي سلطان و طالت مدة الحصار إلي أن عجزت الخاتون عن ضبط البلد و تحقق الجميع أن الإشاعات بورود الأخبار عن السلطان أحمد ليس لها نصيب من الصحة، و أن السلطان أحمد قتل.. ففي

هذه الأثناء أمرت دوندي سلطان بتزيين البلد و أن السلطان كان مختفيا و أنه سيخرج. فزينوا البلد كما أن الشاه محمد مل من طول الإقامة علي الحصار دون جدوي فرجع و نزل بعقوبة ليرجع إلي تبريز فتم التزيين لمدة ثلاثة أيام و الناس مشغولون في أمره فانسلت السلطانة ليلا مع أولادها الستة و أموالها و رجالها و انحدرت في السفن إلي واسط و منها توجهت إلي تستر فلما أصبح الناس رأوا الخاتون قد رحلت و حينئذ قام أكابر البلد و مضوا إلي الشاه محمد ببعقوبة و دعوه إلي البلد و أخبروه بأن الخاتون قد ذهبت فدخل نهار الخميس قبل الظهر في 5 المحرم سنة 814 ه و حينئذ نهب التركمان بغداد يوما واحدا و استقر شاه محمد ببغداد إلا أن الأراجيف و الإشاعات كانت تدور حول مجي ء السلطان أحمد فقتل الشيخ أحمد السهروردي و ابنه من جراء الإذاعات المذكورة و الاتهام بها فإن الابن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 332

صالح قد قدم قائمة إلي الشاه محمد بأسماء المرجفين و بينهم والده الشيخ أحمد السهروردي فأمره بقتل أبيه ثم أمر بقتله أيضا و مزق القائمة و سكنت الفتنة …

و من هذا التاريخ ابتدأت سلطة (القراقوينلو) في العراق …

وفيات
1- إبراهيم بن محمد الموصلي:

في هذه السنة توفي إبراهيم بن محمد بن حسين الموصلي ثم المصري نزيل مكة المشرفة المالكي أقام بمكة ثلاثين سنة. و كان يتكسب بالنسخ بالأجرة مع العبادة و الورع و الدين المتين و كان يحج ماشيا من مكة و أثني عليه المقريزي و توفي بمكة.

و الظاهر أن المترجم هو إبراهيم بن أبي بكر الموصلي المذكور في الضوء اللامع قال: ترجمه شيخنا في أنبائه و صرح في أثناء

الترجمة بأنه ابن الشيخ أبي بكر الموصلي المتوفي سنة 797 ه.

2- الشاعر عبد الرحمن بن أبي الوفاء الموصلي:

و توفي في هذه السنة الشاعر عبد الرحمن بن أبي الوفاء الموصلي. و هو أخو الشاعر أحمد بن أبي الوفاء المذكور في وفيات سنة 811 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 333

نهج البلاغة- لوحة 1- خط ياقوت المستعصمي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 334

3- البدر أبو محمد حسن بن علي بن حسن بن علي التلعفري:

هو ابن القاضي علاء الدين المشرقي الأصل ثم التلعفري الدمشقي الشافعي والد محمد و عبد الرحيم و يعرف بالمحوجب، كان أبوه قاضي تلعفر من نواحي الموصل. ولد المترجم فيها، ثم ذهب إلي دمشق قبل استكماله عشر سنين مع أبيه. فاشتغل في الفقه و القراءات و العربية و الفرائض. و من شيوخه العلاء التلعفري أحد تلامذة ابن تيمية و ليس بأبيه بل هو آخر شاركه في النسبة و اللقب. و صارت له يد في القراءات و الفرائض، و براعة في الشروط مع الضبط لدينه و دنياه و الوجاهة في العدالة، ثم لزم بآخرة مسجد الخوارزمي من القبيبات إلي أن مات سنة 814 ه نحو التسعين …

بقايا الجلايرية

اشارة

إن الجلايرية في أول سنة 814 ه ساروا إلي واسط في السفن و منها مضوا إلي (تستر) فأقاموا هناك و سيطروا علي تلك الأنحاء و حاولوا استعادة بغداد فلم يمكنوا من ذلك و عد بعض المؤرخين تاريخ انقراضهم هو زوال آخر ملوكهم من الحلة …

و هذه أسماء أمرائهم و بعض النتف عن أحوالهم هناك:

1- السلطان محمود:

اشارة

و هو ابن شاه ولد ابن الشهزاده شيخ علي. و كان هذا مع إخوته في حصار بغداد ثم خرج معهم و ذهبوا إلي تستر و كان أكبرهم حكم تستر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 335

لمدة سنتين ثم توفي و جلس أخوه السلطان أويس بعده سنة 822 ه.

وفاة دوندي:

و في أيامه قامت أمه بشجاعة و قدرة لا مثيل لهما و هي التي مكنت لهم الإدارة في بغداد كما تقدم.. قال صاحب الشذرات:

«تندو (دوندي) بنت حسين بن أويس كانت بارعة الجمال و قدمت مع عمها أحمد بن أويس إلي مصر فتزوجها الظاهر برقوق ثم فارقها فتزوجها ابن عمها شاه ولد ابن شاه زاده (الشيخ علي) بن أويس. فلما رجعوا إلي بغداد و مات أحمد أقيم شاه ولد في السلطنة (الصحيح ابنه السلطان محمود) فدبرت مملكته حتي قتل و أقيمت هي بعده في السلطنة ثم ملكت تستر و غيرها و استقلت بالمملكة و صار في ملكها الحويزة و واسط يدعي لها علي منابرها و تضرب السكة باسمها إلي أن ماتت في هذه السنة (سنة 822 ه) و قام بعدها ابنها أويس بن شاه ولد … قاله ابن حجر» ا ه.

2- السلطان أويس:

حكم تستر و خوزستان. و في أول سنة 824 ه عزم علي أخذ بغداد و كان الشاه محمد حاكما بها طمعا في الاستيلاء عليها فوصل باب البلد و ضرب أصحابه الباب بدبابيس و كان ذلك في أواسط المحرم من هذه السنة إلا أن السلطان أويس سمع بتوجه اسكندر فرجع إلي تستر …

و في جمادي الأولي من هذه السنة عاد السلطان أويس و تحارب مع جهان شاه فانكسر أويس في المعركة و قتل يوم الثلاثاء 14 جمادي الأولي من السنة المذكورة. و كانت مدة حكمه في تستر ثماني

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 336

سنوات. و لكن هذا التاريخ معارض بما جاء عن المؤرخين الآخرين علي ما سيجي ء في حوادث سنة 830 ه في المجلد التالي من هذا الكتاب.

3- السلطان محمد:

و هذا ابن شاه ولد المذكور حكم تستر أيضا، وليها إثر وفاة أخيه.

فلما كانت سنة 826 ه توجه إبراهيم سلطان من شيراز إلي تستر و عند ما سمع السلطان محمد بوصوله و علم أن لا طاقة له به ترك المدينة و مضي إلي واسط و الجزائر و من هناك سار إلي الحلة، وردها يوم الاثنين 4 رجب سنة 826 ه و حينئذ خرج أميرها طورسون (درسون) و لم يتغير شي ء علي المدينة. و توجه طورسون إلي تبريز و لم يعرج ببغداد. ثم إن السلطان محمد طمع في بغداد و مضي من الحلة إليها و حاصرها من الجانب الغربي فلم يستطع أن يدخلها و رجع إلي الحلة و حكم فيها مدة سنة و توفي يوم الأربعاء 9 شعبان سنة 827 ه. فكان مجموع حكمه في الحلة و تستر ثلاث سنوات و كان وزيره تاج الدين بن حديد من

أهل الحلة و هذا توفي أيضا يوم الجمعة 4 ربيع الآخر سنة 828 ه.

4- السلطان حسين بن علاء الدولة:

و علاء الدولة هذا هو ابن السلطان أحمد. أما السلطان حسين فقد قيل إن أمه حملت به و تربي في سجن (عادل جواز) و كانت أمه من الجغتاي، و عاش عند الأمير عثمان البياندري و كان قد طلبه السلطان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 337

محمد قبل وفاته بأربعة أشهر. فلما توفي السلطان محمد حكم السلطان حسين في الحلة نهار الجمعة 10 شعبان سنة 827 ه و هو آخر السلاطين الجلايرية. و كانت سيرته رديئة بما كان عليه … فأنكر أمراؤه سوء عمله و كاتبوا إسبان فجاء و حاصره للمرة الأولي فلم يتمكن منه و رحل. و جاء ثانية و حاصره سبعة أشهر فقبض عليه في 16 المحرم سنة 835 ه و وكل به جماعة و أفهم أن يسولوا له الهرب و أن ينهزموا معه.. فلما هرب أرسل اسبان خلفهم فقبضوا عليه و قتلوه في 3 ربيع الأول سنة 835 ه و كانت مدة حكمه في الحلة سبع سنوات و نصف. و كان وزيره عبد الكريم بن نجم الدين من أهل النيل و هذا توفي ليلة الثلاثاء 18 شوال سنة 830 ه و كان له من صلبه خمسة عشر ابنا و سبع بنات. و ولي الوزارة بعده شهاب الدين في 16 ربيع الآخر سنة 832 ه و شنقه السلطان علي باب التمغا و ولي بعده أخاه نظام الدين.

و في الضوء اللامع:

«حسين بن علاء الدين (الصحيح علاء الدولة) … كان اللنك أسره و أخاه حسنا و حملهما إلي سمرقند، ثم أطلقا فساحا في الأرض فقيرين، مجردين، فأما حسن فاتصل بالناصر فرج و

صار في خدمته، و مات عنده قديما. و أما هذا فتنقل في البلاد إلي أن دخل العراق فوجد شاه محمد بن شاه ولد بن أحمد بن أويس و كان أبوه صاحب البصرة فمات فملك ولده شاه محمد فصادفه حسين و قد حضره الموت فعهد إليه بالمملكة فاستولي علي البصرة و واسط و غيرهما، ثم حاربه أصبهان شاه (اسبان) بن قرا يوسف فانتمي حسين إلي شاه رخ بن اللنك فتقوي بالانتماء إليه و ملك الموصل و إربل و تكريت و كانت مع قرا يوسف فقوي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 338

أصبهان شاه بن قرا يوسف و استنقذ البلاد، و كان يخرب كل بلد و يحرقه إلي أن حاصر حسينا بالحلة سبعة أشهر، ثم ظفر به بعد أن أعطاه الأمان فقتله خنقا في 3 صفر سنة 835 ه و هو في عقود المقريزي فقال ابن علاء الدولة و ترجمه و هو الشائع …» ا ه.

و من ثم طوي اسمهم و لم يبق إلا في صحائف التاريخ و لم يعد يذكر أحد منهم في عداد رجال الإدارة و الممالك …

سلاطين الجلايرية

1- الشيخ حسن الكبير (738 ه: 757 ه).

2- السلطان أويس (757 ه: 776 ه).

3- السلطان حسين بن أويس (776 ه: 784 ه).

4- السلطان أحمد بن أويس (784 ه: 813 ه).

5- السلطان محمود بن شاه ولد ابن الشيخ علي (813 ه: 815 ه).

6- سلطان أويس الثاني بن شاه ولد (815 ه: 822 ه).

7- السلطان محمد بن شاه ولد (822 ه: 827 ه).

8- السلطان حسين بن علاء الدولة بن سلطان أحمد (827 ه:

835 ه).

ملحوظة: هذه القائمة أخذت من تاريخ سني حكمهم … و فيها مخالفة لما جاء في تاريخ

مفصل إيران. سواء في أسماء الأمراء أو في مدة حكم كل منهم. و بعض المؤرخين يعد دوندي هي الملكة إلي تاريخ وفاتها سنة 822 ه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 339

نهج البلاغة- لوحة 2- خط ياقوت المستعصمي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 340

الحكومات المجاورة أو ذوات العلاقة

1- الحكومة الجوبانية:

هذه فصلنا حوادثها في وقائع خاصة ذكرت أثناء الكلام علي حوادث العراق فلا نري محلا لتكرارها … و أساس هذه الحكومة الأمير جوبان السلدوزي المذكور في المجلد الأول.

2- آل مظفر:

بسطنا الكلام عليهم و بينا بعض علاقاتهم و وقائعهم بالحكومة العراقية …

3- إمارة اللر:

و تعرف (باللر الصغيرة) أو (إمارة الفيلية) و قد أفردناها بكتاب خاص … و تبتدي ء بالرياسة العشائرية علي يد شجاع الدين خورشيد الذي عرف سنة 580 ه. و هذا توفي سنة 621 ه و خلفه سيف الدين رستم ابن أخيه. ثم أبو بكر بن محمد (أخو سيف الدين رستم)، ثم عز الدين كرشاسف بن محمد المذكور.

و قد مر الكلام علي بعض أمرائهم و من المعاصرين لهذه الحكومة.

1- شجاع الدين محمود بن عز الدين حسين.

2- ملك عز الدين بن شجاع الدين محمود.

3- أحمد بن عز الدين.

4- حكومة الجغتاي:

هذه حكمت ما وراء النهر و لا علاقة لنا بها لو لا أن مباحث

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 341

تيمور لنك ساقت للتعرف بها اطرادا للمباحث و معرفة الأمراء المعاصرين منهم … فرأينا أن نجمل أوضاعها ليكون القاري ء علي علم من روابط تيمور بها …

و هذه قائمة ملوكها:

1- جغتاي بن جنگيز.

2- قرا هلاكو بن موتوكن بن جغتاي.

3- باراق (براق) بن يسونتو بن موتوكن. و هذا أول من أسلم و لقب غياث الدين.

4- بيگي بن سارمان بن جغتاي.

5- بوغا تيمور بن قوداغاي بن بوزاي بن موتوكن.

6- كونجك (كونجه) بن دوي چچن بن باراق.

7- تاليغا بن قوداي.

8- ايسن بوغا الملقب إيل خواجة بن دوي چچن.

9- گوبك بن چچن المذكور.

10- دوري تيمور بن چچن.

11- تارما شير بن چچن. أسلم فتابعه جميع عظماء ما وراء النهر …

12- بوران بن دوري تيمور.

13- جنكشي بن أبو كان بن چچن.

14- ييسون تيمور بن أبو كان.

15- علي سلطان. من ذرية أوكتاي قاآن تغلب علي ما وراء النهر.

16- محمد بن پولاد بن كونجك. استعاد ملك آبائه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 342

17- قازان سلطان بن ياسسور بن

أورك بن بوغا تيمور المذكور.

تغلب عليه الأمير قازغان.

18- دانشمندجه خان بن قايدو بن قاشين بن أوكتاي قاآن. قتله قازغان أيضا.

19- بايان قولي بن صورغو بن چچن المذكور. و هذا قتله الأمير عبد اللّه بن قازغان.

20- تيمور شاه بن ييسون تيمور.

21- عادل سلطان بن محمد بن پولاد بن كونجك. و هذا نصبه الأمير حسين بن بسلاي ابن الأمير قازغان و كان ولي الإمارة بعد الأمير عبد اللّه المذكور. و في أيامه ظهر تيمور لنك و سار عليه فلما علم الأمير حسين اشتبه من عادل سلطان فأغرقه حيا.

22- دورجي بن ايلجيكداي بن دوي چچن. نصبه الأمير حسين.

و لكن تيمور تغلب عليهما و قتلهما معا.

23- سيورغاتمش بن دانشمند جه نصبه تيمور لنك.

و كان تغلب الأمراء علي الأخيرين من هؤلاء سائدا فلما تمكن تيمور من إخضاع تلك الأنحاء (ما وراء النهر) قضي علي المتغلبة و بقيت سلطات الملوك اسمية و صار هو المتغلب الوحيد. و إن اضطراب الحالة في هذه البلاد جعل ملك كاشغر و ما والاها و هو توقلوق تيمور من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 343

الجغتاي يري أنه الأحق بها، و الأولي بحكومتها … فساق جيشا لجبا ففر من وجهه الأمير حسين و كذا الأمير تيمور، و بقي في ما وراء النهر … نحو سنة ثم عاد إلي كاشغر و خلف ابنه الياس خواجة هناك و توفي بعد سنة و لما سمع تيمور و الأمير حسين بذلك اشتبكا مع الياس خواجة بقتال ففر من وجههما إلي كاشغر … فولي الحكم مكان أبيه إذ وجده قد توفي … و إن الأمير حسين و الأمير تيمور لم يلبثا أن تقاتلا فتمكن تيمور من قتل الأمير حسين كما تقدم

… فانفرد الأمير تيمور فيما وراء النهر … إلا أن السلطة كانت اسمية للسلطان (سيور غاتمش) المذكور في القائمة … فكان الأمير تيمور يأمر و ينهي و هو اسمه ملك.

قضي 24 سنة بملوكية زائفة. و خلفه ابنه السلطان محمود إلا أنه قتله بعد حروبه مع العثمانيين … و من ثم صار الملك المطلق بالاستقلال، و خلف الملك لأولاده من بعده …

أما حكومة كاشغر فإنها بعد أن وليها الياس خواجة كان أمير أمرائه خداداد ابن الأمير بولادجي فعارضه قمر الدين من أحفاد الأمير بولادجي و ثار عليه و قتله … و حاول قطع نسله فلم يبق إلا رضيع هربه خداداد إلي جبال بدخشان و كان اسمه خضر خواجة … و قامت حروب هائلة بين تيمور و قمر الدين جرت فيها خمس معارك عظيمة كان في نتيجتها أن هرب إلي إيران و التجأ إلي بعض أمرائها … أما خضر خواجة فإنه جي ء به إلي كاشغر فأقيم مقام أبيه و لا يزال أولاده و أحفاده حكاما هناك إلي ما بعد الألف الهجري أيام أبي الغازي بهادر خان و أري في هذا الكفاية لمن أراد معرفة الوضع باختصار …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 344

5- حكومة القفجاق:

مر الكلام عليها في الكتاب السابق و في هذا الكتاب خلال الوقائع مما يغني عن الإعادة و التفصيل …

6- الحكومة المصرية:

و هذه علاقاتها أكثر و لكنها سياسية و حربية أكثر منها رابطة ود و ألفة و قد أوضحنا ما جري … و في أيام هذه الحكومة نري الأوضاع مختلفة عن أيام الحكومة السابقة …

و هذه قائمة بأسماء ملوكها:

1- الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون. و قد مر في المجلد الأول.

2- الملك المنصور أبو بكر ابن الملك الناصر محمد (741 ه: 742 ه).

3- الملك الأشرف كوچك ابن الملك الناصر محمد (742 ه: 742 ه).

4- الملك الناصر أحمد ابن الملك الناصر محمد (742 ه: 743 ه).

5- الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الناصر محمد (743 ه: 746 ه).

6- الملك الكامل شعبان ابن الملك الناصر محمد (746 ه: 747 ه).

7- الملك المظفر سيف الدين حاجي ابن الملك الناصر محمد (747 ه: 748 ه).

8- الملك الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد (748 ه: 752 ه).

9- الملك الصالح ابن الملك الناصر محمد (752 ه: 755 ه).

10- الملك الناصر حسن المذكور (755 ه: 762 ه).

11- الملك المنصور صلاح الدين محمد ابن المظفر حاجي (762 ه: 764 ه).

12- الملك الأشرف شعبان بن حسين ابن الناصر محمد (764 ه: 778 ه).

13- الملك الصالح حاجي بن الأشرف (778 ه: 784 ه).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 345

ثم خلف هؤلاء دولة الجراكسة و المعاصرون منهم:

1- الملك الظاهر سيف الدين برقوق (784 ه: 801 ه).

2- الملك الناصر أبو السعادات فرج بن برقوق (801 ه: 808 ه).

3- الملك المنصور عبد العزيز (808 ه: 808 ه).

4- الملك الناصر فرج المذكور ثانية (808 ه: 815 ه).

7- حكومة الشرفاء في الحجاز:

و هذه مضت بعض العلاقات معها، و غالبها أيام المغول و أول من عرف منهم أيام المغول عز الدين أبو نمي محمد بن

أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني و دامت إمارته أربعين سنة فتوفي سنة 701 ه و توالي أولاده حميضة و عطيفة و عطية و رميثة إلي سنة 746 و كانوا في نزاع بينهم و قد استقرت الإمارة لرميثة من سنة 738 ه. و بعده وليها ثقبة و عجلان ابنا رميثة مشتركا بتنازل من أبيهما. ثم ولي الإمارة الشهاب أحمد بن عجلان سنة 760 ه. ثم ابنه محمد سنة 788 ه. و نازعه عدنان بن مغامس فولي الإمارة سنة 788 ه ثم خلفه في الإمارة علي ابن عجلان سنة 789 ه. و هذا حدث له مع أقاربه ما حدث و زاحمه القوم.. و كان للحكومة المصرية سلطة و نفوذ بل تحكم في مقدراتها و نزاع مع أمرائها و هكذا كان يجري علي يديها العزل و النصب إلي أواخر العصر.. و حاولت حكومة المغول أن تتدخل في شؤونها و تزاحم الحكومة المصرية، أو أن تأخذ السلطة من يدها و تشوش عليها أمرها فلم تفلح … أما صلاتها بالعراق في هذا العهد فقليلة و لا تزيد علي بعض الوقائع المارة عند الكلام علي الشريف أحمد بن رميثة بن أبي نمي ثم انقطعت العلاقات السياسية إلا من الناحية الدينية و هي الحج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 346

وصلته، و تقديم بعض الهدايا أو الانعامات علي قطان البيت الحرام و علي كل لم يقع ما يكدر صفو الألفة، و لا حصل تدخل في الإدارة …

عشائر العراق

اشارة

هذا العهد لا تفترق العشائر فيه عن العصر السابق كثيرا، و لا تزال طيي ء صاحبة الإمارة العشائرية و لها النفوذ علي غيرها، و القبائل الأخري في الغالب مختصة في النفوذ ببقعة، أو ناحية

محدودة، أو بالاتفاق و الانضمام إلي الإمارة القبائلية … مما لا يعطف له كبير أهمية في السياسة العامة و إن كان لا ينكر أثره في الإدارة الداخلية. و لكن الإدارة في تدبير هذه القبائل كانت مكتومة، أو أن الذين كتبوا لم يطلعوا علي دخائل الأمور و لا علاقة لهم بالعشائر و بما كانت تراعيه الحكومة من سياسة معها و الوقوف علي أسرارها … و لا نجد إلا فلتات أقلام جاءت عفوا أو ذكرت عرضا و علي كل لم يصلنا عنها الشي ء الكافي …

و القبائل المذكورة في المجلد السابق لا تزال في العراق و لم يطرأ عليها خلل … و أما التي ذكرت في هذا المجلد فهي:

1- قبيلة طيي ء:

و هذه تكلمنا علي أمرائها بإسهاب، و في الغالب كانت أوضاعها معروفة … و لكن المباحث تدور حول الأمراء و لم يتعرض لفروع قبائلها أو مفرداتها … و إن كانت أخبار الأمراء جاءت متوالية و منظمة و مجموعة … بعد أن كانت مشتتة و مفرقة في وثائق عديدة و مختلفة …

و آل مرا قد تكلمنا عليها أيضا و غالب وقائعها ممزوجة بأمراء طيي ء الآخرين …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 347

2- قبائل زبيد:

و هذه جاء ذكرها بمناسبة بعض الحوادث بينها و بين قبائل طيي ء..

و لا نجد لها ذكرا في هذا العهد إلا في وقائع خاصة، و لا يعني هذا أنهم وجدوا أثناء الحادث أو قبيلة بأمد يسير فالمدونات التاريخية ترجع بنا إلي عهد أبعد و كثيرا ما نري الحوادث لا تتعرض إلا لما له علاقة بالحكومة … جاؤوا بصورة متوالية، و قطنوا متفرقين … أو بمجموعات كبيرة …

3- قبيلة بني حسن:

مر ذكرها. و التفصيل عنها في عشائر العراق.

4- كلب:

و هؤلاء قسم كبير منهم مع قبائل زبيد علي ما سيجي ء …

هذا و لا محل للإطالة و قد مر قسم من القبائل في المجلد الأول و لم يحصل تبدل مهم يدعو لتدوينات جديدة … و في الأجزاء التالية تتوضح وقائع القبائل أكثر …

الأوضاع السياسية

إن هذه الحكومة تكونت علي انقاض حكومة المغول (حكومة هلاكو و أخلافه) و هي من نسل مغولي أيضا و بينها و بين الحكومة المالكة صهرية و ارتباط مهم في القيادة الحربية قامت لها بمعارك و ناضلت عنها نضالا عظيما، مشهودا … و لما رأت انحلال هذه الحكومة قامت علي اطلالها و بقاياها. و ليس بالغريب من قبيلة كبيرة كان رئيسها يلقب (نويان) أن يقوم بما قام به و هذا اللقب (نويان) عندهم ليس وراءه رتبة عسكرية سوي القيادة العامة و التشكيلات العسكرية آنئذ علي الترتيب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 348

المذكور في المجلد الأول. مشي القوم فيها علي طريقة جنكيز في تنظيم جيوشه …

قامت هذه الحكومة بإدارة محدودة، لم تكن في نطاق سابقتها و تكونت آنئذ حكومات أخري فارسية كحكومة آل مظفر، و مغولية كالحكومة السلدوزية (الچوبانية)، و سائر الحكومات المتغلبة مما مر ذكرها فوجدت هذه الحكومة معارضات و مقارعات شديدة … و لم تستقر لها الإدارة إلا بعد مدة … و كان يؤمل منها بعض النفع لو لا أن السلطان أحمد كدر الراحة، و ظهور تيمور الفاتح العظيم في هذه الأيام نغص الطمأنينة … و الأول اشتبه من الأمراء فصار يقتل فيهم و الآخر جاء كأنه صاعقة أصابت العالم، أو طاعون فتاك استولي … أو طوفان جارف أتي بسيله … فمحا حكومات كثيرة مبعثرة الحالات و مضطربة الجانب … و

منها الجلايرية إلا أن سلطانها (السلطان أحمد) لم يقف عند نكبة، أو يسلم لغائلة … مكتوف الأيدي مستسلما للقضاء …

و إنما كان يترقب الفرص، و ينتهز الوضع … للتحفز و القيام … و هو في حالة بين اليأس و الرجاء حتي استعاد ملكه المغصوب إلا أنه جاءه البلاء من متفقه بالأمس الأمير قرا يوسف، حليفه في السراء و الضراء … أو بالتعبير الأصح تولدت فيه آمال جديدة و لم يكتف ببغداد فسعي لحتفه بظلفه … و مهما كانت الدواعي، و الأوضاع السياسية قضي عليه و انقرضت حكومته و زالت من العراق و بعد مدة صارت في خبر كان و لم يبق إلا اسمها و بعض حوادثها مدونة في بطون الكتب …

و هذه الحكومة كسابقتها لم ينل العراق حظا منها بل أصيب بنكبة من تيمور فلا تقل عن القارعة الأولي (علي يد هلاكو) و كان قد ذاع عن تيمور لنك أنه أمر بتعمير بغداد و إعادة ما خرب منها و هيهات أخني عليه الدهر قبل أن ينال العراق منه وطرا … ففي أيام تيمور لم ينل العراق ما يستحق التنويه و الذكر و إنما هناك حروب و ثورات و اضطرابات …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 349

و تخريبات … أما الجلايرية فنعتبرهم أهون الشرين و الاستفادة منهم مصروفة إلي أن العراق كان قد اتخذ عاصمة لهم في غالب عهدهم فأصابته العمارة نوعا، أو النضارة لا لأهليه بل ليروا و يبصروا …

و لا أمل للعراقي أن يصل إلي مأرب، أو يحصل علي مطلوب، أو ينال سعة من رزق و هؤلاء لم يقصر أحد منهم في نهبه و سلبه الأتعاب و الممتلكات ما وجد إلي ذلك سبيلا،

لا يرغب إلا في سد نهمه …

و العراقي أشبه بالحيوان الأعجم يطعم ليحمل الأثقال، أو ليقوم بالخدمة و الحاجة … تنازعت هذه الحكومات بينها للاستيلاء علينا، و تقابلت بسببنا … و لا هم لواحدة منها إلا التنعم بنا …

و علي كل قضي علي هذه الحكومة لتخلفها حكومة جديدة مثلها أو دونها … و كتبت علينا الأرزاء و كل جديد في الحكم يتطلب نفعا منها جديدا و كثيرا، يريد أن نكون (بقرة حلوبا)، أو (دابة ركوبا) … و هكذا لا ندري مصيرنا في هذا العصر و ما ستجره الأيام من الويلات …

و البدوي أهون شرا، و أقل كلفة، يركن إلي المواطن البعيدة، و الخافية عن الأنظار، أو أنه يخطب القوم وده إذا كانت له الإمارة علي جملة قبائل … و تميل العشائر إلي الأقوي من هؤلاء التماسا وراء الراحة و الاستفادة … و الأحوال الحربية المتوالية، و المعارك الدامية مما شوش النظام الداخلي و قضي علي الإدارة الثابتة و المطردة … و لو لا الموقوفات لأهل الخير لما عمرت المدارس و لذهبت ريح العلم من البين إلا أن بقايا العلماء ذهبوا إلي البلاد الأخري من طريق الحج أو ما ماثل من الأعذار فنجد العلماء العراقيين قد انتشروا في الأطراف و لم يعلم عن الباقين إلا القليل … و سير الحالة علي ما سيوضح …

هذا و الحديث ذو شجون، لا يحتمل البيان أكثر …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 350

الثقافة أو العلوم و المعارف

للأوضاع السياسية ارتباط قوي بالثقافة، فكلما ضيقت السياسة الخناق علي الأهلين شغلوا بأنفسهم، و عادوا لا يلتفتون إلي العلوم و الآداب … أو أنها ألهت من النظر إلي ما يفيد … و كلما خلد الناس إلي

الراحة و سكنت الحالة و اطردت … مالوا بكليتهم إلي التربية و التهذيب.. و القضايا الاجتماعية متماسكة فإذا تخلخلت ناحية اضطربت سائر النواحي …

و قد قدمنا أثناء ذكر الحوادث وفيات علماء مشاهير، و أدباء معروفين أيام هذه الحكومة ما يعين الحالة الراهنة و الأمر الواقع، و لا مجال للإسهاب هنا و لكننا نقطع في درجة اهتمام العراق بالعلوم، و التهذيب و قل بالنتيجة الحضارة و مقوماتها فإنه لم ينس ذكري الماضي، و استعادة زهوه كلما وجد إلي ذلك سبيلا …

نعلم أن المدارس كانت من أعظم المؤسسات العلمية و الدينية، كان و لا يزال مقياسها كبيرا، و نطاقها واسعا خصوصا في هذا العصر فقد أنشئت مجموعة مهمة منها … و لعل الباعث المهم أن بغداد صارت عاصمة كما أشير إلي ذلك فيما سبق أو أن النفسيات ملت من الظلم و ضجرت من القسوة فمالت إلي دور العبادة، و المدارس و ركنت إلي تأسيس مثل هذه … و نري الأول هو الصحيح لأن العمارات زادت، و كثر البذخ، فانصرف أهل الخير بسبب الغني إلي هذه العمارات …

فكانت من أكبر عوامل الثقافة، و المعرفة العلمية الصحيحة …

و المدارس المؤسسة في هذا العهد، و كذا الجوامع تكفي للدلالة علي الاهتمام بالعلوم و الغالب أن لا يخلو مسجد من مدرسة، و لا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 351

مدرسة من مسجد و فيها المدرسون الموظفون أو بصورة حسبية …

و أشهر المؤسسات من هذا النوع:

1- مدرسة مرجان.

2- المدرسة الوفائية.

3- مدرسة الخواجة مسعود.

4- مدرسة العاقولي. أصل وضعه مدرسة صغيرة فنال شكلا موسعا.

5- جامع سراج الدين.

6- جامع النعماني.

7- مدرسة سيد سلطان علي.

8- مدرسة الوزير إسماعيل. و هذه لم تتم. و إنما صلب فيها

مؤسسها فصارت تسمي ب «جامع المصلوب» …

و هذه إذا أضيفت إلي بقايا المدارس السابقة استكثرنا العدد، و علمنا أن الرغبة كانت كبيرة، و المدارس مفتوحة و لم تسد في وجه طالب … و أهل الخير وقفوا الموقوفات الدائمة لبقاء مهجتها و حفظ عينها و عرضت للاستفادة. اشتهر في التدريس بها علماء ذاع صيتهم، و بعدت شهرتهم … و بينهم كثيرون لم نعثر علي تراجم لهم، و المعروف مقتضب و ثبتناه علي علاته حتي نجد ما يوسع في المعرفة و يزيد في العلم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 352

بهم. فهذا الفيروزآبادي صاحب القاموس جاء بغداد سنة 745 ه و بقي إلي سنة 755 ه قرأ علي:

1- الشهاب أحمد بن علي الديواني في واسط.

2- التاج محمد بن السباك.

3- السراج عمر بن علي القزويني خاتمة أصحاب الرشيد بن أبي القاسم.

4- محمد بن العاقولي.

5- نصر اللّه بن محمد ابن الكتبي.

6- الشرف عبد اللّه بن بكتاش قاضي بغداد و مدرس النظامية.

و كان الفيروزآبادي عمل عنده معيدها.

و لا نزال نجهل تراجم بعض هؤلاء المشاهير و مكانتهم العلمية و الأدبية … و هم في أيام هذا الرجل من رجال الإجازة و أساتذة العلم، و بالتلقي عنهم اشتهر …

و الأمر لا يقتصر علي هؤلاء ممن مرت تراجمهم خلال سطور الكتاب بصورة مختصرة أو مقتضبة علي الرغم من القدرة العلمية و الأدبية … و إنما هناك رجال عمل و تدريس دون التدريس العالي، و التدريسات الأولية التي لا يستغني عنها … و قد نهجت هذه كلها في حياتها نهجا صالحا و بدرجات متفاوتة لمختلف الثقافات و ضروبها …

حتي تربية العوام و السواد الأعظم و تهذيبهم و هناك الوعظ و الإرشاد و فائدته كبيرة

جدا … و لم يهمل … و القوم لاحظوا كافة صنوف الناس و أسسوا لهم المؤسسات..

و علي كل أرقي صنوف المعرفة يتولاها أكابر المدرسين كمدرسي المستنصرية و النظامية و أمثالهم و هو ما يراد به عندنا ما يراد ب (أستاذ).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 353

و هؤلاء (رجال الإجازة) فهم الذين يتولون حق منح الإذن بالتدريس كواحد منهم فيقوم بمهمة قريبة من مهمة أستاذه المتخرج عليه.. إلي أن ينال مكانته بما يظهر فيه من مواهب. و لا يصل إلي هذه المنزلة إلا من تيسرت له القدرة العلمية و الكفاءة التامة في حل الغوامض و المشاكل و زاول بتدريب أستاذه ما يؤهله للاستغناء عنه بنفسه … و غالب علماء العراق معروفون فيه و في أقطار عديدة …

تلك السيرة المنتظمة التي مضي عليها العلماء لم يفسدها تبديل مناهج، و لا تحويل مدرسين، و لا تغيير أساليب أو كتب مدرسية..

و إنما نراها سائرة إلي الكمال، و مستمدة ثقافتها من نفس بيئتها و ما تدعو إليه … و لكن أثرت فيها السياسة الغربية و الثقافة الإيرانية و كان قد أشبع بها رجال الحكومة و ملوكها … فأهملت تلك الثقافة، و زالت فائدتها فبعد أن كان رجال الدولة من متخرجي هذه المدارس و الجادين لصلاحها و إصلاحها … صار الوزراء الأجانب ينظرون إليها بعين الريبة و الخوف، و يخشون أن يقدم أحد رجالها عليهم … بل صاروا لا يأمنون أحدا من العراقيين فقدموا أبناء جلدتهم ليحتفظوا بمراكزهم و لم ينظروا إلي الكفاءة العلمية، و لا درجة الثقافة في العلوم و الصناعات (هذا من شيعته و هذا من عدوه).. و من ثم صار لسان حال هؤلاء العلماء يقول:

إذا كان علم

الناس ليس بنافع و لا دافع فالخسر للعلماء

مالوا إلي الإمامة، و الخطابة، و الوعظ، و التدريس و هو أرقي المناصب، أو القضاء و لا يحصل دائما فانحصرت فائدة العلوم و مطالبها في هذه الأمور فانحطت المدارك، و تركوا السياسة و مشتقاتها …

و صارت مخصصاتهم لا تكفي لسد الرمق و الحاجة و صار غيرهم يتنعم بأنواع النعيم و كل خيرات البلاد بأيديهم … فإذا قال العالم:

غزلت لهم غزلا دقيقا فلم أجد لغزلي نساجا فكسرت مغزلي

لا يعدو شاكلة الصواب …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 354

دعا سوء هذه الأوضاع من إهمال شأن العلماء أن صارت مؤسساتهم العلمية و دور ثقافتهم لأنفسهم، و لينالوا حظا من رغبتهم لا أن يكونوا رجال الدولة، أو أعضاءها الفعالة … و من أراد حظا من ذلك و طمحت نفسه إلي أكثر مما هو فيه مال إلي الخارج. و التاريخ دوّن الكثيرين … أو انكب علي لغة القوم و آدابهم ليحصل علي بعض حظوظهم أو يأمن غوائلهم … ذلك كله بعد أن كان أولئك القوم قد اتخذوا مناهج ثقافية متعددة و بصورة متوالية لإدراك اللغة العربية و علومها بالترجمة و بوسائل أخري … و هذه الأيام بدء دور الاستقلال بالثقافة …

و هكذا يقال عن الآداب من منظوم و منثور كانت واسعة الخطي، و غزيرة المادة فركدت لما أصابها من خذلان فاشتهر أدباء العراق في غير العراق، و ذاع صيت شعراء الفرس في نفس العراق. و لم يعد بالإمكان صد تيار السيل الجارف.. و إن تعديل المناهج و تدريس اللغة الفارسية و آدابها لا يؤدي إلي مجاراة العصر. لأن العراق لو انقلب منطقة فارسية و أهمل أهلوه لغتهم و ثقافتهم لما نالوا غير

منزلتهم فالعروة كانت بيد الكواز، و القوم لا يقربون سوي أبناء جلدتهم.. و نبغ في العراق بعض شعرائهم ممن له الذكر العظيم عندهم …

هذه الأشكال ظاهرة عيانا، و إن فتح المدارس الجديدة لم يعوض الخلل، و لا وقف تيار هذا الإفساد في الثقافة و إنما تمادي و لم يظهر بوضوح إلا في العصور التالية إذ لا تزال بقية باقية … و لكن تحقق بصورة جلية أن تلك الثقافة يصح أن يقال فيها (علم لا ينفع و جهل لا يضر).

و لا يفوتنا أن نقول إن هذا العصر تفوق علي غيره بكثرة مدارسه و تنوع علومه.. مع القطع بأن الفارسية استعانت كثيرا بهذه المدارس،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 355

و استفادت من علومها لتكتسب ثقافتها … فتكون لهم مجموع استغنوا به، و تمكنت هذه أكثر بتوالي العصور، ترجموا، و ألفوا، و نظموا …

إلي أن صار رأس مالهم كبيرا جدا. و يعد هذا الزمن عهد انتصار الصراع بين العربية و الفارسية … بعد أن كانت الثقافة الفارسية ضئيلة في العهد العباسي و كان العرب يقتنصون أصحاب المواهب منهم فصار الكثيرون من أدباء العرب قد مالوا إلي الآداب الفارسية و نالوا نصيبا منها … فانعكست الآية …

و لا لوم علي الفارسي أن يخدم ثقافته فهذا مما يمدح عليه …

و لكننا دوّنا ما وقع و أوضحنا وجهة العلاقة و درجة التمكن، و التيار الذي جري … لا بقصد التعديل بل بيان الأسباب و البواعث لما حصل …

و علي كل إن العراق استولت عليه الإدارة الفارسية فأثرت علي ثقافته و لغته و أدت إلي إدخال ألفاظ فارسية في العامية و في الفصحي..

حتي دخلت في التهجي (زير، زبر، پيش) و هكذا

مما لا يسع القول فيه أكثر من هذا.

الصناعات الجميلة

أصل الصناعات في العراق يرجع إلي عهد بعيد جدا إلي ما قبل العصور الإسلامية بآلاف السنين إلا أن الطرز اختلف، و الرغبة الأخيرة في هذا العصر خاصة توجهت إلي نواح جديدة ما زالت و لا تزال في تغير مستمر.. فإذا اندثر شكل، أو مات نوع.. تغير إلي آخر؛ أو خلفه غيره.. و أوضح مظاهرها في هذه الأيام التصوير، و التطريز، و النقش، و زخرف العمارات و الأواني و الحلي و الأسلحة … و مثلها الموسيقي و الغناء، و الخط و التفنن فيه، و التجليد، و التذهيب و الرصد و آلاته، و الفلك و بروجه … و هكذا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 356

و يطول بنا تعداد ما هنالك، و أول أمر يلفت النظر ما له ارتباط و علاقة بالآثار الإسلامية، و يكفي لمعرفة المتكامل منها عندنا أن نسرح أبصارنا في آثار مملكتنا و مخلداتها؛ أو في المنقول منها إلي متاحف استانبول و المدن الكبري أمثال متاحف برلين و باريس و لندن و أميركا …

فنري هذه قد بلغت المنتهي من الاتقان، و فيها ما يمثل المجالس العلمية، و مجتمعات العلم و الأدب، أو الخلاعة أو الحروب و الصيد … و هكذا مما يبهر الناظر، و يسترعي وقوف البصر حيران مبهوتا، أو علي الأقل يدعنا نقطع بأن الصانع العراقي قطع شوطا في الصبر و المثابرة علي إكمال مهمته، و التفوق في مهنته بما زاوله … سواء كان في محاذاة غيره أو محاكاة الطبيعة، و تقليد ما في أيدي الآخرين … أو كان عمله مما أبدعه أو اخترعه خياله، أو ابتكره ذوقه …

إن الصناعة و كمالها، و النقش و

ضروبه … تجتذب النفوس إليها بمرآها، و يهيج الشعور الحي بدقتها، و يؤدي إلي درجة الاعتناء بالفنون الجميلة … و لا تكفي هذه و إنما يجب أن نتفحص تطورها، أو سيرها التاريخي في مختلف الأزمان … و لكن لا مجال لنا إلا أن ننظر إلي حالتها التي عليها في هذا العهد من بين العصور الأخري لنشاهد إلي أي جهة سائرة … فنكون علي بينة من حركة الفنون الجميلة و الصناعات النفيسة فنعلم أثرها في مفترق الطرق، و ما ولدته العصور أو الحضارات حتي برزت … فتدهورت و انحطت أو تكاملت و ارتفع شأنها …

كان العصر العباسي من أوضح العصور الإسلامية في تكامله، لا يخلو من التأثر بالصناعات قبله و لكنه جاء بها موافقة لذوقه و معرفته، و تابعة لمقتضي تربيته و نحو ما يرغب فيه … فكان لها طابعها الخاص … و أما في العصر المغولي فقد جاءت مستقاة من ناحية صينية و تغلبت عليها حتي في ثقافاتها الأخري، و لا تخلو من التأثر بالصناعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 357

الإيرانية، أو أن الإيرانيين اقتبسوها ممزوجة بما عندهم و موافقة لميولهم، أو متصلة بآدابهم و مألوفاتهم …

و العراق لم يخرج عن هذه الأوصاف و إن كان للمحيط حكمه و أثره، و للأدب نزعته و اتصاله … ففي هذا العهد نري الطوابع مرسومة، و النقوش ثابتة، و العلاقة ظاهرة للعيان … فإذا عددنا نقاشا واحدا، أو مذهبا، أو بضعة خطاطين أو بنائين في عصر أو عدة عصور فهذا لا يدل علي أن العصر أو العصور لم تنجب غير هذا، أو عقمت أن تلد مثله و لم تنتج سواه … و إنما كان نسيان العصر لرجاله،

أو فقدان آثارهم، أو تجول هذه الآثار في الأقطار حتي خفيت، أو ضياع التواريخ بسبب الحوادث، أو جهل العصور التالية كل هذه لا تمنع من التعرف بالآثار الموجودة و المخلدة في المتاحف، أو الاطلاع علي جماعة من أصحابها …

- نعم صرنا نتحري الآثار لمعرفة قوة الصناعة و دقتها، و درجة رقيها فلو عدمنا التاريخ فلا نعدم نفس الآثار … و لعل في هذه ما يغني أو يبصر بما كان.. فالخطاطون نوعا معروفون و اشتهر منهم جماعة في هذا العصر، و الكل ساروا علي منوال ياقوت المستعصمي … فهو أستاذ الجميع في الأيام الأخيرة، و صلتهم به موصولة … و توالوا بعده إلي أن جاء رجال الوقت المعاصرون، و قد قدمنا ذكر جماعة منهم عند حوادث الوفيات و أخص بالذكر السلطان أويس، و السلطان أحمد، و السلطان إبراهيم بن شاه رخ بن تيمور لنك من الملوك..

و بكل أسف أقول نحن في حاجة أكيدة للحصول علي نماذج من خطوطهم و أن نتحري عنها في مختلف المتاحف و دور الكتب لنتمكن من إدراك الصناعة بمعناها و لو في الخط خاصة و لا يكفينا أن نعلم أسماء جماعة ممن فاقوا في الخط دون أن نعرف درجة حسن خطوطهم، و قيمة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 358

ما كتبوه علميا و درجة تطور هذه الصناعة بمن قامت بهم … حتي نالوا الحظ الوافر من الشهرة لحد أن صاروا أساتذة الخط عند جميع الأمم الإسلامية …

و لا ننسي أن الغالب في الناس أن يجعلوا هؤلاء الأساتذة واسطة الوصول و سلمه إلي أستاذ الخط بالاستحقاق فلم يشاؤوا أن يحتفظوا بنماذج منها، و إنما يقفون عند الأصل … و السند أو الصلة الفنية

مقصورة في الغالب علي الخط، و لا نجد أساتذة موصولي السند في النقش و في غيره كالتجليد و التذهيب، و الرسم و ما ماثل … فلم نحرص علي رجال الصناعات، و لا علمنا مدونات عنهم بصورة متوالية، و لا حفظنا أسماء أصحابها إلا أن يكون صاحب الأثر قد دون اسمه مثل النقاش الخطاط زرين قلم في نقوشه و خطوطه علي بناية جامع مرجان و خان الأورتمة و عبد علي النقاش و كان قد استخدم في بلاط سمرقند ايام تيمور … و كان عمل تيمور علي أن يجمع في عاصمته سمرقند أكبر عدد ممكن من الفنانين و الصناع فنقل إليها مئات المصورين من بغداد و تبريز و غيرهما من البلاد التي استولي عليها و مع ذلك ظلت بغداد و تبريز مركزين لصناعة التصوير …

و في المتحفة البريطانية نسخة من قصائد خواجو الكرماني المسماة ب- (هماي و همايون) المار ذكرها سابقا. كتبت بخط مير علي التبريزي الخطاط المشهور في بغداد سنة 799 ه (1396 م)، و علي إحدي صوره توقيع الفنان الفارسي جنيد السلطاني الذي كان في خدمة السلطان أحمد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 359

الجلايري ببغداد و هناك نسخة أخري بخط أحمد التبريزي ترجع إلي هذا العهد و هي عدة قصائد منها تاريخ منظوم لفتوح جنكيز خان …

و في هذين المخطوطين من الصور ما يعين عصر الجلايرية فإن أمثال هؤلاء عاشوا في عهد هذه الحكومة و تعهدها … و إن السلطان أحمد كان من الملوك الذين عالجوا التصوير و أصابوا فيه نجاحا و هكذا قل عنه في الموسيقي …

و نحن مهما اتخذنا طريق الصناعة و قربنا هذه الآثار بعضها من بعض و أظهرناها مجموعة لا

تعين لنا حقيقة العصر و ما هي عليه … فإن الفنون الجميلة لا ينبغ فيها إلا أفراد … و هي لا تصلح لمقارنة العصور … و نخطي ء كثيرا إذا قابلنا الموجود بآخر و ظهرت بعض مزاياه علي غيره فهذا ليس بالقطعي لإراءة العصر و لما لم نحط خبرا بكل ما للعصر، و إن غالب من كتبوا اتخذوا المعروف لديهم أساس المعرفة فلا يقطع في حكمهم و قد قدمنا نماذج في العصر المغولي و الظاهر أن التكامل قد سار في طريقه سيرا مقبولا، و مشي بخطي واسعة بالنظر لما عرف و أن التطور الحاصل طبيعي لتوالي العصور في المعرفة و نزوعها إلي ما تبتغيه …

أما فن الموسيقي فإن أصل تمكنه و رسوخه يرجع إلي عهد صفي الدين عبد المؤمن أيام العهد المغولي … ففي أيامه اكسب قواعده تثبيتا، و أنالها شكلا علميا، و لم يقف علي الأخذ … و آخر من عرفناهم في هذا العصر السلطان أحمد فإنه كان نابغة فيه.. و لكننا نقول بكل صراحة إننا لم نعرف أساتذنه في هذا الفن، و لا اطلعنا علي قائمة ندمائه فيه … ممن لهم رغبة في الموسيقي و اتقان في الصناعة … و علي كل سلك الباقون التالون علي نهج الصفي …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 360

أما الأبنية و العمارات و ما فيها من زينة نقوش و خطوط و هندسة … فإن أمثلتها علي الرغم من قلة الباقي من الآثار كافية لإظهار بدائع الصناعة و النقش و الخط … فإنها تمثل المشاهد في الكتب، أو هي تقريب منه، كما أن إحكام مادة البناء، و صناعته الهندسية … دليل عظمة الفن … و من هذه الأمثلة

بناء جامع مرجان و جامع العاقولي، و خان الأورتمة، و بعض الآثار الأخري …

و الحاصل أن هذه النواحي و غيرها مما يتعلق بالصناعة و مقوماتها تحتاج إلي مباحث كثيرة و مستقلة بأن توسع بإسهاب لتعرض علي القراء لتعيين ما هم فيه، و مقابلته بما كانوا عليه … و أقف عند هذا الحد.

مكتفيا بعرض الصور الفنية …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 361

خاتمة

من الوقائع السابقة و المباحث المدونة أعلاه أعتقد أن قد وضح نوعا وضع العراق السياسي و العلمي و ذلك قدر ما سمحت لنا به الوثائق و المستطاع من مطالعة الآثار العديدة … و إذا كانت الوقائع لم تكشف المطالب أكثر مما هو الموجود فهي علي الأقل تبصر بما يفي بسد رغبة العديدين و يغنيهم عن زيادة التطويل …

و التاريخ العلمي و الأدبي كفيل ببيان نواح مختلفة أخري، لها مساس مباشر بالثقافة و المعارف، أو الصناعة و ضروب الحضارة …

و غاية ما يصح أن نقوله عن السير التاريخي في عصور كهذه متقاربة أنه لا يختلف الوضع اختلافا كبيرا عما اعتاده الناس و ألفوه أيام المغول، أو قبلهم … فالواحد مفسر للآخر ما دمنا لم نجد خلافه.. لأن النهج الاجتماعي لا يتبدل بسرعة و سهولة … فإذا كانت الحكومة المتوالية لا تهتم بالثقافة و التعليم كما هو الغالب من أحوالها و أوضاعها تجاه هذا القطر فالناس ماشون في طريقهم إلي تربية ذاتية، و طرز تهذيب من شأنه أن يرفع المستوي و يؤدي إلي استقرار العلوم و تقدمها.

و كل ما ألهي الناس، و صرفهم من غوائل أو وقائع مؤلمة …

أحدث فيهم أثرا سيئا، و غفلة من ضروب التعليم.. نظرا للتلازم القوي بين السياسة و الاجتماع

أو حالة القوم تجاه النكبات … مما لا يصح

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 362

إهماله أو عدم الالتفات إلي ما أبقاه من علاقة …

و لعل أكبر مانع حال دون غربة الأهلين من أهل المدن خاصة ما جري عليهم من ظلم و قسوة و ما أصابهم من عسف بسبب الحروب العظيمة و تفاقم شرورها … فإنهم كانوا أقرب من شاة للذبح فالوقائع المتوالية أكبر سبب لإماتة الثقافة و الصناعة، و ركود روح النشاط العلمي و حب الاتقان …

و النظرة في مثل هذه المواقف سريعة بأمل اطلاع القاري ء علي تيار الحوادث مجملا و ما تركته في النفوس من أثر أو ما أبقته من تغير في الصناعة و سيرها الردي ء الذي رأيناه في العصور التالية بوضوح أكبر …

و المجال لا يحتمل التفصيل أكثر من هذا. و الباقي للأجزاء الأخري..

و اللّه ولي الأمر.

تكملة:

جامع السيد سلطان علي

كنا قد تكلمنا علي هذا الجامع بما وصل إلينا … و الآن بعد أن أوشك طبع الكتاب أن يتم عثرت علي مجموعة عند بعض الأصدقاء الأفاضل فرأيت فيها ما ملخصه:

«السيد أبو الحسن علي بن يحيي بن ثابت بن حازم بن أحمد بن علي بن رفاعة الحسن المكي نزيل اشبيلية الرفاعي الحسيني.. السيد الشريف سلطان العارفين … ولد في البصرة عام 459 ه. و توفي أبوه السيد يحيي النقيب و له سنة واحدة، و كفله أخواله الأنصار و بنو خالته آل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 363

الصيرفي الأمراء المشهورون في البصرة و شب علي التقوي و أخذ العلم و الطريقة عن جده لأمه الشيخ الكامل موسي أبي سعيد النجاري الأنصاري شيخ البطائحيين، و لا زال يتردد إلي البطائح لزيارة ابن خاله الشيخ الكبير السيد منصور

الأنصاري … و في سنة 497 ه سكن البطائح بأمر الشيخ منصور و بتلك السنة زوجه بأخته … فاطمة الأنصارية فأعقب منها أولادا مباركين أعظمهم شيخ الوقت، إمام الهدي السيد أحمد الكبير الرفاعي … و كانت إقامة السيد أبي الحسن علي صاحب الترجمة بقرية حسن من البطائح … إلي أن جاءت سنة 519 ه فوقعت الفتن الكثيرة … بواسط و كان إمام أهل السنة و المشار إليه بين طوائف الصوفية و الزهاد و رجال العترة المحمدية … فأجمع الناس علي سفره لبغداد … فتوجه … و نزل بيت الأمير مالك المسيب برأس القرية محلة ببغداد، و قد كتب بشأنه للخليفة ما يلزم أن يكتب عماد الدين زنكي صاحب واسط فأعزه الخليفة و رفع مكانه … (ثم مرض) و بعد أسبوع من مرضه توفي فعمل له الأمير مالك مشهدا برأس القرية. و هو إلي الآن يزار و يتبرك به، و له منزلة في قلوب العامة …» ا ه.

و هذه المجموعة تسمي «كتاب روضة الأعيان في أخبار مشاهير الزمان» أولها: الحمد للّه الأول و الآخر … إلخ للعلامة المحقق المدقق محمد بن أبي بكر بن علي بن عبد الملك بن حماد بن دكين، و لا أدري من هو مؤلفها … أما تاريخها فهو 5 رجب سنة 1305 و لم يذكر كاتبها تاريخ نقلها، و فيها مباحث تاريخية و أدبية و تتعرض كثيرا للرفاعية و رجالها … و تصل بهم إلي القرن العاشر و لم تتجاوز ذلك و قد رأيت عليها خط المرحوم السيد شاكر الآلوسي في غرة شعبان هذه السنة …

ثم رأيت (كتاب روضة الناظرين و خلاصة مناقب الصالحين) للشيخ أحمد بن محمد الوتري المتوفي في عشر

الثمانين و تسعمائة هجرية ينقل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 364

النص المذكور بعينه و كان قد أتم تلخيصه من كتابه (مناقب الصالحين و محجة أهل اليقين) سنة 963 ه. و طبع كتاب روضة الناظرين في مصر سنة 1306 ه.

و نحن في حاجة ماسة إلي ما يؤيد هذا النقل أو يكشف غوامض تاريخنا … و لعل في القراء من له علم أو نص يصلح في موضوع هذا الجامع …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 365

الفهارس العامة

اشارة

1- فهرس الأعلام

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

3- فهرس المدن و الأماكن

4- فهرس الكتب

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

6- فهرس الصور

7- فهرس الموضوعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 367

1- فهرس الأعلام

حرف الألف آدم (عليه السلام): 17، 203، 204

آصف: 120

آصفي (المولي الخواجة): 23

آقبغا، آق- بوغا: 31، 92

آلتون (الأمير): 214، 215

آلوسي: إبراهيم ثابت، محمود شكري، شاكر، محمود شهاب الدين).

الآمدي: 86

آمنة بنت إبراهيم الواسطية: 45

أبا يزيد: (بايزيد)

إبراهيم عليه السلام: 203

إبراهيم (السلطان): 336

إبراهيم پاشا (حافظ): 284

إبراهيم بن أحمد بن كامل: 46

إبراهيم بن إسحق لؤلؤ: 34

إبراهيم أفندي بن محمد أفندي: 120

إبراهيم باشا (حافظ): 284

إبراهيم بن ثابت الآلوسي: 98

إبراهيم شاه بن جلوا: 37، 38

إبراهيم بن شاه رخ: 301، 302، 307، 357

إبراهيم الشيرواني (الشيخ): 314، 317، 322

إبراهيم بن عبد اللّه البغدادي: 156

إبراهيم العجمي: 213

إبراهيم بن علاء الدولة: 308

إبراهيم بن محمد الموصلي (ابن الجحيش): 55، 332

ابن أبي الدنية: 34، 46، 48، 52

ابن أبي عذيبة (شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر المقدسي): 278

ابن أبي عمرو: 50

ابن الأثير: 334

ابن الأخضر: 46

ابن البابا: (الشيخ شهاب الدين).

ابن بطوطة: 62، 63، 68، 95، 160، 163، 180، 262

ابن البقال: (محمد بن الحسين بن أحمد الحلي).

ابن بلدجي: (عبد اللّه بن محمود، عبد الدائم، عبد العزيز، عبد الكريم).

ابن بلدجي: 52

ابن البيطار: (شمس الدين محمد ابن البيطار).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 368

ابن تغري بردي: 146، 304

ابن تيمية: 145، 229، 334

ابن تيمور: 257

ابن تيمية: 304

ابن الثردة: (علي بن إبراهيم)

ابن جبير: 126

ابن جزي: 262

ابن الحبال: 174

ابن حبيب: (طاهر بن حبيب)

ابن حجر (أحمد بن علي): 18، 174، 209، 213، 229، 246، 247، 292، 302، 320، 328، 330، 335

ابن حجي: (أحمد بن علاء الدين حجي)

ابن الحصين: 73

ابن حلاق: 34

ابن حلاوة (محمد بن

أحمد)

ابن الخباز: (محمد بن إسماعيل)

ابن الخراط: (ابن الدواليبي)

ابن خطيب الناصرية: 264، 328

ابن خلدون: 111، 161، 163، 170، 191، 192، 315، 316

ابن الدباب: 50

ابن الدريهم: (علي بن محمد الثعلبي)

ابن الدواليبي: 47، 50، 70، 87، 217

ابن الدواليبي: (عبد الحسن بن محمد، عبد المحسن بن عبد الدائم، محمد بن عبد المحسن)

ابن رافع: 130، 157

ابن رجب: 47

ابن رجب: (شهاب الدين بن رجب، عبد الرحمن بن أحمد)

ابن الزجاج: 50

ابن الساعاتي: (أحمد بن علي الساعاتي)

ابن الساعي: 50، 241

ابن السباك: (محمد، علي بن سنجر)

ابن السهروردي: 64

ابن الشحنة: 296

ابن شيبان: 50

ابن شيخ العوينة: 86

ابن الصواف: 149

ابن الصباغ: 178

ابن الطبال: 129

ابن طولون: 174

ابن ظفر: 253

ابن العاقولي: محمد بن عبد اللّه، محمد بن محمد

ابن عبد الدائم: 59، 60

ابن عبد السلام: (أحمد بن العز محمد).

ابن عبد الهادي: 64، 280

ابن عثمان: 281

ابن عربشاه: (أحمد ابن عربشاه)

ابن عزال: 52

ابن عسكر البغدادي: 174

ابن العلقمي: 28

ابن الفصيح: (جلال الدين عبد اللّه بن أحمد، أحمد بن علي، شهاب الدين ابن عبد الرحيم، عبد الرحيم ابن أحمد)

ابن فضل اللّه العمري: 109، 123، 158، 240

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 369

ابن فهد الحلي: 134

ابن قاضي شهبة: 37، 38، 180، 192، 246

ابن قشعم: 277

ابن كثير: (إسماعيل بن عمر)

ابن الكحال: (محمد بن إسماعيل الإربلي)

ابن كر: (محمد بن عيسي)

ابن الكسار: 39

ابن الكويك: (محمد بن الحسين الربعي)

ابن اللنك: 142

ابن ماكولا: 69

ابن المالحاني: 52

ابن المطهر: (محمد بن فخر الدين محمد، الحسن بن يوسف)

ابن المطهر الحلي: 127

ابن الملوك: 280

ابن النشو: 170

ابن النيار: (الحسين بن محمد الحسيني)

ابن هندوا: 78، 84

ابن الوردي: (عمر ابن الوردي)

أبو إسحاق: 92

أبو إسحق (الشيخ): 82، 83، 163

أبو إسحق اينجو (الشيخ): 83

أبو إسحق السرحاني: 214

أبو إسحاق الشيرازي: 198

أبو البركات: 262

أبو بكر (تقي الدين): 47

أبو بكر (الخليفة):

85، 154، 204، 206، 329

أبو بكر بن ميرانشاه (ميرزا): 259، 265، 278، 279، 304، 314، 319

أبو بكر العباسي المعتضد باللّه: 163

أبو بكر بن أبي الربيع: 163

أبو بكر ابن الحاجي: 161

أبو بكر بن سنجر الموصلي: 122

أبو بكر بن عبد البر بن محمد الموصلي:

244

أبو بكر بن محمد بن قاسم السنجاري:

(شجاع الدين): 216

أبو بكر ابن كنجاية (الأمير): 45

أبو بكر بن محمد: 340

أبو بكر ابن الملك الناصر محمد (الملك المنصور): 344

أبو بكر بن نعير: 224

أبو بكر (أمير زاده): 266

أبو بكر الزريراني: 65

أبو بكر الهروي: 45

أبو حنيفة (الإمام): 99، 100، 106

أبو حيان (الشيخ): 174

أبو الخير سعيد الذهلي: 69، 76

أبو زرعة ابن العراقي: 174

أبو سعيد (السلطان): 17، 28، 31، 32، 44، 53، 62، 64، 65، 82، 83، 88، 91، 95، 158، 162، 163، 168، 304، 310

أبو سعيد القاآن: 48

أبو سعيد ميرزا: 308

أبو طالب: 21، 39

أبو العباس البغدادي: 79

أبو عباس المرداوي: 280

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 370

أبو عبد اللّه بن رشيد: 262

أبو العلاء الفرضي: 76

أبو عمرو: 49

أبو عمرو بن المرابط: 229

أبو الغازي بهادر خان: 111، 343

أبو الفتح الميدومي: 280

أبو الفتح (تقي الدين العوفي): 66

أبو الفرج الأصبهاني: 123

أبو الفضل ابن الزيات: 76

أبو محمد عبد اللّه السنجاري (تاج الدين): 252

أبو محمد ورخز: 48

أبو المعالي ابن عشائر: 213

أبو نصر ابن الشيرازي: 134

أبو نعيم: 127

أبو يزيد: 191، 192، 239، 257

أتابك أفراسياب: 62

أحمد (الأمير): 37، 171

أحمد (السلطان): 120، 181، 186، 187، 188، 189، 191، 192، 196، 197، 208، 214، 215، 219، 220، 221، 222، 225، 226، 227، 234، 236، 237، 238، 243، 247، 250، 251، 252، 253، 256، 257، 266، 274، 275، 277، 278، 279، 304، 305، 312، 313، 314، 315، 317، 319، 320، 322،

323، 324، 325، 326، 329، 330، 331، 348، 357، 358، 359

أحمد بن أبي الحديد: 48

أحمد بن أبي الوفاء الموصلي: 322، 332

أحمد بن أويس: 154، 182، 212، 214، 223، 224، 232، 240، 241، 244، 248، 258، 279، 281، 328، 335، 338

أحمد بن ثقبة: 212

أحمد بن الحسن الحسني (شهاب الدين:

82

أحمد بن حسين: 124

أحمد بن حنبل (الإمام): 230

أحمد بن داود بن الموصلي: 54

أحمد بن رجب الحنبلي: 144

أحمد بن رميثة (شهاب الدين) 43، 44، 45، 60، 213، 345

أحمد ابن شيخ الحرامية: 34

أحمد بن صالح البغدادي (شهاب الدين):

227

أحمد بن عبد اللّه البغدادي: 109

أحمد بن عبد اللّه المتوج البحراني (فخر الدين): 134

أحمد بن عبد الدائم: 45

أحمد بن عثمان: 229

أحمد بن عجلان (الشهاب): 212، 213، 345

أحمد بن عرب شاه (شهاب الدين): 11، 12، 13، 256، 295، 296

أحمد بن عز الدين: 340

أحمد بن علاء الدين حجي الدمشقي (شهاب الدين): 19، 145، 156، 198، 246

أحمد بن علي (الشيخ شهاب الدين):

(ابن حجر)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 371

أحمد بن علي بن محمد البابصري (جمال الدين أبو العباس): 72

أحمد بن علي البغدادي (مجد الدين):

127

أحمد بن علي الديواني (الشهاب): 352

أحمد بن علي الساعاتي (ابن الساعاتي):

76، 86

أحمد بن علي ابن الفصيح (فخر الدين):

87

أحمد بن شيخ عمر (الميرزا) 307، 308

أحمد بن غزال (النجم): 71

أحمد بن فليتة: 44

أحمد ابن الملك الناصر محمد (الملك الناصر): 344

أحمد بن محمد الشيرجي (شهاب الدين):

126

أحمد بن محمد الشيرجي (ابن الشيرجان): 87

أحمد بن محمد بن المظفر 219

أحمد ابن العز محمد الشهير بابن عبد السلام (الشهاب) 21

أحمد بن محمد بن علي الكازروني: 79

أحمد بن محمد الوتري: 363

أحمد بن مهنا (الأمير): 66، 67، 68، 118، 210

أحمد بن يحيي البكري الشهرزوري الكاتب (شمس الدين): 48

أحمد بن يوسف بن

إبراهيم الكرسي:

217

أحمد البغدادي الجوهري (شهاب الدين):

320

أحمد بهادر الجلايري (السلطان): 10، 11، 13، 169، 329، 358

أحمد التبريزي: 19، 359

أحمد چلبي القرماني: 28

أحمد (چوكي): 302

أحمد الكبير الرفاعي (السيد) 363

أحمد السهروردي (الشيخ): 331، 332

أحمد السهيلي (الشيخ): 23

أحمد شاه النقاش (زرين قلم): 99، 105، 106، 115

أحمد ضياء: 33، 155

أحمد الطويل: 120

أحمد القسطلاني (الشيخ): 21

أحمد الكسروي: 165

أحمد المقريزي (تقي الدين): المقريزي)

أحمد النعماني القاضي ببغداد (تاج الدين): 14

الاختجي: (يادكار)

أخي جوق: 111، 112، 113

الإربلي: 42

إدريس القاصد: 38

أرتنا: 36

أرض خان، أروس: 249، 287

أرغون خان (السلطان): 30، 31، 43، 90، 161، 162

ارپا خان: 31

أزدمر (عز الدين): 231

اسبان (أصبهان): 337، 338

إسحاق أفندي: 272

إسرائيل عبد القادر: 169

إسكندر (الميرزا): 307، 308، 335

إسكندر بن قرا يوسف: 302

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 372

إسكندر الجلالي: 213

إسماعيل باشا الوزير: 16

إسماعيل ابن الطبال: 46، 70، 87

إسماعيل بن حاجي الفروي: 218

إسماعيل بن حيدر الصفوي (شاه): 26، 116، 305، 310

إسماعيل ابن الأمير زكريا (الأمير مجد الدين): 91، 145، 149، 170، 171، 172، 173، 176، 183، 186، 189، 191، 248، 351

إسماعيل بن عمر بن كثير (عماد الدين):

19، 20، 145، 146

إسماعيل ابن الملك الناصر محمد (الملك الصالح): 344

إسماعيل بن مكتوم: 48

إسماعيل القتال: 45

الإسنوي: 130

الأشرف (الملك): 63، 64، 109، 110، 132، 143

الأشرف بن تيمورتاش السلدوزي: 32، 55، 83، 110، 111، 137

أفراسياب: 62، 63

أفراسياب (مظفر الدين): 62، 63

أفراسياب بن يوسف شاه: 162

أفضل الدين محمد: (الخواجه): 23

أكمل الدين (الشيخ): 321

ألب أرغون (شمس الدين): 62

إلياس خواجه: 285، 286، 343

إلياس قلندر (المولي): 119

أمير جان: 124

أمير خسرو الدهلوي: 27، 305

أمير زادة عمر: 304

أميران شاه: 251، 252

أمير شاه ملك: 230، 260

أمير ولي: 92

أمين عالي آل باش أعيان العباسي (الشيخ): 106

انستاس ماري الكرملي (الأستاذ): 17

أورخان غازي العثماني (السلطان): 271

أورنك زيب: 306

أوزبك: 110

أولجايتو:

(السلطان محمد خدابنده)

أوكتاي قاآن: 341

أولوغ بك بن شاه رخ: 302، 303، 308

أويس (السلطان معز الدين شاه): 29، 35، 80، 91، 92، 94، 95، 96، 98، 100، 105، 106، 111، 112، 113، 117، 118، 124، 126، 128، 130، 131، 132، 137، 143، 147، 148، 151، 152، 153، 154، 155، 158، 159، 164، 165، 166، 167، 168، 170، 186، 188، 189، 195، 208، 338، 357، 358

أويس الثاني بن شاه ولد (السلطان):

335، 338

ايدكو ملك الترك: 143

ايرومجي (ارده مجي): 284

إيسين بوغا الملقب ايل خواجة بن دوي چچن: 341، 342

ايلكا، ايلكان، ايلكونويان: 30، 31، 91

ايناق (الخواجة): 314

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 373

حرف الباء باب (ملك أرنيل): 202

بابا طاهر: 168

باب نديمي: 273

بابر بن ميرزا عمر شيخ: 305

بابر شاه: 27، 305

باتو: 111

باراق (براق) بن يسسونتو: 341

باليم سلطان: 271

بايان قولي بن صورغو: 342

بايدو خان: 31

بايزيد (أبا يزيد): 275

بايسنقر (ميرزا): 301. 305

بايقرا رخ: 307

البخاري: 150، 229

بخشايش: 330

بدر الدين (قاضي إربل): 37

بدر الدين محمود العيني صاحب عقد الجمان: 19، 43، 145، 146

بدر الدين ابن شيخ المشايخ الشيباني (الشيخ): 44، 45

بديع الزمان (ميرزا): 26، 307، 310

بردي بك: 110، 111، 142

برقوق (الظاهر أبو سعيد): 222، 239، 240، 243، 244، 257، 317، 327، 328، 335، 345

بركة (السيد): 139، 290

برندق: 260

برهان الدين السيواسي القاضي (السلطان): 10، 11، 12، 13، 239، 256

برهان الدين الحلبي الحافظ: 247

البرهان ابن جماعة: 264

برهشتين بن طغاي: 37، 38

البسام: 241

البستاني: 107

بسطام جاكير (الأمير): 319

بشر (الشيخ): 259

بغداد خاتون: 31، 32، 79

البغوي: 247

بكتاش: 271

بنت ارغون خان: 31

بلوشه: 226

بهاء الدين (الشيخ): 311

بهادر (شاه الثاني) ابن اكبر شاه الثاني:

306

بهادر (الخواجة): 196

بهجة الأثري: 105، 106

بودلاجي: 343

بوران بن دوري تيمور: 341

بوغا تيمور بن قوداغاي: 341

بيدمر: 212

بيرام بك (بهرام شاه) ابن

سلطان شاه:

117، 118، 128، 132، 157، 158، 169

بيرام خواجة التركماني: 128

البيضاوي: (عمر البيضاوي)

بيقرا (ميرزا): 307

پير بوداق بن قرا يوسف: 313، 320، 324، 326

پير حسن بن محمود بن جوبان: 32

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 374

پير عمر: 304

پير علي باوك: 170، 172، 173، 187، 188

پير محمد: 304، 307، 310، 325

بيگي بن سارمان: 341

حرف التاء تاج الدين البغدادي: 178

تاج الدين بن حديد: 336

تاج الدين ابن معية (السيد): 134

تاج الدين دقيق العيد: 174

تاج الدين الدلقندي: 61

تاج الدين السبكي: 311

تاج الدين العراقي: 83

تاج الدين النعماني: 179

تاراغاي (طراغاي، و طوراغاي): 284

تارماشير بن چچن: 341

الترمذي: 229

تقي الدين ابن تيمية: 39، 70، 126

تقي الدين ابن رافع: 20

تقي الدين الدقوقي: 60، 217

تقي الدين الزريراني (الشيخ): 47، 126

تقي الدين عبد الرحمن الواسطي: 174

التقي الصائغ: 174

تكله: 62

تكين خاتون: 284

تمرتاش (دمرداش، تيمور طاش): 55، 110

تندو (دوندي) بنت حسين بن أويس:

335

توختامش (توقتامش خان- طقتمش):

11، 140، 142، 214، 234، 235، 236، 239، 242، 249، 250، 251، 287

توقلوق تيمور (طغلوق تيمور): 285، 342

تومنه خان: 283

تيمور تاش ابن الملك الأشرف: 110

تيمور شاه بن ييسون تيمور: 342

تيمور ملك: 342

تيمور لنك، تيمور كوركان، آقساق تيمور:

10، 11، 14، 15، 16، 21، 22، 24، 28، 29، 138، 139، 140، 141، 142، 143، 192، 197، 208، 212، 213، 214، 215، 216، 218- 227، 231، 232، 233، 235، 236، 238، 239، 240، 242، 243، 247، 248، 249، 250، 252، 253، 254، 256- 260، 262، 265، 266، 267، 274، 275، 277، 278، 279، 281- 287، 291، 293، 295- 299، 301، 302، 303، 304، 307، 308، 310، 312، 313، 314، 317، 326، 327، 341، 342، 343، 348

حرف الثاء ثقبة بن رميثة: 60، 345

حرف الجيم جامي (الملا): 118،

308

جاني بيك: 110، 111

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 375

جبرائيل: 203، 212

الجزري: 59

جعفر بن الحسن الحلي (المحقق نجم الدين): 75.

جغتاي بن جنكيز: 341

جلال الدين: 113

جلال الدين عبد اللّه: 87

جلال الدين بن خطيب داريا (الشيخ):

295

جلال الدين الرومي: 12

جلال الدين الشيرازي: (أسعد بن محمد الشيرازي) 263

جلال القزويني: 170

الجلايري: (الشيخ حسن الايلكاني)

جلبان (صاحب حلب): 232

جماز بن مهنا: 132

جمال الدين (الخواجة): 181

جمال الدين أبو محمد البغدادي: 96

جمال الدين ناظر الجيش (السلطان): 240

جمال الدين الإسنائي (الشيخ): 280

جمشيد كاشي: 302

جميل صدقي الزهاوي: 99

جنكشي بن أبو كان: 341

جنكيز خان: 22، 28، 30، 31، 88، 138، 139، 140، 197، 282، 285، 286، 287، 288، 289، 290، 291، 348، 359

الجنيد: 244

جنيد السلطاني: 358

جهان خرم شاه: 306

جهان شاه: 266، 335

جهانكير: 286

چوبان السلدوزي (الأمير): 31، 32، 35، 158، 340

الجوباني: 43

جونيبول: 39

حاجي بن الأشرف (الملك الصالح) 344

حاجي باشا: 314، 315

حاجي شاه بن الأتابك يوسف: 161، 162

حاجي بن الملك الناصر محمد (الملك المظفر سيف الدين) 64، 344

حافظ الدين: 35

حافظ الشيرازي (الخواجة): 84، 329

حافظ ابرو نور الدين بن لطف اللّه: 301

الحاكم بأمر اللّه: 316

حبيب اللّه الأردبيلي (كريم الدين): 26

الحجار: 170

حجر بن محمد بن قارا: 211

حسام الدين ابن دقماق: 19

حسام الدين الفوري (الغوري): 76

حسام الدين النعماني: 178، 179

حسن بن إبراهيم: 153

حسن بن أويس: 152، 153، 155

حسن الايلكاني الجلايري الكبير: 9، 17، 29، 31، 32، 33، 35، 36، 37، 38، 43، 44، 45، 51، 54، 62، 63، 68، 79، 85، 88، 89، 90، 91، 94، 131، 158، 166، 186، 388

حسن باشا (الحاج): 190

حسن باشا (الوزير): 181

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 376

حسن بن بولتيمور: 230، 231

حسن التلعفري (البدر أبو محمد): 334

حسن بن ثقبة: 212

الحسن بن سالار بن محمود الغزنوي

البغدادي: 170

حسن بن شمس الدين محمد (بدر الدين): 150، 151

حسن بن طاهر بك القجاري: 306

حسن بن علاء الدولة: 337

الحسن بن علي بن محمد البغدادي: 79

الحسن بن علي الواسطي: 50

الحسن بن محمد (الشاعر عز الدين أبو أحمد): 264

حسن ابن الملك الناصر محمد (الملك الناصر): 344

حسن بن نجم الدين المدني (السيد بدر الدين): 134

حسن نويان: 100

حسن سبط زيادة: 174

الحسن السغناقي: 87

الحسن الصباح: 28

الحسن الصغير ابن دمرداش (الشيخ الجوباني): 31، 36، 38، 43، 51، 54، 55، 109

حسين (الأمير): 285، 286

الحسين بن أبان: 76

حسين بن أقبغا (الأمير): 31

حسين بن أويس (السلطان): 94، 124، 140، 152، 153، 155، 156، 158، 159، 166، 169، 170، 171، 172، 173، 176، 177، 181، 182، 183، 186، 189، 214، 326، 327، 338، 343

حسين بايقرا (السلطان): 23، 24، 25، 310

حسين برقوق (السلطان): 177

الحسين بن بدران البابصري (صفي الدين أبو عبد اللّه): 69

حسين بن بسلاي (الأمير): 342، 343

الحسين بن علي: 315

حسين بن علاء الدولة (السلطان): 336، 337، 338

الحسين بن مبارك الموصلي: 51

حسين بن منصور (السلطان): 307، 308

حسين جاهد بك: 321

حسين الشرابي: 307

حسين (صاحب خيل السلطان): 139

حسين الصوفي: 142

حسين كوركان: 29، 32

الحسين بن محمد الحسيني الأسدي (ابن النيار، أبو المكارم): 129

حمد اللّه المستوفي: 71، 82

حمزة بك: 330

حميد بن عبد اللّه الخراساني: 277

حميضة بن عز الدين الحسيني: 245

حميضة بن نمي(الشريف): 45

حيار بن مهنا (الأمير): 36، 157، 209، 210، 211

حرف الخاء خداداد ابن الأمير بولادجي (الأمير):

343

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 377

خضر خواجة: 343

خضر شاه ابن سليمان شاه: 188

الخطيب البغدادي: 320

خان قتلغ: 163

خلف: 39

خليل بن أحمد الخطاط: 13

خليل بن محمد الأقفهسي (صلاح الدين): 19

خواجو الكرماني: 82، 358

الخوارزمي: 334

خواندمير (غياث الدين) 24، 25

الخيام: 168

حرف الدال دارا شكون: 306

دانشمندجه خان:

342

الداني: 49

داود باشا: 120، 121، 180

داود عليه السلام: 196

داود بن العطار: 320

داود بن سديد الدولة: 195، 196

دحية الكلبي: 203

درويش مرتضي البكتاشي: 270

الدريهم (سعيد): 122

دزر ديوان سعيد: 82

الدقوقي: 69

دلشاد خاتون بنت دمشق خواجة: 32، 33، 35، 63، 64، 79، 80، 91، 95، 167، 168

دمرداش: 38، 317

دمشق ابن الأمير جوبان: 32

الدمياطي: 149

الدواليبي: 87

دورجي بن ايلجيكداي: 342

دوري تيمور بن چچن: 341

دولة خواجة: 314

دولتشاه السمرقندي: 23، 80، 82، 84، 154، 168، 301

دولت يار: 278

دوكيني: 321

الدهلي (الذهلي): (سعيد بن عبد اللّه)

دوندي بنت حسين: 183، 335، 338

دوندي (تندو، دولندي): 80، 168، 183، 244، 330، 331

حرف الذال الذهبي: 34، 40، 59، 69، 77، 87، 146، 157، 320

حرف الراء ربيعة بن الحارث: 60

رجب بن حسن البغدادي (أبو الثناء): 51

رحمن شاه درويش: 169

رستم (سيف الدين): 340

رستم (أمير زاده): 260، 279، 307، 308

رستم طغا: 258، 260

الرشيد بن أبي القاسم: 48، 50، 51، 60، 65، 71، 117، 129، 130، 352

رشيد ياسمي: 80، 91، 94، 96، 125، 167، 168

رشيد الدين فضل اللّه: 71

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 378

رضا توفيق: 272

الرفاء: (علي بن محمد البغدادي)

رملة بن جماز: 132

رميثة بن عز الدين الحسني (الشريف أسد الدين): 60، 345

رميثة بن نمي(الشريف): 45

روحي البغدادي: 269

حرف الزاي زاده سلطان خليل: 258، 260، 303، 304، 314

زامل بن موسي: 132، 192، 210، 211

زاهد (الشيخ): 80

زبيد الأصغر: 242

زبيد الأكبر: 242

الزريراني: (عبد الرحيم بن عبد الملك، الشيخ تقي الدين)

زرين قلم (أحمد شاه النقاش) 358

زكريا (الخواجة الأمير شمس الدين): 91، 124، 167، 171، 181، 183

زكريا الأمير: 172

زكي محمد حسن (الدكتور): 358

زنكي (عماد الدين): 363

زينة بنت أحمد الموصلية: 170

زينب بنت الكمال: 69

زين الدين الشيخ: 51

زين الدين بن رجب (الحافظ): 144

زين الدين العراقي: 229، 280

زين الدين علي: 161،

177

زين العابدين بن شاه شجاع: 208، 219

حرف السين سابور: 296

سالم الدوكاري: 241

سامي بك: 190

ست الملوك بنت أبي نصر: 96

سديد الدولة: 196

سراي تيمر: 111

سرور (الخواجة): 144، 149

سعد بن إبراهيم الطائي: 251

سعد الدين الساوجي: 71

سعدي الشيرازي: 82

سعيد (الدريهم): 122

سعيد الهذيل: 40

سفيان أفندي الخطاط: 107

السكاكي: 86

سلطان بخت: 110

سلطان علي (السيد): 57، 189، 351

سلمان البغدادي: 277

سلمان الساوجي (الخواجة جمال الدين):

13، 43، 73، 80، 82، 88، 91، 94، 95، 96، 117، 118، 125، 126، 128، 131، 132، 137، 144، 148، 154، 155، 165، 167، 186

سلمان الفارسي: 201

سليم شاه: 306، 310

سليمان باشا: 57

سليمان باشا الكبير: 106، 107

سليمان الأتابك (الأمير): 119

سليمان (التقي): 71

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 379

سليمان بن عبد الرحمن النهر ماوي (نجم الدين): 65

سليمان بن مهنا (الأمير): 52، 56

سليمان شاه (الأمير): 260

سليمان شاه خازن: (سلطان شاه خازن) سليمان القاآن: 36

سليمان القاضي: 48

السمعاني: 200، 201

سنتائي، استباي (الأمير): 214، 220، 250

سنجر بن أحمد (ميرزا): 307، 308

السهروردي (صاحب العوارف): 117

السهروردي (صالح بن أحمد، محمد بن علي)

سودون: 232

سيد شريف: 273

سيدي علي الأوغل شاهي: 259

سيف بن فضل بن عيسي (الأمير): 63، 67، 68، 117، 210

سيف الدين (الحاج): 249

سيورغاتمش: 342، 343

السيوطي: (جلال الدين): 20، 59، 296

حرف الشين شاد ملك: 304

شافع بن عمر الجيلي (ركن الدين): 46، 47

الشافعي (الإمام) 48، 99، 100، 106، 129

شاكر الآلوسي (السيد): 363

شاه خازن: 128، 131، 143، 144

شاه رخ بن تيمور لنك: 260، 268، 281، 301، 302، 305، 308، 337

شاه شجاع بن الأمير محمد بن مظفر (جلال الدين): 126، 142، 158، 159، 160، 163، 164، 165، 169، 172، 192، 208، 214، 219، 306

شاه عالم الثاني: 306

شاه ولد ابن الشهزادة الشيخ علي:

189، 331، 335

شجاع الدين خورشيد: 340

الشجاعي: 37

شجاع الدين محمود بن عز

الدين حسين:

340

شداد: 207

شرف الدين أحمد: 239

شرف الدين البليقي: 233

شرف الدين ابن الحاج عز الدين الحسين الواسطي الوزير: 177

شرف الدين بن عطا الواسطي: 177

شرف رامي: 154

شرف الدين اليزدي: 15، 301

شروان شاه: 253، 254

الشريف الداعي: 46

الشريف الرضي: 326

شعبان بن حسين ابن الناصر محمد (الملك الأشرف): 344

شعبان ابن الملك الناصر محمد (الملك الكامل): 64، 68، 344

شكري الآلوسي: (محمود شكري)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 380

شمس الدين ابن الوراق: 86

شمس الدين (حاكم اخلاط و تفليس):

314

شمس الدين الأصفهاني: 122، 253

شمس الدين السمرقندي (الشيخ): 263

شمس الدين الفاخوري: 139

شمس منشي بن هندوشاه النخجواني:

154

شهاب الدين (الوزير): 337

شهاب الدين بن البابا (الشيخ): 280

شهاب الدين بن رجب: 97

شهاب الدين بن عز الدين الوزير: 163

شهاب الدين ابن الفصيح: 230

الشهزاده الشيخ علي: 149، 170، 171، 172، 188، 189

الشهيد: 134

شيبك خان (شاهي بك الأوزبكي):

305، 310

شيخ زاده الخرزياني: 321

شيخ علي: 125، 231

شيخ المحمودي: 279

حرف الصاد صالح (السلطان شمس الدين): 75

الصالح بن أحمد السهروردي: 332

الصالح إسماعيل: 64

صالح بن الصباغ: 87

صالح بن صيلان: 231، 232

صالح بن عبد اللّه بن جعفر بن الصباغ (أبو الفضل): 178

صالح بن الملك الناصر محمد (المك):

344

صاين خان: 111

صدر الدين (قاضي ماردين): 37

صدر الدين الخاقاني: 113

صدر الدين الصفوي: 182

صرقتمش: 140

الصفدي: 59

صفي الدين الختلاني: 298

صفي الدين بن عبد الحق: 72

صفي الدين الحلي (عبد العزيز بن سرايا): 61، 73، 75، 77، 216، 253

صفي الدين الختلاتي: 298

صفي الدين عبد المؤمن ابن الخطيب عبد الحق: 39، 47، 53، 156، 359

صلاح الدين الصفدي: 86

صلغان (صورغان) شير ابن الأمير جوبان: 32، 37، 38

صول بن حيار: 176

حرف الطاء طاهر ابن السلطان أحمد (السلطان):

215، 221، 243، 252، 266، 274، 275

طاهر بن حبيب: 78، 86، 146، 149، 176

الطرابلسي (قاضي الحنفية): 215

طغاي تيمور: 84، 137، 244

طغاي (الحاج)،

32، 35

طغاي بن سوتاي: 37، 38

طغيتمر النجمي: 64

طقتمش: (توختامش)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 381

طقز دمر: 68

طقطاي: 110

طهرتن: 324

طور علي بك التركماني: 321

طورسون (درسون. تورسون): 190، 191، 192، 336

طوغا بك (الحاج): 32

حرف الظاء الظاهر (السلطان): 311، 321

الظهير بن العجمي: 311

ظهير الدين ابن السيد تاج الدين (الشيخ):

134

ظهير الدين الفارابي: 168

ظهير الدين علي الكازروني: 79

ظهير الدين محمد: 134

حرف العين العادل: 67، 278

عادل أغا: 137، 169، 171، 172، 183، 187، 188، 190، 191، 192، 197

عادل سلطان بن محمد: 342

عامر بن ظالم بن حيار: 241

عباس إقبال: 165

عبد الجبار بن عبد اللّه الخوارزمي: 265

عبد الحق (الجمال): 149

عبد الحميد (السلطان): 190

عبد الدائم بن بلدجي: 129

عبد الرحمن الأسفرايني (الشيخ) 225

عبد الرحمن بن أبي الوفاء الموصلي (الشاعر): 332

عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي (الحافظ زين الدين): 229

عبد الرحمن بن الحسن بن محمد بن أبي البركات مسعود: 229

عبد الرحمن الجامي: 308

عبد الرحمن چلبي: 23

عبد الرحمن الراوي: 106

عبد الرحمن بن علي التكريتي: 59

عبد الرحمن بن عمر البصري (أبو طالب): 39

عبد الرحمن بن عمر الحريري (صلاح الدين): 69

عبد الرحمن بن عمر الخلال: 40

عبد الرحمن بن عوف: 66

عبد الرحمن بن لاحق الفيدي: 178

عبد الرحمن بن ملجم: 202

عبد الرحيم بن البدر التلعفري: 334

عبد الرحيم بن الفصيح: 229، 230

عبد الرحيم ابن الزجاج: 46

عبد الرحيم بن شاهد الجيش: 280

عبد الرحيم بن عبد الملك الزريزاني: 47

عبد الرحيم بن محمد الحدادي: 49

عبد الرحيم بن محمد بن يونس (تاج الدين): 54

عبد الصمد: 329

عبد الصمد (جمال الدين): 129

عبد الصمد بن إبراهيم بن خليل: 126

عبد الصمد بن أبي الجيش: 34، 39، 48، 60

عبد الصمد بن أحمد: 46

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 382

عبد العزيز (الشريف): 213

عبد العزيز (الملك المنصور): 345

عبد العزيز البغدادي:

256

عبد العزيز بن بلدجي: 129

عبد العزيز بن عبد القادر البغدادي (نجم الدين): 65

عبد علي النقاش: 358

عبد الغفار بن محمد المخزومي: 148، 150

عبد الكريم بن بلدجي: 129

عبد الكريم بن نجم الدين: 337

عبد اللّه بن ابراهيم بن شاه رخ (ميرزا):

304

عبد اللّه بن أحمد ابن الفصيح (جلال الدين): 59

عبد اللّه الأردبيلي (جلال الدين): 312

عبد اللّه بن بكتاش قاضي بغداد: 352

عبد اللّه بن جابر الأندلسي: 138

عبد اللّه بن خليل الأسدآبادي (جلال الدين البسطامي): 195

عبد اللّه الراوي: 106

عبد اللّه بن عبد الرحمن الدارمي: 180

عبد اللّه بن عبد المؤمن التاجر الواسطي (تاج الدين): 49

عبد اللّه العلي اللهي: 206

عبد اللّه بن فتح اللّه البغدادي (الغياث):

16

عبد اللّه بن قازان (أمير): 342

عبد اللّه بن محمود (مجد الدين): 129

عبد اللّه مرواريد (الخواجة): 23

عبد اللّه بن مروان الفارقي: 40

عبد اللّه النحريري (جمال الدين): 311

عبد اللّه الهاتفي (المولي): 308

عبد اللّه بن ورخز (أبو محمد): 46

عبد اللّه الواسطي: 86

عبد اللّه بن يحيي الأبزاري (شرف الدين): 81

عبد اللطيف: 255، 302

عبد المجيد ابن فرشته: 273

عبد المحسن بن محمد (عفيف الدين):

217

عبد الملك بن أبي بكر الموصلي: 244

عبد الملك التمغاتي: 172، 173، 176، 190، 191

عبد المنعم البغدادي (الشيخ شرف الدين): 311

عبد الوهاب بن إلياس: 50

عبد الوهاب بن الناصح: 61

عبيد اللّه أفندي: 121

عبيد خان الأوزبكي: 305

عبيد زاكاني: 73، 154

عبيد (الخليفة): 85، 154، 204، 206، 329

العتبي: 160

عثمان بك (قرا ايلوك، قرا يلك) 322

عثمان بن قارا: 209، 211

عثمان البياندري (الأمير): 336

عثمان ياور: 190

العجل: 317

عجلان بن رميثة: 60، 153، 345

عدنان بن مغامس: 345

عرفة: 198

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 383

العز: 40

عز الدين ابن شجاع الدين محمود: 340

عز الدين العباسي ملك اللر: 219، 221

العز الفاروثي: 79

عزة الملك: 54

عزيز بن أردشير الاسترابادي: 10، 12، 256، 257

عزيز العلي

اللهي: 206

عضد الدولة (فنا خسرو بن بويه): 81

عضد الدين (القاضي): 198

عطية بن رميثة: 60

عطيفة بن عز الدين بن قتادة الحسني:

345

عفان بن مغامس: 212

العفيف المطري: 76

العلاء التلعفري: 334

علاء الدولة: 161، 314، 322، 323، 324، 336

علاء الدولة السمناني: 82، 167

علاء الدين ابن التركماني: 122، 280

علاء الدين بن عرب: 174

علاء الدين حاكم حلب (العلامة الحافظ): 20

علاء الدين البسطامي: 195

علاء الدين علي بن محمد الشيحي البغدادي الواسطي: 50

علاء الدين المشرقي: 334

علي (الخليفة الإمام المرتضي): 85، 154، 200، 201، 203، 204، 207، 329

علي الأعلي: 270، 273

علي باشا الوزير: 16

علي باشا الأويرات: 31، 32، 33

علي بن إبراهيم (ابن الثردة): 78

علي بن أبي القاسم بن لميم الدهساني:

178

علي بن أويس (السلطان): 154، 176، 183، 187، 191، 260، 305، 341

علي خواجة: 125

علي بن برد خجا (خواجة): 232

علي بن الحسن البغدادي: 149

علي بن الحسين الموصلي (عز الدين):

216

علي بن سنجر البغدادي (ابن السباك):

76، 77

علي ابن شيخ العوينة (الشيخ نور الدين):

122

علي بن الأمير طالب الدلقندي (الأمير):

44، 61

علي بن عبد اللّه العبايقي (زين الدين):

177

علي بن عبد الحميد النيلي (الشيخ نظام الدين): 134

علي بن عبد الصمد البغدادي (عبد المنعم أبو الربيع): 52

علي بن عثمان الطيبي (محيي الدين أبو عثمان): 55

علي بن عجلان: 345

علي بن عيسي بن القيم: 149

علي بن محمد الثعلبي (تاج الدين ابن الدريهم): 122

علي بن محمد البغدادي (الرفاء): 46

علي بن محمد بن يحيي العباسي: 129

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 384

علي ابن المطهر (رضي الدين) 133

علي بن مؤيد (الخواجة): 141

علي بن يحيي بن رفاعة الحسن المكي:

362

علي بيلتن (الأمير): 112، 113

علي شير: 140، 141

علي شير النوائي: 23، 24، 25، 310

علي علاء الدين الآلوسي (الحاج): 98، 189

علي القاضي (الشيخ) 152، 169

علي قلندر (الأمير): 254، 259، 274

علي القوشجي (المولي):

302

علي المارداني (أمير): 253

علي الهيتي (الشيخ): 47

العماد ابن الطبال: 51

عمر (الخليفة): 85، 154، 204، 206، 329

عمر (معز الدين الشيخ): 307، 314

عمر بن إبراهيم الحسيني (شيخ الزيدية):

201

عمر بن أحمد الشماع (الشيخ زين الدين): 21

عمر بن عبد المحسن الأنباري (جمال الدين أبو حفص): 127

عمر بن علي بن عمر القزويني (سراج الدين): 70، 178، 180، 181، 352

عمر بن علي بن موسي (سراج الدين):

70

عمر بن نجم بن يعقوب البغدادي (المجر): 230

عمر بن نعير: 224

عمر بن الوردي (الشيخ زين الدين): 66، 68

عمر البيضاوي (القاضي ناصر الدين):

17

عمر شيخ: 305

عمر قبجاق: 173، 187

عمرو بن بلي: 67

عمرو بن معدي كرب الزبيدي: 242

عدنان بن مغامس: 345

عيس بن فضل اللّه (الأمير شرف الدين):

52، 56

عيسي المطعم: 170

العيني: (بدر الدين العيني)

حرف الغين غازان (السلطان) 162، 284، 285

الغزالي: 247

غياث الدين (الأمير): 273

غياث الدين محمد: 130، 154

غياث الدين ابن السلطان حسين: 140، 141، 142

غياث الدين محمد بن رشيد (الوزير، الخواجه): 48، 53، 55، 56، 71، 82، 83، 91، 95، 166، 168، 183، 186، 248

غياث الدين العادلي: 224

الغياثي: 31، 32، 98، 149، 152، 161، 163، 165، 170، 171، 177، 181، 233، 303، 322

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 385

حرف الفاء الفارابي: 123

الفاروثي: 34، 40

فاطمة الأنصارية: 363

فتح اللّه بن عبد القادر لقمان: 109

الفخر: 50، 61

فخر الدين آل جميل: 47

فرج بن برقوق (الملك الناصر، أبو السعادات): 345

فرحان (تمر خان): 141

فرخ، فرج: 257، 258، 259، 260، 274

فرخ شير محمد شاه: 259، 306

الفردوسي: 72، 73، 166، 296، 297

فرعون: 207

فروة (الفقيه): 218

فضل اللّه الأسترابادي (الحروفي): 267، 269، 270

فضولي: 269

فكتورية (القراليجة): 307

فليتة من بني حسن: 44

فواز بن مهنا: 85

فياض بن مهنا: 52، 63، 66، 67، 118، 210

الفيروزآبادي: 352

فيروز أغا: 274

حرف القاف قابول: 284

قاجولي: 284

قارا بن

مهنا (أمير العرب): 157، 176، 209، 211

قازغان (أمير): 342

قازان سلطان بن ياسسور: 342

قاسم ابن السلطان الشيخ حسن (الأمير):

80، 131

قاضي زاده الرومي: 302

القاهر باللّه: 165

قبلغ تيمور: 215

قتلغشاه: 137

قرا حسن: 63، 278

قرا سنقر: 56

قرا عثمان بك: 324، 330

قرا محمد التركماني: 125، 157، 171، 172، 187، 188، 214

قرا هلاكو بن موتوكن: 341

قرا يلك (عثمان بن قطلبك): 256، 258،

قرا يوسف التركماني (أمير): 15، 178، 187، 254، 255، 257، 258، 265، 266، 274، 275، 277، 278، 279، 280، 303، 304، 307، 312، 313، 314، 315، 319، 320، 322- 330، 348

قرماني: 240

قريش ابن أخي زامل: 192

القزويني: (عمر بن علي)

قطب الدين محمد: 163

قطب الحيدري: 254

قطلو شاه: 158، 249

قطلي (قوتلوبك): 321، 322

القطيعي: 52

قمر خان: 140

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 386

قمر الدين: 197

قمر الدين (من أحفاد الأمير بولادجي):

343

قنبر (غلام علي بن أبي طالب): 201

قنبر علي بادك (پير علي باوك): 170، 171

قنغرار سلطان: 116

قوام الدين ابن طاووس: 44

قوام الدين النجفي: 190، 191

قوصون: 65

القونوي الحنفي: 253

حرف الكاف كاتب چلبي: 161

الكازروني: (أحمد بن محمد، علي بن محمد).

كامران (ميرزا): 305

كاوس بن كيقباد: 130

كبيش بن عجلان: 212

كج، الحجاني: الكجحاني (الخواجة الشيخ): 13، 152، 181

كرشاف بن محمد (عز الدين): 340

كسري: 317

الكرماني: 45

الكرماني: (الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف).

الكرملي (الأستاذ): 304

كتبغا: 317

كل بنت سلطان الروم: 83

كليمان هوار: 272

كمال البزار: 65

كمال سنائي: 273

كمال الدين بن العديم: 321

كمال الدين الخجندي: 250

كمال الدين عبد الرحمن بن عبد اللطيف:

79

كمال الدين عبد الرزاق السمرقندي: 310

كمشيغا: (السلطان): 241

الكواشي: 60

كوبك بن چچن: 341

كوچك ابن الملك الناصر محمد (الملك الأشرف): 344

كوره بهادر: 254

كونجك (كونجه): 341

كلارن: 22

كيخاتو خان: 31، 162

كيخسرو: 125، 162

كيمرز ابن الشيخ إبراهيم الشوراني:

322، 323

حرف اللام لقمان: (الشيخ): 271

اللنك: (تيمور لنك).

لانكله: 21

حرف الميم مالك المسيب (الأمير):

363

ماما خاتون (الحاجة): 132

المؤيد: 165، 178

مبارز الدين المظفري: 83، 112، 113، 159- 165

مبارك شاه: 171، 172

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 387

مبارك بن عبد اللّه الموصلي: 76

المتوكل علي اللّه: 165

المجد بن بلدجي: 48، 129

المجد بن تيمية: 76

مجد الدين، إسماعيل السلامي: 36

المجر: (عمر بن نجم بن يعقوب البغدادي).

محب الدين بن شجاع الدين (القاضي):

217

محفوظ بن أحمد الكلواذي (نجم الهدي أبو الخطاب): 39

محمد النبي صلي اللّه عليه و سلم: 85، 100، 104، 105، 106، 115، 201، 203، 264، 329

محمد (الأمير): 141

محمد (أبو طاهر): 62

محمد (السلطان): 310، 336، 337

محمد (الشاه): 326، 330

محمد بن إبراهيم الدمشقي (شمس الدين): 138

محمد بن إبراهيم الواسطي (ابن شيخ الحرامية): 34

محمد بن أبي بكر: 211

محمد بن أبي بكر بن دكين: 363

محمد بن أحمد البرادعي (شمس الدين):

177

محمد بن أحمد حلاوة: 40، 48

محمد بن أحمد بن عجلان: 212

محمد بن أحمد العجمي (حافظ الدين) 302

محمد بن أحمد بن علي الفارسي (شيخ الحرم تقي الدين): 19

محمد بن أحمد الواسطي (ابن غدير) (شمس الدين): 40

محمد بن إدريس (الإمام الشافعي)

محمد الإربلي (بدر الدين): 98، 150

محمد أزبك (أوزبك) ابن طغرلجا: 110

محمد بن إسحق الحسني (عز الدين أبو نمي): 345

محمد بن أسعد أفندي مفتي الحنفية:

121

محمد بن إسماعيل الإربلي (ابن الكحال) (بدر الدين): 217

محمد بن إسماعيل ابن الخباز: 230، 280

محمد أكبر شاه (الميرزا جلال الدين):

305

محمد بن أكبر شاه الثاني (سراج الدين بهادر شاه الثاني): 306

محمد امين الأنسي: 107

محمد بن البدر التلعفري: 334

محمد البغدادي الزركشي (شمس الدين):

330

محمد بك: 274

محمد بيلتن: 125

محمد ابن البيطار (شمس الدين) 174

محمد بن پولاذ بن كونجك: 341

محمد چلبي كاتب الديوان: 120

محمد بن الحاجي: 161

محمد بن الحسن الحسيني الواسطي (شمس الدين أبو عبد اللّه): 127

محمد بن الحسن الحسني: 345

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 2، ص: 388

محمد بن الحسن بن يوسف ابن المطهر (فخر الدين أبو طالب): 133

محمد بن الحسين بن أحمد الحلي (ابن البقال) [شمس الدين]: 213

محمد بن الحسين الربعي (ابن الكويك):

123

محمد بن حيار: (نعير)

محمد خدا بنده، خربنده: 53، 104، 125، 158، 162

محمد الدوادار: 326

محمد راشد أفندي ابن فخر الدين: 120

محمد ابن السباك (التاج): 352

محمد بن شاه ولد (السلطان): 337، 338

محمد بن شاه رخ: 302

محمد شاه: 331، 332، 335

محمد بن طاهر الواسطي (النقيب): 61

محمد بن طشتمر: 158

محمد بن عبد الرحمن السخاوي (شمس الدين): 20

محمد بن عبد الرحمن العجلي (جلال الدين أبو المعالي): 42

محمد بن عبد العزيز الجيلي (شيخ بلاد الجزيرة، شمس الدين): 42

محمد بن تاج الدين عبد اللّه بن عز الدين علي ابن المعافي (شمس الدين): 134

محمد بن عبد اللّه ابن العاقولي (محيي الدين): 130، 243، 246، 352

محمد بن عجلان: 212

محمد بن عرب الهيتي: 186

محمد بن عبد المحسن (ابن الدواليبي): 71

محمد عصار (الخواجة): 154

محمد بن علي بن أبي البدر (أبو الحسين): 55

محمد بن علي بن أحمد السهروردي:

117

محمد بن علي بن محمد الشبانكاري: 52

محمد بن علي بن محمود الدقوقي: 48

محمد بن علي الواسطي: 168

محمد بن عمر البخاري (ظهير الدين):

76

محمد بن عمر بن فياض الباريني (نائب الخطابة ببغداد): 48

محمد بن عمر بن علي القزويني (محب الدين): 150

محمد بن عيسي بن كر (شمس الدين):

122

محمد غياث الدين جهانكير: 310

محمد الفضل: 56، 57

محمد بن قارا: 211

محمد بن القاسم بن أبي البدر المليحي:

55، 56

محمد القطان بن يونس الإربلي العدوي:

60

محمد بن قلاوون (السلطان الملك الناصر): 35، 36

محمد بن كنجاية: 45

محمد بن كوركبتين: 211

محمد مبارك: 33، 76

محمد بن محمد بن أحمد بن عبد اللّه الهاشمي الكوفي الأتراري (جلال الدين أبو هاشم): 60

محمد بن محمد

بن عبد الكريم الموصلي (شمس الدين): 146

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 389

محمد بن محمد بن محمد البغدادي الوراق المصري (ضياء الدين): 48

محمد بن محمود البغدادي (الشيخ نور الدين): 129

محمد بن محمود بن محمد الخوارزمي:

178

محمد بن المخرمي: 48

محمد مصطفي ابن السيد حسن الهاشمي (الشريف): 328

محمد بن المظفر حاجي (الملك المنصور): 344

محمد بن مكي العراقي: 197

محمد مير خواند (الخواجة حميد الدين):

23

محمد ميرزا: 304

محمد النجوي (شاه): 325

محمد بن يحيي البغدادي: 53

محمد بن يوسف بن عبد الغني (ابن ترشك): 73

محمد بن يوسف الكرماني (الشيخ شمس الدين): 198

محمود: 287

محمد (شاه): 208

محمود شاه (السلطان): 334، 335، 343

محمود بن أبي سعيد (السلطان): 305

محمود الثنائي: 107

محمود جاني بك (جان بك): 111

محمود أفندي نقيب الأشراف (السيد):

121

محمود زنكي الكرماني (الشيخ): 297

محمود السبزواري (الخواجة): 243

محمود بن شاه ولد ابن الشيخ علي (السلطان): 331، 338

محمود شكري الآلوسي (السيد): 57، 98، 99، 107، 179، 181، 190، 241، 255

محمود شهاب الدين الآلوسي (السيد): 98

محمود بن صاين (شمس الدين): 83

محمود بن علي بن شروين البغدادي (الوزير نجم الدين): 64، 65

محمود العيني (بدر الدين)

محمود غازان: 158

محمود فخر الدين نائب الحلة: 64

محمود كيتي: 71، 159، 160، 162، 164، 165، 170

محمود بن مبارز الدين محمد المظفري (الشاه): 126، 159، 164

محمود واقي: 173

محمود بن عز الدين يوسف (بهاء الدين):

83

المحوجب: (البدر أبو محمد حسن التلعفري)

محيي الدين البردعي القاضي: 110

محيي الدين ابن العربي (الشيخ): 12

مخدوم شاه الايكجية (داية السلطان):

119، 122

مراد خواجة: 128

مراد بخش ابن السلطان سليم (السلطان):

306، 328

مرتضي آل نظمي: 12، 15، 220، 222، 301

مرجان بن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأولجايتي (أمين الدين الخواجة):

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 390

63، 94، 97، 98، 99، 100، 104، 105، 107، 109، 116، 124، 125،

128، 131، 143، 144

المزي: 53، 320

المستعصم (الخليفة): 60

مسعود (الأمير الخواجة): 172، 195، 196

مسعود الخراساني (الخواجة): 230، 233، 242، 244، 258

مسعود الحارثي: 149

مصر خجا (خواجة): 214

مصطفي جواد: 22، 38، 66، 78، 85، 106، 109، 115، 116، 158، 181، 192، 224، 266

مصطفي رحمي: 21

مظفر (الأمير): 162

مظفر (السلطان): 310

مظفر (شرف الدين): 161، 163

مظفر حاجي: 64، 68

مظفر حسين (ميرزا): 26، 307

المعافي: 137

المعتضد باللّه: 164

معروف الكرخي: 247

المعيد بن المحلح: 52

معيقل بن فضل بن عيسي: 211

معين الدين (قاضي الموصل): 37

معين الدين اليزدي: 159

المقريزي: 15، 36، 38، 78، 146، 192، 247، 265، 292، 304، 316، 328، 332، 338

مقصود (شيخ): 278

منصور: 254

المنصور (الملك): 64، 75

منصور (شاه): 169، 191، 212، 218، 219

منصور (ميرزا): 307، 308

منصور الأنصاري (السيد): 363

منصور بن الحاجي: 161

منكو قاآن: 30

منيكلي: 342

مهذب الدين النحوي: 86

مهنا بن عيسي: 63، 67

مهنا بن مانع: 210

مهنا بن موسي: 132

موسي عليه السلام: 203

موسي بن بايزيد: 275

موسي بن سعيد النجاري الأنصاري (الشيخ): 363

موسي بن مهنا (أمير العرب مظفر الدين):

51، 56

الموفق: 60

موفق الدين قاضي القضاة: 311

مير علي التبريزي: 358

ميران شاه بن تيمور: 11، 225، 226، 237، 238، 243، 267، 303

ميكائيل: 259، 274

حرف النون النابغة الذبياني: 234

الناصر: 37، 38، 56، 64، 67، 75، 118، 279، 280

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 391

الناصر (الخليفة): 68

الناصر فرج: 337

ناصر ابن العزيز: 240

ناصر بن محمد الدلقندي (الأمير السيد عماد الدين): 61

الناصر حسن: 122

ناصر خسرو: 273

ناصر الدين العراقي: 198

ناصر الدين ابن الفرات (الشيخ): 19

ناصر الدين خليفة ابن الخواجة علي شاه:

36

ناصر الدين الفارقي: 198

ناصر النجاري: 154

نجم الدين التستري: 147

نجم الدين عبد الرحيم البارزي قاضي القضاة: 186

نجمة التركماني: 78، 79

النجيب: 34

نجيب الدين: 91، 119، 186

النسائي: 229

نسيم الدين (نسيمي): 267، 269، 270

نصر بن محمد ابن الكتبي: 352

نصر

النعماني: 48

نصر اللّه البغدادي (شاعر): 324

نصر اللّه البغدادي (الشيخ): 217

نصرة الدين أحمد: 62، 63

نصرة الدين يحيي: 163

نصير (مؤسس نحلة النصيرية): 200، 201

النصير الطوسي: 240

نظام الدين: 337

نظام الدين أوليا: 27

نظام الدين الدلقندي: 61

نظام الدين عبيد اللّه القزويني الخواجة:

154

نظام الدين المعروف بنظام الشامي:

226، 297

نظام الدين الهروي (شنب غازاني): 60، 297

نظام الملك الطوسي: 83

نظامي: 83

نعمان خير الدين الآلوسي (السيد): 19، 20، 21، 98، 101، 104، 106، 107، 113، 115، 116

النعمان بن ثابت: 265

نعمان الذكائي: 107

النعماني: (أحمد النعماني، حسام الدين)

نعير (محمد) بن حيار: 176، 209، 211، 224، 227، 243، 316، 317

نكون: 30

نمرود: 207

نمي: 45

نور الدين (شيخ): 258، 260

نور الدين ابن الزجاج: 262، 263

نور الدين الخراساني (الشيخ): 224، 225

نور الدين بن لطف اللّه: (حافظ ابرو)

نور الدين الهيتمي: 280

نوروز ابن ملك خراسان: 83

النوري: 187

النووي: 229

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 392

حرف الهاء هارون أخو موسي بن عمران: 195

هارون الرشيد: 81

هزاراسف 62

هلاكو (ايلخان): 29، 30، 31، 33، 84، 91، 95، 104، 109، 110، 123، 161، 240، 262، 347، 348

هماي بنت فغفور الصين: 83

همابون شاه بن بابر شاه: 27، 83، 305

هندوا: 78

الهيتمي: 315

حرف الواو وصاف الحضرة: 82

وفا خاتون: 254، 255

ولي (الأمير): 137

ولي الدين (قاضي القضاة): 281

ويران ابدال: 273

حرف الياء يأجوج و مأجوج: 235

يادكار الاختجي: 254

يادكار محمد (ميرزا): 308

يارعلي: 232

ياقوت المستعصمي: 39، 357

ييسون تيمور بن ابو كان: 341

يحيي (شاه): 158، 214

يحيي ابن الشيخ شمس الدين محمد الكرماني (الشيخ تقي الدين): 198

يحيي بن عبد الرحمن الجعبري الحكيم (نظام الدين): 65، 109، 158

يحيي بن عبد اللّه الواسطي: 34

يحيي (الشيخ): 225

يحيي بن محمد بن أحمد الحارثي: 81

يحيي السمناني: 191

يحيي النقيب (سيد): 362

يحيي ولي يزد: 219

اليزدي: (شرف الدين علي).

يعقوب شاه (الأمير): 54

يلبغا: 174، 317

ييلد يرم بايزيد العثماني:

257، 258، 266، 267، 278، 290، 295

يوسف بن حسين صوفي: 142

يوسف شاه: 62

يوسف شاه (ركن الدولة): 62

يوسف بن محمد السرمري (جمال الدين): 156

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 393

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

حرف الألف آق قوينلو: 321

آل ارتق: 75

آل بويه: 81

آل تيمور: 27، 265، 298، 305، 327

آل جنكيز: 31، 284

آل الجويني: 71

آل الصيرفي: 362

آل علي: 132، 209، 316

آل فضل: 36، 51، 66، 67، 118، 157، 176، 192، 209، 210، 211، 224، 317

آل مرا، آل مراء: 210، 227

آل مراد: 210

آل مظفر: 28، 71، 82، 164، 191، 208، 218، 219، 223، 307، 340، 346، 348

آل مهنا: 66، 209، 241، 317

آل نظمي: 12

الآلوسيون: 31، 98، 158

الأتابكة الفضلوية: 63

الاتحادية: 267، 273

أتراك: انظر: الترك

الإسماعيلية: 28، 57، 202، 269

الأعاجم: 268

الأكراد: (الكرد)

الإنكليز: 306، 307

أوزبك: 27، 305

أويرات: 31، 254، 278، 317

أويغور: 155

الايلخانية: 30

الايلكانية: 29، 30، 137

حرف الباء البابكية: 201

بارلاس: 284

الباطنية: 268، 273

البايندرية: 304، 336

البختيارية (اللر): 82

بنو حسن: 44، 45، 347

البطائحية: 363

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 394

البكتاشية: 269، 270

بنو عبيد (انظر الفاطميون)

بنو كلاب: 211

حرف التاء التتار، التاتار، التتر: 24، 56، 91، 142، 197، 222، 235، 249، 259، 262، 275، 277، 281، 295، 316، 327

ترك، أتراك، 10، 14، 24، 31، 33، 77، 138، 139، 143، 158، 190، 284، 290، 317

التركمان، التراكمة: 54، 157، 188، 197، 225، 232، 296، 275، 314، 319، 323، 331

توران (طوران): 295، 301، 315

التيميون: 229

حرف الجيم الجبور: 242

الجراكسة: 177، 344

الجغتاي (الچغتاي): 222، 226، 235، 239، 259، 260، 268، 284، 285، 302، 336، 340، 342، 343

الجلاير، الجلايرية: 8، 14، 17، 24، 29- 31، 75، 89، 95، 113، 126، 167، 168، 190، 208، 249، 252، 329، 330، 334، 337، 348، 349، 358، 359

الچابولغان: 30

الچوبانية

(حكومة) 109، 110، 340، 348

حرف الحاء الحبشة: 122

الحروفية: 267، 268، 269، 270، 273

الحنابلة: 47، 65، 227، 229، 277، 311

الحنفيون: 47، 65، 99، 100، 121، 215، 227، 229، 253، 263، 265، 277، 311

الحياليون: 151

حرف الخاء الخطا (شعب و بلاد و ملكة): 14، 40، 202، 281، 288، 289، 295

خوارزم شاهية: 28

الخيتاي: 30

حرف الدال الدليم: 242

دورلكين: 30

حرف الراء الرفاعية: 363

الروم (العثمانيون): 15، 36، 83، 138، 233، 257، 258، 275، 295، 307، 343

حرف الزاي زبيد: 209، 210، 241، 242

الزيدية: 201

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 395

حرف الشين الشافعية: 82، 99، 100، 121، 129، 130، 195، 247، 248، 311، 347

الشيخ حسنية (الجلايرية): و انظر الجلايرية

الشيعة: 75، 133، 200، 248

حرف الصاد الصارلية: 247

الصوفية (الصفوية): 27، 147، 168، 181، 363

حرف الطاء طوران: (توران)

طيي ء: 63، 67، 132، 209، 210، 211، 241، 242، 346، 347

حرف العين العباسيون، العباسية: 109

العبيد: 242

العجم: 10، 14، 38، 73، 76، 166، 220، 225، 265، 287، 295، 296

العرب: 36، 52، 56، 63، 66، 67، 72، 73، 76، 86، 89، 118، 166، 171، 176، 202، 211، 220، 232، 275، 296، 316، 355

العزة: 241، 242

العلوية: 57، 137، 138، 206

العلي اللهية: 202

حرف الغين غالب: 242

حرف الفاء الفاطميون، الفاطمية (بنو عبيد): 57، 316

الفرس: 297، 354

الفيلية انظر: اللّر في فهرس الأماكن

حرف القاف قبائل نيرون: 283

قراقوينلو: 128، 157، 332

قريش: 207

القفجاق: انظر: الدشت

قونقرات (كونكرات): 143

قييات: 30

حرف الكاف الكرد (الأكراد): 44، 78، 317

كلب: 209، 347

حرف الميم المتصوفية: 268، 269

المالكية: 174

المسقوف: 143

المشعشعون: 18، 200، 202

المغول، المغل: 9، 18، 24، 25، 27- 32، 53، 54، 56، 72،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 396

73، 84، 85، 89، 104، 110، 113، 125، 140، 141، 158، 161، 163، 165، 197، 221،

235، 241، 250، 259، 283، 284، 286، 295، 308، 316، 342، 345، 347، 361

المنتفق: 43، 45

حرف النون النصيرية: 198، 200، 202

النمازية (اهل القبلة، أهل الصلاة): 202

النيازية (أصحاب النذور): 202

حرف الهاء هذيل: 209

حرف الياء اليهود: 296

يأجوج و مأجوج: 296

اليهود، اليهودية: 195، 196

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 397

3- فهرس المدن و الأماكن

حرف الألف الآثار العباسية: 259

آسيا: 26

آق بولاق: 225

آلاطاق (الاطاغ): 324

آلطون كبري (آلتون كوپري): 259

آلنجق: (النجا).

آمد: 11، 238، 239

أترار (فاراب): 281، 292

أخلاط: 314

أذربيجان: 80، 84، 110، 111، 112، 113، 130، 152، 153، 158، 159، 187، 197، 234، 235، 249، 250، 260، 303، 304، 315، 321، 323

أران: 113

إربل: 37، 231، 253، 329، 337

ارجيش: 324

اردبيل: 182

ارزنجان: 323، 324، 325

ارنيل: 202

استانبول: 10، 19، 69، 71، 98، 190، 247، 270، 310، 328

إستراباد: 310

الأسدية: 156

الإسكندرية: 69، 280

إشبيلية: 362

أصبهان (اصفهان): 164، 197، 208، 218، 219، 223، 225، 235، 295، 307، 308، 314، 319

الأعظمية: 259

إفريقية: 82

أكره: 27

الأمشاطيين: 101

الأناضول، انظر: بلاد الروم

الأنبار: 44

الأندرون: 13

أندكان: 295

أوجان: 80

أوربا: 16، 126

الأورتمة (خان) 107، 113، 115، 358، 360

أوركنج: 308

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 398

أونيك: 314، 319

أياصوفية: 13

إيذج: 63

إيران: 11، 28، 30، 31، 39، 72، 73، 94، 109، 167، 208، 218، 220، 235، 287، 295، 301، 326، 343

الأيكجية (عمارة): 119

إيوان كسري (طاق كسري): 248

حرف الباء باب الأبواب: 234

باب الأزج: 147، 181

باب التمغا: 337

باب الغربة: 115

باب النيرب: 264

باريس: 21، 301

بالق (بجاق): 40

باميان: 159

بحر الخزر: 113

بحر الروم (البحر الأسود): 15

البحرين: 49، 85. 231

بخاري: 197

البختيارية (مملكة): 62

بدخشان (بلخشان): 140، 343

البدرية: 101

برج العجمي: 260

برقطا: 46

البرك (قرية): 101

بركة الفيل: 244

بروجرد: 279

البزل (قرية): 115

البطائح: 363

البشيرية: 126

البصرة: 21، 49، 85، 92، 155، 181، 192، 224، 227، 231، 241، 243، 258، 259، 337، 362، 363

بعقوبة: 101، 115،

191، 325، 331

بغداد (دار السلام): 9، 11، 14، 16، 29- 40، 42- 44، 46، 47، 49، 50، 52، 54- 57، 60، 62- 66، 68- 70، 73، 77، 81، 82، 83، 85، 87، 90، 91، 94- 98، 103، 106، 109، 112، 117، 120، 122- 126، 128- 132، 137، 143، 144، 147- 152، 154- 157، 167، 169- 174، 176- 183، 186- 192، 195، 197، 198، 212، 214، 215، 217، 218- 227، 230- 238، 240- 243، 246- 248، 250- 255، 257- 260، 262- 264، 266، 267، 269، 274، 277، 279، 288، 297، 311- 315، 317، 319، 321، 322، 324- 332، 334- 336، 348، 352، 359، 363

بغمايا: 101

بنكالة: 306

بلخ: 23، 140

بمباي (بمبي): 22

بناورد: 141

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 399

البندنيجين: 101، 115، 254، 259

بولاق: 42، 68

بوهريز (بهرز): 101، 115

البيبرسيه: 168

البيت الحرام: 101، 212، 308، 346

بيت المقدس: 195، 247

پيرين: 21

حرف التاء تاتارستان: 287

التبانة: 312

تبريز (توريز): 11، 17، 32، 37، 43، 110، 111، 112، 113، 117، 119، 124، 128، 132، 133، 148، 152، 155، 158، 159، 163، 164، 169- 173، 177، 181، 182، 187، 188، 189، 191، 192، 197، 212، 214، 215، 219، 221، 235، 239، 243، 250، 251، 252، 266، 267، 302، 310، 311، 313، 317، 319، 320، 323، 324، 327، 331، 336

تربة الإمام أحمد: 47

تركستان: 138، 140، 142، 197، 235، 295، 304

تستر (شوشتر): 63، 68، 85، 169، 171، 172، 173، 183، 191، 192، 219، 322، 329، 331، 334، 335، 336

تفليس: 258، 279، 297، 314

تكريت: 227، 230، 231، 232، 233، 248، 278، 337

تكية المولوية: 120

تل دحيم: 101، 115

تلعفر: 334

توريز: (تبريز)

تونس: 280

حرف الجيم جالديران: 310

جامع الآصفية: 120، 121، 122

جامع ابن

طولون: 174، 321

جامع الأزهر: 198، 312

جامع الأموي: 78، 123، 146

جامع بغداد: 150

جامع الحاكم: 40

جامع الخلفاء: 120

جامع الخليفة: 180

جامع الرفاعي: 189

جامع سراج الدين: 178، 180، 351

جامع سيد سلطان علي: 189، 351، 362

جامع العاقولي: 248، 351، 360

جامع علي أفندي: 255

جامع عمرو بن العاص: 320

جامع القصر: 227

الجامع الكبير: 147، 187

جامع الكوفة: 200

جامع محمد الفضل و مدرسته: 57،

جامع مرجان: 97، 99، 105، 189، 358، 360

جامع المصلوب (مدرسة إسماعيل):

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 400

248، 351

جامع الناصرية: 292

جامع النعماني: 178، 179، 189، 351

جامع النوري: 187

جامع الوفائية: 255

جامع يلبغا: 146

الجبال: 295

الجبل: 295

جرجان: 137، 141، 295

جرفت: 304

الجزائر: 259، 336

الجزيرة: 54، 171، 209، 239، 241

جزيرة خالد: 266

الجزيرة العربية: 241

جزيرة مالك: 266

جسر دجلة: 121

جعبر (قلعة): 67

جلولاء: 101، 115

چمچمال: 259

الجواري: 101

الجوبة: 101

الجوهريين: 115

جيحون: 140، 315

الجيزة: 244

حرف الحاء حاجر: 70

الحبشة: 122

الحجاز: 145، 198، 209، 280، 345

الحدادية: (قرية): 49

الحديثة: 201

حديثة النورة: 201

حرامية: 34

حرمانتون (خرماتو): 307

الحرم الشريف: 19

الحرمين: 198

الحريم: 101، 115

الحرية: 47

الحسا: 192

حسن (قرية): 363

حصار شاه ومان: 295

حصصتا: 66

حصن كيفا: 224، 238، 311

الحقون (محلة): 201

حلب: 15، 20، 50، 138، 176، 211، 213، 216، 224، 232، 241، 243، 248، 264، 265، 278، 280، 288، 311، 317

الحلبة: 101، 115

الحلة: 11، 43، 44، 64، 85، 89، 147، 155، 213، 222، 223، 224، 226، 238، 241، 242، 244، 259، 260، 265، 266، 274، 279، 314، 334، 336، 337

حماة: 167، 187

حمرين: 101

حمص: 67، 288

الحويزة: 335

الحيال (قرية): 42، 151

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 401

حرف الخاء الخاتونية: 277

خان آباد: 101

خانقاه خلاصية (تكية): 24

خانقاه شيخون: 321

خانقين: 101

ختيمية: 47

خجند: 141، 295

خراسان: 23، 43، 83، 84، 161، 195، 197، 230، 249، 271، 285، 287، 285، 308، 315

خزانة باريس الأهلية: 66

خرم آباد: 115

خرناباد: 101

خزانة الكتب المستنصرية:

الخطا (مملكة و

بلاد و شعب) انظر:

الخطا: في فهرس الشعوب و القبائل

خلاط: 239

خليج فارس: 126

الخليل: 230، 264

الخليلات: 101

خواجه إيلغار (قرية): 139، 284

خوارزم: 141، 142، 286، 295

خوي: 110، 187، 323

حرف الداء دائرة الأوقاف: 107، 180

دار الآثار: 74

دار الآثار العربية بمصر: 358

دار الحديث: 123

دار الحديث (في المستنصرية): 69

دار الخلافة العباسية: 189

دار السيادة (في ميدوكان): 159

دار الشفاء: 97، 98، 107، 115، 120

دار العدل: 311

دار الكتب (في مدرسة الخواجة مسعود): 195

دار الكتب في باريس: 301

دار الكتب المصرية: 20

داريّا: 295

دجلة: 47، 63، 96، 98، 120، 131، 147، 148، 190، 222، 223، 226، 256، 259

دجيل: 66

الدربند: 250، 322

دسفول (دسبول): 171، 183

الدشت (القفجاق) قبيلة و بلاد: 15، 110، 111، 140، 143، 239، 242، 249، 288، 295، 342، 344

الدكة: 123

الدليم: 241

دمشق: (الشام).

دمياط: 174

دور جوري: 101

دوري: 115

دولتاباد: 101

دهلي: 305، 307

ديار بكر: 11، 230، 231، 238، 255، 303، 304، 313، 314، 321

ديالي: 241

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 402

حرف الراء الرادماز: 115

راس العين: 232، 238

راس القرية: 115، 363

رباط جلولاء: 115

الربدانية: 243

الربع الرشيدي: 53، 112

الربوة: 65

الرحبة: 68، 78، 223، 224، 232، 243

الرصافة: 57، 115، 147، 260

الركن: 101

رمال: 202 و انظر أرنيل

الرها: 231، 232، 238، 239، 321،

روض مهنا: 198

الروم (الأناضول): 42، 239، 257، 259، 262، 265، 267، 270، 274، 277، 278، 288، 303، 310،

الري: 137، 223، 250، 304، 305

الريحانيين (سوق العطارين): 101

حرف الزاي زابلستان: 305

زادمان: 101

زاوية البدرية: 156

زاوية المشهد الحسيني: 123

زريران: 47، 126

زرين جوي: 115

زنكاباد: 253

حرف السين ساباط: 47

ساوة: 137، 166

سبع أبكار (محلة): 190

سجستان: 139، 304

السراي: 15، 110، 111، 239، 250

السر (أرض): 176

سرخس: 142

سرمق: 163

سرمين: 311

السعدية: 280

السلطانية: 191، 192، 195، 214، 219، 221، 239، 319

سلمية (ناحية): 66، 157، 186

سمرقند: 14، 138، 139، 140، 141 142، 218، 267، 281، 282،

298، 302، 303، 304، 305، 308، 315، 323، 337

السميساطية: 50، 51، 79، 263

سنجار: 42، 78، 84، 150، 151، 158، 253، 263

سورية: 18، 21، 43، 51، 56، 122، 210، 217، 224، 252، 279، 287

السوق الجديد: 101

سوق العطارين: 101

سوق الغزل (المغازل): 119، 120

سوق الكبابية: 255

السيافية: 47

سيستان: 304

السيب: 259

سيواس: 11، 55، 238، 256، 257

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 403

حرف الشين شارع الكيلاني: 179

الشام (دمشق): 15، 20، 38، 39، 42، 47، 50، 51، 64، 65، 68، 69، 70، 71، 73، 76، 78، 79، 81، 87، 122، 128، 134، 137، 144، 145، 146، 156، 171، 174، 178، 198، 201، 209- 212، 215، 216، 218، 222، 223، 227، 229، 230، 232، 237، 239، 240، 246، 247، 253، 257، 259، 263، 264، 265، 279، 280، 278، 279، 280، 281، 288، 295، 302، 303، 311، 314، 317، 334

شبانكارة: 53

شرق الأردن: 241

شروان: 30، 221، 254، 317، 322

شهرزور: 259، 296

شوشتر: انظر تستر

شيحة (من أعمال حلب): 50

شيخون (تربة): 321

شيراز: 32، 112، 142، 145، 155، 163، 158، 163، 164، 192، 208، 218، 219، 288، 302، 307

حرف الصاد الصاغة: 101

الصالحية: 253

الصدرية: 181

الصراة: 115

صرصر: 259

صغانيان: 295

صفد: 68

صور: 11، 238، 253

الصين: 83، 277، 313

حرف الطاء الطائف: 198

طاق كسري: 59، 351

طرابلس: 146، 198

طهران: 17

طوس: 141

حرف العين عادل جواز (قرب آذربيجان): 323، 324، 326، 336

عانة: 201

عبادان: 171

العراة: 101

العراق: 10، 12، 13، 14، 16، 17، 20، 27، 28، 29، 31، 33- 36، 38، 43- 47، 51، 55، 56، 62، 63، 66، 68، 72، 73، 75، 79، 80، 82، 84، 87، 89، 90، 110، 113، 118، 138، 140، 148، 152، 153، 159، 165، 166، 172، 176، 180، 183، 186، 197، 198، 200،

209، 210، 212، 214، 215، 219- 222، 225، 227، 230، 232، 236، 242، 246، 252، 260، 262، 265، 269، 274، 280، 281، 287، 291، 293، 297، 301، 304، 314،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 404

315، 316، 326، 327، 329، 232، 336، 337، 340، 345- 350، 354، 355، 357، 361

عراق العجم: 27، 142، 159، 171، 183، 263، 218، 223

العراقان: 234، 303، 304

العقابية (قرية): 226، 260

عقرقوف (عقرقوفا): 101، 115

العمادية: 329

عينتاب: 19

حرف الغين غازان: 325

غرناطة: 82

غزنة: 305، 310

غزة: 64

حرف الفاء فاراب (اسم اترار القديم): 281

فارس: 53، 126، 128، 137، 159، 162، 163، 223، 235، 279، 295، 301، 307

الفرات: 38، 44، 67، 147، 201، 232، 237، 241، 242، 266، 313

حرف القاف القائمية: 101، 115

القابون: 277

القاطون: 101

القاهرة: 11، 12، 36- 38، 48، 49، 64، 65، 68، 69، 76، 122، 123، 174، 178، 198، 224، 229، 232، 243، 244، 248، 256، 280، 281، 311، 312، 317، 330

قبر الشيخ أبي إسحق الشيرازي: 198

قبر الجنيد: 101

قبر عبد الوهاب الجيلي: 115

قبر الفردوسي: 296، 297

القبة: 253

قبة إبراهيم: 225

القبيبات: 244، 334

القدس: 145، 241، 246، 264

قراباغ: 63، 112، 212، 262

قراح الجاموس: 101

قراكليا: 128

قرم: 15

قزلرباط (جلولاء): 115

قزوين: 71

القفجاق: انظر الدشت

قلعة دمشق: 279

قلعة الروم: 266

قلعة النجا: 221، 244

القلندر خانة: 120، 331

قندهار: 305، 306، 308، 310

قنطرة الذهب (التون كوپري): 259

قهوة زنبور: 121

قهوة الشط: 107

قورج (سد): 125

قوص: 122

قولاغي: 225

قومس: 137

قيرشهري: 271

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 405

حرف الكاف كابل: 304

كاشغر: 342، 343

كجرات: 27

كربلاء: 238

الكرج (كرجستان): 32، 239، 252، 258، 278

الكرك: 317

الكركر (في أنحاء بغداد): 224

كركوك: 241

كرمان: 82، 126، 159، 164، 208، 218، 223، 235، 302، 304

كش: 138، 139، 284

الكعبة الشريفة: 153، 204

كلكتة: 307

كماخ: 63

الكوت: 241

كوران: 207

كيلان: 267

الكوفة: 81، 201

حرف

اللام لرستان: 162، 164، 221

اللر (الفيلية): 62، 164، 219، 221، 340

لندن: 22، 72

ليدن: 39، 72

حرف الميم ماردين: 11، 37، 38، 54، 76، 78، 84، 150، 238، 239، 253، 263، 288، 321

مازندران: 23، 137، 235، 295

ما وراء النهر: 14، 138، 139، 142، 197، 284، 285، 286، 304، 305، 310، 315، 340، 341، 342، 343

المتحفة البريطانية: 13، 72، 156، 297، 226، 303، 329، 358

محلة سبع أبكار (المربعة): 190

محلة سراج الدين: 180

محلة الصدرية: 181

محلة القصر: 101

محلة الأكراد (في الحلة): 44

المخرمية: 101، 115

المدائن: 47، 259

مدرستا الآصفية: 121

مدرسة إسماعيل (جامع المصلوب):

248، 351

مدرسة الأشرف بالتبانة: 312

مدرسة الإليانس: 107

مدرسة أم الأشرف شعبان: 311

مدرسة الايكجية: 119

مدرسة البرانية: 34، 127

مدرسة البشيرية: 47، 126

مدرسة السلطانية: 195، 351

مدرسة الصارمية: 127

مدرسة الصالحية: 253

مدرسة الخواجة مسعود بن سديد الدولة:

195، 351

مدرسة القاضي جمال الدين عمر الشهيد:

127

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 406

مدرسة العاقولي: 351

مدرسة العينية: 218

مدرسة الفاضلية: 146

المدرسة الكبيرة بمصر: 123

مدرسة اللغات بباريس: 21

مدرسة المجاهدية: 47

المدرسة المرجانية: 97، 98، 100، 109، 115، 116، 150، 351

المدرسة المستنصرية: 47، 50، 52، 60، 65، 69، 87، 97، 130، 195، 226، 246، 352

المدرسة المظفرية: 162، 164

المدرسة النظامية: 99، 246، 352

المدرسة المنصورية: 311

المدرسة الوفائية: 255، 351

المدينة المنورة: 247

مرند: 319

مسجد الإسماعيلية: 255

مسجد حمويه: 52

مسجد الخوارزمي: 334

مسجد القدم: 127

المسجد النبوي: 50

مسجد يانس: 129

المسعودي (نهر عيسي): 101

مشهد الإمام الأعلم: 190

مشهد الإمام علي (النجف الأشرف):

10، 81، 222، 260، 223، 269

مشهد أبي حنيفة: 87، 147، 178

مشهد أحمد: 147

مشهد معروف الكرخي: 190

مشهد الإمام موسي الكاظم: 66، 260

مشهد الإمام الحسين: 123، 243

المشرعة: 101

مشيخة الربوة: 65

مصر: 11، 15، 19، 21، 28، 34، 35، 38، 42، 43، 47، 50، 52، 54، 56، 57، 64، 65، 67، 68، 75، 76، 79، 82، 85،

122، 123، 137، 143، 161، 164، 168، 174، 177، 198، 212، 213، 217، 229، 232، 239، 241، 246، 247، 251، 252، 253، 256، 257، 258، 311، 312، 313، 316، 328، 335، 358، 364

مطبعة الأوقاف: 10

مطبعة فتح الكريم: 22

المعرة: 67

مغولستان: 286، 342

مقابر الصوفية: 42، 145

المقام: 101

مقبرة الإمام أحمد: 40، 48، 126، 127، 129

مقبرة الايلكانيين في النجف: 131

مقبرة باب حرب: 69

مقبرة الزرادين: 181

مكتبة آل باش أعيان: 21

مكتبة الأزهر: 20

مكتبة أسعد أفندي: 13

مكتبة الأوقاف العامة: 39

مكتبة باريس: 21

مكتبة جامعة جنويز: 21

مكتبة راغب باشا: 13

المكتبة العامة في استانبول: 328

مكتبة علي شير النوائي: 23

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 407

مكتبة فاتح في استانبول: 247

مكتبة السيد نعمان خير الدين الآلوسي:

19- 21

مكتبة نور عثمانية: 17، 301

مكة: 39، 40، 60، 101، 123، 153، 182، 198، 212، 247، 262، 263، 332

المنصورية: 311

موش: 128

الموصل: 33، 34، 37، 38، 42، 54، 70، 78، 84، 86، 128، 134، 157، 158، 169، 187، 188، 232، 239، 241، 244، 253، 321، 322، 329، 330، 334، 337

موقان: 113

المولي خانة (المولوي خانة): 120، 122

ميبد: 162

ميبد يزد: 159، 161، 164

الميدان: 38، 44، 224، 243،

الميقات: 70

حرف النون النجا (قلعة) [آلنجق]: 214، 215، 221، 222، 243، 252، 259، 267

نجد: 209، 241

النجف الأشرف: 10، 81، 91، 131، 238، 269

نخنچوان نقجون (نشوي): 51، 112، 187، 319

نخشب: 140

نصيبين: 239

النعمانية: 125

نهاوند: 307

نهر العلقمي: 265

نهر عيسي: 101

نهر الغنم: 279

نهر القيم: 279

نهر المعلي: 115، 190

نهر ملك: 47، 101

نيسابور: 271، 301

النيل: 213، 337

حرف الهاء هراة: 24، 25، 139، 140، 141

هرارشته: 101

هرمز: 53، 126، 218

همذان: 155، 169، 214، 225، 235، 307، 324

الهند: 17، 25، 26، 27، 72، 167، 186، 287، 288، 303، 305، 306، 307، 310

هيت: 266، 274

حرف الواو واسط: 34،

46، 49، 50، 55، 125، 171، 202، 227، 260، 329، 331، 334، 335، 336، 337، 352، 363

وان: 314

حرف الياء يزد: 161، 162، 163

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 408

4- فهرس الكتب

حرف الألف آتكشده (م) «1»: 168

آخر تنامه: 272

الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (م):

86

الأحكام للمجد ابن تيمية (م): 76

إحياء العلوم للغزالي (م): 76، 280

أخبار الأخيار: 26

أخبار الدول و آثار الأول (م): 28، 240، 317

الاختيار: 129

إدراك الغاية في اختصار الهداية: 39

الإدغام الكبير: 49

الأربعون الصحيحة في ما دون أجر المنيحة: 156

أربعين ابن العاقولي: 246

أرجوزة في الفقه: 76

الإرشاد للقلانسي: 49، 134

استوانامه: 273

اسكندر نامه (م): 270، 273

إسلامده تاريخ و مؤرخلر (م): 25، 27، 53، 226، 303

أصول البزدوي (م): 86

أصول الدين: 127

إطاعتنامه لكمال سنائي: 272

الإكمال لابن ماكولا: 69

ألوس أربعة جنكيزي (شجرة الأتراك):

303

إنباء الغمر في أبناء العمر: 18، 29، 138، 140، 142، 145، 146، 149، 151، 153، 155- 157، 159، 170، 173، 174- 176، 178، 182، 186، 188، 198، 209، 211، 212، 215، 217- 220، 223- 225، 227، 229- 231، 240، 244، 246، 248، 249، 251، 256- 258، 263، 264، 267، 280، 281، 282، 292، 295، 312، 316، 317، 320، 328، 332

الأنساب للسمعاني (م): 201

الأنوار في رجال الشيعة: 18

إيضاح الفوائد في حل مشكلات القواعد (شرح القواعد): 133

الإيضاح في المعاني و البيان (م): 42

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 409

حرف الباء بانت سعاد (قصيدة): 216

البداية و النهاية (تاريخ ابن كثير) (م):

19، 20، 145، 146، 334

البديع في أصول الفقه: 86

بديع النظام الجامع: 86

البديعية للعز الموصلي: 216

البدر الطالع من الضوء اللامع: 21

بزم و رزم (تاريخ القاضي برهان الدين) (م): 10، 12، 220، 222، 234، 238، 256

بشارتنامه لرفيعي: 272

بغية الوعاة في طبقات اللغويين و النحاة

(م): 42، 59، 86، 87

حرف التاء التأويل لمعالم التنزيل: 50

تاريخ آل مظفر (تاريخ محمود كيتي) (م):

29، 159، 160، 164، 165، 170، 209، 219

تاريخ ابن أبي عذيبة (تاريخ دول الأعيان): 278، 295، 296

تاريخ أبي الفداء (المختصر في أخبار البشر) (م): 42، 52، 69

تاريخ ابن خلدون (العبر و ديوان المبتدأ و الخبر) (م): 35، 36، 54، 111، 161، 163، 170، 171، 182، 188، 190- 192، 197، 209- 213، 222، 223، 231، 232، 315، 316

تاريخ ابن دقماق: 19

تاريخ ابن الشحنة (روضة المناظر في أخبار الأوائل و الأواخر) (م): 293، 296

تاريخ ابن العديم: 20

تاريخ ابن عربشاه: 256

تاريخ ابن الفرات: 227، 232

تاريخ ابن الوردي (تتمة المختصر في أخبار البشر) (م) 67، 68

تاريخ أورنك زيب لحسن بك القجاري:

306

تاريخ أولياء بغداد (جامع الأنوار): 181

تاريخ بدر الدين (القاضي): 19

تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (م): 320

تاريخ الترك العام لدوكيني (م): 321

تاريخ تيمور لنك (م): 15، 16، 220، 222، 301

تاريخ الجنابي: 28، 328

تاريخ جهانكير: 302

تاريخ الخلفاء للسيوطي (م): 296

تاريخ دول الأعيان: (تاريخ ابن أبي عذيبة)

تاريخ الذهبي: 146، 295

تاريخ العتبي (م): 12، 160، 256

تاريخ العراق بين احتلالين قسم المغول (م): 18، 31، 32، 54، 69، 79، 126، 209، 255، 316، 362

تاريخ الغياثي: 16، 30، 32، 35، 68، 94، 119، 120، 125، 142، 148، 149، 151، 154، 159، 161، 163، 164، 170، 171، 173، 177، 188، 192، 196، 219، 222، 226، 233،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 410

243، 244، 251- 253، 255، 257، 258، 260، 266، 267، 302، 303، 313، 322، 323، 325، 326، 332، 335، 336، 337

تاريخ الفخري (م) 154

التاريخ الكبير لابن الفرات (م): 19

تاريخ كزيدة (م): 29، 71، 72، 160

تاريخ مبارك بايسنقري: 301

تاريخ مساجد بغداد

(م): 99، 105، 106، 107، 116، 122، 179، 181، 190، 255

تاريخ معين الدين اليزدي: 159

تاريخ المغول: 18، 31

تاريخ مفصل إيران (م): 53، 80، 84، 91، 112، 125، 131، 137، 165، 338

تاريخ نجد (للآلوسي): 241

تاريخ وصاف (م): 160

تاريخ اليزيدية (م): 151، 207، 273

تتمة المختصر في أخبار البشر (م):

تاريخ ابن الوردي)

تجارب السلف: 154

تحفة الإخوان: 49

تحفة العشاق: 272

تحفة اللبيب: 66

تحفة النظار (رحلة ابن بطوطة) (م): 33، 44، 62، 63، 68، 95، 146، 163، 180، 210

تحقيق الأمل في علم الأصول و الجدل:

39

تذكره سهي (م): 273

تذكرة الشعراء لدولتشاه السمرقندي (م):

23، 80، 82، 84، 95، 154، 301

ترابنامه: 273.

تراجم أعيان بغداد: 69

ترك بيوكلري (م): 30

ترك تيمور (نظامات تيمور السياسية و العسكرية) (م): 21، 279، 298

التصوير في الإسلام (م): 358، 359

تفسير ابن كثير (م) 145

تفسير الواسطي: 127

تقويم التواريخ (م): 33، 51، 59، 84، 111، 161، 242، 251

تلخيص المفتاح (م): 42، 170

تلخيص المنقح في الجدل: 39

تلفيق الأخبار و تلقيح الآثار (م): 111، 143، 251

تيمور نامه (ظفر نامه للهاتفي): 16، 308

تيمور و تزوكاتي (م): 21

التنبيه (م): 246

التيسير للداني (م): 49

حرف الثاء الثمانيات: 156

حرف الجيم جامع التواريخ (م): 25، 57، 71، 301

الجامع الكبير: 76

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 411

الجامع المختصر (لابن الساعي): 241

جاودان كبير: 269، 270، 271

جمشيد و خورشيد: 168

جهانكشاي جويني: 304

جواهر الأخبار: 26

جوش و خروش: 297

حرف الحاء حاشية الإرشاد: 134

حاشية الشقائق: 256

الحاوي: 86

حبيب السير (م): 25، 26، 27، 28، 94، 96، 110- 113، 117، 119، 124، 128، 148، 149، 151، 152، 155، 157، 159، 168، 169، 171- 173، 181، 187، 188، 190، 191، 222، 225، 226، 267، 279، 297، 308، 315، 320، 323، 326

حقائقنامه (مقدمة الحقائق): 272

حقيقتنامه: 252

حلية الأولياء: 127

حرف الخاء خسرو و

شيرين: 83

خلاصة الأخبار: 26

خمسه نظامي (م): 83

حرف الدال دائرة المعارف للبستاني (م): 107

دبستان مذاهب (م): 202، 207

دزد ديوان سعدي: 82

الدر المكنون: 33، 70، 81، 84، 131، 157، 169، 262، 321، 322، 324، 330، 332

درر النحور في مدائح الملك المنصور:

75

الدر النفيس في أجناس التجنيس: 264

درة الأسلاك: 78

الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (م):

18، 21، 29، 33، 34، 40، 42، 46، 56، 59- 61، 63، 65، 68- 71، 73، 76، 77، 79- 82، 84، 86، 87، 91، 97، 117، 118، 122، 123، 124، 126- 130، 132، 137، 141- 145، 150- 152، 157، 161، 168، 174، 176، 187، 195، 198، 209، 210، 213، 216، 217، 218، 227، 229، 256

دستور الكاتب في تعيين المراتب: 154

دستور الوزراء: 26، 28، 91، 186، 301

دوحة الوزراء (م): 57

دول إسلامية (م): 301

ديوان ابن الخضري (الحصري): 126

ديوان القاضي برهان الدين: 13

ديوان حافظ (م): 329

ديوان خواجو الكرماني: 82

ديوان سلمان الساوجي (م): 13، 125، 186

ديوان صفي الدين الحلي (م): 61، 75، 78

ديوان العز الموصلي: 216

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 412

ديوان محيطي: 271

ديوان نسيمي: 272

ديوان ويراني: 271

حرف الذال ذره نامه سيد شريف: 271

ذيل الأعلام: 244

ذيل التاج السليماني: 302

ذيل تاريخ ابن العديم: 20

ذيل سير نابي: 15

ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: 229

حرف الراء رباعيات أبي سعيد (م): 168

رباعيات بابا طاهر (م): 168

رباعيات الخيام (م): 168

رباعيات الخواجة عبد اللّه الأنصاري (م):

168

رحلة ابن بطوطة (م): (تحفة النظار).

رحلة ابن جبير (م): 126، 168

رحلة الذهلي: 69

رد الشيعة: 247

الرد علي الإسنوي: 127

رسالة بدر الدين: 272

رسالة حروف: 273

رسالة فضل اللّه: 272

رسالة في الرد علي من أنكر الكيمياء:

65

رسالة نقطه: 272

رفع الإصر: 315

روز و شب: 118

روضات الجنات (م): 75، 86، 133، 134

روضة الأزهار (نظم الإرشاد): 49

روضة

الأعيان في أخبار مشاهير الزمان:

363

روضة الأنوار: 83

روضة الصفا في سيرة الأنبياء و الملوك و الخلفاء (م): 23، 26، 54، 64، 92، 94، 119، 125، 128، 130- 133، 137، 151، 152، 173، 191، 222، 226، 227، 231- 233، 243، 253، 254، 257، 260، 266، 267، 279، 308

روضة المناظر في أخبار الأوائل و الأواخر (م): (تاريخ ابن الشحنة).

الروضة المورقة في الترجمة المونقة:

157

روضة الناظرين و خلاصة مناقب الصالحين (م): 363، 364

حرف الزاي زبدة الأخبار في مناقب الأئمة الأبرار:

47

زبدة التواريخ: 301

الزيج الايلخاني: 302

زيج أولغ بك: 302

حرف السين ساقي نامه: 168

سبعة أبحر: 310

سفر يصيرا (سفر الخلقة): 273

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 413

سلمان الساوجي (م): 80، 91، 94، 95، 96، 113، 117، 118، 125، 128، 131، 137، 144، 151، 167، 186

سلوان المطاع (م): 253

السلوك في دول الملوك (م): 36، 192

سنن ابن ماجه (م): 320

السنن الكبري: 229

سيرة ابن كثير: 145

السيرة النبوية للشيحي: 50

سيرة النبلاء: 34

حرف الشين شجرة الترك (م): 30، 54، 111، 142، 284، 342، 343

شذرات الذهب (م): 31، 40، 42، 47، 48، 59، 60، 66، 68، 69، 70، 91، 94، 126، 127، 129، 145، 151، 154، 170، 173، 174، 198، 209، 213، 217، 218، 246، 253، 262، 264، 281، 284، 291، 311، 312، 320، 327، 330، 332، 335

الشذر المرجاني من شعر الأرجاني: 42

شرح ادراك الغاية: 39

شرح البخاري: 198

شرح البديعية: 216

شرح الترمذي: 229

شرح التسهيل: 86

شرح تهذيب الأصول: 134

شرح خطبة القواعد: 133

شرح الشاطبية: 86، 174

شرح العمدة: 39، 50

شرح كتاب العين في الحكمة: 321

شرح الغاية القصوي: 247

شرح قصيدة في العروض: 330

شرح القواعد: (إيضاح الفوائد).

شرح مبادي ء الأصول 133، 134

شرح المحرر: 39

شرح المختصر: 198

شرح مختصر ابن الحاجب 86، 127

شرح المنهاج (م): 247

شرح نظم مقدمة

ابن الصلاح: 280

شرح نهج المسترشدين: 134

الشرفنامة (م): 128

الشقائق النعمانية (م): 256

شهنامة الفردوسي (م): 72، 166، 296

شيرين و فرهاد: 118

حرف الصاد الصحاح (م): 12

صحاح العجم: 154

صحيح البخاري (م): 150، 170، 229، 263

صحيح مسلم: 64

حرف الضاد الضوء اللامع (م): 15، 20، 142، 143، 151، 179، 197، 249، 263- 265، 267، 268، 277، 291، 292، 302- 304، 312،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 414

315، 316، 320، 328، 332، 334، 337، 338

حرف الطاء طبقات ابن قاضي شبهة: 246

طبقات الإسنوي: 130

طبقات الحفاظ للذهبي: 320

طبقات الحنابلة لأبي يعلي (م): 229

طبقات الشافعية للسبكي (م): 17، 34، 42، 145

حرف الظاء ظفر نامه: 29، 301، 310

ظفر نامة حمد اللّه المستوفي: 72

ظفر نامة اليزدي (تاريخ تيمور) (م): 302

حرف العين العبر و ديوان المبتدأ و الخبر: (تاريخ ابن خلدون).

عجائب الاتفاق: 156

عجائب المقدور في نوائب تيمور (م):

10، 12- 14، 16، 153، 177، 181، 182، 214، 216، 221- 223، 226، 230- 232، 284، 295، 305، 315

عرشنامه: 270

عرفنامه: 270

عشائر العرب: 241

عشقنامه لابن فرشته (ابن ملك): 272

عقد الجمان في التاريخ (تاريخ العيني):

19، 35، 36، 42، 43، 66، 86، 90، 117، 145، 146، 152، 153، 157، 176، 209، 212، 252، 281، 320، 321، 330

عقد الجمان في القراءات: 330

عقود اللآلي في الأمالي: 156

عقود المقريزي: 268، 292، 304، 328، 338

عمدة الطالب (م): 44، 45، 65، 81

عنوان المجد في تاريخ بغداد و البصرة و نجد: 241، 242

عوارف المعارف (م): 117

عيون أخبار الأعيان: 109، 266

حرف الغين الغاية القصوي (مختصر الوسيط): 247

غرائب الأسرار: 26

غيث السحابة في فضل الصحابة: 156

حرف الفاء فاكهة الخلفا و مفاكهة الظرفا (م): 15

فراق شمس و قمر: 118

فراقنامه: 117، 118، 132، 167

الفرق بين الفرق (م): 201، 202، 273

الفوائد البهية في تراجم الحنفية

(م):

87، 129، 142

فوات الوفيات (م): 55، 69، 76، 78

فهرست السراج القزويني: 71.

فيضنامه: 272

حرف القاف قاموس الأعلام (م): 271

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 415

القاموس المحيط (م): 71، 352

قانون السياسة و دستور الرياسة: 165

القبس الحاوي لغرر السخاوي: 21

القرآن الكريم: 122، 204، 206، 207، 263

قسمتنامه محيطي بابا: 271

قصيدة جامعة للصنائع الأدبية و البحور:

168

قصيدة في العروض: 330

قلائد الجواخر (م): 42

قيامتنامه علي الأعلي: 271

حرف الكاف كاشف أسرار بكتاشيان (م): 272

الكافية الوافية في الكلام: 134

الكاوي في تاريخ السخاوي: 20

كتاب ويراني: 271

الكتب الستة (م): 50

كرسي نامة علي الأعلي: 271

كشف الظنون (م): 10، 16، 20، 21، 23، 25، 28، 30، 71، 81، 86، 122، 160، 256، 270، 298، 310

كشفنامه محيطي دده: 271

الكفاية (نظم التيسير): 49

كلشن خلفا (م): 15، 30، 33، 35، 84، 91، 94، 96، 120، 125، 151، 189، 190، 242، 243، 255، 257- 259، 265، 301، 327، 329

كل و بلبل: 118

كل و نوروز: 83

كليات سلمان ساوجي (م): 167، 168

كمال نامه: 83

الكنز في القراءات: 49، 87

كوهر نامه: 83

حرف اللام لؤلؤ البحرين (م): 133، 134.

اللامع المغيث في علم المواريث: 39

لب التواريخ: 29

لغة جغتاي (م): 125، 284، 323

اللطائف (شرح أربعين النووي): 229

لغة العرب «مجلة» (م): 15، 18، 106، 115، 116

اللمعة الجلية: 49

ليلي و مجنون: 118

حرف الميم مآثر الملوك: 26

مبدأ و معاد: 272

مجالس المؤمنين (م): 18

مجمع الأحباب (مختصر الحلية): 127

مجمع الأنساب: 52، 53

مجمع البحرين: 76

مجموعة تواريخ التركمان: 280

مجموعة كلشني و نسيمي: 272

محبتنامه: 270

محرمنامه: 273

محشر نامه أمير علي: 272

المختار في الفقه: 129، 253

المختار في القراءة: 49

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 416

مختصر ألوس أربعه جنكيزي: 303

مختصر تاريخ الطبري: 39

مختصر تفسير الرسعني: 126

مختصر تهذيب الكمال (التكميل): 145

مختصر الرد علي ابن المطهر: 39

المختصر في أخبار البشر

(م): (تاريخ أبي الفداء).

المختصر النافع (م): 75

مختصر الوسيط: 247

مرآة الجنان: 17

مراصد الاطلاع في الأمكنة و البقاع «مختصر معجم البلدان» (م): 34، 39، 47، 101، 187

مزامير داود: 196

المسالك: 109، 158

المسكوكات: 33

مسكوكات إسلامية (م): 33، 85، 155، 156، 329

مسند أبي حنيفة: 178

مسند أحمد (م): 50، 230

مسند الدار قطني (م): 50

مسند الدارمي: 180

مسند الشافعي: 50

المصابيح للبغوي: 247

مطالع الأنوار: 34

مطلع السعدين: 310

المعاهد الخيرية في العراق: 255

معجم ابن رجب: 144

معجم البلدان (م): 34، 39، 47، 187، 201

معجم الذهبي: 157

معجم الشيوخ لصفي الدين: 40

مغز الأنساب: 301

مفتاح الألباب لعلم الإعراب: 81

مفتاح السكاكي (م): 42، 86

مفتاح الفتح: 128

مفتاح الكنوز في حل الرموز: 122

مقامة ابن الوردي: 66

مقبول المنقول: 50

مكارم الأخلاق: 26

منازل السائرين (م): 246

مناقب بكتاش ولي: 272

مناقب الصالحين و محجة أهل اليقين:

364

منتخب تاريخ وصاف: 26

منهاج البيضاوي في أصول الفقه (م):

247

منية الفضلاء (م): 154

مواهب الهي (المواهب الإلهية): 160

الموطأ (م): 50

حرف النون الناسخ و المنسوخ: 34

نتائج الشيب من مدح و عيب: 65

نزهة القلوب (م): 29، 71، 72

نشر القلب الميت بفضل أهل البيت:

156

نظام التواريخ (م): 17

نظم السراجية: 87

نظم سلوان المطاع: 253

نظم غاية الإحسان: 174

نظم العواطل الحوالي: 330

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 417

نظم الغريب في علوم الحديث: 156

نظم الفرائض: 127

نظم مختصر ابن رزين: 156

نظم مختصر المطالع: 146

نظم مختصر مقدمة ابن الصلاح: 280

نظم مختصر المنار في أصول الفقه: 87

نظم مختصر المنافع: 87

نظم مختصر المنهاج: 146

النواقض: 269

النور الساطع في مختصر الضوء اللامع:

21

النهاية (م): 87

نهاية الأرب في أنساب العرب (م): 242

حرف الهاء الهداية في فقه الحنابلة: 39

هدايتنامه: 273

هفت پيكر (م): 83

همايوننامه: 27

هماي و همايون: 83، 358

حرف الواو وامق و عذراء: 118

وحدتنامه لمقيمي: 272

الوسيط للغزالي: 247

وقائع تاريخية: 284، 301، 334

وقائع شاه رخ: 302

الوقفية و الموقوفات: 99

ولايتنامه: 273

موسوعة تاريخ العراق بين

احتلالين، ج 2، ص: 418

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

أبنوس (نوع خشب): 303

آقساق (أعرج، لقب تيمور): 139

أتابك (أتابكة): 161

أفندي: 120

أغا، أقا: 31

اورتمه (مغطي و يراد به المسقف بالآجر):

113، 115

باب (لقب ملك): 202

باشا: 284

بارلاس (قائد): 284

بك، بيك: 274، 321

پيش (ضمة): 355

تراغاي: 284

تزك (نظام، قاعدة و تطلق علي أوامر تيمور أو وصاياه): 293، 298

تومان (بدرة، الفرقة من الجيش): 173، 176، 191، 260

تيمور، تمر، تمور، دمير (حديد، اسم الفاتح المشهور): 138

جلبي: 120

خان: (يعني الملك و يطلق علي من هو أصغر من الخاقان): 286

خان (النزل المعروف بأوتيل في مصطلح اليوم): 113، 115

خواجة (أستاذ): 23، 232

داروغة، داروغا: 323

داية: 119

درويش: 139

الدوادار: 64

زبر (فتحة): 355

زغر (ذعر) دعار أو ذعار: 141

زير (كسرة): 355

السيد: 138

شاه (سلطان): 326، 335

شاه زاده، شهزاده (ابن الملك من آل السلطنة): 105

الشريف: 273

شيخ (رأس الطريقة): 139

طبلخانات (طبلخانة): 64

طواشي، تواشي (مملوك، رأس الخدم):

124، 125

طوغ (نوع علم عند الترك): 131

قاآن (أكبر من الخان و الخاقان): 268

كاشي (نوع آجر مطلي): 107، 190

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 419

كرخانة (معمل): 121

كوركان (صهر، ختن): 141

كورن (جمع بفتح الجيم و سكون الميم):

30

اللنك (الأعرج، لقب تيمور): 138

مال الأمان (ضريبة حربية): 226

نماز (صلاة): 202

نويان (آمر فرقة، قائد عشرة آلاف):

105، 285، 347

نياز (نذر): 202

نيم: 115

وتي: 323

ياسا: 22، 88، 112، 289

ياورجية: 254

يزك: 215

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 420

6- فهرس الصور

الأمير تيمور لنك علي عرشه. و أحد مجالسه 41، 58

جامع مرجان، و الكتابة فوق مصلاه، و ما فوق المحراب 74

الكتابة فوق طارمة المصلي في جامع مرجان 93

ما فوق المحراب من جامع مرجان 102

زينة الطابوق في جامع مرجان 108

جامع شيخ سراج الدين، و محرابه 175 و 184

الجبهة الأمامية لجامع سيد سلطان علي 185

الكتابة فوق مدخل مرقد سيد سلطان علي 193

محراب و منبر جامع سيد سلطان علي 194

طاق كسري 199

جامع

الآصفية 205

هماي و همايون 228

هماي و همايون 245

هماي و همايون 261

التصوير في القرن الثامن 276

قبر تيمور لنك في سمرقند 294

قبر تيمور أيضا- مقطع من قبته 309

شاه رخ ميرزا 318

نهج البلاغة- لوحة 1- خط ياقوت المستعصمي 333

نهج البلاغة- لوحة 2 خط ياقوت المستعصمي 339

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 421

7- فهرس الموضوعات

المقدمة 7

المراجع التاريخية 9

الحكومة الجلايرية حوادث سنة 738 ه- 1337 م 29

حوادث سنة 739 ه- 1338 م 35

حوادث سنة 740 ه- 1339 م 43

حوادث سنة 741 ه- 1340 م 46

حوادث سنة 742 ه- 1341 م 51

حوادث سنة 743 ه- 1342 م 52

حوادث سنة 744 ه- 1343 م 54

حوادث سنة 745 ه- 1344 م 59

حوادث سنة 746 ه- 1345 م 59

حوادث سنة 748 ه- 1347 م 62

حوادث سنة 749 ه- 1348 م 66

حوادث سنة 750 ه- 1349 م 70

حوادث سنة 751 ه- 1350 م 78

حوادث سنة 752 ه- 1351 م 79

حوادث سنة 753 ه- 1352 م 81

حوادث سنة 754 ه- 1353 م 84

حوادث سنة 755 ه- 1353 م 85

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 422

حوادث سنة 756 ه- 1354 م 87

حوادث سنة 757 ه- 1356 م 88

حوادث سنة 758 ه- 1357 م 97

حوادث سنة 759 ه- 1358 م 111

حوادث سنة 760 ه- 1359 م 112

حوادث سنة 761 ه- 1360 م 117

حوادث سنة 762 ه- 1361 م 119

حوادث سنة 763 ه- 1362 م 119

حوادث سنة 764 ه- 1363 م 123

حوادث سنة 765 ه- 1364 م 124

حوادث سنة 766 ه- 1364 م 128

حوادث سنة 767 ه- 1365 م 129

حوادث سنة 768 ه- 1366 م 130

حوادث سنة 769 ه- 1367 م 130

حوادث سنة 770 ه- 1368 م 132

حوادث

سنة 771 ه- 1369 م 133

حوادث سنة 772 ه- 1370 م 137

حوادث سنة 773 ه- 1371 م 137

حوادث سنة 774 ه- 1372 م 143

حوادث سنة 775 ه- 1373 م 147

حوادث سنة 776 ه- 1374 م 151

حوادث سنة 777 ه- 1375 م 157

حوادث سنة 778 ه- 1376 م 169

حوادث سنة 779 ه- 1377 م 170

حوادث سنة 780 ه- 1378 م 170

حوادث سنة 781 ه- 1379 م 174

حوادث سنة 782 ه- 1380 م 176

حوادث سنة 783 ه- 1381 م 177

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص: 423

حوادث سنة 784 ه- 1382 م 181

حوادث سنة 785 ه- 1383 م 187

حوادث سنة 786 ه- 1384 م 197

حوادث سنة 787 ه- 1385 م 208

حوادث سنة 788 ه- 1386 م 212

حوادث سنة 789 ه- 1387 م 213

حوادث سنة 790 ه- 1388 م 216

حوادث سنة 791 ه- 1389 م 217

حوادث سنة 792 ه- 1390 م 218

حوادث سنة 794 ه- 1392 م 218

حوادث سنة 795 ه- 1392 م 219

حكومة تيمور في العراق 220

حوادث سنة 796 ه- 1393 م وقائع العراق الأخري 230

حوادث سنة 797 ه- 1394 م 242

حوادث سنة 798 ه- 1395 م 249

حوادث سنة 799 ه- 1396 م 251

حوادث سنة 800 ه- 1397 م 252

حوادث سنة 801 ه- 1398 م 253

حوادث سنة 802 ه- 1399 م 257

حوادث سنة 803 ه- 1400 م 258

حوادث سنة 804 ه- 1401 م 265

الحروفية و نحلتهم 267

حوادث سنة 805 ه- 1402 م 274

حوادث سنة 806 ه- 1403 م 277

حوادث سنة 807 ه- 1404 م 281

أحوال الأمير تيمور 283

مشجر في تيمور لنك و أولاده: 299

تابع مشجر في تيمور لنك و أولاده: 300

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 2، ص:

424

حوادث سنة 808 ه- 1405 م 312

حوادث سنة 809 ه- 1406 م 317

حوادث سنة 810 ه- 1407 م 322

حوادث سنة 811 ه- 1408 م 322

حوادث سنة 812 ه- 1409 م 322

حوادث سنة 813 ه- 1410 م 324

حوادث سنة 814 ه- 1411 م 330

بقايا الجلايرية 334

سلاطين الجلايرية 338

الحكومات المجاورة أو ذوات العلاقة 340

عشائر العراق 346

الأوضاع السياسية 347

الثقافة أو العلوم و المعارف 350

الصناعات الجميلة 355

خاتمة 361

1- فهرس الأعلام 367

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل 393

3- فهرس المدن و الأماكن 397

4- فهرس الكتب 308

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة 418

6- فهرس الصور 420

7- فهرس الموضوعات 421

المجلد الثالث

1 المقدمة

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين، و الصلاة و السلام علي خاتم الأنبياء و المرسلين و علي آله و صحبه.

(و بعد) إذا كان محاكاة الحوادث و الأوضاع عينا و حرفيا شأن القرود، فيها تعطيل للدماغ، و انقياد أعمي، و تفقد فعالية الفكرة، و تهمل الرأي علي حد (المقلد أعمي و إن كان بصيرا).. فإن الاختيار و حسن الانتقاء يربي السجايا، و يحرك الشعور، و يسوق إلي التدبر و التأمل، و يقوي العقل و يمرنه.. و التاريخ بوجه عام كفيل بتحقيق هذا الغرض، و في تاريخ القطر خاصة تدريب لمعرفة حياة المجتمع و سيرته، و ما أحدث من تقلبات، أو ترك من آثار، أو اعتور من وقائع …

و العراق من أهم الأقطار في كافة حالاته، و تعاقب عصوره لما تنوع فيه من حوادث … و في صفحاته هذه … كشف عن مألوفه، و عرض لما جري أيام (التركمان) حتي بدو العهد العثماني.. و لما كان الصق بنا فالانتفاع به أولي، و الاستفادة منه أكبر للدواعي الكثيرة في التلقف و الأخذ

… و الوثائق المشعرة بتلك الأوضاع علي ندرتها تشير إلي ما هنا لك، و فيها كفاية لتفهم الحالة و تطوراتها و وفاء بتعيين المجري … و لا يعنينا أمر الغرائب، و لا إيراد المؤنس اللاذ، و إنما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 6

نتناول ما وقع خلال المدة، و فيها من الحوادث ضروب ينجلي فيها الغامض، و كلها تدعو للاستبصار و التنبه لما تعاقب من كوارث أو ألمّ من نكبات، أو عرض من هدوء و طمأنينة … مما وصل إلينا خبره، أو تيسرت معرفته …

و لا نقصد هنا أن نأسف للغابر، و لا نتوجع للنوائب أو نكثر البكاء و العويل علي ما جري من مضاضة … و إنما نحاول أن نقف علي الحالة، و نستظهر علاقتنا و ننتفع من نتائجها مهما كانت قاسية، فليس بعد العلم مستعتب، و لا تعذر أمة بجهل … و قد قيل:

من لم تفده عبرا أيامه كان العمي أولي به من الهدي

و نري في هذه المراجعات التاريخية تعويدا للأمة في تقوية شعورها، و تنظيما لحياتها الحرة، تقرأ في سطور الأنباء ما يؤدي بها حتما إلي ما تتطلبه من أغراض اجتماعية، و ما ترغب في تعيينه من خطط نافعة … و في هذه الحالة لا نريد أن نأبه لما شاع بين ظهرانينا من تلقيات و تلقينات من شأنها أن تثبط العزم، و تسدل الستار علي الماضي … فالتاريخ خلاصة ارتباط مكين لحاضرنا بماضينا، فلا ينبغي أن يؤدي بنا قصر النظر إلي الوقوف عند حالات العصر الحاضر مما لا يأتلف و المعرفة الحقة … إذ لم تهمل أمة تاريخها بوجه، و الانتباه الصحيح إنما يأتي من طريقه و حوادث قطرنا أقرب إلي تفهمنا،

و خير معين لمعرفة النظام و الإدارة المستقرة، أو الثورات و الزعازع … و منها ندرك إدارة الحكومات في شدتها و قسوتها، أو لينها و إغضائها …

و هكذا نشاهد المجري، و تتجلي لنا النفسيات الاجتماعية و الفردية، و فيها من التهالك في سبيل الحرص ضروب، و من المغامرات تحقيقا للأماني و الأحلام أنواع … و الأوضاع من جراء ذلك مضطربة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 7

في حالتي الخمول و النشاط، أو الشر و الخير … و منها نتبصر السياسة العامة، و تنكشف خبايا القطر و وقائعه و الثقافة فيه، أو الحياة الاجتماعية …

هذا. و أسأل اللّه العون فيما قصدت.

2 المراجع

اشارة

ما زلنا و لا نزال نشكو من قلة المدونات، و نعد التفصيلات ناقصة، و الوقائع مبعثرة، و نود بتلهف أن نقف علي ما يبصر أكثر فنلتمس ما يجلو الغامض، فلم نظفر إلا بالإجمال … و قد مر من المراجع السابقة ما يمتد إلي هذه الأيام، و بينها المعاصر أو القريب منه …

و قد عثرنا علي مراجع أخري جديدة لم يسبق نشرها و الكثير منها مما يتعلق بهذا العهد إلا أن المدونات الخاصة بالعراق تكاد تكون مفقودة، أو مجهولة الخبر و مندثرة الأثر، أو مهملة في بطون خزائن الكتب، فهي محدودة الفائدة … و لكن الحصول علي المدونات المعاصرة لهذه الفترة مما خفف نوعا و ألقي بعض البصيص من النور علي ظلام بعض الحوادث …

كان العراق في هذه الأيام قد شغل بنفسه، و ألهاه أمره أن يلتفت إلي تدوين الحوادث بصورة متتابعة، أو دونت ففقدت … و المؤرخون في الخارج لم يثبتوا في غالب الأحيان إلا القليل إما لاعتباره مجاورا، أو قريبا مما ساعد علي الكشف

عن بعض المهمات … و علي كل لا نقول إننا استكملنا العدة، فلا يزال الأمر في حاجة إلي التتبع، و لا تزال الوثائق الجديدة تظهر كل يوم، و الأمل غير مقطوع … و هذه بضاعتنا، و جملة وثائقنا نذكر المهم منها مما حصلنا عليه أثناء السياحة، أو في وطننا المحبوب … و إليك أيها القاري ء وصفها:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 8

3 1- مجموعة تواريخ التركمان:

و هذه تتعلق بأولاد دلغادر، و سائر إمارات التركمان، و تبتدي حوادثها من سنة 700 ه- 1300 م إلي سنة 850 ه- 1446 م جمعها مؤلفها من تاريخ عقد الجمان، و من إنباء الغمر في أبناء العمر و غيرهما.

و كان سبب جمع هذه الوقائع يعقوب شاه المهمندار، جمعها له أبو الفضل محمد بن بهادر المومني الشافعي المتوفي سنة 875 ه، و هو تلميذ ابن حجر. قال و من هذه السنة ذيل الأمير يوسف ابن الأمير الكبير تغري بردي مدة (25) سنة أعانه اللّه علي ذلك … إلا أن المؤلف لم يتمكن من إلحاق ما ذكر … كتبت باللغة العربية في 106 ورقات ثم ذكر فيها كتاب (تاريخ يشبك) أمير من أمراء مصر، كان نائب الشام ثم تسلطن في مصر، و بعده نري ملخصا في (تاريخ تيمور) منقولا من ابن حجر.

و هذه المجموعة بحذافيرها مهمة جدا لموضوعنا، و فيها بيان علاقات التركمان بالمجاورين، فتعرض لوقائع البارانية و البايندرية و سائر أمراء الترك المعاصرين بتفصيل، فلم تقف عند دولة دلغادر … و المؤلف لم يذكر اسمه في أول المجموعة، و إنما عرف من خلال سطورها، و لم ينقل من أحد عينا، و إنما لخص و جمع، فهي تأليف في الحقيقة …

و خير أثر لمعرفة

العلاقات الدولية في عصرها … و لا تخلو من التعرض للوقائع الخاصة …

4 2- ديار بكرية:

من المراجع النادرة، و المعاصرة، كان يظن أنها مفقودة، و هي في تاريخ دولة البايندرية (آق قوينلو) في ديار بكر. أولها «تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 9

الْمُلْكُ وَ هُوَ عَلي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، حمدي كه آشعه شوارق جمالش منازع رباع أطيعوا اللّه و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم منور سازد … الخ» ا ه. من تأليف أبي بكر الطهراني الأصفهاني كتبت باللغة الإيرانية. قال في مقدمتها إنه عاقته عوائق كثيرة و كانت آماله تغيرها الأحوال النفسية حتي صادف الوقت المرهون أيام أبي النصر و الظفر، غياث السلطنة …

بريد حسنا الطويل …

و هذا الكتاب سماه مؤلفه ب (ديار بكرية) و حروفها تعين تاريخ تأليفها و هو سنة 875 ه- 1470 م، و أفاد أنه كان مشغولا في التدريس، و في مجالس عديدة، و له تلامذة، و لكنه انصرف لتأليف هذا الكتاب و تخلص له.

كان قد بقي اسم السلطان خاليا لأجل إملائه بمداد أحمر فلم يتيسر و لكن مطاوي الكتاب تدل علي ذلك، و قد ذكر المؤرخون أنه كتب تاريخا لأيام السلطان المشار إليه، فلم نشك في اسم الملك، و عدد أسماء آبائه و أجداده، مما يجعل الأمر واضحا.

جاء في كتاب حبيب السير: «و في أيام الأمير أبي النصر حسن بك من حكومة آق قوينلو، كان المولي أبو بكر الطهراني من أهل التأليف، و هو معاصر له، كتب تاريخا في وقائع أيامه و في أحواله إلا أنني لم يقع نظري عليه … و عده من الكتب المفقودة، و كنت آمل الاطلاع عليه، و الوقوف علي مندرجاته، فهو من أقدم

الوثائق التي لا يستهان بها، فلما رأيته فرحت به، و لم يخب فيه الظن، لما وجدت فيه من المطالب عن بعض الأمور، و البيان الشافي عنها … فكان خير مرجع، و أجل أثر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 10

عثرت علي هذه النسخة في مكتبة الأستاذ العالم الجليل محمد أحمد المحامي في البصرة، تفضل علي بمطالعتها، و بنسخة منقولة منها قدمتها إلي الأستاذ الفاضل السيد مكرمين أستاذ التاريخ في جامعة استانبول … فكان فضل الأستاذ المحامي كبيرا في هذه المساعدة للتاريخ. و له الشكر الجزيل.

و هذه النسخة قديمة، و ليس فيها تاريخ، و الظاهر أنها كتبت في أيام المؤلف أو أنها النسخة الأصلية، و لا تقتصر فائدتها علي تاريخ العراق، و لا تاريخ إيران بل تفيد أكثر لتاريخ ديار بكر و ما والاها، و عليها عولنا في تصحيح كثير من النصوص التاريخية … و قد رأيت علماء الأتراك يعتقدون أن هذا الأثر قد فقد، و لما أخبرت الأستاذ مكرمين عن وجوده سر سرورا كبيرا …

5 3- عالم ارآي أميني: (تاريخ البايندرية)

هذا من الكتب المهمة أيضا، و الوثائق النفيسة جدا لعصر التركمان، تكلم في تاريخ السلطان يعقوب من ملوك آق قوينلو فهو مكمل ل (ديار بكرية) المذكورة و منه- علي ما نعلم- النسخة الوحيدة في مكتبة فاتح. مخطوطة في مجلد واحد، خطها نفيس، و كذا ورقها …

مسجلة برقم 4431.

و فيها كانت عناية المؤلف كبيرة في التحرير، و إظهار المقدرة في البيان و التعبير، فكاد يغطي المعني بحجاب سميك من الألفاظ الأدبية … بالغ في تصنيعها، و تجاوز الحد في السجع فشوش الغرض الأصلي من تدوين الوقائع فصارت لا تعرف بسهولة بل نراها قد بعدت عن الغرض بمراحل …!

و لما كان الغرض

مصروفا إلي معرفة حقائق ثابتة عن هذه الحكومة و إدارتها، و العلوم و درجة حمايتها و الأمم و وضعها … مما نحتاجه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 11

لتدوين (تاريخ العراق) … رأينا هذا التاريخ من المراجع القيمة لتاريخ (آق قوينلو) و الحكومات المعاصرة لها، فلا يستغني عنه بوجه، و لو لم نقف عليه لتألمنا لفقدانه و استكبرنا ضياعه … و علي كل فائدته كبيرة، و فيه ما ليس في غيره …

تقف حوادثه عند سنة 895 ه- 1490 م و أكثر المؤلف من ذكر الشعر و المديح … إلا أن هذا لم يفقد هذا الأثر مزاياه التاريخية.

و لما تكلم علي السلطان يعقوب و ذكر نسبه قال: إنه لا يري ضرورة لسرده كله فهو مذكور في (الديار بكرية)، و أحال الأمر إليها …

فهو مكمل لها، و متمم لحوادثها كما تقدم … فالعثور عليه غنيمة لا تقدر في بيان حالة العصر …!

ذكر المؤلف اسمه في الصفحة الأولي من الورقة 31 أنه فضل اللّه بن روزبهان بن فضل اللّه الجنجي الأصفهاني الملقب بأمين المعروف ب (خواجه ملا)، و من ثم عرف الكتاب بتاريخ (عالم آراي أميني)، و في الغلاف جعل عنوانه (تواريخ سلطان يعقوب)، و صدره بدوبيت …، و من مطاوي الكتاب يعرف أن المؤلف من أهل العرفان، و له اطلاع في المعقولات، و سرد تفصيل ترجمته في ورقة 32 فما يليها، و مما ذكره أنه قد ذهب للحج، و مر بالمدينة و الشام و مصر، و درس العلوم العقلية و علوم الحديث، و حصل علوما جمة … ثم رجح طريق الرياضة بعد العناء الشديد، و التحصيل المديد و كان قد كتب قصة (حي بن يقظان) باللغة الإيرانية

بشكل ملائم، و قدمها للسلطان يعقوب باسم (كتاب بديع الزمان)، فيه ذكر أنه كتب كتابه هذا أيام ابنه الأمير بايسنقر و بأمره، و جعله في وضع أدبي نظير (جهانكشاي جويني). و هذا التاريخ هو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 12

الذي عبر عنه صاحب (جامع الدول) بتاريخ البايندرية و في كشف الظنون أنه تاريخ فارسي مختصر لدولة البايندرية … ألفه للسلطان يعقوب، ثم أتمه لأبي الفتح بايسنقر، و بعد أن بين المؤلف خصائص كتابه المذكور شرع في المقصود … و ذكر في آخره نبذة في التصوف …

كتبت هذه النسخة في سنة 927 ه بقلم يوسف المروي (المروزي)، و هو أقرب إلي آخر حوادثه، خطه جميل جدا، بتعليق، و أوراقه 224 و كان من أنفس ما طالعناه أو اطلعنا عليه في دور الكتب باستانبول لما يعود لهذا العهد.

و للمؤلف الفاضل سياحة إلي بخاري تسمي (مهماننامه بخاري) منها نسخة مخطوطة في مكتبة نور عثمانية باستانبول، و هي سياحة لها قيمتها …

6 4- لب التواريخ:

تاريخ فارسي، في مجلد واحد، يبحث من أوائل التاريخ إلي أيام الحكومة الصفوية قدمه لأحد أمرائهم أبي الفتح بهرام ميرزا الحسني الصفوي، أفرد مباحث من كتابه في حكومتي (قرا قوينلو)، و (آق قوينلو) و سائر حكومات الترك و المغول في إيران، و مباحثه مختصرة إلا أنها تحوي لب الحوادث و صفوتها، فيصلح أن يكون مرجعا، و مطالبه تكاد تزيد علي الغياثي من بعض الوجوه، و يوافقه في كثير منها خصوصا ما يتعلق بالحكومات المذكورة، و سوف نناقش المخالفة، و ننوه بالزيادة،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 13

و نعين نقاط الموافقة فيما هو ملتبس أو مشكوك فيه، و نراه يذكر التواريخ و يعين الوقائع بذكر السنة

و الشهر و اليوم … مما نقطع بأنه معتني به كثيرا، عندي نسخة مخطوطة كتبت عام 1207 ه بخط واضح، و مؤلفه كما جاء في كشف الظنون الأمير يحيي بن عبد اللطيف القزويني المتوفي سنة 960 ه صنفه في عهد الصفوية المعاصرين له. فرغ من تأليفه سنة 948 ه.

تهم مطالعته كثيرا، و هو خلاصة الخلاصة، أو كما دعاه مؤلفه (لب التواريخ)، و منه نسخة في مكتبة ولي أفندي عليها حواش مفيدة، كتبت سنة 997 ه و رقمها 2444 و أخري في مكتبة نور عثمانية، و في هذه الأيام طبع في إيران، و هذه الطبعة لا تخلو من أغلاط عديدة …

7 5- منتخب التواريخ مظفري:

فارسي. تأليف الميرزا إبراهيم خان المستوفي الشيباني الملقب بصديق الممالك في مجلد واحد كتبه أيام مظفر الدين شاه القجاري، و نوه بتقديمه إليه، و هو مختصر جميل، طبع في إيران علي الحجر عام 1323 ه و تم في سنة 1324 ه و بعدها أعيد طبعه في سنة 1344 ه علي الحجر أيضا.

و في أوله بيان عن المؤلف، و أنه ولد في كاشان، و تقلب في مناصب عديدة و بذل مساعي عظيمة في سبيل هذا الكتاب فأتمه سنة 1322 ه. و من نظر في هذا الكتاب قدر جهود مؤلفه و أتعابه في سبيل تحرير وقائعه … حالة أن المؤلف اكتفي بالنقل عينا من كتاب لب التواريخ بلا تصرف و زاد قليلا أو نقص، لم يبد أي ملاحظة أو إشارة إلي الأخذ، ثم أضاف إليه ما حدث بعد ذلك فأتم حوادثه … من غيره فلم يتكلف مؤونة التصرف و هو منتخب بكل معني الكلمة.

هذا ما علمناه عن هذا التاريخ و فيه فصول تتعلق بموضوعنا

موسوعة تاريخ العراق بين

احتلالين، ج 3، ص: 14

(حكومات التركمان) و كأنه نسخة أخري من كتاب لب التواريخ تصلح لتصحيح ما هناك للتثبت من بعض الأعلام.

8 6- أحسن التواريخ:

رأيته في مكتبة نور عثمانية و قد قيل علي غلافه إنه ذيل مير خواند و أنه الجلد الحادي عشر و الثاني عشر و ليس بصواب فهو كتاب مستقل لا علاقة له بغيره أوله: حمد و سپاس و شكربي قياس بحاكمي كه … الخ و فيه أنه تأليف حسن سبط الأمير سلطان روملو. قال في مقدمته إنه يشتمل علي بعض أحوال سلاطين الروم، و أكثر ملوك الجغتاي، و قراقوينلو، و آق قوينلو، و آق قرمان، و مشاهير العلماء و الشعراء المعاصرين.. فهو من نوع كتاب (تواريخ التركمان) إلا أن مباحثه منتظمة و حوادثه مطردة علي السنين و فيها تفصيل لا يكاد يوجد في غيرها …، يبتدي ء من سنة 807 ه- 1405 م من ابتداء سلطنة شاه رخ، توسع في الوقائع و لم أر أوسع منه إلا أنه لا يعتمد عليه في السنين التي يذكرها للوقائع، و قد ناقشتها في محلها … فإذا كان (لب التواريخ) يضبط الوقائع فهذا يوضحها و المؤلف يكتب رأسا، و لا يبدي نقلا من كتاب كأنه قد شاهد الوقائع … مما هو غير مألوف الكثيرين و الغمز المذكور أعلاه لا ينقص قيمته و هو لا يتحامل علي ملك و لا يستعمل ألفاظا بذيئة كما هو شأن غيره من مؤرخين عديدين يطعنون بالمعاصر لأسباب يطول شرحها …، فهو عذب اللسان، يتكلم بكل وقار، و كأنه يقص وقائع كان قد رآها أو نقلها كما سمعها … فهو علي كل حال من أمهات الكتب و أصولها التي يجب أن يعول عليها. و النسخة خالية من التواريخ

و الظاهر أنها نسخة المؤلف أو مكتوبة عليها … و تقف حوادثه عند سنة 985 ه.

و في مكتبة ولي أفندي في استانبول نسخة منه برقم 2370 و ليس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 15

فيه عناوين مكتوبة و إنما أبقيت بياضا بأمل أن تحرر بمداد أحمر …

و بهذا كانت نسخة نور عثمانية أولي بالمراجعة و أحق بالاعتماد …

صالحة أن تكون مرجعا …

و قد علمت مؤخرا أنه طبع في كلكته سنة 1931 م لحساب الجمعية الشرقية في بارودا من بلاد الهند مع ترجمته سنة 1934 م.

9 7- جامع الدول:

تأليف درويش أحمد بن لطف اللّه المولوي المتوفي سنة 1113 ه- 1751 م و يعرف ب (منجم باشي)، أوله: أحمد اللّه حمد مفكر في مخلوقاته الخ. ذكر في مقدمته مراجع كثيرة جدا، و من جملة ما اعتمده (تاريخ البايندرية)، و هو (تاريخ عالم آراي أميني)، و يبعد أن يكون (الديار بكرية) لأنها غير معروفة في تلك الأنحاء … و هو في مجلدين ضخمين الأول منهما يصل إلي آخر الخلفاء، و الثاني في ذكر الدول و الملوك القديمة و الإسلامية، و فيه تفصيل زائد جدا عن حكومات كثيرة، و بينها البريديون (حكام خوزستان و البصرة)، و (المشعشعون) و غيرهما … و يقف عند حوادث سنة (1081 ه)- 1670 م و هو من أوسع الكتب، و فيه مزيد إيضاح عن البارانية و البايندرية، و قد جمع ما لم يجمعه غيره من وقائع هذه الحكومات إلا أنه لم يدون عن العلماء، و لا عن الثقافة و لو بوجه عام … منه نسخة في مكتبة بايزيد العامة في مجلدين أحدهما برقم 5019 و صفحاته 1334 و ثانيهما برقم 5020 و صفحاته 1214 كتب باللغة

العربية. و مراجعه كثيرة بين عربية و فارسية و تركية. و المؤلف أفرد لكل حكومة مبحثا فلا تطرد وقائعه بصورة متوالية … و الكتاب منه نسخ عديدة في مكتبات استانبول و غيرها، و يعد من خير المراجع و أوسعها، جمع مطالب كثيرة … و تفصيله نافع …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 16

10 8- تاريخ الجنابي: (العيلم الزاخر في أخبار الأوائل و الأواخر)

رأيت نسخة منه في نور عثمانية في استانبول برقم 3099 و 3100 و أخري في سراي طوپقپو بمكتبة السلطان أحمد الثالث و نسخ عديدة في سائر المكتبات كتب باللغة العربية أوله:

«أشرف كلام يتضوع نشر رياه، و أحسن مقال يتفوح طيبه و شذاه حمد صانع قادر لا يعبد سواه الخ». تأليف الشريف أبي محمد مصطفي ابن السيد حسن ابن السيد سنان ابن السيد أحمد الحسني الهاشمي القرشي الشهير ب (جنابي) المتوفي سنة 999 ه- 1590 م، كتبه أيام السلطان مراد ابن السلطان سليم بن السلطان سليمان القانوبي. قال في مقدمته:

«جمعته من مؤلفات كثيرة … و أوردت اسم الكتاب الذي نقلت عنه الكلام، إما قبل النقل، و إما عقيب الفراغ عند ذكر المرام، ليكون ذلك علي صحة هذا دليلا، و لئلا يجد عائب يعيب إلي كتابي هذا سبيلا … (إلي أن قال): و ما اثبت في هذا الكتاب إلا ما صح عندي نقله، و ثبت أصله، حتي تركت النقل عن بعض الكتب المشهورة لشيوعه بين العلماء بأنه في نقله كحاطب ليل». ا ه. و مثل بالسيوطي، و أنه ينقل عن تاريخ المفرطي (في نسخة القرطبي) و هو ممن اشتهر بالكذب …

و هكذا حكي وقائع آق قيوينلو في سعة و بسط زائد … نقل عنها من تاريخ دولتشاه (من الوثائق المعاصرة)، و من تاريخ

عبد الباسط الحنفي المصري، و مما سمعه من العالم أبي الفضل بن إدريس التبريزي الدفتري (هو ابن إدريس البدليسي صاحب هشت بهشت) … و للمؤلف كتب تاريخية عديدة و له شعر في التركية و العربية …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 17

اختصر هذا الكتاب القرماني المذكور سابقا … فرغ من اختصاره يوم السبت مستهل المحرم سنة 1008 ه.

11 9- كتاب وجيز الكلام في الذيل علي كتاب الذهبي دول الإسلام:

للشيخ محمد بن عبد الرحمن السخاوي صاحب الضوء اللامع، أوله: الحمد للّه العالم بما كان و ما يكون الخ. رأيته في مكتبة كوبريلي رقم 1189 و تنتهي حوادثه في سنة 895 ه- 1490 م و ابتداؤه سنة 745 ه- 1344 م. و الكتاب فيه خروم، و أكلته الأرضة من أماكن مختلفة، و هو مهم خصوصا القسم الأخير منه …

و الأصل تاريخ دول الإسلام للذهبي المطبوع في الهند و رأيت نسخة منه في مكتبة كوبريلي مؤرخة في سنة 742 ه- 1343 م و النسخة مهمة جدا، و صالحة للطبع وجيدة، مكتوبة في حياة مصنفها … و في مكتبات استانبول نسخ عديدة منه …

12 10- المنهل الصافي و المستوفي بعد الوافي:

تأليف أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي المؤرخ المعروف المتوفي سنة 874 ه- 1470 م أوله: الحمد للّه مدبر الدهور الخ.

و هو من أجل الآثار و أعظمها فائدة، و أجمعها مادة … قال في مقدمته إنه حملته الرغبة، و لم يكن بأمر أو طلب من سلطان أو أمير، أو من أحد أعيان الزمان، و لا مكلف لتأليفه و إنما جعله لنفسه … و ابتدأ فيه من أوائل الدولة التركية من المعز إيبك، و صرح في بعض المواطن أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 18

بدأه ب (سنة 650 ه)- 1252 م كتبه علي طريقة الخطيب البغدادي في تاريخه (تاريخ بغداد) و ابن خلكان و الصفدي في الوافي بالوفيات و ذكر الأشخاص المشاهير من علماء و أمراء علي ترتيب حروف الهجاء إلي آخر أيامه، فتابع الكثيرين من العلماء في ترتيبهم هذا، و منه نقل صاحب الشذرات، و جعله مرجعا … و الملحوظ أن هذا المؤرخ يتحامل علي حكومات التركمان (قراقوينلو و آق قوينلو) تحاملا شديدا

و له الحق في كثير من المواطن … و إن كان أساس ذلك هو العداء الحاصل بين مصر و بين هؤلاء … و لكن مطالبه جليلة، و مباحثه قيمة جدا … و يعد من أتم المراجع لهذه العصور. ترجم المقريزي المتوفي سنة 845 ه 1441 م قال: و كان يرجع إلي قولي فيما أذكره من الصواب و يغير ما كتبه أولا في مصنفاته … منه نسخة نفيسة في مكتبة (نور عثمانية) في استانبول برقم 3428 و هذه النسخة تمتاز في أنها نقلت من نسخة كتبها تلميذه أحمد بن حسين التركمان الحنفي الشهير ب (المرجي) و تاريخ تحريرها في 16 جمادي الأولي سنة 1023 (1614 م) و رأيت منه نسخة في دار الكتب ب (سراي طوپقپو) باستانبول …

13 11- حوادث الدهور في مدي الأيام و الشهور:

في مجلد واحد رأيته في مكتبة أيا صوفيا برقم 3185 أوله: الحمد للّه مدبر الدهور الخ. و هو من تأليف أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي أيضا جعله ذيلا علي السلوك للمقريزي، و أثني عليه فقال: «أتقن من حرر تاريخ الزمان و أضبط من ألف في هذا الشأن، و أجل تحفة اخترعها، و عمدة ابتدعها، كتابه المسمي بالسلوك في معرفة دول الملوك. قد انتهي فيه إلي أواخر سنة 844 ه- 1441 م …

و لم يأت بعده من نعوّل عليه في هذا الفن، و لا من يرجع إليه إلا الشيخ الإمام … بدر الدين محمود العيني (صاحب عقد الجمان)،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 19

فأردت أن أعلم حقيقة أمره في هذا المعني، و نظرت فيما يعلقه في تلك الأيام، فإذا به كثير الغلطات و الأوهام و ذلك لكبر سنه و اختلاط عقله و ذهنه، بحيث إن الشخص لا

يمكنه الفائدة من ذلك إلا بعد تعب كبير، لاختلاف الضبط، و عدم التحرير. فلما رأيت ذلك أحببت أن أحيي هذه السنة بكتابة تاريخ يعقب موت الشيخ تقي الدين المقريزي (يوم 18 رمضان سنة 845 ه- 1442 م) و جعلته كالذيل … رتبته علي السنين» ا ه ابتدأ فيه من أول سنة 845 ه و قال: و لم أسلك فيه طريق الشيخ المقريزي في تطويل الحوادث في السنة و قصر التراجم في الوفيات بل أطنبت في الحوادث و أوسعت في التراجم، لتكثر الفائدة من الطرفين، و ما وجدته مختصرا من التراجم في التعليق فراجع فيه كتابنا المسمي ب (المنهل الصافي و المستوفي بعد الوافي) فإني هناك شفيت الغلة، و أزحت العلة ا ه …

انتهي المؤلف بحوادث سنة 860 ه- 1456 م و كتبه تلميذه محمد بن أحمد بن محمد الطندتاي الشافعي سنة 861 ه- 1457 م و نقلت منها هذه النسخة في سنة 898 ه- 1492 م.

14 12- التبر المسبوك في ذيل السلوك:

هو لشمس الدين محمد السخاوي في مجلد ضخم. رأيته في مكتبة أيا صوفيا برقم 3113 أوله: الحمد للّه العالم من القدم بما كان و ما يكون، و الحاكم بما انبرم في كل حركة و سكون الخ. و هذه النسخة ملكية و مهمة، مشكلة، و حروفها كبيرة و واضحة، و تتم في سنة 850 ه- 1446 م و هي الجلد الأول، كتبه أبو الفضل السنباطي الأعرج عام 880 ه- 1475 م في منزل مؤلفه … و غالبها لا يتعرض لحوادث ما هو خارج عن مصر و الشام …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 20

15 13- تاريخ مطلع السعدين:

تأليف كمال الدين عبد الرزاق بن جلال الدين إسحاق السمرقندي المتوفي سنة 887 ه- 1402 م و أوله: حسن مطلع أنوار أخبار در افتتاح مقال، و لطف مظهر آثار أخيار در إيضاح مبدأ و مال الخ. ألفه لأبي المغازي السلطان حسين بهادر المعروف ب (حسين بايقرا) من آل تيمور … و كتب في منتصف جمادي الآخرة سنة 871 ه- 1466 م في مجلد ضخم مرتب علي السنين، و هو مهم جدا، و دون باللغة الفارسية.

منه نسخة في دار كتب أيا صوفيا برقم 3086 و في مكتبات أخري …

و لا يتعلق بأنحاء العراق منه إلا ما حصل استطرادا، و هو مهم للعلاقة بالمجاورة، و مؤلفه من رجال العلم و الثقافة، و قد انتدب لمهمات ذات شأن كسفارته إلي ملك الصين فكتب بذلك رسالة، ترجمت إلي اللغة التركية و طبعت باسم عجائب اللطائف …

16 14- تاريخ الغفاري:

منه نسخة في مكتبة ولي أفندي رقم 2397، ألفه أحمد بن محمد القاضي المشتهر بالغفاري أيام أبي المظفر شاه طهماسب بهادر خان.

و وقف به عند حوادث سنة 973 ه- 1565 م. كتب في ربيع الأول سنة 990 ه- 1582 م. و الكتاب سهل الإفادة و مختصر، تكلم علي البارانية (قراقوينلو)، و علي البايندرية (آق قوينلو) ثم ذكر الصفويين و العثمانيين إلي أن انتهي بحوادث كتابه … و هو من المراجع المعتبرة القريبة بهذا العهد.

17 15- بدائع الزهور:

تأليف العلامة المؤرخ محمد بن إياس الحنفي المصري طبع ببولاق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 21

مصر سنة 1312 ه- 1894 م، و له فهرس هجائي. و قد طبعت جمعية المستشرقين الألمانية منه الجزء الثالث سنة 1926 م و الرابع سنة 1931 م في استانبول علي نسخ بخط المؤلف كانت في مكتبة فاتح باعتناء پاول كاله و محمد مصطفي و مورتسن سوبرنهايم إلا أنهم فاتهم أن يتموها علي ما هو موجود في متحف الأوقاف الإسلامية باستانبول و يكمل الحوادث المطلوبة بخط المؤلف، و علهم يتلافون النقص في طبعة أخري …

و من أجزائه التي بخط المؤلف في فاتح و في متحف الأقاف تظهر نسخة كاملة. تصلح للطبع …! و طبعة مصر كانت ناقصة، فجاءت طبعة الجمعية مكملة لها لولا ذلك المغمز …! و كان قد جري تصحيح ملازم ما طبعته الجمعية بمساعدة ه. ريتر المستشرق الألماني الشهير.

و الحاصل أن المراجع لمختلف العصور كثيرة، و لا تزال الأيام تنشر المدونات و تثيرها. و العراق ضعيف العلاقة، و لم يكن له من الشأن أن تراقب حوادثه باهتمام فيدون عنها … و لعل التتبع المتوالي يوصل إلي ما هو أوسع … و النصوص التي نوردها

تعين قيمة هذه الآثار …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 23

18 1 الدولة البارانية (قراقوينلو)

اشارة

(من المحرم سنة 814 ه- 1411 م إلي 14 جمادي الآخرة سنة 874 ه- 1470 م)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 25

الدولة البارانية (قراقوينلو)

20 1- فتح العراق:

كانت هذه الحكومة قد مارست الحروب، و قامت بتدبير الملك و شعرت أن من واجبها القيام بالأمر، و لا زالت في جدال، تصافي الجلايرية مرة، و تقارعهم أخري حتي جاء دور حكمها … فقتلت السلطان أحمد في أواخر ربيع الآخر سنة 813 ه- 1410 م، و استولت علي بغداد في 5 المحرم سنة 814 ه- 1411 م، دخلها شاه محمد بن قرا يوسف، فكان واليا عليها بالنيابة عن والده …

سبق لهذه الحكومة أن تمكنت في بعض الأنحاء العراقية كالموصل إثر وفاة السلطان أويس عام 778 ه- 1377 م كما أن قرا يوسف امتلك بغداد سنة 805 ه- 1403 م فأزاحه عنها أمير زاده أبو بكر من آل تيمور في سنته، و لم يتول العراق إلا في هذه الأيام … و من ثم استمر حكم هذه الدولة في العراق إلي 14 جمادي الآخرة سنة 874 ه- 1470 م، فانقرضت …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 26

21 2- أصل هذه الحكومة:

كانت في الأصل قبيلة توصلت إلي الحكم من طريق الرياسة، و تسمي (البارانية) و ماضيها القبائلي غامض، و المعرفة به قليلة، و كل ما نعلمه انها من القبائل التركمانية الأغزية جذم كبير من القبائل التركية.

22 3- القبائل التركمانية:

من حين قبول الترك الإسلام انتشروا في المملكة الإسلامية زرافات و وحدانا و دخلوا الجندية أفواجا، و تولوا قيادة الجيوش مدة، و اشتهر منهم أمراء كثيرون فكانوا عضدا قويا، و قاموا بخدمات عظيمة للإسلام، و زاد عددهم في بعض المواطن علي الأهلين الأصليين، و بينهم من حصلوا علي حكومات كبيرة، و دولات مشهورة عاشت بصورة مدنية أو قبائلية …

و قد عثرت علي رسالة في بيان فضائلهم و سجاياهم عنوانها (تفضيل الأتراك علي سائر الأجناد) مخطوطة رأيتها في خزانة الأستاذ الكرملي اللغوي الشهير … تعين الكثير من أوضاعهم تعيينا علميا …

و من هؤلاء (القبائل التركماية)، أو (التراكمة)، و مواطنهم بين بلخ و بحر الخزر و نهر أمودريا و الروس و إيران … و في ديوان لغات الترك قد فرعهم من أغز إلي 22 قبيلة تفرعت منهم البايندرية و الأفشار و قنق قال و من هذه الأخيرة السلاطين في زماننا (يريد السلجوقيين)، و أوضح سمة كل قبيلة، و هي سمات دوابهم و خيولهم، و بين أن أسماء هذه القبائل أسماء أجدادهم الذين ولدوها في قديم الدهر فنسب إليهم، و هناك قبائل تركمان تفرعت من آخرين و قال آخرون إن الغز مخفف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 27

أغزوان أتراك الأناضول و القفقاس و أذربيجان منهم، و كذا العثمانيون و أن جدهم كوك خان أحد أولاد أغز …

و في جامع الدول: «التركمان صنف من الترك خرجوا من بلاد تركستان و جاؤوا إلي خراسان

قديما، ثم تفرقوا في البلاد، و كثروا بلحوق من خرج بعدهم، و بالتوالد و التناسل. و هم أصحاب خركاهات (نوع خيام)، و مواش، و كانوا يرتحلون إلي المصيف و المشتي، و اندرج فيهم كثير من طائفة الغز، فأطلق عليهم التركمان … و هم قبائل شتي لكل قبيلة عشائر و بطون و أفخاذ لا تحصي و لكل واحدة منها اسم مخصوص، متعارف فيما بينهم …» ا ه.

و هكذا جاء الكلام عليهم مفصلا في (مجموعة تواريخ التركمان)، و في أوليا چلبي و كذا القلقشندي عدد التركمان و ذكر أمراءهم، و مشاهير رجالهم و ما يكتب إليهم و في (مسالك الأبصار) أسهب فيهم القول.

و لا يختلفون في تفريعهم عن القبائل العربية كما في شجرة الترك و غيرها … و الحكومة الموضوعة البحث إحدي هذه القبائل، نسي طريق اتصالها بجدها … و الظاهر أن (باران) أحد أحفاد أوغوز و صارت تسمي (البارانية) نسبة إليه، جاءت من أنحاء تركستان الغربية، هاجرت إلي أذربيجان و سيواس أيام أرغون خان المغولي … و استخدمتها الجلايرية، و قارعت تيمور إبان هجومه … و كانت في نضال مستمر مع المجاورين حتي صارت صاحبة الأمر و النهي … و لغتها- كسائر التركمان- آذرية، و لا تختلف عن التركية الشائعة عندنا في العراق..

و لا عن التركية العثمانية إلا أن العثمانية تهذبت أكثر بقبولها الحضارة الإسلامية و المصطلحات العلمية، فدخلتها ألفاظ كثيرة حسنت وضعها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 28

و لطفت آدابها، و صارت معينا فياضا للشعر و للنثر …

جاء في تاريخ دوكيني أن مؤرخي الروم يدعونها (ماورو پروواتا) و شاع اسمها ب (قراقوينلو)، و أصل ذلك أنها كانت سمتها (الشياه السود) كانوا في قديم الزمان

قد اقتنوا في وقت (شياها سودا) فعرفوا بها كما عرف غيرهم بشياهه البيض (آق قوينلو)، و آخرون ب (قراكچيلي) لاقتنائهم (المعز السوداء)، و لا يشترط أن يدوم … و إنما هو وصف عرفوا به، و استمر فيهم و صار من نوع الوسم أو النبز فلازم … و معني قراقوينلو (سود الغنم) و منهم من يقول إن أعلامهم كانت فيها شارة شياه سود.

23 4- ترجمة اسم القبيلة:

هذا غير معهود و لا قائل به من المؤرخين و في هذه الأيام رأينا في بعض التواريخ العراقية ترجمة اسم القبيلة غلطا و لما كانت التسمية (علما) فلا وجه للتصرف به و إنما ينطق به عينا و لم يسبق أن ترجم بل استعمله العرب في مختلف الأصقاع بلفظه و لا معني لترجمة الأعلام بما يفهم من لفظها …

و نري الترجمة مغلوطة. لأن (الخروف الأسود) لا يعني قراقوينلو، بل (قراقويون) فأهملت لفظة (لو) أو (لي) الدال علي النسبة و يقصد منها سود الغنم علي اعتبار الجنس فيقال قبيلة (سود الغنم) كما يقال (بيض الغنم) أو (سود المعز).

و لفظ قويون لا يطلق علي الخروف و إنما يراد به الجنس (الغنم) أو (الشياه) فكان الخطأ ظاهرا في الترجمة … و في الدلالة.. و شاعت هذه في الأقطار العربية علي علاتها مع العلم بأنه لم يسبق أن ترجمت قبيلة (بيات)، و (أفشار)، و (قجار).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 29

و جاء في كتاب (المماليك في مصر) اسم القبيلة بلفظ (قره قيون)، و (الوبر الأسود)، كما سميت هناك قبيلة آق قوينلو ب (الوبر الأبيض) مما لا يؤيده سند و قد نعت أيضا قرا يوسف ب (زعيم كردي) … و قيل عن بركة أو بركاي (برخ) و عن

اولجايتو (ايليجيتو)، و عن أويرات (العويراتية) … مما لا يقره التاريخ.

24 5- فروع هذه القبيلة:

لا تزال المعرفة الموسعة عن الشعوب و القبائل ضعيفة … و ليس في النصوص التاريخية ما يبرد غلة … قال في جامع الدول:

«فمن جملة قبائل التركمان … (قرة قوينلي) و لها عشائر عديدة، و أعظمها اعتبارا عندهم عشيرة (بهارلو)، و كان أمير القبيلة و رئيسها منها لا محالة …) ا ه.

و ليت هذا المؤرخ عرف بعشائرهم أو بطونهم … و نعلم من النصوص الأخري أن من عشائرهم (پاوت) و ينتسب إليها والي بغداد (بير محمد) علي ما سيجي ء … و لا تزال بقاياهم في العراق موجودة، و لكننا لا نعرف علاقتهم بماضيهم … معرفة كاملة …

25 6- تاريخ ظهورها و مؤسس إمارتها:

كانت هذه القبيلة مهملة كعشائر كثيرة، و قد خطت نحو الاستقلال أيام رئيسها (بيرام خواجه) و هذا اتصل بالسلطان أويس الجلايري و انتسب إليه عام 775 ه- 1373 م كان قد استعان به السلطان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 30

فتمكن … و إثر وفاة السلطان استولي علي الموصل و سنجار في عام 778 ه- 1376 م. و من ثم بدأ حكمها إلا أنها لا تزال تعد إمارة قبائلية، و تخلل ذلك فواصل عديدة، فقد انتزع الحكم من يدها أيام صولة الأمير تيمور لنك و مناوأته لها …

و في هذه الحالة كانوا يترقبون الفرص، و ينتهزون الوقت الملائم، و لا يزالون كذلك حتي تمكن الأمير قرا يوسف (من ذرية بيرام خواجة) من الاستيلاء علي أذربيجان بقتل ميران شاه ثم قضي علي السلطان أحمد الجلايري و تسلط علي بغداد فخلص له الحكم …

و أول من عرف من أمرائها بيرام خواجه بن تورمش. و في أيامه ظهرت هذه القبيلة كإمارة فارتفعت منزلتها عند السلطان أويس. و لما توفي السلطان في 2

جمادي الأولي سنة 776 ه- 1374 م استولت علي الموصل و سنجار و أرجيش و أونيك توفي أميرها هذا سنة 782 ه- 1381 م، و جاء في كنه الأخبار أنه توفي في حدود سنة 780 ه و لم يؤيد هذا نص …

و اعتبر المؤرخون هذه المدة بين الاستيلاء، و الوفاة (أيام الإمارة)، و ما قبلها (رياسة قبائلية) دامت له 26 سنة، و له ابن اسمه تورمش و خلفه أخوه مراد خواجه لمدة قليلة فتوفي، و آلت الإمارة إلي (قرا محمد)، بن تورمش فزاد علي ما بيد أسلافه، و حارب حاكم ماردين القاهر (كذا و صوابه الظاهر) و رأي المجال أوسع، و نال غنائم وافرة، و يقال في سبب حربه هذه أنه طلب من القاهر بنته ليتزوجها فلم يوافق، فساق عليه العساكر، ثم تصالح معه علي أن يزوجه ابنة أخيه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 31

و قرا محمد هذا تزوج السلطان أحمد الجلايري ابنته، و هو الذي ساعد السلطان في حروبه لأخيه الشيخ علي حينما أعلن سلطنته ببغداد فكسر الشيخ عليا و قتله، ثم ظهر تيمور فأزاح السلطان أحمد عن تبريز و لما سمع تيمور أن توقتامش طرق بلاده رحل عنها، فانتهز قرا محمد الفرصة و تملك تبريز، و أقام فيها ولده مصر خواجه. و في سنة 789 ه- 1387 م عاد تيمور ففر منه قرا محمد، و قتل سنة 792 ه- 1390 م.

و في الدرر الكامنة مات مقتولا في صفر سنة 791 ه- 1389 م نقلا عن العلاء ابن خطيب الناصرية.

و له من الأولاد قرا يوسف، و يار علي و پير علي.

و كان قرا محمد أيام إمارته قد نازعه عمه نصر خواجه عام

787 ه- 1385 م و كان رئيس القبيلة فأذعن لسلطان مصر، و شوش علي ابن أخيه، و استولي بهذه الوسيلة علي ماردين و الأنحاء المجاورة للموصل، و قرأ الخطبة باسم سلطان مصر، فقوي نفوذه.

و لما قتل قرا محمد خلفه ابنه قرا يوسف في إمارته. و هذا في الحقيقة مؤسس دولة (البارانية)، كان آنئذ مشتاهم العراق، و مصيفهم أذربيجان و قد سلسل صاحب كنه الأخبار وقائع قرا محمد، و فيها أنه أخذ الموصل في سنة 798 ه- 1395 م و نصب بها أخاه (يار علي) … ثم إنه في سنة 799 ه هاجم الأمير تيمور الجزيرة و الموصل ففر قرا يوسف من وجهه إلي الشام، و في سنة 800 ه- 1397 م رجع إلي الموصل فاستعادها.

و أكثر وقائع قرا قوينلو مبسوطة في (مجموعة تواريخ التركمان).

26 7- تزوج سياسي:

جاء في الضوء اللامع أن الأرتقي صاحب ماردين و هو أحمد بن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 32

اسكندر نشأ في دولة ابن عمه الظاهر مجد الدين عيسي بن المظفر فخر الدين داود، فاختص به وزوجه ابنته، و استخلفه علي ماردين غير مرة، فآل أمره إلي أن رغب عن ماردين لقرا يوسف بن قرا محمد بعشرة آلاف دينار و ألف فرس و عشرة آلاف رأس غنم، فزوجه قرا يوسف ابنته، و أعطاه الموصل فتوجه إليها … فلم يقم سوي ثلاثة أيام و مات هو وزوجه في سنة 811 ه- 1408 م، و يقال إن قرا يوسف سمه. ترك من الأولاد محمدا و أحمد و محمودا و عليا، فأخرجهم قرا يوسف من الموصل. و هو آخر ملوك بني أرتق. و قد أطال المقريزي في عقوده ترجمته …

و الحاصل، جري لهذه الحكومة (قراقوينلو)

ما جري مما ذكر في المجلد السابق حتي تم لها الاستقلال، و استولت علي العراق …

27 حوادث سنة 814 ه- 1411 م ولاية الأمير شاه محمد

اشارة

من 5 المحرم سنة 814 (1411 م) إلي 18 شعبان سنة 836 (1433 م).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 33

28 واقعة بغداد:

فصلت هذه الحادثة تواريخ عديدة، و قد مر ذكر بعض النصوص.

و هذا ما قاله الجنابي في تاريخه: «لما قتل السلطان أحمد استقر مكانه في بغداد صبي من آل أويس و اسمه شاه محمود من أبناء شاه ولد بن شهزاده علي بن أويس. و كانت تندو بنت حسين زوجة شاه ولد هي المدبرة في المملكة، فحاصرهم شاه محمد بن قرا يوسف سنة، ثم غلب علي بغداد، و نزحت عنها تندو بمن معها من دجلة إلي واسط، فسار إلي تستر فملكها، ثم احتالت علي محمود شاه فقتل لأنه كان من غيرها، و استقلت بالمملكة مدة و ذلك في سنة 819 ه- 1416 م» ا ه.

و جاء في أحسن التواريخ: «أن السلطان أحمد بعد قتله خلفه في بغداد سلطان محمد بن شاه ولد … و كان قد وجد اختلافا، و زادت الفتن من كل صوب … فلما رأي شاه محمد ذلك انتزع اربل منه، و سار إلي بغداد حتي وصل إلي باب سوق السلطان، و في اضطرابات بغداد قتل الأمير بخشايش، و كان السلطان أحمد قد نصبه واليا، و اختار عبد الرحيم الملاح شحنة، و ظهر الاحتلال بأظهر معانيه ففر السلطان محمد إلي ششتر (تستر)، و من ثم استولي شاه محمد عليها» ا ه.

و هنا هذه التواريخ اضطربت في أسماء من خلف السلطان أحمد، و في المنهل الصافي: «كان أقيم في سلطنة بغداد- بعد قتلة السلطان أحمد- شاه ولد.. فقتل بعد ستة أشهر بتدبير زوجته تندو بنت السلطان حسين بن أويس، و قامت بتدبير الملك من بعده،

ثم خرجت من بغداد بعد ستة أشهر فرارا إلي ششتر و ملك شاه محمد بغداد» ا ه.

و هذا هو الصواب و عليه أكثر المؤرخين علي أن شاه ولد كان يدبر الأمر باسم السلطان أحمد، ثم هلك فنصب ابنه، و منهم من لا يعتبره ملكا و كانت الإدارة الحقيقية بيد (دوندي)، و يعين الحالة بصورة جلية ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 34

جري من الإشاعات في أن السلطان أحمد لا يزال حيا …! ذلك ما دعا أن تخشي دوندي سوء العاقبة، كان قد نفذ صبرها، فتركت بغداد.

و من ثم بدأ حكم دولة (قراقوينلو) و صار العراق تابعا لتبريز إلا أن الإمارة كانت مستقلة بيد شاه محمد استقلالا إداريا …

أما بغداد فإنها لو لا الحالة الزراعية المساعدة، و المياه المتدفقة و الاستفادة من العمارة عند سنوح الفرصة، أو عروض الهدوء و الطمأنينة لكانت خبرا بعد عين … لما نالها من زعازع و اضطرابات و حروب أودت بعمارتها، و شوشت أمرها مرارا عديدة، و أزالت معالمها، و ذهبت بنضارتها، و آخرها هذا العدوان بل الضربة القاسية …

29 تصحيح:

جاء في كلشن خلفا أن الوالي علي بغداد من دولة قراقوينلو هو الشاه محمود بن قرا يوسف، و أنه دام حكمه ببغداد 23 سنة، ثم خلفه الشاه محمد، و هذا ليس بصواب، و مخالف لما اتفق عليه المؤرخون في مختلف العصور، و قد راجعت بعض النسخ المخطوطة فلم تختلف، و في النسخة المطبوعة من لب التواريخ يوجد هذا الغلط فوجب التنبيه و التصحيح.

30 حرب- صلح:

في هذه السنة ساق الأمير قرا يوسف جيوشه علي قرا عثمان، و حاصر بلدة أرغني فطلب الأمير قرا عثمان الصلح فأجيب إليه و عاد الأمير قرا يوسف و كان غرضه أن يؤمن أطرافه ليقوم بأعمال عسكرية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 35

جديدة. و هذه الطريقة في الحروب اقتبسها من تيمور لنك و كانت حالة عملية أدت إلي تجارب عنيفة …

قال في أنباء الغمر: «دامت الحرب بين قرا يوسف و قرا أيلك أكثر من شهر فقتل بينهما خلق كثير فخرب قرا يوسف بلادا كثيرة لغريمه، و هرب غريمه إلي بعض الأماكن، فأوصل الجند الخبر إلي قرا يوسف بأن شاه رخ ابن تمر قصد تبريز فترك حالته و رجع مسرعا فعاد قرا أيلك فنهبها، و توجه لتخريب بعض بلاد غريمه و وقع القتال في شعبان فأرسل قرا يوسف يطلب الصلح من قرا أيلك فلم يوافقه علي ذلك و نهب سنجار و أخذ قفل الموصل و أوقع بالأكراد فافتدوا منه بمائة ألف ألف رأس غنم» ا ه.

و بغداد في نجوة من هذه الغوائل، و الحروب …

31 وفيات

ذكرنا وفيات هذه السنة في الجلد السابق و ليس لدينا ما يستدرك إلا وفاة الإخميمي و هو علي بن محمد بن الإخميمي البغدادي الأصل، كان قد ولي الوزارة بمصر، و شد الدواوين و كان يدعي الشرف.

32 حوادث سنة 815 ه- 1412 م.

33 الشيخ إبراهيم الشرواني- قرا يوسف: (الحكومة الدربندية)

الشيخ إبراهيم الشرواني أمير الحكومة الدربندية و قد مر الكلام عليه أذعن لتيمور بالطاعة …

و كان الأمير قرا يوسف أضمر له الغيظ و العداء بسبب ما قام به

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 36

ابنه كيمرز (كيومرث) ابن الشيخ إبراهيم، و علاء الدولة ابن السلطان أحمد من إثارة غائلة عليه استفادة من غيابه … فلما تم له الأمر، و علم أن هناك اتفاقا بين الحكومة الشروانية و بين الكرج سار عليه في هذه السنة و حاربه فكسره و من ثم تمكن من إلقاء القبض عليه و قتل كافة أقربيه، و جاء بالشيخ إبراهيم أسيرا إلي تبريز، و هناك توالت الملتمسات إلي الأمير قرا يوسف، فعفا عنه، و أخذ منه فداء دمه ألفا و مائتي تومان فعاد إلي شروان فتسلطن بها.

و في تاريخ الموصل أنه قتله الأمير قرا يوسف و استولي علي ساوة و قزوين و في تاريخ الغياثي توفي سنة 819 ه و في الأنباء أنه توفي سنة 821 ه و علي كل دامت حكومته و عاش بعد الواقعة نحو خمس سنوات فتوفي سنة 821 ه- 1417 م و كان عاقلا، كاملا، ملك 25 سنة و بلغ عمره 67 سنة. و خلفه ابنه الأمير خليل فتم له الأمر أربعين سنة و امتدت حكومته إلي عام 860 ه- 1456 م فتوفي. و خلفه ابنه شروان شاه و في أيامه ظهر الشيخ حيدر الصوفي (الصفوي) الأردبيلي سنة 893 ه- 1488 م

و حاصر بلاد شروان فاستنجد شروان شاه بصاحب العراق السلطان يعقوب و كانت نتيجة حربه معه أن قتل الشيخ حيدر و ألقي القبض علي شاه إسماعيل فهم شروان شاه بقتله فشفعوا فيه. فلما تخلص و ذهب لحاله انتهز الفرصة فالتف حوله رجال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 37

أبيه و أسس (الحكومة الصفوية) علي ما سيجي ء، فقضي علي الحكومة الشروانية عام 906 ه- 1500 م و بعد شهر واحد من استقرار الشاه إسماعيل بها تركها فاستولي الملك (غازي بيك بن شروان شاه) و بقي في الملك نحو ستة أشهر فبغي عليه ولده محمود بن غازي بيك فقتله و استولي علي ملك أبيه، فكره الرعية أوضاعه و سوء إدارته، فدعوا أخاه صاحب كيلان شيخ شاه بن غازي. فلما علم السلطان محمود بقدوم شيخ شاه انهزم إلي شاه إسماعيل الصفوي و تمكن شيخ شاه في الحكومة مدة. ثم عاد السلطان محمود و معه جيش الشاه فحاصر أخاه بقلعة كلستان أكثر من ثلاثة أشهر، فاتفق أن اغتال شيخ شاه أحد مماليكه سنة 925 ه- 1520 م و فتحت القلعة للسلطان محمود فلم يتم له الأمر، و تسلطن بعده (خليل پادشاه) بن شيخ شاه و دام له الملك نحو عشرين سنة و لم يخلف ولدا فصار بعده ابن أخيه (شاه رخ پادشاه بن فرخ ميرزا بن شيخ شاه و في أيامه ضعفت الحكومة الدربندية فانقرضت علي يد الشاه طهماسب الصفوي. ثم نهض منها بعض الأفراد لاستعادة ملكهم المضاع فلم ينجحوا، و صاروا في خبر كان.

و علي كل كان لحكومة قرا قوينلو السيطرة أو السيادة علي هذه الحكومة …

34 حوادث سنة 816 ه- 1413 م

35 قرا يوسف- بغداد: (فتوح في طريقه)

في هذه السنة توجه الأمير قرا يوسف إلي العراق، قاصدا بغداد

إلا أنه حدث له في طريقه بعض العوارض، فمال من همذان إلي السلطانية و قزوين و طارم و ساوه فاستولي عليها، و لا يزال مشغولا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 38

بالحروب لا هم له إلا التفكير في الفتح و الاستيلاء فلم يسكن جشعه … و إنما قويت آماله و زاد فيه حرص التوسع فبلغ الحد … و لم يلتفت إلي توطيد النظام …

36 قتلة العجل بن نعير: (أمير العرب)

في 14 ربيع الأول قتل الأمير العجل و هو من آل فضل من جراء منازعات بين أمراء سورية كذا في الأنباء، و جاء في المنهل الصافي أنه قتل بيد الأمير طوخ نائب حلب يوم الاثنين 19 ربيع الأول … و يقال إن اسمه يوسف بن محمد. ولد بعد الثمانين …

و كان العجل شهما … شديد السطوة و الجرأة … قد استعاد لآل مهنا شوكتهم إلا أنها خضدت بمقتله … و التفصيل في أنباء الغمر.

و عرف من أمرائهم حسين بن نعير أخوه و كان حيا شاهد ما جري بينهم …

37 قتلة فضل بن عيسي:

هو فضل بن عيسي بن رملة بن جماز أمير آل علي. و كان ممن نصر برقوق لما خرج من الكرك، فصار وجيها عنده، و لم يزل إلي أن قتله نوروز في ذي القعدة و ولي الإمرة (35) سنة.

38 وفيات
39 1- الأبيوردي الخطيبي:

و هو أبو محمد حسام الدين حسن بن علي بن حسن و كان سرخسي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 39

الأصل ولد سنة 761 ه- 1360 م بأبيورد. انتقل جده إليها، و نشأ بها، و كان هو و أبوه كل منهما يعرف بالخطيب، و لذا قيل له الخطيبي، اشتغل بالعلوم علي جماعة من الكبار … و لازم السعد التفتازاني، ثم رحل إلي بغداد سنة 783 ه- 1381 م، و قرأ بها علي الشهاب أحمد الكردي الفقيه، و لازم فيها الشمس الكرماني، ثم دخلها سنة 793 ه- 1391 م، فأقام بها، و قرأ الحديث علي النور عبد الرحمن بن أفضل الدين الأسفرايني، ثم رحل منها في أوائل سنة 795 ه- 1393 م، و تجول في أقطار عديدة، و صنف التصانيف الجيدة المفيدة، منها (ربيع الجنان في المعاني و البيان).

توفي ببلدة تعز من اليمن يوم السبت 13 جمادي الثانية لسنة 816 ه- 1413 م.

40 حوادث سنة 817 ه- 1414 م

41 برد و ضنك:

في هذه السنة اشتد البرد في الموصل، و منع الناس من الخروج، و كانوا في ضنك من قلة المطر، ثم جاءت الأمطار بغزارة فزال البؤس …

42 شاه رخ- قرا يوسف:

كان قد اختلف الحال بين قرا يوسف و بين شاه رخ، ثم تصالحا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 40

و تحالفا، و تصاهرا ثم انتقض الصلح في هذه السنة و تحاربا …

43 إحراق قبر الشيخ عدي- قتل اليزيدية:

«و فيها- في سنة 817 ه- 1414 م- أحرق قبر الشيخ عدي بجبل هكار من بلاد الأكراد و هذا الشيخ عدي بن مسافر الهكاري (بتشديد الكاف)، صحب عدة من مشايخ الصوفية، و سكن جبل الطائفة الهكارية من الأكراد، و هو من أعمال الموصل، و بني له به زاوية فمال إليه بتلك النواحي من بها، و اعتقدوا صلاحه، و خرجوا في اعتقادهم عن الحد في المبالغة حتي مات عن تسعين سنة في سنة سبع و قيل خمس و خمسين و خمسمائة فدفن بزاويته و عكفت طائفته المعروفة بالعدوية علي قبره، و هم في عدد كثير، و جعلوه قبلتهم التي يصلون إليها، و ذخيرتهم في الآخرة التي يعولون عليها، و صار قبره أحد المزارات المعدودة و المشاهد المقصودة لكثرة أتباعه و شهرته في الأقطار، و صار أتباعه يقيمون بزاويته عند قبره شعاره، و يقتفون آثاره، و الناس معهم علي ما كانوا عليه زمن الشيخ من جميل الاعتقاد، و تعظيم الحرمة، فلما تطاولت المدة تزايد غلو أتباعه حتي زعموا أن الشيخ عدي بن مسافر هذا هو الذي يرزقهم، و صرحوا بأن كل رزق لا يأتي من الشيخ عدي لا نرضاه، و أن الشيخ جلس مع اللّه- تعالي عن قولهم- و أكل معه خبزا و بصلا، و تركوا الصلوات المفروضة في اليوم و الليلة، و قالوا: الشيخ عدي صلي بنا، و استباحوا الفروج المحرمة، و كان للشيخ عدي خادم يقال له (حسن البواب) فزعموا أن الشيخ لما

حضرته الوفاة أمر حسن (كذا) هذا أن يلصق ظهره بظهره، فلما فعل ذلك قال له الشيخ «انتقل نسلي إلي صلبك»، فلما مات الشيخ عدي لم يعقب ولدا و صارت ذرية الشيخ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 41

حسن البواب تعتقد العدوية فيها أنها ذرية الشيخ عدي، و تبالغ في إكرامهم حتي أنهم ليقدمون بناتهم إلي من قدم عليهم من ذرية الشيخ حسن فيخلو بهن و يقضي الوطر و يري أبوها و أمها أن ذلك قربة من القرب التي يتقرب بها إلي اللّه تعالي.

فلما شنع ذلك من فعلهم انتدب لهم رجل من فقهاء العجم يتمذهب بمذهب الشافعي- رح- و يعرف بجلال الدين محمد بن عز الدين يوسف الحلواني، و دعا لحربهم فاستجاب له الأمير عز الدين البختي صاحب جزيرة ابن عمر، و الأمير توكل الكردي صاحب شرانس، و جمعوا عليهم كثيرا من الأكراد السندية، و أمدهم صاحب حصن كيفا بعسكر و أتاهم الأمير شمس الدين محمد الجردقيلي، و ساروا في جمع كثير إلي جبل هكار فقتلوا جماعات كثيرة من أتباع الشيخ عدي و صاروا في هذا الوقت يعرفون بين الأكراد ب (الصحبتية)، و أسروا منهم خلائق حتي أتوا الشرالق و هي القرية التي فيها ضريح الشيخ عدي فهدموا القبة المبنية عليه و نبشوا قبره و أخرجوا عظامه فأحرقوها بحضرة من أسروه من (الصحبتية) و قالوا لهم «انظروا كيف حرقنا من ادعيتم فيه، و لم يقدر أن يدفعنا»، ثم عادوا بنهب كثير، فاجتمعت الصحبتية بعد ذلك و أعادوا بناء القبة، و أقاموا بها علي عادتهم، و صاروا عدوا لكل فقيه، يقتلونه حيث قدروا عليه، و لو شاء ربك ما فعلوه». ا ه.

هذا ما جاء في سير الملوك

للمقريزي و نقله الصديق الفاضل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 42

مصطفي جواد من المخطوط المرقوم 1727 من دار الكتب الأهلية من ظهر الورقة 287 إلي وجه الورقة 288 و صحح بعض الكلمات من النسخة رقم 1728 و بين اختلاف الروايات و علق عليه التعليقات المذكورة. فله الفضل في إسداء ما قام به من مساعدة.

44 وفيات
45 1- الفيروز آبادي:

من أشهر لغويي العرب، نال مكانة لم ينلها إلا صاحب الصحاح، غطت شهرته علي غيره، فكان من أكابر أئمة اللغة، و يرتقي نسبه إلي الشيخ أبي إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه، و هو مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي اللغوي الشافعي. قال ابن حجر: لم أزل أسمع أن أبا إسحاق لم يعقب. ولد سنة 727 ه- 1327 م بكازرون … و هناك بيان تحصيله و تجولاته، و لم يتعرض لدراسته ببغداد، و لا إلي أساتذته هناك، و عدد مصنفاته و بين أن السلطان أويس بالغ في إكرامه … مات ليلة 20 شوال.

عدد صاحب معجم المطبوعات مؤلفاته المطبوعة، و لا يزال قسم من مؤلفاته لم يطبع بعد، و ترجمه مؤرخون كثيرون، و منهم من أفرد له ترجمة خاصة … و كتابه (القاموس المحيط) لم ينل مكانته إلي اليوم كتاب في اللغة، ترجم إلي التركية مشروحا و موسعا باسم أوقيانوس، و إلي الفارسية … و علق عليه أدباء و لغويون عديدون تعليقات مهمة.

و الجاسوس علي القاموس لأحمد فارس و تصحيح القاموس لأحمد باشا تيمور من آخرها، و عندي رسالة مخطوطة في (طب القاموس) تذكر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 43

الألفاظ الطبية فيه، و من أعظم شروح القاموس (تاج العروس) و هو مطبوع.

و من المؤسف أن لا يشار في هامش

القاموس أثناء الطبع إلي التعليقات و المراجعات معه، أو الرد عليه و كان من السهل الاستفادة منها بتعليقها علي نفس الكتاب أثناء طبعه، و لا لوحظ فيه ما استدرك عليه و اقتضي إضافته إلي مادته و كان الأولي مراعاة الرغبة في قلب ترتيبته إلي ما هو معهود اليوم بذكر الحرف الأول فالثاني من الكلمة دون اعتبار الآخر أصلا … و إنما روعي التزام شكله … و لم تقابل نسخه مع النسخ القديمة و المتقنة في مختلف الأقطار لتتضاعف الاستفادة منه فيشار إلي الصحيح.

كان قد انتقل المترجم من كازرون موطن ولادته إلي شيراز و هو ابن ثمان، ثم سار إلي العراق فدخل واسطا و أخذ عن الشرف عبد اللّه بن بكتاش قاضي بغداد و مدرس النظامية بها، و ولي تداريس و تصادير، و كثرت فضائله …

و قد مر في الجلد السابق بيان مدة مكثه (745- 755 ه (و ذكر أساتذته في بغداد … ثم دخل زبيد (اليمن) سنة 796 ه- 1394 م.

فأودع إليه قضاء اليمن كله في ذي الحجة سنة 797 ه- 1395 م، و استمر هناك مدة عشرين سنة. و لم يدخل بلدا إلا أكرمه متوليه و بالغ في تعظيمه مثل شاه منصور بن شاه شجاع من (آل مظفر)، و الأشرف صاحب مصر، و أويس سلطان بغداد، و تمرلنك و غيرهم …

و كان مولعا في اقتناء الكتب حتي نقل عنه أنه قال اشتريت بخمسين ألف مثقال كتبا، و كان لا يسافر إلا و في صحبته منها أحمال،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 44

يخرجها في كل منزل و ينظر فيها، لكنه كان كثير التبذير، فإذا أملق باع منها، و إذا يسر اشتري غيرها …

و الملحوظ

أنه حصل علي المعرفة الكاملة، و الثقافة العالية في بغداد، و كانت مدة إقامته فيها نحو عشر سنوات و هي كافية لأن يكون كاملا … و الأخذ لا يحتاج إلي مثل هذه المدة، و بعد خروجه من بغداد ظهرت مواهبه، و ذاع علمه … نشر ما عرف، و أذاع ما علم، و توسع في المعرفة …

و ترجمته مبسوطة في مدونات عديدة.

46 حوادث سنة 818 ه- 1415 م

47 محمد شاه صاحب بغداد:

في ربيع الآخر من هذه السنة توجه محمد شاه بن قرا يوسف صاحب بغداد إلي سيس فحاصرها. و هنا نري الشقة بعيدة، و التواريخ لم تفصل هذا الحادث. و سيس من مضافات أدنة و كانت بلاد سيس تعرف بهذا البلد و هي أرمنية الصغري … و فصل القول عنها في تاريخ جهانكشاي جويني في حواشي الأستاذ القزويني.

48 إمرة العرب:

في هذه السنة صرف حسين بن نعير عن إمرة العرب، و استقر حديثة ابن سيف في إمرة آل فضل، فوقع بينهما حرب أدي إلي أن يغلب حديثة خصمه، و قتل الأمير حسين في المعركة … و في شعبان هذه السنة اصلح سلطان مصر بين حديثة و بين غنام بن زامل و حلفهما علي الطاعة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 45

و هؤلاء أصحاب نفوذ كبير علي العشائر الطائية في العراق و لهم سلطة مباشرة علي عشائر سورية … و قد ذكرنا أمراء هذه القبيلة و صلتهم بالعراق …

49 حوادث سنة 819 ه- 1416 م

50 قتلة السلطان محمود:

في هذه السنة قتل السلطان محمود بن شاه ولد بتدبير من دوندي سلطان فوليت الإدارة مستقلة في أنحاء تستر … و كان أقيم معها في السلطنة و دامت مدته نحو خمس سنوات، و قد مرت الإشارة إلي ذلك.

51 الطاعون:

في هذه السنة انتشر الطاعون في العراق، و لم تسلم منه حتي الموصل، و كان عاما في بلاد كثيرة كفارس و مصر … و تواتر في الأطراف، و كادت البلدان تخلو من أهليها … فجر علي القطر ويلات، كما أن الحروب المتواترة لم يهدأ ثائرها …

52 وفيات
53 1- الزين الواسطي:

هو علي بن محمد بن يعيش المعروف بالزين الواسطي، كان قد ولد في شعبان سنة 755 ه- 1354 م، و سمع علي البدر عبد الجبار بن المجد محدث واسط العراق و فقيهها، و علي العلاء بن التقي الواسطي،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 46

و أبي العباس أحمد بن معمر البكري القرشي … ثم طوف في البلاد، و وصفه الطاووسي بالعالم الزاهد. توفي بعد سنة 819 ه.

54 حوادث سنة 820 ه- 1417 م

55 البصرة- واسط:

جاء في تاريخ الجنابي أن دوندي سلطان ملكت في هذه السنة البصرة، انتزعتها من مانع أمير العرب بعد حروب … و كان مانع هذا قد انتزعها من الجلايرية في إمارة السلطان أحمد بن أويس، و لكن قوي أمر دوندي، فانضم إليها عموم عسكر السلطان أحمد، ثم ملكت واسطا، و صار يخطب لها في مملكتها، و تضرب السكة باسمها إلي أن ماتت سنة 822 ه …

و في المنهل الصافي: «بعد أن فرت تندو (دوندي) من بغداد أقامت بششتر فأقيم معها في السلطنة السلطان محمود بن شاه ولد مدة، فدبرت عليه تندو فقتلته بعد خمس سنين، و انفردت بمملكة ششتر، ثم ملكت البصرة بعد حروب، و ماتت بعد انفرادها بثلاث سنين. فأقيم ابنها أويس بن شاه ولد مقامها» و النصوص لا تعين إمارة البصرة من أيام السلطان أحمد إلي اليوم، و لكننا نري الأعلام متقاربة مع أسماء أمراء المنتفق، و أن مانعا المذكور هو مانع الأول أمير المنتفق علي أقوي احتمال …

و جاء في صبح الأعشي ترتيب المكاتبات لأمراء العرب في الأحساء و البصرة … نقل ذلك عن (التثقيف) و لم يعين أمراء البصرة، و لا أسماء حكام البحرين … و لكن الشرفاء لم ينفكوا عن العراق من

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 3، ص: 47

أيام الجلايرية، و لا تزال البصرة بأيديهم حتي انتزعتها دوندي، ثم عادت الإدارة، و كانت بين قوة و ضعف …

56 حوادث سنة 821 ه- 1418 م

57 قرا يوسف في بغداد:

بلغ قرا يوسف أن ولده محمد شاه عصي عليه ببغداد فتوجه إليه و حصره و استصفي أمواله، و عاد إلي تبريز. و في أنباء الغمر «أشيع أن قرا يوسف حاصر ولده محمد شاه ببغداد و استصفي أمواله، ثم تبين كذب ذلك و أن قرا يوسف كان قد تهيأ للمسير إلي البلاد الشامية فشغله عنها حركة شاه رخ بن تيمور. لم يتردد المؤرخون في نقل الخبر و أن صاحب الأنباء أيد و قوعه في موطن آخر في حوادث سنة 823 ه و غالب ما نري أحوالا كهذه تتأتي من جهة الضنك الذي يصيب الأهلين، فلا يعودون يؤدون للحكومة ما تطلب من ضرائب أو ما تريد من أموال فيعتذر الوالي لما يري من سوء الحالة فيظن أن ذلك عصيان منه …

58 أقطاب الحروفية- نسيمي
59 قتلة نسيمي البغدادي:

غالب المؤرخين ذكروا أن نسيمي الشاعر صاحب النحلة المعروفة ب (الحروفية) قد قتل في هذه السنة، و بعضهم بين أنه قتل سنة 837 ه، و كان من دعاة الأبطان و من صناديد الحروفية، جلب الأنظار إليه، و صار يعد أعظم خلف لفضل اللّه الحروفي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 48

زاد خطره، و ذاع صيته، و كثر دعاته، و صار يخشي من توسع نحلته، و تدعمها النزعة الشعرية، و الإذاعة القوية … مما دعا لمحاكمته، و تحقق خروجه عن عقائد المسلمين بما بثه من غلو …

كان قد مر الكلام علي أستاذه فضل اللّه و أما هو فقد اشتهر أكثر، و نال مكانة رفيعة بين القائلين بهذه الطريقة، و حصل علي ما لم يحصل عليه سابقه بل كاد يقضي علي نحلته لولاه. فقد جاهر بما تخوف منه فضل اللّه، و ديوان شعره انتشر بين رجال هذه الطائفة

انتشارا كبيرا و صار يتغني به فأثر ببلاغته و أسلوبه الأدبي السحار … و له ديوان تركي لا يقل بلاغة عن الشعر الفارسي، و أما شعره العربي فليس بشي ء بالنظر لبلاغته الفارسية و التركية …

قال في الشذرات: «قتل الشيخ نسيم الدين التبريزي نزيل حلب و هو (شيخ الحروفية) سكن حلب، و كثر أتباعه، و شاعت هناك بدعته، فآل أمره إلي أن أمر السلطان بقتله، فضربت عنقه، و سلخ جلده، و صلب» ا ه.

و زاد ابن حجر: «… وقع لبعض أتباعه كائنة في سلطنة الأشرف، و أحرقت كتابا كان معه، فيه هذا الاعتقاد، و أردت تأديبه، فحلف أنه لا يعرف ما فيه، و أنه وجد مع شخص، فظن أن فيه شيئا من الرقائق، فأطلق بعد أن تبرأ مما في الكتاب و تشهد، و التزم أحكام الإسلام» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 49

و المترجم بين محب مفرط، و كاره مبغض، و لا يزال الشك حائما حول نسبته و نشأته و حقيقة اسمه و وطنه كما وقع اللبس في أمر معتقده، و الغالب أن العجم يدعون أنه منهم، و يعدونه من أكابر رجال الصوفية و مقدميهم، و ينددون بمن يقع فيه، و يحتجون علي قتله، و يعتذرون لما صدر عنه من رباعيات و قصائد و لا ينكرونها … و أصله من بغداد، من تلامذة فضل اللّه الحروفي، و هو من التركمان المنبثين في العراق و أطرافها …

كان من الباطنية، و آثاره تدل علي ذلك، و لم يتغير فيه رأينا.

و المدح و الإطراء مبناهما الدعوة له، و الدعاية لفكرته، أو التنويه بقوة أسلوبه في اللغتين التركية و الفارسية … يحاول صرف معاني القرآن عما يفهم لغة

ليحول النظم إلي مزايا الحروف، كأنه كتاب جفر، أو طلسمات و ألغاز … مما لا يحتمله منطوق الآيات، و لا يدعمه دليل التأويل …

و هؤلاء يتحاملون علي علماء الشريعة، و ينبزونهم ب (أهل الرسوم)، و (أهل الظاهر)، و (القشرية) … و شنعوا علي (ميران شاه بن تيمور لنك) بسبب قتله (فضل اللّه الحروفي) و نعتوه ب (ماران شاه)، و ب (الدجال).

قال في (تذكرة المحققين) الموسومة (برياض العارفين):

«نسيمي الشيرازي اسمه السيد عماد الدين، من السادة رفيعي الدرجات، و من محققي العصر، أخذ عن السيد شاه فضل، المتخلص ب (نعيمي)، تخرج عليه، و استشهد سنة 837 ه. و علي قول بعضهم إنه قتل في حلب، و آخرون قالوا إن مرقده خارج زرقان من شيراز، شوهد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 50

ديوانه في ثلاثة آلاف بيت» ا ه.

و أورد بعض غزلياته و رباعياته … و فيها الغالية، فلم يبال بها و ينتصر له، فكأنه لا يفهم معناها … و هكذا ترجم أستاذه فضل اللّه، و عده عارفا محققا و كشافا للمعضلات …

نعت نسيمي ب (البغدادي) في غالب المؤلفات، و منهم من قال نسيم قرية ببغداد نسب إليها و ليس بصواب و المعروف أنه لازم فضل للّه الحروفي ببغداد …

و المتصوفة الغلاة يعدونه من أساطينهم، و المسلمون يقولون بغلوه … و سبب قتله مجاهرته بما يخالف النصوص القطعية … و الرأي العام كان قد تهيج علي أمثال هؤلاء، فلا يكتفي منهم بغير القتل …

اعتمدوا في تقوية نحلتهم علي الباطنية و هم منهم ليخرجوا بالإسلام عن مزاياه التبليغية، و فككوا نظمه، و اعتبروه حروفا للقضاء علي المقصود من معانيه بهذه البدعة و قد سبق أن تكلمت علي ذلك …

فطاردهم المسلمون، و حكموا بكفرهم …

و هؤلاء توغلوا، فأذاعوا نحلتهم من طريق التصوف، و تزيوا بأزياء مختلفة للتعمية، و هم من أصحاب (وحدة الوجود)، و (الاتحاد)، و (الحلول)، و (التناسخ) … أو قل عقيدتهم (عبادة أشخاص)، و البكتاشية من أكبر المعتنقين لمقالة الحروفية، و كانوا أيام بكتاش ولي لا يعرفونها، و إنما أدخلها علي الأعلي من تلامذة فضل اللّه الحروفي.

رأينا في الكتب المعاصرة إطراء زائدا لأرباب هذه النحلة، و فيها النقل عينا من رياض العارفين لترجمة نسيمي و فضل اللّه، و في هذه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 51

الحالة لا يسعنا أن نعد اطراء مثل هؤلاء دعوة جديدة، و لا طريقة مبتكرة في التوجيه إلي هذه النحلة، و لكن ذلك قلة معرفة، و التتبع العميق يؤدي بنا حتما إلي أن رجال هذه الدعوة غلاة، و أنهم لا تزال عقائدهم مبثوثة بين ظهرانينا …

و لا يعنينا أن يعتقد المرء ما شاء، و لكن الذي نلاحظه من شؤون هؤلاء أن ندون الصحيح من تاريخ العقيدة، و أن نعلم ما تكتموا به، فلا تهمل الوجهة التاريخية، و أثرها …

و نسيمي لا يشق له غبار في الآداب التركية و الفارسية، تداولت الألسن ديوانه و مقطوعات شعره، و غالب العجم و الترك من أهل نحلته القائلين بالحروفية يحفظون له الكثير و الحق هو شاعر فحل …، أعلن ما لم يستطع أن يبوح به غيره، فأبدي شجاعة أدبية لما وهب من شعر …

رأينا فضل اللّه قد خذل، و كادت طريقته تموت لو لا أن تداركها نسيمي بنظمه و شعره الرقيق، فجددها و أحياها … جعل الفارسية و التركية و اسطتي تبليغه فمال إليه المتصوفة … و ما زال يذيع آراءه

حتي عادت خطرا، صار يخشي منها أن تحدث اضطرابا و ثورة، أو انقلابا في العقائد بحيث يصبح الإسلام لا علاقة له بأصله، و لا بتعاليم مشرعه …

و تلخص نحلة هؤلاء بعبادة الأشخاص بل ترجع إلي ما هو أوسع كالاعتقاد بأن المادة هي الأول و الآخر … فاستكبر القوم عمله، و صار لا يطاق تبليغ فكرته و الشعر أعلق بالذهن، فكان أشد وقعا … و لم يكن الناس في عقلية واحدة من خداع الكثيرين مما جلب النقمة عليه …

نقرأ الشعر البليغ، فنطرب له و إن كان خلاف ما نحن عليه من سلوك … و هذا أمر وقتي، و رغبة آنية، أو لذة في الأسلوب، كما ترتاح للغزل، أو الهزل، أو وصف الخمرة و لا تلبث أن تزول ذكري ذلك …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 52

و لكن هذا صادر من صاحب نحلة، يكرر دوما ما أراد، و يراعي أساليب متنوعة … بقصد استهواء السامع و استدراجه. و المقياس العلمي يختلف عن طريقة التلقين و التعليم …

و قد ترجمه أعوانه و أرباب نحلته قائلين:

«هو المضحي المجازف في مضمار العشق، و الشيخ المقلد، و الفدائي العظيم في كعبة الحب، أسوة السادات، السيد نسيمي قدس سره العزيز، كان من السادة الصحيحي النسب، و من الأولياء الذين لا ريب في ولايتهم، و يلقب بنسيمي لأنه ينتسب إلي ناحية نسيم في الديار البغدادية، و أصل اسمه عماد الدين، و هو من طائفة الملامية، من رؤسائهم، و الهادين لطريقتهم، اشتهر بشعره التركي في أول أمره ببلاد الروم، و ذهب إلي هناك أيام السلطان مراد خان الغازي، و له ديوان في كل لغة من اللغات الثلاث، و كان صاحب عرفان جم في

أسرار اللّه يغبط عليه، و هو من خلفاء فضل اللّه الحروفي، و من أكابر مريديه.

و الاثنان جعلا سلوكهما سائرا علي طريقة الحروف، و يريان الاثنين و الثلاثين حرفا متمثلة في شكل الإنسان و هذا المطلع مما يشير إلي الحروف:

يوزك مصحفدر أي روح مصور تعالي شأنه اللّه أكبر

و جاء في مناقب الواصلين أن السيد نسيمي لم يكن حروفيا، و إنما كان عالما بها و واقفا علي أسرارها، و لم يكن في أوائل أمره عارفا بمقامه، و لا دري أنه وصل إلي توحيد الذات، و لا علم أنه ممن فني في اللّه …!

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 53

و في آخر عمره وصل إلي عالم الغيب، و أدركته الجذبة، و اتصلت به أنوارها فلم يعد يدرك نفسه بل غاب عنها مدة، و تجرع شربة العشق، فلم تسغها حوصلته فأفشي الأسرار الواجبة الكتم، و أظهرها … ذلك ما دعا أن يقول:

هجوم ايتسه محبة بحر آسا صيغارمي برداغه أمواج دريا

و هذا البيت من أبيات كانت قد دعت إلي قتله … و يصطلح علي هذا عند المشايخ ب (قرب الفرائض)، و هو المقام الذي ينسي المرء فيه نفسه، و يري بعين معشوقه و تمثل في الخارج بقطرة تصل إلي البحر فتضمحل فيه … و من نظر إلي ظاهر ذلك رآه كفرا و لكن أرباب السرائر يعدونه إيمانا كاملا، و أهل الظاهر يسمونه كفرا أو (مقام الكفر) أو القريب منه.

فإذا كانت هذه الجذبة كاذبة- و العياذ باللّه- و لم يكن قد وصل المرء إليها، بل قلد فيها، و قالها بلا تحقيق فهو كافر …

أي مقلد أهل تحقيقه ايرش تقليدي قو أهل تقليدك بلورسن أولماز إيماني صحيح

و قد نهاه أخوه (شاه

خندان)، و كان من المشفقين عليه، و دعاه أن لا يفشي السر فأجابه:

درياي محيط جوشه كلدي كونيله مكان خروشه كلدي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 54

سرازل أولدي آشكارا عارف نحه أيلسون مدارا

يرگوگ آراسي حق اولدي مطلق سويلردف و چنك و ني أنا الحق

و من ثم أفتي أئمة العرب بقتله لمخالفة كلامه للشرع الشريف …

و سلخوا جلده، و كانوا قد نظروا إلي ظاهر كلامه فطبقوا عليه أحكام الشريعة … و كان مطمح نظرهم ظواهره، فلم يلتفتوا إلي السرائر …! و من أراد الاطلاع علي أسرار سلوك هذا الرجل فلينظر إلي ما دونه في مقطوعاته الشعرية، و رباعياته، و لينعم فيها البصر، ليقف علي معارفه و عوارفه، و حقيقة سلوكه، و إلا فالمرء إذا كان بعيدا عن حقيقة ذلك فمن الملحوظ أنه يحمل صوابه علي الخطأ، و يقع الناس في ثلبه و قدحه، و توجه عليه اللائمة و يرمي بسوء الظن … و علي كل حال إن الظاهر دليل الباطن، و اللسان ترجمان القلب» ا ه.

و هذه الترجمة كتبت باللغة التركية نقلتها من مجموعة مخطوطة عندي، مملوءة بأنواع الغلو، له و لأمثاله، و هناك جملة أشعار فارسية.

و أوسع ترجمة رأيناها له في (عثمانلي مؤلفلري)، و سماه السيد عمر عماد الدين المعروف بنسيمي، و نقل عن عاشق چلبي أنه تركي من آمد، قال و كان من العشاق، و آثاره الشعرية التركية لها قيمتها الأدبية، فإنه قد كسا اللغة التركية ثوبا قشيبا … و ديوانه فيها مطبوع، و له ديوان فارسي (عندي نسخ خطية منه)، و النسخة الخطية الكاملة في المكتبة العامة ببايزيد في استانبول. و من ديوانه نسخة بخط سلطان أحمد الهروي نفيسة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 3، ص: 55

محفوظة في مكتبة أيا صوفيا، و في هذه أكثر أشعاره الفارسية، و يقال إن نسخة من ديوانه التركي المكتوب بخطه موجودة في (مكتبة جنة زاده) في أرزن الروم.

كان يميل إلي شطحيات المتصوفة، و من جراء ذلك صلب في حلب سنة 820 ه و من أشعاره الفارسية يستبان أنه سلك نهج فضل اللّه الحروفي مما دعا إلي القيل و القال، و لكن شارح المثنوي صاري عبد اللّه يقول في أثره المسمي (ثمرات الفؤاد) بأنه من أهل العرفان.

و المنقول أنه ذهب إلي الأناضول، و وصل إلي بروسة في عهد خداوندكار الغازي (السلطان مراد) و هو من أهل نصيبين، و من أبياته العشقية:

منصور كبي هپ جوشه كلير سويلر أنا الحق هر عاشق صادق كه بوميخانه يه أوغرار

و أورد صاحب عثمانلي مؤلفلري جملة من أشعاره الفارسية أيضا، و أن (شاه نعمة اللّه ولي) بحث عن طريقته في كتابه «مناقب الواصلين» و أشار إلي أنه عارف بالحروف و في كنه الأخبار إيضاحات دقيقة عنه.

و هنا نشير أن محيي الدين ابن عربي في فتوحاته تكلم علي الحروف و سماها «الحروف العاليات»، و فيها يؤكد عقيدة هؤلاء.. و في (بهترين أشعار) جملة من الأبيات و المقطوعات و أشعاره معروفة في مجاميع عديدة …

و لا يهمنا أن نذكر كل ما قيل فيه من مدح و ثناء من رجال التصوف أمثاله، و نقول إذا كانت أقوال المرء دليل معرفته، أو ظاهرة من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 56

ظواهر عقيدته و سلوكه فقد نطق بما أوجب قتله … و الاعتذار له، أو انتحال التوجيه أمر غير صحيح. فإذا كانت حرية العقيدة مقررة فما هذا التكتم؟ و ما هذا التخفي؟ ليجاهر كل بما

عنده، ليتبين الصواب من الخطأ..! لأن المعرفة لا تستدعي القبول و التسليم.. و لا سبب لتخفي أمثال هؤلاء إلا ضعف الدليل، و تحقق ظهور البطلان، و الخذلان التام من جهة أن عقيدتهم لا تقوي علي مناقشة.

نعلم أن الإسلام جاء بالمجاهرة، و لم يأت برموز و إشارات خفية، و لغته واضحة خاطب العقول، و أورد الأدلة، و صرح علي رؤوس الأشهاد بما لديه … و منذ أمد لم يحاسب أحد علي عقيدة، و لا علي إلحاد …

و نري العقيدة الحقة سائدة لم تتزعزع، و لم يطرأ عليها خلل، كان و لا يزال القرآن الكريم يبطل كل سر، و هو ظاهر علي الكل بنصوع حجته …

نعت هؤلاء غيرهم بالجهال، و المقلدة، و أهل الرسوم، و ظنوا أنهم أدركوا الحقيقة.. فلم يتقنوا إلا سب العلماء و نبزهم، و التهويل بما عندهم. فيود السامع أن يعرف ما عندهم، و لكنه لا يلبث أن يري هذه الأقوال فارغة، يكررها المبتدعة في أكثر الأحيان …

يقول هؤلاء بعبادة الأشخاص، و تلخص مطالبهم العملية:

1- في العشق، بحيث ينسي المرء نفسه، و يرددون ذكر ذلك، و يبدون محاسن المحبوب، و وصف خده وقده، و سائر زينته من حاجب و زلف، و مجالس شرب، و تردد إلي الحانة … فيعدون ذلك الموصل إلي الغرض، فيتمرنون علي التمتع بالملاذ، فلا شأن لهم غير ذلك، و لا هم لهم إلا أن تنجلي في المحبوب صفات الجمال، فيعدونه (مظهر التجلي) أو (محل الظهور) … و من حاز هذه الأوصاف فهو المعبود عندهم … منهمكون بالخمرة، يعتبرونها روح الحياة فهم عبادها أو عشاقها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 57

و الخيال يغلب علي هؤلاء، تلعب بلبهم الأهواء، فلا

يطربون لغير الملاهي، و لا يرغبون لأمر سوي الأنس و التمتع بالملاذ …

2- رفع التكاليف: تأمينا لهذه الرغبة، و تطمينا للأهواء لقنوا فكرة رفع التكاليف، يقولون نريد صفاء الباطن، و يرتكبون الموبقات، أو لا يبالون بها، و يرون التكاليف عدوة للباطن بل يعتبرونها عثرة في سبيل الموبقات … و كأن طهارة الباطن لا يتيسر الجمع بينها و بين الظاهر، أو أن الشريعة إذا أمرت بالعمل الصالح تريد الظواهر، و لا يودون أن يلتفتوا إلي آية وَ نَهَي النَّفْسَ عَنِ الْهَوي يقولون بتطهير القلب و لا يبالون بانتهاك الحرمات …! فهم الإباحية حقا، و قدوتهم خيام و أبو نواس …

3- التأويل و التحريف: صرف هؤلاء معاني القرآن إلي مزاعم يقصدون بها إبطال أحكامه أو كما يقال رفع التكاليف، فجاؤوا برموز حرفية، أو معادلات جبرية ليستغنوا بها عن العلاقة باللغة، و الاتصال بالمعني، فلم يقولوا الفروض المشروعة ذلك ما دعا صاحب كشف الظنون أن يقول عن نسيمي (قتل بسيف الشرع) و سنعود للبحث عند الكلام علي الآخرين منهم في العراق …

60 حوادث سنة 822 ه- 1419 م

61 دوندي:

و هذه بنت السلطان حسين الجلايري، كانت بارعة الجمال، ذهبت إلي مصر مع عمها السلطان أحمد فتزوجها الملك الظاهر برقوق، ثم فارقها فتزوجها ابن عمها شاه ولد ابن الشيخ علي بن أويس، فلما مات السلطان أحمد أقيم شاه ولد مكانه، فدبرت مملكته حتي قتل، و أقيمت هي بعده في السلطنة، فحاصرها محمد شاه بن قرا يوسف في بغداد لمدة سنة، فخرجت في الدولة حتي صارت إلي واسط، و ملكت تستر،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 58

و أقاموا معها محمود شاه بن شاه ولد، فدبرت عليه أيضا فقتل، لأنه كان ابن غيرها، و استقلت بالمملكة …

و

في الغياثي أنه خلفه أخوه أويس سنة 822 ه، و في الجنابي سنة 819 ه.

أما دوندي فإنها في سنة 819 ه قد استقلت ثم غلبت العرب بالبصرة، و صار في ملكها الحويزة و واسط، و يدعي لها علي منابرها و تضرب السكة باسمها إلي أن ماتت في هذه السنة و قام بعدها ابنها أويس بن شاه ولد، و تحارب هذا و أخاه محمدا (حاكم البصرة) مدة ثم سار إلي بغداد بعد شاه محمد بن قرا يوسف فقتل في الحرب بعد سبع سنين من ولايته …

هذا. و عندنا التسمية بها معروفة إلي الآن في بغداد باسم (دندي) …

62 وفيات
63 1- ابن الكويك التكريتي:

في هذه السنة توفي شرف الدين أبو طاهر محمد بن عز الدين أبي اليمن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد المعروف ب (ابن الكويك) الربعي التكريتي، ثم الاسكندري نزيل القاهرة الشافعي، و قد قرأ عليه جماعة هناك، و كان شيخا دينا، ساكنا … من بيت رياسة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 59

64 حوادث سنة 823 ه- 1420 م

65 شاه رخ- قرا يوسف (وفاته)

في هذه السنة قصد شاه رخ حرب الأمير قرا يوسف، فلما سمع هذا وافي لملاقاته، و استعد الفريقان للنضال، و كان آنئذ الأمير قرا يوسف في أوجان. و في يوم الخميس 7 ذي القعدة وجد ميتا موتا عاديا، شوهد مطروحا علي الأرض، ففر من كان معه، و انتهب التركمان أمواله و خزائنه حتي لم يبقوا علي جسده لباسا … و لم يكن أحد من أولاده حاضرا، و نهبوا خيمته و تركوه في العراء، و بعضهم قطع أذنه لأخذ قرط فيها … و بينا هو علي هذه الحالة إذ جاءه الاختاجية فنقلوه إلي أرجيش حيث دفن في مقبرة آبائه و أجداده.

و في جامع الدول:

«يحكي أن شاه رخ لما توجه إلي قرا يوسف أمر القراء فقرأوا سورة الفتح اثني عشر ألف مرة، فتم الفتح بلا جدال ببركة القرآن العظيم …» ا ه.

و مثل هذه الرواية في كلشن خلفا.

و هذا غير مستبعد من عقلية القوم، جعلوا القرآن العظيم (تعاويذ) و (طلسمات) أو (مجموعة رقي) و أبطلوا الغاية الأصلية منه و هي الإرشاد و الهداية، فأكسبوه شكلا ماديا. فإذا قال فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ ظنوه طبيبا لأبدانهم …!!

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 60

66 ترجمة الأمير قرا يوسف:

مضي بعض ما قام به من الأعمال الحربية و السياسية.. و أهم ما فيها سعيه الحثيث لتوسيع نطاق سلطنته، كان في نضال مع المجاورين و دخل في معارك و بيلة … دامت مدة سلطنته نحو 14 سنة اعتبارا من تاريخ استيلائه علي تبريز، و توفي عن عمر يناهز 65 عاما، و كان شجاعا موفقا في حروبه، لم يجمع في خزانته مالا كبيرا فهو سخي يبذل ما لديه لأنه في أيام تأسيس دولته.. أعلن أولا سلطنة

ابنه پير بوداق، و هذا توفي قبله، و له من الأولاد (الأمير اسكندر)، و (ميرزا جهان شاه)، و (الأمير شاه محمد)، و (الأمير اسپان)، و (الأمير أبو سعيد) و من هؤلاء شاه محمد تخلصت له حكومة بغداد و استقل بإدارتها إلي أن هزمه أخوه الأمير أسپان.

و جاء في الأنباء عن المترجم بما نصه:

«كان في أول أمره من التركمان الرحالة، فتنقلت به الأحوال إلي أن استولي بعد اللنك علي عراق العرب و العجم، و ملك تبريز و بغداد و ماردين و غيرها، و اتسعت مملكته حتي كان يركب في أربعين ألف نفس و كان نشأ مع والده، و تغلب علي الموصل، ثم ملكها بعده. و كان ينتمي إلي أحمد بن أويس، و تزوج أحمد أخته، و كان يكاتب صاحب مصر و أبوه ينجد أحمد بن أويس في مهماته، ثم وقع بينهما (و هكذا مضي في ذكر وقائعه مما مر الكلام عليه إلي أن قال:) مات في ذي القعدة سنة 823 ه و قام من بعده ابنه اسكندر بتبريز، و استمر محمد شاه ببغداد.

و كان قرا يوسف شديد الظلم، قاسي القلب، لا يتمسك بدين و اشتهر عنه أن في عصمته أربعين امرأة، و قد خربت في أيامه و أيام أولاده مملكة العراقين..» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 61

و الأوصاف الأخيرة من الظلم و القسوة، و عدم التمسك بدين ذكرها مؤرخون عديدون …

67 قال في المنهل الصافي:

«… عاد إلي تبريز في جمادي الأولي سنة 823 ه فمرض بها و مات في 4 ذي القعدة.. و أراح اللّه الناس منه، نسأل اللّه أن يلحق به من بقي من ذريته، فإنه هو و أولاده الزنادقة الكفرة كانوا سببا لخراب بغداد

و غيرها من العراق و هم شر عصبة، لا زالت الفتن في أيامهم ثائرة، و الحروب قائمة إلي يومنا هذا، و طالت مدتهم بتلك البلاد التي كانت كرسي الإسلام، و منبع العلم و مدفن الأئمة الأعلام، و قد بقي إلي الآن من أولاده جهان شاه بن قرا يوسف صاحب تبريز و غيرها، و الناس علي وجل لكونه من هذه السلالة الخبيثة، النجسة فاللّه يأخذه من حيث يأمن …» ا ه.

68 قرا يوسف- زوجته:

و جاء في جامع الدول أنه «كان شجاعا مقداما» جرت بينه و بين عسكر الأمير تيمور عدة معارك و حروب، فاستولي علي عراق العرب، و أخرج منه صاحبه السلطان أحمد الجلايري … و لما هرب من تيمور ثانية قبض عليه و علي السلطان أحمد في دمشق و حبسا … و كان أمير أمرائه پير عمر بيك يحصل شيئا من سقاية الماء فيصرفه في مؤنة صاحبه قرا يوسف و السلطان، ثم انتسب پير عمر إلي خدمة الأمير شيخي نائب دمشق … و في أثناء ذلك بلغ نائب دمشق أن زوجة قرا يوسف معها قطعة من اللعل لا يملكها أحد من الملوك، فطلبها منها فأنكرتها، فأمر النائب المذكور بعقابها فقالت سرا للأمير پير عمر بيك أن اللعل معي بين خلال شعري، فأوصلها بعد هلاكي إلي زوجي، ثم أمرها زوجها قرا يوسف بدفعها إلي النائب المذكور و تخليص نفسها من العقاب ففعلت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 62

و تخلصت، فولد لقرا يوسف جهان شاه في مدرسة ماردين لأنه هرب من دمشق، و وصل إلي ماردين فأكرمه صاحبه للحقوق السابقة بينهما. و لما عاد تيمور من الروم ولي العراق لحفيده ميرزا أبي بكر بن ميرانشاه و أرسله إلي

بغداد و أمده بحفيده الآخر ميرزا رستم بن عمر شيخ، فساروا و قاتلوا قرا يوسف قرب الحلة، و قتلوا أخاه يار علي بن قرا محمد، فانهزم قرا يوسف منهم فهرب إلي مصر قبض عليه و علي السلطان أحمد.. بأمر الأمير تيمور و حبسهما فولد لقرا يوسف في المحبس ولد سماه پير بوداق، فتبناه الجلايري، و بقيا في الحبس إلي أن وصل خبر وفاة الأمير تيمور إلي صاحب مصر فأطلقهما … (و قد فصل حوادثه بعد ذلك و قال:) فاستولي قرا يوسف علي جميع أذربيجان، و اجلس ابنه پير بوداق علي سرير من ذهب، و جعله سلطانا و خطب له لأجل أن السلطان أحمد كان قد تبناه، و كان قرا يوسف يقوم بين يديه … و لا يجلس بدون الإذن و الإشارة منه، و أمر أن يكتب علي الفرامين و المناشير بهذه العبارة (پير بوداق يرلغندين أبي النصر يوسف بهادر نويان سوزميز) …

(ثم ذكر وقائعه مع السلطان أحمد و خارج العراق و قال) و توفي في أوجان يوم الخميس 7 ذي الحجة سنة 823 ه … و كان عمره (65) سنة و مدة سلطنته 14 سنة و أياما. و كان شجاعا مقداما، مظفرا في حروبه، جوادا، لا يجتمع في خزانته أموال قط لفرط جوده و بذله …» ا ه. و فيه يشاهد أن تاريخ الوفاة مختلف فيه … و هنا قصة زوجته مما تلفت الأنظار فقد تفادت له، و أبدت أخلاقا عالية في سبيل نفعه و لو بتقديم حياتها في مرضاته … كما أن التنديد به من جراء ما وقع من حروب و انتهاك حرمات فذلك شأن كافة الملوك و الأمراء آنئذ … و لعل السبب

في توجيه النقد عليه من جراء أنه و أمثاله من التركمان قد ازعجوا مواطنهم، و الأقطار المجاورة بما أحدثوه من زعازع و حروب و كل واحد منهم يأمل أن يكون هلاكو أو تيمور …! فكان ضررهم أكبر من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 63

أولئك، فلم تقف أمورهم علي حرب فيذهب البؤس بعدها.. تتكرر كل حين و الناس في اضطراب و ارتباك … كل يوم فزع و تشوش …! و إلا فالمؤرخون الآخرون يرون أوضاعه اعتيادية كأمراء زمانه …

قال في أحسن التواريخ: «كان موصوفا بالعدل و الإنصاف، و بالكرم و الرأفة و بمكارم الأخلاق و يمتاز بنعوت كثيرة، و خصال عديدة، و كان في كافة أوامره و نواهيه يراعي خوف اللّه … و الناس في هذه الحالة علي دين ملوكهم، سلكوا نهجه … و دأبه الوقيعة بالظالمين، و رعاية المظلومين، و سعيه مصروف لتكثير الزراعة، و استمالة الزراع، و له خيرات و مبرات، و انعامات علي الجيش، ديدنه تحسين حالة الموقوفات و قاعدته من عدل ملك و من ظلم هلك. و له حروب كبيرة …» ا ه.

و قال العيني: «كان من جملة التراكمة الرحالة في بلاد المشرق، فترقت به الأحوال إلي أن ملك تبريز و بلادها، و بغداد و ماردين و غير ذلك …» ا ه.

و له ترجمة في الضوء اللامع و لا نري ضرورة لا ستنطاق مؤرخين عديدين … و هذا يكفي للتعرف، و المتضرر يتكلم بما مر من النقد و الذم، و المشاهد ينطق بما ذكر من المدح … و الكل صادق فيما بين، و الرجل قد ضر و نفع، و قتل و أحيا … أو جمع بين النقيضين … و ما جري

ما جري إلا لأن القوات متوازنة بين الأمراء المعاصرين و لم يطفح كيل أحدهم ليتمكن و يعيش الأقوام براحة … و بوفاته تفرق أولاده، و انحلت المملكة، و كاد يقضي عليها لو لا أن تداركها خلفه الأمير اسكندر …

و التفاوت في نعته بالظلم و القسوة، و العدل و الرأفة كبير. و الكل متفق علي أنه شجاع جواد … و يعد من الأعاظم لو لا أن المجال ضيق، و الحكومات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 64

النقوش علي باب الطلسم- عن دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 65

المجاورة لم تذعن له و أبدت عين ما أبداه و قابلت شدته بمثلها …

69 ملحوظة:

كاتب ديوانه (أبو يزيد). و هذا كان قد تدرب به يعقوب شاه بن أوسطا علي الأرزنجاني و كان ابن أخ زوجته … انتقل يعقوب شاه مع عمته إلي الديار المصرية و كان يعرف ألسنة عديدة، و تقدم بمصر …

70 حوادث سنة 824 ه- 1421 م

71 سلطنة الأمير اسكندر:

كانت وفاة قرا يوسف قد ولدت ارتباكا و انحلالا، فدهش القوم لموته، و تفرقوا أيادي سبأ … و من ثم توجه شاه رخ إلي تبريز للاستيلاء عليها بلا مانع و لا صاد. أما أسپان فقد ذهب إلي بغداد، و كذا جهان شاه. و مضي أبو سعيد إلي جصان. أما الأمير اسكندر فقد كان من الشجعان المشهورين، لم يبلغ مرتبته أحد من رجال طائفته، فلم يستكن، اجتمع إليه إثر وفاة والده أكثر أصحابه، و ولوه عليهم بكركوك و حينئذ ذهب إلي شاه رخ، و قاتله يوم الاثنين 27 رجب هذه السنة. (و في الغياثي كان ذلك سنة 825 ه) في موضع يقال له (يخشي) من حدود اشكرد (و في الغياثي بأوج كليسا)، دامت الحرب بينهما يومين كاملين و قتل من الطرفين خلق كثير. و في اليوم الثالث انهزم الأمير اسكندر إلي جهة الفرات، و من هناك حول عزمه إلي أنحاء ماردين حذرا من هجوم عثمان بيك، فسار هذا لقتاله، و صار معه كوكجه موسي مع قوم (دكر) في حين أن أخته كانت تحت الأمير اسكندر. و لما التقي الجمعان قرب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 66

ماردين شاهد كوكجه كثرة جيوش الأمير اسكندر، فانحرف من عثمان بيك و عاد إلي ناحية الأمير اسكندر و معه أصحابه من قوم دكر، فاستمر القتال نحو 25 يوما فعظم جمع اسكندر و ضعف جيش عثمان، و جرح في المعركة، و كاد

يؤسر لو لا أن أنقذه ولده علي بيك (والد حسن بيك الطويل)، فثبت حتي انتصر..

أما شاه فإنه بعد الفتح عاد إلي خراسان، و عند ذلك رجع الأمير اسكندر إلي دار ملكه تبريز، فجلس علي سرير حكمها، و استولي علي أذربيجان.. و من ثم ابتدت حوادث أيامه، و طالت الحروب بينه و بين شاه رخ و سائر المجاورين، و غالبها مما لا يخص العراق، فلا نتعرض لها إلا قليلا.

هذا و قد مكث جهان شاه و أسپان في بغداد إلا أن جهان شاه لم يطل مقامه فيها و إنما غادرها بعد مدة، فمضي إلي تبريز …

72 أحوال العراق:

من تاريخ الاستيلاء علي بغداد إلي هذه الأيام كانت الأمور ساكنة هادئة، و لم يكدر الصفو إلا ما جري بيانه من استصفاء أموال الوالي محمد شاه … و في خلال هذه المدة كان العراق مستقلا بإدارته، و ليس له علاقة مباشرة في المعمعات التي قام بها السلطان قرا يوسف و أولاده إلي أن توفي … و من ثم ثارت الفتن، و كثر الشغب علي محمد شاه … و كانت سلطة بغداد آنئذ لا تتجاوز بغداد و المواطن القريبة منها في غالب أحوالها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 67

73 السلطان أويس يهاجم بغداد:

في مستهل سنة 824 ه هاجم السلطان أويس بن شاه ولد الجلايري بغداد عازما علي اكتساحها، و كان قد ولي الإمارة في تستر (شوشتر) سنة 822 ه إثر وفاة أمه دوندي و لما سمع بوفاة الأمير قرا يوسف، طمع ببغداد، و سار إليها، فوصل إلي باب البلد، فضرب أصحابه الباب بالدبابيس. و شاه محمد بقي محاصرا لم يأذن بالحرب.

و كان ذلك في أواسط المحرم من هذه السنة …

و في هذه الأثناء توجه الأمير اسكندر إلي أنحاء العراق هربا من الجغتاي جيش (شاه رخ) فوصل إلي أطراف كركوك و اتفق ذلك مجي ء السلطان أويس، فلما علم بذلك خاف من الأمير اسكندر فرجع إلي ششتر.

و هناك نصوص أخري جاءت مؤيدة إلا أنه جاء في أحسن التواريخ أن الأمير جهان شاه سارع لنصرة أخيه شاه محمد، فوقعت حرب عظيمة بينه و بين أويس فألقي القبض عليه و قتله … و هذا ناشي ء من تداخل الوقائع … و القتل هنا ليس بصواب … ففي المنهل الصافي: «بعد وفاة تندو سنة 822 ه أقيم ابنها أويس بن شاه ولد فقتله

أصبهان في المعركة بعد سبع سنين من ولايته، فأقيم بعده أخوه السلطان محمد بن شاه ولد و بقي بتستر (شوشتر) ست سنين، و مات فملك بعده السلطان حسين …» ا ه.

و مثله جاء في الشذرات و في الضوء اللامع، فلا مجال لقبول حادث قتله في التاريخ المذكور.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 68

74 حوادث الحلة
75 بين خفاجة و ربيعة:

في هذا التاريخ وقعت الحرب بين قبائل ربيعة، فاستنجدوا بقبيلة خفاجة، و كان أميرها إذ ذاك عذرة (عذرا) … فوصل إلي الحلة، طمع فيها لما رأي فيها من أموال و خلوها من حاكم ذي شوكة و منعة …

فحاصرها و استولي عليها يوم السبت 17 المحرم سنة 824 ه فانتهبها و قتل منها جماعة و تساقط أهل البلد خوفا منه، و خرجوا إلي الجانب الآخر …

جري ذلك كله و الشاه محمد ببغداد لا يبدي حراكا …

76 ربيعة:

هذه القبيلة قديمة في العراق. قال ابن خلدون: «أما ربيعة فجازوا بلاد فارس و كرمان، فهم ينتجعون هنا لك ما بين كرمان و خراسان.

و بقيت بالعراق منهم طائفة ينزلون البطائح و السيب إلي الكوفة، و منهم بنو صياح (مياح) و معهم لفائف من الأوس و الخسرج، فأمير ربيعة اسمه الشيخ ولي، و علي الأوس و الخسرج طاهر بن خضر …» ا ه.

و لا تزال ربيعة تسكن العراق، و منها مياح، و السراي (السراج)، و بنو عمير، و تساكنها قبائل عدنانية أخري مثل كنانة و كعب. و إمارتها في (تغلب) و لا تزال محتفظة بنخوتها (تغالبة)، و أمير ربيعة اليوم محمد بن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 69

حبيب الأمير، و مواطنهم في لواء الكوت و في صدر الغراف …

77 قبيلة خفاجة:

من قبائل العراق القديمة، مواطنها في أنحاء المنتفق، في قضاء الشطرة و تفرق منها جماعات كبيرة، و صغيرة في جهات أخري كالحلة و كربلاء و بغداد و ديالي. قال ابن خلدون: «و كان من بني عقيل خفاجة بن عمر بن عقيل. انتقلوا إلي العراق، فأقاموا به، و ملكوا ضواحيه، و كانت لهم مقامات و ذكر، و هم أصحاب صولة و كثرة، و الآن هم ما بين دجلة و الفرات …» ا ه.

و جاء في السمعاني: «خفاجة اسم امرأة. هكذا ذكره لي أبو أربد الخفاجي في برية السماوة، ولد لها أولاد و كثروا، و هم يسكنون بنواحي الكوفة، و كان أبو أربد يقول: يركب منا علي الخيل أكثر من ثلاثين ألف فارس سوي الركبان و المشاة، لقيت منهم جماعة كثيرة، و صحبتهم.

و المشهور بالانتساب إليهم الشاعر المفلق أبو سعيد الخفاجي، و كان يسكن حلب، و شعره مما

يدخل الأذن بغير إذن» ا ه.

و يعدون الآن في عداد الأجود من قبائل المنتفق، و اليوم قبيلتهم قوية … لكنها لم تكن لها الرياسة كما عينها المؤرخون. قال ابن بطوطة: «سافرت- من النجف- إلي البصرة صحبة رفقة كبيرة من عرب خفاجة، و هم أهل تلك البلاد، و لهم شوكة عظيمة، و بأس شديد و لا سبيل للسفر في تلك الأقطار إلا في صحبتهم …» ا ه.

و الحالة القبائلية عندنا متبدلة جدا، فلا تقف عند وضع و رئيسهم اليوم صقبان آل علي، و في الحلة قسم كبير منهم لا يزالون أصحاب سلطة و مكانة كبيرة … و رئيسهم إبراهيم آل سماوي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 70

78 أبو علي في الحلة:

ثم دخل الحلة شخص من الأنبار يقال له (أبو علي)، كان جرائحيا، و له بسطة في بغداد، و كان فارسا جلدا، و له أخ اسمه ناصر الدين علي ما جاء في رسالة من عند السلطان أويس إلي عذرة أمير خفاجة مقررا له مالا علي حفاظ بلد الحلة، فوجده قد فعل ما فعل، و أقام أبو علي مع نائب الأمير عذرة لاستيفاء المال المقرر فشرعوا في بيع ما يخلف من الثمرة العتيقة، فلما استوفي نائب عذرة المال توجه إلي أميره، و حكم أبو علي الحلة، و كان حسن السيرة، و استمر مدة ثلاثة أشهر و عشرين يوما، و حاكم بغداد إذ ذاك الشاه محمد.

79 وفيات
80 عبد الملك البغدادي:

هو عبد الملك بن سعيد بن الحسن نظام الدين الدربندي الكردي البغدادي الشافعي، ولد في شعبان سنة 749 ه سمع ببغداد علي أصحاب الحجار، صحب النور عبد الرحمن الأسفراييني البغدادي، و تخرج به، و تسلك و لازم الخلوة كثيرا، و دخل دمشق، و تردد لمكة مرارا، و جاور فيها غير مرة، و توجه منها إلي اليمن في أول سنة 816 ه و عاد منها إلي مكة في منتصف التي تليها، و أقام بها حتي مات غير أنه توجه لزيارة المدينة في بعض السنين و عاد منها، و باشر في مكة وقف رباط السدرة بعفة و صيانة و وقف كتبه بها، و حدث. سمع منه الطلبة.

و كان عالما صالحا … له إلمام بالفقه و طريق الصوفية، و يذاكر بأشياء حسنة من أخبار المغل و ولاة العراق المتأخرين. مات في جمادي الأولي سنة 824 ه بمكة و دفن بالمعلاة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 71

و أصحاب الحجار منهم الحسن بن سالار راجع المجلد

الثاني.

81 حوادث سنة 825 ه- 1422 م.

82 القضاء علي أمراء بغداد و أعيانها:

كان السلطان أويس الجلايري حين توجه إلي بغداد قد أرسله الأمراء و الأكابر في بغداد، فعلم الشاه محمد بالجميع، و قبض علي جماعة منهم فقتلهم يوم الأحد 11 جمادي الأولي سنة 825 ه و بينهم وزيره الخواجة مسعود، فكانت المصيبة كبيرة، و مؤلمة جدا …

83 الأمير درسون في الحلة:

و هذا الأمير توجه من تلقاء نفسه إلي الحلة دون أن يأمره الشاه محمد، و كان أمير الديوان، فسار و معه أربعمائة فارس، فخرج أبو علي، و دخل هو في ذي القعدة سنة 825 ه.

84 حوادث سنة 826 ه- 1423 م

85 السلطان أويس- هجومه علي العراق:

في السنة السابقة توجه ميرزا إبراهيم بن شاه رخ من شيراز إلي تستر، و لما سمع به السلطان أويس، و علم أنه لا طاقة له به تركها، فاحتلها الميرزا، و من ثم مضي أويس إلي واسط و الجزائر، و من هناك جاء إلي الحلة، فوصل إليها يوم الاثنين 4 رجل سنة 826 ه و كان بها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 72

الأمير درسون، و دخل عسكر السلطان و قد قطع الجسر و لم يتغير علي البلد شي ء.

أما درسون فقد توجه إلي تبريز ذاهبا إلي الأمير اسكندر، و لم يعرج إلي بغداد، لما رأي من لينة الشاه محمد وركة حاله … ثم إن السلطان أويس طمع في بغداد، فتوجه من الحلة إليها، و حاصرها من الجانب الغربي، فلم يقدر عليها، و رجع إلي الحلة … حكم بها مدة سنة، و توفي يوم الأربعاء 9 شعبان 827 ه … و كان وزيره تاج الدين بن حديد من أهل الحلة، و توفي هذا يوم الجمعة 4 ربيع الآخر سنة 828 ه.

86 الفاضل الأسدي:

هو الشيخ أبو عبد اللّه المقداد بن عبد اللّه السيوري الحلي الأسدي. كان عالما فاضلا متكلما. له كتب منها:

1- شرح نهج المسترشدين في أصول الدين.

2- كنز العرفان في فقه القرآن.

3- التنقيح الرائع في شرح مختصر الشرائع.

4- شرح الباب الحادي عشر.

5- شرح مبادي ء الأصول.

6- الأسئلة المقدادية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 73

7- الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد. و طبع باسم (منهج السداد) سهوا.

و الأخيران ذكرهما صاحب الذريعة إلي تصانيف الشيعة. و هو من تلاميذ الشهيد و فخر المحققين. و ترجمته مبسوطة في روضات الجنات. توفي يوم الأحد 26 جمادي الآخرة سنة 826 ه، أرخ وفاته تلميذه

الشيخ حسن بن راشد الحلي. ذكره في الذريعة و ممن أخذ عنه الشيخ أحمد بن فهد الحلي.

87 ملحوظة:

الشهيد هو محمد بن مكي العاملي الجزيني من الشيعة الاثني عشرية، عالم مشهور بالشهيد الأول، و له اللمعة في الفقه معروفة، طبعت علي الحجر في إيران. و كان قد جاء ذكره في الأنباء، و في الشذرات بنعت (العراقي النصيري) ظننت أنه غير الشهيد، و هو لم يكن نصيريا و لا عراقيا، فاقتضي تصحيح ما جاء هناك، و يعد من الواردين إلي العراق و الآخذين عن علمائه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 74

88 حوادث سنة 827 ه- 1424 م

89 السلطان حسين بن علاء الدولة في الحلة:

هو ابن علاء الدولة ابن السلطان أحمد الجلايري، ولد في سجن عادل جواز و تربي هناك و كانت أمه من الجغتاي. عاش عند الأمير عثمان البايندري، فطلبه السلطان محمد قبل وفاته بأربعة أشهر. فلما توفي حكم السلطان حسين بالحلة في أول نهار الجمعة 10 شعبان سنة 827 ه، و هو آخر سلاطين الجلايرية، و كان سيي ء السيرة، فاسقا … و لكن هذا التاريخ مضطرب لما سيأتي من وقائع …

و من هذا- إن صح الخبر- إن السلطان أويس توفي قبل هذا التاريخ فخلفه أخوه السلطان محمد و بوفاة هذا ولي السلطان حسين …

90 حوادث سنة 828 ه- 1425 م

91 الأمير أسپان- بغداد:

من حين توفي قرا يوسف توجه الأمير أسپان إلي شاه محمد في بغداد و هذه المدينة من ذلك الوقت تمزقت أشلاؤها، و توزعت سلطتها، و تفرقت بيد الكثيرين، فأقام الأمير أسپان في الجانب الغربي بعمارة السلطان أحمد فرأي أحوال شاه محمد لم تجر علي سداد و روية، فاغتنم الفرصة، و توجه إلي الدجيل و كانت هذه المقاطعة لميرزا علي بن شاه محمد، فشكاه عند والده فعوضه بغيرها و قال له لا أنازع أخي.

ثم توجه الأمير أسپان إلي حربي، و كانت لزينل ابن ميرزا علي فأخذها و جعلها مقرا له، و جبي أموال الدجيل إلي تكريت فلم يعارضه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 75

أحد، و قد وقف عند هذا الحد، إلا أنه دخل الحمام يوما بحربي ففاجأه ميرزا علي و كبسه في وسط الحمام، فهرب أسپان، و صعد إلي سطح الحمام، و جمع عسكره و ساق علي الميرزا ففر منه، و عبر (الشريعة الجديدة)، و توجه إلي بغداد.

أما أسپان فقد عبر دجلة، و مضي إلي أنحاء الخالص، و تجاوز ديالي، فاستولي علي طريق

خراسان، و مهروذ، و تصرف بأموالها …

و شاه محمد في هذه الحالة أيضا ساكت عنه، قال: البلدة تكفينا، و لتكن الولاية (الأعمال و المضافات) لأخي، و لكن الميرزا عليا يتحفز للوثوب علي الأمير أسپان، فخرج يوما إلي حدود بعقوبة، و كان أسپان قد سار إلي جصان و ترك (الزاهد) ببعقوبة فعبر شط ديالي، و كبس الزاهد فهرب إلي جصان، و قتل ميرزا علي جماعة، و نهب مقدارا وافرا من الخيل و الأمتعة، و هتكت نفوس كثيرة من الجانبين، فرجع و لم يخرج بعدها …

و استمرت هذه الحوادث إلي سنة 829 ه.

92 ملحوظة:

ورد أسپان بلفظ (أصبهان) كما في الأنباء و الشذرات، و في جامع الدول بين أن أصل اسمه (أسبهان) فخفف إلي (أسپان) و سماه بعضهم أصفهان و آخرون (أسبند) …

93 الطاعون:

في هذه السنة وقع طاعون عام، و عظيم في الموصل و ديار بكر و الجزيرة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 76

94 وفيات
95 1- ابن الفصيح:

هو أحمد بن عبد الرحيم بن أحمد الفصيح الكوفي الأصل ثم البغدادي، ثم الدمشقي، شهاب الدين نزيل القاهرة. كان جده من أهل العلم و الطلب للحديث، و حدث أبوه بالسنن الكبري للنسائي، و تفرد بها عن ابن المرابط بالسماع، و كان حنفي المذهب …

96 2- فضل اللّه البغدادي:

هو فضل اللّه بن نصر اللّه بن أحمد التستري الأصل البغدادي الحنبلي، أخو قاضي الحنابلة محب الدين، كان قد خرج من بلاده مع أبيه و أخوته، و طاف هو البلاد، و دخل اليمن، ثم الهند، ثم الحبشة، و أقام بها دهرا طويلا ثم رجع إلي مكة، فالقاهرة.

97 3- ابن عنبة: (مؤرخ)

السيد جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن المهنا بن عنبة الأصغر الحسني و هو النسابة المعروف، توفي 7 صفر 828 ه في بلدة كرمان و من مؤلفاته:

1- عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب. طبعت مرارا في الهند. و منها نسخ خطية عديدة. و هي من الآثار التاريخية، و عليها عولنا في وقائع كثيرة لم نجد في غيرها إيضاحا أزيد منها و قد مر النقل عنها.

2- أنساب آل أبي طالب. فارسي للمؤلف. طبع علي الحجر …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 77

و العمدة من الكتب المعتبرة، و هي من المراجع المهمة في عصره لما احتوته من التفصيلات القيمة عن حوادث العراق و في كشف الظنون تفصيل زائد عنها … و النسخة المطبوعة غير مأمونة الخطأ … و يجب أن تستحق كل عناية، و اهتمام في تصحيحها و التحري عن نسخها القديمة … فتطبع …

98 حوادث سنة 830 ه- 1427 م

99 أحوال العراق:

إن شاه محمد لن يتجاوز حكمه بغداد، و قد استولي الأمير أسپان علي كافة الأنحاء و الأطراف المجاورة، كان مهددا بالوقيعة، و غافلا عما يجري … و قد روجعت تواريخ عديدة عن هذه الأيام، فلم نظفر بطائل … و قد عين صاحب (منتخب التواريخ) في هذه السنة انتزاع بغداد من شاه محمد و استيلاء الأمير أسپان عليها … و هذا ليس بصواب، فإنه ابتلع رقم ستة فانقلب الحادث إلي هذه السنة، و كل التواريخ تخالفه، و في أصله و هو (لب التواريخ) جاء أن الحادث كان في سنة 836 ه، فهذا غلط ناسخ قطعا، و إن حكم شاه محمد كان 23 عاما فلا يأتلف و التاريخ المذكور.

100 السلطان أويس- بغداد:

في هذه السنة سار أويس إلي بغداد لمحاربة محمد شاه بن قرا يوسف فقتل في الحرب، و لم يبق منهم من ولي الإمارة غير السلطان محمد بن شاه ولد صاحب البصرة … و بعض المؤرخين جعل هذه الواقعة متداخلة في واقعة سنة 824 ه، و الصواب أن هذه علي حالها، و هي غير ذلك … و في الأنباء عين أنه في الواقعة الأولي لم يمت،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 78

و إنما قتل في هذه المرة و في تاريخ الجنابي: «فلما قرب- السلطان محمد (حاكم البصرة)- من الموت عهد بالمملكة إلي حسين بن علاء الدولة بن أحمد بن أويس …» ا ه، و قد أكد في الضوء اللامع أن السلطان أويس قتل في هذه السنة في حرب بينه و بين محمد شاه نقلا من الأنباء، فخلفه السلطان محمد الجلايري. و هذا خلفه السلطان حسين بن علاء الدولة كما تقدم.

و الاضطراب في هذه النصوص ظاهر، و كذا ما

جاء في حوادث سنة 827 ه … و صاحب الأنباء من المعاصرين، و صاحب الضوء اللامع أخذ عنه و عن أهل العصر … و أيد قولهما ما نقله صاحب المنهل الصافي. في ترتيب أمرائهم …

101 حوادث سنة 831 ه- 1427 م
102 آل فضل: (الأمير عذرا)

في هذه السنة قتل عذرا بن علي بن نعير بن حيار أمير العرب، و استقر بعده أخوه مدلج. كذا في الأنباء. و عين صاحب الضوء أنه قتل في المحرم …

103 حوادث سنة 832 ه- 1428 م

104 حروب و معارك:

كان القتال بين شاه رخ و الأمير اسكندر، و كان جهان شاه في جانب أخيه الاسكندر فنشبت المعارك ظاهر سلماس يوم السبت 17 ذي الحجة لهذه السنة، و أبدي الأمير اسكندر في هذه الوقائع من الشجاعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 79

ما يفوق التصور، إلا أنه لم ينجح فهرب في آخر أمره إلي جهات الروم … و كان قرا عثمان في جانب شاه رخ … و العراق بنجوة من هذه الحروب، و لكنه بانتظار ما تولده الليالي … و هذه الحروب كانت بين الرؤساء، و البلاد تدخل في حوزة الغالب الرابح لقضيته …

105 حوادث سنة 833 ه- 1429 م

106 زلزال:

في هذه السنة حدث زلزال في واسط.

107 حروب و اضطرابات:

كانت الحروب في هذه السنة مشتعلة بين الأمير اسكندر، و شاه رخ، و كذا بين البارانية و البايندرية، فلا انقطاع و لا هوادة … و تفصيل ذلك لا يهم العراق.

108 أمير العرب:

في هذه السنة قتل مدلج بن علي بن محمد (نعير) بن حيار بن مهنا أمير العرب و ليها بعد أخيه عذرا، و قتل في شوال سنة 833 ه عن بضع و عشرين سنة، و دفن بشمالي جبرين … ذكره ابن خطيب الناصرية مطولا و لخصه صاحب الأنباء، فقال: أمير آل فضل، كان قد ولي أمر العرب بعد أخيه و دخل في الطاعة، ثم وقع بينه و بين ابن عمه قرقماس قاتل أخيه عذرا فقتل هذا أيضا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 80

109 وفيات
110 1- القاضي تقي الدين يحيي البغدادي:

ابن العلامة شمس الدين محمد بن يوسف الكرماني البغدادي ولد في رجب سنة 762 ه- 1362 م و سمع من أبيه و غيره، نشأ ببغداد و شارك في عدة علوم، و قدم القاهرة هو و أخوه في حدود الثمانمائة و كانا قد فرا من تيمور حين طرق بغداد، و حدثا بشرح أبيهما علي صحيح البخاري المسمي ب (الكواكب الدراري) فابتهج الناس، و كتبت منه نسخ عديدة، و عرف تقي الدين هذا بالفضيلة و تقرب غاية التقرب من السلطان شيخ في حال إمارته و سلطنته، و كان عالما فاضلا، شرح البخاري و سماه (مجمع البحرين و جواهر الحبرين و شرح صحيح مسلم، و اختصر الروض الأنف، و له مصنف في الطب و غير ذلك. توفي بالقاهرة في الطاعون يوم الخميس 8 جمادي الآخرة.

و في الضوء اللامع تفصيل حياته، و أهم ما فيها ذكر شيوخه علماء ذلك العصر في بغداد، و لا نري الآن تراجم للكثيرين منهم … و هم:

1- الجلال أسعد بن محمد بن محمود الحنفي، أحد تلامذة والده.

2- الشمس محمد بن سعيد المالكي.

3- الشمس الرازي الكاتب.

4- اليزدي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3،

ص: 81

5- العز الأبو سحاقي.

6- العلاء البنبيهي.

7- العلاء الهروي الحنفي.

8- الشمس محمد المحولي.

9- الضياء الطبيب.

10- الفخر الشبانكاري.

11- مولانا زاده (في مصر).

12- الجمال ابن الدباغ.

13- الجمال ابن الدواليبي.

14- النور صالح الأيدجي.

15- المجد اللغوي (الفيروز آبادي).

16- السيف الأبهري.

17- النور علي بن يوسف بن الحسن الزرندي.

و هذه تعين العلماء المعروفين من أساتذة الإجازة العلماء و قال صاحب الضوء: رأيت له كراسة أفرد فيها أسماء شيوخه … استفدت منها أشياء. (و حاجتنا إليها أكبر)، و لكن جل انتفاعه إنما كان بوالده، فإنه لازمه سفرا و حضرا، و جاب نحو خمسين مدينة … و عدد تصانيفه ذكر منها شرح البرهان العبري، و الطوالع للبيضاوي، و شرح الشمس للأصبهاني، و الإيضاح لابن الحاجب، و الحاوي في الفقه، و شرح العزيز و مفتاح السكاكي، و شرح العضد، و شرح المواقف و سماه (الكواشف)، و الجواهر و سماه ب (الزواهر)، و تحفة المودود لابن القيم سماه (المقصود من تحفة المودود)، و الأوائل لابن حجر، و مفاخرة القلم و الدينار لابن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 82

ماكولا، و قرأ عليه الشهاب أحمد بن شيخه الجمال ابن الدواليبي الحنبلي … و قال عندي من نظمه في الجواهر. هذا و ترجم أسرته …

و في عقود المقريزي تفصيل ترجمته …

111 2- محمد بن طاهر الموصلي:

هو محمد بن طاهر قاضي القضاة الشمس بن يونس الشافعي.

برع في الفقه و التفسير و غيرهما، و عمل تفسيرا في مجلدين، و ولي قضاء الموصل كآبائه من قبله سنين، و تموّل و فخم، و حمدت سيرته إلي أن ثار أصبهان بن قرا يوسف و عاث بتلك البلاد، فلما أخذ الموصل عذبه حتي هلك في العقوبة سنة 833 ه، و خربت الموصل بعده، و نزح عنها أهلها،

و صارت منزلا للغربان. ذكره المقريزي في عقوده.

و هذه الحادثة لا نجد لها تعرضا إلا في الأنباء علي ما سيجي ء في حوادث سنة 836 ه مما يدل علي أن أكثر الحوادث قد أغفلت …

و فقدت الوثائق المشعرة …

112 حوادث سنة 834 ه- 1430 م

113 عودة و تغلب:

كان في سنة 832 ه قد انكسر الأمير اسكندر و هرب و في أوائل السنة المنصرمة رجع شاه رخ إلي خراسان و ولي علي أذربيجان الميرزا أبا سعيد بن قرا يوسف. فعاد الأمير اسكندر و استعاد أذربيجان و قتل أخاه أبا سعيد.

و ميرزا أبو سعيد هذا كان قد ولاه شاه رخ في أوائل سنة 833 ه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 83

أذربيجان إذ كان قد التجأ إليه هاربا من أخيه اسكندر و كانت مدة ولايته نحو سنة واحدة.

114 خراب و غلاء و وباء:

و من نتائج هذه الحروب و الفتن و لوازمها القطعية الخراب الذي عم البلاد من بغداد إلي تبريز، و الغلاء الذي استولي علي الممالك الشرقية، فقد بيع رطل اللحم بنصف دينار، و أكل الناس الكلاب و الميتات، و فشا الوباء في العراق و الجزيرة و ديار بكر، و همذان، و شهرزور و ماردين و بلادا كثيرة … و في بعض التواريخ كان ذلك في سنة 835 … و يضاف إلي ذلك بلاء آخر و هو الجراد، فإنه أكل الغلات و الزروع …

115 وفيات
116 1- القاضي تاج الدين أحمد النعماني:

هو أحمد بن محمد بن عمر … من ذرية الإمام أبي حنيفة النعمان القاضي ببغداد توفي بدمشق، اعتمده ابن عربشاه في كتابه (عجائب المقدور) لتدوين أخبار بغداد و إن صاحب الدرر الكامنة حقق بعض المطالب عنه و قال: صاحبنا، رأيته في دمشق … ولد في 11 جمادي الآخرة سنة 751 ه بالكوفة، و سمع الحديث، و برع في الفنون، و درس و أفتي، و أخذ عنه الأعيان، و كتب رسالة تشتمل علي 14 علما، و نظم أرجوزة في علوم الحديث، و شرحها، و اختصر شرح البخاري للكرماني،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 84

و ولي قضاء بغداد، فحمدت سيرته، و امتحن علي يد قرا يوسف لكونه يريد إظهار أمر الشرع فقبض عليه و جدع أنفه، و أخرجه من بغداد، ففارقها و قدم القاهرة بعد سنة 820 ه، فأكرمه المؤيد، و أجري عليه راتبا يكفيه، ثم رسم له بالتوجه إلي دمشق فما تيسر له إلا بعد استقرار الظاهر ططر، فأقام بها حتي مات في أول المحرم سنة 834 ه.

مر الكلام علي (جامع النعماني)، و ترجمة ابنه حميد الدين محمد في وفيات سنة 867 ه.

117 حوادث سنة 835 ه- 1431 م

118 الأمير أسپان- الحلة: (الجلايرية)

استمر حكم الجلايرية في الحلة من رجب سنة 826 ه، و أن السلطان حسين ابن علاء الدولة تملكها من 10 شعبان سنة 827 ه، و دامت حكومته إلي هذه السنة فاستولي عليها الأمير أسپان بعد محاصرة كانت لمرتين، فضبطها في 26 المحرم سنة 835 ه، و بهذا انقرضت دولة الجلايرية بتمامها، و لم يبق لها ذكر إلا في بطون التواريخ. كان السلطان حسين سيي ء السيرة، فكاتب أمراؤه أسپان فجاء و حاصر لأول مرة، فلم يقدر، و رحل عن البلد، ثم سار عليه

للمرة الثانية، و حاصره سبعة أشهر، فأسره في المحرم، و كان قد سلم إليه بالأمان، و ذلك أن الأمير أسپان بعد أن قبض عليه، أوعز إلي الموكلين به أن يحسنوا له الهرب، و يفروا معه جميعا، فلما هربوا أرسل أسپان وراءهم، فقبضوا عليه و قتلوه خنقا في 3 ربيع الأول أو 3 صفر سنة 835 ه علي اختلاف في ذلك، و كان وزيره عبد الكريم ابن نجم الدين من أهل شط النيل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 85

فتوفي ليلة الثلاثاء 18 شوال سنة 830، و ولي الوزارة بعده شهاب الدين في 16 ربيع الآخر سنة 832 ه، و شنقه السلطان في باب التمغا، فولي الوزارة بعده أخوه نظام الدين. و قد مرت الإشارة إلي الحوادث المذكورة …

119 انقراض دولة الجلايرية

كان يعد انقراض الجلايرية من حين خرجت من بغداد، و تكلمنا بوقته علي بقاياها و في الوقائع المارة ما يوضح أكثر نظرا لعلاقتها بالعراق، و منها نقطع بأن هذه الحكومة جادلت، و جالدت مدة طويلة لانتزاع الملك المغصوب و استعادته، فأصابها الخذلان، و نالتها خيبة فيما قامت به … و من الحوادث المارة يتلخص لنا أن سلاطينها:

1- شاه ولد، حكم بعد السلطان أحمد نحو ستة أشهر.

2- دوندي. نحو ستة أشهر في بغداد بعد قتلة زوجها.

3- شاه محمود بالاشتراك مع دوندي من سنة 814 إلي سنة 819 ه.

4- دوندي بالاستقلال إلي سنة 822 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 86

5- سلطان أويس إلي سنة 827 ه أو 829 ه أو بعد ذلك (النصوص مضطربة).

6- السلطان محمد من التاريخ المذكور علي اختلاف في ذلك إلي 10 شعبان سنة 827 ه أو سنة 829 ه.

7- السلطان حسين بن علاء

الدولة إلي 3 صفر أو 3 ربيع الأول سنة 835 ه.

و الأخير انقرضت دولة الجلايرية علي يده، فانطوي ذكرها، و لم تعد تعرف قبيلتها، و الظاهر ماعوا في البصرة و خوزستان، أو انضموا إلي مواطن القوة فاندمجوا في القبائل التركمانية المنبثة … و الملحوظ أن السلطان أويس و السلطان محمد لم تتوضح أيامهما بصورة يقينية …

و من المعلوم أن السلطان محمدا حكم البصرة و ضربت النقود باسمه فيها …

و قد مر في تاريخ الجلايرية بيان قبيلتهم و مكانتها بين قبائل المغول … و كانوا في قديم الزمان كثيرين، و لكل شعبة منهم أمير و قائد يتولي أمورهم، و يدير أحوالهم. و من عهد جنكيز إلي هذا الوقت ولي منهم في إيران و توران أمراء عديدون، ثم تولوا الحكم …

و التواريخ التي بين أيدينا لا تتعرض إلي فروعهم عند ذكر الحوادث أو بيان الوقائع الخاصة … دون تاريخ السلاطين منهم فحسب.. و قد ذكر صاحب جامع التواريخ مكانتهم القديمة قبل جنكيز، و الأمراء منهم في أيامه و أيام أخلافه و عدد أسماءهم … و بين أن لهم عشر شعب و هي:

1- جأت.

2- توقراؤن.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 87

3- قنكشفات.

4- كومسات.

5- اويات.

6- ينقان.

7- نوركيا.

8- قولاتكيقت.

9- نوزني.

10- شنقكون.

و هؤلاء نحتفظ بأسمائهم لعل هناك من يعلم عن هذه القبائل و يعين مكانها بين القبائل المنتشرة في إيران، أو الأناضول … إذ لم يعد لها ذكر عندنا …

120 حوادث سنة 836 ه- 1432 م

121 الاستيلاء علي بغداد:

كان الأمير أسپان قد اكتسح كافة أنحاء بغداد، ثم توجه إلي الحلة فضبطها و منها انحدر إلي واسط موهما أنه متوجه إلي الجزائر … فمال خفية من واسط إلي النعمانية و منها إلي سلمان الفارسي، ثم كمن في دخلة السهروردي،

و عمل السلالم، و جاء في نصف الليل إلي سور بغداد يوم الخميس 18 شعبان سنة 836 ه فوضع هو و من معه السلالم علي سور باب الحلبة «باب الطلسم» و أخذوا البلد، و جاؤوا إلي بيت شاه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 88

محمد فوجدوه مغلقا، فضربوا الباب بالدبابيس و كسروه فهرب شاه محمد و نزل في سفينة و مضي إلي الجانب الغربي، و توجه راجلا إلي مشهد الإمام موسي الكاظم و صحبه ولده شاه بوداق و محمود الحمال، و كان السيد الجوسقي في المشهد فأعطاه حمارا ركبوه إلي الدجيل، و من هناك توجه إلي الحديثة فتلقاه حاكمها حارث بالإعزاز و التكريم، و قدم إليه الخيول الكثيرة، و اجتمع إليه جماعة، فذهبوا إلي الموصل، و أن الأمير أسپان تحري عنه كثيرا في بغداد، فلم يظفر به …

أما جماعة أسپان فقد كسروا الباب و دخلوا فلم يجدوا أحدا ففتشوا جميع البيوت و الغرف فما عثروا عليه، و أسپان هذا لم ينهب البلد و إنما اكتفي بالاستيلاء علي أموال الشاه محمد، و أخذ ما تمكن علي أخذه من ملازميه و مباشريه كلّا علي قدره، و توطن بغداد …

و قال في الأنباء: «اخرب أصبهان (أسپان) بن قرا يوسف بغداد، و تشتت أهلها منها، و قبل ذلك كان قد أخرب الموصل» ا ه.

122 وفيات
123 1- ابن الحلال البغدادي:

في جمادي الآخرة من هذه السنة توفي العلامة عبد الرحمن بن محمد الزين بن العلامة سعد الدين القزويني، الجزري (نسبة إلي جزيرة ابن عمر) البغدادي الشافعي، ابن أخت نظام الدين الشافعي عالم بغداد، و يعرف ب (الحلال) لحل أبيه المشكلات التي اقترحها العضد عليه، ولد سنة 773 ه و أخذ عن أبيه و غيره ببغداد

و غيرها، و تفقه بخاله قاضي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 89

بغداد النظام محمود السديداني و درس بالجزيرة، و برع في الفقه و القراءات و التفسير، و حج. قدم حلب و هو في سن الكهولة، و ظهرت فضائله، و دخل القاهرة سنة 834 ه … و كان إماما، علامة، مفننا، مفتيا … و كان يعده بعضهم من أئمة الدنيا في المعقولات و حل المشكلات … و كان يرجح علي العلاء البخاري … و ذكره المقريزي.

صنف في القراءات، و شرح الطوالع، و مات بجزيرة ابن عمر و نعته معاصروه بالعلم الجم و السيرة الجميلة …

124 2- وفاة طبيب نصراني:

توفي طبيب نصراني اسمه عبد المسيح، (طبيب الشاه محمد) مات من لسعة زنبور، و قد استغرب الغياثي وفاته من هذه اللسعة، و لم يتمكن من إسعاف نفسه … و كانت وفاته في المحرم سنة 836 ه و لم يعرفنا بمكانة علمه و درجة فهمه في القضايا الطبية … إلا أنه أيام شاه محمد كان له النفوذ الكبير في الإدارة و التدخلات في سياسة المملكة …

125 3- إبراهيم الشيرازي:

و هو ابن محمد بن مبارز الخنجي الشيرازي الشافعي المحدث …

أخذ عن علماء بلده، و في بغداد من الشمس الكرماني، و غياث الدين العاقولي، و لقي ببغداد الجمال العاقولي، و عبد الرحمن الأسفرايني. رفيقا للزين الخافي … مات بشيراز يوم الجمعة 16 جمادي الأولي سنة 836 و قيل 835 ه و هو من الواردين إلي بغداد و الآخذين عن علمائها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 90

126 حوادث سنة 837 ه- 1433 م

127 الأمير اسكندر- ميرزا شاه رخ: (قتلة اسكندر)

في هذه السنة أغاز الأمير اسكندر علي شروان، و أكثر القتل و النهب و التخريب فيها، فاستغاث صاحبها بميرزا شاه رخ فتوجه إليه في ربيع الآخر سنة 838 ه. و لما وصل إلي الري لحق به ميرزا جهان شاه بن قرا يوسف و معه ابن أخيه ميرزا علي بن شاه محمد بن قرا يوسف و الأمير بايزيد ايغلو (أوغلو) من كبار أمراء قراقوينلو فأكرمهم شاه رخ و بالغ في احترامهم، و كان لحوقهم في منتصف ذي الحجة سنة 838 ه، فتوجه شاه رخ إلي أذربيجان، فلم يقابله الأمير اسكندر إذ كان قد عرف عجزه ففر إلي أرزنجان، فأخذ قرا عثمان البايندري طريقه في حدود أرزن الروم فقاتله اسكندر و ظفر به فقتله و كان ذلك في سنة 839 ه فسخر شاه رخ أذربيجان فولاها لميرزا جهان شاه و فوض إليه حكومة تلك الديار إلي حدود الروم و الشام. و لما عاد شاه رخ إلي خراسان في أوائل سنة 840 ه عاد اسكندر من الروم و قاتل أخاه جهان شاه بقرب صوفيان تبريز فانكسر اسكندر فهرب إلي قلعة النجق و تحصن بها، و حاصره أخوه و في أثناء ذلك قتله ولده شاه قباد ليلة الأحد 25 شوال سنة

841 ه. و سببه أن ابنه هذا قد عشق إحدي حظيات والده اسمها (ليلي) فحركته علي ذلك فارتكب فعلته هذه من أجلها، ثم ظفر به عمه جهان شاه فقتله قصاصا، و كانت مدة ملك الأمير اسكندر بما فيها من أيام التزلزل و الاضطراب 16 سنة.

128 شاه محمد- قتلته:

لما أن سار شاه محمد من حديثة و ذهب إلي الموصل، حكم بها،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 91

و ضبط إربل أيضا فجعل حارثا حاكم الموصل، كما أنه فوض إربل إلي ابنه ميرزا علي، و نصب عليا الأتابك علي كركوك و داقوق (دقوقا)، و اختار محمودا الجمال للإمارة، و منحه كمر سيف مذهب … و قبض في هذه البلاد علي أعوان الأمير أسپان …

ثم إن أسپان مرض ببغداد فخرج إلي مصيف قرا حسن ليلة السبت 25 شوال سنة 836 ه (كذا)، و أخذ كركوك و دقوقا، و قتل عليا الأتابك. و بعدها توجه من هناك إلي الإيوان (فوق البندنيجين بيومين) و أقام هناك مدة ثلاثة أشهر حتي شفي، و كان قد أناب عنه في بغداد سعاد تيار فعقد جماعة معه هناك أنه متي توفي أسپان سلطنوه ببغداد فسمع أسپان بذلك فأرسل مزيدا حاكما ببغداد، و عزل سعاد تيار، فلما شفي من مرضه توجه إلي بغداد و مكث فيها مدة …

و حينئذ عزم شاه محمد علي أخذ بغداد، سار إليها بقصد افتتاحها و وصل إلي كركوك و دقوقا، فاستولي عليهما، و ولي بدقوقا حسن أتاج إيلي و توجه إلي بعقوبة و طريق خراسان، فأمر بنهبها، و نهب ألوية (أنحاء بغداد)، و خرب ما مر عليه فوقع في جيشه الغلاء، فرحل عنها، و نزل علي درتنك (حلوان)، ليأكل غلتها فحاصرها …

و لو كان سار إلي الأمير أسپان حينما أصابه المرض، و ذهب توا إلي بغداد لكان له الأمل في أخذها … و لكن سبق السيف العذل …!

فلما علم أسپان بما جري مشي عليه، فلم يظفر به، و رجع إلي بغداد. أما شاه محمد فإنه توجه إلي شيخان. و ذلك أنه في هذه الحالة رعي درتنك، و ترك جيشه هناك، و صعد يحاصرها من ناحية الجبل فخرج أسپان بعسكره من بغداد يريد ملاقاته، فأرسل وراءه علي شاه،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 92

فلم يستطع اللحاق به و رحل شاه محمد من درتنك إلي جغاي، و كاوان قاصدا شيكان (شيخان) فأرسل أهل البلد قراولة نحو أربعين فالتقي هؤلاء بالشاه محمد و أصحابه، و كانوا بغير لبوس، فتصادموا، فقتل شاه محمد و أصحابه بأجمعهم يوم السبت 18 ذي الحجة سنة 837 ه، فلم يعلم هؤلاء أن هذا الشاه محمد و أصحابه، فلما تحققوا ذلك ندموا علي قتله، و دفنوا جثته ب (شيخان)، و بعثوا برأسه إلي شاه رخ …

و في جامع الدول: «سار شاه محمد هذا هاربا من الأمير أسپان إلي الموصل فسخرها و استولي علي إربل، ثم توجه إلي صوب بغداد، و أغار علي بعقوبة من أعمالها ثم سار إلي درتنك، و قصد شيخان، فظفر به الأمير حاجي الهمذاني في حدود شيخان و قتله …» ا ه.

و مثله في منتخب التواريخ. و في لب التواريخ ورد سنجان بدل شيخان و كذا جاء شيكان و الصواب شيخان بلد لا يزال معروفا في أنحاء خانقين و جاء في الضوء اللامع أنه مات مقتولا في ذي الحجة سنة 837 ه علي حصن يقال له (شنكان) من بلاد شاه رخ،

و كان شر ملوك زمانه فسقا و إبطالا للشرائع، و استقر بعده أمير زاده علي ابن أخي قرا يوسف، و طول المقريزي ترجمته في عقوده …

129 ترجمته (أيام ولايته في بغداد):

في ما مضي من الحوادث بيان لأيام ولايته علي بغداد، فقد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 93

استولي عليها في محرم سنة 814 ه و استمر حاكما ببغداد، و انقضت أيامه بهدوء و سكينة، و الناس علي أحسن حال لمدة نحو عشر سنوات … و في تاريخ الغياثي «ثم إنه تخبط دماغه و فسد رأيه، و يقال إنه أكثر من النساء، و ركن اليهن، و صار لا يبالي بأمر المملكة و إدارتها، لحد أنه أجاز العسكر و سيبه عنه، و قال ليس لي حاجة به، الشط و السور هما عسكري، و لم يهتم بجباية الخراج بل تركه و أهمله مدة سبع سنوات، فطمع في مملكته القوم من كل صوب. و آخر من قام عليه أخوه أسپان، فاستولي علي جميع الأنحاء و هو لاه، و كذا أولاده في بغداد انهمكوا بالشرب و سائر الأهواء، ثم أخرجه من بغداد و تمكن فيها، فقتل بالوجه المشروح، و لا يؤثر عنه عمل نافع للبلاد فذهب غير مأسوف عليه … و دفن بشيخان.

و غالب أيامه قضاها ببغداد و هي 22 سنة و نصف سنة. و كان له من الأولاد شاه علي، و شاه رخ، و شاه بوداق، و شاه ولي، و شاه ملك، و قرمان و قمر الدين. و لم يحكم منهم أحد …

أما شاه علي فإنه كان في المعسكر، فلما سمع بذلك، و لم تكن له طاقة المقاومة فقد جمع إخوته، و نساءه، و نساء أبيه، و رجع إلي إربل، و فيها ميرزا

علي، فقبض عليه، و أخذ أخته خديجة سلطان. ثم بعد مدة انهزم شاه علي و جاء إلي الكرخيني فأخذها و مكث فيها، فخرج أسپان من بغداد، و سار عليه فانهزم و توجه إلي تبريز إلي جهان شاه فقبض عليه و كحله …

و قال في المنهل الصافي: «ملك بغداد و ما والاها بعد قتل شاه ولد … و استمر شاه محمد هذا في مملكة بغداد سنين حتي خربت بغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 94

و ممالك العراق في أيامه، فإنه كان فاسقا زنديقا لا يتدين بدين و أبطل بتلك الممالك شعائر الإسلام و قتل العلماء و كان سماطه في رمضان يمد في ضحوة النهار كما يمد في الإفطار علي رؤوس الأشهاد و الويل لمن كان لا يأكل منه.

و كان في ابتداء أمره ربي في مدينة أربد و صحب نصاراها فلقن منهم عقائد السوء و الزندقة و الميل إلي دين النصرانية و نشأ علي ذلك خفية و والده قرا يوسف لا يعرف بحاله فلما أقامه والده قرا يوسف في ملك بغداد … أظهر العدل في الرعية و التدين و العفة عن القاذورات المحرمة عدة سنين إلي أن مات والده … فاستفحل أمره بها و تغير عن ذلك كله و أظهر اعتقاده السيي ء و تزندق و كفر و قتل العلماء و أبطل صلاة الجمعة و الجماعة و صرح باعتقاده بدين النصاري و تعظيم المسيح علي سائر خلق اللّه و كان يسأل العلماء أولا أيما أفضل الحي أو الميت فيقولون الرجل الحي أفضل فيقول ها عيسي حي و محمد ميت ثم يأمر به في الحال و لا يسمع له بعد ذلك جوابا. و كان الغالب علي دولته و الحاكم

فيها نصراني يعرف بعبد المسيح و لما فشا منه ذلك انفلّ عنه عسكره و بقي في بغداد طائفة قليلة فكثر عند ذلك قطاع الطريق في أعمال بغداد و ما والاها حتي فسدت السابلة و رحلت الناس عن بغداد فوجا فوجا و انقطع ركب الحاج من بغداد سنين و نفرت القلوب إلي أن غلبه أخوه أصبهان بن قرا يوسف و أخرجه من بغداد و ملكها من بعده، و كان أصبهان أكفر من أخيه شاه محمد و أظلم. و لما خرج شاه محمد هذا من بغداد تشتت في البلاد إلي أن قتل شر قتلة في حصن يقال له شيكان (شيخان) من بلاد شاه رخ بن تيمور لنك في ذي الحجة سنة 837 و ذهبت روحه إلي سقر … و أقيم بدله أمير زاده (علي) ابن أخي قرا يوسف في البلاد التي قتل بها و أراح اللّه الناس منه، فإنه كان شر الملوك فأولاد قرا يوسف بأجمعهم هم أوحش خلق اللّه في أيامهم خربت ممالك العراق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 95

و أطراف العجم و دار السلام و هدمت تلك المساجد و المعاهد الجليلة فاللّه تعالي يلحق بهم من بقي من إخوتهم و أقاربهم فإنهم عار علي بني آدم لما اجتمع فيهم من المساوي ء و القبائح و لا أعلم في أولاد قرا يوسف صالحا. فأما شاه محمد صاحب الترجمة فكان نصرانيا. و أما أصبهان فكان زنديقا محلول العقيدة. و أما إسكندر فكان لا دين له و لا عقل و كان سفاكا للدماء مدمنا علي الخمر و الفسق. و أما باقيهم فأنجس و أتعس و قد أخذهم اللّه تعالي و قطع آثارهم و لم يبق منهم غير جهان

شاه بن قرا يوسف و الناس يترقبون منه كل شر. ا ه.

130 قال العيني:

«في سنة 837 ه توفي الأمير شاه محمد … متولي بغداد مات مقتولا في ذي الحجة منها علي حصن يقال له شنكان (شيخان) من بلاد شاه رخ، و كان شر ملوك زمانه، و أفسد الناس، مبطلا للشرائع متعلما من النصاري، و أقيم بدله أمير زاده علي بن أخي قرا يوسف …» ا ه.

و هذه النصوص يدل تحاملها علي كره الناس له في مختلف الأقطار، و العراق كان لا يستطيع الحركة، و لكن شنع عليه الخارج، و أظهر مساويه … فنقل المؤرخون عن نفس العراقيين و إن لم يصرحوا بأسماء من نقلوا عنه، و في الحوادث المماثلة هكذا فعلوا …

131 حوادث سنة 838 ه- 1434 م

132 البصرة- إبراهيم بن شاه رخ:

في شعبان هذه السنة أرسل إبراهيم بن شاه رخ عساكر إلي البصرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 96

الباب الوسطاني (باب الظفرية)- عن دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 97

فملكوها … فوقع الاختلاف بينهم و بين أهليها، فاقتتلوا في ليلة عيد الفطر، فانهزم عسكر إبراهيم و قتل منه جماعة، فخافوا، فلم يلبث أن ورد خبر موته. و كان قد مات في رمضان … و في ابن حجر توفي في رمضان سنة 839 ه، فسرّ أهل البصرة سرورا عظيما، و وجد عليه أبوه و أهل شيراز، و كان شابا جميلا من عظماء الملوك له فضيلة تامة، و خط بديع، يضرب المثل بحسنه بل قيل إنه يوازي خط ياقوت، ملك البصرة، و كان في شيراز و أعمالها، فظهرت نجابته و تبين عدله فأضاف إليها ما والاها، و حسنت سيرته في رعيته … قال في الضوء اللامع: سمعت من يذكره بالجميل، و يعد من الخطاطين المشهورين في إيران. و المنهل الصافي لا يختلف عن النصوص المارة.

133 وفيات
134 1- السكاكيني:

هو محمد بن عبد اللّه بن عبد القادر، الشيخ نجم الدين الواسطي السكاكيني. يقال إنه قرأ علي العاقولي، و مهر في القراءات، و النظم و الفقه … و له شرح المنهاج للبيضاوي و نظم بقية القراءات تكملة للشاطبية، و خمّس البردة، و بانت سعاد. مات في مكة في 26 ربيع الآخر.

و في الضوء اللامع هو محمد بن عبد القادر السنجاري … و ذكر من شيوخه في بغداد فريد الدين عبد الخالق ابن الصدر محمد بن محمد بن زنكي الأسفرايني الشعيبي و قاضي قضاة العراق علي الإطلاق الشهاب أحمد بن يونس بن إسماعيل بن عبد الملك التونسي المالكي، و تبحر

في القراءات، فقرأ الشاطبية علي أبي العباس أحمد التروجي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 98

مدرس البرجانية (كذا و الصحيح المرجانية) ببغداد و لما أغار أصحاب تيمور علي العراق أخذت كتبه جميعها مع مقروءاته و مسموعاته و إجازاته، و لم يبق له شي ء من الكتب. حج سنة 809 ه و جاور بمكة، ثم عاد إلي العراق و تصدي بها لإقراء القرآن، ثم دخل دمشق قاصدا زيارة بيت المقدس سنة 815 ه.. و صار يتردد إلي مكة … و مات بها في 25 ربيع الآخر سنة 838 ه …

135 2- الخواجه عبد القادر المراغي:

هو ابن المولي جمال الدين غيبي المراغي، نال من المكانة و الفضل ما لم ينله غيره، و كان من ندماء السلطان حسين ابن السلطان أويس، ثم السلطان أحمد الجلايري، و هو من فحول الموسيقي و مشاهير أساتذتها، و قد بلغ الغاية في القراءة و في الشعر و الخط، كان في أوائل حاله ببغداد. أخذ الموسيقي عن والده، و يعد من فحول رجالها، و صاحب السلطان أحمد، و كان يخاطبه السلطان ب (صديقي العزيز)، و لما أن كتب للحكومة الجلايرية الزوال، مال إلي ميران شاه، فانتظم في عداد ندمائه ثم اعتري الأمير المذكور خلل في دماغه … فأصدر تيمور أمرا بالقضاء علي الندماء المذكورين، فانتهز المترجم فرصة للهرب، و اكتسي كسوة القلندرية … ثم توصل بصورة … فقرأ للأمير تيمور لنك القرآن بصوت عال فانجذب إليه … و من ثم بسم له الدهر مرة أخري، فنال المنزلة اللائقة عنده، و حصل علي عفوه و تقريبه … و بعد وفاة الأمير تيمور صار من ندماء شاه رخ و بقي في خدمته إلي سنة 838 ه فحدث في هذه السنة

الطاعون فأصيب به و مات …

و له مؤلفات عديدة:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 99

1- شرح الأدوار. شرح به كتاب الأدوار لصفي الدين الأرموي.

و الشرح بالفارسية.

2- زبدة الأدوار. اختصر به كتاب الأدوار و شرحه و جعله كتابا مستقلا و هو فارسي أيضا.

3- جامع الألحان. فارسي قدمه إلي شاه رخ.

4- الموسيقي. كتبه قبل أن يقدمه إلي شاه رخ. رأيت مسودته.

و سنتعرض لوصف هذه المؤلفات في التاريخ العلمي و الأدبي …

و المترجم يعد من أكابر الموسيقارين وقفت الموسيقي عند هذا النابغة و صار من جاء بعده عالة عليه … و له الأثر الكبير في نقل الموسيقي العربية إلي اللغة الفارسية و عين مكانة الموسيقي المغولية و التركية من الموسيقي العربية … و في الضوء اللامع ذكر أنه أستاذ في الموسيقي، كان من ندماء شاه رخ …

و جاء في الغياثي أن الأمير تيمور، أصبح بغداد يوم السبت 21 شوال سنة 795 ه … و انهزم السلطان أحمد … ثم بعد ذلك طلب من الأهلين (مال الأمان) و هو الضريبة الحربية التي فرضها علي الأهلين، و أخذ كل من كان من أرباب الفضل و الصنائع الدقيقة مثل الخواجه عبد القادر و غيره، و أرسلهم إلي سمرقند …

هذا. و قد أفردت له ترجمة موسعة في (تاريخ الموسيقي العراقية في عهد المغول و التركمان)، و وصفت مؤلفاته …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 100

136 حوادث سنة 839 ه- 1435 م

137 إربل و الموصل:

من حين علم الأمير أسپان بقتلة شاه محمد و ذهاب ابنه علي شاه إلي إربل سار إليها، فلما سمع حاكمها ميرزا علي نهب البلد و خربه، و أصعد بعض الناس بأموالهم إلي القلعة، و تحصن بها …

و من ثم وصل الأمير أسپان و رأي البلد

قد تخرب (هو القسم الأسفل)، فاشتغل بحصار القلعة … و جرت بينه و بين ميرزا علي و أهل القلعة حروب كثيرة، فلم ينل مأربا، فاتخذ بعد خمسة أشهر أو ستة من حصاره طريقه إلقاء السم في الآبار دون أن يشعر أحد. فأضروا بالأهلين كثيرا إلا أنه لم يتيسر لهم إلقاء السم في بئر ميرزا علي، و كان يظن أن الموت قد وقع بسبب طول الحصار، فأعطاه الأمير أسپان الأمان، و حلف له أنه لا يقتله، فنزل إليه هو و أولاده، و تزوج بنته بلقيس باشا، و جعل في إربل أميرا، و رحل منها إلي الموصل، و كان قد أمر أن يدس السم إلي تشمال زينل حاكم الموصل ليقضي عليه فتم له الأمر، و استولي علي الموصل، و نصب فيها عيسي بك حاكما، ثم عاد إلي بغداد و ميرزا علي معه … و هو ابن أخي قرا يوسف كما جاء في العيني …

138 الوزير و المشعوذ- جزيرة عبادة:

بينما كان الأمير أسپان محاصرا بلدة إربل أنفذ وزيره الخواجه پير أحمد إلي جزيرة عبادة لاستيفاء أموالها، فلما وصل إليها جاءه رجل زعم أنه من نسل سلاطين استراباد يدعي نظام الدين أسد اللّه الحسيني، و كان يتظاهر بأمور تخالف الشرع، منكرا الواجبات الدينية، فأحضره الخواجة پير أحمد إلي الأمير أسپان فطلب منه أن يعلمه الأكسير حتي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 101

يبصر، فقال له هذا يحتاج إلي أعشاب و أدوية لا يتيسر الحصول عليها في هذه الأنحاء، و إنما توجد في ماردين، فأرسل معه الخواجة پير أحمد، و كان اعتمد أسپان قوله، فذهبا معا و لم يرجعا …

قال الغياثي: ثم وردت الأخبار بأنهما استهويا سلطان مصر أيضا، فبذل أموالا كثيرة، فلم ينجحا

في مسعاهما، فاستفتي السلطان العلماء في شأنهما، فأفتوا بقتلهما فقتلا …

و هذه الحادثة تعين عقلية أولئك الأمراء، و درجة تأثير الشعوذة عليهم، فكان الصوت للتنجيم شائعا، و له التأثير الكبير علي الأمراء في الذهاب و الإياب، و السفر و الإقامة … فمن الأولي أن يغش الأهلون في جزيرة عبادة بهذا و أمثاله من المشعشعين لتمكن الخرافات فيهم.. و لم ينج من ذلك حتي أمير بغداد و وزيرها …

139 الأمير اسكندر- جوكي:

جاء في الضوء اللامع أن الأمير جوكي بن شاه رخ قد قتل في وقائع جرت بينه و بين الأمير اسكندر ممتلك تبريز آخرها هذه … فمات في شعبان سنة 839 ه و قد مر ذكر أخيه إبراهيم في السنة الماضية، و عين صاحب الضوء أن وفاة الإخوة الثلاثة كانت في هذه السنة …

و يلاحظ هنا أن وقائع بغداد لا تزال غامضة، و لم يتعرض لها المؤرخون في الخارج إلا بصورة مبتورة، و كانت كثيرة علي ما يظهر …

فلم نتمكن أن نعلم أمراء الموصل، و لا أمراء بغداد و البصرة بالترتيب و لا ما قاموا به من أعمال …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 102

140 حوادث سنة 840 ه- 1436 م

141 مد و أمراض في البصرة:

في هذه السنة حدث في البصرة موت كثير من عدة أمراض، و مات خلق عظيم، و كان يموت كل يوم ثلثمائة نفس … و سبب ذلك زيادة (المد) حتي علا علي وجه الأرض، و أحاط بالبصرة يومين و ليلة، ثم نقص فظهرت من جراء ذلك الأمراض …

142 وفيات
143 ابن نصر اللّه البغدادي:

هو عبد الرحمن بن نصر اللّه بن أحمد البغدادي الحنبلي نزيل القاهرة، و أخو المحب أحمد … و يعرف بابن نصر اللّه. ولد في جمادي الآخرة سنة 771 ه ببغداد، و نشأ بها، فأخذ عن أبيه و أخيه و غيرهما، و انتقل إلي القاهرة. فرقي حتي ناب في القضاء عن ابن المغلي، ثم عن أخيه بل ولي قضاء صفد استقلالا … مات يوم الجمعة 9 شعبان سنة 840 ه.

144 حوادث سنة 841 ه- 1437 م

145 و باء عام في بغداد و غيرها:

وقع وباء عام في بغداد و جميع البلاد المجاورة لها، أخلاها من الناس، فخرج الأمير أسپان بعساكره من بغداد، و ذهب إلي بند قريش

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 103

و هو ملتقي نهر ديالي بنهر دجلة، ثم رحل، و نزل موطنا آخر، و بقي علي هذه الحالة يتجول إلي أن انقطع الوباء، ثم رجع إلي بند قريش، و ترك مزيد چوره نائبا عنه ببغداد، و لم يمت من عسكره أحد. و كاد يقضي الوباء علي أهل بغداد، و الأنحاء المجاورة … ففي الحديثة لم يبق غير سبعة أشخاص فارتاع من ذلك حاكمها و اسمه حارث فتوجه في سفينة إلي أسپان في الفرات … فمات بالسفينة، و قطع رأسه و جي ء به إلي أسپان فاغتاظ من ذلك، و أنكر هذه الفعلة …

ثم إن أسپان رحل بعد انتهاء الوباء من بند قريش، و توجه إلي الحلة، فمرض فيها … و كان قد تحالف ميرزا علي ابن أخي قرا يوسف، و زاهد، و قطلو بك العراقي علي أنهم إذا دخلوا علي الأمير أسپان ليعودوه قتلوه، و قتلوا الأمير شيخي معه و سلطنوا ميرزا علي …

فأوصل الأمير شيخي الخبر إلي الأمير أسپان فقبض عليهم في تلك الليلة و أحضرهم

… فأمر أسپان بقتل ميرزا علي و أولاده جميعا حتي الأطفال الذين في المهد، و كانت بلقيس باشا بنت ميرزا علي عند أسپان، فلما قتلوا بحضرتها بكت بغير اختيار، و صاحت فأمر بخنقها فخنقت …

ثم تعافي الأمير أسپان بعد ذلك، و توجه إلي بغداد، و حكم بها مدة …

و الملحوظ أنه لم يقع اتفاق و إنما أراد الأمير شيخي أن يستبد بالحكم بعد وفاة الأمير أسپان فقام بترتيبه هذا، و لكن لم يفلح نظرا لتحسن صحة الأمير أسپان و شفائه من مرضه …!

و جاء في السلوك لدول الملوك: «كان في هذه السنة حاكم بغداد أصبهان ابن قرا يوسف و قد خربت بغداد، و لم يبق بها جمعة و لا جماعة، و لا أذان، و لا سوق، و جف معظم نخلها، و انقطع أكثر أنهارها بحيث لا يطلق عليها اسم مدينة بعد أن كانت سوق العالم …» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 104

146 الأمير اسكندر
147 1- وفاته:

إن الأمير اسكندر كان قد اغتاله ابنه قباد، قتل ليلة الأحد 25 شوال سنة 841 ه كذا في منتخب التواريخ، و في جامع الدول ذكر سبب قتله في حوادث سنة 837 ه، و جاء في الغياثي أنه قتل في ذي القعدة سنة 841 ه فخلفه الأمير جهان شاه، و صفا له الأمر في أذربيجان … و مثله في الضوء اللامع …

148 2- ترجمته:

كان قد ولي بعد والده قرا يوسف، و عرف بالشجاعة، و لم يكن في طائفته من يدانيه في الإقدام إلا أن دولته كانت مضطربة، مفرقة الأوصال، جاءها بهذه الحالة …

كان عند وفاة والده في الكرخيني عصي أوامر والده قبل وفاته، و أن أسپان و جهان شاه توجها إلي شاه محمد ببغداد، و أبو سعيد مضي إلي جصان في سنة 824 ه فوصلت الحكومة إلي اسكندر يوم السبت 28 رجب سنة 824 ه، و اشتبك بالمعركة مع شاه رخ في موضع يقال له بخشلي (بخشي) في حدود الشكر، و كانت الحرب طاحنة، و استمرت ثلاثة أيام و كان هولها عظيما. و في اليوم الثالث فر الأمير اسكندر من وجه عدوه، و جاء إلي حدود الفرات … و إن شاه رخ بعد هذه الحروب الطاحنة عاد إلي خراسان، فرجع الأمير اسكندر إلي تبريز و جلس علي سرير الحكم هناك، و استولي علي أذربيجان.

و في سنة 827 ه قتل عز الدين شير ملك الكردي في أردبيل.

و في سنة 828 ه قضي علي ملك أخلاط الأمير شمس الدين. و في سنة 830 ه سار إلي شيروان، و أضر بشماخي كثيرا، و خرب تخريبات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 105

عظيمة … و في سنة 832 ه أخرج رجال

شاه رخ من السلطانية و استخلصها، و في السنة نفسها وافي إليه شاه رخ للمرة الثانية فتقدم إلي أذربيجان ليقطع دابر الأمير اسكندر، عازما عزما أكيدا علي إنهاء غوائله … و في ذي الحجة من هذه السنة تحاربا في ظاهر سلماس فدام القتال يومين متتابعين، فلم يطق الأمير اسكندر صبرا، لما رأي من وقع، فانسحب فارا إلي الروم، كما أن شاه رخ عاد ثانية إلي خراسان …

و في سنة 834 ه عاد اسكندر الكرة إلي أذربيجان فاستولي عليها، و قتل أخاه الأمير أبا سعيد المنصوب من جهة شاه رخ علي أذربيجان، و في سنة 837 ه هاجم الأمير اسكندر شيروان للمرة الأخري، و أغار عليها فقتل فيها تقتيلا عاما. و في سنة 838 ه سار شاه رخ عليه مرة أخري، و تقدم نحو أذربيجان فوصل الري، و حينئذ جاء إليه الأمير جهان شاه أخو الأمير اسكندر، و عرض له الطاعة و ذلك في منتصف ذي الحجة من السنة المذكورة، فأعزه و قربه، و كذا وافي إليه سائر التركمان أمثال الأمير علي ابن الأمير شاه محمد بن قرا يوسف، و الأمير بايزيد و كانوا من متميزي رجال التركمان، مالوا إليه و التحقوا به … و حينئذ نهض شاه رخ متوجها نحو أذربيجان و لما لم تكن للأمير اسكندر قوة تستطيع الحرب، و تقابل عدوها ترك أذربيجان و في أثناء هزيمته صادف قرا عثمان البايندري في طريقه فحاربه و قتله في حدود الروم سنة 839 ه.

و ما جاء في القرماني من أنه قتل سنة 809 فغير صحيح، و قال:

إنه انهزم فوقع في خندق بأرض أرزن الروم فمات و دفن هناك، ثم أخرجه الأمير اسكندر من قبره بعد

ثلاثة أيام و حز رأسه، و أرسله إلي القاهرة فنصب رأسه علي باب زويلة و فرح أهل مصر بذلك لأن الناس كانوا في خوف من جهته لكثرة حروبه و شدة فتكه …

و في الغياثي: «لما انهزم الاسكندر إلي أرزن الروم أرسل خلفه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 106

شاه رخ أميره بابا حاجي و لم يبق بينهما إلا مرحلة حتي اجتاز الأمير اسكندر بلاد قرا عثمان فمال عليه ميلة مستميت فكسر، و قتل من عسكره جماعة كثيرة، و هرب قرا عثمان فتبعه فجاز القنطرة يريد الدخول إلي المدينة، فلحقه الأمير اسكندر، و طعنه فرماه في الخندق بفرسه فقضي نحبه … و مر اسكندر بجماعته هاربا، و لم يلتفت إلي أسلاب القتلي حتي نزل بموضع يقال له (كوكجه بلاق) فلما مر بابا حاجي بالقتلي من جماعة قرا عثمان ارتاع لما رأي من هذا المنظر، و هاله الأمر، فلم يتجاوز، و نهب أسلاب القتلي و رجع إلي تبريز …» ا ه.

أما شاه رخ فقد وصل إلي أذربيجان، و فوض الحكم فيها إلي الأمير جهان شاه، فامتد حكمه من حدود الروم إلي حدود الشام …

منحه إدارتها، ثم عاد سنة 840 ه إلي موطنه خراسان، و لما علم الأمير اسكندر بعودته رجع من بلاد الروم، و تأهب لحرب جهان شاه في (صوفيان) من تبريز، فقهر في هذه المرة أيضا، و انهزم إلي قلعة النجاق (النجا، النجه) … و تحصن بها و هناك قتله ابنه (شاه قباد) في 25 شوال سنة 841 ه و ذلك أنه في مدة الحصار اتفق أن ابنه تعشق امرأة يقال لها (كنيز) كانت حظية والده، فعلم بذلك جهان شاه فأغراهما بقتل الأمير اسكندر فطاوعتهما أنفسهما،

فارتكبا قتله، و سلمت حينئذ القلعة، و اقتص جهان شاه من الابن القاتل و من تلك المرأة في سنة 841 ه.

و علي ما جاء في لب التواريخ إنها كانت تدعي (ليلي).

و في الضوء اللامع أنه «خربت البلاد في أيامه إلي أن مات ذبحا علي يد ابنه (قوباط) في ذي القعدة عندما كان محاصرا في قلعة النجباء (النجاق) … و كان شجاعا مقداما أهوج فاسقا لا يتدين بدين، ذكره المقريزي مطولا في عقوده …» ا ه و مثله في المنهل الصافي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 107

و كانت مدة حكمه 16 سنة قضاها بالحروب، فلم يتم له أمر، و لا رأي راحة … و أما العراق فهو بمعزل عنهم تقريبا، و كفاه ضررا ما أصابه من حكامه …

و من أولاه: الوند، و قاسم بك، و أسد، و رستم، و ترخان ملك، و محمد، و شاه علي و له بنات أيضا، و قد ذهب الأولاد إلي الأمير أسپان في بغداد. و ذكر صاحب آثار الشيعة الإمامية من بناته آرايش بيكم، و أوروق سلطان.

و بعد وفاة الأمير اسكندر تمكن الأمير جهان شاه في الإمارة، و بقي مستقلا … في إدارته …

149 وفيات
150 1- ابن فهد الحلي:

هو الشيخ العلامة أحمد بن محمد بن فهد الحلي الأسدي. و له شهرة كبيرة، و مكانة بين علماء الشيعة سواء في الأصول أو في الفروع، أو في التصوف. أخذ عن الشيخ مقداد السيوري (مرت ترجمته)، و عن الشيخ فخر الدين أحمد بن المتوج البحراني، و علي ابن الخازن الحايري، و السيد بهاء الدين أبي القاسم علي بن عبد الحميد النيلي النسابة النقيب صاحب كتاب الأنوار الإلهية.

و روي عنه الشيخ علي بن هلال الجزائري، و الشيخ عبد

الشفيع بن فياض الأسدي الحلي، و السيد محمد بن فلاح المشعشع.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 108

و من تصانيفه:

1- المهذب البارع إلي شرح النافع.

2- كتاب المقتصر.

3- شرح الإرشاد.

4- الموجز الحاوي. و هذا شرحه الشيخ مفلح الصيمري.

5- عدة الداعي. مطبوع و معروف.

6- استخراج الحوادث المستقبلة من كلام أمير المؤمنين.

و ترجمته في روضات الجنات. و في كتابه الأخير أودع جملة من أسرار العلوم الغريبة …

توفي سنة 841 ه و هو ابن 58 سنة و قال آخرون ولد سنة 757 ه و قبره في كربلاء، و لا يزال معروفا …

151 حوادث سنة 842 ه- 1438 م

152 الأمير أسپان- آق قوينلو:

بعد أن ذهب الوباء، و استقرت الحالة تراجع الناس، و مضت مدة اكتسب فيها القطر أوضاعه الاعتيادية … و من ثم عزم الأمير أسپان أن يسير إلي أنحاء (البايندرية) و كان أميرهم آنئذ (سلطان حمزة). و هذا خلف والده قرا عثمان … مضي الأمير أسپان إلي الموصل، و ترك زوجته نكار شاه خاتون ببغداد، فوصل إليها، و منها سار إلي (تل كوكو)، أراد أن يذهب خفية دون أن يعلم أحد فوصل إلي شيخ كندي، فشاع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 109

خبره، و حينئذ رجع إلي الخاتونية، فأخذها و نصب بها الأمير محمدا بن شي للّه، و رجع إلي حدود ماردين، فنزل بعسكره هناك، و منها توجه عيسي بك من أمرائه بعساكره للحصول علي غلة لإعاشة الخيول كما أن العسكر قد جاع، و الموسم أول الحصاد فتوجهت الجواسيس و أخبرت السلطان حمزة أن المعسكر خلا من الجيوش … و من ثم هاجم أسپان علي حين غرة … و لم يكن معه آنئذ سوي ثلثمائة فارس يقدمهم (سعاد تيار) فتحاربوا إلي وقت الغروب، و قتل في المعركة سعاد

تيار بضربة رمح، فلم ير أسپان بدا من الهزيمة فهرب الرجال و النساء، و تركوا الأثقال، فرجع أسپان متنكرا إلي الخاتونية بشر ذمة قليلة فاقتفي البايندرية أثره، ففارقها و ذهب إلي سنجار و الحيال، فرجعوا عنه من الخاتونية …

جاء الموصل، و بقي هناك مدة حتي اجتمع الجيش إليه …

أما عيسي بك و عسكره فقد عادوا، و لم يروا أحدا، فانسحبوا إلي ناحية أسپان منهزمين، و جاؤوا الموصل …

ثم توجه أسپان إلي بغداد، و مكث فيها نحو سنة.

و هنا قد بين الغياثي أن هذه الواقعة حدث في 5 ذي الحجة سنة 840 ه مع أنه ذكرها بعد حادثة الوباء. و الحال أن السلطان حمزة صار أميرا بعد وفاة والده فمن المستبعد أن تقع قبل الوباء، فلا احتمال أن تكون في العام الذي عينه الغياثي و الظاهر أنها كانت سنة 842 ه …

153 الانتقام من آق قوينلو:

بعد أن قضي الأمير أسپان نحو سنة خرج من بغداد، و توجه إلي إربل، و مكث بها مدة ثم عزم أن يثأر من البايندرية، فسار بألف و معهم ألف جنيب و وصل إلي حدود ماردين. و في أثناء سيره عثر في طريقه علي طائفة من البايندرية يقال لهم (دبانلو)، و كانوا قد نزلوا علي آبار هناك، يرعون ماشيتهم، فما أحسوا إلا و قد أحاط بهم جيش الأمير في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 110

منتصف الليل، و قتلوهم عن آخرهم، و نهبوا الأموال و النساء و الذراري، و رجعوا إلي أربل …

ثم عاد الأمير أسپان من إربل إلي بغداد.

و هذه الواقعة لم يعين تاريخها بالضبط، و علي كل كانت قبل واقعة المشعشع … و قد راجعنا تواريخ عديدة فلم نظفر بوقت وقوعها بالضبط …

154 حوادث سنة 844 ه- 1440 م

155 ظهور المشعشع
156 المشعشع و تاريخ ظهوره:

ذكر مؤرخون كثيرون المشعشع و أخلافه إلا أننا رأينا أكثر من تكلم عليه الغياثي في تاريخه. و هذا نظرا لنقص في النسخة الموجودة و ضياع بعض الأوراق منها لم يتيسر الإطلاع علي تمام مباحثه فمن الضروري أن نرجع إلي مؤرخين آخرين نستطلع آراءهم و نتحري النصوص الصحيحة … و من المصادر المهمة في هذا الباب (رياض العلماء) و كتب أخري عديدة تعرضت لهم في أوقات مختلفة و عصور متوالية و آخر من كتب عنهم عبد العزيز الجواهري في كتابه (آثار الشيعة الإمامية) و هذا عول علي بعض الكتب فوقع في أغلاط كبيرة و سوف نمحص الأقوال فيهم و أعظم وثيقة تاريخية اعتمدناها (مجموعة خطية) قديمة تنقل عن الغياثي و عن غيره و هي مهمة في بابها، تصحح ما جاء في الغياثي و تنقل عنه و توضح ما نقص و تكمل المباحث

من غيره … و هذه أيضا ناقصة الآخر و يكملها ما نقلته عن الكتب الأخري بمراجعة أصلها كما سيتوضح … و المهم أن نمضي إلي التعريف به و نعين نهضته و حروبه في الحويزة و الجزائر و واسط، و استيلائه علي النجف الأشرف.. و الحاصل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 111

نبين علاقته بالعراق في مختلف التواريخ … و نفصل الآن ما يتعلق بتاريخ ظهوره و وقائعه القريبة فنقول:

هو السيد محمد ابن السيد فلاح ابن السيد هبة اللّه ابن السيد حسن ابن السيد علي المرتضي ابن السيد عبد الحميد النسابة ابن السيد أبي علي فخار ابن السيد أحمد ابن السيد أبي القاسم محمد ابن السيد أبي عبيد اللّه الحسين ابن السيد محمد بن إبراهيم المجاب ابن السيد محمد العابد الصالح ابن الإمام موسي الكاظم (رض) و مسقط رأسه في واسط، تخرج علي الشيخ أحمد بن فهد الذي هو من أكابر الصوفية و أعاظم مجتهدي الشيعة الاثني عشرية.

و في تحفة الأزهار لابن شدقم: أنه وجد في النسخ التي حصل عليها اختلافا من زيغ الأقلام، و من عدم الاعتناء بحفظ الأنساب و نقل ما أورده كل واحد، و بين أوجه الاختلاف و كان ذلك في أجداد السيد محمد بن فلاح، و لكنه عين أنه من أولاد موسي الكاظم عليه السلام و أورد فروعه …

و كان للشيخ أحمد هذا كتاب في العلوم الغريبة. و لما حضرته الوفاة أعطي الكتاب إلي خادمته لتطرحه في الفرات و أن السيد محمد المترجم- بحيلة- تمكن من الحصول عليه. و أنه أجري بعض المخاريق و النيرنجات علي الأعراب الساكنين في حدود خوزستان فتابعوه و اعتقدوا صحة ما أظهره. و كان يلقن المتخرجين عليه

و المتتلمذين له أن الذكر ينطوي ضمن تعليم اسم (علي) و بالنظر لهذا كانوا ينطقون بالذكر باسم علي، و يتلقفون من السيد محمد أعمالهم و هي (كيفية التشعشع) و حينئذ كان يتحجر بدنهم و يرتكبون أمورا خطيرة في هذه السبيل، كانوا يضربون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 112

بطونهم بالسيوف فتخرج من ظهورهم دون أن يصيبهم أذي و كان يلقي هو شيئا ثقيلا في نهر عميق أو ماء فيرسب إلي عمقه، ثم يناديه فيطفو، و يخرج علي وجه الماء و ما ماثل ذلك من شعوذة و نيرنجات.

هذا ما دعا أن ينتشر أمرهم و يأخذ به الإعراب و يزداد كل يوم، و صاروا ينعتون هذا القائم (بالمهدي). و كان ظهوره عام 827 ه، فوصل به الأمر إلي أن استولي علي جميع خوزستان مثل شوشتر و دزفول و الحويزة.

و تفصيل أحواله قصها الغياثي في تاريخه، فقال بدأ ذكره و ظهر عام 820 ه و ادعي المهدوية و في تلك السنة حدث القران فدل علي ظهوره، و من تأثير هذا القران طلب اسپند (أسپان) ميرزا بن قرا يوسف التركماني فقهاء الشيعة و كان آنئذ والي العراق للمناظرة مع فقهاء بغداد و المباحثة معهم فتغلب فقهاء الشيعة في هذه المباحثة فاختار الميرزا المذكور مذهب الشيعة و ضرب السكة باسم الأئمة الاثني عشر.

و المترجم (السيد محمد) من أولاد عبد اللّه بن موسي بن جعفر …

و في مبادي ء أحواله اشتغل بطلب العلوم و دخل في خدمة الشيخ أحمد بن فهد الحلي و كان مجتهد الشيعة آنئذ، دخل المدرسة هناك و استفاد منه، و في تحفة الأزهار أن أستاذه أحسن تربيته، و كان قد مات والده و هو طفل فتزوج الشيخ أحمد

بوالدته و أن هذا الشيخ قد زوجه إحدي بناته … و عند بلوغ أستاذه الأجل دفع الشيخ إلي إحدي إمائه كتابا محتويا علي فوائد عجيبة، و غرائب خفية طريفة، و أمرها بإلقائه في شط الفرات، فعارضها محمد المهدي، فطلبه منها فمنعته عنه لبلوغ مرامها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 113

منه فمناها بالمحال قاصدا الأزدبان بطائفة خفاجة، فسألها الشيخ عن الكتاب فقالت ألقيته، فقال ما رأيت؟ قالت ما رأيت شيئا. و كان في علم الشيخ أنها إذا ألقته يضطرب الشط، و يخرج منه دخان عظيم، يعلو إلي أفق السماء، فلزم عليها أن تصدقه، فقالت دفعته لمحمد المهدي، فأرسل خلفه فوجده مزدبنا خفاجة فطلبه منه فأنكر محمد، و احتج بأن الشيخ قد خرف من المرض، و أنه سني المذهب و أني إمامي المذهب … فمنعوا الرسول عنه … و لما جن الليل مضي عنهم هاربا … فشغف بمطالعته … و ذهب إلي الحويزة، و هناك أظهر خوارق عديدة ذكرها و كانت الحويزة آنئذ تابعة للعبادي و مضي إلي ذكر وقائع سنة 844 ه.

قال الغياثي: «و في ذلك الأوان كان يجري أحيانا علي لسان السيد محمد قوله (سأظهر، أنا المهدي الموعود) و هذه الكلمات نقلت إلي الشيخ فأنكرها علي السيد و زجره أن يفوه بها و ذلك لأنها مما يخالف مذهب الشيعة الاثني عشرية.

إن هذا السيد كان جامع المعقول و المنقول، و صوفيا صاحب رياضة و مكاشفة و تصرف و كان يخبر عن ظهوره لما يتجلي له من المكاشفة … و من الرياضات التي يقوم بها أنه اعتكف مرة في جامع الكوفة لمدة سنة كاملة و صار يقتات بشي ء قليل من دقيق الشعير، و قد ظهر منه

تخليط في ابتداء ظهوره في سنة 840 ه حتي أمر أستاذه بقتله.

قال في كتاب إيجاز المقال، في علم الرجال: له كتاب رأيته يميل به إلي الحلولية معدن تخليط و زخارف، غلب علي عقول بعض الناس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 114

في التاريخ المذكور، و قد نقل الغياثي أن ولده المولي علي حكم في زمانه و قتل بسهم في حصاره لقلعة بهبهان سنة 861 ه و بقي السيد محمد أبوه بعده يتولي الأمور. و مات يوم الأربعاء 7 شعبان سنة 866 ه و تولي بعده ولده المحسن. و وطنه الأصلي واسط و قد أقام في الحلة مدة و قد أوضح ذلك في بعض الأبيات من قصيدة له:

إقامتنا بأرض العراق بواسط مدينة أهل العلم و البر

كان يصاحب الأمراء هناك ويراهم يتمرنون علي ضرب النشاب فيدعونه ليزاول معهم الرمي فكان يجيبهم أنه سيقوم بالرمي، و سيتراكض الناس خوفا و هلعا … و هكذا توطن مع أهليه و عشيرته و أقام مدة و كان يقول لهم سأفتح العالم، و أنا المهدي الموعود، و سأقسم البلاد و القري بين أصحابي و أتباعي فوصلت كلماته هذه إلي الشيخ أحمد بن فهد الحلي أيضا فأفتي بقتله و كتب إلي الأمير منصور بن قبان بن إدريس العبادي يحثه علي قتله و استحلال دمه … فلما وصل الكتاب ألقي القبض علي السيد المذكور و عزم علي قتله فدافع عن نفسه قائلا: «أنا سني، صوفي، و هؤلاء الشيعة أعدائي، يتطلبون قتلي. و أخرج المصحف المجيد و حلف لتوثيق الأمير و تكلم بكلام آخر و علي هذا اطلق الأمير منصور سبيله و فك قيوده فنجا و انسحب لموضع يقطنه (المعادي) و هم الجماعة الأولي التي

التفت حوله و انضمت إليه و يقال لها (عشيرة بني سلامة) فكانت خير فأل له، فاتحة خير و سلامة، ثم جاءته طوائف أخري من العرب من الرزنان، و السودان و بني طيي ء ممن يقطن ساحل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 115

البثق و حوالي الغاضري من الأنهار المتفرعة عن دجلة فنزلوا هناك و تجمعوا عليه، و عند ذلك ادعي المهدية. و ظهرت علي يديه بعض الخوارق ثم رحل من هذا المكان إلي محل يقال له شوقه و هو من قري جصان فلما سمع حاكم ذلك المكان خرج عليهم و قتل فيهم كثيرا و أخذ أسري …

و هذه الواقعة جرت أوائل سنة 844 ه. و بعدها عادوا إلي مواطنهم الأصلية و هي البثق و النازور و الغاضري. و بعد مدة ارتحلوا إلي الدوب و هو محل نزول طائفة المعادي بين دجلة و الحويزة فاستقروا هناك. أما ابنه السيد علي المعروف (بالمولي علي) فإنه بناء علي طلب أصحابه الذين كانوا معه في البثق و النازور و الغاضري قد عزم علي الرحيل و ذهب لخدمة والده مع الطوائف التي كانت معه و في طريقه قضي علي بعض القبائل المعادية فجاء إلي أبيه بمال كثير و رجال عديدين. و في هذه الأثناء أمر طائفة المعادي المشهورة باسم (نيس) أن تبيع ما لديها من بقر و جاموس و تشتري أسلحة حرب و هؤلاء قد باعوا كل بقرة بسيف و عشرة دراهم، فلما تمت أسلحتهم ساروا إلي ناحية أبي الشول و هي قرية من قري الحويزة فوصلوا إلي هناك يوم الجمعة 7 رمضان لسنة 844 ه و في ذلك اليوم قتل خلق كثير من أهل الحويزة و الجزائر و ذلك أن

حاكم الجزائر الأمير فضل بن عليان التبعي الطائي كان قد حدثت بينه و بين إخوته نفرة فجاء هذا من الجزائر إلي الحويزة و نزل قرية أبي الشول و كان من رجاله من هم من أهل الجزائر و مال إليه جمع كثير و صار في معاونة أهل الحويزة. فالسيد محمد لم ير مصلحة في بقائه هناك فعاد إلي الدوب …

و بعد مدة وجد أن قد ظهر في قومه ضيق و قحط فساق جيوشه نحو واسط و ما والاها و هناك تحارب و قتل نحو أربعين من المغول و فر و هناك مال السيد محمد إلي العشائر الرحل فأغار عليهم و استولي علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 116

غلاتهم و أموالهم لدفع ما أصاب عشائره من جوع و اضطراب، و هذه الحادثة وقعت في 13 شوال من السنة المذكورة.

و بعد هذه الواقعة بمدة يسيرة سار السيد محمد بجيشه نحو الجزائر و ذلك أنه كانت لا تزال المخالفة بين رؤساء الجزائر قائمة، و أن بعض رؤسائهم و هو المسمي بشحل قد جاء إلي السيد بأصحابه و دخل في خدمته. و هذا نصبه حاكما في الجزائر …

و في هذه الأيام صار يهاجم السيد محمد المذكور كل يوم القبائل المعادية له و يقتل فيهم حتي لم يبق في الجزائر غير من كان قد أخلص له أو توافق معه … و قضي علي من خالفه …

و علي حين غرة سير نحو ثلاثة آلاف محارب إلي واسط و أن حاكمها قد كسر لأول مرة ثم عاد الكرة فانتصر و قتل ثمانمائة من المشعشعين و هلك منهم أثناء الهزيمة الكثيرون و هذه ولدت في المشعشع فتورا و انهكت قواه بسبب امّحاء غالبهم

… و من ثم رحل من الجزائر إلي الحويزة و خرب القري هناك و قتل كل من صادفه …

و هذه الواقعة جرت في أول رمضان سنة 845 ه و كان الحاكم هناك الشيخ جلال الدين ابن الشيخ محمد الجزري و هو منصوب من السلطان عبد اللّه بن ميرزا إبراهيم بن شاه رخ. فكتب حالا بما وقع و بسط تفصيل الوقعة للسلطان عبد اللّه و حينئذ سير السلطان أحد أمرائه مير خدا قلي برلاس فجاء إلي الحويزة و كذا وصل في أثره الشيخ أبو الخير فجمع العساكر الكثيرة من شوشتر و دزفول و الدورق و هؤلاء أقاموا في الحويزة لمدة شهر واحد و أن السيد محمد أقام في أبي الشول.

و في هذه الأثناء قتل الشيخ أبو الخير بعض رؤساء تلك الأنحاء بلا جريرة أو جرم فنفرته قلوب الأهلين هناك فتفرقوا منه … أما السيد محمد فإنه لما علم بالخبر أمر بالتأهب و عاجل في الاستيلاء فأمر النساء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 117

أن يلبسن عمائم في رؤوسهن، و جعل البقر وراء رجاله فرتبهم علي مراتب فسلوا السيوف و تقدموا متوجهين نحو أصحاب الشيخ أبي الخير.

و هذا رأي الكثرة فهالته و اضطرب منها هو و من معه فلم يستطيعوا البقاء ففروا من وجه المشعشع وجيشه … و بعد ذلك اتفق مير خدا قلي و أصحابه و الجم الغفير من أهل الحويزة فخرجوا من البلد و هربوا …

و عند ذلك اطلع السيد محمد علي الأمر فعقب أثرهم إلي أن ورد ولاية (مشكوك) فقتل كل من ظفر به منهم و عاد إلي الحويزة و زاول حصارها و صار يحاول أخذها …

و في هذا الحين جاء الخبر بمحاصرة الحويزة

إلي الأمير اسبند (أسپان) ابن قرا يوسف حاكم بغداد فجمع جيوشه و توجه نحو الحويزة فوصل واسطا و حينئذ وافي إليه أمير طائفة مزرعة، و أمير بني مغيزل و طلبوا منه أن يمدّهم، و أن ينقذ بلد الحويزة من يد المشعشع …

ذلك ما دعا الأمير أسپان أن يسير مع هؤلاء إلا أنه أمر أن يذهبوا أمامه إلي (الجوير) و قال لهم إني سأصل في أثركم. و في هذه الأوقات ألف الشيخ أبو الخير مقدارا من الجيش الذي تمكن من جمعه ليتقدم إلي الحويزة فلما سمع بخبر الأمير أسپان عاد إلي شوشتر و جاء جيش الأمير أسپان حوالي الحويزة و هؤلاء تقاتلوا مع مقدمة جيش السيد محمد فكسر عسكر السيد محمد فلما سمع السيد محمد رحل عن أراضي الحويزة و انسحب إلي موقع يقال له (طويلة) و وصل الأمير أسپان إلي الحويزة و دخل جيشه المدينة فنزلها و حصل علي أموال كثيرة. و لم يطل أمد بقائه حتي سار علي عجل إلي ناحية طويلة و قتل جموعا كثيرة من المشعشع …

أما السيد محمد فإنه بعث بقاصد إلي الأمير أسپان و قدم إليه هدايا و تحفا كان قد استولي عليها من الشيخ أبي الخير و اعتذر له و كتب كثيرا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 118

و بإلحاح لإقناعه و قبول هداياه … فرضي عنه الأمير أسپان و حمل السفن أرزا و سيرها نحو ناحية السيد محمد فرحل أكثر الأهلين في الحويزة من طريق (شلوه) إلي جهة البصرة …

و لما رجع الأمير أسپان عاد السيد محمد إلي الحويزة و أغار علي من تخلف من جماعة الأمير أسپان في الحويزة و لم يكتف بهذا و إنما استولي المشعشعون

علي سفن الأمير أسپان التي سيرها من أنحاء البصرة إلي واسط و فيها من الرخوت و أنواع المأكولات و قتلوا من فيها و حينئذ سمع الأمير أسپان بالخبر فجاء من البصرة إلي بغداد و في هذا الأوان جهز السيد محمد جيشا علي واسط حاصر قلعة (بندوان) لمدة ثلاثة أيام و هذه من محدثات الأمير أسپان فلم يفد الحصار إلا أنه بعد هذا انضمت إلي السيد محمد المذكور قبائل كثيرة من تلك الأنحاء من قبيلة عبادة و بني ليث، و بني حطيط، و بني سعد، و بني أسد فاتصلوا به فزادت قوته و كثر أعوانه لحد أنه سير جيشه علي البصرة فلم ينجح و استولي علي الرماحية فتصرف بها و هناك بني قلعة …

و هكذا استمرت وقائعه إلي ما بعد عودة الأمير أسپان إلي بغداد مما سيأتي في حينه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 119

و ملخص القول: إن العقائد لا ينكر تأثيرها في تسيير الجماعات و الأفراد. و لم يكن ليعرف في غالب الأحوال أن للسخافة ذلك التأثير فتقبل الدعوة (عبادة الأشخاص) و تعتقد بالخرافة و تعدها حقيقة خصوصا بعد انتشار الإسلام و إعلان أن زمن الأساطير و الخرافات قد مضي و لا يقبل غير الحق. و لا يعول إلا علي الصدق، و لا يعبد غير اللّه تعالي.

و الملحوظ أن هؤلاء كانوا في نجوة، بل بعد عن التعاليم الإسلامية فتمكن أن يؤثر عليهم مثل هذا إلا أنه لا يستبعد ما وقع من قوم بلغ بهم الجهل مبلغا عظيما … ذلك ما أدي إلي ظهور (المشعشع) فجري في أيامه ما جري و في تاريخ وفاته سنعين ماهية عقيدته بالنقل عن مؤرخين عديدين …

157 ملحوظة:

ما جاء

في (آثار الشيعة الإمامية) من أن القائم (المشعشع) هو السيد فلاح بن محمد و أنه أولهم، ظهر عام 814 ه، و توفي عام 854 ه، خلفه ابنه السيد محمد الملقب بالمهدي … فغير صحيح و لم يكن مستندا إلي نص يعتمد عليه بالرغم من تعداده بعض المراجع و الظاهر أنه أخذ لا عن الأصل … و هكذا يقال عمن عول علي تاريخ الغياثي وحده نظرا لنقصه الموجود فتم النقص بالوجه المشروح و يكمل هذه الحوادث و يراعي تسلسلها و اتصالها (تاريخ جهان آرا) للغفاري فقد راعي حوادثهم بصورة مطردة إلي سنة 973 ه ثم تأتي التواريخ الأخري مما لا محل لاستيفائه هنا.

و في الحوادث الأخري، ما يوضح أمر المشعشعين أكثر …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 120

و تأييدا لما ذكرنا ننقل من كتاب (آثار الشيعة الإمامية) القسم العربي منه النص التالي:

«آل المشعشع دولة عربية ملكت الأهواز و الحويزة و أكثر بلاد خوزستان من سنة 804 ه تقريبا إلي سنة 1024 ه، ثم ضعفت سلطنتهم … كانوا أمراء للملوك الصفوية، أول من ملك منها فلاح بن محمد المتوفي سنة 854 ه، و كان بعض أولاده معروفين بالغلو في المذهب، و البراعة في الشعوذة و النيرنجات … (ثم ذكر فلاحا و قال:) هو أول من ملك الحويزة من الموالي قبل أن تخطط …» ا ه.

و هكذا مضي … و لم يعرف لفلاح ذكر في التاريخ … و المعروف أنهم دامت إمارتهم إلي أواسط القرن الثالث عشر الهجري … و نري بين النص الفارسي المذكور أولا، و بين النص العربي هذا اختلافا أيضا مما يدل علي أنه لم يتوثق من الحوادث و صحتها … فلم يشتهر أمر

فلاح، و لا حكم الحويزة سنة 804 ه أو سنة 814 ه … و يطول بنا تعداد ما هناك من مخالفات تاريخية. و لكن هذه لا تمنع الاستفادة من هذا الأثر المهم من نواح أخري …

و من أهم الكتب في هذا الموضوع (تاريخ پانصد ساله) أي تاريخ خمسمائة سنة في خوزستان، و هو كتاب نفيس، يعتمد علي الغياثي و غيره، و يعد من المراجع المهمة … و غالب نصوصه صحيح …

158 وفيات
159 1- المحب أحمد بن نصر اللّه البغدادي:

ترجمه كثيرون، و المتحصل مما دون عنه أنه توفي صبيحة يوم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 121

الأربعاء النصف من جمادي الآخرة سنة 844 ه. و هو قاضي القضاة محب الدين أبو الفضائل (أبو يوسف) أحمد بن نصر اللّه بن أحمد بن محمد بن عمر البغدادي، ثم المصري الحنبلي شيخ الإسلام، و علم الأعلام، المعروف ب (المحب ابن نصر اللّه)، شيخ المذهب، و مفتي الديار المصرية … ولد ببغداد يوم السبت في 17 رجب سنة 765 ه و نشأ بها، و قرأ علي والده الفقه و الأصول و العربية و الحديث و غير ذلك، و رحل من بغداد إلي البلاد الشامية سنة 788 ه، و كان قد سمع ببلده علي العلامة زين الدين أبي بكر بن قاسم البخاري و نور الدين علي بن أحمد المقري، و شمس الدين الكرماني و قرأ علي المجد صاحب القاموس، و علي جماعة في الشام و غيرها، و ولي إعادة المستنصرية ببغداد، و أذن له بالإفتاء و التدريس ببغداد، و تردد إلي بغداد بعد قدومه إلي القاهرة، ثم استوطن القاهرة كان قد أخذ من مشايخها و منهم زين الدين العراقي، و سراج الدين البلقيني، و ابن الملقن و آخرين

… و أقام بها، فصار فقيه الحنابلة، و عالمهم، ثم ولي قضاء القضاة الحنابلة في 27 صفر سنة 828 ه، و كانت كتابته علي الفتوي لا نظير لها، يجيب عما يقصده المستفتي، فهو فقيه، محدث، نحوي، لغوي، انتهت إليه رياسة الحنابلة بلا مدافع في زمانه، و ذلك بعد موت علاء الدين بن مغلي …

و قد أطنب صاحب الضوء اللامع في ترجمته و قال: «المترجم سبط السراج أبي حفص عمر بن علي بن موسي بن خليل البغدادي البزاز إمام جامع الخليفة و المعيد بالمستنصرية، و أحد المصنفين في الحديث و الفقه و الرقائق … و فصل الكلام علي أسرته.

نشأ ببغداد علي الخير، و الاشتغال بالعلوم علي اختلاف فنونها، و كانت له ثروة و كلمة، و كان والده شيخ المستنصرية، اشتغل عليه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 122

قال في الضوء: و أظن شيخ الحنابلة ببغداد في وقته، و مدرس مستنصريتها الشمس محمد ابن القاضي نجم الدين النهرماري المتوفي في حدود سنة 770 ه، و الشرف ابن يشبكا أحد أعيان الحنابلة ببغداد و المتوفي في حدود سنة 780 ه ممن أخذ عنهما الفقه و ممن قرأ عليه أحد شيوخ أبيه الشمس الكرماني، و أجاز له في سنة 782 ه و هو في عنفوان شبابه و أخذ علي المجد الشيرازي صاحب القاموس، و سمع علي المحدث أبي الحسن علي بن أحمد بن إسماعيل الفوي قدم أيضا عليهم ببغداد سنة 777 ه أو قريبها، و علي النجم أبي بكر عبد اللّه بن محمد ابن قاسم البخاري، و علي الشرف حسين بن سالار محمود الغزنوي المشرقي شيخ دار الحديث المستنصرية، و أجيز في بغداد بالإفتاء و التدريس سنة 783

ه و ولي بها أعادة المستنصرية و ارتحل فسمع بحلب سنة 786 ه و ببعلبك، و الشام من جماعة و قدم القاهرة سنة 787 ه بعد زيارة بيت المقدس فأخذ بها عن جماعة، و منها ذهب إلي الإسكندرية، ثم إلي الحج، ثم قطن مصر … و لما استقر بمصر (القاهرة) استدعي والده فقدم عليه سنة 790 ه و امتدح الظاهر برقوق بقصيدة، و عمل له أيضا رسالة في مدح مدرسته فقرر في تدريس الحديث بها في محرم السنة بعد وفاة مولانا زاده، ثم في تدريس الفقه بها سنة 795 ه ثم صار هو و والده يتناوبان فيهما، ثم استقل بهما بعد موت والده سنة 812 ه.

و كذا ولي المحب تدريس الحنابلة بالمؤيدية، و بالمنصورية، و بالشيخونية بعد العلاء بن المغلي … و قد أطنب صاحب الضوء في نعته و إطرائه …

و قال في المنهل الصافي بعد أن قص حياته: «و كانت كتابته علي الفتوي لا نظير لها، يجيب عما يقصده المستفتي فهو فقيه، محدث، نحوي، لغوي، انتهت إليه رياسة الحنابلة بلا مدافع في زمانه، مات و لم يخلف مثله» ا ه.

قالوا في معرض مصنفاته: و له عمل كثير في شرح مسلم، و له

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 123

حواش علي المحرر حسنة و علي الفروع و كتابة علي الفتوي نهاية …

و له (مختصر تاريخ الحنابلة) و الأصل لابن رجب و هو عبد الرحمن المشهور، اختصره لنفسه، و كان فراغه منه يوم السبت مستهل صفر سنة 820 ه بالمدرسة المنصورية من القاهرة، و في عنوان الكتاب قال:

«اختصار قاضي القضاة شيخ الإسلام محب الدين أحمد بن نصر اللّه البغدادي الحنبلي بخطه إلا مواضع يسيرة بعضها بخط

شيخنا قاضي القضاة عز الدين الكتاني و بعضها بخط غيره» ا ه. و النسخة صالحة للمقابلة رأيتها في مكتبة بايزيد العامة، و الكتاب الموجود في المكتبة الظاهرية من طبقات ابن رجب فيه أغلاط كثيرة، و ابتلاع كلمات، و تشوش في العبارات … و في استانبول نسخ عديدة من الطبقات.

و مما قيل في وفاته:

بلاني الزمان و لا ذنب لي و لكن بلواه للأنبل

و أعظم ما ساءني صرفه وفاة أبي يوسف الحنبلي

سراج العلوم و لكن خبا و ثوب الجمال و لكن بلي

و له من الأولاد محمد و يوسف و آخرون.

160 2- ابن دليم:

هو محمد بن يوسف بن أحمد بن محمد القرشي الزبيري البصري، و يعرف بابن دليم، و باقي نسبه مذكور في ترجمة عم أبيه عبد الكريم بن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 124

محمد الشهير بالجلال. قدم مكة في ذي القعدة سنة 843 ه، ثم توجه منها إلي طيبة، ثم عاد فمات في قفوله منها قريبا من ساحل جدة في ذي القعدة سنة 844 ه، و حمل إلي مكة و دفن بمعلاتها … أرخه ابن فهد.

161 3- الزين الموصلي:

هو داود بن سليمان بن عبد اللّه الزين الموصلي، ثم الدمشقي الحنبلي. ولد تقريبا سنة 764 ه، و سمع بقراءة الشيخ علي بن زكنون علي الجمال بن الشرائحي الشمائل للترمذي.. و كان يذكر أنه سمع علي ابن رجب الحافظ شرحه للأربعين النووية و مجلسا في فصل الربيع من لطائفه، مع حضور مواعيده، و أنه سمع علي الشهاب ابن حجي صحيح البخاري و كتبا سماها، و قد حدث، كتب عنه بعض أصحابنا، و كان شيخا صالحا فاضلا مات في سنة 844 ه. أرخه ابن اللبودي.

162 حوادث سنة 845 ه- 1441 م

163 المشعشع:

لا تزال وقائعه مستمرة إلي هذه الأيام … و قد مر الكلام عليها لمناسبة اطرادها …

164 وفيات
165 1- حاج ملك (من آل الكواز):

هي ابنة محمد بن حسن بن محمد البصري، و يعرف أبوها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 125

ب (الكواز). ماتت بمكة تحت هدم في ليلة الجمعة 18 شوال سنة 845 ه أرخها ابن فهد.

166 بيت الكواز- آل باش أعيان:

و الكواز علي ما جاء في زاد المسافر للكعبي هو الشيخ محمد، شيخ طريقة، و هو ابن حسن بن محمد البصري كما تقدم. و (آل الكواز) المعروفون اليوم بالنسبة إليه لم يكونوا من أسرته، و إنما كان جدهم الشيخ عبد السلام ابن الشيخ عبد القادر بن ساري بن ضاعن بن أضبع بن عبد السلام قد تتلمذ للشيخ محمد المذكور، فلذلك نسب إليه فقيل عبد السلام الكوازي، ثم قيل لأولاده من بعده الكواوزة … و أولاد الشيخ عبد السلام كثيرون منهم أحمد، و محمود، و طه، و علي، و ذو الكفل و صالح، و مصلح، و الجنيد و غيرهم.

و قال إبراهيم فصيح الحيدري: (بيت الكواز)- في البصرة- و هو بيت مجد رفيع، و خير وافر، نشأ فيهم عدة رجال أخيار كرام كأمثال الشيخ أحمد، و الشيخ درويش و كان من أكابر الناس من ذوي الخير و الجاه و المال الوافر و الصدقات، و كان جدهم الأعلي الشيخ أنس من الأكابر، و هو من أولاد عبد اللّه بن عباس (رضي اللّه عنهما)، و بقي منهم بعض الناس، و قد نزل جدي العلامة الشريف أسعد الحيدري مفتي الحنفية ببغداد في بيت الشيخ أحمد المذكور فاحترمه و أجله و خدمه بما يتحير به الناظر علي ما ذكره الفاضل عثمان بن سند في تراجم علماء بغداد. ا ه و لرجالهم المشاهير تراجم في مختلف الآثار و منها (سبائك العسجد) لعثمان بن سند المذكور …

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 3، ص: 126

و الآن يسمون ب (آل باش أعيان)، و أول من حاز هذا اللقب منهم الشيخ أنس ابن الشيخ درويش في منتصف القرن الثاني عشر بموجب فرمان سلطاني كذا في هامش زاد المسافر للكعبي.

و قد جاء عنهم في زهر الربيع أنه كان في البصرة و إلي الآن جماعة من أهل السنة يأتون بعجائب الأمور مثل قبض الحيات و الأفاعي و دخول النار حال الوجد من غير أن يتضرروا بها، و كان هذا مخصوصا بهم يفتخرون به … حتي أن تلاميذ الشيخ عبد السلام … عملوا (ذكرا) في بعض الليالي يشتمل علي الوجد و الرقص و الغناء و ضرب الدفوف و دخول النار بحضور بعض أمراء السلطان فلما فرغوا … أمر أن يصنع (علم) للسلطان و كتب عليه (لا إله إلا اللّه، محمد رسول للّه، الشيخ عبد السلام ولي اللّه). و هذا كان مخصوصا بهم (يريد بذلك أصحاب الطريقة الرفاعية) حتي ظهر في عشر السنين بعد الألف رجل من عوام الشيعة من توابع أعمال الجزيرة … قام بأعمال مثل هذه …

و من هنا نعلم أن آل عبد السلام هم (آل باش أعيان) احتفظوا بمكانتهم في مختلف العصور و أسرتهم مشهورة جدّا، و لا يزالون من أعيان البصرة، و سنقدم للقاري ء وثائق جديدة عند الكلام علي (حكومة آل افراسياب) و علاقتهم بها و وقائعهم معها … و بيان مشاهير علمائهم بعد ذلك و إلي هذه الأيام …

167 الطريقة الرفاعية

هذه الطريقة معروفة في العراق و غيره من البلاد الإسلامية، و أهلها صوفية زهاد ينتسبون إلي الشيخ أحمد الرفاعي، و هو من الصلحاء الأتقياء، و له الذكر الجميل في العراق و سائر الأنحاء، و لما وصل ابن

موسوعة

تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 127

بغداد في عهد السلطان سليمان القانوني- عن مطراقي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 128

بطوطة إلي واسط قال: «سنح لي زيارة قبر الولي أبي العباس أحمد الرفاعي و هو بقرية تعرف بأم عبيدة علي مسيرة يوم من واسط …

و خرجت ظهرا … و وصلنا في ظهر اليوم الثاني إلي الرواق و هو رباط عظيم فيه آلاف من الفقراء، و صادفنا به قدوم الشيخ أحمد كوچك حفيد ولي اللّه أبي العباس الرفاعي الذي قصدنا زيارته و قد قدم من موضع سكناه من بلاد الروم برسم الزيارة و إليه انتهت الشياخة بالرواق، و لما انقضت صلاة العصر ضربت الطبول و الدفوف و أخذ الفقراء في الرقص ثم صلوا المغرب، و قدموا السماط و هو خبز الأرز و السمك و اللبن و التمر فأكل الناس ثم صلوا العشاء الآخرة و أخذوا في (الذكر) و الشيخ أحمد قاعد علي سجادة جده المذكور. ثم أخذوا في السماع و قد أعدوا أحمالا من الحطب، فأججوها نارا، و دخلوا في وسطها يرقصون، و منهم من يتمرغ فيها، و منهم من يأكلها بفمه حتي أطفأوها جميعا.

و هذا دأبهم، و هذه الطائفة الأحمدية مخصوصة بهذا، و فيهم من يأخذ الحية العظيمة فيعض بأسنانه علي رأسها حتي يقطعه …» ا ه و من هناك سار إلي البصرة، و ذكر قصة الفقراء المعروفين بالحيدرية في بلاد الهند، و أنهم لا يختلفون عن هؤلاء في دخولهم النار …

و هذه الأعمال لم تكن معروفة أيام الشيخ أحمد الرفاعي، و إنما دخلتهم في أيام المغول جاءتهم بعد دخول هلاكو بغداد، كما شاعت في العلي اللهية و مر ذكرها في المجلد الثاني و علي

ما سيوضح في المشعشعين عند الكلام علي عقائدهم …

و أنقل النص التالي للدلالة علي أن هذه الطائفة كانت في بادي ء أمرها حينما تقوم بأعمال (الذكر) لم تكن تعلم ما يفعله أصحاب هذه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 129

الطريقة مؤخرا من الأفعال المارة … قال الذهبي في تاريخه المسمي بالعبر ما لفظه:

«في هذه السنة- 578 ه- توفي أحمد الرفاعي الزاهد القدوة أبو العباس بن علي بن أحمد، كان أبوه قد نزل البطائح بالعراق بقرية أم عبيدة فتزوج بأخت الشيخ منصور الزاهد، فولد له الشيخ أحمد في سنة 500 ه و تفقه قليلا علي مذهب الشافعي، و كان إليه المنتهي في التواضع و القناعة، و لين الكلمة، و الذل و الانكسار، و الإزراء علي نفسه، و سلامة الباطن، و لكن أصحابه فيهم الجيد و الردي ء، و قد كثر الدغل فيهم، و تجددت لهم أحوال شيطانية منذ أخذ التتار العراق من دخول النيران، و ركوب السباع، و اللعب بالحيات، و هذا لا عرفه الشيخ و لا صلحاء أصحابه، فنعوذ باللّه من الشيطان» ا ه.

و كل طريقة لا تخلو من النوعين الصلحاء و غيرهم. و من ثم عرف أن هذه دخلتهم أيام المغول.

و أصحاب هذه الطريقة تخلصوا من التورط في المآزق الحرجة، و العقائد الزائغة مثل الآراء الفلسفية المستندة إلي الأفلاطونية الحديثة و غيرها من القول ب (وحدة الوجود)، و (الحلول) و (الاتحاد) و أمثال ذلك مما شاع بين أهل الأبطان … من حروفية و غيرهم … و كادوا يدخلون صفوفهم … و لو لا الشعوذات المذكورة أعلاه لكانت طريقة زهد …

و قد أكد لي العالم الجليل الشيخ إبراهيم الراوي أن الطريقة الرفاعية لم يدخلها شي ء من العقائد

المارة … من وحدة و غيرها …

و في هذه الطريقة مؤلفات عديدة و بينها الغث و السمين، و الأعمال المذكورة قد شاركهم فيها آخرون بل لم تكن من أصل الطريقة … و علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 130

كل حال إن العقيدة و الأعمال الدينية إنما تؤخذ من مشرعها …

و الرجوع إلي الأصل فيما اختلف فيه ضروري لتصحيح الوجهة و من اللازم اتباع ما جاء به الإسلام رأسا و الأخذ بنصوصه القاطعة التي لا ريب فيها و لا نزاع في قبولها … و الآن قل الاهتمام بالطرق و سارت إلي الزوال دون حاجة إلي إلغاء رسمي كما وقع في الجمهورية التركية، و بالتعبير الأصح أن العرب يميلون إلي البساطة فلا يرغبون أن يزيدوا علي الرسوم الدينية أمورا جديدة بلا تشريع إلهي و لا كتاب مبين …

و علي كل حال تأسست هذه الطريقة من أيام الرفاعي في أواسط القرن السادس الهجري و لا تزال إلي اليوم و لها تكايا و زوايا كثيرة في العراق …

168 حوادث سنة 846 ه- 1442 م

169 المشعشع:

لا تزال وقائعه لم تنقطع، و قد مرت فلا حاجة للعودة إليها و تكرارها مرة أخري …

170 وفيات
171 1- قاضي الأقاليم البغدادي:

هو عز الدين أبو البركات عبد العزيز ابن الإمام العلامة علاء الدين أبي الحسن علي بن العز بن عبد العزيز بن عبد المحمود البغدادي مولدا، ثم المقدسي الحنبلي، الشيخ الإمام العالم المفسر، ولد ببغداد سنة 770 ه و اشتغل بها و تفقه علي شيوخها، سمع من العماد محمد بن عبد الرحمن بن عبد المحمود السهروردي شيخ العراق، ثم بعد سنين سمع من ولده أحمد، و كلاهما ممن يروي عن السراج القزويني …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 131

قدم دمشق، و أخذ الفقه عن ابن اللحام، و اعتني بالوعظ و علم الحديث و أفتي و له مصنفات منها مختصر المغني سماه (الخلاصة)، و شرح الشاطبية، و جمع كتابا سماه (القمر المنير في أحاديث البشير النذير)، و شرح الخرقي في مجلدين، و اختصر الطوفي في الأصول، و عمل عدة الناسك في معرفة المناسك، و مسلك البررة في القراءات العشرة، و جنة السائرين الأبرار، و جنة المتوكلين الأخيار تشتمل علي تفسير آيات الصبر و التوكل في مجلد، و شرح الجرجانية و غير ذلك.

ولي قضاء بيت المقدس بعد فتنة اللنك، و طالت مدته، و جري له فصول، ثم ولي المؤيدية بالقاهرة، ثم قضاء الديار المصرية في جمادي الآخرة سنة 827 ه ثم ولي قضاء دمشق في دفعات مجموعها ثماني سنوات. و كان يسمي (قاضي الأقاليم) لأنه ولي قضاء بغداد نحو ثلاثة سنوات، و بيت المقدس، و مصر، و الشام و كان فقيها دينا، متقشفا عديم التكلف في ملبسه و مركبه، له معرفة تامة، و كانت جميع ولاياته من غير سعي.

توفي بدمشق

ليلة الأحد مستهل ذي القعدة، و في الضوء اللامع في مستهل ذي الحجة، و دفن عند قبر والده بمقابر (باب كيسان) … و في الضوء تحامل عليه، و نقد لبعض المؤرخين في إيراد نسبه و تفصيل لترجمته …

172 حوادث سنة 847 ه- 1443 م

هذه السنة و ما بعدها قضاها الأمير أسپان في حرب المشعشع أيضا … و ليس لدينا ما نزيده هنا …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 132

173 حوادث سنة 848 ه- 1444 م

174 وفاة الأمير أسپان:
اشارة

في هذه السنة يوم الثلاثاء 28 ذي القعدة توفي الأمير أسپان و ذلك بعد أن عاد من أنحاء الحويزة، فقد مكث في بغداد ستة أشهر؛ فمرض بالقولنج و مات، و دفن داخل المدينة علي جانب دجلة في البستان المسمي (عيش خانه) و قد شعر بالموت قبل وفاته بقليل، و قد وزع جميع ذلك البستان عينا، و كان قد علق في القبة بصندق.

و في جامع الدول: «الأمير أسپان قيل اسمه أسبهان فخفف، أخذ بغداد و العراق و بقي مستبدا بحكومتها نحو اثنتي عشرة سنة حتي توفي حتف أنفه … و اتفق أن يوم وفاته كان قران النحسين في برج السرطان» ا ه.

175 ترجمته:

مر أنه ولي بغداد في 18 شعبان سنة 836 ه، و أخرج واليها محمد شاه، فذهب إلي الموصل و إربل، و في نتيجة محاربات شاه محمد له قتل هذا علي يد أمير حاجي الهمذاني يوم السبت 18 ذي الحجة سنة 837 ه و خلص له الحكم في العراق، و استمر حكمه إلي أن توفي …

و هذا الأمير و إن كان عفيف الذيل، و لم يطع شهواته إلا أنه جار علي الأهلين و أرهقهم ظلما … و لم تعرف له علاقة بسلاطين قراقوينلو، أو جهة ارتباط بهم في الإدارة أو في الجيش، أو في أي سلطة من شأنها أن تتدخل الحكومة الأصلية بحكومة بغداد … و قد تمكن من التسلط علي كافة الأنحاء العراقية، و لو لا المشعشع لاستولي علي الحويزة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 133

و لم يكن له من الأولاد سوي (فولاذ) من زوجته بنت منصور بن قبان المذكور سابقا، و قد اختير للإمارة بعد والده …

176 حوادث سنة 849 ه- 1445 م

177 اضطراب الحالة- الأمير ألوند:

إن الأمير أسپان حين شعر بالموت جمع الأمراء و هم شيخي بك و حسن أمير آخور (أمير الاصطبل)، و مزيد چورة، و الأمير محمد بن شي اللّه … و قال لهم إن فولاذ صبي صغير، و سوف يطمع جهان شاه فيكم، فالرأي أن تأتوا بألوند و تسلطنوه، و لم يكن ألوند حاضرا حينذاك بل كان قد أرسله أسپان في حال حياته مع عيسي بك و جماعة من الضباط …

و الأعوان إلي نهب (أكراد الجزيرة) و تسخير بلادهم …

فلما مات أسپان اجتمع الأمراء، و تشاوروا، فقالوا إن ألوند امرؤ صعب، و نخشي منه أن يتحكم فينا، فالرأي أن نسلطن فولاذ و الخزائن بحمد اللّه مملوءة من الأموال،

و عساكرنا كثيرة و اليراق و الذخائر ما عليهما مزيد، و نحن عصبة، و نرجو من اللّه الإعانة علي العدو …!

سمع ألوند بموت أسپان، و إن الأمراء سلطنوا فولاذا و تركوه، و ليس لهم به رغبة، و حينئذ التف حوله العسكر الذي كان معه، و صاروا نواكره، فتوجه إلي كركوك، و كانت أولكته، فمضي منها إلي آلتون كپري (القنطرة الذهبية و تسمي القنطرة)، و إربل، و الموصل فأخذها عيسي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 134

بك، و كان قد فارقه و تحصن بقلعة بطيطة، فأرسل بطلبه، فلم يقبل أن يجي ء إليه، و ماطله مدة، ثم جاء إليه، فلما وصل قابله بالإعزاز و الإكرام، و قال له أنت تكون أكبر أمير عندي، و شاوره في التوجه إلي بغداد فلم يشر … و قال له أري أن تصبر مدة حتي تقوي، ثم تسير فلم يسمع منه، و مضي إلي بغداد.

و حينئذ هرب عيسي بك منه و توجه إلي جهان شاه بتبريز، فلما وصل ألوند إلي ضيعة من ضياع الخالص يقال لها (القلعة) توجهت نحوه عساكر بغداد، و مقدمهم كچل عبد اللّه، و يار أحمد بن شي اللّه، فوصلوا إليه ليلا، و كان قد صدمهم فانكسروا وفر الأمير عبد اللّه، و لم يقف إلا عند باب بغداد، و باقي العساكر هناك كانوا في حيرة و ارتباك …

أما ألوند فإنه حينما كسر العسكر اطمأن و ظن أنه أمن الغوائل، فنصب الصيوان و نام هناك بلا خوف و لا وجل … و لما وصل الأمير كچل عبد اللّه إلي قرب بغداد، و سمع أن العسكر انكسر رجع إليهم، و لمّ شعثهم، و ألوند نائم غارق في غفوته فدقه ليلا، فانكسر

ألوند و هرب برأسه، و انضم جميع من كان معه إلي عسكر بغداد و تبع يار أحمد بن شي اللّه أثر ألوند، فارتد إليه و طعنه، فقضي نحبه، و توجه العسكر إلي بغداد و مضي ألوند إلي كركوك، و من ثم قبض شيخي بك علي العساكر التي كانت مع ألوند، و ضمها إلي عسكره و دخل بغداد، و لكنه قتل من هؤلاء إسماعيل الجغتاي، و ولده، و أولاد شيخ، و قليلون غيرهم …

178 بغداد و جهان شاه:

و إثر هذه الواقعة جاءت الأخبار بأن جهان شاه قد سار إلي بغداد،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 135

و من ثم راسل أمراء بغداد ألوند، و جاؤوا له من الحلة، فوصل إلي الجانب الغربي، و نزل بقلعة مير أحمد علي، فأرادوا أن يؤمروه، فلم تطاوعهم أنفسهم، و تفرقت آراؤهم بينهم، و عادوا إلي تأمير فولاذ، فرجع ألوند إلي الحلة، و توجه جهان شاه إلي بغداد و حاصرها نهار 12 شهر رمضان سنة 849 ه، و حضر هو بنفسه في 17 منه، و دام الحصار لمدة ستة أشهر كاملة، فلم يتم له الأمر و دخلت سنة 850.

179 حوادث سنة 850 ه- 1446 م

180 بقية حوادث بغداد- جهان شاه:

و في هذه السنة فتح شيخي بك الخزائن، و قسم الأموال علي العساكر حتي صارت الدراهم بسعر الفلوس في بغداد، و بلغ رأس الغنم بألف دينار، و ما كان ذلك من قلة الغنم و اللحم بل كان للناس غنم و دجاج كثير، و لكن من كثرة الدراهم، و كان ببغداد غلال و خيرات و أجناس لا حد لها و لا حسابا بحيث تقدر بغداد أن تحاصر لمدة عشر سنوات.

و كان ألوند في الحلة، فعمل يرقا لهربه من جهان شاه إلي الشام، فأرسل جهان شاه إليه يطلبه، و يطيب قلبه، و قال له أنت ولدي، و أقسم أن لا يؤذيك أحد أبدا، فتوجه إليه، و أعطاه الجانب الغربي. و حاصر جهان شاه الجانب الشرقي و مكث مدة لم يعبر إلي الجانب الغربي.

كان الجسر منصوبا و الناس يعبرون عليه، فلما أعطي إجازة للعسكر أن يعبر من الجانب الغربي، فأول ما عبر جماعة توجهوا ليلا فكمنوا تحت عمارة الأمير أحمد، و عند طلوع الفجر فتحوا باب القلعة و هم غافلون، فساقوا

علي الباب فأخذوه، و ساقوا علي الجسر و كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 136

منصوبا تحت القلعة، فأخذوا الجسر، و ساروا عليه إلي أن وصلوا إلي كرسي الجسر، و بقي بينهم و بين البلد سفينتان، و كان الشندواني الملاح و أصحابه واقفين في رأس الجسر، فصدوهم بالنشاب حتي لحق العسكر من بغداد يقدمهم رستم طرخان فأرسلوا حيدرا الجسار إلي رأس الجسر من الجنب الغربي فخرق السفينة و أغرقها فبقي عسكر جهان شاه علي الجسر واقفين من غربهم الماء و من شرقهم السيف، فهلكوا جميعا منهم من قتل، و منهم من غرق و منهم من قبض عليه …

و إن الذين قبض عليهم كانوا فرمان بك و علي زلال و كوريكه، و ساروا بهم علي والد أمير بايزيد جاكيرلو. فلما أحضروهم عند شيخي بك أمر بقتلهم فقالوا له لا تقتلنا و نكون نحن السبب في ارتحال جهان شاه عن بغداد و إلقاء الصلح بينكم فلم يقبل و قتلهم جميعا.

فلما مضي علي ذلك مدة ستة أشهر غاب جماعة من العسكر و هم رستم طرخان و أمير انشاه و أمير شي ء اللّه و دوه بك و كان السبب في ذلك امرأة تسمي سلجوق خاتون حماة رستم طرخان كاتبت جهان شاه و أعلمته أن فلانا و فلانا قد ارتدوا و ضربوا موعدا للحرب، سيروا إلي رستم طرخان جماعة و أمير انشاه و أمير شي ء اللّه فكسروا باب اقچه قبو فدخل العسكر و أخذوا بغداد و ذلك نهار الخميس 14 ربيع الأول سنة 850 ه.

أما شيخي بك و الأمراء فقد جاء الأمير كچل عبد اللّه ليلة الأحد إلي شيخي بك و عدد له الجماعة الذين خانوا و علم بصورة الحال

فإنه كان قد أخبره بعضهم و قال إن لم يقتلوا في هذه الليلة فرط الأمر و لم يستدرك. و كانوا يشربون. فقال ماذا يصير في هذه الليلة، غدا من بكرة سوف نحضرهم و نقبض عليهم و نقتل من نكره منهم فقال له المصلحة تقضي أن لا تمهلهم فلم يسمع منه فكان لتهاون شيخي بك الذي كان إذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 137

شم رائحة أو تخايل خيال قتل من أجله أعز عزيز، فأجري مثل هذه الحركة و تماهل في أمرها …

فلما أصبح و قد قضي الأمر أخبر الأمير شيخي فتوجه بعسكره و معه الأمراء إلي آقچه قپو فأخذهم النبل و النشاب فرجع إلي الوراء و ألقي نفسه إلي جانب الشط و الأمراء معه فجلسوا في ورجيه و انحدروا في الشط، فقال بعض لبعض ننحدر إلي واسط. و كان الرأي لو فعلوا. و قال الآخرون بل نخرج إلي جهان شاه فإنه صاحب مروءة، و لم يكن عنده منها وزن خردلة فإنه في حق ولده لم تكن له مروءة و قتله فكيف في حق من عصوا عليه و قتلوا خيار رجاله و أمرائه … فخرجوا من السفينة في مثل هذا الطوفان العظيم، و آووا إلي معدن الظلم و الجور ليعصمهم … و سعوا بأرجلهم إلي حتفهم، فتوجهوا نحو الأردو، و ليس فيه غير النساء، فجلسوا في خيمة ينتظرون الموت … و في المدينة يفتشون عليهم … فلما جاؤوا قبضوا عليهم، فأمر جهان شاه بقتلهم …

و إن شيخي بك قرن مع ابن العرية الجلاد، و أسلما إلي نساء الأمير بايزيد فسجنهم علي الشوك، و قطعن لحومهم بالسكاكين حتي ماتوا … قتلوهم و باقي الأمراء شر قتلة …

و أمر جهان شاه بنهب البلد فنهبوه لمدة ثلاثة أيام و ثلاث ليالي، قسوا فيها و عذبوا، و مات أناس كثيرون في التعذيب …

و بعد ذلك أمر بالقبض علي الإسفاهية و قتلهم … فقتلوا منهم مقدار عشرة آلاف أو أكثر، و قتل بسبب ذلك خلق كثير … و هذه القتلة لم تكن بأقل من قتلة تيمور.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 138

و جاء في أحسن التواريخ أن أسپان توفي سنة 847 ه، و فيه أن الأمراء اختاروا ابن أصفهان، فعاجل جهان شاه، و سار توا إلي بغداد بجيش عظيم، و مال إليه رستم طرخان من أمراء أسپان … و وقعت حرب عظيمة في أعلي الجسر، و في هذه الواقعة قتل أمراء كثيرون، و أن ابن أصفهان سلم مع جماعة الأمراء و لكن جهان شاه لم تكن له رأفة فأمر بقتلهم، و خرب البلد، و كان معمورا، فارتكب معاصي لا تحصي و لم يبق أثرا من آثار العمارة … و نصب ابنه محمدي ميرزا واليا، و جعل أمر الحل و العقد إلي عبد اللّه الكبير، و منح الموصل إلي ابن أخيه ألوند رستم، و قفل راجعا …

و في الغياثي: ثم ولي بها ولده محمدي ميرزا و كان صغيرا، و أعطي تدبير المملكة بيد الأمير عبد اللّه فمكثوا مدة سنتين و نصف …

181 ترجمة فولاذ بن أسپان:

ولي بغداد بعد أبيه، اجتمع الأمراء، و أقاموه، فوقع الهرج و المرج و كان ذلك علي خلاف رغبة أسپان، و تواترت الفتن في بلاد العراق، فوصل خبر ذلك إلي ميرزا جهان شاه فطمع فيها، و سار إليها، فحاصر بغداد نحو ستة أشهر، و لم يظفر بها حتي استمال أمراء بغداد بالمواعيد فمال إليه

قسم، و فتحوا إليه الأبواب فدخلها و ملكها في يوم الخميس 24 ربيع الأول سنة 850 ه و حبس الأمير فولاذ، فكان آخر العهد به، و كانت مدة ملكه نحو سنتين.

و لم يستقل بعد ذلك أحد بحكومة العراق و بغداد من آل قراقوينلو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 139

(البارانية) لأن جهان شاه يستنيب بها أحد أمرائه، و تارة يستخلف عليها أحد أولاده حتي انقرضت دولتهم …

و من ثم صارت بغداد تابعة رأسا لحكومة قراقوينلو، و ليس لها كيان خاص.

182 حكومة جهان شاه في العراق- 14 ربيع الأول سنة 850 ه-
183 جهان شاه- بغداد:

كان جهان شاه هذا قد جاء بغداد بعد وفاة والده قرا يوسف، و كان واليها آنئذ شاه محمد، فلم يطب له المقام، فتوجه إلي تبريز، و انضم إلي الأمير اسكندر. ثم إن هذا تنكر عليه فجاءه معتذرا فقبل عذره …

و لما تكرر مجي ء شاه رخ إلي تبريز، و انهزم اسكندر منها مال إلي شاه رخ في منتصف ذي الحجة سنة 838 ه فأعزه و أكرمه، و من ثم قوي أمره، و كان قد تجمع التركمان عليه، فحصل علي مكانة، و لما قتل الأمير اسكندر تقررت حكومة أذربيجان له، و عاد شاه رخ إلي هراة آمنا من الغوائل، و استمر جهان شاه في حكمه … و صارت تقوي سلطته يوما فيوما، و صفا له الجو بقتلة أخيه اسكندر. و في سنة 844 ه غزا كرجستان … و لما توفي أخوه أسپان خلص له العراق العربي في 14 ربيع الأول سنة 850 ه و كان انضم إليه عيسي بك من أمراء أسپان فجاء به إلي بغداد و حاصرها، فافتتحها، و تم له أمرها … فولي ابنه محمدي ميرزا و كان صغيرا فأودع تدبير المملكة إلي الأمير عبد

اللّه و رجع إلي تبريز.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 140

هذا. و في يوم الأحد 25 ذي الحجة سنة 850 ه توفي شاه رخ، فصار جهان شاه حاكما مستقلا بلا حماية و لا وصاية، و تولدت فيه فكرة الاستيلاء علي ما في يد شاه رخ خصوصا عندما علم باضطراب الحالة استفادة من تبدل الوضع، و من الاختلاف الواقع بين أمراء الجغتاي من أحفاد تيمور، و نزاعهم علي السلطة و السلطنة …

184 ترجمة شاه رخ:

هو ابن تيمور لنك، و قد مر من الحوادث ما يعين علاقاته بالعراق من أيام والده إلي أن توفي، و في الضوء اللامع بيان علاقاته بمصر …

و قال: كا عدلا دينا، خيرا، فقيها متواضعا، محببا في رعيته، محبا لأهل العلم و الصلاح … و كان يعرف الضرب بالعود بحيث كان ينادمه الأستاذ عبد القادر بن الحاج غيبي و يختص به … كل ذلك مع حظ من العبادة … و في أيامه كتب ذيل جامع التواريخ المذكور في الجلد الأول ص 20 و قدم إليه فلم يعرف مؤلفه و قد ذكر بعضهم أنه لمسعود بن عبد اللّه، و أنه انتهي منه في رجب سنة 837 ه و لكن ليس لدينا سند نعول عليه في التعريف بمؤلف هذا الكتاب. و أخبار شاه رخ في الجلد الثاني.

خلفه ابنه ألوغ بك صاحب الزيج المعروف.

185 وفيات
186 عمر بن محمد النجم النعماني:

هو منسوب إلي أبي حنيفة النعمان، بغدادي، ثم دمشقي، كان قد رحل إلي القاهرة سنة 850 ه و بيده حسبة دمشق، و وكالة بيت المال،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 141

و عدة وظائف … نزل في زاوية التقي رجب العجمي تحت قلعة الجبل، فلم يلبث أن مات في رابع صفر من هذه السنة، فأسف السلطان عليه و لم يقطع صاحب الضوء في قرباه لحميد الدين محمد ابن تاج الدين القاضي …

187 حوادث سنة 851 ه- 1447 م

188 ولاية محمدي ميرزا:

تبتدي ء من حين دخل جهانشاه بغداد، و استولي عليها … و هذا كان لا يستطيع إدارة شؤون المملكة العراقية لصغره، فكان الحاكم في الحقيقة الأمير عبد اللّه فمكث معه لمدة سنتين و نصف، و لم يكن لمحمدي ميرزا غير الاسم، و كانت الإدارة بيد الأمير المذكور …

و في أيامه عاش الناس براحة و رفاه، و في أطيب حال …

189 ولاية الموصل:

فوض جهان شاه الموصل إلي ألوند بن الأمير اسكندر، و رحل عن بغداد متوجها إلي تبريز لما عناه من أمرها بسبب وفاة شاه رخ … و بعد مدة أرسل الأمير جهان شاه إلي ألوند ميرزا يطلبه إلي تبريز، فلم يقبل أن يذهب إليه، و عصي … خرج من الموصل و مر بقلعة فولاذ، و كان بها پير قلي من قراقوينلو، فانتزعها منه، و مكث هناك يقطع الطرق …

و بعد مضي ستة أشهر خرج ألوند من قلعة فولاذ و مضي يريد الاتصال بالمشعشع …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 142

190 حوادث سنة 852 ه- 1448 م

191 ولاية الأمير بير بوداق:

و هذا ابن جهان شاه، فقد عزل ولده محمدي ميرزا، و ولي ابنه پير بوداق هذا فدخل بغداد نهار السبت 11 شهر رمضان سنة 852 ه …

192 حوادث سنة 853 ه- 1449 م

193 ألوند- المشعشع:

إن ألوند في أوائل هذه السنة و بعد مضي ستة أشهر من بقائه في قلعة فولاذ خرج من هناك سائرا إلي المشعشع بقصد الاتصال به فأرسل پير بوداق إليه عسكرا ليحول دون ذلك فلم يظفر به و يضم ألوند إلي المشعشع و من ثم صارت تنتظر الفرص للوقيعة بالعراق …

194 حوادث سنة 854 ه- 1450 م

195 پير بوداق- تبريز:

كان قد مكث پير بوداق في بغداد و لم يتم السنتين و في هذه الأيام كان والده جهان شاه قد سار إلي أطراف الكرج و بعد عن تبريز فكانت خالية من حاكم فأرسلت إليه أمه تنذره بالخطر علي تبريز و تحذره أن يطمع فيها آق قوينلو و طلبت منه أن يتداركها قبل أن يفرط الأمر. و علي هذا ذهب إلي تبريز و أقام بها مدة غياب أبيه. و هناك صادر بعض الناس. فلما عاد إليها أبوه اجتمع به و طلب الإذن بالرجوع إلي بغداد فرجع و كان قد بقي فيها أقل من سنة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 143

196 حوادث سنة 855 ه- 1451 م

197 تستر- العراق:

كانت حالة إيران مضطربة كما مر. و زاد في الطين بلة وفاة السلطان محمد بن بايسنقر في 15 ذي الحجة من هذه السنة، كان قد قتله أخوه بابر أثناء الحرب معه و دخلت الممالك التي تحت إدارته في حكم بابر. و حينئذ راسل علي ماماش من تستر كلّا من ألوند و پير بوداق يدعوهما إلي استلام البلدة و كان واليا بها من قبل السلطان محمد. فأرسل پير بوداق سيدي علي إلي تستر فوصل إليها و دخلها قبل وصول ألوند. فلما جاءها ألوند رأي أن الأمر قد فاته فتوجه إلي الجغتاي … و تقررت تستر لسيدي علي و من ثم مضي علي ماماش إلي پير بوداق في بغداد …

198 حوادث سنة 856 ه- 1454 م

199 اكتساح فارس و عراق العجم:

لما أن جاء علي ماماش إلي بغداد و اتصل بالوالي پير بوداق أبدي له أن البلاد خالية و ليس فيها أحد فلو توجهت إليها لأخذتها بسهولة.

فعندها عزم پير بوداق إلي عراق العجم و فارس. فكان خروجه من بغداد نهار الأحد 4 ربيع الأول من هذه السنة، و أناب عنه في بغداد أمير سيدي محمود ليقوم مقامه في إدارة شؤون المملكة، فسار پير بوداق بعساكره و معه علي ماماش فحاصر بلدة قم، فأخذها في غرة جمادي الآخرة، ثم استولي علي جربادقان في 8 رجب، ثم افتتح أصفهان في 20 رجب، فاستقبله أكابرها فجمعهم و أرسلهم إلي بغداد، و بعدها أخذ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 144

كاشان ثم توجه إلي شيراز و كان بها من الجغتاي الأمير سنجر فهرب و دخل پير بوداق شيراز يوم الجمعة 14 رمضان هذه السنة.

و في الوقت نفسه كان الأمير جهان شاه قد اغتنم الفرصة و لم يدع الحالة علي انحلالها بل مضي

في سبيل الفتح مما لا يسع المقام تفصيله، فكانوا في حركاتهم العسكرية علي وفاق و مناصرة …

200 وفاة مؤرخ (ابن أبي عذيبة):

و هو أحمد بن محمد بن عمر الشهاب المقدسي الشافعي، و يعرف بابن أبي عذيبة ولد سنة 819 ه ببيت المقدس، و نشأ به، جاءت ترجمته في الضوء اللامع، و نقل عنه كثيرا خلال المباحث، و كان أخذ في مصر عن المحب بن نصر اللّه البغدادي و غيره و تاريخه هو (تاريخ دول الأعيان شرح قصيدة نظم الجمان) قال السخاوي:

«ولع بالتاريخ، و جمع من ذلك جملة، لكنه تتبع مساوي الناس، فتفرق لذلك بعده و لم يظفر مما كتبه بطائل مع ما فيه من الفوائد، و إن كان ليس بالمتقن، مات ليلة الجمعة 14 ربيع الآخر سنة 856 ه …» ا ه.

و التاريخ لا يقف عند ذكر المحامد، فالمؤرخ لم يكن مداحا، و إنما دون ما وقع فلا يوجه عليه لوم فيما دونه صحيحا … و قد تعينت نسخه الموجودة، و هنا أضيف أن كتاب (إنسان العيون في مشاهير سادس القرون) المخطوط الموجود بهذا الاسم في مكتبة المرحوم أحمد باشا تيمور هو جلد من (تاريخ ابن أبي عذبية) و قد قابلته فتبين أنه عينه، فاقتضي التنبيه إذ لم يبق ريب في صحة ذلك …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 145

و عرف ابن أبي عذيبة بأستاذه محمد بن أحمد بن حاجي المذكور في الضوء اللامع (ج 6 ص 301).

و لما كان هذا التاريخ من مراجع كتابنا تعرضنا هنا للإشارة إلي ترجمة مؤلفه باختصار …

201 حوادث سنة 857 ه- 1454 م

202 المولي علي المشعشع- واسط و النجف و الحلة:

كان قد عاد المشعشع إلي أنحاء البصرة إثر رجوع الأمير أسپان إلي بغداد و في السنة الماضية ذهب الوالي پير بوداق إلي إيران نظرا للاضطراب الحاصل، و الفتن القائمة بين أولاد شاه رخ بن تيمور، فخلت بغداد من الجيوش الكافية للمحافظة. مما

دعا المولي عليا ابن السيد محمد المشعشع أن يتحرك نحو واسط فحاصرها، و قطع نخيلها، و ضاق الأمر بالأهلين لما أصابهم من الجوع فمات أكثرهم.. لحد أن أهل واسط اتفقوا مع أميرهم (الأمير قيدي) المنصوب حاكما من قبل پير بوداق علي واسط، فذهبوا إلي البصرة، و خربوا المدينة، ثم تركوها …

و من ثم استولي عليها المولي علي، و نصب بها حاكما من جهته يقال له (دراج).

و قد ذكر صاحب مجموعة الأنوار، و لب التواريخ أن هذه الواقعة كانت سنة 858 ه و ليس بصحيح و ذلك أنه جاء في الغياثي أن مير علي كيوان خرج بالحجاج يوم السبت غرة ذي القعدة لسنة 857 ه فخرج عليهم المولي علي المشعشع و نهب أموالهم و دوابهم و جمالهم، و أخذ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 146

المحمل و الآية المذهبة، و قماش المحمل، و نجا أناس قلائل كانوا قد دخلوا المشهد، و حاصروا السادة في حطيم المشهد، فأرسلوا يتضرعون إليه فطلب منهم القناديل و السيوف.

و كانت خزانة الحضرة منذ سبعمائة سنة تجمع فيها جميع سيوف الصحابة و السلاطين فكلما مات سلطان أو خليفة بالعراق يحمل سيفه إليها، فأرسلوا إليه مائة و خمسين سيفا و اثني عشر قنديلا ستة منها ذهبا، و ستة فضة، فأرسلوا من بغداد عسكرا لمحاربته يقدمهم دوه بيك، و انضم إليه بسطام حاكم الحلة بأجواد عسكر بغداد.

فلما وصلوا إليه كانوا بالنسبة لعسكره قليلين.. فالتقي الجمعان و هاجمهم فلم ينج منهم سوي دوه بيك، فإنه لما أحاطوا به قبض علي الفرس فقام بعض رجاله، و ضرب بالسيف أرجل فرسه يريد أن يعرقبه فلم يقطع السيف، و فر الفرس من حر الضرب هاربا، فلما كسر العسكر

و قتلهم توجه إلي الحلة، فانكسر أهل الحلة و توجه بسطام شحنة الحلة و جميع أهل الحلة إلي بغداد، فمن كان قدر علي الحصول علي مركب ركب و الباقون مضوا رجالة و بينهم أطفال و نساء و قد هلك منهم خلق كثير من جراء التزاحم علي العبور من شط الحلة، و منهم من مات في الطريق من التعب و الجوع و العطش، فقد خرجوا بغير زاد، و لكن الفصل (الموسم) كان باردا فلم يضر بالكل … و بتاريخ خامس الشهر دخل السلطان علي الحلة و نقل أموالها و أموال المشهدين إلي البصرة، و أحرق الحلة و خربها، و قتل من بقي فيها من الناس، و مكث فيها 18 يوما، و رحل يوم الأحد 23 ذي القعدة إلي المشهد الغروي و الحايري ففتحوا له الأبواب و دخل فأخذ ما تبقي من القناديل و السيوف و رونق المشاهد جميعها من الطوس و الأعتاب الفضية و الستور و الزوالي و غير ذلك، و دخل بالفرس إلي داخل الضريح، و أمر بكسر الصندوق و إحراقه فكسر و أحرق، و نقل أهل المشهدين من السادات و غيرهم ببيوتهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 147

و هذه الواقعة كانت كما يقول الغياثي بسبب القران الحاصل يوم الأربعاء 27 شوال سنة 857 ه. و بهذا يحاول أن يصرف القدرة الشخصية، و القوة إلي قرانات فيعد دخل المرء معدوما، و قدرته متلاشية، و إنما الحكم لهذا القران..

و جاء في تحفة الأزهار «إن المولي عليا ولد سنة 841 ه، و استولي علي جميع الأهواز مع شاطي ء الفرات إلي الحلة، و كانت جنوده خمسمائة نفر لا يعمل فيهم السلاح و لا غيره لاستعمالهم بعض الأسماء

(يري الفعل للأسماء لا للقرانات …) و كان غالي المذهب، سار إلي العراق، و أحرق الحجر الدائر علي قبة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، و جعل القبة مطبخا للطعام إلي مضي ستة أشهر تامة لقوله:

«إنه رب و الرب لا يموت» …

و هذه النصوص مع غض النظر عما فيها من نسبة خوارق للمشعشع بسبب القران أو الأسماء … تدل علي أن الحادث جري في سنة 857 ه.

203 حوادث سنة 858 ه- 1455 م

204 ثلج عظيم:

بتاريخ غرة المحرم وقع ببغداد ثلج عظيم لم يعهد بمثله، فمات أكثر نخل الحلة و العراق و هلك الشجر.

205 حروب الوالي پير بوداق في إيران:

إن الأمير سنجر بعد أن غلب كما مرّ جمع جيوشا، و توجه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 148

لمحاربة پير بوداق، فتأهب هذا لمقابلته، فالتقي الجيشان في أواخر هذه السنة فانتصر الوالي علي عدوه سنجر، و تقررت شيراز للأمير پير بوداق، فبقي حاكما فيها … و لم يدر ما كان يجري ببغداد من وقائع …

206 حوادث سنة 859 ه- 1455 م

207 پير بوداق و بغداد:

في هذه الأيام وصلت أخبار المشعشع إلي پير بوداق بشيراز فأرسل سيدي علي مع جماعة نواكر (ضباط و أعوان) إلي بغداد فدخلها في 3 ربيع الأول سنة 858 ه فمكث سيدي علي مدة من الزمان و بعد ذلك أرسل پير بوداق جماعة عساكر من شيراز إلي بغداد و مقدمهم أمير شيخ شي اللّه و حسين شاه المهردار و عمه سورغان و علي كرز الدين و شيخ ينكي أوغلي و أمر أن يتوجه سيدي علي و يعمر الحلة و المشهدين فدخل بغداد في 2 جمادي الأولي سنة 859 و عند ذلك توجه سيدي علي إلي الحلة يوم السبت 18 شعبان سنة 859 و عمر سوقها و عمر بها قلعة.

كذا في الغياثي، و إن الحوادث التالية تشعر بأن ما جري في النجف متأخر عن هذا التاريخ …

208 وفيات
209 عبد السلام القيلوي:

في هذه السنة توفي عز الدين عبد السلام بن أحمد القيلوي نزيل القاهرة الحنفي الإمام العلامة. ولد سنة 780 ه تقريبا بالجانب الشرقي من بغداد. و قرأ به القرآن برواية عاصم و علوما أخري ثم سمع علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 149

الشيخ محمد الجاردي و أخذ عنه فقه الحنابلة. و عن الشيخ عبد اللّه بن عزّيز (بالتشديد المصغر و بزاءين) و عن الشيخ محمود المعروف بكريكر (بالتصغير) و غيرهم. و بحث في فقه الشافعية ثم تحنف و أخذ الأصول عن الشيخ أحمد الدواليبي و النحو عن الشيخ أحمد بن المقداد و غيره و الطب عن الموفق الهمذاني، و الفرائض عن الشيخ عبد القادر الواسطي ثم ارتحل إلي العجم في فتنة تيمور فلازم ضياء الدين الهروي الحنفي و أخذ عنه ثم ارتحل إلي أرزنجان فبلاد الشام و حلب و

بيت المقدس ثم رحل إلي القاهرة و درس في عدة أماكن و لازمه الناس و انتفعوا به و هو رجل خير زاهد مؤثر للانقطاع عن الناس و العفة و التقنع بزراعات يزرعها … توفي في رمضان بالقاهرة و قد تجاوز الثمانين.

210 حوادث سنة 860 ه- 1456 م

211 وقائع أخري للمشعشع:

في هذه السنة توجه المولي علي المشعشع إلي مهروذ و طريق خراسان من ولاية بغداد و نهب و قتل و أسر الذراري و النساء و أحرق الغلات و كان ذلك يوم الأربعاء في 10 جمادي الثانية سنة 860 و مكث تسعة أيام منها ثلاثة أيام ببعقوبة و ثلاثة أيام من بعقوبة إلي سلمان الفارسي و ثلاثة أيام بسلمان الفارسي و قتل مشايخ سلمان الفارسي و أسر الباقين.

و في هذه الوقعة قتل عمر سرغان فإنه كان يعرف السباحة و كان معه شخص يقال له مقصود باشا لا يعرف السباحة فلما أدركتهم الخيالة و قدامهم شط ديالي و من ورائهم الرماح ألقوا بأنفسهم إلي ديالي فغرق عمر سرغان و خرج فرسه حيا و نجا مقصود باشا و هلك فرسه و رحل بعد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 150

ثلاثة أيام و لم يعبر ديالي و لم يخرج إليه أحد من بغداد.

212 زلزال:

في هذه السنة زلزلت مدينة بغداد ثلاث مرات في ساعة واحدة ثم البصرة و أرض الكوفة.

213 ابن اللوكة:

هو عطاء بن عبد العزيز بن عبد الكريم بن عبد للّه بن الكمال محمد بن سعد الدين محمد بن أبي الفرج بن أبي العباس بن زماخنة- بمعجمتين الأولي مضمومة- الأديب شجاع الدين أبو حسين بن العز الجلال القحطاني البصري الشافعي و يعرف بابن اللوكة ولد في ربيع الأول سنة أربع و تسعين و سبعمائة بالبصرة و نشأ بها فحفظ بعض القرآن، و عني بالأدب، و طالع دواوين أربابه، و أضاف ذلك لما اشتمل عليه أهل بلاده من الفصاحة فنظم الشعر الجيد، و ربما أتي منه بالبديع الذي استكثر عليه، و لكن الظن الغالب أنه له، فربما تكلم علي بعض غريبه كلام عارف و اهتز في المواضع الجيدة لدفع المخالف، و دخل بلاد فارس ششتر و أعمالها، و كذا الحلة و بغداد و تلك الأعمال، و بلاد الهند و اليمن و الحجاز غير مرة. ثم قطن مكة من سنة سبع و ثلاثين مع تردده منها إلي اليمن غير مرة للاسترزاق و زار المدينة النبوية ثلاث مرات، و كتب عنه ابن فهد و غيره من أصحابنا، أجاز لي و مات بكالكوط (كلكتا) في شوال سنة 860 ه و من نظمه:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 151

لما تبدي و قد أكبرت صورته بدر يحار المعني في معانيه

فقلت يا لائمي في محبته فذلكن الذي لمتنني فيه

و عندي من نظمه غير هذا. قاله في الضوء.

214 حوادث سنة 861 ه- 1457 م

215 المولي علي- إمداد بغداد:

و كان قد سمع جهان شاه بما فعله الولي علي من قتل و نهب و سلب و أسر فأرسل جيشا لإمداد بغداد، فلم يطق المولي علي البقاء، و عاد إلي الحويزة، و كان الجيش قد وصل يوم الأربعاء 16 المحرم سنة 861 ه فبقي

مدة و رحل. كذا في الغياثي و فيه ما يؤيده الوقائع المنقولة من المخطوطة المسماة بالأنوار، و من مجالس المؤمنين و فيها أن المولي علي المشعشع حينما سمع بورود الجيش قفل راجعا …

216 وفاة المولي علي: (محاصرة بهبهان)

و إثر عودة المولي علي إلي الحويزة سار بجيشه إلي (جبل كيلويه) و حاصر مدينة بهبهان.

و في أحد أيام المحاصرة أصاب المولي عليا سهم طائش من ناحية المدينة فقتله …

و في المجموعة المخطوطة نقلا عن الغياثي: من ولد السيد محمد المشعشع المولي علي حكم في زمانه و قتل بسهم في حصاره لقلعة بهبهان سنة 861 ه. ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 152

و قال:

«أما پير بوداق فبينما هو في شيراز إذ سمع بمجي ء ألوند إلي قلعة طبق و قد ترك بنيه و أهله في القلعة و توجه إلي الجبل فسار إليه پير بوداق فهرب منه فساقوا خلفه فتشتت عنه عسكره و بقي مفردا. و كاد يهلك من العطش فوقف حتي أدركوه في برية فوق كرمان …

فأول من وصل إليه پروانه بن علي ماماش فضربه علي صورته فغلب الدم عليه و لم يبق له واعية فلحق پير بوداق. فلما رأي أنه لم يبق فيه رجاء شتم ضاربه و حز رأسه و ذلك يوم الأربعاء 22 رمضان لسنة 860 و أرسله إلي جهان شاه و رجع پير بوداق إلي شيراز فلم يمض علي ذلك ثلاثة أيام إلا جاء الخبر بأن المولي عليا المشعشع قد أخذ كردستان و بهبهان و أكثر توابع شيراز فتوجه نحوه فوجده محاصرا لقلعة بهبهان و هو مجروح مريض لا يستطيع الركوب. و ذلك أنه كان يسبح في بعض الأيام في النهر الذي قرب القلعة تحت شجرة نبق و

إذا بشخص نزل من القلعة و هم لا يرونه يسمي محمود بهرام فوقف قريبا منهم و كان السلطان يسبح مع ثلاثة من أمرائه فسلم عليهم فقالوا من أنت فقال إني هارب من القلعة و أريد الانضمام إلي معسكر السلطان و وقف حتي خرجوا من الماء. فرأي الثلاثة يخدمون الواحد فتحقق أنه السلطان فمد القوس و رماه بسهم فخرق حالبه و نفذ إلي وركه وفر هاربا، صاعدا إلي القلعة فحمل و ليس به حراك و وضع في الخيمة و هو في حال رديئة.

و في تلك الأثناء طيرت الأخبار إلي پير بوداق بأن المولي عليا مجروح و هو محاصر قلعة بهبهان فتوجه إليه.

فلما ترءاي عسكر پير بوداق و رأوا غبار العساكر أخبروا المولي عليا بذلك فقال قابلوهم فركبوا عليهم و ساروا علي پير بوداق فكسروه أول مرة فوصل پير قلي إليه و أمده بعسكره فكروا علي المشعشعين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 153

و أجلوهم إلي الحويزة. و وصل شخص إلي خيمة المولي علي فرآه نائما فحز رأسه و لم يعلم من هو و كان وزيره (ابن دلامة) مقبوضا عليه فعرف الرأس و فتشوا علي الجثة فحصلوا عليها و سلخوها و حشوها تبنا و أرسلوها إلي بغداد و أرسل الرأس إلي جهان شاه و دخل جلده بغداد في 16 جمادي الآخرة سنة 861 ه. و جاء في الضوء اللامع أن علي بن محمد بن فلاح الخارجي الشعشاع (كذا) مات سنة 863 ه.

217 ترجمته:

قد مرت حوادثه … و كان منفورا من الجميع بسبب ما قام به من إهانة العتبات الشريفة في النجف و في كربلاء و القتل و التخريب و النهب … و نحن ننقل بعض ما عرف

عنه من النصوص التالية …

ففي المجلس الثامن من مجالس المؤمنين:

«أن المولي عليا في أواخر أيام أبيه استولي علي أموره و أخذ منه السلطة و ولي زمام الإدارة و صار هو الرئيس صاحب القول الفصل.

و هذا ساق الناس إلي عقيدة أن روح الإمام علي قد حلت فيه، و أن الأمير لا يزال حيا … فأغار المولي علي المذكور علي عراق العرب و انتهب المشاهد المقدسة و تجاسر علي العتبات بوقاحة و استولي عليها.

و أن والده قد عجز عن إصلاحه و كتب إلي الأطراف أنه لا يقدر عليه و في بعض مؤلفاته قد نعت نفسه بين القوم بالمهدي إلا أنه لم يقف عند هذه الدعوي و إنما ادعي الألوهية … و في أواخر المجلس الخامس ذكر المؤلف أن قد جرت ملاطفة و محاجة بين السيد إبراهيم المشعشع و السيد قاسم نور بخش في مجلس السلطان حسين بايقرا في هراة و كان من مصاحبيه مير علي شير نوائي فدخل السيد قاسم نور بخش فأراد أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 154

يزاحم السيد إبراهيم المشعشع في مكانه فأمسك بيده و قال له لنتحاج في تقدمك علي و ماذا عسي أن يكون السبب هل ذلك دعوي السيادة فإن كلّا منا مشكوك في سيادته؟ أو إذا كانت دعوي لا مبني لها فإن و الدك أدعي المهدوية و والدي زعم الألوهية أما إذا كان الأمر غير ذلك و مبناه الفضيلة فهات أسمع …! و غرضه من هذا القول أن والد السيد إبراهيم و هو المولي علي ادعي الألوهية كما أن والد السيد قاسم و هو السيد محمد نور بخش ادعي المهدوية … الخ.

ثم قال:

و لما ذهب المولي علي إلي جبل كيلويه

أصابه سهم في بهبهان فأرداه قتيلا فكانت الرمية مسددة … و حينئذ تخلص الأب من لوم الناس و تقريعهم بسببه …» ا ه.

و في جامع الدول:

«كان حلوليا، يعتقد أن روح الإمام علي عليه السلام قد حل فيه … فأغار علي المشاهد المقدسة بالعراق فنهبها نهبا فاحشا، و أساء الأدب، و ارتكب القبائح، و بقي علي إلحاده و ظلمه إلي أن قتله الأتراك في حوالي جبل كيلويه …» ا ه.

هذا ملخص ترجمته …

218 عقائد المشعشعين

و هنا لا نري وجها لاعتبار الابن غاليا و الأب يتبرأ من الغلو مع ما نقل كما مر من النصوص و منها ما أورده نفس صاحب مجالس المؤمنين … و المعروف عنه في كتبه الأخري أنه لم يستثن أحدا منهم.

و إني مورد ما جاء في كتابه (تذكرة المؤمنين) عن الغلاة و العلي اللهية خاصة و عن المشعشعين أنفسهم … و هكذا نوالي البحث في حينه عن كل من أمراء المشعشعين …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 155

219 العلي اللهية و المشعشعون (عقائدهم):

من النقول المارة يظهر أنهم يعتقدون الألوهية في الإمام علي عليه السلام و يقولون بالحلول و قد ظهر ذلك بصراحة علي لسان الابن و هو المولي علي المذكور. جاء في تذكرة المؤمنين ما يؤيد ذلك فقد أوضح المؤلف مشاهداته لبعض الغلاة من العلي اللهية بما نصه:

و أما ما شاهدته بأم عيني من الغلاة و ما رأيته من العقائد الراسخة فيهم أنني كنت سائرا في طريق بغداد فوصلت إلي منزل يقال له «هارون آباد» فنزلت في وسط غابة مع من نزل من القافلة بقصد تدخين النارجيل و شرب القهوة فأوقدوا النار هناك و أضرمت الأحطاب فجلسنا حول النار و كنت أصلح النار و أضع الوقود عليها … فاحترقت يدي.

و كان يرافقنا امرؤ من أهل قندهار فلما رآني بهذه الحالة خاطبني بقوله إنك تخشي النار فقلت له كيف لا أخشاها و فعلها الإحراق فأجابني:

إنكم تدعون التشيع في حين أن النار لا تحرق الشيعة و أريد أن أبرهن لكم أنكم لا تحبون عليا حقيقة و لستم صادقين في الإخلاص له فحينئذ تأوه و قال:

بارها كفته أم بخلوة دل علي اللّه غيره باطل

و علي أثر قراءته رفع جمرات كثيرة من النار

و ألقاها علي صدره و نحره و مد يده إلي داخل النار، و أخرجها منها مع ذكره (يا علي يا علي) فدام هذا الحال معه إلي أن طفأت النار التي كانت علي صدره و في حجره … و لم يمسه سوء منها و لا أي ضرر … و لم تظهر علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 156

وجهه علامات الانزعاج و الألم … فكأنه يلعب بالماء.

و حينئذ وجه القول علينا و خاطبنا:

- أعلمتم أنكم لستم من الشيعة …!؟

فقلت له أظنك (علي اللهي) فقال نعم! أنا لا أخشي أحدا و أخرج فجأة خنجره الذي كان لديه فخشينا منه علي أنفسنا إلا أنه أنزله بقوة عظيمة في بطنه و صدره بحيث انحني رأس الخنجر و لم يصب جسمه أذي …

و كلمنا بقوله:

- إنكم لا تعتقدون أن (نور علي) حاضر و ناظر و تقولون إنه في قالب المثال أو في جسده الأصلي و بمقتضي اعتقادكم هذا ينبغي أن لا يدوم أكثر من ثلاثة أيام و مع هذا الاعتقاد تزعمون أنه يحضر عند العباد لدي احتضارهم أو ولادتهم فأين يذهب؟ و ماذا تطالبون من القبر؟ و هو لم يكن فيه؟ فلم تتحملون المشاق و الأسفار في سبيل زيارة قبره! و لو سلمنا بهذا فأين يذهب و ماذا تطلبون من قبر لم يكن هو فيه …؟

و عندما أنهي كلامه هذا قام جمع من الحضّار فودعنا و سار لوجهه راجلا مع من سار …! ا ه.

و أمثال هذا من النقول كثير و قد أورد المؤلف بيتا في موطن آخر من كتابه قال:

كرنكويم من خدايت يا أمير المؤمنين پس چه مكويم در ثنايت يا أمير المؤمنين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص:

157

و معناه إذا لم أقل أنت اللّه يا أمير المؤمنين فماذا أقول إذن في الثناء عليك …

و من هذا كيف نعلم أن عقائد هؤلاء هي عقائد المشعشعين؟ و ما الدليل علي أنهم منهم؟

فأقول إن المؤلف عاد للموضوع مرة أخري و تعرض له، فبين أن هذه العقائد لها مكانة معينة و أن المشعشعين صنف من هؤلاء و تفصيل الخبر أنه قال:

«إن الناس في حضرته- حضرة الإمام علي- أربع طوائف أولاها غالية في حبه و تقول بألوهيته، و الأخري تغالي في بغضه و تقول ما لا يليق ذكره.. و ثالثة تستخفّ به عنادا، و رابعة اعتقدت بإمامته … و إن الغالين فيه الذين يعتقدون بألوهيته منهم المفوضة … و هؤلاء يقولون إن اللّه فوض إليه إدارة العالم في كافة شؤونه و لم يتدخل بشي ء … و منهم السبأية أصحاب عبد اللّه بن سبأ من نصيرية و هؤلاء أيضا اعتقدوا بألوهيته و بعد أن استشهد قالوا إنه لم يمت و إنما هو حي … و إن ابن ملجم لم يقتله و إنما الشيطان تمثل بصورته فقتل … و منهم الغرابية يقولون بأن اللّه أرسل جبريل إلي علي إلا أنه اشتبه و ذهب إلي محمد و كان يشبه عليا كما يشبه الغراب الغراب … و بعضهم يقول إن عليا هو اللّه … و منهم الشريفية و هؤلاء يقولون إن اللّه (حل) بالنبي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين فهم آلهة. و منهم المغيرية يقولون إن اللّه حل بعلي و صار هو اللّه … و إن قبيلة هزارة و عربان المشعشع علي هذا المعتقد (و هنا تعينت عقائد المشعشعين) و منهم المخمسة و هم يعتقدون أن سلمان

موسوعة تاريخ

العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 158

و المقداد و عمار و أباذر و عمرو بن أمية الضمري موكلون بأمور العباد للقيام بمصالح العالم من جانب علي الذي هو اللّه … ا ه.

و من هذا عرفنا مكانة عقائد المشعشعين بين الغلاة و قد اتفق المسلمون علي تكفير الغلاة و إخراجهم من حظيرة الإسلامية و أن المؤلف أيضا كفرهم و قد مرت النقول علي أن المشعشعين من أهل الحلول و الاعتقاد بألوهية الأشخاص و عبادتهم … و أما استعمال النار و السلاح فإنه أيضا قد نقل المؤلف مثله عن العلي اللهية و بصره بأم عينه فلا فرق بينهما في العقيدة بوجه فهم يتخذون هذه وسيلة أو طريقة لنشر عقائدهم … و العلي اللهية في العراق كثيرون و لا نطيل القول هنا بذكر عقائدهم فللبحث عن ذلك موطن غير هذا.

220 الأمير ناصر العبادي- واسط: (المشعشع أيضا)

و بعد وفاة المولي علي وافي الأمير ناصر بن فرج اللّه العبادي إلي بغداد و أخبر أن عسكر بغداد مع القبائل العربية الكثيرة المجتمعة لنصرته قد تشتت شملهم و دمرهم السيد محمد المشعشع و عقب أثرهم حتي أوصلهم إلي واسط فانتصر المشعشع المذكور عليهم و قتل فيهم تقتيلا فظيعا و لم ينج منهم أحد فكانت هذه الوقعة دامية جدا. و قد حدثت في أواخر هذه السنة (861) ه.

221 حوادث سنة 862 ه- 1457 م وفيات

222 ابن الدواليبي:

هو علي بن عبد المحسن بن عبد الدائم بن عبد المحسن بن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 159

ميل ضريح السهروردي- عن دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 160

محمد بن أبي المحاسن عبد المحسن بن أبي الحسن بن عبد الغفار العفيف أبو المعالي بن الجمال أبي المحاسن ابن النجم أبي السعادات أو أبي محمد بن محيي الدين أبي المحاسن بن العفيف أبي عبد اللّه بن أبي محمد البغدادي القطيعي ثم الصالحي الحنبلي و يعرف كسلفه بابن الدواليبي و بعض سلفه بابن الخراط و هما صنعة عبد الغفار جده الأعلي، من بيت جليل. ولد في المحرم سنة 779 ه ببغداد و نشأ بها فقرأ القرآن و اشتغل، أخذ عن الكرماني، و عن القاضي شهاب الدين أحمد بن يونس العبدالي البغدادي المالكي أحد من أخذ عن الحجار، و أنه سمع علي أبيه المسلسل … و كان المحب بن نصر اللّه البغدادي قد ذكر ما يدل علي اتهامه، و كذا ابن حجر و لكنه له استعداد و استحضار لكثير من التاريخ و الأدبيات و المجون. أقام بالقاهرة مدة، ثم سكن دمشق، ثم رجع إلي القاهرة … مات في 16 رجب سنة 862 ه. هذا ما ذكره صاحب

الضوء اللامع، و جاء في الشذرات أنه كان إماما عالما ذا سند عال في الحديث و لم يقطع في تاريخ وفاته و إنما قال توفي سنة 858 تقريبا.

223 حوادث سنة 864 ه- 1459 م

224 فتن و أراجيف:

حصل في هذه السنة أراجيف و فتن بين بغداد و الموصل لاختلاف الملوك، و نهبت قوافل و قري و الوقائع السابقة تعين الحالة، و أن المملكة في اضطراب لا في هذه السنة خاصة، و لعل الشر قد تزايد فيها …

و في 27 رمضان سنة 864 ه دخل پير قلي بغداد، و كان قد أرسله پير بوداق إليها كما سيجي ء … و هذا وصيف پير بوداق (قنه) و معني پير قلي (عبد پير) أي عبد پير بوداق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 161

225 حوادث سنة 866 ه- 1461 م

226 عودة الأمير پير بوداق:

كان هذا الأمير قد ذهب إلي شيراز، و بقي خارج العراق عشر سنوات، قضاها في الحروب … و ذلك اعتبارا من وفاة السلطان محمد بن بايسنقر بن شاه رخ في 15 ذي الحجة سنة 855 ه و قتله أخوه ميرزا باير، فتوجه الأمير نحو جهة، و والده جهان شاه نحو أخري.

فسخروا فارس و بلاد عراق العجم، و كانت تحت سلطة ميرزا محمد بن بايسنقر المذكور … كما أنه حينما توفي باير في 26 ربيع الثاني سنة 862 ه سار جهان شاه إلي هراة فاستولي عليها … و علي هذا تحرك أبو سعيد من سمرقند و مضي لمقاومة جهان شاه … و هذا لم يسعه إلا تسليم هراة و الصلح مع أبي سعيد علي إنكار في 1 صفر سنة 863 و خرج جهان شاه هاربا و ألقي في الطريق أثقاله … و بعد ذلك عصت علي جهان شاه مدينة أصفهان فدخلها قهرا و دمرها … ثم منحها إلي ابنه محمدي ميرزا كما أنه جعل شيراز في قبضة ابنه پير بوداق و أعطي كرمان لابنه الآخر يوسف ميرزا. و يزد أودعت إدارتها إلي امرأته

و هكذا اقتسموا مملكة إيران فمضي الأمر علي هذا مدة …!

ثم حدثت منافرة بين الأمير جهان شاه و ابنه پير بوداق بسبب ساتلمش (صاتلمش) الشيرجي فأرسل إلي ابنه پير بوداق يطلب منه فلم يلتفت إليه و حينئذ كتب إليه إما بغداد و إما شيراز و إلا أخذهما قهرا …

و توجه جهان عليه فلما علم پير بوداق خرج من شيراز بعسكره و أتباعه مع جماعة من أهل شيراز من صناعها و كتابها و أرباب الحرف و الصنايع منها … و مضي إلي كريوة ماهين و تنك براق و صنع سورا و تأهب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 162

للحرب … فلما حضر جهان شاه سار پير بوداق إلي تستر و أعطي جهان شاه شيراز إلي ابنه يوسف ميرزا و أقام پير بوداق في تستر و أرسل پير قلي و صيفه إلي بغداد فدخلها يوم الخميس 27 رمضان سنة 864 ه.

ثم إن پير قلي هذا كتب إلي پير بوداق يحثه علي الخروج من تستر و اللحاق به، فلم يستطع مخالفته فسار من هناك إلي بغداد، فدخلها يوم الاثنين 18 ربيع الأول سنة 866 ه.

و في هذه المدة كانت النفرة بينه و بين والده تزيد يوما فيوما بل اشتدت الفتن … و لما دخل بغداد طرح علي الأهلين ألفا و ثمانمائة تومان، فلم يستطيعوا الأداء فأهان الناس بالضرب و التعذيب، و نالهم منه ما لم يروه من قسوة و شدة …

227 وفاة السيد محمد المشعشع:
اشارة

توفي السيد محمد هذا يوم الأربعاء 7 شعبان سنة 866 ه فخلفه في إمارته ابنه المولي محسن.

228 ترجمته:

في كتب كثيرة نري ترجمته و قد مضي الكلام علي ظهوره و تاريخ مناضلاته مع العراق و الحويزة. و الآن ننقل ما عرف عنه من النصوص الأخري … منقولة من مجموعتنا الخطية المسماة بالأنوار قال في كتاب إيجاز المقال في علم الرجال ما نصه:

«قال مؤلفه الجليل العالم العلامة النسابة الشيخ فرج اللّه بن محمد و يسمي أحمد بن درويش بن محمد بن حسين بن جمال الدين بن أكبر مجرد الجيلي من بلاد الجبل أصلا الحويزي مولدا الجزائري نشأة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 163

المزرعاوي نسبة في الجلد الثاني منه هكذا (محمد كالأول في ست ابن فلاح بالفاء و اللام و الألف و الحاء السيد الموسوي و لكنه مخلط) انتهي كلامه. قوله (كالأول) يعني كالاسم الذي تقدم ضبطه بميمين بينهما حاء و بعدها دال مهملة. قوله (في ست) يعني سأذكره في الخاتمة في الفائدة التي تشتمل علي فهرست ما عثرت عليه من أصل أو كتاب.

و لا يخفي أن الذي نقلته و أنقله … عن هذا الكتاب من كتاب الأصل خط المؤلف و هو عندي … و قد وجدت بخطه الشريف مكتوبا بالحمرة علي ترجمة السيد محمد بن السيد فلاح هذا هكذا (جد بيت المهدي) انتهي. أقول و ذلك أن السيد محمد يلقب بالمهدي … و لا يخفي أنه بعد أن ذكر السيد محمد في الفهرست قال: و محمد هذا هو المهدي المشهور بالحويزة قد طلب العلم بمدرسة الحلة و تلمذ علي الشيخ الجليل أحمد بن فهد المجتهد المشهور. و في تاريخ الغياثي: كان عالما بجميع العلوم المعقول و

المنقول و كان عارفا بعلم التصرف و صاحب رياضات و لذلك كان يخبر بما يكون من ظهوره و قيل اعتكف في مسجد الكوفة سنة كاملة بشي ء قليل من دقيق الشعير و قد ظهر منه تخليط في ابتداء ظهوره سنة 840 ه حتي أمر أستاذه … بقتله و له كتاب رأيته يميل به إلي الحلولية معدن تخليط و زخارف غلب علي عقول بعض الناس …» ا ه.

و في كتاب مجالس المؤمنين في آخر المجلس الخامس منه في ترجمة الشيخ أحمد بن فهد ما نصه:

«من جملة تلامذته السيد محمد بن فلاح الموسوي الواسطي و هو أول سلاطين المشعشعين … و كانت أكثر ولايات الحويزة في تصرف هؤلاء …» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 164

و في كتاب المجموعة الجامعة الكاملة النافعة تأليف العالم الجليل الشيخ عبد للّه بن عيسي بن محمد صالح المشهور بميرزا عبد اللّه أفندي … و هي عندي بخطه الشريف و هي كالفهرست لأكثر الكتب الغريبة التي ألفها العلماء الأعلام قال فيها في الثلث الأخير منها هكذا:

«فائدة قد رأيتها في صدر بعض الرسائل لبعض متأخري علمائنا بالفارسية في بيان مناظرات جماعة من علماء الشيعة مع العامة في الإمامة كابن جمهور و الأحساوي (الأحسائي) و هشام بن الحكم و الشيخ المفيد و غيرهم. و هذا أول الرسالة:

الشيخ العالم الزاهد أبو العباس أحمد بن فهد الحلي … و نقل بعض أحوال الشيخ (ره) إلي أن قال: و من أفاضل تلامذته السيد محمد بن فلاح الموسوي الواسطي أول سلاطين المشعشعين» ا ه.

و في (كتاب تنبيه و سن العين بتنزيه الحسن و الحسين في مفاخرة بني السبطين) قال مؤلفه العلامة النسابة السيد محمد بن علي بن

حيدر بن محمد بن نجم و به يعرف هذا البيت فيقال بيت السيد نجم الحسيني الموسوي في أواسط هذا الكتاب عند تعداد ملوك بني الحسين … هكذا:

«و من الممالك الحسينية مملكة المشعشع. قال صاحب النفحة العنبرية المشعشع بضم الميم و فتح الشينين المعجمتين إلي أن قال السيد محمد صاحب هذا الكتاب طاب ثراه، و الذي في زماننا و ما قبله إلي قبل التسعمائة استقرار ملكهم في حوزستان بضم الحاء المهملة و كسر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 165

الزاء المعجمة و سكون السين المهملة كذا ضبطه ابن خلكان و قال هي بلاد بين البصرة و فارس و النسبة إليها حوزي و قد فات هذا صاحب القاموس فلم يذكره و إنما ذكر الحويزة كدويرة و قال قصبة بحوزستان.

و الحويزة في هذا الزمان مقر ملك هؤلاء السادة مع تملكهم لقطر حوزستان و غيره و هم الآن تحت الطاعة لملوك العجم السادة الصفوية علي أن ملكهم سابق علي ملك أولهم شاه إسماعيل كذا أخبرني بمكة المشرفة ملكهم الآن السيد الجليل علي بن عبد اللّه و ذلك مقتضي كلام صاحب النفحة العنبرية. و هم عرب كرام أمجاد أبطال أنجاد و تحت ملكهم و طاعتهم من عرب جهتهم ألوف كثيرة فوارس شجعان و قد أخذوا البصرة في حدود عشر و مائة بعد الألف لملك العجم الذي هم في طاعته ثم ردها علي السلطان الأعظم ملك الروم و الحرمين الشريفين للمعاهدة و المهادنة التي بينهما» ا ه.

و في كتاب مجالس المؤمنين في المجلس الأول ما هذا لفظه:

الحويزة تصغير الحوزة و أصله من حازه يحوزه حوزا إذا حصله و هو موضع حازه دبيس بن عفيف الأسدي في أيام الطائع للّه و نزل

فيه بحلته و بني فيه أبنية و ليس بدبيس بن مزيد الذي بني الحلة بالجامعين و لكنه من بني أسد أيضا. كذا في معجم البلدان. قال: و هذا الموضع بين واسط و البصرة و حوزستان في وسط البطائح. و البطائح جمع بطيحة بالفتح ثم بالكسر و البطحاء مثلها و تبطح السيل إذا اتسع في الأرض.

و بذلك سميت بطائح واسط لأن المياه تبطحت فيها أي سالت و اتسعت في الأرض. و هي أرض واسعة بين واسط و البصرة و كانت قديما قري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 166

متصلة و أرضا عامرة فاتفق في أيام كسري أبرويز أن زادت دجلة زيادة مفرطة، و زاد الفرات أيضا بخلاف العادة فعجز عن سدها فتبطح الماء في تلك الديار و العمارات و المزارع فطرد أهلها عنها فلما نقص الماء و أراد العمارة أدركته المنية و ولي بعده ابنه شيرويه فلم تطل مدته ثم ولي نساء لم تكن فيهن كفاية ثم جاء الإسلام فاشتغلوا بالحروب و الجلاء و لم يكن للمسلمين دراية بعمارة الأرضين فلما ألقت الحروب أوزارها و استقرت الدولة الإسلامية قرارها استفحل أمر البطائح و انفسدت مواضع البثوق و تغلب الماء علي النواحي و دخلها العمال بالسفن فرأوا فيها مواضع عالية لم يصل الماء إليها فبنوا فيها قري و سكنها قوم و زرعوها الأرز … و تغلب عليها في أوائل أيام بني بويه أقوام من أهلها و تحصنوا بالمياه و السفن و خرجت تلك الأرض عن طاعة السلطان و صارت تلك المياه لهم كالمعاقل الحصينة إلي أن انقضت دولة الديلم ثم دولة السلجوقية. فلما استبد بنو العباس بملكهم و رجع الحق إلي نصابه رجعت البطائح إلي أحسن النظام

و جباها عمالهم كما كانت في قديم الأيام قال المؤلف (المجلسي): و علي هذا قد ظهر لنا أن متوطني تلك الديار كان بعضهم من أيام الديلم و البعض الآخر من قبيلة بني أسد فاختاروا التوطن في تلك البطائح و كلتا الطائفتين من الشيعة الإمامية و من المخلصين للسادة العلوية. و في العصر التاسع للهجرة كان السيد محمد ابن السيد فلاح الموسوي الواسطي من تلامذة الشيخ الأجل أحمد بن فهد الحلي الإمامي … قد ذهب إلي تلك الأنحاء و أقام مع هذه الأقوام و هؤلاء لما كانت عقائدهم صافية و رأوا أنه علي الحق اتخذوه حاكما عليهم و صارت تدعي تلك الجماعة بأتباع المشعشع رباهم كما أراد و لمدة قصيرة تمكن من أن يتسلطن عليهم فاستولي علي جميع ولاية خوزستان، و الجزائر و أكثر عرب العراق فتصرف بها و حكمها. و من ثم انتشر مذهب الإمامية في بلاد خوزستان و تشعشع أمر التشيع في تلك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 167

الديار و الأنحاء و لا يزالون حتي الآن مرتبطين بأولاد السيد محمد و أخلافه و هم تحت حكمهم (إلي أيام المجلسي) و سنتكلم علي حكومة هؤلاء في هذا الكتاب …

229 ملحوظة:

ما فائدة هذا الارتباط بمن اعتقاده ما مر الكلام عليه عند ذكر وفاة المولي علي عام 861 ه.

230 حوادث سنة 867 ه- 1462 م

231 العثور علي كنز:

مضي علي مجي ء پير بوداق مدة سنة واحدة و بينما كان الأمير سيدي علي يعمر أرضا برواق عزيز إذ وقع بسرداب فيه مال عظيم من الذهب الأحمر. فأعلم بها پير بوداق و وزنوها فكانت سبعمائة منّ بوزن تبريز (سبع قناطير حلبية) كلها مسكوكة بسكة الخليفة الناصر لدين اللّه و هي ذهب ابريز تام العيار. من أموال الخليفة الناصر. و قد دفنه و زرع فوقه شجرا حتي لا يفطن إليه أحد.

و كان هذا الخليفة كثير الولع بجمع الذهب و حبه إلا أن جميع ما دفنه استخرجه ولده المستنصر و صرفه علي العمارات و المفرجات و أبواب البر …

أراد سيدي علي أن يجعل تلك الأرض ديوان خانه فبينما البناؤون يحفرون الأساس وقعوا بها … و من ثم تكلم الناس فقال بعضهم هذه عناية في حق پير بوداق و قال الغياثي، أعطي ذلك المال ليكف عن ظلم العباد فزاد في غيه و ظلمه و صار نكالا عليه كما أن جهان شاه سمع به

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 168

فصمم العزم إليه و قتله و هو أيضا قتل بسببه عدة أناس. و لهذا سمي (حجر القاتول).

232 وفيات
233 1- حميد الدين النعماني:

هو محمد بن أحمد بن محمد، حميد الدين أبو المعالي بن تاج الدين النعماني نسة للإمام أبي حنيفة (رضه) البغدادي الفرغاني الدمشقي الحنفي. ولد في 17 صفر سنة 805 بمراغة من أعمال تبريز، و نشأ ببغداد، و تفقه فيها علي أبيه، و الشريف عبد المحسن البخاري، و تحول مع أبيه لدمشق في أواخر ذي القعدة سنة 821 ه، ثم دخل القاهرة في التي تليها، و تفقه فيها بالشمس بن الديري، و العز عبد السلام البغدادي، ثم عاد لدمشق سنة 824 ه و

قطنها و تفقه بها علي العلاء البخاري، و الشرف قاسم العلائي فلازمه و أخذ منه علم الشريعة و الطريقة و سائر فنون المعقولات، و ولي قضاء الحنفية بدمشق في سنة 853 ه … و حج مرارا و ولي تداريس و أنظارا عدة و ألف ردا علي ابن تيمية في الاعتقادات، و شرحا للكنز لم يكمل، و له عدة رسائل في مسائل، و كان عالما بالنحو و الصرف و المعاني و البيان و الأصول و غيرها مشاركا في الفقه. ذكره في الأنباء، و طعن في نسبه.

مات ليلة الأحد 6 ربيع الأول سنة 867 ه بالمدرسة العينية، و دفن بسفح قاسيون و مر ذكر حسام الدين عم والده في المجلد الثاني و كذا الكلام علي والده.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 169

234 2- برهان الدين الكيلاني:

في حدود هذه السنة توفي برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن التاج عبد الوهاب بن عبد السلام بن عبد القادر البغدادي الحنبلي. ولد في 3 ذي الحجة سنة 793 و قرأ علي علماء عصره و جد و اجتهد حتي صار إماما عالما زاهدا قال في الضوء اللامع نشأ ببغداد و سافر إلي مكة و سمع بها علي ابن صديق صحيح البخاري و غيره و قطن القاهرة و حدث فيها و سمع منه الفضلاء و له ابن اسمه علي و هو سبط الشمس محمد بن معروف التاجر المتوفي سنة 886 ه.

235 حوادث سنة 868 ه- 1463 م

236 أحوال العراق:

كان الأمير پير بوداق في هذه السنة و أوائل التي بعدها تتوارد إليه الرسل من أبيه جهان شاه فينا لهم منه كل إهانة و تحقير بل قتل و تدمير … فلم تحصل ألفة بينهما و استمرت البغضاء و صارت تشتعل نيران الفتن بينهما إلي أن وصلت الحالة إلي ما لا تحمد عقباه و ذلك أنه جاء في أحسن التواريخ أن حسن علي مضي إلي بغداد و لقي رعاية من ميرزا پير بوداق و أنه كان يتابعه في إلحاده جماعة من أهل الزندقة ممن يطعن بدين محمد صلي اللّه عليه و سلم، و يري و جوب ترك الصيام و رفع التكاليف الإسلامية و من ثم رأي السلطان (جهان شاه) أن رسوم الشرع لم تراع و أصابها خلل فسار إلي بغداد بعظمة و كثرة جنود، و وزع الجيش إلي جهات متفرقة و أراد أن يحيط به من كل صوب ليسد الطرق علي پير بوداق … و لكن هذا اتخذ الأهبة و حاصر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 170

237 حيوان بحري:

في هذه السنة (868 ه) خرج حيوان من البحر من ناحية البصرة علي صورة فرس و له جناحان يطير بهما نحو مائة ذراع و إذا لحق ركض علي الأرض اسبق من الريح و لم يقدر أحد علي قبضه و إذا جن الليل عاد إلي البحر و أقام علي ذلك عشرة أيام ثم ذهب و لا يعلم أحد أين ذهب كذا نقل العمري.

238 وفيات
239 الخريزاتي:

هو علي بن جمعة بن أبي بكر البغدادي خادم مقام الإمام أحمد كآبائه و الخريزاتي ولد سنة 750 ه أو بعدها ببغداد و نشأ بها و تعلم صنائع ثم ساح في البلاد و طوف في العراق و البحرين و الهند و أرض العجم و ما وراء النهر ثم حج و طوف في البلاد الشامية ثم قدم القدس و سكن به و بالخليل و نابلس ثم قدم القاهرة و سكنها و طوف في ريفها و ارتزق بها من صنعة الشريط و جلس لصنعه بحانوت تجاه الظاهرية القديمة و شاع عنه مما شاهده الثقات في سنة 844 ه إن السباع إذا مر بها عليه تأتيه و تتلمس به هيئة المسلمين عليه بحيث يعجز قائدوه عن مرور السبع بدون مجيئه إليه بل و عن أخذه عنه سريعا إلا إن إذن هو له و تكرر ذلك مدة إلي أن مل الشيخ فصار إذا سمع بالسبع من بعد يقوم و يفر إلي المدرسة أو غيرها كل ذلك مع سكينة و كثرة تواضع … مات في يوم الأربعاء عاشر رمضان سنة 868 ه بالقاهرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 171

240 حوادث سنة 869 ه- 1464 م

241 بغداد- جهان شاه:

لم تجد المخابرات، و لا أفادت الرسل، و إنما أدت تلك المفاوضات إلي توتر الحالة و إلي الفتن و المقارعات بل الحروب و من حين ورد (درتنك) تواترت الأخبار بمجيئه و وصلت مقدمة العسكر إلي البندنيجين و عند ذلك قرر الأمير پير بوداق أن يخرب المملكة فعاث فيها الجيش فنهبوا و احرقوا و خربوا و ساقوا الدواب و الأحشام و عبروها إلي الجانب الغربي …

أما جهان شاه فإنه وافي إلي مزار الإمام أبي حنيفة و أرسل إليه يقول جئناك فماذا

تفعل فقال للقاصد أهلا و مرحبا به فلما قرب العسكر من السور رشقوهم بالنبال فحط بعيدا عن السور و حفر عليه خندقا و أحاطهم بجميع سور بغداد و ذلك نهار الاثنين 14 جمادي الثانية سنة 865 ه (و هذا التاريخ الذي بينه الغياثي غير صحيح و صوابه 869 ه لأننا تجاوزنا حوادث هذه السنة).

و انحصر پير بوداق في المدينة و كان عنده عسكر كثير فاختار منهم البعض و أعطي الباقين دستورا فخرجوا من المدينة. و لما طالت المدة أعطي الرعية دستورا و قال من لم يكن له طاقة للحصار فليخرج. فخرج خلق كثير. فقام حسين طرخان و كان أحد أمرائه فقال له: حيث إن الرعية تخرج عنا يجب أن تأخذ أموالهم و تتركهم فقال افعل ما تشاء.

فانتهب مال الكثيرين من الرعايا. فصادر و عذب و أخرج الناس بنسائهم و أولادهم.

عمل الأمير پير بوداق بالناس هذه الأعمال داخل المدينة و جهان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 172

شاه خارج المدينة يعمل أيضا أعماله الرديئة …

مضي علي هذه مدة. و لم يبق في البلد إلا القليل من الناس و حينئذ أراد حسين طرخان و جماعة من الأمراء المخابرة مع جهان شاه فراسلوه و واعدوه علي يوم معين تلقي الحرب أوزارها و يسلمون إليه البلد. و ذلك أن جماعة بينهم حسين طرخان كانوا يتحدثون في السور تحت بعض الجدران و إذا بصبي يسمع من وراء جدار و لم يشعروا به حتي استوفي جميع ما أسروا و جاء إلي نسيب له من نوكرية پير بوداق و قص عليه القصة … فذهب من ساعته و أخبر پير بوداق بذلك فركب من ساعته إلي بيت حسين طرخان و أخرجه من بيته

و جاء به و أرسل من جاء بأخيه طرخان و قيدهما و سجنهما و قتل من كان قد خامر معهما من الأمراء و النوكرية و تركهما ذلك اليوم حيين و ألقي جهان شاه الحرب علي بغداد علي الوعد الذي كان بينهم و بأمل أن يسلموه البلد …

فلما رأي پير بوداق أن الحرب قد طالت ضرب أعناقهما و أرمي بها من السور إلي جهان شاه و قيل هذه رؤوس فلان و فلان.

فحين عاين ذلك أبطل الحرب و أطفئت الفتنة.

242 حوادث سنة 870 ه- 1466 م

243 الصلح- قتلة پير بوداق:

دام الحصار مدة سنة و خمسة أشهر و نصف ثم انبرم الأمر علي أن پير بوداق يختار من جماعته مقدار مائة فارس و يخرج من الجانب الغربي فيعطيه جهان شاه خيلا و دوابّ و جمالا و يمر علي وجهه أينما شاء و يسلم البلد إلي جهان شاه.

و كان في نيته أن يتوجه إلي شاهسوار … و بينما هم في هذا الأمر و قد فتحوا أبواب المدينة و دخلوا و أخرج الناس إذ هرب من پير بوداق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 173

دندار ابن عم أولاد طرخان إلي جهان شاه و قال له: إن في نية پير بوداق أن يحاصرك مرة أخري حيث إنه اكتفي من الغلة و الدهن و اليرق عند فتح الباب. و الآن في نيته العصيان و كان قد جري ذلك في مجلس الشرب.

و قالوا قد اكتفينا فالآن نحاصر مرة أخري …

و كان انهزم إليه هذا الشخص و أخبره بهذه الصورة و عند ذلك أمر جهان شاه بقتل پير بوداق فتوجه أخوه محمدي ميرزا و پير محمد التواجي و جماعة و دخلوا المدينة و هو غافل لا يعلم. فما أحس إلا و هم علي

رأسه فدخل عليه محمدي ميرزا و ضربه بالسيف و أتمه الباقون فقضوا عليه و ذلك نهار الأحد غرة ذي القعدة سنة 870 ه و في لب التواريخ قتل يوم الأحد 2 ذي القعدة. و من ثم قامت القيامة في بغداد و جعلوا عاليها سافلها، و خربوا ما شاؤوا.

244 ترجمة الأمير پير بوداق:

مضت حكومته بالوجه المحرر سابقا و تفصيلها ينبي ء أنه لم يكن له عمل غير الظلم و الجور كما أن الغياثي نقل أنه منهمك بالفجور و الشرب … و دعاه صاحب الشذرات (پير بضع) هو (پير بوداق) فالمؤرخون متفقون علي أن اسمه پير بوداق قال صاحب الشذرات: «إنه صاحب بغداد و توفي في 2 ذي القعدة سنة 870 ه» ا ه.

و جاء في جامع الدول:

«كان أقطع- جهان شاه- فارس ابنه پير بوداق ميرزا ثم بلغه سوء سيرته في أهلها فعزله منها في سنة 864 ه ولاه بغداد فأظهر العقوق و العصيان في سنة 869 ه فسار جهان شاه إلي دفع غائلته و حاصره ببغداد نحو سنة كاملة، فخدعه والده بطلب الصلح منه حتي فتح پير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 174

بوداق باب القلعة و أمن جانب أبيه فغدر به والده فأرسل ابنه الآخر محمدي ميرزا فكبسه و قتله صبيحة يوم الأحد 2 ذي القعدة سنة 870 ه و اقطع بغداد ابنه محمدي ميرزا و عاد إلي أذربيجان و زادت شوكته و عظمته و انتهت إلي رتبة لم يبلغ أبوه و لا جده عشر معشارها و ملك العراقين و فارس و كرمان و سواحل عمان و أذربيجان إلي حدود الروم للشام» ا ه.

245 و في كلشن خلفا:

«ولي بغداد. و في مدة قليلة تخبط دماغه فعق والده. ذلك ما دعا أن يسير إليه بنفسه فحاصر بغداد لمدة سنة و نصف فافتتحها و قضي علي ابنه المذكور عام 870 ه فلما علم حسن الطويل بذلك انتهز الفرصة لإبداء الخصومة القديمة و جهز جيشا لجبا للوقيعة بجهان شاه …» ا ه.

و بين الغياثي سببا آخر غير توتر العلاقات أثناء المخابرات قال:

«كان پير

بوداق عنينا فتفكر جهان شاه أنه إن بقي بعده و هو فتاك سوف يقتل جميع إخوته … فتنقرض ذريته (ذرية جهان شاه) فرأي أن يقتله فقتله …» ا ه.

246 و جاء في الضوء اللامع:

«ناب عن أبيه في شيراز ثم خالفه فقصده أبوه ففر لبغداد فتملكها و حاصره أبوه دون السنتين حتي ملكها و قتله مع خلق كثيرين جدا.

و غلت الأسعار بسبب الحصار حتي حكي لي بعض من كان في العسكر أن رأس الغنم بيع بما يوازي مائة دينار مصرية و الرطل البغدادي من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 175

الثوم بنحو خمسة عشر دينارا. قال: و أكلت لحوم البغال و الحمر الأهلية و نحوها. و كان شجاعا كريما، ظهر له كنز كبير قيل إنه اثنا عشر خابية ففرقه علي العسكر، و لم ينظر إليه بل قال: إن أصحابه لم ينتفعوا به فنحن أولي، هذا مع شيعيته … و تجاهره بالمعاصي بحيث يأكل في رمضان نهارا علي السماط مع كثيرين».

و ذكره في موطن آخر من كتابه باسم (پير بضع) قال:

«… صاحب بغداد، حاصره أبوه فيها زيادة علي سنتين إلي أن عجز و سلمها فيما قيل له مع تقادم كثيرة فأقره أبوه عليها و سار إلي بلاده فحسن له بعض أتباعه الاستمرار علي مشاققته. و إنه إنما أذعن له عجزا و غلبة فندب إليه ولده الآخر محمدا شقيق هذا و تصادما فقتل صاحب الترجمة، و جهز برأسه إلي أبيه و ذلك في ثاني ذي القعدة سنة 870 ه و هو في الكهولة و قتل معه من عساكره نحو أربعة آلاف نفس صبرا» ا ه.

و ذكره مرة أخري بلفظ (بير شاه بضع بداق) مما يدل علي أن المؤلف لم يقطع في صحة

تلفظه (راجع مادة جهان شاه).

و علي كل كانت مدة حكمه ببغداد علي ما جاء في الغياثي 18 سنة و خمسين يوما مكث فيها ببغداد ثلاث سنوات و خمسة أشهر و 24 يوما ثم توجه إلي شيراز و بقي فيها عشر سنين و 23 يوما ثم عاد إلي بغداد ثانية فأقام فيها 4 سنوات و 7 أشهر.

247 ولاية پير محمد الطواشي:

كان جهان شاه قد قتل ابنه پير بوداق ثم ولي علي بغداد پير محمد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 176

الطواشي و ذلك في غرة ذي القعدة (أو 2 منه) لسنة 870 ه و بقي هذا حاكما بها و رجع جهان شاه إلي تبريز راحلا عن بغداد …

248 الحلة- المشعشع:

قبل وفاة جهان شاه كان قد استولي المولي محسن المشعشع علي الحلة و بقيت بيده إلي سنة 872 ه و لم نعثر علي تاريخ ضبط هذه البلدة من قبل المشعشع لهذه المرة و علي كل حال كانت أيام ولاية الطواشي أو قبلها … و دامت في أيديهم إلي أن عدل حسن بك الطويل من حصار بغداد و سار إلي تبريز علي ما سيجي ء …

249 المولي محسن المشعشع:

و هذا المولي كان خلف أبيه السيد محمد كما ذكر ذلك في حينه و قد نال مكانة أسمي مما كان عليه والده و أخوه المولي علي و تمكن من الاستيلاء علي ولاية الجزائر و أكثر أنحاء بغداد فصارت في حوزته و أن الكرد البختيارية. و الكرد الفيلية أذعنوا له بالطاعة و أبدوا الانقياد …

و كان كريما، و محبا للفضيلة، و أن علماء الشيعة قد كتبوا الكتب و الرسائل من الأنحاء الأخري و بعثوا بها إليه … و من هؤلاء المولي شمس الدين محمد الاسترابادي كتب حاشية علي رسالة إثبات الواجب و قدمها إليه و وسمها باسمه حينما رأي ميرا قد كتب حاشية جديدة قدمها إلي السلطان بيلديرم بايزيد العثماني. و الملا قدم حاشية إلي السلطان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 177

يعقوب البايندري و كان شمس الدين محمد المذكور معاصرا لصدر الدين محمد الشيرازي و المولي جلال الدين الدواني … و قد ترك المولي محسن و لدين هما السيد علي و السيد أيوب. انتهي ما جاء في مجالس المؤمنين ملخصا من أواخر المجلس الثامن منه.

و ستأتي باقي حوادثه في حينها فقد استمرت إلي ما بعد هذا التاريخ و قد جاء في حبيب السير أنه ورد خبر وفاته إلي بغداد حين فتحت

من جانب الشاه إسماعيل الصفوي بتاريخ 25 جمادي الثانية سنة 914 ه و أن الحويزة انتزعت من ولده السيد فياض …

و في كنز الأديب عند ذكر السيد علي خان جاء أن للمولي محسن من الأولاد السيد حيدر أيضا من أجداد السيد علي خان المذكور كما يفهم من سلسلة نسبه …

250 قبيلة طيي ء:

في هذه السنة (870 ه) خرجت عرب طيي ء علي الركب العراقي، فقاتلوهم و قتل بعضهم، و تفرق جمعهم و سلم الركب من أيديهم …

251 حوادث سنة 871 ه- 1466 م

252 وفاة أمير زاده:

في هذه السنة مات أمير زاده بن محمد شاه … في ذي القعدة بالقاهرة و قد زاد علي الثلاثين، و شهد السلطان الصلاة عليه، و كان قد أحضره حواشي أبيه من العراق في صغره أيام الظاهر جقمق خوفا عليه من عمه أصبهان (أسپان) ابن قرا يوسف متملك بغداد. فأقام كأحد أبناء الأمراء إلي أن مات. و لم يتعرض لذكره المؤرخون الآخرون …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 178

253 حوادث سنة 872 ه- 1467 م

254 قتلة جهان شاه:
اشارة

اضطربت كلمة المؤرخين في سبب قتلة جهان شاه و اختلفت آراؤهم في تفسيرها … و نذكر بعض النصوص الواردة في أشهر التواريخ قال في كلشن خلفا:

«كان للسلطان حسن الطويل خصومات مع جهان شاه متأصلة.

فلما سمع بوفاة پير بوداق أظهر السرور الزائد و أبدي أن العدو كان شابا فهرم … و عندئذ وصل لمسامع جهان شاه ما أظهره السلطان حسن الطويل فهاج غضبه و تحركت نخوته فجهز نحو خمسين ألفا من المحاربين و هاجم الطويل فلم يطق هذا صبرا علي ملاقاته فصار يهرب من وجهه يمينا و يسارا و يختفي من النظر إليه … و بهذا أراد أن يعجز جهان شاه من مطاردته في المواطن الجبلية و الأراضي الوعرة. و بعد المشاورة مع أمرائه قرر لزوم تأخير السفر إلي السنة القادمة فأجاز جهان شاه عساكره و لم يبق معه سوي خمسة آلاف أو ستة فمضي بهم جانبا للاستراحة لما أصابه من التعب و العناء … و كان عدوه يترقب الفرص و لم يكن غافلا عما جري من تسريح الجيش فانتهز الفرصة، و اغتنم هذه الغفلة، عرف بالحالة فمضي مسرعا غير متوان فقضي علي جهان فذهبت مقارعاته في أيامه الطويلة هباء و صارت أتعابه كأن لم يقع منها

شي ء و ماتت حكومته كأن لم تغن بالأمس فخلفتها (حكومة آق قوينلو)» ا ه.

255 و جاء في كنه الأخبار:

«في سنة قتلة ابنه (في ذي القعدة سنة 870 ه) سار علي أبي النصر حسن الطويل بأمل اكتساح ديار بكر و هذا ركن إلي التدابير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 179

الصائبة فمال عن وجهه فاستولي جهان شاه علي غنائم وافرة و مضي لحاله فارغا عن الشواغل و حينئذ فاجأه حسن الطويل ليلا فقتل في المعركة أكثر أعوان جهان شاه و قتل هو أيضا معهم في ساحة الحرب إلا أنه لم يعرف لحد الآن القاتل …» ا ه.

256 و جاء في لب التواريخ:

«أن جهان شاه بعد أن قضي علي غائلة ابنه … عاد إلي تبريز و قد بلغ من العظمة و الشوكة المرتبة العلية حد أنه لم يصل الخيال إلي عشر معشاره فتملك عراق العرب بتمامه، و كذا عراق العجم و فارس و كرمان و سواحل البحر و آذربيجان إلي حدود الروم و الشام، ثم إن دولته أخذت بالانحطاط … و في سنة 872 ه و عزم علي الوقيعة بحسن بك و كان حاكم ديار بكر فذهب إلي جهته فوافاه الشتاء فأراد العودة و لكنه لم يراع الحيطة فيها، فذهب الفيلق أمامه و بقي هو وراءه، و كان نائما في موضع للاستراحة و بأمل أن يسير في عقب جيشه. أما جسن بك فإنه اغتنم هذه الفرصة و علم أن الجيش ذهب في الأمام، و أن جهان شاه لا يزال باقيا في موطنه و حينئذ هاجمه علي غرة بثلاثة آلاف فارس فلم يسع جهان شاه أن يقاوم و إنما ركن إلي طريق الهزيمة فقتل أثناء ذلك و ألقي القبض علي كل من ابنيه محمدي ميرزا و أبي يوسف ميرزا فكحلهما … و هذه الوقعة حدثت في 12 ربيع الثاني من

السنة المذكورة» ا ه (و في الغياثي في 5 ربيع الأول) و قد أورد صاحب المنتخب تاريخ وفاته في بيتين من الشعر الفارسي و فيها صراحة في أنه توفي بالتاريخ المذكور.

257 و في جامع الدول:

«في 10 شوال سنة 871 ه توجه- جهان شاه- إلي ديار بكر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 180

لأخذها من يد صاحبها حسن بك البايندري، و لم يظفر بشي ء … و عاد يتلهي بالصيد ففاجأه حسن بك و قتله و أسر و لديه محمدي ميرزا، و أبا يوسف ميرزا فكحلهما، و قتل في هذه الوقعة جماعة من أعاظم أمراء قراقوينلي مثل الأمير پير زاده البخاري و رستم بك راس الطواشية (تواجي باشي) و صفر شاه، و قاسم بك پروانجي بن شيخ علي بك صاحب طارم و قومشي بك و حسين الدين أغلي و غيرهم، و كان يادكار محمد ميرزا بن سلطان محمد بن بايسنقر بن شاه رخ في الوقعة فأسر و أطلقه حسن بك و أكرمه فبقي عنده إلي أن جعله واليا علي خراسان بعد وقعة أبي سعيد.

و كانت وقعة جهان شاه في 12 ربيع الآخر سنة 872 ه … و كان مولده في مدرسة ماردين في حدود سنة 808 ه و نقل جسده إلي تبريز و دفن بالمظفرية» ا ه.

258 و في تاريخ الغياثي:

أن جهان شاه كان في برية من براري آذربيجان أيام الربيع مصاقب بلاد حسن بك (الطويل) و قد تفرق العسكر عنه و حواليه شرذمة قليلة و إذا بآت أتي إليه و ذكر له أن حسن بك كان عازما أن يكبسك في هذا الموضع فصدق ذلك و أرسل إلي حسن بك يقول له ما هذه الفعال و هذا التهجم الذي كنت تريد أن تقوم به … فأقسم له باللّه أنه لم يخطر ذلك بباله و لم يكن ليفعله …!

فلم يصدقه و سار عليه فنزل ببرية موش و تحصن منه حسن بك بالجبال فمكث في تلك

البرية إلي قبيل الشتاء و وقوع الثلج و كانت أرض جبال رديئة صعبة المسالك فاغتاظ علي الدليل و قال له سلكت بنا طريقا رديئة. و قال لأمرائه نرجع هذا الشتاء و نجي ء في الربيع القادم فاستصوبوا ذلك و أعطي العسكر إجازة الرحيل من الليل فمضت الأثقال و جاء الأسفاهية إلي باب الخيمة يطلبون دستورا (اذنا) مرة أخري فسمع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 181

ضجيجهم فقال ما هذه الجلبة قيل له العسكر يطلب إجازة. فقال: ألم أقل لهم ارحلوا من أمس فرحلوا و مكث قاعدا في خيمته مع أولاده و معه نحو ألف من الأمراء … و حسن بك خلف الجبل جالس بالمرصاد و الجواسيس تنقل الأخبار إليه. فأخبر بأن العساكر رحلوا و لم تبق إلا شرذمة قليلة و أنت قادر علي نهبهم و أخذهم …

فتوجه حسن بك بعسكره إليهم و لم يعلم أن جهان شاه فيهم و لو علم لم يتهجم عليه. و هم غافلون. و ما أحس جهان شاه إلا و العسكر قد أحاط بهم فتراكضوا نحوه فانكسروا و جاءوا إلي باب الخيمة. كل هذا و جهان شاه نائم لا يجسر أحد علي إيقاظه.

و كان جهان شاه يلقب (بالملك النوام) و لم يكن كثير النوم و لكنه كان ينام نهارا و ينتبه ليلا. و قد اعتاد ذلك منذ سنين و لم يترك عادته ينتبه فيأكل و يشرب … و يسكر و ينام فينتبه و هكذا كان علي هذه الوتيرة منذ أربعين سنة. لم يذكر اللّه بشفة و لا لسان و لم يسجد للّه يوما لا في خلوة و لا في عيان. و يا ليته كان علي هذا الحال من غير ظلم و جور

و لكن ظلمه و فجوره و فكره الفاسد أخرب البلاد و أباد العباد …

فلما انكسر العسكر و رجعوا إلي خيمة جهان شاه و دخل ولده محمدي أيقظه و قال له: قم وفر بنفسك. لا يسعك إلا الهرب و قص له القصة فطلب الفرس و ركب. و مر علي رأسه لا يعلم أين يتوجه، و أوقفوا أولاده و بقي العسكر لم يزل يحارب حتي قتل من قتل و هرب من هرب و قبض علي محمدي ميرزا، و ميرزا يوسف. و جاؤوا بهم إلي حسن بك فسألهم عن أبيهم جهان شاه و هل كان في هذا العسكر أم لا فذكروا له أنه كان و ركب فرسه و انهزم …

أما جهان شاه فإنه لما فر و لم يغن عنه ماله و ما كسب التقي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 182

بفارس من أحسن القوم غلام الغلمان. و سمعت بماردين أنه كان غلام طباخ ثم خدم الأسفاهية فضربه بالسيف ضربة ألقاه من الفرس فلما سقط علي الأرض أتاه ليحز رأسه قال له لا تقتل أنا جهان شاه فعصب جرحه و أراد أن يركبه علي الفرس فلم يستطع و رأي أنه يموت فحز رأسه و جعله في مخلاة و ركب فرسه و أخذ سلبه و توجه و إذا الجماعة من جماعة جهان شاه واصلين إليه فهرب من قدامهم فوقع الرأس منه و هو راكض فلم يلتفت إليه و مر هاربا حتي لحق بعسكر حسن بيك.

و أما حسن بيك فإنه لما سأل أولاد جهان شاه و ذكروا أنه كان حاضرا و فر أمر بالتفتيش عنه. و بينما هم في ذلك إذ مر ذلك الشخص الذي قتل جهان شاه و هو راكب

فرسه فقال محمدي ميرزا هذه فرس أبي فجي ء به و سئل عنه فأخبر أنه قتله و إن الرأس سقط منه فأرسل صحبته جماعة ليدلهم علي الرأس و الجثة. فلما رأوها اختلفوا فيها لما رأوا فيها من الشعر الكثيف … فأرسلوا الجثة إلي تبريز لتدفن هناك في مدفن له و أرسلوا الرأس إلي سلطان مصر.

و كنا في حلب لما جاؤوا بالرأس و هو في علبة و أدخل الرأس إلي حلب يوم السبت 7 جمادي الأولي سنة 872 ه …

و جرت هذه الأمور و نحن بحلب فلذلك حصل لنا الوقوف عليها.

و فرسه كانت خضراء صغيرة الجرم رهوال. و كانت عنده كل فرس تقدر بمملكة … و كان قد قتل جهان شاه يوم الاثنين 5 ربيع الأول سنة 872 ه …» ا ه ما جاء في تاريخ الغياثي و هو قريب العهد بالوقعة كما يستفاد من فحوي كلامه بل شاهد بعض ذيولها …

259 ترجمة جهان شاه:

لا نرانا في حاجة إلي تكرار ما تقدم من أحواله فهي كافية في بيان ترجمته لمعرفة علاقته و ارتباطه بالسياسة و الحروب … و بعض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 183

خصوصياته لا تخلو من تفسير أوضاعه و أعماله … إلا أننا لا نمضي دون أن نستنطق مؤرخين عديدين عنه …

قال في الضوء اللامع: «صاحب العراقين و ملك الشرق إلي شيراز و ممالك آذربيجان. مات قتيلا فيما قيل بيد أعوان حسن بك ابن قرايلك بالغرب من ديار بكر، أو موتا سنة 872 ه و قد زاد علي الستين و نهبت أمواله، و أرسل حسن بك برأسه إلي القاهرة فعلق و كان من أجلاء الملوك و عظمائها، لا يتقيد بدين كأقاربه و إخوته مع التعاظم و

الجبروت و سفك الدماء بحيث إنه قتل ابنه … و ربما احتجب عن رعيته الشهر في انهماكه، و ينسب مع قبائحه إلي فضل في العقليات و غيرها … و كان مولده في أوائل القرن تقريبا بماردين و لذا قيل إنه كان سمي ماردين شاه، و إن أباه لما ذكر له ذلك غضب و قال هذا اسم للنسوة و سماه جهان شاه. و نشأ في كنف أبيه ثم أخيه اسكندر، ثم لما ترعرع فر منه إلي جهة شاه رخ بن تيمور فأرسل إليه من قبض عليه وجي ء به إليه فأراد قتله فكفلته أمه ثم بعد يسير فر ثانيا و لحق بشاه رخ فأكرمه و أنعم عليه بعدد و مدد عونا له علي قتال أخيه إلي أن انكسر (الأخ) ثم قتله ابن نفسه شاه قوماط (صحيحه قباد) في ذي القعدة سنة 841 ه و بعث لعمه صاحب الترجمة برأسه و رسخت قدمه حينئذ في مملكة تبريز و ما والاها علي أنه نائب شاه رخ، و عظم و استمر في تزايد إلي أن عد في ملوك الأقطار ثم ملك بغداد بعد موت أصبهان، و كثرت عساكره، و عظمت جنوده و أخذ في مخالفة شاه رخ باطنا. و حج الناس في أيامه بالمحمل العراقي من بغداد في سني نيف و خمسين، و لا زال كذلك حتي مات شاه رخ و تفرقت كلمة أولاده، و استفحل أمره بحيث جمع عساكره و مشي علي ديار بكر في سنة 854 ه لقتال جهانكير و أخذ منه أرزنكان (أرزنجان) بعد قتال عظيم و أكثره بقلعتها، و أرسل قطعة من عساكره لحصار جهانكير بآمد … ثم أرسل قصاده إلي الظاهر بأنه باق علي

موسوعة تاريخ

العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 184

المودة، و أنه ما مشي علي جهانكير إلا حمية له و رماه بعظائم فأكرم قصاده و أحسن إليهم و أرسل صحبتهم قائم التاجر و معه جملة من الهدايا و التحف و مثله في المنهل الصافي.

260 و قال في كنه الأخبار:

«كان من أكابر الملوك سواء في تدابيره الناجعة، و شجاعته، و وفرة أمواله و كثرة جيوشه، و له تهالك و انهماك في سفك الدماء، كما أنه عارف بعلوم كثيرة و فنون وفيرة و فضائل … إلا أنه صاحب جبروت و تعاظم، و مدمن الخمر، و لا تخلو ليلة دون أن يزيل بكارة امرأة حتي تجاوز الثمانين من عمره فلا يعرف حلالا أو حراما و دامت سلطنته أكثر من 30 سنة» ا ه ص 38.

261 و في تاريخ الغياثي:

أنه كان يستعمل الأفيون فهو ذو خيالات فاسدة، و عديم العقل و التدبير، فاسد التفكير … و ما كان في قلبه حبة خردل من خوف اللّه قلع اللّه تعالي ذريته و أصله في الدنيا … (إلي أن قال) ما أعمي قلوب هذه الطائفة التي تدعي التسلط علي عباد اللّه بغير حق، فكلما زادهم اللّه نعيما زادوا عتوا و نفورا …» ا ه.

262 و في منتخب التواريخ:

«في بعض الكتب أنه عاش سبعين عاما، نقل جسده إلي تبريز فدفن في المظفرية و كان امرأ لا يعتمد عليه، أخلاقه رديئة، و لا يبالي بقتل أمرائه لأدني وسيلة، و ينتهك حرمات الشرع، و له إقدام علي المنكرات …» ا ه ص 183.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 185

263 و في جامع الدول:

«كان سفاكا، سيي ء السيرة، فاسقا، فاجرا مائلا للإلحاد و الزندقة، لا يراعي الشريعة المطهرة، فقطع اللّه دابره، و كان مبتلي بالسهر يسهر الليالي بالفسق و الفجور، و ينام النهار … و لذلك كان يقال له (شب پره) و يراد به (الخفاش) بالفارسية، فتولي الملك بعده ولده حسن حسن أياما» ا ه.

264 و في أحسن التواريخ:

«كان ظالما جبارا و فرعونا قاسيا … و له من الأولاد پير بوداق، و حسن علي و أبو القاسم، و فرخزاد. و من آثاره مسجد في تبريز …» ا ه.

و لا يسع المقام إيراد كل ما جاء في التواريخ عنه و أري في هذا كفاية …

265 سلطنة حسن علي بن جهان شاه
266 سلطنته- بغداد في أيامه:

لما قتل جهان شاه كان حسن علي مقبوضا عليه بقلعة يقال لها قهقهة من أعمال آذربيجان كذا في الغياثي و في منتخب التواريخ أنه كان سجينا في قلعة بادكوبة و أنه طال سجنه فيها 25 سنة و في غيره (في قلعة قهستان) … و كان قد نجا من وقعة جهان شاه جماعة كثيرة مقدمهم:

(شاه علي) و (إبراهيم شاه) فجاؤوا إلي حسن علي و أخرجوه من القلعة المذكورة. و كان في قلعته بعض الخزائن فجلس بتبريز. و تولي جميع آذربيجان و اجتمع إليه خلق كثير. و قسم أموالا عظيمة و جمع مائتي ألف فارس و أسرف في الانفاق و أخرج الخزائن و صرفها عليهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 186

267 محاصرة بغداد:

بعد وفاة الأمير جهان شاه سار حسن بيك الطويل إلي بغداد و حاصرها في 20 رجب سنة 872 ه و كان پير محمد الطواشي حاكما فيها من قبل جهان شاه فلم يطعه و حاصره و كان أخو الطواشي عنده فجي ء به إلي قرب السور و قالوا له سلم بغداد و إلا قتلنا أخاك فلم يفعل فقتلوا أخاه و بينما هو مشغول في التضييق و الحصار علي بغداد إذ وردت إليه الأخبار أن زوجة جهان شاه حينما علمت بوفاة زوجها تحصنت في قلعة النجق (النجا) و كان فيها جملة خزائن مالية فأرسلت من ذلك خزانة مال لحسن بك المذكور و أرسلت إليه قصادا تستحثه علي المجي ء لتسلمه الخزائن و لتنجو من شر حسن علي ميرزا فوقعت الخزانة و القصاد الذين كانوا قاصدين حسن بك بيد حسن علي فقتل القصاد و أخذ الخزانة ثم جاء إليها إلي قلعة النجق و حاصرها فلم يقدر عليها. لأنها في غاية

الحصانة.

فأرسل إلي حراس القلعة و الموكلين بها و قال لهم: لأجل امرأة واحدة تصدون عني و قد أخذت الدنيا بأسرها. فعند ذلك قبضوا عليها و سلموها إليه و سلموا الخزائن و القلعة فأخذ الخزانة إلي تبريز و صلب الزوجة بثديها. و بعد ثلاثة أيام ماتت. فأنزلوها و دفنوها …

فلما سمع حسن بك الطويل بهذه الواقعة و أنه أرسلت إليه تدعوه قبل أن ينالها ما نالها تقول له: إن حسن علي قد أحاط بجميع مملكة جهان شاه و قد جمع عسكرا عظيما و أنت مشغول ببغداد! إلي متي! المصلحة تقضي أن ترحل عن بغداد و تفكر فيما هو الأهم!

فعند ذلك ترك بغداد يوم الجمعة 15 رمضان سنة 872 ه و رحل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 187

أهل ضياعها إلي ديار بكر. و لم يترك أحدا فأسكنهم هناك و مات منهم خلق كثير و توجه هو إلي تبريز.

268 استعادة الحلة:

بعد أن رفع الحصار عن بغداد سار الطواشي إلي الحلة فانتزعها من المولي محسن المشعشع المذكور و قد أشير إلي ذلك فيما مر.

269 حوادث سنة 873 ه- 1468 م

270 حروب حسن بك و حسن علي ميرزا:
اشارة

كان حسن علي قد علم بتوجه حسن بك الطويل نحوه فجهز جيشا عظيما نحو مائتي ألف فارس و أنفق عليه مالا عظيما يريد به مقابلة حسن بيك و القتال معه ليأخذ منه بالثأر. فتلاقي مع حسن بيك حوالي مرند و كان الأمراء قد نفروا منه لما كان عليه من الفسق و الفجور و الأفعال الخبيثة و التعرض بالنساء.

فهرب منه شاه علي و إبراهيم شاه و مالوا إلي حسن بك بتاريخ 4 صفر سنة 873 ه فقبض حسن علي علي أولادهم و نسائهم و قتلهم جميعا و انكسر حسن علي و هرب إلي همذان فلحقه حسن بيك فكر عليه المرة الثانية فقتل من جيوشه ما شاء اللّه أن يقتل و كانت هذه الحرب مع مقدمة حسن بيك. فلما وصل العسكر الكثير انكسر حسن علي ميرزا و هرب بنفسه منفردا إلي جبل ألوند فساروا خلفه فلما وصلوا إليه و عرف أنه مقبوض عليه أخرج سكينا و ذبح نفسه فحملوه ميتا و جاؤوا به إلي همذان و استولي حسن بك علي تبريز و أعمالها. كذا في الغياثي. و جاء في منتخب التواريخ أنه قتل نفسه في شوال سنة 873 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 188

و ذلك أنه في أثناء ذهاب حسن بك إلي أنحاء تبريز سار السلطان أبو سعيد من خراسان و وصل إلي السلطانية فذهب إليه حسن علي ميرزا فأكرمه و أجله و لما قتل أبو سعيد في قرا باغ مال حسن علي ميرزا إلي العراق (عراق العجم) و جمع إليه قبائل

التركمان و الأحشام و تحارب في همذان مع مقدمة الجيش، و كان أميره أغورلي محمد بن حسن بيك الطويل فجري ما مر الكلام عليه …

فكانت مدة حكم حسن علي سنة واحدة.

271 ترجمة السلطان حسن علي بن جهان شاه:

مضت قصة وفاته و تاريخ سلطنته و مما نقله الغياثي عن حالته الشخصية أنه كان في غاية الحماقة و من جملة ذلك أنه أمر بقص أذناب الخيل الكبار و أعرافها حتي أنه لم يكن أحد من عسكره يستجري ء أن يركب فرسا بغير قص، و منها أنه أمر النساء أن لا تلبس السراويل، و أنه من كان مقرون الحاجبين ألزمه أن يحلق ما بينهما من الشعر ليصيرا مفترقين … و قد مرت و قيعته بزوجة أبيه أم الأمير پير بوداق فلم يقف عند قتلها بل نراه حينما دخل تبريز أمر بالقبض علي أقاربها و إخوانها و سائر أهليها فعاقبهم و عذبهم ثم صلبهم … و تحارب مع حسن بك الطويل … فقتل نفسه بيده … و زاد صاحب منتخب التواريخ أنه من جراء السجن قد حصل تخليط في دماغه و خلل فلم يكن له تدبير صائب … و كذا جاء في لب التواريخ. و جاء في جامع الدول:

«كان لما طرده أبوه من مملكته التجأ إلي حسن بيك، و بقي عنده مكرما أياما ثم قصد الرجوع إلي أبيه فسار و ندم فعاد من الطريق إلي حسن بيك فأكرمه، ثم ظهر عند حسن بيك فسقه و إلحاده، فأراد قتله

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 189

فهرب حسن علي إلي أخيه پير بوداق ببغداد و كان مثله في الإلحاد و الزندقة، فأكرمه أخوه فبقي عنده إلي أن قتل پير بوداق، فأسر حسن علي هذا عند ذلك فأعيد إلي

الحبس في قلعة بادكوبة. و لما وقعت واقعة أبيه تخلص من الحبس و اجتمع إليه جمع من أصحاب والده إلا أنه كان قد اختل دماغه و عقله من طول حبسه إذ كانت مدة حبسه نحو 25 سنة فلم يقدر علي تدبير الملك …

و لما خرج من الحبس توجه إلي تبريز و كانت ابنتا عمه اسكندر آيش بيكم، و شاه سراي بيكم قد استولتا علي تبريز قبل وصوله إليها، و أقامتا أخاهما حسين علي بن اسكندر ملكا و كان يتزيا بزي أصحاب الفقر و الفناء فأخرجته أختاه من ذلك الزي و أجلستاه علي سرير الملك، و بلغ الخبر إلي بيكم زوجة جهان شاه بانية المظفرية بتبريز، و كانت حينئذ في مشتي خوي، فلما سمعت الواقعة سارت إلي قلعة جوشين من مراغة و أرسلت أخاها قاسم بيك مع إحدي بناتها مع الجيش إلي إطفاء ثائرة ابنتي اسكندر فسار قاسم بيك و أسرهما و قتل أخاهما حسين بن اسكندر.

و في أثناء ذلك قدم حسن علي بن جهان شاه إلي تبريز فتسلمها من قاسم بيك و ضبط الخزائن، و بذلها علي الأوباش و الأراذل، فاجتمع عليهم نحو مائة ألف و ثمانين ألف فارس، فأعطاهم المواجب و المراتب، و سماهم (چولي)، و كان أخوه أبو القاسم قد خرج من كرمان و أراد الاستيلاء علي أصبهان فلم يتيسر له، فالتجأ إلي أخيه حسن علي هذا فقتله أخوه، و كذا قتل زوجة ولده صاحبة الخيرات الكثيرة و الحسنات العديدة بيكم بالخنق و ضرب عنق أخويها قاسم و حمزة، فأخذه اللّه بهذه الدماء الزكية و سائر قبائحه من الفسوق و الإلحاد عن قريب الزمان، حيث توجه إلي دفع حسن بيك و كان قد

وصل إلي نواحي خوي فلقيه في هذه الجمعية العظيمة نحو مرند فحفر بأطراف عسكره

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 190

الكتابة علي باب ميل السهروردي- عن دار الآثار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 191

خندقا و قاتله من وراء الخندق أياما، و انحرف منه أكثر الأمراء إلي حسن بيك لسوء سيرته فيهم و ميله إلي الأوباش و الأراذل.

و لما شاهد ذلك هرب إلي جماعة قرمانلو ببردع، ثم منها إلي أردبيل، ثم اتصل بخدمة السلطان أبي سعيد ميرزا لما توجه إلي آذربيجان بواسطة الشيخ جعفر الصفوي فأكرمه السلطان و سار معه في الواقعة. و لما قتل أبو سعيد في قراباغ هرب حسن علي والي العراق (عراق العجم) فاجتمع عليه جمع من الأوباش، فأخذ يثير الفتنة بهمذان فسير حسن بيك ولده اغرلو محمد في جمع من الجيش إلي همذان لدفع غائلته فسار أغرلو و قاتله بظاهر همذان و كسر عسكره و فرق جمعه، و أسر حسن علي فقتل صبرا في شوال سنة 873 ه.

و انقرضت به دولة قراقوينلو من آذربيجان و العراقين» ا ه.

272 وفاة الطواشي (والي بغداد):
اشارة

يوم الاثنين 2 رجب سنة 873 ه توفي والي بغداد پير محمد الطواشي لمرض أصابه.

273 ترجمته (ترجمة والي بغداد):

كل ما عرف عن هذا الوالي أنه من قبيلة قراقوينلو و لم يكن من أولاد الأمراء و إنما هو من طائفة الپاوت فكانت مدة ولايته سنتين و ثمانية أشهر. قال الغياثي كان عند جهان شاه تواجي، و لما قتل پير بوداق ولاه جهان شاه بغداد فحكم فيها من ابتداء غرة ذي القعدة سنة 870 ه، و بقي حاكما بها إلي أن قتل جهان شاه، و جاء حسن بيك و حاصر بغداد في 20 رجب سنة 872 ه، و لما جاءت له القصاد تستحثه علي المجي ء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 192

إلي تبريز رحل عن بغداد يوم الجمعة 15 رمضان من السنة المذكورة ثم مرض التواجي و مات كما تقدم.

و في أيامه أرسل الأمير حسن علي بن جهان شاه إلي بغداد خزانة من المال و تملك المشعشعون الحلة ثم بعد ما رحل حسن بك عن بغداد استخلصها منهم و استعادها و قد مرت حوادثها.

274 أمراء قراقوينلو في العراق
275 ولاية حسين علي بن زينل:

إثر موت الطواشي اتفق الأمراء و بوصية منه اجلسوا حسين علي بن زينل يوم الاثنين 2 رجب سنة 873 ه بعد الزوال بساعة، و ذلك بوصية من الطواشي و كان هذا رجلا عدلا، حسن السيرة، رقيق القلب، ذا شفقة و إحسان علي رعيته. و كان صهر پير محمد، تزوج بنته.

و من الجملة كان شكا عنده الرعية أن في البلدة جماعة يستوجبون القتل فأمر بقتلهم فقتلوهم. منهم فضيل و ناصر مصطفي و خواجه شيخي الدزفولي و يوسف الأسكافي و غيرهم.

276 الحلة:

ثم أعطي الحلة إلي شاه علي بن قرا موسي فعصي عليه و جاء بشخص يقال له شاه علي بن اسكندر و كان لابسا كپنك (لبدا) دايرا في البلاد و هو درويش فأقامه في الحلة و سلطنه و أقاما جميعا مدة علي هذه الحال فأرسل إليهما حسن علي المذكور أخاه شاه منصور و جماعة معه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 193

فوصلوا إلي قلعة بابل فرأوا قراول (قراغول، حراس) شاه علي بن قرا موسي فتلاقوا معهم و اصطلحوا و عاب القراول علي أميرهم و قالوا لهم الجسر منصوب نمضي علي غفلة. فما شعر أولئك إلا و العسكر عابر علي الجسر و الناس يظنون أنه القراول الذي أرسله …

و مضوا إلي أن وصلوا إلي دار السلطان فأحاطوا بها. و كان ابن اسكندر و ابن قرا موسي في القلعة و هم عرايا فأخذوهم و قتلوا ابن قرا موسي. و أما ابن اسكندر فألقي بنفسه إلي صاحب الزمام و قال كنت درويشا و هذا جاء بي قهرا و طلب الأمان فلم يفد قوله هذا و ضربوا رقبته و حزوا رأسه و أرسلوه إلي بغداد فأعطي حسن علي الحلة لأخيه شاه

منصور.

ثم مرض حسن علي فأرسل خلف أخيه و جاء به من الحلة و كان في بغداد خمس إخوة من أكابر الپاوت قد تحالفوا علي قتل حسن علي.

فلما وصل أخوه شاه منصور حكي له صورة الحال فقام شاه منصور و سيدي أحمد جمال و جمعوا الخمسة بالحيلة و قتلوهم و ارموهم في الميدان.

ثم بعد ذلك مات حسن علي يوم الأحد 2 ربيع الآخر سنة 874 ه و كانت مدة حكمه تسعة أشهر.

277 شاه منصور بن زينل:

لما أن توفي أخوه تولي. و كان ظلوما غشوما جاهلا علي خلاف ما كان أخوه متصفا به. و قتل أناسا كثيرين من أكابر العسكر من جملتهم مظفر بك و شاهسوار و ولي بك و أولاد الأمير عبد اللّه و جماعة كثيرة من غير جريرة و لا ذنب. و جمع نساء كثيرة و بقي طول نهاره و جملة ليلة يشرب الشراب و يأكل الحشيش بغير قاعدة علي طريقة الإسراف، و يفسق بالنساء. و يركب أكثر نهاره فيضرب له بالطبل و الزمر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 194

بقي علي هذا العمل مدة شهرين. و كان كورخيل و مقصود بك بن حسن بك بالموصل فتوجها إلي كركوك و دقوقا و آلتون كپري و حطوا هناك.

و أرسلوا قاصدا إلي شاه منصور يقول له:

ما تقول؟ جئناك!- قال: إن البلد بلد حسن بك تعالوا استلموه، توجهوا!

فلما وصلوا إلي قرب دوخلة خرج شاه منصور من البلد فالتقي بهم فوصلوا وقت العصر إلي برية بين دوخلة و الجديدة فحط بعسكره و حط خليل بك بعسكره فقال شاه منصور قد طبخنا طعاما كلوا منه و غدا باكرا توجهوا.

و في تلك الليلة عاب عليه جميع عسكره و نواكره و انضموا إلي خليل فلم

يبق سواه في الخيمة. فلما انتبه من نومه لم ير عنده أحدا و لا ركابدارا فاستولوا علي خيله و معداته و جميع ما كان معه فلم يبق له شي ء و أخذوا الفرس التي تحته. و حينئذ اعطوه كديشا (أكديشا) لا يتحرك من موضعه فأركبوه و جاؤوا به إلي بغداد فخاف أهل بغداد و لكن لم ينهبوا أحدا و لا أهاجوا امرأ.

و توجه شاه منصور إلي داره. و كان قد أخلي لهم دار السلطنة، و بقي مقدار سبعة أيام أو ثمانية يروح و يجي ء إلي الديوان فاشتكي عليه النساء اللاتي قتل أزواجهن فقال خليل احضروا القضاة لننظر القضية طبق الأحكام الشرعية فكان حكم القضاة أن النفس بالنفس فحكموا عليه بالقتل فقتلوه و قتلوا أخاه بيرام بيك و طرحوه في الميدان فأكله الكلاب و دفنوا عظامه بمقبرة مجاورة قنبر علي و ذلك يوم الاثنين 14 جمادي الآخرة سنة 874 و قتلوا في ذلك اليوم ذا النون الدرويش و كان رجلا كريما. قيل إنه كان في تكية بكردستان يذيع بأن حسن بيك مات و قتل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 195

عبد اللّه الأسود و كان أيضا رجلا درويشا و كان قد أحبه شاه منصور و ألبسه الثياب النفيسة و جعله جليسه. فقالوا لخليل إن هذا كان يعلم شاه منصور الأفعال الخبيثة فقتله.

و كانت مدة حكمه شهرين و 12 يوما و هذا آخر من حكم من دولة قراقوينلو … و من ثم ابتدأ حكم آق قوينلو.

278 سلاطين قراقوينلو في العراق:

1- قرا يوسف (سلخ ربيع الآخر سنة 813: 7 ذي القعدة سنة 823).

2- الأمير اسكندر (24 رجب سنة 824: 25 شوال سنة 841).

3- الأمير جهان شاه (25 شوال سنة 841: 5 ربيع

الأول سنة 872).

4- حسن علي ميرزا (شوال سنة 872: شوال سنة 873).

279 ولاة بغداد و أمراؤها:

1- الأمير شاه محمد بن قرا يوسف (5 المحرم سنة 814: 18 شعبان سنة 836 ه).

2- الأمير اسپان (18 شعبان سنة 836: 28 ذي القعدة سنة 848 ه).

3- فولاذ ابن الأمير اسپان (28 ذي القعدة سنة 848: 14 ربيع الأول سنة 850 ه).

4- محمدي ميرزا بن جهان شاه (14 ربيع الأول سنة 850: 11 رمضان سنة 852 ه).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 196

5- الأمير پير بوداق بن جهان شاه (11 رمضان سنة 852: 2 ذي القعدة سنة 870 ه).

6- پير محمد الطواشي بن زينل (2 ذي القعدة سنة 870: 2 رجب سنة 873).

7- حسن علي بن زينل (2 رجب سنة 873: 2 ربيع الآخر سنة 874 ه).

8- شاه منصور بن زينل (2 ربيع الآخر سنة 874: 14 جمادي الآخرة سنة 874 ه).

280 النقود

في عهد هذه الحكومة ظهرت نقود عديدة في مختلف المتاحف، و لكنها غامضة من جهات، و غالبها لا يحتوي علي تواريخ ضربها و لا مواطنها.. و نري في أحد وجهيها (أبو بكر) في الأعلي، و (عمر) في اليسار، و (عثمان) في الأدني و (علي) في اليمين و في الوسط لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه. و في الوجه الآخر (النويان الأعظم) في سطر، و (ضرب) في السطر الثاني، و (جمال الدين يوسف) في الثالث و (بغداد) في الرابع و (خلد اللّه ملكه) في الخامس و بين هذه المسكوكات ما هو مضروب في الحلة، و في الموصل باسم (پير بوداق) و في بعضها قيل (پير بطاق)، و في أيام جهان شاه ضرب في بغداد بعض النقود. و ملوك قراقوينلو الآخرون لم يعرف لهم من النقود العراقية شي ء، كما أنه ليس لولاة

بغداد و أمرائها نقود مضروبة.

و من أراد التفصيل عن نقود هذه الحكومة فليرجع إلي كتاب (مسكوكات قديمة إسلامية قتالوغي- قسم رابع) تأليف أحمد توحيد.

طبع باستانبول سنة 1321 ه صحيفة (446- 467).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 197

281 بقايا قبيلة قراقوينلو
282 (البارانية)

هؤلاء لم يبق منهم بعد انقراض حكومتهم إلا القليل، و تكاد تكون مائتة بموت حكومتها، و بقاياها اليوم لا تتناسب أوضاعها مع تلك السطوة و القسوة … و إنما تنحصر في قري ضئيلة في مكانتها، ضعيفة في قدرتها، هادئة، وديعة … و غالبها ذاب في قبائل التركمان، أو تفرق في المدن الكبيرة، أو تبع مراكز القوة …

و هذه أشهر قراهم الموجودة اليوم:

1- قراقوينلو العليا.

2- قراقوينلو السفلي.

3- جمالية.

4- رشيدية.

5- قاضية.

6- بعويزة.

7- ديرچ.

8- چنجي.

9- باريمه.

10- فاضلية.

11- أورته خراب.

12- تلاره (تل ياره).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 198

13- عمر قابچي.

و هي تابعة ناحية تلكيف، و لا نقطع في أنها كلها من قراقوينلو سوي القريتين الأوليين، و سائرها مختلط، أو هم تركمان، بينهم قراقوينلو، عاشوا معا بكامل الألفة … و في بعض هذه القري عرب و كرد.

283 تنبيه:

سنذكر الحكومات المعاصرة في آخر الكتاب.

284 خلاصة

عرف مما تقدم أن أمراء قراقوينلو دامت حكومتهم في العراق مدة و كان يقوم بإدارة بغداد في خلالها ولاة من أبناء الملوك بصورة مستقلة تقريبا، لم تكن تابعة آنئذ إلي إيعاز الحكومة الأصلية و أوامرها و إنما فكت روابطها منها في أكثر الأحيان و عاشت مستقلة نوعا خصوصا أيام محمد شاه و أيام أسپان و پير بوداق إلي 14 ربيع الأول سنة 850 ه.

و بعد ذلك صارت بأيدي الأمراء التابعين إلي انقراض هذه الحكومة بل بقيت إدارتها في أيدي طائفة قراقوينلو إلي 14 جمادي الآخرة سنة 874 ه و في هذا التاريخ ماتت و بقيت أعمالها في طيات التاريخ … و صار الحكم لطائفة أخري من التركمان يقال لها (آق قوينلو) أو البايندرية.

و هذه المدة لم ير العراق فيها راحة من هذه الحكومة و لا من بقايا الجلايرية و إنما كانت تناصبهم العداء و تميل العشائر إليها ثم قام آل المشعشع و زعزعوا الأوضاع أكثر و استمر نزعهم إلي أواخر أيام هذه الحكومة و مالت إليهم عشائر كثيرة … ثم ظهرت حكومة آق قوينلو فغطي سيلها علي الكل و استولت علي بغداد بالوجه المار …

و الشعب المتحضر من أهل المدن كان في بلاء عظيم، و مصيبة لا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 199

توصف. و العشائر استفادت من ضعف الحكومة و مالت للقوي من الجلايرية و آل المشعشع و إلي معاكستهم أخري … و الناس كانوا قد احترقوا بنيرانهم و نيران من مالوا إليه أو انتصروا له … و قيمتهم السياسية أكبر من الحربية و في هذا الأوان يخطب الكل و دهم …

و التدوينات عنهم لا تكاد تذكر، و

أخبار الأنحاء العراقية الأخري سواء في البصرة أو في الموصل أكثر غموضا و أقل مادة … لقلة التدوين من عراقيين و ارتباك حالة الناس أو ضياع الوثائق. و لو دون جميع ما كان لزاد في الإيضاح عن حوادث هذه الأزمنة و أضاف مظالم أكثر و قسوة و انتهاك حرمات و تقويض مدنية و عمارة … فالبلاد تركها هؤلاء خاوية ليس لها رونق حياة، و لا أمل انتعاش … بل لو زادت الحوادث لما أفادت إلا تعداد أمثلة، أو تكرير وقائع متماثلة في الظلم و التعدي …

و في حالة سياسية و حربية كهذه نري دائما الحكومة في ضعف …

لا يؤمل منها بقاء حضارة، و لوازم مدنية … و لو لا المدارس و موقوفاتها … لما بقي للعلم أثر أو للحضرة علاقة … و مع هذا نري أكابر النابغين من العلماء لا يطيقون صبرا علي هذا المصاب فنراهم يتبعون مواطن الرزق، و أماكن الراحة و الطمأنينة و الأمان و الرغبة العلمية و الحضارة … و قد عددنا جملة صالحة منهم ممن اشتهر خارج القطر … و نال منزلة رفيعة … و نجدهم قلوا عمن سبق أيام الحكومات الماضية … مما يشعر بتناقص الثقافة … و الحكومة لم تبال بثقافة و لا تذكر في هذا العهد آثار عمارة لمدارس و لا لغيرها، و لا تعمير مساجد، و لا قيام بأمر من شأنه أن يشوق للعلم أو الترغيب فيه …

كل هذا و نري المؤسسات السياسية قد رسخت و الإدارة استقرت نوعا و العنصر الغالب من أرباب السلطة هم التركمان، شكلوا لهم كيانا علي حسابهم و دافعوا عن حوزتهم فلم يستطع حسن بك بصولته القاهرة آنئذ أن يستولي علي بغداد

… مما يدل علي شدة التمسك بالسلطة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 200

و القدرة علي ضبط الأهلين و درجة الضغط عليهم … ذلك ما دعا إلي التهالك في الدفاع و اضطرار حسن الطويل علي العودة … و مهما يكن من الأمر فالشؤون العراقية مضطربة، و الأمة منهوكة القوي، و الشعب عاجز و العنصر الحاكم متغلب … فلا قدرة للشعب أن ينهض لحسابه و يشكل إدارة ذاتية معتزة الجانب أو يقوم بثورة ضد هؤلاء الحاكمين كما أنه لم يستطيع رد صولة الصائل و معارضة هجومه للاحتفاظ بما لديه …

و أكبر سبب أن العناصر الأخري لم توحد جهودها مع العرب … فكان أعظم بلاء، و أجل خطأ ارتكبه العراق في حياته الاجتماعية و السياسية للاعتزاز بكيانه فسهل اكتساحه و التحكم فيه و سلب خيراته … و لعل في حوادث الماضي ما يبصر، و يرجع إلي الصواب، و قد انجلي الغبار، و عرفت الحالة … و من كان في هذه أعمي فهو في الآخرة أعمي و أضل سبيلا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 201

285 2 الدولة البايندرية (آق قوينلو)

اشارة

(من 14 جمادي الآخرة سنة 874 ه- 1470 م إلي 25 جمادي الآخرة سنة 914 ه- 1508 م)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 203

الدولة البايندرية (آق قوينلو)

288 السلطان حسن الطويل

289 فتح بغداد:

في 14 جمادي الآخرة سنة 874 ه- 1470 م فتح السلطان حسن الطويل بغداد علي يد ابنه مقصود بيك، و من ثم ابتدأ حكم البايندرية، و كان السلطان حسن حاكما في أنحاء ديار بكر، و إن جهان شاه كان يحذره، فسمع أنه فرح بقتلة پير بوداق، و استضعف أمره. ذلك ما دعا أن يعزم جهان شاه علي التنكيل به، و يقضي عليه، فكان ما كان فعكست الآية …

و هذا السلطان قارع أكابر رجال الشرق آنئذ، و بينهم جهان شاه و السلطان أبو سعيد، و قضي علي حكومات … فظهر منتصرا علي الكل فسلمت بغداد بلا حرب، و أن السلطان لم تصبه نكبة تصده عن ممتلكاته، و عن توسعه في الأقطار المجاورة. فكوّن حكومة قوية الشكيمة عاشت مدة بعده. و علي كل حال استولي علي بغداد، فصار (ملك العراق).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 204

و لما كانت هذه الدولة ترجع في تكوينها و ظهورها إلي ما قبل هذا التاريخ لزم أن نعين ماضيها و لو بصورة موجزة، ليكون القاري ء علي علم منها، و من سلطان العراق الجديد و أصل حكومته.

290 نظرة عامة

كانت هذه القبيلة من حين شعرت بلذة الحكم لم تراع الحالة الهادئة و الوضع المدني، و إنما قضت غالب أيامها في حروب قبائلية، ثم انصرفت إلي آمال استقلال أو استيلاء، و قد تكون بعض حروبها خوفا من المقابل، أو تعندا منه أو مراعاة للحيطة و الحقد …

و لم تشعر بقوة إلا في أواخر العصر الثامن الهجري أيام ظهور تيمور في هذه الأنحاء، فقد رأت مناصرة منه، و أخلصت له فنالت مكانة أرعبت المجاورين. و لما برز قرا يوسف بقبيلته كان رئيسها قرا عثمان أكبر ندّ

له، و هما علي طرفي نقيض، يتحاربان مرة، و يتسالمان أخري، و أيام السلم قليلة.

و في أيام حسن الطويل نالت هذه القبيلة الموقع اللائق، و المنزلة المهمة، فحصل علي فتوح كاد يضرع بها أكابر الفاتحين، فاق كثيرين غيره في حسن إدارته و حمايته للعلم و العلماء إلا أن مدته كانت قصيرة، و لم يطل أمد حكمه ليجني الناس راحة و هناء، و لا رأت بغداد ما يساعد علي ثقافتها. و إن ابنه يعقوب بك كاد يجاريه في اهتمامه بالثقافة و النظام.

ثم اضطربت الحالة، و تشوشت الأمور، و طمع آخرون بالملك، فلم تدم هذه الحكومة، و لم يترعرع في حضنها من يداني الطويل و ابنه … ذلك ما دعا أن تنحط الأمور و تختل الحالة، و ترتبك الإدارة … فلم تحصل كفاءة علمية أو أدبية إلا قليلا … و ما ذلك إلا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 205

باب الطلسم (باب الحلبة)- عن دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 206

لقصر المدة، و قلة عناية التالين في حراسة العلم و الأدب فلم يظهر في مدارسها نوابغ عديدون ليصح أن يقال لها حضارة خاصة لها طابعها المعروف … و العلماء و أرباب الثقافة يكادون يعدون بالأصابع …

و الأهلون لم يتمكنوا من فتح أعينهم من غوائل الحروب ليميلوا للعلوم بل عادت بعد قليل جذعة، قامت الفتن، و تحركت الاضطرابات، و صار سوق المتنفذين في رواج، و زاد التغلب في الأنحاء …

و حالات العشائر، و سلوك المجاورين يعين أوضاعهم … فهم في تنازع لا هوادة له، و لا ركود للزوابع و القلاقل … نري القوي يتغلب، و الضعيف يقهر، و من شعر بوهن في المقابل أو خلل

فيه جمح، أو حاول القضاء علي ندّه ليحل محله … و من ثم نجد الحكومات المجاورة، و القبائل بالمرصاد تترقب الفرصة، و تتطلع الحالة … تتفق مع هذا اليوم، ثم تصد غدا، و تركن إلي آخر، و هكذا الأهواء مختلفة و النزعات متباينة، و الآمال لا تقف عند حد، و الحرص بلغ منتهاه، قتل الشعوب و الحكومات معا …

و نفسيات الأهلين من الحضر خاصة تجاه ذلك في ارتباك، لا تدري ما يراد بها و لا ما تضمره الليالي من نكبات و آلام، أو أرزاء و مصائب … مما لا يسعه وصف، أو يحيط به قلم من توقع خطر و اضطراب و ترقب ما لا تحمد عواقبه …

و هذا العهد يتصل في أكثر وقائعه بالدولة (البارانية) من أوائل تكونها إلي أن فتحت العراق، و من ثم استقلت وحدها بالإدارة و قهرت عدوها، و كان لها العز و الصولة … دامت إلي أن جاء أجلها، و وقائعها في العراق عن أيامه الحاضرة غير معروفة تماما بسعة و بسط و لا مطردة متسلسلة، و إنما حكاها المجاورون أو تعينت إجمالا في تواريخ هذه الحكومة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 207

و علي كل ينبي ء المعلوم عما وراءه، و تشير الحالة إلي ما جري و الوقائع المتكررة لا تفيد أكثر من أن تكون أمثلة … و لا أعتقد أن هذا الإهمال للحوادث العراقية مقصود من الحكومة الأصلية، و لكن لم يلتفت إلا إلي أعمال السلاطين و حروبهم، و التغني بمآثرهم، و إغفال ما سوي ذلك علي ما اعتاده المؤرخون في هذه العصور أغلبيا.

291 قبيلة البايندرية (آق قوينلو)

292 1- ماضيها:

بينا أوضاع القبائل التركمانية، و منها هذه فقد قدر لها أن تتأهب للكفاح و تنال

بغيتها في صف الحكومات التاريخية، و تدخل ضمن قائمتها سواء في العراق، أو في إيران و ديار بكر. و لا بدع أن تتكون حكومة من قبيلة فنظائرها كثيرة …

كانت أيام استيلاء التتر و المغول قد مالت إلي ديار بكر و الأنحاء المجاورة، و قد مر الكلام علي تاريخ هذه الهجرة. و من المقطوع به تاريخيا أنها من ذرية أوغوز، و تمت إلي أحد أحفاده (بايندر) بن كون بن أوغوز، و البايندرية نسبة إليه و في جامع التواريخ أن بايندر بن كوك بن أوغز، و هذه القبيلة من بين 22 قبيلة من القبائل المتفرعة من أوغز، و علامتها أو سمتها علي دوابها و خيولها هي الفارق بين مواشيها عند الاختلاط ذكرها صاحب ديوان لغات الترك، و هناك بيان قبائلهم …

و في شجرة الترك عين أن (بايندر يعني المنعم).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 208

و آق قوينلو صفة لحقتهم من جراء أن هذه القبيلة كانت قد اقتنت غنما بيضا فصاروا يدعون ب (بيض الغنم) و لما كانت الأعلام لا تغير اخترنا لزوم الاحتفاظ ب (آق قوينلو)، و (البايندرية). و لا نري صحة ترجمة اللفظ. و التركمان عرفوا بأسمائهم، و لم يترجم علم عرفوا به …

293 2- إمارتها:

هذه القبيلة أقامت في أنحاء ديار بكر، و عولت علي نفسها، فنزعت إلي السيادة و الاستقلال، و توالي منها رجال مشاهير، نالت بهم الحكم، و كانت قد طمحت نفوسهم إلي السمو، و أسسوا إدارة منتظمة … فظهرت القبيلة أخيرا بمظهر حكومة و كانت معروفة بالقسوة، تدربت علي يد الأمير تيمور و نهجت طريقته.

خلفت أثرا في التاريخ، و صار لها شأنها من عظمة، و أبهة، و سطوة … قارعت و ناضلت نضال

مستميت حتي حصلت علي ما أرادت، و دار إمارتها علي الأكثر في ديار بكر … و حصلت علي السلطة أيام حسن الطويل فاتح بغداد، فانتقلت من رياسة القبيلة إلي الإمارة، فالحكومة أو السلطنة بالمعني الصحيح … و عرفت ب (آق قوينلو)، و ب (البايندرية) …

294 3- مشاهير رجالها:

عرف منها مشاهير عديدون، و إن قرا عثمان ذاع صيته أيام تيمور

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 209

أكثر، و عدد صاحب ديار بكرية أجداد الأمراء و أوصلهم إلي آدم عليه السلام مما لا نري ضرورة لذكره و لا داعي لإيراده، و إنما اخترنا أن نعين المعلومين منهم من حين عاشوا في أنحاء ديار بكر و ما والاها …

و هنا نقول إن آباء قرا عثمان يعرفون ب (آل بزدغان) من أمراء التركمان في ديار بكر.. و قرا عثمان هو ابن قطلو بيك بن طور علي بيك ابن پهلوان بيك ابن أزدي بن إدريس بيك … و من هؤلاء (إدريس بيك) كان أميرا علي البايندرية و كان يقطن بعض الأنحاء في ديار بكر، و هو معروف بالصلاح و الاستقامة … و (پهلوان بيك) كان في عهد المستعصم، مشتهرا بالشجاعة، فعرف بهذا الاسم و أغفل اسمه الأصلي، تصرف في قلعة (النجق)، و حارب جرماغون نويان فهزمه، و قاتل جيش الروم النصاري فكسرهم، و قتل الكثيرين منهم في حدود بروسة مع قلتهم … و (طور علي بك) كان قد خلف والده في الإمارة … و توسع نطاق إمارته في ديار بكر و ما والاها … و في أيام السلطان غازان لازمه في التوجه إلي أنحاء الشام، و رأي لطفا منه لما رأي من شجاعته و فروسيته … لحد أن قبيلته آنئذ تعرف به.

و

أما (قتلو بيك) أو (قطلو بيك)، فإنه كان من الأخيار، يراعي الدين، و يتّبع أحكام الشرع الشريف، و يعرف بالصلاح و التقوي. و كانت جهوده مصروفة لحرب الأمم المخالفة، و يعد من واجبه حفظ الثغور، و فتح البلاد لنشر الإسلام، و كسر أعداء الدين.. و كان في أيامه صاحب طرابزون و هذا بدا منه و من جيوشه التصلب في مخالفة المسلمين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 210

فحاربهم و قتل أميرهم (يوسف دوخاري) فنكل بأعوانه و اكتسح مملكتهم و أسر الكثيرين منهم، و فلّ جموعهم. و كان بين الأسري (تشبيه) بنت تكفور طرابزون فأعادها … و خذل عدوه في حملاته الصادقة في حروبه.

295 أيام حكومتها

296 1- قرا عثمان: (قرايلك)

كان قد ظهر أيام الأمير تيمور، فتعهده.. و قوي به، و اعتز، كما نال السلطان أحمد قرا يوسف من الأمير تيمور ما نالهما من جراء عدائه.. و يعرف قرا عثمان ب (قرايلك) و معناه كما في الغياثي الأسمر اللون الذي يحلق محاسنه. و يلفظ قرايلوك و قرا يولوق. و أما قرايلدك فغلط و دعاه في ديار بكرية الأمير بهاء الدين عثمان، و هو من الشجعان المشهورين، له معارك مشهورة، و مواقف معروفة تبلغ نحو ثلثمائة معركة، و كان منصورا في غالبها. و هو تحت امرة أخيه الأكبر أحمد بيك، صدرت منه علي المخالفين آثار عظيمة من الشجاعة و الغلبة، و لما كانت الإمارة و رياسة القبيلة لأحمد بيك، و كانت قبيلة قراقوينلو و كذا طهرتن صاحب أرزنجان من أعدائهم … ركنت إليه قبيلته و مالت لجهته، فحسده أخواه أحمد بيك و پير علي بيك و حبساه و بقي في الحبس مدة.

و في أثناء ذلك هجم قرا يوسف عليهم فاقتتلوا بين آمد و

ماردين فانكسرت آق قوينلو، فألحوا علي أحمد بإطلاق أخيه عثمان بيك، فأطلقه خوفا من وثوبهم عليه فخرج هذا من الحبس، و قاتل قراقوينلو،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 211

و كسرهم، فازداد حسد أخويه، ذلك ما دعا أن يسير إلي القاضي برهان الدين صاحب سيواس، فحظي عنده، و بقي في خدمته.

ثم انحرف عنه لأنه غدر بابن أخته الأمير الشيخ مؤيد و قتله بعد أن حصل علي الأمان بواسطة عثمان بيك. و الشيخ مؤيد كان قد أعلن العصيان علي خاله، فلم يتمكن أن يظفر به لو لا عثمان بيك و كان قد نزل إليه من قلعة قيسارية فقتله برهان الدين غدرا ذلك ما دعا عثمان بيك أن يغضب للحادث و يفارقه بستمائة فارس من أصحابه، و صار إلي جهة قلعة ديوركي، فتبعه القاضي في جمع عظيم، و أدركه في موقع يقال له قرائيل (في جامع الدول قرابيل) في الحدود بين الروم و الشام فثبت عثمان بيك و كان القتال شديدا مع قلة الجمع فقتل القاضي برهان الدين، و انهزم عسكره و استولي عثمان بيك علي أكثر بلاده.

ثم قصد (قراتاتار) الذين كانوا نحو أربعين ألف بيت قرا عثمان، و كانوا يسكنون في نواحي الروم فقاتلهم عثمان بيك و كسرهم في موقع يقال له (سورك) بين سيواس و قرائيل و فرق شملهم، و مزق و حدتهم.

و بعدها سار فحاصر سيواس، فبلغه أن ييلد يرم بايزيد قد أرسل ولده سليمان چلبي في جمع عظيم بغرض تسخيرها، فثبت إلي أن وصل إليه العسكر و أحاط به فتحقق عجزه عن المقاومة، فاخترق الجبهة،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 212

و تمكن أن ينجو من بين أيديهم، و سار بأتباعه إلي أرزنجان،

و التجأ إلي صاحبها (طهرتن) ثم علق هو و طهرتن بيك بخدمة الأمير تيمور عند قصده الروم، و ظهرت منه آثار عظيمة من البطولة فحظي عنده، و كان أخواه أحمد بيك و پير علي بيك أيضا مع تيمور في هذه الواقعة، و جعله تيمور مقدمه في أكثر حروبه التي في بلاد الشام و الروم.

و لما شتي تيمور في بلاد آيدين و منتشا بعد تخريب الروم أرسل عدة أحمال من الأموال و الأمتعة التي نهبها من بلاد الروم إلي دار ملكه في جمع من ثقاته، فأغار عليها محمد بيك ابن أحمد بيك؛ و پيلتن بيك ابن پير علي بيك (ابنا أخوي عثمان بيك) في طائفة من تركمان آق قوينلو و نهباها.. فاتصل الخبر بتيمور؛ فقبض علي أحمد بيك و پير علي بيك و حبسهما و عفا عن عثمان بيك لبراءة ساحته مما حدث، بل أكرمه، و أحسن إليه، فأرسل عثمان بيك ما كان قد ملكه من منهوبات الروم مع ولده إبراهيم بيك إلي ولاية آمد. لأن تيمور كان أقطعها له، فقطع محمد بيك ابن أحمد بيك الطريق عليه، و أراد أخذ الأموال و المتاع من يده فقابله إبراهيم بيك، و في الأثناء وصل عثمان بيك إلي هناك، فعاد محمد بيك خائبا، و كان السبب في ذلك أن محمد بيك ظن أن حبس أبيه و عمه كان بنكاية من عثمان فتدخل المصلحون، و تأكد محمد بيك أن لا دخل لعثمان بيك فمضي هذا إلي إقطاعه آمد، و أطاعه كثير من قومه، و من العرب و الأكراد …

و له مع قرا يوسف و صاحب ماردين حروب، كانوا جمعوا عليه من الأكراد (السليمانية) و (الزرقية) و غيرهم … و

في جهته طائفة دكر و رئيسها يامغور بيك (ياغمور) بن بهادر حاجي بن عم دمشق خواجه و كوجه موسي أيضا من أمرائهم … و كان يطيع قرا عثمان ألف بيت من بني كلاب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 213

و شادي … و كان ابنه علي بيك قد حارب الأمير نعير أمير آل فضل …

بأمر من والده، و كانت له مكانة و منزلة كبيرة في تلك الأنحاء …

و في جامع الدول تعداد وقائعه و حروبه، و أغلب الحروب الأخيرة كانت بعد وفاة تيمور، حارب قراقوينلو و هو في توسع تارة، و اندحار أخري، و ربح و خسار و الجدال مستمر، و لم يترك السلاح في وقت …

و في كل حروبه كان مواليا لشاه رخ بعد وفاة تيمور حتي قتل علي يد الأمير اسكندر بن قرا يوسف … و علي ما جاء في جامع الدول أن هذه الواقعة كانت في شهور سنة 839 ه.

و ترجمته في قاموس الأعلام، و في كنه الأخبار، و في الضوء اللامع (ج 6 ص 216) … و جاء في القرماني أنه كان شجاعا، و له مع الترك و العرب وقائع، انتمي إلي تيمور، و دله علي مسالك الروم، و استنابه تيمور في بلاده. و قال الغياثي: «كانت آمد عاصمته، و كذا ما يصاقبها من البلاد … و تملك ديار بكر العليا كلها إلي حدود الخاتونية، و من سنجار إلي إربل و الموصل، و هي ديار بكر السفلي، و الكل يطلق عليه (أرمينية الصغري)، و هي بإزاء (أرمينية الكبري) التي هي شروان و شماخي …» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 214

و في مجموعة تواريخ التركمان أنه كان شجاعا إلا

أنه أهوج، و له مع الترك و العرب وقائع طويلة طال عمره مائة سنة، و لما طرق اللنك البلاد الشامية انتمي إليه و دخل في طاعته، و له وقائع مع حديثة بن سيف بن فضل أمير العرب، و جميل بن نعير … مات في العشر الأخير من صفر سنة 840 ه.

و في المنهل الصافي: «صاحب آمد و ماردين و غيرهما، و متملك غالب ديار بكر بن وائل، كان أبوه من جملة الأمراء في الدولة الأرتقية أصحاب ماردين، ثم انتمي إلي تيمور لنك، و صار من أعوانه …

و استولي علي آمد، و ولاه الملك الناصر فرج نيابة الرها لما قتل جكم … فقوي بذلك، و ضخم و التزم جانب ابن نعير، و ناصره علي الأمير حديثة بن سيف الذي جعل أميرا من قبل سلطان مصر … و دامت وقائعه مع قرا يوسف، ثم مع ابنه اسكندر … و هي مشهورة طالت سنين … و كان قرايلك من رجال الدنيا قوة و شجاعة، قتل عدة أمراء … و في أيام الملك الأشرف أخذت الرها منه، و قبض علي ابنه هابيل، و حبس بقلعة الجبل إلي أن توفي … و حروبه مع سلاطين مصر لا تقل عن حروبه مع قرا يوسف … قتل في حرب مع اسكندر في العشر الأول من صفر سنة 839 ه … تتبع اسكندر قبره (خارج أرزن الروم) حتي عرفه و نبش عليه و أخرجه و قطع رأسه و رأس ولديه و ثلاثة رؤوس أخر من امرائه … و أرسل الجميع مع قاصد إلي الديار المصرية للملك الأشرف برسباي … ففرح الملك … و ينبغي لكل مسلم أن يفرح بموت مثل هذا الظالم المصر

علي الفتن و الشرور، و قد قتل في أيامه من الخلائق ما لا يدخل تحت الحصر لطول مدته و كثرة إقامته و حروبه مع جماعة من الملوك … أفني الأهلين قتلا و سبيا و جوعا،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 215

عامله اللّه بعدله، و الحق به من بقي من ذريته ليستريح كل أحد من هذه السلالة …» ا ه.

و من أولاده (بايزيد) و (سلطان حمزة)، و (علي بيك)، و (محمد بيك)، و (يعقوب بيك)، و (قاسم بيك)، و (محمود بيك)، (شيخ حسن بيك)، و (اسكندر بيك)، و (شمس الدين بيك)، و (هابيل) …

297 2- بين علي بيك و حمزة بيك:

من حين قتل قرا عثمان وقع الهرج بين أمراء آق قوينلو، و قام النزاع بين أولاد عثمان بيك و بين أولاد أخوته، فادعي قلبح أرسلان بيك بن أحمد بيك أخي عثمان بيك الأمر لنفسه، و هرب الشيخ حسن بن عثمان بيك من أرزن الروم إلي خدمة شاه رخ. و أما علي بيك فقد هرب مع أخويه محمد بيك و محمود بيك من المعركة إلي أنحاء ديار بكر، فقصده أخواه بالسوء، ثم لحق به ابنه جهانكير في ثلة من الجيش، جاءه من جانب خرتبرت، فقوي به، ثم وصل إليه خبر وفاة والده فأطاعه قومه، و أذعنت له قبيلته … و أطاعه أمراء البايندرية، و كان ولي عهد أبيه، فقام مقامه … فأحسن السيرة و عدل، و استناب ولده جهانكير ميرزا علي حفظ الألوسات و سيره معهم إلي صوب خرتبرت (خرپوط) و توجه هو إلي خدمة ميرزا محمد جوكي بن شاه رخ بارزنجان، وصل إليها في عقب اسكندر و اجتمع بخدمته مع أخيه يعقوب بيك و ابني عمه نور علي بيك و جعفر

بيك.

ثم أرسل جوكي ميرزا جيشا مع علي بيك لطلب اسكندر، فأدركوه قرب قوبلي حصار، فهرب اسكندر و قتل أكثر أصحابه، فعاد علي بيك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 216

السلطان محمد الفاتح

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 217

إلي أرزنجان و زوج أخته خاتم من جوكي، فأقطع هذا ولاية أرزنجان ليعقوب بيك، و جعل إيالة ديار بكر و حفظ الألوسات لعلي بيك فعاد مع زوجته خاتم إلي خدمة والده شاه رخ …

و لما عاد علي بيك بلغه أن أخاه السلطان حمزة والي ماردين قد استولي علي آمد، و قصد أخواه محمد بيك و محمود بيك أرقنين، فتوجه إلي هناك فهرب الأخوان إلي السلطان حمزة بآمد، ثم سار علي بيك و سخر آمد أيضا لأن السلطان حمزة قد سار إلي ماردين لحفظها من علي بيك، فأرسل أهل البلد إلي علي بيك يدعونه إليهم لتسليم القلعة، فسار إليهم و تسلمها منهم و أرسل حريم السلطان حمزة إليه في عقبه، و استناب علي بيك بآمد ولده جهانكير، و أرسل ولده الآخر حسين بيك إلي صاحب مصر لإصلاح البين، فقبض عليه صاحب مصر و حبسه ثم أرسل إلي طائفة (دكر) و أمرهم أن يغيروا علي ديار بكر، فأغاروا علي نواحي آمد، فخرج جهانكير ميرزا لقتالهم في جمع قليل، و قاتلهم قتالا شديدا حتي أسر في جمع من أصحابه، و قتل كثير من خواصه، فأرسل مقدم ال (دكر) جهانكير مع سائر الأسري معتقلين إلي صاحب مصر.

ذلك ما دعا أن يحزن علي حزنا عظيما، و يضطرب اضطرابا بليغا … و في هذه الأثناء بلغه رجوع الأمير اسكندر من الروم فتجهز لقتاله، و استناب ولده حسن بيك بآمد و سار هو إلي

صوب أرزنجان لدفع غائلة ابن أخيه جعفر بيك ابن يعقوب بيك أولا، ثم فتنة الأمير اسكندر إذ كان جعفر بيك نائب أبيه بأرزنجان، فأظهر العصيان، و أغار علي كماخ و قرا حصار. فسار علي بيك و معه إخوته يعقوب بيك و محمد بيك و محمود بيك و شيخ حسن و بايزيد بيك و حاصروا جعفر بيك بأرزنجان حتي ظفروا به، و حبسه أبوه يعقوب بيك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 218

و أما اسكندر فإنه كان قد انضم إليه قليح ارسلان بيك ابن أحمد بيك، و أخوه پير حسين بيك مع اتباعهما من آق قوينلو …، فساروا جميعا و حاصروا خرتبرت، فقاتلهم نائبها پهلوان ابن سيدي علي فتركها اسكندر و سار إلي كيفا و خرق نواحيها، ثم سار إلي ترجان، و فعل بها ما فعل، ثم انعطف إلي أرزنجان و نهب أطرافها، ثم سار إلي أرزن الروم فسخرها …

و في هذه الحالة لم يتمكن علي بيك من طلبه لحيلولة الشتاء، فنزل بآمد، فجاء إلي خدمة السلطان حمزة من ماردين مستعطفا، و مستعفيا، فعفا عنه علي بيك و فوض إليه رياسة الألوس، فمنعه خواصه، و ذكروا له و خامة العاقبة … فلم يصغ إلي قولهم، فصار الحال كما قال النصحاء …

و لما تولي السلطان حمزة رياسة الألوس (القبيلة) أرحلهم إلي صوب ماردين ثم أظهر العصيان علي أخيه علي بك و من ثم ابتدأ النزاع بين الأخوين علي الإمارة و دام طويلا حتي قضي علي حمزة بيك …

و من ثم نجد قسما من المؤرخين يعدون السلطان حمزة بيك هو خلف أبيه. و آخرون يعتبرون علي بيك الخلف … و لكل وجهته. فقد قال فريق إنه لما توفي

عثمان بيك تولي السلطان حمزة. فتفرق باقي الإخوة خوفا منه … و منهم من رأي أن علي بك هو ولي العهد، و متولي السلطة بعد والده … و قد رجح صاحب ديار بكرية هذا القول، و مثله صاحب جامع الدول … و في الحقيقة أن النزاع استمر، و لا يزال إلي هذه الأيام و لم يستقل واحد منهما بالحكومة.

بلغ خبر هذا النزاع الأمير أصفهان بن قرا يوسف والي بغداد فسار في جمع صوب حصن كيفا فوقع القتال بينه و بين حمزة بيك، و امتد نحو أربعين يوما حتي انكسر أصفهان في 5 ذي الحجة سنة 840 ه و قتل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 219

كثير من عسكره و نهبت أمواله و هرب هو في جمع قليل إلي بغداد، و قد مر ذكر ذلك كما أنه انتقم في السنة المقبلة … فعظم شأن السلطان حمزة و تجهز للمسير إلي آمد لتسخيرها و أخذها من علي بيك، و كان هذا قد سار إلي خرتبرت لتسليمها إلي المصريين فداء ولديه جهانكير بيك و حسين بيك، ففعل، و خلصهما، ثم سار إلي زيارة أخيه الأكبر يعقوب بيك بأرزنجان، فانتهز السلطان حمزة الفرصة، و استولي علي آمد …

و علي هذا سير علي بيك أولاده جهانكير و حسين و حسن إلي صاحب مصر الملك الأشرف للاستنجاد و سار هو مع ولده الآخر أويس بيك إلي صاحب الروم السلطان مراد للاستنجاد منه أيضا … فترك جهانكير أخويه حسن و حسين بدمشق و سار هو إلي الملك الأشرف، فأكرمه و أنجده بخمسين ألف فارس من عسكر الشام و مصر، فسار جهانكير، و استرد البلاد من يد عمه السلطان حمزة، و هرب حمزة

إلي ماردين. و في أثناء ذلك اتصل الخبر بعسكر مصر أن الملك الأشرف توفي فعادوا إلي مصر مجدين مسرعين، و لم ينجدوا علي بك، و كان قد عاد من الروم إلي أرزنجان عندما سمع بوصول النجدة … و لكن السلطان حمزة برجوع الجيش عاد فاستولي علي البلاد، و بقي علي بيك عند أخيه يعقوب بيك، و يئس من النجاح، فسار إلي دمشق، ثم إلي مصر مع بعض أولاده، و التجأ إلي الملك الظاهر جقمق، و بقي عنده مكرما.

و أما أولاده جهانكير ميرزا و حسين بيك و حسن بيك فكانوا يتجولون في ديار الشام تارة، و في أنحاء أرزنجان أخري حتي أمد صاحب مصر جهانكير بقطعة من الجيش فاستولي علي الرها و بيرة فأقام فيها مع أخويه حسن و حسين، و جرت بينه و بين عمه حمزة بيك مقاتلات و محاربات، و الحرب بينهما سجال و كانت ألوس آق قوينلو تحت طاعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 220

حمزة إلا أنهم كانوا ينحرفون عنه تارة و يميلون إليه أخري و كان حسن بيك يراعي أخاه مرة فيخدمه، أو يصير مع عمه يعقوب بيك صاحب أرزنجان و كان آنئذ ابن 14 سنة لكنه كان آية في الشجاعة، و جري بينه و بين جعفر بيك ابن يعقوب بيك مقاتلات عديدة، و ظفر في كلها لأن جعفر بيك كان قد عصي علي أبيه يعقوب بيك. ثم سار حسن بك إلي مصر لملاقاة والده، و سار أخوه حسين بيك إلي جانب الروم لما نالهما من ضيق، ثم عادا لخدمة أخيهما جهانكير في ولاية الرها.

و كان السلطان حمزة قد استولي علي أرزنجان أيضا أخذها من يد أخيه يعقوب بيك فبقي هذا

في قلعة كماخ فقط ذلك ما دعا أن يعد حمزة سلطانا مستقلا من مؤرخين كثيرين. و في أثناء ذلك أغار جهانكير علي نواحي ماردين ثم علي أرقنين (أرغنين) و نهبها، و سخر قلعة جعبر، ثم عاد إلي الرها …

و من ثم بلغه في هذه الأيام خبر وفاة أبيه (علي بيك) بقلعة (شيزر) من أعمال حلب، و كان قد عاد إليها من مصر، فتوفي بها، و لم يمض غير قليل حتي توفي السلطان حمزة أيضا بدار ملكه (آمد) في أوائل رجب سنة 848 ه، و لم يكن محمود السيرة كأبيه و إخوته و إنما كان مشتهرا بالظلم و السوء، و استقر بعده ابن أخيه جهانكير بن علي بيك.

و علي كل حال لم تدم سلطنة لواحد منهما، و كانا في نزاع حتي ماتا … و في ديار بكرية فصل حوادثهما، و أوضح كل واقعة بسعة، و فيه مباحث خاصة تصلح أن تكون تاريخا للحكومات المجاورة، و منها قرا قوينلو، و الحكومة المصرية، و حكومة آل تيمور أو علي الأقل توضح وقائعها معها … و لم نتوغل في ذلك فإنه لا يهم العراق إلا بقدر ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 221

يوضح الوقائع و العلائق أو الإجمال عن الماضي و ضبط الأعلام، و الأشخاص و المواقع، أو الأقوام … و قد توسع في وقعة أصبهان الأولي و بين سببها في أنه أراد أن يستفيد من النزاع بين الإخوة و أظهر أنه جاء مناصرا لعلي بيك … فهاجم مواطن السلطان حمزة بجيوشه إلا أنه قل العلف لخيولهم و دوابهم، فتفرقوا، و من ثم فاجأ السلطان حمزة مقر الأمير أصبهان … فوقعت حروب دامية جدا، اضطر أصبهان بسببها علي

العودة.. هذا و لو فصلنا وقائع اسكندر و يعقوب بيك، و ابنه جعفر، و حوادث جهانكير لتكون لنا مجلد كبير و لكن كما قلنا أن هذه لا يمس بحثها تاريخ العراق مباشرة، و كفانا أن نعرف زبدة الوقائع و نتائجها.

298 3- جهانكير:

هو ابن علي بيك بن قرا عثمان كان قد ولد في حدود سنة 820 ه و كان قد توفي والده علي بيك، فلم يمض غير قليل حتي توفي عمه السلطان حمزة فأرسل أهل البلد و أمراء آق قوينلو إلي جهانكير يدعونه إلي الملك، فسار مجدا و ملكها، فتعين للملك و لرياسة آق قوينلو (البايندرية) …

و لما أتم أمر آمد سار إلي ماردين، و كان فيها (شاه سلطان) بنت السلطان حمزة مخطوبته من قديم إلا أن العداوة عاقت من الزفاف و الوصال. و حينئذ أرسلت شاه سلطان إلي جهانكير تدعوه لتسلم إليه البلد فمضي إليها توا و سيّر أخاه حسن بيك في جمع لقتال العربان بقرب جعبر، فظفر حسن بيك بهم و غنم منهم، و سار جهانكير فتسلم القلعة، و تزوج البنت … و كان المأمول منه أن يصلح الحالة لما نالها من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 222

حروب و غوائل متعددة … و هكذا فعل، و لكن بعد مدة توالت الخطوب و كثرت الخصومات و عادت الغوائل جذعة سواء بينه و بين أقاربه، أو بينه و بين قراقوينلو، و ذلك أنه بلغه أن عمه محمود بيك قصده من صوب بغداد مع مدد من صاحبها أصفهان بن قرا يوسف، فاضطرب جهانكير، ثم وصل الخبر عقيب ذلك بأن أصفهان قد مات فتفرق مدده عن محمود بيك، فسر بذلك، و كان في سنة 848 ه فسار جهانكير

إلي آمد، فالتجأ إليه عمه يعقوب من كماخ، و بقي عنده أياما، ثم توفي.

و في أثناء ذلك قام بالخلاف عمه الآخر الشيخ حسن بيك، و كان نائب السلطان حمزة بأرزنجان، فبلغه خبر وفاة يعقوب بيك فسار بلا توان إلي محاصرة كماخ و أتبعه پيلتن بن پير علي بيك، و كان نائب يعقوب بيك بكماخ جلال الدين بيك رجلا داهية، فخدع الشيخ حسن بيك حتي أدخله إلي القلعة و قبض عليه فتفرق جمعه و بقيت أرزنجان خالية عن الصاحب و الحاكم، و بلغ هذا الخبر إلي محمود بيك ببغداد، فسار بسرعة و استولي علي قلعة پير جك أولا، ثم ملك أرزنجان و لما سمع جهانكير بالخبر عجل في جمع جيش و أخذ معه أخاه حسن بيك و حاصر أرزنجان 40 يوما فمانعه أهلها، و من ثم اضطر إلي العودة.

و في سنة 851 ه قدم جهان شاه بن قرا يوسف إلي ديار بكر لقتاله و كان سبب ذلك أن جهان شاه لما ملك بغداد و أخذها من يد ابن أخيه فولاذ ابن أصبهان في سنة 850 ه أقطع الموصل لأبناء أخيه ألوند و رستم ترخان و مهماد أولاد اسكندر، و لم يمض غير قليل حتي أظهر ألوند العصيان علي عمه، فسخر إربل و كردستان أيضا، فسير جهان شاه من أعاظم أمرائه رستم ترخان في جيش إلي دفع غائلته فانكسر ألوند بعد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 223

قتال عنيف، و التجأ إلي جهانكير بن علي بيك، فطلبه منه جهان شاه، فلم يجبه إلي ذلك، فسار جهان شاه و شتي في بردع و كنجة و بعث جيشا أخذوا أرزنجان من يد محمود بيك أولا و حضر إلي خدمة

جهان شاه كثير من أمراء آق قوينلو و أولاد عثمان بيك و أحفاده و أبناء إخوته مثل قليج أرسلان بيك ابن أحمد بيك و أخيه موسي بيك، و خليل بيك، و إسكندر بيك ابني پلتن بيك بن پير علي بيك، و بايزيد بيك ابن الشيخ حسن بيك بن عثمان بيك، و الشيخ حسن ميرزا بن علي بيك، ثم أرسل جهان شاه جمعا عظيما إلي تسخير ديار بكر فعجز جهانكير عن مقاومتهم فحصن القلاع و تحصن هو بآمد، و أخوه حسن بيك بأرغنين، و أخوه الآخر أويس بيك بالرها فخرب عسكر جهان شاه كل ما مر به من القري و القصبات، و حاصر جمع كان مع رستم ترخان قلعة ماردين مدة حتي أخذها، و استولي علي أرزنجان و ترجان، ثم حاصروا قلعة الرها و بها أويس بيك فسار حسن بيك من أرغنين ليمد أخاه فقاتل المحاصرين أشد قتال و كسرهم، ثم عاد إلي آمد، و زار أخاه جهانكير، و سار إلي أقطاعه أرغنين و قدم رستم ترخان من ماردين، فأغار علي سواد آمد و خربها، ثم انضم إليه محمدي ميرزا بن جهان شاه بمدد من والده، و بقي رستم ترخان و محمدي ميرزا في تلك الديار بجيش عظيم من قرا قوينلو بين تخريب و أسر و قتل …

و كان جهانكير و أخوه حسن بيك يبيتانهم و يقاتلانهم عند انتهاز الفرصة نحو خمس سنين حتي آل الأمر إلي الصلح، و سبب ذلك هو أن جهان شاه كان قد بلغه خبر قتل السلطان محمد علي يد أخيه بابر ميرزا، فطمع في العراق (عراق العجم) فأرسل إلي جهانكير فصالحه، فخطب ابنته لابنه محمدي ميرزا، فعاد إلي العراق، و كان

نائبه علي همذان علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 224

شكر بيك بهارلو، و علي السلطانية شهسوار بيك بيراملو قد جمعا و حشدا، و سار مع ولده پير بوداق، و استولوا علي العراق (عراق العجم) قبل وصول جهان شاه، و أرسلوا إليه البشير، فلقيه حين قفوله من ديار بكر، و كان ذلك في سنة 857 ه.

و لما وقع الصلح بين آق قوينلو و قرا قوينلو قام الشقاق بين الأخوين جهانكير ميرزا و حسن بيك المعروف بالطويل … و باختلافهما قوي أمر عمهما قاسم بن قرا عثمان، فادعي الأمر لنفسه و رفع راية الخلاف …

و كذا عظم شأن قليج أرسلان ابن پير علي بيك بولاية أرزنجان و ترجان إذ أقطعه جهان شاه تلك الديار، و كان حسن بيك لا يرضي بالمصالحة فاجتمع إليه من شجعان آق قوينلو، فأغار بهم علي صحراء موش ثم هجم علي عمه قاسم بيك فهرب هذا إلي صوب قرا حصار الشرقي فتبعه حسن بيك و غنم أثقاله و بيوته، ثم رد عليه أهله و عياله، فعاد إلي تسخير أرزنجان و قتال قليج أرسلان، و ظفر بولده مع جمع من أصحابه فأسرهم، و حاصر أرزنجان نحو 40 يوما و خرب سوادها، ثم بلغه أن سليمان بيك بن ذي القدر (دلغادر) قد توجه لقتاله، فلم يضطرب حسن بيك من هذا الخبر و ثبت.

ثم ظهر كذب الخبر فأغار علي بلاد ترجان و أرزنجان، ثم علي المخالفين من الكرد، فأطاعه أمراء الأكراد، و عظم شأن حسن بيك، و كثرت جموعه، ثم بلغه أن عمه قاسم بيك قتل ابن عمه جعفر بيك ابن يعقوب بيك و حاصر كماخ، فسار إلي دفع غائلته، فوصل إليه و هو علي

الطريق خبر ذهاب أخيه جهانكير إلي مصيف الأطاغ و تركه آمد خالية من المستحفظين، فانتهز حسن بيك الفرصة، و ترك جميع أثقاله و ألوساته بقرب كماخ، و سار هو بتجريدة في نخبة من الجيش صوب آمد و لما قرب منها سار هو في خمسة فوارس متنكرا، و دخل آمد، و قتل البوابين، فدخل بقية جيشه البلد أيضا، فأطاعه من كان فيها من أعيان أهليها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 225

و لما وصل الخبر إلي جهانكير حار في أمره، و هرب إلي قلعة ماردين، و تحصن بها و قنع بامتلاكها، و أطاع أكثر من كان معه من الأمراء أخاه حسن بيك، فسخر أعمال آمد أيضا في أيسر الأوقات، فتولي رياسة ألوس آق قوينلو في سنة 857 ه.

و هذا هو حسن الطويل. و لا تزال الإدارة لم تستقر لأحد، و النزاع قائما … و قد مر من الحوادث ما يعين علاقاته الحربية و السياسية سواء بحكومة مصر، أو قرا قوينلو، أو نفس قبيلتهم (آق قوينلو)، و في هذه الأيام زادت المشادة بين الأخوين. و كان أعداؤه الآخرون يراقبون الحالة و يتربصون له الدوائر … و كانت مناصرة أخيه له خير معين له للقضاء علي قاسم بيك، و علي قليج أرسلان ابن پير علي بيك … و لكن أقوي العداء ظهر في شخص حسن بيك نحو أخيه … فقد أعلن حكومته سنة 857 ه، و أن جهانكير تصالح معه و رضي منه بماردين، و أن تكون سائر أجزاء المملكة و العساكر بيد أخيه حسن بيك، و اتفقا علي ذلك، و استقر جهانكير في ماردين هو و أولاده و عياله و رجاله المختصون به، و بقي إلي ما

بعد موت جهان شاه. و توفي هو سنة 874 ه، و استقر أولاده بعده، و كان له ابنان تزوج أحدهما بابنة عمه حسن بيك، و توفيا أيضا.

و في هذا كفاية لمعرفة الحالة أيام جهانكير، كما أن ترجمته عرفت من وقائع أيامه، و كل ما هناك أن أخاه حسن بيك لم يقصر في تقريبه، و قبول صلحه عند كل ظفر و انتصار عليه، و كان في أعماله هذه ينال عطفا المرة بعد الأخري … مما يدل بوضوح علي أن آماله أكبر مما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 226

يتصوره أخوه جهانكير المذكور، و هذا شأن الرجل العظيم، و صفحه عن أخيه يعد أكبر فضيلة له، و قد برهنت الوقائع الكثيرة أنه كبير النفس لا يحمل انتقاما و لا يعرف حقدا، و لا حرصا زائدا، و لم يقصر في تدبير، و لم يهمل تيقظه للحوادث … فهو بحق من أعظم الفاتحين في حروبه مع أقاربه و أعدائه …

299 حسن الطويل

300 1- حروب و مقارعات:

حسن بك بن علي بك بن قرا عثمان يعرف ب (حسن الطويل) و كان عادلا مقداما، من مشاهير الفاتحين، قضي علي الحكومة البارانية، و استولي علي العراق و علي قسم كبير من إيران. بل أكثر أقسامها. و لما استقر علي سرير الملك بآمد بلغه أن أخاه جهانكير قد سار إلي الرها، و اتفق مع أخيهما أويس والي الرها علي قتاله فكبسهما و نهب كل ما وجده خارج القلعة من الدواب و المواشي، و كذا أغار علي سواد ماردين، ثم هرب أخواه جهانكير و أويس إلي ماردين، و تركا الرها فاستوي عليها، و استناب بها أحد أمرائه، ثم أغار علي حدود الشام، و غنم أشياء كثيرة، ثم سار إلي قتال

أخويه بماردين، و قاتلهما بظاهرها و كسرهما، ثم حاصرهما فيها أياما فوسطت والدتهم فيما بينهم فاستقر الصلح بتوسطها، فعاد حسن بيك إلي آمد، ثم أغار علي بلاد أرزن الروم و أونيك و بايبرت و ترجان، و كانت هذه القلاع و الحصون في أيدي نواب جهان شاه و أمراء قرا قوينلو فخربها و نهبها و سخر قلعة سبكة و غيرها، فأقام بترجان أياما، و حاصر أرزنجان مدة، ثم عاد إلي المشتي، و في الربيع رجع إلي حصارها، و بلغه أن جهان شاه قد أمد الملك خلفا الأيوبي أيضا، و كان بين حسن الطويل و بين الملك أحمد الأيوبي مصادقة، فسار إلي مدده، و رفع الملك خلف منها، فعاد منها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 227

السلطان سليمان القانوني

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 228

و أغار علي بلاد الموصل و سنجار ثم رجع إلي آمد، و رتب وليمة لختان أولاده خليل اللّه، و أوغورلو محمد، و زينل، و زوج أخويه اسكندر، و جهان شاه.

ثم سار إلي أنحاء أرزنجان و ترجان فأغار عليها و في أثناء ذلك سقط عن الفرس فانكسرت إحدي رجليه، فقارب الهلاك، و ثارت بذلك فتنة عظيمة وقام أخوه جهانكير بالخلاف و الغارة علي حوالي آمد.

و لما عوفي حسن الطويل خاف جهانكير من سطوته، فأرسل إلي جهان شاه ابن قرا يوسف يستنجده و يلتجي ء إليه، ثم سار بنفسه إلي خدمته في العراق، فأرسل حسن إليه أحد أمرائه ينصحه و يمنعه من المسير إلي خدمة جهان شاه، و يدعوه إلي المصالحة و الاتحاد، لأن حسن بك و جهانكير كانا شقيقين، فاتفق أن الرسول قد مات في الطريق قبل الوصول إلي جهانكير، فسار جهانكير إلي جهان

شاه، فأسرع حسن بك يحث السير في طلبه، و لما قرب من ماردين استقبلته والدته سراي خاتون مع ابنتها (أخت حسن و جهانكير) فأكرمهما الطويل و وسط والدتهما بينه و بين أخيه جهانكير في الصلح علي أن يرجع من الالتجاء إلي جهان شاه فعاد حسن إلي صوب آمد، فنقض أخوه العهد، و من ثم عاد حسن إلي قتاله، و قتل من الطرفين خلق كثير، ثم انهزم جهانكير و تحصن بالقلعة، ثم اصطلحا ثانيا، فرجع حسن إلي دار ملكه آمد، و لم يمض غير قليل حتي نكث جهانكير العهد و أغار عسكره علي بعض ولاية الطويل فسار هذا إلي محاصرة ماردين بعد أن أرسل بيوته مع ابنه خليل اللّه إلي قراجه طاغ، فأغار حسن علي نواحي ماردين و خربها ثم خرج إليه عسكر ماردين فاقتتلوا قتالا شديدا، و كان جهانكير في هذه الدفعة غائبا، سار إلي جهان شاه في العراق فخرجت والدتهما و أصلحت البين إلي أن قدم جهانكير من العراق فعاد حسن إلي آمد، ثم أغار نائب جهان شاه بولاية أرزنجان و ترجان الأمير عربشاه الكردي، و كان معه عشرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 229

آلاف فارس من قراقوينلو فأخرجه الطويل من تلك البلاد فهرب إلي جهان شاه فغضب عليه و حبسه و صادر أمواله لهربه من حسن بيك فنهب حسن بيك تلك الديار و ولاية ياسين (في أرزن الروم) ثم توجه إلي العراق فأطاعه أهلها، ثم سار إلي أرزن الروم، ثم حاصر أرزنجان ثم بلغه أن أخاه جهانكير قد عاد من العراق، و قصد أن يكبس قبيلته (ألوسه) فعاد حسن لدفع غائلته فتحصن أخوه جهانكير منه بقلعة ماردين، فحاصره حسن بيك فيها، فأرسل

جهانكير أخاه أويسا إلي جهان شاه يستمده، فأمده بجيش عظيم مع رستم ترخان، ثم أرسل في عقبه من أعاظم أمرائه الأمير علي شكر بيك أيضا فاجتمع كلا الجمعين، فساروا جميعا إلي ديار بكر لقتال الطويل و دفع غائلته فاستقبلهم هذا وقاتلهم قتالا شديدا و كسرهم و أسر رستم ترخان مع جمع من أصحابه و ثبت علي شكر بيك و ابنه پير علي بيك في جمع من أصحابهما بعد انهزام العسكر، فاجتمع عليهما جمع عظيم من المنهزمين، فقاتلوا عسكر الطويل حتي أخرجوهم من معسكرهم، و كادوا يكسرونهم لو لا إقدام حسن بنفسه فبعد جد عظيم، و قتال شديد أسر علي شكر و ابنه پير علي مع ألف و سبعمائة من نخبة الجيش، و قتل خلق عظيم، و فرت البقية، و تفرقت شذر مذر، و تبعهم عسكر حسن. فغرق أكثر الهاربين في الفرات، و لم يفلت منهم إلا القليل، و غنم العسكر أثقالهم و أموالهم، ثم أمر الطويل بقتل الأسري فقتل خمسمائة منهم صبرا؛ و حبس الباقين، ثم أمر بضرب عنق رستم ترخان بين يديه.

301 2- حكاية: (استطراد)

يحكي أن مجذوبا يقال له (بابا عبد الرحمن) كان قد حضر مجلس الطويل يوما و أخذ سيفه و ضرب به علي طاس في المجلس، فقال هذا رأس رستم يضرب فيما بين يديك بهذا السيف. و كانت هذه الإشارة قبل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 230

الواقعة بعدة سنين، فضرب عنق رستم ترخان بذلك السيف كما قال المجذوب انتهي.

عود: ثم أمر حسن الطويل بحبس علي شكر بيك بقلعة جرموك و حبس ولده پير علي بقلعة أرقنين (أرغنين) فسار حسن و حاصر ماردين و بها أخوه جهانكير، و لما قرب الأخذ شفعت فيه والدتهما،

فأصلحت بينهما، و أرسل جهانكير ولده علي خان إلي حسن الطويل ليكون في خدمته، و كذا حضر عنده أخوه أويس فعفا عنه حسن و أكرمه، و أعاده إلي اقطاعه الرها، ثم توجه إلي أرزنجان و كانت قد خربت بتعاقب القتال فأقطعها لخورشيد بيك، و أمره بتعميرها، و إعادة الرعية إليها، فأطاعه جميع حكام حدود الروم و الشام فعظم شأن الطويل بعد هذه الوقعة.

عاد من أرزنجان إلي دار ملكه آمد، و أغار بقرب الرقة علي أعراب نشيب، و كعبتين، و عنين، و ربيعة، و نهب أموالهم و دوابهم، و أزال فسادهم من تلك الديار، لأنهم يقطعون الطريق علي القوافل و المسافرين، ثم وصل إلي دار ملكه آمد. و كانت الوقعة التي جرت بين حسن بيك و رستم ترخان في حدود سنة 861 ه.

ثم اطلق حسن الطويل علي شكر و ولده پير علي و غيرهما من أمراء قراقوينلو الذين كان قد أسرهم في الوقعة، و أرسلهم مكرمين إلي جهان شاه، و كان هذا إذ ذاك مشغولا بتسخير خراسان.

302 3- انقراض الدولة الأيوبية:

ثم اشتغل حسن الطويل بتسخير قلاع الأكراد المخالفين له، و في أثناء ذلك بلغه أن الملك زين العابدين، و الملك أيوب الأيوبيين قد خرجا علي الملك خلف الأيوبي صاحب حصن كيفا و قتلاه، فأرسل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 231

جمعا فظفروا بهما، و فتحوا الحصن مع أعماله، فقتلهما الطويل قصاصا للملك خلف، فانقرضت الدولة الأيوبية من حصن كيفا في حدود سنة 864 ه و أقطع البلد لولده السلطان خليل.

و هذه الدولة فرع من الدولة الأيوبية و حكومتها في حصن كيفا.

عاشت من سنة 582 ه إلي هذه الأيام فانقرضت.

303 4- حسن علي بن جهان شاه و القرمانية:

في هذه السنة التجأ حسن علي بن جهان شاه إلي حسن الطويل فأكرمه و أنزله منزلة أبنائه و إخوته، و كان قد عصي ولده جهان شاه، فظفر به، و أخرجه من حدود ملكه، فبقي عند الطويل، ثم توجه إلي ولده، فرجع من طريقه ثانيا، فأكرمه كالأول، ثم ظهر لدي حسن بيك إلحاد حسن علي، و ضعف دينه، فطرده من عنده لئلا يفسد أولاده أيضا فسار إلي أخيه پير بوداق في العراق. و وصل الخبر إلي الطويل بأن صاحب البلاد القرمانية إبراهيم بيك ابن قرمان قد توفي، فطمع الملك ارسلان من ذي القدرية (دلغادر) في بلاده قرمان و أغار عليها، و نهبها و خربها.

و كان بين إبراهيم المتوفي، و بين الطويل مصادقة، فاستغاث أهله و أولاده بحسن الطويل علي الملك أرسلان فتوجه حسن إلي صوب قرمان لدفع غائلة أرسلان فتنحي هذا من بين يديه، و نهب الطويل بعض أثقاله، فأقام حسن إسحاق بيك القرماني واليا علي تلك الولاية فعاد منها.

304 5- پير بوداق- حسن الطويل:

و في سنة 869 ه أرسل جهان شاه إلي حسن الطويل يعطيه الموصل و إربل و سنجار علي شرط أن يسد الطرق علي ولده پير بوداق بن جهان شاه، و يمنع وصول الميرة و الذخيرة إلي بغداد و كان پير بوداق قد أعلن العصيان علي والده، فحاصره والده ببغداد نحو سنتين،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 232

ثم خدعه بالعهد و الأمان فقتله، و في هذه الواقعة فرح حسن بيك و قال كلمته.

305 6- الكرج- الأسري:

و في سنة 871 ه سار الطويل في جمع عظيم إلي غزو الكرج، و قبل مسيره أطلق كل من كان في حبسه من قرا قوينلو، و الأكراد، و الأعراب و غيرهم و من جملتهم پير علي بن علي شكر، و سولان بيك من قرا قوينلو … و كانت مدة حبسهما نحو عشر سنوات، و أما إطلاق علي شكر بيك فقد كان قبل ذلك … و قد فصل في جامع الدول و في ديار بكرية واقعة الكرج …

306 7- حوادث أخري:
اشارة

ثم أرسل حسن الطويل أخاه جهان شاه إلي حصون الأكراد، فسار إليها و سخرها و أعظمها قلعة (پالو).

ثم سار حسن إلي أرزنجان، و أرسل ابن أخيه مراد بيك إلي سلطان الروم أبي الفتح السلطان محمد بن مراد يلتمس منه أن لا يقصد طرابزون، و يتركها له لأن صاحبها كان يؤدي الجزية إليه، فلم يجبه إلي ما أراد … ذلك ما دعا إلي الحروب بينهما … و سار إلي الكرج و فتح فيها بعض الفتوح …

و في تاريخ إيران أن السلطان حسن الطويل كان في أيام شبابه قد أسر بنت ملك طرابزون من أواخر الملوك هناك، هي المسماة (دسپينا) خاتون. و الظاهر أن هذا غير صحيح كما يأتي و إنما الواقعة جرت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 233

أيام قطلوبيك، و تسمي (تشبيه) كما جاء في ديار بكرية و أن الملك كان يدعي (يوسف دوخاري)، و قد مر ذلك.

307 بين جهان شاه و حسن الطويل
308 1- العلاقات الحربية- قتلة جهان شاه:

في سنة 871 ه جمع جهان شاه جمعا عظيما، فتوجه إلي أنحاء ديار بكر و نزل مصيف خوي، أقام فيها أياما … و أرسل إلي حسن يدعوه إلي الحضور و طي ء البساط إما بنفسه، أو بإرسال أحد أولاده إليه، فلم يجبه، و جمع جيشه، و تجهز للقتال … و أرسل إلي أخيه جهانكير صاحب ماردين يستنجده، فأرسل عسكره مع ولديه مراد و إبراهيم للإنجاد و الإمداد، فسار حسن من دار ملكه آمد إلي جانب جهان شاه، و نزل صحراء موش بجماعة عظيمة و أهبة كاملة و أرسل ابنه السلطان خليل في ألفي فارس ليتجسسوا أحوال المخالفين، و أمره بأن لا يقدم علي القتال ما لم يقاتل الخصم رعاية للعهد و اليمين التي جرت بينه و بين جهان

شاه. فبدأ الخصم بالقتال، فقاتله السلطان خليل، و ظفر بمقدمة جهان شاه، و قتل كثيرا، و أسر مثلهم، فعاد منصورا، فغلب الخوف علي جهان شاه و عسكره مع كثرتهم و قوتهم، فعاد من موضعه، فتبعه حسن بيك في ستة آلاف فارس، و ترقب الفرصة حتي أخبره عيونه بأن جهان شاه قتل علي يد شخص مجهول، و ذلك أنه لما أن ضربه الشخص المذكور و جرحه التمس منه جهان شاه أن يحمله حيا إلي الطويل، فلم يلتفت الشخص إلي كلامه، و أتم أمره، ثم عرفه و حمل رأسه إلي حسن بيك ثم طلب جسده أيضا فسير حسن بيك الرأس إلي السلطان أبي سعيد بخراسان و الجسد إلي موضع كان أبوه قرا يوسف مدفونا فيه فدفن بجنبه، و أسر ولديه محمدي، و أبا يوسف مع جماعة من خواصه، و قتل خلق كثير من أعاظم أمراء قراقوينلو … ثم أمر حسن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 234

بقتل محمدي ميرزا و سائر الأسري سوي أبي يوسف فإنه حبس في قلعته، و كان يادكار محمد ابن السلطان محمد بن بايسنقر بن شاه رخ قد أسر في المعركة. و لما عرفه الطويل أطلقه و أكرمه، و أطلق أيضا كل من أسر من أمراء الجغتائية، و عينهم لخدمة يادكار، فبقي هذا عنده مكرما إلي أن جعله واليا علي خراسان بعد قتل أبي سعيد …

و أما عسكر جهان شاه فقد بلغهم خبر الوقعة فتفرقوا أيدي سبا، و كان ذلك في سنة 872 ه. و أطلق الطويل پير علي بيك بن علي شكر، و علي بيك جاكيري و سهراب بيك، و رستم الپاوت من قرا قوينلو، و لم يأذن لعسكره في تعقب المنهزمين

و أطلق كل من أسر من ضعفاء العسكر و أحسن إليهم …

ثم عاد منصورا، مظفرا، غانما، سالما إلي دار ملكه آمد.

309 وقائع حسن بيك بعد قتلة جهان شاه
310 1- حصار بغداد:

ثم إن حسن الطويل عاد إلي دار ملكه ليتجهز للمسير إلي العراق و أذربيجان فسار من طريق الموصل إلي بغداد، و سخر جميع البلاد التي علي ممرّه، و أطاعه نواب جهان شاه و استقبله رسول نائب بغداد پير محمد الپاوت بالطاعة و الانقياد، فأراد أن يتوجه. إلي أذربيجان، و أرسل ولده أوغرلو محمد بيك في ألفي فارس إلي بغداد ليتسلمها من پير محمد المذكور. و لما وصل محمد بيك إلي بغداد أبدي پير محمد العصيان، فعرّف أوغرلو محمد والده بالأمر، فتوجه إلي بغداد، و حاصرها، فلم يتمكن من الاستيلاء عليها، و كان حصاره لها في 20 رجب سنة 872 ه. و كان والي بغداد پير محمد الطواشي (التواجي) و ليها من قبل جهان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 235

شاه، فلم يذعن لحسن بيك، و رأي هذا أن الضرورة تدعوه أن يترك بغداد و يرحل عنها إلي تبريز فكان ذلك يوم الجمعة 15 رمضان سنة 872 ه.

311 2- حسن علي- السلطان أبو سعيد:

و في هذه الأثناء بلغه ظهور حسن علي بن جهان شاه بأذربيجان، و كثرة تعديه علي الأهلين هناك، و أنهم استغاثوا به، فسار لدفع غائلته … فأرسل رسولا من أكابر أمرائه إليه، و ذكر ما له عليه من الحقوق السابقة … فلما وصل قتله مع ثلاثين من أصحابه، فعلم حسن بيك بالخبر، فغضب غضبا شديدا، فلقي عسكر حسن علي في (مرند) و كان أكثر من جيش حسن بك بأضعاف، لكنهم كانوا أخلاطا لا يحسن أكثرهم الحرب، فأمر حسن علي بحفر خندق حول عسكره لخوفه. و دام القتال أياما، و هرب جماعة من أمراء حسن علي عند انتهاز الفرصة فمالوا إلي حسن بيك و منهم أمير شاه علي، و

أمير شاه إبراهيم …

و ذلك في 4 صفر سنة 873 ه و تابعهم غيرهم. ثم أمر حسن بيك أن تجمع أحجار ترمي بالفلاخن، و صاروا يرمونهم، فلم يروا بدا من الفرار، فتفرق جمعه، و هرب هو بشق النفس إلي باكو، و نهب ما كان معه من الأموال و الأثقال …

و في أثناء ذلك كان حسن بيك يرسل الرسل مرة بعد أخري إلي جانب السلطان أبي سعيد و إلي أمراء الجغتائية يظهر لهم الطاعة و الصداقة، و يذكر لهم حسن انقياد آبائه لهم من أيام تيمور، و عدم ظهور العصيان و الخلاف منهم قطعا كما كانت طائفة قرا قوينلو. و لكن بلغه أن السلطان أبا سعيد قد تجهز للمسير إلي العراق و أذربيجان طالبا الثأر لجهان شاه منه، و كان قد سير أميرا من أعاظم أمرائه الأمير مزيد أرغون في مقدمته مع جيش عظيم. هذا و بعد فرار حسن علي و تفرق جموعه في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 236

مرند سار حسن بيك إلي تبريز و كان ذلك في 6 رجب سنة 873 ه و بث أمراءه مع جموعهم ليفتح القلاع و الحصون ففتحوها بأيسر الوجوه، و ذلك لاشتهار حسن بيك بالعدل و حسن السيرة، و كان أكثر أهل القلاع يسلمونها إلي نوابه باختيارهم قبل الحرب.

و لما وصل ظاهر تبريز، في التاريخ المذكور، بلغه خبر وصول أبي سعيد إلي السلطانية، ثم إلي موضع ميانه، فجمع حسن بيك سراياه و بعوثه و سلم تبريز إلي الأمراء الجغتائية، و أرسل رسولا إلي السلطان يسعطفه، و يستأمن إليه، فلم يجبه السلطان و كان قد اجتمع إلي السلطان جمع عظيم زهاء ثلثمائة ألف فارس … و كان معه عساكر

الولايات التي مر بها من أقصي بلاد ما وراء النهر إلي حدود ديار بكر و كان قد انضم إليه عسكر جهان شاه، و بعض من كان مع حسن بيك مثل عمه محمود بيك بن عثمان بيك، و علي بك قاجري، و شاه علي حاجيلو، و أويس إينال و غيرهم من طائفة آق قوينلو، فبقي حسن بيك في قلة، و كان قد كحل أبا يوسف ميرزا بن جهان شاه لما علم أنه كان قد أرسل إلي الطواشي يقول له لا تسلم بغداد، و إني صائر إليك، ثم أطلقه فقدم إلي السلطان و استغاث به علي حسن بيك، و كذا التجأ إليه حسن علي، فسيره السلطان في جمع من الجيش إلي حكومة تبريز و ولاه أذربيجان كلها. و ترددت الرسل بين حسن بيك، و بين السلطان، و التمس حسن بيك أن يترك السلطان أذربيجان له، و أن يكون العراق للسلطان، فلم يجبه إلي ذلك، فآل الأمر إلي القتال، فانتصر حسن بيك في نتيجة هذا القتال بالرغم من القلة، فهرب السلطان إلي (قزل أغاج) في جمع من أصحابه، ثم سار إلي (محمود آباد) من حدود شيروان بعد تعب شديد من جراء كثرة المياه و الوحول، فخندقوا علي الطرف الذي كان إلي البر، بيتهم عسكر حسن بيك و قتلوا فيهم قتلا ذريعا، و ضيق حسن بيك علي معسكر السلطان، و منع منهم الميرة من كل جهة، فاضطر السلطان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 237

إلي الخروج من ذلك الموضوع، فقاتله عسكر حسن بيك، فانكسر منهم و عاد إلي موضعه، و أرسل رسولا و معه والدته يطلب الصلح، فلم يجبه، و يئس السلطان، و خرج من المعسكر للهرب، فتبعه السلطان

خليل و أخوه زينل و الأمير شاه علي البيرامي … فأدركوه، و حملوه مع ولديه السلطان محمد، و شاه رخ إلي حسن بيك، فأكرمه و عاتبه علي ما صدر منه من الطمع و السفه، فحبسه ثم سلمه إلي يادكار ميرزا فقتله قصاصا عن جدته گوهر شاه و ذلك في شهر رجب سنة 873 ه. و هذا هو ابن ميرزا محمد بن ميران شاه و كان من أجل ملوك الشرق … فخلفه ولده السلطان أحمد و دامت حكومته إلي سنة 899 ه.

و في هذه المعركة غنم حسن بيك أموالا لا تعد و لا تحصي، و حوائج ملوكية و أثقالا سلطانية، و أمر بحفظ الحريم، و حبس ولدي السلطان، و أطلق سائر الأسري الجغتائية و خيرهم بين المكث في خدمته و المسير إلي أوطانهم، و أحسن إلي والدة السلطان و جهزها إلي خراسان مع نعش ولدها.

و من ثم بث حسن بيك نوابه في البلاد و النواحي من أذربيجان و العراقين و جهز لكل واحد جمعا من الجيش … و في القرماني أن أبا سعيد قصد أن يسترد ما كان لجهان شاه من البلاد من حسن الطويل فقابله بحدود أذربيجان، فالتحم الحرب بينهما و قتل خلق كثير، و أسر الملك في يد زينل بن حسن الطويل، ثم قتله و أرسل برأسه إلي صاحب مصر فأمر به صاحب مصر فدفن إجلالا له … و أرسل مع الرسول كتابا سلك فيه طريق الملوك و أبرق فيه و أرعد و كان قبله يتلطف …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 238

312 3- وقائع أخري:

ثم إن الأمير حسن بيك بلغه أن حسن علي قد اجتمع إليه جمع، فسار من كردستان إلي همذان و حاصرها،

فأرسل ابنه أغرلو محمد في جيش ليدفع غائلته، فظفر به و قتله، و سار إلي أصفهان و تسلمها من أهلها بالأمان ثم اتصل الخبر بأن پير علي بن علي شكر بهارلو قد أقام أبا يوسف المكحول ملكا في بعض بلاد عراق العجم، فاجتمع إليه جمع من بقايا قرا قوينلو، فأرسل حسن بيك إلي ابنه أوغرلو محمد يأمره بالمسير لدفع غائلة أبي يوسف أيضا. و كان پير علي هذا مع السلطان أبي سعيد بعد وقعة جهان شاه، و لما تفرق جمع السلطان حمل پير علي هذا ميرزا أبا يوسف إلي أنحاء همذان، و التجأ إليه يار علي بن حسن علي، فغدر به پير علي و قتله، ثم بلغه أن شاه حسين صاحب لرستان قد استولي علي درگزين بعد وقعة السلطان و أغار علي ألوس بهارلو في مشتي سهرورد، و كان ألوس بهارلو هي ألوس پير علي هذا فسار مجدا مع من كان معه و أخذ الطريق علي شاه حسين المذكور حين قفل من غارة الألوس و أيدي أصحابه ممتلئة من الغنائم و السبايا، فحكم پير علي فيهم السيف، و قتل منهم مقتلة عظيمة، و لم يفلت منهم أحد، و قتل الشاه حسين في المعركة، ورد پير علي جميع المنهوبات إلي أصحابها.

و قال و كان الشاه حسين ملحدا، زنديقا، مشعشعي المذهب (كذا). و لما قتله پير علي عاد إلي همذان و لكنه تركها من خوفه و سار إلي صوب قم و جربادقان، و معه أبو يوسف المكحول فبقي يتردد في البلاد، و يتحصن بالجبال عندما يري هجوم المخالف، و يجمع الأموال و يظلم الناس عند انتهاز الفرصة.

ثم استولي علي فارس أياما، و أخذها من يد الأمير سيدي

علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 239

البغدادي و كان سيدي علي هذا مدبرا أمور پير بوداق ببغداد، و لما قتله والده جهان شاه عفا عن سيدي علي هذا فحظي عنده فولاه فارس، فبقي فيها سنتين و حدثته نفسه بالاستبداد بعد وقعة جهان شاه، ثم أظهر الانقياد للسلطان أبي سعيد بواسطة صاحب الكشف المولي شمس الدين محمد البهبهاني و لما وقعت وقعة السلطان أظهر سيدي علي دعوي الاستبداد و الاستقلال، و جمع جيشا، فقصده أبو يوسف.

و لما خرج إلي قتاله انحرف منه من كان معه من أمراء قرا قوينلو إلي جانب أبي يوسف فهرب سيدي علي، و التجأ بعد مدة إلي حسن بيك، فقتل بكثرة الشكاوي و بعد فرار سيدي علي استولي أبو يوسف علي فارس أياما، ثم أرسل حسن بيك ولده اغرلو محمد لدفع غائلته، فسار إلي فارس فهرب أبو يوسف منه إلي بلاد شبانكارة فتبعه أوغرلو محمد حتي ظفر به و قتله في منتصف ربيع الآخر من سنة 874 ه، و هرب مدبر أمره و أتابكه الأمير پير علي بن علي شكر مع إخوته و أولاده إلي أنحاء خراسان و التجأ إلي السلطان حسين ميرزا، فسار حسن بيك عقيب ولده أوغرلو إلي فارس فأقام في شيراز أياما حتي أتم أمرها، ثم سار إلي قم و شتي فيها، و استناب بفارس عمر بيك موصلو أياما ثم أقطعها لأكبر أولاده السلطان خليل اللّه، و أقطع أصفهان لولده الآخر أوغرلو محمد.

و كان حسن بيك لما أن توجه إلي جانب فارس لدفع غائلة أبي يوسف أرسل ولده زينل في جمع من الأمراء و الجيش إلي أنحاء كرمان لتسخيرها و أخذها من يد الأمير يار علي بن علي

شكر. لأن پير علي بن شكر حينما استولي علي فارس مع أبي يوسف و أخذها من يد الأمير سيدي علي البغدادي هرب سيدي علي المذكور إلي كرمان ملتجئا إلي ولده أخي فرج، فأرسل پير علي أخاه يار علي في جماعة من العسكر لتسخير كرمان، فسار يار علي و استولي عليها، و أخرج سيدي علي مع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 240

ولده منها، فالتجأ بواسطته إلي خدمة حسن بيك، فأكرمه أولا، ثم قتله بشكاية أهل أبرقوه منه، فبقي يار علي ولاية كرمان عدة أشهر، و لما وصل زينل إلي كرمان هرب يار علي إلي أنحاء خراسان، و استولي زينل علي كرمان بلا نزاع، فولاه والده الطويل عليها و كان والي كرمان في زمن جهان شاه ولده أبا القاسم، و كان سفيها ظالما سفاكا، فاسقا، ملحدا، قتله أخوه حسن علي بعد وقعة والدهما، ثم أرسل السلطان أبو سعيد إليها نائبا، و لما وقعت وقعته أرسل الأمير سيدي علي إليها ولده أخي فرج واليا عليها من قبله، فأخذها منه يار علي، ثم اكتسحها منه زينل.

313 4- بغداد- الاستيلاء عليها:

و لما أن وزع حسن بيك المملكة الإيرانية إلي أولاده، و سائر أمرائه عاد إلي أمر بغداد و كان قد ترك حصارها بالوجه المار، و حينئذ أقطعها مع لواحقها لولده ميرزا مقصود. و كان فيها من جانب جهان شاه پير محمد الپاوت واليا، فحاصره بها حسن بيك بعد واقعة جهان شاه نحو أربعين يوما كما سبق، ثم تركه علي حاله و سار إلي دفع حسن علي، فكان ما كان … و حينئذ أرسل ولده ميرزا مقصود في جماعة من الأمراء و الجيش إلي أنحاء بغداد و العراق. فبينما هو مشتغل بالغارة علي

أطراف بغداد و بلاد العراق إذ توفي پير محمد الپاوت والي بغداد، فأقام أهل بغداد الأمير حسين علي بن زينل البراني صهر پير محمد المذكور و كان قد تزوج بنت پير محمد، فمات هو أيضا بعد قليل. و كل هذه كانت من مسهلات الفتح. فأقام أهل بغداد مكانه أخاه شاه منصور فأساء السيرة، فأرسل أهل بغداد إلي الأمير مقصود يدعونه أن يتسلم البلد،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 241

فسار و تسلمها بلا نزاع، و قتل شاه منصور مع أتباعه و أرسل بشارة الفتح إلي والده حسن بيك و هو بمشتي قم، فأقطعها له.

و تفصيل الخبر كما جاء في ديار بكرية:

«كان حسن بيك قد حاصر بغداد- كما تقدم- و حاكمها پير محمد الپاوت فأوصل البغداديون الخبر إلي حسن بيك بأن حسن علي قد خلف والده في السلطنة بتبريز، و دخلت الممالك في حوزته، و الخزائن في تصرفه، فإذا ظهرتم عليه و ظفرتم به، فنحن لا نتخلف عن الطاعة، و لا ننحرف عن الإذعان …

و من ثم توجه السلطان إلي أنحاء أذربيجان … و أودع الموصل إلي خليل آغا التواجي، و عهد إلي شاه علي حاجي لو بإربل و هما من قرا قوينلو، ليكونوا ولاة هناك و يستولوا علي تلك الأنحاء، و من هؤلاء خليل آغا بالرغم من وجود پير محمد التواجي ببغداد قد تصرف بإربل، و بسط نفوذه إلي نواحي أخري منها قلعة فرعون، و كركوش و تون …

و تمكن من التسلط علي من ناوأه مثل أمير ذي النون و محمد سارلو في قلعة خفتان …

و في هذه الأثناء سار السلطان مقصود ميرزا إلي خليل آغا و اتصل به من أنحاء سهل علي الذي هو

مصيف، و باتفاق سائر الأعوان ضرب ولاية خفتان، و غنم أموالا كثيرة …

أما بغداد فإن واليها پير محمد قد توفي في هذه الأيام، و اختار الأهلون خلفا له و هو حسين علي بن زينل البراني، و نصبوه حاكما، و هذا صهر پير محمد، تزوج حسين علي بنته و كان في خلال حكمه قد أساء المعاملة مع الناس، جمع أقوات البلدة إلا أنه لم يطل أمد بقائه،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 242

فمات بعد قليل، فقام أخوه شاه منصور مقامه. و في مدة نحو ستة أشهر مات عدة من الحكام مما أدي إلي تيسير مهمة حسن بيك و نجاحه في الاستيلاء فسلم الأهلون للقضاء، و راعوا سبيل الطاعة لما رأوا من استبداد حاكمهم هذا، و تسلطه … و تولي بغداد الأمير مقصود و كان شابا.

و علي هذا وصلت البشائر إلي حسن بيك، و كان بعد أن فتح شيراز قد أقام في أنحاء قم و لا يزال بها حيث بلغه الخبر … ا ه.

و هذا جاء مكملا لما في الغياثي الذي هو من الوثائق المعاصرة.

و الملحوظ أن الديار بكرية أوسع من الغياثي في بسط وقائع الحكومة بصورة عامة، و الغياثي أوسع في تفصيل حوادث بغداد، و من المؤسف أن نري ديار بكرية تقف عند حوادث بغداد هذه، و تمضي إلي ما يتعلق بإيران مما لا نري ضرورة لنقله أو التعرض له … و النسخة فيها نقص، فلم ينته الكتاب إلي آخره، و إنما يحتوي علي 421 صفحة و كل صفحة 19 سطرا، و الظاهر أن النقص قليل، و لا يتجاوز بضع صحائف و من مقابلة الحوادث و مراجعتها، و مشاهدة اطراد مباحثها نقطع في أن (جامع

الدول) يعتمد (ديار بكرية) رأسا أو بالواسطة …

و من هذا الأثر نعلم درجة عناية حسن بيك بالعلماء، و بالمطالب الدينية و بالثقافة، فقد مالت إليه قلوب العلماء، و قصدوه من كل صوب، فاجتمعوا عنده، و عقد لهم مجالس كما أنه جاءته الوفود من كل مكان.

و أبدي له المجاورون الإخلاص و الطاعة … فكان لفتوحه هذه دوي، و ولدت رعبا و رغبة في الراحة …

و لنعد إلي وقائع بغداد، و توالي أزمنتها أيام هذه الحكومة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 243

314 بقية حوادث سنة 874 ه- 1447 م

315 والي بغداد الأمير مقصود:

في يوم الاثنين 14 جمادي الآخرة سنة 874 ه كان قد دخل بغداد مقصود بيك ابن الأمير حسن الطويل. و كان قد أخبر والده بما جري من فتح، فولاه منصب بغداد و جعل معه من الأمراء خليل آغا الملقب ب (كور خليل) و قور خمس بيك (قورقماز و معناه الجري ء).

هذا. و قد انقضت أخبار الحروب في بغداد، و ذهب البؤس بأمه.

316 طاعون عظيم:

أرادت هذه السنة أن لا تتم براحة، و إنما أصاب الأهلين في بغداد طاعون عظيم مات فيه خلق كثير حتي أنه مات في يوم واحد ألف و خمسمائة، ثم وصل الطاعون إلي تكريت و شهرزور و إربل و الموصل، و مات فيه عالم عظيم.

317 ابن تغري بردي: (المؤرخ)

«و في 5 ذي الحجة سنة 874 ه كانت وفاة الجمالي يوسف بن الأتابكي تغري بردي اليشبغاوي الرومي نائب الشام، و كان الجمالي يوسف … فاضلا، حنفي المذهب، و له اشتغال بالعلم، و كان مشغوفا بكتابة التاريخ، و ألف في ذلك عدة تواريخ منها تاريخه الكبير الموسوم بالنجوم الزاهرة، و المنهل الصافي، و مورد اللطافة فيمن ولي السلطنة و الخلافة. و له تاريخ آخر في وقائع أحوال علي حروف الهجاء في التوفيات، و له غير ذلك عدة مصنفات، و كان نادرة في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 244

أبناء جنسه. و مولده في سنة 813 ه» ا ه.

و في السخاوي ترجمة مفصلة له، و كان يسلم له بالبراعة في أحوال الترك، و مناصبهم و غالب شؤونهم منفردا بذلك، لا عهد له بمن عداهم … و ينقده نقدا مرا، و لكنه لا يقر علي أكثر ما قاله …

و قد رأيت من مؤلفاته الجلد الثالث من المخطوط المسمي ب (البحر الزاخر)، و هو كتاب جليل، و مجلد ضخم … و يعد من نفائس الكتب … و اعتمدت علي كتابه المنهل الصافي في التعريف بأمراء البارانية و البايندرية و هو من أجل الآثار المعاصرة و أوسعها في التعريف بالأشخاص، و قد مر وصفه … و لا يضره النقد الموجه إليه من صاحب الضوء، فهو متحامل فيما كتب، و لعله يري أنه كان دونه و

إننا لا نستطيع أن نستغني بواحد منهما. و التاريخ في هذه الأيام سلسلة مرتبطة لا يكتفي ببعض حلقاتها … و متصلة بالماضي اتصالا وثيقا، و لكل واحد فضل كبير علي تاريخ العراق، و لا يخلو امرؤ من نقد … و علي البعد كانت خدماتهم لتاريخه جليلة، و لها خير الأثر …

318 حوادث سنة 875 ه- 1470 م

319 تبدل في أمراء بغداد:

مكث الأمير مقصود بيك و أمراؤه المذكورون مدة سنة كاملة. ثم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 245

توفي خليل آغا الملقب ب (كور خليل) في ليلة الجمعة 6 جمادي الآخرة من هذه السنة فأرسل السلطان حسن الطويل مكانه خليل بيك (و كان أخا قور خمس) و هما أولاد محمد بيك ابن قرا عثمان و جعل خليل بيك هذا أتابكا للأمير مقصود بيك و يقال له (دانا خليل) فكان مدبرا لأموره …

إدارة بغداد أيام هؤلاء الأمراء غامضة لقلة التدوينات عن الحوادث المتعلقة بالعراق و تحول الاهتمام الكبير إلي مراكز الوقائع الجسام و ما خلفته من أثر و كل ما علمناه أن السلطان حسن بيك كان قد رأي أن أوغرلي محمد ابنه قد هرب من بغداد و مضي إلي الروم فغضب علي ولده مقصود بيك و علي أتابكه دانا خليل فهرب هذا و التجأ إلي المشعشع و جعل حسن بيك ولده مقصود بيك لدي ولده الآخر السلطان خليل صاحب فارس فبقي عنده … و لكن السلطان حسن كان قد استمال دانا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 246

خليل و في الغياثي أنه رضي عنه بشفاعة والدته فإنها خالته … و أقطعه بغداد و العراق قبل وفاته علي ما سيأتي.

320 حوادث سنة 876 ه- 1471 م

321 حروب و فتن:

قال ابن إياس كانت الفتن المهولات في هذه السنة ببلاد فارس و الشرق بين حسن الطويل و بين ملوك هراة و سمرقند و لكن لا نري في هذا ما يدعو إلي التهويل، و إنما القوم أصابتهم بهتة فتركوا السلاح و ذلوا شأن كل من يترك عزّه و يلجأ إلي حب الحياة المهانة …

و الأمر الأعظم ما كان بين العثمانيين و بين البايندرية و كانت هذه الحكومة مشغولة في

تدبير الممالك المفتوحة و تقرير أوضاعها و تعيين ولاتها … و بينا هي في هذه الحالة إذ استنجد پير أحمد القرماني بملكها حسن الطويل لما أصابه من العثمانيين من اكتساح مملكتهم … و كان السلطان العثماني آنئذ محمد الفاتح ابن السلطان مراد فالتجأ پير أحمد مستفزعا و وصل بنفسه إلي حدود أذربيجان فأرسل إليه الطويل بالعساكر نجدة له في أواخر شهور سنة 876 ه و كان مقدمهم أمير بيك فأخذوا توقات و سيواس و عدة مدن. و كان قد اجتمع عسكر السلطان محمد في أنقرة فأراد أمير بيك أن يرجع فلم يدعه ابن قرمان فتوجه أمير بيك بالعساكر نحو أنقرة و تواقعوا مع جيش السلطان فانكسر عسكر أمير بيك و هربوا.

فلما وصلوا إلي البيرة و طلبوا العبور من الفرات و رموا بأنفسهم إلي بلاد الشام حسب وصية حسن بيك من أن القوم أصحابهم قالوا لهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 247

نعبركم جميعا و لكنهم ابطأوا فلما طالبوهم احتجوا بقلة السفن فتعهدوا بتأدية مائة تنكجه عن كل واحد ليعبر. و بعد ذلك جاؤوا بسفينة واحدة و أدخلوا عشرة عشرة و عشرين عشرين … فحين كانوا يخرجون من السفينة يسلبونهم و يشدون وثاقهم حتي أتوا علي آخرهم ثم أرسلوهم إلي حلب و أعلموا بصورة الحال …

و حينئذ أرسل نائب حلب و اسمه قانصوه اليحياوي فأخذوهم إلي حلب و جاؤوا بهم إلي المغارات و ذبحوهم بها كالأغنام و لما سمع حسن بيك بهذا الخبر توجه إليهم و عبر الفرات يريد حلب فانكسرت بلاد الشام جميعها و توجهوا إلي مصر. و من لم يتوجه أرسل ماله و أهليه فوصل حسن بيك إلي قرب موضع يقال له (الباب) ثم

رجع. و لو سار لأخذ حلب فرجع إلي البيرة فنزل عليها و حاصرها من الجانبين فاستولي عليها و أخربها و صعد بعض أهلها القلعة و بعضهم مضوا إلي حلب.

ثم إنه مل المقام هناك و ترك خليل بيك عليها و رحل عنها و بعد مدة رحل خليل بيك أيضا.

و في بدائع الزهور أنه في سنة 877 ه تحارب الجيش المصري مع حسن الطويل، فانتصر عليه و أن حسنا أرسل يكاتب الافرنج ليعينوه علي قتال عسكر مصر. و هذا أول ابتداء عكسه لكونه أرسل يستعين بالافرنج علي قتال المسلمين …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 248

و عن هذه الوقعة قال القرماني:

«في سنة 876 ه وصل يوسفجه بيك بعسكر حسن الطويل إلي مدينة توقات فنهبها و خرب أسوارها ثم أتم مسيره إلي بلاد قرمان و كان بها السلطان مصطفي ابن السلطان محمد خان فاتح استانبول فكبسه و ظفر به فأسره و قتل غالب عسكره ثم بعث به إلي أبيه السلطان محمد خان» ا ه.

و من هذا نعلم أن أمير بيك هو (يوسفجة). و التفصيل في وقائع العثمانيين. و قد أفرد صاحب مشاهير إسلام ترجمة خاصة لحسن الطويل. و كل ما نقوله في حسن الطويل إنه لم تكن له رغبة في التوسع و لكنه رأي أن العثمانيين قد اعتدوا عليه و أراد أن لا يدعهم يتسلطون علي كافة أنحاء الأناضول. و هؤلاء كان همهم و مهمتهم مصروفين إلي أن يقضوا علي القرمانيين و غيرهم مما يشوش أمرهم و يمنع تقدمهم …

و لكل وجهة.

و هذه الحروب دامت إلي السنة التالية و جري ما جري …

322 حوادث سنة 877 ه- 1472 م

323 الحج- المحمل العراقي:

في ذي الحجة من هذه السنة وصل المحمل العراقي، و دخل المدينة الشريفة و

كان أمير الركب يدعي رستم و صحبته قاض يقال له أحمد بن دحية، فضيقوا علي قضاة المدينة و أمروهم أن يخطبوا في المدينة باسم الملك العادل حسن الطويل، خادم الحرمين الشريفين. فلما خرجوا من المدينة و قصدوا التوجه إلي مكة كاتب أهل المدينة أمير مكة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 249

بما وقع فخرج إليهم الشريف محمد بن بركات و لاقاهم. من بطن مرو قبل أن يدخلوا مكة، و قبض علي رستم أمير ركب المحمل العراقي، و قبض علي القاضي، و جماعة من أعيانهم، و أودعهم في الحديد ليبعث بهم إلي السلطان و اطلق بقية من كان في ركبهم من الحجاج.

و لما وصل الحجاج إلي مصر و صحبتهم ابن أمير مكة، و أحضروا رستم أمير الحاج العراقي و القاضي الذي بعث به حسن الطويل، و صحبتهما كسوة للكعبة … رسم السلطان بسجن رستم و القاضي في البرج الذي بالقلعة فسجنا. إلا أنه في ربيع الآخر أمر بإطلاقهما و خلع عليهما، و بعث بهما إلي بلاد حسن الطويل …

و هذه الأوضاع يوضحها ما سبق من الوقائع … و حسن بيك كان مسالما للمصريين.

324 الحروب مع الكرج:

سار السلطان حسن الطويل إلي الكرج عدة مرات فلم يتمكن من اكتساحها و القضاء عليها جميعها ذلك ما دعاه أن يهتم لأمرها و العزم علي ضبطها … و في هذه السنة (877 ه) سار بنفسه إلي تفليس فافتتحها … و من هناك توغل في المملكة فحاصر ملكها (بكزات) …

و هذا حاول إرضاء حسن بيك بتقديمه هدايا فلم ينجح و لم يقدر أن يصد حركة السلطان الأكيدة و قضائه المبرم … فحدثت معركة طاحنة لم يدخر فيها أمير الكرج ما في وسعه إلا أنه

خذل و فر هاربا و ترك ما في يده من بلاد إلي السلطان فكان لهذه المعركة وقع كبير في النفوس فقد بلغ الأسري ثلاثين ألفا كما أن خزائن بكزات، و أمواله صارت غنائم، استولي عليها حسن بيك …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 250

كسوة الصدر الأعظم عند العثمانيين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 251

كاد يكون الوحيد في حروبه و انتصاراته، لو لا أن نالته الضربة من السلطان محمد الفاتح … فلم تمض أيامه علي حالها حليفة النصر و الظفر …

325 حوادث سنة 878 ه- 1473 م

326 حروبه مع العثمانيين أيضا:

في منتخب التواريخ لم يفصل بين الواقعة السابقة و هذه فقال: «في أواخر سنة 876 ه قصد الروم و في حدود آذربيجان تحارب جيشه هناك مع مقدم جيوش الروم (العثمانيين) فانتصروا علي العثمانيين و قتلوا خاص مراد الرومي. و بعد ذلك يوم السبت 9 ربيع الآخر سنة 877 ه تقارع مع السلطان محمد ملك الروم فانكسر و قتل ابنه زينل بيك و كان والي قزوين فعاد هو إلي تبريز فلم يعقب عسكر الروم أثره و عاد السلطان محمد إلي بلاد الروم. و بعد قتل زينل بيك فوضت قزوين إلي أخيه يعقوب بيك …» ا ه. و مثله في لب التواريخ.

و أما القرماني فإنه عدها في السنة التالية قال:

«في سنة 878 ه نهض كل من الملكين السلطان محمد خان و حسن الطويل إلي قتال الآخر فالتقي العسكران بقرب مدينة بايبورد فوقع بينهما قتال شديد فكان النصر للسلطان محمد خان فانهزم حسن الطويل و قتل ولده زينل علي يد السلطان مصطفي …» ا ه.

و مهما يكن من تساهل المؤرخين في ضبط التاريخ فقد كان الباعث الوحيد لهذه و سابقتها أن القرمانيين لما رأوا من العثمانيين

تضييقا مرّا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 252

مالوا إلي حسن بيك و استمدوا به لدفع هذا الصائل الذي لم يطيقوا كفاحه … و طلبوا من السلطان حسن الحماية … و هذا اهتم للأمر و جهز فيلقا ساقه إلي الممالك العثمانية فتقدم إلي طوقات فأبادها و سار إلي قيصرية و كان ما مر. ثم إن السلطان حسن سار بنفسه و أقام عساكره في نقاط مهمة و تأهب للحرب …

أما السلطان محمد الفاتح فإنه حينما سمع بهذا الخبر جمع جيشا تبلغ عدته مائة و ثمانين ألفا و نهض لمقارعته … و كان في مقدمة جيشه (خاص مراد) و هذا قد قرب من عدوه فتأهب لمحاربته و لما نالته الصدمة الأولي من جيش حسن بيك وافي الفاتح بسرعة لقراع عدوه في صحراء (ترجان).

إن حسن بيك عهد لنفسه قيادة القلب و جعل القائد علي الميمنة ابنه زينل بيك و علي الميسرة بعض الأمراء ممن اعتقد فيهم الكفاءة …

و علي كل بادرت ميمنة العثمانيين و ميسرتهم بالهجوم فكانت النتيجة أن اختلت ميمنة الجيش و قتل قائدها زينل بيك فحاول السلطان حسن إعادة النظام إلي الجيش المغلوب بكل جهد فذهبت محاولاته عبثا و لم يفد التشجيع فانحلوا و لم يعد أمر إدارتهم ميسورا …

هذه الحرب كانت من الحروب العظيمة المعدودة بل هي من أكبر الحروب التي جابهها السلطان حسن و دارت فيها الدائرة عليه فقد قتل فيها ابنه و أسر من جيشه نحو أربعين ألفا … فكانت مصيبتها كبيرة و نكبتها و بيلة جدا … فلم يستطع الدخول في الحرب مع العثمانيين مرة أخري و حاذر أن يناله ما يؤدي إلي ضياع جميع ما بيده فاتخذ التدابير اللازمة للرجعة المنتظمة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 253

و الحق أن هذه الواقعة سببت توقيف نموه عند حده و كاد يطمع فيه أعداؤه فيستعيدوا مكانتهم … فكانت قاصمة الظهر فلم ينالوا نجاحا مهما بعد أن أذعنت لهم أمم كثيرة و أرهبوا مصر و كذا أرعبوا العثمانيين و خافوا أن يصيبهم ما أصابهم أيام تيمور لنك فاتخذ السلطان العثماني وسائل لتقوية نشاط الجيش فأكرمه و وعده بإنعامات أخري … و نذر أن يعتق عبيده و إماءه …

و علي كل حال كان هذا الانتصار العثماني فاتحة عهد جديد و نمو عظيم … و إن كانوا لم يعقبوا الأثر و لم يقضوا علي عدوهم و لكن الانتصار كان كبيرا جدا …

327 حروبه مع الكرج:

إن انتصار الترك العثمانيين في الواقعة السالفة مما اطمع أعداء الطويل و هم الكرج من استعادة مكانتهم فعصوا عليه إلا أنه كان قد احتفظ بمقدار كبير من جيشه و رجع رجعته المنتظمة … فلما رأي هؤلاء قد قاموا في وجهه ساق عليهم جيوشه و نكل بالثائرين منهم و الناهضين عليه فقتل فيهم تقتيلا مرا و أعاد النظام إلي نصابه كما كان ثم رجع إلي عاصمته … كذا في مشاهير إسلام.

و قال في منتخب التواريخ: «إن السلطان حسن ذهب إلي بلاد الكرج في أوائل سنة 881 ه و أخذ معه السادات و المشائخ و أرباب الأقلام فافتتح بلادا كثيرة من كرجستان و غنم غنائم وافرة فأنعم علي المذكورين من هذه الغنائم بإنعامات كبيرة … جرت هذه الواقعة بعد حروبه مع العثمانيين. و كذا في لب التواريخ. و أيد تاريخ الوقعة ما جاء في (تاريخ عالم آراي أميني) من أنه غزا الكرج في هذه السنة و هي سنة

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 3، ص: 254

881 ه. و هو الصحيح فإن هذا التاريخ من الوثائق المعاصرة لنفس هذه الحكومة.

328 أعماله بعد عودته:

إن السلطان حسن بيك لم يضع تدبيرا فإنه مضي في سبيل إدارة المملكة و ضبط أمورها و بني القلاع الواجب بناؤها. و أنشأ استحكامات مهمة و زاد في قوة الجيش إلي غير ذلك مما تقضي به الحيطة و توقع الحوادث و تدارك نقاط الضعف … و كان في أمل أخذ الثأر و الانتقام من العثمانيين بالهجوم عليهم مرة أخري … فحال دون ذلك مرضه ثم وفاته … فلم يطل أمد حياته …

329 حوادث سنة 879 ه- 1474 م و ما يليها إلي غاية سنة 881- 1476 م

330 مرض حسن بيك:

أصاب السلطان مرض. و كان عصي عليه ولده أوغرلو محمد في واقعة الروم، فلما سمع بمرض والده توجه من الروم إلي بلاد أبيه، و جاء إلي أنحاء بغداد طمعا فيها، و ترقبا لما يحتمل وقوعه، فلم يوافقه خليل بيك، فمضي إلي حدود عراق العجم. و في هذه المدة شفي والده حسن بيك مما أصابه، فأرسل إلي ولده بياندر و أمره بقتله، فقتله في سنة 880 ه.

331 جراد و غلاء:

في هذه السنة هجم الجراد النجدي علي الموصل، و أكل الزرع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 255

و حصل الغلاء ثم رحل الجراد إلي شهرزور، و عاث في غلاتها فحدثت منه أضرار أيضا.

332 ولاية بغداد- وقائع أخري:

ثم إن دانا خليل بيك خاف من حسن بيك من جهة ما اغتابوه في أنه كان السبب لمجي ء أوغورلو محمد إلي بغداد و لذلك أرسل السلطان شاه علي بيك حاكما مكانه و أعطاه الحلة فدخل شاه علي بغداد يوم الجمعة 6 رمضان بعد الصلاة سنة 879 ه و مضي خليل بيك إلي الحلة.

و كان ذلك قبل قتلة أغورلو محمد …

و في غرة جمادي الأولي سنة 880 ه أرسل حسن بيك جماعة لإلقاء القبض علي خليل بيك فانهزم من الحلة إلي المولي محسن المشعشع و تفرقت عساكره عنه و تبعه القليل.

و في 7 جمادي الأولي سنة 880 ه أقام القائم (كذا) متطلعا الأخبار. و في 2 جمادي الثانية أرسل المشعشع إليه سفنا و حملوه إليه و سيروا دوابه من طريق البر.

و أرسل حسن بيك إلي الحلة حمزة حاكما عوضا عن خليل بيك.

و مكث خليل عند المشعشع سنة و ثمانية أشهر حتي رضي عنه حسن بيك بشفاعة والدته فإنها خالته كما تقدم. فأرسل في طلبه فتوجه إليه من عند المشعشع بتاريخ ذي الحجة سنة 881 ه. و قتل السلطان وزيره شاه علاء الدين لسوء ظن حدث.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 256

333 حوادث سنة 882 ه- 1477 م

334 ولاية بغداد- تبدلات:

إن شاه علي كان قد مكث في بغداد ثلاث سنوات إلا شهرين فعزل و نصب إبراهيم الوزير في أوائل رجب سنة 882 ه. ثم أرسل عوضه الأمير شيخ حسن حاكما ببغداد فدخلها يوم الاثنين 17 شعبان سنة 882 ه.

335 وفاة حسن الطويل
336 وفاة السلطان حسن:

في 27 رمضان سنة 882 ه توفي السلطان حسن الطويل كذا في الغياثي، و جاء في منتخب التواريخ أنه توفي ليلة عيد الفطر من هذه السنة، و في الشذرات و الضوء اللامع أنه توفي في جمادي الآخرة أو رجب، و دفن في المدرسة النصرية التي انشأها في يستانه بجوار تبريز، فكانت مدة حكمه علي ما جاء في منتخب التواريخ 11 سنة، و في الغياثي أنه حكم بعد جهان شاه عشر سنوات.. و العملية حسابية صرفة خصوصا بعد تعين زمن سلطنته …

337 ملحوظة:

رأيت في متحفة الأوقاف الإسلامية باستانبول فرمانا يعود لزاوية ماردين و هي زاوية الشيخ كمال الدين أصدره هذا السلطان، و إمضاؤه الواثق باللّه الرحمن حسن بن علي بن عثمان، كتب باللغة الفارسية، مؤرخا في 7 المحرم سنة 872 ه و خطه قريب من الديواني، و لم أتمكن من قراءته لقدمه و تشوش خطه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 257

338 ترجمة السلطان حسن الطويل:

كاد يبلغ هذا السلطان ما بلغه أكابر الفاتحين في اكتساح الممالك.

و له مزايا يفوق بها غيره و هي رأفته بالأهلين، و عفوه عند المقدرة و اعتداله فيما يحرص الآخرون في الانتقام من أجله. و أعماله المعقولة مراعاة الحكمة من جهة و السطوة من أخري …

نعته مؤرخون كثيرون بخير الأوصاف و نسبوا إليه أحسن الأفعال قال في حبيب السير هو أبو النصر حسن بيك توفي سنة 882 ه و كان من وزرائه شمس الدين محمد بن سيدي أحمد و برهان الدين عبد الحميد الكرماني و مجد الدين إسماعيل الشيرازي. فقاموا بتقرير العدل- كما رغب السلطان- خير قيام. و كان في أيامه من أهل التأليف المولي أبو بكر الطهراني كتب تاريخا في وقائع أيامه و في أحواله إلا أنه لم يعثر عليه.

و في منتخب التواريخ:

كان ملكا عالما و قاهرا صاحب شوكة. محبا لرعاياه و عدله و رأفته قد بلغا النهاية. و أما هيبته و سياسته فإنهما ما لا كلام فيهما و لا يزال (قانونه) مرعيا لحد الآن في استيفاء المال و الحقوق و كان يتوصل في مهماته و أحكامه إلي نهج العدل و الحق. و إن الشرع قد نال في أيامه رواجا عظيما. و اكتسب عظماء الإسلام المكانة اللائقة و التوقير التام.

و كان يجالس العلماء و الفضلاء

و يتباحثون بمحضره في التفسير و الحديث و الفقه. و لم يقصر في توفير السادة و المشائخ و ما يترتب من تكريمهم و يعطي الجوائز و المنح. و قد عمل المساجد و المدارس و الرباطات …

و في أوائل دولته انتصر في حادثين مهمين علي ملكين شهيرين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 258

أحدهما جهان شاه … و الآخر السلطان أبو سعيد … و كان لحسن بيك سبعة أولاد منهم أوغورلو محمد توفي في أوائل سنة 882 ه و السلطان خليل. و يعقوب. و مسيح. و يوسف. و مقصود بيك. و هذا قتل بفرمان من السلطان خليل آخر وفاة أبيه. و زينل كان قد قتل في حرب الروم ا ه.

و جاء في نظم العقيان في أعيان الأعيان للسيوطي أن حسن بيك … يعرف بالطويل، سلطان العراقين و آذربيجان و ديار بكر و ما والي ذلك. و قال: أنشدني شاعر العصر شهاب الدين المنصوري لما وجه السلطان الملك الأشرف.. عساكره إليه لقتاله حين خرج و بغي:

هذا الذي ظن الخروج فضيلة هل تعرفونه باسمه و صفاته

قالوا اسمه حسن فقلت هلاكه قالوا الطويل فقلت ليل شتاته

مما يشير إلي أيام الخلاف بين مصر و بين السلطان حسن المذكور و قد طويت غالب أخباره عنا و غابت صفحات كثيرة منها و يهمنا أن نبين أن السلطان حسن قد راعي المجاورين كثيرا خصوصا المصريين فإنه في سنة 873 ه أرسل قاصدا إلي مصر يحمل هدية للسلطان و مكاتبة تتضمن تملكه العراقين و معه مفاتيح لعدة حصون و قلاع مبينا أن كل ما ملكه من البلاد هو زيادة في ممالك السلطان و أنه النائب عنه فيها. و هكذا فعل مع العثمانيين. و في

سنة 879 ه أرسل قاصده إلي سلطان مصر و معه مكاتبة تتضمن الاعتذار عما كان و أن ذلك لم يكن باختياره فأظهر السلطان العفو …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 259

و من هذه يظهر أنه مسالم بالرغم مما رأي من النواب التابعين لمصر و أنه يرغب في تقرير الإدارة و تثبيتها … و لكن المصريين حملوا فعله علي التملق.. و هكذا كانت آمال العثمانيين طامحة كثيرا فلا ترضي بالتوقف …

339 و في مشاهير الإسلام:

«أنه كان شديد الحرص علي بث العلوم و الفنون فدعا إليه علماء العراق و إيران و أدباءهما فجعل تبريز مركزا للكمالات و الآداب المختلفة و المنوعة … و فتح المدارس العديدة لتحصيل العلوم و ضروب المعرفة و جعل الوظائف للمدرسين و قرر لهم المرتبات.. (إلي أن قال) و كان عاقلا، عادلا، شجاعا، تقيا، محبا للعلماء، صاحب خيرات و كثير الحسنات. و قد بلغ من العمر 54 سنة فتوفي عام 882 ه …) ا ه.

340 و جاء في تاريخ الغياثي:

«كان عادلا، خيرا أراد أن يبطل التمغات من أصلها في جميع بلاده فلم يوافقه امراؤه فجعلها درهما من كل عشرين درهما علي النصف و أقل مما يأخذه السلاطين قبله. و أبطل بيت اللطف (كذا) و توابعه من الخمر و الميسر في جميع بلاده، و أطلق خارج (كذا) المال الذي كانوا يأخذونه من جميع بلاده (الضرائب) و كتب (قانوننامه) في الشكاوي و التخاصم مما يقع بين الناس و يستدعي عقوبة فاعله بالتعزير و التجريم و غير ذلك و أرسلها إلي جميع بلاده ليعملوا بموجبها … و لم يغادر من أمور العدل شيئا يقدر علي فعله.. و كان يحب العلماء و الأدباء و يعامل أهل البلاد المفتوحة بأنواع الرأفة و العدل» ا ه ص 368.

و في الضوء اللامع أنه انتزع مملكة بني أيوب بقتله زين العابدين الملقب بالصالح و أخويه بني علي بن محمود بن العادل سليمان و ذلك في سنة 866 ه. و مات في جمادي الآخرة أو رجب سنة 882 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 260

و في تاريخ تركية لأحمد حامد و مصطفي محسن: «إن آخر ملوك طرابزون داود قومنن كان قد صاهر حسن الطويل فكان يحاول أن يحميه

و لكن تشبثاته ذهبت سدي. و نقل في الهامش عن هامر الألماني أن الأميرة زوجة حسن الطويل هي كانرينة بنت جان أخي داود و المتولي قبله …» ا ه.

341 و قال في بدائع الزهور:

«كان ملكا جليلا عاقلا سيوسا كثير الحيل و الخداع اقتلع ملك العراق.. و قتل عمه الشيخ حسن، و انقرضت دولة بني أيوب علي يده، ثم قوي علي جهان شاه و حاربه حتي قتله و شتت أولاده، و ملك تبريز و العراقين، و بلغ مبلغا لم يصل إليه أحد من أجداده و لا من أقاربه و قد تحرش بابن عثمان ملك الروم.. فما قدر عليه ثم تحرش بسلطان مصر، و جري له مع الأشرف قايتباي أمور يطول شرحها. و كان الأشرف يخشي سطوته، فلما مات عد ذلك من جملة سعده». ج 3 ص 144.

و الحاصل كان حسن بيك من أكابر ملوك الشرق الأدني و أعاظم الفاتحين و بوفاته بلغت فتوحه مبلغا عظيما من السعة يحير العقول و يبهر الفحول.. و يدل علي مقدرة و همة كبيرة و إقدام و روية.. أذعن له من الأقطار ما يصلح كل منها للقيام بحكومة مستقلة، و لو طال به الأمد لتجاوز حد المعقول و فاق أكابر الفاتحين أمثال تيمور في سعة الممالك.. هذا في حين أنه لا يقاس بغيره من أصحاب العسف و الجور فهو لم يعدل عن طريق الإنصاف، و لم يتجاوز المألوف مع أكبر أعدائه و خصومه لمجرد حقن الدماء، وافق أن يترك للسلطان أبي سعيد بلادا كثيرة فعاند في قبول الصلح و لما قتل أسف عليه حتي أنه اشترك مع أمه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 261

في البكاء حينما رآها تبكي مما يعين رقة شعوره.. فهو ممن

يرجح العفو علي الانتقام.. و كان قد عصي عليه إخوته و قارعوه كثيرا فصفح عن زلاتهم و عاملهم بالعفو ما وجد سبيلا، و كانت آماله أكبر إلا أن الضربة التي أصابته من العثمانيين كسرت غروره، و عرفته نقص تدابيره، و أن لا يجازف هذه المجازفة، أو يخاطر بأمثالها.

342 السلطان خليل
343 سلطنته:

ولي السلطنة بعد والده و هو الابن الأكبر المحبوب لأبيه. كان واليا بفارس و ولي عهد فجلس علي تخت آذربيجان و ملك جميع ما ملكه أبوه من البلاد و أثر جلوسه علي سرير السلطنة فوض إيالة ديار بكر لأخيه يعقوب بيك، و جعل بغداد لابن عمه مراد بن جهانكير.. إلا أنه لم يهنأ بالملك و لم يتم له الأمر سوي ثمانية أشهر و من حين ولي أخذ العنف و الشدة ديدنا له و قتل كثيرا من الأمراء و قتل أخاه مقصود بيك و خلقا كثيرا من أقاربه و مع ذلك اشتغل باللهو و الملاهي، و كانت الفتن نائمة في أطراف البلاد فأيقظها، و لم يمكن أحدا أن يعرض عليه شيئا من ذلك لسوء خلقه و شدة جبروته فاتفقوا علي خلعه و تولية أخيه الصغير يعقوب بيك …

و في تاريخ عالم آراي أميني أن السلطان خليل هذا ولي الملك بعد أبيه، و استولي علي آذربيجان و العراقين و فارس و كل ما كان بيد والده، و جعل ولي عهده الأمير ألوند، و اتخذ من الأمراء حسين بيك قوجه حاجي و كان صاحب تدابير صائبة و قائدا محنكا، و عاقلا عادلا لا نظير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 262

له … و جعل كاتب الديوان التواجي، أبقاه كما كان، و سير ابنه الأمير ألوند إلي فارس، و صحبه غضنفر

بيك و جماعة من آق قوينلو، و من الأمراء الذين سيرههم معه عباس بيك البايندري ابن يوسف بيك، و بهرام بيك، و پيري بيك، و حمزة حاجي لو، و الأمير حاجي بيك من أمراء قرا قوينلو، و مهاد بيك الپادت و أمراء آخرون، و أودع بلادا أخري في قبضة بكر بيك موصلو فوصل الأمير ألوند ابنه إلي شيراز دار إمارته سنة 883 ه.

344 حوادث سنة 883 ه- 1478 م

345 الحالة العامة:

لم تتبين الحالة بوضوح خلال السنة الماضية و ذلك أن وفاة السلطان كانت في أول عيد الفطر فلم يبق من السنة إلا القليل. و قامت الفتن في الحقيقة في هذه السنة … و ارتبكت الأوضاع السياسية، و ظهرت الحوادث الحربية بجلاء.. و من ثم اضطربت أمور الدولة، و تفرقت الرجال إلي أحزاب متعادية …

346 حكام بغداد: (التشكيلات الإدارية)

كان الأمير شيخ حسن قد ولي الحكم ببغداد و دخلها يوم الاثنين 17 شعبان سنة 882 ه و هذا مكث فيها 146 يوما فعزل و خرج منها في هذه السنة يوم الجمعة 8 المحرم سنة 883 ه و ولي منصب بغداد عوضه كلابي فدخلها يوم الثلاثاء 23 ربيع الأول سنة 883 ه. و في هذه الأيام كانت الحالة غامضة و التشكيلات الإدارية في وضع لا يمكن الإطلاع عليه إلا من الحوادث المارة فإن مقصود بيك كان أمير العراق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 263

و الحاكم المباشر للإدارة فعزله أبوه من بغداد … و لما آلت السلطنة إلي خليل بيك قتل مقصود بيك و أودعت إمارة العراق إلي مراد بيك بن جهانكير.. و لم نعلم عن الوضع غير ما ذكر من تبدلات. فالولاة كانوا بالوجه المبين و أما الأمراء فإنهم حكام عامون لا يتدخلون في الإدارة المباشرة.

347 المشعشع:

كان المولي محسن المشعشع قد سمع بوفاة السلطان حسن و حينئذ توجه إلي بغداد و في أول الأمر جاء نائب الرماحية إلي الجحيش و آل جوذر في طلب جماعة من الذين هربوا منه فنهبهم و قتلهم و سلب تلك الأنحاء حتي وصل إلي قناقيا من قري الحلة و رجع أما حكومة بغداد فإنها مشغولة بنفسها و لا علم لها بما يجري أو لا تريد الالتفات إليه.

348 مراد بيك- السلطان خليل:

إن مراد بيك بن جهانكير لم يرض بإمارة العراق فعصي علي السلطان. و في صفر هذه السنة نهض لمقارعة السلطان خليل و قتاله فجاء السلطانية فقاتل مع منصور بيك پرناك و كان هذا من أمراء السلطان خليل فتغلب مراد بيك عليه أما السلطان خليل فإنه تأهب لقتاله بنفسه فخرج من تبريز لمقابلته ففر مراد بيك من وجهه و ذهب إلي قلعة فيروز كوه و كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 264

حاكم هذه القلعة حسين كيا الچلاوي فأخذ مراد بيك و من معه من الأمراء إلي القلعة. و في يوم الاثنين 14 ربيع الأول من هذه السنة قتلوا و أرسلت رؤوسهم إلي السلطان خليل في خرقان و في عالم آراي أميني أن مراد بيك جمع أخلاطا من الناس من أكراد و غيرهم و أحشام و أتراك فتوجه إلي تبريز فلما سمع السلطان خيل بادر للقضاء عليه ففر، ثم ألقي القبض عليه، فهرب أيضا، ثم قتل.. و فصل هذا الحادث.

349 يعقوب- قتلة السلطان:

جاءت الأخبار أن يعقوب بك ثار علي أخيه السلطان خليل في ديار بكر و سار إلي آذربيجان. أما السلطان فقد تأهب لقتاله و هو في خرقان و توجه نحو آذربيجان. و في يوم الأربعاء 14 ربيع الآخر من هذه السنة وقعت المعركة عند نهر خوي و بعد جهد انتصر يعقوب و كاد ينكسر، و قتل السلطان خليل، و قطع جسده علي فرسه فكانت سلطنته ستة أشهر و نصف.

350 ترجمة السلطان خليل:

مضي ما يبصر بوضعه و هو لم يتمكن من ضبط الأمور و الظاهر قام الأمراء في وجهه لتطلبهم السيادة لا لأمور أشيعت عنه ففي هذه المدة لا يتبين سوء الإدارة و لعل الذي ولد النقمة عليه قتله أخاه مقصود بيك فقد جاء في منتخب التواريخ أنه قتل بفرمان من أخيه السلطان خليل بعد وفاة أبيه و كان حاكما ببغداد إلي حين وفاة والده. كذا. و لعله يقصد أنه كان و لا يزال أميرا و إن غضب عليه والده و الحكام الولاة غير الأمراء بمقتضي التشكيلات الإدارية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 265

و من مراجعة نصوص كثيرة علمنا أنه حدث نزاع بين الأخوين السلطان خليل و يعقوب و استحكم العداء بينهما فأدي إلي حرب طاحنة و اشتبك القتال بين الفريقين في حدود (خوي) و (مرن) فأسفرت النتيجة عن انتصار يعقوب فقتل أخوه السلطان خليل بضربة من أحد أفراد الجيش.

و أصل النزاع أن السلطان خليل لم يسلك سلوكا مرضيا فنفرت منه القلوب إلا أن ذلك لم يؤيد بوقائع مادية تحققه. فعصي مراد بيك في العراق و تحارب معه و حينئذ و بناء علي تلك النفرة استدعي يعقوب بيك لأمر السلطنة فعزم علي الذهاب إلي تبريز و جاء إلي

حدود سلماس فقابله السلطان خليل فبدت الهزيمة في عساكر ديار بكر و في ذلك الحين سقط السلطان من ظهر جواده في المعركة فوافاه جندي من جنود يعقوب بيك فقتله و قطع رأسه.

و علي كل حال لم تعرف مجاري الحزبية بصورة واضحة لتبين الحالة بجلاء و إنما عرفت بعد ذلك و تعينت أوضاع الأمراء و سائر أحوالهم …

351 سلطنة يعقوب بيك
352 سلطنته:

هو أبو المظفر السلطان يعقوب جلس بعد قتلة أخيه علي سرير الملك في جمادي الأولي لسنة 883 ه في دار السلطنة تبريز و أنعم بما كان قد أجري عليه أبوه من الإنعامات و قرر المناصب التي فوض بها إلي رجاله … و أودع مهام الأمور الشرعية و المشيخة إلي القاضي مسيح الدين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 266

واقعة چالديران

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 267

عيسي الساوي ابن الخواجة شكر اللّه الوزير، و استوزر الشيخ نجم الدين مسعود و هو ابن شقيقة القاضي مسيح الدين عيسي فلم ينحرف هذا قيد شعرة عما يحكم به القاضي. و في زمنه ظهر الأمن و الأمان و انتشر العدل.

353 المشعشع- هجومه علي أنحاء بغداد:

في يوم الأربعاء 19 جمادي الثانية سنة 883 ه عاود المولي محسن الكرة و جاء إلي نواحي بغداد حتي دخل ديالي و مضي إلي الخالص فنهب و قتل و أسر. ثم ارتحل يوم الأربعاء 26 جمادي الثانية و كان مكثه ثمانية أيام.

و في يوم الجمعة 28 جمادي الثانية قتل الحاج ناصر القباني و أولاده و حصبوا غلامه شعبان بسبب أنه اتهم بقضية المشعشع قتلهم كلابي المذكور في هذا اليوم.

354 عزل كلابي حاكم بغداد:

في يوم الاثنين 15 ذي الحجة لسنة 883 ه عزل كلابي حاكم بغداد و خرج من بغداد و لعل لعزله علاقة بوقائع المشعشع المذكور.

355 تاريخ الغياثي:

إلي هنا وقف تاريخ الغياثي و وقفت به حوادث العراق و هي ناقصة، ضاعت أوراق من هذه النسخة لا يعرف مقدارها. و من مراجعة كلامه عن الحوادث الأخري مما لا يخص العراق نجد أن حوادثه تقف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 268

أيام السلطان حسين بايقرا المتوفي عام 910 ه فمن المقطوع به أنه كان عائشا في أيامه و قد انتهي من تأليف تاريخه و لم نستطع معرفة ما انتهي إليه. مما يتعلق بالعراق و للأسف لم نطلع علي نسخة كاملة، و النسخة الموجودة ناقصة و أوراقها مبعثرة.. و الموجود فائدته كبيرة و فيه جلاء للحوادث مما لم نعثر عليه في كتاب آخر.. إلا أنه يحتاج إلي تمحيص و مقارنة مع التواريخ الأخري لنعرف درجة صحة مباحثه. و المؤلف من المعاصرين لهذا العهد و كان يذكر السلطان يعقوب بهادر خان و يدعو له بخلود الملك، و يعد قدومه مباركا علي العالم في الأمن و انتشار العدل و الإحسان، و كان يترقب حوادث بغداد و يدون عنها. فهو من أجل الآثار المعاصرة للعلاقة و لم أعثر علي ترجمة له إلا في المخطوطة المسماة بالأنوار، و لم يذكر فيها تاريخ وفاته و لا زاد عما عرفناه من كتابه.

و مراجع تاريخه نظام التواريخ للبيضاوي، و ظفر نامه لشرف الدين اليزدي و كتب ابن حجر، فقد نقل منها بعض المباحث حرفيا. و أهميته في الحوادث الخاصة بهذه الأيام و ما قبلها.

و جاء في (تذكرة الشعراء) أن المولي غياث توني الأصل، يميل إلي التصوف، و يقضي

غالب أوقاته في الكتاب يعلّم فيه، و له ابن هو قطبي، و له من الفضائل ما يفوق به والده توفيا في شهور سنة 935 ه و هل غياثي هذا هو صاحب التاريخ؟ لم نستطع أن نعين العلاقة، كان يلهج بذكر السلطان يعقوب بيك فلعل الوضع ساقه إلي هناك!!؟

356 حوادث سنة 885 ه- 1480 م

357 حوادث و ثورات:

كان السلطان يعقوب من حين ولي الأمر قد أحسن السيرة، و أظهر العدل و لطف في المعاملة مع أمراء والده، و قررهم علي أقطاعهم التي كانت لهم في زمن والده، فخرج عليه في أوائل دولته ابن أخيه ألوند

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 269

بيك ابن السلطان خليل في شيراز، و الأمير كوسه حاجي من أعيان البايندرية في أصفهان، فسير يعقوب بيك جماعة من الجيش مع أعظم أمرائه بايندر بيك إلي دفع غائلة كوسه حاجي في العراق، فسار بايندر بيك و ظفر بكوسه حاجي و اعتقله، ثم سار إلي ألوند بيك و أدخله تحت الطاعة بحسن التدبير.

358 قتلة الأمير يشبك:

كان في سنة 885 قد وقعت فتنة كبيرة بحماة قتل فيها نائبها ازدمر بن أزبك قريب السلطان (سلطان مصر)، فقد عصي الأمير سيف (أمير آل فضل) و خرج عن الطاعة، فحاربه النائب المذكور، فقتل في المعركة، و قتل معه جماعة أمراء حماة، فانزعج سلطان مصر لهذا الخبر، و في ربيع الآخر لهذه السنة خرج الأمير يشبك من مصر عليه، ففرح الناس بخروجه، و تفاءلوا بأنه لا يعود إلي مصر أبدا، و كذا جري.

و صاروا يقولون خرج لسيف، فكان هذا شؤما عليه.

و من ثم وقعت كائنة أخري قتل فيها الأمير يشبك الدوادار و انكسر العسكر قاطبة، و قتل الأكثر منهم، و سبب ذلك أن الأمير يشبك لما دخل إلي حلب كان صحبته نائب الشام و نواب آخرون، فلما استقر بحلب بلغه أن سيفا أمير آل فضل الذي خرج بسببه قد فر و توجه نحو الرها. فقوي عزم الأمير يشبك أن يعبر الفرات، و يتبعه في أي مكان كان. و توجه نحو الرها. فحاصر المدينة أشد المحاصرة، فلما أشرف علي

أخذها أرسل بايندر و كان أميرها، و هو أحد نواب يعقوب بيك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 270

يتلطف بالأمير يشبك. فأبي هذا لما رأي من كثرة عساكره، فطمعت آماله في أخذها، و أن يزحف علي ملك العراق كما حسنوا له ذلك، فزعق النفير و ركب العسكر قاطبة، فبرز إليهم بايندر بمن معه من العساكر قاطبة … فأسر الأمير يشبك و هو راكب علي ظهر فرسه، فأتوا به إلي بايندر، و أسر معه نائب الشام قانصوه اليحياوي و نائب حلب ازدمر، و نائب حماة جانم الجداوي، و قتل ما لا يحصي من الأمراء و العساكر … ثم قتل الأمير يشبك في العشر الأخير من رمضان سنة 885 ه.

و إن يعقوب بيك شق عليه ما فعله بايندر من سرعة قتله للأمير يشبك، و لامه و أطلق من كان عنده من الأسري … فلما سمع سلطان مصر بهذا الخبر سر به جدا، ثم جاء القاصد يعتذر عما وقع، فعفا السلطان.

و في جامع الدول أقطع السلطان يعقوب بايندر بك إيالة أصفهان في مقابلة هذا الفتح …

359 حوادث سنة 886 ه- 1481 م

360 قتلة بايندر بيك:

كان الأمير بايندر بيك أتابك السلطان يعقوب و أمير أمرائه، و قد قام بالأعمال المذكورة مما أوجب سرور السلطان يعقوب، فأقطعه إيالة أصفهان في مقابلة هذا الفتح، و لعل السلطان أراد بذلك أن يكسر الفتنة بينه و بين مصر فنقله إلي الإيالة المذكورة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 271

أما بايندر فإنه لم يرق له هذا الإنعام، و كان يأمل أكبر من ذلك، فلما علم بالخبر عصي علي السلطان يعقوب، و في حدود ساوة جري الحرب معه، و هناك قتل في أواخر هذه السنة. سار إليه السلطان بنفسه لدفع غائلته فهرب

منه إلي قم، فتبعه الأمير صوفي خليل، و ظفر به بظاهر قم و قتله …

و بهذه الواقعة زالت عنه الغوائل تقريبا لمدة ليست بالقليلة خصوصا أن السلطان محمد الفاتح العثماني قد توفي في هذه السنة أيضا، و لكن الحوادث قد يطرقن من حيث لا يتوقع ظهورها فمضت مدة دون أن يكدر الصفو. و مضي الأمر مع العثمانيين بسلام و كانوا يتهادون رسائل المودة و الوفاق.

361 حوادث سنة 887 ه- 1482 م

362 قتلة سيف أمير آل فضل:

هو الأمير سيف بن علي من أمراء طيي ء. قال ابن إياس في جمادي الأولي جاءت الأخبار بقتل سيف الذي خرج الأمير يشبك بسببه، قتله ابن عمه عساف في بعض بلاد العراق.

و كان سيف هذا حاربه نائب حماة أزدمر، فقتل هذا النائب في المعركة و جماعة من الأمراء، فجهز عليه سلطان مصر الأمير يشبك و هذا بدوره مال إلي الرها و حاصرها، فخرج عليه الأمير بايندر، فقتل. و قد مر ذلك.

أما الأمير سيف فكان قد خرج علي عساف ابن عمه المتولي الإمرة، و التف عليه جماهير العرب إلي أن جهز له فداوي، فدخل عليه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 272

و طعنه بسكين فقتله. و آل الأمر إلي أن قتله ابن عمه عامر بن عجل أخذا بثأر سليمان بن عساف ابن عم سيف لكونه كان قتله أيضا. و ذلك سنة 887 ه في آخر صفر أو أول الذي يليه …

363 الكرج:

إن السلطان يعقوب إثر قتلة بايندر بك شتي بقم. و في هذه السنة سار لتسخير الكرج، ففتح قلعة اخسخة (حصن خاتون) و إنما سمي البلد بهذا الاسم لأن خواتين كبار الكرج كن يودعن حليهن فيه عند هجوم المخالفين علي تلك البلاد لكمال حصانته و مناعته. و لما فتح الحصون و غنم الأموال و سبي الذراري، و قتل القاتلين عاد إلي دار ملكه تبريز منصورا مظفرا.

364 حوادث سنة 888 ه- 1483 م

365 عمارة هشت بهشت:

في هذه السنة أمر السلطان يعقوب ببناء العمارة المشهورة التي سماها (هشت بهشت) و معناها (الروضات الثمان)، و كان دأبه أن يصيف بمصيف سهند، و يشتي بتبريز فكانت بدائع الصناعة قد تجلت في هذه العمارة … و مضت أوقات السلطان بالعيش و الطرب و صحبة الشعراء و الظرفاء و أصحاب النغم، و كان ميله إلي الشعر و الشعراء عظيما، فراج سوق الشعر في أيامه و وفد إليه الشعراء بقصائد بليغة، و نالوا منه صلات جليلة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 273

366 حوادث سنة 889 ه- 1484 م

367 أحوال العراق:

المدونات عن العراق في هذه الأيام قليلة، و لعل الحوادث الكبيرة أنست، و توجهت السياسة إلي تبريز عاصمة السلطنة. و لم تتخذ بغداد عاصمة ليروج فيها سوق العلم و الأدب … إلا أن العراق لم يكن في وقت جامدا و إن قلت العناية، و لم يناصر الملوك الثقافة و يساعدوا علي تنميتها، فالنزعة تبعث، و التاريخ القومي من أكبر المشوقات.

و العراق لم ير ذلا في أزمانه السابقة ما رآه في هذه الأيام أهملته الحكومة، و لم تنظر إلي غير الحروب، و التنعم بأموال الغنائم، و البذخ … و قد طمع المجاورون بهذا الإهمال، و قام المشعشع يغزو العراق، و ليس في الاستطاعة صده، يسلب ما تيسر منه فكانت وقائعه من أعظم الرزايا، ففي زمن قوة حكومته ينال هذا العناء و يقاسي هذه المحنة … جاء في القرماني:

«في سنة 889 ه بعث يعقوب شاه عسكرا كثيرا إلي بلاد المشعشع فكسروه كسرا شنيعا، و كان المشعشع يعد نفسه علويا، ثم تغالي حتي قال انتقلت روح علي بن أبي طالب عليه السلام إليه، و استفحل أمره، و استولي علي بلاد ابن علان».

و في جهان نما

لكاتب چلبي:

«تمكن السيد محمد من جمع الناس إليه، فكان أتباعه يضربون بطونهم بالسيوف إلي أن تلتوي … و اشتهر أمره في خوزستان، فاستولي عليها، و خلفه ابنه علي فصار حاكما، و أغار علي العراق العربي، فزعم أن روح علي بن أبي طالب عليه السلام قد حل فيه و بقي أتباعه علي هذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 274

الاعتقاد، فخلفه أخوه محسن، و في زمنه راجت فكرة الاعتقاد بألوهيته من جانب أتباعه، و رفعوا الأركان الإسلامية، و سلكوا طريق الزندقة …» ا ه.

و هؤلاء لا يستدعي أمرهم هذا الاهتمام، و لكن التهاون أطمعهم، فترتب من الأخطار ما لا يوصف، و صارت حوادثهم تتري … و في هذه لم تكن الحرب حاسمة، فلا تزال بقية منهم باقية، و لها مناعتها في ديار الحويزة و ما والاها و دام إزعاجها للعراق.

هذا و كانت الحكومة الأصلية في نعيم و راحة …

368 وفيات
369 الجمالي ابن نصر اللّه:

في هذه السنة في المحرم توفي الجمالي يوسف الحنبلي بن الشهابي أحمد بن نصر اللّه البغدادي قاضي قضاة الحنابلة، ولي تدريس الحنابلة بالمدرسة البرقوقية و قد ذكر أبوه وجده و عمه و للعلاقة أشرنا هنا إلي ترجمته.

370 حوادث سنة 890 ه- 1485 م

371 غزو الكرج:

في هذه السنة غزا السلطان الكرج و دامت الحرب إلي السنة التالية، و قد فصلها صاحب (عالم آراي أميني).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 275

372 حوادث سنة 891 ه- 1486 م

373 العودة:

في المحرم من هذه السنة عاد السلطان من غزو الكرج و نزل تبريز و مضت هذه السنة بهدوء و راحة …

374 حوادث سنة 892 ه- 1487 م

375 مخابرات سياسية و هدايا:

لم يكن للسلطان أمل توسع في المملكة العثمانية، و لا في مملكة مصر و لا في مملكة الجغتاي و لذا كانت السياسة تجري بين هؤلاء علي الود و الصفاء. ففي هذه السنة كتب السلطان كتابا إلي ملك مصر قايتباي أرسله مع أخي فرج بيك، و قدم له قرآنا بخط ياقوت. و الكتاب عربي العبارة مطول إلا أن ألفاظه معقدة و أجابه ملك مصر بكتاب صحبة رسوله و هو المؤرخ في 10 رمضان هذه السنة. و جرت المخابرات السياسية مع السلطان حسين بايقرا ملك الجغتاي … مما لا مجال لتفصيله هنا. و في (عالم آراي أميني) توضيح ذلك، و بيان مجي ء قاصد الروم (العثمانيين) في السنة التالية.

376 حوادث سنة 893 ه- 1488 م

377 الشيخ حيدر الصفوي- شيروان:
اشارة

في هذه السنة جمع الشيخ حيدر الصفوي جيشا علي شيروان يقصد افتتاحها و أشاع أنه سائر إلي الجهاد لحرب الكرج في الدربند و كان سلطان شيروان آنئذ فرخ يسار ابن الأمير خليل اللّه و هذا رأي أنهم قد يمدون أيديهم إلي رعاياه أثناء عبورهم من مملكته و مرورهم منها فاستمد هذا بالسلطان يعقوب و هذا عرف نوايا الشيخ حيدر و رأي لزوم القضاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 276

عليه و كان أعرف به.. فجهز نحو أربعة آلاف فارس في قيادة سليمان بيك التركماني لمعاونة السلطان فرخ يسر. و في حدود طبرستان وقع الحرب بين الطرفين فقتل الشيخ حيدر و ألقي السلطان القبض علي أولاده فسجنهم في اصطخر من فارس. فقضي علي نهضتهم و يري كثيرون أنه كان الأولي به أن يقتلهم و لا يبقي أحدا منهم و لكن المقدر كائن و سوف تظهر للوجود دولة يصفو لها العيش و يدوم لها الحكم.. قالوا رأفته و رحمته دعته أن

لا يقسو و إلا فقد رآه جمع جموعا كثيرة بغرض الخروج عليه فأوجس خيفة منه فقتل في طبراق من أعمال شيروان. و كان قد سمع أن المتصوفة قد اجتمعوا في أردبيل حول علي شاه ابنه الأكبر فاختاروه مكانه فعلم السلطان يعقوب و من ثمّ أرسل أحد أمرائه لإلقاء القبض عليه و علي كل من أخويه الصغيرين إبراهيم و إسماعيل و والدتهم حليمة بيكم و بعدهم إلي شيراز و أوصي حاكم تلك الديار (منصور بيك پرناك) بحبسهم ففعل و سجنوا في اصطخر.

378 و جاء في القرماني:

«و في سنة 893 ه ظهر الشيخ حيدر و هجم علي شروان شاه صاحب شماخي فتغلب عليه و استنجد صاحب شماخي بالسلطان يعقوب و كان بينهما علاقة مصاهرة فاستنجده علي الشيخ حيدر بعسكر كثيف فأوقعوا بحيدر المذكور فقتلوه و أعادوا شروان شاه إلي مقر ملك شماخي» ا ه.

379 و جاء في جامع الدول:

«استمد منه- من السلطان يعقوب- فرخ يسار صاحب شروان علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 277

الشيخ حيدر الصفوي فأمده بجمع من الجيش مع سليمان بيزن (بزاء فارسية)، فانتصر فرخ يسار بمدده علي الشيخ حيدر و قتله بعد قتال شديد في موضع (طبرسران) و كان الشيخ حيدر ابن عمة يعقوب لأن حسن بيك كان قد زوج الشيخ جنيد الصفوي والد الشيخ حيدر بأخته، فولدت له الشيخ حيدر. و مع ذلك إنما أمد يعقوب بيك فرخ يسار عليه لتوهمه منه بسبب كثرة أتباعه. و لما قتل الشيخ حيدر قبض يعقوب علي أولاده و حبسهم …» ا ه.

و في تاريخ عالم آراي أميني قد بسط القول في وقائع الصفوية، و ذكر مجمل مشايخهم إلا أنه تحامل علي الشيخ حيدر و بين عصيانه بعد أن أثني علي أسلافه و أورد في مقام التنديد آية وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ للإشارة إلي ذم هؤلاء الصفوية …

380 وقائع خوزستان:

كان الأمير محسن المشعشع مستوليا علي خوزستان. و لما جاء الأمير زاده إبراهيم بيك إلي شيراز قدم له الطاعة و لكن الأمير محسن أراد أن يستوي علي قاعدة خوزستان و هي مدينة (تستر)، فأرسل ولده السيد حسن للاستيلاء عليها و لكن ازدياد سطوة هؤلاء و شيوع بدعتهم … مما لا يرضاه أحد و أن الأمير جابرا أمير العرب هناك و كذا الأمير نصر قد طلبوا المساعدة … و أن أخا الأمير محسن و هو الأمير حسام الدين إبراهيم بن محمد بن فلاح كان قد رفض هذه النحلة و التجأ إلي تبريز إلي السلطان، و أظهر براءته من عقيدة آبائه الكفرة و الحق أن هذا السيد

كان صاحب فضائل …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 278

ثم إن الأمير محسنا أرسل ابنه سفيرا إلي السلطان فنال كل رعاية و أبدي أنه لا أمل لأبيه في الفتح، و ذكر أن غرضه أن يجمع العساكر لفتح الجزائر و البصرة إلي حدود الحلة و الرماحية … و أن يعرض الأمر للسلطان و ينتظر أمره … و الظاهر أنها كانت بيد أمراء العرب (المنتفق) عادت إليهم و إلا فلا معني لفتحها …

381 وفيات
382 1- أحمد بن إسماعيل الشهرزوري:

أصله من قرية في كوران. ولد سنة 813 ه. حفظ القرآن و تلاه للسبع علي الزين عبد الرحمن بن عمر القزويني البغدادي الجلال. و حل عليه الشاطبية و تفقه به، و أخذ عنه النحو و المعاني و البيان و العروض و كذا اشتغل علي غيره في العلوم و تميز في الأصلين و المنطق و غيرها و مهر في النحو و المعاني و البيان و غيرها من العقليات و شارك في الفقه، ثم تحول إلي حصن كيفا فأخذ عن الجلال الحلواني و قدم دمشق في حدود الثلاثين فلازم العلاء البخاري و انتفع به و كان يرجح الجلال عليه، و كذا قدم مع الجلال بيت المقدس، ثم القاهرة في حدود سنة 835 ه فأثني عليه المقريزي ثم خرج من مصر منفيا لما وقع بينه و بين حميد الدين النعماني، و مضي إلي مملكة الروم و ما زال يتوصل هناك إلي أن صار في قضاء العسكر … توفي في أواخر رجب سنة 893 ه.

383 2- الشيخ عبد اللّه البصري:

هو ابن عبد الواحد بن محمد بن زيد جمال الدين بن زكي الدين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 279

الشيرازي الأصل البصري الشافعي نزيل مكة ولد بالبصرة سنة 819 ه، و نشأ بها فقرأ القرآن لعاصم علي إبراهيم بن محمد بن أحمد بن زقزق و علي ابنه محمد و علي غيرهما و حج سنة 848 ه ثم عاد إلي بلاده في التي بعدها، فدام بها إلي أن امتحن مع الشعشاع (المشعشع) الخارجي في سنة 863 ه ففر منه إلي مكة … و كان إماما فاضلا مفننا عاقلا ساكنا تام المعرفة بالفرائض و الحساب و العروض ذا نظم كثير … صنف (فتح الرحمن في مسألة

دور الضمان) توفي ليلة السبت 18 صفر سنة 893 ه و دفن بالمعلاة.

384 حوادث سنة 894 ه- 1489 م

385 الاستيلاء علي بلاد ديار بكر:

و في هذه السنة تحيل يعقوب شاه بحيلة غريبة حتي استولي علي ديار بكر و نزعها من يد الأكراد و التركمان و انتصر عليهم.

386 حوادث سنة 895 ه- 1490 م

وفيات
387 1- سلجوق بيكم:

هذه أم السلطان يعقوب، توفيت في 28 ذي الحجة هذه السنة في مشتي قراباغ و كان السلطان مريضا، و كذا أخوه يوسف بيك، فكتم عنهما وفاة والدتهما.. و في كلشن خلفا أن هذه الأم من غير قصد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 280

منها أعطت أولادها سما و هي أيضا تسممت فماتت هي مع أولادها …

و أن موتها علي ما جاء في القرماني كان سببا لاختلاف أهل البيت، و كان دأبها أن تجمع في كل أسبوع أهل بيت السلطنة بمكان اعتدته لهم، و تتكلم علي لسان كل ما يناسب الحال التي فيها اتصال البعض إلي البعض، و إنها لما ماتت انقطع هذا التدبير و تفرقت الكلمة …

و في كنه الأخبار أن الأم كانت قد أخذت الطريقة من الشيخ عمر الروشني، و بعد وفاتها بثمانية عشر يوما دس القوم السم لكل من الميرزا يوسف و السلطان يعقوب و عن أحسن التواريخ أرادت أن تسم مسيح ميرزا و سمت غلطا السلطان يعقوب و أخاه و نفسها …

389 وفاة السلطان يعقوب:

في 11 صفر توفي السلطان يعقوب في مشتي قراباغ عن 28 عاما و مدة سلطنته 12 سنة و عشرة أشهر و كان قد توفي أخوه يوسف بيك ليلة الجمعة 10 محرم، و كذا أمه سلجوق شاه خاتون كما مر. و جاء في كلشن خلفا أن أمه عن غير علم منها أعطته سما و تناولته هي أيضا فصادف هلاكهما معا و توفيا … و ما بينه من أن مدة حكمه ثلاث سنوات فغير صحيح.

قال الشاعر المتخلّص ببنائي في وفاته و وفاة أخيه يوسف:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 281

نه أز يوسف نشان ديدم نه أز يعقوب آثاري عزيزا يوسف اركم

شد چه شد يعقوب را باري

388 حوادث سنة 896 ه- 1490 م

390 ترجمة السلطان يعقوب:
اشارة

هو أبو المظفر السلطان يعقوب بهادر خان و من الغريب أن صاحب كلشن خلفا لم يذكر له حادثا و لا بين علاقته بالعراق بوضوح … و سائر المؤرخين لم يستقصوا أحواله و كل واحد أماط عن صفحة فعرفنا من الكل ما يصور مجمل أيامه ألا أننا عثرنا علي تاريخ (عالم آراي أميني) فأطنب في ذكر أخباره إلا أنه أكثر من المبالغات و إظهار القدرة في البيان فشوش الغرض … و إن كان جلا صفحة غامضة، و صار خير صلة تاريخية، و كان لولاها لا يؤمل أن نقف علي حوادث هذه الأيام … و إن تعلقت بأصل الحكومة، و تفيد تاريخ إيران أكثر مما تفيد تاريخ العراق …

هذا مع العلم بأن معرفة الوقائع الكاملة عن هذه الحكومة غير متيسرة … و قد تكلمنا علي وقائعه في العراق خاصة بقدر ما سمحت لنا المراجع و هي قليلة جدا و كل ما نقوله إن هذا السلطان لا يقل عن والده حسن الطويل من حب العلماء، و تقرير العدل، و رواج الشعر و الأدب، مضي زمانه براحة و طمأنينة تقريبا و يعزي الفضل في ذلك إلي وزيره و قاضيه فإنهما كانا عضده في كافة أموره و سائر أحواله.. و لم يكدر صفو الراحة إلا بعض الوقائع و قد مضت بسلام و نجاح …

و في أحسن التواريخ أنه بني قصرا سماه (هشت بهشت) في تبريز، و قال: توفي في سنة 896 ه مسموما و ذلك أن أمه سلجوق شاه بيكم أرادت أن تسم مسيح ميرزا بن حسن الطويل، و بالغلط تناول السم …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 282

و كانت وفاته في 11

صفر من السنة المذكورة و عمره 28 سنة و سلطته 12 سنة و شهران. ثم إن صوفي خليل موصلي من أمرائهم جعل ابنه بايسنقر ملكا …

391 و في الضوء اللامع:

«أبو المظفر صاحب الشرق و سلطان العراقين، و عم حسين ميرزا ابن محمد اغرلو المقيم في القاهرة، قتل أخاه أبا الفتح خليلا. و استقر في السلطنة … ا ه.

392 و في حبيب السير:

«بعد قتلة سلطان خليل اتفق الأمراء و الأعيان علي سلطنة يعقوب، فعلا سعده، و علت عظمته … تابعه كل من يوسف، و مسيح، و بايعوه علي الطاعة … فجلس علي تخت الملك، و مضي من ميدان الحرب إلي تبريز فاتخذها عاصمته … و من ثم أراد استمالة الخلائق فمضي بهم علي ما كان عليه والده من قواعد، و مال إلي الرأفة بالرعايا و اللطف بهم، و سعي السعي الحثيث لتمكين الشريعة الغراء في نفوس القوم فأنعم علي القضاة و السادة و العلماء بإنعامات و فيرة كما هو المقرر … و قد نصب القاضي مسيح الدين عيسي الساوي بن الخواجة شكر اللّه الوزير لمنصب الصدارة العليا و الحكومة في الأمور الشرعية و كان هذا أستاذه ففوض إليه تمشية أمور الملك و المال مما يتعلق بواردات الدولة و بذلك وصل إلي قمة الجاه و الإجلال و نال أوج الكمال و الاعتبار … و أما الوزارة و النيابة في أمور السلطة فقد أودعها إلي الشيخ نجم الدين مسعود و هذا هو ابن أخت القاضي عيسي و فوض الشؤون المذكورة إليه، و جعل كافة الأمراء و الوزراء، و أركان الدولة طوع أمره، … لحد أنه أعلن أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 283

الشاه إسماعيل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 284

لا يطاع لأحد أمر ما لم يوقع منه … و صير قيادة الجيوش مودعة إلي سليمان بيك و كانت في عهدة خليل موصلي الصوفي …

و بذلك لمعت أنوار رأفته

و انتشرت مراحمه علي مقربيه و علي سائر الناس …» ا ه.

ثم أطنب في أوصاف الوزير و القاضي، و أورد أن اقدام السلطان علي الشيخ حيدر الصفوي مما دعا إلي تغير نياته و بالنتيجة إلي دمار ملكه و زوال سلطنته … و هكذا فعل صاحب منتخب التواريخ و لب التواريخ و القضية لا تخلو من ممايلة … لأن هؤلاء من مؤرخي الدولة الصفوية و في كنه الأخبار بين أنه يقدر الرجال و يعدل في الحكومة، و صاحب كرم، و وقار و احتشام يقرب الشعراء و يتعهدهم … و له طبع في النظم التركي و الفارسي إلي أن قال، إن الشعراء يقرون بلطف طبعه و يميلون إلي تتبع ما قاله من الأشعار و له هذا المطلع اللطيف:

سوختم جندانكه بر تن نيست ديكر جاي داغ بعد ازين خواهم نهادن داغ و بالاي داغ

يقصد احترقت فلم يبق من بدني ما لم يمسه الحرق و مع هذا أحاول أن أحرق ما احترق، و هكذا.

و له من الأولاد بايسنقر، و سلطان مراد و هذان من زوجته كوهر سلطان خانم بنت فرخ يسار الشيرواني، و حسن بيك و أمه بيكي جان خانم بنت سليمان بيك بيجن و تولي السلطنة بعده لده بايسنقر …

و من الشعراء في زمنه:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 285

1- أمير همايون: من سادات أسفرايين خراسان، شاعر لطيف القول، رقيق النظم. في أوائل شبابه جاء العراق و بسبب رقة طبعه صار من ندماء السلطان يعقوب و من أهل مجلسه فنال مكانة رفيعة. و كان يدعوه السلطان (خسرو كوجك) أي خسرو الصغير و كان ممن استأسره العشق و ذكر له صاحب تذكرة الشعراء جملة من شعره.

2- المولي شهيدي:

دعاه السلطان يعقوب (ملك الشعراء) و المعروف عنه أنه فخور بنفسه، معجب بها، و لا يعدل عن رأي ارتآه، و لم يتدخل في شؤون الشعراء غيره … شعره جميل، مرغوب فيه. و في أواخر أيامه رحل من خراسان إلي العراق و من هناك توجه إلي الهند فسكن إحدي مدن كجرات. توفي عام 935 ه و بلغ من العمر نحو مائة سنة و ذكر له صاحب التذكرة جملة أبيات من مختاراته.

3- درويش دهكي: و هذا ممن نال مكانة لدي السلطان يعقوب و حصل علي جاه و لازم مجلس السلطان. و يقال إن جامي استحسن بعض مقطوعاته …

4- مير مقبول: أصله من الترك، أقام في بلدة قم فاشتهر بالقمي.

و في أوائل أمره كان سباهيا لدي السلطان يعقوب و ترقي هناك. و في أيام شيخوخته ترك و انصرف إلي العزلة … و لم يعرف تاريخ وفاته.

5- حبيبي: من تركمان آذربيجان. دخل في خدمة السلطان يعقوب … و سماه الشاه إسماعيل ملك الشعراء و صار يؤم مجلسه …

و لقبه كرز الدين بيك …

6- سوسي: من تجار آق قوينلو … و له أشعار …

7- القاضي مسيح الدين عيسي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 286

8- الشيخ نجم الدين مسعود الوزير.

9- المولي بنائي: كان والده معمارا فتلقب بذلك و كان مشهورا في الخط و الموسيقي و له بيان ملتهب شررا و هو في الأصل مقيم في هراة و لأمر ما فر من أمير علي شير نوائي و جاء إلي السلطان يعقوب فكتب له (بهرام و بهروز)، ثم عاد إلي هراة و بعدها مضي إلي محمد الشيباني أمير ما وراء النهر و هذا لقبه (بملك الشعراء) توفي سنة 918 شهيدا في وقعة

أمير نجم. و كان البيت المذكور في وفاة السلطان و أخيه له …

و هناك شعراء كثيرون و إنما ذكرت هؤلاء لبيان درجة تعلق السلطان بالشعر و حبه له و انهماكه في احترام أهله … و في أيامه علماء عديدون منهم الدواني.

393 اضطراب الأحوال:

إثر وفاة السلطان يعقوب حدث اضطراب كبير و قامت الفتنة علي قدم و ساق فتشعبت الحزبية بين رجال التركمان و أكابر أمرائهم و قد قتل في الفتنة القاضي مسيح الدين عيسي الساوي قتله خليل الصوفي لأنه كان قد انتزع الإمارة منه و بعده هلك الوزير نجم الدين مسعود فكان أكبر ضياع … و من ثم التهبت نيران الثورة و اندلعت إلي الأنحاء و الأمراء لا يقفون عند حد و أحزابهم لا تنقطع و تنافسهم مستمر …

394 وفيات
395 1- القاضي مسيح الدين عيسي الساوي: (ترجمته)

هو ابن الخواجة شكر اللّه الوزير، كان أستاذ السلطان يعقوب نصبه للصدارة العليا و الحكومة الشرعية. و هذا القاضي كان صاحب كمالات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 287

وافرة و فضائل جمة، و المعروف من حاله أنه متمسك بالدين، متحل بآدابه، و أعماله الجميلة قد نقشت علي ألواح القلوب … يأمر السلطان، و الأمراء، و العسكر بالمعروف و ينهي عن المنكر، و لا تأخذه في الحق لومة لائم فلا يبالي بأحد … و لا يتأخر عن النصح و لزوم العمل بمقتضاه و قد سمع عن القاضي ضياء الدين نور اللّه كان قد ورد سفراء من مصر و الروم لمواجهة السلطان يعقوب و هذا لبس الكسوة الذهبية و ظهر بمظهر الأبهة و الإجلال و جمع مجلسه و أبدي العظمة و الحشمة الزائدة و اعتلي العرش و كان هؤلاء السفراء واقفين أمامه كل في محله.

و حينئذ دخل القاضي و رأي السلطان في ذلك اللباس فقدم إليه و قال:

«إن الكسوة الذهبية محرمة شرعا علي الرجال» و حينئذ أمر السلطان مرافقة (ملازمة) سراج الدين فأخذ هذه الكسوة التي كانت عليه فأبدلها فراعي السلطان جانب القاضي و أطاع أمره فلم يتأثر لما نهاه عنه

و لا لما عمله من الاحتساب، و لا زال القاضي يأمر برفع الأمور المخالفة للشرع و يسعي للجهات الخيرية و يحض علي الأعمال المبرورة و أن السلطان يري وجوب مراعاة ما يأمر به أو ما ينهي عنه … و قد استشهد هذا القاضي إثر وفاة السلطان بسبب الفتنة الحاصلة كذا في حبيب السير و كان قد قتله خليل الصوفي. و له الشعر الكثير الذي ينطق بمقامه الأدبي و علو كعبه …

و قد أورد جملة صالحة منه صاحب اتشكده و قال عنه إنه كان أعلم العلماء في عهده، نال المكانة الرفيعة لدي حسن بيك و ابنه يعقوب بيك كما إنه سبق لوالده خدمات في الديوان و هو شكر اللّه المستوفي، علم السلطان يعقوب و له ديوان في الغزل و العشق في ألف بيت …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 288

و نري إدريس بن حسام الدين البدليسي قد مدحه في مقدمة (مجمعة نظم) مدحا زائدا و جمع فيها المقدار الوافر من شعره و رتبه مجموعا من شعره و شعر الوزير الشيخ نجم الدين مسعود و نعت القاضي نفسه بعيسي في كافة القصائد التي قالها و أوردها البدليسي مما تمكن علي جمعه و العثور عليه … و قال في المقدمة إنه لا يستطيع إبداء ما يستحقه الممدوحان (القاضي و الوزير) في كافة أوصافهما فهذه ما لا يكاد يحصيها استقصاء و لو بذل جهوده ليلا و نهارا إلا أن الروابط المعنوية، و الأخوة في اللّه و خصوصية السوابق في المؤانسات الروحانية … مما دعا أن يلهج بذكر جميلهما، و يبدي بعض فضائلهما مما أكسبه من روابط الاختلاط، و الألفة و دوام المرافقة فقد كانا ركنين للإسلام ركينين، قوّما

أساس الملك في مراعاة الدين و تقوية الشرع المبين فكانا متلازمين معا و ساهرين لإقامة نواميس الشرع، و إمضاء الأحكام السلطانية فلم يغفلا لحظة …

هذا لرفع الجهل عقل مشخص و ذاك لفيض الفضل روح مجرد

و ذاك لقانون الممالك حافظ و هذا لكانون المظالم مخمد

و هذا ما جاء في نعت القاضي في مجمعة النظم قال:

«إن القاضي صفي الدين عيسي في حسن شمائله كأنه نازل من الملأ الأعلي في صورة جسم هيولاني تمثل في هيكل جسماني و كان له كمالات و أساليب في فنون العلوم، و فهوم العقل الكلي، و نراه قد أكمل النفوس الناقصة في إنسانه الكامل الهيئة، بليغ المقال، صادق اللهجة..

فكأنه علم في تربية أرباب الحق و اليقين أو هو روحاني مهذب..

و حدث عن بيانه و نظمه نثرا و شعرا و لا حرج سواء في العلوم العربية و آدابها؛ أو لطائف وقائعه و محاضراته بفصاحة ليس و راءها و هكذا قل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 289

عن تبحره في القوانين الأدبية …

كلم كأن الشهد من ألفاظها جار و إن الطيب منها سائر

فكأن أنفاس المسيح نسيمها إذ من شذاها كل ميت ناشر

عن كل لطف فيه معني كاشف في كل مغني منه حسن باهر

بحر و لكن الطفاوة عنبر مزن و لكن الغيوث جواهر

عقد تسمي نظم در دونه نظم الثريا عنده متناثر

و لم يتأخر أيام قضائه من مراعاة الشرع في كافة الأنحاء الإيرانية فكان موفقا في أعماله بمزيد التوفيق، أعلي منار الشرع أيام السلطان المؤيد إلي عنان السماء، و أعلن للعالم اسم ذلك السلطان فصارت تتجدد ذكراه بالخير و الوصف الجميل و نال الشرع في أيامه نصابه ذلك ما أدي أن يقتدي به سائر الملوك و الأمراء

في الرجوع إلي أحكامه و صاروا يأتمرون بأوامره و ينتهون بنواهيه.

أسدي إليه أولو الألباب فاخرة قلائد المدح من عجم و من عرب

فيمموه و فازوا من مكارمه بكل ما قد تمنوه من الأدب

فاعتز به الشرع و ارتفع الملك بما نفذه من العدل فصار الاثنان يفتخران.. و كان له مجمع مؤلف من أصحاب الدين و الدولة و محفل من أرباب الخلافة و هكذا مجالس الأعيان و الأفاضل … مما زاد في رونق المملكة و علو شأنها …» ا ه إلي آخر ما جاء.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 290

396 ملحوظة:

في الضوء اللامع ج 5 ص 86 ذكرت ترجمة عبد الملك بن علي الساوجي خال القاضي عيسي و أنه نال مكانة كبيرة في أيام ابن أخته المذكور و بعد موت القاضي امتحن بالتعذيب حتي مات في أوائل سنة 896 ه.

397 بايسنقر
398 سلطنته:

هذا هو ابن يعقوب بيك تسلطن بسعي أتابكة الأمير صوفي خليل موصلي فإنه لما يئس من صحة يعقوب بيك قبض علي علي بيك ابن السلطان خليل يوم الاثنين غرة صفر من هذه السنة و حبسه و لما توفي يعقوب بيك قتله، ثم قبض علي كل من توهم منه الخلاف مثل القاضي عيسي صدر فقتله، و صفا له الأمر أياما. و كانت البايندرية تحسده علي استبداده بالأمر مع كونه من الموصليين و بدأت الفتنة.

399 النزاع علي السلطنة:

من مراجعة النصوص التاريخية العديدة نري النزاع علي السلطنة كان شديدا و هو في الحقيقة نزاع بين الأمراء أو تنازع علي السلطة و بدأ من تاريخ القبض علي علي بيك ابن السلطان خليل، و بعد وفاة السلطان يعقوب ركن كل أمير إلي أحد أفراد بيت السلطنة و الأسرة المالكة و نهض بالمطالبة، فوقع بين هؤلاء الأمراء عدة حروب فصاروا جماعات كل جماعة منهم اختارت واحدا من أهل بيت الملك و مالت إليه و قتل الكثير من هؤلاء الأمراء فبعد أن كانوا قوة كبيرة يرهبون أعداءهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 291

الشاه طهماسب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 292

و مجاوريهم عادوا بينهم تلتهمهم نيران الفتنة و تأكلهم فصاروا حطب جهنم الغوائل.. و ذلك أنه لما توفي السلطان يعقوب اتفق الأمير صوفي خليل و أمراء موصللو و پرناك علي إصعاد الأمير بايسنقر بن يعقوب و كان صغيرا، و مال قسم من القوم إلي تولية علي بيك بن خليل بن حسن الطويل و كان أمير الديوان السلطاني فنهض في وجههم خليل الصوفي فقتله و من معه في الليلة التي توفي فيها يعقوب بيك و صار يناضل عن بايسنقر. و جماعة من القوم رأوا

الكفاءة:

1- في مسيح بيك أخي يعقوب بن حسن الطويل و أعني بهم أمراء البايندرية فاختاروه للسلطنة فاشتد الخلاف بين الفريقين فلم يروا بدا من الالتجاء إلي سل السيف و الاحتكام إلي قضائه فكانت النتيجة ان قضي علي الأمير مسيح و ظهرت علامات الاستقلال لبايسنقر فأعلن سلطنته بأبهة و إجلال و قتل في المعركة أكثر البايندرية.. و حينئذ سار الأمير بايسنقر إلي تبريز فجلس علي سرير الحكم و هو لم يبلغ العشر سنوات من العمر فاستولي خليل الصوفي علي إدارة الملك و المالية فعلا سعده.

و صار صاحب الأمر و النهي و عزم أن يحقق ما كان أضمره لسائر الأمراء ممن كان في خدمة السلطان الراحل فبادر في القتل، و صار يلتمس الوسائل للوقيعة بهؤلاء الواحد بعد الآخر.. و من هؤلاء القاضي عيسي فقد أودي بحياته. أما الشيخ نجم الدين مسعود فقد تمكن من إنقاذ حياته خلال هذه الأحوال.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 293

2- أما محمود بيك بن أوغورلو محمد ابن الأمير حسن الطويل فقد انهزم يوم قتلة عمه مسيح بيك من المعركة و ذهب إلي شاه علي پرناك و كان آنئذ حاكم العراق فالتحق به وادعي الاستقلال هناك فبايعه شاه علي و من تحت إمرته فاستولي علي أكثر بلاد العراقين و جمع ما لديه و سار إلي دركزين. فلما وصل خبره إلي تبريز قام في وجهه بايسنقر بتدبير من خليل الصوفي فتوجه إليه بجموعه فالتقي الفريقان في رباط أتابك من حدود دركزين فكانت الغلبة للسلطان بايسنقر بعد قتال شديد و حاول محمود بيك الهرب فتمكن السيد نعمة اللّه الهمداني من القبض عليه في طاحونة هناك و سير مهانا إلي الأمير بايسنقر فقضي عليه.. و

في هذه الحرب قتل شاه علي پرناك أيضا.

3- و في هذا الحين ظن خليل الصوفي أن قد خلا له الجو فزاد تجبره و عتوه و تجاوز حد المعقول و عبث بالأمراء و أقصي الأيدي التي كانت تدبر الملك و تري شؤونه … ذلك ما دعا سليمان بيك بيجن التركماني والي ديار بكر آنئذ أن ينهض للقراع و يجرب طالعه لما رآه من التقتيل بأمراء آذربيجان و اتفق مع سائر أمراء ديار بكر فجمع جيشا سار به نحو تبريز فعلم الصوفي بذلك و سار لمقاومة الثائر فاجتمع الفريقان في حدود وان.

و من الغريب أن القوم حينما تقاربوا من بعضهم و كانوا علي أبواب الحرب مال دفعة واحدة كل من كان يضمر الخلاف للصوفي من أمراء آذربيجان (أمراء البايندرية) و ألقوا القبض علي بايسنقر ميرزا و جاؤوا به طوعا أو كرها إلي سليمان بيك بيجن فاحتفظ به و اشتبك جيش سليمان بيك في القتال مع خليل الصوفي فانكسر جيش الصوفي و قتل هو أيضا مع جمع من الموصلية. و في جامع الدول غدروا به عند اشتباك القتال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 294

و مضي سليمان بيك مع بايسنقر إلي دار السلطنة، و لم يتعرض للسلطان بايسنقر بل ناصره و صار هو ولي الأمر، و أتابك السلطان. و قبض علي المهام المتعلقة بالإدارة و سائر أمور المملكة … و ذلك في أواخر سنة 896 ه.

400 عالم آراي أميني:

في أيام السلطان بايسنقر قدم إليه هذا التاريخ، و كان قد كتب في أيام والده. مر وصفه في هذا الكتاب. و قد ذكر الأستاذ محمد بن عبد الوهاب القزويني في المجلد الثالث من تاريخ (جهانكشاي جويني) وجود نسخة منه في المتحفة البريطانية.

401 حوادث سنة 897 ه- 1491 م

402 فرار بايسنقر- سلطنة رستم بيك:

كان رستم بيك بن مقصود بيك بن الأمير حسن بيك لما قتل مسيح ميرزا في المعركة السابقة ألقي خليل الصوفي القبض عليه و سجنه في قلعة آلنجق و صار خليل الصوفي أمير الأمراء … و لكن بعد قتلة خليل هذا تعاهد قرق سيدي علي حاكم قلعة آلنجق و جماعة من التركمان علي أن يسلطنوا رستم بيك فأطلقوه من السجن لتخليص آذربيجان و العراق فخرجوا من القلعة و نهض معهم أبيه سلطان فجهزوا الجيوش

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 295

العظيمة نحو بايسنقر فاستقبلهم الأمير سليمان بيك مع بايسنقر للمقاتلة و من ثم و قبل التحام الجيوش صار يفر جيش بايسنقر أفواجا و يلحق بأعدائهم لحد أنهم بقوا و حيدين.

و لما كان الوضع بهذه الحالة اضطر بايسنقر أن يذهب إلي صهره شاه شيروان باتفاق من حسن علي بيك و الشيخ نجم الدين مسعود فساروا إليه في أواخر رجب سنة 897 ه و سار سليمان بيك إلي ناحية ديار بكر. أما رستم بيك فإنه مضي في التاريخ المذكور إلي تبريز و هناك استقر حكمه و أذعنت له بالطاعة كافة الأنحاء و جاءته الوفود من العراقين و فارس و كرمان و لرستان و قدموا له الهدايا و أجروا مراسم الإذعان كما أنه أنعم بإنعامات وافرة علي البايندرية بصورة لم يسبقه أحد إليها فإنه لم يدع واحدا منهم محروما …

أما بايسنقر فإنه رحب به شاه شيروان و

هو جده لأمه (فرخ يسار) فأكرم مثواه و أن نجم الدين مسعود قد سمه بعض الأمراء هناك عند تقديم الطعام له فجني عليه و انتقل هو إلي رحمة ربه، و إن سليمان بيك وصل ديار بكر و هناك صار يعقد الأماني و الآمال إلي أن قتل. و سبب قتله أن سليمان بيك كان قد قتل في إبان سطوته أخا دانا خليل فلما رجع في حال نكبته إلي ديار بكر سنحت الفرصة إلي نور علي بيك بن دانا خليل أن ينتقم لعمه فانتهز حالة وجوده في الحمام المسمي حسين كيف وقت السحر فضربه و أرداه قتيلا. و نور علي بيك هذا بايندري أخو أبيه سلطان فلما بلغ خبر ذلك إلي رستم بيك فرح و أرسل خاله قاسم بيك واليا إلي هناك فوصل إلي المدينة و قام بأمر العدل فيها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 296

403 وفيات
404 1- حسين بيك بن أوغرلو محمد بن حسن الطويل:

كان قد قتل والده علي يد بايندر قاتل الدودار الكبير أحد أمراء أبيه لخروجه عليه ففر حينئذ هذا و أخوه أحمد. أما أحمد فذهب إلي ملك الروم فأقام في ظل سلطانه، و المترجم فرّ لمملكة مصر فأقام بها في ظل سلطانها، و استقدم له ابنة عمه و كان لتزويجه بها ما كان … ثم رجا من السلطان ما وعده به من القيام معه في مملكة العراق فأدركته المنية في المدينة المنورة في 15 ذي الحجة سنة 897 ه و دفن بالبقيع.

و كان له ذكاء و فطنة و ميل إلي الأدب و التاريخ مع حسن عشرة …

405 2- الوزير نجم الدين مسعود: (ترجمته)

«و هذا رحمه اللّه كان متصفا بمكارم الأخلاق و محاسن الآداب و لطف الطبع و جودة الذهن، يراعي العدل في إدارة المملكة و أمورها المالية. و يزرع في قلوب الأهلين بذور العاطفة الطيبة و الإحسان، و كان يختار لأمور الدولة و أمرائها من له كفاءة علي القيام بالمهمات المودعة و من هو بصير بها … و يسعي جهده لإرضاء الأكابر و الأداني و ينصف الجميع … و قد مضت الأمور علي هذا الديدن مما أدي إلي عمارة المملكة بأطرافها …» ا ه. كذا في حبيب السير. و قال إن هذا الوضع قد تبدل بتغير نيات السلطان نحو الصفوية … فكان ذلك داعية انقراض هذه الحكومة … و الرجل من مؤرخيهم و تحامله ظاهر في إرضائهم.

و جاء في اتشكده ما نصه «اسمه الشيخ نجم الدين و أصله من بلدة ساوه و هو ابن عم القاضي مسيح الدين عيسي، نال منصبا لدي السلطان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 297

حسن بيك و كذا عند ابنه السلطان يعقوب حتي حصل علي الوزارة..

و

ذكر له بعض الغزل من شعره.

و قد نعت نفسه في شعره بالشيخ و ذكر ذلك في كل قصيدة فيه في الديوان الذي جمعه له و للقاضي مسيح الدين عيسي الأديب الفاضل إدريس البدليسي و له فيه مختارات من النظم جمعها له البدليسي لا تقل عن مقاطيع أكابر الشعراء … و هي باللغة الفارسية. و أساسا إن سوقها آنئذ رائجة و الاعتبار بها كبير و الشعراء قاطبة في أيام الميرزا يعقوب من العجم … و العلاقة و الارتباط بإيران زائد جدا …

و مما قاله فيه أنه لا يحصي صفاته و جميل خصاله لفظ، و لا تنبي ء عنها عبارة فهي لا تعد و لا تحد … فعن شفقته و حبه لرجال اللّه حدث و لا حرج فهو مقبول عندهم كحظوته لدي الشاه و جيشه، و عدله مع أرباب الحكومة و الرعايا لا منازع فيه … هو الوزير محرم الأسرار، و النديم الروحي ليعقوب خان، و مرجع الخلق في حسن الإدارة … فلا يضارعه في كافة أوضاعه ندّ … و أصله ينتمي إلي نسب عريق و نجار شريف فهو يتصل بقطب العارفين الشيخ شرف الملة و الدين محمد الدركزيني قدس اللّه روحه يمت إليه بقربي العصوبة … و كان ملاذا للفقراء، و مرجعا للفضلاء و لم يقصر في تأييد قوانين الدين، و تمهيد قواعد الشرع المبين فهو نعم المعين للقاضي صفي الدين عيسي بل لم يأل جهدا في حسن إدارة البلاد، و سلوك الهداية و الإرشاد … (إلي أن قال) و بعد ارتحال السلطان عمت الفتن، و التهبت نيران الإحن فاستشهد القاضي ثم زادت نيران المصائب اشتعالا حتي أودت بالوزير:

طواه الردي طيّ الرداء فأصبحت معانيه ما فيهن منه

سوي الذكر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 298

يوسع صدري بالزفير ادكاره علي أن ذاك الوسع أضيق للصدر

هذا و قد أطنب في المدح و الإطراء و قال جمعت هذه القصائد من بعض الأوراق المتناثرة، و الصحف الشاردة و الألسنة و الصدور … مما كان يتغني به القوم … حتي تكونت لي هذه المجموعة …

و دعاها (مجمعة النظم) إلا أنه فصل بين أشعار القاضي و بين أشعار الشيخ فجعلهما في ديوان واحد فقدم أشعار القاضي عيسي ثم ذكر نظم الشيخ نجم الدين …

406 إدريس البدليسي- مجمعة نظم:

هذه المجموعة كان قد جمعها إدريس بن حسام الدين البدليسي و كان من أمراء الكرد، و من المؤرخين، و الأدباء … فر من الشاه إسماعيل الصفوي و التجأ إلي الدولة العثمانية فنال حسن التفات و صار مظهر قبول من السلطان بايزيد خان الثاني فكتب باسم السلطان تاريخه المعروف ب (هشت بهشت) كتبه باللغة الفارسية و سماه أيضا الصفات الثمانية في أخبار قياصرة العثمانية و منه نسخة في مكتبة نور عثمان في الأستانة تحت رقم 3082 و ترجمه إلي التركية عبد الباقي سعدي بن أبي بكر الواني بأمر من السلطان محمود الأول عام 1151 ه و منه نسخة في المكتبة الحميدية تحت عدد 958.

و قد رأيت الكتاب في المكتبة العامة في استانبول و فيه أنه أمر بالترجمة عام 1146 ه أوله: بنام خداوند جان آفرين الخ و الكتاب في مجلد ضخم وقف به مترجمه و مؤلفه عند مناقب السلطان بايزيد فلم يتجاوزها.

و علي الأصل ذيل لابن المؤلف البدليسي و هو أبو الفضل محمد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 299

أفندي كتبه بالفارسية أيضا منه نسخة في مكتبة أسعد أفندي عدد 2447.

و في تحفة الخطاطين

أنه كان كاملا في الثلث و النسخ و التعليق و أنه كان كاتب الديوان لدي بعض أمراء العجم و شاعرا (الظاهر أنه يقصد السلطان يعقوب) و في فتنة الأردبيلي (الشاه إسماعيل) التجأ إلي الحكومة العثمانية فأكرمه السلطان بايزيد الولي و من آثاره تاريخ جامع قوجة مصطفي باشا في أعلي بابه و هو بخطه (التحفة ص 111) و خط و خطاطان ص 59.

و في تاريخ أنجمني ترجمة ابنه فضل اللّه و ترجمته أيضا …

و في أيام السلطان سليم خان سير إلي كردستان فسعي لإدخال ديار بكر و الموصل و كردستان في حوزة العثمانيين فكانت جهوده في هذا السبيل بليغة … و في عودته إلي العثمانيين حصل علي كل الإعزاز و التكريم. و في عام 921 ه توفي في الأستانة و تربته في جوار أبي أيوب الأنصاري و له دار سبيل هناك، و إن زوجته زينب خاتون دفنت في مسجد لها بالقرب منه …

و له ترجمة في قاموس الأعلام.

و قال في الكواكب السائرة: «إدريس بن حسام الدين العالم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 300

الفاضل المولي البدليسي العجمي ثم الرومي الحنفي كان موقعا لديوان أمراء العجم (البايندرية) و لما حدثت فتنة ابن أردويل (شاه إسماعيل الأردبيلي) ارتحل إلي الروم فأكرمه السلطان أبو يزيد (بايزيد) غاية الإكرام و عين له مشاهرة في مسانهة و عاش في كنف جماعته عيشة راضية و أمره أن ينشي تواريخ آل عثمان بالفارسية فصنفها و كان عديم النظير، فاقد القرين بحيث أنسي الأقدمين و لم يبلغ إنشاءه أحد من المتأخرين و له قصائد بالعربية و الفارسية تفوت الحصر، و له رسائل عجيبة في مطالب متفرقة و بالجملة كان من نوادر الدهر و مفردات

العصر توفي في أوائل سلطنة السلطانة سليمان خان رحمه اللّه ا ه.

و أما مجمعة النظم فإنها مما جمعه من نظم القاضي و الوزير وفاء بحق الصحبة للموما إليهما و أولها:

چون أي حسن تو در آينه روح بديد أذكر لبت جان سخن را تجديد

عيسي نفسان بياد لعلت جان بخشي و صاف جمان تو شده شيخ و مريد

عندي نسخة مخطوطة من (مجمعة النظم) المذكورة و فيها بعض النقص علي ما يظهر … و في الحقيقة هذا الديوان تاريخ حي، ناطق بمقدرة القاضي و الوزير … و مقدمته تعين مكانتهما و ليس فيها طمع أو أي أمل نحو الممدوحين فهي صفحة صادقة من لسان عارف بهما و صديق حميم لهما … و الظاهر من وصف تحفة الخطاطين، و كتاب خط و خطاطان أن النسخة من مجمعة النظم بخطه و هي تعليق و نسخ معا و خطها جميل جدا و زمنها يقدر بزمنه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 301

407 حوادث سنة 898 ه- 1492 م

408 بديع الزمان:

و في أوائل أيام رستم بيك عزم بديع الزمان ابن السلطان حسين بايقرا من أبناء السلاطين في خراسان أن يستولي علي العراق (عراق العجم) فجهز جيوشه و في يوم الأربعاء من المحرم لسنة 898 ه سار حتي وصل (ورامين) فنزلها. و قد مضت بضعة أيام من توجه أمراء آق قوينلو نحوه فأصابه الرعب فعاد إلي أنحاء خراسان قبل الملاقاة فلم يقع ما يكدر الوضع …

409 كوسه حاجي البايندري- عصيانه:

قد مضت مدة سنة علي سلطنة رستم بيك و كان ملكا جوادا كريما و في هذه الأيام إثر وقعة بديع الزمان عصي كوسه حاجي البايندري حاكم أصفهان و كان من أمراء السلطان رستم بيك و حينئذ سار السلطان إلي العراق و جهز بعض الأمراء لدفعه و إخماد غائلته و ذلك أنه سير عليه قراپري الطواشي (التواجي) و في المعركة بحدود قم قتل و أرسل رأسه إلي رستم بيك فقضي علي عصيانه و أخمدت ثورته …

410 كيلان- الحروب معها:

إن بادشاه كيلان كاركيا ميرزا علي قد ظهرت منه بعض المخالفات. و إن أحد أمرائه مير عبد الملك حسين سيفي كان قد قتل بعض البايندرية في الري و قزوين و كان هذا من سادات قزوين و مقدمي أمراء كيلان. و لم يكتف بهذا و إنما سار إلي السلطانية فأغار عليها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 302

السلطان سليم الياوز

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 303

و عاث في الأمن هناك … و حينئذ أرسل السلطان رستم أبيه سلطان (اللّه قلي سلطان) مع جيش من القاجار إلي أنحاء كيلان فنزل أبيه سلطان في موقع من أنحاء قزوين في كورة لاره يشم في منزل يقال له (دريادك) فلما سمع عبد الملك بذلك فر من وجهه و أن جيش القاجار قد استولي علي تمام قطر (رودبار) و كان هذا تابعا إلي مملكة كيلان و قتلوا تقتيلا كبيرا في جيش كيلان و ذلك في رمضان سنة 898 ه فعمل من رؤوس القتلي منارات فتم تنكيله بهم.

411 عودة بايسنقر- قتلته:

و في هذه الأثناء عاد الأمير بايسنقر من شيروان و سار علي آذربيجان بقصد الاستلاء عليها فلم يأمن السلطان رستم غائلته فأراد أشغال شاه شيروان لئلا يمد بايسنقر فأطلق أولاد الشيخ حيدر من السجن في اصطخر و هم سلطان علي پادشاه ابن الشيخ حيدر الصفوي و إخوته ليكونوا في صحبة أبيه سلطان و يقاتلوا بايسنقر فجرت بينهم الحروب مرتين. و في المرة الأخيرة كانت الحرب في موقع يقال له كنجه و بردع فألقي القبض علي بايسنقر فقتل بعد أن كان قد ملك سنة و ثمانية أشهر و كذلك قتل أخوه حسن بيك بن يعقوب بيك و بهذا نال رستم بيك مأموله فانتصر علي

عدوه …

412 السلطان علي الصفوي- رستم بيك:

و إثر تلك الواقعة صار السلطان رستم بيك يحذر من السلطان علي ابن الشيخ حيدر الصفوي فأراد الغدر به، ذلك ما دعا أن يذهب السلطان علي إلي أردبيل لما علمه من تغير نوايا السلطان رستم بيك عليه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 304

و بالتعبير الأصح رأي منه نزوعا إلي الملك، دخل المدينة بأبهة و سطوة لكون أكثر أهلها بل كلهم من أصحاب أبيه و جده فزاد خوف السلطان رستم من أوضاعه و صار يحسب له الحساب و من ثم جهز جيشا عظيما بقيادة أبيه سلطان و أرسل معه ابن خاله حسين بيك عالي خاني (علي خاني) فمضوا بقوتهم إلي أردبيل فتقاتلوا مع السلطان علي الصفوي في أنحاء البلد فقتل السلطان علي مع إخوته.. أما شاه إسماعيل فإنه في هذا الحين مال إلي كيلان كان جماعة من أصحاب السلطان علي حملوه إلي هناك فاستقبله كاركيا ميرزا علي بتعظيم زائد و أخلص له الود و الإعزاز … و حينئذ أرسل رستم بيك قصادا متوالين و بصورة مكررة إلي كاكيا ميرزا علي في طلب شاه إسماعيل أما هو فقد شاور مير عبد الملك حسين سيفي من مقدمي أمراء كيلان و ممن يطيع الشاه أمره فقرروا لزوم الاحتفاظ به فقطع العلاقة … و سير القصاد إلي رستم بيك مبديا أنه لا يستطيع إنفاذ مطلوبه.

413 وفيات
414 1- ابن زقزق البصري:

هو إبراهيم بن إبراهيم بن محمد بن أحمد البصري، نزيل مكة قطنها و رآه السخاوي فيها سنة 893 ه، و كذا جاور المدينة سنين. و إخوته محمد و إسماعيل كانوا في مكة أيضا. و كان أبوه و أخوه محمد من علماء البصرة، و هو من الصلحاء توفي في رمضان هذه السنة (سنة 898 ه).

و

أما أخوه محمد فكان ممن اشتغل ببلده و بالشام و تميز في الفقه و العربية و غيرهما و شرح الجواهر مختصر الملحة شرحا جيدا مختصرا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 305

و ممن أخذ عنه و عن أبيه عبد للّه البصري صاحب البرهاني بن ظهيرة.

و هكذا ذكر صاحب الضوء اللامع أباه أيضا.

415 حوادث سنة 900 ه- 1494 م

416 وفاة علاء الدين البغدادي:

في هذه السنة توفي علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن البهاء البغدادي الحنبلي الإمام العلامة الفقيه المحدث ولد سنة 822 ه تقريبا في العراق و قدم إلي دمشق سنة 37 و أخذ الحديث و العلم عن جماعة و صار من أعيان الحنابلة أفتي و درس و صنف (كتاب فتح الملك العزيز بشرح الوجيز) في خمسة مجلدات و توجه إلي القاهرة فاجتمع إليه حنابلتها و قرأوا عليه و أجاز بعضهم بالإفتاء و التدريس و زار بيت المقدس و باشر نيابة القضاء بدمشق و كان معتقدا عند أهلها و أكابرها و رعا متواضعا علي طريقة السلف توفي بها يوم السبت 23 جمادي الآخرة.

417 حوادث سنة 902 ه- 1495 م

418 بقية أحوال رستم بيك- وفاته:

اعتقد رستم بيك أن قد صفا له الجو و خلا من منازع.. و كان رستم هذا مغرما بحب النساء مغلوبا، لينا فاستولت كل واحدة منهن علي أمور المملكة و أركانها فاختل نظام الملك … و من ثم أرسل الأمراء و راء السلطان أحمد بن أوغورلو محمد ابن السلطان حسن الطويل في بلاد الروم (مملكة العثمانيين) يدعونه للقيام و يتعهدون بمناصرته …

و كان قد هرب من عمه يعقوب بعد قتل أبيه فالتجأ إلي السلطان بايزيد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 306

خان العثماني فصاهره السلطان و زوجه ابنته فوصل إلي بلاد العجم بعد أن كان قد بقي لمدة بضع سنوات عاش فيها براحة و هناء ففي السنة السادسة من حكومة رستم ميرزا استأذن من السلطان و في رواية نخبة التواريخ بلا إذن و ساق جيوشه الكثيرة من تركمان و غيرهم إلي آذربيجان. و في شاطي ء نهر أرس (أراس) قارع رستم ميرزا. و لما كان أمراء العراق و أذربيجان راعوا شروط الحزم و الحيطة

لم يروا بدا من التسليم، و رفع كلفة القتال فقبضوا علي رستم ميرزا و سلموه إلي أحمد پادشاه فقتل في الروم في شهر ذي القعدة سنة 902 ه و جلس أحمد پادشاه علي سرير الحكم.

و جاء في جامع الدول: «خرج.. كوده أحمد سنة 902 ه، و قدم أذربيجان من جهة الروم في جمع عظيم. و لما وصل الخبر إلي حسين بيك علي خاني بالعراق و ثب علي عبد الكريم لله (بفتح اللامين) و قتله في حدود السلطانية، و خطب لأحمد بيك في بلاد العراق في غرة رمضان هذه السنة. لأن حسين بيك كان متزوجا بأخت أحمد بيك، و انحرف منه مدبر أمره اللّه قلي سلطان (أبيه سلطان) إلي جانب أحمد بيك، فجرت بين رستم و أحمد الحرب لمرتين فانكسر رستم في الثانية فهرب و عبر نهر أرس إلي جانب بلاد الكرج ثم قبض عليه بعد أيام فقتل … و تولي أحمد..» ا ه.

419 حوادث سنة 903 ه- 1497 م

420 سلطنة أحمد بادشاه- قتلته:
اشارة

إن هذا السلطان لم يطل أمد حكمه أكثر من ستة أشهر فقام عليه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 307

الأمراء و بينهم أبيه سلطان فأورده حتفه.. و ذلك أنه علي ما جاء في القرماني:

«رام أن يجري في تلك البلاد نواب الشرع و ساسة الملك علي ما شاهده في الروم (الحكومة العثمانية) فلم يعجب ذلك أمراء تلك البلاد المطبوعين علي الظلم و إراقة الدم فثقل عليهم ذلك و اتفقوا علي خلعه فأرسلوا إلي مراد بن يعقوب شاه فجاء و قاتل أحمد ميرزا و هزمه ثم ظفر به فقتله و كانت مدة ملك أحمد نحو سنة» ا ه و يعرف بكوده أحمد بيك لقصر فيه و تعني بحتر و في سنة 903 توفي أحمد

بيك ابن اغورلو ابن حسن الطويل، و كان محبا للرعية و منع شرب الخمر، و سعي في تنظيم العلماء.

421 و قال في منتخب التواريخ:

«إنه تمكن في السلطنة بعد قتلة رستم بيك و كان رؤوفا برعاياه.

و في أيامه قد سدت أبواب الإخراجات (الضرائب) لحد أنه لا يسوغ لأي أحد أن يستوفي شيئا من الأهلين ما قل و كثر بلا وجه حق، و كان يتجنب النواهي و الملاهي و الخمور و جل آماله أن يسعي لتقوية الأحكام الشرعية و المطالب الدينية، و كان يعظم العلماء و الفضلاء و يلتزم جانب سيد شيخي المعروف ب (نقطه چي أوغلي) و أن أحمد بيك قد وافق رغبته فلا يتجاوز مشورته و تدبيره إلا أنهما كان من طبعهما البخل و الإمساك سواء الشيخ و السلطان و قصروا في أمر الإنعامات علي ما هو المعتاد ذلك ما دعا أن يطلبوا بإلحاح و يحرجوهما في الطلب … و هذا ما انتج الضرر عليهما بسبب أن الحكومة لم تتمكن من الاستقرار بعد فكانت العاجلة في القضاء علي هذه الحكومة و أدت إلي انقراضها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 308

إن أحمد بيك لم يأمن من غدر هؤلاء الأمراء و كان من أكابر أمرائه و المقدمين لديه كثيرا حسين عالي خاني الذي هو صهره و لما ارتاب منه قتله و ذلك في شهر ذي الحجة لسنة 902 ه مما أسخط عليه القوم …

و في هذه الأثناء فوض إلي أبيه سلطان إيالة كرمان. و هذا اتخذ ذلك فرصة سانحة فاستأذن في الذهاب و سار إليها من تبريز و ذهب إلي فارس. و هناك اتفق مع حاكم تلك الديار قاسم بيك پرناك فعصوا.

فاطلع السلطان علي جلية الأمر و من ثم

جهز جيشا في الشتاء و سار إلي العراق و قاموا هم أيضا من شيراز في عدة قليلة و ساروا إليه. و في حدود خواجة حسن يوم الأربعاء 18 ربيع الثاني سنة 903 ه التقت الكتائب فكانت الحرب قد أسفرت عن قتل السلطان أحمد بيك و الشيخ المشهور بنقطه چي أوغلي مع خواص أحمد بيك …

422 و في جامع الدول:

«كان- السلطان أحمد بيك بعد قتلة رستم بيك- متوهما من الأمراء، لا سيما مدبر أمره و صهره علي أخته حسن بيك علي خاني، فقبض عليه و قتله في ذي الحجة سنة 902 ه، ثم قتل مظفر بيك ابن منصور بيك أيضا من أعاظم الأمراء، فتوهم منه سائر الأمراء، و استأذنه اللّه قلي سلطان في المسير إلي أقطاعه كرمان فأذن له في ذلك، فخرج اللّه قلي سلطان من تبريز و سار إلي فارس و حرك و اليها قاسم بيك پرناك علي العصيان فاتفقا علي الخلاف. و لما وصل الخبر إلي أحمد بيك خرج إلي صوب العراق لدفع غائلتهم، و سار اللّه قلي و قاسم بيك أيضا من شيراز إلي جانب العراق فالتقي الجمعان في حدود خواجه حسن من نواحي أصبهان يوم الأربعاء 18 ربيع الآخر سنة 903 ه فقام القتال فغدر الأمراء بأحمد بيك … فقتل مع شيخه و مستشار دولته الشيخ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 309

الشهير بنقطه چي أوغلي في جمع من خواصه، و كان هذا من ابنة السلطان محمد خان سلطان الروم و كان مشهورا بكوده لكونه قصير القامة و اليدين و الرجلين … و كان رحمه اللّه ملكا عادلا حسن السيرة، رفع المظالم من جميع بلاده، و كان متشرعا متورعا … و كان معظم همه مصروفا

في العدل … و كان يكرم العلماء و الفضلاء، و مجلسه معمورا بالمباحث العلمية و كان معتقدا في شيخه نقطه چي أوغلي (ابن نقطة چي) اعتقادا بالغا … لا يصدر إلّا عن رأيه … و مع ذلك كان هو و شيخه ممسكين بخيلين، و قطعا الإدارات التي كانت من زمن حسن بيك و ضيقا علي الأمراء في اقطاعاتهم، فآل أمرهما إلي ما ذكر. و كانت مدة ملكه نحو ستة أشهر» ا ه.

423 و هذا ما جاء في حبيب السير و فيه توضيح قال:

«إن أحمد حينما جلس علي سرير الحكم قرر قواعد العدل و أقام لواء الشريعة الغراء و أمر بلزوم متابعتها و رفع التكاليف الديوانية و غيرها مما كان يؤخذ سابقا فعفا عن كافة الطوائف من أداء الضرائب المذكورة كما أنه ألغي رسوم الإخراجات و منع من المصادرات (شلتاقات) فأبطل كل ذلك و كذا الإنعامات و الأعطيات السلطانية الأخري و منع من شرب الخمور و الملاهي … إلا أنه لم يرق ذلك لأرباب المطامع ففوجئوا في أوائل السلطنة بإبطال هذه و أن لا يخالف أمر قاضي الشرع فلم تكن في أوانها و تفصيل الخبر أنه في أوائل سلطنته قام في وجهه أبيه سلطان و قاسم پرناك فرفعوا راية الخلاف و تحاربوا معه فقضوا عليه و ذلك أن أحمد كان في مقدمة رجاله حسن علي خاني و له قوة زائدة و شوكة عند السلطان أكثر من سائر الأمراء و أركان الدولة و له ميزة عليهم مما دعا أن يظهر ما أضمره من العداء لمظفر پرناك فناصبه العداء لحد أنه قضي علي حياته فوصل خبر ذلك إلي قاسم پرناك (أخيه) و كان حاكما في شيراز فاتخذ هذه الوقعة وسيلة للقيام بشق عصي الطاعة و في هذه الأثناء

قد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 310

فوض أحمد إيالة كرمان إلي أبيه سلطان و هذا سار من أذربيجان إلي أنحاء كرمان و بعد أن قطع عدة مراحل جاءته الرسائل من قاسم پرناك كان أرسلها إليه و فيها حرضه علي طلب دم أخيه و اتفقا علي ذلك و تأكدت العهود بينهما و في الحال اتصل قاسم پرناك و جيشه بأبيه سلطان فسمع أحمد بالخبر عن هذه الحادثة فجمع جيشه و سار لدفع غائلة أولئك فالتقي الفريقان في أنحاء أصفهان فاستعرت نيران المعركة فكانت الوقعة دامية جدا و قد كتب النصر فيها لأبيه سلطان و قاسم پرناك و قتل أحمد بعد أن قضي نحو ستة أشهر في سلطنته … ا ه.

هذا و صفوة القول أنه بعد قتلة أحمد بيك صارت دولة آق قوينلو سائرة إلي الدمار فاتفق القوم علي الباطل و زاد النفاق بينهم … و لم يبق من نسل حسن بيك سوي ثلاثة أطفال و كل واحد منهم في ناحية. فمن هؤلاء سلطان مراد بن يعقوب كان في شيروان، و ألوند بيك ابن يوسف بيك في أذربيجان، و أخوه محمدي في يزد. و من ثم صارت البايندرية إلي ثلاثة أحزاب كل حزب منهم مع واحد فأعلن السلطنة فتقاتل الأمراء فيما بينهم، و سعي كل منهم في القضاء علي الآخر و عادت الممالك خرابا … إلي أن ذهبت السلطنة منهم فانقرضت علي ما سيجي ء شرح ذلك …

424 ألوند بيك:

لما قتل أحمد بيك لم يكن لدي أبيه سلطان، من الأسرة المالكة من هو أهل للقيام بأمور المملكة فكانت الخطبة تقرأ في العراق باسم السلطان مراد. و تضرب السكة باسمه، و تصدر الأوامر و المراسيم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 3، ص: 311

موشحة باسمه … فذهب أبيه سلطان إلي أذربيجان …

و قبل وصوله إلي تبريز رأي أن دايه (دايي) قاسم الذي كان حاكما في ديار بكر قد اتفق مع سيدي غازي بيك ابن يوسف البايندري حفيد شبلي بيك ابن حاجي بيك ابن طور علي بيك علي نصب ألوند بيك ملكا كما أن جماعة أخري كانوا قد أخرجوا السلطان مراد من شيروان و كان عند جده فرخ يسار و خالفوا أبيه سلطان و هذا لم يتوان في الأمر و إنما تحارب معهم و تغلب عليهم و قبض علي السلطان مراد و سجنه في قلعة روئين (رويين) و تزوج بأمه كما أنه ائتلف مع ألوند بيك و أعوانه و أتي به إلي تبريز. و في أواخر شهور سنة 903 ه أجلسه علي سرير السلطنة و سيأتي ما آل إليه أمره في خلال بيان أحوال السلطان مراد.

425 حوادث سنة 904 ه- 1498 م

426 محمدي بن يوسف بيك:

اتفق جمع من الأمراء و جعلوه سلطانا علي العراق و بعد الاستيلاء علي أصفهان تحاربوا في فارس مع قاسم بيك فانهزم منهم قاسم بيك و تحصن في قلعة اصطخر و بعد أن تم الاستيلاء علي شيراز رجعوا.

أما أبيه سلطان فإنه مع ألوند بيك قصدا مقارعة هؤلاء فتحركوا من آذربيجان إلي العراق. و عند وصولهما إلي حدود الري اختار محمدي الفرار و ذهب إلي قلعة أسنا عند حسن كيا الچلاوي فشتي أبيه سلطان مع ألوند بيك في قم و عينوا بعض الأمراء في ورامين لدفع محمدي و هذا في أواخر الشتاء و بالاتفاق مع حسن كيا الچلاوي باغت الأمراء الذين كانوا مرابطين في ورامين و فرقهم ثم ذهب أبيه سلطان مع ألوند بيك إلي أذربيجان فأخذ محمدي يتقوي شأنه في العراق و

التف حوله جيش عظيم من الترك و غيرهم و وقعت المحاربة بينه و بين أبيه سلطان و ألوند بيك في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 312

موضع يقال له عزير كندي في شهر شوال سنة 904 فكان الفوز في جانب محمدي و أن أبيه سلطان قد قتل في هذه الحرب.

و كان أبيه سلطان من أمراء البايندرية و اسمه إبراهيم بن دانا خليل بن كور محمد بيك بن قرا عثمان البايندري. ثم اشتهر باللّه قلي سلطان و كان ملكا شجاعا و ذا صولة إلا أن طالع آق قوينلو أخذ بالتحسن و طمع الخصوم في الملك. و سارت الدولة إلي الانقراض و بدت فيها علائم الموت.. من جراء قتلة هذا الأمير..

427 حوادث سنة 905 ه- 1499 م

428 تفصيل ما جرت إليه الحوادث:

بعد قتل أبيه سلطان ذهب ألوند بيك إلي حدود ديار بكر و نزل محمدي في تبريز و كان في هذه الأثناء أخرج أخو أبيه السلطان مرادا من قلعة (روئين) و أسرعوا في استصحابه إلي فارس و ذهبوا به إلي قاسم بيك پرناك و هناك نصبوه سلطانا.

أما محمدي فإنه تحرك من آذربيجان إلي العراق قاصدا دفع هؤلاء و كذلك تحرك السلطان مراد من فارس متوجها نحو العراق فتلاقي الفريقان في حدود أصفهان و وقعت بينهما معارك دامية في أواسط سنة 905 ه فأسفرت النتيجة عن قتل محمدي و كانت مدة سلطنته سنة واحدة.

429 السلطان مراد بن يعقوب بيك:

فلما قتل محمدي ظهر السلطان مراد غالبا منتصرا و تمكن من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 313

الاستيلاء علي فارس و العراق.. أما ألوند بيك فإنه لا يزال في آذربيجان معلنا سلطنته. و في الأثناء خرج عليه امرؤ دعا نفسه السلطان حسين و زعم أنه ابن جهان شاه ابن قرا يوسف و صار يطلب السلطنة في آذربيجان فجمع جيشا كبيرا. و حينئذ لم ير ألوند بيك بدا من مكافحته ففي شهور سنة 905 ه جرت معركة بينهما فتغلب ألوند و ألقي القبض علي السلطان حسين فقتله … و إثر هذه تأهب السلطان مراد لمقارعة ألوند بيك.

430 حوادث سنة 906 ه- 1500 م

431 الحرب بين السلطان مراد و ألوند بيك:

في أوائل هذه السنة و بعد وقعة ألوند بيك مع السلطان حسين تأهب السلطان مراد لحرب ألوند بيك فتصافت الجيوش في حدود أبهر و قزوين فتدخل بعض المصلحين في أمر الصلح علي أن يكون العراق و فارس للسلطان مراد، و أن تترك آذربيجان و ديار بكر لألوند بيك فرضي الطرفان و ذهب كل من المتنازعين لمملكته …

أما السلطان مراد فإنه في جمادي الثانية من السنة المذكورة جاء إلي قزوين فأقام هناك لمدة أسبوع و سار ألوند بيك إلي تبريز.

432 حوادث سنة 907 ه- 1501 م

433 الحالة في هذه الأيام:

جاء في منتخب التواريخ أن الحالة بعد هذه الحرب قد اضطربت، و انحلت الأمور فصار النهب و الغارة، و الظلم و التعديات في أطراف المملكة ديدنا و معتادا فانسدت الطرق و قلت الحركة. و قد بدت علائم الخلاف و الاختلاف و ذلك أن قاسم بيك پرناك كان قد حكم سنين عديدة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 314

في شيراز كما أن والده كان أيضا حاكمها. و في صفر سنة 907 ألقي القبض عليهما و أرسلوا إلي الصطخر، و بعدها نقلوا إلي أصفهان و هناك قتلوا في يوم السبت 10 صفر المذكور و قتل أيضا يار علي بيك البايندري و جاء أبو الفتح بيك البايندري إلي شيراز و كان حاكما في كرمان و كان يعقوب جان بيك قد اقطع فارسا في رمضان هذه السنة فوثب عليه صاحب كرمان أبو الفتح بيك ابن أخي حاجي بيك البايندري فهرب يعقوب جان (أخو أبيه سلطان) من شيراز فاستولي أبو الفتح علي فارس و دخل شيراز و بقي حاكما مستقلا نحو ستة أشهر حتي سقط من قمة جبل من جبال فيروز آباد في الصيد فمات يوم الأحد 8 شعبان هذه السنة.

و

الحاصل أن المملكة في أيام هذه الحكومة قد نالها الخراب و الدمار و كثرت المجاعات فمات الكثير من الأهلين جوعا و بسبب الطواعين و الأوبئة تفرق الباقون شذر مذر و تركوا أوطانهم، و لا تزال الأوضاع في ارتباك، و الشاه إسماعيل الصفوي لم ينم عن هذه الأحوال و إنما كان يتطلع إليها و يترقب الفرصة استفادة من الوضع و انحلاله..

و مما قيل آنئذ في تصوير حالة الشرق:

إذا شئت أن تلقي دليلا إلي الهدي لتقفو آثار الهداية من كاف

فخلّ بلاد الشرق عنك فإنها بلاد بلا دال و شرق بلا قاف

434 شاه إسماعيل- ألوند بيك:

اغتنم الشاه إسماعيل فرصة الخلاف و الضعف و تذبذب الحالة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 315

فجمع كتائب كثيرة في أوائل شهور هذه السنة (سنة 807 ه) فتقارع مع ألوند بيك في حدود نخجوان فنكل بألوند و من معه من أمراء البايندرية تنكيلا مرا و فرق جموعهم شذر مذر فاستولي الجيش الصفوي علي مملكة أذربيجان … و أساسا أن الأهلين ضجروا من ظلم آق قوينلو و سائر من معهم من التركمان فعدوا ذلك خلاصا لهم مما نالوه …

فابتهجوا بهذا النصر و كانوا في أمل أن يستريحوا من العناء …

و بقي ألوند مدة متحيرا يتجول هنا و هناك إلي أن طوحت به الحالة إلي ديار بكر و كان قد مر ببغداد فلم ير له بها مستقرا و الحاكم في هذه الأنحاء دايي قاسم بيك بن جهانكير بيك (ابن أخي حسن بيك) و ليها مدة و كانت السلطنة باسمه، و هذا تحارب مع ألوند في حدود ماردين فتغلب ألوند عليه و تسلطن هناك …

قضي هناك مدة و توفي في شهور سنة 910 ه.

435 حوادث سنة 908 ه- 1502 م

436 السلطان مراد- الشاه إسماعيل:

بعد أن أخرج الشاه إسماعيل ألوند بيك من أنحاء آذربيجان نظم إدارته و قرر ملكه فمضت سنة علي حكمه و حينئذ عزم علي حرب السلطان مراد فسار إلي أطراف العراق و في يوم السبت 24 ربيع الأول سنة 908 ه تحارب في حدود همذان مع السلطان مراد فانتصر عليه و علي هذا مضي السلطان هاربا إلي أنحاء شيراز و من هناك سار إلي بغداد إلي باريك بيك پرناك حاكم تلك الديار فاستقر في الحكم هناك …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 316

437 وفيات
438 جلال الدين الدواني:

في هذه الأيام زاد انهماك الناس بالسياسة فصدتهم عن الالتفات إلي العلوم و التبرز فيها، و تركوا النظر، أو اهملوا التدريس و صار لا يلتفت إلي العلوم … فكانت السياسة من جهة و الحروب العنيفة من جهة أخري، مما شغل الأهلين، و ألهي غالبهم عن الانصراف للعلوم، و التطلع للفلسفة، أو الحرص الزائد في طلبها … و في الوقت نفسه مال الأمراء بكليتهم للحروب و السياسة فلم ينظروا للعلوم و لا لرجال العلم.

و مترجمنا يعد من فلاسفة عصره، و من مشاهير المتكلمين، استهوته (الأفلاطونية الحديثة)، و الغالب عليه أنه مال إليها من جراء توغله في الكلام، و مناظراته.. فرأي مباحثها أوفر تفسيرا لما عنده، و كان التصوف و الشعر الفارسي مما جره إلي ناحيتها.

و كانت الآراء السياسية، و الآمال الحربية، و الثورات الكبيرة، و الطغيان و الاضطراب مما أثر تأثيره علي الآراء العلمية و الثورة عليها، و كانت حالة العصر في تحول عظيم و انتقال فلا يبعد أن يستهوي التصوف هذا الرجل، فيعتنق فكرة مثل ما جاء في رسالته الزوراء.

و الرجل يعد من أقطاب الفلسفة القديمة كان في عصره ذائع الصيت.

و من

مشاهير العلماء في أيام الدولة البايندرية، انتشر خبره في الأقطار و هو حي، و عرف بالعلم الجم و الفضل الكبير … كان شافعي المذهب، و أصله من قرية دوان التابعة لكازرون، و كان قاضيا بإقليم فارس، أخذ عن المحيوي اللاري و حسن بن البقال، و تقدم في العلوم سيما العقليات و أخذ عنه أهل تلك النواحي، و شد إليه الرحال كثيرون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 317

من مدن قاصية من الروم و خراسان و ما وراء النهر و استقر به السلطان يعقوب في القضاء … و غالب أيامه قضاها بشيراز.

و له تصانيف كثيرة: (منها)

1- أخلاق جلالي، و يسمي (لوامع الإشراق في الحكمة العملية و المنزلية و المدنية في مكارم الأخلاق)، فارسي مختصر أوله: افتتاح كلام بنام واجب الإعظام الخ … و هذا كتبه للسلطان حسن الطويل، و قدمه إليه.

2- شرح علي شرح التجريد للطوسي. عم الانتفاع به.

3- شرح هياكل النور.

4- إثبات الواجب القديمة، أولها سبحانك ما أعظم شأنك الخ و عليها شروح و تعليقات و عندي نسخ مخطوطة منها، قدمها للسلطان يعقوب بهادر خان و جاء في بعض المخطوطات أنه قدمها للسلطان بايزيد العثماني و ليس بصواب. و كان تأليفها في 14 رجب سنة 889 ه. كذا محرر في نفس الرسالة.

و نعت السلطان بمزيد العلم و الدين، و في حمي بيضة الإسلام من إفساد الكفرة الطغام، و حرس حوزة الإيمان عن مفاسد أهل الشرك و الطغيان … ذكر الناس بعدالة أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أنسي الناس خلافة بني العباس بشامل الجود و كامل السطوة و عظيم الباس … فهو الذي أنار مصابيح العلوم بعد انطفائها و نضر رياض الحكم عقب ذبولها و

ذهاب روائها، و أصلح أركان الفضائل و المعالي بعد فسادها، و روج أسواق الأفاضل و الأعالي إثر كسادها حتي جلبوا بضائع العلوم إلي حضرته من كل فج عميق، و جنوا ثمرات باسقات عرائس الفهوم إلي سدته من كل بلد سحيق فوسمتها باسمه العالي المكتوب علي جباه السماوات العوالي رسما لخدمته و أتحفت نسخة منها إلي عامر خزانته الخ.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 318

5- إثبات الواجب الجديدة، و عليها شروح و تعليقات أيضا.

6- الزوراء. يذكر أنه ألهم بها في حضرة الإمام علي عليه السلام.

و كثيرون يقطعون في أنها لم تكن له و هي مختلقة، لما فيها من عقائد و آراء فلسفية مثل الأعيان الثابتة غير مجعولة. و هي مطبوعة مع ذيلها.

كتبها- علي ما يقال- ببغداد فكانت سبب تسميتها، فقد ألفها أو ألهمت إليه.

7- ذيلها (هتك الأستار). له. طبعت.

8- الأنوار الشافية.

9- شرح العقائد العضدية. فرغ من تأليفه في ربيع الأول سنة 905 ه ببلدة جيرون و هو آخر مؤلفات الجلال كما قيل. ذكر ذلك في كشف الظنون. و بهذا عرف أنه لا يزال علي عقيدته الأولي و أن الزوراء مدسوسة عليه و من كتبه (أخلاق جلالي) و يعد من الآثار المعتبرة، نال شهرة كبيرة، و ترجم للانجليزية و له مهارة في الشعر أيضا. و مما قاله فدعا للتقولات:

درد خمار دارم و دود مان من ميست مي ده كه مي ز بهر مداوا حرام نيست

و أجابه بعض الشعراء:

بهارست دركشي مي ارغواني بفتواي ملا جلال دواني

و يطول بنا الآن الكلام علي مؤلفاته، و قيمتها الفلسفية، و مكانة عقيدته منها … خصوصا رسالة الزوراء و هتك الأستار، فإن لها موطنا غير هذا، و هو التاريخ العلمي و الأدبي … و الملحوظ

أن أهل الأبطان حاولوا الاستفادة من شهرته فنسبوا إليه الزوراء و هتك الأستار …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 319

ولد سنة 830 ه، و توفي سنة 908 ه.

439 حوادث سنة 913 ه- 1507 م

440 حكومة مراد في بغداد:

قضي السلطان مراد في العراق نحو خمس سنوات و نصف و هو في حالة اضطراب و تشوش لا يدري مصيره تجاه عدو قاهر استولي علي أكثر بلاد إيران و صار لا ينازع في سلطته و قهره.. مضت هذه المدة و لم تظهر حوادث تستحق التدوين في حين أننا نري الشاه إسماعيل ينسق إدارته و يقرر حكمه و ينظم شؤونه و يتأهب للقضاء علي البقية الباقية من حكومة آق قوينلو.. و هو في هذه الحالة يعلو سعده و تنقاد له الأقوام طوعا أو كرها و قد مل الناس الحروب و صاروا في رغبة شديدة إلي الراحة، و إلي حاكم قاهر يقضي علي أرباب الفساد و الشغب.

441 حوادث سنة 914 ه- 1508 م

442 شاه إسماعيل و فتح بغداد:

و في سنة 914 ه توجه الشاه إسماعيل نحو العراق للوقيعة بالسلطان مراد و تفصيل الخبر أن الشاه إسماعيل كان قد احتفل بمناسبة استيلائه علي كيلان و في هذه الأثناء سمع أن السلطان مراد قد سار إلي علاء الدولة من دلغادر (ذي القدر) و التحق به تاركا بغداد، و أن علاء الدولة قد زوج ابنته إلي السلطان مراد فاتفقوا و تكاتفوا علي القيام في وجه الشاه إسماعيل و توجهوا بجيش جرار و مضوا به إلي ديار بكر بقصد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 320

الاستيلاء عليها و اشتعلت نيران الفتنة هناك فعلم الشاه بكل ذلك و حينئذ عزم علي دفع هؤلاء و جهز جيشا لجبا لهذه الغاية و القضاء علي هؤلاء و جعل وجهته آذربيجان.

فلما اطلع علاء الدولة علي جلية الأمر و نوايا الشاه انسحب من ديار بكر التي كان قد استولي عليها فتركها و أبقي فيها بعض أعوانه و معتمديه و مضي إلي البستان أما الشاه إسماعيل فإنه سار

إلي ديار بكر و استولي عليها و مزق جيش علاء الدولة فعين محمد بك استاجلو حاكما في تلك الأنحاء و رجع الشاه إلي مدينة خوي فأقام بها.

ثم إن علاء الدولة رفع لواء الحرب مرة أخري و بعد مدة و جيزة جاءت البشري للشاه بانتصار محمد بيك استاجلو عليه و تمزيق شمل جيشه و هربه إلي ديار الروم (الأناضول) فقتل هناك.

و في جامع الدول: «هرب السلطان مراد إلي بلاد قرمان، ثم رجع و التجأ إلي الأمير علاء الدولة من ذي القدرية (دلغادر) فأكرمه علاء الدولة و زوجه بابنته فولدت له ولدين يعقوب بيك و حسن بيك و بقي السلطان عند الأمير علاء الدولة إلي أن توجه سلطان الروم (العثمانيين) السلطان سليم ياوز إلي قتال شاه إسماعيل في سنة 920 ه فسار السلطان مراد في جمع إلي تسخير ديار بكر ملك آبائه و أجداده فقاتل القزلباشية المستولية علي تلك الديار و كان مقدمهم دورمش بيك قورجي باشي شاملو فانكسر السلطان و قتل قبل عيد الفطر بيوم من السنة المذكورة و حمل رأسه إلي الشاه إسماعيل. و كان مولده ليلة السبت 3 رمضان سنة 895 ه و عمره (25) سنة و مدة حكمه 9 سنين و هو آخر ملوك البايندرية» ا ه.

أما بغداد فإنها كانت من حين ذهب السلطان مراد عنها بيد الحاكم بها و هو (باريك بيك) استولي عليها و كان ينزع إلي السلطنة و الاستقلال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 321

و لم يخضع لنفوذ الشاه و في خريف سنة 914 بينما كان الشاه في ربوع همذان عزم أن يستولي علي بغداد بإخضاع صاحبها فأرسل لهذه المهمة أحد قواده المشهورين خليل بيك يساول و هو من

المحنكين المجربين فتوجه إلي مدينة دار السلام بصفته رسولا من جانب الشاه بغرض أن يقف علي الحالة و يختبر الأمر مباشرة …

فلما علم صاحب بغداد بقدوم رسول الشاه بعث لاستقباله جماعة من خيرة رجاله فاستقبلوه بعز و احترام و جاؤوا به إلي بغداد فاجتمع بالوالي (باريك بك) في بستان ميرزا پير بوداق فأدي للرسول مراسم التكريم و الاحترام و أبدي الوالي الخضوع للشاه و أنه طائع منقاد …

و أرسل الوالي أحد أمرائه و هو إسحاق الدباس السيرجي و معه تحف و هدايا برسم تقديمها للشاه و يظهر الطاعة له. فغادر أبو إسحاق بغداد و معه خليل بيك رسول الشاه فوردوا إليه و قدم أبو إسحاق الهدايا من سيده و قال له إنه أذعن بالطاعة …

إن الشاه كان يأمل أن يجي ء إليه باريك بيك بنفسه و لذا لم ينظر إلي الهدايا بعين الرضي و لكنه أبدي لأبي إسحاق لطفا و كرما و أذن له بالانصراف و أن يبلغ سيده باريك بيك أنه لا حاجة له بالهدايا و إنما يريد أن يأتيه باريك بيك طائعا لينال كل عاطفة و إلا فإنه إذا توسل بالخداع و عكر فسوف ينال العقوبة الصارمة فانصرف أبو إسحاق من الشاه و عاد إلي بغداد فعرض لسيده مطالب الشاه.

أما باريك فإنه أبدي في أول الأمر طاعته بصورة ظاهرية و بعد مدة أخذ يتأهب و يستعد لبناء القلاع و جمع الأرزاق و المؤونة و فرض علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 322

الأهلين ضرائب ثقيلة و أمر بأخذ ما عندهم من حبوبات و أطعمة تأهبا للطواري ء بحيث تجمع لديه ما يكفي إعاشة الجيش لمدة ثلاث سنوات …

و كان نقيب بغداد و من أشرافها السيد

محمد كمونة الذي ورث النقابة أبا عن جد و كان متهما بإخلاصه للشاه فأمر باريك بالقبض عليه و زجه في السجن..

و أما الشاه فإنه حينما انصرف أبو إسحاق الدباس منه عزم علي فتح بغداد و عين لهذه المهمة أحد قواده و هو حسين بيك (لله) (لالا) أرسله مع الجيش مقدما ثم تحرك هو بعده متأخرا فسمع باريك فاضطرب و فضل الفرار علي الكفاح و النضال فعبر علي ظهر جواده من جسر بغداد ليلا و توجه نحو مدينة حلب. و جاء في جامع الدول «أن باريك ذهب إلي العثمانيين و بقي في خدمة السلطان سليم ثم ولده السلطان سليمان ثم عرض إليه عمي فاستأذن السلطان في المجاورة بمكة المكرمة فأذن له في ذلك، و سير إليها مكرما و بقي فيها إلي أن توفي» ا ه.

و عند الصباح اجتمع الأهلون ببغداد و جاؤوا إلي الجب الذي سجن فيه السيد محمد كمونة المذكور فأخرجوه منه و سلموا إليه مقاليد الأمور ببغداد. و هذا يعد بمثابة طاعة منهم للشاه … و في هذه الأثناء تبينت طلائع الجيش الإيراني يوم الجمعة يقدمهم لالا بيك و جاؤوا إلي أطراف بساتين بغداد و في يوم الجمعة المذكور صعد السيد محمد كمونة المنبر و خطب باسم الشاه إسماعيل و أدي كمال الإخلاص و الطاعة و بعد الصلاة خرجوا من البلدة لاستقبال لالا بيك و الاحتفال بقدومه …

أما لالا بيك فإنه راعي التعظيم و التكريم اللائق في حق السيد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 323

محمد كمونة و عطف عليه عطفا لا مزيد عليه فذهب السيد محمد كمونة و حسين بيك لالا إلي الشاه و بشروه بفتح بغداد و سلم إدارة المدينة لخلفا بيك

و هذا كما قال صاحب حبيب السير أمير عادل، أتي بغداد قبل موكب الشاه فأمن حقوق الناس.

443 دخول الشاه بغداد و زيارته مراقد الأئمة:

و إثر ذلك، و بتاريخ 25 جمادي الثانية سنة 914 ه وافي الشاه إسماعيل بغداد و قد فرح به السواد الأعظم و قدموا له الذبائح و احتفلوا بقدومه. نزل بستان پير بوداق فالتجأ الناس إليه و زاد الشاه في رتبة السيد محمد كمونة …

و في اليوم التالي ذهب إلي زيارة كربلا المشرفة و صنع الصندوق المذهب للحضرة و وقف فيه اثني عشر قنديلا من ذهب و فرش رواق الحضرة بأنواع المفروشات القيمة … و اعتكف هناك ليلة ثم رجع في اليوم التالي متوجها إلي الحلة و منها ذهب إلي النجف الأشرف لزيارة الإمام علي عليه السلام و قدم النوادر الفاخرة و الهدايا الجزيلة لسكان المدينة و أنعم بإنعامات وافرة.

ثم رجع إلي الحلة و من هناك توجه نحو البادية إلي (قبيلة غزية) النازلة في البادية فأخضعها و عاد إلي بغداد و من هناك مضي لزيارة الإمامين موسي الكاظم و محمد الجواد و كذلك أنعم علي من هناك بأنواع الإنعام …

ثم توجه إلي زيارة (علي النقي) و (حسن العسكري) الإمامين في سامرا و بعد أن أتم زيارته رجع إلي بغداد و نزل في البناية التي أوصي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 324

ببنائها في أول مجيئه إلي بغداد قرب باب (قراقپو) في فسحة هناك فاستراح …

ثم ذهب إلي (طاق كسري) للفرج و من هناك توجه إلي أجمة السباع للصيد في الجزيرة المجاورة فهجم سبع عليهم و حينئذ قتله الشاه بنفسه و رجع إلي بغداد و عين رواتب إلي خدام الأعتاب المقدسة و أمر بجمع نجارين و مهندسين من أطراف الممالك

ليصنعوا ستة صناديق منقوشة بنقوش خطائية أو أسلمية (سليمية) في غاية الإتقان و الإبداع ليضعها علي المراقد المشرفة و يرفع الصناديق العتيقة.

ثم عين بولاية بغداد (خليفة الخلفاء) و كان قبل هذا يدعي (خادم بيك) فلقبه بخليفة الخلفاء و كناه بأبي منصور و أوصاه بتمشية الأمور و العناية بمراقد الأئمة و أنعم عليه بأنواع الخلع ثم توجه إلي الحويزة.

و بهذا انقرضت حكومة البايندرية من العراق …

444 أشتات آق قوينلو:

يعد أكثر المؤرخين السلطان مرادا آخر ملوك آق قوينلو. و أن وقعة بغداد سنة 914 ه هي تاريخ انقراض هذه الحكومة إلا أن مرادا سار قبلها إلي علاء الدولة دلغادر و بقي عنده … و في رواية أنه فر إلي مصر.

و المعول عليه ما تقدم. و في أثناء الحرب مع إيران قد ولي قيادة فرقة من الجيش العثماني و ذهب للاستيلاء علي ديار بكر هناك قتل في رمضان سنة 920 ه فانتهي أمرها تماما.

و في القرماني ما نصه:

«في سنة 908 ه قصد الشاه إسماعيل الصفوي بغداد و بها السلطان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 325

مراد، و كانت قد ضعفت دولتهم و قويت شوكة الأردبيلية و كانوا قد استولوا علي غالب بلادهم التي بأيديهم فلم يطق مراد المقاومة فترك بغداد و أتي الروم مستغيثا مستجيرا، فلم ينل بها قبولا، ثم ذهب و التجأ إلي علاء الدولة بن ذي الغادر و أخذ منه مددا و ذهب إلي بغداد و استردها و استقر علي سريرها و كان إسماعيل مشغولا بحرب بعض الملوك ثم قضي أربه و هجم علي مراد المذكور ببغداد و طرده عنها و استولي عليها و اضمحل حال مراد و لم يعلم له خبر و هو آخر من ملك عراق

العجم من أهل هذا البيت» ا ه.

و لكن هذا لم يؤيد من مؤرخين آخرين.

و في كتاب الدول الإسلامية و غيره ذكر النقود لأكثر ملوك آق قوينلو و أنها موجودة و يشاهد فيها عنوان (سلطان). و في المسكوكات الإسلامية لأحمد توحيد المطبوع سنة 1321 قد ذكر بين أسماء ملوكهم زينل بن أحمد بن أوغورلو محمد و حسن الثاني بن يعقوب إلا أنه لم يعين المرجع الذي عول عليه … و علي كل إن فروع هذه الحكومة في آذربيجان و آمد و ماردين إلا أن التفصيلات عنها لا تزال غامضة و قد ذهبت أخبارها فلم يبق إلا القليل و في أنحاء الموصل تركمان عديدون و لكن لا يفرق بينهم أو عاد لا يعرف لهم كيان خاص.

فهم الآن يعيشون أشتاتا و متفرقين أو كتلات ضعيفة و صغري …

445 سلاطين آق قوينلو:

1- بهاء الدين قرا عثمان 806- 839.

2- جلال الدين علي 839- 942.

3- نور الدين حمزة 839- 848.

4- معز الدين جهانكير 848- 875.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 326

5- أبو النصر حسن بيك الطويل 871- 882.

6- خليل 882- 883.

7- يعقوب 883- 896.

8- بايسنقر 896- 898.

9- رستم بيك 898- 902.

10- كوده سلطان أحمد 902- 903.

11- محمدي 903- 905.

12- ألوند 903- 910.

13- سلطان مراد 903- 914.

446 1- ملحوظة:

إن الذين جاؤوا قبل حسن بيك كانت إمارتهم قبائلية و ضربت أحيانا النقود بأسمائهم … و إن حسن بيك أكسبها شكل حكومة منظمة و اتفقت كلمة المؤرخين علي أنه أول ملوكهم.. و الثلاثة الأخيرون تنازعوا السلطة و لم يصف الأمر لواحد و الأخير منهم انتزعت بغداد منه في سنة 914 ه و بقي متجولا، قتل عام 920 ه.

447 2- ملحوظة:

لا نري أسماء ولاة بغداد متسلسلة و مطردة.

448 آخر القول في هذه الدولة:

مضي هذا العهد بتفصيلاته و خير أيامه زمن حسن الطويل و ابنه يعقوب بيك فإنها من أحسن الأدوار دامت فيها بعض المواهب العلمية، و الكفاءات الصناعية إلي مدة.. فنري ظهور بعض الشعراء و العلماء. إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 327

أن جاءت النوبة إلي الحكومة الصفوية. فلم تنقطع الصلة بين الماضي و الحاضر. و لكن الفتن الأخيرة جعلت أمراء هذه الحكومة و سلاطينها في ريب من وضعهم. و قد اشتدت الحزبية حتي بلغت حدّها و كثرت الفتن فكانت أشد مما هي عليه في عهد دولة قرا قوينلو.

كانت المجادلات بين أمراء هذه الدولة أنفسهم و صار الملوك ألعوبة بأيديهم فلم يستقر حكم. ثم زاد في الطين بلة (ظهور الصفوية) و قيامهم، فلم يبق أمل للناس في الراحة، و الطمأنينة. و ضعف العراق و تذبذب أمر إدارته فلم تدع الغوائل طريقا للنهوض و لا كانت الفرصة سانحة للاستفادة من شدة الخلاف و الاختلاف بين الأمراء و بين الناهضين الجدد.

و كل المدونات عن هذه الحكومة أو غالبها يخص حالتها العامة، و وضعها الشامل فلا تجد بحثا خاصا عن العراق و مستمرا إلي آخر أيام هذه الدولة و ليس فيها ما يوضح الحالة الاجتماعية و ما عرض لها من أوضاع. فهي في غموض نوعا.

و الحالة العشائرية متبدلة و لم نر للعشائر ذكرا في أيام هذه الدولة إلا قبيلة واحدة هاجمتها الحكومة الصفوية و هي قبيلة (غزية) و هذه كانت صاحبة الصولة في هذا الدور و كذا جاءت الإشارة إلي الجوذر و الجحيش … و كأن هذه العشائر اعترتها بهتة من هذه التبدلات.

أما المدارس فلا نجد واحدة من مؤسساتهم بل لا

نري لها ذكرا فإن الحالة كانت تدعو للقلق فلم ترج سوق العلم إلا بقدر الحاجة و التنوع في ضروبه يكاد يكون مفقودا ذلك ما دعا أن يندثر. و البقية الباقية لا تزال تظهر مواهبها في واحد بعد آخر. فلم يعدم القطر من علماء و الاطراد و المجري العلمي المعروف من أكبر العوامل علي البقاء أو بالتعبير الأصح التشكيلات آنئذ تدعو أن لا يفقد العلم و إن كان فقد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 328

من يدون عنه، أو عاد لا تري له قيمة تجاه العظمة السابقة و العلم المعروف نقله تواترا كابرا عن كابر.

و لا قول في أن الناس عباد الجاه و السلطة … و أن رغبة الحكومة مصروفة إلي الآداب الفارسية … مما دعا أن تنحط العربية، أو أنها لا تنال المكانة ما لم تقرن بالفارسية التي حلت مكانتها و رسخت …

فاضطر الناس أن يتعلموهما معا و برز النوابغ في الشعر الفارسي و العربي معا و وجدنا من حمي العلم و العلماء، أو راعي الروح الأدبية و الفنية و إتقان الصناعة … فراج الخط و ظهر خطاطون عظام خصوصا في التعليق و في النستعليق.. مما بلغ الغاية حتي ظهر مير عماد … و من نحا علي هذا النحو.. كما أن النسخ بلغ غاية ليس وراءها..

و هكذا لم ينعدم النقش و التزويقات الكمالية، و التجليد فنري نماذج فاخرة و فخمة إلا أنها متفرقة و مشتتة في مختلف الأقطار.. و من مجموعها ما يشعر بأن الروح العلمية و الأدبية و الصناعية.. لم تندثر و إنما انتشرت في مناطق أخري و تجولت بالنظر للرغبات العلمية و الصناعية..

إلا أنها لم تكن بشكلها العام الشامل و نري أفرادا قليلين

قد نبغوا فاشتهروا و لم يعدموا التقدير..

و في عصورنا هذه قد وقف كل صنف من صنوفها علي فرعه و جمد عليه فلم يحصل احتكاك في الأفكار فالواحد لا يدري عن عمل الآخر و لم يلتفت إلي العلاقات..

و جمع المعلومات المتفرقة تتوقف علي الحصول علي الوثائق من كافة النواحي و أما الوجهة السياسية و الحربية فهذه قد يتعرض لها في بعض المواطن و تهمل أخري.. ذلك ما صعب مهمة بحوثنا، و الاعتراف بالعجز في أكثر المواطن، و لزوم التكاتف للمباحث و التناصر علي جمعها و عرضها للعموم …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 329

و الحاصل أن هذه الحكومة قد طمس الكثير من أثارها، و اندثر العظيم من تاريخها و لو لا التحري و رجاء العثور، و أمل التناصر لقطعنا في مجهولية غالب هذا التاريخ …

449 تصحيح مهم:

لقد ورد في هذا المجلد عبارة «پير بوداق يرلغندين أبي النصر يوسف بهادر نويان سهو زمير»، و إن كلمة (سهوزميز) خطأ، و صوابها (سوزميز)، و يتلفظها الأتراك الآن سوزمز، و يراد بها (قولنا) و تعني (فرماننا، و منشورنا) أو (اراداتنا)، و تكتب عادة كتوقيع في صدر فرامين أكثر الدول التركية، كالتيمورية، و قراقوينلو، و آق قوينلو حتي إنها تذكر في وقفياتهم، و في خزانة الأوراق في استانبول فرمان للشاه رخ فيه جملة (شاهرخ بهادر سوزميز) و في فرمان آخر للسلطان حسن الطويل مصدر ب (سلطان حسن بهادر سوزمير) و يعبر عنها العثمانيون بعبارة (فرمان عالي شان حكمي) و يقابلها عندنا عبارة (أمرنا بما هو آت) و هذا الإيضاح و التصحيح للأستاذ الفاضل (البروفسور مكرمين بيك خليل) أستاذ التاريخ في الجامعة التركية باستانبول و نحن نشكر له هذا الاهتمام و اللطف

لما تفضل به مقدرين له جهوده العظيمة للتاريخ.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 331

450 3 الدولة الصفوية

اشارة

(من 25 جمادي الآخرة سنة 914 ه- 1508 م إلي 24 جمادي الأولي سنة 941 ه- 1534 م)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 333

الدولة الصفوية في العراق

452 نظرة عامة

هذه صفحة أخري من صفحات تاريخ العراق، تتعلق بحكومة نشأت خارج العراق و استولت عليه، في 25 جمادي الثانية سنة 914 ه- 1508 م و لا تزال معروفة لدينا، و وقائعها باقية إلي أيام نادر شاه لما قامت به من حروب و مناضلات بينها و بين الدولة العثمانية في التنازع علي السلطة في العراق بصورة متوالية و كانت مؤلمة جدا مما دعي أن يقول العوام في أغانيهم (بين العجم و الروم بلوي ابتلينا) و هذه و إن كان موردها غراميا تعني التألم و التوجع مما جري فقد احترق الأهلون بين نيران الاثنين المتحاربين.

و لو لم يقولوا شيئا فإن ذكري الحوادث مما يحزن و يستدعي الكره لهذه الحالة فالمتغلب منهما يحاول القضاء علي كل نزعة لمخالفه و يسعي لتدميرها و استئصالها و الآخر يراعي عين العملية بلا رحمة و لا شفقة … فكأن القوم لا هم لهم غير اجتثاث ما من شأنه أن يبقي أثرا للآخر … و كل يعلن نصرته للدين، و انتصاره لجماعته المتقين …

و السياسة أصل الفعل، تقمصت بقميصه، و ظهرت بمظهره …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 334

و المغفلون يعتقدون صحة ما ذهب إليه كلّ فيجري المفعول بلا شفقة و لا رحمة.. و لا تسل عما أصاب من هلاك في النفوس و تدمير في الأموال، أو في العلوم و الآثار، أو في الثقافة.. و الواحد لا يترك أثرا للآخر، أو علاقة إلا أتي عليها فلم يجد العراق من راحة أو هناء، و لا

طمأنينة و سكون.. يخرجون من حادث ليترقبوا آخر، فالمصائب تتري، و الوضع غامض، لا يعرف القوم مصيرهم، و لا ماذا سيحل بهم.. و سيأتي ما يبصر بهذا من وقائع مثبتة، و حوادث مزعجة لا تقف عند هذا العهد و إنما تمتد إلي ما بعده.. و إن خيرات البلاد مكنت الناس من المقاومة نوعا ما و حافظت علي البقاء.

و في هذا الدور الوثائق قليلة جدا من ناحية التعريف بالمحيط، و الاطلاع علي أحواله الخاصة و وقائعه الصحيحة.. و ما وصل إلينا غالبه جاء من طريق الحكومات المسيطرة و فيه ترويج سياستهم و مراعاة وجهة نظرهم و خطتهم في فتوحهم و إدارتهم.

و من مقارنة النصوص تتوضح لنا الحالة و تبدو ناصعة إلا أن ما يهم السياسة مدون، أو ما يتعلق بالحروب مع أعدائهم، أو مع أهل المملكة معروف. و ما سواه مما يميط اللثام عن الشعوب و مكانتها، أو علومها و آثارها، أو علاقتها الاعتيادية.. لا يزال في خفاء و غموض أو قليل التمحيص و التنقيب.. و قد استنطقنا مؤرخين عديدين لنستخلص ما يجب الوقوف عليه لجلاء الغامض..

453 حوادث سنة 914 ه- 1508 م

454 فتح بغداد:

استولي الشاه إسماعيل علي بغداد بتاريخ 25 جمادي الثانية 914 ه و قد ذكرنا حادث دخوله فلزم أن نعين أصل هذه الحكومة و تكونها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 335

455 أصل الصفوية إلي توليها الحكومة:

هذه الحكومة ليس لها ماض في الحكم و الإدارة، و إنما كانت معروفة بتصوفها و مؤسسها فاتح بغداد الشاه إسماعيل ابن السلطان جنيد ابن الشيخ صدر الدين إبراهيم بن الشيخ خواجة علي ابن الشيخ صدر الدين موسي بن الشيخ صفي الدين أبي إسحاق ابن الشيخ أمين الدين جبرئيل بن الشيخ صالح ابن الشيخ قطب الدين ابن صلاح الدين رشيد بن محمد الحافظ بن عوض الخاص بن فيروز شاه زرين كلاه بن محمد بن شرف شاه بن محمد بن حسن بن محمد بن إبراهيم بن جعفر بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن الأعرابي بن أبي محمد القاسم بن أبي القاسم حمزة بن الإمام موسي الكاظم عليه السلام. هكذا ساق نسبه صاحب لب التواريخ و قد رأينا الإيرانيين اليوم يبرهنون بأدلة كثيرة علي أن الصفويين لم يكونوا سادة … و هكذا وجدنا الدكتور رضا نور صاحب (تاريخ الترك) يعين أنهم من الترك، و يستدل بأنه رأي ديوانا لشاه إسماعيل باللغة التركية و منه نسخة في استانبول و أخري في طهران و أقول إنه يلقب نفسه في شعره بخطائي و لعل استدلاله مبني علي أنه من الخطا … و إلا فالتركية لا تعني بطلان السيادة. و ديوانه معروف و لكن هؤلاء لم يعينوا المراجع القطعية في تحقيق نسب هؤلاء و لم يبرهنوا علي صحة نسب آخر يؤيد بوثائق معتبرة و لا يهم هذا كثيرا في نظرنا فقد قاموا بما قاموا به و صاروا في عداد

دول إيران و العراق … و ليكن الشاه إسماعيل مبدأ نسبه، و مؤسس دولته … توسل اعداؤهم بشتي الوسائل للطعن في نسبهم.

و مهما يكن فإن هذه الحكومة نهضت من سجادة الإرشاد إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 336

كرسي السلطنة من طريق التصوف و استهواء الناس من ناحية الدين باتخاذ المريدين و تشكيل جيش منهم … و ليس هذا بالمستبعد و لا بالغريب في وقائع التاريخ و ماضيهم الإرشادي هو أن بعض هؤلاء قد اشتهر بسلوكه المقبول و نال مكانة محترمة أعني به الشيخ صفي الدين الجد الأعلي كان درويشا صوفيا، ملازما تكيته في أردبيل و قد تلقي الطريقة بوسائط عن الإمام الغزالي و لما توفي خلفه في إرشاده ابنه صدر الدين و بعده ابنه الشيخ علي في تلقين الطريقة و بوفاته جاءت النوبة إلي الشيخ إبراهيم فصار صاحب الإرشاد و خلفه في المشيخة ابنه الشيخ جنيد … و هذا كثر مريدوه و ذاع صيته و تزايدت شهرته في أنحاء إيران … أيام السلطان جهان شاه من ملوك قرا قوينلو.

و لما علم الأمير جهان شاه أنهم قد توسعوا إلي هذا الحد أوجس منهم خيفة و حاذر أن يخرجوا عليه فأمر بطردهم من أردبيل سواء المرشد منهم و المسترشد، فأجلاهم جميعا. فوردوا ديار بكر فرحب بهم حاكمها آنئذ (حسن الطويل) من آق قوينلو و تلقاهم بالإكرام الزائد علي خلاف ما قام به الأمير جهان شاه و لم يكتف بذلك بل زوج أخته خديجة بيكم من الشيخ جنيد و ابنته حليمة بيكم من الشيخ حيدر بن الشيخ جنيد فنالوا رعاية و اعتبارا …

إلا أنهم لم يطل أمد بقائهم كثيرا، دعاهم حب الوطن فلم يطيقوا صبرا علي الإقامة،

فعاد الشيخ جنيد إلي أطراف أردبيل و رحل إلي تلك الأنحاء. و لكنه لما كان صهرا لحسن الطويل علا مكانه و ارتفعت منزلته و كبر جاهه …

و من حليمة بيكم هذه ولد الشاه إسماعيل بتاريخ (890 ه) و قال في جامع السير ولد سنة 892 ه و إن الشيخ جنيد أيضا توفي فقام الشيخ حيدر مقام والده. و هذا جعل مريديه صنفا خاصا و وضع لهم كسوة رأس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 337

ليمتازوا عن سائر الناس فكانت علامتهم لبس (التاج الأحمر) من الجوخ و فيه اثنا عشر لونا علي عدد الأئمة الاثني عشر. و من ثم سموا بين الناس بحمر الرؤوس (قزلباش). فكان شعارهم الذي يعرفون به عند الترك و غيرهم.

و أثر ذلك توجه المريدون إلي دربند شيروان بقصد غزو بلاد الكرج و لكن حاكم شيروان و هو شيروان شاه مانعهم و اشتبك في القتال معهم فلم يدعهم يدخلون بلاده و دام النزاع بينهما. و في المنتهي تقاتلوا في أنحاء المنزل و (طبرستان) فسقط الشيخ حيدر قتيلا في المعمعة. و من نجا من مريديه بايع ولده الشيخ عليا في أردبيل و صاروا يحرضونه علي الانتقام و أخذ الثأر …

أنهي هذا الخبر من جانب ميرانشاه إلي السلطان يعقوب فأوجس خيفة و صار في ريب من أمر هؤلاء و رأي أن رفع غائلتهم أمر ضروري و لذا أمر سليمان بيك فقتل الشيخ عليا و جاء برأسه و أمر أيضا أن يقتل باقي أولاده إلا أن أخت حسن الطويل عارضت في ذلك و منعت من إيصال الأذي بهم فاكتفي بحبسهم في اصطخر (و في جامع السير في قهقهة) مع خديجة بيكم.

و بعد أن توفي السلطان يعقوب

حدث نزاع علي السلطنة بين ابنه بايسنقر و مسيح ميرزا و أن أتباع السلطان يعقوب انقسموا إلي قسمين كل فريق مال إلي واحد من المطالبين بالسلطنة. و في هذه الحروب قتل مسيح و استقل بايسنقر بالسلطنة، إلا أن محمود بيك بن أوغورلو محمد بن حسن الطويل من أتباع مسيح قد هرب إلي جهة بغداد و كان الحاكم فيها شاه علي باريك. و هذا قد اهتم في إجلاسه علي سرير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 338

السلطنة و جهز للمرة الأخري صوفي خليل بن محمود بيك و شاه علي فتحركوا علي بايسنقر و أثاروا الحروب في أنحاء دركزين و في هذه الحروب قتل كل من محمود بيك و شاه علي و لم تمض مدة حتي قام لمحاربة بايسنقر ابن عمه رستم بن مقصود بن حسن الطويل و نازعه السلطنة حتي تمكن من الاستيلاء علي آذربيجان فجعلها منقادة له. و لذا اضطر بايسنقر إلي الفرار إلي حاكم شيروان و هو صهره. و لكن رستم لم يأمن من حركة بايسنقر هذه و حاذر من شاه شيروان أن يمد بايسنقر فأراد إشغاله فأطلق أولاد الشيخ حيدر من سجن اصطخر ليشوشوا عليه إلا أن ذلك قليل الجدوي و لم يفد هذا التدبير فإن بايسنقر تقدم إليه بجيوش جرارة فلم ير بدا من مقارعته. و في أثناء الحرب معه قتل بايسنقر في ساحة القتال و نال رستم ما كان يأمله و من ثم أكرم أولاد الشيخ حيدر و أرسلهم إلي أردبيل. و بهذه الصورة نال أبناء الشيخ حيدر لطفا من رستم.

و في حدود سنة 898 ه اختل الأمر و انقلب هذا الحب إلي بغضاء و جفاء فأرسلت الحكومة علي الشيخ علي

جندا فقضوا عليه فاضطر كل من ابنيه إبراهيم و إسماعيل أن يفرا إلي أنحاء كيلان بحالة يرثي لها و لم يستقرا إلا في بلدة لاهجان من مضافات كيلان فإنهما قد لاذا بحاكمها كاركيا ميرزا علي فآواهما و احتميا به.

و بعد سنة ضاق صدر إبراهيم من الإقامة في لاهجان فترك التاج الموروث من أبيه و سلمه إلي أخيه إسماعيل و غير لباسه و عمامته و ترك أمه و أخاه و تجرد من الكل و عزم علي السياحة إلي محل مجهول و لم يعلم ما آل إليه أمره و ما وصل إليه حاله و لم يدوّن عنه شي ء في كتب التاريخ.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 339

456 الأسرة الحيدرية في بغداد

من بيوت العلم المعروفة في بغداد، تنتسب إلي إبراهيم أخي الشاه إسماعيل، و كان قد تغيب، و ترك الطريقة إلي أخيه، و ذهب لحاله، لا يدري أين طوح به الزمان … و قد عرفنا إبراهيم فصيح الحيدري أنه ذهب إلي ما وراء النهر، و عاش هناك، و من أحفاده محمد بن حيدر پير الدين ابن الشيخ أمين الدين بن پير الدين بن إبراهيم المذكور كان أول الواردين من وراء النهر إلي العراق، كان يتكلم باللغة التركية الجغطائية، و هذا قد ولد ابنه حيدر في العراق و كان أول أجداده الذين عرفوا به (أسرة الحيدرية). و من ثم توالي علماؤهم في العراق، و اشتهر من بين أفرادها علماء عديدون، منهم صبغة اللّه الحيدري برز في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري، و تراجم علمائهم مدونة في كتب عديدة، في سلك الدرر، و في شمامة العنبر، و في الروض النضر، و مطلع السعود، و في عنوان المجد. و كل ما

يقال عنهم أنهم خدموا العلم في العراق، و قاموا بالتدريس و التعليم، فبقي لهم الذكر الجميل، و سنعود للموضوع عند الكلام علي علمائهم الواحد تلو الآخر … و أري مكانتهم العلمية فوق النسب، و الأسرة يذكر فضلها بما أسدته للمملكة من خدمات صادقة، و ثقافة قويمة … و هذه قامت من ذلك بنصيب و نري معالي داود الحيدري في زمن وفاة والده المرحوم السيد إبراهيم الحيدري قد عين أن أصلهم من الكرد، فلا مانع و لا تضاد في الأمر عاشوا في العراق ببلاد الكرد، ثم مالوا إلي بغداد، فإذا قلنا كرد فذلك صحيح و إذا قلنا بغداديون فلا نعدو شاكلة الصواب … و لا تنكر هذه العلاقات ببغداد و الكرد، و غيرها … أعضاء فعالة و نافعة جدا إلي أن تحولت الثقافة في أيامنا هذه. فقد كان الطريق العلمي و الديني انتهي بمعالي الشيخ إبراهيم فقد نال مكانة علمية معروفة أيام الترك العثمانيين و في عهد الحكومة العراقية و سنتعرض لمكانته و مؤلفاته في محلها من كتابنا، و اليوم تحولت الثقافة، و مالت الفكرة إلي ثقافة جديدة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 340

457 الطريقة الصفوية:

كانت من الطرق المعروفة، و لها منزلة مهمة في قلوب أتباعها، انتشرت انتشارا هائلا بين قبائل التركمان، و البلاد التي يقطنونها مثل أذربيجان و بلاد كثيرة … و رأس هذه الطريقة و مؤسسها الذي عرفت به هو الشيخ صفي الدين أبو إسحاق، أحد أجداد الشاه إسماعيل، و من شيوخ طويقته الشيخ تاج الدين إبراهيم الزاهد الكيلاني المتوفي سنة 700 ه في سيارود من كيلان و تتصل طريقته بالغزالي و تنتهي في سلسلة شيوخ هذه الطريقة بالإمام علي عليه السلام. و

كان الشيخ صفي في زمانه قد ولي الإرشاد و نال الموقع اللائق في قلوب المريدين … و عرف بذلك أيام المغول و لهم الاعتقاد التام به، و كثير من أقوامهم ارتدعوا عن إيذاء الخلق، و التجاوز علي الناس بسببه كما جاء ذلك في تاريخ كزيدة.

و كتب كثيرون في مناقبه، و بيان طريقته و مجاهداته … و من أهم هذه الكتب و أوسعها كتاب (صفوة الصفا)، و هذا الكتاب سمعت أنه طبع في الهند. و رأيت كتابا يسمي (المناقب الصفوية) باللغة الإيرانية في التصوف، و لا أدري ما إذا كان عين (صفوة الصفا) أو غيره، و هو في مناقب صفي الدين في مجلد ضخم جدا يطنب في أوصافه و كراماته، و سائر أحواله من ابتدائها إلي انتهاء أيامه، و هو يساعد كثيرا لمعرفة طريقته …

و الكتاب في مكتبة أيا صوفيا رقم 3099 و أعتقد أن هذا الكتاب فيه كفاية و غناء عن غيره لمعرفة هذه الطريقة. و مع هذا لا تزال معروفة و فيها مدونات و رسائل تعين هذه الطريقة، و تسمي طريقة (شاه صافي)، و من كتبها التي رأيتها مخطوطة (هداية) و (مرشد) و (و بويرق) و (حسنية)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 341

مكتوبة باللغة التركية الأذرية مما تيسرت معرفته. و كلها لا تخرج عن مختصرات في التعريف بهذه الطريقة أو بيان مناقب الأئمة و لكنها لا تخلو من غلو أو تغال.

توفي رأس هذه الطريقة الشيخ صفي الدين في 12 المحرم سنة 735 ه في أردبيل و دفن بدار الإرشاد التي قام بتأسيسها ابنه الشيخ صدر الدين موسي. و إن الشاه إسماعيل هو ابن حيدر بن جنيد بن إبراهيم ابن الشيخ علي ابن الشيخ

صدر الدين موسي المذكور.

و الملحوظ هنا أن أصحاب هذه الطريقة و المنتسبين إليها قد تفادوا في سبيل نصرة مرشديهم و أولادهم حتي نالهم ما نالهم في حبهم، لحد أن قسما كبيرا منهم تجاوز في الحب، و غلا في الاتباع … و لا أمضي دون أن أذكر بعض النصوص لتعرف درجة ما ساقت الحزبية إليه، و ما أدت المفاداة بسببها … فصار ينعت صنف من الناس من أصحاب هذه الطريقة (بالقزلباشية)، و يقولون بمراعاة هذه الطريقة بحيث صاروا اليوم لا يعلمون من العقائد و الدين سوي ظواهر الطريقة، و دخلهم الغلو، و تجاوزوا حدود الشريعة بل أهملوها، و ظنوا النجاح في الدار الآخرة في اتباع مراسم هذه الطريقة و أنه كاف و واف بالغرض، بل صار يقطع في أنه الموصل إلي النجاة …

خلفه في الإرشاد ابنه صدر الدين موسي و هكذا توالوا في طريق الإرشاد إلا أن هؤلاء قد دخلتهم أفكار جديدة أيام الشيخ جنيد، فقد كان هذا يحمل فكرة السلطنة و التسلط استفادة من نفوذه الديني و مكانته في المشيخة من مريديه و أتباعه.. و لما شعر جهان شاه بذلك طرده و أتباعه من مملكته، فذهبوا إلي حلب، ثم إلي ديار بكر و هنا نالوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 342

احتراما من حسن الطويل، فأكرمهم و أعزهم … و تصاهر معهم، فنالوا مكانا أكبر.. و ذلك للخلاف بين جهان شاه و السلطان حسن الطويل، فأراد أن يستفيد من مريديه..

و كان الشيخ جنيد أيام وجوده في أنحاء حلب- علي ما جاء في كنوز الذهب - يرمي بأنه شعشاعي المذهب (كذا. و الصواب مشعشع)، و أنه تارك للجماعة، و نسبت إليه أشياء أخري … و قد

سكن كلز (كلس) و بني فيها مسجدا و حماما. و للناس فيه اعتقاد عظيم بسبب أبيه و جده، و يأتمرون بأمره و لا يغفلون عن خدمته، و يثابرون علي لزوم بابه، و يأتيه الناس من الروم و العجم و سائر البلاد، و يأتيه الفتوح الكثير.

ثم سكن جبل موسي عند أنطاكية هو و جماعته و بني به مساكن من خشب. و في الجملة كان علي طريق الملوك لا علي طريق القوم.

و إن ما نسب إليه دعا أن خرج إليه الناس إلي الجبل، فاقتتلوا، و أسفرت الوقعة عن قتلي من الفريقين، فانسحب من الجبل إلي جهة بلاد العجم و أقام هناك ثم خرج علي بعض ملوكها فقتل. (و أراد هنا (بالشعشاعي) محمد بن فلاح الذي ظهر بالجزائر) و قتل الناس و حملهم علي الرفض و ترك الجماعات و نكاح المحارم و يعرف بالشعشاع.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 343

و قد مرّ ذكر الشيخ جنيد و أخلافه، و من هنا علمنا أن فكرة السلطنة تولدت من هذا التاريخ و من النصوص التالية ما يتوضح أن الغلو حصل من الأتباع، و كان الشاه إسماعيل لم يرض به … و في (تاريخ عاشق باشا زاده) كلام لبعض رجاله مما يدل علي الغلو فيه … في حين أنه حارب الغلاة مثل المولي المشعشع و سنتعرض لترجمته في تاريخ وفاته، و نعين ما قيل فيه …

و كل ما نقوله هنا أن هذه الطريقة تصوفية في أصلها، و تعدّ الأئمة الاثني عشر رجال طريقتها و أولهم الإمام علي عليه السلام. و أهلها يسمون ب (القزلباشية). و هؤلاء منتشرون في العراق و غيره و دخلهم الغلو و لا سبب له إلا دخول المبالغات

في أشعار المدح للآل، ثم انتشار شعر الغلاة فتمكنوا في الغلو، و هم الآن بعيدون عن عقائد المسلمين و فروضها الدينية، و دخلتهم فكرات غريبة من هؤلاء الغلاة. و قد فصلنا هذه الطريقة في رسالة علي حدة تعين أوضاعها و مختلف تطوراتها.

458 الشاه إسماعيل:

و هذا أقام مدة في لاهجان و تربي هناك، تلقن مذهب الشيعة و بالرغم من صغر سنه حول وجهته نحو أردبيل فكون جيشا من مريدي أبيه و جده هناك. و بقي في أردبيل و آذربيجان مدة …

و في حدود سنة 905 ه جمع من العساكر ما كان يأمله و توجه نحو شيروان فسقي حاكمها كأس المنون فانتقم للشيخ حيدر. و كان ألوند يحرق الأرم علي الشاه إسماعيل، و كان يخشي أن يبطش به فاستعد لحربه في صحراء نخجوان، و في هذه الأثناء علم الشاه إسماعيل بما دبر عليه فتوجه إلي تلك الناحية و عند اشتداد المعركة لوي ألوند عنان فرسه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 344

إلي جهة آذربيجان و فرّ و أصابت جيوشه كسرة هائلة لا رجعة وراءها.

و في سنة 906 وجه عزمه نحو تبريز فافتتحها بلا منازع فجلس علي سرير السلطنة و هناك أكمل قواه و أبدل الخرقة و التاج بالحرير و الديباج …

أما ألوند فإنه حاول أن يجمع شمله و يجهز جيوشا من آذربيجان لمناضلة الشاه مرة أخري فنهض هذا لمقارعته فلم يطق ألوند المقاومة ففر إلي بغداد و منها إلي ديار بكر و هناك توفي و قد أوضحت وقائعه …

و بعد أن قضي الشاه إسماعيل علي آمال ألوند و أزال غائلته تماما خلال سنة 907 لم يبق له معارض فوجه عزمه إلي همذان للقضاء علي قوة السلطان مراد بن

يعقوب.

و قد ترتبت الصفوف قرب همذان و تقارعت الجيوش و في المعركة لم يطق السلطان مراد المقاومة ففر من ساحة القتال و اختفي. و بهذه الصورة نال الشاه إسماعيل مملكة فارس بلا عناء. ثم استولي علي كاشان و أكثر بلاد العجم و نصب فيها حكاما و نوابا عنه.

و في حدود سنة 908 ه استولي علي كيلان و في سنة 909 ه جاء إلي آذربيجان بقصد الحصول علي مريدين كثيرين. و في سنة 912 ه كان السلطان مراد قد فر من ميدان المعركة و توجه إلي بغداد و بعد أن استراح مدة قليلة سار إلي دلغادر (ذي القدرية) جاء إلي حاكمها علاء الدولة و التجأ إليه بأمل أن ينال مرغوبه و قد صاهره. أما علاء الدولة فقد جمع جيوشا كثيرة و مضي نحو ديار بكر و قد انتزع بعض قلاعها. فسمع الشاه فوافاه نحو البستان فتقابل الجمعان في ساحل النهر فدام الحرب بينهما لمدة يومين و في اليوم الثالث بعد العصر ولي جيش دلغادر (القدرية) الأدبار و انتصر عليهم القزلباشية.

و من ثم استولي الشاه علي ديار بكر و أودع أمر إدارتها إلي محمد خان الاستاجلو.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 345

و في هذا التاريخ ولي بغداد السلطان يعقوب بعد أن تركها السلطان مراد و في زمانه كان الوالي عليها باريك البايندري فإنها بقيت في حكمه إلي أن استولي عليها شاه إسماعيل سنة 914 ه بواسطة قائده لالا حسين فافتتحها و أن باريك فرّ إلي حلب فاستقرت بغداد لحكم لالا.

و عقب ذلك جاء الشاه إلي بغداد و خرب مشاهد الأئمة و المشايخ و قتل الكثير من أهل السنة. و بعد ذلك ذهب لزيارة مشهد الحسين، و

مشهد الإمام علي عليه السلام.

و قد مر ذكر النهر الذي حفره عطا ملك الجويني و أجري ماءه إلي النجف فيما سبق. و لكن النهر قد اندرس بمرور الأيام و تخرب فلم يصل ماؤه. و لذا أمر الشاه بتجديد حفره و إتمامه فاشتهر (بنهر الشاه) و أرصد ريعه لخدام المشهدين الشريفين وقفا عليهم. و كذا باشر تعمير مشهد الإمام موسي الكاظم عليه السلام في هذا التاريخ و أحال ذلك إلي أمير الديوان (خادم بيك). و حينئذ عاد إلي إيران. كذا في كلشن خلفا.

و قد نقل نصوصا أخري عن كتاب (جامع السير) لا يخرج عما تقدم و لم يفصل حادث بغداد بأزيد مما ذكره سائر المؤرخين و لعل الاختصار الذي التزمه حال دون البيان …

459 تفصيل حادثة بغداد:

قص علينا صاحب حبيب السير أن الشاه إسماعيل أثر استيلائه علي كيلان سمع أن السلطان مراد من ملوك آق قوينلو لم يستقر في بغداد و لحق بعلاء الدولة ملك ذي القدرية (دلغادر) و هذا زوج ابنته من السلطان مراد. فاتفقا علي مقارعة الشاه و لزوم مناضلته فتوجها بجيش جرار لتسخير ديار بكر فاشتعلت نيران الفتنة في تلك الديار و اضطرب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 346

الأمن … و علي هذا جهز الشاه جيشا لجبا للقضاء عليهم و جعل و جهته آذربيجان. و لما علم علاء الدولة بذلك انسحب من تلك الأنحاء و من ديار بكر فاستولي الشاه عليها و مزق جيش علاء الدولة و عين محمد بيك استاجلو حاكما علي تلك الأنحاء. فانهزم علاء الدولة إلي البستان و رجع الشاه إلي مدينة خوي.

ثم إن علاء الدولة نهض مرة أخري إلا أن محمد بيك استاجلو انتصر عليه و فرق جيشه و هرب

هو إلي ديار الروم (الأناضول). و كانت لعلاء الدولة غضاضة مع سلطان الروم. و هذا أرسل عليه جيشا فقتله.

و في خريف سنة 914 ه كان الشاه في همذان. و كان حاكم بغداد (باريك) و هذا بقيت بغداد بيده و كان المتولي عليها بعد ذهاب السلطان مراد و لحوقه بعلاء الدولة … و هذا الوالي كان شجاعا، ينزع إلي السلطنة و الاستقلال في بغداد و لم يخضع لنفوذ الشاه …

أما الشاه فإنه فكر في أمر تسخير بغداد و أرسل لهذه المهمة أحد قواده المشهورين خليل بيك (يساول) و هو من متميزي رجاله و المعترف بمقدرته فانتدبه و وجه به إلي بغداد بصفة رسول …

و لما علم صاحب بغداد بقدوم رسول الشاه أرسل جماعة من خيرة رجاله فاستقبلوه في غاية الاحترام و الأبهة و جاؤوا به إلي بغداد فاجتمع بالوالي (باريك) في بستان پير بوداق و أدي الوالي مراسم التبجيل و الترحيب للسفير الموما إليه و أظهر الخضوع و الانقياد للشاه و أرسل أحد أمرائه و هو أبو إسحاق الدباس (السيره جي) فذهب هذا مع خليل بيك الرسول إلي الشاه فجاؤوه في همذان فقدم أبو إسحاق واجب الإخلاص مع الهدايا من سيده لجانب الشاه …

و لما كان الشاه يأمل أن يأتي باريك بنفسه لم يلتفت إلي الهدايا و أبدي لأبي إسحاق لطفا و كرما و أذن له بالانصراف و أن يبلغ سيده بأن الشاه في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 347

غني عن هداياه و إنما كان يأمل أن يأتي بنفسه و يظهر طاعته فإن فعل نال كل عطف، و إن أبي و توسل بالخداع فسينال جزاءه. فانصرف أبو إسحاق راجعا من جانب الشاه. و اجتمع بباريك

و عرض عليه مطالب الشاه.

أما باريك فإنه أبدي ظاهرا طاعته للشاه. و بعد مدة أخذ يعد القوة و يستعد للطواري ء ببناء القلاع و جمع المؤونة. و ضرب علي الأهلين ضرائب ثقيلة في بغداد و حواليها و أخذ ما عندهم من حبوب و أطعمة (شعير و حنطة) و كانت هذه تكفي لإعاشة جيشه لمدة ثلاث سنوات.

و كان من أشراف بغداد آنئذ نقيبها (نقيب النجف) السيد محمد كمونة و كان قد ورث هذا المقام الجليل أبا عن جد. و كان متهما بإخلاصه للشاه و تحزبه له. فأمر باريك بالقبض عليه و زجه في جب مظلم …

أما الشاه فإنه لما انصرف منه أبو إسحاق الدباس عزم علي فتح بغداد. و عين لهذه المهمة أحد قواده حسين بك لالا (لاله) فجعله مقدما علي جيش كبير ثم تحرك هو متأخرا عنه و لما سمع باريك اضطرب أمره و لم يقر له قرار ففضل الفرار علي الكفاح و عبر علي ظهر جواده من جسر بغداد ليلا و توجه إلي مدينة حلب.

و عند الصباح اجتمع الأهلون ببغداد و جاؤوا إلي الجب الذي سجن فيه السيد محمد كمونة فأخرجوه منه و كان نحيفا ضعيفا من ظلمة السجن و سلموا إليه مقاليد الأمور ببغداد و بهذا أبدوا طاعتهم للشاه.

و في هذه الأثناء ظهرت طلائع الجيش الإيراني. و في يوم الجمعة قارب الطلائع بساتين بغداد. و قد صعد السيد محمد كمونة المنبر في أول جمعة و خطب خطبة باسم الشاه إسماعيل و أدي كمال الإخلاص و الطاعة. و بعد أداء الجمعة ذهب الأهلون إلي خارج المدينة لاستقبال لاله بيك و الترحيب به.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 348

أما لاله بيك فإنه راعي غاية التعظيم

و التكريم للسيد محمد كمونة و عطف عليه خير عطف. و ذهب السيد محمد كمونة و حسين بك لاله معا إلي الشاه إسماعيل و بشروه بفتح بغداد. و سلمت إدارة المدينة و قيادتها إلي خلفة بيك.

و هذا أمير عادل. أتي بغداد قبل ورود موكب الشاه.

و في هذه الأيام جاء الشاه إسماعيل إلي بغداد. و قد فرح السواد الأعظم بقدومه و كان ينتظر بفارغ الصبر. و أخذ الأهلون يقدمون القرابين و الذبائح إكراما له و احتفالا بوروده و بتاريخ 25 جمادي الثانية سنة 914 نزل الشاه بستان پير بوداق و التجأ الناس إلي عدله و زاد في رتبة السيد محمد كمونة و أعلي مقامه.

و بذلك تم (فتح بغداد).

460 ما جري بعد الفتح:

و في اليوم التالي ذهب الشاه لزيارة كربلا المشرفة فأدي الزيارة و أنعم علي مجاوري الروضة المطهرة بإنعامات جزيلة. و أمر بعمل أنواع الزينة و الزركشة الذهبية، و بصنع الصندوق المذهب للحضرة و أن ينقش ببدائع النقوش و قد وقف الشاه في الحضرة 12 قنديلا من ذهب. و فرش رواق الخضرة بأنواع السجاد الثمين و اعتكف ليلة هناك.

ثم رجع إلي الحلة. و منها ذهب إلي النجف الأشرف للزيارة أيضا. و قدم للحضرة هدايا جزيلة و نوادر فاخرة و أكرم سكان المدينة المشرفة و أنعم عليها بوافر العطايا.

ثم رجع إلي الحلة. و منها توجه إلي البادية إلي (أعراب غزية) فأخضعهم و رجع إلي بغداد إلي آخر ما مر بيانه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 349

461 نصوص موضحة- وقعة بغداد:

و لا نمضي دون بيان أعمال الشاه في بغداد و وقعتها و نقدم النصوص فقد جاء في كلشن خلفا:

«في سنة 914 أرسل الشاه إسماعيل جيوشا لا تحصي تحت قيادة لاله حسين للاستيلاء علي بغداد فهرب باريك منها إلي أنحاء حلب فدخلها اللاله و في عقبه وافي الشاه و هذا خرب المدينة التي هي مهد مراقد أئمة الدين و المشايخ المصطفين، و قتل في أهل السنة و أتقياء الأمة و من ثم توجه لزيارة النجف و كربلا و أمر بحفر النهر و تجديده و هو النهر الذي حفره و أتمه عطا ملك إلا أنه بمرور الأيام قد اندثر فجدده الشاه و من ثم سمي بنهر الشاه و وقف ريعه علي خدام المشهدين الشريفين، و في هذه السنة شرع في بناء حضرة الإمام موسي الكاظم (رض) و فوض حكومة بغداد إلي أمير الديوان خادم بيك و عاد هو إلي إيران …»

ا ه.

و في منتخب التواريخ قال:

«و في سنة 914 ه عزم الشاه علي السفر إلي عراق العرب و كان والي بغداد آنئذ باريك بيك برناك فلما سمع بورود رايات الشاه فر إلي حدود الروم و الشام فافتتحت بغداد و سائر بلاد العراق العربي و دخلت تحت حوزتهم و قضي علي الكثير من المخالفين في تلك الديار بسيوف الغزاة فجرت دجلة بدمائهم بدل الماء، و صالت الجيوش العظيمة علي أعراب البادية فانتهبوهم و تسلطوا عليهم فحصلوا علي غنائم و فيرة و إبل كثيرة لا تعد و لا تحصي، و إن الإيالة و الحكومة في العراق العربي دخلت بتوابعها و ملحقاتها في حوزة العجم و فوضت إدارتها إلي خادم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 350

بيك أمير الديوان و لقب هذا بخليفة الخلفاء، و أنقذ السيد محمد كمونة من أكابر السادات و النقباء من الجب الذي كان قد ألقاه فيه باريك بيك پرناك و نال توجها و إنعاما و أودعت إليه إدارة بعض الولايات و تولية النجف الأشرف و أحسن إليه بعلم و طبل. و بعد أن استولي الشاه علي الديار تشرف بزيارة المشاهد المقدسة لحضرات الأئمة الأطهار …

و عين لها حفاظا و مؤذنين و خداما و قدم أنواع القناديل من ذهب و فضة و المفروشات اللائقة، و الصناديق.. و أنعم بالذهب و الفضة علي سائر الناس … ثم توجه نحو خوزستان و افتتح تستر و الحويزة …» ا ه.

و في تحفة الأزهار و زلال الأنهار في نسب السادة الفاطمية الأطهار لابن شدقم ما يؤيد تدوينات مؤرخي الأتراك عن شاه إسماعيل قال ما نصه:

«فتح بغداد و فعل بأهلها النواصب ذوي العناد ما لم يسمع بمثله قط في

سائر الدهور بأشد أنواع العذاب حتي نبش موتاهم من القبور.

ثم توجه إلي الأهواز و خوزستان و شوشتر و دزفول و قتل من فيهم من المشعشعين و الغلاة و النصيرية و استأسر منهم خلقا كثيرا. ثم في سنة 914 توجه إلي شيراز … الخ» ا ه.

و نظرا لما أصاب الأهلين نري الأسرة الكيلانية هربت من الجور و تفرقت قال صاحب قلائد الجواهر عن هذه الوقعة و أثرها في النفوس.

«- بعد أن عدد ذرية الشيخ عبد القادر- قال- و ببغداد جماعة بمقام الشيخ عبد القادر يدعون أنهم من ذريته. و لهم جاه و حرمة عند الخاص و العام. و لهم رزق و مرتبات برسم الفقراء و المترددين علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 351

الزاوية. و لما ملك بغداد الشاه إسماعيل سلطان العجم خرب الزاوية و شتت شملهم و تفرقوا في البلاد و حضر جماعة منهم أنزلناهم بمنزلنا» إلي آخر ما جاء.

و هؤلاء نددوا طبعا بحكم الشاه و ذموا أفعاله و حكوا ما نالهم و هذا يعد من دواعي غزو بغداد من قبل السلطان سليمان القانوني.

و كذا يقال عما فعله في مشهد الإمام أبي حنيفة رض و انتهاكه حرمة مقابر المسلمين و مشاهدهم مما أدي إلي كرهه أكثر. و إنما فعل ما فعل تقوية لسياسته في حينه.

و نحن نقول هنا أن الداعي لهذه الأعمال من تعمير مراقد الأئمة عليه السلام و تخريب مشاهد الآخرين لا يقصد به إلا تفريق الأمة العراقية و أضعاف قوة مقاومتها و لم يكن غرضه الحرمة الدينية و الخير للأمة.

و هنا نري أن لا معني لارتكاب فظائع لمجرد المخالفة في العقيدة و سفك هكذا دماء مع الاعتراف بأن العراقيين سلموا له، و أن

الأمة تركت السلاح و احتفلت بدخوله.. فكان عمله مما لا يأتلف و الأخلاق الفاضلة و لا مع روح الإسلام في القرآن الكريم.. و يوضح ذلك بصورة قاسية القتل العام في ذرية خالد بن الوليد (رض) لمجرد انتسابهم إليه دون جريرة ارتكبوها أو مخالفة قاموا بها و ذلك عام 911 ه.

و لا يهمنا بيان أمثال هذه بأنواعها و التفصيل عنها مما لا يخص وقائع العراق و في الإشارة ما يكفي، و العراق ابتلي ببلاء عظيم بين ناري حكومتين تتنازعان السلطة هذا مع العلم بأن العثمانيين راعوا عين الطريقة في القتل و الطعن بنسب هؤلاء، أو الفتوي بقتلهم، أو حرق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 352

موتاهم بعد نبشهم قبور موتاهم ما عدا الشيخ صفي و ما ماثل من الفظائع.. فلا يعذر هؤلاء أيضا سواء كان ذلك بطريق المقابلة بالمثل أو ابتداء إلا أن هؤلاء كانوا أوسع صدرا من غيرهم في الحرية المذهبية.. و أكثر تساهلا..

و المعروف عن الاثنين الحرب للملك و الاستقلال به فاتخذ الدين ذريعة بل آلة للوقيعة بالآخر و القضاء علي سطوته فمحا الواحد قوة الآخر إلي أن هلكا معا.. و العراق ينتصر مرة لهذا و أخري لذاك، فصار مسرحا لمطامع الطرفين.

هذا و لم يعلم عن الإدارة و ما أجراه الشاه فيها من تغيير في حكومة العراق، و نصب الوالي لا يعني ماهية الإدارة.. فصارت بغداد تابعة لإيران منقادة لها و حال البلاد دول.. كان الأهلون يأملون الراحة و لذا لم يحرك لهم ساكن. و لا ثاروا استفادة من ضعف الحكومة السابقة و هجوم الحكومة الجديدة.. و لا يفسر هذا إلا بما نالهم من ضعف و ما أصابهم من قسوة.. فعادوا يخضعون لكل قائم..

و يذعنون لكل ثائر..

ظنوا في هذا خيرا فنالهم منه ما نالهم.

462 توجه الشاه إلي الحويزة:

قال في حبيب السير: «ثم توجه الشاه إلي جهة الحويزة فالأعراب القاطنون هناك و في باديتها تسمي إمارتهم بإمارة المشعشع و كانوا قائلين بألوهية علي بن أبي طالب عليه السلام و المنقول عنهم أنهم- حين اشتغالهم بالعبادة- يرتلون أذكارا خاصة تجري علي ألسنتهم هي (علي اللّه).

و في أكثر الأوقات كان يترأسهم سادات يعرفون بالموالي و كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 353

رئيسهم أثناء فتح بغداد (السلطان محسن». و عند توجه الشاه إسماعيل إلي جهتهم أتاه خبر وفاة السلطان محسن و جلوس ابنه «السلطان فياض» مكانه.

و كان سلاطينهم يعتقدون بألوهية علي و ينادون بنسخ الشريعة المحمدية و يسلكون سبل الضلال.

فلما سمع الشاه بهذا تهيأ لدفعهم و إيصالهم إلي طريق الهداية و الصواب، و لما كان الشاه في منتصف الطريق أتاه خبر حاكم لورستان (الملك رستم) أنه لم يذعن بالطاعة فأرسل عليه نجم الدين مسعود و بيرام بيك القرماني و حسين بيك لاله و جهز معهم نحو عشرة آلاف جندي و سيرهم لإخضاعه.

أما هو فتوجه بنفسه إلي الحويزة مقر المشعشع فسمع السلطان فياض أمير آل المشعشع و حينئذ استعد للقتال فرتب الشاه جيوشه إلي ميمنة و ميسرة. و صار يقود القلب فوقعت معركة دامية و هائلة أسفرت عن اندحار المشعشعين. و تم الاستيلاء علي الحويزة. و نصب الشاه أحد أمرائه حاكما (لم يسمه) ثم توجه نحو دسفول فأبدي له حاكمها الطاعة و جعل أحد معتمديه هناك فصار حاكما عليها ثم اكتسح شوشتر، فتم له الاستيلاء علي قطر خوزستان جميعه.

و أما الجيوش التي أرسلت لإخضاع (حاكم لرستان) فإنه حين سمع بمجيئهم أحس بضعفه فهرب مع بعض

ملازميه و تحصن بجبال منيعة. أما الأمير نجم الدين مسعود فإنه رجع بناء علي الأمر الوارد إليه من جانب الشاه و اهتم القائدان الآخران في إخضاع حاكم لورستان …

و بعد العناء و الجهد الجهيد لم ير بدا من التسليم فسلم نفسه و أتي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 354

لجانب الشاه. و لما رأي اضطراب حالته عفا عنه و شمله بلطفه …

و بقي مدة ملازما الموكب الشاهي إلي أن نال حاكمية لرستان بطريق الوراثة و بذلك أكمل الشاه فتوح هذه النواحي و توجه إلي شيراز».

انتهي.

463 وفاة المولي محسن بن محمد المهدي: (المشعشع)

في أثناء وجود الشاه في بغداد جاءت الأخبار بوفاة المولي محسن المشعشع (سنة 914 ه).

و في آثار الشيعة الإمامية أن المولي محسن توفي عام 905 ه و لم يعين سندا لهذا القول في حين أن صاحب حبيب السير يذكر أن وفاته حدثت حين فتح بغداد. و قد مضي البحث عن حوادثه مع العراق مفصلا و ما جاء في كتاب آثار الشيعة الإمامية أن صاحب كتاب عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب قدم مؤلفه إليه فغير صحيح لما جاء في مقدمة نفس الكتاب.

و قال عنه ابن شدقم: إن المولي محسن ولي بعد أخيه (المولي علي) و كان ذا جأش و قوة، بني البلدة المعروفة بالمحسنية فسكنها. و هي الآن (عام 1083 و 1085) مسكن نسله و بها حصار مصون تنزله القزلباش من عسكر الشاه سلطان العجم … و نقل عن الشيخ عبد علي بن فياض بن عبد علي عن الشيخ محمد بن يحيي الحلي ما نصه:

«كان بيني و بين المحسن صحبة و عشرة و مودة من الصغر و ألفة فأصابني عسر و شدة فمضيت إليه، و تمثلت بين يديه و

هو جالس و حوله

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 355

جماعة جلوس فسلمت عليهم فلم يجبني أحد منهم قط بسلام و لا أمرت بالجلوس فحزنت لذلك و ندمت علي فعلي و لم أزل واقفا علي أقدامي … حتي بلغ الديوان ثمانمائة من ولد الشيطان و هو يحدثهم ثم ضربوا بالدفوف، و لم يوقنوا بالمحشر و الوقوف، و يضعون سيوفهم في بطونهم و إذا رموها أو غيروها في الشط قالوا لها بسر علي عودي عودي فتعود إليهم. فلم يزالوا هكذا و هكذا حتي أخذتهم سكرة، فلم يزالوا في غفلة إلي أن أتتهم سفرة الطعام فأكلوا و انتشروا عن المحسن و انصرفوا فلم أزل واقفا انتظر من اللّه سرعة الفرج و أنا حزين كئيب إذ أتتني أمة و همزتني من خلفي قائلة لي اتبعني فقلت ما الاسم و من الطالب فقالت سر و عليك أمان أبي طالب فلزمت أثرها علي غير درب معهود و بالصرايف مسدود و هي تشق صريفة بعد أخري حتي انتهت بي إلي المحسن فرأيته جالسا علي سرير و لم يكن عنده مؤانس و بين يديه حوض مأنوس و هو في أثناء خلع الملبوس فقال لي مبتدئا و عليك السلام يا شيخ محمد بن يحيي تحية الكرام. فقلت و ما هذه الحالة المغيرة لتلك الجلالة فقال قف لعلي أتطهر و أخبرك و ما يجب لك علي أوفيك فأخذ فوطة و اتزر بها و نزل الحوض و تطهر و لبس غير تلك الثياب ثم صلي بتضرع و خشوع فلما كمل صلاته أقبل علي و عانقني و بإزائه أجلسني و لم يزل بالرفق يحدثني و عن الأصحاب يسألني فقلت له ثانيا و عما رأيت منه سائلا

لقد خالفت أسلافك و ارتكبت ما نهت عنه أجدادك اخترت الدنيا الدنية و لفظت الآخرة السنية. فقال و اللّه أصبت و من الخوف منهم وافقت و لو يقع الفرار لفررت و أنا كما روي الحديث من لا تقية له لا إيمان له ثم إنه أمر تلك الأمة أن تحضر معرضا معلوما و تأتي بما فيه فمضت عنا هنيهة و أتت بإناء مختوم فأمرها بدفعه إليّ جميعا فقال بعد القسم إنه لم يجد من الحلال سواه و هو ثمن النخل الفلاني الذي باعه والده فإنه قد منحني إياه. ثم أمرني بالانصراف و أكد علي عدم البيات خوفا علي من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 356

هؤلاء الغلاة المنكرين وحدانية الإله سبحانه و أمر الأمة معي بالتسيار بعد مضي نصف النهار فركبت مسرعا في الحال» ا ه.

قال: و له من الأولاد: (فلاح)، و (فرج اللّه)، و (صالح)، و (بدران)، و (داود)، و (حسن)، و (حسين)، و (ناصر)، و (حيدر).

ثم قال و ولي بعده ولده فلاح. و هذا قتل أخاه حسنا في حياة والده و انهزم إلي الجزائر و أخذ أهلها و قتل عبادة سنة 913 ه. و في سنة 914 سار الشاه إلي المشعشعين و قتلهم. ففلاح خلف بدران. و هذا ولي بعد والده و لبدران هذا: (سجاد، و عامر، و هاشم، و مطلب، و مناف).

هذا ملخص ما جاء فيه و لا يطمئن القلب ببياناته و ذلك أنه قال في حبيب السير إن الشاه بعد فتح بغداد توجه إلي جهة الحويزة و كانت بيد السيد علي و السيد أيوب أولاد السلطان محسن و ذلك بتحريك من مير حاجي محمد و شيخ محمد رعناش اللذين كانا ابني مدرس

أولاد السيد محمد فنهض نحوهما، و أن السيد علي كان قد تظاهر بالتشيع و لكن ادخلوا في فكر الشاه أنهما في غلو و إلحاد فقتل الأخوين مع أعيان طائفتهما سنة 914 المذكورة و استولي الشاه علي الحويزة و تستر (شوشتر) و سائر أنحاء خوزستان و دخلت في تصرف رجال دولته و هذا المؤرخ معاصر للصفويين و هو مدون وقائعهم لهذا الحين … و نري ابن شدقم لم يعدّ هذين الولدين في قائمة أسماء أولاده.

و علي ما جاء في مجالس المؤمنين أن السيد فلاح ولي الحويزة بعد أن نهض الشاه من تستر إلي فارس فتصرف بالحويزة و أرسل التحف اللائقة لحضرة الشاه و حينئذ فوض إليه إيالة الحويزة …

و يلاحظ هنا أيضا أن الشيخ علي بن حسن السنباني كان قد شرح قصيدة والده حسن بن علي السنباني بلدا، المالكي مذهبا، الحميري قبيلة التي مدح بها السلطان أيمن بن السلطان الملك عبد الحسين ابن الملك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 357

المحسن ملك الديار الفارسية و صاحب الحويزة و الزكية. و مالك الأقاليم المحسنية … و سمي شرح هذه القصيدة (كتاب بغية المفيد و بلغة المستفيد في شرح القصيد) و قال: لما كانت القصيدة التي نظمها سيدي و والدي … مدح بها سليل الطينة الطيبة الهاشمية … و ذكر الملك الآنف الذكر حتي قال: أحببت أن أضع لها شرحا لطيفا يوضح من الألفاظ غوامضها … فرغ من تأليفه في 17 رمضان لسنة 993 ه و من بيانه يفهم أن الملك عبد الحسين من أولاد الملك المحسن و هذا لم يعد في قائمة أسماء أولاده الذين ذكرهم ابن شدقم و في هذا ما يستدرك عليه … كما أنه

قال:

السلطان أيمن هو السلطان الممدوح بالقصيدة … و مسكنه مدينة الحويزة علي شاطي ء نهر لطيف هناك يقال له شط كارون. و فيما يقابل مدينة الحويزة المذكورة مدينة أخري يقال لها الحويزة أيضا تشبه الأولي في الوضع و الهيئة بها سلطان يقال له (علي بن بركة) ذو قوة و شدة يعتقد ما تعتقده طائفة المشعشعين من قولهم إن عليا كرم اللّه وجهه هو اللّه …

إلا أن ابن بركة المذكور ليس بعلوي و تسليمه الأمر للملك أيمن مع أنه أشد منه قوة و أكثر جمعا إنما هو لكونه علويا و يشبه أن يكون شريكا في المدينتين المذكورتين و توابعهما من القري و الضياع. و أكثر أهل تلك الأرض شيعة كاعتقاد ملكهم أيمن المذكور لا يحبون من الأصحاب العشرة إلا عليا و آل البيت فقط رضوان اللّه عليهم أجمعين … و الموجب لمدحه إنما هو لحسن صنيعه و معروفه الذي أوصله إلي والدي و لا غرو أن مدح مثله بما هو فيه و إن كان فيه ما فيه …» ا ه.

464 حوادث سنة 915 ه- 919 ه (1509- 1513 م)

465 العراق- الحالة العامة:

كان الشاه إسماعيل و أمراؤه في حالة غليان و نشوة فتوح و أمل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 358

اكتساح لكافة المعمورة فتراهم في جدال مع المجاورين و حروب لا تنقطع و استيلاء علي ممالك و حصول علي ظفر إثر ظفر و انتصارات متوالية.. ظن ذلك اعتمادا علي قوته و شجاعة رجاله من جهة، و من جراء إذاعاته عن المذهب الجعفري و تعصبه له من أخري، فنكل تنكيلا مرّا بمن علم منه أنه مخالف له في العقيدة و تجاوز الحد و لم يدر أن الضعف المستولي علي الإمارات. و سلوكها الشائن، و ملل الناس من الظلم و

سوء الإدارة.. هو الذي سهل له مهمته و كاد يربح قضيته لو لا طيشه و ظلمه و نكايته.. فاشتد الأمر و ضاق الحال بالناس، و ذلك ما أوجد رد فعل فاستغل العثمانيون هذا الوضع بالانتصار لجماعة السنة و أساسا توغل المذهب الشيعي في الأناضول علي يد من يسميه الترك (بشيطان قولي) أي عبد الشيطان و المعروف عند العجم (بشاه قولي) أي عبد الشاه روجه هناك بقسوة.. مما دعا أن يهتم القوم للأمر فيخلعوا سلطانهم السلطان بايزيد و يقيموا ابنه (ياوز سلطان سليم) فيتأهب لحرب الشاه بلا توان و لا تراخ و صار شغله الشاغل.

ذلك ما جعل الشاه أيضا يهتم للأمر و يجمع أطرافه و يتنصب لمقارعة السلطان و الأمر كان دائرا بين أحدهما.. و لم نسمع في خلال هذه المدة سوي الفتوح أو التبدل في الأمراء، أو قتل بعضهم، و اكتساح بعض الممالك إلا أن العراق كان هادئا و لم يستفد من هذا الانشغال و تناطح الحكومتين و تنازعهما السلطة فيما بينهما..

و علي كل في سنة 919 ه ولد للشاه ابن سمي (طهماسب) فأجريت له المراسم و الاحتفالات فرحا بقدومه إلا أن تقدم العثمانيين للقراع و تقربهم للحدود مما نغص هذا الفرح … و حينئذ جمع الشاه أطرافه و دعا قواده و جيوشه و بين هؤلاء والي العراق الملقب (خليفة الخلفاء) و معه السيد محمد كمونة … و هناك المفاداة و إظهار الإخلاص و صار الناس علي أبواب الحرب، و ينتظرون الطلقة الأولي.. و لم تكن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 359

للعراق علاقة بها سوي ميل بعض العراقيين لجانب الشاه لا بأمل استقلال العراق و إنما كان بالإخلاص للشاه و إظهار الحب له.. و

لم يدخل في فكر العراقي آنئذ حب الاستقلال و النزوع للحكم الذاتي..

و التاريخ في صفحاته يعين أن الأمة متي تفرقت، و تحكمت فيها الطائفية الممقوتة انحل كيانها و أضاعت استقلالها، و فاتتها الفرص. فبينما كان الواجب علي العراق أن يتأهب ليوجد له مركزا و يكون حكومة صار يسير بعض أبنائه لمساعدة الأغيار و التفادي في سبيل مصلحتهم.

466 وفيات
467 (قاضي بغداد):

في سنة 917 تقريبا توفي المولي قوام الدين يوسف العالم الفاضل الشهير (بقاضي بغداد) كان من بلاد العجم من مدينة شيراز و ولي قضاء بغداد مدة فلما حدثت فتنة ابن أردبيل (ابن الأردبيلي و هو الشاه إسماعيل) ارتحل إلي ماردين و سكن بها مدة ثم رحل إلي بلاد الروم فأعطاه السلطان أبو يزيد (بايزيد) سلطانية بروسه ثم إحدي الثمانية.

و كان عالما متشرعا ناقدا و قورا. صنف شرحا عظيما علي التجريد و شرحا علي نهج البلاغة و كتابا جامعا لمقدمات التفسير و غير ذلك.

468 حوادث سنة 920 ه- 1514 م

469 وقعة جالديران:

لم يكن للناس حديث سوي التطلع إلي ما سيقع، و ما يتولد من النتائج فكانت التأهبات و الاستعدادات للحرب بلغت النهاية من الاهتمام.. و لم تمض مدة إلا و جاءت الأخبار بوقوع الحرب في أوائل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 360

شهر رجب من هذه السنة و تمت بانتصار العثمانيين علي الصفويين و بهزيمة الشاه من وجه عدوه و قتلة السيد محمد كمونة، و والي بغداد و أمراء كثيرين و من العرب نحو عشرة آلاف.. و تفصيل الخبر مدون في أكثر كتب التاريخ و لا يهمنا سوي أن ننظر إلي نتائجه فهو الذي أمن الحاكمية للعثمانيين في الأقطار العربية كسورية و مصر و ديار بكر و ما والاها و في الحقيقة هذه الحرب قضت علي النفوذ الإيراني و أضعفت شأنه و خيبت آماله حتي أنها من بواعث اختلال إدارة العجم في العراق و تزعزعها إلي أن صارت للعثمانيين. فهي من الحروب الكبري التي كانت قد ترتبت عليها مقدرات الحكومتين و سميت الوقعة بهذا الاسم لحدوثها في موقع معروف ب (جالديران) في أنحاء تبريز.. و بعد مدة يسيرة عاد السلطان سليم إلي مملكته

بالفوز و النصر.

و في هذه الحرب استولي السلطان علي خزائن الشاه و أمواله و خيمه و نسائه كذا في القرماني. و جاء في تاريخ أحمد راسم أن السلطان استولي علي مخيم الشاه و زوجته تاجلي خانم و علي تخته و خزانته و أخذ أسري منه كثيرين، و إن هذه الحرب أدت إلي ضبط تبريز و عدا الغنائم التي أخذت اختير من أرباب الصناعة نحو ألف أستاذ سيرهم معززين إلي استانبول …

ثم إن الشاه أرسل هدايا ثمينة مع أربعة من رسله و طلب إطلاق زوجته تاجلي خانم من الأسر و لكن السلطان حبس السفراء، و زوج امرأته من جعفر چلبي قاضي العسكر قال أحمد راسم المؤرخ التركي:

و هذه المعاملة غير لائقة جدا و أساسا نري آمال العثمانيين مصروفة للاستيلاء و حقارة المقابل بكل شدة و استحصال الفتاوي في قتاله

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 361

و استباحة حريمه و ماله … و سنورد في حينه فتاوي كل جانب من المتقابلين أي أنهم استخدموا الدين وسيلة لأغراضهم و سيروا الفقهاء بمقتضي أهوائهم …

470 عرش الشاه:

هذا و المظنون أن (عرش الشاه) لا يزال موجودا في استانبول و في هذه الأيام عرض في المتحف للمشاهدة سواء للأهلين أو غيرهم …

و لم نعثر علي نصوص قديمة تؤكد أن للشاه (عرشا) من بقايا تلك الحرب استولت عليه الحكومة، و قد كتب علي بطاقة أن هذا العرش منسوب إلي الشاه إسماعيل و أري أنه (عرش نادر شاه) و النصوص الواردة في (دوحة الوزراء) تؤيد أنه أهداه نادر شاه إلي السلطان العثماني، و كان نادر شاه قد غنمه من ملوك الهند، و من المقطوع به أنه من معمولات الهند مما يؤكد وجهة نظرنا و

قد ذكر وصفه هناك. بقي ببغداد مدة بعد قتلة نادر شاه … ثم أرسل إلي استانبول.

471 وفيات
472 السيد محمد كمونة: (آل كمونة)

في هذه السنة قتل السيد محمد كمونة في واقعة چالديران كما تقدم. و اشتهر اسم هذه الأسرة في الأقطار و أخذ يرددها التاريخ فإن السيد محمد رئيس أسرة آل كمونة في وقعة بغداد كان متهما في الميل إلي الشاه فناله من جراء ذلك حبس و إهانة، من حكومة البايندرية ثم أخرجه أهل بغداد من الحبس عندما رأوا أن حكومتهم ليس لها قدرة الدفاع، و صد الهاجم … فكان ما كان مما مر، و الشاه في هذه الحالة أكرمه، و أعزه، و أنعم عليه بإنعامات كبيرة … و الأهلون لم تكن فيهم قدرة المقاومة. و الملحوظ أنهم رأوا من الحكومة الزائلة ما أضعفهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 362

و أنهك قواهم، فلم يروا بدا من التسليم …

و الحالة التي نعرفها في تلك الأيام أن الأهلين يرون الإذعان للحكومة الإسلامية ضروريا فلا يسلون السيف في وجه القوي، و لا يدافعون كثيرا و لكن أهل السلطة و الحكومة يقومون أحيانا و ينازعون أغلبيا … و لم تظهر الحوادث القومية و أمثالها إلا في هذه الأيام فأبدلت تلك بمعاهدات و اتفاقات فقللت من الحرص و الطمع كثيرا، و وقفت بالحكومات عند آمالها المحدودة لما رأت من تيارات قوية …

و إن السيد محمد آل كمونة من حين ورد الشاه أخلص له الود و رافقه في حروبه، و ناصره في السر و العلن … حتي قتل في واقعة چالديران مع من قتل في سنة 920 ه.. و بقي اسم هذه الأسرة معروفا باسمها الأول، و ولي بعض أفرادها النقابة في النجف … و طرأ

علي رجالها القوة و الضعف شأن غيرها، و قد رأيت شجرة النسب، و وثائق عديدة و فرامين و حجج شرعية في مختلف الأزمان تؤكد الاتصال و لا تدع ريبا أو محلا للتشكيك، فهي أسرة قديمة، حسينية النجار و إن السيد محمد هو ابن حسين بن ناصر الدين بن علي بن حسين بن أبي جعفر الحسين بن منصور بن أبي الفوارس طراد بن شكر الأسود، و هذا الأخير مذكور في عمدة الطالب، و هم بنو كمكمة أولاد شكر الأسود. و جاء ذكر آل كمونة في أحسن التواريخ و في كلشن خلفاء و كتب عديدة مما لا يسع المقام إيرادها، و سنتعرض لمن عرف منهم، و اشتهر بعلم أو جاء ذكره في التاريخ …

و لا تزال هذه الأسرة عامرة لحد الآن و قد أطنب صاحب (ماضي النجف و حاضره) في ذكرها و بين المراجع التي تشير إلي أفرادها،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 363

و من كانت له صلة قرابة بها، و يطول بنا بيان أسماء أفرادهم و تسلسلهم فإنه لا يحتمله هذا المقام و لعلنا نشبع الموضوع أوسع في (بيوتات العراق).

473 حوادث سنة 921 ه- 1515 م

474 في العراق:

في هذه السنة أيضا لم تقع حوادث مهمة و إنما غطت حوادث السنة الماضية علي غيرها، و إيران مشغولة في ترتيبات جديدة للم شعثها … و المفهوم أنها أبقت الإدارة كما كانت بأيدي قوامها الذين تركتهم فيها.

475 الموصل و الأنحاء المجاورة:

و في هذه السنة أحب أهل آمد أن يدخلوا في طاعة السلطان سليم فأخرجوا و اليهم المنصوب من سلطان العجم و أرسلوا يطلبون أميرا من السلطان ليكون وليا عليهم فنصب بيقلو محمد بيك الآمدي و جعله أمير الأمراء فوصل إلي تلك البلاد و قاتل و اليها قره خان فانتصر عليه و قتله، ثم إن محمد باشا حاصر مدينة ماردين فافتتحها ثم افتتح بلاد الموصل و عانة و حديثة و هيت و سنجار و حصن كيفا و جمشكز و العمادية و حصن سوران و سائر بلاد الأكراد و عامة جزيرة ابن عمر و من ثم نري أوائل العلاقة بين العراق و العثمانيين بعد واقعة چالديران و في هذه الأيام كان العراق في اضطراب و تشوش … و أن الحكومة التركية أرسلت بيقلو محمد باشا و إدريس البدليسي نظرا لوقوفه علي الأحوال هناك فصادف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 364

مشاكل إلا أنه بمغلوبية قرا خان في قوچ حصار دخل أمراء الكرد في طاعة السلطان و كذا صارت كركوك في حوزتهم.

476 حوادث سنة 922 ه- 1516 م

477 الحالة كما كانت:

لا تزال الحالة علي ما هي عليه بل كانت أسوأ فإن الإيرانيين لم ينظموا أمورهم و يقرروا إدارتهم بعد حتي عاد السلطان ياوز و توجه نحوهم فجعلهم في اضطراب إلا أنه مضي إلي قانصوه الغوري سلطان مصر و سورية و الحجاز فاستولي علي مملكته و ذلك لما علمه من مساعدته للصفويين فقتله و أعلن خلافته …

فقويت آمال السلطان سليم في الأنحاء العربية و ما جاورها و تولدت فكرة توحيد الممالك الإسلامية.

478 حوادث سنة 923- 925 ه 1517- 1519 م

479 الأوضاع السياسية:

مضت هذه السنين و الأوضاع السياسية في العراق مرتبكة و الحكومة الإيرانية شغلت بحوادثها مع العثمانيين و الحكومات الأخري المجاورة لها في الأنحاء الشرقية.

480 حوادث سنة 926 ه- 1520 م

481 وفاة السلطان سليم:

و في هذه السنة توفي السلطان سليم فكان ذلك أكبر خبر سر به

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 365

الصفويون لنجاتهم من غوائل كبري و خلاصهم من خطر عظيم.. و قد استولي علي أكثر الممالك التي بيد الشاه إسماعيل كما أنه تولدت فيه فكرة الفتوحات في الممالك الشرقية الإسلامية و توحيدها … و لم يهم العراق إلا من ناحية الميل إليه و الفرح بفتوحه و انتصاراته.

وكل ما يقال عنه أنه قاهر الشاه إسماعيل الذي قتل كثيرين من المسلمين مما دعا أن يقابل في قتل العجم و انتهاك حرمات الكثيرين منهم حتي أنه لم تسلم زوجته من الأسر لما حنق عليه المسلمون و فرحوا بمقابلته بالمثل … و قد قال صاحب الشذرات عنه «إنه في أيامه- أيام السلطان سليم- ظهر إسماعيل شاه و استولي علي سائر ملوك العجم و ملك خراسان و آذربيجان و تبريز و بغداد و عراق العجم و قهر ملوكهم و قتل عساكرهم بحيث قتل ما يزيد علي ألف ألف و كان عسكره يسجدون له و يأتمرون بأمره و كان يدعي الربوبية و قتل العلماء و أحرق كتبهم و مصاحفهم و نبش قبور المشائخ من أهل السنة و أخرج عظامهم و أحرقها، و كان إذا قتل أميرا أباح زوجته و أمواله لشخص آخر فلما بلغ السلطان سليم ذلك تحركت همته لقتاله و عد ذلك من أفضل الجهاد فالتقي معه بقرب تبريز بعسكر جرار و كانت وقعة عظيمة فانهزم جيش شاه إسماعيل و استولي سليم علي خيامه و سائر ما

فيها و أعطي الرعية الأمان …» ا ه.

و مثله جاء في كتاب الأعلام بأعلام بيت اللّه الحرام و أنه استولي علي تبريز و قال:

«أخذ- السلطان سليم- من أراد منها من الأفاضل المتميزين في الصنائع و الفضائل و الشعراء الأماثل و ساقهم سركنا (جلاء) إلي اصطنبول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 366

(استانبول) … و بوفاته نجوا من أكبر عدو لهم، و لم يدروا أن سليمان أعظم منه، و أنه أتم مشروع والده و نهج نهجه.

482 حوادث سنة 927 ه- 1521 م

483 1- أحمد البغدادي:

هو شهاب الدين أحمد ابن القاضي علاء الدين علي بن البهاء بن عبد الحميد بن إبراهيم البغدادي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي الإمام العلامة. ولد سنة 870 ه و أخذ العلم عن أبيه و غيره و انتهت إليه رياسة مذهبه و قصد بالفتوي و انتفع الناس به و فوض إليه نيابة القضاء في الدولة العثمانية ثم ترك ذلك و أقبل علي العلم و العبادة توفي بدمشق سنة 927 ه.

484 2- بدر الدين حسن الفلوجي البغدادي:

هو ابن عيسي بن محمد الفلوجي البغدادي الأصل العالم الحنفي اشتغل قليلا علي الزيني بن العيني و اعتني بالشهادة ثم تركها و حصل دنيا واسعة و ولي نظر الماردانية و المرشدية و نزل له أخوه شمس الدين عن تدريسها و عدة مدارس و لم تكن فيه أهلية. مات سنة 927 ه.

485 حوادث سنة 930 ه- 1523 م

486 وفاة الشاه إسماعيل: (ترجمته)

تقدم الكلام علي حكومته و ما جري للعراق في أيامه و ترجمه كثيرون … و هذا قام بيد حديدية و حاول أن يقضي علي كافة الحكومات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 367

الإسلامية بما أبداه من شدة … و أعاد للناس ذكري وقائع تيمور و أمثاله و الحكومات كانت مضعضعة الجانب، و الأقوام و الشعوب منهوكة القوي، تتربص الصيحة لتقوم علي حكوماتها و تمد يدها للقائم الثائر، و لا يحتاج الأمر إلي الاهتمام الكبير، و لا إلي تطبيق مناهج مشاهير السفاكين أو مراعاة خططهم في حروبهم. فكان من نتائج هذه المعركة أن خذل و نالته الضربة القوية من يد السلطان سليم العثماني بحيث أضاع رشده، و صار لا يقوي علي مجابهته، أو مقابلته. و ترك معظم الممالك التي حصل عليها و من خسائره ذيوع أعماله و تدميراته التي نقلها المؤرخون و نددوا به من أجلها … و بغداد التي سلمت له بالأمس طائعة بلا قيد و لا شرط صارت تضمر السخط عليه لما أصابها من ضيم و تعصب، و صار يلتجي ء رجالها إلي البلاد الأخري و خاصة إلي بلاد العثمانيين شاكين ضيمهم، مستصرخين بهم، راجين النصرة علي أيديهم …

قال في كتاب (الأعلام بأعلام بيت اللّه الحرام):

«قتل خلقا لا يحصون … و قتل عدة من أعاظم العلماء بحيث لم يبق أحدا من أهل العلم في

بلاد العجم إلا و أحرق جميع كتبهم و مصاحفهم … و كلما مرّ بقبور المشايخ نبشها و أخرج عظامهم و أحرقها، و إذا قتل أميرا أباح زوجته و أمواله لشخص آخر …» ا ه.

و علي كل لا يفسر قيامه بعمل معقول و قد ذكر له هذا التعصب رئيس وزراء إيران سابقا ذكاء الملك محمد علي فروغي في كتابه تاريخ إيران … و لم ينظر إلي أن المسلم أخو المسلم، و يجب أن تكون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 368

العقيدة حرة. فنري المؤرخين ينقلون القسوة و الحيف إلا بعض كتاب العجم من صنائعه … بل نجد بين مؤرخي الإيرانيين من يندد بسياسته و يعدها خرقاء … أوردنا فيما سبق من النصوص ما ينبي ء بغروره قبل كسرته، و بذلته بعدها و انهزامه من وجه العثمانيين، و لم يجسر أن يأخذ بحيفه بل قامت عليه مملكته و صار يركن دائما إلي الانحراف عن وجه عدوه … و هكذا فعل أخلافه من بعده … و لا نطيل في تاريخ حياة الشاه إسماعيل و غاية ما نعلم عنه أنه صوفي الأصل، نشأ نشأة تركية و له ديوان في التركية و مخلصه في أغلب قصائده (خطائي) و في كشف الظنون ذكر ديوان خطائي و هو ديوانه …

و ما قام به العثمانيون من معاملته كان مبناه المقابلة بالمثل و هذا أيضا لا مبرر له، و فيه غفلة عن قاعدة (لا ضرر و لا ضرار) و قبيل وفاته انتزعت العراق منه فاستقل بها بعض أمرائه للاعتقاد بأن حكومته سائرة للزوال … و الإيرانيون يجدون أنه الوحيد الذي جعل كيانا خاصا لإيران، و قوي آدابها … و الحق أنه سعي سعيا بليغا لاستقلال

إيران.

487 حكومة ذي الفقار

لم يستمر حكم الصفويين في العراق و قد ثار عليهم ثائر قضي علي حكومتهم هنا.. و هذا أيضا لم تلبث حكومته إلا قليلا فماتت. و ذلك أنه في هذه الأيام دارت الدائرة علي الحكومة الصفوية … فكانت تستمد من أمرائها في الأطراف و تطلب المعونة منهم بإلحاح لتوقيف الاضطرابات المتوالية، أو الثورات الناشبة عليهم …

و من أهم الوقائع حادثة ذي الفقار الثائر علي حكومة الصفوية و ذلك أن أمراء قبيلة موصلو و هم أمير خان و أخوه إبراهيم خان كان لهما ابن أخ هو ذو الفقار بن نخود سلطان. و كان هذا حاد المزاج، حار الطبع إلا أنه مشتهر بالسخاء و الشجاعة فمالت إليه القلوب و أحبته. و قد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 369

أعانه بسبب هذا الحب و الميل أكراد كلهر فافتتح أكثر بلادهم و صار الكل ينقادون له و لا يقصرون في نصرته!

و إن عمه إبراهيم خان والي بغداد ترك أخاه أمير خان و أولاده و أنسباءه و أعوانه في بغداد و ذهب هو إلي الشاه بنحو خمسة آلاف من رجاله … و الحاجة إلي مثله كانت شديدة جدا. و لما وصل إلي (ما هي دشت) أغار علاليه ذو الفقار خان بثلثمائة فارس تقريبا و هاجمه بمن معه علي غرة فأورده حتفه كما أن أتباعه انقادوا إلي ذي الفقار. و بذلك نال قصده، و خسر الشاه هذه القوة.

و علي هذا توجه نحو بغداد و ضرب خيامه في أطرافها، فأقام بضعة أيام ثم عقد مصالحة فدخلها بتسليمها القياد له. فقضي علي حاكمها و هو عمه أمير خان و علي أولاده فاستقل بها …

و كان فارسا مقداما كريما جوادا لا يدانيه أحد، نال

شهرة ذائعة و أحبه أكثر الناس و أذعن الكل له بالطاعة فشاع صيته و علت مكانته في القاصي و الداني فبسط بساط العدل و الرأفة.

و مع هذا كله كان يشعر بضعف و يخشي صولة العجم عليه و هو في أوائل تأسيس الملك فأراد أن يركن إلي قوة تكفيه الغوائل و عون يعتمده من الطوارق فأول ما قام به أن حبب نفسه للأهلين من جهة تأمين العدل و إبداء اللطف و المكارم فعلقت به القلوب، و من أخري ضرب النقود باسم السلطان سليمان القانوني و قرأ الخطبة له و شايعه و أبدي أنه من أتباعه و أرسل إليه سفيرا يعرض له ذلك دون أن يحصل أي نزاع يقتضي ذلك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 370

و لما طرق ذلك سمع الشاه طهماسب حرّق عليه الأرم و غضب غضبا شديدا و هاجت نخوته … فتقدم بجيش عظيم سنة 936 ه في تموزها فهاجم بغداد في مدة يسيرة خوفا من أن يصل إليه المدد من السلطان سليمان فعاجل في الأمر بقصد استخلاصها من ذي الفقار …

قاومه ذو الفقار أشد المقاومة و أظهر من البسالة أكثر مما هو مشهور عنه فصرف كل مجهوداته للنضال و تمكن من صدّ الهجومات و قارع مقارعات عظيمة خارج البلد و لكن السيد محمد كمونة كان يثبط العزائم و يخذل و كاد الشاه يرجع بالخيبة، فلم يطق الحرب في أيام الحر … لو لا أن الشاه أطمع إخوة ذي الفقار علي بك و أحمد بك مع آخرين نحو 17 فعزموا علي قتل ذي الفقار و صاروا يترقبون الفرص للوقيعة به …

ففي بعض الأيام رجع ذو الفقار إلي داره منهوك القوي بقصد أن يستريح فرمي

سلاحه و عدته و أراد أن ينام للراحة من العناء و حينئذ هاجمه أخوه علي بك علي حين غرة و معه ثلة فبادروه بالضربات. و لما حاول مقابلتهم فاجأه أخوه الآخر أحمد بك فأخذ بتلابيبه فقضي عليه …

صار لهذه الوقعة رنة سرور و فرح للشاه طهماسب إذ كان الحر اضجره و دعاه أن يرجع لو لا هذا الحادث الذي نال به بغيته من أسهل طريق و أكرم ذينك الأخوين علي فعلتهما و منح منشور الولاية (حكومة بغداد) إلي محمد خان تكلوا آل شرف الدين و برات كركوك إلي صوفيي كلهر، و لواء بندنيج إلي غازي خان و لواء الحلة إلي سيد بك، و لواء واسط و الجوازر إلي قانصوه بك، و لواء الرماحية إلي صالح سلطان و صدرت البروات بذلك طبق مراسيمها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 371

و حينئذ و بعد أن تم للشاه الأمر ذهب إلي قزوين و رحل عن بغداد.

و بذلك عاد العجم الكرة علي العراق فصارت تحت حكمهم …

و علي كل حال إن هذا يعتبر ثائرا عليهم و من أمرائهم و لا يعد مالكا حقيقيا للعراق مهما تعلق العراقيون به، و قد حاول فصل سلطة الإيرانيين عنه و أن يتمكن من الاستقلال بإقناع العثمانيين بالخطبة و السكة و أمثالهما فلم يفلح.

ثم أنه لم تطل مدة حكم الإيرانيين علي هذا القطر و إنما تعد ببضع سنوات لا تتجاوز الخمس … أي أنها امتدت إلي سنة 941 ه.

و هذا الوالي (حاكم بغداد) هو الذي انتزعت بغداد منه علي يد السلطان سليمان خان القانوني و لا يمكن أن يقال عن هذه السنين إلا أيام حروب و أوقات جدال فلا تنتظر إدارة منتظمة و حكومة

مدنية معتبرة … فالكل مخرب يحاول النصرة علي عدوه، و المسألة بين الحكومتين.

و الحاصل أن ذا الفقار ولي بغداد بعد عمه إبراهيم خان موصلو الذي هو آخر ولاة العجم، و بعد أن انقضي تغلبه خلفه (محمد خان تكلو) … و هذا دامت ولايته في بغداد إلي أن جاء السلطان سليمان القانوني … و لا أمل أن نجد وقائع مطردة، و حوادث مرتبة عن مدة مثل هذه و الصحيح لم نعثر علي مؤرخ عراقي يميط اللثام عما جري في هذه الأيام من الوقائع علي وجه التفصيل.

488 بصري شطرنجي:

في تاريخ دمشق عن ابن المقار أنه في سنة 936 ه وصل إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 372

دمشق حماد البصري الأعمي و نزل بالبادرائية و كان بارعا (يلعب الشطرنج) فتقدم إليه أكابر دمشق و مصر و الحجاز و لعبوا معه بعد أن ربطوا عينيه ربطا محكما فغلبهم و ذكروا أنه يمكن أن يلعب مع خمسة أنفس علي خمس رقع انتهي و في هذا ما يشير إلي أن العراق لم يخل في عصر عن رجال لهم شهرتهم و بعد صيتهم في مختلف المواهب إلا أن الوقائع المؤلمة أنست تثبيت أعمالهم و القوة غالبة عليهم و الأطماع شديدة في الاستيلاء …

لم نسمع بعدها عن العراق شيئا من الوقائع إلي أن انتهي أمد حكومة العجم الصفوية عام 941 ه.

489 ولاة بغداد:

1- خليفة الخلفاء أبو منصور المعروف بخادم بك المتوفي سنة 920 ه.

2- إبراهيم خان و كان واليا علي بغداد فقتله ابن أخيه ذو الفقار.

3- ذو الفقار. (ثائر).

4- تكلو محمد خان. و هذا انتزعت منه حكومة بغداد سنة 941 ه افتتحها السلطان سليمان القانوني و بعدها انقطع حكم إيران نحو مائة سنة عن العراق … و كانت هذه الحكومة تركمانية في إدارتها و غالب أمرائهم منهم، اشتغلت بحروب كبيرة، و هي في دور التأسيس، و أصابتها صدمات قوية … و علي رأسها الشاه طهماسب و في هذه الحالة دام حكمها إلي هذه الأيام و ما بعدها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 373

490 فتح بغداد:

كان من نتائج سوء الإدارة، و قلة التدبير أن نفرت ممالك كثيرة من الحكومة الصفوية، استنصر بعضهم العثمانيين، و من بغداد ذهب آخرون إلي استانبول يشكون الحالة.. و الآن نورد فتح بغداد مجملا علي أن نعود للتفصيل، و نبين الأوضاع السياسية و الحربية، ففي جامع الدول عزم السلطان سليمان علي استخلاص بغداد … و ادعي سبق اليد، و أمر رئيس العسكر نظام الملك إبراهيم باش أن يشتي في حلب، فإذا ذهبت شدة الشتاء سار هو أيضا في جيوش كثيرة و اجتمع به في حلب، فامتثل الأمر … و في 10 جمادي الآخرة سنة 940 ه وصل حلب.. و إن الشاه أخذ العدة، و تأهب للطواري ء.. ثم توجه السلطان و قطع مراحل في طريقه إلي العراق.. فوصل بغداد، و دخلها في 24 جمادي الأولي سنة 941 ه و كان النائب بها من قبل الشاه تكلو محمد خان، فلما سمع بوصول العسكر إلي حدود العراق بعث إلي السلطان يقدم له الطاعة، ثم أخذ أمواله و

عياله و هرب، فدخل العسكر بغداد.. ثم عاد في 18 ذي الحجة و مثله في الجنابي. و في منشآت فريدون، و مطراقي (بيان منزل العراقين)، و سليمان نامه تعداد للمنازل التي قطعها السلطان بجيشه كما أن التفصيلات عن مدة إقامته ببغداد، و أعماله فيها مما يتعلق بالجزء التالي، فلا نتعرض لها الآن و نكتفي بهذه الإشارة لضيق المجال.

491 القبائل التركية و التركمانية
اشارة

كان الترك في العراق قبل المغول بكثير، دامت علاقتهم، إلا أنهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 374

عاشوا فيه في كل أحوالهم في قلة حتي في أيام تسلطهم، و في أيام المغول تكاثر عددهم نوعا، و مال إلي العراق أقوام و قبائل عديدة منهم بالوجه المشروح، و بمرور الأيام ذابوا في المدن، أو صاروا إلي مواطن القوة، و بعضهم لا يزالون بصورة قبائلية ضئيلة، أو سكنوا قري خاصة بهم أو مختلطة بغيرهم، و منهم من كانت لهم مكانة، أو عاشوا مجتمعا، أو عرفت لهم وقائع في التاريخ:

492 1- البيات:

و هؤلاء من أقدم القبائل التركمانية، و لهم كيان خاص، و هم مجموعة لا يستهان بها، يقطنون لواء كركوك، و كانوا في لواء وسط، و الآن مال قسم كبير منهم إلي المدن، و صاروا في قلة و اختلطت بهم عشائر عربية، و هذه أشهر فروعهم:

1- البسطملية. رئيسهم وهب بن محمد أبو زيد، و كاظم بن حبيب. و هؤلاء ترك و أفخاذهم:

(1)- المحمودية.

(2)- عز الدينية.

(3)- الليبالي.

2- پير أحمد. رئيسهم محمد الفرحان، و محمد بن حمد البكعة.

و هم من الأمراء، مختلطون تركا و عربا و أفخاذهم:

(1)- البو علي الناصر.

(2)- البو خالد.

3- كله وند. رئيسهم حسن المحمد و عسكر بن بيات. و الظاهر أنهم فيهم كرد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 375

4- رويزات. رئيسهم حمد بن حمادي. و هم عرب و ترك.

5- إسماعيل بكلية. رئيسهم فارس بك ابن الحاج محمد بك هو رئيس عموم البيات و يزاحمهم البو حسين و يدعون أنهم من طيي ء. و هم عرب و ترك:

(1)- البو عبو.

(2)- البو نجم.

(3)- البو حسين.

(4)- البو حسن. رئيسهم حسين بن حميد القدو.

6- قره ناز. رئيسهم علي بك ابن هادي بك،

ترك.

7- براوجليه. رئيسهم رضا بن موسي، و سداح بن رضا.

8- حسن درلية. رئيسهم حسن بن قايه.

9- الأمرليه. رئيسهم جاسم بن محمود. و نخوتهم (إخوة شاطرة) و يدعون أن أصلهم من (آل مري)، مالوا من واقعة آل مري. و يتكلمون التركية و العربية و فروعهم:

(1)- عابشلية.

(2)- كرملية.

(3)- باكرليه.

(4)- زربرليه.

(5)- قلابليه.

10- مراد ليه. رئيسهم محمد بن نجم.

11- دلالوه. رئيسهم محمد الحسون و عزيز بن علي خان.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 376

12- البو ولي. رئيسهم طعان بك ابن حبش بك.

13- قوشجية. رئيسهم حميد أغا. و آل كنه في بغداد منهم.

(1)- الياسات.

(2)- اليلانجية.

(3)- الشوخورتلية. رئيسهم رضا بن يوسف. عرب و ترك.

(4)- البو صبحة.

(5)- زنكولية.

14- ينكيجة. رئيسهم حميد بن صمد، و علي كهيه بن أيوب.

و هؤلاء مختلطون ترك و كرد (داوده). و سموا باسم المكان.

و هؤلاء ابيات ورد ذكرهم في (ديوان لغات الترك) من فروع أوغز.

و بين سمة دوابهم، و في اللهجة العثمانية لأحمد و فيق باشا أيضا. و هي منتشرة في العراق و خارجه، و لا يخلو تاريخ تقريبا من التعرض لهم كما أنه جاء عنهم في تاج العروس. و في أوليا جلبي تعيين لمواطنهم الحالية. و منهم فضولي الشاعر البغدادي المعروف و في بستان السياحة بيان لهذه القبيلة في صحيفة 179 و ما جاء في عنوان المجد من أنهم وردوا العراق أيام السلطان مراد فغير صحيح. فهم من أقدم القبائل التركمانية، قطنوا العراق قبل المغول، و كانت مواطنهم في المقاطعة المعروفة ب (بيات و دليران) التابعة لواسط قديما.

و في (فارسنامه) إيضاح عن علاقتهم ب (الخلج، و الزنكنة، و موصلو) و أقوام كثيرة. كما أن صاحب جهانما أورد مكان لوائهم و أنه قرب جنكوله و هو في

لواء واسط قديما …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 377

و اليوم هم مزيج كما أن لغتهم كذلك. و في الوقائع التاريخية نتعرض لما يرد ذكره.

493 2- قراولوسي:

و هؤلاء قرا أولوس. من قبائل المغول. عاشت قرب مندلي (بندنيجين)، فنسيت لغتها، و عادت الآن لا تعرف أنها تركية. و من فروعها (قايتول)، (كجيني)، (و نفطجي) و أفخاذ أخري سنتعرض لها في (عشائر العراق) عند الكلام علي العشائر الكردية.

494 3- الخلج: (الخلجية):

جاءت بلفظ كلجية و في جهانكشاي جويني بلفظ (خلجان) و خلج، و هناك يظن أنهم قبيلة من الأتراك فلم يقطع في أصلهم.

و النصوص العربية تعين أنهم من العرب كما في لسان العرب و تاج العروس. و جاء في صحائف الأخبار لمنجم باشي ما يؤيد ذلك، اختلطوا بالتتار، و في قاموس الأعلام و دائرة المعارف الإسلامية ما يعين أنهم نالوا الحكم، و تكون منهم سلاطين في أنحاء الهند بعد أن عاشوا مع الغورية، و عدهم المؤرخ التركي الشهير نجيب عاصم في كتابه تاريخ الترك شعبة من الغورية و بين أن (قال آج، و خولج، و قلج) من أصل واحد و ندد بقول منجم باشي. و في الحلة من الوية بغداد محلة تسمي (كلج) كان يسكنها هؤلاء فسميت باسمهم. و الآن لا يعرف لهم وجود في العراق، أو اختلطوا فلم يعد يعرف لهم كيان خاص.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 378

495 4- صارلية: (سارلو)

و هؤلاء اضطربت الأقوال فيهم، و هم تركمان. و جاء ذكرهم في دائرة المعارف الإسلامية باعتبار أن ذلك عقيدة. و قيل أصلها (صارت لي الجنة). و هذا غير صحيح قطعا لأن أصلها (سارلو) (بالسين) قبيلة تركمانية كان لها موقع خاص و ذكرت في كتب التاريخ. و الآن تعد فرقة من الكاكائية كأنها نحلة من نحلهم، و طريق اشتقاقها المذكور أعلاه غريب. فلا علاقة لأصل اسمها بماهية نحلتها و تلفظ (صاره لو).

و الآن تحتوي علي عدة قري تركمانية بين الموصل و أربيل علي الجانب الأيمن و الأيسر من الزاب الأعلي تابعة ناحية الكوير من لواء إربل و في مواطن أخري و هذه أشهر قراهم:

1- دربند سارلو (صاره لو).

2- وردك.

3- تل اللبن.

4- قرقشة.

5- صفية.

6- مطراد سارلو (صاره

لو).

7- فتحاوة.

8- كلك ياسين آغا.

9- زنكل.

10- توله بند.

11- كنزكان.

12- تل الحميد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 379

13- كبرلو.

14- خرابه سلطان.

15- زاره خاتون.

و قد جاء ذكر قبائل و فروع تنطوي ضمن المذكورين، أو مر القول عنهم.

496 الحكومات و الإمارات المجاورة
اشارة

و هذه كثيرة لا يسع المقام ذكرها، و المهم ما له علاقة بالعراق.

و قد مضي بيان جملة منها و أشهرها:

497 1- الدولة الغادرية:

إمارة استولت علي مرعش و ما والاها و دام حكمها إلي ما بعد علاء الدولة، قضت عليها الدولة العثمانية، و أول من عرف منهم ذو القدر زين الدين قراجة ابن ذي الغادر (دلغادر)، و توالوا إلي أيام علاء الدولة بن سليمان. و هذا قتل كما تقدم، فخلفه علي بيك بن شاهسوار بن علاء الدولة. و في سنة 928 ه قضي العثمانيون عليه و علي ابنه سارو أرسلان و استولوا علي مملكتهم.

498 2- القرمانية:

تكونت في أوائل القرن الثامن، و أول أمرائهم قرمان بن نور صوفي، و آخرهم أحمد بيك بن إبراهيم. و هذا انقرضت حكومته علي يد العثمانين سنة 871 ه. و أوضح أصلها (تاريخ القرمان) ذكره في جامع الدول قال «ظفرت بتاريخ تركي غليظ التعبير في أحوال القرمانية لشخص

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 380

يقال له (شكاري)، ترجمه من منظومة فارسية علي أسلوب الشهنامة نظمها (دهاني) في أحوال سلاجقة الروم، ثم ذيلها (أرحاني) في أحوال القرمانية، فترجمها (شكاري) هذا إلي التركية نثرا فقال فيه أن أصل (القرمانية) من طائفة (الغز)، ثم قيل لهم (أغوز)، انتقلت منهم نحو عشرة آلاف بيت إلي الروم من أذربيجان و شروان لما أن تسلط عليهم التاتار، و التجأوا إلي سلطان الوقت من السلاجقة، و صاروا رعية لهم، فأسكنهم السلطان في ثغور بلاد الروم فاختلطوا بالتركمان …

499 3- آل المشعشع:

مر الكلام عليهم. و المولي محسن توفي أيام الشاه إسماعيل فخلفه ولداه أيوب و علي فقتلهما الشاه سنة 914 ه، و استناب أحد أمرائه.

و لما عاد ولوا عليهم فلاحا ابن المولي محسن، فأظهر الطاعة للشاه و قبل الالتزام و أداء المال للشاه، و بعد وفاته خلفه ابنه بدران، ثم قام ابنه سجاد. و هذا أطاع الشاه و بذل المال المقطوع. و في جهان آرا للغفاري انتهي بحوادثهم إلي سنة 973 ه.

500 4- حكومة مصر:

و هذه كانت حوادثها متعلقة بحكومات العراق، و ذات اتصال بها.

و يتلو ما سبق ذكره:

1- الملك المؤيد شيخ (815 ه- 824 ه).

2- الملك المظفر أحمد (824 ه- 824 ه).

3- الملك الظاهر ططر (824 ه- 824 ه).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 381

4- الملك الصالح محمد (824 ه- 825 ه).

5- الملك الأشرف برسباي (825 ه- 841 ه).

6- الملك العزيز يوسف (841 ه- 842 ه).

7- الملك الظاهر جقمق (842 ه- 857 ه).

8- الملك المنصور عثمان (857 ه- 857 ه).

9- الملك الأشرف إينال (857 ه- 865 ه).

10- الملك المؤيد أحمد (865 ه- 865 ه).

11- الملك الظاهر خشقدم (865 ه- 872 ه).

12- الملك الظاهر بلباي (872 ه- 872 ه).

13- الملك الظاهر تمربغا (872 ه- 872 ه).

14- الملك الأشرف قايتباي (872 ه- 901 ه).

15- الملك الناصر محمد (901 ه- 904 ه).

16- الملك الظاهر قانصوه (904 ه- 905 ه).

17- الملك الأشرف جانبلاط (905 ه- 906 ه).

18- الملك العادل طومانباي (906 ه- 906 ه).

19- الملك الأشرف قانصوه الغوري (906 ه- ض 922 ه).

هذا، و قد مر ذكر باقي الحكومات التي له صلة بالعراق رأسا أو بالواسطة.. مثل الدولة الشروانية (الدربندية) و غيرها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 383

501 خاتمة الكتاب

هذه الأيام كانت في غاية الاضطراب، و الظواهر الثابتة تشير إلي ما وراءها و الحكومات المتسلطة علي العراق استقرت في البارانية أولا، و البايندرية ثانيا، ثم الصفوية، و انتهي الحكم بالفتح العثماني، فانقضي هذا العهد ببؤسه، فلم يحصل انقياد لواحد و في أيام الضعف بدت الحزبيات، و اشتعلت نيران الفتن بين الأمراء، فلم يصف الجو و لم يسد الهدوء، و كانوا قوة عظيمة ترهب العدو، فصارت الحوادث تلتهم بسعيرها، و سهل الاستيلاء

عليهم، فقامت الدولة الصفوية، و قد مل الناس الحروب، و رأت تسليما من كل جانب بغية الراحة، و لكنها لم تراع السياسة في تقريب الأقوام، فحصلت النفرة منها …

ذلك ما سهل الفتح العثماني، و كانت الدولة العثمانية من أكبر دول الشرق، و سيأتي من الحوادث ما يبصر بنتائج هذا النزاع بين الدولتين، و الآمال حالت دون التفاهم، فكانت القاضية بل السبب الوحيد لتدمير الشرق و جموده و انحلال إدارته …

و العهد المذكور مبدأ الانحطاط، و أول اندثار الثقافة العلمية و الأدبية، و ضياع القدرة المادية، و المعنوية و انحلال الإدارة مما يستدعي الدراسة، و هي خير عبرة، و الانتباه للتوقي من حالات مثل هذه لازم بقدر الإمكان … و قد استفاد الأغيار من هذه الأوضاع فلم نبال بها،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 384

و إنما جابهتنا معضلات لم نأبه لمزاولة حلها أو بالتعبير الأصح فقدنا التفكير فهلكنا …

و حياتنا الحقيقية تتوقف علي المعرفة، فلا يكفي التألم للمصاب.

و اللّه ولي الأمر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 385

502 الفهارس العامة

اشارة

1- فهرس الأعلام

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

3- فهرس المدن و الأماكن

4- فهرس الكتب

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

6- فهرس الصور

7- فهرس الموضوعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 387

503 1- فهرس الأعلام

حرف الألف آدم عليه السلام: 209

آرايش (آيش) بيكم: 107، 189

إبراهيم آل السماوي: 69

إبراهيم باشا: 373

إبراهيم بيك: 212، 277

إبراهيم بن حيدر الصفوي: 276

إبراهيم الحيدري: 125، 339

إبراهيم بن دانا خليل: 294، 312

إبراهيم الراوي: 129، 279

إبراهيم شاه: 185، 187

إبراهيم شاه رخ: 71، 95، 101

إبراهيم ابن الشيخ علي: 336، 338، 339

إبراهيم الشرواني: 35، 36

إبراهيم الشيرازي: 89

إبراهيم الطويل: 233

إبراهيم بك بن قرمان: 231

إبراهيم الكيلاني: 169، 340

إبراهيم متفرقة: 34

إبراهيم المستوفي: 13

إبراهيم المشعشع: 153، 154، 277

إبراهيم موصلو: 368، 369، 371، 372

إبراهيم الوزير: 256

أبرويز (كسري): 166

ابن أبي عذبية: 144، 145

ابن الأثير: 32

ابن أردويل: 299، 300

ابن إياس: 17، 237، 244، 246، 249، 270، 271

ابن بطوطة: 69، 127

ابن تيمية: 168

ابن جمهور: 164

ابن حجر: 8، 42، 48، 97، 160، 268

ابن حجي: 124

ابن الحلال: 88

ابن الخراط: 160

ابن خطيب الناصرية: 79

ابن خلكان: 18، 165

ابن دلامة: 153

ابن دليم: 123

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 388

ابن الدواليبي: 158، 160

ابن الديري: 168

ابن رجب: 123

ابن زقزق: 304

ابن سيف: 44

ابن شدقم: 111، 350، 354، 356، 357

ابن صديق: 169

ابن ظهيرة: 305

ابن العجمي: 342

ابن عربشاه: 83

ابن العرية: 137

ابن علان (عليان): 273

ابن عنبة: 76

ابن الفصيح: 76

ابن فهد الحلي: 107، 111، 112، 114، 124، 125، 150، 163، 164، 166

ابن قرمان: 246

ابن الكويك: 58

ابن اللبودي: 124

ابن اللحام: 131

ابن اللوكة: 150

ابن ماكولا: 82

ابن المرابط: 76

ابن المغلي: 102

ابن المقار: 371

ابن ملجم: 157

ابن الملقن: 121

ابن نجم: 164

ابن نصر اللّه (أحمد بن نصر اللّه البغدادي)

أبو اربد الخفاجي: 69

أبو إسحاق الدباس: 346، 347

أبو إسحاق الشيرازي: 42

أبو أيوب الأنصاري: 299

أبو بكر بن

قاسم البخاري: 121

أبو بكر الصديق: 196

أبو بكر الطهراني: 9، 257

أبو بكر بن ميرانشاه: 62

أبو حنيفة: 80، 140، 168، 171

أبو الخير: 116، 117

أبو ذر الغفاري: 158

أبو سعيد (السلطان): 60، 65، 104، 105، 180، 188، 191، 203، 233، 234، 235، 237، 239، 240، 258، 260

أبو سعيد الخفاجي: 69

أبو سعيد بن قرا يوسف: 82

أبو علي: 70، 71

أبو الفتح: 232، 314

أبو الفضل السنباطي الأعرج: 19

أبو القاسم بن جهان شاه: 185، 189، 240

أبو الفضل بن إدريس التبريزي: 16

أبو نواس: 57

أبو يزيد (بايزيد): 65

أبو يوسف: 179، 180، 233، 234، 236، 239

أبو يوسف المكحول: 238

الأبهري: 81

الأبيوردي الخطيبي: 38، 39

أبيه سلطان (اللّه قلي سلطان): 294،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 389

303، 306، 308، 310، 312

أحسائي: 164

أحمد بن إسكندر الأرتقي: 31، 32

أحمد بن إسماعيل الشهرزوري: 278

أحمد (الشيخ): 125

أحمد الأيوبي: 226

أحمد باد شاه: 306

أحمد البغدادي: 366

أحمد بيك: 308، 309، 310

أحمد التروجي: 97

أحمد توحيد: 67، 325

أحمد تيمور باشا: 42، 144

أحمد السلطان الجلايري: 25، 30، 31، 33، 34، 46، 57، 60، 61، 62، 74، 85، 98، 99، 237

أحمد حامد: 260

أحمد بن حسين التركمان: 18

أحمد بن حسين بيك: 296

أحمد بن دحية: 248، 249

أحمد الدواليبي (الشيخ): 149

أحمد راسم المؤرخ: 360، 364

أحمد الرفاعي (الشيخ): 126، 128، 129، 130

أحمد السهروردي: 130

أحمد بن عبد السلام البصري: 125

أحمد فارس: 42

أحمد بيك بن إبراهيم: 379

أحمد الكردي: 39

أحمد الكسروي: 120

أحمد كوچك: 128

أحمد (كودة): 306، 307، 326

أحمد بن المتوج البحراني: 107

أحمد بن محمد البكري القرشي: 46

أحمد (المظفر): 380

أحمد بن المقداد: 149

أحمد موصلو: 370

أحمد (المؤيد): 381

أحمد ميرزا: 307

أحمد بن نصر اللّه البغدادي: 76، 102، 120، 121، 123، 144، 160

أحمد النعماني: 83

أحمد الهروي: 54

أحمد وفيق باشا: 376

أحمد بن يونس التونسي: 97

أحمد بن يونس العبدالي البغدادي: 160

أخي فرج

بن سيدي علي: 239، 240

الإخميمي (علي بن محمد): 35

إدريس بيك: 209

إدريس بن حسام الدين البدليسي: 288، 297، 299، 300، 363

أرحاني: 380

أرسلان دلغادر: 231

أرغون خان: 27

ازدمر: 269، 270، 271

أزدي بيك: 209

إسبان، أصبهان، اسپند: 60، 65، 66، 67، 74، 75، 77، 82، 84، 87، 88، 91، 93، 94، 95، 100، 101، 102، 103، 104، 107، 108، 109، 110، 112، 117، 118، 131، 132، 133،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 390

138، 139، 145، 177، 195، 198، 218، 222

إسحاق الدباس: 321، 322

أسد بن إسكندر: 107

أسد اللّه الحسيني: 100

أسعد الحنفي: 80

أسعد الحيدري: 125

إسكندر (الأمير): 60، 63، 65، 66، 67، 72، 78، 79، 82، 83، 88، 90، 95، 101، 104، 105، 106، 139، 183، 189، 195، 213، 214، 215، 217، 218، 221، 222، 223، 228

إسكندر بن إبراهيم بيك: 212

إسماعيل الجغتاي: 134

إسماعيل شاه الصفوي: 36، 37، 165، 177، 276، 285، 298، 304، 314، 315، 319- 325، 334، 335، 336، 338، 339، 340، 341، 343، 345، 346، 347، 348، 349، 350، 351، 352، 353، 354، 356، 357، 359، 360، 361، 365، 366، 368، 380

الأشرف (الملك): 43، 48، 214، 219، 258

ألوند: 107، 133، 134، 135، 138، 141، 142، 143، 152، 222، 261، 262، 268، 310- 315، 326، 343، 344

أمير أفندي: 145

أميران شاه: 136

أمير بك (يوسفجه): 246، 248

أمير حاجي الهمذاني: 132

أمير خان موصلو: 368، 369

أمير ذي النون: 241

أمير زاده بن محمد شاه: 92، 94، 95

أمير زاده أبو بكر: 25

أمير شاه إبراهيم: 235

أمير شاه علي: 235

أنس باش أعيان: 125، 126

أوروق سلطان: 107

أوغرلو محمد: 188، 191، 228، 234، 239، 245، 254، 255، 258، 306، 307

أوغوز: 27، 207، 376

أولجايتو: 29

أولوغ بك: 140

أوليا چلبي: 27

أويس إينال: 236

أويس الجلايري:

25، 29، 30، 42، 43، 58، 70، 71، 72، 74، 77، 86

أويس بن شاه ولد: 58، 67

أويس بن علي بيك: 219، 223، 226، 229، 230

أيبك (المعز): 17

أيمن (السلطان): 356، 357

إينال (الأشرف): 381

أيوب: 230

أيوب المشعشع: 177، 356، 380

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 391

حرف الباء بابا حاجي: 106

بابا عبد الرحمن: 229

بابر: 143، 161، 223

بادشاه كيلان: 301

باران: 27

باريك بيك پرناك: 315، 320- 322، 345، 346، 347، 349، 350

پاول كاله: 21

بايزيد: 90، 105، 136، 137، 215، 217، 223، 298، 299، 300، 305، 327، 358، 359

بايسنقر: 11، 12، 282، 284، 292، 294، 295، 290، 293، 303، 326، 337، 338

بايندر: 207، 254، 269، 270، 271، 272، 296

البخاري: 80، 83

بخشايش: 33

بدران المشعشع: 356، 380

بديع الزمان: 301

برسباي (الأشرف): 381

برقوق (الظاهر): 38، 57، 122

پروانه بن علي ماماش: 152

برهان الدين (القاضي): 211

پزمان: 55

بسطام: 146

بشحل: 116

بكتاش: 50

بكر موصلو: 262

بكزات: 249

بلباي (الظاهر): 381

بلقيس باشا: 100، 103

بنائي: 280، 286

بهاء الدين عثمان: 210، 325

بهرام ميرزا الحسني الصفوي: 12، 262

پهلوان بيك: 209، 218

پير أحمد: 100، 101، 210، 212

پير أحمد القرماني: 246

بيرام بيك القرماني: 353

بيرام خواجة: 29، 30، 194

پير بوداق: 60، 62، 88، 93، 142، 143، 144، 145، 147، 148 152، 160، 161، 162، 167، 169، 171، 172، 173، 174، 175، 178، 185، 188، 189، 191، 196، 198، 203، 224، 231، 239، 321، 329

پير زاده البخاري: 180

پير علي: 31، 210، 212، 213، 230، 232، 234

پير علي شكر بهارلو: 238، 239

پير عمر: 61

پير قلي: 141، 152، 160، 162

پير محمد: 29، 173، 175، 186، 191، 196

پير محمد التواجي: 241

پيري بيك: 262

بيقلو محمد: 363

بيكم: 189

بيكي جان خانم: 284

پيلتن: 212، 222، 223

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 392

حرف التاء تاج الدين بن

حديد: 72

تاجلي خانم: 360

تتش السلجوقي: 32

ترخان: 107

تشبيه: 210، 233

تشمال زينل: 100

تمربغا (الظاهر): 381

تندو بنت حسين (دوندي): 33، 34، 45، 46، 47، 57، 58، 67، 85

تورمش، دورمش: 30

توقتامش: 31

توكل الكردي: 41

تيمور: 27، 28، 29، 30، 31، 35، 43، 60، 61، 62، 80، 98، 99، 131، 137، 140، 149، 204، 208، 210، 211، 212، 213، 214، 232، 235، 253، 260

حرف الجيم جابر أمير العرب: 277

جاكيرلو: 136

جامي: 285

جانبلاط (الأشرف): 381

جانم الجداوي: 270

جبريل: 157

جرماغون نويان: 209

جعفر الصفوي: 191

جعفر بك: 215، 217، 220، 221، 224

جعفر چلبي: 360

جعفر الحسني: 85

جقمق (الظاهر): 177، 219، 381

جكم: 214

جلال الدين ابن الشيخ محمد الجزري:

116، 325

الجلال الحلواني: 278

الجلال عبد الكريم: 124

الجمال ابن الدباغ: 81

الجمال ابن الدواليبي: 81، 82

الجمال ابن الشرائحي: 124

الجمال العاقولي: 89

جمال الدين يوسف: 196

الجمالي بن نصر اللّه: 274

جميل بن نعير: 214

الجنابي: 16، 33، 46

جنكيز: 29، 86

جنيد الصفوي: 277، 335، 336، 341، 342، 343

الجنيد بن عبد السلام البصري: 125

جهان شاه: 60، 61، 62، 65، 66، 67، 78، 90، 93، 95، 104، 105، 106، 133، 134، 135، 136، 138، 139، 140، 141، 142، 144، 151، 152، 153، 161، 162، 167، 169، 170، 171، 172، 173، 174، 175، 176، 178، 179، 180، 181، 182، 185، 186، 189، 191، 195، 203، 222، 223، 224،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 393

225، 226، 227، 228، 229، 232، 233، 234، 235، 236، 237، 238، 239، 240، 256، 258، 260، 313، 336، 341، 342

جهانكير: 183، 184، 215، 217، 219، 220، 221، 222، 223، 224، 225، 226، 228، 229، 230، 233، 263

الجوسقي: 88

جوكي بن شاه رخ: 101، 215، 317

جويني: 12

حرف الحاء حاج ملك: 124

حاجي البايندري: 209، 212، 262، 314

حاجي الهمذاني: 92

حارث: 88،

103

حبيبي: 285

الحجاز: 70، 71، 160

حديثة بن سيف: 44، 214

حسام الدين: 168

حسن أتاج إيلي: 91

حسن إسحاق بيك القرماني: 231

حسن أمير آخور: 133

حسن بن البقال: 316

حسن البواب: 40، 41

حسن بيك (أبو النصر): 9

حسن بيك (الشيخ): 215، 217، 219، 220، 221، 222، 223، 225، 256، 284، 287، 297، 303، 309، 310، 315، 320، 326

حسن الثاني بن يعقوب: 325

حسن بن راشد الحلي: 73

حسن سبط الأمير روملو: 14

حسن المشعشع: 356

حسن بن سالار: 71

حسن الطويل: 66، 176، 178، 179، 180، 181، 182، 183، 186، 187، 188، 189، 191، 194، 199، 200، 203، 204، 208، 215، 224، 225، 226، 229، 230، 231، 232، 233، 234، 235، 236، 237، 238، 239، 240، 241، 242، 245، 246، 247، 249، 251، 252، 253، 254، 255، 256، 257، 258، 260، 262، 277، 305، 307، 317، 323، 326، 329، 336، 337، 342

الحسن العسكري: 323

حسن بن علي السنباني: 356

الحسن بن علي بن أبي طالب: 157، 164، 245

حسن علي: 169، 185، 186، 187، 188، 189، 191، 192، 193، 195، 196، 231، 235، 236، 238، 240، 295

حسن الفلوجي: 366

حسن كيا الجلاوي: 311

حسين بن أوغورلو محمد: 282، 296

حسين بن أويس: 33، 98

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 394

حسين بايقرا: 20، 153، 268، 275، 301

حسين بيك قوجه حاجي: 262

حسين الجلايري: 57، 67، 71، 74، 78، 84، 86، 313

حسين الدين أوغلي: 180

حسين طرخان: 171، 172

حسين عالي خاني: 304، 306، 308

حسين ابن علي بيك: 217، 218، 219، 220

حسين علي بن إسكندر: 185، 189

حسين علي بن زينل: 192، 240، 241

الحسين بن علي بن أبي طالب: 157، 164، 245

حسين كيا الچلاوي: 264

حسين لاله: 322، 345، 347، 348، 349، 353

حسين المشعشع: 356

حسين المهردار: 148

حسين بن نعير:

38، 44

حسين ميرزا: 239

حليمة بيكم: 276، 336

حماد البصري: 372

حمزة (السلطان): 108، 109، 215، 217، 218، 219، 220، 221، 222

حمزة حاجي لو: 262

حميد الدين ابن تاج الدين القاضي: 141

حميد الدين النعماني: 168، 278

حي بن يقظان: 11

حيدر الجسار: 136

حيدر الصفوي: 36، 275، 276، 277، 284، 303، 336، 337، 338، 343

حيدر المشعشع: 177، 356

حرف الخاء خاتم بنت عثمان: 217

خادم بيك: 324، 345، 349، 350، 372

خاص مراد الرومي: 251، 252

خالد بن الوليد: 351

خدا قلي برلاس: 114

خداوند كار الغازي: 55

خديجة بيكم: 336، 337

خديجة سلطان: 93

الخريزاتي علي بن جمعة: 170

خزعل (الشيخ): 176

خسرو (كوچك): 285

خشقدم (الظاهر): 381

الخطيب البغدادي: 18

خفاجة بن عمر بن عقيل: 69

خلف الأيوبي: 226، 230، 231، 255

خليل (السلطان): 36، 37، 223، 228، 231، 233، 237، 239، 254، 263، 264، 265، 258، 282، 290، 321، 326

خليل آغا التواجي: 241

خليل (دانا): 245، 255، 295

خليل بن محمود بيك: 338

خلفة بيك: 348

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 395

خليل (كور): 194، 195، 243، 245، 246، 247

خليل يساول: 321، 346

خواجه ملا: (فضل اللّه الروزبهاني)

خورشيد بيك: 230

حرف الدال داود الحيدري: 339

داود قومنن: 260

داود المشعشع: 356

دابي قاسم: 311، 315

دبيس الأسدي: 165

دبيس بن مزيد: 165

دراج: 145

درسون (الأمير): 71، 72

درويش أحمد منجم باشي: 15

درويش (الشيخ): 125

دسپينا خاتون: 232

دمشق خواجه: 212

دهاني: 380

دهكي (درويش): 285

الدواني جلال الدين: 177، 286، 316

دوكيني: 28

دوندي: (تندو)

دورمش بيك قورجي: 320

دوه بيك: 136، 146

حرف الذال ذو الغادر: 8

ذو الفقار موصلو: 368، 369، 370، 371، 372

ذو الكفل بن عبد السلام البصري: 125

ذو النون الدرويش: 194، 241

الذهبي: 17، 129

حرف الراء رجب العجمي: 141

رستم (أمير الحاج العراقي): 249

رستم بيك: 107، 180، 248، 301، 303، 304، 305، 307، 326

رستم الپاوت: 234

رستم ترخان (طرخان): 136، 138، 222، 223، 229، 230

رستم عمر شيخ:

62

رستم اللري: 353

رستم بن مقصود: 294، 295، 338

رستم ميرزا: 306

رضا قلي خان: 49

رضا نور: 335

حرف الزاي زاد بن خود كام: 165

الزاهد: 75

الزين الخافي: 89

زين الدين العراقي: 121

الزين الموصلي: 124

الزين الواسطي: 45

زين العابدين (الصالح): 230، 259

زينب خاتون: 299

زينل ابن ميرزا علي: 74، 228، 237، 239، 240، 251، 252، 258، 325

الزيني بن العيني: 366

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 396

حرف السين ساتلمش (صاتلمش): 161

سارو أرسلان: 379

سجاد بن بدران المشعشع: 356، 380

السخاوي: 144، 244، 304

سراج البقليني: 121

سراج الدين: 287

سراج القزويني: 130

سراي خاتون: 228

سعاد تيار: 91، 109

السعد التفتازاني: 39

سلجوق بيكم (شاه خاتون): 279، 280، 281

سلجوق خاتون: 136

سلمان الفارسي: 87، 149

سليم الياوز السلطان: 299، 320، 322، 358، 360، 363، 364، 365، 367

سليمان بيجن: 276، 277، 284، 293، 294، 295

سليمان بيك: 337

سليمان چلبي: 211

سليمان دلغادر: 224

سليمان بن عساف: 272

سليمان القانوني: 300، 351، 366، 369، 370، 371، 372، 373

سليمان أبو المفاخر فخر الدين: 41

السمعاني: 69

سنجر (الأمير): 144، 147، 148

سهراب: 234

السهروردي: 87

سورغان: 148

سوسي: 285

سولان بيك: 232

سيد بيك: 370

سيدي أحمد جمال: 193

سيدي علي: 143، 148، 167، 238، 239، 240، 294

سيدي محمود: 143

سيف أمير آل فضل: 269، 271، 272

السيوطي: 16، 258

حرف الشين الشافعي (الإمام): 129

شاه حسين: 238

شاه خندان: 53

شاه رخ: 14، 35، 37، 39، 47، 59، 65، 66، 67، 78، 79، 82، 90، 92، 93، 94، 95، 98، 99، 104، 105، 106، 139، 140، 141، 145، 183، 213، 215، 217، 237، 329

شاه سراي بيكم: 189

شاه سلطان: 221

شاه سوار: 172، 193، 224

شاه طهماسب بهادر خان: 20

شاه منصور بن شاه شجاع: 43

شاه علاء الدين: 255

شاه علي: 91، 93، 100، 107، 185، 187، 255، 256، 276، 238

شاه علي بن إسكندر: 192، 193

شاه علي البيرامي: 237

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 3، ص: 397

شاه علي حاجيلو: 236، 241

شاه علي بن قرا موسي: 192، 193

شاه فضل: 49

شاه قباد: 90، 104، 106، 183

شاه قولي: 358

شاه محمد: 32، 33، 34، 60، 66، 67، 68، 70، 71، 72، 74، 75، 77، 88، 89، 91، 92، 94، 95، 100، 104، 132، 139، 195، 198

شاه محمود: 33، 34، 85

شاه ملك بن شاه محمد: 93

شاه منصور: 192، 193، 194، 195، 196، 240، 241، 242

شاه نعمة اللّه: 55

شاه ولد: 33، 57، 85

شاه ولي: 93

شبلي بيك: 311

الشرف حسين بن سالار: 122

الشرف ابن يشبكا: 122

شرف الدين اليزدي: 268

شروان شاه: 36، 276، 295

شعبان: 267

شكاري: 380

شكر الأسود: 362

شكر اللّه المستوفي: 287

شمس الدين: 65

شمس الدين الأمير: 104

شمس الدين بك: 215

شمس الرازي: 80

شمس الكرماني: 39، 89، 121، 122

الشندواني الملاح: 136

الشهاب أحمد: 82

شهاب الدين المنصوري: 258

شهاب الدين الوزير: 85

شهيدي: 285

شيخ شاه بن غازي: 37

الشيخ علي: 31

الشيخ (المؤيد): 211، 380

شيخي: 61، 103، 133، 134، 135، 136، 137، 307

شيخي الدزفولي: 192

شير ملك (عز الدين): 104

شيروان شاه: 337، 338

شيرويه: 166

شيطان قولي: 358

شي للّه: 136، 148

حرف الصاد صاري عبد اللّه: 55

صالح الإيدجي: 81

صالح بن عبد السلام البصري: 125

صالح المشعشع: 356، 370

صبغة اللّه الحيدري: 339

صدر الدين موسي: 336، 341

صفر شاه: 180

الصفدي: 18

صفي الدين أبو إسحاق: 340، 341

صفي الدين الأردبيلي: 336

صفي الدين الأرموي: 99

صفي الدين عيسي: 288

صقبان آل علي: 297، 298، 352

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 398

صوفي خليل موصلي: 271، 282، 284، 286، 287، 290، 292، 293، 294

حرف الضاد الضياء الطبيب: 81

ضياء الدين الهروي: 149

حرف الطاء الطائع للّه: 165

طاهر بن خضر: 68

الطاووسي: 46

طرخان: 172، 173

ططر (الظاهر): 84، 380

طه بن عبد السلام البصري: 125

طهرتن: 210، 212

طهماسب الصفوي: 65، 358، 370، 372

طوخ (الأمير): 38

طور علي

بيك: 29

الطوسي: 317

طومانباي (العادل): 381

حرف الظاء الظاهر (مجد الدين عيسي): 30، 32

الظاهر (القاهر): 30

حرف العين عاشق چلبي: 54

عاصم: 148، 279

العاقولي غياث الدين: 89، 97

عامر بن عجل: 272

عامر بن بدران المشعشع: 356

عبادة: 356

العبادي: 113

عباس البايندري: 262

عبد اللّه بن إبراهيم (السلطان): 116، 193

عبد اللّه الأسود: 195

عبد اللّه البصري: 278، 305

عبد اللّه بكتاش: 43

عبد اللّه الرازي: 48، 49، 232، 319

عبد اللّه بن سبأ: 157

عبد اللّه بن عباس: 125

عبد اللّه بن عزيز: 149

عبد اللّه بن عيسي: 164

عبد اللّه الكبير: 138، 139، 141

عبد اللّه بن محمد بن قاسم البخاري: 122

عبد اللّه بن موسي بن جعفر: 112

عبد الباسط الحنفي: 16

عبد الباقي سعدي: 298

عبد الجبار بن المجد: 45

عبد الحسين الكليدار: 34

عبد الحسين المشعشع: 357

عبد الحميد الكرماني (برهان الدين): 257

عبد الخالق الأسفرايني: 97

عبد الرحمن بن أفضل الدين الأسفرايني:

39، 70، 89

عبد الرحمن بن عمر القزويني: 278

عبد الرحيم الملاح: 33

عبد الرزاق بن جلال الدين إسحاق السمرقندي: 20

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 399

عبد السلام البغدادي: 168

عبد السلام القيلوي: 148

عبد السلام الكوازي: 125، 126

عبد الشفيع بن فياض الأسدي: 107

عبد الشفيع بن فياض الحلي: 107

عبد العزيز البغدادي: 130، 131

عبد الغفار: 160

عبد الغفار الجواهري: 110، 119

عبد علي الحلي: 354

عبد القادر ابن الحاج غيبي: 140

عبد القادر الكيلاني: 350

عبد القادر المراغي: 98، 99

عبد القادر الواسطي: 149

عبد الكريم لله: 306

عبد الكريم بن نجم الدين: 84

عبد المحسن البخاري: 168

عبد المسيح (حاكم إربد): 94

عبد المسيح الطبيب: 89

عبد الملك البغدادي: 70

عبد الملك الساوجي: 290

عبد الملك سيفي: 301، 304

عثمان (المنصور): 381

عثمان البايندري: 74

عثمان بيك: 65، 66، 210، 211، 212، 215، 223

عثمان بن سند: 125

عثمان بن عفان: 196

العجل (يوسف) بن نعير: 38

عدي بن مسافر: 40، 41

عذرة، عذرا خفاجة: 68، 70

عذرة بن علي: 78، 79

عربشاه الكردي:

228

العز الأبو سحاقي: 81

عز الدين البختي (الأمير): 41

عز الدين الكتاني: 123

عزيز: 167

عساف آل فضل: 271

عطا ملك الجويني: 345، 349

العلاء البخاري: 89، 168، 278

علاء الدين البغدادي: 305

العلاء البنبيهي: 81

العلاء بن التقي الواسطي: 45

العلاء بن خطيب الناصرية: 31

علاء الدولة: 36، 319، 320، 324، 325، 344، 346، 379

علاء الدين المغلي: 121، 122

العلاء الهروي الحنفي: 81

علي الأتابك: 91

علي بن أحمد الفوي: 122

علي بن أحمد المقري: 121

علي بن إسكندر الأرتقي: 32، 192

علي أميري: 39

علي بادشاه ابن الشيخ حيدر: 303

علي باريك: 337

علي بن بركة: 357

علي بيك: 66، 212، 215، 217، 218، 219، 220، 221، 222، 229

علي بيك بن شاهسوار: 379

علي بيك جاكيري: 234

علي بيك ابن السلطان خليل: 290، 292

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 400

علي بيك قاجري: 236

علي بن حسن السنباني: 356

علي بن الخازن الحايري: 107

علي خان (السيد): 177، 230، 356

علي بن رجب: 124

علي الزرندي: 81

علي زكنون: 124

علي زلال: 136

علي سبط محمد بن معروف التاجر: 169

علي شاه پرناك: 293

علي بن شاه محمد: 74، 75، 90، 91، 93، 105

علي شكر بيك: 224، 229، 230، 232

علي شير نوائي: 286

علي الصفوي: 303، 304، 336

علي بن أبي طالب عليه السلام: 147، 153، 154، 155، 156، 157، 158، 196، 245، 273، 340، 343، 352، 353، 355، 357

علي بن عبد اللّه: 165

علي بن الحميد النيلي: 107

علي بن عبد السلام البصري: 125

علي كرز الدين: 148

علي ماماش: 143

علي بن محمود بن العادل سليمان: 259

علي المشعشع: 114، 115، 145، 147، 149، 151، 152، 153، 154، 155، 167، 177، 273، 337، 380

علي موصلو: 370

علي النقي: 323

علي بن هلال الجزائري: 107

عمار بن ياسر: 158

عمر البغدادي: 121

عمر بن الخطاب: 196، 317

عمر الخيام: 57

عمر الروشتي: 280

عمر سرغان: 149

عمر موصلو: 239

عمر النعماني: 140

عمرو بن

أمية الضمري: 158

العمري: 170

عيسي عليه السلام: 94

عيسي إسكندر معلوف: 372

عيسي بيك: 100، 109، 133، 134، 139

عيسي الساوي (مسيح الدين): 265، 267، 282، 285، 286، 288، 290، 292، 296، 297

العيني: 18، 63، 100

حرف الغين غازان (السلطان): 209

غازي بيك بن يوسف: 37، 311

غازي خان: 370

الغزالي: 336، 340

غضنفر: 262

الغفاري: 20، 119، 380

غنام بن زامل: 44

غياث توني: 268

الغياثي: 12، 30، 32، 71، 174، 175

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 401

حرف الفاء الفخر الشبانكاري: 81

الفاضل الأسدي (الشيخ أبو عبد اللّه): 72

فاطمة بنت النبي صلي اللّه عليه و سلم: 157

فرج اللّه بن محمد الجيلي (الشيخ):

162، 356

فرج (السلطان): 29، 275

فرخ زاد بن جهان شاه: 185

فرخ يسار: 275، 276، 277، 295، 311

فرمان بيك: 136

فضل بن عليان: 115

فضل بن عيسي: 38

فضل اللّه الحروفي: 47، 48، 49، 50، 51، 52، 55

فضل اللّه البغدادي: 76

فضل اللّه روزبهان: 11

فضولي: 376

فضيل: 192

فلاح المشعشع: 119، 120، 356، 380

فولاذ بن أسپان: 133، 135، 138، 141، 195، 222

فياض المشعشع: 177، 353

الفيروز آبادي: 42، 81، 121

حرف القاف قاسم پرناك: 308، 310، 313

قاسم بك پروانجي: 180

قاسم بيك: 107، 189، 215، 224، 225، 295، 311، 312

قاسم العلائي: 168

قاسم نور بخش: 153، 154

قانصوه (الظاهر): 381

قانصوه الغوري: 364، 381

قانصوه اليحياوي: 247، 270

قايتباي (الأشرف): 260، 275، 381

قتلو، قطلو: 103، 233

قرا پري: 301

قراجة: 379

قرا حسن: 91

قرا خان: 363، 364

قرا عثمان البايندري: 90، 105

قرا عثمان، قرا يلك: 34، 35، 79، 106، 108، 204، 208، 209، 210، 211، 214، 215

قرا محمد بن تورمتش: 30، 31

قرا يوسف: 29، 30، 31، 32، 35، 36، 37، 39، 47، 59، 60، 61، 62، 65، 66، 67، 74، 84، 94، 95، 100، 104، 139، 195، 210، 212، 214، 233

القرطبي: 16

قرقماس: 79

قرمان بن شاه محمد:

93

قرمان بن نور صوفي: 379

القرماني: 17، 105، 251، 307، 360

القزويني: 44

قطب الدين الحنفي: 367

قطبي: 268

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 402

القلقشندي: 27

قليج أرسلان: 215، 218، 222، 224، 225

قمر الدين بن شاه محمد: 93

قومشي بك: 180

قور خمس، قور قماز: 243، 245

حرف الكاف كاتب جلبي: 273

كانرين بنت جان: 260

كاركيا ميرزا علي: 301، 304، 338

كچل عبد اللّه: 134، 136

الكرماني: 160

الكرملي (الأستاذ): 26

كريكر: 149

كريم خان الزند: 157

الكعبي: 125، 126

كلابي: 262، 267

كمال الدين (الشيخ): 256

كنيز: 106

الكواز (محمد بن حسن البصري): 124، 125

كوريكة: 136

كوسه حاجي البايندري: 269، 301

كوكجة موسي: 65، 212، 213

كوك خان: 27

كوهر شاه: 237

كوهر سلطان: 284

كيمرز (كيومرث): 36

حرف اللام لطف علي بيك: 287

ليلي: 90، 106

حرف الميم ماران شاه: 49

ماردين شاه: 183

مانع (الأمير): 46

المجد الشيرازي: 122، 257

المجلسي: 166، 167

المحب أحمد: 102، 122

محب الدين بن نصر اللّه: (أحمد بن نصر اللّه البغدادي)

محسن المشعشع: 114، 162، 176، 177، 187، 255، 263، 267، 273، 274، 277، 278، 353، 354، 355، 356، 357، 380

محمد (النبي صلي اللّه عليه و سلم): 94، 157، 169، 196، 245

محمد بن إبراهيم بن محمد: 279

محمد (الصالح): 381

محمد (السلطان): 74، 86، 143، 223

محمد بيك: 212، 215، 245

محمد (السيد): 164

محمد الفاتح: 246، 248، 251، 252، 271، 309

محمد (الناصر): 381

محمد بن أحمد بن حاجي: 145

محمد بن أحمد البغدادي: 123

محمد بن أحمد بن محمد الطندتاي: 19

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 403

محمد أحمد المحامي (الأستاذ): 10

محمد أستاجلو: 320، 344، 346

محمد الأسترابادي: 176، 177

محمد بن إسكندر الأرتقي: 32، 107

محمد أفندي (أبو الفضل): 298

محمد بن إياس الحنفي: 20

محمد الپاوت: 234، 240، 241

محمد بايسنقر: 143، 161

محمد بن بركات (الشريف): 249

محمد بهادر المومني: 8

محمد البهبهاني: 239

محمد تكلو: 370، 371، 372، 373

محمد الجاردي: 149

محمد الجردقيلي: 41

محمد

الجلايري: 78

محمد بن حبيب (الأمير): 68

محمد بن حيدر: 339

محمد الدركزيني: 297

محمد رعناش: 356

محمد سارلو: 241

محمد بن عبد الرحمن السخاوي: 17، 19

محمد بن سعيد المالكي: 80

محمد بن عبد الرحمن السهروردي: 130

محمد بن عبد القادر السنجاري السكاكيني: 97

محمد بن سيدي أحمد: 257

محمد بن شاه ولد: 33، 58

محمد الشيباني: 286

محمد بن شي للّه: 109، 133

محمد الشيرازي (صدر الدين): 177

محمد بن طاهر الموصلي: 82، 88

محمد الطواشي: 234

محمد بن عبد الوهاب القزويني (الأستاذ): 12، 294

محمد بن عز الدين يوسف الحلواني: 41

محمد علي فروغي (الرئيس): 367

محمد بن علي بن حيدر: 164

محمد بن فلاح المشعشع: 107، 111، 112، 113، 114، 116، 117، 118، 119، 151، 163، 164، 166، 167، 176، 273، 342

محمد بن قرا يوسف: 25، 44، 47، 57، 58، 237

محمد فؤاد الكوبرلي: 380

محمد كمونة: 322، 323، 347، 348، 350، 358، 360، 361، 362، 370

محمد المحولي: 81

محمد المشعشع: 158، 162

محمد مصطفي: 21

محمد بن معروف التاجر: 169

محمد بن مكي العاملي: 73

محمد بن موسي بن جعفر: 112

محمد بن ميران شاه: 161

محمد النهرماري: 122

محمد نور بخش: 154

محمد بن يحيي الحلي: 354، 355

محمدي ميرزا بن جهان شاه: 138، 139، 141، 142، 161، 173، 179، 180، 181، 182، 195، 223، 233، 234، 310- 312، 326

محمود بن إسكندر الأرتقي: 32

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 404

محمود بن اغرلو: 293، 337

محمود بهرام: 152

محمود بيك: 215، 217، 222، 223

محمود الحمال: 88، 91

محمود بن شاه ولد: 45، 46، 58

محمود بن عبد السلام البصري: 125

محمود بن عثمان: 236

محمود العثماني (السلطان): 298

محمود بن غازي: 37

محمود نظام الدين محمود السديداني:

89

محيي الدين ابن عربي: 55

المحيوي اللاري: 316

مدلج بن علي أمير العرب: 78، 79

مراد بيك: 232، 233، 263، 264، 265، 305

مراد خان الغازي: 52

مراد خواجه:

30

مراد ابن السلطان سليم: 16

مراد بن يعقوب: 307، 310، 312، 344

مراد (السلطان): 219، 284، 313، 315، 320، 324، 325، 326، 345، 346، 376، 345

المرجي: (أحمد بن حسين التركمان الحنفي)

مزيد: 91

مزيد أرغون: 235

مزيد چوره: 103، 133

المستعصم: 209

المستنصر: 167

مسعود (الخواجه): 71

مسعود (الشيخ نجم الدين): 267، 282، 286، 288، 292، 295، 296، 298، 353

مسعود بن عبد اللّه: 140

مسيح بيك: 258، 292، 293

مسيح ميرزا: 280، 281، 282، 294، 337

مصر خواجة: 31

مصطفي باشا: 299

مصطفي (السلطان): 248، 251

مصطفي جواد: 41، 42، 73

مصطفي ابن السيد حسن: 16

مصطفي محسن: 260

مصلح بن عبد السلام البصري: 125

مطراقي: 367

مطلب المشعشع: 356

مظفر بيك: 193، 308، 309

مظفر الدين القجاري: 13

معز الدين جهانكير: 325

المفرطي: 16

مفلح الصيمري: 108

المفيد (الشيخ): 164

مقداد السيوري: 107

المقداد: 158

المقريزي: 18، 19، 32، 41، 82، 89، 92، 106، 278

مقصود باشا: 149، 258

مقصود بيك: 194، 203، 240، 241، 242، 243، 244، 245، 261، 262، 263، 264

مكرمين بيك خليل (الأستاذ): 10، 329

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 405

ملكشاه السلجوقي: 32

مناف المشعشع: 356

منجم باشي: 377

منصور بيك پرناك: 263، 276

منصور الحلاج: 55

منصور الزاهد (الشيخ): 129

منصور العبادي: 114

منصور بن قبان: 133

مهاد: 222، 262

مورتسن سوبرنهايم: 21

موسي بيك: 223

موسي الكاظم (الإمام): 88

موفق الدين أبو ذر: 342

الموفق الهمذاني: 149

مولانا زاده: 81، 122

ميران شاه: 30، 49، 98، 337

مير أحمد علي: 135

مير حاجي محمد: 356

مير خدا قلي برلاس: 116، 117

مير خواند: 14

ميرزا عبد اللّه أفندي: 164

ميرزا علي: 100، 103

مير علي شير نوائي: 153، 286

مير عماد: 328

مير علي كيوان: 145

مير مقبول: 285

حرف النون نادر شاه: 211، 333، 361

ناصر الدين: 70

الناصر لدين اللّه (الخليفة): 167، 214

ناصر العبادي (الأمير): 158

ناصر القباني: 267

ناصر المشعشع: 356

ناصر مصطفي: 192

نجم (الأمير): 286

النسائي: 76

نجم الدين الحسيني الموسوي: 164

نجيب عاصم: 377

نسيمي الشيرازي (عماد الدين): 47،

48، 49، 50، 51، 52، 54، 57

نصر (الأمير): 277

نصر خواجه: 31

نظام الدين الشافعي: 88

نظام الدين الوزير: 85

النعماني (حميد الدين): 278

نعمة اللّه الهمذاني: 293

نعير أمير آل فضل: 213

نعيمي: 49

نقطة جي أوغلي: 307، 308، 309

نكار شاه خاتون: 108

نور علي بيك: 215، 294، 295

نور اللّه (ضياء الدين): 287

نور اللّه المجلسي: 145

نور الدين حمزة: 325

نوروز: 38

حرف الهاء هابيل: 214، 215

هاشم المشعشع: 356

هامر الألماني: 260

هشام بن الحكيم: 164

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 406

ه. ريتر الألماني: 21، 260

هلاكو. هولاكو: 62، 128

همايون (أمير): 285

حرف الواو ولي (الشيخ): 68

ولي أفندي: 13

ولي بيك: 193

حرف الياء يادكار محمد: 180، 234، 237

يار أحمد بن شي اللّه: 134

يار علي: 31، 62، 238، 239، 240، 314

ياسين العمري: 39، 45، 83

ياقوت: 97، 275

يامغور (ياغمور): 212

يحيي القزويني: 13

يحيي البغدادي القاضي: 80

اليزدي: 80

يشبك: 8، 269، 270، 271

يعقوب (السلطان): 10، 11، 12، 36، 217، 219، 220، 221، 222، 224، 251، 258، 261، 264، 265، 268، 269، 270، 271، 272، 273، 275، 276، 277، 279، 280، 281، 282، 285، 286، 287، 292، 297، 299، 317، 320، 326، 337، 345

يعقوب شاه بن أوسطا علي الأرزنجاني:

65

يعقوب المهمندار: 8

يعقوب البايندري: 177

ينكي أوغلي (شيخ): 148

يوسف بن أحمد البغدادي: 123

يوسف (العزيز): 381

يوسف الإسكافي: 192

يوسف بهادر: 62، 329

يوسف بيك: 181، 279، 280، 282، 310

يوسف ميرزا: 161، 162

يوسف بن حسن بيك: 258

يوسف بن تغري بردي: 8، 17، 18، 243

يوسفجة بيك: (أمير بيك)

يوسف دوخاري: 210، 233

يوسف قاضي بغداد: 359

يوسف المروي (المروزي): 12

ييلديرم بايزيد: 176، 211

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 407

504 2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

حرف الألف الأئمة الاثنا عشر: 112، 337، 343

الأجود: 69، 118

الأحمدية: 128

الأردبيلية: 325

بنو أسد: 114، 118، 165، 166

الإسلام، المملكة الإسلامية و المسلمون:

26، 48، 50، 51، 56، 61، 94،

119، 130، 158، 166، 170، 247، 257، 288، 317، 343، 351، 353، 362، 364- 366

الإفرنج: 247

أفشار: 26، 28

بنو أرتق، و الحكومة الأرتقية: 30، 32، 214

آل افراسياب: 126

الأفلاطونية الحديثة: 129

آق قرمان: 14

آل أويس: 33

آق قوينلو (البايندرية): 8- 12، 14، 15، 16، 18، 20، 23، 25، 26، 28، 29، 75، 108، 109، 142، 178، 195، 198، 201، 203، 207- 210، 212، 215، 218، 219، 221، 223- 225، 232، 236، 244، 246، 262، 269، 285، 290، 292، 293، 295، 300، 301، 310، 312، 315، 316، 319، 320، 324، 325، 329، 345، 361، 363، 383

2 لأكراد: 65

الإمامية: 166

الإنكليز: 87

الأوس: 68

أويات: 87

أويرات: 29

بنو أيوب: 259، 260

الأيوبية: 231

حرف الباء البارانية (قرا قوينلو): 8، 12، 14، 15، 18، 20، 23، 25، 26، 27، 28، 29، 31، 32، 34، 35،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 408

37، 79، 90، 132، 138، 139، 141، 180، 191، 192، 195، 196، 198، 203، 206، 208، 210، 213، 220، 222- 226، 229، 230، 232- 236، 238، 239، 244، 262، 327، 329، 383

آل باش أعيان: 125، 126

پادت، پاوت: 29، 191، 193، 241، 262

الباطنية: 49، 50

البايندرية: انظر آق قوينلو

برلاس: 116

بريديون: 15

پرناك: 292، 293، 308، 309، 312، 315

آل بزدغان: 209

بكتاشية: 50

بكر بن وائل: 208

بهارلو: 29، 238

البو حطيط: 118

بنو بويه: 166

بيات: 28، 374، 375

آل البيت: 357

بيت الحيدرية: 339

حرف التاء التتار: 129، 207، 377، 380

الترك، و الأتراك: 8، 10، 12، 17، 26، 27، 36، 51، 92، 143، 154، 207، 213، 214، 244، 264، 285، 329، 335، 339، 350، 358، 363، 373، 374، 376، 377

التركمان: 5، 8، 10، 14، 18، 26، 27، 49، 59، 60، 62، 86، 99، 105، 139، 188، 197- 199،

207- 209، 211، 212، 214، 279، 285، 286، 294، 306، 315، 325، 340، 372، 373، 374، 378، 380

تغلب: 68، 82

توقراؤن: 86

آل تيمور: 20، 25، 220

حرف الجيم جأت: 86

الجبور: 263

الجحيش: 263، 327

الجغتاي: 14، 67، 74، 135، 140، 144، 215، 234- 237، 275، 339

الجلايرية: 25، 27، 46، 47، 67، 74، 84، 85، 86، 98، 198، 199

الجوذر: 263، 327

حرف الحاء الحروفية: 47، 48، 50، 51، 129

بنو الحسين: 164

الحوز: 164

الحيدرية: 128

بنو حطيط: 118

الحنابلة: 121، 122، 123، 274، 305

الحنفية: 125، 168

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 409

حرف الخاء الخزرج: 68

الخطابية: 157

خفاجة: 68، 69، 113

خلج، كلجية: 376، 377

حرف الدال دبانلو: 109

دربندية: 35، 381

دكر: 65، 66، 212، 217

دلغادر، (ذو القدرية): 8، 224، 231، 319، 320، 344، 345

الديلم: 166

حرف الراء ربيعة: 68، 230

الرزنان: 114

الرفاعية: 126، 129

الروس: 26

حرف الزاي الزرقية: 212

الزند (عشيرة): 157

الزندقة و الزنادقة: 169، 189

زنكنة: 376

حرف السين السادة العلوية: 166

سارلو (صارلو): 378

السبئية: 157

السراي (السراج): 68

بنو سعد: 118

بنو سلامة: 114

السلجوقية و السلجوقيون: 26، 166

السليمانية: 212

السندية: 41

السودان: 114

حرف الشين بنو شادي: 213

الشافعية: 41، 316

شاه صافي: 340

آل شرف الدين: 370

الشروانية: 37، 381

الشريفية: 157

شنقكون: 87

الشيعة: 73، 112، 113، 118، 126، 155، 156، 164، 176، 343، 357، 358

الشيعة الاثني عشرية: 111، 113، 166

حرف الصاد صحبتية: 41

الصفوية و الصفويون: 12، 13، 20، 37، 120، 165، 277، 284، 296، 299، 315، 325، 327، 331، 333، 335، 356، 360، 364، 365، 368، 372، 373، 383

الصوفية: 40، 49، 50، 51، 55، 70، 111، 336، 340، 343

حرف الطاء الطائية: 45

طيي ء: 114، 177، 271، 375

أهل الظاهر: 49

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 410

حرف العين عبادة: 118

بنو العباس: 166، 317

آل عبد السلام: 126

العثمانيون و الدولة العثمانية و الجيش العثماني: 5، 27، 29،

245، 246، 252، 253، 254، 259، 261، 271، 275، 298، 299، 305، 307، 320، 322، 324، 329، 333، 339، 351، 358، 360، 363، 364، 366، 367، 368، 371، 373، 379، 383

العجم: 36، 41، 49، 51، 60، 94، 149، 165، 170، 263، 289، 293، 299، 300، 306، 333، 342، 344، 349، 351، 354، 358، 359، 360، 363، 365، 367- 369، 371

العدنانية: 68

العدوية: 40

العرب: 27، 42، 44، 46، 54، 58، 114، 130، 166، 198، 200، 212- 214، 271، 277، 278، 289، 360، 374، 375، 376

بنو عقيل: 69

آل علي: 38

العلي اللهية: 128، 154، 155، 156، 158

بنو عمير: 68

عنين: 230

حرف الغين 2 لغادرية: 379

الغرابية: 157

الغز: 27، 374

غزية: 323، 327، 348

حرف الفاء الفاطميون: 350

آل فضل: 38، 44، 78، 79، 213، 269، 271

حرف القاف القاجار، قجار: 28، 303

قرا أولوس: 377

قرا تاتار: 211

قرا قوينلو: (البارانية)

قرا كچيلي: 28

قره قيون: 29

القرمان: 248، 320، 379، 380

قرمانلو: 191

القزلباشية: 320، 341، 343، 344، 354

قنق: 26

قنكشفات: 87

قولا تكيقت: 87

حرف الكاف كاكائية: 378

الكرد، و الأكراد: 29، 35، 40، 41، 133، 176، 198، 212، 224، 230، 232، 264، 279، 298،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 411

335، 339، 363، 364، 369، 374، 376، 377

الكرد البختيارية: 176

الكرد الفيلية: 176، 353

كعب: 68

بنو كلاب: 212

كلهر: 369، 370

بنو كمكمة: 362

كومسات: 87

آل كمونة: 361، 362

كنانة: 68

آل كنه: 376

آل الكواز: 124، 125

حرف اللام آل الكيلاني: 350

اللّر: 369

بنو الليث: 118

حرف الميم المخمسة: 157

آل مري: 375

آل مزرعة: 117

آل المشعشع، المشعشعون: 15، 101، 110، 111، 116، 118- 120، 124، 128، 130- 132، 141، 142، 147، 152، 154، 155، 157، 158، 163، 164، 166، 192، 198، 199، 223، 245، 273، 279، 343، 350، 352، 353، 356، 357، 380

آل مظفر: 43

المعادي:

114، 115

المغول: 12، 29، 70، 86، 99، 115، 128، 129، 207، 215، 245، 247، 340، 373، 374، 376، 377

المغيرية: 157

بنو مغيزل: 117

الملامية: 52

المنتفق: 46، 68، 69، 85، 118، 278، 323

موصلو: 292، 368، 376

آل مهنا: 38

آل مياح: 68

حرف النون نشيب: 230

النصاري و النصرانية: 94

النصاروه: 118

النصيرية: 157، 158، 350

النوركيا: 87

النوزني: 87

نيس: 115

حرف الهاء هزارة: 157

الهكارية: 40

حرف الياء يساول: 346

ينقان: 87

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 412

505 3- فهرس المدن و الأماكن

حرف الألف آلتون كوپري (القنطرة): 133، 194

آمد (ديار بكر): 54، 183، 208، 210- 214، 217، 218، 219، 221، 222، 223، 224، 225، 226، 228، 330، 233، 234، 363

أمودريا: 26

أبو الشول: 115، 116

أبرقوه: 240

أبهر: 313

أبيورد: 39

الأحساء: 46

أخسخه (حصن خاتون): 272

أخلاط: 104

أدنة: 44، 213

أذربيجان: 27، 30، 31، 62، 66، 82، 83، 90، 104، 105، 106، 139، 174، 179، 180، 183، 185، 191، 234، 235، 236، 237، 241، 246، 251، 258، 261، 264، 285، 293، 294، 303، 306، 310، 311، 312، 313، 315، 320، 325، 338، 340، 343، 344، 346، 365، 380

إربد: 94

إربل: 33، 91، 92، 93، 100، 109، 110، 132، 133، 213، 222، 231، 241، 378

أرجيش: 30، 59

أردبيل: 104، 191، 276، 303، 304، 336، 337، 338، 339، 343، 359

الأردو: 137

أرزنجان: 90، 149، 183، 210، 212، 215، 218، 219، 220، 222، 223، 224، 226، 228، 229، 230، 232، 252

أرزن الروم: 55، 90، 105، 214، 215، 218، 222، 226، 229

أرس (أراس): 306

أرغنين، أرقنين، أرغني: 34، 217، 220، 223، 230

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 413

أرمنية: 44، 213

استانبول: 10، 12، 14، 15، 16، 17، 18، 21، 27، 54، 87، 88، 129، 196، 248، 251، 298، 329، 335، 360، 361، 365، 366، 373، 380

استراباد: 100

أسفرايين:

285

الإسكندرية: 122

إسنا: 311

إشكرد: 65

إصطخر: 276، 311، 276، 314، 337، 338

أصفهان: 143، 161، 164، 183، 189، 221، 238، 239، 269، 270، 287، 301، 303، 308، 310، 311، 312، 314

أفغان: 157

الأقاليم المحسنية: 357

الأقطار العربية: 360

ألاطاغ: 224

ألوند (جبل): 187

ألوسة: 229

أم عبيدة: 128، 129

الأناضول: 27، 55، 87، 211، 248، 320، 346

الأنبار: 70

الإيوان: 91

الشكر، اشكر: 104

ألنجا، آلنجق: 90، 106، 186، 209، 294

أنطاكية: 342

انقره: 246

الأهواز: 120، 147، 146، 350

أوتلق بلي: 252

أوجان: 59، 62

أوج كليسا: 65

أورته خراب: 197

أونيك: 30، 226

آيدين: 212

إيران: 12، 13، 26، 49، 55، 73، 86، 87، 97، 118، 119، 120، 143، 145، 147، 161، 207، 211، 225، 240، 242، 259، 289، 297، 319، 324، 333، 342، 345، 349، 352، 363، 364، 367- 369، 371، 372

حرف الباء الباب: 247

باب آقجة قبو: 136، 137

باب بغداد: 134

باب التمغا: 85

باب الحلبة: 87

باب زويلة: 105

باب سوق السلطان: 33

باب الطلسم: 87

باب كيسان: 131

بابل: 193

البادرائية: 372

بادكوبة: 185، 189

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 414

بارودا: 15

باريمة: 197

باكو: 235

پالو: 232

بايبرت، بايبورد: 226، 251

البثق: 115

بحر الخزر: 26

البحر المحيط: 54

البحرين: 46، 170

بخاري: 12

بخشلي، بخشي، يخشي: 104

بردع: 191، 223، 303

البرقونية: 274

بروسة: 55، 209، 359

بستان بيرداق: 320، 323، 346، 348

البصرة: 10، 15، 46، 47، 58، 67، 69، 74، 77، 78، 86، 95، 97، 101، 102، 118، 125، 126، 128، 145، 146، 150، 164، 165، 199، 278، 279، 304

البطائح: 68، 129، 165، 166

بعقوبة: 75، 91، 92، 149

بعلبك: 122

بعويزة: 197

بغداد: 12، 25، 29، 30، 31، 33، 34، 35، 37، 39، 42، 44، 46، 47، 49، 50، 52، 57، 58، 60، 61، 63، 65- 68، 70، 72، 74، 75، 77، 80، 83- 85، 87- 89، 91- 95، 97، 98، 101- 104، 107- 112، 118،

121، 122، 125، 126، 128، 130- 136، 138، 139، 141- 143، 145- 151، 153، 155، 158، 160، 162، 168- 177، 183، 185- 187، 789، 191، 192، 194- 196، 198، 199، 203، 204، 208، 218، 219، 222، 231، 234- 236، 239، 241- 246، 254- 256، 261- 264، 267، 268، 273، 315، 318- 326، 334، 335، 337، 339، 344- 354، 356، 359- 365، 369- 373، 376، 377

البقيع: 296

بلاد الجبل: 162

بلخ: 26

بند قريش: 102، 103

بندنيجين، بندنيج: 91، 171، 370، 377

بهبهان: 151، 152، 154

بولاق مصر: 20

بيات و دليران: 375، 376

بيت المقدس: 98، 122، 131، 144، 149، 278، 305

پير جك: 222

البيرة: 219، 246، 247

حرف التاء تبريز: 31، 34- 36، 47، 60، 61، 63، 65، 66، 72، 83، 90، 93، 101، 104، 106، 134،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 415

139، 141، 142، 134، 139، 141، 142، 167، 168، 176، 179، 180، 182- 189، 192، 193، 235، 236، 241، 256، 259، 260، 263، 265، 272، 273، 275، 277، 281، 282، 292، 293، 295، 308، 312، 313، 344، 360، 365

ترجان: 218، 223، 224، 226، 228، 252

تركستان: 27

تستر (شوشتر): 33، 45، 46، 57، 67، 71، 112، 116، 117، 143، 150، 162، 277، 350، 353، 356

تعز: 39

تفليس: 249

تكريت: 74، 243

تلارة: 197

تل الحميد: 378

تل كوكو: 108

تل اللبن: 378

تلكيف: 198

تنك براق: 161

توران: 86

توقات: 246، 248

توله بند: 378

تون: 241

حرف الجيم جالديران: 359، 360، 361، 362، 363، 370

جامع الخليفة: 121

جامع دفتردار: 299

جامع الكوفة: 113

جامع النعماني: 84

جامعة استانبول: 10، 329

الجامعان: 165

جبال اللور: 164

جبرين: 79

جبل كيلويه: 151، 154

جبل هكار: 40، 41

جبل موسي: 342

جدة: 124

الجديدة: 194

جربادقان: 143، 238

جرموك: 230

الجزائر: 71، 87، 110، 115، 116، 126، 166، 176، 278، 342، 370، 356

الجزيرة:

31، 75، 83، 89، 133

جزيرة عبادة: 100، 101

جزيرة ابن عمر: 41، 88، 89، 133، 363

جصان: 65، 75، 104، 115

جعبر: 220، 221

جغاي: 92

جمالية: 197

جمشكز: 363

الجمهورية التركية: 130، 329

جمعية المستشرقين الألمان: 21

الجناجة: 263

چنجي: 197

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 416

چنكوله: 376

الجوير: 17

جيرون: 318

حرف الحاء الحبشة: 76

الحجاز: 150، 287، 364

حديثة: 88، 90، 363

حربي: 74، 75

الحرمان الشريفان: 165، 248

حصن كيفا: 41، 218، 230، 237، 278، 363

حضرة الإمام علي عليه السلام: 318

حلب: 38، 48، 49، 55، 69، 89، 122، 149، 182، 220، 247، 269، 270، 322، 341، 342، 343، 345، 347، 349، 373

الحلة: 62، 68، 69، 70، 71، 72، 74، 84، 87، 103، 118، 135، 145، 146، 147، 148، 150، 165، 187، 192، 193، 255، 263، 278، 323، 348، 370، 377

حماة: 269، 270، 271

الحميدية: 176

حوزستان: 164، 165

الحويزة: 58، 110، 112، 113، 115، 116، 117، 118، 120، 132، 153، 157، 162، 163، 165، 177، 274، 324، 350، 352، 353، 356، 357

الحيال: 109

حرف الخاء 2 لخاتونية: 109، 213

الخالص: 75، 134، 267

خانقين: 92

خرابة سلطان: 378

خراسان: 27، 65، 66، 68، 82، 90، 104، 105، 106، 180، 188، 211، 230، 233، 234، 237، 239، 240، 285، 301، 317، 365

خرتبرت (خربوط): 215، 218، 219

خزانة الحضرة: 146

خزانة الكرملي: 26

خزانة الأوراق في استانبول: 328

خقتان: 241

الخليل: 170

خوزستان: 15، 86، 111، 112، 120، 165، 166، 273، 277، 350، 353، 356

خوي: 189، 233، 264، 265، 320، 346

حرف الدال دائرة المعارف الإسلامية: 377، 378

دار الإرشاد: 341

دار السلطنة: 265، 294

دار الكتب المصرية: 244، 269

دار الكتب بسراي طوبيقو: 18

دار الكتب الأهلية بباريس: 42

دبرچ: 197

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 417

دجلة: 33، 69، 75، 102، 115، 132، 166، 349

الدجيل: 74، 88

دخلة السهروردي: 87

دربند

سارلو: 378

دربند شيروان: 275، 337

درتنك (حلوان): 91، 92، 171

دركزين: 238، 293، 338

دريادك: 303

دزفول: 112، 116، 350، 353

دقوقا (طاوق): 91، 194

دمشق: 61، 70، 83، 84، 85، 98، 131، 140، 160، 168، 219، 278، 299، 305، 366، 372

دوان: 316

الدوب: 115

دوخلة: 194

الدورق: 116

ديار بكر: 8، 10، 75، 83، 178، 179، 183، 187، 203، 207، 209، 213- 215، 217، 222، 223، 224، 229، 233، 236، 258، 261، 264، 265، 279، 293، 295، 299، 311، 312، 313، 315، 319، 320، 324، 341، 344، 345، 346، 360

الديار المصرية: 65

ديالي: 69، 75، 103، 149، 150، 267

الديلم: 245

الديوان: 263

ديوركي: 211

حرف الراء رباط أتابك: 293

رباط السدرة: 70

الرستمية: 102

رشيدية: 197

الرقة: 230

الرماحية: 118، 263، 278، 370

رواق الحضرة: 348

روئين (رويين): 311، 312

رودبار: 303

الروس: 26

الروضة المطهرة: 348

الروم (شعب و حكومة و بلاد): 14، 28، 52، 79، 90، 105، 106، 128، 165، 174، 209، 211- 213، 217، 219، 220، 230، 232، 245، 251، 254، 258، 260، 275، 278، 287، 296، 300، 305- 307، 317، 320، 325، 333، 342، 346، 349، 359، 380

الرها: 214، 219، 220، 223، 226، 230، 269، 271

الري: 90: 105، 301، 311

حرف الزاي الزاب الأعلي: 378

زاوية التقي رجب العجمي: 141

زاوية الشيخ عبد القادر: 350

زاره خاتون: 379

زاوية الشيخ كمال: 256

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 418

زاوية ماردين: 256

زبيد: 43، 263

زرقان: 49

الزكية: 357

زنكل: 378

حرف السين ساحل البثق: 114، 115

سامراء: 323

ساوة: 36، 37، 271، 296

سبكة: 226

سراي طوپقپو: 16، 18

السلطانية: 37، 105، 188، 224، 263، 301، 306

سلماس: 105، 265

سلمان الفارسي: 87

السماوة: 69

سمرقند: 99، 161، 246

سنجار: 30، 35، 109، 213، 228، 231، 363

سهرورد: 238

سهل علي: 241

سهند: 272

سوران: 363

سورك: 211

سورية: 38، 45، 360، 364

سوق السلطان: 33

سيارود: 340

السيب: 68

سيس: 44، 213

سيواس: 27، 211،

246

سيورك: 211

حرف الشين الشام: 8، 11، 31، 90، 106، 121، 122، 131، 135، 147، 170، 174، 179، 209، 211، 212، 214، 219، 226، 230، 243، 246، 247، 269، 270، 287، 304، 349

شاهسوار: 172

شبانكارة: 239

شرانس، شرالق، شرانق: 41

شروان و الحكومة الشروانية: 36، 37

الشريعة الجديدة: 75

الشطرة: 69

شلوة: 118

شماخي: 104، 213، 276

شهرزور: 83، 243، 255

شوقة: 115

شيخ كندي (قرية الشيخ): 108

شيخان، سنجان، شيكان؛ شنكان: 92، 93، 94

الشيخونية: 122

شيراز: 43، 49، 71، 89، 97، 144، 148، 152، 161، 162، 174، 175، 183، 220، 239، 242، 262، 269، 276، 277، 308، 309، 311، 314، 315، 317، 350، 354، 359

شيروان، شروان: 36، 37، 90، 104، 105، 213، 236، 275، 276، 303، 310، 311، 337، 338، 343، 380

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 419

حرف الصاد صفد: 102

صفية: 378

صوفيان: 90، 106

الصين: 20

حرف الطاء طارم: 37، 180

طاق كسري: 324

طبراق: 276

طبرستان: 276، 337

طبرسران: 277

طبق: 151

طرابزون: 209، 232

طريق خراسان: 75، 91، 149

طهران: 335

طوبخانة: 299

طوقات: 252

طويلة: 117

طيبة: 124

حرف الظاء الظاهرية القديمة: 170

حرف العين عادلجواز (سجن): 74

عانة: 363

العتبات الشريفة: 153، 324

العراق: 5، 7، 20، 21، 25، 27، 29، 31، 32، 34، 36، 37، 45، 48، 57، 60- 62، 66- 71، 73، 77، 79، 83- 85، 94، 95، 98، 107، 111، 112، 114، 126، 129، 130، 132، 138- 147، 150، 153، 154، 158، 161، 162، 166، 169، 170، 177، 179، 191، 192، 195، 198- 200، 203، 204، 206، 207، 211، 220- 224، 226، 228، 229، 231، 234- 236، 245، 246، 259، 260، 262، 263، 265، 267- 274، 285، 287، 293، 296، 301، 305، 306، 308، 310- 313، 315، 319، 324، 327، 333- 335، 339، 343، 349، 351- 352، 354،

357- 360، 363، 364، 365، 366، 368، 371- 374، 376، 377، 379- 381، 383

عراق العجم: 143، 161، 179، 188، 191، 224، 238، 254، 315، 325

العراقان: 174، 183، 237، 258، 260، 261، 282، 293، 301، 373

عزيز كندي، (قرية عزيز): 312

عمادية: 363

عمان: 174

عمر قابجي: 198

العلة: 176

العمارة: 114

عيش خانه (بستان): 132

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 420

حرف الغين الغادرية: 8

الغراف: 69

الغاضري: 115

حرف الفاء فارس: 45، 68، 150، 161، 164، 165، 174، 179، 238، 239، 245، 246، 261، 262، 276، 295، 308، 309، 311- 316، 356، 357، 363

فاضلية: 197

فتحاوة: 378

الفرات: 65، 69، 103، 104، 111، 112، 147، 166، 229، 246، 247، 269

الفلوجة: 245

فولاذ: 141، 142

فيروز آباد: 314

فيروز كوه: 263، 264

حرف القاف قاسيون: 168

قاصية: 197، 317

القاهرة: 58، 76، 80، 89، 102، 105، 121- 123، 131، 140، 148، 149، 160، 168، 169، 170، 177، 183، 278، 282، 305

قبر عدي: 40

القدس: 170

قرائيل: 211

قرا حسن: 91

قرا حصار: 217، 224

قراباغ: 188، 198، 279، 280

قراجة طاغ: 228

قراقپو: 324

قراقوينلو السفلي (قرية): 197

قراقوينلو العليا (قرية): 197

قرقشة: 378

قزل أغاج: 236

قزوين: 6، 37، 251، 301، 303، 313، 371

قفقاس: 27

القلعة (قرية): 134

قلعة بطيطة: 134، 247

قلعة بندوان: 118

قلعة الجبل: 141، 214

قلعة جوشين: 189

قلعة فرعون: 241

قم: 143، 238، 239، 241، 242، 271، 272، 285، 301، 311

قناقيا: 263

قنبر علي: 194

قندهار: 155

القنطرة: 106

قهستان: 185

قوبلي حصار: 215

قوج حصار: 364

قيسارية، قيصرية: 211، 252

قيلويه: 148

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 421

حرف الكاف كارون: 357

كازرون: 42، 43، 316

كاشان: 13، 344

كاوان: 92

كبرلو: 378

كجرات: 285

كربلاء: 34، 69، 108، 118، 153، 323، 348، 349

الكرج، كرجستان: 36، 139، 142، 232، 249، 253، 272، 274، 275، 306، 337

الكرخة (نهر): 176

الكرخيني: 93، 104

كردستان: 152، 194، 222، 238، 299

الكرك: 38

كركوش: 241

كركوك: 65، 67،

91، 104، 133، 134، 194، 364، 370، 374

كرمان: 68، 76، 152، 155، 174، 179، 189، 239، 240، 295، 308، 310، 314

كريوة ماهين: 161

الكعبة: 249

كلج: 377

كلز (كلس): 342

كلستان: 37

كلكتا: 15، 150

كلك ياسين: 378

كماخ: 217، 220، 222، 224

كنجة: 223، 303

كنزكان: 378

الكوت: 69

الكوران: 278

الكوفة: 68، 69، 83، 150، 163

كوكجة بلاق: 106

الكوير: 378

كيلان: 37، 301، 303، 304، 319، 338، 340، 344، 345

حرف اللام لاره: 303

لاهجان: 338، 343

لرستان، لورستان: 238، 295، 353، 354، 369

لكنو: 76

اللور: 164

ليدن: 11

حرف الميم الماردانية: 366

ماردين: 30، 31، 32، 60، 62، 63، 65، 66، 83، 101، 109، 180، 182، 183، 110، 212، 214، 217- 221، 225، 226، 228- 230، 233، 256، 315، 359

ما وراء النهر: 170، 236، 286، 317، 339

ماهي دشت: 369

المؤيدية: 122

متحف الأوقاف الإسلامية: 21، 256

المتحفة البريطانية: 245، 294

المحاويل: 118

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 422

المحسنية: 354

المحمرة: 118

محمود آباد: 236

المدرسة العينية: 168

مدرسة ماردين: 62، 180

مدرسة المرجانية: 98

مدرسة النصرية: 256

المدينة المنورة: 11، 70، 150، 296، 304

مراغة: 168، 189

مراقد الأئمة: 324

المراقد المشرفة: 324

المرشدية: 366

مرعش: 379

مرقد ذي النون: 194

مرقد سلمان الفارسي: 149

مرقد المشعشع: 176

مرند، مرن: 187، 189، 235، 236، 265

مرو: 249

المستنصرية: 121، 122

مسجد زينب خاتون: 299

مسجد الكوفة: 163

المشرق: 63

مشكوك: 117

المشاهد المقدسة في العراق: 153، 154، 345، 350، 351

مشهد أبي حنيفة: 171، 351

المشهد الحائري: 146

مشهد الحسين: 345

مشهد الإمام علي: 323، 345

المشهد الغروي: 146

مشهد الإمام محمد الجواد: 323

مشهد موسي الكاظم: 88، 345، 349

المشهدين: 146، 148، 323، 345، 349

مصر: 8، 11، 18، 19، 21، 29، 35، 43- 45، 57، 60، 62، 65، 81، 101، 105، 121، 122، 131، 140، 144، 182، 214، 217، 219، 220، 225، 237، 247، 249، 269- 271، 275، 287، 296، 324، 360، 364، 367، 372، 380

مطبعة

بريل: 11

المطبعة الجديدة: 29

المطبعة العامرة بمصر: 367

مطبعة مهر: 120

مطراد سارلو: 378

المظفرية: 180، 184، 189

المعلاة: 70، 124، 279

مقام الإمام أحمد: 170

مكة: 70، 76، 97، 98، 124، 125، 150، 165، 169، 248، 249، 279، 304، 322

مكتبة أحمد تيمور باشا: 144، 342

مكتبة أحمد الثالث: 16

مكتبة أسعد: 299

مكتبة أيا صوفيا: 18، 19، 20، 55، 340

مكتبة بايزيد: 9، 15، 54، 123، 129، 298

مكتبة جنة زاده: 55

مكتبة الحميدية: 298

المكتبة الظاهرية: 123، 299

المكتبة العامة: 298

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 423

مكتبة فاتح: 10، 21

مكتبة كامل الغزي: 342

مكتبة كوپرلي: 17

مكتبة محمد أحمد: 10

مكتبة الملة: 39

مكتبة نور عثمانية: 12، 13، 14، 16، 18، 298

مكتبة ولي: 13، 14، 20، 48

المنتشا: 212

المنتفق: 69

المنصورية (مدرسة): 122، 123

موش: 180، 224، 233

الموصل: 25، 30، 31، 32، 35، 39، 40، 45، 60، 75، 82، 88، 90- 92، 100، 101، 108، 109، 132، 133، 134، 138، 141، 160، 194، 199، 213، 222، 228، 231، 234، 241، 243، 254، 299، 325، 363، 378

مهرود: 75، 149

حرف النون نابلس: 170

النازور: 115

الناصرية (مقاطعة): 118

نجد: 125

النجف: 69، 110، 145، 153، 322، 345، 347، 348، 349، 350، 362

نخجوان: 315، 343

نسيم: 50، 52

نصيبين: 55

النظامية: 43

النعمانية: 87

نهر الشاه: 345، 349

النيل: 84

حرف الهاء هارون آباد: 155

همذان: 37، 83، 187، 188، 191، 223، 238، 315، 321، 344، 346

هراة: 139، 153، 161، 246، 286

هشت بهشت: 272، 281

الهند: 15، 17، 76، 128، 150، 170، 285، 287، 340، 361، 377

هولاندة: 11

هيت: 363

حرف الواو واسط: 33، 43، 45، 46، 57، 58، 71، 79، 87، 110، 111، 115، 117، 128، 145، 158، 164، 165، 370، 376

وان: 293

ورامين: 301، 311

وردك: 378

حرف الياء ياسين: 229

يخشي: 65

يزد: 161، 310

اليمن: 39، 43، 70، 76، 150

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 3، ص: 424

506 4- فهرس الكتب

حرف الألف الآثار الجلية في الحوادث الأرضية: 39، 76، 79، 83، 102، 150، 160، 170، 177، 243، 255

آتشكده: 287، 296، 297

آثار الشيعة الإمامية: 107، 108، 110، 119، 120، 354

آينده (مجلة): 335

إثبات الواجب: 317، 318

أحسن التواريخ: 14، 33، 63، 67، 72، 85، 138، 169، 173، 185، 186، 280، 281، 321، 362

أخبار الدول و آثار الأول (للقرماني): 8، 32، 37، 105، 213، 237، 247، 251، 261، 264، 273، 276، 279، 280، 290، 292، 303، 306، 307، 324، 360، 363، 379

أخلاق جلالي (لوامع الإشراق): 317، 318

الأدوار: 99

الأربعون النووية: 124

أرجوزة في علوم الحديث: 83

استخراج الحوادث المستقبلة: 108

إسلامده تاريخ و مؤرخلري: 20

الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد: 73

الإعلام بأعلام بيت اللّه الحرام: 365، 367

إعلام النبلاء في تاريخ حلب الشهباء:

270، 342

إنباء الغمر في أبناء العمر: 8، 35، 36، 38، 40، 42، 44، 47، 60، 72، 73، 75- 79، 82، 83، 88، 90، 97، 123، 168

أنساب آل أبي طالب: 76

أنساب السمعاني: 69، 165

إنسان العيون في مشاهير سادس القرون:

144

الأنوار: 107، 118، 151، 162، 268، 318

أوقيانوس: 42

أوليا چلبي (سياحة): 54، 273، 371، 376

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 425

إيجاز المقال في علم الرجال: 113، 162

أيلك متصوفلر: 380

حرف الباء پانصد ساله در خوزستان: 120

البحر الزاخر: 244

بدائع الزهور: 17، 20، 237، 244، 246، 247، 249، 258، 260، 270، 272، 274، 314

بديع الزمان: 11

بزم و رزم: 211

بستان السياحة: 376

بغية المفيد و بلغة المستفيد: 357

بهترين أشعار: 55

بهرام: 286

بهروز: 286

بويرق: 340

بيان منازل العراقين (تاريخ مطراقي):

373

بير شاه بضع بداق: 175

بيوتات العراق: 363

بيوك إيران تاريخي: 367

حرف التاء تاج العروس: 43، 376، 377

تاريخ ابن أبي عذيبة (تاريخ دول الأعيان): 144، 145

تاريخ أحمد راسم: 360، 364

تاريخ ابن خلدون: 68، 69

تاريخ

الأكراد: 299

تاريخ أنجمني مجموعة سي: 299

تاريخ إيران: 10، 48، 49، 232، 281، 319، 324، 367

تاريخ بجوي: 351

تاريخ بغداد: 18

تاريخ الترك: 335

تاريخ تركية: 252، 260

تاريخ تيمور: 8

تاريخ جامع قوجة: 299

تاريخ الجنايي: (العيلم الزاخر)

تاريخ جودت: 157

تاريخ دمشق: 371

تاريخ دوكيني: 28

تاريخ عاشق باشا زاده: 343

التاريخ العام: 28

تاريخ العراق: 10، 11، 12، 17، 25، 36، 43، 45، 48، 50، 58، 73، 80، 83، 84، 87، 121، 140، 145، 158، 221، 237، 247، 377

التاريخ عبد الباسط: 16

التاريخ العلمي و الأدبي: 12، 73، 99، 318

تاريخ الغفاري: 20

تاريخ الفيلية: 354

تاريخ القرطبي: 16

تاريخ كزيده: 340

تاريخ الموسيقي العربية: 99، 100

تاريخ الموصل: 36

تاريخ النقود العراقية: 244، 245

تاريخ يشبك: 8

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 426

التبر المسبوك في ذيل السلوك: 19

تبصرة العوام: 157

التثقيف: 46

تحفة الأزهار: 111، 112، 113، 114، 147، 350، 354

تحفة الخطاطين: 299، 300

تحفة النظار (رحلة ابن بطوطة): 69، 128

تخميس بانت سعاد: 97

تخميس البردة: 97

تذكرة دولتشاه: 16، 287

تذكرة الشعراء: 268، 285، 287

تذكرة المؤمنين: 154، 155، 156، 158

تذكرة المحققين (رياض العارفين): 48، 49، 50

ترك بيوكلري: 27

تصحيح القاموس: 42

تفسير ابن طاهر الموصلي: 82

تفضيل الأتراك: 26

تكملة الشاطبية: 97

التنبيه: 42

تنبيه و سن العين: 164

التنقيح الرائع في شرح مختصر الشرائع:

72

تواريخ آل عثمان: 300

تواريخ الترك: 8

تواريخ سلطان يعقوب: 10، 11

حرف الثاء ثمرات الفؤاد: 55

حرف الجيم الجاسوس علي القاموس: 42

جامع الألحان: 99

جامع التواريخ: 87، 140، 207

جامع الدول: 12، 15، 27، 29، 30، 47، 59، 61، 66، 75، 79، 83، 86، 90، 92، 104، 111، 132، 139، 154، 173، 179، 185، 186، 188، 191، 192، 207، 208، 211، 213، 218، 220، 225، 230، 232، 237، 238، 239، 240، 246، 264، 269، 270، 272، 276، 279، 280، 281، 290، 293، 294، 301، 303،

306، 308، 310، 312، 314، 315، 319- 322، 373، 379

جامع السير: 336، 337، 345

جنة المتوكلين الأخيار: 131

جهان آرا (للغفاري): 119، 380

جهانكشاي جويني: 11، 44، 294، 377

جهان نما: 273، 274، 376

حرف الحاء حبيب السر: 9، 99، 177، 257، 258، 261، 276، 280- 282، 287، 290، 292- 296، 300، 301، 303، 306، 309، 310، 323، 324، 345، 352، 354، 356

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 427

حسنية: 340، 341

الحوادث الجامعة: 377

حوادث الدهور في مدي الأيام و الشهور:

18

حي بن يقظان (قصة): 11

حرف الخاء خط و خطاطان: 299، 300

الخلاصة: 131

حرف الدال الدرر الكامنة: 31، 32، 58، 83

الدر المكنون: 45

دمية القصر: 287

دوحة الوزراء: 361

دول الإسلام: 17

الدول الإسلامية: 307، 325

ديار بكرية: 8، 9- 11، 15، 186، 191، 192، 208، 209، 210، 211، 213، 218، 220، 221، 225، 232، 233، 237، 240، 241، 242، 257

ديوان حافظ: 299

ديوان خطائي (الشاه إسماعيل): 335، 368

ديوان لغات الترك: 26، 207، 368، 376

حرف الذال الذريعة إلي تصانيف الشيعة: 73، 108

ذيل جامع التواريخ: 140

ذيل در الحبب: 342

حرف الراء ربيع الجنان في المعاني و البيان: 39

رسالة في أربعة عشر علما: 83

روضات الجنات: 73، 107، 108

الروض النضر: 339

روضة الصفا: 36

رياض العلماء: 110

حرف الزاي زاد المسافر: 125، 126

زبدة الأدوار: 99

زهر الربيع: 126

الزواهر: 81

الزوراء: 316، 317، 318

حرف السين سبائك العسجد: 125

سلك الدرر: 339

السلوك في معرفة دول الملوك: 18، 103

سليماننامة: 371، 373

سنن النسائي: 76

سير الملوك: 41

حرف الشين الشاطبية: 97، 278

شجرة الترك: 27، 207

شذرات الذهب: 18، 40، 47، 48، 58، 67، 73، 75، 78، 80، 123، 131، 149، 160، 169،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 428

173، 256، 305، 359، 365، 366

شرح الأدوار: 99

شرح الأرجوزة: 83

شرح الإرشاد: 108، 336

شرح الأسئلة المقدادية: 72

شرح الأوائل: 81

شرح

الإيضاح: 81

شرح الباب الحادي عشر: 72

شرح البرهان: 81

شرح الجرجانية: 131

شرح الجواهر: 304

شرح الحاوي: 81

شرح الخرقي: 131

شرح الشاطبية: 131

شرح الشمس الأصبهاني: 81

شرح صحيح مسلم: 80، 122

شرح الطوالع: 81، 89

شرح العزيز: 81

شرح العقائد العضدية: 81، 318

شرح علي شرح التجريد: 317، 359

شرح مبادي ء الأصول: 72

شرح المفتاح: 81

شرح المنهاج: 97

شرح نهج البلاغة: 359

شرح نهج المسترشدين: 72

شرح الموجز الحاوي: 108

شرح هياكل النور: 317

شرفنامة: 65، 232

الشمائل للترمذي: 124

شمامة العنبر: 339

حرف الصاد صبح الأعشي: 27، 46

صحائف الأخبار: 377

الصحاح: 42

صحيح البخاري: 80، 124، 169

الصفات الضمانية في أخبار قياصرة العثمانية: 268

صفوة الصفا: 340

حرف الضاد الضوء اللامع: 17، 31، 32، 35، 38، 39، 43، 44، 46، 58، 63، 65، 67، 70، 72، 76، 78، 79، 80، 81، 82، 84، 85، 89، 92، 97، 98، 99، 101، 102، 104، 106، 114، 121- 125، 131، 140، 141، 144، 145، 149، 151، 153، 160، 162، 168- 170، 174، 175، 183، 184، 213، 220، 225، 244، 256، 259، 272، 278، 279، 282، 290، 296، 305، 319

حرف الطاء طبقات ابن رجب: 123

طب القاموس: 42

حرف الظاء ظفر نامة: 268

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 429

حرف العين عالم آرا: 9

عالم آراي أميني (تاريخ البايندرية): 10، 11، 15، 246، 253، 261، 264، 274، 275، 277، 278، 281، 294

العبر للذهبي: 69، 129

عثمانلي تاريخي: 360

عثمانلي مؤلفلري: 13، 54، 55

عجائب اللطائف: 20

عجائب المقدور: 83

عدة الداعي: 108

عدة الناسك في معرفة المناسك: 131

عشائر العراق: 263، 377

عقد الجمان: 8، 18، 63، 95

عقود المقريزي: 32، 82، 92، 106

عمدة البيان: 45، 83

عمدة الطالب: 76، 77، 354، 362

عنوان المجد للحيدري: 125، 339، 376

العيلم الزاخر (تاريخ الجنابي): 16، 33، 46، 58، 78، 373

حرف الغين الغياثي: 12، 32، 36، 58، 65، 66، 67،

68، 71، 72، 74، 85، 88، 89، 92، 93، 99، 100، 101، 104، 107، 109، 110، 112، 113، 114، 119، 120، 132، 135، 137، 138، 140- 142، 145، 147، 148، 151، 162، 163، 167، 168، 173، 175، 176، 179، 180، 182، 184، 185، 187، 188، 191، 192، 195، 210، 213، 214، 220، 225، 240، 242، 245- 247، 254- 256، 259، 261- 263، 267، 268

حرف الفاء فارسنامه: 376

فتح الرحمن في مسألة دور الضمان:

279

فتح الملك العزيز بشرع الوجيز: 305

الفتوحات المكية: 55

الفهرست: 163، 164

حرف القاف القاموس المحيط: 42، 121، 122، 165

قاموس الأعلام: 210، 213، 217، 220، 222، 232، 299، 300، 319، 363، 377، 379

القرآن الكريم: 49، 52، 56، 57، 59، 98، 279، 351

قلائد الجواهر: 350

القمر المنير: 131

حرف الكاف الكامل: 32

كشف الظنون: 11، 12، 13، 16، 17، 57، 77، 80، 318، 319، 368

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 430

كلشن خلفا: 34، 59، 107، 174، 178، 225، 261، 265، 279، 280، 281، 290، 292، 294، 303، 306، 335، 338، 340، 345، 349، 362، 371

كنز الأديب: 177

كنز العرفان في فقه القرآن: 72

كنه الأخبار: 30، 31، 55، 179، 184، 213، 271، 280، 284، 352

كنوز الذهب: 342

الكواشف: 81

الكواكب الدراري: 80

الكواكب السائرة: 299

حرف اللام لب التواريخ: 12، 13، 14، 34، 36، 59، 60، 77، 92، 106، 145، 173، 179، 188، 209، 251، 253، 264، 269، 277، 284، 292، 312، 314، 315، 335، 338، 340، 342

لغة جغتاي: 26، 59

لسان العرب: 377

اللمعة في الفقه: 73

اللهجة العثمانية: 376

لوامع الإشراق: 317

حرف الميم ماضي النجف و حاضره: 362

المثنوي: 55

مجالس المؤمنين: 145، 151، 153، 163، 165، 167، 177، 356

مجلة المجمع العلمي: 85

مجمع البحرين: 80

مجمع الفصحاء: 49

مجمعة نظم: 50، 288،

298، 300

مجموعة الأنوار: 145، 151، 162، 163

مجموعة تواريخ التركمان: 8، 14، 27، 31، 83، 85، 90، 209، 214

المجموعة الجامعة: 163

المحرر: 123

مختارات من النظم: 297

مختصر تاريخ الحنابلة: 123

مختصر الدول: 92

مختصر الروض الأنف: 80

مختصر شرح الكرماني: 83

مختصر الطوفي: 131

مختصر المغني: 131

مختصر هشت بهشت: 298، 299

مرآة البلدان: 211

مرشد: 340

مسالك الأبصار: 27

مسكوكات إسلامية: 67، 196، 245، 325

مسلك البررة: 131

مشاهير إسلام: 247، 248، 251، 253، 257

مصنف في الطب: 80

مطالع السعود: 339

مطلع السعدين: 20

معارف الملة: 157

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 431

معجم البلدان: 104، 164، 165

معجم المطبوعات: 42

مفاخرة القلم و الدينار: 81

المقتصر: 108

مقدمات التفسير: 359

المقصود في تحفة المودود: 81

ملحق تاريخ العراق: 144

المماليك في مصر: 29

مناقب الأئمة: 341

المناقب الصفوية: 340

مناقب الواصلين: 52، 55

منتخب التواريخ: 13، 32، 36، 37، 59، 60، 66، 77، 92، 104، 107، 132، 140، 279، 184، 185، 187، 188، 247، 251، 253، 256، 257، 258، 261، 264، 267، 269، 271، 276، 284، 293- 295، 301، 303، 304، 307، 310، 312، 313، 315، 319، 349، 350، 351

منشآت فريدون: 373

منهج السداد: 73

المنهل الصافي: 17، 19، 33، 38، 46، 48، 61، 67، 78، 80، 85، 89، 93، 97، 106، 122، 123، 184، 208، 214، 243، 244

الموجز الحاوي: 108

مورد اللطافة: 243

المهذب البارع: 108

مهماتنامه بخاري: 12

الموسيقي: 99

حرف النون النجوم الزاهرة: 243

النحلة: 47، 48، 51، 52، 280، 306

نخبة التواريخ: 209، 265

نسيمي: 54، 342

نظام التواريخ (للبيضاوي): 268

نظم العقيان: 258

النفحة العنبرية: 164، 165

حرف الهاء هتك الأستار: 318

هداية: 49، 340

هشت بهشت: 16، 298

حرف الواو الوافي بالوفيات: 18

وجيز الكلام: 17

وفيات الأعيان: 19

وقائع تاريخية: 30

وقائع تيمور: 367

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 432

507 5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

حرف الألف الأختاجية: 59

ألوس، ألوسات: 215

أوسطا، أوسطة (أستاذ): 65

أوغل، أوغلو، إيغلو (ابن، آل): 90

أولكة (مملكة،

إيالة): 133

حرف الباء بابا: 229

باش (رأس، رئيس): 15

پروفسور (أستاذ): 329

بويرق: 340

پير (شيخ): 100

حرف التاء تشمال (مختار المحلة، رأس جماعة):

100

تكفور (ملك، أمير): 210

تواجي (طواشي): 175

حرف الجيم جولي (نوع جيش): 189

حرف الحاء حجر القاتول: 167

حرف الدال دانا (عالم، عارف): 245

دبوس، دبابيس: 67

درويش: 336

دستور (إذن): 171

حرف الراء رخت، رخوت: 118

حرف الشين شب پره (خفاش): 185

شلتاقات (مصادرات): 309

حرف القاف قانوننامه: 259

قتالوغ: 196

قرا (أسود): 193

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 433

قرا أيلك: 35

قراولة، قراغول: 92

قزلباش: 337

حرف الكاف كپنك (لبد، چبن): 192

كديش (أكديش): 194

كور (أعمي): 243

كوكجه بلاق (النهر الأزرق أو العين الزرقاء): 106

حرف اللام لالا، لاله، لله (مربي): 322

لوكه (قطن): 150

حرف الميم موسيقار: 99

مهمندار، مهماندار: 8

مير: (مخفف أمير)

ميرزا (أمير زاده، من بيت الإمارة و معاني أخري): 12، 13

حرف النون نيرنجات: 111، 120

حرف الواو ورجيه (نوع سفينة): 37

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 434

508 6- فهرس الصور

النقوش علي باب الطلسم- دار الآثار العراقية 64

الباب الوسطاني (باب الظفرية)- عن دار الآثار 96

بغداد في عهد السلطان سليمان القانوني- عن مطراقي 127

ميل ضريح السهروردي- عن دار الآثار 159

الكتابة علي باب ميل السهروردي- عن دار الآثار 190

باب الطلسم (باب الحلبة)- عن دار الآثار 205

السلطان محمد الفاتح 216

السلطان سليمان القانوني 227

كسوة الصدر الأعظم عند العثمانيين 250

واقعة جالديران 266

الشاه إسماعيل 283

الشاه طهماسب 291

السلطان سليم الياوز 302

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 435

509 7- فهرس الموضوعات

المقدمة 5

المراجع 7

(1) الدولة البارانية (قرا قوينلو) حوادث سنة 814 ه- 1411 م ولاية الأمير شاه محمد 32

حوادث سنة 815 ه- 1412 م. 35

حوادث سنة 816 ه- 1413 م 37

حوادث سنة 817 ه- 1414 م 39

حوادث سنة 818 ه- 1415 م 44

حوادث سنة 819 ه- 1416 م 45

حوادث سنة 820 ه- 1417 م 46

حوادث سنة 821 ه- 1418 م 47

حوادث سنة 822 ه- 1419 م 57

حوادث سنة 823 ه- 1420 م 59

حوادث سنة 824 ه- 1421 م 65

حوادث الحلة 68

حوادث سنة 825 ه- 1422 م. 71

حوادث سنة 826 ه- 1423 م 71

حوادث سنة 827 ه- 1424 م 74

حوادث سنة 828 ه- 1425 م 74

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 436

حوادث سنة 830 ه- 1427 م 77

حوادث سنة 831 ه- 1427 م 78

حوادث سنة 832 ه- 1428 م 78

حوادث سنة 833 ه- 1429 م 79

حوادث سنة 834 ه- 1430 م 82

حوادث سنة 835 ه- 1431 م 84

حوادث سنة 836 ه- 1432 م 87

حوادث سنة 837 ه- 1433 م 90

حوادث سنة 838 ه- 1434 م 95

حوادث سنة 839 ه- 1435 م 100

حوادث سنة 840 ه- 1436 م 102

حوادث سنة 841 ه- 1437 م 102

حوادث سنة

842 ه- 1438 م 108

حوادث سنة 844 ه- 1440 م 110

حوادث سنة 845 ه- 1441 م 124

حوادث سنة 846 ه- 1442 م 130

حوادث سنة 847 ه- 1443 م 131

حوادث سنة 848 ه- 1444 م 132

حوادث سنة 849 ه- 1445 م 133

حوادث سنة 850 ه- 1446 م 135

حكومة جهان شاه في العراق 139

حوادث سنة 851 ه- 1447 م 141

حوادث سنة 852 ه- 1448 م 142

حوادث سنة 853 ه- 1449 م 142

حوادث سنة 854 ه- 1450 م 142

حوادث سنة 855 ه- 1451 م 143

حوادث سنة 856 ه- 1454 م 143

حوادث سنة 857 ه- 1454 م 145

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 437

حوادث سنة 858 ه- 1455 م 147

حوادث سنة 859 ه- 1455 م 148

حوادث سنة 860 ه- 1456 م 149

حوادث سنة 861 ه- 1457 م 151

حوادث سنة 862 ه- 1457 م 158

حوادث سنة 864 ه- 1459 م 160

حوادث سنة 866 ه- 1461 م 161

حوادث سنة 867 ه- 1462 م 167

حوادث سنة 868 ه- 1463 م 169

حوادث سنة 869 ه- 1464 م 171

حوادث سنة 870 ه- 1466 م 172

حوادث سنة 871 ه- 1466 م 177

حوادث سنة 872 ه- 1467 م 178

حوادث سنة 873 ه- 1468 م 187

(2) الدولة البايندرية (آق قوينلو) السلطان حسن الطويل 203

بقية حوادث سنة 874 ه- 1447 م 243

حوادث سنة 875 ه- 1470 م 244

حوادث سنة 876 ه- 1471 م 246

حوادث سنة 877 ه- 1472 م 248

حوادث سنة 878 ه- 1473 م 251

حوادث سنة 879 ه- 1474 م 254

حوادث سنة 882 ه- 1477 م 256

حوادث سنة 883 ه- 1478 م 262

حوادث سنة 885 ه- 1480 م 268

حوادث سنة 886 ه- 1481 م 270

حوادث سنة

887 ه- 1482 م 271

حوادث سنة 888 ه- 1483 م 272

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 438

حوادث سنة 889 ه- 1484 م 273

حوادث سنة 890 ه- 1485 م 274

حوادث سنة 891 ه- 1486 م 275

حوادث سنة 892 ه- 1487 م 275

حوادث سنة 893 ه- 1488 م 275

حوادث سنة 894 ه- 1489 م 279

حوادث سنة 895 ه- 1490 م 279

حوادث سنة 896 ه- 1490 م 280

حوادث سنة 897 ه- 1491 م 294

حوادث سنة 898 ه- 1492 م 301

حوادث سنة 900 ه- 1494 م 305

حوادث سنة 902 ه- 1495 م 305

حوادث سنة 903 ه- 1497 م 306

حوادث سنة 904 ه- 1498 م 311

حوادث سنة 905 ه- 1499 م 312

حوادث سنة 906 ه- 1500 م 313

حوادث سنة 907 ه- 1501 م 313

حوادث سنة 908 ه- 1502 م 315

حوادث سنة 913 ه- 1507 م 319

حوادث سنة 914 ه- 1508 م 319

(3) الدولة الصفوية حوادث سنة 914 ه- 1508 م 334

بيت الحيدرية في بغداد 339

حوادث سنة 915 ه- 919 ه (1509- 1513 م) 357

حوادث سنة 920 ه- 1514 م 359

حوادث سنة 921 ه- 1515 م 363

حوادث سنة 922 ه- 1516 م 364

حوادث سنة 923- 925 ه 364

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 3، ص: 439

حوادث سنة 926 ه- 1520 م 364

حوادث سنة 927 ه- 1521 م 366

حوادث سنة 930 ه- 1523 م 366

حكومة ذي الفقار 368

القبائل التركية و التركمانية 373

الحكومات و الإمارات المجاورة 379

خاتمة الكتاب 383

1- فهرس الأعلام 387

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل 407

3- فهرس المدن و الأماكن 412

4- فهرس الكتب 424

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة 432

6- فهرس الصور 434

7- فهرس الموضوعات 435

[المجلد الرابع]

مقدمة الناشر

ألحق المؤلف بهذا الجزء

تعليقات علي الأجزاء 1 و 2 و 3 من هذا الكتاب. و قد رأينا أن نبقي مقدمة هذا المحقق و ما تبعها من تعليقات علي المجلدين الأول و بعضا مما يخص الثاني ذيلا لهذا الجزء و نضع التعليقات في المجلد الثالث في مواضعها منه.

كما أن المؤلف وضع تعليقات و استدراكات علي هذا الجزء و ألحق قسما منها في الجزء الخامس، سماه (الملحق الرابع) و الآخر في الجزء السادس سماه (الملحق الخامس) و قد رأينا ان نضعهما في مواضعهما التي أشار إليها المؤلف من هذا الجزء. كي تضم المعلومات إلي بعضها لئلا يزهق القاري ء في تتبعها في أكثر من موضع من هذا الكتاب.

الدار العربية للموسوعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 7

المقدمة

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي رسوله محمد و علي آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلي يوم الدين.

و بعد فإن العراق كان أصابته الضربة القاسية من المغول سنة 656 ه- 1258 م فلم يصح منها حتي أعقبته أخري و أخري و لا يزال إلي هذا العهد. تداولته الأيدي القاهرة و تناوبته الأحداث المزعجة، فلم يتمكن من استعادة مجده و استقلاله، بل تواترت عليه الإحن و توالت النكبات، فعبثت به و لم تدع له مجالا للتفكير بشؤونه، بل لم يتنفس الصعداء إلا في 24 جمادي الأول سنة 941 ه- 1534 م إبان الفتح العثماني. دام هذا لأمد محدود، ثم اختلت إدارته بما حدث من حروب بين العراق و إيران، فرأي ضروب الضيم، و أنواع الحيف من الإدارات العاتية. في خلالها خنع مرة، و أبدي الشموس أخري. لكنه كان مهيض الجناح، متأثرا بأوضاع دولته في غالب أحواله

و إن كانت له خصوصيته إلي أن حدث احتلال بغداد في 17 جمادي الأولي سنة 1335 ه- 11 آذار سنة 1917 م. و في هذا التاريخ انتهي الحكم العثماني، فقطعت العلاقة بيننا و بينه كما أنه بعد مدة وجيزة زال من البين، و خلفته (الجمهورية التركية).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 8

و الدولة العثمانية واحدة في أصلها متنوعة في مظاهر إدارتها نظرا لطول عمرها. و لا يمكن بوجه أن تسرد وقائعها من أولها إلي آخرها و لكن حالتها القطعية يصح أن توزع إلي فصول بما حدث من وقائع جليلة و تقسم علي أشهر الحوادث و ما حصل من أهم الوقائع و تعتبر هذه وقفات مهمة.

و موضوع بحثنا مقصور علي ما كان بين فتح بغداد علي يد السلطان سليمان القانوني و بين استعادتها للمرة الثانية أيام السلطان مراد الرابع في 18 شعبان سنة 1048 ه- 1638 م. و هو الحكم المباشر الأول.

المراجع و المآخذ

اشارة

حدثت في هذا العهد وقائع عظيمة في العراق، و تعاقبت إدارات مختلفة متأثرة بالدولة أو بشخصية الوزراء. و في خلال ذلك ضاعت حوادث عديدة، و كثرت فترات متسببة عن انحلال في الدولة، و اضطراب في الحكم، و تدمير للوثائق، فنحن في أشد الحاجة إلي معرفة ما ضاع، و الحصول علي ما فات و التماسه من مظانه … و النهم العلمي لا يهدأ عن الاستزادة، و لا يمنع من نشر الميسور علي أن نكون في تثبيت لما يعثر عليه. و لعل في المعروف ما يبصر بالحالة.

و لا شك أن الوثائق كثيرة و المؤلفات عديدة إلا أنها لا تعين إلا علاقة حروب أو صلة بالحكومة أو بالأهلين فلا تبين أحوال القطر مفصلا بل نراه مبتور

الحوادث، تتخلله فواصل فلا نجد الوقائع متسلسلة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 9

للولاة و إن كانت متعلقة بالحكومة. و الكتب التاريخية المعول عليها لا تذكر الولاة علي التوالي بل إن مراجعة النصوص المتعددة تكشف النقاب عن ولاة غير من ذكروا في (گلشن خلفاء) أو في (تاريخ الغرابي) مع أنهما من المؤلفات المحلية. و بينهم من تكررت ولايته فلم يتعرض لها، أو من ولي العراق و لم نشاهد له ذكرا للفاصلة التي تخللت الحكم العثماني بالمتغلبة و بالمجاورين مع قرب العهد ممن كتبوا. شاهدنا في الوثائق بعض الخلل و لا سبب إلا اختلاف الإدارة، و تعاقب الحكومات و تلف المصادر من جراء ما حدث من ثورات أو استيلاء …

و من الضروري أن نرجع إلي مؤلفات عديدة لرفع الجهالة و أن نكشف الستار عن الثقافة نوعا و نزيل الخفاء بقدر الإمكان عن وقائع هذا القطر الذي له مكانته عندنا، و عند الأقطار العربية و الإسلامية جمعاء.

و هذه التواريخ متفرقة المادة، تهتم بالحكومة و علاقاتها، و لم تذكر الشعب و أوضاعه، و لا تسلسل الوقائع و اطرادها، بل نراها مقصورة علي حياة الولاة أحيانا دون سواهم، و أخلت في الكثير منها. و هذا النقص مشهود إلا أننا من مجموعها حصل لنا ما نعده وافرا فتمكنا من تدوينه مترقبين غيره.

نهجنا نهجا علميا في تسجيل ما عرف و راعينا حالات مسهلة أو موضحة بقدر الإمكان.

اتخذنا الوقائع السياسية الكبري وسيلة لجمع الحوادث و ربطها مع ملاحظة العلاقات مما نعتقد أن لها أثرا بالغا في المعرفة.

و موضوعنا محدد بما بين السلطان سليمان القانوني من أول إدارة العثمانيين في العراق و السلطان مراد الرابع. و قد مر بنا من المراجع في الأجزاء

السابقة ما تمتد حوادثها إلي هذا العهد، و هذه لا نعيد القول فيها من جراء استمرارها في هذا الجزء أيضا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 10

و هذه أشهر مراجعنا الجديدة:

1- المراجع المحلية:

و هذه تهمنا في الدرجة الأولي لما تحويه من إيضاح و ضبط للوقائع أو علاقة بالحوادث. و هي علي قلتها جليلة الفائدة عظيمة الأثر لا يصح إهمالها بوجه بل الاستزادة لما يتجدد منها ضرورية. و لما كانت هذه المراجع موضوع بحثنا في خلال سطور الكتاب قد أوضحتها و استوعبت ذكرها في (كتاب التعريف بالمؤرخين) فلا أري ضرورة للتفصيل هنا.

و إنما أذكر من المراجع المحلية:

(1) تاريخ آل افراسياب.

(2) زاد المسافر.

(3) ديوان فضولي.

(4) ديوان روحي.

(5) گلشن شعرا.

(6) تاريخ الغرابي.

(7) گلشن خلفا.

و كل هذه أوسعنا القول فيها عند ورود بحثها في حينه، فلا نري العجلة لا سيما و قد وجدنا بعضها يتأخر الكلام عليه إلي الأجزاء التالية من هذا التاريخ.

2- المراجع الأخري:
اشارة

و هذه من التواريخ الأجنبية و هي كثيرة جدا. و منها للمجاورين أو للأقطار العربية الأخري. و هذه أشهرها:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 11

(1) تاريخ مطراقي:

يتضمن (فتح السلطان سليمان) بغداد و لعله المعروف ب (تحفة غزاة)، يذكر منازل سفر هذا السلطان إلي العراقين ذهابا و إيابا. و فيه ألواح مهمة، و صفحات في تصاوير البلدان العراقية و مراقدها المباركة مما لم يبق له اليوم ذكر، أو رسم إلا قليلا و الكتاب رأيته في (خزانة الجامعة) باستانبول بين نفائس كتب السلطان عبد الحميد الثاني كتب سنة 944 ه أي بعد فتح بغداد بثلاث سنوات، قدم للسلطان سليمان القانوني و الكتاب ينبي ء عن معرفة المؤلف بالرسم و التصوير، و بالتاريخ كما أنه جامع للفنون الجميلة و معلوم أن المؤلف مؤسس لنوع من أنواع الخطوط يقال له (چپ) فيوصف بأنه (چپ نويس) و هذا الخط قريب من الديواني … و عصر هذا السلطان نظرا لعظم حكومته و صولتها يجب أن لا يخلو من أمثال هذا المؤرخ و اطلاعاته القويمة و إتقانه للرسم.

و تصاوير الكتاب تعين صناعة ذلك العصر و كأننا نراها كتبت حديثا لصحة ألوانها و ثبوتها و دوامها إلي هذه المدة … و لعلها خيالية أكثر منها حقيقية. فالكتاب من نفائس الآثار. و من الضروري أن نحتفظ بأمثال هذه الخواطر في العراق كذكري للماضي سواء من ناحية تصوير البلدان العراقية، أو المراقد المباركة، بأن ننقل التصاوير عينا، و نحصل علي نفس التاريخ بالاستعانة برسامين ماهرين … و استنساخه بوضعه الحالي.

كتب عليه إنه (بيان منازل سفر العراقين) و (كتاب تواريخ آل عثمان) لأيام السلطان سليمان. كتبه باللغة التركية نصوح السلاحي المطراقي من رجال السلطان سليمان …

و المؤلف

معدود من المؤرخين العثمانيين. كتب تاريخا في مجلد واحد عن أيام السلطان سليمان القانوني. من حين جلوسه إلي سنة 954 ه ثم شرع في تدوين ما بعد هذا التاريخ إلا أنه لم يوفق لإكماله …

و سمي بالمطراقي لإتقانه لعبة المطراق و مهارته فيها. و هي نوع لعب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 12

بالسلاح يقال له مطراق. و يقال إن كتاب الديوان آنئذ كان يقال لصنف منهم (مطراقي) …

و من مؤلفاته (فتحنامه قره بغدادي)، و نقل تاريخ الطبري إلي التركية باسم السلطان سليمان سنة 926 ه و سماه (مجمع التواريخ) و هذه غير الترجمة المطبوعة و مخالفة لها تماما … و يعد أيضا من مشاهير الرياضيين … و له مؤلفات في الرياضيات و أشعار سلسة و غزل رقيق و أساليب خاصة لا يكاد يضارع فيها. و من مؤلفاته (تقويم نصوحي) في علم النجوم.

(2) تاريخ السلطان سليمان:

تأليف فردي. و هو مما اعتمده هامر في تاريخ الدولة العثمانية، و يقال له (سليماننامه).

(3) سليماننامه:

تاريخ تركي لعهد السلطان سليمان القانوني. و فيه ذكر وقائعه من حين سلطنته إلي يوم وفاته، و بيان علماء عصره و وزرائه …

طبع ببولاق مصر سنة 1248 ه بإذن والي مصر محمد علي باشا الكبير. و الكتاب من تأليفات عبد العزيز آل قره چلبي المتوفي سنة 1068. و هذا التاريخ عولنا عليه في كثير من الحوادث.

قال صاحب عثمانلي مؤلفلري: و هناك سليماننامات أخري إحداها لشمسي البرسي من القضاة و أخري لفردي من الشعراء …

و للمؤلف (روضة الأبرار المبين لحقائق الأخبار). طبع في بولاق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 13

أيضا سنة 1248 ه. و الفصل الرابع منه في دولة آل عثمان.

و له أيضا (روضة الأبرار في فتح بغداد أيام السلطان مراد الرابع) و سماها صاحب (عثمانلي مؤلفلري) ب (ظفرنامه).

و هذه من المراجع المهمة.

(4) مرآة الممالك:

رحلة تركية لسيدي علي رئيس المتوفي سنة 970 ه- 1563 م.

سار من بغداد إلي البصرة بأمل الذهاب إلي مصر بأمر من السلطان سليمان القانوني ليتولي قيادة الأسطول هناك فلقي في طريقه البورتغال فحاربهم، و لم يطق المقاومة بل دمرت غالب سفنه، فاضطر أن يميل إلي الهند و من هناك ساح برّا حتي عاد إلي بغداد حاكيا ما رآه في طريقه.

و سياحته مهمة جدا تنبي ء عن عصر غمضت وقائعه … و فيها حوادث كثيرة عن العراق و بيان عن المشاهد و عن الطريق التي مر بها. وصف بعض أحواله و علاقة العثمانيين به و ما جري عليه في سفره من عناء …

طبعت هذه الرحلة في مطبعة إقدام عام 1313 ه فسدّت ثلمة في تاريخ العراق … كان أتم رحلته في (غلطة) في أوائل شعبان سنة 964 ه- 1557 م و أبرزها في أواسط

صفر سنة 965 ه. أشار إلي ذلك في آخرها.

و المؤلف قائد بحري مشهور، عارف بأمور البحرية معرفة تامة و كاتب أديب شاعر ماهر و يلقب ب (الكاتبي الرومي) … و له مؤلف جمع فيه رسائل ابن ماجد الربان العربي المعروف و غيرها. سماه (المحيط) يتعلق بالبحرية و أحوال بحر الهند المسمي (بحر عمان) كتبه في أحمد آباد باللغة التركية و نقله إلي اللغة الألمانية آل (بارون هامر) و نشر في ويانة (فينة) عاصمة النمسة كما نقلت رحلته إلي الإنكليزية نقلها (ا. فامبيري) عن التركية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 14

و طبعت في لندن سنة 1899 م. و كذا نقلت إلي الفرنسية.

و له مؤلفات منها (مرآة كائنات) في الاسطرلاب، و الربع المجيب، و المقنطرات، و معدل ذات الكرسي.

(5) فذلكة أقوال الأخيار في علم التاريخ و الأخبار:

مجلد في التاريخ عربي العبارة لكاتب چلبي، مصطفي بن عبد اللّه صاحب كشف الظنون، منه نسخة رأيتها في المكتبة العامة باستانبول في كافة دول الإسلام و فيها معلومات وافرة عن حكومة قراقوينلو و العثمانيين و الصفويين و غيرهم … أولها: الحمد للّه الذي أرشد الأولياء إلي إحاطة أخبار الزمان الخ بخط يده. لخص بها تواريخ عديدة و تكلم علي كل حكومة برأسها و بدأ في فصل عن التاريخ و آخر عن الكتب المؤلفة فيه ثم في بدء الخليقة، و في الأنبياء، و في سيرة الرسول صلّي اللّه عليه و سلّم و غزواته و في الخلفاء و من وليهم علي توالي القرون … يذكر النصوص التي جعلها أساس بحثه بالفارسية أو غيرها عينا في هامش الكتاب. رأيته باستانبول.

و هذه النسخة هي التي وصفها صاحب عثمانلي مؤلفلري. قال: «هذا الكتاب طولاني، في قطع متوسط، عربي العبارة، و تاريخ عام

يحتوي علي مقدمة، و ثلاثة فصول، و خاتمة و في آخره بعض فوائد تاريخية و في تتمته ألقاب الملوك و الدول مرتبة علي حروف الهجاء …» ا ه.

و من مؤلفاته المهمة (جهاننما) في الجغرافيا. طبع إبراهيم متفرقة.

و تاريخ الفذلكة التركي اعتمدناها. و له (ميزان الحق) … توفي سنة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 15

1067 ه. و في الطبعة الجديدة من كشف الظنون تفصيل حياته.

(6) روضة الحسين في أخبار الخافقين (تاريخ نعيما):

تاريخ تركي، في الدولة العثمانية تأليف «نعيما أفندي». و له قيمة أدبية، و أسلوب خاص عند الترك، ولد مؤلفه سنة 1065 ه في مدينة حلب و أصل اسمه مصطفي. ورد استانبول بعد أن حصل العلوم و نال مناصب عديدة.

و كان عموجه زاده حسين پاشا ميالا إلي التاريخ فجي ء إليه بكتاب كان في حالة مسودة كتبه أحمد أفندي من أبناء أحد العلماء محمد أفندي (شارح المنار) يتناول الحوادث من عهد السلطان أحمد الأول إلي أيام محمد باشا الكوپريلي، و إن أحمد أفندي الموما إليه لم تتح له الفرصة أن يبيض المسودة فتوفي فكلف عموجه زادة المترجم نعيما أن يتم هذا الكتاب، و يدون الوقائع الرسمية فيكون (وقعه نويس) أي (محرر الوقائع).

و من ثم اتخذ نعيما ذلك الأثر أصلا، و راجع تواريخ و وثائق و حقق ما سمع، و دون ما شاهد فأضاف ما علم … و لم يتحاش من نقد سلفه، فأبرز كتابه. و سماه (روضة الحسين في أخبار الخافقين) إلا أنه عرف (بتاريخ نعيما).

و هذا التاريخ كتب في عهد انحطاط العثمانيين، صور عصره فأبدع تصويره، فلم يتجاوز الحقيقة … و تبتدي ء حوادثه من الألف و تنتهي بسنة 1065 ه- 1655 م. و هذا التاريخ قدمه إلي الصدر الأعظم عموجه زاده.

و بعد وفاة هذا الصدر أتم حوادثه إلي سنة 1070 ه- 1660 م، أيام داماد حسن باشا الصدر الأعظم.

و في مقدمته بين ما يجب علي المؤرخ مراعاته … و بذا عين نهجه التاريخي و خطته التي سار عليها موضحا أن يكون المؤرخ صادق اللهجة، لا يلتفت إلي الأقاويل الزائغة، و أن يكون ملما بالوقائع عن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 16

علم، و لا يلتفت إلي ما يشيع علي ألسنة الناس من الأراجيف، و أن يعتمد الثقات، و يدون الصحيح لا أن يستهويه الرأي العام بأباطيله، و أن لا يتعصب، و أن يترك تزويق الألفاظ و تنميقها بحيث يرتبك الأمر بأن يستخدم البساطة أو قل الفصاحة في البيان، و أن يهمل طريقة العتبي و وصاف … فيراعي النصائح المفيدة التي لا تبلي جدتها الأيام …

طبع في مطبعة إبراهيم متفرقة و طبعات أخري.

(7) منشآت السلاطين:

و هي المعروفة بمنشآت فريدون، (فريدون أحمد باشا) المتوفي سنة 990 ه- 1582 م و المؤلف من الكتاب القدماء و من أشهرهم، كان رئيس الكتاب لدي الوزير الأعظم صوقوللي محمد باشا. فهو مرجع تاريخي للوقائع و مثال مشاهد للآداب في عصره. طبع في مجلدين. و فيه وثائق كثيرة تخص العراق سواء منها ما يتعلق بفتح العراق و غير ذلك …

و الكتاب لا يخلو من غمز، فإنه نسب منشآت عديدة للعثمانيين، منقولة من مراسلات كانت للخوارزميين و غيرهم فقلبها، أو عدل فيها و نسبها إلي السلاطين العثمانيين، و ربما كان كتاب الدواوين اتخذوا تلك المراسلات أصلا في مدوناتهم السلطانية.

و من مؤلفاته الأخري (نزهة الأخبار). يتضمن وقائع سنتين حدثتا بعد واقعة سكتوار. و له (مفتاح جنت) في الأخلاق …

(8) تاريخ رمضان زادة:

تاريخ تركي أوله: الحمد للّه علي ألطافه السنية الخ عندي نسخة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 17

خطية منه كتبت سنة 1006 ه، و فيها بعض التعليقات و تواريخ بعض السلاطين و أخري مطبوعة … يتكلم فيه عن أوائل التاريخ، ثم عن العثمانيين و فصل تاريخهم أكثر. و فيه بيان عن الوزراء و المشاهير و العلماء في أيامهم …

و مؤلفه رمضان زاده نشانچي محمد بك من رجال السلطان سليمان القانوني و من مشاهير المؤرخين. أصله مرزيفوني كان رئيس الكتاب ثم أمين الدفتر … كان يكتب الطغراء في المناشير و يوقع التواقيع السلطانية، و يحرر الطوامير الصادر من الخاقان. و تاريخه معروف بتاريخ (محمد باشا النشانجي) أي من الرماة و له (سبحة الأخيار و تحفة الأخبار) في أنساب الأنبياء و الملوك إلي زمن السلطان سليمان القانوني … توفي سنة 979 ه- 1572 م في استانبول.

(9) تاريخ صولاق زادة:

في مجلد واحد تأليف محمد همدمي چلبي المعروف بصولاق زادة. كتبه من أول تأسيس الدولة العثمانية إلي آخر أيام السلطان سليمان القانوني بإفادة سهلة بسيطة. لم يحو التفصيلات المهمة. طبع عام 1298 ه باستانبول و نسخه الخطية نادرة … أوله: الحمد للّه الذي خلق الخلق و هداهم إلي الصراط المستقيم الخ.. توفي عام 1068 ه في استانبول و له مؤلفات أخري. منها (فهرست شاهان) منظومة في تواريخ آل عثمان، ذيل عليها بعض الأدباء و جاء ذكرها في مقدمة التاريخ. و له تاريخ عام أيضا كما نقل عنه صاحب تذكرة صفائي و له اطلاع واسع علي الموسيقي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 18

(10) مرآة كائنات:

لمحمد القدسي المعروف ب (رمضان زادة). من أحفاد سابقه و هو محمد بن أحمد بن محمد بن رمضان و كان من العلماء. ولي قضاء بغداد لمرتين. و توفي سنة 1031 ه. و تاريخه ينتهي بسلطنة السلطان سليمان القانوني. طبع سنة 1269 ه.

(11) تاريخ عالم آراي عباسي:

من الكتب التاريخية المهمة في اللغة الفارسية. و كنا بينا في المجلدات السابقة بعض التواريخ التي تمتد حوادثها إلي هذه الأيام.

و هذا التاريخ يتكلم في الدولة الصفوية من ابتدائها مجملا ثم يمضي في أيام الشاه عباس الكبير بتفصيل و سماه باسمه. و مؤلفه اسكندر بك التركماني المنشي. شرع بتأليفه سنة 1025 ه و أتمه بوفاة الشاه عباس الكبير في 24 جمادي الثانية سنة 1038 ه. طبع علي الحجر سنة 1314 ه. و فيه توضيح وقائع العراق لما يتصل بإيران.

(12) الإعلام بأعلام بيت اللّه الحرام

للشيخ قطب الدين المكي (محمد بن أحمد المكي النهروالي) الحنفي المتوفي سنة 988 ه- 1585 م و في تاريخ الغرابي توفي سنة 990 ه و (الإعلام بأعلام بيت اللّه الحرام) ألفه سنة 979 ه- 1572 م و أهداه إلي السلطان مراد. و فيه ما يخرج به عن موضوعه مما يتعلق بالخلافة العباسية في مصر و مكانتها، و بين هذه ما يتعلق بالعراق، و بالصفويين. نقله إلي التركية المولي عبد الباقي الشاعر المعروف المتوفي سنة 1008 ه- 1600 م. ذكر فيه أن الوزير محمد باشا العتيق طلب إليه ذلك فلبي الطلب.

طبع الأصل العربي في أوروبا، و في مصر إلا أن طبعة مصر مغلوطة بأغلاط كثيرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 19

و له: (البرق اليماني في الفتح العثماني) ألفه للوزير سنان باشا، فكان كسابقه أحد مراجعنا و من مباحثه الصلات البحرية بالبرتغال و نقله إلي التركية المولي مصطفي بن محمد المعروف ب (خسرو زاده) المتوفي سنة 998 ه. و له مجموعة الفوائد (رحلته) إلي استانبول رأيتها في خزانة ولي أفندي برقم 2440، نقلها الأستاذ معلم رفعت الكليسي الفاضل المعروف إلي اللغة التركية. و من مؤلفاته أذكار الحج

و العمرة. و له الكنز الأسمي في فن المعمي، و ديوان شعر مما لا يخص التاريخ.

و هناك مراجع أخري مثل النور السافر و الكواكب السائرة، و خلاصة الأثر و كتب أخري عديدة أوضحنا عنها في كتابنا (التعريف بالمؤرخين للعهد العثماني). و من أهم المراجع (منظومة آل افراسياب) تأتي في حينها. و الغرض الاستفادة لا التعداد.

و أما بعض الكتب المعاصرة فإنها كتبت لمهمة سياسية لا للتاريخ المجرد فلا تكون موضوع البحث هنا.

نظرة عامة

في 24 جمادي الأولي سنة 941 ه- 1534 م استولي السلطان سليمان القانوني علي بغداد فقضي علي الحكم الإيراني. و كانت (الأوضاع السياسية العامة) في تلك الأيام تدعو إلي معرفة توصل العثمانيين إلي إبادة حكم العجم من العراق.

كانت بلاد الشرق الأدني إثر انحلال إدارة المغول تناوبت عليها حكومات متعددة و تولت إدارتها جملة سلاطين كل منهم يحكم صقعا.

و في الأيام الأخيرة كانت الإدارة موزعة بين آق قويونلو و بعض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 20

الحكومات أو الإمارات الصغيرة. أما العثمانيون فلم يكن لهم أمل في هذه الأنحاء، بل كانت آمالهم معطوفة إلي التوسع في جهات الروم و البلقان و ما جاورهما فتوغلوا فيها كثيرا.

و بعد انقراض حكومة (آق قويونلو) قامت الدولة (الصفوية) في إيران بقوة هائلة مستمدة سلطتها من التأثير الديني باعتناق مؤسسها الشاه اسماعيل طريقة (التصوف الغالي) مقرونة بمذهب الشيعة. كما أنه حرك الشعور الوطني القومي الإيراني فتزايد نفوذه و كثر أعوانه و شعر في نفسه بقدرة فتاكة و حكومة عظيمة هددت كيان الحكومات المجاورة … بل إن قوتها فاقت المجاورين في كثير من حروبها و ظهرت عليهم ظهورا بينا لكنها لم تكن في الدرجة التي تصورها هذا الشاه الشاب الممتلي ء نشاطا،

المغرور بقوته و بما ربح من بعض الوقائع، لما رأيناه في الحكومة العثمانية من الانتصار الهائل عليه و كان حكم العثمانيين سابقا لحكمه. و إن هذه الدولة ممرنة علي الحروب و الإدارة و التزام السياسة المكينة. أرعبت الشرق و الغرب و أرهبت المجاورين، و عاملت الشعوب و الملل المحكومة بالحسني.

- نعم لم تر الحكومة الصفوية مزاحما لها بعد انقراض حكومة آق قويونلو سوي (الدولة العثمانية). فحاولت القضاء عليها ليصفو الجو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 21

لها خالصا بالتوغل في قلب مملكتها بدعايات واسعة النطاق كان يقوم بها رجال الشاه و أعوانه بنشر التصوف، و الدعوة له … و من ثم تولد النزاع بين الحكومتين و كثيرا ما كانت دولة العجم عائقا مهما، و صارفا عظيما للدولة العثمانية من التوغل في جهات الغرب بسبب تدخلها في أمرها، و أطماعها بأمل ابتلاعها، توسع نفوذها في الدولة العثمانية و كان بإزعاج لا مزيد عليه. فتكون علي الدولة خطر.

و أول عمل قامت به الدولة الصفوية كان علي يد (شاه قولي) أي (عبد الشاه) المعروف عند الترك (بشيطان قولي) أي (عبد الشيطان).

استعمل كثيرا.

تنازعتا السلطة و كل واحدة من هاتين الدولتين وجدت الأخري حجر عثرة في طريقها و الفروق بينهما كبيرة تمنع من اندماج الواحدة بالأخري. و أهمها الفروق الدينية و القومية. بقيتا مترافقتي النزاع إلي أن قضي علي الحكومة الصفوية من جانب الأفغان قبيل أيام نادر شاه فخلفتها حكومات جديدة لم تغير من وضعها إلا اسم الأسرة المالكة بحلول غيرها محلها إلي أن جاءت الدولة البهلوية فأحدثت تجددا.

و هكذا بقي الجدال إلي أن انقرضت الدولة العثمانية أيضا بظهور (الجمهورية التركية)، فبدت آمالها كما هو المشهود في الإصلاح لا في

الفتح.

و لا تزال الفروق موجودة إلي اليوم و لكن التقرب- دون الاندماج- مأمول و المصافاة أكيدة. نظرا لتغير الوجهات و تبدل أشكال الحكومات و تطورها لا سيما بعد الحروب العامة لسنة 1914 م و 1939 م. بدت بوادر التقارب السلمي. لأن كل دولة تريد أن تنال حظها من الإصلاح، و أن تلحظ مصلحتها، و ليس لها أمل في التسلط علي غيرها. ففي كل مملكة ما يغنيها عن التطلع إلي الأطماع خارج حدودها، و أن تحصل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 22

السلطان سليمان القانوني- أحمد راسم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 23

علي الرفاه و الثقافة من طريقهما. و هذا لا يتم إلا بالركون إلي الطمأنينة و الراحة. و العدول عما هو أشبه بالغزو العشائري.

رأت الدولة العثمانية في أيام السلطان بايزيد أن قد توسع أمر الصفويين في مملكتها و كون خطرا عليها من جراء أن القدرة علي المقارعة كانت مفقودة نوعا لأن السلطان بايزيد كان خاملا و إدارته منحلة …

ثم ولي السلطان سليم الياوز. و هذا من أعاظم ملوك العثمانيين، كان و لا يزال يحرق الارم علي الإيرانيين. خاف من توسعهم لهذا الحد فتولي إدارة الجيوش بنفسه. و قبل الدخول في المعمعة انتقي الإدارة و أتلف الأعضاء الزائغة وعد كل مخالفة أكبر جريرة حتي فيما وقع من وزيره الأعظم. حدثت بينه و بين العجم (حادثة چالديران). كاد فيها يدمر الإيرانيين و هم في بدء تكونهم و إن صدمة كبري مثل هذه كانت تكفي آنئذ للقضاء علي آمالهم. و الأهلون لم يخلصوا لهم بعد، و بينهم من أكره علي الطاعة، و لكن لم يحصل آنئذ من يشاطرهم السلطة أو له أمل في السيادة … لما نال

الناس من ظلم و قسوة في مختلف الأيام فشغلوا بأنفسهم …

و من نتائج أعمال الدولة العثمانية أن قضت علي نفوذ (المتصوفة في الأناضول) و صار العجم في رعب من صولات الترك. ذاقوا المرارة فعلا، و لم تكتف الدولة العثمانية بهذا الحادث من كسر شوكة إيران بل مالت إلي متفقتها (مصر)، فضربتها الضربة القاضية و دمرتها تدميرا تاما لا عودة بعده فخلصت مصر للدولة العثمانية بل دخلت في حوزتها أنحاء إفريقيا الشمالية.

كانت دولة المماليك في مصر بسبب المجاورة، و توسع الدولة العثمانية تخشي أن ينالها منها ما تحذر، فاتفقت مع إيران أو أن إيران

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 24

أوجدت فيها هذا الخوف مما دعا إلي هذا الاتفاق. ذلك ما أكسب الدولة العثمانية الاهتمام للأمر و أن تقضي علي هاتين الحكومتين قبل أن تستكملا العدة. فالدولة العثمانية كانت ممرنة علي الحروب أكثر من غيرها و إن كانت الدولة الصفوية اكتسبت بعض الممارسة في حروبها للاستيلاء علي كافة أنحاء إيران و علي بغداد.

و قوة السلطان سليم الياوز أعقبتها سطوة أكبر أيام السلطان (سليمان القانوني). و هذا لم يستطع العجم أن يقفوا في وجهه.

و حكومته آنئذ نالت شهرت بلغت الغاية لما وصلت إليه من العز و المنعة في الشرق و الغرب و لكن تدابير العجم السياسية مكنتهم من المحافظة علي الوحدة من جراء أن حكومتهم لم ترتكب الخطأ الأول في (چالديران) للدخول في مقارعة عظيمة لها خطرها و لا تأمن نتائجها …

أو أن تجرب تجربة أخري تجازف بها، فركن الشاه إلي الاختفاء مدة و الحكومة لا تطارد المختفين الهاربين فمالت إلي بغداد و اكتفت بأخذها و ما والاها و عادت ظافرة …

و العراق كان من الضعف و

العجز بمكان، فلم يقدر أن يحرك ساكنا، و الحكومات السابقة أنهكت قواه، لا يختلف عن إيران و سائر الممالك الشرقية الأخري … و لا يزال الخوف مستوليا عليه مما أصابه من أقوام ليس لهم رأفة به و لا رحمة أو شفقة و القوة لا تزيحها إلا القوة. و لم تكن له قدرة النهوض أو بالتعبير الأصح لم يبق من رجاله من ينقاد له الرأي العام ليقوم بالاستقلال و يربح قضيته استفادة من الفرصة السانحة. و لعل ضعف الأهلين كان أهم سبب فلا مجال للقيام و لا قدرة هناك تكفي لصد العدو. و الروح قد أميتت، فركنوا إلي قوة العثمانيين.

انحلت إدارة العراق فتكونت إدارة تركية. و لم يوسع علي الأهلين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 25

و لولا أن الثقافة مكينة، قائمة علي أسس ثابتة من مدارس موقوفة، و ريع وافر لتأمين إدارتها، و تأكيد معرفتها لكانت في خبر كان.

إن المدارس الموقوفة ثبتت الوضع الثقافي و غيرت الحالة، و لم تدع مجالا للتخريب و القضاء علي الآداب و العلوم. بل حييت حياة طيبة في كل فرصة وجدت فيها راحة و طمأنينة، و إن العثمانيين كانوا في بدء عمل ثقافي، فكانت الاستفادة من هذه المدارس كبيرة لاقتباس نظامها و مراعاة طرق تدريسها … فصار لا يستغني موظف، أو عالم أو أديب عن العلاقة بهذه المدارس للأخذ بالثقافة الصحيحة.

و علي كل حال تيسر للسلطان سليمان القانوني (فتح بغداد) بسهولة دون أن يري أدني عقبة أو صعوبة، و لم يجد مقاومة من عدو و لا قياما من أهلين بل فتحوا له الأبواب مستبشرين، مسرورين.

و الشعب لا يريد إلا الراحة و الطمأنينة، أنهكته الحروب، و تسلطت عليه الأوهام حذر أن

تعود إليه هذه الحروب جذعة.

و الحق أن العراق اكتسب الراحة، و سكن مدة، و لكن بعد قليل دب في الدولة الضعف من جراء استمرار الحروب، و دوام غوائلها، فاضطرت الدولة إلي التضييق علي الأهلين، شعر علماء كثيرون بهذا الخطر، و حذروا الدولة من نتائجه … فظهر التغلب في مواطن عديدة في بغداد و غيرها، فتشوشت الحالة في أواخر هذا العهد، و استفاد منها المجاور و هو بالمرصاد فكان ما كان من وقائع انتهت بدخول السلطان مراد بغداد و انتزاعها من أيدي الإيرانيين …

و في هذا العهد لم يستفد العراق من العلاقات الاقتصادية بأصل الدولة و لا بغيرها فليس هناك ما يستحق الذكر سواء في أيام الراحة أو الاضطراب بل بقي العراق علي حالته المعتادة، فلم يظهر ما يزيد في الاقتصاديات، و لا في السياسة ما يدعو للارتياح.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 26

و لا يسأل عن الثقافة في هذه الزعازع، و الاضطرابات، و أن الفرصة مكنت من استعادتها نوعا في أول العهد إلا أن الأيام الأخيرة حتي استيلاء السلطان مراد قد قضت علي الكثير من آثارها، فصرنا اليوم لا نستطيع أن نعلم عنها إلا القليل النزر. و لعل الأيام تكشف أكثر عما غاب عنا في خزائن الكتب الخاصة، أو في البيوت من مصادر.

دامت بغداد في إدارة العثمانيين إلي أن حدثت حوادث كان آخرها واقعة (بكر الصوباشي) سنة 1028 ه- 1619 م، ثار علي العثمانيين، و أعلن حكومته في بغداد. و لما رأي تضييقا من هذه الدولة طلب المساعدة من إيران، فكان من نتائج ذلك أن استولت إيران علي بغداد.

دخلتها في يوم الأحد 23 ربيع الأول سنة 1032 ه- 1623 م.

جرت هذه إلي حروب و

بيلة و قاسية بين العثمانيين و الإيرانيين.

اكتسبت عنفا و شدة، و نالت وضعا خطرا علي الدولتين، فصارت كل واحدة منهما علي و شك الهلاك، و لم يبق بين الحياة و الموت إلا أنفاس معدودة. جاء السلطان مراد الرابع بنفسه لفتحها، فحدثت المعارك الهائلة و الحروب الطاحنة بين الطرفين مما ولدته الأطماع، كأن قد ذهبت لهم ذاهبة، أو كأن العراق مخلوق لأحدهما. فتمكن السلطان مراد من استعادة بغداد في 18 شعبان سنة 1048 ه- 1639 م و تم الفتح. و من ثم عادت بغداد. و كانت هذه المرة الأخيرة، فلم يتمكن الإيرانيون بعدها من الاستيلاء عليها و إن كانت لم تنقطع الحروب و لا هدأ الأمل.

فتح بغداد

1- بغداد و حاكمها:

كان العراق من الضعف بمكانة، و بغداد قاعدة بلاده. كانت إدارتها بيد العجم، فإن محمد خان تكلو كان حاكم بغداد من إيران و هذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 27

علم أن جل أماني السلطان أن تتم سفرته بفتح بغداد فارتبك أمره و أصابه الرعب … و أول ما قام به السلطان أن أرسل أولامه بك مع الوزير الأعظم إبراهيم باشا إلي الموصل فاستولوا عليها.

ثم إن أولامه بك بعث بعض رجال قبيلته إلي من هناك من قبيلة (تكلو) برسائل يحث بها علي لزوم إظهار الطاعة للسلطان … و أبدي النصح بوجوب تسليم بغداد بلا حرب و قد صاغ رسائله هذه بتعابير تدل علي الترغيب من جهة و الترهيب من أخري فأبدع في الأسلوب و حسن البيان بقصد جلب القوم و استهوائهم لجانب السلطان …

أما الخان فلم يلتفت و أظهر أنه متأهب للطواري ء، عازم علي القراع، و صار يعد العدة للنضال. و في هذا الحين ورد ابن الغزالي من قبيلة تكلو

أيضا إلي بغداد حاملا رسالة الشاه يخبر بها محمد خان الوالي ببغداد بأن السلطان قد تحرك قاصدا بغداد، و فيها حث بالانصراف عن المدينة و أن يأتي إلي إيران علي وجه العجلة لينجو بنفسه و بمن معه. و علي هذا دعا الخان أعوانه و قص عليهم ما وقع، و شاور في الأمر فلم توافقه قبيلة تكلو علي الذهاب إلي الشاه و امتنعت عن طاعته … فكان مجموع من وافقه نحو ألف فلم ير بدا من الذهاب إلي الشاه و بينا هو يفكر في الأمر إذ ورد كتاب آخر يدعوه الشاه فيه إلي لزوم الإسراع فكان داعية التشوش أكثر. جاء هذا الكتاب مع نديم الشاه (رجب دده) فلم يطق صبرا لا سيما و قد تواترت الأخبار بوصول السلطان و اكتساحه الحدود بجيوشه الجرارة و اجتيازه خانقين و قلة مما زاد في ارتباكه. فدعا جماعة تكلو.

فاوضهم و بالغ في نصحهم. دعاهم للخروج معه من المدينة و اللحاق بالشاه فلم يلب دعوته أحد. فتابعه من أعوان الشاه نحو سبعمائة بيت …

و افقوا و استعدوا للذهاب معه امتثالا للأمر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 28

و لما ألح في الطلب علي طائفة تكلو قام في وجهه نحو ثلاثة آلاف. ناصبوه العداء و تحصنوا في المدرسة المستنصرية بقرب الجسر تأهبا لمقارعته و كمنوا له هناك.

و كان في نية الخان آنئذ تخريب دورهم و إهلاك أهليهم و متعلقاتهم. و في أمله الهجوم عليهم و التنكيل بهم فخالفه السيد محمد كمونة و سكن الخصام بينهما. و جل غرضهم أن لا يوافقوا الخان و لا ينصاعوا لقوله. تعندوا فلم يمضوا طبق مرغوبه …

لم يبق للخان أمل، و لم ير تدبيرا ناجعا ينقذه من

هذه الورطة فندم علي ما فعل، و أبدي للقوم أنه عدل عما كان عزم من الذهاب إلي الشاه و إنما مال إلي السلطان و أنه مطيع له. فسر الجميع لقوله هذا. و صوب الجماعة رأيه …

و علي هذا ذهب جماعة من رجال تكلو. سارعوا في الوصول إلي السلطان سليمان ليقدموا له مفاتيح بغداد و ليعرضوا الطاعة. و كان هؤلاء من أهل الحل و العقد. رأي الخان الحالة وصلت إلي هذا الحد فلم يبق له أمل في أن يبقي رئيسا كما كان فيحافظ علي مكانته و أن المذكورين قد غلبوه علي أمره. و أنه فقدت منزلته … و رأي الأسلم له أن يعبر الجسر باتباعه و يذهب إلي الشاه من طريق البصرة فتوجه إلي الشاه.

2- السلطان سليمان القانوني:

الدولة العثمانية كانت و لا تزال في حالة توسع إلي هذه الأيام، تترقب الفرص و تتوسل بالأسباب للدخول في معمعة أخري لتكسر شوكة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 29

الصفويين فلا تدع لدولتهم مجالا للدعاية في مملكتها، و إن التشنيع علي إيران من آل الكيلاني من كل صوب، و من المغلوبين و فلولهم مما ذكر بواقعة چالديران، و إن كانت لا تعد أسبابا للدخول في معارك جديدة و إنما قرب الحالة الحربية ما جري علي ذي الفقار من حادث. يضاف إلي ذلك أن أولامه بك من قبيلة تكلو حاكم أذربيجان من جهة الشاه التجأ إلي السلطان سليمان لما وجد من الشاه من خوف، فرغبه في حرب إيران و زاد في نشاطه. و ربما يعد ميله إلي السلطان من أكبر أسباب الاشتباه من والي بغداد محمد خان تكلو، فمالت قبيلته إلي السلطان فعلا. و هذه من قبائل التركمان المعروفة.

كانت هذه من أكبر

المسهلات للدخول في المعمعة مع العجم.

جاء في جامع الدول و في غيره أنه في هذه السنة (940 ه) أمر السلطان بالتجهيز لسفر الشرق و جعل الوزير إبراهيم باشا سردارا فعبر الوزير في جمع من الحرس الملكي (قبو قولي) إلي اسكدار في 2 ربيع الآخر من هذه السنة ثم سار و شتي في حلب و كان سبب ذلك يرجع إلي أمرين:

(1) أن حاكم بغداد ذا الفقار مال إلي السلطان سليمان فأرسل إليه مفاتيح بغداد و أظهر الانقياد و لما بلغ ذلك الشاه طهماسب سار إليه فحاصر بغداد مدة فقاتله ذو الفقار و قتل. فكان الباعث لقصد السلطان.

(2) أن حاكم بدليس (بتليس) شرف خان أعلن العصيان علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 30

السلطان و انقاد للشاه طهماسب كما أن حاكم تبريز أولامه تكلو كان قد تقلد مناصب في إيران إلي أن نال حكومة تبريز. و لما دخلت هذه السنة أوجس خيفة من الشاه طهماسب فهرب إلي الروم. التجأ إلي السلطان فأكرمه و أقطعه بدليس و أمده بعسكر ديار بكر. أرسله إلي قتال (شرف خان) فقاتله قتالا شديدا فقتله، و كسر جيشه ببدليس و أهلك كثيرا من أتباعه. و صار ذلك أيضا سببا لقصد بلاد الشرق.

و في أيام وجود الوزير في مشتي حلب في منزل (سواريك) في أول ذي الحجة من هذه السنة بلغه تسخيروان. ففرح بذلك إلا أنه علم أن العسكر يقولون لا يقاتل السلطان إلا السلطان فخاف من الفتنة فأرسل إلي السلطان يعرفه بالحال و يلتمس قدومه فأجاب السلطان ملتمسه. عبر إلي اسكدار في آخر سنة 940 ه و توجه مبادرا نحو الشرق حتي وصل إلي تبريز في 20 ربيع الأول سنة 941 ه. (جرت

وقائع بين الوزير و العجم في مواقع حتي وصل السلطان و الوزير إلي همذان ثم قطعا بعدها المنازل متوجهين نحو بغداد فوصلا إلي قصر شيرين)، و من ثم دخل السلطان بجيشه الحدود العراقية …

و كل ما عرف عن الوزير في إيران أنه قام بما يجب القيام به لتسهيل الضربة علي الشاه فتعقب أثره و قارعه في بعض المواطن …

فكانت الحروب دامية. أخذ الخوف من العجم أكبر مأخذ كان نهض السلطان من استانبول في 28 ذي القعدة سنة 940 ه- 1534 م و صار يطوي المراحل حتي اتصل بجيش الوزير. وصل إلي السلطانية في 6 ربيع الآخر سنة 942 ه- 1534 م و منها كانت وجهته همذان فوردها في 24 منه. أما الشاه فكان في حالة يرثي لها يفر من ناحية إلي أخري، و يتخفي في الجبال الصعبة، و يميل عن الطرق المعتادة فرارا من وجه السلطان. و الرعب استولي عليه.. و حينئذ أمال السلطان عنان عزمه نحو بغداد و كانت الغاية المقصودة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 31

بين قصر شيرين و بغداد (في طريق بغداد):

لم يتعرض صاحب گلشن خلفا لتفصيل طريق السلطان و لكن ذلك جاء ذكره من مؤرخين كثيرين. قصوا سير السلطان و طريق حركته إلي بغداد و بين هؤلاء المؤرخ نصوح المطراقي و المؤرخ فريدون سوي أن نصوح المطراقي كان مصاحبا للسلطان في سفره هذا، فحكي ما شاهد بل لم يكتف بذلك و إنما صور البلدان و المراقد المباركة التي مر بها بألوان عديدة و عليه عولنا. و لم نهمل أقوال المؤرخين الآخرين ما أمكن الجمع.

إن السلطان كان قد وصل إلي (ماهي دشت) في غرة جمادي الأولي نهض من مرقد أويس القرني إليها. و في السادس منه وصلوا

إلي (قلعة شاهين) و هذا المنزل هو الحد الفاصل بين عراق العرب و بين إيران و من هنا تبدأ حلوان البلدة و المدينة. و هذا المنزل خال من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 32

القري و كان ذلك يوم الخميس و بقوا الجمعة في مكانهم. و هناك دفن نشانجي سيدي بك. و كانت أصابت الجيش في هذا المحل أمطار غزيرة و رعد و برق بما لا يوصف.. و يوم السبت 8 منه وصلوا إلي يكي إمام (يني إمام) أي الإمام الجديد و كانت قلعة خربة آنئذ. حدث هنا من الأضرار ما لا يوصف. و في التاسع منه جاؤوا إلي قصر شيرين و عاد هذا يبابا. وجدت فيه قلعة خالية …

و من قصر شيرين مضوا إلي (نهر شمران) كما في نصوح المطراقي و هو (طقوز أولوم) و جاء في غيره أنهم يوم الاثنين في العاشر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 33

وصلوا إلي خانقين و في هذا المنزل ورد القاضي و معه جماعة أرسلوا من محمد خان حاكم بغداد يبدون أنه طائع منقاد لأوامر السلطان، فأنعم السلطان علي هؤلاء بالخلع و انتظروا يوما واحدا لورود الأثقال و المهمات و في يوم الأربعاء 12 منه وصلوا إلي (طقوز أولوم) و حطوا أثقالهم و جاء أنه (أولوصو) و معناه النهر الكبير و يقصد به (ديالي).

رأوا المياه في فيضان زائد فاضطروا علي البقاء. و في هذا اليوم أصاب الجيش من الغرق ما لا يوصف و من نجا لحقه السيل لحد أن فريدون قال: إن هذه المصيبة لم ينلها جيش في التاريخ و لا رأي مثل هذا الهول. و في 14 منه كان الفيضان مستمرا فلم يستطيعوا العبور و استراحوا

يوم الأحد 16 منه و أنعم السلطان في هذا المنزل علي من رآه بخلعة، ثم جاؤوا إلي كوشك سيلان و منها إلي صحراء بردان فوصلوها في 19 منه ثم عبروا (نهر نارين). هول المؤرخون بالخسائر و الأضرار و أنها لا يمكن تقديرها و كان فيضان ديالي مرعبا جدا. و منها اجتازوا جبل حمرين فجاؤوا إلي قرية شروين المسماة (طاش كوپري) و تعرف ب (دللي عباس) و الآن سميت بناحية (المنصورية). و في 20 منه عبروا نهرا هناك (الخالص)، و في 22 منه وصلوا إلي قرب قرية (الوندية) فلم يقفوا و ساروا في طريقهم و في يوم الأحد 23 منه وصلوا مرقد (الشيخ سكران). و (مرقد لقمان الحكيم) بالقرب منه، و رأوا في طريقهم مرقد (الشيخ مكارم) و في 24 منه وصلوا (الإمام الأعظم) و إن السلطان حينئذ نزل عن فرسه و زار مرقده ثم ركب و مضي بجيوشه إلي (بغداد) …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 34

و كانت المدينة قبل هذا سلمت مفاتيحها إلي (جعفر بك). و جاء في جامع الدول: «و لما قرب الموكب من بغداد هرب حاكمها محمد خان تكلو. تركها خالية فبلغ الخبر إلي الركاب السلطاني فأرسل أولا الوزير فدخلها في 22 جمادي الأولي بلا نزاع و لا قتال، ثم دخلها السلطان بعد يومين في 24 من الشهر المذكور …» ا ه.

و في گلشن خلفا أن الشاه لم يستطع مقاومة السلطان حينما توجه إلي بلاده و توغل في إيران فاستولي علي آذربيجان، و لم يقدر علي صده، فصار يهرب من وجهه إلي هنا و هناك خائفا، متخفيا، و غرضه تعجيز السلطان. و لذا عزم السلطان أن يمضي إلي بغداد، فوصل الخبر

إلي والي بغداد محمد خان تكلو، فأصابه الهلع، و استولي عليه الرعب.

و في هذه الأثناء اكتسح إبراهيم پاشا مع أولامه بك تكلو مدينة الموصل، و أن أولامه بك هذا كتب إلي رجال قبيلته (تكلو) في بغداد رسائل ينصحهم و يحثهم علي تسليم بغداد إلي السلطان، فيها من الترغيب تارة و الترهيب أخري ما يقتضيه المقام و يحذرهم عاقبة العناد، فكان جواب محمد خان تكلو الرد. و أبدي عدم الإذعان و بين أنه مستعد للكفاح إلا أن الشاه بعث إلي والي بغداد بابن الغزالي من تكلو أيضا يوصيه بالعودة إلي إيران و أن ينجو بمن معه. و من ثم دعا الوالي قبيلة تكلو، و استطلع رأي رجالها، فعارضوا في الذهاب إلي إيران، و أصر الكثيرون إلا أن نحو ألف رجل منهم وافق محمد خان تكلو. و في هذا الحين ورد (رجب دده) نديم الشاه يوصيه بالإسراع في العودة. فاضطرب الوالي، و لم يقر له قرار لا سيما و قد سمع أن السلطان وصل إلي خانقين و قله (قولاي) بجنوده، فاضطر أن يدعو قبيلة تكلو مرة أخري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 35

و ينصحها فلم يجد ذلك نفعا. و في الأثناء سمع أن أهل بغداد لا يستطيعون الحصار، و نادوا بالميل إلي السلطان و أبدوا حبهم له، و أن نحو ثلاثة آلاف من قبيلة تكلو أوقدوا نيران الفتنة، و جاهروا بالمخالفة و تطاولوا، بل إن هؤلاء اتخذوا المستنصرية حصنا لهم. و كان أمل الخان أن يوقع بهؤلاء، و أن يصطدم بهم، فلم يوافقه السيد محمد كمونة بل مانعه أن يقوم بالفتنة و من ثم علم أن قبيلة تكلو أبدت المعارضة و تحصنت في المدرسة المذكورة، و

أنها ليست مع الشاه، فتظاهر بأنه مع السلطان فوجد موافقة، و من ثم و بناء علي موافقة الخان أرسلوا مفاتيح بغداد مع رؤساء قبيلة تكلو، و قدموها للسلطان و أبقوا الخان رئيسا و لكن الخان علم يقينا أن إظهارهم المتابعة ليست إلا أمرا وقتيا و أنهم يضمرون له الكيد، و أنه سوف يري ما لا يرضاه فندم علي ما فعل، الأمر الذي دعا أن يعبر الجسر و يذهب من طريق البصرة إلي مقر الشاه، فذهب مملوءا رعبا. و ترك بغداد.

و إن قائد الجيوش (السر عسكر) لم يفتح الأبواب حذرا من أن ينال الأهلين أذي من الجيش. و أنعم السلطان علي هذا القائد إنعاما عظيما.

4- دخول بغداد:

إن الجيش دخل بغداد بلا حرب و لم يقع أي ضرر، كان جاء الوزير الأعظم إبراهيم پاشا السردار بأربعين ألفا. و أما السلطان فإنه وافي بغداد بمائة ألف إلا أن ما أصاب العساكر من طغيان المياه، و الأمطار و الزعازع أضعاف ما لو كان حرب. و كادت تحبط مساعي القوم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 36

إن أبناء الترك و من معهم صبروا للمصاب و مضوا حتي ربحوا بغداد. فكان لدخولهم رنة فرح زاد في سرور الأهلين و أنعشهم فلم يروا ضررا من الجيش خلاف ما كان عليه الفاتحون الآخرون في غالب أحوالهم. و أما حاكم بغداد محمد خان فإنه حينما علم بقربهم من بغداد ركب بأهله و عياله السفن و ذهب إلي البصرة. و إن الجيش الإيراني عبر ديالي و سار من جهة درنه و درتنك قاصدا ديار العجم. مضوا إلي أنحاء قم و قاشان.

و عند دخول السلطان المدينة زينت له تزيينا بديعا و ملئت جميع الأبراج بالعساكر فأخذوا مواقعهم

و نشرت في تلك المواقع الطوغات و الأعلام علي اختلاف أنواعها … و أطلقوا له حين دخوله ثلاث طلقات نارية من مدافعهم و بنادقهم إظهارا للسرور، و صارت الطلقات تتري.

فكان لها وقعها في النفوس و احتفل به الأهلون احتفالا لا مزيد عليه.

كذا في أوليا چلبي نقلا عن والده درويش محمد أغا أحد الصاغة في البلاط كان حضر الفتح.

و جاء في گلشن خلفا أن الأهلين استقبلوا السلطان بمهرجان عظيم فنالوا كل التفات و لطف منه. و كان حينما ورد الموكب قصبة الأعظمية و أقام بها منع منعا باتا أن يدخل أفراد الجيش المدينة، أو يلحقوا ضررا ما بأحد، و حظر أن يتطاول شخص أو يمد يده إلي مال آخر. ذلك ما أدي إلي توليد الأمن و راحة الرعايا. و تقدم الشاعر المشهور فضولي البغدادي يمدح السلطان بنادرة مطلعها:

أيد اللهم في الآفاق أمن المسلمين با دوام دولت پاينده ء سلطان دين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 37

نور اللهم في الإسلام مصباح البقا با ثبات حشمت شاهنشه روي زمين

خلد اللهم سلطانا به باهي الزمان شدز فيض أو فضاي ملك فردوس برين

و أورد صولاق زادة للشاعر فضولي البغدادي أيضا في تاريخ هذا الفتح:

گلدي برج أوليايه پادشاه نامدار

و من التواريخ قولهم (فتحنا العراق). و علي كل حال اتخذ السلطان بغداد عاصمة له مدة بقائه.

السلطان سليمان في بغداد
اشارة

كان دخول السلطان بغداد يوم الاثنين 24 جمادي الأولي سنة 941 ه- 1534 م. رافقه أمراء و ولاة كثيرون بينهم أمير أمراء مصر سليمان باشا، و نصوح المطراقي الذي حكي هذا الفتح. ثم تجول السلطان في 28 جمادي الأولي سنة 941 ه في أنحاء عديدة من العراق قضاها في زيارة المراقد المباركة في الكاظمية و كربلا

و النجف و مر في طريقه بالكوفة و الحلة … ثم عاد إلي استانبول من طريق إيران متوجها نحو أذربيجان. و الشاه مال إلي طريق التخفي، و العدول من وجه السلطان فوصل إلي تبريز دون أن يقع حرب. و في خروجه من تبريز جاءه القاصدون من الشاه يتضرعون إليه بإسدال العفو و قبول الصلح فقبل ذلك. و من ثم عاد إلي استانبول.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 38

و في أيام استقراره ببغداد قام بأعمال أهمها:

1- اجتماع الديوان:

كان أثر وصول السلطان اجتمع (الديوان) و أجريت التوجيهات فأكرم الجيش بإنعامات وافرة. و لما كان من أعظم ملوك الأرض فلا يقال في توجيهاته و لا في عطاياه و هباته أكثر من أنها كانت عظيمة.

2- تعميره قصبة الإمام الأعظم- الجامع و المرقد:

إن السلطان سليمان في 5 جمادي الثانية سنة 941 ه زار مرقد الإمام الأعظم و أمر بتعمير قبته لما رآها فيه من حالة الخراب و التدمير، و أنه رأي جدرانها متهدمة النواحي و الأطراف متداعية فعمر المرقد الشريف، و أسس دار ضيافة للوارد و الصادر غداء و عشاء و لم يكتف بهذه، و إنما أمر أن يتخذ سور لحراستها من أيدي المتغلبة و العابثين.

و أوسع من هذا ما جاء في أوليا چلبي قال:

«إن السلطان سليمان خان شرع عام 941 ه في بناء قصبة الإمام الأعظم تبركا. و إن البلدة حينما كانت في يد السلطان حسن الطويل (أوزن حسن) رأي سادن حضرة الإمام الأعظم رؤيا مؤداها أن الإمام الأعظم قال له: ضع الصندوق الذي علي قبري علي الضريح الذي هو في المحل الفلاني. لأن هناك كافرا مستحقا للعذاب. و حينئذ استيقظ السادن و فعل طبق ما أمر الإمام. و كان آنئذ و في ذلك العصر لا توجد علي (قبر الإمام) قباب و لا تكلفات. و ذلك أنه كان قد سجن من قبل المنصور و عمره آنئذ ثمانون عاما فتوفي، و دفن بناء علي وصيته في غرفته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 39

علي السنة. ثم إنه قد وضع بعض السلاطين علي ضريحه صندوقا. و إن ذلك السادن بناء علي الرؤيا و أمر الإمام وضع هذا الصندوق علي قبر كافر. و لم تمض مدة طويلة حتي استولي الشاه إسماعيل علي العراق.

و حينئذ

كسر الصندوق و فتح عن القبر فوجد جسدا ملوثا. فألقاه في النار فزعم أنه انتقم من الإمام و كفي شره.

و لما جاء السلطان إلي بغداد و بينما هو في طريقه رأي چاوش رؤيا مؤداها أن الإمام ظهر له و قال له إن (طاشقين خواجة) يعلم ضريحي.

و بعد الفتح قد أشار ذلك الرجل إلي أرض الإمام فحفروها فظهر الأساس القديم فأخرجت صخرة كبيرة فرفعوها و من ثم ظهرت منها رائحة طيبة فانتشرت و عطرت جميع أدمغة الحاضرين. أما السلطان سليمان فإنه وضع ذلك الحجر علي حاله و غطاه بتراب و أعاده كما كان.

و أخذ في البناء فبني قبة علي قبر الإمام بصورة لا يستطيع اللسان وصفها. و بني عمارة هناك و مدرسة و عمر في أطرافها قلعة. و اتخذ جامعا و دار ضيافة و حماما و خانا و نحو 40 أو 50 دكانا و عين للقلعة دزدارا (محافظا) و جندا لحراستها يبلغون مائة و خمسين و وضع فيها معدات حربية كافية، و مدافع. و شكل القلعة مربع باستطالة قليلة و محيطها ثمانية آلاف خطوة. و في أطرافها من الخارج بساتين و حدائق.

و قال: و حينما ذهبت مع ملك أحمد باشا عام 1058 ه عمرها في ذلك التاريخ. و هناك اتخذ لها آبارا ذوات سواقي و صنع لها غرفا. و قد أرسل إليها من الآستانة من (قيا سلطان) قنديل ذهبي.

و إن السلطان مراد خان صنع الباب الأسفل و الأعلي و شبكة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 40

الضريح من فضة. و كذا مصراعي الباب فصار الجامع و قبر الإمام كأنه جنة الفردوس.

و من ذلك العصر نري جميع الوزراء و الوكلاء و الأعيان الكبار يزيدون في الآثار الخيرية

من بناء و عمارة و يزينون المحل بأنواع الثريات بصورة بديعة» ا ه.

و مثله في تاريخ پچوي نقلا عن المؤرخ عالي أفندي عن جلال زادة مصطفي النشانجي في كتابه (طبقات الممالك) فلا نري ضرورة لتكراره. و في تاريخ رمضان زاده محمد النشانچي ذكر لأعمال السلطان هذه إلا أنه مختصر جدا. و جاء في تاريخ هامر أن السلطان عين مرقد الإمام الأعظم تخليدا لذكراه دون علم منه يقينا بموضع قبره الذي صيره العجم مزرعة كما أن سلفه السلطان محمد خان الفاتح ابتدع مرقدا في استانبول لأبي أيوب الأنصاري … و لا نعطف اهتماما كبيرا لأمثال هذا. و إنما نذكر في معرض المقابلة ما عملته إيران من انتهاك حرمات القبور، و ما عمله الترك من تعميرها و احترامها و زيارتها. كما أننا لا نري مبررا لاختلاق قبر الإمام الأعظم و ذكراه و شهرته تغني عن تعيين قبره فهو محترم من غالب المسلمين مقلديه و غير مقلديه. و لا يزال مذهبه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 41

مرعيّا في أكثر الممالك الإسلامية. و شيوع فقهه كاف و مغن عن إحياء ذكري أخري. و غالب الصحابة الكرام لا تعرف قبورهم.

و قد ذكر أوليا چلبي أن السلطان خصص مبلغ مائة ألف دينار لهذه التعميرات و لقبة الشيخ عبد القادر الجيلي (الگيلاني).

و هنا قصرنا البحث علي الحادث و إلا ففي كتاب (المعاهد الخيرية) مباحث مسهبة عن (جامع الإمام أبي حنيفة) و مدرسته و ما لحقها من تعميرات.

3- حضرة الشيخ عبد القادر و جامعه:

جاء في سليماننامه: «رأي السلطان أن قد و هي مزار الشيخ عبد القادر، و عاد أنقاضا بالية، فأمر أن ترفع له قبة عالية، و أن تتخذ دار ضيافة للفقراء و الأرامل، و أهل البلد

و من حولهم فقاموا بالأمر..» ا ه.

و لا شك أن الجامع موجود من أيام السلطان سليمان القانوني، تشهد بذلك منارته القديمة البيضاء. و كذا خيراته. إلا أن التعمير العظيم و رفع سمك القبة للمصلي كان أيام سنان باشا المعروف بچغاله زاده.

و جاء في أوليا چلبي أن السلطان سليمان حينما فتح بغداد بني قلعة لمرقد الإمام الأعظم و جامعا و دار ضيافة كما أنه عمر قبة عالية للشيخ عبد القادر الجيلي و جامعا و تكية و عمارة و جدد خيرات أخري،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 42

دخول السلطان سليمان بغداد- قصة الأمم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 43

عين لها أوقافا …

و جاء في تاريخ الغرابي: «في سنة 561 ه توفي الشيخ الجيلي قدس سره في بغداد و هو من أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب (رض). و أمه أم الخيرات أمة الجبار فاطمة بنت أبي عبد اللّه الصومعي … (إلي أن قال) و لما مات دفن بمدرسته في بلدة بغداد، و بني علي قبره ميل. و لما جاء السلطان سليمان إلي بغداد هدم الميل و بني عليه قبة شاهقة. و بعد أسس سنان پاشا بجوار القبة جامعا و لم يتفق له إكماله و إنما بني منه مقدار ثلثه و بعد مضي سنوات كمله والي بغداد علي باشا ابن الوند في العقد التاسع من المائة العاشرة، ثم ألحق رواقان أحدهما من جانب الغرب بحذاء الجامع و الآخر من جانب الشرق محاذ لقبة ضريحه قدس سره، و بعد في سنة 1084 ه ألحقت ظلة قدام الجامع و القبة و الرواقين. و في مقابلة هؤلاء حجر متعددة يسكنها الفقراء من أهل التقوي و الصلاح و حضرته

معمورة بتلاوة القرآن، و الأذكار، و مذاكرة العلم بحيث لا تخلو من ذلك ليلا و نهارا. و الحمد للّه الذي جعلنا و آباءنا و أجدادنا من خدام حضرته الشريفة …» اه.

و هذه القبة غير قبة الجامع، لا تزال قائمة بديعة البناء و الصنع شاهدة بمعرفة بانيها، مشيرة إلي قدرته الصناعية. و لعل هذا العمل كان تجاه أعمال الصفوي و صرفه المبالغ في سبيل مراقد الأئمة. و كان الأولي بالاثنين أن يرفهوا علي الأهلين و ينقذوهم مما هم فيه من بلاء الحروب و انتهاك الحرمات و لكن المظاهر آنئذ هي المطلوبة المرغوب فيها لجذب العوام و استهوائهم لجانبهم. و لا تزال قبة الضريح رفيعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 44

البنيان، عظيمة الأثر و لعلها نفس القبة التي هي من آثار السلطان المشهودة لكنها دخلها الإصلاح بتغطيتها بالكاشي … و الغرض من هذه العمارة بيان احترام السلطان لصاحب المرقد و إجلاله. و أكثر جهود السلاطين مبذولة لهذه الناحية …

و التفصيل في كتاب (المعاهد الخيرية). و جاء في تاريخ رمضان زاده محمد النشانجي أن من حسنات السلطان سليمان أنه عمر مشهد الشيخ عبد القادر الگيلاني و جامعه. و لم يتوسع و إنما راعي الإيجاز في كل مباحثه.

4- تعمير الجامع و الحضرة الكاظمية:

ثم إن السلطان زار مرقدي الإمامين موسي الكاظم و محمد الجواد و رتب لخدام الحضرات وظائف من خزانة بغداد. و كان الشاه إسماعيل بدأ بعمارة الحضرة و الجامع فلم يتمهما فأصدر السلطان فرمانه بتكميلهما.

قال ذلك صاحب كلشن خلفا. و جاء في مساجد بغداد للأستاذ محمود شكري الآلوسي أن الشاه إسماعيل كتب علي جدران المسجد:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم. أمر بإنشاء هذه العمارة الشريفة سلطان سلاطين العالم ظل اللّه علي جميع بني

آدم، ناصر دين جده الأحمدي، رافع أعلام الطريق المحمدي، أبو المظفر الشاه إسماعيل ابن الشاه حيدر ابن جنيد الصفوي الموسوي. خلد اللّه تعالي ألوية الدين المبين بملكه و سلطانه، و أيده لهدم قواعد أهل الضلالة بحجته و برهانه. و حرر ذلك في سادس شهر ربيع الثاني سنة 926 الهلالية».

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 45

و في هذا و في كلشن خلفا، ما يؤيد أن الجامع و الحضرة قد بنيا و لم تتم عمارتهما، فأتم السلطان سليمان ذلك بل لم يتم كل ما هنالك فإن المنارة لم تكمل إلا في سنة 978 ه أيام السلطان سليم الثاني.

أوضحت ما جري علي هذه الحضرة و الجامع من التعميرات لمختلف الأزمان في كتاب (المعاهد الخيرية) و كان ناظم تاريخ بناء المنارة الشاعر فضلي بن فضولي البغدادي.

و جاء في كتاب (تاريخ كاظمين) الفارسي ذكر ما جري من تعميرات تالية منها أن الشاه عباس الكبير أمر سنة 1033 ه بعمل ضريح من فولاذ لحفظ الصناديق من الخاتم كما أنه حدث غرق ببغداد و الكاظمية سنة 1042 ه فتضعضعت جدران الحضرة الكاظمية فأمر الشاه صفي بترميم ما اختل تعميره، و أودع القيام بذلك إلي قزاق خان أمير الأمراء السابق في شيروان. و في سنة 1045 ه أجريت بأمره أيضا بعض الإصلاحات و الترميمات في سلم المنارة و بعض التعميرات في المواطن الأخري المختلة.

و جاء فيه أيضا أن الجيش العثماني عندما اكتسح بغداد نهب ما في الحضرة من قناديل فضية و مرصعة و بعض المزينات. و لم يعين مصدرا.

5- تسجيل المملكة العراقية:

و هذه كانت من أكبر أعمال السلطان. سجل الأملاك و المقاطعات. و هذه السجلات نالت اعتمادا و وثوقا بحيث صار يعمل بمضمونها بلا

بينة. و كانت مرجعا دائما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 46

فقد جاء في المادة 1737 من مجلة الأحكام العدلية أن قيود الدفاتر الخاقانية معمول بها لكونها أمينة من التزوير. و يقصد منها الدفاتر المدونة و المسجلة أيام هذا السلطان، و جاء عنها في شرح المجلة للأستاذ علي حيدر أنها ما كان خاصا بأيام السلطان سليمان القانوني من تحرير للأراضي و الأملاك و أيام السلطان مراد الثالث. و المقصود منها في العراق ما كان أيام السلطان سليمان. ألف لجنة من أهل الفضل و الاستقامة فحرروا القري و المزارع و المراعي و الأراضي الأخري بعناية تامة و تحقيق زائد خالية من شائبة التزوير و مجموع هذه القيود تبلغ 970 دفترا أو سجلا مخزونة في مكان مقفل بأربعة أبواب الواحد تلو الآخر معمولات من حديد، محكمة الصنع لا يتطرق إليها الخطر. و إذا أريد تبديل حكم أرض أو ملك من هذه الأملاك وجب استحصال إرادة سنية و صدور فرمان فتفتح من أمين الدفتر الخاقاني بواسطة الموظف الموكل بالأمر فيدون خلاصة الفرمان و يوقع في أعلي القيد للأراضي المطلوب تجديد قيدها، ثم يعاد الدفتر إلي محله بعد الإشارة إلي ما حدث، و يحافظ هذا المخزن الموكل بأمر محافظته. و لا يزال أمر العناية بهذه السجلات مرعيا. فلم يطرأ عليها الخلل، و لا دعا أن تداخلها شائبة التزوير و التصنيع. يعمل بها بلا بينة. بين ذلك الشيخ علاء الدين شيخ الإسلام، و هكذا كان إفتاء شيوخ الإسلام علي هذا الوجه و جاءت فتوي ابن عابدين في التنقيح و في رد المحتار، فعملت بذلك المجلة و هذه القيود سجلت فيها الأراضي الأميرية و المؤسسات الخيرية، و لا تشمل ملك الأفراد

من المزارع و لا الأملاك الخاصة، أو ما هو مقيد بالإجارتين.

و القيود الخاقانية يراد بها هذه القيود دون معاملات الطابو الأخري و سنداتها. فهذه لم تكتسب تلك القوة بوجه.

أقر السلطان أمر السجلات في بغداد و ساقها نحو وجهة سالمة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 47

رأي لزوم إدارتها بمنهاج موحد. و طراز إدارة ثابتة. و التشكيلات الإدارية القديمة للمملكة العثمانية ترتكز علي النحو الذي اختطه ببعض التعديل.

و دوائر الطابو تبعت هذه الطريقة في التسجيل لسائر الأملاك و العقارات.

6- نهر الحسينية في كربلاء:

هذا النهر من أعظم أعمال السلطان. كان يسمي باسمه (النهر السليماني) و الآن يسمي (بالحسينية). أجراه إلي كربلا فأحياها. و لم يوفق السلاطين السابقون أيام غازان و غيره و منهم الشاه إسماعيل، و الشاه طهماسب. و اعتقد أن السلطان كان يملك أكابر المهندسين، فتمكن من العمل. و تم المشروع علي يده. و يقال إن هندسته كانت فائقة تدل علي خبرة و مقدرة من أحضرهم من المهندسين و لا شك أنه كان أقرب لاستخدام أعاظم المهندسين و هو من أعظم الملوك و ليس لدينا ما يوضح الأعمال الهندسية و وصف خطورة المشروع و الخطط التي قام بها رجاله و لا علمنا عن هؤلاء المهندسين. و الأعمال تنسب إلي السلطان وحده و النهر بوضعه شاهد العظمة. و الآن كربلاء قائمة بدوامه و العمارة المشهودة في كربلاء و الحياة الزراعية، و البساتين فيها قامت بسبب من هذا الأثر، فتجددت حياة اللواء، و صار يعد من أعظم المشاريع الإصلاحية بل كان حقيقة مشروعا جليلا في حياة البلد و ما جاوره من بقاع تصل مياهه إليها. ثم بعد مشروعه هذا بمدة طويلة قامت (سدة الهندية) و اكتسبت شكلا أعظم و نتائج مهمة

خصوصا بعد اتخاذ الأبواب و استخدام لوازم العمارة و الإرواء الحديثة. فعليه الآن عمارة اللواء و قوام حياته. و علي ما حققه بعض المؤرخين أن المهندسين كانوا يرون أن كربلاء في محل عال و نهر الفرات منخفض عنها فيستحيل إيصال الماء إليها فكان إيصال الماء إليها يحتاج إلي خبرة هندسية كاملة فتمت في عهد هذا السلطان. وعد صاحب گلشن خلفا ذلك كرامة من كراماته و بركة من بركات توفيقه و إقباله. و أظن أنه يقصد بذلك التفاته لهذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 48

المشروع و اهتمامه في إنجازه …

7- إيالات العراق و ألويته:

و من الإصلاح الذي أجراه السلطان تقسيم العراق إلي إيالات و ألوية متعددة. و بهذا قضي علي الإدارات القديمة، فاعتبر العراق خمس إيالات:

1- إيالة بغداد.

2- إيالة البصرة.

3- إيالة الموصل.

4- إيالة شهرزور.

5- إيالة الأحساء.

و منهم من لم يعد الأحساء من الايالات لضعف العلاقة. و لكل إيالة ألوية. جعل السلطان الإدارة في هذه الايالات مقتبسة من إدارة العاصمة و تشكيلاتها. و يأتي الكلام في التشكيلات الإدارية في آخر الكتاب.

8- صلب إسكندر جلبي الدفتري:

في 8 رمضان 941 ه أمر السلطان بصلب إسكندر جلبي فصلب بإيعاز من الوزير الصدر الأعظم إبراهيم باشا. و ذلك أن هذا الوزير كان يخشي من هذا الدفتري و يعده رقيبا عليه. صار ينتظر الفرص للوقيعة به. يوغر صدر السلطان عليه. كان الدفتري صاحب مال كثير لا يكاد يوجد عند أحد و له أعوان و مماليك يعدون بالآلاف. و له مقدرة فائقة فلا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 49

يحذر الوزير من سواه، فرتب عليه بعض الوسائل للوقيعة به. منها أنه أبدي وجود سراق للخزانة، و تكون شغب كان هيأه و لكن هذا عرف أمره إلا أنه خفي أمره علي السلطان.

و كان أيضا رأي الوزير الأعظم من إسكندر جلبي أنه نهاه أن يلقب نفسه (سردار سلطان) و معناه قائد السلطان و يقرأ بكسر الراء الثانية علي الإضافة الفارسية إلا أنه لو سهل فلم تكسر راؤه لكان معناه السلطان صاحب القيادة العامة … فلم يلتفت لذلك وعده رقابة له.

و مهما كان الأمر أوغر الوزير قلب السلطان علي إسكندر چلبي فعزله قرب همذان ثم زاد في تخويفه من بقائه فصلبه في بغداد في (8 رمضان سنة 941 ه) و هذا أوجب استياء عاما و نفرة من الكل و عرف أن

ذلك بتدبير من الوزير الأعظم. و كذا حذر السلطان من صهره حسين چلبي وسول له قتله فضرب عنقه.

و هذا الحادث- و إن كان أدي إلي الاستيلاء علي ثروة هذا الدفتري و علي مماليكه الذين يبلغون السبعة آلاف- قد أثر في نفس السلطان كثيرا و ندم علي فعلته بمتابعة هذا الوزير حتي أن المؤرخين يقصون أنه رأي رؤيا مزعجة جدا فيها يلومه المقتول لارتكابه الوقيعة به، بحيث إنه شوهدت صيحات عظمي صدرت منه و هو نائم فانتبه مذعورا.

و هذه تعين درجة ما حصل له و في الصباح زار مراقد الأئمة- و يقال إن هذه الزيارة تسكين لما استولي عليه من الاضطراب فأزعجه.

و في عودته كان يكتم عن الوزير الأعظم إبراهيم باشا الوقيعة به و الانتقام منه. و كان إبراهيم باشا استحوذ علي السلطان و ملك سمعه و بصره و لكنه رأي منه بعض أفعال استاء منها فرآه اكتسب طورا مهما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 50

استبد بالأمور و أبدي المقدرة الكاملة سواء مع السفراء أو الوفود أو غيرهم. و كذا ارتاب من اللقب الذي لقب نفسه به (سردار سلطان).

و لما كانت السلطنة لا تقبل الشركة في النفوذ و التسلط وجب أن يقف عند حد فلم يحتمل السلطان أوضاعه هذه فقتله في 21 رمضان سنة 942 ه أي بعد مضي نحو سنة بسيف الغدر الذي قتل به إسكندر و صهره.

ثم تولي الوزارة سبعة من مماليك إسكندر چلبي، أكبرهم الصوقوللي و كان إبراهيم باشا تقدم عند السلطان بجماله و موسيقاه و بدت حينئذ مواهبه فنال أعز مكانة عرفت في أعز أيام هذه السلطنة و هو رومي ما زال يتقدم و يترقي حتي وصل إلي هذه المنزلة و

لكنه استولي عليه الغرور، و لم يفكر في أصل مكانه الأول، و ما ناله بعد أن كان من المماليك فوصل إلي هذا الموقع الممتاز.

لذا كان سقوطه هائلا، كأن لم يغن بالأمس … كذا قالوا.

و أشاروا أنه أول من خرقت به عادة نصب الوزراء من غير أهل المكانة من الأعيان و الوجوه.

و الملحوظ هنا أن أعوان إسكندر چلبي استفادوا من انفصال السلطان عن الوزير فتمكنوا من إغرائه عليه للوقيعة به، نظرا لتكاتفهم و كانوا عصبة حتي نالوا الوزارات بعده. جاؤوا من الطريق التي توصل بها إلي الحكم.

9- الجامع السليماني- جامع السراي:

و يسمي (جامع جديد حسن باشا). و سميت المحلة أخيرا باسم جديد حسن باشا. و لم نقف علي اسم الجامع القديم قبل تعمير السلطان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 51

له. و جوامع كثيرة طرأ عليها الاندثار ثم جري تعميرها، فلم تحافظ علي اسمها القديم. و هذا الجامع عمره السلطان سليمان القانوني حين ورد بغداد. و إن أوليا چلبي كان جاء إلي بغداد سنة 1067 ه و قد بين جوامع بغداد، و ذكر من جملتها (الجامع السليماني). قال: و فيه منارة.

و يقع أمام باب السراي (دار الحكومة).

و ذكر هذا الجامع (مرتضي آل نظمي) في كتابه (جامع الأنوار) عند كلامه علي الإمام الناصر موضحا أن هذا الإمام تربته متصلة بهذا الجامع و أنه لا يزال يزار. و لعل الخليفة الناصر اتخذت له تربة هناك و لكننا تعوزنا النصوص في بيان محل دفنه. فمن الضروري الاتصال بوثائق أخري لنعلم قيمة ما ذكره أوليا چلبي و مرتضي آل نظمي.

ثم إن هذا الجامع عمره حسن باشا (فاتح همذان)، فعرف باسمه فقيل (جامع جديد حسن باشا) للتفريق بينه و بين حسن باشا الوالي الذي

هو أقدم منه و المسمي بجامع الوزير و في (تاريخ المعاهد الخيرية تفصيل ما جري عليه من تعميرات.

10- السلطان في طريق عودته- قتله أمير صوران:

كان السلطان سليمان نظم إدارة بغداد ثم غادرها في 28 من شهر رمضان سنة 941 ه. سار في طريقه نحو إربل فوصل إلي محل يدعي (كوك تپه). و هناك سمع بأن أمير صوران (سوران) عز الدين شير وردت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 52

إليه رسالة من الشاه. ذلك ما دعا أن يشتبه السلطان منه فأمر بضرب عنقه في الديوان العالي.

إمارة صوران

من آخر إمارات صوران لما بعد المغول. و هذه الإمارة تكلمت عليها في (عشائر العراق الكردية). و أفردت لواء إربل بكتاب خاص توسعت في إماراتها، و ذكرت ما جاء في مسالك الأبصار من أنهم من بلاد السهرية.

أهلها مشهورون باللصوصية من بلاد شقلاباد (شقلاوة) و الدربند الكبير، لا يبلغ عددهم ألفا و جبالهم عاصية و دربندهم بين جبلين شاهقين يشقهما الزاب الكبير. أميرهم حسام الدين. و جل ما يقال هنا أن عز الدين شير من أسرة الصهرانيين (السورانيين) و لا تعرف علاقته بحسام الدين و أول من علمنا منهم (كلوس) كما لقبه أهل تلك الأنحاء. و يراد به (الأثرم) ساقط الأسنان الأمامية من فمه. و كان في الأصل من قرية هوديان. و يقال لها (يهوديان) أيضا. كان راعيا في تلك القرية. و لما توفي أعقب من الأولاد عيسي و إبراهيم و شيخ أويس. و كان عيسي منهم شجاعا. جمع إليه بعض الأشخاص، فتمكن أن يجذب إليه الجماهير بالإحسان إليهم، فدخلوا في طاعته. و من ثم عادي حاكم البلد آنئذ، و عزم علي مقاومته. و كان يطلق عليه و علي جماعته بطريق الهزء و السخرية (الإمارة)، فتوجه إلي (بالكان).

و إن أهل تلك الناحية أحبوه، و قبلوا إمارته.

و لم تمض مدة حتي تبعه خلق كثير، فعزم علي

فتح قلعة (أوان).

قال في الشرفنامة كان في أطراف تلك القلعة صخور حمراء. يقال لها (سنك سرخ) بالفارسية، فكان عيسي و أصحابه يجلسون علي تلك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 53

الصخور، و شرعوا يشنعون الغارات، و يقومون بالحروب، فلقبوا ب (سنك سرخي) أي أصحاب الصخور الحمراء. و من جراء كثرة الاستعمال نحت اللفظ فسموا ب (سهراني). فقالوا للسرخ (سهر) فشاع كذلك، و تساهلوا في التصرف باللفظة.

ذكرت في (عشائر العراق الكردية) أن هذا الفظ أقدم مما ذكر في الشرفنامة، و أن البلاد معروفة بهذا الاسم من زمن قديم. و تطلق علي ما بين الزابين. و شاع (سوران)، و (صوران)، و (سهران)، أو (صهران).

و جاء في المسعودي (سحر)، و (القوم السحرة). و كذا في الكتب العربية الأخري. و في مسالك الأبصار سمي بلادهم بالبلاد (السهرية).

تمكن الأمير عيسي من الاستيلاء علي (ولاية السهران). و بعد وفاته خلفه ابنه (شاه علي بك). و هذا دام حكمه مدة. ثم توفي عن أولاد:

1- عيسي.

2- مير بوداق.

3- مير حسين.

4- مير سيدي.

فقسم والدهم في حياته ملكه بينهم. و من هؤلاء عيسي بك طال حكمه. و حارب أمير بابان (مير بوداق) فقتله. ثم مات فخلفه ابنه (پير بوداق). و هذا استولي علي ناحية (سوماقلق) انتزعها من أيدي القزلباشية. ثم توفي عن أولاد:

1- الأمير سيف الدين.

2- الأمير حسين.

فولي بعده (الأمير سيف الدين). و لم يطل أمد حكمه فمات و خلفه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 54

أخوه (الأمير حسين). و هذا توفي. فصار بعده ابنه الأكبر سيف الدين.

و بعد وفاته خلفه عمه (مير سيدي بن شاه علي بك).

و هذا توسع حكمه إلي إربل بل زاد نطاق حكمه إلي أنحاء كركوك و الموصل. و دامت بلاد

سهران مستقلة تحت حكمه. و ترك من الأولاد:

1- أمير سيف الدين.

2- مير عز الدين شير.

3- سليمان.

و من هؤلاء مير عز الدين شير ولي الإمارة بعد والده. و في سنة 941 ه أيام ورود السلطان سليمان إلي (گوگ تپه) قرب إربل بدر منه ما أوجب الشبهة و النفرة، اطلع علي مراسلة بينه و بين الشاه طهماسب، فأمر بقتله.

و من ثم أمر السلطان بنصب (حسين بك الداسني) أميرا حاكما علي إربل. و هو من اليزيدية لكن هذا الحادث لم يفل من عزم الصورانيين، و بقوا في نزاع مع الداسنيين و إن كانوا انحسروا إلي الجبال، و تقلص حكمهم، فاعتزوا بالمواقع الجبلية المستعصية. حفظوا إمارتهم. فخلف عز الدين شير أخوه سليمان بك. و هذا كان له من الأولاد:

1- قلي بك.

2- أمير عيسي.

3- أمير سيف الدين.

و الأخير من هؤلاء اعتز بلواء (سوماقلق). و وقعت حروب دامية بينه و بين حسين بك الداسني، فلم يتمكن من مقاومة الداسنية، فالتجأ إلي أمير أردلان بيكه بك (الظاهر أولاده أو أحدهم) فلم يجد فيهم بغيته، فعاد، فمالت إليه الطوائف الصهرانية فتمكن من اكتساح إربل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 55

و في هذه الأثناء جمع حسين بك الداسني اليزيدية، فوقعت حرب عظيمة كان من نتائجها أن دارت الدائرة علي اليزيدية، فتغلب عليهم الأمير سيف الدين، و قتل نحو خمسمائة من متميزيهم و أكابر رجالهم.

و حصل علي غنائم لا تحصي. و عادت الحروب مرات، و في كلها كان اليزيدية في خذلان مريع.

دعا السلطان إلي استانبول حسين بك الداسني، فأمر بقتله و لعل ذلك مبدأ السخط علي اليزيدية، و الفتوي من أبي السعود بقتلهم هاج عليهم الكرد و غيرهم من جراء ما قاموا به من

حروب مع المجاورين.

و كان الأمير سيف الدين بتسويل أو ترغيب من يوسف بك برادوست المشهور ب (غازي قران) عزم علي السفر إلي إستانبول طالبا العفو عما بدر، و أن يوليه السلطان (إمارة سهران) الموروثة له من آبائه و أجداده إلا أن السلطان لم يقبل معاذيره فقتله و عين مكانه السلطان حسين أمير العمادية إلا أن إمارة الصورانيين لم تنقطع و بقيت إلي حين.

نقف بهذه الإمارة الآن عند هذا الحد و الملحوظ أن الصهرانيين يضرب المثل (بخناجرهم)، فيقال (خنجر صوراني) لجودته كما يقال عندنا (خنجر صليب) في رداءته.

نظرة و إجمال

في هذا التاريخ دخلت بغداد تحت سيطرة الدولة العثمانية و لم يسبق أن حكمتها و إنما كانت بعيدة عنها كما أذعن بالطاعة سائر الأمراء المجاورين من اللر، و إمارة البصرة، و القطيف و البحرين، و أمير الحويزة مانع المشعشع.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 56

و الممالك الشرقية آنئذ كانت منحلة الإدارة. و من الضروري أن توحد إدارتها و تتبع أعظم قوة و هي القوة التي سحقت إيران و فلت من غربها و لم تكن الإدارة تابعة للسلطة من كل وجه، بل كانت عامة دون تدخل في الشؤون الجزئية، تابعة لمواهب الوالي و قدرته.

و أهم الدواعي الحقيقية لهذا الفتح أنه لم يبق منازع للحكومة التركية بعد خضد شوكة العجم فلا مانع لها من استيلاء علي بغداد.

و الشهرة القديمة من أكبر الدواعي في توليد الآمال. فالنفوس منصرفة إلي حب الاستيلاء علي بغداد و الأنحاء العراقية …

و أما البواعث الظاهرية فهي ما مرت الإشارة إليه.

كان وطد السلطان الأمن و نظم الإدارة كما أراد ثم غادر بغداد في 28 رمضان سنة 941 ه و عسكر في (گوگ تپه) قرب آلتون كوپري

و توجه من هناك نحو إيران لما سمع من ظهور الشاه و استيلائه علي تبريز و محاصرته مدينة وان. جاءته الأخبار بذلك، فوافي متوجها نحو تبريز.

و حينئذ فر من وجهه الشاه طهماسب، و بهذا تمت حوادث بغداد، فبقيت إدارتها بيد الولاة، و وافق السلطان علي طلب الصلح بعد الإلحاح فعاد إلي استانبول فدخلها في 4 رجب سنة 942 ه.

الوالي سليمان باشا

و هذا أول وال علي العراق أودعت إليه الدولة العثمانية منصب إيالة بغداد، نقل عن ولاية ديار بكر فنصب أمير أمراء. و في گلشن خلفا أن السلطان بعد عودته من زيارة المراقد المباركة في النجف و كربلاء نصبه واليا بلقب (بكلربكي). و جاء عنه في قاموس الأعلام أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 57

في الأصل مجري، فأسلم. و في سفر إيران كان واليا في ديار بكر. جاء مع السلطان إلي بغداد حين الفتح فنقل لولايتها. و لما فتحت أوفن نصب واليا عليها برتبة الوزارة، و في سنة 952 ه اعتزل المنصب المذكور و لم تمض مدة حتي توفي.

و جاء في السجل العثماني أنه نال منصب الشام ثم منصب حلب و غدر به هناك أتباعه توفي إلا أنه جاء في تاريخ رمضان زاده نال الوزارة سنة 943 ه، و جعل (واليا) علي (بدون) و في السجل وليها سنة 942 ه. و زاد في گلشن خلفا أنه كان قادرا علي إدارة الملك.

و لم نتمكن من العثور علي وقائع أخري غير ما مر سوي أن الشاه كان قد حاصر (وان) فلما علم بمغادرة السلطان بغداد و أنه متوجه نحوه فر منه. و كان خلال سفره هذا توالت رسل الشاه لطلب الصلح. و بعد اللتيا و التي قبل الصلح

و من ثم عاد السلطان إلي عاصمة ملكه كما مر.

حوادث سنة 942 ه- 1536 م

عزل الوالي:

في هذه السنة أو في التي تليها عزل الوالي و لم يحدث تبدل في الوضع و من المؤسف أننا لم نتمكن من معرفة الوالي الذي جاء بعده فخلفه في حكومته. و في تاريخ الدولة العثمانية لم يبقوا علي وال مدة طويلة لما كان من تجارب الماضي و عبره، فلا يريدون أن تبقي الولاية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 58

إقطاعا له، أو لا يرون أن يتمكن الوالي فيها مدة. و لا يعقل أن تكون بغداد خالية من وال للمدة من 942 ه إلي سنة 951 ه و لكن أخبار هؤلاء ضاعت عنا، و لم تعد تعرف.

حوادث سنة 945 ه- 1539 م

اشارة

لم تدون وقائع مهمة للعراق خلال السنين السابقة أو لم نتمكن من الوقوف عليها فنري صاحب گلشن خلفا أول ما يبدأ بحوادث العراق أثناء حكم الولاة بالوقعة التالية:

حاكم البصرة- تسليمه المفاتيح

جاء في نخبة التواريخ أنه في 15 صفر سنة 945 ه كان قد خرج السلطان من استانبول متوجها نحو أدرنة فخيم في صحرائها في أواخر هذا الشهر، و غرضه تأديب (و يودة) بغدان أي حاكمها المدعو (پترو)، و كان يبدي للسلطان الطاعة ظاهرا، و يضمر العداء، و في هذه الأثناء وصل إليه مانع بن راشد (حاكم البصرة) ابن مغامس و معه وزيره الأمير محمد، كان أرسلهما حاكم البصرة راشد لتقديم واجب الطاعة و الخضوع للسلطان. قدما الهدايا و مفاتيح البلاد إليه، و راشد هذا كان أميرا مستقلا، صاحب خطبة و سكة و نال هؤلاء الوفود التفاتا زائدا من السلطان و أبدي لهما لطفا كبيرا …

و لم نقف علي أحوال هذه الإمارة و لا علي نقودها بالرغم من التحريات في مواطن عديدة. و الملحوظ أنها من أمراء المنتفق و أغلب الظن أنهم من الشرفاء. توصلوا إلي الحكم بقوة العشائر و عدم المعارض مما رسخ قدمها و ذاقت لذة الحكم. و في گلشن خلفا ذكر هذه الوقعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 59

توصلا لما حدث عام 953 ه. و علاقة الشرفاء بالعراق معروفة و مر الكلام علي الشريف أحمد في تاريخ الجلائرية.

و جاء في كتاب الأنساب للسيد ركن الدين الحسني النسابة عن الشريف أحمد. قال إنه قدم إلي البلاد الفراتية من مكة و حكم بالحلة من العراق سبع سنين إلي أن ولي الأمير الشيخ حسن (أبو السلطان أويس) و حاربه و قتله في شهر رمضان سنة 742 ه

و دفن بالمشهد الشريف المرتضوي عند عمه الشريف عبد اللّه في الحضرة الشريفة.

و الشريف عبد اللّه أمه أم ولد نوبية. انتقل من مكة إلي العراق في زمان السلطان خدابنده و أقطعه. و عقبه بالعراق.

ثم إن النسابة المذكور ذكر الشريف أحمد بأنه كان شهما شجاعا كريما فاضلا و له من الأولاد أحمد و سليمان و محمود. و أورد أن لمحمود ابنا اسمه محمد …

و في هذا النص توضيح زائد. و إن ظهور أمراء المنتفق الشبيبيين، و أمراء البصرة مما يجعلنا نري تلك العلاقة بالشرفاء و أنها لم تنقطع، بل قوي اعتقادنا بما سبق لنا القول فيه. و للكلام علي أمراء المنتفق محل آخر.

حوادث سنة 951 ه- 1545 م و ما يليها الوالي فرهاد باشا الصولاق

(ولايته الأولي)

و جهت إليه إيالة بغداد سنة 951 ه و عزل منها في السنة التالية (سنة 952 ه). كان تربي في البلاط الملكي. و في عهد السلطان سليم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 60

الأول كان مرافقا له في الحرب و تقلد مناصب منها (إمارة اليمن)، فحلب، ثم وجهت إليه (إمارة بغداد). و هذا لم يتعرض له صاحب گلشن خلفا لهذه المدة، ثم وجهت إليه مناصب أخري حتي صارت إليه ولاية بغداد للمرة الثانية كما سيجي ء. و لعل السبب في أن صاحب گلشن لم يذكره هذه المرة لأنه لم يجد ما يدونه لأيامه هذه. و بقية أخباره في ولايته الثانية …

و الغرض من بيانه هنا مراعاة التسلسل لأمراء بغداد. و قد غاب عنا الكثير منهم. و الصولاق يعني الحرس الملكي في البلاط، ثم أطلق علي حرس الوالي في مثل بغداد و مصر من الممالك المستقلة، و كان بعض آبائه أو أجداده من هؤلاء فعرف بصولاق زادة أي من آل الصولاق.

هذا. و لم نجد ما

يسد الفراغ بين سليمان باشا و فرهاد باشا الصولاق. و لعل خمول ذكرهم، و عدم ظهور وقائع مهمة مما سبب أن يغفل أمرهم. و كأن صاحب گلشن خلفا، يتطلع إلي قائمة الولاة أمام عينيه فلا يذكر إلا من كانت له مكانة، أو ظهرت في أيامه حوادث تدعو لذكره. أو أنه لم يجد من أسمائهم ما يتمكن من تدوينه.

حوادث سنة 952 ه- 1546 م

الوالي اياس باشا

ضبطه صاحب قاموس الأعلام بمد أوله (آياس) و العرب ينطقون به بلا مد و النطق به معروف. و أصله ألباني. (أرناود، أو أرنبود) تخرج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 61

في البلاط و نال إمارة الأمراء (بكلربكي). و كانت آدابه و مروءاته في الذروة من الكمال. و هو أخو سنان باشا فاتح اليمن، الصدر الأعظم المشهور. ولي بغداد سنة 952 ه بعد أن عزل صولاق فرهاد باشا، ثم نال الوزارة في واقعة البصرة و يأتي ذكرها.

و في سجل عثماني أنه عهدت إليه بعد ذلك ولاية ديار بكر سنة 956 ه. ثم ولاية أرضروم (أرزن الروم) و توفي سنة 967 ه. و في قاموس الأعلام أنه أعدم في أرضروم لتسهيله هرب الشهزادة بايزيد إلي إيران عام 966 ه. و له من الأولاد محمود باشا و مصطفي باشا و من مماليكه الشاعر (صافي چلبي) المتوفي سنة 997 ه.

حوادث سنة 953 ه- 1546 م

البصرة تدخل في حوزة العثمانيين

إن حاكم البصرة راشدا كان عام 945 ه أظهر الطاعة و انقاد للأمر. أرسل ابنه إلي السلطان إلا أن مؤرخي الترك يقولون إنه نقض العهد فورد الأمر السلطاني إلي والي بغداد بإعداد المعدات الحربية و ما يقتضي من جيوش لحربه فوجه الوالي عزمه نحوه خلال سنة (953 ه).

و ساق الكتائب عليه بوجه السرعة. فالحكومة لم يرق لها أن تجاورها حكومة أو إمارة تمنع من الوصول إلي خليج البصرة أو تحول بينها و بينه ليتصل بالبحر الأحمر. و كانت داخلتها آمال لتوسيع السلطة و تمكنها في سواحل العرب و الهند من طريق البحر فوجدت الضرورة أن تمضي في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 62

جامع الإمام الأعظم- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 63

طريقها و تتخذ الوسائل

للسيطرة علي السواحل.

و في سفر الوالي هذا مر بالنجف لزيارة (مشهد الإمام علي) (رض). و لما كان (شيخ قشعم) سلك طريق العصيان قام بتأديبه و كسر طغيانه بل قضي الوزير علي حياته و أزال فتنته.

ثم سار إلي البصرة. و لما رأي حاكم البصرة أن لا قدرة له علي المقاومة ركن إلي الفرار فدخل الوالي المدينة و قضي علي حكومة راشد و سعي في تنظيمها و ضبط إدارتها. و بذلك انقادت الأطراف و دخل لواء واسط و نواحي الجزائر في حوزة الدولة و صار العراق بحذافيره للدولة العثمانية، و حينئذ تقلص ظل هذه الإمارة أو انقرضت. و كان حاكمها يتصرف بها علي وجه الملكية. إلا أنها عادت بحالة خرجت عن أن تكون بشكل حكومة.

جاء في روضة الأبرار في حوادث سنة 951 ه أن اياس باشا فتح البصرة في تلك السنة. و هذا غير صحيح لما ورد في النصوص السابقة.

فالغلط فيه ظاهر.

و جاء في فضولي من قصيدة مدح بها اياس باشا ذكر جهة البصرة و الاستيلاء علي الجزائر هناك كما في ديوانه التركي. مدح هذا الوالي بقصائد عديدة غير هذه تبلغ سبع قصائد. و لا شك أنها عدد وافر من فضولي الشاعر البغدادي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 64

قبيلة قشعم

معروفة في العراق برياستها القبائلية، و لكن الأيام جردتها من قبائلها فصارت مفردة عن غيرها لمحافظتها علي بداوتها. و أول ما ورد ذكرها في تاريخ العراق في حوادث سنة 953 ه- 1456 م. و أول ذكر لها جاء في قصيدة للشاعر فضولي البغدادي مدح بها اياس باشا والي بغداد في انتصاره علي هذه القبيلة كما أن صاحب گلشن خلفا بين أن هذا الوالي وجد هذه القبيلة سلكت

طريق العصيان فقام بتأديبها. و أعاد القول فيها في حوادث سنة (1018 ه- 1020 ه).

ثم توالي ذكرها في التاريخ لمجلداته الأخري، و لا تزال إلي اليوم. و المعروف أن الرياسة القبائلية كانت لابن قشعم إلا أن القبائل التي تحت سلطته قد انعزلت منه و استقلت بتسميتها، و عرفت بأسمائها الحالية و ضعفت قدرته فتكونت من بيته قبيلة تفرعت إلي أفخاذ. و لم تعرف قبيلة قديمة باسم (قشعم) قبل هذا.

و الظاهر أن هذه القبيلة من الأجود و ابن جشعم أحد رجالها تولي رياستها. و لما سارت قبائلها إلي الحالة الريفية انفصلت من الرياسة العشائرية، و لم تبق علي البداوة، و سألت الشيخ محمدا فقال لي إننا جشعم. و هي أصل. و لم يزد علي ذلك. و اختلف في أصلها. فمنهم يقول إن قشعما هو ربيعة بن نزار من القبائل العدنانية، و منهم من يقول إنهم من بني (ماء السماء) من القبائل القحطانية. و التدوينات جاءت للجهتين. ذكره في مطالع السعود و في القاموس المحيط.

و كان الأستاذ يعقوب سركيس قد ذكر رئيسهم المعاصر عقابا فعدد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 65

أجداده. و رأيت الشيخ محمدا و هو أخو عقاب فذكر لي الشيخ محمد أن أخاه هو الرئيس و هو (عقاب بن صقر بن ثويني بن عبد العزيز بن حبيب ابن صقر بن حمود بن كنعان بن مهنا بن ناصر بن مهنا بن سعد بن المنذر بن قسام بن ما (من) بن قشعم بن سعد بن غزي) و يدعون أنهم نزحوا من نجد في أيامه. و هذه الأسماء يصعب ضبطها. و بين ما ذكرته و ما ذكره الأستاذ يعقوب تفاوت يسير.

و هؤلاء في تسلسلهم ورد ذكر بعضهم

عند الكلام علي وقائعهم.

و تأتي في حينها. و ليس هنا محل بيان الوقائع التالية لما بعد هذا الجزء.

و الملحوظ أن هذه ليست أكثر من إمارة أو رياسة قبائلية فتعد ناظمة القبائل البدوية، و أن المنتفق و إمارتها استقلت بناحيتها ثم فاقت علي الكل، و دخلت هذه و غيرها ضمنها، بل إن الخزاعل صار لهم الذكر بعد ذلك كما كان لقبيلة عبادة قبلا، و لخفاجة … و إن قبائلهم مالت إلي الأرياف، فانفصمت عري القوة، و تبعثرت الإمارة. و هكذا شأن القبائل في تحول مستمر و تطور لا حدود له …

و فروع القشعم، أخذتها عن الشيخ محمد (أخي رئيسهم) و هي:

1- الشيوخ. كنعان و أسرته.

2- الناصر. رئيسهم سلطان بن ناصر.

3- آل چنعان. (هو كنعان) الوارد في عمود نسبهم. رئيسهم سرحان بن چنعان.

4- آل بندر. رئيسهم حسن.

5- اللهيب. رئيسهم شافي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 66

6- آل شليهب. رئيسهم بريچي بن مطلك الرحال. و يلحق بهم:

1- المخالي. رئيسهم شعلان آل صران.

2- الشهبان.

و يساكنهم الجنابيون، و المهناوية منسوبة لجدهم (مهنا) و فيها المسعود و اليسار، و البو براطم. و في أنحاء الكوفة (گرمة الجشعم) معروفة. و وقائعهم في العراق مدونة. و كانت لهم مكانة أذعنت لهم قبائل كثيرة بالطاعة، و تولوا رياستها العامة. و الآن في حالة ضعف، و لكنهم لا يزالون محافظين علي عزة نفوسهم، و لا يفترقون عن البدو في اللهجة، و قصيد البدو و الحداء و سائر أدب البادية. و هم متصلون بالبدو من جهات عديدة. شاهدت الشيخ محمدا. و كان عارفا بأحوال البادية.

و أكثر ما يحفظ شعر (رميزان)، و شعر (راكان) من شعراء البادية.

و يجاورهم بنو مالك في فروع كثيرة منها، و خفاجة،

و الأجود و قبائل أخري.

هذا، و لا مجال للتوسع بأكثر من هذا. و التفصيل في (كتاب عشائر العراق).

الوزير فرهاد باشا الصولاق أيضا

ولي بغداد للمرة الثانية بعد اياس باشا. و هذا معروف بالصلاح و التقوي و ليس له آمال طمع. كان كاملا، عارفا، مؤرخا توفي في بغداد و لم نتحقق تاريخ إمارته و لا زمن وفاته. و له ابن هو محمد باشا الوزير.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 67

الوزير محمد باشا الصولاق

هذا هو ابن الوزير فرهاد باشا الصولاق. قاله في گلشن خلفا.

و كان من أمراء الألوية ثم نال الإمارة في ولايات عديدة و لم يبين صاحب السجل العثماني تاريخ ولايته علي بغداد.

و قال عنه: استشهد في إيران في شعبان سنة 992 ه و نعته بأنه باسل مقدام، صادق مدبر. و لعل هذا هو الذي مدحه فضولي بقصيدة، و لكن الوصف غير منطبق.

حوادث سنة 954 ه- 1547 م

القاص ميرزا

هذا أخو الشاه طهماسب التجأ إلي السلطان سليمان القانوني سنة 953 ه فنال كل احترام و تكريم. و من ثم وجه السلطان عزمه نحو إيران فعبر إلي جانب اسكدار في 18 صفر سنة 955 ه و أرسل القاص ميرزا نحو بلاد الشرق و بعد أيام سار السلطان. سمع الشاه بذلك فتواري عن الأنظار، و كان استولي العجم علي مدينة (وان) باعتبار أنها (مفتاح إيران) فحاصرها السلطان و لما لم تر بدا من التسليم سلمت جيوشها إلي السلطان. و كان أمله أن يضبط تبريز و يجعل القاص ميرزا واليا عليها، و لكنه خاب ظنه فيه لما علم عنه من بعض الأوضاع، و بعد ذلك مال السلطان عن تبريز نحو حلب بأمل أن يقضي الشتاء في أنحاء ديار بكر، و في هذه الأثناء حدثت بعض الوقائع مع الإيرانيين.

و إن السلطان عند عودته إلي ديار بكر أرسل لمحافظة بغداد الوزير الثاني الحاج محمد باشا و سير معه مقدارا من الجيش. و رجع إلي العاصمة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 68

و في هذه الأيام اغتنم القاص ميرزا الفرصة فهاجم أثقال الشاه و خزانته في جهات أصفهان و قم و قاشان فغنم غنائم وافرة بعد أن كان استأذن السلطان و كان مغبرا منه، فلم يشأ أن يشاهده فأذن

له. و كانت هذه الغنائم لا توصف في نفاستها و لا تعد في كثرتها.

و حينئذ شتي السلطان في ديار بكر. ثم مضي إلي حلب. و جاءته الهدايا المرسلة مع عزيز اللّه، فخلع عليه السلطان و أرسل بالخلعة الفاخرة و السيف المرصع و الأوطاغ ثم إن القاص ميرزا شوش أمر إيران و مال إلي أنحاء شهرزور إلي محل يقال له (كسك چنار). و كان قد أصابته حمي هناك، فعلم به رجال الشاه طهماسب. فهاجموه علي غرة فأخذوه أسيرا، فحبسه الشاه في المحل المعروف ب (قهقهة). ثم مات و منهم من قال سم في سجنه. قال ذلك في تاريخ صولاق زادة. و جاء في گلشن خلفا أنه ذهب إلي بغداد فقضي بضعة أيام حتي أنه مال عن السلطان و حاول التقرب من الشاه فكان ذلك وسيلة القبض عليه. فساء مصيره.

الوزير الحاج محمد باشا

الحاج محمد باشا الوزير ولي بغداد في أيام القاص ميرزا و هو الوزير الثاني للدولة كما ذكر في تاريخ صولاق زادة. و لم يتعين لنا بالضبط تاريخ ولايته و لا معرفة أعماله. و لعله ممدوح فضولي في قصيدة له. و لم يظهر لنا التفصيل عن حياته.

والي بغداد تمرد علي باشا

إن صاحب گلشن خلفا ذكر أنه كان واليا علي بغداد ثم خلفه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 69

محمد باشا البالطه چي سنة 956 ه. و في هذا ما يشير إلي أنه كان واليا لما قبل هذا التاريخ. أما صاحب (سجل عثماني) فيذكر عنه أنه «نشأ في البلاط الداخلي و صار أمير العلم و آغا الينكچرية و بتاريخ 948 ه عزل فصار من الأمراء. و في عام 956 ه صار أمير أمراء بغداد. تحارب في البصرة و بعد انتصاره عاد إلي بغداد و في سنة 959 ه عزل. ثم تقلب في مناصب عديدة آخرها ولاية الشام و توفي فيها سنة 978 ه. و هو صاحب دين و خير، و لم يكن من أهل الأطماع» ا ه.

نعته صاحب السجل بأنه غرو علي باشا. و هذا غلط نسخ أو طبع.

و الذي عليه الجمهور أنه (تمرد علي باشا).

وصفه عهدي البغدادي بما نصه:

«كان من باشوات الأناضول، ممن ملي ء علما، و برع في الفروسية، نبغ في الآداب الفارسية فلا نظير له فيها. و معروف في إبداع التواريخ، و له في شروط الفقه نظر تام، و كان من أهل التجرد (الصوفية و النساك) فهو ممتاز بل فريد بين أقرانه، و في حد ذاته زاهد، ذو اعتقاد طاهر، يراعي الأوقات الخمسة، و يقضي أزمانه بالتقوي و الصوم و الصلاة و يعدها حتما عليه. ذهب للحج و

أدي فريضته و له شعر فارسي …» ا ه.

و أورد له صاحب التذكرة جملة صالحة من الشعر و ذكر عهدي أنه قضي مدة معه لتكمل الفضائل منه ليل نهار. و كان الأولي أن يسمي (تجرد علي باشا) لما فيه من صفة التجرد أي علي باشا المتجرد.

و الشيوع لا يقاوم و لا يصد تياره.

و مهما يكن من الأمر فقد كان واليا علي بغداد و لم يظهر له عمل يذكر. ثم خلفه محمد باشا البالطه چي. و لم نجد من الوثائق ما يجلو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 70

عن حالته أكثر. و هو بالنظر لتوالي النصوص جاءت ولايته تالية للحاج محمد باشا الوزير الثاني السابق الذكر.

حوادث سنة 956 ه- 1549 م

والي بغداد محمد باشا البالطه جي

في هذه السنة ولي بغداد أمير أمراء سيواس سابقا بعد عزل تمرد علي باشا. و هذا من (بوسنة) تربي في البلاط الداخلي ثم حصل علي إمارة أنطاكية و بعدها صار مير لواء سلسترة، ثم اشقودرة و آخرها سيواس. و في سنة 956 ه حصل علي ولاية بغداد للمرة الأولي. و إنما لقب بهذا اللقب لأنه كان خشن الكلام …

واقعة جزائر البصرة

قالوا: و في هذه السنة حدث اضطراب في ايالة البصرة و صار الأعراب يقطعون السبل و يتعرضون بالمارة و يؤذون الخلق. فلما علم السلطان بخبرهم عين (محافظ بغداد) الوزير تمرد علي باشا قائدا للقضاء علي غائلتهم و تأديب ثائريهم و عين لولاية بغداد أمير أمراء سيواس محمد باشا البالطه چي فاهتم كل بما عهد إليه و جهز الوالي مقدارا من الينكچرية، و إن القائد تمرد علي باشا اشتغل بإعداد العدد و تجهيز الجيوش و سار برا و نهرا حتي وصل بلدة واسط فضرب خيامه هناك.

فاستقبله أمير لوائها علي بك بكمال الإجلال و الاحترام فبادرا معا و ذهبا إلي جهة البصرة. و تقدما نهرا فوصلا بلدة (المدينة). مستقر (آل عليان) حكام الجزائر فأحدثا الرعب في تلك الأطراف.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 71

أما الأعراب فإنهم تأهبوا للمقارعة، فحدثت معركة دامية ظهر فيها النصر لجهة الوزير و تبعثر أمر العشائر و تشتت شملهم. و في تلك الليلة قصد العربان العودة و الهجوم ليلا علي الجيش بأمل القضاء عليه و لكنهم لم ينالوا غرضهم و لم يتيسر لهم ما أملوا، فكان أضر بهم ذلك، و دمروا.

و في اليوم التالي بادروا صباحا للدخول في معركة أخري فكان الهول أكبر و قتلت نفوس كثيرة بصورة مرعبة. و في هذه المرة

نالهم ما نالهم في الأولي، فهرب أمير المدينة و لم يطق البقاء. هذا ما قالوه و ليس هناك قطع سبل و إنما هو جدال عن حياة و دفاع عن استقلال أرادت الدولة القضاء عليه.

حوادث سنة 957 ه- 1550 م

بقية الحوادث السابقة:

بعد هذه المعارك و في خلال سنة (957 ه) دخلت (المدينة) في حوزة القائد الوزير و لكن أطرافها لا تزال مأهولة بالعربان فلم يذعنوا بالطاعة. استمروا في الكفاح، فقام الوزير في تعمير البلد و السور و من ثم أطاعت سائر النواحي من الجزائر. و حينئذ أتم الوزير مهمته و عاد إلي بغداد بكمال الأبهة.

و بهذا ولي وزارة بغداد إلا أنه لم يطل أمد بقائه فيها فعزل علي ما سيوضح.

الوالي بهرام باشا

ولي بغداد سنة 957 ه بعد محمد باشا البالطه چي لكنه لم يبق في هذا المنصب كثيرا و كان من متخرجي البلاط الداخلي و من صغره ظهرت مواهبه. و نعته صاحب گلشن خلفا بأنه لا يمنع نفسه عن هوي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 72

يميل إلي الارتشاء أو هو معروف عنه. ثم نال إمارة روم إيلي و توفي بعدها …

والي بغداد تمرد علي باشا

ولي للمرة الثانية سنة 957 ه بعد عودته من أنحاء البصرة. و كان علي خلاف ما عليه بهرام باشا في سلوكه. مرت ترجمته و تبينت مكانته العلمية و الأدبية، و فيها ما يغني عن إعادة القول. بقي في الولاية إلي سنة 959 ه و من ثم حدث اضطراب في أنحاء شهرزور فعرض الأمر علي حكومته فاهتمت له و أودعت حكومة بغداد إلي محمد باشا البالطه چي.

حوادث سنة 959 ه- 1551 م

والي بغداد محمد باشا البالطه چي

إن وقعة شهرزور كانت الباعث لأن يوجه منصب بغداد إليه. و كان واليا في بغداد قبل هذا فهو أبصر بإدارة الحالة، فأودعت إليه هذه المهمة.

حادث شهرزور

كانت شهرزور حين الفتح العثماني أذعنت بالطاعة للسلطان سليمان و إن حاكمها الأمير (بكة) تقدم لخدمة السلطان و تأييدا لهذا الخضوع قدم ابنه (مأمون بك) رهينة ليكون في خدمة السلطان فسلمه إلي والي بغداد آنئذ سليمان باشا و هذا أودع إليه عدة إمارات ألوية متوالية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 73

فكان لواء الحلة من آخرها. بقي فيه. فكانت شهرزور تعد من ممالك الدولة. و كانت مدينتها تدعي (قلعة زلم) لمناعتها و إحكامها، من جراء أنها جبلية، صعبة الاجتياز، يعسر الوصول إليها، محاطة بالكرد من كل جانب. و في سنة 959 ه ظهر في أنحائها تشوش و تدخل القزلباشية. فاضطربت حالتها لما أصاب رعاياها من وقائع مؤلمة. و من انتهاك الحرمات ما لا يوصف سواء في نفوسهم أو أموالهم فأخبر الوالي تمرد علي باشا دار السلطنة بما علم و بالتعبير الأولي أوضح اختلال حالتها، و سهولة الاستيلاء عليها، فكان هذا من بواعث تعيين الوالي الجديد. فوضت القيادة إلي عثمان باشا والي حلب و جهز بمقدار كبير من الينكچرية و كذا أودعت إليه قيادة سائر الجيوش من الايالات الأخري المرسلة لهذه الغاية. و صدر الفرمان بأنه إذا افتتحها يكون أميرا عليها.

استغلوا وقوع النزاع، فقاموا بما قاموا به.

و علي هذا سارت الجيوش من كل صوب. و بعد أن جلس الوزير في حكومة بغداد جهز جيش بغداد بعدد كاملة من مدافع و بنادق مزودين بمعدات حربية أخري. و حينئذ ألحقهم الوالي بجيش عثمان باشا قرب شهرزور و توالي الأمراء من كل صوب من

أكراد و غيرهم و تجمعوا علي المدينة فأرهبوها بمدافعهم، و ضربوا خيامهم في الأنحاء القريبة منها. فوقعت معارك دامية بين الفريقين. و اشتدت نيران الحرب. و علا صوت المدافع و البنادق و مع هذا كله لم يتيسر به الفتح فأيس القوم من الاستيلاء علي المدينة لمناعتها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 74

و كان في النية أن تتخذ قلعة أمامها للمطاولة مع المحصورين و لكن الأجل المحتوم وافي القائد (السردار) فحال دون المرام فرجع الجيش إلي بغداد و كل جيش سار لجهة و ضرب لوجهه فتفرقت الجموع و من ثم عرض الوالي ما جري لدولته و بين ما وقع.

القائم مقام:

علم السلطان بالحالة فأمر الوالي أن يكون سرادارا لفتح تلك القلعة، و تسخير اللواء، فامتثل الأمر. و صار قائدا و حينئذ نصب الوالي مكانه (سهيل بك) أمير لواء الرماحية في بغداد لإدارة شؤون البلدة بالنيابة عنه مدة غيابه. و هذا أول (قائممقام) عرف لحد الآن.

و المصطلح انتقل من أصل الحكومة و شاع في الولاية و يراد به خلف الوالي أو من استخلفه. و في العاصمة يطلق القائممقام علي من ينوب عن الصدر الأعظم عند ما يغادر العاصمة لحرب أو غيره فيخلفه. و كذا من ينوب عن السلطان أيام سفره و مغادرته عاصمته.

الدوام علي حصار شهرزور:

و لما صار الوالي قائدا أمره السلطان بلزوم تسخير المدينة. و علي هذا و بعد مرور بضعة أيام توجه نحو الغاية المطلوبة. و حط رحاله في محل قريب من هناك يقال له (كسك چنار) فنزله. و استراح بضعة أيام.

و كان أخذ صحبته من أمراء الأكراد بكر بك و كان شيخا محترما. و ولي بك من أصحاب التدابير الصائبة. ذهب هؤلاء صحبة الكتخدا إلي حاكم شهرزور (سرخاب بك) بقصد ترهيبه من جهة و ترغيبه من أخري و قدموا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 75

له رسائل فيها نصائح مقنعة بخصوص جلبه للطاعة و الإذعان. و كانت زوجة سرخاب بك قد أسرت أيام عثمان باشا السردار السابق (قائد الحملة). و هذا نظرا لعفته و شهامته أعادها إلي سرخاب بك و بهذا مال لجهة العثمانيين. و رضي عنهم من جراء عملهم هذا. أذعن من تلقاء نفسه و رغب أن يرتبط بالدولة فيخضع لها.

ذلك ما دعا أن يدخل في أمر الصلح فأخرج من البلدة جميع أرزاقه، و قدم طاعته و أبدي إذعانه التام. و في حدود سنة

961 سلم المدينة للحكومة فصارت شهرزور و مضافاتها و توابعها مثل قلعة هاور، و قلعة نقود، و قلعة پاسكه، و قلعة شميران، و قلعة فرنچه من جملة الممالك العثمانية. فافتتحت جميعها و التحق أيضا أوغورلو بك من العجم، و سرخاب بك الأمير السابق و معهم نحو ألفي بيت من أقاربهم و سائر أتباعهم و طوائفهم. و سلموا مفاتيح القلاع الأخري و كانت بأيدي أمرائها محمد سيف بك أمير بانه، و يوسف بك أمير دستاره، و بوداق بك أمير بروج. و كذا القلاع الأخري التي بيد أورخان بك و جهان شاه بك فأبدوا طاعتهم و انقيادهم.

و بهذا نال الباشا توجها و إقبالا، و سعدا. أبقي ما يكفي لإدارة البلدة من عساكر و محافظين و عين لها أمير لواء (ولي بك) ثم توجه نحو همذان بما لديه من قوة. و في هذه الأيام ألقي السلطان الرعب في قلوب الإيرانيين حينما كان في حدود نخچوان و أبدي سلطة و هيبة ثم عاد إلي دار السلطنة. و حينئذ ورد الخبر السريع إلي الوزير يأمره فيه السلطان بالرجوع إلي بغداد نظرا لما علم من أن الشاه طهماسب متأهب للاستيلاء علي بغداد، فكان من الضروري أن يرجع إليها ليأخذ عدته و يتأهب للطواري ء المتوقعة. و علي هذا لم ير بدا من العودة فعاد إليها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 76

شهرزور- إمارة أردلان

إمارات الإقطاع في العراق تكونت من أمد بعيد ترجع به إلي أيام العباسيين. و إن شهرزور كانت بيد أمراء السلجوقيين و آخرهم الأمير قفجاق. ثم انقادت لاتابكة الموصل، و بعدها لآل بكتكين فالعباسيين.

و في أيام المغول تابعوهم و بانحلال هؤلاء تغلبت القبائل و قوي نفوذها.

و في أيام العثمانيين كانت (إمارة

أردلان) هي المسيطرة، و كذا إمارات أخري و لكن لم تكن في قدرتها.

إن لواء شهرزور من ألوية العراق المهمة. و يسمي الآن (لواء السليمانية). و يقطنه الأكراد قبائل و إمارات و في هذا العهد شوهدت (إمارة أردلان)، يجاورها إمارات أخري أو قريبة منها، و لم تكن في الحقيقة إمارة بالوجه الصحيح، و إنما هي عشائرية. و تكونت إمارة أردلان في أواخر أيام المغول، أو بعدها بقليل. و إن مؤسسها (بابا أردلان). كان قد عاش بين قبائل (گوران)، و هو في الأصل من ذرية أحمد بن مروان من ذرية ولاة ديار بكر و منهم من قال أولاد بابك بن ساسان.

و لما توفي بابا أردلان خلفه ابنه (كلول)، ثم توالي أبناء هذا و أحفاده:

1- خضر بن كلول.

2- الياس بن خضر.

3- خضر بن اليس.

4- حسن بن خضر.

5- بابلو بن حسن.

6- منذر بن بابلو.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 77

و إن هذا الأخير وزع ملكه بين أولاده:

1- بيكه بك. و كان نصيبه:

(1) قلعة ضلم. (زلم) أو (قلعة ظالم).

(2) تغر.

(3) شمران. و هذه باسم جبل شمران. و هو معروف في تلك الأنحاء و ينطقون به (شميران) و (شميلان). مر ذكره.

(4) هاوار.

(5) سيمان.

(6) راودان.

(7) كل عنبر (حلبچة).

2- سرخاب بك. و كان سهمه:

(1) لوي.

(2) مشيله.

(3) مهروان (مريوان). و أصل تلفظها (مهربان) فتصرفت اللغة الكردية به.

(4) تنوره.

(5) كلوس.

(6) نشسكان.

3- محمد بك و كانت حصته:

(1) سروجك.

(2) قراطاق. قراداغ أو قرداغ.

(3) شهربازار.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 78

(4) الان.

(5) دمهران.

جاءت وقائع شهرزور في أيام هؤلاء الأخيرين، و إن الدولة العثمانية قارعتهم كثيرا حتي قضت علي إمارتهم بعد أن جادلوا جدالا عنيفا، و أيست الدولة مرات من الاستيلاء عليهم.

و إن بيكه بك كان قد

طال حكمه 42 سنة جاء في الشرفنامه أنه توفي سنة 940 ه. و الصواب أنه أدرك عهد السلطان سليمان و لم يعرف تاريخ وفاته بالضبط. و من أولاده:

(1) إسماعيل.

(2) مأمون. و خلفه ابنه محمد بك. و توفي أثناء حصار قلعة ضلم (زلم).

ظهرت الدولة العثمانية بعد فتح بغداد. و إن (لواء شهرزور) بعد مأمون بك صار بيد عمه (سرخاب بك). و إن الوقائع علمتهم السياسة و كيف يميلون مرة إلي الدولة العثمانية و أخري إلي الدولة الصفوية.

و كانت أطماع الدولتين في العراق و أنحائه علي أشدها.

أعقب سرخاب بك أولادا كثيرين، و عمر طويلا، فخلفه ابنه سلطان علي. و هذا أعقب ولدين تيمور خان، و هلو خان و كانا صغيرين فولي الأمر عمهما (بساط بك بن سرخاب بك). و هذا نازعه ابن أخيه (تيمور خان)، ثم ولي الأمر بعد وفاة عمه بساط بك. و في سنة 998 ه قتل تيمور خان، فقام مقامه أخوه (هلو خان). و دامت إمارته إلي سنة 1005 ه و ما بعدها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 79

و هذه الإمارة لم يعد لها ذكر مدة، ثم ظهرت برياسة عشائرية- علي ما هو المنقول من رجالها- و قطنت المحل المعروف اليوم في جبال (هاورمان)، و تسمي قبائلهم الآن باسم قبائل (هاورمان). يسكنون في لحف الجبل، و قسم منهم تابع لإيران. و القسم الآخر للعراق من لواء السليمانية. فهناك:

1- هاورمان لهون. نصفها عراقية و النصف الآخر إيرانية.

و العراقية داخل خورمال من قضاء حلبچة (البچه).

2- هاورمان رژاو. تابعة لإيران.

3- هاورمان دزلي. لهم قري في العراق، و أخري في إيران.

و تاريخها المحفوظ لديها يرجع إلي سنة 1015 ه إلا أن هذا لم يستند إلي نص تاريخي

و لم يوصل بما مرّ. و منهم من ينكر علاقة هؤلاء بالأردلانيين. ظهرت وقائع هؤلاء كثيرا. و أصلهم ما ذكرت، و لا محل لتفصيل إمارة هؤلاء الموجودة اليوم، و من أهم وقائعهم ما كان أيام (مدحة پاشا) علي ما نتناوله في حينه. و كل ما علمناه أن الدولة العثمانية حاولت أن لا تترك لهم باقية إلا أن لهم صفحة مهمة من تاريخ شهرزور أوضحنا عنها في كتابنا (شهرزور- السليمانية).

حوادث سنة 961 ه- 1553 م

حاكم العمادية:

في سنة 961 ه كان السلطان أرسل حاكم العمادية السلطان حسين بك بشجعان الأكراد إلي جانب آذربيجان. و لما رجع بلغه أنه في موضع يقال له (تخت سليمان) اجتمع بضعة آلاف من القزلباشية مع أبي الفتح سلطان و حمزة سلطان و علي سلطان و خضر و إبراهيم قولي و خليفة.

و كانوا قد قصدوا بغداد و حواليها، فتوجه إليهم حسين بك بمن معه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 80

و قاتلهم قتالا عنيفا، فكسرهم. و من ثم وصل الخبر إلي الركاب الهمايوني عند نزوله قلعة بايزيد ففرح و أكرم حسين بك و زاد في إيالته.

إمارة العمادية

كانت إمارة العمادية أقرب إلي البداوة. يقال لها (إمارة الهكارية).

و (جبال الهكارية) هناك فسميت باسم جبالها. و لم تكن لها إدارة منظمة، و لا راعت لوازم الحكم جاءتنا أخبارها مبتورة، فلم يدون عنها إلا اليسير و إن كانت من أقدم ما عرف.

و لما أراد عماد الدين زنكي أول أتابكة الموصل التسلط علي الهكارية لجأوا إلي مدينة (آشب) و تعرف بقلعة (الشعباني)، فخربتها الحروب و طال الحصار مدة. و في سنة 537 ه أذعنوا بالطاعة للأتابك.

و لكنه لم ينتزعها من يد الهكارية. دامت بأيديهم إلي أيام المغول منقادين له.

و بعد أيام المغول تسلط عليهم (البهدينانية) و هم أولاد عم (الشمدينانية). ذكرتهم في (عشائر العراق الكردية). و لكن الهكارية لا يزالون باقين إلا أنهم ضاقت إمارتهم أو صاروا تابعين. و البهدينانيون يدعون أنهم (عباسيون) مع العلم بأن البهدينانة و الشمدينانية أولاد عم، من الجولمركية و هم أمويون. و بسطنا القول في البهدينانية في (كتاب العمادية).

و كان بدء حكمهم علي العمادية بعد سنة 740 ه إلا أن تاريخ هذه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4،

ص: 81

جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 82

الإمارة غامض في أوائل أمره. و في الشرفنامه أن أول من عرف منهم (زين الدين). و كان في أيام الأمير تيمور لنك و أيام ابنه الشاه رخ. و خلفه ابنه الأمير سيف الدين بن زين الدين. و صار بعده ابنه الأمير حسن و كان أدرك أيام السلطان سليمان و هذا أعقب أولادا ولي الإمارة منهم (السلطان حسين) و هذا أبدي خدمات جلي للسلطان سليمان فنال إمارة إربل و إنعامات أخري. و توفي أيام السلطان سليم ابن السلطان سليمان.

ثم توالي الأمراء بعده. و يأتي الكلام عليهم في حينه. و كانت إمارتهم قد أقرها السلاطين العثمانيون بفرامين. و صارت تابعة لبغداد.

و لقبوا بلقب (باشا). و تكاثرت مدونات الدولة عنهم.

سيدي علي رئيس في بغداد

اشارة

في غياب الوالي و قائممقامية سهيل بك أمير لواء الرماحية أوائل سنة 961 ه- 1553 م ورد سيدي علي رئيس بغداد مارا بها في طريقه إلي البصرة. قال في رحلته: إن السلطان سليمان في أواسط رمضان سنة 960 سار إلي بلاد الشرق. و كان معه فورد حلب. و في عيد الأضحي وجهت إليه قبطانية مصر. و أمر أن يذهب بالسفن الحربية الراسية في البصرة إلي مصر. و قبل هذا كانت جرت وقائع للعثمانيين و حروب مع البرتغال يوضحها:

1- وقائع سليمان باشا:

إن العثمانيين بعد فتح مصر كانوا شعروا بوطأة البرتغال في الهند و الاستيلاء علي تجارته، بل الاستيلاء علي مرافقه المهمة. فكان هذا مما أغضب القوم، و علموا يقينا أنه يولد لهم مشاكل في التجارة و السياسة لا تعد و لا تحصي. يضاف إلي ذلك أن ملك كجرات السلطان محمود قد استعان بالسلطان سليمان القانوني، و طلب منه أن يمده من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 83

جراء أنه سلطان المسلمين و لا يرضي أن يهان ملك مسلم فيتغافل عنه مما زاد في النخوة و حرك أمر الإسراع فأودع هذه المهمة إلي أمير أمراء مصر (واليها) سليمان باشا، و لذا منحه سلطة إصلاح السواحل في الجزيرة العربية، و منع التجاوزات البرتغالية في الهند.

أعد الأمير العدة، و في أواخر محرم الحرام سنة 946 ه نهض من ميناء السويس، بقوة بحرية متكونة من أسطول محتو علي 30 قادرغة، و من سفائن عديدة تحمل العسكر، و لكن ما ذا يؤمل من أمير البحرية (أميرال) إذا كان قد بلغ الثمانين، و نال من العجز حده!.

أراد الأميرال أن يولد رعبا في الأعداء، و يبعث أملا في نفوس رجال الدولة و من علي شاكلتهم،

فمضي من سواحل العرب حتي وصل إلي جدة، و من هناك توجه نحو جزيرة قمران. و في 13 ربيع الأول مخر البحر الأحمر، و في أربعة أيام بلياليها استمر الأسطول سائرا في طريقه، و في 17 منه وصل إلي ميناء عدن. و كانت هذه المدينة بتوابعها يحكمها عامر بن داود، و بتدابير حسنة استولي عليها الأسطول و هناك اتخذ برج أحكم بناؤه، و أقيم فيه محافظون، و وجهت ايالته إلي بهرام بك ثم مضي الأسطول في سبيله إلي الهند.

و في غرة ربيع الأول وصل الأسطول إلي سواحل الهند الغربية.

و افوا أمام قلعة (غوآ)، و في بادي ء الأمر استولي علي هذه، و بعدها سيق الجيش من طريق البحر فحاصر بلدة (كوه) و (كاره) الواقعة في شمال تلك، و بعد التخريب استولي الجيش عليها و علي سابقتها، و في أثناء الحصار و التضييق هلك كثير من البرتغال، فقتل نحو ألف نفر منهم، و هكذا مضوا إلي الشمال فساروا نحو مدينة (ديو)، شرعوا في التضييق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 84

عليها و أخرج إلي البر نحو عشرين ألف جندي، و معهم نحو 50 مدفعا، و كانت هذه محكمة، و فيها خنادق، و ليس من السهل الاستيلاء عليها كما أن المؤونة كانت قليلة، و المصاعب كثيرة، فاستعصي الأمر.

و في هذه الأيام كان أرسل خبر إلي السلطان محمود ملك كجرات ليرسل المؤونة إلا أنه مضي شهر و لم يرد جواب منه الأمر الذي أدي إلي مصاعب و حدوث مجاعة في الجيش حتي تزايد شأنه بل عظم خطره، يضاف إلي ذلك أن المحصورين طيروا خبرا إلي السلطان محمود بأن سليمان پاشا قتل أمير عدن عامرا و هكذا يفعل بك، فالأولي

أن تتفق معنا، و لا ترسل أرزاقا لجيش الباشا و إلا نالك ما نال الأمير المذكور. و من ثم و حذرا من سوء القصد اتفق مع هؤلاء و امتنع من إرسال المؤونة، بل ساعد المحصورين فعلا و مال لجهتهم. فعلم الپاشا بالأمر، فلم ير بدا من رفع الحصار، و تحميل المدافع و الجيوش في السفن، و الإقلاع عن هذه المواطن، فسار في البحر قافلا من الطريق الذي أتي منه، قطع 20 يوما في البحر، فوصل إلي سواحل جزيرة العرب الجنوبية، فحط في الشحر. و كان حاكم البلد قد أبدي طاعة و قام بكل ما يجب من تقديم أرزاق، و مساعدات للجيش، ثم أقلعت السفن من هناك فوافت عدنا، ثم مرت بميناء زبيد. و في هذه الأثناء وجد أن الأمير أحمد استولي علي هذه البقاع، و أعلن إمارته هناك. و كان هذا الشيخ اتخذت معه لطائف الحيل، فاستولت الحكومة علي ما بيده، و قضي علي غائلته، و وجهت ايالة اليمن إلي مصطفي بك آل بيقلي محمد باشا.

أما سليمان باشا فإنه أقام هناك مدة شهر، نظم في خلالها أمور

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 85

الحكومة و طرق محافظتها ثم عاد إلي جدة. فخرج من السفن و مضي لأداء فريضة الحج، و ذهب من طريق البر إلي مصر. و منها مضي إلي استانبول.

و نظرا لما قام به هذا الباشا من الخدمات قبل السلطان منه ما قام به، و أنعم عليه برتبة الوزارة. و صار في عداد رجال الديوان.

هذه أول وقائع العثمانيين في البحر الهندي. و لم تكن هناك علاقة للعراق بهذه الحوادث إلا أن الموضوع قد اتصل بهذه الواقعة اتصالا مكينا … و هنا لا نريد أن

نتعرض إلا لما له مساس بحوادثنا.

2- وقائع بيري رئيس:

مر الكلام علي ما جري لسليمان باشا في الهند من الحوادث.

و في هذه المرة كانت الدولة شعرت بالضعف، و عرفت طريق سياستها، و عدتها الحربية في البحر الهندي، فكان الواجب يدعوها أن تقوم بما يلزم من إعداد العدة و العدد، و تهتم اهتماما أكثر. فإن الاستيلاء علي عدن أعقبه اتفاق العرب هناك مع البرتغال للوقيعة بالجيش التركي، و استعادة البلد منه. تولدت المشادة بسبب الاستيلاء و النهب، و قتل الحاكم هناك مما آلمهم.

و في هذه الحالة سيرت الحكومة أسطولها تحت رياسة أمير بحريتها قائد بحرية مصر (پيري بك) المشهور و هذا صاحب (كتاب البحرية)، و ابن أخت كمال رئيس. سار لاستخلاص البلد و استعادته، فاسترد عدن حربا، الأمر الذي دعا أن يعرض والي مصر داود باشا أمره إلي السلطان ببيان خدماته، و من ثم قبل السلطان ذلك بالقبول الحسن، و زاد في راتبه و جعلت له زعامة بمبلغ (مائة ألف آقچه). ثم أرسل مرة أخري إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 86

سواحل جزيرة العرب، لينظم إدارتها، و أن يستعيد المواطن التي استولي عليها البرتغال. ففي سنة 959 ه تحرك من ميناء السويس ب (30) قطعة قاليته، و قادرغة و باشتارده (باشترده)، و قاليون. و من هذه تكون الاسطول، و معهم فرقة من العساكر المصرية، فوافي جدة، ثم إنه اجتاز مضيق باب المندب، و مضي إلي عدن. و هناك أظهر سطوته، ثم توجه نحو شحر و ظفار من طريق رأس الحد، و مسقط التي وقعت في أيدي البرتغال. و بينا هو مجتاز في الأقسام الجنوبية من جزيرة العرب من سواحل الشحر، و ظفار إذ ظهر ريح زعزع فتبعثرت السفن،

و تفرقت نوعا، حتي أن بارچة منها من نوع القاليون اصطدمت في أرض من سواحل الشحر فغرقت و لكن بعد أن سكن هائج الرياح عادت السفن فاجتمعت، و سارت في طريقها، فمضت من رأس الحد، فوصلت إلي أمام قاعدة عمان و هي (مسقط). فافتتحتها هذه القوة البحرية.

و هذه المدينة لها موقع ممتاز في أنها حاكمة علي مدخل خليج البصرة، و أنها تقع علي الطريق. فلها أهمية خاصة، و مكانة لا تنكر.

فأشغلها البرتغال نظرا لأهميتها هذه. ذلك ما دعا پيري بك أن يخرج جيشا إلي البر، و يتخذ التدابير لمحاصرة المدينة و التضييق عليها دون إضاعة وقت. فدافع عنها البرتغال، و لكنهم لم يستطيعوا أن يصدوا الهجوم الذي قام به الجيش العثماني، فتمكنوا من ضبطها و الاستيلاء عليها. و أسروا جيش البرتغال. و من هناك تحركت السفن إلي مضيق هرمز فتمكنوا من ضبطه بعد حرب قوية و هجوم عنيف. و كذا استولوا علي جزيرة هرمز و برخت (كشم)، و من هناك توجهوا نحو البصرة.

و كانت قد دخلت البصرة قبل مدة في حوزة العثمانيين لما رأوا من حاجة لوصل البصرة بمصر.

و في أثناء وصول الأسطول إلي البصرة شاع أن البرتغال عزموا علي قطع خط الرجعة، و أملهم أن يأتوا بقوة عظيمة إلي مضيق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 87

هرمز، فارتاب پيري بك، و أبدي خوفا لا يأتلف و ما كان قد أبداه سابقا. فترك الأسطول في البصرة، و سار بثلاث قطع قادرغة خاصة به، و بمفرزة صغيرة، فعاد إلي السويس. فكانت حركته هذه داعية للارتياب لا سيما و أنه لم يستأذن فيما فعل. فسار بما أخذه فوصل البحرين، و هناك جلست إحدي القادرغات علي البر فتفككت،

و غرقت، و عاد إلي السويس بالباقي و بقيت السفن الحربية الأخري في البصرة، فكان هذا الفرار منه أكبر باعث إلي نكبته. و كانت حكومته تأمل منه أعمالا كبيرة، فخاب الأمل فيه. و من ثم صدر الأمر السلطاني بإعدامه لما ارتكب من هزيمة، فأعدم بمصر. و يقال إنه حاول تهريب الأموال التي استولي عليها. اتهم بذلك في حين أن القوة كانت ضعيفة، و الانتحار محقق، فرأي أن يمضي بالقوة الكافية للنجاة و يتأهب للأمر كما تبين ذلك من تكليف علي بك المصري و كان قائد الحملة و امتناعه من قبول قيادة الأسطول و ما ذلك إلا لعدم صلاح البحرية للمرور و قدرة الدفاع.

و لما أعدم پيري رئيس بمصر وجدت لديه أموال كثيرة، استولت عليها الحكومة. أما أمير الجيش علي بك فلم يوافق علي قيادة الأسطول، و عاد من طريق البر إلي مصر و لم يقبل بتكليف والي البصرة (قباد باشا) في أن يعهد إليه الأسطول. فتبعثر أمر السفن الحربية، و لما سمع والي مصر أخبر الدولة بما جري. فكان ما كان. ثم جاء أهل هرمز إلي مصر فشكوا پيري رئيس، و قالوا: نهب أموالنا و عذبنا، فلم تسمع لهم دعوي و أرسلت الأموال إلي الدولة.

ثم ظهر مؤخرا أن قتله لم يكن بحق. و كانت الأسباب لذلك كثيرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 88

منها أنه كان من رجال إبراهيم باشا المقتول، و أنه لم يعط إلي قباد باشا دراهم، فكان فداء لخيانات ذلك الزمن. و يعد من أفذاذ الرجال. و كتابه (بحرية) شاهد ذلك.

ألفه سنة 932 ه بأمر من السلطان. و معه أطلس جغرافي. طبع علي الزنك سنة 1935 م بمطبعة الدولة باستانبول و له

مؤلف في بحار الصين و الهند في مجلدين. و هو ابن أخت كمال رئيس القبطان البحري الشهير.

3- واقعة مراد رئيس:

كان هذا سماه صاحب التحفة (مراد قپودان) و هو معزول من لواء القطيف، و كان في البصرة في تلك الأثناء بقي في البصرة حينما عاد پيري بك فوجهت إليه قيادة أسطول مصر (البحر الأحمر) و كان ترك پيري رئيس في البصرة بارچتين و خمس قادرغات و قاليته في بندر البصرة و الباقي سار به نحو السويس حسب الأمر الصادر إليه إلا أن قادرغة واحدة كانت قد احترقت في البصرة. فكان أخذ معه- عدا ما أبقاه و ما غرق- (15 قادرغة). و بارچتين، فتكون أسطول منها، و سار في البحر، فورد مضيق هرمز. تمكن من الوصول إلي هناك دون أن يري عارضة إلا أنه عند المعبر اصطدم بأسطول البرتغال، و كانوا قد تأهبوا للحرب، ينتظرون الأسطول العثماني و يترقبون وروده. فابتدأت الحرب من الصبح و استمرت بشدة إلي المساء، و ذهبت ضائعات كثيرة من الطرفين، و استشهد كل من (سليمان رئيس) فارس سفينة القائد، و (رجب رئيس) فارس سفينة أخري، فكان فقدهما من أعظم الضائعات، و الذين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 89

استشهدوا، و جرحوا من سائر أفراد الجيش كثيرون جدا، و كذا السفن قد تضعضعت كثيرا من جراء طلقات العدو.

ذلك ما جعل الأسطول العثماني لا يستطيع الدوام في الحرب، أيسوا من أوضاعهم. و استفادة من اختلاط الظلام و الكف عن الحرب بسبب الليل عادوا، و من ثم صار مراد بك يفكر في أمر الاحتفاظ بالباقي من السفن، و يراعي سلامتها، فاستفاد من ظلمة الليل فعاد إلي البصرة، دون أن يضيع الفرصة. و نظرا لزيادة الظلمة بسبب الليل

قد اصطدمت إحدي السفن المسماة (بارچة) بالبر في جانب اللار، و إن قسما من الجيوش فيها نجوا سالمين، و قسم منهم مع السفينة صاروا في أسر العدو.

و في هذه الحرب خذل الأسطول العثماني، و لم يتيسر له الانتصار إلا أن هذه لم تكن الحرب الحاسمة و إنما هي رجوع بانتظام، و العدو في هذه الحرب أصابته خسائر كبيرة و ناله ضرر عظيم أيضا إلا أن العثمانيين لم يستطيعوا تعقب أثره لما نالهم من ضعف حذروا من المجازفة. و العدو بالرغم من التلفيات لا تزال قوته كبيرة …

و لما وصل الأسطول إلي البصرة أخبروا الدولة بما جري. ذلك ما دعا أن توجه أميرالية مصر إلي سيدي علي رئيس و من ثم سار في طريقه إلي البصرة.

قبطانية مصر توجه إلي سيدي علي رئيس:

بعد خذلان مراد رئيس عرض الأمر علي السلطان سليمان فعهد بالمهمة إلي (الكاتبي الرومي).

و هذا هو (سيدي علي بن حسين). و كان متضلعا في علم البحار، فتح جزيرة رودس. و من ذلك الحين إلي يومنا هذا كان و لا يزال في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 90

بحر المغرب (البحر الأبيض المتوسط) في كافة الغزوات و الفتوحات بصحبة المغفور لهما (خير الدين باشا) و (سنان باشا) و سائر القبطانية و قام بأنواع الخدمات و تجول في جميع أطراف بحر المغرب و أكنافه فحصل علي جميع ما يتعلق بعلم البحار و اكتسب الخبرة الوافرة. ألف في علم الهيئة و في الحكمة و سائر متعلقات علم البحار تآليف مهمة، و في أحوال النجوم. و مما أهله للمهمة أن أباه و جده و أسلافه من أيام فتح القسطنطينية كانوا كتخدائية دار الصناعة (الترسانة) العامرة في غلطة.

و كل واحد منهم كان ماهرا في العلوم

البحرية فانتقلت هذه إليه إرثا و اكتسابا.

رأي السلطان فيه من الكفاءة و القدرة علي الأمور البحرية فأودع إليه قبطانية مصر في ذي الحجة سنة 960 و أمره أن يذهب بالسفن الموجودة في بندر البصرة إلي مصر. صدر إليه الفرمان بذلك فنهض في أول المحرم سنة 961 من حلب فكانت وجهته البصرة.

سيدي علي في طريقه إلي بغداد:

خرج من حلب متوجها إلي الموصل و بغداد، فعبر الفرات من أمام پيره جك فجاء الرها (أورفة) و زار هناك مقام إبراهيم عليه السّلام و سار في طريقه إلي نصيبين و منها ورد الموصل و زار مراقد يونس عليه السّلام و جرجيس عليه السّلام و الشيخ محمد الغرابيلي، و فتح الموصلي، و قضيب البان الموصلي ثم مضي إلي بغداد و مر بمدينة تكريت و منها جاء إلي سامراء و زار فيها الإمام عليا الهادي و الإمام حسنا العسكري و سار من بلد العاشق و المعشوق و منها مضي في الطريق المار إلي قصبة حربي، و قصر سمكة (سميكة) فبلغ بغداد و عبر دجلة (شط بغداد) من الجسر و زار مدة بقائه يوشع عليه السّلام و الإمام الأعظم، و الإمام أحمد بن حنبل، و الإمام أبا يوسف و الإمام محمدا، و الإمام محمدا الغزالي، و عيص بن إسحاق عليه السّلام و الإمام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 91

موسي الكاظم، و الإمام محمدا التقي و قنبر علي، و الشيخ عبد القادر الكيلاني، و جنيدا البغدادي، و معروفا الكرخي، و الشيخ الشبلي، و سريّا السقطي، و الحلاج، و بشرا الحافي، و جومرد القصاب، و بهلول دانه و فضيل بن عياض، و الشيخ شهاب الدين السهروردي، و الشيخ داود الطائي، ثم مر من أمام قلعة الطيور و

ذهب إلي قلعة پيره (الظاهر قلعة البير). و عبر الفرات من أمام قصبة المسيب فوصل الحائر (كربلا) و هنا زار حضرة الإمام الحسين، و مشهد الشهداء، و الحر الشهيد، ثم مضي من جهة شفاثة (شفاثي) من طريق البر إلي المشهد و في اليوم الثاني وصل إلي الغري (النجف) و زار آدم و نوحا و شمعون عليه السّلام و الإمام عليا المرتضي (رض)، ثم ذهب إلي الكوفة و هناك زار مسجدها و محاريب الأنبياء عليه السّلام و شهادة الإمام علي المرتضي و مقام قنبر و دلدل ثم جاء إلي قلعة الحسينية و في طريقه زار ذا الكفل بن هارون عليه السّلام و من هناك مضي إلي الحلة و فيها مقام صاحب الزمان (الإمام محمد المهدي)، و الإمام عقيل أخو الإمام علي (رض)، و زار (مسجد شمس) و من هناك عبر الفرات أيضا و عاد إلي بغداد. كل ذلك قصه في رحلته.

سيدي علي رئيس في طريقه إلي البصرة:

ثم ركب السفينة و مضي إلي البصرة و في طريقه مر بالمدائن و رأي طاق كسري و قصر شاه زنان، و زار سلمان الفارسي (رض) ثم عبر خليج العمارة فوصل إلي زكية من طريق واسط و زار العزير عليه السّلام و من هناك وصل قلعة صدر السويب بعد أن مر من قلعة عجل، و قلعة مزرعة. ثم وصل شط البصرة و في آخر صفر سنة 961 ه دخل المدينة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 92

سيدي علي رئيس في البصرة:

في اليوم التالي من وصوله ذهب إلي مصطفي باشا (حاكم البصرة) و قدم له الفرمان و عرفه بما جاء من أجله و حينئذ سلم إليه خمس عشرة قدرغة، و عمر ما تمكن من تعميره مما يحتاج إلي المرمة وحشي المفكك منها فأصلح ما استطاع إصلاحه. و لما لم يحن وقت الذهاب بعد بقي في البصرة نحو خمسة أشهر، في خلالها زار (مسجد الإمام علي)، و (الحسن البصري)، و (طلحة)، و (الزبير)، و (أنس بن مالك)، و (عبد الرحمن بن عوف) و شهداء الصحابة (رض).

و مما أرعبه في بقائه أنه رأي رؤيا مؤداها أنه وجد أن قد فقد سيفه فتطير من ذلك لما علم أن الشيخ محيي الدين بن عربي نقل أن الرسول صلّي اللّه عليه و سلم فقد سيفه فحدثت له هزيمة و حينئذ بادر بالدعاء و الاستغاثة بالرسول. فلاح لقلبه أن عسكر الإسلام منصور فانتبه مذعورا لما رأي إلا أنه لم يقصص هذه الرؤيا علي أحد و اغتم لها كثيرا …

وقعة الحويزة- ابن عليان:

و مما اتفق أن مصطفي باشا عزم أن يفتح الحويزة و ينتزعها من طائفة المشعشعين فسار إليها و أرسل سيدي علي رئيس إلي الجزائر علي بن عليان لئلا يضر ب (البصرة) استفادة من هذه المشغلة فذهب بخمس قدرغات.

و فيها عساكر مصرية فلم يتيسر الفتح. و استشهد من جماعة سيدي علي أكثر من مائة ممن تعودوا ضرب البنادق فاضطرب لهذا الحادث إلا أنه ظن أن الرؤيا صدقت فعلا بهذا الحادث و لكن التقدير غلب التدبير.

و هذا الحادث لم يدون من صاحب گلشن خلفا و لا غيره و إنما انفرد به صاحب مرآة الممالك مما يدل علي أن المؤرخين لم يذكروا إلا

موسوعة تاريخ العراق بين

احتلالين، ج 4، ص: 93

بعض الوقائع و لا تزال خفايا كثيرة مجهولة و وقائع مهملة. و ما نقله صاحب (جامع الدول) أخذ من هذا المرجع. و هكذا غيره ممن تلاه.

سيدي علي رئيس في طريقه إلي مصر

و لما قرب حلول الموسم و اقتضي الذهاب أرسل مصطفي باشا في پركنده أي فرقته(Frigate) رجلا ماهرا في علم البحار يقال له (شريف) إلي هرموز للتفحص فبقي نحو شهر يتجول في السواحل فلم يجد للبرتغاليين سفنا سوي أربع بوارج. و هذه سفن الموسم. فجاء بهذا الخبر. و حينئذ ركبت الجيوش السفن، و توجهت بصحبة سيدي علي رئيس إلي مصر.

أقلعت السفن في أول شعبان لسنة 961 ه- 1554 م و وصلت مع (فرقتة) شريف إلي هرموز. كان رافقهم في طريقهم. أرسل معهم لهذا الغرض، فتحركوا من شط العرب إلي عبادان. و زار مقام الخضر عليه السّلام.

ثم مضي إلي سواحل دسفول و تستر (ششتر) و جاؤوا إلي جزيرة (خارك) و زار فيها محمد بن الحنفية (رض) و شهداء الأصحاب (رض). و من هناك مضي إلي ريشهر (الظاهر أبو شهر) من بنادر شيراز و قطعا سواحل بر فارس. و في طريقهم رأوا جلبة (چكلوه) فاستطلعوا أحوال العدو فلم يتمكنوا من معرفة شي ء. ثم مالوا إلي هجر من بر العرب أي أنهم وصلوا القطيف. و هناك رأوا (شايتي). استطلعوا الأخبار منها فلم يعثروا علي أمر يخص العدو. ثم صاروا إلي البحرين و هناك التقي بحاكمها مراد رئيس فبين له أن ليس في هذا البحر برتغالي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 94

و من غريب ما شاهد هناك و عجب منه أن البحرانيين يأخذون بأيديهم قربة صغيرة (جودا) و يغوصون إلي قعر البحر نحو ثمانية باعات أو أكثر و حينئذ يملأون

ذلك الجود من ماء عذب يخرج من عين داخل البحر يعرفون موقعها و يأتون بالماء دائما إلي مراد رئيس فيشرب منه باردا في الصيف و هو ألطف كل المياه و أعذبها. قدم إلي سيدي علي رئيس منه رعاية له فأعجبه و انبهر من قدرة الباري و نهاية عظمته مما لم ير نظيره في البحار الأخري و يقول الأهلون إن آية مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ وردت فيها حتي أن وجه التسمية بالبحرين كان هذا سببه. ثم رحل فوصل إلي جزيرة قيس أي جزيرة هرموز القديمة و جزيرة برخته، و البحر الأخضر. شاهد كثيرا من الجزائر هناك فلم يتمكن من الحصول علي خبر فعبر هرموز. و عند ذلك أذن (لشريف) و كان رافقه و سار معه من البصرة. كتب كتابا معه إلي مصطفي باشا يذكر فيه أنه عبر هرموز بصحة و سلامة، و بعد ذلك سار من سواحل (جلفار) و (جادي) فمر ب (كيمزار) و (ليمة). ثم وصل إلي قرب مدينة خورفكان و في 10 رمضان بعد أربعين يوما من حركتهم جاءتهم علي حين غرة أساطيل العدو و بينها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 95

أربع قطع (كوه) مما يعادل قراقه، و ثلاث قليونات Galleon وست قراولات بورتغالية و اثنتا عشرة قطعة غربان أي قاليته Galley، و الخلاصة هاجم العدو بخمس و عشرين سفينة و هم في الحال أنزلوا التنتات و تسلحوا و أعدوا آلات الحرب و تهيأوا للكفاح متوكلين علي اللّه و رفعوا الفلانديرات (الرايات الصغيرة)، و نشروا الأعلام فأقدموا للقراع فباشروا الحرب بذكر الرسول صلي اللّه عليه و سلم و الاستغاثة به و أخذوا بالضرب بمدافع و بنادق حتي أنه لا يستطيع المرء وصف هول ما جري فأصيب

قليون للعدو بمدفع فانسحب إلي جزيرة فك الأسداد و غرق.

و أورد سيدي علي لمسيحي:

غالبا كو مدي چشم أنجم بو قدر حادثه عظمايي

بيلمز كيم نيجه تعبير ايده يم سكا بو واقعه كبرايي

يريد أن عين النجم لم تر في غالب أحوالها هولا كهذا فلا أدري كيف أعبر عن هذا الحادث الجلل و هذه الواقعة العظمي …

دامت الحرب إلي العشاء فكانت في أشد ما يتصور. ثم أشعل فانوس القبطان و حينئذ أطلق العدو مدفعا لتنبيه سفنه أن تقلع عن الحرب و علي هذا انسحبت بوارجه بعد أن اختلت آلاتها و رجعت إلي هرموز.

و بهذا تغلب سيدي علي رئيس علي العدو و انتصر عليه. فانهزم.

ثم إنه اشتد الظلام ظهر تشوش في الجو و بدت زوبعة كما حدثت أمطار فابتعدت السفن عن الساحل و سلكت الطريق. ساروا بمشقة حتي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 96

وصلوا مدينة خورفكان في اليوم التالي و بعد أن أخذ الجيش ماءه مضوا في طريقهم حتي وصلوا إلي ولاية عمان، و جاؤوا إلي بلدتها صحار.

ثم مضوا في البحر نحو 17 يوما أيضا. و في 26 من شهر رمضان ليلة القدر فاجأتهم سفن العدو مرة أخري. جاءت من قرب مدينة مسقط و قلهات هاجمتهم سحرا من ميناء مسقط و هي اثنتا عشرة بارجة و اثنان و عشرون غرابا فالمجموع 34 قطعة من السفن. صال بها كوه ابن الحاكم و هو القبطان و معه جيوش لا تحصي فنصب الشراع و تقدم ببوارجه و قليوناته و نصب (مايسترا) أي (شراعا) و پنتة (شراعا صغيرا) لكل منها، و كذا نصبوا للقراولات شراعها، و زين العدو سفنه بفلانديرات (رايات أو أعلام صغيرة) و مشي عليهم، و هم أيضا طلبوا العون

من اللّه و تأهبوا في جانب من الساحل فجاءتهم البوارج فاصطدمت بالقدرغات و اشتعلت نيران البنادق و المدافع فيما بين الفريقين، و تعاطوا رشق السهام و تضاربوا بالسيوف فآل الأمر إلي حالة لا يستطيع المرء وصفها.

كان هولها عظيما حتي هلكت بوارج للطرفين و احترق بعضها و كانت ضائعات سيدي علي بارجة وست قدرغات، لحد أن أنهكت قوي الطرفين و صارت الحرب في أطراف السفن.

و كان من ضايعات العثمانيين (علمشاه رئيس)، و (قره مصطفي)، و (قلفات ممي). و قائد المتطوعين مصطفي بك الدرزي، و سائر أفراد مصر، و أصحاب الآلات، فكان المجموع نحو مائتين. و حينئذ رمي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 97

العرب الذين كانوا من أصحاب المجاذيف بأنفسهم إلي الساحل فاستصرخوا عربان نجد هناك فابتدروا لمعاونة المسلمين فصاروا أدلاءهم لجانب البر، و أخذ البرتغال الذين كانوا في بوارج العدو يرمون بأنفسهم أيضا. و كذا العرب الذين كانوا مستخدمين عندهم انسحبوا إلي بلاد العرب.

قال سيدي علي رئيس: و يعلم اللّه أن (خير الدين باشا) في حربه مع (آندريه طوريه)Andreas Doria لم ير هذه الدرجة من شدة و عظمة.

فاضطر سيدي علي رئيس أن يبتعد عن الساحل فأمر بنصب الشراع ضرورة فانفصل عن بر العرب و دخل في بحر عمان و في النتيجة وصل إلي برجاش من كرمان و ليس في هذه السواحل ميناء يلجأ إليه. و بعد اللتيا و التي وردوا (كيچي) من ولاية (مكران) إلا أنه لم يتيسر الوصول إلي الساحل بسبب الظلام فوقفوا في البحر. و لما أصبح الصباح وصلوا بكل محنة و مشقة إلي الساحل إلي (بندر شهبار). ذهب جماعة منهم فأفهموا الأهلين أنهم مسلمون و طلبوا الماء فوافق ذلك النهار يوم العيد

فصار الحصول علي الماء أكبر عيد لهم. و من هناك و بواسطة الدليل مضوا إلي بندر كوادر. أهلوها من البلوج. ملكهم جلال الدين ابن ملك دينار و أن حاكمها جاء إلي الأسطول و رحب بهم و أحضر لهم ما يحتاجون إليه من عدة كافية كاملة و كتب إلي الملك و طلب منه ربانا و معلما أي دليلا للبحر في عمان و سواحله ففعل و أبدي الطاعة و الانقياد للسلطان.

ثم أقلعوا من بندر كوادر و مضوا إلي بحر الهند و ساعدهم الريح مدة فجاؤوا إلي ساحل اليمن مرة أخري. ساروا في البحر أياما عديدة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 98

و مروا من نحو رأس الحد. جاؤوا إلي ما يقارب ظفار و شحر فعاكستهم الرياح فلم يستطيعوا إدارة الشراع أو ينزلوها لشدة هذه الرياح المسماة ب (طوفان الفيل) مع ريح (داماني) أو كما يقولون (كون باتيسي) أي ريح المغيب هذه تعد الرياح الزعازع في بحر المغرب بالنظر إليها كقطرة من بحر. و من ثم و لشدة هذه الرياح عادوا أو جرفتهم الرياح دون أن يتمكنوا منها فصاروا إلي سواحل الهند مرة أخري.

وصف سيدي علي هولها بأشنع أشكاله و من ثم تغير الوضع و اضطرب الأمر و كان الرئيس ينصح بحارته و يوعز إليهم بلفظ (سوغوريه) أي تأهبوا و كونوا علي بصيرة. عسي العاقبة خيرا داموا عل هذا عشرة أيام. و لا تسل عما أصابهم من ارتباك و لقيهم من رعب و خوف حينما علموا أنهم في مقربة من ديار العدو. ضاق بهم الأمر و لم يبق لهم أمل إلا أن ينظروا ما يجري عليهم من قضاء. و في خلال ذلك كان سيدي علي ينصح القوم و

يوصيهم بالصبر.

مضي علي ذلك عشرة أيام في البحر بين مده و جزره و زوابعه و أمطاره، فوصلوا قريبا من خليج چكد. و حينئذ صاح المعلمون بالويل و الثبور لما رأوا من تغير مياه البحر و ما شاهدوا من حيتانه و حيواناته فظنوا أن هذه سورة بحر الهند و الورطة التي فيه (تيار أودردور). و هي قرب السند و تعرف بتيارها و خطرها لا خلاص للسفن منه فطرحوا الأثقال و بعض آلات و اشتغلوا يوما و ليلة بلا توقف و باستمرار فنجوا من الخطر.

ركد الهواء نوعا و ساروا صباحا فنظروا إلي الأطراف فرأوا أنهم في سواحل ولاية جامهر شاهدوا دار الأصنام لها. و من هناك ساروا فمروا من فورميان و منگلور و مضوا إلي سومنات Some nat ثم وصلوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 99

إلي (ديو)Dio و كانت بيد البرتغال، فاستولي عليهم الخوف و لا يستطيع القلم أن يعبر عما أصابهم من هول و هلع فكأنهم في يوم محشر …

فوصلوا بشق الأنفس إلي ولاية كجرات من الهند. و هناك صادفهم خطر آخر و هو الشق (السورة) فزاد المصاب و لم ينجوا منه إلا بعد جهد جهيد، فوصلوا إلي (فشت قيدسور) و هذا ما بين (ديو) و (دمن)Daman فلم يستطيعوا الركون إليها فمضوا إلي بندر (دمن) فحمدوا اللّه علي السلامة بعد ما لاقوا كل الأخطار و الصعاب و الأمطار و هذا موسم الأمطار و يقال له بارصاد. و كان ملك كجرات السلطان أحمد و حاكم (دمن) ملك أسد تابعا له. و هذا حذر من البقاء و نصح بالذهاب إلي سورت خوفا من البرتغال فلم يتمكنوا من البقاء فقام سيدي علي رئيس بمن تبعه من البحارة فمضي

بالسفن إلي سورت فوصلوها ففرح المسلمون بهم و قالوا لم نر طوفانا مثل هذا من قديم الزمان، و لا رأينا قرصانا أي قبطانا ماهرا في علم البحار مثلك.

و لا ننكر القدرة العلمية و المهارة الفنية في مثل هذه الأمور و إن كان التوفيق حليف القدرة البحرية في العدد و كمال العدد و قد اتخذ العدو لها الأهبة، و لم يترك وسيلة لا سيما في وقت لم تتغير فنونه الحربية، بل تكاد تكون مشتركة بين الفريقين و لم تختلف إلا في الكمال، و النقصان، و لم تعرف الأوضاع الجديدة بعد مما تعد من أركان السيطرة علي الأمم و البحار …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 100

زيارة السلطان سليمان مشهد الإمام الحسين- كتاب فضولي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 101

ثم تفرق أعوانه و تركوا ما لديهم من سفن و ساروا من طريق البر حتي عادوا إلي بغداد برا بعد سياحات طويلة.

ذلك ما دعا أن يكتب سيدي علي رئيس (مرآة الممالك) فيوضح فيها ما جري عليه من الأهوال و كيف تفرق عنه أعوانه و اضطر أن يبيع السفن و أن ترسل أثمانها إلي السلطان.

و الحاصل شرح قصته و وصف ما رأي من بلاد في ممالك مختلفة فكانت رحلته هذه خير أثر، و فيها الكثير من مصطلحات البحارة و إيعازاتهم و آلاتهم. و سياحته برا أبدع. سار بمن صحبه من جماعته حتي عادوا إلي بغداد.

العلاقة البحرية الأولي بالعراق و السواحل العربية

إن جهود الدول الإسلامية المبذولة- و للعراق النصيب الأوفر منها- في خلال العصور الماضية من سياحات و اكتشافات لأصقاع و ممالك نائية أدت إلي تكوين أساطيل قوية، و توسيع في القدرة البحرية. فسهلت أن تكون تجارتها طليقة، و أوضاعها في صالح نفعها.

و هذه اكتسبت شكلا ثابتا مشت عليه في خلال القرون العديدة فلا يحتاج إلي تجديد عهد، أو مفاوضات مستمرة و لم يكن ليخطر بالبال أن تنتهك حرمة هذا البحر، أو ما يشوش أمر هذه التجارة، أو يحاول أجنبي أن يقضي عليها أو يخرج علي المقرر المعتاد … لذا فكر المحصورون من الغربيين أن يستغنوا عن الاتصال بالهند بواسطة مصر من جراء سيطرة الدولة العثمانية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 102

علي البحر الأبيض المتوسط فالتمسوا أن يكون طريق تجارتهم أوسع أو حرا خالصا لهم، فصاروا يتحرون ما يسهل أمر هذه التجارة و أن يأتوا من طريق أخري لعلهم يستفيدون منها و يخرجوا إلي مواطن جديدة.

فكانت نتائج ذلك أن اكتشف الأسبان أميركا من ناحية نائية لم تمس حقوق التجارة الإسلامية و الشرقية كما أن البرتغال اكتشفوا «رأس الرجاء الصالح» و يسمي (رأس عشم الخير) عند المصريين، فجعلوا سفنهم تتجول في سواحل إفريقيا، و سواحل العرب، و سواحل الهند.. كان ملك البرتغال عمانوئيل الأول قد أمر واسكو دوغاما الأميرال أن يذهب بسفنه لاكتشاف طريق الهند فسار من لشبونة سنة 1497 م- 903 ه خرج إلي سواحل إفريقيا الغربية حتي وافي رأس الرجاء الصالح. و تمكن من السيطرة علي تلك الأنحاء. و إن سلطة العثمانيين كانت قوية في البحر الأبيض المتوسط، و الصلة بمصر للاتصال بالهند كانت مخطرة صعبة جدا علي البرتغاليين، فالتمسوا الطريق إلي الهند، فتمكنوا من الوصول إلي الغرض. و سيطروا علي سواحل المحيط الهندي، و قطعوا الصلة بالتجارة إلا من طريقهم.

ذلك ما هدد تجارتنا و تجارة الهند معا، أو حول وضعها، و مثلها تجارة إيران، و مصر و صرف وجهتها و مبدأ ذلك علي ما

دونه مؤرخونا قد تعين أيام السلطان الغوري. فتغيرت الحالة.

قال في الشذرات: «في آخر أيام الغوري في حدود سنة 920 ه ظهر البرتقال علي بنادر الهند، استطرقوا إليها من بحر الظلمات (البحر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 103

المحيط الأطلسي المعروف بالأتلانتيكي) من وراء جبال القمر منابع النيل (اجتازوا من رأس الرجاء الصالح) فعاثوا في أرض الهند و وصل أذاهم و فسادهم إلي جزيرة العرب و بنادر اليمن و جدة. فلما بلغ السلطان الغوري ذلك جهز عليهم خمسين غرابا مع الأمير حسين الكردي و أرسل معه عسكرا عظيما من الترك و المغاربة و اللوند و جعل له جدة إقطاعا و أمره بتحصينها. فلما وصل حسين الكردي شرع في بناء سورها و إحكام أبراجها و هدم كثيرا من بيوت الناس مع عسف و شدة ظلم بحيث بني السور جميعه في أقل من عام ثم توجه بعساكره إلي الهند في حدود سنة 921 ه. فاجتمع بسلطان كجرات (خليل شاه) فأكرمه و عظمه و هرب الفرنج عن البنادر لما سمعوا بوصوله. ثم عاد حسين الكردي إلي اليمن فافتتحها من (بني طاهر) ملوكها و قتل سلاطينها في هذه السنة و ترك فيها نائبا في زبيد اسمه (برسباي الچركسي). و تم الأمر الذي لا مزيد عليه له و للسلطان الغوري … ثم عاد حسين إلي جدة و قدم مكة فبلغه زوال دولة الغوري. و ورد أمر السلطان سليم بقتل حسين الكردي فأخذه شريف مكة بغتة و قيده و شمت به و أرسله لبحر جدة فغرقه فيه».

و يوضح هذا ما جاء في البرق اليماني في الفتح العثماني:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 104

«وقع في أول القرن العاشر من الحوادث الفوادح النوادر

دخول الفرتقال من طائفة الفرنج … إلي ديار الهند، و كانت طائفة منهم يركبون من زقاق سبتة في البحر و يلجون في الظلمات، و يمرون خلف جبال القمر.. و يصلون إلي المشرق، و يمرون بموضع قريب من الساحل في مضيق أخذ جانبه جبل، و الجانب الثاني بحر الظلمات في مكان كثير الأمواج، لا تستقر به سفائنهم و تنكسر و لا ينجو منهم أحد، و استمروا علي ذلك مدة و هم يهلكون في ذلك المكان و لا يخلص من طائفتهم أحد إلي بحر الهند إلي أن خلص منهم غراب إلي الهند، فلا زالوا يتوصلون إلي معرفة هذا البحر إلي أن دلهم شخص ماهر من أهل البحر يقال له أحمد بن ماجد صاحبه كبير الفرنج و كان يقال له الأملندي و عاشره في السكر فعلمه الطريق في حال سكره. و قال لهم لا تقربوا الساحل من ذلك المكان و توغلوا في البحر ثم عودوا، فلا تنالكم الأمواج، فلما فعلوا ذلك صار يسلم من السكر كثير من مراكبهم، فكثروا في بحر الهند.. ثم أخذوا هرموز و تقووا هناك و صارت الأمداد تترادف عليهم من البرتغال، فصاروا يقطعون الطريق علي المسلمين أسرا و نهبا، و يأخذون كل سفينة غصبا إلي أن كثر ضررهم علي المسلمين و عمّ أذاهم علي المسافرين، فأرسل السلطان مظفر شاه بن محمود شاه بن محمد شاه سلطان كجرات يومئذ إلي السلطان الأشرف قانصوه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 105

الغوري يستعين به علي الإفرنج..» ه.

و جاء في النصوص الغربية ما يؤيد ما ذكره العرب و أوضح عنها الأستاذ محمد ياسين الحموي في رسالته الملاح العربي، و كذا جاء خبر هؤلاء في النور السافر أيضا. و

هذه وثائق معاصرة تعين مبدأ دخول البرتغال، و طريقته إلا أننا نقطع بغلط الرواية القائلة بأن واسكو دوغاما أسكر أحمد بن ماجد فباح له بسر عبور رأس الرجاء الصالح، و اجتياز تياره المحدق بالخطر من جراء أنه أي أحمد بن ماجد يفتخر بأنه حاج الحرمين، و يبين وصفه العلمي، و إذا كان قد جاء من الغزل، أو التغني بشرب الخمر في أوائل منظوماته البحرية فهذا تحبيب لحفظها كما هو شأن العرب في نظمهم و تشبيبهم أو غزلهم، أو تقديم ما ولع به المرء من شرب الخمرة … و جاءت النصوص الغربية المعاصرة و التالية مكذبة لهذا الخبر. و في النور السافر تعرض لذكر بعض وقائعهم. و عبر عنه ب (الإفرنج) فبين وقائعهم في عدن و كذا في الشحر.

إن آمال البرتغال كانت مصروفة إلي النهب و السلب، و الاستعمار و إلي ترويج تجارتها، أو التوسط في تجارة غيرها و نقلها لمن تحتاجه فكانت البذرة الأولي لانتزاع التجارة من المسلمين و تحويلها إلي جانب أوروبا و استعمار البلاد الكثيرة بالقضاء علي استقلالها و قد جاء عن هذا الحادث من ناحية العراق و فارس أيضا في (كتاب وجهة الإسلام) ما نصه:

«لما احتل البرتغاليون هرمز في الخليج الفارسي في القرن السادس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 106

عشر قطعوا كل صلة بحرية بين الهند و فارس ليفوزوا باحتكار هذا الطريق …» اه.

و أقول بل بين الهند و العراق و مصر أيضا و حولوا وجهتها إلي ناحيتهم فقبضوا عليها بيد من حديد …

و من ثم انتهت حكومة الچراكسة في التاريخ المذكور و كان لهم أسطول. و ابتدأت علاقات الترك العثمانيين البحرية مع حكومة البرتغال فإنهم ورثوا حكومة مصر. و كانت

سابقا تجارة الهند مرتبطة بالغرب من طريق مصر و البندقية (ونديك) و من طريق الشرق بالعراق و بنادر العجم. فالوجهة تغيرت بمزاحمة الإسبان و البرتغال فالأولي اكتشفت أميركا و الأخري وجدت طريقا للهند من جنوبي إفريقيا من رأس الرجاء الصالح. و أول ما عرف من علاقاتهم أنهم عاثوا في أنحاء البحر المحيط الهندي و سواحل العرب و إيران فقام ملك مصر بما قام به علي يد قائده حسين الكردي. كانت قتلته السبب في تمكن البرتغال في تلك الأنحاء دون معارض أو مقاوم. و البحرية العثمانية في ذلك الحين لم تؤسس في البحر الأحمر (بحر القلزم) و مشغوليات العثمانيين في الفتوح و الحروب البحرية الأخري ألهتهم عن الالتفات كثيرا إلي البحرية في تلك الأطراف …

ذلك ما دعا أن تنقطع المواصلات بين الهند و مصر و البندقية و بين الهند و العراق و تتوجه إلي البرتغال من طريق رأس الرجاء الصالح أو علي يدهم في العراق و بذلك تمكنوا من قهر السواحل لهم و إذعانها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 107

لمطالبهم … بقوا بلا مزاحم أو معارض. و لا يزال النبز عندنا ب (پورتكيشي) أي برتغالي معروفا و هذا يعني السفاك المعتدي الأثيم …!!

و الحكومة العثمانية- بعد أن استولت علي أكثر الممالك الإسلامية- صارت تري نفسها المالكة لبلاد المسلمين، الوارثة لها المسيطرة علي مصالح المسلمين بل الحامية لها. فلا يوافق مصلحتها أن تجعل جزيرة العرب و سواحل الهند تحت تحكم البرتغال و عتوهم بل لا ترضي أن يتجاوز أمثال هؤلاء علي مصالح المسلمين و يجعلوها تحت نفوذهم.

ففكر السلطان سليمان القانوني في الأمر و كان آنئذ أكبر ملوك الأرض.

ففي سنة 932 ه نصب قائدا علي أسطوله في

البحر الأحمر أحد المشاهير هناك و هو (سليمان رئيس) و تحت نظارة هذا القائد بدأت الحكومة بتأليف عمارة (أسطول) و تجهيزه في بندر السويس فتمكن من عمل أسطول قوامه من 20 قادرغة.

فكان هذا الأميرال أول من فوض إليه أمر تكوين الأسطول العثماني في البحر الأحمر و هكذا تولي بعده من تولي بالوجه المبسوط.

أما البرتغال فإنهم استفادوا من انحلال حكومة مصر. و العثمانيون كانوا آنئذ في حروب بحرية و برية دامية في البحر الأبيض المتوسط، و الممالك الأخري كمحاصرة فينة و التوغل في تلك الأنحاء مما لم يعد بالفائدة فهمهم المطاحنة مع الأصل لا القرصنة في بحر عظيم لا يدرك له منتهي. و علي هذا فالبرتغال اكتشفوا جزيرة زنكبار عام 1503 قبل كل شي ء، فكانت قاعدة و في عام 1507 وصلوا إلي مسقط من جزيرة العرب، و عام 1508 ضبطوا بوغاز هرمز، و في سنة 1509 نصبوا أميرا لمستملكاتهم في الهند سواء في مليبار، و سرنديب و مالاقه مما لا يسع المقام تفصيله.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 108

و الحكومة العثمانية في هذا الحين لم تنظر إلي ما يهدد سلامة الحكومات الإسلامية في سواحل إفريقيا و الهند إذ لم يصف لها الجو لانشغالها بحروب أخري إلا أن الذي أثار ذلك، و نبه علي الخطر المحدث كان ملك كجرات «الملك محمود» ابن مظفر شاه. فقد استعان بالسلطان سليمان و كانت قد طبقت شهرته الآفاق و حاول الملك محمود بذلك رفع سيطرة أولئك.

و من ثم تأهب السلطان للأمر تأمينا لسواحل العرب و تخلصها للحكومة العثمانية من جهة، و منع تجاوز البرتغال علي الهند من أخري و فوض أمر القيام بذلك لأمير أمراء مصر آنئذ سليمان باشا عام

937 ه و كان اتخذ له أسطولا اشتغل بإعداده من سنة 932 ه إلا أن الأمر لم يتم و ذلك لأن أمير أمراء مصر رافق السلطان سليمان في فتح بغداد.

فتأخر أمر ذلك لمدة.

و بعد أن تم الفتح عاد سليمان باشا لمهمته الأولي. من جهة أن بهادر شاه حاكم كجرات و هو أخو محمود شاه قد التجأ أيضا إلي السلطان و طلب حمايته من جراء المهاجمة التي أصابته من همايون شاه من آل بابر شاه. و ورد السفراء من بهادر شاه عام 943 ه و بينوا أن مهاجمة همايون شاه و استيلاءه مما يسهل للبرتغال فتوحهم و قوي آمالهم فاكتسحوا بندر ديو من كجرات. ذلك ما عجل القضية و سرع فيها و لم يمكن من إتمامها فسار في أواخر محرم الحرام سنة 946 فيما عهد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 109

إليه بالوجه المذكور فلم يتيسر الاستيلاء نظرا لقلة ذخيرة العسكر، و التجهيزات. و مما عسر الأمر أن جهان شاه قد توفي في الأثناء فخلفه السلطان محمود ملك كجرات فلم يساعد مما صعب الأمر و دعا للعودة. و لم تعرف آنئذ قدرة العثمانيين من جهة أن الأسطول البرتغالي لم يستطع أن يقاومهم، أو يتحارب معهم. و علي كل أصابته الرهبة و الظاهر أنه فر من وجههم خوفا و رعبا، أو لم تكن فيه استطاعة لمقاومته فلم يتأهب للطواري ء، و أن سطوة الأسطول العثماني كانت ظاهرة للعيان من جراء اكتساحها مدينتين عظيمتين من مستملكات الهند.

فكانت هذه السفرة من بواعث الأسفار الأخري فقد دعت إلي آمال السيطرة علي البحر المحيط الهندي …

و من ثم تزايدت علاقات الحكومة العثمانية بالهند و أمرائه ففي سنة 950 ه أرسلت الحكومة العثمانية

سفينة حربية بقيادة (يوسف تركي)، و أخري بقيادة (حسين تركي) إلي حاكم كجرات و فيها من المهمات و آلات الحرب مع عساكر لمعاونة الحاكم المشار إليه إلا أنه لا تعطف أهمية كبري لأمثال هذه و إنما تعد العمارة الكبري ما كانت أيام سليمان باشا فإنها يحسب لها حسابها.

و إن العثمانيين بعد أن سحبوا أسطولهم «أيام سليمان باشا» عاد البرتغال إلي عدن فاتحد الأهلون معهم و سلموا البلد إليهم لما رأوا من العثمانيين ما أبعدهم عنهم. و في تلك الأثناء كان الأميرال في البحر الأحمر (پيري بك رئيس) المشهور فأرسلته الحكومة إلي تلك الأطراف للتنكيل بالعدو فتمكن من استرداد عدن. ذلك ما دعا السلطان أن يبتهج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 110

به و يزيد في راتبه، و يجعل زعامة البحر الأحمر له و سماه (قبودان بحر القلزم). و في المرة الثانية جرد عمارته و صدر إليه الأمر ليتجول في سواحل جزيرة العرب. و لينظم أمورها و يستعيد المواقع الأخري التي كان قد استولي عليها البرتغال فقام من ميناء السويس عام 959 ه- 1552 م فجري ما مر تفصيله …

و الحاصل أن الحروب الأخيرة قد خذلت العثمانيين و لم يعد بالإمكان إعادة الحياة لهم من جراء ما أصاب (سيدي علي رئيس) من ضربة قاسية و البرتغال اهتموا من عهد الحروب الأولي و اتخذوا العدة الكافية و حكموا السواحل. فلم يكن في الإمكان للعثمانيين أن يستعيدوا نشاطهم فاستولي البرتغال علي السواحل المهمة، و وضعوا أيديهم علي الاقتصاديات فكانت سفرة (سيدي علي رئيس) هي الأخيرة فلم يطيقوا القيام بأخري بعدها أقوي منها لينالوا المركز اللائق في جزيرة العرب و سواحلها، و الهند و ما والاه. و علي كل

كانت أغلاط العثمانيين كبيرة، ابتدأت بقتلة (حسين الكردي)، ثم التعديات و القسوة في سواحل اليمن، ثم في سواحل عدن. و للشائعات الرديئة أثرها في النفوس. و من جهة أنهم لم يهتموا الاهتمام كله بل كانت اشتغالاتهم في الأنحاء الأخري أكبر و هي غير مجدية أيضا.

و لو كان العثمانيون نجحوا علي يد سيدي علي أو غيره لتبدلت الحالة، و لتمكن هؤلاء من تأسيس بحرية صالحة و أسطول مهم، و لكان تعرف القوم بأحوال البحار هناك من طريقها العلمي بما عثر عليه سيدي علي رئيس من مؤلفات بحرية من جهة و استعانة بالعرب ممن مارس الأسفار البحرية من أخري.

هذا، و لم يكن الأمر مقصورا علي البرتغال و إنما دخلت السياسة الغربية في الهند من كل صوب فضيقت الخناق علي التجارة و علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 111

الصلات إلا من طريقها. أعقبت البرتغال دول أخري في التسلط علي الهند من طرق مختلفة فكانت أول شركة للدانيمارك دخلت في سنة 1612 م و انحلت هذه سنة 1634 م، ثم دخلت شركة هو لندية في سنة 1594 م. و هكذا الشركة الإنكليزية دخلت الهند بعد الهولنديين، و سميت (شركة الهند الشرقية). كان ذلك سنة 1610 م و هذه الشركة تملكت مدارس سنة 1639 م. و تمكنت من التوسع سنة 1686 م. و في أيام (أورنك زيب) جرت معركة كادت تقضي علي شركتهم لولا أن إمبراطور المغول صالحهم، فثبت وضعهم. و هكذا دخل الفرنسيون الهند.

و كان البرتغال حاولوا التسلط علي البحر المحيط الهندي من ناحيتين إحداهما أن يجعل لهم مستقر في البحر الأحمر، و آخر في جزيرة هرموز، فتمكنوا من هرموز بعد سعي طال من سنة 1507 م إلي

سنة 1515 م فتوصلوا إلي الاستيلاء عليها و لم يشاؤوا إلا أن يسيطروا علي تجارة الهند و أن لا تكون إلا من طريقهم. و هكذا كان عمل الدول الأخري، و لم تكن لهم آمال الاستيلاء علي إيران أو العراق و إنما إيجاد صلات تجارية.

الأسطول العثماني و ما يتألف منه

إن العثمانيين لم يكونوا في الأصل محاربين بحريين، و لا أرباب بحرية، و لا كانت لهم علاقة في محاربة أعدائهم في الأنحاء البعيدة التي يفصل بينهم و بينها البحر. و لهم في المواطن البرية الكفاية. في أول أمرهم استغنوا بالچكديرمات المسماة (قره مرسل). و هذه من نوع زوارق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 112

بحر المرمرة مما يستعمل للنقليات التجارية في أيامنا بصورة معتادة.

و قد مرت الأيام علي ذلك ثم إنهم كونوا بحريتهم الأخيرة التي قارعوا بها أكبر الحكومات البحرية آنئذ. فاحتذوا البندقية (ونديك) في سفنهم الحربية فزادوا في جسامتها و بدلوا أشكالها، و غيروا هيئاتها فتجاوزت أنواعها العشرة و صارت صنوفا عديدة لكل منها اسم و قد مر بنا أسماء بعضها. و هذه بصورة عامة كانت تتحرك بالشراع تارة، و بالمجاذيف أخري. و يفرق بين صنوفها بسهولة بالنظر لما تحتوي عليه من مقاعد للبحارة و ذلك:

1- (فرقته)Frigate و تحتوي علي عشرة مقاعد إلي سبعة عشر.

2- (قرلانغيج) و هي أصغر أنواع (فرقته) و تسير مجاذيفها بواسطة شخصين أو ثلاثة. و هذه سريعة السير. و لها شراع.

3- (الپركنده)Brigantin و فيها 18 مقعدا، أو 19.

4- (القاليته)Galley تحوي 20 إلي 24 مقعدا. و تسير بالمجاذيف و بالشراع.

5- (القادرغه)Galley تحوي علي (25) مقعدا.

و يطلق علي هذه جميعها (عمارة صغيرة).

6- (باستاره)، أو (باشتارده).Bastard تحتوي علي 26 إلي 36 مقعدا.

7- (باشتاردة الباشا) الباشتاردة بعينها و فيها 36

مقعدا تاما.

8- (ماونة) من نوع سابقتها، و كل مجذاف منها يجذف به خمسة أشخاص، أو ستة، أو سبعة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 113

و تسمي عند الترك ماعونه أيضا. و أصلها معونة العربية و عند البنادقةMahon. و هي الشلندي المعروف عند اللاتين بChelandium و استعملها العرب باسم صندل. قال في تاريخ الأسطول العربي:

«من المراكب الحربية الكبيرة مسطحة لحمل المقاتلين و السلاح.

و تعادل في أهميتها الشونة … و لها ساريتان أو ثلاث سوار. يبلغ طولها 195 قدما و عرضها 33 قدما. و كانوا يجهزونها ب 24 مدفعا و حمولتها 600 شخص».

و الصندل كان يعمل من شجر الصندل فسمي بذلك و هو زورق عريض. و يقال له (فلكه) أو (فولوقه).

9- (كوكه) و (كوه). و هذه تزيد علي الماونة في أنها تحتوي علي مخزن للمدفع أو بالتعبير الأصح الجهة السفلية منها كالماونة و الفوقية كالقاليون. و قد صنع منها أيام السلطان بايزيد الثاني اثنتين لمرة واحدة تحوي كل واحدة منها 1500 (طن).

و السفائن المذكورة كلها من نوع (چكديرمه) أو (چكديري).

10- (القاليون)Galleon. و تحتوي في الأصل علي أكثر من جانب و لا تسير في الغالب إلا بالشراع. و هذه أشهر أنواعها:

(1) قاراقاCarack. استعملت في أيام السلطان سليمان القانوني و حملها بين (1500 و 2000) طن. و الظاهر أنها (الحراقة).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 114

(2) بارچه. و هي من السفن الجسيمة الحربية.

(3) قاراوه لاCaravella سفينة حربية قديمة.

(4) پولاقاPolacca.

(5) پورتون Portolano. استعمل في الأيام الأخيرة أي بعد الألف و يحمل 40 إلي 45 مدفعا.

(6) كوكه (كووه). من نوع قاليون. أول من استخدمها السلطان بايزيد الثاني و تعد من نوع چكديرمه أيضا. مر الكلام عليها.

(7) قپاقا. أحدثت سنة 1093 و

تحمل 80 مدفعا.

(8) انبارلي. تحمل 110 مدافع. و كان منها محمودية و سليمية فبقيتا إلي الأيام الأخيرة.

و من ثم يظهر نوع السفن المذكورة في الوقائع التاريخية إلا أن هذه المصطلحات وصلت إلي العثمانيين من البندقية و لم يستعمل إلا لفظ (غراب) في مصطلحات الكتب القديمة و كذا (بارچه) و هي البارجة العربية بعينها. و تسهل المعرفة و المقابلة بالسفن العربية من طريق الحمل أو عدد المقاتلة، أو مقابلة اللغات.

هذا، و أوضح كاتب چلبي في كتابه (تحفة الكبار في أسفار البحار) أنواع السفن البحرية العثمانية، و ما تكون منه أسطولها أيام عزها، و ذكر الوقائع البحرية إلا أن غالبها مما يعود للبحر الأبيض المتوسط، و ليس لوقائع الهند إلا النصيب القليل، فلم يتوسع في الإيضاح. و المصطلحات تابعة لمواطن صنع السفن، و الأخذ به من علمائها و رجال صناعتها، فشاعت ألفاظ، و عارضتها أخري، فنري الاختلاف بينها كبيرا. و في (كتاب أسفار بحرية) تفصيل للمصطلحات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 115

و مقابلة لغاتها و مباحث موسعة في تاريخ السفن البحرية. و تصاوير مهمة.

و في أيام الدولة الأيوبية ذكر لأسماء المراكب البحرية ذكرها ابن مماتي في كتاب قوانين الدواوين و إن أسماء السفن جاء ذكرها في مجلة (العالم الإسلامي البغدادية في المجلد الأول منها). و في لغة العرب، و في رحلة ابن بطوطة و في كتاب (تاريخ الأسطول العربي)، و في كتاب (الملاح العربي)، و في خطط المقريزي. و في كتب و مجلات عديدة.

مؤلفات العرب في علم البحار و كتاب المحيط

اشارة

مؤلفات العرب في الهيئة كثيرة. توغلوا في علومها و تفرعاتها، و إن علم البحار يتناول الوجهة التطبيقية و العملية من هذا العلم مع اتصال بالجغرافية و بالتجارب الفعلية. و هذه مما يخص

علم البحار.

و كان الرئيس سيدي علي في رحلته قد مر بالهند، و هناك رأي آثار العرب القديمة و الحديثة في علم البحار، فصرف أكبر همه في أن يعرف ما يقع نظره عليه، أو تصل إليه يده مما يتعلق بالمحيط الهندي و ما جاوره من بحار كالخليج الفارسي، و بحر القلزم (البحر الأحمر)، و سائر السواحل المتصلة أو كان مما يبحث في علم الأنواء، أو أبعاد البحار أو حالات طبيعية و طرق و مد و جزر و رياح و تعيين جهات … فظفر ببغيته،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 116

و نال رغبته. فنقل ذلك من كتب العرب، و تكونت منها له مجموعة كبيرة سماها ب (المحيط) كما سبقه پيري رئيس في (كتاب البحرية). و ممن نقل آثارهم من مؤلفي العرب:

1- ابن ماجد:

رئيس علم البحر و فاضله، و أستاذ هذا الفن و كامله الشيخ شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمر بن فضل بن دويك بن يوسف ابن حسن بن حسين بن أبي معلق السعدي المعقلي، ابن أبي الركائب النجدي. و من هنا نعلم أنه من أهل نهر معقل من البصرة.. و كان من أكابر علماء الفن و والده كان من البحارة العلماء، و كذا جده …

جاء ذكره في النص المنقول من البرق اليماني في الفتح العثماني و علاقته بالبرتغال معلومة و تعين تاريخه.

و مؤلفاته:

(1) كتاب الفوائد في أصول البحر و القواعد. ألفه لركاب البحر و رؤسائه. ألفه سنة 880 ه.

(2) حاوية الاختصار في أصول علم البحار. أرجوزة نظمها سنة 866 ه. و ذكر فيها الرياح و مواعيدها، و المنازل و ما فيها من مصطلحات، و أوضح عن المواسم و أوقاتها، و ذكر سواحل عديدة،

و علاقة الفلك بأقطار عديدة و البلدان التي علي سواحلها.

(3) الذهبية. أرجوزة. و شرحها أيضا. ألفها في سلخ جمادي سنة 865 ه.

(4) المعربة. أرجوزة أيضا.

(5) أرجوزة في تعيين القبلة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 117

(6) أرجوزة بر العرب في خليج فارس.

(7 و 8 و 9 و 10 و 11 و 12 و 13) كلها أراجيز.

(14) السبعية. ألفها سنة 896 ه و جاء اسم مؤلفها في آخرها و هو ابن ماجد الموضوع البحث.

(15) هادية المعالم.

و هذه المجموعة من الرسائل و الأراجيز جاءت في مجموعة خزانة باريس و طبعت بالزنك في مجلدين.

(16) الميل. وجدت في مجموعة الدكتور داود الچلبي. و جاء فيها أن السبعية من مؤلفاته فتعين أنها لأحمد بن ماجد المذكور، فزال الشك فيها. و لا عبرة بغلط الاسم.

(17 و 18 و 19 و 20 و 21 و 22 و 23 و 24 و 25 و 26) و هذه كلها قصائد في أغراض بحرية مختلفة.

ظفر الأستاذ سيدي علي رئيس بمؤلفاته فنقلها إلي التركية و جمعها في كتابه (محيط)، و إن الغربيين استعانوا بآثاره و نقلوا (محيط) إلي اللغة الألمانية. فكانت الاستفادة عامة من كتب ابن ماجد.

2- ماجد بن محمد:

و هذا من مشاهير البحريين العلماء و له من المؤلفات:

(1) الأرجوزة الحجازية. و تتجاوز ألف بيت.

3- سليمان بن أحمد بن سليمان المهري المحمدي:

لم نستطع أن نعين تاريخه و لا التعرف بمعاصريه.

و الملحوظ أنه لم يتعرض لذكر ابن ماجد و مؤلفاته بقبول أو ردّ.

و الظاهر أنه قبله. و من مؤلفاته:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 118

(1) رسالة في علم التواريخ سماها (قلادة الشموس و استخراج قواعد الأسوس). في معرفة السنين المشهورة عند الجمهور القمرية، و الشمسية و الرومية و القبطية و الفارسية.

(2) تحفة العقول في تمهيد الأصول. ذكر فيها أن له كتابا سماه (المنهاج) و شرح تحفة العقول أيضا. و هذا الكتاب في صفة الأفلاك و الكواكب، و المقاييس من درجة، و أزوام، و أصابع، و دبان و مصطلحات أخري.

(3) العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية.

يتناول موضوع هيئة و جغرافية مع بيان علاقتهما بعلم البحار، و المواقيت، و كذا الرياح و مواسمها بالنظر للمواطن التي يجري السفر فيها. و فيه السفر من جدة إلي عدن و هكذا يمضي في ذكر أسفار عديدة.

و المؤلف لم يكتف بالمؤلفات العربية، و إنما كان يعتمد علي كتب الهند و العجم.

(4) كتاب المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر:

جامع لعلم البحور المعمورات. و في كتابه (تحفة العقول في تمهيد الأصول) صرح أن المنهاج له.

و هناك رسائل لم يعرف مؤلفوها جاءت في المجموعة البحرية طبعة باريس، و كذا في مجموعة الأستاذ الدكتور داود الچلبي و هي مصورة.

و هذه المجموعات من الآثار الجليلة المتعلقة بعلم البحار. و لها قيمتها. و فيها ما يكشف عن بعض الغموض عن هذا الفن الجليل.

و باقي الرسائل في مجموعة الدكتور جاءت متأخرة، و قريبة من عصرنا كما يفهم من تواريخها. فكانت مكملة لما في

المجموعة الباريسية …

و في مجموعة الدكتور كتاب (فكرة الهموم و الغموم و العطر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 119

المشموم في العلم المبارك المقسوم و المسافات و النجوم) جاء وصفه في مخطوطات الموصل، و في لغة العرب، و لم يعرف مؤلفه.

و الحاصل أن (سيدي علي رئيس) أخذ الكثير من هذه الرسائل القريبة من عصره و جمعها في كتابه (المحيط). و استفاد من اتجاه كتب العرب و ترجم رسائلهم و جعلها من فصول كتابه لخدمة أمته لعلها تعود مرة أخري. نقله إلي اللغة الألمانية الأستاذ هامر. و طبع و لم يطبع الأصل في تركيا. و الأمل أنه لا يهمل.

و لا شك أن الاستفادة من مؤلفات العرب كان نصيب الأقوام الآخرين انتفع منها الغربيون حتي تقدمت عندهم علوم البحار، و تولدت السفن البخارية. و من ثم تغيرت الوجهة تماما.

و علم البحار في هذا العصر يتصل بناحيتين إحداهما مؤلفات العرب من طريق بحارتهم و علومهم، و ثانيتهما الهنود و ما قاموا به. و أما الإيرانيون فقد كان لهم اتصال بالاثنين إلا أننا لم نقف لهم علي آثار خاصة بعلوم البحار، و لكن (كتب الهيئة) أو (علم الفلك) و التقاويم و تواريخ السنين و ضبط يوم النوروز و ما ماثل مما لها علاقة كبيرة به.

فجاءت آثار العرب المذكورين مجموعة صحيحة في علم البحار، و لكنهم تأثروا ببحارة إيران و مصطلحاتهم باللغة الفارسية و مصطلحات الهيئة الإيرانية كما تأثروا بالهنود أيضا و مصطلحاتهم عين مصطلحات الإيرانيين أو أغلب ما فيها. فلم يلتفت ابن ماجد و المهري إلي علوم العرب وحدها، و إنما أخذوا بما عند غيرهم أيضا فجاء المجموع كاملا. و لو طبعت مجموعة الچلبي، و كتاب فكرة الهموم المذكور

لكملت المجموعة، و تم المراد. و من ثم نلاحظ تقدمات علم البحار عند الغرب و استفادته من العلوم الجديدة و المخترعات العصرية، فنكون قد جمعنا بين المصطلح، و تاريخ العلم، و تطور الفن.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 120

فضولي البغدادي الشاعر- كتاب فضولي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 121

هذا. و الاستفادة من هذه المجموعات كبيرة في تقرير المصطلحات من أسماء السفن في الدولة العباسية و أساطيلها و الأندلس و ما كان فيه، و مثلها ما جاء في الدول التالية في العراق و في المملكة المصرية و التركية العثمانية.

و ابن ماجد اعتمد مؤلفين و مؤلفات عديدة و مهمة في الهئية و علم البحار تتعلق بالأزمنة السابقة له. و لا مجال لنا أن نتوسع في بحثها.

و مراجعة رسائله متيسرة.

حوادث سنة 963 ه- 1555 م

عودة إلي أحوال الوالي

إن أحوال هذا الوالي معلومة، و إنه كان عاد من همذان اتباعا للأمر السلطاني و لكننا لم نسمع عنه شيئا بعد هذا. و في سجل عثماني أنه عزل من إمارة بغداد سنة 968 ه و أن ابنه محمود باشا كان واليا في الموصل. و أن خضر باشا خلفه في (سنة 968 ه). و هذا مخالف لما جاء في النصوص القديمة. ففي گلشن شعرا أن خضر باشا نصب واليا لبغداد سنة 963 ه كما أن صاحب مرآة الممالك عاد إلي بغداد بعد أسفاره البحرية و ضياع سفنه و هلاك أكثر من كان معه فسار في طريق البر من الهند حتي وصل إلي بغداد في سلخ ربيع الآخر سنة 964 ه فشاهد والي بغداد خضر باشا و نال منه أنواع اللطف و الإعزاز ثم عاد إلي بلاد الروم. و في هذا ما يؤيد أن الباشا المشار إليه قد

عزل عام 963 ه و حل محله خضر باشا، فتمكن سيدي علي رئيس من ملاقاته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 122

والي بغداد خضر باشا

ولي هذا الوزير منصب الولاية سنة 963 ه بالوجه المشروح.

و ذكر صاحب السجل أنه تخرج من البلاط و صار ميراخور ثم وجهت إليه إمارة إيالات عديدة منها بغداد و توفي بعد سنة 975 ه و كان معتدلا، خاليا من الأطماع. كما في گلشن خلفا أيضا. و بين عهدي البغدادي عند الكلام علي (حقيقي). قال إن أصل اسمه أي اسم حقيقي مصطفي بك بن عثمان باشا من أمراء (باشوات) السلطان سليمان ولد في بغداد.

و كان ماهرا في اللغة الفارسية و (قول أغاسي) في بغداد إلا أنه لم يلتئم مع أمير أمراء بغداد خضر باشا الذي كان قد عين لمنصب بغداد سنة 963 ه فترك الديار العراقية و ذهب إلي بلاد الهند للسياحة و له شعر جيد في اللغة التركية … و بهذا عرفنا تاريخ ولاية خضر باشا … و لما لم نقطع في حدود سني ولايته فمن المحتمل أنه ولي بغداد لمرتين إحداهما هذه و الأخري سنة 968 ه. و علي كل نبهنا علي الناحيتين إلي أن يظهر من النصوص ما يزيل الإبهام. و لا نعلم من خلفه في هذه المدة …

الطاعون في بغداد:

في هذه السنة حدث الطاعون في بغداد و الأنحاء العراقية. و فيه توفي الشاعر العراقي المشهور فضولي.

فضولي البغدادي

من أشهر شعراء الترك، عراقي اسمه محمد بن سليمان البغدادي و أصله من قبيلة البيات القديمة السكني في العراق اكتسب الصيت في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 123

بغداد فنسب إليها و يلقب عند العثمانيين ب (رئيس الشعراء) كان و لا يزال من فحول الشعر، مبدعا في نهجه الأدبي. و مكانته في الصف الأول و يعد الترك أكابر أدبائهم المؤسسين (سنان باشا) و فضولي. و له نحو خاص في نظمه و نثره لا يكاد يضارعه فيه أحد. و اليوم نري الترك لا يقدمون عليه أحدا.

و لأدباء إيران في العراق مثل سلمان ساوجي، و خواجو كرماني، و عبيد زاكاني و حافظ … تأثير كبير عليه، و هو أيضا ذو ثقافة كاملة، و فكر وقاد. و القطر مساعد علي التفكير و التأمل يفيض عليه بإلهامه. فلا بدع أن ينبغ كما نبغ سابقوه في آدابهم و مناحي تربيتهم و ثقافتهم.

و الأدب العراقي زاخر به و بأمثاله. و له في اللغة الإيرانية و آدابها المكانة المعروفة، يحتل مركزا لائقا بين شعراء إيران و ديوانه في لغتهم معروف، متداول. و له شعر عربي أيضا.

جاء في گلشن شعرا ما معناه:

«مولانا فضولي البغدادي كامل بكمال المعرفة. فاضل بفنون الفضائل، رقيق الطبع، حلو الصحبة، من أهل الحكمة في علم الحياة و الأبدان، و من خدام شيوخ الطريقة. لا ند له في بلاغته في اللغات الثلاث، قادر علي صنوف الشعر، و طراز المعميات، ماهر في العروض، و أسلوب إنشائه السلس يضاهي أستاذ العالم (خواجه جهان)، و قصائده الفصيحة تضارع الخواجه سلمان، و في النحو المثنوي نري مجنون

ليلاه كالدر المكنون و له رسائل تركية و فارسية عديدة. ترجم روضة الشهداء للمولي حسين الواعظي و سماها (حديقة السعداء). تشهد أنه مبدع في أسلوبه، و برهان ساطع في اختراع معانيه، و حدث عن السبك و لا حرج في صوغ كلماته، فهي أشبه بحلة ذهبية اكتستها المعاني، و أشعاره في العربية ذائعة بين فصحائها، و أقواله مذكورة بين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 124

ترك المغول، و ديوانه الفارسي مقبول لدي أبناء الفرس، و أشعاره التركية مقبولة عند ظرفاء الروم. توفي سنة 963 ه بمرض الطاعون» ا ه. و أورد له جملة صالحة من الشعر التركي و الفارسي و نقل له بيته المشهور:

دوست بي پروا، فلك بي رحم، دوران بي سكون درد چوق هم درد يوق دشمن قوي طالع زبون

نكتفي بإيراده … و معناه عاد الصديق الحميم لا يأبه و لا يبالي، و الفلك ليس له رأفة، و الدهر قاس دائب لا هوادة له و لا سكون. توالت العلل بكثرة و رمت المصائب بفداحة. لا مواسي بها، و العدو قاهر متسلط، قوي و لا مساعد، ليس هناك حظ، بل الطالع في ضعف و وهن. فأين المهرب. أو أين المفر. و هو كثيرا ما يتمثل به.

و من مطالعة كتابه حديقة السعداء و ديوانه الفارسي و التركي يظهر أنه من نوع نسيمي، و من صنف الغلاة في التصوف أو في الابطان. و لا محل لاستقصاء ذلك فله موطن غير هذا.

و من مؤلفاته غير ما ذكر:

1- ديوان فارسي يحتوي علي ثلاثين ألف بيت (كذا). منه نسخة مخطوطة كتبت ببغداد سنة 959 ه في مكتبة المرادية. و أخري في مكتبة خالص أفندي. و مطلعه جاء باللغة العربية:

باسمك اللهم يا

فتاح أبواب المني يا غني الذات يا من فيه برهان الغني

و عندي ديوان فارسي له ناقص قليلا من الأول و من الآخر. لا يبلغ ما ذكر من الأبيات.

2- ديوان عربي رآه لبيب أفندي صاحب الجواهر الملتقطة. منه نسخة في مكتبة لننغراد من متحف آسيا مهداة من ورشچن، ضمن مجموعة تحوي الكثير من آثاره، و بينها:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 125

1) شاه و كدا. فارسي.

2) أنيس القلب. قصيدة فارسية.

و ديوانه العربي الموجود في هذه المجموعة المسماة (كليات فضولي) يحتوي علي 465 بيتا، و أطول قصيدة فيه 63 بيتا، و لا يعرف ما إذا كانت هذه المجموعة تحتوي علي جميع شعره العربي أو أن هناك غيرها.

و هذه النسخة كانت قد دخلت في سلك ملك حسن كدخدا (كتخدا) في مدينة السلام بغداد سنة 997 ه..

و يلاحظ في شعره العربي أنه أراد تبليغ فكرته إلي قراء العربية فكتب ما كتب، و هو متأثر بنسيمي، و أنه عارف بشعره أيضا.

3- رندا و زاهد. محاورة فارسية. جاء ذكرها في كشف الظنون.

4- صحة و مرض. مطبوعة و هي رواية يستنطق بها النفس و الأمزجة و العوامل الروحية. كتبها بأسلوب حكيم. و هذه فارسية إلا أن ترجمتها إلي التركية مطبوعة و لم يذكر مترجمها.

5- مطلع الاعتقاد. في علم الكلام. (لم يعين محل وجوده).

و كان يوضح وضعه في العقيدة و لكن يؤسف لعدم الاطلاع عليه.

6- ترجمة حديث الأربعين لملا جامي ترجمه من الفارسية (ذكره صاحب كشف الظنون).

7- ديوان تركي. طبع مرارا بطبعات مختلفة. و الطبعة التي في تبريز مصدرة بمقدمة للمؤلف و أن النسخة الخطية التي عندي تعين مكانته و طريق نهجه، و شعوره في شعره. هذا مع العلم بأن لغته آذرية

و هي متمكنة في العراق، و قريبة من التركية و قد سبقه نسيمي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 126

8- حديقة السعداء. رأيت في مكتبة فاتح نسخة مصورة منها بتصاوير ملونة و هي برقم 4321 و بخط جميل، فيها عناية زائدة كتبت سنة 1002 ه و لم يعرف كاتبها و لا محل كتابتها و عندي مخطوطة كتبت سنة 998 ه مجذولة بالذهب و هي أولها نقوش بديعة مزينة بأبدع زينة.

9- شكوي (شكايتنامه). كتب بها إلي نشانچي محمد باشا أبدع فيها غاية الإبداع في الصناعة الأدبية. و تلاعب بالبيان. أبرز نفسية فذة، و أبدع إبداعا لا يسع القاري ء إلا أن يميل إليه، فهو الأديب الذي لا يباري. و لو كان منتظم الفكرة لما سبقه سابق.. قال ذلك صاحب (نمونه أدبيات) و عده من الكرد.

10- پنك وباره. منظوم تركي. ذكره في كشف الظنون و لم يتعرض لوصفه.

و ديوانه التركي و كذا الفارسي لا نري مجموعة عراقية فيها منتخبات الشعر الفارسي و التركي إلا و فيها مقطوعات أو مفردات منهما، تأثر به شعراء كثيرون جدا، و هو بمنزلة المتنبي في الشعر العربي و كثرة الاستشهاد. و كثيرا ما نري ذكر شعر له و يتبعه غيره بقولهم (و له، و له..

الخ)..

عندي نسخة مخطوطة من ديوانه التركي ليس لها تاريخ و لكنها أقدم من الطبعة التركية بلا ريب.

11- رسائل فضولي بالتركية. نشرها صديقنا الاستاذ عبد القادر قره خان باسم (فضولي مكثوبلري) بحروف لاتينية مع تصوير أصل الرسائل بحروفها العربية. طبعت سنة 1948 م باستنبول. و كانت عزيزة المنال فكشف بها الاستاذ صفحة عن حياة شاعرنا الكبير، و هو مؤلف كتاب (فضولي) الأثر النفيس.

و نري ترجمة فضولي في كتب كثيرة. و

من الترك اليوم من أفرد له

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 127

ترجمة بكتاب علي حدة … و قد مر بنا ذكر علاقته بولاة بغداد و قضاتها و سائر رجال الدولة و بينهم من ضاع عنا خبره:

1- اياس پاشا والي بغداد.

2- محمد پاشا والي بغداد.

3- فتح الجزائر في البصرة.

4- قاضي بغداد السيد محمد.

5- السلطان سليمان.

6- جعفر بك.

7- قادر چلبي.

8- إبراهيم بك.

9- رستم پاشا.

10- ويسي بك.

11- السلطان إبراهيم. و غيرهم.

ذكر هؤلاء يوضح الوقائع الموجودة في گلشن خلفا و كذا يساعد علي ذلك گلشن شعرا. و هذا الديوان و گلشن شعرا من الوثائق الفريدة في بابها. و من جهة أخري يعين لنا مكانة اللغة التركية و آدابها في العراق، و هو متمم لگلشن شعرا بل يعد من أهم المراجع.

فضلي بن فضولي البغدادي:

و فضلي هذا ابن سابقه. و نعته عهدي البغدادي بقوله:

«صافي الذهن، مستقيم الذكاء و الطبع. لا يزال مشغولا في علوم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 128

الظاهر، معتزلا في زاوية بقناعة تامة، أخذ بنواصي الشعر في اللغات الثلاث و له مهارة في المعمي، و قدرة معجزة في التواريخ، و أبيات عشقية فريدة جاذبة آخذة بمجامع القلوب. و أورد له أمثلة لا محل لإيرادها. و المفهوم أنه كان لا يزال حيا عند تحرير التذكرة (گلشن شعرا).

و من تذكرة عهدي البغدادي و تاريخ بناء جامع المرادية سنة 978 ه أنه لا يزال حيا إلي هذه السنة و الملحوظ أنه بقي إلي ما بعد وفاة عهدي البغدادي.

و التراجم قليلة في بيان أحواله، و قد تحرينا مراجع عديدة فلم نظفر ببغية في تاريخ وفاته.

جاء في كتاب (دانشمندان آذربيجان ص 300 ما يؤيد أن هذا الشاعر استمرت حياته إلي ما بعد سنة 978

ه.

أورد أبياتا بالغة التركية لفضلي في سنة 988 فأكتفي هنا بالإشارة إليها.

رضائي:

هو أخو عهدي البغدادي الأكبر. و له ميل طبيعي للنظم، و قد صاحب أرباب الآداب، و مال إلي الظرفاء و الشعراء بكليته … قضي أوقاته في التجارة و الصناعة حتي توفي في هذه السنة (963 ه). سيرته فاضلة، و صحبته طيبة، و له أسلوب أدبي خاص. فريد في تزيين المجالس بأقواله، و معمياته، و أما غزله فلا يباريه فيه أحد. و له شعر تركي و فارسي. و أورد له جملة أبيات.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 129

حوادث سنة 964 ه- 1556 م

عودة سيدي علي رئيس إلي العراق

في سلخ ربيع الآخر من هذه السنة عاد سيدي علي رئيس المشهور إلي العراق من طريق خراسان و شاهد والي بغداد آنئذ (خضر پاشا) كما صرح في كتابه مرآة الممالك. و أنه رأي منه رعاية زائدة. و كان بعد أن أصابته الضربة من البرتغال و من الرياح العاصفة سار من طريق البر.

تجول في بلاد الهند و الترك ثم عاد إلي بغداد و قد ذكر قصته في كتابه (مرآة الممالك) وصل إلي جبال نهاوند و منها جاء إلي جبل بيستون و ورد الإمام قاسما و زاره و منه مضي إلي (أويس القرني) ثم قصر شيرين و منها إلي قلعة زنجير و منها سار إلي (طقوز أولوم) المعروف بنهر ديالي و منه إلي شهربان ثم بغداد …

رجوعه إلي بلاد الروم:

إن الموما إليه غادر بغداد في أوائل جمادي الأولي سنة 964 ه و منها اجتاز الشط بعبوره في سفينة بعد أن زار المشاهد التي كان قد زارها أولا ثم سار من طريق سميكة، و تكريت- الموصل و ذهب من طريق الموصل القديمة و الجزيرة إلي نصيبين و مر بديار بكر و ماردين، و هكذا مضي. و في آمد لقي إسكندر پاشا و رأي منه لطفا و رعاية كبيرة.

و باقي ما ذكره لا يخص العراق و هو مذكور في كتابه مرآة الممالك.

ملحوظة:

إن عهدي البغدادي ذكر سيدي علي رئيس في گلشن شعرا بعنوان (كاتبي أفندي) و أثني عليه ثناء عاطرا من ناحية اتقانه لعلوم البحار و ما يتعلق بذلك و أشار إلي ما أصابه في سفره من هول و أورد له بعض المنتخبات من شعره و عده من الطبقة العليا … و كان أديبا شاعرا، له

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 130

قدرة علي البيان فهو من أكابر رجال العلم و الأدب و من مؤلفاته مرآة الكائنات و هو كتاب جامع لربع المجيب و الاسطرلاب و ربع المقنطرة و الجيب. و له (ترجمة فتحية) في الهيئة و سماها خلاصة الهيئة، و أصلها رسالة للمولي علاء الدين علي بن محمد المعروف بالقوشجي المتوفي سنة 879 ه، ألفها للسلطان محمد الفاتح لما ذهب إلي محاربة السلطان حسن الطويل من آق قوينلو و كان معه في هذه الحرب و المترجم نقلها إلي التركية. و في كشف الظنون شروح و حواش عليها.

مر بنا الكلام علي المترجم. و مؤلفاته. توفي سنة 970 ه و في عثمانلي مؤلفلري ترجمته و بيان مؤلفاته كما في ج 3 ص 270 و هناك تفصيل.

حوادث سنة 969 ه- 1561 م

قضاء بغداد

في ربيع الآخر من هذه السنة ولي قضاء بغداد دولگرزاده محمد أفندي و في المحرم سنة 974 أحيل للتقاعد و توفي سنة 977 ه.

و المعروف أنه عالم فاضل و شاعر في التركية و العربية و خطاط كتب بخطه تفسير أبي السعود، و التلويح، و الدرر الغرر.

حوادث سنة 974 ه- 1566 م

الوالي اسكندر باشا

ولي بغداد في هذه السنة (974 ه). و عزل الوالي السابق. و إن إسكندر باشا من الچراكسة من قبيلة قبارتاي. كان من مماليك خسرو باشا والي ديار بكر. تخرج و زادت رتبته حتي صار رئيس البوابين، ثم رئيس الجاووشين و لما عزل من هذا المنصب عهدت إليه دفترية حلب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 131

و بعدها دفترية الأناضول. و هكذا حتي صار والي وان و هناك قام بخدمات جلي و أوقع خسائر كبيرة بالعجم. ثم نال إمارة الأناضول فهزم ابن الشاه. و في سنة 958 ه ولي ديار بكر و في سنة 972 عزل منها.

و في سنة 974 ه صار واليا علي بغداد و أطاعته العشائر. و في سنة 977 ه صار واليا علي مصر و بعد سنة و نصف عزل فورد الآستانة.

توفي سنة 977 ه و دفن في جامع قاكليجه و أنشأ بجوار هذا الجامع مدرسة و كتابا و حمامين و أنشأ ببغداد جامعا.

و كان عاقلا، كاملا، صالحا، عدلا شجاعا. و له ابن اسمه أحمد پاشا.

نصب واليا قبل وفاة السلطان سليمان المتوفي في 21 صفر سنة 974 ه.

حوادث سنة 975 ه- 1567 م

البصرة- ابن عليان

كان الوالي إسكندر پاشا من حين ولي بغداد نصب قائدا إلي أطراف البصرة فظهرت له خدمات جلي هناك و ذلك أن آل عليان في البصرة كانوا قد أذعنوا بالطاعة للحكومة قهرا، و أن العشائر في أنحاء البصرة و براريها من أقربائهم، و في تصرفهم بعض القري و النواحي فكان ولاة بغداد و البصرة يقسون عليهم في التكاليف الشاقة التي لا تطاق.

و قبل سنة 974 ه ثاروا عليها مرارا بمن معهم من العشائر فأحدثوا أضرارا كبري في الممالك المجاورة لهم مما يعود تصرفه للحكومة فسيرت عليهم

الدولة ألفين من الينكچرية و ما يكفي من المدفعية و العرباتية و جعل اسكندر پاشا قائد الحملة و معه ولاة شهرزور و البصرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 132

و الأمراء الذين اختارهم من الأكراد … جهزهم جميعا فتقدموا علي تلك النواحي و القري فأشعلوا فيها نيران النهب و الغارة. و أطاعوا القائد قسرا و بني هناك قلعة سميت (بالاسكندرية) …

ثم عاد ظافرا إلي بغداد و تفصيل الحادث كما جاء في تحفة الكبار في أسفار البحار:

هو أن أنحاء واسط كانت و لا تزال تقطنها العشائر، و أن (ابن عليان) يتولي رياستها منذ أمد، و كان يبدي الطاعة للدولة مرة، و يعصي أخري، و بعد جلوس السلطان سليم الثاني أظهر ابن عليان العصيان.

و كان قد ولي بغداد اسكندر پاشا الجركسي الذي هو عارف بتلك الأنحاء، كان أمير أمراء ديار بكر لمدة خمس عشرة سنة. فاختارته الدولة للقيام بهذه المهمة، و دفع الغائلة التي قام بها ابن عليان، و عهد إلي مظفر پاشا بإيالة (شهرزول) أو شهرزور فأمر أن يلحق به عسكر الأكراد، و عهدت القبطانية إلي جانبولاد بك متصرف (كلس).

و في معبر الفرات عند پيره جك تداركت الحكومة 450 سفينة جعلتها أسطولا مائيا حسب الفرمان الصادر و جهزت ألفين من الينكچرية، و مائتين من المدفعية، كما أن الأمير المزبور جهز جيشا من العرب و الأكراد هناك يبلغ ستة آلاف ليكون في هذه الحملة، فوضعت المهمات و المعدات في السفن المذكورة، و سارت في 4 المحرم سنة 975 ه- 1567 م نهض الجيش و الأسطول من پيره جك، فوصل إلي (بالس)، و بعد الاستراحة يوما أو يومين مضوا في طريقهم فمروا ب (جعبر)، و (الرقة)، و (صفين)،

و (الرحبة)، و (عانة)، و (حديثة)، و (هيت)، و (الفلوجة). و في الفلوجة هذه استراحوا بضعة أيام. ثم مضوا في طريقهم إلي الحلة و هناك أقاموا مدة شهرين للاستراحة بأمل أن يزول الحر، و يحل زمن البرد.

و من جهة أخري إن الوالي اسكندر پاشا كان قائد القوي البرية،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 133

فنهض من بغداد أيضا و سار في طريقه للمحل المطلوب. أما الأسطول فقد تحرك من الحلة إلي لواء الرماحية و السماوة، و في طريقه مر بنهر (أبو كلبين)، اجتاز من صدره، و من هناك مضوا حتي وصلوا إلي ملتقي النهرين (دجلة و الفرات)، جاؤوا إلي محل في رأس الجزائر يقال له (صدر الدار)، و العشائر هناك حاولوا الدفاع، و اتخذوا متاريس، و لكنهم حينما رأوا الأسطول تركوها و مضوا إلي جهتهم. و كانوا قد ذهبوا إلي جزائر الشلب في أسفل من هذه.

و من ثم اجتاز الجيش بسهولة، و لم يدخل حربا. فاتصلوا حينئذ بجيش اسكندر پاشا قرب قلعة (زرتوك)، و هناك وافت نحو 150 سفينة فالتحقت بالأسطول أيضا أتت من بغداد من طريق (دجلة)، و من هناك مضوا إلي الداخل إلي (صدر الدار)، و بنو قلعتين متقابلين في كل جانب و وضعوا بهما قوة، ثم مضوا إلي قرب (زرتوك) فبنوا قلعتين أخريين كل واحدة بجانب و هكذا مضوا إلي جزيرة مشهورة يقال لها (صدر البحران)، و هناك تجمعت الجيوش العربية و وضعوا المتاريس فيها، و من ثم و بلا توقف باشروا الحرب، و من قواد الجيش (جانبولاد) تمكن من الوصول إلي الساحل، هاجم هؤلاء ببسالة، فكان إقدامه مشكورا مما أدي إلي انتصاره و تبعثر جيش العرب، و قتل منهم ما لا

يعد من النفوس. و كذا مات في هذه الحرب جملة من رجال الترك المشاهير.

و بعد أن تمت الهزيمة بنيت قلاع متقابلة أيضا. و في هذه المواطن لا يظهر البرد و في أكثر الجزائر نشاهد القلاع مبنية مثل هذه. و لكن الحرب لم تنقطع مع العرب بل بقيت مستمرة، لا هوادة فيها. و لما كانت عيشة العشائر علي النخيل، و ما يتحصل منها، اضطرت القوة إلي قطع هذه النخيل جميعها، و بذلك أذعنوا و قدموا الطاعة فأظهروا أنهم يسالمون الحكومة، و لكن لا ثبات في أقوالهم، فلم يلتفت إلي ذلك. و كأنهم في ذلك يحاولون القضاء عليهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 134

كانت الهجومات و الحروب تتكرر بعد ذلك من الطرفين و وقعت حروب دامية جدا، فانفل جيش العرب، و قتل أكثرهم. و لما تمت القلاع تأهب الجيش للوصول إلي ابن عليان للحرب و حينئذ جاء ابن أخيه يرجو الصلح، و المفتي هناك (محمد الحارث) جاء معه أيضا، و في الديوان المنعقد من جانب اسكندر باشا طلبوا ذلك فخلع عليهم الباشا بخلع ثمينة، و في الديوان الثاني (الجلسة الأخري) قيل لهم إن ابن عليان إذا كان صادقا في طلب الصلح وجب عليه أن يؤدي في كل سنة لخزانة البصرة خمسة عشر ألف دينار ذهبا، و أن يترك رهائن في البصرة جملة من أولاد الشيوخ، فقبل السفراء ذلك و ذهبوا. و بهذا تم تسخير الجزائر جملة، و نهض الجيش و الأسطول من هناك فوصل إلي المحل المسمي (صاعبة)، فجاء حينئذ أخو ابن عليان مير سلطان بخمسين سفينة فأظهر الطاعة و الانقياد، و في هذا المحل وافي أسطول البصرة المتكون من تسعة أغربة مع علي باشا فالتقوا

هناك، فنزلوا قلعة (فتحية)، و من ثم جاء السردار من البر و كذا وافي شيوخ الجزائر و رؤساؤهم إلي الباشا، و أعطوا الرهائن، و أطاعوا و لكن عرب (نهر الطويل) مقابل قلعة الرحمانية لا يزالون علي عنادهم و تصلبهم، و لم يلبوا الدعوة، و أن رئيسهم (فضل) لم يأت إلي الوزير ليبدي طاعته. و من ثم سارت إليه الجيوش، و طالت المحاربات معه نحو خمسة أيام، فهلك من العربان هناك ما لا يحصي، و تشتت الآخرون فانتهب الجيش عيالهم و أموالهم، و أحرق قراهم، و قطع أشجارهم (نخيلهم).

و في محل اجتماع ثلاثة أنهر بنيت قلعة، و قطعت المياه عنهم.

و من ثم أعطي لواء بواب إلي مير سلطان. و في أوائل رمضان عاد الأسطول إلي بغداد، و أذن للجيش بالإجازة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 135

هذا ما قاله كاتب چلبي، و لم نر هذا التفصيل في غيره، و لكن من المؤسف أننا لم نعلم العشائر الموجودة آنئذ، و لم نقف علي أخبارها منه، كما أنه عد هذه الوقعة من الوقائع البحرية، و هي أول تجربة للأنهر استعان بها الجيش للقضاء علي غائلة العشائر، و أبدي أن المحاربة النهرية لم تكن خارجة عن (أسفار البحار)، و قد تدعو الحاجة أن تتكرر أمثالها، و سمي هذه الجزائر ب (جزائر شط العرب) و من ثم نعلم أن الجيش استفاد من الأنهر لدفع الغوائل الداخلية و القضاء عليها، فربح القضية من هذه الطريقة و لكن لم يكن ربحا حقيقيا فقد رأوا من العرب ما رأوا … و ابن عليان هذا من أمراء طيي ء.

سبق في تاريخ العراق ذكر ابن عليان من أمراء الجزائر و أنه من طيي ء القبيلة المعروفة،

و لم تتغير سلطة آل عليان إلي تلك الأيام.

في مجموعة مخطوطة في (خزانة جامع الخلاني) أن الوالي اسكندر باشا كتب كتاب تهديد إلي الأمير علي و محمد بن الحارث و جعفر الدجيلي و سائر مشايخ (معوية) كذا يحذرهم بطش الدولة و عواقب العصيان، فأجابوا أنهم مستعدون للحرب، لا يهابون احدا و ليس في الكتابين تاريخ.

شمسي البغدادي:

لم يعين تاريخ وفاته بالضبط إلا أنه توفي بعد سنة 975 ه فإنه في هذا التاريخ كان حيا و قد ترجمه ابنه عهدي البغدادي فقال:

«من أهل العلم، و والد راقم هذه الحروف (عهدي البغدادي)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 136

مشغول ليل نهار بالمطالعة للكتب المتداولة … و اختار القناعة فاعتزل الخلق، و صار يدعو للسلطان بالعز و الرفعة و نظم باسم السلطان ثلاثة دواوين علي بحر المثنوي. و كل منها مقبول لدي فصحاء العصر، وفاق به فحول الشعراء، و له قصائد في نعت الرسول و الأئمة الكرام. و له ديوان في الغزل معتبر عند أصحاب العرفان. و كان ممن ملك أزمة البلاغة فانقاد له البيان. و صار يعد في مقدمة الأدباء الأفذاذ …» اه و أورد له بعض المقطوعات الشعرية في الفارسية و التركية، منها:

منجم گر شمارد اختران دائم رقم گيرد أگر روي ترا بيند حساب از ماه كم گيرد

و گر حسن خطت را خوش نويسي در نظر آرد محالست اينكه أز حيرت دگر دستش قلم گيرد

إلي أن يقول:

سيه چشمان بغدادي بشمسي رهنمون گشتد كه در ملك عرب سازد وطن ترك و عجم گيرد

و معناه: أن المنجم أو الفلكي المنهمك بحساب النجوم و المتوغل في تعدادها دائما، لو رأي طلعتك لما تمكن من الحساب و لغلط حتي في البدر

و عده ناقصا. و لو أن الخطاط المتقن الخط شاهد خط محياك لاستحال عليه أن يمسك بالقلم لما أصابه من حيرة و ذهول. إلي أن يقول: إن سود الحدق من البغداديين (يريد العرب الموصوفين بنجل العيون) اهتدوا بشمسي الذي اتخذ بلاد العرب وطنا له في حين أنه من الترك و صار يقتنص العجم.

و قد رأيت له ديوانا باللغة الفارسية في مكتبة كوپريلي قسم الأدبيات رقم 294 سماه (منظر الأبرار) في مجلد واحد بين فيه أنه مغرم بالآداب الصوفية و عاشق لها … و يري أنه ممن تخرج بنظامي و سار علي آدابه … أوله:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 137

بسم اللّه الرحمن الرحيم مطلع پرنو نور كلام قديم

هر كه از و گفت أزل كام يافت دست بهر كار زد اتمام يافت

و فيه مقالات يتخللها حكايات عن الصالحين و غيرهم و فيها ما يتعلق ببغداد. و في خاتمته يذكر اسمه.. و هو بخط ابنه عهدي كتبه في جمادي الأولي سنة 975 و ختمه عهدي بهذا البيت:

دستم بزير خاك چو خواهد شد تباه باري بيادگار بماند خط سياه

و الكتاب من موقوفات الحاج أحمد ابن الوزير الأعظم نعمان و قد نسب لعهدي غلطا. و علي كل مواضيعه تنبي ء عن قيمة الرجل و درجة علمه في إيراده الحكايات عن بغداد و أمرائها و غيرهم … و خط عهدي تعليق جميل و يعد بهذا خطاطا و لم يشر ابنه إلي أن والده قد توفي فالظاهر أنه حي إلي ذلك العهد …

و أولاد شمسي و أقاربه:

1- عهدي ابنه.

2- رضائي ابنه الكبير. مر ذكره.

3- مرادي ابنه الصغير.

و هم من الشعراء و لهم بعض المختارات.

4- رندي البغدادي ابن أخي شمسي. و نظمه

مقبول.

5- عبد الملك البغدادي أبو شمسي.

6- محمد بن عبد الملك المذكور.

و علي كل إن المترجم والد عهدي. و هذا صهر نظمي البغدادي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 138

و الاتصال العائلي موجود و أسرته جماعة و منهم من مر القول فيه و منهم من سيأتي الكلام عليه في حينه.

الوالي مراد باشا:

ثم عهد إيالة بغداد إلي مراد باشا. و هذا لم يبين عنه صاحب گلشن خلفا سوي بناء الجامع المعروف باسمه. و كأنه جاء بهذه المهمة فأتمها كما أتم منارة جامع الكاظمين، و ذهب.

حوادث سنة 977 ه- 1569 م

كتاب من الآستانة

ورد في هذه السنة كتاب من استانبول مؤرخ في 22 شوال سنة 977 إلي والي بغداد في أنه كان قد ورد كتاب الوالي مخبرا أن الأمن و الأمان علي نصابهما، و أنه ساع في تحصيل الأموال الأميرية و توفيرها في حين أن الخزانة العامة الآن في ضرورة إلي المال الوافر سوي أنه من أهم الأمور الحاجة إلي ملح البارود فإذا وصل إليكم الأمر فالسرعة السرعة في إرسال مقدار ثلاثة آلاف قنطار منه و لزوم تحميله علي الإبل و إيصاله بهمة زائدة..

و في هذا ما يعين الحالة و العلاقة معا.

حوادث سنة 978 ه- 1570 م

جامع المرادية

بني الوالي هذا الجامع و أجري له الاحتفال. عمر في محلة الميدان و قد أرخه الشاعر فضلي ابن الشاعر فضولي فقال:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 139

السفن البحرية الحربية- كتاب مصور أسفار بحرية عثمانيه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 140

سلطان جوان بخت سليم أول شه عادل كم در كهنك خادميدر چرخ معلا

أول سرور إسلام خداوند ممالك داراي عبادتكه دين و ملجأ دنيا

بغداده بر أهل كرمي ايلدي والي كم قلدي انوك همتي بو مسجد انشا

پاشاي فلك قدر مراد اولكه أزلدن لطف ايتمش اكا عز و علا حضرة مولي

فضلي ديدي بو مسجد ايچون صدقله تاريخ كل مسجده اي پاك مراد ايله تمني

و ذلك سنة 978 ه. و الملحوظ أن هذه التعميرات كانت من مالية الوقف و كانت تصرف علي المساجد و سائر الأعمال الخيرية. و بهذه التسميات الجديدة تغيرت معالم الأوقاف القديمة و لم يعد يعرف ما كان هناك من مساجد و ما كان أصلها لنعرف الصلة بالماضي و مؤسساته.

و الغاية في الحقيقة مصروفة إلي إزالة تلك المعالم و إظهارها بشكل عليه طابع القوم. و إن

الجامع المذكور لا يزال معروفا بهذا الاسم إلي الآن.

فيسمي بجامع المرادية …

و قد أوضحت عنه في كتاب المعاهد الخيرية. و ذكرت ما لحقه من تعميرات و ما جاء من شعر في تاريخه نطق به فضلي بن فضولي البغدادي فكان التعليق في تاريخ مساجد بغداد غير صحيح لظن المعلق أن فضولي و فضلي واحد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 141

جامع الكاظمية:

في هذه السنة تمت منارة هذا الجامع و بذلك تم بناؤه في سنة 978 ه. و كان في 6 ربيع الثاني سنة 926 ه قد أتم عمارة مشهد الشاه إسماعيل الصفوي، و لم يتعين لنا تاريخ بناء الجامع و إتمامه أيام السلطان سليمان و لقد استمر إلي أيام السلطان سليم، فتمت منارته أيام هذا الأخير. ينطق تاريخها بذلك بلسان الشاعر فضلي ابن الشاعر فضولي البغدادي. و ما جاء في تاريخ مساجد بغداد مغلوط في التاريخ، و في الأعلام و الألفاظ. أوضحنا ذلك في كتابنا (المعاهد الخيرية). و جاء التاريخ: (أولدي بو جانفزا مناره تمام) في بناء المنارة سنة 978 ه.

و لم يرد لهذه التعميرات ذكر في گلشن خلفا.

الوالي علي باشا الصوفي:

ثم آلت إدارة بغداد إلي الوالي علي باشا الصوفي. و جاء في سجل عثماني أنه وليها عام 977 ه. و هذا لا يأتلف مع تاريخ بناء جامع المرادية أيام سلفه و الظاهر أنه سنة 978 ه. و ذلك بعد بناء الجامع، أو أن هذا تاريخ التعيين لا الدوام في المنصب. و قال عنه إنه توفي سنة 979 ه و هو من أهالي بوسنة، تخرج في البلاط الملكي، و صار متصرفا في بعض الألوية ثم صار مربيا للشهزادة السلطان سليم و تقلب في عدة إمارات و قضي مدة في معية الشهزادة السلطان سليم و أرسل سفيرا إلي إيران و بعد عودته ولي مصر سنة 971 ه و في سنة 973 ه عزل ثم صار أمير أمراء بغداد و كان عدلا مجتنبا الأطماع، صالحا، دينا. و گلشن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 142

خلفا لم يذكر شيئا من وقائعه و إنما بين أنه ولي بعد مراد باشا و وقف

عند ذلك.

الوالي حسين باشا:

قال عنه صاحب گلشن أنه پتور حسين باشا ولي بعد علي باشا الصوفي، و قال عنه صاحب سجل عثماني إنه من أهالي هرسك و هو (بودور حسين باشا) تربي في البلاط و صار مير لواء ثم صار أمير أمراء بودين و في سنة 979 ه ولي بغداد و في سنة 981 ه صار أمير أمراء مصر و تقلد مناصب أخري و توفي بعد سنة 1003 ه و هو مائل للعدل، مبتعد عن الظلم، رافع للبدع. و بني جامعا في پراجه …» ا ه و نعته في گلشن خلفا بأنه كان رافع البدع و جامع الطرفين. و لم يزد علي ذلك.

الوالي عبد الرحمن باشا:

ولي بغداد سنة 981 علي ما جاء في سجل عثماني و قال عنه:

«كان عالما، ثم صار تذكرجي لرستم باشا، و بعدها نال دفترية مصر، ثم تيمار روم ايلي و إثر ذلك وجهت إليه إمارة بروسه، و مرعش. و في سنة 981 ه حصل علي منصب بغداد و انفصل عنه عام 982 ه ثم توفي» ا ه.

و جاء عنه في گلشن خلفا أنه معروف بتصلبه و خشونته فشاع بين الناس ب (عدو الرحمن). نال الولاية من طريق الكتابة و التحرير. و كانت و فاته ببغداد» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 143

حوادث سنة 982 ه 1574 م

الوالي علي باشا الدرويش

ولي بغداد سنة 982 ه. و هذا الوالي كانت عهدت إليه إدارة الأحساء و ولاية البصرة ثم وجهت إليه ايالة بغداد، و مات فيها. و الظاهر أنه توفي في سنته كما يفهم من تاريخ من أتي بعده.

الوالي الوند زاده علي باشا

نشأ في سلك الأمراء و ولي بغداد سنة 982 ه إثر جلوس السلطان مراد الثالث. و انفصل عنها سنة 995 ه. ثم ولي إدارة نجد و الأحساء و في سنة 1001 ه انفصل من هناك و سكن حلبا و في ربيع الآخر سنة 1007 ه ولي بغداد أيضا، و بعد شهرين في جمادي الثانية توفي و نقل نعشه إلي حلب و كان شيخا جليلا من أهل الثمانين. (كذا في سجل عثماني). و المستفاد من گلشن خلفا أنه أورده في حوادث سنة 984 ه. و لكنه نسب إليه من الحوادث ما جري سنة 982 ه. و قال صاحب گلشن إنه إثر وروده و بأمر من السلطان مراد الثالث عمر جامع الحسين رضي اللّه عنه سنة 984 و مرقده المبارك سنة 991 ه و منارته سنة 982 ه كما أنه عمَّر جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني رحمه اللّه … و يستفاد من نص گلشن خلفا أنه ولي بغداد سنة 991 ه و دام فيها إلي سنة 995 ه … و ليس بصواب بالنظر لتاريخ بناء المنارة.

و هذه المنارة و تعرف بمنارة العبد هدمت قبل بضع سنوات أي قبل الحرب العالمية الثانية في سنة 1356 ه- سنة 1937 م- و لم يبق لها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 144

أثر، و كانت منارة بيضاء بلا كاشي، بنيت في الجهة اليسري من نفس الحضرة.

و الحاصل أن الوقائع لم تردنا مطردة. و علي

كل ندون ما جري علي ترتيب السنين بقدر ما نتمكن من تدوينه علي أن ما ذكره الغرابي في تاريخه يدعو للالتفات فيما يخص جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني.

حوادث سنة 985 ه- 1577 م

حسيني البغدادي

في هذه السنة توفي حسيني البغدادي، و إن الموما إليه كان آباؤه و أجداده من أعيان بغداد، و حصل هو أيضا علي مكانة و غني … إلا أنه مال إلي التصوف و اختار العزلة فقطع العلاقة مع الأمور الدنيوية فتجول كثيرا في الأقطار فاختل عقله. و كان قد نظم في اللغتين الفارسية و التركية وصف بها الجمال و الحسن بأجلي بيان فهو من الشعراء المشاهير ذكره عهدي و أورد له بعض الأشعار و الرباعيات الفارسية و التركية …

و من هذه الترجمة و غيرها يظهر أن عهدي البغدادي قد زاد في گلشن شعرا بعد أن أتمه في سنة 971 ه فمضي به إلي هذا التاريخ.

حوادث سنة 991 ه- 1583 م

عمارة مرقد الحسين (رض) و جامعه

في هذه السنة عمر الوالي مرقد الحسين رضي اللّه عنه و جامعه.

و قد مرت الإشارة إلي ذلك. و ذكرت التفصيلات في (كتاب المعاهد الخيرية). و في كتاب (تاريخ جغرافياي كربلاي معلي) الفارسي بعض التوضيح.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 145

حوادث سنة 992 ه- 1584 م

جاء في كشف الظنون أن الوالي علي باشا غزا المولي سجادا المشعشع في هذه السنة، فكتب نيازي الشاعر كتابا في غزواته باسم (هزنامه علي باشا) و يسمي (ظفرنامه). و الولي سجاد ابن السيد بدران.

ولي سنة 948 ه فأخرجه منها السيد مبارك بن مطلب بن بدران. و توفي سنة 1025 ه- و قيل سنة 1026 ه.

حوادث سنة 993 ه- 1585 م

دفترية عالي أفندي في بغداد

في أواخر هذه السنة نال عالي أفندي دفترية بغداد. و هو أديب كامل و مؤرخ فاضل، صاحب تاريخ (كنه الأخبار) في مجلدات بعضها لا يزال مخطوطا، و له (كتاب مناقب هنروران) و فيه بيان عن الخطوط و الخطاطين و هو أيضا من مشاهير الخطاطين و أمثال هؤلاء الفضلاء تأثروا بالقطر و ثقافته و الأدلة علي ذلك عديدة. و مؤلفاته كثيرة و المطبوع منها (فصول الحل و العقد و أصول الخرج و النقد) و لم يذكر فيه اسم مؤلفه دامت مدة بقائه في الدفترية إلي سنة 994 ه فعزل من بغداد. توفي سنة 1008 ه.

و ترجمه ابن الأمين محمود كمال بك بترجمة ضافية في كتاب مناقب هنروران. و ابن الأمين كان مدير متحف الأوقاف الإسلامية في استانبول رأيته هناك سنة 1934 م، أديب فاضل و له آثار كثيرة. و عالي أفندي عرفنا بخطاطين عراقيين في كتابه مناقب هنروران، و في أوليا چلبي ذكر له بيتين في نخيل بغداد. و الموما إليه تأثر كثيرا بالعراق و كتابه و أدبائه، و نقل الخط و رجاله و دواوين شعرائه و عرف بهم و هكذا فعل في الممالك الأخري مما زاد في الثقافة التركية و أضاف إليها آدابا جديدة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 146

حوادث سنة 995 ه- 1586 م

الوالي جغاله زاده سنان باشا

ولي بغداد و قيادتها للمرة الأولي في هذه السنة. و هذا هو المعروف ب (سنان باشا) و اسمه الأصلي (يوسف). كان قد جاء بجيش عظيم … و إثر وصوله سار إلي محاربة العجم في أنحاء (چمچمال) فساق الجيوش إليها و افتتح قلعتي (بيلور) و (ناور) فانتصر علي العجم و عاد ظافرا …

حوادث سنة 996 ه- 1587 م

دسفول- نهاوند

و في هذه السنة استولي الوالي سنان باشا علي دسفول فافتتحها.

ثم مضي إلي نهاوند فاكتسحها و كانت هذه عاصمة الشاهات. و بعد أن استولي عليها عهد بمنصبها إلي كتخداه محمد باشا و عين لها المهمات و المستحفظين … و توجه نحو همذان و نكل بجيوش العجم كثيرا و دمرهم فعاد إلي بغداد …

و جاء في (عالم آراي) أن چغاله زاده أمير أمراء بغداد ساق جيشا إلي نهاوند و سلب و نهب، و سحب كثيرا من القبائل و العشائر في عليشكر (قطر معروف) إلي جبال اللر فأسكنهم فيها. فأظهر (شاه ويردي) طاعته لحكومة الروم (العثمانيين) و الاتصال بولاة بغداد. و لما تصالحت إيران مع العثمانيين بقي شاه ويردي علي حياله و لكنه أبدي الطاعة لإيران و لم يترك بابا من أبواب الحيل إلا و لجه، و آماله مصروفة إلي أن ينال حكومة إيران يوما … هكذا كانت تحدثه نفسه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 147

جامع الكيلاني- تعميراته:

كان هذا الجامع في الأصل مدرسة لأستاذه أبي سعيد المخرمي.

يقع في محلة باب الأزج. و لكثرة الاتصال بهذا الجامع صارت المحلة تدعي بمحلة الشيخ أو محلة (باب الشيخ). و منارته البيضاء موجودة من أيام السلطان سليمان القانوني. و قد مر الكلام علي تعمير قبة الشيخ عبد القادر الكيلاني.

و من أعمال الوالي سنان باشا تعمير (جامع الشيخ)، و دار السبيل للحضرة الگيلانية ذكر ذلك روحي البغدادي في ديوانه و بين تاريخا لذلك قال:

«جامع أهل دعا جشمه آب حيات».

قال الغرابي في تاريخه:

«و بعده أسس سنان باشا بحذاء القبة- قبة الشيخ عبد القادر الكيلاني- جامعا و لم يتفق له إكماله، و إنما بني منه مقدار ثلثه، و بعد مضي سنوات كمله والي

بغداد علي باشا الوند في العقد التاسع من المائة العاشرة …» ا ه.

و هذا النص يخالف ما في گلشن خلفا، و من غيره تعين لنا أن التاريخ عن الولاة غير متقن و لا مضبوط.

طال أمد تعمير هذا الجامع حتي ظهر بهذه العظمة. فإن قبة المصلي كبيرة جدا لا يوازيها في الأقطار التي رأيتها ما هو بعظمتها وسعتها و جليل بنائها. و يقال إن باطنها قد ملي ء تبنا و عوض به عن معتمد أو مستند للبنائين في صنع تلك القبة و بنائها دون استخدام (الصقالة) أو (السكلة).

حوي هذا الجامع ريازة معتبرة كما أنه جمع خطوط خطاطين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 148

تصلح أن تعد نموذجا لخطاطينا عدا التزويقات و النقوش …

و في الجامع اليوم مدرستان. و يطول الكلام الآن في التوضيح.

و قد فصلنا القول فيه في كتاب (المعاهد الخيرية).

الطريقة القادرية

تكية الشيخ عبد القادر الكيلاني غير منفكة عن الجامع، و إن الدراويش يسكنون الجامع في حجر خاصة، و تاريخ تكونها قديم يرجع إلي تاريخ تكون الطريقة. فهما متلازمان.

و الشيخ عبد القادر الكيلاني كان ورد العراق شابا، و أخذ العلم من مشاهير علماء بغداد. و من أشهرهم المخرمي صاحب مدرسة باب الأزج و كان أكثر اتصالا به، و اشتهر بالوعظ كما عرف بالزهد و التقوي، فصار من العلماء المعروفين، و الوعاظ المقبولين، خلف أستاذه في التدريس بمدرسته فمالت إليه القلوب، و لهج به الناس، و حصل علي الثقة من كافة الطبقات، و يعد سلوكه المرضي، و زهده و صلاحه (طريقة)، عرفت أخيرا ب (الطريقة القادرية) و نهجها اتباع الكتاب الكريم و الحديث الشريف.

و هكذا مال القوم من قديم الزمان إلي أهل الصلاح و التقوي، بحيث صار الناس

يقتدون بهم في زهدهم و صلاحهم، بل روعيت كافة أعمالهم الدينية، و تعبداتهم، فاتخذت نهجا لما نالوه من منزلة مقبولة في النفوس، فصار ذلك منشأ الطرائق … و منها هذه.

عاصر حضرة الشيخ عبد القادر جماعة من الزهاد الأكابر … ثم دخل كثيرون من أرباب الزيغ من غلاة التصوف هذه الطريقة، فأفسدوا الكثير منها و لم يعهد أن ذم أحد الزهد و الصلاح و التقوي إلا أن دخول أهل الابطان بين صفوفهم أخرجهم عن نهجم، و جعلهم (فلاسفة) من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 149

رجال (الأفلاطونية الحديثة) لا من رجال العبادة و التقوي. و البر معروف، و الفاجر كذلك. و لم ينجح الغلاة في التدخل بهذه الطريقة.

نالت هذه الطريقة رغبة لما عرفت بالصلاح و الزهد، و لم يدخلها الغلو المعروف عن الكثيرين من المتصوفة، فلم تعهد فيها النزعة القائلة بالوحدة، أو بالاتحاد، و الحلول، بل لم يتمكنوا منها … و نتناول هنا ما قامت عليه من أصول الزهد و الصلاح …

كان الشيخ عبد القادر عرف بالصلاح، و ذاعت آثاره، و انتشرت في الأقطار و من كتبه (الغنية)، و (فتوح الغيب)، و جاءت ترجمته في كتب عديدة، و بينها ما خلص لذكر مناقبه في الزهد و التقوي و أنه كان مدرسا معروفا، زاول التدريس و الوعظ في مدرسة شيخه المخرمي، و كان من علماء السلف، حنبلي المذهب، و كذلك كان خلفه الشيخ عبد القادر …

و يهمنا أكثر من كراماته، و ما ينسب إليه من خوارق أمر صلاحه و تقواه، و حوادث وعظه و نصيحته للمسلمين، فإن تلك اعتادتها الطوائف لإكبار صاحب طريقتها أو نحلتها … و ما قيمة من يمشي علي الماء، أو يطير في الهواء،

و لا يذعن لقدرته تعالي و طاعته بل يدعي ما انفرد به الواحد الأحد، و يحاول أن يزاحم الباري في قدرته. فجل ما يصلح أن يكون قدوة للمسلمين التزام الشرع، و ما أوصي بمقتضاه، و خلصت عقيدته فوافقت القرآن، و لم تخرج عليه قيد شعرة، بل إن حسن العقيدة و السلوك المقبول إنما يكون في متابعة أوامر اللّه، و ما قرره في كتابه العظيم من اجتناب نواهيه. و هذه هي سبيل المؤمنين، و طريق المسلمين الصالحين المتقين، و يشتركون في اتباع هذه الطريقة. و لا يهمنا عمل الشخص و التزامه أمورا شاقة ليكون قدوة، و إن كانت لا تخلو من حب تفوق.

و يعين طريقته ما مضت عليه في مختلف العصور من تعاليم قويمة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 150

لمريديها، و الراغبين في سلوكها. أخذها شيوخ عن شيوخ، و من هؤلاء يعرف أن شيوخ الجيلي بل أجل شيوخه أبو سعيد المبارك المخرمي الشمطي الحنبلي، و هو أخذ عن الشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن يوسف القرشي الهكاري عن الشيخ أبي الفرج يوسف الطرسوسي عن الشيخ أبي الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي اليماني، عن الشيخ الشبلي، عن الجنيد، عن سري السقطي عن معروف الكرخي عن علي ابن موسي الرضا عن آبائه حتي الإمام علي بن أبي طالب … و هؤلاء شيوخهم معروفون. لكل واحد شيوخ متعددون لا محل لتعدادهم. إلي أن يتصلوا بالرسول صلي اللّه عليه و سلم.

و من تلقيناتهم:

لا إله إلا اللّه حصني فمن قالها دخل حصني، و من دخل حصني أمن من عذابي.

حديث ينقلونه، و يتناقلونه.

«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ».

و الوصايا بالذكر: «يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلي جُنُوبِهِمْ، وَ يَتَفَكَّرُونَ

فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ …».

و الصلوات الخمس «أَقِيمُوا الصَّلاةَ …».

و محبة اللّه. «وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ».

و هذه وصية الشيخ التي يتناقلونها المؤكدة لمراعاة أحكام الكتاب، أوصي بها بعض أولاده فقال:

«أوصيك يا ولدي بتقوي اللّه و طاعته و لزوم الشرع، و حفظ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 151

حدوده، و اعلم يا ولدي- وفقنا اللّه تعالي و إياك و المسلمين أجمعين- أن طريقتنا هذه مبنية علي الكتاب و السنة، و سهل الصدور، و سخاء اليد، و بذل الندي، و كف الجفا، و حمل الأذي، و الصفح عن عثرات الإخوان.

و أوصيك يا ولدي بالفقر و هو حفظ حرمات المشايخ، و حسن العشرة مع الإخوان، و نصيحة الأصاغر و الأكابر، و ترك الخصومة، لا ترك أمور الدين.

و اعلم يا ولدي- وفقنا اللّه و إياك و المسلمين أجمعين- أن حقيقة الفقر أن لا تفتقر إلي من هو مثلك، و حقيقة الغني أن تستغني عمن مثلك، و أن التصوف حال، لا الأخذ بالقيل و القال، و إذا رأيت الفقير فلا تبدأه بالعلم و ابدأه بالرفق، فإن العلم يوحشه، و الرفق يؤنسه.

و اعلم يا ولدي- وفقنا اللّه و إياك و المسلمين- أن التصوف مبني علي ثماني خصال أولها السخاء، و ثانيها الرضا، و ثالثها الصبر، و رابعها الإشارة، و خامسها الغربة، و سادسها لبس الصوف، و سابعها السياحة، و ثامنها الفقر، فالسخاء لنبي اللّه إبراهيم، و الرضا لنبي اللّه إسحاق، و الصبر لنبي اللّه أيوب، و الإشارة لنبي اللّه زكريا، و الغربة لنبي اللّه يوسف، و لبس الصوف لنبي اللّه يحيي، و السياحة لنبي اللّه عيسي، و الفقر لسيدنا و شفيعنا محمد صلّي اللّه عليه و سلم.

أوصيك يا

ولدي أن تصحب الأغنياء بالتعزز، و الفقراء بالتذلل، و عليك بالإخلاص و هو نسيان رؤية الخلق، و دوام رؤية الخالق، و لا تتهم اللّه في الأسباب و استكن للّه في جميع الأحوال، و لا تضع حوائجك اتكالا بأحد لما بينك و بينه من القرابة و المودة و الصدق، و عليك بخدمة الفقراء بثلاثة أشياء أحدها التواضع، و الثاني حسن الآداب، و الثالث سخاء النفس. و أمت نفسك حتي تحيي، و أقرب الخلق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 152

إلي اللّه أوسعهم خلقا، و أفضل الأعمال رعاية التسري عن الالتفات إلي شي ء يؤذي اللّه. و عليك إذا اجتمعت بالفقراء بالتواصي بالصبر. إن الفقير لا يستغني بشي ء سوي اللّه تعالي.

يا ولدي إن الصولة علي من هو دونك ضعف و علي من هو فوقك فخر، و إن الفقر و التصوف جد فلا تخلطهما بشي ء من الهزل.

هذه وصيتي لك …» اه.

هذه الوصية ليس فيها ما يخالف الشرع، بل كلها تقوي، و أخلاق مرضية و رعاية للسلوك المرضي و تكرار لفظة الشهادة.

جري هؤلاء علي الذكر، و شيخ الذكر يقال له (شيخ الحلقة).

و ليس لديهم إلا ترديد (كلمة الشهادة)، و لا يقصد من ذلك إلا رسوخ التوحيد، و تكرار أمره، و حسن تلقينه و تلقيه.

و إن عاتگة خاتون صاحبة المدرسة رصدت من وقفها بعض الغلة للذكر و شيخ الذاكرين و معه عدد منهم، و الحث علي الوصايا الفاضلة التي تصلح أن تكون سلوكا عاما شاملا.. و في آية فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ما يؤيد هذه الوصايا، و قد اتخذ القوم أعماله قدوة، علي أساس آية و من يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّي.

و هنا نقول إن القوم و أمثالهم من

أرباب الطرق تجاوزوا الحد في الاتباع، و إنما يراد بذلك سَبِيلِ اللَّهِ و ذلك باتباع أوامره و اجتناب نواهيه، و هي سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ يدل علي ذلك آية قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَي اللَّهِ عَلي بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي. فالأخذ رأسا و بلا واسطة هو المطلوب، و هو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 153

سبيل المؤمنين. فلا نعرف سواه حذر أن يشاد أحد في هذا الدين، أو يكلف نفسه بما لا يطيقه عامة المسلمين فالانقطاع إلي اللّه مقبول ممن كلف نفسه و رغب في ذلك، و اتباع أمره مرضي أيضا في لزوم الأخذ بما خلق المرء لأجله فلا يمنع من ملاذ الحياة المشروعة. نقل القرآن عن عباده المؤمنين دعاءهم:

رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَ قِنا عَذابَ النَّارِ و جاء في أخبار عديدة منها «كل ما ليس عليه أمرنا فهو رد»، و يدل علي التزام الشرع فإذا كان الشيخ رحمه اللّه، و رضي عنه سار علي طريقة المؤمنين، و هي الدين القويم المبين في القرآن الكريم، فلا ريب أن يدعو إلي هذه الدعوة، و أن يسير كل مسلم علي هذا و لن يشاد أحد في هذا الدين إلا غلبه، فلا شك أنه لا يتأخر لحظة عن اتباع القرآن الكريم، و من يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّي …

نعوذ باللّه من الخروج عن جادة الصواب و الغلبة، و في هذه الأيام شاع في اتباع هذه الطريقة من خرج عن الصدد و زاغ عن الطريق السوي، فصارت متابعة الطريقة أشبه بالخروج عن الإسلام لما دخلها من بدع و شذوذ مما لم يؤثر عليها. نعوذ باللّه من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا. تكلمت في

(عشائر العراق الكردية) عن الطريقة. و هي منتشرة في الهند و بلاد الترك و سوريا و مصر و بلاد المغرب …

الأسرة الكيلانية

هذه أسرة قديمة تبتدي ء بحضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني المتوفي سنة 561 ه. جاء بغداد من جيل في لواء كركوك و تسمي گيل أو من گيلان و كان من تلاميذ المبارك بن علي بن الحسين بن بندار المخرمي باني مدرسته المعروفة بمدرسة (باب الأزج) أو (مدرسة المخرمي)، ثم عرفت (بمدرسة الشيخ عبد القادر الگيلاني). و تعد أسرته من أقدم الأسر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 154

العراقية، عرف مؤسسها بالوعظ و التدريس من أيام وفاة شيخه المخرمي المذكور سنة 513 ه، و كان الشيخ حنبليا و يعد من أكابر العلماء في عصره، و جاء ذكر معاصريه في كتاب بهجة الأسرار. و دامت الأسرة إلي اليوم تتولي أوقاف الحضرة القادرية.

و في بغداد منها (آل عبد العزيز)، و (آل عبد الرزاق) من أولاد حضرة الشيخ إلا أن التولية و النقابة كانتا و لا تزالان لهذا العهد بيد (أولاد عبد العزيز) ابن الشيخ. و في هذا العهد أصابتهم نكبات من الدولة الصفوية، و ترك الكثيرون منهم بغداد، ذهبوا إلي مختلف الأنحاء إلي حلب، و إلي الشام و مصر، و إلي استانبول.. و كان ذلك في أيام دخول الشاه إسماعيل بغداد سنة 914 ه.

كان تأثيرهم علي العالم الإسلامي كبيرا و كلمتهم مسموعة في بيان فظائع الصفويين. و الحق أن هؤلاء لم يمنعهم حنقهم من الوقيعة و النكاية بالمسلمين لأغراض مذهبية.

و من مشهوري الأسرة جماعة ذكرهم صاحب قلائد الجواهر منهم الشيخ شمس الدين و الشيخ زين الدين، و هم من آل عبد العزيز أهل التولية و النقابة في الوقت

الحاضر. و في خلال المدة بين حكم العجم و العثمانيين لم تنقطع علاقة الأسرة بالحضرة الكيلانية مما يتعلق بإدارة المدرسة أو الجامع، و التكية القادرية. فهم شيوخ الطريقة تؤخذ عنهم و معروفون بالعلم أيضا.

و كل ما عرف من أحوالهم في هذا العهد ما جاء منصوصا عليه في قلائد الجواهر. و أشرنا إليه في تاريخ العراق. و لا نمضي دون بيان أن الموقوفات الموجودة التي يتمتع بها آل الگيلاني كانت من موقوفات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 155

السيد الشيخ شمس الدين الكيلاني و السيد الشيخ زين الدين الكيلاني من أسرة الشيخ عبد القادر من أولاد عبد العزيز ابنه في هذا العهد، و قد أنعم السلاطين العثمانيون إنعامات كثيرة في إعفاء الموقوفات من التكاليف و الرسوم الأميرية بل وقفوا عليها الرسوم وقفا إرصاديا، و جعلوها للحضرة القادرية.

و أما أسرة عبد الرزاق منهم فإنها لم تكن لها نقابة و لا تولية في العهد الذي نكتب عنه، و لم تنل مكانة إلا بعد هذا التاريخ، فقد زاحموا أولاد عبد العزيز و نازعوهم النقابة، فتولاها كثيرون منهم، و في أيام الوالي محمد نجيب باشا سنة 1261 ه عادت النقابة و التولية مستقلة إلي السيد علي ابن السيد سلمان النقيب من آل عبد العزيز، فاستقرت فيهم و لا تزال إلي اليوم غير مزاحمة لطول عهدها بالتولية و النقابة …

و عرف من أسرة (عبد الرزاق) السيد علي، و السيد عبد الرحمن، و السيد عبد العزيز، و السيد رمضان، و السيد محمود بن زكريا و غيرهم.

و أما أسرة عبد العزيز فقد عرف منها السيد علي ابن السيد سلمان، و ابنه السيد سلمان ثم ابنه السيد عبد الرحمن، و السيد محمود حسام الدين

ابن السيد عبد الرحمن، و السيد عاصم. و هو نقيب الأشراف اليوم ابن السيد عبد الرحمن، و متولي الوقف القادري و كان قد زاحمه في التولية فخامة السيد رشيد عالي الكيلاني. فولي الوقف مدة.

و للتفصيل عن الأسرة الگيلانية موطن آخر.

عزل الوالي سنان باشا:

ثم طوي ذكر هذا الوالي و سماه صاحب سجل عثماني (چغاله زاده سنان يوسف باشا) و هو اسم و لقب جمع بينهما و قال: «هو من بوسنة، ابن قبطان الفرنك چغاله. أخذ والده في عصر السلطان سليمان و تربي في البلاط و نال مناصب عديدة منها ولاية بغداد، و قبطانية البحر و آخر ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 156

عهد إليه سردارية العجم فتوفي بتاريخ رجب سنة 1014 ه. و كان محاربا جسورا، و له ابن اسمه محمود باشا».

دامت ولايته إلي سنة 998 ه فعزل.

الوالي قاضي زادة علي باشا:

ولي بغداد سنة 998 ه، و بعد أن عزل حصل علي منصب بودين و هكذا تقلب في مناصب عديدة و توفي سنة 1032 ه و كان صادقا، متدينا، عاقلا.

و هذا لم يذكره صاحب گلشن خلفا. و إنما مضي رأسا إلي چغاله زاده سنان باشا. و الحال أن روحي البغدادي ذكره في ديوانه ص 15.

و من الغريب أن مرتضي آل نظمي لم ينقل من ديوان روحي البغدادي، و لعله لم يصل إليه. و جاء في روحي البغدادي تاريخ ولايته و تصادف هذه السنة التي ذكرها صاحب سجل عثماني. و تاريخه:

«علي پاشا عادل حامي ء دار السلام أولدي».

قضاء بغداد:

في هذه السنة ولي (قضاء بغداد) رضوان أفندي و هذا جعل الملا غانما البغدادي مدرسا في المدرسة المستنصرية.

حوادث سنة 999 ه- 1590 م

جغاله زادة سنان- ولايته الثانية:

في هذه السنة ولي بغداد چغاله زاده سنان باشا مرة ثانية و كان كاتب ديوانه (حسن أفندي) و لروحي البغدادي قصيدة في مدحه أطري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 157

فضله و تفوقه في الشعر و الكتابة … و إن الوالي سنان باشا رأي العجم استعادوا نهاوند فتقدم نحوهم و سار إليهم فافتتحها و كان جيشه متكونا من عسكر بغداد و قليل من عسكر شهرزور و من ثم عين لها أمير أمراء، و جيشا و قام بما لزم لتنظيم إدارتها. و في هذه الأثناء كان حاكم لرستان (شاه ويردي خان) و هذا أصابته من الوالي ضربة موجعة كما أن هذا الوالي أسَرَ حاكم همذان قورقمز خان و عاد منصورا، قص ذلك كله في كتاب عرضه لدولته و نقله صاحب گلشن خلفا. مدحه روحي البغدادي بقصيدة في فتح نهاوند و بأخري رحب بها بقدومه …

خان جغان و القهوة و السوق:

و بعد أن أتم حروبه مع العجم عاد إلي بغداد بالغنائم. عمر فيها خانا و قهوة و أسواقا في أطرافهما. قال صاحب گلشن و لا يزال هذا الخان معروفا (بخان چغاله زاده). مدحه عليه شعراء ذلك الزمن بأشعار تركية. و أقول كان هذا الخان قائما و يسمي خان الصاغة أو (خان جغان) بتحوير طفيف في أصل اللفظ و لكنه في سنة 1348 ه- 1929 قلع من أصله و بني مجددا و اتخذت فيه أسواق لبيع الأقمشة الحريرية و ما ماثلها و لم يبق منه للصاغة إلا قسم قليل. امتلكه السيد مناحيم دانيال صاحب المبرات العديدة و الصديق السيد صالح قحطان المحامي و شركاء آخرون.

و كان كتب علي بابه حين بنائه:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 158

خارطة المواقع التي مرّ بها

سيدي علي رئيس من البصرة إلي بر العرب فالهند

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 159

«عمر هذا الخان و ما فيه من البنيان في أيام دولة السلطان ابن السلطان مراد خان خلد اللّه ملكه و سلطانه و أفاض علي كافة العالمين عدله و إحسانه 999» ا ه.

و الملحوظ أن ذلك كان أيام السلطان مراد الثالث، و هو بخط الخطاط العراقي صاحب الثلاث تسعات عبد الباقي المولوي المعروف (بقوسي) و كانت هناك كتابة تركية زالت معالمها و لم يبق إلا ما ذكر مما عثرنا عليه. أوضحت في (تاريخ الخط العربي في العهد العثماني) عن خطاطه.

و أما القهوة فهي الآن الخان المسمي ب (خان الكمرك) و كانت عليها كتابة إلا أن هذه نقلت إلي دار الآثار في القصر العباسي. و هي أبيات تركية ذكرها صاحب گلشن خلفا.

تكية المولوية في بغداد:

هذه التكية تسمي (المولاخانه) أيضا. و الآن تعرف بجامع الآصفية. عمرت في أيام هذا الوالي سنة 999 ه عمرها محمد چلبي كاتب الديوان في بغداد. و هذا يأتي الكلام عليه عند بيان وقائع أحمد الطويل.

تضاربت الأقوال في أصل هذه التكية المسماة في هذه الأيام بالمولاخانه، و في تاريخ تأسيسها. و جل ما تحققناه من نصوص عديدة أن هذه التكية كانت تسمي (رباط دير الروم). و هي من بناء الخليفة المستنصر باللّه العباسي، و تقلبت بها الأحوال حتي صارت تعرف ب (تكية المولوية). و ما جاء في تاريخ الغياثي عن القلندر خانة يستبعد أن يكون هذا المحل مع أننا ظننا أنها قد صارت قلندر خانة (تكية). أوضحنا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 160

ذلك في المعاهد الخيرية. ثم صارت (جامع الآصفية) و التسمية الأخيرة لداود باشا فإنه عمرها فأضيفت إليه باعتبار

أنه آصف وقته.

ذكرنا ما جري عليها في أيامه و أوضحنا الوثائق التي دعت إلي تعميرها.

و محمد چلبي باني التكية لم يعرف عنه شي ء غير قتلته ابن الطويل، و أنه كان كاتب الديوان، و لو لم يتعرض لقتلة الوالي المتغلب لما عرف بل كان في عداد المهملات. و مما علمناه أن (الخطاط قوسي) كان قد كتب لوحا في التكية سنة 999 ه، مما يعين أن هذه التكية كان بناؤها سنة 999 ه. و هذا تاريخ تجديد بنائها من محمد چلبي المذكور.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 161

و الملحوظ أن هذه التكية تخرج منها خطاطون عديدون بل أساتذة أكابر من شيوخها كان لهم الذكر الجميل في جودة الخط و إتقانه. و قد تعرضنا لذكر جماعة منهم في كتابنا (تاريخ الخط العربي في العراق).

و سنتناول بعض المعروفين في الطريقة خاصة و في مواهب أخري.

الطريقة المولوية

و لما تعين لنا بناء تكية هؤلاء المتصوفة في بغداد لزم أن نتكلم في أصل هذه الطريقة و كيف نالت شهرتها في المملكة العثمانية مع أنها لم يستقر لها قدم ثابت في بغداد و لم تنل رواجا، و ذلك أن الموظفين الواردين من الآستانة كان كثير منهم ينتسبون إلي هذه الطريقة إلا أنهم لم يؤثروا التأثير الكافي و لأنهم في عزلة، عن الاحتكاك بالأهلين. و من جهة أخري لم تقبلها نفوس الأهلين و مع هذا لا يزال في هذا الحين و بعده بمدة طويلة لها شيوخ تجري علي مراسيم القوم و تقاليدهم المعروفة. لا سيما و قد رأوا من رجالها خدمة لا تقدر …

و المولوية شائعة في بلاد الترك و كان رئيس الإرشاد يقلد السلطان سيفه إثر جلوسه علي العرض و مؤسس هذه

الطريقة جلال الدين الرومي المتوفي سنة 672 ه اشتهر بكتابه (المثنوي) و يحتوي علي أكثر من 47

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 162

ألف بيت. و له ديوان أيضا في ثلاثين ألف بيت. و هو في الأصل من خراسان. ولد ببلخ. و خراسان في الأصل منبع الغلو و كان قد لقن تصوف (فريد الدين العطار) حفظ كتابه (أسرارنامه). و (تصوف الحلاج)، و أخذ عن ابن عربي، و عن القنوي و الغلاة أمثال هؤلاء.

اتصل (بشمس تبريزي) فلم ينفك أحدهما عن الآخر و المتصوفة يقولون إنه كان قد استولي عليه العشق الإلهي (الجذبة). و غيرهم يقول إنه قد تبله الشمس التبريزي حبا و استأسره في عشقه فامتلك مجامع قلبه حتي إنه يقال إن ديوان الشمس التبريزي قاله جلال الدين علي لسانه و نطق باسمه. و يدل شعره علي أنه من الغلاة أرباب نحلة الاتحاد و الحلول من الباطنية. و نبه العلماء علي لزوم نبذه … أما صناعته الأدبية فهي ليست براقية تماما و لكن الرغبة مصروفة إلي ما فيه من غلو و عقيدة باطنية.

يدعو لنبذ التقليد، و طرح العقيدة الموروثة و يريد أن يستميل بهذه إلي طريقته. و هي لم تكن بالأمر الجديد و لا الغريب.

و من وقف علي آراء فريد الدين العطار، و سائر الغلاة عرف طريقة هؤلاء و تلخص في صد الناس عن القرآن الكريم تارة بتأويل أحكامه، و صريح نصوصه إلي ما يخرجها عن معناها، و طورا بتلقين عقائد وحدة الوجود و الحلول و الاتحاد و آونة بترك الفرائض و الرسوم الشرعية بزعم أنها لا تخصهم و أنهم الواصلون فلا تسري الأحكام عليهم و أمثال ذلك مما يدخل في دعوة أهل الابطان … و

لا يترددون في تسمية أنفسهم أنهم من أهل الباطن، و رجال الشرع و الدين من أهل الظاهر. فلا فرق بين هؤلاء و بين فرق الباطنية المتكتمة إلا أنها جاءت بشكل توهم أنها غير تلك. و أما السماع، و الرقص و ما يتعلق بهما من ناي أو عود فإنه تلاعب باسم الدين و لهو لا يرضي به اللّه اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا و غرهم باللّه الغرور. و في (رسالة ناصحة الموحدين و فاضحة الملحدين) للعلاء البخاري ما يبين عن أغراضهم و فيه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 163

رد عليه و علي محيي الدين ابن عربي و الحلاج. و الكتب عنهم و عن أضدادهم كثيرة جدا لا محل لاستقصائها …

و من الكتب المؤلفة في المولوية باللغة التركية (حديقة الأولياء)، منها رسالة خاصة (بالمولوية) و لعبد الغني النابلسي (العقود اللؤلؤية في الطريقة المولوية) كتبه باللغة العربية. و باللغة الفارسية نفس (المثنوي)، و (مجالس سبعه مولانا)، و (مكتوبات جلال الدين الرومي). و هذه كتبت باللغة الفارسية. و المخطوطات و المطبوعات في هذه الطريقة كثيرة جدا.

و هؤلاء توغلوا في المملكة العثمانية، و عمروا تكايا اصطادوا بها كثيرين، و نسبوا لشيوخها تصرفات و كرامات … إلا أن العرب لم تمض عليهم مغازي هؤلاء فكانوا في دائرة ضيقة لم تلبث أن زالت من العراق و لم يبق إلا اسمها …

و هذه الطريقة ثلاث شعب:

1- الچلبية.

2- القلندرية.

3- الددوية.

و في إيران الطريقة الجلالية تنسب إلي جلال الدين نفسه. و عندهم المثنوي لا يعادله كتاب. و هم كثيرون. و طبع المثنوي عندهم مرات.

جامع الصاغة أو جامع الخفافين و مدرسته:

يعرف اليوم ب (جامع الصاغة) أو (جامع الخفافين). و كان هذا الوالي قد عمره. و فيه

لوح كتب لمدرسته سنة 999 ه، و هو بخط الخطاط الشهير في ذلك العهد (قوسي البغدادي) و نصه «إِنَّما يَخْشَي اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ …» لا يزال ناطقا بتاريخه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 164

يعد من الجوامع القديمة. و نسي اسمه الأصلي، فتضاربت الآراء فيه. و الصحيح أنه (مسجد الحظائر) من تأسيس أم الخليفة الناصر لدين اللّه العباسي. و المدرسة في هذا الجامع قديمة. و يرجع تاريخ تجديدها إلي هذا العهد. و اللوح المذكور يشير إلي ذلك. و التعميرات الجديدة من عمل آل الپاچه چي. و التفصيل لا يسعه هذا المقام. و التولية علي الجامع اليوم بيد آل مصطفي سليم.

دار القري:

هذه من عماراته أيضا دامت إلي ما بعد السلطان مراد الرابع.

ذكرها أوليا چلبي في رحلته. و لم يبق لها الآن أثر. قال أوليا چلبي إنها لا تزال موجودة أي في أيامه إلي سنة 1067 ه، و لا شك أنها دامت إلي ما بعد هذا التاريخ.

عزل الوالي:

ثم إن هذا الوالي انفصل عن ولاية بغداد و لم يعرف عنه أكثر من أنه حارب العجم، أراد أن يستفيد من حالة إيران المضطربة فلم يتمكن أكثر مما أشير إليه. و بعودته صرف جهوده للعمارة فبني الخان و توابعه.

و لروحي قصائد فيه مذكورة في ديوانه.

حوادث سنة 1000 ه- 1591 م

والي البصرة

جاء في سجل عثماني ج 3 «أن سنان باشا ولي البصرة سنة ألف و عزل منها سنة 1001 و كان رئيس بوابين أيام محمد باشا الصوقوللي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 165

و قد استشهد في الحرب سنة 1007 ه و هو أمير أمراء مرعش. و هذا لم تتعرض له نصوص التواريخ الأخري.

حوادث سنة 1001 ه- 1592 م

الوالي جعفر باشا

و في هذه السنة قد ولي بغداد (خادم جعفر باشا). قال فيه صاحب گلشن خلفا إنه حكم ايالة تبريز لمدة ثماني سنوات فكانت مساعيه هناك مشكورة، و له حروب مع إيران مشهورة. فأنعم عليه السلطان بمنصب بغداد.

حوادث سنة 1002 ه- 1593 م

عهدي البغدادي

في سنة 1002 ه توفي عهدي الشاعر الكاتب المؤرخ المشهور، ابن شمسي البغدادي المذكور في حوادث سنة 975 ه. و أكثر ما عرف برحلته العلمية إلي استانبول (گلشن شعرا) المسماة (تذكرة أرباب الصفا)، و فيها أبدي من المقدرة و العلم الغزير، و الانتباه القوي في نعوت الأدباء و العلماء، و رجال الدولة باستانبول كما أنه عرف بوالده، و ببغداديين كثيرين. عندي نسخة مخطوطة منها، و كذا في المكتبة العامة باستانبول نسخة أخري. و الترك اليوم يعولون عليها في تراجم المعاصرين ممن عرف بهم.

إن المؤلف ذهب إلي استانبول سنة 960 ه و عاد إلي بغداد سنة 971 ه و اتصل في طريقه بمختلف الطبقات و استطلع ما عندهم من علم و أدب و فضل. عاشر ضروب الناس من أرباب المشارب فلم يترك شيخا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 166

إلا تحري ما لديه و لا شابا إلا سبر نياته، و لا أرباب المناصب إلا أخذ من معارفهم و لا أهل التصوف إلا اقتبس منهم فحصل من المعرفة صنوفا، و من العلوم أنواعا فوقف علي ما عند أهل الدنيا، و ما في خزائن أهل الزهد و التقوي من رجال الآخرة …

وصل إلي استانبول فرأي فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت … و بين أنه لم يتمكن من تدوين كل ما رأي من فضل و أدب جم، و معرفة غزيرة. فكانت هذه- كما قال- عجالة سريعة. و نزرا

قليلا تنبي ء عن معين لا ينضب.

اكتسب ما اكتسبه من مجالسة الشعراء المجيدين، و الأمراء الكرام و من معاشرة العلماء الأبرار، و من مصاحبة أهل الفصاحة و البلاغة من عنادل البيان، و من الاطلاع علي أغاريدهم اللطيفة. كل ذلك بطريق المحادثات، أو المطارحات الشعرية، أو المذاكرات العلمية …

و في هذه كان طالبا متتبعا لازم القوم حتي أتقن لغتهم و تمكن أن يحذو حذوهم حتي صار كأحدهم بل صار فريدا في الشعر …

و في سنة 971 ه دعاه داعي الوطن وحبه من الإيمان فقال في التشوق إلي بغداد:

دل از طوربتان روم چون عهدي پريشانست هواي ديدن بغداد و خوبان عجم دارد

يقول إنه مغرم بجمال الروم إلا أن هوي بغداد و الشوق إليها و إلي الحسن الفارسي ملك زمام لبه و أخذ بمجامع قلبه فمال به. و قال:

- إنني عزمت علي العودة فدونت ما خطر لي من خواطر و ما عن لي عن السلاطين العظام، و العلماء الفخام، و أرباب الدولة و الشعراء الأخيار مما جري في مجالسهم و ما عرفته عنهم و ما اقتبسته من صحبتهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 167

فجعلته في أربع روضات أكتبها حسب الطاقة و أجمعها من أوراق متفرقة …

جعل الروضة الأولي في بيان صفات السلطان العادل و أبنائه ذوي الخصال الجميلة، و الروضة الثانية في علماء زمانه العظام و الموالي الكرام و المدرسين النبلاء، و الروضة الثالثة في الأمراء و الدفتريين و منتخبات أشعارهم، و الروضة الرابعة في مشاهير الشعراء مرتبا لها علي ترتيب حروف الهجاء مع ذكر نتف من أشعارهم.

و في هذه الروضات أورد مقدارا وافرا من شعره … ثم إنه قدم كتابه إلي السلطان متوسلا قبوله. قال:

جمع أيدوب أرباب

نظمي ايتدم أول سلطانه عرض عادت أولمشدر صونر بنده شه دورانه عرض

خاكپايندن بتر مقصودي أرباب دلك نوله صونسه خاكپايه عهدي فرزانه عرض

و المؤلف لم يكتف بذكر رجال الروم و علمائهم بأن تعرض للبغداديين ممن نبغ في أدب أو علم و أضاف ترجمة والده شمسي البغدادي و بعض من لهم به لحمة نسب أو اتصال أدب و كثيرين ممن لا يزالون في خفاء عنا أو لا نعلم عنهم شيئا كثيرا، أو أكثر مما بينه بل لم يقف عند تاريخ هذه التذكرة و إنما زاد عليها. و تجاوز التاريخ المرسوم لها.

و هذه قائمة بأسماء من ذكرهم مع بيان نتف يسيرة عنهم:

1- داعي: بغدادي المولد و في الأصل من الفرس المدرسين. ذكر في كشف الظنون له ديوانا.

2- حقيقي بك: من الأمراء ولد ببغداد و اسمه مصطفي و هو ابن عم عثمان بك ترك بغداد أيام خضر باشا سنة 963 ه لمنافرة حدثت بينه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 168

و بين الوالي و كان (قوللو أغاسي)، و من أمراء الألوية. له شعر في الفارسية و التركية.

3- فكري بك: ولد ببغداد و هو من البيكات الممتازين. أبوه سنان الطويل الذي كان في خدمة السلطان ثم صار واليا ببغداد، و له أشعار في اللغات الثلاث. فقد بين عهدي أحد أولاد سنان باشا المترجم، و لم يعرف له ذكر في المؤلفات الأخري. و سيأتي ذكر ابن سنان الطويل أعني سنان باشا و هو (محمود باشا) الذي تنسب إليه (المحمودية).

4- سليمان أفندي: من العلماء دخل في سلك الحكومة فقام بوظائف كثيرة. ثم صار دفتريا ببغداد. شاعر و أديب.

5- أكرم بك ابن قايتمز بك: من بغداد و أصل نسبه من قره قويونلي. ابن

عم علي باشا والي بغداد. شاعر في اللغات الثلاث صاحب عهدي في الآستانة.

6- محمد بك. من غلمان السلطان سليمان. عين دفتري تيمار اتخذ لقب (فيضي) عنوانا له. مشهور في النظم و النثر.

7- أحمد الحريري من العلماء بغدادي، و هو صوفي مشهور.

8- أحمد ظريف، بغدادي، ينتسب إلي العالم المشهور المولي محمد الشيرازي.

9- آتشي: بغدادي من أرباب الصناعة و هو شاعر.

10- جوهري: بغدادي و هو السيد حسني شاعر أيضا.

11- ابن رفيق: من بندنيج دخل في السپاه ببغداد و هو صوفي شاعر ذهب إلي بلاد الروم عدة مرات.

12- حسيني: من أعيان بغداد و من عشاق المتصوفة. توفي سنة 985 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 169

13- خادمي: بغدادي من محلة قنبر علي شاعر صوفي.

14- ذهني چلبي: بغدادي اسمه عبد الدليل شاعر اشتهر بالموسيقي.

15- روحي البغدادي: أشهر من قفا نبك شاعر معروف اسمه عثمان. رومي الأصل و من مماليك اياس باشا والي بغداد. ولد ببغداد و تزوج فيها. دخل في المتطوعين و توفي سنة 1014 ه و ديوانه مطبوع يأتي ذكره.

16- ضائعي: بغدادي من أهل العلم. ثم مال إلي الشعر بكليته.

17- طرزي: من أهل دزفول. ورد بغداد بأمل السياحة و لكن طاب له الوطن فأقام و هو صديق حميم لعهدي. و يعد من حلالي المشاكل في الآداب.

18- فضولي البغدادي: هو محمد بن سليمان شاعر مشهور في الفارسي و التركي و العربي اشتهرت دواوينه. توفي بالطاعون سنة 963 ه و في كشف الظنون سنة 971 ه. مر الكلام عليه.

19- فضلي بن فضولي البغدادي: شاعر كوالده.

20- كلامي: كربلائي شاعر صوفي كان في الخانقاه في مشهد الحسين (رض) نزعت نفسه إلي التطلع إلي العالم و مشاهدة الأقطار.

يعرف (بجهان دده) و الظاهر

أن آل الدده في كربلاء الآن ممن يمتون إليه و الخانقاه لا يزال في أيديهم. و هم في الأصل من البكتاشية.

21- نادري: بغدادي الأصل سكن الموصل و هو شاعر أيضا.

22- محيطي: من القضاة ولد في جزيرة رودس. و درس العلوم عن بوستان زاده محمد چلبي من الموالي العظام تولي النيابة في الشام و أدرنة و الأستانة أمدا طويلا. و قد تقلب في مناصب شرعية حتي صار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 170

قاضي الفيلق. و له وقوف علي العلوم العربية و شعر لطيف و عين ابنه أحمد أفندي دفتريا لبغداد سنة 996 ه. ذهب لزيارة مشهد الحسين (رض) و نظم قصيدة في الغزل قدمها للحضرة. شعره في الغزل معروف.

و مقطعاته جميلة رقيقة و له (فتح نامه) تتضمن وصف الحروب في الجبهة الشرقية. فكان ممن توطن بغداد.

23- نصرتي: من الفرس توطن بغداد مدينة السلام مدة طويلة و هو ابن أخت المولي الرازي الشيرازي. و كان يحفظ خيار الشعر.

24- و الهي البغدادي: من زمرة أرباب الأقلام. كان من أهل المعارف و العلوم. و سعي سعيه للتحصيل و له شعر لطيف رقيق.

هذا ما أمكن الاطلاع عليه في تذكرة عهدي من بغداديين.

أما عهدي فإنه شاعر أديب و مؤرخ. أما اطلاعه علي التركية، فمما لا نزاع فيه.. و كذلك يقال عن تضلعه في الفارسية. و لا ريب أنه يتقن اللغة العربية. فإنه عاش في محيط عربي.

ذكره مؤرخون عديدون كصاحب (قاموس الأعلام). و (صاحب سجل عثماني)، و (كشف الظنون) في مادة تذكرة الشعراء و (عثمانلي مؤلفلري) و غيرهم و بينهم روحي البغدادي ذكره في ديوانه و أطراه إطراء عاطرا. و كفي أن يعرف كتابه گلشن شعرا.

و يصح أن يعد من أول

السياحين العراقيين إلي بلاد الترك في عهد العثمانيين كتب رحلته العلمية فجاءت بأفضل المطالب و أجل المباحث و إن كانت ليست من نوع السياحات التي تعين موطن الحركة و القيام و القعود و الأيام و الليالي، و لكنه كتب كل ما أراد، و أوضح عن القطر التركي بل عن استانبول إيضاحا لم يسبق إليه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 171

حوادث سنة 1003 ه- 1594 م

الشيخ عبد اللّه الكردي البغدادي:

اشتغل بالعلوم أولا وفاق بها أقرانه ثم غلب عليه الحال و رمي كتبه في الماء و سلك الطريقة، نزل دمشق و عزيت إليه فيها كرامات. كذا قال صاحب خلاصة الأثر و بئس ما فعل. توفي سنة 1003 ه تقريبا.

حوادث سنة 1005 ه 1596 م

البصرة- حكومة افراسياب

مر بنا ذكر ولاة كانوا حكموا البصرة. أكثرهم لا نعلم عنهم شيئا مهما. و من هؤلاء الولاة (علي باشا) حكمها إلي سنة 1005 ه و أن وقائعها خلال الحكم العثماني متقطعة فلم تصل إلينا تامة، بل بقيت في غموض فالمدونات عنها قليلة جدا تكاد تكون معدومة و غاية ما نعلمه أنها بيد المتغلبة و ليس للوالي أمر أو نهي إلي أن انتزعت تماما … أما بعد هذا التاريخ فقد وصلت إلينا وثائق مهمة مثل (زاد المسافر و لكنة المقيم و الحاضر) و (منظومة في آل أفراسياب) في تاريخ وقائعهم الأخيرة و فيها مطالب مهمة، و كذا (كتاب قطر الغمام) و وقائع تاريخية مفرقة في كتب كثيرة كلها تبحث في أيام تغلب هذه الإمارة علي البصرة. أما العثمانيون فلم يتعرضوا إلا لما وقع في أيامهم و لا يهمهم غير ذلك …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 172

و من مطالعة هذه الوثائق تبين أن والي البصرة (علي باشا) باع البصرة بدراهم معدودة إلي أفراسياب و مضي لوجهه و لم يذكر عنه العثمانيون شيئا يستحق التدوين سوي هذه الصفقة الخاسرة.

يقال إن أفراسياب كان كاتبا للجند المحافظ في البصرة. و إن الأهلين قاطعوا و اليهم، و أضربوا عن الاختلاط به أو الرجوع إليه، و بسبب ذلك قلت مداخله و عجز عن القيام بأرزاق الجند و أقواتهم فلم ير بدا أن يبيع البلدة من أفراسياب بثمانية أكياس رومية و كان

الكيس ثلاثة آلاف محمدية علي أن لا يقطع اسم السلطان من الخطبة فرضي بذلك أفراسياب و اشتري البصرة و ذهب حاكمها إلي استانبول سنة 1005 ه.

و من العبث في حال كهذه أن نلتمس لهذا المتغلب أصلا بعد معرفة الطريقة التي توصل بها أو أن نركن إلي الأقوال في ذلك فهو عصامي حصل علي الحكومة و صارت تدعي باسمه (الافراسيابية) أو (السيبية)، و تنسب إليه بعض العمارات مثل (السيب) و لم نعرف عن حاله السابق أكثر من أنه (ديري) نسبة إلي نهر الدير من أنهار البصرة في شماليها، فاستخدم كاتبا للجند إلا أن صنائعه لم يكتفوا بذلك و إنما استنطقوه، أو أخذوا إشارة من بعض أخلافه فبنوا عليها و قالوا إنه من آل سلجوق. و المتزلفون كثيرون في كل حين. و نسبه إلي آل سلجوق عبد علي الحويزي في كتابه (قطر الغمام)، فهو بصري و عندي أنه لما كان بصريا فالافتخار به أولي من إلصاقه بآخرين من الأجانب. و قال الحويزي إن نسبته إلي الدير باعتبار أن أخواله من هناك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 173

و المطلوب بيان أعماله، و ما قامت به أسرته من الحضارة أو التخريبات و لا يهمنا ما يتوسل به رجال هذه الأسرة أو المتزلفون لهم من الانتساب إلي أكبر أسرة، أو أعز قوم، أو أشرف قبيلة في حين أن المؤسس إنما قام بمقدرة ذاتية، و مواهب نفسية. و لم يكن المعول عليه النسب في أصل تسنمهم المكانة الرفيعة.

و المعروف عن هذا المؤسس أنه راعي رغبة الأهلين في الأمور النافعة و نشر العدل و العلم فقوي سلطانه و زادت شوكته فحبب نفسه من الأهلين، و فتح القبان. و كان يحكمه رجل

يقال له (بكتاش آغا) فانتزعه منه و قضي علي نفوذ (حاكم الدورق) و هو بدر ابن السيد مبارك و (حاكم الحويزة) السيد مبارك اللذين صار لهما شأن استفادة من ضعف حاكم البصرة. فلما تمكن أفراسياب قضي علي أمثال هؤلاء أو تمكن من فتح أكثر الجزائر، و كذا امتنع من إعطاء الجوائز إلي السيد مبارك و هي رسوم كان يأخذها و كذا رده عما كان يأخذه من شط العرب من القسم الشرقي منه. و استمرت حكومته لمدة سبع سنوات ثم خلفه ابنه (علي باشا) و لم نعثر علي تفاصيل كافية عن أيامه و علي كل تصادف زمن تأسيس حكومة و تنظيم إدارة فلا يؤمل منها أكثر مما عرف عن والده. و يأتي بنا ذكر حوادثهم في حينها.

حوادث سنة 1006 ه- 1597 م

الوالي الوزير حسن باشا

قال في جامع الدول: «في هذه السنة (1006 ه) خرج خارجي من جانب البصرة يقال له السيد مبارك فاجتمع إليه جمع عظيم من أوباش العرب و العجم فنهبوا البلاد و أفسدوا فيها و لما عرض ذلك إلي الباب العالي وجه ايالة بغداد إلي الوزير حسن باشا بن محمد باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 174

الطويل (الطوپال) و أمر بدفع غائلة الخارجي و أرسل إلي صوبه» ا ه.

و في فذلكة كاتب چلبي في حوادث سنة 1006 ه اختير هذا الوزير لمنصب بغداد في أوائل شهر رمضان من هذه السنة، و صار سردارا علي الأمراء و الجيش في شهرزور و في الحدود لما قام به السيد مبارك من أعمال نهب و إفساد فتجاوز علي أنحاء البصرة، و سواحل الأحساء و حدودها ليقوم بدفع غائلته، و كان أهل تلك الأصقاع استمدوا من شاه العجم، فكان ضرر جيشهم أكبر، فاستعانوا بالدولة العثمانية.

و

في ذي الحجة من السنة المذكورة كتبت الدولة العثمانية لشاه العجم لدفع غائلته إلا أن صاحب الفذلكة أسدل الستار عن النتائج.

و السيد مبارك هذا هو أمير المشعشعين و له ابن اسمه السيد بدر ولي الدورق، و منهم السيد خلف ذكرهم أبو البحر الخطي في ديوانه.

و مثله في تاريخ نعيما. بين أن حسن باشا عهد إليه بوزارة بغداد في رمضان هذه السنة و عين سردارا علي الأمراء و العساكر في بغداد و شهرزور و في الثغور اختير لدفع غائلة السيد مبارك الذي عاث في أنحاء البصرة بجموعه فانتهب قري البصرة و الأحساء و أحدث فيها ضررا كبيرا و أدي إلي قتل نفوس بريئة في القري و القصبات و البنادر فكانت الخسائر فادحة … و زاد صاحب سجل عثماني أنه أي الوالي الابن الكبير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 175

لمحمد باشا الطوپال (لا الطويل) الصوقوللي ولي بغداد سنة 1006 ه و عزل سنة 1012 ه و قتل سنة 1513 ه في حرب قره يازيجي من الجلالية و كان چلبيا، شجاعا، ميالا إلي الأبهة، بني في بغداد (جامعا و رواقا). و له كرسي من فضة يجلس عليه، ذو أزهار و أشجار صناعية …

و في گلشن خلفا أنه سنة 1004 ه عهد إلي الوزير حسن باشا بحكومة بغداد و أكثر التواريخ علي أن ولايته كانت سنة 1006 ه.

و في ديوان روحي البغدادي قصيدة في مدح الوزير حسن باشا.

ليس فيها تاريخ.

حوادث سنة 1008 ه- 1599 م

جامع الوزير

بني حسن باشا الجامع المعروف باسمه و يقال له (جامع الوزير) و لا يزال معروفا بهذا الاسم، و بعد تلك الوقائع عاد إلي بغداد و بني الجامع سنة 1008 ه. مكتوبا عليه بخط قديم أنه عمره الوزير حسن

باشا بن محمد باشا، و (تاريخ الجامع) يعين أن ذلك كان سنة 1008 ه و الظاهر أنه تاريخ تمامه.

و المشهور أن هذا الوزير عمر الجامع من أموال التجار المنتهبة من الأعراب، كانوا هاجموا سفن التجار ثم استحصلت منهم. اختلطت فلم يعرف أصحابها و لم يستطيعوا أن يعينوها و باقتراح منهم علي الوزير طلبوا أن يعمر جامعا بها فعمر هذا الجامع من أموال التجار و سمي باسمه. أنقل هذا الخبر عن المرحوم السيد محيي الدين الگيلاني عن والده المرحوم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 176

فخامة السيد عبد الرحمن أفندي الكيلاني نقيب الأشراف ببغداد.

و هذا نص ما كتب في باب المصلي:

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ. عمر هذا المسجد في أيام خلافة خليفة الرحمن السلطان ابن السلطان، السلطان محمد خان ابن السلطان مراد خان خلد اللّه ملكه و سلطانه. صحب البناء و الإنشاء الغازي الوزير حسن باشا ابن الوزير المعظم المرحوم محمد باشا في سنة 1008 من الهجرة النبوية علي صاحبها أفضل الصلاة و التحية» ا ه.

و الآن لم يبق من هذا الجامع إلا منارته القائمة و رقعته الواسعة.

و لم يعمر بعد. و هذا الجامع لا علاقة له بحسن باشا المذكور في تاريخ مساجد بغداد للأستاذ الآلوسي في صفحة 31 فإن تلك الصفحة في (جديد حسن باشا) الذي مر الكلام عليه باسم (الجامع السليماني).

و أصل هذا الجامع من بناء الخليفة المستنصر باللّه العباسي. و يسمي ب (المسجد ذي المنارة). و في كتابنا (المعاهد الخيرية) تفصيل عنه في ما جري عليه من تعميرات، و ما ورد فيه من نصوص.

كاخ بهشت:

و هذا الوزير مائل إلي استخدام الحشم و الأعوان بحيث

يضارع الملوك في أبهتهم و سائر أوضاعهم فهو معجب بنفسه و معروف بالچلبية و الشجاعة. و لما كان واليا ببغداد اتخذ له سريرا فخما بقيمة أربعين ألفا أو خمسين ألف قرش، سماه (كاخ بهشث) و زينه بأشجار و أثمار من فضة خالصة مما جعل الناس في حيرة من أمره …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 177

جامع الصاغة (مسجد الحظائر)- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 178

ترجمة كتاب مناقب الكردري:

و في أيامه كان مفتي بغداد المولي حسين ابن الحاج حسن الأدرنوي و برغبة من حسن باشا الوزير ترجم إلي التركية مناقب البزازي المعروفة بمناقب الكردري و هو الإمام محمد بن محمد الكردري المعروف بالبزازي المتوفي سنة 727 ه و كتابه المناقب عربي طبع في الهند مع مناقب الموفق. و هذا في أبي حنيفة (رض) و تاريخ حياته.

حوادث سنة 1011 ه- 1602 م

أمير قشعم

أظهر العصيان أمير قشعم فحاربه والي بغداد محمد باشا و انكسر عسكر بغداد. هذا ما ذكره صاحب عمدة البيان في تصاريف الزمان إلا أننا لا نعرف واليا ببغداد لهذا التاريخ بهذا الاسم. نثبت ما ذكره هنا.

و لعل النصوص الأخري تعين ذلك، و كذا ما ذكره عن خان چغاله بين أنه بناه سنان باشا ابن چغاله سنة 1013 ه و هذا ليس بصواب قطعا.

و ذكر أنه بناه للينكچرية.

عزل الوالي:

عزل هذا الوالي. و اختلف في تاريخ عزله. جاء في تاريخ نعيما أنه انفصل سنة 1008 ه و وجهت ايالة بغداد إلي طرنقچي حسن باشا فلم يذهب، ثم وجهت سنة 1009 ه إلي محمد باشا آل سنان باشا.

أما الوزير حسن باشا فإنه قتل سنة 1010 ه. و لم يعرف عنه سوي بناء الجامع، و شراء العرش لإظهار الأبهة و العظمة. كأن أمثال هذه تزيد من خشية الناس له، أو تكبر عقلا، أو ترمز إلي حسن تدبير، أو تعين اقتدارا. و الآراء أمثال هذه موجودة في صنوف من الناس. و ذكر صاحب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 179

سجل عثماني أنه عزل سنة 1012 ه إلا أننا نقطع ببطلان ذلك و الأمر المهم أن صاحب الفذلكة ذكر حربه لليازيجي الجلالي في حوادث سنة 1010 ه فمن المستبعد جدا أن نقبل ما ذكره صاحب سجل عثماني فقد ولي الشام قبل هذا ثم صارت الحرب.

إن حسن باشا بن محمد باشا الوزير ابن الوزير كان نائب الشام.

ولي في مبدأ أمره كفالة حلب، دخلها و لم يلتح أو لم تكمل لحيته، ثم ولي بعدها كفالة الشام سنة 985 ه و عزل عنها و ولي ولاية أناطولي (الأناضول) ثم ولاية أرزن الروم. و كان

الوزير الأعظم فرهاد باشا سردارا علي العساكر العثمانية لغزو العجم فاجتمع به في ولايته المذكورة و وقع بينهما أمور طويلة بسبب أن فرهاد باشا كان بني بعض القلاع في ديار الشرق و دفع حساب كلفته عليها في دفتر و طلب من بقية الأمراء إمضاء ذلك الدفتر فمنهم من أمضاه و منهم من رده و كان صاحب الترجمة ممن رده و عرض علي السلطان أن المبلغ الذي رفع حسابه فرهاد باشا ليس كما ذكر. (و علي هذا) بادر صاحب الترجمة إلي الرحيل فرحل إلي دار السلطنة. (و حينئذ) أقبل السلطان عليه و ولاه الشام للمرة الثانية و كان ذلك في حدود سنة 977 ه و استمر بها حاكما مدة تزيد علي سنتين. ثم عزل و أعيد ثالثا.

و لما عزل صاحب الترجمة عن الشام في هذه المرة سافر إلي دار السلطنة و تقلبت به الأحوال إلي أن صار حاكما في بلاد الروم و استمر هناك و نسبوا إليه في حكومته أمورا لا أصل لها فورد حكم سلطاني بقتله فلم يسلمه العسكر للقتل ثم حضر بعد ذلك إلي جانب السلطنة و بحث عن أصل الحكم الذي ورد بقتله فلم يجد له أصلا. و لم يزل يحاول الخروج من القسطنطينية حتي أعطي ولاية بغداد و ما يليها من بلاد عراق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 180

العرب. فذهب إليها بعسكر جرار و دخلها بأبهة عجيبة و أظهر فيها من الحجاب ما لم يعهد لمثله و لم يزل بها حاكما حتي حدثته نفسه بحفر نهر أخذه من دجلة فأجراه يسقي أماكن كثيرة قيل إن محصولها يزيد في السنة علي عشرين ألف دينار ذهبا. و حدث بينه و بين العسكر العراقي

أمور أدت إلي أن عرض أمرهم علي الحضرة السلطانية فأمروه بالخروج من بغداد فخرج منها خائفا من شق العصا و أقام بالموصل أياما ثم نازلهم منازلة المحارب إلي أن جاءه الأمر بالانفصال بعد أن نهبت جماعته فتوجه إلي ديار بكر فبينا هو فيها إذ بالأمر السلطاني جاءه أن يصير اصفهسلارا (أصله سپهسلار بمعني قائد عام) علي العساكر و يذهب لقتال عبد الحليم اليازيجي الباغي الناجم في نواحي سيواس هو و الطائفة الكيانية.. (فكانت النتيجة) أن قتل في توقات. في سنة 1012 ه.

و قال في (عمدة البيان في تصاريف الزمان) عن حسن باشا ما نصه:

«و هو لما ولي بغداد أجري شعبة من الدجيل، فكان محصولها عشرين ألف دينار» ا ه. ذكر ذلك في حوادث سنة 1012 ه.

و لم يتعرض صاحب گلشن خلفا لهذا الحادث فجاء هذا النص موضحا لما في خلاصة الأثر.

و تاريخ نعيما يفيد أن حسن باشا عين سردارا للقيام بتنكيل عبد الحليم قره يازيجي و الجلالية سنة 1008 ه و لعله تأخر قليلا و ذهب … و هذا هو الأجدر بالقبول، و أن تاريخ العراق غامض من هذه الناحية فلم يعرف بالضبط تاريخ الولاة و لا تاريخ ولايتهم و لا أيام عزلهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 181

و في هذه النصوص كلها ما يوضح الوضع أكثر، و يدل بصراحة علي أن الأخبار جاءتنا مبتورة ناقصة … و قد انكشف نوعا بعض الغموض و إن كان هذا المؤرخ أيضا لم يعين تاريخ ولايته علي بغداد و لا تاريخ انفصاله منها. و لعل الصحيح ما بينه نعيما في تاريخه لاستقائه من المنابع الرسمية.

حوادث سنة 1012 ه- 1603 م

الوالي صارقجي مصطفي باشا

هذا ولي بعد الوزير حسن باشا. و الظاهر أنه طرناقجي حسن باشا

و أن صاحب السجل قال عن صارقجي: «تربي في البلاط فصار رئيس البوابين (قپوچي باشي) ثم نال منصب سلحدار. و في 17 ربيع الأول سنة 1005 ه ولي رياسة الينكچرية، و بعد مدة قليلة ولي إمارة وان، ثم صار واليا علي بغداد. و بعد ذلك انفصل منها و جاء الآستانة توفي في شعبان سنة 1011 ه. و قال مشتهر بسوء الاعتقاد» ا ه. و الملحوظ هنا أن صاحب گلشن خلفا أورد شعرا جاء تاريخه (باغ داد) و من مجموع حروفه يتحصل لنا تاريخ (1012) ه و نراه الصحيح اللائق بالقبول و هذا هو والد محمد باشا الطيار. توفي ببغداد و دفن في الأعظمية و ابنه كانت له الأعمال المجيدة في تسهيل الفتح.

وفاة افراسياب:

في هذه السنة تخمينا توفي أفراسياب مؤسس الإمارة الأفراسيابية في البصرة ذكرنا أعماله و بينا أنه كان همه مصروفا إلي تثبيت الملك و تقوية دعائم الاستقلال في البصرة. أما خلفه ابنه (علي باشا) فقد وجد البناء ثابت الأساس فحول وجهه نحو العلوم و الآداب فنالت في أيامه نشاطا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 182

ابن الطويل:

جاء في تاريخ (عيون أخبار الأعيان) في وقائع سنة 1012 ه ما نصه:

«في هذه السنة- سنة 1012 ه- 1603 م ظهر في بغداد محمد بلوك باشي بن أحمد الطويل و استقل بحكومتها، فسار لإزالته والي ديار بكر نصوح باشا مع أربعين ألف مقاتل فبرز إليه ابن الطويل، فتصافا خارج بغداد، فكان الفرار نصيب نصوح باشا. ثم إن كاتب ابن الطويل محمد أفندي دبر قتله بيد زوجته، فجلس مكانه أخوه مصطفي بك …

فأرسل السلطان لإزالته الوزير محمود باشا ابن جغال» ا ه.

و من هنا يفهم أن تاريخ ظهوره في تلك السنة و أن مصافه، و مقاتلته نصوح باشا كان في سنة 1015 ه.

قال في گلشن خلفا:

«كان بلوك باشي أي رئيس كتيبة الخيالة و بسبب سوء إدارة الحكم تغلب و حكم بالاستقلال …» ا ه.

و الملحوظ أن صاحب گلشن خلفا ذكر هذا الحادث سنة 1017 ه، و بين أنه انتصر علي نصوح باشا بسبب خيانة السكبانية.

و إن محمد چلبي باني تكية المولوية غدر به فقتله و نصب أخاه مصطفي مكانه. و لعل واقعة نصوح باشا كانت في تلك السنة التي ذكرها صاحب گلشن خلفا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 183

حوادث سنة 1014 ه- 1605 م

روحي البغدادي

أصل نسبه من الروم إلا أن والده كان من مماليك أمير أمراء بغداد اياس باشا، التحق بجيش المتطوعين ببغداد، و أن ابنه روحي و اسمه عثمان ولد ببغداد فنعت بالبغدادي و أن خلقه مرغوب المحبين، و وجوده طاهر، و ذهنه مستقيم قوي، و بلاغته روضة أريضة، و له نظم جميل منعش، و معرفة لا توصف … غني بالشعر فبرع فيه. و صار يغرد فيه الأدباء فله طبع شعري لا يزاحم، و فيه رقة لا تقدر …

اتفقت الكلمة علي حلو ألفاظه، و حسن انسجام أسلوبه سواء في التركية أو في الفارسية فقد برع في النظم باللغتين … و قد طبع ديوانه التركي سنة 1287 ه كما أن عهدي أورد له جملة من المختارات. نال شعره رغبة فائقة و لا يزال معتبرا حتي أيام عهدي دون عنه في تذكرته. أورد له ضيا باشا في كتابه (خرابات) موشحه المسمي ب (تركيب بند) و عارضه بآخر مثله.

و قال فيه صاحب (قاموس الاعلام) إنه شاعر جذاب، و من مشاهير شعراء القرن العاشر و تركيب بنده مشهور معتبر. و له ميل إلي السياحة يتجول دائما. ذهب مرة إلي الاستانة ثم مضي إلي قونية و منها إلي الشام فتوفي هناك عام 1014 ه.

و قال صاحب خلاصة الأثر: «روحي الشاعر البغدادي المشهور، كان من أعاجيب الدنيا في صنعة الشعر التركي، له التخيلات اللطيفة، و الألفاظ الرشيقة، و ديوانه مشهور، يوجد كثيرا بأيدي الناس و كان علي أسلوب السياح، و له في سياحته ما جريات و وقائع كثيرة، و استقر آخر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 184

أمره بدمشق … كانت وفاته سنة 1014 ه» ا ه.

و لا مجال لذكر ما قيل فيه سوي أننا نقول مع الاعتراف بقدرته الشعرية إنه تصوفي بكتاشي كما يستفاد من قصيدته (قصيده حقيقت انگيز) و من عرف مرامي القوم يقطع بأنه من الحروفية … و لا شك أنه حفظ لنا بعض الوقائع التاريخية و عين لنا أن هناك ولاة لم يذكرهم المؤرخون مثل سليمان باشا حاكم بغداد فإنه مدحه في قصيدة و لم نقف علي ترجمة له … و المهم أكثر في ديوانه أنه عرفنا بعصبة أدب و شعر ليس في أيدينا من

آثار توضح عنها، و ذلك أنه كتب قصيدة من الشام أرسلها إلي رفقائه في بغداد يسأل عن كل واحد منهم. خاطب بها النسيم فجعله رسوله إليهم … حفظ بها ما اندثر أو كاد يندثر.

و ممن ذكرهم (في تلك القصيدة الأدبية):

1- كشفي: أمير الكلام و زبدة الأفاضل.

2- طبعي: صاحب ديوان. و له طبيعة عالية.

3- داعي: ظهير أهل الكمال، و مقري ء القرآن. و هذا مذكور في گلشن شعرا لعهدي البغدادي.

4- فيضي: ذو الذوق، و صاحب الفيض من رجال عهدي.

5- حسن بك الدفتري: لروحي قصيدة في رثائه …

6- أحمد الحريري: من رجال تذكرة عهدي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 185

7- عبد الرحيم: الفائق في الفارسية القديمة.

8- سلمان: الذي ليس له نظير في الفارسية. من رجال التذكرة.

9- كلامي: في كربلاء، منطيق بارع، و عارف وحيد في العالم.

مر في التذكرة.

10- مهدي: عندليب روضة العرفان. الماهر في الغزل.

11- فضلي: مؤرخ الكون. و الظاهر أنه بقي حيا لما بعد عهدي و روحي.

12- رندي: أستاذ في فنون الشعر، نابغة في اللطائف.

13- خاكي بك.

14- طرزي.

15- منلا شريف: شريف الذات و خطاط ماهر.

16- أميني: من المغرمين بفغاني، و له مباراة لقصائده.

17- جوهري: له في المآسي، و البكاء علي جور الزمان. من رجال عهدي في تذكرته.

18- نصرتي: متفوق في تركيب بند، و يأخذ بمجامع القلوب فيجعل سامعه متحيرا … مدون في التذكرة.

19- آتشي: له شعر يكاد يلتهب … من رجال التذكرة.

20- علمي: كامل في الغزل.

21- نقدي: مادح آل الرسول.

22- گاهي: متصوف.

23- حميدي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 186

24- فهمي: مولع في الصناعات الشعرية.

25- ندائي: صاحب غزل. و إنشاد بديع.

26- شيخي: درويش عاشق.

27- حزمي: قاري ء غزل، و مؤانس … رئيس الفقراء و هو مبتلي بليلاه.

28-

منلا حسن: من أهل الغم و البؤس.

29- قاسم علي: من أهل الذوق.

30- حسن سيرين: مولع ببنت العنب.

31- علي خان أكرمي: من إخوان الصفا.

32- محمدي.

33- عثمان: ورد في التذكرة.

34- الأستاذ أحمد.

35- ساقي.

36- مريدي.

37- حاجي.

38- ثاني.

و أعقب قصيدته التي عدد بها هؤلاء الفضلاء بأخري و لم نقطع في سبق إحداهما الأخري جاء فيها يطلب أن يبشره ريح الصبا عن رجال في بغداد و لعل فيها ما يكرر أسماء الماضين و لكنه يذكرهم بأسمائهم الصريحة لا بالمخلص أو علي العكس … و غرضه المداعبة معهم و بيان أوصافهم في نظره و إننا نذكرهم هنا حاذفين المكرر لعل في المستقبل يظهر ما يميط اللثام عن الجهالة …

1- عالي بك دفتري بغداد: هو صاحب مناقب هنروران و كنه الأخبار. مر الكلام عليه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 187

2- سليمان الموري.

3- محمود.

4- علي بك.

5- نعمان: قاضي بغداد.

6- محمد چلبي.

7- حكمي: مخلص صاحب الديوان.

8- محمد بك: فارس ميدان الشطرنج.

9- أهلي بك.

10- لمعي.

11- محمد دده.

12- علي فاقي.

13- محمد چاوش.

14- قني مصلي چلبي.

15- عهدي: هو صاحب التذكرة (گلشن شعرا).

و ممن ذكرهم من أعيان بغداد:

1- أحمد چاوش بياني زاده. رثاه بقصيدة (ص 66).

2- يوسف چلبي.

هذا و الديوان أثر نفيس، خالد، منبعث من روح أدبي وثاب. و قد أفردنا الموضوع في كتاب (تاريخ الأدب التركي في العراق).

ورد ذكر بعض رجال البكتاشية و هنا أبين تكاياهم المعروفة:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 188

تكايا البكتاشية

1- في كربلاء في صحن الإمام الحسين (تكية الددوات) و هي (تكية البكتاشية)، و توليتها بيد (آل الدده). لا تزال موجودة. و كانت بيد السيد الفاضل المرحوم حسين الدده مدة طويلة إلي أن توفي في صيف سنة 1948 م في خراسان في

المشهد الرضوي. و يرجع عهدها إلي أول الفتح العثماني و أن من مشاهيرها (كلامي) المعروف ب (جهان دده). و أن فضولي الشاعر ممن دفن فيها. و هناك مراقد آل الدده. و التولية منحصرة فيهم. و هم شيعة إمامية. و لا تعرف عنهم البكتاشية و لا اعتناق طريقتها.

فهم أصولية.

و هذه التكية من أقدم تكايا البكتاشية في العراق، و لم ينقطع اتصالها بالبكتاشية من الترك إلا بعد الحرب العامة الأولي لسنة 1914.

و زاد الانقطاع بإلغاء التكايا في الجمهورية التركية.

2- في (النجف) تكية للبكتاشية أيضا، و لا شك أنها ترجع في القدم إلي مثل تكية (كربلاء) إلا أننا لا نقطع في تاريخها لما قبل الفتح العثماني. و لعل الوثائق تظهر تاريخها، و تعين وقت تكونها مع العلم بأن الحروفية كانوا يعتقدون بأكابر رجالهم مثل فضل الله الحروفي. و كان في النجف في تكية البكتاشية الحاج السيد أحمد ويراني سلطان. و هذا معتبر عند البكتاشية و الكاكائية معا. ناله الظهور و رفع إلي السماء و صار أسدا. و لا تزال قلنسوته في هذه التكية موضوعة علي دكة يزورونها و يبدون لها غاية الاحترام و الخضوع. فهو من أكابر شيوخ البكتاشية. و لم يعين تاريخه، و لا شك أنه سابق للتاريخ العثماني بل إن تاريخ الحروفية يتحقق في تاريخ فضل الله الحروفي مؤسس الحروفية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 189

لازم الخلوة و الطريقة في حضرة الإمام علي في النجف مدة طويلة فلا ريب أنهم يرجعون في طريقتهم إليه و هي لا تختلف عن البكتاشية بوجه.

3- في بغداد (تكية البكتاشية) كانت في محلة الجعيفر في القسم الغربي من البلد، و تسمي تكية خضر الياس، استولت عليها مياه دجلة، و لم

يبق لها أثر، و كانت رباطا أنشأه الخليفة الناصر لدين اللّه العباسي.

و التربة المجاورة له تربة سلجوقي خاتون بنت قلج أرسلان ملك الروم و هي الجهة السعيدة للخليفة.

كان تزوجها نور الدين محمد بن قرا أرسلان صاحب حصن كيفا.

فلما توفي تزوجها الخليفة الناصر. توفيت سنة 584 ه فوجد عليها الخليفة وجدا عظيما ظهر للناس كلهم. و بني علي قبرها تربة و إلي جانب هذه التربة بني الرباط و هو في محل يقال له الرملة في باب البصرة من جانب الكرخ من بغداد. بنيت بقربه قلعة الطيور (قلعة الطير). فلما دخل العثمانيون اتخذوا هذا الرباط تكية للبكتاشية. و تاريخ ما جري عليها أوضحناه في موطن غير هذا.

4- تكية بابا گور گور: للبكتاشية أيضا. و الآن زال أثر البكتاشية منها. كانت مسجدا فعادت كذلك. و هي ببغداد.

5- في داقوق (دقوقا) تكية يقال لها تكية دده جعفر. و لا تزال.

6- في كركوك تكية يقال لها تكية مردان علي، كما أن تلعفر و سنجار فيها الكثير من باباواتهم.

و من رجال هذا العهد في البكتاشية (فضولي الشاعر)، و (روحي البغدادي)، و (جهان دده) المذكورون و كلهم حروفية، و قد سبق أن ذكرنا عن هؤلاء، و عن الحروفية أيضا ما فيه الكفاية فلا محل لإعادة القول، و كان قصدنا هنا مصروفا إلي بيان الصلة بين البكتاشية و بين الحروفية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 190

و يأتي الكلام علي كل تكية بظهور حادث معروف لها في حينه، فلا نعجل بالتفصيل، و قد أفردنا تكايا البكتاشية و طريقتهم بكتاب علي حدة.

طريقة البكتاشية

هذه الطريقة لم تعرف قبل دخول العثمانيين بغداد سنة 941 ه و الطرق في الأنحاء العراقية كثيرة. و في الأصل أسسها أهل

الصلاح من الأهلين و شاعت. و ترجع إلي العهود العباسية في قدمها، و لكن هذه الطريقة جاءتنا من الترك العثمانيين و هي خاصة بهم، فلم تعرف البكتاشية عندنا قبل ورودهم. و إنما كانت الحروفية معروفة علي يد فضل اللّه الحروفي و من كتبها جاودان، و علي يد نسيمي البغدادي و أتباعه …

و طريقة البكتاشية في الحقيقة كانت طريقة زهد و تقوي، لم تدخلها البدع، و لا الابطان إلا من حين دخل الحروفية و الأخية بين صفوفهم.

و كان قد ألغي السلطان محمود الثاني تكايا البكتاشية سنة 1241 ه عند ما قضي علي الينكچرية و لكن ذلك لم يتم إلا أيام رئيس الجمهورية التركية السابق المغفور له أتاتورك (مصطفي كمال)، فكان القضاء المبرم.

لم تنل هذه الطريقة رواجا في العراق و لا في البلاد العربية.

و مؤسسها الأصلي الحاج (بكتاش ولي) المتوفي سنة 738 ه. و الكلمة متفقة علي أنه كان من أهل الصلاح و التقوي، إلا أن الحروفية دخلوها فأفسدوها من جراء أن هؤلاء استغلوا شهرة بكتاش فمالوا إليها.

و بدخول العثمانيين تأسست في العراق، فاتخذت جملة تكايا فتمكنوا من تكوين طريقتهم في بغداد و الأنحاء العراقية الأخري، فتكونت لهم (تكية خضر الياس) و (تكية بابا گور گور). كان مسجدا، فصار تكية لهم. و تكايا أخري في النجف و كربلا و غيرهما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 191

و هؤلاء أهل ابطان تستروا بالتشيع، و إن مؤلفاتهم التي عرفت لحد الآن تنبي ء عن أنهم من الغلاة دخلوا من طريق التصوف بل إن تصوفهم كان غاليا و في العراق ظهرت بعض حوادثهم. و تأتي في حينها. و عندنا من أهل العناصر القريبة منهم العلي اللهية، و الكاكائية، و القزلباشية، و

الباباوات، و لا يفرقون عن غيرهم إلا بما دخل هذه الطوائف من أمور دخيلة مما فرضه الرؤساء، و قد تكلمنا عليهم في كتاب (الكاكائية في التاريخ). و كلهم اليوم في قلة. و في كركوك تكية للبكتاشية يقال لها (تكية مردان علي)، و في دقوقا (تكية دده جعفر).

و هم في العراق لم يحدثوا تأثيرا كبيرا علي الأهلين بالرغم من وجود مؤسساتهم فهي ضعيفة الأثر. و لما كان بحثنا يتناول الموجود في هذا العهد فلا يسعنا أن نتناول كل تكية بحالها، و لا أن نتكلم علي (تكية باب گور گور) و لا ما حدث بعد هذا التاريخ.

اشتهروا في حكاياتهم التي ينددون بها بالأمور الشرعية، و الفرائض المكتوبة، و يقولون بترك الرسوم الدينية، و تتداول بين الناس هذه الحكايات يحفظها الكثيرون في مقام يعين وضعهم في شرب الخمر و سائر المنكرات و التهاون بالعبادات إلا أنهم يتظاهرون بأنهم اثنا عشرية و هم بعيدون عنهم، فأبطنوا ما أبطنوا. و لو لا ما قامت به السلطة من التنكيل بهم، أو القضاء عليهم فأدي إلي انتشار كتبهم لبقوا علي هذا التكتم مدة أطول.

و من أهم الكتب الموضحة لهذه الطريقة:

1- كاشف أسرار بكتاشيان. للخواجة إسحاق. و هذا يوضح أغراضهم و يرد عليهم. و هو من أجل الآثار في التعريف بهم، و بما يكتمون.

2- دافع المفاسد و كاشف المقاصد. و هذا رد علي سابقه. و فيه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 192

ما يبين مؤلفه أنهم مسلمون، و يتنصل مما عزي إليهم في كتاب كاشف أسرار بكتاشيان.

3- تاريخ البكتاشية. للأستاذ بسيم أتالاي. و يعد من أجل الآثار.

و بعد القضاء علي التكايا أيام المغفور له أتاتورك ظهرت آثارهم و تبين صدق ما أوضح صاحب

كتاب (كاشف أسرار بكتاشيان). و أن كتبهم (كتب الحروفية) و قد أوضحت عنها و قدمت قائمة بأسمائها، و عينت أوضاعها في المجلدات السابقة من (تاريخ العراق بين احتلالين) و لا تزال مخطوطات من مؤلفاتهم عندي و منها ولايتنامه. و بحث الترك العثمانيون كثيرا، و نشروا في بيان هذه الطريقة و أسرارها و ما تكتمت به، فوضح المبهم و لم يبق خفاء. و في دائرة المعارف الإسلامية بحث في البكتاشية.

و عندنا من العارفين بالآداب البكتاشية التركية الأساتذة بهاء الدين نوري، توفيق وهبي، أحمد حامد الصراف، و آخرون لا محل للتوسع في ذكرهم.

حوادث سنة 1015 ه- 1606 م

أحوال بغداد

من سنة 1012 ه إلي هذه السنة السنة (1015 ه) لم تتوضح وقائع الولاة، و لم تعرف بوجه القطع … و من النصوص التاريخية المتقدمة أن طرناقچي حسن باشا قد ولي بغداد بعد أن غادرها الوزير حسن باشا ثم عزل عنها و لا يعرف من خلفه … ثم عاد إليها مرة أخري و جاء في گلشن خلفا أنها وليها بعده صارقچي مصطفي باشا و أرخه في سنة 1012 ه.

و من ثم أسدل الستار عما وقع …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 193

طاعون في الموصل:

جاء في عمدة البيان في تصاريف الزمان أنه حدث في هذه السنة في الموصل طاعون خفيف امتد خمسة أشهر.

نصوح باشا- محمد بن أحمد ابن الطويل

و في 4 المحرم سنة 1015 ه توجه نصوح باشا إلي بغداد بأمر من الوزير الأعظم ليكون واليا علي بغداد، فصدر الأمر السلطاني بذلك.

و لما ورد قرب الفرات لقي في طريقه پيالة باشا المعزول من ولاية البصرة. و هذا بين له أن محمد بن أحمد الطويل قد أبرز أمرا مزورا و به استولي علي بغداد و تابعه الجيش الأهلي الذي تمكن من أن يستميله لجهته و أعلن ولايته فيها … و كان سبب تغلبه سوء التدبير الحاصل من الحكام فاستقل في بغداد.

و من ثم سارع الباشا إلي نصيبين فاستقبله حاكم الجزيرة مير شرف الذي كان أميرها عن وراثة و أمير أمراء الرقة و التزم أن يساعد الوزير في استمالة الأكراد و من ثم قدم نصوح باشا الخلع إلي كل من سيد خان و أمراء سهران من الأكراد، و كذا أمير العربان الأمير أحمد بن أبي ريشة و دعا الكل علي السفر إلي بغداد اتباعا للأمر السلطاني و أن يكونوا مع السردار نصوح باشا …

أما ابن أبي ريشة فإنه خدع القوم و قال لهم: امضوا لجهتكم و نحن نمضي من هذا الجانب و الملتقي في الجانب الغربي من بغداد. و هكذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 194

فعل سيد خان و سائر الأكراد فكانت مواعيدهم غير صحيحة و أن الباشا توقف، في الموصل نحو أربعين يوما فلم يظهر أثر من أعمال أولئك … و بينا هو في حيرة من أمره منتظرا ما تأتي به الأخبار إليه إذ عثر علي كتاب من سيد خان أرسله إلي محمد الطويل

فقبض عليه و فحواه أننا تمكنا أن نؤخر نصوح باشا هذه المدة، و خذلنا أكراد سهران و منعناهم من الذهاب فعليك أن تثبت كالرجل الشجاع و العاقبة لك فلا تخرج بغداد من يدك، و أن تسعي جهدك.

فلما رأي نصوح باشا ذلك انفعل غاية الانفعال و ارتبك عليه أمره، كانت آماله قوية في الاستيلاء علي بغداد لولا هذه الخيانة فتعسر عليه الأمر … و حينئذ ورد إليه الأمر السلطاني بلزوم إقدامه و الذهاب لافتتاح بغداد فسار اضطرارا و كان معه أمير أمراء شهرزور ولي باشا، و پياله باشا و مير شرف، و لما وصل إلي إربل كتب أيضا إلي أمراء سهران و إلي سيد خان فلم ينل منهم مرغوبا و لم يلتفتوا إلي رسائله. و هكذا فسد عليه أمر طوائف التركمان الذين كانوا صحبوه فاستهووهم بالأموال و بان سوء قصدهم …

و الحاصل أن نصوح باشا اعتمادا علي مواعيد ابن أبي ريشة نزل في أنحاء بغداد في 3 شعبان سنة 1015 ه و كان هذا التاريخ موعد وصول ابن أبي ريشة المذكور فلم يظهر له أثر. أما ابن الطويل فقد جاء المدد من أتباعه و أعوانه و من ابن أبي ريشة و من سيد خان فدخل العربان و الأكراد بغداد و تحصنوا بها … و حينئذ خرج القوم من بغداد صفوفا لمقابلة نصوح باشا. و في هذه الأثناء تمكن ابن الطويل من إرسال ثلاثين ألفا من الدنانير إلي السكبانية ليكونوا معه فاستهواهم. و عند تقابل الجموع في 6 شعبان مال السكبانية إلي جهة البغداديين، انفصلت كتيبة منهم بصورة ظاهرة للعيان و التحق آخرون بناء علي أمر بيت ليلا و الباقون تفرقوا في الصحراء و انهزموا … فأصاب

الجيش و هن و ضعف. أما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 195

الأمراء فقد ثبتوا مدة تحاربوا في خلالها حربا و بيلة فاستشهد ولي باشا أمير أمراء شهرزور و جرح نصوح باشا بجرحين. و كان أكثر رجالهم من أتباع مير شرف فاستشهد أكثر أمرائهم …

و علي هذا انسحب نصوح باشا بمن بقي فعادوا إلي الجزيرة موطن مير شرف فاستراحوا هناك إلي نهاية الشتاء و عرضوا ما جري.

و لم تمض مدة حتي قتل ابن الطويل في بغداد.

و نصوح باشا هذا من قري كوملجنة دخل الحرم و صار من زمرة زلغلو بالطه چي و عين لخدمة أحد ندماء السلطان ثم خرج من الحرم إلي المتفرقة و صار مدة (ويودة) أي متصرفا علي ايالة زيلة ثم صار كهية البوابين سنة 1007 ه، ثم صار أمير آخور صغير ثم صار مير ميران حلب. ثم عين سردارا كرة بعد أخري لدفع غائلة الجلالية فانكسر منهم في كل مرة فولي بغداد فجري بينه و بين عسكر بغداد نزاع أدي إلي القتال ثم نقل إلي ديار بكر و بقي فيها مدة … و كان قد صالح الشاه عباس و رجع إلي دار السلطنة فدخلها في شعبان سنة 1021 ه و أكرم بمصاهرة السلطان و بقي في الوزارة إلي أن قتل في 23 رمضان سنة 1023 ه و كان مرتشيا، سفاكا، جبارا كذا قال عنه صاحب جامع الدول و ترجمته في خلاصة الأثر أيضا.

حوادث سنة 1016 ه- 1607 م

وفاة محمد بن عبد الملك البغدادي

«هو محمد بن عبد الملك البغدادي الحنفي، نزيل دمشق الشام.

الشيخ الإمام المحقق. كان من كبار العلماء خصوصا في المعقولات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 196

لوح بخط قوسي البغدادي في جامع الصاغة- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 4، ص: 197

كالإلهيات و الطبيعيات و الرياضيات، و هو من جماعة علامة زمانه منلا مصلح الدين اللاري. قيل أخذ عن أخيه شمسي البغدادي. و كان في الأصول و الفقه علامة. و له اليد الطولي في الكلام و المنطق و البيان و العربية. قدم دمشق سنة 977 ه و حضر دروس البدر الغزي و لازم أبا الفداء إسماعيل النابلسي و قرأ فقه الشافعي علي الشهاب العيثاوي ثم تحنف و ولي وظائف تدريس منها المدرسة الدرويشية، و في الجامع الأموي و تولي تصدير الحديث بالجامع المذكور. و كان له في صندوق السلطنة في كل يوم ما يزيد علي أربعين عثمانيا و تولي مشيخة الجامع فسمي شيخ الحرم الأموي. و تولي تولية الدرويشية و عظم أمره و تردد إلي القضاة. و شمخ بأنفه حين رجع الناس إليه. و كان يحضر درسه أفاضل الوقت. و درس التفسير بالجامع. و كانت في لسانه لكنة عظيمة حتي أنه كان لا يفصح في كلامه أبدا. و شاع ذكره في الأقطار الإسلامية. توفي ليلة الاثنين في العشرين من شعبان لسنة 1016 ه و قد احتال القاضي و النائب هناك لسلب أمواله استفادة من غياب أقاربه عنه. ثم جاء بعد مدة ابن عم له من بغداد إلي دمشق فصالحه النائب علي شي ء من المال ثم ذهب فشكاه إلي الوزير نصوح باشا. و كان الوزير المذكور رأس العساكر إذ ذاك بحلب فوردت الأوامر بطلب النائب بسبب ذلك إلي حلب» انتهي ملخصا من خلاصة الأثر.

و يظهر من ترجمته هذه أنه رجل عظيم لا يقل عن شمسي و عهدي و إن كان لم يعرف له تأليف فخدمته للتدريس و الإرشاد غير قليلة أنجبه العراق و استفادت منه

دمشق و المنفعة حاصلة منه علي كل حال و ليس هذا أول من رباه العراق و اقتطف ثمرته قطر آخر …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 198

حوادث سنة 1017 ه- 1608 م

قتلة ابن الطويل

لم نعثر علي بيان شاف عن تدخلات محمد بك ابن أحمد الطويل في الإدارة و لا عن أسباب حركته هذه و متابعة البغداديين له و كذا غيرهم و عصيانه علي حكومته كما يقولون و كل ما نعلمه عنه أن والده أحمد الطويل كان رئيس كتيبة خيالة (بلوك باشي) فلما توفي والده قام هو مقامه. و قال عنه صاحب سجل عثماني ولي بغداد عام 1013 ه فخلفه في أمور الإدارة أخوه مصطفي فأنقذها منه محمود باشا چغاله زاده.

و أما مصطفي فإنه مضي إلي إيران و توفي هناك.

و أما قتلته فإن المؤرخين لم يبدوا تفصيلات عنها أوسع مما جاء في گلشن خلفا و ذلك أنه في سنة 1017 ه بعد أن خذل نصوح باشا و عاد إلي محله مقهورا لما أصابه من خيانة السكبان استقر الطويل في حكومة بغداد مستقلا و من ثم اغتاله محمد چلبي كاتب ديوانه و محرم أسراره و لم يوضح عن سبب قتلته فخلفه أخوه مصطفي …

و ذكر صاحب الفذلكة خبر وفاة محمد ابن الطويل في حوادث سنة 1016 ه و سيأتي تفصيل حوادثه.

عودة إلي حوادث بغداد الوالي محمود باشا جغالة زاده و استخلاص بغداد

إن هذا الوالي هو ابن سنان باشا المذكور، كما أن له ابنا آخر هو فكري بك و قد مر ذكره. و كذا محمد بك. عهد إليه بمنصب بغداد و أن يقوم بأمر إنقاذها فعين سردارا، فذهب نحو بغداد في غرة شوال سنة 1016 ه و أخذ معه جيشا عظيما و بين هؤلاء حاكم أدنه، و أحمد بن أبي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 199

ريشة و مير شرف من أمراء الأكراد، فقطعوا مراحل للوصول إلي بغداد.

و إن هذا الوالي القائد كانت له معرفة سابقة بآل قشعم، و بسيد خان،

و بحاكم سهران و سائر عشائر الكرد و العرب … و من ثم اختار من صنوف الجيش عسكرا مرتبا و توجه نحو بغداد فوصل إلي الموصل و هناك كتب رسائل إلي البلوكباشية القدماء، و إلي أغوات الجيش.

بعثها إليهم سرا و فيها من الاستمالة و الترغيب الشي ء الكثير … و في الليلة التي جاءتهم الرسائل قتلوا السكبانية و عند الصباح مضوا لإلقاء الحصار علي مصطفي باشا في القلعة الداخلية أمام السراجخانة و أعلموا محمود باشا بما وقع. ذلك ما أنعش الوالي و بعث فيه الفرح و الأمل فعجل بالسير في أوائل ربيع الآخر سنة 1017 ه فوصل حوالي بغداد و قوي نشاط الثائرين كما أن جيوش الوالي هاجمت المحصورين و شددت الحصار عليهم و بتوسط من أرباب المصلحة منح مصطفي باشا لواء الحلة و شتت شمل العصاة في أواخر الشهر المذكور و استقر الوزير في حكومة بغداد. و لا يزال سوق السراجخانة من آثاره. فقضي علي هذه الغائلة.

و هذا الوالي لم يعرف عن وقائعه، و لا عن إدارته و أعماله في العراق و لعله اشتغل بتثبيت الإدارة و ترتيب الحكومة … و قبل وروده إلي بغداد تقلب في مناصب عديدة ففي الأصل كان مير لواء ثم صار أمير أمراء. و في سنة 1013 ه ولي ديار بكر، و في سنة 1016 ه ولي بغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 200

ثم رفعت عنه الرتبة و بعدها أعيدت إليه و الحاصل لم ينفع لأمر ما فتوفي سنة 1052 ه كذا قال عنه صاحب السجل.

و جاء في تاريخ الغرابي ما نصه:

«ثم إن كاتب ابن الطويل محمد أفندي أعمل الحيلة في قتله بيد زوجته فجلس مكانه أخوه مصطفي بك

فأرسل السلطان لإزالته الوزير محمود باشا بن چغال. فلما وصل إلي الموصل راسل من تابع مصطفي بك من عسكر بغداد إذ كان له معهم معرفة حين كان واليا بها، فأرسلوا له خبرا أن احضر و نحن معك فلما جاء إلي بغداد أظهروا أنواع الجلادة ثم توسطوا بالصلح فأعطي محمود باشا لابن الطويل حكومة الحلة فرضي بها و خرج إليها، و حكم ابن چغال في بغداد و ذلك في سنة 1017 ه. ثم إن ابن الطويل فر إلي العجم، و بقي هناك. و لما لم يبق في قطر الأناضول من المخالفين أحد قصد الوزير الأعظم بلاد العجم و ذلك في سنة 1019 ه» ا ه.

المحمودية:

اليوم تعد من أقضية بغداد المعمورة و الكبيرة، كانت مقاطعة في تملك والي بغداد محمود باشا چغاله زاده بن يوسف سنان باشا والي بغداد الأسبق، ثم صارت قرية. و الآن هي قضاء. و لا تزال معروفة باسمه. و كانت من أوقاف آل قره علي و آل الغرابي. لهم عقرها مسجل باسمهم و وقفهم هذا علي الذرية. ذكرت نص الوقفية في محل غير هذا، و هناك علقت ما لزم عن أسرة آل قره علي، و عرفت بهم كما أني ذكرت (مدرسة الغرابي) و موقوفاتها مما لا مجال لتفصيلها هنا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 201

حوادث سنة 1019 ه- 1610 م

الوالي قاضي زادة علي باشا

في هذه السنة (1019 ه) ولي بغداد أمير أمراء روم ايلي. و هذا هو المعروف بقاضي زاده. مر الكلام علي ولايته الأولي في بغداد سنة 998 ه و لم يتعرض صاحب گلشن خلفا لحكومته الآنفة الذكر في بغداد كما أن صاحب سجل عثماني لم يبين ولايته الثانية و إنما ذكر أنه صهر قپوجي مراد باشا و كان صادقا، متدينا، عاقلا، و لم يعين تاريخ انفصاله …

حوادث سنة 1022 ه- 1613 م

صلح إيران و شروطه

في هذه السنة عقد الصلح مع الشاه و كان من شروطه أن لا يسب الصحابة و لا الأئمة المجتهدون و لا أم المؤمنين عائشة الصديقة، فتعهد الشاه بذلك كما كان سبق أن تعهد الشاه طهماسب بذلك، و أن يزول العداء لأهل السنة و أن يؤذن لمن أراد المجي ء إلي هذه الأنحاء باختياره فلا يمنع، و أن تراعي الحدود التي كانت أيام السلطان سليمان، فلا يتعرض للقلاع و البقاع، و أن تكون البلدان و الممالك التي بيد مبارك بن سنجار تابعة لبغداد و أن لا يعاون المرقوم، و لا يحمي بوجه و أن البقاع و البلدان التي استولي عليها (هلو خان) من لواء شهرزور إذا كانت قد استردت منه فلا يساعد، و لا يمد بمعاونة ما، و أن يذهب حجاج إيران من طريق حلب و الشام لا من طريق بغداد و البصرة حيث لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 202

يكن الطريق فيها أمينا. إلي آخر ما جاء مما لا يخص العراق. و في هذه المعاهدة جاء ذكر والي ايالة بغداد الحافظ محمود باشا، و أمير الأمراء محمد باشا و أنهما أودع إليهما أمر تحديد الحدود.

و هذه المعاهدة غالبها يخص العراق و العلاقة به. فهي مما تهمه أحكامها، و تعين

الجهات المختلف فيها.

حوادث سنة 1024 ه- 1615 م

الوالي دولار باشا

هذا ما جاء في گلشن خلفا- ولي بعد علي باشا قاضي زاده فنال منصب حكومة بغداد برتبة وزارة. و الظاهر من سجل عثماني أنه بقي إلي سنة 1024 ه لأنه صار بعدها واليا في ديار بكر في التاريخ المذكور.

و جاء عنه في تاريخ جامع الدول أنه «كان قد تخرج من البلاط برياسة الچاشنگيرية، أي رؤساء الميرة. ثم ولي قبرص و بغداد و ديار بكر ثم صار وزيرا أعظم بعد عزل حسين باشا إلي آخر سنة 1030 ه و قتل يوم 7 أو 9 رجب سنة 1031 ه».

الوالي حافظ أحمد باشا

ثم ولي حافظ أحمد باشا، ذكره صاحب گلشن خلفا و لم يعين تاريخ حكومته في بغداد. و ليس في التراجم الموجودة لدينا ما يعين ولايته أو يشير إلي أنه ولي بغداد في هذه الأيام. و إنما كان حارب العجم، فلم يفلح في حروبه، و لا نعلم عن ولايته شيئا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 203

حوادث سنة 1031 ه- 1621 م

الوالي يوسف باشا

و هذا آخر ولاة الترك في بغداد لهذا العهد و منه انتزعها المتغلبة و في رأسهم بكر صوباشي. و كان النفوذ علي الولاة قبل هذا التاريخ مشهودا إلا أنه لم يظهر كما ظهر في هذه المرة بمجابهة أصل الحكومة و الثورة في وجهها. و هذا الوالي لم يعين صاحب گلشن خلفا تاريخ ولايته إلا أنه ذكره بعد أن أورد حوادث سنة 1026 ه مما يشير إلي أنه كان قبل هذا التاريخ و لعله أورد أسماء الولاة مطردا ثم مال إلي الوقائع في أيامهم. و صاحب السجل يشير إلي أنه ولي بعد سنة 1030 ه لأنه ذكر أنه ولي إمارة روم إيلي سنة 1030 ه و وجد في حرب لهستان ثم عهدت إليه ولاية بغداد فقتل فيها عام 1032 ه في الثورة التي قام بها بكر صوباشي. و كان من بوسنة فتخرج في البلاط ثم صار آغا الينگچرية و بعدها ولي روم إيلي بالوجه المشروح.

بكر صوباشي

1- جداله:

قالوا تزايد نفوذ بكر صوباشي من سنة 1028 ه و كان في بادي ء أمره من أفراد الينگچرية فصار في رتبة (صوباشي)، ثم صار آغا الينگچرية و من ثم جمع له أعوانا في الخفاء و اكتسب نفوذا. تابعه نحو اثني عشر ألفا من الجيش الأهلي (قول بغداد). و كان قد خافه جماعة من الأعيان أيضا فمالوا إليه رهبة لا رغبة و انضم إليه الأهلون من كل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 204

صوب فتأثيره كان كبيرا، و بقي في هذا المنصب مدة حتي نال النفوذ المطلق بحيث صار الوالي يهابه. لا يستطيع مخالفته، و لا يخرج عن رأيه خصوصا حينما رأي الأهلين معه و هم قوة لا يستهان بها و لم يكن

آنئذ للولاة اتصال بحكومتهم. فكانوا يتوقعون منه كل شر. و لما كان عسكر بغداد بيده من مدة فليس للولاة غير الاسم المجرد. و الحكم كله له. و هكذا مضي، و لا يزال يتكامل جمعه، و تقوي عصبته.

استثقل يوسف باشا هذه الحالة و صار يترقب الفرصة للوقيعة به، و في سنة 1031 ه عصي بعض العشائر في الأنحاء القاصية و زاد ضررهم فتحتم إرسال قوة تأديبية لدفع غائلتهم فذهب (بكر صوباشي) بنفسه لتسكين هذه الفتنة و أقام ابنه محمدا مقامه. و كان آنئذ رئيس كتيبة الخيالة (بلوك باشي) و محمد آغا العقيد (البيكباشي) فاستمال يوسف باشا محمد آغا المذكور فهرب أولاد بكر صوباشي و أخذت أموالهم و سدت أبواب بغداد و تهيأ يوسف باشا للقتال. و لما كسر بكر صوباشي تلك العشائر و عاد بلغه الخبر، فحاصر بغداد. انضم إليه جمع عظيم لهذا الغرض و كان من جملة من سافر مع بكر صوباشي (عبد اللّه الرئيس ابن محمد قنبر أغا العزب)، و تفصيل الخبر أن محمد قنبر هذا استفادة من غياب بكر صوباشي صار يشوق الأهلين علي بكر صوباشي و يحثهم أن يقوموا عليه.

فعل ذلك بإغراء الوالي يوسف باشا و بين أن بقاء الحالة بهذا الوضع مما يخل بسمعة البلدة، و يقضي علي مصالح الأهلين و يضر بحقوقهم.

و حينئذ دعا السپاه و العزب و الأشراف و الأعيان ممن في بغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 205

و شاورهم في الأمر و اتفقت كلمتهم علي لزوم استئصال بكر و أعوانه و إبادتهم كلهم و وجوب مراعاة النظام و إنهاء هذه الحالة المضطربة.

سمع محمد بن بكر أغا و كتخداه عمر أغا بما وقع عليه الاتفاق فتمكن محمد من

الفرار و أما عمر أغا الكتخدا فإنه جي ء به إلي محمد قنبر أغا فصار يتضرع إليه و يتوسل به. يبكي و يستغيث طالبا أن لا يقتل و أنه يقوم بما يلزم لتأديب بكر و أعوانه. فأبدي بعض الحاضرين لزوم اغتنام الفرصة و أن يقتل لحينه و لكن محمد قنبر قد غر و ظن أنه سيكون من أعوانه، يستميله إليه بالعفو. و عند ذلك أطلق سراحه، و ذهب إلي بيته و من ثم تقلد سيفه و تقدم في المعمعة و صار يترقب ما تأتي به الأقدار. و بهذا غفل محمد قنبر عن مكر الأعداء و غره ما أظهروا.

و حينئذ ذهب الوجوه و الأعيان و كافة الأشياع إلي القلعة و وصلوا إلي الوزير يوسف پاشا فأعلموه بدخائل الأمور و حقائقها و أن الأعداء أشعلوا نيران الفتن و الشرور و أوصوه أن يتخذ ما يلزم من التدابير إلا أن هذه كانت في غير أوانها بل شغل الوزير عن اغتنام الفرص بتوجيه المناصب بدل من شغرت مناصبهم. و كان الأولي به أن يراعي التدابير الواقية حذرا من أن يستفحل الأمر فلم يفعل.

و بهذا تمكن الثائرون من لم شعثهم و من تدارك الأسلحة خلال غفلة هؤلاء. جمعوا الأشياع و الأحزاب و نهضوا. فاحتلّوا منعطفات الطرق و ممر الناس. و كذا المواطن الأخري التي رأوا ضرورة في لزوم احتلالها. و لم يكتفوا بذلك بل أغاروا علي القلعة الداخلية و الميدان و باشروا الجدال. رشقوا أتباع الپاشا بنيران البنادق حتي سقط الكثير منهم قتلي.

و من ثم عاد بكر صوباشي و حاصر البلد بل ضيق الخناق علي الوالي. ذلك ما دعا الوزير أن يخاطر بنفسه و بمن معه فهاجم صوب

موسوعة تاريخ العراق بين

احتلالين، ج 4، ص: 206

الميدان و حمل علي أعدائه فدامت المعركة بين الطرفين بضع ساعات في خلالها قتل خلق لا يحصي. فكانت النتيجة أن انتصر بكر صوباشي و أتباعه و خذل أتباع الوزير. و حينئذ لجأ أعوانه إلي القلعة الداخلية و في الحال اتخذ القوم المتاريس و الخنادق حولهم فحصروهم.

رأي محمد قنبر أغا هذه الحالة بأم عينه و شاهد الخطر المحدق فأخذته الحيرة من خفوق مسعاه و صار لا يدري أين يتوجه. ارتبك عليه الأمر و أضاع رشده. قطع الأمل من النجاة. لا سيما بعد أن علم أن الكتاب الذي أرسله إلي ابنه قبض عليه بكر صوباشي و كان يحثه به أن يسرع بمن معه من العزب، و يتخذ تدبيرا عاجلا، و أن يستأصل بكرا و أتباعه و يأتي بباقي العسكر بلا تأخر. و عندما وقف علي منطوياته أمر بالقبض علي ابنه عبد اللّه الرئيس و كان نائما فاعتذر لنفسه و دافع بكل ما أوتي من بيان فلم ينجع.

و إنما ضرب عنقه. و في الحال تفرق أتباعه من العزب في البراري منهزمين و رجع بكر صوباشي لحينه إلي بغداد فعلم بذلك محمد قنبر أغا و شعر بما حل بابنه من الرزية. و ما سيناله من مصيبة.

إن بكر صوباشي و أتباعه و افوا علي عجل و عبروا دجلة و مالوا ميلة واحدة علي أعدائهم فأذاقوهم و بال أمرهم. و في المعركة قتل الوالي.

كان واقفا علي تل الطوب فأصابته طلقة نارية أردته قتيلا. و استمر الباقون لبضعة أيام علي حصارهم، و قد قيل (المحصور مغلوب) فلم يروا بدا من التسليم و طلب الأمان.

و هنا تلاعبت أقلام كتابهم في بيان أعمال بكر صوباشي و تمثيله بالمحاربين، و قسوته، و

أنه لم يقبل أمانا و إنما غصب و دمر ما شاء أن يدمر. و قالوا نهبت العتاد (الجبه خانه) المخزونة من أيام السلطان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 207

سليمان و من بعده، و ذهبت أموال كثيرة لا يحصيها قلم، و كثر السلب.

فأصبح كثير من الأغنياء و المتمولين لا يملكون شروي نقير.

2- تخلص بغداد له:

و من ثم وقعت بغداد في قبضة بكر صوباشي، فصار حاكمها المستقل. و قالوا إنه بث العيون للاطلاع علي أحوال الناس فصار يذيق المخالفين أنواع العقوبة، و ضروب القسوة. و لم نجد أثرا عراقيا سوي گلشن خلفا يعين نفسية الأهلين تجاه هذا الحادث الذي لم يطل في بغداد أمد حكمه بسبب الهجومات القوية المتوالية عليه من العثمانيين إلا ما جاء في تاريخ الغرابي. قال:

«و فيها- في سنة 1032 ه- تغلب بكر صوباشي في بغداد. فقتل حاكمها يوسف باشا، و أرسل إلي محافظ ديار بكر حافظ أحمد باشا يطلب منه أن يعرض إلي حضرة السلطان مراد … هذه الأحوال و أن يجعله حاكما في بغداد. فلما بلغ هذا الخبر إلي السلطنة جعلت سليمان باشا حاكما علي بغداد، و أمر حافظ أحمد باشا أن يسير بعكسر ديار بكر إلي بغداد و يزيل بكر صوباشي، و يجلس سليمان باشا» ا ه.

3- الوالي سليمان باشا:

و بعد أن تم لبكر صوباشي أمر بغداد حاذر من موقفه هذا و ما سيجر من النتائج فعرض الحال علي السلطان و طلب العفو و ذكر أن يوسف باشا كان السبب فلا يتوجه عليه لوم و التمس أن تنعم عليه الدولة بمنشور الولاية. راجع بذلك والي ديار بكر حافظ أحمد باشا لكن الحكومة اعتبرته عاصيا فلم تمنحه الولاية. فعهدت بإيالة بغداد إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 208

سليمان باشا و أرسل هذا (متسلمه) إليها فمنعه بكر صوباشي من الدخول و كان أمله أن يولي هو دون غيره فلما شاهد ذلك قال: «لا حاجة لنا إلي أمير أمراء!» و بهذا عارض رغبة الدولة العثمانية.

أما الوالي فإنه لما سمع من بكر صوباشي الرد و أنه متأهب للقتال عزم

علي حربه و كان معه أمير أمراء الموصل، و والي كركوك، و أمراء الكرد فساروا بعشرين ألفا من الخيالة و تقدموا نحو بغداد فوصلوا إلي قرية الجديدة (ينگيجه) و آمالهم مصروفة إلي حصار بغداد و كانت المدينة آنئذ في قحط عظيم و لكن الوالي بقي في محله و لم يجسر علي التقدم.

دام مكثه بضعة أشهر فاتخذ الشدة تارة و السهولة أخري فلم تظهر نتيجة.

و من ثم قام من مكانه و توجه إلي ما يقابل (بعقوبا) و (بهرز) فاتخذ هذه المواقع مضرب خيامه. و صاروا يعيثون في القري نهبا و غارة.

و لما علم بذلك بكر صوباشي أرسل كتخداه عمر آغا لحراسة القري و صيانتها من التعديات و كان معه من جيش بغداد نحو ثمانية آلاف خرجوا من (الباب الأبيض) المسمي (آق قپو) فعبروا نهر ديالي من شريعة (صفوه) (كذا) و صاروا تجاه الوالي سليمان باشا في محل يقال له (قباب ليث).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 209

و من ثم جرد الوالي عليهم حملة تقدر بخمسة آلاف. عهد بقيادتها إلي بوستان باشا والي كركوك. جاء لمقابلتهم، و صاروا يتضاربون، و اغتنم جيش بغداد الفرصة فعبر النهر و هاجم الجيش العثماني. و في المعركة جرح بوستان باشا. و في تلك الليلة استولي الرعب علي جيش الوالي فانهزم سحرا قبل أن يلتقي الجمعان. فولي الوالي الأدبار. و عاد إلي جهة الشام و أخبر حكومته بما جري فاهتمت للمعضلة و بذلت ما في وسعها للتنكيل بهذا الثائر و دفع غائلته. أرسلت إلي أمير أمراء ديار بكر حافظ أحمد باشا ليكون قائد الحملة …

حوادث سنة 1030 ه- 1620 م

ملا غانم البغدادي

إن بكر صوباشي في هذه السنة قتل أحد العلماء مفتي بغداد (ملا غانم)، و كان لهذا

أقارب في بغداد من العزب. يخشي منه أن يخالفه فغدر به.

أبدع الترك في تمثيل هذه المأساة فرأوا أنه حين قتله كان مشغولا بقراءة القرآن. يقرأ سورة (يس) و قبل أن يتمها قضي نحبه و لكنه- كما قالوا- استمر في القراءة حتي أتمها و هو ميت. و عدوا هذا الحادث كرامة تذكر له. و قالوا إن قتله أحدث حزنا في القلوب، و دعا إلي استياء عام.

قال كاتب چلبي: «ولد في بغداد و حصل العلوم فاستولي عليه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 210

العشق (اعترته الجذبة) فصار يتجول نحو 12 سنة في الصحاري و البراري، ثم إنه وصل إلي الشيخ علاء الدين في عينتاب فسلك عليه.

و لما ولي رضوان أفندي منصب قضاء بغداد سنة 998 ه سمع عنه أوصافا جميلة فمال إليه و من ثم أصلح حاله. فجعله مدرسا في المستنصرية و كانت من أجل مدارس بغداد فصار يقضي أيامه في التدريس. فظهر علمه و بان فضله، و نعت بأعلم العلماء، و في سنة 1030 ه قتل أيام الاضطراب في بغداد.

كان هذا الولي وصل إلي درجة الكمال في علوم الظاهر و الباطن.

و له اليد الطولي في الفقه. صار مرجع الفتوي و من آثاره (ملجأ القضاة) المعروف بترجيح البينات، و كتاب (مسائل الضمانات) و له كتاب في النحو لم يتمه، و له (حصن الإسلام) فيما يتعلق بألفاظ الكفر …».

القحط:

في هذه السنة استولي القحط علي بغداد فلم تنزل الأمطار و قلت الأعمال بسبب هذه المصائب و أخذ يهجر الناس أوطانهم. و إن العربان عدموا الأمطار و لم يجدوا أثرا للكلأ فرموا بأنفسهم إلي بغداد و صاروا يشكون الجوع فاستولي الغلاء علي البلدة و صار الناس في فقر و

فاقة، فكان المصاب فادحا مؤلما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 211

حوادث سنة 1032 ه- 1622 م

حافظ أحمد باشا و بغداد

في (سنة 1032 ه) نال السلطان مراد الرابع السلطنة. و كان موصوفا بالشجاعة و السطوة و القوة. و في أيام جلوسه كانت الإدارة في تذبذب و اضطراب لم يعهد مثلهما، و أن الجيش و الينگچرية جمحوا فلم يتمكن أحد من ضبطهم، فحدثت غوائل منها (حادثة بغداد) فأبرز من الشدة و الحزم ما مكنه من إزالة الاضطرابات و إرجاع الإدارة إلي نصابها فتولد نشاط وجدة نوعا …

و قبيل جلوس السلطان كانت الحكومة رأت ما رأت في بغداد من رد متسلمها أرسلت سليمان باشا واليا بالوجه المذكور و هذا خذل.

و حينئذ زاد حنقها و اهتمت أكثر لدفع الغائلة ففوضت حافظ أحمد باشا أمير أمراء ديار بكر و هو من قدماء الوزراء. جعلت معه ولاة مرعش و سيواس و الموصل و أمراء كردستان. فكان من رأي أحمد باشا المداراة و تولية بغداد لبكر صوباشي و إلا فإنه يتوقع أمورا ليست في الحسبان.

و أكثر ما كان يخشي منه أن يميل هذا المتغلب إلي إيران و يسلم بغداد إلي العجم عنادا فيدعو الشاه لصد العثمانيين فيولد مشاكل خارجية فلم يلتفت أعيان الدولة إلي رأيه بل حملوا ذلك علي سوء الظن به.

اتهموه بأنه أخذ مالا من بكر صوباشي من جراء المراجعة و التوسط لحكومته.

و لما وصل خبر ذلك إلي حافظ أحمد باشا سار إلي بغداد فقاتل هذا الثائر. فكسره فتحصنوا في المدينة، و شرع في الحصار و القتال في أطراف بغداد. بدأ بالتضييق علي بغداد و هاجم عدة هجومات، جرت خلالها مصادمات فاضطر أخيرا جيش بغداد إلي الهزيمة، فأضاعوا ثلاثة آلاف و سبعمائة جندي و ألفين و خمسمائة أسير.

أما الأسري فإنهم حينما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 212

حضروا إلي القائد أمر بقتلهم و لم يقبل منهم عذرا، و لا رحم شيخا و لا شابا.

بغداد و شاه العجم:

و لما وصل خبر هذه المغلوبية إلي بكر صوباشي و رأي أن الخناق قد ضاق علي بغداد كتم غيظه و لم يبال بما جري علي القتلي و الأسري و رأي الصواب في أن يسلم مفاتيح بغداد إلي الشاه عباس الكبير. نظرا لما ناله من الحصار و لما أصاب بلاده من القحط الشديد من جراء ذلك.

و علي كل لم يطق بكر صوباشي صبرا علي هذه الحالة و لم تبق له قدرة المقاومة و التزام الجيش لمدة طويلة فاضطر إلي الاستمداد من الشاه عباس و الاستعانة به مبينا له أنه إذا أنقذه من هذه الورطة و خلصه من الترك فسوف يسلم له بغداد خصوصا بعد أن عقد مجلسا للمذاكرة مع أعيانه و اتضح للجميع أن العثمانيين لو ظفروا به و بأعوانه لا ينجو منهم أحد فاستولي اليأس عليهم بسبب الضعف عن المقاومة … و رجحوا أسر العجم علي هلاكهم من جانب الترك فقرروا لزوم تسليم بغداد إلي الشاه صيانة لحياتهم. و افق الكل علي هذا. و كتب بكر صوباشي كتابا يتضمن أنه منقاد لإيران و عرض المفاتيح و الكتاب مع رسول يسمي (عباسا). فذهب هذا لبلاد العجم مسرعا …

جاء في خلاصة الأثر عن هذا الكتاب «… كتب- (بكر صوباشي)- للشاه كتابا يقول له أسلمك بغداد بشرط أن تكون الخطبة و السكة باسمك فقط فرضي الشاه بذلك» ا ه.

و في هذه الأثناء كان الشاه في سفر قندهار فأرسل إليه بريد سريع قدم إليه الرسالة و المفاتيح فخلع الشاه علي الرسول و

أكرمه إكراما زائدا إذ إنه كان يترقب هذه الفرصة آنا فآنا. و لما حصلت بادر للمساعدة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 213

و حينئذ رتب أمير همذان (صفي قولي خان) سردارا و جعل معه كلًّا من حاكم اللر (حسين خان) و حاكم أردلان (أحمد خان) خان أوشار (أفشار)، و قاسم خان و أمراء آخرين. كتب أن يذهبوا معا علي جناح السرعة لإنقاذ بكر صوباشي من مخالب حافظ أحمد باشا و أن يستولوا علي المدينة و عين من يذهب توا لتنفيذ هذا الأمر و إعطائه إلي السردار.

فكان ما أمده به من الجيوش يبلغ نحو ثلاثين ألف جندي.

فلما ورد إليهم الأمر نهضوا مسرعين متوالين الواحد إثر الآخر فذهبوا إلي بغداد و تسابقوا في الوصول إليها فوصلوا إلي خانقين و ضربوا خيامهم هناك. و حينئذ وافي الخبر إلي حافظ أحمد باشا و هذا رأي أن الخطر قد حل به من جهة أن الجيش قد استولي عليه التعب من مشاق السفر و الحروب فإذا سمع بورود الجيوش الإيرانية تولد الوهن في قوته المعنوية. و لو خرجت عليهم الجيوش المحصورة أيضا فلا يتيسر صد الاثنين بوجه. و لا قدرة حينئذ علي مقاومتهما …

و حينئذ فكر في اتخاذ تدبير ناجع للنجاة من هذا المأزق الحرج فرأي أن يؤيد بكر صوباشي و يقره في منصبه بإرسال فرمان إليه بمنصب بغداد مع الخلعة السلطانية الفاخرة. و كان الرسول إليه (سيد خان) حاكم العمادية.

و من ثم أبدي له أن قد عفا السلطان عن جميع أعماله السابقة و جدد المحبة معه بكتاب أرسله إليه موضحا فيه أن الماضي لا يذكر، و أن يحافظ علي مدينة السلطان من تطاول الأيدي إليها. لئلا يؤدي ذلك إلي وقائع

مؤلمة في النفوس. مخربة للبلاد، و أن يهتم بالدفاع بما استطاعه من حول …

إلي آخر ما جاء في الكتاب من النصائح و أضاف إليه ولاية الرقة.

و وجه لواء الحلة لابنه فتمكن من جلبه إليه. و بعد أن بعثه إليه عجل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 214

بالذهاب إلي دار الأمان و النجاة من الخطر بالانسحاب إلي موقع بمعزل عن التقرب إلي أحد الجيشين …

ثم ورد إلي حافظ أحمد باشا سفير من العجم. أتي بكتاب إليه يقول فيه إن بكر خان دخيل الشاه، لا تتحركوا بما يخالف الصلح.

ارحلوا عن بغداد. و إلا يختل السلم.

فأجاب حافظ أحمد باشا أننا لم نكن في مملكة الشاه و إنما عصي أحد رجال السلطان فجئنا لتأديبه. فقال له السفير إن بكر صوباشي استمد بالشاه فلو أن طيرا لجأ إلي قشة لحمته فأجابه أن الطير لا يزال في قفصنا. فلو فر و ذهب إليكم لكان لكم العذر في حمايته. و كان قوله الأخير: أقسم و أقول الحق أنكم إما أن ترحلوا أو أن يأتيكم أمير أمرائنا (خان خانان) بثلاثين ألفا من جنده. و حينئذ استعدوا للنضال. فأجابه:

إذا فسد الصلح فالحكومة العثمانية غير عاجزة عن المقابلة.

و علي هذا نهض السفير و رجع.

دخل بغداد نحو ثلاثمائة من العجم و عرف بواسطة الجواسيس أن السكة ستضرب يوم الجمعة باسم الشاه. فبقي حافظ أحمد باشا متحيرا فاتخذ التدبير الآنف الذكر و وجه ايالة بغداد لبكر صوباشي. بعد أن كان أعلن داخل البلدة أن بغداد للشاه و بكر خان عبد الشاه و ضربت النقود باسم الشاه كما شاع علي الألسنة. و حينئذ ورد إليه فرمان الايالة و فيه «وجهت إليك بغداد فكن علي بصيرة و ابذل ما

تستطيعه من قدرة لحفظ الايالة و حراستها».

قال أوليا چلبي: اضطر بكر صوباشي إلي الالتجاء إلي إيران، فأخبر القائد حافظ أحمد باشا دولته، فاضطر الصدر الأعظم (مره حسين باشا) أن يصدر الفرمان السلطاني بولايته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 215

فرح كثيرا بمنشور الولاية و ندم علي دعوة الشاه عباس و الركون إليه بالدخالة فاتخذ التدابير لإعادة صفي قولي خان. فكتب إليه يرحب به بعد أن قام بضيافته و قدم له أفخر الهدايا و اعتذر له و لكنه أي صفي قولي خان لم يكن ممن يقعقع له بالشنان أو يكتفي بالمدح الفارغ و الألفاظ اليابسة و إنما كلفه بتسليم المدينة إليه حسبما عهد إليه. و كان قد قال له بكر صوباشي في كتابه:

- إننا عبيد الشاه القدماء و بيننا حقوق الجوار فنشكره علي ما أسداه إلينا من المعاونة و ما أجراه من الالتفات و نذكر له هذا الصنيع و نثني عليه من أجله دائما و نقدم له هدايانا الحقيرة مع ما استطعنا تقديمه من النقود و لا نزال علي عرض العبودية …

أما صفي قولي خان فإنه تهور و أطال لسانه. و يقال إنه قتل بعض من جاءه و ألقي القبض علي آخرين …

مجي ء الشاه عباس إلي بغداد:

إن صفي قولي خان كان قد وصل إلي خانقين. و تقدم نحو بغداد.

فلما سمع بكر صوباشي ندم علي ما فعل. و صار يلتمس الوسائل لرفعهم عن بغداد. و لذا استقبله بواسطة أعيان البلدة لإجراء لازم الضيافة و ترصينا للوداد فأنزلهم خارج الباب المظلم (قراكلق قپو) و قام بضيافتهم ثلاثة أيام و قدم لهم الهدايا و رحب بهم غاية الترحيب و كتب بكر صوباشي بذلك كتابا. و قدم لهم بضعة أكياس من النقود.

و في

گلشن خلفا ذكر أنه استشاط غضبا حينما فتح الكتاب و عرف منطوياته و قال إني لم آت لهذا الغرض و سأخبر الشاه بما وقع فأرسل بعض رجاله بصورة مستعجلة إلي الشاه و أخبره بالحالة. و كان الشاه أتم سفر قندهار و عاد إلي أصفهان عاصمته و صار يترقب الأخبار عن بغداد و بينا هو كذلك إذ جاءه الرسول … و حينئذ تهور أكثر و صار يتطاير من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 216

لوح خطي في جامع الوزير- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 217

عينيه الشرر. و في الحال عين قارجغاي خان قائدا و أرسله و جهز معه من كان لديه من الجنود و أمراء خراسان و گرجستان و گيلان و مازندران ثم توجه هو نحو بغداد بسرعة لا مزيد عليها …

أما بكر صوباشي فإنه تأهب للمقارعة. أعد جيشه و هيأه. و في هذه الأثناء- قبل أن يأتي الشاه- عبر صفي قولي خان إلي الجانب الغربي.

فلما علم بذلك بكر صوباشي أرسل كتخداه عمر آغا، جعله قائد الحملة. و بعد عبورهم من جسر بغداد تحاربا مع عسكر صفي قولي خان و دامت الحرب بضع ساعات و من ثم ظهرت علائم الانكسار في جيش عمر آغا. و أسر من قبل العجم في هذه المعركة. و بعض الأكابر قد اعتقلوا و أرسلوا إلي جانب الشاه.

ثم إن قارجغاي خان وصل إلي بغداد، و حاول افتتاحها فلم يفلح و بعد 14 يوما جاء الشاه بنفسه فحاصرها من جميع أطرافها و اتخذ المتاريس و رتب الأبنية و الألغام و نصب المدافع و صار يطلق النيران علي بغداد و يمطرها بوابل من القنابل.

أما حافظ أحمد باشا فإنه كان في

أثناء الطريق. وصل إلي (درتنك) فأعلمه بكر صوباشي بواسطة رسوله أن يأتي لإمداده. و لكن الباشا كان قد سرح من معه من الجند و في الحال تدارك قسما من السكبانية و العساكر و أرسل إليه من أمراء الموصل حسين باشا المعروف بشجاعته و من قدر علي تجهيزه من الجند و أخبر استانبول بأن الشاه حاصر بغداد.

و لما كان صادف ذلك أيام جلوس السلطان مراد الرابع لم يعبأ رجال الدولة بأمور مهمة مثل هذه بل و لا فكروا فيها فلم يحصل أمل من هذه المخابرة.

و في هذه الأثناء ورد كتاب من متسلم ديار بكر يتضمن أنه من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 218

المحتمل مجي ء إبازه پاشا إلي ديار بكر فاضطر حافظ أحمد باشا أن يتحرك من الموصل و يتوجه نحو ماردين فذهب إليها …

و إن حسين باشا حينما أراد الذهاب إلي بغداد ظهر من أمامه قارجغاي خان و معه بضعة آلاف جندي فتحارب معه في مكان بعيد عن الشط يقال له (قزل خان). و هو خان لا سقف له فحاصر حسين باشا هناك مدة، بقي خلالها بلا مهمات و لا لوازم و عتاد، و حيئذ أرسل إليه قارجغاي خان من يفاوضه في الصلح مبينا أن غرضه إنهاء الصلح مع الحكومة العثمانية و قد بعثني الشاه للمفاوضة في أمر الصلح.

و بأمثال هذه الحيلة تمكن من إغوائه فخرج إليه من حصاره. و هذا القائد لم يراع تعاليم الشاه فلم يؤمن الباشا و قتله في الحال، كما أنه قتل أكثر جنوده و لم يبق إلا القليل و هؤلاء أرسلهم إلي الشاه أحياء.

و لما رآهم الشاه أظهر غضبه- بصورة ظاهرية- علي قائده قارجغاي و عاتبه علي صنيعه. و لإثبات

نواياه و تأييدها أطلق سراح الأسري فأبعد التهمة عن نفسه و أنه لم يرض بقتلهم …

سمع بهذا حافظ أحمد باشا و هو في الطريق فتألم كثيرا و لكنه نظرا لما جاءه من الخبر و لحوق موسم الشتاء اضطر إلي العودة.

و كان ورد إليه كتاب من (بكر باشا) مؤداه أنه قد حفرت الألغام في أماكن متعددة من السور و عدتها 54 لغما فبقي عاجزا عن المقاومة و الدوام علي المحاصرة فطلب الإمداد السريع و النجدة العاجلة. فأجابه الباشا بأن الوزير الأعظم سيوافي بقوة لإمداده و أنه في انتظار مجي ء الخبر إليه من استانبول. فلم يظهر أثر من هذه المخابرة و سمع أيضا بأن ابازه رجع عن الفرات و عاد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 219

أما القحط في بغداد فإنه بلغ حده حتي أن الأمهات وصلن إلي درجة أكل أبنائهن و بناتهن و بلغت قيمة الحمار ألف أقچه …

و بهذه الصورة بدت- أثناء الحصار- علائم الضعف في بكر صوباشي و قلت ذخائره الحربية و معداته و أن ابنه الكبير محمدا لما شاهد هذه الحالة استولي عليه اليأس …

مضت بضعة أيام و المدينة تحت حراسة محمد بن بكر صوباشي و كان الأمل أن يأتي اللّه بفرج من عنده فلم يجد ما يزيل المصيبة أو يدفع هذا الشر. و عجز القوم عن المقاومة مع أن القوة كانت كافية للمقاومة فأرسل سفيرا إلي الشاه و أبدي أنه يسلم بغداد. و علي هذا أرسل الشاه عيسي خان و معه بضعة آلاف من العساكر الذين كانوا في الصحراء فدخلوا المدينة بلا عناء و لا تعب و تصرفوا بها.

كان استيلاء الشاه عباس الصفوي علي بغداد يوم الأحد 23 من شهر ربيع الأول

سنة 1032 ه و نال عطف هذا الشاه كل من محمد (درويش) بن بكر (صوباشي) و عبد الرحمن جلبي و بعض نفر فتحوا له المدينة فنجوا من القتل. ثم تعقب الآخرين ممن دخلوا في خصام فعاقبهم بضروب العقوبات كما سمي الآخرين ب (باقي الظلمة و أهل العدوان) فأوقع بهم جزاء أعمالهم …! و وجهت ولاية بغداد إلي صفي قلي.

و تفصيل هذا الحادث في (تاريخ العصامي)، و في (عنوان المجد) لابن بشر، و في (تاريخ الدولة العثمانية) للمستشرق همّر المعروف (ج 9 ص 23)، و مثله في كتاب (أربعة عصور من تاريخ العراق الحديث) ص 61 الطبعة العربية الأولي سنة 1941 م و ما فيها من هامش، و الطبعة الثانية سنة 1949 ص 54 مع الهامش أيضا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 220

و في ذيل عالم آراي عباسي أن بكتاش خان لم يستطع أن يسيطر علي الجيش في تنفيذ شروط التسليم فدخل في معركة و ليس له قدرة و لا زاد و لا عدة ليبرر موقفه، فبقي الوالي في حيرة لعلمه بهلاك الجيش و تيقنه من عدم التمكن من الاحتفاظ به لدولته. و لذا ركن إلي الترياك و عده ترياقا لتسكين اضطرابه إذ لم يجد مخلصا من هذه الخسارة.

فمات. كما أن الشاه نفسه اضطر إلي قبول شروط الصلح.

و في تواريخ تركية عديدة أن هذا الفتح كان في الليلة الثانية من صفر سنة 1033 ه- 1623 م في تشرين الثاني إلا أن صاحب خلاصة الأثر بين أن الاستيلاء و قتل بكر صوباشي و أخاه عمر و ولده كان في سنة 1032 ه و هذا يوافق ما جاء في النصوص المنقولة عن المصادر الإيرانية ففي مجمل التواريخ

و هو كتاب مختصر في التاريخ مفيد عام، فيه تفصيل أمر الصفوية أكثر، كتبه مؤلفه في أيام الشاه عباس الثاني، و منه نسخة خطية لدي الأستاذ عباس اقبال، و أخري في الخزانة العامة لوزارة المعارف الإيرانية. جاء فيه أن الشيخ لطف اللّه العاملي توفي سنة 1032 ه ثم تصرف الشاه عباس في تلك السنة ببغداد. و بين ميرزا عبد اللّه أفندي في كتابه (رياض العلماء) نقلا عن عالم آرا أن الشيخ لطف اللّه توفي في أوائل تلك السنة قبل فتح بغداد و أن تاريخ فتح بغداد جاء في يوم الأحد 23 ربيع الأول سنة 1032 ه- 1623 م.

و علي كل حال إن تاريخ السنة يوافق ما ذكر في خلاصة الأثر ج 1 ص 382 و 455 و لكن ما ورد في رياض العلماء قد وافق ما جاء في عالم آراي عباسي، و خلاصة الأثر، و فيه ضبط للتاريخ …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 221

و من ثم نري تفاوتا بين المنقول عن جامع الدول و عن عالم آراي عباسي و عن رياض العلماء و خلاصة الأثر.

و حينئذ استولي الإيرانيون علي الأبراج و أطلقوا المدافع للإعلام بالاستيلاء علي البلدة فعلم الأهلون بما وقع و اطلعوا علي حقيقة الوضع و استولي عليهم الخوف و الهلع و اضطربوا لهذا المصاب كثيرا حينما رأوا في وجه النهار تبدل الحالة و أطلق الاعجام النيران و قتلوا أكثر أهل السنة …

و بعد أن ألبسوا الخلع إلي محمد بن بكر صوباشي و توابعه و أكرموهم بإنعامات أعلن للعموم بأن يبقي كل في مكانه و باستراحته و أن الشاه آمن الكل و أنه لا ضرر علي الشيعة و السنة و أن تفتح

الأسواق كالمعتاد … ثم ألقوا القبض علي (بكر صوباشي) و علي أخيه (عمر أفندي). و لمدة شهرين عذبوهما بأنواع العذاب فقتلوهما بسيف الغدر الذي قتلوا به محمد قنبر آغا و سائر العزب و أولادهم …

و كان حينما ألقي القبض علي بكر صوباشي جي ء به إلي الشاه فرأي ابنه جالسا قرب الشاه بجانبه و حينئذ عاتب الشاه بكر صوباشي بكلمات منها: قمت بهذه الأعمال الشائنة فأجابه أن الأعمال الرديئة هي من ابن الزنا هذا و أشار إلي ابنه و ابتدر ابنه بالسب و الشتم و بكي. أما الشاه فإنه أمر بحبسه في الحال.

و في تاريخ الغرابي ما نصه:

«فلما أتي حافظ أحمد باشا إلي بغداد ليزيل بكر صوباشي، و يجلس سليمان باشا مكانه بلغ هذا الخبر بكر صوباشي فأرسل إلي الشاه عباس بأني أنقاد لك، فأمدني بعسكر كي أدفع هذه الغائلة، فلما أتي الحافظ إلي بغداد قابله بكر صوباشي خارج بغداد للقتال فلم يكن نصيبه غير الهزيمة، فتحصن في بغداد و بقي الحافظ متوقفا خارج بغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 222

من غير قتال راجيا أخذ البلد بالسهولة فبينما هو منتظر التسليم أتاه الخبر بأنه من طرف الشاه أتي إلي مشهد الحسين (رض) خمسة آلاف مقاتل لإمداد بكر صوباشي، و أكثر عساكر الشاه قد اجتمعت في (درنة و درتنك) فخاف سوء العاقبة، و أرسل منشورا إلي بكر صوباشي يتضمن أننا جعلناك واليا علي بغداد فاحفظها و لا تسلمها للشاه، و ارتحل و ذهب إلي ديار بكر ثم إن بكر باشا أخذ في تحصين السور و أرسل خبرا لمن أتي لإمداده من عساكر الشاه أن اذهبوا إلي مكانكم فقد حصل المطلوب.

بلغ هذا الخبر الشاه فاستشاط غضبا. فأتي إلي بغداد و حاصرها

فقام بكر صوباشي بحفظ القلعة أحسن قيام لكن ابنه درويش محمد بعث خبرا إلي الشاه أني أسلمك البلاد إن أنعمت بها عليَّ فوعده الشاه بذلك ففتح لهم باب السر التي في جانب الشط فدخل منها نحو عشرة آلاف شخص و ضربوا البوق وقت السحر فلما تمكنوا من البلد أمسكوا بكر باشا و قتلوه شر قتلة و قتلوا القاضي نوري أفندي، و قتلوا من أهل السنة و الجماعة خلقا كثيرا».

قال الغرابي:

«و لقد رأيت جما غفيرا ممن أدرك هذه الوقعة فكانوا يقولون: ما سلم درويش محمد البلد طمعا فيها بل لما رأي من القحط و الغلاء حيث أكلت الناس الكلاب» ا ه.

و بعد ثلاثة أيام من فتح بغداد و الاستيلاء عليها فرق بدفاتر (أسماء أهل السنة) و (أسماء الشيعة) و دونها و أودع من السنة من لا يحصون بيد الشيعة فعذبوهم بأنواع العذاب و قتلوا فيهم كثيرا ليضطروهم علي بيان أموالهم و سائر ممتلكاتهم. و كان في نية الشاه أن يقضي عليهم جميعا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 223

و لكن الكلدار للإمام الحسين (رض) نقيب الأشراف في بغداد (السيد دراج) من رؤساء الشيعة و له جاه عند الشاه استشفع بالكثيرين إذ إنه أدخلهم في دفتره و بين أنهم من محبي أهل العبا فتمكن من إنقاذهم.

و كان صاحب رحمة و شفقة. فقام بما قام به و أنقذ الكثيرين …

ثم إن السنة المدونين في دفتر الشاه قتلوا جميعا و مثلوا ببعض العلماء و أنالوهم أنواع العذاب و الأذي و قضوا عليهم بصورة يقشعر منها بدن الإنسانية …

و ممن قتل في هذه الوقعة:

1- قاضي بغداد نوري أفندي. كذا في (خبر صحيح) و في تاريخ الغرابي. و في خلاصة الأثر

لم يسمه و في فذلكة كاتب چلبي سماه بهذا الاسم.

2- نائب المحكمة السيد محمد أفندي. و قد نعته صاحب الخلاصة بالخطيب العظيم و هو علي مذهب الإمام الشافعي و خطيب الجامع الكبير (الظاهر أنه جامع الخلفاء) و ذكر له في الخلاصة فتوي في فسخ النكاح بسبب تعذر النفقة كما هو مذهب الشافعية.

و ممن نقل عنهم بعض الحوادث عن بغداد (الشيخ عثمان الخياط البغدادي) و هذا لم نعرف عنه أكثر مما نقله صاحب خلاصة الأثر.

قتلة بكر باشا:

و أما بكر باشا فإنه وضع في قفص من حديد و لم يدعوا له مجالا أن ينام لمدة سبعة أيام و أكرهوه علي إبراز ما عنده من الأموال بطريق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 224

التعذيب و كووه بالنار إلي أن اشتوي لحمه ليبين مواقع أمواله … و أن ابنه يشاهده بهذه الحالة و لا يبالي بل كان يشرب و يضحك علي أبيه المتألم. و بعد أن بين جميع أمواله و لم يبق أمل في إخراج غيرها أمر الشاه أن يوضع في سفينة و يصب في أطرافه النفط و القطران و يشعل بالنار فأحرقه و أخاه عمر.

و جاء عنه في خلاصة الأثر:

«و بكر باشا هذا رومي الأصل سكن بغداد و صار من أكابر عسكرها، تغلب عليها و انبسطت يده علي مملكتها حتي صار إذا جاءت و زراؤها متولين عليها لا ينفذ من حكمهم إلا ما نفذه و هو الذي أدخل الشاه بغداد و قتله الشاه و أخاه عمر و ولده شر قتلة و كان قتلهم سنة 1032 ه.

وقائع و مظالم أخري:

ثم إن ابنه لم ينل حظا من الشاه. سخط عليه بعد ذلك فخابت آماله و خسر و ناله ما نال والده فقتل.

و في تاريخ الغرابي:

«ثم إن الشاه أخذ درويش محمد إلي العجم، و عين له مرسوما يعيش به، فبقي هناك إلي أن هلك» ا ه.

و كذلك هتكت حرمات و أستار و أرملت نساء و أوتمت أطفال و أتلفت ثروات و الحاصل تدمرت البلدة و شوهد ما لم يشاهد و استغاث الناس و تطاول الأشرار حتي علي البيوت فصارت بغداد دار المحنة لا مدينة السلام. و لا تسل عن الجوامع و المساجد و المدارس فإنها دمرت

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 4، ص: 225

و جعلت و الأرض البسيطة سواء حتي إن المراقد المباركة مثل مرقد الإمام الأعظم و الشيخ عبد القادر و سائر الأئمة قد أهينت و هدمت و انتهبت منها المعمولات الفضية …

ثم إن الشاه قام علي العشائر و نكل بهم و أجري أنواع المظالم، و قد عدد في خلاصة الأثر أمثال ذلك مما لا محل لإيراده فقد مضي لها من الأعمال الشائنة و فيها من القسوة ما لا يقبلها دين، أو ترضي بها طائفة.

و إثر واقعة بغداد أخذ الشاه عبد الباقي المولوي خطاطا لجامع أصفهان و كان من أساتذة الخط و مشاهيره. و لا تزال إيران و المملكة التركية تنتفع من العراق، من أدبائه و علمائه و خطاطيه كما وقع أيام عالي أفندي الدفتري و غيره بل و لا يزال الترك يتغذون بشعر فضولي، و بشعر روحي و أضرابهما إلي هذه الأيام. و إن الإيرانيين كانوا أقرب إلي الأخذ و ألصق بالعراق، فكان أخذ هذا الخطاط من الوقائع المهمة، و لعله آخر من أخذ من العراق. أوضحت عنه في تاريخ الخط العربي في العراق.

حوادث سنة 1033 ه- 1623 م

الاستيلاء علي البلاد الأخري

1- الموصل و كركوك:

إن الشاه بعد أن استولي علي بغداد شكا أهل الموصل أمرهم له من جراء ما كان ينالهم من ظلم كور حسين باشا و حينئذ سير الشاه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 226

إليهم قاسم خان. أما والي كركوك و هو بستان باشا فإنه حينما علم بالأمر و تيقن أن لا قدرة له علي المقاومة ترك البلدة و توجه نحو ديار بكر، رآها العجم خالية فاستولوا عليها و ذهبوا توا إلي الموصل و كان واليها آنئذ أحمد باشا أخا كور حسين باشا و لم تكن محكمة السور فتمكن قاسم

خان من الاستيلاء عليها في مدة قصيرة فأقام قاسم خان فيها و تولي إدارتها، و سير كتبا إلي أنحاء ديار بكر يدعوهم بها للطاعة …

2- استعادة الموصل:

إن كوچك أحمد كان من أعيان السپاهية أخذ معه جماعة نحو الخمسمائة من السكبان الأرناوود فهاجم بهم الموصل. و لما قرب من المدينة ظن قاسم خان أن السردار قد وافي لمقابلته فهرب إلي جهة بغداد و ترك البلدة بمن معه فعلم أحمد آغا بالأمر فتسلم المدينة بمساعدة الأهلين. و حينئذ جاء إليه أمير سنجار فألقي أحمد آغا القبض عليه و قتله قبل أن يصل إليه المدد. أما أحمد آغا فإنه كتب إلي الوزير السردار أحمد باشا بما جري و التمس أن توجه ايالة الموصل إلي ابن أخيه سليمان بك ففوضت إليه كما طلب …

حوادث سنة 1034 ه- 1624 م

آلتون كوبري- كركوك

إن والي قرمان حسن باشا الچركسي كان قد شتي في الجزيرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 227

و (حصن كيفا) المسماة عند الترك (حسن كيف)، فعلم أن قد تجمع الأعداء في آلتون كپري و كركوك و علي هذا سار عليهم مع كوچك أحمد. كان هؤلاء في جانب من نهر آلتون كوپري و عدوهم في الجانب الآخر فتضاربوا علي البعد إلي المساء و ظهرت علائم النصر للقزلباشية و حينئذ هاجمهم أحمد آغا بأتباعه فأعادهم إلي الوراء فمزق شملهم في حين أنه كان معه نحو أربعة آلاف و كان القزلباشية اثني عشر ألفا. فر فريق منهم إلي كركوك و هناك لم يستقر لهم قرار فخرجوا من المدينة و انهزموا علي وجههم فجاء بوستان باشا فدخل كركوك. و استعادوها من أيدي العجم …

حكومة صفي قلي خان في بغداد:

إن الشاه عباس قد أسكرته خمرة النصر في بغداد فعزم علي تنفيذ آمال أكبر، و رأي أن يمد يده علي بلاد الگرج. فأودع حكومة بغداد إلي (صفي قولي خان) و عاد هو إلي إيران و هجم بقائده قارجغاي خان علي الگرج و كان معه نحو ثلاثين ألفا فحدثت حرب بينه و بين أقدم حكام الگرج و هو (طهمورث) و كان هذا قد فاجأ العجم علي حين غرة فقتل في هذه المعمعة قرجغاي خان و ابنه و لم يبق من جنده سوي ثلاثة آلاف فروا بأرواحهم و أكثرهم جرحي و هلك الباقون.

أما حكومة بغداد فقد كانت مهددة بهجومات الترك و لم يعرف عن داخليتها أكثر من التحدث بأمر الحرب.

مراد باشا يسير إلي بغداد:

إن مراد باشا كان والي حلب فمنح منصب ديار بكر برتبة الوزارة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 228

و في هذه الأثناء جاءت الأخبار بأن العجم خرجوا من بغداد و ذهب أكثرهم لزيارة الإمام علي (رض) و علي هذا سير قائدا علي حملة تبلغ خمسة عشر ألفا لتكون كمقدمة للجيش إلي الحلة و الكاظمية ليحاصر بغداد و ليمنع اتصال العجم بها … و هكذا ذهبت العساكر بصورة متلاحقة. و أرسلت قوة أخري مع آغا الينگچرية.

و بهذا انتهت هذه السنة.

حوادث سنة 1035 ه- 1625 م

بقية وقائع العثمانيين

جاء في تاريخ الغرابي: «أن الوزير حافظ أحمد باشا سار مع جيوش كثيرة إلي بغداد، فلما أتاها أخذ في محاصرتها، فجاء الشاه عباس، و نزل علي نهر ديالي تقوية لمن في بغداد من العسكر فحاصر الحافظ بغداد تسعة أشهر، فلم يحصل منها بطائل بل رجع خائبا، و هلك أكثر من كان معه لاستيلاء القحط و المرض عليهم، و ألقي كل ما كان معه من الثقل و الآلات» ا ه.

هذا، و في التواريخ العثمانية جاء تفصيل أكثر. و ذلك أن السردار حافظ أحمد باشا في المحرم من هذه السنة نزل بجيوشه كركوك و حينئذ عقد مجلس شوري فاستطلع آراء الأمراء و كبار الجيوش لتعيين الخطة الواجبة العمل و قال: إن مراد باشا ذهب إلي بغداد ليمنع الواردين من دخول بغداد. و مع هذا قد دخل بغداد ثمانية آلاف إيراني مع صارو خان و مير فتاح. و إننا ليس لنا قدرة المحاصرة إذ لم تكن لنا مدافع و من المحتمل أن يوافي الشاه لإمداد المحصورين فهل الأصلح أن نمضي إلي جهة أحمد خان بن جلو خان (هلو خان) و نهاجمها فنصل إلي درنة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4،

ص: 229

و درتنك فنضبط مضايقهما و نمنع الصلة بين المحصورين و إيران ثم نمضي إلي بغداد؟ فوافق جماعة علي هذا الرأي و آخرون لم يوافقوا و ظهر من كل رأس فكر فاضطربت الآراء ثم استقرت في أن يذهبوا إلي بغداد رأسا و يحاصروها نظرا لحلول موسم الخريف و ذلك لأن موسم بغداد الشتاء و لا يتيسر الحرب أيام الصيف من جراء شدة الحر. و قالوا إننا حاضرون أن نفدي بأرواحنا و رؤوسنا فقال لهم السردار مهما كان الأمر فليكن، قوموا بالواجب!

و في اليوم التالي جاءهم ثلاثة أو أربعة من العجم يحملون كتابا من أحمد خان كتب فيه أن بغداد مملكتكم فقبل أن تذهبوا إليها و تخربوها ابعثوا برسول إلي الشاه و اطلبوها بصورة معقولة و أن السفير الوارد هو پياله بك فسألوه عن أحوال الشاه فقال إنه بعد عشرين يوما سيلاقيكم. و في ذلك المنزل سير سليمان باشا والي الموصل لإرسال أرزاق و ذخائر. و أعيد بستان باشا إلي كركوك لمحافظتها. و في اليوم التالي رحلوا و ذلك في 10 صفر فنزلوا قرب الإمام الأعظم … و في اليوم التالي ساروا إلي الجهة الجنوبية من بغداد علي الشط و حطوا أمام (الباب المظلم) (قره كوقپو) و لما مضوا بمجموعهم ضربوهم من القلعة بعدة طلقات من المدافع. أما أراذل الجيش فإنهم صاحوا بالسردار لا نعدل إلا أن نستولي علي المفاتيح و حينئذ ترتبت الجيوش في 12 صفر و دخلوا المتاريس و اجتازوا برج العجم و ذلك أن والي حلب مصطفي باشا صار في ساحل النهر، و آغا الينگچرية و الوزير القبطان تجاه برج العجم، و في الوسط أمير أمراء روم إيلي محمد باشا الگرجي و والي

الأناضول الحاج الياس باشا و والي مرعش نوغاي باشا، و والي سيواس محمد باشا الطيار و والي قرمان حسين باشا الچركسي كل من هؤلاء بسكبانيتهم دخلوا المتاريس. و أرسل إلي ديار بكر، و البصرة لإحضار مهمات … و إن بغداد لم تكن مستحكمة لدرجة فائقة إلا أن النخيل و ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 230

ماثل قد جعلتها محكمة فاتخذ الجيش تلولا (توابي) و صاروا يشتغلون بالمتاريس و أن حافظ أحمد باشا كان يشجع القوم و ينعم بإنعامات عديدة عليهم و يستميلهم بكل ما أوتي من قوة و الجيش لم يقصر في الخدمة و العمل و كان اشتغالهم لمدة شهرين بسعي متواصل و اتخذوا في هذه المدة ألغاما من اثنين و خمسين موقعا فعلم العدو بها و أجري عليها الماء فبطل عملها و كان العمل متواصلا بشدة من الجانبين و قد قطعت آلاف من النخيل لرميها في الخندق و دفنه بالتراب. و لإتمام المحاصرة قد جرت الإحاطة من كافة الجوانب و نصب جسر فعبروه إلي الجانب الآخر من جهة (قلعة الطيور) (جانب الكرخ).

و في اليوم الثاني و السبعين من أيام المحاصرة ترتب الجيش سحرا و تأهب للهجوم و قد بقي من الألغام واحد فلما اشتعلت فتيلته أخذت جانبا من السور إلا أن العجم كانوا قد اتخذوا خندقا و راءه و جعلوا بعده سياجا (حائطا قويا). فلما اجتاز العسكر تولاه الإيرانيون بالبنادق فاضطروا إلي العودة و قد ذهبت منهم خسائر عظيمة.

أما الشاه فإنه جاءه الخبر فنهض حتي وصل إلي درتنك و منها مضي إلي شهربان و علم الوزير الأعظم أن قد وافي زينل خان بجيوشه.

مر بجسان فعبر ديالي.

و يلاحظ هنا أن قاسم خان أرسل كلب

علي خان بخمسمائة فارس و حملوا بارودا كل واحد حمل كيسا. فاخترقوا سحرا و علي حين غرة صفوف العثمانيين و اجتازوهم فوصلوا إلي المحصورين فأمدوهم. و بهذا رفع قاسم خان عنه عار الهزيمة السابقة. و من ثم عقد العثمانيون مجلس شوري من كبار رجالهم و قال لهم حافظ أحمد باشا إن الشاه جاء لإمداد القلعة و لم يبق من المهمات و البارود إلا القليل. و كان من رأي مصطفي باشا أن ينهضوا و يقارعوا الشاه أو يعودوا لبلادهم و إلا فلا فائدة من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 231

الحصار فلم يوافق الينكچرية و أصروا علي لزوم المحاصرة فحصل الاتفاق علي الدوام في الحصار و كتب إلي إستانبول لإمدادهم بمدافع و مهمات و كذا كتبوا إلي الأطراف و البصرة. و جاءهم الخبر من البصرة بأن ستأتيهم مدافع تطلق أحجارا بوزن 49 أوقية. و قد سبق لهم مثلها …

عزل الدفتري عمر باشا:

في هذه الأثناء وردت من ديار بكر معدات حربية اثنا عشر كيسا و أربعة و عشرون كلكا ذخائر و كانت قد وردت بمحضر القاضي محمد أفندي الحافظ و الدفتري عمر باشا و سائر الأمراء و غيرهم فأمر أن يوزن البارود و يثبت في دفتر و يوضع في قلعة الإمام الأعظم … و في تلك الليلة ظهرت غائلة و ولولة مؤداها أن عمر باشا تبين أنه عدو لنا أعطي الأعداء البارود فانتهبوا خيمته و ألقوا القبض عليه و سلموه إلي القاضي فأمر الوزير بإجراء محاكمته أمام القاضي فتحقق أن لا أصل لما نسب و كان بعضهم فعل فعلته هذه و هو مجنون. و علي هذا أمر بقتل ذلك المجنون و عزل عمر باشا و نصب مكانه عثمان أفندي

الطوقاتلي دفتريا.

و حدوث أمثال هذه الوقائع في جيش مما يمنع أن يؤمل له نجاة و كانوا يتحرون الطريقة لإيجاد الشغب …

و علي كل حال لم تكن القيادة مسيطرة علي الجيش بل كان يسوده الاضطراب.

مجي ء الشاه إلي ديالي و ذهاب مراد باشا إليه:

في غرة رجب وافي الشاه عباس إلي نهر ديالي و في الليلة التي حط رحاله هناك سمع المحصورون فأظهروا فرحا و سرورا و أبدوا مراسم الاحتفال و ظهروا علي السور … و بهذا عرف مقدار الموجود منهم و أن التضييق لما كان قد جري من جميع الأطراف فالجنود هناك في درجة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 232

كافية للحصار. فما كان يعده حافظ أحمد باشا سهلا قد تبين أنه من أصعب المصاعب. و لا مجال من وقوع المقدر و لا مفر من الصبر.

أطلقوا علي المحصورين نيران المدافع بطلقات عديدة و كانت هذه بمقام تسل و عادوا. و في الأثناء عقد الوزير الأعظم مجلس شوري فقر الرأي علي أن يذهب للحرب مراد باشا و والي الأناضول الياس باشا و أعطي لهما سبعة مدافع.

و في هذا الحين جاءهم (مدلج العربي) ببضعة آلاف فذهب مع أولئك فصار مجموعهم نحو العشرة آلاف و كان ذلك اليوم فيه ريح عاصف مملوء بالعج لحد أن الواحد لا يكاد يري الآخر فتحارب مع العجم فغلب و عاد إلي الفيلق مكسورا و أكثر سكبانيته قد غلبوا و تشتتوا و تركوا المدافع.

و في المساء هاجمهم القزلباشية فوصل حافظ أحمد باشا إلي الخندق فانتظروا حتي الصباح و أن الكتخدا للوزير الأعظم و هو حسين آغا قد أرسل ليأتي بالمدافع المتروكة فجاء بها و استشهد بعض الأمراء و حدثت ضايعات كثيرة …

و في تلك الليلة قرب الصباح أطلقت علي بغداد عدة مدافع

و حينئذ حاول بعض الأعجام الدخول إلي المدينة فلم يتمكنوا فقتل بعضهم و أسر الآخرون و بين هؤلاء برخوردار بك كان عظيم الجثة و هو صاحب لغم، و مدفعي فجاؤوا بهم إلي الوزير الأعظم فأمر بسجن المرقوم و قتل الباقين …

و في 2 شعبان كان حافظ أحمد باشا في الامام الأعظم فرأي قيام عجاجة تبين منها كتائب القزلباشية فتأهب الجيش العثماني، فركب الخيالة خيولهم، و دخل المشاة خنادقهم، و أخبر حافظ أحمد باشا بذلك فجاء أحد المشاة من العجم. وافي من جانب الشاه و أعطي إلي الباشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 233

كتابا كان معه … و طلب الرسول جواب الكتاب فقال له الباشا سأرسل معك الجواب بعد الحرب فتأهب للنضال و اصطفت الجيوش علي الأصول المعهودة فجري بينهم تعاطي بعض نيران المدافع و البنادق و انسحب القزلباشية فكانت الحرب بسيطة.

الغربان و المدافع تأتي من البصرة

و بعد يوم ورد بكر آغا و علي آغا البصريان مع بضع مئات و بعض النجارين فخلع عليهم و أسكنهم في الأعظمية. جاؤوا بثلاث قطع من الغربان (سفن حربية من نوع قدرغة) و لم تكن لها قنوات في مؤخرتها و أعلاها يرفع بألواح عالية، و فيها ثقوب (مزاغيل) لضرب الأعداء، و أن مجاذيفها تسحب من ثقوب فيها و سواريها كالقدرغة. حملوها تمرا وافرا. و في اليوم التالي وردت المدافع أيضا و عهد إلي مراد باشا بأخذها. فذهب بها إلي الجانب الآخر و أخذ معداتها. و كذلك وردت المدافع من الحكومة العثمانية تسمي (بال يمز) فأعدت في رأس الخنادق و وضعت في المتاريس فلم يتمكنوا من استعمالها فأعيدت إلي الفيلق.

و البصرة كانت آنئذ بيد علي باشا بن أفراسياب و هذا بقي محتفظا بالبصرة، أراد

نصرة الدولة العثمانية ليبقي استقلاله مصونا فناصرها بما تمكن منه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 234

ذهاب عمر باشا لمحافظة الشط:

إن شاه العجم وصل نهر ديالي و بث العساكر في الأطراف و هؤلاء كان غرضهم أن يقطعوا طريق النهر (دجلة) لئلا تصل الكلكات إلي الجيش فتمدهم. وقع فعلا نهبهم بعض الكلكات و من ثم أرسل الوزير الأعظم أحد أتباعه عمر باشا الأرناود لمحافظة تكريت. و هذا لقي الأعداء فحاربهم ألا أنهم تغلبوا عليه و استولوا علي ما معه ففر إلي الموصل. فانتهبوا ما ترك. و كذا انتهبوا المؤونة في الفلوجة فلما سمع حافظ أحمد باشا بما جري أمر بمحافظة هذه المواقع و كتب إلي يعقوب باشا و كان في رأس الكوپري.

رسول الشاه و جواب السردار:

في هذه الأثناء جاء رسول من الشاه يحمل كتابا يقول فيه إنني أخذت بغداد من يد جلالي و إني مرسل إلي السلطان برسول و كتاب راجيا أن يترك بغداد لابني و إذا أبي فإني أسلمها لكم فلا تدخلوا معي الآن في حرب.

أجابه حافظ أحمد باشا بقوله أنا وكيل السلطان المطلق و جوابه عندي فلا حاجة لكتابة كتاب إليه رأسا. نحن لا نترك بغداد بأمثال هذه الأقوال.

و في هذا الحين هب الهواء العاصف و كسر الجسر و اعتلي العج بحيث لا يتمكن الواحد من رؤية الآخر و هكذا استمر الريح العاصف في اليوم التالي و لم يتمكنوا من نصب الجسر إلا بكل صعوبة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 235

الحرب الثانية:

و في الحال علم أن القزلباشية جاؤوا إلي قلعة الطيور (جانب الكرخ) و سيضعون العتاد هناك فكان من رأي الوزير أن يتخذ ما يلزم.

و أرسل بعض رجاله و بينا هم متأهبون إذ ظهرت جيوش العدو للعيان في (جانب الرصافة). جاؤوا من ثلاثة مواقع فتأهبوا للمقارعة و تركوا تلك الإجراءات. مضي إلي جانب الكرخ حسن باشا و في هذا الجانب جرت المضاربات بمدافع و بنادق ثم عاد الطرفان مساء إلي مواطنهم … و في اليوم التالي قتل بعض الأمراء و دخل العدو متاريسهم و استشهد كثيرون ليلا.

ثم أمد الشاه بالعتاد و غيرها. كما جاءت السفن حاملة ما يحتاج إليه الجيش العثماني فاستولوا عليها حربا و بشق الأنفس. و قد فصل صاحب الفذلكة ذلك مما لا نري ضرورة لذكره.

الحرب الثالثة:

و في آخر شعبان شاع خبر دخول الشاه في الحرب و في 12 رمضان هاجم عسكر الشاه من ناحية الشرق و من الغرب و بعض القزلباش تأهبوا للقراع و كانت جيوش العثمانيين كثيرة، و إن كاتب چلبي كان شهد هذه الواقعة. وقف عقب جيش السلحدار علي تل عال فجري الحرب و أطلقت المدافع من ناحية برج العجمي و اشتد القتال إلا أن الحرب سكنت قبيل الظهر. و في هذا الحين تحفز الأفراد للهجوم و طلبوا الإذن لهم في الحرب فكان حافظ أحمد باشا يمنعهم و يقول لهم أنتم لا تعرفون شيئا التزموا مكانكم …

ثم تحاربوا من ثلاثة مواطن فكانت هذه الحرب مؤلمة جدا.

وصف كاتب چلبي هولها و أوضح حالة الجيش العثماني و مغلوبيته، و أن المشاة منهم صدوا الهاجمين و صاروا يذبحونهم في الخنادق … و أما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 236

الغبار فصار لا يستطيع معه

الواحد أن يري الآخر، و أن حافظ أحمد باشا عاد لا يتمكن أن يري جيشه كما و أنه قتل له أمراء كثيرون و دمر له جيش عظيم …

ثم انجلي الغبار فكان الجيش التركي في مكانه و العجم قد انسحبوا … و الجيش التركي ظهرت عليه علائم الهزيمة و صار لا يلوي إلي جهة إلا أن أعداءه لم يعلموا بالخبر لما ثار من الغبار و الريح الزعزع … و لو بقي الجيش علي حالته لساء أمره … حدثت تلفيات من الجانبين كثيرة لا تقدر … فعاد الجيش إلي خيامه …

و في 2 شوال يوم السبت اجتاز العجم دجلة و جاءوا إلي الجسر علي حين غرة و هناك جرت معركة عظيمة، و أن يعقوب باشا (كافر أوغلي) والي الموصل قد جرح عند قلعة الطيور فكانت الحرب مؤلمة بسبب الجهود المبذولة لإيصال العتاد. ثم ورد رسول من الشاه يطلب إرسال رسول من جانب الوزير للمذاكرة في الصلح و بعد ذلك وافي من العجم (توخته خان). و هذا قدم الكتاب باحتفال و انعقد المجلس فلما أعطي الوزير الأعظم كتاب الشاه أخذه و وضعه تحت مخدته و قال له أنت اليوم ضيفنا و غدا نتواجه و ختم المجلس …

و في كتابه يقول:

«قد هلكت الرعية. فما الباعث للنزاع بين المسلمين، أنا انتزعت بغداد من جلالي، و أرجو من السلطان أن يمنحها لابني و أنا وكلت توخته خان في جميع الأمور» ا ه.

و هذه الألفاظ نسمعها دائما في مواطن كهذه. و لا شك أنهم رأوا العطب من العثمانيين …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 237

و لما سأله الوزير الأعظم عن فكره باعتباره وكيلا للشاه أجابه بأن (الصلح خير) جئت للصلح بين

الطرفين فسأله علي أي شي ء نتصالح؟

فلم يتم بينهما صلح.

قال الوزير أنا لم آتكم لأسلم لكم المدينة و حينئذ صاح الجيش لا نرجع حتي نأخذ المدينة …

فصل كاتب چلبي المحادثة بطولها … و في أثناء المذاكرات و بقاء السفير هاج العسكر. قالوا إن الوزير اتفق مع الأعداء و خان السلطان و لم يسكنوهم إلا بشق الأنفس … و احتفظوا بالسفير.

و في يوم 7 شوال الخميس دعا الوزير آغا الينگچرية و سأله عن اللغم. و هذا ثار في اليوم التالي من جهة أنه لم يحكم سده فتوجه نحو العثمانيين عند ما أخذ النار. ولد بعض التخريبات فلم يبق أمل في البقاء فاضطر الوزير علي العودة. حرقوا أثقالهم و أخذوا ما تمكنوا من حمله …

رحلوا يوم الجمعة بعد أن دفنوا بعض المدافع التي تقدر قيمتها بما يعادلها ذهبا و كسروا الأخري ثم إن الشاه عثر أخيرا علي الدفائن منها و أخرجها و أخذها معه إلي أصفهان … أما توخته خان فقد أخذوه معهم حينما عزموا علي الرحيل … و في ثالث منزل سيروا توخته خان.

أعادوه إلي العجم و لكن الجيش الإيراني كان في عقبهم. حارب عدة مرات.

ذكر كاتب چلبي ما أصاب الجيش العثماني من الضرر و ما كابد من تعب و ألم و جوع لحد أنه لم يجر علي جيش قبلهم ما جري عليهم.

مضوا بهذه الحالة و الكثير منهم لم يستطع الدوام. و إنما بقي في محله

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 238

قوات السلطان مراد في حصار بغداد- كتاب قصة الأمم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 239

لشدة ما ناله من الجوع فلما وصلوا الزاب أخذوا راحة، و تيسر لهم أن يجدوا الطعام و الأرزاق فمضوا من

هناك إلي الموصل و حينئذ أعطيت لهم مواجبهم بتمامها … كما منح الوزير ايالة الموصل إلي بكر آغا الذي جاء من البصرة و عين حسن باشا الچركسي لمحافظة الموصل …

و كتب ما وقع إلي الآستانة فجاءه الجواب أن يشتي هناك …

قال كاتب چلبي هذا مجمل ما أمكن إيراده بوجه الاختصار …

و أقول: إن هذا ملخص ما نقل عن كاتب چلبي و التفصيلات تخص الجيش العثماني و وحداته و أسماء أمرائه مما لا يهم العراق كثيرا …

خلاصة في حصار بغداد:

إن الوزير الأعظم حافظ أحمد باشا حاصر بغداد بالوجه المشروح. و كان مدبرا، و مفكرا عميقا … و لم يكن هذا الحصار موافقا لرغبته كما قصه شاهد عيان (كاتب چلبي) و كان من رأيه التسلط علي النقاط الحربية المهمة لقطع طريق إمداد الشاه فلم يفلح فتابع رغبة الأمراء الذين كانوا معه فابتدأ بمحاصرة بغداد … و في خلال الحصار تم الاستيلاء علي الحلة و كربلاء كما أدي إلي حرب دامية قتل فيها الألوف من الطرفين إلا أنه لم يتيسر الاستيلاء علي المدينة و حين سمع الشاه وافي بنفسه و كان هذا ملحوظا. فأرسل في مقدمته زينل خان بثمانين ألفا و لما وصلوا إلي شهربان سير قاسم خان بوجه السرعة ابنه كلب علي خان بخمسمائة من الخيالة و أرسل مع كل واحد كيسا من البارود لإمداد المحصورين فاخترقوا الجبهة سحرا و علي حين غرة فمضوا إلي المحصورين و أمدوهم … و بهذا أنسي ما أصاب والده قاسما في الموصل من كسرة و أن حافظ أحمد باشا صد جيش زينل خان الذي سار من شهربان إلي قرية بهرز ليعبر ديالي … و لكن سار الشاه بقوته لإمداد جيوشه …

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 4، ص: 240

كل هذا مما ضعضع قوة الجيش العثماني، و ولد ضعفا أو فتورا فيهم، و كذا قلت أرزاقهم، و عزت المؤونة فاتفق أعداؤهم جميعا علي مهاجمتهم، و الجيش العثماني في حالة دفاع فلم يتمكن العجم أن يخترقوه. إلا أنهم تمكنوا من قطع طريق المواصلة للعثمانيين …

و العثمانيون صابرون، مثابرون علي حرب عدوهم حتي أن الوزير في ساعة الحرج كان طلب من الشاه المبارزة فأجابه أن البازي المفترس لا يصغي لصوت الزاغ و من كان همه صيد الأسود لا يبالي ببنات آوي.

قال صاحب گلشن خلفا (هذا ما نقلته عن الثقة) و الظاهر أنه نقل ذلك عن والده نظمي البغدادي فإنه شهد الحادثة، و كان فر أثناء سقوط بغداد و ذهب مع أمه بصفة درويش إلي كربلاء و الحلة و بقي هناك إلي أن اتصل بحافظ أحمد باشا و مدحه بقصيدة مهمة …

هاجم العجم الترك عدة مهاجمات فلم يتمكنوا بل باؤوا بالفشل إلا أن قطع مواصلة الجيش أثر كثيرا عليهم … و كذلك قطع عنهم طريق الميرة فلم يستطيعوا أن يتصلوا بالخارج فصار المحاصرون محصورين فانعكست الآية … فاستولي الجوع و كان البقاء في محل واحد سبب أمراضا في الجيش بسبب طول البقاء لمدة نحو تسعة أشهر.

دعا ذلك إلي الضجر من الحالة و اضطر الجيش إلي الانسحاب.

و في هذا كله أبدي حافظ أحمد باشا من المهارة الحربية ما أكد قدرته.

احتاط و راعي كل تدبير ناجع لتحقيق غرضه فلم يفلح الأمر الذي جعل أرباب الزيغ يتخذون ذلك وسيلة للطعن به و إسقاط منزلته. و الآستانة آنئذ في هرج و مرج فلم ينل مددا كافيا مع العلم بأن الشاه وجه عليه جميع قوته. و رأت إيران

ما رأت من عطب. و بالرغم من ذلك كاد يتم الصلح بينه و بين الشاه لولا أن الينكچرية لم يصبروا للنتائج فقاموا بعصيان اطلع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 241

عليه الشاه في حينه فلم يتم. فكانت هذه الحروب دمار الدولتين.

و علي كل لم ينجح في مهمته فغضب عليه السلطان لما شوهوا به سمعته. نزع منه المنصب و جعل خسرو باشا وزيرا أعظم … و هذا أيضا شغل في قضايا أخري كانت تهدد قلب السلطنة. فكانت الدولة في اضطراب لا مزيد عليه …

أما بغداد فإن الجيش حينما انسحب منها ترك مرضي كثيرين فاقتسمهم أغنياؤها و طببوهم حتي شفوا و إن الشاه عباس عاد إلي إيران ظافرا بعد أن طال مقامه. و من ثم لم يعرف عما جري لقلة المدونات، و لا يؤمل من حالة لا تزال حربية و في حالة حصار، مهددة في كل آن بحروب جديدة. بقي فيها الجيش يتوقع ما سيجر إليه ذهاب الوزير الأعظم، أو ما تقوم به السلطنة العثمانية …

حوادث سنة 1036 ه- 1626 م

حالة العراق

إن الحكومة العثمانية- كما قدمنا- شغلت بنفسها في حوادثها الداخلية. و الإيرانيون لم تكن فيهم الهمة الأولي للتوغل في الأنحاء العراقية الأخري فاكتفوا برفع الحصار عن بغداد و عادوا … و من ثم صح أن نقول إن هذا العام قد سكنت فيه حالة العراق نوعا …

حصار البصرة:

كانت البصرة بيد علي باشا آل أفراسياب. و حاول العجم الاستيلاء عليها فوجه الشاه إليها قائده (إمام قولي خان) فحاصرها أشد الحصار و لكنها بذلت كافة جهودها للدفاع فعجز القوم من التمكن منها و رجع القائد خائبا، و ترك خيامه و مدافعه و أموالا عظيمة و راءه …

و الشيخ عبد علي الحويزي مدح علي باشا بقصيدة ذكر فيها الوقعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 242

و أرخها بنصف بيت و هو (علي دمر الخان سنة 1036 ه). و الحصار طال إلي سنة 1038 ه أي أنه دام إلي أن توفي الشاه عباس الكبير فلما ورد خبر وفاة الشاه عاد إلي مملكته. هذا مع العلم بأن الحكومة العثمانية خذلت أمام الجيوش الإيرانية مرارا مما جعلنا نقطع بأن دفاع البصرة كان دفاع مستميت احتفاظا بها و ذبا عن حريمها بخلاف الترك العثمانيين فلم تهمهم بقدر أهليها. و نراهم يطرون (علي باشا أفراسياب) علي دفاعه هذا.

حوادث سنة 1037 ه- 1627 م

وفاة السيد عمر البصري

هو ابن عبد الرحيم البصري الحسيني الشافعي نزيل مكة المشرفة، الإمام المحقق، أستاذ الأستاذين، كان فقيها عارفا مربيا، كبير القدر، عالي الصيت، حسن السيرة، كامل الوقار … كذا في الخلاصة نقلا عن الشبلي و أطال في وصفه. أخذ عنه خلق كثير. و زاد أنه متمكن في التصوف أيضا. توفي سنة 1037 ه.

و لم نقف علي رجال العراق في هذا العصر. ألهت الحوادث بل الرزايا من تدوينها و لم تخل في وقت من عالم أو أديب.

حوادث سنة 1038 ه- 1628 م

حالة العراق

لا يؤمل أن نري صلاحا أو إصلاحا و الحكومة الإيرانية في حرب و لم تنقطع يد العثمانيين عن مواصلة الزحف و كل ما في الأمر كانت التأهبات عظيمة من الجانبين و الإدارة عسكرية قاسية جدا ابتلي العراق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 243

بأطماع الفريقين إلا أن موت الشاه في جمادي الأولي من هذه السنة (1038 ه) و تبدل الحكم و هجومات الأتراك المتوالية بإزعاج كل ذلك لم يحرك ساكنا في الأهلين للمطالبة باستقلال و اتخاذ تدابير لدفع الحكومتين. و ما قيام بكر صوباشي إلا لهذا الأمل، فخاب خيبة ذريعة.

و العراق صار بين حكومتين إذا رأي ضعفا من واحدة و نزع إلي الاستقلال و حاول التملص منها فاجأته الأخري بجيوشها و هاجمته علي غرة و لم يجد فرصة للنهوض، و لا لتحقيق هذه الأمنية مع العلم بأن حروب الماضي لم تكن تشغل إلا ناحية واحدة مقدرة بقوة الواحدة بالنظر للأخري …

لم نعلم عن حكومة إيران في العراق علما وافيا عن جميع أعمالها حتي هذا التاريخ رغم كثرة المراجع التركية. و هذا شأنهم في تواريخهم.

توضح علاقاتهم مع غيرهم لا أكثر … و مثلها تواريخ إيران لم توضح أكثر من العلاقات العامة،

و لم نجد أثرا يستحق التدوين.

حوادث سنة 1039 ه- 1629 م

السردار خسرو باشا و بغداد

في فترات غير مقطوعة نسمع بعودة الحروب، و التأهب للقراع، كل دولة تستعد لما يؤمن لها الانتصار. و هكذا كان الأمر فعلا، ففي 18 شوال من سنة 1038 ه نهض السردار من استانبول لاستخلاص بغداد و هو الصدر الأعظم خسرو باشا و جعل مكانه قائممقاما رجب باشا.

فوصل قونية في المحرم من سنة 1039 و منها شتي في ديار بكر ثم توجه نحو الموصل فوصل إليها في غرة جمادي الأولي. و من هناك سار في 13 جمادي الثانية. عبر الزاب في 25 منه و في طريقه ضرب العربان الذين كانوا نكلوا بالأهلين و كان أملهم أن يمضوا إلي آلتون كوپري (القنطرة) فذهبوا إلي شمامك و منها جاؤوا إلي قرية ميره بك من أمراء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 244

صوران ثم ساروا إلي شهرزور في 28 رجب فمروا بكثيرين من أمراء الكرد و كانوا أذعنوا بالطاعة. مروا من سر چنار حتي وصلوا إلي نفس شهرزور فأقاموا فيها. و لما كانت شهرزور تخربت أيام الشاه عباس لم يبق لها أثر فهي صحراء واسعة بين جبال و آثار القلعة المعروفة بظالم قلعة (زلم) موجودة. كان بناها السلطان سليمان. و حاكمها (الشيخ عبد اللّه) و يسمي (شيخو). أذعن بالطاعة و قدم ابنه رهنا. و التفصيل في فذلكة كاتب چلبي.

أعاد القائد تعمير قلعة گلعنبر و هي مركز قضاء و تسمي (حلبچة). كان بناها السلطان سليمان خان. و ينطق بها (ألبجه).

كان تشتت أمراء الكرد و فروا من أيدي العجم. التجأوا إلي الجبال الشاهقة و المواطن الصعبة المرور فاختفي كل من ظالم علي، و مأمون خان، و مراد خان من أمراء أردلان. و لما رأوا الوزير

الأعظم وافي إليهم أطاعوه.

أطاع السردار جماعة من أمراء الكرد و هم حكام هاوار، و كسانه، و شهر بازار، و دمير قپو، و چناد، و خوسير، و هزار ميرد، و دلخوران، و مركاره، و حرير دويز، و نيل، و طاوي، و زنجير گرقپو، و منزل عجور، و ابروان، و پلنكان، و باسكي، و دوان، و قزلجة قلعه و پاوره برند، و قلعه غازي، و نعل لب بإربل، و چنار كدوكي، و مهربان …

قال في الفذلكة إن الأكراد يتابعون القوة، و لا يعتمد عليهم و تغلب عليهم المداراة. و مثل هذه القوي لا تصد.

و لما سمع الشاه بخبر قدوم الصدر الأعظم و رأي أن قد اضطربت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 245

أفكار الأهلين في همذان جهز الجيش و جعل القائد عليه أمير الأمراء زينل خان و أحمد خان بن هلو خان الأردلاني فمر من جهته و معهم نحو الأربعين أو الخمسين ألفا من الجند فوصل إلي قلعة مهربان (مريوان) و ذلك في رمضان هذه السنة فساق عليه الوزير جيشا لمقابلته تحت قيادة نوغاي باشا أمير أمراء حلب فتقابل الجمعان قرب المدينة و رخصت في هذه المعركة النفوس فلم يدع أحد من قوته شيئا و بذلت المجهودات و دامت المقارعة حتي العصر فوصل المدد للجيش العثماني وقت الحاجة و اشترك في المعمعة فرجحت هذه الكفة علي العجم ففر القليل منهم و هلك كثيرون و تركوا جرحي حتي إن سردارهم زينل خان فر أيضا.

و عند وصوله إلي الشاه غضب عليه فأورده حتفه للحين.

و علي هذا الخبر خلي الشاه همذان و انسحب إلي عاصمته. أما الوزير فإنه توجه نحو مهربان. و لمصلحة اقتضت بقي هناك مدة سبعة أيام أو

ثمانية. ثم عزم إلي همذان فكسر الجيش الإيراني في طريقه.

و منها استولي علي درگزين. و كان في نيته أن يذهب إلي عاصمة إيران و هي أصفهان و لكنه حين وصوله إلي صحراء درگزين اضطر أن يطيع أمر السلطان الوارد إليه القاضي بلزوم ذهابه إلي بغداد. و في هذه الأثناء أصلي نهاوند بنيران حامية.

و في طريقه أمر السردار كلّا من يوسف باشا أمير أمراء روم ايلي و كوچك أحمد باشا أن يدمروا مملكة (رستم خان) ففعلوا و اجتمعت الجيوش في باش دولاب لتتوجه إلي بغداد و تلتحق بجيش السردار للذهاب إلي هناك فخربوا كل ما مر في طريقهم.

و في 10 ذي القعدة توجهوا إلي بغداد. اجتمعوا في باش دولاب.

و لكن المنقول عن بعض الثقات من أهالي بغداد أن (دجلة) كان في حد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 246

النقصان و لذا انتظروا ورود المدافع و المعدات الحربية فمكثوا عدة أيام بلا حرب و لا جدال.

حوادث سنة 1040 ه- 1630 م

بقية حوادث الصدر الأعظم بجانب بغداد

و في أوائل المحرم من سنة 1040 ه مضي إلي المدينة (بغداد) من طريق در گزين، و درتنك و قصر شيرين و حلوان. و هكذا حتي عبر نهر ديالي، فوصل إلي قنطرة (چبوق)، و اللقمانية و في 28 المحرم وافي الشط قرب الأعظمية.

و من الجهة الأخري إن كنج عثمان جاء من طريق الفرات فورد الفلوجة و منها مضي إلي الحلة فهاجمها. و في 20 صفر سنة 1040 ه شرع السردار في حصار بغداد، و أحاطها من جميع جوانبها. و في 3 ربيع الأول سنة 1040 ه هاجمها هجوما شديدا. و ذلك أن كل وال (أمير أمراء) هاجم بما لديه من الأغوات و العساكر فاجتازوا المتاريس و وصلوا إلي قرب السور فكان

دخولهم هذا المأزق مخطرا جدا. و هناك بذلت النفوس مجهودها، و جالدت جلادا عنيفا. و كانت المدافع ترمي علي الأعداء فرمت ما يقرب من ألف قنبلة و لكنها لم تتمكن من التأثير علي السور إلا من جانب و مع هذا دام الحرب لمدة أربعين يوما. فظهر العجز في الجيش العثماني و بدرت بوادر خفوق المسعي رغم الجهود و المعارك الخطيرة. و إن الهجوم الأخير الذي جري قد فل الجيش و بعثره. أتلف الكثير منه بحيث صار لا يدري الواحد بالآخر. و في كل هذه المدة لم يأت مدد. و أعوز البارود و المؤونة و العتاد أكثر من كل شي ء … و ما ورد إليهم لم يف بالمطلوب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 247

و كان الأولي أن يركنوا إلي الحصار، و أن يمنعوا خروج الجيوش المحصورة، و يقطعوا السابلة و أن لا يمدوا المحصورين استفادة من التجارب العديدة، فلا يجازفوا بالهجوم و يخاطروا … و كأنهم في غفلة عن المخذوليات السابقة.

لم تكن للعدو من القوة ما يكفي للحصار و المقاومة. و إنما أحكم حصاره و أبطل الألغام التي عملها العثمانيون … و كان العجم قد عزموا علي تسليم البلد و لم يجدوا وسيلة للتخلص بغير طلب الأمان. و لكن العثمانيين عجلوا.

و حينئذ قرر الإيرانيون الهجوم من جانب الثلمة التي أثرت فيها المدافع و استمروا في الدفاع بعددهم و مدافعهم و أن يحاربوا حرب المستميت …

و لهذا أول ما قارب العثمانيون المدينة أصلوهم بنيرانهم و منعوا العساكر العثمانية، فقتلوا من تقدم أولا و قطعوا طريق إمدادهم …

و علي كل لم يتيسر الفتح. و يعزو أوليا چلبي الخذلان في هذه الحرب إلي أن الجيش ربح غنائم كثيرة

إلي حد الإشباع، و الأسد لا يكون مفترسا إلا إذا جاع، فلم يهاجموا أثناء الحصار بشدة. و لكن الواقع يؤيد أن أسباب المحاصرة مكينة، فلم يتمكنوا من اختراق الجبهة.

لم يقدر السردار علي المطاولة لا سيما و قد كانت خسائره كبيرة و ضائعاته عظيمة … لم يصبر علي الدوام في الحرب كما فعل حافظ أحمد باشا. و لذا قرر لزوم الرجوع باستشارة الأمراء و ذلك في 8 ربيع الأول من هذه السنة. و في أوليا چلبي تركوا بغداد في 27 صفر سنة 1040 ه فعاد بما لديه من قوة و خيام و غيرها. و في أثناء هذه الحرب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 248

استشهد أمير أمراء الأناضول داود باشا. إلا أن السردار قرر أنه إذا بقيت الحلة في يده أمكنه معاودة الحرب في السنة المقبلة بأمل تسهيل أمر الفتح بناء علي اقتراح بعضهم فوافق عليه، و أرسل أمير آمد خليل باشا مع نحو عشرين ألفا من عسكر ايالته و بينهم الينگچرية. و في كتاب (خبر صحيح) كان معه اثنا عشر ألفا فأرسلوا علي جناح السرعة إلي الحلة. أحاطوا جوانبها بالخنادق لتكون لهم عدة أيام الخطر و المحاصرة.

و في هذا الأوان هاجم قائد العجم توخته خان المسمي (خان خانان) فضبط (درنه و درتنك) ففر المحافظون من الجنود هناك من أمامه … و من جهة أخري إن رستم خان أيضا هاجم الحلة و وجه عزمه إليها فاستمد خليل باشا بالسردار فأرسل إليه بضعة أمراء لكنهم لم يجدوا طريقا للوصول إليه. فكان استعجالهم تسرعا مغلوطا …

مهاجمة شهرزور:

ثم إن العجم هاجموا شهرزور بنحو ثلاثين ألف جندي بقيادة توخته خان و معه أحمد خان و ظالم علي فطردوا من فيها

بالقوة و جعلوها قاعا صفصفا و لم يبقوا فيها بناء ما. و في المعركة قتل محمد باشا بن أرنود و انهزم عمر باشا و ابدال باشا. و هؤلاء أيضا لم ينجوا من سيف السردار فأمر بقتلهم و إن أمراء الكرد مالوا إلي العجم و تابعوهم.

عودة السردار إلي الموصل:

و في هذه الأيام وصل السردار إلي الموصل بتاريخ 7 جمادي الأولي و شرع في إحكام حصارها و منها توجه إلي ماردين.

و هذا الوزير كما نعته كاتب چلبي لم يكن له تدبير صائب. استبدّ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 249

برأيه، و لم يحسن التصرف كحافظ أحمد باشا فأدي عمله إلي القضاء علي الجيش و مهماته و ذهبت كل التدابير هباء …

مهاجمة الحلة:

هاجم الشاه بنفسه الحلة بنحو أربعين ألف جندي بعد أن رآها استعصت علي جيوشه فحاصرها لمدة ثلاثة أشهر و كان محافظها آنئذ خليل باشا فلم يصل إليه المدد و كان أصاب الدولة العثمانية قحط و بيل فلم تتمكن من معاونته بل كانت في حالة اضطراب من جراء هذا الغلاء. فقطع أمله من المعاونة و لم يفكر إلا في طريقة الخلاص من هذه الغائلة المحدقة به. و كانت مدة الحصار بلغت الثلاثة أشهر أو الأربعة ففي بعض الأيام هجم بما لديه من فوارس علي جبهة من جبهات العدو فخرقها و تمكن من الخروج و لم يتمكن منهم العدو بشي ء فوصل إلي الموصل. كان لهذه الشجاعة التي أبداها في شق الجبهة مما تذكر له و تزيد في سمعته. و حينئذ أوقع العجم بأهل الحلة ما شاؤوا من قتل و نهب.

و في اليوم التالي نادي المنادي بالأمان فانقطع النهب و كفوا عن الغارة و القتل. و إن الجنود التي بقيت في المؤخرة طلبت الأمان.

ثم عاد الشاه و من معه من الجنود العثمانيين الذين طلبوا الأمان إلي بغداد و سير الروم و هم الجنود إلي الموصل و منها توجه إلي إيران.

و لم ينج منهم إلا القليل. سير الجنود الرومية إلي أوطانهم و لطفهم و أذن لهم بالذهاب.

ثم أمر أن يعمر مرقد الإمام علي (رض) فبوشر بالعمل في الحال. و أما الحلة فإنه ضيق عليها و أذل أهليها و أمر أن تبني قلعة محكمة هناك و يتخذ خندق فشرع في العمل فدمرت دور و بساتين و حدائق للأهلين فتضرروا كثيرا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 250

حوادث سنة 1041 ه- 1631 م

حكومة بكتاش خان

بغداد في هذه الأيام:

في هذه الاضطرابات و الحالات الحربية كان الحاكم في بغداد (صفي قولي خان)، و لكنه عاجلته المنية و لم يمهله الأجل. و كان متعصبا في مذهبه كما أنه كان متصلبا في الإدارة. و بلغت مدة حكومته ثماني سنوات تقريبا.

و لما وصل خبر وفاته إلي شاه العجم أظهر حزنا كبيرا و أصابه ألم عظيم. و اتباعا للتقاليد المرعية دعا المنجمين و استطلع رأيهم في معرفة طالع أمرائهم الموجودين فكان طالع (بكتاش خان) غالبا علي الكل …

و علي هذا نصب (بكتاش خان) حاكما علي بغداد. و لكن الطالع ظهرت حقيقته مؤخرا بدخول السلطان مراد خان بغداد و استيلائه عليها و هي في يده و تحت حكمه. فكانت أيام بغداد في سوء و حروب و معامع بل قلاقل عظيمة فلم تهدأ الحالة.

و إن من آثار الوالي السابق بناء السراي (دار الحكومة) المعروف (أيام صاحب گلشن خلفا) بالدفتر خانة.

بكتاش خان:

في هذه السنة ولي بكتاش خان علي بغداد. قال صاحب گلشن خلفا إنه كان مشغولا بالشرب و تعاطي المعاصي و أخذ الهدايا و عدم المبالاة بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فمال الناس في أيامه إلي الأهواء النفسية و انهمكوا في المعاصي و صاروا لا يبالون بانتهاك الحرمات.. و الحالة حربية، فلا يعول علي مثل هذه الإشاعات.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 251

حالة الترك:

إن السردار كان قد صرف همه إلي تعمير القلعة في الموصل و تحكيمها. و في هذه السنة كان يتجول بين ديار بكر و الموصل. و لكنه لم يتمكن من إجراء عمل ما. و إن موسم الشتاء قد حل فوصل إلي مشتاه و انتظر فيه. و في 28 ربيع الأول انتزع منه السلطان الخاتم فصار حافظ أحمد باشا وزيرا للمرة الثانية فأمر بإرجاع الجنود إلي استانبول.

و إثر ذلك حصل قيام عليه من الينگچرية و رؤساء الموظفين فقتل في سنته و كان من أعاظم رجال الدولة. عين مكانه رجب باشا فصار صدرا أعظم. و هذا أيضا قتل من جانب السلطان نظرا لاشتراكه مع الثائرين الذين أصروا علي قتل حافظ أحمد باشا فخلفه محمد باشا و هذا دمر المتغلبين و الثائرين ممن كانوا يضطرون السلطان إلي قتل وزرائه و تبديلهم و بهذه الوسيلة أمنت الحكومة من شرورهم.

و لما أمن السلطان مراد المركز شرع في تسكين الأناضول و التنكيل بالثائرين فتمكن من ذلك أيضا.

حوادث سنة 1042 ه- 1632 م

و في سنة 1042 ه هاجم شاه العجم كرجستان. و كان حاكمها آنئذ (طهمورث) فلم يستطع مقاومة الأعجام فانسحب و ضبطوا كرجستان و منها توجهوا نحو (وان) فوصل خبر ذلك إلي استانبول فأصدرت الأوامر إلي رؤساء الثغور للاهتمام بالأمر و التأهب للطواري ء.

حوادث سنة 1043 ه- 1633 م

غرق بغداد

في هذه السنة طغي ماء دجلة فغرقت من بغداد محلة باب الأزج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 252

و غيرها. و السبب أن إسماعيل بن نجم كانت بستانه محاذية لبدن القلعة فبثق من البدن بثقا ليسقي بستانه، فاتسع و هدم جانبا من البدن، فتركه و انهزم، فأخبر والي بغداد بكتاش خان، فقام مهرولا حتي وقف عليه، فشاور بعض المهندسين في هذا الأمر، فطلبوا ثلاث طيارات، ملأوها ترابا و حجرا و خسفت في الهدم و ترك خلفها الخشب و الحطب و التراب حتي انقطع سيل الماء، و اطمأن الناس بعدما ذاقوا مشقة عظيمة.

حوادث حربية:

و في ربيع الأول سنة 1043 ه سار توخته خان أمير أمراء العجم بعساكره إلي وان و كانت عدتهم نحو الثلاثين ألفا فهاجمها و ضبطها، و لكن أمير أمراء ديار بكر مرتضي باشا و أمير أمراء أرضروم خليل باشا وافوا إليها. و في 10 ربيع الآخر أنقذوا وان من يد أعدائهم و رجعوا.

فلما سمع الوزير الأعظم و كان قد تحرك أيضا لإمداد الجيش لاستخلاص وان في 11 ربيع الآخر فرح كثيرا و سر الفيلق و قد وصل الصدر الأعظم إلي حلب في 15 جمادي الثانية.

و في أوائل رجب بناء علي الفرمان الصادر قتل والي حلب نوغاي باشا و وجهت الولاية إلي والي ديار بكر محمد باشا الطيار، و إن مرتضي باشا عاد إلي استانبول.

و في هذه الأثناء حصلت بعض الاضطرابات في الفيلق أحدثها رؤساء الينگچرية. و فر رئيسهم إلي استانبول فقتل بأمر من السلطان هو و من معه.

و الحاصل أن الأحوال الإدارية و الاختلالات الداخلية منعت من استعادة بغداد و دعت إلي بقائها في أيدي الإيرانيين مدة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4،

ص: 253

و الملحوظ أن النزاع علي بغداد و تهالك الترك في سبيلها و اهتمام صدورهم في حروبها. و العجم و مجازفتهم في الاحتفاظ بها كل هذه من الأمور الداعية لانتباه الأهلين و لكن أين الانتباه و القوي متكافئة بل راجحة للعجم في الحرص علي العراق و دفاعهم عنها دفاع المستميت في كل مرة … و كذا الترك و مخاطرتهم في الهجوم عليها و لزوم استعادتها …

مال الأهلون كل منهم لناحية فصاروا طعمة نيران هذه الحرب الملتهبة بلا أمل و لا مواعيد شافية، و لا التمكين من أي حق بل نراهم يطلبون من الأهلين المقاتلة معهم. و تسهيل النجاح و الغالبية ليكونوا شهداء لتمكين سلطانهم، أو واسطة لتأمين استعبادهم و قهرهم …

و هكذا نري عدم المبالاة بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. فلا يكاد يظهر لهما أثر في هذا العهد فمال الناس إلي الأهواء النفسية و انهمكوا بالمعاصي. و لذا نري الصلحاء في خوف و ارتباك من الأمر.

كثرت في أراذل الناس الفواحش فصارت هذه بمثابة الحالة الاعتيادية المألوفة …

حوادث سنة 1045 ه- 1635 م

الطاعون في بغداد

توالت الأرزاء، و اختلت الحياة بسبب تكاثر الجيوش، و صارت المعيشة في اضطراب، فكان من لوازم ذلك أن حدث في سنة 1045 ه في اليوم الثالث من شعبان المعظم الطاعون. هاجمت جيوشه الأهلين و استولت علي إقليم العراق و استمر ضرره و دام خطره إلي أول يوم من عيد الفطر.

كانت الضائعات عظيمة جدا فكم دمر من أسرات و قرض من أهلين …! حتي إنه لم يبق من يدفن الأموات أو يحمل الموتي، فكان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 254

لمصابه خطر عظيم و كثرت الأراجيف و نال الأهلين رعب كبير و من ثم تراهم تركوا المعاصي فصاروا

يميلون إلي الصلاح و إلي تأديب النفوس و الركون إلي الاستغفار و التمسك بالعبادة فلم يبق ملجأ إلا اللّه تعالي …

ورد في تاريخ الغرابي:

«وقع في بغداد طاعون و كثر حتي جروا بعض الموتي من أرجلهم و رموا بهم في دجلة. و بيعت قربة الماء بخمسة عباسيات» ا ه.

ثم خفت وطأته. و استمر إلي يوم عرفة فانقطع و زال خطره و شفي المصابون به فكثرت الموروثات و نال الفقراء الثراء. و بعد أمد يسير أبطر الناس الغني و وسوس لهم الشيطان سوء الأعمال فمالوا إلي المنكرات و عادوا الكرة إلي عمل الموبقات … كذا قال صاحب گلشن خلفا.

حالة العراق:

من هذه الأحوال يظهر أن هذا القطر لم ينل راحة. فهو بين حرب و ظلم و غرق و طاعون … فلا أمل أن نري عمارة، أو عدلا، أو أمنا، أو نموا في الحضارة و لا تمكنا من العلوم و الآداب. و الحالة لا تزال حربية و الاهتمام بالجيش هو المطلوب. و الأخبار المتضمنة هجوم السلطان مراد علي العراق بقصد استعادته من مؤيدات ذلك. تأهب بنفسه و قام علي العجم لصد غائلتهم فلم يتمكنوا من القضاء عليها من مدة بحيث شوشت عليهم داخليتهم و خارجيتهم. فهي بالنظر إليهم أم المسائل أو صارت (قضية الحياة و الممات). دامت هذه الأحوال من الاضطراب إلي أن استولي السلطان علي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 255

فيل الشاه صفي:

في هذه السنة بلغ الخبر كوچك أحمد باشا و كان مقيما في الموصل أن أمير آخور الشاه زينل خان أتي إلي بلدة شهرزور و معه فيل أهداه سلطان الهند إلي الشاه صفي، فذهب إليها و انتزعه منه و أرسله إلي السلطان مراد، فبلغ هذا الخبر الشاه فأرسل نحو خمسين ألف فارس، فالتقوا بأحمد باشا عند قلعة مهربان، فاقتتلوا و لم يتزلزل أحمد باشا من مكانه حتي استشهد، و لقبه العجم (بدمير قازوق) لثباته.

حوادث سنة 1046 ه- 1636 م

الحالة العامة

من حين تركت الدولة العثمانية حصار بغداد اشتغلت في تنظيم داخليتها فلم تتمكن. عاث العجم فيها و صاروا في تأهب حربي بل في مقارعات فعلية فلم تدع فرصة للالتفات … إلا أن الحروب كانت في أنحاء (وان) فصارت تتداولها الأيدي. و اشترك السلطان مراد في حربها … و علي كل نري الحكومتين تتقارعان الطالع، و تجازف كل واحدة بقدرتها و ما لديها من قوة و لم تكن هناك الحرب الحاسمة لتعادل القوي، و لم يكن الترجيح فائقا من جهة، و إنما يعوز حسن التدبير للتفوق و الرجحان و يغلب علي العثمانيين الاضطراب في الإدارة مما منع أن تكون كفتهم راجحة بكثرة القوة و كمال العدة. أنهكت الحروب الدولتين و لم تفكر واحدة منهما في الأمر و ما يؤول إليه. و إنما تأمل الواحدة أن تقضي علي الآخري. و لم ينقطع هذا الأمل.

الحرب سجال. و العراق لم يصف له الجو، و حالته ما وصفنا من حروب إلي طواعين إلي قسوة و تعديات و هكذا …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 256

حوادث سنة 1047 ه- 1637 م

اشارة

لم نجد ما يصلح للتدوين عن هذه السنة إلا حادث اهتمام العثمانيين في العودة إلي بغداد و محاولة استردادها و سفر السلطان إليها بنفسه و تجييشه الجيوش العظيمة و قيامه بالمهمات الكبري فلا حديث غير هذا يهم العراق. و حكومة العجم أيضا متأهبة لقمع نفوذ العثمانيين و القضاء عليهم.

السلطان مراد يتأهب لاستخلاص بغداد:

كانت بغداد في أيدي العثمانيين من سنة 941 ه أيام السلطان سليمان و دامت في أيديهم إلي واقعة بكر صوباشي فبقيت نحو المائة سنة تحت حكمهم فحاولت الاستقلال ثم صارت في حكم العجم و قام العثمانيون بهجومات عديدة و عظيمة لاستعادتها فأخفقوا في مساعيهم كلها و استصعب الفتح، و كون هذا الخذلان خطرا عظيما. كانوا قد بذلوا النفس و النفيس في سبيله فظهر عجزهم و بان ضعفهم … و هذا الخذلان كان أكبر محرض، فالسلطان مراد وجد أن الخطر حل و اكتسبت المصيبة شكلا عاما، فعزم بنفسه للقضاء علي هذه الغائلة و هو من أعاظم رجال العثمانيين لم يأت مثله من أيام السلطان سليمان فسار للمقارعة بعد أن قضي علي اضطرابات داخلية و فتن خارجية مهمة و أمن الحالة مع المجاورين الآخرين … و حينئذ تمكن من خضد شوكة العجم وفل غارب نفوذهم في العراق و افتتح مدينة (بغداد). استخلصها للعثمانيين فبقيت في حوزتهم إلي الحرب العظمي و حينئذ خرجت من أيديهم في سنة 1335 ه- 1917 م.

السلطان مراد في طريقه إلي بغداد:

إن السلطان أصدر فرمانا في التأهب لسفر بغداد في أوائل رجب سنة 1047 ه و أوعز في اتخاذ ما يلزم للحرب، و في 8 شوال هذه السنة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 257

السلطان مراد الرابع ببزته الحربية- أحمد راسم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 258

أخرج الطوغ الهمايوني و ركز أمام الحربية فاستعد الوزراء و الأمراء ممن تقرر اشتراكهم في الحرب و نشروا الأعلام الأخري للاطلاع، و في 15 شوال نقل الأوطاغ الهمايوني (خيمة الملك) إلي اسكدار، و في 16 ذي القعدة تحرك الفيلق أيضا إلي اسكدار و في 23 منه يوم الخميس برز السلطان بموكب

زاهر و احتفال عظيم و ذهب إلي اسكدار ممتطيا جواده و علي رأسه مغفر عليه عمامة حمراء من شال، و علي كتفه طيلسان فكان في زي عربي يحكي طراز الصحابة الكرام (رض) في أوضاعهم حينما يتأهبون للغزو و الجهاد و معه الجيوش في أبهة. و حيثما مر من صوب أو التفت إلي جهة أو ناحية من النواحي سمع نداء الأهلين قائلين له (عليك عون اللّه) فكان لوضعه هذا تأثير كبير في النفوس.

و في 23 ذي الحجة يوم السبت رحل السلطان من اسكدار و توجه نحو بغداد و قطع في سفره هذا (115) مرحلة. و في المرحلة الخامسة من هذه المراحل عاد المشيعون إلي استانبول و هم الموالي و المعزولون و المدرسون.

حوادث سنة 1048 ه- 1638 م

السلطان في طريقه أيضا

وصل السلطان إلي حلب الشهباء بتاريخ 11 ربيع الأول من سنة 1048 ه و هنا انضم إليه الجيش المصري بأميرهم رضوان بك. و في 26

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 259

ربيع الأول منه رحل عنها و قطع مراحل حتي وصل پيره جك و هناك أعد قبل هذا عثمان باشا أربعين سفينة و نصب منها جسرا للعبور فعبر عليها الجيش أما السلطان فإنه ركب في زورق و عبر. استصحب المفتي معه إكراما له. و قد صب خمسة مدافع عظيمة اثنان منها كل واحد حشوه عشرون أوقية من البارود و ثلاثة منها حشو كل منها 18 أوقية. و صنع في الفلوجة 800 سفينة لنقل الذخائر و الأطعمة. و هنا التحق بالفيلق أمير أمراء سيواس كور خزينة دار و أمير بوزاوق شمسي بك زاده فانضموا إليه في پيره جك.

و لما وصل منزل جلاب توفي الوزير الأعظم بيرام باشا في 6 ربيع الآخر فتأثر عليه السلطان كثيرا.

و عهد بالوزارة العظمي إلي محمد باشا الطيار. و بعد منزلين ورد أمير أمراء الشام (درويش محمد باشا).

و في 23 ربيع الآخر ورد السلطان ديار بكر فأقام بها للاستراحة عشرة أيام. و بعد يومين من وصوله جاء الوزير الأعظم فأجري له احتفال عظيم و أنعم عليه السلطان بخيمة و خرگاه و أوطاغ و بارگاه. و في ذلك اليوم عهد إلي درويش محمد باشا بإيالة ديار بكر و ألحق به كثير من أمراء الألوية. و كذا التحق بدرويش محمد باشا أمير الصحراء (سلطان البر) ابن أبي ريشة مع باشوات طرابلس و حلب و عدة أمراء ألوية و عين مقدمة الجيش و أرسل في الأمام.

و في 4 جمادي الأولي رحل السلطان عن ديار بكر و كان ذلك في 3 أيلول. و بدل السلطان قيافته فدخل ماردين للتفرج …

و في أثناء مروره بحلب و ديار بكر تقدم الشعراء لمدحه و الدعاء له بالسفر الميمون و كان مدحه الشاعر نظمي أفندي البغدادي حين ورد الرها بقصيدة تركية طويلة جعل كل شطر من أبياتها تاريخا لقدومه و دعا له بالسفر المبارك. و مدح بقصائد و مقاطيع تركية كثيرة ذكر في (تذكرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 260

رضا) جملة صالحة منها لا نري فائدة في إيرادها لعدم معرفة الكثيرين اللغة التركية …

و في سلخ جمادي الأولي وصل إلي مدينة الموصل.

و لا يهمنا أن نذكر المنازل قبل أن يصل إلي الموصل و إنما نكتفي بما ذكر. و في كتاب (روضة الأبرار في فتح بغداد من قبل السلطان مراد) تأليف قره چلبي زاده عبد العزيز أفندي تفصيل، و هو تاريخ مختصر مخطوط، و منه نسخة برقم 2089 في خزانة أسعد أفندي في

السليمانية باستانبول. كتبه أيام وزارة مصطفي باشا و بين تاريخ حركة السلطان في منازل عددها و نقلنا منه من حين ورود السلطان الموصل. و هذا المؤلف كتب ما هو أشبه بما كتبه مطراقي أيام السلطان سليمان القانوني إلا أنه لم يكن معاصرا و لا كان كتابه مصورا …

و بعد أن أتم ذكر أسفار السلطان قد بين الحوادث التي وقعت في استانبول بغياب السلطان و كان قد جعل السلطان مكانه موسي باشا محافظا و ختم المقال بأوصاف الوزير و جميل مناقبه … عولنا علي كثير من نصوصه في حكاية الفتح و ما يتعلق بها و لم نترك الكتب الأخري المعاصرة أو القريبة منها مثل فذلكة كاتب چلبي و گلشن خلفا و غيرهما …

ورود سفير من الهند:

كان أرسل ملك الهند خرم شاه كتابا إلي السلطان مع هدية بيد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 261

السفير (مير طريف). فورد هذا ميناء جدة فأخبر السلطان بذلك كما أن علي باشا بن أفراسياب عرض قضية مجيئه إلي السلطان بكتاب. و لما وصل السلطان الموصل وافي السفير و قدم الكتاب و الهدايا و بين هذه التحف كمر (هميان) مجوهر تقدر قيمته بمائة و خمسين ألف قرش.

و ترس مصنوع من أذن الفيل و مغطي بجلد الكركدن. و يعتقدون أن هذا لا يؤثر فيه السيف و لا البنادق و أكثر من القول فيه. أما السلطان فإنه أراد أن يجرب قوة سهمه فضربه ضربة كانت قد خرقته. و بهذا كذب دعوي الهنود و اعتقادهم في هذا النوع من الترس فابتهج بعمله هذا مما أزال الاعتقاد. و حينئذ وضع داخل الترس خمسمائة فلوري و أعاده إلي السفير.

كان جاء هذا السفير بأموال وافرة للتصدق بها علي فقراء الحرمين

الشريفين. و إن ملك الهند أيضا كان أشار إلي ذلك بكتابه المرسل كما أنه كان قد سمع بتوجه السلطان إلي بغداد. و لذا قال و نحن أيضا جهزنا جيوشنا علي قندهار و استعادتها من أيدي العجم. و آمل أن يسهل الباري علينا تسخير المملكتين.

و في هذا الأمل ما يدعو إلي إنجاز المهمة التي جاء من أجلها السلطان، فكان عمل الهند ما يشوش الوضع علي إيران من مجاوريها.

و يسهل فتح بغداد. و هكذا فعل الشاه عباس الكبير باتفاقه مع الدول الأوروبية المجاورة للعثمانيين، فلم يظهر لها أثر من جراء أن السلطان عقد الصلح مع بعض المجاورين و أكد وضعه.

و في الحقيقة تم الفتح. و كان أمر السلطان ببقاء السفير و إقامته في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 262

الموصل إلي أن يقضي علي هذه الغائلة و عين له كافة لوازمه.

نقل المدافع- إنعامات:

إن السلطان أنعم علي جميع الجيش. ثم اجتمع الأعيان و الأركان للمشاورة في بعض الأمور المهمة بمحضر من السلطان. تداولوا في كل أمر. و لما انجر الكلام إلي المدافع المعروفة ب (بال يمز) و طريقة نقلها كان رأي الأكثر من أركان الدولة أن الجاموس الذي كان يسحبها قد هلك غالبه و الباقي لا يزال منهوك القوي. و أبدوا صعوبة في النقل من طريق البر. و إن الأولي أن يكون من طريق النهر. و ارتأي آخرون أنه ليس من الجائز تسييرها من طريق النهر بحيث ينتظر الكل ورودها …

أما السلطان و شيخ الإسلام فإنهما قبلا هذا الرأي و وافقا علي أن يسير عشرون مدفعا من طريق البر و الباقي من طريق النهر فتقرر ذلك و توزع الزعماء أرباب التيمار القنابل فيما بينهم لتكون معدات المدافع مهيأة.

ظهر حسن

هذا التدبير بعد وصول الجيش إلي بغداد. و لم ترد المدافع نهرا إلا بعد عشرين يوما من وصول الجيش …

و حينئذ وجه منصب مرعش إلي محمد علي باشا الگرجي المعزول من أرضروم فعين في المؤخرة أو الساقة. و جعل والي ديار بكر في طليعة العسكر (مقدمته). و عين للميسرة عساكر الشام و سيواس. و عين للمدفعية نوغاي باشا زاده.

السير من الموصل:

سار السلطان من الموصل متوجها نحو بغداد فوصل إلي منزل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 263

(يارمجه) و منه إلي (خضر الياس) و منه وصلوا إلي الزاب الأعلي. و هناك نصبوا الخيام ثم إن الجيش عبر الزاب من (المعبر) فوصل إلي (شمامك) و منه إلي بيدرار. و منه إلي اينجه صو ثم إلي آلتون كپري في الثاني من شهر رجب ثم وردوا (كوك دپه).

و قبل المضي إلي المنازل الأخري نذكر الرواية القائلة إن السلطان حينما أراد أن يعبر آلتون كپري (قنطرة الذهب) قال:

كيچمه نامرد كوپريسندن قوي آپارسين صوسني ياتمه تلكي كولگه سنده قوي يه سين أصلان سني

و معناه: دع النهر يجرفك ماؤه و لا تمر من قنطرة الجبان و اترك الأسد يختطفك و لا تركن إلي ظل أبي الحصين (الثعلب).

غالب أهل القنطرة يحفظ هذا البيت. و لعله مقول علي لسانه.

ثم تحركوا من هناك فنزلوا قرب كركوك ثم مضوا في طريقهم حتي حطوا رحالهم في قنطرة چبوق. استراحوا فيها يوما واحدا.

كانت ثلة من العجم تقيم هناك فأخلوا القلعة و فروا …

و في جنوبي كركوك تردد أمراء الجيش في أن يقدم الطوغ (العلم التركي) و هل في تقدمه محذور لأن جيش العدو قريب منهم. أوشكوا أن يصلوا إليه. و لكن لم يكن تقدم الطوغ من القوانين القديمة أو

الاعتيادات المرعية، لذا تركوا الأمر لاختيار السلطان فجاء مصطفي باشا القبودان (القبطان أو الأميرال) إلي حضور السلطان و كان السردار آنئذ خسرو باشا فلم يأذن بتأخر الطوغ حتي يقابل الأعداء. و قال: ينبغي أن لا يخطر علي بالنا الخوف أو الحذر مع وجود السلطان معنا. فأمر أن يتقدم إلي الأمام …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 264

بشائر الانتصار

إن والي أرضروم الوزير كنعان باشا و حاكم اخسخه سفر باشا كانا قد أغارا علي روان و كان حاكمها كلب علي خان فقابلهما بجيش عظيم.

فجرت محاربة قوية تشتت فيها شمل العجم! و رجع كلب علي مجروحا إلي جانب القلعة فارا فتعقب الجيش أثره فقتلوا قسما من عسكره و أسروا آخرين. جاءت بشائر ذلك إلي السلطان مع رؤوس بعض القتلي.

و أيضا كانت قد أرسلت ثلة من العسكر إلي شهرزور فوردت البشائر بانتصارها في عين اليوم الذي وردت فيه تلك البشارة.

ثم سار الجيش إلي ما يقابل بعقوبا و في 7 رجب نزل الفيلق (باش دولاب) أي أول الكرود. و في اليوم التالي أي 8 رجب الموافق 5 تشرين الثاني نزل بجوار الإمام الأعظم قرب بغداد. قطع السلطان في مراحله من أسكدار إلي تاريخ وصوله 197 يوما. و كان من هذه الأيام 76 يوما قضاها في الراحة من عناء السفر.

محاصرة بغداد:

قيل المحصور مغلوب. لم يقدر الجيش الإيراني علي الحرب في ميدان المعارك، فتوسل بالحصار و كانت له المهارة في الدفاع بهذه الطريقة. و لكن القوة الغالبة لا تصد. فكان الجيش التركي مزودا بكل الوسائل و المهمات. و من جهة أخري إن موت الشاه عباس الكبير، و ظهور السلطان مراد الرابع مما أثر علي الوضع، فشعر الإيرانيون بالضعف.

كان السلطان حين وصوله إلي بغداد رتب الأمور و وزع الوظائف خشية إجراء حركة خروج من الجيش المحصور … جعل الوزير الأعظم محمد باشا في الباب الأبيض (آق قپو) و كذا آغا الينگچرية حسن آغا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 265

و أمير أمراء روم إيلي علي باشا بن أرسلان باشا و فوق هؤلاء قپودان باشا و والي سيواس الخزينة دار إبراهيم

باشا و أمراء كستنديل و أولونية و معهم أربعون چوربچيا و رئيس الصامسونجية حسين آغا و رئيس الزغرجية حيدر آغا زاده محمد آغا فدخلوا المتاريس و جعل محمد باشا و أرسلان باشا بن نوغاي باشا في جانب الباب الشرقي (الباب المظلم) و يقال له (قراكوقپو) أو (قراكلق قپو) باللفظ التركي. و ذلك لصد غائلة الهجوم المفاجي ء.

و كانت بغداد قد حوصرت قبل هذا من جانب حافظ أحمد باشا من الباب الشرقي و إن خسرو باشا كان قد حاصرها أيضا من ناحية باب الإمام الأعظم. فأحكم الأعجام هذه المواطن و قووها كثيرا … و أما الباب الوسطاني فإنه بعيد عن النهر فلا يصلح لاتخاذ متاريس. فأغفله العجم و لم يكونوا يعتقدون أن تتخذ متاريس فيه.

علمت قوة العثمانيين بذلك حينما كانت في الموصل. و ذلك أن السلطان لما كان في الموصل خرج (مير محمد) مع اثنين من إخوته فجاء إلي تكريت لجمع أموال الشاه فنزل عند شيخ العربان هناك فألقي القبض عليه و جي ء به إلي السلطان. فقتل إخوته و أتباعه في الحال.

و لكن مير محمد كان امرأ عاقلا عارفا و له صناعة كاملة في الشعر و الأغاني فرجاه سلحدار باشا فعفا عنه، و رافقه إلي بغداد مكبلا فأبان عن أكثر أحوال بغداد و عن الباب الوسطاني و أوضح أن هذا الباب خال من التدابير الحربية …

عرض الوزير الأعظم ذلك كله إلي السلطان فصدر الفرمان بلزوم محاصرة الباب الوسطاني و توجيه القوة نحوه. قال نعيما: إن أوطاغ السلطان (خيمته) نصب أمام مزار الإمام الأعظم و إن دجلة تجري من جانب اليمين. و وضعوا (مقصورة) علي تل عال مشرف علي الأوضاع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 266

الحربية و

هناك ذبحوا 40 رأسا من الغنم فداء له و تصدقوا بها علي الفقراء …

و إن السلطان قال: إني أستحيي أن أزور الإمام الأعظم بلا فتح و لا ظفر. و لذا لم يدخل مرقده للزيارة حتي أنه لم ينزل في الأوطاغ الهمايوني. و إنما نزل في المقصورة. و هناك كان يوزع الذخائر الحربية و القازمات و الكوركات و البارود و الفتيل و سائر لوازم الحرب. و بعد ثلثي الليل باشروا الدخول في المتاريس في أطراف البلد فدخلها من ناحية الباب الوسطاني كل من الوزير الأعظم و آغا الينگچرية حسن آغا و أمير أمراء روم إيلي أرسلان باشا زاده علي باشا. و من جنوبيهم نحو الباب الشرقي مصطفي باشا و أمير أمراء سيواس كور خزينة دار و أربعون چورباچيا مع رئيس صامسونجية و أمراء كوستنديل و أولونيه و في أسفل هؤلاء أيضا إلي جهة الجنوب كل من أمير أمراء الأناضول حسين باشا و عسكر مصر و أربعون چورباچيا و رئيس الزغرجية حيدر آغا زاده.

دخل هؤلاء جميعهم المتاريس. و عين أيضا حرس (قراولة) كل من كورچي باشي و نوغاي باشا زاده من جانب الباب الشرقي لدفع ما يحتمل و قوعه من هجوم ليلي.

كانت السماء مقمرة فصفت المشاعل أيضا في السور و لم يصبح الصباح إلا و العمل قد تم و أعدت كافة المتاريس و أحاط الجيش بالمدينة من ناحية الشط الغربية إلي الأخري الجنوبية علي شكل قوس.

و في تلك الليلة و الليلة التالية لها جرت محاربات فجرح أوردار علي باشا و قانلي محمد باشا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 267

أحوال العجم في بغداد:

إن الشاه لم يشأ أن يخاطر في معركة كبري مع السلطان خشية المجازفة و احتمال الخذلان مثل

ما وقع مع الشاه إسماعيل فاكتفي أن يضع ببغداد قوة كافية للدفاع و الحصار بغرض أن يشغلهم و يطاول في الأمر لعل هذا تكون عاقبته كأمثاله. فاختار من جيشه نخبتهم و جعل القيادة لأكابر أمرائه، و كان من رؤسائهم (خلف خان) رئيس الرماة المشاة و كان حارب السلطان في أنحاء روان فجعل في أنحاء بغداد.

و كذا كان آغا صادق ابن مير فتاح في حرب روان. فعفا عنه السلطان فأطلقه و أعوانه و لكنه دام في تعنده و لم يخش الوقيعة مرة أخري فجاء باثني عشر ألفا من الرماة بالبنادق فوافي هو و أمراء آخرون للحاق ببكتاش خان (والي بغداد) و نبه الشاه إلي لزوم المحافظة علي بغداد و أكد وجوب صيانتها و انسحب و جماعة من العجم بقصد الإمداد و الإعانة ليكون قوة لهؤلاء فأقام في محل يبعد نحو ست ساعات.

إن المحصورين في المدينة لم يكونوا يعلمون عن حصار بغداد من (الباب الوسطاني) فكانوا في أمان منه … و لم يعلموا بما اتخذ من متاريس فرأوا أن قد هوجموا من محل لم يعهد القوم المهاجمة من ناحيته مما دعا أن يذهلوا فلم يقدروا علي الدفاع إذ لم يكن أتاهم عدوهم من هذه الجهة فصاروا يرمون بالقنابل و البنادق من جانب القلعة و بادروا للدفاع عن حوزتهم من تلك الناحية أيضا.

في هذا الحين وردت للعثمانيين المدافع من طريق البر و ذلك ثاني يوم الحصار مساء فوزعت عشرة منها للوزير الأعظم و ستة إلي قبودان باشا و أربعة إلي حسين باشا. و في تلك الليلة أقروها في مواضعها.

وصوبت وقت السحر علي المدينة من ثلاث جهاتها.

قال المحبي:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 268

«أمر السلطان بحفر لغم عظيم

وضع فيه البارود و أطلقت فيه النار فهدم جانبا عظيما من جدار السور بحيث قيل إنه لم يكن لغم مثله في محاصرة قلعة من القلاع فصار يري من هدم اللغم ما في مدينة بغداد من البيوت لأنه صار في ذلك الجانب جدار السور سهلا مستويا مع سطح الأرض، فلما رأي جيش بغداد ما دهمهم مما لم يعرفوه قط تلاشوا و بعثوا إلي الشاه يريدون التسليم و كان عسكر السلطان قد توانوا في الهجوم و تثبطت همة العجم. و في أثناء ذلك أرسل الشاه رسولا يطلب الصلح و كان الرسول من أعيان عسكر الشاه يسمي جانبك سلطان. و في يوم الجمعة 13 رجب بكرة النهار اجتمع بالوزير الأعظم في ديوان عظيم و دفع إليه كتاب الشاه بالصلح فقري ء بمسمع من الناس و فهم الكل منه ما قصد الشاه من الحيلة فأبي السلطان و جميع الوزراء و الأركان الصلح …

(قال المحبي): و قد رأيت الواقعة بخط الأديب رامي الدمشقي.

ثم أطلق السلطان الأمر بالمحاصرة الشديدة و شدد في ذلك» ا ه.

و كانت في 12 رجب قد أفرزت ثلة من الجيش بحرسها و عدتها الكاملة ذهبت إلي جهة شهربان (المقدادية) مع الوزير سلحدار باشا و التحقت بوالي طرابلس شاهين باشا فبلغ المجموع اثني عشر ألفا.

و حينئذ وصلوا إليها و هذه من مضافات بغداد و مشهورة بالنعمة و البركة.

و مملوءة بالأطعمة و الفواكه. لا سيما رمانها. فالعساكر أغاروا علي شهربان و نواحيها فغنموا غنائم وافرة و عادوا إلي الفيلق.

و قدموا للسلطان نوعا نفيسا من الرمان فوزنت واحدة منه فبلغت أربعمائة درهم. و الترك يسمون الرمان (نارا) و يحكي أنه لما سمع أحدهم المثل (النار فاكهة الشتاء) قال: (خصوصاً شهربان ناري)

أي لا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 269

سيما نار شهربان. فظن أن هذه النار يقصد بها (نار) المراد في لغته، فصارت تتكرر هذه كملحة.

ثم إن السلطان أمر أن يعبر سلحدار باشا مع ثلاثة عشر مدفعا بمن معه من العساكر ففعل و حاذي باب الشط من الجانب الغربي و صار يرمي داخل بغداد من جهة (قلعة الطيور) فخرب أبنية المدينة و أقام القيامة علي رؤوس العجم. و إن سلحدار باشا نصب كتخداه عثمان آغا (باشبوغا) علي العساكر و اللوندات جميعهم ممن في (قلعة الطيور) و أراد هو أن لا ينفك من نظر السلطان فكان يعبر لمرتين يوميا إلي قلعة الطيور و يلاحظ أحوال العساكر و يفتش أمورهم.

و في اليوم الثامن لأيام المحاصرة شاهد كل من الوزير الأعظم و قبودان باشا (أميرال البحرية) و حسين باشا أن قد تخرب أكثر التلول فملأوها بتراب كانوا ينقلونه بالزبابيل (الزنابيل) و سدوا المطلوب منهم.

و تسهيلا للغرض قطع الجيش نحو ألف نخلة فصنع منها توابي (طوابي)، وضعت عليها المدافع و صنعوا تلولا تكاد تضارع الجبال في علوها. و اشترك في هذا جميع العساكر و ملئت الخنادق فتقدموا إلي السور.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 270

و في اليوم 13 ألقي القبض علي (علي الهمذاني) من العجم فاعترف أنه جاسوس. و في حضرة السلطان قال: جئت من رستم خان إلي بغداد و أبرز كتابا. إن شئتم أن تقتلوا أو تمنوا. و سآخذ جواب هذا الكتاب و آتيكم به. فأنقذ نفسه بمثل هذه الحيلة و نجا فدخل المدينة.

السلطان كل يوم يمر بأهل المتاريس من وزراء و أمراء و ضباط و يقول ابذلوا جهودكم في سبيل الدين و الغيرة الإسلامية و لا تقصروا.

هذا

يوم السعي و بذل ما في الوسع … و بأمثال هذه كان يرغبهم و ينفث فيهم روح النشاط و الهمة.

ثم نصب الخيام لجراحين كثيرين للاهتمام بقضية الجرحي و المحاربين، و كان ينعم علي كل من يجرح في الحرب و يحسن إليه.

يطيب القلوب بأنواع الإنعامات و يعني بشؤون الجميع.

و في هذه الأيام تيسر للوزير الأعظم أن يجعل تابية الباب الوسطاني قاعا صفصفا و آغا الينگچرية چغال زاده جعل تابية الزاوية (كوشه قله سي) كذلك و كل من حسين باشا و القپودان تمكن أن يهدم تابيتين. فالجميع قدروا علي هدم أرض تقدر بثمانمائة ذراع سووها بالأرض.

و في يوم 14 منه قرر السير إلي الأمام و الهجوم علي العدو إلا أنه شاع أن هناك خنادق و متاريس عظيمة لا يمكن اجتيازها فرأوا أن الأولي الدخول في المتاريس فانضموا إليها و تأخر الهجوم.

و في يوم 18 منه خرجت ثلة من العجم من ناحية حسين باشا فهاجموا علي حين غرة إلا أن العسكر كان متأهبا مستعدا فعاد الأعجام بخيبة و لم ينالوا مأربا ثم خرج من ناحية القپودان ثلة أيضا فلم تفلح.

و في 19 منه جاءت ثلاثة مدافع من طريق دجلة فوضعت في جهة قلعة الطيور و وجهت علي المتاريس.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 271

و في يوم 20 منه وردت ستة مدافع أيضا فأعطيت ثلاثة منها إلي درويش محمد باشا والي ديار بكر. و حينئذ تقرب من (برج العجمي) و من متاريس الأعداء فتضاربوا بالقنابل مدة فتقدم الباشا مع سبعة من الچورباچية إلي متاريس أخري فأبطلوا مدافع خصومهم.

و في ليلة 23 منه خرج الأعجام بحذافيرهم. ضربوا قنابل و بنادق و عملوا مهر جانا. و سبب ذلك أنه وردت

إليهم من جانب ديالي قوة تقدر باثني عشر ألفا.

و في هذه الأيام هبت رياح عظيمة دامت أربعة أيام و أربع ليال فلم تكد تري بغداد و لا الصحراء من كثرة الغبار فلم يفارق الجيش مقابلة العدو و استمروا في الدفاع و أبدوا إقداما يذكر …

و في يوم 2 شعبان ألقي أمير العرب ابن أبي ريشة القبض علي (علي خان) من أمراء حسين خان اللر فجي ء به فاعتذر بأنه كان جاء إلي العثمانيين فلم تسمع معذرته فقتل.

و في 3 و 4 و 5 من شعبان أبدي الجيش بسالة و إقداما تاما فجرت معركة طاحنة جدا تبادل الطرفان فيها المدافع و البنادق. و في هذه الحرب جرح كور خزينة دار و سقط كتخدا الينگچرية شهيدا و جرح كل من أمير أمراء طربزون و أمراء بوزاوق و چورم.

و في 6 منه و زعت أيضا إلي العساكر نحو (260) هزة (كيسا) لحمل التراب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 272

و في 7 و 8 منه جمعوا ترابا أمام الخندق كالجبل. و من هؤلاء الغزاة ممن كان مع قپودان باشا استولوا علي الخندق فدخلوه. و إن رئيس الدلية للباشا المذكور جرح و هو راكب فرسه.

و في 10 منه خرجت ثلة دمرت ضعفها من الأعجام.

و في 14 منه كان جاء إلي ساحل ديالي أعجام، فاقتضي إرجاعهم فأرسل محمد باشا والي حلب و شاهين باشا والي طرابلس و أمير الصحراء ابن أبي ريشة مع خيالة العربان فذهب هؤلاء لصد أولئك.

و بوصولهم انسحب الأعجام و قفلوا راجعين.

و في ليلة 15 منه وقع خسوف كلي قرب الصباح. و إلي 16 منه اشتد القتال و دام الحرب فاكتسحت من العدو أماكن كثيرة و استشهد آغا

الينگچرية و السردنكچدية و أمير آلاي چرمن. و ملئت الخنادق بالأتربة من كل صوب فمضي الجيش سائرا إلي الأمام.

و في يوم 17 منه وقت الظهر صار يحرض السردنكچدية الواحد الآخر و هاجموا العدو فتقدموا إلي الأمام و هاجموا التوابي المخربة و هناك اشتبكوا بالعجم و اشتعلت نار الحرب.

قال المؤرخ نعيما: و لما سوي الخندق بالأرض في 16 شعبان.

خاطب السلطان الوزير بأن الجيش وطن نفسه علي الهجوم فلماذا لم تهاجم؟ فأجاب الوزير الأعظم: أيها السلطان لنصبر قليلا. فالفتح قريب. و الهجوم العام له وقت مرهون! فلا نعجل بمحو الجيش.

ثم إن السلطان عاتبه للمرة الثانية قائلا له: أهذه شجاعتك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 273

و إقدامك. ما هذا الانتظار و ما معني هذا التأخير؟!

و بخه بهذه الكلمات فأجابه:

- أنا حاضر لفداء روحي لسلطاني. فلو مات عبدك الطيار فلا قيمة له. اسأل اللّه أن يسهل الفتح. قال ذلك و قرر التقدم في الغد.

و في 18 منه قام الغزاة بوداع الواحد الآخر و أعدوا أسلحتهم و آلات حربهم و بذلوا ما يستطيعون من قوة و أحضروا ما تمكنوا عليه و صرفوا مجهوداتهم جميعها. و في تلك الليلة لم يقدر أن ينام أحد. فبلغ التكبير و التهليل عنان السماء.

أما العجم فإنهم أيضا كانوا تأهبوا للهجوم و استعدوا للحرب فهاجموا ليلا و استخدموا كل ما استطاعوا من قوة من المدفعية و البنادق و سائر الآلات النارية فدافعوا دفاع مستميت و حاربوا حربا عظيمة. فتقدم الترك علي لسان واحد قائلين: (اللّه اللّه) و اشتبكوا بحرب أنست كل الحروب التي سبقتها.

و حينئذ سار الوزير بعساكره و آغا الينگچرية بمن معه فخرجوا من متاريسهم و تقدموا نحو التوابي من كل صوب، تقدم قسم

و ركز العلم في التابية التي أمامه. فقارعهم الأعجام. اشتبكوا بقتال عنيف، و حرب طاحنة. دام القتال حتي دارت الدائرة علي العجم و ولوا الأدبار …

و في هذا اليوم استشهد كثيرون لكن الغلبة كانت نصيب الترك أحرزوها و ضبطوا التوابي …

شهادة الطيار محمد باشا و فتح بغداد:

إن عساكر الترك تمكنوا من الاستيلاء علي التوابي فاستقروا فيها.

و لكن العجم احتفظوا ببعض المواقع. صاروا يبدلون حراسها في الليلة ثلاث مرات أو أربعا. أما الوزير الأعظم محمد باشا فإنه كان سل سيفه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 274

يوم الخميس 17 شعبان فمشي علي التوابي التي أمامه بما عنده من عساكر في جهته و أعمل في عدوه السيف و أبدي بسالة لا مثيل لها، و لكنه جاءته رصاصة من العدو أردته قتيلا. فنقلوه إلي خيمة. توفي و لم يتيسر له أن يشاهد الفتح.

و محمد باشا الطيار هو ابن مصطفي باشا المعروف بصارقچي والي بغداد الأسبق. كان توفي والده و دفن في مقبرة الإمام الأعظم. و لذا دفن محمد باشا أيضا عند قدم والده، و كان محمد باشا قبل أن ينال الوزارة واليا علي الموصل …

و لما اطلع السلطان علي هذا الحادث قال: آه طيار! أنت لا تقدر بمائة مدينة مثل بغداد. عفا اللّه عنك و أغدق عليك الرحمة و الرضوان!

الدوام في أمر الفتح- وكالة الصدارة العظمي:

و حينئذ أنعم بختم الوكالة العظمي علي مصطفي باشا القپودان و قال له:

- أراك أراك! سيتم الفتح بعونه تعالي علي يدك. أطلب منك الخدمة و المفاداة ليكن اللّه تعالي في عونك!

قال له ذلك و دعا له بالخير. و حينئذ قبل أقدام السلطان و قال أتمني أن يتوجه قلب السلطان نحوي و أرجو منه الأدعية الخيرية. قال ذلك و بكي فخرج من الأوطاغ الهمايوني و ذهب توا إلي متاريس الوزير.

و هذا ولد روحا جديدا و نشاطا في الجيش. و بادروا كالأول في القتال.

سارعوا في الحرب.

إن الصدر الأعظم الجديد تقدم بمن معه من جميع الأغوات و اللوند و الحرس الملكي و مشوا علي عدوهم بعساكر فهاجموا

بهجوم عام فبذلوا نفوسهم قائلين إن الموت إنما يكون في مثل هذا اليوم. و إن كتخدا الوزير رضوان آغا مع جماعة من أغوات البلاط و غيرهم سقطوا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 275

و أما العجم فقد هلك منهم خلق لا يحصي فاكتسحت التوابي القريبة من السور بتمامها و امتلأت بالعساكر. فلم يستطع الإيرانيون الاحتفاظ بها.

و في اليوم التالي سحرا سل العثمانيون سيوفهم و تقدموا نحو العجم. و هناك قطع العجم آمالهم من النجاة. حاربوا حرب المستميت.

و في اليوم الأربعين من أيام المحاصرة في 18 شعبان يوم الجمعة صاح العجم الأمان الأمان و علقوا آمالهم بعفو السلطان.

بكتاش خان والي بغداد في حضرة السلطان

و في هذه الأثناء ظهر إليهم أحد الأعجام قال: الخان يرغب أن يسلم البلد أرسلوا واحدا منكم. فأرسل إليهم (چاووش باشي) طوراق آغا و متصرف نيكده حسن باشا. فوصلا إلي بكتاش خان (حاكم بغداد) فأعلماه بأن من طلب الأمان من السلطان أعطاه كما هو دأب العثمانيين و من رسمهم المعتاد القديم. و طمأنوا الحاكم و جاؤوا به إلي الوزير الأعظم. و بعد الملاقاة معه أحضر إلي السلطان فنبه بلزوم اجتماع العسكر و ترتيب الديوان. و إن الوزير الأعظم بقي ثابت القدم في مقامه و إن الجيوش بين خيمة الوزير و أوطاغ السلطان صفت في الجانبين مثني مثني سواء السپاه أو السلحدارية. و كانت العساكر مصطفة في الجانبين. لا يحصي عددها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 276

و كان السلطان جالسا علي تخت ذهبي و بلباس أحمر بأبهة لا مثيل لها مزين مكانه بالجواهر، و مرصع بالنفائس و التحف، و علي ركبته سيف مرصع. و عن يمينه و يساره الغلمان المدرعون بالدروع المرصعة و الهميانات الذهبية. و هم

من خيرة الشجعان تراهم مكتوفي الأيدي واقفين أمام السلطان باحترام.

و كذا شيخ الإسلام و الوزراء العظام و سائر أركان الديوان كانوا بوقار و أدب لا مزيد عليه. و كل في موقعه. فترتب الديوان حسب المراسيم المعتادة …

و حينئذ جاء الصدر الأعظم (ببكتاش خان) إلي حضور السلطان و لما رأي الوضع و الأبهة التي عليها السلطان أخذته الرهبة فلم يسعه إلا أن قبل الأرض. و لم يستطع أن يتحرك إلي الأمام و أبدي خضوعا و تذللا.

أما السلطان فإنه أعطاه الأمان قائلا له أمنتكم علي أن تخلوا المدينة في هذا اليوم. إنك لو جئتنا أولا لما رأيت هذا العناء. لكنك قمت بواجب الخدمة لمتبوعك جهد طاقتك فأنت معذور. و أعطاه تاجا (سرتوغا) مرصعا و خلعة سمور و خنجرا مجوهرا و قال له: اذهب إلي المدينة. و ليخرج كل من فيها من الخانات و العساكر علي وجه العجلة.

و من شاء أن يذهب إلي الشاه فليذهب و من شاء أن يكون تابعا لنا فليبق. لا يجبر أحد فهم علي اختيارهم.

و علي هذا أعيد بكتاش خان إلي خيمة الوزير الأعظم فكتب كتابا إلي الخانات الذين هم داخل المدينة و إلي سائر العساكر بأن السلطان أنعم بالأمان، و أن مير فتاح و يار علي و خلف خان و نقد علي خان و سائر البيكباشية (المقدمين) و اليوزباشية (الرؤساء) يجب أن يخرجوا في هذا اليوم إلي وقت العصر إلي الخارج، و أن العسكر أيضا سحرا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 277

يخرجون من (الباب الشرقي) و هو الطريق الذي يذهب إلي الشاه. و من بقي فليخرج من باب الإمام الأعظم كتب الكتاب و أرسله إلي العجم في المدينة و صار ينتظر خروجهم.

ثم

إن بكتاش خان أخبر الوزير الأعظم بأن الجيش الذي هو داخل البلدة علي أغلب احتمال قد اتخذ ألغاما تحت التوابي التي استولي عليها الجيش العثماني و ملأوها بارودا و اتخذوا بذلك حيلة. أما الوزير الأعظم فإنه أخبر جيشه بذلك و نبههم علي حيلة هؤلاء و ما يحاولون إيقاعه. و عجل بلزوم إبطال ما مكروا به.

أوضاع الجيشين

إن الجيش العثماني كان يلتمس وسيلة ما للوقيعة بالعسكر الإيراني. قاموا بأجمعهم و هاجموهم و أعملوا فيهم السيف. و لما وصل كتاب بكتاش خان و أعلم بالأمان بكتابه المرسل إليهم، خافوا و أبوا أن يخرجوا و تعللوا بعلل و بقوا تلك الليلة. و لما رأوا هجوم الجيش تحصنوا في تابية نارين. و حينئذ وقعت مصادمة عنيفة بين الفريقين فلم يروا طريقا للخلاص. فركنوا إلي الفرار.

و في تلك الليلة قتلوا كل من وجدوه من العجم و انتهبوا أموالهم.

و إن بقاياهم اجتمعت في (الباب الشرقي). وقفت هناك. و إن العسكر في تلك الحالة نهب من نهب و لم يمكن المنع من الغارة فعين الجبه جية لحراسة سراي بكتاش خان و دور سائر الخانات و البزازين حفظا لها من النهب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 278

القتل العام في العجم

ثم إن الوزير الأعظم مع أمرائه و رؤسائه ركبوا وقت السحر فدخلوا بغداد لتسلمها فوجدوها مملوءة بأجساد الأعداء. و ملطخة بدمائهم.

و نحو ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف من العجم حذروا علي أرواحهم فلجأوا إلي (الباب الشرقي) فتحصنوا ببعض التوابي و الأماكن. فلما وصل الوزير الأعظم إلي هناك شاهد بعض عساكر العجم فتعرض بهم. و هؤلاء خافوا، و من حيرتهم دافعوا عن أنفسهم إلا أن عسكر الوزير سار إليهم فاشتعلت نيران الحرب بين الفريقين. و حينئذ و بعد مغلوبية الإيرانيين قام الملتجئون إلي التوابي و غيرها فصاروا يضاربون جيش الوزير بالأحجار و السهام و البنادق فاستشهد من جيش الوزير جماعة حتي أن رئيس الكتاب (إسماعيل أفندي) كان في ركاب الوزير الأعظم فأصابته رمية حجر و أعقبتها رمية سهم فسقط شهيدا.

و إن الموما إليه من أهل طرابزون، كان ذا علم و معرفة و

طبع لطيف و صناعة إنشاء فاق بها أقرانه.

و في ذلك الحين سل أحد الأعجام سيفه و حمل علي سلحدار باشا لكن أحد الغلمان الشجعان و كان شابا أمرد اسمه خليل سل سيفه و هاجم ذلك الرجل فقطع (ذراعه) فانسحب الإيرانيون و تجمعوا في محل و شرعوا في الحرب أيضا.

أما الوزير فإنه حينما رأي ذلك بادر لمحاربة الإيرانيين و من ثم كسروا. و إن راوي هذه القصة إبراهيم آغا كان آنئذ من مقربي الحرم الخاص قال: بعد الفتح أمر السلطان فصاحوا بالأمان و نادوا به و في هذه الأثناء جاء أحد عساكر روم إيلي إلي حضور السلطان فقال:

أنت بذلت الأمان و لكن نحن لا نوافق علي ذلك. و حينئذ استغرب السلطان من جرأته هذه فقال ما هذا الكلام الغريب فأجابه بجرأة أيضا: أيها الملك نحن من سنين نقوم بالأسفار علي بغداد و لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 279

نكتف بصرف المبالغ الطائلة بل بذلنا النفوس الكثيرة حتي أنه لم يبق لي أب و لا عم و لا إخوة فالكل هلكوا في هذه السبيل. فالآن سنحت الفرصة فلماذا لم نأخذ انتقامنا منهم. فكيف نبذل لهؤلاء (الأمان)، الحق لا تفعل ذلك.

أما السلطان فإنه عجب من قوله هذا و ضحك بقهقهة.

و بينا هو في هذه الحالة إذ دخل الباشوات عليه و أبدوا أن العجم شرعوا في القتال فقتلوا الرئيس و كثيرا من الرجال فاضطر الأمراء علي الحرب.

و في ذلك الحين جاء رجل من علماء بغداد بزي شيخ لابسا طيلسانا و أتي باثنين من العجم مصفدين. فغضب السلطان و قال: أنا أعطيت الأمان لماذا تفعل هذا؟ فعاتبه. فقال أيها الملك إن هؤلاء عادوا للحرب الكرة الثانية و لم يصغوا

للأمان.

و علي هذا بعث السلطان غلاما تتارا ليأتيه بالخبر. و هذا التتار وصل إلي الباب الشرقي فرأي أن الحرب مشتعلة فأخبر السلطان بذلك فأرسل السلطان أمير أمراء روم إيلي حسين باشا و قال له: اذهب إلي هؤلاء الأشرار و ادفع فسادهم فإذا تعندوا فاقتلوهم قتلا عاما …

أما حسين باشا فإنه ذهب إلي محل الواقعة و أخذ معه سلحدار باشا فأتيا إلي التابيتين اللتين كان قد تحصن بهما العجم و أفهموهم بأن السلطان بذل الأمان فلا تخافوا. تعالوا من الخارج. و بذلك استمالوهم فمن هؤلاء مير فتاح و علي يار و خلف خان ذهبوا إلي الخارج فجاؤوا إلي السلطان فسلموا إلي حبس سلحدار باشا و لكن كان لمير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 280

فتاح ولدان كبيران لم يخرجا من التابية و لا يزالان متمنعين بها مع جماعة من العجم فأظهروا العصيان للمرة الأخري. و حينئذ وجهوا عليهم مدافع ضخمة و شرعوا في قتلهم لعدم قبولهم الأمان. و في بضع ساعات قتل منهم عدة آلاف و أسر منهم ثلة أحياء فجاؤوا بهم إلي السلطان، و أمام خيمة السلطان (أوطاغه) ضربت أعناقهم و في تابية نارين جماعة من العجم طلبوا الأمان فأخبروا بأن يخرجوا أولاد مير فتاح فخرجوا.

أما الباقون فإنهم طلبوا الأمان و حينئذ صدر الفرمان بأن لا يأتوا بالأحياء و لا بالرؤوس.

و في ذلك المحل كان أمير أمراء الأناضول حسين باشا حضر بنفسه مع ثلة من أتباعه إلي السور فقال لجيشه آتوني بمن بقي من هؤلاء فنزل عليهم الجيش. و كانوا قد تألموا من العجم و امتلأت قلوبهم عليهم فلم يصغوا إلي طلبهم الأمان فأخرجوهم من متاريسهم و قتلوا أكثرهم.

و أما الذين نجوا من القتل فقد

بذلوا لهم الأمان. و إن أبناء مير فتاح جاؤوا إلي الفيلق و أما العجم و عدتهم بضع مئات فإنهم خرجوا من الباب الشرقي و توجهوا نحو جهة ديالي. و هؤلاء حينما خرجوا عقب أثرهم عسكر مصر فقتلوا بضع مئات منهم. و لم يسلم منهم إلا القليل فرموا بأرواحهم إلي شهربان و هؤلاء في يوم ماطر دخلوا تحت قبة كبيرة. و هذه القبة قد سقطت عليهم فأهلكت أكثرهم.

و الحاصل لم ينج من مجموع الجيش الإيراني البالغ ثلاثين ألفا إلا نحو ثلاثمائة تمكنوا من الوصول إلي فيلق الشاه و من جيش العجم نحو عشرة آلاف هلكوا بنيران المدافع و البنادق و أما الذين نقضوا الأمان و قدرهم عشرون ألفا فإنهم قتلوا في خلال الثلاثة أيام و كانوا تحاربوا بعد الأمان.

و قال أوليا چلبي إن العجم رفعوا الأعلام البيض و طلبوا الأمان.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 281

فقبل أمانهم علي أن يخرجوا في يومهم و يتركوا أسلحتهم. إلا أن قسما منهم لجأ إلي القلعة الداخلية، و أن قسما آخر مالوا إلي الباب المظلم فحاصروا فيه و شرعوا في القتال … فكانت النتيجة أن قتل في هذه الحرب من العجم (87) ألفا.

و ذكر أوليا چلبي أن اللّه عزيز ذو انتقام كان مرتضي باشا السردار قد توفي في حرب روان فطلب الجيش الأمان من الشاه إلا أنه لم يف بعهده فقتل (12) ألفا من الجند فكان الانتقام منه بعد ثلاث سنوات.

و بعد هذه الوقائع ملئت بغداد من القتلي. و كذا الخارج. و كان هذا القتل لم يسبق له مثيل في تاريخ الحروب الإيرانية.

و بذلك انتقم الترك من الشاه و نال جزاءه و حصل الجيش التركي علي غنائم وافرة جدا.

و أما نفس رعايا بغداد فإنهم تقدموا صفوفا بأطفالهم و نسائهم لطلب الأمان و صاحوا (الداد، أمان). فأصدر السلطان أمانه لهم و أن لا تنهب بغداد و أن كل من عثر علي مال فله أخذه.

و أعلن السلطان الأمان أيضا و منع منعا باتا أن يتعرض أفراد الجيش بأموال الأهلين أو أولادهم. و كل من وجدت في خيمته أموال لأحد فعقابه الإعدام. و لو لم يأمر بهذا لعادت بغداد يبابا، أو أثرا بعد عين.

و الخلاصة أن بغداد أنقذت من أعداء الترك و خلصت للعثمانيين.

و بهذا تم (الفتح).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 282

و جاء خبر ذلك مجملا في تاريخ الغرابي. قال:

«سار السلطان … لاستخلاص بغداد دار السلام (مدينة السلام) … فنزل عليها و حاصرها أربعين يوما. فلما رأي حاكمها بكتاش خان و سائر الخانات أن لا طاقة لهم بمقاومة الهزبر طلبوا الأمان فأعطاهم السلطان ما طلبوا، و خرج بكتاش خان إلي حضرة السلطان بالأمان، ثم إن السلطان أمر أن كل من كان من عسكر القزلباش فليلق السلاح و يخرج عليه الأمان، فما رضوا بذلك فاجتمعوا كلهم عند الباب الشرقي المعروفة ب (قره قاپي) فعين السلطان من أبادهم، فما خرج منهم سوي خمسة و عشرين شخصا توجهوا إلي ممالك العجم، فحين فارقوا بغداد أمطرت السماء، و اشتد المطر، فآووا إلي قبة في الطريق، فخرج أحدهم في الليل لإراقة الماء، فوقعت القبة علي رفقائه فقتلتهم، و ذهب ذلك الرجل إلي العجم فأخبرهم» ا ه.

فكان بحثه مختصرا بل مقتضبا، و قد مر بنا التفصيل من كتب تاريخية عديدة.

زيارة الإمام الأعظم:

و في اليوم التالي ذهب السلطان لزيارة الإمام الأعظم و قال: الآن حقت الزيارة. و كان قال إنني أخجل من

زيارته قبل أن تفتح بغداد.

فقري ء هناك الختم الشريف و تليت الأدعية و ذبحت القرابين و بذلت الصدقات.

التبريكات بالفتح:

و في هذا اليوم رتب الديوان العالي فهنأ السلطان بهذا الفتح

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 283

الجليل كل من الوزير الأعظم و شيخ الإسلام و سائر الوزراء و الصدور و أركان الدولة و الولاة و آغا الينگچرية و الأمراء و ضباط الجيش. فألبس الخلع الفاخرة كلّا من هؤلاء و دعا لهم بالخير.

أرخ هذا الفتح جماعة منهم شيخ الإسلام و غيره كثيرون.

و لما كانت هذه التواريخ تركية لم نر فائدة في نقلها و ذكرها.

و التواريخ العربية كان أكثر الناس من نظمها. قال المحبي وقفت بمكة المشرفة علي تاريخ للقاضي تاج الدين المالكي و هو هذا:

خليفة اللّه مراد غزا قلعة بغداد فأرداها

و عندما حاصرها جيشه اندك للأسفل أعلاها

و أصبح الشاه ذبيحا لما أخبر من كثرة قتلاها

هذا اختصار القول فيها فإن قيل لقد أجملت ذكراها

فلنشرحن فعل مراد بها مؤرخا قد ذبح الشاها

انتهي.

منح رتب و كتب أخبار الفتح:

و في هذا اليوم حرر (كتاب الفتح) و أرسلت كتب أخري و منح الميراخور الكبير خليل آغا رتبة الوزارة و أرسل ببشري الفتح إلي الآستانة. و أمر بنقل (أوطاغ السلطان) إلي باب الإمام الأعظم فأبدل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 284

مكانه. و في اليوم نفسه ابتدي ء بعمارة القلعة و أعلن بواسطة المنادين أن لا يبقي أحد مختفيا و ليظهر كل بلا خوف و لا حذر و أن لا يتعرض أحد بالمختفين. و منح سلحدار باشا منصب القبودانية (القبطانية) و جرت توجيهات أخري لا نري فائدة في ذكرها مما لا يخص أحوال بغداد.

و في هذه الترفيعات نوع منحات …

و من التوجيهات التي أجريت أن والي قسطموني السابق محمد باشا منح منصب ايالة شهرزور.

وفاة بكتاش خان والي بغداد السابق:

و في تلك الليلة توفي بكتاش خان في سرايه بعد العشاء فجأة كذا في نعيما. و في گلشن خلفا أنه انتحر، و ترك زوجته بنت (حسين خان اللر). فأرسلت بجميع أموالها و أتباعها إلي أبيها و لم يتعرض إلي شي ء من أموالها. و هذا الوالي حكم بغداد مدة سبع سنوات. قال صاحب گلشن خلفا و لا يزال سراي الحكومة قائما. فهو من آثاره و له منظر جميل و حديقة غناء … و كذا الحمام من بنائه.

ولاية بغداد:

و في اليوم التالي منحت (ايالة بغداد) إلي كوچك حسن آغا آغا الينگچرية و عهد بأغوية الينگچرية إلي مصطفي آغا الركابدار. و من المدرسين مصطفي أفندي التذكره جي عين قاضيا لبغداد. و إن كتخدا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 285

الينگچرية (بكتاش آغا) عين لمحافظة بغداد و حراستها و جعل معه ثمانية آلاف نفر من الينگچرية.

سرقة حمائل السيف:

و مما يحكي أن شخصا من أكراد العجم يدعي قارچغاي كان يتكلم بلهجة لطيفة. لذا عفا السلطان عن قتله حتي أنه نال شرف مصاحبة السلطان (مرافق الملك) فتطاول و لم يتأدب بحضوره. و في يوم الفتح قدم (بكتاش خان) للسلطان سيفا مرصعا و لما علم قارچغاي المزبور و كان في المجلس قال أنا أذهب به فأقدمه للسلطان فأخذ السيف و له حمائل مذهبة و مجوهرة. و لكنه لخساسة طبعه بدل الحمائل و أوصل السيف إلي السلطان فقبله السلطان منه و قال لسلحدار باشا إني أعجب أن تكون حمائل هذا السيف اللطيف غير متناسبة معه.

أخبر بكتاش بأنه إذا كانت لهذا السيف حمائل مناسبة له فليرسلها.

فأجاب أن حمائل هذا السيف ذهبية و مجوهرة فهي متناسبة معه. و لعلها بدلت. و بالتهديد و التحقيق ظهرت. و اعترف قارچغاي بها و حينئذ غضب السلطان عليه و عده كافر النعمة. و لم يلتفت لكل هذا اللطف حتي طمع و خان فلا يستحق هذه العناية و الرعاية فأمر بقتله فقتل.

خرافة مولوية:

حكي نعيما أنه قبل فتح المدينة ببضعة أيام جاء أحد دراويش المولوية تجاه أوطاغ السلطان و قال له: أيها الملك اسعوا و اجهدوا أن تفتحوا المدينة قبل يوم الاثنين و إلا لو تأخر غرقنا بالسيول فلا يتيسر الفتح. و في ذلك اليوم أمر السلطان طيار باشا بالهجوم و أقنعه بل هدده في لزوم الهجوم فاهتموا له و أقدموا عليه. و في الحقيقة تيسر الفتح يوم الجمعة. أغاروا علي البلدة يوم السبت و في اليوم التالي الأحد بذل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 286

الأمان. و في يوم الاثنين جادت السماء بمطر عظيم امتلأت منه المتاريس و غرقت الخيام فبقيت في الأطيان.

و

بهذا ظهرت كرامة ذلك الدرويش المولوي الكامل. و لو كانت أمطرت هذا المطر قبل الفتح لما أمكن الفتح بل لم يقدروا أن يخرجوا من متاريسهم. فكان هذا التدبير موفقا … فحصل المأمول في أحسن وجه. ثم إنه بعد الفتح توالت الأمطار فأوقفت الحركة خارج الخيام.

و الظاهر أن هذه الحكاية رتبت إثر وقوع الأمطار فأراد هؤلاء أن يستفيدوا منها و لو بعد حين و قد بينا عن هؤلاء و أوضحنا بعض الإيضاح عن طريقهم، و غاية ما يقال إن هذه و أمثالها سبب نكبة المسلمين و إماتة أرواحهم و نفوسهم الجريئة الحية … و لم يذكر هذه الواقعة صاحب الفذلكة.

تعمير مرقدي الإمام الأعظم و الشيخ عبد القادر الكيلاني:

ثم إن السلطان أمر بتعمير مرقدي الإمام الأعظم و الشيخ عبد القادر الكيلاني بنظارة شيخ الإسلام يحيي أفندي. و هذا شرع في العمل. فعمر الأبنية التي في ساحة القبة العليا و زينها بقناديل ذهب و فضة. و كذا عمر صندوقا و قام باللوازم الأخري. و اتخذ ستارا من صوف أخضر و عمامة.

وقائع أخري:

ثم إنه كان عين من العجم قاض في بغداد. تمكنوا من القبض عليه فقتل. و كذا قتل دفتري الموصل (عباس البغدادي) لتحقق تهاونه في إرسال المهمات و للاطلاع علي بعض أحوال منه غير مرضية. و إن محمد باشا المعزول من قسطموني وجهت إليه (ايالة شهرزور).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 287

قتل القزلباشية:

إن الدولة أرادت أن تقطع دابر القزلباشية إذ علمت أن قد جاء أكثر من ثلاثمائة منهم من النجف إلي الكاظمية فأمر بقتلهم و ذلك قبل الفتح و إعطاء الأمان و كذا قتل نحو ألف، ثم قتل نحو أربعمائة.

قتل الواردون من القزلباشية من النجف أيضا لما علم من جاسوس منهم ألقي القبض عليه جاء و كان حاملا كتابا، فيه أنه إذا استولي العثمانيون علي بغداد فأخبرونا لنترك أوطاننا و نذهب إلي ديار العجم.

و بهذه التهمة قتلوا.

و علي كل حال إن العثمانيين أبدوا قسوة في القتل لما رأوا من حنق من الإيرانيين فقابلوهم بأشد منه مما لا ترضاه الشريعة فالضرر ممنوع ابتداء، و كذا المقابلة به. فأضاعوا قاعدة (لا ضرر و لا ضرار).

و ربما كان الحنق من الجيش فلم يستطيعوا صده …

عودة السلطان إلي استانبول:

و بعد ذلك تقرر عودة الركاب الهمايوني إلي الآستانة فعاد في 12 من شهر رمضان و أرسل ابن مير فتاح و سائر خانات العجم المحبوسين إلي ديار بكر.

و كان السلطان حينما أراد العودة تقدم لزيارة الإمام الأعظم. ثم إنه عبر مع الصولاقية و المتفرقة العلوفية و الچاوش و بلوك اليمين إلي جانب الكرخ فمضوا إلي مرقد الإمام موسي الكاظم. و أمر أن تنظم أحوال بغداد و أن يبقي الوزير الأعظم مع عموم العساكر مدة ببغداد للقيام علي العجم و القضاء علي غائلتهم و تأسيس الإدارة المنتظمة …

و بهذا انقطعت حوادث السلطان من بغداد بعد أن أودع الشؤون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 288

إلي أهلها. بقي الوزير الأعظم و والي بغداد.

السلطان في طريقه إلي عاصمته:

1- إن سفير الهند المذكور سابقا جاء إلي الركاب الهمايوني في تكريت و هنأه بالفتح. أذن له بالعودة و أمر باتخاذ ما يلزم لذلك فذهب إلي الوزير الأعظم …

2- إن سفير إيران المرسل من الشاه كان جاء إلي ماردين، و منها أبقي في الموصل فلما عاد السلطان إلي الموصل في 22 رمضان كتب معه كتابا إلي الشاه صفي. و فيه أن السفير خليفة مقصود أعيد. فعليك أن تبعث بالهدايا و التقدمات. و إلا دمرت مملكتك بجيوشي العظيمة.

و لو كنت شجاعا لما تخلفت عن الظهور … و كتب في رمضان سنة 1048 ه. و ينطوي علي التهديد و التهكم.

3- خرج السلطان من حدود العراق فلا تهمنا حوادث حله و ترحاله و سائر وقائعه. وصل إلي ديار بكر في غرة شوال. و في 10 صفر سنة 1049 ه وصل إلي العاصمة باحتفال مهيب.

حوادث الصدر الأعظم (في العراق)

الصدر الأعظم قرا مصطفي باشا بقي في بغداد 60 يوما بعد رجوع السلطان، و في 16 منه صلي أول جمعة في (جامع الگيلاني). و كان تموين الجيش صعبا جدا. و في خلال المدة توالي ورود المؤونة. و في غرة شوال جاءتهم المؤونة من البصرة في عشر قطع من الأغربة. و جاء سفير العجم، فأعيد إلي الشاه مع حمزة باشا. ثم أرسل مع (سفير الهند) أرسلان آغا المتفرقة. و في 14 شوال تم تعمير القلعة. و في 10 ذي القعدة رحل الصدر الأعظم فنزل (باش دولاب). بقي هناك بضعة أيام.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 289

ثم قصد ديار العجم فتوجه نحو لقمان الحكيم. و في يوم حركته أبقي في بغداد (12000) من الجيش البغدادي و (8000) ينگچري من صنف الحراس (نوبتجي)، و (1000) سپاهي

و في 27 منه حلوا بالقرب من (قنطرة چبوق) من الخالص و هناك اتخذوا مرعي (چايرا)، فبقوا نحو 20 يوما. و لما كان نهر ديالي قد فاض، فقد اتخذوا جسرا من سفن و في 9 ذي الحجة عبر بعض الجند في الكلك من قرية ينگيجه فارين فعلم ذلك و من ثم اتخذت التدابير من أمير أمراء قرمان حسن باشا فمنع وقوع أمثالها، و في اليوم التالي نصب الجسر فعبروا عليه فمضوا نحو شهربان …

و في 19 منه ورد السفراء من رستم خان. و بعد أربعة أيام في منزل (زاوية) ورد ميراخور الشاه (محمد قولي) سفيرا، فاستقبل من چاووش، و في اليوم التالي ورد السفير إلي مجلس الوزير في قزلرباط (السعدية)، فتكلم في الصلح، فسأله الوزير هل جئت بمفاتيح (درتنك) لتطلب الصلح؟ و أبدي أنه لا يتم الصلح ما دام رستم خان في درتنك. و أظهر غضبا علي السفير. و كتب بهذا أيضا إلي الشاه كما كتب إلي رستم خان أن يرحل عن درتنك. أمهلهم أن يأتوا بالجواب خلال ستة أيام و إلا شرع في الحرب.

أما السفير الإيراني فإنه أرسل في الحال رسولا إلي الشاه، و قصد السردار التوجه نحو الهدف المقصود، فجاءه السفير قائلا:

سيدي الصدر!

كان ذهب سفيرنا إليكم، فاتخذتموه دليلا، فأخذتم بغداد. و الآن اجعلوا داعيكم دليلا أيضا لعلكم ترغبون في فتح أصفهان!!

أبدي ذلك للصدر بمقام اللطيفة، و رجا أن لا يعجل بالسفر إلي أن ينتهي الوعد المضروب فيصل جواب الكتاب المرسل. و من ثم يكون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 290

لكم الأمر. تضرع للوزير أن يؤخر حركته. و في غرة المحرم سنة 1049 ه رحل رستم خان عن درتنك. رجع القهقري فجاء الخبر

بذلك.

و في اليوم التالي 2 المحرم وصل إلي خانقاه الصغير، و فوضت ايالة بغداد إلي (درويش محمد باشا). و في ذلك المنزل ورد الخبر أن صارو خان السفير الكبير من جانب الشاه سيصل قرب قصر شيرين إلي صحراء (زهاو). و هناك كان الشاه أثناء حصار بغداد يترقب الحالة.

و جاء من رستم خان كتاب يشعر بأنه غادر درتنك امتثالا للأمر، و بين فيه أن صارو خان وكيل الشاه سيوافي قريبا.

السفير الإيراني- المعاهدة:

في 11 المحرم ورد صارو خان، جاء إلي الفيلق الثاني، فأرسل لاستقباله من قام بالمهمة، و أعدت له خيمة خاصة، و بعد العصر واجه الصدر الأعظم. و جرت بينهما محادثات. و بعد ذلك تكون الديوان العالي، فألبس و من معه الخلع. و في 14 منه تم الصلح بعد مفاوضات اجتمع في خلالها رجال الجيش و الأمراء في خيمة الوزير الأعظم، و حضر صارو خان وكيل الشاه، و السفير الأول محمد قولي فتفاوضوا في الأمر، و أوضحوا أن الصلح سيد الأحكام و باعث رفاه الأنام.

و كان ما تم عليه الاتفاق بعد أخذ ورد و مفاوضات كثيرة: أن تكون جسان و بدرة و مندلجين (بندنيج) و درنه و درتنك إلي سرمل من ايالة بغداد و ما بينها من صحار في حوزة بغداد و كذا ضياء الديني و هاروني من قبائل الجاف، و أن تكون القري التي في غربي قلعة زنجير للعراق، و هكذا يعتبر من شهرزور ما كان في غربي (قلعة ظالم علي) و ما فوقها من جبال و ما كان ناظرا إلي هذه القلعة من الأطراف إلي الكدوك المار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 291

إلي شهرزور و كذا قلعة قزلجة و توابعها، فكل هذه تضبط من

جانب الدولة العثمانية. و عدا ذلك فإن أخسخة و وان و شهرزور و بغداد و البصرة و ما يدخل فيها من بقاع و قلاع و نواح و أراض و جبال و تلال فلا يتعرض بها من جانب الشاه قطعا، و لا يتدخل بها و هكذا القلاع بين مندلجين إلي درتنك، و بيره، و زردوي المسماة زمردماوا أيضا و ما كان في شرقي قلعة زنجير من قري و قلاع، و أورمان و توابعها، و مهريان و توابعها فكل هذه تكون في تصرف الشاه و ضبطه. و مثلها حدودها و توابعها و ما يدخل فيها و لا يتدخل فيها من جانب السلطنة العثمانية، و زنجير قلعة تقع في قمة جبل سيكة و ما كان في حدود وان و هي قرتور، و ماكور. و كذا ما كان في جانب قارص و هو مغازبرد فإنها تهدم من الطرفين. و السلام.

هذه المعاهدة صارت أصلا لحل الاختلاف في الحدود. و كانت الدولتان لم تتقيدا بعهد لكل واحدة منهما آمال. فجاءت هذه المعاهدة حاسمة للنزاع و قطعت آمال كل دولة. فوقفت عند نصوصها. و كل تجاوز وقع بعد هذا كان يحل بالاستناد إليها، و بمراجعة نصوصها كما أن حدود الدولة أيام السلطان سليمان صارت أصلا في تكوين هذه المعاهدة.

أرسلت هذه المعاهدة إلي الشاه فأمضاها في 19 المحرم و أعطيت نسختها إلي محمد قولي بك ليذهب بها إلي استانبول لإمضائها أيضا.

و علي هذا أجريت ضيافة للسفير الكبير و السفراء الآخرين. و في اليوم التالي أجري السفير الكبير ضيافة للأمراء. و من ثم ذهب صارو خان إلي الشاه، و بقي في الفيلق محمد قولي بك ليأخذ المعاهدة إلي استانبول للإمضاء. و في اليوم التالي

ذهب من صحراء (حورين).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 292

والي بغداد درويش محمد باشا:

عهد الصدر الأعظم إليه بولاية بغداد في 2 المحرم سنة 1049 ه مكان كوچك حسن باشا و عين هذا لمنصب وان إلا أنه نقل إلي طرابلس … و نال درويش محمد باشا الوزارة أيضا في 15 المحرم.

و في 21 منه ودع الصدر الأعظم، و عاد إلي بغداد من المعبر المسمي (علي كچيدي) من نهر ديالي. و لما وصل الصدر إلي ديار بكر جاءته في 24 صفر برات الوالي. و هذا من حين ذهب إلي بغداد ضبط أمورها و جلس علي سرير الحكم في السراي الذي كان بناه بكتاش خان.

عودة الصدر الأعظم:

و في 25 المحرم عبر الصدر نهر ديالي، و توجه نحو كركوك، و بعث رجب آغا بخبر الصلح. و أنعم علي جعفر باشا (أخي محمد باشا) بإيالة شهرزور و كان والي كركوك آش محمد باشا قد حصلت شكاوي منه، فحبس في القلعة في 2 صفر و أذن لجيش مصر بالعودة. و في 10 منه عبر الزاب علي جسر من سفن، و منحت مملكة سيد خان أمير العمادية إلي أحد أولاده. و في 27 صفر رحل الصدر عن الموصل. و في أسكي موصل ورد (رجب آغا) و جاء بالخط الهمايوني الشريف مشعرا برضا السلطان بالصلح.

جامع القلعة

يراد بالقلعة (القلعة الداخلية). و لا تزال معروفة بهذا الاسم. و هذا الجامع داخلها. و كان شاهد هذه القلعة أوليا چلبي فقال:

«في داخل هذه القلعة بيوت من طين، و جامع السلطان مراد إلا أن بانيه الأول السلطان سليمان» ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 293

و لا شك أن أوليا چلبي كتب عن أصل هذا الجامع ما سمعه، و لم يكن صوابا، فإن هذا الجامع بني أيام دخول السلطان مراد بغداد، فظن أنه من بنائه، و أنه كان من تعمير السلطان سليمان. و جاء التصريح في الوقفية المؤرخة 11 رمضان سنة 1048 ه أن هذا الجامع أنشأه جلال الدين ابن المرحوم بهاء الدين في محلة السكه خانه (دار الضرب) الواقعة في محلة القلعة. و ذكر من حدود الجامع (تكية الملا سعد الدين ابن السيد عبد الجليل الدوري). و هذه التكية لا تزال و لكنها بحالة دمار.

و بقرب جامع القلعة مرقد عليه قبة يقال له (السيد محمد الزمچي).

و ليس لدينا ما يوضح عنه. و الوقفية تنطق بالموقوفات منها ما هو داخل

القلعة، و منها ما هو خارج القلعة. و كان القاضي الذي حكم بصحة الوقف (مذكره چي زاده مصطفي). و هو أول قاض بعد فتح السلطان مراد.

و لا تزال تولية الوقف بيد ذرية الواقف، و المتولي الآن السيد طه ابن السيد شاكر ابن السيد محمود القلعه لي بن رحمة بنت محمد ضياء الدين بن علي بن عبد الرزاق بن عبد القادر بن بهاء الدين ابن الواقف.

و السيد محمود هذا يعرف بالسيد محمود الثنائي. خطاط معروف. غير (محمود الثنائي) المشهور في عهد المماليك. أوضحت ذلك بتفصيل في كتاب (المعاهد الخيرية)، و في (تاريخ الخط العربي في العراق).

و هذا الجامع أنشي ء بتاريخ الوقفية، و لم يكن جامعا آخر كما توهم بعضهم، أو كما ذكره أوليا چلبي نقلا عمن ليس لهم علم.

و الملحوظ أن من شهود الوقفية مدرس المستنصرية إبراهيم، و مدرس مدرسة مرجان أحمد بن عمر، و مدرس مدرسة أبي النجيب محمد بن حسين و آخرون.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 294

حوادث سنة 1049 ه- 1639 م

نقيب السادات و سادن مشهد الإمام الحسين

نقيب سادات بغداد (السيد دراج) كان سادن حضرة الإمام الحسين (رض) و كان من الأعيان المشهورين، و هو صاحب قوة و مكنة، فلما استولي شاه العجم (الشاه عباس) علي بغداد أحسن الظن به و اعتقد فيه الاعتقاد الجميل، فرعاه و أكرمه. فكان في مقام الخدمة. يفكر في العواقب، فلم يغفل أمر العثمانيين. و كان في ذلك الحين أراد الشاه أن يقتل أهل السنة قتلا عاما، فتوسط (السيد دراج) فقال له سأختار محبي آل علي، و ما عداهم فاقتلهم. و بهذه الوسيلة أنقذ خلقا كثيرا من القتل.

و هذا العمل المشكور كله لم يمنع الوالي من الوقيعة به بعلة أنه كان شيعيا معروفا بتشيعه، فلم يتحمل شهرته

و مكانته فاتخذ ذلك وسيلة للقضاء عليه (قتله)، و استولي علي أمواله الوافرة في حين يدعي أنه (درويش)، فلم تردعه هذه الخدمة النبيلة، و لا المكانة المقبولة. أراد هذا الوالي أن يستقل بنفوذ العراق وحده، و أن تكون بغداد و الأنحاء العراقية خالصة للدولة العثمانية. و قد جاء ذكر ذلك في تاريخ نعيما، و في فذلكة كاتب چلبي، و في خبر صحيح. و الآن من بقايا السيد دراج (أسرة نقيب كربلاء). و منهم النقيب الحالي صديقنا السيد الفاضل (حسن النقيب). و هو من الأخيار. و للتفصيل محل آخر.

وفاة السلطان مراد الرابع:

و في 16 شوال سنة 1049 ه توفي السلطان مراد. و كان بعد عودته إلي استانبول قد بني قصرا نفيسا سماه (بغداد كوشكي) أي (قصر بغداد). بذل في عمارته و تزييناته الأموال الكثيرة و استخدم أرباب الفن و الصنعة. كتب فيه الكتابات الخطية النفيسة من آيات محلولة بالذهب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 295

بخط الخطاط الشهير (محمود چلبي الطوبخانه لي). و شغل به كثيرون من أهل المعرفة لتظهر فيه الصنعة و الفن من نقش و تذهيب و تزويق … كتب فيه بالخط الجلي وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ و غيرها.

و هذا القصر عاد متفرجا للمتفرجين. ينظرون إلي ما فيه من صنعة و ريازة. رأيته في سراي طوپقپو باستانبول معروضا لزوار المتاحف.

و هناك (خزانة بغداد) (كوشكي). رأيت بعض كتبها النفيسة النهاية من الصنعة …

و بهذا تمت حوادث هذا العهد. و غالب ما عولنا عليه من المراجع (تاريخ نعيما)، و (فذلكة كاتب چلبي) و (گلشن خلفا) و (خلاصة الأثر) و باقي ما أشير إليه أثناء ذكر المصادر في حينها …

العشائر

اشارة

في هذا العصر لا نري للعشائر إلا ذكرا قليلا لأن المقارعات كانت دولية، و القوي عظيمة بين الحكومتين و استعانتها في الدرجة الأولي بقوتها، و في المملكة لم يتأسس نظام تام لنري به العلاقة مكينة بين العشائر و الحكومة بل إن الحكومة لم تتمكن سلطتها لا علي العشائر و لا علي غيرها، و قد مر بنا في المجلدات السابقة ذكر قبائل عديدة إلا أن القبائل التي سمع لها صوت في هذا العهد أشهرها:

1- قبيلة طيي ء:

إن أمراءها (آل أبي ريشة) من فخذ آل مرا.

1) ظاهر: هو أبو مدلج المترجم في الكواكب السائرة ابن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 296

عساف بن عجل بن نظير بن قدموس كان أمير عرب الشام و هو من فخذ أبي ريشة، و له قوة خارقة بحيث يمسك الدرهم من الفضة بأصبعيه.

يفركه فيذهب نقشه و يفتت الحنطة بين أصبعيه. اشتهر بالبطش و القسوة.

و من عجيب أمره أنه دخل عليه ولده قرموش و هو مريض ليقتله فضربه بسيف فقتله، و شرب شخص لبنا (حليبا) كان لامرأة فشكته إليه و لما سئل أنكر ذلك و حلف بحياته أنه لم يشرب فطعنه برمح كان بيده فإذا اللبن خارج من جوفه فأمر المرأة بأخذ بعير من إبله بدل ما غصب من لبنها.

مات علي فراشه سنة 945 ه. انتهي.

2) أحمد أمير العرب من آل حيار. و هم- كما في خلاصة الأثر- حكام العرب أبا عن جد … و مقام هؤلاء في بلاد سلمية و عانة، و الحديثة. و من عادتهم أن من استولي منهم علي خيمة المال و السلاح يكون حاكما علي العرب جميعهم. و ذلك أن لهم خيمة من الشعر كبيرة جدا و لها حرس يتناوبون في

اليوم و الليلة و كلها صناديق مقفلة بالأقفال الحديدية المحكمة و الصناديق مملوءة من الذهب و الفضة و الجوهر و السلاح و غير ذلك من نفائس الأشياء و كان أحمد استولي عليها. و جاء أنه قتل ظاهرا.

3) شديد بن أحمد. هذا ولي بعد أبيه. و كان ظالما عنيدا متكبرا، خسيسا … و لم يزل حاكما إلي أن مات سنة 1018 ه. و اتفق أنه كان في خيمة في بعض صحاري حلب، و كان ابن عمه مدلج بن ظاهر معه في الخيمة و كان شديد يلعب الشطرنج مع بعض أقاربه و لم يكن عنده من إخوته أحد فاختلس مدلج الفرصة في خلو الأمير فناداه و هو يلعب يا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 297

شديد يا شديد فقال نعم فما أتم قوله (نعم) إلا و مدلج ضربه بخنجر في بطنه، خرج من ظهره فمات.

4) مدلج. هذا هو قاتل شديد انتقاما لأبيه ظاهر الذي قتله أحمد والد شديد فولد المقتول قتل ولد القاتل. و هذا انتزع الإمارة من الأمير حسين بن فياض الحياري فانعقدت له الإمارة. قدم بجماعة من الأمراء فأزاحوا حسينا عن الإمارة و عن خزائن والده و حاولوا قتله فهرب …

و إنما انعقدت له الإمارة لكونه أكبر منه و أقرب إلي سلسلة الإمارة و لكونه كان شريك والده في قتل الأمير شديد ابن عمهما. و في تاريخ نعيما أنه كان أمير العربان من مدة مديدة، و أن العشائر البدوية بين بغداد و الموصل تحت سلطته و إدارته، و كان أيام حافظ أحمد باشا قد مال إلي جانب العجم، و لما ورد خسرو باشا لاستخلاص بغداد عزم علي الوقيعة به و استئصاله من البين فنكل به

و بعشائره و أثناء ذلك سقط من علي فرسه فهلك و طلبت قبائله الأمان فأذعنت بالطاعة. سنة 1040 اه.

و نصب الوزير أميرا علي العربان سعيد بن فياض و كان له شأن في أيامه …

5) الأمير حسين بن فياض الحياري أمير العرب. و هذا كان من أمره أنه لما مات والده ظن أنه ولي عهده في الإمارة فوضع يده علي خزائن والده و احتفت به العرب. و إذا بابن عمه مدلج قد نازعه فأزاحه عن الإمارة.

ثم إن الأمير حسينا نزل علي بعض الكبراء و استظل بظله حتي أصلح بينه و بين مدلج و جعل له جانبا من الولاية قليلا. ثم وقع في بغداد ثلج عظيم لم يعهد مثله قبل ذلك ببغداد و حسين هناك و مدلج بعيد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 298

عنه فأمن مدلج بسبب ذلك فركب حسين في الثلج و ذهب بعد أيام إلي منازل مدلج و نزل خفية حتي يدرك الليل و يدخل إلي نسائه. و كانت زوجة مدلج بنت شديد (مر ذكره) تساهر النساء و كان مدلج يدخل ثملا من الخمر فلبس حسين لباس النساء و دخل بينهن و أطال الجلوس مترقبا الفرصة في قتل ابن عمه و كانت بنت شديد زوجة لوالد حسين فبالفراسة عرفته و تحيرت بين أن تسكت فيقتل زوجها و بين أن تتكلم فيقتل ابن زوجها و إن قالت له اهرب تخاف أن يسمع زوجها فقالت في مؤخر كلامها بمناسبة لا ينبغي المخاطرة في الأمور و ينبغي الاحتفاظ علي النفس من القتل. فلما علم حسين أنها اطلعت عليه خرج من بين النساء هاربا. ثم وقع في خاطرها أنه ربما يقتل زوجها خارج دارها فصبرت ساعة ثم بعثت

لزوجها أنني رأيت بين النساء من يشبه حسينا. و ما تحققت هذا الأمر فاحتفظ علي نفسك فعند ذلك بعث مدلج جماعته فوجدوا حسينا ركب فرسه و انهزم فأتبعه بالعساكر فلم يدركوه.

ثم بعد ذلك كثر أتباع حسين من العرب و وعدته طائفة ممن كانوا عند مدلج أن يتابعوه و يشايعوه فأشار إليه قوم بأن يأخذ من مراد باشا حاكم حلب عرضا في الإمارة ليتقوي من جانب السلطنة بعد ما قال له بعض العرب (إن الأروام لا وفاء لهم بالعهود) فلم يسمع و جاء إلي حلب و قدم الهدايا إلي الباشا و وعده و كتب الوزير إلي مدلج يطلب منه خمسة و عشرين ألفا ليقتل له حسينا فوعده فغدر مراد باشا بحسين و وضعه في سجن القلعة حتي جاءه المال فخنقه ثم بعث عسكره لنهب أمواله و جماعته فقاتلوهم فانهزم أتباع مراد باشا و أخذ عرب حسين جميع ما كان بيد جماعة مراد باشا حتي نزعوا ثيابهم و أدخلوهم إلي بلاد أريحا حفاة ثم إن اللّه سلط الوزير الحافظ حتي قتل مراد باشا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 299

6) خالد العجاج من آل أبي ريشة. كان في محاربات بغداد بعد أن استولي عليها بكر صوباشي.

و كان غالب سكناه في أنحاء هيت و عانة و ما جاور تلك الأطراف.

و قد أسس له ارتباطا مع والي بغداد بكتاش خان الحاكم من جانب إيران فنال احتراما لدي العجم، و له فرس أعطاه للحاكم المشار إليه يسمي عند العرب (كحيلان). و لا يزال هذا الأمير حيا إلي ما بعد الفتح و قتل سنة 1054 ه …

و كلمتنا الأخيرة في هذا الموضوع أن العشائر لم يكن لهم الصوت فيما بين سوريا

و العراق إلا قبيلة طيي ء فإنها حافظت علي مكانتها.

و ظهر فيها أمراء آخرون و لم تنقطع الإمارة منهم من أيام الحكومات السالفة … و لهم فروع متفرقة في أنحاء عديدة. فصلنا القول فيها في كتاب (عشائر العراق).

2- القشعم:

مر بنا أن هناك قبائل أخري مثل (غزية) و آل قشعم، و زبيد و لكنها لم تشترك في الحروب و لم تنتصر لناحية، و لا تزال العشائر محافظة علي أوضاعها السابقة، تخشي الحكومات و تود الابتعاد عنها …

(و القشعم) من هذه القبائل أكثر ذكرا بين قبائل العراق بعد قبائل طيي ء. ينطق بها (الجشعم) و هي معروفة.

3- الجاف:

من القبائل الكردية. جاء ذكرها في المعاهد المعقودة أيام السلطان مراد. أوضحت عنها في (كتاب عشائر العراق الكردية).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 300

4- باجلان:

و باجوان منهم و ذكرتهم في عشائر العراق الكردية. و في كتاب (الكاكائية في التاريخ)، و في رحلة المنشي ء البغدادي. أعانوا الدولة العثمانية في حروب الإيرانيين.

و هناك عشائر أخري عربية و كردية لا محل لذكرها.

إمارات عراقية

1- اليزيدية

ظهروا في هذا العهد أكثر و بدت أعمالهم، أو أن المدونات عرفت عنهم أوضح. و يهمنا بيان ما يتعلق بهم في هذا العهد. و جل ما نعلمه عن هؤلاء وقائع الصورانيين و استمرارهم في حروبهم و هذه لم نجد التفصيل الوافي عنها إلا أننا ذكرنا نتائجها في أنحاء إربل، و أنها كانت قاسية جدا. و لعلها السبب في القضاء عليهم في تلك الجهات. و الباعث المهم في هذا مناصرة الدولة لهم، و دخولهم في السياسة و الحروب.

و من ظواهر هذه المناصرة بل من نتائجها أن عدلت الدولة عنهم، و مالت إلي من هو أقوي منهم أعني (أمير العمادية). و من ثم نجد الصدود عنهم قد ظهر في (فتوي شيخ الإسلام أبي السعود). و هذه الفتوي جاء نصها في مؤلفات عديدة، ذكرناها في (تاريخ اليزيدية)، و تعد أقدم فتوي للعثمانيين. أصلها كتب باللغة التركية، و ذكرت في الرسالة الذهبية للخياط. نقلها إلي اللغة العربية. و لم يعين تاريخها. مع العلم بأن شيخ الإسلام أبا السعود العمادي قد ولي المشيخة سنة 952 ه و أن العلاقة بالعراق كانت سنة 941 ه، بل قبل ذلك كان الاتصال بشمال العراق، و كان هناك يزيدية أيضا. و لا شك أنها كتبت بعد أن ولي المشيخة، و وفاة أبي السعود كانت في سنة 982 ه. و لكن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 301

المؤرخين لم يذكروا حادثا أدي إلي إصدار هذه الفتوي إلا ما وقع بين

الصورانيين و بين الداسنية. و كانت هذه من أهم الوقائع قسا بها كل فريق بالآخر و لعل صدور الفتوي مقرونا بقبيلة الأمير الداسني. و يفهم من فحوي السؤال أنهم تعرضوا بجيش العثمانيين هاجوا لما وقع عليهم و علي أميرهم فحصلت الدولة هذه الفتوي للوقيعة بهم. و هذا أقوي احتمال في إصدار هذه الفتوي.

و لما كانت تحوي مطالب، و عندي نصها التركي في مخطوطة قديمة ثم نقلت إلي اللغة العربية. و التشكيك بها غير صحيح. رجحت أخذ ترجمتها منقولة إلي العربية من (الرسالة الذهبية) للخياط الموصلي. قال:

«ما قول أئمتنا الحنفية، و الشافعية، و المالكية، و الحنابلة، و ما جوابهم عن عسكر المسلمين، إذا غزوا هذه الطائفة الطاغية و قتلوها. أو قتل أحد من المسلمين بأيديهم، هل يكون قاتلهم غازيا و مقتولهم شهيدا. أفتونا مأجورين، مثابين؟

الجواب: و اللّه أعلم بالصواب، أنهم يكون قاتلهم غازيا و مقتولهم شهيدا. لأن قتالهم جهاد أكبر، و شهادة عظيمة، و في هذه الحالة سبب حل قتلهم، و سبب حل سبي نسائهم و ذراريهم. هل السبب الموجب لذلك بغيهم، و خروجهم علي سلطان المسلمين و إشهارهم السيوف علي قتل عساكر المؤمنين، أو السبب بغضهم لحضرة الإمامين الكاملين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 302

الهمامين التقيين النقيين الشهيدين النسيبين، الإمام أبي محمد الحسن السبط و الإمام أبي عبد اللّه الحسين، سيدي شباب أهل الجنة، و عداوتهم المقتضية لاستحلال قتلهم و قتل أولادهم من أهل بيت النبوة، إغاظة لجدهم الرسول عليه الصلاة و السلام، أو السبب في ذلك بغضهم لحضرة قدوة الأولياء، مدينة العلم، الخليفة الرابع علي المرتضي، ابن عم المصطفي صلّي اللّه عليه و سلم المقتضي بغضه بغض اللّه و رسوله، و تحقير علمه

و قرابته من الرسول صلّي اللّه و سلم، أو السبب استحلالهم قتل العلماء الفاضلين، أو استحلال قتل المشايخ الكاملين، و قتل رؤساء الدين المبين، و الاستهتار بكلام اللّه المجيد، و بالكتب الشرعية و التفاسير و الأحاديث و إنكار يوم القيامة و الحشر و النشر، و إنكار أركان الدين الخمسة، أو السبب الموجب لقتلهم اعتقادهم في عدي بن مسافر الأموي أنه الشريك الأغلب لحضرة رب العزة جل شأنه سبحانه. تعالي عن ذلك علوا كبيرا، أو السبب محبتهم التامة مع الشيطان اللعين، و اعتقادهم فيه أنه طاووس الملائكة مشاققة لأخبار اللّه عز و جل، أو السبب في وجوب قتلهم قطعهم طريق عباد اللّه، و إخافة أبناء السبيل بسفك الدماء، و نهب الأموال علي الدوام بلا انقطاع، أخذا من قوله عز و جل: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ الآية، أو السبب هو إباؤهم عن عقود أنكحتهم من أنفسهم، و إنما يفوضون عقودهم إلي رأي رئيسهم الفاجر، أو السبب في ذلك غير هذه الوجوه المذكورة؟ أفتونا الجواب الصحيح تكونوا مأجورين!

الجواب: نعم أسباب حل قتالهم هي جميع الوجوه المذكورة، و غيرها، و هم أشد كفرا من الكفار الأصليين، و قتلهم حلال في المذاهب الأربعة و جهادهم أصوب، و أثوب من العبادات الدينية و تشتيت شملهم، و تفريق جموعهم، و المباشرة في قتالهم و قتل رؤسائهم من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 303

الواجبات الدينية، و حكام الوقت و الولاة الذين يرخصون في قتلهم و يحرضون علي قتالهم، و يرغبون في سبيهم. شكر اللّه سعيهم و أعانهم و ساعدهم علي مقاصدهم و أيدهم

عليهم بنصره العزيز. فلهم أن يقتلوا رجالهم و يستأسروا ذريتهم و نساءهم و يبيعوهم في أسواق المسلمين كأساري سائر الكفار، و يحل لهم أيضا التصرف في أبكارهم و زوجاتهم بعد الاستيلاء بملك اليمين علي ما عليه الفتوي من القول الأقوي، فتحقق حينئذ كفرهم و جواز لعنهم، فأما امتناع الإمام الشافعي (رض) عن لعن يزيد لعنه اللّه فليس بثابت كرواية عنه و لئن سلم بثبوتها عنه، فامتناعه إنما كان لأجل عدم كون ذلك اللعين من عبدة الأوثان، لا لأجل كونه عنده مؤمنا، لأن بعض الأولياء المقربين أخذوا عنه الخبر بحسب المعني من روحه الشريفة و من مرقده العالي، و قد أخذوا عنه أيضا في عالم الرؤيا أخبارا صحيحة في تجويز اللعن علي يزيد. و قد قال الإمام النعمان بن ثابت أبو حنيفة الكوفي عليه رحمة الوفي، في يزيد: ملعون! و وقع هذا اللعن منه في جواب الإمام أبي يوسف عليه الرحمة و هذه الطائفة الطاغية ليست من الاثنتين و السبعين فرقة من الفرق الإسلامية بل هم مرتدون عن الإسلام، خارجون عن الملل كلها، لأنهم مرتكبون علي الدوام الفسوق و الفجور، مبيحون الأعمال القبيحة و الخمور، معتادون قطع السبيل علي عباد اللّه و سفك دمائهم، و غصب أموالهم، و مجموعهم من قبيل أولاد الزناء، و أيضا أجمع علماء الأمصار كلهم كعلماء اليمن، و قره باغ، و علماء التاتار فأفتوا بحل قتلهم و استرقاقهم و سبي نسائهم و ذريتهم بالتأكيد البليغ، و بينوا أن قاتلهم ينال ثواب الدارين و داخلا جنة النعيم دخولا أوليا، صرحوا بذلك حتي مولانا الإمام فخر الدين الرازي في أماكن متعددة من تفسيره الكبير أثبت جواز اللعن علي يزيد مستدلا علي الجواز بدلائل نقلية

و عقلية، و أثبت حل قتلهم، و حصول أجر الغزاة لقاتلهم، و ثواب الشهداء لمقتولهم بهذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 304

النظر، و أثبت حل التصرف بملك اليمين في أبكارهم و زوجاتهم و إباحة أسر نسائهم و ذراريهم و جواز بيعهم شرعا. قال ذلك في تفسير بعض السور القرآنية، و كذلك الإمام أحمد و الإمام أبو الليث السمرقندي و مولانا عبد الرحمن الجامي أفتوا كلهم بجواز التصرف بهم، حتي أن مولانا المذكور كتب في الإباحة المذكورة رسالة فتوي و إني رأيتها عيانا بخطه. و لا سيما مولانا سعد الدين التفتازاني في شرح عقائده صرح بجواز اللعن علي يزيد، و علي أنصاره، و أعوانه، و كذلك السيد الشريف الجرجاني و أكثر العلماء صرحوا بجواز اللعن علي يزيد، و بالتعجيل علي قتالهم من غير إمهال، و عدوا إهمال قتالهم مذموما، و لا سيما حضرة الشيخ عبد القادر الجيلي قدس اللّه سره العزيز قد قال في وعظه الشريف في بغداد اسمعوا يا معاشر العلماء و الصوفيين، إن يزيد بن معاوية ملعون و عمله باطل، و أعوانه ضالون، و أنصاره باغون يدخلون النار معه بأشياعهم. قال ذلك علي منبره خطيبا مصرحا بتحقيق موته علي الكفر، و قال ألا إن أولياء اللّه و أحباءه و صالحي خلقه أعداء هذا اللعين و باغضوه. نقل ذلك القول عنه محققو أصحابه في كتابه المسمي بالوعظي حتي قال إن قتال هذه الطائفة الضالة أهم من قتال الكفار الأصليين لسراية أضرارهم للناس. حتي يروي عن علي كرم اللّه وجهه أنه لما رجع من قتال الخوارج منصورا، قال: أيها الناس إن كل من عادي أولادي و أهل بيتي الطاهرين، و أهانهم، فكأنه بغض رسول اللّه

و أهان الخلفاء الكرام، و هو عند اللّه فاجر ملعون، و من بعد فكل من كان مؤمنا موحدا لا ينبغي له أن يتردد في إهانتهم و قتالهم و استحلال أطفالهم و أموالهم و الإهانة لهؤلاء الخذلة إكراما للأنبياء و الأولياء و الخلفاء و تفريجا يلحق روحي بعدي، إذ قلع فسادات هذه الطائفة الضارة عن وجه الأرض من الواجبات الشرعية فلأجل ذلك الدافع حررت هذه الفتوي، و أثبتها نقلا و شرعا و اجتهادا، و سلمت هذه الفتوي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 305

بأيدي أهل الجهاد و التقوي حتي تصل إليهم الغيرة علي كتاب اللّه المبين و تحصل لهم النخوة علي الدين المبين، و لا أعلم الغيب و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» ا ه.

تمت فتواه رحمه اللّه و أرضاه.

هذا و اليزيدية في أيام السلطان سليمان نالوا مكانة كبيرة. تولوا إربل في أيام أميرهم حسين الداسني، و انتزعت الإمارة من الصهرانيين بقتل أميرهم عز الدين شير. و منحت لأمير اليزيدية. و الصهرانيون لم يهدأ لهم بال و أصابتهم غوائل حربية و وقائع لم تثن عزيمتهم، فاستمروا في قتالهم، فكانت النتيجة أن تغلبوا علي الداسنية (اليزيدية)، فأمر السلطان بقتل أميرهم (حسين بك الداسني).

لا يهمنا التعرض لأكثر من هذا. و قد بسطنا القول في (تاريخ اليزيدية) المعد للطبعة الثانية، و ذكرنا وقائعهم عند الكلام علي الصهرانيين.

2- إمارة أردلان

هذه الإمارة تكلمنا عليها في حوادث شهرزور. و كنا وقفنا بها عند ذكر (هلو خان). و في وقائع سنة 1022 ه في الصلح المعقود مع إيران اشترط علي الدولة الإيرانية أن لا تساعد أمير أردلان في شهرزور.

و في حوادث سنة 1032 ه جاء أن أمير أردلان (أحمد خان). و كان في

جهة إيران في المخاصمات مع العثمانيين. مال إليهم. و هذا هو ابن هلو خان أمير شهرزور.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 306

و علي كل حال لم تذعن هذه الإمارة للعثمانيين بسهولة. و إنما ناضلت عن نفسها ما استطاعت. و في أثناء المباحث ورد ذكر أمراء آخرين من الأردلانيين إلا أن الرياسة كانت بيد من ذكروا. و ورد تصريح أيضا في معاهدة السلطان مراد فيما يتعلق بحدود العراق و بذكر هذه الإمارة. و تقف حوادث العراق عند هذا لما يخص هذا العهد.

3- إمارة الصورانيين

و هذه الإمارة وقفنا بها عند قتلة عز الدين شير أميرهم. و الآن نتناول ما جري علي هذه الإمارة بعد ذلك فأقول:

تقلص ظل هذه الإمارة، ففرت من وجه السلطان سليمان، و اختير لإمارة إربل حسين بك الداسني. و هذا جرت في أيامه وقائع أدت إلي تدمير طائفته اليزيدية و تقلص ظلهم بما توالي من معارك دامية.

و ذلك أن قتلة عز الدين شير أدت إلي إقصائهم إلي الجبال. و بعد حروب قاسية مع اليزيدية تمكنوا من الاستيلاء علي إربل. ثم طوي ذكرهم بعد قتلة الأمير سيف الدين من السلطان سليمان. و من ثم عاد ذكرهم و تجدد بصورة عامة، و لم يعين اسما.

و جل ما يعول عليه في هذه الحالة الشرفنامه فإنها توسعت في ذكرهم إلي أيامها. و تفصيل الخبر أن عز الدين شير كان قتله السلطان سليمان سنة 941 ه. و هذا انقطعت به الإمارة عن إربل، و لكن بقيت هذه الإمارة عشائرية، و خلف عز الدين شير من خلف ممن سبق ذكرهم في حوادث السلطان سليمان القانوني.

ثم إن الحكومة أودعت إدارة إربل إلي حسين بك الداسني أمير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4،

ص: 307

اليزيدية، فانتزع السلطة من الصورانيين. و كانوا لم يهدأوا علي ما جري، و وقعت بينهم حوادث دامية بالوجه المذكور حتي دمروا اليزيدية أيام الأمير سيف الدين بك. و هذا استولي علي إربل.

و بعد ذلك أودع السلطان إمارة إربل إلي أمير العمادية حسين بك.

و إن الأمير قلي بك بن سليمان بك بن مير سيدي مال مؤخرا إلي الدولة العثمانية، و طلب أن تودع إليه مملكة آبائه الموروثة له، فلم تأمن الدولة منه، و منحته لواء السماوة من أعمال البصرة. و بعد أن صار علي إربل أمير العمادية حسين بك تمكن من إعادة الأمير قلي بك فجعله أميرا علي أنحاء حرير من مملكة الصورانيين.

و بهذا أرادت تقريب هؤلاء، و لم تشأ أن تنفرهم. و وقائع إيران مترقبة في كل حين. و بوفاته ترك من الأولاد بوداق بك، و سليمان بك، فخلفه الأول منهما. و هذا حكم (شقلاوة) و سماها في الشرفنامه (شقا آباد). و في هذه الأثناء حدث ما يكدر الصفو بين الأخوين، فلم يستطع الأمير بوداق مقاومة أخيه، فاستنصر أمير العمادية. و كان يأمل المساعدة، فتوفي في العقر من أعمال العمادية.

ولي الأمير سليمان بك مستقلا. و في أيامه حارب قبيلة زرزا فتغلب عليها كما انتصر علي أحد أبناء عمه (قباد بك) سنة 998 ه، كما كان أظهر بعض الانتصارات علي الإيرانيين و قدم الغنائم إلي السلطان مراد فرضي عنه، فكان حاكم صوران. و بوفاته خلفه ابنه (علي بك)، و أيدت الدولة إمارته بفرمان سلطاني. و بقي حاكم صوران إلي ما بعد سنة 1005 ه. و من آخرهم في هذا العهد (ميره بك). كانت حوادثه في سنة 1039 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 308

دامت

هذه الإمارة بحالة عشائرية حتي انتهي هذا العهد.

4- إمارة بابان

و هذه الإمارة كانت في نطاق ضيق لم يظهر لها ما يدعو للتدوين من وقائع العراق إلا ما كان ذا علاقة بالإمارات الأخري لا بالدولة.

و جاء في الوقائع الأخيرة من هذا العهد ذكر إمارات عديدة بأسماء مواطنها، فلم تكن هذه من بينها، أو أنها أشير إليها باسم مواطن حكمها.

و هذه الإمارة كان من آخر أمرائها پير بوداق الببي (الباباني).

و كانت إمارة معروفة المكانة بين إمارات الكرد، لكن هذه الإمارة انتهت و قضي عليها بانتهاء حكم پير بوداق.

ثم خلفها أعوان الأمراء من غير (بيت الإمارة) من تلك الأنحاء. و جاءت حوادثها ضئيلة الأثر في وقائع العراق و لم تقو إلا بعد انحسار الأردلانيين. و حينئذ اتصلت بوقائع العراق المتوالية مما يتعلق بالعهود الأخري.

5- إمارة العمادية

أطاع أمراء الأكراد السلطان سليما، و أن العمادية من جملة الإمارات، و جعل عليها الأمير إدريس البدليسي (البتليسي). و سيطرته عامة. و أن يحصل علي عائدات لا أن يتدخل في الحكم المباشر. و قد تكلمت في (تاريخ العمادية) علي تفصيل الحالة باطراد.

ولي الإمارة إدريس البدليسي في أيام (السلطان حسن). و هذا كان يتولي السلطة الفعلية و ترك من الأولاد:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 309

1- السلطان حسين.

2- سيدي قاسم.

3- مراد خان.

4- سليمان.

5- پير بوداق.

6- ميرزا محمد.

7- خان أحمد.

و في أيام السلطان سليمان القانوني خلفه ابنه السلطان حسين و هذا قام بخدمات عظيمة للدولة، فزادت في سلطته و وسعت نطاق حكمه، فبلغت أيام إمارته نحو ثلاثين سنة. حكم إربل بعد القضاء علي الداسنية. و في أيامه عادت حرير للصورانيين.

و توفي عن أولاده:

1- قباد بك.

2- بيرام بك.

3- رستم بك.

4- خان إسماعيل.

5- السلطان أبو سعيد.

ولي قباد بك بعد والده أيام السلطان سليم الثاني. و بعد

مدة مال أتباعه إلي أخيه بيرام بك فخلع من الإمارة. ثم عاد، و بعدها قتل، فولي الإمارة بيرام بك للمرة الثانية إلا أن سيدي خان و السلطان أبا سعيد ابنا قباد بك ذهبا إلي استانبول يشكون قتل والدهما للسلطان مراد الثالث.

نال بيرام بك الإمارة فجاءه المنشور بالإمارة من الصدر الأعظم عثمان باشا و لكن سيدي بك بن قباد بك قدم شكواه للسلطان ثم فوضت إليه الإمارة فدخل العمادية في أواسط ذي الحجة سنة 993 ه، و أودع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 310

أمر تحقيق الشكوي إلي فرهاد باشا، فألقي القبض علي بيرام بك و ثبتت إدانته شرعا من جراء قتل قباد بك فحكم عليه بالقصاص سنة 994 ه.

و دام سيدي بك في الإمارة مدة طويلة. و اشترك في حوادث بغداد لسنة 1039 ه.

و لما جاء السلطان مراد الرابع إلي بغداد كان أمير العمادية (يوسف خان) ابن سيدي خان و هذا لم يشترك في حرب بغداد، و لم يكن من بين المهنئين بالفتح. و مثله (عبدال خان) أمير بتليس (بدليس)، فصدر الأمر السلطاني إلي ملك أحمد باشا، للقضاء عليهما، فتمكن من القبض علي أمير العمادية و حبسه في ديار بكر، ففرح السلطان بذلك. جاءه الخبر حين النزع، فدعا للوزير ملك أحمد باشا بالتوفيق. ثم قدم يوسف خان ألف كيس للدولة، فعفت عنه و أعادته إلي إمارة العمادية …

و أما عبدال خان فقد قضي علي إمارته، و استولي الترك علي خزائنه و نفائسه ذكر ذلك أوليا چلبي.

6- إمارة ابن عليان

مر بنا الكلام علي حوادثها. فلا مجال للبسط و التفصيل. فإن المعلومات عنها قليلة جدا.

7- إمارة آل أفراسياب

هذه الإمارة سبق الكلام عليها. و لم ينقطع خبرها. و لا تزال مستمرة إلي ما بعد هذا العهد. فلا نعجل بذكرها.

و الحاصل أن الإمارات في العراق عديدة، و شأنها متفاوت، و قوتها و منعتها غير مستقرة و من أهمها ما كان في الحدود. و كانت إمارة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 311

البصرة بيد (راشد بن مغامس) فقضت عليها الدولة العثمانية. و مثلها إمارات عشائرية كثيرة فدامت أمدا أطول مثل العمادية، و اليزيدية. و منها انقرضت إمارتها … و منها ما لا يزال في بدء التكوين، أو كانت المعرفة بتسلسل أمرائها ناقصة … فلا مجال للتفصيل.

الدولة العثمانية (في هذا العهد)

اشارة

استقلت الدولة العثمانية سنة 699 ه و كانت قبيلة ساعدتها الأوضاع لتظهر بمظهر دولة. و كانت تسمي (قبيلة قايي خان)، و أول سلطان عرف لها في إعلان دولته السلطان عثمان. و توالوا حتي أيام السلطان محمد (فاتح استانبول) سنة 857 ه- 1453 م، و علا شأن هذه الدولة أكثر بمن تلا من سلاطين منهم السلطان سليم الياوز. و هذا الأخير عرف باتصاله بإيران و بالشام و مصر، فدمر جيش الصفوية و علي رأسهم الشاه إسماعيل سنة 920 ه و يقال إن الشاه بقي متألما لهذا الحادث حتي توفي سنة 930 ه. و كان فقد مكانة عظيمة، و اعتراه اليأس، فلم يستعد قدرته كما ذل أتباعه القزلباش في الأناضول و البلاد الأخري.

و اكتسح السلطان الشام و مصر و قضي علي دولة المماليك سنة 923 ه و رسخت قدمه في هذه الأقطار. و في أيام ابنه السلطان سليمان كانت الصولة علي إيران قوية شديدة ففر الشاه طهماسب منه، و صار يتهرب من مكان إلي مكان، فمضي السلطان إلي بغداد فافتتحها سنة

941 ه- 1534 م، و دامت في حكم العثمانيين إلي سنة 1032 ه، فاستولي عليها الشاه عباس الكبير، فانتزعها منه السلطان مراد الرابع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 312

فانقضي هذا العهد باستعادة بغداد من الشاه صفي. و كانت هذه الحرب و سابقاتها دمرت الدولتين، فطمع الأجانب بهما، و زادت آمالهم في اكتساح الشرق …

قائمة السلاطين العثمانيين (لما قبل الفتح)

1- السلطان عثمان. جلس في 4 جمادي الأولي سنة 699 ه- 1300 م. و توفي 21 شهر رمضان سنة 726 ه- 1326 م.

2- أورخان. جلس في يوم وفاة والده، و توفي في رجب سنة 761 ه- 1360 م.

3- السلطان مراد خداوند كار. جلس يوم وفاة والده. و توفي في 15 شعبان أو أوائل رمضان سنة 791 ه- 1389 م.

4- السلطان يلدرم بايزيد. جلس يوم وفاة والده. و توفي في 15 شعبان سنة 805 ه- 1403 م.

(فاصلة السلطنة).

5- السلطان محمد الچلبي. جلس في المحرم سنة 816 ه- 1413 م و توفي في ربيع الأول سنة 824 ه- 1421 م.

6- السلطان مراد الثاني. جلس يوم وفاة والده و توفي في 5 المحرم سنة 855 ه- 1451 م.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 313

7- السلطان محمد الثاني الفاتح. جلس في 16 المحرم منه و توفي 4 ربيع الأول سنة 886 ه- 1481 م.

8- السلطان بايزيد الثاني. جلس يوم 10 منه. و توفي في 10 ربيع الأول أو الآخر سنة 918 ه- 1512 م.

10- السلطان سليم الياوز. جلس يوم وفاة والده و توفي في 9 شوال سنة 926 ه 1520 م.

قائمة السلاطين (من فتح بغداد)

1- السلطان سليمان القانوني. جلس يوم وفاة والده. و توفي 22 صفر سنة 974 ه- 1566 م.

2- السلطان سليم الثاني. جلس يوم وفاة والده. و توفي 27 شعبان سنة 983 ه- 1575 م.

3- السلطان مراد الثالث. جلس يوم وفاة والده. و توفي 8 جمادي الأولي سنة 1003 ه- 1595 م.

4- السلطان محمد الثالث فاتح اكري. جلس يوم وفاة والده.

و توفي 12 رجب سنة 1012 ه- 1603 م.

5- السلطان أحمد الأول. جلس يوم وفاة والده. و توفي 22

ذي القعدة سنة 1026 ه- 1617 م.

6- السلطان مصطفي الأول. جلس يوم وفاة أخيه، و خلع في غرة ربيع الأول سنة 1028 ه- 1619 م.

7- السلطان عثمان الثاني ابن السلطان أحمد. جلس يوم خلع عمه و في 8 رجب سنة 1031 ه- 1622 م خلع. و في 9 منه توفي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 314

8- السلطان مصطفي الأول ثانية. جلس يوم وفاة ابن أخيه و خلع في 15 ذي القعدة سنة 1032 ه- 1623 م. و توفي في سنة 1048 ه- 1638 م.

9- السلطان مراد الرابع فاتح بغداد ابن السلطان أحمد. جلس يوم خلع سابقه. و توفي 16 شوال سنة 1049 ه- 1640 م.

هؤلاء سلاطين العثمانيين من فتح بغداد إلي آخر أيام السلطان مراد الرابع.

التشكيلات الإدارية

اشارة

سارت الإدارة من حين دخول العثمانيين بغداد سيرة مطردة إلا بعض ما دعا إلي تعديل، أو ما حدث من ثورة أو استقلال.

و هذه الإدارة مصغرة من إدارة أصل الدولة، و كل تبدل في الأصل يؤدي إلي تحول في الولاية. و أما التقسيمات الإدارية فإنها تابعة للحالة التي كانت عليها، و ما طرأ من أمور دعت إلي تغير في التقسيمات …

و تتكون هذه الإدارة من أركان عديدة أهمها:

1- الولاية

يقوم (باشا) بإدارتها. و يغلب عليه لقب (وزير). و لكل وال (كتخدا) أو (كهية) و هو بمنزلة (معاون) له. و في الأكثر يتولي الإدارة باسم الوالي.

تكلمنا علي الولاة فلا نعيد القول. و ينيب الوالي من يقوم مقامه عند الذهاب إلي الحروب، فيسمي (قائممقام الوالي) كما أن الذي يتقدم الوالي لاستلام المنصب يسمي (متسلما)، و كذا يطلق هذا علي المتصرف …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 315

فنكتفي هنا بالإشارة و الولاية لها السلطة علي جميع الفروع، و تتكون تشكيلاتها من الكهية أو الكتخدا، و هو معاون الوالي وردؤه.

كان يأتي معه و يعزل بعزله فإذا سخط الأهلون من عمل من أعماله و رأي الوالي خطرا عدل و خفف من الشدة، فلم يقطع أملا و لا يجعل الأمر حتما … و من رئيس الكتاب، و أقلام المالية، و أقلام التحرير، و قد جمع الديوان الخطاطين البارعين، و المنشئين الماهرين، و أرباب المواهب المختارة.

و كتاب الديوان لهم التفوق في التحرير، و المعرفة المالية، و في أنواع الخطوط مما يبهر في اتقان الصنعة، و هم مزودون بكفاءة علمية و أدبية فائقة. و هناك (كاتب الفارسية)، و (كاتب العربية). و كلها تابعة لرياسة الديوان. و يقال له (ديوان أفنديسي).

هذا و أسماء ولاة بغداد

مرت و أما ولاة الموصل و البصرة و سائر الإيالات الأخري فإننا لا نعرف إلا بعضهم في غالب الأحوال.

2- مالية العراق
اشارة

إننا بكل صعوبة تمكنا من تدوين بعض الحوادث، و بيان الأوضاع السياسية و غيرها فمن العسر جدا أن ندون عن مالية العراق في عهد انقطعت عنا فيه الوسائل، و فقدت الوثائق لا سيما في موضوع الأمور المالية و جل ما تيسر معرفته أن ندرك بعض الحالات المالية، و الموظفين الماليين. و نعلم شيئا عن النقود و الضرائب فتحصل لنا المعرفة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 316

الإجمالية، أو الوقوف نوعا علي ما هنالك لا بوجه الاستقصاء، و جل الوثائق لا تفي بالغرض، و لا تؤدي الحاجة.

التمسنا المعرفة من طريق الضرائب المفروضة، و من بعض الفرامين، و من قوانين آل عثمان مما يتعلق بأصل الدولة، و من ترتيب الدولة في الأمور المالية، و من ذلك الدفتريون، و نوع الضرائب و النقود، و من العلاقات الدولية و العهود و الروابط الاقتصادية.

و من أكبر ما هنالك وضع العراق المالي في ثروته الطبيعية، و في علاقته بإيران و جزيرة العرب، و ما يرتبط به القوم من علاقات بحرية و اتصالات بالهند، و البلدان القريبة و النائية. فمثل هذه لا تنكر حالاتها، و لا تهمل قيمة الأوضاع الحاصلة بسبب دولة البرتغال، و ما ولدت من خلل مالي، و انقطاع الروابط بالهند من جراء الإخلال بما كان مألوفا.

و تصعب جدا المعرفة التاريخية المطردة، و إنما الوقائع في جميع العصور تنبه إلي الحاجة، و تميط اللثام عن وجه الغرض، و تعين الوضع بأجلي مظاهره، بل إن الحروب العظمي الأخيرة قد كشفت عن ماهية العلائق، و أوضحت ما للعراق من مكانة مالية، و ما

عليه من أوضاع متصلة، فندرك حصار المغول الاقتصادي إبان الحروب المتطاولة، و أيام الانقياد لهم و فتح الطريق، و ما تولد من ذلك، كما شوهد مع البرتغال، و كذا العلاقات الاقتصادية بالمجاورين و بالهند، و مثلها بالشام و بالحجاز، و بإيران و الترك و ما وراء ذلك.

لا شك أن الحالة الطبيعية، و الوضع الجغرافي في العراق جعل الصلات المالية مقرونة بأقطار عديدة لا تدع ريبا في مكانتها و أهميتها الاقتصادية، و حالتها التي كانت عليها، و ما فيها من أقوام متنوعي الرغبات، موصولي التاريخ لا انفكاك للواحد عن الآخر.

و كل هذا يؤدي إلي بعض الانكشاف، و يوضح بعض الإيضاح،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 317

فنعرف المعرفة العامة، و لولا التاريخ في وقائعه الكبري لما استطعنا هذه المعرفة.

و من المهم أن نعرف الخصائص الخاصة، و الحوادث لهذا العهد، لنتمكن أكثر، و ننال حظنا من الوقوف علي ما ليتنا أكثر باستنطاق تلك الوسائل، فنعرف المناصب المالية، و الضرائب، و النقود … و بذلك ما يفسر أكثر، و يؤدي إلي هذه المعرفة.

و من الصواب أن لا نقف عند معرفة مالية العراق و علاقتها بالسلم و الحرب و إنما يهمنا أكثر أن نعرف (مالية الدولة العراقية)، و علاقتها بأصل الحكومة العثمانية، و طريق إدارتها، و تشكيلاتها المالية … فإن هذا يهمنا كثيرا، و جل ما نقوله في هذا الباب النشاط لأول الأمر، و أثر الفتح ثم اختلال الحالة في أصل الدولة، و اضطراب المالية عندنا تبعا لها و ما إلي ذلك من أوضاع و ظواهر قطعية.

و من ثم نجد الضرورة ماسة إلي معرفة مالية أصل الدولة العثمانية، و مالية العراق من جراء تلك الصلة إلا أننا يؤسفنا أن

ما تمكنا من تدوينه قليل، يكاد يعد تافها بالنظر للقطر العراقي العظيم في تطوراته، و ربما كان ظهور الثورات و المنازعات أو المشادات بين بغداد و الدولة العثمانية يعد من أجل ظواهر تلك الدولة و علاقاتها بأصل الدولة. و هذا لا شك فيه و لا ريب.

و ما كتب في أصل مالية الدولة من مثل (آصفنامه)، و (قانوننامه آل عثمان)، و ما جاء في التواريخ العثمانية من حوادث كثيرة، و ما ذيلت مؤخرا به تلك القوانين مثل (قانوننامه عثماني) لمؤذن زاده المعروف ب (عيني علي)، و (قوانين أبي السعود) و (قوانين آل عثمان در مضامين دفتر ديوان)، و رسالة قوچي بك، و دستور العمل لإصلاح الخلل، و نصائح الوزراء و الأمراء … كل هذه و أمثالها مما يعين الحالة، و الشكوي في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 318

آخر العهد تدل علي ما عليه الحالة من خلل في المالية … و أن هذا الأمر سري مفعوله إلي العراق فلم ينج منه … و عمت البلوي بما كان ينسب إلي الموظفين من الارتشاء، فكانت البلية أكبر …

1- الدفتريون:

من أجل المناصب المالية في العراق منصب الدفترية، أكبر منصب في المالية، فإذا كان عندنا اليوم وزير المالية، و مدير المالية العام، فإن الدولة كان لها هذا المنصب و يعد بمنزلة وزارة المالية، و عندنا الدفتريون بمكانة أقل نوعا من دفتري الدولة في عاصمتها، و لكنه لا يختلف عنه في مهمة الإيالة مثل بغداد، و إن التشكيلات المالية هنا مصغرة من تلك بلا كبير فرق …

و إن الدفتريين كانوا مجهزين بأكمل المعرفة، و الاطلاع القانوني، و الثقافة البالغة حدها، و الاطلاع المكين علي المعتاد المالي للدولة، و ربما فاق منهم

كثيرون في مختلف الآداب و ولدوا نهضة في مملكتهم، و غالب هؤلاء من متخرجي ديوان المالية، و كلهم عارف بما هنالك من تعاملات محلية لكل قطر و دراسة عملية … فجاءت هذه الأعمال نابعة لنهج مالي، و لفرامين قطعية، و حقوق شرعية في الضرائب، و قوانين آل عثمان، فلا يتجاوزونها مراعين المعاهدات الدولية في العلاقات الخارجية.

و كل هذه تعين مهمتهم، و تبين وضعهم، و تجعلهم في غني عن معرفة أخري، و لا ريب أن ذكر جملة من هؤلاء مما يؤدي إلي الاطلاع علي سيرتهم، و أنهم كانوا مالكين زمام الأمور، و أن النقص في بعضهم غير مؤثر في أصل المنصب و قيام أصحابه بما توحيه الكفاءة، و يلهمه العمل …

و هذا المنصب من أصل تشكيلات الدولة العثمانية و إلا فإن التشكيلات المالية عندنا تابعة رأسا للوزير، و إن رجال الديوان- القسم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 319

المالي- يقومون بها، و يؤدون واجبها، و يعينون الأعمال، و ينظمون الإدارة المالية. و الأصل في هذه المعرفة كفاءة الوزير، و في الغالب يكون من رجال الديوان، أو أنه يعول علي من يقوم بالمهمة ممن اكتسب من التعامل، و من المعرفة و الثقافة المالية، و الاطلاع علي الأحكام الشرعية و قد جهز بكفاءة و قدرة لا مزيد عليهما بل إن هذه المعرفة تكشف للمرء الطريق و تبصره بما لم يكن يعلم. و لا شك أن إلهام العمل مقرونا بالعلم يفتح ما يزيد في اتقان العمل بل يؤدي إلي علم جديد …

و هؤلاء أشهر الدفتريين: 1- عالي أفندي الدفتري. و سماه روحي البغدادي (عالي بك).

2- سليمان أفندي الدفتري و كان شاعرا و أديبا.

3- محمد بك من غلمان السلطان سليمان.

عين دفتري تيمار و لقب (فيضي). و عرف بالنظم و النثر.

4- أحمد أفندي بن محيطي أفندي. عين دفتريا لبغداد سنة 996 ه، و شعره معروف بغزله، و مقطوعاته جميلة و رقيقة و كان ممن توطن بغداد.

5- حسن بك الدفتري. و لروحي البغدادي قصيدة في رثائه.

و مرت الإشارة إلي ذكرهم في الحوادث أو المباحث المذكورة في صلب هذا الكتاب. و هؤلاء لم نتمكن من تواريخهم جميعهم بالضبط، و لا أدركنا أوضاعهم، و قل من عرفنا التفصيل عن حياته مثل ما عرفنا عن عالي أفندي إلا أننا علمنا من نتف حياتهم بعض ما يظهر لنا القدرة و الكفاءة و المعرفة الكاملة في العلوم و الآداب، فإذا كان الديوان قد دربهم إلي المعاملات، و ما كان يجري في الدولة، فإنهم هذبوا أنفسهم بشتي المعارف، و جهزوا القدرة العملية بالمعرفة العلمية و الأدبية،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 320

فنفعوا، و وضعوا أسسا مالية قويمة فسارت الدولة علي نهج مطرد، و ضبطوا تعامل كل قطر، و ما درج عليه من خطة … و كان نصيب العراق منهم وافرا …

و يهمنا أن نشير إلي أن العراق، و أخص ايالة بغداد قد اكتسبت مكانة في التشكيلات المالية كما في التشكيلات الإدارية، فكان يوجه منصب الدفترية في بغداد إلي أكابر رجال الدولة المعروفين في مهمتهم، فيقومون بالغرض أجل قيام، و كانت أوضاعهم محدودة نوعا، فلا يستطيعون التصرف بالمالية كيف شاؤوا أو اختاروا، فقد مشت مالية العراق علي اطراد أشبه بالمألوف من القوانين.

2- الفرامين:

و هذه تعين سيرة الدولة في الأمور المالية، أو المعاهدات المرعية في الضرائب الكمركية، أو التعامل المحلي، و هكذا، و في العراق جرت بعض هذه الفرامين، و سارت علي خطة

مقبولة، و نهج صحيح. و مثل هذه المنقولات في الضرائب، و سائر المعاملات.

و من أقدم ما وصل إلينا من الفرامين ما يبين الحالة المالية في بعض صفحاتها، و جاءت هذه مؤيدة خصوصيتها في العراق، و تدعو للالتفات من جراء أنها تتعلق بماليته …

1) الفرمان المؤرخ في سنة 959 ه- 1551 م. كان قد أصدر إلي والي البصرة قبل حرب البرتغال أيام سيدي علي. و كان العراق آنئذ متصلا بالهند في تجارة معتادة جارية علي سنن مطرد، فأراد البرتغال أن يحولوا الوضع إليهم، و أن تكون التجارة الخارجية علي يدهم …

2) الفرمان المؤرخ في سنة 982 ه- 1574 م. و هذا لا يختلف عن سابقه، فيكادان يتفقان في مضمونهما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 321

و هذه الفرامين لم تفرق بين الضرائب الخارجية و الداخلية، و عينت مقدار الضريبة و ما يجب أن يستوفي. و كل ما في ذلك بيان و تفصيل لما يؤخذ علي الأموال التجارية داخلا و خارجا … و فيه ما يعين الفروق أيام العباسيين و أيام الدولة العثمانية. و أشارت الفرامين إلي أن المأخوذ قديما كان واحدا من اثني عشر فصار يؤخذ 05/ 0 و في بعضها مثل الجوخ كان يؤخذ عنه 020/ 0 فصار يستوفي واحد من خمسة عشر و الأمتعة الأخري يؤخذ عنها 05/ 0 كما أنه يؤخذ من عينياتها 01/ 0 باسم (غلمانية). و الرسوم و الضرائب لم تكن قاسية، قربتها الدولة من الأحكام الشرعية، و تسهيل أمر الأموال و دخولها المملكة برسوم كمركية قليلة تشويقا لأصحابها ليأتوا بالبضائع …

و علي كل حال إذا كانت رسوم الدولة معروفة في الوثائق المارة، فلا شك أن هذه الفرامين قد عينت بوضوح

ما كان يؤخذ من ضرائب عن الأموال التجارية كما أن المعاهدات من تاريخ فتح بغداد سنة 941 ه- 1535 م إلي سنة 1033 ه- 1624 م قد أوضحت ما جرت عليه الدولة في علاقاتها التجارية.

و الضرائب الأخري لم يختلف المعتاد فيها عن النهج الشرعي، و أن التبدل قد يحدث و لكنه لا يمضي زمن حتي يعود إلي حالته الشرعية في موارد الحكومة في العراق … و جل ما نعلمه أن مقرر الضرائب بوجه عام لا يختلف عما في أصل الدولة، أو التعامل الجاري، أو المعاهدات الدولية المعقودة مما لا مجال لبسط القول فيها هنا.

3- الضرائب:

و هذه يصعب تحديدها من كل وجه، و أن (الضرائب التجارية) قد مرت الإشارة إليها في نصوص الفرامين، و أما الضرائب الأخري فهي علي المعتاد في ضرائب المغروسات، و ضرائب الزروع، و ضرائب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 322

الحيوانات و تسمي (الكودة) و ضرائب الرؤوس (الجزية) … و أن (كتب الفقه) بوجه عام، و الوثائق و القوانين العثمانية تعين طريقة الأخذ و هكذا نهج الموظفين القائمين بأمرها … فهي شرعية أكثر منها حكومية خاصة دون أن يتطرق إليها الخلل … أوضحنا ذلك في (الضرائب و تاريخها) في رسالة خاصة.

4- ممتلكات الدولة:

و هذه تظهر أكثر في الأراضي الأميرية، و في الأموال الأخري من غنائم و غيرها … و في هذه قوانين و حالات مقررة قبل أن ينشر قانون الأراضي.

5- النقود:

و هذه تعتبر كميزان لمعرفة مالية الدولة، و كانت النقود في العراق قد تأثرت بمختلف الدول التي تناوبته، و أثر المالية ظاهر في النقود بصورة قطعية، و لكن بوجه تقريبي لا يحتمل أن يختلف عن الأمر الصحيح المتعين.

و الدولة تأثرت بالفتح و منها تتبين علاقاتنا الاقتصادية، و تتوضح أوضاعنا من وجوهها الأخري كما أن العراق تأثر بنقود المجاورين، و الدول المتصلة بنا من طريق البحر، فالصلات بادية …

و من ثم يتجلي لنا في النقود ثلاث ظواهر نقودنا، و نقود الدولة العثمانية، و النقود الأجنبية فكل هذه تعين الصلات، و بالتعبير الأولي تدل علي العلاقات الاقتصادية و المالية بالعراق و تؤكد ماليته و لو بطريق التقريب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 323

و النقود العراقية في هذا العهد (الدينار البغدادي) عثر علي المضروب منه سنة 950 ه، و 958 ه و سنة 960 ه في بغداد و الموصل أيام السلطان سليمان. و هكذا في أيام السلطان سليم الثاني.

و مثله أيام السلطان مراد الثالث سنة 982 ه ببغداد، و بالموصل و في عهد السلطان محمد الثالث سنة 1003 ه، و السلطان مراد الرابع سنة 1035 ه و سنة 1043 ه في الحلة و بغداد. و (الدرهم البغدادي) في مختلف أيام السلاطين لهذا العهد، و (الفلوس البغدادية) و هذه لم نعثر علي نماذج منها واضحة.

و نقود الدولة العثمانية (الشاهية السليمانية) من ذهب، و الآقچة العثمانية، أو العثماني أو الدرهم العثماني، و الفلوس العثمانية.

و (الهشتي) و هو ثمن الآقچة. شاع البغدادي

للدرهم، و العثماني للآقچة العثمانية أو الدرهم العثماني.

و أما النقود الأجنبية فالإيرانية منها (الدينار العباسي). و (العباسية) الإيرانية من فضة. و العباسية من الفلوس النحاسية … و (الفلوري) أصله أجنبي.

و لا أطيل القول فإن الدولة في النقود تستوفي ضريبة غير مباشرة، و فيها تدمج السياسة، و يظهر شعار الدولة و قد بسطت البحث في (كتاب النقود العراقية لما بعد العهد العباسي) إلا أني أقول هنا لم يبق تعامل في النقود القديمة و قد شاعت نقود العراق من ضربه، و نقود الدولة، و كذا النقود التي دعت إليها الحالة الاقتصادية للتعامل.

و هنا لا أمضي دون بيان عن النقود المضروبة سنة 926 ه أيام السلطان سليمان القانوني، فهذه كانت ضربت أيام ذي الفقار. استعان بالدولة العثمانية بعد أن ثار علي الشاه طهماسب سنة 934 ه، و دامت حكومته في بغداد إلي سنة 936 ه، ثم استردها منه الشاه طهماسب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 324

و ضربها في التاريخ المذكور للدلالة علي جلوس السلطان.

و دار الضرب و تسمي (السكه خانه) في هذا العهد كانت في القلعة كما يفهم من وقفية جامع القلعة. و الظاهر أن محلها لم يتغير لما قبل هذا التاريخ. و في أيام المماليك عرفنا أن دار الضرب صارت بقرب خان مرجان في سوق السكه خانه. ثم اندثرت دار الضرب.

3- القضاء في العراق
1- القضاء بوجه عام:

القضاء في المملكة يعين أن السيرة جارية علي شريعة أو ما نسميه (قانونا). فلم تكن الأمور تابعة للأهواء. و القضاة تابعون للقضاء الإلهي، و لم يختلف في الأزمان و تطورها إلا بقدر ما يعرض للفكر البشري من تطور في التفسير الفقهي و هذا قليل جدا.

و العهد العثماني لم يختلف فيه القضاء عما كان عليه في

الأقطار الإسلامية جمعاء، و أن المؤلفات الفقهية من متون و شروح و حواش، و فتاوي، و صكوك و أحكام متماثلة … تعد المرجع للكل، و أن التشكيلات القضائية من استخدام حاكم منفرد جارية في كل الأقطار لقلة الحكام الذين يحملون فكرة حقوقية ناضجة، و التسجيل و تنظيم الإعلامات و الحجج سار علي طريقة مطردة، و سنن واحد، و أن القدرة تابعة للمعرفة و المواهب في التصرف و التوجيه الشرعي مما أيد مكانة القضاء و لم يضطرب أمره. فتعين الغرض الفقهي، و يصح أن يستخدم القاضي في مختلف الأقطار دون أن يري صعوبة في تطبيق الشرع. و وقع ذلك فعلا.

و عندنا الفقهاء في مخلداتهم قاموا بأمر التوجيه، و أعدوا المادة الفقهية للقضاء، و عملهم تطبيقي و تعيين للأحكام في الوقائع النازلة،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 325

و القضايا الخاصة، و يستعين القضاء أحيانا بالمفتين للتبصر بالرأي، و التمكن من الاستدلال الفقهي.

و العهد العثماني التزم مذهبا بعينه و هو مذهب أبي حنيفة، و كان الشائع في العراق و لا يزال (المذهب الشافعي) و قبله كان الصوت للمذهب الحنبلي، و هذا لا يخلو من اعتلال، و إن كان الفقه سار سيرة قانونية، و أدي واجبا ثابتا لا يتزعزع، و لا يعتريه أي خلل في نهجه و في معلومية أحكامه. فالقضاء ارتكز علي هذا الأصل الفقهي، و أن (المشيخة الإسلامية)، و (دار الفتوي) قد سيطرتا علي الحالة، فلم تدعا مجالا للتشويش فمضي الفقه و القضاء علي حالة تطبيقية في مراعاة نهج قطعي لا يتغير.

و الدولة العثمانية رأت المدارس الكثيرة في بغداد، و في الشام، و في مصر فانبهرت بمقاييسها لتمكين الفقه، و تقوية القضاء. فبذلت في هذا السبيل

ما أمكن من قدرة، و حاولت التفوق بالسلاح العلمي و سارت سيرة موفقة، فأسست المدارس، و شيدت صروح العلم، فلم تمض مدة حتي تمكنت من ناصية العلوم، و ظهرت بمظهر العظمة. و هكذا لم يعوز الدولة. و كانت الكل في الكل في إدارة الثقافة فسهلت طريق (خزائن الكتب)، فبدأ السلاطين بالوقف، و بجعلها عامة، و مالت الرغبة إليها، فلم تمض مدة حتي اقتنت آثارا لا تحصي، و لم تكتف بالمدارس و حدها فتكاملت العلوم جمعاء، فنهجت في الفقه نهجا صالحا مقبولا، و أن التجارب جعلتها تستقر علي مؤلفات معتبرة في الفتاوي لتأمين السيطرة القضائية، و أن لا يركن القضاء إلي الميول النفسية، فقبلت الفتاوي المعتبرة لأكابر الفقهاء، و لم تترك الأمر إلي القاضي بلا قيد و لا شرط، فيرجح القول الضعيف باقترانه بحكم الحاكم.

و يخطي ء من يظن أن القضاء لم ينل عناية أو رعاية من العثمانيين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 326

لما رأينا مؤخرا من انحلال. هذا الانحلال لم يقتصر علي ضرب من ضروب الإدارة، بل لم يسلم منه القضاء. و من أهم العوامل الحروب الخارجية و الفتن الداخلية. فالداء كان عاما شاملا في اضطراب جسم الدولة. و في أول الأمر أي في بدء الفتح العثماني للعراق لم تكن الحالة كذلك، فقد سيطرت مؤخرا المشيخة الإسلامية، و دار الفتوي علي المرافق العلمية و الفقهية و من أجل أركانها المدارس و القضاء …

2- القضاء في بغداد:

هذه مكانة القضاء في المملكة العثمانية. كانت احتفظت به الدولة و صارت تنصب القضاة في بغداد و لو كان فيها من الفقهاء الأكابر من يصلح إلا أن سياستها كانت تدعو إلي ذلك. و لعل في هذا و في الدفتريين ما يعين لها

الحالة لأخذ المعلومات، و الانتباه إلي الحوادث بعناية زائدة، كما احتفظ العراق بالإفتاء في أكثر الأحيان، و كانت تختار لقضاء بغداد قضاة متميزين في العلوم معروفين في الفقه و العلوم الإسلامية، فيعدون من الصنف الأرقي، و علاقة القضاء بالسياسة كبيرة جدا، فلا تريد أن تجلب الدولة النقمة عليها من علماء بغداد بحرمانهم من جميع المرافق العلمية، و رجال الإفتاء عندهم كثيرون و صلاح الدولة مرتبط بجميع نواحيه فلم تتهاون في أمر من أمورها.

و هؤلاء القضاة كانت سلطتهم واسعة في الأمور العلمية. و في أول الأمر بهرتهم المدارس و توجيهها، و الأوقاف و حسن إدارتها و استقرارها، و الأوضاع العلمية و حالاتها … فاقتبسوا ما كان، و أصلحوا ما عندهم، و رعوا الأوقاف و المدارس حق رعايتها، و نهجوا بالعلوم و الآداب النهج المشهود، فنقلوا غالب ما وجدوا ضرورة لنقله، و اقتبسوا و خدموا العلوم و الآداب، و صاروا يبذلون الغالي و الرخيص في سبيل الحصول علي ما يرفع المستوي العلمي و الفقهي عندهم، و تجمعت الثقافة في عاصمة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 327

الدولة، و لم تمض مدة حتي بلغت مكانة مقبولة، فظهر من القضاة جماعة توالي ورودهم بغداد، و تكاثر عددهم بتوالي الحكم و امتداده.

و يهمنا من كان في العاصمة و يعدون من أصحاب الدرجة الأولي في المقدرة و يختارونهم ممن عرف بالعلم الوافر من أهل الكمال. و كانت إدارة المدارس بأيديهم أيضا.

و من المؤسف أننا لم نتمكن من معرفة قائمة كاملة في القضاة و لا الوقوف علي كثيرين منهم وقوفا علميا … و لكن معرفة المدارس في أصل الدولة و الاهتمام بمتخرجيها و ظهور جماعة منهم مما يجعلنا نقطع في المعرفة. و

نعين الضعف و مبدأه فينا.

و ممن عرف بالقضاء في بغداد:

1- كان أول قاض ببغداد (المولي مصلح الدين مصطفي النيكساري) مدرس مغنيسا. و أعيد لقضائها سنة 947 ه و عزل سنة 954 ه و توفي سنة 969 ه.

2- منلا كمال چلبي. و كان عالما فاضلا حميد الخصال توفي ببغداد.

3- أمين زاده كوسه سي منلا يحيي. ولي قضاء بغداد. ثم ولي تدريس دار الحديث باستانبول و صار مدرس السلطان. و كان فاضلا كاملا.

كان هؤلاء القضاة في أيام السلطان سليمان القانوني. و هكذا توالوا …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 328

4- السيد محمد قاضي بغداد. ذكره فضولي البغدادي الشاعر في ديوانه.

5- توقيعي زاده لطف اللّه بن أبي الفتوح القاضي ببغداد. و في أيامه أصدر وقفية السيد الشيخ شمس الدين الكيلاني سنة 955 ه.

6- الشيخ عبد اللّه بن محمد أمين توقيعي زاده القاضي ببغداد.

و في أيامه سجلت في 15 رجب سنة 978 ه وقفية السيد الشيخ زين الدين ابن السيد الشيخ شرف الدين القادري المتولي علي أوقاف الحضرة القادرية.

7- يوسف القاضي. ولي قضاء بغداد. كان في أيام السلطان سليمان القانوني و توفي في عهده.

8- القاضي دولگرزاده محمد. ولي قضاء بغداد في ربيع الآخر سنة 969 ه و في المحرم من سنة 974 ه أحيل للتقاعد. و توفي سنة 977 ه. و هو عالم و شاعر بالتركية و العربية. و خطاط أيضا.

9- ميرزا مخدوم. ولي قضاء بغداد و إفتاءها، و التدريس في مدرسة مرجان و ألف كتاب النواقض في بغداد أيام قضائه سنة 987 ه.

و هو في رد الشيعة. و ظهرت ردود عليه جاء ذكرها في خزانة المشهد الرضوي برقم 891 و 1003 و جاء بعضها في كتاب الفوائد

الرضوية عند الكلام علي عبد العالي الكركي. و أصل اسم هذا القاضي معين الدين أشرف الحسني الحسيني. و يرجع نسبه إلي السيد الشريف الجرجاني.

و توفي سنة 995، أو 988 و هو شيرازي حنفي.

10- محمد بن علي المعروف ب (ابن السپاهي) أو (سپاهي زاده).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 329

أصله من بروسة، صار في موطنه مدرسا، و في سنة 992 ه ولي قضاء بغداد، و توفي سنة 997 ه في أزمير. و يعد من القضاة المعروفين، متقنا للغات العربية و التركية و الفارسية، و له قدرة علي النظم.

و من أهم مؤلفاته:

1) أوضح المسالك إلي معرفة البلدان و الممالك. أتمه في رجب سنة 980 ه.

2) نموذج الفنون.

3) حاشية علي شرح التجريد.

4) حاشية علي شرح حكمة العين.

5) تقويم البلدان.

11- فضيل چلبي. و يعرف ب (جمالي زاده) ابن علي الزنبيلي.

ولي قضاء بغداد و بلدان أخري. توفي سنة 991 ه و له مؤلفات عديدة.

12- القاضي رضوان. ولي القضاء و عين الملا غانما البغدادي مدرسا في المستنصرية.

13- يحيي نوعي. من ذرية پير علي نصوح. ولد سنة 940 ه.

و ولي قضاء بغداد. توفي سنة 1003 ه و له مؤلفات عديدة.

14- نعمان القاضي ببغداد. و هذا ذكره روحي البغدادي. وعده من رجال الأدب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 330

15- سعدي زاده محمد. ولي قضاء بغداد. و هو ابن قلعه حكلي سعدي أفندي. و توفي سنة 1018 ه في المدينة و كان قاضيها.

16- نوري القاضي ببغداد. و كان أيام بكر صوباشي قاضيا و إن نائبه (نائب المحكمة السيد محمد). و في خلاصة الأثر نقل بحثه عن الشيخ عثمان الخياط البغدادي.

17- قاضي بغداد مذكره جي زاده مصطفي. جاء ذكره إثر فتح بغداد من

السلطان مراد الرابع في وقفية جامع القلعة المؤرخة في 11 رمضان سنة 1048 ه. و رأيت ختمه الموقع في هذه الوقفية مؤرخا سنة 1013 ه. و ما جاء في فذلكة كاتب چلبي من أنه موسي غير صواب لما هو مذكور في الوقفية. و في تاريخ نعيما.

18- (محمد قدسي رمضان زاده) محمد بن أحمد بن محمد بن رمضان آل نشانجي. ولي قضاء بغداد للمرة الأولي في جمادي الأولي سنة 1004 ه، و للمرة الثانية في 21 جمادي الثانية سنة 1020 ه. و هو صاحب تاريخ (مرآة الكائنات). توفي سنة 1031 ه.

و من أهم ما رجعنا إليه وقفيات تعين أسماء القضاة منها وقفية السيد شمس الدين الكيلاني و وقفية السيد زين الدين الكيلاني. و هما من أقدم الوقفيات. و وقفيات أخري. و تواريخ، و ربما نحصل علي ما يعين لنا عددا آخر من القضاة. و كل من هؤلاء له المكانة، و كانت الدولة اختارت أكابر الرجال لمثل قضاء بغداد و مصر و الشام موطن الفقه، و محل المباحث العلمية … فلا تريد الدولة أن تضيع سمعتها، و لا أن تشتري التنديد الذي يوجه إليها من استخدام من هو غير صالح بل نري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 331

أنها اختارت في غالب الأحيان ولاة كانوا صدورا، و لم تهمل أمر القضاء، و جاءت التصريحات بذلك في مواطن عديدة.

و من ثم نقطع أن من أركان التشكيلات الإدارية (القضاء). اكتسب مكانة في أصل الدولة، و عني به عناية كبيرة. و لا يهمنا أن نتعرض لما يتفرع في مواطن أخري من العراق، فإن ذلك بلا ريب كان أقل اهتماما و تدوينا، و إن كان وسيلة لظهور الرجال الأكابر، فكان تجربة

علمية و قضائية معا … و المقصود ذكر (قضاة بغداد) و من عرف أمره منهم، و اشتهر و نشاهد الفواصل طويلة، و لم يتيسر الوقوف علي الكثيرين.

و من مؤلفات العراق في هذا العهد كتاب (ملجأ القضاة في ترجيح البينات) لغانم البغدادي من علماء بغداد وجه به القضاء و لا شك أنه قام بحاجة ماسة. و توالي التأليف في الموضوع. و مثله (كتاب الضمانات) و يعد من أجل الآثار في موضوعه الفقهي و خدمته للقضاء، فلم يقطع العراق أمله، و لا أهمل العلوم النافعة للقضاء و إكمال مهمته.

و التاريخ مبناه النقل، و قد أعوزتنا مطالب عديدة تستدعي توضيح أمر القضاء أكثر. و ليس لدينا ما نستعين به فلم نستطع أن نوضح أكثر مما علمنا. و أما القضاء في البلدان الأخري فإنه بلا شك يستمد قوته من عاصمة العراق. تابع لها فيما سوي الموصل، و البصرة بل إن البصرة تابعة أكثريا لبغداد في قضائها …

4- الجيش

إن الدولة العثمانية عسكرية. لم تتوضح فيها قوة الجيش، و لم تنفصل عن الشرطة إلي أمد قريب منا، و إنما يقوم الجيش بالمهمتين الداخلية لحفظ الأمن، و الخارجية لدفع العوادي. استخدمت قديما جيشا يقال له (الينگچرية) أي الجيش الجديد من سنة 730 ه- 1329 م.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 332

تأسس أيام السلطان أورخان، و اكتسب نظاما، و توزع إلي صنوف.

و بهذا تمكنوا من استخدام جيش غير الجيش التركي تابع لتربيتهم، و أصله من لقطاء أولاد الأجانب، تربوا تربية إسلامية و عودوا علي الحروب، و مالوا إلي هذه التربية لما رأوا من الحاجة لانعدام الكثيرين من رجالهم، فأكلتهم نيران المعارك، و من جهة أخري الحروب المستمرة كانت تتطلب ذلك، و لا

نجد دولة لم تستخدم الأقوام لصالحها و إن كانت ذات قوة و سلطان، و سمي هذا الجيش ب (الينگچرية) و معناه الجيش الجديد (ينگي) جديد و (چري) بمعني جيش أو جند.

و تشكيلات الجيش في العراق لا تختلف عن أصل الدولة من ترتيبات إلا أن الوالي هو المسيطر و أن أمير الجيش التابع له هو (آغا الينگچرية)، و يستخدم الجيش الأهلي أيضا، و هو المعروف بجيش الولاية، و أحيانا يتولي الوالي القيادة بنفسه في القضايا المهمة، و ينيب منابه (قائممقاما) يسمي (قائممقام الوالي)، يتولي أعماله مدة غيابه.

و في القضايا العظيمة و المدلهمات الكبيرة الشأن تعين الدولة الوالي، أو تقوم بنفسها في الحروب، و تدعو الولاة المجاورين. و إن هذه تدل علي التناصر لإخماد ثورة، أو حرب ناشبة، و بعد إنهاء الواجب يعود كل من الولاة المجاورين إلي محله. و في حوادث عديدة ما يشير إلي ذلك.

إن جيش الينگچرية دام إلي ما بعد هذا العهد أي إلي سنة 1241 ه، ثم حل محله (الجيش النظامي) و هذا لحقته تبدلات عديدة و مهمة في تنظيمه، و تحول التمرين الحربي، و تبدلت معداته و أسلحته إلي أن انقطعت العلاقة من العراق سنة 1335 ه- 1917 م.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 333

و الدولة العثمانية معروفة بأنها دولة محاربة، فلها مهارة في التدريب العسكري. و اكتسبت شهرة عالمية و هذا الجيش تمكن من التوغل إلي أواسط أوروبا، فحاصر (فينة) أو (ويانة)، ثم أخفقت في الحروب بعدها و أصابها تحول كبير في الانحلال و التدهور، فقدت المزايا، و أضاعت ممالكها المفتوحة الواحدة بعد الأخري.

حاولت في تجارب عديدة أن تستعيد القوة، أو تحرس المملكة، فلم تفلح، و خذلت مرات عديدة، فكانت

محاولاتها عبثا، و أن الينگچرية كانوا سبب الاحتفاظ بسلطتها، فأدي وضعهم الأخير إلي انحلالها و دمارها، و صارت عبرة المعتبر في نشاطها و في انحلالها، و كلاهما مدار الانتفاع قطعا، فإذا كان جيش المغول لا يخلو من نقص طرأ عليه، و جيش تيمور انحل للسبب نفسه، فالجيش العثماني لا يخلو من بواعث لنشاطه و انحلاله. و مجموع ما هنالك يكون عبرة عظيمة في التنظيم و النقص و السيطرة و التدهور كما أن الجيش العباسي قد طرأ عليه ما طرأ …!

و في هذه التجارب خدمة لإدارة الجيش، و تدارك لما يحتمل أن يطرأ من انحلال بتلافي الأخطار و التجارب و أن لا يقع الخلل و الاضطراب، بل إن جيوش الأمم و تشكيلاتها كلها مدار عبرة العصور، و طريق التوصل إلي الغرض من إصلاح. و في مثل هذه الحالة لا يراعي الترتيب المنطقي و العقلي المجرد، و إنما هناك تجارب عملية خلال عمر طويل مضي علي البشرية لا يستهان بها يصح أن يعول عليها …

و العراق فقدت منه إدارة الجيش و زعامته و قضي عليه من تاريخ التغلب في العهود العباسية، و تسلط المغول و من تلاهم فقد القدرة و السيطرة علي الموقع، و أن يكون سيد بلاده، و قائد جنده، و غاية ما صار جنديا تابعا أي جيشا أهليا تابعا لجيش أصل الدولة ففي سنة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 334

941 ه دخل جيش الترك العثمانيين، فظهر في فتوحه بقدرته. و هذا لم يكن يتصور تسلطه و تغلبه إلا في نظامه و طاعته و حسن إدارته. و متي فقد هذا الجيش السيطرة من قواده، و ركن إلي الجموح و عدم الإذعان من جنده حرم القدرة

من الفتوح، و من حراسة المملكة أو الممالك المفتوحة …

و حياة الأمم قائمة بحياة جيشها، و إدارتها ثابتة بثبوت هذه الحياة، و التمكن من السيطرة علي الجيش حذر أن يجمح و إلا انحل، و انفرط عقده، و تبعثر أمره، و زالت وحدته و حاكميته … و البقاء و دوام الحياة العليلة إنما تكون أحيانا مقرونة بعلة المقابل، و انحلاله فلم تعجل أمور الوفاة، و قد يصح، و تعود له القدرة بسرعة موت المقابل الند له …

و كل هذه مفسرة لحياة الجيش في أطواره، و قد مضت الأمثلة العديدة لأول العهد، و لآخره … و من الأولي في هذه الحالة أن ندرس (نفسية الجيش) في نفسية قواده، و درجة قدرتهم للتمكن من السيطرة علي الموقف، و مراعاة النظام و عدم التهاون به … و الحوادث المارة أمثلة مشهودة.

و الجيش التركي من سلجوقي، و أتابكي، و مغولي، و تركماني … قد عرفت مكانته في القوة و الشجاعة و الفتح. و حب النظام، و الطاعة، مع قوة و تمرن في الأفراد. و من ملك جيشا مثله ملك العالم، بل تمكن في الدرجة الأولي من حفظ استقلاله، و وقف بالأمم عند حدودها، فلا تستطيع أمة معتدية أن تنتهك حرمة مملكته، أو تتجاوز عليه، و قد ظهرت هذه في السيطرة علي أقطار عديدة بما يملك أمراؤها من نفسية، و ما استطاعت بها أن تحمل الجند علي الطاعة التامة، و أن تنسق الجيش تنسيقا في أقصي حدود التنسيق، فأذعنت لها الأمم رهبة أو رغبة.

و الترك العثمانيون لا يختلفون عن سائر الأتراك الذين وصفهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 335

الجاحظ، و ابن حسول و غيرهما لما ملكوا من سجايا، و من

أهمها الشجاعة، و التنظيم الحربي، و الطاعة الكاملة، و لم تنعدم من هؤلاء تلك الأوصاف، بل لا تزال موجودة بارزة للعيان بالرغم من وجود الضعف و الانحلال، فالمزايا الفردية لا تزول و إنما يذهب أمر الوحدة، و النشاط العام. و التنظيم المشترك. فلا تظهر المزايا الشخصية بل تنقلب إلي ما يعجل بالقضاء علي الأمة، و يسهل للأجنبي أن يحكم أو يتحكم. و هذه السنة موجودة في الكل و لعل في تفوق المقابل ما يدعو لانتصاره، و لكن السجايا الفردية لم تمت، فتري الجيش المغلوب يدمر، و يوقع بالعدو كما يوقع المنتصر … و الوحدة و النشاط نلحظها في نفسية القائد، و في مقدار نشاطه، أو درجة عنايته و عنائه في التنظيم. فالعلاقة غير مقطوعة.

و التعويض عن هذه القدرة بقائد محنك أمر لا ينكر. و الأمم راعت الطريق في الكل و جعلت الحالة سائرة باطراد لإزالة ما وقع فيه الأقوام من انحلال في جيوشها.

و في غالب الحروب يتولي السلطان الأمر بنفسه، و الأمور البحرية في الأكثر يودعها إلي (قپو دان پاشا) أو قبطان باشا و كان هذا يستمد قوته من السلطان، و في بعض الأحيان يودع الأمر إلي الصدر الأعظم و يسمي ب (السردار) و توزع القيادة إلي الولاة في الأكثر لتعدد المواطن، فكل وال قائد جيشه …

و الجيش العثماني يتكون من:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 336

1- الحرس الملكي (قپو قولي).

2- الينگچرية.

3- جيش الولايات.

4- القوة البحرية.

و كل من هذه يتفرع إلي طوائف أو صنوف يقال لكل منها (أوجاق) و هو الجيش الذي تودع إليه مهمة خاصة من أعمال الجندية، فالجيش يوزع إلي صنوف (أوجاق)، و يقال لرئيس هذا الصنف (آغا)، أو (آغا الأوجاق). و

هو الضابط أو الرئيس أو الآمر، و هناك آغا المتفرقة، و أغوات الداخل (الأندرون)، و أغوات الخارج (البيرون) …

و في الولايات كل صنف من هذه يسمي باسم كتلك، فالوضع أشبه بالصنف المصغر من هذه، فهي موجودة في الولايات إلا أنها بقلة و رئيسها يقال له (آغا) و لا يخرج هؤلاء عما هو في أصل الدولة.

و يختص جيش بغداد بل و سائر الولايات ب (جيش الولايات) و بين هؤلاء (الحرس الأهلي) أو ما يسمي (يرلي قولي) و هم مشاة و منهم ما يسمي ب (طوپر اقلي) و هؤلاء خيالة. و يتكون من العزب. و هم غير متزوجين، و يشترط أن يكونوا كذلك و (السكبانية) و هؤلاء دون من سبقهم، ثم أهمل أمر هؤلاء فوضع محلهم البندقيون (التفنگچي)، و يقال لأحدهم (سرحشمه) بل يسمون (احشامات). و هكذا صنف منهم يسمي ب (المأجورين) أو (المتطوعة) و هم مدفعية و رئيسهم (آغا المدفعية)، و منهم اللغمچية أصحاب الألغام، و منهم المسلمون و يسمون قديما (الچرخچية) و يكونون في صحبة الجيش لتسوية الطرق و المعابر و تعميرها … و منهم المرابطون في الثغور و يقال لهم (سر حدلي). و من هؤلاء الدليل و يسميه الترك (دلي)، و المتطوعة … و منهم البسلية و رئيسهم يقال له (دلي باشي)، و (الاي بگي) يتولي عدة وحدات من الدلية، و يقال له

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 337

(سرحشمه) أيضا. و هكذا (الخيالة الطوپراقلية) و هؤلاء يتكونون من جانب أهل التيمار و الزعامة، و يسمي بعضهم (قوريجي) أو متطوع (كوكللي).

هذا. و لا محل لذكر أرزاق الجيش و مخصصاته و لا بيان كسوته فهذه كلها متبدلة، و غالبها لا يهمنا الإطناب في وصفها. و

كذا الأسلحة و التفصيل عنها، فإننا نوضح ذلك عرضا و إلا فالموضوع واسع يحتاج إلي بحث خاص ليس هذا محله.

5- الشرطة

كانت لها المكانة في الدولة العباسية و ما قبلها و كانت تعد من أركان الدولة، و أن الخليفة المنصور كان يعظم أمرها، و يوليها اهتمامه كثيرا. و هكذا امتدت إلي أمد. و في الدولة العثمانية لم تفصل الشرطة عن الجيش إلا في أيام التنظيمات الخيرية، و لم تكن لها تشكيلات خاصة، و إنما آغا الينگچرية يقوم بأمرها كما يقوم بإدارة الجيش لمحاربة العشائر، و يكون تحت سلطة الوالي في المحاربات الدولية …

و علي كل حال في هذا العهد لم نجد تفريقا بين الشرطة، و أعمال الجيش، فلا محل لإفراد هذا الصنف ببحث خاص، و إنما أفردناه لنعين مكانته من الدولة و كيف كانت تقوم بمهمة الأمن الداخلي …؟!

6- الحسبة

مصلحة إدارية لتنظيم أعمال المدينة، و مراقبة هذه الأعمال لتجري بوجه الصحة، و أن تلاحظ ما يقع من غش في المعاملات، أو ما يضر بالصحة أو بالنظافة، و سائر ما من شأنه أن يراقب مثل البيوعات و سائر الأمور المدنية …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 338

سارت علي النهج الشرعي، و بالوجه المبين في كتب الحسبة، و لم تفترق عما هنالك، و لكنها في الأيام الأخيرة طرأ عليها ما طرأ من تبديل، و ما عرض من تعديل و تحويل مما سنتناوله في مباحث أخري.

علاقة إيران بالعراق في هذا العهد

اشارة

إن الشرق الأدني كانت تتنازعه الحكومة الصفوية و الدولة العثمانية و ابتدأت بينهما المقارعات بحروب و دعايات شديدة لا سيما في العراق.

ففي سنة 914 ه- 1509 م دخل في حوزة إيران و استمر حكمها فيه إلي سنة 941 ه- 1534 م تخلله بعض الاضطراب كثورة ذي الفقار. لم تثبت قدم الصفويين و خلص للعثمانيين. و طال النزاع علي العراق و تداولته الأيدي إلي سنة 1048 ه- 1639 م أيام السلطان مراد الرابع و لعله العامل الوحيد في ضعف الحكومتين لما بذلتاه من الجهود فصار العراق تابعا للحكومة العثمانية …

و خلال هذه المدة لم تتوضح السياسة الخارجية بوجه صريح و غاية ما يقال عن هذه الحكومات أنها مصروفة إلي التغلب و كل حكومة تحاول الانتصار علي الأخري بل القضاء عليها دون أن تتقيد بعهد أو ميثاق استفادة من ضعف إحداهما أو قوة الأخري فلم تدعا وسيلة تتوسلان بها إلا فعلتاها، و استخدمتا المذهب آلة قوية بدافع جذب معتنقيه فصارت الواحدة تكفر الأخري و تستحل دماءها و أموالها و أعراضها كأنها بعيدة عن الإسلام أو غريبة عن الإنسانية، و الفتاوي تصدر تتري

تهييجا لمنتحلي عقيدة كل ناحية، و الغرض الأصلي التغلب و الظفر علي المخالف المنازع، و السعي للقضاء علي أهل الحزبية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 339

الأخري أو عدها محكومة الزوال، و نري القسوة بالغة أشدها.

و في هذا كله نري العراق في حالته الراهنة عند استيلاء أحد الفريقين لم ينل إدارة ذاتية، أو حكومة شعبية و لو لصنف من صنوفه …

إلا أن الحكومة العثمانية كانت أوسع صدرا لإدارة الشعوب المختلفة لتمرنها في مملكتها الأصلية علي مثل هذه الإدارة كما أنها تحترم مقدسات الأخري دون العكس مما خذل سياسة إيران و أحبطها في غالب الأحيان في وقائع تاريخية مختلفة.

مضي ما جري بين الحكومتين فيما يخص العراق و نجد الحكومة العثمانية فلت من غرب الإيرانيين و عركتهم عركة بعثرتهم. و كان ذلك في وقعة چالديران عندما كانوا في إبان نشاطهم و تمكنهم من الاستيلاء علي إيران و العراق و دخولهما في حوزتهم … ثم أعقبت الحكومة العثمانية ذلك بضربة أخري عام 941 ه- 1534 م علي يد السلطان سليمان القانوني فاستولت علي العراق بالوجه المشروح ثم طرأ ضعف علي الحكومتين معا إلا أن الحكومة الصفوية أيام الشاه عباس الكبير (سنة 995 ه- 1587 م: 1038 ه- 1629 م) تمكنت من استعادة النشاط و القوة. هاجمت بغداد فاكتسحتها. انتزعتها من بكر صوباشي. ثم بذلت الحكومة العثمانية جهودها لمحاولة الاستعادة لسنين حتي نهض السلطان مراد الرابع بنفسه بعد أن نظم إدارته الداخلية، و أمن الحالة الخارجية بمعاهدات عقدت مع المجاورين الآخرين و تفرغ بعد ذلك كله لحرب إيران فكانت وقيعته بإيران مؤلمة قاسية جدا لم تقم لإيران بعدها قائمة تذكر مدة حكم الصفويين …

و من ثم عقدت المعاهدة مع

إيران و تأسس الصلح. و بهذا تثبتت المواثيق و العهود فزالت حالة اختلال الموازنة و أن الواحدة كانت تحاول إمحاء الأخري و السيطرة علي ممالكها. كانت آمال كل واحدة قوية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 340

و خيالها واسعا … فلا تريد أن تلتزم بعهد ما …

و علي كل حافظت الدولتان المتجاورتان علي هذا الوضع لمدة …

التقسيمات الإدارية

اشارة

لا تظهر سلطة الدولة إلا في تشكيلاتها الإدارية. و هذه توزع إلي وحدات إدارية يتألف من مجموعها سلطة الولاية، فتتجمع في شخص الوالي.

و التقسيمات الإدارية في العراق و زعت إلي ايالات و اعتبرت وحداتها بوجه عام مقتبسة من أصل تشكيلات الدولة و إن كانت لم تتغير البلدان و ما كان يدخل ضمنها من أعمال.

و هذه تقسم إلي خمس ايالات. و منهم من عدها أربع ايالات بإخراج إيالة الأحساء.

1- ايالة بغداد

و تقسم إلي ثمانية عشر لواء (سنجاقا) و فيها دفتري لخزانتها، و معاون، و دفتري تيمار و أمين الدفتر. و هذه ألويتها:

1) لواء الحلة من الألوية المهمة. و له مكانته في وقائعه و علاقاته الأخري.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 341

2) لواء زنك آباد أو (زنكي آباد). و يراد به معمورة زنكي قال أوليا چلبي: «في خلافة هارون الرشيد كان قد بناها خازنه زنكي فسميت باسمه و قيل لها زنكي آباد أو بلا ياء …» و من توابعها قزلرباط (ناحية السعدية) و لا تزال بعض الآثار قائمة مثل (كوشك زنكي). و إن البلدة اندثرت.

3) لواء الجوازر. (الجزائر) كان بيد ابن عليان أمير طيي ء.

فتغلبت عليه الدولة.

4) لواء الرماحية- جاء بلفظ (روماهية). و في موطن آخر (روم ناحية). و الرماحية معروفة قبل أن يأتي السلطان سليمان إلي العراق.

5) لواء چنكولة. من الألوية المجاورة للعجم. تداولته الأيدي.

و كان مدة في حوزة أمراء الفيلية. و الآن ليس به عمارة. خربته الحروب بين إيران و العراق.

6) لواء قره طاغ. أو قراداغ. و الآن قضاء تابع للواء السليمانية.

و هذه في ألويتها زعامة و تيمار كسائر الممالك. و يقال لها (أرض المملكة).

و باقي الألوية ليس فيها زعامة و لا تيمار إلا أن فيها

خاصا لأمراء الألوية، و تعطي فيها بعض القري و المزارع (المقاطيع) علي وجه التخمين و غالبها عليها مقرر يسمي بساليانه (صليان). و هذه ألويتها:

1) درتنك. الآن بيد العجم. و هي المعروفة قديما ب (حلوان).

و يحوي زهاو و ما جاورها و قلعة شاهين. و قصر شيرين …

2) السماوة. وردت بلفظ (سماوات) و الآن قضاء.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 342

3) البيات. الموقع المعروف الآن. و كان من أماكنهم (بيات، وده ليران). و هو في أيدي العجم و يعود للفيلية و البيات اليوم في لواء كركوك.

4) درنه. الآن بيد العجم. و تجاور درتنك و هما يعدان لواء واحدا.

5) ده بالا. الآن بيد الفيلية. و تقع في أعلي پشتكوه أو (كوركوه).

أي الجبل الكبير.

6) واسط. الآن (لواء العمارة)، و (لواء الكوت).

7) كرند. الآن (بيد العجم). و تلفظ (كرنت).

8) دمير قپوا.

9) قزانية. الآن تعد من مندلي أو (بندنيجين).

10) گيلان العراق. و يسمي گيل و يقع ما بين إيران و كركوك.

11) آل صاح. كذا وردت. و في عيني علي أفندي آل صايح و لعلها الصلاحية (كفري). و كانت تسكنها قبيلة (الصالحية) فهي محرفة عنها. و تسمي هذه القبيلة ب (ساله يي). تسكن هذه القبيلة في (آلتون كوپري).

12) العمادية. في القسم الشمالي من العراق. ليس فيها تيمار و لا زعامة و إنما يتصرف بها بوجه الملكية أمراء بيدهم فرامين سلطانية لا يعزلون. و ينتسبون إلي العباس. قال ذلك أوليا چلبي. و من المقرر أن تشترك العمادية في الحروب تابعة لولاة بغداد.

بلغت هذه الايالة 18 لواء أوضحنا تشكيلاتها الإدارية و تاريخها و خاصها في موطن آخر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 343

أما الألوية الأخري فإنها تعتبر ملحقة بلواء بغداد و تحت

إدارة أمير أمرائه. يعينون لها أمير لواء ليدبر شؤونها نظرا لبعدها عن المركز و لأنها عاصمة في الأصل.

2- ايالة البصرة

و هذه الايالة كان يتصرف بها علي وجه الملكية. و في سنة 945 ه انقادت للدولة. و في سنة 953 ه صارت تابعة رأسا و انقرضت إمارتها، و اعتبرت ايالة. و لا يزال فيها دفتري لماليتها، و كتخدا الچاووشين و لم يكن فيها تيمار و لا زعامة و لا أمير ألاي و لا (آغا الينگچرية)، و كافة أراضيها في التزام الوالي. ثم تغلب عليها المتغلبون من آل أفراسياب فصارت تابعة اسميا.

3- ايالة الأحساء

يتصرف بها علي وجه الملكية بلا زعامة و لا تيمار و إنما يقدم المتصرف هدايا في كل شهر لوالي بغداد و قبل هذا كان يتصرف بها أمير أمراء من جانب العثمانيين فتغلب عليها المتغلبون. و من آثار أمراء العثمانيين في الأحساء المسجد القديم المعروف ب (مسجد الدبس) لقربه من سوق الدبس و (مسجد الترك) و تاريخ بنائه سنة 962 ه بناه متصرف الأحساء من جانب العثمانيين.

ثم ذكر أوليا چلبي عمان، و كوج، و مكران، و الجزائر فبين أن حكامها يتصرفون بوجه الملكية إلا أنهم يقدمون للسلطان هدايا سنوية و لوزير بغداد تقدمات شهرية كما هو قانون السلطان سليمان. و الأحساء ذو علاقة بنا. و تأتي حوادثه في حينها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 344

4- ايالة الموصل

و هذه في عهد السلطان سليمان كانت ستة ألوية. ليس فيها أرباب ديوان و إنما فيها الاي بكي، و آغا الينگچرية و ألويتها:

1) لواء باجوان. و (باجوان) قبيلة في الموصل. و في خانقين تسمي (باجلان) و جاءت بلفظ (باجوانلو). و تحوي قري عديدة، ذكرتها في عشائر العراق الكردية، و في (الكاكائية في التاريخ).

2) لواء تكريت.

3) لواء اسكي موصل (الموصل القديمة).

4) لواء هرور.

5) لواء بانه.

هذا، فإذا أضيف إليها نفس الموصل بلغت ستة ألوية.

5- ايالة شهرزور

لها أرباب ديوان، و فيها ألاي بكي، و آغا الينگچرية، و هذه ألويتها:

1) سروجك.

2) إربل.

3) كسنان.

4) شهربازار.

5) چنكوله. بعد تكون ايالة شهرزور صارت من ألويتها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 345

6) جبل حمرين.

7) هزار مردود.

8) الحوران. (هورين) هو المعروف اليوم.

9) مركاره.

10) حرير.

11) رودين.

12) تيل طاري.

13) سبه زنجير.

14) عجور.

15) ابرومان.

16) پاق.

17) پرنلي.

18) پلقاص.

19) أوشني.

20) قلعة غازي.

و غالب هذه الألوية لا يعرف اليوم، و لا شك أن نطاق حكمها كان أوسع.

و (شهرزور) يقوم بإدارتها پاشا يستقر في نفس شهرزور. و في اللواء عشائر ليس لها طبل و لا علم. و فيها ما يزيد علي مائة أمير يحكمون كأرباب الزعامة. يحضرون الأسفار مع أمير اللواء و يتوارثون الإمارة تنتقل إلي أولادهم أو أقربيهم و عند الحاجة تعطي لهم الزعامة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 346

و التيمار. و نري تبدلا في التقسيمات و تابعيتها لإيالة شهرزور. هذا و الإيالات المذكورة كما يستفاد من الحوادث جاء ذكرها متأخرا، و إقرارا لما وقع. فلم يكن ذلك كله أيام السلطان سليمان.

الدولة الصفوية

كانت ظهرت علي يد مؤسسها الشاه إسماعيل الأول سنة 907 ه.

و هذا علا سعده، و تمكن بسهولة من الاستيلاء علي بغداد في 20 جمادي الثانية سنة 914 ه. كاد يقضي علي الدولة العثمانية أو يكتسح أكثر ممالكها لولا أن السلطان سليم المعروف ب (ياوز) تمكن من تدمير أعوان الشاه الدعاة له في الأناضول، فكسر شأفتهم كما أنه قهر الشاه في واقعة (چالديران) سنة 920 ه و كانت آماله كبيرة، و أطماعه واسعة المدي. لم يستطع ابنه بعده أن يقف في وجه السلطان سليمان، فكان يتهرب من وجهه و يفر منه حتي استولي علي بغداد سنة 941 ه، و لم

يجسر الإيرانيون أن يجابهوا العثمانيين في حرب حاسمة إلي أن ظهر الشاه عباس الكبير بمظهر عظيم فوجد الفرصة مواتية في نهضة بكر صوباشي فجدد المقارعات. اتخذ وسيلة المساعدة له، فاستولي علي بغداد سنة 1032 ه و لم تمض إلا بضع سنوات علي الفتح حتي توفي الشاه عباس، و دامت بغداد بيد خلفه الشاه صفي مدة قليلة، فلم يطل حكمهم إلي أكثر من سنة 1048 ه. و من ثم استعادها السلطان مراد الرابع، فخلصت العراق للعثمانيين.

و هذه قائمة بأسماء شاهاتهم:

1- الشاه إسماعيل الأول. سنة 907 ه- 1502 م.

2- الشاه طهماسب الأول. سنة 930 ه- 1524 م.

3- الشاه إسماعيل الثاني. سنة 984 ه- 1576 م.

4- الشاه محمد خدا بنده. سنة 985 ه- 1578 م.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 347

5- الشاه عباس الأول (الكبير). سنة 995 ه- 1587 م.

6- الشاه صفي الأول. سنة 1037 ه- 1628 م: 1052 ه- 1642 م.

و هذا الأخير انتزع العثمانيون بغداد منه و بقيت في أيديهم إلي آخر أيامهم في العراق. و تعد الدولة الصفوية الوحيدة المجاورة للعراق.

أزعجته بحروبها، و أقلقت أوضاعه، و شوشت أمره.

و في هذا العهد لم تدون لكل دولة إلا كثرة الفتوح، و زيادة الأطماع. تنهب الدولة الأخري بغزو أشبه بغزو العشائر. فلم تهدأ القلاقل و الحروب بل دامت إلي ما بعد هذا العهد، فكانت سبب دمار الدولتين.

الدول الهندية- البرتغال

الدول الهندية علاقاتها بالعراق و البلاد الإسلامية قديمة جدا. و أن دولة البرتغال شوشت هذه العلاقة و قد ذكرنا ذلك بتفصيل. و جاءت تواريخ الهند و منها تاريخ كجرات و تواريخ ملوك الهند باللغة الفارسية كثيرة و بينها المخطوط و المطبوع. و عندي جملة منها.

و إن الأستاذ الفاضل صديقنا كوركيس

عواد أطلعني علي كتاب (تحفة المجاهدين في أخبار البرتكاليين) للشيخ زين الدين بن عبد العزيز المعبري كان فرغ من تأليفه سنة 993 ه و طبع في مطبعة التاريخ في حيدر آباد دكن سنة 1931 م. و يعد من أقدم المراجع في هذه العلاقات و عين الناشر مكانة هذا الكتاب و نقله إلي اللغات الأجنبية و درجة الاهتمام به.

و فيه بيان علاقات الهند بدول المسلمين في مصر، و غيرها كالدولة العثمانية … و كلامه علي سيدي علي رئيس جاء مبتورا و غير صحيح.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 348

و من المهم بيانه أن الناشر قدم قائمة في تطبيق الأسماء و لما لم أطلع عليها إلا عند طبع هذه الملزمة اقتضي أن أشير إلي لزوم مراجعتها.

هذا. و أشكر الأستاذ علي ما أطلع عليه. فقد كتب باللغة العربية.

و في كتاب (دول إسلامية) ما يعين حكومات الهند. و عندي مخطوط في دولة (أورنك زيب) من ملوك الهند و المطبوعات كثيرة جدا. و فيها ما يوضح العلاقات.

الثقافة أو الآداب و العلوم

اشارة

إن تمكن الثقافة في المملكة، و ظهورها كان كبيرا، و في الوقت نفسه تابعا في الدرجة الأولي للغني و التبدل العظيم في سبيل هذه الثقافة و الطمأنينة و حسن الجوار في العلاقات بين الأقطار القريبة. و كلها فقدت في هذا العهد في عاصمة المملكة العراقية أو أم بلاد القطر، و أعظم سبب آمال المجاورين و طموحهم في الاستيلاء علي مدينة السلام بل قسوتهم فيها و حرصهم الزائد في التغلب عليها مما ألجأ إلي الميل إلي دولة أخري قوية بأمل إيقاف تلك عند حدودها، أو قهرها و إرجاعها خائبة. و بالتعبير الأولي تنازع الصفويون و العثمانيون علي بغداد.

و بعد جدال عنيف، و حروب

طاحنة تسلطت الدولة العثمانية، فلم يجد القطر بدا من الإذعان، و لم ينل حقوقه كاملة موفورة، و لكنها كانت أهون الشرين القتل أو السلب فلم يسع العراق النجاة بوجه، بل لم يخل من تشويش لطلب النجاة، و كلما أراد أو حاول ظهرت الدولة الصفوية بعنفها و قهرها، فلم تدع مجالا له للحياة و لا للراحة. و هكذا كان بتوالي الأزمان ما جري بين الدولتين. و دام النزاع حتي قضي عليهما، بل كان ذلك داعية دمار الشرق كله، و هما متسلطتان عليه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 349

و حالة كهذه في تطاحن و تنازع لا يؤمل منها فلاح، و لا يتيسر نشاط أدبي أو علمي، و إنما طريق النجاح معروف في استقلال المملكة و حياتها الحرة، و هي مفقودة منها، بل منغصة بوقائع مؤلمة تهدد الحياة بحيث لا مجال للالتفات علي قاعدة «و من نجا بنفسه فقد ربح»، فلا مجال للأمة أن تنظر إلي حاجتها العلمية و الأدبية. و لم تجد طمأنينة أو راحة.

و هذا القطر في ثقافته الحاضرة كان نتيجة عهود إسلامية عريقة في ثقافتها، من أول الإسلام إلي أيام دخول العثمانيين العراق سنة 941 ه.

خدمت بغداد الثقافة و غذتها. و خلفت ميراثا أدبيا علميا للأقطار كان من خير المواريث، فكيف محته الحوادث، و أبادت الكثير من آثاره؟

لا شك أن الحوادث لها دخل كبير في هذا التدمير، و أن ضياع الاستقلال قد نقل الآثار إلي المتغلبة، أو قضي عليها و محاها، فصارت نهبا بيد المتسلطين، و لا يهمنا أثر الثقافة و تأثيرها عليهم كما لا تنكر بوجه في هذا. و كل واحدة من الدولتين تريد أن تضارع بغداد في معرفتها. و إن الوقائع الوبيلة

و الحوادث القاهرة قد أنست من الالتفات إلي الثقافة عندنا. و هكذا كان شأن الثروة و الحضارة و سائر المؤسسات مما انتابته أيدي العدوان و الكل ذو علاقة، الأمر الذي جعلنا لا نستطيع أن نعد أدباء أو علماء كثيرين.

و أمر واحد لم يستطع هجوم المتغلبة عليه أو تخريبه أعني (الجوامع و المدارس)، فهذه أصل (مناهج تعليمية ثابتة)، و مؤسسات دينية لا تتناولها أيدي العدوان في الأكثر، و إن الحرمة للمساجد، و المدارس مرتكزة في النفوس و لكنها لم تسلم دائما بل لم يصبها الاعتداء من كل الوجوه، و لا القضاء المبرم، و لا تزال قائمة بالرغم مما وقع من اعتداء.

و من مدارسنا ما قوي علي الأرزاء، و صبر علي المكاره، و بعضها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 350

لا يزال. وصل إلينا الكثير منها من العهد العباسي، أو من عهود المغول و التركمان مما يغذي هذه الثقافة، و لم يكن العهد منفصلا بوجه عن ماضيه ليقال إنه حديث العهد، يحتاج إلي جهود، و في هذا العهد لم تعمر من جديد إلا مدرسة الإمام الأعظم، و مدرسة الشيخ عبد القادر و بعض المساجد التي خربتها أيدي العدوان. و سبق من الحوادث ما يشير إلي العناية بهما أو بالمراقد المباركة لأمور اقتضتها السياسة الجديدة للدولة العثمانية أو لسابقتها. و العراق يملك جملة وافرة من هذه الجوامع و هي محل تدريس في الغالب، و المدارس تقوم بمهمة التعليم و تكمل ثقافة المساجد، فلا يخشي زوال العلم و الآداب منه.

و إن تضعضع الحالة، و ارتباك الأمور لم يدم طويلا، و إن زاد دوامه علي المعتاد في هذه الأيام، فلا تهدأ الحالة حتي تظهر المؤسسات العلمية و الأدبية، أو المعاهد

الخيرية فتؤدي واجبها. و لا نستطيع أن نعد جديدا من هذه المؤسسات لهذا العهد فإن الجوامع و المدارس و التكايا في بغداد لما قبل الفتح العثماني كثيرة جدا. تدل علي عناية الأمة و اتصالها بعقيدتها و بثقافتها و كان عملها كبيرا في سبيل تحقيق الأمرين بث العقيدة و تأكيد الثقافة. و غالب ما عملته الدولة تجديد ما اندرس من هذه المعاهد من الوقف. فاكتسب بعضها اسما جديدا، و البعض الآخر فقد اسمه القديم و عرف باسم من عمره.

و جاء ذكر جملة مما أعيد تجديده و منها:

1- جامع الشيخ عبد القادر و مدرسته.

2- جامع الإمام الأعظم و مدرسته.

3- جامع الوزير. و هو (جامع حسن پاشا و مدرسته).

4- جامع الصاغة و مدرسته.

5- تكية المولوية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 351

6- جامع الكاظمين.

7- تكية خضر الياس للبكتاشية.

8- جامع السراي. الجامع السليماني أو جامع جديد حسن پاشا.

9- جامع الشيخ شهاب الدين السهروردي و هذا كانت فيه تكية فأمر السلطان مراد بتعميره.

10- جامع القلعة.

و هذه تضاف إلي ما ذكر سابقا مثل مسجد قمرية. و المدرسة النجيبية، و مدرسة السهروردي و مدرسة جامع الفضل، و جامع مرجان، و الوفائية، و مدارس أخري أوضحنا عنها في (تاريخ العراق)، و في تاريخ (المعاهد الخيرية في العراق).

و كل هذه ثروة علمية لا يملكها قطر يعدّ العلماء و الأدباء و لم يكن لأمة نصيب وافر كهذه المدارس في العدد و تكوين الثقافة، و إن رغبة العراق و حبه للثقافة هو الذي أبقاها، و مكّن الأمة منها، فلا تخشي سطوة الجهل، و لا ترضي أن تستبدل بها بديلا.

و هي منبع الأدب، و أس العلوم، و لولاها لما ثبتت أو استقرت لنا ثقافة بل نري الأقطار

الأخري قد بهرتها هذه التشكيلات المنظمة للآداب و العلوم دون عناء أو كلفة، و إنما تتزاحم. و تبدي القدرة، و يقوم كل بواجبه، و يظهر ما هنالك من عظمة و قدرة علمية، و كفاءة بالغة الحد.

تحاول كل مملكة أن يؤسس في أمهات مدنها مثل معاهدها الخيرية للعبادة و الدين و العلوم و الآداب و الكل متلازم.

و مما هو جدير بالذكر أن هذا العهد بالرغم مما حدث قد حفظ قسما من آثاره الأدبية و العلمية، أو احتفظ بها، فكانت غذاء العصور التالية، و لم تنعدم كلها، أو تزول من البين، و لا تزال لحد الآن تتمتع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 352

بهذه الآثار، و غالبها محفوظ في الجوامع و المساجد، أو لدي بعض الأسرات القديمة أو الحديثة. و أن الحوادث العلمية تعين مقدار العناية بها عناية لا مزيد عليها كما أن أهل البر بين حين و آخر يقدمون للوقف ما عندهم من مؤلفات و كتب و أموال حبا بالأجر و نيل الثواب و الحرص علي ثقافة الأمة.

1- الأدب العربي و الآداب الأخري:

إن الأدب العربي أصل الآداب الأخري. و إن المدارس تمده في التنظيم و التدريب، و الآثار و المخلفات تغذيه بعناية، و إن آداب الأقوام في العراق تستمد من هذا الأدب الذي سار سيرة علمية، و تستقي ثقافتها منه فلم تهاجمه، و في هذا العهد ظهر التوقف في الأدب إلا أن الاتجاه قد غلب الأمة الإيرانية، و الأمة التركية أن تأخذ بنصيب منه، فمالت الهمة إلي ترجمة الكثير من آثاره في اللغة و هي الأصل، و التوغل في القواعد النحوية، و علوم البلاغة …

و الأدب العربي لا يرضي بهذا التوقف، و إن كان الغذاء تاما، و المادة وافية، فلم

يقف عند الماضي و يريد أن يظهر دائما، و ينال السيادة إلا أننا لم نشاهد ما يصلح للتمثيل بكثرة أو يعد نتاج العصور، و موطن الاستفادة.

و لا يخلو الأدب العربي من اتصال بالأدب الفارسي و بالأدب التركي فيقتبس معاني جديدة و يغترف مما عند الأمم. و الكردية متصلة بالفارسية و مثلها التركية. و هكذا الأدب العربي فالتأثير مشهود جدا، و الاتصال مكين.

- نعم إن العصور الماضية أمدته و لكن وثائقنا في الانتفاع منه و الإنتاج قليلة بل لم نطلع علي كل ما هنالك من مخلفات للأسباب التي سردناها. و كفي أن يحتفظ العراق بالغذاء الماضي. و في هذا ربح لنا بل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 353

لو كان الأمر ما ذكر لقلنا بعقم العصر، و توقفه و جموده، بحيث صار في حالة لا نستطيع أن نعد له مخلفات و هيهات …

إننا في سعينا المتواصل و التتبع الكثير و بذل الجهود يتأتي لنا أن نقدم مجموعات كبيرة من هذه الاشتغالات، تعين درجة العناية باللغة العربية و علومها و هذه لم تكن كل ما عرف، فالأمل أن نعثر علي مخلفات عديدة تجلو عن الحالة، و تكشف عن العهد، و بيدنا أسماء آثار من المحتمل القوي أن تنال مكانتها، و تكتسب أهميتها. و لا يترك الميسور الآن بالمعسور. و قد أوضحنا أشهر ما عرف في هذا العهد من المؤلفات في التاريخ العلمي و الأدبي.

و إن شعراء العصور السابقة (شعراء المغول و التركمان) قد خلفوا مقادير وافرة سار التالون علي منوالها، و من أشهر من ظهر:

1- فضولي البغدادي. مر الكلام عليه. و في هذه الأيام و نحن في طبع هذه الملزمة ظهر (كتاب فضولي) باللغة التركية للدكتور عبد

القادر قراخان تناول حياة فضولي بسعة زائدة فكان آخر ما اطلعنا عليه، و هو كتاب مفيد نفيس و مصور طبعته كلية الآداب في جامعة استانبول سنة 1949 فنكتفي بالإشارة إليه، و بيان عناية الترك بفضولي. و سنوضح عنه في كتابنا (تاريخ الأدب التركي في العراق).

2- ابنه فضلي البغدادي.

3- شمسي البغدادي. و له ديوان قدمه للسلطان سليمان نظمه باللغة الفارسية جاري فيه نظامي الشاعر الكبير.

4- عهدي البغدادي.

5- روحي البغدادي.

و آخرون ورد ذكر بعضهم مع بعض الكلمات فيهم. و إن مخلدات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 354

هؤلاء دواوين معروفة. ظهروا في الأدب الفارسي و التركي.

أما الأدب العربي فإن مخلفاته قليلة جدا، و بالتعبير الأولي لم يصل إلينا منها إلا النادر. و القطر لم يخل من أمثال الأدباء في العهود السابقة أو التأثر بهم، و العراق قد حفظ تراثا أدبيا وافرا في البصرة و الأنحاء المجاورة لها، و في الأحساء و البحرين و في النجف و بعض الأنحاء البعيدة عن العدوان و التخريب من جراء الحروب بين الصفويين و الترك العثمانيين.

و يصح أن نعد في النظم:

1- ديوان فضولي. و هو عربي غير دواوينه في الفارسية و التركية.

و الآن موجود في مجموعة محفوظة في ليننغراد.

2- ديوان الخطي. و من له علاقة بهم. و هذا من أهل البحرين.

و كانت تابعة للعراق.

3- قطر الغمام.

4- دواوين بعض أدباء البصرة و الحويزة و مؤلفاتهم.

و للنثر العربي أمثلة كثيرة، من ديباجات الكتب المؤلفة، و بعض الآثار الأدبية. و قد أوسعناه بحثا في (تاريخ الأدب العربي) في العراق.

و لا يهمنا الإكثار منه، أو بيان الأمثلة العديدة، فإنه لم يختلف عن العصور السابقة من مراعاة السجع، و فقدان القدرة، و عدم التمكن لاكتساب سليقة مكينة

و في هذا العهد تهمنا الإشارة إلي أنه حدث فيه تجدد أدبي نوعا.

و من ذلك (البنود العراقية) و قد بحثنا في موضوعها برسالة خاصة.

و الآثار الأدبية الأخري قليلة مثل (زاد المسافر) …

و من أدباء هذا العهد:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 355

1) حسن السنباتي.

2) ولده الشيخ علي بن حسن السنباتي الحميري.

3) محمد بن عبد الملك البغدادي.

4) الشيخ علي بن أحمد الهيتي.

5) فضولي.

6) الخطي.

2- العلوم:

و هذه سارت علي اطراد. و يغلب عليها الفقه، و كتب العقائد، و لم تظهر لنا مؤلفات في الفلسفة، و لا في سائر العلوم إلا أن الكتب المدرسية العامة شائعة و التدريس مقتصر عليها و هي معروفة، و لم يناقش العلماء الآراء في مؤلفات خاصة، و لم تظهر في هذا العهد من المؤلفات ما يدل علي تجدد كبير، و إن كانت قد ظهرت في عهد متأخر عن هذا العهد، أو لم يصل إلينا ما يصلح للبحث.

و هذه العلوم كثيرة إلا أن كل علم بحياله لم تظهر فيه مؤلفات تعين مجراه، أو اتصاله بأكثر من أعمال مدرسية، و أمور لا تتجاوز حدود التعليم. استقرت (الكتب المدرسية)، و لم يدخلها التعديل و التبديل و هكذا تولد الجمود المدرسي، فأعقبه الجمود العلمي، بسطنا القول فيه في (التاريخ العلمي).

و جل ما نقول إنه ظهرت بعض المؤلفات الدينية من جراء خدمتها للسياسة مثل الردود بين أهل السنة و الشيعة و كذا صدرت فتاوي في تحويز قتل أحد الطرفين، و أسر المسلمين مما لم يسبق له نظير في الإسلام. و الردود مثل (النواقض) و (السيف الباتر) في رد الشيعة.

و يطول بنا ذكر ما هنالك بل نري بعض علماء الطرفين حتي الآن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص:

356

متمسكين بمثل هذه استغلالا للعوام و أمل نيل المكانة بينهم. تمكنوا من خدمة السلطة لتوليد العداء. و الآن وجهوها للاستفادة من العوام. فكانوا كما قلت آلة شحناء، و طريق تفرقة، و واسطة عداء علي خلاف ما هو المأمور به شرعا. نفروا و لم يبشروا، و كفروا و لم يتورعوا …

و موضوعنا خاص بالعراق فلا نتجاوز حدود بحثه.

و أكبر خصيصة للعصر أنه حفظ قسما من التراث العلمي السابق، و لا نزال نتمتع به.

و من المؤلفات الفقهية في هذا العهد:

1- كتاب الضمانات.

2- ترجيح البينات.

هذا. و كان عهدنا محدودا بزمان خاص، فلا نتجاوزه، و لكننا نقول كلما تقربنا من العصر الحاضر كثرت المادة، و أمكن البحث بسعة مما يدل علي اندثار وثائق عديدة، و ذهاب مؤلفات إلي خارج المملكة، فنحتاج دائما إلي الإثارة، و إلي التحري الوافي عما هنالك ليضاف إلي الموجود من كل ما يعثر عليه.

و لما كنا أفردنا (رسالة في الموسيقي)، و كتابا في (الخط) فلا نري لزوما للبحث في هذه الصناعات اكتفاء بما كتب.

خاتمة القول

زاد هذا العهد علي المائة سنة و في خلاله كان النزاع بين العثمانيين و الصفويين قائما. بلغت فيه الحروب أقصي حدود قسوتها …

و في خلال ذلك حاول بعض الثوار أن يستقل ببغداد لما شوهد من استقلال (آل أفراسياب) في البصرة. و قيام (الجلالية) في الأناضول علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 357

الحكومة و غيرهما مما شجع قيام (بكر صوباشي) استفادة من ضعف الدولة العثمانية و لكن الإيرانيين اغتنموا الفرصة و استولوا علي بغداد.

و العراق لم يمت أهلوه، و لا انقطع العلم منهم بسبب مدارس الأوقاف، و عناية الدولة بها إرضاء للأهلين. و علماء بغداد و المدرسون فيها ساروا علي ما

سار عليه أسلافهم و لا عبرة بالمقياس القليل، أو الكثير … و النتائج لم تعدم و لا بخل الزمن من ظهور نبغاء في علوم مختلفة و في الآداب العربية إلا أن تغلغل الفارسية و التركية كان قويا جدا. قدمنا جملة صالحة من أدبائهما في هذا العهد. و الكل من المتعلمين المتوغلين في التركية و الفارسية جرفتهم آدابها، و استولت عليهم أفكارها في التصوف و غالبه غال … مما أضر بنشاط الروح، و أخمد الجذوة المتوقدة … و مع هذا لا يخلو العهد من مؤرخين أو خطاطين أو أدباء و شعراء و ما ماثل … و ليس للعربية سوق و لولا أنها لغة الدين، و أنها واسطة تقدم الفارسية و التركية لصارت في خبر كان …

و الحالة ساءت أكثر مما عليه في العصور السابقة. ركد الروح علميا، أو قل انتشر إلي الخارج و استفادت الأقطار الأخري بل اقتطفت ثمارها، و ما ذلك إلا لقلة أيام الراحة، و كثرة الاضطراب و تداول أيدي حكومات مختلفة المشارب و المناهج الإدارية و الثقافية …

و العشائر لم تظهر بمظهر القوة إلا قبيلة طيي ء و قبيلة قشعم. و كذا بعض الإمارات. فهي لا تزال محافظة علي مكانتها إلي هذا الحين و بعده.

و أهل المدن كانوا في عناء و وبال لم يروا راحة بل هم في اضطراب. و الوقائع تعين نفسياتهم و أحوالهم …

كانت الآمال مبشرة بالراحة و الطمأنينة بسبب هذا الفتح ثم عقد الصلح فانتعش الرجاء. و تولد النشاط في الأهلين بالرغم من أنهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 358

اشتعلوا بنيران الفريقين المتحاربين. نالهم ما نالهم مما لا يستطيع القلم وصفه، أو يسع المقام تعداد ما فيه من نكبات أو

ما أصاب من حيف … مللنا من تعداد ما هنالك بل الذاهب عنا أكثر … و العراق لم يتمكن في هذه المرة من نصيب في الإدارة أوفر … و في هذه الحروب تعينت الحقوق الدولية و أبرمت المعاهدات و استقرت الأحوال نوعا إلي أمد ليس بالقليل …

هذا و أجتزي ء بما تقدم. و اللّه ولي الأمر.

تم المجلد الرابع يبحث في وقائع العراق من سنة 1049 ه- 1639 م إلي سنة 1162 ه 1749 م من سياسية و ثقافية و عشائرية و صلات بين الأقطار و حروب و معاهدات …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 359

الفهارس العامة

اشارة

1- فهرس الأعلام

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

3- فهرس المدن و الأماكن

4- فهرس الكتب

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغربية

6- فهرس الصور

7- فهرس الموضوعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 361

1- فهرس الأعلام

حرف الألف آتشي: 168، 185

آل بارون هامر: 13

الآلوسي: 176

آندريه طوريه: 97

أبدال پاشا: 248

إبراهيم عليه السّلام: 151

إبراهيم (السلطان): 127

إبراهيم أغا: 278

إبراهيم باشا الوزير: 29

إبراهيم بك: 127

إبراهيم پاشا الصدر الأعظم: 27، 34، 35، 48، 49، 50

إبراهيم پاشا كور خزينه دار: 88، 265، 266

إبراهيم البجوي: 41

إبراهيم قولي: 79

إبراهيم كلوس: 52

إبراهيم متفرقة: 16

إبراهيم مدرس المستنصرية: 293

ابن أبي ريشة: 193، 194، 198، 259، 271، 272

ابن الأمين: 145

ابن بشر: 219

ابن بطوطة: 94، 115

ابن حسول: 335

ابن خلكان: 315

ابن رفيق البندنيجي: 168

ابن الساعاتي: 233

ابن السباهي (سپاهي زاده محمد بن علي): 328

ابن عابدين: 46

ابن الغزالي: 27، 34

ابن عليان: 132، 134، 135، 341

ابن قشعم (جشعم): 64، 65

ابن كمال پاشا: 315

ابن لطيف خان: 84

ابن مماتي (أسعد): 106، 115

أبو أيوب الأنصاري (ر ض): 40

أبو البحر انظر: (الخطي)

أبو حنيفة (الإمام): 178، 303، 325

أبو ريشة: 296

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 362

أبو السعود العمادي (شيخ الإسلام):

55، 130، 300، 317

أبو سعيد (السلطان): 309

أبو الفتح سلطان: 79

أبو الليث السمرقندي: 304

أبو نمي(الشريف): 103

أبو يوسف (الإمام): 303

أحمد (الأستاذ): 186

أحمد آل حيار: 296

أحمد بن أحمد (الشريف): 59

أحمد أغا (كوچك): 226، 227

أحمد أفندي: 15

أحمد الأمير: 67

أحمد (والد شديد): 297

أحمد أمير العمادية (خان): 309

أحمد الأول (السلطان): 15، 313

أحمد پاشا (حافظ): 202، 207، 209، 211، 213، 214، 217، 218، 221، 223، 228، 230، 232، 234، 235، 236، 239، 240، 247، 249، 251، 265، 297

أحمد پاشا (ملك): 39، 310

أحمد پاشا: 131، 225، 226

أحمد پاشا (كوچك): 245، 255

أحمد چاووش بياني زاده: 187

أحمد حاكم كجرات (السلطان): 99

أحمد حامد

الصراف (الأستاذ): 192

أحمد الحريري: 168، 184

أحمد بن حنبل (الإمام): 304

أحمد خان الأردلاني: 213، 228، 229، 245، 248، 305

أحمد رفيق: 87

أحمد (الشريف): 59

أحمد الطويل: 159، 198

أحمد ظريف البغدادي: 168

أحمد بن عمر مدرس مرجان: 293

أحمد كامل آكدك: 32

أحمد بن ماجد (شهاب الدين): 13، 104، 105، 116، 117، 119، 121

أحمد محيطي الدفتري: 170، 319

أحمد بن مروان: 76

أحمد بن الوزير الأعظم: 137

أحمد ويراني سلطان (الحاج السيد):

188

إدريس البدليسي (الأمير): 308

أرسلان أغا: 288

أرسلان پاشا بن نوغان: 265

أسامة النقشبندي: 51

إسحاق عليه السّلام: 151

إسحاق (الخواجه): 191

أسد (ملك): 99

إسكندر بك التركماني: 18

إسكندر جلبي: 48، 49، 50

إسكندر پاشا الوالي: 129، 130، 131، 132، 133، 134، 135

إسماعيل (خان): 309

إسماعيل الأول (الشاه): 20، 39، 43، 44، 47، 141، 154، 267، 346، 311

إسماعيل بيكه: 78

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 363

إسماعيل الثاني (الشاه): 346

إسماعيل رئيس الكتاب: 278

إسماعيل النابلسي: 197

إسماعيل بن نجم: 252

أفراسياب الديري: 171، 172، 173، 181، 193

أكرم بك بن قايتمز: 168

القاص ميرزا: 67، 68

إلياس پاشا: 229، 232

إلياس بن خضر: 76

إمام قولي خان: 241

أميني: 185

أورخان: 75، 312، 332

أورنك زيب: 111، 348

أوغورلو بك: 75

أولامه تكلو: 27، 29، 30، 34

أوليا چلبي: 20، 31، 35، 36، 38، 40، 41، 51، 63، 140، 145، 164، 214، 247، 280، 281، 292، 293، 310، 340، 341، 342، 343

أويس الجلايري (السلطان): 59

أويس القرني: 31

أويس بن كلوس (الشيخ): 52

أهلي بك: 187

إياس پاشا: 60، 63، 64، 66، 127، 169، 183

أيوب عليه السّلام: 151

حرف الباء بابا أردلان: 76

بابر شاه: 108

بابك بن ساسان: 76

بابلو بن حسن: 76

باول هورن: 29، 311

بايزيد (السلطان): 23، 61، 114، 313

پترو: 58

بدر ابن السيد مبارك المشعشع: 173، 174

البدر الغزي: 197

برخوردار بك: 232

برسباي: 103

بريچي بن مالك الرحال: 66

بساط بك: 78

بسيم أتالاي: 192

بشر الحافي: 91

بكتاش أغا:

173، 285

بكتاش خان: 220، 250، 252، 267، 275، 276، 277، 284، 292، 299، 382

بكتاش ولي (الحاج): 190

بكر أغا: 233، 239

بكر صوباشي: 26، 203، 204، 205، 206، 207، 208، 209، 211، 212، 213، 214، 215، 217- 224، 243، 256، 299، 330، 339، 346، 257

بكه (بكر الأمير): 72، 74، 77، 78

بنيامين: 261

بهادر شاه: 108

بهاء الدين نوري (معالي الأستاذ): 192

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 364

بهرام پاشا الوالي: 71، 72، 83

بوداق بك (مير): 53، 75، 307

بوستان پاشا (بستان): 169، 209، 226، 229

بايسنقر: 260

پياله بك: 229

پياله پاشا: 193، 194

بيرام پاشا الصدر الأعظم: 259

بيرام بك: 309، 310

پير بوداق: 53، 308، 309

پير علي نصوح: 329

پيري رئيس: 85، 86، 87، 88، 109، 116

بيله بك: 54

حرف التاء تاج العارفين: 208

تاج الدين المالكي القاضي: 283

توخته خان: 236، 237، 248، 252

توفيق وهبي (معالي الأستاذ): 192

توقيعي زاده: 328

تيمور خان بن سلطان علي: 78

تيمور لنك: 82، 333

حرف الثاء ثاني: 186

حرف الجيم الجاحظ: 335

الجامي (عبد الرحمن): 125، 304

جانيك سلطان: 268

جانبولاد بك: 132، 133

الجرجاني (السيد شريف): 304، 328

جعفر پاشا: 292

جعفر پاشا الخادم: 165

جعفر بك: 34، 127

جعفر الدجيلي: 135

جعفر دده: 189

جعفر بن عبد الجبار الموسوي (السيد):

174

جلاب: 259

جلال الدين بن بهاء الدين: 293

جلال الدين الرومي: 161، 163

جلال الدين بن ملك دينار: 97

الجلالي: 175، 179

جمال الدين المؤرخ: 330

الجنيد: 150

جهان دده: انظر (كلامي)

جهان شاه: 75، 109

جواد صدر: 111

جوهري: 168، 185

الجيلي: انظر عبد القادر الگيلاني

حرف الحاء حاجي: 186

حافظ الشيرازي: 123

الحر العاملي: 8

حزمي: 186

حسام الدين: 52

حسن (منلا): 186

حسن من آل بندر: 65

حسن أغا: 264، 266

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 365

حسن أغا (كوچك): 284

حسن أمير العمادية (السلطان): 308

حسن پاشا (جديد): 51، 176

حسن پاشا: 235، 275

حسن پاشا (كوچك): 292

حسن پاشا أمير أمراء قرمان: 289

حسن

پاشا الچركسي: 226، 239

حسن الجلايري (الشيخ): 65

حسن بن خضر: 76

حسن الدفتري: 184، 319

الحسن السبط (أبو محمد): 302

حسن السنباتي: 355

حسن سيرين: 186

حسن بن سيف الدين: 82

حسن پاشا الصدر الأعظم (داماد): 15

حسن الطويل (السلطان): 38، 130، 173، 174، 175، 178، 179، 181، 192

حسن پاشا الطرناقجي: 175، 178، 176، 192

الحسن بن علي بن أبي طالب (ر ض):

43

حسن كاتب الديوان: 156

حسن كدخدا: 125

حسن نقيب كربلا (السيد): 223، 294

حسين (مير): 53، 54

حسين الأدرنوي مفتي بغداد: 178

حسين أغا: 265

حسين أغا الكتخدا: 232

حسين پاشا: 266، 267، 269، 270

حسين پاشا: الجركسي: 229

حسين پاشا (كور): 225، 226

حسين پاشا أفراسياب: 171

الحسين الإمام (أبو عبد اللَّه): 302

حسين پاشا أمير أمراء روم إيلي: 279، 280

حسين أمير العمادية (السلطان): 55، 79، 307، 309

حسين پاشا پتور، بودور: 142

حسين بك: 80

حسين بن پير بوداق: 53

حسين چلبي: 49

حسين بن حسن بن سيف الدين: 82

حسين خان (حاكم اللر): 213، 271، 284

حسين الدده (السيد): 188

حسين بك الداسني: 54، 55، 305، 306

حسين پاشا الصدر الأعظم: 214

حسين پاشا عموجه زاده: 15

حسين بن فياض الحياري: 297، 298

حسين الكردي (الأمير): 103، 106، 109، 110

حسين الواعظي: 123

حسين پاشا والي الموصل: 217، 218

حسين پاشا الوزير الأعظم: 202

حسني البغدادي: 144، 168

حقيقي: 122، 167

حكمت سليمان (فخامة الأستاذ): 199

حكمي: 187

الحلاج: 162، 163

حمزة پاشا: 288

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 366

حمزة سلطان: 79

حميدي: 185

حيدر آغا: 265، 266

حرف الخاء خادمي البغدادي: 169

خالد العجاج آل أبي ريشة: 299

خاكي: 185

خدابنده (السلطان): 59

خرم شاه: 260

خسرو پاشا: 130، 241، 243، 263، 265، 297

خضر: 79

خضر بن إلياس: 76

خضر پاشا: 121، 122، 129، 167

خضر بن گلول: 76

الخطي (جعفر بن محمد): 174، 354

الخطيب البغدادي: 40، 160

الخفاجي: 233

خلف خان: 267، 276، 279

خلف شوقي: 171

خلف المشعشع: 174

خليفة: 79

خليفة مقصود: 288

خليل: 278

خليل آغا:

283

خليل پاشا: 248، 249، 252

خليل شاه: 103

خواجة جهان: 123

خواجو الكرماني: 123

خير الدين پاشا: 90، 97

حرف الدال داعي: 167، 184

داود پاشا: 85، 160، 248

داود الچلبي (الدكتور): 94، 117، 118، 119

دراج نقيب الأشراف (السيد): 223، 294

درويش المولوي: 285، 286

دلاور پاشا الوالي: 202

حرف الذال ذو الفقار: 29، 323، 338

ذهني چلبي: 169

حرف الراء الرازي الشيرازي: 170

راشد بن مغامس: 58، 61، 63، 311

راكان: 66

رامي الدمشقي: 268

رجب أغا: 292

رجب پاشا: 243، 251

رجب دده: 27، 34

رجب رئيس: 88

رستم پاشا: 127، 142

رستم بك: 309

رستم خان: 245، 248، 270، 289، 290

رشيد عالي الگيلاني (فخامة السيد): 155

رضائي: 128، 137

رضا زادة شفق: 29

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 367

رضوان أغا: 274

رضوان بك: 258

رضوان القاضي: 156، 210، 329

رفعت الكليسي: 19

ركن الدين الحسني: 59

رمضان الگيلاني (السيد): 155

رميزان: 66

رندي: 137، 185

روحي البغدادي: 10، 146، 147، 156، 157، 164، 169، 170، 175، 183، 185، 189، 225، 319، 329، 353

حرف الزاي زكريا عليه السّلام: 151

زلغلو بالطه چي: 195

زمچي (السيد محمد): 293

زنكي: 341

زين الدين: 82

زين الدين الگيلاني (الشيخ السيد):

154، 155، 328، 330

زين الدين المعبري: 347

زينل خان: 230، 239، 245، 255

حرف السين ساقي: 186

سجاد ابن السيد بدران: 145

سرحان بن جنعان: 65

سرخاب بك: 74، 75، 77، 78

سري السقطي: 150

سعد الدين التفتازاني: 304

سعد الدين الدوري: 293

سعدي زاده محمد: 330

سعيد بن فياض: 297

سفر پاشا: 264

سلحدار پاشا: 265، 268، 269، 278، 279، 284، 285

سلطان بن ناصر: 65

سلمان ساوجي: 123

سلمان الفارسي: 209

سلمان: 185

سلمان الكيلاني: 155

سليم الأول الياوز (السلطان): 23، 24، 82، 102، 103، 141، 311، 313، 346

سليم الثاني (السلطان): 45، 132، 308، 309، 313، 323

سليم شاه: 260

سليمان أفندي: 168

سليمان پاشا والي بغداد: 56، 59، 60، 72، 207، 208، 211، 221

سليمان چلبي: 312

سليمان پاشا والي الموصل: 229

سليمان پاشا

والي مصر: 37، 83، 84، 85، 108، 109

سليمان بك الصوراني: 307

سليمان بك والي الموصل: 226

سليمان خان أمير العمادية: 309

سليمان الدفتري: 319

سليمان رئيس: 88، 107

سليمان القانوني (السلطان): 8، 9،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 368

11، 12، 13، 17، 18، 19، 24، 25، 28، 29، 37، 38، 39، 41، 43، 44، 45، 46، 51، 54، 67، 72، 78، 82، 88، 89، 107، 108، 113، 122، 127، 131، 141، 147، 155، 168، 201، 207، 244، 256، 258، 260، 291، 292، 293، 305، 306، 309، 311، 313، 319، 323، 327، 328، 339، 343، 344، 346، 353

سليمان أحمد المهري: 117، 119

سليمان الموري: 187

سليمان بن مير سيدي: 54

سليمان نظيف: 127

سنان پاشا جغال زاده: 19، 41، 43، 61، 90، 123، 146، 147، 155، 156، 157، 164، 168، 178، 270

سهيل بك أمير الرماحية: 74، 82

سيد خان، سيدي خان أمير العمادية:

193، 194، 199، 213، 292، 309، 310

سيدي بك النشانجي: 32

سيدي علي رئيس: 13، 82، 89، 90، 91، 92، 93، 94، 95، 96، 97، 98، 99، 101، 110، 115، 117، 118، 121، 129، 320، 347

سيدي مير: 53، 54

سيف الدين: 53، 54، 55، 306، 307

سيف الدين بن زين الدين: 82

حرف الشين الشافعي الإمام: 198، 223، 303

شافي القشعمي: 65

شاه رخ: 82

شاه قولي (عبد الشاه): 21

شاه ويردي: 146، 157

شاهين پاشا: 268، 272

الشبلي (الشيخ) 150، 242

شديد بن أحمد: 296، 297

شرف خان: 29، 30

شرف (مير): 193، 194، 195، 199

شريف پاشا: 93، 94

شريف الخطاط: 185

شعلال آل صران: 66

شمس تبريزي: 162

شمس الدين سامي: 112

شمس الدين الگيلاني: 154، 155، 328، 330

شمسي البرسي: 12

شمسي البغدادي: 135، 137، 167، 197، 353

شمسي بك زاده: 259

شناسي: 340

شهريار: 260

شيخي: 186

شيطان قولي (عبد الشيطان): 21

حرف الصاد صادق بن

مير فتاح: 267، 287

صارو خان: 288، 290، 291

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 369

صافي چلبي: 61

صالح قحطان (المحامي الأستاذ): 157

صفائي: 17

الصفدي: 161

صفي خان (الشاه): 45، 255، 288، 347

صفي قولي خان: 213، 215، 217، 219، 227، 250

صوقوللي: 50

صولاق زاده: (محمد هدمي)

حرف الضاد ضائعي: 169

ضيا پاشا: 183

حرف الطاء طاشقين خواجه: 39

طبعي: 184

طرزي: 169، 185

طريف (مير): 261

طه ابن السيد شاكر: 293

طهماسب الأول (الشاه): 29، 30، 47، 54، 56، 67، 68، 75، 201، 311، 323، 346

طهمورث: 227، 251

طوراق أغا: 275

طومان باي: 102

حرف الظاء ظالم علي: 244، 248

ظاهر أبو مدلج: 295، 297

ظهير الدين الكازروني: 161

حرف العين عائشة أم المؤمنين: 201

عاتكة خاتون: 152

عاصم الگيلاني (السيد): 155

عالي أفندي الدفتري: 40، 145، 186، 225، 319

عامر أمير عدن: 83، 84، 103

عباس: 212

العباس (رض): 342

عباس إقبال (الأستاذ): 220

عباس دفتري الموصل: 286

عباس الثاني (الشاه): 220

عباس الكبير (الشاه): 18، 45، 195، 212، 215، 219، 221، 227، 228، 231، 241، 242، 244، 261، 264، 294، 311، 339، 346، 347

عبد اللّه أمير بدليس: 310

عبد اللّه (الشريف): 59

عبد اللّه أفندي (ميرزا): 220

عبد اللّه (الشيخ شيخو): 244

عبد اللّه توقيعي زاده: 328

عبد اللّه الكردي البغدادي (الشيخ): 171

عبد اللّه بن محمد قنبر أغا: 204، 206

عبد الملك البغدادي: 137

عبد الواحد التميمي (أبو الفضل): 150

عبد الباقي المولوي (قوسي): 18، 159، 163

عبد الحليم قرايازيجي: 180

عبد الحميد الثاني (السلطان): 11

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 370

عبد الرحمن (من أسرة عبد الرزاق): 155

عبد الرحمن پاشا: 142

عبد الرحمن چلبي: 219

عبد الرحمن الگيلاني (السيد): 155، 176

عبد الرحيم: 185

عبد الرزاق الگيلاني: 155

عبد العالي الكركي: 328

عبد العزيزقرا چلبي: 12، 260

عبد العزيز (من أسرة عبد الرزاق): 155

عبد العزيز الگيلاني: 155

عبد علي الحويزي (الشيخ): 172، 241

عبد الغني النابلسي: 163

عبد القادر الگيلاني (الشيخ):

41، 43، 147، 148، 149، 150، 153، 155، 304

عبد القادر قره خان: 126، 353

عبيد زاكاني: 123

العتبي: 16

عثمان (السلطان): 311، 312، 313

عثمان (كنج): 246، 259

عثمان أغا: 269

عثمان پاشا السردار: 75

عثمان پاشا الصدر الأعظم: 309

عثمان پاشا والي حلب: 73

عثمان الخياط البغدادي (الشيخ): 223، 330

عثمان الطوقاتلي: 231

عز الدين شير: 51، 52، 54، 305، 306

عزيز اللّه: 68

عزيز چلبي: 35

عقاب: 64، 65

علاء الدين (الشيخ): 210

علاء الدين البخاري: 162

علاء الدين شيخ الإسلام: 46

علاء الدين: انظر (القوشجي)

علمشاه رئيس: 96

علمي: 185

علي بن أبي طالب (الإمام): 40، 150، 228، 302، 304

علي بن أحمد الهيتي: 355

علي أغا البصري: 233

علي الأمير: 135

علي باشا: 134، 145

علي باشا أرسلان: 265، 266

علي پاشا أفراسياب: 173، 181، 233، 241، 242، 261

علي پاشا بن ألوند: 43، 147

علي پاشا أوردار: 266

علي پاشا الدرويش: 143

علي پاشا الصوفي: 141، 142

علي پاشا قاضي زاده: 156، 201، 202

علي پاشا والي البصرة: 171، 172

علي پاشا والي بغداد (تمرد): 68، 69، 70، 72، 73

علي بك: 187، 307

علي بك المصري: 87

علي بك أمير واسط: 70

علي بك بن عيسي (شاه): 53

علي حيدر (الأستاذ): 46

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 371

علي خان: 271

علي خان أكرمي: 186

علي بن سرخاب (سلطان): 78

علي (السيد من أسرة عبد الرزاق): 155

علي سلطان: 79

علي السنباتي: 355

علي بن عليان: 92

علي العيني: 317، 340، 342، 343، 344

علي فاقي: 187

علي الگيلاني (السيد): 155

علي بن موسي الرضا (الإمام): 150

علي الهكاري (الشيخ أبو الحسن): 150

علي الهمذاني: 270

عماد الدين زنكي: 80

عمانوئيل الأول: 102

عمر (أخو بكر صوباشي): 220، 221، 224

عمر أغا الكتخدا: 205، 208، 217

عمر پاشا: 248

عمر پاشا الأرناوود: 234

عمر پاشا الدفتري: 231

عمر البصري: 242

عمر رمضان: 315

عهدي البغدادي: 69، 121، 122، 127، 128، 129، 135، 137، 144، 165، 168، 169، 170، 183، 184،

185، 187، 197، 353

العيثاوي: 197

عيسي عليه السّلام: 151

عيسي بك ابن شاه علي بك: 53

عيسي خان: 219

عيسي بن سليمان: 54

عيسي صفاء الدين البندنيجي (السيد): 51

عيسي بن كلوس: 52

عيني علي: انظر علي العيني

حرف الغين غازان: 47

غانم البغدادي المفتي: 156، 209، 329، 331

الغرابي: 18، 144، 147، 222

حرف الفاء فاطمة بنت أبي عبد اللّه الصومعي (أمة الجبار): 43

فامبيري (أ.): 13

فؤاد الكوپريلي: 127

فتاح (مير): 228، 276، 279، 280

فتح الجزائر: 127

فخر الدين الرازي: 303

فردي: 12

فرهاد پاشا: 59، 60، 61، 66، 67، 179، 310

فريد الدين العطار: 162

فريدون (أحمد پاشا): 16، 31، 33

فضل: 134

فضل اللّه الحروفي: 184، 188

فضلي بن فضولي البغدادي: 45، 127، 128، 138، 139، 141، 169، 185، 353

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 372

فضولي البغدادي: 10، 36، 37، 63، 64، 67، 68، 122، 123، 138، 139، 169، 188، 189، 225، 328، 353، 354، 355

فضيل چلبي: 329

فغاني: 185

فكري چغاله زاده: 168، 198

فهمي: 186

فيضي (محمد بك): 168، 184، 319

حرف القاف قادر چلبي: 127

قارچغاي: 217، 218، 225، 227، 285

قاسم (الإمام): 129

قاسم خان: 213، 226، 230، 239

قاسم علي: 186

قانصوه الغوري: 102، 103، 104

قباد پاشا: 87، 88

قباد بك: 307، 309، 310

قبودان پاشا: 265، 267، 269، 272، 335

قرا مصطفي: 96

قرموش: 296

قزاق خان: 45

قطب الدين المكي: 18

قفجاق: 76

قلفات ممي: 96

قلي بك: 54، 307

قني مصلي چلبي: 187

قوچي بك: 317

قور قمز خان: 157

قوسي الخطاط: انظر عبد الباقي المولوي

القوشجي: 130

قيا سلطان: 39

حرف الكاف كاتبي أفندي: (سيدي علي رئيس)

كاتب چلبي: 14، 114، 135، 209، 223، 235، 237، 239، 244، 246، 248، 260، 340

الكاتبي الرومي: 13، 89

الكاتبي القزويني: 13

كاخ بهشت: 176

كاظم صدر: 111

كاهي: 185

كشفي: 184

كلامي (جهان دده): 169، 185، 188، 189

كلب علي خان: 230، 239، 264

كلوس: 52، 77

كلول: 76

كمال رئيس: 85، 88

كمال

چلبي: 327

كنعان من قشعم: 65

كنعان پاشا: 264

كورجي باشي: 266

كور خزينة دار: 259، 271

گورگيس عواد (الأستاذ): 347

كوه القبطان: 96

الكيا الهراسي: 315

الگيلاني: انظر عبد القادر الگيلاني

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 373

حرف اللام لبيب أفندي: 124

لطف اللّه (الشيخ): 220

لقمان الحكيم: 289

لمعي: 187

حرف الميم ماجد بن محمد: 117

مأمون بك: 72، 78

مأمون خان: 244

مانع بن راشد: 58

مانع المشعشع: 55

مبارك بن سجاد المشعشع: 173، 174، 201

المبارك المخرمي (أبو سعيد): 147، 148، 149، 150، 153، 154

مبارك بن مطلب بن بدران: 145

المتنبي: 126

المحبي: 267، 268، 283

محمد رسول اللّه صلي اللّه عليه و سلم: 7، 14، 40، 92، 95، 136، 150، 151، 302

محمد بن أحمد الطويل: 160، 182، 193، 194، 195، 198، 200

محمد أغا (درويش): 36

محمد أغا العقيد: 204

محمد أفندي: 15

محمد أفندي دولگر زاده: 130، 328

محمد أفندي القاضي: 231

محمد أفندي نائب المحكمة: 330

محمد أمير العمادية: 309

محمد پاشا: 209، 265، 284، 286، 292

محمد پاشا (آش): 292

محمد پاشا أرنوود: 248

محمد پاشا البالطه جي: 69، 70، 72

محمد پاشا (درويش): 259، 271، 290، 292

محمد پاشا سنان: 178

محمد الشيخ القشعمي: 64، 65، 66

محمد الشيرازي (المولي): 168

محمد پاشا الصقوللي: 16، 164، 175

محمد پاشا الطيار: 229، 252، 259، 273، 274، 285

محمد پاشا قانلي: 266

محمد پاشا الكتخدا: 146

محمد پاشا الگرجي: 229

محمد پاشا الكوپريلي: 15

محمد پاشا النشانجي: 17، 18، 126

محمد پاشا والي بغداد: 127، 178

محمد پاشا والي حلب: 272

محمد پاشا الوزير: 18، 58، 66، 67، 68، 70، 264، 273

محمد بك: 187، 198

محمد بك: 77، 168

محمد بك بن مأمون: 78

محمد بك الدفتري: انظر (فيضي)

محمد بكر صوباشي (درويش): 204، 205، 219، 221، 222، 224

محمد الثالث (السلطان): 313، 323

محمد چاووش: 187

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 374

محمد چلبي: 187

محمد چلبي (السلطان): 312

محمد چلبي

كاتب الديوان: 159، 160، 182، 198، 200

محمد الحارث المفتي: 134، 135

محمد بن حسين مدرس النجيبية: 293

محمد خان حاكم بغداد: 26، 27، 29، 33، 34، 36

محمد خدا بنده (الشاه): 346

محمد دده: 187

محمد ذخري الموصلي: 301

محمد رؤوف پاشا: 301

محمد سيف بك: 75

محمد شرف الدين (الأستاذ): 335

محمد شكري (الأستاذ): 115

محمد طاهر بك: 301

محمد بن عبد الملك: 137، 195، 355

محمد علي ميرزا: 32

محمد علي پاشا الكبير: 12

محمد علي پاشا الگرجي: 262

محمد الفاتح (السلطان): 40، 130، 172، 311، 313

محمد قاضي بغداد: 127، 328

محمد قدسي رمضان زاده: 18، 330

محمد قرا أرسلان نور الدين: 189

محمد قنبر آغا: 204، 205، 206، 221

محمد قولي خان: 289، 290، 291

محمد كمونة (السيد): 28، 35

محمد بن محمد الكردري: 178

محمد بن محمود الشريف: 59

محمد بن مراد خان: (السلطان): 176

محمد نجيب (شيخ الحلقة): 152

محمد النشانجي رمضان زاده: 40، 44

محمد همدمي صولاق زاده: 17، 37، 56

محمد ياسين الحموي (الأستاذ): 105، 113

محمدي: 186

محمود: 187

محمود پاشا والي الموصل: 121

محمود پاشا ابن إياس پاشا: 61

محمود پاشا ابن سنان: 156، 135، 182، 198، 199، 200، 202

محمود پاشا الطيار: 181

محمود الثاني (السلطان): 190

محمود الثنائي (السيد): 293

محمود چلبي الخطاط: 295

محمود حسام الدين الگيلاني (السيد):

155

محمود بن زكريا الگيلاني (السيد): 155

محمود شكري الآلوسي (الأستاذ): 44

محمود شوكت پاشا: 199

محمود (الشريف): 59

محمود ملك كجرات (السلطان): 82، 84، 108، 109

محيطي: 169

محيي الدين بن عربي: 92، 162، 163

محيي الدين الگيلاني (السيد): 175

مدحة پاشا: 79

مدلج: 232، 296، 297، 298

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 375

مراد پاشا: 142، 227، 228، 231، 232، 233

مراد پاشا حاكم حلب: 298

مراد پاشا القبوجي: 201

مراد الثالث (السلطان): 46، 143، 159، 309، 313، 323

مراد الثاني (السلطان): 312

مراد خان: 244

مراد خان أمير العمادية: 309

مراد خداوند كار: 312

مراد الرابع (السلطان): 8،

9، 13، 18، 25، 26، 39، 164، 207، 211، 217، 250، 251، 254، 255، 256، 260، 264، 293، 294، 299، 307، 310، 311، 314، 323، 330، 338، 339، 346

مراد رئيس: 88، 89، 94

مرادي: 137

مرتضي آل نظمي: 51، 156

مرتضي پاشا: 138، 252، 281

مريدي: 186

المستنصر باللّه العباسي: 159، 161، 176

المسعودي: 53

مصطفي بن أحمد البلغرادي: 41

مصطفي بن محمد خسرو زاده: 19

مصطفي أغا الركابدرا: 284

مصطفي پاشا: 266

مصطفي پاشا (قرا): 288

مصطفي پاشا الأول (السلطان): 313، 314

مصطفي پاشا ابن إياس: 61

مصطفي پاشا ابن الطويل: 182، 198، 199، 200

مصطفي چلبي: 312

مصطفي پاشا حاكم البصرة: 92، 93، 94

مصطفي پاشا صاروقجي: 181، 192

مصطفي پاشا القپودان: 263، 274

مصطفي پاشا والي بغداد: 171

مصطفي پاشا والي حلب: 229، 230

مصطفي پاشا الوزير: 260

مصطفي بك آل بيقلي: 84

مصطفي بك الدرزي: 96

مصطفي التذكره چي: 284

مصطفي جواد: 51، 91، 94، 113، 160، 208، 251

مصطفي كمال أتاتورك (فخامة): 190، 192

مصطفي مذكرچي زاده: 293، 330

مصطفي النشانجي: 32، 40

مصطفي النيكساري (مصلح الدين): 327

مصلح الدين اللاري: 197

مظفر پاشا: 132

مظفر شاه: 103، 104

معاوية بن أبي سفيان (ر ض): 40

معروف الكرخي: 150

المقريزي: 106، 115

ملندي (ميرانتي): 104

مناحيم دانيل: 157

منذر بن بابلو: 76

المنشي البغدادي: 31، 33

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 376

المنصور (الخليفة): 337

مهدي: 185

مهدي عبد الحسين النجم: 51

مهنا: 66

موسي پاشا: 260

موسي چلبي: 312

موسي الكاظم: 9

مير محمد: 265

ميره بك: 243، 307

ميرزا مخدوم: 328

حرف النون نادر شاه: 18

نادري: 169

الناصر من قشعم: 65

الناصر لدين اللّه (الخليفة): 51، 164، 189

ندائي: 186

نسيمي: 124، 125، 184، 190

نصرتي: 170، 185

نصوح پاشا: 182، 193، 194، 195، 197، 198

نصوح المطراقي: 11، 31، 32، 35، 37، 260

نظامي: 136، 353

نظمي البغدادي: 137، 240، 259

نعمان القاضي: 187، 329

نعيما (مصطفي): 15، 180، 265، 272، 275، 281، 285، 299

نقد علي خان:

276

نقدي: 185

نوري القاضي: 222، 223، 330

نوغاي: 229، 245، 252، 262، 266

نيازي: 145

حرف الهاء هارون الرشيد: 341

هاشم ناهيد: 127

هامر الألماني: (الأستاذ البارون): 119، 219

هلو خان أمير أردلان: 78، 201، 305

همايون شاه: 108

حرف الواو واسكودوغاما: 102، 105

والهي: 170

ورشچن: 124

وصاف: 16

ولي پاشا: 194، 195

ولي بك: 74، 75

ويسي بك: 127

حرف الياء يار علي: 276، 279

ياسين بن حمزة البصري: 171

ياقوت: 73، 160، 209

يحيي عليه السّلام: 151

يحيي أمين زاده كوسه سي: 327

يحيي شيخ الإسلام: 286

يحيي نوعي: 329

يزيد بن معاوية: 303، 304

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 377

يعقوب پاشا كافر أوغلي: 234، 239

يعقوب سركيس (الأستاذ): 64، 65، 322

يلدرم بايزيد: 312

يوسف عليه السّلام: 151

يوسف پاشا: 203، 204، 205، 207، 245

يوسف بك أمير برادوست: 55

يوسف بك أمير دستاره: 75

يوسف تركي: 109

يوسف چلبي: 187

يوسف خان أمير العمادية: 310

يوسف الطرسوسي: 150

يوسف قاضي بغداد: 328

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 378

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

حرف الألف آق قوينلو: 19، 20، 30

آورامان انظر هاورمان

أبو ريشة (آل): 193، 194، 198، 199، 295، 299

أتابكة الموصل: 76، 80

الأجود: 64، 66

أردلان: 79، 201، 213، 244، 305، 306، 308

أرناود، أرناوط، أرنبود: 60

الأسبان: 102، 106

استاجلو: 29

الإسلام، و المسلمون: 14، 36، 37، 40، 41، 83، 92، 96، 97، 99، 101، 104، 105، 107- 109، 149- 154، 197، 236، 262، 301، 303، 347

أفراسياب (آل): 10، 19، 171، 172، 181، 241، 310، 343، 356

الإفرنج، الفرنج: 103، 104، 105، 109

أفشار، أوشار: 29، 213

الأفغان: 21

أكراد سهران: 194

الأمويون: 80، 83

الأوربيون: 60

الإنگليز: 111

أهل القنطرة: 263

أهل الموصل: 225

أهل العبا: 223

الأيوبيون، الدولة الأيوبية: 115، 106

حرف الباء بابان: 308

باجلان، باجوان: 300، 344

پاچه چي (آل): 164

البرامكة: 296

البرتغاليون: 13، 81، 83، 85، 88، 93، 102، 105

البغداديون: 136

بكتكين (آل): 76

بندر (آل): 65

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص:

379

بهارلو: 29

بهدينان (آل): 80

الپهلوية (الدولة): 21

البوبراطم: 66

البيات: 122

حرف التاء التتار: 20، 303

التتار القالماق: 20

الترك، الأتراك: 7، 23، 36، 40، 56، 61، 73، 103، 106، 119، 122، 123، 126، 129، 133، 136، 153، 161، 170، 188، 192، 209، 212، 225، 227، 240، 242، 243، 251، 253، 258، 268، 273، 281، 310، 316، 334، 335، 354

ترك المغول: 124

التركمان: 20، 29، 194، 350، 353

تكلو: 26- 29، 34، 35

حرف الجيم الجاف: 290، 299

الچراكسة: 102، 106، 130

الجغتاي: 20

الجلالية: 163، 195، 356

الجمهورية التركية: 7، 16، 190

الجنابيون: 66

چنعان، كنعان (آل): 65

الجوربه جي (آل): 71

الجولمركية: 80

حرف الحاء الحنابلة: 301، 325

الحنفية: 301

حيار (آل): 296

حرف الخاء الختن: 20

الخزاعل: 65

خفاجة: 65، 66

الخطا: 20

الخوارج: 304

الخوارزميون: 16

حرف الدار الداسنية: اليزيدية

دانشمندي: 20

الدده (آل): 169، 188، 189

ذو القدرية (دلغادر): 29

حرف الراء ربيعة: 64

الرسول (آل): 185

حرف الزاي زرزا (قبيلة): 307

زبيد: 299

حرف السين سالة يي: 342

سلجوق (آل): 20، 76، 172

السورانيون: 52

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 380

حرف الشين الشافعية: 223، 301، 325

شبيب (آل): 59

الشرفاء: 58

شليهب (آل): 66

الشمدينانية: 80

شهاب البصري (آل): 171

الشيوخ: 65

حرف الصاد صاح (آل): 342

الصحابة: 201، 258

الصفويون، الدولة الصفوية: 14، 18، 20، 21، 23، 24، 29، 78، 154، 220، 311، 338، 339، 346، 347، 348، 354، 356

الصهرانيون: 52، 54

صوران، الصورانيون: 54، 55، 300، 301، 305، 309

الصولاق (آل): 60

حرف الضاد ضياء الديني: 290

حرف الطاء طاهر (بنو): 83، 103

طيي ء: 135، 295، 299، 341، 357

حرف العين عبادة: 65

العباسيون، الدولة العباسية: 18، 76، 80، 121، 337

عبد الرزاق (آل): 154

عبد العزيز (آل): 154

العثمانيون: الدولة العثمانية: 7- 9، 12، 11، 12، 13، 14، 15، 16، 17، 19- 26، 41، 47، 51، 55- 57، 61، 63، 67، 72، 75- 79، 82، 85، 86، 88، 89، 96، 101،

102، 106- 111، 114، 123، 146، 154، 155، 161، 163، 170- 174، 179، 189، 190، 193، 207- 214، 218، 230- 242، 245- 249، 255- 258، 260، 261، 265، 267، 271، 275، 281، 287، 291، 294، 301، 305، 306، 311، 314- 319، 323، 325، 331- 334، 337- 340، 343، 346- 349، 354- 357

العجم، الأعجام: 19، 21، 26، 29، 36، 40، 56، 67، 75، 106، 118، 131، 136، 146، 154- 157، 164، 173، 174، 179، 200، 202، 211- 214، 217، 221، 226، 227- 237، 240، 241، 244- 256، 261، 263- 265- 289، 294، 297، 299، 341، 342

العرب، العربان: 61، 83، 85، 97، 105، 110، 113- 116، 119، 132، 133- 136، 163، 173،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 381

199، 265، 296، 297، 298

علي (آل): 294

العلي اللهية: 191

عليان (آل): 70، 92، 131، 132، 134، 135، 310

حرف الغين الغرابي (آل): 99، 101، 117، 200

غزية: 299

حرف الفاء الفرس: 124، 167، 170

الفرنسيون: 111

الفيلية: اللرّ

حرف القاف قاجار: 29

قايي خان: 311

قبارتاي: 130

قراعلي (آل): 200

قراقوينلو: 14، 168

القشعم (الجشعم): 63، 64، 65، 178، 199، 299، 357

حرف الكاف الكرد، الأكراد: 55، 73، 74، 75، 79، 126، 132، 193، 194، 199، 248، 308

الگيلاني (آل): 29، 154، 155

گوران: 76

الكيانية: 180

اللرّ، الفيلية: 55، 146، 213، 271، 341، 342

اللوند: 103، 369

اللهيب: 66

حرف الميم ماء السماء (بنو): 64

مالك (بنو): 66

المالكية: 301

المخالي: 66

مرا (آل): 295

المسعود: 66

المشعشعون، آل المشعشع: 55، 92، 174، 201

المصريون: 102

مصطفي سليم (آل): 164

المغاربة: 103

المغول: 7، 13، 19، 52، 76، 80، 111، 316، 333، 350، 353

المماليك في مصر (دولة): 23، 293، 311، 324

المنتفق: 58، 59، 65

المولوية: 163

حرف النون الناصر: 65

نظمي (آل): 156

حرف الهاء هاروني: 290

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4،

ص: 382

هاورمان: 79

الهكارية: 80

الهنود: 119، 261

الهولنديون: 111

حرف الياء اليزيدية (الداسنية): 54، 55، 300، 301، 305- 307، 309، 311

اليسار: 66

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 383

3- فهرس المدن و الأماكن

حرف الألف آدم عليه السّلام (مقام): 91

آستانة انظر استانبول

آشب: 80

آلان: 78

آلتون كوپري: 56، 226، 227، 234، 243، 263، 342

آمد: 129، 248

آورامان (هاورامان): 291

إبراهيم عليه السّلام (مقام): 90

ابروان: 244

إبرومان: 345

ابن الحنفية (مرقد): 93

أبو شهر: 93

أبو كلبين (نهر): 133

الأحساء: 48، 143، 174، 340، 343، 354

أحمد آباد: 13

أحمد بن حنبل (تربة): 90

أخسخة: 264، 291، 264

أدرنه: 58، 169

أدنه (أطنه): 198

أذربيجان: 29، 34، 37، 79، 51، 52، 54، 82، 194، 244، 300، 305- 307، 309، 344

أردلان: 54، 76، 201، 213، 244

أرضروم (ارزن الروم): 61، 179، 252، 262، 264

أريحا: 298

ازمير: 329

استانبول (الآستانة): 11، 16، 17، 19، 30، 37، 38، 40، 55، 56، 58، 85، 88، 114، 126، 130، 131، 138، 145، 154، 165، 165، 166، 170، 172، 181، 183، 217، 218، 231، 239، 240، 243، 251، 252، 258، 260، 283، 287، 291، 294، 295، 309، 311، 327، 335، 340، 353.

اسكدار: 29، 30، 67، 258، 264

الإسكندرية: 132

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 384

أسكي موصل (الموصل القديمة): 292، 344

أشقودرة: 70

أصفهان: 68، 215، 237، 245، 289

الأعظمية: 36، 181، 233، 246

الأفراسيابية: 181

إفريقية: 23، 94، 102، 106

الأفغان: 21

أكري: 313

ألبانيا (ارناوود): 60

ألوند (نهر): 31

الإمام الأعظم (مرقد): 33، 38، 40، 90، 225، 265، 286

أميركا (أميركة): 102، 106

الأناضول (أناطولي): 23، 69، 131، 179، 200، 232، 248، 251، 266، 280، 311، 346، 356

الأندلس: 121

أنس بن مالك (تربة): 92

أنطاكية: 70

أنقرة: 335

أوان: 52

أورمان: 291

أورپا: 18، 105، 333

أوشني: 345

أوفن (بودين، بدون): 57

أولوصو: انظر ديالي

أولونية: 265، 266

أويس القرني (تربة): 31، 129

أياصوفيا: 31

إيطاليا: 269

أنيجة صو: 263

إيران و الإيرانيون:

7، 18، 23، 29- 33، 36، 37، 40، 46، 57، 61، 67، 68، 75، 79، 97، 102، 106، 111، 119، 123، 141، 146، 157، 163، 164، 165، 198، 201، 225، 227، 229، 230، 237، 240، 241، 243، 247، 249، 252، 261، 264، 277، 278، 280، 287، 288، 299، 305، 307، 311، 316، 338، 339، 341، 342، 346

حرف الباء الباب الأبيض (آق قپو): باب الإمام الأعظم

باب الأزج (محلة): 147، 251

باب الإمام الأعظم: 208، 264، 265، 277، 283

باب البصرة: 189

الباب الشرقي: 215، 229، 265، 266، 277، 278، 279، 280، 281، 282

باب الشط: 269

باب الشيخ: 147

الباب المظلم (قراقاپي): الباب الشرقي

باب المندب: 86، 94

الباب الوسطاني: 265، 266، 267، 270

بابان: 53، 308

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 385

باجوان (باجلان): 344

پاريس: 117، 118، 209

پاسكه (قلعة): 75

باسكي: 244

باش دولاب: 245، 264، 288

پاق: 355

بالس: 132

بالكان: 52

بانه: 75، 344

باورة برند: 244

بايزيد (قلعة): 80

البحر الأبيض المتوسط (بحر المغرب):

90، 102، 107، 114

البحر الأحمر (القلزم): 61، 83، 88، 106، 107، 109، 110، 111، 115

البحر الأخضر: 94

البحر المحيط الأطلسي، أو الأتلانتيكي (بحر الظلمات): 102، 103، 104

بحر عمان: 13، 94، 97

البحر المحيط الهندي: 13، 85، 97، 98، 102، 104، 106، 109، 111، 115

بحر مرمرة: 112

البحرين: 55، 87، 93، 94، 174، 354

بدر (في المدينة المنورة): 40

بدليس (بتليس): 29، 30، 310

بدرة: 290

برجاش: 97

بر العرب: 93، 97

بر فارس: 94

البرتغال: 19، 83، 86، 93، 97، 99، 102، 105، 106، 108، 111، 116، 129، 316، 320، 347

برج العجم، برج العجمي: 228، 235، 271

برخت، برخته (كشم): 86، 94

بردان: 33

پرنلي: 345

بروج: 75

بروسة: 142، 329

پشته: 57

پشتكوه: 342

بشر الحافي (تربة): 91

پشيوه: 31

البصرة: 13، 28، 35، 36، 43، 48، 55، 58، 61، 63، 69، 70، 72، 82، 86-

94، 116، 127، 131، 134، 143، 171، 172، 174، 181، 189، 193، 201، 229، 231، 233، 239، 241، 242، 288، 291، 307، 311، 315، 320، 331، 343، 354، 356

بعقوبا: 32، 207، 209، 264

بغداد: 7، 8، 11، 13، 19، 24- 49، 51، 55- 61، 66- 75، 78، 79، 82، 90، 91، 101، 103، 104، 108، 121- 125، 127، 129- 134، 137- 148،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 386

153- 161، 164- 171، 173، 175، 176، 180- 184، 187- 229، 232، 234، 239- 243، 245، 247، 249- 258، 260- 262، 264- 275، 278- 294، 297، 299، 301، 304، 310- 315، 319، 321- 331، 336، 339- 343، 346، 347- 350، 356، 357

بغداد كوشكي (قصر بغداد): 294

بلخ: 162

بلدروز (براز الروز): 31

پلقاص: 345

البلقان: 20

البلوج: 97

بلوجستان: 97

بلوك اليمين: 287

البندقية (ونديك): 106، 112، 114

بندر عباس: 94

بندنيج (مندلي، مندلجين): 168

بواب: 134

بودا- پشته: 57

بودين: 142، 156

بوزاوق: 259، 271

بوسنه: 70، 141، 155، 203

بولاق: 12

بومبي: 98

بهرز: 208، 239

بهلول دانه (تربة): 91

البيات: 122، 342

بيات وده ليران: 342

بيدرار: 263

بير (قلعة): 91

بيره: 291

پيره جك: 90، 132، 259

بيروت: 51

بيستون (جبل): 129

بيلور: 146

بين كدره (بيكدره): 33

حرف التاء تابية (طابية): 276، 279، 280

تابية الزاوية (كوشه قوله سي): 270

تادده: 146

تامرا: 32

تبريز: 30، 37، 56، 67، 125، 165

تخت سليمان: 79

تربة سلجوقي خاتون: 189

تربة أبي أيوب الأنصاري: 40

تربة الإمام أبي يوسف: 90

تستر (شوشتر): 93

تغر: 77

تكريت: 90، 129، 234، 265، 288، 344

تكية بابا گور گور: 189، 190، 191

تكية البكتاشية: 188، 189

تكية خضر إلياس: 189، 190، 263، 269، 351

تكية الددوات: 169، 188

تكية دده خضر: 189، 191

تكية القادرية: 41، 148، 154

تكية كربلاء: 188

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 387

تكية مردان علي: 189، 191

تكية الملا سعيد الدوري: 293

تكية

المولوية: 159، 160، 182، 350

تلعفر: 189

تنوره: 77

توقات: 180

تيل طاري: 345

حرف الجيم جادي: 94

چالديران: 23، 29، 339، 346

جامع الآصفية: 159، 160، 161

جامع إسكندر پاشا: 131

جامع الإمام الأعظم 38، 39، 40، 41، 350

جامع الإمام الحسين: 143، 144

الجامع الأموي: 197

جامع جديد حسن باشا: 50، 51

جامع الحاج فتحي: 272

جامع الخلفاء: 223

جامع دلي فتح: 272

جامع السراي: 50، 51، 351

الجامع السليماني: 50، 51، 176، 293، 351

جامع الشيخ عمر السهروردي: 351

جامع الصاغة، جامع الخفافين: 163، 350

جامع القلعة: 292، 324، 330، 351

جامع الكاظمين: 440، 45، 138، 141، 351

جامع الگيلاني: 41، 43، 44، 143، 144، 147، 148، 154، 288، 350

جامع المرادية: 128، 138، 140، 141، 292، 293، 351

جامع المرجان: 351

جامع الوزير: 161، 175، 350

جامع الوفائية: 351

جامعة استانبول: 353

جامهر: 98

چبوق (قنطرة): 263، 289

جدة: 83، 85، 94، 103، 118، 261

الجديدة (ينگيجة): 208

جرجس النبي (مشهد): 90

الجزائر: 63، 70، 71، 92، 133، 134، 135، 173، 341، 343

جزائر البصرة: 70

الجزيرة: 129، 193، 226

جزيرة رودس: 89

جزيرة العرب: 83- 86، 103، 107، 110

جزيرة كيشم: 94

الجوازر (الجزائر): 341

جسان: 230، 290

جسر بغداد: 28

جسك: 97

جعير: 132

الجعيفرة (محلة): 189

چكد: 98

جلفار: 94

چمچمال: 146

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 388

چناد: 244

جنار كدوكي: 244

چنكوله: 341، 344

جنيد البغدادي (تربة): 91

الجواد الإمام (مشهد): 44

الچورم: 271

جومرد القصاب (تربة): 91

جيل: 153

حرف الحاء الحائر انظر كربلاء

الحبشة: 94

الحجاز: 316

حديثة: 132، 296

الحر الشهيد (تربة): 91

الحرم: 195، 197، 278

الحربية: 258

الحرمين الشريفين: 105، 261

حرير: 244، 307، 345

الحسن البصري (تربة): 82

الحسينية (قلعة): 91

الحسينية (نهر): 47

حصن كيفا (حسن كيف): 189، 227

حضرة الإمام علي عليه السّلام: 189

الحضرة القادرية: 154

الحضرة الكاظمية: 44، 45، 155، 328

الحضرة الكيلانية: 154

الحلاج (تربة): 91

حلب: 15، 29، 30، 57، 67، 68، 73، 82، 90، 130، 143، 154، 179، 195، 197، 201، 227، 229، 245، 252، 258،

259، 272، 296، 298

حلبجه (ألبجه): 77، 79، 244

الحلة: 37، 59، 73، 91، 132، 133، 199، 200، 213، 228، 239، 240، 246، 248، 249، 323، 340

حلوان: 31، 246، 341

حمرين: (جبل): 31، 33، 345

حورين انظر هورين

الحويزة: 55، 92، 173، 354

حيدر آباد: 347

حرف الخاء خارك (جزيرة): 93

الخالص: 32، 33، 124، 289

خان جغان (خان جغاله زاده): 157

خان الگمرك (القهوة): 159

خان اللاوند (محلة): 103، 269

خان مرجان: 324

الخانقاه الصغير: 290

خانقين: 27، 31، 33، 34، 213، 215، 344

خراسان: 129، 162، 188، 209، 217

خريسان: 32

خزانة أسعد أفندي: 260

خزانة قصر بغداد (بغداد كوشكي): 295

خزانة الجامعة باستانبول: 11

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 389

خزانة جامع الخلاني: 135

الخزانة العامة: 14، 220

خزانة فاتح: 126

خزانة كوپريلي: 137

خزانة المشهد الرضوي: 328

خزانة ولي أفندي باستانبول: 19

الخضر (مقام): 93

الخضيرية (محلة): 160

خليج البصرة (فارس): 61، 105، 115، 117

خورفكان: 94، 96

خورمال: 79

خوسير: 244

حرف الدال دار الآثار: 159

دار الحديث: 327

دار السبيل الگيلانية: 147

دار الأصنام: 98

دار الصناعة (ترسانه): 90

دار الكتب الوطنية: 209

دار القرآن (المستنصرية): 160، 161

دار القري: 164

داقوق: 189

الدانيمارك: 111

داود الطائي (تربة): 91

دجلة: 90، 133، 180، 189، 206، 234، 236، 245، 251، 254، 265، 270

الدجيل: 180

الدربند الكبير: 52

دربند خان: 32

درتنك: 31، 36، 217، 222، 229، 230، 246، 248، 289- 291، 341، 342

درگزين: 245، 246

درنه: 36، 222، 228، 248، 290، 342

دزفول: 169

دستارة: 75

دسفول: 93، 146

دكن: 103

دلخوران: 244

دلدل (مقام): 91

دلي عباس: 33، 272

دمشق: 105، 113، 161، 171، 184، 195، 197

دمن: 99

دمهران: 78

دمير قپوا: 244، 342

ده بالا: 342

دوان: 244

الدورق: 173، 174

ديار بكر: 30، 56، 57، 61، 67، 68، 76، 129- 132، 180، 182، 195، 199، 202، 207، 209، 211، 217، 218، 222، 226، 227، 229، 231، 243، 251، 252، 259، 262، 271، 287، 288، 292، 310

ديالي (نهر):

31، 33، 36، 129، 208، 228، 230، 234، 239،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 390

246، 271، 272، 280، 289، 292

الديو: 83، 99، 108، 109

الدير (نهر): 172

دير الروم: 160

حرف الذال ذو الكفل: 91

حرف الراء رأس الجسر (محلة): 269

رأس الحد: 86، 98

رأس الرجاء الصالح (رأس عشم الخير):

102، 103، 104، 105، 106

راودان: 77

رباط الخليفة الناصر: 189

رباط دير الروم: 159، 160، 161

الرحبة: 132

الرحمانية: 134

رزه (قرية): 33

الرصافة: 235

الرماحية: 74، 82، 133، 341

الرقة: 132، 193، 213

الرملة: 189

روان: 264، 267، 281

رودس (جزيرة): 89، 169

رودين: 345

الروم (بلاد و شعب): 20، 30، 40، 121، 124، 166، 167، 168، 179، 183، 189، 249

روم إيلي: 72، 142، 203، 229، 245، 265، 266، 278، 279

الرها (أورفة): 90

ريشهر: 93

حرف الزاي الزاب: 239، 243، 263، 292

الزاب الكبير: 52، 53

زاوية: 289

زبيد: 84، 103

الزبير (تربة): 92

زردوي: 291

زرنوك: 133

زعامة: 341

زكية: 91

زلم، ضلم، ظالم قلعة: 73، 77، 78، 244

الزمچي (تربة): 293

زمرد ماوا: 291

زنجير (قلعة): 129، 244، 290، 291

زنك آباد، زنكي آباد: 341

زنكبار: 107

زهاو (زهاب): 31، 32، 290، 341

زيلة: 195

حرف السين ساليانة: 314

سامراء: 90

سبتة: 104

سبه زنجير: 345

سدة الهندية: 47

السراجخانه: 199

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 391

سراي بغداد: 250، 284، 292

سراي طوپقپو: 295

سربل: 31

سرچنار: 244

سرمل: 290

سرنديب: 107

سروجك: 77، 343

سري السقطي (تربة): 91

سكتوار: 16

سكه خانه (دار ضرب، و محلة): 293، 324

سكران (الشيخ)، (تربة): 33

سلسترة: 70

السلطانية: 30

سلمان الفارسي (تربة): 91

سلمية: 296

السليمانية: 76، 79، 260، 341

السماوة: 133، 307، 341

سميكة: 94، 129

السند: 98

سنجار: 189، 226

سواحل إفريقيا الغربية: 102، 108

سواحل العرب: 94، 101، 102، 106

سواحل اليمن: 94

سواريك: 30

سور بغداد: 266، 268، 280

سورت: 99، 101

سورية: 153، 299

سوق الدبس: 343

سوماقلق: 53، 54

سومنات: 98

السويب: 91

السويس: 83، 86، 87، 88، 94، 107، 108، 110

سهر، سهران: صوران

السهرية: 52، 53

السهروردي (تربة): 91

السيب: 172

سيروان (نهر):

32

سيكه (جبل): 291

سيمان: 77

سيواس: 70، 180، 211، 229، 259، 262، 265، 266

حرف الشين الشام: 57، 69، 154، 169، 179، 183، 184، 195، 201، 209، 262، 311، 316، 325، 330

شاهين (قلعة): 31، 33، 341

الشركة الإنجليزية: 111

شركة الهند الشرقية: 111

الشيخ الشبلي (تربة): 91

الشحر: 84، 86، 98، 105

شروين: 33

شط بغداد: 90

شط العرب: 93، 135، 173، 234

الشعباني (قلعة): 80

شفاثي: 91

شقلاباد (شقلاوة): 52، 307

شمامك: 243، 263

شمعون (مقام): 91

شميران، شمران، شميلان (نهر): 32، 77

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 392

شميران (قلعة-): 75

شهبار: 97

شهداء الصحابة: 92

شهربازار: 77، 244، 344

شهربان (المقدادية): 31، 129، 230، 239، 268، 269، 280

شهرزور: 84، 68، 73- 76، 78، 79، 131، 132، 157، 174، 194، 195، 201، 244، 248، 255، 264، 284، 286، 290، 291، 292، 305، 344، 345، 346

شيراز: 93

شيروان (سيروان): 45

حرف الصاد صاحب الزمان (مقام): 91

صاعبة: 134

صامسونجية: 266

صحار: 96، 174

صدر البحران: 133

صدر الدار: 133

صفوة (شريعة): 208

صفين: 132

الصلاحية: 342

صوران، صهران، سهر: 51- 55، 193، 194، 199، 244، 307

الصولاقية: 287

الصين: 20، 88

حرف الطاء طاش كوپري: 33

طاق كسري: 91

طاوي: 244

طرابلس: 259، 268، 272، 292

طرابزون: 271، 278

طريق خراسان (نهر): 32

طقوز أولوم (ديالي): 32، 33، 129

طلحة (تربة): 92

طونه (الدانوب): 57

الطويل (نهر): 134

طهران: 29

الطيور (قلعة): 91، 189، 230، 235، 236، 269، 270

حرف الظاء ظالم علي (قلعة): 290

ظفار: 86، 98

حرف العين العاشق و المعشوق: 90

عانة: 132، 296، 299

عبادان: 93

عبد الرحمن بن عوف (تربة): 92

عبد القادر الگيلاني (تربة): 41، 91، 225، 286

عجور: 244، 345

عدن: 83- 86، 105، 108، 109، 110، 118

العراق: 7- 9، 11، 13، 16، 18، 19، 24، 25، 31، 37، 38، 45- 48، 56، 58، 59، 63- 66، 76، 78، 79، 85، 101،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 393

105، 106، 111،

121- 127، 145، 148، 179، 186، 188، 190، 191، 197، 199، 202، 225، 239، 241- 243، 253- 256، 288، 294، 299، 300، 308، 310، 315، 318، 320- 326، 331- 333، 338- 352، 354، 356- 358

العراقان: 11

عرفة: 254

العزير عليه السّلام (تربة): 91

العقبة: 40

العقرة: 307

عقيل الإمام (تربة): 91

علي كجيدي: 292

عليشكر: 146

العمارة: 91، 342

العمادية: 55، 79، 80، 213، 292، 300، 307، 308، 310، 311، 342

عمان: 86، 96، 343

عيص بن إسحاق (تربة): 90

عينتاب: 210

حرف الغين الغري (النجف): 91

غلطة: 13، 90

غوآ (گووه): 83

حرف الفاء فارس: 93، 105، 106

فاس: 88

فتحية: 134

فتح الموصلي (تربة): 90

الفرات: 47، 90، 91، 132، 133، 193، 218، 246

فرنجة (قلعة): 75

فشت قيدسور: 99

فضيل بن عياض (تربة): 91

فك الأسداد (جزيرة): 95

الفلوجة: 132، 234، 246، 259

فلورنسة: 261

فورميان: 98

فينه (ويانه): 13، 107، 333

حرف القاف قارص: 291

قاشان: 36، 68

قاكليجه (جامع): 131

قباب ليث: 208، 209

قبان: 173

القبة: 286

قبر الشيخ صفاء: 208

قبرص: 202

قراباغ: 303

قرتور: 291

قرداغ (قراطاغ): 77، 341

قرمان: 226، 229، 289

قزانية: 342

قزلجة: 244، 291

قزلخان: 218، 225

قزل رباط (السعدية): 289، 341

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 394

قسطموني: 284، 286

القسطنطينية: 40، 90، 179

قصر شاه زنان: 91

قصر شيرين: 30، 31، 32، 129، 246، 290، 341

قضيب البان الموصلي (تربة): 90

القطيف: 55، 88، 93، 174

قلعة الإمام الأعظم: 231

القلعة الداخلية: 199، 205، 206، 281، 292

قلعة عجل: 91

قلعة غازي: 244، 345

قلعة مزرعة: 91

قله (قولاي): 27، 34

قلهات: 96

قم: 36، 68

القمر (جبال): 103، 104

قمران (جزيرة): 83

قنبر (مقام): 91

قنبر علي (المحلة و التربة): 91، 169

قندهار: 212، 215، 261

قنطرة الذهب: 263

قهقهة: 68

قونية: 183، 243

قيس (جزيرة): 94

حرف الكاف كاثياوار: 98

كاره: 83

كاسل بوست (محطة): 208

الكاظمية: 37، 228، 287

كاوروان: 31

كجرات: 82، 84، 99، 101، 103، 104، 108، 109، 347

الكدوك: 290

كربلاء: 37، 47، 56، 91، 169، 185، 188، 190،

239، 240

الگرج، گرجستان: 217، 251، 189، 227، 230، 235، 287

كردستان: 211

كركوك: 54، 153، 189، 191، 208، 209، 225، 226، 227، 228، 229، 263، 292، 342

كرمان: 94، 97

گرمة الجشعم: 66

كرند (كرنت): 342

الكرود: 264

كسانة: 244

كستنديل: 265، 266

كسك چنار: 68، 74

كسنان: 344

كفري: 342

كلس: 132

كلعنبر: انظر حلبجه

كلوس: 77

كمباي: 99

كوادر: 97

الكوت: 342

كوج: 343

گوران: 76

كوركوه (الجبل الكبير): 342

كوستنديل: 266

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 395

كوشك زنكي، كوشك سيلان: 33، 341

الكوفة: 37، 66، 91

گوگ تپه (گوگ دپه): 51، 54، 56، 263

كوملنجة: 195

كوه: 83

كيچي: 97

كيش: 94

گيل، گيلان (جبل): 153، 217، 342

كيمزار: 94

حرف اللام اللار: 89

لرستان: 157

لشبونة: 102

لقمان الحكيم (تربة): 33، 246، 289

لندن: 14

لننغراد: 124، 354

لهستان: 203

لوي: 77

ليمة: 94

حرف الميم ماردين: 129، 218، 248، 259، 288

مازندران: 217

ماكور: 291

مالاقة: 107

ما وراء النهر: 20

ماهي دشت (مايدشت): 31

متحف آسية: 124

متحف الأوقاف الإسلامية باستانبول:

145

متحف طوپقپو باستانبول: 258

المجر: 57

محمد التقي الإمام (مشهد): 91

محمد الشيباني (تربة): 90

محمد الغرابلي (تربة): 90

محمد الغرابيلي (تربة): 90

المحمودية: 168

المحيط الهندي: 115

المدائن: 40، 91

مدرسة الإمام الأعظم: 39، 350

المدرسة التتشية: 160

المدرسة الدرويشية: 197

مدرسة عاتكة خاتون: 152

مدرسة عمر السهروردي (شهاب الدين):

351

مدرسة الغرابي: 200

مدرسة الگيلاني (باب الأزج): 43، 148، 153، 154، 350، 351

مدرسة محمد الفضل: 351

مدرسة المخرمي: 153

مدرسة مرجان: 293، 328

المدرسة المستنصرية: 28، 35، 156، 160، 161، 210، 269، 293

المدرسة النجيبية: 293، 351

المدينة (بالتصغير): 70

المدينة المنورة: 40، 330

مراقد آل الدده: 188

مراقد الأئمة: 43

مرعش: 142، 165، 211، 262

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 396

مرقد الشيخ عبد القادر: 225، 286

مرقد الحسين عليه السّلام: 144

مرقد محمد الجواد: 44

مرقد معروف الكرخي: 91

مرقد الشيخ مكارم: 33

مرقد الإمام علي عليه السّلام: 249

مرقد الإمام موسي الكاظم: 41، 44، 90، 287

مرقد يونس عليه السّلام: 90

مركارة: 244، 345

المستشفي العسكري: 269

المستنصرية: 35، 210، 269، 293، 329

مسجد بابا

گورگور: 190

مسجد الترك: 343

مسجد الحظائر: 164

مسجد الدبس (مسجد الترك): 343

المسجد ذو المنارة: 160، 161، 176

مسجد شمس: 91

مسجد الإمام علي و مشهده: 63، 91، 92

مسجد قمرية: 351

مسجد الكوفة: 91

مسقط: 86، 96، 107

المسيب: 91

مشهد الشاه إسماعيل: 141

مشهد الإمام أبي حنيفة: 160

مشهد الإمام الحسين: 91، 144، 169، 170، 222، 294

مشهد الشريف المرتضوي: 59، 188

مشهد الشيخ عبد القادر اليكلاني: 44

مشهد الإمام علي (رضي): 63

مشهد الشهداء: 91

مشيلة: 77

مصر: 12، 13، 23، 37، 60، 82- 90، 93، 94، 96، 101- 103، 106- 108، 121، 131، 141، 142، 153، 154، 266، 280، 292، 311، 325، 330، 347

مطبعة إبراهيم متفرقة: 16

مطبعة إقدام: 13، 330

المطبعة البحرية: 114

مطبعة التاريخ: 347

مطبعة جريدة الحوادث: 14

مطبعة الدولة: 88

مطبعة الفرات: 171

المطبعة الهاشمية: 105

المعبر: 263

المعشوق: 90

معقل (نهر): 116

مغازبرد: 291

المغرب: 90، 153

مغنيسا: 327

مقام الشيخ (الگيلاني): 271

مقبرة الإمام الأعظم: 274

مقبرة الخلفاء العباسيين: 51

مكتب البحرية: 115

مكتبة المرادية: 124

مكة المشرفة: 59، 103، 242، 283

مكران: 97، 343

مليبار: 107

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 397

منارة العبد: 143

المنتفق: 59

مندلي (بندنيج، بندنيجين): 290، 291، 342

منگلور: 98

المنصورية: 33، 272

مهريان: (مريوان): 77، 244، 245، 255

المهناوية: 66

الموصل: 27، 34، 48، 54، 76، 80، 90، 119، 121، 129، 169، 180، 193، 194، 199، 200، 208، 211، 217، 218، 225، 226، 229، 236، 239، 243، 248، 249، 251، 255، 260، 261، 262، 265، 274، 286، 288، 292، 301، 315، 323، 344

الميدان (محلة): 138، 205، 206

حرف النون نارين (نهر): 33

ناور: 146

نجد: 65، 97، 143

النجف: 37، 56، 63، 188، 189، 190، 287، 354

نخچوان: 75

نديك: 106

نشسكان: 77

نصيبين: 90، 129، 193

نعل لب: 244

نقود (قلعة): 75

النمسا: 13

نهاوند: 129، 146، 157، 245

النهروان: 40، 208

نوح عليه السّلام (مقام): 91

نيكدة: 275

النيل: 103

نيل: 244

حرف الهاء الهارونية: 31، 290

هاور، هاوار (قلعة): 75،

77، 244

هاورمان: 79

هاورمان دزلي: 79

هجر: 93

هرسك: 142

هرور: 344

هرمز، هرموز (جزيرة): 86، 87، 88، 93، 94، 95، 104، 105، 107، 111

هزار مردود (هزار ميرد): 244، 345

الهكارية (جبل): 80

همذان: 30، 49، 51، 75، 121، 146، 157، 213، 245

الهند: 61، 82- 85، 88، 94، 98- 104، 106- 111، 113، 115، 118، 121، 122، 129، 153، 178، 255، 260، 261، 288، 316، 320، 347، 348

هوديان (يهوديان): 52

هورين: 291، 345

هيت: 132، 299

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 398

حرف الواو وادي الحصان: 31

واسط: 63، 70، 91، 132، 342

وان: 30، 57، 67، 131، 181، 251، 252، 255، 291

الوقف القادري: 155

الوندية: 33

حرف الياء يارمجة: 263

يلنكان: 244

اليمن: 60، 61، 83، 84، 94، 97، 103، 110، 303

يكي إمام (يني إمام): 32

ينگيجه: 289

يوشع عليه السّلام (مرقد): 90

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 399

4- فهرس الكتب

حرف الألف آصفنامه: 317

آيينة ظرفا: 330

أذكار الحج و العمرة: 19

أربعة عصور من تاريخ العراق الحديث:

219

أراجيز في علم البحار: 116، 117

أرجوزة بر العرب في خليج فارس: 117

الأرجوزة الحجازية: 117

أرجوزة في تعيين القبلة: 116

أسرار نامه: 162

أسفار بحريه عثمانية: 14، 37، 88، 107، 109، 114، 115

الإعلام بأعلام بيت اللّه الحرام: 18

الأنساب: 59

أنيس القلب: 125

أوضح المسالك: 329

حرف الباء البحرية (كتاب): 85، 88، 116

البرق اليماني في الفتح العثماني: 19، 103، 105، 116

برهان قاطع: 315

بلله تن (مجلة): 335

پنك و پاره: 126

البنود العراقية: 354

بهجة الأسرار: 154

بيان منازل سفر العراقين: 11، 34

حرف التاء تاريخ آل أفراسياب (منظوم): 10

تاريخ الأدب التركي في العراق: 187، 353

تاريخ الأدب العربي في العراق: 354

تاريخ الأسطول العربي: 105، 113، 115

تاريخ أنجمني مجموعه سي: 138

تاريخ البكتاشية: 192

تاريخ پچوي وذيله: 39، 40، 56

تاريخ تركية: 87

تاريخ الخط العربي في العراق: 32، 160، 161، 293، 356

موسوعة تاريخ العراق بين

احتلالين، ج 4، ص: 400

تاريخ الخطيب البغدادي: 40

تاريخ الدولة العثمانية: 219

تاريخ رمضان زاده: 16، 40، 44

تاريخ ابن الساعي: 161

تاريخ سياست خارجي إيران: 111

تاريخ صولاق زاده: 17، 37، 49، 56، 58، 68

تاريخ الطبري: 12

تاريخ عالم آراي عباسي: عالم آراي عباسي

تاريخ عثماني: 32، 188

تاريخ العراق بين احتلالين: 28، 31، 34، 55، 58، 64، 122، 135، 154، 160، 173، 184، 189، 192، 296، 351

تاريخ العصامي: 219

تاريخ العمادية انظر: العمادية

التاريخ العلمي: 355

تاريخ الغرابي انظر: عيون أخبار الأعيان

تاريخ الغياثي: 159

تاريخ الفذلكة: انظر فذلكة كاتب چلبي

تاريخ الكازروني: 161

تاريخ كاظمين: 45

تاريخ كجرات: 347

تاريخ اللر الفيلية: 157

تاريخ مختصر إيران: 29

تاريخ مساجد بغداد: 44، 140، 141، 176

تاريخ مطراقي انظر: بيان منازل العراقين تاريخ المعاهد الخيرية انظر: المعاهد الخيرية في العراق

تاريخ نعيما انظر: روضة الحسين في أخبار الخافقين

تاريخ هامر: 40

تاريخ اليزيدية و أصل معتقدهم: 300، 301، 305

تحفة العقول في تمهيد الأصول: 118

تحفة غزاة: 11

تحفة الكبار في أسفار البحار: 85، 101، 114، 132، 134، 135

تحفة المجاهدين في أخبار البرتكاليين (البرتغاليين): 347

تحفة النظار: 38

تذكرة رضا: 259، 283

تذكرة سهي: 12

تذكرة صفائي: 17

تذكرة عهدي: گلشن شعرا

ترجمة حديث الأربعين: 125

ترجيح البينات: 356

ترك ديلي: 125

تشكيلات و قيافت عسكرية: 199، 203، 204، 226، 258، 266، 269، 271، 275، 279، 281

تصوف الحلاج: 162

التعريف بالمؤرخين: 10، 19

تفضيل الأتراك للجاحظ: 335

تفضيل الأتراك علي سائر الأجناد لابن حسول: 335

تقويم البلدان: 329

تقويم نصوحي: 12

التلويح: 130

التنقيح: 46

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 401

تواريخ آل عثمان: 11

تهذيب التواريخ: 87

حرف الجيم جامع الأنوار: 51

جامع الدول: 29، 34، 35، 93، 173، 174، 195، 202، 206، 208، 220، 221، 226

جغرافياي كربلاي معلي: 144

الجواهر الملتقطة: 124

جهانگشاي جويني: 271

جهاننما: 14، 340

حرف الحاء حاشية علي شرح التجريد: 329

حاشية علي شرح حكمة العين: 329

حاوية الاختصار في

أصول علم البحار: 116

حديقة الأولياء: 163

حديقة السعدا: 123، 124، 126

حصن الإسلام: 210

حقائق الأخبار عن دول البحار: 88، 106

حقائق الدقائق: 315

الحوادث الجامعة: 160، 248

حرف الخاء خبر صحيح: 206، 294

خرابات: 183

الخط العربي في العراق انظر: تاريخ الخط العربي

خطط المقريزي: 106، 115

خلاصة الأثر: 171، 174، 180، 183، 184، 195، 197، 212، 220، 221، 223، 224، 225، 242، 268، 283، 295، 296، 297، 298، 330

خلاصة الهيئة: 130

حرف الدال دائرة المعارف الإسلامية: 61، 192

دافع المفاسد و كاشف المقاصد: 191

الدرر الغرر: 130

الدر المسلوك: 8

دستور العمل لإصلاح الخلل: 317، 340

دول إسلامية: 83، 84، 99، 103، 260، 348

ديوان حكمي: 187

ديوان الخطي: 174، 354

ديوان روحي البغدادي: 10، 146، 147، 156، 157، 164، 175، 184

ديوان شمسي البغدادي انظر: منظر الأبرار

ديوان الغرابي: 10

ديوان فضولي التركي و العربي و الفارسي:

10، 63، 124، 125، 126، 354

ديوان القطب المكي: 19

حرف الذال ذيل عالم آراي عباسي: 220

الذهبية: 116

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 402

حرف الراء رحلة ابن بطوطة: تحفة النظار

رحلة أوليا چلبي: 20، 31، 51، 140، 145، 164، 176، 214، 247، 281، 292، 310، 343

رحلة سيدي علي: 96، 97

رحلة القطب المكي: 19

رحلة المنشي البغدادي: 33، 218، 300، 341

رد المحتار: 46

الرسالة الذهبية في الرد علي اليزيدية:

300، 301، 305

رسالة في الضرائب: 322

رسالة في گمرك بغداد: 322

رسالة في الموسيقي: 356

رسالة قوچي بك: 317

رسالة ناصحة الموحدين: 162

رندا و زاهد: 125

روضة الأبرار: 63، 327

روضة الأبرار في فتح بغداد: 13، 260

روضة الأبرار المبين لحقائق الأخبار: 12

روضة الحسين في أخبار الخافقين: 15، 16، 174، 178، 181، 195، 246، 248، 249، 260، 262، 283، 284، 287، 294، 295، 297، 299، 330

روضة الشهداء: 123

روضة العرفان: 185

رياض العلماء: 220، 221

حرف الزاي زاد المسافر: 10، 171، 242، 354

حرف السين سبحة

الأخيار و تحفة الأخبار: 17

السبعية: 117

سجل عثماني: 39، 57، 60، 61، 66، 67، 69، 70، 103، 121، 130، 131، 141، 142، 143، 155، 156، 164، 165، 170، 174، 175، 179، 198، 200، 201، 202، 203، 284، 327، 328، 329، 330

سليمان نامه: 35، 38

سليمان نامه شمسي: 12

سليمان نامه فردي: 12، 35، 41

سياحتنامه حدود: 31

السيف الباتر: 355

حرف الشين شاه و كدا: 125

شذرات الذهب: 102، 103

شرح تحفة العقول: 118

شرح المجلة: 46

شرفنامه: 52، 53، 72، 73، 78، 82، 306، 307

شط العرب (جريدة): 171

شكايتنامه: 126

شهرزور- السليمانية (كتاب): 79

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 403

حرف الصاد صبح الأعشي: 94، 261

صحة و مرض: 125

الصلات البحرية بالبرتغال: 19

الضمانات انظر: مسائل الضمانات

حرف الطاء طبقات الممالك: 32، 40

الطراز: 233

حرف الظاء ظفرنامه: 13، 145

حرف العين عالم آراي عباسي: 18، 146، 157، 219، 221، 306

العالم الإسلامي (مجلة): 115، 338

عثمانلي مؤلفلري: 12، 13، 14، 16، 17، 87، 130، 170، 330

عشائر العراق الكردية: 52، 53، 66، 80، 127، 153، 299، 344

العقود اللؤلؤية في الطريقة المولوية: 163

العمادية (كتاب): 80، 308

عمدة البيان في تصاريف الزمان: 178، 180، 193

العمدة المهرية في تمهيد الأصول البحرية: 118

عنوان المجد: 219

عيون أخبار الأعيان: 9، 10، 18، 43، 147، 182، 200، 207، 221، 222، 223، 224، 228، 245، 251، 252، 254، 255، 282

حرف الغين غرفة التجارة (مجلة): 322

الغنية: 149

حرف الفاء فاضحة الملحدين و ناصحة الموحدين:

162

فتحنامه قره بغداي: 12، 170

فتوح الغيب: 149

فذلكة أقوال الأخيار في علم التاريخ و الأخبار: 14

فذلكة كاتب چلبي: 14، 156، 174، 179، 195، 198، 199، 202 206، 210، 223، 225، 226، 227، 233، 234، 235، 237، 244، 260، 262، 281، 284، 286، 294، 295، 330

الفريدة السنية في الكشف عن عقائد اليزيدية انظر: الرسالة

الذهبية

فصول الحل و العقد و أصول الخرج و النقد: 145

فضولي (كتاب): 126، 353

فكرة الهموم و الغموم و العطر المشموم:

118، 119

فهرست شاهان و ذيله: 17

الفوائد في أصول البحر و القواعد: 116

الفوائد الرضوية: 328

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 404

حرف القاف قاموس الأعلام: 29، 56، 57، 60، 61، 64، 170، 183

القاموس المحيط: 64

قانوننامه آل عثمان: 317

قانوننامه عثماني: 317

قطر الغمام: 171، 172، 354

قلائد الجواهر: 154

قلادة الشموس و استخراج قواعد الأسوس: 118

قوانين آل عثمان: 317، 340

قوانين أبي السعود: 317

قوانين الدواوين: 114

حرف الكاف كاشف أسرار بكتاشيان: 191، 192

الكاكائية في التاريخ: 188، 191، 300، 311، 328، 344

كشف الظنون: 14، 15، 19، 125، 126، 130، 145، 167، 169، 170

گلشن خلفا: 9، 10، 28، 29، 31، 34، 35، 36، 37، 44، 45، 47، 48، 55، 56، 57، 58، 60، 63، 64، 67، 68، 70، 71، 72، 75، 92، 121، 122، 127، 138، 140، 141، 142، 143، 146، 147، 156، 157، 159، 160، 164، 165، 175، 176، 180، 181، 182، 192، 198، 199، 201، 202، 203، 206، 207، 209، 210، 215، 240، 250، 254، 260، 275، 283، 284، 295

گلشن شعرا: 10، 69، 121، 122، 123، 127، 128، 129، 144، 165، 170، 183، 184، 187

كليات فضولي: 125

الكنز الأسمي في المعمي: 19

كنه الأخبار: 40، 145، 186

الكواكب السائرة: 19، 295

حرف الغين لغة العرب (مجلة): 94، 96، 115، 119، 240

حرف الميم مباحث عراقية: 65

مثنوي: 123، 136، 161- 163

مجالس سبعه مولانا: 163

مجلة الأحكام العدلية: 46

مجمع التواريخ: 12

مجموعة الدكتور داود الچلبي: 118، 119

مجموعة عمر رمضان: 315

مجنون ليلي: 123

محاربات عثمانية: 108

المحيط: 13، 116، 117، 119

مختصر تاريخ إيران: 311

مرآة كائنات: 14، 18، 52، 63، 130، 327، 330

مرآة الممالك: 13، 37، 91،

92،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 405

101، 109، 120، 121، 129

مراصد: 209

مسائل الضمانات: 210، 331، 356

مسالك الأبصار: 31، 52، 53

مطالع الاعتقاد: 125

مطالع السعود: 64

المعاهد الخيرية في العراق: 41، 44، 45، 56، 140، 141، 144، 148، 152، 160، 161، 176، 293، 351

معجم البلدان: 31، 32، 73، 96

المعربة: 116

مفتاح جنت: 16

المقتطف (مجلة): 115

مكتوبات جلال الدين الرومي: 163

الملاح العربي: 104، 105، 115

ملجأ القضاة: 210، 331

المنار و شرحه: 15

مناقب الكردري البزازي: 178

مناقب الموفق: 178

مناقب هنر و هنروران: 145، 186

منشآت فريدون للسلاطين: 16، 34، 38، 101

منظر الأبرار: 136

منظومة آل أفراسياب: 19، 171

المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر:

118

منهل الأولياء: 80

ميزان الحق: 14

الميل (كتاب): 117

حرف النون نخبة التواريخ: 28، 48، 58

نزهة الأخبار: 16

نصائح الوزراء و الأمراء: 317

النقود العراقية: 172، 254، 261

نموذج الفنون: 329

نمونه أدبيات: 126

النواقض: 328، 355

النور السافر: 19، 104، 105، 108، 109

حرف الهاء هنر و هنروران: 40

هادية المعالم: 117

حرف الواو وجهة الإسلام: 105، 106

الوعظي: 304

ولايتنامه: 192

حرف الياء يادگار (مجلة): 220

يانصد ساله خوزستان: 145

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 406

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

حرف الألف آقجه (نقد): 68، 197، 323

آق قپو (الباب الأبيض): 208

الاتحاد: 149، 162، 163، 264

الأخية: 190

أزوام: 118

أسطول: 88، 105، 106، 121

أصابع: 118

أصفهلار (قائد): 180

آغا، أغوات: 246، 288، 336

أم ولد: 59

أمير أمراء (رتبة): 162، 201، 208، 209، 211، 229، 245، 246، 248

أمير لواء: 75

أميرال (أمير البحرية): 83، 263

أنبارلي: 114

أوجاق: 336

أهل التجرد: 69

أهل السنة: 201، 222، 223، 294، 355

أوطاغ (خيمة الملك أو الوزير): 68، 258، 265، 280، 283

إيالة: 48، 122، 138، 340

حرف الباء بارجه، بارچه: 88، 89، 114

بارگاه: 259

باش دولاب (رأس الكرود): 288

باشبوغ: 269

باشتارده، باشترده، باستارده: 86، 112

باطنية، ابطان: 162

بالطه (نوع فأس): 69

بالطه جي: 69

بال يمز (نوع مدفع): 233، 262

پركنده: 112

بغداد كوشكي

(قصر بغداد): 294

البكتاشية: 169، 187- 192، 269

بگلربگي (أمير الأمراء)، رتبة فوق أمير الأمراء: 61

بلوكباشية (رؤساء كتيبة الخيالة): 182، 198، 199، 204، 271

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 407

پورتكيشي (برتغالي): 107

پورتون: 114

پولاقا: 114

بيكباشي (عقيد): 204، 276

حرف التاء تابية، طابية: 230، 280

ترسانة (دار الصناعة): 90

تفنك، تفك (بندقية): 73

تفنگچي: 336

تكية (زاوية، رباط): 160

تنته، تنتات (ستائر): 65

التنظيمات الخيرية: 337

التيمار: 142، 204، 319، 337، 341، 343، 346

حرف الجيم الچاشنكيرية (أهل المبرة و المؤونة من الجند): 202

الچاووش: 39، 275، 287، 289، 343

چاير (مرعي): 289

چب (نوع خط): 11

چب نويس (خطاط في الچب): 11

الجبه چية: 277

الجبه خانة: 206

الچرخچية: 336

الجذبة: 162، 210

الجزية: 322

چكديرمه، چكديري: 113

چكلوه، جلبه: 93

الجلالي، الجلالية (ثائر متغلب): 175، 180، 234، 236

چلبي: 312

چلبية: 163

الچورباچية: 265، 266، 271

جيش نظامي: 332

حرف الحاء الحروفية: 184، 188، 189، 190، 192

الحسبة: 337

الحلول: 149، 162

حرف الخاء خان (نزل): 157

خان (أمير، بك): 27، 213، 248

خان خانان (أمير أمراء): 214، 248

خداوند كار (خنكار): 312

خرگاه، خرگه: 259

خط ديواني: 32

خطاطون و خطوط: 145، 146، 147، 159، 160، 161، 163، 225

خط همايوني: 292

خنجر صليب: 55

خنجر صوراني: 55

حرف الدال داسنية (يزيدية): 54، 55

داد أمان: 281، 282

داماني: 98

دار الفتوي: 325

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 408

دبان: 118

الددوية: 163

درويش: 285، 294

دفتري، دفتر دار: 136، 231، 340

دلي، دلي باش: 272، 336

دمير قازوق (وتد حديد): 255

دوننما: أسطول

حرف الراء رباط (تكية): 159، 160، 189

رباعيات: 144

رئيس البوابين، رئيس الحجاب، كهية الحجاب: 164

حرف الزاي زعامة: 341

الزغرجية: 265، 266

حرف السين ساليانه (صليان): 341

سپاه، سپاهية (نوع جند): 168، 204، 226، 289

سپهسلار، صفهسلار (قائد): أصفهسلار:

180

السراي (دار الحكومة): 284

السرحدلي: 336

السرحشمه (أحشامات): 336، 337

السردار، سردار سلطان (قائد عام): 35، 49، 134، 243، 245، 246، 247، 248، 251، 263، 289، 335

السر عسكر: 35

سگبان، سگبانية: 182،

198، 199، 217، 226، 229، 232، 236

السكه خانه (دار الضرب): 293، 324

سلحدار: 181، 235، 269، 275، 278

سماع: 162

سنجاق: لواء

سنك سرخي: 52

سوره (ورطه، تيار، دردور): 98

حرف الشين شاه (ملك إيران، سلطان العجم): 27، 212، 249

شاه قولي (عبد الشاه): 21

الشاهيه (نقد): 323

الشلندي: 112

الشونة: 112

الشهزادة: 61

شيخ الإسلام: 283

شيخ الحلقة، شيخ الذاكرين: 152، 153، 154

الشيطان قولي (عبد الشيطان): 21

الشيعة: 20، 222، 223، 294، 328

حرف الصاد الصقالة (السكلة، الاسكلة): 147

الصندل: 113

الصوباشي: 203

الصولاق: 287

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 409

حرف الطاء الطابق: 12

الطاپو: 46

الطاعون: 122

طريقة التصوف الغالي: 20

الطريقة الجلالية: 163

الطريقة القادرية: 148

الطريقة المولوية: 161

طغراكش (طغرائي): 32

طن: 113

طوپراقلي: 336

طوغ (علم تركي): 36، 258، 263

طوفان الفيل: 98

طيارات (سفن، جساريات): 252

حرف العين عباسية، عباسيات (نقود): 254، 322

عثماني (أقچه): 197

عزب (نوع جند): 204

عزلة: 144

علم البحار: 121

عمارة: أسطول

حرف الغين غراب: 114، 233

غلمانية: 321

الغلو، الغلاة: 149، 162، 190

حرف الفاء فرقته: 93، 94، 112

فرقة: 86

فرمان: 256، 321

فسخ النكاح: 223

فلانديرات: 96

فلك: 119

فلكة أو فولوقة: 113

الفلوري (نقد): 261، 323

حرف القاف قائممقام: 74، 82، 243، 314

قادرغه، قدرغه: 83، 86، 87، 90، 92، 96، 112، 233

قاراق: 114

قارا و هلا: 114

قاليته: 86، 95، 112

قاليون، قليون: 86، 95، 113، 114

قايغ (زورق): 233

قباقا: 114

قبطان، قپودان رئيس، قپودان دريا قپودان پاشا: 82، 90، 155، 263، 267، 270، 284، 335

قپو قولي: 29، 336

قبوجي باشي: 181

قراولة: 266

قرصان، قرصنة: 99، 107

قراكو، قراكلق، قراقپو: 215، 229

قرلانغج: 112

قره قاپي: 282

قره مرسل: 111

قزلباش، القزلباشية: 73، 79، 191، 227، 232، 233، 235، 282،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 410

287، 311

قزمات (نوع معاول): 266

قلندرخانه، قلندرية: 159، 163

قوريجي: 337

قول بغداد: 203

قوللو أغاسي، قول أغاسي: 122، 168

القيود الخاقانية (سجلات الأملاك): 46

قضاء: 341

حرف الكاف كاتب الديوان (ديوان أفنديسي)، رئيس الديوان: 156، 315

كاخ بهشت: 176

كاشي، كاشاني:

44

الكاكائية: 188، 191

كاناكا: 104

كتخدا، كهية: 271، 315، 343

كچيد (ممر، معبر): 50

گرمه: 66

كلك: 231، 234

كمر (هميان): 261

الكودة: 322

كورك، كوركات: 266

كوشه قله سي (تابية الزاوية): 270

كوكلي (متطوع): 337

كوكه، كوه: 95، 113، 114

كهية: كتخدا

كهية البوابين، كهية الحجاب (قپوجيلر كتخداسي): 195

حرف اللام لاوند، لوند: 269، 274

لغم: 232، 237

لواء (سنجاق): 340

حرف الميم ماونة: 112

مايسترا (شراع): 96

متسلم: 208، 217، 314

المتصوفة: 149، 162، 168

المتفرقة: 287

مجلس النيابة: 74

محمد قولي (عبد محد): 289

المسلم: 336

المشعشع: 55، 201

المشيخة الإسلامية: 325

مطراق: 12

معونة، ماونه، ماعونه: 113، 163

ملا، منلا: 156

مولاخانه (تكية المولوية): 160

مير (مخفف أمير): 194، 195، 199

ميرزا: 68

حرف النون نائب جلالة الملك، نائب سمو الوصي:

74

نار (رمان): 268

نشانجي: 32

نوبتجي: 289

نوروز، نيروز: 119

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 411

حرف الهاء الهشتي (نقد): 323

الهمايوني (السلطاني): 258، 274، 287، 288، 292

الهيأة (الهيئة): 121

حرف الواو والي، ولاية: 82، 122، 341

وحدة الوجود: 149، 162

وقعه نويس (مؤرخ رسمي): 15

الوزير الأعظم، الصدر الأعظم (رئيس الوزراء): 35

ويوده: 58، 195

حرف الياء ياوز: 313

يرلي قولي (الجيش الأهلي): 336

اليزيدية: 55

يلدرم، ييلديرم: 312

يوزباشية: 276

الينگچرية: 131، 132، 178، 181، 203، 211، 228، 229، 231، 237، 240، 248، 251، 252، 266، 273، 275، 283، 284، 285، 289، 331، 332، 333، 336، 337، 343، 344

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 412

6- فهرس الصور

- السلطان سليمان القانوني 22

- دخول السلطان سليمان بغداد 42

- جامع الإمام الأعظم 62

- جامع الشيخ عبد القادر الگيلاني 81

- زيارة السلطان سليمان مشهد الإمام الحسين 100

- فضولي البغدادي 120

- السفن الحربية 139

- الخارطة البحرية لمرور سيدي علي رئيس 158

- جامع الصاغة (مسجد الحظائر) 177

- لوح بخط قوسي البغدادي في جامع الصاغة 196

- لوح خطي في جامع الوزير 216

- قوات السلطان مراد في حصار بغداد 238

- السلطان مراد الرابع يبزته الحربية

257

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 413

7- فهرست الموضوعات

مقدمة الناشر 5

المقدمة 7

المراجع و المآخذ 8

حوادث سنة 942 ه- 1536 م 57

حوادث سنة 945 ه- 1539 م 58

حوادث سنة 951 ه- 1545 م و ما يليها 59

حوادث سنة 952 ه- 1546 م 60

حوادث سنة 953 ه- 1546 م 61

حوادث سنة 954 ه- 1547 م 67

حوادث سنة 956 ه- 1549 م 70

حوادث سنة 957 ه- 1550 م 71

حوادث سنة 959 ه- 1551 م 72

حوادث سنة 961 ه- 1553 م 79

حوادث سنة 963 ه- 1555 م 121

حوادث سنة 964 ه- 1556 م 129

حوادث سنة 969 ه- 1561 م 130

حوادث سنة 974 ه- 1566 م 130

حوادث سنة 975 ه- 1567 م 131

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 414

حوادث سنة 977 ه- 1569 م 138

حوادث سنة 978 ه- 1570 م 138

حوادث سنة 982 ه- 1574 م 143

حوادث سنة 985 ه- 1577 م 144

حوادث سنة 991 ه- 1583 م 144

حوادث سنة 992 ه- 1584 م 145

حوادث سنة 993 ه- 1585 م 145

حوادث سنة 995 ه- 1586 م 146

حوادث سنة 996 ه- 1587 م 146

حوادث سنة 999 ه- 1590 م 156

حوادث سنة 1000 ه- 1591 م 164

حوادث سنة 1001 ه- 1592 م 165

حوادث سنة 1002 ه- 1593 م 165

حوادث سنة 1003 ه- 1594 م 171

حوادث سنة 1005 ه- 1596 م 171

حوادث سنة 1006 ه- 1597 م 173

حوادث سنة 1008 ه- 1599 م 175

حوادث سنة 1011 ه- 1602 م 178

حوادث سنة 1012 ه- 1603 م 181

حوادث سنة 1014 ه- 1605 م 183

حوادث سنة 1015 ه- 1606 م 192

حوادث سنة 1016 ه- 1607 م 195

حوادث سنة 1017 ه- 1608 م 198

عودة إلي حوادث

بغداد 198

حوادث سنة 1019 ه- 1610 م 201

حوادث سنة 1022 ه- 1613 م 201

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 415

حوادث سنة 1024 ه- 1615 م 202

حوادث سنة 1031 ه- 1621 م 203

حوادث سنة 1030 ه- 1620 م 209

حوادث سنة 1032 ه- 1622 م 211

حوادث سنة 1033 ه- 1623 م 225

حوادث سنة 1034 ه- 1624 م 226

حوادث سنة 1035 ه- 1625 م 228

حوادث سنة 1036 ه- 1626 م 241

حوادث سنة 1037 ه- 1627 م 242

حوادث سنة 1038 ه- 1628 م 242

حوادث سنة 1039 ه- 1629 م 243

حوادث سنة 1040 ه- 1630 م 246

حوادث سنة 1041 ه- 1631 م 250

حوادث سنة 1042 ه- 1632 م 251

حوادث سنة 1043 ه- 1633 م 251

حوادث سنة 1045 ه- 1635 م 253

حوادث سنة 1046 ه- 1636 م 255

حوادث سنة 1047 ه- 1637 م 256

حوادث سنة 1048 ه- 1638 م 258

بكتاش خان والي بغداد 275

حوادث الصدر الأعظم 288

حوادث سنة 1049 ه- 1639 م 294

الدولة العثمانية 311

قائمة السلاطين العثمانيين 312

قائمة السلاطين 313

علاقة إيران بالعراق 338

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 4، ص: 416

الثقافة 348

1- فهرس الأعلام 361

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل 378

3- فهرس المدن و الأماكن 383

4- فهرس الكتب 399

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة 406

6- فهرس الصور 412

7- فهرس الموضوعات 413

الجزء الخامس

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المقدمة

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام علي خير خلقه و من تبعه بإحسان إلي يوم الدين.

أما بعد فإن حياة العراق تهمنا معرفتها كثيرا. و لعلنا نتوصل إليها من طرق شتي، و وسائل عديدة، و لكننا لا يتيسر لنا بسهولة أن نعين حالاتها في هدوئها، و في تهيجها، و فرحها، و حربها و ثروتها و فقرها، و وجوه ثقافتها و حضارتها … و هذه يقربها التاريخ. و يخطي ء من يعاديه، أو يجهل أمره إذ يبقي غافلا عن هذه الحياة في أطوارها العديدة، و أوضاعها المختلفة.

حاولنا أن نتبين هذه، و نعلم عنها ما نستطيع، و لكننا في كل الأحوال وجدناها مفرقة في (كتب التاريخ)، فعزمنا علي تأليفها و جمع شملها. و ربما كانت الوسيلة للمعرفة الصحيحة. فإذا قورنت بما نشاهد، و بما ندرك من أوضاع تكاملت من كافة الوجوه.

مرت بنا صفحات من ذلك في أجزاء سبقت. فهذه صفحة تالية لها، مؤدية إلي الغرض. و فيها ما يكمل تلك، و يوضح ما خفي و تبدأ من سنة 1049 ه- 1639 م و تنتهي بأواخر سنة 1162 ه- 1749 م، و في هذه ضروب الوقائع، و ألوان المعرفة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 6

و كل ما نرجوه أن نوفق للموضوع، و أن نلمّ بأطرافه. و هذا لا يقل عما سبقه في حروبه، و في أوضاعه الأخري. و أعتقد أنه أبين من سابقه.

جلا الغموض و زاد في المعرفة. و من ثم نتدارك الخلل. و التاريخ يوضح بعضه بعضا.

و في ثقافته وضوح لا يقبل الارتياب و لا يقل فائدة عن تاريخه السياسي و سائر حوادثه. و أملنا أن نحصل علي الإجمال من وجهه الصحيح.

و

لا شك أن هذه صفحات جليلة الفائدة، و الجهل بها حرمان لا نعذر فيه. و وقائعنا علي كثرة التتبعات و الجهود المبذولة قليلة المادة.

و في هذا العهد تزايدت المراجع. و كانت المعرفة أتم، و في كلها لا تزال الإدارة شديدة الوطأة ليس فيها إلا التغلب و القسوة.

و لعل هذه تكشف عن مدي السيطرة و ما بلغته الإدارة في أكثر الأحيان و لا تخلو من وقائع مشهودة. نحاول بيانها من طريق صحة الحوادث لنتمكن من السيرة التاريخية دون أن تكون مشوبة بآمال يزينها أهل الزيغ. و ليس بعد التجربة و التمحيص، أو بعد معرفة ما جري فعلا مستعتب.

ذقنا الأمرّين من آمال الطامعين. و رأينا جفوة من كل إدارة مرت بنا. كرهنا و سخطنا، و لكن ذلك لم يغير في الوضع، و لم يبدل في الحالة.

وقائع هذا العهد جليلة. فيها من الأوضاع السياسية، و الأحوال الحربية، و الشؤون الاجتماعية ما هو متبدل، فلم يستقر أمر علي وتيرة.

و في حالته هذه لم يخلف أرباب السلطة ذكري جميلة أو جليلة، و لا سجلوا خير الأعمال، و لا عظيم الخصال و قلّ أن نري من كانت هذه صفته في خدمة الجماعة و مراعاة نظامها، و العدل بين أفرادها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 7

هذا التاريخ يعين علاقة الدولة بنا و علاقتنا بها، و الاتصالات الدولية في المعاملات و التعاملات، و حوادث القطر مما جري فيه. و أكبر مؤثر أن الدولة لا تزال في ارتباك من أمرها. و الضرورة تدعو إلي هذه المعرفة.

المراجع التاريخية

اشارة

في هذا العهد زادت الوثائق، و كثرت المطالب لقرب الزمن منا و سهولة المعرفة، و لا تزال الغوامض كثيرة و الجهود مصروفة للحصول علي ما يبين

عن الحالات. و ما وصل إلينا محدود نوعا أو بحالة مقتضبة … و الأمل أن ينال التتبع حقه، و تكتسب المعرفة مكانها اللائق بها.

بذلنا كل غال و مرتخص في سبيل جمع الوثائق و لم شعثها و شتاتها حتي تيسر الاطلاع علي بعض الغوامض. و من هذه ما يعين مجاري السياسة داخلا و خارجا. و منها ما أوضح عن الثقافة أو عن التشكيلات الإدارية. و بين هذه ما انفردنا به، أو عزّ وجوده، و بينها ما هو متصل بالحوادث الرسمية. و هكذا ما يتعلق بالمجتمع، أو بالعشائر و سائر ما له صلة بالقطر و شؤونه.

و ليس في الوسع أن نتناول بالذكر كل ما طالعناه من مراجع أو كل ما استفدنا منه. فالكتب التاريخية من هذا النوع كثيرة، و من الصعب استقصاؤها أو وصفها و بيان قيمتها التاريخية و بينها ما كتب لغرض ايضاح تاريخ أهليها فتعرضت لما اتصل بالعراق، أو جاء استطرادا، و فيه فائدة.

و يهمنا من هذه المراجع (الكتب المحلية). و يليها في الرتبة (التواريخ الرسمية) للدولة العثمانية، و بعدها (تواريخ ايران) و تواريخ الاقطار الأخري، و بينها المعاصرة أو القريبة من العهد. و لعل المقابلات تظهر الحقيقة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 8

تعرضنا بسعة لتفصيل هذه المصادر في كتاب (التعريف بالمؤرخين). إلا أننا نخصّ بالذكر هنا (تواريخ العراق) عند الكلام عليها في محلها. فمثلا نتناول (تاريخ الغرابي) بوفاة مؤلفه و هكذا..

فنتوسع فيه. و في گلشن خلفا عند ذكر حياة مؤلفه. و مثله يقال في تاريخ (قويم الفرج بعد الشدة). ذكرناه في تاريخ انتهاء حوادثه.

و كلامنا هنا موجز يعرف بها أو يعين وضعها، أو قيمتها كوثيقة تاريخية و لا نتجاوز حدود التعريف، نناقش وجه

الصواب، و المراجع في الاجزاء السابقة لا نتعرض لها إلا بقدر.

1- المراجع المحلية:

ظهر فيها من التواريخ المهمة (منظومة آل أفراسياب)، و (زاد المسافر)، و (تاريخ الغرابي)، و (گلشن خلفا)، و (قويم الفرج بعد الشدة) أو (سيرة المولوي)، و تواريخ أخري تعود لعهد تال. و المصادر الخاصة أمثال ما ذكر يأتي الكلام عليها في موطنها من هذا الكتاب. و أما التالية مما يخص هذا العهد مثل (كتاب حديقة الزوراء في أخبار الوزراء) و كتب محمد أمين العمري و أخيه ياسين العمري و دوحة الوزراء، فلا نعجل فيها بالبيان، و إنما نكتفي بالنقل منها.

2- المراجع الرسمية للدولة العثمانية:

اشارة

هذه ظهرت العناية بها أكبر. ذكرنا قسما منها و لا تزال حوادثها مستمرة. و مما يدخل ضمن موضوعنا:

(1) ذيل الفذلكة. و يسمي ب (تاريخ السلحدار)

هو من تأليف محمد آغا خواجه زاده من أهل فندقلي من مضافات غلطة باستنبول. ولد في 12 ربيع الأول سنة 1069 ه- 1658 م. كتبه إلي 22 جمادي الآخرة سنة 1106 ه- 1695 م و كان مولعا بالتاريخ. أتمّ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 9

(فذلكة كاتب چلبي) بدأ به من حوادث سنة 1065 ه- 1655 م. ثم إنه كتب (نصر تنامه)، أكمل بها حوادث تاريخه و أتمها بحوادث سنة 1133 ه- 1721 م كان شاهد عيان إلي سنة 1115 ه- 1703 م فكتب بتفصيل ثم أجمل ما وقع بعد ذلك. توفي سنة 1136 ه- 1723 م.

أوضح عنه الأستاذ أحمد رفيق ايضاحا وافيا، و عين النسخ الموجودة من هذا التاريخ. فاتخذ بعضها أصلا. و نقده في الاعلام الجغرافية و الأسماء الأجنبية فصححها في الهامش بالافرنسية فسدّ خللا كما أنه شاهد أغلاطا في رسم الكلمات و في التراكيب فلم يتعرض لها و إنما ابقاها كما جاءت، و رجح هذا التاريخ علي (تاريخ راشد) من حيث السعة و الإتقان قال في راشد إنه كان يكتم الحقيقة أحيانا إلا أن هذا يعدّ من الوثائق المعتبرة جدا للمؤرخ لا سيما ما كان يخص المائة الثانية عشرة.

طبع في مجلدين الأول تمتد حوادثه إلي سنة (1096 ه). طبع في مطبعة الدولة سنة 1928 م. و الثاني ينتهي بسنة (1106 ه) بتعليقات للأستاد المؤرخ أحمد رفيق و صدره بمقدمة له في التعريف بالكتاب و نسخه.

(2) تاريخ راشد (ذيل تاريخ نعيما)

من الكتب التاريخية المهمة. و إن الغمز الموجه عليه من الأستاذ المؤرخ أحمد رفيق كان مصروفا إلي أنه سهل لم يتوسع في الحوادث.

و هذا لا يضر به و لا يخل بصحة ما كتب مع وجود ما هو

اوسع. لعل له عذرا و لكن المؤاخذة إنما تتوجه في تغيير ما وقع، و تبديل ما حدث.

و ليس لدينا شي ء من هذا القبيل. و فائدة هذا التاريخ كبيرة جدا بالنظر لوقائع العراق. نراه يوسع فيها.

و مؤلفه أبو المكارم محمد المعروف ب (راشد). كان شاعرا،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 10

و مؤرخا في التاريخ العثماني. و أبوه من أهل ملاطية. كان من الصدور و يعرف ب (مصطفي الملاطيوي) توفي باستنبول سنة 1148 ه- 1735 م.

و لا يفوقه في شعره و نثره أحد من معاصريه إلا أمثال (نديم) و (نابي).

و هذا التاريخ مضي به علي طريقة (تاريخ نعيما). جاء ذيلا عليه رتبه علي السنين. فصّل بعضها و أجمل الأخري، و راعي الجرح و التعديل في بعض الوقائع فلم يغفل أمرا. و إن مقابلة الحوادث ربما كانت السبب فيما أبداه الأستاذ أحمد رفيق من نسبة النقص إليه.

بدأ بوقائع السلطان محمد سنة 1071 ه- 1660 م و انتهي المجلد الأول منه بوقائع سنة 1098 ه- 1687 م و يليه المجلد الثاني، و تمتد حوادثه إلي نهاية سنة 1115 ه- 1703 م و يتلوه المجلد الثالث. يمضي في حوادثه حتي سنة 1134 ه- 1721 م لكنه لم يبلغ درجة نعيما في تاريخه. جاءت ترجمته في آخر المجلد الخامس من تكملات هذا التاريخ. و في كتاب (عثمانلي مؤلفلري) ذكر له نماذج من شعره. و كان مؤرخ الدولة.

(3) تاريخ جلبي زاده:

و هذا التاريخ تبتدي ء حوادثه من ذي القعدة سنة 1134 ه- 1722 م و تنتهي بحوادث عام 1141 ه- 1728 م. قطعه كبير كسابقه و عدد أوراقه 158. و هو من مطبوعات إبراهيم متفرقة طبع سنة 1153 ه- 1741 م تأليف إسماعيل عاصم

المعروف ب (كوچك جلبي زاده) من مؤرخي الدولة اختاره الوزير الأعظم إبراهيم باشا الداماد في 28 شهر رمضان المبارك لسنة 1135 ه- 1723 م إلا أنه شرع في تدوين حوادثه من ذي القعدة سنة 1134 ه- 1722 م من حيث انتهي سلفه. و له مهارة فائقة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 11

توفي في 3 جمادي الآخرة سنة 1173 ه- 1760 م.

(4) تواريخ سامي و شاكر و صبحي:

هذا التاريخ تناوب في تدوينه سامي، ثم شاكر، ثم صبحي فكمل كل واحد ما قام به الآخر. فمن هؤلاء سامي مصطفي. ولي تحرير وقائع الدولة. و في سنة 1146 ه توفي فأضيفت تدويناته في الوقائع إلي تاريخ صبحي. و أما شاكر بك فإنه ابن حسين باشا والي البصرة المتوفي فيها. و هذا أيضا كان قد ولي قضاء حلب في شعبان سنة 1155 ه و بعد مرور خمسة عشر يوما توفي فأضيفت وقائع أيامه إلي ما دونه صبحي.

و هذا ابن خليل فهمي ولي تحرير الوقائع الرسمية خلال سنة 1152 ه، و استمر إلي أواخر سنة 1156 ه. و توفي في غرة المحرم سنة 1157 ه 1743 م. وضع تاريخه في سنة 1198 ه باستنبول في مطبعة إبراهيم متفرقة المعادة مجددا.

(5) تاريخ عزّي:

لسليمان عزي من المؤرخين الرسميين، جاء بعد صبحي. و كتابه طبع سنة 1199 ه- 1784 م، و يحتوي علي ذكر ولاة بغداد:

1- أحمد باشا بن حسن باشا.

2- أحمد باشا الصدر الأسبق.

3- الحاج أحمد باشا كسريه لي.

4- الحاج محمد باشا الصدر الأسبق.

5- سليمان باشا مؤسس حكومة المماليك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 12

و هؤلاء ذكر وقائعهم من سنة 1157 ه- 1744 م و استمر إلي اواخر سنة 1165 ه- 1752 م في مجلدين طبعا معا. و كان خلفا لصبحي محمد المؤرخ العثماني الرسمي في تحرير الوقائع. و إن تاريخ صبحي يقف عند نهاية عام 1156- 1744 م فشرع عزي في تدوين الوقائع من حيث انتهي سالفه، اختارته الحكومة في غرة رجب سنة 1158 ه- 1745 م.

و هذا الكتاب طبعه محمد راشد مكتوبي الصدر و أحمد واصف مؤرخ الدولة العثمانية. كانا اعادا الطباعة كما كانت في عهد

إبراهيم متفرقة و عهد خريجه إبراهيم القاضي و كانت أهملت في أواسط أيام السلطان مصطفي. و كان طبع تاريخ صبحي في المطبعة المذكورة.

3- المراجع التركية الأخري:

اشارة

و هذه لمؤرخين لم يكونوا رسميين. و إنما ساقت الرغبة التاريخية، و الميل إلي تدوين الحوادث للكتابة فيها. و هذه قد يلتفت أصحابها إلي ما هو جليل الفائدة، عظيم العائدة. و فيه من الأخبار ما يكشف عن حوادث قطرنا، بل قد يتيسر في مؤلفات لا تظهر للناظر فائدة فيها، فيتبين ما خفي عنا، و نحن في حاجة إلي معرفته.

(1) گلشن معارف:

من المؤلفات التركية في التاريخ ذكر وقائع العراق و ايران و هو من خير المصادر يعتمد عليه في الوقائع الرسمية. في مجلدين ضخمين، موضوعه عام إلا أنه يمضي مختصرا و يفصل القول في الحوادث العثمانية و فيه الكثير من الوقائع العراقية و ينتهي بسنة 1188 ه- 1774 م و مؤلفه محمد سعيد بن محمد المدرس ولد في بروسنة. ثم ذهب إلي استانبول و تخرج علي (نشأت) رئيس الطريقة النقشبندية و درس الفارسية علي أكابر رجالها آنئذ الحاج علي بابا الملقب بصديق الشاعر في الفارسية. قرأ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 13

عليه مدة 25 عاما و من جملة ما درس عليه (شاهدي) و (پند عطار).

و (ديوان حافظ) و قسما من (كتاب بوستان). فبرع بالشعر و النثر. قال:

إنه رأي التاريخ نافعا لكل الطبقات و الصنوف، و جعل اسمه تاريخا له و هو سنة 1249 ه فدعاه (لب التواريخ) ثم قدمه إلي السلطان باسم (گلشن معارف) و ذكر المراجع. كتبه بلسان سهل … تم طبعه في دار الطباعة العامرة عام 1252 ه- 1836 م.

و هناك كتب تاريخية عديدة مثل (تاريخ واصف)، و (تحقيق و تدقيق) و (سجل عثماني)، و (نتائج الوقوعات) … و غيرها من التواريخ المتأخرة.

4- المراجع الفارسية:

و هذه كثيرة، من أهمها المخابرات السياسية، و المعاهدات، و الوقائع الحربية و في هذه مدونات عديدة و لعل من أهمها (دره نادري)، و (جهان گشاي نادري) … و تواريخ أخري لا يستهان بها. و كانت من الكثرة مما لا تسع مطالعته كله إلا أن المهم منها ما كان أيام نادر شاه.

و مثله المؤلفات التركية. حصلت علي مجموعات كبيرة جدا في اللغتين التركية و الفارسية. و بينها وثائق معتبرة جدا،

و محل التفصيل (التعريف بالمؤرخين).

5- المراجع العربية:

و هذه غالبها يتعلق بالتاريخ العلمي و الأدبي و قل فيها ذكر الوقائع.

و هنا لا أتعرض لها إلا بقدر الحاجة دون تفصيل. و قد أكملت (التاريخ الأدبي في العراق). و لعل الأيام تسمح بتدوين التاريخ العلمي و بيان مؤلفاته و التعريف برجاله. و المعلوم منهم أكثر مما في المجلد السابق.

و النقل يعين اسماءها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 14

هذا، و الكثرة في المصادر لا تفيدنا إلا بما احتوت عليه من وقائع أو تفصيلات أو مادة بحث. و لا شك أننا في نهم شديد للحصول علي الجديد و الاستزادة فيما يكشف عن القطر لينجلي مبهمه. نعلل بأن ما عرفنا كبير الفائدة. و ربما يتم به الغرض، أو أن ذلك مما يصحّ أن يزاد فيه، و يكمل النقص المشهود و لكننا نريد أن نتوضح الوقائع. فلا نكتفي بمصدر أو وثيقة … و هكذا المعارف التاريخية الأخري. و موعدنا الاتصال بالوقائع و نصوصها. و تظهر قيمة الأثر بمقدار ما تتيسر الاستفادة منه. و جل أملنا أن يكون هذا المجلد عند رغبة الأفاضل و رضاهم مفيدا نافعا. و يعوزني ارشادهم في التوجيه أو التنبيه إلي الاغلاط، أو الاشارة إلي المراجع المهمة التي أغفلتها لتثبيت الوقائع أو تحرير ما يستدعي التفصيل.

هذا، و ليس في المستطاع أن نبدي أكثر مما عندنا. أما الوثائق القليلة، أو التي لا تتناول فصولا كثيرة فهذه لا نتعرض لها هنا. و إنما نعين وجوه الاستقاء منها في محلها.

نظرة عامة

في هذا العهد كانت الحكومة العراقية آمنة من الغوائل في الخارج. ركدت حوادث ايران، أو أصابها فتور في كثير من الأحيان، فوجهت جهودها للتسلط علي العشائر. فقد كانت إلي هذا الحين بنجوة من الغوائل لانشغال بال الحكومة

بنفسها، و في هذه المرة قست فكأنها شعرت بقوة، و من ثم أضرت بالعشائر و نكلت بها تنكيلا مرا، ذلك ما دعا أن تميل الضعيفة منها إلي القوية لتعتز بها. أو لتكون بمعزل عن الاذي و الضرر …

و الولاة كانوا بعيدين عن الأهلين لا يعرفون من أحوال الشعب، و لا من انحائه سوي الاسم و قد يكون مغلوطا … رغبتهم لم تتحقق إلا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 15

علي الضعفاء، و عمرهم قصير، فلم يتمكن وال مدة طويلة من الحكم ليعرف الحالة. و لا سبب لذلك إلا خوف الدولة من أن يحدث غائلة، أو يضمر آمالا. فيستعين بالأهلين، أو بالموظفين الأهليين. و من ثم تبقي علاقته بهم قليلة و رسمية لا سيما أن الواحد منهم كان يأتي بكتخداه معه و إذا رجع أعاده و جاء غيره و معه كتخداه …

و في هذا كله ما يمنع من التسلط، و التوغل، أو المعرفة التامة بحقيقة الوضع فبقيت الجهالة سائدة، و نفوذ العشائر الكبيرة بالغ حدّه … و موظفو الدولة لا يتجاوزون الوالي و كتخداه، و القاضي، و الدفتري، أما كتابة الديوان و رئاسته فإنها بيد الأهلين من الترك أو العرب و هم لا يأمنون منهم و إن كانوا لا يقصرون في تنفيذ رغائبهم و تمكين ادارتهم … و لم تطل إدارة إلا للواليين الأخيرين حسن باشا و ابنه أحمد باشا، فكانت النتائج أن تكونت (حكومة المماليك) أو (حكومة الكولات).

كان حسن باشا و هو من أشهر وزراء بغداد قام بأعمال مهمة لدولته … ثم خلفه ابنه أحمد باشا و هذا لا يقل عن والده و يعد الأول فاتحة لتسلط العثمانيين علي هذا القطر بصورة مكينة. و صار

تمهيدا لمن تلاه و تجديدا في حياة الدولة.

إن الحالة إلي أيام الوزيرين كانت بيد الينگجريّة و تسلطهم فالوالي ليس له من الأمر شي ء و إنما يكون في الغالب منقادا لرؤسائهم و كبار رجالهم فلا قدرة له كما أن الأهلين يئنّون من قسوتهم و ظلمهم، و يتخلل ذلك الضرائب و النهب و الغصب و انتهاك الحرمات …

و في (انحاء العراق) كانت العشائر أقوي. لا تسلط عليها لما اضطرت إليه من اتفاق بعضها مع بعض. و نطاق بغداد ضيق إلا أنه صار يتوسع قليلا. و كانت العشائر في ماضي العهد ذاقت الأمرين من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 16

قسوة الموظفين و انتهاكهم للأعراض، و سبي الأطفال و التعرض للنساء مما يسوّد وجه الإنسانية فضلا عن أنه مردود شرعا … و ما ذلك إلا لأن الجيش متغلب علي القيادة، فالطاعة مفقودة، و لذا رأت الحكومة معارضات شديدة جدا و اتفاقا علي محاربة الظلم و العدوان.

و هذا العهد يمتاز بأنه لم يحصل فيه تجاوز علي الاعراض، فإن الوزير حسن باشا كبح من جماح الجيش كما أنه أراد أن يتسلط علي العشائر، وقفهم عند حدّ و بالتعبير الأصح عزم علي الوقيعة بالعشائر باستخدام القوة، و التحكم في هؤلاء، كما قضي علي نفوذ الينگچرية فلم يستطيعوا أن يقوموا بتجاوز أو تعدّ.

و الفضل في ذلك كله لهذا الوزير فإنه بقدرته و شدته أسس النظام و حافظ علي إدارة العراق، و راعي الأمن داخلا و خارجا بقدر الإمكان..

و صرف القوم عن حالة اعتادها الناس و تمرنوا عليها، فجعلوها طريق استفادتهم.. فقهر الأكثر من المتغلبة و أذلهم …

و كذا ابنه أحمد باشا حذا حذوه و تخلل ذلك بعض ما يوجه من تنديد و

لكنه قليل بالنظر لأيام الراحة، و تلاهما من حدثت في أيامه بعض الغوائل و لم تكن عامة، و الناس في هذه الحالة اعتادوا النظام. و مشوا علي خطة في إدارة المملكة لو لا أن حدث ما أزعج الوضع من حروب ايران في حالتي الضعف و القوة. فاضطرب العراق اضطرابا عظيما.

هذه النظرة السريعة تعين الوضع مجملا، و يعدّ أصلح من سابقه بالنظر لوجهة الحكومة و إن كانت تخللته بعض أوضاع لم تكن مرضية.

و لا نقول إن هذا كاف للإصلاح بالنظر إليهم و باعتبار وجهة نظرهم بحيث يقف الأمر عنده، أو يجب أن يلتزم إذ لم يخل من سوء الإدارة.

و الملحوظ أن الدولة تريد ضبط القطر و تأمين ادارته بأي وجه كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 17

و لا تلتفت إلي ما يقع، أو لم تسمع عنه شيئا لبعده عن عاصمتها. و هذا هو الصحيح.

و هنا نكتفي بما ذكر من مزايا هذا الدور إجمالا و أن نبدي مطالعاتنا علي نفس الوقائع، و الأحوال التي تعرض في مواطنها لتكون أقرب للوقوف علي الوضع، و ماهية الحوادث …

و صفوة القول أن الحكومة حاولت التمكن من إدارة العراق بالتسلط علي المتنفذين من الينگچرية و العشائر. و يعدّ الأهلون من أهل المدن ذلك نعمة للتخلص من العتاة المتنفذين و التمكن من الإدارة.

فاتخذت بعض العشائر وسيلة لاخضاع الأخري استفادة من عداء سابق، أو اطماع لمصلحة تقوية النفوذ للسيطرة علي خارج بغداد.

و الحالة الخارجية ساءت في أواخر هذا العهد. نهض الايرانيون و علي رأسهم نادر شاه بقوة كاد يدمر بها القطر بل شوّش أمره، و جعله في ريب …

و يعزي لهذا العهد ثقافة نافعة كانت أصل ثقافة عهد المماليك.

ظهر علماء و شعراء

كثيرون. و لعل لقرب العهد أثره.

حوادث سنة 1048 ه- 1638

والي بغداد كوجك حسن باشا

فتحت بغداد علي يد السلطان مراد الرابع في 23 شعبان فنظم شؤون بغداد. و في 25 منه عهد ببغداد إلي كوچك حسن باشا، و فوض القضاء إلي مصطفي التذكرچي، و أودعت وظائف أخري لموظفين آخرين.

ذكرنا ما جري في المجلد السابق، و في 12 من شهر رمضان هذه السنة عاد السلطان إلي عاصمته، و بقي الصدر الأعظم يدبر بعض الشؤون.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 18

و في عهده انصرف إلي تأسيس النظام و تشكيل الإدارة و تقريبها و لو بصورة مصغرة من ادارة الدولة و تشكيلاتها. و جعلها مدينة كمدن الدولة.

جرت في أيامه الطمأنينة و عاد الفارون من حكم العجم إلي أوطانهم فآبوا من غربتهم و من ثم تكونت العمارات، و عمرت المساجد و أعيدت بغداد إلي ما كانت عليه من إقامة الصلوات و الجمع …

و حسن باشا كان موصوفا بالشجاعة و هو الباني الأصل، و الأهلون يطرونه بأحسن الذكر. يقولون كان سليم الطويّة، حليم السجية، يرعي الفقراء و الصغار، و يوصي أعوانه بحسن السلوك و مراعاة العدل و الحق، كما يمنع من الظلم و يزجر فاعله، و يعزر من يري منه سوء فعله. و علي كل كان حسن السلوك و من أرباب الخير … يروي أنه لما رتب ديوانه للعدل فأول ما قضي به أن أصدر حكمه لفقير و نبه تنبيها أكيدا أن لا يميل أحد عن الحق لمحاباة، أو منفعة، و شدد النكير.

كان كوچك حسن باشا من الينگچرية فصار رئيس السكبانية. و في شهر رمضان سنة 1047 ه نال منصب آغا الينگچرية و منها ولي بغداد بالوجه المشروح.

أثر الفتح في النفوس

إن أهم الأحداث الفتح بعد مقارعات عظيمة كبدت الدولتين خسائر فادحة في الأموال و النفوس.

فكانت المدونات عنها كثيرة. و لعل من بقايا ذكرياتها مدفع أبي خزامة و كان من مدافع الفتح. و لعله قام بخدمات كبيرة في تسهيل هذا الفتح، فصار يعد مباركا محترما في نظر العوام من الأهلين، و يعين شعورهم الصادق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 19

و ربما نسبت للسلطان كرامات، و لم يدر هؤلاء أنه كان شجاعا، قوي الإدارة في قهر من وجد منه ضررا للدولة أو رآه لم يتورع في انتهاك حرمات الأمة بل قسا تلك القسوة الجائرة. و لعل ما ظهر من عظمته في حرب بغداد، و تمكنه من انقاذ الناس بما بذل من أموال و نفوس خلدت له الذكري الجميلة، فاشتهر صيته، فلا يصح أن تعزي له كرامة و لا لمدفعه إلا ما صح من الخدمة الحربية، و لكن العوام يزعمون أن مدفعه (أبا خزامة) كان يلتهم الاحجار و الصخور فتظهر منه قذائف صبت علي رؤوس الأعداء وابلا من البلاء كما أن النساء تأتي بالاطفال للاستشفاء من الأمراض بعرض الأولاد علي فوهته كأنه (طبيب الأطفال)، و كأن انفاسه تمد ببركاتها الشفاء. و هكذا تعقد العقد للبركة … و العامة لا قياس لتفكيرهم، فلم يوجهوا، و لم يردعوا عن هذه المنكرات الخرافية المضرة بالعقيدة الحقة.

و لا يزال العوام في ضلال، فيضطر الكثير من العلماء إلي مداراتهم. و كأن القول قولهم، و المتابعة من العلماء واجبة، فلم ينه العلماء عن منكر فعله العوام، أو لا يتناهون عن منكر فعلوه …

و أحسنت الدولة العراقية الحاضرة في رفعه عن أنظار العامة. و وضعته في متحف الأسلحة. و الأمر المهم أن هذا كان من مظاهر الفرح في النفوس إثر الفتح.

و كان عند اليهود (عيد يوم الفتح) يعتبر

من أعياد بني اسرائيل في بغداد تعاد ذكراه في كل عام. و لا شك أن هذا العيد كان من مظاهر الفرح بهذا الفتح لما لقي الأهلون من المصائب و الارزاء ففرج الفتح الكربة و لم يقف عند طائفة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 20

حوادث سنة 1049 ه 1639- عزل الوالي

اشارة

بقي الصدر الأعظم ينظر في شؤون العراق العامة. و من أجل ما فعله عقد المعاهدة مع ايران، و في 2 المحرم سنة 1049 ه- 1639 م و في گلشن خلفا في 4 المحرم عهد بولاية بغداد إلي (درويش محمد باشا) بدل الوالي (كوچك حسن باشا). و عين هذا الأخير لمنصب (وان) ثم نقل إلي منصب طرابلس.

و غالب المدة التي قضاها الوالي تصادف وجود السلطان ببغداد، و بعد عودته كان الصدر الأعظم فيها. و بقي إلي آخر أيامه، أو في الانحاء العراقية للمفاوضات في الصلح بين ايران و العثمانيين.

كنج عثمان

كان (گنج عثمان) من الشجعان الابطال. و هو من اتباع أبازه باشا المشهورين فجعل علي جيش تولي رئاسته. و أرسل لفتح الانحاء العربية.

و هذا لاقي (القزلباش) أي الايرانيين أو الشيعة منهم بسيفه فدمرهم، و فتح قصبة كربلاء و ذهب منها إلي النجف و كانت بلدة معمورة فاستولي عليها. و منها اكتسح الحلة، و ضبط الرماحية. و من ثم حطّ ركابه في كربلاء. إلا أنه اهتم غاية الاهتمام بالبلدان و البقاع التي استولي عليها و راعي حسن ادارتها.

كان جاء من طريق الفرات إلي الفلوجة، و منها هاجم الحلة و ما والاها بالوجه المذكور، فورد خبر ذلك إلي خسرو باشا، فمال السردار إلي محاصرة بغداد كما مرّ تفصيله في سنة 1040 ه. فشرع الوزير بمحاصرة بغداد، فلم يتيسر له الفتح.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 21

جامع قمرية في الكرخ- دار الآثار القديمة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 22

و كانت وردت الأخبار من الحلة في حينها إلي السردار بأن الشاه عازم علي محاربتنا، و متوجّه إلينا، فطلبوا منه أن يمدّهم، فصدر الفرمان إلي نوغاي باشا أمير أمراء الشام

و إلي أمراء آخرين إلا أن ذلك لم يجد، فحاصر الشاه الحلة، فلم يتمكن المحصورون من الدفاع إلا لمدة قليلة، فمضي خليل باشا إلي السردار، و تمكن من العودة بمن معه.

و من ثم طوي خبر (گنج عثمان)، و لم يعد يعرف عنه شي ء إلا أن صاحب السجل العثماني ذكر أنه كانت له خدمات في حروب بغداد و كان شجاعا غيورا. توفي شهيدا سنة 1040 ه.

و هذا البطل الشاب نقل نعشه إلي بغداد كما يظهر، و اتخذت له (سقاية) بقرب (سراي بغداد) كعمل خيري له. هذا و يعرف ب (قبر گنج عثمان)، و اتخذ مزارا.

صار يسكنه بعض الدراويش لتعليم الصغار من أولاد المسلمين القرآن، و لعلّها كانت من تأسيس الدولة.

و نري كتّابنا اضطربت كلمتهم في أمره. و أوسع من كتب الأستاذ عبد الحميد عبادة في كتابه (العقد اللامع)، إلا أنه عدّه ممن توفي أثناء فتح السلطان مراد الرابع بغداد.

قال:

«من الرجال الذين استشهدوا في واقعة بغداد من قبل السلطان مراد خان. كان قد بني علي مرقده قبة معقودة بالحجارة و الجص و بجنبه ايوان للصلاة. و في سنة 1133 ه جدد ذلك البناء من قبل الوالي حسن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 23

باشا و كتب علي شباك مرقده المطلّ علي الطريق بالحجر الكاشاني ما نصه:

«ألا أن أولياء اللّه لا خوف عليهم و لا هم يحزنون. رئيس الشهداء گنج عثمان. قد عمر هذا المكان صاحب الخيرات حسن باشا سنة 1133 ه.».

و في المحرم سنة 1324 ه شبّت النار ليلا من أحد الدكاكين المجاورة لهذا المرقد و كان يشغله صالح البقال فاحترق الدكان و احترقت معه عشرة دكاكين و قهوة، خمسة منها لدائرة البلدية و خمسة لدائرة الاوقاف

و مات المرقوم صالح بسبب ذلك الحريق و احترق بعض هذا المسجد فأمرت دائرة الاوقاف بتعميره و ذلك سنة 1326 ه و لما تولي خليل باشا بغداد سنة 1333 ه أمر بهدم رباط الجندرمة و المسجد المذكور و جعلهما أرضا بسيطة، فرفعوا بناءهما و بقي قبره وحده في الطريق و عليه شبّاك من خشب. و في يوم الخميس 20 ربيع الأول سنة 1336 ه و بعد استحصال الفتوي من العلماء نقلت بقايا جثمانه إلي مقبرة الشهداء و قد قال المأمور الموظف علي نقله إنه وجد في القبر عظاما بالية فوضعها في كيس و دفنها في المقبرة المذكورة و قد وضع الشباك عليها كما كان. و علق الأستاذ عبد الحميد عبادة أنه بعد التحقيق من المأمور قال لي: جئنا قبره ليلا مع أحد البنائين و قد بنوا القبر داخلا و اعتنوا بتحكيم بنائه و ابقائه في محله و رفع الشباك الخشبي الذي كان فوقه و وضعه علي قبر في مقبرة الشهداء و حلف باللّه أن گنج عثمان في محله لم ننقل من جثمانه شيئا. «اه.».

و جاء في لغة العرب ما ملخصه أن گنج عثمان كان حاملا لواء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 24

عند دخول السلطان مراد بغداد متقدما أمامه، و أنه قطعت يداه و بقي العلم يمشي أمامه بلا حامل يحمله حتي رآه أحد الناس فدهش به و عند ذلك هوت الراية إلي الأرض و قتل گنج عثمان إلي آخر ما جاء مما لا يوزن بميزان الصحة فجاء هذا النقل موافقا لما ذكر الأستاذ عبد الحميد عبادة. و لم يكن هذان القولان صحيحين و إنما نقلا من الأفواه.

و جاء في لغة العرب أيضا أن السقاية

أمر الأتراك بهدمها سنة 1915 م لتوسيع الطريق لتصلح أن تكون جادة. و أبقو القبر و حوطوه …

و في الاحتلال أزيل القبر و سوّي، فدخل قارعة الطريق في أيلول سنة 1917 م.

و قد تبين من النصوص المنقولة أنه توفي قبل مجي ء السلطان مراد الرابع بسنين. اتخذ في هذا المحل كتّاب، و بقي مستمرا يدرس فيه شيخ يعلم القرآن، و قد شاهدته.

الوالي درويش باشا

في 2 المحرم سنة 1049 ه ولي بغداد. و كان الصدر الأعظم في منزل (خانقاه الصغير). و جاءته براءة الوزارة في 24 ربيع الأول.

و بعد أن فارق الصدر و جاء إلي بغداد قبض علي إدارتها بيد من حديد. راعي الشدة. قال صاحب گلشن خلفا إن العراق كان مضطرب الجوانب، مختلف الأجناس، و مختل الأحوال. فجاء هذا الوزير بقصد إظهار السطوة و القوة. و المنقول أنه كانت أيام حكومته خالية من العدل و الإنصاف. أقام في سراي (بكتاش خان).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 25

الموصل:

إن الصدر الأعظم قبل ذهابه إلي استنبول بقليل اختار أحمد باشا والي ديار بكر قائدا للجيش و جعله محافظا علي الموصل.

قتلة السيد دراج:

سبق أن ذكرناها، و من احفاده المرحوم السيد حسن نقيب كربلاء المتوفي سنة 1952 م.

قبيلة الخزاعل:

القبائل انضم بعضها إلي بعض و تناصرت فيما بينها فلم تتمكن الحكومة من الاستيلاء عليها و كانت رئاسة الخزاعل معروفة. قالوا إنها في حالة اضطراب و إن شيخ الخزاعل (مهنا) في أطراف السماوة أظهر العصيان كخالد العجاج أبي ريشة. كانوا ممن يلحظهم شاه العجم، و صار الشيخ مهنا يضر بالمارة و أبناء السبيل فطغي سيل شرّه و أعلن طريق الغواية … فاقتضي إيقافه عند حدّه و كسر شوكته. فأمر الوزير بتجهيز الجيوش و جعل كتخداه علي آغا قائدا فسار إليهم فلم يثبت شيخ الخزاعل أكثر من ساعة أو ساعتين في الحرب فهلك أكثر أشياعه و فرّ هو و شر ذمة قليلة إلي بلاد العجم و من ثم دخل ما كان تحت سطوته في حوزة الحكومة … قال في تاريخ نعيما: «إن الكتخدا ضرب العصاة من العربان و جاء إلي بغداد بغنائم عظيمة …».

و لعل التجاءه إلي ايران كان من جرّاء ما أصابه من إحراج حتي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 26

اضطر إلي ما قام به [1] … و في مثل هذه الأحوال يعرف أن الحكومة التزمت رئيسا آخر و نكّلت بالأول و إلا فالقبيلة لا تزال في مكانها و في مواطن مجاورة أو قريبة منها … و الولاية في كافة العصور عدوة كل من نال مكانة و نفوذا سواء كان شخصا أو قبيلة …

و هذه القبيلة أصلها خزاعة كما هو المعروف، في حين أن خزاعل جمع خزعل و التسمية به شائعة. و لم يعرف موطن لخزاعة في هذه الأنحاء. و لا نزال في ريب من القول بأنها من خزاعة.

و لنقل ما قالوا حتي نهتدي إلي وجه الصواب. و تتفرع إلي فروع عديدة لا محل لذكرها هنا [2] [3].

______________________________

[1] في السنة الأولي أظهر أمير الخزاعل مهنا بن علي العصيان و قطع الطرقات و في السنة التالية ولي الوزير درويش محمد باشا بغداد فبلغه خبر شيخ الخزاعل فبعث كتخداه علي أغا بالعساكر إلي حربه. و أول ما ملك هيت، ثم توجه إلي سماوة (كذا) و حارب الخزاعل و قتل أكثرهم و هرب مهنا و ملك علي أغا سماوة ثم العرجة و عاد إلي بغداد. و الملحوظ أننا ذكرناها في حوادث سنة 1049 ه.

و هي الصواب و أن درويش محمد باشا ولي سنة 1049 ه لا كما ذكرها صاحب الدر المكنون.

[2] عشائر العراق لا يزال مخطوطا.

[3] من رسالة للشيخ وداي العطية يقول معلقا: كان شيخ الخزاعل ممن يلحظهم الشاه و ذكرت ما مستنده النص و الوقائع التاريخية. و مطالعتي في أنه أحرج فاضطر إلي الالتجاء، و إذا لم يوجد نص في أن الحكومة التزمت رئيسا آخر فالوقائع تؤيد و لم يحكم شيخ الخزاعل من هيت إلي السماوة حتي العرجاء. و إنما كانت وقعة هيت مع آخرين و كان الأولي أن يذكر نصوصا أصلية. و خزاعل لم تكن تحريف خزاعة كما أن الحميدات ليست تحريف آل حميد و مثلها السعيدات و الجنابات و إذا كان أصل الخزاعل من خزاعة فإن خزاعل جمع خزعل و التسمية به مشهودة و هو في اللغة الضبع و تحريف اللفظ غير معروف. و لم نجد نصا قديما يعين موقع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 27

أمير المنتفق- آل افراسياب:

إن العرجة كانت تحت إدارة أمير من أمراء العرب و حياتها مطمئنة استفادت ذلك من الفترة

بين العجم و الروم فلما توفي أميرها سار إليها أمير الأمراء علي باشا أمير البصرة من آل أفراسياب. اغتنم الفرصة للاستيلاء عليها و عزم علي اكتساحها … فلما سمع أهلوها التجأوا إلي و الي بغداد و أنهوا إليه ما جري. طلبوا أن يتولي أمرهم دون علي باشا أفراسياب و علي هذا أرسل الوزير قائدا و جيشا كافيا و موظفين مع دزدار (محافظ) و أمير لواء. سيّرهم إليها فاستولت عليها حكومة بغداد … و الظاهر أن الأمير كان من أمراء المنتفق … و من هذا تعرف سلطة ولاة بغداد و منطقة حدود نفوذهم …

وفاة السلطان مراد الرابع:

في 16 شوال سنة 1049 ه يوم الخميس توفي السلطان مراد الرابع. و قال عنه كاتب چلبي إنه أعظم الملوك الذين جاؤوا بعد الألف

______________________________

وجودهم، و لا سابق عهدهم. و إذا كانت خزاعة تسكن في العراق قديما، فقد انقطع ذكرها بميلها إلي إيران و المرجح أن أحد رؤسائها خزعل سميت القبيلة به.

و لذا قلت: «و لنقل ما قالوا حتي نهتدي إلي وجه الصواب.» اه. هذا، و النصوص التي ذكرها الشيخ متأخرة عن تاريخ أول شيوع ذكرهم بخزاعل. و ليس في هذا طعن بنسب. و إنما هو فتح طريق للتحري التاريخي. و محفوظ القبيلة معتبر حتي يتبين خلافه …

أما حوادث سنة 1106 ه فقد ذكرتها في حوادث سنة 1105 ه لأن مرتضي آل نظمي ذكرها في هذه السنة. و كان كاتب الديوان. فهو أقرب لضبط الوقائع، فلا يحتاج هذا إلي العجب. و لو رجع الشيخ إلي (كتاب أربعة عصور) لرأي الشي ء الكثير من التنديد بمهنا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 28

من العثمانيين و كان في بادي ء أمره إلي سنة 1042 ه كسائر الملوك

قبله إلا أنه انتبه للأمر بعد ذلك و باشر الشؤون الخارجية و الداخلية بنفسه و قد مرّ عنه في حادث بغداد ما يغني عن اعادة القول … ترجمه كثيرون و أطنبوا في بيان حياته و أعماله … و إن صاحب روضة الابرار أفرد له رسالة في (فتح بغداد). رأيت عرشه في متحف سراي طوپقپو باستنبول، و أفرد في المتحف محل خاص يحتوي علي لباسه و سلاحه حين فتح بغداد وضعت في خزانة خاصة و كذلك رأيت قصره المسمي (بغداد كشكي) أي قصر بغداد بناه لذكري هذا الفتح و يحق له أن يفخر به و يباهي بعد أن استعصي أمر بغداد علي عدة صدور عظام … و أكثر الغوائل إنما تحصل من التهاون لما هناك من الضعف.

حوادث سنة 1050 ه- 1640 م

من ذيول حادث بغداد:

لم نعثر علي حوادث في هذه السنة. و إنما أغفلها المؤرخون فيما يتعلق بالعراق و يعدّ من (ذيول حادث بغداد) أن (ابن مير فتاح) كان أخذ أسيرا أثناء الفتح، و سجن في استنبول ففي ذي الحجة من هذه السنة أمر بقتله فقتل. و كأن ايران قائمة علي أكتافه فإذا مات ماتت!!

حوادث سنة 1051 ه- 1641 م

في هذه السنة توفي محمود باشا جغاله زاده بن سنان باشا كان قد ولي بغداد. و آخر مهمة قام بها أن صار وزير الديوان فتقاعد و توفي في شوال سنة 1051 ه و هو الذي سميت مقاطعة المحمودية باسمه. كما أن خان جغان (خان جغاله) عرف باسم والده. مرّ بنا ذكرها في المجلد السابق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 29

حوادث سنة 1052 ه- 1642 م

عزل الوزير درويش محمد باشا:

في 18 المحرم انتهت أيام حكم هذا الوالي و كانت ابتدأت في 5 المحرم سنة 1049 ه.

و هو چركسي. كان أولا في خدمة مصطفي آغا ضابط الحرم السلطاني في عهد السلطان أحمد ثم خدم الوزير الأعظم محمد باشا المعروف ب (دال طبان). و كان السلطان عثمان يحبّه لفروسيته و شجاعته.

ذهب في خدمة الوزير إلي مصر حينما صار محافظها و كان يقدمه علي جميع أعوانه، ولي الخدمات السامية حتي صيره كتخدا له. و لما ولي الوزارة العظمي عهد إليه بولاية الشام في أواسط سنة 1045 ه. و كان ظالما جبارا فتك بأهليها و تجاوز في ظلمه الحد. و تنقل في الايالات.

و لما ورد السلطان مراد بغداد كان أمير أمراء الشام فلحق به. و في 25 ربيع الآخر عند ما كان السلطان في ديار بكر عهد إليه بإيالة ديار بكر و ألحق به كثيرا من أمراء الولاية و انضم إليه (حاكم البر) أو (أمير الصحراء) ابن أبو ريش (من أمراء طيي ء) مع باشوات طرابلس و حلب و عدة امراء ألوية جعله قائد المقدمة. و كان درويش محمد باشا مشتهرا بالشجاعة و قوة المراس و شدة البطش و الفتك و الظلم.

توفي في أوائل شهر ربيع الأول سنة 1064 ه. و كان ولي الصدارة العظمي، فعزل عنها لما

اعتراه من الفالج.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 30

الوالي كوجك حسن باشا (للمرة الثانية)

كان هذا الوزير أول وال علي بغداد أيام فتحها، أخلاقه حميدة و أوصافه مقبولة، استجمع السجايا المرضية، فكان هذا من دواعي إعادته في 19 المحرم من هذه السنة.

و في أيام وزارته هذه صرف جهوده لإعالة المحتاجين و إعانتهم بما استطاع، فكانت أعماله جليلة جميلة مشحونة بالثناء. و اسمه موصوف بالخير و الحلم. جلّ آماله مصروفة إلي راحة الأهلين و حراسة المملكة و طمأنينتها. أزال الخوف و الاضطراب و لحظ عمارة المدينة و ترصين حصونها. بني ثلاثة أبراج قرب باب الأعظمية في المحل المسمي (طابية ذي الفقار) قبالة برج العجم فكانت محكمة البناء لتكون سدا منيعا في وجه الأعداء و حارسا للمدينة.

قال في گلشن خلفا: و لا يزال هذا البناء معلنا عن آثاره الحسنة.

و هو الآن (مرقد أمير الاوزبك) التركستاني (امام قولي خان). كان جاء في طريقه للحج. ورد بغداد و مات فيها فدفن في هذا المحل.

جامع الاوزبك:

أصله مرقد (امام قولي خان) أمير الاوزبك. مات ببغداد. جاء بنية الحج فتوفي سنة 1060 ه ثم جاء ابن أخيه عبد العزيز خان ذاهبا إلي الحج.

مر ببغداد سنة 1092 ه. ولي مكانه أخوه سبحان قلي خان سنة 1091 ه و لا شك أن هذا الجامع من بناء عبد العزيز خان حين وروده. ثم جدّده داود باشا في صفر سنة 1243 ه جاء تاريخه (مليك لذكر اللّه جدد جامعا) و هذا التاريخ لا يأتلف و أيامه و توالت عليه تعميرات. و فيه مدرسة أيضا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 31

ذكر صاحب گلشن خلفا مرقد امام قلي خان بمناسبة بيان الطوابي أو الابراج. و التفصيل في (المعاهد الخيرية).

دولة الاوزبك:

هذه الدولة سماها صاحب گلشن خلفا بهذا الاسم مرة و بدولة ما وراء النهر أخري. ذكرت في كتاب (دول إسلامية) (دولة جابيان) أو (دولة استراخان) أو (الزدر خان) و يقال لها (حاجي ترخان). خلفت الشيبانيين و هي مغولية من آل جوجي بن جنگيز خان. و أول أمرائها باقي محمد بن جان خان من زوجته زهرا خانم و هو مغولي. ولي باقي محمد سنة 1007 ه و خلفه أخوه ولي محمد سنة 1014 ه ثم إمام قلي ابنه سنة 1020 ه. و توفي ببغداد حين مجيئه للحج سنة 1060 ه ثم صار أخوه نذر محمد سنة 1051 ه و في سنة 1055 ه خلفه عبد العزيز بن نذر محمد (ابنه) و هذا مرّ ببغداد في طريقه إلي الحج ثم صار أخوه سبحان قلي خان سنة 1091 ه. و هكذا توالوا فكان آخرهم أبو الغازي دام حكمه إلي سنة 1200.

و لا يهمّنا منها إلا تلك العلاقة بجامع الاوزبك. ورد عبد

العزيز خان بغداد سنة 1092 ه.

حوادث سنة 1053 ه- 1643 م

بقية أحوال الوالي:

دامت الحالة في بغداد هذه السنة و أوائل التالية بهدوء و سكينة و الناس في راحة و طمأنينة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 32

حوادث سنة 1054 ه- 1644 م

اشارة

في هذه السنة في 24 المحرم عزل الوالي.

و الملحوظ أنه ولي بعدها مرعش. و في سنة 1055 ه صار واليا علي روم ايلي و أمر بالذهاب للحرب في گريد. و في سنة 1058 ه أصابته رمية أودت بحياته.

الوزير دلي حسين باشا

كان من مرافقي السلطان مراد الرابع. و لما ولي ادارة بغداد سعي لتمكين السلطة و استقرارها فأوقع الهيبة في قلوب الناس و أبدي قسوة و كان ضيّق الصدر.

و في كل هذا كان مطمح أنظاره أن يعدل بين الناس و أن لا يميز بين واحد و آخر تحقيقا لهذا الغرض فكان يتجوّل و يستطلع أحوال الناس ليل نهار و يصرف أكثر أوقاته بتبديل زيّه فتراه في المحلات و منعرجات الطرق … ليقف علي أحوال الاشرار و أن ينالوا منه ما يستحقون فسعي لإزالة المظالم.

و مع كل هذا كان قاسيا، لا يقبل عذرا و يخشي الناس بطشه …

و لكنه لم يحد عن طريق الحكمة. يصلي الجمعة و الجماعات و يثابر عليهما.

جامع قمرية- تعميره:

من مآثر هذا الوزير تعمير جامع قمرية. و هذا الجامع كان أصابه الدمار أيام حروب العجم و لم يكن له من يقوم بخدمته. و أن أبنيته تضعضعت و تهدم قسم منها فعمر أركانه و قبابه فأتمّها و عين له خطيبا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 33

حسن القراءة و إماما و عيّن وظائف أخري لخدمته. و لا تزال آثاره الخيرية باقية لحد الآن.

هو اليوم من الجوامع المعروفة في جانب الكرخ و نسب بناءه صاحب منتخب المختار إلي الخليفة الناصر إلا أن الكازروني عين أنه من بناء الخليفة المستنصر فتمت عمارته في سنة 626 ه. و توالت عليه التعميرات. و منها ما وقع في هذه السنة. و التفصيل في كتاب (المعاهد الخيرية).

أيام الوالي في بغداد:

و كانت أيام حكومته في بغداد من 25 المحرم سنة 1054 ه و دامت إلي 9 رجب من هذه السنة.

و لما وصل إلي استنبول صار مرافقا للسلطان. و كان يتكلم بلا تحاش من أحد و ينطق بحضور السلطان بلا مبالاة يجرؤ في القول و لا يبالي. هذا ما دعا أن يكرهه أعوان الملك و حاشيته. أبدوا أنه يجب الاستفادة منه لمحافظة الثغور فعيّن واليا لبوسنة. ثم ولي بودين و منها عين لمحافظة حانية في جزيرة گريد. ثم عهد إليه بقيادة گريد.

و في تاريخ السلحدار أنه لما أن عاد الصدر الأعظم قره مصطفي باشا من بغداد كان قائما مقامه (قائممقام) ثم صار في مناصب عديدة و في سنة 1053 ه عزل عن منصب بوسنة و ورد استنبول فوجهت إليه ايالة بغداد. و في سنة 1054 ه عزل فعاد إلي استنبول فصار نديم السلطان. ثم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 34

ولي مناصب عديدة و زاول

حروب گريد و كان ولي منصب السلطان. ثم ولي منصب (روم ايلي) فلفق عليه الصدر الأعظم شكاية فعزل و في شهر ربيع الآخر سنة 1069 ه ورد العاصمة فحبس في (يدي قله) ثم قتل و قد نعت بخير الأوصاف و النعوت.

الوالي محمد باشا:

و هو المعروف ب (محمد باشا آل حيدر آغا). و كان صاحب رأي رزين، و فكر متين و لم يكن في أيامه غير المألوف من العدل و الإدارة و لم تحصل حوادث تستحق الذكر و التدوين.

أمير أمراء البصرة:

في جمادي الآخرة صار مصطفي باشا أمير أمراء بودين. و كان قد عزل من البصرة قبل هذا و صودرت أمواله ثم عين إلي ولاية ديار بكر و من هناك عزل فصار أمير أمراء بودين. و لا يعلم متي كان في البصرة و هي في أيدي آل أفراسياب …!!

خالد العجاج رئيس طي ء:

هذه القبيلة كان يرأسها أمير العشائر خالد العجاج من آل أبي ريشة. كان في انحاء عانة و هيت. و هو موصوف بالشجاعة، ينهب الطرق و يقطع السبل …

و كان انقاد إلي بكتاش خان (حاكم بغداد) من جانب الايرانيين و صار يهاجم بمن معه الاطراف فنال احتراما من هذا الوالي. كان يأتي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 35

بالرؤوس المقطوعة و الألسنة من أماكن بعيدة فيحصل علي اكراميات منه.

و بأمر من حاكم بغداد هاجم مرة أطراف حلب فأتي إلي الخان برؤوس و بمواش كثيرة. باع فرسه المعروف ب (ابن العرب) إلي هذا الوالي بخمسة آلاف قرش ليسد بها عوزه. احتفظ به الوالي لنفسه و اتخذ له سلسلة أمراس من ذهب و عليه العدة و (الرخت). جعله أمام عينه في أكثر الأحيان.

و لما كان يركبه بكتاش خان يصعب عليه قياده فلم يسلس له. يري منه ضروبا من الشموس و الجموح. فدعي خالد العجاج فقال له: إن ابن العرب قد ساءت أخلاقه.

أما خالد فإنه ركبه و خرج هو و بكتاش خان إلي جهة مرقد الشيخ شهاب الدين السهروردي فقال له:

لم تحسنوا قياده و مسك بيده أربعة أقداح ماء فصار كلما رأي منه تصلبا و شموسا ضربه علي رأسه بواحد منها. و بذلك أصلحه.

و هذا الفارس شجاع لا يدع أحدا يمضي من جهة عانة و هيت دون أمره. و من الاتفاقات

الغريبة أنه في هذه السنة سارت قافلة من بغداد إلي حلب. فمشي بين أفرادها وحده.

و حينئذ تقدم مملوك چركسي لأحد التجار يجيد الرمي بالبنادق فصوّب عليه بندقيته و ضربه فأرداه قتيلا. و لما رأي أتباعه ذلك تفرقوا.

سمع (جفته لرلي عثمان باشا) بذلك فأنعم علي المملوك بخلعة و أكرمه و أعطاه رتبة الشجاعة فنال مكانة عنده …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 36

الأمير عساف أمير طي ء:

لم تمض مدة علي قتلة خالد العجاج من آل أبي ريشة بل في أواخر هذه السنة طمعت الحكومة في الوقيعة بأمير الصحراء الأمير عساف خلف سابقه. و كانت الدولة قد فوضت ايالة حلب إلي إبراهيم باشا سلحدار الخاصة برتبة الوزارة. و هذا شرع في شؤون الحكومة و ضبطها.

و كان آنئذ أمير العشائر عساف في حلب يتقاضي راتبا من الحكومة، و من عادته أن لا يمر بالبلد و لا يتقرب للأمراء و الوزراء.

و إنما كان يأخذ من القري بعض العوائد الباهظة أو الاتاوة (الخاوة أو الخوة) بلا انصاف. في أيامه جارت العشائر و صارت تقطع الطرق.

دبّر هذا الوالي اغتيال أمير طيي ء هذا و اتخذ الوسائل للوقيعة به فشعر بالحيلة فأحبطت. كان عمل له دعوة فلم ينجح التدبر، فعاد وبالا علي الوالي و من دعاهم للوليمة. و نجا الأمير عساف. فنري وقائع طيي ء لا تزال مهمة و تخشاهم الدولة. و كانت هذه الواقعة بتدبير الدولة ففشلت و لكنها نسبت الحادث إلي خرق الوزير، و كتبت كتاب استمالة و أرضت أمير طيي ء و هو الأمير عساف.

وفيات:

1- توفي عبد علي الحويزي.

و له شعر سمّي به نفسه كلب علي.

و بشعره ثبت وقائع مهمة تخص العراق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 37

حوادث سنة 1055 ه- 1645 م

عزل الوزير:

كانت الحالة في هدوء و سكينة. لم يحدث ما يدعو للتدوين. و في 23 رجب هذه السنة عزل الوزير و كان ولي في 10 رجب سنة 1054 ه و بعد العزل صار من وزراء الديوان ثم وجهت إليه ايالة مصر.

الوزير موسي باشا

يعرف ب (كوچك موسي باشا) أي موسي باشا الصغير. عرف بالشجاعة. فلما ولي بغداد أبدي السطوة فأوقع في القلوب رهبة فتمكن من تأمين الراحة و الهدوء.

أحوال البصرة:

رأي هذا الوزير أن والي البصرة (علي باشا افراسياب) مال عن جادة الصواب. فلم يكتف بما لديه و بإغراء من ابنه حسين بك مدّ يده إلي (قلعة دكه) التابعة لبغداد و تغلب عليها …

فلما سمع الوزير جمّع العساكر و عين لها قائدا و شحن سفنا و بعث بالمدافع. و في مدة يسيرة و افوا إلي ذلك المحل فتولدت الخشية في قلوب عساكر البصرة فلم يتمكنوا من المقاومة. فروا إلي قلعة (قصر) التابعة للبصرة فاكتسحوها أيضا. و كانت قلعة حصينة فضموها إلي ايالة بغداد و عينوا لها محافظين.

و الظاهر أن الحكومة نسيت مساعدات علي باشا أفراسياب فاستفادت من ركود الحالة فسارت للاستيلاء علي مواقعه للتحرش به بأعذار اختلقتها نظرا إلي أنها شعرت بقوة لديها … هذا في حين أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 38

الحكومة الأصلية كانت مشغولة بحروب و مقارعات عظيمة في گريد و في هذا الحين تم لها الاستيلاء و أعلنت الافراح في بغداد لورود الاخبار السارة بالاستيلاء علي مدينة (حانية) في أواخر سنة 1055 ه …

غبار و ظلمة:

في أواخر هذه السنة ظهر في السماء غبار متراكم فولّد ظلمة مدة أربع ساعات ثم انكشف فرفعت هذه الغمة.

حوادث سنة 1056 ه- 1646 م

عزل الوالي:

انتهت أيام هذا الوالي في 15 شعبان سنة 1056 ه و كانت ابتدأت في 24 رجب سنة 1055 ه.

الوزير إبراهيم باشا:

كان حسن المنظر، جميل الهندام، و لما ولي بغداد مال بمقتضي شبابه إلي الكبرياء. و لم يجرب الحوادث و ليس له نصيب من السياسة العسكرية و لا خبرة في ادارة الرعية و لا وقوف علي أحوال الأهلين فمضت غالب أيامه بالفتن و الاضطرابات. و أصل ذلك سوء الإدارة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 39

حوادث سنة 1057 ه- 1647 م

فتنة و اضطراب- قتلة الوالي:

و هذا الوالي تولد بينه و بين الينگچرية العداء بسبب ما اتخذه في ادارتهم من طريقة صاروا يتربصون به الوقيعة، فاشتعلت نيران الفتن بينهما.

و ذلك أن هذا الوالي كان خازنا للوزير الأعظم صالح باشا و من رجاله فعينه لولاية بغداد. و لما قتل عينت الدولة أخاه مرتضي باشا لمنصب بغداد. و في طريقه إليها سيرت الدولة مراد آغا الخاصكي لقتله فوافي إليه في تكريت فقطع عليه طريقه و أخبره ببشري ترفيعه إلي القيودانية و من ذلك المنزل رجع فوجّه عزمه نحو دار السلطنة فوصل إلي ديار بكر، و هناك قتل.

فلما سمع والي بغداد إبراهيم باشا بذلك ارتاب من سعاية بعض أعدائه و غدرهم به نظرا لمنسوبيته إلي الوزير الأعظم المقتول إذ كان سيده فخاف أن يلحق به ما أصابه. فصار يتوقع ما تأتي به الأيام. و هذه الحالة دعته أن يجتذب لهجته بعض أهل الحل و العقد من رجال الجيش في بغداد ممن هم من أصحاب الكلمة النافذة. و شاورهم في هذا الأمر المهم. فحاول الاستقلال بالبلاد ليأسه من حكومته فوافقوه … فقبض علي أمور بغداد و سيطر علي إدارتها …

و بينا هو غافل مطمئن من وضعه و تدبيره إذ ظهر متسلم بغداد (عن الوزير موسي باشا) فأنهي ما وقع. و حينئذ أعرض بعض رجال الجيش البغدادي عن المتسلم و

لم يبدوا له رضي و بينوا أن لا معني لعزل و الينا؟

و رجوه أن يطلب من دولته ابقاءه و قالوا: إننا لا نستبدل غيره به!

أرجعوه من حيث أتي لتنفيذ هذا المتسلم. و لكن قبل أن يشتعل لهيب الفتنة قام بعض الينگچرية من عسكر السلطان المعهود إليهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 40

بمحافظة بغداد. و كذا من كان مجربا للأمور فسعوا سعيهم لتسكين الفتنة و اطفائها فاجتمعوا في الميدان و في القلعة الداخلية و كونوا صفا واحدا.

و قدموا بعض النصائح حفظا للسلام و الراحة و أرسلوا بعض رجالهم إلي الوالي و كان غافلا عن مجري الأمور فأبدي أنه لا يعلم عن المتسلم شيئا فوافي لدعوتهم و جاء إلي القلعة الداخلية للمذاكرة. و حينئذ أحاط به الينگچرية. قالوا له ليس لك أن تتحرك، و ألقوا القبض عليه. و لم يكتفوا بذلك بل أعادوا المتسلم الذي كان قد سيّر من حيث أتي و أبقوه في الحكومة. و حينئذ أنهوا إلي الدولة ما وقع.

أما (جيش بغداد) فإن أكابر رجاله تجمعوا في محل و كانت نيّاتهم مصروفة إلي الخصام و الشروع في حرب الينگچرية بداعي أنه لم يصدر من الوالي جرم يستدعي اهانته لهذا الحد: فما كان ذنبه لينال هذه العقوبة القاسية أو تصيبه هذه الإهانة؟!

و علي هذا كادت تلتهب نيران الفتن بين الفريقين. و لما كان هذا الوالي خائفا من حكومته أن تبطش به توسل بهذا القيام، فصار جيش بغداد يعتذر عنه و يتخذ ذلك وسيلة للقيام مبديا أنه لم تصدر منه جريرة ما.

و في هذه الأثناء ورد بغداد (الميراخور) الصغير للسلطان و هذا قضي علي الوالي فدفن في مقبرة الإمام الأعظم.

و جاء في تاريخ نعيما:

«قبل هذا كان الوزير الأعظم قد

عين خازنه إبراهيم باشا واليا علي بغداد. و في شوال تلك السنة جاء موسي باشا القبودان إلي استانبول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 41

بأمل أن ينال الوزارة العظمي فوجهت إليه ايالة بغداد. و حينئذ أبدي تمارضا و لم يرغب في الذهاب. فلم يتمكن بوجه من التخلص من هذا المنصب فأرسل متسلّمه ثم ذهب هو في الأثر.

أما سلفه إبراهيم باشا فإنه علم بقتل (سيده) صالح باشا فأيس و لم يبق له أمل في الحكومة. و لذا قبض علي بغداد بيد من حديد و استولي عليها بأمل أن يستقل في البلاد العراقية. و صار يدبر ما يقتضي لنهوضه و يعدّ لوازم القيام … و أن جيش بغداد ارتبط به قلبا و قالبا. فرد المتسلّم المرسل من جانب موسي باشا …

فلما شاهد الينگچرية ذلك قاموا في وجهه معارضين له. فحدث قتال بين القبيلين. و أن صف حجاب الباب (قپوقولي) داخل القلعة دفعوا هجوم الجيش الأهلي و الباشا معا.

و حينئذ سلك الضباط طريق الحيلة استفادة من بساطة الوالي و صفاء سريرته و أبدوا أنهم تركوا النزاع و أنهم مطيعون لأوامره، و أظهروا البشاشة فتمكنوا من أخذه إليهم إلي القلعة فألقوا القبض عليه و حبسوه في غرفة. أما الجيش الأهلي فإنه سعي لإنقاذه بهجومات متعددة فلم يتيسر له. فسمعت الدولة بالأمر فعهدت بولاية بغداد إلي مرتضي باشا المعزول من بودين و هو أخو صالح باشا المقتول. ثم صدر خط همايوني آخر بقتل إبراهيم باشا. و سير مع الميراخور الثاني.

ثم صدر فرمان بقتل والي بغداد مرتضي باشا و عهد بإيالة بغداد إلي الوالي السابق موسي باشا. فأدرك المباشر مرتضي باشا في مدينة ديار بكر فقتله و قطع رأسه و كذا

الميراخور الثاني قتل إبراهيم باشا في بغداد فأرسلت رؤوسهما إلي استنبول.

أن الميراخور الثاني لم يكتف بقتل إبراهيم باشا وحده. و إنما قتل كتخداه أيضا. و كذا بعض المشهورين من آغواته ممن لهم اليد في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 42

العصيان كما أن المتهمين من الأهلين من أعيان البلد حبسوا و صودرت أموالهم و نكّل بهم.

و حينئذ ضبط موسي باشا إدارة بغداد بيد من حديد و قتل بعض المشايعين لإبراهيم باشا من متقدمي (الجيش الأهلي) كما أنه فرت جماعة منهم إلي بلاد العجم»..

و في تاريخ الغرابي ما نصّه:

«و فيها- في سنة 1056 ه- وقعت فتنة عظيمة في بغداد. و ذلك أنه كان فيها من الجند طائفتان يقال لهم (الينگچرية). و هم (طائفة) كانت وظائفهم تأتي من طرف السلطنة، و هم ليسوا مربوطين ببغداد بل تذهب منهم جماعة و يأتي مكانها غيرها. و الطائفة الأخري من الجند كانت تعطي وظائفهم من حاصل بغداد، و هم لا يتغيرون، فاتفق أنه كان في السنة المزبورة إبراهيم باشا واليا علي بغداد، فعزل عنها، و وليها موسي باشا، و لما أن جاء متسلمه قالت الطائفة التي وظائفها من محصول بغداد نحن راضون عن والينا إبراهيم باشا لا نريد غيره، و نريد أن يخرج من هذه البلدة آلتنجي أحمد آغا الذي هو أحد رؤساء الينگچرية فتحزبوا و اجتمعوا، فأرسل الباشا يستفسر عن تحزبهم فذهب إليه أحمد آغا فسأله عن السبب فقال له تقول طائفة الينگچرية أن الباشا يريد أن يستبدّ بهذا القطر و يخرج عن طاعة السلطان، فقال له ليس مرادي ما تقول. و إنما الجند يريد أن أبقي هنا واليا و أنا لا أرضي بالبقاء فضلا عن العصيان، فقال له

أحمد آغا: يا مولانا الوزير إن كنت صادقا فيما تقول فقم و اركب و اذهب إلي القلعة و اجلس بها ساعة، ثم ارجع إلي مكانك حتي يصدق هذا الجمّ الغفير ما في ضميرك. و حلف له ايمانا مؤكدة بأنه ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 43

يصيبه ضرر و لا وصب. فقام الوزير الغافل و ذهب إلي القلعة فلما جلس و استقر ساعة أراد الذهاب فقال له أحمد آغا أنت محبوس. و ليس لك خلاص من هذا المكان حتي يأتي الإذن من طرف السلطان. فلما آل الأمر إلي هذا تحزبت الينگچرية في الميدان. و جند بغداد اجتمعوا في حضرة الشيخ عبد القادر الجيلي قدس سره و أرادوا تخليص إبراهيم باشا فلم يمكنهم، و بقي كل منهم يرتقب الفرصة، و داموا علي هذا الحال نحو شهرين. فأتي من طرف السلطنة أمر بأن يقتل إبراهيم باشا، و يكون موسي باشا واليا علي بغداد، فأتي موسي باشا بالأمر و دخل بالسفينة ليلا، فلما أصبح الصباح قتل إبراهيم باشا. و لما رأي جند بغداد أن إبراهيم باشا قتل طلبوا الخروج و الذهاب، ففتح لهم الباب، فخرجوا و فروا إلي جهة العجم و قتل موسي باشا بقاياهم. و كانت هذه الوقعة في سنة 1057 ه.» اه.

و من هذه النصوص علمنا أن الينگچرية منهم من يستوفي علوفته من استنبول و يسمي (الينگچرية)، و منهم من ترجي علوفته من بغداد. و يقال له (قول بغداد). و هو (الجيش الأهلي). و هذا أيضا من صنف الينگچرية. و سماه في (تاريخ الغرابي): (جند بغداد). و هذا الأخير مال إلي الوالي، و حاول الانتصار له، فلم يفلح. و اضطرب أمر بغداد.

فكان الوزير إبراهيم باشا ابتدأ

حكمه في 16 شعبان لسنة 1056 ه و دامت ولايته إلي غرة ذي القعدة لسنة 1057 ه.

وزارة موسي باشا:

كان مصاحب السلطان. اشتهر ب (سمين موسي باشا) أي موسي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 44

باشا السمين. فسمي بذلك من جراء أنه يصعب عليه الذهاب و الإياب أو المشي. و يقال إن السلطان أنعم عليه بهذا المنصب لرفع الكلفة عنه.

و في تاريخ نعيما سماه (قپوجي موسي باشا).

و هذا الوزير من حين تسلم زمام الإدارة فوّض أموره إلي أرباب الاغراض بل تغلب الينگچرية عليه فلم يعدل بين الرعية فكانت ادارته طبق رغباتهم فلم يبق له اختيار. أهمل الصفح و العفو و راعي الشدة و القسوة دون أن يقف عند حد و لم يبق أثر من صفاته في وزارته الأولي من عفو و صفح.

أوقع برجال الفتنة ما أوقع فلم ينظر بعيدا في دقائق الأمور و بادر بالقسوة في (جند بغداد)، متهما لهم جميعا، أخرجهم من المدينة و بعث جيشا في تعقب أثرهم و علي هذا أسر المشاة منهم فأمر بقتلهم ثم صار يتحري المختفين داخل المدينة و خارجها حتي أنه اتهم من كان لم يرض بحدوث هذا الأمر فأوقع بهم مع أنهم كانوا أبرياء.

و علي كل تركت البقية الباقية ديارها و أسرعت بالهزيمة إلي بلاد العجم فعاشت في غربة أو هلكت في طريق هذا التشتت و تبعثرت أحوالها … صار القوم يشتبهون من كل واحد من الأهلين فلم يأمنوا علي حياتهم، يخشون الغوائل و يتوقعون الاخطار فكان الاضطراب مستوليا علي بغداد …

ذلك ما دعا أن ترسل الحكومة لتحقيق الأمر كلّا من الوزير محمد باشا جاووش زاده أمير أمراء ديار بكر و الوزير أحمد باشا الطيار و جعفر باشا فكل

هؤلاء مع جيوشهم في هذه الايالات أرسلوا لمحافظة بغداد … فكان لهم الأثر الكبير.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 45

هدية الشاه:

و في هذا التاريخ قدم شاه العجم فيلين يضاهي كل واحد منهما الجبل في عظمته! مع هدايا أخري أرسلها إلي السلطان صحبه سفيره (محمد قولي خان) السفير السابق. مر بها من بغداد، فذهب إلي استنبول.

عزل الوالي و قتله:

ورد الفرمان بعزل الوزير. و كان من مرافقي السلطان السابق.

ذهب إلي استنبول. و لما كان تعديه في بغداد و ظلمه للأهلين تجاوز الحد صدر الفرمان بقتله حين وصوله فقتل في (يدي قله).

كان موسي باشا في زمن السلطان إبراهيم أمير سلاح (سلحدار) فعهد إليه بمنصب روم ايلي ثم صار والي بغداد فقتل في هذه السنة.

أوضح نعيما عن تعدياته. و سبب قتله فقال ما ملخصه إنه كان أمين العاصمة زمن السلطان إبراهيم فاكتسب الشهرة بانتسابه إلي شكر پاره.

فنال آغوية الينگچرية برتبة وزارة، ثم صار دفتريا. و بعد ذلك حصل علي القيودانية ثم عزل. و بعد قتل صالح باشا أرسل إلي بغداد فاكتسب شهرة و شأنا و نال مكانة و ظهورا. و حينئذ مال إلي الحصول علي ختم الوزارة و صار لا يفكر في غيره.

و علي هذا بذل ما في وسعه لجمع المال. جار في أمر ادخاره و أبدي وقاحة. فقتل في بغداد ما يربو علي المائتين من المتمولين بتهم مختلفة فانتهب أموالهم …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 46

و هذا بلغ حد التواتر عنه. قسا علي أخي الخواجة حسب اللّه الشابندر الايراني صديق (آغا بغداد) آنئذ مراد آغا. و رجا منه الأهلون و عرفوه أنه من أعز أحباب (مراد آغا) الذي صار وزيرا فقتله و استولي علي أمواله الوافرة.

ثم إنه جعل يرنججي زاده (آغا الينگچرية) الذي صار كتخداه، في مكان مراد آغا. فترك مراد آغا بعض الأموال و ذهب إلي گريد

بمنصب قبطان قپودان باشا و من جراء ذلك تولدت نفرة بين مراد آغا و الوزير. و قد عثر علي كتابات منه بخط يده اطلع بها علي نياته و أنه كان يحلم بالصدارة و اتخذ الوسائل المالية تمهيدا للحصول علي هذا المنصب … مما دعا إلي اسقاطه فعزل من بغداد.

و لما ورد استنبول شاع عنه أنه قدم هدايا و أموالا للتوسط في الأمر المذكور كما وقعت الشكاوي من حسب اللّه الشابندر فأمر السلطان بقتله. و لا ننسي أنه تغلب عليه الينگچرية.

كانت ولايته ابتدأت في 2 ذي القعدة سنة 1057 ه و دامت إلي 21 ذي الحجة سنة 1058 ه.

وزارة ملك أحمد باشا:

إن هذا الوزير حليم الطبع و السيرة و الكلام الطيب. و يعرف ب (ملك أحمد باشا). نال منصب بغداد. و كان والي ديار بكر. جاء بغداد. و في رحلة اوليا چلبي مباحث واسعة عنه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 47

حوادث سنة 1059 ه- 1649 م

أيام الوزير في بغداد:

كان سلوكه مع الناس مقبولا و حسنا جدا حتي أنه في زمنه سقط جدار علي عامل فقير فتوفي و لما علم بذلك الوزير قال: مات شهيدا.

لأن وفاته كانت في طريق الكسب و الكاسب حبيب اللّه، فحضر الجامع بنفسه و صلي عليه مع سائر الناس صلاة الجنازة. ذكر صاحب گلشن خلفا أنه شاهد ذلك بأم عينه. كان يتفطر قلبه أسي علي الفقراء و الضعفاء. لا يرضي بالظلم و يجتنب ما استطاعه من الانحراف عن العدل إلا أنه كان صافي القلب، لا يستطيع أن يدرك النتائج للمقدمات و ما تنجر إليه حوادث الأمور نظرا لبساطته. و لعل للينگچرية دخلا في غل يده.

كاتب الديوان:

كاتب الديوان في أيامه محمد أفندي. و كان عارفا بالقوانين العثمانية و هو منشي ء، و كاتب قدير.

عزل الوزير:

بدأت حكومته من 22 ذي الحجة سنة 1058 ه و دامت إلي 20 ذي الحجة سنة 1059 ه و في نعيما أنه عزل في المحرم سنة 1060 ه.

و ملك أحمد باشا من الابازة ابن پروانه القبودان من أمراء البحرية. فدخل السراي في غلطة، ثم في السراي الجديد إلي أن ولي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 48

منصب (سلحدار). و في فتح بغداد نال الوزارة و منح منصب ديار بكر، و منها عين لمحافظة الموصل و هكذا تقلب في مناصب أخري فصار واليا ببغداد بالوجه المذكور. ثم صار وزيرا أعظم في 10 شعبان سنة 1060 ه ثم صار في مناصب أخري و في سنة 1070 ه أحيل علي التقاعد و في 17 المحرم سنة 1073 ه توفي و كان حليما سليما ذا دين و صلاح حال و زهد و تقوي. بلغ الستين من العمر. و له استقامة في أعماله.

الوزير ارسلان باشا:

هو ابن نوغاي باشا. شجاع وحيد بين أقرانه، يخترق الصفوف بقلب غير هياب و لا وجل، ذو شهامة و كياسة عقل، يتيقظ للأمر و ينتبه … و يحكي عنه وقائع كثيرة تدل علي فروسيته و عقله. و له خدمات جلّي في الثغور.

دجلة:

زادت و كادت تغرق بغداد. جاء الماء علي حين غرة فأحاط بها.

حوادث سنة 1060 ه- 1650 م

اشارة

جاء في گلشن خلفا أن هذا الوزير في أيام حكومته عاش أهل المدينة و قطّان البوادي براحة و طمأنينة و سلامة من الغوائل. و في نعيما: إن آغا بغداد كان مصطفي آغا ال (طوبخانه لي) و كان منسوبا إلي الوزير الأعظم فعزله. و كان متنفذا حصر كل الأمور بيده فهو صاحب الحل و العقد … و من ثم أرسل إلي بغداد الياس آغا الخاصكي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 49

و في هذه الأيام ذهبت جماعة من الينگچرية إلي استنبول يشكون آغا بغداد (مصطفي آغا) فأعيدوا و في الحقيقة سمعت شكواهم. و الغرض تقريب مصطفي آغا و كان قتل في بغداد جماعة من الينگچرية و رماهم في دجلة.

و كذا أرسل قاضي بغداد كتابا يشكو فيه من عدم اصغاء الأهلين إلي الأوامر و الفرامين و يبدي اضطرابه و تألمه من هذه الحالة.

توفي والي بغداد فدفن في غرفة المحقق الجيلي (لعله الشيخ عبد الكريم الجيلي) و لم يحدث في أيامه من الوقائع ما يستحق البيان.

كانت حكومته من 21 ذي القعدة سنة 1059 ه إلي أواسط سنة 1060 ه.

و لما وصل خبر وفاته إلي استنبول أرسل متسلم إلي بغداد و لم يصل إليها الخبر و لا أتي المتسلم إلا بعد نحو شهرين أو ثلاثة من تاريخ وفاته.

ولاية بغداد:

و في نعيما كلّف كتخدا الوزير الأعظم في قبولها برتبة الوزارة فلم يقبل و منحت إلي ملك أحمد باشا. و لما كان حديث العهد بالزواج لم يرض السلطان بإرساله لتزوجه (قيا سلطان) و طلبت هذه الخاتون من أبيها أن يبقيه أو يطلقها منه.

و لم تمض إلا بضعة أيام حتي استعفي الوزير بتضييق من الكتخدا و حاشيته و أعوانه من طائفة الينگچرية.

و لكنه نصح السلطان أن يودع الوزارة العظمي إلي أحد من الينگچرية و إلا فعلي الدولة السلام. و حينئذ التأم الديوان و قرر ايداع ختم الوزارة إلي ملك أحمد باشا سوي أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 50

اشترط أن لا يتدخل في أعماله أحد من الينگچرية فوافق السلطان علي هذا الشرط و أطلق يده ظاهرا. و لم تمض مدة إلا و قد غلت يده كسلفه.

و حينئذ بقيت بغداد شاغرة.

حوادث سنة 1061 ه- 1650 م

حكومة الوزير حسين باشا:

و هذا كان كريما، هينا لينا، يلاطف الصغير و الكبير. و هو شاب في مقتبل العمر. عاش في بلاط السلطان مراد. و لما ورد بغداد بسط فيها بساط الحلم و الشفقة و رفع الارجاس عن المدينة و الشدة المألوفة فيها فصرف جهوده لجلب القلوب بالإحسان و الأنعام.

و كان يعتكف في الجامع كل ليلة جمعة و يؤدي فريضة صلاة الجمعة في الجامع و يكرم الإمام و الخطيب و الفقراء بما تيسر له من احسان ذهبا و فضة. فاستعبد الناس بخيراته و أحبوه حبا جما.

و لم تطل أيام حكومته بل وافاه الأجل المحتوم فأسف الكثير علي فقده فدفن بجوار الشيخ عبد القادر الجيلي. حزنوا عليه و سكبوا الدموع الغزيرة علي فقده. إلي أن قال صاحب گلشن خلفا: كانت أيامه أشبه بالحلم، مضت بهدوء و سكينة بلا تغلب و اضطراب فلم يحدث في أيامه من الوقائع ما يكدر الخواطر. و كان في أيامه آغا بغداد الياس آغا.

هذا الوالي كانت قد بدأت حكومته في 5 من شهر رمضان سنة 1060 ه و دامت إلي أواسط سنة 1061 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 51

جاءت حوادثه في سنة 1061 ه و الظاهر أنه لم يصل إلي بغداد إلا في

هذه السنة و ليس في النصوص ما يكشف عن تاريخ وروده بغداد.

و لما وصل إلي استنبول خبر وفاته أرسلت إلي بغداد متسلما جديدا فمضت عليه مدة شهرين.

الوزير قره مصطفي باشا:

إن هذا الوزير نشأ في البلاط. و نال رتبة سلحدار. ثم جاءته الوزارة فورد بغداد. و عامل الناس علي اختلاف طبقاتهم بحسن المعاملة و لطف المجاملة. و كان صبيح الوجه فصيح الكلام، حليم الطبع، نافذ الأحكام. لم يكن يعرف الكبر و الغرور بل كان يراعي الناس علي اختلاف مراتبهم بتواضع فهو هيّن لين.

واقعة داسني ميرزا:

هو من أمراء الأكراد الداسنية و يعرف ب (مرداسني) و العشيرة المعروفة بالداسنية في أنحاء الموصل (من اليزيدية) (مير داسني) من سلالة الأمراء كان شجاعا باسلا، و في سنة (فتح بغداد) قام بخدمات مهمة و بسالة فائقة ففي سبعة أفراد من رجاله قتل مئات من القزلباشية فمنح (ايالة الموصل) في صدارة مراد باشا (قبل أن يتولي الوزير الأعظم ملك باشا) فنال لقب (ميرزا باشا)، ثم عزل، فلم ينل بعدها منصبا و بقي في استانبول مدة، فلم يحصل علي غرضه، نالته مشقة و اصابته فاقة.

و في شعبان سنة 1061 ه يئس من حالته فعبر هو و جماعته البوسفور (المضيق) إلي الاناضول و عاثوا بالأمن، فتعقبوهم، و قتلوا أصحابه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 52

و قبضوا عليه فقتل أيضا.

هذا و الملحوظ أن صدارة مراد باشا كانت في سنة 1059 ه في جمادي الأولي. و عزل في سنة 1065 ه في شعبان منها. فكانت ولاية الداسني خلال المدة بين سنة 1059 ه و سنة 1061 ه و في عمدة البيان أن ولايته كانت سنة 1060 ه و في كتابنا تاريخ اليزيدية تفصيل.

حوادث سنة 1062 ه- 1651 م

علي باشا افراسياب:

في هذه السنة توفي والي البصرة علي باشا أفراسياب و من حين وفاة والده تولي شؤون البصرة و نظر في إدارتها. و كان جلّ ما قام به أن حافظ علي البصرة أيام الحروب مع العجم فتمكن من حراستها. و لما ورد السلطان مراد الرابع بغداد و افتتحها أقره في ولايته … و كانت قد حصلت منه مساعدات للجيوش التركية بكل ما استطاع.

و في أيامه راجت سوق العلوم و الآداب، و اشتهر شعراء عديدون.

مثل عبد علي الحويزي و سوف نوضح عنهم. و لما توفي خلفه ابنه

حسين باشا في ولاية البصرة.

تزوير ولاية الموصل:

توفي والي الموصل، فوجهت الايالة إلي محمد باشا الدباغ، فبعث بمتسلمه فرأي محمد بن عثمان جاووش. و هذا كان أمير لواء پياس التابع لحلب ثم عزل. و طلب أن يكون واليا علي البصرة بمكان علي باشا أفراسياب فلم يمكنه الوزير الأعظم گورچي باشا من ذلك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 53

فزوّر منشورا في الموصل فوردها و ضبطها. و قال إن هذا المنصب صار عليّ بمبلغ اثني عشر ألف قرش. و بدأ في تحصيل أربعة آلاف قرش. ثم عرض علي استنبول أنه وجد الموصل خالية فضبطها و أنه يقبلها بمبلغ اثني عشر ألف قرش قال: و الآن قدمت أربعة آلاف و ما بقي فمهتم بتحصيله. غضب گورچي باشا و استغرب من مثل هذه البيانات الغريبة من هذا الرجل و أمر بلزوم إحضاره.

و من الجهة الأخري إن متسلّم محمد باشا الدباغ وصل إليها فوجده مشغولا بجمع الأموال، و إنه منتظر الأمر بخصوص ما كتب و من ثم أبرز الفرمان و ضبط المدينة ثم ذهب إلي ذلك الرجل و كان نصب خيامه خارج المدينة بأمل مطالبته بالأموال التي استوفاها من أهل الموصل. و حينئذ ضرب المتسلّم بغدارته في ذراعه و ركب مع اتباعه و ذهب إلي أنحاء البصرة بخفارة بعض الشيوخ. و من ثم وصل إلي البصرة فنجا.

حوادث سنة 1063 ه- 1652 م

حفر نهر السيب:

في هذه السنة كان النهر الواقع بين دجلة و الفرات المسمي (نهر السيب) قد اندثر من مدة طويلة. و في هذه الأيام قام محمد و عمر و عثمان من الينگچرية في بغداد بحفر هذا النهر فحفروه مجددا بهمة لا مزيد عليها و جمعوا الناس لزرعه. و غرس البساتين فيه فصار يعطي من الخراج لبيت المال ألفي طغار (تغار) من

الحنطة و الشعير و هذا هو عشر المحاصيل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 54

عزل الوالي:

لا تذكر عنه وقائع مهمة في هذه الأيام سوي أنه كان ولي بغداد ثلاث مرات و سيمر بنا الايضاح عنها في حينها. و في هذه المرة عزل و خرج من بغداد في 13 شوال سنة 1063 ه و كان أول حكومته في 22 من شهر رمضان سنة 1061 ه.

الوزير مرتضي باشا:

هذا الوزير خلف سابقه. و كان ممن عاش في البلاط. ثم صار برتبة سلحدار و ولي الشام و الروم. و منها صار واليا علي بغداد. لا يبالي من عمل سوء و غضب في طبعه. إلا أنه كان موافقا للعوام في طباعهم، جالبا لحبهم حتي أنه ليس له في دار حكومته حاجب يمنع المراجعين أو يوصد الباب في وجوههم بل تري بابه مفتوحا في كل وقت لمن يتطلب العدل لحد أنه كان نائما يوما للاستراحة و قد انفض عنه خدمه فدخل عليه بعض أصحاب الشكوي فأيقظه و قدم إليه عريضة. فلم يجد من يأتيه بالقلم فطلب من صاحب الشكوي أن يأتي بمحبرته فكتب أمرا قطعيا، نافذا للحال فجبر خاطر صاحب المظلمة.

و من خصائله أنه كان يقرأ المولد الشريف كل سنة فيطعم و يقدم الشراب للحضار.

و من المؤسف أنه كان يميل إلي الإفراط في معاشرة النساء.

راجت الفحشاء في زمنه. فكان مجلسه ملوثا بتصاوير أمثال هذه الفواحش. و مع كل هذا كان وحيدا في الفروسية، شجاعا، فأذعن العابثون بالأمن لحكمه و لم يتمكن أحد منهم أن يعصي فصار الداخل و الخارج زمن حكومته في حراسة تامة و أمن فاشتهر في الانحاء.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 55

و مما يعزي إليه أنه كان يجتري ء في تحميل الفقراء تكاليف لا يطيقونها فكان أمن المملكة مشوبا بالقسوة و الظلم … فكانت

أطواره بين شدة و غضب و قبول عذر و هكذا ظهرت في حكمه أنواع التقلبات.

حوادث سنة 1064 ه- 1653 م

واقعة مفاجئة:

و مما يذكر لهذا الوالي أنه خرجت طائفة من الجيش عن دائرة الأدب فتجمعت في ليلة. و لما سمع بالخبر ذهب علي حين غرة راكبا فرسه و هاجمهم ففرق جمعهم و نكل بهم. ففي 27 شهر رمضان قتل منهم محمود آغا الرئيس الأول لاتهامه في هذه القضية.

حسين باشا آل افراسياب:

في هذه الأيام وردت رسائل من أحمد بك و فتحي بك عمي أمير البصرة حسين باشا أفراسياب و من أمير الأحساء محمد باشا يشكون فيها من أمير البصرة حسين باشا جاء بها (قاصد) علي عجل. و مفاد هذه الشكوي أن أعمام أمير البصرة أصابهم منه حيف و اعتداء. حكوا ما جري عليهم. كان في أيديهم لواء أو لواءان فجاؤوا البصرة لبعض الشؤون فبادر بالتوجيه إليهم و أكرمهم إلا أنه صار يتخذ الوسائل للقضاء عليهم و اغتيالهم. و لما لم ير هؤلاء طريقا للنجاة ركنوا إلي من تحزب لهم و قاموا في وجهه و سلّوا سيف العدوان عليه، و استعدوا لمناضلته إلا أنهم رأوا أن لا طريق للخلاص من هذه الورطة و بتوسط المصلحين اكتفي بنفيهم إلي الهند. و لما وصلوا إلي سواحل الأحساء، و جدوا فرصة ففروا هاربين إلي أمير الأحساء. و من ثم عجلوا بالالتجاء إلي الدولة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 56

جاء في تاريخ السلحدار ذكر هذه الواقعة في حوادث سنة 1065 ه و الظاهر أن ذلك كان مبنيا علي تاريخ وصول الخبر و الصواب أن ذلك كان أيام الوزير مرتضي باشا لا مصطفي باشا. كتب ما كتب بعد أن تمت الواقعة و انتهي أمرها. و بين أن الخلاف كان بين المذكورين و المشايخ و الأهلين من جهة، و بين حسين آل أفراسياب من الجهة

الأخري. و يقصد بالمشايخ (آل باش أعيان).

ثم إن أتباع هؤلاء ركبوا السفن و مضوا بها إلي مأمنهم في الهند.

و في هذا الحين لا تزال الاحساء بيد واليها محمد باشا. فركن إليه احمد بك و يحيي بك و نزلوا عنده ضيوفا. و هذا أنهي واقع أحوالهم إلي الدولة بكتاب قدمه إلي وزير بغداد مع رسول فلما وافت الكتب أمر أن يأتوا إليه دون تأخر و عرض القضية علي دولته فاغتنمت هذا الخلاف وسيلة للتدخل بإدارة البصرة … و حينئذ أرسلهم حاكم الاحساء بكتاب و (قاصد) إلي بغداد علي وجه العجلة كما رغب الوزير فوصلوا إليها في أيام قليلة.

أما الوزير فإنه حينما رأي هؤلاء و ما تعهدوا به له و لخزانة الدولة أسرع في الأمر و لم يتدبر العواقب بروية فجمع العساكر و تدارك المؤونة الحربية (العتاد) و المدافع و جعل كتخداه رمضان آغا سردارا و بعث به و أن يكون هؤلاء بصحبته فتوجهوا نحو البصرة.

ثم تبعهم الوالي و معه العساكر فطوي المسافات حتي ورد العرجاء (العرجة). و حينئذ ولد الخبر في البصرة اضطرابا. و منها وصل إلي (الشالوشية) و (العقارة) فدخلتهما الجنود …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 57

أما البصرة فقد انقادت قراها و عشائرها و جندها للحكومة بسبب حبهم و اخلاصهم لأحمد بك و بأمل أن ينالوا قسطهم من الاختصاص به في الإدارة المدنية. و لذا عدّوا سدّ الطريق في وجههم اساءة محضة فأذعنوا بالطاعة و الانقياد و اتخذت العساكر نخيل الجزائر مضربا لخيامهم.

و هكذا استولي الباشا علي البصرة بلا تعب و لا عناء. و أول ما توجه إلي القرنة أخذها بسهولة فوضع فيها محافظين. و كانت تعد مفتاح البصرة المتين. و من جهة

أخري إن خبر هذا الزحف أحدث خوفا عظيما و ارتباكا في حالة حسين باشا و سبب له اضطرابا زائدا فلم يجسر علي المقاومة بل فرّ إلي حدود العجم.

ثم دخلها بلا عناء. و استقبل بأبهة و احتفال لا مزيد عليهما.

أما أحمد بك فإنه نال ولاية البصرة و فرح بها بعد أن ناله ما ناله من وبال و إن الأشراف و الأعيان قاموا بما يقتضي لتوقير الوزير و إكرامه فاهتموا في جمع هدية نقدية له تليق به و بينا هم في مداولة هذا الأمر إذ غلب علي الوزير الطمع و مال إلي الغدر و أول عمل قام به أن استولي علي أموال حسين باشا و والده و أموال أولادهم و أحفادهم. و لم تكفه هذه بل مدّ يده إلي أموال أغنياء البصرة و متموليهم في (القبان) مما لم تصل إليها الأيدي أو كانت بعيدة المنال عنه أمر بجلبها و بعث أحمد بك و فتحي بك مع مقدار من (السكبان) و بعض الآغوات من أعوانه فذهبوا إلي (القبان). و صوبوا المدافع إلي جهة السراي فأوقعوا الخوف و الرعب في القلوب و أعملوا السيف في أشراف البلد. سوّل بعض الأشرار للوالي سوء عمله هذا. و حينئذ وقع كثير من القتلي بنيران المدافع و البنادق …

و أيضا كان قصد هذا الوالي أن يستولي علي البصرة و يقطع دابر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 58

جامع سامراء- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 59

هؤلاء لتكون تابعة لدولته و لكنه خذل في هذا المسعي، فوجّه اللوم عليه من جراء عدم نجاحه، و ذلك أنه حينما أرسل أحمد بك و فتحي بك كان قد أمر من معهما أن يقتلوهما فامتثلوا

أمره و أوردوهما حتفهما. ثم أحضروا رأسيهما إلي البصرة. علم الناس بما وقع و ما جري من أفعال فلم يبق من لم يتألم و حينئذ علموا أن الغرض المقصود لم يكن نصرة الموما إليهما و إنما كان النهب و السلب و الاستيلاء علي المملكة للوقيعة بأهليها … فسل الجميع سيوفهم للانتقام من هذا الوالي و النفرة من أعماله الشائنة. ثار الأهلون جميعا و قاموا علي قدم و ساق، و بادروا للعمل علي إمحاء الروم و محاربتهم من جراء فعلاتهم هذه و غدرهم.

و من ثم شرعوا في مناوشة المحافظين في القرنة فورد الخبر إلي الوزير فارتبك للحادث فسير السفن لامدادهم و معهم جماعة من الرماة بالبنادق فاجتازوا المهالك كما بعث بثلاثة آلاف أو أربعة من ناحية البر و هؤلاء من جند بغداد من (السكبان) و هم خيالة.

تحاربوا في محل تجاه القرنة يقال له الشرش «وقعت معركة دامية بين الفريقين دامت بضع ساعات كان لها وقع كبير في النفوس. و في هذه الحرب أبدي كل من الطرفين بسالة لا توصف. فكانت النتيجة أن انتصر العرب علي (الروم). فتغيرت قدرتهم إلي خذلان ذريع و ولوا الأدبار.

و أن السفن أيضا أصابها قرب ساحل الدير ما أصاب الجيش فلم تتمكن من الوصول إلي القرنة. فدمرها الثائرون و لم تبق إلا شرذمة قليلة في القرنة مقهورة. و لكنها ثبتت في دفاعها.

كان جيش بغداد قد تألم من الوزير لما جري. فتركوه و البصرة و عادوا إلي بغداد. و حينئذ ندم الوزير علي ما بدر منه فترك جميع ما كان أحرزه من الأموال و النفائس و فرّ بنفسه فوصل إلي جيش بغداد في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 60

العرجاء (العرجة). و هذه

الطائفة من الجيش حينما وصل إليها فرّ بعض رجالها من وجهه لما رأوا أنه يخشي أن يعاقبهم بما بدا منهم من تقصير، و أنهم محل التهمة فتفرقوا و انهزم أكابرهم، لما علموا أن سوف ينتقم منهم.

و في تاريخ السلحدار بين أن الجيش فرّ من الوزير و ذهب إلي بغداد قبله و لم يدعه يدخل المدينة فاضطر إلي مقابلته، و احتمي بجانب الكرخ (قلعة الطيور) و وصلت الأخبار إلي استنبول فعلم السلطان بذلك فعزله.

و هذا الحادث صار سبب حصول حسين باشا علي مرغوبه و عودته إلي مملكته لقلة تدبيره و نظره في العواقب عاد حسين باشا إلي محل ولايته و قام بشؤون الإدارة و علي كل أراد الوزير أن يستفيد من الخلاف الأول فساء رأيه و خسر مكانته.

و جاء في تاريخ الغرابي:

«و في سنة 1064 ه سافر مرتضي باشا والي بغداد و صحب معه فتحي بك و أحمد آغا أولاد سياب باشا (أفراسياب) لأخذ البصرة من يد حسين باشا بن علي باشا و تسليمها إلي عمه أحمد آغا. فلما وصلوا إلي البصرة و رأي حسين باشا أهلها يريدون أحمد آغا خرج منها و دخلها مرتضي باشا و العسكر و قعدوا فيها ثلاثة عشر يوما فسوّل له بعض الرؤساء أن يقتل فتحي بك و أحمد آغا و يقيم في البصرة، فقتلهما فسمع الرعايا بتلك الأطراف، فقاموا عليه فهرب مرتضي باشا و قتل جانب من العسكر، فأرسل الأهلون إلي حسين باشا بهذا الخبر و طلبوا أن يعود

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 61

إليهم. فلما وصل إليه أظهر الحزن و قعد للتعزية. و بعد ذلك توجه إلي البصرة. و كان دخوله سنة 1065 ه و حكم فيها إلي

سنة 1077 ه. و هنأه بعض أهل المعارف بقصيدة ختمها بهذا التاريخ: (خاب من عادي حسين ابن علي) ه.

و لا شك أن الواقعة توضحت من هذه النصوص فلم يبق غموض أو إبهام.

حوادث سنة 1065 ه- 1654 م

حالة بغداد:

و في هذه الأيام حصلت الاراجيف في بغداد و قامت الثورات فيها من كل صوب. و حينئذ ظهر سرّاق الليل نهارا فصاروا لا يخشون سطوة و استولي علي الناس الخوف و الرعب بحيث عادوا لا يقدرون أن يناموا ليلهم و لم تذق أعينهم طعم الراحة. فاقتني الأهلون الأسلحة و صار يحملها من لم يعتد بذلك من قبل توقعا من ظهور الشرور و أعدوا العدة ليحرسوا أنفسهم بأنفسهم.

الوزير في بغداد:

أما الوزير فإنه منذ ورد بغداد كان متألما من مغلوبيته هذه و كتب إلي دولته لإعلامها بلزوم إعادة الكرة فلم يجد له سامعا، مجيبا. لينتقم.

و الملحوظ أنها كانت متفقة معه في الغرض إلا أنه أعماه الطمع و لم يستعمل الحكمة … و بقي علي هذا مدة في محنة من أمره. و جاء في تاريخ السلحدار أنه و أتباعه فروا بأرواحهم إلي بغداد. و لما وصلوا إليها لم يوافق الجيش أن يدخلها، فاضطر أن يلتجي ء إلي جانب الكرخ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 62

(قلعة الطيور) و يحارب هذا الجيش فعلمت الدولة بتلك الأخبار الموحشة.

و من ثم أسدل الستار، و لم يوضح في بغداد، و ما جري بينه و بين الجيش إلي أن ورد الوالي الجديد.

ابتدأت حكومته في 14 شوال سنة 1063 ه و دامت إلي 14 شهر رمضان سنة 1065 ه.

الوزير محمد باشا:

و يعرف ب (آق محمد باشا) أي محمد باشا الأبيض. نشأ في البلاط و حصل علي ولاية بغداد و فيها قضي نحو نصف أيامه بالامراض و العلل مرتبك الحالة مضطربا من جراء الآلام و نغص العيش …

اسطورة:

و مما حكي كاتب ديوانه (عبد الباقي وجدي) المنشي ء البليغ، و الشاعر العندليب أن هذا الوزير استولي عليه المرض لدرجة أنه صار يخشي أن يعطي دواء لما أنهكه الضعف.

و بينا هو في هذه الحالة إذ جاءه لعيادته بعض دراويش المولوية و هو (مصطفي دده الخراباتي) من المتصوفة. جسّه خفيفا و بادر بالدعاء له بالشفاء القريب و في ساعته عجل بالخروج و مضي في طريقه.

و عند خروجه رافقه عبد الباقي وجدي و رجا منه حسن الدعاء.

أبدي أن القلب لا يقطع مأموله من اللّه تعالي، و عسي أن يأتي المدد السريع من رجال اللّه. أما الدرويش فإنه قال نعم! إننا و اللّه أخذنا علي عاتقنا مثل هذا الأمر و أومأ إلي أنه يشير بقوله: إننا فديناه بأنفسنا و عهدنا له بذلك …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 63

و أقول كانت للطريقة المولوية تكية المولا خانة و هي جامع الآصفية المعروف اليوم و قد مرّ الكلام عليها. فعرفنا من شيوخ هذه الطريقة (مصطفي دده الخراباتي)، و منهم يوسف الملقب بعزيز المولوي.

و بينهم خطاطون أفاضل.

و يروي أن ذلك الدرويش عمل في تلك الأيام ضيافة جعل فيها حلوي و أنواع المأكولات للفقراء (الدراويش) و قام بخدمتهم فلما أتموا أكلهم قام هذا الدرويش بمقام الرجاء و الالتماس من أستاذه الذي كان جالسا في صف متأخر فانتصب قائلا:

الإرادة أن يأتي المحبون، و الاجازة أن يؤذن لهم بالانصراف.

و حينئذ أبان أن من لوازم السفر إلي

الآخرة دعاء الاحباب …

فتصدي لجوابه الدرويش الجالس بمقام المشيخة قائلا:

أيها الدرويش ما هذا الهذيان أو القول الهراء!؟، و ما تلك الدعوي الباطلة!؟ عنفه علي ما صدر منه و أنبه تأنيبا مرا و قال- إن عالم الأرواح صار يدعونا، يحاول تحقيق هذه المعضلة و توضيح المدعي!

فعجب الدراويش و أصابتهم الحيرة من أمرهم هذا لما شاهدوه من الحالة …!

ثم قال: ليكن قدومكم خيرا، و أن لا ينالكم فشل لدي الحق عزّ و جل.

و بعد تلاوة الفاتحة صدر من الدراويش كلامهم المعهود فيما بينهم (ذكرهم) و مرت علي ذلك ثلاثة أيام زال خلالها الضعف من الوزير المريض فحصل علي العافية بإلهام غيبي من ذلك الدرويش الصالح …!

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 64

و هذا الدرويش كان من الملامتية. لم يخل من ابداء بعض ما يعنف عليه. و لكنه كان فذا في تسخير قلوب الناس و جذبها إليه. و حالة كونه لابسا خرقة الدروشة كان يبذل للفقراء الدراهم و الدنانير بسخاء حاتمي. أكثر الناس من التقول عليه بأنه لا يبالي (خراباتي) و اللّه أعلم بحقيقة الحال.

و يلاحظ هنا أن أمثال هذه الخزعبلات لا تروّج سوق هؤلاء المتصوفة، و دعاة الباطل ممن يرتكب المنكرات بداعي أنه ملامتي و يتظاهر بالقبائح زاعما أنه يتستر فيما بينه و بين اللّه تعالي … و في هذا مخالفة ظاهرة للكتاب و الأحاديث الصحيحة، و معاكسة بوقاحة للمأمورات و المنهيات. فالمجاهرة بسوء الأعمال مما يشجع أصحاب القلوب الضعيفة و ذوي النفوس الشريرة فيكونون قدوة الباطل، و سوء الأمثولة …

و الملامتية طريقة معروفة من زمن بعيد جدا يتظاهر الواحد منهم بما يلام عليه من أعمال مخالفة للشرع. و في الباطن يعمل … الصلاح، (كذا) قالوا

… و لم تؤسس طريقة عندنا بهذا الاسم في هذا العهد بل ظهر مثل هذا الدرويش من المولوية و زعم مزاعم لا يقرها الشرع …! فالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من مهمات الإسلام.

صفات الوزير:

و هذا الوزير مشهور بالفروسية و الشجاعة و له رغبة في الصيد.

يقضي أكثر أوقاته في الصحاري و الفلوات متجولا فلا يري وحشة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 65

حوادث سنة 1066 ه- 1655 م

أيام حكومته:

و في أيام حكومته ظهرت بعض المفاسد و الفتن من رجال الجيش البغدادي ممن لم تؤدبهم الحوادث فلا يزالون في غرورهم و في مقدمة هؤلاء امرؤ يقال له (عبدي) و هو شيخ جاهل و ان كان طاعنا في السن.

فصار قدوتهم في العصيان و في تشويش الحالة.

أوليا جلبي:

سيّاح معروف يعدّ (ابن بطوطة الترك) ولد سنة 1020 ه، و يهمنا أنه ورد العراق. دخل بغداد في يوم مولد الرسول صلي اللّه عليه و سلم سنة 1066 ه و كان آنئذ واليها قره مرتضي باشا دخل عليه، و قدم له هدية مرسلة من ملك أحمد باشا، و قص الكثير من أحوال بغداد التي شاهدها و بينها ما أزال الابهام عن شؤوننا. اعتمدنا علي حوادثه فيما شاهده، و ذكرنا الكثير مما أشار إليه …

و الحق أنه مؤرخ عظيم، و سيّاح شهير. اسمه محمد ظلي بن قره أحمد بن قره مصطفي من سلالة أحمد يسوي المتصوف المعروف، ساح بلادا عديدة و ممالك كثيرة منها العراق و ايران و سورية و مصر و بلاد المجر، و لهستان (بولونيا) و المانيا، و هولاندة، و الدانمارك، و السويد و روسيا …

و في سياحته قصص خرافية إلا أن مشاهدته قطعية و صحيحة، كان عارفا باليونانية و اللاتينية، و بالتواريخ الرومية. أدرج حوادث و قصصا تاريخية لما يتعلق بالآثار التي عاينها، و غالب الخرافات وصلت إليه من تلك الكتب القديمة. و سياحته في عشرة مجلدات، و في رباط سليمية باسكدار نسخة كاملة من سياحته. دفن في مقبرة قاسم باشا من شيشخانه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 66

قرب بلدية (بك أوغلي). و قد اندرس قبره.

طبعت سياحته قسما بالحروف العربية، و قسما بالحروف اللاتينية.

اختصر هذه السياحة

الحافظ (فيض اللّه بلبل) مصاحب السلطان في مجلد واحد ضخم. فكان لهذا التلخيص مكانته كما طبعت منتخبات منها.

و يهمنا ما فصله في أصل السياحة عن العراق. أبدي أمورا لم يعد فيها شاكلة الصواب في غالب ما ذكر.

ورد بغداد و كان واليها مرتضي باشا و هذا لا يأتلف و المدونات الأخري فأوليا چلبي قد عين تاريخ وروده بغداد، و تقديم الهدية للوالي مرتضي باشا …! فهل الغلط من گلشن خلفا أو أن السهو جاء من أوليا چلبي في التاريخ، أو في الاسم إلي آخر ما هنالك ما يجب أن يتبين منه حقيقة الوضع و لعل تعيين الوالي الجديد و تاريخ توجيه الولاية إليه لا تعني وروده و إن عزل مرتضي باشا لا يعني خروجه في الحال، و إنما يأتي المتسلم، و يخبر بالوصول و أخذ الولاية من يد سلفه و هكذا بعد المسافة يدعو إلي مثل ذلك. و لعله اعتمد علي الحافظة فتولد السهو.

و هذا مما يقع كثيرا. و فيه أن عمر النخلة يبلغ ثلاثة آلاف سنة مما لا محل لاستقصائه …

حوادث سنة 1067 ه- 1656 م

قتل الوالي:

عزم هذا الوالي أن يقضي علي جميع العصاة، فدعا القوم في يوم جمعة و أمر بقتل (عبدي) المذكور. دعا الجلاد فقتله. و حينئذ اجتمع أعوانه في الميدان و سارعوا للانتقام فلما سمع بهم الوزير شتت شملهم،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 67

و ألقي الرعب في قلوبهم فتفرقوا. و ظن الوزير أنهم ذهبوا و لم يلتئم لهم جمع.

ثم ذهب لصلاة الجمعة في جامع الإمام الأعظم. سار بلا خوف و لا خشية ظانا أن قد زال الخطر. و لم يدر أن الاحتراس من كيد الاعداء أمر ملتزم. مضي في طريقه إلي الإمام الأعظم من جهة

الميدان و كان قد كمن له بعضهم. كانوا جلوسا في القهاوي. فصار بعض القوم من أعوانهم يسبون الوالي و تقدم اثنان بسيوفهم و هجموا عليه بقصد الوقيعة به و الانتقام منه فقتلا فلما رأي ذلك بادر في الرجوع لاتخاذ التدابير لتسكين الفتنة و اسرع في امالة عنان فرسه إلي جهة داره. سكنت الفتنة نوعا و لكن هذه الحالة لم ترق للأهلين. بدأوا يعيبون الوالي علي هزيمته. و في هذه الأثناء ورد من استنبول حسين آغا الخاصكي بصفة (آغا بغداد) ليتدخل في حل بعض العقد العويصة و الأمور الطارئة. بذل المجهود لتهدئة الحالة، فخول قتل هذا الوالي. و حين وصوله إليه قتله و صار (آغا بغداد).

و كان هذا الوالي قد ابتدأ حكمه في 15 شهر رمضان سنة 1065 ه و دام إلي سلخ المحرم سنة 1067 ه.

الوزير محمد باشا الخاصكي:

هذا الوزير منظره جميل. تربي في البلاط. ثم نال إمارة مصر و الشام. و بعدها ولي بغداد. و هو يميل إلي الابهة و الحشمة. يجلس في الديوان و أمامه ستار مما لم يكن معهودا في بغداد. رتب ديوانه و ألزم أهل هذا الديوان بلباس خاص من فرجية و غيرها. و كان كل يوم يجلس فيه يبذل للمستحقين بسخاء. و له عطايا و إنعامات كبيرة لأهل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 68

الفن. إلا أنه كان في غفلة عما تضمره الليالي و أن التجملات و أثواب الحشمة و الأبهة لا تكفي لتوليد حسن الادارة. ذهل عن أن الاقبال معرّض للزوال … فلم يكن مطلعا علي الشؤون و لا عارفا بالبلاد و لا بأحوال الناس، تساهل في ضبط الجيوش و ربطها و أبدي عدم مبالاة و نام عن التدبير، بل إن

الجيش تغلب …

اتصل به بعض رجال الجيش في بغداد و التفوا حوله فولّدوا فيه غرورا من جهة و فتورا عن العمل من جهة أخري. فكان يقضي ليله مع الغواني بالطرب و الملاهي و نهاره بالشرب مع المغنين … و من ثم حدثت الفتن في زمنه. و أمور العالم لا تتم بمثل هذه الأعمال بل هي داعية للفتن.

ما جري في أيامه

الجوازر و جيش بغداد:

في أواخر هذه السنة قام بعض العربان في أنحاء الجوازر فشقّوا عصا الطاعة، و تمادوا في الطغيان فاقتضي تأديبهم، فأرسل الوزير جيشا قويا من جهة البر و من طريق النهر مشاة و فرسانا. جعل عليهم قائدا.

و لما وصل الجند إلي هناك حدث فيما بين أفراد الجيش خلاف تناوشوا في خلاله الكلام. أوقد نيران الفتنة كل من كتخدا اليسار و رئيس العرفاء من جيش بغداد و ثلّة من الخيالة فمال هؤلاء إلي ما لا يليق من الأعمال، فقتل جمّ غفير من الأبرياء و جرح آخرون و اختفي قسم عن الانظار. ثم رجع الجيش إلي بغداد.

فلمّا علم الوالي بما وقع اضطرب لهذا الحادث و دعا (آغا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 69

بغداد) و المتميزين من الينگچرية فألف ديوانا عاما. فاتحهم فيه بما يجب عمله من التدابير و من ثم استقر الرأي علي أن لا يفسح المجال لهؤلاء البغاة أن يدخلوا المدينة و أن لا يعفي عنهم ما لم يسلموا العصاة القائمين بالفتنة و الشغب.

كانت هذه الموافقة من أهل الديوان ظاهرية و علي دخل. حسنوا هذا الرأي إلا أن القلوب الزائغة كانت علي خلاف هذا. فاتخذوا هذا المنع وسيلة لإظهار مكنونات سرّهم. و لما طال المنع يومين أو ثلاثة اتخذ ذلك وسيلة للشغب فأغروا بعض الجهال و جمعوا الينگچرية فأشعلوا

نيران الفتنة ليلا، و صاروا يطرقون الأبواب و يتجمهرون في كل منعرج طريق. جمعوا لهم جمعا كبيرا. و في الصباح فتحوا الأبواب.

و ظاهروا الممنوعين، و أدخلوا جيش بغداد إلي المدينة. هاجموا البلدة من كل صوب فأحدثوا ضجة و اتفقوا علي أن يفعلوا ما عزموا عليه من فضائح.

و حينئذ هاجموا السراي بحجة أنهم يبغون الشيخ بندرا و الروزنامة چي، و أمين المخزن. طلبوا تسليم هؤلاء فهاجموا الوزير، فلم تبد منه مخالفة. انتهبوا كل ما وجدوه في طريقهم. و بعد رجوعهم ظفروا بأمين المخزن فقتلوه و مثلوا به.

و في اليوم الآخر انذروا الوالي أن يسلم إليهم الباقين و هددوه فحلف لهم بالأيمان المغلظة بأنه لم يكن لديه واحد منهم و عين إكرامية لمن يظفر بواحد منهم فصاروا يتحرون عن المرقومين فظفروا بالروزنامة چي و حين كان مؤذن الجمعة ينادي للصلاة قتلوه و لم يرعوا حرمة الأذان و عاثوا بالمدينة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 70

و هذا لم يكن مستحقا لهذا العقاب الصارم و لا ما هو أقل …

و لم يظهر منه ما يستدعي. اتخذوا الفرصة للوقيعة به و بغيره.

و في هذه الأيام كان (أمير طيي ء) قرب بغداد. و في الليلة الاولي فرّ (الشيخ بندر) إليه و لاذ به فقبل دخالته و ذهب به إلي الموصل. شاع هذا الخبر و لم تبق شبهة في صحته.

و من ثم تفرقت جموعهم و ذهب كل لمحلّه و سكنت البلدة.

و لم يقفوا عند هذا الحدّ بل ظهروا في ليلة علي حين غرة و بلا موجب. فتجمعوا في الميدان حتي الصباح و لم يعلم غرضهم. اضطرب الناس و حذروا من سوء العاقبة.

أما الوالي فإنه خاف بطشهم فاتخذ طريق الفرار و ذهب توا

إلي هيت ينتظر ما يتولد من الوقائع، و ما تؤول إليه الحالة.

و لما أحس الثوار بما وقع من ذهاب الوالي خافوا ما ينجم عنه فتلوموا مدة. و من ثم أرسلوا إليه علي وجه السرعة. دعوه إلي الحضور إلي مقرّ حكومته. فوافي و نزل في الجانب الغربي من المدينة. و حينئذ تقدم إليه جماعة من رؤساء الينگچرية و أبدوا له الطاعة و الإذعان و أنهم سكنوا الفتنة و نكلوا بالمتجاسرين و علي هذا تشتت الجيش الأهلي (جند

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 71

بغداد) قسم منه فرّ و جماعة أقاموا في محلة قنبر علي. ركنوا إلي أعوانهم هناك.

و في هذه الحالة لم يتسرع الوزير في الأمر. و إنما راعي التؤدة لاستطلاع الأخبار علي وجه الصحة فنزل (المنطقة) بخيامه. اتفق رؤساء الينگچرية فأصدروا الأمر القطعي بلزوم التنكيل بالجيش البغدادي. و كان منشأ هذا الشغب من الرئيس الأول و من كتخدا الجيش الأهلي رئيس الخيالة و عدة أفراد. طلبت الينگچرية كل هؤلاء و حذروهم من التهاون في الحضور أو التخلّف. و حينئذ استولي عليهم الرعب و لم تبق لهم قوة المقاومة فركنوا إلي طريق الصلح و أبدوا أن القتال سيؤدي إلي أن يتمكن العداء فأذعنوا للينگچرية و سلموا المذكورين إلي الباشا.

فأعطي الرئيس الأول آغا اليمين و من معه إلي (الجورباجي) فأمر بنفيه بناء علي الرجاء الواقع إليه و أوعز إلي رجاله بقتل الباقين.

ثم إن الباشا قطع أرزاق نحو ثلاثمائة من الجند و فرّقهم فأصابتهم الحاجة فعاشوا ببؤس و تغرّب منهم آخرون.

دامت هذه الحوادث نحو أربعين يوما فأصابهم جزاء ما اقترفوه.

أما الوزير فإنه أبدي احتياجا إلي الحرس من الجند و اضطر أن ينقاد إلي أقوال أتباعه فتغلبوا عليه و

مدوا إلي الظلم الأيدي و تجاوزوا حدود الأدب في التطاول.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 72

جاء في تاريخ الغرابي:

«أرسل الخاصكي محمد باشا عسكر بغداد إلي البطايح لمحاربة بعض العربان. فثار الجند و قتلوا بعض رؤسائهم. فلما قفلوا و أرادوا الدخول إلي البلد أمر محمد باشا بسدّ الأبواب في وجوههم و قال: لا يدخلوا حتي يسلموا من كان سببا لإثارة الفتنة فما رضوا بذلك و راسلوا الينگچرية في بغداد فقاموا بالليل و فتحوا الأبواب و أدخلوهم فلما أصبح الصباح ذهبوا جميعا إلي دار الإمارة و نهبوها و أرادوا قتل محمد باشا فاختفي فلم يظفروا به. ثم إنهم تحزبوا في الميدان فطلبوا ثلاثة رجال أمين المخزن ذا الفقار و الروزنامة جي علي و حيدر جلبي الشابندر فظفروا بذي الفقار و علي فقتلوهما. و أما حيدر جلبي فإنه علم بالأحوال في الليلة الاولي فعبر بالسفينة إلي الجانب الغربي من بغداد و منه إلي ديار بكر و بعد ثلاثة أيام انفلّوا و ذهب كل إلي عمله ثم بعد أيام اجتمعوا مرة أخري فانهزم محمد باشا إلي هيت ثم رجع و جلس في الجانب الغربي من بغداد فوقعت المشاجرة بين طائفتي الجند فسلموا من كان سببا لإثارة الفتنة فقتلهم محمد باشا.» اه.

و في گلشن خلفا تفصيلات و كان مرتضي آل نظمي في ديوان بغداد فاطلع علي الحادث كما عرفنا بعض الأسماء من الغرابي.

إرسال سفير إلي الهند:

في هذه الأيام ورد السفير العثماني حسين آغا آل معن للذهاب إلي الهند إلي (شاه جهان خرم شاه) و أقام ببغداد بضعة أيام ثم ركب السفينة و مضي في طريقه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 73

و ذلك أنه في سنة 1059 ه كان أرسل ملك

الاوزبك (محمد نذر خان) إلي السلطان كتابا مؤدّاه أنه يشكو من ابنه عبد العزيز فرغب أن يكتب إليه السلطان كتاب نصيحة يردعه فيه و يطلب منه الرجوع إلي الصواب، و أن يوعز أن يتدخل بالصلح شاه العجم و الهند إصلاحا لذات البين و أن يمده بهذه العناية فضلا من عنده. فقبل السلطان أن يقوم بالأمر إجابة للطلب فأرسلت الكتب مع السيد محيي الدين متفرقة عهد إليه بهذا الأمر فوصل إلي هناك و أدي واجب الخدمة و حينئذ أرسل ملك الهند جوابا مع السيد أحمد و معه هدايا و تحف باهرة أتي بها إلي السلطان.

و بالمقابلة قدم إليه السلطان كتابا مع هدايا أرسلت مع ذي الفقار آغا فأدي الواجب. و علي هذا قدم ملك الهند أيضا تحفا و هدايا مع كتاب و كان الرسول يقال له قائم بك. و في هذه المرة قدم إليه السلطان أيضا هدايا مع حسين آغا فوصل إلي الهند و حينئذ رأي في ساحل الهند أنه قام مراد بخش ابن ملك الهند بعصيان. فأعاد الرسول الهدايا فوصل إلي بغداد و في سنة 1069 ه عاد إلي بلاد الروم.

و شاه جهان خرم شاه هو ابن جهانگير سليم شاه بن أكبر شاه بن همايون شاه بن بابر شاه ابن عمر شيخ التيموري. و بابر شاه أسس امبراطورية المغول في الهند. تكونت سنة 932 ه- 1526 م. و من مشاهير هذه الدولة بعد شاه جهان (أورنك زيب) المعروف ب (عالمگير) و تنسب إليه الفتاوي (العالمگيرية) ولي سنة 1069 ه- 1659 م. و توفي في 28 ذي العقدة سنة 1118 ه- 1707 م. و دامت عظمة هذه الدولة من أيام بابر إلي آخر أيام (أورنك زيب).

مرّ بنا من ملوكها من له علاقة بأبحاثنا و بعد أورنك زيب طرأ علي هذه الدولة ضعف متوال حتي انقرضت سنة 1273 ه- 1857 م. و توفي آخر ملوكها في رانغون بعد إجلائه إليها من دولة الإنكليز. مات سنة 1279 ه- 1862 م. ثم إن دولة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 74

الانكليز أعلنت امبراطوريتها علي الهند في سنة 1294 ه- 1877 م. و في أيامنا تكونت في الهند حكومة باكستان الإسلامية و حكومة الهند.

هذا و إن مراد بخش بن شاه جهان توفي سنة 1068 ه قتله أورنك زيب بعد عودة السفير إلي بغداد.

عبد العزيز خان:

ابن ملك الازبك الخاقان نذر خان. سيأتي الكلام عليه في حوادث سنة 1093 ه كما سبق البحث عن الاوزبك عند ذكر (جامع الاوزبك).

سفير إلي شاه العجم:

و في هذه السنة (سنة 1067 ه) أرسلت الدولة العثمانية إسماعيل آغا رسولا إلي شاه العجم عباس الثاني مع الهدايا السنيّة و الجواب علي كتابه المرسل مع علي خان المتضمن رجاء دوام الصلح و معه الهدايا المقدمة من الشاه فهذا الرسول إسماعيل آغا ذهب إلي ايران و أدي ما عهد إليه من واجب و عاد عن طريق بغداد. و لكنه وافاه الأجل المحتوم فتوفي و دفن في مقبرة الإمام الأعظم.

حوادث سنة 1068 ه- 1657 م

امطار و فيضان و غرق:

كثرت الأمطار في هذه السنة و فاضت الأنهار و طفحت مياهها.

التقي النهران دجلة و الفرات بسبب هذه الزيادة و استولت المياه علي صحاري بين النهرين. و صارت بغداد محاطة بالمياه من جميع جوانبها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 75

حتي أن المياه وصلت إلي باب الأعظمية و جرفت المياه (تابية الفتح) فتخربت بسبب ذلك الابراج الكبيرة للمدينة و ما جاورها من الابنية المهمة.

و علي هذا أبدي الوزير ما أبدي من همة عظيمة لإعادة بناء (تابية الفتح) (قرب مقبرة الشيخ عمر السهروردي في غربيها) و الأبنية اللازمة فعمرها مجددا و بذل ما في وسعه من قدرة.

و لما رأي أن قد استولت المياه في جانب الكرخ علي المنطقة و صارت تصب مياه الفرات في دجلة تحول إلي دار حكومته في الجانب الغربي. و في هذا الحين فتح الانهار لتصب في دجلة و اتخذ لها قناطر و جسورا كما أنه عمل سدتين محكمتين. قام بهذا العمل بنفسه و جمع خلقا كثيرا للعمل تسهيلا للمارة ذهابا و إيابا. و هذه بقيت في حالة ينتفع بها مدة.

و لما سمع كل من والي آمد (ديار بكر) مرتضي باشا و ولاة الموصل و كركوك بما جري علي بغداد جاؤوا للخدمة و ما

يقتضي لها من المحافظة.. فنصبوا خيامهم في صحاريها و قاموا بما لزم.

حوادث سنة 1069 ه- 1658 م

أعمال أخري:

لم تمض إلا مدة قليلة حتي ورد الفرمان بلزوم ذهاب مرتضي باشا إلي جهة الاناضول للقضاء علي حسن باشا أبازه و أعوانه فذهب.

أما هذا الوالي فإنه كان محبا للخير، مراعيا أعمال البر و الأمور النافعة. و من أعماله أنه عمّر قبّة عثمان ذي النورين (رض) و أرسل من يقوم بذلك لما علم أن بناءها قد تداعي و عمل لها ستارا. و بذلك بذل مبالغ طائلة. و لا تزال مبراته باقية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 76

بناء منارتين:

و هذا الوزير تم في أيامه بناء المنارتين لمسجد الإمام علي (رض) في النجف.

جامع الخاصكي:

اشارة

في أيام هذا الوزير كان بني بعض الرهبان كنيسة بقرب مرقد الشيخ محمد الأزهري و هو من الأولياء الكرام و المشايخ العظام في حين أن النصاري لم يبنوا في بغداد من ابتداء عمارتها ديرا (كذا) فلما سمع الوزير بذلك خرب الكنيسة و بني موضعها جامعا يؤمه المسلمون و أعلي قبّته و بني له منارة و جعل طيقانه مقرنسة، و اتخذ له جدرانا قويّة و سمي (جامع نور سلحدار محمد باشا) و عرف بجامع محمد باشا السلحدار ثم شاع باسم (جامع الخاصكي) و كان في القاهرة يطلق عليه أبو النور. أراد أن يقف أوقافا لهذا الجامع و قرّر له خدّاما و يعيّن ما يحتاجه. و بينا هو كذلك إذ ورد الأمر بعزله. و من ثم هجر هذا الجامع، و لم ينقصه إلا القليل، فحصل فتور حال دون إكماله.

و جاء في رحلة أوليا چلبي أن جامع محمد باشا الخاصكي جامع جديد في رأس القرية. فيه منارة. و لا شك أن الرحالة بقي إلي ما بعد بنائه. كان ورد أكثر من مرة إلي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 77

ثم جرت عليه تعميرات متوالية منها ما كان في سنة 1077 ه أيام وزارة إبراهيم باشا الطويل عمّر بعضا منه و اهتم بما يقتضي لترميمه.

فشرع فيه بإقامة الجمع و الجماعات.

و في سنة 1079 ه توجّه نظر الوزير قره مصطفي باشا إليه فعني بأمره و عيّن لمستخدميه راتبا من مال الدولة.

و في سنة 1094 ه ورد بغداد محمد بك السلحشور لقضاء بعض المصالح التي أودعت إليه. و كان هذا ممن عاش في نعمة باني الجامع

محمد باشا فعمره و أكمل بناءه وزوقه بنقوش ذهبية و كتابة ياقوتيّة و زاد في وقفه و في خدامه.

و التفصيل في كتابنا (المعاهد الخيرية).

مدة حكومته:

إن هذا الوالي بدأ حكمه في بغداد في غرة صفر سنة 1067 ه و دام إلي 7 ذي الحجة سنة 1069 ه.

الوزير مرتضي باشا:

إن هذا الوزير موصوف بالشجاعة و البطولة و قبل هذا كان واليا علي بغداد. ثم صار واليا علي ديار بكر فعهد إليه بالقيادة الممتازة. و في هذه المرة فوّض إليه منصب بغداد أيضا.

و في أيامه هذه أحيا (نهر دجيل) و كان اندرس. أراد أن يقوم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 78

بالعمل و أن يوفق بين مصاريف بغداد و دخلها و يرفع عنها ما أصابها من اعتلال و أن يؤدي من ضرائب بغداد مائة كيس من الاقجات سنويا يقدمها للدولة تعرف هذه ب (ارسالية) مع ألفي رطل من البارود ترسل إلي استنبول. كان طلب من حكومته أن تمنحه المنصب بهذه الشروط فوافقت.

ولي زمام الإدارة في بغداد. و لم يدخلها في أول وروده و إنما نزل بقرب فيلق الوالي السابق علي حين غرة فولّد هيبة … و حينئذ اتخذ المحاسبة عن خزانة بغداد وسيلة فأبدي أنه تبين للخزانة بذمّة الوالي أكثر من ستمائة كيس من الأقجات فصار يطالب بها و ضيّق عليه الخناق من أجلها و من ثمّ لجأ الوزير السابق إلي طريق الاستشفاع و الالتماس منه فإنه كان منفورا من الصدر الأعظم محمد باشا الكوپر يلي فعفا حينئذ عن مائة كيس و حوله بمبالغ مقابل رهان مقبوضة و الباقي جعله دينا إلي أجل.

و حينئذ دخل الوزير الجديد المدينة. و تطييبا لخاطر هذا الوزير و إزالة ما مضي دعاه إلي الضيافة و أعطاه خمسة عشر كيسا من النقود الكاملة العيار و ثلاثة من البغال للركوب من نوع رهوان (رهوار). و أنعم عليه ب (فرجيّة

سمّور) و أعطي لكل من أخيه و ولده خنجرا مرصعا هدية لهما. و لكن هذا لم يكن الدواء الشافي لما جرحه به.

و هذا الوزير لم ير بدا من قبول هديته و تبرئة ساحته.

نهر دجيل:

ثم إن الوزير مرتضي باشا تولي الحكم بإجلال و عظمة و استقلال، و أصدر أوامره إلي النواحي و القري بتوليه الوزارة و جمّع الأهلين في نهر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 79

دجيل و سكانه القدماء و أحضرهم إليه و أعد ثلاثة آلاف أو أربعة من العمّال و المعمارين و من يصلح فشرعوا في العمل و لم تمض ثلاثة أشهر أو أربعة حتي أتمه حفرا و تطهيرا و عمر القصبات و الجوامع هناك و أرضي الرعايا و أخذ الرسوم العشرية بوجه العدل و الانصاف.

التبدل في الإدارة و المالية:

ألغي هذا الوزير ما كان يتقاضاه الولاة و الدفتريون من المخصصات السنوية البالغة أكثر من مائة كيس و يقال لها (ساليانة) و تصرف لمعيشتهم و إدارتهم، و أبطل إمارات بعض الألوية، و أرسل للدولة المبلغ المقرر و البارود المعين و لا يزال هذا حملا ثقيلا علي كاهل خزانة بغداد. و بهذه الطريقة مضي في تدبير المملكة العراقية.

ظلم و قسوة:

و من ثم اضطر بسبب التغير الحاصل إلي أخذ الرسومات المعينة من الرعايا سلفا و هي (الساليانة). و اتخذ اختلاط الشهور العربية بالرومية وسيلة للغبن الفاحش و استعمل الغلظة علي الأهلين فتمكن من جمع الضرائب سلفا و لكنه قضي علي إدارة الماضي نهائيا و ثبت الوارد و المصروف و دوّنهما بدفاتر خاصة. و عدّل في الادارة بالنظر للوضع الحالي. و هذا عمل مقبول لولا أنه أحدث ضجة بسبب الضرائب. نفع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 80

الدولة إلا أنه أضر بالأمة. حملها ما لم تطق. و قدرة الوالي يجب أن تصرف إلي أخذ المقرر من الضرائب دون أن يحدث ضرائب جديدة.

بدعة أخري:

قرر أيضا علي بغداد (معتادا) فيما يرسل من التحف الملوكية لرجال الحل و العقد في مركز الدولة و قرّر الانعامات لمن يأتي و يعود.

و لم تزل الولاة مكلفين بهذه التكاليف حتي أواخر عهد المماليك.

إن هذا الوزير أبرز قدرة و أبدي مهارة في الإصلاح إلا أنه بعمله هذا أضرّ كثيرا إذ بلغ الناس من الضعف الغاية بل نري الضرائب تتزايد و تتجدد متواليا فلم يفكر الولاة إلا في خاصة أنفسهم و إرضاء دولتهم.

سعر النقود:

كان القرش الواحد في خزانة بغداد يعتبر ثمانين آقچة. فأبلغ في هذه السنة بفرمان إلي تسعين و هذا تدبير آخر من هذا الوالي، زاد علي كل قرش بارة فكان ذلك منحة للموظفين و مصيبة علي الرعية فيما يجبي منهم.

لهو و سفاهة:

ثم إنه مال إلي أمور لا تليق بشأن الوزارة رغّب في أمور تأباها النفوس. و لم تكفه المجالس الخاصة داخل المدينة. و إنما اتخذ خياما في الصحراء يقيم فيها الضيافات مفتوحة للعام و الخاص يتعاطي فيها الرذائل و يزين مجالسه بالمغنّيات و سائر أمور اللهو.

و الحاصل أن ما يستحسن منه أقل بقليل مما يسوء. جمع أموالا موفورة و خزائن غير محصورة فصار يضاهي الملوك في خدمه و حشمه و جيشه بحيث بلغ غاية الأبهة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 81

حوادث سنة 1072 ه- 1661 م

مما يعزي إليه:

أنه يبدي لبعض الاشخاص منوياتهم أو يخبر عن قدوم الآخرين …! و من مشهودات المؤرخ مرتضي آل نظمي أن أحد المساكين حين مرور الوالي رمي بشبكته فأصاب نحو عشرين سمكة.

كان طرحها علي حظّه.

ففي أيام حكومته تولدت قناعة للناس فيه و من هذا القبيل ما يحكي أنه جاءه ملّاح، دخل عليه قائلا إن سفينته أصابتها الريح و اضطرب أمرها و كادت تغرق فاستمد بسعد الوزير و نذر شمعة فنجا من الخطر.

فقدمها إليه.

و من ذلك أنه كان يخرج وحده منفردا يتجوّل في الأسواق و الطرق تارة في رأس الجسر و آونة في القهاوي فيستريح هناك. و في هذه الأثناء يفصل القضايا و يقطع الخصومات و علي كل حال كان يخشي الناس سطوته و ينقاد إليه الجيش و الأمراء و كان الكل معه في دائرة الآداب.

و الغريب أنه لو رأي عصيانا. أو شاهد تقصيرا عاقب بالحبس الطويل، أو صادر أموال الجاني، و رأي منه أنواع العذاب لدرجة أنه قد يؤدي إلي هلاكه … و في أيامه كثر السراق و زادت السفاهات.

عزله:

بدأت حكومته في 20 ذي الحجة سنة 1069 ه و دامت إلي 9 رجب سنة 1072 ه.

و بعد أن عزل عهد إليه بمنصب الاناضول و من هناك أمر أن يذهب إلي جزيرة گريد فظن أنه ورد الأمر السلطاني بقتله فكان يخشي السجن فارتبك شأنه و بتسويل من بعض أعوانه التجأ إلي يوسف بن سيدي خان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 82

حاكم العمادية و لم يوافق علي القيام بما عهد إليه و حينئذ لم يرض سائر من معه بأفعاله هذه فانفصلوا عنه و كذلك تركته العساكر التي كانت معه فألقي الأكراد القبض عليه و استولوا علي أمواله.

و بفرمان من السلطان أمر والي ديار بكر محمد باشا الكرجي فتمكن من قتله و قتل بعض أتباعه و أرسل رؤوسهم إلي استنبول.

و في قصص هذا الوزير عبرة، نال حظا وافرا من الحياة الدنيا ثم أصابته هذه النكبة فذل.

حكومة الوزير مصطفي باشا القنبور:

هذا الوزير شيخ وقور. يدعي بمصطفي باشا القنبور (الأحدب).

كان آغا الينگچرية فأنعم عليه السلطان بولاية بغداد. و في أيام السلطان مراد نال منصب چورباجي في بغداد. قضي بها مدة. ثم صار (آغا بغداد) و في هذه المرة ولي الوزارة. كان واليا جليلا محترما، تعرف لدي الأهلين و ألفوه لما سبق له من معرفة بهم. و إن منصب آغا الينگچرية عهد به إلي صالح آغا رئيس العرفاء.

إلغاء ضرائب:

هذا الوزير رفع ما تمكن من رفعه من بدع فأبطل الأمور التي لم تكن لائقة. و لم يكسر خاطر أحد. كانت تؤخذ من الأهلين دراهم بيتية أو مصاريف المضيف. تستوفي كمورد رزق للكتخدا و للمختارين و رؤساء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 83

المحلات فرفعها. و عين للكتخدا راتبا من كيسه الخاص فجبر خاطر الضعفاء.

حوادث سنة 1073 ه- 1662 م

لم يحدث في أيامه ما يستحق الذكر إلا أن هذا الوزير و إن كان صاحب تجربة و تدابير صائبة و لكنه ابتلي بالأفيون و البرش (معجون من أفيون و غيره مما يولد التخيلات) كان أحيانا يغضب بلا داع و يستعمل الشدة و يهدّد أو يقوم بأمور لا مبرّر لها. و من ثم يتحرّك بحركات غير مقبولة و يعزر أعوانه أحيانا. ذلك ما دعا أن يعهد بكافة الشؤون إلي كتخداه. فكان يسمع منه بعض ما يتصدي به إلي اهانته فترك من خوفه أمواله و ما يملك و فرّ هاربا.

حوادث سنة 1074 ه- 1663 م

عزل الوالي:

مضت هذه السنة و الأحوال علي ما هي عليه. و فيها عزل الوزير و كانت حكومته في 10 رجب سنة 1072 ه و انتهت في 27 جمادي الأولي سنة 1074 ه.

وفاة نظمي البغدادي:

اشارة

هو والد مرتضي المؤرخ صاحب گلشن خلفا و ابن بنت عهدي البغدادي صاحب گلشن شعرا. أورد له ابنه مرتضي بعض الأشعار في تاريخه و خير ترجمة له الترجمة الملحقة ب (تذكرة عهدي) للقربي و الصلة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 84

بينهما. و منها عرفنا أن نظمي ولد في 4 شهر رمضان سنة 1002 ه. و من أول نشأته مال إلي المعارف كآبائه و أجداده فظهرت مواهبه. و جالس العلماء و الأدباء فبرز في النظم كما فاق في التحرير.

و بينا هو في راحة و رغد من العيش إذ فاجأ الناس أمر (بكر صوباشي) و هجوم العجم و قائعهما المؤلمة فغيرت في الوضع فاضطر المترجم أن يترك بغداد و يتزيّا بزي درويش. سكن هو و أمه في كربلاء خشية أن يعرف حاله.

بقي هناك مدة في خفاء حتي جاء حافظ أحمد باشا لاستخلاص بغداد. فوافاه و مدحه بقصيدة. و لما عاد الباشا غير ناجح في مهمته ارتبك أمره. و عرف حاله، فهاجر إلي الرها و هناك عرفت له مكانته.

و بعد مدة سقط من صهوة الجواد فكسرت رجله و بقي عليلا مدة إلا أنه لم يخف حاله. كان اتصل بأشراف البلد و شيوخها و فضلائها قبل أن يصاب و نال مكانة سامية.

و في أثناء ملازمته لداره باري (منظومة مجنون ليلي) للشاعر فضولي برواية سمّاها (ناز و نياز) فأضافها إلي ديوانه. اعتاد النظم منذ الصغر.

و لما ورد السلطان مراد الرابع مدحه بقصيدة و تمني له السفر الميمون.

و بعد

الفتح عام 1053 ه عاد بأهله و ولده إلي بغداد فحصل علي مكانة معروفة و نال بعض المناصب في كتابة الديوان. و في سنة 1066 ه ذهب مع أمه و عياله إلي الحج و زيارة مدينة الرسول صلّي اللّه عليه و سلّم و قبل أن يتوفي ببضع سنوات تتجاوز الخمس ترك الأعمال و لازم العبادة و قراءة القرآن و الأوراد إلي أن توفي عام 1074 ه.

فالمترجم له اليد الطولي في النظم و النثر. كان فذّا في الفارسية و العربية. يعد فريد عصره. و هو صاحب عرفان و زهد، و سلوك مقبول، و تصوف مرغوب فيه، و له مساع و أعمال فاضلة … و في كل أحواله راعي القوانين الشرعية. و لم يحد عنها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 85

و رثاه من معاصريه:

1- سيفا: رثاه بقصيدة فيها تاريخ الوفاة.

2- غوثي: رثاه بقصيدة ختمها ببيت يتضمن تاريخ وفاته.

3- ابنه (ابن المترجم) لم يعين اسمه و الظاهر أنه مرتضي صاحب (گلشن خلفا) فهو شاعر أيضا. و نسختي الخطية من گلشن شعرا عليها ختمه و كان محترما في عصره لدي علماء و أدباء زمانه …

الوزير مصطفي باشا:

نشأ في البلاط و يعرف ب (مصطفي باشا الينبوغ). كان واليا في الروم. ثم فوض إليه منصب بغداد. كان في سنّ الشباب. و لا يخلو من كبرياء فلم تؤدبه التجارب و لا هذبته الأيام في وقائعها فلا يزال لم يستفد من عبر الدهر. كان يميل إلي بعض أهل النميمة فهو مسماع اذن. يبدي غلظة و شدة … و مما عرف عنه أنه تجاوز علي بعض مجاوريه فاغتصب دورهم و ألحقها بسرايه الخاص فارتكب جريرة. لم يشتر هذا الدور بغبن فاحش و لكن الغدر متحقق ظاهر فاشتهر بسوء السمعة فسخط الناس عليه و تذمّروا منه …

يحكي عن بعض أهل الصلاح أنه قال في هذا الوزير:

في بغداد (الحسين بن منصور الحلاج) يحلج قطنه.!

لم تطل مدة حكمه و لا دام له رغد العيش فقضي نحبه بداء البطنة.

دفن بجوار (حضرة الشيخ عبد القادر الجيلي).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 86

و أيام حكومته من 28 جمادي الأولي سنة 1074 ه إلي أواخر ذي الحجة منها.

حوادث سنة 1075 ع 1664 م

وزارة قره مصطفي باشا:

كان صبيح الوجه. حلو الكلام. ولي بغداد سنة 1061 ه ثم ديار بكر فحلب و مصر القاهرة. فأقبلت عليه الدنيا و نال حظا و افرا منها. ثم انقلب الزمان عليه فكشر له أنيابه. غضب عليه السلطان فعزله من مصر و توجّه نحو استنبول. و في أثناء الطريق عيّن حسن باشا أبازه لإلقاء القبض عليه بتسويل من أهل الفساد …

فلما سمع بذلك ترك ما لديه من أموال و نفائس و ذهب بنفسه فارا فدخل استنبول بزيّ متخف، فانزوي. و لم يتمكن أحد من العثور عليه.

بالرغم من التحريات.

و لهذا لقب ب (مصطفي باشا الفار). اختفي سبع سنوات أو ثمانيا فعفا عنه السلطان و أنعم عليه بولاية

(وان) ثم نال منصب بغداد.

و لما وصل إلي بغداد أبدي الزهد و الدروشة و عامل الأهلين بالحسني و الرأفة، فأنسي ما كان فعله سابقا.

ولد له ولد اسمه محمد بك في حكومته الأولي ببغداد. و في هذه المرة أجريت له حفلة ختان فقدم سبعة أيام أنواع المأكولات و أطعم الصادر و الوارد. أجري الضيافة للجميع و كان يلاطف الكل و يبسم في وجوههم.

كان هذا الوزير حلو اللسان، بديع البيان. ينهض لكل زائر و يبش بكل وارد فجلب القلوب بتواضعه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 87

حكم من سلخ صفر سنة 1075 ه إلي 26 ذي القعدة منها.

وزارة إبراهيم باشا الطويل:

كان هذا رئيس البستانيين في الحرم السلطاني. ثم صار قائمقام استنبول. اشتهر بالصلاح و رضي عنه الخاص و العام. ثم عهد إليه بمنصب بغداد.

حوادث سنة 1076 ه- 1665 م

الأحساء و البصرة

واقعة الأحساء:
اشارة

كانت امارة الاحساء في الاصل امارة عثمانية من أيام السلطان سليمان القانوني. دخلت في حوزة العثمانيين من حين الاستيلاء علي البصرة و الحكم المباشر فيها بالقضاء علي امارتها …

الأحساء أيام الحكم العثماني:

الأحساء بحذاء هجر دار القرامطة في أنحاء البحرين و أحيانا تشمل البحرين و أحيانا تعدّ منها تبعا لاختلاف التشكيلات الإدارية. و في العهد العثماني لا نستطيع أن ندون عنها معلومات كافية و واضحة. و كل ما علمناه أن الحكومة عينت حكاما و ارسلتهم إلي الاحساء لا نعلم عن حكمهم ما يستحق الذكر. و في أيام سيدي علي رئيس كان حاكمها مراد رئيس.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 88

ثم عرفنا من مؤلفات عديدة أن أمراء بني خالد حكموها إلي أواخر القرن العاشر ثم حكمها علي باشا من أوائل القرن الحادي عشر باسم العثمانيين. ثم صارت لذريته. و توفي عام 1051 ه. خلفه الأمير أبو بكر ثم يحيي بن علي باشا المذكور و أخذ الطريقة عن الشيخ تاج الدين الهندي.

و يحيي باشا أخو الأمير أبي بكر ولد في أول الألف و توفي سنة 1076 ه في المدينة. و هذا عالم أديب له ديوان شعر في مجلدين. مدح الشريف زيد بن محسن شريف مكة.

و آخر ولاة الاحساء محمد باشا جرت واقعة البصرة هذه من جرائه. و من ترجمة أبي بكر نعلم العلاقة و الصلة بينهما.

و لما حدثت الفتن بين حسين باشا آل أفراسياب و أعمامه و أدت إلي ما أدت إليه كان أمير الاحساء ناصرهم و دلّهم علي طريق الالتجاء إلي الدولة العثمانية و ساعدهم بكل ما أوتي … و من ثم أراد حسين باشا الانتقام منه و أول عمل قام به أنه استمال العشائر الكبيرة هناك و

في مقدمتها (بنو خالد). كانت تنازع السلطة و أميرها آنئذ براك فقربه إليه و اتفق معه و أرسل جيشا في قيادة أمير له اسمه سلمان.

ضيقوا الحصار علي الاحساء، فوجد واليها في نفسه ضعفا. لم يستطع الكفاح فاضطر أن يسلم البلد إلي الأمير سلمان بعد أن طلب الأمان من أمير بني خالد (براك) و أجلي الباشا و أعوانه عن البلد. و لما رام سلمان دخول البلد منعه الشيخ براك و انتزع أسلحة من معه و طردهم فحكم البلد و كان حاكما عادلا.

أنهي الخبر إلي حسين باشا ففكر في الأمر. فلم ير بدّا من تجهيز جيش علي الشيخ براك فبعث بالجند تحت قيادة أمير له يدعي يحيي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 89

و حينئذ جرت معركة دامية بين براك و يحيي فكان النصر حليف يحيي و هرب الشيخ براك فارا من البلد فجاء أعيان الأحساء يطلبون الأمان فأمنّهم و صار حاكما و هذا حاول أن يوسع حكمه إلي عمان و أن تمتد سلطته علي الاصقاع الأخري النائية …

والي الأحساء محمد باشا:

بعد أن سلم محمد باشا الاحساء مال إلي الشريف زيد يطلب منه أن يتوسط في أمره و يشرح ما جري لدي السلطان محمد شاكيا ظلامته، ملتمسا رفع ما ناله من حيف. أوضح الشريف زيد للسلطان أن حسين باشا أوقع أضرارا بالأهلين. و اغتصب الأموال و تسلط علي الضعفاء و علي هذا أرسل السلطان إلي الوزير (قره مصطفي باشا) والي بغداد يستطلع الأخبار عن هذه الفتن، و أن يحققها و يعلمه.

و من ثم استفهم الوزير من حسين باشا عما فعل فكان جوابه أن ذلك إنما جري منه بأمر سلطاني، و أن الأمر لدي يحيي أمير الأحساء، و أنه سوف

يأتي به، تعلل بذلك و لا أصل لما أجاب به. و لكن صاحب گلشن خلفا أيد قول حسين باشا أنه حصل علي فرمان سلطاني ليحقق ما جال في فكره من لزوم الاستيلاء علي الاحساء. عدلت الدولة عن فرمانها و أرادت أن تتخذ هذه الفتنة وسيلة للتدخل فالعشائر صارت مع الدولة. و كذا الشريف سنحت له الفرصة كما أن ايران لم تتدخل علي ما يفهم من المخابرة الرسمية. فكانت فرصة لا تضيّع بل يجب أن تغتنم. و حينئذ كتب حسين باشا إلي يحيي ما جري من المخابرة حاكيا ما ابتلي به. و من جملة ما كتب أن يأتي علي عجل ليتخذ معه الأهبة لما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 90

يتوقع حدوثه. كتب إليه كتابا أرسله مع الساعي محمد. فصادف شيخ العرب هذا الساعي فأخذ الكتب و قدمها إلي محمد باشا و كان إذ ذاك في بغداد. جاء بأمل انقاذ مملكته فقدمها إلي الوزير و فيها طعن في نفس الوزير فاشتد حنقه و سخط علي حسين باشا و صار ينتظر الفرصة للوقيعة به. و لكنه في ذلك الحين عزل. فلم يسع محمد باشا غير السكوت و الانتظار. و قضية الحصول علي الكتب فيها نظر.

أما حسين باشا فإنه أرسل إلي الاحساء أميرا اسمه عمر. و عاد يحيي إلي البصرة للاستعانة به فيما يخشي حدوثه …

و يفهم من مجري هذه الحوادث و من ولاية قره مصطفي باشا أنها من حوادث سنة 1075 ه و إلا فلا يأتلف ما ذكر في تاريخ السلحدار و ما جاء في الوثائق المحلية.

و جاء في عمدة البيان أن الأمير يحيي سار بالعساكر و معه كنعان أمير قشعم فملك الاحساء و هرب منها الأمير

برّاك، فعادت كما كانت لآل أفراسياب سنة 1076 ه و بين أن أبا بكر توفي و كان أحد أسخياء العالم و هو ابن علي باشا الأحسائي.

الدولة العثمانية- ايران:

إن الدولة العثمانية في حربها مع حسين باشا آل أفراسياب حاذرت من الايرانيين أن يتدخلوا في الأمر فيكونوا لجهة أفراسياب فكتب الوزير الأعظم إلي اعتماد الدولة الايرانية أنه اقتضي تأديب هذا الثائر، و أنه باغ علي السلطان فطلب منه أن لا يمد إليه يد المعونة إذا التجأ إلي ايران و أن يحافظ علي أساس الصلح و أن لا يظهر ما يخالف.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 91

و إن اعتماد الدولة في جوابه يشير إلي أن الصلح لا يزال دائما، و لا يساعد أمير أمراء البصرة بوجه، و لا حدّ لأحد أن يخرق الصداقة، أو يتحرك بما يغاير الصلح و كتبت الأوامر إلي أمراء الحدود في لزوم احترام العهود و أن لا يخلّوا بأمر منها.

و بهذا أمنت الدولة الغوائل و التدخلات من المجاور …

إبراهيم باشا و حسين باشا افراسياب:

إن حسين باشا هذا علم أن قد اتسع الخرق و لم يطق التخلص إلا بطريقة صالحة و أن المقاومة و الاعتزاز استنادا إلي القوة لا تجدي نفعا.

أرسل جماعة إلي دار السلطنة يبذلون الأموال و لكنهم عادوا بفشل ذريع لما رأي السلطان ما عرضه الشريف زيد فقدمه للمفتي فكتب إليه أن حسين باشا هذا يجب أن يعزل و إن بغي فيقتل كسائر البغاة …

و علي هذا أرسل السلطان وزيرا هو إبراهيم باشا إلي بغداد ليقوم بالأمر و ينقذ محمد باشا و عزّزه بأمراء آخرين بينهم والي ديار بكر و والي حلب و والي شهرزور الوزير كنعان باشا الگرجي و والي الموصل إبراهيم باشا الگرجي و غيرهم من الأمراء بمن معهم من جيوش، و بلغت جيوشهم ما يربو علي خمسين ألفا، استكملوا العدة و العدد في بغداد ثم توجهوا نحو حسين باشا. و

هذا لما علم بالأمر سار إلي القرنة مسرعا ينتظر ما سيجري … و قد قضي مدة يترقب الأخبار فلم يصل إليه منها شي ء، و لم يأته بيان و لكنه لم يدع الفرصة بل أرسل إلي شيوخ العشائر كتبا يدعوهم بها لمؤازرته فجاءه بعضهم و تخلف آخرون …

ثم إن حسين باشا كتب إلي الوزير إبراهيم باشا والي بغداد يستفهم عما دعا و فيه تهديد من جهة و استعطاف من جهة أخري معتذرا أنه إنما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 92

فتح الاحساء بناء علي الأمر الوارد إليه و لم يكن منه تقصير فأجابه انك معزول و لك الخيار في أن تأتي إلي السلطان، أو تخرج من بلاده و بذلك تحقن الدماء و كذا كتب إليه سائر الوزراء ينصحونه فلم يلتفت. و كان الرسول أحد السادات من أتباع والي آمد فأغلظ القول علي الرسول جهرا و أخفي خلافه و قال له: إن أصلحت هذا الأمر منحتك خيرا و حزت أجرا و قد أراه جماعة من العجم ليرهبه بهم و في الوقت نفسه أكرمه و قال له بلّغ ما رأيت فأجابه: إننا نود القتال مع هؤلاء الاعجام و قد سمعنا بذكرهم فلم يبال بهم الوزراء. ثم أتي بعد ذلك خبر مؤداه أن ابنه الاصغر قد عبر نحو العسكر مصحوبا بالبن و السكر فدس الذهب في البن لبعض ذوي الرتب من عسكر الروم و ربما أفسد بعضا من الجند علي ما نقلوا …

و في گلشن خلفا: إن السلطان أمر بإعادة الاحساء إلي حاكمها السابق، و أن يساعد في الاستيلاء عليها و استخلاصها، و أن يؤدب حسين باشا علي عمله … فجعل ابراهيم باشا أميرا، و عهد إلي والي ديار

بكر إبراهيم باشا، و محافظ حلب الوزير حسين باشا و متصرف الموصل إبراهيم باشا الگرجي و أمير الرقة (صاري محمد باشا) و والي شهرزور كنعان باشا أن يكونوا معه تبعا له و أن يقوم كل منهم بقيادة جيشه و إدارته …

أما الوزير فإنه حينما ولي بغداد جاءه محمد باشا من مكة المكرمة و حسب الفرمان جهز الجيوش و اجتمع الكل في بغداد. و حينئذ أرسل من هؤلاء نحو ألف فارس علي عجل و بينوا له ما وقع بتحرير جاؤوا به إليه من الوالي و فيه تحذير ما يتوقع حدوثه و أن يذعن للدولة و لكنه أبي أن يقدم معذرته و إنما صار يبذل مبالغ من جهة، و طورا ينذر و يهدد فلم يفد ذلك كله، ذهبت الاتعاب سدي و لم يتلقوا منه سوي التعنّت و الجواب الفظ و الخطاب المملوء غرورا …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 93

و لما رأي وضعه في خطر أرسل أهله و أمواله إلي حدود العجم و تحصّن هو و من معه في القرنة و صارت تتلاحق جنوده إليها … تأهب للحرب و استعد لها …

و قال الشهابي:

«ثم جاءت الأخبار إليه أن الجيش العثماني قد حل العرجة فاهتم للأمر و جمع الأعراب و شجع الجيوش و الأحزاب العائدة له فساقهم إلي الرملة و من بينهم يحيي أمير الحملة و حينئذ اشتبك القتال بين الفريقين و ابتدأ برمي المدافع و لكن جيش يحيي قد انهزم و لم يطق الصبر علي الحرب. فرّ قبل طلوع الشمس فاستولت الروم علي المؤونة و كانت كثيرة جدا و لما عادوا وجدوا حسين باشا خارج الفتحية و معه قوة جيش فعاد إلي القرنة و علي هذا

أرسل البريد إلي أهله أن يخرجوا فخرجوا جميعا و حاول الهزيمة. خاف أن يكون في قبضة عدوه. و لكنه رأي الرياح مخالفة، و صادف المد في النهر أيضا، جاءه أكبر أمرائه يخيّره بين اللقاء و ضده و كذلك الجيش خيّره بذلك فلم يلتفت لقولهم و لم يعوّل علي رأيهم. و لما رأوه بهذه الحالة قالوا له اترك العربان و ما حوته و اذهب لشأنك لصد غائلة الروم و فيها نحتمي من أذاهم. أتت إليه جموع كبيرة فلما أصبح عليه الصباح و رأي جموعه هذه زال عنه الوهم. فاستقر في القرنة بعد ما كاد يترك الحرب إلا أنه لم يعلم بنيّاته هذه سوي مشاركيه و من كان يسر إليهم القول.

ثم جاءه أهل الجزائر فاعتز بهم أكثر. و هكذا استعد للقتال فجاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 94

إبراهيم باشا بعسكر عظيم إلي القرنة إلا أن مجيئه كان متأخرا و لو جاء في حينه لاستولي عليها فحاصرها مدة شهرين فلم ينل غير الخيبة و الخذلان. و قد تصدي للقتال جنوده المعروفون ب (صارجه) و هؤلاء كانوا معاندين عنادا بالغا حده فلم يهتموا بالحرب بل فقدوا الطاعة المطلوبة في الجيش فكان ذلك من أهم أسباب الخذلان.» اه.

و أما الوزير فإنه في أواسط جمادي الأولي سنة 1076 ه جهز جيوشه و نهض من بغداد سائرا نحو البصرة. كل هذا و حسين باشا لم يطرأ خلل علي تجلده و أصر علي الدفاع محتقرا عدوه. و في هذه الحالة قصّر الوزير في احضار المدافع المعدة لهدم القلاع و الحصون، و مع هذا طاول في الأمر علي أمل أن يذعن حسين باشا اليوم أو غدا و بهذا الأمل كان يترقب ورود رسول

في الاستئمان. سار حتي وصل إلي (الرمّاحية)، و مع كل هذا لم يظهر أثر فتور في حسين باشا فأرسل الوزير كتابا إليه يدعوه إلي الطاعة و الانقياد مشتملا علي نصائح قدمه إليه مع قاصد ذهب به. و هذا أيضا لم يفلّ من عزمه و لم يقلل من غلوائه، و لم يتلق منه جوابا سوي قوله (المقدر كائن).

و حينئذ لم ير الوزير بدا من أن يمضي بجيوشه إليه فوصلت الجنود إلي (المنصورية) فضربوا خيامهم هناك فتقابل الفريقان و اشتعلت نيران

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 95

جسر بغداد القديم- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 96

الحرب بينهما و حمي الوطيس فغطي غبار الحرب السماء، لا تسمع إلا قعقعة السلاح و اشتباك الابطال … دامت الحرب من العصر إلي نصف الليل … و بالنتيجة ولي فرسان حسين باشا هاربين مذعورين من شدة ما لاقوه فاستولي الوزير علي الجزائر و جعلها محط خيامه و اتخذ جسرا قرب المنصورية فعبر إلي القرنة و هي بمثابة مفتاح للبصرة و أحاطت بها الجنود من جميع جهاتها فحاصروها.

و هناك نصبوا خيامهم و تأهبوا للحرب. و لكن كما سبق القول لا توجد مدافع حصار كافية لهدم القلاع. بعث الوزير إلي بغداد أن ترسل إليه مدافع لهدمها إلّا أنه لم يقف عند هذا الحد و إنما بادر بالهجوم بما عنده لأنه رأي أن العدو قد تكاثر مدده و المطاولة لا تفيده فاشتبك القتال بين الجمعين و رتب ما لديه من المدافع للهجوم علي القلعة.

أما حسين باشا فإنه أرسل ابنه إلي العجم و استمد بهم. لجأ طالبا المعونة فأمدوه بعسكر يحسن الرمي و يقدر علي المقارعة … و كذا جمّع من الجزائر

نحو خمسة آلاف من الرماة و ألفين أو ثلاثة آلاف من سكبانية الروم. و ملأ السفن العائدة للتجار من الأموال العائدة لهم فضبطها و ربطها في ميناء القرنة تأهبا للطواري ء و للاستعانة بها عند الحاجة و ارجع التجار إلي ميناء البصرة.

حالة البصرة:
اشارة

و لما وصل هؤلاء التجار إلي البصرة وجدوها خالية من حاكم و أنها في هرج و مرج و حينئذ راجع هؤلاء الوزير بالاتفاق مع المشايخ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 97

و كتبوا له كتابا طلبوا فيه أن يرسل إليهم باشا أو متسلما. أما الوزير فإنه أرسل إليهم (حسين الصولاق) حاملا أمرا منه و هو من التجار و بعث إليهم بكتب طافحة بالاستمالة و الترغيبات الكثيرة.

و التجار كانوا اتفقوا مع المشايخ المعروفين آنئذ بكثرة الاتباع و المريدين إلا أن الكثرة تحتاج إلي مهارة سياسية و قدرة علي الادارة و الحرب فالتاجر لا يصير في يوم واحد سياسيا محنكا أو قائدا مدربا.

فالقوم دبروا البلدة و أظهروا عصيانهم علي حسين باشا و خاصموه.

و كان في البلدة سفاك يقال له (ابن بداق) تربّي في نعيم حسين باشا و إحسانه، فكتب إليه يخبره بكل ما جري و يقول له: لو أمددتني بقليل من القوة و عهدت إليّ بالأمر فلا أقصر في دفع المخالفين و القضاء علي مخالفتهم فأبذل ما أستطيعه من قوة في سبيل تأمين البلدة خالصة لكم.

أما حسين باشا فقد منّاه بما شاء و أمره أن يستأصل الخارجين و يدمرهم ما استطاع. جهز جماعة من العربان و سيرهم لمعاضدته و هؤلاء تقدموا إلي موقع التجار و المشايخ و هاجموهم فاستعرت نيران القتال نحو ساعة أو ساعتين فظهرت آثار الانتصار للتجار و المشايخ فقتل ابن بداق و أتباعه.

موسوعة

تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 98

و حينئذ رجع الشيوخ و التجار ثملين بخمرة هذا الانتصار و لم يبالوا بمداخل البلد و ضبطها من صولات الاعداء فعادوا كأنهم في مأمن و لم يبق ما يستدعي قلقهم فذهب كل من هؤلاء لشأنه و انسحب لمحله.

و لم تمض مدة حتي جاءت العربان أفواجا من جهة شط العرب لنصرة ابن بداق. هاجموا البلدة من جديد فدخلوها و بدأوا بنهب دور آل عبد السلام و ولدوا اضطرابا بسبب كثرتهم و شدة صولتهم. و في هذه المعركة دارت الدائرة علي التجار و المشايخ. و قتل من الشيوخ (ذو الكفل) و السريّ من آل (عبد السلام). و بهذا انفرط عقد نظام المشايخ و التجار و تبعثرت أحوالهم فعلت ضجة بلغت عنان السماء و قتل من التجار جماعة، و لما رأي الأهلون الحالة و ما وصلت إليه اختفي كل من أحس بخوف من حسين باشا كما أن جماعة من المشايخ رأوا أن لا طاقة لهم بالمقاومة فهربوا إلي جانب الوزير. نجوا فوصلوا إلي دار الأمان، و حينئذ أخبروا بما وقع و قصوا القصة بآلامها و كان حالهم ينبي ء عن خبرهم.

و هذا ما قصه الشهابي البصري عن حالة البصرة قال:

«من حين أتي حسين باشا العليّة أرسل جندا فأخرجوا كل ما في الزكيّة من المدافع. و لما خرجت عياله من البلاد، و اختفت رجاله ولي البصرة شيوخها، حصلوا علي ادارتها حفظا للنظام و خوفا علي البلاد من كيد أهل الشقاء لا رغبة في الحكم و حينئذ أخبروا الوزير إبراهيم باشا عن ذهاب كل أهل البلدة و أنها بقيت منحلة الادارة … و أعلموا أنهم ضبطوا البلاد و طلبوا أن يأتيهم علي عجل و حينئذ

عقد الوزير مجلسا،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 99

استشار به الأمراء ممن كان معه فلم يوافقوا علي إرسال جند ينقذونهم و ظنوا أن ذلك مكر و حيلة من بعض الأمراء، و هذا ما سهّل التضييق علي البصرة و جعلها مهددة من (آل أفراسياب) كما أن حسين باشا اتخذ الوسائل و صار يسعي في افساد الجند ببذل المال لهم و بعث الوزير إلي الشيوخ أن سلّموا البلد إلي السولاخ (الصولاق) و هو من تجار البلد فلم يتمرن علي الحكم، و لا مارس الحرب و أيضا أرسل الوزير أمرا إليهم طلب فيه منهم أن ينصره فسلموا إليه بعد ذلك البلد مترقبين أن يجي ء المدد ليزول عنهم الوجل و الخوف، إلّا أن حسين باشا سابقهم في ارسال موسي و سلمان ليحكما البلاد استفادة من استقرار الحرب و ركودها. كتب مع اولئك كتابا يخاطب به الشيوخ مهددا لهم بالتهديد المر و قال: «هذا نجل خالي واصل إليكم و هو الرئيس عليكم». و قد أقاموا عند رأس الشط و بعثوا بالكتاب فامتنع الشيوخ من تمكينه فرجع من حيث أتي.

و لما طال بهم الأمر و انقطع الرجاء بادر آل أفراسياب بالمراسلة فتمكنوا من استهواء جماعة بينهم (ابن بداغ) و هو ابن بداق. انفصل عن جماعته أهل البصرة و جمّع الناس بناء علي مخابرة جرت بينه و بين آل أفراسياب و وعد أن سيأتيه (بصري الديري) بعسكره لنصرته و أن يمسك الشيوخ و يضبط البلاد. و عند ذلك قام (بصري) بالأمر و جمع أهل الصيمر و لفيفا من العسكر و بهؤلاء مشي إلي باب الشمال و كان فيها الشيخ عبد اللّه بن حبيب فاقتتلا هناك و استولت البغاة علي مواطن أعدائهم،

ثم مشي إلي (المشراق) و عند ذلك جاءهم الروم من المقام فقتلوا بعضا و فر الآخرون فرأوا رأس (ابن بداغ) قرب بستان القصب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 100

فتفرق قومه … و من ثم مال (بصري الديري) مع جماعته فمشوا علي عجل إلي المشراق فاقتتلوا هناك و كادت الشيوخ تتغلب علي جماعة حسين باشا لو لا أن أتي المدد إليهم ففر الشيوخ و اتباعهم و انفل جمعهم فقتلوا بعض مقدميهم و مثّلوا به ثم أمسكوا (ذا الكفل) و عاملوه بأقسي المعاملة، و نهبوا بيوت المخالفين و فتشوا عن رجال الروم … و قد ألقوا القبض علي كثيرين فاستولي (بصري) علي المدينة.

و ذكر الشهابي في منظومته القسوة بهؤلاء بحيث صار لا يستطيع أحد أن يدخل المساجد خوفا.

و جاء إبراهيم آغا بعد ذاك فزاد في ظلمه و جوره و صار يهين الأشخاص و ينهب أموالهم. و في هذه المدة جري التضييق علي البصرة و كان إبراهيم باشا الوزير محاصرا القرنة، و حينئذ وصل إليه الخبر باستيلاء حسين باشا علي البصرة، و نقل شيوخها و أعيانها المذكورين.» اه.

دوام الحرب
أمير الموالي:

و في هذه الأثناء توجه أمير الموالي علي الشديد من بغداد لنصرة الوزير و كان معه ثلاثمائة فارس سارع لإمداد الوزير فجاء البصرة. و لمّا وصل المحل المسمي (كوت معمر) تقاتل مع شيخ المنتفق و كان قد تابع حسين باشا. حدثت معركة شديدة بينهما و لكنه لم يتيسر له الانتصار علي المنتفق و بعد القتال الشديد عاد الموالي بالخيبة فلم يطيقوا مواجهة الوزير لعدم النجاح و لهلاك الكثير منهم أثناء الحرب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 101

نتائج أعمال الوزير:

أما الوزير فإنه اتخذ التدابير الكثيرة و حفر الخنادق و وجه النيران الشديدة علي القرنة إلا أنه لم يتيسر له الفتح مع ما بذل من الهمة و السعي المتواصل و الهجوم لكرات متعددة دارت رحي الحرب فيها بين الفريقين بصورة مهولة، كل هذا لم يجد نفعا.

و في الأخير وضع الوزير الينگچرية في (المنصورية) و أشعل نيران الحصار للمرة الأخيرة و في هذا أيضا لم يتمكن من الاستيلاء و إنما كان يقوي أمر حسين باشا و يشتد يوما فيوما بسبب إمداد العشائر بالأرزاق و ما يحتاجون إليه من أمتعة، أما جيش الوزير فإنه استولي عليه القحط و قلّ المأكول و حدث نقص في المؤونة فاستحال أمر الظفر و أخفق أمر الاستيلاء و الانتصار.

الصلح:

و حينئذ فتحت أبواب المذاكرة في الصلح بين إبراهيم باشا والي ديار بكر و بين حسين باشا أفراسياب فتدخل إبراهيم باشا في إصلاح ذات البين و رفع العداء فتمكن من أخذ خمسمائة كيس نقدا لجانب الدولة من حسين باشا و تعهد بأداء مائتي كيس من الاقجات كل سنة و أن يعرض طاعته علي السلطان و تعهد بأداء قيمة ما أخذه من أموال التجار و أن يرشح ابنه أفراسياب لحكومة البصرة و أن يسلم الاحساء إلي واليها محمد باشا، و حينئذ أرسل خبرا للوزير بأن يحيي آغا كتخداه سيأتي بالأموال المقرر أداؤها لجانب الدولة و أبدي الطاعة و الانقياد و استعفي القصور عما وقع منه من جرم.

و علي هذا اضطر الوزير إلي قبول الصلح، و جهز محمد باشا بنحو مائتين من المتطوعين، جعلهم معه و اتخذ له سفنا تسيره و أرسله إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 102

الاحساء. و أما الوزير فإنه ركب

سفن التجار و ذهب علي وجه العجلة و معه معداته فوصل إلي بغداد و حينئذ عرض ما جري علي حكومته.

فرضي السلطان بما فعله و ما ألفه من الجيش الجديد فأكرمه.

و زاد الشهابي أنه أخذ منه ابن عمه يحيي رهنا لتأمين تأدية المبلغ و بيّن عن حسين باشا أنه لم يف بأكثر هذه الشروط، و كان من الدهاء و الحيلة بمكانة و لكنه لم يدم له حكم. و الشهابي ممن عاداه و ندد به …

قال: و بعد أن رفع الجيش خيامه أخذ يسعي بانتزاع الأموال ظلما و بصور منوعة. و لم يقل إن الحكومة طلبت منه ما طلبت فلم يتمكن من التأدية.

و في زاد المسافر:

«أما إبراهيم باشا فإنه وصل إلي القرنة و حاصر حسين باشا أشد الحصار، و بقي علي ذلك مدة ثلاثة أشهر و لما لم ينالوا منه أظهروا له الصلح فتصالح معهم علي أن يرسل وزيره يحيي آغا … و كان متزوجا بأخت حسين باشا المسماة حجية. و كانت من أفذاذ النساء بالكمال و علو الهمة» اه.

الاحساء في هذا الحين:

إن حسين باشا كان استدعي الأمير يحيي و سيّر مكانه عمر الحليبي فولي الاحساء إلا أن براكا لم يصغ إليه، و رام مع أصحابه قتاله و عند ذلك حاصر البلد، و سد الأبواب و طينها و قاتل الاعراب … حاصروه مدة بقوة شديدة فاضطرب الأهلون لما أصابهم من جوع و من ضجر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 103

و في هذه الأثناء كان قد اشتد الأمر بحسين باشا فسلم البلاد إلي عيسي بن علي أخي محمد باشا حاكم الاحساء السابق، و طلب من عمر أن يأتي إليه بسرعة فرجع يحمي الشيخ حسين. و عيسي هذا وضع ابنه رهنا لدي حسين باشا لئلا يحصل منه ما يكره … فأخرج ابنه من القرنة العليّة ثم توجها إلي البر.

أما برّاك أمير بني خالد فإنه أتي إلي عيسي و قال له اخرج آمنا من البلد. أنبت عن أخيك بأمر منه و سيأتيك خبر ذلك ففوض الأمر إليه و خرج دون قتال إذ لم يكن مستعدا لحرب برّاك فجاء عيسي إلي القطيف و كانت في أيديهم، أنعم بها خصمهم عليهم قبل هذا حين أتاه العسكر.

ما حدث بعد الصلح:

عاد الوزير إبراهيم باشا إلي بغداد، و صار يلوم نفسه و لم يسعه أن يخفي ما أصابه من جزع لما جري من الأمور في البصرة فصار يستر الأمور … و لكنه لم تمض مدة حتي جاءه محمد بن عبد السلام مستمدا منه للبصرة و طلب منه أن يعود إليها. شكا ما جري بعده فقال له الوزير إبراهيم باشا إنني أنصب لكم يحيي ليكون واليا فأجابه بالقبول علي شرط أن لا يبقي في البلاد شخص ينتمي إلي آل أفراسياب، أو يحتمي بحسين باشا فلم يقبل يحيي

بذلك و حينئذ طلبوا الرخصة أن يذهبوا إلي السلطان ليشكوا ما أصابهم و يوضحوا ما نالهم علي يديه فلم يدعهم أولا حتي عاهدوه أن لا تقع منهم عليه شكوي أو يحصل تذمّر.

المسير إلي استنبول لعرض الشكوي:

كان قبل ذلك وافي أيضا الشيخ عبد اللّه و جماعة من الشيوخ إلي بغداد فعزم الشيخ محمد علي المسير، و كذا الشيخ عبد اللّه و جماعة من الشيوخ، و بعضهم أقام في بغداد مدعيا العجز فذهب اولئك من طريق حلب فمضوا إلي استنبول، و كان آنئذ السلطان محمد في أنحاء أدرنة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 104

فواجهوه. كان في الصيد فأخبروا بقصدهم ثم طلب محمدا لمواجهته فقدّم عرضا بين فيه أحواله فأكرم السلطان مثواهم و وعدهم خيرا إذا عاد إلي العاصمة و حينئذ عاتبهم نائب الوزير لعدم مواجهتهم له أولا قبل أن يأتوا إلي السلطان ليكون علي علم من الأمر فاعتذروا إليه بأنهم لم يقصدوا أن يتخطوه فعذرهم … فقام بأمر ضيافتهم و خصص لهم منزلا، و كان أمر السلطان أن يخبروا الوزير بالأمر إلا أنه كان غائبا و حينئذ دعا القائم مقام و أمره أن يخبر الوزير الأعظم بقصصهم و أن يرسل اثنين منهم مع الرسول ليتفهم الأمر بتمامه علي وجه الصحة فأدركوا الوزير بعد ما عبر غالب الجند في البحر فرحب بهم و أخبروه بالخبر حتي استوعب ما عندهم و عرف مطلوبهم و قال لهم لو جئتم إلي قبل هذا لكنت صالحت هؤلاء و ذهبت لفتح البصرة. أكرمهم بنقود و خلع عليهم و وعدهم خيرا و سكّن روعهم فردّهم من حيث جاؤوا ثم دعاهم نائب الوزير إليه و سألهم بعض الأسئلة ثم أرسل إلي بغداد من يستفهم عن صحة هذه

الأمور و الفتن و عن بقية الشيوخ و أن يأتي إليه بالخبر الصحيح علي عجل و ذلك لأن الشيخ محمدا ذكر أن لهم بقية في بغداد فلما ذهب الرسول و عاد أيد مقالة الجماعة و صدّقهم في مطلوبهم حتي تحقق الأمر للسلطان بوجه الصحة و كان الوالي يكتم الأمر و يخشي أن يعرف تقصيره. و علي كل حال بعد عودة الرسول إلي العاصمة شاور الجماعة في تولية يحيي علي مدينة البصرة فوافقوا عليه و رغبوا فيه.

و علي هذا أعيدوا إلي بغداد و قد حصلوا علي مرغوبهم …

حوادث سنة 1077 ه- 1666 م

الطريقة المولوية:

شاعت في المملكة العثمانية شيوعا بلغ حده الأقصي. استولت علي عقلية الكثيرين. و هكذا في بغداد كانت تأسست تكية لهم إلا أنها لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 105

تنل حظها من الرواج. و في هذه السنة أبطل ما كانوا يقومون به من الدور و السماع المعتادين لعدم تجويزه شرعا. جري المنع من واعظ السلطان و هو محمد الواني. صرح أن العمل بها غير مشروع قطعا فتابعته الحكومة في رأيه الشرعي و حينئذ سكت صوت الناي. و ذهبت خطراتهم، و ركدت حركتهم، و ألغي سماعهم فعد أرباب هذه الطريقة ذلك تعصبا من الواعظ كأن الدين رقص و سماع.

إمارة شهرزور:

في 5 شوال وجّه منصب ايالة شهرزور إلي حسين آغا من آغوات البلاط فصار حسين باشا. و في گلشن خلفا أنه (حسن باشا). و هو الصواب.

عزل الوزير:

كان بدأ حكمه في 27 ذي القعدة لسنة 1075 ه و دام إلي شوال هذه السنة.

و في زاد المسافر أن الشيخ فتح اللّه الكعبي مؤلف هذا الكتاب رأي ختم إبراهيم باشا و وصفه …

وزارة قره مصطفي باشا:

و كان هذا الوزير ولي بغداد مرتين. و في هذه المرة وليها أيضا في 14 شوال من هذه السنة. و كان واليا في الشام فعهد إليه القيام بمهمة البصرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 106

حوادث سنة 1078 ه- 1667 م

تجدّد حوادث البصرة:

كانت الدولة قد تصالحت مع حسين باشا والي البصرة لضرورة اقتضت و جعل ابنه مكانه إلا أنه استمر في العمل و أن ابنه أفراسياب لم يكن له ذكر في الإدارة بل بقيت بيد حسين باشا. و بعد تمام الصلح شكاه مشايخ البصرة و أعيانها لما لحقهم من حيف. ذهبوا إلي السلطان فعرضوا ظلامتهم، و ما قاساه الأهلون من ضيم … و لا شك أن لمطالبة الدولة بالمبالغ المقررة دخلا، فكان التضييق من جرّاء ذلك فجاءت الشكوي لهذا الغرض نفسه، فكان المقرر السنوي مائتي كيس فصدر الفرمان بمنصب البصرة إلي كتخداه (يحيي آغا) مع تحوطات فورد الأمر إلي والي بغداد بعزل حسين باشا و توجيه منصبه إلي يحيي بلقب باشا و عهد بالقيادة لوالي بغداد و أن يكون معه والي ديار بكر إبراهيم باشا و محافظ شهرزور كنعان باشا الوزير، و أمير أمراء الموصل موسي باشا و دلاور باشا أمير الرقة … و أمدتهم الدولة بألفين من الينگچرية تجمعوا في صحراء قلعة الطيور و استوفوا معداتهم و أخذوا أربعة مدافع من نوع (بال يمز) و عشرين قطعة أخري من نوع (المدافع الشاهية).

و حينئذ قام الوزير بما عهد إليه و سعي سعيه لاستخلاص البصرة،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 107

و من رجاله ممن قاموا بالخدمة خليل الكهية و سائر أعوانه، و ممن كان قد تابع الوزير في سفرته هذه الشيخ عثمان بن عمر الحنفي و كان جاء معه إلي بغداد.

و في هذه التأهبات وافي إليه شيخ المنتفق عثمان (ابن أخي محمد بن راشد) طالبا منه الأمان و هو مشهور بالكرم. و لما أتي جعله شيخا و أحل اتباعه محلهم ورده محافظا مع عسكره من جهة حسين باشا و علي الأثر جاء عبيد ابن عمه مزاحما له طالبا المشيخة دونه … تلاقوا علي الفور و اقتتلوا فخر عبيد صريعا و هرب من جاء معه. ثم توالي مجي ء الشيوخ إلي بغداد و كانوا قد ذهبوا إلي استنبول كما تقدم و قيل الكل جاء إلي بغداد محمد بن عبد السلام (شيخ الشيوخ) من طريق حلب إلا أنه بالقرب من بغداد حل به الأجل المحتوم فدفن في مقبرة الشيخ معروف، ثم جاء يحيي باشا ثم توالي الجنود و الكل نزلوا بغداد و لما تكامل جمعهم بعساكرهم و وزرائهم توجه الوزير مصطفي باشا إلي البصرة من طريق الحلة، و كان الوزير قد سار خلف الجيوش في 7 جمادي الثانية سنة 1078 ه نزل أولا (قلعة الطيور) ثم مضي فقطع منازل في سيره فوصل الاسكندرية و منها ذهب بامرأته لزيارة الإمام الحسين (رض) ثم توجهوا إلي الحلة و منها إلي قناقية، و منها ذهب الوزير و أمراؤه إلي زيارة الإمام علي (رض) و من هناك توجهوا نحو المطلوب و قطعوا البيد حتي جاؤوا (الرماحية)، و منها وافوا إلي العرجة (العرجاء) فاجتمعت العساكر هناك.

و في 20 رجب ساروا منها فوردوا (كوت معمر)، قال صاحب گلشن خلفا: و في هذا الحين ورد عثمان شيخ المنتفق و معه ألف من رجاله بين فرسان و مشاة فبذل الانقياد و الطاعة بخلاف ما مرّ بيانه عن منظومة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 108

الشهابي مع

أنه جاء أوضح و أزال شبهة الراشد في أمراء المنتفق التي كانت تتردد علي الالسن من أن حكام البصرة من الراشد. فتبين أنهم أمراء المنتفق، فلم يبق ريب. ثم إن الوزير استمر في طريقه حتي جاء إلي المنصورية (منصورية الجزائر).

أما العساكر الأخري فكان سيّر قسما منها إلي جانب القرنة، و البعض الآخر في السفن من دجلة حتي صار جميعهم في الرملة، و بعد ذلك كله جاء الأمر السلطاني مع رجل يدعي عمر يحثه فيه علي السفر دون تأخر أو توان. و لما جاء الرسول رأي الوزير بقرب (منصورية الجزائر) و علي هذا قرر الأمراء لزوم الدوام في السير فأرسلوا عثمان (شيخ العرب) مع ثلة من الجنود من طريق البر، و الوزير بدأ يسير من جانب الشط و والي الموصل يمشي مقابلا له من الجهة الأخري منه و عسكر (الينگچرية) في السفن فصار مشيهم بطيئا بسبب أن كل جانب يشتمل علي أنهر متفرعة فأكملوا دفن جميع الأنهار في غرة شعبان و أتي ديار بني سد (بني أسد) و هناك رأوا بعض أعدائهم فأكثروا فيهم القتل بعد حروب دامية لم يروا مثلها. و نالهم الهول الأعظم بحيث كادت تزل أقدامهم و استمروا في طريقهم حتي و صلوا في 13 شعبان (الشرش) مقابل القرنة و هناك نصبوا الجسر فعبروا إلّا أن الوزير أبقي طائفة من الجيش رابطت و معها مدافع تمنع من يأتي إلي القرنة، و نصب الوزير المدافع علي العليّة فأمطرها بوابل من القنابل فجعلها في لبس من أمرها و بلغت هناك القلوب الحناجر فاتفقوا أن يعبروا إلي (السعيداوية) فعبر إبراهيم باشا والي ديار بكر، إلي شط زكيّة و كان ذلك في أول شهر رمضان و الفتح

في الحادي عشر منه.

كل هذا جري و حسين باشا في جانب السويب ملازما مكانه و حين جاءته الأخبار ارتبك أمره و اضطرب. و لما رأي أن القرنة تضايق أمرها أرسل إليها مددا و ساعدها … و عند ما رأي والي ديار بكر أن قد عبر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 109

إلي ناحيته فرّ بأهله و عياله إلي بلاد العجم بعد أن أضر بالأهلين و شتت شملهم، و نهبهم … و بينوا أنه دعا الناس إلي الخروج من البصرة فجري نهب و سلب و انتهاك حرمات بما لا يستطيع المرء وصفه.

و في زاد المسافر أن إخلاء البصرة كان في غرة جمادي الثانية في اليوم الأول و الثاني و الثالث من الشهر. و وصف هول ما جري علي الأهلين فكان أشبه بهول يوم المحشر. و توالت الارزاء من هذا القبيل علي الانحاء، فكان الدمار و الخراب.

و علي كل كانت معاول التخريب تدمر البلد. أما جيش حسين باشا فقد تحصن بالقرنة للدفاع و أحكم قلعتها، و حافظ أطرافها، و ذهب بمن معه من مشاهير رجاله و يتراوحون بين الألف و الألفين فضرب خيامه في المحل المسمي (سحاب). و أجلي الأهلين إلي الجزائر فنالهم من جراء ذلك ما نالهم.

أما المحصورون من أهل القرنة فإنهم حينما سمعوا بما جري علي حسين باشا استولي عليهم الخوف و أصابهم اليأس. و في ليلة 17 من الشهر المذكور عبروا شط زكيّة و مضوا إلي بر الجزيرة ساروا في أثر حسين باشا …

و حينئذ سار جيش الوزير في الصباح فافتتح القرنة العليّة و أمن الأهلين في 11 شهر رمضان فسار علي الأثر نحو البصرة فافتتحها و بقي فيها نحو خمسة أيام زار في

خلالها مشهدي طلحة و الزبير (رض)، و عاد إلي القرنة بعد أن وضع في البصرة ألف و خمسمائة من الينگچرية و أمر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 110

أن يرتب جيش أهلي نحو ثلاثة آلاف. و جعل أرزاق الجيش الأهلي عليها، و أنها تحتاج إلي دفتري و كاتب مستقل نظرا إلي أن واردات البصرة موفورة و فيها نواح معمورة فعرض الأمر علي دولته و كتب كتابا بالفتح أرسله مع رسول سريع السير ثم مضي إلي القرنة، فرتب فيها الجيوش، و رجع إلي بغداد. سلم البلد إلي يحيي باشا فجاءته خلعة.

أما حسين باشا فإنه لم ير مخلصا له فمال إلي نوروز خان أمير الدورق. مضي من محل قريب من السويب. أما القائد فإنه كتب إلي أمراء الحويزة و الدورق و بهبهان و أرسل إليهم رسلا أفهمهم بأن قبول التجائه مما يغاير أحكام الصلح، و أن يحتفظ بأمواله و أمتعته و أن لا يترك المجال لأن يفر … و عقب ذلك ورد إلي القائد كتاب من أمير الحويزة يشعر بأن المشار إليه التجأ إلي الشاه و معه ثلة من الخيالة. و أما الأهلون فقد التجأوا إلي الحويزة … و حينئذ أمن القائد الأهلين. أما العجم فإنهم رأوا تهديدا من العثمانيين و ذلك أن القائد كتب إلي نوروز خان أن يعيد حسين باشا مكبلا إلي الدولة، أو أنه يأتيه بنفسه و يعرفه حده و يجعل ذلك عبرة للمعتبر فخاف من ذلك و أخرجه من مملكته … و علي هذا فر إلي أنحاء الهند …

و في زاد المسافر:

«كان حسين باشا قبل وصولهم و تهيئة نصولهم استعد لحربهم …

قامت الحرب علي ساق … فلم تكن إلا كجولة … حتي انتصر الروم علي

العرب، و سقوهم كاسات العطب، و حل بأصحاب الباشا البوار، و ولوا الأدبار …» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 111

عاقبة أمر حسين باشا:

إن حسين باشا رأي والي ديار بكر قد عبر إلي ناحيته ففر بأهله و عياله إلي بلاد العجم. و أوضح صاحب زاد المسافر: «أنه بعد هزيمته من العليّة وصل إلي الدورق، و ترك فيها أهله و حشمه ثم توجه إلي شيراز مستنصرا بشاه العجم، و هو يومئذ الشاه سليمان ابن الشاه عباس ابن الشاه صفي … فلما وصل إلي شيراز، و عرض أمره إلي الشاه ثبط بعض أمرائه عن نصرته و كان حاقدا عليه. لما وصل إليهم من بغضه سابقا. ثم إنه ترخص و توجه إلي الهند، فأكرمه ملك الهند و ولاه بعض مدنه و هي البلدة المعروفة ب (باچير). و بقي هناك في بعض حروب من يليه. و قتل هو و ابنه علي بك … و كان قبل هلاكه أرسل إلي حرمه و حشمه و نقلهم من الدورق إلي الهند. فهم هناك الآن.» اه.

و لا شك أن الشاه لم يشأ أن تتولد بينه و بين العثمانيين مشادّة، فالظاهر أنهم اعتذروه فمضي إلي أنحاء الهند، فاختار الإقامة فيها.

كتاب زاد المسافر و لهنة المقيم و الحاضر:

اشارة

هذا الكتاب تأليف الشيخ فتح اللّه بن علوان الكعبي المولود سنة 1053 ه. ألف كتابه في 27 من شهر رجب سنة 1095 ه. توفي بعد هذا التاريخ حكي فيه واقعة حسين باشا أفراسياب سنة 1078 ه و ما تبعها من الحوادث إلي أن هرب من البصرة و ما آلت إليه حاله. و في هذا الكتاب كشف عن الكثير من أحوال البصرة أيام آل أفراسياب و إن كان بصورة مقامة. و فيه بيان خططها و أنهارها و ما كانت عليه في أيامه و ما صارت إليه من خراب … فهو من المراجع المهمة المعاصرة. جاءت ترجمة مؤلفه في

أول الكتاب و هو من أهل القبان و نسخة الكتاب المخطوطة في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 112

خزانة (آل باش اعيان). طبعت علي نفقة طالب غني صاحب مكتبة الفيحاء بالبصرة بتصحيح و ترتيب الأستاذ المرحوم خلف شوقي الداودي صاحب جريدة شط العرب في سنة 1342 ه- 1924 م.

ملحوظة:

في أيام الراحة و الهناء رأينا كتاب (الفيض الغزير في شرح مواليا الأمير). و يقصد مؤلفه الأمير حسين باشا ابن علي باشا آل أفراسياب ألفه له (عبد علي بن ناصر) الشهير ب (ابن رحمة) الحويزي. و هذا الكتاب شرح به مواليا هذا الأمير، فأبدي قدرة و فضلا في اللغة و العربية و البلاغة، و العروض. و فيه حكايات مهمة و نافعة. و أورد (أرجوزة) نظمها في أسبوع و هي في الحكم و الآداب. و قد ناصرت هذه الإمارة مؤلفين عديدين. و في الطالع كتب باسمه كتاب في علم الفلك تنقصه الورقة الأولي فهو صفحة من عقلية ذلك العصر. و آخر يسمي (بلوغ الافهام في معرفة أقسام العام). كتبه مؤلفه باسم حسين باشا آل أفراسياب كتبت نسخته في شوال سنة 1122 ه و لم أقف علي اسم مؤلفها و هذه المخطوطات في خزانة كتبي.

يحيي باشا في البصرة:

كان أوصاه السلطان بحسن المعاملة و الرأفة بالرعايا فلما دخل البصرة لم يعمل بتلك الوصية و أول ما قام به أن بيّن أن أرزاق الجيش الأهلي لا طريق لسدها، كما أنه بيّن أن لا حاجة إلي كاتب الديوان، و إلي الدفتري و أن ليس هناك شرط بينه و بين الدولة في قبول هذه المناصب. و صار يمانع في أرزاق الجيش الأهلي، فتولدت بينه و بين (كاتب الديوان) المسمي ب (المنشي ء) نفرة. و زادت المشادة بينه و بين الجيش الأهلي، اشتعلت نيران العداوة و البغضاء، و صار يصد عن الجيش و عن الدفتري، و يتأذي من دفع ارزاق الجند بل صار يخشي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 113

غائلتهم لما قاموا به من تضييق عليه فأحرجوه و تغلبوا عليه.

ففي أواخر هذه السنة اختفي

هذا الوالي عن الأنظار إذ لم يتحمل مطالب هؤلاء. خاف تحكماتهم. و زاد الكره بينه و بينهم فذهب إلي جهة (كردلان). فصار يجمع العساكر. و في مدة قليلة تمكن من جمع نحو أربعة آلاف أو خمسة من الرماة من عجم و عرب و سكبانية، و حاصر البصرة، فأوقد نيران الخصام.

و كان أول عمل قام به قبل اختفائه أنه شرع يفسد بين كعب و أعراب آخرين، و يقرب أهل الجزائر و كل اتباع حسين باشا، و من ينتسب إلي آل أفراسياب. استوثق من هؤلاء فخرج خفية من البصرة و ذهب إلي (كردلان) و لم يدر الجيش به أين ذهب، و لا علم بالسبب.

ضيقوا عليه، فخافهم، و لم يطق البقاء، فضبطوا البلاد ثم جاءهم الخبر أنه في جهة السويب، و معه شرذمة قليلة، و صار أهل الشر يميلون إليه من كل صوب حتي غدا يسول لهم النهب و السلب فاجتمعت لديه جماعات لا هم لها إلا غصب أموال الناس فكتبوا إليه يسألونه عما بدا له ليتركهم و يتنحي عن البلد ليعود إليهم و حاولوا استمالته فجاءهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 114

الجواب أنه لا يري أن يبقوا في البصرة، طلب أن يخرجوا منها، و يذهبوا إلي بغداد، و هكذا جاءتهم رسالة من البغاة تنذرهم بالتهديد.

أسعر نار الحرب و بان ما أضمره في جانبي (شط العرب) ينهب الغادي و الرائح. و بعد الشوري مع الشيوخ و الأعيان استقر الرأي علي وجوب قتاله لا سيما أنه كان قد عاث ببعض السفن الذاهبة إلي القرنة … و لم يقف عند هذا بل أرسل كتخداه قادر آغا إليها و معه جماعة بينهم الشيخ يوسف و جملة من أقربائه … فجرت

بين الجيوش و بين هؤلاء معركة شديدة قتل فيها الكتخدا ففر من فر و قتل من قتل …

و لما سمع يحيي باشا بذلك سار بمن معه إلي البصرة فحاصرها.

أثار فيها الفتنة. و لما كانت غير محصنة هاجمها العربان من كل صوب.

دخلوا و سلّوا سيوفهم علي العساكر فاستأصلوهم.

و علي هذا فرّ الجيش و الدفتري و آغا الجيش الأهلي، الرئيس الأول و تركوا ما يملكون من مال. عادوا إلي بغداد. و حينئذ اتهمهم الوزير و سجنهم، لما ارتكبوا من جرائم و سببوا مثل هذا الحادث.

و تفصيل الخبر أن أهل البصرة مال فريق منهم إلي يحيي باشا فاستبان الحالة و استوثق ممن كان معه فشوشوا الأمر في المدينة و أشعلوا نيران الفتن فنهض العسكر لمحاربة جيش يحيي باشا. استمرت الحرب إلي قبيل الظهر، أبلي فيها الجيش بلاء حسنا إلا أنهم خافوا أن يبقوا في المدينة فنهجوا طريق البر فعقب جيش يحيي باشا أثرهم فلم يفوزوا منهم بطائل فرجعوا. خرج الجيش العثماني بلا زاد فأصابه الجوع و الألم إلا أنه قيض اللّه له بعض العربان فأنقذوه من الهلاك و جاؤوا به إلي العرجاء. و حينئذ زال الخوف و ذهب الرعب.

أما القرنة فإن يحيي باشا أرسل إليها عسكرا فأخبروهم بما حلّ بالبصرة و طلبوا أن يسلموا إليهم البلد و إلا أصابهم ما أصاب اولئك فلم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 115

يذعنوا و قرروا لزوم الدفاع و كانوا أخبروا الوالي مصطفي باشا بما وقع و طلبوا منه أن يعجّل بالمدد …

فلما سمع الوالي بهذا الحادث اهتم للأمر و جرد تجريدة قادها خلف آغا و صالح آغا مع جيش سارع في النصرة. و بينهم آغا الجيش الأهلي. و المتطوعون و أمير

جسان، و أمراء البيات و أمراء باجلان و عدة بيارق من السكبانية. ساروا برا و نهرا. عبروا من شط زكية امدادا للمحصورين في القرنة، فتمكنوا من الوصول، فكانوا قوة لهم، قاتلهم الثائرون في مواقع عديدة و جري نضال شديد حتي شقوا الطريق فأمدوا اولئك المحصورين و دخلوا القرنة.

سمع يحيي باشا بذاك فجهز جيشا لجبا من العربان يتراوح بين خمسة آلاف و عشرة آلاف، فتصدي للهجوم علي القرنة علي حين غرة، فقابلهم الجيش المحصور فدامت الحرب نحو ثلاث ساعات أو أربع فلم يتمكن جيش يحيي باشا من اختراق الجبهة للاستيلاء عليها، فخابوا و قتل منهم نحو خمسمائة أو ستمائة فوصل الخبر إلي بغداد بهذا الانتصار. و في هذه المعركة قتل أمير جسان.

سمع يحيي باشا بخبر اندحار جيشه فاضطرب للحادث و لكنه لم يقف عند حده و إنما سيّر نحو القرنة صباحا قوة من غير أن يعلم به أحد. انتبه أحد الأفراد فأخبر جماعته فاستعدوا للحرب و قاتلوا قتالا عنيفا حتي تمكنوا من فل غرب المهاجمين فأذاقوهم من القتل و الأسر ما أذاقوا … فجاءه نبأ ذلك و حينئذ زاد ألمه، و كثر ندمه … و في هذه الحرب قتل خلف آغا، و هذا صار سبب تسكين ألمه نوعا، ثم جاءه المدد من العربان فحاصرها مرة أخري …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 116

حوادث سنة 1079 ه- 1668 م

هذه السنة مضت بالتأهبات للقيام بأمر ما طرأ علي البصرة، و لم تظهر واقعة أهم من هذه فغطت علي ما سواها. و اكتسبت اهتماما كبيرا.

حوادث سنة 1080 ه- 1669 م

الوزير مصطفي باشا:

إن الوزير مصطفي باشا علم بما جري فأخبر دولته، فأصدرت الفرمان بتوجيه ولاية البصرة إلي رئيس الحجاب مصطفي باشا و عهد بالقيادة إلي والي بغداد للقضاء علي الغائلة. و أوعز إلي الوزير عمر باشا والي ديار بكر، و إلي محمد باشا چاوش زاده والي الموصل، و إلي حسن باشا أمير أمراء شهرزور، و إلي علي باشا أمير الرقة أن يقوموا بواجب المهمة. و لما كان السفر إلي العراق في أيام الصيف صعبا اضطر الوزير أن يذهب مع والي البصرة مصطفي باشا بحرس بغداد و الجيش الأهلي، فسار في صفر سنة 1080 ه من بغداد قاصدا البصرة ليمد القرنة و جيشها المحصور، فوصل إلي مكان قريب منها.

و من ثم سمع بذلك يحيي باشا والي البصرة فاضطرب أمره و علم أن لا قدرة له علي الدفاع. فلم يستطع البقاء و فرّ إلي الهند راكبا سفينته و من ثم نجت القرنة من خطر الحصار بعد أن ناضلت مدة.

و بعد عشرة أيام لحق بجيش الوزير والي شهرزور فحط رحاله في البادية كما أن والي الموصل ورد بعد خمسة عشر يوما فنزل حيث نزل سابقه فلحق بجيش الوزير. و أما محافظ ديار بكر فإنه وصل إلي العرجاء فأخبر الوزير بذلك فبعث إليه بكتاب يتضمن الترحيب به، و أنه أتم ما أراد، و طلب إليه أن يبقي بضعة أيام ثم يعود إلي بغداد.

و لما أتم الوزير عمله في القرنة ذهب إلي البصرة، فدخلها بلا منازع أو مزاحم، و أودع أمر ادارتها إلي مصطفي باشا و اليها

بعد أن مهد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 117

له أمر ادارتها. و من ثم عاد إلي بغداد دخلها في رجب هذه السنة.

منظومة الشهابي:

غالب ما نقلنا كان من منظومة الشهابي و لم يفت منها شي ء إلا بعض ما هو حشو أو مدح و إطراء، أو اقتضاه الوضع الصحيح بقدر الإمكان.

و هذه المنظومة للعلّامة الشيخ ياسين بن حمزة آل شهاب البصري الشافعي، قال لي المرحوم الشيخ ياسين باش أعيان إنه من رجال أسرتهم. ذكر فيها واقعة حسين باشا بن علي باشا آل أفراسياب و عصيانه علي الدولة و الوقيعة به. أولها:

يقول راجي رحمة الوهاب ياسين نجل حمزة الشهاب

الحمد للّه الذي أزالا عنّا بمحض فضله الضلالا

و تعد من خير المراجع و إن كانت تنتصر لجهة، فالنصوص الأخري جاءت مؤيدة أو معدلة لما فيها قليلا و لكننا نري فيها من ضبط المواقع، و تفصيل الحوادث ما لم نره في غيرها. و الحق أنها صفحة كاشفة عن أيام حسين باشا آل أفراسياب و علاقته بالدولة و بالأحساء. و أن التحامل علي إمارة حسين باشا لا يخل بمكانها من الصحة و لا شك أن الصدق لا يؤثر عليه البغض. و هذا مشاهد في وثائق كثيرة، فالبغض غير الكذب.

و النسخة كتبت بخط عبد اللّه بن عيسي بن إسماعيل الشهير بالعباي (كذا) نقلها من نسخة الناظم في 10 المحرم سنة 1232 ه و لناظمها من المؤلفات (تفسير سورة الكوثر) قدمه لحسين باشا والي البصرة و (الجوهرة في علم العروض) نظما، و (قصيدة) يمدح بها عالما من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 118

علماء البصرة اسمه (مصطفي). و هذه كلها في مجموعة رسائل ذكرها الدكتور (داود الچلبي) في (مخطوطات الموصل). و من ثم

عرفنا مؤلفات أخري لهذا الفاضل تعين العلاقة و تبين قدرته العلمية و الأدبية.

و تعرف ببعض معاصريه.

انعامات سلطانية

عاد الوزير إلي بغداد، فأنعم عليه السلطان و شكر مساعيه، خلع عليه خلعة سمور، و منحه سيفا مرصعة أرسلها بصحبة خليل آغا، و أصدر إلي ابنه محمد بك فرمانا بإمارة شهرزور، كما أنه عهد إلي محمد بك الآخر أخي الوزير بدفترية بغداد، فكان هذا الاحسان عميما.

جامع الإمام الأعظم:

في هذه السنة أيضا قام أخو الوزير محمد بك الدفتري بتوسيع نطاق هذا الجامع و بناء رواقه و بذلك صار وافيا علي المصلين. و هذا الجامع توالت عليه تعميرات أخري.

قتلة الدفتري و رفقائه:

و بعد الواقعة و الانتصار أطلق الوزير دفتري البصرة و آغا الجيش الأهلي و الرئيس الأول و لكن لم تمض بضعة أيام حتي ورد الفرمان بإعدامهم فألقي القبض عليهم فقتلوا.

كان هؤلاء السبب فيما جري علي يحيي باشا و هو الوضع الظاهري، و لعل هذا القتل كان سياسة من الحكومة لإظهار أنها لا دخل لها بذلك. و علي كل نالوا جزاء ما اقترفوا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 119

معاهدة مع الانكليز:

في هذه السنة عقد عهد منح الانكليز بموجبه بعض الامتيازات و تسمّي (عهد نامه همايون) و إن هذا العهد شمل العراق أيضا باعتباره من ممالك الدولة.

عندي نسخة مخطوطة من هذه المعاهدة باللغة التركية. كتبت سنة 1239 ه. و العهود العتيقة تستند إلي هذه و أمثالها.

حمي وبائية:

حدثت في بغداد حمي وبائية. كان يموت في اليوم نحو خمسين إلي سبعين.

حوادث سنة 1081 ه- 1670 م

البصرة- الميزانية:

استكثرت الحكومة جيش البصرة فأنقصت منه. و مع هذا لم يتمكن مصطفي باشا من الإدارة فإن ضرائب الولاية قلّت فأبدي أنه لا يستطيع إعطاء مائتي كيس للدولة و أن يقوم بأرزاق الجند. صعب عليه الأمر و طلب لزوم خفض قسم و أن تعفي المدينة لما رأت من غوائل بل إن ذلك أصل الغوائل.

كان الوزير حين الفتح قد كتب إلي الدولة في (رسالة الفتح) بالغ فيها عن وارد المدينة و أبدي أن عمارتها وافرة و في هذه المرة و بناء علي الخط الهمايوني أمر بتحرير الحالة. و في أواخر جمادي الثانية توجه نحو البصرة. و في أوائل شعبان وصل إلي صحرائها فضرب خيامه في (باب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 120

رباط) و هو مقام معروف. بقي خمسة عشر يوما. و بسبب كثرة الامطار اتخذ دار الإمارة مقرا له.

و حينئذ كتب إلي أنحاء البصرة، و عين مخمنين من ذوي المعرفة و الكفاءة فعينوا الأراضي الاميرية و رسومها و الأوقاف و الأملاك المعفاة و الأعشار و الرسومات العرفية فصّلوا ذلك جميعه. و من ثم ساووا بين الدخل و المصروف بقدر الإمكان، و حرروا دفاتر أبقاها الوزير في خزانة البصرة و بعث بصور منها إلي دولته ثم توجه إلي بغداد. وصل إليها في أواسط ذي الحجة.

ايالة البصرة:

و هذه الدفاتر قبل بها السلطان و رضي عنها و أنعم علي الوزير الوالي ببغداد بإيالة البصرة. و من ثم نقل من بغداد.

أيامه في بغداد:

ابتدأت في 14 شوال سنة 1077 ه و دامت إلي سلخ ذي الحجة لسنة 1081 ه.

مسجد بابا كور كور و تكيته

مسجد في محلة الميدان قرب سوق الهرج. أصله مرقد لأحد البكتاشية اسمه (بابا گور گور) و معناه (الأب النوراني)، من شيوخ البكتاشية ببغداد. و الظاهر أن لآبار النفط في كركوك علاقة به و ربما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 121

كانت تعد كرامة من كراماته. دفن في المحل المذكور. و المسجد بني بجانب هذا القبر. بناه الحاج محمد الدفتري بن عبد اللّه بن غرة المحرم سنة 1081 ه و أرصد عليه موقوفات جعل غلّتها علي تربة (بابا گور گور) و علي المسجد و بين أنه إذا انقرضت ذريته عادت التولية لمن يكون قاضيا ببغداد. فانقرضت ذريته ثم صار تكية للبكتاشية مدة، و أن (دده حسين) صار متوليا من مدة تبلغ نحو عشرين سنة. ثم إنه في نيابة المرحوم الأستاذ محمد فيضي الزهاوي المفتي ببغداد نصب متوليا ثم عزل في 28 صفر سنة 1300 ه، فأعيد مسجدا، و نزعت التولية من البكتاشية. و توفي دده حسين سنة 1302 ه. و بعد عزله و جهت التولية و التدريس إلي المرحوم الأستاذ عبد الرحمن الفراداغي العالم المعروف. و توفي سنة 1335 ه. و النفط اشتهر باسم (بابا گور گور) في العالم الشرقي و الغربي، و صار يتردد اسمه بما حصل من هذا النفط في الأراضي المعروفة باسمه في كركوك أو التي أنارت بكرامة منه.

حوادث سنة 1082 ه- 1671 م

الوزير حسين باشا:

هذا الوزير معروف ب (حسين باشا السلحدار) كان رؤوفا بالأهلين، باشا بهم، حسن المنظر و يقال له (قز حسين باشا) أي حسين باشا البنت. و لما ولّي بغداد كان كاتب ديوانه مصطفي العدلي. و كان لهذا عداوة قديمة مع كتخدا الوالي السابق و من جراء محاسبة الأموال الأميرية في بغداد حصلت مشادة بين أتباع

الطرفين أدت إلي النزاع بين الوزيرين و لم ينقطع. و بالنتيجة عرض الأمر علي الدولة و علي هذا ذهب الوزير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 122

السابق بكدورة خاطر إلي البصرة. و بعد أيام عزم الوزير الحاضر علي زيارة المشهدين ترويحا للنفس ثم عاد إلي بغداد.

و أما مصطفي العدلي فإنه نال التفاتا زائدا، تطلب الكتخدائية فحصل عليها إلا أنه لم يتحمل هذا الالتفات و لا تمكن أن يدبرها تدبيرا صحيحا و إنما عدل عن طريق الصواب و صار مفترسا و من ثم كان يؤذي الخلق و يتجاوز علي حقوقهم. و لمجرد الحرص و التخوف علي المنصب سوّل للباشا أن يصدر فرمانا بإعدام اثنين من الحجاب ففعل كما أنه جلد آخرين و ضربهم ضربا مبرحا و نفي آخرين دون أن ينتبه لنوايا الكتخدا و قد مرّ أن للعدلي دخلا عظيما في محاسبة الوالي السابق عن (الميري) فتولدت بينهما الشحناء لحدّ أن وصلت إلي سمع السلطان فورد من جانبه خضر آغا من رؤساء الحجّاب ليكون حكما عدلا فعقد لمرات مجلس أشراف و جمع فيه من له وقوف علي القوانين فلم يتمكن من فصل النزاع بوجه بل فتحت أبواب العداء بينهما حتي أن العدلي تطاول علي الآغا فرجع إلي دولته مملوءا غيظا … و حينئذ انتهي العام.

وفاة مفتي الموصل:

اشارة

في هذه السنة توفي محمود بن عبد الوهاب الموصلي الحنفي مفتي الموصل و رئيسها المشهور بالعلوم الشرعية و الفنون العقلية. ولد بالموصل و نشأ بها و تفنن في علم النظر و الكلام و الحكمة. برع في جميع ذلك و رحل إلي حلب و أخذ بها عن النجم الحلفاوي. و إبراهيم الكردي، و أبي الوفاء العرضي و الجمال البابولي (كذا) و غيرهم،

و أجازوه. و رجع إلي بلده. مكث مدة، و رحل إلي الديار الرومية، و أخذ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 123

عن جمع بها، ثم ولي افتاء الموصل. رجع إليها و أقام بها يشتغل بتدريس العلوم و تخرج به جماعة. كانت المسائل المشكلة ترد عليه فيجيب بأحسن جواب. و كان عارفا بالعربية و الفارسية و التركية.

و من مصنفاته:

1- حاشية علي التلويح.

2- حاشية علي البيضاوي.

و له نظم حسن. و كان ذا دين متين و تقوي صادق اللهجة. حجّ سنة 1081 ه و أخذ عنه جماعة بالحرمين، منهم الشيخ مصطفي بن فتح اللّه، و أجازه بإجازة منظومة. و لما رجع من الحج توفي بحلب و دفن فيها سنة 1082 ه عن نحو 83 سنة.

و هذا هو والد ياسين افندي المفتي في الموصل و تعرف أسرته بآل ياسين المفتي.

حوادث سنة 1083 ه- 1672 م

والي البصرة:

هذا الوزير استولت عليه الأمراض فوافاه أجله. و بناء علي إنهاء والي بغداد عهد بها إلي والي الموصل حسن باشا الچلبي و كان في بغداد.

مصطفي العدلي:

و هذا فرح بمصاب الوالي فرحا لا مزيد عليه، فتجدد نشاطه إلا أن خضر آغا شكاه لدي السلطان و أبدي كل مثالبه فاشتد غضب السلطان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 124

بعد أن عرف أنه سبب الفتنة فأرسل الميرا خور الثاني و بيده فرمان الاعدام فورد بغداد و ألقي القبض علي العدلي و علي عبد اللّه الدفتري من أهل الفتنة فأعدما.

ثم إن منصب كتخدا وجه إلي عوض آغا. و هذا كان من أتباع العدلي و ممن رشحه لمثل هذا المنصب و كان لا يعقل.

الغلاء في الموصل:

حدث الغلاء في الموصل. فكان تاريخه (الغبن).

وفاة الشيخ محمد الاحسائي:

توفي الشيخ محمد الاحسائي بن أحمد نزيل بغداد. كان من العلماء المحققين قرأ ببلاده علي الشيخ إبراهيم الاحسائي المتوفي سنة 1048 ه و أخذ ببغداد عن مفتيها الشيخ مدلج.

و له مؤلفات منها:

1- حاشية علي شرح الألفية للجلال السيوطي. عندي مخطوطة منها.

2- كتاب التعريفات.

3- شرح تهذيب المنطق.

4- شرح القدوري في الفقه.

توفي ببغداد في هذه السنة و دفن (بجامع الأحسائي) و يسمي اليوم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 125

(تكية الخالدية) نسبة إلي الشيخ خالد النقشبندي …

حوادث سنة 1084 ه- 1673 م

طاعون و جراد في الموصل:

جاء الجراد النجدي الأصفر إلي الموصل. و كان وقع الطاعون الكبير فيها.

جامع الشيخ عمر السهروردي:

إن الشيخ عمر السهروردي من رجال الصوفية و إن جامعه خلا عن السكان و صارت أطرافه بوارا من جراء قلة المياه. فهذا الوزير عمّر كردا (بئرا) علي شاطي ء دجلة و اتخذ ساقية من مكان البئر إلي مقام الشيخ عمر أجري فيها الماء من دجلة، و اتخذ هناك جنينة و أنشأ داري سبيل يتروي بهما الناس فصار الجامع و التربة منتزها للخاص و العام …

و الطريقة السهروردية ذكرتها في كتاب (الطرق و التكايا في العراق).

حوادث سنة 1085 ه- 1674 م

ساقية الشيخ عمر السهروردي:

أراد هذا الوزير أن تكون هذه الخيرات مدي الأيام فعمر لها في هذه السنة سوقا في باب (المدرسة المستنصرية) و اشتري أملاكا أخري فأرصدها عليها. و لا تزال آثاره الخيرية باقية لحد الآن و خيراتها عميمة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 126

سدة الأعظيمة:

كانت مياه دجلة استولت علي قصبة الأعظمية فهدمت الدور و خربت البساتين و الحدائق، فالوزير عرض ذلك علي دولته فورد إليه الأمر بعمل سدّة عظيمة خصصت لها مبالغ كافية يصرف عليها من دراهم الارسالية. و بينما أعدّ لوازم التعمير و هيأها و باشروا في البناء إذ وقع عزله فلم يتم العمل في وقته.

جامع حسين باشا:

كان الشيخ إبراهيم الفضل من المشايخ المعروفين و قد شارف مرقده علي الاندثار بتوالي الأيام. و كان الكتخدا عوض آغا قد بذل المبالغ المقتضية و الوافية فبني هذا الجامع و أعدّ كل ما يحتاج إليه.

كان هذا الوزير معروفا بحسن الحال. أكثر أوقاته يقضيها في الصلوات و العبادات إلا أنه كان ساذجا يخدع بسهولة كما أنه أودع أمور الإدارة إلي أرباب الأغراض فلم تجر الأمور كما يراد.

صار ألعوبة بأيدي أعوانه. و إن صاحب گلشن خلفا وصف كتخداه بما وصفه. و علي هذا عزله و حبسه بسعي من أرباب الأغراض بقصد الوقيعة به، و ضيّق عليه بالتعذيب فضبط جميع أمواله و نفاه إلي البصرة.

لما علم من سوء حاله و أنه سرق الأموال حتي من مداخل نفس الوزير فبني بها الجامع. و لذا نسب إلي الوزير دونه. و لعله حسده علي عمله، فاشتهر باسمه. و إلي الآن يسمي جامع حسين باشا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 127

جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني

كان للوزير وكيل خرج خاص يقال له مصطفي آغا الجراح و هو امرؤ حلب الدهر اشطره و ذاق حلوه و مرّه. سلك سبيل الخير فبني لهذا الجامع طارمة و عمّر المرقد و اتخذ صفة و رتب المصلي فكان هذا منه فعلا جميلا و عملا مبرورا.

الوزير و البصرة:

هذا الوزير عزل من بغداد فوجّه إليه منصب البصرة. و كانت حكومته بدأت في غرة محرم سنة 1082 ه و انتهت في 20 جمادي الأولي سنة 1085 ه.

جاءت ترجمته في تاريخ السلحدار. أصله من بوسنة. و لجماله يسمي (قز حسين باشا). كان من الغلمان أيام السلطان مراد الرابع.

و صار سلحدارا فولي بغداد و البصرة و مناصب أخري عديدة. توفي في ربيع الآخر سنة 1098 ه. و كان حليما سخيا، و له الخيرات المبرورة.

وزارة عبد الرحمن باشا:

كان مدبر أمور الدولة و منظّم أحوال الرعايا. صار آغا الينگچرية ثم ولي الوزارة. و في أيام الوزير السابق كانت راجت شائعة بأن ايران تنوي الحركة نحو بغداد فظهرت أراجيف كثيرة و حكايات ملفقة. و هذا أكبر رأس مال لأمثال هؤلاء دائما. فولّدت هذه ركودا في الأعمال و توقفا في التجارة و الذهاب و الإياب. فعهد بمنصب بغداد لهذا الوزير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 128

و كان من آغوات الينگچرية فجاء علي عجل. أعماله حكيمة. نشر بساط الامن و الأمان و ضرب علي أيدي العتاة و عمّر القلعة و أحكم الابراج و وفر المؤونة و أكثر المعدات. و بهذا أزال عن القلوب الارتباك و الاضطراب.

راقب أحوال الموظفين فمنع من الظلم. فكان ذلك دواء عاجلا و تدبيرا نافعا أراح به الناس فصحح الأفكار و عدّل أمزجة الناس و أزال الخوف.

و لا تزال آثاره الخيرية باقية. كان كريما سخيا وحيدا في بذله و إنعامه يرعي أرباب الفنون و يمنح الشعراء الصلات العظيمة. و لكن المؤسف أنه كان مدمن الخمر و لا يبالي من الفحشاء.

حوادث سنة 1086 ه- 1675 م

جامع الشيخ معروف:

إن الشيخ معروفا الكرخي من أكابر الصوفية و مقتداهم و كان جامعه محتاجا إلي بعض التعميرات و الترميمات فقام الوزير و رتب له خطبة و خطيبا.

حوادث سنة 1087 ه- 1676 م

سدة الأعظمية:

في زمن الوالي السابق كان قد بوشر بعمل هذه السدة. و هذا الوزير بذل جهده لإكمالها فأتمها. و لكن لم تكن محكمة بحيث تقاوم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 129

تيّار المياه بل عجّل في انهائها. كما أن المبالغ المرصدة لهذا الغرض لم تكف. و لذا أتمها الفقراء بطريق (السخرة) و التضييق عليهم بل لم تدفع لكثير من أهل الحقوق حقوقهم. و لما طغي الماء جرفها و ذهب بالاتعاب لعدم اتقان العمل و من جراء التضييق علي الناس. فنال الأهلين ما نالهم من الغرق …

مدة حكم الوزير:

دامت من 21 جمادي الأولي سنة 1085 ه إلي 26 صفر سنة 1087 ه.

و جاء في تاريخ السلحدار أنه ألباني. دخل في زمرة الينگچرية حتي صار آغا. ثم ولي بغداد. و مناصب عديدة. و استشهد في حرب (بدون) في سنة 1097 ه. مدح شجاعته و قال بلغ من العمر 80 سنة.

الوزير قبلان مصطفي باشا:

له صولة غضنفر، شجيع، باسل، و لذلك يعرف بقبلان مصطفي باشا أي النمر. ولي بغداد فبسط الأمن و قضي علي أهل الشر و الشقاء … و بينا هو مشغول في ذلك إذ حدث أن رئيس العسس بمقتضي السياسة كان باشر صلب أحد السرّاق المتهمين ممن ليس لهم مكانة معروفة في رأس الجسر. و حينئذ حدث نزاع بين أحد الينگچرية و أحد السكبانية فمال جماعة إلي كل من المتخاصمين و اشتدت المعركة.

و لما سمع الوزير توجه نحو محل المعركة فولّد نبأ مجيئه هيبة فسكن الأمر قبل وصوله. و حينئذ عاد لمحله و في أثناء عودته تجمّع قسم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 130

من الينگچرية بسبب سوء تدبير آغواتهم. و عجلوا بالذهاب إلي باب الباشا و باب الكتخدا. هاجموهما و قتلوا بعض الأبرياء. هذا ما دعا إلي تشوش الوالي. و لذا جمع من ساعته أتباعه و لواحقه و منع من ورود أي أحد من هؤلاء العتاة فأظهر قوّته و أبدي شجاعته فقطع دابر الكيد. و لما وافي الليل ترك هؤلاء الخصومة و ذهب كل إلي محلّه. و لكن آغا الينگچرية حاذر أن يتهم بسوء التدبير فاتهم رئيس العسس و الصوباشي.

ذلك ما أدي إلي اعدام هذين البريئين.

و أعمال هؤلاء لم تقف عند هذا الحد في بغداد و إنما تفاقم شرهم و إن صاحب گلشن خلفا كان

معاصرا لهذه الحوادث و أشخاصها و لذا نراه لا يلوم نفس الينگچرية بصورة عامة، بل كان يندد بأناس معينين حذر الوقيعة به.

امارة الحج:

كانت القافلة التي تذهب إلي حج بيت اللّه الحرام يتولي شؤونها أمير يسمي (أمير الحاج). و هؤلاء كان كل منهم يتخذ الوسائل لنهب الأموال و الاستفادة من هذه الطريقة. فيضرون بالناس. و من آخرهم منيهاج أمير الحاج. فأقصي الوزير هذا الأمير و وجه الإمارة إلي أحد آغواته المسمّي (بكتاش). و هذا جاهل، قليل الفهم. و من سوء تدبيره و تقصيره لم يستطع الحجاج أن يحجّوا و لم يتيسر لهم الوقفة بعرفة بل عادوا و كانوا حينما ذهبوا من المدينة لمسافة ثلاث مراحل أو أربع هاجمهم العربان فسلبوا الكل من رجال و نساء بحيث صاروا عراة. و لما لم يقدر الكثيرون منهم علي المشي و ليس لديهم ما يقتاتون به و لا ماء يشربونه هلكوا و لم ينج إلا قسم منهم. استكثروا هذه الإمارة و أرادوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 131

جسر الموصل القديم- رحلة البارون فون أوبنهايم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 132

أن يضعوا اليد عليها فلم يوفوها حقها. الخرق سائد في غالب الأعمال.

حوادث سنة 1088 ه- 1677 م

مسناة الأعظمية:

كانت أقيمت ثم أتت عليها مياه الفيضان فلم تبق لها أثرا فاقتضي عمارتها مجددا فعرض الوزير الأمر علي دولته و التمس أن يساعد فوافقت علي المبلغ المقترح نحو سبعين أو ثمانين ألف قرش و أن يستوفي من خزانة بغداد و البصرة. فبذل الوزير أقصي جهده لعمارة هذه المسنّاة و إكمالها و إتقان صنعها فجاءت محكمة، قوية جدا. و في هذه المرة لم يتضرر أحد و لا قطع من أجورهم شي ء و لا تأخرت. و لكن قبل أن تتم الأعمال عزل الوزير.

جامع القبلانية:

هذا الوزير أيضا تعلّق نظره بعمارة (جامع الشيخ القدوري) و مرقده (كذا) و أن يبني مجددا فقام بذلك و عين له خطيبا و خداما فأحياه و صار زينة لسوق السرّاجين … و الآن يسمي (جامع القپلانية) و ترك اسمه الأصلي فاشتهر باسم من عمّره. و هذا الجامع جرت عليه تعميرات عديدة. و التحقيق عنه في كتاب (المعاهد الخيرية).

ولاية البصرة:

ثم إن الوالي السابق حسن باشا الچلبي قد عين مرة أخري لمحافظة البصرة فمر ببغداد و إثر ذلك عين حسين باشا الوالي السابق لمنصب ديار بكر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 133

زيارة و عزل:

كان الوزير الحالي صافي القلب. له ميل عظيم إلي زيارة الأولياء.

و في شعبان ذهب لزيارة الإمام الحسين (رض) و الإمام علي (رض) فقضي بضعة أيام. ثم عاد. فوقع عزله و مدة حكومته من 27 صفر سنة 1087 ه إلي 3 من شهر رمضان سنة 1088 ه.

حوادث سنة 1089 ه- 1678 م

الوزير عمر باشا:

إن هذا الوزير كان قد حاز رتبة سلحدار ثم منح منصب مصر القاهرة. و عقب ذلك ولي ديار بكر فأرزن الروم (أرضروم) ثم في هذه المرة نال منصب بغداد و شرع في أعمالها …

الينگچرية في بغداد:

كانت الدولة تخاف من ظلّها في بغداد و تحسب لكل حادث حسابه فساءت ادارتها بحيث صارت تشتبه من نفسها … و هذا الوزير من حيث ولايته عرف ما يقوم به الينگچرية في بغداد و سمع الشي ء الكثير كما علمت الدولة ذلك. تمكنوا أن يأتلفوا مع الأهلين في بغداد و صارت لهم قدرة علي الإدارة … فاقتضي رفع أكثر هذه الوظائف منهم و أقيم مقامهم غيرهم من الجند و أبلغ عددهم الألف. صاروا يزاولون ما عهد إليهم من أمور الوزير أو محافظة بغداد …

جاء الآغا الجديد و معه أولئك و كل واحد منهم أراد أن يحصل له اعتبار و سمعة … و من مجري الحالة يظهر أن الينگچرية القدماء تجمعوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 134

في أواسط سنة 1089 ه و خرجوا عن الطاعة و في اليوم الثالث أخرجوا الآغا و قتلوه معلنين عصيانهم.

و في اليوم الرابع أصدر الوالي فرمانا في نصب بعض المجربين من مقدمي هذا الصنف من قسم الچورباچية فمنح له منصب آغا.

و في اليوم الخامس انتهي الاضراب و انجلت الغمّة. و في خلال الاسبوع قتلوا من قاموا بالفتن و الاضطرابات و زالت الغائلة. و علي كل حال كان النفوذ مستمرا، و إن الحكومة لا تقدر أن تتسلط علي متنفذيها كما أنها تخشي الأهلين أكثر.

جاء في تاريخ الغرابي:

«في سنة 1089 ه ثارت فتنة عظيمة في بغداد، فقتلت الينگچرية رئيسهم أحمد آغا، و صار لهم تسلّط كلي في بلدة بغداد. و بقي إلي الآن و هي سنة 1099 ه تلك الآثار. نسأل اللّه أن يصلح الأحوال.» اه.

و هذا يدل علي ما آلموه. فإنهم ثاروا مرة أخري سنة 1100 ه فقتلوا أخاه.

قبيلة بني لام:

و في هذه السنة قتل أعراب بني لام آغا (الاحشامات) و ألحقوا بأبناء السبيل الاضرار. فجهز الوزير عليهم أربعة آلاف أو خمسة من الخيالة و جعل كتخداه أمير الحملة. فأغار عليهم حتي أنه تجاوز حدود الحويزة و سار في أثر الاعراب المذكورين فتمكن من اللحاق بهم و أوقع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 135

بهم ما أراد فانتقم منهم و قضي علي عصيانهم فعاد منتصرا انتصارا باهرا …

و هذه العشيرة من طيي ء. تكلمنا عليها في كتاب (عشائر العراق).

حوادث سنة 1090 ه- 1679 م

تبديل والي البصرة:

في هذه المرة وجه منصب البصرة إلي الوزير حسين باشا السلحدار للمرة الأخري. فمر ببغداد و منها مضي إلي البصرة ثم وردها الوالي السابق حسين باشا الچلبي و توجه لجهة الروم …

الوزير عمر باشا- اعماله الخيرية:

1- تعمير جامع الإمام الأعظم. كان الوزير راغبا في الخيرات، مائلا إلي أعمال البر و لم يغفل عن التزود للآخرة. و لذا عمّر قبة مرقد الإمام الأعظم و رمّمها و جعل الحديقة بهجة للناظر …

2- تعمير مرقد الإمام أبي يوسف. بناه مجددا و اتخذ عليه قبة و رواقا و عين له خداما و أرصد أوقافا جديدة.

3- المدرسة العمرية: بني مدرسة بقرب (جامع القمرية) بوضع هندسي بديع، اتخذ فيها غرفا و عيّن لها مدرسا و محدّثا و طلابا. و بين وظائفهم. أرخ ذلك كاتب ديوانه (طيبي) سنة 1090 ه.

أوضحت عن هذه المدرسة في المعاهد الخيرية، و جاء في رحلة السويدي ما نصه: -

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 136

«أرسلنا عمّنا إلي الشيخ حسين نوح … لنتعلم العلم و كان شيخنا هذا يدرّس بالمدرسة العمرية نسبة إلي والي بغداد إذ ذاك عمر باشا رحمه اللّه و هو قد بناها لأجل شيخنا المذكور. فهو أول من درس بها التدريس العام. و هذه المدرسة علي كتف دجلة في الجانب الغربي شرقي جامع قمرية بفتح القاف و الميم، ملاصقة له …» اه.

و أوضح أن الشيخ حسين لم يكن ابن نوح، و إنما كان نوح عمّه، رباه فعرف به. و الشيخ حسين من أهل حديثه. و كان نوح من العلماء العاملين و النسّاك الصالحين. و من آل نوح يحيي أفندي ابن نوح العراقي الذي سأل عبد الغني النابلسي في الدخان فأجابه في سنة 1111 ه.

هذا و إن الشيخ

عبد الرحمن ابن الشيخ محمود من أهل ما وراء النهر لم يكن أول مدرس بها و إنما كان معلم كتّاب (مكتب) درس عليه الشيخ عبد اللّه السويدي. و بهذا تصحيح لما جاء في مساجد بغداد للأستاذ المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي.

حوادث سنة 1092 ه- 1681 م

سدّة الأعظمية:

في زمن هذا الوالي أكملت (سدّة الأعظمية) فكانت محكمة لما بذله هذا الوزير من الجهود و بني في رأس المسناة مسجدا …

خان ازاد:

في الجانب الغربي الخان المسمي بهذا الاسم تنزله الرواحل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 137

و القوافل، و من مدة طرأ عليه الدمار و صار مكمنا لقطاع الطرق من الاعراب. فأمر الوزير بتعميره و تحصينه و تعيين خدّام و محافظين له لغرض راحة ابناء السبيل، و هذا الخان لم تبق منه إلا بعض رسومه و زالت في هذه الأيام. يقع علي يمين الذاهب إلي المحمودية قبل عبور قنطرة اليوسفية. و الآن تكوّنت بالقرب منه قرية جديدة في جانبي النهر فيها بعض الأبنية و تتصل بها بساتين.

و لا يبعد أن تتكامل نظرا لجميل موقعها و قربها من نهر اليوسفية.

عزل الوالي:

كانت ابتدأت ولايته في 30 شهر رمضان سنة 1088 ه و دامت إلي غرة جمادي الأولي سنة 1092 ه.

الوزير إبراهيم باشا:

ولي الوزارة في عنفوان الشباب. و كان (آغا الينگچرية) ثم عهد إليه بمنصب (أرزن الروم) و إثر ذلك نال منصب بغداد.

حوادث سنة 1093 ه- 1682 م

توجيه المقاطعات:

غيّر هذا الوزير وقت التزام المقاطعات. كانت تجري في غرة المحرم. و بسبب تداخل الشهور العربية و الرومية يقع تداخل في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 138

المحاصيل و يحدث خلل في أمور الموظفين و الرعايا. فصار توجيه المقاطعات من أول أيلول هذه السنة. عرض ذلك علي دولته فورد الفرمان في 1 أيلول الموافق (9 رمضان المبارك) و من ثم جري العمل علي ذلك و دوّن في دفاتر خاصة.

خاقان ما وراء النهر:

مرّ ببغداد عبد العزيز خان خاقان ما وراء النهر (ملك أوزبك) قاصدا حج بيت اللّه الحرام، و كان قد قضّي أربعين عاما في خانية ما وراء النهر. فخلع نفسه سنة 1091 ه. و خلفه سبحان قلي خان. و دامت حكومته إلي سنة 1114 ه.

و في تاريخ الغرابي:

«في سنة 1093 ه أتي إلي بغداد سلطان الاوزبك عبد العزيز خان بعد ما خلع نفسه من السلطنة و ترك أخاه سبحان قلي خان مكانه و توجه إلي الحج. ففي أثناء الطريق وقع له مع العرب واقعة و كانت الغلبة له.

فلما قضي حجه وزار النبي صلّي اللّه عليه و سلّم توجه في البحر قاصدا الهند، فلما وصل إلي (مخا) حان أجله فدفن هناك و بعد أشهر نقلوه إلي المدينة المشرفة و دفنوه في البقيع عند تربة والده و جده بين قبة العباس و بين قبة عائشة (رض).» اه.

مذنب هاللي:

و في هذه السنة- كما قال الغرابي- ظهر ما بين القبلة و المغرب جرم نوراني شبيه بالسيف. بقي أياما ثم اضمحل. و هذا هو النجم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 139

المعروف ب (هاللي) و هو المذكور في بائية أبي تمام باسم (الكوكب الغربي ذو الذنب).

عصيان العشائر:

هذا الوزير قضي علي عصيان الداخل و الخارج بقوة و تدبير، فجعل القوي ضعيفا. و تمكن من خضد شوكة بعض العشائر العربية التي لم تكن تعرف الرضوخ و الطاعة و أمن أبناء السبيل و المارة من أضرارهم و خسائرهم.

الينگچرية أيضا:

و في أيامه أرسلت الدولة نحو ألف من الينگچرية ليكونوا في الخدمة فوردوا بغداد و حين وصولهم اتخذوا الارزاق ذريعة للاضطراب و تصدوا للمعركة فقاموا بأعمال غير لائقة إلا أنه طيب خواطرهم بترغيب حكيم و ترهيب من جهة فسكنوا نوعا.

و في السنة التالية تجمهرت هذه الطائفة و تحزبت لأسباب غير مهمة فأظهرت العصيان فأدي ذلك إلي معارك استخدموا فيها البنادق و المدافع.

و في هذه المرة أيضا قام الوزير بأعمال حكيمة و لم يدع مجالا لتقوية العداء. فذهب كل إلي محله. و علي كل كان الينگچرية خراب المملكة في كافة انحائها، فلم ينجع فيهم دواء، و عادت جميع ما قامت به الدولة من تدابير فعالة فاشلة … و لا فرق بين القدماء منهم و الحديثين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 140

اليساقجية:

هذا الوزير أراح الناس من عائلة اليساقچية الذين طالما اضروا الأهلين بردي ء أعمالهم فأقصاهم و قضي علي ما كانوا يقومون به من وقائع مؤلمة و أفعال شائنة …

طربزون الجسر:

و من أعماله المبرورة أنه وضع طربزونا (درابزونا) للجسر كان يصعب مروره و السير عليه فأراح الناس من عناء كبير يتولد في الزحام.

و يعرف ب (المحجر).

جامع سلطان سيد علي الجلبي:

و هذا الجامع علي شاطي ء دجلة لصاحب الأنوار سلطان سيد علي الچلبي فأقام قواعد هذا الجامع و عيّن له خطيبا و خدما و قرر وظائفهم، و يسمي اليوم (جامع السيد سلطان علي).

عبد القادر البغدادي:

عبد القادر بن عمر البغدادي نزيل القاهرة. نعته المحبّي في كتابه خلاصة الأثر بقوله:

«الأديب المصنف الرحال الباهر الطريقة في الإحاطة بالمعارف و التضلّع من الذخائر العلمية. كان فاضلا بارعا مطلعا علي أقسام كلام العرب النظم و النثر، راويا لوقائعها و حروبها و أيامها و هو أحسن المتأخرين معرفة باللغة و الاشعار و الحكايات البديعة مع التثبت في النقل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 141

و زيادة الفضل و الانتقاد الحسن، و مناسبة ايراد كل شي ء منها في موضعه مع اللطافة و قوة المذاكرة و حسن المنادمة و حفظ اللغة الفارسية و التركية و اتقانهما كل الاتقان و معرفة الاشعار الحسنة منهما و أخبار الفرس.

خرج من بغداد و هو متقن لهذه اللغات الثلاث …» اه.

و لا أدل علي مقدرته العلمية من كتابه خزانة الأدب و شواهد شرح الشافية للاستر ابادي، و شرح (بانت سعاد) و (شرح شاهدية) و تصحيح كتاب الاهرام المسمي ب (المقصد المرام) فقد انقذه من التلف.

و رأيت بخطه كتاب مغني اللبيب و معه رسائل أخري منها رسالة في التغليب و غيره. مخطوطتها في خزانة الآثار القديمة ببغداد.

سافر إلي دمشق بعد فتح بغداد و أقام فيها سنة ثم رحل إلي مصر فوردها عام 1050 ه و هناك ظهرت مواهبه، و زاد اتقانه، و نال الشهرة الذائعة في عودته إلي الشام، و ذهابه إلي بلاد الروم، ثم رجوعه إلي مصر و هكذا حتي توفي بمصر سنة 1093 ه و كانت ولادته ببغداد سنة

1030 ه.

كان زينة هذا العصر، و درة تاج العلم في بغداد. و أمثاله فيها كثيرون إلا أن الشهرة لا تكون إلا نصيب البعض. اشتهر غيره مثل مدلج المفتي ببغداد.

و ترجمته حافلة بالمطالب العلمية الغزيرة، فصلنا القول فيه في التاريخ الأدبي. و كان مثال الجد و النشاط، و المثابرة …

كانت بغداد بسبب الغوائل ضيقة علي أمثاله ممن يريد التزود من الثقافة و الظهور أو الانقطاع إلي العلم فرأي الضرورة ملحة لهجرته و ترك وطنه … و لم يكن القطر بعد ذهابه مستريحا بل انتابته الحوادث من كل صوب … ذلك ما دعا أن يعيش خارجه إلي أن وافاه أجله.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 142

حوادث سنة 1094 ه- 1682 م

جامع السراي:

جدد الوزير عمارة هذا الجامع و أحكم بناءه. أرخ ذلك (يحيي دده) شيخ المولوية فكان سنة 1094 ه. مر ذكره باسم الجامع السليماني. و تغلب عليه (جامع السراي)، و جامع (جديد حسن باشا).

والي البصرة:

في هذه الأيام عهد إلي الوزير عبد الرحمن باشا المعروف بعبدي باشا بمنصب البصرة، مر ببغداد ثم وافي واليها السابق حسين باشا السلحدار فذهب إلي بلاد الروم …

كان هذا الوزير في البلاط. اجتاز مراتب عديدة فحصل علي رتبة الوزارة في صفر سنة 1080 ه و منح منصب توقيعي ثم إنه في المحرم سنة 1089 ه ولي القائم مقامية في السدة الملكية. و في شهر رمضان سنة 1093 ه عيّن واليا إلي البصرة و في سنة 1098 ه عزل عنها …

و من طبعه الشعر، فائض المعرفة، و كان مجلسه غاصا بالعلماء و الفضلاء و الشعراء و الظرفاء و لهؤلاء جميعا منزلة معتبرة لديه، و كلامه طيب لطيف، طاهر القول، و له رغبة خاصة بالشعراء، و بأصحاب العرفان، و له ذهن وقّاد، و شعر رقيق …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 143

حوادث سنة 1095 ه- 1684 م

تبدلات في الإدارة:

1- ايالة الموصل كانت للامير دلي محمد باشا فعزل. و ولي الموصل علي باشا الشهير بقدوم صاحب الايوان بالموصل و توفي في البر عند الشيخ محمد الغزلاني.

2- و جهت ايالة شهر زور إلي حسين بك عمر زاده. و كانت هذه التبدلات في غرة المحرم.

عزل الوزير:

في غرة شوال عزل الوالي. دعي بما لديه من جيش الحرس بعدته الكاملة … و كانت ابتدأت ايالته في غرة جمادي الاولي سنة 1092 ه.

حكومة الوزير عمر باشا الثانية:

عهد إليه بولاية بغداد للمرة الثانية فوردها في غرة شوال بسط فيها بساط الأمن و صان أهليها. و في أيامه لم يحدث ما يكدر الخواطر من فتن. و في تاريخ السلحدار نعته ب (أوكوز عمر باشا).

حوادث سنة 1097 ه- 1685 م

تبدلات ادارية:

1- ولي ايالة شهرزور حسين باشا ابن القاضي. عزل من ولاية قسطموني.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 144

2- ولي الموصل عرب علي باشا. و كانت هذه التبدلات في 17 جمادي الأولي. و اعتقد أنه المذكور في السنة السابقة و هو (ربيعي).

حوادث سنة 1098 ه- 1686 م

ولاية البصرة:

عهد في هذه السنة بولاية البصرة إلي حسين باشا الكمركچي فنصب خيامه في بغداد لبضعة أيام ثم توجه نحو منصبه. ثم ورد والي البصرة السابق الوزير عبد الرحمن باشا (عبدي باشا) صاحب السيف و القلم و ضرب خيامه في جانب الكرخ، فاستولي الرعب علي الأهلين في البصرة من واليهم الجديد لما سمعوه عنه من أنه صعب المراس، لا يقبل معذرة فأصابهم الخوف منه. و لكن هذا الوالي لم يبق إلا قليلا فوافاه الأجل. أما والي البصرة السابق فإنه قضي أيام حكومته بما يستدعي راحة الأهلين كما أنه أمن العدل … و كان في حد ذاته عالما، فاضلا، ضليعا في الشريعة الغراء فهو كامل من كل وجه، و في هذه المرة عاد الوزير المشار إليه إلي البصرة ثانية بناء علي التماس من أهل البصرة و بغداد من السلطان و باستشفاع وزير بغداد عمر باشا فعهد إليه بمنصب البصرة سنة 1098 ه. ثم عزل عن هذا المنصب في المحرم من سنة 1100 ه. فحصل ولايات أخري و توفي في شهر رجب سنة 1103 ه و هو في محافظة سافر … و نعته في تاريخ السلحدار (بالشاعر) و أنه وجه إليه منصب البصرة سنة 1099 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 145

جامع الوزير:

في هذا التاريخ عمّر (أحمد آغا الكتخدا) أي (الكهية) الجانب الغربي من جامع حسن باشا الچلبي لخلوه من البناء. بني قبّة عالية، و وسع في الجامع. و هذا هو (جامع الوزير).

عزل الوزير:

ابتدأ حكمه في غرة شوال سنة 1095 ه و امتد إلي 3 ذي القعدة سنة 1098 ه فعزل.

الوزير أحمد باشا البوشناق:

هذا الوزير يعرف بأحمد باشا الكتخدا. كان كتخدا قرا محمد باشا فلازمه الوصف. و عرف في بغداد ب (أحمد باشا البوشناق) نال الوزارة سنة 1095 ه و بعد أن تقلب في مناصب عديدة صار واليا في حلب في المحرم سنة 1097 ه. و عهد إليه منصب بغداد في 8 ذي القعدة سنة 1098 ه. و هذا سعي جهده في ضبط الإدارة خارجا و داخلا بصورة لا تقبل القياس مع من تقدمه. فكانت له السلطة علي الرعايا و علي الجيوش بترهيب أو ترغيب فانقاد له الكل. و سعي سعيا بليغا في تدقيق الحسابات و الدفاتر …

كان لا يؤخر المؤاخذة، و لا يتهاون في الإدارة بل يعجل في العقاب أو العتاب فكان الموظفون في شغل منه. لم يروا راحة في زمنه إلا أنهم كانوا في استقامة حذرا من بطشه فلازموا الحق و الاتقان في أعمالهم. يتوقون من التساهل فكان للاهتمام بشؤونهم و تفحص أمورهم غاية حميدة سواء في كليات الأمور أو في جزئياتها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 146

حوادث سنة 1099 ه- 1687 م

ولاية الموصل:

في هذه السنة عهد بولاية الموصل إلي الوزير أحمد باشا السهرابي.

حراسة القطر:

كان الوزير مشغولا في حراسة الثغور و قام بتعمير أبراج بغداد و توابيها. و بتجديد برج الچاوش فأتمه في هذه السنة ثم إنه أقام برج الصابوني. فكان أثره خالدا و قويا.

جامع احمد باشا البوشناق:

بناه سنة 1099 ه، و خصص في وقفه للمدرس عشر أقچات يوميا.

و جاء في وقفية الغرابي أن من شهوده طه الواعظ في جامع أحمد باشا البوشناق. ثم توقف التدريس من هذا الجامع لقلة وارده. ثم أعيد إليه في سنة 1327 ه. و جرت تحولات و تعميرات علي هذا الجامع أوضحنا عنها في كتاب (المعاهد الخيرية). و لعل هذا الجامع قد خرب، فتغلب عليه اسم المحلة (محلة حمام المالح) فصار يقال له (جامع حمام المالح).

جامع محمد الفضل:

و من مآثره الخيرية تعمير جامع محمد الفضل بجوار مرقده، و رتب له قواما و خداما. و الأستاذ المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي عدّه من الجوامع القديمة كما أن صاحب گلشن خلفا لم يتعرض له.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 147

عزل الوزير:

و بينا هو مهتم في تعمير الابراج و التوابي في بغداد إذ ورد خبر عزله. فكان ابتداء حكمه في 3 ذي القعدة سنة 1098 ه و انفصاله في 14 ذي القعدة سنة 1099 ه. ثم صار مفتش الاناضول. و توفي في رجب سنة 1102 ه.

الوزير عمر باشا:

هذه المرة الثالثة من ولايته ببغداد.

حوادث سنة 1100 ه- 1688 م

خان بني سعد:

و في أيامه كان الطريق بين بغداد و قرية بهرز صحراء واسعة. فبني خانا محكما، قويا فأتمه و أنقذ الناس من قطاع الطرق. أتمه في هذه السنة و هذا الخان هو المسمي (بخان بني سعد) في منتصف الطريق.

و كان يسمي طريق بعقوبة القديم بطريق بهرز و يمر من الباب الوسطاني … و العوام يقولون (خان النص). و خان بني سعد و هو اليوم مركز ناحية بهذا الاسم من (قضاء الخالص). و لا يزال الخان قائما.

جامع الشيخ معروف:

كان كتخدا الوزير (أحمد آغا) رأي أن جدران جامع الشيخ معروف الكرخي متداعية بسبب مرور الأيام عليها. و أن مصلاه يضيق بالناس نظرا لصغره فأقامه من جديد و وسّعه فكان عمله هذا مبرورا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 148

و مما يؤثر عن هذا الكتخدا أنه لم يكتب له تاريخا جديدا في عمارته.

و إنما أبقي التاريخ الأول لغرض أن لا ينسي العمل الصالح و الذكر الجميل لمن سلف. و هذه مأثرة أخري فلم يكن غرضه الفخر و المباهاة.

قتلة محمود الغرابي:

قال الغرابي في تاريخه:

«في هذه السنة شغب الجند المعروفون بالينگچرية في بغداد فقتلوا أخي و شقيقي الفاضل محمودا الناصح بجامع الإمام الأعظم أبي حنيفة يوم الثلاثاء 13 صفر. و ذلك بإغراء بعض أكابرهم فعاجل اللّه اولئك الخبثاء فأتي حكم من الدولة العلية فقتل منهم ثلاثة و اللّه ينتقم من الجميع …» اه.

و جاء في گلشن خلفا أنه في هذه الأيام قلّت الأمطار و نضب ماء دجلة و الفرات مما دعا الناس أن يتخوفوا من الغلاء بالرغم من أن الأطعمة متوفرة. و في 13 صفر حدث القيل و القال فاتخذ أرباب الزيغ ذلك وسيلة إلي الشغب بتحريض الجهال. اتهموا (محمودا آل غراب) بالاحتكار، و كان من العلماء فقتل مظلوما بأيدي العوام. و هذه الفتنة زاد لهيبها و تطاير شررها و قد مضت نحو عشرة أشهر و لم تنطفي ء فكانت خاتمتها أن قتل ثلاثة من رجال الچورباچية صلبا. ثم ماتت الاضطرابات و بطلت الاراجيف.

آل الغرابي:

ذكرتهم في كتاب المعاهد الخيرية عند الكلام علي (مدرسة آل الغرابي).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 149

سفير ايران لتأكيد الصلح:

و في أواخر السنة ورد من ايران سفير مرّ ببغداد ذاهبا إلي استنبول لتأكيد قواعد الصلح بين الدولتين بمناسبة جلوس السلطان سليمان.

ولاية البصرة:

ولي الوزير حسين باشا الدفتري. و في ابتداء هذه السنة مرّ ببغداد و ذهب إلي البصرة. و أما الوزير السابق عبد الرحمن باشا (عبدي باشا) فإنه جاء إلي بغداد في أواسط هذه السنة. ضرب خيامه في الجانب الغربي منها. و حينئذ وافاه الادباء و كان له في الغزل قصيدة غراء. و ممن باري هذه القصيدة مرتضي آل نظمي كان نظمها باللغة التركية. احتفل به و بقي في بغداد شهرا واحدا ثم ذهب إلي بلاد الروم. توفي في شهر رجب من سنة 1103 ه في ساقز.

الوزير في بغداد:

و في ذي القعدة ورد الفرمان بإقرار الوالي عمر باشا في وزارته و أودعت إليه إدارة الحدود و الثغور فكرّم أرباب المناصب بخلع فاخرة … و كثيرا ما يجري ذلك في المناصب الكبيرة أيام التبدل في السلطنة.

الغلاء في الموصل:

كان بدأ سنة 1099 ه، و اشتد في هذه السنة. و يعرف بالغلاء الكبير.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 150

مرتضي آل نظمي- كلشن خلفا:

و في أواخر هذه السنة ذهب إلي الحج من طريق العراق و كان ختم كتابه (كلشن خلفا) فكان خير تحفة قدمها للعراق. ثم زاد في وقائعه بعد عودته. تداولته الأيدي قبل أن يضاف إليه شي ء و قد رأيت نسخة مخطوطة منه في (فينة) في المكتبة الأهلية كتبت سنة 1116 ه و فيها اضافات … و نسخه المخطوطة في بغداد قليلة تكاد تكون مفقودة بل المطبوع منه عزيز جدا. ذكر في تذكرة سالم أنه وقف عند هذه السنة.

عندي نسخة قديمة كاملة و كذا عند الأستاذ يعقوب سركيس، و في استنبول نسخ عديدة مخطوطة منه.

حوادث سنة 1101 ه- 1689 م

الوزير حسن باشا:

هذا الوزير بدأ حكمه ببغداد في 25 ربيع الأول. ورد متسلّمه و مضت عليه أربعة أشهر ثم وافي. و هو كاسمه حسن موصوف بالحلم و صاحب قلم سيال. و في أيام شبابه عاش بالبلاط ثم حصل علي منصب المحاسبة في الحرمين الشريفين، و بعدها صار كتخدا الحرم السلطاني.

ثم ولي مصر القاهرة. و تقلد مناصب، و لما ولي الصدارة مصطفي باشا الكوبريلي أنعم عليه السلطان بمنصب بغداد و من حين وروده أبدي الرأفة بالأهلين و أزال بعض المظالم في الضرائب …

قحط و طاعون:

في هذه السنة و التي قبلها حدث قحط في بغداد. استولي الجوع علي الأهلين من كرد و عرب و أمضّ بأنحاء الموصل و ديار الكرد فنزح الكثيرون إلي بغداد و صاروا يلحّون في طلب الأكل، و إن اغنياء بغداد لم يقصروا في اطعام الطعام و إعالة الفقراء و إيواء من بقي بلا مأوي و لا مأكل …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 151

و من جراء هذا القحط و نزوح الناس استولت الأمراض و بدأ الطاعون. و يسمي ب (أبي طبر) صار يفتك فتكا ذريعا فعادت بغداد مأتما. و في خلال ثلاثة أشهر أو أربعة دمّر المرض أكثر من مائة ألف نسمة جاء الوزير في أواخر هذه المصائب …

و في غرة شوال زال هذا البلاء و ظهرت بشائر الصحة …

و جاء في تاريخ الغرابي:

«قل الغيث و غارت الشطوط و غلت الاسعار. و ازداد الغلاء في بغداد، و دام إلي شهر رمضان، و وقع أيضا طاعون تفتتت منه الأكباد، و مات به خلق كثير و أول ما ظهر في مندلي (بندنيج)، ثم أتي إلي بغداد في جمادي الآخرة، و كثر في شعبان و انقطع في شوال.»

اه.

الحج:

في هذه السنة سار الحاج من بغداد و أميرهم حسين آغا بن عبدال رئيس العرفاء ببغداد. فلما وصلوا إلي تنومة أول قرية من قري نجد للذاهب من البصرة نهبهم الأعراب. و أخذوا منهم أموالا كثيرة، ثم قفل أكثرهم راجعين و بعضهم ذهب إلي البصرة. و شرذمة سارت إلي المدينة.

زلزال:

اهتزت الأرض في هذه السنة ببغداد هزة خفيفة وقت الفجر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 152

الشيخ إبراهيم الكوراني:

توفي في هذه السنة الشيخ إبراهيم الكردي الگوراني في المدينة.

أصله من الكرد. و بأرضهم نشأ و حصل علي العلوم العقلية و الأدبية. ثم قدم بغداد، و درس بها سنة أو سنتين ثم سافر إلي الشام و منها إلي مصر، فالمدينة المنورة فأقام بها مكبا علي الاشتغال بالفقه و الحديث و التصوف و اشتهرت فضيلته، فقصده الناس من الآفاق … و من مؤلفاته قصد السبيل في توحيد الحق الوكيل في العقائد …

آل بابان و تغلبهم:

ثار في هذه الأيام مير سليمان و مير حسن من أمراء لواء (ببه) من الأكراد. اكتسحوا قلعة (شهرزور) و تجاوزوا علي الرعايا. أظهروا تغلبهم، فاشتعلت نيران الحرب بينهم و بين متصرف ايالة كركوك دلاور باشا و اشتد النزاع فأدي الخصام إلي قتل الباشا في المعركة.

حوادث سنة 1102 ه- 1690 م

بقية حوادث بابان:

وصل في أواخر السنة الماضية الخبر إلي الوزير بما وقع في بابان و قتل متصرف كركوك فعيّن لها متسلما في أوائل هذه السنة و أنذر مير سليمان بكتاب محتو علي أنواع الترغيب و الترهيب. و كان كتب بقلم صاحب گلشن خلفا. أوضحت ذلك في كتاب (شهرزور- السليمانية).

منصب كركوك- بابان:

عهد بمنصب كركوك إلي حسين باشا. و هذا أمدّته الدولة بمقدار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 153

من جيوش بغداد و الجزيرة و العمادية لحرب هذا الثائر و الانتقام منه صدر الفرمان بالقضاء عليه. و لكن بقي متصرف كركوك في الحدود شهرين يتجول فلم يتمكن من الوقيعة به. و إنما رجع بأخذ تقدمة زهيدة … بل عاد و العجز باد عليه …

الطاعون:

و في أواسط هذه السنة عاد الطاعون مرة أخري و ظهر ببغداد فجاس خلال الديار داخلا و خارجا، و فتك فتكا ذريعا، فكان أشدّ، و ضائعاته أكبر، فشغلت كل نفس بشأنها و لم يعد يعرف أحد آخر فبلغت الوفيات نحو ألف نسمة يوميا و ربما تجاوزت ذلك، و هذا المرض أنسي ما قبله، فتجول في الانحاء ثلاثة أشهر حتي وافي النصف من شعبان سنة 1102 ه فخفّت وطأته و زال خطره و بسبب ذلك اضطربت الأحوال و تولد نقص في النفوس في القري و القصبات. و إن أعراب البادية اغتنموا الفرصة فمدّوا أيديهم إلي أموال الناس و أغاروا من كل صوب فلم يسمعوا نصحا و لم يصغوا لقول. فقارعهم الحكام بما استطاعوا.

و في تاريخ الغرابي أنه استمر إلي هذه السنة، و كان من وفياته أحمد بن عبد اللّه الغرابي صاحب التاريخ المسمي ب (عيون أخبار الأعيان في من مضي من سالف العصر و الازمان). توفي في 1 شعبان سنة 1102 ه و بوفاته زال الطاعون. و تعرض لذكره صاحب (روضات الجنات) أيضا.

الغرابي و تاريخه:

الغرابي هو أحمد بن عبد اللّه المعروف ب (غراب)، و مرّ ذكر أخيه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 154

محمود الغرابي العالم الأديب. ورد ذكر هذه الأسرة في أوليا چلبي و في الروض النضر و في مؤلفات عديدة. و من رجالها حسين الغرابي صاحب المدرسة المعروفة ب (مدرسة الغرابي)، و (تكية عرب) في محلة باب الشيخ، و لا تزال بقايا أسرتهم موجودة. ترجمه صاحب (عثمانلي مؤلفلري).

و تاريخ الغرابي من أجل ما رجعنا إليه، تعرض لوقائعنا التاريخية إلي آخر أيامه. و حوادثه تتناول العراق و غيره. و ما يتعلق بالعراق منها قليل إلّا أن

فائدته كبيرة جدا لا سيما ما يتعلق بعصره. فإذا كان گلشن خلفا عظيم الأثر في الوقائع فهذا لا يقل عنه و أحيانا يزيد عليه. و إن صاحب گلشن خلفا من المطلعين علي الحوادث الرسمية. و في هذه نري الغرابي يصرح بما لم يستطع أن يصرح به صاحب گلشن خلفا. أوسعت البحث فيه في كتابي (التعريف بالمؤرخين). عندي نسخة خطية منه و أخري مصورة.

و لمؤلفه (زبدة آثار المواهب و الأنوار في التفسير) باللغة التركية.

و نسخه موجودة إلا أنها قليلة. منه نسخة في نور عثمانية. ألفه سنة 1096 ه. و طبع سنة 1294 ه. عندي مجلد واحد منه. و في مخطوطات الموصل ورد ذكره. و المؤلف من ذرية الشيخ علي الهيتي المتوفي سنة 563 ه.

و كان المؤلف قبل وفاته أوصي فتح اللّه بن عبد القادر لقمان بإخراج تاريخه إلي البياض لينتفع به الناس. و كان فراغه من كتابته في 19 شوال سنة 1104 ه.

الطاعون في البصرة- حوادثها:

سري الطاعون إلي أنحاء البصرة فأنهك قواها و دمرها فوصلت إلي حالة لا تستطيع بها نقل أمواتها بل كان يواري من يموت في محله.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 155

أورث أضرارا زاد بها علي ما أصاب بغداد.

ذلك ما دعا أن يقع اختلاف بين والي البصرة و هو الوزير أحمد باشا آل عثمان باشا و الأهلين علي (الرسومات الشرعية) و (الضرائب العرفية) بحيث أدي إلي وقوع القتال.

اتفق عشائر الجزائر مع أمراء المنتفق فخرجوا عن الطاعة و هاجموا والي البصرة جاؤوه بجيش يتراوح بين الألفين و الثلاثة آلاف فارس و راجل فوصلوا إلي (الدير) فلما سمع بذلك سارع لصد غائلتهم دون رويّة لمجرد شجاعته و تهوره. قام بأمل تشتيت شملهم و نصحه بعض أهل

الرأي أن يتخذ تدبيرا ناجعا لإسكان الفتنة و الاضطراب فلم يلتفت و إنما استقبل اولئك بخمسمائة من المشاة و الخيالة مع من كان معه من أتباع.

حاربهم فحمي الوطيس بين الفريقين ففرّ منه أكثر أصحابه و لم يبق معه سوي مائة جندي فهاجم بهؤلاء حتي هلك معهم. و من ثم حاول كتخداه حسن آغا أن يتولي منصبه باتفاق أهل الرأي ممن كان هناك فلم يفلح. و إنما تقدم العربان نحوهم فتمكنوا من الاستيلاء علي البصرة.

و كان شيخ المنتفق (مانع) قائد الجموع، وصل إليها و تغلب و لكن أرباب الحل و العقد من أهل البصرة اتفقوا علي ابعاده منها، و اختاروا (حسنا الجمّال) من أعيان الولاية و كان مشتهرا في تلك الاطراف فاستدعوه و ولوه أمورهم ليقوم بعب ء المستلمية.

أحوال بغداد- عزل الوزير:

اضطربت أحوال العراق و ساءت. تسلط العربان علي أكثر انحائه مما نقص الرسوم الاميرية و الاعشار و كان الوزير رؤوفا بالناس، حسن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 156

المعاملة فتساهل. طلب أن يعفي من الحكم فعزل في 17 ذي الحجة سنة 1102 ه و كان ابتدأ حكمه في 25 ربيع الأول سنة 1101 ه.

حوادث سنة 1103 ه 1691 م

الوزير أحمد باشا البازركان

هذا الوزير ورد متسلمه بغداد في 17 ذي الحجة سنة 1102 ه ثم وافي في أوائل سنة 1103 ه. و هذا الوزير أرسل كتخداه بجم غفير إلي مانع شيخ المنتفق فعاد بمغلوبية فاحشة كما أن الوزير قضي أيامه في بغداد بأمراض مزمنة فتوفي في 2 شوال و دفن في مقبرة الأعظمية.

وزارة أحمد باشا الكتخدا:

كان الوالي السابق حسن باشا قد سجن ببغداد بناء علي الفرمان الوارد من أجل بقايا الميري عليه. و كانت أعماله معتدلة جدا فكان الأهلون راضين عنه. و لذا اجتمع العلماء و أهل الحل و العقد كافة فأخرجوه من القلعة و قدموه لمنصب الحكومة و عرضوا الأمر إلي الدولة فصدر الفرمان بالعفو عنه و عهد بالوزارة إلي أحمد باشا كتخدا عمر باشا الوزير السابق.

و جاء في تاريخ راشد ما يوضح أكثر. قال: بعد قتلة أحمد باشا آل عثمان باشا والي البصرة عهد إلي حسن باشا إلا أنه لم يؤد ما ترتب بذمته من مبالغ الدولة. و بناء علي حادث البصرة عهد إليه بمنصب بغداد، و اختير سلفه (صالت أحمد باشا) والي بغداد إلي البصرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 157

و في هذا موافقة لما اختاره الأهلون، و لكن الدولة مضت علي خلافه كما ذكر صاحب كلشن خلفا. و في هذه الواقعة و غيرها من الوقائع المحلية ما يصحح مدونات المؤرخين الرسميين، يدل علي ذلك ما أبداه (راشد) في حوادث هذه السنة ما يوافق المدون في گلشن خلفا.

و زاد أن أحمد باشا الكتخدا كان يقال له أحمد آغا محصل حلب، ثم منح الوزارة ببغداد، و سبق للبغداديين أن عرفوه.

و في 24 ذي الحجة ورد متسلّمه ثم جاء عقب ذلك فشرع في الإدارة.

قتل والي البصرة:

إن السلطان أمر بقتل حسين باشا والي البصرة سابقا لما ترتب بذمته من أموال الدولة، و كان يماطل في الأداء و يبدي اعتذارا. و في سنة 1099 ه نال ولاية البصرة و وزارتها و حبس في (المابين) قبل قتله.

وفيات

البرزنجي:

في غرة المحرم سنة 1103 ه توفي السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي. ولد بشهرزور ليلة الجمعة 12 ربيع الأول سنة 1040 ه ثم ورد بغداد و أخذ عن الشيخ مدلج. و من مؤلفاته نوافض الروافض مختصر النواقض. و علي النواقض ردود مطبوعة و غير مطبوعة. و في كلها ما يعين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 158

المشادة السياسية بين ايران و العراق.

حوادث سنة 1104 ه 1692 م

حوادث البصرة:

بعد قتل والي البصرة أحمد باشا عهد بالولاية إلي كتخداه حسن آغا و منح طوغين إلا أن مانعا شيخ المنتفق حاربه كثيرا ثم عهد إلي الوزير خليل باشا أخي أحمد باشا البازركان بإيالة البصرة فسمع مانع بذلك فتأهب للطواري ء، و للاستيلاء علي المدينة و تسليمها إلي الوزير الجديد جعل والي بغداد أحمد باشا قائدا و أن يكون في صحبته ولاة كركوك و الموصل و مقدار من جيش ديار بكر فوصلوا، قابلهم الشيخ مانع في جزائر البصرة فدامت المعركة بضعة أيام، و بالنتيجة في سلخ شهر رمضان انهزم الباشا و انكسر جيشه، و حينئذ انتهب العربان ما معهم من معدات حتي النقود و صارت سفن الكثير من التجار غنائم. فهلك قسم من العسكر و القسم الآخر فرّ إلي البصرة و بعضهم ورد بغداد مجروحا مسلوبا. و بهذه الحالة عاد خليل باشا إلي بغداد و لم ينل مأربا.

و هذه الواقعة عرضت بتفاصيلها إلي الدولة فوجهت لائمتها علي الولاة و إن تعدياتهم اضطرت الشيخ مانعا أن يقوم في وجه الحكومة فارتكب ما ارتكب. و بهذه الملاحظة أرسلت إليه السلطة كتابا استمالته به، و أضيف إلي تيماره مقدار قليل جبرا لخاطره. و حينئذ أمر خليل باشا أن يذهب إلي البصرة ففعل …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 5، ص: 159

حوادث سنة 1105 ه- 1693 م

وفاة الوزير:

و في 5 جمادي الأولي توفي الوزير فدفن في مقبرة الإمام الأعظم.

هذا و بناء علي رأي أهل الحل و العقد نصب كتخداه قائممقاما.

وافقت الحكومة علي ذلك فتشوش النظام أكثر و اضطربت الحالة فأودعت جلائل الأعمال إلي صغار الموظفين …

و في تاريخ السلحدار إن الوزير السابق من أهل اخسخة، و هذا هو (دال أحمد آغا) كتخدا عمر باشا والي بغداد، كانت الدولة ابان جلوس السلطان سليمان أرسلت بكتاب إلي شاه العجم بيد عثمان آغا أمين العرفاء تنبي ء فيه بجلوس السلطان، و لما ورد بغداد توفي فأخبر الوالي عمر باشا دولته فأمرت بلزوم إرسال الكتاب مع من يختاره فأرسل (دال أحمد آغا) كتخداه رسولا. و لما سلم الكتاب أكرمه الشاه إكراما عظيما و حينئذ قدم كتاب تهنئة إلي السلطان مع هدايا و افرة نفيسة و أعاد الرسول مع سفيره كلب علي خان. و في الطريق سمعوا بأن السلطان توفي، فمضوا من طريق روان إلي اسكدار. و لما وصل إلي استنبول أجريت له الضيافة كما أن دال أحمد آغا أنعم عليه برئاسة الحجاب.

و هذا هو الذي ولي بغداد، و هو كتخدا عمر باشا.

والي بغداد:

وجهت وزارة بغداد إلي أحمد باشا، في 3 شوال. ورد متسلمه.

ثم جاء هو فبدأ بأعماله. و في تاريخ السلحدار وجهت ولاية بغداد إلي علي باشا وزير زادة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 160

و في هذا ما يخالف گلشن خلفا. و صاحبه كاتب الديوان و هو أعرف بما وقع.

طغيان دجلة:

في أيامه طغي ماء دجلة و أحاطت المياه ببغداد. فظهرت له خدمات مشكورة في تخريج المياه و سدّ مداخلها …

اضطرابات:

في هذه الأيام ذهب أمير جيشه لمحاربة العربان فعاد منهزما و انتزعت منه مقاطعات العرجة، و السماوة، و بني مالك، و الرماحية، و الجوازر و لم يبق منها ما هو تحت سلطة الحكومة. فلم يعد يرسل إليها ضباط فصارت سلطة الولاة محدودة جدا … و أن بني عمير قد عصي رئيسهم عباس فأغار علي الصليند و السيب و قدس و المحاويل فعاثوا في تلك الانحاء و انتهبوا أهلها …

حوادث سنة 1106 ه 1694 م

حالة العراق:

لا سلطة للدولة إلا علي بغداد. تركوا الأطراف فلم يحركوا ساكنا، و لهذا لم يقع ما يستحق الذكر.

تاريخ السلحدار:

في هذه السنة انتهت حوادث تاريخ السلحدار. و هو من التواريخ المهمة في توضيح وقائع العصر لا سيما العراق. و يزيد في غالب الأحيان علي تاريخ راشد إلا أن الاثنين لا يفيدان الفائدة المطلوبة من كل وجه و لا يؤديان الغرض التاريخي متصلا بالوقائع المتسلسلة و غالب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 161

ما يشغل الدولة من وقائع يكون موضوع بحثها.

حوادث سنة 1107 ه 1695 م

الوزير علي باشا:

ولي بغداد. دخل متسلّمه في 7 المحرم ثم ورد هو فحكم بغداد.

التأهب لاستخلاص البصرة:

بذل الوزير ما في وسعه لإنقاذ البصرة و جعل معه الوزير حسين باشا محافظ ديار بكر بعساكره. و كذا ولاة كركوك و الموصل و الرها فهؤلاء أمروا مع كتخدا الباشا بالذهاب إلي البصرة حتي أن الشريف سعد (شريف مكة) عيّن مع هؤلاء و عهد بالقيادة (الإمارة) إلي الوزير فلم يتيسر له السفر و أن والي ديار بكر حسين باشا توفي في بغداد. رأي الجيش فقدان الارزاق و قلتها فلم يبد رغبة، و عاد أكثره إلي مواطنه.

عشيرة شمر:

اهتم الوالي بها و بذل جهوده ليلا و نهارا فصار يجمع من يستعين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 162

بهم من الأنحاء الأخري لدفع الغوائل، و كان ورد إلي جهة نهر عيسي نحو ثلاثمائة من عشيرة شمر فعاثوا بالأمن. ظهروا هناك علي حين غرة.

و حينئذ آغار عليهم هذا الوزير بما لديه من خاصة فأعمل فيهم السيف و الرمح و أورد الكثيرين منهم حتفهم و أسر نحو خمسين أو ستين و جاء بهم إلي بغداد، فضربت أعناقهم.

غزية- أمير الموالي حسين العباس:

ثم حدثت غوائل أخري فإن أعراب غزية في ناحية الشامية شوشوا الأمن و صاروا ينهبون القري و البلاد. فلما علم ذلك منهم سير إليهم حسين العباس أمير الموالي و كان آنئذ مع الوزير. جهز معه ثلة من الجيش. أما هؤلاء الأعراب فلم يستطيعوا المقاومة، فاستولي علي نحو من ألف أو ألفين من ابلهم …

و من هذا نعلم أن الموالي لا يزالون إلي هذا الحين أصحاب السلطة العشائرية القوية، و أن الحكومة تستعين بهم و تركن إلي قوّتهم في تأديب العشائر الأخري و في العراق لا تزال فرق منهم في أنحاء مختلفة.

هذه من طيي ء، من أكبر عشائر العراق. و اليوم استقل كل فرع من فروعها باسم خاص و ربما عادت الصلة غير معروفة لو لا المدونات التاريخية.

عشيرة بني جميل- زبيد:

عاثت عشيرة بني جميل في أطراف دجيل و كذا في مهروذ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 163

(مهروت) أعراب (زبيد) كانوا قد اعتادوا الغارة و النهب و علي هذا ذهب الوزير نفسه إليهم فعاقبهم بما يستحقون. و يقصد بأعراب زبيد (عشائر العزة). و هم من زبيد الأصغر و فروعهم كثيرة.

و عشيرة بني جميل. من العشائر القيسية. و لها فروع عديدة.

عشائر بني لام:

ظهر من بني لام اعتداء علي أطراف مندلي (بند نيجين). و لما اشتهر ذلك و تحقق ذهب الوزير نحوهم بما عنده من حاشية. و من عشائر البيات و باجلان. و كان الأعراب نحو خمسة آلاف أو ستة فلم يبال بهم.

و في أثناء المعركة و اشتدادها تزلزلت أقدام الأعراب و لم يقووا علي العراك. و لم تمض إلا أربع ساعات أو خمس حتي فرق شملهم فقتل من قتل و جرح من جرح، فأعادهم مقهورين. و رجع منتصرا …

رأي هذا الوزير أنه من سنين طويلة قد تسلّط العربان سواء في أنحاء بغداد أو حوالي البصرة فاختل نظام الدولة و فقدت السيطرة عليها فصارت تشوش الحالة و تضر بالأمن … فبذل خلال وزارته البالغة ثلاث سنوات أو أربعا مجهودات كبيرة. سعي سعيا حثيثا ليل نهار و تسلط علي القاصي و الداني. تولي تأديب هذه العشائر مرة بنفسه و أحيانا استعان برجاله.

و علي كل كانت همته مصروفة إلي ضبط الأمور و صيانة الضعفاء.

حوادث سنة 1109 ه- 1697 م

حالة البصرة:

إن الحوادث المارة تجعلنا نقطع بجلاء أن حكومة بغداد لم تتمكن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 164

من ضبط العشائر المجاورة فكيف تستطيع القضاء علي إمارة المنتفق بالبصرة.

و جل ما عرف من تاريخ راشد أن أخا الشيخ مانع و مثله كتخداه جعفر لم يتمكن من الحويزة و عاد مخذولا في حربه، و توالي الوهن في القوة و أن العربان الذين معه تفرقوا منه تدريجيا …

و أن الأهلين في البصرة و شيوخ العرب في انحائها أخبروا الوالي بهذه الحالة و طلبوا أن يجعل حسن باشا والي البصرة السابق واليا عليهم و أن ينقذهم قدموا محضرا بذلك. فلم يعتمد والي بغداد علي هذه الأخبار فأرسل درويش آغا كتخدا

الجيش الأهلي لاستطاع حقيقة الحالة. و لما عاد أبدي أن القرنة راغبة في التسليم و أن الشيخ ابن صبيح طلب قوة صغيرة فأرسل إليه ثلاثمائة من الجيش فسلم إليهم البلد و أخرج أعوان الشيخ مانع.

و أن أهل البصرة لا سيما سادات الرفاعية وردت الكتب منهم يلتمسون إرسال حسن باشا بألف جندي ليسلموا إليه المدينة.

أما الوالي فإنه ليس في استطاعته تجهيز ألف جندي، فتهرب من كل مصرف أو بالتعبير الأولي لم يتمكن من اخضاع العشائر التي بجهته فكيف يستطيع أن يجهز جيشا لهذه المهمة، فلم يهتم بكل هذا، و أضاع الفرصة.

و في هذه الحالة ورد سفير من أمير الحويزة فأبدي أنه يستطيع أن يستولي علي البصرة و يقدمها إلي الدولة و الظاهر أن الوالي أذن له. و من ثم لم يستطع الشيخ مانع دفعه فترك المدينة و استولي عليها أمير الحويزة، فصارت بيد المشعشعين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 165

مفاتيح البصرة:

و بعد ما مرّ من الحوادث من انتزاع أمير الحويزة المولي فرج اللّه البصرة من الشيخ مانع كان أخبر شاه ايران بذلك و حينما سمع لم يشأ أن يجدد حوادث الخصومة مع العثمانيين فأرسل رستم خان سفيرا إلي الترك فذهب إلي أدرنة. و بعد الاستراحة أياما معدودات واجه الصدر الأعظم و شيخ الإسلام، و أبدي أنه جاء بمفاتيح البصرة و الهدايا الوافرة.

ثم تكرّم بمواجهة السلطان و عرض كتاب الشاه مع الهدايا و بلغ ما أرسل من أجله فأبدي السلطان اللطف لهذا السفير و استأنس به و كساه و أتباعه الخلع.

حوادث سنة 1110 ه- 1698 م

حكومة الوزير إسماعيل باشا:

ولي بغداد في هذه السنة، و أن متسلّمه ورد في 2 ربيع الأول ثم جاء هو بعده بيوم أو يومين فقام بأعباء الادارة. و جاء في تاريخ راشد أن علي باشا عزل سنة 1109 ه إثر عودة رسول الشاه. و كان غضب عليه من جراء إهماله و تكاسله بحيث ترك البصرة حتي استولي عليها أمير الحويزة، و عهد إلي إسماعيل باشا بمنصب بغداد و كان والي مصر.

تأهبات جديدة علي البصرة:

و في هذه الأيام كان كل من والي حلب الوزير حسن باشا و والي ديار بكر الوزير يوسف باشا الچلبي في صحبة الوزير جاؤوا إلي حسن باشا والي البصرة السابق و كان آنئذ والي الموصل و دعوه لضبط حكومة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 166

البصرة و عين من جانب الحكومة مع هؤلاء مائة (بيرق) و أكثر من ألف ينگچري من نوع (سردن گيچدي) و نحو ألف من اللوند (اللاوند).

أرسل هذا الجيش إلي البصرة إلا أنه عاد مخذولا مقهورا فإن هذا الوزير جمّع الجيش و ذهب للزيارة في كربلاء فحصلت منه اعتداءات كثيرة. مدّ الجند أيديهم إلي النهب و عادوا بتلك الحالة. و حينئذ وردت رسائل عتاب و تقريع من حكومة ايران من جراء هذه الأعمال.

و الأغرب أن هذا الوزير حينما عزل عهد إليه بمنصب (وان) و لكنه استولي عليه الوهم من الدولة و خشي بطشها به ففر إلي أنحاء ايران و هناك أصابته أنواع النكبات فتوفي.

و مجمل القول إن خطة بغداد و مدينة البصرة قد مثلا أنواع الاعاجيب و الغرائب من سنة 1102 ه إلي 1111 ه و أن أحوال الناس اضطربت. تسلط العشائر علي الأنحاء استفادة من ضعف الدولة حتي أن الشيخ مانعا حينما استولي علي

البصرة لم يقدر علي ضبطها و حسن إدارتها و من ثم توصل أمير الحويزة (فرج اللّه) بطرائف الحيل و بلا حرب حتي استولي عليها.

ثم إن الدولة في هذه الأيام كانت مشغولة بمقارعات مع الحكومات الأجنبية المجاورة لها فكل ما قامت به من التجهيزات و المعدات للحرب لم تكن مجدية.

قال صاحب گلشن خلفا: فبقيت الأمور مرهونة بأوقاتها. و لما تم الصلح بين الدولة و الأجانب عطفت الهمة إلي جهة استعادة البصرة.

و قال إن العشر سنوات السابقة حدثت فيها حوادث مرّة لا تدعو للطمأنينة و الرغبة و إن تفصيلها لا طائل تحته فأغفلت أمرها.

و في ما ذكره كفاية لمعرفة الوضع، و حقيقة الإدارة. و كان الأولي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 167

به أن يدوّن ما جري من أنهم لم يستطيعوا في هذه الحالة توليد النظام أو تسكين راحة الخلق بالسيطرة علي الإدارة. و إنما قام المتغلبة من كل فج و هم لاهون.

المدرسة الإسماعيلية:

عرف جامع الخفافين أو (جامع الصاغة) قديما بمسجد الخظائر.

و في أيام سنان باشا جغاله زاده عمر مدرسة هذا الجامع. و في أيام إسماعيل باشا (سنة 1110 ه- 1111 ه) أعيدت عمارتها، و عرفت ب (الإسماعيلية). و ما قيل من أن مدرسة الإسماعيلية في (سوق الكبابية) فغير صحيح. فهناك (مدرسة الوفائية). و هذه قديمة ذكرها الشيخ سلطان الجبوري. كان كتب رسالة سنة 1118 ه في المدرسة الإسماعيلية كما جاء في مخطوطات الموصل.

و دامت هذه المدرسة إلي أيام علي باشا صاحب المدرسة العلية كما هو منطوق الأمر السامي المؤرخ سنة 1176 ه، بل بقيت معروفة بهذا الاسم إلي أن عمرها و جدد بناءها (آل الپاچه چي).

حوادث سنة 1111 ه 1699 م

الوزير مصطفي باشا:

عزل إسماعيل باشا من جراء أنه لم يستطع القيام بما هو مطلوب منه في حوادث بغداد و البصرة. و إنما قصّر في واجبه و بقيت الأمور علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 168

ما كانت عليه قبله مما دعا إلي عزله، فولي مكانه مصطفي باشا المشهور ب (دال طبان) و كان تربّي في دائرة قره مصطفي باشا ثم نال مناصب عديدة منها أنه صار آغا الينگچرية ثم ولي مراتب أخري حتي نقل من أدرنة إلي بغداد في ربيع الآخر و وصل متسلمه في غرة ذي القعدة، و جاء هو في أواسط ذي الحجة.

حوادث سنة 1112 ه 1700 م

استخلاص البصرة و القرنة:

إن الدولة كانت مشغولة بحروب طاحنة مع دول عديدة من الغربيين الأمر الذي دعا أن تهمل أمر بغداد و البصرة، و لم تلتفت إلي ما حدث من تغلب و تشوش، فكانت قضية البصرة و القرنة في درجة تالية من الاهتمام بل تركت إلي الوقت المرهون.

و في هذه الأيام زالت الغوائل فتوجهت أنظار الدولة إلي هذه المهمة من توطيد النظام و المهام الأخري فيها. اتخذت التدابير لذلك كله.

و في أواسط المحرم ورد الفرمان بلزوم استخلاص البصرة و القرنة من أيدي المتغلبة و إعادتهما إلي حوزة الدولة و أن يعهد بانضمام ايالة البصرة إلي حلب الشهباء و إيداعهما إلي والي بغداد السابق علي باشا.

و عيّن قائد الحملة و أن يكون معه محافظ آمد الوزير محمد باشا و أمراء الألوية و جيش الحرس و محافظ شهرزور يوسف باشا، و والي سيواس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 169

جامع الخاصكي ببغداد- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 170

مصطفي باشا و والي قره مان أيوب باشا و متصرف پيره جك علي باشا و متصرف

أماسية محمد باشا مع من في ايالتهم من زعماء و أرباب تيمار و حرس … و أمير العمادية و من معه من فرسان و مشاة، و أمراء عينتاب و مرعش، و ايالة حلب و كتخدا الجيش مع ثماني عشرة أورطة من ينگچرية الباب العالي مع كتخدائية السپاه و السلحدارية و نحو ألف من شجعان (سردنگچدي) من الترقية و خمسمائة أو ستمائة من الجبه جية و المدفعية و العرباتية و كتخدائية الباب العالي. و كذا خمس الجيش الأهلي في بغداد، و أمراء بدرة و باجلان و البيات و عشائر الكرد الفرسان … عيّن هؤلاء. و أمدوا بذخائر و أرزاق من الرقة و ديار بكر و من الموصل و بالنقود من بعض البلاد الأخري النائية.

و كانت الدولة قبل هذا قد عينت محمد باشا آشچي زاده للقيام بإعداد أسطول في (پيره جك) لمهمة الجيش و نقل أرزاقه فأكملت.

ثم إن والي حلب كان في محافظة بغداد منذ سنة و لا يزال في سفر طول هذه المدة. فعين لمحافظة الحلة و أبقي محافظ الموصل الوزير يوسف باشا الچلبي. و كان متصرف أماسية محمد باشا عين للقيام بهذه المهمة فظهر منه بعض التكاسل فتوقف بضعة أيام في الموصل. و لما علمت الدولة بذلك أنفذت فرمانا يقضي بإعدامه و دفن بمقبرة الإمام الأعظم.

إن حل هذه المشكلة أقصي ما كان يبتغيه السلطان. فأمر بسوق العساكر و تعيّن موعد القيام بالأمر و الاستيلاء علي الأعراب ممن تحصّن في الاهوار و ضبط مقاطعات الجزائر و أما الفرات و دجلة فإن سفائن التجار و سائر أرباب المنافع و المصالح ظاهرة الاستفادة و الحاجة إليها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 171

كثيرة أمر السلطان بإنشاء مقدار مائة

و عشرين سفينة بين كبيرة و صغيرة في ميناء (پيره جك) و سير نحو 4200 من اللوندات و جهّزهم بنحو 420 مدفعا من نوع (قوغوش) و ب (300) مدفع من نوع (يان صاچمه) و أربع قطع من مدافع هاون المسماة (خميره) فجدّدها و عيّنها و هناك مدافع أخري منها 15 من نوع (باليمز) و أكثر من 30 من نوع (شاهيّة). و أعد كل ما يقتضي من آلات و أدوات و هيأ اللوازم من صغيرة و كبيرة. حملها السفن و استخدم لها محمد باشا و كان ربانيا ماهرا و سيّر معه أرزاقا وافية فتوجه من طريق الفرات. و زود بالأوامر لمن يهمه.

صناديق اضرحة:

و في هذه الأيام ورد كتاب من والي كرمنشاه (قرميسين) إلي الوزير مع قاصد منه يفيد أن حضرة الشاه بإذن من السلطان صنع صندوقين لضريحي الإمام علي الهادي و الإمام حسن العسكري. و أن الجبه دار محمود آغا قد عيّن لإيصالهما … و بعد مدة جاء كتاب آخر يتضمن أنه توجّه حاملا الفرمان و الكتاب المرسل إلي الوزير و معه آغا لتأمين راحته فوضع الصندوقين مع بابين نفيسين في محلّهما من الاضرحة.

توارد الجيوش- الأمر بالسفر:

تواردت الجنود. فضربت خيامها في صحراء بغداد. و كان الجيش و الأمراء مهيّأون للحرب. و بينا هم كذلك إذ ورد نديم السلطان (بلال آغا) حاملا الخط الهمايوني يؤكد فيه مهام القيادة (امارة الجيش) و أمر الوزراء و سائر الأمراء و جميع العساكر أن يسيروا إلي الحرب.

و لما تأكد لزوم السفر عقد أهل الرأي مجلسا قرروا فيه الذهاب من طريق دجلة بالنظر لقرب حلول الشتاء. و في 2 رجب ضرب كتخدا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 172

الجيش الأهلي و ينگچرية الباب العالي خيامهم في صحراء الباب الشرقي. و في 7 منه نهض السردار الأكرم والي بغداد و سائر الوزراء و الأمراء. تجمعوا في ذلك المحل.

و كان السردار قد صنع في بغداد جملة من السفن من نوع (فرقته) تربو علي الأربعين و نحو 300 سفينة عادية مكشوفة. وضعت فيها المهمات و الأرزاق.

و الملحوظ أن الينگچرية كانوا خرجوا مع من خرج للتأهب إلي الحرب و لكنهم بلا موجب طلبوا الأرزاق و العلوفة بلا سبب فتجاوزوا الحد، فأغلقت بغداد ثلاثة أيام من جراء ما أثاروا من فتنة، و أطلقوا نيران المدافع علي سراي الوالي فأهلكوا الكثيرين و سلبوا الأمن و شوشوا الحالة. و بتوسط المصلحين أرضوهم

بحسن تدبير. و هكذا طلب لوندات السردار أرزاقهم و علوفاتهم فحاول الوزير ارضاءهم و تطبيب خواطرهم فلم يصغوا فاضطر علي حربهم فبعث عليهم لوندات المشاة فحاربوهم و فرقوهم بتدمير.

هذه أوضاع الجيش و منها يدرك ما آلت إليه الحالة من سوء.

تفصيل حادث البصرة:

إن الشيخ مانعا كان استولي علي البصرة و إن أمير الحويزة أخرجه و انتزع منه المدينة. أعلم بذلك الشاه و عرض ما وقع ثم إن الشاه فكر في الأمر كثيرا و بعد تلوم ثلاثة أشهر أو أربعة و تأمل في القضية قطع بأن لا طريق سوي مراعاة الصلح القديم فأكد بكتاب منه روابط الاخلاص و قدم مفاتيح المدينة مصنوعة من الذهب من العيار الكامل مع أحد الأمراء المعتبرين و هو (أبو المعصوم خان) فعرضها علي السلطان. جاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 173

هذا الخان بمهمّة السفارة و رجا أن تجدد الصناديق لحضرات الأئمة المشار إليهم من جانب الشاه. فوافق السلطان و صدر الإذن بذلك، و إن ولاة بغداد أيضا ساروا طبق الفرمان و سارعوا في الأمر.

ورود السفن الحربية:

و في 4 شعبان ورد الخبر بوصول السفن الحربية من طريق الفرات إلي جبّة. و كان عهد بذلك إلي محافظ البصرة الوزير علي باشا و الدفتري الجديد. فهؤلاء التحقوا بالجيش …

و أما والي شهرزور الوزير يوسف باشا، و متصرف سيواس مصطفي باشا فقد عيّنا في مقدمة الجيش و والي قرمان أيوب باشا في مؤخرة الجيش كما أنه قد نبّه كتخدا الجيش الأهلي وينگچرية الباب العالي أن يمضوا سوية.

و في 8 شعبان وصلت السفن الحربية إلي شاطي ء الرضوانية فرست هناك. و قد كتب إلي محمد باشا القبودان فدعي إلي بغداد.

و لما تمت التأهبات الحربية و حملت المؤونة و المعدات الحربية في السفن نهض الجيش يوم السبت 19 شعبان و عبر جسر ديالي و نزلت العساكر في الجانب الآخر منه (الشرقي).

و في هذه الأثناء ورد محمد باشا القبطان (قپودان) مع ثلاثة أو أربعة من أعوانه. و بعد المواجهة عهد إليه

بالحلة فذهب إليها توا.

و إن (الجبه دار) أنهي أمره و عاد إلي بغداد فحرر له الجواب علي كتاب الشاه و سلم إليه و أوعز إلي متسلّم بغداد بالقيام بما اقتضي.

و أيضا عاد بلال آغا مصاحب السلطان بعد أن حصل علي مراده.

و في طريق العساكر كانت الأرض خصبة و فيها من الزروع ما يكفي لاقتيات الخيل … فالأسباب كانت مهيأة. و لذا لم تر الجنود كلفة، بل ساروا في طريقهم بكمال الراحة و الطمأنينة فلم يصب أحدا ملل.

و في أثناء سيرهم و وصولهم إلي شط زكية في محل بقرب من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 174

القرنة نحو مرحلتين ورد كتاب و قاصد من داود خان أمير البصرة ففتح و اجتمع الأمراء و قري ء علنا بمحضرهم فوجد مطولا خرج به كثيرا عن الصدد فأجابه الوزير بكتاب حرر صاحب گلشن خلفا مسودته، مؤدّاه أن قوتنا كافية لضبط البصرة و أن الدولة إنما تأخرت لاسباب حربية كانت مع الأعداء و لما كان كتابكم مبهما فالمطلوب أن توضحوا غرضكم و تفيدونا علي عجل لنقوم بما أمرنا.

ثم إن الوزير أرسل هذا الكتاب مع من اعتمد عليه من الآغوات و ذهب بصحبة الخان الذي أتي بالكتاب.

و في هذه الأيام جاء من القرنة الضابط عبد الرحيم و دخل الفيلق فواجه القائد و طلب أن يرسل معتمده ليسلم إليه البلدة فعهد إلي أحد آغواته بذلك و أرسل معه المقدار الكافي من الأفراد لضبطها فتم له و أمن جند العجم الذين كانوا فيها. و من هناك ركبوا السفن دون أن يحصل أي تعرض و ساروا. و كذا أهل القرنة لم يتعرض لهم بسوء و لم يقع اعتداء علي واحد منهم قام بهذه المهمة (محمد

آغا الخاصكي) من ينگچرية الباب العالي و معه ثلاث أورطات فشكر الأهلون صنيع الآغا بهم.

أما أهل البصرة فإنهم حينما سمعوا بذلك أنسوا و أبدوا الطاعة قبل أن يأتي إليهم أحد. و كان استيلاء الجيش علي القرنة في 19 شهر رمضان سنة 1112 ه فنزل الفيلق بلا حرب و لا جدال و حينئذ عيّن محمد آغا الخاصكي لمحافظتها و جعل معه ست اورطات من ينگچرية الباب العالي للحراسة.

ثم إن الآغا المرسل إلي البصرة أخبر (داود خان) بحقيقة الحال كما أن الخان المرسل منه اطلع علي الأمر. و حينئذ أرسل داود خان كتابا أول فيه الكلمات و قرر لزوم تسليم المدينة فطلب المهلة للخروج منها. و لما كان في ثغر الحدود قرية يقال لها (الدورق) علم أن فيها جماعة من العجم يبلغون نحو أربعين ألفا لم يمهلوا طويلا فعبر العسكر (شط العرب) و عرفوا بأن يتداركوا أمورهم و ليخلوا المدينة. و كتب إليهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 175

كتابا بذلك. و عهد إلي متسلم البصرة من جانب محافظها علي باشا ليقوم بالأمر.

ثم عبروا شط العرب و توجه الوزير علي باشا إلي جهة البصرة.

و حينئذ سمع أميرها (داود خان) و كان في محل (مقام علي) [1] تجاه قرية

______________________________

[1] مقام علي هذا هو (مشهد العشار) شاع غلطا بهذا الاسم، و هو قريب من فم نهر العشار المعروف قديما ب (نهر الابلة). و في عجائب البلدان و دائرة معارف البستاني ما يوضح.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 176

كردلان من جانب البصرة. ركب سفينة و أخذ معه باقي الايرانيين و ذهب إلي مملكته سوي أن هذا الخان كان مريضا، فلم يصل إلي منتصف شط العرب حتي توفي. و جاء

تاريخه (موت داود خان) سنة 1112 ه.

و البصرة كان استولي عليها الشيخ مانع أمير المنتفق في أواخر سنة 1106 ه. و في شهر رمضان من سنة 1108 ه استولي عليها أمير الحويزة المولي فرج اللّه و لما أخبر الشاه لم يرض بعمله، و ضبط المدينة و عيّن لها داود خان واليا إلي أن تتسلمها الدولة العثمانية منه. و في شهر رمضان سنة 1112 ه عادت إلي الدولة و دخلت في حوزتها.

و كان قد بني العجم في الجانب الشرقي من البصرة قلعة جديدة في محل يقال له (كردلان) فعين للمحافظة عليها نحو مائة نفر من جيش القرنة و وضع فيها مدفعان و هذه لا تزال قرية معمورة من قري ناحية (شط العرب) و مركز هذه الناحية (تنومة). و كردلان معناها (مأوي التل) فسميت كذلك.

هذا و لوحظ انضباط البصرة و انتظامها فتمكن و اليها و حصل له ما يريد فعاد الوزير إلي القرنة …

و كان نصب محمد آغا الخاصكي لمحافظة القرنة كما تقدم. وضع هناك 1400 من الجند من ينگچرية الباب العالي و هم ست أورطات فأعطي لهم قسط من المواجب و الأرزاق عن ثمانية أشهر و أبقوا في خدمة المحافظة. و من الينگچرية الجيش الأهلي و المتطوعون و العزب و المستحفظون و الجبه جية و المدفعية و الكتاب و عرفاء الديوان و الكل جمعا 1767 نفرا و قد أبقي فيها من حرس الوزراء و الأمراء حسب الرغبة و الطلب فسجّلوا و عمرت القلعة و وفرت المؤونة من المعدات و أكمل جميع ما تحتاجه القلعة.

و لما كانت ايالة البصرة من البلاد الحارة اقتضت العودة نظرا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 177

لإقبال موسم الصيف. و في 14

شوال يوم الخميس رحلت العساكر من القرنة. و علي هذا عبروا أنهارا متعددة و طووا صحاري و قطعوا براري حتي نزلوا قصبة مندلي (بندنيجين) و فيها توفي أيوب باشا و دفن قرب قبر (نبي توران) و بعد عدة مراحل نزل الفيلق في الجانب الآخر من ديالي.

نصب جسرا فتوالي عليه عبور العساكر.

و بينا الجيش يعبر إذ ورد في تلك الليلة حسن آغا من حجاب الباب العالي بفرمان في قتل محمد باشا والي ديار بكر. فقضي عليه و دفن في مقبرة حضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني. و لم يعلم السبب.

و المعلوم أنه لم تكن له معاملة حسنة مع القائد و لا مع بعض متولي الأمور و بناء علي شكاية هؤلاء و إنهائهم أمر السلطان كما طلب.

ثم إن الوزير القائد دخل بغداد في 15 ذي القعدة و من ثم عاد الأمراء و الوزراء إلي مواطنهم رويدا رويدا.

عشائر بني لام:

إن شيخها (عبد الشاه) أبدي الطاعة للدولة، و بين أنه حاضر للخدمة، و أن عشائره تبلغ نحو (20) الفا. أدرك القائد خدعته و أنه يحاول معرفة القوة فلما علم أنها فائقة أذعن بالطاعة و قدم نفسه للمعاونة فقال له القائد لا حاجة لنا إلا أن تخلص للدولة و تكف عن سابق أفعالك و إلا دمرناك. و لما أظهر الاخلاص استخدمته الدولة للتعريف بالطرق و ألبس الخلعة و تعهد بالانقياد و الطاعة. و من ثم أعلم العشائر الأخري فجاء شيوخها و طلبوا الأمان و العفو و أخذت رهائن منهم فكتبت لهم خطوط الأمان.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 178

نهر ذياب:

نهر الفرات يمضي من شمال الحلة فيتوجه نحو الشرق فيمر بالرماحية و ب (خالد كبشة) و حسكة و السماوة. يجتاز هذه النواحي فيصل إلي الجزائر ثم يختلط بدجلة في شط العرب. و كان من زمن بعيد يجري كذلك بهذه الصورة … و في سنة (1100 ه) فما بعدها صار يقوي جريانه في النهر المتشعب من الفرات المسمي ب (نهر ذياب) الواقع في غربي قصبة الرماحية ببعد أربع ساعات و في المثل العامي (طلعة نهر ذياب). و هذا يقوي جريانه عند نهر حسكة. و قبل هذا التاريخ لم يكن بهذه السعة و كان من السهل اتخاذ سد له و إيقافه عند حده و لكن أهمل فلم يهتم أحد به و إن الذين يرغبون في سده لم يقدروا عليه فلم تتيسر الاستفادة منه. و ما زال هذا النهر يتوسع يوما فيوما حتي اكتسب سعة فائقة فمال شط الفرات إليه فتعذر سدّه فصار مضرب المثل. و هناك حدثت أنواع الاهوار و الجزائر حتي أن بعض النواحي صارت معرضة لخطر

الغرق كما أن البعض الآخر منها بقي غير مزروع بسبب انقطاع المياه.

العشائر في هذه الأنحاء:

قالوا: جبل العربان علي العصيان فصاروا يتحصنون في تلك الأهوار و الجزائر و يمتنعون عن اداء الميري. و بعض الضرائب تزايدت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 179

فعادت لا تطاق فاضطر بعض العشائر إلي الانضواء إلي تلك.

اغتنموا الفرصة، فخرجوا عن الطاعة. لا يرضخون للحكومة في تأدية التكاليف.

نري العشائر و الحكومة بين الافراط و التفريط.

سلمان بن عباس الخزعلي:

و من هؤلاء الشيخ سلمان بن عبّاس الخزعلي لم يذعن بل ضبط مقاطعات (الرماحية)، و (خالد كبشة)، و (حسكة)، و (بني مالك)، و (نهر الشاه) حتي أنه لم يكتف بكل ذلك بل استولي علي (النجف الأشرف).

جهز ولاة بغداد عليه مرتين أو ثلاثا فلم يتمكنوا من اخضاعه. خسروا أموالا طائلة. فعادوا بالخيبة.

أما الشيخ سلمان فإنه اكتسب ثروة، و قدرة. و بهذا صار كل واحد من رؤساء العشائر يدعي الاستقلال و يتطاول علي القري و النواحي.

فأصاب أبناء السبيل أنواع الأضرار. و صاروا يأخذون ضريبة يسمونها (التسيار) أي مبالغ معينة يفرضونها، يسلمها المارة لرئيس العشيرة صاحب النفوذ، أو أن قوة من الجيش تدرب هؤلاء و تمضي بهم للمحافظة. و إلا فلا يمكن اجتياز خطر هؤلاء.

الخزاعل و الحلة:

لم يكتف الشيخ سلمان الخزعلي بكل ذلك بل جمع جيوشا من الاعراب و حشد أصنافا حاصروا الحلة بقصد الاستيلاء عليها. و لذا تدارك الوزير جيشا من بغداد أرسله إليها يتألف من ينگچرية الباب العالي، و من الجنود الجدد (سردن كچدي) فأزيح المذكور. و كان الأهلون احتاطوا للأمر فبنوا في أطراف الحلة سورا و تأهبوا للطواري ء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 180

فلم يفلح الخزعلي في هجومه علي البلدة و لم يتمكن من ضبطها.

حوادث سنة 1113 ه 1701 م

تأهبات جديدة:

إن عمل الشيخ سلمان و استيلاء العربان علي الأطراف كل هذا مما شل يد الحكومة و قلل من الضرائب فأدي إلي قلة (العلوفة) و مرتبات الكتاب. فعرض الأمر علي الدولة مرارا. فكان جل ما فعلته أن أصدرت أمرها في أوائل ربيع الأول يقضي بلزوم سد (نهر ذياب) و أن يؤسس النظام في تلك الأنحاء و أن يضرب علي أيدي البغاة. أمدت الدولة بغداد بمقدار من المبالغ و عنيت بأمر السفن و وجهت محافظ كوتاهية الوزير عبدي باشا و محافظ ديار بكر الوزير يوسف باشا و محافظ الموصل الوزير ابراهيم باشا و والي شهرزور الوزير يوسف باشا و متصرف لواء كوي (كويسنجق) التابع لولاية شهرزور (علي باشا) و كتخدا جيش بغداد وينگچرية الباب العالي و عساكر البلاد المذكورة قياما بهذا الأمر و جمعت اللوازم من بغداد و الحلة لسد هذا النهر فأعدت للعمل. و كذا توارد الأمراء و العساكر تدريجا.

ثم إن الوزير دعا والد سلمان الخزعلي (عباسا) للطاعة، نصحه بكتاب بعثه إليه و حذره من نتائج الاصرار و ما تجر إليه الحالة كما رغبه من أخري فلم يجب و إنما أجاب ابنه سلمان بكلمات يشم منها الغرور و التعند.

و لما تم جمع العساكر

ورد الفرمان بلزوم السفر و حرض الأمراء علي القضاء علي هذه الغائلة. فنهض الجيش من الكرخ في 6 رجب يوم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 181

الثلاثاء فقطع المراحل حتي وصل إلي قريب من النهر إلي مرقد (عون بن علي) المعروف.

أما سلمان الخزعلي فإنه علم بوصول العساكر فجمع أطرافه القريبة و البعيدة و دعا العشائر. عدا من كان لديه من الخيالة و المشاة فصار يقسر الناس علي الحرب، و كذا وصل مدده من العشائر البعيدة و كان يأمل أن يسد طريق العسكر و يقطع خط رجعتهم. و بهذا الأمل حشد ما يربو علي الأربعين ألفا بين مشاة و فرسان. هيأهم للوقيعة فعلم الوزير بذلك.

و في اليوم التالي نهض الجيش من موطنه. يسير باحتراس و توقّع للطواري ء من كل الجهات، و كان أمل العشائر أن لا يقابلوا الجيش في هذا المنزل. و لما نزل قرب هذا النهر بنحو ثلاث ساعات أو أربع.

شغل بتنزيل الاثقال و تهيئة ما يلزم. و بينا أصحاب الخيل علي ظهور خيولهم قد شوهد أن سلمان الخزعلي حشد المشاة بين الأدغال في محل ضيق و صاروا يطلقون البنادق علي الجيش. عبأوا المشاة و كذا الخيالة و ظهروا علي حين غرة. هاجموا هجوما عنيفا. فبدوا من وراء الستار.

و حينئذ قابلهم الجيش و اشتبكوا في القتال و بينا هم كذلك إذ سمعوا دوي المدفع كالرعد القاصف فرقوا شملهم و انتشروا كالجراد و حينئذ تولاهم الجيش من جميع جهاتهم و صاروا طعما للسيوف و ولي سلمان الخزعلي الادبار. تعقبوا أثرهم ساعة أو ساعتين و نكلوا بهم تنكيلا مرا فعادوا منتصرين.

أوقع هذا الحادث في قلوب الاعراب الاضطراب و ولد الخوف و الهلع في نفوسهم. و بعضهم كان

مكرها فأسرع بالطاعة و مال إلي الانقياد. هكذا قالوا.

ثم إن الجيش بقي يومين في ذلك المحل فرحل عنه و نزل عند النهر الجديد المراد حفره و حينئذ مسحوه فتبين أن طوله 5170 ذراعا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 182

و عرضه 120 ذراعا و عمقه 20 ذراعا. فشرعوا بالحفر. و أعطي كل فريق ما يلزم له من المساحي. و كذا ما يحتاج إليه من قزمات و غرائر و هزز بدأوا في 22 شهر رجب و امتد العمل إلي 48 يوما، و في 12 شهر رمضان فتحوا السد بين النهر الجديد و بين الشط. و فتح المجري. و لما كانت الأرض يابسة و النهر عظيما بقي الاتصال بمجراه القديم فلم يجد الحفر نفعا بالرغم مما صرف من جهود فلم ينجح.

جاء في هذا المحضر بيان جهودهم المبذولة إلا أنها لم تثمر.

قدموا المحضر و نهضوا من مكانهم في غرة ذي القعدة راجعين إلي بغداد.

وصل المحضر إلي القائد فعين ضابطا في الحسكة و محافظا و رحلوا جميعا من طريق النجف و كربلاء إلي بغداد.

و في أواخر هذا الشهر ورد كتاب من ضابط الحسكة ينبي ء أن سلمان الخزعلي جاء إلي تلك الانحاء، و طلب المدد من الوزير فلم يصل إليه في حينه. فتقدم سلمان و استولي علي تلك الجهة.

حوادث سنة 1114 ه- 1702 م

أحوال بغداد- عزل الوزير:

في هذا الحين جاء الأمر إلي الوزراء بذهاب كل إلي محله. و في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 183

14 صفر عزل الوزير فأقام بضعة أيام بقرب الأعظمية فذهب إلي استنبول فوجهت إليه الصدارة في ربيع الآخر و توفي في شهر رمضان. و هو شجيع غيور. له همة عالية. كتب رامي باشا رسالة سماها (اصطلاحات دالطبانية) تتضمن غلطاته اللغوية.

و كانت مدة

حكمه سنتين و أربعة أشهر. ولي بغداد في ربيع الآخر سنة 1111 ه.

الوزير يوسف باشا:

هذا الوزير حنكته التجارب. و هو عارف بالأحوال متحلّ بالاخلاق الجميلة و لائق من كل وجه. و لما عاد من سد نهر ذياب كان في منصب ديار بكر و بقي في بغداد ينتظر جواب المحضر. و من ثم عهد إليه بمنصب بغداد فشرع في ادارة المملكة و تنظيم الحالة. بذل جهودا كبيرة في هذا السبيل.

زلزال و ريح سموم:

و في 20 صفر حدث زلزال في بغداد و أعقبه ريح السموم.

تخفيف الضرائب و بيع المقاطعات:

و في 21 ربيع الآخر وردت الفرامين بلزوم تخفيف الرسوم. و رفع البدع المحدثة، و أن تباع المقاطعات فتم ذلك و بوشر ببيع الاملاك.

يوضح هذا أن السلطان أمر بإصلاح خزانة بغداد و أن تمضي علي نظام و نصب محمد الدري من كتاب الديوان (دفتريّا) فقام بتنظيمها و رفع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 184

الرسوم المحدثة و البدع و جعل للجيش الأهلي لكل من صنف اليمين و صنف اليسار أربعمائة نفر و رتب عليهم رئيس حجاب و قرر لكل صنف مائتي أقچة أرزاقا ونصب (آغا) لكل منهما و رتب لآغواتهم أربعة آلاف قرش مصاريف سفرية.

الخزاعل:

و في أواسط رجب ورد الفرمان إلي الوزير بتولي امارة الجيش فنصب خيامه في الجانب الغربي. و صار ينتظر ورود العساكر المأمورة و أن يؤلف الجيش المتطوع فأرسلت الدولة آغوات و بوشر بقيد ما يلزم من الجنود و أن الضباط الجدد وردوا بغداد في 5 شعبان. نزلوا حول فيلق الوزير.

و جاء بغداد للغرض نفسه كل من محافظ ديار بكر الوزير حسن باشا و والي قرمان علي باشا و والي الموصل يوسف باشا. وردوا بعساكرهم و حجابهم و سائر أتباعهم، فاحتشد الجميع في الجانب الغربي.

عزم الكل علي حرب سلمان الخزعلي. أما هذ الشيخ فإنه ركن إلي الخدعة. فأرسل ابنه رهنا و أرسل والده عباسا الخزعلي و أبدي أنه يؤدي الضرائب لناحية حسكة كل سنة و طلب الأمان و بتوسط منلا بغداد (القاضي) قبل مطلوبه و ترك أمر حربه.

حوادث سنة 1115 ه- 1703 م

ميزانية بغداد- قلمية الوالي:

في 5 ربيع الأول ورد دفتري جديد عمل ميزانية الخزانة في الوارد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 185

و المصروف و تعيّنت قلمية الوالي. أتي بالدفاتر من جانب الدولة و لما لم تساعد المالية حرر له نحو خمسمائة جندي لكل من متطوعي اليمين و اليسار مجددا فبلغوا ألف نسمة و سرّح ما زاد. و في 25 من شهر ربيع الآخر ورد الفرمان بمنصب البصرة إلي محمد باشا القبطان و بمنصب بغداد إلي الوزير علي باشا والي البصرة.

ثم أحدثت في الدولة بعض تبدلات فأعيد والي بغداد الوزير يوسف باشا إلي وزارته و أقر كل في محله …

و لما علم أن المتسلم من جانب الوزير علي باشا وصل إلي مندلي (بندنيجين) كتب الوزير في بغداد إليه كتابا بلزوم عودته فعاد و لكن الوزير علي باشا لم يصغ إلي هذا القول

و إنما أعاده إلي بغداد و سار هو من البصرة متوجها إليها.

و الملحوظ أن محمد باشا صدر الفرمان بولايته البصرة و يسمّي (آشجي محمد باشا) و نبّه بلزوم أخذ الاسطول، لتأمين الحالة في مسقط من البرتغال في حرب السواحل العربية. و جاء ذكر للفرقته و عددها و القليونات التي يجب أن يتخذها إلا أننا لم نر نتيجة، و لم يظهر أثر.

عزل الوالي- الوزير الجديد:

كان الوزير يوسف باشا عزل ثم ورد الوالي الجديد علي باشا و نزل بالقرب من الأعظيمة. جاء المتسلم الجديد في 21 جمادي الثانية ثم ورد هو بنفسه بعد أربعة أيام أو خمسة و نزل دار الحكومة و أن الوالي السابق ذهب إلي استنبول. و في هذا ما فيه من اضطراب في أصل الدولة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 186

الوزير علي باشا:

ولي وزارة بغداد للمرة الثانية. و كان موصوفا بالدروشة، واسع الخلق مشتهرا بالصلاح، عفيف الذيل و هو فارس مشهور، بذل جهوده في استقرار الحالة. كان ممتطيا جواده دوما، يتجوّل، فأبدي قدرة.

و جلّ همه أن يقضي علي أعمال أهل الشرور.

و في هذه المرة طالت حكومته أكثر.

حوادث سنة 1116 ه- 1704 م

والي البصرة:

و في أوائل هذه السنة أبدي والي البصرة محمد باشا القبطان شدة في حكومته تجرأ علي الناس، ولم يتحاش من أحد. و في أواخر هذه السنة توفي و كان لازم الفراش بضعة أيام ورد بذلك محضر إلي الوزير فأعلم دولته. و حينئذ عهد إليه بمنصب البصرة و عهد بولاية بغداد إلي الوزير حسن باشا والي ديار بكر. و كان ورد إليها في حادثة نهر ذياب.

ابتدأت حكومة الوزير السابق في 21 جمادي الثانية من سنة 1115 ه و انتهت في 13 صفر من سنة 1116 ه.

وقائع بغداد:

إلي آخر أيام هذا الوزير علي باشا مضت حقبة كانت فيها أعمال الولاة مجملة لقلة ما قاموا به كما أن المصادر لم تكشف عنها. فالوثائق التاريخية المعاصرة و التواريخ الرسمية لم نجد فيها وضوحا و إن كانت أوسع من العهد السابق. و جل ما عرفنا أنهم لم يعملوا عملا يذكر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 187

لم تفسح الدولة المجال لهؤلاء الولاة ليستقلوا بالادارة. و مع هذا كانت بعيدة و تابعة لمواهب الولاة. تحسن مرة و تسوء مرات.

و يصح أن نعدّ الأيام التالية خاتمة للحكم المباشر للدولة و فيها سعة في السلطة و الخير للعراق أن يؤسس فيه النظام، و تتمكن الطمأنينة.

إن بقاء العراق تابعا لعاصمة الدولة أضرّ به من جهة، و كلف الدولة كلفا زائدة. و لعلّ أهم سبب في ذلك وقائع بكر صوباشي، و العلاقات الايرانية، و سوء الادارة و الاشتباه من أعمال الولاة، و اضطراب أصل الدولة.

و عندنا الادارة مصغرة من تشكيلات الدولة لا تعرف سوي ما عندها، و لم تدرك تثبيت ما عندنا و الجري بموجبه فكل هذا مما دعا للنفرة و عدم المألوفية.

إن صفة الحكم

المباشر لم تزايل هذه الإدارة و إن كانت بدت أوصاف جديدة في (توسيع الإدارة) فهي تابعة لمواهب الوزراء و ما فيهم من قدرة.

عهد جديد أو أيام سبعة وزراء

حصل تجدد في الإدارة في هذا العهد غير مقصود من الدولة.

و إنما تيسر للوزير حسن باشا و ابنه أحمد باشا ما لم يتيسر لأحد قبلهما من حسن التنظيم. و لحق بهما إدارة وزراء آخرين بلغ الكل (سبعة وزراء). كنت أفردت كتابا خاصا بهؤلاء سميته (تاريخ سبعة وزراء)، و هو تال لما مرّ بيانه إلا أني اخترت أن أوحدهما. و هنا أشير إلي أن هذا العهد يمتاز بحنكة في الإدارة لو لا أن آخره تشوش و اضطربت فيه الحالة أيام نادر شاه و هجومه المتوالي علي العراق و أيام نزوع المماليك إلي الإدارة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 188

الوزير حسن باشا

و يعرف هذا الوزير ب (حسن باشا الجديد). و الأيوبي و محلة (جديد حسن باشا) باسمه، و كذا جامع السراي و هو الجامع السليماني سمي باسمه فقيل (جامع جديد حسن باشا). عهد بالوزارة إليه في 13 صفر و اشتهر بالقدرة و حسن الإدارة. و أول من أفرد له مناقب خاصة به (يوسف المولوي) شيخ المولوية ببغداد، و سمي هذه المناقب ب (قويم الفرج بعد الشدة) أو (السيرة المولوية في المناقب الحسنية). و ذكر صاحب گلشن خلفا وقائعه مفصلا. و أوسع من كتب (الشيخ عبد الرحمن السويدي) في كتابه (حديقة الزوراء في تاريخ الوزراء) ترجمه و ابنه أحمد باشا. ثم جاء صاحب دوحة الوزراء و ذكر أحواله، و هكذا جاء ذكره في (تاريخ نشاطي) و في التواريخ الرسمية للدولة.

أثنوا عليه، و أبدوا حنكته و مهارته في الإدارة و الحروب. توسعوا في حياته. حدث في عهده هدوء و طمأنينة. و كان العراق في أشد الحاجة إليهما. فأزال الاضطراب، و قضي علي التغلب.

و أصله من محل قريب من بلدة

(دبرة)، سكن مع والده قصبة (قترين). و في سنة 1109 ه نال وزارة و ولي مناصب عديدة منها منصب الرها فانتصر علي الموالي رؤساء طيي ء. و في سنة 1114 ه ولي آمد (ديار بكر)، فأطاعته عشائر (الملية) من الكرد.

و في 13 صفر سنة 1116 ه ولي بغداد و فيها بدت مواهبه، و تجلت أعماله، فنال شهرة ذائعة، و في حديقة الزوراء ولي بغداد سنة 1117 ه.

و ليس بصواب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 189

أحوال بغداد:

لم تهدأ بغداد إلا بدخول السلطان مراد الرابع. و الولاة حالهم ما ذكرنا. و في سنة 1101 ه حدث الطاعون، فبدّل الحالة و شوش الإدارة أكثر. فظهرت الفتن و تغلبت العشائر، فاضطربت الأوضاع. و من ثم جاء هذا الوزير بغداد، فكانت أيامه من خير العهود. كان استطلع الأحوال، و عرف الشي ء الكثير قبل أن يصل إليها بل اتصل بها اتصالا مباشرا فأسس النظام داخلها، و توجه إلي الخارج، فتسلط عليه بقوة. راعي الحزم و أبدي المصلحة. توضح ذلك كله من وقائعه المتوالية. و في أيامه تنفس الأهلون الصعداء. بدأ الإصلاح فنجح. و للدولة اهتمام بأمر بغداد لبعدها عن العاصمة، و لمجاورتها ايران. و من أهم ما قام به أن وجه آماله نحو التسلط علي العشائر، فكانت سيطرته قاهرة. أرضت الدولة بالرغم من قسوتها.

عشائر الغرير و الشهوان:

قالوا: كانوا أشد ضررا. عاثوا في طريق كركوك و الموصل.

و قطعوا السبل، فلم يدعوا قرية عامرة حتي انتهبوها. طار شرهم إلي أنحاء ديار بكر. عجزت الدولة عن مقارعتهم مدة، فاحتاط الوزير للأمر. و أعدّ له عدته، فاتخذ بعض الوقائع منهم وسيلة. كانوا انتهبوا (كلكا) ورد من الموصل و كذا قطعوا طريق كركوك، فتجمعت الأسباب.

جهز الوزير جيشا لجبا نحوهم، فلما سمعوا بذلك أرسلوا مائتي فارس بالهدايا، و أبدوا أنهم علي الطاعة، و كذبوا ما نسب إليهم تكذيبا باتا، و قالوا: نتعهد بحفظ الطريق، و نسلك سبيل الأمان … فحمل ذلك علي أنهم يقصدون تثبيط عزم الوزير، عدّ ذلك خديعة منهم.

و كانوا تحصنوا (بالخانوقة)، جعلوا فيها أهليهم تقع علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 190

شاطي ء دجلة. أمامها الماء و سكر عظيم من السكور القديمة، فلم يستطع أحد العبور إليها لشدة جريان الماء. و

في غربيّها (غابة) ملتفة بالأشجار و خلفها و شرقيها جبال شامخة. تقرب من الموصل بنحو ثلاث مراحل …

شاهد الوزير هذا المكان، فأرسل من ورائهم ثلاثة آلاف تمنعهم من الفرار، فاتخذ مرتفعا هناك فوجه إليهم المدافع فأمطرت عليهم بالقنابل، و تسلط بها عليهم، فنالت هدفا منهم حاولوا الهرب إلي الغابة، و حينئذ زاد الخطر. فاضطروا أن يخرجوا منها، و كانوا نحو سبعة آلاف منهم ثلاثة آلاف فارس و الباقون مشاة. و كلهم تعودوا الحروب، و تمرنوا عليها.

حاربوا حرب مستميت، فلم يصبروا أكثر من ثلاث ساعات ثم انهزموا من وجه الوزير. و في هذه الحالة وجدوا الرصد بانتظارهم.

فنالوا منهم ما نالوا، و لم ينج إلا القليل، صاروا طعما للسيوف، و ألقي القبض علي رئيسهم، و طلب الباقون الأمان. فأمنهم الوزير و لم يدع مجالا للاعتداء علي النساء، لكن أموالهم صارت نهبا بأيدي الجنود.

و بعد أن تمت الحرب أطلق الوزير سراح النساء و كن في حرز حريز، ففرحوا بذلك. و كان الجيش قديما لا تسلم منه النساء. و بئس الجيش الذي لا يستطيع أمراؤه ضبطه و التمكن منه.

انتهت هذه الواقعة بانتصار الوزير. و أعلنها للعشائر الأخري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 191

يحذرها. و كنت تكلمت علي عشيرة الغرير و أما الشهوان فقد سكنوا لواء كركوك، و تكونت منهم ناحية (شوان). نسيت لغتها و صارت كردية، أو كادت، و منها من يقيم الآن في أنحاء الموصل. و منهم من يقول إن شوان كردية الأصل. و معناها الراعي. و لكن حوادثها متعينة. و لعل الأيام تكشف أكثر.

أذعن للوزير بهذه الطاعة من أذعن من العشائر، و عصي من عصي، و لم يلتفت للانذار و القصد إلقاء الحجة.

هذا. و جاء في

كتاب عمدة البيان في تصاريف الزمان أن هؤلاء من البو حمدان، و أن الوزير حاربهم في الخانوقة و نهب و قتل و سلب.

و لا يزال الغرير يدعون أنهم من البو حمدان.

زيارة المشاهد:

ثم ذهب الوزير إلي زيارة سلمان الفارسي (رض). و بقي هناك بضعة أيام في الصيد. اتخذه وسيلة لسبر المواطن. ثم عاد. و في شوال ذهب لزيارة كربلاء و النجف. و في طريقه مرّ بنهر الشاه. و زار مشاهد الكوفة، و منها مضي إلي ذي الكفل، فالحلة و منها جاء إلي خان النصف (النص). وجده مهدما فعمره.

و في كل هذه التجولات لم يقطع في غزو جهة. و إنما كان يترصد المواطن و الأوضاع الملائمة فجاء في عودته إلي الدورة. و الملحوظ أن خان النص هو الخان القريب من مخفر الشرطة بين الاسكندرية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 192

و المحمودية. و هو الآن مندثر. و مثله (خان الحصوة) أهمل في هذه الأيام. (و خان الناصرية) اندثر من مدة. و هذه في طريق بغداد- الحلة.

و الدورة متصلة ببغداد و هي اليوم ناحية من نواحيها.

عشائر بني لام:

في سنة 1116 ه غزاها الوزير. و كانت لم تذعن بالطاعة، و لا أدت التكاليف المطلوبة بل هاجمت بعض القري. و هي من أقوي العشائر شكيمة، تقع حجر عثرة في طريق بغداد- البصرة. تجاوزت حتي بلغت (خان بني سعد). و من أيام السلطان سليمان القانوني إلي اليوم لم تذعن للولاة. و كلما تضايقت مالت إلي ايران لتكون بنجوة.

و عشائرها كثيرة جدا. تتفق مع شيوخ المنتفق، و مع أمراء الحويزة دائما.

قصدها الوزير، فلم يجد لها أثرا. رحلت عن منازلها و مضت إلي مضيق طور سنجاق (طور سخ). كمنوا في مواقع هناك خفية عن الانظار في الجبل المسمي ب (جبل البستان). و جعلوا أهليهم في مضيق منه. تتبع الوزير أثر هذه العشيرة حتي عثر علي الكمين، فظهروا علي حين غرة.

خرج من جيش الوزير عدة اشخاص

بينهم (باش آغا) أي آغا الينگچرية.

و حينما علم الوزير ساق جيشه عليهم، و حمل بمن معه، فانتصروا.

و كان جماعة منهم مضوا إلي (شاه نخجير) بأمل أن يحرسوا أموالهم و أهليهم. التجأوا إلي اللّر الفيلية و لكن الوزير لم يتركهم، و لم يبال بالعقبات، حتي وصل إلي مواقعهم. فغنم الجيش أموالهم، و لم يتعرض للنساء، فأخمد ثورتهم، و أمن الطرق، و عاد إلي بغداد. غزوة ناجحة.

نهب و عاد. و هو المطلوب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 193

و الملحوظ أن (طورسخ) أو (ترسخ) و يقال لها بالتركية (تورساق) بلدة مندثرة، أطلالها مشهودة تقع في يمين الجدول المعروف بهذا الاسم. و تأتي مياهه من خلال الجبال و من المحل المسمي (ده بالا).

و تتفرع منه شاخات يمينا و يسارا يزرع عليها. و تبعد تلك الاطلال عن زرباطية نحو سبع ساعات من شماليها، و المضيق يسمي باسمها.

و الجبال هناك كل منها يعرف باسم خاص. و يقال لها (جبل البستان) أو قسم منه و الجبل الأصلي يدعي (كبير كوه) أو (كور كوه).

و العوام يقولون (جبل الفيلية). و الوجه الناظر منه إلي ايران يسمي (پشكوه) و المطل علي العراق يقال له (پشتكوه)، و هو القسم الغربي منه أي ما وراء الجبل و الطريق بين زرباطية و مندلي إلي الجبل يعد من پشتكوه و (شاه نخچير) من مواطن پشتكوه.

حوادث سنة 1117 ه- 1705 م

ماسة نفيسة:

كان الحديث في بغداد في أوائل هذه السنة يدور حول ماسة نفيسة عثر عليها جسار في الحلة. رأي حجرا براقا فباعه لآخر بثمن بخس.

و هذا باعه لصراف يهودي بثمن أكثر. و حينئذ شاع الخبر في الحلة و تحدث الناس به فدعا إلي نزاع بين المشتري و البائع فوصل الخبر إلي ضابط الحلة. و

هذا استولي عليه و قدمه إلي الوزير. و كانت هذه الماسة لا يقتنيها إلا الملوك لنفاستها. عرضت علي الجوهريين فتحقق للوزير أنها من أفخر أنواع الماس، زنتها نحو 15 قيراطا أو 14. كانت في غاية الصفاء و البهاء. حجمها بقدر الباقلاء. أما الوزير فإنه ختمها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 194

و قدمها هدية إلي السلطان لعلمه أنه اللائق بها. و لم يبينوا شيئا عن أخذها من المالكين الأولين.

زيارة المشاهد في سامراء:

في أواسط هذه السنة توجه الوزير لزيارة الإمامين علي الهادي و حسن العسكري في سامراء فأنعم علي الفقراء و الخدام. ثم ذهب يتصيد في تلك الفلوات فعاد. و غالب ما تكون أمثال هذه الزيارات مقدمة تأهب لغزو و هكذا وقع.

الخزاعل و حادثة حسكة:

ثم عزم علي أن يقضي علي الشيخ سلمان العباس الخزعلي. قالوا كان سبب فتنة العشائر في أنحائه، و كانت الخزاعل قليلة العدد إلا أنها اكتسبت بمهارة رئيسها الشهرة الكاملة و انقادت لها العشائر لحد أن صار رئيسها يدعي الإمارة علي العرب و صاهر عشائر كثيرة فتجمعت له أعراب البادية و التفت حوله.

و لما شعر أنه في عدة كاملة سوّلت له نفسه أن يملك بغداد فاستولي علي الحسكة و هي من أحسن ضياع العراق. فأقدم الوزير علي حربه و ساق إليه جيشا قويا و شن الغارة من بغداد في أربعة أيام و ثلاث ليال. فوصل الحسكة فلم يجد له أثرا فقيل له إنه انهزم إلي السماوة.

و هناك حاول أن يجمع العشائر للقتال فلم توافقه. حذروا أن يصيبهم ما أصاب بني لام فلم يبق معه إلا اتباعه فاستولي الوزير علي أمواله و عياله. و حينئذ كتب إلي الأطراف يدعوها إلي العودة فعادت و تعهدت بالمحافظة علي السكينة و أن لا تميل بعدها إلي شيخ الخزاعل. وضع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 195

المدفع علي سور الحسكة و أمر أن يحافظ عليها من الهجوم.

رأي الشيخ حالته هذه غير مرضية فأرسل ابنه إلي الوزير يطلب الأمان فلم يوافق الوزير أن يبقي في تلك الأنحاء و أمنه بنفسه و أهليه و لكن لم يأمن أن يسلم. فهرب إلي البصرة فأجاره شيخ المنتفق.

ثم إن الوزير بعد أن أمن تلك الأطراف نصب

فيها بعض المحافظين و لم يكن يخطر بالبال أنه سوف يمزق جيش الخزاعل البالغ نحو أربعين ألفا. و رجع إلي بغداد في أواخر جمادي الثانية.

حوادث البصرة

البصرة و الأمير مغامس:

كان والي البصرة محمد باشا القبطان توفي في أوائل سنة 1116 ه، فعهد بمنصب البصرة إلي والي بغداد علي باشا فذهب إليها.

و بقي فيها إلي أن عزل، فصار مكانه خليل باشا ورد بغداد في جمادي الثانية من سنة 1117 ه و توفي علي باشا قبل أن يصل إلي بغداد بثلاثة منازل في طريق عودته وصلت جنازته في سلخ رجب. فدفن بمقبرة الأعظمية.

استفاد الأمير مغامس بن مانع أمير المنتفق من انحلال البصرة فلم يبق فيها سوي المتسلّم، فاستولي عليها. استغل فترة تبدل الولاة و وجود المتسلّم وحده و كان في هذه الاثناء بعد ما استولي الأمير مغامس حضر أمامه في 22 رجب سنة 1117 ه- 7 تشرين الثاني سنة 1705 م الربّان الهولندي. و بعد أن هنأه التمس منه عقدا بين الهولنديين و العرب يتعلق بشؤون شركتهم و أن يحمي كنيسة الكرمليين و دارهم. و في 9 من تشرين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 196

الثاني قدم مذكرتين إلي الأمير مغامس، فأحالهما إلي قاضيه الشيخ سلمان فصدقهما. و في 12 منه أرسل البراءتين إلي الربان الهولندي.

فحصل الكرمليون علي عهد يتعلق بكنيستهم و دارهم. و هذا نصه:

توكلت علي اللّه «تعلمون به الواقفون علي كتابنا هذا من كافة خدامنا و عمالنا و ضباطنا بأن أعطينا حامل الورقة البادري حنا علي موجب ما بيده من فرمانات أولياء الدولة القاهرة و من أوامر الوزراء العظام و الأمراء الكرام.

و له منا فوق زيادة الحشمة و الرعاية و قد أسقطنا عن خدامه و ترجمانه الجزية و الخراج

و كتبنا له هذا الكتاب سندا بيده يتمسك به لدي الحاجة إليه. و علي كتابنا هذا غاية الاعتماد. و اللّه تعالي شأنه ولي العباد و به كفي. حرر في 22 من شهر رجب الفرد سنة 1117 ه».

الفقير مغامس آل مانع اه

أخبر الوزير بوفاة الوالي السابق و ورد والي البصرة الجديد. و كان أتم أعماله في الحسكة، فرجع إلي بغداد، و أمر ببيع متروكات الوالي المتوفي، فأرسلت إلي استنبول مع باقي مخلفاته من الأشياء المشهورة مع الكتخدا و الخزندار (الخازن). و لم يقم بأي عمل.

و ولي علي باشا البصرة سنة 1112 ه. و كان قبلها واليا علي حلب سنة 1111 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 197

برد و ثلج:

في 8 شهر رمضان ظهر في العراق شتاء لم يتفق مثله مع ريح عاصف و نزل المطر بكثرة كما تساقط الثلج و يقال: إن ارتفاعه بلغ ذراعين و علي قول بلغ الشبرين. نزل لأربع مرات أو خمس، و دام الانجماد خمسة عشر يوما فأحدث ضررا كبيرا في المغروسات من نخيل و توت و نارنج و اترج و نبق و ليمون. صار أكثرها حطبا. و في گلشن خلفا كان بتاريخ 7 و 8 من شوال ابتدأ البرد و لعل سقوط الثلج (الوفر) كان في التاريخ الذي عينه صاحب الحديقة.

حوادث سنة 1118 ه- 1706 م

قبيلة شمر:

إن الوزير رأي من شيخ شمر غانم الحسان عصيانا. هاجم الشامية و جمع جموعا فاستولي الرعب علي تلك الأنحاء. و كان ممن وافق شيخ الخزاعل في مناوأة الحكومة، لما رأوا من عزمها أن تقضي علي العشائر.

استولي علي الناس الخوف، إلا أن هذا الوزير وقف القوم عند

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 198

حدودهم و ولد فيهم خشية. و لما رأي شيخ شمر أن ركونه إلي الخزاعل غير مجد مال إلي بغداد مذعنا بالطاعة و عند خروجه رفع الراية و أبدي أنه صار شيخا في حين أنه لم يقدم (البيتية) و إنما وافقه علي ذلك شيوخ آخرون.

رأي الوزير من الضروري التنكيل بهؤلاء لغزوهم و نهبهم و عدم طاعتهم بتأدية (البيتية) فجهز عليهم جيشه و توجه بنفسه فعبر الجسر الرضواني و وصل إلي مواطنهم فلم يجد لهم أثرا. فاستراح هناك قليلا ثم فرق جيشه إلي جهات مختلفة للعثور عليهم و اللحاق بهم لضربهم و ذهب بنفسه في الطريق السلطاني حتي وصل إلي منزل (مشيهد) فحط ركابه و استراح. و لم يقف علي خبر عنهم.

و في نتيجة التحريات أدركهم جيش

الوزير ليلا و صاروا علي مقربة منه فلم يقاتلهم حتي الصباح و حينئذ هاجم الوزير بجيشه و أبدي البسالة و الشجاعة بما لا يوصف. و العشائر ناضلوا نضالا ليس وراءه نضال إلا أنهم لم يستطيعوا المقاومة ففروا.

و في هذه الحرب نالهم ما لم تنله عشيرة. و أن الجند نهبوا مواشيهم و أغنامهم و ربحوا منهم أموالا كثيرة … و مما يحكي أن الحكومة من حين استولت علي العراق إلي اليوم لم تنل ظفرا مثل هذا.

و أن العشائر لم تر حربا كهذه. ظهرت فيها الشجاعة و الفروسية من الجانبين بكل معانيها … و أبلي العربان و استماتوا … جادلوا بكل طاقتهم و بما أوتوا من قوة. لكنهم قهروا. و قتل منهم خلق كثير …

و علي هذا جاء إلي الوزير من بقي منهم من كبار و صغار و أطفال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 199

و نساء فطلبوا الأمان فقبل دخالتهم و عفا عنهم.

كانت هذه العشيرة تظهر الطاعة أحيانا إلا أنها كانت في الخفاء تغري العشائر البدوية و تحرضها علي الاشتراك معها، و بذلك تؤذي السكان في غربي الفرات بالنهب و الغارة.

أغار عليها الوزير في شعبان فغنم غنائم لا تحصي و عاد إلي بغداد فاستقبله العلماء و الوجهاء استقبالا فخما …

و هذه الوقعة كانت السبب في انفصال شمر طوقة (طوگة) و بعض العشائر مثل المسعود فتبدد شملهم فصاروا شذر مذر … فالمسعود استقروا في أطراف المسيب و كربلاء، و شمر طوقة في جزيرة حميد بين ديالي و (كوت العمارة).

الوزير و مجالس العلم و الأدب:

ثم صرف الوزير همته لتنظيم البلد، و صار يعقد مجالس في ديوانه الخاص يؤمها العلماء و الأعيان، فتارة تراها (مجالس علم) و بحث في منقول أو معقول …

و يتخللها الشعر و اللطائف … و طورا تراعي فيها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 200

التمارين الحربية و أصول قراع الكتائب، و مرة يقضيها باستماع (قراءة القرآن) الكريم، و آونة في النظم و الغزل … فراجت سوق العلم و الأدب يتخلل ذلك التفكير في حسن الإدارة و الاطلاع علي الأحوال و علي طرق الإصلاح فأثار جميع المواهب. و بيوت الأعيان لا تخلو من هذه المجالس.

غزية و قبائل أخري:

بينا الوزير و الأهلون في راحة إذ ورد الشيخ شبيب أمير قشعم يشكو من عشيرة غزية و (ساعدة) و (آل حميد) و (آل رفيع) مبينا أنهم أغاروا علي المجاورين و أخذوا أغنامهم و أموالهم و عاثوا في أنحاء السماوة و الرماحية و نهر الشاه و ما والي. فأحدثوا أضرارا بليغة.

و في هذه الأثناء جاء رسول من ضابط الحلة فأيد ما قال (أمير قشعم). فاهتم الوزير للأمر خوف استفحاله و سارع للذهاب. و في يومين أو ثلاثة أيام وصل إلي قرب الحلة فاستراح قليلا و سار توا فعبر الشط و مضي لجهتهم بقصد أن يدركهم. و كانت المسافة أربعين ساعة. قطعها بثلاثة أيام أو أربعة لكنه لم يدركهم. سمعوا بالخبر ففروا و تفرقت جموعهم.

و لم يتركهم الوزير و شأنهم و إنما بعث خلفهم بألف فارس من جنده ليدركوهم. و صار هو أيضا يتحري عنهم و يتعقب أثرهم يمنة و يسرة إلي نصف الليل. و لما بدت بشائر الصبح تبين أثر اظعانهم فوجدهم قرب القائم، و حينئذ تركوا الأثقال و العيال و الاطفال و فروا بأنفسهم … و الكثير منهم ألقي بنفسه في الماء …

و حينئذ غنم الجيش أموالهم و خيامهم و إبلهم و بقرهم و خيلهم و عاد من ناحية

القائم.

و من هناك مضي الجيش لتعقيب عشيرة ساعدة فظفروا بها و غنموا أموالها و أرسلوها إلي الحلة. فعادوا ظافرين منتصرين و ألقي القبض علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 201

اثنين من مشاهيرهم فكان لهذه الوقعة تأثيرها. كان في هذا غزو و نهب أو مقابلة عمل بمثله.

آل حميد و شيخهم:

كان شيخ الحميد (سعد الصعب) في الرماحية. و العشائر هناك منقادة له. و يعرف بالدهاء. امتد نفوذه إلي الحلة و البصرة. و كان معتصمه الشيخ سلمان الخزعلي. أقام في الحسكة. و في هذه الوقعة هاجمه الجيش ليلا حينما رأي منه تأهبا فامحي أكثر قومه و غنمت العساكر أموالهم لا سيما أغنامهم فسيقت إلي بغداد.

و لما وصل الوزير إلي قرب الرماحية أرسل الشيخ شبيبا بألفي فارس إلي هور نجم فانتصر علي من هناك …

و هكذا نكّل بسائر العشائر و أثرت هذه الوقيعة أكثر.

و لما أتم الوزير أعماله عاد لزيارة الإمام علي (رض) و منها جاء إلي بغداد فاستقبله النقيب و العلماء و المفتي و الموالي و سائر الأعيان و هنّأوه بالنصر …

حوادث سنة 1119 ه- 1707 م

عشائر زبيد:

و كان من جملة من ثار علي الوزير عشائر زبيد، و فيهم الجحيش، و السعيد، و المعامرة. و آل خالد، و كذا عشائر الدليم و آل نوفل، و آل حسين.

و هم برئاسة شيخ شيوخهم (عبد القادر)، مضت لهم وقائع تغلبوا فيها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 202

و في هذه السنة جاهروا بالعصيان، صاروا ينتهبون المارة و يقطعون السبل. تكاثرت الاراجيف عنهم من كل صوب و زاد الخوف منهم.

فأنذرهم الوزير و في الوقت نفسه طلب المدد من أنحاء مختلفة.

رأي أن النصح غير مجد، و أنهم لم يذعنوا. وصلت إليه الجيوش من أنحاء شهرزور و الموصل فتقدم بهم إلي حد المحاويل.

و حينئذ مال العربان إلي الخديعة فجاءه كثير من رؤسائهم و السيوف برقابهم، صاروا يتذللون و طلبوا أن لا يؤاخذهم بما جنوا، و أن يعفو عما سلف. و بينوا أنهم طوع أمره يؤدون ما يجب عليهم من ضرائب.

أراد الوزير أن يختبر صدق نياتهم فطلب منهم

بعض المفسدين و أن يأتوه بهم فرضوا و قالوا سمعا و طاعة. و لكنهم لما ذهبوا إليهم عادوا إلي سيرتهم الأولي فكان ذلك نقضا للعهد …

و علي هذا مشي عليهم و كانت عدتهم كافية و عددهم كبيرا يقدر بمائة ألف أو يزيد. فكانوا متأهبين للنضال فهاجمهم بجميع قوته فتلاقي الفريقان و لم تستمر المحاربة أكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات حتي نكسوا الأعلام هاربين من ساحة الوغي … فطلبوا الأمان و لكن الجيوش اغتنمت جميع أموالهم و أسرت الكثير من عائلاتهم و صغارهم ثم عفا الوزير عن الأهل و العيال. و رجع ظافرا.

و مما ينقل صاحب الحديقة عن والده الشيخ عبد اللّه السويدي أن شاويا جد آل شاوي الحميري. قال:

«إننا كنا مع المرحوم حسن باشا والي بغداد أربعة أشخاص في غزو قبيلة زبيد سائرين أمام الجيش. و بينما نحن نتجاذب الحديث، و قد بعدنا عن الجيش لدرجة أننا صرنا لا نراهم إذ صعدنا علي كثب و عند ذاك شاهدنا مقدمة الأعداء و كانت الساقة خلفها أيضا فألويت عنان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 203

فرسي إلي الوراء فمنعني الوالي و زجرني، و في الحال هاجمنا العدو فظن هؤلاء بل اعتقدوا أن الجيش وراءنا فدمرنا الكثير من فرسانهم و شتتنا جمعهم و هزمناهم عنا.

و لما رأي أصل جيشهم هزيمتهم هذه أصابهم الارتباك و قبل أن يلتئم شملهم و افاهم جيشنا و لم يمكنهم. و فرقهم و أوقع بهم وقيعته في طرفة عين.

ثم إن الوزير وقف هنيهة و أوصاني بهذه الوصية و أكد لي أن لا أنساها و هي أن العدو حينما يراك لا تتأخر عن مهاجمته و لا تبين له تراخيا أو اهمالا فيظن فيك ضعفا

بل عاجله بالهجوم و إلا طمع فيه و يخشي حينئذ عليك منه …» اه.

و بهذه الحالة انتصر علي عشائر زبيد بعد أن كانت أعجزت الولاة مرارا. و حينئذ أسكن الوزير العشائر المطيعة من مسعود و شمر طوگة و أعاد إليها السكينة. ثم عاد إلي بغداد.

استعان بالعشائر مثل العبيد و بعشائر الكرد. و كان هذا شأن من بعده، و يستخدمون جيوش الألوية الأخري للوقيعة و التنكيل. و في هذه المرة أيضا استقبله العلماء و الأعيان. أرادوا ارضاءه بأمثال هذه الاحتفالات …

حوادث سنة 1120 ه- 1708 م

غوائل البصرة:

بعد أن تمكن الوزير من اخضاع العشائر التي تعوقه في طريق البصرة عزم علي السفر إلي البصرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 204

فأخبر الدولة بعزمه هذا فاهتمت للأمر و قررت لزوم القضاء علي غائلتها، و أخذ في تجهيز الجيوش.

و من جملة من وافي إليه للقيام بالمهمة محافظ كركوك يوسف باشا و والي آمد (ديار بكر) رجب باشا و والي كوتاهية حسن باشا من سلحدارية السلطان. ثم ورد إليه الفرمان بولاية البصرة في ذي القعدة سنة 1120 ه و جاء والي الموصل شهسوار زاده و معه طوغان. و من هؤلاء يوسف باشا صار بمرتبة قائممقام. ناب عن الوزير.

و في غرة رجب سنة 1120 ه خرج الوزير و بقي مدة أسبوع زار خلالها بعض مراقد الصلحاء مثل الإمام معروف الكرخي و استكمل العدة فرحل عن بغداد يوم الاثنين 7 من الشهر المذكور.

ثم وصل إلي شرقي الحلة و قضي هناك بضعة أيام. و في 22 منه تحرك منها. فوصل إلي السماوة فبدت غرة شعبان.

ثم مضي إلي مواطن المنتفق، فورد يوم 6 منه (خطر الزور).

و هناك علم ببعض الثوار و حينئذ عهد بالقيادة إلي الكتخدا بألفي فارس لتعقيب

أثرهم، و أرسل مائة أخري بالقرب منهم للترصد من الجوانب و كان منزلهم (عين الذهب) فنال الكتخدا أربه فوصل إلي جمع الاعراب فظفر بهم و سيطر علي تلك الانحاء.

و في 14 منه وصل إلي (أم التمن) فحلها الجيش. و كان هناك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 205

نادر شاه- كتاب نادر شاه لفريزر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 206

بعض المنتفق فضربهم و فرق شملهم، فاستولي علي غنائم وافرة. و حينئذ نال الكتخدا رضا الوزير، و هكذا قطعوا المسافات و الطرق بتأنّ.

و اعترضتهم صعوبات بسبب و عورة المسالك …

و في 22 منه وصل إلي ضواحي البصرة. و كان الثوار متجمعين في الشرش فمر الوزير من وسط هذا المنزل فاتخذت الجيوش (نهر عنتر) موطنا لها. أما الثوار فاحتشدوا في موقع يقال له (دكاكين).

و من ثم تقابل الفريقان جيش الوزير و جموع المنتفق. و حينئذ صف الوزير الصفوف و حشدها و أعدها للقاء. و عين لكل وزير ممن كان معه موقفه و قابل بينهم و بين عدوهم … فأكمل تعيينه كما اراد ثم شرع في سد النهر.

و كان جمع الأمير مغامس يبلغ نحو مائة ألف أو يزيدون. انتشروا في الصحاري و المواطن المجاورة.

جموع العرب:

إن عشائر المنتفق لا تتجاوز العشرة آلاف إلا أن النجدات توالت إليهم من كل صوب فبلغت جموعهم الكثرة الزائدة. جاءهم المدد من بغداد و من الاحساء و الحويزة و ممن انتصر لهم الشيخ سلمان الخزعلي.

كان مقيما عندهم من أمد بعيد، و التحق بهم كل من آل سراج، و زبيد، و بني خالد، و غزية، و ميّاح، و شمر … ملأوا تلك السهول، و انتشروا في ساحات البر … و كل واحد منهم مدجج بسلاحه.

و

في هذه الأثناء تقارب الفريقان و صار يتجاول الفرسان فيمضي الواحد و الواحد فتارة يكون الغلب في جهة، و طورا في أخري. و كانت ساحة الحرب ميدانا للابطال و الشجعان …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 207

و لم تمض مدة علي هذه الحالة حتي اشتبكت الجموع و بطلت الرماح و صار الحكم للسيوف و الخناجر … و لم يتبين الغالب من المغلوب، دام الحال علي هذا المنوال حتي ظهر الانكسار في جموع العرب بعد أن أبلي الفريقان البلاء الحسن.

دامت الحرب إلي 19 شهر رمضان. لم تكن حاسمة و إن انكسار جهة لا يعني انكسار الكل فكان من رأي الوزير إنهاء الحرب و أن التطاول فيها مذموم فحرك همة الجيش و هاجم بالكل و تقدم أمام جموعه و أغار علي العربان فألجأهم إلي قراهم فهزمهم. توالت المغلوبيات عليهم إلي سبع مرات و حينئذ و في المرة الأخيرة تداخل بعضهم في بعض و صارت المضاربة بالسيوف و الخناجر …

و كان الشيخ تركي شيخ الاجود سقط في المعركة. و كان يلازم الشيخ مغامسا و هو أشد منه كان جبارا قاهرا. فلما رآه الشيخ مغامس سقط صاح واه عليك! فاستولي عليه الخوف فاضطر إلي الفرار و الهرب.

فكان (تركي) شوكتهم. و بموته خذل الكل. و فروا جميعا. هلك في هذه المعمعة نحو العشرة آلاف بقيت أشلاؤهم مطروحة في ساحة القتال …

و لم يلتفت الباقون وراءهم من شدة ما أصابهم … و حينئذ أنعم الوزير علي الغالبين و كان يبذل الذهب و الفضة لكل من يأتيه برأس أو قلب. لم يراع اقتصادا أو تقتيرا …

بقي الوزير في موقعه ثلاثة أيام. و في اليوم الرابع مضي إلي البصرة … فدخلها في

نهاية شهر الصيام. و أرخ ذلك صاحب گلشن خلفا ب (غزاي مبين) أي سنة 1120 ه. و في اليوم التالي احتفل بالعيد و اتخذت الأفراح. دام ذلك ثلاثة أيام بعد أن كان الجيش قضي ثلاثة أشهر كاملة لم ير في خلالها راحة و حدث عن سهر الوزير و لا حرج …!!

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 208

و في ثالث العيد دعا الوزير شيوخ الجزائر. و طيّب خاطرهم، و أكرم الجميع من الوزراء و غيرهم حسب درجاتهم … و عين لكل مكانته و رتبته … و أكد عليهم لزوم الطاعة …

دام في ذلك المكان ستة أيام. ثم ذهب لزيارة الإمامين طلحة و الزبير (رض) ثم عاد إلي الفيلق و من هناك قصد بغداد بعد أن تيقن أن قد تأسس النظام علي الوجه المطلوب، و حينئذ استقر والي البصرة في منصبه و اشتغل في مهام أموره. و أن الأهلين فيها أثنوا علي الوزير و لهجوا بذكره فحصلوا علي الراحة من عناء الثورات و الاضطرابات …

مضي الوزير إلي الجزائر بجيوشه. أراد أن يؤمن الحالة بالقضاء علي بعض الغوائل يوقع ببعض من هو مظنة فتنة، و لكنهم لم يجدوا من كانوا يأملون العثور عليه و أصابهم في الطريق تعب شديد بسبب و عورة المسالك.

و في غرة ذي القعدة وصلوا إلي (جفتاية) قرب الهور. و في اليوم التالي مروا (ببني حسن) و كان شيخهم (عباسا) و هو امرؤ طاعن في السن و شجاع لا يجاري ثم وصلوا إلي الحلة. استراحوا فيها ليلة ثم ساروا نحو بغداد.

و حينئذ استقبلهم القوم و بينهم (يوسف عزيز المولوي) صاحب تاريخ (قويم الفرج بعد الشدة). وصل إليها في أواخر ذي القعدة لسنة 1120 ه.

و

في مجموعة عندي رأيت قصيدة طويلة ناقصة من أولها يثني

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 209

صاحبها عزيز المولوي علي الوزير لما قام به. و هذه غير ما جاء في (قويم الفرج بعد الشدة). استعرض و قائعه و ما أحدث من نظام، ثم مضي إلي وقائع البصرة و ذكر التغلب عليها.

و بعدها جاءت في هذه المجموعة قصيدة عامية بدوية ذكر فيها وقائعه مع البصرة و تعرض لذكر العبيد و العزة و الغرير مع الشبيب و أوضح عن اليزيدية في سنجار، و ربيعة و الخزاعل و دعا الوزير ب (أخو فاطمة).

و لعله ذكر ذلك بمناسبة حرب البصرة. أورد عنها و عن زبيد …

و نري من مجري هذه الحادثة أن العشائر كانت متذمرة من إدارة الحكومة و كذا الأهلون. تجمعوا عليها من كل صوب و قاتلوا قتالا عنيفا.

و لكن في مثل هذه المواطن يعوزهم النظام و التدريب … و هذا سبب الخذلان، و لو كانت هذه الحرب نجحت لصالحهم لا ستقلوا من ذلك الحين و لأخفق سعي الدولة و لما بقي لها أمل في كل العراق. و ما ذلك إلا أنها لا تريد التحول عن سياسة واحدة مع كل الأقوام. و هذا أحد أسباب الفشل و إن التغلب لم يثن العزم. و دامت الوقائع مستمرة و متوالية.

قارعهم العرب بعدها مقارعات و بيلة، رأوا العطب منهم و صاروا يخافون من ظل العربي و خياله و من عرف أن المنتفق قارعوهم أكثر من مائة و سبعين سنة بعد هذا الحادث علم درجة هذه المطاحنات و مقدار النفوس الهالكة في هذا السبيل بل امتد ذلك أكثر و أكثر.

و لا ينكر أن أكابر السلاطين أسسوا لهم ملكا عظيما، و سيطروا علي

البلاد سيطرة لا مثيل لها، و لا يزالون إلي أمد قريب يعيشون بتلك النعمة و في كل هذه يجادل العربي عن استقلاله و القوي الفائقة لم تفل من عزمه، و لا فترت من حبه لوطنه … و المصيبة أن نري مؤرخينا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 210

المتزلفين للحكومة يعدون هذا غائلة، أو فتنة، أو خيانة، أو ثورة …

و في كل هذه لم يحذروا الحكومة من سوء العاقبة لتحسن سلوكها. بل مدحوها بقصائد و قووا عزمها للوقيعة بالعشائر … فكانت نفوسهم ذليلة و خضوعهم بالغا حده. و التاريخ سجل ما هنالك. و غالب ما يعزي ذلك إلي سوء ادارة الموظفين و إلا فأصل الدولة لا تقصد الاضرار.

المدرسة المغامسية:

إن حكم المنتفق علي البصرة لم يكن عشائريا. و إنما كان هناك قاضي شرع. و إن من بقايا أعمال الأمير مغامس المدرسة المغامسية منسوبة إليه. و لا نعرف عنها تفصيلا أكثر من أنها كانت في أقاصي البصرة أسست لتدريس العلوم و إطعام الطعام للطلاب. و لما اندرست آلت موقوفاتها إلي المدرسة الحللية من تأسيس أحد آل المفتي من الحلليين بحكم من قاضي البصرة في 8 ذي الحجة سنة 1244 ه (كتاب المعاهد الخيرية).

غزو آخر علي زبيد:

إن الوزير بعد أن انتصر في البصرة و أعاد لها النظام علي نصابه، و رأي أحوال الجزائر و رتبها عاد إلي الزوراء و لكن عشيرة زبيد كانت في غيبة الوزير أخذت تعكر صفو الأمن. سمع بذلك فلم يعرهم اهتمامه و إنما أخرهم لوقت آخر و أضمر لشيخهم عبد القادر الغيظ و الوقيعة.

قالوا: و هذا الشيخ لا يكاد يوازيه أحد في دهائه. كان نبيها متيقظا، لم يطع الحكومة و لم يناوئها بصراحة. فتراه لا يجسر أن يقوم.

و إنما يحرك العشائر الأخري و يغريها في حين أنه يبدي للولاة الانقياد و الطاعة و الخدمة … و كان يداريهم و لكنه يترقب الفرص. اطلع الوزير علي دخائله. سامحه مرات و عفا عن كثير من أعماله إلا أنه رأي منه تعندا و طغيانا …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 211

و من ثم ركن إلي طريقة حكيمة فأعلن (النفير) إلي العشار فارتاب الشيخ من ذلك و لكن الوزير طير إليه الخبر و دعاه طالبا منه النجدة فورد إليه و ذهب الوزير معه مسيرة مرحلة واحدة و حينئذ ألقي القبض عليه و علي من معه و هم نحو مائتي فارس أو ثلاثمائة فشد و ثاقهم ثم أمر

بقتلهم لاعتقاده أنهم مضرون لا يمكن اصلاحهم فأباد أكابر رجالهم.

برّر مؤرخونا أمر الغدر بالشيخ عبد القادر بكل ما أوتوا من بيان و لم يذكروا ما يؤيد ذلك و جلّ ما قالوا إنه يتحرك بالخفاء و يغري غيره.

و إن جاز الغدر في السياسة فإنه ينبي ء عن ضعف و ما نسب إلي الشيخ عبد القادر لا يستوجب قتله و لو جوّز قتله فما الداعي لقتل أعوانه الأبرياء! فهذه السياسة غير رشيدة. أفهمت العرب أن يحترسوا من الحكومة و لا يطيعوا أمرها لأنها تقتل كل من أطاع … و هذا ما جعل التنافر بين العشائر و الحكومة و بذلك زال التفاهم و الاطمئنان المتقابل و ماشي المؤرخون فكرة الحكومة بالرغم من خطلها. و كذا يقال عن التنديد بالعرب و إنهم مجبولون علي الظلم و الاعتداء … هذا و القلم بأيديهم يسطر ما شاؤوا من ذم للعرب و مدح لعمل الوزير بلا مبرّر …

و هذه الحادثة لم يذكرها بعض المؤرخين لما فيها من الغدر بما لا يقبل العذر، فأضربوا عن ذكرها خوف الفضيحة و سوء السمعة.

حوادث سنة 1121 ه- 1709 م

غزيّة:

بعد أن دمر الوزير عشائر زبيد عاد إلي بغداد. و لم تمض أيام حتي جاءه أمير قشعم شبيب يشكو حال غزيّة و يقول إنهم اتفقوا مع شيخ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 212

المنتفق مغامس و تعاهدوا فيما بينهم. و لما انكسر الشيخ مغامس صار يتجوّل ذهب إلي الاحساء مرة و إلي الحويزة أخري. يحاول تجديد العهود مع العشائر و لم يجد من يوافقه إلا غزية. جدد العهد معها علي أن لا يأتيه شر منها و تعهدت بسد هذه الثلمة أو الثغرة من الشامية …

و حينئذ هاجم حسكة فانتهب بيادرها … و نهب

(الرماحية) و سائر انحائها و أحرق الزروع أيام الصيف.

أخبر الوزير بكل ذلك و قيل له إذا داموا علي هذا تطاير شررهم و تعسر القضاء علي الفتن …

تحقق الوزير صحة هذه الأخبار كما حكاها أمير قشعم إلا أنه أخّر سفرته أياما ريثما تتم الزروع خشية أن تنتهب … و الصحيح أنه كتب إلي دولته فأرسلت إليه مرة أخري والي ديار بكر، و والي كركوك بكهياتهم و بجنود غير قليلة. و كذا والي الموصل و والي ديار الكرد جعلا تحت أمره فوردت الجنود تتري … و من ثم غزاهم إذ إنهم نقضوا العهد فوصل إلي الحلة و كان خروجه من بغداد في نهاية شهر رجب. ثم سمع أن القوم تشتتوا حينما علموا بالتأهب عليهم فسكن قسم منهم (الاخيضر) و القسم الآخر أقام في (دبلة). و حينئذ أرسل الوزير شبيبا (أمير قشعم) مع أربعة آلاف فارس. أمره عليهم ليذهبوا إلي حدود شفاثة، و ذهب الوزير إلي جهة (دبلة). و لما وصل إليها لم يجد للقوم أثرا. وردت بلفظ (وبلة).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 213

و في هذه الأثناء بدر له أن يميل إلي حسكة. و هناك كان الشيخ إسماعيل في بني مالك. و من صدق لهجته علم الخبر و تيقن أن أصل هذه الفتنة الشيخ مغامس، و أنه حدث بينه و بين المنتفق خلاف …

و علي هذا توجه من هناك و قصد منازلهم فوصل إلي محل (شوكة) جاءه البريد من المنتفق و فيه عرائض قدمت إليه من الشيخ ناصر أمير المنتفق فحواها:

إننا ضجرنا من شيخنا مغامس لما قام به من ظلم و ليس لنا رضا بأعماله، أنقدنا منه. و أمدنا بعنايتك …!

و أبدوا أحواله واحدة فواحدة و

رجوا أن ينهي الأمر و طلبوا أن يسرع لإمدادهم، و هم لا يزالون في حرب معه. فكان جواب الوزير:

أتيناكم أبشروا بخير، جئناكم بسرعة الريح. إنكم في حمانا فاطمئنوا و أيقنوا بالنصر.

كتب ذلك مختصرا و بعث به مع من جاء بالكتب. أراد أن يقرب لجهته قسما منهم. و رحل بسرعة يقطع المنزلين ليمد الشيخ ناصرا من أمراء المنتفق و لم يمض إلا القليل حتي وجده و معه قليل من الفرسان حضروا و عرضوا الطاعة. خلع الوزير عليه و أكرمه و عرف منه أن الشيخ مغامسا فرّ مع عشيرة عبودة. و أن العشائر التابعة له قليلة جدا.

و حينئذ ركب الوزير السفن و عبر الفرات ليعقب أثر الفارين، أرخي العنان نحو الجوازر فوصل (أبو مهفة) الموقع المعروف فبات ليلته بقربه. و كان الشيخ مغامس تحصن فيه هو و من معه من (ربيعة) و (ميّاح) و جماعة من المنتفق أيضا. و يعد الكل بخمسين ألفا أو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 214

ستين. تأهب الفريقان للحرب و استعدوا للقتال و لكنهم قبل الشروع في المعركة تركوا أموالهم و أولادهم، و تفرقوا في بعض الأنهر المندرسة (العتقان) في تلك الأنحاء فلما عبر الوزير بجيشه لم يجد لهم خبرا بالرغم من تتبع آثارهم. حاول أن يلحق بهم فلم يفلح.

أما مغامس فلم يطب له المقام في كل الأصقاع فذهب إلي الحويزة فنظم الوزير الأمور خلال سبعة عشر يوما أقامها في تلك الديار. و حينئذ وصل الشيخ شبيب أيضا فنال إكرام الوزير و لطفه. ذهب إلي شفاثة (شفاثا) فعقب الفارين و استولي علي إبلهم و أموالهم و نجوا بأنفسهم فنال من الوزير خلعا فاخرة و كذا الرؤساء الآخرون أنعم علي كل منهم بإنعام

يليق به و علي ابن الشيخ شبيب و قدر سعيهم.

قالوا: «و إن آل قشعم من أهل النسب العريق بين العشائر. و إن رئيسهم صادق اللهجة و له خدمات تذكر له فهو منقاد لأوامر الحكومة.

و لذا عادته العشائر حتي أنهم نهبوا بيته مرات. و حاولوا إهانته فاستحق من الوزير كل رعاية …».

كان علي المرام. قام بكل ما فوض إليه من المهام حبا في الاطماع و الرئاسة …

ثم عين الوزير ضابطا لناحية (الجوازر) و رجع. و لما وصل إلي شريعة (ابو عمّار) هل شهر الصيام فقطع المراحل بلا توقف. و في اليوم السابع وصل إلي بغداد.

ولاية البصرة:

و حين وصول الوزير أخبر دولته بما تم علي يده فجاءه الجواب بالشكر لسعيه و أن تكون ولاية البصرة تحت تفويضه. يعين من يراه لائقا لإدارتها أرسل إليه منشور الولاية بلا تعيين اسم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 215

أما الوزير فقد نصب صهره و كتخداه مصطفي آغا. و كان ممتازا في خدماته. قال له: انظر في هذا الأمر. و حرر المنشور باسمه و سلمه إليه.

و في 22 ذي القعدة ألبسه الخلعة و كرك السمّور و عظمه بما يليق و أرسل المتسلم إلي (البصرة) ثم ذهب بعد أن رتب حجابه و أعوانه و سائر موظفيه و ذهب إلي دار حكومته. قال في الحديقة: كان تعيينه في ذي القعدة من سنة 1122 ه و الصحيح ما قدمنا.

و في عمدة البيان حدثت في هذه الأثناء أمراض طاعون في البصرة.

حوادث سنة 1122 ه- 1710 م

أحوال البصرة:

إن الكتخدا وصل إلي البصرة فوجد أن بعض العشائر في الجوازر نقضت العهد و عصت فأخبر الوزير بذلك فركب عليهم و دمرهم. و أبقي بعض العساكر في البصرة و عاد ظافرا. لجأ العصاة إلي الأهوار فاستولي علي أموالهم و مواشيهم و عاد …

و مصطفي باشا لم تطل مدته في هذا المنصب و إنما خلفه (قوجه حسن باشا).

و لعل هذه الوقعة متداخلة في حوادث بني لام الآتية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 216

عشائر الحي:

ثم عصت بعض العشائر في أنحاء (الحي) فعزم الوزير علي السفر إليهم. و هذه العشائر (ربيعة) و (ميّاح) و كانوا من مناصري الشيخ مغامس في وقعة المنتفق. و كان شيخ شيوخهم (خلفا). ثم جاء إلي الوزير يشكو الحالة. فجهز الوزير جيشا عليهم.

مضي الوزير من ديالي فورد سلمان الفارسي (رض). و لما وصل تجاه (أم الغزلان) أمر كتخدا الحجاب يوسف آغا أن يعبر دجلة بألفين من جنده و ذهب مع الشيخ المزبور فمضوا في طريقهم …

أما الوزير فإنه سار علي طريقه حتي وصل إلي العمارة فساق جيوشه نحو (آل ازيرك) عبر شط العمارة و منه مضي إلي شط زكية فأغار علي منزل فمنزل حتي وصل إلي قرب هور (أبي غرافة). و حينئذ لمح ثوار العشيرة فلم يمهلهم. أعمل السيف فيهم و اغتنم كافة مواشيهم و عفا عن الأولاد و الأهل.

عشائر بني لام:

ثم إن الوزير سدّ (گرمة حتيرش). و رأي أنه يجب أن يسد شط الحي (الغراف). باشر العمل فردمه ردما محكما. فجعل الثوار في شغل شاغل.

ثم رأي المصلحة أن يعود إلي جانب العمارة. و هناك بقي بضعة أيام للاهتمام بأمر بني لام. فأرسل (خط الأمان) إلي شيخهم عبد العال بعثه مع أحد آغواته و مكث أياما أطاعته خلالها بعض العشائر.

و حينئذ شاور أهل الخبرة العسكرية عن الوضع و حقيقته فأبدوا لزوم سدّ (شط العمارة) فإذا لم يسد فلا يتمكن من ضبط العشائر و لذا يجب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 217

أن يمر دجلة من زكية ليذهب إلي الجوازر لأن شط العمارة (خليج العمارة) لم يكن له أصل قديم. فاضطر إلي سدّه في 5 شهر رمضان سنة 1122 ه و استمر العمل 53 يوما حتي أتمه. بذل

اهتماما زائدا و صرف مبالغ طائلة.

و لما عاد إلي بغداد فاضت مياه دجلة فحصلت ثلمة في الجانب الغربي من هذا السد فتخرب و عادت المياه إلي مجراها الأول، فلم تفد هذه التدابير. و هي دليل العجز.

حوادث سنة 1123 ه- 1711 م

عشائر بني لام أيضا:

عاد بنو لام إلي العصيان. أغاروا علي انحاء نهر خريسان، فنهبوا و دمروا، فكانت أضرارهم بليغة. و في هذه السنة جهز عليهم الوزير جيشا. و تعقب أثرهم ففروا من وجهه إلي ايران حتي وصلوا إلي الحويزة و التجأوا إلي أميرها المولي عبد اللّه.

و لما قرب الوزير من أرض الحويزة أرسل بعض آغواته بصفة رسول إلي العجم فطلب من أميرها أن تسلم إليه عشيرة بني لام و عند ذلك أبدي أنه التجأ إليه، و أنه يعيد المنهوبات إلا أنه ماطل في ذلك فكان هذا خدعة منه. و قدم إلي الوزير بعض الهدايا، فلم يقبلها و كتب أمير الحويزة إلي الشاه بأن العثمانيين تجاوزوا و كان الشاه قد علم حقيقة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 218

الأمر فأقصاه عن منصبه، فمال إلي شيخ بني لام، فلقي هناك من البؤس ما لا يوصف ثم عفا عنه. و عشيرة بني لام من طيي ء.

عشيرة بلباس:

ذكر صاحب الحديقة أن حرب الوزير لهذه العشيرة كانت عام 1124 ه. و في گلشن خلفا أنها كانت سنة 1126 ه و لكن صاحب قويم الفرج أورد أنها حدثت عام 1123 ه و لما كان أقدم المصادر و أوسعها بحثا رجحنا قوله. أوردنا تفصيلات عن أصلها و فروعها في (عشائر العراق- الكردية).

و الملحوظ أن حكومة العراق اتخذت ضعف بابان وسيلة للتدخل، فناصرتهم و قضت علي بلباس. و من هذا التاريخ قوي أمر بابان و صار بازدياد و ضعفت عشائر بلباس … و كانت تفحصت الحالة من أهل كركوك فتدخلت و ناصرت بابان.

حوادث سنة 1124 ه- 1712 م

والي البصرة:

في هذه السنة نصب الوزير عثمان باشا واليا علي البصرة بعد أن قمع الوزير حسن باشا كل عصيان أو ثورة ظهرت فيها. ذهب إليها فوجدها آمنة مطمئنة. و علي ما قال صاحب (الحديقة) في معرض مدح الوزير إنه تركها جسدا بلا روح …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 219

البو ناصر و المليك:

قالوا: في هذه السنة أطاعت العربان كافة و تركت كل فتنة و لكن البو ناصر و المليك ثاروا و سلكوا طريق الشرور فأدبهم الوزير. صاروا عبرة لغيرهم فانتهب أموالهم و فرق شملهم …

الجراد:

و في هذه الأثناء هاجم الجراد فأضر بالبلاد كثيرا، فولد غلاء فكانت مصيبة الناس فادحة و خساراتهم عظيمة فبلغ سعر وزنة الحنطة سبعة دراهم. أما الوزير فقد تمكن من المحافظة علي هذا السعر بسبب ما قدمه للناس من حبوب باعها بخمسة دراهم بدل السبعة … فالتزمت الوقوف و لم تحصل زيادة … فخفّفت عن الناس و في آخر هذه السنة لم يبق أثر للجراد.

حوادث سنة 1125 ه- 1713 م

عشيرة بلباس:

و في شهر رمضان ظهرت فتنة بلباس. تجاوزوا حدود العجم فحصل بينهم و بين الايرانيين قتال. خربوا قري العجم فأخبر الوزير بواقع الحال فعين كتخداه لمعرفة الأمر … و هذا الكتخدا كان مقتدرا مستعدا و هو صهر الوزير.

فلما وصل إلي هنا أوقع الرعب في القلوب. فعلم جلية الأمر.

وجد أن أصل الفتنة من بلباس و لكن العجم لم يكونوا خالين من تقصير فقضي علي الفتنة و زجر بلباس و لامهم لوما عنيفا. و حينئذ عرض الأمر بتفاصيله علي الوزير.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 220

و علي هذا أمر بترحيلهم لرفع الكدورة و عجل بإنهاء ذلك وفق المراد …

حوادث سنة 1126 ه- 1714 م

والي البصرة:

وجه في هذه السنة منصب البصرة إلي الوزير حسن باشا فمرّ ببغداد و لم يتعرض لما جري علي الوزير السابق.

البرد القارس:

مضي الشتاء ببرد شديد. صار البرد قارسا و الهواء زمهريرا و لذا رأي الوزير أن لا يخرج من بغداد خشية أن يضر بالجنود. و لكن التجارب قضت بأن الحكومة إذا سكنت يثور أهل الشغب. و لذا اقتضي ترقب الأحوال حذرا من وقوع حوادث … أبدي عزمه في زيارة الإمام الحسين (رض) فذهب وزار. خيّم خارج البلد مدة يومين. ثم توجه إلي زيارة الإمام علي (رض). و في هذه المرة جدد صندوق ضريحه. و لما تم حضر القاضي و المفتي و النقيب. فأجري الاحتفال المهيب و رفع الصندوق العتيق فوضع مكانه الجديد فغطاه بالستار. و وضع له (يوسف عزيز المولوي) صاحب قويم تاريخا باللغة التركية و كان في جملة من حضر الاحتفال. جاء في كتاب (ماضي النجف و حاضره) أن هذا الصندوق كان من الساج المطعم بالعاج إلا أنه يبين أن هذا الصندوق قديم. جرت عليه اصلاحات عديدة منها ما كان في هذه السنة. و الحال أن النص المنقول عن قويم الفرج يعين أن الوزير حسن باشا هو الذي عمله. و ممن أرخه الحاج محمد جواد بن عواد. و فيه إشارة إلي أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 221

جدده الوالي و لم يقل أصلحه بل الشعر يشير إلي أنه من عمله. ثم عاد إلي بغداد. استراح بضعة أيام خارج البلد. فعزم علي زيارة الإمامين الحسن العسكري و علي الهادي (رض). و في هذه المرة أوجد الرهبة في قلوب تلك الانحاء … تجول ثم عاد. و من ثم ذهب البرد و أقبل فصل الربيع …

نظم بهارية و قويم الفرج بعد الشدة:

في فصل الربيع نظم المولوي صاحب قويم الفرج (بهارية) تركية في مدح الوزير قدمها إليه و هو في بستانه الذي كان

عمره سنة 1121 ه.

كان تاريخها (باغ حسن). و فيه تورية (بستان حسن) أو بستان الوزير حسن باشا.

و هذه البهارية راقت للوزير. و علي هذا و نظرا للاستحسان كتب تاريخه (قويم الفرج بعد الشدة) بعد هذا التاريخ …

ثم ختم كتابه بها. وصف الربيع و البستان و خصائل الممدوح و دعا له و لابنه احمد بك. ثم قدمه بعريضة منظومة في بيتين و أنهي المقال.

و للّه دره من أديب اشتهر شعره في بلاد الترك فكان يعد من أدبائهم و من المؤسف أن لا يشيروا إلي كتابه قويم الفرج و هو من أجل الآثار التاريخية لهذا العصر في قطرنا. و إن صاحب الحديقة كان ينقل منه حرفيا و يختصر أحيانا و يحيل إليه أخري و سماه (المؤرخ المولوي).

وقف قلم صاحب قويم الفرج عند هذا. و توفي سنة 1153 ه و أما المصادر التاريخية عن الوقائع التالية فإنها في الغالب تعوّل علي گلشن خلفا، و الحديقة و سائر المراجع المعاصرة و التواريخ الرسمية. و في هذا العهد تكاثر المؤرخون منا. دونوا ما أمكن. وصل إلينا منها ما تمكنا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 222

من العثور عليه مما يوضح في محله.

هذا ثم حصلت علي مجموعة خطية فيها قصائد عديدة عربية و تركية و غالب التركيات من نظم يوسف عزيز المولوي أكمل بها وقائع الوزير حسن باشا إلا أن حوادثها لم تتجاوز سنة 1130 ع. و منها علمنا ضبط التاريخ في الشعر.

عصيان الببه (بابان):

ثم شق عصا الطاعة أمير لواء ببه (بابان) و هو (مير بكر) علي ولاة شهرزور و استولي علي ما حوله من البلدان و الأهلين. قتل جملة من الأبرياء من أقاربه و فيهم الأطفال و الصبيان فلم يأمن أحد

علي ما بيده و لا علي نفسه و ماله فدعت الضرورة إلي لزوم انقاذ الناس من شره. قام الوزير عليه ليردعه من أمثال هذه الفعلات الجائرة. و لما كان في أماكن جبلية، صعبة المنال، شاهقة لا يتيسر الوصول إليها.

أو اجتياز عقباتها … تأهب للمقاومة. أما الوالي فإنه لم يبال بكل هذه الصعاب و تقدم إليه غير مكترث بالأخطار و الأهوال و لا العقبات غير ناظر إلي كثرة أعوانه فقابلهم و حاربهم فكان النصر حليف الوزير فلم تمنعهم القوة و لا خطورة المواقع فكانت النتيجة أن تشتت شملهم و صار أكثرهم طعم السيوف ففر الثائر. حاول انقاذ حياته دون أن يتولي أمر الحرب …

و نصب الوزير أميرا غيره و عاد منصورا و من غريب أمر هذا أنه بدل قيافته و جاء إلي أطراف بغداد متنكرا فعرف فألقي القبض عليه من جنود الوزير فأمر الوزير بقتله في بغداد فقتل. و الظاهر أنه حاول الدخالة علي الوزير و طلب العفو فعرف قبل أن يقدم الدخالة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 223

حوادث سنة 1127 ه- 1716 م

أمير الحويزة و عشيرة بني لام:

ثم جمع أمير الحويزة المولي عبد اللّه رجاله و جنوده الوافرة و أمير (الفيلية). قصدوا غزو بني لام. فلما سمعوا تحصنوا بجزيرة الجوازر.

خافوا أن يوقع بهم. فأخبروا الوزير بما جري. يطلبون تخليصهم من صولة هؤلاء و تأمين القري. فأمر الوزير عساكره في تلك الأنحاء أن يمدوا بني لام و يعاضدوهم. إذ لم يظهر منهم في هذه المرة تعدّ.

و حينئذ حصل لبني لام الفرح من نصرة الجيوش. قوي عزمهم و اشتدوا علي المقاومة. و لما جاء العجم و بارزوهم لم يلبثوا إلا قليلا حتي هربوا فكثر فيهم القتل و لم يسلم منهم إلا القليل. تركوا خيامهم و

فروا. فاغتنمت الجنود أموالهم و أثقالهم و انتهت الوقعة بخذلان أمير الحويزة.

اليزيدية:

ثم هاجم الوزير اليزيدية في سنجار. و كانوا في ذروة منه يقال لها (دير العاصي). و بعد أن جرت حرب عظيمة فروا إلي الخاتونية و هناك تحاربوا، فلم تنجع الوسائل و لم يروا بدا من التسليم. و قتل منهم ديللو، و مندو و عباس أخو مندو، و خركي، وسواس من مشاهير رجالهم.

خرج الوزير في 28 من ربيع الآخر من بغداد، و وصل إلي انحاء سنجار في 17 رجب و فوض أمرهم إلي رئيس طيي ء محمد الذياب و التفصيل في (تاريخ اليزيدية).

و جاء مدح الوزير في قصيدة تركية مؤرخة في سنة 1127 ه. و فيها يقول أزلت من البين اسم أهل الشقاء و قطعت دابر اليزيدية الكفرة فلك الأجر فيما قمت به من صولة لم يسبقك إلي مثلها سابق …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 224

و هناك قصيدة أخري ذكر فيها جبل سنجار و هي طويلة من نظم يوسف عزيز المولوي. و أخري كذلك.

طارمة لمشهد الإمام الحسين:

في هذه السنة عمر الوزير طارمة الحضرة الحسينية. و مدحه يوسف عزيز المولوي بقصيدة.

شهرزور:

أنعمت الدولة علي أحمد باشا ابن الوزير حسن باشا بإيالة شهرزور فقام بأعبائها. و هذا أول منصب عهد به إليه، و في السنة التالية ولي البصرة.

حوادث سنة 1128 ه- 1716 م

اشارة

أرسل الوزير مددا لدولته بناء علي طلب منها خمسمائة من فرسان الأكراد مع كتخداه و صهره عبد الرحمن آغا لحرب النمسة ثم عاد. و من ثم أنعمت عليه الدولة بإيالة شهرزور فوافاها و باشر إدارتها.

مسناة جسر بغداد:

و من مآثر هذا الوزير أنه أمر ببناء مسناة لجسر بغداد، فتمت و أن الحاج محمد جواد عواد مدح الوالي عليها في قصيدة أوردها في ديوانه. و جاء في كلشن خلفا أنها بنيت سنة 1129 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 225

و في قصيدة أخري من مجموعة مخطوطة جاء ما يؤيد أنها بنيت سنة 1128 ه.

و في قصيدة تركية جاء التاريخ سنة 1127 ه. و الظاهر أن الشروع بالبناء كان في هذا التاريخ.

و الملحوظ أن الجسر قد بدأ فتحه في تاريخ المسناة أو قبل ذلك بقليل و اتخذ الطريق من المستنصرية فهدمت بعض نواحيها و جعلت طريقا و إلا فلم يكن الطريق من هناك و إنما كان من تجاه قلعة الطيور في جهة القلعة قرب النجيبية (المستشفي الملكي) اليوم.

حوادث سنة 1129 ه- 1717 م

عشيرة الجاف:

هاجمت علي حين غفلة أنحاء بغداد فقتلت عثمان بك أمير باجلان مع اثنين من اتباعه. و نهبت الأموال فلما سمع الوزير عزم علي التنكيل بها فلم تستطع المقاومة و لكنه عقبها عدة منازل فلم يظفر بها. تحصنت بالجبال المنيعة. و لذا عاد الوزير و كتب إلي دولة ايران بما جري.

و حينئذ غضبت علي موظفيها و عزلتهم علي تهاونهم في ضبط هذه العشيرة و أعطت دية المقتولين.

قنطرة الذهب أو آلتون كوبري:

عرفت من أيام السلطان مراد الرابع، بل قبله، و قبل دخول العثمانيين العراق وردت في تاريخ الغياثي. و في هذه المرة عمرها الوزير حسن باشا سنة 1129 ه. و تقع في طريق كركوك- الموصل. فهي مهمة من الوجهة العسكرية، و من جهة أنها علي الطريق العام. طلب من دولته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 226

أن تساعد في أمر عمارتها، فوافقت. و كان يتعسر اجتيازها. و تقع علي نهر الذهب (آلتون صويي) فقام الوزير بالمهمة، و نصب لها محافظا فصارت هذه القنطرة محكمة و متينة. و الزاب يظهر أن أصله الذهب فلحقه التصرف باللفظ. و سمي نهر الذهب و قنطرته عرفت به. و منهم من يقول إن أصل اسمه (زي) و زي آب أو زاب تعني نهر زي بالكردية.

و زي بار أو زنيبار العشيرة التي تسكن جانبا منه إلا أن التسمية ب (آلتون صويي) و (آلتون كوبري) ترجمة نهر الذهب و قنطرته و كان قديما يقال له (نهر الذهب).

قناطر أخري:

رأي الوزير في طريقه قناطر أخري مهدمة منها قنطرة علي (نهر چمن)، و أخري علي (نهر نارين). و قنطرة علي (چوبين). فأمر ببناء هذه القناطر من صخور، و جعل نفقاتها من كيسه الخاص. و بذلك سهل طريق المرور.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 227

حوادث سنة 1130 ه- 1718 م

عشيرة بني لام أيضا:

إن شيخ بني لام عبد العال عاد إلي ما هو عليه فاتفق مع أمير الحويزة، فعاث بالأمن و نهب سفن التجار. و لذا أرسل الوزير كتخداه عليهم فدخلوا أراضي الحويزة و كان أميرها المولي عبد اللّه و في هذه المرة ساعد الجيش في الدخول فتحارب مع بني لام، فانتصر عليهم بعد أن عبر (نهر الكرخة) حتي وصل إلي قرب نهر كارون فدامت الحرب ساعات و من ثم انكسر بنو لام. و تركوا ما معهم و هربوا. ففرح الوزير بهذا و ألبس كتخداه خلعة.

كلشن خلفا

تمّ تاريخ گلشن خلفا المدون باللغة التركية في حوادث هذه السنة.

و يعد من تواريخ أيام هذا الوزير. بينا عن حياة مؤلفه و كتبه التاريخية في مجلة لغة العرب. و هنا أقول: إن هذا المؤرخ أكمل تاريخه عام 1100 ه. كتبه باسم الوزير عمر باشا و ختمه إلا أنه بعد ذلك لم تنقطع يده منه، و صار يدوّن ما كان يجري في أيامه مستمرا في عمله. زاد عليه و أكمله في سنة 1129 ه و ختمه في نهايتها بذكر مناقب هذا الوزير.

و لكنه استمر بعدها أيضا فذكر في عام 1130 ه وقعة بني لام المارة الذكر و وقف عندها بعد أن مضت مدة ثلاثين سنة علي تقديمه إلي عمر باشا، فجاء بما يهم من الوقائع. و لا شك أن وقائعه من أواخر المائة الحادية عشرة إلي هذا التاريخ تعد من الوقائع المعاصرة و الجمع بينه و بين تاريخ الغرابي أدي إلي أن تكمل وقائع بغداد بل العراق إلا أن التفصيل في قويم الفرج زائد جدا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 228

أوضحت عنه في كتاب (التعريف بالمؤرخين للعهد العثماني).

و كتابه گلشن خلفا طبع

في مطبعة إبراهيم متفرقة باستنبول في غرة صفر سنة 1143 ه. فكان من أوائل مطبوعات هذه المطبعة و هي أول مطبعة في المملكة التركية. و عندي نسخة مخطوطة قديمة منه. إلا أنها غير مؤرخة.

هذا، و إن صاحب الحديقة أخذ عن گلشن خلفا لما جاء بعد قويم. ذكر مناقب الوزير و حادث بني لام منه.

حوادث سنة 1131 ه- 1718 م

عشيرة بني لام:

حدث خلاف بين بني لام بعضهم مع بعض فتقاتلوا و أدي ذلك إلي وقائع مؤلمة. فلما وصل الوزير إليهم وجد أن شيخهم (فارسا) لم يتمكن من الإدارة فعزله و نصب الشيخ عبد السيد من بيت الرئاسة ثم رتب أمورهم و قفل راجعا إلي بغداد.

عشيرة بلباس:

ثم أرسل والي كركوك أميرا علي بعض الجنود إلي بلباس تجرأوا علي الناس فأوقفهم الوالي عند حدهم و أخمد غائلتهم و شتت شملهم فعاد الجيش ظافرا.

بابان:

كان تغلب بكر بك من أكراد (لواء ببه) أي بابان علي بعض المواطن فصارت له الشوكة و الصولة … فركب إليه الوزير بعساكره و أمرائه فأباد جمعه و خرب ربعه و قضي علي ثورته …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 229

اليزيدية الصاجلية:

غزا الوالي الصاجلية و هم فرقة من اليزيدية فقتل الرجال و أسر العيال و اغتنم الأموال و رجع. و لعل هذه الوقعة دعت إلي انقراضهم في حين أن أوليا چلبي ذكر الشي ء الكثير عنهم. و اليوم ليست معروفة بهذا الاسم.

الخزاعل:

دخل الشيخ سلمان الخزعلي بغداد خفية و كان هرب إلي بلاد العجم. جاء إلي الوزير مبديا العذر و طلب أن يعفي عنه فقبل الوزير معذرته و عفا عنه فبقي في أحسن حال …

شيخ بني لام عبد العال:

قدم شيخ بني لام عبد العال إلي بغداد لما ضجر من حالته في البوادي. واجه الوزير فعفا عنه و لكنه رأي منه نقض العهود فلم يجعله رئيسا علي عشيرته بل جعل أخاه عبد القادر.

والي الحويزة:

ثم قدم أمير الحويزة المولي عبد اللّه إلي بغداد ملتجئا إلي الوزير لما استوجب أن يعاقبه الشاه فأتي بعياله و رجاله. فآواه الوزير و تعهد بتخليصه بالشفاعة له.

كان هذا الأمير مهذبا كاملا و أديبا يحفظ دواوين المتقدمين. يأتي منها بالسحر الحلال و هو شاعر مطبوع، و أديب كامل، و عالم بالمعقول و المنقول … أورد له صاحب الحديقة من الشعر قوله:

ظبي يتيه علي الأسود بفتكه و يريك بدر التمّ عند شروقه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 230

ثملان من خمر الدلال كأنما كأس الحميّا ركبت بعروقه

يختال في حلل الشباب كأنه قوس السحاب بدا خلال شروقه

لا و الذي أولاه صعب مقادتي و أذاع علم السحر من منطوقه

ما حلت عن سنن الوداد و لم تكن نفسي بمهملة لبعض حقوقه

و من شعره:

ذكر العهد فهام و جفا الجفن المنام

و فؤاد ضاع منّي بين هاتيك الخيام

لست أنسي عهد ظبي ناعم حلو الكلام

بين لحظيه سقام و شفاء للسقام

فعليه و علي لح ظيه ما عشت السلام

و للشيخ نصر اللّه أبيات فيه و في الشيخ محمود الحويزي و في الشيخ فرج وزير المولي عبد اللّه أمير الحويزة و من ثم نعلم علاقة هؤلاء بأدباء العراق.

طريق الحج:

عمر الوزير طريق الحج الذي سنته زبيدة (زوج هارون الرشيد) فذهب الحجاج فيه و جهز معهم العسكر الكثير و رتب عشرين سقاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 231

يسقون الحجاج الماء و يحملونه علي الجمال يتفقدون به الفقراء و يتقاضون متعيناتهم من أي وال كان في بغداد.

زوجة الوزير:

و في 27 شهر رمضان توفيت زوجة الوزير عائشة خاتون بنت مصطفي باشا أم أحمد باشا. دفنت في تربة السيدة زبيدة و بني لها الوزير مدرسة لطيفة أجري لها الماء و عين لها مدرسين و وظف لطلبة العلم موظفا في كل يوم و عين بعض المرتبات.

تربة السيدة زبيدة (عائشة خاتون و مدرستها)

هذه التربة لم تكن لزوج هارون الرشيد و إنما تعود إلي (زبيدة بنت هارون الجويني)، و أمها رابعة بنت أحمد ابن الخليفة المستعصم باللّه.

و للعلاقة اشتهرت غلطا بأنها زوجة هارون الرشيد. و ظن المرحوم السيد محمد سعيد الراوي أنها (زمرد خاتون) فقدمت من الأدلة ما يكفي ثم ظهر ما هو منقور علي ميل الشيخ عمر السهروردي من تاريخ فانتفي أن يكون هذا الميل المماثل من أبنية العهد العباسي. و لم يلتفت إلي النصوص، و لا إلي الشهرة، و لا إلي ما تحقق من أن مثل هذه الأبنية كانت من عمل عهد المغول مع أن المراد بمدرسة زمرد خاتون (جامع الشيخ معروف) تغلب اسمه عليها و أن تاريخ المنارة ينطق بذلك. ثم عثرت علي ما يكمل المكتوب علي ميل السهروردي فذكرته في كتاب (المعاهد الخيرية) فكان من أصل البناء. كتب سنة 735 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 232

و لم يعرف دوام اسم غير اسم زبيدة و ليس لزمرد خاتون ذكر.

و إنما تغلب اسم (الشيخ معروف) عليها. و لا تزال (زبيدة) معروفة و لكن الناس و هموا بهارون الخليفة العباسي فكان غير صواب. و في اتفاق الاسم ما دعا للشبهة و أوقع في الخطأ.

حوادث سنة 1132 ه- 1719 م

الطاعون:

في أواخر السنة الماضية وقع الطاعون و كثرت الاصابات و يعد بالألف أو أزيد يوميا و هرب أغلب الأهلين و خرج الوزير بعساكره إلي أنحاء سامراء، و استمر إلي أوائل هذه السنة هلك فيه علماء و مشاهير لا يحصون. ثم ذهب البؤس و زال المرض فعاد الناس إلي ما كانوا عليه.

و مثل هذه المصائب بدلت الأوضاع العلمية و الإدارية.

وقائع أخري:

ثم إن الموالي و العباسيين في أنحاء حلب قد عصوا فأمرت الدولة ولاة عديدين للوقيعة بهم و من هؤلاء وزير بغداد حسن باشا علي أن يكون الكل تحت قيادة علي باشا مقتول زاده والي الرقة و لم تظهر لها نتيجة و في كتاب (نهر الذهب في تاريخ حلب) أن والي بغداد كان في هذه قائدا علي عسكر شهرزور و الموصل و ديار بكر، و أما علي باشا المقتول والي الرقة فإنه كان أمير عسكر حلب و قره مان فتناوشت العساكر و العربان من كل جانب فأذاقوهم أنواع المعاطب فزال خطرهم إلا أن هذا التاريخ ذكر الحادثة في وقائع سنة 1133 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 233

حوادث سنة 1133 ه- 1720 م

ظهرت سنة 1131 ه قبائل الافغان و أميرهم أويس بمظهر امارة قوية. استولت علي قندهار و غيرها، فلم يرضوا بما عندهم بل تمكنوا من مقارعة ايران فاستولوا علي أصفهان قاعدة دولة الصفويين.

و في هذه السنة و التي تليها صرفت المجهودات لحفر الخندق في بغداد و تجديده خشية أن يقع ما لا تحمد عقباه. رأت الدولة أن الافغان هاجموا بلاد ايران و استولوا علي أصفهان فخافت أن يلحق ببغداد ضرر فأمرت بالتأهب للطواري ء و أن يكون الوزير علي حذر … إلي أن تأتيه القوي الكافية …

حوادث سنة 1134 ه- 1721 م

حوادث الافغان:

إن الصفويين آل أمرهم إلي الزوال و إن ولاتهم و أمراءهم عتوا إلي درجة لا تطاق لا سيما في بلاد الافغان و يقال إن كوركين خان أمير قندهار من الصفويين و هو كرجي الاصل تعرّض بأخت الأمير أويس الذي هو من العشائر الرحل. دعا الأمير أويس مرة أمير قندهار لوليمة فرأي أخت أويس فأعجبته. و من ثم عمل هذا الأمير وليمة دعا فيها الرجال مع الرجال و النساء مع النساء. و بين النساء أخت الأمير أويس، فمنع أن تعود إلي أهليها فكان ذلك داعية الهياج و أدي الأمر بأويس إلي اكتساح قندهار. قتل كوركين خان و كذا نكّل بأتباعه. و حينئذ ركب الأمير أويس في تلك الساعة مع العشيرة و دخلوا قندهار و أعملوا السيف في العجم. استولوا علي المدينة سنة 1131 ه و بقي أويس فيها أميرا إلي أن مات كما أن ابن أخيه الأمير قاسم استولي علي هراة.

و في تاريخ راشد أوضح أن الأمير أويس ظهر سنة 1118 ه في أنحاء قندهار، و كان استولي علي الاطراف و قهر جيش الشاه لمرات،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص:

234

فانتزع المدينة من أميرها عبد اللّه خان الگرجي. و ضرب النقود و قرأ الخطبة باسمه. كتب علي النقود هذا البيت:

سكه زد بر درهم دار القرار قندهار خان عادل شاه عالم مير أويس نامدار

أي ضرب علي الدرهم قندهار ذات القرار الخان العادل سلطان العالم الأمير أويس الذائع الصيت.

و توفي بعد سنوات من استيلائه فخلعه أخوه إلا أنه لم يكن من رجال الحكم فخلع بعد ستة أشهر، و اختير الأمير محمود بن الأمير أويس للحكم. و لم يهدأوا من حرب ايران و استولوا علي مواطن عديدة.

توغلوا في كرمان و المشهد.

ثم إن هذا الأمير تقدم لاكتساح الممالك الايرانية و جهز جنوده نحو عاصمة العجم أصفهان فحاصرها نحو عامين فسلمت إليه و أطاعه كل من فيها و أسر الشاه حسينا و سجنه مدة و قيل إنه تزوج ابنته و في تذكرة (الزاهدي الگيلاني) أن الأمير محمودا استولي علي أصفهان في 15 المحرم سنة 1135 ه و سمي كتابه (تذكرة الأحوال) عندي نسخة مخطوطة منه و في تاريخ ايران للأستاذ عبد اللّه الرازي ما يؤيد ذلك (ص 569) … أخبر والي أرضروم حكومته في شعبان سنة 1134 ه بمحاصرة أصفهان فكتب الأوامر إلي الولاة المجاورين و منهم حسن باشا والي بغداد ليكونوا علي حذر وأهبة … و حينئذ راعي والي بغداد الحزم و الحيطة فكتب كتابا إلي الأمير محمود يعرض الوقوف علي الحالة.

فكان جوابه أنه انتقم للأمير محمود من العجم. أرسل الحاج عثمان آغا رسولا و كان فاضلا منتبها لدخائل الأمور و ظواهرها بعثه بكتاب يهنئه بهذا الفتح و يندد بالعجم، و يبين أنهم أعداء … فأبدي له الأمير أنه لم يقم بهذا الأمر إلا ابتغاء مرضاة اللّه … و

أنه مطيع لسلطان المسلمين.

فرجع الرسول منه مكرما و أرسل وزيره محمد صادق خان بكتاب إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 235

الوزير حسن باشا ينطوي علي أن الظلم شاع في ايران، فاقتضي تأديب الفجار فطرقنا هؤلاء. طلعت جيوشنا من مدينة قندهار لتسخير ممالك القزلباش. وردنا بلدة (گلون آباد). و بعد قتال عنيف انهزموا. و هكذا مضينا إلي (فرج آباد) من بناء الشاه حسين. فابتلوا منا بأعظم داهية فولوا الادبار. ثم دمرنا جيش فارس و كان عظيما. فرأوا منا العطب. و من ثم لم يروا بدا من الاذعان و التسليم للقدرة القاهرة … و أبدي في كتابه الخضوع للسلطان، و رغب أن يكونوا علي الصفاء و المودة و يقدم الحرمة و يدعو إلي الألفة.

أوعز إلي الرسول أن يدقق الحالة فبين مشاهداته و ذكر أن بلاد العجم صارت غنيمة باردة و من السهل فتحها فأرسله الوزير إلي الدولة لتستطلع برأيه و تختبر منه الوضع و ما عليه ايران اليوم.

و يلاحظ هنا أن الوزير كان طامعا في ايران بعد أن تمكن من السيطرة علي عشائر العراق. رغب دولته في لزوم اكتساحها فوافقت في حين أنها كانت وجلة. و أمرته بالحيطة. و علي هذا بادر بإيفاد رسوله إلي ايران يسبر أحوالها قبل أن يقف علي رأي دولته. و بذا أراد أن يقوي عزمها و يؤكد اعتمادها فبعث بالرسول إليها للاطلاع علي الحالة بتفرعاتها. و الظاهر أنه جرّ دولته إلي الحرب و ولد أمل الظفر.

أبدت الدولة أن بينها و بين ايران عقودا و عهودا إلا أن الاخطار انتابتها من كل صوب و صارت طعمة لكل آكل، و يخشي أن تصيب الدولة حوادث غير متوقعة، فأمرت أن يتخذ ما يلزم و

أن يتهيأ للطواري ء فقامت بالأمر.

و من راجع التاريخ و الأوضاع السياسية للأمم و طريق استقلالها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 236

علم أن البواعث إنما تكون ناشئة عن قسوة أصابت الأمة و ظلم أرهقها فكانت علي الأهبة و الاستعداد للوثبة بأمل النهوض و الانتقام.

ولا ينظر في مثل هذه إلي السبب المباشر أو الضعيف كحادث حقيقي لثورة الأمة و إنما عوامل كثيرة متراكمة أذكت النيران. فجاء يوم الحساب بقسوة لا مزيد عليها …

و الأفغان أمة عزيزة الجانب، قوية الشكيمة، معتادة علي الخشونة و شظف العيش متمرنة علي مطاردة الوحوش و مقارعة العشائر، فثارت للانتقام فلم تجد ما يصد تيار هيجانها …

و المؤرخون اضطربت كلمتهم في أصل (الافغان) و يقال لهم عندنا (أغوان) و هكذا دعاهم صاحب (تاريخ أفغان) و لم تكن التسمية حديثة العهد و لا قريبة النشأة. جاء في قاموس الاعلام أن هيرودوتس ذكرهم في تاريخه بتحوير قليل في اللفظ. و هم قبائل متعددة بين أفغان أصليين، و بين (تاجيك) و (هندوكي)، و (هزاره)، و (قزلباش). و يقال للغتهم (پختي) أو پختوان) من اللغات الآرية.

و في تاريخ الافغان: «أن أصل قبائلهم في أنحاء داغستان علي سواحل بحر الخزر في قطر يدعي (شروان) أو خارج (باب الأبواب) علي سفح داغستان و الصحاري المتصلة به، و لم يستطع أحد أن يقف علي حقيقة جذمها، أو أنهم من أقوام الخزر، أو طائفة من فروعهم …

انحدروا إلي ايران و ما يتصل بها من الممالك القريبة … فصاروا يهاجمون و يغزون بغارات متوالية …

و لما ظهر الأمير تيمور اكتسح تلك الديار و استولي علي هذه الاقطار فشكاهم الايرانيون و تظلموا من أعمالهم … و حينئذ أمر تيمور بإجلاء هؤلاء إلي

ديار تبعد نحو مائة مرحلة عن مواطنهم الأولي فأبعدهم. و كانت هذه البقعة من ايران، حوالي قندهار و الصحاري بينها و بين الهند … أنقذ ايران منهم جعلهم سدا منيعا لها من الأقوام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 237

الشرقية فأمنوا غوائلهم و غوائل غيرهم بهم.

و علي ما ورد في بعض التواريخ أن هذه الطوائف من الأرمن و ذلك أن ايالة شروان كانت تدعي (ألبانيا) و أهلها ألبانيون. فتكون الأغوان محرفة عن ألبان. و للآن توجد ناحية متصلة بشروان يقال لها (قره باغ) فيها كنيسة تسمي قند سار و يقال لرئيس بطارقتها (أغوانج) و في لغة الارامنة تعني زعيم الأغوان و لا تزال طوائف الارامنة المتوطنة في جبال (صفناق) في حدود ايالة گيلان و أنحاء (كنجه و روان و نخچوان) يفتخرون بهذا العنوان و يدعون أنهم أغوان. و لعل رئيسهم الديني سكن قندهار و أصلها قندسار فتحرفت إلي قندهار …

و في بعض الكتب أن هذه المدينة من بناء الاسكندر سكنها الارمن أثناء هجرتهم و تباعدهم عن وطنهم فألفوا الهنود و اختلطوا بهم ثم اعتنقوا الإسلام و لا تزال بقايا بعض العوائد موجودة فيهم مثل أنهم يضعون علامة صليب علي اكلاتهم منقولا عن تقاليدهم الاولي. و من القديم حافظوا علي خشونتهم الاولي و بداوتهم فعرفوا إلي اليوم بالشجاعة و الاقدام …» اه.

و في (كتاب دول إسلامية) أنهم في الأصل من قبائل الترك المسماة أحيانا ب (قلج) و كما يقال (أفغان). و يريد بالقلج ما يدعي ب (الخلج).

و في تاريخ مختصر ايران للأستاذ باول هرن ترجمه الدكتور رضا زاده شفق إلي اللغة الايرانية جاء إلي أصل هؤلاء من عشيرة گلزائي من العشائر المعروفة في الأفغان. و في

المخابرات مع أشرف خان علم أنه يدعي الانتساب إلي خالد بن الوليد (رض) و أنه من ذريته.

اضطربت الأقوال في أصلهم و نظرا لبسالتهم و شجاعتهم صار كل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 238

قوم لا يتحاشي أن يعدّهم منهم فهم بين هنود أهل البادية، أو كرد، أو أرمن، أو فرس، أو ترك، أو عرب مما يدل علي أن الماضي القديم غامض. و يرجح أنهم من الخلج.

حوادث سنة 1135 ه- 1722 م

الوضع السياسي:

صدر الأمر السلطاني بلزوم فتح بقية بلاد ايران التي لم يطرقها الافغان بعد، و أن لا يتعرض لما بيد الأمير محمود الافغاني، و اختير لهذا الأمر وزير بغداد حسن باشا فنصب قائدا لجبهته كما أن عبد اللّه باشا الكوپريلي والي (وان) جعل قائدا عاما في انحاء تبريز و اذربيجان و عهد إلي إبراهيم باشا السلحدار والي أرضروم أن يكون قائدا علي انحاء (كنچة و روان) علي أن يستولوا علي الأماكن التي لم تدخل في حوزة الأمير محمود. و كان ذلك في أواخر سنة 1135 ه.

رفقت الدولة بفرمانها فتوي شيخ الإسلام باعتبار أن العجم لا يعترفون بخلافة أبي بكر و عمر و عثمان (رض) بل يعدونهم كفارا كسائر أكثر الصحابة ما عدا الإمام عليا (رض) أو يعتبرونهم مرتدين و منافقين، و يسبونهم علنا، و يرمون عائشة بالإفك، و يؤولون آيات كثيرة علي خلاف مقتضي القواعد العربية و يجوزون قتل أهل السنة، و يبيحون أموالهم و إذا أسروا النساء استحلوا وطأهن دون عقد كسبايا غير المسلمين … و لهذه الأسباب عدتهم الفتوي مرتدين، و أجرت في حقهم أحكام أهل الردة و جعلت بلادهم دار حرب.

و من هذا الوضع السياسي، و تلك الفتوي يعرف أن الغرض الاستيلاء فاتخذ الدين وسيلة لتهييج الرأي

العام. و أن شيخ الإسلام لا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 239

يتخلّف عن إصدار فتوي مثل هذه. و هكذا كان يفعل الايرانيون في حروبهم مع العثمانيين. فأسسوا البغضاء و قووا شقة الخلاف. و لم ينظروا إلي أن كل المسلم علي المسلم حرام و لا إلي أن سباب المسلم فسوق و قتاله كفر!! و لا إلي أننا لا نكفر أهل القبلة و لم نعد في وقت الشيعة (مرتدين) إلا أن ما جري بين الصفويين و العثمانيين أدي إلي قبول هذا بسبب الحروب و التشنيع من كل جانب منهما.

عزم الوزير و فتوحه:

جهز الوزير جيوشه و فيهم القبائل الكثيرة من العرب منهم الخزاعل مع رئيسهم الشيخ سلمان لمهاجمة بلاد العجم، نهض من بغداد، و لما وصل إلي كرمنشاه (قرميسين) أثر في العجم تأثيرا كبيرا و ولد فيهم خوفا فصار الايرانيون محاطين بالناهبين من كل صوب. و لذا تقدم رؤساؤهم و أعيانهم لاستقبال الجيش و الترحيب به و الاذعان له بالطاعة. فاستولي الوزير علي المدينة بلا حرب و لا قتال، و صارت و جهته همذان و لكن المصلحة اقتضت أن يقيموا في كرمانشاه بضعة أيام في خلالها بعثوا السرايا إلي لورستان و أطراف همذان و سائر النواحي المجاورة فعاثوا و نهبوا أموالا و خربوا قري، ذهبوا بعمارتها و تجاوزوا علي أكثر أنحاء همذان و صادق بولاق (صوغرق بولاق) و لورستان و مضافات هذه المواطن فاستولوا عليها.

و في تاريخ كوچك چلبي زاده أن الجيش استولي علي أردلان.

و استعان الوزير ب (بلباس) و (بابان). استولوا علي (سنة) و أميرها عباس قلي من قبيلة (ماموي) استقبلوا الوزير حسن باشا في 11 صفر سنة 1136 ه، و علي (جوانرود). و أميرها (اللّه و يردي)

من أمراء الجاف المعروفين بجاف جوانرود. و منها وصلوا إلي كرمنشاه. و قبل أن يصلوا إلي هناك مضوا إلي امارة اللر. وصلوا إلي وادي (شبكان)، و لم يقفوا حتي وردوا (خرم آباد) فمال أمير اللر (علي مردان) إلي الطاعة … تم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 240

ذلك في 18 صفر سنة 1136 ه.

كان جيشهم يمثل الوحشية فلم يهذبهم دين، و لا أثرت فيهم مدنية … و الصحيح أن أمراء الجيش لم يتمكنوا من ضبط الجنود، و لم يستطيعوا السيطرة عليهم. فقدوا القدرة فأدي ذلك إلي انتهاك حرمات.

و هكذا قل عن جيش الافغان فلم يجد الايرانيون من يلجأون إليه.

و علي هذا طلب سادات همذان و أعيانها أن لا يتعرض للنساء و البنات اللاتي أسرن مع القوافل المنهوبة و أنهم منقادون مطيعون …

و هذا الطلب يوضح أعمال الجيش الفاتح أو الخوف منه. و هذه الأحوال تعتبر من أكبر الموانع من توسع الفتح من جهة، و من أعظم البواعث إلي ظهور رجل كبير مثل نادر شاه ينقذ البلاد من هؤلاء الغزاة.

قبل الوزير هذا الملتمس علي أن يتركوا الرفض و السب، و ينقادوا للسلطان فيأمنوا علي أموالهم و أنفسهم و أعراضهم و إلا فسوف ينفذ الأمر بموجب فتوي شيخ الإسلام.

ثم إن الوزير بعد انتصاراته هذه كتب إلي حاكم أصفهان الأمير محمود يخبره بما جري. أراد بذلك أن يستطلع الأوضاع و ما حصل من أثر. و صار ينتظر الجواب و مشاهدات الرسول … و هو (الحاج عثمان آغا) و كان من أفاضل الرجال. يعوّل عليه، و علي نظراته و إصابتها.

موانع من التوغل:

هي في الحقيقة انتظار الجواب من جهة و أن يخبر محافظ أرضروم الوزير مصطفي باشا أن يتوجه من ناحية

تفليس و كذا الوزير الثاني

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 241

عبد اللّه باشا الكوپرلي الموكل بالتقدم نحو همذان من ناحية (وان).

و الدواعي الظاهرية وجود الجبال و الموانع و حلول موسم الشتاء و صعوبة المرور مع وجود الثلوج و تساقطها و تعذر الذهاب بسبب الجليد و الصواب التأهب و إعداد العدة و من ثم ضرب الوزير خيامه في كرمنشاه و تسمي كرمان شاهان.

مسناة الجسر في الموصل:

في هذه السنة أمر والي الموصل صاري مصطفي باشا ببناء مسناة لجسر الموصل. و عهد بذلك إلي علي العمري، و إسماعيل آغا الجليلي و قره مصطفي بك. و هذه المسناة لم تتم، و أن المصروف عليها كان كبيرا، فلم يجسر الولاة علي صرف المبالغ المقتضية لها، و صارت تعد شؤما، فلم يقدم وال علي تعميرها …

وفيات:

1- مفتي الموصل العلّامة الشيخ ياسين بن محمود الموصلي.

كان والده مفتيا أيضا كما أن أسرتهم لا تزال معروفة. و منها آل شريف بك.

حوادث سنة 1136 ه- 1723 م

اشارة

وقفت حوادث كرمنشاه في 18 صفر سنة 1136 ه و الوزير لم يستمر في سيره بل تأخر في كرمنشاه للأسباب المارة.

وفاة الوزير حسن باشا:

بينا كان الوزير في انتظار حلول موسم الربيع إذ عاجلته المنية. و هذا ما دعا إلي حزن و أسف كبيرين في المحافل العثمانية و في جيوش الغزاة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 242

جامع الإمام علي ابن أبي طالب في النجف- دار الآثار العراقية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 243

راجعنا توارخ عديدة فلم نعثر علي تاريخ وفاته إلا في تاريخ كوچك چلبي زاده من أنه توفي في غرة جمادي الآخرة سنة 1136 ه كما نص في تاريخ نشاطي بقوله «رجاء عفو له در گاهكه كلدي حسن باشا».

و لا يلتفت إلي الأقوال الأخري.

ترشيح ابنه أحمد باشا:

اشارة

و حينئذ و دون أن يطرأ خلل في الجيش قام صهره و كتخداه السابق أمير أمراء شهرزور عبد الرحمن باشا بتدبير الأمور باتفاق من الأمراء و أهل الرأي، فعرضوا الأمر علي الدولة و رشحوا ابنه أحمد باشا مكانه واليا علي بغداد و قائدا علي الجيش، و أن يكون عبد الرحمن باشا والي البصرة في محله، و أن ينصب لولاية شهرزور صهره و كتخداه الأقدم قره مصطفي باشا والي طربزون …

تم هذا الترشيح علي وجه السرعة و طلبوا أن يجاب ملتمسهم و تنفذ رغبتهم. و صاروا ينتظرون الجواب بفارغ الصبر …

دفنه:

ثم إن الأمراء حذروا من دفنه في كرمنشاه خوفا من تبدل فجائي يطرأ علي الأوضاع العسكرية و السياسية و إنما نقلوه إلي بغداد بشق بطنه و تنظيف أمعائه و تطييبه بالأدوية و سيروه مع أحمد آغا كتخدا الحجاب فدفن قرب مرقد الإمام الأعظم. رثاه الشعراء و العلماء و احتفلوا بدفنه.

حزن عليه النساء و الأطفال و الكبار و الصغار و لم يبق من لم يأسف لفقدة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 244

مناقبه و مآثره:

أسس النظام في بغداد و حصل علي موفقيات كثيرة و تمكن من ضبط المملكة و تأمين حقوق الرعايا و أموالهم. أسس إدارة مكينة في هذه الديار … و يعد هو و ابنه المؤسسين (لدولة المماليك) في العراق فكان فقده ضياعا كبيرا.

ذكرنا بعض أعماله من بناء قنطرة الذهب (آلتون كوپري)، و قناطر أخري، و بناء مسناتين لجسر بغداد [1]، و أصلح في الضرائب و عمر بعض المراقد المباركة. و بني صدرا جديدا لنهر الحسينية في كربلاء و كان معروفا بالنهر السليماني. و بني خانات بين كربلاء و بغداد. و عمر المندثر منها [2].

______________________________

[1] ذكر الدكتور الأستاذ مصطفي جواد أن الشيخ مصطفي بن كمال الدين محمد الصديقي الدمشقي في رحلته «كشط الصدا و غسل الران في زيارة العراق و ما والاها من البلدان» و كان قد دخل العراق سنة 1139 ه. قال: «دعانا ليلة السبت المنلا محمود لمنزله المعهود فبتنا لديه فهمعت السحب السماوية، و أوصل اللّه إمداده إليه، و سرنا إلي الزيارة المعروفية، فرأينا الجسر مقطوع، فقلنا انتظار الفرج عبادة، فعسي أن يتصل بالأحباب المقطوع، و انتظرنا نصبه في التكية المولوية، و جاء للانتظار الصديق الشيخ عثمان النجدي- بلغه اللّه و إيانا كل

أمنية- ثم لم يتعوق أن نصب، فزال عن الحشا النصب، فبادرنا لزيارة الحارث بن أسد [المحاسبي] رفيع الحساب، منيع الرتب. و دخلنا عليه من الباب، للأمر الوارد في محكم الكتاب.» اه. هذا، و الملحوظ أن الدكتور علق أيضا علي (جامع المنطقة) بأنه مشهد العتيقة و ليس بجامع براثا. و أورد نصوصا كثيرة تأييدا لقوله. فأكتفي بالإشارة. و محل التحقيق و البحث (كتاب المعاهد الخيرية). و تعرض أيضا لترجمة إبراهيم متفرقة. فالمعذرة للأستاذ الدكتور و شكرا له علي ما أبدي.

[2] دوحة الوزراء ص 8 و حديقة الزوراء و تاريخ كوجك جلبي زاده ص 115.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 245

و له من الأولاد:

1- الوزير أحمد باشا خلفه في منصبه.

2- فاطمة خانم زوجة عبد الرحمن باشا.

3- صفية خانم زوجة قره مصطفي باشا. كانت متضلعة بالعلوم و لها معرفة بالمنظوم و المنثور. انتسب زوجها إلي الوزير. صار عنده (كاتب الديوان). ثم جعله كتخداه إلي أن ولي بغداد. و في السنة الثالثة من وزارته في بغداد زوجه بها. تقدم حتي بلغ الوزارة. و له منها خديجة خانم كانت عالمة فاضلة كاملة و صاحبة خيرات.

قال صاحب الحديقة: و كانت السبب في تأليف هذا الكتاب (حديقة الزوراء) لحرصها علي حفظ السير و الأنساب. تزوجها محمد باشا و لها منه حسين بك، و علي بك، و عبد الرحمن بك، و علي باشا.

هذا، و عرف الوزير حسن باشا ب (فاتح همذان)، و الحال أنه توفي في كرمانشاه، و إنما كان الفاتح لها ابنه أحمد باشا و منشأ هذه الشهرة أنه عزم علي الفتح و باشر أمره.

جامع السراي

ذكرنا تجديد (الجامع السليماني) في المجلد السابق. و هذا الجامع أعاد الوزير حسن باشا تجديده فصار

يسمي ب (جامع جديد حسن باشا).

و يقال له (جامع السراي). عمّره و وقف له وقوفا عديدة، و اتخذت فيه مدرسة لا تزال.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 246

الوزير أحمد باشا:

كان واليا علي البصرة و جاءه نعي والده فغادرها في غرة شعبان و وصل إلي بغداد في 29 منه وجهت إليه وزارة بغداد مع القيادة العامة في 23 جمادي الآخرة بترشيح من أمراء والده، فذهب توا إلي كرمنشاه، وصل إليها في 21 من شهر رمضان و في 7 شوال أمر بالتوجه إلي همذان دون توقف.

و كان منذ طفولته موصوفا بالاخلاق و الخصائل الممدوحة. لازم أباه في حروبه و جلائل أعماله تمرّن علي تدريبه و ظهرت مواهبه في حياة والده …

رشحه والده فأودعت إليه إدارة شهرزور برتبة مير ميران سنة 1127 ه فأرضي الأهلين بحسن معاملته و طيب إدارته …

ثم نال منصب قونية فحصل علي رتبة الوزارة ثم نصب واليا للبصرة في السنة التالية. و منها إلي قونية، ثم إنه في آخر سنة 1129 ه و جهت إليه ولاية حلب. و في أول عام 1131 ه فوضت إليه البصرة و دام فيها أربع سنوات حصل في خلالها علي حب الأهلين. و في أيامه استتب العدل و انتظمت الإدارة.

ورد أحمد باشا بغداد فأبدي القوم حزنهم لفقد والده كما هنأوه بمنصبه.

و ممن مدحه أمين الفتوي السيد عبد اللّه سبط الشيخ عبد القادر الگيلاني بقصيدة مطلعها:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 247

أقبل السعد و الأمان تجدّد بسم الدهر ثغره عن منضد

و فيها بين مزاياه و مزايا والده و جاء تاريخها:

نزّه الفرد و ادعون و أرّخ دم بحكم تسود فيه و تحمد

بقي في بغداد عشرة أيام في خلالها نظم أموره،

و تأهب للحرب، ثم توجه نحو ايران.

الحالة:

إن أمير اللّر علي مراد خان كانت سكناه في (خرّم آباد) و كان قائد الجيش الايراني فاضطر أن يطلب الأمان لما رآه في جيشه من انحلال و ضعف فحصل عليه. و من ثم دخلت ديار اللر في حوزة العثمانيين و لكن سوء الإدارة و عدم القدرة علي ضبط الجيش مما ساق إلي ارتكاب أمور أخلت بسمعته في أنحاء طهران و لذا ناضل المحصورون عن كيانهم و دافعوا دفاع مستميت.

ثم فوّض منصب البصرة إلي عبد الرحمن باشا صهر الوزير في 23 جمادي الآخرة سنة 1136 ه، فشاهده الوزير في طريقه قرب كرمانشاه عازما إلي محل حكومته فلم يوافق فأعاده معه و ذهب توا إلي كرمانشاه فوصل إليها في 21 شهر رمضان سنة 1136 ه يوم السبت فاستقبله الجيش استقبالا باهرا، ثم عهد بلواء شهرزور إلي قره مصطفي باشا والي طربزون صهر الوزير الآخر و كان صحبة الجيش عشائر عربية منها الخزاعل و أخري كردية بينها الأمير محمد باشا أمير أردلان … و معهم والي الموصل حسين باشا الجليلي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 248

المباشرة في الحروب:

إثر وصوله أنذر الأهلين في همذان بلزوم الطاعة و الانقياد … فلم يفز منهم بطائل فنهض في 7 شوال و لما وصل الجيش قريبا منها أحاط بها فاستكمل لوازم الحصار من جميع الجهات. لما أبدوا من تعند و حينئذ اشتعلت نيران الحرب أياما، يحرض الوزير خلالها جيوشه علي القتال، و ينفث روح النشاط و العزم. و ما زالت الحرب تزداد و خامة …

و في كل هذه المطاحنات ضيقوا الخناق و لكن المدينة كانت حصينة، فلم يجسر الجنود علي خرق سياجها. اشترك في القتال أمير أردلان و أمير درنة و أمراء آخرون.

اتخذت

عدة ألغام فلم تفلح حتي كان آخر أيام الحصار ثاني يوم عيد الاضحي أعدت ثلاثة ألغام. فنسفت السور من ثلاثة أماكن فهوجمت المدينة و تقدمت الجيوش فكان الهول عظيما فأعملت السيوف و استمرت الحرب ثلاثة أيام بلياليها حتي استولي الجيش عليها.

و حينئذ طلب الأهلون الأمان ثالث يوم المعركة فأمر الوزير بالكف عن القتال و منع الأسر …! و ذهبت البشائر إلي استنبول فأنعم السلطان علي الأمراء بالخلع، و نصب عبيد اللّه قاضيا للمدينة و كان قاضي حلب المعزول من قضاء بغداد و صدر الفرمان بشكر مساعي الغزاة.

ثم استولي الجيش علي الأنحاء المجاورة و أقام الوزير مدة ليتيسر للجيوش الاستيلاء علي البقاع المجاورة …

دخلت البلاد في حوزة الجيش مثل كرند و سنقور، و بروجرد، و نهاوند، و قري و قصبات أخري … فاحتيج إلي تنظيم ادارتها و ضبطها، و في هذه الحرب دخلت عشائر الجاف و اللر في حوزة العثمانيين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 249

حوادث سنة 1137 ه- 1724 م

العودة إلي بغداد:

و في هذا الحين توالت الأخبار الموحشة عن بغداد. لما حدث من العيث و الفساد … و من ثم تحرك الوزير من همذان نحو بغداد. و لعل السبب أن الجيش ضجر من البقاء فاتخذ هذا السبب. دامت هذه الأسفار سنة 1135 ه و 1136 ه و 1137 ه. و إن المؤرخين اكتفوا بذكرها و لم يبينوا ما يخص العراق في هذه المدة. و بعد عودته بدأت حوادث بغداد.

و لما قدم الوزير إلي بغداد مدحه السيد عبد اللّه أمين الفتوي بقصيدة تبين الحالة، أوضح أن بني جميل، و بني لام عاثوا بالأمن فحضه علي الوقيعة بهم، و هني ء بقصائد أخري.

وقعة بني جميل:

ورد الوزير بغداد و لم يبق فيها غير ليلته، و صباحا عبر دجلة قاصدا بني جميل، وصل إليهم في اليوم الثالث. هاجمهم علي حين غرة فلم يحجموا عن مقابلته و دامت المعركة أمدا ليس باليسير و كانت الحرب طاحنة و القتال عنيفا … ثم ولوا الأدبار و لم ينج منهم إلا القليل فغنمت الجيوش أموالهم. و لكن الوزير رعي الأهلين و صان الأعراض. و حينئذ رجع الوزير إلي بغداد. فامتدحه السيد عبد اللّه أمين الفتوي و الشيخ حسين الراوي و كان إمام الجيش.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 250

والي شهرزور- والي همذان:

في هذه السنة و جهت ولاية همذان إلي قره مصطفي باشا والي شهرزور، كما أن عثمان باشا الدفتري ولي شهرزور مكانه برتبة وزارة.

و كان متصرف لواء نخچوان.

حوادث سنة 1138 ه- 1725 م

حلف ذي الكفل:

في أوائل هذه السنة تجمعت شمر و بنو لام و ساعدة و الشبل و عشائر أخري فتحالفت في ذي الكفل (ع) و تعاهدت علي مقاومة الحكومة، و لم يتفق مثل هذا فأغارت علي القري و الضياع و قطعت الطرق و من ثم غزاهم في غرة شهر رمضان. أمر جيشه بالهجوم و كان معهم أعراب و أكراد بأمل تأديبهم و إرغامهم علي الطاعة فلم يشعروا إلا و السيوف عملت فيهم عملها فلم ينج منهم إلا القليل. تركوا خيامهم و أسلحتهم و حطامهم فصارت نهبا بيد الجند فانتصر انتصارا باهرا.

قالوا: قامت الحرب علي قدم و ساق. فأبدي الوزير بسالة ليس وراءها … فكان يخترق الصفوف … و لم يفصل بين الفريقين إلا الليل … و حينئذ هرب الأعراب.

ثم رجع إلي بغداد. فامتدحه شعراء كثيرون منهم الشيخ عبد اللّه السويدي و السيد عبد اللّه أمين الفتوي و الشيخ حسين الراوي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 251

واقعة شمر:

ثم إن شمر كانوا يسكنون الجزيرة. و في هذه المعركة تجمعوا ثانية و هم بقية سيوف الواقعة السابقة، وضعوا أهليهم بنجوة، و بيوتهم في أماكن بعيدة في زوايا الغابات و أقاصي البراري لتكون بمأمن من أنظار الحكومة … و صاروا يشنون الغارات علي الأطراف فشوشوا الأمن و قطعوا السبيل …

فلما سمع الوزير بخبرهم أرسل إليهم سرية داهمتهم علي حين غرة فلم يكن لهم بد من القتال، حدثت معركة دامية فكانت نتيجتها أن دارت الدائرة علي شمر و أسفرت عن نهب أموالهم فلم يروا بدا من الاذعان و الطاعة فتقدم رؤساؤهم في طلب الدخالة فعفا الوزير عنهم و نصب عليهم شيخا جديدا و عين لهم محلّا للسكني …

و هنا نري العشائر و

الحكومة في حالة غزو مستمر، الواحدة تغزو الأخري. و هذا ما يبرهن علي أن المغلوبيات السابقة كانت رسمية، و الإطراء غير حقيقي. و إنما كانت صدودا من وجه العدو بمناوشة قليلة.

و الملحوظ أن عشائر شمر لا تزال العودة مشهودة لها في حروبها بعد اظهار الهزيمة فيعودون إلي ما كانوا عليه و لذا يسمون (بأهل العودة).

و كما يقولون أهل العادة بعد إظهار الكسرة المصطنعة.

المنتفق:

و قالوا عصي محمد بن مانع أمير المنتفق في هذه السنة.

حوادث أخري:

1- الجراد أكل غلات الموصل و حدث غلاء و حمّي محرقة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 252

2- افتتح الباب الجديد في الموصل قام بذلك علي أفندي العمري بأمر من الدولة.

حوادث سنة 1139 ه- 1726 م

تعمير صفة الكيلاني:

اعتاد الوزراء في حالة الراحة و السلم أن يلتفتوا إلي عمارات المراقد و المساجد..

رأي الوزير صفة الشيخ عبد القادر الگيلاني متداعية. تكاد تسقط لما أصابها من الوهن و الخلل حتي أن الزائر أو المصلي كان يخشي أن يتداعي البناء عليه … فأصدر الوزير أمره بتعميرها و كانت مبنية من جذوع …

نظم أمين الفتوي السيد عبد اللّه قصيدتين في مدح الوزير علي صنيعه. و في كل منهما تاريخ …

رمية مسدّدة و سهم نافذ:

و مما يحكي أن الوزير رمي سهما فنبت في الحديد. قالوا كان الضرب من بعيد و ما ذلك إلا لقوة بنانه، و متانة يده. لان له الحديد، علي أنه مشهور بجودة أنواع الشجاعة حتي أنه يجعل القرطاس معلقا في الهواء من فوق فيضربه بالحسام فيقطعه نصفين كأنه قص بمقص. و يبل اللبد و يدرجه فيضربه بالسيف فيقطعه، و أنه يجيد الطعن بالسمهرية، و يحسن اللعب علي صهوات الخيول العربية.

أرخ السيد عبد اللّه أمين الفتوي هذه الرمية مما يدل علي درجة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 253

المتلق. و أمثاله في كل عصر و مصر كثيرون. نكتب ما قالوا و بذا تعرف النفسيات الضعيفة و درجة التزلف.

آل قشعم:

حارب والي البصرة عبد الرحمن باشا آل قشعم فصالحوه علي مال.

حروب الافغان:

بعد أن استولي الأمير محمود بن الأمير أويس الافغاني علي ايران مدة توفي، فخلفه (أشرف خان) ابن عبد العزيز أخي الأمير أويس فاستولي علي (اصفهان) في منتصف رجب سنة 1137 ه.

و هذا صار يطالب العثمانيين بالبلاد المنسلخة من ايران. فتح بابا للمخابرة. أرسل الرسل في هذا الشأن بأمل استعادتها. كتب كتابا إلي السلطان كما كتب وزيره (زلا خان) إلي الوزير الأعظم بواسطة السفير (عبد العزيز سلطان)، كتبت الكتب باللغة العربية و فيها أن الحاج الأمير أويس كان استولي علي قندهار و بعد وفاته اكتسح الأمير محمود أصفهان ثم خلفه هو علي عرش السلطنة و بعد أن حكي فتوحاتهم أشار إلي أن وجود أحمد باشا قائد جيوش همذان مما ينافي وحدة الحكومة راجيا أن يؤمر بإرجاعه و لما كان هو وارث حكومة ايران يأمل أن تكون الحدود كما كانت و يلوح بأن النتائج تكون و بيلة فيما إذا لم يسعف المطلوب و قدم السفير محضرا ممضي من تسعة عشر عالما من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 254

علمائهم في جواز تعدد الائمة و أن أشرف خان أحق بايران.

قالوا: و نحن قرشيون نسبتنا ثابتة إلي خالد بن الوليد بالاتفاق و إننا أحق بالإمامة منكم و أولي بها و الأئمة من قريش و لا يجب علينا متابعتكم و لا طاعتكم و إنكم جائرون و علي غير الحق في دعواكم إذ من شرط الإمام كونه قرشيا مجتهدا و هذان الشرطان مفقودان منكم علي أنا نقول: لا إمامة واجبة عقلا و سمعا لقوله (ص) الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا. أما قوله (ص): من مات و لم

يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية فالإمام محمول علي النبي (ص)، و نعتقد أن الإمامة لنا لا لكم و نفعل في هذه الأمصار ما يجب علي الإمام العادل في هذا الشأن … إلي آخر ما جاء في فتواهم.

و فتوي شيخ الإسلام للعثمانيين كانت مستندة إلي حديث: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الثاني منهما … و كذا كتب علماء استنبول محضرا ممضي من جماعة منهم و معه كتاب ينصح فيه أشرف خان أن لا يطوح بنفسه في الحرب. و أعيد الرسول عبد العزيز سلطان بتاريخ 8 رجب سنة 1138 ه معززا مكرما. ورد استنبول في 20 جمادي الأولي. أرسله قائد جيوش همذان أحمد باشا بصحبة موسي آغا. و كان معه المنلا عبد الرحيم. و فتوي شيخ الإسلام تتضمن أنه لا يصح اجتماع إمامين إلا أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 255

يكون بينهما حاجز عظيم بين مملكتيهما، و إلا فيعد الثاني باغيا و قتاله واجب.

و علي هذا صدر الفرمان إلي الوزير بلزوم الحرب تأييدا لفتوي شيخ الإسلام فامتثل الأمر و جهز جيشا أكبر بقوة فائقة، و معدات كافية، سار إلي ايران للنضال.

و لم تدخر الدولة وسعا في المهمات و لا في إعداد الجنود الكثيرة، و كان المعمول علي الكرد. و بينهم أمير أردلان خانه محمد باشا أخو متصرف لواء بابان خالد بك، و حاكم العمادية و أمير درنة و درتنك أحمد بك، و أمير باجلان علي بك، و أمير كوي علي بك، و أمير الجاف صفي قلي بك و أمير كروس حسن بك و أمير حرير مصطفي بك، و أمير سعد آباد سبحان و بردي بك و أمير كلهر رضا قولي بك، و أمير زنكنة محمد بك،

و أمير سرطان حسن بك و أمير آلتون كوپري أحمد بك و أمير قزلجة فرهاد بك زاده و أمير شهر بازار فرهاد بك و أمير سروجك حسن بك.

و هؤلاء عدا ولاة الترك و الأمراء و الجيوش العديدة …

و يلاحظ هنا أن شيوخ الإسلام كأنهم موكلون بتوجيه الفتاوي طبق رغبات السلاطين مما جعلهم يميلون مع الأهواء تزلفا للدولة و مماشاتها … و مثلهم علماء الأفغان.

و للأستاذ الشيخ عبد اللّه السويدي مناقشة في الفتاوي منتصرا لوجهة نظر الدولة العثمانية …

أما أشرف خان فإنه حين سمع بالخبر استعد أيضا و هيأ جيوشه و في الوقت نفسه اتخذ دقائق الحيل لتقريب أمراء الكرد لجهته، فولد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 256

فيهم آمالا و أماني تدعو إلي جذبهم. التقي الجمعان في محل بين اصفهان و همذان فابتدأوا في المناوشات ثم قاربت الجيوش فدخلت المعركة فكان الهول كبيرا و القتال عنيفا … دام مدة و لكن الجيش الأفغاني لم يطق الصبر فانهزم شر هزيمة و لم ينج أشرف خان إلا بشق الأنفس. فرّ من ساحة القتال متوجها نحو أصفهان.

قالوا: و إن الوزير عاد لمخيمه فرحا مسرورا بهذا النصر إلا أنه رأي علي حين غفلة أن الأكراد الذين بصحبته فارقوه و رجعوا ثم أعقبتهم الطوائف الأخري بلا مبرر و لم يبق مع الوزير سوي أهل دائرته فدهش مما رأي حتي أنه صار يتمني الموت فاضطر أن يرجع إلي كرمنشاه و بقي للاستراحة فيها و عرض كل ما وقع علي دولته بوجه التفصيل …

و كان البذل كبيرا، و المصاريف باهظة، و المهمات لا تحصي و المعدات الحربية لا حد لها. تركت هذه كلها، فكانت الخسائر فادحة.

دعت هذه الحادثة إلي الاستغراب و اختلفت

فيها وجهات النظر إلا أن القوة الوحيدة المعول عليها عشائر الكرد و رجالهم، فكان الغلط في هذا الاعتماد. فإنهم برجوعهم خذلوا الجيش. رأوا ما يكرهون فرجعوا.

و لكن الدولة كانت وجهة نظرها أن الوزير لم يشاور في الأمر و لم يستطلع آراء الوزراء و القواد فوقع في الغلط …

عرضت الحالة علي الدولة فصدر الفرمان بالاستعداد مرة ثانية.

تأهبت الدولة للأمر و أيدت وجهة نظر الوزير. فأعدت المهمات و هيأت الجيوش و وردت إليه التسلية فتوقف في كرمنشاه منتظرا ورود القوة. في غرة ذي القعدة أعاد تنظيم الجيش تحت قيادته بالاستعانة بكتخدا البوابين محمد باشا فتأهبوا للأمر …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 257

الطباعة

في ذي القعدة بدأت الطباعة بالعمل في استنبول بناء علي صدور الإذن السلطاني مقرونا بفتوي شيخ الإسلام. شرع بطبع أول كتاب (لغة و إن قولي) ترجمة (صحاح الجوهري) إلي التركية. ثم توالت الآثار الاخري. و كان نصيب العراق من هذه المطبوعات كتاب (گلشن خلفا)، و (تاريخ تيمور) لمرتضي آل نظمي. و الاستفادة من هذه لم تكن مقصورة علي استنبول. و إنما انتشرت في الاقطار العثمانية، و العراق منها، و تعد من أول العلاقات الثقافية المؤثرة في الشرق، و هكذا شاع الكاغد من طريق الغرب بعد صنعه بوسائل فنية. فكان من أكبر مسهلات الثقافة.

آل الجليلي في الموصل

في هذه السنة بدأ حكم الجليليين في الموصل. و سنفرد لهم بحثا خاصا في المجلد السابع من هذا الكتاب ليكون مجموعا في صفحات متصلة الأطراف.

حوادث سنة 1140 ه- 1727 م

حوادث الأفغان أيضا:

في أوائل هذه السنة جاءت قائمة إلي الوزير تعين له الخطة المثلي في أعماله الحربية و أن لا يقع بمثل ما وقع به بأن يشاور الأمراء الذين معه و أن لا يقطع أمرا حتي يستطلع رأيهم و أن يكون متبصرا متنبها …

فكانت هذه الوصايا نافعة و مهمة جدا فعرف السبب و زالت الغرابة.

تكاملت العساكر و المهمات فالتحقت بالوزير و من ثم هب الوزير لإعادة الكرة فسار من كرمانشاه قاصدا أصفهان. فلما وصل إليها علم الأفغان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 258

أن لا طاقة لهم فتوسلوا بالصلح. و وافقهم الوزير علي أن تكون كرمانشاه و همذان و ما يليهما في يد العثمانيين. و أن يكون للحكومة وكيل في الأنحاء الايرانية مما تحت حكم الأمير أشرف خان.

و كان سفير الصلح من جانب أحمد باشا (عبيد اللّه) قاضي همذان فصار قاضي الفيلق برتبة أدرنة. و من جانب الأفغان منلا نصرت. و إن عبيد اللّه كان قاضيا ببغداد ثم عزل و حصل علي رتبة حلب و في 24 ذي القعدة سنة 1139 ه نصب قاضيا في مدينة همذان ثم قاضي الجيش.

فكان فاضلا قديرا و من ثم صار رسول الصلح. و كان الصك يحتوي علي 12 مادة و فيها عدا ما ذكر أن تكون الممالك المفتوحة بيد العثمانيين و منها مما يعود للعراق نهاوند و خرم آباد و ديار اللر و كذا الحويزة … فانتهت الحرب بين الطرفين و أمضي الصلح و تحددت الحدود و سطرت المصالحة و تسلم كل منهما نسخة منها. فنال

الوزير مرامه و حصل علي مرغوبه فعاد إلي بغداد.

حوادث سنة 1141 ه- 1728 م

هدايا و فيل:

ورد من أشرف خان هدايا ثمينة أرسلها إلي السلطان منها فيل توثيقا لأواصر الصلح بين الحكومتين. فكان لورود الفيل وقع كبير في النفوس. خرج الوالي و الناس لمشاهدته، و كان مزينا بأنواع الحلل و عليه سرير في شكل قبة و علي رأسه ثلاثة أنفار و علي رواية أربعة يومي للسلام بخرطومه. و لما وصلوا إلي الوزير و كان جالسا لاستقبال الرسول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 259

في مسقف (باب الشجرة) و هو (باب المعظم). وقفوا تأدبا له و أومأ بخرطومه. و لكنه لم يتصرف حتي نال جائزة من الوزير. و هذا الفيل أصابه البرد في ديار بكر فهلك. فلم يقو علي البرد …

قال في الحديقة: أن مجيئه كان في سلخ سنة 1140 ه.

شهرزور:

إن أمير أمراء شهرزور (محمد باشا) البو غاز ليانلي ارتكب أنواع المظالم كما أنه تجاوز الحد في التخريب أثناء حرب همذان فعزل فخرج عن البلدة و نصب خيامه خارجها. فهاجمه الأهلون و انتهبوا ما عنده ففر بنفسه و لما وصل إلي (صاوق بولاق) جاء الأمر بقتله فقتل بفتوي من شيخ الإسلام. فخلفه الوزير علي باشا فلم تطل مدة إمارته فصار مكانه في هذه السنة الوزير عبد الرحمن باشا علي أن يحافظ علي همذان.

خديجة خانم:

تزوج الكتخدا (محمد باشا) بخديجة خانم بنت أخت الوزير.

و أوضح الأستاذ السويدي في حديقته ما جري من أفراح و زينة.

غزو الحويزة:

ثم ظهر من أهل الحويزة عصيان و تمرد فتوجه الوزير عليهم بجيش جرار … و من غريب ما كان في طريقهم أن رأوا الأرض مملوءة بالأفاعي. قتلوا كثيرا منها و هي في تزايد فصارت شغلهم الشاغل في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 260

تلك الليلة. لم يهجعوا إلي الضحي … مضت الليلة و لم تلسع أحدا و لا حصل منها أذي علي الجيش و لا علي الحيوانات.

حمل بعضهم ذلك علي طبعها و أنها لا تلحق ضررا، و لكن الجيش رأي السكان لم ينتسبوا إلي الطريقة الرفاعية و لم يصبهم ضرر …

وصل الجيش إلي الحويزة. و حينئذ خاف الأهلون فقدموا إلي الوزير الهدايا و سلموا إليه مفاتيح البلد و طلبوا العفو عنهم فعفا و نصب الأمير السابق المولي محمدا حاكما عليهم. و كان عزله الايرانيون بعد أن نصبته الدولة العثمانية. و في هذه المرة أعيد، و من ثم نظم الوزير أمورهم و أخذ المدافع الكبيرة و عاد إلي بغداد ظافرا منصورا … و في هذه الحرب قامت عشائر المنتفق و علي رأسهم محمد المانع. و عشائر بني لام فتغلبوا عليهم.

كرمانشاه:

ثم وجه منصب كرمانشاه إلي حسن بك الپچوي برتبة أمير الأمراء.

و هذا كان أثناء سفر أصفهان مبايعا الذخائر و له الاطلاع الكافي فعهد إليه لما أبداه من الخدمة.

عصيان:

ثم زاد عصيان بعض العربان. عاثوا فقطعوا السبيل. فأمر الوزير بمطاردتهم و القبض علي زعمائهم المعروفين فتمكن من القبض علي كل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 261

من شبيل و شبلي و دندن فصلبوا الواحد بعد الآخر خلال شهرين …

فقطع بذلك دابر العصيان.

حوادث سنة 1142 ه- 1729 م

تفرغ الوزير لبسط العدل و تأمين الراحة إذ لم يحدث ما يشوّش الأمن أو يقلق الراحة كما رعي العلم و العلماء و وجه عزمه نحو الفضلاء فصار سوق الأدب و العلم معمورا. توالي الشعراء و الأدباء و تزاحموا علي ناديه فنالوا من كرمه و إحسانه الشي ء الكثير. فاشتهر في زمنه علماء و شعراء عديدون … و راسله الوزراء و العلماء. و الأمراء من أقاصي البلدان …

حوادث سنة 1143 ه- 1730 م

واقعة همذان و كرمنشاه:

كان الناس في هدوء إذ فاجأهم نبأ ظهور الشاه طهماسب ابن الشاه حسين الصفوي جمع اعتماد دولته نادر خان جنودا كثيرة بأمل التغلب علي ايران و استعادتها. و أول ما فعل أن أزاح الأفغان من أصفهان و سائر ايران سنة 1142 ه- 1729 م.

ثم باغت في هذه السنة همذان و كرمانشاه فقاتل ولاتها و العساكر المرابطة و بعد وقائع وبيلة تمكن من تمزيق قواهم و تشتيت شملهم.

و لما طرق سمع الدولة نبأ ذلك نادت بالنفير العام و علي هذا تأهب الوزير للحرب فنهض متوجها نحو ايران بسير متواصل. قضي ثمانية أيام حتي وافي الحدود من جانب (أدنه كوي) و تسمي اليوم بقرية المنصورية.

فوصل إلي (درنة).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 262

و في هذه الأثناء ورد الأمر بجلوس السلطان محمود الأول مشيرا إلي لزوم التوقف إلي أن يأتي الفرمان. و حينئذ امتثل الأمر و ضرب خيامه في شهرزور.

حوادث سنة 1144 ه- 1731 م

الوزير- حرب طهماسب:

مكث الوزير أحمد باشا في شهرزور ثلاثة أشهر. و في أوائل هذه السنة صدر الفرمان بالسفر فتوجه نحو كرمانشاه فسلمت البلدة مقاليدها إليه و أذعنت بالطاعة. فبقي فيها بضعة أيام للاستراحة ثم توجه نحو همذان فلما قاربها وجد الأهلين و الجند متأهبين للحصار و زادوا في العدة و العدد و أبوا أن يذعنوا. كما أنه رأي الشاه طهماسب قد استعد للحرب و كان علي بعد ثلاث مراحل من همذان فجمع الوزير رؤساء الجيش و الأمراء و بعد الاستشارة رجح الجميع مقاتلة الشاه. فسار حتي وصل إلي (لولو كرد) فحط الجيش رحاله فيها و كان مقر الشاه في كور جان (كوريجان) و بين المنزلين مسافة نحو ثلاث ساعات.

و حينئذ تقدم الجيش لمقارعة الشاه. مرّوا من (بروجرد) فمنعوا الجيش

من ورود الماء. وضعوا هناك كمينا فصادفهم الجيش بغتة فذبح منهم خلقا لا يحصي و فر القليل إلي عسكر الشاه. و كان مع الشاه علي ما يروي مائة ألف أو يزيدون. فتلاقي الجيشان في محل يقال له (بيدا) و (كوريجان). فرتب الجمعان جيوشهما و استعدا للقتال …

أما الوزير فكان معه من الخيالة اثنا عشر ألفا عدا المشاة. و معه من المدافع و الأدوات مقدار وافر فكانت الوقعة بين الفريقين أشبه بجهنم متحركة فلا تسمع فيها غير دويّ المدافع و صوت البنادق. و نظرا لكثرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 263

جيوش ايران من الاصفهانيين و اللّر لم يؤمل الظفر لجهة الوزير و لكن الصبر و الثبات أمّنا له ذلك و في كل صفحات الحرب كان يحرض علي القتال و الصبر و يشجّع الجيش و كان في مقدمته قبائل الاكراد. كمن الوزير قره مصطفي باشا بجيشه فاختفي في حضيض جبل فاتخذت الأوضاع اللازمة بالنظر للمواقع الحربية … فلم تمض مدة حتي انكشفت الحرب عن هزيمة العجم فنالوا من أعدائهم فأصابتهم الهزيمة و فروا نحو قزوين. فاقتفي الجيش التركي أثرهم و استمر حتي نصف الليل فنكلوا بهم. و أن طائفة (در گزين) قطعت طريق فرارهم و أعملت فيهم السيف فدمرت أكثرهم، و أن ثلة من أتباع محمد بلوج خان طلبت الاستئمان و بيّنت ما حل بالعجم.

كانت ضائعات الوزير نحو ثلثمائة مقتول و خمسمائة مجروح في حين أن قتلي العجم و جرحاهم يقدرون بعشرين ألفا عدا الضائعات في خيالتهم.

إن العجم كانوا أضعافا مضاعفة بالنظر لجيش الوزير و مع هذا تمكن من قهرهم … و هلك من أمرائهم خان قزوين، و خان شيراز، و كاتب الجيش، و خليفة الخلفاء.

و أمثالهم كثيرون.

غنم منهم 32 من مدافع هاون بين صالح للعمل و غير صالح و 200 من نوع زنبرك و مهمات و أسلحة و أدوات مدفعية و خياما و غنائم لا تحصي …

ثم حطوا خيامهم في محل يبعد عن همذان بضع ساعات. فانهزم من جيش العجم من استطاع الهزيمة و بقي في المدينة العجزة فبقوا محصورين و أذعنوا بالطاعة فضبطت المدينة و فيها سبعة من المدافع من نوع (باليمز) و 28 شاهيا و 2 خمبره هاون و 12 زنبرك … فاستولي علي المدينة فمكث فيها الجيش يوما واحدا. ثم تحول إلي موقع تجاه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 264

المدينة. و أقيمت صلاة الجمعة في أكبر الجوامع و قرئت الخطبة و فيها الدعاء للخليفة و التبريك بالفتوحات …

عرض الوزير تفاصيل ما جري و أطري بسالة جيوشه. و كان رسوله إلي السلطان أحد موظفيه و هو خليل. فأكرمه السلطان و خلع عليه الخلع النفيسة و قلّده سيفا و رمحا … و قدمت للوزير خلعتان كريمتان و 150 خلعة لمن معه من الأمراء جاء بذلك سلحشوره الخاص و الميراخور الثاني علي بك (عبدي باشا زاده) شاكرا ما صنعوا و قري ء الفرمان علي الكل و دعوا للسلطان بدوام التوفيق …

و في هذه الحرب كان ولاة ديار بكر و سيواس و أمراء مرعش و أماسية و حسين باشا الجليلي متصرف الموصل سابقا حاضرين.

الشاه طهماسب و الصلح:

إن الشاه انهزم في صحراء همذان إلي انحاء (قم و قاشان) مع من معه. تركوا خيامهم و أسلحتهم. و اقتفي أثرهم و فلول جموعهم (سليم باشا) متصرف (أماسية) و معه سبعة آلاف أو ثمانية آلاف من الفرسان فضبط ما مرّ به من قري و بلدان و

تتبع المغلوبين علي عجل. و هكذا أمراء آخرون.

أما الوزير فإنه اكتسح القلاع و البقاع و القصبات و أوقع خسارات كبيرة و عادوا منصورين بغنائم وافرة.

و هذه الحالة أوقعت الشاه في رعب و استولي عليه الهلع و صار يترقب أمورا أخري أكبر. فلم يستطع البقاء في قم بل مضي إلي طهران و نجا بنفسه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 265

ثم ورد كتاب منه بصحبة رسوله (محمد باقر خان) من أكابر رجال العجم يرجو فيه عقد الصلح، و أنه بعث محمد رضا قولي خان قوريجي باشي من رجال الصفوية ليكون مرخصا في المفاوضة. و تكرر الالتماس.

و علي هذا دعا الوزير أحمد باشا وزراءه و أمراءه و عقد مجلس شوري استطلع فيه آراء جماعته فاستقر الرأي علي أن طلب المفاوضة و الإلحاج بها دليل الضعف و العجز التام. فمن الضروري الصفح عنهم و إجابة ملتمسهم. و لذا بشر الرسول بالقبول و أعيد.

و حينئذ جاء رضا قولي خان من جهة الشاه. مفوضا بسلطة واسعة، فشرعوا في المفاوضة فاستأذن الوزير دولته. و كذا قدمت رسالة من اعتماد الدولة يسترحم فيها قبول المفاوضة في أمر الصلح فأرسلت أيضا للاطلاع عليها …

ثم ورد الجواب متضمنا أنه لما كان طلب المسالمة بعد أن نالوا ما يستحقونه، و بعد أن تحقق أنهم لا يرجي لهم نهضة إثر المخذولية الهائلة … فلا مانع من قبول الصلح، علي أن لا تهملوا الحيطة و الاستعداد للطواري ء، و الاحتفاظ بحراسة الممالك المفتوحة، و أن لا يترك الحذر من أمر العودة فيجب التأهب للطواري ء و أن تكونوا في يقظة تامة. و ليعقد الصلح، و يعجل بإنجازه. و لكن بشروط مقبولة و مشروعة.

و علي هذا ورد من جانب

الشاه (رضا قولي خان قوريجي باشي) مفوضا بسلطة تامة فعقد معه الصلح علي أن تبقي الممالك المفتوحة في حوزة الدولة و تصرفها … فكانت المعاهدة موافقة. فأمضيت مع (صك الحدود). و أخذ كل فريق نسخة.

و بعد أن تم الأمر أرسل الوزير كاتب ديوانه (مصطفي أفندي) و هو كاتب قدير فبلغ الدولة مما جري و معه كتاب من الوزير يتضمن أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 266

الحرب بين الفريقين انتهت و تم النضال بالتغلب علي الاعداء و عقدت المصالحة …

و لما لم يبق للوزير حاجة في البقاء ترك هذه الديار و قفل راجعا إلي بغداد فوردها بأبهة لا مزيد عليها. و مدحه الشعراء بهذا النصر، و منهم الملا سليمان البصري، و السيد عبد اللّه أمين الفتوي. و الملا سليمان الكردي و غيرهم.

حوادث سنة 1145 ه- 1732 م

زواج:

في هذه السنة زوج الوزير ابنته عادلة خاتون و هي مشهورة بالعلم و الكرم و الأخلاق القويمة من كتخداه سليمان بك بعد أن أتم حروبه و مال إلي رغد العيش و الراحة. و إن هذا الكتخدا موصوف بالشجاعة و الاقدام و حنكة الرأي و حسن التدبير. صار واليا علي بغداد و هو أول المماليك في العراق كما أن زوجته صاحبة أوقاف العادلية.

و جاء في تاريخ نشاطي أن الوزير في سنة 1144 ه زوج ابنته المزبورة من سليمان باشا و هو من أقدم المصادر.

الوزير و الأسد:

كان الوزير في بعض أيامه عزم أن يقضي نهاره بالصيد و معه الخيل و الحشم فعبر بموكبه إلي الجانب الغربي من دجلة متوجها نحو هور (عگر گوف) (عقر قوفا). سار في طريقه في الآجام. و بينما هو سائر إذ جاءه أحد أعوانه مرعوبا فقال له رأيت أسدا ربض قرب عربته في حالة مهيبة تدعو للخطر و الخوف …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 267

و حينئذ صال الوزير عليه مرخيا عنان فرسه قاصدا افتراسه فنهض في وجهه و تحفّز للوثوب عليه و حينئذ فر أعوان الوزير حذرا من بطشه و ضاع رشدهم من هول ما رأوا و لم يبق سوي الوزير و الأسد. و كل منهما يحاول قنص صاحبه و يحسب أن حملته القاضية عليه …

فأغار الوزير عليه بقوة جأش. رماه بحربة أصابت أحشاءه حيث مرقت من تحت إبطه لكنه تجلد و وثب عليه لكن الحصان أراد أن يكفي الوزير شره فحينما وثب الأسد ليختطف الوزير رمحه علي أم رأسه فكاد يقطع أنفاسه. نزل الوزير من حصانه و بقي ساكنا ليحتال علي الأسد و بيده خنجره قصد أن يفري بطنه بطعنة. و

لكنه طال انتظاره. و حينئذ شهر سيفه و صال عليه فلم يجد له أثرا فعلم أن الضربة نالت منه مقتلا و أردته فطلب النجاة بنفسه و هرب لشأنه، و أن رفسة الفرس زادت في إذلاله و أوهنت قواه.

ثم إن الوزير ركب حصانه و دعا أعوانه فتراجعوا عن خجل.

و يروي أنه ضربه حينما هاجمه و هو علي صهوة حصانه … و مما يحكي عن بعض أعوانه الظرفاء حينما أنحي عليه باللائمة و التأنيب أنه قال له:

أيها الوزير إن أسدين تقارعا. فما شأن الكلاب في أن تدخل بينهما، أو تتعرض بشأنهما …! فضحك و مضت القصة …!

و حينئذ أمر الوزير أن يطوفوا الآجام ليتحروا عن الأسد الطريح فأبصروا أنه مختف خلال الشجر و لم يقدر أن ينهض من مكانه لما ناله من ألم الحربة التي عاد لا يستطيع معها أن ينقل رجله. فقتل و سلخ اهابه وحشي تبنا و جي ء به إلي بغداد.

و لما شاهد هذه الحالة بعض أهل البادية امتدحه بقصيدة عامية.

و يروي أن الوزير طارد صيدا بواسطة طير يتصيد فيه فأبعد عن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 268

حاشيته فلاقي الأسد في طريقه فجري ما جري. و يقال إن فرسه قتلت من ضربة الأسد حينما صال عليه بعد أن أصابته الضربة الأولي فالتفت إليه الوزير و ضربه بخنجره فأرداه قتيلا … و من ثم شاهده بعض الفرسان من العرب في هذه الحالة حينما قتلت فرسه فقدم الفارس له حصانه و قال له: أنت أهل له بعد قتلك هذا الأسد.

و هذه الواقعة ذكرها أبو الضيا توفيق مع تصوير الوزير راكبا و الأسد هاجما عليه.

و في تاريخ نشاطي أنه في سنة 1143 ه قصد الصيد في هور

نمرود، فظهر عليه الأسد علي حين غرة ففر أتباعه منه فقاتل الأسد و أرداه قتيلا، و كان ظهر فارس عربي شاهد منه هذه الفعلة العظيمة فقدم له فرسه و مدحه. و لعلها وقعة أخري.

و هذه تذكرنا بقصيدة:

أفاطم لو شهدت ببطن خبت و قد لاقي الهزبر أخاك بشرا

و مثله قول المتنبي:

أمعفر الليث الهزبر بسوطه لمن ادخرت الصارم المسلولا

و علي كل حال دخل هذه القصة بعض التحوير و التعديل.

الشيخ محمد بن عقيلة:

و فد علي هذا الوزير في أوائل هذه السنة العلّامة ذو التآليف المفيدة الشيخ محمد بن عقيلة المكي فأكرمه. و أجاز بعض علماء بغداد،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 269

و منهم الشيخ عبد الرحمن السويدي صاحب الحديقة و ألبس الخرقة في التصوف. و عندي نسخة من اجازته. و يرجع الكثير من علمائنا إليها.

نادر شاه- حصار بغداد:

و في 26 جمادي الآخرة ظهر نادر شاه مهاجما العراق بجيش عظيم علي حين غفلة. و كان اعتماد دولة الشاه طهماسب. و هو مشهور بالشجاعة. و يقال إنه مرّن جيشه تمرينا زائدا علي الشجاعة … و عوّده علي المشاق ثم نهض به نهضة جبارة.

مال صرح السلطنة الصفوية إلي الانهيار، عجّل بذلك هجوم الافغان و صولتهم عليها بقيادة الأمير محمود الافغاني فنال الشاه حسين الصفوي الخذلان.

أما ولي عهده طهماسب فإنه تمكن من الفرار فبقي مدة في أنحاء مازندران يتجول وحيدا و بينا هو في هذه الحالة إذ حط رحاله في أنحاء خراسان و خوارزم لاستنجاد من هناك من العشائر التركمانية و غيرها.

فاستنفرها فلبّي دعوته فتح علي خان التركماني، و عشائر أفشار و بيات.

و جمشكز. مالت إليه و عاهدته علي النصرة.

و إثر ذلك استولي علي المشهد فأخرج منها محمود السيستاني (السجستاني). و يدعي نسبه إلي رستم فقضي علي استقلاله.

و في جملة هؤلاء (نادر الاقشاري). أبدي خدمات جلي و اشتهر بين رجال قبيلته بكياسته و ذكائه و شجاعته و سخائه، فهو يعد من ذوي الاقدام و يزاول الأعمال العظيمة.

دخل في خدمة الشهزادة فظهرت مواهبه و مجاهداته المبرورة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 270

و كان اسمه (نادر علي خان) فلقبه الشهزادة ب (طهماسب قولي) دليلا علي رضاه عنه.

إن طهماسب قولي هذا أعاد العدة لمقاتلة

أشرف خان. و وقعت بينهما عدة حروب في (دامغان) و في (دره حار) و قرب (أصفهان) فنكل بالافغان تنكيلا مرا و استرد أصفهان قسرا كما أعاد البلاد الأخري لسطوة الصفويين …

و حينئذ أجلس الشهزادة علي سرير السلطنة و لقب هو (باعتماد الدولة) و هي (رتبة الصدارة أو رئاسة الوزراء) فاشتهر أمره و ذاع صيته و حينئذ جهز الشاه الجيوش لحرب أحمد باشا الوزير أمير الحملة العام في أنحاء العراق …

كسر أحمد باشا الشاه شر كسرة فاضطر للمصالحة.

أما طهماسب قولي خان فإنه لم يرض بهذا الصلح. و كان يضمر نيات ظهرت للعيان. و لذا تقدم للحرب و لم يقبل بالصلح.

و كان قبل هذا جهز جيشا من جهات عديدة علي هراة فاستولي عليها و رتب أمرها. ثم إن الشاه كتب بما تم من أمر الصلح مبشرا به بواسطة (صفي قلي بك) سفيره. و لما علم بالصلح كاد يتميز غيظا. حنق علي الشاه و سبّه و حبس رسوله. و في الحال أغار علي أصفهان في 5 ربيع الأول سنة 1145 ه فخلع الشاه إثر وصوله بثلاثة أيام و أجلس مكانه ابنه الصغير عباس ميرزا و لم يتجاوز الاربعين يوما من العمر. باسم الشاه عباس الثالث.

ثم جعل نفسه (وكيل الشاه) أي وصيا عليه و أرسل طهماسب محبوسا إلي مازندران. كما سجن أعوان الشاه و هم (محمد رضا خان) القوريجي باشي، و سائر الأمراء و الأركان ممن تعلق به و استولي علي أموالهم.

نال ما كان يضمر و توصل إلي السلطنة بهذه الطريقة بعد أن عمل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 271

لها جهده و بذل ما في وسعه. فاكتفي بأن سمي نفسه (وكيل الشاه).

و حينئذ أخذ عدّة الشاه و عساكره

و هاجم الوزير أحمد باشا معلنا لزوم أخذ الانتقام. و لم يكتف بما لديه من الجيش بل كاتب الطوائف و العشائر الأخري فجمعها بقصد الهجوم علي بغداد و الاستيلاء عليها …

و يقال إن الوزير لما سمع ذلك قال حينما دمرنا جيش طهماسب لو كان ذلك الكلب يريد (نادر شاه) موجودا لكنا خلصنا المسلمين منه فلما سمع ذلك الكلام جمع جموعه و أرسل إلي الوزير يخبره: قلت يوم كذا:

(كذا و كذا) فها أنا قادم إليك إثر الرسول فتأهب للحرب و القتال …!

ثم إن الوزير عرض الأمر علي دولته مبينا أن طهماسب قولي خان قصد بغداد و لما ورد كرمانشاه أخبرها بواسطة عثمان آغا الجوقدار (الچوخه دار)، قال: و عند ذلك جهزنا جيوشا و أعددنا ما استطعنا في الحدود قدر الإمكان، و لم نهمل أمرا، راعينا الحيطة و المقدر كائن، و علي حين غرة في 26 جمادي الآخرة يوم السبت سحرا هاجم أمير (درنة)، وصال علي جيشنا هناك فوردنا الخبر أن جرح بعضهم، فوصلوا في المساء إلي خانقين، و لم يعرف بعد مقدار الشهداء في المعركة، و تمكن قسم منهم من العودة سالمين. و لا شك أنه يقصد اقتحام الجيوش محاولا الوصول إلي بغداد.

علم أنه جهز جيوش آذربيجان في قيادة خان تبريز، و سار هؤلاء من قلعة (چولان) متوجهين نحو كركوك، و كان الأمل أن نستعين بالكرد فشغلوا بأنفسهم و عيالهم، فلم يعد في الإمكان أن يمدونا، فخاب أملنا منهم. أما اللوندات عندنا فهم يبلغون نحو ثلاثة آلاف أو أربعة، و الخيالة نحو ثلاثة آلاف فارس و من هؤلاء ألفان نكّل بهم العدو في درنة، و الألف الموجود لم نتمكن من جمع أكثر من ستمائة منه. و

كذا سائر الجيوش من (سرد نكچدي)، و من الحجّاب (قپو قوللري)، و هكذا جمعنا كل من يستطيع العمل. و لا يبلغون أكثر من ثلاثة آلاف أو أربعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 272

آلاف، و هناك بعض الايالات التي لا تستطيع أن تمدّنا بجيش يعوّل عليه، و يصح أن نقول: ليس لدينا جيش يعتمد عليه. اتفقت كلمتنا أن نتخذ الحصار في بغداد. عرضنا مرارا أن ليس في الإمكان إرسال الخزانة، و أن التجهيزات من بغداد غير متيسرة، و ليس في المقدور الدوام علي الحصار مدة طويلة، و لم يكن لنا من الأمر إلا أن نترقب الحل الإلهي، و سنتعب جهدنا و نبذل ما نستطيع بذله بأمل أن تبقي سلطنة الدولة متمكنة، و نسعي جهدنا للدفاع و لا نفلت الاخلاص للدولة بوجه، فلا نقصر في مجهود. و في هذه الحالة نأمل من ولي النعم أن يلحظنا، و لا يهمل شأننا. و نحن في أشد الحاجة إلي ثلاثة عشر ألفا من الجيوش المدربة من الفرسان و إلي اثني عشر ألفا من المشاة المختارين لمساعدتنا و إلي ألف كيس من النقود مع ذخائر وافرة من ديار بكر و ماردين بأن تكون هذه المساعدات من طريق البر علي الابل، و أن لا تضيع الفرصة.

و إننا مسؤولون أمام اللّه و الناس. نطلب الاهتمام للأمر و اتخاذ العدة اللازمة من جميع جهاتها.

إن عدونا اتخذ أطوارا قلّد بها هولاكو و تيمور، و عدّ نفسه كأحدهما. و إننا في حالتنا الراهنة لو تمكن العدو من فرجة من جانبنا فلا يبقي مجال لسد الثغرة في كل الاناضول بل تبقي الحدود مفتوحة أمامه- لا سمح اللّه- فلا يعوقه أمر آخر، فاختلال الأمر عندنا يسبب محاذير

كثيرة من شأنها أن تخلّ بالوضع كله، و يولّد مكاره ليست في الحسبان. و من الضروري تدارك الأمر و الاهتمام له. و قد تحقق بعض ما توقعناه في كتبنا السابقة. و لم يكن غرضنا تكثير السواد و تطويل المقال فالحذر و الاهتمام مما يؤدي إلي حفظ مكانة الدولة، و إبداء الحرص علي المصالح مما يجب أن أعده من أكبر الضروريات لحياة الدولة.

برهنت علي ذلك مرارا لحد أنه عقب عقد المصالحة عرضت في قائمة أن النزاع بين طهماسب قولي خان و بين الافغان لم يتمّ، و لا تزال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 273

المجادلات لم تحسم، فالانتصار لا يعرف لواحد، و من الضروري أن نلحظ ما يحدث خلاف المأمول. و طلبت لزوم تقوية الحصون، و مواطن الدفاع في الثغور، و أشرت إلي لزوم تدارك الأمر قبل أن يقع ما يخشي منه فتفوت الفرصة. و الآن بدت آثار ذلك، و حدث ما توقعنا من بعد النظر، و ليس لنا اليوم بدّ من أن نذكر أولياء الأمور، ليبذلوا أقصي ما يمكن من قدرة، و ذلك موكول إلي ذمتهم و حميتهم، و هذه الوديعة منوطة بعاطفتهم.

و الأمل أن يعجل في الاهتمام و أن يتخذ التدبير السريع لصيانة المملكة.

و هذا الوزير أكد ذلك. حض علي الاهتمام بالأمر، فحرك الحمية، و هيج الفكرة، و أثار الغيرة في رجال الدولة.

قال صاحب الحديقة: ثم إن الدولة أمدته لكنه لم يؤمر بقتاله، و لا بمقابلة جيشه بجيشه بل أمر بحفظ المدينة و حراستها، و أن يكفّ عن لقائه فأرسلت الجنود لحفظ البلاد لا للمكافحة و النزال. و كان الصدر الأعظم آنئذ علي باشا المعروف بابن الحكيم.

و يقدر الجيش المساعد للوزير بمائة ألف و

كان معه من الوزراء قره مصطفي باشا، و صاري مصطفي باشا و أحمد باشا ابن الحمال.

و في هذه الأثناء دخل نادر شاه حمي مدينة السلام و هرب من أمامه أهل القري و استأصل غالب الناس و قابله أمير (درنة) بعساكر الاكراد فقتل و تفرقت أتباعه.

ثم نزل محاصرا بغداد في الخامس و العشرين من رجب كذا في دوحة الوزراء و في الحديقة. و جاء في تاريخ قباطي أن الحصار حدث في 27 رجب سنة 1145 ه و دام إلي 7 صفر سنة 1146 ه. نزل محاذيا قصبة الإمام الأعظم بحيث تري خيامه من فوق السور فكانت القبائل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 274

تصل إليها فتحول فوق منزله بنصف ساعة خشية أن يصيب المرمي الخيام. لكنه بني ليلا بعض الأبنية في مواضع شتي قريبة من السور بحيث تصل إليه قنابل الزنبرك و يقال لهذه الأبنية (الكونكرة). وضع عليها بعض المدافع بقصد أن يفتح ثغرات من السور ليدخل البلد. و حينئذ وجّه إليها من بغداد المدفع القالع فهدم بعضها، و البعض الآخر بعيد عن السور فليس بضار فترك …

أما بغداد فكان سورها متينا، و خندقها عميقا جدا، و لذا احتار العدو في أمره و لم يقدر علي قلع حجر منه بمدافعه … أما بنادقه فكانت تذهب هباء.

و أما الجانب الغربي فمعمور الجهات، و إن دجلة كانت خير حارس مانع. و تراقب السواحل أن يعبر أو يجتاز. وضعت عساكر من الجانبين تمنعه من العبور و لا تدعه ينصب الجسور … و لم يزل هذا الجانب سالما من الحصار، متيسرا فيه كل ما يحتاج إليه فيستمد أهل الجانب الشرقي منه ما يتطلبون بدون عناء و كلفة …

و من أيام

مجي ء نادر شاه كتب الوزير إلي حكومته يطلب منها المدد و رفع الحصار عنهم. فلم يتيسر للحكومة آنئذ القيام بأي أمر من أمور الحرب. ادارتها منحلة و لم تتمكن من الامداد و المساعدة.

كتب والي الرقة إلي أحمد باشا يستطلع رأيه في إرسال المؤونة من (بيره جك) إلي بغداد بصورة أمينة و سالمة مبينا له من يختاره من شيوخ الموالي من حمد العباس، أو الشيخ فندي لمحافظة السفن، و أخذ التعهد منهم بذلك …

الجانب الغربي:

و في غرة رمضان عبرت الأعاجم إلي الجانب الغربي قريبا من تكريت، و لم يشعر بهم أحد، رفعوا مدافعهم و خيامهم و كانت تجاه العسكر فظنوا أنهم ملّوا الحرب، أخبروا الوزير بما وقع فقال إذا كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 275

الأمر كذلك فاحرسوا الشرائع و صفّوا ألف فارس كل يوم يراقبونها فيقطع علي العدو العبور. فبقي الحال كذلك إلي أن عبروا من ناحية دجيل ليلا … و إن أهل الجانب الغربي اهتموا للأمر و بنوا سورا من اللبن عرضه نحو خمسة أذرع بذراع الكرباس … و حفروا خندقا واسعا عميقا إلا أنه لم يتم بناء السور و لا حفر الخندق. لأن الوقت ضاق و العدو أحرجهم. فلم يشعروا إلا و في غرة شهر رمضان بعد نصف الليل هاجمهم و لكن القوة الموجودة في جانب الكرخ أوقفته عند حدّه و حدثت معركة طاحنة بين الفريقين أودت بنفوس كثيرة فمثلت يوم المحشر في وقعها فلا تسمع غير الضرب و القتل و دامت الحرب طيلة تلك الليلة حتي مطلع الشمس.

و في هذه المعركة كان الأعداء أكثر إلا أن جيش الوزير كان مدافعا في مواطنه فأبدي بسالة و مقاومة و حارب حربا دامية فتمكن

من صده …

ثم دامت الحرب سجالا بين الفريقين حتي أدركهم المدد من قره مصطفي باشا فزاد في شجاعة القوم و قوي أملهم فألزموا العجم مكانهم و منعوا تقدمهم بل صاروا ينهزمون و يفرّون من مواقع القتال … ورد المدد فثبتوا.

و علي هذا حمي الوطيس و اشتد القتال لدرجة أنه صار أشبه بالفزع الأكبر من هول ما جري و الكل صابر علي مضض القتال. أبدي الجيش بسالة و إقداما لا مزيد عليهما فلم يقصّروا في الدفاع عن المدينة و وقفوا سدا حائلا، و لم يحصل فيهم و هن.

أما مدد ايران فكان يتزايد، و الجنود تتكاثر … فكانت امارات الغالبية ظاهرة فيهم فوصلوا إلي المنطقة بين الكاظمية و بغداد إلا أنهم استولي عليهم الرعب و حذروا من البقاء هناك فتركوا هذا الموقع من تلقاء أنفسهم و ولوا الادبار و عاد الجيش إلي محله … و في المعركة قتل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 276

خزيندار (خازن) الوزير فنقل جثمانه و دفن في باب المعظم. و كان صاحب الحديقة شاهد الوقعة.

شوري:

شاهد الوزير هذه الحالة من عبور اعدائه، و رأي تزايد شرورهم، فأكثر عدد الحرس و المحافظين … سوي أنه علم بالخطر المحدق به، و أن أمر المحافظة صعب عليه جدا فشاور من معه فأجمع الرأي علي العبور إلي (جانب الرصافة) و الدخول في القلعة … فأمر بذلك. و لمدة ثلاثة أيام عبر الأهلون من الجسر و بوسائط أخري. و في هذه الحالة انتهكت أعراض و هلكت نفوس كثيرة من شدة الزحام … فحل العدو محلهم و هدم الدور و استخدم الاخشاب و الأبواب لجيشه من أجل اتخاذ حمّامات و دكاكين في معسكره فأحاط ببغداد من ثلاث جهاتها

فصار يطلق المدافع و الطلقات الأخري للتضييق و لكن ثبت القوم علي الحصار و صار الوزير يرسل بالعساكر كل يوم لمحاربة الاعداء، فكانت الحرب سجالا …

إن نادر شاه استولي بهذه الصورة علي القري و الضياع المجاورة و البعيدة فصارت تأتيه الارزاق و الحاصلات و الحاجيات الأخري من أماكن بعيدة فزاد رفاه عسكره و أما الأهلون في بغداد فإن حالتهم كانت في منتهي السوء لكنهم تجلدوا و صبروا، و أخفوا حزنهم و كدرهم …

ففي كل يوم يذهبون لحرب العدو. انقطعت عنهم القوافل و السوابل و لم يبق لهم اتصال بالخارج، و إن الاقوات الموجودة في بغداد قلت و أصاب الناس الضنك الشديد فتبدل رغد عيشهم بالعسر. و من شدة الجوع أكلوا لحوم الكلاب و البغال و الحمير و السنانير … و من ثم تولدت فيهم أمراض و عاهات قاتلة.

و الحاصل أن الاضطراب بلغ حده و استولت الحاجة علي الأهلين فصاروا يرتكبون في سبيل ذلك أنواع المنكرات. و حوادث الجوع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 277

كثيرة … كانت تجلب عطف الوزير و تألمه فكان يسكب الدمع الغزير و لكنه لم يبد عجزا و لا فتورا في المحافظة. يتجوّل في الأماكن و يحرّض من جهة أخري علي المبارزة و الدفاع …

كان إذا اجتمع بأناس و شاهدوا بعض القنابل وقعت قريبا منهم و قد خافوا عنفهم لئلا يستولي الرعب علي الناس و كان يرسل بعض من لم يكن معروفا فيتسور سور بغداد و يدخل المدينة مبشرا بورود المدد من جانب الدولة.

بذلك تمكن من تسلية الأهلين لبضعة أيام إلا أن تكرر الحادث و عدم ظهور نتيجة سبب عود اليأس …

و لذا عزم الينگچرية و الأهلون- لما استولي عليهم من

الضجر و السآمة أن يتقدموا لمحاربة العدو. فإما أن ينالوا ما يتمنون، فيرفع الحصار، أو أن يموتوا بشرف و عزة دون أن يهلكوا جوعا و حتف أنوفهم …

علم الوزير و من معه من الوزراء بذلك فبيّنوا لهم غلط الفكرة و أنها لا تخلو من محاذير و أن النصر مأمول فنصحوا الجميع بالعدول عن ذلك.

أما نادر شاه فإنه لم ير لهذه المحاصرة نهاية فكتب كتابا عن لسان مفتي العسكر إلي علماء بغداد مؤداه:

إن بغداد جسيمة و أمر محافظتها يحتاج إلي قوة و قدرة و أنتم ليس لكم جيوش و لو كانت لظهرت. فالمحاصرة امتدت و مات عباد اللّه من الجوع. قولوا لأحمد باشا لا يقتل الخلق عبثا و ليسلم فأجابه الوزير بما ملخصه أننا لم يكن وضعنا ناشئا عن ضعف و أن توقفنا كان لحكمة اقتضت. و سترون ما سيحل بكم. و تيقنوا أنكم لن تنالوا منا و لو حجرا واحدا فضلا عن مملكة.

ثم إن نادر شاه ركن إلي ارسال بعض أكابر رجاله إلي الوزير ليكلمه في أمر الصلح ظاهرا بأمل الاطلاع علي الحالة من ضيق أو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 278

رفاه. و لينظر قلة الجيوش و كثرتها و ضعف الأهلين و قوتهم و رصانة السور و وهنه و القلعة و وضعها و درجة قابليتها للمقاومة و معرفة الأوضاع و الأحوال الأخري.

أما الوزير فإنه جعل في طريقهم جميع الحالات الجيدة الداعية إلي النشاط مما يدل علي القوة و عدم الضعف بإحضار أنواع الأطعمة و إعدادها للبيع بأثمان بخسة فبيع رغيف الخبز بأربعة فلوس مع أنه كان يباع بليرة (دينار ذهبا) بصعوبة و لا يتيسر الحصول عليه فكان الوزير يعطي النقصان من خزانة الدولة ليكمّل

ثمنه الحقيقي …

و اتخذ للايرانيين ضيافة بديعة دعت إلي اعجابهم فكذبوا الإشاعة القائلة بأن بغداد في مجاعة ففاوضوا بالصلح، و لكن ظهر أخيرا أنهم لم يكن منهم الصلح إلا خديعة. و إنما قصدوا أن يدققوا أحوال بغداد من جميع الوجوه فلم يجدوا ما يحقق ظنهم بل غيروا اعتقادهم عن مسموعاتهم. و لما عادوا أخبروا بما شاهدوا … و علي هذا وافق علي الصلح و دخل في مذاكرته فأرسل محمد باشا و راغبا الدفتري ببغداد …

و في أوائل ذهابهم إليهم رأوا منه لطفا و التفاتا زائدا و قال: بغداد طيبة الهواء و أتيت ببذور البطيخ معي فزرعتها هنا فكانت صالحة الثمر و أريد أن أرسل إلي أحمد خان (باشا) منها. وجدوا التفاتا أزال عنهم الرعب و الخوف. و لكنه أحضر راغبا ليلا و تكلم معه عكس ما كان فاه به نهارا و كان علم بوصول المدد من الدولة العثمانية فكان داعية رفضه أمر الصلح.

ثم إنه دعا محمد باشا و راغبا الدفتري و تهور عليهما قائلا: إن غرضي لم يكن بغداد وحدها و إنما أقصد قيصر الروم و دياره فلماذا يتوقف أحمد باشا قولوا له ليسلّم بغداد فأجابوه بأنهما حينما يذهبان يقولان له في التسليم و قصدهما النجاة من مخالبه …

و لما عادا قصّا ما وقع علي الوالي فقال لو قطعت إربا إربا لما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 279

سلمت إليه حجرا واحدا فضلا عن مملكة … و لذا أطلق عليه مدفعا يشير به إلي أنه عازم علي الحرب فتعاطيا الطلقات العديدة …

و اشتركت مدفعية الطرفين و أوقدت نيران الحرب مجددا …

و حينئذ اشتد الأمر بالناس و ضاقوا ذرعا و خرجت المخدرات من بيوتهن لما نالهن

من سغب فلم يبق تحمّل. أما الوزير فإنه فادي بخيله لذبحها و إطعام الناس منها و كذا تابعه الأغنياء و الأمراء فساعد كل علي قدر استطاعته حتي لم يبق من الخيول و الحيوانات ما يقتاتون به و صاروا يأكلون الشريس و حبّ القطن بسبب ما ألحهم من الجوع … فاستولت عليهم الأمراض فلا تمر في طريق حتي تري الواحد و الاثنين و الثلاثة أمواتا.

و صلت الحالة بالناس أن صاروا يستهينون بالموت لما نالهم من عظيم المصيبة و لذا اتفقت كلمة الينگچرية و الأهلين أن يموتوا شهداء أولي من أن يموتوا جوعا … سمع الوزير بالخبر فدعا الرجال البارزين منهم و بيّن لهم خطل هذا الرأي. و أن النتائج المترتبة عليه أكبر خطرا.

بذل الجهد ليعدلهم عن رأيهم حتي تمكن.

حوادث سنة 1146 ه- 1733 م

المدد:

بينا الأهلون و الجيش بهذه الحالة من اليأس و انقطاع الأمل إذ جاء المدد من الدولة علي يد القائد طوپال عثمان باشا أي الاعرج فأحيا الأمل و أوجد النشاط. فعلم نادر شاه بذلك أثناء مذاكرة الصلح فكان السبب في تعنّده.

و من ثم أبقي قسما من جيشه نحو اثني عشر ألفا لمناوشة المحصورين و مضاربتهم ليلا بالمدافع و الخميرة لئلا يعلموا بحركته هذه،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 280

الوزير أحمد باشا و الأسد- تقويم أبي الضيا توفيق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 281

و سحب جيشه جميعه فهاجم المدد. كمن لهم في مصب نهر العظيم و علي حين غرة فاجأهم بأمل أن يقضي عليهم و كانوا في حالة مبعثرة.

حينئذ صرخ بهم مهاجما فجعلهم شذر مذر بحيث لم يتيسر جمعهم فانكسرت الساقة و المقدمة و الجناحان و أن الساقة لم يؤمل منها عودة إلي نظام. فرّ لا يلوي

علي شي ء حتي وصل إلي الموصل و لكن القلب ثبت و لم يتغير نظامه لما فيه من الينگچرية و الجيوش المدربة لا سيما و قد كان معهم القائد طوپال عثمان باشا، فجمعوا باقي الجيوش من المقدمة و غيرها مما أمكن إعادته و حرض الكل علي القتال و شجعهم كثيرا فأخذ جانب دجلة. لئلا ينقطع عنهم الماء …

عبأهم بالوجه اللائق و كان يقال لهذا النوع من التعبئة (چرح فلك) أي نصف دائرة، وجهوا المدافع نحو الاعداء و صوّبوا البنادق فتقابل الجيشان بعددهما الكاملة و تصادما. و هناك الهول بحيث لا يستطيع أن يعبّر القلم عن بعض ما جري فأنست هذه الحرب ما تقدمها في شدتها و حرارة نيرانها … فلم تمض مدة حتي قتل من العجم خلق لا يحصون و ظهرت بوادر الغلب عليهم. صاروا ينسحبون رويدا رويدا و الجيش التركي في أثرهم لم يمهلهم عقب القوم حتي لم ينج منهم إلا القليل فلم يدعوا لهم مجالا للفرار و الهزيمة. و ذكر صاحب نتائج الوقوعات أن نادر شاه جرح في هذه المعركة. و لم يتحقق ذلك.

و حينئذ وصل الخبر إلي المحصورين ليلا و عند الصباح هاجموا البقية الباقية و استولوا علي الارزاق و المعدات و الأسلحة و المدافع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 282

و الخيام. وقع ذلك في يوم الأحد 7 صفر سنة 1146 ه.

و بعد ثلاثة أيام وصل المدد إلي بغداد فدخلها بعظمة و شوكة إلا أن البلدة كان أصابها القحط فلم يقدر الجيش أن يبقي مدة طويلة. و في (نتائج الوقوعات) أن أحمد باشا حذر من بقاء القائد فلم يأمنه و اعتذر بقلة المؤونة فعاد …

و بذلك زال البؤس و صارت السوابل تتوارد

إليها.

و من ثم تراجع الأهلون و عاد كل إلي مأواه …

عودة نادر شاه إلي بغداد:

دامت محاصرة بغداد سبعة أشهر فكانت بلاء عظيما لم ير الأهلون مثله في غابر الأزمان فكل من نجا من هذه الغائلة اكتسب حياة جديدة.

ففرح الجميع بزوال الخطر. و لكن لم تمض مدة حتي وصل نادر شاه إلي همذان فجمع جيوشه و لم شعثه فعاد إلي بغداد مرة أخري.

نظم له جيشا كالأول و تقدم به … و أما الجيش العثماني فإنه رجع إلي مواطنه. فاغتنم نادر شاه هذه الفرصة إذ لم يبق مع طوپال عثمان باشا في كركوك إلا القليل. كما علم بما بث من جواسيس و أن بغداد لا تزال في قحط …

كانت الحالة في العراق مضطربة و لكن عثمان باشا حينما سمع بخبر نادر شاه جمع بعض الجيوش رغم تفرقهم فقاومه لمدة لم يطل أمدها فقتل عثمان باشا أثناء الحرب فخلا الجو لنادر شاه و حينئذ ضاعف جيوشه علي بغداد …

كانت حالة بغداد معلومة. المؤونة مفقودة و الجيوش متفرقة و الپاشوات مضوا إلي مواطنهم فانقطع الرجاء في المدد بل استحال أمره، فصار الوزير و الأهلون في ارتباك حالة من رجوع نادر شاه لا سيما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 283

و قد علموا أن طوپال عثمان باشا قتل، و لكن الوزير عزم علي الدفاع إلي آخر نفس …

و مما يلاحظ أن الوزير بعث بعائلته إلي البصرة، و في هذه الأثناء أرسل نادر شاه قائده بابا خان إلي جهة الحلة. و هذا خرّب (بستان الباشا) المعروف بهذا الاسم. و من ثم أعلن الوزير أن من لم يستطع البقاء في المدينة فليخرج، و ليذهب حيث شاء فخرج كثيرون. و لكن الشاه ألقي القبض علي غالبهم

فقتلهم، فلم يبق مع الوزير إلا القليل.

ضرب الحصار علي البلدة كالأول. فعزم علي فتحها فأصابها ما أصابها في المرة الأولي من الضنك و الضيق. و لكن المحاصرة لم تطل بل طلب نادر شاه الصلح بسرعة فأرسل رسولا يدعو الوالي إلي إعادة المدافع التي أخذت في همذان ليقبل الصلح.

و كانت هذه المعاهدة ترمي إلي لزوم بقاء الحدود بين ايران و الدولة العثمانية علي ما كانت عليه قبل حرب الافغان.

اكتفي بهذا لأنه ورد إليه الخبر بأن محمد خان بلوج ثار عليه فتزايد ضرره و تسلط علي بلاد كثيرة في فارس.

قبل الوزير بالصلح و أمضي العهد بين الجانبين و في الحال ذهب نادر شاه لزيارة العتبات و رجع بسرعة إلي ايران.

إن هذه المحاصرة دامت عشرين يوما أو أقل إلا أن الأهلين رأوا منها مضايقة أشد من الأولي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 284

عربان الجزيرة:

إن الحكومة بعد أن مهدت ارجاء بغداد حوّلت عزمها نحو عربان الجزيرة. قالوا: و كانت رأت منهم أمورا أنكرتها من مناصرة العدو و إظهار العيوب. و الدلالة علي مواطن الضرر و المساعدة من كل وجه … و أن عصيان هؤلاء كان خطرا أكبر فأظهروا الموافقة للشاه و تابعوه في الأغلب و بصّروه بمواطن الضعف مما لم يتيسر له الوقوف عليه لولاهم …

فلما اندفعت تلك الغوائل عن الحكومة عزمت علي الانتقام من هؤلاء و تأديبهم. و لذا سيّر الوزير أحمد باشا كتخداه محمد باشا إلي الحلة و منها سار إليهم …

و أول ما وجّه عزمه نحو شمر. و كانوا معتزين بكثرة جموعهم و عددهم فحصلت معركة قوية بين الطرفين دام القتال نحو بضع ساعات ثم دارت الدائرة علي العشائر فقتل منهم الكثير و كسر الباقون

و كانت الغنائم وفيرة. و أطلق سراح من أسر …

ثم إن الكتخدا توجه نحو (آل قشعم). و (زبيد). و هؤلاء أوردوا موارد من سبقهم، و أسر شيوخهم فأرسلوا إلي بغداد مكبّلين فعفا عنهم الوزير علي أن لا يعودوا لمثلها.

بقي الكتخدا هناك مدة نظم في خلالها الأمور و أمن الطرق و رجع إلي بغداد ظافرا …

و حينئذ بالغ الوزير في إكرامه و ألبسه كرك سمّور، فكانت تعد هذه الوقعة من أكبر مفاخره.

و يلاحظ هنا أن الحكومة كانت تختلق أنواع الأسباب للوقيعة بالعشائر كلما أحست من نفسها بقوة بأمل النهب و السلب. و هذا ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 285

أحكم العداء بين العشائر و الحكومة بحيث صار كل ينتظر الفرصة للوقيعة بصاحبه.

اليزيدية:

أرسل الوالي العساكر فنهبوا قري اليزيدية علي الزاب فتبعهم حسين باشا الجليلي و أخذ ما نهبوا و عاد.

حوادث سنة 1147 ه- 1734 م

الوزير إسماعيل باشا

عزل و نصب:

عزل الوزير أحمد باشا و وجهت إليه ايالة حلب فامتثل الأمر و نصب مكانه إسماعيل باشا، و كان والي طربزون.

سفر أحمد باشا و وقائعه في طريقه:

أطاع أحمد باشا الأمر أملا في أن يستريح من غوائل بغداد المتمادية، بالرغم من أن هذا المنصب أقل من سابقه مع أنه كانت له قوة من الكولات تبلغ (1200) مملوك، و هم صنوف بينهم الآغوات و جميع من كان في دائرته يبلغون اثني عشر ألفا. مطيعين له طاعة تامة.

عزم علي الذهاب فتوجه إلي محل وظيفته … و يعزي سبب عزله

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 286

إلي ما كان بينه و بين علي باشا بن الحكيم من الخصومة …

كانت بعض العشائر تضمر له العداء فلما علمت بعزله حاولت الانتقام منه، و الوقيعة به لما نالها منه فرابطت له في طريقه، و أهم من عرف من هؤلاء عشيرة (الغرير و الشهوان) و تابعتهما عشائر أخري، و كان الغرض الاستيلاء علي ما عنده، و الوقيعة بمن معه من جند، هاجمها بمن معه وصال عليها صولة مستميت لما علم من نياتها كما أن من معه من جيوش فادوا بأنفسهم و حملوا حملة صادقة …

قالوا: دامت الحرب بين الفريقين مدة فأبدي هو و جنده بسالة لا مزيد عليها فكانت النتيجة أن هزموا هؤلاء العربان و قتلوا منهم الكثيرين و غنموا غنائم و فيرة و ذهبوا في طريقهم حتي وصلوا إلي الموصل …

عسكر خارج البلدة. و حينئذ قدم عرضا للدولة يطلب أن يعفي من حلب و أن يعين إلي غيرها في موطن قليل الموارد و المصادر. و علي هذا أجيب إلي ما طلب فنصب لإيالة أورفة (الرها). سار إلي محل وظيفته الجديدة … و لما قارب ماردين شكا إليه أهلها

صولة (الكيكيّة) و هم مشهورون. قالوا نهبوا القوافل، فأقلقوا الراحة و لم يقدر أحد علي ردعهم، فسمع هذه الشكوي و سار عليهم في جيشه فلما قاربهم تأهبوا للقتال و للنضال. لكنهم لم يلبثوا طويلا و لم يقووا علي القراع ففروا و صار القسم الأعظم منها طعما للسيوف و بذلك رفع كيدهم و قضي علي غائلتهم …

ثم سار حتي قارب اورفة فاستقبله الأهلون و العشائر و احتفلوا بقدومه، أذعنوا له بالطاعة، ثم بعد أيام وفدت عليه عشيرة طيي ء فرحب بأمرائها … ثم رحلوا عنه شاكرين.

و بعد ذلك قام بتأديب (عشيرة البقارة)، و تلاها بعشيرة (قوجه عز الدين) و كانوا يسكنون في (جبل الگاوور) بين حلب و أورفة و يعنون به

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 287

جبل النصاري. فأمن الحالة و الطمأنينة.

و جاء في تاريخ نشاطي أن الوزير عزل في سنة 1147 ه و وجهت إليه مدينة حلب. و قبل أن يصل إلي تلك الإيالة أنعم عليه بمنصب الرقة. و في شعبان دخل الرها …

بغداد أيام الوزير إسماعيل باشا:

أما الأهلون في بغداد فقد كانوا يتحسرون علي أيام أحمد باشا، و يحسبون أنها لا تعود إليهم مرة أخري. فيئسوا من صلاح الحالة، اختل النظام داخلا و خارجا و فقد الأمن و تشوشت الأمور بحيث استحالت السيطرة علي الادارة. فأحال الوالي الأمر في الخارج إلي رؤساء العشائر و ليس لهم تلك الكفاءة و القدرة.

و هنا يلاحظ أن إسماعيل باشا كان واليا قديما لكنه قليل الخبرة بأحوال العراق و أصول إدارته. و لذا اضطربت الإدارة في أيامه فاستغاث الأهلون منه و نقموا عليه … فالينگچرية عاثوا في الداخل و كانوا ألوفا متعددة. قال صاحب الحديقة: أخبرنا الكهول أن هؤلاء كان بأيديهم حكم

البلد في أيام الولاة الأول لا يقدرون علي إذلالهم غير الوزير أحمد باشا و أبيه حسن باشا. و إلا فقد شاهدنا أعمال هؤلاء أيام إسماعيل باشا و محمد باشا كما قدمنا بل شاهدنا أفعالهم بعد موت أحمد باشا. و كذا العشائر استفحل أمرها في الخارج.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 288

حوادث سنة 1148 ه- 1735 م

عزل إسماعيل باشا و ولاية محمد باشا:

إن الخطة العراقية مهمة جدا من جهة مجاورتها لإيران، و من جهة أنها مجمع عشائر مختلفة، و محل إثارة القلاقل فالضرورة تدعو إلي حسن إدارتها و أن تعهد إلي وزير منحك يقوم بشؤونها.

و لما كان زمن إسماعيل باشا أيام تسيب و انحلال ضجت الناس، و شاع التذمر من إدارته فاقتضي ايقاف الأحوال عند حدودها خشية أن يتسع الخرق فيصعب تسكين الوضع …

و في (گلشن معارف) أن الوزير إسماعيل باشا اختير للصدارة فذهب من بغداد بسرعة فوصل إلي اسكدار في 11 جمادي الأولي فبقي في الصدارة 87 يوما ثم عزل.

عهد بإدارة بغداد إلي حسين باشا الجليلي والي الموصل إلي أن يأتي الوزير محمد باشا. و كان من الصدور السابقين.

عودة نادر شاه:

قضي نادر شاه علي غائلة محمد خان بلوج سنة 1146 ه. و في السنة التالية لها سمع أن عبد اللّه باشا الكوبريلي والي مصر سار إلي أنحاء قارص بجيش لجب. سارع إليه فحدث تصاف بين الفريقين قرب اريوان في صحراء بغاوند فكان ربح الشاه هذه المعركة بعد قتال عنيف.

و فيها استشهد القائد عبد اللّه باشا. و أجري الصلح علي أساس ما جري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 289

مع أحمد باشا والي بغداد. ثم ذهب إلي صحراء مغان فأعلن سلطنته في 24 شوال سنة 1148 ه و بهذا انقرضت الدولة الصفوية. و بعد ذلك قصد ارضروم فاختار السلطان الوزير أحمد باشا قائدا لمقارعة الشاه فأصدر فرمانه بذلك و دعاه للمهمة بعد أن أثني علي أعماله و أعمال والده و ما قاما به من الخدمات الجليلة. جهزت الدولة ما يلزم من جيوش و أمراء و مهمات و ذخائر له و كان هذا الوزير مطلعا علي دخائل نادر شاه

و مكايده و قادرا علي تحمل الخطوب الجسام، و أهلا للنضال و خوّل أن يتصالح معه إذا رغب في الصلح، فتوجّه بعساكره الجرارة و جحافله …

و لما وصل إلي قرب أرضروم وجد الأهلين في ارتباك فأزال عنهم الخوف و سكن من روعهم.

و جاء في تاريخ نشاطي أنه في سنة 1148 ه أودعت إليه قيادة الجيش في أرضروم، و منح ايالة الأناضول في 15 ربيع الأول و أورد نص الفرمان. فعزم علي الذهاب إلي أرضروم في 2 شهر ربيع الآخر متوجها إليها.

و في رجب دخل أرضروم، و شرع في عقد الصلح مع نادر شاه، فكان عمله سمعة و سلامة.

رأي نادر شاه أن الدولة العثمانية اهتمت للأمر و عزمت علي المقارعة و تيقن أن هذه الحروب ليس وراءها فائدة فأذاع أنه لا يزال علي العهد، و أنه لم يقصد سوي تسخير السند و الهند و لم يكن له غرض في هذه الديار و إنما قصد تجديد الصلح …

عاد السفير العثماني مبيتا غرضه المذكور فعرضت القضية علي الدولة العثمانية و تمت المعاهدة في جمادي الآخرة سنة 1149 ه و فيها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 290

بيان أن الحدود تبقي علي ما كانت عليه في معاهدة السلطان مراد الرابع. ثم رجع نادر شاه كما أن الوزير عاد إلي مقر حكومته …

و يلاحظ أن نادر شاه حوّل عزمه لمقارعة من لم يكن معتاد الحروب متمرنا عليها. ألهم هذا الخاطر مما وقع من التأهبات في أنحاء الاناضول. فوجد أن الأمر لم يكن مقصورا علي العراق …

حوادث سنة 1149 ه- 1736 م

وزارة أحمد باشا:

إن الحكومة العثمانية نظرا لما قام به أحمد باشا من محافظة الحدود، و صد غائلة نادر شاه، و إنهاء أمر الصلح معه أنعمت عليه

انعامات عظيمة و أصدرت الفرمان بعزل محمد باشا و نصبه مكانه … لما رأته من مرض محمد باشا و اعتلاله بعلة (داء الفيل) دون أن يهتم بأمر العراق فاختلت الاحوال و اضطربت داخلا و كذا العشائر انحرفت عن الطاعة في حين أن الإدارة أيام أحمد باشا و أبيه كانت علي ما يرام من راحة و طمأنينة و أن الينگچرية كانوا منقادين يخشون البطش فلم يستطيعوا أن يتدخلوا في الأمور.

زالت الطمأنينة و استولي الهلع و تحرك أحمد باشا من أورفة إلي بغداد فوصل إليها في 8 رجب و عين سليمان باشا كتخدا له و أخرج الكتخدا السابق فكان سرور الأهلين بالوالي كبيرا فاحتفلوا به في اليوم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 291

التالي و أن إسماعيل الروزنامة جي مدحه بقصيدة تركية كما مدحه آخرون بجملة قصائد عربية. ثم رتب الوزير رجاله و صار يتحري عن العابثين و يوقع بهم … فنكل برؤساء الينگچرية.

قال صاحب حديقة الزوراء حصلت بغيبة الوزير المعارك في مدينة السلام، و كثر القتل فأظفره اللّه برؤساء الينگچرية، فخنق منهم الجبابرة المتمردين و قتل منهم العتاة. و نفي بعضهم عن البلد و حصل بذلك الفرح و السرور، و لم يبق منهم إلا القليل و لم يترك إلا الضعيف، فذلت أولاد الحاج بكداش (بكتاش) بعد شموسهم، و هم إذ ذاك آلاف متعددة و جنود مجندة، و اخبرنا الكهول بأن هؤلاء بأيديهم حكم البلد لم يقدر علي اخضاعهم غير هذا الوزير و أبيه صارا مضرب المثل و تفردا بهذا الأمر و إلا فقد شاهدنا أفعال هؤلاء أيام إسماعيل باشا و محمد باشا بل أيام الحاج أحمد باشا فأخرجوه من البلد علي ما سيوضح.

ثم رشح الوزير كتخداه

السابق محمد باشا فعيّن لإمارة شهرزور برتبة (مير ميران). و كذا بعد مدة حصل لكتخداه سليمان باشا امارة البصرة برتبة (مير ميران).

حوادث سنة 1150 ه- 1737 م

عشائر بني لام:

نظم الوزير الداخل و أكمل كل الوسائل لراحة الأهلين … ثم عطف نظره إلي أمر الخارج و تنظيمه أيضا …

علم أنه حين غيابه قامت العشائر بقطع الطرق و الشقاء و ارتكاب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 292

المفاسد فعزم علي تأديبهم دون تمييز صنف عن صنف.

و من بين هؤلاء الشيخ عبد القادر شيخ بني لام كان أشد ضررا.

تجاوز الحد و أكبر ما يركن إليه أن عشائره وافرة العدد، كثيرة العدد كما استعان بالمجاورين، و بالفيلية و ناوءوا الحكومة مناوأة تامة فتجمعوا في محل يقال له (علي الظاهر) و هو محل بين بغداد و البصرة.

و علي هذا قدم الوالي أمر هؤلاء علي غيرهم فجهز عليهم قوة كافية، و ذهب بنفسه … عند ما قدم الوزير إلي بغداد كان جاء لمواجهته موح ابن الشيخ عبد القادر للتبريك معتذرا عن والده أنه مريض لا يستطيع الحضور خشية أن يبطش به فقال الوالي له إن والدك مريض القلب و سأتواجه معه و أكرم الابن و سيره. و لم يحقق تهديده إلا في هذه السنة فقام بجيشه.

و لما كانت البصرة تحت حكم هذا الوزير، و كان الاسطول بيد موسي باشا القپودان شعر الوزير منه ببعض الخيانة فأمر بأخذ الاسطول منه سوي أنه حذر أن يفر بها إلي البحر فاتخذ الوسائل بخصوص تقريبه إليه فجلبه لجهته ثم عزله و حبسه. و نصب مكانه إبراهيم باشا و عهد بالأسطول إليه.

قال في الحديقة:

«سار- الوزير- في البر و السفن تجري علي سيره في البحر.

لتكون حاضرة عند الحاجة للعبور و حمل الامتعة و

الذخيرة و الاسلحة، و هذه السفن ليست كغيرها بل هي علي هيئة مراكب صغيرة فيها المدافع و البنادق و سائر آلات الحرب و لها أناس معينون يقال لهم (الفرقدجية)،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 293

و لكل سفينة كبيرة موظفون لهم الوظائف من الخنكار مهيئة للحرب لكنها ربما تحمل التجار بإذن الوالي.» اه.

سار الوزير في أواخر السنة الماضية و حينئذ وقع الرعب في قلوب القوم. حاذر الشيخ عبد القادر علي أمواله و عياله من نتائج هذه الحرب فاتخذ بعض الأماكن الحريزة الصعبة المنال و استعد للحرب و أبدي خصومة شديدة و قبل أن يشتبك الفريقان حدثت مبارزة فتجاول الابطال فيها علي الانفراد فأبدي كل من الجانبين المهارة و منتهي البسالة …

ثم إن الفريقين اشتبكا في الحرب حتي أنهما لم يجدا مجالا إلا التناحر بالخناجر فثبت كل من الجانبين في ساحة القتال و لم يتبين الغالب فكان الهول عظيما. ثم ظهرت علائم النصر في جيش الوزير و ولي العشائر الأدبار و قتل خلق كثير و فر الباقون فعقبوهم إلي أخبيتهم و اغتنموا أموالهم و أسروا قسما كبيرا منهم، و علي هذا ورد جماعة و طلبوا الأمان و تصالحوا علي أن يؤدوا الميري و مصاريف الجيش فقبلوا و أبقي كاتب الخزانة و بعض الجيش فصدر الأمر بالعودة …

و في أول سنة 1150 ه عاد الوزير إلي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 294

ورود سفير نادر شاه:

رغب نادر شاه في تأكيد الصلح فأرسل سفراء إلي الدولة. ورد أحدهم بغداد يوم الخميس 10 المحرم سنة 1150 ه و معه كتاب إلي الوزير يفيد أن الصلح تم بيننا و قويت روابط الصداقة إلا أن أسري الطرفين بقوا علي حالهم فإذا تم

فكهم قويت الأواصر أكثر و رجا أن ينهي ذلك.

تلقي الوزير كتابه هذا بقبول حسن و أجاب الطلب و استقبل السفير استقبالا باهرا و أمر أن تنصب له الخيام و تتخذ الضيافة اللائقة و دعي أن يدخل المدينة …

بلباس:

قالوا: كانت هذه العشيرة تقطع الطرق و تنهب القوافل فتزعج الراحة. فقصد الوزير التنكيل بها فجهز جيشا عليها. و ذهب بنفسه لمحاربتها و لما وصل إليها رآها احتمت بحصونها و متاريسها و تأهبت فرسانها للغارة و الحرب … لكنها لم تقو علي هجمات الجيش فولت الأدبار من أول حملة إلا أن المشاة المتحصنين ثبتوا نظرا لمناعة الأمكنة و الاحتماء بها فصاروا يضاربون الجيش ببنادقهم و سهامهم نساء و رجالا.

أما الوالي فإنه أعد العدة للحرب في الأماكن المنيعة. فهاجمهم بالخيالة و المشاة و لم يبال بالدفاع المستميت فتمكنوا من صعود الجبل و الموافاة إلي المواقع فأطلقوا السيوف في رقابهم و قتلوا فيهم تقتيلا شائنا و أسرت بقيتهم الباقية …

ثم إنهم طلبوا الأمان و لما كانوا من اتباع الإمام الشافعي فحرمة لمذهبهم عفا عنهم و عاد الجيش ظافرا منصورا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 295

قال صاحب الحديقة: لم يكن هؤلاء قطاع طرق، و إنما كان ذلك لأمر أراده الوزير و إلا فهم شافعية ذوو غيرة دينية و حمية، أكثرهم طلبة علم و أصحاب جوامع و قري يكرمون الضيف و جل ما هنالك أن الوزير أراد الغزو و النهب فحصل علي مرغوبه من الغنائم!!

سرية أيضا:

و قالوا: و كان هذا شأن بعض العشائر في الجانب الغربي مع أهل القري. أرسل عليهم الوزير بعد عودته سرية مع كتخداه سليمان باشا فأدبهم تأديبا تاما، ثم أغار علي عشائر زبيد فلم يقووا علي المقاومة، ففروا من وجهه و قفل راجعا، و علي كل أرادوا نهب أهل القري و العشائر فحصلوا علي الغنيمة.

الطاعون في الموصل:

حدث الطاعون في الموصل، بدأ في هذه السنة و اشتد في السنة التالية. فكان يحدث في اليوم نحو ألف اصابة فأكثر.

حوادث سنة 1151 ه- 1738 م

عشائر بني لام:

في كل مرة نعتقد أن الوزير قضي علي هذه العشيرة و أمثالها لكننا لا نلبث أن نراها عادت إلي ما كانت عليه. فصرنا نشتبه من كل حادث عشائري و نتائجه. و في هذه المرة قيل إن عشائر بني لام لم ترتدع و إنما استمرت علي حالتها من قطع السبل و زادت عتوا فعزم الوالي علي محوها حفظا لراحة العباد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 296

أراد الوالي أن يخفي أمره فجهز في الخفاء العدد اللازمة فقام من بغداد و أشاع أنه ذهب للصيد.

حذرت العشائر و علمت أن الصيد وسيلة للإخفاء. لذا تفرقت كل عشيرة و ذهبت إلي جهة. و لما وصل الوزير إلي الجوازر أبقي (رئيس آغواته) المسمي (باشا آغا) مع ثلة من الجيش في صحبة ضابط الجوازر لتحصيل الرسوم الأميرية من (ربيعة) و عاد.

عشائر ربيعة:

شرعوا في استيفاء الرسوم الأميرية من ربيعة و لما بدأوا بالعمل تأخر عن الأداء بعض رؤسائهم (أبو سودة) فسجنه أميرهم (علي بك)..

ثم إن العشيرة هاجمت الأمير ليلا و قتلته و أخرجت أبا سودة من سجنه و هربت إلي بطون الأهوار، و تبعتها بقية الفرق …

ثم إن الجند أخبروا الوزير فأرسل سرية بقيادة كتخداه سليمان باشا. و لما ورد أخبر بأنهم متحصنون بجزيرة يحيط بها الماء من جميع الجوانب فحاربهم من جهة منها رأي فيها ضعفا و مجالا لوصول الطلقات.

ولما صار الليل أبقي الكتخدا البنادقية أمامهم و سار حتي جاء من ورائهم فعبر الجيش. و كان تعوّد علي اجتياز أمثال هذه الأخطار أو العقبات. فلم يشعروا إلا و الجيش في الجزيرة فصاروا في حيرة من أمرهم.

و ربيعة معروفة بالشجاعة و تعد من أقوي العشائر و لها دربة علي

موسوعة تاريخ العراق بين

احتلالين، ج 5، ص: 297

الحروب، فلم يكن لها بد من قتال مستميت. شاهدت من الجند ما لم يكن يجول في خاطرها. و لما أصبح الصباح هرب من هرب سابحا و نجا من نجا بنفسه. فاغتنم الجيش خيولها و أموالها.

حسكة و أمير المنتفق سعدون:

ثم إن الكتخدا بأمر من الوزير رجع إلي حسكة ليصلح منها بعض الشؤون و الصحيح لينال منها بعض الغنائم، فوردها و أمّن طرقاتها من جميع جهاتها و انقادت عشائر البدو من كل فج. و كان من جملة من قصد أمير المنتفق سعدون بجملة من عشائره. فاتخذ الكتخدا ذلك فرصة للوقيعة به. قالوا: و كان يزعم أنه (سلطان العرب) فقبض عليه و كبّله و رجاله و جاء بهم إلي بغداد، و سجن في الثكنة الداخلية، بقي زمنا و كاد يقضي نحبه و أيقن بالهلاك فطلب من الوزير أن يعفو عنه و شفع فيه بعض الأعيان فعفا عنه و جعله رئيسا كما كان و ألبسه حلة الرضا.

وقعة الشيخ سعدون:

و في السنة نفسها أخبر الوزير بأن الأمير سعدون جمع نحو عشرة آلاف مقاتل فنزل بين النجف و الكوفة، و تغلب علي بعض القري، و منع الزراع من الانتفاع … قائلا: أنا السلطان في هذه الديار. و ما شأن أحمد باشا و ما السلطان؟ إني إن شاء اللّه آخذ بغداد و أحكم فيها بالعدل، و من ثم حاصر الحلة و بقية الضياع … كما حاصر البصرة قائلا: إنها ملكنا ليس للروم فيها شي ء، و إنا كنا نأخذ كل عام من أهلها الغنيمة …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 298

قال في الحديقة: صدق … فإن هؤلاء المنتفق أعراب البصرة، و إنهم أكثر العرب مضرة، عجزت الولاة عن كسر شوكتهم، و ذلت الوزراء عن درء أذاهم.

نقل عن والده أنه قال: كانت بغداد قبل تولية حسن باشا تأتي إليها العساكر الكثيرة من قبل الدولة و الوزراء العديدون يخيمون في الكرخ يأخذون صحبتهم والي بغداد إلي قتال هؤلاء فيرجعون خائبين من فتك أولئك

و قوتهم … و إن أهل البصرة يؤدون الخراج إليهم و إن واليها لا يسلم من ضرهم حتي يفوض الأمر إليهم، لكن مذ حل الوزير حسن باشا مدينة السلام كسر شوكتهم، و رفع غائلتهم عن أهل البصرة، و بعده جري ابنه مجري الأب.

نعم كان هؤلاء استخدموا العناصر العراقية بعضها علي بعض فتمكنوا و قويت سلطتهم كما أن المماليك كانوا عونا لهم. و كانت طاعتهم عمياء.

سمع الوزير بالخبر فعجل بالمسير و صحبه الاكراد و سائر ما عنده و لما علم بقدوم الوزير عليه قفل إلي ناحية البصرة فتبعه الوزير فاحتجب في بطون الأهوار، و كسر السد من جميع الجهات، و كانت طليعة عسكر الوزير الأكراد و رئيسهم عثمان باشا الكردي. فعبرت عليهم من خيول المنتفق الشجعان و قصدوهم فرسانا فالتقوا و بدأت الحرب. تكاثرت عليهم خيول المنتفق حتي صاروا أضعافهم و ازدحم عليهم المدد حتي فاقهم فقاتل ذلك اليوم عثمان باشا قتالا تتضاءل عنده الابطال فذهلوا مما رأوا و ولوا الادبار و تحرزوا في أهوارهم.

ثم جاء الوزير و وجه عليهم المدافع و حاصرهم لبضعة أيام فلم يبرح. فنالهم الجوع و الضيق لحد أن ابن الشيخ سعدون قدم علي الوزير و قال له: يا عماه إني جائع فأشبعني و إن أهلي و أقاربي كادوا يموتون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 299

جوعا فإن عفوت فلك الفضل و إن لم تعف فلا ترجعني إلي أهلي فأهلك معهم فضحك الوزير لذلك و عفا عن سعدون و رجع عنه …

و لما رجع الوزير عاد الشيخ سعدون إلي ما كان عليه فأرسل سرية أمر عليها كتخداه سليمان باشا و لما وصلوا البصرة أبصروه بالمرصاد ينتظر قدوم العسكر فعزم علي القتال. اشتبك

الفريقان في الحرب ثم انجلت عن هزيمة سعدون و قومه. تركوا الخيام و قبض علي سعدون في المعركة فأخمدت أنفاسه و أرسل رأسه إلي الوزير و لما جاءه البشير أنعم عليه و علي قاتله بالعطايا الكبيرة و حينئذ أمر أن يسلخ جلد رأسه و يحشي تبنا و يوضع في صندوق و يرسل إلي الدولة لما شاع و ذاع عندهم من قوة بطشه. و هذا منتهي الحنق …!

و بعد أيام قلائل وصل الكتخدا إلي بغداد منتصرا فألبسه الوالي الخلعة لما قام به من خدمة و ما أحرزه من نصر …

قال في الحديقة: «ما ثبت في هذا الكتاب هو رواية الأكثر.

و حدثني بعض الجند و هو الأصح عندي أن غزوة سعدون كانت بعد غزوة بلباس، و أن نائب الوزير في بغداد (القائممقام) سمع بغائلة سعدون فخاف من ازدياد شوكته إذا أهمل فأرسل إلي الوزير و هو في بلباس بريدا يخبره بذلك فحين سمع ألوي عنان العزم و سار إليه فحدث ما قدمنا.

و حدثني البعض أن غزوة ربيعة و قضية القبض علي سعدون كانت قبل بلباس. و هذا هو الصحيح عندي.» اه.

و في تاريخ نشاطي ذكرت قضية الأمير سعدون في حوادث سنة 1155 ه جاء أنه أرسل الوالي كتخداه سليمان باشا علي الشيخ سعدون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 300

شيخ المنتفق، و هذا قتل الشيخ و بعث برأسه إلي الدولة العلية فأنعمت عليه برتبة (روم اپلي).

و في مجموعة عمر رمضان أنه قتل سنة 1153 ه و مثله في عمدة البيان. و آل السعدون ينسبون إلي هذا الأمير. فاشتهر امراؤهم باسمه.

تربة العزير:

جاء في سياحتنامه حدود ما ترجمته: «مضينا من القرنة إلي جهة الشمال من طريق دجلة حتي وصلنا

إلي منتهي حدود المنتفق، فرأينا في الجانب الايمن من دجلة المقام الشريف للنبي عزير (ع). و هذا النبي ذو الشأن من أنبياء بني اسرائيل و هناك يهود كثيرون، و زوارهم أكثر من زوار سائر الملل، و ذلك أن المسلمين و النصاري إذا مروا بطريقهم من بغداد إلي البصرة، أو بالعكس و وقفت بهم السفينة هناك يتقدمون للزيارة و لكنهم لا يقصدونها خصيصا كاليهود.

إن والي بغداد الأسبق المرحوم أحمد باشا أمر بتجديد بنائه سنة 1150 ه و اتخذ علي مرقده الشريف قبة مغطاة بالكاشي و اتخذ تربة واسعة و كتب علي باب التربة بعد تمامها:

(قد جدّد و عمر هذا المكان المشرف الذي دفن فيه العزير عليه السلام ذو الدولة الوزير المكرم والي بغداد أحمد باشا سنة 1151 ه).

و التربة لها ساحة و في ثلاثة جوانبها حجر إلا أنها خالية، و ليس هناك من يتصدي لتنظيفها و تطهيرها إلا أن نفس التربة الشريفة لها باب مقفل و أن مفتاحه لدي أحد رجال القبيلة التي تسكن هناك. و في خارج هذه التربة بضعة أشجار و في داخل الساحة خمس نخلات و قد يعدّ ذكر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 301

مثل هذه الأشجار و النخلات عبثا كما يبدو لأول وهلة و لكننا مضينا في برية قاحلة و طويلة نتجول، فلم نر أشجارا و نخيلا فلما شاهدناها سررنا بها و بهذا ندوّن مسرتنا.» اه.

و ما قيل من أنه بناه كريم خان فغير صواب لأنه لم يأت إلي العراق، و إنما أتي أخوه صادق خان سنة 1189 ه فاستولي علي البصرة و لم يصل إلي العزير (ع).

حوادث سنة 1152 ه- 1739 م

آل قشعم و السرحان و الأسلم و بنو صخر:

قالوا: إن آل قشعم سلكوا طريق النهب و الغارة و شوشوا علي الحكومة.

اتفقوا مع عشيرة السرحان، و عشيرة الاسلم، و بني صخر، تجمعوا في محل يبعد عن شفاثا بضع ساعات. و هذا مكان منقطع خال من المياه تحصنوا فيه.

و لما رأي الوزير ذلك عزم علي القضاء علي غائلتهم، جعل جيشه قسمين قسما منه تحت قيادة كتخداه سليمان باشا، و كانت وجهته بلدة هيت، و الآخر تحت قيادته و توجه به من أنحاء كربلاء، أغاروا من الجانبين. و دامت غارة الوزير أربع ساعات بلا راحة و لا وقفة في شدة الحرّ و العطش فتيسر له الوصول وقت السحر إلا أنه هلكت منه نفوس كثيرة و حيوانات و فيرة. و أن بقية الجيوش لبثت في مكانها و لم تتمكن من الدوام نظرا لما نالها من الإعياء.

كان الوزير أمام الجيش سائرا و لم يكن معه سوي من هم بصحبته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 302

من أعوانه و لم ينتبه إلا و الشمس علت بارتفاع رمحين. و حينئذ رأي جموع الاعداء قد خفوا عن الابصار بسبب ما كان من حواجز و عوارض طبيعية …

شاهد الوزير الأعداء فرتب جمعه و من عنده و من ثم هاجمهم و هكذا كان والده يفعل فوجه عنان فرسه وصال صولته المعروفة …

و بينا الأعداء تأهبوا لحربه و مناوأته من جميع أطرافه إذ رأوا الاثقال أتت فظنوها الجيش الاصلي فداخلهم الارتياب و كسرت قوة صبرهم، فاستولي الرعب عليهم و شغلوا بأنفسهم.

و في هذه المعركة قتل ابن عم رئيسهم صقر، و هو سعد و كان أعور و خذل الباقون، تركوا أموالهم و سائر أثقالهم و أخبيتهم. و كان من جملة ما استولي عليه الجيش زوجة صقر فردّها الوزير مكرمة و لم يتعرض بها أحد …

ثم أمر بنصب

الخيام. و لم تأت العساكر المنقطعة إلا بعد أن مضي نصف النهار. رأي هؤلاء في طريقهم كثيرا من الجرحي و الفارين و فلولهم فكانوا يعجبون و يقولون ما هذه إلا فعلة ملائكة أعانت الوزير ليوقع هذه الوقيعة …

أما سليمان باشا فإنه ذهب بجيشه و لم يصل إلي المطلوب إلا أنه وقع بغير هؤلاء من أهل الشقاء فمزق شملهم و شتت جموعهم و رجع ظافرا … و جدهم آمنين فأصابهم علي غرة و لم يسمهم …

ثم عاد الوزير إلي بغداد غانما. و كل غزواته مثل هذه سلب و نهب لا تختلف عن عمل العشائر.

و للشيخ عبد اللّه السويدي قصيدة طويلة في مدحه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 303

و في الحديقة أن الوزير سار من بغداد في يوم و ليلة طالبا آل قشعم فأدركهم في الرحالية فوق شفاثا بأربعة فراسخ، و كانت المواقعة في شدة الحرّ. فأخذهم أخذ عزيز مقتدر، و صرف في تلك الغزوة علي عساكره مقدار خمسمائة كيس. و لما جمعت الغنائم و هبها لأخت شيخهم كرما منه، و أبدي همة يعجز عنها ذوو الهمم العلية من الوزراء و مكرمة يعجز عنها سخاء حاتم في وقت الرخاء، و نظم السيد عبد اللّه الفخري قصيدة في مدح الوزير، قال فيها:

عقاب الوغي لما بدا طار صقرهم لدي حيث ألقت رحلها أم قشعم

حوادث أخري:

1- الطاعون العظيم في بغداد. حدث في هذه السنة.

حوادث سنة 1153 ه- 1740 م

هدايا نادر شاه:

أرسل نادر شاه مع أحد أمرائه هدايا نقودا وافرة إلي الإمام الأعظم و العتبات المقدسة المباركة و تحفا سنيّة. و لما وردت بغداد كتب الوزير بها دفترا و سلم ما يخص العتبات بواسطة السفير الايراني فأوصلها إلي محلها. و أكرم السفير.

قالوا إن الشاه حاول إخضاع اللزك و هم طوائف من قفقاس.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 304

قاتلهم مدة فرأي منهم مكافحات عنيدة و تكبد خسائر ضعضعت من قوته.

اتفقوا علي صد غائلته فاجأوه بغتة بهجوم عنيد و كسروه شر كسرة و انتهبوا منه غنائم كثيرة من أموال و خيام و معدات لا حد لها …

رأي الشاه هذه الصدمة العنيفة فأرسل هديته هذه تغطية لتلك المغلوبية.

إن نادر شاه أراد أن يوثق أواصر صداقته و يؤكد حسن نواياه و مصافاته أكثر. و لذا لم يقطع رسائله و رسله. و لم يدع فرصة إلا و يقدم التحف و الهدايا السنية …

قدّم هدايا لا تعد. بينها أحد عشر فيلا مع أحد أمرائه حاج بك خان إلي الدولة العثمانية و واحد إلي الوزير. جاءت من طريق بغداد و معها ألف و خمسمائة فارس لمجرد اظهار الأبهة و العظمة.

استقبل الوزير هذا السفير استقبالا باهرا و أبدي له الاحترام فأخذه معه إلي قصره [1] في جانب الكرخ و أبقي أعوانه و أتباعه في الرصافة.

______________________________

[1] هذا القصر و البستان المتصل به عمرهما الوزير في هذه السنة و أطنب صاحب الحديقة في وصف القصر و قال إنه غربي قصر الخلد و ناظر إلي هور عقرقوف فوصف حديقته و أزهارها و اثمارها، و كذا مقاصيره و رياشه، و إتقان بنائه. جمع اوصاف الحسن. و هما في

الجهة الغربية من جانب الكرخ … و كانت عادلة خاتون بنت الوزير وقفتهما علي جامعي العادلية اللذين عمرتهما و صار يقال للبستان (بستان المتولية) فاستبدل بعد مدة و لازمها هذا الاسم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 305

ضيفه لأيام عديدة و أجري له ما يقتضي من تكريم و عرض الأمر علي دولته فقبلت ذلك بخير قبول.

و لذا سيّرهم الوالي إلي جانبها.

العمادية:

حاصر والي الموصل حسين باشا العمادية فصالحه أميرها بهرام باشا علي مال، فعاد.

المؤرخ يوسف عزيز المولوي:

توفي في هذه السنة يوسف المولوي المؤرخ الملقب ب (عزيز المولوي). مرّ الكلام علي تاريخه و ما له من قصائد تركية و المترجم خطاط معروف.

حوادث سنة 1154 ه- 1741 م

أشقياء القري و الضياع:

إن قطاع الطرق عانوا في الجانب الغربي و عطلوا الاسفار من محل إلي آخر. و لما علم الوزير بذلك وضع خيالة في الطرق لتأمينها و التحري عن أهل الشقاوة فلم يتمكنوا منهم. ثم أرسلت عيون خفية لتحقيق هذا الأمر فكانت النتيجة المتحصلة أن هذه العشائر اتفقت مع بعض المفسدين من أهل القري و الضياع فالتزموا الكتمان.

اطلع الوزير علي ذلك فعزم علي علي تخريب هذه القري و إهلاك أهلها فجهز عليها سرية بقيادة سليمان باشا الكتخدا. و هذا فرق جيشه و نبّه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 306

أن يقتل جميع رجالها و تنهب أموالها عدا كربلاء و الحلة و الغري و أن يذيقوهم جزاء ما اقترفوا و أن يجتمع الكل في (قرية المزيدية) و هكذا فعلوا.

ثم توجهوا نحو عشائر زبيد فأغاروا عليها و لكنهم أحسوا بالخطر فتفرقوا في البراري النائية …

رجع الجيش ظافرا و في عودته أغار علي القري و الضياع في طريقه فقضي عليها. قال صاحب الحديقة: «جعلها كمدائن عاد و ثمود كيلا يعود أحد من أهلها لمثل هذه المفاسد.» اه.

ظلم بظلم و نهب بنهب. بقي المنهوبون المستغيثون لم يتعرض لمصيرهم، و لا لتعويضهم. و ليس هذا بالتدبير الحازم.

عشائر بني لام:

قالوا: إن عشائر بني لام لم تزل مستمرة في جورها. وضعوا أهليهم و أثقالهم في محال بعيدة في شامخ الجبال و تأهبوا لسلوك سبيل الشقاوة …

فلما علم الوزير كتم الأمر و صار يتحري طرق الانتصار عليهم فهم علي ظهور خيولهم و هي تسابق الريح. أغمض عينيه عنهم و أشاع أنه يقصد حرب المنتفق. أمر بالنفير العام و كتب إلي رؤساء العشائر ليلحقوا به و أرسل الشيخ ثامرا إلي رؤساء هؤلاء فلم يعلموا بالأمر.

فسارعوا في المجي ء

إلي بغداد و نزلوا في دار كبيرة قريبة من مرقد محمد الفضل و حينئذ غصب خيولهم و قتل رؤساءهم و أعاد الباقين.

و للسيد عبد اللّه أمير الفتوي قصيدة مدح بها الوزير قال السويدي:

و الظاهر أنه قالها في غزوة بني لام الأولي. اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 307

إشاعات المرجفين:

أراد الوزير ترويح النفس في موسم الربيع فنهض بركبه متوجها نحو مهروت (مهروذ) تصيد لبضعة أيام، ثم قفل راجعا إلي بغداد، لكن الايرانيين أشاعوا بأنه يقصد بلاد العجم. و لم يكن الغرض منه الصيد بل الغزو، فأصاب أهل ايران الرعب لا سيما أهل كرمانشاه و همذان. نالهم الهلع و فروا بأولادهم و أهليهم و بالنفيس من أموالهم.

أخبروا نادر شاه بذلك فعبأ الجيوش في همذان و كرمانشاه و وضع حامية في الحدود فهدّأ الروع و نبّه جيشه أن لا يتجاوز.

و هكذا نشر بعض المفسدين في بغداد أن العجم هاجموا العراق و جهزوا جيوشهم نحوها فراجت مما دعا إلي ارتفاع الأسعار و غلاء الحاجيات و صاروا يدّخرون الأطعمة و حصل توقف في الأعمال.

بلغ الوزير ذلك فتأهب لجمع الذخائر و إعداد العدة و عمل ما استطاع عمله من ترقب الطواري ء و قسم جنوده إلي فرق و وجه كل فرقة لتأديب بعض العشائر وردعهم و أرسل العيون إلي ايران لاختبار الحالة.

و من ثم علم أن الإشاعات لا أصل لها. لذا زال الاضطراب و حلّ الاطمئنان.

حوادث سنة 1155 ه- 1742 م

جسر الموصل:

في منتصف رجب احترق جسر الموصل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 308

غلاء في الموصل:

امتد الغلاء في الموصل إلي هذه السنة بسبب قلة الامطار فزاد اضطراب الأهلين، و عظمت حاجتهم، و إن الوزير الحاج حسين باشا الجليلي عمل أفرانا لإطعام الفقراء و المحتاجين، و أخرج الأهلين للاستسقاء فمن الباري تعالي بالمطر و ذهب البؤس.

حوادث سنة 1156 ه- 1743 م

نادر شاه في بغداد للمرة الثالثة:

مضي نادر شاه إلي الهند و سخر ممالكها إلي أن وصل إلي (جهان آباد) فضبطها سنة 1151 ه بعد قتال عنيف، ثم صالح سلطانها (شاه محمد) و غنم أموالا كثيرة و ألزمه أن يرسل إليه كل عام مبالغ معينة و ارتحل عنه. توجه نحو تركستان فاستولي علي بلخ و بخاري و أطاعه الافغان. و من ثم لقب نفسه ب (شاهنشاه).

ثم قصد الروم و لكنه أظهر لوالي بغداد الصداقة، فأرسل إليه أنه لم يشأ أن يكدّره فلم يقدم علي بغداد. ثم بدا له أن استمنحه جميع مزارع بغداد و كان الموسم وقت حصاد فأجابه الوزير إلي ذلك ضرورة أن لا يدخل معه في نضال جديد فأرسل نحو سبعين ألفا من جنوده. و في هذا لم يقصد إلا حصار بغداد و أن لا ينجد الوزير أهل الموصل فأحدق جيش الشاه ببغداد و صار عنها رمية بضعة أسهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 309

تأهب الوزير و أهل بغداد للحصار و ارتحل أهل الكرخ منه إلي الرصافة. و نالهم الضرر الكبير من جراء ذلك.

استولي الايرانيون علي جميع قري بغداد و أطاعتهم العشائر و أرسل الشاه إلي البصرة نحو تسعين ألفا فحاصرها مع إضرام النار من الجانبين فلم ينل بغيته. و كان متسلم البصرة رستم آغا ناضل عنها. و دفع جيش نادر شاه و معه جيش الحويزة و عشيرة كعب و رئيسها سليمان فلم يتمكنوا إلي أن وقع الصلح.

و

كان نادر شاه توجه ببقية عسكره إلي شهرزور فأطاعه أهلها و أذعنت له عشائر الكرد. ثم توجه إلي كركوك فحاصرها ثمانية أيام أمطر عليها وابلا من القنابل، فمات فيها الكثير و خرب غالب أبنيتها فلم يكن لأهلها بدّ من التسليم فطلب منهم مبالغ طائلة من ابن المفتي و بعض أهل كركوك فلم يتمكنوا من أداء ما طلب فأسرهم، ثم تشفع فيهم الشيخ عبد اللّه السويدي حينما ذهب إليه فجي ء بهم إلي بغداد و بقوا فيها.

مشهد الإمام علي:

في سنة 1155 ه بدأ نادر شاه بتذهيب القبة و الإيوان و المأذنتين لمشهد الإمام علي (رض) و تمّ ذلك في (سنة 1156 ه) فبذل أموالا كثيرة و قدم للخزانة الغروية تحفا نفيسة. ورد ذلك في تاريخ (جهانگشاي نادري) و في (بستان السياحة). و للسيد حسين بن مير رشيد و للسيد نصر اللّه الحائري و غيرهما قصائد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 310

نادر شاه- الموصل:

إن واقعة الموصل ذكرت في تقرير الوزير حسين باشا الجليلي المقدم إلي دولته مبينا حصار البلد و حروبه، و نجاحه إلي أن دفعت الغائلة و ليونس الموصلي قصيدة تركية أوضحت أكثر.

كان توجه إلي إربل فسلم أهلها ثم توجه إلي الموصل و كان معه من العسكر نحو مائة و سبعين ألفا و نصب علي دجلة جسرين فعبر و حاصر الموصل في النصف من شعبان و دام الحصار نحو أربعين يوما فثبتوا بالرغم مما أمطر عليهم من قنابل. ثم حفر ألغاما و ملأها بارودا و رصاصا فعادت علي جيشه و صعدوا السور بالسلالم فلم ينجحوا و لما لم يحصل منها علي طائل ارتحل و توجه بعسكره إلي بغداد بعد أن صالح حسين باشا الجليلي.

و نظم الحافظ السيد خليل البصيري الموصلي وقعة الموصل بأرجوزة أوردها في الحديقة. و كان قدمها إلي السيد عبد اللّه الفخري.

ذكر فيها محاصرة الموصل من نادر شاه و هي في مجموعة السيد عبد اللّه الفخري أيضا، و للسيد حسن ابن أخي السيد خليل قصيدة أشار إليها السيد خليل و لم أقف عليها، و عارض البصيري كل من السيد عبد اللّه الفخري و صاحب الحديقة بقصيدة. و في منهل الأولياء للأستاذ محمد أمين العمري تفصيل. و لما كان والي الموصل آنئذ

الحاج حسين باشا الجليلي قد ناضل عنها، و دافع دفاع الابطال كافأه السلطان بتمليكه قرية (قره قوش) بما فيها و كانت من خواص ايالة شهرزور، و تؤدي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 311

ثمانمائة قرش سنويا كبدل تيمار. رأيت الفرمان لدي الفاضل السيد أحمد بن أيوب بك الجليلي و هو مؤرخ في أواسط شوال سنة 1156 ه.

ثم وقف هذا الوالي القرية بموجب الوقفية المؤرخة في ذي القعدة سنة 1163 ه سجلها باستنبول. و حكي هذا التمليك و الوقف بما فيها من مزارع و مراع و رسوم و حقوق مطلقة من جميع التكاليف. و بعد أن تحققت ملكيتها وقفها علي ابنه محمد أمين باشا و علي أخيه سليم بك و علي ابن أخيه عبد اللّه بن مراد باشا بالتساوي علي أن يقوم هؤلاء ببناء جسرين علي الطريق بين بغداد و الموصل و البصرة و كركوك علي قرية لك و قرية كوكجه لي، و أن تؤدي إلي مراقد حضرات النبي يونس، و النبي جرجيس لكل منهما مبلغ مائتي أقچه تعطي لمتوليهما و ذكر شروطا أخري.

و لما لم ينل نادر شاه من الموصل مأربا توجه نحو بغداد فظهرت آثار الارتياب في الأهلين و استولي عليهم الخوف. و لما وصل الأعظمية اتخذت التدابير اللازمة للمقاومة و النضال عن بغداد.

و لما علم بذلك أرسل رسولا إلي أحمد باشا في الصلح مع الدولة العثمانية بلا قيد و لا شرط فقبل الوزير و أرسل إليه كلّا من محمد باشا الكتخدا السابق و سليمان باشا و ولي أفندي كاتب الديوان.

وصل هؤلاء إلي الشاه و أسسوا الصلح بين الطرفين علي أن يعود إلي مملكته، و تعرض القضية علي الدولة العثمانية … و حينئذ عزم

علي زيارة العتبات فذهب أولا إلي النجف الأشرف لمشاهدة القبة المذهبة و كان أمر ببنائها و منها ذهب إلي كربلاء و من هناك كتب إلي الوزير أحمد باشا أن يرسل إليه عالما بأمل التوفيق و التأليف بين السنة و الشيعة فأرسل إليه الوزير الشيخ عبد اللّه السويدي فحضر يوم الاربعاء 24 شوال سنة 1156 ه- 1743 م. أوضح ذلك في كتابه (النفحة المسكية في الرحلة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 312

المكية). ذكر نص (محضر العلماء) لمختلف الاقطار. و نشرت المذاكرات في حديقة الزوراء و في كتاب (الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية) و طبعت مرارا و آخرها طبعة الأستاذ محب الدين الخطيب كما نقلت إلي اللغة التركية و طبعت و لخص الأستاذ عبد الحميد السباعي تلك المذاكرات باسم (السيوف العراقية) أملاها الشيخ محمد سعيد السويدي ابن الشيخ عبد اللّه السويدي سنة 1188 ه، فحكي ما جري. و عندي مخطوطتها.

و في جهانگشاي نادري للأستاذ محمد مهدي منشي نادر شاه نص المحضر بالفارسية و نسخته وضعت في خزانة الإمام في النجف و أذيعت في مختلف البلدان.

أبدي نادر شاه الاهتمام في اتفاق المسلمين و أن يزال ما دعا إلي الخلاف أيام الصفويين فبذل جهوده في تدوين المحضر. و نقل الأستاذ السويدي في رحلته أن نادر شاه أرسل أحد علماء كربلاء السيد نصر اللّه الحائري إلي مكة المكرمة و معه كتب إلي الشريف سعود ابن الشريف سعد و إلي المفتي و القاضي بأمل أن يصلي بالشيعة في ركن خاص في مكة فصار يرغّب و يرهّب فمنعه الشريف و كتب إلي الدولة بما جري فجاء المرسوم بالقبض عليه و تسليمه إلي أمير الحاج أسعد باشا العظم علي أن يسجن في

قلعة دمشق، فحبس. ثم طلبته الدولة. قال: و لم أدر ما يفعل به. و في هذا ما يوضح ما جاء في روضات الجنات.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 313

و بهذا يظهر أن نادر شاه خالف ما جري عليه الصلح. و لذا رفضت الدولة العثمانية أمر الصلح أو سكتت عنه و اتخذت التأهبات الجديدة للحرب.

حوادث سنة 1157 ه- 1744 م

شيخ زبيد (غصيبة):

قالوا: إن غصيبة شيخ زبيد ساعد العجم أثناء حصار بغداد و أضر بالناس كثيرا فاقتضي الانتقام منه و لكن لم يتهيأ ذلك من جراء أنه لم يستقر في مكان من البادية فأرسل الوزير إليه كتابا لطف له فيه المقال و طلب إليه أن يأتي إلي الحلة بجميع فرسانه و شجعانه. ليسير مع العسكر لقتال شمّر فقدم إلي الحلة و إن الوزير سيّر كتخداه سليمان باشا مع سرية. فلما تجمّع القوم فيها قبض عليه و من معه من أكابر العشيرة فصلبوا عند رأس الجسر و أخذت خيول الباقين … و نظم بعض الأمور هناك ثم عاد إلي بغداد …

هذا. و لم نجد أكبر من هذا الغدر. و لا غرابة أن تقوم العشائر تجاه هذه الأعمال القاسية …

قلعة الموصل:

عمرها الوالي حسين باشا الجليلي، ثم عمر نصف السور من الموصل.

حوادث سنة 1158 ه- 1745 م

عشائر بني لام و شيخها:

إن شيخ بني لام عبد القادر كان الوزير أقطعه قصبة السماوة،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 314

فطفق بنو لام يعيثون هناك، فعلم الوزير أن ذلك كان بإغراء من رئيسهم فأرسل إليه يأمره بالقدوم إليه لأجل المحاسبة عن الميري الذي أقطعه أباه، فلما قدم إلي بغداد سجنه في القلعة مع ابنه فكان فيها أجله.

أراد أن يسلط العشائر بعضها علي بعض … ثم خافه فقضي عليه …

نادر شاه و التماس الصلح:

في عام 1157 ه تجاوز نادر شاه علي الحدود العثمانية من ناحية قارص لما علم من تأهبات فجرت له معارك دامية. و أن الدولة العثمانية حاولت القضاء عليه بواسطة قائدها محمد باشا الصدر الاسبق في أوائل سنة 1158 ه فتوغل هذا القائد. قارع الشاه مقارعات عنيفة. و لكن لم يفلح العثمانيون. و لم تقف الدولة العثمانية عند هذا بل لم تلبث طويلا و إنما بذلت ما استطاعت للدفاع ثانية و جهّزت جيوشا أخري من جديد و حينئذ شعر الشاه بالخطر و صار يخشي العاقبة لا سيما و أنه رأي داخليته مختلة، و أن خطرها أعظم. و كان يتوقع في كل لحظة حدوث ما يكره لا سيما و أنه لم يجن من كل هذه الحروب العظيمة فائدة ملموسة أو عائدة مهمة.

و علي هذا كتب كتابا إلي السلطان و كتب ابن ابنه شاه رخ ميرزا (اعتماد دولته) كتابا إلي الصدر الأعظم. و كذا رئيس علمائه ملا علي أكبر كتب إلي شيخ الإسلام. أرسلوا هذه الكتب مع أحد متميزي رجالهم (فتح علي بك التركمان) ليكون سفيرا فذهب من طريق بغداد إلي استنبول. و كتب كتابا إلي احمد باشا ليتوسط في الأمر و يبين رغبة الشاه و ملتمسه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 5، ص: 315

ورد السفير إلي بغداد فأخره الوزير عنده و أرسل صور الكتب مع ترجماتها إلي السلطان. فعاد إليه الجواب بلزوم تأخير السفير مدة في بغداد. أخر السفير خمسة أشهر ثم سيّره إلي استنبول بإشارة من دولته.

و كان ذلك بأمل استكمال القوي ثم المفاوضة في الصلح …

و نصوص هذه الكتب في دوحة الوزراء. و توضح أنه عدل عن المطالبة بالاعتراف بالمذهب الجعفري و بالركن الخامس في البيت الحرام، و لا مانع أن يؤدي الشيعة صلاتهم مع أهل السنة، نظرا إلي أن مذهبهم يعتقد بأحقية الخلفاء الراشدين و يمنع من قبول البدع … و رجا أن تدوم الألفة و ينقطع النزاع و ذلك بترك آذربيجان لإيران، و العراق للدولة العثمانية …

حوادث سنة 1159 ه- 1746 م

قبول مفاوضة الصلح مع نادر شاه:

ورد خبر في قبول المذاكرة في أمر الصلح و جاء إلي بغداد نظيف مصطفي أحد كتاب الديوان الهمايوني حاملا كتابا بنصبه مرخصا و بصحبته سفير الشاه فتح علي بكل التركمان. و أن الوزير بعث معهما ولي أفندي كاتب ديوانه فذهبوا إلي ايران. و لما وصلوا إلي موقع بين قزوين و طهران و جدوا فيلق الشاه فأمر بعقد الصلح. و تم ما يقتضي بسرعة. و عاد نظيف مصطفي مع ولي أفندي إلي بغداد و معهما مرخص الشاه محمد حسين بك.

و في الأثناء ورد من ايران السفير الكبير مصطفي خان شاملو و معه هدايا عظيمة للسلطان و كذا ورد خليفة الخلفاء السفير الثاني محمد مهدي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 316

خان رئيس الديوان فذهب الكل معا في 4 شوال إلي استنبول.

و ابتني هذا الصلح علي أن يتوقي الجانبان مما يمس بكرامتهما أو أحدهما، و أن يحمي الحجاج الايرانيون و يعاملوا كحجاج الروم، و أن يعتني بإيصالهم

إلي مأمنهم سالمين، و أن يعين سفراء من الجانبين لتأمين هذا الصلح و إشاعته. و أن يبدل السفراء في كل ثلاث سنوات مرة و أن يطلق أسري الطرفين، و أن لا يباع أحد منهم و لا يكره علي البقاء من أراد الذهاب إلي وطنه و أن يكون الصلح علي ما كان عليه أيام السلطان مراد الرابع و كذا الحدود و أن يلتزم محافظو الثغور الاصول القديمة فيحترسوا من الحركات المغايرة لشروط المسالمة … كما أن الايرانيين تركوا الأحوال المحدثة أيام الصفويين مما لا يليق من سبّ و تشنيع، و صاروا يطرون الخلفاء الراشدين بخير كسائر المسلمين، و أن لا يطالب أحد باسم وقفة (رسوم الجواز)، و أن يكون تجار الطرفين آمنين لا تؤخذ منهم مكوس زائدة، و لا من الزوار. و من تاريخ هذه المعاهدة لا تجوز حماية من فر من الجانبين، و أن يسلم إلي دولته عند الطلب.

صيد- شمر:

في هذه السنة خرج الوزير كما هي عادته إلي الصيد نحو هور عقرقوف، و كان معه أتباعه و الشيخ بكر الحمام شيخ شمر، فحصل في هذه الأثناء بعض التعدي، فأراد أن يقبض علي شيخهم و يشن الاغارة عليهم فبلغ بكرا هذا الخبر فهرب من بين العسكر، و هذا هو شيخ زوبع من شمّر، و من ذريته خميس الضاري الرئيس المعروف اليوم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 317

حوادث سنة 1160 ه- 1747 م

تصديق المعاهدة- ورود السفراء:

تم تصديق المعاهدة بين الدولتين فأعلنت للأهلين كما أرسل كل من الجانبين سفيرا يحمل معه تصديق المعاهدة. و تأييدا للألفة قدم كل واحد هدايا نفيسة للآخر مع السفراء. و كان سفير العثمانيين الوزير أحمد باشا (الكسريه لي) والي سيواس، و معه رجب باشا والي (خداوندگار) و هو سفير ثان و أرسل الشاه السفير الكبير مصطفي خان شاملو و معه السفير الثاني محمد مهدي خان و هو كاتب ديوان الشاه و مؤلف تاريخ (جهانگشاي نادري) و كتاب (درة نادري)، و هو ابن محمد نصير النوري المازندراني و كتبه هذه مطبوعة.

ورد السفراء العثمانيون بغداد في 19 جمادي الأولي فأكرم الوزير مثواهم و أنزلهم في قلعة الطيور (الكرخ) ثم ذهبوا إلي ايران في 3 جمادي الثانية، و في الأثناء ورد سفراء ايران فالتقوا بهم في 16 من هذا الشهر في سرميل بعد أن وصلوا جبل (پاي طاق) و تجاوزوه بمسافة ثلاث ساعات و نصف، فاتخذ الوزير مراسم التكريم و الاعزاز و في 21 منه نزلوا أمام قلعة بغداد فاستراحوا ثمانية أيام ثم ذهبوا إلي العتبات للزيارة بأمل أن يذهبوا إلي استنبول.

أما السفير العثماني فإنه لم يكتم الوزير أحمد باشا والي بغداد ما جري. أطلعه علي الكتب المرسلة من حكومته …

اغتيال نادر شاه:

إن الشاه لم يستقر في وقت من حين نهضته إلي تاريخ وفاته. فهو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 318

في جدال عنيف و حروب متمادية فالكل في خوف عظيم منه.

و في أواخر أيامه ركن إلي السلم و عقد معاهدة مع العثمانيين.

و كانوا وقفوا سدا عظيما دون آماله و جل ما حصل عليه أن أعاد إلي ايران حدودها القديمة قبل حرب الافغان و أيام السلطان مراد الرابع، و حينئذ

أدرك لزوم تنظيم الداخل و حسن ادارته. و اتخاذ الدواء الناجع.

هذا الشاه فاتح عظيم اكتسب حب الشعب بإقدامه و بسالته و حسن ادارته و سياسته. فكانت أوائل أيامه زمن بطولة و شجاعة و تخليد ذكري فهو منقذ عظيم للأمة الايرانية مما انتابها من آلام و حاق بها من مخاطر و مصائب.

و من ثم اضطر بسبب الفتوح إلي مراعاة السياسة العامة فاشتد كره الأهلين له. بدأ ذلك من تاريخ اعلان سلطنته و تعيين نهجه في صحراء مغان لا سيما أنه لم يكن من الأسرة المالكة. شعر منهم بوحشة و رآهم في صدود عنه مقسورين علي الطاعة فلم يستطع أن يستهويهم لجانبه بل لم يدركوا آماله فكان ذلك من أكبر مولدات النفرة. اتخذ الوسائل الممكنة فلم تنجع بل قوي التشنيع عليه. و لعل هذا ما دعاه إلي الصلح حذر الغوائل فأنجزه بسرعة للقضاء علي البقية الباقية من الصفويين. و أن يؤسس حكومة تبقي له و لأعقابه بعد تأمين أوضاع الجوار.

فالشاه صار في شك من أمنه بل في حذر منها. فجعل غالب جيشه من الاوزبك، و القاجار، و الأفغان. و هؤلاء يوضحون الغرض الذي هو نصب عينيه. فالواهمة استولت عليه و رأي الكل في نضال معه.

يخشي ثورتهم، فاتخذ جيشه من غيرهم و لم يكن ذلك استفادة من خشونة هذه الأقوام و عدم قابلية أهل المدن في تعودهم علي الحروب … و هذا الاحتراس زاد في النفرة أكثر و إن كان اطمأن به و قوي نوعا. فهذا الرجل العظيم راعي جميع الوسائل للاحتراس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 319

و الحيطة فلم يقصّر في تدبير لكن ارادة اللّه غالبة.

و من جهة أخري إن الشاه لم يقف عند حدود ذلك

التدبير، و إنما رأي أشراف ايران و أكابر أغنيائها العضد الوحيد في توليد الاضطراب و الثورة فاختط خطة تدميرهم الواحد بعد الآخر لأدني سبب أو بلا سبب و انتهب أموال الاغنياء بحيث صاروا لا يملكون شروي نقير كما أنه قتّل فيهم و نكّل و أقصي … و هكذا فعل..

ظهرت المعارضات له من كثيرين شرعوا في التمرد عليه. و يئسوا من حالتهم فخافوا بطشه و طال لسانهم و في الخفاء شرارة تذكو و تلتهب، فتعاهدوا علي قتله. فكانوا يترقبون الفرصة و يتطلبون الوقت الموعود.

و شعر بالخطر، فاتخذ التدابير.

أقدم أمراء العجم علي قتله قبل أن يقضي عليهم. نالهم اليأس فاستحقروا الحياة.

و في ليلة 11 جمادي الثانية غدروا به في ساعة نومه و قتلوه ثم حزوا رأسه و أخذوا ما لديه من المجوهرات و النفائس و أرسلوها إلي علي قولي خان.

و في اليوم التالي شاع خبر وفاته فانفصل جيش الافغان و الاوزبك عن عسكر العجم. حدث قتال بينهما فانسحب الاوزبك و الأفغان و انتهبوا ما تمكنوا عليه من دواب و مواش و سلكوا طريق المشهد، و إن عساكر العجم استولوا علي خزانته و قوضوا الخيام و توجهوا نحو علي قولي خان.

و في هذا اليوم قتل العسكر (نظر علي خان) من كبار رجال الشاه و انتبهوا أموال كل من (معير خان) و (ملا باشي) اللذين لاذا بالفرار بأنفسهما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 320

ثم إن مهر دار الشاه أركب حرمه الخيل و وضع جسد نادر شاه علي بعير و توجه إلي المشهد و في الطريق ظهرت عليهم طائفة من الأكراد فهجموا عليهم. و في أثناء المحاربة ألقي جسده في الوادي و وضع عليه التراب و أخفي …

ثم حدثت

فتن في كل انحاء ايران و اشتعلت نيرانها فلا تسمع غير الغارة و النهب و أنواع المفاسد. و صار كل يدعي السلطنة و يحاول اغتنام الفرصة.

و من ثم طويت صفحة حياة هذا الشاه العظيم الذي أحدث دويا فذاعت أخباره في الشرق و الغرب. و تناول بحثه المؤرخون في العالم للاستفادة من معين هذه العظمة و هذا النبوغ. و كل ما يقال فيه إنه اخترمته المنية قبل تنظيم الداخل و تمكين ادارته فحرمت ايران من هذه النتائج و كانت في أشد الحاجة إليها.

سفير الدولة العثمانية:

أما السفير أحمد باشا الكسريه لي فإنه وصل إلي همذان فحدثت الحادثة و من ثم تواترت الأخبار الموحشة فخرج الأهلون في همذان عن الطاعة و تحاربوا مع الاوزبك و الأفغان فصارت قضية السفارة مستحيلة …

رأي السفير أن لا مجال للبقاء و أنه في خطر عظيم كما أن العودة لا تتيسر. و بعد المشاورة مع من معه عزموا علي الذهاب إلي بغداد من طريق سنة (سنندج) فعادوا و معهم الهدايا محروسة بالجيش فتجشموا الاخطار فوصلوا إلي (سنة) سالمين و كانت إذ ذاك من أملاك الدولة.

و في اواسط شعبان وصل السفير إلي بغداد.

و في حديقة الزوراء، كانت معه هدايا عظيمة من جملتها نحو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 321

المائة حصان برخوتها و حليّها.

سفير ايران:

ثم إن سفير ايران مصطفي خان بعد أن عاد من زيارة العتبات توالت الأخبار عما وقع في ايران فعرض الوزير أحمد باشا الأمر لدولته بما وصلت إليه الحالة فأمرت بتأخير هدايا الطرفين في بغداد إلي أن يتبين الشاه. و بقي مصطفي خان ينتظر ما سيتم.

و كان من جملة هدايا نادر شاه إلي السلطان فيلان يجيدان المصارعة و اللعب العجيب، و خيمة من الديباج محبّرة بالذهب. بعض اعمدتها فضة، و بعضها ذهب و أوتادها فضة و أطنابها من الابريسم المطعم بالذهب و طرازها محبوك باللؤلؤ الجيّد. و من بين الهدايا المرسلة عرش الشاه. كان جلس عليه يوم مذاكرات الصلح فأمر أن يقدم إلي السلطان. أبدي ذلك معير خان للسفير العثماني.

تزوج عائشة خانم:

رأي الوزير أن أحمد آغا مستكمل المزايا و قام بخدمات مهمة و لذا زوجه ببنته عائشة خاتون المستجمعة لصفات الكمال و الأدب فهي درة زاهرة، و جوهرة باهرة. كذا نعتها صاحب الحديقة. و مثله أو قريب منه في دوحة الوزراء.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 322

و في تاريخ نشاطي في 2 ربيع الأول جري العقد، و في 12 منه وقع الزفاف و أرخ بقصيدة تركية كما أن عبد الرحمن السويدي قال قصيدة فيها تاريخ الزواج.

و جاء في كتاب عنوان الشرف أن عبد اللّه باشا والي بغداد تزوجها بعد وفاة زوجها المذكور.

أكراد العمادية:

ثم علم الوزير أن أكراد العمادية و عشائرها صاروا يقطعون الطرق و يعيثون بالأمن. فأرسل الكتخدا سليمان باشا لتأديبهم.

سليم باشا بابان:

قالوا: إن متصرف بابان سليم باشا تابع الايرانيين مدة. و بعد وفاة نادر شاه راسل العجم و طلب منهم قوة لضبط بغداد. و أسس معهم مناسبات فعزم علي تأديبه بنفسه قطعا لغائلة الشقاق. فرتب جنوده و سار إليه. و كذا أرسل أمرا إلي الكتخدا سليمان باشا أن يتحرك إلي الوجهة التي قصدها و أن يجتمعوا هناك.

سار الوزير و في اليوم الخامس من حركته ورد إليه والي كركوك مرتضي باشا ثم وصل إلي (حسن دبه). و منها إلي (تابين)، حتي ورد (قمچوقة)، و لما كان سليم باشا لا قدرة له علي المقاومة فرّ مع أخيه (شيربك) إلي رؤوس الجبال أقام سليم باشا في حصن سروچك (سروجق) و شيربك التجأ إلي حصن قمچوقة. فأول عمل قام به الوزير أنه هاجم حصن قمچوقة فأحاط به من كل صوب فقتل من قتل و أسر من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 323

أسر و لم ينج شير بك إلا بشق الأنفس. و في اليوم التالي شوهد أن لم يبق أثر لهم، فاستولي الوالي علي الحصن.

و عن هذا الانتصار كتب عبد اللّه الشاوي من الأعيان و كان مصاحبا للوزير يخبر أهل بغداد بهذا النصر.

و للشيخ عبد الرحمن السويدي قصيدة في هذه الوقعة تاريخها سنة 1160 ه.

ثم إن الجيش توجه نحو سروچك علي سليم باشا فوصل إلي كيچينه، و بعدها سوسة، و بعدها (دپه رش)، ثم (سرچنار)، و هناك حدث ريح زعزع. و منها وافوا (دپه كل)، ثم (بستانسور) و منها مضوا إلي (سروچك) و حينئذ حاصروا سليم باشا و لكن هذا الموقع

كان ردي ء الهواء و الماء. مرض فيه أكثر أفراد الجيش. و مات منهم مقدار كبير.

و إن المرض سري إلي الوزير فانحرف مزاجه.

و في هذه الأثناء لم ير سليم باشا بدا من الطاعة و الانقياد فأرسل ابنه إلي الوزير و تعهد بالخدمة الكاملة و نظرا لمرضه قبل منه ذلك و عفا عنه … فاضطر إلي العودة.

و جاء في تاريخ نشاطي أن الوزير مضي إلي (سروچك)، فاتخذ المتاريس و حاصرها من جميع أطرافها. أمهل أهليها يومين بالتسليم فورد الجواب مع والدة سليم باشا، فتقدم الفيلق، و بقي الخازن و بعض الأتباع في (بستانسور)، و أمر الوالي أن يمضوا بالحرم و معها أحمد آغا صهر الوزير، فجاؤوا إلي سراي خالد باشا في محل يدعي (سيد صادق)، و ذهب الجيش لجهة القلعة. و كان هذا المحل ردي ء الهواء أكثر من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 324

شهرزور و لا يقيم فيه الأكراد إلا صيفا أو خريفا، و إن أمراء بابان يتصيدون فيه. فالسراي عمل لهذا الغرض.

و لما وصل الوالي طلبوا منه الأمان، و أرسلوا أمهم إلي الوزير لهذا الغرض. و اعتقد الوزير أن هؤلاء لا يفيد معهم الأمان، فاتخذ التدابير الحربية، و أحاط بالقلعة في جيشه ببنادقهم و مدافعهم، و كان كتخدا البوابين حسين آغا توسط بأمر العفو، فقبل طلب والدة سليم باشا. فعفا الوزير، و رفع الحصار عن (سروچك). و في اليوم التالي سار الوالي إلي محل سيد صادق و منه إلي (بستانسور)، فأقام الجيش يوما واحدا ثم عاد الوزير إلي بغداد، فوصل إلي (گوز قلعة). و في هذا المحل أذن لمرتضي باشا أن يذهب إلي كركوك محل وظيفته، و نصب سليمان باشا آل خالد باشا علي بابان،

و عثمان باشا علي كوي، و قوج باشا علي إربل، و منح محمد بك (قراطاغ)، و عبد اللّه بك (درنه) …

و في الجيش ظهرت علامات المرض. و في 3 شوال وافي محل (زادشت)، ثم (عباسان) فأصيب الوالي بالمرض. و قطعوا مراحل. و في 11 شوال وصل إلي (زنگباد)، و في 12 منه جاؤوا (قره تبه)، و منها إلي (نارين).

وفاة الوزير:

و في طريقه توفي الوزير في (دلي عباس) المسماة الآن (ناحية المنصورية) قرب القنطرة يوم الخميس 14 شوال سنة 1160 ه. قالوا:

فعم الأهلين حزن عظيم و أذرفوا عليه الدمع الغزير … فدفن في مقبرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 325

الإمام الأعظم قرب مرقد والده يوم الجمعة 15 شوال.

إن وزارته و حكومته بلغتا نحو الثلاثين عاما. و في تاريخ نشاطي أنه بلغ 64 عاما.

و ذكر قصيدة تركية بوفاته من نظم نشاطي و هو كاتب الديوان السيد عبداللّه الفخري.

و يحكي عن نادر شاه أنه قال فيه: انسان كامل من أصحاب العقل و الدراية، كان يحذر حكومته مني كما أنه يخوفني بها. و بهذه الطريقة مضّي أوقات راحة. و لا شك أنه سيبقي ذكره خالدا ما بقي تاريخ نادر شاه …

استفاد من الوضع كثيرا فعاد إلي بغداد و لم يعوّل علي قوة المماليك وحدها بل إن خذلان من جاء بعده كان من أسباب عودته تغلبوا فلم يقدر الولاة علي ردعهم فكان هو الدواء الشافي. يطيعونه و لا يعصون له أمرا.

و كان قاسيا علي العشائر العربية و الكردية و بهذه تمكن من إدارة حكومته. أطاعهم بالقسر و الارهاق استخدم الكرد علي العرب و العرب علي الكرد فجعل الإدارة خالصة له.

و للسيد عبد اللّه أمين الفتوي ببغداد قصائد عديدة في

ذكر وقائعه.

و كان للسيد عبد اللّه الفخري و للسويديين قصائد كثيرة فيه، و منها ما جاء في مجموعة الفخري، و منها في المجموعات الأخري و في الحديقة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 326

ولشناسي الشاعر التركي قصيدة في مدحه مذكورة في ديوانه. و منه نسخة خطية برقم 1786 في خزانة الآثار القديمة ببغداد. و رثاه الشيخ عبد الرحمن السويدي في قصيدة.

بقي في بغداد مدة اكتسب خلالها خبرة من والده حسن باشا و من تجاربه و نال ثروة، و اشتري مماليك كثيرين. استخدم من أظهر منهم كفاءة لوظائف الحكومة، و للملحقات. فهو المؤسس لحكومة المماليك. و بعد وفاته أرسلت الدولة ولاة لم يستطيعوا البقاء في الإدارة و التمكن منها مع وجود اعوانه في حين أن الولاية كانت توجه إلي من أظهر قدرة و لياقة في مناصبه، ففشلوا و من ثم تولي هؤلاء المماليك و نالوا نفوذا عظيما و لم يبق للدولة العثمانية إلا الاسم و بعض الطاعة و دامت ادارتهم مدة طويلة.

حوادث سنة 1161 ه- 1748 م

الصدر الأسبق الحاج أحمد باشا

إيالة بغداد و البصرة:

إثر وفاة أحمد باشا بقيت بغداد و البصرة شاغرتين و لما علمت الدولة بالأمر فكرت في كتخدائية سليمان باشا و محمد باشا و قاما مع الوزير بأعمال كبيرة فأبديا قدرة لا مزيد عليها. و كذا في (بغداد و البصرة) و إنهما تقعان قرب حدود ايران، و هما مجمع العشائر و تحتاجان إلي تدبير و إدارة. فالضرورة تدعو أن تودع أمورهما إلي من حنكته التجارب. و بهذا الاعتقاد عدلت عن الكتخدائين و وقع الاختيار علي أحد وزراء الدولة الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق والي ديار بكر فوجهت إليه إيالة بغداد. و قصدها الحقيقي أن تكون الإدارة بيدها رأسا.

و أما البصرة فأودعت إلي أحمد باشا (الكسريه

لي). و بقي ببغداد بالوجه المشروح.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 327

إن والي بغداد سار من ديار بكر و توجه إليها فدخلها باحتشام و تمكن في الحكومة و زاول الأعمال …

و رجحته الدولة لأنها لا تريد أن تعين أحدا من الأهلين فيكون وبالا عليها لما جربت من حوادث.

حوادث ايران و سفراؤها:

نال (علي شاه) السلطنة بعد نادر شاه سنة 1160 ه فطلب اعتراف الدولة العثمانية. فأرسل محمد عبد الكريم خان أمير كرمانشاه بكتاب إلي السلطان يلتمس فيه أن يرعاه بعين عنايته و أنه مخلص لسرير الخلافة. كما كتب اعتماد دولته أخوه إبراهيم ميرزا إلي الصدر الأعظم كتابا في نفس الموضوع و كذا كتب الملا باشي إلي المشيخة الإسلامية و مضي هذا السفير و معه الكتب من طريق بغداد.

و لما وردها كان الوالي الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق فأكرم مثواه و أحسن ضيافته سوي أنه أخره و أخبر دولته كما أرسل ترجمة كتبه.

و لملاحظة المصلحة من جانب الدولة لزم تأخيره لمدة ثم صدر أمر آخر بلزوم تسييره إلي استنبول فأرسل بصحبته مرافق …

و في كتاب الشاه يبدي أنه تمكن من السلطة. و أنه يؤيد الصداقة راغبا في استمرار الألفة و المصافاة.

شغب علي الوالي:

قالوا: كان الوزير من رجال الدولة العاملين، و هو صاحب قدرة علي إدارة الأمور و يعد من أفذاذ العصر إلا أن القطر العراقي لا يستقر علي و تيرة و لا يقف عند رأي. كما أن الخشونة بادية علي الأهلين. و أن الينگچرية أصحاب فظاظة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 328

لذا يحتاج في إدارته إلي تدبير زائد و حكمة بالغة. فالصعوبة كل الصعوبة في ضبطه و سوقه إلي النظام.

كان الواجب يقضي بوجود وزير فعال، مدبر، وافر الحكمة و حسن الإدارة مع الشدة و الشجاعة … و هكذا كان الوزير و لكنه تعوزه المعرفة بطبائع الأهلين. حاول أن يذعن الأهلون له فبذل أقصي جهده. فكان ذلك داعية صعوبات وفيرة فأضجر الأهلين و صاروا يتذمرون منه. و لم تمض مدة يسيرة إلا و تزايدت النفرة منه و كثر

القيل و القال عليه و بدت المعارضات من كل صوب.

أما الينگچرية فلا يطاق حالهم. و لا يستطاع الصبر علي أعمالهم.

و أول ما قاموا به أنهم كانت لهم مواجب في زمن أحمد باشا لمدة سنة و نصف جعلوها وسيلة المطالبة و سبب المكاشفة …

بين لهم الوالي أنه ليس لديه من أموال الميري و لا من الأموال الخاصة ما يؤديه فاستمهل شهرين إلي أن يكتب إلي استنبول و يأتيه الجواب. فلم يوافقوا و أصروا. و من ثم اشتعلت نيران الفتنة. و اشتبك الفريقان. و ثارت البنادق و المدافع من الطرفين فحاصروا الوزير في دار الإمارة و امتد القتال من الصباح إلي المساء …

و علي هذا تدخل المصلحون و تعهد الوالي أن يكتب و يأتي بالمواجب في خلال شهرين و تم الصلح فسكنت الفتنة.

و يقال إن أصل الفتنة أن الوزير لما وصل إلي بغداد انتسب إليه بعض الأهلين فامتثل أقوالهم بأن يجروه علي سنن من قبله و قالوا له إن أردت أن تحكم في الرعية فاكسر أولا شوكة الينگچرية فبدأ بهم و ظهر علي لسانه أنهم لا يصلحون لخدمة الدولة و بالغ في أمرهم. فلما شاهدوا افعاله و سمعوا مقاله تحرك في أصاغرهم عرق الحمية و حصل لأكابرهم من ذلك حيرة. قالوا نحن أولو قوة و بأس و من هذا حتي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 329

يتربص لنا بضرر؟ … و كأنه يريد أن يتخلق بأخلاق المرحوم أحمد باشا!، إن لم ينزجر قطّعنا أوداجه …! فمن يكون هذا حتي يروم هذا المرام؟ فأرسل إليهم الذبائح كما هي العادة بينهم عند ارادة الصلح فأبوا و قالوا لا بد لنا من اخراجه فعاد الحرب بينهم سجالا ثم كسرهم و

فرقهم فصالحوا عن ذلة و سالموا …!

و الظاهر أنه لم يعمل بسوي المرسوم فلم ينجح. و هنا لم يعين حزب الوالي. ثم إنهم عادوا فتعاهدوا و أقسموا أنهم لا ينفكون عن قتاله إلي أن يخرج …

و لذا جمع الوالي في تلك الليلة أعوانه و جعلهم في دار الحكومة و ملأ جامع السراي أيضا بالعسكر ليأمن الغائلة فظن أن ذلك عين الصواب.

ثم إن الينگچرية لم يتعرضوا فلما أصبح الصباح تأهب للطواري ء فأشار عليه البعض أن يأخذ (القلعة الداخلية) بأمل أن يتسلط عليهم.

أرسل مائة رجل بزيهم ليدخلوا القلعة و ليقوموا بالعمل فكانت النتيجة أن عرف الغرض و غلقت أبواب القلعة و عرفت المكيدة فأطلقت في وجوههم النيران. و من ثم ابتدأت الفتنة من جديد و عادت الحرب جذعة …

و حينئذ تجمع الينگچرية و أوقعوا برجال الوزير و أحرجوهم علي الحصار في دار الحكومة و دام القتال ثلاثة أيام. تسلطت خلالها مدافع الينگچرية من القلعة و من الأسواق علي دار الحكومة فدمرتها.

و حينئذ أرسل الوزير إليهم يطلب الصلح بالشروط التي يوافقون عليها فلم يقبلوا إلا أن يخرج فأعاد الرسول إليهم راضيا بالخروج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 330

فوافقوا علي أن لا يخرج من ناحيتهم بل ألزموه أن يركب زورقا و يعبر إلي بستان الباشا و تعهدوا أن يمر رجاله و خيله من الجسر … عبر هو و أهله بزورق حتي وصل إلي البستان و كان فيها السفير أحمد باشا (الكسريه لي) فآواه و حرمه فاجتمعت عساكره لديه فعبر بهم من الشريعة البيضاء إلي الجانب الشرقي.

و تأني بعض الأيام يرجو أن يصالحوه فأبوا و أقاموا مكانه رجب باشا السفير الثاني و كتبوا ما جري إلي الحكومة … لتري

رأيها في الأمر.

ساعد الوزير في الوقعة الأولي كل من محمد باشا و سليمان باشا و لكنهما في الثانية حوصرا في داريهما و لم يدعهما المشاغبون أن يخرجا حتي رحل الوزير عن بغداد.

كان يرمي بعدم المعرفة بالمحيط. و الحال أنه حاول تنفيذ سياسة الدولة فلم ينجح، و أسندوا إليه أنه تابع المغرضين و لعل المحرك له نفس المماليك. حاولوا أن يوقع بالينگچرية ليصفو لهم الجو. و مهما كان الأمر فالحكومة لا تزال بيد المماليك فأوجدوا الشغب علي الينگچرية للوقيعة بهم أو بالوالي. و الدولة اختارت أكابر الرجال لكن التغلب كان مكينا.

الوزير أحمد باشا الكسريه لي:

قام هذا الوزير أيام الفتنة بالوسائل المهمة لتسكينها و أبدي السداد و الاستقامة، فأرضي دولته. فأرادت أن تقطع دابر هذا الاضطراب باستخلاص العراق و إنقاذه من أيدي المتنفذين. و لذا وجهت إليه إيالة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 331

بغداد. توقف فيها من أجل إرسال الهدايا إلي ايران. ثم عين واليا للبصرة فلم يذهب إليها لأمر اقتضي فوجهت إليه الإيالة في هذه المرة.

ايالة الموصل و البصرة:

وجهت ولاية الموصل إلي الحاج محمد باشا الصدر السابق.

و منصب البصرة إلي الوزير حسين باشا الجليلي الذي كان في الموصل.

أعمال والي بغداد و وقائعه

في هذه السنة أرسل إلي بغداد من خزانة الدولة مائة و خمسون ألف قرش نقودا و أحيلت خمسون ألف قرش من متروكات أحمد باشا الوالي المتوفي لتكميل المواجب (الرواتب) للطوائف العسكرية في بغداد عن سنتي 1159 ه و 1160 ه فأعطوا ما يستحقونه سيّر ذلك صحبة كتخدا البوابين نعمان بك و لما وصل الفرمان جلس الحاج أحمد باشا الكسريه لي في منصبه و قام بما يقتضي من مصالح الدولة. و كان مدركا للأوضاع.

ولاية البصرة توجه إلي سليمان باشا:

في أيام وزارته هذه كتب محمود ابن الشيخ عثمان الرحبي مفتي الحلة رسالة سماها (بهجة الإخوان في ذكر الوزير سليمان) لخص بها الحكومات السابقة و منها تطرق إلي ذكره. كتب عن هذه الأيام فحسب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 332

إن سليمان باشا هو صهر أحمد باشا و كتخداه تخرج علي يده في الإدارة و الجندية فنال رتبة (مير ميران). و كانت بعهدته آنئذ ولاية أطنة.

و في أيام أحمد باشا قام بخدمات جليلة في بغداد و البصرة فضبط الأمور و أمّن الثغور و الحدود و سائر المصالح … فمآثره جليلة و جميلة في دفع الغوائل، و رفع الشرور … فكان رجلا قديرا و ظهرت أعماله للدولة العلية عيانا.

يضاف إلي ذلك أن الوزير أحمد باشا كان قام بمصالح عسكرية و مقتضيات أخري فاستدان مبالغ عظيمة لا تزال بذمته و هي (1800) كيس كما أنه صرف علي السفراء للمدة التي بقوا فيها ببغداد مبلغ 48134 قرشا من الديون الأميرية بموجب الفرمان … فتعهد سليمان باشا بدفع هذه المبالغ كلها و تسديدها من كيسه الخاص علي أن يمنح الوزارة و كذا أرباب الديون التمسوا ذلك أيضا تأمينا لحقوقهم. رأت الحكومة أن لا مخرج من مأزق

تأدية هذه الديون بغير هذه الطريقة و هي لا ترغب في إخراج فلس مما يدخل إليها. و لا حظت أيضا أن الاضطراب متوقع في أطراف البصرة بسبب مجاورتها لإيران لا سيما أن أكثر العشائر هناك سلك طريق الغي فلم يقدر أحد عليها سوي سليمان باشا. رأوه أهلا للقيام بأعمال كهذه … هذا ما لاحظته الدولة و تيقنت صحته.

و علي هذا منح ايالة البصرة برتبة وزارة علي أن يقدم الوصولات من أرباب الديون و يؤديها بتمامها فأرسل إليه فرمان الوزارة و الولاية و انفصل سلفه حسين باشا الجليلي و وجهت إليه ايالة أدنة (أطنة).

عشيرة طي ء:

في هذه السنة أرسل والي الموصل محمد باشا الترياكي عسكرا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 333

لمحاربة هذه العشيرة فهربت، ثم رجعت علي الجيش، و غنمت منهم (346) فرسا و أمتعة أخري.

حوادث ايران مع علاقات عثمانية:

لما جلس علي شاه علي سرير الحكم في ايران و صار أخوه إبراهيم ميرزا خان اعتماد دولته كان الواحد يساعد الآخر إلا أن أرباب الزيغ أفسدوا ما بينهما فحدث الخلاف حتي انجر إلي الحرب.

هاجم علي شاه أخاه إبراهيم ميرزا بجيش قوي و لما لم يستطع مقاومته فر من وجهه فجمّع جيوشا من الأفغان و الأزبك و غيرهما و أعلن سلطنته في أنحاء آذربيجان كما أنه تمكن من جلب الأمير أرسلان لجانبه و كان ممن ادعي الحكومة لنفسه فمشي علي الشاه بجمع عظيم فاشتعلت نيران الحرب بينهما في صحراء بين سلطانية و زنجان …

و في هذه الحرب لم يظهر الغالب من المغلوب. و بينما هم كذلك إذ مال جيش الشاه إلي الميرزا و تابعه … فبقي الشاه وحيدا مع بعض رجاله و حاشيته فاضطر إلي الهزيمة من وجه أخيه إبراهيم ميرزا فاستولي علي خيامه و معداته و أرسل سرية لتعقيب الشاه و اقتفاء أثره فقبض عليه و جي ء به إلي إبراهيم ميرزا فاكتفي بسمل عينيه.

و علي هذا جلس علي سرير السلطنة و قام بمهام الملك. و لكن الأمير أرسلان كانت له نوايا يضمرها فلم يتفق مع الشاه الجديد و ابتدأت النفرة بينهما. و لذا انحاز الأمير أرسلان إلي جهة آذربيجان. و كذا الميرزا توجه إلي تبريز.

و بهذه الصورة اشتد الخصام في انحاء تبريز و أعد كل منهما عدته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 334

للحرب منتظرا ما تأتي به الأقدار. و من ثم التحق

جيش الأمير أرسلان بجيش الميرزا و قبض علي كل من أمير ارسلان و أخويه صاري خان و حسن ميرزا و أعوانهم و المتعلقين بهم فأمر بقتلهم جميعا.

تيقن الميرزا أن لم يبق له مزاحم و صار شاها بالاستقلال. فقام بما يقتضي من لوازم الملك و كاتب الأطراف لجلب الايرانيين له و أخذ يخطب ودهم …

و في هذه الأثناء نهض شاه رخ ميرزا حفيد نادر شاه المتولد من بنت الشاه حسين الصفوي (ولي عهد نادر شاه) و جمع له جمعا عظيما مؤلفا من أكراد قوچان و خراسان و المواطن الأخري فتألف لديه نحو ستين ألفا من طوائف مختلفة. جاء بهم إلي المشهد و تقلد سيف السلطنة.

كان استولي علي خزائن ايران مما كان بيد نادر شاه و ملك سائر المعدات و الأدوات الكثيرة فتمكن من تجهيز الجيش. فأظهر سلطنته و صار يقارع إبراهيم ميرزا.

و الحاصل أن ايران انتابتها الغوائل من كل صوب. و حاقت بها الفتن فكأنها لهيب نار.

و قبل أن ينجلي الموقف ورد كتاب مؤرخ في شوال سنة 1161 ه إلي مصطفي خان و كان أرسله نادر شاه إلي الدولة العثمانية فتوقف في بغداد و مؤداه أنه تفوق و تغلب علي أخيه علي شاه فأعلن سلطنته و استقل في حكومة ايران و أنه ينهي إلي الدولة العلية اخلاصه و أنه علي الصلح و المسالمة و يتوقع مكارم السلطان و التفاته الهمايوني. و ذكر أنه و كل مصطفي خان لملاقاة الدولة العلية نيابة عنه.

أما الوزير و الخان فإنهما كتبا ما جري من الحوادث بتفصيلها إلي الدولة العثمانية. و أرسل الخان الكتاب الوارد إليه بعينه و قدمه إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 335

استنبول و استأذن في القبول

و المواجهة فأطلع رجال الدولة علي الحالة و أبانوا أن المصالحة القديمة لا تزال مرعية و أن إجابة سؤال الخان ينافي شروطها. مما لا يسع الدولة قبوله. فلم ترخص الخان في المقابلة و أنهي إلي الوزير أن يبقي الخان في بغداد إلي انتهاء أمر الاختلال في ايران إلا أنها أمرت بتلطيف مصطفي خان و العناية به و أرسلت إليه ألفي ليرة كما أرسلت إلي رفيقه السفير الآخر محمد مهدي خان ألف ليرة من الذهب الخالص هدية لهما من الخزانة الهمايونية مع ساعة مجوهرة لكل واحد منهما.

أما الوزير فإنه مضي بمقتضي الأمر حرفيا و أوصل إليهما الهدايا بعينها …

الصدر الأسبق الحاج محمد باشا:

حدث خلاف بين الجيش الأهلي و بين الطوائف العسكرية الأخري في أمر محافظة بغداد و اشتعلت الفتن لحد أنه لم يعد يسمع قول من أحد و زاد الشغب … و السبب معروف.

عرض الوالي الأحوال علي دولته. و كانت تفكر في اختيار من يصلح لإدارة بغداد و إنقاذها مما حاق بها فوقع الاختيار علي والي الموصل آنئذ الصدر الأسبق الحاج محمد باشا لما رأته فيه من مزايا.

كان من الينگچرية و له وقوف علي أحوال الأفراد و له مهارة في ملاطفة الموظفين و معاملتهم بالحسني لتمشية الأمور بالوجه المطلوب …

منح منصب وزارة بغداد بتاريخ 11 ذي الحجة سنة 1161 ه كما أن ايالة الموصل عهدت إلي يحيي باشا والي (روم ايلي) فكتب إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 336

والي بغداد الحاج أحمد باشا الكسريه لي أن يسلم ادارة بغداد و يتوجه إلي الاناضول ليأتيه الفرمان بوظيفته الجديدة.

و عليه امتثل الحاج محمد باشا الصدر الأسبق و توجه إلي بغداد ليتسلم أعباء حكومته فوصل في أوائل سنة 1162 ه و

زاول مهام الأمور.

وفاة الحاج أحمد باشا الكسريه لي:

إن الدولة عهدت إليه بإيالة مرعش ورد الفرمان إليه و هو لا يزال في بغداد و حينئذ سلم جميع الودائع و الأوراق و الهدايا التي كانت أرسلت إلي نادر شاه بمحضر من العلماء و الأعيان و الأكابر و وضعت في المحل المعد لها و سجلت في دفاتر خاصة بمرأي من الدفتري علي وجه المفردات و حفظت …

و لم تمض مدة حتي مرض الوزير فوافاه الأجل المحتوم.

حياة هذا الوزير:

ورد خبر وفاته إلي استنبول في 13 جمادي الأولي لمرض اعتراه.

و كان سفير الدولة إلي نادر شاه. ولد في (روم ايلي) في مدينة كسريه ثم ولي مناصب عديدة منها أمانة العاصمة و غيرها، فشوهد منه كل إقدام و إخلاص.

و في سنة 1157 ه صار دفتريا للفيلق في أنحاء قارص. و هكذا حتي عهد إليه بمنصب الوزارة في سيواس. و في أول المحرم من سنة 1160 ه صار سفيرا إلي ايران فورد بغداد و منها ذهب إلي الشاه فجري ما جري. دفن في مقبرة الإمام الأعظم …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 337

و للمترجم أعمال خيرية.

مشادة بين الوزيرين:

إن الوزير محمد باشا ورد بغداد فرأي أن والي البصرة سليمان باشا لم يذهب. و السبب معلوم فاجتمع به و علم نواياه و ما يدعو إليه فصار كل منهما يسعي أن ينال المنصبين معا. أشيع ذلك علي لسان أعوان سليمان باشا، في كتاباته علي الوزير محمد باشا …

حصلت المشادة و أكثر الدعايات كانت من طريق أعوان سليمان باشا و في الحقيقة إن سليمان باشا كان يهيي ء لنفسه الفكرة و يدعو و يشاغب علي وزير بغداد فيجتمع بالأعيان و رجال الإدارة و يغريهم عليه.

و كلهم آنئذ من الدعاة له …

سفر الوزير سليمان باشا إلي البصرة:

و مهما كان الأمر توجه سليمان باشا إلي البصرة و ترك بغداد بأمل العودة … و لما وصل كتب إلي دولته كتابا أنه وصل إليها في غرة ربيع الأول بيّن فيه أنه ساهر علي مصلحة الدولة، و مراع رغباتها. و فيه ترشيح ضمنا لنفسه لوزارة بغداد. قال:

إن عشائر المنتفق اغتنمت فرصة وفاة الوالي أحمد باشا فخرجت عن الطاعة و عاثت بالأمن. و اختارت الشيخ بندرا أميرا لها، و اتفقت مع عشائر بني لام، و عشائر الحويزة و المعادي (المعدان) ممن يسكن الأهوار، فتجمعت في القرنة و أعلنت العصيان فاضطرب حبل الأمن و قام الوزير من بغداد فنازع هؤلاء قاصدا (البصرة) و لما ورد الحسكة جاءه محضر من العلماء و الصلحاء و سائر الأهلين يشعر أن الشيخ بندرا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 338

أضر بالأنحاء المذكورة و أنهم حينما سمعوا بتوجه الوزير إليهم بادروا في البيان و أبدوا أنهم حاضرون للمعاونة و القيام معه … فبقي فيها بضعة أيام نظم خلالها الأمور و قضي بعض اللوازم ثم تحرك متوجها نحو جمع العصاة لمقابلتهم و لكنهم لم

يستطيعوا البقاء و لا المقاومة فتشتتوا. فروا إلي الصحاري و البوادي النائية و تمزق عقد جمعهم … و الباقون هربوا في الأهوار و التجأوا إلي الشيخ منها العثمان. و هذا اتفق مع المعادي (المعدان). و لما وصل العرجة نظم الجيش ثم عبر (الفرات). و حينئذ هاجم (هور بني مالك) و فيه الشيخ مهنا مع العشائر. و كانوا تحصنوا في آجام القصب من أنحاء الهور. دامت الحرب نحو أربع ساعات. و من ثم ضبط مكمنهم فانكسروا و فروا لا يلوون علي شي ء و قتل منهم ما يتجاوز الألف بينهم برهام و ابنه كلب علي و أربعة آخرون من الرؤساء و نهب ما عندهم من مواش فقضي علي العصيان في أنحاء البصرة كما أخمد غائلة بني كعب و رئيسهم مسطور الكعبي، كان هاجمهم الجيش و قتل منهم نحو 25 من مشاهير رجالهم و أحرقت سفنهم … و لم يكن آنئذ في طاعة الحكومة سوي عشيرة الدواسر و هم في ثغر البحر … و من ثم اطمأن الناس و زال الخوف. و صار الذهاب و الإياب من البصرة و إليها برا و بحرا أمينا.

و لما وصل الخبر إلي الدولة شكرت سعيه و أكدت عليه لزوم إتمام العمل بإنهاء الاضطرابات و حراسة الوضع بالقضاء علي أهل الزيغ …

اتخذ هذا الوزير كافة الوسائل لينال رضا الدولة تمهيدا لمطلوبه.

هذا و لا ندري محل هذه الوقائع من الصحة بل الشبهة كل الشبهة في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 339

صحتها … و إنما أراد أن يظهر بمظهر العظمة و القدرة.

وقائع جديدة:

قالوا: إن الوزير سليمان باشا بذل كل مجهوداته لتنظيم البصرة، و مراعاة وسائل راحتها و جذبها إليه … فأبدي:

أن البصرة اصابها القحط

و لا يتيسر له البقاء فيها بحاشيته و لو نداته فاضطر أن يخرج منها. فأول هذا بالقيام علي وزير بغداد فأشاع والي البصرة أنه رأي لزوم تأديب بعض العشائر و التنكيل بهم لتمردهم فأعلم الوزير محمد باشا بذلك فلم يرق له ذلك لعلمه أنه ينوي ترتيب الجيش و تمرينه و استهواء العشائر لجانبه. صار يخشي مما وراء ذلك. يقصد غير ما أظهر.

لذا حمل الوزير محمد باشا القضية علي غير شكلها الظاهري فقدم إلي دولته شكواه منه، و أبدي الخطر الذي سيحيق فيما إذا تغافلت عنه.

و لكن سليمان باشا أظهر اخلاصه، و أنه العبد المطيع و أن معارضة محمد باشا كانت لأمل منه. أما الدولة فإنها رأت ميلا لاحتمال أن ما عرضه محمد باشا صحيح منه.

و في هذه الأيام اختلت أمور ايران، و زادت الاضطرابات فيها.

فكانت الدولة تحذر من وقوع حوادث فاحتاطت و أعطت الاحتمالات حقها من الاهتمام …

كانت تخشي من حركة سليمان باشا و تخاف أن يحدث لها مشكلة بل عدت ذلك منه عين المشكلة. و حينئذ راعت الحكمة في خطتها، و قررت لزوم نصحه و إقناعه بالحسني فإذا لم تجد النصائح نفعا فلا تري بدا من دفع غائلته بالقوة، و أوعز إلي محمد باشا بذلك و أكد له في الأمر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 340

و لم تكتف الدولة بهذه التدابير. و إنما احتاطت أكثر و التزمت سبيل الحزم فأرسلت والي سيواس الوزير محمد باشا الزازه لجهة بغداد و نصبته قائدا عاما و عينت ولاة حلب و الرقة و ديار بكر و الموصل و أمراء الأكراد و العشائر و أمير ماردين و نبه الوزير ابراهيم باشا والي مرعش بصورة خاصة بحاشيته و زعماء

الإيالة و أرباب التيمار أن يذهبوا علي العجلة إلي بغداد لمحافظتها.

و لما علم الوزير سليمان باشا باهتمام الدولة بشأنه و تيقن بجميع ما كتبه محمد باشا عنه عرض لدولته الحالة و بين أنه المحق. فإن الغلاء استولي علي البصرة فاضطر إلي الخروج و أنه لا يصح بوجه أن يقوم علي دولته فيكفر نعمتها. و أن محمد باشا تجاوز عليه في الكتابة و حاول إسقاطه فصور سليمان باشا الوقعة بشكل مرض و أبدي أنه عند الاقتضاء يأتي بنفسه ليقابل جلالة السلطان لإيراد ما يبري ء ساحته مما عزي إليه.

و حينئذ أرادت الدولة أن تثبت من أقوال الاثنين و تقف علي ماهية القضية فأرسلت مصطفي بك الميراخور علي جناح السرعة فاكتشف الحالة و اطلع علي مجاري الأحوال و عرف أن ما كتب علي سليمان باشا لا أصل له، و ظهر له صدق القول من سليمان باشا و سداد رأيه و إخلاصه لدولته فأخبرها بواقع الحال. و الصحيح أن سليمان باشا لم يدع وسيلة موصلة إلي هدفه إلا فعلها. أمال مصطفي بك لجهته. و لا شك أن الذين يتحقق منهم و يستطلع آراءهم كانوا من جماعة سليمان باشا و أعوانه سواء من الموظفين أو غيرهم، أو أنه شاهد الخطر فراعي جانب سليمان باشا، أو أن الدولة أظهرته كذلك بعد أن عرفت حقيقة الوضع من رسولها مصطفي بك، فصبته في هذا القالب.

ثم إن سليمان باشا كتب إلي دولته علي حدة في براءة ذمته، و أبدي اخلاصه و خدماته، و كذا التمس و استدعي أن تضاف إليه حكومة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 341

بغداد و هي بيت القصيد. و تعهد بجميع الخدمات المطلوبة منه راجيا تلبية مراده. و استخدم جماعات

فقاموا بكل ما يلزم من وسائل.

حرب سليمان باشا:

قالوا: إن مصطفي بك الميراخور برأ ساحة سليمان باشا مما نسب إليه و خطأ الوالي محمد باشا. شاع خبر ذلك فعلم محمد باشا بالأمر فبقي في اضطراب و حاول الخروج من هذا المأزق الحرج فلاحظ أن كتاب مصطفي بك لو وصل قبل أن يقهر سليمان باشا لكان من المحقق أن يتغير رأي الدولة فيه. فتغير السلطان عليه فعزله و وجه الولاية إلي سليمان باشا فجهز كتخداه محمد باشا بكافة جيوشه قبل أن ينتظر ورود القوي إليه. جعله قائدا و سيره إلي سليمان باشا للوقيعة به … فكانت هذه الحركة خلاف رغبة السلطان. و كان قصده كسر جيش سليمان باشا و الانتصار عليه. فتقدم الجيش و التقي الفريقان في محل قريب من الحلة إلا أن سليمان باشا تمكن من اتخاذ بعض التدابير الناجعة فمال إليه فريق من اللوند و من الصنوف الأخري من جيش محمد باشا …

هاجم البقية الباقية و حمل عليها حملة صادقة فتيسر له التغلب.

و انتصر انتصارا باهرا …

و حينما تحرك من الحسكة و توجه إلي الانحاء الأخري كان ضابط الحسكة آنئذ علي آغا فاستصحبه معه و وجه إليه منصب الكتخدائية، و سيره أمامه لإجراء بعض المصالح في الحلة، و كان الكتخدا محمد باشا مع جيشه في الحلة فاتخذوا ذلك فرصة و ألقوا القبض فأرسله القائد إلي بغداد. فلما وصل حبسه الوالي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 342

سمع سليمان باشا بذلك فغضب كثيرا لما أصاب (علي آغا).

و حين انتصاره في وقعته الأخيرة أسر الكتخدا المذكور مع الخازن (الخزبندار).

و حينئذ سيرهما إلي والي بغداد و قال لهما: خبرا وزير كما أن القبض يكون هكذا. و أن المهارة في

هذه لا فيما فعل.

أرسلهما إلي محمد باشا الوالي. و تقدم هو بانتصار و أبهة إلي قرب الكاظمية إلي المحل المعروف ب (الشريعة البيضاء) و أبدي شوكة.

و لم يكتف بذلك بل عرض القضية علي دولته. و صار ينتظر التوجيهات السنية إليه. أراد أن يعلمها بأنه قهر القوة قبل أن يأتي المدد و كأنه قال: ارضخوا للأمر الواقع و اقبلوا. و أنا مطيع فلم تر الدولة بدا من الموافقة طوعا أو كرها … و من ثم أبدت الموافقة، و جهت التبعية علي الوزير السابق و قالت: إن الميراخور قال: الحق مع سليمان باشا.

حوادث سنة 1163 ه- 1750 م

وزارة بغداد- سليمان باشا:

إن الوقائع برهنت أن محمد باشا لم يتمكن من السيطرة علي الوضع. و الصحيح أن الدولة لم تنجح. انكسر جيش الكتخدا فخابت الآمال. و لما وصل كتاب سليمان باشا تحقق أن المصلحة لا تقتضي دوام المشادة. بل رأت خطر النتائج لا سيما و قد وصل سليمان باشا إلي بغداد و تأخرت القوي المساعدة. و لذا عزلت محمد باشا و وجهت ولاية بغداد إلي سليمان باشا مع ابقاء ايالة البصرة في حوزته كما كانت.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 343

فوجهت اللوم علي الوزير محمد باشا تعبيرا لخذلانها كما أنها وجهت إلي محمد باشا مشيخة الحرم بمكة المكرمة و إيالة الجيش هناك و لواء جدة. فصدرت فرامين الاثنين بهذا الوجه. و من ثم خرج محمد باشا من بغداد فامتنع أن يذهب إلي وظيفته الجديدة. و لذا رفعت عنه الوزارة و أمر أن يقيم في گريد و عينت له ستين ألف قرش سنويا يتقاضاها من خزانة الدولة … و بهذا انتهي هذا العهد.

العشائر و الإمارات

ظهرت نفسيات العشائر و قواها الكامنة، و تبين خطرها أكثر بما حدث من صلات و حوادث ماثلة للعيان تغني عن الإعادة. و الإمارات مكبرة عن إدارة العشائر مثل بابان و المنتفق و اليزيدية. و في هذا الزمن تكونت امارة الجليليين في الموصل، و أخذت قوة المماليك و إمارتهم تبدو في اواخر هذا العهد.

و لا شك أن الحوادث كشفت عن الأوضاع. و لعل فيما عرض عن هذه الازمان كفاية. و التفصيل له محله.

الدولة العثمانية (قائمة في سلاطينها)

تعينت لنا صلات هذه الدولة بنا. و سبق ذكر السلطان مراد الرابع.

و هذه قائمة بالسلاطين التالين:

1- السلطان إبراهيم بن أحمد: دام إلي 7 رجب سنة 1058 ه.

2- السلطان محمد الرابع ابن سابقه: إلي 2 المحرم سنة 1099 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 344

3- السلطان سليمان الثاني أخو سابقه: إلي 26 رمضان سنة 1102 ه.

4- السلطان أحمد الثاني اخو سابقه إلي 22 جمادي الثانية سنة 1106 ه.

5- السلطان مصطفي الثاني ابن محمد الرابع: إلي 2 ربيع الآخر سنة 1115 ه.

6- السلطان أحمد الثالث أخو سابقه: خلع في 15 ربيع الأول سنة 1143 ه و توفي سنة 1149 ه.

7- السلطان محمود الأول ابن مصطفي الثاني إلي 27 صفر سنة 1168 ه.

إدارة العراق

اشارة

إن الدولة العثمانية ربحت الحرب علي ايران سنة 1048 ه. و هذا لم يعمر الخلل، و لا جعل الإدارة أداة صالحة. و بعد وفاة السلطان مراد الرابع عادت الحالة إلي أسوأ مما كانت عليه قبله، فلم تحصل توجيهات حقة في تجديد حياة الدولة.

و لم يكن العراق بنجوة من هذا الضعف. و إنما الحروب مع ايران أدت إلي اختلال عظيم، فاعتري هذا القطر الخراب و الدمار. و ليس من الصواب أن تكون ادارة الدولة معتلة و منحلة فيبقي العراق بعيدا عن الغوائل و الانحلال.

و التشكيلات الإدارية لم تتغير إلا أن الضعف باد عليها. فالبصرة دخلت في حوزة الحكومة و استولي العراق علي كرمنشاه، و همذان.

و كانت حدود العراق ما وراء درتنك (حلوان) و (الايوان) تدخل فيه درنة و درتنك و زهاو كذا الحويزة في بعض الأحيان.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 345

و أما الرماحية، و المنتفق فإنها تطيع مرة و تعصي أخري. و مثلها

(شهرزور) و (إمارة البصرة) و المهم أن تعرف التبدلات و مرت بنا الحوادث المبصرة.

1- الولاية

رأينا أعمال الولاة بادية للعيان، و عرفنا ما فيهم من أوصاف و انكشف أمرهم بما حصل من مؤرخين معاصرين و وثائق و هكذا علمنا جملة من ولاة البصرة و الموصل و شهرزور. و الأمل أن يتجلي المبهم.

و الإدارة متصلة بالمركز اتصالا مكينا إلي أيام حسن باشا و أيام ابنه أحمد باشا ثم تغيرت نوعا و اكتسبت نجاحا إلا أنها اضطربت بعدهما إلي آخر هذا العهد.

2- المالية

علمنا من الوقائع ما يكشف عن المالية أكثر و عرفنا مصطلحات جديدة في الرسوم و الضرائب. و علمنا عن النقود شيئا أكثر مما زاد في المعرفة و كذا وصل إلينا عن الكمرك أو ضرائب الأموال التجارية، و الضرائب الأخري، و الفرامين، و العلاقات الدولية، و المناصب المالية ما يكفي للاطلاع.

و هذه تضاف إلي ما عرف عن الوثائق و المؤلفات في أصل الدولة و ما كانت عليه و عندي وثائق و مجاميع في الضرائب مخطوطة توضح الوضع الاقتصادي و المالي و علاقة الدولة به. و المقابلات بين ما في الدولة و بين ما دونه المؤرخون. و كلها تفيد أن العراق سار سيرة قانونية لا تختلف عما سارت عليه الدولة و اقتصادياته ذات صلة بالمجاورين و غيرهم.

و لا شك أن مراجعة ما كتبنا من الحوادث المالية يبصر بالمعرفة،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 346

و في كتاب النقود العراقية و كتاب الضرائب للأموال التجارية أوضحنا أكثر.

و الدفتريون لم يكونوا بثقافة أسلافهم. و إنما كان انحطاط المعرفة عاما. و ما ذلك إلا لتدهور الإدارة بسبب الحروب و الإدارة العسكرية المتمادية مما لم تدع مجالا للنظر في المالية و تنظيمها و لا توجيه الشؤون الاقتصادية و استغلالها بمقياس واسع.

و الحوادث كشفت عن بعض الضرائب

الجديدة. و لما كانت الإدارة في شطر من هذا العهد ذات علاقة بالمركز فإن جباية الضرائب تغيرت كثيرا، فعدلت الدولة فيها فجعلتها (التزاما). و تركت طريقة (الامانة) أي الجباية المباشرة. و كان ذلك سنة 1059 ه. و هكذا فعلت في (المقطوع). و استمرت علي ذلك.

و بهذا تطاول الموظفون و الضباط و أوغلوا في الاعتداء أملا في الربح الزائد، و الاستفادة لأقصي حد ممكن. و من جهة أخري أثرت هذه الطريقة تأثيرا عظيما علي الواردات فقللت منها، و عادت بالخسارة علي الأهلين و لم يتحاش موظف من ظلم و قسوة.

لازمت هذه الأوضاع قلة الوارد فاضطرت قسرا إلي تنقيص في (دخل الولاة) و تقليل في المخصص لخزانة السلطان و كل هذا ذو علاقة في اختلال التشكيلات الإدارية و نطاق سلطة الحكومة فأدي إلي إلغاء بعض الألوية لأن السلطة الفعلية صارت (محدودة) جدا و هذه لها دخل في تنقيص الرواتب. فإن بابان استقلت نوعا و حاول الخزاعل التوسع و المنتفق كادوا يستقلون بالبصرة.

ذلك مما اقتضي تحديد (حرس الوالي) و إلغاء ما يسمي (عوائد المطبخ) و تقليل (القلمية) أو (مصاريف الديوان)، و كذا التعديل في العوائد الأخري. و هكذا تنقيص مخصصات الدفتريين. و كانت تبلغ أكثر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 347

من مائة كيس. تستوفي من (الساليانة) و هكذا العوائد التي تؤخذ لعلوفة بعض صنوف الجيش. و لعل ما مر بيانه يبصر بالحالة.

فعلت الدولة ذلك حذرا أن يؤدي التضييق إلي حوادث أمثال حادثة بكر صوباشي و عوضت ذلك ببيع الأراضي الأميرية و بتدابير أخري نتيجة تداخل السنين المالية بالهجرية.

و في ولاية حسن باشا و ابنه تغيرت الحالة. للقدرة و التسلط، و استحصال الضرائب … أو سلب ممتلكات العشائر

بغزو متواصل.

و بذلك زادت واردات الدولة و توسعت أمورها. و إن الاضطراب أيام الوزراء التالين لم يغير في الأوضاع، و لم يهدم ما جري العمل به في أيامهما.

و من المهم ذكره أن نقود الدولة راجت في العراق أكثر، و ضربت في بغداد نقود أيضا، كما أن النقود الأجنبية نراها تكاثرت للعلاقة.

و النقود الايرانية انتشرت بزيادة بحيث صارت تؤخذ في معاملات الدولة و تحول إلي نقودها بإعادة ضربها أو بالضرب عليها …

و النقود العراقية ضربت بكثرة للحاجة إليها. و منها ما كان ضرب أيام السلطان إبراهيم سنة 1049 ه و هذه عثر علي دراهم منها. و هكذا توالي الضرب لما بعده و في أيام السلطان محمد الرابع سنة 1058 ه عثر علي دنانير ذهبية، و دراهم لم يظهر تاريخها. مضي من الحوادث ما يعين سعر النقود. و من النقود ما ضرب سنة 1143 ه أيام السلطان محمود الأول. و ما بعد هذه السنة من دراهم مما يسمي بتلك و هو أبو خمسة قروش صحيحة. و كل هذه من ضرب بغداد.

و في سنة 1069 ه أحدث تغير في سعر النقود. و بهذا حصل التذمر. و بسطنا القول في كتاب (النقود العراقية).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 348

3- القضاء

كنا أوضحنا عن القضاء في المجلد السابق. و الآن يهمنا أن نذكر أنه لم يتغير في هذا العهد كثيرا. و هو من أهم عناصر الإدارة بل هو قوامها و لا شك أنه متأثر بالحوادث.

عثرت علي اعلامات كثيرة و وقفيات تدل أحيانا علي اتقان و عناية فتمثل خير العهود أو تقاربها في وضعها كما توصلت إلي معرفة ثلة من هؤلاء القضاة. أوضحت في مجلة (القضاء) العراقية لسنة 1952 م.

و أفردت

ذلك في رسالة علي حدة فلا أتوغل هنا إلا أني أقول كان أول قاض في هذا العهد (مصطفي مذكره جي زاده) و آخر قاض عرف (السيد أحمد مؤمن زاده). و جل ما علمناه أن القضاء لم يتدخل في المدارس العلمية و لا في الافتاء، و أنه تكامل نوعا بالنظر لتوسع الثقافة و تمكنها.

4- الجيش أو الينگچرية

أصل الوظائف العسكرية مشتقة في الغالب من خدمة السلطان فانقلبت إلي مهمة عسكرية مثل صوباشي و بستانجي و أمير آخور أو اصطبل … و إدارة الدولة عسكرية في غالب أحوالها إلا أن الإدارة المدنية متصلة بها في المالية و القضاء و المطالب القلمية … و الاهتمام بالجيش كبير جدا. و في أوائل هذا العهد فقد الجيش السيطرة من قواده.

فتحكم آغوات الينگچرية، فاختلت الإدارة. و لا شك أنه اعتري من الضعف و الانحلال ما اعتري و أدي الأمر إلي وقائع مؤلمة. تغلب الينگچرية. فالحكم بأيديهم. و من صنوفهم (سرد نكيچدي)، و (ترقي)، و (لاوند) أو (لوند)، و (صاروجة) أو (صاريجة)، و (اليساقچية). و هم من الينگچرية.

مرت في حوادث سنة 1089 ه أمثلة، و دامت الحالة إلي أيام حسن باشا و أيام ابنه أحمد باشا فتمكنا من التسلط علي الينگچرية، فصاروا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 349

أداة مفيدة، و في أيام الوزراء بعدهما عادوا إلي ما كانوا عليه. و بقيت مفاسدهم إلي آخر هذا العهد. و (جند بغداد) من نوع الينگچرية الأهلين.

و من المدافع المعروفة:

1- قوغوش.

2- يان صاچمة.

3- هاون أو خميرة.

4- باليمز.

5- شاهية.

6- أبو خزامة.

7- زنبرك.

8- مدافع قالعة.

ورد ذكرها خلال نصوص الكتاب. و هذه المدافع و أمثالها دخلت بدخول العثمانيين العراق و من الضروري معرفة تاريخها في أصل موطنها. و منها ما عليها

سمتهم أو سمة ايرانية أو عمل اجانب.

و الموجود عندنا لا يبين المجري التاريخي و إنما يصلح أن يكون كمثال لما ورد.

ذكرنا المدافع المعروفة أثناء الحصار و الفتح العثماني علي يد السلطان مراد الرابع و بعده فلا نطيل القول.

هذا. و لا يزال الجيش في هذا العهد يقوم بأمر الإدارة و الشرطة أو بالتعبير الأولي أن الإدارة عسكرية و تقوم بالأمور المدنية بالاستعانة بالولاة و الدفتريين و القضاة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 350

علاقات العراق بإيران

اشارة

هذه علاقة دولية بين العثمانيين و الصفويين مرة، و الافغانيين أخري. و هكذا اتصلت بالافشاريين و هي سياسية و مبناها الاطماع فأدت إلي حروب طاحنة، و وقائع عديدة فاحترقنا بنيرانها ثم عقدت معاهدات.

و جل ما نقوله إن العراق أصابه التدمير الزائد، فانحلت ايران في أواخر الصفويين، فبرز الافغان بقوة. أصابتهم الضربة من العثمانيين، فسهلت لنادر شاه السيطرة فعادت السلطة إلي الصفويين و هددت كيان العثمانيين. و أرعبت العراق و اضطربت حالته.

و لما لم ينل نادر شاه مأموله و لم يتمكن من اكتساح العراق، فقد فلت هذه الحروب غربه للوقوف في وجهه مما أدي إلي ظهور اغتشاش، و ساعدت نقمة (علماء الدين) عليه من جهة تساهله الديني، و من جهة استخدام الافغان و الأقوام الآخرين لاشتباهه من الايرانيين فاضطر إلي عقد (معاهدة) بينه و بين العثمانيين، و سنده قوة الجيش من غير الايرانيين، فأراد أن يصفي الحساب مع الساخطين منه أو المدبرين القيام عليه من الايرانيين.

شعر هؤلاء أيضا بالخطر، فعجلوا بالقضاء عليه فاضطربت ايران إلي أواخر هذا العهد.

1- الدولة الصفوية:

هذه الدولة اعتراها الضعف و اختلفت إدارتها إلا أن العلاقات كانت جارية علي ما كانت عليه أيام السلطان مراد الرابع و لم يحدث ما أخل إلا بسبب ما جري أيام الافغان.

و هذه قائمة في ملوك الصفويين:

1- الشاه صفي الأول. توفي في 13 صفر سنة 1052 ه- 1642 م.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 351

2- الشاه عباس الثاني ابن سابقه و توفي سنة 1078 ه- 1667 م.

3- الشاه سليمان ابن سابقه و توفي سنة 1106 ه- 1694 م.

4- السلطان حسين ابن سابقه. انقرضت دولته سنة 1135 ه و توفي سنة 1141 ه.

2- الدولة الافغانية:

ظهرت بمظهر القوة. لما رأت من تضييق من الصفويين، و أمراؤها:

1- الأمير أويس. توفي سنة 1134 ه.

2- الأمير محمود ابن الأمير أويس. و توفي سنة 1137 ه.

3- الأمير أشرف بن عبد اللّه (عبد العزيز) ابن عم سابقه. و توفي سنة 1142 ه.

فمن هؤلاء الأمير ويس فتح قندهار. و ابنه الأمير محمود تسلط علي ايران و بعده نال الإمارة الأمير أشرف و بعد حروب عقد أحمد باشا معه المعاهدة المؤرخة في 17 صفر سنة 1140 ه ثم انقرضت علي يد نادر شاه سنة 1142 ه.

و في أيام نادر شاه نال الافغانيون سلطة. و بوفاته تولدت لهم آمال بالاستقلال علي يد أحد قواده الأمير أحمد بن محمد زمان من قبيلة ابدالي. و كان رئيس السدزائية. و في أيام استقلال احمد خان سميت حكومتهم ب (الدرانية) سنة 1169 ه. و توالي أعقابه، و توسع نطاق حكمهم. و خلفهم الباركزائية و أمان اللّه خان من أواخرهم ثم عناية اللّه خان و لم يدم حكمه إلا أياما فانقرضوا. فتغلب (بچه سقا) لمدة قصيرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5،

ص: 352

فقتل، و من ثم ولي ملك الأفغان (محمد نادر شاه الغازي)، فاغتيل سنة 1934 م، فخلفه ابنه جلالة محمد ظاهر شاه. و قدم بغداد زائرا في 21 آذار سنة 1950 م- 2 جمادي الثانية سنة 1369 ه.

3- عودة الدولة الصفوية:

عادت الدولة الصفوية لمدة قصيرة. و (شاهاتها):

1- الشاه طهماسب ابن السلطان حسين من سنة 1142 ه إلي سنة 1145 ه فخلع.

2- الشاه عباس الثالث ابن سابقه. و دام إلي أن أعلن نادر شاه سلطنته.

ففي أيام الشاه طهماسب ظهر نادر خان بصولة عظيمة، و قوة قاهرة. و الشاه طهماسب غلب في المعركة بينه و بين العراق فطلب الصلح و عقد معاهدة لم يرض نادر بها فخلع الشاه، و أقام ابنه الشاه عباس الثالث و عمره بضعة أشهر نصبه مكان والده فصار وكيله (وصيا عليه).

4- الدولة الافشارية:

قام نادر خان أيام الشاه طهماسب، و اسمه ندر قولي أو (نادر علي) ابن إمام قلي من التركمان المعروفين ب (أفشار). قبيلة تركمانية قديمة قضي علي غوائل عديدة انتابت ايران و اكتسب نفوذا عظيما، و أحبه الايرانيون. ولد سنة 1100 ه في أبيورد من خراسان، و شهد اضطراب ايران و مر ذكر حوادثه.

و في 24 شوال سنة 1148 ه أعلن سلطنته في صحراء مغان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 353

فقضي علي دولة الصفويين.. ثم نفره الايرانيون لقيامه بالتساهل الديني، و استخدامه جيوشا من أقوام مختلفة. و في جمادي الآخرة سنة 1149 ه عقدت معاهدة مع العثمانيين علي أساس معاهدة السلطان مراد الرابع.

ثم عقدت أخري في 17 شعبان سنة 1159 ه علي الأساس المذكور.

و في 11 جمادي الثانية سنة 1160 ه اغتيل فاضطرب أمر ايران و عاد إلي أسوأ ما كان عليه. فتولي علي شاه بن ابراهيم ابن أخي نادر شاه و يسمي (عادل شاه) و نازعه في السلطنة شاه رخ ميرزا بن رضا قلي ميرزا بن نادر شاه و استولي سنة 1161 ه و لم يصف له الجو و كثرت المنازعات

و دامت حتي آخر هذا العهد …

إمارة الحويزة:

لم تهدأ هذه الإمارة من الاتصال بالعراق. استولت أحيانا علي البصرة و ذكرت حوادثها. و أمراؤها في هذا العهد المولي منصور استمر إلي سنة 1053 ه ثم المولي بركة دام إلي سنة 1060 ه، ثم المولي علي ابن خلف المطلب و توفي سنة 1088 ه. و بعده المولي حيدر ابن سابقه.

و توفي سنة 1092 ه ثم صار أخوه المولي حيدر، فالمولي فرج اللّه و مرت حوادثه في العراق، و كان النزاع بينه و بين هبة اللّه، و في سنة 1112 ه صار المولي علي ثم عاد فرج اللّه، و بعده ولي السيد عبد اللّه سنة 1114 ه. ثم صار السيد علي سنة 1127 ه ثم المولي محمد بن عبد اللّه سنة 1132 ه. و في أيام الافغان صار المولي عبد اللّه بن هبة اللّه سنة 1135 ه. ثم عرفنا المولي مطلب ابن المولي محمد قبيل وفاة نادر شاه و استمر حتي انتهي هذا العهد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 354

الثقافة

الحروب و الاضطرابات لم تدع مجالا للتوسع الثقافي.

فالمؤسسات القديمة كادت تندثر، فأعيد بعضها، و أسس القليل. و هذه أصل الثقافة. كانت المخرج الوحيد للعلماء و الأدباء و الموظفين و التجار و سائر الصنوف. و العناية بها كبيرة جدا. و لا يخلو العهد من الاتصال بعلماء الاقطار.

و كان التوسع في التركية و الفارسية بالغا حده إلا أنه لم يمنع المدارس العربية أن تقوم بمهمتها. و العلاقة مشهودة. و هذه الثقافات لا تستغني عن المدارس العربية بوجه. و في اتصالها لم تنقطع الثقافة بل زادت و ربحت كثيرا. غذتها المدارس الجديدة، و المدارس التي أعيد احياؤها مجددا، فأضيفت إلي ما كان موجودا عامرا من هذه المعاهد.

هذا،

و التكايا قامت بخدمات ثقافية لا تنكر لا سيما في القراءات و في تعليم صنعة الخط، و تعليم بعض المطالب الدينية. و من أهم العوامل الفعالة ظهور (الطباعة) في عاصمة الدولة و تأثيرها علي العراق في تسهيل المعرفة.

و إذا كان محل تكون الثقافة و نموها المدارس و الجوامع و التكايا، فلا ريب أنها يغلب عليها (كتب الجادة) و قل من مال من العلماء إلي ما هو أوسع للإنتاج الجديد. و لا تزال بقية منهم تلمّ الشعث في وقت كادت الحروب و الفتن تقضي علي الإنتاج في مختلف العصور.

و التوسع في التركية و الفارسية لم يمنع من المدارس و لا أخل بها بل كان طريق العناية و سبب الاتصال المكين بها. تكلمنا خلال الوقائع عن بعض الادباء، و عن وفيات بعض العلماء.

و بين علمائنا المدرسون، و الوعاظ، و بينهم من مالوا إلي التأليف و الإنتاج العلمي. و التراث القديم خير مغذّ. و لا يسع احصاء المدرسين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 355

إلا أن أهل التأليف قليلون و أشهر من عرف من الأسرات و الأفراد في العلم:

(1) آل الغرابي: و أصل هذا البيت عبد اللّه المعروف بالغراب. من العلماء و أبناؤه محمود، و أحمد و حسين و غيرهم من هذه الأسرة. و هم رجال علم و أدب. و بينهم من خدم اللغة التركية و له مؤلفات فيها. و لا تزال بقاياهم في بغداد.

(2) آل نظمي البغدادي: بيت أدب و علم. منهم نظمي أصل الأسرة. له ديوان تركي، و مرتضي آل نظمي مؤرخ العراق و صاحب المؤلفات، و حسين آل نظمي اللغوي العالم في التركية و العربية. و له (لغة و صاف)، و (ترجمته). تكلمت عليهم في

تاريخ الأدب التركي في العراق. و منهم المرحوم طاهر چلبي آل محمد سليم الراضي و أولاده.

(3) الشهابي: له في التاريخ (منظومة آل أفراسياب) و مؤلفات أخري.

(4) الكعبي: صاحب (زاد المسافر).

(5) مدلج مفتي بغداد: و آل مدلج بيت علم معروف. و يسمون (المفاتي). و إلي أمد قريب منا كانت بقاياهم، فانقرضوا بعد احتلال بغداد ببضع سنوات. و منهم الشيخ طاهر بن مدلج مفتي بغداد. كانوا يسكنون محلة المفاتي. و هي (محلة السنك).

(6) الشيخ داود: من العلماء. و لم يكن له اتصال بالأسرة المعروفة بهذا الاسم اليوم.

(7) تاج العارفين البغدادي.

(8) سعد الدين البغدادي.

(9) الياس الكردي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 356

(10) الملا محمد شريف الكوراني.

(11) إبراهيم بن حسن الكوراني المتوفي سنة 1101 ه.

(12) البرزنجي (السيد محمد بن رسول). و توفي في غرة المحرم سنة 1103 ه.

(13) الشيخ خليل الخطيب المدرس في جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني. أخذ عن الشيخ عبد القادر بن يحيي البصري الشامي. و له ثبت منه يعين صلة علمائنا بالشام و الحجاز عندي مخطوطة منه.

(14) محمد الاحسائي في بغداد.

(15) محمود المفتي في الموصل.

(16) ياسين المفتي في الموصل. ابن سابقه و أسرتهم لا تزال معروفة في الموصل.

(17) عبد القادر البغدادي: الأديب صاحب الخزانة.

(18) آل الغلامي في الموصل: أسرة علمية معروفة إلي اليوم.

(19) آل العمري في الموصل: اشتهر منها علماء كثيرون.

(20) آل السويدي: يأتي الكلام عليهم في المجلد السادس.

(21) سلطان الجبوري: أخذ عن الشيخ خليل الخطيب البغدادي.

(22) آل الربتكي: منهم عبد اللّه رأس الأسرة. و هو المشهور بفتواه في اليزيدية. و ابنه عبد الغفور المدرس. كلهم في الموصل. و عبد الغفور أجيز من سلطان الجبوري و له ثبت يعين صلات علمائنا به كما أنه أخذ

عن والده. عندي مخطوطته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 357

(23) آل باش أعيان البيت العباسي. بينهم علماء كثيرون. و هم في البصرة.

(24) السيد عبد اللّه أمين الفتوي.

(25) ياسين المفتي من آل نظمي.

(26) آل الطريحي في النجف. و لا تزال بقاياهم.

(27) السيد نصر اللّه من أهل كربلاء. و أسرتهم لا تزال معروفة.

(28) الحللية. مفاتي البصرة. و هم جماعة توالوا.

(29) الشيخ أحمد بن علي القباني البصري. و له كتاب (فصل الخطاب) في الرد علي الوهابية سنة 1155 ه. عندي مخطوطة منه. و هو أول رد عليهم.

(30) آل الفخري في الموصل. و لا يزالون إلي اليوم.

و الأدب العربي أصله المدرسة أيضا. ظهر أدباء كثيرون، و بدت آثارهم العديدة كما أن الأدب استفاد كثيرا من مخلفات اسلافه. و كثرتها جعلتها بمأمن من عوادي الزمن لم تقض عليها كلها. فلا تزال بقاياها منتشرة في الخزائن العامة ولدي البيوت و الأشخاص من أهل العلم و الأدب.

و يهمنا أصحاب الآثار الأدبية أو الإنتاج الأدبي. و لكل خدمته في المجالس الأدبية، و في التدريس، أو في ضروب المعرفة الأدبية. و يهمنا أرباب الشهرة الأدبية. و لا ننس أن العلماء و الأدباء في هذا العهد لم يفرق بينهما و كثير من علمائنا أدباء، فلم يتخلص فريق منهم إلي الآداب وحدها.

و أشهر من عرف بالأدب و الشعر:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 358

(1) عبد القادر البغدادي.

(2) الطريحي- و أبوه الشهاب الموسوي.

(3) معتوق الشهابي.

(4) بشارة. صاحب نشوة السلافة.

(5) السيد نصر اللّه الحائري. و له ديوان شعر.

(6) آل السويدي. داموا إلي العهد التالي.

(7) محمود الغرابي.

(8) السيد حسين بن مير رشيد. و له ديوان.

و آخرون عديدون. و الظاهرة الأدبية في هذا العهد (البنود العراقية). و تعد

تجددا في الأدب، و لم تتكامل إلا في العهود التالية.

و كتبنا في (تاريخ الأدب العربي)، و في (تاريخ الأدب التركي)، و كذا في (تاريخ الأدب الفارسي) توضح الاتجاه الأدبي و تعين المصادر بتفصيل.

المؤرخون

ظاهرة أخري هي التاريخ. نهض مؤرخون عديدون للتدوين عن أحوال القطر، نخص بالذكر منهم (آل الغرابي)، و (مرتضي آل نظمي)، و (الشهابي)، و (يوسف عزيز المولوي)، و آل (السويدي) و (نشاطي) …

و كل هؤلاء كشفوا عن تاريخ القطر، و أزالوا الغموض عن الكثير من مبهمات حوادثه. و في (التعريف بالمؤرخين) ما يوضح عنهم.

الطباعة

متجددات العصر لم تقف عند الإنتاج الجديد في الآداب و العلوم.

و إنما يعد من أجل ذلك (صنعة الطباعة). و لم يعرف أثرها في حين ظهورها سوي أن فائدتها بقيت محصورة فيما طبعته و تعد اليوم من أكبر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 359

الوسائل لتمكين المعرفة. فكانت أول عمل من نوعه. و مثلها صنعة (الورق) و لكنها لم تنجح، فهما متلازمان. و لا تدرك قيمتهما إلا بالرجوع إلي ما عانته البشرية في بث ثقافتها أو تثبيتها و ما اتخذته من طرق النشر للعلوم و الآداب و في تسهيل الأخذ بها.

و أول مطبعة تكونت في استنبول (مطبعة إبراهيم متفرقة). و ما يقال من أن هناك مطابع سبقتها فهذه علي فرض تحقق وجودها لم ينتفع منها للمصلحة العامة، و لا للثقافة الشاملة، و لا كان لها التأثير في تكوين الطباعة.

و هذه المطبعة قامت بطبع (كتب اللغة) و (التاريخ). و من أهم ما طبع فيها من نتاج العراق كتاب (گلشن خلفا) في تاريخ بغداد من أول بنائها سنة 145 ه إلي سنة 1130 ه. و (تاريخ تيمور لنك). و الاثنان من تأليف مرتضي آل نظمي. و طبع فيها ترجمة (صحاح الجوهري) المعروف ب (و آن قولي). و (فرهنك شعوري) في اللغة الفارسية و هو من أجل الآثار. و (تواريخ الدولة العثمانية) لمؤرخين رسميين و كل

هذه لها علاقة بوقائع العراق، و تهم في المعرفة. أوضحت ذلك في (تاريخ الطباعة و المطبوعات) و في (تاريخ الأدب التركي في العراق).

و كل ما أقوله هنا إن الطباعة سهلت نشر العلوم و الآداب. و في هذا تقوية للثقافة. و الظاهرة الأخيرة فيها أنها صارت تطبع الآثار النفيسة المفيدة لثقافة الأمة. و لا تكون الكتب السخيفة موضوع البحث إلا من ناحية ضررها.

و الحاصل أن الثقافة تمكنت منا. و لا تزال بعض وثائقها منتشرة أو موجودة بين ظهرانينا. كشفت عن غوامض علمية و أدبية و تاريخية. و لعل في الحوادث المارة، ما يعين الحالة الأدبية. و لا تزال تحتاج إلي اثارة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 360

خاتمة

توضحت حالة الثقافة، و الحوادث السياسية. و كانت جاءتنا مبتورة. و لعل قرب العهد منا أدي إلي التوسع و لا شك أن الوقعة المفصلة، و الحالة المبسوطة تبصر أكثر. و لما تزايدت رأينا لمّها، و الأخذ بأطرافها. فكنا نخشي أن يمل الموضوع و لا نزال في كثير من أوضاعنا نحتاج إلي ما يجلو الغامض، أو يدعو لإثارة المجهول.

لم نضيع الفرصة، و لم ندع التتبع و لا الإثارة أو تدوين ما نعثر عليه. و العمل الفردي مقرون بالنقص دائما، و عمل الجماعات بطي ء.

قدمنا ما تمكنا، و لم نترك إلا ما نغتنم الفرصة في أمل تدوينه و لعل الأيام تكشف عن جديد.

و هذا و الأمراض الطارئة علي الإدارة تعد من أكبر أسباب الانحلال في الشؤون الداخلية و الخارجية. فالحكومة متأثرة بما يجري في عاصمة السلطنة أو هي إدارة مصغرة من تشكيلاتها، و نفسيات أمرائها كما أنها ذات صلة مكينة بنا و بمجتمعنا و ثقافتنا.

و في أيام حسن باشا و ابنه

استقرت الأحوال نوعا، و كأن الإدارة في أيامهما بعيدة كل البعد عن أصل الدولة. و في أيام الوزراء التالين عادت الحالة إلي ما كانت عليه و زيادة إلا أن مدة هذا الانحلال لم تطل فتكونت (ادارة المماليك) مما نراه في بحث تال.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 361

و الثقافة ماضية في مدارسها و مؤسساتها علي نهج علمي أدبي. و لا شك ان الأحوال الطارئة شوشت أمرها، أو أثرت عليها قليلا أو كثيرا لكنها لم تخل من أفاضل في العلوم و الآداب و فهم ذلك مما مرّ و اللّه ولي الأمر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 363

الفهارس العامة

اشارة

1- فهرس الأعلام

2- فهرس الشعوب و القبائل و البيوت و النحل

3- فهرس المدن و الأماكن

4- فهرس الكتب

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

6- فهرس الصور

7- فهرس الموضوعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 365

1- فهرس الأعلام

حرف الألف

أبازه باشا: 20

إبراهيم (السلطان): 45، 343، 347

إبراهيم الأحسائي (الشيخ): 124

إبراهيم أغا: 100

إبراهيم باشا: 36، 38،- 43، 91، 92، 94، 98، 101- 103، 105، 108، 137، 180، 292

إبراهيم باشا الداماد: 10

إبراهيم باشا السلحدار: 238

إبراهيم باشا الطويل: 77، 87

إبراهيم الفضل (الشيخ): 126

إبراهيم القاضي: 12

إبراهيم باشا الگرجي: 91، 106

إبراهيم الكردي: 122، 152

إبراهيم الكوراني: 356

إبراهيم متفرقة: 12

إبراهيم ميرزا: 327، 333، 334

ابن الأثير: 254

ابن بداق (بداغ): 97، 99

ابن بطوطة: 65

ابن الحكيم: انظر (علي باشا)

ابن خليل فهمي: 11

ابن دحية الكلبي: 85

ابن أبي ريش: 29

ابن صبيح: 164

ابن الشيخ شبيب: 214

ابن مير فتاح: 28

أبو بكر (الأمير): 88

أبو بكر الخليفة: 238

أبو بكر بن علي باشا: 90

أبو سودة: 296

أبو الغازي: 31

أبو المعصوم خان: 172

أبو النور: 76

أبو الوفاء العرضي: 122

أحمد (السلطان): 29

أحمد الثالث (السلطان): 344

أحمد الثاني (السلطان): 344

أحمد آغا صهر الوزير: 147، 321، 323

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 366

أحمد آغا آلتنجي: 42، 43

أحمد آغا رئيس الينگچرية: 134

أحمد آغا الكتخدا: 145، 243

أحمد بن أيوب بك الجليلي: 311

أحمد باشا: 25، 158، 187

أحمد باشا آل عثمان: 155، 156، 188، 213

أحمد باشا (الحافظ): 84

أحمد باشا (ملك): 46، 47، 49، 51، 65

أحمد باشا ابن الحمال: 273

أحمد باشا البازركان: 156، 158

أحمد باشا البوشناق: 145

أحمد باشا السهرابي: 146

أحمد باشا الصدر الأسبق: 11، 326، 327

أحمد باشا الطيار: 44

أحمد باشا الكتخدا: 156، 157

أحمد باشا الكسريه لي: 11، 317، 320، 326، 330، 331، 336

أحمد باشا الوزير بن حسين باشا: 11، 15، 16، 221، 224، 243، 245، 246، 253، 254، 258، 262،

265، 270، 271، 274، 277، 278، 282، 284، 285، 287، 289، 290، 291، 297، 300، 311، 314، 317، 321، 328، 329، 331، 332، 337، 345، 348

أحمد بك: 55، 56، 57، 59

أحمد بك أفراسياب: 60

أحمد بك أمير آلتون كوپري: 255

أحمد بك أمير درنة: 255

أحمد خان: 351

أحمد رسول الهند: 73

أحمد رفيق (الأستاذ): 9، 10

أحمد بن عبد اللّه الغرابي: 153، 355

أحمد عبد الغني الراوي: 249

أحمد بن غالب (الشريف): 161

أحمد القبّاني: 357

أحمد كسروي: 260

أحمد بن محمد زمان: 351

أحمد مؤمن زادة: 348

أحمد ناظم العمري: 322

أحمد واصف: 12

أحمد يسوي: 65

أرسلان (الأمير): 333، 334

أرسلان باشا: 48

أسعد باشا العظم (الحاج): 312

الاسكندر المقدوني: 237

إسماعيل (الشيخ): 213

إسماعيل أغا: 74، 241

إسماعيل باشا: 165، 167، 285، 287، 288، 291

إسماعيل الروزنامه: 291

أشرف خان الأفغاني: 237، 253، 254، 255، 256، 258، 270، 351

أفراسياب بن حسين باشا: 101، 106

آق محمد باشا: 62

اللّه ويردي: 239

إلياس أغا: 50

إلياس الخاصكي: 48

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 367

إلياس الكردي: 355

إمام قولي خان: 30، 31

أمان اللّه خان: 351

أورنك زيب: 73، 74، 308

أوليا چلبي: 65، 66

أويس أمير الأفغان: 233، 234، 253، 351

أيوب باشا: 170، 173، 177

حرف الباء

بابا خان: 283

بابا گورگور: 120، 121

بابر شاه: 73

بادري: 196

باش أعيان: 96

باقي محمد: 31

باول هرن: 237

پچه سقا: 351

برّاك أمير بني خالد: 88، 89، 90، 102، 103

بردي بك: 255

برزنچي (محمد بن رسول): 356

برهام: 338

بركة: 353

بسيم آتالاي: 113

بشارة: 357

بشير فرنسيس (الأستاذ): 190

بصري الديري: 99، 100

بكتاش خان: 34، 35

بكتاش ولي (الحاج): 130، 291

بكر بك الكردي الباباني: 222، 228

بكر الحمام (الشيخ): 316

بكر صوباشي: 84، 187، 347

بلال أغا: 171، 173

بندر شيخ المنتفق: 69، 70، 337

بهرام باشا: 305

حرف التاء

تاج الدين الهندي: 88

تاج العارفين البغدادي: 355

تركي (الشيخ): 207

توفيق (أبو الضيا): 268

تيمور (الأمير): 236، 272

حرف الثاء

ثامر (الشيخ): 306

حرف الجيم

جعفر: 164

جعفر باشا: 44

جفته لرلي عثمان باشا: 35

الجلال السيوطي: 124

چلبي زاده (كوجك): 10

الجمال البابولي: 122

حرف الحاء

حاج بك خان: 304

الحارث بن أسد المحاربي: 244

حجية (أخت حسين باشا): 102

حسب اللّه الشابندر: 46

حسن آغا: 155، 158، 177

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 368

حسن آغا الكتخدا: 155

حسن باشا (كوچك): 15، 16، 17، 18، 20، 22، 23، 30

حسن باشا: 105، 116، 150، 156، 164، 165، 184، 186، 187، 188، 201، 204، 215، 218، 220، 221، 222، 225، 232، 234، 235، 239، 241، 245، 287، 298، 338، 345، 347، 348، 360

حسن باشا أبازه: 75، 86

حسن باشا الچلبي: 123، 145

حسن بك أمير سرطاس: 255

حسن بك أمير سروجك: 255

حسن بك أمير كروس: 255

حسن بك الپچوي: 260

حسن ابن أخي السيد خليل: 310

حسن الجمال: 155

حسن العسكري (الإمام): 171

حسن ميرزا: 334

حسن النقيب (السيد): 25

الإمام الحسين (رض): 107، 133

حسين آل نظمي: 355

حسين آغا الخاصكي: 67

حسين آغا بن عبدال: 151

حسين آغا آل معن: 72، 73

حسين آغا الكتخدا: 324

حسين باشا: 11، 50، 52، 89، 90، 92، 93، 94، 96- 103، 105 112، 132، 152، 157، 161

حسين باشا أفراسياب: 37، 55، 56، 57، 88، 91، 101، 106، 111، 112، 117

حسين باشا الچلبي: 135

حسين باشا الجليلي: 135، 234، 247، 264، 285، 288، 305، 308، 310، 313، 331، 332

حسين باشا الدفتري: 149

حسين باشا السلحدار: 121، 127، 135، 142

حسين باشا ابن القاضي: 143

حسين باشا الكمركجي: 144

حسين بك: 245

حسين بك عمر زاده: 143

حسين الراوي: 249، 250

حسين شاه: 269، 334، 351

حسين (الشيخ): 103

حسين الصولاق: 97، 99

حسين العباس: 162

حسين بن علي: 61

حسين الغرابي: 154، 355

حسين بن منصور الحلاج: 85

حسين بن مير رشيد: 309، 358

حسين نوح: 136

حمد العباس: 162، 274

حمزة الشهاب: 117

حيدر الشابندر: 70، 72

حيدر أمير

الحويزة: 353

حرف الخاء

خاتون بنت الوزير: 304

خالد بك متصرف لواء بابان: 255

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 369

خالد العجاج: 25، 34، 35، 36

خالد النقشبندي: 125

خالد بن الوليد: 237، 254

خانه محمد باشا: 255

خديجة خانم: 245، 259

خركي: 223

خسرو باشا: 20

خضر آغا: 122

خلف شوقي الداودي: 112

خليل آغا: 115، 118

خليل باشا: 22، 158، 195

خليل البصيري: 310

خليل الخطيب: 356

خليل الكهية: 107

خميس الضاري: 316

حرف الدال

داسني مرزا: 51، 52

دال أحمد آغا: 159

داود باشا: 30

داود الچلبي (الدكتور): 118

داود خان: 174، 175، 176

داود (الشيخ): 355

دده حسين: 121

درّاج (السيد): 25

درويش آغا: 164

درويش محمد باشا: 20، 24، 26، 29

دلاور باشا: 6، 152

دلي حسين باشا: 32

دلي محمد باشا: 143

دندن: 261

ديللو: 223

حرف الذال

الذهبي: 71

ذو الفقار: 72، 73

ذو الكفل: 98، 100، 250

ذياب الحسان: 197

حرف الراء

رابعة بنت أحمد بن الخليفة المستعصم باللّه: 231

راشد (أبو المكارم محمد): 9

راغب الدفتري: 278، 290

رامي باشا: 183

ربتكي: 356

رجب باشا: 204، 317

رستم خان: 165، 296

رضا زاده شلق: 237

رضا قلي بك: 255

رضا قولي خان قوريجه جي: 265

رمضان آغا: 56

روفائيل بيداويد: 310

حرف الزاي

زاب بن توكال: 226

الزاهدي الگيلاني: 234

زبيدة بنت هارون الجويني: 231، 232

زبيدة زوجة هارون الرشيد: 230، 231

زلّا خان: 253

زمرد خاتون: 231، 232

زهرا خانم: 31

زيد بن محسن (الشريف): 88، 89

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 370

حرف السين

سامي المؤرخ: 11

سبحان قولي خان: 30، 31، 138

السري (من آل عبد السلام): 98

سعد (الشريف): 161، 312

سعد الدين البغدادي: 355

سعد الصعب: 201

سعدون أمير المنتفق: 297، 298، 299

سعود بن الشريف سعد: 312

سعيد بن سعد (الشريف): 161

سلطان الجبوري: 167، 356

سلمان الأمير: 88، 99

سلمان الخزعلي: 179، 180، 181، 182، 184، 194، 201، 206، 229، 239

سلمان القاضي: 196

سليم باشا متصرف بابان: 322، 323، 324

سليم باشا متصرف أماسيه: 264

سليم بك: 311

سليمان رئيس قبيلة كعب: 309

سليمان بابان: 152

سليمان باشا: 11، 290، 291، 295، 296، 299، 301، 305، 313، 322، 326، 330، 331، 332، 337، 339، 340، 341، 342

سليمان باشا آل خالد باشا: 324

سليمان البصري: 266

سليمان بك: 266

سليمان الثاني (السلطان): 344، 351

سليمان شاه: 111، 351

سليمان الشاوي: 303

سليمان الصائغ: 310

سليمان القانوني (السلطان): 87، 94

سليمان الكردي: 266

السمعاني: 254

سنان باشا: 167

سواس: 223

سياب باشا: 60

سيد علي الجلبي: 140

سيدي علي رئيس: 87

سيفا: 85

حرف الشين

شاكر المؤرخ: 11

شاه جهان خرم شاه: 72، 73

الشاه حسين: 234، 235

شاه رخ: 314، 334، 353

شاه محمد: 308، 309

شبلي: 261

شبيب: 200، 201، 211، 212، 214

شبيل: 269

شكر پاره: 45

شناسي (الشاعر التركي): 326

شهاب الموسوي: 358

الشهابي البصري: 98، 100، 102، 117، 355، 358

الشهزادة: 269، 270

شهسوار زاده: 204

الشيخ عبد اللّه: 103

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 371

الشيخ محمد (شيخ الشيوخ): 98، 103، 104

شير بك بابان: 322

حرف الصاد

صادق خان: 301

صاري خان: 334

صاري محمد باشا: 92

صاري مصطفي باشا: 241، 273

صالت أحمد باشا: 156

صالح آغا: 82، 115

صالح باشا: 39، 41، 45

صالح البقال: 23

صالح التميمي: 30

صبحي المؤرخ: 11، 12

الصدر الأعظم علي باشا: 273

صفي شاه: 350

صفي قلي بك: 255، 270

صفية خانم بنت الوزير حسن باشا: 245

صقر شيخ قشعم: 302

حرف الطاء

طالب غني: 112

طه الواعظ: 146

طاهر جلبي: 355

طاهر بن مدلج: 355

طهماسب شاه: 261، 262، 264، 269، 270، 271، 272، 352

طيبي كاتب الديوان: 135

حرف العين

عائشة زوجة رسول اللّه: 139، 238

عائشة خاتون بنت مصطفي باشا: 231

عائشة خانم بنت أحمد باشا: 321

عادلة خاتون: 266

عباس (الشيخ): 208

عباس أخو مندو: 223

عباس پرويز: 281، 314

العباس بن عبد المطلب: 139

عباس شاه الثاني: 74، 270، 351، 352

الشاه عباس الثالث: 352

عباس شيخ بني عمير: 160

عباس الخزعلي: 180، 184

عباس قلي: 239

عبد اللّه والي بغداد: 322

عبد اللّه أمير الحويزة: 217، 223، 227، 229، 230

عبد اللّه أمين الفتوي: 246، 249، 250، 252، 266، 306، 325، 357

عبد اللّه باش أعيان (الشيخ): 103

عبد اللّه باشا الكوپريلي: 238، 241، 288

عبد اللّه بك: 324

عبد اللّه خان الكرجي: 234

عبد اللّه بن حبيب: 99

عبد اللّه الدفتري: 124

عبد اللّه الرازي: 234

عبد اللّه الربتكي: 356

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 372

عبد اللّه السويدي: 136، 202، 250، 255، 259، 302، 304، 305، 306، 311، 312

عبد اللّه الشاوي: 323

عبد اللّه عيسي العباي: 117

عبد اللّه (الغراب): 355

عبد اللّه الفخري: 303، 310، 325

عبد اللّه بن مراد باشا: 311

عبد اللّه بن هاشم (الشريف): 161

عبد اللّه هبة اللّه أمير الحويزة: 353

عبد الباقي وجدي: 62

عبد الحميد عبادة: 22، 23، 24

عبد الرحمن آغا: 224

عبد الرحمن باشا: 127، 142، 149، 243، 245، 247، 253

عبد الرحمن السويدي: 188، 269، 322، 323، 304، 326

عبد الرحمن ابن الشيخ محمود: 136

عبد الرحمن الفراداغي: 121

عبد الرحيم: 174، 254

عبد السلام (الشيخ): 98

عبد السيد شيخ بني لام: 228

عبد الشاه: 177

عبد العال: 216، 227، 229

عبد العزيز خان: 30، 31، 73، 74، 138

عبد العزيز سلطان: 253، 254

عبد الغني النابلسي: 136

عبد علي الحويزي: 36، 52

عبد علي بن ناصر (ابن رحمة): 112

عبد الغافر: 254

عبد الغفور

الربتكي: 356

عبد القادر: 98

عبد القادر البغدادي: 140، 356، 358

عبد القادر شيخ بني لام: 201، 211، 229، 292، 293، 313

عبد القادر الگيلاني (الشيخ): 76، 177

عبد القادر بن يحيي البصري الشامي:

356

عبد الكريم الجيلي (الشيخ): 43، 49، 50، 85

عبد الكريم علي ضياء الشيرازي: 319

عبدي (عبد الرحمن باشا): 65، 66، 144، 149، 180

عبيد: 107

عبيد اللّه القاضي: 248، 258

عثمان (السلطان): 29

عثمان آغا: 234، 240، 271

عثمان باشا (الوزير): 218

عثمان باشا الكردي: 298، 324

عثمان باشا الطوپال: 279، 281، 282، 283

عثمان باشا: 218

عثمان بك أمير باجلان: 225

عثمان الدفتري: 250

عثمان الراوي: 249

عثمان شيخ المنتفق: 107، 108

عثمان بن عفان: 75، 238

عثمان عمر الحنفي: 107

عثمان النجدي: 244

عثمان الينگچري: 53

العدواني: 254

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 373

عرب علي باشا: 144

العزير (نبي): 300

عسّاف أمير طيي ء: 36

عقاب شيخ قشعم: 303

علي بن أبي طالب (رض): 107، 133، 238

علي آغا: 25، 26

علي أكبر: 314

علي بابا (الحاج): 12

علي باشا المعروف بابن الحكيم: 273، 286

علي باشا: 27، 88، 159، 161، 165، 167، 168، 170، 173، 175، 180، 184، 185، 186، 195، 196

علي باشا أفراسياب: 37، 52

علي باشا (قدوم): 143

علي باشا مقتول زاده: 232

علي بك أمير ربيعة: 296

علي بك أمير كوي: 255

علي بك أمير باجلان: 255

علي بك بن حسين باشا: 111، 245

علي بك (عبدي باشا زاده): 264

علي خان: 74

علي بن خلف مولي الحويزة: 353

علي الدفتري: 252

علي الروزنامه چي: 72

علي شاه: 327، 333، 334، 353

علي الشديد أمير الموالي: 100

علي العمري: 246

علي قولي خان: 319

علي الكتخدا: 25

علي مردان أمير اللر: 239، 247

علي الهادي (الإمام): 171

علي الهيتي (الشيخ): 154

عمر: 108

عمر (الأمير): 90

عمر باشا: 116، 135، 136، 143، 144، 147، 149، 156، 159، 245

عمر الحليبي: 102، 103

عمر بن الخطاب: 238

عمر باشا (الوزير): 227

عمر الراوي: 249

عمر السهروردي: 75،

125، 231

عمر الينگچري: 53

عمران السعدون: 208

عناية اللّه خان: 351

عهدي البغدادي: 83

عوض الكتخدا: 124، 126

عيسي صفاء الدين البندنيجي: 76، 151

عيسي بن علي باشا: 103

حرف الغين

غانم الحسان: 197

الغرابي: 72، 138، 146، 154

الغزي المؤرخ: 11، 12، 234

غصيبة شيخ زبيد: 313

الغلامي: 356

غوثي: 85

حرف الفاء

فارس شيخ بني لام: 228

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 374

فاطمة خانم بنت الوزير حسن باشا:

245، 268

فتح علي بك التركمان: 269، 314، 315

فتح اللّه بن عبد القادر لقمان: 154

فتح اللّه الكعبي: 105، 111

فتحي بك: 55، 57، 59، 60

فرج الحويزي (الشيخ): 230

فرج اللّه (المولي): 165، 166، 176، 353

فرهاد بك أمير قزلچة: 255

فضولي البغدادي: 84

فندي (الشيخ): 274

فيض اللّه بلبل: 66

حرف القاف

قائم بك: 73

قادر آغا: 114

قاسم الأفغاني: 233

قبلان مصطفي باشا: 129

قرا محمد باشا: 145

قره مصطفي باشا: 33، 77، 86، 89، 90، 241، 243، 245، 247، 263، 273، 275

قوج باشا: 324

قيا سلطان خاتون: 49

حرف الكاف

كاتب چلبي: 27

الكازروني: 33

كريم خان: 301

الكعبي: 355

كلب علي بن برهام: 338

گنج عثمان: 20، 22، 23، 24

كنعان أمير قشعم: 90

كنعان باشا الكرجي: 91، 92، 106

گورجي باشا الصدر: 52، 53

كوركيس عوّاد (الأستاذ): 190

كوركين خان: 233

حرف اللام

اللّه ويردي أمير الجاف: 239

لوكهارت: 312

حرف الميم

مانع شيخ المنتفق: 155، 156، 158، 164، 165، 166، 172، 176

المتنبي: 268

محب الدين الخطيب: 312

المحبي: 140

محسن بن حسين (الشريف): 161

محمد (النبي صلّي اللّه عليه و سلّم): 65، 138

محمد أبو الهدي الصيادي (الشيخ): 254

محمد الأحسائي (الشيخ): 124، 356

محمد الأزهري (الشيخ): 76

محمد آغا الخاصكي: 174، 176

محمد آغا خواجه زاده: 8

محمد أفندي: 47

محمد أمين باشا: 311

محمد أمين حفيد المفتي: 122

محمد أمين العمري: 8، 310

محمد باشا: 92، 101، 103، 168،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 375

170، 171، 177، 342

محمد باشا أمير أردلان: 245، 247، 255

محمد باشا آشچي زاده: 170، 185

محمد باشا أمير الأحساء: 55، 56، 88، 89، 90، 91، 92

محمد باشا البوغازليانلي: 259

محمد باشا الترياكي: 332

محمد باشا جاوش زاده: 44، 116

محمد باشا آل حيدر آغا: 34

محمد باشا الخاصكي: 67، 72

محمد باشا دال الطبان: 29

محمد باشا الدباغ: 52، 53

محمد باشا الزازه: 340، 343

محمد باشا السلحدار: 76، 77، 88

محمد باشا الصدر الأسبق: 11، 237، 239، 314، 331، 335، 336

محمد (الساعي): 90

محمد باشا القبطان: 185، 186، 195

محمد قبيل: 353

محمد باشا الكتخدا: 256، 278، 284، 287، 288، 290، 291، 326، 330، 341

محمد باشا الگرجي: 82

محمد باشا الكوپرلي: 78

محمد باشا الكبودان: 173

محمد باقر خان: 265

محمد بك: 324

محمد بك أمير زنكنة: 255

محمد بك السلحشور: 77

محمد بك بن قره مصطفي باشا: 86

محمد بك ابن الوزير: 118

محمد جواد عواد: 220، 224

محمد بلوج خان: 263، 288

محمد حسين بك: 315

محمد خان بلوج: 283

محمد الدفتري: 118، 121، 183

محمد الذياب: 223

محمد الرابع (السلطان): 103، 343، 347

محمد راشد مكتوبي الصدر: 12

محمد رضا قولي خان قوريجي باشي:

265، 270

محمد سعيد الراوي: 231

محمد سعيد السويدي: 312

محمد سعيد المدرس: 12

محمد السلطان: 10

محمد شريف الگوراني: 356

محمد صادق خان: 234

محمد ظاهر

شاه: 352

محمد ظلي بن قره أحمد: 65

محمد بن عبد الرسول البرزنجي: 157

محمد بن عبد السلام شيخ الشيوخ:

103، 107

محمد عبد الكريم خان: 327

محمد بن عثمان چاووش: 52

محمد بن عقيلة: 268

محمد الغزلاني: 143

محمد الفضل: 146

محمد فيضي الزهاوي: 121

محمد قولي خان: 45

محمد أفندي كاتب الديوان: 47

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 376

محمد بن مانع: 251، 260

محمد مهدي المنشي: 312، 315، 316، 317، 335

محمد مولي الحويزة: 260، 353

محمد نادر شاه الغازي: 352

محمد نذر خان: 73

محمد نصير النوري المازندراني: 317

محمد الواني: 105

محمد الينگچري: 53

محمد آغا الجبه دار: 171

محمود أمير الأفغان: 234، 240، 251، 269، 351

محمود الأول (السلطان): 262، 344، 347

محمود باشا چغالة زاده: 28

محمود الثامر: 120

محمود الحويزي: 230

محمود الرئيس الأول: 55

محمود السيستاني: 269

محمود شكري الآلوسي: 136، 146

محمود الغرابي: 148، 154، 355، 358

محمود بن عثمان الرحبي: 331

محمود بن عبد الوهاب مفتي الموصل:

122، 356

محيي الدين: 73

مدلج المفتي: 141، 157، 355

مراد آغا: 46

مراد باشا: 51

مراد بخش: 73، 74

مراد الخاصكي: 39

مراد الرابع (السلطان): 17، 22، 24، 27، 29، 32، 33، 50، 51، 53، 82، 84، 127، 189، 225، 290، 316، 318، 342، 349، 350، 353

مراد رئيس: 87

مرتضي باشا: 39، 41، 54، 56، 60، 65، 66، 75، 77، 78، 322، 324

مرتضي آل نظمي البغدادي: 27، 72، 76، 81، 83، 85، 228، 257، 355، 358، 359

المستنصر (الخليفة): 33

المستضي ء بأمر اللّه: 96، 97

مسطور الكعبي: 338

مصطفي آغا الجراح: 127

مصطفي آغا ضابط الحرم: 29

مصطفي آغا الطوبخانه لي: 48، 49

مصطفي أفندي: 265

مصطفي باشا: 34، 51، 56، 105، 107، 115، 116، 119، 170، 173

مصطفي باشا (الوزير): 240

مصطفي باشا الينبوغ: 85، 170

مصطفي باشا دال طبان: 168

مصطفي باشا رئيس الحجاب: 116

مصطفي باشا القنبور: 82

مصطفي باشا الكوبريلي: 150

مصطفي التذكره جي: 17، 348

مصطفي (السلطان):

12

مصطفي الثاني (السلطان): 344

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 377

مصطفي جواد: 70، 97، 113، 244، 304

مصطفي خان شاملو: 315، 316، 321، 334، 335

مصطفي الدده: 62، 63

مصطفي (عالم البصرة): 118

مصطفي العدلي: 121، 122، 123، 124

مصطفي فتح اللّه: 123

مصطفي بن كمال الدين محمد الصديقي الدمشقي: 244

مصطفي الملا طيوي: 10

مصطفي الميراخور: 340، 341، 342

مصطفي نوري باشا: 281

مطلب مولي الحويزة: 353

معتوق بن شهاب الموسوي: 358

معروف الكرخي: 128، 147، 231

معير خان: 319، 321

مغامس أمير المنتفق: 195، 196، 206، 207، 212، 213، 214، 216

ملا باشي: 319، 327

مندو: 223

منلا محمود: 244

منصور مولي الحويزة: 353

منيهاج: 130

مهنا بن علي الخزعلي: 25، 26

مهنا العثمان: 338

موسي آغا: 254

موسي باشا السمين: 43

موسي باشا القپودان: 39، 40، 41،

42، 43، 44، 45، 292

موسي: 99

موسي باشا كوچك: 37، 39

مير حسن: 152

حرف النون

نابي: 10

نادر خان: 261، 270

نادر شاه: 13، 17، 187، 269، 271، 273، 274، 276، 277، 279، 282، 283، 289، 290، 294، 303، 304، 307، 308، 309، 310، 311، 314، 315، 320، 321، 322، 325، 327، 334، 336، 350، 351، 352، 353، 355

الناصر (الخليفة): 33

ناصر (الشيخ): 213

نجم الحلفاوي: 122

نديم: 10

نذر محمد: 31

نشاطي: 358

نصر اللّه الحائري: 230، 309، 312، 357، 358

نصرة الأفغاني: 258

نظر علي خان: 319

نظمي البغدادي: 83

نظيف مصطفي: 315

نعمان بك: 331

نوح (عم الشيخ حسين): 136

نوروز خان: 110

نوغاي: 22

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 378

حرف الهاء

هارون الرشيد: 230- 232

هاشم بن المستضي ء: 97

هولاكو: 272

هبة اللّه مولي الحويزة: 353

هيرودوتس: 236

حرف الواو

ولي أفندي: 311، 315

وصفي زكريا: 188

ولي محمد: 31

وداي العطية: 26، 178، 197، 198، 212

حرف الياء

ياسين باش أعيان: 96، 98، 107، 117

ياسين بن حمزة آل شهاب: 117

ياسين العمري: 8، 322

ياسين بن محمود الموصلي: 190

ياسين المفتي: 123، 356، 357

ياقوت المستعصمي: 77

يحيي آغا: 101، 102، 103، 106

يحيي (الأمير): 88، 89، 90، 93، 104

يحيي بك: 56

يحيي باشا: 107، 110، 112، 114، 115، 116، 118، 335

يحيي دده: 142

يحيي بن علي باشا: 88

يحيي بن نوح: 136

يرنججي زاده: 46

يعقوب سركيس (الأستاذ): 150، 204، 213، 293

يوسف آغا: 216

يوسف (الشيخ): 114

يوسف باشا: 168، 173، 180، 183، 184، 185، 204

يوسف باشا الچلبي: 165، 170

يوسف بن سيدي خان: 81

يوسف عزيز المولوي: 63، 188، 208، 220، 221، 222، 224، 305، 358

يونس الموصلي: 310

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 379

2- فهرس الشعوب و القبائل و البيوت و النحل

حرف الألف

الأبازة: 47

أبدالي: 351

أبو ريشة (آل): 34، 36

الأجود: 207، 213

أردلان: 239، 247، 248، 255

الأرمن: 237، 238

الأزيرق: 216

أسلم: 301

الأعاجم: 274

أفراسياب (آل): 27، 34، 90، 99، 103، 111، 113، 117

أفشار و الأفشارية: 219، 350، 352

الأفغان: 233، 236، 237، 238، 253، 254، 255، 256، 257، 258، 261، 269، 272، 283، 308، 318، 319، 333، 350، 351، 352، 353

الألبانيون: 237

آلوسي (آل): 136

أهل البصرة: 114

أهل الجزائر: 93، 113

أهل السنة: 76، 238، 311

الإنكليز: 73، 74، 119

أوزبك: 31، 73، 138، 318، 319، 333

حرف الباء

بابان، ببه: 152، 218، 222، 228، 239، 255، 322، 324، 343

باجلان: 115، 163، 170، 225، 255

باش أعيان (آل): 56، 57، 112، 117، 357

الباچه جي (آل): 167

بارگزائية: 351

البرتغال: 185

بقارة: 286

بكتاشية: 121

بلباس: 218، 219، 228، 239، 294، 299، 294، 299

بنو أسد، بنوسد: 108

بنو إسرائيل: 19، 300

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 380

بنو جميل: 162، 163، 249

بنو حسن: 208

بنو خالد: 88، 103، 206، 254

بنو سعد: 207

بنو صخر: 301

بنو عباس: 85

بنو عمير: 160

بنو لام: 134، 163، 177، 192، 194، 215، 216، 217، 218، 223، 227، 228، 229، 249، 250، 260، 291، 292، 293، 295، 306، 313، 337

بنو مالك: 160، 179، 207، 213

البو حمدان: 191

بوشناق: 145، 146

البو ناصر: 219

بيات: 114، 163، 170، 269

حرف التاء

تاجيك: 236

الترك، الأتراك، التركمان: 15، 24، 27، 70، 150، 165، 221، 237، 238، 255، 269

حرف الثاء

ثمود: 306

حرف الجيم

جاف (جاف جوانرود): 225، 239، 248، 255

الجحيش: 201

الجليلي (آل): 257، 343

جمشكز: 269

جوجي (آل): 31

حرف الحاء

حسين (آل): 201

الحللية: 210، 357

حميد (آل): 26، 200، 201

حرف الخاء

خالد (آل): 201

الخزاعل: 25، 26، 179، 184، 194، 195، 197، 198، 209، 229، 239، 247

خزاعة: 26، 27

الخزر: 236

خلج: 237

الخلفاء الراشدون: 315

حرف الدال

داسنية: 51

درانية: 351

دليم: 201

الدواسر: 338

حرف الراء

الراشد: 108

ربتكي (آل): 356

ربيعة: 206، 209، 213، 216، 296، 299

الرفاعية: 164

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 381

رفيع (آل): 200

الروم: 27، 32، 34، 45، 54، 59، 73، 85، 92، 93، 96، 99، 100، 110، 135، 141، 142، 149، 151، 278، 297، 308، 316

حرف الزاي

زبيد: 162، 163، 201، 202، 203، 206، 209، 210، 211، 284، 295، 306، 313

زبيد الأصغر: 163

الزراقيط: 199

زوبع: 316

زيبار أو زنيبار: 226

حرف السين

ساعدة: 200، 250

الساميون: 226

السراي (السراج): 206

السدزائية: 351

السرحان: 301

السعدون (آل): 300

السعيد: 201

السكبان، السكبانية: 18، 57، 113، 115، 129

السويدي (آل): 325، 356، 358

حرف الشين

شاوي الحميري (آل): 202

الشبل: 250

الشافعية: 294

الشبيب: 209

شريف بك (آل): 241

شمر: 161، 162، 197، 198، 199، 206، 250، 251، 284، 313، 316

شمر طوگة (طوقة): 199، 203

شوان: 191

شهاب البصري (آل): 117

الشهوان: 189، 191، 286

شيبان: 31

الشيعة: 20، 239، 311، 312، 315

حرف الصاد

الصاجلية: 229

صفوية، صفويون: 233، 239، 265، 269، 270، 289، 312، 316، 318، 350، 351، 352، 353

الصوفية: 125، 128

حرف الطاء

طريحي (آل): 352، 357، 358

طيي ء: 29، 36، 70، 135، 162، 188، 218، 223، 286، 332

حرف العين

عاد: 306

العباسيون: 151، 232، 357

عبد السلام: 98

العبيد: 202، 203، 209

عبودة: 213

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 382

العثمانيون و الدولة العثمانية: 7- 9، 12، 15، 20، 28، 74، 87، 88، 90، 94، 104، 110، 111، 165، 176، 217، 225، 239، 247، 248، 253، 254، 257، 258، 260، 278، 283، 289، 290، 304، 311، 313، 314، 317، 318، 320، 326، 327، 334، 343، 344، 349، 350، 353

العجم: 18، 25، 27، 31، 42، 43، 44، 45، 52، 57، 73، 74، 84، 92، 93، 96، 109، 110، 111، 113، 151، 159، 217، 219، 223، 229، 233، 234، 235، 239، 263، 281، 307، 313، 319، 322

العرب: 15، 23، 24، 27، 59، 110، 113، 150، 195، 206، 211، 238

العزة: 163، 209

العمري (آل): 356

حرف الغين

الغرابي (آل): 148، 355، 358

الغرير: 189، 191، 209، 286

غزية: 162، 200، 206، 211

الغلامي (آل): 356

حرف الفاء

الفخري (آل): 357

الفرس: 70، 141، 226، 238، 283

الفيلية: 193

حرف القاف

قاجار: 318

القرامطة: 87

قريش: 254

القزلباش (القزلباشية): 51، 235، 236

قطان البوادي: 48

قوجة عز الدين: 286

قيس: 163

حرف الكاف

الكرد، الأكراد: 51، 152، 170، 188، 203، 224، 228، 238، 250، 255، 257، 263، 271، 273، 288، 303، 309، 320، 325، 333، 340، 349، 350

الكرمليون: 196

كعب: 113، 309، 338

گلزائي: 237

كواوزة: 96

الكيكية: 286

حرف اللام

لور، لر: 192، 239، 247، 248، 258، 263

لزك، لزكي: 303

اللوند: 94، 166

حرف الميم

ماموي: 239

المجمع (عشرة): 249

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 383

مدلج (آل): 355

المذهب الجعفري: 315

المسعود: 199، 203

مشاهدة: 342

المشعشعون: 164، 260

المعادي: 337، 338

المعامرة: 201

المغول: 31، 73، 151، 231، 308

المفتي (آل): 210

الملامتية: 64

المليك: 219

الملية: 188

المماليك و حكومة المماليك: 11، 15، 17، 80، 210، 244، 298، 326، 330، 343، 360

المناع (آل): 213

المنتفق: 27، 100، 107، 108، 155، 156، 158، 164، 176، 192، 195، 204، 206، 207، 209، 210، 212، 213، 216، 251، 260، 297، 298، 300، 306، 337، 343، 345، 346

الموالي: 100، 188، 232، 274

المولوية: 142، 188

الميّاح: 206، 213، 216

حرف النون

النصاري: 300

نظمي (آل): 149، 150، 355، 357

نوح (آل): 136

نوفل (آل): 201

حرف الهاء

هزارة: 236

هندوك، هندوس: 236، 237، 238

الهولنديون: 195

حرف الواو

الوهابية: 357

حرف الياء

ياسين المفتي (آل): 103

اليزيدية: 51، 209، 223، 229، 285، 343، 356

الينگچرية: 15- 18، 39- 47، 49، 50، 53، 69- 72، 101، 106، 108، 109، 127- 130، 133، 134، 139، 148، 166، 168، 170، 172، 176، 179، 180، 192، 277، 279، 281، 287، 290، 291، 327، 328، 329، 330، 348، 349

اليهود: 19

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 384

3- فهرس المدن و الأماكن

حرف الألف

آلتون صويي (نهر الذهب): 226

آلتون كوپري (قنطرة الذهب): 225، 226، 244، 255

آمد: (ديار بكر)

الأبلة (نهر): 175

أبو حجيرات: 293

أبو غرافة: 216

أبو مهفة (أبو مهيفة): 213

أبيورد: 352

الأحساء: 55، 56، 87- 90، 92، 101- 103، 117، 206، 212

أخسخة: 159

أخيضر: 212

أدرنة: 103، 165، 168

أدنه كوي (منصورية الجبل): 261

أذربيجان: 238، 271، 315، 333

إربل: 310، 324

أردلان: 239، 247، 248، 255

أرضروم (أرزن الروم): 133، 137، 234، 238، 240، 289

أريوان: 288

استنبول: 8- 12، 25، 28، 33، 40، 41، 43، 45، 46، 49، 51، 53، 60، 67، 78، 82، 86، 87، 103، 107، 144، 149، 150، 185، 188، 196، 228، 248، 254، 257، 273، 290، 311، 314، 315، 316، 317، 327، 328، 335، 336، 359

أسكدار: 159، 288

الإسكندرية: 107، 191، 254

أصفهان: 233، 234، 240، 253، 256، 257، 260، 263، 270

أطنة (أدنة): 332

الأعظمية: 185، 273، 311

ألبانيا: 237

ألمانيا: 65

أم التمن: 204

أم الغزلان: 216

أماسية: 170، 264

الأناضول (أناطول): 51، 75، 81، 147، 272، 289، 290

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 385

الأهوار: 170، 215

إيران و الإيرانيون: 12، 14- 17، 20، 25، 27، 28، 34، 65، 74، 89، 90، 127، 149، 158، 166، 174، 176، 189، 192، 193، 219، 225، 226، 233، 234، 235، 236، 238، 239، 240، 247، 253، 254، 255، 258، 260، 261، 275، 278، 283، 307، 309، 315، 316،

317، 318، 319، 320، 321، 322، 326، 327، 331، 332، 333، 334، 335، 336، 339، 344، 350، 351، 352، 353

الإيوان: 344

إيوان الموصل: 143

حرف الباء

باب الأبواب: 236

باب الأعظمية: 30، 75

باب الآغا (محلة): 69

الباب الجديد: 252

باب رباط كبير: 119، 120

باب رباط صغير: 120

باب الشجرة: 259

الباب الشرقي: 172

باب الشيخ (محلة): 154

باب المعظم: 259، 276

باب الوسطاني: 147

باجلان: 115، 163، 170، 225، 255

باچير: 111

باريس: 113

باكستان: 74

پاي طاق: 317

بحر الخزر: 236

البحرين: 87

بخاري: 308

بدرة: 170

البدعة: 204

بدون: 129

براثا (مسجد): 71

برج الجاوش: 146

برج الصابوني: 146

برج العجم: 30

بروجرد: 248، 262

بروسنة: 12

البستان (جبل): 192، 193

بستان الباشا (بستان المتولية): 283، 304، 330

بستان حسن: 221

بستان القصب: 99

بستانسور: 323، 324

پشتكوه: 193

بشكوه: 193

البصرة: 11، 34، 37، 52، 53، 55 57، 59- 61، 87- 91، 94، 96، 98- 101، 103- 114، 116- 120، 122، 123، 126، 127، 132، 135، 142، 144، 149، 154- 159، 161، 163، 164، 165، 166، 167، 168، 172، 174- 176، 185، 186،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 386

195، 196، 201، 203، 206، 207، 209، 210، 214، 215، 220، 224، 243، 246، 253، 283، 291، 292، 297، 298، 299، 300، 301، 309، 311، 326، 331، 332، 337، 338، 339، 340، 342، 344، 345، 346، 357

البطائح (الجوازر): 72، 160

بغاوند: 288

بغداد (مدينة السلام): 11، 15، 17- 20، 22- 24، 26، 27- 35، 37- 54، 56، 59- 62، 65- 80، 82، 84- 87، 89- 92، 94، 96، 100، 102- 107، 110- 124، 127، 129، 130، 132- 139، 141- 145، 147- 153، 155- 157- 173، 177، 179، 180، 182- 186، 188، 189، 192- 196، 198، 199، 201- 204، 206، 208، 211، 212، 214، 217، 220- 225، 227، 228، 229، 231، 232،

234، 238، 239، 243، 244، 246- 250، 258، 260، 266- 269، 271- 278، 282، 284، 285، 287- 300، 302- 311، 313، 314، 315، 317، 320- 322، 324- 328، 330، 331، 332، 334، 335، 337، 339- 343، 347، 349، 352، 355، 356، 359

بغداد كوشكي (قصر بغداد): 28

البقيع: 138

بگ أوغلي: 66

بلاد الأفغان: 233

بلاد الترك: 221

بلخ: 308

بهبهان: 110

بهرز (قرية): 147

بودين: 33، 34، 41

البوسفور (مضيق): 51

البوسنة: 33، 127

پولونيا (لهستان): 65

پياس: 52

بيت اللّه الحرام: 130، 138، 315

بيدا: 262

پيره جك: 170، 171، 274

پيشكوه: 193

البيمارستان العضدي: 304

حرف التاء

تابية الفتح: 75

تابين: 322

تبريز: 238، 271، 333

تربة بابا كور كور: 121

تربة السيدة زبيدة: 231

تربة العزيز عليه السّلام: 300، 301

تركستان: 308

تفليس: 240

تكريت: 39، 274

تكية البكتاشية: 106، 120، 121

تكية عرب: 154

تنومة: 113، 151، 176

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 387

حرف الجيم

الجادرية: 293

جامع الآصفية: 244

جامع الأحسائي (تكية الخالدية): 125، 126

جامع الآصفية: 63

جامع الإمام الأعظم: 67، 118، 135، 148

جامع الإمام علي: 242

جامع الأوزبك: 30، 31، 74

جامع براثا: 244

جامع البوشناق: 146

جامع جديد حسن باشا (جامع السراي، جامع السليماني): 142، 188، 245، 329

جامع حسين باشا: 126

جامع حمام المالح: 146

جامع الخاصكي: 76، 77

جامع الخفافين: 167

جامع السهروردي: 125

جامع سلطان سيد علي: 140

جامع العتيقة: 71

جامع القپلانية: 132

جامع القدوري: 132

جامع القمرية: 21، 32، 135، 136

جامع الگيلاني: 127، 356

جامع محمد باشا السلحدار: 76

جامع محمد الفضل: 146

جامع معروف الكرخي: 128، 147، 231

جامع المنطقة: 71

جامع نور السلحدار: 76

جامع الوزير: 145

جبل الگاوور: 286

جبل النصاري: 287

جبه: 172

جدة: 343

جسّان: 115

جسر بغداد: 224، 244

جسر الحلة: 313

جسر ديالي: 173

الجسر الرضواني: 198

جسر الموصل: 241، 307

الجزائر (الجوازر، البطائح): 68، 72، 96، 109، 155، 170، 173، 178، 208، 210، 213، 214، 215، 217، 223، 296

الجزيرة: 153، 251، 284

جزيرة حميد: 199

جفتايه: 208

جوانرود: 239

جوبين: 226

چولان (قلعة): 271

جهان آباد: 308

حرف الحاء

حانية: 33، 38

الحجاز: 356

الحرم السلطاني: 150

الحرم الشريف: 343

الحرمان الشريفان: 123، 150

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 388

حرير: 255

الحسكة: 178، 179، 182، 184، 194، 195، 196، 201، 212، 213، 297، 337، 341

حسن دپه (تپه): 322

الحسينية (نهر): 244

حلب: 11، 29، 35، 36، 52، 86، 91، 92، 103، 107، 122، 123، 145، 157، 165، 168، 170، 196، 232، 246، 248، 285، 286، 287، 340

الحلّة: 20، 22، 107، 170، 173، 177، 179، 180، 193، 200، 201، 204، 208، 211، 283، 284، 297، 306، 331، 341

الحويزة: 110، 134، 164، 165، 166، 172، 176، 192، 206، 212، 214، 223، 227، 230، 258، 259، 260، 309، 337، 344

الحي: 216

حرف الخاء

الخاتونية: 223

خالد كبشة: 178، 179

خان آزاد: 136

خان بني سعد: 147، 192

خان جغان: 28

خان الحصوة: 192

خان الناصرية: 192

خان النصف (النص): 147، 191

الخانقاه الصغير: 24

خانقين: 271

الخانوقة: 189، 191

خداوندگار: 317

خراسان: 217، 269، 334، 352

خرّم آباد: 239، 247، 258

خزانة الآثار: 326

خزانة الإمام علي: 312

خزانة آل باش أعيان: 112

الخزانة الهمايونية: 335

خطر الزور: 204

خليج العمارة: 217

خندق بغداد: 233

خوارزم: 269

حرف الدال

دار السلطنة: 91

دار الآثار العراقية: 58، 95

دار الآثار القديمة: 21

الدار الآثرية بدمشق: 312

دار الطباعة العامرة: 13

دار الإمارة: 72

دار القرامطة: 87

دار الكتب الوطنية: 113

داسن (داسني): 51، 52

داغستان: 303

دامغان: 270

دانمرك: 65

دبره: 188

دبلة: 212

دپه رش (تپه رش): 323

دپه كل: 323

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 389

دجلة: 48، 49، 51، 53، 74، 75، 108، 125، 126، 136، 140، 148، 160، 170، 171، 177، 190، 216، 217، 249، 266، 274، 281، 300، 310

دجيل (نهر): 77- 79، 162، 275

درتنك: 255، 344

دره حار: 270

درنه: 248، 255، 261، 271، 273، 324، 344

دكاكين: 206

دلي عباس (المنصورية): 324

دمشق: 141، 312

دورق: 110، 111، 174

الدورة: 191

ده بالا: 193

ديار بكر (آمد): 25، 29، 34، 39، 41، 44، 46، 48، 72، 75، 77، 82، 86، 91، 92، 101، 106، 108، 111، 116، 132، 133، 158، 161، 165، 168، 170، 177، 180، 183، 184، 186، 188، 189، 204، 212، 232، 259، 264، 272، 326، 327، 335، 340

ديار بني أسد: 108

الديار الرومية: 122

ديار الكرد: 150، 212

ديالي: 151، 177، 199، 216، 217

الدير: 155

دير العاصي: 223

ديوان بغداد: 72

الديوانية: 212

الديوان الهمايوني: 315

حرف الذال

الذنابة: 293

ذو الكفل: 191، 250

حرف الراء

رأس الجسر: 129

رأس الشط: 99

رأس القرية: 76

رأس المسناة: 136

رانغون: 73

رباط الجندرمة: 23

رباط سلمية: 65

الرحالية: 303

الرصافة: 276، 304، 309

الرضوانية: 173

الرقة: 92، 106، 116، 170، 232، 274، 287، 340

الرمّاحية: 20، 94، 107، 160، 178، 179، 200، 201، 212، 345

الرملة: 93، 108

الرها (أورفة): 84، 161، 188، 286، 287، 290

روان: 159، 160، 237

روسيا: 65

روم إيلي: 335، 336

حرف الزاي

الزاب: 226، 285

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 390

زادشت: 324

زرباطية: 193

زكية: 217

زنجان: 333

زنگباد: 324

زنكنة: 255

زهاو: 344

الزوراء: 210

حرف السين

ساحل الدير: 59

ساقز: 149

سامراء: 194، 232

سحاب: 109

سد الفرات: 177

سدة الأعظمية: 126، 128، 136

سدة الملكية: 142

سراي بغداد: 22، 47، 57، 69، 323

سراي بكتاش خان: 24

سرچنار: 323

سرطاس: 255

سرميل: 317

سروچك (سروجق): 255، 322، 323، 324

سعد آباد: 255

السعيداوية: 108

سلطانية: 333

السماوة: 25، 26، 160، 177، 194، 200، 204، 313

سنجار: 209، 223، 224

سند: 289

سنقور: 248

سنة (سنندج): 239، 320

السواحل العربية: 185

سورية (الشام): 65

سوسة: 323

سوق السراجين: 132

سوق الشيوخ: 107

سوق الكبابية: 167

سوق الهرج: 120

السويب: 108، 110، 113

السويد: 65

السيب (نهر): 53، 160

سيد صادق (قرية): 323، 324

سيواس: 168، 173، 264، 317، 340

حرف الشين

الشالوشية: 56

الشام: 22، 29، 54، 67، 105، 141، 152، 199، 254، 356

الشامية: 107، 162، 197، 212

شاه نخچير: 192، 193

شبكان: 239

الشرش: 59، 108، 206

شروان: 236، 237

شريعة أبو عمار: 214

الشريعة البيضاء: 330، 342

شط الأعمي: 293

شط زكية: 108، 109، 115، 173، 216

شط العرب: 98، 113، 114، 120،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 391

174، 175، 176، 178

شط العمارة: 216، 217

شفاثا: 212، 214، 301، 303

شهر بازار: 255

شهرزور (لواء ببه): 91، 92، 105، 106، 116، 118، 143، 152، 157، 168، 173، 180، 202، 222، 224، 232، 243، 246، 247، 250، 259، 262، 291، 309، 310، 345

شوان: 191

شوكة: 213

شيراز: 111، 263

شيشخانة: 65

حرف الصاد

صاوق (صوغوق بولاق): 239، 259

صحراء الباب الشرقي: 172

صفناق: 237

صفة الكيلاني: 252

الصليند: 160

صيمر: 99

حرف الضاد

ضريح الإمام العسكري: 171

ضريح الإمام الهادي: 171

حرف الطاء

طابية ذي الفقار: 30

طرابلس: 20، 29

طربزون: 243، 247، 285

طريق بغداد البصرة: 192

طريق بعقوبة: 147

طريق بهرز: 147

طريق خراسان: 217

طريق الحج: 230

طورسنجاق (طورساق، طورسخ): 192، 193

طهران: 247، 264، 315

حرف العين

عانة: 34، 35

عباسان: 324

العتبات المقدسة: 303، 311، 317، 321

العرجاء (العرجة): 26، 56، 60، 93، 107، 114، 116، 160، 204، 208، 338

العراق: 5، 7، 15- 17، 19، 20، 24، 27، 28، 36، 41، 65، 66، 79، 116، 119، 150، 154، 158، 160، 162، 187، 188، 193، 194، 197، 198، 209، 218، 225، 226، 227، 230، 244، 249، 254، 257، 258، 266، 269، 270، 282، 287، 290، 301، 307، 315، 316، 327، 330، 344، 345، 347، 352، 353، 354، 355، 359

العشار: 175، 211

العظيم (نهر): 281

العقارة: 56

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 392

عقرقوف (عقرقوفا): 266، 304، 316

علي الظاهر: 292

العلية: 98، 103، 108، 109، 111

العمادية: 82، 153، 170، 305، 306، 322

العمارة: 216، 217، 292

عمان: 89

عين التمر: 212

عين الذهب: 204

عينتاب: 170

حرف الغين

الغراف: 204، 216، 293

الغري (النجف): 306

غلطة: 6، 47

الغماس: 212

حرف الفاء

فارس: 235

الفتحية: 93

الفرات (نهر مراد): 20، 53، 74، 75، 93، 107، 148، 170، 171، 173، 178، 199، 213، 226، 338

فرج آباد: 235

الفلوجة: 20

فندقلي: 8

فوجان: 334

الفيلية (جبل): 223

فينة: 150

حرف القاف

القائم: 200

قارص: 288، 314، 336

قاشان: 264

القاهرة: 76، 86، 140

قبة عائشة: 138

قبة العباس: 138

القبّان: 57، 111

قبر كنج عثمان: 22، 23

قبر نبي توران: 177

القبة المذهبة: 311

قترين: 188

قدس (قرية): 160

القرنة: 57، 59، 91، 93، 94، 96، 100- 103، 108، 109، 110، 114- 116، 164، 168، 170، 176، 177، 337

قره باغ: 237

قره تپه: 324

قره طاغ: 324

قره قوش: 310

قره مان: 170، 173، 184، 232

قزلجة: 255

قزوين: 263، 315

القسطموني: 143

قصبة الأعظمية: 126، 273

قصر أحمد باشا (المتولية): 304

قصر الخلد: 304

القطيف: 103

قفقاس: 303

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 393

القلعة الداخلية: 40- 43، 106، 194، 276، 278، 314، 317، 329

قلعة دكه: 37

قلعة سكر: 293

قلعة العرجاء: 204

قلعة دمشق: 312

قلعة الطيور (الكرخ): 60، 62، 106، 107، 225، 317

قلعة قصر: 37

قلعة الموصل: 313

قم: 264

قمچوقة: 322

قناقية (جناجة): 107

قندسار (كنيسة): 237

قندهار: 351، 233، 234، 235، 236، 237، 253

قنطرة چمن: 226

قنطرة چوبين: 226

قنطرة الذهب (التون كوپري)

قنطرة نارين: 226

قنطرة اليوسفية: 137

قوچان: 334

قونية: 246

حرف الكاف

الكاظمية: 275، 342

كبير كوه (كور كوه): 193

كربلاء: 20، 25، 84، 166، 182، 191، 199، 244، 301، 306، 311، 312، 357

الكرخ: 21، 33، 60، 61، 75، 106، 144، 275، 298، 304، 308، 317

كردلان: 113، 176

كركوك: 75، 120، 121، 152، 153، 158، 161، 189، 191، 204، 212، 218، 225، 271، 309، 311، 322

كرمانشاه: 171، 234، 239، 241، 243، 245، 246، 247، 256، 257، 258، 261، 262، 271، 307، 327، 344

كرمة حتيرش: 216

كرند (كرنت): 248

كروس: 255

گريد: 32- 34، 38، 46، 81، 343

كسرية: 336

گلون آباد: 235

گنجة: 237

كنيسة الكرمليين: 195

كوت معمر: 100، 107، 199

كوتاهية: 180، 204

كور جان (كوريجان): 262

گوز قلعه: 324

كوفة: 297

كوي (كويسنجق): 180، 255، 324

كيچينه: 323

گيلان: 237

حرف اللام

لهستان: 65

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 394

لورستان: 239

لولو كرد: 262

حرف الميم

المابين: 157

ماردين: 272، 286، 340

مازندران: 269، 270

ما وراء النهر: 31، 136، 138

متحف الأسلحة: 19

المتحفة البريطانية: 324

متحف سراي طوبقيو: 28

المجر (بلاد): 65

المحاويل: 160، 202

المحجر: 140

محلة أبي أيوب الأنصاري: 188

محلة حمام المالح: 146

محلة السنك: 355

محلة قنبر علي: 71

المحمودية: 28، 137، 192

مخا: 138

المدرسة الإسماعيلية: 167

مدرسة جامع السراي: 245

المدرسة الحللية: 210

مدرسة عائشة خاتون: 231

المدرسة العلية: 167

المدرسة العمرية: 135، 136

مدرسة الغرابي: 148، 154

المدرسة المستنصرية: 125، 225

المدرسة المغامسية: 210

المدرسة الوفائية: 167

المدينة المنورة: 84، 138، 151، 152

مدينة السلام: انظر (بغداد)

مرعش: 32، 170، 264، 336، 340

مرقد الإمام أبي يوسف: 135

مرقد أمير الأوزبك: 30

مرقد شهاب الدين السهروردي: 35

مرقد الشيخ إبراهيم الفضل: 126

مرقد عون بن علي: 181

مرقد القبلانية: 132

مرقد محمد الأزهري: 76

مرقد محمد الفضل: 146، 306

مرقد معروف الكرخي: 204

مرقد النبي جرجس: 311

مرقد النبي يونس: 311

مرو الروز: 254

المزيدية: 306

المستشفي الملكي: 225

مسجد الإمام علي: 76

مسجد باب گور گور: 120

مسجد الحظائر: 167

مسجد مسناة الأعظمية: 136

مسقط: 185

مسناة الأعظمية: 132

مسناة جسر بغداد: 224

المسيب: 199

مشاهد الكوفة: 191، 194

المشراق: 99، 100

مشهد الحسن العسكري: 194، 221

مشهد الإمام الحسين: 122، 220، 224

مشهد الإمام الرضا: 269، 319، 320، 334

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 395

مشهد الزبير: 109، 208

مشهد سلمان الفارسي: 191، 216

مشهد طلحة: 109، 208

مشهد العتيقة: 244

مشهد العشار: 175

مشهد الإمام علي: 122، 201، 220، 309

مشهد علي الهادي: 194، 221

مشيهد: 198

مصر القاهرة: 29، 37، 65، 67، 86، 133، 141، 150، 152، 165، 288

مطبعة إبراهيم متفرقة: 10- 12، 228، 359

مطبعة إقدام: 144

مطبعة الأهرام: 254

مغان: 289، 318، 352

مقام علي: 175

مقام الشيخ عمر: 125

مقام النبي عزير: 300

مقبرة الأعظمية: 74، 156، 195، 336

مقبرة الإمام الأعظم: 40، 74، 159، 170

مقبرة السهروردي: 75

مقبرة الشهداء: 23

مقبرة الشيخ معروف: 107

مقبرة قاسم

باشا: 65

مقبرة الگيلاني: 177

المكتبة الأهلية: 150

مكتبة الفيحاء: 112

مكتبة نور عثمانية: 154

مكة المكرمة: 88، 92، 312، 343

ملاطية: 10

المملكة التركية: 228

مندلي (بندنيجين): 151، 163، 177، 185، 193

المنصورية (منصورية الجزائر): 94، 96، 101، 108، 324

المنطقة: 71، 75، 275

مهروذ (مهروت): 162، 307

الموصل: 25، 48، 51- 53، 70، 75، 91، 92، 106، 108، 116، 122- 125، 143، 144، 146، 149، 150، 158، 161، 165، 170، 180، 184، 188، 190، 191، 202، 204، 212، 225، 232، 247، 251، 252، 257، 264، 281، 286، 288، 295، 305، 308، 310، 311، 313، 331، 332، 335، 340، 343، 345، 356، 357

الميدان (محلة): 67، 72، 120

ميل السهروردي: 231

حرف النون

نارين: 226، 324

الناصرية: 93، 107

نبي توران (طهران): 177

نجد: 89، 151، 254

النجف (الغري): 20، 76، 179، 182، 191، 297، 311، 312، 357

النجيبية: 225

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 396

نخچوان: 237، 239، 250

النمسا: 224

نهاوند: 248، 258

نهر الأبلة: 175

نهر جمن: 226

نهر حسكة: 178

نهر الحسينية: 244

نهر خريسان: 217

نهر أبي الخصيب: 175

نهر ذياب: 178، 180، 183، 186

نهر الشاه: 179، 191، 200

نهر العشار: 175

نهر عنتر: 109، 206

نهر عيسي: 162

نهر كارون: 227

نهر الكرخة: 227

نهر نارين: 226

نهر اليوسفية: 137

النهروان: 151

حرف الهاء

هجر: 87

هراة: 233، 270

همذان: 239، 240، 241، 245، 246، 249، 250، 253، 254، 256- 259، 261، 262، 264، 282، 283، 307، 320، 344

الهند: 55، 56، 72- 74، 110، 111، 116، 138، 236، 289، 308، 321

الهور: 208

هور أبو غرافة: 216

هور بني مالك: 338

هور حافظ: 293

هور عقرقوف: 316

هور نجم: 201

هور نمرود: 268

هولاندة: 65

هيت: 26، 34، 35، 70، 72، 301

حرف الواو

وان: 20، 86، 166، 238، 241

حرف الياء

يدي قله: 34

اليمن: 161

ينبع: 161

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 397

4- فهرس الكتب

حرف الألف

أربعة عصور: 27

أسرة باش أعيان: 96، 97

أولياء بغداد: 76

حرف الباء

بائية أبي تمام: 139

پانصد سالة در خوزستان: 353

بستان السياحة: 309

البلاد (جريدة): 231

بلوغ الأفهام: 112

پند عطار: 13

البهارية: 221

بهجة الإخوان: 324، 331

بوستان: 13

حرف التاء

تاريخ الأدب التركي في العراق: 355، 358، 359

تاريخ الأدب العربي: 358

تاريخ الأدب الفارسي: 358

التاريخ الأدبي: 13، 141

تاريخ الأفغان: 236، 237

تاريخ إيران: 234، 237، 281، 283، 314، 316، 352

تاريخ تيمور لنك: 257، 359

تاريخ راشد: 9، 82، 87، 92، 105، 113، 155- 157، 160، 161، 164، 165، 168، 170، 172، 177، 184، 185، 233، 235

تاريخ الزندية: 319

تاريخ سبعة وزراء: 187

تاريخ السلحدار: 8، 33، 34، 48، 56، 60، 61، 90- 94، 102، 106، 107، 109، 110، 117، 121، 127، 129، 143، 144، 146، 159- 161

تاريخ صبحي: 11، 12، 285، 288

تاريخ الطباعة و المطبوعات: 257، 359

تاريخ العراق بين احتلالين: 20، 25، 63، 74، 78، 87، 94، 100، 105، 106، 127، 140، 142، 145، 146، 158، 166، 196، 217، 231، 321

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 398

تاريخ عزي: 11، 335، 337، 338

تاريخ العلاقات بين العراق و إيران: 316

التاريخ العلمي في العراق: 13

تاريخ الغرابي: 8، 42، 43، 46، 60، 61، 70، 72، 134، 138، 139، 148، 151- 154، 227

تاريخ الغياثي: 225

تاريخ قباطي: 273

تاريخ كوچك چلبي زاده: 10، 238، 239، 240، 243، 244، 246، 248، 250، 253، 255، 257

تاريخ مساجد بغداد: 30، 136، 167

تاريخ مختصر إيران: 237

تاريخ الموصل: 310

تاريخ نشاطي: 188، 232، 243، 246، 266، 268، 287، 289، 290، 291، 299، 300، 322- 325

تاريخ نعيما: 9، 10، 18، 20، 25، 29، 33، 35- 37، 40، 42- 50، 52، 53، 60

تاريخ واصف: 13

تاريخ اليزيدية: 52، 223

تحفة الخطاطين: 305

تحقيق و تدقيق: 13، 290

تذكرة الأحوال: 234

تذكرة الزاهدي الكيلاني: 234

تذكرة سالم: 142، 144، 150

تذكرة

عهدي: 83

التعريف بالمؤرخين: 8، 13، 154، 228، 358

التعريفات: 124

تفسير سورة الكوثر: 177

التكايا و الطرق: 85، 106، 125

تواريخ سامي و شاكر و صبحي: 11

حرف الجيم

جامع الأنوار: 76

جهانگشاي نادري: 13، 309، 312، 315، 317، 321

الجوهرة في علم العروض: 117

حرف الحاء

حاشية علي البيضاوي: 123

حاشية علي التلويح: 123

حاشية علي شرح الألفية للجلال السيوطي: 124

حديقة الزوراء: 8، 188، 190- 192، 194، 196، 197، 200- 204، 208، 211، 215، 218، 221، 222، 224، 228، 229، 235، 244- 246، 248- 255، 259، 260، 264، 266، 268، 269، 273، 276، 283، 285، 287، 290- 293، 295- 299، 302- 304- 307، 309، 310، 312- 314، 316، 320- 323، 353

الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية:

312

حرف الخاء

خزانة الآثار القديمة: 141

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 399

خزانة الأدب: 141، 356

خلاصة الأثر: 29، 87، 88، 122، 123- 125، 140

حرف الدال

دائرة المعارف للبستاني: 175

الدر المكنون: 26

دره نادري: 13، 317

دوحة الوزراء: 8، 188، 238، 240، 243- 246، 248- 255، 258- 262، 264، 266، 268، 269، 273، 283، 285، 287- 288 291، 293، 294، 296، 297، 299، 302، 305- 307، 313، 315- 317، 321- 323، 327، 331، 335، 336، 341، 343، 353

دول إسلامية: 31، 74، 138، 237، 261، 308

ديوان تركي: 355

ديوان حافظ: 13

ديوان السيد حسين مير رشيد: 309، 358

ديوان شناسي (الشاعر التركي): 326

ديوان طيبي: 135

ديوان محمد جواد عواد: 224

ديوان السيد نصر اللّه الحائري: 309، 358

حرف الراء

رحلة أوليا چلبي: 46، 48، 66، 76، 82، 154، 229

رحلة تافرنية: 190

رحلة ريچ: 190

رحلة السويدي (النفحة المسكية في الرحلة المكية): 135، 136، 308

رحلة سيدي علي (مرآت كائنات): 217

رحلة المنشي البغدادي: 128، 189، 190، 208

رسالة علي الأسئلة اللاهورية: 151

رسالة في التغليب: 141

الروض البسام: 254

الروض النضر: 154، 303

روضات الجنات: 153، 312

روضة الأبرار: 28

حرف الزاي

زاد المسافر: 8، 98، 102، 105، 109- 111، 355

زبدة آثار المواهب و الأنوار: 154

حرف السين

سجل عثماني: 13، 22، 30، 52، 77، 147، 168، 183، 204، 215، 245

سكب الأدب علي لامية العرب: 303

سلك الدرر: 158

سومر (مجلة): 19

سياحتنامه حدود: 193، 300، 301

سياحة نيبهر (نيبور): 301

سيرة المولوي: 8

السيوف العراقية: 312

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 400

حرف الشين

شاهدي، شاهدية: 13، 141

شرح بانت سعاد: 141

شرح تهذيب المنطق: 124

شرح القدوري في الفقه: 124

الشرفنامة: 226

شط العرب (جريدة): 112

شهرزور- السليمانية (كتاب): 152

شواهد شرح الشافية: 141

حرف الصاد

صحاح الجوهري: 259

حرف العين

عثمانلي تاريخ و مؤرخلري: 10، 11

عثمانلي مؤلفلري: 10، 66، 154

عجائب البلدان: 175

العراق في القرن السابع عشر: 190

عشائر الشام: 188

عشائر العراق: 26، 135، 162، 163، 191، 192، 197، 199، 203، 218، 221، 225، 235، 249، 254، 295

العقد اللامع: 21، 23

العقيدة الإسلامية في العراق: 152

العلاقات بين العراق و إيران: 258

عمدة البيان: 89، 90، 119، 122، 123- 125، 143، 149، 191، 215، 241، 252، 253، 285، 215، 300، 305، 307، 308، 332، 333

عنوان الشرف: 322

عنوان المجد: 89، 97

حرف الغين

غاية المرام: 151

حرف الفاء

الفتاوي العالمگيرية (الهندية): 73

فذلكة كاتب چلبي: 8، 9، 18، 20، 28، 29، 42، 52

فرهنك شعوري: 359

فصل الخطاب: 357

الفيض الغزير: 112

حرف القاف

القرآن الكريم: 22، 24، 84

قاموس الأعلام: 236، 303

قصد السبيل في توحيد الحق الوكيل:

152

القضاء (مجلة): 348

قويم الفرج: 8، 188، 190- 192، 194، 196، 199- 201، 203، 206، 208، 209، 211، 215- 221، 227، 228، 353

حرف الكاف

الكاكائية في التاريخ: 113، 356

گلشن خلفا: 8، 18، 20، 24، 25، 27، 29- 34، 37، 38، 40، 43- 50، 53- 55، 60- 62، 64، 66- 68، 70، 71، 79، 82، 83، 85- 90، 92، 93، 96، 98، 102، 105، 107، 109، 113، 115- 118، 120، 123- 130، 132- 138، 140،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 401

144- 148، 150، 152- 163، 167، 168، 171، 172، 174، 177، 178، 180، 182، 186، 188، 190- 197، 199، 201، 203، 204، 207، 208، 215، 218، 220- 222، 224، 226- 228، 246، 251، 359

گلشن شعرا: 85

گلشن معارف: 12، 13، 288

حرف اللام

لب التواريخ: 13

لغة العرب (مجلة): 24، 94، 136، 203، 221، 227، 228، 305، 309

لغت و آن قولي: 257

لغة وصاف: 355

حرف الميم

ماضي النجف و حاضره: 220، 221، 309

مباحث عراقية: 93، 166، 196

مجموعة عمر رمضان: 300

مجموعة الفخري: 325

مجموعة المولوي: 209

مجنون ليلي (منظومة): 84

مختصر التاريخ: 33

مخطوطات الموصل: 118، 136، 154، 167، 310

المشتبه للذهبي: 71

مشعشعيان: 260، 353

المعاهد الخيرية: 31، 33، 71، 77، 121، 125، 126، 128، 132، 135، 140، 145، 146، 148، 167، 231، 244، 309

معاهدات مجموعة سي: 290، 321، 351، 352

معجم البلدان: 51، 212

مغني اللبيب: 141

المقصد الحرام: 141

منتخب المختار: 33

منظومة آل أفراسياب: 8

منظومة الشهابي: 89، 90، 92، 94، 100، 107- 109، 115، 117، 355

منهل الأولياء: 310

حرف النون

نادر شاه: 205، 309، 312

ناز و نياز: 84

النبراس في خلفاء بني العباس: 85

نتائج الوقوعات: 13، 281، 282، 285، 325

نشوة السلافة: 358

نصرتنامه: 9

النفحة المسكية في الرحلة المكية: 311، 312

النقود العراقية: 346، 347

نهر الذهب في تاريخ حلب: 196، 232

نوافض الروافض مختصر النواقض: 157

حرف الواو

و آن قولي: 359

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 402

5- فهرس الألفاظ و المصطلحات

حرف الألف

أبو خزامة: 349

أحشامات: 134

إرسالية: 78

ازدلاف، ازدلاق: 79

اعتماد الدولة: 90، 91، 269، 314

التزام: 346

اقجة: 78

أمانة: 346

أورطة: 176

حرف الباء

باليمز: 106، 171، 263، 349

حرف التاء

ترقي، ترقية: 170، 348

تسيار: 179

تغار (طغار): 53

حرف الجيم

چاروكة: 182

الچپة جية: 176

چرخ فلك: 281

الجورباجية: 134، 148

حرف الخاء

خاصكي: 67، 76، 176

خانة (بيتية): 198

خزيندار: 196

خميرة: 171، 263، 349

حرف الدال

داء الفيل: 290

درابزون (طربزون، محجر): 140

دز دار: 27

الدفتري: 112، 114

حرف الراء

رخت: 35

رسومات شرعية: 155

رطل: 78

رهوان، رهوار: 78

الروزنامه چي: 69

حرف الزاي

زنبرك: 263، 349

حرف السين

الساليانه: 79، 347

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 403

سردن كيچدي: 166، 170، 179، 271، 348

سلحدار: 45، 48، 51، 54

سلحشور: 264

سويش (ازدلاق): 79

حرف الشين

شاهنشاه (ملك الملوك): 308

شاهي، شاهية: 106، 171، 263، 349

حرف الصاد

صاروجة، صاريجة: 94، 348

حرف الضاد

ضابط: 174

ضرائب عرفية: 155

حرف الطاء

طوبخالي: 48

حرف العين

عتقان: 183

عرش الشاه: 321

علوفة: 180

حرف الغين

غدّارة: 53

غرار، هرار، هرارة: 182

حرف الفاء

فرجية (فراجة): 67، 78

فرقتة، فرقته جي: 293

فرمان: 53، 264

فرن: 308

حرف القاف

قرش، قروش: 35، 80

قلمية: 346

قوغوش: 171، 349

القيودانية: 39، 45

حرف الكاف

الكتخدا: 145

الكهية: 145

كيس (كيسة): 78، 101

حرف اللام

ليرة (دينار): 278

حرف الميم

متصرف (متسلم): 152

محصل (مستوفي): 156

مدافع قالعة: 349

معاهدة (عهد نامة): 119

مقاطعات: 137

مقطوع: 346

مهردار: 320

ميراخور: 40، 41

مير ميران (أمير الأمراء): 291

ميزانية: 119

حرف الهاء

هاون: 263، 349

هزّة: 182

حرف الواو

وفر: 197

وكيل الشاه: 270، 352

حرف الياء

يان صاچمة: 171، 349

اليساقجية: 140، 348

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 404

6- فهرس الصور

جامع قمرية في الكرخ 21

جامع سامراء 58

جسر بغداد القديم 95

جسر الموصل القديم 131

جامع الخاصكي ببغداد 169

نادر شاه 205

جامع الإمام علي 242

الوزير أحمد باشا و الأسد 280

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 405

7- فهرس الموضوعات

المقدمة 5

المراجع التاريخية 7

حوادث سنة 1048 ه- 1638 والي بغداد كوجك حسن باشا 17

حوادث سنة 1049 ه- 1639- عزل الوالي 20

حوادث سنة 1050 ه- 1640 م 28

حوادث سنة 1051 ه- 1641 م 28

حوادث سنة 1052 ه- 1642 م 29

حوادث سنة 1053 ه- 1643 م 31

حوادث سنة 1054 ه- 1644 م 32

حوادث سنة 1055 ه- 1645 م 37

حوادث سنة 1056 ه- 1646 م 38

حوادث سنة 1057 ه- 1647 م 39

حوادث سنة 1059 ه- 1649 م 47

حوادث سنة 1060 ه- 1650 م 48

حوادث سنة 1061 ه- 1650 م 50

حوادث سنة 1062 ه- 1651 م 52

حوادث سنة 1063 ه- 1652 م 53

حوادث سنة 1064 ه- 1653 م 55

حوادث سنة 1065 ه- 1654 م 61

حوادث سنة 1066 ه- 1655 م 65

حوادث سنة 1067 ه- 1656 م 66

حوادث سنة 1068 ه- 1657 م 74

حوادث سنة 1069 ه- 1658 م 75

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 406

حوادث سنة 1072 ه- 1661 م 81

حوادث سنة 1073 ه- 1662 م 83

حوادث سنة 1074 ه- 1663 م 83

حوادث سنة 1075 ه- 1664 م 86

حوادث سنة 1077 ه- 1666 م 104

حوادث سنة 1078 ه- 1667 م 106

حوادث سنة 1079 ه- 1668 م 116

حوادث سنة 1080 ه- 1669 م 116

حوادث سنة 1081 ه- 1670 م 119

حوادث سنة 1082 ه- 1671 م 121

حوادث سنة 1083 ه- 1672 م 123

حوادث سنة 1084 ه- 1673 م 125

حوادث سنة 1085 ه- 1674 م 125

حوادث سنة 1086

ه- 1675 م 128

حوادث سنة 1087 ه- 1676 م 128

حوادث سنة 1088 ه- 1677 م 132

حوادث سنة 1089 ه- 1678 م 133

حوادث سنة 1090 ه- 1679 م 135

حوادث سنة 1092 ه- 1681 م 136

حوادث سنة 1093 ه- 1682 م 137

حوادث سنة 1094 ه- 1682 م 142

حوادث سنة 1095 ه- 1684 م 143

حوادث سنة 1097 ه- 1685 م 143

حوادث سنة 1098 ه- 1686 م 144

حوادث سنة 1099 ه- 1687 م 146

حوادث سنة 1100 ه- 1688 م 147

حوادث سنة 1101 ه- 1689 م 150

حوادث سنة 1102 ه- 1690 م 152

حوادث سنة 1103 ه- 1691 م 156

حوادث سنة 1104 ه- 1692 م 158

حوادث سنة 1105 ه- 1693 م 159

حوادث سنة 1106 ه- 1694 م 160

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 407

حوادث سنة 1107 ه- 1695 م 161

حوادث سنة 1109 ه- 1697 م 163

حوادث سنة 1110 ه- 1698 م 165

حوادث سنة 1111 ه- 1699 م 167

حوادث سنة 1112 ه- 1700 م 168

حوادث سنة 1113 ه- 1701 م 180

حوادث سنة 1114 ه- 1702 م 182

حوادث سنة 1115 ه- 1703 م 184

حوادث سنة 1116 ه- 1704 م 186

حوادث سنة 1117 ه- 1705 م 193

حوادث سنة 1118 ه- 1706 م 197

حوادث سنة 1119 ه- 1707 م 201

حوادث سنة 1120 ه- 1708 م 203

حوادث سنة 1121 ه- 1709 م 211

حوادث سنة 1122 ه- 1710 م 215

حوادث سنة 1123 ه- 1711 م 217

حوادث سنة 1124 ه- 1712 م 218

حوادث سنة 1125 ه- 1713 م 219

حوادث سنة 1126 ه- 1714 م 220

حوادث سنة 1127 ه- 1716 م 223

حوادث سنة 1128 ه- 1716 م 224

حوادث سنة 1129 ه- 1717 م 225

حوادث سنة 1130 ه- 1718

م 227

حوادث سنة 1131 ه- 1718 م 228

حوادث سنة 1132 ه- 1719 م 232

حوادث سنة 1133 ه- 1720 م 233

حوادث سنة 1134 ه- 1721 م 233

حوادث سنة 1135 ه- 1722 م 238

حوادث سنة 1136 ه- 1723 م 241

حوادث سنة 1137 ه- 1724 م 249

حوادث سنة 1138 ه- 1725 م 250

حوادث سنة 1139 ه- 1726 م 252

حوادث سنة 1140 ه- 1727 م 257

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 5، ص: 408

حوادث سنة 1141 ه- 1728 م 258

حوادث سنة 1142 ه- 1729 م 261

حوادث سنة 1143 ه- 1730 م 261

حوادث سنة 1144 ه- 1731 م 262

حوادث سنة 1145 ه- 1732 م 266

حوادث سنة 1146 ه- 1733 م 279

حوادث سنة 1147 ه- 1734 م 285

حوادث سنة 1148 ه- 1735 م 288

حوادث سنة 1149 ه- 1736 م 290

حوادث سنة 1150 ه- 1737 م 291

حوادث سنة 1151 ه- 1738 م 295

حوادث سنة 1152 ه- 1739 م 301

حوادث سنة 1153 ه- 1740 م 303

حوادث سنة 1154 ه- 1741 م 305

حوادث سنة 1155 ه- 1742 م 307

حوادث سنة 1156 ه- 1743 م 308

حوادث سنة 1157 ه- 1744 م 313

حوادث سنة 1158 ه- 1745 م 313

حوادث سنة 1159 ه- 1746 م 315

حوادث سنة 1160 ه- 1747 م 317

حوادث سنة 1161 ه- 1748 م 326

حوادث سنة 1163 ه- 1750 م 342

خاتمة 360

1- فهرس الأعلام 365

2- فهرس الشعوب و القبائل و البيوت و النحل 379

3- فهرس المدن و الأماكن 384

4- فهرس الكتب 397

5- فهرس الألفاظ و المصطلحات 402

6- فهرس الصور 404

7- فهرس الموضوعات 405

الجزء السادس

استدرك المؤلف علي الجزء السادس، و وضع تعليقات ألحقها بالجزء السابع،

قال:

«المرء معرض للنقص و السهو أو لا تتيسر له الإحاطة و لا الاستيعاب للمباحث، لا سيما الحوادث التاريخية، و بالتعليق و الاستدراك

يتلافي بعض النقص و يراعي إصلاح الخطأ. فيستدرك ما فات. و يصحّح الخطأ».

و قد رأينا أن نضع فقرات هذه الاستدراكات و التعليقات في مواضعها من هذا الجزء. كما فعلنا في الأجزاء السابقة.

و قد ألحق المؤلف بهذا الجزء تعليقات و استدراكات علي الجزأين الرابع و الخامس سماها «الملحق الخامس» و قد رأينا أن نضمها إلي الجزأين المذكورين.

الدار العربية للموسوعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 7

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المقدمة

الحمد للّه وحده و الصلاة و السلام علي من لا نبي بعده و علي آله و صحبه و من تبعه بإحسان إلي يوم الدين.

و بعد فهذه صفحة أخري تالية لما سبقها من بيان حياتنا الماضية و تطورها، كاشفة عما اتصل بنا من حوادث. و هدفنا أن نتطلع إلي وجوه الانتفاع و إلي ما طرق من مضايق حرجة و ما اتخذ من مخارج، أو ندرك الشؤون الاقتصادية و الاجتماعية في حالات الهدوء و الاضطراب …

و تخص تلك الحوادث أيام (المماليك) المعروفين ب (الكولات).

نري المطالب فيها أوسع و العلاقات أكمل و أتم. جاءتنا فيها الوثائق أكثر. و تبينت لنا الحالة أوضح لقرب العهد منا. و فيها من السياسة ضروب، و من الاتجاهات أنواع. و مثلها في الثقافة ما لا يقل شأنا.

و هكذا سائر الأحوال مما يدعو إلي الانتباه و المعرفة الحقة بالرغم مما يحوطها من الاتجاهات.

و حوادثها من سنة 1162 ه- 1749 م إلي سنة 1247 ه- 1831 م.

و تعد زمن نهضة و أملنا أن تكون هذه المباحث عند رغبة الأفاضل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 8

نظرة عامة

حكومة المماليك أثرت علي العراق سياسيا و ثقافيا. فبرزت أهميتها كبيرة بما شوهد من وقائع. فخلدت لها ذكرا، و أظهرت العراق مرة أخري، و إن كانت لم تتوافر لها الدوافع السياسية و البواعث الاجتماعية و الاقتصادية، من كل وجه.

و هذا العهد يهمّ كثيرا في إدراته، و في نفسيات أهليه، و ما اكتسب من العظمة في أوضاع جرت فيه، أو فرضت عليه من سياسة مشي عليها الحاكمون أو جموح من الأهلين، و هكذا ما كان من اتصالات بالخارج و علاقات اقتصادية و حربية … أو ما حصل من ثقافة.

استعان الوزير

حسن باشا و ابنه أحمد باشا (بالمماليك). فأكثروا منهم لتقوية سلطانهم و للقضاء علي (الينگچرية) و تحكمهاتهم بالولاة و بالدولة، فتمكنوا من هذه الادارة إلا أن السلطة حولت إليهم. ذاق المماليك حلاوة الحكم، و شعروا بالقدرة، فخلفوا أسيادهم في سلطانهم و لم يحصل من التبدل إلا أن يعلنوا ادارتهم. أرغموا الدولة أن تصادق علي الأمر الواقع. و تسلطوا علي الأهلين فأذعن العراق بالطاعة.

رغبوا في الحكم. و كان بأيديهم. فهم بين أن يتمشوا و الإدارة الأهلية فيجدوا أكبر مناصر، و بين أن يرعوا مطالب الدولة إلا أنهم كانوا في ريب منها. و في كلتا الحالتين لم يجدوا الأمر مكفولا، فليس لهم قدرة النضال، و ليس من الميسور أن تقبل الدولة الانقياد الظاهري أو أن تدع مجالا لأحد أن يتدخل في ادارتها. و الأهلون بالمرصاد.

قرروا بعد تلوّم أن يجروا علي خطة أحمد باشا في تسلطه و انقياده الظاهري للدولة دون معاكسة الأهلين، فصرفوا الهمة إلي ارضاء الناحيتين مع مراعاة الحيلولة دون اتفاقهما. أبدوا الطاعة للدولة. و في الوقت نفسه حاربوا الوالي المبعوث منها. و كان وضع الدولة آنئذ أن لا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 9

تحرك ساكنا حذرا من تكرر واقعة (بكر صوباشي)، فتتدخل ايران مرة أخري. و كان لها من الأوضاع الحربية و الحالات الطارئة ما يشغل.

لم يستطع الوالي أن يقف في وجه المماليك، فاضطرت الدولة أن تذعن خشية توسع الخلاف، أو أن يفرط الأمر، فورد الفرمان و كان موقعا علي البياض، فجاء بنصب سليمان باشا وزيرا علي بغداد، و انتهت العقدة، فتكونت (حكومة المماليك). و قبلت بما يؤديه الوالي إلي الدولة، و انقادت اسميا بل راعت ما هو مرعي للولاة المنقادين رأسا.

و كانت موافقة

الدولة علي مضض و شعرت بالخطر، فحاولت بعدها محاولات عديدة للقضاء علي هذه الغائلة فكانت كلها فاشلة. يتخلل ذلك وقائع أخري غريبة، و أحوال شاذّة و آراء مهمة، و تدابير دقيقة. كلها تدل علي حنكة. و فيها أقصي ما يمكن الركون إليه من خطط سليمة، و آراء قويمة لا نجدها في غيرها.

دامت هذه الحكومة في جدال عنيف تارة، و في سياسة مصافاة و مداراة أخري و كانت في يقظة. لم تضيع الحكمة و لا حسن الادارة في وضعها و فيما تدعو إليه الحالة. و هكذا حتي شعرت بالقدرة. فاضطرت للمقارعة الحاسمة أو المجاهرة بالمخالفة للدولة فأرادت أن تجرب طالعها فحدث ما لم يخطر ببال، فانتهت بخذلان ذريع و انقراض تام.

و إرادة اللّه تعالي غالبة.

و لا ننكر أن هذه الحكومة قضت أيام راحة و طمأنينة أكثر من الادارات السابقة نوعا، و صرفت جهودا للنفع العام من احياء الحضارة و الثقافة و مراعاة وسائل العمارة، فنال القطر رفاها، و اكتسب انتظاما.

و أقل ما عملوا أنهم أزالوا نفوذ الينگچرية.

و الأهلون لم ينالوا نصيبا وافرا في الادارة. و لذا كانت آمالهم ضعيفة فلا قيمة للعلوم و الآداب، و إنما كانت علما لا ينفع، و ربما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 10

صارت مصيبة فكلما شعر القوم بقوة قضوا عليها. و لا شك أن حكمهم كان غريبا. رأوا مصافاة الدولة أكبر من مصافاة الشعب فمالوا إليها، و نال الشعب الإهمال. و كان ربحه في أن يري راحة، و لم يجد الازعاج الذي كان. و شاهد ثقافة غير نافعة.

سيطروا علي الادارة، و تسلطوا بيد من حديد، و كانت سيرتهم علي سيرة مواليهم حسن باشا و أحمد باشا.

و نري في هذا العهد

صفحات متجددة في السياسة و الادارة و الثقافة جربنا القلم في موضوعها الشائك بالرغم مما بذلنا من جهد. فالوثائق كثيرة و النزعات متضاربة. فحاولنا النفوذ إلي ما وراء الستار من دقائق سياسية مكتومة، و جردناها مما كان يخفيه العثمانيون و المماليك. و جل أملنا أن يشارك القاري ء الفاضل في النتائج و إلا فلكل رأيه.

و هذا العهد- علي قصر مدته- أمكن العمل فيه مع وجود المنغصات في حروب ايران، و في الطواعين، و في حروب الدولة. و كل أمر من هذه يكفي لتدمير دول و أمم، و مع هذا سار العراق بخطوات واسعة. لم يبال بالعقبات. و هذا شأنه دائما لا يقف عند حادث، و لا يهتم بما جري. و إنما يفكر دائما في المستقبل.

و لا شك أن هذا التاريخ أولي بالاهتمام. فلم تنقطع صلته، و لا تزال حوادثه المحفوظة تدور في مجالسنا، و العراق اظهر حبه لهذا العهد لما رأي بعده من غوائل.

المراجع التاريخية

اشارة

لا يخلو هذا العهد من غوامض بالرغم من تعدد المستندات التي حصلنا عليها و تكاثرها بحيث يتبادر لأول وهلة أن لم يبق خفاء. و حب التطلع يقوي الرغبة أكثر. و هذه الوثائق في الغالب صادرة من صنائع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 11

المماليك، أو من مؤرخي الدولة و كل منهم يستهدف سياسة خاصة يحاول فيها أن يخفي أمره أو لا يجهر بخطته بل يظهر غير المطلوب.

و التاريخ السياسي بين الكتمان و المداراة أو هو مسجّي بغشاء من المماشاة و سائر التواريخ بين المغالاة من ناقم، أو محب مداهن و جهودنا موجهة نحو ما تيسر من تثبيت الواقع و تجريده من الميول و النزعات، قدر المستطاع. و لم نراع رغبتنا في التوجيه

و لا شعورنا في تعيين الشؤون بل كنا بوضع رسام أو مصور بلا تزويق أو تشويه.

و يهمنا أن نبصّر بعلاقة الحكومة بالأهلين، و ما هي عليه من حالات كما أن هناك علاقات خارجية لا يصح أن تهمل، و ثقافة أو آثار حضارة لا ينبغي أن تغفل.

1- المراجع العراقية:

اشارة

هذه يصعب احصاؤها. و بينها نتف مفرقة، أو قصائد مفردة أو حوادث مبددة هنا و هناك. و يهمنا بيان ما كان أكثر فائدة. و غالب المؤرخين كانوا لجانب الحكومة. و أقل ما يقال فيهم التزلف.

و العربية من هذه:

1- كتب الأدب. من دواوين و مجاميع و أمثالها.

و في التاريخ الأدبي أوسعنا القول فيها. و لا تخلو مما يعين بعض الوقائع فنذكر ما يتعلق منها بالتاريخ السياسي، أو نستخلص مجمل التاريخ الثقافي.

2- الوثائق التاريخية.

و نتناول منها ما كانت فائدته أشمل مثل منهل الأولياء، و عمدة البيان، و غرائب الأثر للعمريين، و مطالع السعود لابن سند و سائر ما يعرض بحثه. و أما ما تأخر فإننا نتولي بحثه في حينه إلا أننا لا نغفل نصوصه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 12

2- و المراجع التركية:

اشارة

لا تختلف عن العربية كثيرا. و نراعي فيها ما روعي في تلك مثل تاريخ نشاطي و دوحة الوزراء و ما هناك من دواوين و مجاميع معاصرة.

فلا ندخل الآن في التفصيل. أما المراجع الأخري فإننا نرجي ء البحث فيها إلي حينه مثل مرآة الزوراء، و رسائل المنتفق و حروب الايرانيين و تاريخ الكولات في تكون حكومة المماليك في بغداد و انقراضهم و طبع سنة 1292 ه باستنبول باسم (ثابت) ابن المؤلف. كل هذه للأستاذ سليمان فائق والد صاحب الفخامة الأستاذ الجليل حكمت سليمان.

2-

المراجع التركية للدولة:

و هذه كثيرة. منها (التواريخ الرسمية)، و منها التواريخ الأخري لمؤلفين أصحاب رغبة.

التواريخ الرسمية:
1- تاريخ واصف:

تاريخ واصف المسمي ب (محاسن الآثار و حقائق الأخبار)، كتبه مؤلفه أحمد واصف بأمر من الدولة العثمانية أيام السلطان سليم الثالث و يحتوي علي الوقائع من سنة 1156 ه إلي سنة 1188 ه و فيه أن العثمانيين دونوا وقائعهم علي يد مؤرخيهم الرسميين إلي سنة 1156 ه بصورة متصلة و كادت تضيع الوقائع أو تنعدم من ذلك التاريخ إلي سنة 1182 ه فأحيل إليه أمر تحريرها و كان بوظيفة توقيعي.

ذيل به الأستاذ واصف علي تاريخ سليمان عزي و نقد بعض معاصريه و من قبله ممن تولوا تحرير الوقائع، فعابهم في الانشاء أو في اقتصارهم علي حوادث العزل و النصب و أنهم اهملوا أسباب الوقائع و مقتضيات الوقت مما تجب مراعاته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 13

و بيّن وقائع العراق و حوادث ايران بالاستناد إلي تقارير الوزير سليمان باشا الأول و نشر فرمان وزارته و أوضح فكرة الدولة آنئذ في إيداع الوزارة إليه، و ذكر طرفا من وقائع اليزيدية إلي آخر ما هنالك.

طبع كتابه لأول مرة في دار الطباعة العامرة باستنبول عام 1209 ه و 1210 ه في شعبان المعظم كما طبع ببولاق في جمادي الثانية من سنة 1246 ه في مجلدين علي ورق سميك في أربعمائة صفحة.

و علي تاريخ واصف ذيل للمؤلف نفسه من سنة 1196 ه إلي سنة 1200 ه و آخر من سنة 1203 ه إلي سنة 1209 ه لم يطبعا.

و توفي في رجب سنة 1221 ه 1806 م. و ترجم تاريخه إلي اللغة الفرنسية و طبع.

2- تاريخ أحمد لطفي:

هذا من الكتب التاريخية المعتبرة. تبتدي ء وقائعه من سنة 1241 ه و تمتد إلي ما بعد المماليك. و فيه بيان لمحارباتهم مع الدولة، و طريقة

القضاء عليهم. و حكاية الوقائع في بغداد عن مفتي بغداد الأسبق الحاج محمد أمين الزندي المتوفي يوم الخميس 13 صفر سنة 1285 ه. و لا يخلو الأستاذ سليمان فائق من مخالفة له. اتخذ تاريخ لطفي اصلا فعارضه في كثير مما بيّن. و توفي في سنة 1325 ه- 1907 م.

3- تاريخ عاصم:

في مجلدين. طبع في مطبعة الحوادث و هو لأحمد عاصم العينتابي بدأ تاريخه من أواخر سنة 1220 ه و يمتد إلي أواخر أيام السلطان سليم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 14

و المجلد الثاني منه يبتدي ء من واقعة خلع هذا السلطان و ينتهي بأوائل سلطنة السلطان محمود. ثم دوّن نحو اثنتي عشرة سنة لم تبيض فأودعت إلي خلفه (شاني زاده) و توفي في صفر سنة 1235 ه- 1819 م.

4- تاريخ شاني زاده:

هو محمد عطاء اللّه بن محمد صادق الشاني. يبتدي ء من بقية وقائع سنة 1223 ه و ينتهي بأواخر سنة 1236 ه. طبع عام 1284 ه خلف أحمد عاصم العينتابي. و توفي في سنة 1242 ه.

5- أس ظفر:

للمؤرخ أسعد المتوفي سنة 1264 ه. فصّل فيه الواقعة الخيرية في إلغاء الينگچرية و إزالة تكايا البكتاشية. و هو من المراجع الاصلية، توفي سنة 1264 ه- 1848 م.

6- تاريخ أحمد جودت:

في اثني عشر مجلدا جعله تكملة لتاريخه العام. و يبتدي ء من سنة 1188 ه و ينتهي بسنة 1242 ه و هو متمم لحوادث كلشن معارف متداخل بوقائع من سبقه. و الكتاب مفيد و مهم و من مصادره (دوحة الوزراء).

و كانت السياسة في أيامه تحولت فهو يكتب بعد انتهاء ذلك العصر و مؤثراته. طبع مرات.

و هذه التواريخ فيها من ضبط الوقائع ما لا يخفي. و بعضها جاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 15

موضحا للمراجع العربية، أو جاءت الوثائق العربية موضحة له. و فيها ما يكشف عن سياسة الدولة، أو ما ترمي إليه من فكرة.

التواريخ الأخري:

و أما المؤرخون الآخرون من غير الرسميين فلا تخلو تواريخهم من علاقة ببعض الوثائق، وصلة بالوقائع و منها تعرف وجهات النظر. كما أنها تكشف عن خبايا و حقائق لا يستهان بها. و المادة التاريخية لا تقتصر علي وقت بعينه. و إنما تظهر في حالات جديدة. و لا تنجلي بعض الحوادث في حينها. و إنما الزمن كفيل بذلك.

و أشهر هذه التواريخ:

1- گلشن معارف: من التواريخ العامة. مر في المجلد الخامس.

2- نتائج الوقوعات: جاء مكملا لگلشن معارف. يبتدي ء من سنة 1188 ه و ينتهي بسنة 1257 ه. و هو من تأليف السيد مصطفي باشا ناظر الدفتر الخاقاني المعروف بمنصوري زاده المتوفي سنة 1307 ه. و يعد من التواريخ المعتبرة طبع 1327 ه في مطبعة الحوادث باستنبول للمرة الثانية.

و التواريخ التركية لهذا العهد عديدة. ربما تعرضنا لها عند النقل منها. و الانكشاف التاريخي ظاهر من مطالعة هذه الآثار. و أما ما كان بعد هذا العصر فلا يخلو من نصوص جديدة. و الترك نشروا تواريخهم و لم يقصروا.

3- المراجع الايرانية:

و هذه كثيرة إلا أن الحوادث المتعلقة بهم لهذا العهد هي حوادث الدولة الزندية. و وقائع القجارية. و إننا في هذه الحالة رأينا وثائق معاصرة. و منها تواريخ الدولة الزندية، و تواريخ القجارية. و أشهرها:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 16

1- مجمل التواريخ في تاريخ الزندية. تبدأ حوادثه من نادر شاه، و هو تأليف أبي الحسن بن محمد گلستانة. كان واليا في كرمانشاه.

و گلستانة ناحية في أصفهان. و هو من التواريخ المعاصرة المهمة. لم يذكر فيه تاريخ الطبع. و الكتاب فيه تعليقات مهمة، و فهارس عديدة.

طبع بعناية زائدة في طهران.

2- تحفه عالم و تتمتها، سياحة فارسية، لعبد اللطيف بن أبي

طالب الموسوي الشوشتري. فيها تعرض لوقائع سليمان باشا الكبير و يصف ما شاهد و يعين ملاحظاته المهمة طبعت في الهند في حيدر آباد سنة 1317 ه.

3- تاريخ گيتي گشا. لميرزا محمد صادق الموسوي الملقب ب (نامي) مع ذيلين آخرين. طبع بتصحيح و مقدمة الأستاذ المؤرخ الفاضل سعيد نفيسي. طبع في مطبعة إقبال سنة 1317 ش. ه. و تنتهي حوادثه مع الذيلين بسنة 1208 ه. و يبحث في الدولة الزندية و ما يتعلق بها.

عندي مخطوطة منه كتبت في 20 رجب سنة 1299 ه.

4- تاريخ ايران. تأليف عبد اللّه الرازي. طبع في طهران سنة 1317 ه. ش. و هو عام. و من مباحثه ما يتعلق بالعهد الذي نكتب فيه.

5- تاريخ مختصر ايران. تأليف پاول هرن. ترجمة الدكتور رضا شفق زاده إلي الفارسية و ينتهي بانتهاء الدولة الزندية طبع سنة 1314 ه.

ش.

6- تاريخ الزندية. تأليف عبد الكريم علي ضيا الشيرازي. طبع في ليدن سنة 1888 م و هو من التاريخ المعاصرة. و يهم كثيرا.

و في أيام القجارية المراجع كثيرة إلا أن ما يهمنا التعرض له قليل، محصور في بعض الوقائع. و هذه سببها أن كلتا الدولتين العثمانية و الايرانية أخلدت إلي الهدوء و الراحة. و ما ذلك إلا لانقطاع الأمل في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 17

التوسع من جهة و حذر أن يستغل الغربيون الأوضاع للقضاء علي كل منهما.

4- المراجع للاقطار العربية:

و هذه تتأثر للحادث. و تدون بعض الوقائع المهمة. و لم نجد فيها مرجعا عاما و قل أن نري ما يدعو إلي الأخذ. لا سيما أن الصحافة لم تتكون أو أنها تكونت بصورة ضعيفة و متأخرة و لم تتمكن بعد.

هذا، و الاستفادة من المؤلفات التاريخية من عربية و

تركية و إيرانية للتاريخ السياسي قليلة جدا. و هذا لا يمنع أن أذكر المراجع عند ما يعرض النقل في حينه. و أما الكتب المعاصرة فإنها كثيرة الغلط. و يتضح ذلك من مقابلة النصوص.

حوادث سنة 1162 ه- 1749 م

وزارة سليمان باشا

اشارة

توصل سليمان باشا إلي (الوزارة) من طريق الدعوة، فاستهوي المماليك و غيرهم فلم يترك وسيلة و لا قصر في تدبير.. فنجح و لكن ذلك لا يفيد إذا لم تعضده قوة كبيرة تسانده. و هذا ما ركن إليه فالدعوة تشيع أن الحق معه مقرونة بتلك القوة تقهر و تمهد الطريق. فاضطرت الدولة إلي الاذعان فنال مطلوبه. و لسان حاله يقول:

أنا تابع منقاد. و لكن لا أرجع دون نيل ما عزمت عليه و الحكومة لي، و الأهلون طوع ارادتي، و العشائر منقادة، و القوة ما ترون، و إلا فالعاقبة و خيمة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 18

فلم تر الدولة بدّا من اجابة ما طلب فحملت الخرق و سوء الادارة علي الوالي السابق محمد باشا الصدر و أنهت الغائلة بإصدار فرمان الوزارة إليه في 29 شوال سنة 1162 ه- 1749 م.

و جهت إليه إيالة بغداد و هو موصوف بالشجاعة و القدرة علي الادارة. و كان يقال له (أبو ليلة) و (أبو سمرة) و (دواس الليل). كان صهر الوزير أحمد باشا و كتخداه. فلم يترك وسيلة، و لا أهمل أمرا حتي أدرك أمنيته. و هذا ما جعله من أفذاذ عصره، نالها بحق و كفاءة و لم يقو علي معارضته وزير بغداد السابق في حين أنه كان من الصدور. و الكل ينطق بالتسليم له.

قال الأستاذ سليمان فائق:

«عاش سليمان باشا في الخطة العراقية من حين كان مملوكا. ثم تولي منصب كتخدا فصار مرجع الخاص و العام و استمر أمدا طويلا، و أن الدولة لم تجربه التجربة اللائقة. لكنها طمعت في دراهمه فعهدت إليه بإيالة البصرة مختارة. و منحته رتبة الوزارة كان ذلك بأمل تبعيده عن بغداد. ثم انكشفت لها بواطن الأمر (أو

رأته استغل هذا الوضع) فوقعت في ارتباك و اهتمت له كأنها أصابتها غائلة أجنبية هددت سلامتها، فأعدت فيلقا عظيما و اختارت له قائدا عاما. تجاوز حدود إيالته. و سابق جيشه تأهبات الدولة فأحاط بقاعدة إيالة (بغداد) و أوقعها في خطر. و مع هذا قوبل عمله هذا بالتحسين فأنعم عليه بوزارة بغداد علي هذا العمل ضميمة إلي إيالة البصرة. و ما لنا إلا أن نتساءل ماذا نقول لرجال الدولة في ذلك الحين ممن رأي هذا الرأي و صوّبه لدرجة أنهم سببوا تأسيس (حكومة المماليك) فشغلوا الدولة بغائلتها مدة عصر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 19

تقريبا؟؟ اذكروا موتاكم بالخير!» ه.

نراه لاحظ الأشخاص و لم ينظر إلي ضعف الدولة و أنها وجدت نفسها مضطرة للقبول فعلم لما كتبه محمد باشا. و كل الإدارة كانت عيونا له فكتب هو أيضا مبديا صدقه و إخلاصه، و أورد أدلة تدحض أقوال محمد باشا و تبري ء ساحته مما عزي إليه. و جاء مصطفي بك مصدقا لما نطق به. و هذا اختبر الحالة و شاهدها عيانا. و عرف أن لا فائدة في القراع، فإن عواقبه و خيمة؛ و الظاهر أن مهمته أفرغت في هذا القالب.

ربح سليمان باشا المعركة في الحلة و طوّق بغداد حتي جاء إلي الكاظمية، فوصل إلي (الشريعة البيضاء) و تبعد عن بغداد نحو ساعتين.

و من ثم كتب إلي الدولة بما جري و أبدي أنه صادق مخلص و ألح في الطلب و وعد بالقيام بما يطلب منه. و بهذا لم تر الدولة بدّا من الإذعان قسرا و توجيه الوضع توجيها ظاهريا.

و فرمان إيالته علي بغداد يتضمن:

«أنت والي البصرة سابقا سليمان باشا حدث بينك و بين و الي بغداد وزيري محمد باشا من البرودة و

الاغبرار ما لا داعي لوقوعه و زال حسن التفاهم بينكما فتدخل قرناء السوء، فوجدوا فرجة فخدشوا ذهنه فورد إليّ تحرير منه بذلك دعا لإصدار أوامري العلية … إلا أنني لم أر منك لحدّ الآن من الأطوار سوي اظهار العبودية و إبراز الصداقة فتجلت لي كما أن طبعي المبارك المقرون بالصفاء و الالهام الجلي حينما راجعته لم تظهر لي في مرآة حالك سوي الصدق و الاخلاص. لذا إن سريرتي أبدت من صميمها حسن الظن بك. و للاطلاع علي الحقيقة نوقشت المادة سرا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 20

و علنا فاستطلع عن أحوالك من الواقفين و عن مزاجك و مشربك من العارفين الثقات و أهل الصدق عن كافة أوضاعك فأبدي الكل صدق كلامك و عرف اخلاصك مما أبدوه عنك … و فضلا عن هذا وافت قديما منك عدة تحارير كنت نظرتها و إن مفاهيمها انتقشت تماما في ذهني الصافي فأكدت خلوص هويتك و صدق عبوديتك فكانت مضامين تحريراتك مطابقة لما فاه به الثقات و كلها وافقت ما في أعماق قلبي.

و ما قيل عنك من الأقوال جزمت بأنها جميعها لا أصل لها و تيقنت بأنها خلاف الواقع. و ما توجه نحوك من غضب تحول إلي ألطاف و عنايات استوجبت حسن المكافأة. و من مكارمي التي لا حدّ لها لحسن مكافأتك أن أبقيت الوزارة و الطوغ و اللواء كما كانت و أنعمت عليك مجددا بإيالة بغداد و بذلك أصدرت خطّي الهمايوني المقرون بالمواهب و سيّر مع الآغا الميراخور لطرفك و وجهت إيالة روم إيلي لسلفك الوزير محمد باشا ايضا دفعا للمخاصمة و أرسلت في الحال المباشر إليها قبل ورودك. فبوصول خطّي الهمايوني المقرون بالشوكة عليك أن تنهض بكافة

أهل دائرتك و من معك من اللوندات و سواد جماعتك و تذهب إلي بغداد و تضبط المدينة و تحافظ عليها و أن تحمي أفرادها و سكانها فتعاشر الجميع بالحسني و تبادر لإجراء الأحكام المنيفة التي ترد إليك و أن تراعي شروط الصلح مع الدولة الايرانية و تعتني بها بزيادة فتؤيد حسن ظني فيك أكثر فتصرف جهدك لتنال دعائي الخيري و تعيد إليّ ميراخوري» انتهي.

أبقيت له وزارة البصرة، و وجهت إليه إيالة بغداد و جاء مصطفي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 21

بك الميراخور الثاني بالفرمان. وردت البشري مع التتار كما وصل جوقدار دار السعادة في اليوم نفسه. وردوا من الدجيل فدخل الوزير الخيمة و نزل الجيش في خيامه، و أن الوزير قرأ قوائم آغا دار السعادة مع مير اخور الدولة في ديوانه، فأظهر الأفراح.

و أما محمد باشا فإنه حينما سمع بحركة الوزير سليمان باشا من الحلة اتخذ في جانب الكرخ متاريس في الأزقة، و أمر أن تحاصر بغداد، و عيّن أو جقلية. فاتخذ وسائل الحصار. و حينئذ جاء أحد چوقدارية محمد باشا والي كركوك و هو أوشار أوغلي، و بعض الأشخاص إلي بغداد بالبشري علي حين غرة و بينوا أن سليمان باشا صار واليا، و أبدوا أن محمد باشا أرسلهم فأخبر الوالي بأن هؤلاء جاؤوا ليوقعوا فتنة و من ثم قتل أوشار أوغلي و خمسة أشخاص معه. و نبه الوزير بأن من ذكر اسم سليمان باشا قتل.

و في مساء ذلك اليوم في 18 شوال ورد عثمان آغا آل يوسف آغا بالقوائم إلي بغداد مرسلا من محمد باشا، و في اليوم التالي أرسل أحمد آغا بربرباشي سلحشور السلطان، مع تتار إلي الوزير محمد باشا، و أن

كاتب خزانة المرحوم أحمد باشا أرسل لاستقبال الميراخور الثاني مصطفي بك إلي الموصل، و في يوم الأحد جاء كل من مصطفي الدفتري و آغا الينگچرية، و بعض الأشخاص إلي الوزير سليمان باشا، و كذا علي آغا كتخدا الوزير و أبدوا أنه نصب علي آغا قائممقاما، و أن هؤلاء أرسلوا مع كتخدا محمد باشا السابق و هو عبد الرحمن بك إلي بغداد.

و في 21 منه يوم الاثنين بعد العصر تحرك الوزير سليمان باشا من المحل المذكور، و نزل حديقة المرحوم (أحمد باشا). و في يوم الثلاثاء أرسل عثمان الجنباز إلي البصرة بالبشري. و في 25 منه الجمعة أرسل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 22

كل من عبد اللّه آغا من أغوات الداخل، و عثمان آغا تفگچي باشي، فأركبوا السفن ليأتوا بحرم الوزير، فذهبوا إلي البصرة و أن أحمد أفندي عين متسلما، و عمر آغا المطرجي نصب آغا القرنة. و في غرة ذي الحجة الأربعاء توجه إلي بغداد الميراخور الثاني مصطفي بك. فوصل إلي الموصل، و ركب كلكا و سار نحو بغداد، فمضي لاستقباله أحمد آغا إلي الدجيل بأمر من الوزير. و في 6 منه يوم الاثنين دخل الوزير بغداد من باب الإمام الأعظم. و في 7 منه الثلاثاء ورد مصطفي بك المير اخور الثاني شريعة بلد، و شرف خيمة أحمد آغا. و في مساء ذلك النهار ورد مع نحو 20 من أتباعه من طريق البر مع أحمد آغا متوجها إلي بغداد. و في 9 منه ليلا وصل إلي ناحية الإمام الأعظم. و في اليوم التالي دخل بغداد باحتفال مهيب. و في 11 منه أظهر الأهلون أفراحهم بورود الوزير مدة أربعة أيام، لما نجاهم به اللّه تعالي

من الغوائل و قطع دابر النزاع.

و في 27 منه ورد الأمر بتفويض منصب مير اخور أول للمير اخور الثاني مصطفي بك.

حوادث سنة 1163 ه- 1750 م

حرم الوزير:

و في 3 المحرم سنة 1163 ه ورد الخبر بأنها تحركت من البصرة.

و في 16 ذي الحجة الخميس سار أحمد آغا من بغداد. و في 23 منه الخميس وصل إلي العمارة، و أن الحرم أيضا وردت شط العمارة و بقيت سبعة أيام. و في 25 منه السبت تحركوا منها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 23

محراب جامع العادلية الكبير- متحف الآثار في بغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 24

و في 29 منه الأربعاء وردوا ناحية سلمان پاك (رض) و أن الوزير ذهب إلي هناك، و في غرة صفر الجمعة ساروا و يوم السبت نزلوا الميدان الجديد بخيامهم، و في المساء دخلوا بغداد.

حوادث البصرة

و كان الوزير سليمان باشا نهض من البصرة إلي أنحاء الحسكة.

و في هذه الأثناء كانت المنازعة مع محمد باشا و هذا الباشا كتب إلي قبودان باشا، و إلي منيخر أن يضبطوا البصرة، و بموجب أمر محمد باشا اتفق منيخر مع القبطان (القبودان) عند ما كان الوزير في الحسكة فأراد رئيس العرفاء علي آغا أن يعود بمبلغ أربعين ألف قرش من البصرة علوفة للوندات إلا أن القبودان ضبط هذه المبالغ، و في شهر رجب ذهب حسين آغا متسلما إلي البصرة فألقي منيخر القبض عليه و حبسه، فذهب الأغوات إلي منيخر، و أعطوه مقدارا من الدراهم فأطلق حسين آغا، فصار قائممقاما في البصرة، ثم توفي.

و في 4 شعبان جاء خبر الانتصار، فدخل الشيخ موص البصرة، فصار أحمد أفندي قائممقاما بأمر من الوزير. و في شهر رمضان سلط القبطان الأهلين علي دار الحكومة (السراي)، و علي بيوت الموظفين لينهبوا ما وجدوا، و صار الناس يهاجمون بالبنادق و الطبنجات من أول الليل إلي الصبح، و لا

تخلو الوضعية من المقاتلة فنهبت بيوت الكثيرين بالقوة، و أن أحمد أفندي اتفق مع أعيان البلدة فكانوا يحافظون السراي.

و في 2 ذي القعدة يوم الأربعاء أرسل محمد باشا فرمانا بتعيين القبطان متسلما علي البصرة، فوصل خبر ذلك، فتابعه بعض الأعيان، و بواسطة نحو أربعة آلاف أو خمسة آلاف هاجموا الكتخدا و هذا بمن معه من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 25

أتباع نحو 50 من أغوات رانجة، و 150 (بندقيا)، و براتليا، و مائة تابع من أغوات، و يبلغون نحو خمسمائة، اتخذوا متاريس، في 19 موقعا، و شرع في حرب الباشا المذكور، و عدا ذلك وضعوا مدفعا في نهر العشار لمحافظة حرم الوزير، و مدفعا آخر مع متاريس لمحافظة الكمرك من أطرافه و هكذا وضعوا المدافع في عدة أماكن، و حاصروا و من المحال التي كان يصل إليها مرمي المدفع (جامع إياس) و قطعوا العشار من محلة السيمر، و قطعوا الجسر، فكانت المحاصرة تسعة أيام بلياليها، فلم يظهر خبر عن الوزير سليمان باشا، فيئس العسكر، و في 10 ذي القعدة رفع الناس من المتاريس، و أن الاتباع بأجمعهم صاروا إلي السراي فتجمعوا فيه، و أن قبطان باشا نفي عمر آغا المطرجي و آخرين إلي القرنة، و طالب بعضهم بديون علي الوزير سليمان باشا، و أن الكتخدا السابق أحمد و المتسلم السابق عليّا و أحمد آغا موظف الكمرك حبسوا في السراي.

و في 29 ذي القعدة وصل إلي البصرة عثمان الجنباز فقالوا: إن كتبه مكذوبة و حاولوا قتله، و لكن ظهر له في الينگچرية بعض المصاحبين، فأبعد إلي القرنة.

ثم إن عثمان آغا تفنگچي باشي (رئيس البندقيين) ورد خبره أيضا مشعرا بأن ولاية بغداد عهدت إلي الوزير سليمان

باشا، فتحققوا ذلك، و من ثم أطلقوا من الحبس 39 شخصا من الأغوات الذين سجنوا.

و في 27 ذي الحجة ركبت حرم الوزير في سفينة و أرسلت إلي بغداد، و أن البصرة وجهت أيضا إلي الوزير، و أن أحمد آغا الداماد صار رئيس البوابين (في الولاية)، و أن چوقدار آغا دار السعادة علي آغا ورد في 15 صفر، و في 25 منه حبس في القلعة مصطفي الدفتري، و طويق زاده بكر آغا، و أن آغا الينگچرية أحمد آغا حبس في قلعة كركوك، و في 9 ربيع الأول عاد الميراخور الأول مصطفي بك إلي استنبول، و في 13

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 26

منه قتل مصطفي الدفتري، و في 7 ربيع الآخر فر من البصرة كل من شيخ درويش و السيد رمضان.

و في 22 منه عين حسين آغا متسلما للبصرة، و في 27 منه عزل الوزير علي آغا من الكتخدائية فحبس في القلعة الداخلية. و في 17 جمادي الأولي ورد محمد أفندي و يودة ماردين سابقا برخصة من الدولة فجاء بغداد فعين كتخدا للوزير، و في غرة رجب فوض لواء ببه (بابان) إلي سليم باشا، فوجهت إليه الإمارة، و حاربه سليمان باشا و عثمان باشا فكسر و فر إلي سنة.

و في 2 شعبان يوم الاثنين أرسل مع الشيخ درويش (من آل باش أعيان) و السيد رمضان جماعة السكبانجية، و عشرة من سردنكجدي مع بيرق (رعيل خيالة)، فذهبوا معهما إلي البصرة، و أن عثمان آغا المطرجي سابقا أرسل معهم أيضا.

و بهذا تمت الوزارة لسليمان باشا، و انقادت له الأمور، كما أراد، فظهر منتصرا.

أيام وزارته في بغداد

نظم الوزير الأمور مراعيا حسن الإدارة في كل أحواله، مما عزز سلطة الحكومة. كما

أنه نكل بأرباب الزيغ و الفساد. فصارت بغداد غبطة البلاد و تتمني أن تكون مثلها.

و الحق أنه موفق في إدارته. قام بخدمات كبيرة في تأسيس النظام.

و هو المؤسس لحكومة المماليك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 27

المماليك في بغداد:

حكم هؤلاء نحو المائة سنة و سلطة العراق بأيديهم. و كان الوزير حسن باشا نشأ في البلاط الملكي و أتقن الإدارة هناك فجعل له مؤسسات شبيهة بما تتألف منه العاصمة، و اتخذ لكل من هذه دوائر خاصة للتدريب بما هو أشبه بالمدارس، و عين لها تقاليد. كان يشتري غلمانا كثيرين يهتم بأمر تربيتهم و تدريبهم للخدمة و الانتفاع منهم لوظائف الحكومة. بل زاد علي ترتيب حكومته لعلمه بخطر الينگچرية فاختار هذا التدبير.

للقضاء علي سلطة اولئك. و لم يستعن بالأهلين.

إن حسن باشا راعي هذه الطريقة في بغداد و بذر البذرة الأولي.

درّب هؤلاء علي الخدمة فتدرجوا علي الرتب و المناصب، و ائتلفوا مع الأهلين و عاشوا معهم، فكانوا أعرف بهم.

ثم اقتفي أحمد باشا أثر والده و زاد فكان أمراء بغداد في الإدارة و الجيش منهم فسيطروا علي القطر. و من جهة أخري جلبوا الأهلين لجانبهم، فلم يستوفوا من الضرائب أكثر من المقرر، و لم يظلموا الرعايا فهم أشبه بأتابكة الموصل، فخلدوا ثقافة و آثارا مشهودة تثبيتا لمكانتهم.

أهمل الولاة التالون هذه الطريقة بل حاولوا القضاء علي رجالها لما شعروا به من خطر علي كيان الدولة.

و لما ولي بغداد هذا الوزير أحيا هذه الطريقة من جديد كما أن أخلافه مشوا علي نهجه و اقتدوا به إلي أن انقرضت حكومتهم عام 1247 ه.

نال سليمان باشا الحكومة بقوة هؤلاء المماليك الذين تأسسوا أيام أحمد باشا المؤسس الحقيقي و إن كانوا صنيع والده استكثر منهم

و وسع نطاقهم و قدر أن يستخدمهم لوظائفه و يستغني بهم عن الأهلين و عن الينگچرية و عن موظفي الدولة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 28

و جعلت لهم دوائر خاصة في كل منها نحو المائتين من الصبيان، و من اجتاز منهم درجة نقل إلي أخري، و بهذه الطريقة أعدوا للخدمة و صاروا تحت التمرين ثم كانوا يترفعون إلي أغوية الداخل.

و لكل معهد من هذه المعاهد أو مدرسة من تلك المدارس علي اختلاف درجاتها لالاوات (مربون) و معلمون و أساتذة. و هؤلاء يعلمون القراءة و الكتابة، و الرمي بالبنادق، و التعود علي الإصابة باتخاذ هدف.

و الممارسة علي ركوب الخيل، و علي استعمال الأسلحة و أضراب هذه الأمور مما تدعو الحاجة إليه في أشغالهم حتي أنهم يعلمونهم فن السباحة في مكان يتخذ أمام دوائرهم.

و هؤلاء كانوا يفوقون أبناء زمانهم لما يمرنون عليه فهم أشبه بالدارسين في مدارس اليوم، بل يفضلونهم. فكانت الحكومة تستخدمه لغرض التوظيف و الخدمة في مصالحها. و تلقنهم كل ما تحتاجه.

و كانوا متآلفين متضامنين تجمعهم رابطة هذه التربية أكثر مما نشاهده في غيرهم. نراهم رفقاء سلاح و أصدقاء مدرسة، تتزايد المفاداة بينهم و تتولد عصبية قوية متينة فأدي ذلك أن يتغلبوا و يستولوا علي كافة أمور الحكومة من حل و عقد … بل انحصرت وظائف الحكومة بهم فهم قوة علي غيرهم و عصبة شديدة علي مناوئيهم و المعادين لهم، و سلطة قاهرة علي الأهلين.

لم يهدأ الأهلون من ثورات عليهم. رأوا ما لم يكونوا رأوا. لأن شدة الوطأة دعت العراق أن يتذمر منهم كالترك إلا أن وجهات النظر مختلفة و أهم ما هنالك أن هؤلاء ليسوا من الأهلين.

تولي هؤلاء الواحد بعد الآخر فوجدوا مناصرة

من الباقين.

كانوا آبازة و گرجا و هم مماليك. و كانت الدولة في شغل شاغل فاستفاد هؤلاء من الوضع فتكونت منهم حكومة خير حارس للملك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 29

سيطرت عليه باسم الدولة، و لا يخلو الأمر من إصدار فرامين و تعيين قضاة و اشتراك في أفراح و ما ماثل. فهم ولاة بالاسم. يعاملون كغيرهم في و لكن لا يتيسر للدولة أن تعين غيرهم للخوف من احداث غائلة هم في غني عنها. اللهمّ إلا إذا اضطروا للتدخل أو شعروا بقوة، أو أحسوا بخطر داهمهم. و قضايا النصب و العزل و درجة التدخل بعينها ما سنراه من وقائع وزاراتهم في بغداد.

خان سنة و بابان:

ورد خان سنة مع سليمان باشا آل بابان في 24 شعبان سنة 1163 ه و معه نحو عشرة آلاف أو اثني عشر ألفا من الجند، فهاجم كتخدا الوزير و عثمان بك و سليم بك آل بابان فانهزم آل بابان هؤلاء و ثبت الكتخدا، ففر من وجهه جيش ايران فغنم ما لديهم، و استولي علي نحو عشرين زنبركا، و أربعة مدافع. و في 15 ذي القعدة عاد إلي بغداد بالغنائم.

حوادث سنة 1164 ه- 1750 م

اضطراب في البصرة:

حاول الوزير سليمان باشا بأنواع الاستمالة أن يعيد إلي البصرة النظام فلم يفلح. و أبدي رعاية عامة لقبطان شط العرب مصطفي باشا الميرميران و كذا لمتسلم البصرة. داراه جهده و لان للأهلين فلم يجد ذلك نفعا. ففي أيام انشغال الجيش في أنحاء الكرد للقيام ببعض الأعمال انتهز القبطان الفرصة فأثار الأهلين و عصي فأشعل نيران الفتنة.

اتفق مع عربان المنتفق، فسلطهم علي البصرة، و تحصن هو في (المناوي)، و ساعده أهل الجزائر فنال بهؤلاء قوة، و حاول التسلط علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 30

البصرة، و قام بوسائل الحرب. أما المتسلم و الأهلون فقد كتبوا محضرا بما جري و أعلموا الوزير، و طلبوا أن يمدهم بجيش علي جناح السرعة لئلا يفرط الأمر من اليد.

و في هذه الأثناء عاد الجيش المرسل إلي الكرد. و كان أكمل مهمته بنجاح فأرسل الوزير كتخداه، و سيره إلي البصرة بعجل و في تاريخ نشاطي أن الكتخدا ورد بغداد في 15 ذي القعدة سنة 1163 ه، و في 20 منه أمره بالذهاب إلي البصرة فسار بعجل. و في 24 منه نصب إبراهيم باشا قبطانا. و حينما وصل الكتخدا العرجة فر الشيخ منيخر إلي البادية و كان جمع علي رأسه العربان و من

ثم أعاد المشيخة إلي الشيخ بندر، و شرع في محاربة القبطان السابق مصطفي باشا و حتي المتسلم حسين آغا و أهالي البصرة و قطع نهر العشار إلا أن المتسلم ضبط فم العشار و أن القبطان هدم البيوت و الاسواق و حرّق فيها و كاد يقضي عليها. و أن المتسلم حسين آغا أخبر الكتخدا بكل ما جري. و علي هذا مضي الكتخدا بسرعة فوصل إليها في 5 صفر سنة 1164 ه. و نصب خيامه في باب رباط. و كانت عشائر المنتفق سدت المنافذ و المعابر و منعت من الوصول إلي البصرة، و جمعت جموعا كثيرة للدفاع و التأهب للقتال.

و لما ورد الجيش علموا أن لا طاقة لهم به، و استولي الرعب عليهم فتشتتوا، و بعضهم مال إلي الأهوار و ركنوا إلي طلب الأمان و العفو.

و علي هذا نصب الكتخدا عليهم شيخا جديدا، و أعاد إليهم النظام القديم فاستقرت الحالة، فتوجه الجيش نحو البصرة، فحاصر (المناوي).

و كان القبطان قد تحصن به، ثم ان الكتخدا نصحه، و عذله ليدخل في الطاعة، فلم يجسر أن يعود. و في الوقت نفسه قطع بأن ليس له قدرة المقاومة، فاتخذ الليل جنة فهرب و ترك القلعة و من فيها. و منهم من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 31

ركب السفن من الاسطول و فروا إلي ثغر البحر.

أخبر الكتخدا بذلك فسارع للأمر و حاصر القلعة فاستولي عليها و علي من بقي فيها. فانتقم منهم. و في الثغر تعقبوا الفارين فتمكنوا من اللحاق بهم. أما القبطان فإنه هرب بزورق يقال له (كلبت) أو (جلبوت) و أخذ بعضا من رفاقه معه فذهب إلي بندر بوشهر و استولي الجيش علي جميع الاسطول و رجعوا فرست السفن

تجاه المناوي، و عوقب الثائرون بما يستحقونه فاستأصل الكتخدا بذور الفساد و أعاد النظام إلي نصابه و رتب الاسطول كما كان.

و من ثم كان من الضروري اختيار قبطان لائق للمهمة فوقع ذلك علي القبطان السابق إبراهيم باشا. و هو ميرميران أيضا و معروف بالكفاءة و الاخلاص أنهي له بذلك فوافقت الحكومة علي هذا الاختيار فأودعت إليه قيادة الاسطول، فقام بها خير قيام. و عاد الكتخدا في أوائل صفر (الظاهر أواخر صفر). و وصل إلي بغداد في 28 ربيع الأول.

عزل و نصب:

عزل أمير الخزانة عبد اللّه باشا و نصب مكانه سليمان بك آل يحيي.

و وجه الوزير لواء بابان إلي سليمان باشا، و لواء درنة إلي عبد اللّه باشا.

و عزل محمد الكتخدا و نصب مكانه أحمد الكتخدا السابق في 23 رجب.

البابان- سليم باشا و عثمان باشا:

إن حوادث ايران و تشوشها العظيم مما ألفت نظر الوزير فاغتنم الفرصة للوقيعة بالبابانيين. فإن متصرف بابان سليم باشا من أيام نادر شاه كان عاصيا و لا يزال يعد نفسه تابعا لايران أو أراد أن يكون بنجوة من السلطتين. دعاه الوزير للطاعة فأبي أن يرضخ بل اتفق مع عثمان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 32

باشا متصرف لواء كوي و حرير و صاروا يعيثون في أنحاء بغداد. مدوا أيديهم إلي زنگباد و أطرافها اتخذ الوزير ذلك وسيلة للوقيعة فجهز جيشه و تقدم للتنكيل بهم بنفسه. نصب خيامه في الميدان الجديد.

مضي الوالي إلي المرادية في 21 شعبان سنة 1164 ه و منها إلي الراشدية. و في 24 منه وصل إلي (دوخلة). و منها قطع منازل عديدة حتي وصل إلي قنطرة (دلي عباس) في 26 شعبان سنة 1164 ه. و من ثم كتب امرا إلي ألوية بابان و كوي و حرير و درنة و إربل و زنگة خاطب بها العلماء و الصلحاء و الأعيان و الأمراء و الرؤساء و شيوخ القري و سائر الأهلين يدعوهم فيها إلي الصواب، و أن مخالفة صاحب الأمر، و ركوب مركب الشر يؤدي إلي ما لا تحمد عقباه، فدعاهم إلي الطاعة و أن لا يشقوا عصا المسلمين. و حذرهم عاقبة أمرهم.

و كذا كتب إلي كل من سليم باشا و عثمان باشا. و كلها تتضمن التهديد و لزوم الإخلاد للطمأنينة و أن لا يكونوا

سبب إثارة الفتنة. كتب ذلك كله بقلم كاتب الديوان نشاطي.

ثم سار إلي نهر نارين. فمضي إلي قره تپه. و منها صار إلي (كوك دپه). فهرب الثوار من وجهه، و تمزق شملهم، فكتب الوزير إلي قائممقام بغداد بذلك موضحا أن هؤلاء هربوا إلي كوي ليحتموا بالجبال، فلم يسعهم الوقوف و الحرب في ولاية الوالي. و أن سليم باشا فر هاربا إلي قره چولان (قلعة چوالان) فتبعثروا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 33

وصل الجيش في 4 شهر رمضان إلي (قره تپه) و في الخامس منه وصل إلي (اينجه صو) القنطرة المعروفة ب (چمن). و منها مضوا إلي (كفري العتيقة) و هي (اسكي كفري). و في هذا المنزل وردت الاخبار باضطراب حالة الكرد و تشتت شملهم.

ثم سمع الجيش بتأهّب القوم، فاستعد للقاء، فنهض من كفري.

و كان يترقب وقوع المعركة في كل لحظة، فانتشر في الصحراء، و ذهب في طريقه حتي جاء إلي (طوز خورماتي) فنصب خيامه. و أما الأكراد فصاروا لا تحويهم البقاع و لا الجبال.

و في اليوم التالي عبر الجيش (چاي طاووق) و نزل قرب القرية.

و جاءت الأخبار بأن الكرد استولي عليهم الرعب فتفرقوا. و أن سليم باشا و عثمان باشا شاهدا الحالة فركنا إلي الهرب، فإن سليم باشا ذهب إلي جهة (بانة) و (سنة)، و عثمان باشا بعث بعائلته إلي كوي بأمل أن يتحصن بها، فلم ير الجيش لهم عينا و لا أثرا.

و من ثم أرسلت البشائر إلي بغداد. و أن عشائر الزنگنة مالوا إلي الجيش. و أن أمير درنة سليمان بك ذهب فارا مع سليم باشا. و الباقون سلموا أنفسهم إلي الجيش فطلبوا الأمان. و من بقي فر إلي بازيان. و أن متصرف بابان

سليمان باشا صار يتعقب أثر الفارين، و ذهب إلي مركز لوائه قلعة چولان فضبطها. و لم يدع لسليم باشا فرصة. و أن متصرف درنة عبد اللّه باشا ذهب إليها أيضا.

ثم إن الوزير بعد أن أتم ترتيباته و تمكن من السيطرة مال إلي كركوك فبقي فيها بضعة أيام في تعقّب فلول الهاربين و كتب إلي بغداد بالأخبار السارة، و أمر أن تعلن في جميع الانحاء، و في العشائر.

و أن سليم باشا لم يستطع البقاء فمال إلي ايران. و أن سليمان باشا ضبط لواء بابان فاستقر به. و أما عثمان باشا فإنه لم يستقر له قدم في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 34

كوي. و إنما صار إلي (أوه كرد) و هي قلعة حصينة بأمل أن يبقي فيها و يدافع عن نفسه. و لما علم الوزير بذلك أمر كتخداه أحمد باشا والي كركوك أن يذهب في أثره و يحاصره في قلعته.

و أما الوزير فإنه في 15 شهر رمضان نهض من كركوك إلي (كوك تپه) و منها إلي (آلتون كوپري) فعبر القنطرة. و في اليوم التالي ذهب إلي (بوستان)، و منه صار إلي (دربند) فحط ركابه.

ثم سار إلي إربل، و بعث أمرا خاطب به العلماء و الأعيان و سائر الأهلين طالبا منهم (قوج باشا) أخا عثمان باشا. و أضاف أنه يعطيه الأمان إذا سلّم إلا أنهم أبدوا المخالفة و في 16 شوال هاجمهم الجيش، و حاصرهم من جميع جوانبهم. و لم تمض إلا مدة نحو تسعة أيام حتي استولي علي المدينة، و قبض علي قوج باشا و أعوانه و علي عثمان باشا و إخوانه إبراهيم بك و سليمان بك و علي ابنه حسن بك في القلعة المذكورة في

عيد الأضحي فأمر الوزير بقتلهم، فكانوا ضحية العيد.

و علي كل حال علمنا أن الوزير تمكن من هؤلاء. و نصب سليمان باشا متصرفا للواء بابان. و هو ابن عم سليم باشا. فعاد الوزير إلي كركوك و منها إلي بغداد. و للشيخ عبد الرحمن السويدي قصيدة طويلة في هذه الوقائع. و اعتمدنا علي التقارير الرسمية و ما في أبياتها من تاريخ.

و لوالده الشيخ عبد اللّه السويدي أيضا قصيدة تحوي تاريخا.

و بذلك و استفادة من انحلال أمر ايران تمكن أن يسيطر الوزير علي ديار الكرد، فصارت تحت سلطة الحكومة. استغل الوضع فنجح. و يعدّ عمله هذا فتحا جديدا لأنحاء الكرد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 35

حوادث سنة 1165 ه- 1751 م

الهدايا و استردادها:

إن الهدايا التي أرسلتها الدولة و التي أرسلها نادر شاه سبق ذكرها.

و بقاء هذه في بغداد لا ضرورة له. فصدر الفرمان بلزوم إعادتها.

و لذا أحضرها الوزير سليمان باشا بمشاهدة جماعة من الأعيان و الأكابر.

فدونوها بدفتر خاص صدقوه و سلموها بيد الموكل بأخذها محمد آغا من سلحشورية الخاصة. و من بين الهدايا المهمة ما أرسله نادر شاه و هو عرش سلطنته و كان من عمل الهند قدمه إلي السلطان و لا يزال موجودا في متحف استنبول إلا أنه نسب إلي الشاه إسماعيل الصفوي غلطا.

أحوال ايران:

كانت أحوال ايران من تاريخ وفاة نادر شاه إلي هذه الأيام في اضطراب عظيم كثر فيها دعاة السلطنة. و حاول بعض رجالها أن يستغل الوضع، فاستعان بالدولة العثمانية إلا أن هذه لم تشأ التدخل. و من هؤلاء سفير نادر شاه مصطفي خان. و هذا ما أدي بولاة العراق أن يلتفتوا إلي أمر اغتنام الفرصة لتنظيم شؤونهم بالقضاء علي المتغلبة. و أن يتأهبوا لما يتوقع لتأمين السيطرة.

حوادث سنة 1166 ه- 1752 م

اليزيدية في سنجار:

استغل الوزير اشتغال بال ايران، فقضي علي بابان و جعلها خالصة له منقادة. و في هذه المرة رأي أن اليزيدية في سنجار اتخذوا الجبال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 36

معقلا لهم، فصاروا يقطعون السبل، و يمتنعون من دفع الضرائب.

اعجزوا ولاة بغداد. و ثاروا مرات، فلم تنقطع غوائلهم. لذا عزم الوزير علي دفع غائلتهم و استئصال شرتهم. سار عليهم من بغداد، فوصل إلي كركوك. و من ثم جاءه بعض رؤسائهم يطلبون الأمان فقبل هؤلاء فأسكنهم ماردين. و الباقون أصروا علي عنادهم. فنهض من كركوك إليهم، فاقتحم جميع المصاعب. و كانت النتيجة أن انتصر عليهم، و قتل أكثر رجالهم، و أسر نساءهم، و اتخذت منارات من رؤوسهم المقطوعة و قبل أمان من أذعن. و عاد إلي بغداد منتصرا. فجاءه الفرمان و الخلع السنية له و لمن معه من كرد و عرب.

نهض الوزير من بغداد يوم الخميس 22 جمادي الآخرة سنة 1166 ه و قضي علي هذه الغائلة في 20 شعبان. و كتب الكتب إلي دولته و إلي أمراء المنتفق و سائر العشائر في 21 من شعبان.

حوادث سنة 1167 ه- 1753 م

في شوال ورد الفرمان بإبقاء بغداد و البصرة بعهدة الوزير لما قام به من الأعمال الجليلة و ضبط أمور المملكة مما دعا إلي رضا السلطان.

فأعلن ذلك و احتفل به احتفالا باهرا و أذيع للقاصي و الداني.

حوادث سنة 1168 ه- 1754 م

في 28 صفر سنة 1168 ه توفي السلطان محمود فخلفه السلطان عثمان. فأقر الوزير في إيالة بغداد و البصرة بفرمان فأجري الاحتفال بذلك. و أرسل قاضي بغداد نسخا من الفرمان إلي الأنحاء العراقية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 37

حوادث سنة 1169 ه- 1755 م

قبيلة شمر:

كان بكر الحمام رئيس زوبع من قبائل شمر عاث في الأمن و تجاوز علي المارة حتي أنه انتهب بعض الإبل قرب (تربة السيدة زبيدة). و هي تعود لرجل يدعي (عبد للو) فلما سمع الوزير تعقب أثره بنفسه فأدركه في أنحاء الفرات فلم يسعه العبور و الهرب و لم يتمكن إلا أن يفر بنفسه و ترك أهليه. و لما وصل إليهم الجيش صار ينتهب أموالهم و كان عيال بكر الحمام قرب الوزير فاستغاثوا به فأغاثهم و استرجع الإبل و عاد.

و لما وصل بغداد أرسل بكر الحمام أهله إليه يلتمسون العفو له.

و بعد أيام وصل هو أيضا فطلب العفو فعفا عنه. و من ذيول هذه الحادثة وقائع الدليم و الجبور و غيرهما.

حوادث سنة 1170 ه- 1756 م

في أوائل الشتاء قضي الوزير ثلاثة أشهر في أنحاء الفلوجة بعياله للاستراحة و في السنة نفسها ورد الفرمان بإقراره في وزارته ببغداد و البصرة. و يتجدد الفرمان في غالب السنين.

حوادث سنة 1171 ه- 1757 م

مسجد عبد اللّه الكتخدا:

من المساجد القديمة. كتب علي بابه بعد البسملة آية «إنما يعمر مساجد اللّه …» ثم جاء:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 38

«قد عمر هذا المسجد صاحب الخيرات عبد اللّه كتخدا والي بغداد سليمان باشا أيده اللّه بالنصر، و رحم اللّه من دعا له بالخير آمين في رجب سنة 1171 ه» اه.

عمره قبل وزارته. و التفصيل في كتاب المعاهد الخيرية.

حوادث سنة 1173 ه- 1759 م 1174 ه- 1760 م

قدم الوزير شكوي إلي الدولة بأن آغا الينگچرية السيد خليل آغا كان من أوائل وزارته يتحرك بأوضاع غير لائقة. فطلب عزله من بغداد و إنقاذ الناس مما أوقعه من اضطراب في الجيش.

حوادث سنة 1175 ه- 1761 م

وفاة الوزير:

إن هذا الوزير متصف بمكارم الاخلاق و محامد السجايا. و قد مرت بنا حوادثه.

و عمره نحو 66 سنة اعتراه المرض في أواسط سنة 1174 ه فلازمه نحو ستة أشهر و توفي في أوائل سنة 1175 ه.

هذا. و للمرحوم سليمان بك الشاوي بيان واف في مآثر هذا الوزير.

أما السنون الأخيرة من سنة 1172 ه إلي سنة 1174 ه فإنها مضت براحة و طمأنينة و لم يحدث ما يستحق الذكر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 39

حوادث سنة 1176 ه- 1762 م

وزارة علي باشا:

إن الوزير السابق نال الوزارة علي خلاف رغبة الدولة. و الحادث لا يزال وقعه في النفوس فولد الأمل في المماليك فصار يطمح رجالهم في نيلها.

فلما توفي الوزير سليمان باشا كان له سبع (كهيات) عمر، و عبد اللّه، و إسماعيل، و رستم، و محمود، و علي، و يقال لهم (أصحاب الداعية) فكل هؤلاء كانوا في بغداد إلا علي الكهية متسلم البصرة و ضابط حسكة.

كان يضمر كل واحد من هؤلاء أن يكون ولي الأمر فلم يقع الاختيار علي واحد منهم. حدثت بينهم المنافسة و بقيت بغداد بلا وال.

فأوقد أرباب الزيغ نيران الفتنة، و ابتدأ الخلاف، و استولي الخوف علي السكان فتدخل العلماء و الأعيان في الأمر و نصحوا القوم في تسكين الغائلة.

اجتمعوا و كتبوا محضرا بوفاة سليمان باشا و بينوا أن كهياته سبعة.

كل واحد منهم لائق أن يكون وزيرا و أمضي الجميع المحضر حتي أنهم ذكروا بصورة متأخرة متسلم البصرة و ضابط حسكة (علي الكهية) و التمسوا توجيه الوزارة لأحد هؤلاء إلا أن خبر انحلال الولاية وصل إلي الدولة قبل أن يصل المحضر. و لما كانت بغداد و البصرة مجاورتين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 40

لايران و أن المصلحة تقضي أن

توجه الإيالة إلي والي الرقة الوزير سعد الدين باشا بجامع القرب و العلاقة اللسانية فلم يستقر له الأمر.

و إنما كان ذلك ترشيحا، و في الأثناء ورد المحضر بوفاة الوزير سليمان باشا و ترشيح أحد السبعة من الكهيات.

و من هؤلاء علي الكهية شهد الصدر الأسبق محمد راغب باشا بأهليته و كفاءته و كمال وقوفه علي مجاري الأحوال فكانت هذه الشهادة عرّفت به و بصرت بحالته.. و أيضا وردت منه عريضة يلتمس فيها التوجيه إليه، و أن ينال الرعاية و اللطف.

و علي هذا وجهت إليه إيالة بغداد و البصرة برتبة الوزارة و أرسل إليه المنشور مع الطوغ و (اللواء) و كان ذلك في أول المحرم سنة 1176 ه.

ثم إنه بعد أن قدم ملتمسه تحرك من حسكة و جاء إلي محل قريب من الحلة. ورد (نهر الشاه) فمكث منتظرا الأمر. و لما وردت إليه البشري استقبلوه باحتفال مهيب. و بعد قراءة الفرمان توجه نحو بغداد فوصل إليها باحتفال من الوجوه و الأعيان و أرباب الديوان ففرح فريق و اغتم فريق آخر.

مدحه الشيخ عبد الرحمن السويدي بقصيدة حين نال الوزارة و بأخري أرخ بها وزارته.

و توجيه هذه الوزارة اكتسب حالة الاعتياد، و صار طريقة متبعة. فلا أمل للدولة في أن توجه هذا المنصب إلي وزير من غير المماليك. و هنا أوضح سليمان بك الشاوي طريقة توصل هذا الوزير إلي منصبه عند بيان قتله. و التحامل ظاهر منه إلا أننا نجده قام من محل وظيفته و جاء إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 41

كتابة في جامع العادلية الكبير- متحف الآثار ببغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 42

نهر الشاه بعدته و عديده. و في هذا تهديد و إرهاب.

قبيلة كعب:

إن

الوزير بعد أن جلس في منصبه جاءه رؤساء القبائل يهنئونه فنالوا كل إكرام منه و كان فيه نوع استبداد. و في أيام متسلميته البصرة كان أصناف الأهلين من غني و فقير و قاص و دان راضين عنه و شاكرين له إلا شيخ كعب سليمان العثمان. قام ببعض ما لا يليق و في أيام وزارته لم يجسر أن يأتيه خشية أن يبطش به. فاستولي عليه الخوف فلم يأت إلي بغداد. و لذا بدرت منه بعض البوادر مما دعا الوزير أن يدخله تحت الطاعة.

و علي هذا قام الوزير بما يلزم فسار من بغداد علي طريق الحلة بجيش جرار و عدد كاملة. فوصل الوردية ثم أخّر بعض الاثقال الزائدة في الحلة و منها جعل وجهته مجهولة و أشيع أن الجيش أغار علي بني لام فتوجه إلي شط دجلة قاصدا الكوت و من هناك عبر الشط. ثم إنه سير الجسر منحدرا معه. و بعد أن قطعوا ما بين العمارة و الكوت عبر أيضا و غرضه الايهام و أن لا يقطع بجهة في تعيين صوب عزيمته.

وصل إلي نهر كارون و حينئذ بدت نواياه و ظهرت سطوته و سمع الشيخ المذكور بخبر مجيئه. و حينئذ وجد نفسه أنه لا يطيق القتال فأرسل إلي الوالي طالبا العفو عما بدر، و أنه لن يخرج عن الطاعة.

أما الوزير فقد عفا عنه و أخذ هداياه. و في طريقه قام ببعض المهام و نظم الأمور. ثم عاد إلي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 43

الخزاعل:

ذكر سليمان بك الشاوي في قصيدة له أن الخزاعل تغلبوا عليه في حربه لهم مع أننا لم نجد إشارة في دوحة الوزراء إلي هذه الواقعة.

بابان:

إن سليمان باشا متصرف بابان ابن عم سليم باشا. كان في حد ذاته متدينا، شافعي المذهب يتجنب المنقصة و هو زاهد، ذو صلاح.

ولي إمارة بابان و كوي و حرير، و لواء إربل و مقاطعات كوپري و قره حسن و زنگباد و جسّان. فحكمها من سنة 1164 ه إلي سنة 1174 ه بلا مزاحم و لا معارض. فعصي أيام علي باشا و لم يفد معه نصح.

لم يبق للوزير أمل فيه فسار لمحاربته و حين سمع استعد للحرب و كانت قوة الوزير كبيرة نحو خمسة آلاف أو ستة آلاف من الخيالة و نحو سبعة آلاف أو ثمانية آلاف من المشاة و كان جيشه مجهزا بالمدافع و سائر العدد و العتاد. و تحرك سليمان باشا من (قلعة چولان) فعبر قنطرة نارين لمنازلة الوزير فأقام في (جبل حمرين) لمنع جيوش الوزير و بني سناكر في جانبي عقبة الجبل المسماة (صقال طوتان) و وضع فيه عسكرا كثيرا. و بذلك سد المرور و قطع الطريق.

و لما وصل جيش الوزير إلي دلي عباس (ناحية المنصورية) ألقي الرعب في جيش البابانيين فلم يستطيعوا البقاء بل رجعوا و من ثم عبروا جسر نارين و عادوا من حيث أتوا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 44

ثم توجه الوزير نحوهم فتقهقروا. وصلوا إلي كفري فظنوا أنه المحل الواقي و هم في حالة اضطراب فلم يصبروا علي حربه فضاق عليهم المجال و حينئذ التقي الفريقان في محل يقال له (كوشك زنگي) أي قصر زنكي بين كفري و قرية الاثني عشر إماما. و

كل منهما رتب صفوفه للنضال فكانت النتيجة أن انتصر الوزير و فر عدوه. و أن سليمان باشا لم يتمكن من إنقاذ نفسه إلا بصعوبة فاستولت الحكومة علي خيامه و مدافعه و مهماته.

و حينئذ وجهت إيالة (بابان) إلي أخيه أحمد باشا فألبس خلعة الإمارة و أذن له أن يذهب إلي مقر إمارته و رجع الوزير منتصرا ظافرا.

ذكر الشيخ عبد الرحمن السويدي هذه الواقعة، و مدح الوزير علي باشا.

و في هذه الأحوال تراعي الحكومة الحيطة بجلب بعض أقارب الأمراء ليشوشوا الداخل و يقوموا بما يجب من مساعدة فتم الانتصار بأن يجعل النزاع مقصورا علي الأمير و أعوانه و يسلم الباقون.

قتلة محمد خليل:

في هذه السنة قتل محمد خليل كما جاء في المجموعة الخطية و هو آغا الينگچرية.

المدرسة العلية:

هذه المدرسة عمرها الوزير علي باشا. و ما جاء في التعليق علي تاريخ مساجد بغداد من الاشتباه فيها كان غير صواب. فإن تاريخ بنائها كان سنة 1176 ه. و هذه المدرسة صارت مدرسة صنائع ثم مجلس أمة.

و التفصيل في كتاب المعاهد الخيرية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 45

حوادث سنة 1177 ه- 1763 م

قتلة علي باشا:

كان هذا الوزير سخي الطبع، سليم الاخلاق، مقبول الخصال، و هو لبيب عاقل شجاع و مدبر، كما أنه صاحب انصاف و عدل. في وزارته لم يظهر منه سوء معاملة، و كل الأهلون راضين عنه، يلهجون بذكره. إلا أن إرضاء جميع الناس من المحال لا سيما أرباب الاطماع.

سبق أن الكهيات كانوا ستة ما عداه. فلما توفي الوزير سليمان باشا صار يطمح كل واحد منهم في الحصول علي الوزارة دون غيره فلما توجهت إلي علي باشا يئسوا فأخفوا حقدهم عليه.

أما الوزير فلم يقصر في ارضائهم إلا أنهم صاروا يكتمون له العداء و يتخذون الوسائل للقضاء عليه حتي أنهم حاولوا اغتياله في (الدورة) إثر عودته من حرب كعب فلم يتمكنوا من تنفيذ خطتهم.

و في هذه المرة أطمعوا أهل الشغب و أغووا البسطاء و أعدوا أسباب الفتنة فملأوا القلعة الداخلية بأهل الفساد و وجهوا المدافع علي دار الحكومة و أوقدوا نار الحرب. ضيقوا علي الوزير فأخرجوه طوعا أو كرها. فاتخذ له خياما خارج البلد في جانب الكرخ و صار يراعي الوسائل للخديعة و يعوّل علي لطائف الحيل ليجري اللازم و أغري القاصدين قتله بالأموال و أمالهم نحو جانبه فأظهروا الندم و التمسوا أن يدخل البلد.

أما الوزير فقد عاد و دخل المدينة بعد بضعة أيام و قام بالإدارة مرة أخري إلا أنه كان ينبغي أن يكون متأنيا فعجل في القضاء علي

من قام بهذا الأمر من الينگچرية الواحد بعد الآخر. أما الكهيات فقد أحسوا بالخطر فأوقدوا نيران الفتنة من جديد و بادروا بالعصيان. اجتمعوا في محل و تعاهدوا فاختاروا عمر باشا وزيرا علي أن لا يتعرض لأموالهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 46

و ممتلكاتهم فتحالفوا جميعا علي هذا بأيمان مغلظة و أبدوا حينئذ أن الوالي يريد السوء بالأهلين فأغووا أعيان المملكة و أمالوهم لجهتهم، و في الحال أعلنوا النفير العام و ضجوا في المدينة فتجمعوا كأنهم في يوم المحشر و فتحوا باب المقارعة و طال الجدال و اتخذ كل واحد ما تيسر له عمله.

و في هذه المرة نصحهم الوزير و حاول اقناعهم من طريق المسالمة لإطفاء لهيب الفتنة فلم ينجع فيهم تدبير فاضطر أن يخرج من دار الحكومة مرة أخري بتبديل لباسه و أن يفر من أيدي الثوار فاختفي بدار قريبة فلم يحترم صاحبها الدخالة فأخبر أنه عنده فأخرجوه و حبسوه في القلعة و فيها قتل في أواسط سنة 1177 ه.

و كان من مماليك سلفه سليمان باشا. و مما اشتهر به أيضا الإقدام و الغيرة و طهارة المشرب، و الديانة، و أنه لم يكن خائفا كما نبزه أعداؤه.

فهو وزير عالي الهمة.

و كان سليمان بك الشاوي تحامل عليه و هذا لا يخلو من انتصار لعمر باشا و ذكر قتلته في كلام طويل. و أصل هذا التحامل التنافس علي الوزارة.

و في هذه المرة و بالرغم من الاختلاف لا يزال التساند بين المماليك قويا جدا لم يطرأ عليه خلل. فهم علي الخارج إلب و قوة. لذا لم تتمكن الدولة أن تستفيد من هذا الاضطراب. تحالفوا و اختاروا واحدا منهم فلم يؤثر عليهم غيرهم.

و إذا نظرنا إلي حالة العثمانيين

علمنا أن المسهلات متوفرة لبقاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 47

الوضع. فالدولة كانت في شغل من حروب روسية و المغلوبيات المتوالية الأخري فليس لها من الوقت ما تتمكن به أن تلتفت إلي داخليتها. لذا نري حوادث ايران مهملة بل إن وجودها مما دعا أن لا يقع تدخل.

وزارة عمر باشا

إن الكهيات السابقين اتفقوا علي الوقيعة بالوزير و بعد قتله اجتمع الأعيان فوافقوا علي ترشيح عمر باشا وزيرا علي بغداد و البصرة فكتبوا محضرا جاء فيه أن علي باشا له ميل إلي ايران. يراعيهم في أكثر الأمور. اتفق علي تسليم بغداد لهم. فلم نصبر علي اغماض العين المستلزم للخيانة العظمي كما أن عاقبة ذلك وخيمة. و لو أرسلنا خبرا إلي الدولة خشينا من فوات الفرصة و أن يحدث أمر أكبر بحيث لا يتيسر تدارك الخطر فلزم الإسراع فاضطررنا لاتخاذ الإجراءات الفعلية. و الآن رأينا عمر الكهية صادقا للدولة و أن كل عمل من أعماله موافق لإرادتها، و أن وزراء الخارج لا يستطيعون ضبط المملكة و حسن ادارتها، فتتمني أن تعهد إليه الوزارة.

أما رجال الدولة فكانوا يعلمون أن هذه النسبة محض اختلاق، لكن نظرا لمحضر الوجوه و ترشيحهم لعمر الكهية وجهت إليه وزارة بغداد و البصرة و جاءه الفرمان بذلك. فنال أقصي أمانيه و بادر في رؤية المصالح و الأمور.

و فرمانه يتضمن أن قطر العراق يستدعي العناية أكثر، فهو مهم جدا، فأودع إلي لياقتك و بعد نظرك، و تدبيرك القويم، و لا شك أن همتك تظهر في حراسة الثغور، و مراعاة الحدود، و الخدمات اللائقة كما هو المأمول. و هذا ما أجزم به و انتظره بفارغ الصبر. و أنا مترقب منك جليل الأعمال لاكتساب التوجهات الحسنة و مزيد

التلطفات. فأودعت إليك هذه الأمانة إيالة بغداد و البصرة، و المطلوب أن تضبط و تدار بالوجه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 48

المقبول، و تحفظ من أيدي الاغيار العابثة. فالتبصر و اليقظة هما شأنك، و الحكمة ديدنك …

أرسل هذا الفرمان مع الميراخور الأول للركاب الهمايوني. أوصاه بما يجب عمله، و حضّه علي السكينة و الرأفة و العدل.

و ممن مدحه حين ولي بغداد سليمان بك الشاوي بقصيدة جاء تاريخها:

«و قمت بالعدل و الإحسان يا عمر»

و مدحه الشيخ عبد الرحمن السويدي بقصيدة كل شطر منها يتضمن تاريخا.

العيدروسي:

توفي الشيخ أبو الفتوحات بهاء الدين با علوي السيد عبد اللّه العيدروسي العدني ثم البغدادي القادري البدري السهروردي الشافعي الأشعري. في 17 رمضان سنة 1177 ه. فصّلت عن العيدروسي و طريقته في كتاب (التكايا و الطرق).

حوادث سنة 1178 ه- 1764 م

الخزاعل:

لم يعد يسمع شيخ الخزاعل حمود الحمد أوامر الحكومة فاقتضي تأديبه و لذا جهز عليه الوزير جيشا لجبا. أما هو فتأهب للمقابلة و جمع عشائره و عشائر أخري فتقابل الجمعان و دامت الحرب بينهما إلي أن تمكن الوزير منه بحيث وصل جيش الوزير إلي متاريس الخزاعل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 49

فحصلت المعركة و تمّ له النصر فاستولي علي خيامهم و اغتنم غنائم كثيرة ثم رجع إلي بغداد باحتفال باهر.

إن هذه الوقعة انتهت في سنة 1179 ه. يدل علي ذلك القصائد التي مدح بها الوزير عند عودته.. و منها قصيدتان لسليمان بك الشاوي.

و في هذه الوقعة يشير الشاوي إلي أن علي باشا تغلبت عليه الخزاعل في حربه قبل هذه الوقعة و كان رئيسهم حمود مع أننا لا نجد إشارة من المؤرخين إليها فلم يذكروا إلا الانتصار.

حوادث سنة 1182 ه- 1768 م

المنتفق:

بعد وقعة الخزاعل ذاع صيت الوزير و نفذت احكامه علي القاصي و الداني فدخلت العشائر في الطاعة.

و في هذه السنة تعرض شيخ المنتفق الشيخ عبد اللّه لبعض المقاطعات في البصرة و تسلط عليها و حدثت بينه و بين متسلم البصرة الحاج سليمان آغا نفرة فأرسل الوزير إليه عبد اللّه بك الشاوي ليعذله و ليؤلف بينه و بين المتسلم.

و لما وصل إليه تفاوض معه و جمع الطرفين في قصبة الزبير ليتداولا في مسائل الخلاف فأبدي الشيخ عبد اللّه الموافقة و قبل الصلح.

ثم عاد عبد اللّه بك الشاوي إلا أنه بعد عودته رجع الشيخ إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 50

حالته الأولي. و حينئذ استعد له الوزير، فنهض بنفسه فلما وصل إلي قريب من العرجة (العرجاء) و تبعد 16 ساعة عن البصرة إلي محل يقال له (أم الحنطة) علم

الشيخ بمجي ء الوزير فوجد أن لا قدرة له علي المقاومة فاضطر إلي ترك الديار.

و في هذه الواقعة مدح الشيخ حسين العشاري الوالي بقصيدة و بها ذم المنتفق.

حوادث سنة 1183 ه- 1769 م

قتلة عبد اللّه بك الشاوي:

أرسل الشاوي من جانب الوزير لإصلاح ذات البين و تسوية المشاكل بين متسلم البصرة و الشيخ عبد اللّه فقال صاحب الدوحة: إنه قام بما ينافي الصدق و السداد و خان في القضية و تحرك خلاف رضا الوزير. و الحال أنه لما شعر بقوته و هزم شيخ المنتفق أراد أن يقضي علي أكبر متنفّذ لديه و كانت لعبد اللّه بك مكانة في قلوب العشائر و الأهلين لا في زمنه بل في زمن أحمد باشا. و لذا بعد انهزام الشيخ قبض عليه في (أم الحنطة) و قتله و لعل المتسلم أغراه بقتله بقصد التشويش علي الوالي أو أنه لم يتحمله. و بقي هناك مدة للقيام ببعض المهام.

و في هذه الأثناء ورد بغداد خبر قتل عبد اللّه الشاوي فنهض أولاده الحاج سليمان و سلطان و غيرهما و جميع أفراد قبيلة العبيد اتفقوا معهم و اعتضدوا بهم و احتشدوا في الدجيل و كانوا قوة مهمة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 51

تستخدمهم الحكومة لتأديب العشائر فشوشوا الوضع علي الوزير و قطعوا الطرق و أحدثوا اضطرابا قويا.

و لما سمع الوزير سارع للعودة إلي بغداد. و بالنظر لكثرة الجيش و أثقاله كان ينبغي أن يصل في مدة عشرين يوما فقصرها في سبعة أيام أو ثمانية. وصل بغداد بغتة و نزل في المنطقة من جانب الكرخ و ركبوا خيولهم جريدة ليلا بعد العشاء فأطلقوا الأعنة فوصلوا كالبرق الخاطف، إلي المحل المطلوب فوجدوا قبائلهم ففرقوهم شذر مذر و أخمدوا غائلتهم. و حينئذ وجد سليمان بك فرصة

للفرار فانهزم، و أما سلطان بك فألقي القبض عليه و جي ء به إلي الوزير فلم يسكن غضبه عليه إلا بضربه بيده في خنجره و قتله. ثم عاد الوزير إلي بغداد.

و هذا شأنهم حينما يشعرون بقوة فلا همّ لهم إلا قهر الأهلين لا سيما العناصر الفعالة، و كلما رأوا ضعفا مالوا للتفريق و استخدام البعض علي البعض.

جاء في ديوان العشاري أنه قتل في شهر رجب سنة 1183 ه و رثاه بقصيدة، و كان مدحه بأخري هنأه بوقعة المحمرة.

في سنة 1183 قتل محمود الكهية.

حوادث سنة 1184 ه- 1770 م حوادث سنة 1185 ه- 1771 م

و في هاتين السنتين لم يحدث ما يستحق الذكر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 52

في سنة 1185 حدث الطاعون (أبو خنجر) و امتد إلي السنة التي بعدها.

حوادث سنة 1186 ه- 1772 م

الطاعون:

حدث الطاعون فاستولي علي المملكة فلم ينج منه رجل و لا امرأة. فتك فيهم فتكا ذريعا فهدم معالم و قضي علي بيوت فعادت بغداد يبابا و نالها الخراب.

دام الطاعون من أوائل شعبان إلي أواخر المحرم لسنة 1187 ه.

دهش الناس من ألم هذه الوقعة و ذهلوا ففروا بلا اختيار و لا روية إلي جهات أخري.

و كان الوزير اتخذ الخيام فنزلها في مقابل قصبة الإمام الأعظم و بالقرب من المدينة فمال عنه الأعوان و الحشم و سائر الموظفين.

و للعشاري قصيدة يرثي بها أوضاع بغداد لما أصابها من هذا المرض الفتاك فبدل من أحوالها.

ثم انقطع المرض فتراجع الناس و عادوا إلي مواطنهم و اكتست المدينة حسنا بالسكان نوعا. و هذا الطاعون فل من عزم الوزير و شوش من إدارته.

و في تحفه عالم: «حدث سنة 1186 ه مرض الطاعون في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 53

العراق جاءه من استنبول و انتشر في أنحاء العراق. هلك فيه خلق لا يحصي عددهم إلا اللّه. و في مدينة بغداد مات في اليوم الأول بهذا المرض سبعون ألفا، و في اليوم الثاني و الثالث لم يحص عدد المصابين.

و أن العتبات العاليات كان فيها أفاضل العلماء. ذهبوا ضحية هذا المرض إلا نفرا معدودا فروا اتقاء منه و كان في أجلهم تأخير. و أن المؤرخ السيد محمد السيد زينا الذي هو من أدباء ذلك العصر نعت في تاريخه هذا المرض (بالطاعون العظيم).

سري إلي البصرة و بوشهر بحيث هلك القسم الأعظم من سكان البلاد المشهورة و القري

و البوادي …

حوادث سنة 1187 ه- 1773 م

الحالة بعد الطاعون:

بعد حادثة الطاعون رجع الأهلون كل إلي مكانه. و أن المدينة ظاهرا انتظمت أمورها لكنها لم تتكامل و بقيت في حالة تشوش. لأن الذين كان يعول عليهم في الإدارة و حسن النظام ماتوا و لم يبق من يقوم بشؤون الحكومة من أهل الكفاءة و ولي الأمور من لم يكن أهلا للقيام فانحلت أمور الديوان فاضطر إلي ترغيب الاكراد و العربان سكان البوادي. و لقلة خبرتهم بالإدارة تشوشت الأمور و انحلت.

أما العشائر العربية فكانت تنتظر وقوع أمثال هذه الأمور لإثارة الفتن.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 54

بابان:

في حوادث سنة 1187 ه تغلب علي باشا علي سليمان باشا متصرف بابان و وجه لواء بابان إلي أخيه أحمد باشا، و وجهت ألوية كوي و حرير إلي تيمور باشا من آل عثمان باشا من أمراء كوي، و أن سليمان باشا استند إلي كريم خان الزندي فتحارب مرارا مع آزاد خان الأفشاري و انتصر عليه كما استولي علي سنة اعتمادا علي قوة كريم خان فوجه حكومتها إليه.

ثم إن علي باشا الوزير عزم في السنة التالية علي محاربة كعب فاستصحب معه أحمد باشا مع عسكره و أناب هذا أخاه محمود باشا في قلعة چولان و ترك أخاه الآخر مصطفي باشا في عسكر قليل.

أما سليمان باشا فإنه اغتنم الفرصة فجاء من سنة بعسكر كثير و طرد محمود باشا و أتباعه و ضبط لواء بابان. و لما عاد علي باشا من سفرة كعب سمع بالوقعة في منزل (نهر عمر). و بوصوله إلي بغداد رخص أحمد باشا منصوبا علي بابان و عين معه عسكرا جرارا و عند ذلك لم يقاومه سليمان باشا. و كان الموسم موسم شتاء و ثلج فأخذ سليمان باشا

جميع أرباب الحرف و الصنائع و أهل المقدرة و القوة و ساقهم قهرا معه و ذهب إلي (سنة) و أقام في حكومتها معولا علي كريم خان.

و بعد عام واحد توفي علي باشا و صار عمر باشا واليا. و كان هذا الوزير مغبرا من أحمد باشا و كانت له حقوق قديمة مع سليمان باشا. لذا عزل أحمد باشا و وجه لواء بابان إلي سليمان باشا و كذا كوي و حرير و إربل و كوپري و قره حسن و زنگباد و جسّان و بدرة و أرسل إليه خلعة إلي سنة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 55

أما أحمد باشا فإنه لم يعارض و انسحب هو و أتباعه إلي العمادية.

أسكن حاشيته هناك و ذهب هو إلي الموصل. بقي فيها مدة.

و توجه سليمان باشا إلي ديار الكرد و تمكن فيها، و أن عمر باشا لم ير من المصلحة إبقاء أحمد باشا في الموصل. بل جلبه إلي بغداد إلا أنه لم ينل منه توجها. و استولي سليمان باشا علي سنة و علي جميع ديار الكرد و إربل و المقاطعات الأخري بلا معارض و لا مزاحم. مضت علي ذلك مدة سنة. و كان قد عاقب بعض الأشخاص هناك و هو (فقيه إبراهيم). و هذا نزل ليلا علي دار (سليمان باشا) و قتله بخنجره انتقاما منه.

إيالة بابان توجه إلي محمد باشا:

وافي الخبر عمر باشا. و أن أحمد باشا كان في بغداد، أما أخوه محمد باشا فقد كان هناك و هو أكبر من أحمد باشا و أصغر سنا من سليمان باشا فوجهت إيالة بابان إليه بناء علي تعريف عمر آغا المطرجي له و تنويهه بذكره لحقوق قديمة كانت بينهما فأرسلت الخلعة إليه. و لعل التعريف كان مبنيا

علي أنه عازم علي الحرب فيما إذا لم توجه إليه فتتولد فتنة جديدة.

مضت مدة سنة فأراد الوزير عمر باشا السفر إلي الخزاعل فطلب محمد باشا للذهاب معه فجاءه بألفي جندي من خيار الجند فأدي واجب السفر و رسوم الخدمة و عند العودة إلي بغداد أقام بضعة أيام. و في هذه الأثناء رأي من عمر باشا بعض التكاليف الشاقة.. مما لم يكن يأمله فذهب إلي مقر حكومته علي أن لا يعود مرة أخري و أضمر أن لا يري هذا الوزير ثانية.

و يلاحظ أن أحمد باشا في خلال هذه المدة اضطرب كثيرا و لم ينل رعاية لدرجة أنه ضجر الحياة و رجح الموت علي البقاء علي هذه الحالة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 56

و لما علم محمد باشا بهذا أشفق علي أخيه، و كذا أراد تنفيذ نواياه فاتخذ المراسلة و العهد للترغيب فجلب أخاه إليه، ففرح أحمد باشا بذلك فاطلع عمر باشا علي الأمر و التفت حينئذ إليه و أمله بأنه سوف يوجه إليه ديار الكرد و عزم علي نصبه فلم يوافق. و لذا خرج و ذهب إلي أخيه و حين وصوله وجه إليه أخوه محمد باشا لواء كوي و قره طاغ.

و داموا سنين علي خير ألفة و وفاق.

ثم دخل بينهما أهل النفاق. فزال الاعتماد بل تمكن الخصام.

و بسبب ذلك حذر أحمد باشا فرحل من قره طاغ و ذهب بمن معه إلي جهة زنگباد فوجه إليه الوزير مقاطعات بدرة و جسان و مندلي و في هذه الأثناء حدث الطاعون، فأراد محمد باشا تنظيم بعض المصالح اللازمة، و توجه من قلعة چولان إلي كويسنجق. و نظرا لحادث الطاعون زال الربط و النظام و كل واحد ذهب لشأنه.

أما

أحمد باشا فقد استفاد من هذا نظرا لما علمه من قلة العدد و القوة في أنحاء كويسنجق، فاغتنم الفرصة فعزم علي استئصال محمد باشا، و أغار علي كويسنجق، و عند وصوله إلي قنطرة الذهب (آلتون كوپري) حدثت أمطار غزيرة فلم يتمكن من العبور. فلما سمع محمد باشا بالخبر أخذ ما لديه من الجند و تقدم نحوه فتقابل الطرفان. فكان أحمد باشا في الجانب الأيسر و محمد باشا في الجانب الأيمن. و في هذه المدة تناقص الماء و وصل المدد إلي محمد باشا من قبائل كويسنجق من خيالة و مشاة. فتلاحق ورودهم فصاروا يلتمسون معبرا.

رأي محمد باشا أن قوته تكاملت فعبر و تقدم، لكن العلماء و الصلحاء و السادات و الشيوخ توسطوا في البين رافعين المصاحف فأصلحوا بينهما، و أطفأوا نيران الحرب.

و في هذه المرة خصص محمد باشا إلي أحمد باشا كويسنجق و قره

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 57

طاغ. أعطاهما له و ذهب هو إلي قلعة چولان و بقوا علي هذه الحالة سنة واحدة. ثم زال اعتماد محمد باشا علي أخيه أحمد باشا بسبب ما حدث من فتنة و شقاق حتي دعاه إليه من قره طاغ إلي قزلجه و حينما جاء حبسه. و لتأمين القبض علي أخيه الأصغر محمود باشا و هو بمثابة جزء غير منفك منه أغار علي قره طاغ إلا أن محمود باشا سمع بالأمر في حينه ففر هاربا إلي بغداد.

أكرم الوزير عمر باشا مثواه و أعطاه مقاطعة قزلرباط (السعدية) فسكن فيها. و لكن الوزير- بسبب الطاعون- لم يتمكن من الإدارة. و لذا ترك محمد باشا الطاعة و كان يعتذر ببعض الاعذار من تنفيذ أوامره.

و في الوقت نفسه كان يخابر كريم خان

الزندي و يبدي الانتماء إليه.

فعرف الوزير ذلك فأراد ضبط ديار الكرد و السيطرة عليها و إرهاب العشائر و تأمين انقيادها فعزل محمد باشا و كان أحمد باشا لا يزال محبوسا فنصب محمود باشا و جعله متصرفا علي بابان. فجهز الحاج سليمان آغا و عين برفقته باش آغا و هو أحمد آغا ابن محمد خليل مع مقدار خمسين بيرقا من اللوند و سباهية كركوك و لونداته و مقدارا من خاصته (أوجقلو).

إن هذا القائد توجه نحو المهمة المطلوبة و تلاحق معه محمود باشا أيضا أثناء الطريق و ألبسه خلعته و التحق بهم جيش كركوك فوصلوا ديار الكرد.

أما محمد باشا فلم يستطع المقاومة لعلمه أنه لا قدرة له فاختار الذهاب إلي ديار ايران. فتمكن قرب سنة و عرض الأمر علي كريم خان الزندي و استطلع رأيه. و أن القائد مع محمود باشا دخلا بلا ممانع قلعة جولان و تمكنوا بها و أنقذ أحمد باشا من السجن، و أن محمود باشا حين وصوله ترك الأمر لأخيه أحمد باشا بطوعه و فوض إليه المتصرفية و قام هو بخدمته و أن يكون معه فيما يختاره.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 58

ثم إن التجاء محمد باشا إلي ايران و احتماءه بكريم خان أدي إلي أن ينتظروا هناك مدة. أما كريم خان فإنه عاضد محمد باشا و طمع في الأمر بسبب الضعف و الفتور اللذين استوليا علي الأهلين من جراء الطاعون، و بما أصاب العراق من نقص في الجيوش فأقره في محله و جهز معه جيشا يبلغ نحو عشرة آلاف جندي بمعداتهم و كامل أسلحتهم و مدافعهم. فوافي الجيش الايراني تحت قيادة علي مراد خان متفقا مع محمد باشا فدخلوا حدود الكرد.

و حينئذ تفرق جيش الوزير شذر مذر لكن القائد سليمان آغا مع أحمد باشا تمكنوا من جمع ثلة معهم و خرجوا من قلعة چولان و تأهبوا للنضال في سفح جبل (سر سير) فلاذوا بكهف منه و قاوموا أشد المقاومة حتي أنهم بالرغم من قلتهم انتصروا علي عدوهم.

و في هذه المعركة استولي جيش الوزير علي (علي مراد خان).

قبض عليه أسيرا و كسر الايرانيين و قتل منهم نحو أربعمائة أو خمسمائة و بقوا في تعقبهم إلي ثلث الليل و نالوا غنائم كثيرة.

و حينئذ دعا الحاج سليمان آغا (علي مراد خان) إليه و لطفه و بقي عنده بضعة أيام ثم أرسله إلي عمر باشا في بغداد. وصل خبر انكسار الجيش الايراني إلي كريم خان فحار في أمره.

ثم تصدي لأخذ الثار و تحركت النخوة فيه. و أن عمر باشا حينما جي ء إليه بعلي مراد خان أكرمه و أبدي له من الاعزاز ما يستحق. و بقي عنده بضعة أيام ثم أرسله إلي كريم خان مكرما معززا و لكن كريم خان لم يسكن غضبه بل جهز أخاه صادق خان بجيش يناهز العشرين ألفا، و سير مع شقي خان نحو اثني عشر ألفا، و مع نظر علي خان ما يقارب الثمانية آلاف.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 59

أما القائد الحاج سليمان آغا و أحمد باشا فقد صاروا في انتظار ما سيفعله كريم خان و تطلعوا إلي أخبار الايرانيين إلا أن ديار الكرد ليس في قدرتها الدوام علي إدارة الجيوش لأمد طويل و لا قدرة لها علي إعداد الأرزاق و لذا توجه الحاج سليمان آغا بعسكره إلي جهة كركوك.

ثم إن الجيوش التي عينها كريم خان توجه كل منها إلي جهة، فإن صادق

خان توجه نحو البصرة فحاصرها، و إن الفرق الأخري ذهبت إلي أنحاء الكرد فوردت إلي محل قريب من الحدود. و لما شاع أمر ذلك استولت الواهمة علي الأهلين و أصابهم الرعب علي البعد حتي أنها أثرت علي جيش الحاج سليمان آغا فتفرق أعوانه و لم يبق معه سوي الباش آغا (أحمد آغا ابن محمد خليل) و بضعة خيالة من أعوانه و أتباعه.

فتيقن أحمد باشا أن لا طريق لإمداده كما أن عمر باشا عزل أحمد باشا تنويما للعداء بينه و بين الإيرانيين و عين محمد باشا لولاية بابان و إربل و القنطرة (آلتون كوپري) و جاء محمود باشا و سائر أتباعه إلي كركوك فأقاموا هناك و جاء معهم تمر باشا متصرف كوي. و هذه التدابير لم تكن الدواء الناجع بل قوت عزم الإيرانيين و بعثت فيهم همة و نشاطا فطمعوا في الأمر. و لذا تحرك نظر علي خان من كرمانشاه و توجه إلي ديار الكرد فضبط درنة، و باجلان فوصل إلي قري (پير حياتي)، و (جبّاري)، و (قره حسن) و هذه مأوي العشائر الكردية و تسمي بأسماء قاطنيها فانتهبوا هذه المواطن و رجعوا.

و أما شقي خان فإنه زحف علي الكرد من جهة (سنة) و انتهب أيضا كل ما لقي من قري و نواح فتوقف هو و محمد باشا في موقع يقال له (دربندكي). و حينما وصل الخبر إلي كركوك تقدم أحمد باشا بقصد الانتقام منهم إلا أن الإيرانيين بعد أن عملوا ما عملوا رجعوا فلم يسعه اللحاق بهم و محاربتهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 60

واجهة في جامع الآصفية- متحف الآثار ببغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 61

و في هذه نري عمر باشا حينما

علم بهجوم ايران من ثلاث جهات تيقن بالخطر و أنه لا يسعه الدفاع و لا امداد هذه المواطن الثلاثة و معاونتها فطلب المساعدة من دولته لتمده بما تستطيعه خشية أن يتفاقم الأمر. و نعلم من ناحية أخري أن الدولة ليس في وسعها الامداد و لكنها أفرغت المسألة في قالب آخر فلم تصدق الوزير في أقواله إلا أنها علمت الحقيقة من كتاب الباليوز (المقيم البريطاني في بغداد) و لذا أرسلت لهذا الغرض و هبي أفندي بوظيفة سفير إلي ايران.

ثم إن الإيرانيين حينما وصلوا إلي (دربندكي) مع محمد باشا مكثوا بضعة أيام ثم انسحبوا إلي الوراء أما القائد فإنه أقام في كركوك مع ثلة من الجند لمحافظة المدينة. و في هذه الأثناء شاع خبر عزل عمر باشا ممن جاؤوا من الموصل. و لذا تفرق عسكر القائد (الحاج سليمان آغا) و بقي وحيدا ليس معه إلا بعض أتباعه. خالفه تمر باشا متصرف كوي و حرير و تصدي للذهاب إلي مقره فلم يوافقه القائد في رأيه هذا و لم يأذن له بالذهاب إلا أنه لم يصغ لقوله و حاول الخروج فألقي القائد القبض عليه و عرض الأمر علي عمر باشا فعزل تمر باشا و وجه لواء كوي و حرير مع إربل إلي أحمد باشا ضميمة إلي القنطرة (آلتون كوپري) و أن أحمد باشا و محمود باشا توجها مع القائد و ضبطوا كويسنجق و لكن القائد لم يجد البقاء فيها موافقا. فعاد بعد أيام إلي كركوك.

و في هذه الأثناء عزل الوالي متصرف كركوك تيمور باشا و وجهت المتصرفية إلي سليمان باشا ابن أمين باشا الجليلي متصرف الموصل برتبة الوزارة فجاء و باشر إدارة الشؤون.

و كذا ورد و هبي أفندي و

ذهب إلي شيراز فالتقي بكريم خان الزندي و بلغ سفارته و من هناك توجه إلي استنبول و لم تظهر نتائج هذه المفاوضة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 62

و من ثم حاصر جيش كريم خان البصرة. أما الدولة فإنها في الظاهر أعانت عمر باشا و لكنها كانت تضمر له نوايا. فأرسلت والي ديار بكر أوزون عبد اللّه باشا و أتبعته بالحاج مصطفي الاسبيناقجي جاء عبد اللّه باشا و معه نحو الثلاثة آلاف جندي فوصل إلي كركوك. ثم بعد استراحة بضعة أيام رافقه القائد الحاج سليمان آغا إلي بغداد و نزل في ميدان السلق.

ثم جاء بعد أيام قلائل الحاج مصطفي و الميرميران كپكي عبدي باشا و معهما نحو ألفين و خمسمائة جندي. و نزلوا خارج الباب الأبيض ثم ورد والي كركوك سليمان باشا الجليلي و معه نحو ألف فكان جيشا معاونا و نزل خارج البلدة.

و يلاحظ أن هذه الحوادث ابتدأت من سنة 1187 ه، و انتهت بسنة 1188 ه.

في سنة 1188 قتل الكارجي و إسماعيل آغا و إسحاق آغا.

وفيات:

1- السيد عبد اللّه الفخري:

سنة 1188 ه توفي السيد عبد اللّه الفخري. و له (تاريخ نشاطي).

و كان كاتب الديوان من أيام الوزير أحمد باشا و هو أديب و شاعر بالعربية و التركية و عندي مجموعته الخطية فيها شعره العربي و ما قيل فيه و له رسالة في الهيئة عندي مخطوطتها و شرح بانت سعاد مخطوطة أيضا و رثاه الشيخ كاظم الأزري بقصيدة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 63

حوادث سنة 1189 ه- 1775 م

محاصرة البصرة:

إن صادق خان أخا كريم خان الزندي توجه نحو البصرة لمحاصرتها و الاستيلاء عليها. و لما وصل إليها كان متسلمها سليمان آغا. و كان مقداما هماما. فلم يصبه تزلزل و لا بالي بالإيرانيين و إنما سكن روع الأهلين فحثهم علي الدفاع و راعي لوازم الحصار.

أما الإيرانيون فإنهم أحاطوا بها من كل صوب و شرعوا بالحرب فطالت المحاصرة. و أشكل الأمر بسبب الهجوم من جانبين فالوزير نظرا لقلة جيشه لم يستطع إرسال قسم إلي جهة أنه كان يبعث الأمل و يحرض علي الدوام في القتال و المصابرة و يخبر بأن الدولة أرسلت جيشا و أنه سيوافي عن قريب. وصل إلي المحل الفلاني و يقول: ثابروا علي الدفاع. إن بغداد بعثت كذا مقدارا من الجيش لمعاونتكم و إنه واصل لا محالة.

كل هذا تقوية للقلوب و بعث الأمل في حين أنه لم يرسل إليهم و لا وصل إليهم مدد.

ثم أرسل الوزير كتخداه عبد اللّه الكهية مع مقدار من الجيش فلم يتمكن أن يجتاز الخزاعل. وصل إلي جليحة لقتالها. فتغلبت عليه. فبقي الوزير في اضطراب و حيرة. و كذا الأهلون في بغداد كانوا في كدر و حزن.

و في تحفه عالم:

«إن والي بغداد اتخذ سلوكا رديئا نحو سكان العراق لا سيما زوار العتبات و ساكنيها من القزلباشية. كان يأخذ منهم الأموال الوافرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 64

بحجة أن هذه تعود إلي موتي الطاعون، فكان يصادر بعض أموالهم يداعي أنهم استولوا علي متروكات الموتي فوصل خبر ذلك إلي الشاه فتأثر. فعهد بأمر دفع هذا الظلم إلي (حيدر قلي خان) أمير زنگنة.

اختاره لهذا الغرض حيث إنه كان ممن عاش لدي الصفويين و كان من أمراء ايران المعروفين فهو مجرب كامل بسبب سفراته

و سياحاته العديدة في الاقطار، و كان عالما بالعلوم المتداولة. يجيد أكثر اللغات الغربية فضلا عن أنه كان مفوها، منطيقا. أرسله إلي بغداد فأخذ ينصح الباشا و يحذره العواقب. فكان جواب الباشا يتضمن مواعيد واهية فأذن للرسول بالانصراف.

و استمر في ظلمه و قسوته أكثر بحيث إنه قبض علي جماعة من سكان الكاظمية و عذبهم بالضرب بالعصي فأدي ذلك إلي وفاة واحد منهم.

و لما جاء هذا الخبر إلي الشاه لم يهدأ و لا قر له قرار فأرسل أخاه محمد صادق خان الزندي و أحد أبناء عمه نظر علي خان و كانت لهما اليد الطولي في قيادة الجيش و حسن إدارته ففوض إليهما أمر الاستيلاء علي البصرة. فوردا إلي شوشتر و منها ذهبا إليها.

و كان متسلمها إذ ذاك سليمان آغا و هو ذو شجاعة و رأي سديد.

قام بالواجب في حراسة المدينة و أظهر ثباتا، و أما جيش القزلباش فإنه أحاط بها و استمر الحصار أربعة عشر شهرا فوصل حال المدينة إلي حد أنهم من شدة القحط أكلوا لحوم الحيوانات التي لم يألف الناس أكلها كلحوم الكلاب و القطط و هلك خلق كثير …» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 65

عاقبة الوزير:

في هذه الأثناء ورد الوزراء إلي بغداد متواليا و كل واحد معه بضعة آلاف فتجمع في بغداد نحو سبعة آلاف أو ثمانية آلاف جندي و بهذا زال الاضطراب عن الوزير و ذهب البؤس عن الأهلين و قوي الأمل في استخلاص البصرة.

قضوا بضعة أيام للاستراحة ثم كلفهم الوزير بالذهاب إلي مواقع الحرب فلم يصغوا و اعتذر كل منهم بعذر و ماطلوا في الذهاب.

و بعد أيام أشاعوا عزله و أظهروا الفرمان. بينوا أن عمر باشا كانت معاملته سيئة

مع ايران و أنه حرك الساكن، فلو عزل سكنت الفتنة و لم يبق لها أثر. كتبوا إلي استنبول بهذه البيانات و كانت بعكس ما كان يكتبه الوزير عمر باشا فعلمت الدولة أن أقوال هؤلاء صحيحة و أن الخلاف بين الوزير و ايران هو منشأ توتر العلاقات. و علي هذا عزلته الدولة.

تواتر أن أعمال هذا الوزير كانت منفّرة. فلم يرض العشائر و لا الكرد و لا الداخل. و قتل عبد اللّه بك الشاوي إلا أن العاقبة صارت و خيمة عليه و حصلت البغضاء منه في كل الأنحاء، و كان المثير لحروب ايران، فلم يحسن السياسة فالدولة لم ترض عنه و لا عن المماليك.

و اعتقد أن ذلك كله كان بسبب موافقته لرغبة سليمان آغا متسلم البصرة.

أرادت الدولة أن تستفيد من هذا الوضع. و أن تتخلص من المماليك و هم أشد خطرا عليها من ايران فكانت مهمة الجيش القضاء علي هذه الغائلة و ترجيحها علي ايران. استغلت نفرة الأهلين من هذا الوزير و من أوضاع ايران. و أمراء الكرد فتخلصت بخير طريقة. فكان تفسير المماليك للوضع تبعيدا للمغزي السياسي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 66

صراف عمر باشا:

هو اليهودي ميخائيل. و لهذا أخ اسمه أبراهام فلما حدثت واقعة الوالي حبس الاثنان، و بقيا في الحبس حتي طلب بعض النساء من أهلهما إطلاق سراحهما..

توالي الوزراء:

و علي هذا وجهت الدولة إيالة بغداد و البصرة إلي أمين باشا الجليلي، و وجهت إيالة كركوك و الموصل إلي ابنه سليمان باشا. ثم إن أمين باشا توفي فعهدت بإيالة بغداد إلي أحد الوزراء المبعوثين إلي بغداد و هو مصطفي باشا. و أوضح في الفرمان الوارد أن عمر باشا إذا تمرد و عصي و لم يطع الأمر فليعامل بما يستحقه. و هذا أيضا يبين نوايا الدولة نحوه و أما الايعاز الشفهي أو التحرير السري فحدث عنه و لا حرج.

أما الوزير فإنه حينما سمع بالفرمان امتثل الأمر و سلم مقاليد الحكم إلي خلفه و عبر هو إلي جانب الكرخ و ضرب خيامه في المنطقة و تأهب لما يقتضي له من اللوازم السفرية إذ لم يكن يعلم بذلك ليتأهب.

ثم ولي مصطفي باشا الوزارة بموكب و أبهة و دخل بغداد بلا مزاحم و لا معارض و باشر أمور الإدارة إلا أن مبغضي عمر باشا استفادوا من توقفه فحملوا تأخره علي محمل آخر و أغروا الوزير مصطفي باشا بقتله. فأصدر أمره لجميع الجيوش أن يهجموا عليه ليلا.

و حينئذ أخلي عمر باشا و حاشيته المخيم و احتمي بنفسه و دافع إلي الصباح و أبدي من الجلادة ما لا يوصف. و لما انكشف الصباح ترك الحرب و توجه منهزما و لكن الجيش عقب أثره و ضيق عليه كثيرا فاضطر إلي المقاومة و الدفاع ثم أرخي العنان للنجاة. و سلك طريق الموصل من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 67

جهة الإمام موسي الكاظم (رض) و لما

غادر أرض المنطقة عثر به فرسه فسقط و انكسرت رقبته. و لم يعلم به أحد من أعوانه فتوفي. صادفه أحد اللوندات ممن عقبوا أثره فقطع رأسه و قدمه إلي الوزير مصطفي باشا.

و هذا أرسله إلي الدولة.

و هذا الوزير عاكسته الاقدار. و مع هذا كافح الاعداء بالرغم من أنه لم يصل إليه مدد. و إن أول وزارته عام 1177 ه و قتل غدرا في أوائل سنة 1190 ه و مدة وزارته بلغت 13 سنة.

و كانت أيام حكومته مطردة إلي أيام الطاعون. ثم تشوشت و نالها خلل. و كان إسماعيل آغا كتخداه. و أما كاتب الديوان فإنه إسماعيل المكي، و كان خطاطا معروفا. و هو ابن ولي أفندي كاتب الديوان أيام أحمد باشا. و توفي سنة 1228 ه. و كان من أساتذة الخط و له معارف جمة. و أصله من كركوك. و له إخوة.

إن عمر باشا في حد ذاته كان مفكرا، صائب التدبير. شجاعا مهيبا، و أديبا و قورا. رضيت عنه الدولة و كان مطيعا لها منقادا لاوامرها و نواهيها. مبديا لها الاخلاص، و لم يكن له دخل في قضية ايران، و أن الفرمان الذي صدر في حقه لم يكن قطعيا و إنما علق بحالة تمرده و عصيانه. و إنما فعل مصطفي باشا ما فعل بتسويل من ذوي الاغراض ثم ظهر للدولة إخلاصه إثر حدوث وقعته و حين وصول رأسه إلي الدولة أبدت تأسفا كثيرا. و من أجله غضبت علي مصطفي باشا.

و لا أعتقد أنه عمل مأثرة للدولة أو للأهلين. و إنما أراد أن ينفع المماليك فأضرّ بهم. عادي بين الأهلين و بينهم. و أن الدولة أرادت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 68

القضاء علي هؤلاء اغتناما

لهذه الفرصة و لكن رجالها لم يقووا علي الأمر و ليس فيهم من الكفاءة ما يسهل ذلك.

و جاء في تقرير الحاج علي باشا والي طربزون و سماه (تاريخ جديد) أو (يادگار تاريخ) كتب في 13 شوال سنة 1190 ه أن الدولة نشأت فيها أحوال ناجمة من قلة التدبير. فعددها. و قال: من أهمها وقائع بغداد، كانت في حالة توتر بينها و بين إيران. و أن اعتداء كريم خان الزندي كان صريحا إلا أنه قيل إن ذلك متولد من جراء ما اتخذه عمر باشا والي بغداد من أوضاع ضد رعايا ايران. فأيد مبغضو الوزير، و بينوا أنه لو عزل لما بقي ما يدعو للخلاف.

و من جهة أخري أن الدولة أرادت أن تتخذ ذلك وسيلة، فأرسلت إلي بغداد جملة وزراء منهم مصطفي باشا، و عبدي باشا، و عبد الجليل زاده، و أوزون عبد اللّه باشا، و مصطفي باشا، و مصطفي باشا خليل باشا چراغي. ذهب هؤلاء الوزراء إلي بغداد، و كانت مهمتهم حرب الإيرانيين و لكنهم اهتموا بأمر الوالي، فعزلوه، ثم قتلوه، و اختلفوا علي سلبه، صار كل واحد يميل إلي ناحية من الأهلين، فاضطربت الحالة، و لم يبق أمل في صيانة بغداد، و الاحتفاظ بها، أو أن الأهلين فسروا اختلافهم بذلك، فاحتقروا أمرهم.

و هل يصح أن يقال: أن عمر باشا كان مقصرا في علاقات ايران، و هل إن دعوي الإيرانيين صحيحة؟ ذلك ما لا يعقل، فهل جاء سفير من ايران؟ أو هل صدر هذا القول من مصطفي باشا نكاية بعمر باشا؟ ذلك ما لا يعلمه سوي الدولة إلا أن الواقع بخلافه، فإن عمر باشا عزل، و قتل، فهل كان ذلك سببا لانسحاب جيش كريم خان من

البصرة؟ و هل من اللائق قتل وزير مثل هذا؟.

أبدي ذلك صاحب التقرير. و الحال أن رغبة الدولة كانت مصروفة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 69

إلي الاستيلاء علي بغداد، و انتزاعها من أيدي المماليك، و أن تكون تابعة لها رأسا. فاتخذت هذا التدبير وسيلة إلا أنها كما جاء في هذا التقرير كانت في أسوأ الأوضاع. أصابتها الضربة من الروس سنة 1182 ه و حدثت هذه الغائلة، و لا تدري ما ستجر إليه. و بغداد لم تكن في حالة تدعو للارتياح لما فيها من فتن لا تستطيع قمعها.

و قال: أري أن الدولة أضاعت التدبير، فأربكت هذه الفتن أمرها، و كل ما نعلمه أن كريم خان مد يد البغي، و لم يكن مضطرا لما قام به كما أعلن، أو كما أبدي أعداء عمر باشا فالدولة لم تتثبت، و تقف علي جلية الأمر لتكون علي يقين.

و أن الموما إليه بيّن لدولته في تقريره أن قضية بغداد لم تكن الوحيدة في بابها، بل هناك قضية القريم، و قضية مصر. فإذا لم تتخذ الدولة تدابير ناجعة، فإن هذه الممالك تضر بالدولة أكثر مما تنفع. لأن الغائلة تستدعي مصاريف بالغة، فإذا تجمعت جملة غوائل كانت المصيبة أعظم.

وخير تدبير للعراق أن يقضي علي غوائله، و أن يكون هناك جيش يستطيع محافظته، و أن يزول سوء التفاهم بين والي بغداد عبد اللّه باشا و بين حسن باشا. فإن رفع ذلك من أصعب المصاعب، إذ قتل الوالي السابق عمر باشا كان بتسويل من أعداء الدولة. و أن الأمراء من المماليك لا يخاطرون، فإنهم يرون أنفسهم عاجزين عن مقاومة العدو، فلا يستطيعون الاشتباك معه، و إلا دمروا قطعا أو أنهم لو تغلبوا علي عدوهم فلا

شك أنهم يجزمون بهلاكهم أيضا لأن أمراء الروم متأهبون إلي ضبط مناصبهم، فيكون ايراد المملكة خالصا لهم دون المماليك.

و هكذا الأهلون يذهبون هذا المذهب. و هذا ما كان يختلج في أذهان القوم بسبب واقعة عمر باشا، و أنه قتل بغير وجه حق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 70

و للوصول إلي حل صحيح يجب أن ترفع الوحشة من أذهان الأهلين، و يتوسل بالتدابير الناجعة و من أهمها أن يرسل جيش قوي فيزيل غائلة ايران، ثم ترفع النفرة بين الأمراء و بين الأهلين. و ما ولدته قتلة عمر باشا من سوء تأثير. و العراق في هذه الحالة بين غوائل التسلط من ايران، و بين عشائر العرب، و عشائر الكرد فأخطاره متوقعة، و يخشي من حدوثها في كل حين. فمن الضروري امداد بغداد بقوة و إلا فإن حسن باشا و عبد اللّه باشا لا يستقر بينهما الأمر. و لا تهدأ الحالات الأخري. هذا مع العلم بأن التضييق علي ايران من جهة بغداد من أشق الأمور و أكثرها صعوبة، و إنما المهم أن يكون ذلك من جهة أرزن الروم.

و الأمر لا يقتصر علي بغداد و حوادثها بل الضرورة تدعو إلي ترقب الأحوال الأخري، فيخشي من ظهور وقائع جديدة مما يدعو فيه الأمر إلي الالتفات، و يستدعي الأخذ به للحيطة و التدابير الضرورية فلا يغفل عنها. و لا شك أنه يرمز إلي لزوم مهادنة المماليك و ترك أمل القضاء عليهم … هذه خلاصة ما في التقرير.

الإمام إبراهيم:

أمر الوزير عمر باشا بتعمير ضريح الإمام إبراهيم و هو بقرب الحيدر خانة. و مدح حسين العشاري هذا الوزير بقصيدة يثني فيها علي هذا العمل المبرور.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 71

مصطفي باشا:

ثم رخص مصطفي باشا بعد أن استقر في حكومته كلّا من أوزون عبد اللّه باشا و كپكي عبدي باشا و سليمان باشا الموصلي. أرجعهم مع عساكرهم بداعي أنه تصالح مع ايران و أنقذ البصرة و كتب لدولته.

و الحال أن ذلك كان خدعة من إيران. أما البصرة فكانت في حالة اضطراب و ضيق. و كذا لم يعتد بموظفي عمر باشا و أتباعه و لا ائتلف معهم. و كانت الحكومة كلها منهم فلم يرغب فيهم بالرغم مما كان يراه منهم من خدمة و ما يتقربون به من ألفة ظاهرية فكان ينتهز الفرصة للوقيعة بهم الواحد بعد الآخر و يبعدهم عنه. كل هذا ظهرت بوادره. و لم تحصل لهم طمأنينة منه. و هذا يفسر مخالفاتهم له.

و أول من ظهر عليه بالمخالفة عبد اللّه الكهية. خرج عن طاعته فالتحق به العثمانيون في بغداد و التفوا حوله. فروا من الوزير و احتشدوا فبدأ بالخصومة. و حاول مصطفي باشا أن يقضي علي أعوان الكتخدا و يفرق شملهم فلم يتمكن و بقي في ارتباك من أمره. فالحكومة تألبت عليه فلم يفلح في السيطرة علي الموقف.

سقوط البصرة

اشارة

إن الأهلين و المتسلم في البصرة كافحوا كفاح الأبطال و بذلوا من الحمية و الهمة ما لا يوصف فلم يبد منهم تهاون و لا قصّروا في أمر من وسائل الدفاع و أن مدة الحصار دامت 14 شهرا انقطعت خلالها السوابل برا و بحرا و نفدت الأرزاق داخل المدينة و لم تبق فيها أقوات حتي اضطر الأهلون إلي أكل اللحوم المحرمة لسد الرمق بسبب ما نالهم من ضنك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 72

العيش إلي أن وصلوا إلي درجة لا تطاق و لم يبق لهم صبر علي

مقاومة الجوع.

و في زمن عمر باشا استمدوا فلم يقطع أملهم و حرضهم علي الصبر و الدوام علي الحرب إلي أن يأتيهم المدد. فوعدهم بوعود مفرحة يقوي بها قلوبهم في رسائله التي كان يبعث بها ثم استغاثوا بمصطفي باشا و طلبوا المدد فلم يرد منه ما يسرّ الخواطر أو يشجع علي الدوام ثم إنه كتب إليهم بأنه لا يسعه أن يمدّهم لا سيما بعد أن رأي المماليك كلهم إلبا عليه و الفتنة في بغداد مشتعلة كما أن الإيرانيين أوهموه بالصلح أو أن المماليك اختلقوا ذلك ليرفع الجيش عنهم و لذا قال: أرضوا ايران بقسم من المال ليرفعوا الحصار عنكم و إلا فخذوا منهم عهدا بأن يحافظوا علي أموالكم و أعراضكم و سلموا إليهم المدينة.

و علي هذا شاور المتسلم سليمان آغا الأعيان بما ينبغي أن يتخذوه نظرا لما قطع به الوالي من آمالهم فلم يروا وسيلة غير التسليم. و لذا خابروا قائد ايران صادق خان أن يؤمنهم علي أعراضهم و أموالهم و يسلموا المدينة فوافق.

و في آخر أربعاء من صفر سنة 1190 ه دخل صادق خان بجيشه، و ألقي القبض علي المتسلم و الدفتري و صاحب الكمرك و سائر الوجوه و الأعيان فاستولي علي جميع أموالهم الظاهرة و الخفية و أرسلهم أسري إلي كريم خان الزندي في شيراز. ثم إنه أراد أن يأخذ الأموال الأخري من البصرة فتعدي و تجاوز بظلم و عسف و سلب الأهلين من أعيان و أداني فلم يذر أحدا إلا غرمه و انتهبه و صار أهل الثراء لا يستطيعون الحصول علي قوت يومهم و إنما كانوا يمدون يد الاستجداء إلي غيرهم و صاروا في فقر مدقع و حاجة شديدة.

ثم إن صادق خان ترك

من أمرائه محمد علي خان حاكما في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 73

البصرة و أبقي عنده نحو عشرة آلاف من الجند و عاد بالباقين و معه الغنائم و الأموال الوفيرة و رجع إلي شيراز.

و قال صاحب تحفه عالم عن حادثة سقوط البصرة إن العثمانيين توصلوا بالأمان و جعلوا واسطة هذا الأمر (السيد نعمة اللّه) و كان من المحصورين أرسلوه إلي صادق خان للمفاوضة معه في الصلح و كيفية تسليم المدينة فقام بما أودع إليه و ذهب إلي صادق خان فأخذ منه المواثيق أن لا يتعرض للنفوس و الأعراض. فبلغ هذا الأمر إلي سليمان آغا و سائر أمراء الجيش.

و في اليوم التالي دخل أفواج القزلباش إلي المدينة فتنفس الصعداء كل من كان في ضيق من القحط و أخذت تتلي الخطبة الاثنا عشرية و صار يكرر علي رؤوس المنابر و مآذن المساجد الأذان الجعفري و ضربت النقود بأسامي الأئمة الاثني عشر و أن السردار استحصل من الناس ذهبا كثيرا و أرسل سليمان آغا و جماعة من أعيان البصرة بمن فيهم من مسلمين و يهود و أرمن بمعية ابنه علي نقي خان إلي شيراز فكتب إليّ أخي كتابا يوصيني فيه بحسن المعاملة للأسري. و كنت آنئذ مقيما في شوشتر (تستر) فدعوت سليمان آغا مع بعض أخصائه إلي منزلي فقمت بالواجب و بما يدعو للتسلية. فوجدت سليمان آغا ذا رأي متين و عزم قوي.

ثم توجه بعد بضعة أيام إلي شيراز و لقي من الشاه كل اعزاز و احترام. و بعد وفاة الشاه عاد سليمان آغا ثم نال منصب وزارة بغداد.

و قال صاحب التحفة: إن أخي بعد حادثة البصرة قصد الذهاب إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 74

العتبات

إلا أن افواج القزلباش كانت محيطة بتلك الأنحاء و كان أمر بغداد مجهولا، و أن السردار امتنع من اعطاء الرخصة بالسفر. و كانت الإقامة بالنظر إليه صعبة. لأن أعمال القزلباش و أهل الأهواز كانت غير لائقة و مما لا يطاق تحملها و البقاء عليها. تلك الأعمال المنافية لرأيه و التي تأثر منها. و أعجب من ذلك أن العثمانيين يعزون هذه الحركات إليه و يعدونه منشأها. و من جملة ذلك أن السردار أمر بهدم مرقد الزبير (رض) و هو من العشرة المبشرة. و بقعته تبعد عن البصرة أربعة فراسخ فأسرع بالذهاب إلي السردار حينما علم بالأمر و بيّن له سوء هذه الفعلة و ما ينجم منها من العواقب الوخيمة بالنسبة إلي رعايا ايران و القزلباش و سعي جهده حتي ثني السردار عن عزمه، و في هذه الأثناء توفي كريم خان في شيراز (سنة 1193 ه) و دخل في فكر السردار طلب السلطنة لنفسه فترك البصرة و أسرع في الذهاب إلي شيراز و حينئذ لم ير (السيد نعمة اللّه) صلاحا في بقائه في البصرة، أو ذهابه إلي العتبات إذ إنه أحس بالنفرة التي ولدها عمل السردار و القزلباش بالنسبة إلي الروم فتوجه نحو بوشهر فأقام فيها.

و حكي ابن سند حادثة البصرة:

«سنة 1188 ه: فمن أعظم ما وقع فيها محاصرة الزندي للبصرة زحف إليها بزحوف و كان متسلمها … سليمان أحد من آل إليه أمر بغداد. فإنه صابر مصابرة الضرغام. و الوزير إذ ذاك عمر باشا. و لم يمد متسلم البصرة بمدد. فامتد الحصار … و أكل للسغب الهر و الكلب و استغيث و لا مغيث. فحضر ثامر بن سعدون، و ثويني بن عبد اللّه أول المحاصرة. فلما ضاق الخناق نجوا علي

النواجي إذ ملّا المصابرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 75

و سليمان الضرغام لا يهجع و لا ينام و عمر باشا يستمد من الدولة و لا يمد، و يستصرخ و لا يسمع صارخه فيغيثه أحد. لأن ملك العجم شكا عليه عند السلطان. و لما تحقق صدق الوزير أمده. مع أن الوزير عمر باشا قبل قدوم الامداد. لم يزل يكاتب متسلم البصرة و يعده جيوش النصرة.

و كان مع العساكر ثلاثة وزراء عبد اللّه باشا، و عبدي باشا و مصطفي. فابتسمت من بغداد ثغور المسرات. و أظهروا مع ما سلف عزل عمر. و ولي الوزارة مصطفي. فكتب إلي متسلم البصرة سليمان أن المدد لكم بعيد. فإما أن تصطلح مع العجم، و إما أن تسلم البلدة لهم.

فلما ورد علي سليمان ما أرسله مصطفي و قرأه علي أهل البصرة أيقنوا بالهلاك. فخرج جماعة من الأعيان طالبين من صادق خان الأمان للنفوس و الاعراض. فدخل البصرة و لم يبق مآثم و مظالم إلا ارتكب منها المتون و عمل من فنون الظلم ما لا تتصوره من غيره الظنون، و قبض علي سليمان و جماعة من الأعيان. فضاق من أهلها ساحة الصبر.

و هرب العلماء و من عز انخذل و أضحي كل مسجد دارس، و موضع العلم بلا معلم و دارس. و الأكابر ترسف بالأداهم، و الأعناق مطوقة بأطواق المغارم، و بدّل من الانبساط العصي و السياط، كم مخدرة تنادي وا ويلاه، و حرة تقول و اطول ليلاه.

و لامتداد يد بغيهم عليها كتب البليغ الأديب عبد اللّه بن محمد الكردي البيتوشي الخانخلي الآلاني كتابا إلي سليمان بن عبد اللّه بن شاوي الحميري العبيدي. لكونه إذ ذاك صدرا في العراق يستصرخه فيه لنصرة البصرة

و تخليصها قائلا: فكيف تترك- البصرة- تحت اضراس العسف، و توطأ بمناسم الذل و تسام الخسف، أفنسيتم ما لعلمائها من المناقب، و لكرمائها من الأيادي و المواهب … (و ذكر أبياتا في مدح الشاوي).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 76

لكن لما وصلت المالكة سليمان و وقعت منه موقع السلسال من الغيمان رام النصرة فلم يكن له بها يدان.

و جاء في مقدمة (طريقة البصائر إلي حديقة السرائر في نظم الكبائر) للبيتوشي أنه قدم البصرة سنة 1189 ه و أنه لبث يسيرا بين أهليها فأقبل عليها صادق خان الزندي بعسكر جرار، و هجم بأمر من أخيه كريم خان والي شيراز … فحاصرها، و مضت عليها السنة في المحاصرة، و لم يأت امداد من بغداد، فكتب هذا الكتاب و هو نظم (تراجم الزواجر عن اقتراف الكبائر) لابن حجر الهيتمي المتوفي سنة 974 ه نظمه مع زوائد و هو في هول المحاصرة. ثم عنّ له أن يشرحه و سماه بما ذكره أعلاه.

و سمي النظم (حديقة السرائر في نظم الكبائر)، و أتمّ الشرح سنة 1195 ه في الأحساء. و فيه أن الحصار وقع سنة 1189 ه و بهذه الواقعة أعاد الزنديون إلي الأذهان حوادث الصفويين و نادر شاه.

عزل مصطفي باشا:

كان خروج عبد اللّه الكهية علي مصطفي باشا و معه ثلة كبيرة و في هذه المدة كتب إلي استنبول يلتمس توجيه ولاية بغداد و البصرة إليه، و أن مصطفي باشا عجز عن مقاومته و القضاء عليه و لذا شكا الأمر إلي الدولة، و من الأولي أن لا يقدر علي حرب دولة مناوئة مثل ايران قوية الشكيمة، و حذرت الدولة أن يستولي الكهية علي بغداد قسرا. و صارت تخشي أن يشوش الحالة

أكثر، فعزلته و وجهت إيالة بغداد و البصرة إلي الوزير عبدي باشا آل سرخوش علي باشا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 77

ولاية عبدي باشا

خرج مصطفي باشا حين ورود فرمان العزل، و ولي عبدي باشا أمور الإدارة و أن مصطفي باشا وقف في ديار بكر. و في ذلك الحين ورد خبر أن البصرة استولي عليها الإيرانيون بسبب اهماله و تراخيه و أن مكاتيب الباليوز في بغداد الواردة إلي استنبول أيدت ذلك كما فهمت التفصيلات أيضا من معروضات مصطفي آغا الميراخور الثاني و كان أرسل بوظيفة رسمية. و الظاهر أنها بعثته للاطلاع علي حقائق الأمور.

فأبلغها أن يد المماليك لا تزال قوية، و أن مصطفي باشا لم يقدر علي التغلب عليهم و إنما غروه في أمر الصلح مع ايران بغرض رفع الجيش و تسليم البصرة. و من ثم قام عبد اللّه الكهية لعلمه أن نوايا الوزير مصروفة إلي تنفيذ رغبة الدولة في القضاء علي المماليك و إعادة سلطة الدولة إليها فأرادت أن تتكتم في الأمر فأصدرت أمرا بإعدامه مبدية غضب السلطان عليه و أعلنت أنه نال العقوبة التي استحقها من جراء الغدر بعمر باشا. فاتخذ ذلك وسيلة لتبديل الوضع الإداري.

كانت عهدت الدولة إلي مصطفي باشا بولاية بغداد في أوائل سنة 1190 ه و بلغت مدة حكومته ثمانية أشهر و علي رواية تسعة. و في هذا الوقت ورد خبر سقوط البصرة، و أن الوزراء الذين عينتهم الدولة بصحبة عمر باشا توجه عليهم اللوم من جراء أنهم لم يخبروا عن تفاقم الخطر.

وزارة عبد اللّه الكهية

و في الوقت نفسه تحقق للدولة أن وزراء الروم لا يستطيعون ضبط العراق و أن يد المماليك قوية فلا تريد أن تزيد في الطين بلة. فأظهرت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 78

جامع الاحمية- الآثار ببغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 79

أنه لا تصلح إدارة العراق المضطرب إلا لعبد اللّه

الكهية لا سيما أنه ورد عرض منه إلي استنبول يلتمس فيه توجيه الولاية إليه، و عرّف به سليم أفندي فوجهت إليه بغداد و البصرة كما وجهت كركوك إلي حسن باشا أحد كهيات سليمان باشا و هو و يودة ماردين برتبة وزارة بتاريخ 1191 ه و سبق بيان ما أبداه أحد وزراء الدولة الحاج علي باشا من مطالعة في تقريره المسمي ب (تاريخ جديد). و بذلك زاد شأن المماليك و أمر السلطان بلزوم إخراج الإيرانيين من البصرة.

و لما وردت البشري بإيالة عبد اللّه باشا فتح الطريق لعبدي باشا، فخرج من بغداد. و نظرا لسجلات الحكومة أنه دامت إدارته 17 يوما و علي قول بلغت 40 يوما، أو 45. و علي كل كانت في نهاية سنة 1190 ه.

و من ثم اهتمت الدولة كثيرا بأمر البصرة و كتبت إلي أمراء بغداد و شهرزور تحثهم علي استعادتها و علي دفع غائلة الإيرانيين بموجب الكتب المؤرخة في 11 من شوال سنة 1190 ه و في 17 ذي القعدة سنة 1190 ه و ما بعدها. و كل هذه لم تجد نفعا.

حسن باشا و إيران:

إن حسن باشا تمكن من جلب متصرف كوي و حرير أحمد باشا و متصرف بابان محمد باشا و جعل بصحبتهم نحو ألفي جندي فجهز أحمد باشا جيشه من جهة زهاو متوجها نحو كرمانشاه، و محمد باشا من ناحية قلعة چولان نحو سنة، و أن يقوم بالمساعدة و ما تحتاج إليه الأسفار فسلم لكل منهما أربعين ألف دينار مع مائة كدك، و جعل بصحبة كل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 80

منهما ثلة من عسكر الروم و عين بمعية محمد باشا سباهية كركوك فسار هؤلاء علي ايران.

أما أحمد باشا فقد نفر

من حسن باشا من جراء ما رأي من معاملات منه لم ترق له. و لذا لم يبال بما عهد إليه. فأقام في محل يقال له (دز كره) من أعمال زهاو لمحافظة حدود تلك الأنحاء. و لكن محمد باشا توجه نحو سنة (سنندج). فقام بما أودع إليه.

و كان كريم خان أرسل خسرو خان و معه اثنا عشر ألفا من الجند فتوجه إلي ديار الكرد. فوقف في الحدود في (كدوك سطرنجان) و يبعد نحو نصف ساعة عن الحدود. و حينئذ التقي الجمعان و حمي و طيس الحرب فطالت المعركة و اكتسبت شدة فدارت الدائرة علي خسرو خان فأخبر حسن باشا بذلك و بعث إليه برؤوس كثيرين منهم إلي كركوك كما وصلت الأنباء إلي بغداد. و لذا سيّر عبد اللّه باشا كتخداه إسماعيل آغا لمجرد سد باب الاعتراض مع مقدار من الجيش و عهد إليه بمحافظة دشخرو في مندلي.

و لما علم كريم خان بكسرة خسرو خان جهز مرة أخري جيشا قدره اثنا عشر ألفا بقيادة (كلب علي خان) فمشي علي ديار الكرد للوقيعة بمحمد باشا و كان مع هذا الجيش أحمد باشا فأحسّ محمد باشا بعجزه فانسحب إلي كوي و أقام لدي متصرفها تمر باشا فكتب حسن باشا يستمد من عبد اللّه باشا أن يرسل إليه إسماعيل الكهية الذي هو في دشخرو فاعتذر.

و حينئذ لم يجد عسكر ايران من يقاومه أو يقفه عند حده فتوغل و سحق القري و الرعايا و أسر ما لا يحصي إلا أن أحمد باشا لم يطق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 81

الصبر علي هذه الأعمال و أبدي لكلب علي خان خشونة و شدة فعصي عليه و استولي علي جميع الأسري فأرجعهم إلي

أوطانهم.

علمت الدولة ضعفا في عبد اللّه باشا و أن لا فائدة منه في استخلاص البصرة و تجاه توغلات ايران فندمت علي نصبه واليا. ظنت المماليك قوة كبيرة تستطيع صد ايران و غيرها من العشائر القوية فكان الواقع علي خلاف ذلك. و علي هذا لامت سليم أفندي الذي صار سببا في نصبه فأبدي أنه إذا عين فتح البصرة. و هنا لا ننسي أن فكرة القضاء علي المماليك تجددت لما شعرت الدولة بضعف فيهم و ليست البصرة وحدها كل الأمنية. و من جهة أن حسن باشا لم يسكت عن التنديد بالوالي من جراء عدم إرسال المدد إليه فكان يتطلب الولاية لنفسه. و من ثم تولد انشقاق و لذا قوي الأمل مرة أخري في القضاء علي المماليك.

حوادث أخري:

1- في سنة 1191 ه قتل سلطان آل محمد الخزعلي. و مات حمد الحمود الخزعلي أيضا.

سليم أفندي:

تعهد سليم أفندي بحل هذه العقدة. فلما وصل بعث أملا في استرداد البصرة. و لكن لم يلبث أن زال. وجدوه منهمكا بالشرب ميالا إلي الأهواء النفسية. فمن حين وروده اختبره (عجم محمد) خازن عبد اللّه باشا فساقه إلي الملاذ و انهمك في الشرب بحيث نسي أنه أودع إليه أمر آخر و هو القضاء علي المماليك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 82

كان عجم محمد هذا في الأصل من ايران. و في أيام سليمان باشا جاء إلي بغداد و توظف فاشتهر أمره. ثم صحا سليم أفندي من سكرته فوجد البصرة لا تزال بيد الاعداء و أن الدولة تنتظر منه العمل في استخلاصها. و حينئذ شاور بعض رجاله في بغداد لاتخاذ تدبير ناجع فقر الرأي علي ارسال محمد بك الشاوي إلي كريم خان الزندي للمفاوضة.

أما عجم محمد فطمح في نيل الوزارة و دخل في ذهنه حب الرئاسة خصوصا أنه بوظيفة خازن لدي عبد اللّه و بيده مقاليد الحلّ و العقد. و نسي الماضي البعيد. و لذا أكرم سليم أفندي إكراما عظيما فجعله راضيا عنه لحد النهاية فاضطر لمساعدته. حتي أنه أعطاه كيسا من مجوهرات.

أما عبد اللّه باشا فقد كان مصابا بالسل. و لذا لم يستطع مزاولة الشؤون. و كان الوالي الذي يتوفي أو يعزل اعتيد أن يعين كتخداه مكانه. و لم تجر العادة أن يعين الخازن واليا. و علي هذا و بناء علي التماس عجم محمد طلب سليم أفندي من عبد اللّه باشا عزل كتخداه إسماعيل الكهية و نصب عجم محمد مكانه ففعل.

حوادث سنة 1192 ه- 1778 م

وفاة الوزير عبد اللّه باشا:

كانت مدة حكم عبد اللّه باشا في بغداد سنتين. و لم يوفق لأمر مهم.

قال صاحب عنوان الشرف:

«عبد اللّه باشا كتخدا عمر باشا. و لما

قتل عمر باشا ولي بغداد مصطفي باشا الاسبيناقجي، فهرب عبد اللّه باشا باتباعه، و أقام خارج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 83

بغداد سنة 1189 ه إلي أن دخلت سنة 1190 ه فولي الوزارة و دخل بغداد، و أرسل العساكر فملكوا جسّان (جصّان) و بدرة انتزعوها من الإيرانيين و قبض أهل مندلي علي واليهم خالد باشا ابن سليمان باشا آل بابان و قتلوه و حملوا رأسه إلي بغداد. و في سنة 1191 ه عاد عسكر الروم إلي بلادهم. و في سنة 1192 ه توفي عبد اللّه باشا. و هو زوج عائشة خانم بنت أحمد باشا» اه.

و في المطالع ما ملخصه: إن عبد اللّه باشا كان سبب الاختلال في أيامه تقاعده عن نصرة البصرة و أنه ولي أموره (عجم محمد)، و لم يكن من أوصافه ما يحمد، و لا هو من بيوت الرئاسة، و لا من ذوي الإيالة و السياسة … ورد من العجم … و شاربه ما طر … و معه أختاه و أمه، ففاز قدحه … و ذلك لكونهن يرقصن عند اولئك الاكابر، و الذين هم في الحقيقة أراذل و أصاغر،.. (و بعد أن عدد أوصافه قال): و مع هذا تنقلت به الأحوال، حتي نال من المراتب ما نال، فإنه قبل عبد اللّه باشا صار عند عمر باشا دوادارا، ففتح له من الظلم أبوابه، و وشي إليه بوشايات بها إبليس شابه، و هرب أكثر التجار من أجله، منهم من هرب بنفسه، و منهم بأهله فكان أظلم من أفعي … حتي أنه لما قتل الوزير عمر، فرح الناس بخلاصهم من دواداره … و عاد علي عبد اللّه باشا شره، و أغرقه من مكره بحره، لتفويضه

الأمور إليه، و تأخيره بتقديمه صدوره، فإنه صيره خازندار، فطاف عليه بالبوار و دار، حتي أنه لما أرسل السلطان لعبد اللّه باشا خزائن جمّة، ليستعين بها علي فتح البصرة الذي هو من أعظم ما أهمه، دار ذلك الفاجر من خلفها و من بين يديها، احترفها لنفسه و احتوي عليها، و أبان لوزيره أنه صرفها في أموره، و لبلادة ذلك الوزير الذي ما يعرف قبيلا من دبير، صدّق ما أبانه له و تحققه … فإن عبد اللّه باشا أعيي من باقل، و من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 84

الحمق بحيث لا يعرف الصاعد من النازل … و أخلد عبد اللّه باشا من البلادة إلي قعر مهواها … أن السلطان … وجه من العسكر …

لاستخلاص البصرة … ففرقه خازنداره و هو لا يدري … و كتب ذلك الخازندار علي لسانه، إلي الدولة أن لا حاجة إلي العسكر … لكونه مواليا للعجم بباطنه.

و الحاصل أن عجم محمد تمكن من استهواء عبد اللّه باشا، و كذا تسلط علي سليم أفندي بما لا مزيد عليه حتي نال منصب كتخدا ليتوصل إلي الوزارة إذ هي سلمها … و في الحقيقة كان الوزير عجم محمد لا عبد اللّه باشا و لا غيره.

اضطراب الحالة:

و حين وفاة الوالي وقع الاختيار علي سليم أفندي ليكون قائممقاما نظرا إلي أنه من أكابر رجال الدولة، و أنه موظف مرسل من جانبها فاتفق الكل عليه. فكانت الوجهة مصروفة ظاهرا إلي أن يعهد إليه بهذا المنصب فيسد باب الفتنة فيطوي خبر المماليك. إلا أن الكتخدا السابق عجم محمد من جهة، و الكتخدا الأسبق إسماعيل الكهية من الجهة الأخري يطالبان بمنصب الوزارة فكل منهما يدعو لنفسه و يكوّن حزبا.

و

أن بغداد انقسمت إلي شقين. و بترغيب من سليم أفندي و حثه صار أهل الميدان و المهدية و القراغول و محلة محمد الفضل جميعهم، و أكثر العثمانيين و كذا الينگچرية برئاسة محمد آغا مالوا إلي محمد الكهية (عجم محمد) لعلمهم أن سليم أفندي موظف الدولة فتابعوا رغبته و نفروا من إسماعيل الكهية. و أن الذين التزموا جانبه أبدوا أن محمد الكهية ايراني الأصل، و أنه إذا نال غرضه رجع إلي أصله و حينئذ يخشي أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 85

يسلم بغداد إلي ايران. لذا نفروا منه و وافقوا إسماعيل الكهية. و هكذا كان قولهم في آغا الينگچرية محمد آغا. بينوا أنه ايراني الأصل و لا يبعد أن يحن إلي قومه. و هذا هو الظاهر و في الحقيقة كانت الدعوة للمماليك و لذا ألصقوا بعجم محمد كل منقصة.

هذه وجهات نظر الأحزاب و الدولة آنئذ في غفلة و يظن أن رأيها لا يختلف عن رأي سليم أفندي المرسل من جانبها. و علي كل دخل عجم محمد القلعة و استولي عليها و تحصن فيها، و كذا إسماعيل الكهية استقر في داره و اتخذ كل منهما متاريس و مهد وسائل النضال فاشعلوا نيران الفتنة و شرعوا في القتال.

أما أهل الكرخ فإنهم لم يميلوا إلي جانب إلا أنهم أخيرا استمد بهم إسماعيل الكهية فظن عجم محمد أنهم مالوا إليه فوجه إليهم المدفع و ضربهم. و هذا ما سهل أن يكونوا في جهة إسماعيل ضرورة. فاشتعلت الفتنة أكثر و زاد لهيبها.

رأي سليم أفندي كل ذلك فصار يفكر في طريقة لحل هذا المشكل و حذر الاخطار التي تنجم و وخامة عاقبتها. لذا كان يري أن عبد اللّه باشا حينما تعرض

له بعض المصاعب يدعو سليمان بك الشاوي فيستعين برأيه و يتخذ له تدبيرا ناجعا يكشف به المعضلة. و في الحال بعث إليه فجاءه و تذاكر معه فأرسل إلي الطرفين و نصحهما فوقف النزاع و سكنت الفتنة.

و الحق أنه مضت بضعة أيام لم يقع فيها بين الفريقين تشوّش.

محمد بك الشاوي:

و بينا هم كذلك إذ ورد محمد بك الشاوي من شيراز. و كذا جاء معه سفير ايران حيدر خان ورد من جانب كريم خان الزندي و يحكي أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 86

مجيئه كان للمفاوضة في أمر الصلح بين الحكومتين و أنه يحمل أمرا بخروج الجيش من البصرة إلا أن القضية مقرونة بشروط. و كان معنونا باسم الوالي عبد اللّه باشا و لكن لا يجسر أحد علي فتحه إلا بعد أن يتحقق الوزير. و لو كان هناك أساس للصلح فالآن لا صلاحية لأحد للمداولة فيه، و أن البصرة لا تزال بيد ايران. أرسل محمد بك الشاوي إلي كريم خان الزندي أيام عبد اللّه باشا. و جاء في مطالع السعود:

«اتفق أهل العقد و الحل، دفعا لما نزل من الخطب و حل، أن يطلبوا من كريم خان صلحه … فاختاروا لتسهيل هذا الصعب، و تحليل عقد هذا الخطب، محمد بن عبد اللّه بن شاوي الحميري، إذ هو لدهائه و عقله لهذا الأمر حري، فتوجه علي طرف سلهب، طاويا لكل هوجل و سبسب (و مدحه بأبيات و قال):

فلما فاوض ذلك الزندي. علم بسبره ما يخفي و يبدي، و وجد به الزندي ألمعيا، و خريتا في سباسب الآراء ذكيا، و ضاعف لذلك بره، و رآه في وجه عصره غره، و لكن لما عرض له في أسري البصرة، أبدي الاشمئزاز …

و قال: و لكن لكرامتك لدينا … نعدك بالاطلاق، إذا تم مع السلطان الاتفاق … فخرج بعد ما وادعه … فدخل بغداد و الفتنة مادة أعناقها …» اه.

عود الفتنة:

اشارة

تمكن سليمان الشاوي من تسكين الغائلة لمدة يومين أو ثلاثة.

و لما كان كل واحد من الزعيمين يأمل أن يكون وزيرا فلا تركد ما لم يقض علي واحد منهما. لذا تجدد الخصام و اشتد القتال. و كل احتفظ بمتاريسه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 87

حاول سليم أفندي مرة أخري تسكين هذا الاضطراب و طلب سليمان بك الشاوي أيضا لاستطلاع رأيه في طريقة للخلاص من هذه الورطة. فقر رأيه علي أن هذه الفتنة نشأت من جانب هذين الشخصين إسماعيل الكهية و محمد الكهية فينبغي أن لا يبقوا حتي يعين وال إلي بغداد و يجب أن يذهب الاثنان إلي حسن باشا والي كركوك و يقيما عنده إلي أن ينجلي هذا المبهم. فامتثل إسماعيل الأمر و كان في حدّ ذاته صاحب دين و تقوي و ثبات فتطلب راحة العباد و ترك مطلبه و كف عن دعوته فعبر إلي الكرخ و أن الحاج سليمان بك أركبه فرسا و أرسله إلي كركوك اطفاء لنار الفتنة.

أما محمد الكهية فلم يوافق علي هذا الحل و توقف. و أن أعوانه و حاشيته لم يفترقوا منه. لذا لا يزال متعندا. فلما شاهد الحاج سليمان منه هذا التصلب انكشفت حيلته له و قال مخاطبا الجماعات:

إذا كان الغرض من هذه الجماعة أن يجعل محمد الكهية واليا فهذا من العجم، و أن الدولة لا يسعها أن توجه بغداد إلي العجم.

فأجابه أهل الميدان: (بلسان عربي و في لهجة واحدة).

ليكن عجما. فإن الروم عينوا خمسة وزراء من العجم. و هذا سادس.

فقال الحاج سليمان:

بل عينوا سبعة و هذا ثامن و مراده الإشارة إلي الآية الكريمة:

وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ.

هذا، و أن كلام الحاج سليمان موجه إلي العوام و هم كالأنعام بل

هم أضل فلم يفهموا مغزي كلامه. فإنه حينما رأي تصلبهم و عنادهم حاذر أن يجبروه علي تدوين محضر أو أن يؤخذ منه ختم أو توقيع بذلك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 88

قسرا لذا عاد إلي الكرخ خوفا من حدوث شي ء من هذا القبيل. و بهذه المرة أشعل هو نار الحرب. فتابعه أهل الكرخ حتي أنهم جعلوا متاريسهم إلي قرب (المولاخانة) أي (جامع الآصفية). فشوّق هؤلاء و هيجهم علي محمد الكهية و ضيق علي خصمه تضييقا مرا.

و أن سليم أفندي كان مقيما في الدنكجية (شارع المأمون) في دار عمر باشا فنقل مكانه إلي دار عبد اللّه باشا قرب الميدان خوف المضايقة و في هذه المدة اشتد الأمر بمحمد الكهية و كاد يظهر الشاوي عليه و تبينت علائم النصر. فاضطر لمكاتبة أحمد باشا آغا (رئيس كتيبة) حسن باشا والي كركوك ثم فارقه لأمر ما. و جاء إلي عبد اللّه باشا بأمل أن يخمده.

فضرب خيامه في أنحاء بعقوبة و كانت بينه و بين محمد الكهية صحبة قديمة. فطلب معاونته فأمده و أرسل إليه مقدارا وافرا من اللوند. نصبوا خيامهم تجاه (الشيخ عمر) فأيدوا أهل الميدان.

و كذا الشاوي ألف بين النجادة و الموصليين في الكرخ فاستخدمهم لتقوية الجهات الضعيفة. جمعهم في خان جغاله (خان جغان) و قام بكافة مصاريفهم فكثرت جماعته فاستعمل كل جانب ما لديه من قوة فطالت الفتنة خمسة أشهر فاختلت الأمور و لم يسلم من ضررها غني و لا فقير فكم من مثر أصبح فقيرا و كم من فقير صار غنيا و كم و كم … حتي بلغ الضجر غاية لا تطاق. فصاروا يتضرعون بالدعاء و يلجأون إلي اللّه تعالي لتخليصهم من هذا البلاء.

وزارة حسن باشا

كان

النزاع علي الوزارة لا يزال قائما و كل من الكهيات طلبها لنفسه و كتب محضرا بالترشيح قدمه إلي دولته. و كذا والي كركوك حسن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 89

باشا رشح نفسه لوزارة بغداد. أما عجم محمد و إسماعيل الكتخدا فقد اخفقا في مسعاهما. فوجهت الوزارة إلي حسن باشا بولاية بغداد و البصرة في أواسط سنة 1192 ه فوصل إليه البشير و جاء الخبر إلي بغداد. و هنأه الشيخ حسين العشاري بقصيدة.

و حينئذ سكن الاضطراب و خرج الأهلون من خطر هذه الفتنة، و خرج اللوند إلي باش آغا ابن خليل و اختفي أرباب الزيغ و من جملتهم آغا الينگچرية و المطرجي. ذهبوا إلي دشخرو فارين و عاشوا في غربة.

لكن محمد الكهية (عجم محمد) لم يترك له المجال لينهزم فبقي و بعض أعوانه في القلعة محاصرا ينتظر الوالي الجديد بكفالة من أهل الميدان علي أن لا يفر إلي جانب آخر قبل أن يراه الوزير الجديد. و في الظاهر أنهم يحرسونه و يراقبون حركاته ليلا و نهارا.

أما الوزير الجديد فإنه مطلع علي أحوال المملكة بصير بها. و كان الواجب أن يأتي بأقرب وقت إلي بغداد و لكن الحروب بين أمراء الكرد و الحالة التي كانت عليها إيالته اقتضت أن يتأخر في كركوك بضعة أيام.

تفصيل حادثة الكرد:

بعد أن اضطر محمد باشا أن يترك (قلعة چولان) و يقيم في لواء كوي مع تمر باشا ضبط أحمد باشا لواء بابان و عاد جيش ايران إلي الوراء إلا أنه في موسم الربيع خرج محمد باشا من لواء كوي و ذهب إلي مكان قريب من لواء بابان مما هو تابع للواء كوي و نصب خيامه.

و لما وجهت إيالة بغداد و البصرة إلي

حسن باشا علم محمد باشا أن عسكر ايران انسحب و وجد في جيش أحمد باشا قلة و ضعفا، و رأي في نفسه قدرة إذ تابعه الكثير. فهاجم أحمد باشا و تقاتل معه لاعتقاده أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 90

حسن باشا يعضده لكن الوزير حاول منعه و اقناعه بكل وسيلة فلم يفلح.

و لذا لم يخالف الوزير رغبته و عيّن أن يكون تمر باشا و جيوشه معه و كذا رتب له ما في كركوك من اللوندات و الطوائف الأخري و كل ما استطاع من جند فعبر محمد باشا النهر الفاصل بين الطرفين بمن معه و مشي علي أحمد باشا.

و لما سمع أحمد باشا بالخبر تقدم هو أيضا بما لديه و كانت تقدر قوته بربع قوة محمد باشا. فتقابلوا في محل قريب من طاشليجة يقال له (جيشانة) فكانت النتيجة أن انتصر أحمد باشا و ألقي القبض علي كل من محمد باشا و تمر باشا (متصرف كوي) و علي كثيرين من الأعيان و المعتبرين فقتل حالا تمر باشا و أرسل محمد باشا مكبلا إلي قلعة سروچك (سروجق) و عرض الأمر علي حسن باشا و طلب العفو عما بدر منه و بسط معاذيره و التمس أن يشمله بانظاره. أما حسن باشا فإنه نظر إلي القضية بعين البصيرة فقبل معذرته و وجه لواء بابان إليه. ثم أضاف إليه لواء كوي و حرير و أرسل إليه الخلعة الفاخرة. فلم تبق غائلة هناك.

الوزير في طريقه إلي بغداد:

و حينئذ توجه إلي بغداد بمن معه إلا أن ابن خليل جمّع علي نهر ديالي قوة كبيرة و كانت له آمال فتأهب للنضال. أما الوزير فقد أمده الحاج سليمان بك بخيالة من العبيد و بنحو أربعمائة من فرسان

النجادة المسلحين بالبنادق و كذا بغيرهم. و علي هذا هبط من غرور ابن خليل و صار يخشي علي حياته فضلا عن المقاومة و الحرب. و حينئذ حفر الخنادق و تحصن هو و جيشه فيها و أرسل وجهاء عسكره للدخالة علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 91

الوزير و طلب الأمان منه. فالوزير نظرا لحلمه عفا عن زلته و نصبه أيضا باش آغا (رئيس كتيبة) و أرسل إليه خلعة فلبسها و تحرك نحو بغداد بعجل و هذا لم يكن حلما من الوزير و إنما أراد أن يقضي علي سلطة محمد الكهية (عجم محمد) و قوته فربح قسما من قضيته باستمالة بعض الأعداء إليه.

و في 17 ربيع الآخر دخل بغداد. و في اليوم التالي رتب الديوان و قري ء فرمانه و قام بشؤون الإدارة فأبدي الرأفة أكثر من اللازم و تجاوز بعفوه عن المفسدين. و لا شك أنه أظهر ذلك حذر أن يرتكب الغلط الذي ارتكبه في لواء بابان فاضطر قسرا لقبول معذرة أحمد باشا. و كذا تسامح في أمر محمد الكهية و أغمض عنه العين. و بهذه الصورة بقي محمد الكهية في القلعة خمسة أيام دون أن يتخذ في حقه أي قرار. لذا دعا محمد الكهية إليه أحمد آغا طيفور و هو كهية البوابين و قال له:

ماذا يبتغي الوزير مني؟ أراه تركني داخل القلعة لا قربني و لا أبعدني و بقيت مهملا فلم يلتفت إلي. و كيف يتسني له إدارة الوزارة دون أن يقربني؟! و قد قمت بأعمال جليلة …!!.

أما أحمد آغا فإنه نقل إلي الوزير كلامه. و في هذه المرة أيضا أغمض العين عنه و لم يبال به. و في خلال هذه المدة كانت خيالة ابن

خليل تأتي إليه كل يوم تنتظره خارج السور. و لما كان له أمل في الوزير لم يشأ أن يذهب إلا أنه لم تظهر نتائج من أقوال أحمد طيفور و بقي في يأس. و في الليلة السادسة نزل من السور فأخذه الخيالة و جاؤوا به إلي جيشهم. و حينما وصل جعلوه رئيسا و اعطوه لقب (باشا) و اتفق ابن خليل معه فعصي علي الوزير. و جمع هؤلاء أناسا كثيرين معهم و شرعوا في ارتكاب المنكرات و أضرموا نيران الفتنة فقطعت الطرق و زالت الراحة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 92

و بينا الوزير يحاول اطفاء فتنتهم و القضاء عليهم إذ انعزل عنهم سبعون بيرقا مع خالد آغا الكيكي و جاؤوا إلي بغداد فاستخدمهم الوالي و جعل خالد آغا (باش آغا) رئيس كتيبة له و كسا الذين جاؤوا معه من البلوگباشية (رئيس رعيل) خلعا تشويقا لهم و ترغيبا للباقين و عين خمسين بيرقا (رعيلا) من بيارقهم في الحلة و سيرهم إليها و أبقي العشرين بيرقا الأخري في بغداد مع رئيس الكتيبة (باش آغا) إلا أنه لم يأمن شر هؤلاء و لذا لم يبعثهم إلي الخارج للتنكيل بالعصاة. فأراد تسكين الاضطراب، أو التنكيل بالعصاة فطلب أن يأتيه أحمد باشا متصرف بابان بعساكره و سير محمد بك الشاوي لجذبه و اقناعه.

و في هذه الأثناء اشتد العصيان فلم يبق مجال لانتظار أحمد باشا.

و لذا بعث كتخداه عثمان الكهية و معه (دلي باشي) أي رئيس أدلاء و ثلة من عسكره كما أن الحاج سليمان الشاوي كتب إلي عشيرة العبيد ليكون خيالتها بمعيته. و لما علم الكتخدا أن خيالة العبيد تحركوا من مكانهم نهض هو أيضا ليلا إلا أن أكثر أهل الميدان

كانوا مع العصاة فأخبروهم أن عثمان الكهية خرج عليهم بشرذمة قليلة. و حينئذ عبر محمد الكهية و ابن خليل بكل ما عندهم فهاجموا عثمان فجأة ليحولوا دون أن يتصل به العبيد لا سيما أن دلي باشي قد خان فانحاز بمن معه إلي جهة الأعداء. و كذا تبعثر الباقون و لم يرجع عثمان الكهية إلا بعد أن أبلي البلاء الحسن مقبلا مدبرا في حين أنه لم يبق معه سوي خمسة عشر أو عشرين فارسا. فورد بغداد و لم تظهر عليه علائم الهزيمة.

إن مجيئه إلي بغداد بهذه الحالة أحدث تشوشا و كانت القلعة إلي ذلك الحين في يد أهل الميدان و تحت حراستهم. و لكن لم يبق عليهم اعتماد فأخرجوا و وضع غيرهم من اللوند مكانهم. و أن عثمان الكهية قد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 93

حبط عمله. و نظرا لذلك كتب إلي محمد بك الشاوي في التعجيل بإحضار أحمد باشا. و عند وصوله إلي قلعة چولان بادر أحمد باشا إلي امتثال الأمر إلا أنه كان حبس أخاه محمد باشا في قلعة سروچك ففكر في الأمر. و لذا اقتضي أن يبقي بضعة أيام هناك لاتخاذ تدبير. و أن بعضهم زين له قتل أخيه إلا أنه لم يشأ ذلك و اكتفي بسمل عينيه و أخذ جميع عسكره و نهض من قلعة چولان و أسرع في المجي ء إلي بغداد.

و لما وصل إلي جبل (أزمر) عرض له مرض. و لما جاء إلي قره طاغ تغلب عليه فاضطر إلي التأخر فامتد مرضه نحو ستة أيام أو سبعة فتوفي.

وافي خبر ذلك إلي الوزير فوجهت ألوية بابان و كوي و حرير إلي بقية إخوته و أرشدهم محمود باشا و خلعت عليه خلعة

فاخرة و أرسلت مع منشور بوجه السرعة و كتب إليه أن يعجل بالمجي ء. أما الباشا فإنه بلا توان و حينما وصل إليه الخبر استصحب كافة الجيوش كما أن الوزير اصدر الأمر إلي عثمان الكهية و ما يقدر عليه من الجيش و إلي الحاج سليمان بك مع جميع ما لديه من الخيالة من العبيد أن يتجهزوا بالمدافع و الخمبرة و المهمات الأخري فعبروا من الدجيل إلي الجانب الشرقي ليتصلوا بمحمود باشا فالتقوا به في (أم تل) و لما تلاحقوا تلاقي حرس الوالي مع طليعة تقدر بنحو ألف من خيالة الأعداء في الخالص فسلوا السيوف و أوقعوا فيهم القتل و الضرب حتي أفنوا أكثرهم. و الباقون منهم كسروا شر كسرة و انسحبوا إلي جهة مندلي و من ثم لم تمهلهم الجيوش و إنما عقبتهم و مضت في أثرهم. و في مندلي في محل (سبع رحي) التقي الجيشان و وقع القتال فدمر الأعداء و ولوا الأدبار و أسر منهم أكثر من مائة.

هرب محمد الكهية (عجم محمد)، و أحمد آغا ابن محمد خليل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 94

علي ظهور الخيل طلبا للنجاة و تشتت شمل جموعهم. و في هذه الوقائع أبدت قبيلة العبيد ما لا يوصف من الشجاعة و ناصرها الكرد مناصرة تذكر.

عاقبة سليم أفندي:

جال عليه الدهر بنوبة جولة، و داس عليه بمناسمه فأذهب طوله و حوله، فلما خرج من بغداد و وصل ديار بكر بلغ السلطان ما فعل من الفساد، فأرسل من يأخذ ما عنده، و يوهن بالإسار زنده، و يجعله في قلعة هناك و يبشره بعدم الانفكاك و أمر السلطان مع ذلك بأخذ داره و ما فيها من لجينه و نضاره و أعطيت لشيخ الإسلام لكونها

دارا حسنة لم ير مثلها من الدور في دار السلطنة، و أرسل هو بعد حبسه و إشفاقه علي روحه و نفسه إلي الوزير حسن باشا سائلا شفاعته في درء هذه المحن و إلي أمير حمير ابن شاوي مع ما فعله من المساوي … ثم بعد أيام جاء الخبر بقتل سليم.

حوادث سنة 1193 ه- 1779 م

نجاة البصرة:

اشارة

مر أن صادق خان الزندي استولي علي البصرة و انتهب أموال الاغنياء و أضر بالآخرين و سحقهم، و أنه نصب علي محمد خان حاكما عليها و معه اثنا عشر ألفا من الجنود، ثم ذهب بباقي الجيش إلي شيراز.

أما علي محمد خان فإنه تمكن في البصرة مدة سنة جار في خلالها علي الأهلين و أرهقهم ذلا لدرجة لا تطاق فتذمروا منه كثيرا، و أراد أن يمد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 95

نفوذه علي العشائر فكلف ثامرا شيخ المنتفق بالإذعان و الطاعة و أن يرضخ له إلا أن تكاليفه كانت شاقة فلم يمتثلها. و لذا أبقي محمد حسين خان السيستاني في البصرة مع ألفين من جنده لمحافظتها و عزم هو بنفسه للتنكيل بثامر. أخذ باقي الجيوش معه و تقدم إلي المنتفق بنحو عشرة آلاف إلا أن شيخ المنتفق حاول التجنب عن مقاتلته و طلب المصافاة معه بصورة معقولة لأجل أن يبتعد عنه. لكنه اضطره علي الحرب. فلم ير بدّا من منازلته بالرغم من قلة من معه.

و في الأثناء جاء إلي ثامر المدد من أطرافه و تصادموا فكانت القاضية علي جيوش إيران. نزلوا عليهم كأمثال الصواعق فلم يجدوا لأنفسهم مهربا و صار قسم منهم طعما للسيوف و القسم الآخر غرقوا في شط العرب. ألقوا بأنفسهم فيه. و لم تمض مدة حتي انجلت الحرب عن انتصار العرب. و

هلك في هذه الحرب علي محمد خان و أخواه و باد جيشهم سوي 35 خيالا و غنمت العشائر كافة مهماتهم و معداتهم.

و يحكي عن ثامر شيخ المنتفق نفسه أنه قال:

أقسم باللّه أنه حينما صال عليهم جيش العجم ذهلت العشائر و صار كل منها يفكر في نجاة أهله و أطفاله و تفرقوا مختلفين، و لم يبق معنا سوي ثمانين فارسا. و بهؤلاء هاجمناهم و وقفنا في وجوههم و كانت حملتنا عليهم صادقة، و لم تمض برهة من الزمن حتي رأينا القتلي مكدسة علي القتلي. و بعد أن أسفرت الحرب علمنا أن قتل مثل هذا المقدار لا يكاد يستطيعه جمع كجمعنا. فتحيرنا من عملنا، و بهرنا هذا الانتصار المهول. و لا شك أن نصرتنا هذه بتوفيق من اللّه تعالي و إلا فلا يقدر علي القيام بهذا أمثالنا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 96

باب جامع الآصفية القديم- متحف الآثار ببغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 97

و في مطالع السعود تفصيل. ذكر وقعة الفضلية و فيها انتصر العرب. و في وقعة أبي حلانة قتلوا القائد و غالب جيشه. و كان مع الإيرانيين عشيرة (الكثير) و شيخهم علوان و (كعب) و غيرهما فتم الانتصار الباهر للمنتفق و أثني علي شجاعتهم، و بين ما ربحوه من غنائم لا تحصي، فكانت من الوقائع الشهيرة و كانت أعظم سبب في خروج دولة إيران من البصرة. و في سنة 1192 ه تمكن حسين خان السيستاني في البصرة بالقوة القليلة التي كانت معه و حينما وصل الخبر إلي كريم خان أرسل أخاه صادق خان بجيش عظيم إلي البصرة. و بقيت بأيدي الإيرانيين نحو ثلاث سنوات إلي سنة 1193 ه، و في هذه السنة توفي كريم خان فانصرف أمل صادق خان

إلي طلب السلطنة، فتركها ذاهبا إلي (شيراز). و من ثم عادت البصرة إلي العراق أيام حسن باشا فعين لها نعمان أفندي متسلما.

سليمان آغا متسلم البصرة السابق:

كان كريم خان حبس سليمان آغا مدة ثم أطلق سراحه و أبقاه تحت المراقبة في شيراز فائتلف مع الإيرانيين حتي أنه بسبب علمه الجم نال رضا (زكي خان) و هو ابن عم كريم خان. و لما أخلي صادق خان البصرة وجّه زكي خان حاكميتها إلي سليمان آغا و أرسل معه مرافقا فوصل إلي الحويزة. و حينئذ عرف أن نعمان أفندي نصب متسلما فتوقف في الحويزة فراسل الأعيان و حينئذ رغبوا في دخوله البصرة إلا أن ثامرا شيخ المنتفق كان مغبرا منه فالتزم جانب نعمان و عارض في سليمان آغا كما أن حسن باشا والي بغداد اعتذره و بقي في محله منتظرا مجاري الحوادث.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 98

و في هذه الأثناء حصلت خصومة بين الخزاعل و المنتفق فمشي ثامر علي الخزاعل فقابلوه فانكسرت عشائر المنتفق و قتل منهم خلق عظيم حتي أن ثامرا قتل في تلك المعركة فخلفه ثويني في المشيخة. و هذا كانت بينه و بين سليمان آغا حقوق قديمة، و لذا أدخله البصرة و أقره في حكومتها فألقي القبض علي نعمان و حبسه و عند ما كان في الحويزة أرسل بواسطة الباليوز عرضا إلي الدولة طلب به البصرة و ذكر خدماته و بعد أن تغلب عليها و مضت بضعة أيام وجهت الدولة إليه البصرة برتبة الوزارة و إثر ورود المنشور طلب من الدولة مرة أخري أن توجه إليه إيالة بغداد ضميمة إلي إيالة البصرة.

محمد الكهية و ابن خليل:

مضي القول في مغلوبية محمد الكهية و ابن خليل حوالي مندلي في محل (سبع رحي) ثم إنهما استقرا في (ديار اللّر) أي (الفيلية) و أستندا إلي إسماعيل خان أميرهم فأقاما عنده. و أن زكي خان لم تطل

حكومته، و إنما قام الإيرانيون عليه و قتلوه.

فاختلت أمور إيران مدة ثم تولي حكومتها علي مراد خان (ابن أخي كريم خان).

و في هذه الأثناء ذهب محمد الكهية و ابن خليل إليه فأعانهما بأتباعه. و في أيام استقلاله أيضا ساعدهما أكثر. أما حسن باشا فقد حدث في زمن حكومته تهاون و ظهر المتنفذون فلم تنقطع الفتن فاستفاد المرقومان من هذه الحالة فتمكنا من جمع جيش كبير فوصلا به إلي أنحاء بعقوبة و ضبطا المقاطعات المجاورة و القري القريبة و أماكن كثيرة.

فأوقدوا نيران الفتنة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 99

لم يتمكن حسن باشا من تجهيز قوة لأنه لم يكن معتمدا علي جيشه و لا في وسعه أن يخابر أمراء بابان فيأتي بمحمود باشا و لا يقدر أن يجهز بعض العشائر الموالية لأنّه يخشي أن يقضوا عليهم فيكون الأمر أشد وخامة و أكثر خطرا لا سيما أنهم كسروا قبيلة العبيد في جهة (الشيخ سكران) فجاؤوا بهم إلي قرب الأعظمية. و لم يكتفوا بذلك بل أثروا علي نفس بغداد فتفاقم ضررهم. و قطعوا الطرق، و منعوا سير القوافل، و عاثوا بالأمن فضاق الأمر بالأهلين و نالهم ضنك و شدة و مل الناس من الوزير و كرهوه. و كانوا يتربصون الفرصة للوقيعة به و إثارة الفتنة.

في 3 شوال حدث نزاع بين شخصين قرب الشيخ عمر السهروردي فلما سمع أهل الميدان اتخذوا ذلك وسيلة فأعلنوا أنهم لا يريدون حسن باشا و علت الأصوات بذلك فعمد حسن باشا إلي الروية و التبصر في القضية، و راعي الحيطة فجعل خازنه خالد آغا في القلعة الداخلية. و في اليوم التالي تجمع الأهلون فاتخذوا متاريس و حاولوا أن يهجموا علي السراي. فتحمل الوزير ذلك

إلي المغرب. و لما أدرك الليل خرج من السراي و دخل القلعة الداخلية. و في اليوم التالي خرج من الباب الحديد و ركب زورقا فعبر إلي جانب الكرخ و نزل قرب الحديثة فنصب خيمته.

و بعد أن مكث بضعة أيام ذهب إلي أنحاء ديار بكر. فأصابه مرض لازمه بضعة أيام فمات.

بلغت مدة وزارته 17 شهرا و 28 يوما. و غاية ما يقال فيه إنه اتخذ الوسائل الكثيرة و لم يقصر في تدبير إلا أنه خانته القوة و أعوزه التوفيق.

خاف من الجيش الذي هو تحت سلطته كحذره من عدوه. فهو بين نارين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 100

بغداد بلا وال:

و بعد أن خرج الوزير أجمع الرأي علي أن يكون إسماعيل الكهية (قائممقاما). و عرضوا الأمر علي الدولة في محضر ارسلوه. و كان (باش چوخة دار) في بغداد أرسلته الدولة بوظيفة خاصة. و هذا أرسل چوخة داره إلي استنبول و سلم إليه محضر الأهلين.

أما الدولة فقد وردها عرض من متسلم البصرة سليمان آغا يلتمس فيه توجيه بغداد إليه. و كذا وصل محضر أهل بغداد فوجهت حكومة بغداد إلي سليمان آغا بانضمام إيالة شهرزور فجاء البشير بذلك إلي بغداد في 15 شوال بواسطة الچوخة دار المذكور فولد في الأهلين فرحا و سرورا.

محافظة بغداد:

و أمرت الدولة سليمان باشا آل أمين باشا الجليلي والي الموصل أن يذهب إلي بغداد (محافظا) إلي أن يأتي الوزير فيدبر شؤونها و يقوم بحراستها و في هذه الأثناء وجه منصب (قائممقام بغداد) إلي عبد اللّه بك آل محمد أفندي من قبل وزير البصرة فتولّي المنصب و انفصل إسماعيل الكهية. و بقي متحيرا كثيرا. ثم إنه استصحب جماعة من أعوانه و ذهب لاستقبال الوزير، و تابعه لفيف من العثمانيين. أما سليمان باشا فإنه حينما ورد إليه عين (أبا حمزة مصطفي باشا قبطان شط العرب سابقا) وكيل المتسلم و أخرج نعمان أفندي المتسلم السابق من الحبس و جعله وكيل الكتخدا و رتب أمور الوزارة. ثم تحرك من البصرة و استصحب معه شيخ المنتفق ثوينيا و جاء إلي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 101

حوادث سنة 1194 ه- 1780 م

وزارة سليمان باشا:

إن الوزير وصل إلي العرجاء. و حينئذ وافي لاستقباله إسماعيل الكهية و من معه من العثمانيين فلطفهم و أكرمهم علي مراتبهم و التفت إليهم كثيرا إلا أنه أثر ذلك أمر بإلقاء القبض علي إسماعيل و معتمديه صاري محمد آغا، و صوفي اسماعيل آغا، و قره يوسف و نحو ستة آخرين فأعدم إسماعيل الكهية و حبس الباقين ثم أرسلهم محفوظين إلي البصرة و نصب سليمان آغا القره ماني متسلما علي البصرة و أكساه خلعتين.

و أخذ معه مهرداره أحمد آغا.

و بعدها وصل إلي كربلاء و حينئذ رخص الشيخ ثوينيا و أعاده مكرما. ثم زار مرقد الإمام الحسين و توجه إلي بغداد فلحق به سليمان الشاوي مع خيالة العبيد قرب الحلة فأكرمه و أعزه غاية الاعزاز لما أبداه من الاخلاص من أول الأمر إلي آخره فوصل إلي (المسعودي) و اتخذه منزلا فاستقبله سليمان باشا

ابن أمين باشا الجليلي محافظ بغداد و القائممقام و العلماء و الأشراف. أما وكيل الكتخدا نعمان أفندي فقد عبر دجلة بلا رخصة من الوزير و ذهب إلي بيته. لذا غضب عليه و عزله من ساعته و حبسه في داره و نصب عبد اللّه بك آل محمد وكيل كتخدا فأقام الوزير يومين رتب خلالها بعض الأمور اللازمة.

و جاء إلي بغداد من استنبول بعض الرجال في أواخر أيام حسن باشا مثل باش چوقدار. و كان الدفتري محمد بسيم أفندي انقضت مدته.

و آغا الينگچرية، و كذا سليمان باشا والي الموصل الذي لم يرق له كلامه. و أذن لهؤلاء كلهم أن يذهبوا إلي مواطنهم، و لكنه لم يشأ أن يدخل بغداد دون أن يقضي بعض الأعمال. و في اليوم الثالث توجه نحو بغداد فعبر هو و بعض حاشيته من ناحية المنطقة بزورق خاص و أما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 102

الجيش فعبر من الجسر بشوكة و مهابة. مر من وسط المدينة إلي باب الأعظمية ثم نصب خيامه في الباب الشرقي (قراكوقپو)، و ضرب الوزير سرادقاته هناك و بات ليلة فيها. و في اليوم التالي عزم علي التنكيل بالثائرين، فنهض نحو ديالي و كذا جاء المدد من محمود باشا متصرف لواء بابان و كوي و حرير نحو خمسمائة فارس تحت قيادة ولده الأكبر عثمان بك فانضم بمن معه إلي الجيش. و حينئذ عبر الجسر إلي الجانب الآخر من ديالي و قرر استئصال أهل البغي. و هؤلاء لم يبالوا بقوة الجيش فرتب كل فريق صفوفه و اشتعلت نيران الحرب بينهما. فتبين النصر في جانب الوزير علي عدوه. و في هذه المعركة قتل أحمد آغا ابن محمد خليل و غيره من

عمدة رجالهم. و فرت البقية الباقية مشتتة. أما محمد الكهية فقد انهزم إلي إيران مع بعض الخيالة ممن كانوا معه و تركوا اثقالهم و سائر أموالهم فصارت غنائم.

و في كل هذه الحرب لم يكن مع الوزير أكثر من أربعة آلاف فارس ضمنهم أهل دائرته و العثمانيون و العشائر التي تلاحقت و فرسان الأكراد في حين أن مناوئيه كانوا يبلغون العشرة آلاف محارب. و بعد هذا الانتصار أكرم الوزير من كان معه علي مراتبهم لما قاموا به من خدمات. و لما أبدوه من شجاعة شاكرا سعيهم و إخلاصهم لا سيما ما رآه من عثمان بك من الشجاعة فأنعم عليه برتبة باشا.

ثم إن الوزير بقي في تلك الأنحاء مدة شهر نظم في خلالها القري و النواحي و نسق مصالحها لما نالها من التخريب و ما أصابها من الدمار و التشوش و وجه أنظاره إلي الإصلاح. و كذا اهتم بأمر العشائر فأخاف بعضها و أنب الأخري و هكذا راعي مقتضيات السياسة و اتخذ الإدارة القويمة في تدبير الأمور فصار الكل منقادين له.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 103

العودة إلي بغداد:

عاد الوزير إلي بغداد في أوائل شهر رمضان بكمال الأبهة و سر به الأهلون رغبة في الراحة. و كانت البشري وردت إليه بتوجيه إيالة بغداد يوم الخميس 15 شوال سنة 1193 ه و خرج من البصرة في أول ربيع الأول و وصل المسعودي في أواخر جمادي الثانية و قضي نحو الشهر في قمع الغوائل.

و كان من أكابر وزراء المماليك و الساعين لتقوية نفوذهم و يسمي (سليمان باشا الكبير) و الحق أنه مقتدر عارف بسياسة المملكة وطد الإدارة، و اكتسب الفخر. أرضي بعض الأهلين و قضي علي كل من أحس

منه بقدرة و ماشي الدولة إلا أن الطاعة لها كانت اسمية.

مدحه الشيخ حسين العشاري بقصيدة مهنئا له بالوزارة، و أثني علي سليمان باشا الجليلي و علي سليمان الشاوي، و هي قصيدة مهمة في حوادث بغداد و الفتن التي اشتعلت فيها و يشاهد عدم الاتصال بين أبياتها.

حوادث سنة 1195 ه- 1781 م

الخزاعل:

إن أمور العراق لم تنتظم من أيام الطاعون فالولاة لم يستقر لهم حكم بسبب الاضطرابات و العشائر لم تذعن، و الداخل في هرج و مرج، فالوزير بعد أن قضي علي أعداء المماليك و انتصر نظم أمور الجيش و الإدارة فلم يترك تدبيرا ناجحا إلا فعله، و لذا تمكن من السيطرة.

أما العشائر فلم يذعنوا لشدة أو عنف. و إنما يفرون من وجه الحيف و القسوة، و يعيثون بالأمن. و طريق الملاطفة تجعلهم في غرور.

فلما جاء الوزير من البصرة و وصل إلي السماوة حضر إليه حمد الحمود

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 104

شيخ الخزاعل و قدم له الهدايا. أما الوزير فقد أظهر حسن القبول و اللطف، و منحه مشيخة الخزاعل و أكرمه إكراما لائقا به. أما هو فلم يبال بل خرج من الطاعة و حينئذ عزله الوزير و نصب الشيخ محسنا و عزم علي التنكيل به فنهض من بغداد حتي ورد الحسكة و استقر الجيش في جانب الشامية علي ساحل الفرات تجاه الديوانية مقر ضباط الحكومة، و أن عشائر الخزاعل (الحمد) و (السلمان) اتحدوا و تبعتهم عشائر أخري.

فصاروا تحت قيادة حمد الحمود. و تحصنوا في قلاعهم و يسمونها (سيبايه). و هذه محاطة بالأهوار فلا يتيسر الوصول إليها فظهرت موانع أشكلت أمر التقرب منهم. فوجد الوزير خير تدبير أن يسد الفرات من ناحيتهم. فاشترك جميع الجيش حتي الوزير نفسه حمل التراب

و اشترك مع العمال تشويقا لهم في العمل نقلوا الأحطاب و قاموا بكل المقتضيات. و في مدة شهرين تمكنوا من سده سدا محكما سنة 1196 ه.. و كان يظن أنه لا يتم بأقل من سنة فرأي الخزاعل أن لا مجال لهم و سوف ينقطع عنهم ماء الشرب، و أن الأهوار سوف تنحسر مياهها و يبقون بلا ملجأ. فندم حمد الحمود علي ما بدر منه و أرسل النساء و الأطفال إلي الوالي يرجون العفو عنه فعفا الوزير و أعاد إليه المشيخة مرة أخري. و من ثم قضي الوزير بعض المهام ثم عاد.

و يلاحظ أن الوزير ربما قام بهذا الأمر إرضاء للمنتفق لما رأي من مساعدة فلم ينجح و تساهل.

في سنة 1195 قتل محمد آغا ابن محمد خليل، و جري سد شط الخزاعل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 105

حوادث سنة 1196 ه- 1782 م

بابان:

ساعد محمود باشا الوزير حينما ورد بغداد فأرسل ابنه عثمان باشا و أظهر له الطاعة، و قام ببعض الخدمات الأخري.

و هذه لم ترق للوزير بل اعتبرها أمورا ظاهرية. و حاول أن يتغاضي عما يتطلبه الولاة قبله عند ما يشعرون بقوة. و جل أمله أن يغزوه سنة 1195 ه و لكن رجح وقعة الخزاعل علي قضية بابان.

و بعد أن أتم أمر الخزاعل توجه نحو بابان، و كان قبل هذا أخرج الوزير حسن باشا من بغداد فوجهت الدولة إليه إيالة ديار بكر. و بعد أيام مرض و توفي. أما كتخداه عثمان الكهية فإنه نصب قائممقاما برضي البغداديين. و أن الوزير سليمان باشا في تلك الأثناء وجهت إليه بغداد و لذا لم يرغب أن يكون عثمان الكهية بعيدا عنه فشوقه أن يجي ء إليه فلما جاء وجه إليه مقاطعة مندلي فبقي

فيها مدة. و لكن إيرادها لم يكف لمصروفه فعرض الأمر علي الوزير. و لذا فوض إليه متسلمية كركوك.

فذهب إلي منصبه الجديد إلا أنه رغب في وظيفته الأولي كهية بغداد.

و لما لم ينلها صار ينتظر الفرصة لايقاع الفتنة. و أن محمود باشا كان كارها للوزير و خائفا منه فاستولت عليه الواهمة فاغتنم المتسلم عثمان الكهية الفرصة للمفاوضة مع محمود باشا فصادف أن خابره عثمان باشا خفية في الأمر ففرح. و حينئذ حصل اتفاق و عهد بينهما.

لذا ذهب إلي عثمان باشا في لواء كوي. و كذا قام محمود باشا من (قلعة چولان) و مضي إليهما فاجتمع الثلاثة في لواء كوي فتأهبوا في تجهيز العساكر. فتحقق للوزير أنهم يضمرون آمالا و يدبرون أمرا فرأي وجوب سفره إلي محمود باشا. و لعلهم ارتابوا منه و علموا مقاصده فأبدي أنهم خرجوا عن الطاعة. فعزم الوزير علي القتال و توجه إلي بابان فوصل كركوك و اتخذ ضواحي المدينة مضربا لخيامه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 106

أما محمود باشا و عثمان الكهية و عثمان باشا فإنهم جمعوا نحو خمسة آلاف أو ستة آلاف من المشاة و الخيالة و تحركوا من موطنهم، و نصبوا خيامهم في (مضيق بازيان) فحفروا المتاريس في جوانبه. و في هذه الأثناء كان يتحري الوزير عمن يليق أن تعهد إليه إمارة بابان و شرع في ذلك. و لذا قام من كركوك و وجه جيوشه نحو الدربند و لما وصل إلي منزل (خان كيشه) فارق حسن بك جماعته منتهزا الفرصة و التحق بجيش الوزير بمن معه من جيوش و اتباع. و هذا ابن خالد باشا المقتول آل سليمان باشا أكبر إخوة محمود باشا. و في الحال عزل الوالي محمود

باشا و وجه لواء بابان إلي حسن بك برتبة باشا، و ألوية كوي و حرير إلي محمود باشا ابن تمر باشا. و لتفريق سربهم وجه جيوشه نحوهم، فتمكن من افساد ما بينهم.

سمع محمود باشا خبر عزله فاضطرب و أصابه قلق عظيم. و لذا توسل بالصلح و تهالك في أمره و وسط العلماء و المشايخ و بين لهم أنه يقبل بكل شرط ما عدا العزل. و لذا قبل الوزير معاذيره و نزل عند رغبة المصلحين علي أن يبعد عنه عثمان الكهية و يكف يده عن كوي و حرير و يتنازل عنهما و يقدم ثلاثمائة كيس من النقود، و أن يسلك طريق الطاعة، فيقدم أحد أولاده رهنا مع عياله. فأرسل إليه الحاج سليمان بك الشاوي نائبا عنه لتقرير أمر هذا الصلح.

فتفاوض معه فقبل بكل الشروط و أن يترك كوي و حرير و يطرد عثمان الكهية، و يقدم ابنه سليم بك مع أهله ليكونوا رهنا عنده، و يتعهد بإرسال المبلغ دون تأخير.

فلما رأي الوزير أن جميع مطاليبه نفذت قبل التعهد و أبقي لواء بابان في عهدته و أرسل إليه الخلعة و رخص محمود باشا ابن تمر باشا أن يذهب إلي أنحاء كوي ليحكمها. و عاد إلي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 107

نقض العهد:

إن الوزير حينما رجع من (خان كيشة) ذهب الروع عن أتباع محمود باشا وسولوا له أن يمتنع عن القيام يتعهداته كما أنه جهز جيشا علي محمود باشا ابن تمر باشا بقصد الاستيلاء علي لواء كوي قسرا و حاصروه وسط القلعة و ضيقوا عليه. فلما سمع الوزير أرسل خازنه مصطفي آغا، و كتخدا البوابين خالد آغا مع مقدار من العسكر لإمداد متصرف لواء كوي بوجه

السرعة، فوردوا كركوك و عند ذلك سمع محمود باشا فندم علي ما فعل. و لذا رفع عسكره عن المحاصرة و عرض الأمر علي الوالي فأرسل معتمده و تشبث ببعض الوسائل و استشفع بذوات من أهل المكانة ملتمسا أن تعطي له ألوية كوي و حرير بأنواع التعهدات.

و للمصالحة وجهت إليه مرة أخري علي أن لا تعطي لابنه عثمان باشا و أن يعهد بها إلي إبراهيم بك ابن أحمد باشا و هو ابن أخيه.

و جلب محمود باشا ابن تمر باشا إلي بغداد. وافق محمود باشا أن يعهد بإيالة كوي و حرير إلي إبراهيم بك دون ابنه عثمان باشا.

حوادث سنة 1197 ه- 1783 م

محمود باشا في المرة الأخري:

كانت أعيدت إلي محمود باشا ألوية كوي و حرير علي أن يثابر علي الطاعة و لكنه اختبرت أحواله في خلال السنتين أو الثلاث فتبين أنه لم يقف عند عهد و لم يستقر علي قول فعزم الوزير علي تبديله لكنه لم يجد في أمراء الأكراد من هو مستجمع الأوصاف فصبر مدة للاستطلاع و التلوم.

و في الأثناء رأي إبراهيم بك ابن أحمد باشا فاشترط الوزير أن توجه إليه ألوية كوي و حرير فوافق محمود باشا و في الخفاء أرسل إليه الوزير فاستماله فوجده راغبا في مفارقة محمود باشا و أيضا أن محمود باشا لم يقم بما تعهد به و لم تبد منه استقامة بل ظهر منه بعض ما لا يرضيه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 108

و هذا ما دعا أن يجهز الوزير جيشا جرارا و نهض من بغداد مع أن هذه الأسباب لا تبرر الحرب. و حينئذ وصل إلي كركوك. و كان في أمل محمود باشا و ابنه عثمان باشا أن يتأهبا للقراع فجمعا و وصلا إلي (مضيق بازيان) فاتخذا

متاريس فيه و سدّا المضيق. و علي هذا راسل الوزير إبراهيم بك رأسا و طلب منه أن يحضر ليقوم بمهمته. كما أن الوزير ذهب بنفسه إلي جهة المضيق. و أن إبراهيم بك وصل إليه بجميع إخوته، و حسن خان، و حسن بك آل شير بك و أمراء آخرين ممن لهم مكانة. جاؤوا جميعا بمن معهم فعزل محمود باشا و وجه ألوية بابان، و كوي، و حرير إلي إبراهيم بك برتبة (باشا) و في الحال توجه نحو المضيق.

أما محمود باشا فقد تفرق عنه من كان معه من جيوش و أمراء و التحقوا بإبراهيم باشا، و لذا قوض خيامه و ذهب بمن بقي معه إلي إيران. و بذلك قوي أمر إبراهيم باشا و ذهب بأبهة إلي محل منصبه. و من ثم رجع الوزير بعساكره إلي بغداد ظافرا منصورا.

حوادث سنة 1198 ه- 1783 م

قتلة محمود باشا:

وصل محمود باشا إلي (باين چوب) من مضافات سنة (سنندج) فأرسل ابنه عثمان باشا بهدايا إلي شاه إيران (علي مراد خان) بأصفهان.

ثم ذهب إلي قصبة (باغچة) القريبة من سنة لبث فيها مدة و صار يترقب أخبار ولده. و بوصوله إلي أصفهان التجأ إلي الحكام و شوقهم علي افتتاح (بلاد بابان) و التسلط عليها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 109

أما الشاه فقد رحب به كثيرا و نال حظوة عنده. و وجه بلدة (صاوق بولاق) إلي والده محمود باشا و أرسل إليه (رقيما) فأخذه محمود باشا و قدمه إلي الحاكم هناك و هو بداق خان إلا أن الشاه لم يكن مسلطا علي جميع أنحاء إيران سيما أنه لم يستول علي آذربيجان. و لذا اضطر أن يسلم إلي حاكمها مقاليد الحكم. و هذا اتفق مع أمراء مراغة و سلماس و خوي

فشدوا أزره و أمدوه بنحو عشرة آلاف محارب و عاونوه فعلا ليخالف هذا الأمر.

و في هذه الحالة لم يكن مع محمود باشا سوي خمسمائة فارس، فلم يرغب في الحرب إلا أن ابنه عبد الرحمن بك ألحّ عليه. و لذا فرق جيشه إلي قسمين تعهد هو قسما فكان قائده، و القسم الآخر جعله تحت قيادة ولده عبد الرحمن بك، و حملوا علي الإيرانيين حملة صادقة و لم يبالوا بكثرتهم و أوقعوا فيهم قتلا. فكسر عبد الرحمن بك (بداق خان) و مضي في تعقيبه، و كذا محمود باشا أراد القضاء عليهم فمضي بنحو عشرين خيالا فهاجم الطرف الآخر و حاول تمزيق شملهم أيضا. فجاءته طلقة أردته قتيلا و فر من كانوا معه و أن الإيرانيين في هذه الحالة ألقوا القبض عليه و ذبحوه. و حينئذ حلوا مكانه.

أما عبد الرحمن بك فإنه عاد من تعقب أثر عدوه و حين رجوعه شاهد الإيرانيين ضربوا خيامهم مكانه فخرق جانبا من جوانب العدو و ذهب إلي سقز (ساقز) فاستراح بها و كتب إلي عثمان باشا بما وقع.

و هذا عرض القضية علي الشاه.

و علي هذا جهز الشاه جيشا لأخذ الثأر و جعل عثمان باشا قائدا له و رخصه أن يحارب (بداق خان) فجاء عثمان باشا بعسكر إيران إلي سقز

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 110

فخرج حاكمها عباس قولي خان لاستقبالهم. و كان فكره مصروفا إلي أن يدعوه إليه لكنه أخبر أن تجاوز بداق خان كان بتسويل منه. و لذا ألقي القبض عليه و قتله و أغار علي سقز فانتهبها. و لما اعترض عليه الجيش و أمراء إيران قال لهم: إن عمله كان بأمر من الشاه. و علموا أنه القائد من جانبه

فسكتوا و لم يخالفوه و أخبروا الشاه بذلك سرّا.

ثم إن الباشا ذهب بالعسكر علي (صاوق بولاق) و حاصر بداق خان في القلعة و شرع في التضييق عليه. و في هذه الأثناء وصل الخبر إلي الشاه فندم علي ما فعل و كتب رقيما إلي أمرائه أن ينتهزوا الفرصة فيلقوا القبض عليه و يأتوا به أو يقتلوه. و كان أمره هذا خفية مع رسوله أحد الأمراء المعتبرين. و حينئذ لقيه عبد الرحمن و ألقي القبض عليه و أخذ الكتاب منه ففضه و اطلع علي مضمونه. و لذا أخبر توّا و بلا امهال عثمان باشا بالخبر.

و لما وقف علي جلية الأمر اتخذ من لطائف الحيل ما سهل له الخروج من هذا المأزق الحرج و فارق إيران. و ذلك أن عشائر بلباس جاؤوا لإمداد بداق خان فوصلوا إليه فأخبرهم بحقيقة الأمر. و حينئذ أبدي له البلباس من الحمية ما لا يوصف. رأي الإيرانيون أنهم لا يستطيعون المقاومة. و لذا عادوا. ثم إن عثمان باشا أنقذ أمتعته و أهله من سقز و معه عسكر البلباس فتوجه نحو رواندز فأسكن أهله و حاشيته فيها و ذهب إلي بلباس فأقام هناك. و منها ذهب إلي العمادية، فأقام فيها في (ناوكر). و حينئذ عرض علي الوزير ما جري عليه و علي والده مفصلا و طلب أن يعفو عما بدر منه، فعفا الوزير و أعطاه الرأي و الأمان بواسطة مصطفي آغا السلحدار.

و بوروده إلي العراق حصل للوزير أمان من الغوائل. و توجه عثمان باشا إلي بغداد و نال لطفا و إكراما. طيب الوزير خاطره. و بعد أن بقي بضعة أيام وجه إليه مقاطعات قزلرباط و خانقين و علي آباد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6،

ص: 111

الخزاعل و محسن شيخ الشامية:

إن الشيخ محسن شيخ الشامية عصي بلا موجب و نهب فلما تحقق منه ذلك سار إليه الوزير بنفسه لقمع غائلته. أما الشيخ فقد تحصن في قلعته (السيباية) و اعتمد علي رصانتها و علي أتباعه للنضال. بقي الوزير بضعة أيام يحاول نصحه فلم ينتصح، فاضطر للهجوم عليه من كل صوب فاشتد عليه الأمر. و لما لم يجد في نفسه قدرة علي المقاومة فر بمن معه و تركوا أموالهم و أمتعتهم غنائم و نجوا بأرواحهم فضبطت ديارهم.

هذا، و كل ما يبغيه الوزير أن يحصل علي الغنائم فاتخذ التهاون منه في أداء الرسوم عصيانا. و من ثم أبدي أن حمد الحمود كان موافقا له و أهلا للقيام بالمشيخة فأضاف إليه مشيخة الشامية ضميمة علي مشيخة الجزيرة و نظم تلك النواحي ثم عاد إلي بغداد.

حوادث سنة 1199 ه- 1784 م

الخزاعل و حمد الحمود:

منح حمد الحمود مشيخة الشامية و الجزيرة معا فكان ينتظر منه الوزير أن يقوم بخدمات جلي فلم يفعل فأظهر الوزير أنه عصي و سلك طريق البغي. و لذا جهز جيشا لجبا و ذهب بنفسه للوقيعة به و سلك طريق الشامية، فوصل تجاه الديوانية و نصب جسرا علي شط الفرات و عبر إلي جانب الجزيرة فوصل إلي محل يقال له (لملوم) و كانت الخزاعل محتشدة قريبا منه. فأحاطت بهم الخيول من كل جانب إلا أن الانهار منعت من الزحف عليهم. و لذا حط الجيش رحاله في الجانب الآخر من الگرمات (القرمات و هي الأنهر الفرعية) و لا تزال معروفة بهذا الاسم. فحاول الجيش العبور إليهم فلم يتيسر له نظرا لعمق المياه. فبقوا بضعة أيام لدرس الوضع و ليتمكنوا من مراعاة الوسائل الناجعة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 112

و في هذه الأثناء رأي العشائر أنهم

سوف ينالهم ضنك و أدركوا وخامة العواقب. فكسروا الكرمات التي يعلمون أنها مضرة بالجيش فأحدثوا عليه سيلا عظيما و شوشوا الاوضاع فاضطر أن يرفع خيامه لكنهم كانوا يعيثون في جوانب الجيش فيدافع و يصدّ الهجمات فذهب الجيش و توقف في الحسكة.

و لما لم يتمكن الجيش منهم لأن العشائر كانت أدري بشعابها اتخذ معهم طريقة سد الفرات من المحل الأول، فأجهد الوزير العمال. و لم تمض مدة حتي أحكموه أكثر من الأول. و حينئذ عزم علي حربهم و تأهب للوقيعة مع العلم أنها غير مثمرة فشاع أن عجم محمد الكهية دخل العراق و جاء إلي الخزاعل بعد أن تجول في بلاد الكرد و إيران فحذر منه و فكر أن الدوام علي هذه الحرب لا يأتي بفائدة بل ربما ولدت نتائج مزعجة، و حينئذ جاءت دخالة من الشيخ حمد الحمود و طلب العفو فوافق الوزير مراعاة للمصلحة فأبقي المشيخة في عهدته و ألبسه خلعة الإمارة و عاد.

حوادث سنة 1200 ه- 1785 م

سليمان بك الشاوي:

علم الوزير بخدماته فلم يقصر في أمر تكريمه تجاه مساعيه المبرورة و أعماله المرغوب فيها فراعي جانبه أكثر من جميع الوزراء و كان مظهر الاحترام و الرعاية.

و ذلك ما دعا أن يتجاوز حدود الخدمة، و لم يبال بالرسوم المرعية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 113

و إنما كان خشنا فظ الطباع، تتغلب عليه حدة و غضب مما توصل به حساده لإبعاده فبلغوا ما أرادوا.

وزادوا أنه ناله غرور و ظن أنه في استغناء فلم يعرف قدره. و في خلال وزارة الوزير كان يدخل عليه و يتكلم بما يخدش خاطره و كان في وسعه أن يتخذ وسائل تأديبية قاسية فاكتفي بأن صرح له تارة، و لمح أخري أن يكف فلم ينتبه. حتي

أنه و بخه فلم يبال. و من ثم نفر منه و مع هذا لم يبدر منه ما يخالف و إنما استعمل الحلم و الرفق معه.

و من جانب آخر أن الشاوي خاصم أحمد آغا المهردار و ناصبه العداء مع علمه بخدمته للوزير و أنه ربي في أحضانه فكان يحتقره في أكثر الأحيان فيتحمل منه. فاشتدت المناوشات بينهما و توترت العلاقات العدائية. قال صاحب المطالع: إن الشاوي لم يعده في عير و لا نفير.

و يلاحظ أن الوزير جعل كل أموره في يد مهر داره و اتخذه معينا له و كاتم أسراره. و في هذه المرة أراد أن يعينه كتخدا له ففاتح الشاوي بذلك و لما كان أحمد آغا ابن خربنده (مكاري الجيش) و نظرا لحسن صوته و صورته استخدمه الوزير. و لذا قبح الشاوي أن يكون كتخداه.

ذلك ما مكن الخصومة بينهما حتي انقلبت إلي عداء. و لما كان الاثنان ممن يودهم الوزير اجتهد أن يؤلف بينهما و سعي لإزالة ما بينهما فكان تماديه علي هذه الحالة مما كرّه الوزير عليه.

هذا هو السبب الظاهري الذي أريد إشاعته مع العلم أن الأمر بيّت ليلا فاتخذ المخالفة بين أحمد آغا و الشاوي وسيلة للتنكيل بسليمان و أن يكون بعيدا عن بغداد. أراد الوزير أن تكون الإدارة خالصة للمماليك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 114

و وطد الوضع بالقضاء علي نفوذ الينگچرية و العشائر العربية و الإمارات الكردية ربي مماليك آخرين فتمكنوا من الإدارة و التسلط علي الوضع.

و من هذه التدابير إقصاء الشاوي. أراد أن يقضي علي كل عنصر فعال من العناصر الأهلية و هذه كانت سياسته في الخفاء فالوقائع و ما قام به من الأعمال أظهرت مكنون سره فلم يطلع

علي فكرته سوي مهر داره.

ذهب سليمان الشاوي بأتباعه و خرج من بغداد نحو هور عقرقوف فاستقر هناك قليلا و التفت حوله عشائر العبيد و العشائر الأخري و صار يشاع أنه يحشد الجموع لايقاع الاضطراب و أنه سلك طريق البغي فصارت هذه العصبة أم البلاد. و ابن البلاد يعدّ عاصيا و حينئذ عزم الوزير علي دفع غائلته فجلب إبراهيم باشا متصرف ألوية بابان و كوي و حرير بجيوشه و جهز جيوشا عديدة من بغداد و جعل أحمد آغا قائدا لمحاربته، فلما سمع بذلك رحل إلي (وشيل) في شمال تكريت.

نهض الجيش من بغداد بسرعة ليلتحق به إلا أنه انتبه لذلك قبل أن يصلوا إليه فعلم أن لا طاقة له بهم فترك أثقاله و سارع إلي أنحاء الخابور و هذا هو المطلوب فصارت أمواله غنائم و رجعوا إلي بغداد.

إخوة سليمان الشاوي:

لما خرج سليمان من بغداد لم يتابعه إخوته حبيب بك و محمد بك، و عبد العزيز بك. فالكل اختاروا البقاء و أن يكونوا في خدمة الوزير.

و الظاهر أنهم لم يدركوا الغرض و حينئذ خوفهم بعض المغرضين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 115

جامع الآصفية- متحف الآثار ببغداد

و حينما. سمعوا أن سليمان بك ذهب إلي جهة الخابور التحقوا به و اتفقوا معه

نصب أحمد آغا كتخدا:

كان أحمد آغا متحليا بحلية العلم. و له دراية كافية فهو فطن.

جمع السداد و الاستعداد مما دعا الوزير أن يرغب فيه منذ الصغر لما ظهر من آثار مواهبه. يضاف إليها حسن القوام و الهندام. أذعن له الكل. لذا رغب الوزير في تقريبه قبل أن يكون متسلم البصرة فرباه عنده، و كل ما عهد إليه قام به أحسن قيام فتوضحت له أحواله و تبين إخلاصه فأبرز من المقدرة ما لا يدع قولا لقائل. فتمكن من إبداء أكبر المواهب في الخطوب الجسام و ملك الحظ الأوفي لا سيما القدرة التي أبداها في حرب سليمان الشاوي و الانتصار عليه إذ عدها أم المسائل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 116

و أكبر الأعمال فتزايدت الرغبة فيه لذلك كله أنعم عليه بمنصب كتخدا و ألبسه الخلعة.

القحط في بغداد:

و في ربيع الثاني من سنة 1200 ه لم يقع مطر و لا حصل نبت فتولد القحط فبلغت قيمة وزنة الحنطة سبعة قروش أو ثمانية. و وزنة الشعير خمسة أو ستة. لكن الضعفاء لم يتيسر لهم الشراء فنالهم عناء كبير و مات أكثرهم جوعا. و دام سنتين و نصف السنة. و في آخرها صار الطاعون و في هذه الحادثة وزع الوزير علي الأهلين مخازن الأطعمة بأقل من السعر المقرر و لم يبق إلا ما يكفي للحاجة. و مع هذا هاجت الناس و ماجت في كل أنحاء بغداد في الحلة و الحسكة و الأطراف الأخري فحصل ضيق وزاد الخطر. فلا يمضي يوم إلا و الغلاء في ازدياد فصار الناس يأكلون الكلأ و يمتصون الدماء و يتناولون ما هو منهي عنه لما نالهم من السغب و أصابهم من الضعف.

شغب من سغب:

و في هذه المرة هاج لفيف من الناس لما نالهم من سغب فحمل ذلك علي البغي و العدوان، و عدوا هؤلاء القائمين بقية من أولئك المناوئين أيام عبد اللّه باشا و حسن باشا. و الحال أنهم قاموا من جراء الجوع الذي أصابهم و ما نالهم من ضجر، فحملوا علم الشيخ عبد القادر الكيلاني و أشعلوا الفتنة و هجموا بغتة علي دار الحكومة و قالوا:

إن عباد اللّه ماتوا جوعا، انقذونا بتدبير ناجع عاجل!!

و لما وصلت مقدمة هذا الجمع إلي قرب سراي الكهية خرجت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 117

عليهم ثلة من الخيالة في الحال و بناء علي أمر الوزير صدهم آغا المطرجية فقابلوا الأهلين و حملوا عليهم. و لم تمض طرفة عين إلا و كسروهم و شتتوا شملهم و قتلوا بعضهم و ألقي القبض علي البعض الآخر و

اختفي الباقون و من قبض عليهم صلبوا في الحال ليكونوا عبرة. و كذا قبض علي باقي من كانوا فجلد بعضهم بالعصي ثم أبعدوا إلي جهة البصرة.

وفيات:

1- توفي أمير الحلة عبد الكريم بك يوم الاثنين 18 جمادي الأولي.

و هو من أسرة عبد الجليل بك أمير الحلة.

حوادث سنة 1201 ه- 1786 م

عودة الحاج سليمان الشاوي:

مضي الحاج سليمان بك إلي جهة الخابور في العام الماضي فأمضي أوقاته بضعة أشهر فجمع شمله و التفت حوله العبيد و جاء إلي (سحول) التابع إلي (عانة) فأقام فيه. و علي هذا أصدر الوزير أمره و أرسل قوة بقيادة كتخدا البوابين خالد آغا فوصل إلي الفلوجة و مكث بضعة أيام لترتيب الجسور و العبور إلي صوب الشامية.

أما الشاوي فقد سبر قوته فتحقق أن لا قدرة لها. لذا أرسل ابنه أحمد بك إلي الفلوجة، فالتقي الجمعان فانتصر جيش أحمد بك علي جيش خالد آغا و قتل في هذه المعركة بكر باشا من أهل كوي و كثيرون و ألقي القبض علي أسري لا يحصون و بين هؤلاء قائد السرية خالد آغا، و معه محمود باشا ابن تمر باشا متصرف كوي سابقا فجاؤوا بهم إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 118

الحاج سليمان الشاوي في (أبي قير) و (الاخيضر) من أنحاء كبيسة.

و حينئذ أمر بأن يعاد إلي محمود باشا فرسه و مسلوباته و أرجعه مكرما.

و أما خالد آغا فقد أخره عنده..

هجوم الشاوي علي بغداد:

بعد المعركة في الفلوجة بنحو شهر ورد الحاج سليمان بغتة وقت الظهر إلي شريعة الإمام موسي الكاظم و دخل جانب الكرخ بعد الغروب إثر قتال عنيف فنزل مقام الحلاج. فلما سمع الوزير بادر الدفاع و لكنه أحس بالخطر حتي ضاق خناقه و وهت منه قوي التدبير فعين مشاة لدفع الموما إليه و تبعيده فمشوا عليه من كل صوب فحاصروه و ضيقوا عليه.

و الصحيح أن هؤلاء كانوا من عقيل حفظوا الجانب الغربي و أنقذوا الوزير من خطر هذا الحادث. و رفعوا الحصار عن بغداد فانكسر ابن الشاوي و فارقته جماعته. أما إخوانه فقد نفروا منه و لهم رغبة

في الاستئمان من الوزير فوجدوا مجالا فاضطروا للانفصال فحصلوا ما أرادوا و زيادة أما سليمان بك فقد رأي انفصال إخوته عنه فلم يبق له أمل في البقاء. اشتغل جيشه بالنهب و السلب فناله من عقيل ما ناله و حينئذ تفرقت حاشيته فرجع بمن معه إلي جهة الدجيل فعبروا إلي الشامية و ذهبوا إلي أبي قير، و أبيرة من أراضي شفاثا فنزلوا فيها.

أراد الوزير القضاء علي غائلتهم تماما فأرسل أحمد الكهية للهجوم فعبر من المسيب و توجه نحو أبيرة و هناك وقعت مقاتلة خفيفة و قبل أن يعلم الغالب من المغلوب انفصل الواحد عن الآخر و رجع أحمد الكهية بعسكره إلي بغداد و ذهب الحاج سليمان إلي المنتفق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 119

الحاج سليمان و المنتفق و الخزاعل:

ثم إن الحاج سليمان الشاوي ذهب إلي ثويني شيخ المنتفق فناصره و كتب إلي حمد الحمود شيخ الخزاعل أن يتفق معهما فوافق. و لذا أمر ثويني أن تتجمع العشائر و تتأهب للحرب فأعدوا للأمر عدته. فتقدموا نحو البصرة و تسلطوا علي مقاطعاتها و أرسل ثويني أخاه للاستيلاء عليها فضبطها و ألقي القبض علي متسلمها إبراهيم أفندي و أخذوا كافة أمواله و وضعوه في سفينة و ساقوه إلي جهة مسقط فأقعد ثويني أخاه في البصرة فتمكن في الحكم.

قال صاحب المطالع في متسلم البصرة إنه «كان قبل استيلاء ثويني عليه، و احتوائه علي ما في يديه، أقام للفسوق، نافق السوق، و تنافس في أيامه بترقيص الأولاد، و القينات في كل محفل و ناد، فما ترك بابا من الفسوق إلا فتحه، و لا زندا إلا أوراه و قدحه، فعاقبه اللّه علي فعله، فأبعده عن مقره و أهله …» اه.

أما الوزير فإنه أراد القضاء علي

آمال هؤلاء فاهتم للأمر و صار يجهز الجيوش و كتب إلي إبراهيم باشا متصرف بابان و كوي و حرير و إلي عبد الفتاح باشا متصرف درنة و باجلان أن يوافوه بجيوشهم و أن يحضروا بأنفسهم للحرب.

عزل و نصب:

إن الموما إليهما امتثلا الأمر إلا أنهما لم يتخذا الأهبة الكاملة من ذخائر و مهمات و لم يفكرا في بعد الشقة. فاتخذ الوزير ذلك سببا فحين ورودهما عزلهما و وجه متصرفية كوي و حرير إلي عثمان باشا ابن محمود باشا، و متصرفية درنة و باجلان إلي عبد القادر باشا عم عبد الفتاح باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 120

و كساهما الخلع. أما عثمان باشا فقد انتظر في بغداد و أذن لأخيه عبد الرحمن بك أن يأتي بالجيوش المطلوبة من ديار الكرد فيكمل جيشه و أكد له في الاستعجال و المجي ء بسرعة.

السفر علي الخزاعل و المنتفق:

إن عبد الرحمن بك حينما وصل إلي ديار الكرد قام بالمهمة. فجاء بالجيش علي أتم عدة و انتظام و وصل إلي بغداد فأضاف جيشه إلي الموجود من عساكر عثمان باشا، و أكثر هم مدرعون و بأيديهم الأتراس و كانوا نحو الألفين من النخبة أما الطوائف الأخري فقد تأهبت أيضا.

و في هذه الأثناء ورد إلي الوزير حمود بن ثامر السعدون و معه نحو مائة من قومه، لذا ذهب الوزير بنفسه و معه قوة كافية العدة و العدد و توجه نحو الخزاعل و المنتفق، و حينما وصلوا حسكة وجدوا الخزاعل متأهبين للنضال و في مقدمتهم رئيسهم حمد الحمود بعشائره، فتقدم الوزير عليهم، فساق الكتائب و ضيق عليهم الحصار في قلاعهم (سيبايه) و أحاط بهم من جميع جوانبهم فلم يطيقوا صبرا و قتل أكثرهم و تشتت شملهم و أن رئيسهم لم ينج إلا بشق الأنفس.

حوادث سنة 1202 ه- 1787 م

حرب المنتفق:

ثم إن الوزير سار في طريقه علي المنتفق حتي وصل إلي (أم العباس) و هناك ضرب خيامه، و أن شيخ المنتفق و الحاج سليمان بك و حمد الحمود شيخ الخزاعل كل هؤلاء حشدوا جيوشا وافرة، فكان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 121

جمعهم يبلغ من الخيالة و المشاة نحو العشرين ألفا. و استعدوا في (نهر عمر) فمكثوا ثلاثة أيام عبأوا الجيوش تعبئة حربية كاملة. و في اليوم الرابع من مقام الوزير في أم العباس أي في غرة المحرم ضحي يوم الأحد ظهر جمعهم في البر كما أنهم سيروا قسما نهرا في شبارتين فأطلقوا المدافع علي الجيش و شرع الوزير في القتال. فكان عثمان باشا علي الميمنة، و إبراهيم باشا علي الميسرة، و كذا نظمت المقدمة و الساقة بالوجه المطلوب، فكان الوزير في القلب

بدائرته و خاصته.

و حينئذ التقي الجمعان في (أم الحنطة). و في هذه الحرب سلّ الوزير سيفه و أبدي من الأقدام و الشجاعة ما لا يوصف كما أنه حضّ الجيش علي الثبات و الصبر. و في هذه الأثناء هاجمتهم العشائر بعشرة آلاف من المشاة و مثلها من الخيالة.

أما جيش الوزير فقد صدّ هجماتهم و أبدي دفاعا خارقا إذ لو خذل في هذه الحرب فلم يبق وزير و لا حكومة مماليك فكانت هذه الواقعة خطرا كبيرا عليه، فكان الهول فيها عظيما حتي تبين أن جيش الوزير هو الغالب و قتل من خيالة العرب نحو ثلاثة آلاف أو أكثر و من المشاة ما لا يحصي و استولت الجيوش علي الغنائم و فر العرب، و حينئذ فرح الوزير و ناله ما لا مزيد عليه من السرور.

انعزل قبل مدة عن ثويني بن عبد اللّه (الشيخ حمود بن ثامر السعدون) و التجأ إلي الوزير فكان العامل المهم في ربح الحرب فمنحه عند ما انتصر مشيخة المنتفق كما أنه وجه مشيخة الخزاعل إلي محسن الحمد و كذا وجه متسلمية البصرة إلي مصطفي آغا الكردي (خازنه) و نظم الأمور. و أبقي الباش آغا إسماعيل آغا التكه لي رأس اللاوند مع جملة بيارق خيالة في البصرة.

و كان سفره من بغداد في 12 جمادي الأولي سنة 1201 ه و رجوعه في 8 ربيع الأول سنة 1202 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 122

و يلاحظ أن الوحدة انفصمت عراها بانعزال حمود الثامر، و محسن الحمد فلم تكن الواقعة مما يترتب عليها أمر الحياة و الممات كما و صفها المؤرخون. و إنما سلط الوزير الكرد علي العرب كما أنه استخدم كثيرا من العرب مما ثبّت هذه

الحكومة. و كان بين حياتها و موتها نفس واحد.

حدث غلاء في سنة 1202 و يقال له «خسباك» أو قحط خسباك.

حوادث سنة 1203 ه- 1788 م

العفو عن سليمان الشاوي:

إن حادثة المنتفق فرقت شمل المتحاربين و بقي سليمان بك ضاربا في البوادي و القفار، فلم ير بدّا من طلب العفو، راعي الوزير خدماته القديمة و إخلاصه فعفا عنه و سمح له بالدخول في بغداد. و الصحيح أنه حذر أن يحدث أمرا أكبر من الأول أو مثله في خطره و كانت ضبطت أملاكه، فأعيدت إليه و أن يسكن في غابة (تل أسود) فأقام هناك.

مصطفي الكردي:

وجهت إيالة البصرة إلي مصطفي الكردي إلا أنه كان مغبرا من الوزير فأضمر له في الخفاء الانتقام. فلما وجهت إليه البصرة كاشف عثمان باشا آل بابان بسره و كانت بينهما مودة قديمة. قال له: إذا ربحت الإيالة أساهمك فيها و أخذ عهدا منه. و لما نال منصب البصرة رآها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 123

محققة لنواياه فاغتنم الفرصة كما أنه أطمع رئيس الكتيبة (باش آغا) و الرؤساء الآخرين ممن معه و وعدهم بوعود خلابة و كتب إلي ثويني شيخ المنتفق أن يكون معه و قربه إلي ديار المنتفق و كان حمود الثامر رئيسا جديدا لم يحصل علي رضا العشائر. لذا مال القوم إلي رئيسهم القديم فمنحه المشيخة و عرض علي الوزير أن حمودا لم يقدر أن يقوم بالمشيخة ففوض الرئاسة إلي ثويني.

جاء حمود إلي بغداد. و كانت أعمال هذا المتسلم علي خلاف رغبة الوزير فاضطر أن يغمض العين عنه لذا أبدي الوزير موافقته علي نصب ثويني شيخا و أرسل له الخلعة. و جلب رئيس الكتيبة و بيارق الخيالة إلي بغداد. لعلمه باتفاق المتسلم مع رئيس الكتيبة. و في هذه تغافل عنه و لم يقم بأي عمل تشم منه رائحة الارتياب، فعينه إلي زنگباد مع رعيل الخيالة و لكن مصطفي آغا

لا يزال باقيا علي نواياه، و لذا أرسل إلي عثمان باشا بالخبر و بين له أنه لا يزال باقيا علي عهده. فجددوا العهد بينهما و وثقوه بالأيمان المغلظة و باشر مصطفي آغا في مهمته و صار لا يلتفت إلي أمر، أو نهي و كذا قوّي الأواصر القديمة بينه و بين رئيس الكتيبة إسماعيل التكه لي و راسله مجددا فظهرت النوايا. فعزم الوزير علي تأديبه و القضاء عليه. و رأي أن غائلته لا تقل عن غائلة الشاوي.

و لذا خابر سرّا رئيس قبطانية شط العرب مصطفي آغا آل حجازي أن يغتاله من جهة، و من أخري أرسل محمد بك لاستمالته و نصحه ليوهم أنه مرسل للنصيحة إلا أن محمد بك إثر وروده إلي البصرة أطلعه الآغا علي الأمر المتضمن اغتياله و لذا ركب في الحال و ذهب إلي المناوي و قتل رئيس القبطانية و أبدي العصيان و اتخذ الوسائل لتنفيذ مطلوبه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 124

فلما علم الوزير أن قد هتك الستر أصدر أمره بالسفر عليه بنفسه و جاهره بالعداء. فأمر عثمان باشا أن يجمع الجيوش و يأتيه بها، و إلي هذا الحين لم يطلع الوزير علي المخابرة الدائرة بين عثمان باشا و مصطفي آغا و أنهما بيتا الأمر ليلا دون علم من الوزير إلا أن الحاج سليمان حينما سمع بعزم الوزير علي حرب مصطفي آغا أعلمه بأن هناك خفايا يأمل أن يعفو عنه و الظاهر أنه أراد الانتقام منهم، فأرسل إليه الكهية معتمده سليمان آغا ليستطلع القضية فأخبره بأن بين مصطفي آغا و بين عثمان باشا مراسلة و اتفاقا، فسلم كتابا ورد إليه من عثمان باشا، يتضمن دعوته لما عزم عليه فأرسله مع سلمان

آغا ليقف علي الحالة …

قدمه إليه تأييدا لقوله.

و حينئذ علم الوزير بدخائل الأمور و حاول أن يتوسل بأسباب جلب عثمان باشا. و لذا أرسل إليه عبد اللّه بك أخا أحمد الكهية فحلف له الأيمان و وثقه بالمواعيد فاستصحبه و جاء به إلي بغداد و كان الموسم شتاء فأكرمه الوزير كثيرا و أظهر له اللطف و الإنعام علي أن يأتي بجيشه في الربيع. و علي هذا تأخر بضعة أيام ثم رخصه و لزيادة اطمئنانه أوجد بينه و بين أحمد الكهية صهرية بأن زوج أخته من عبد اللّه بك.

و علي هذا، استصحب جيشه في الربيع و جاء إلي بغداد فولد يأسا في مصطفي آغا و من له ارتباط حينما رأوا مجيئه. و من جملة هؤلاء رئيس الكتيبة استولي عليه الارتياب، و كذا أصاب أمراء السرية رعب ففر بهم و عدتهم نحو 25 أو 30 ذهبوا إلي البصرة. و أما العساكر الباقية فقد كانت علي استعداد، فتحرك الوزير من بغداد في 11 جمادي الأولي و معه جحافل جرارة. أما الشيخ ثويني فإنه هيأ وسائل الدفاع و أعد العدة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 125

و لما وصل الوزير بجيشه إلي العرجاء اضطرب ثويني منه و مال إلي الصحاري و القفار كما أن مصطفي آغا تزلزل وضعه و تفرق جمعه فلم يستطع البقاء في البصرة و انهزم إلي الكويت. و علي هذا نظم الوزير تلك الأنحاء و أزال عنها الاضطراب و رتبها و توجه إلي البصرة فدخلها بأبهة و جعل حمود الثامر شيخا علي المنتفق و نصب الأمير عيسي بك المارديني متسلما و استراح بضعة أيام ثم رجع إلي بغداد.

عزل عثمان باشا:

و لما وصل الوزير إلي المسعودي أمر أن يحدر

له الجسر ليعبر جيشه فنصب و مر منه الجيش بأبهة عظيمة فبات تلك الليلة بالباب الشرقي. و في اليوم التالي سلخ رمضان دخلت الجيوش بغداد. و حينئذ استصحب الوزير عثمان باشا. ركب زورقا و عبر و لما كان متألما كثيرا من خيانته عزله في الحال و أمر بحبسه و وجه متصرفية بابان إلي إبراهيم باشا المتصرف السابق لوثوقه منه. و كذا وجه ألوية كوي و حرير إلي محمود باشا ابن تمر باشا.

و لما رأي جيش عثمان باشا ذلك بأعينهم أصابهم اندهاش فانفصل بعضهم من الجيش و البعض الآخر فرح بتعيين إبراهيم باشا و في الحال توجه الفريق الساخط إلي ديار الكرد. و دام هذا السفر من 11 جمادي الأولي إلي سلخ شهر رمضان. فطال أربعة أشهر و عشرين يوما.

وفاة عثمان باشا:

أجريت التحقيقات عليه بعد حبسه و عزله فوصلت بعض الكتب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 126

الدالة علي خيانته مما تيسر للوزير الحصول عليها. و هذا ما جعله في ارتباك عظيم فمرض بضعة أيام و نقل إلي دار الحاج محمد سعيد المصرف بجانب سراي الكهية. فعين الوزير طبيبا لمعالجته، و لكن حالته ساءت و تدهورت صحته و لم يبق أمل من حياته علي ما قاله طبيبه فتحول إلي دار والدة الحاج محمد سعيد فبقي فيها يوما أو يومين و توفي، فشيع جثمانه باحتفال. قال صاحب المطالع (و اللّه أعلم بالسرائر). و في هذه الأثناء توفي محمود باشا ابن تمر باشا. أخبر بذلك إبراهيم باشا متصرف بابان فوجهت ألوية كوي و حرير إلي إبراهيم باشا ضميمة إلي لواء بابان.

بناء سور النجف:

في هذه السنة كان بناء سور النجف بأمر الوزير سليمان باشا كما في المجموعة المخطوطة الموجودة عندي. و لا أدري كيف أغفل أمره صاحب الدوحة و سائر مؤرخي المماليك.

حوادث سنة 1204 ه- 1789 م

حوادث بابان:

كان عثمان باشا حينما ذهب مع الوزير جعل أخاه عبد الرحمن بك نائبا عنه. فلما سمع بما جري استصحب أعوانه مع سائر حاشيته و عياله و ذهب من طريق سنة إلي كرمانشاه و أقام في سقز (ساقز) فلما رأي الوزير أن قد خلا الجو له ذهب إلي مندلي للصيد فقضي بضعة أيام.

و في هذه الأثناء وردت معروضات من عبد الرحمن بك يرجو فيها العفو عنه. و من أمد بعيد كانت تتولد المشادة بين إيران و بغداد من جراء أمثال هذا الالتجاء. لذا أصدر الوزير عفوا عنه. فأرسل بعض الوجهاء للذهاب إليه و دعوته. ثم رجع الوزير إلي بغداد. و بعد ذلك جاء عبد الرحمن بك إلي بغداد بأتباعه و أهله فرحب به الوزير كثيرا و بالغ في إكرامه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 127

متصرفية بابان:

و بعد مدة قليلة ساعد الوزير في توجيه متصرفية بابان و لصهريته لأخي أحمد الكهية ساعد في توجيه متصرفية بابان إليه و كذا كوي و حرير برتبة باشا إلي عبد الرحمن بك.

و لما ورد خبر العزل إلي إبراهيم باشا لم يبد مخالفة و باشر في الذهاب إلي جهة أخري ثم إن عبد الرحمن باشا وصل إلي محل قريب منه و أرسل أخاه سليم بك أمامه. فلما سمع به عيّن قوة مع أخيه عبد العزيز بك لمجرد المحافظة، و إيصال عائلته إلي مأمنها فاتخذ طريق ذهابه قره طاغ فتلاقي مع سليم بك في (گله زرده) فتقاتلا فجرح عبد العزيز بك بعض الجروح و تغلب عليه سليم بك فألقي القبض عليه و انهزم باقي عسكره.

فلما وصل الأمر إلي هذه الدرجة لم يبق طريق لمرور أهله و أثقاله فاضطر للذهاب إلي إيران من

طريق (سنة) فوصل إلي (برنة) من أعمال كرمانشاه و توقف هناك و أرسل عبد الرحمن باشا عبد العزيز بك مجروحا إلي بغداد فكان ذهاب إبراهيم باشا إلي إيران لضرورة اقتضت لكنها علي خلاف رغبة الوزير. و لذا حينما وصل عبد العزيز بك غضب الوزير عليه و سجنه.

تجديد صندوق الإمام علي:

في شوال جري تجديد شباك ضريح الإمام علي فعمل من الفضة أرسله محمد خان ابن حسن خان القجاري و يسمي أقا محمد خان مؤسس دولة القجارية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 128

حوادث سنة 1205 ه- 1790 م

رجوع إبراهيم باشا:

كان اغتاظ الوزير علي إبراهيم باشا من جراء ذهابه إلي إيران.

و حينما جاء إليه أخوه مقبوضا عليه من عبد الرحمن باشا غضب عليه و سجنه لكنه علم أن ذلك كان لضرورة فأطلق سراحه.

فلما سمع إبراهيم باشا انبعث فيه الأمل فطلب العفو و حينئذ صدر الأمر بالرأي و الأمان و سير إليه الكتاب مع محمد بك الشاوي فالوزير لا يريد إثارة عداء مع إيران و لذا وافق بعد أن انهكت الفتن قواه و كادت تقضي علي وزارته. و علي هذا جاء إبراهيم باشا إلي بغداد فأكرمه الوزير و بقي معززا ينتظر فيه الفرصة. و ليس في أمله أن يدع بابان خالصة لواحد، و أن تتوحد إدارتها بيد أمير من أمرائها. لأنه يري ذلك مما يهدد السلام و يورث فتنة.

و أقام أتباعه قسما في كركوك، و قسما آخر في قزلرباط و قولاي و خانقين و علي آباد (علياوه) و قري بشير و تازه خرماتي. و فوض إليه خاص كركوك.

الشيخ ثويني:

في هذه الأيام شاع أن الوزير اتخذ العفو وسيلة للتقريب و الظاهر أنه أوعز إلي الشيخ ثويني بذلك. أراد أن لا يستقل بإدارة المنتفق أمير فكان يخشي كل قوة و إن كانت منقادة فطلب ثويني العفو فوافق الوزير و بعث إليه بكتاب الأمان فجاء إلي بغداد و نال إكراما و احتراما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 129

سليمان الشاوي و محمد الكهية:

كان الحاج سليمان الشاوي طلب العفو من الوزير فعفا عنه و أعيدت إليه أملاكه. و بقي مدة ساكنا في (تل أسود). و في هذه الأيام و علي حين غرة ورد إليه محمد الكهية (عجم محمد) ملتجئا إليه بعد أن كان في إيران ينتقل من محل إلي آخر، لا يستقر به موطن.

سمع الوزير بذلك فتولدت الشائعات فصارت الحكومة تخشي من وقوع فتنة. و لذا كتب الوزير إلي الشاوي أن يرسله محفوظا إلي جانبه.

فأبدي المعاذير بالنظر إلي أنه دخل بيته فهو في حراسته حسب التقاليد العربية و بين أنه يطلق سراحه و يسيره إلي جهات أخري ليبلغ مأمنه فلم يقبل. و لذا أصدر أمره إلي الكهية أن يسير إليه، و أنه إذا قاومه فليأخذه و لينكل به، أو يطرده من تلك الأنحاء. فخرج الكهية من بغداد فوافق الحاج سليمان أن يذهب إلي جهة أخري مع دخيله (عجم محمد) لعلمهما أن لا طاقة لهما بالمقاومة. فوصل الخبر إلي أحمد الكهية فاقتفي أثرهما و رغم شدة الحر قطع مسافة طويلة فوصل إلي (الرحبة) فتمكن من الوصول إلي أثقالهما في (عين القير) فعلم الشاوي مع محمد كهية فنجوا بأنفسهما بصعوبة و هربا في البيد فاغتنم الكهية جميع أموالهم و عيالهم و خيامهم و ما يملكون إلا أنه بالتماس من محمد الشاوي لم

يتعرض بالأهل و العيال لكنهم استولوا علي ما يتجاوز الأربعين ألفا من الغنم و الأموال الأخري و رجع الكتخدا إلي بغداد.

سليمان باشا و الملية:

إن العشائر الملية من أهل (اسكان) التابعة للرقة و كان رئيسها تيمور باشا (تمر باشا) الملي. و هذا عصي علي الدولة سنين. و انتصر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 130

بضع مرات. فتجمعت إليه العشائر الضعيفة و اعتزت به. و بذلك تمكن من جمع أموال كثيرة و حطام زائد فناله غرور كبير. فاستولي علي كثير من الألوية و القري و الضياع المجاورة.

لم يتمكن ولاة ديار بكر و الرقة من القضاء علي غائلته. و لا زال عصيانه يزداد. فعهد بفرمان إلي الوزير للقيام بأمر تأديبه و لم يسبق للدولة أن استخدمت جيش العراق لتسكين الاضطرابات خارجه في غالب أحيانها. فنهض من بغداد و ورد نصيبين و اتخذ (قوچ حصار) مضرب خيامه.

أما تيمور فقد جمع نحو خمسة عشر ألفا و تأهب للقتال. و لما قرع سمعه صيت الوزير و سطوته تزلزلت منه الأقدام. فترك دياره و التجأ إلي الجبال و تشتت جموعه. و لكن الوزير أراد أن يقطع دابر فساده فتوجه نحو الرها فوصل إلي (دبة حمدون) و تبعد عنها نحو 12 ساعة فأراد أن يقضي علي أتباعه أو من كانت له علاقة به فانتشرت الجيوش و نكلت بهم تنكيلا مرا فعادت بغنائم وافرة.

بقي الوزير نحو أربعين يوما أظهر فيها السطوة. فكان الماء قليلا و الهواء رديئا فأحس بحدوث بعض الأمراض في الجيش فسمع باحتشاد بعضهم في أطراف (نظر بيجاق) فنهض في 24 ذي الحجة و توجه نحو أولئك المحتشدين فوصلوا إلي أنحاء (سويركة) و بعد نصف ساعة أرسل لطف اللّه (رئيس الديوان)، فجعل مقدارا من

الجيش تحت قيادته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 131

حوادث سنة 1206 ه- 1791 م

تتمة الوقعة السالفة:

و لما سمع المتمردون في أطراف بوجاق (نظر بيجاق) من أعوان تيمور بمجي ء العساكر و تعقيبهم لهم التجأوا إلي الجبل إلا أن لطف اللّه لم يقصر في اقتفائهم فأحاط بأطرافهم. و في نتيجة الحرب استولي علي حصونهم و قتّل فيهم كثيرا و عاد بغنائم وافرة.

و علي كلّ قضي الوزير علي هذه الغائلة و نظم الأمور و نصب إبراهيم المحمود أخا تيمور باشا رئيسا علي (اسكان) و ألبسه الخلعة و عفا عن العشائر و أدخلها في طاعته. و حينئذ عاد متوجها نحو ماردين فنصب خيامه في (حضرم) و بقي بضعة أيام للاستراحة و في هذه الأثناء ألقي القبض علي (ملكي حسين آغا) و (غورس ملكي حسن آغا) و كانا من أعوان تيمور و المتفقين معه. أزعجوا الناس بعصيانهم، فأرسلوا إلي ماردين فصلبوا فيها.

اليزيدية:

و من ذيول هذه الوقعة أن الوزير غزا اليزيدية و سماهم (عبدة الشيطان). رأي عصيان فرقة موسّان منهم فنزل عليها، و طلب رجالها فلما جاؤوا إليه أمر بقتلهم و أرسلت رؤوسهم المقطوعة إلي استنبول، و تخلص الناس من شرورهم فعد ذلك من مقتضيات المصلحة.

مدرسة السليمانية:

عمّر الوزير هذه المدرسة فكانت كأنها نشوة الظفر و الانتصارات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 132

الباهرة. وقفها في 2 شوال سنة 1206 ه. ذكرتها في كتاب المعاهد الخيرية.

حوادث سنة 1207 ه- 1792 م

سليمان بك الشاوي:

في خلال سنة 1205 ه فر عجم محمد الكهية إلي مصر فمات فيها. أما الحاج سليمان الشاوي فإنه أقام في أنحاء الخابور. فتمكن من جمع حاشية له فأشاع عنه الوزير أنه سلك طريق البغي ليبرر محاربته فلم يهدأ له قرار فأمر أحمد الكهية أن يذهب إليه بعسكر وافر فعلم بالأمر و حينئذ رحل من مكانه، و عقب الكهية أثره حتي وصل إلي كبيسة و لما لم يتيسر الظفر به عاد. فاستغرقت سفرته من 8 صفر إلي 26 منه.

صيد و زيارة:

أراد الوزير أن يبدي سطوته في أنحاء الفلوجة و يرهب عدوه فذهب للصيد هناك. تحرك من بغداد في 2 جمادي الثانية فقضي فيها بضعة أيام للنزهة.

ثم مال عنها إلي كربلاء فزار مرقد الإمام الحسين و عاد إلي بغداد.

حوادث سنة 1208 ه- 1793 م

وقائع الخزاعل:

لم يؤد محسن المحمد شيخ الخزاعل الميري و لا المعينات التي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 133

جامع الحيدرخانة (الداودية) متحف الآثار ببغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 134

عليه. ماطل و اعتذر، فأرسل الوزير عليه أحمد الكهية بقوة كافية فتحرك من بغداد في 11 ربيع الأول و توجه نحو حسكة. فأقام قريبا منها و اتخذ التدابير اللازمة للحصار.

رأي شيخ الخزاعل أن لا طريق للنجاة سوي التسليم فركن للطاعة فأرسل جماعة و طلب العفو و تعهد بما هو مطلوب من الميري. فسامحهم الكتخدا و قبل دخالتهم و استوفي الرسوم عن سنة و أخذ من رئيسهم الرهائن و أبقاه في مشيخته، و عاد في 20 جمادي الثانية.

و كان الإذعان من شيخ الخزاعل مما سهل أن ينفر منه قسما كبيرا من أتباعه و لا سبب لذلك سوي التضييق في تنفيذ مطالب الحكومة بدرجة قاسية. فمال القوم إلي أكبر معارض له الشيخ حمد الحمود فوردت منه معروضات خلاصتها أن أكثر الشيوخ و الأعيان فارقوا الشيخ محسن المحمد و مالوا إليه و أنه متعهد بكافة ما يجب من خدمة و هناك الشاوي لم تتم قضيته فكانت خير مسهل أن يأخذه لجانبه. لذا عزل محسن المحمد و وجه المشيخة إلي حمد الحمود و أرسلت إليه الخلعة مع كتاب المشيخة.

حوادث سنة 1209 ه- 1794 م

سليمان الشاوي و قتله:

ذهب سليمان الشاوي إلي أنحاء الخابور بعد واقعة أحمد الكهية و هناك اغتاله أحد أقاربه محمد بن يوسف الحربي و أولاده. و هؤلاء من البو شاهر من فخذ (الحربي). و رئيس البو شاهر آنئذ علي الحمد. و الآن لم يبق من الحربي إلا القليل فكانت وفاته سبب ذل هذا الفخذ.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 135

و سليمان الشاوي أديب، عالم،

فاضل، شاعر. ذو دين و مهذب من كل وجه قال فيه صاحب المطالع: كان مسعر الحرب و هامر الكف.

إلا أن السياسة رمته ظلما و جورا بالعصيان و قطع الطرق و ما شاكل.

و أساسا أن القلم بأيديهم. و لكن وقائعه تؤذن بأنه لا يريد البادية، و لا يرغب فيها. مال إلي السلم مرارا و لكن الحكومة لم تشأ أن يكون معها متنفذ لم يطأطي ء رأسه لظلم. و لم يشأ أن يسلم (دخيله).

و في مطالع السعود و ديوان الأزري و إرشاد المناوي، إلي فضائل آل الشاوي و كتب أخري كثيرة ما يبصر بوضعه.

و الحكومة متغلبة. تنزع إلي قهر كل قوة وطنية بالقضاء علي نفوذ رجالها. قتلت قبل هذه أباه ثم ثنت به و هكذا لم تترك قائما يقوم من إخوته و سائر أفراد أسرته.

تيمور باشا الملي:

مضي الكلام عليه. و في هذه المرة راسل حاكم ماردين (و يودة) صاري محمد آغا و بواسطته تشبث لدي الوزير في عرض الطاعة و الاستيمان.

قبل الوزير التجاءه و لزيادة الاطمئان جلبه إلي بغداد و أبدي له من الرعاية و اللطف ما يليق به و تشفع له من السلطان فنال العفو.

صيد و زيارة:

و في هذه المرة ذهب الوزير للصيد إلي أنحاء الفلوجة في 22 جمادي الأولي فمكث فيها بضعة أيام ثم ذهب إلي كربلاء للزيارة. و منها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 136

قفل راجعا إلي بغداد في 21 جمادي الثانية.

حوادث سنة 1210 ه- 1795 م

الخزاعل:

كان شيخ الخزاعل حمد الحمود أذعن بالطاعة إلا أنه اقتضي أن يرسل الوزير بالجيوش متوالية إلي تلك الأنحاء للارهاب و تأمين الطاعة فسار أحمد الكهية عليهم بعد أن استعد استعدادا كاملا. فورد حسكة في 10 ربيع الثاني. و أقام فيها ما يزيد علي الشهرين و مد سطوته إلي ما جاور تلك الأنحاء و نظم الأحوال كما تقتضيه المصلحة. و استوفي الميري السنوي من الخزاعل، و بذلك قوّي نفوذ الحكومة.

ثم عاد في 15 رجب.

صيد و زيارة- عشيرة بني عز:

عند حلول موسم الربيع لم تكن للوزير مشغلة، فاكتفي بالكهية.

ليروح نفسه بالصيد و النزهة علي المناظر الربيعية. و في 1 شوال خرج من بغداد متوجها نحو سامراء للزيارة و منها مضي إلي عشيرة بني عز.

قضي بضعة أيام في الصيد حتي وصل إلي ناحية افتخار من أعمال كركوك ثم عاد إلي بغداد فدخلها في 22 منه. و هذه العشيرة من عبادة.

و التفصيل عنها في كتاب عشائر العراق.

قتلة الكهية:

كان منح الوزير منصب كهية بغداد إلي أحمد آغا، و مضت وقائعه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 137

و أعماله. فالوزير وجد فيه كفاءة لتمكين سيطرة المماليك إلا أنهم كانوا يرون له معايب تعد سبب قتله. منها أنه لم ينشأ في نعيم و إنما كان من طبقة الدون و أنه كان يستخف بأصحاب المكانة و إذا رأي مواهب من أحد عاداه و لذا صار يقدم الجهال ليبقي محافظا علي مكانته، و لو شاهد أن الوزير لحظ أحدا أو جلب رضاه صار عدوه الأكبر و خصمه الألد و سعي أن يوقع به أما بنسبة خيانة إليه أو اتهام بقضية قاصمة الظهر أو داعية للنفرة منه فيكون سبب إبعاده أو القضاء عليه … و بعض أعماله تدل علي حسن التدبير و الاقتصاد في النفقات. فتسامح الوزير في أمره و أغمض عينيه.

و بين صاحب الدوحة أنه حينما أراد الوزير تزويج بنته من علي آغا خازنه لم يتمكن من عذله فأضمر له العداء، فقام بترتيب اغتيال الوزير مع أنه أكبر منعم عليه فكان ذلك سبب قتله من خازنه علي آغا في 2 صفر بأمر الوزير و في عنوان المجد أن ذلك كان في شهر رمضان فحاز الوزير جميع خزائنه و أمواله مما لا

يحصيه العد.

و في مرآة الزوراء قص حادث سليمان بك الشاوي و أنه لم يرض أن يكون تحت إمرة المهر دار أحمد آغا نظرا لخساسة نسبه و أصله.

و من الأولي أن لا يقدم أمثاله علي أهل الكمال و المعرفة من عريقي النجار …

و كان أحمد آغا منح منصب كتخدا ثم جعل ميرميران فأحرز رتبة (باشا) لا سيما بعد وفاة سليمان الشاوي. إلا أن القدر كان يضمر له الوقيعة. و ذلك أنه بعد أن تعين كتخدا اشتغل في إدارة الأمور و استولي عليها جميعها فترك نومه و راحته و أبدي لوزيره التفادي، و اختار العناء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 138

العظيم. و هذه كانت السبب الوحيد في موفقيته، و كان الوزير راضيا عن أعماله في كل الأحوال، و نال مكانة في قلبه. أما المماليك ممن تقدم في الخدمة فإن الكتخدا لم يقصر في تنكيل من يري منه خروجا عن طريقه. فكان يظن أن الجو صفا له و لم يبق من مزاحم. و في هذا الآوان استشار الوزير كتخداه في تزويج ابنته الأولي خديجة خانم إلي أحد عتقائه خازنه علي آغا فأبدي له من المحاذير السياسية ما يمنع أن يتزوج بها فنالت تلقيناته تصديقا و تسليما.

علم بذلك الخازن و أحس بنوايا الكتخدا نحوه فعرّف رفقاءه بالأمر. و حينئذ و للعصبية اتفقوا علي قتل الكتخدا. و لما كان يخشي سوء نية الوزير اتفقوا أن يرفعوه من هذا المنصب فتعاهدوا علي ذلك.

و بعد هذا الاتفاق خرج الكتخدا في بعض الأيام من عند الوزير وحده حسب المعتاد و عند وصوله إلي رأس السلم قاصدا دائرته فاجأه رئيس البندقيين (تفكجي باشي) و هو عبد اللّه آغا و الخازن علي آغا. سلا

سيوفهما عليه. فلم يبد الكتخدا أي ارتباك. و يحكي أنه أظهر لهما اللائمة، و بعضهما ينقل أنه رفع صوته و دعا الوزير لما ارتكباه و لكنه عاجلته المنية. و لما علم الوزير بما جري حاول أن يسرع إلي محل الوقعة إلا أن بعض المخلصين له بيّن له بأن قضي الأمر و ليس من المصلحة بقاؤك في المقام فأخذه من إبطه إلي الدائرة الداخلية.

فالوزير حينما تحقق أن كتخداه قتل غيلة ثارت حميته فدعا الينگچرية و صنوف العساكر و الضباط و العلماء و وجوه المملكة، و أراد أن ينتقم من الخازن و متفقيه و لكن المماليك اتفقوا علي المعصية و ركبوا الشر. و أن تفريق جموعهم يستدعي وقوع محذورين أحدهما أن الأمن و الراحة تأسسا بهمة هؤلاء. و محوهم يستلزم زوال الأمن، و ثانيهما أن وكلاء الدولة إذا سمعوا بالواقعة حملوها علي تشوش الإدارة و انتهزوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 139

الفرصة فلا يترددون من توجيه الوزارة إلي من لم يكن من المماليك.

و من جهة أخري أنه لو تعرض الوزير لهذا الأمر عادت الاضطرابات في العشائر العربية و الكردية فالمصلحة تقتضي أن يعلن بأنه وقع هذا الأمر بتدبير منه، و أن ينصب الخازن كتخدا إزالة لخوفه و أن يرشح لخطبة ابنته خديجة خانم. و بذلك تحصل له الطمأنينة.

أبدي ذلك محمد بك الشاوي فاستحسنه الحضار. و في الحال نفذ الوزير هذه التدابير، فأخمدت نيران الفتنة. و ما جاء في الدوحة من أن إعدام الكتخدا كان بأمر من الوزير إنما كتبه كما وقع و أن الأستاذ سليمان فائق نقل ذلك عن والده و عمن يثق بهم.

و من مجري الحوادث و من تصريحات الأستاذ سليمان فائق بك أن الوزير

أراد أن يجعل الإدارة خالصة (للمماليك) فتمكن لولا أن الخازن أحبط أعماله.

قال صاحب مرآة الزوراء: إن الخازن لم يجسر أن يصل إلي الوزير بعد فعلته ما لم يرسل إليه مصحفا شريفا مختوما يختمه مع أمر بمنصب كتخدا للدلالة علي العفو عنه.

و لما لقيه أول مرة عاتبه قائلا:

إني وضعت في بغداد منهاجا قويما فلم تدع بنائي علي حاله بل سعيت لامحائه و ستنال بنفسك مكافأة عملك. قال ذلك بتأسف و تألم.

و دفن الكتخدا في مقبرة الشيخ شهاب الدين السهروردي و كلما جاء الوزير إلي زيارة الإمام تقدم لزيارة الكتخدا و قال:

اللهمّ عاقب ببلائك من غدر بأحمد.!!

و كانت تغرورق عيناه بالدموع.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 140

و الحاصل أن علي آغا نصب كتخدا و تزوج بخديجة خانم و نال رتبة (باشا) و لكن لم يكن له من المقدرة ما يؤهله للقيام بأعباء هذا الأمر. فكان السبب في أن يقوم بها الوزير بنفسه أيام شيخوخته. فأتعب الوزير كما أنه فتح طريقا سيئة للمماليك فصاروا إلي حين انقراضهم لا يأمن الواحد منهم جانب الآخر.

و لما كان الكتخدا المقتول حرص علي إدارة الأمور و اختص بفائدتها، و جماعته يشاهدون. فإنه ذلك كان من أكبر أسباب نكبته و تلخص في كثرة أطماعه. و بعد قتلته ظهرت أمواله بالوجه الذي شاع عنه فاستغل الخطة التي اختطها الوزير.

حوادث سنة 1211 ه- 1796 م

مشيخة ثويني علي المنتفق:

كان الشيخ ثويني في بغداد منزويا و كان لطف الوزير يشمله و لكنه لحقته حسرة علي وطنه. فظهر انعام الوزير عليه. و لذا عزل الشيخ حمودا و وجه مشيخة المنتفق إليه و كساه الخلعة و عين بصحبته رئيس آغوات اللاوند و جملة بيارق من الخيالة و أذن له بالذهاب إلي محله.

و في مدة إقامته في بغداد يأمل أن يوليه الوزير مشيخة المنتفق للزحف علي نجد … فحصل علي مطلوبه و جهز بجيش جرار فاستقر في المنتفق و ذهب توا إلي البصرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 141

رتبة ميرميران لعلي الكهية:

نال الكهية منصب كتخدا و صاهر الوزير كما سبق. ثم التمس أن توجه إليه رتبة ميرميران فعرض الأمر علي الدولة فأجابت ملتمسه فوجهت إليه الرتبة و وصل الفرمان في 11 جمادي الثانية. و من ثم صار يلقب ب (باشا).

عشيرة البرشاوية:

إن البرشاوية من عفك وردوا إلي أطراف شط الكار في (أبو حمّار) و صاروا يغيرون علي الأطراف و يعيثون في الأمن. فأرسل الوزير كتخداه للوقيعة بهم فأغار عليهم و لم يبال بالسموم و الحر فاغتنم منهم نحو اثني عشر ألف رأس من الغنم و ألفي رأس من البقر و أدبهم.

و كانت هذه أول غارة له ثم عاد. و في هذه الغارة قتل عبد الفتاح آغا من آل النقشلي الكركوكي.

جامع الأحمدية: (جامع الميدان)

هذا الجامع ينسب إلي أحمد باشا الكتخدا السابق. عمره فلم يتمه. و أن أخاه عبد اللّه بك أتمه و وقف له وقوفا كثيرة من تركته.

حوادث 1212 ه- 1797 م

الخزاعل و حمد الحمود:

إن حمد الحمود شيخ الخزاعل ما زال ينتهز الفرص لمناوأة الحكومة. فجهز الوزير عليه كتخداه بعساكر عظيمة. و في 26 ربيع الأول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 142

خرج من بغداد، فورد الديوانية فرآه متحصنا بالأهوار في (عادلات) محاصرا في سيباية بجموعه و لم يبال الكتخدا و عبر إليه و ضيق عليه من جوانبه و لكنه راعي الحيلة للنجاة فأرسل النساء و الشيوخ للدخالة و طلب العفو و لكن الكتخدا لم يلتفت و أمر بمهاجمتهم من جميع الأطراف فاضطربوا و تفرق شمل جموعهم، فانهزم الشيخ حمد الحمود مجروحا و لم ينج إلا بشق الأنفس فضبطت ديارهم و عاد منصورا.

و حينئذ دعا الكتخدا شيخ الشامية محسن الغانم و شيخ الجزيرة سبتي المحسن فاحضرهما إليه و طلب من كل منهما أن يؤدي من الشلب ألف تغار عدا النقود المطلوبة فتعهد بذلك. و جعل (سبتي المحسن) شيخا علي الخزاعل في الجزيرة، و نصب محسن الغانم شيخا علي خزاعل الشامية و اكساهما الخلع و استوفي منهما الغلال و النقود و الميري ثم قفل راجعا إلي بغداد في 26 جمادي الثانية.

هذا و إن صاحب الدوحة كان مع الكتخدا فنظم قصيدة تركية مدح بها الوزير فنالت الجائزة. و الملحوظ أن محسن المحمد شيخ الخزاعل توفي في هذه السنة.

البابان- عزل و نصب:

إن إبراهيم باشا امتدت عزلته. فأراد الوزير أن ينعم عليه فأمر بنصبه متصرفا علي بابان فطلب عبد الرحمن باشا أولا لبغداد. و كان منحرف المزاج جي ء به في تخته روان. و بعد أن وصل و استراح شفي من مرضه فعزله من لواء بابان إلا أنه أبقي في عهدته كوي و حرير.

و وجه لواء بابان وحده إلي إبراهيم باشا فذهب إلي السليمانية.

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 6، ص: 143

الجوازر- السعيد و ربيعة:

إن عشيرة السعيد (من زبيد) كانت مقيمة في أنحاء (صلنية). و هناك عاثت بالأمن و كذا شيوخ ربيعة وجب عزلهم و تبديلهم بغيرهم فانتدب الوزير كتخداه علي باشا ليقوم بهذه المهمة. فنهض من بغداد في 8 ذي الحجة فأدب العصاة من السعيد و أبعدهم و انتهب منهم مواشي عظيمة.

ثم توجه نحو الجوازر ديار ربيعة فنظم أمورها و أنهي الغوائل و حصل منهم علي ستين ألف رأس من الغنم و علي مقدار كبير من الجاموس. و بهذا أكمل مهمته من النهب و السلب و عاد إلي بغداد فدخلها في 13 صفر سنة 1213 ه.

حوادث سنة 1213 ه- 1798 م

الأحساء- الوهابيون:

كانت الأحساء في تصرف أمراء بني خالد إلا أن الأمير عبد العزيز ابن محمد السعود حاربها مرارا. فكانت تذعن مرة و تنتفض أخري.

و كان آخر أمرائها من بني خالد و هو براك بن عبد المحسن يقوم بإدارتها نيابة عن الأمير عبد العزيز.

وردت الأخبار إلي بغداد بأن الأمير عبد العزيز أرسل ابنه سعودا سنة 1211 ه علي الأحساء فاستولي عليها عنوة و ضبط جميع مضافاتها إلي ساحل البحر حتي وصل إلي القطيف و العقير (العجير) و اكتسح كافة القري و النواحي هناك. و قتل في الأحساء نحو مائتين من علمائها، أذيع ذلك للتشنيع عليه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 144

أثر هذه الوقعة:

و في هذا التاريخ وصل الخبر إلي ثويني و هو في البصرة فأراد أن يذهب إلي محله إلا أنه أوعز إليه بالذهاب لاستخلاص الإحساء و كانت الدولة حرضت الوزير مرارا فلم تدخر وسعا في التدابير. و مما بعث الأمل ركون قبيلة بني خالد إلي العراق و رئيسها براك بن عبد المحسن الذي انتزعت منه الأحساء و معه محمد بن عريعر. و لم يتخلف من هذه القبيلة سوي فرع (المهاشير).

اتخذ الوزير الوسائل لتقويته و أمر أن يلتحق به البندقيون من موظفي البصرة و هم (البلوج) و خمس قطع من المدافع و أحمد آغا الحجازي من آغوات الخارج … و جمع هو عشائر المنتفق و الزبير و البصرة و نواحيها و عشائر الظفير و بني خالد. فأخذ العدد و توجه نحو الأحساء. قال في المطالع و كان ذلك عام 1211 ه و نزل (الجهرا) الماء المعروف قرب الكويت. فأقام نحو ثلاثة أشهر و هو يجمع العشائر و العساكر و المدافع و جميع آلات الحرب من البارود و

الرصاص و الطعام مما يفوق الحصر. و أركب قسما من عساكره في السفن من البصرة و معهم الميرة تباريه في البحر، و قصدوا القطيف. و كانت له قوة هائلة.

فلما بلغ ذلك الأمير عبد العزيز أمر الأنحاء التي يحكم عليها من أهل الخرج و الفرع و وادي الدواسر و الافلاج و الوشم و سدير و القصيم و جبل شمر فاجتمعوا و استعمل عليهم محمد بن معيقل أميرا فساروا و نزلوا (قرية الطف) الماء المعروف من ديار بني خالد، و أمر عبد العزيز بما لديه من العشائر من مطير و سبيع و العجمان و السهول و غيرهم أن يقصدوا ديار بني خالد و يتفرقوا في أموالهم و ينزلوا و يثبتوا في وجوه هؤلاء الجنود. فحشدوا و اجتمعوا فيها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 145

ثم حشد سعود بأهل العارض و استلحق غزوا من البلدان و نزل (التنهات) الروضة المعروفة عند الدهناء. أقام فيها ثم رحل و نزل (الحفر) الماء المعروف بحفر العتك فأقام أكثر من شهرين.

و أما ثويني فاجتمع عليه جنوده و بواديه كلها (بالجهرا). ثم رحل منها و قصد ناحية الأحساء فلما علمت عشائر ابن سعود برحيله ظعنوا عن قرية ثم ظعنوا عن الطف و انحاز إلي أم ربيعة لوجود المياه المعروفة في تلك الناحية و اشتد عليهم الأمر و ساءت الظنون و نزل ثويني بالطف.

و كان سعود أرسل جيشا من الحصر مع حسن بن مشاري بن سعود و استعمله علي من كان مع ابن معيقل و صاروا ردءا للعشائر تثبيتا لها.

ثم إن ثويني رحل من الطف و نزل علي الشباك الماء المعروف في ديرة بني خالد فلما قصد ثويني ذلك الماء كثر الخلل في عشائر

الأمير ابن سعود.

و في هذه الأثناء حدث الرعب في قوم ابن سعود و حصل اليأس إلا أنه وقع ما لم يكن في الحسبان فإن عبدا اسمه (طعيس) من عبيد (جبور بني خالد) قتل الشيخ ثوينيا ضربه بحربة كان فيها حتفه و قتل العبد من ساعته و حمل ثويني إلي الخيمة.

و كان بين براك و بين حسن بن مشاري مراسلة لأنه ندم علي السير مع ثويني لأنه رأي وجهه و إقباله لأولاد عريعر. فعرف أنه إن استولي علي الأحساء لم يؤثر عليهم أحدا. فلما قتل ثويني انهزم براك إلي حسن ابن مشاري و كذا من معه من عسكر ابن سعود فوقع التخاذل و الفشل في جنود ثويني و ألقي الرعب في قلوبهم فارتحلوا منهزمين فتبعهم قوم ابن سعود و عشائره و قتلوا منهم كثيرا و غنموا غنائم عظيمة و استمروا في سوقهم إلي قرب الكويت يقتلون و يغنمون و حازوا منهم أموالا عظيمة من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 146

الإبل و الغنم و الزاد و المتاع و غير ذلك. و أخذوا جميع المدافع و القنابر و وضعت في الدرعية و تفرقت تلك الجموع البرية و البحرية. كان قتل ثويني في 4 المحرم سنة 1212 ه و سميت هذه الوقعة سحبة.

و دفن ثويني في جزيرة العمائر.

و في الدوحة أن الضارب حينما ضرب نادي (اللّه أكبر!). ضرب ثوينيا بصدره حتي خرج السنان من ظهره … و قال: اضطربت الآراء في القاتل فلم يقطع بعضهم في أنه عربي و آخرون أبدوا أن براكا و محمدا العريعر طمعا في الانفراد بالأحساء و لما شاهد براك أن ثوينيا تقرب منها و أحس أن النية مصروفة إلي أن الأحساء سوف تعطي

إلي محمد العريعر يئس من نيل مرغوبه فكان القاتل من عربه و أن الغدر كان بترتيب منه.

إن حدوث هذه الوقعة أدي إلي رجعة الجيوش و العدول عن السفر إلي الأحساء فصارت سبب الخذلان. و لما عادوا نحو مرحلتين شاهدوا براكا يقود عساكر عظيمة من جيوش الوهابية …

و لذا ترك إخوة ثويني و أعيان المنتفق المدافع و عسكر البلوج و اكتفوا بحماية أهليهم و عيالهم و رجعوا، و أن عساكر الوهابية قتلوا عسكر البلوج و غنموا المدافع و أخذوها إلي الدرعية.

و ثويني هذا هو ابن عبد اللّه بن محمد بن مانع القرشي الهاشمي، العلوي، الشيبي. تولي مشيخة المنتفق كما تولاها أبوه وجده و كان أحد أجواد العرب و من وقائعه المشهورة (يوم دبّي) مع قبيلة كعب و كانوا غزوا أخاه صقرا فأبلي في هذه الوقعة البلاء الحسن و انتصر عليهم. و من أيامه اليوم المسمي (بضجعة) المعروفة بلفظ (جضعة) و هذه مع بني خالد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 147

حينما استنصره عبد المحسن بن سرداح علي شيخ بني خالد سعدون بن عريعر و من وقائعه (يوم التنومة) بنجد حاصرها. و كان قاصدا حرب ابن سعود و لكنه بدا له أن يرجع فعاد. و حاصر البصرة فكان ما كان.

فورد خبر هذه الوقعة في سنة 1213 ه.

مشيخة المنتفق:

و حينئذ وجهت مشيخة المنتفق إلي حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع الشبيبي ابن أخي ثويني لأمه و ابن عم له. و هو مشهور بالأناة لحدّ أنه بلغ به درجة الوسواس. و صاحب المطالع يذم كاتبه.

و من وقائعه المشهورة (يوم الرضيمة) و هو يوم لسعدون بن عريعر علي ثامر.

و منها (يوم أبي حلانة) علي محمد علي خان

الزندي. و منها يوم سفوان علي ثويني و مصطفي آغا الكردي متسلم البصرة، و منها (يوم علوي) ماء قريب من البصرة القديمة. و له ذكاء و بصيرة. و عمي في أواخر أيامه. استمرت إمارته الأخيرة هذه من سنة 1212 ه إلي سنة 1242 ه.

و أطنب صاحب المطالع في الثناء عليه … و بين أنه في مدة إمارته هذه أطاعه البادي و الحاضر …

مهاجمة سعود ابن الأمير عبد العزيز:

في شهر رمضان سنة (1212 ه) سار سعود بن عبد العزيز بن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 148

محمد بن سعود بجميع نواحي نجد و عشائرها و قصد الشمال و أغار علي أنحاء المنتفق (سوق الشيوخ) فصبح القرية المعروفة (بأم العباس) و قتل منهم كثيرا و منهم من فر و منهم من غرق. و كان حمود في البادية فلما بلغه الخبر جد في السير ليدركه فلم يظفر به.

ثم سار سعود بعد أن رجع و وصل إلي أطراف نجد عطف و أغار في سنته علي تلك البادية و قصد جهة السماوة و أتاه عيونه و أخبروه بعربان كثيرة مجتمعين في الأبيّض الماء المعروف قرب السماوة فوجه الجيوش و أغار عليهم. و كانت تلك العشائر كثيرة منهم شمر و رئيسهم مطلق بن محمد الجرباء الفارس و معه عدد من قبائل الظفير و آل بعيج و الزقاريط و غيرهم. فحصل بينهم قتال شديد و طراد خيل. ثم حمل عليهم قوم ابن سعود فدهموهم في منازلهم و بيوتهم فقتل عدة رجال من فرسان شمر و الظفير و غيرهم …

و قتل ذلك اليوم مطلق بن محمد الجرباء. و كان علي جواد سابق و هو يقلبها يمنة عدوه و يسرته فعثرت به فرسه في نعجة و أدركه خزيم

بن لحيان رئيس السهول فقتله و غنم قوم ابن سعود أكثر محلتهم و إبلهم و متاعهم.

و قتل من قوم ابن سعود نحو خمسة عشر رجلا من بني خالد منهم براك بن عبد المحسن رئيس بني خالد و محمد العلي رئيس المهاشير.

هذا و إن صاحب المطالع عد الوقائع المذكورة في سنة 1212 ه علي أنها مما وقع عام 1213 ه و في هذا وافق صاحب عنوان المجد في تاريخ نجد و خالف صاحب الدوحة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 149

حرب الوهابية و التأهب لها من جديد:

كان لوقعة ثويني شيخ المنتفق تأثيرها في الحكومة لا سيما و قد تلتها وقعة سوق الشيوخ و وقعة الأبيض و قتلة مطلق الجرباء … و لذا اهتموا للأمر و عهدوا إلي الكتخدا علي باشا بالقيادة. و كان سمع الخبر في الجوازر فتألم للمصاب و رغب في الحرب. فلما رأي من الوزير عين الرغبة هيأ ما يلزم من وسائل السفر. و حينئذ فتح الوزير خزائنه و بذل ما في وسعه من الاهتمام.

و لم تمض بضعة أشهر حتي تمكن من إعداد العدد لسفر عظيم.

و علي هذا و في 22 من شهر ربيع الآخر سنة 1213 ه تحرك الكتخدا من بغداد و توجه نحو الوهابية. و انتظر في الدورة تسعة أيام لتتلاحق بقايا الجيوش و في اليوم العاشر تحرك منها، فكان يتوقف في بعض المنازل خمسة أيام أو أكثر إلي العشرة و في بعضها يمكث يومين أو ثلاثة ثم يتحرك حتي واصل سيره و وافي البصرة، و نزل في باب الرباط.

و أعدت له الأرزاق في البصرة عدا ما أحضره معه من بغداد و أحضرت السفن كواسطة بحرية لنقل المؤونة كما أنه هيئت الإبل للنقل برّا. فاستكمل مقتضيات السفر

و بعد أن أقام فيها نحو عشرة أيام تحرك منها متوجها نحو الزبير فنزل بالقرب منها في محل يقال له دريهمية و تقع في شرقي الزبير. و جهز من النجادة نحو خمسة آلاف بندقي استؤجروا لهذا الغرض … و سارت معه عشائر المنتفق مع رئيسهم حمود الثامر و آل بعيج و الزقاريط و آل قشعم و جميع عشائر العراق، و كذا عشائر شمر و الظفير. و سار معه أهل الزبير و من يليهم فاجتمعت جموع كثيرة حتي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 150

قيل إن الخيل التي يعلق لها ثمانية عشر ألفا. فسار علي باشا الكتخدا بتلك الجموع و قصد الأحساء.

نهض الجيش من هناك. و كان يجب أن يتوجه إلي الدرعية من طريق الأحساء لأنها أقرب و فيها عبد العزيز و ابنه سعود إلا أن الكتخدا عول علي هذه الطريق إلي جهة الآبار مورد الفيلق لا سيما أن الآبار في طريق الأحساء يبعد الواحد منها عن الآخر نحو عشرين ساعة و بينهما منزلتان و هذه لا يتيسر للجيش قطعها حتي يحصل علي الماء. و أيضا أن طريق الدرعية غير صالح لأن مسافة الماء فيه ما بين المنزلتين تبعد مسيرة ثلاثة أيام بلياليها. فالجيش أثقاله كثيرة و مدافعه ضخمة و معه ألوف مؤلفة من الجنود و العشائر و الأهلين و العيال و الإبل و الحيوانات الأخري فلا يستطيع الصبر و الاستغناء عن الماء.

و أيضا لو اتخذ طريق الدرعية و سلك الجيش منه لما تمكن من نقل أرزاقه و أمتعته و سائر لوازمه، و لحرم من الاستفادة من طريق البحر.

و لكان اكتفي ببعض العشائر و الخيالة و مقدار قليل من الإبل في حين أن عدة الإبل و

وسائل النقل كبيرة جدا و أن الإبل وحدها تبلغ نحو ثلاثين ألفا. و هذا من الصعوبة بمكان.

فهذه القوة لا يمكن إدارتها بلا وسائط النقل المذكورة. و كذا لا يتيسر النقل من البحر إلي الدرعية فلا يطيق الجيش قطعها إلا أن يكون وحده أو العشائر بأنفسهم …

لذلك كله رجح قائد الجيش الرأي القائل بلزوم نقل الذخائر و الأمتعة من البحر إلي الأحساء و منها إلي الدرعية فعدل عن الذهاب إلي الدرعية رأسا فمضوا في طريق الأحساء حتي وصلوا (سفوان) و منه و في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 151

اليوم التالي نهض الجيش فوصل (الروضتين). و ذمها صاحب الدوحة و قال إن اسمها علي خلاف مسماها. و منها توجه إلي (الجهرة) فنزلها و كانت مياه آبارها ملحا أجاجا.

و حينئذ وصلت السفن التي سيرت من البصرة حاملة المؤونة إلي أن جاءت إلي مكان تجاه (الجهرة) من البحر. و لكن الغربان (نوع سفن) لم تستطع الوقوف هناك و لا التقرب إلي الساحل. فاستشكل الأمر و صعب إلا أنه بواسطة شيخ الكويت استكريت بعض السفن الصغيرة.

و (البتيلات) فسهل ايصالها إلي مكان قريب من الأحساء يقال له العقير (العجير) فنقلت المؤن و المهمات بواسطتها و جي ء بها إلي العجير و أعطيت الأجرة إلي شيخ الكويت.

و مضي الجيش نحو عشرة أيام حتي وصل إلي (بلبول) الواقع في ساحل البحر و مشت السفن إليه و استصحب الجيش أرزاقه ليصل إلي (بلبول) حملوها علي ظهور خمسة آلاف بعير استكروها من العشائر التي معهم. فاضطروا للتوقف في الجهرة و منها ذهبوا إلي (بلبول).

و لما وصلوا إليها انتهت الأرزاق المصحوبة معهم. و وصلت السفن حين قربوا من بلبول. و فيه أقاموا عشرة أيام و أخذوا

من السفن أرزاق شهر. حملوها علي ظهور الإبل و نهضوا من هذا المنزل ساروا عشرة أيام إلي أن وصلوا إلي قرية (نطاع) من قري الأحساء. و هناك أقاموا نحو عشرة أيام استراحوا خلالها.

ثم قطعوا الفيافي و القفار حتي قربوا من الأحساء، و حينئذ دعوا أهليها إلي الانقياد و الطاعة إلا أن في الإحساء قلعتين إحداهما يقال لها (المبرز) و الأخري تدعي (الهفوف). و في هاتين القلعتين حاصر قوم من الوهابية بأمر من عبد العزيز و فيهما كل من سليمان الماجد و الحاج إبراهيم بن عفيصان أما سليمان بن محمد بن ماجد فهو من أهل بلد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 152

ثادق. و كان في قلعة المبرز. حاصر حصار الأبطال. و يسمي القصر المحصور (صاهود) و أما إبراهيم بن سليمان بن عفيصان فقد حاصر في (قصر الهفوف) و حاولوا الهجوم عليهم مرارا عديدة فلم يحصلوا علي المراد.

فهؤلاء تحصنوا و أبوا أن يسلموا … حتي رفع الحصار عنهم.

فاتخذ الجيش كل الوسائل، فلم يفلح في اكتساح القلاع.

اتخذ الجيش الوسائل العديدة للاستيلاء علي القلعتين و استعمل المدافع … فلم يتيسر له الأمر، و قوي أمل المحصورين و غابت آمال الجيش، و قلت المؤن، و ماتت الإبل و لم يبق منها إلا القليل. و لذا ألح الجيش في العودة. و إن الإبل لم تستطع أن تجر الأثقال و المدافع، فاضطروا علي الرجوع بلا زاد، فانصرفوا من محلهم في 7 ذي القعدة و تركوا الأحساء و أبقوا أمتعتهم و أموالهم في محالها.

و في اليوم الرابع عشر من رحيلهم وصلوا إلي المحل الذي قتل فيه ثويني و هو المسمي (بالشباك) و لذا حاروا في أمرهم من فقد الزاد و الطعام و

قلته من جهتهم و من جهة دوابهم و مواشيهم و نالهم اضطراب شديد و يئسوا من الرجوع إلي مأمنهم و لكنهم علي كل حال مضوا في سبيلهم …

و في هذه الأثناء ساقهم اللّه إلي مراع خصبة اهتدوا إليها. فما بقي لديهم من الدواب رعت بضعة أيام و رتعت في هذه المواطن فلم يحتاجوا خلالها إلي (العليق) أو العلف ليطعموا دوابهم فاضطروا إلي النزول و لكنهم أضاعوا الخيام فتحروا عنها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 153

و في الحين هبت رياح موحشة و صواعق مدهشة فأمطرت السماء بوابلها … و كل واحد من العسكر ماسك بعنان فرسه صابر علي هذا البلاء و لا يدري ما سيصيبه في ليلته. و قضوها و لم يغمض لهم جفن في حالة لا توصف فلم يبق لواحد منهم أمل في الحياة …

و عند الصباح حينما طلعت الشمس جاء البشير فأخبر بوجود الخيام فاستعاد الجيش حياة جديدة و انتعش بالعثور علي خيامه … و لكن الطعام نفد و لم يبق زاد يعيشون به فارتبكوا من هذه الجهة و حاذروا من الهلاك …!

و في اليوم التالي من استراحتهم اخبروا أن بضعة قطع من السفن (الغربان) وصلت إلي جزيرة العماير في ساحل البحر فعينت بعض الخيالة مع مقدار من الإبل لجلبها و إيصالها إليهم. و لما وصلت ظهر أنها قسط يوم واحد فقسمت علي العسكر. فمن أصابه رطل شعير فكأنما ربح كل الغني …

بينا كانوا في هذه الحالة إذ داهمهم العدو تحت قيادة سعود بن عبد العزيز و معه أهل اليمن و العارض و جبل شمر فاغتنم الفرصة من حالة الجيش و جاءهم علي حين غرة. علم أن الجيش عاد عن الإحساء و أنه

تفرق لقلة الأرزاق و تشتت شمله و أنه لم يبق سوي علي باشا و شرذمة قليلة معه فرجع فارا. و لذا انتهز الفرصة بناء علي أخبار ابن عفيصان كتب إلي الأمير عبد العزيز و هذا أرسل ابنه سعودا.

و لما سمع علي باشا سر كثيرا و عزم علي محاربتهم. فأعد الجيش و مشي علي سعود المذكور، و هذا أيضا بناء علي إغراء ابن عفيصان عجل بالموافاة و أن لا تضيع هذه الفرصة من أيديهم. و عند وصوله للمحل و مقاربته منهم رأي الجيش متأهبا للكفاح، و لذا نزل في محل يقال له (محنات) و اتخذ المتاريس فيه، و تحصن.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 154

و عند ما شاهد ذلك علي باشا نزل في محل يقال له (ثاج) و هو ماء في ديرة بني خالد و نصب خيامه هناك و طول نهار ذلك اليوم تطارد خيالة الطرفين في ميدان الحرب حتي المغرب فقتل بعض أشخاص معروفين من الوهابيين و من جيش الحكومة قتل أخو حمود و هو خالد الثامر.

و حينئذ رأي قوم ابن سعود الرعب و الهلع و قلت همتهم. و لذا رغبوا في الصلح فأرسلوا رقعة يسترحمون فيها رغبتهم في الصلح.

و هذه صورة كتابهم:

«من سعود العبد العزيز إلي علي،

أما بعد ما عرفنا سبب مجيئكم إلي الإحساء و علي أي منوال جئتم. أما أهل الإحساء فهم أرفاض ملاعين و نحن جعلناهم مسلمين بالسيف. و هي قرية الآن ليس داخلة في حكم الروم بعيدة منكم و لا يحصل منها شي ء بسوي تعبكم. و لو أن جميع الإحساء و ما يليها تؤدي لكم دراهمها ما تعادل مصارفكم التي عملتموها في هذه السفرة و لا كان بيننا و بينكم

من المضاغنة قبل ذلك إلا ثويني فهو كان معتدي و لقي جزاءه. فالآن مؤمولنا المصالحة فهي خير لنا و لكم و الصلح سيد الأحكام.» اه.

و من هذا استدل صاحب الدوحة بضعف مقاومة سعود، و أن الجيش كان راغبا في المقاومة إلا أن العليق (العلف) قد قلّ، و المياه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 155

الموجودة لا تكفي لسد الحاجة. و من جهة أخري أن الأعداء كانوا يعرفون أنواع المياه. و لذا انحازوا إلي المياه العذبة و تركوا الجيش في المياه المالحة و القليلة الموارد. و أيضا قد حفر الجيش نحو خمسمائة بئر و كلها ماؤها أجاج فلا يسيغ المرء بلعه إلا بمشقة.

و أن أخذ الماء منهم يحتاج إلي مقاتلتهم و إزاحتهم عن مواقعهم، و أن تستعمل المدافع ضدهم، و لكن المدافع كانت عاطلة. لأنها دفنت لوازمها في جهة الإحساء لعدم القدرة علي حملها.

يضاف إلي ذلك أن الدوام علي مقاومة هؤلاء و الوقيعة بهم أو منازلتهم يؤدي إلي نفاد الذخائر و الأطعمة. فالجيش ليس لديه إلا قوت يومه و يخشي أن يهلك و يضمحل بنفاد زاده …

و علي كل حال فاختيار أحد الشقين و هو الاستمرار علي المنازلة يؤدي إلي نتائج و خيمة و ليس من المصلحة ارتكاب هذا الخطر. لذا تذاكر علي باشا مع أعيان الجيش فكتب الباشا كتابا هذا نصه:

«من علي باشا إلي سعود العبد العزيز:

أما بعد فقد أتانا كتابك و كلما ذكرت من أمر المصالحة صار معلومنا.

لكن علي شروط نذكرها لك فإن أنت قبلتها و عملت بها فحسن و إلا فإننا ما عاجزون عنك و لا من طوائفك بعون اللّه و قوته. و عندك الخبر الصحيح إذا اشتدت الهيجا، و انشقت العصا فحسبك

الضحاك و السيف المهند حيث لنا مقدار أربعة أشهر في بلادك نجوب الفلا و نستأسر أهل القري ما قدرت تظهر من مكانك غير هذه الدفعة. و بهذه الدفعة أيضا اغتررت بقول ابن عفيصان. فأما الشرط الأول هو أن الإحساء لا تقربها بعد ذلك. و الثاني الأطواب التي أخذت من ثويني أنك ترجعها، و الشرط الثالث تعطينا جميع ما صرفناه علي هذا السفر، و الرابع أن لا تتعرض للحجاج التي تجي ء إليك من العراق و لا تتعرض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 156

لأبناء السبيل و تكف عن غزوك العراق و تكون معنا كالأول فهذه الشروط التي أخبرناك بها و السلام علي من اتبع الهدي.» انتهي.

أما سعود فإنه قبل بالشروط التي تمكن علي إنقاذها و كتب كتابا آخر هذه صورته:

«جاءنا كتابكم و فهمنا معناه. أما عن حال شروط المذكورة فأولا الأحساء هي قرية بعيدة إلي دياركم و خارجة عن حكم الروم و ما تجازي التعب و لا فيها شي ء يوجب الشقاق بيننا فهذا حالها. و أما الأطواب فهي عند والدي بالدرعية إذا صدرت إليه أعرض الحال بين يديه.

و الوزير سليمان باشا أيضا يكتب له فإن صحت المصالحة و ارتفع الشقاق من الطرفين فهي لكم و أنا كفيل بها إلي أن أجيبها إلي البصرة. و أما مصارفكم فإني لم أملك من هذا الأمر شيئا و الشور في يد والدي.

و الذي عندنا فهو يصلكم. و أما ما ذكرتم عن الطريق و عدم التعرض للحجاج المترددين ما لهم عندنا غير الكرامة و التسيار. و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.» اه.

كان اعتذار الموما إليه عن قبول بعض الشروط ظاهرا له مبرر.

و لذا أمضيت المصالحة طبق الشروط الأخري و

قبل بها الطرفان. ثم إن سعود ابن الأمير عبد العزيز رجع قاصدا الإحساء فنزل عليه و رتب حصونه و ثغوره و أقام فيه قرب شهرين و استعمل عليه أميرا سليمان بن محمد بن ماجد. ثم رحل إلي وطنه قافلا راجعا.

و علي هذا نهض الجيش أيضا من محله و بألف صعوبة و أنواع المضايقات من جهة الأرزاق و سائر الاحتياجات جاب الصحاري و القفار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 157

و قطع المهامة و الفيافي حتي وصل إلي البصرة بنفسه الأخير. و حينئذ نزلوا في (باب الرباط) فأخذوا الذخائر و ما يحتاجون إليه و بقوا مدة خمسة عشر يوما للاستراحة ثم نهضوا منها و توجهوا نحو بغداد.

فدخلوها في 4 صفر سنة 1214 ه.

و دامت السفرة تسعة أشهر و خمسة و عشرين يوما.

و يلاحظ هنا أن الجيش أصابته مخاطر جليلة في ذهابه و إيابه و ضاقت عليه الأرض بما رحبت و نالته أنواع الشدائد، فالطريق مجهولة، و الوسائط غير كافية، و التأهبات زائدة … و كان يتوقع اضمحلاله و هلاكه. فإن كل مشكلة أصابته كانت كافية لإفناء الجيش بتمامه …

و مع هذا نجا في آخر نفس و كاد يفارق الحياة. فالسفر من بغداد إلي الأحساء، أو إلي الدرعية صعب المنال و لا يتيسر لكل أحد بسهولة و هذه الوقعة تبين نبذة منه و تعرف بالحالة …

و لذا قيل إن مثل هذه الحرب لا يستطيع وزير أن ينهض بها و يقوم بمهماتها لأنها ليس مما يدخل تحت طاقته و استطاعته. أما سليمان باشا فإنه كان قد اكتسب في خلال تسع سنوات من سنة 1194 ه إلي سنة 1213 ه مبالغ و فيرة. و هذه كلها صرفت علي هذا

السفر و لم تكمل مؤنته و لا سدت احتياجاته …

و ليس لدينا قيود ثابتة و لا وثائق صحيحة تبين مصروفات هذه السفرة بصورة كاملة إلا أنه عرفت بعض الأقلام عن المصروفات و ذلك أن النجادة مثلا كانوا من زوائد الصنوف العسكرية استكريت إبلهم فبلغت شهريتها مائة ألف غرش كما أن قيمة عليق الفرس للجيوش بلغت من حين مجيئه من إربل إلي أن وصل إلي بغداد فالبصرة ليرة عثمانية ذهبا ما أمكن تحقيقه. و ليقس علي ذلك سائر اللوازم و المصروفات الأخري مما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 158

لم يذكر و هو أكثر بكثير ما سبق بيانه …

و في مطالع السعود معارضة للدوحة و نقل منها:

«و ما ذكره المؤرخ التركي- صاحب الدوحة- من أن العسكر أصابه ضرر من قلة العلف و الزاد فلا أصل له بل الذي اشرف علي الهلاك عسكر سعود من قلّة الزاد و ما معه. و لقد و اللّه خدع الكتخدا في تلك المصالحة … و أن حمود بن ثامر أبي المصالحة إلا أن يعطيه الكتخدا كتابا في أن المصالحة عن اختياره. و قد رمي في ذلك محمد بن عبد اللّه بن شاوي. و هو بري ء. لكنه اعتمد علي من سبق ذكره. و لو سأل غيره و تروي لكان قتال العدو هو الأولي لكونه علي غاية من الوهن …» اه ص 155.

و صاحب المطالع متحامل علي آل سعود فلا يؤمل أن يكون محايدا.

الأحساء إلي هذا التاريخ:

مر في المجلد الخامس أن آل حميد من بني خالد استولوا علي الأحساء في سنة 1080 ه و أولهم براك بن غرير و معه محمد بن حسين ابن عثمان و مهنا الجبري، و قتلوا عسكر الباشا الذي في الكوت

و ذلك بعد أن قتلوا راشد بن مغامس رئيس آل شبيب و نهبوا عشائره و طردوهم عن ولاية الأحساء.

و جاء تاريخ ذلك (طغي الماء) قال أحد أدباء أهل القطيف:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 159

رأيت البدو آل حميد لما تولّوا أحدثوا في الخط ظلما

أتي تاريخهم لما تولوا كفانا اللّه شرهم (طغي الما)

و دامت ولايتهم إلي سنة 1208 ه و كان آخرهم زيد بن عريعر ثم استولي عليها براك بن عبد المحسن في تلك السنة نائبا عن الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود فزالت ولاية آل حميد.

و جاء تاريخ زوالهم (و غار). و ذيّل بعض الأدباء علي البيتين المذكورين بقوله:

و تاريخ الزوال أتي طباقا (و غار) إذ انتهي الأجل المسمي

و لهؤلاء وقائع مهمة و لكن حصل انشقاق فيما بينهم أدي إلي أن يميل براك إلي آل سعود و يستولي علي الأحساء بالنيابة عن الأمير ابن سعود ثم ثار الأهلون عليه فاكتسح سعود ابن الأمير عبد العزيز المدينة فصارت خالصة لآل سعود سنة 1212 ه و أن وقائع ثويني، و علي باشا الكتخدا و ما يليها، كانت من جراء براك المذكور و انفصاله مؤخرا عن ابن سعود، و كانت تأمل الدولة الاستيلاء عليها بقوة سليمان باشا الوزير. فخذل.

حوادث سنة 1214 ه- 1799 م

قبائل عنزة:

كانت مواطن عنزة سورية، و هي من عشائرها، و من أمد يأتون للاكتيال، و لما انحدروا هذه المرة نزلوا مقاطعة الطهماسية التابعة للحلة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 160

و تطاولوا علي عشائر العراق، كما أنهم أغاروا علي عشائر الدليم فانتهبوا منهم أموالا كثيرة و أضروا بهم. و كان أمل الحكومة أن توجه إليهم جيشا تؤدبهم به و لكن صادف أن جاء شيخهم (فاضل) إلي بغداد فأكرمه

الوزير و أظهر له اللطف و الاحترام و ألبسه الخلعة. ثم نبهه أن يعيد خلال عشرة أيام المنهوبات من الدليم، و أن يكفوا عن الأعمال المضرة بالأمن، المشوشة للراحة فتعهد الرئيس بذلك و عاد لمحله.

انقضت مدة المهل و لم تظهر نتيجة. لم يطعه قومه في أداء المنهوبات كما أن قبائله استمرت في إضرارها بالقبائل و بقيت عابثة بالأمن لذا سير الوزير الكتخدا علي باشا للتنكيل بها و القضاء علي غوائلها فذهب بجيش جرار و أغار علي مواطنها. و في منتصف الليل وصل جسر الهندية فاستخبرت عنزة. و لما لم يكن لها طريق للفرار سوي المرور من ذلك الجسر التجأت إلي قبائل قشعم، و الأسلم و الرفيع فأخفوهم بينهم بمقتضي الشيمة العربية. و عند طلوع الفجر استقبل شيوخهم و رؤساؤهم العسكر و أسرعوا لملاقاته فتضرعوا في العفو و قدموا أن أموالنا أموالهم و أعراضنا أعراضهم و نحن رعاياكم، فشفعوا فيهم و قالوا ثلاثة آلاف بعير و خمسين حصانا و التمسوا قبول العفو و علي هذا راعي الكتخدا جانب المذكورين فقبل ملتمسهم و أقام هناك نحو عشرة أيام فاستوفي تعهداتهم في خلالها و أرسلها إلي الوزير ثم أعطاهم مجالا للعبور فعبروا.

التوجه إلي الحلة:

ثم إن الكتخدا توجه إلي الحلة فشكا الأهلون من ضابطها (علي چلبي) فعرض الكتخدا الحالة علي الوزير فصدر الأمر بعزله و أقام مكانه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 161

مراد چلبي و دققت حسابات علي چلبي فاستوفيت البقايا المترتبة بذمته.

و علي چلبي من أمراء الحلة أسرة عبد الجليل بك.

قشعم:

ثم إن الكتخدا لم يكتف بما أخذه و ما انتهبه بل أعاد الكرة علي قشعم و أبدي أن شيخها (ناصر الحبيب) تراخي في الخدمة أثناء سفره إلي الاحساء فطلب منهم خمسمائة بعير و ألفي شاة فلم يستطيعوا و التمسوا العفو فعفا عن النصف و أخذ النصف الباقي و توجه إلي بغداد.

فكانت مدة سفره شهرا واحدا و سبعة أيام، و أن هذه العشيرة بعد أن عزل شيخها عبد العزيز مال فريق منها إلي عبد العزيز و آخر بقي مع أخيه شبيب الحبيب أقامت العشيرة في المحل المسمي (صخيري) و شرعت بأعمال غير لائقة، و لذا أمر الوزير كتخداه علي باشا بالذهاب إليها و عبر جسر المسيب فعلموا بذلك فتفرقوا و تشتت شملهم و اقتفي الباشا أثرهم إلي أن وصل إلي قرب شفاثا.

الدليم:

تمرد هؤلاء عن أداء الميري فاقتضي تأديبهم، فحول وجهته نحوهم. و قبل أن يصل إليهم الباشا علموا بالأمر و فروا فذهب معقبا طريق هزيمتهم إلي أن وصل إلي جبة، و هناك عثر علي أغنامهم و مواشيهم و تبلغ نحو عشرين ألفا فانتهبها و عاد بغنيمة باردة إلي الفلوجة.

و حينئذ أعطاهم الرأي و الأمان و عاد إلي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 162

الوهابية:

و في هذه الأثناء وردت (حدرة) من الوهابية (سايلة)، فصادفها الخزاعل فقتلوا منها نحو ثلاثمائة رجل. جاء الخزاعل إلي النجف للزيارة فحدثت هذه الوقعة علي خلاف الشروط المعطاة إلي سعود ابن الأمير عبد العزيز السعود، و لذا لم ترق هذه الحادثة للوزير و تأسف كثيرا لوقوعها، و كانت السبب في الوقائع الأخيرة.

حوادث سنة 1215 ه- 1800 م

قبيلة الخزاعل:

كان آل السلمان من الخزاعل ارتكبوا تلك الوقعة و أعمال نهب أخري فاقتضي تأديبهم إذ لم يفد معهم اغماض العين. و علي هذا أمر الوزير كتخداه أن يغزوهم فتحرك من بغداد في 21 جمادي الثانية. و لما وصل إلي گرمة (قرمة) ليوه اجتمع الخزاعل في قلعة السلمان معتمدين علي رصانتها و تحصنوا بها.

أما القرمة المزبورة فلم يتيسر عبورها إلا بواسطة جسر و كذا صادف الجيش قرمات أخري فاجتازوها و لم يبالوا بالمصاعب و أعملوا السدود فاتخذوا كل الوسائل اللازمة للوصول فتقرب الجيش نحو القلعة و كانوا مستعدين للمقاومة إلا أنهم حينما رأوا الجيش استولي عليهم الخوف فلم يأمنوا البقاء في القلعة فتركوها و ألقوا بأنفسهم إلي قرمة (الفريات) الواقعة بين ثلاثة شطوط بالقرب من محل يقال له (لملوم).

اتخذوا هناك متاريس انضووا إليها لمناعتها.

أما الباشا فإنه اجتاز قرمات و مجاري مياه عديدة باتخاذ السدود

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 163

و الجسور لقطعها و عبورها حتي وصل إلي المحل الذي وصلوا إليه فأحاط به، و استخدم المشاة كما أنه أنزل الخيالة من ظهور خيولهم و جعلهم مشاة أيضا و استخدمهم لعين الغرض، فهاجموهم من جميع جهاتهم و اقتحموا كل الموانع، و حينما تقارب الجمعان اشتد القتال و دام إلي المغرب ثم إلي نصف الليل بلا فاصلة و لا استراحة و ضيق الجيش عليهم تضييقا

مرا، فلم يبق لهم صبر، و حينئذ حرقوا بيوتهم بأيديهم، و في ليلتهم اتخذوا ظلام الليل ستارا لهم و هربوا متفرقين شذر مذر، فالتجأوا إلي الهور الذي لا يدرك غوره و لا يمكن الوصول إلي ساحله.

و في اليوم التالي ضبط الكتخدا ديارهم المسماة (لملوم) فاغتنم الجيش و من معه من العشائر نحو عشرة آلاف تغار من الشلب و أموالا أخري لا تكاد تحصي، و الشلب الذي أرسل إلي الوزير بلغ ألفين و خمسمائة تغار شحن في سفن و أرسل إلي بغداد. و لم يكتف الباشا بذلك و إنما اتخذ قطع المياه عن الهور الذي التجأوا إليه فباشر في قطع القرمة الكبيرة المسماة (قرمة عباة). و هناك أقام مدة شهر للاستراحة و بذل المجهود في أمر السدّ و اهتم به كثيرا فكان سدها خارج الطاقة و مع هذا زاول الأمر و اشتغل به.

و في هذه الأثناء حذروا من قطعها فركنوا إلي الكتخدا و طلبوا العفو منه و تعهدوا بأداء الرسوم حسب المطلوب في كل سنة. و بعد استيفاء الميري تركهم في ديارهم و توجه من ذلك المكان. و قام ببعض الأعمال الأخري فأظهر سطوته. عاد إلي بغداد فدخلها في 17 شوال.

و دامت سفرته ثلاثة أشهر و 27 يوما.

توجيه إيالة الرها إلي تيمور الملي:

ثار تيمور باشا الملي علي الحكومة ثم ذهب الوزير إليه و نكل بأتباعه، ثم التجأ إليه فاستحصل له العفو من السلطان كما تقدم ذلك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 164

كله، أما الوزير فإنه راقب أحواله طول إقامته في بغداد فرضي عنه، و كان يميل إلي أن يكون واليا علي الرقة، لذا كان يصرح بذلك تارة و يلمح أخري و يلتمس. و أن الدولة من القديم لم ترد

ملتمسا لوزراء بغداد، فالوزير طلب أن تسمح لتيمور باشا بإيالة الرقة برتبة وزارة فوافقت علي ذلك.

و حينئذ احتفل الوزير له بأبهة في باب الإمام الأعظم. و لما أن حصل علي الوزارة بالغ في احترامه وزاره في محله مرتين توقيرا له فأرسله إلي منصبه مكرما مبجلا.

حوادث سنة 1216 ه- 1801 م

العلاقة بالوهابية:

مر في حوادث سنة 1214 ه واقعة الخزاعل فلما سمع الأمير عبد العزيز السعود بما جري طلب من الحكومة العراقية دية المقتولين و إلا نقض عهده أما الوزير فأراد أن يجدد الصلح بينه و بين الأمير سعود فأرسل عبد العزيز بك الشاوي بمناسبة الذهاب إلي الحج ليصل إليه و يفاوضه في ديات من قتلهم الخزاعل و سكان النجف. فورد و تفاوض معه و ألح عليه كثيرا فلم يفد معه القول. و إنما أراد أن يكون له غربي الفرات من عانة إلي البصرة و إلا نقض العهد. و تبين ذلك من كتابه الوارد إلي بغداد بواسطة الساعي.

قال صاحب مطالع السعود: «فانقلب ابن شاوي بغير ما أمله، و لأجله الوزير أرسله إلا أنه لما شرب من مائهم و جلس بين دعاتهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 165

و علمائهم مازجه من بدعتهم شبهة و نزعة جذب إليها شبهة من علماء و عوام، و هلك بها خاص و عام، و خاض في بحرها من لا يؤبه له و عام» اه.. و في عبارته هذه تحامل.

و كذا علمت الحكومة أن الأمير سعودا توجه إلي أنحاء العراق بقصد غزوها، فاتخذ الوزير الحيطة و أرسل كتخداه علي باشا بعسكر عظيم لجهة الهندية في 3 صفر فأقام هناك مدة ثم ذهب إلي نهر الشاه فأخبر أن ركبا عظيما جاء إلي جهة شفاثا. فسارع الباشا للأمر و أرسل

محمد بك الشاوي و فارس الجرباء و العبيد و البيات و الأربليين فبلغوا نحو ألفي محارب فذهبوا إلي ذلك المحل. و لما وصلوا قرب شفاثا علموا أن الركب يبعد عنهم نحو أربع ساعات فأغاروا عليه من مكانهم بسرعة.

و عند ما وصلوهم وجدوهم نحو ألف بندقي و رأوهم اتخذوا إبلهم متاريس لهم و تناوخوا مع الجيش إلي وقت الظهر فلم يبدأوا بحرب و لكن الجيش العراقي أثر فيه العطش كثيرا فلم يجد فائدة من هذه (المناوخة) و رجعوا إلي شفاثا و رجع أولئك أيضا إلي مواطنهم. و لم يتعرض الواحد للآخر.

ثم إنه بعد عودة العسكر إلي جانب الكتخدا وجدوا عبد العزيز بك عاد من الحج و بين أن الأمير عبد العزيز لم تكن له رغبة في الصلح بل له نوايا سيئة. أفاد ذلك مفصلا ثم جاء إلي الباشا و بقي عنده بضعة أيام.

أما الباشا فقد جعل رئيس الكتيبة علي جميع الخيالة و علي مقدار من الموصليين و خيالة عقيل لمحافظة الديار و ترصد الأخبار و عينه في الهندية ثم عاد بباقي الجيش و دخل بغداد في 5 جمادي الأولي. و كانت هذه السفرة ثلاثة أشهر و يومين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 166

جليحة و عفك:

إن عشائر جليحة و عفك تمردت و لم تعط الرسوم الأميرية فأراد الوزير تأديبها فسير كتخداه بقوة كافية. خرج من بغداد في 25 جمادي الثانية و ذهب من طريق الجزيرة. و لما وصل نهر اليوسفية جاءه شيوخهم و متميزوهم فألبسهم الخلع و قطع الميري علي الطائفتين بمبلغ مائة و خمسين ألف قرش و أمر الرؤساء باستحصال المبالغ. و علي هذا أذن لهم الكتخدا بالعودة و لكنه بقي في أطراف اليوسفية مدة فلم

يرد إليه خبر و لا ظهرت علائم عن مجيئهم فعزم أن يهاجم عفكا و صار يضيق عليهم من أجل الميري فتيقن أن الحصول عليه غير ممكن، و أن أراضيهم من كثرة المياه و الأطيان و القرمات صعبة المرور. لذا ترك هؤلاء و توجه نحو جليحة.

و هذه واقعة في جانب آخر من القرمات و الأنهار و فيها من الموانع ما يصعب الوصول إليه و أنهم معتزون في أكبر الأهوار و أعمقها.

تحصنوا بأماكن خاصة و اتخذوا لهم (سيبايات) منيعة تمكنوا فيها، فلم يلتفت الكتخدا لكل هذه المصاعب فسد بعض الأنهار و اتخذ جسورا علي القسم الآخر فاجتاز كل هذه الموانع و عبرها.

و لما قرب من مكانهم صال عليهم بمن معه من كل صوب و ضيق عليهم، أما هم فتأهبوا للقتال و اشتعلت نيران الحرب و طال أمدها، و العساكر لم تبق لهم تحملا للتنقل من مكان إلي آخر و لا وجدوا صبرا علي المطاردات المتوالية و الهجومات العديدة. و لذا أرسلوا ساداتهم للدخالة و طلبوا الأمان و تعهدوا بأداء الميري و عرضوا الطاعة.

و في خلال بضعة أيام تمكنوا من جمع نصف الميري المطلوب منهم، و أعطوا رهائن عن القسم الآخر فعفا عنهم الكتخدا و عاد الجيش. و لما وصل إلي منزل (حورية) أرسل رهائن جليحة إلي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 167

و من هناك توجه الكتخدا إلي جهة (شط الحي) فأغار علي السعيد من قبائل زبيد فانتهبها. ثم قفل راجعا من طريق العمارة و الكوت إلي بغداد فدخلها في 10 شهر رمضان. و مدة سفره شهران و ستة عشر يوما.

بابان:

كان عبد الرحمن باشا مشمولا بألطاف الوزير و لكنه انحرف فظهرت منه بعض الأطوار التي

لم ترق كما تبين من حاله و قاله و من القرائن.

و أيضا تحرك أخوه سليم بك بما يخالف الاستقامة المطلوبة فاغتاظ الوزير عليهما لذلك ألقي الوزير القبض علي الباشا الموما إليه و حبسه و عزل أخاه من لواء كوي و حرير و وجهت إيالة بابان إلي محمد بك ابن محمود باشا آل تيمور برتبة (باشا) و خلع عليه و سير لمحل وظيفته.

و كذا جلب سليم بك و عهد بإيالته إلي إبراهيم باشا و نفي سليم بك مع عبد الرحمن باشا إلي الحلة و حبسا فيها.

الطاعون في بغداد:

في ذي القعدة ظهرت آثار الطاعون في بغداد، فعزم الوزير أن يقضي الربيع في أنحاء الخالص فذهب بأهله و أتباعه و حشمه فنصب خيامه في ميدان السلق. و كان من أمد بعيد معتلا (بوجع المفاصل).

و في هذه الأيام اشتد مرضه أكثر و اختلت راحته لكنه مع كل هذا ذهب إلي جهة الخالص فكان مشغولا بنفسه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 168

غارة الوهابية علي كربلاء:

و في هذه الأثناء ورد الخبر من شيخ المنتفق حمود الثامر أن سعود ابن الأمير عبد العزيز توجه إلي هذه الأنحاء بجموع كثيرة العدد و العديد. و لذا وجه الوزير كتخداه علي باشا إلي جهة الهندية و نزل في منزل الدورة مع جمع قليل. و كان في انتظار بعض القبائل لتوافيه. و بينما هم في هذه الحالة إذ فاجأ سعود كربلاء و تمكن من الدخول في المدينة فاغتنم الفرصة دون حيطة من أهل البلدة. فغنم منها أموالا كثيرة و انتهب أمتعة لا تحصي.

و في عنوان المجد لابن بشر الحنبلي:

«إن سعودا سار- في سنة 1216 ه- بالجيوش … من حاضر نجد و باديها و الجنوب و الحجاز و تهامة و غير ذلك و قصد أرض كربلاء و نازل أهل بلد الحسين في ذي القعدة فحشد عليها قومه، تسوروا جدرانها و دخلوها عنوة و قتلوا غالب أهلها في الأسواق و البيوت و هدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها علي قبر الحسين. و أخذوا ما في القبة و ما حولها و أخذوا النصيبة التي وضعوها علي القبر و كانت مرصوفة بالزمرد و الياقوت و أخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال و السلاح و اللباس و الفرش و الذهب و الفضة و المصاحف الثمينة و غير ذلك مما يعجز عنه الحصر، و لم يلبثوا فيها إلا ضحوة و خرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال و قتل من أهلها نحو ألفي رجل.

ثم إن سعودا ارتحل منها علي الماء المعروف بالأبيض فجمع الغنائم و عزل أخماسها و قسم باقيها بين جيشه غنيمة للراجل سهم و للفارس سهمان. ثم ارتحل قافلا إلي وطنه» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 169

و في

مطالع السعود: «صبّح أرض كربلاء تسوّر سور البلدة التي فيها مدفن الحسين (رض) … فقتل عددا جمّا، و جمع من المال جمعا لمّا، و أجري دم القتلي في الزقاق … ثم ثني عنان العود إلي نجد» اه …

و لما وصل خبر ذلك إلي علي باشا توجه نحوهم بقصد الانتقام و لكنهم بعد أن حصلوا علي الغنائم تركوا البلد و ذهبوا إلي الأخيضر.

و أن الباشا لبعض المقصد توقف في الحلة بضعة أيام. و عندئذ وصل سليم بك (صهر الوزير) متسلم البصرة المعزول بصحبة (عثمان طوبال أسير) فورد المنزل المذكور و تحرك من هناك فنزل الهندية و صار يراقب جميع الأنحاء.

و لما عرض محمد بك هذا الخبر علي الوزير تأثر، و أن الطاعون تحقق أثره و صار يتوفي كل يوم من 60 إلي 70 من المصابين و عرض القضية علي الدولة كما وقعت و أخبر الشاه بما جري. أما هو فبعد أن رتب الأمور ذهب إلي الخالص و نصب خيامه في أطراف الجديدة (ينگيچة). و أمر إبراهيم باشا متصرف بابان أن يذهب إلي علي باشا ليكون بصحبته. و مكث مدة في الخالص للاستراحة و كان الوزير يخشي من الوهابيين أن ينصرفوا إلي النجف فيقعوا فيه ما أوقعوا في كربلاء.

و لذا راعي الحيطة في نقل الخزانة التي في النجف إلي الإمام موسي الكاظم (رض) و عهد بأمر ذلك إلي الحاج محمد سعيد بك الدفتري.

فقام بما يجب و عاد إلي بغداد.

و لبث علي باشا في الهندية شهرين و نصف شهر. و بناء علي أمر الوزير أبقي بيارق الخيالة في ذي الكفل (ع) و العقيليين في كربلاء و أبقي في النجف عسكر الموصل مع مقدار من العقيليين و بني لكربلاء

سورا منيعا و اتخذ للحلة خندقا صعب الاجتياز. أمر بحفره و لزوم إنجازه و قفل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 170

راجعا بمن بقي معه من الجيش إلي بغداد.

حوادث سنة 1217 ه- 1802 م

وفاة الوزير سليمان باشا:

اشارة

كان الوزير مصابا بوجع المفاصل فلازمه نحو خمسين يوما فاشتد و انحطت قوته. و لما قارب درجة الاحتضار دعا إليه صهره الأكبر علي باشا الكتخدا و خازنه (داود آغا) و أصهاره الآخرين سليم آغا و كتخدا البوابين نصيف آغا فجعل علي باشا خلفا له و نصحه ببعض النصائح و نبه الباقين بلزوم الانقياد له، و أن يعاضد الواحد الآخر.

و في 8 ربيع الآخر توفي و كان بقربه داود آغا، و سليم بك، و نصيف آغا. أما علي باشا فإنه خشي من تشوش الحالة فاتخذ ما يجب من الحيطة و توقع الطواري ء فلم ير من المناسب أن يترك منصب الحكومة.

أما هؤلاء الثلاثة فإنهم حدث بينهم اختلاف في دفنه فمنهم من رأي أن يدفن في مدرسته، و منهم من أبدي لزوم دفنه في جوار الإمام الأعظم و أخيرا دعوا علي باشا فقر الرأي أن يدفن في مقبرة الإمام الأعظم. فدفن فيها.

مناقبه:

أطري صاحب الدوحة أخلاقه و مزاياه و شاد بفضله إلي أن قال:

«عامر الديار و الأقطار، و قامع الأشرار و الفجار، و ماحي الظلم و الفساد، و حامي البلاد و العباد، منبع الخير و الحسنات، و معدن البر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 171

و الصدقات، العدل البر بالرعايا و الرؤوف بهم، الشجيع المهيب، ذو الهمة و الرأي السديد، الحكم الخبير، خلاصة كرائم الأخلاق و السجايا، جامع محاسن الأوصاف و المزايا … (إلي أن قال):

إن حادثة وفاته ولدت ضجة أسي و حزن في كافة أنحاء العراق فكانت الفاجعة العظمي، و المصاب الجلل … فبكاه الكل و أسفوا لفقده …» اه.

و هو من عتقاء محمد بك الدفتري الربيعي. و أولاده الذكور:

سعيد بك و صالح بك و صادق بك.

و بناته إحداهن زوجة علي باشا الكتخدا و الأخري زوجة سليم بك تزوجت في حياة الوزير و الاثنتان الباقيتان عقد عليهما في حياته إحداهما علي داود آغا الخازن و الأخري علي نصيف آغا كتخدا البوابين. و بعد وفاته تزوجا بهما.

و هذا الوزير من حين ولي بغداد مكن السلطة و حصرها بالمماليك و أزال التغلب. و لم يدع مجالا لتحكم إيران في العراق. و كان لأدني سبب أو لمجرد تمكين السلطة للمماليك يسفك الدماء.

كان يؤدي للدولة ألف كيس من النقود سنويا عدا الهدايا. و مع هذا كانت خزانة العراق مترعة من الذهب و الفضة و أنواع الأمتعة و التحف و النوادر. و في هذا العهد استولي علي الدولة الضعف و الفتور في أعمالها، و صار التغلب بالغا حده. سيطر الينگچرية علي المملكة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 172

و تحكموا. و لم يكن يؤمل أن تنال بغداد راحة مع بعدها عن العاصمة.

و عاد هذا الوزير مجددا للحكومة في العراق.

و زاد صاحب المرآة أن الوزير في السنين الست الأخيرة من أيامه أخلد للراحة و ركن إلي العمارة و سلك طريق الاعتدال. و جمع خزائن عظيمة، و حصلت الطمأنينة الكاملة في جميع الجهات و عاش الأهلون برفاه و رغد عيش فبلغت الدرجة المطلوبة.

و مما قام به:

1- عمّر سور بغداد الذي تضعضع بمرور الأيام و تهدم أكثره فرمم البعض و عمّر الباقي فأكمله جميعه.

2- اتخذ لجانب الكرخ سورا و خندقا.

3- بني دار الحكومة (السراي) من جديد.

4- بني المدرسة (السليمانية) و اتخذ لها خزانة كتب.

5- عمّر جامع القبلانية. و جامع محمد الفضل و اتخذ في كل منهما مدرسة.

6- عمّر جامع الخلفاء.

7- طلي رأس منارة الإمام الأعظم بالذهب.

8- اتخذ قصرا فخما باتصال بستان

إيواز (العيوازية). و تسمي العيواضية أيضا.

9- بني قناطر (دلي عباس) و (چمن) و (نارين) في سنة 1212 ه و 1214 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 173

10- بني قلعة في كوت العمارة و مخازن للغلال في أنحاء بدرة و جسّان.

11- بني سورا لمندلي.

12- عمّر سور البصرة.

13- عمّر سور الحلّة.

14- أحدث سورا لماردين و بني فيها أبنية عامرة محكمة.

15- بني قلعة قرب الموصل العتيقة (أسكي موصل) لتكون ملجأ للمارين و العابرين.

16- عمّر في الصحراء من جهة ماردين في دمير قپو في المحل المسمي (چلاغة) عمارات مهمة و نافعة.

إن المؤرخين قصوا ذلك إلا أن المهم معرفة الخطة التي سلكها لإدارة هذا القطر و هذه كانت قاهرة قاسية، فقضي علي العناصر المناوئة له من المتغلبة، و محا السلطة العشائرية العربية و الكردية، و قوّي سلطة المماليك، و جعل الإدارة خالصة لهم. و كان من أهم ما ركن إليه نهب العشائر و الإمارات و سلبها … و أعماله الخيرية كانت من أموال السلب لإرضاء الأهلين. و العراق لم ير سلطة قاهرة مثل هذه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 175

علي باشا الكتخدا

قائممقاميته:

لما توفي سليمان باشا أجمعت الآراء علي اختيار الكتخدا علي باشا (قائممقاما). اختاره أمراء الجيش و الأعيان و آغا الينگچرية أحمد آغا و سائر متميزي الصنوف العسكرية. و كتبوا محضرا بذلك أرسلوه إلي استنبول ترشيحا له و طلبوا أن يعهد إليه بالوزارة … و قام هو أيضا بشؤون المملكة داخلا و خارجا، و صار يرقب الأمور و يراعي الحالة.

و بذل كل ما استطاع.

شغب و تنافس:

و بينما هو يتوقع ورود الفرمان بوزارته صباح مساء إذ سولت لآغا الينگچرية أحمد آغا نفسه أن يشوش الحالة توصلا لما كان يضمره، و علم أيضا من بعض القرائن أن سليم بك تتوق نفسه أن يكون صاحب الأمر. فاستطلع رأيه سرّا فوجد منه موافقة.

و لا يخلو الأمر من ركون آخرين إليهما. فالينگچرية توسلوا بفنون الحيل لإعداد ما يجب لإشعال نار الفتنة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 176

و أول ما قاموا به أن حذر أحمد آغا القائممقام من النتائج الوخيمة فيما لو أهمل التدبير. فأذن له أن يتولي ذلك و كان أمينا منه، بل رأي ذلك حسن تدبير منه. و لذا جمّع هذا جمعا كبيرا من أعوانه و رجاله من الصنوف العسكرية الذين اعتمد عليهم و شحن بهم القلعة و أحكم ضبطها و غلق أبواب السور و قطع الجسر و شاغب بجماعته في الميدان فأفشي مكنون سره و أوعز إلي جماعة أن يقوموا بما يلزم لتوليد الاضطراب فقاموا و ضجوا في البلد.

و تحقيقا لإيقاد نار الفتنة ضرب السراي بالقنابل فكان دويّ المدافع أحدث ولولة في الناس أكثر فاحتشدت الجموع في الطرق و الأزقة و الشوارع و صارت الحالة منذرة بالخطر، فلا تسمع سوي نداء الناس (النفير! النفير!، و البدار! البدار).

و لما اطلّع

الباشا علي حقيقة الوقعة و أن القائم بها أحمد آغا أرسل إليه من هو بمثابة وكيل الكتخدا أعني خالد آغا فتكلم معه و سأله عن سبب قيامه بعد العهد فحاول إرجاعه عن رأيه فكان ذلك عبثا.

و حينئذ اتخذ الباشا المتاريس للمقاومة و الدفاع إذ لم ير أملا في المفاوضة و انقطع حبل رجائه. و في كل هذا لم تظهر نوايا سليم بك.

و لهذا اتخذ متاريس قرب مرقد (گنج عثمان) و قرب جامع الوزير و قرب مرقد الشيخ أبي النجيب السهروردي بواسطة أخيه أحمد آغا. و كلها حول دار الحكومة و بقرب منها، و زاولوا مقتضيات الحصار و حصلت المناوشات من الجانبين، فلا تسمع غير أصوات الطلقات و دويّ المدافع. دام القتال بشدة و هول من الصبح إلي وقت العصر، فاضطرب الأهلون كثيرا و جري سلب و نهب و كسر دكاكين و غارة علي بيوت.

كثر القتل و سفك الدماء و زاد البغي، و حينئذ رأي الباشا أنه المقصود بالذات، و أن الخطر سيتفاقم علي الأهلين أكثر و أن الفتنة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 177

سوف لا ينقضي أمدها بدوام الحالة و أن كانت الهجومات المتوالية علي المتاريس تصد ببسالة و شجاعة. و الصحيح أنه شعر بالضعف فلم يشأ أن يستمر فكف يده و تنحي عن الأمر و قال: إذا كنت أنا المقصود فإني انفض يدي و لا لزوم للنضال، و أرسل خبرا بذلك إلي آغا الينگچرية ليأمن علي حياته. و علي هذا بعث الآغا من جانبه حسين آغا الكوسة و من علي شاكلته من الثوار فأقسموا له و أمنوه فاعتمد علي ذلك و أقام في منزله منسحبا عن الإدارة.

ثم إن الثوار اختاروا سليم بك صهر

الوزير السابق بدلا من سعيد بك ابن سليمان باشا و قرّ الرأي علي هذا فأجلس علي منصة الإدارة بصفة (قائممقام). و حينئذ أمر هذا بإطلاق سراح عبد الرحمن باشا متصرف بابان السابق و أخيه سليم بك من الحلة و جلبهما إلي بغداد و أشركهما في أموره فصارا عونا له.

أما الآغا المرقوم فقد كانت له آمال خفية و لم يكن رأيه في حقيقة الأمر مصروفا إلي سليم بك الصهر و أن ينال المنصب فحسب و إنما كان عمله هذا تأمينا لغرض آخر يدور في ذهنه، و ذلك أنه حين ورود عبد الرحمن باشا مع أخيه سليم بك إلي بغداد لم يكتف أن يقيم علي باشا في داره بل تسهيلا لنواياه بيّن أن علي باشا ما دام في داره لا يستريح الخلق و لا ينالون أمنا، و أبدي أن الأولي أن يخرج و يسكن في دار عبد اللّه باشا و أرسل إليه نصيف آغا و ألح في الطلب. و نادي المنادون أيضا أن لا يبقي عثمانيون في دار الحكومة و من خالف فسوف يعرض نفسه للخطر و العقوبة الصارمة.

أما علي باشا فإنه بقي في داره إلي ما بعد المغرب ثم خرج و عبر في زورق إلي جانب الكرخ و حينئذ علم الناس طوية الآغا و ما يكتمه في مكنون سره فحصل هيجان و ثار الناس مع سائر الصنوف العسكرية إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 178

جانب الرصافة إلا أن الجسر قطع و مع هذا عبروا بالسفن و القفف ليلا و هاجموا الميدان.

أما أعوان علي باشا من العثمانيين فإنهم اختفوا في منازلهم فلما رأوا الحالة أبدوا ميولهم نحو علي باشا و رجعوا إليه. و في تلك الليلة

بادروا إلي الميدان فضبطوا السراي و الميدان. و حينئذ تشتت المجتمعون في القلعة حتي أنه لم يبق فيها سوي عبد الرحمن باشا و أخيه سليم بك مع بعض أعوانهم فحاصروا فيها و ثبتوا إلي الصباح. و في الفجر رموا بأنفسهم من باب الحديد إلي الخارج و ذهب عبد الرحمن باشا و أخوه سليم إلي الأعظمية و اختفيا و أما سليم الصهر فإنه توجه إلي الموصل و آغا الينگچرية فرّ إلي محل مجهول.

و بهذه الصورة استولي أتباع علي باشا علي القلعة الداخلية.

و عندئذ أحضر علي باشا راكبا زورقا و جاء ضحي إلي منصبه، و عين آغا للينگچرية سعد آغا الذي هو رئيس عسس و أحيل إليه أمر إلقاء القبض علي من ركن إلي الآغا الفار، و أن يتحري عنه، و أمر بعض رجاله أن يلقي القبض علي عبد الرحمن باشا و أخيه فجي ء بهما من الأعظمية.

و كان علي باشا أمر بقتل عبد الرحمن باشا و إبقاء سليم بك و لكن أبدي كل من خالد بك وكيل الكتخدا و محمد بك الشاوي المحاذير من قتله، و أن بقاءه نافع أكثر. و لذا عفا عنه و أعطي لسليم بك مقاطعة تكريت و أرسل إليها. و علي الأثر أعيد و نفي إلي البصرة و عقب ذلك أوعز أن يقتل فقتل.

و قبض علي أحمد آغا رئيس الينگچرية سابقا و علي كل من حسين آغا الكوسة و باش أسكي إبراهيم و صالح آغا ابن القيومچي و چاوش أوسطة و أعوان القصبه جي و غيرهم. فأحضروا بذل و هوان و نالوا جزاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 179

أعمالهم أي قتلوا. و بعد ذلك نادي المنادون بالعفو عن عامة الأهلين إزالة لآثار

النفرة و الوحشة و أن تسكن الحالة و تهدأ.

وزارة علي باشا

توجيه إيالة بغداد و البصرة و شهرزور:

إن الدولة لم تشأ أن توجه هذا المنصب إلي أحد المماليك إلا قسرا و نظرا لظروف خاصة، و لكنها في كل أحوالها لم تجد مجالا للتسلط علي الإدارة رأسا، و أن أحوال علي باشا لم ترض لا سيما و قد ألحق ماردين بالعراق مع أنها داخلة في ديار بكر، و تمكن أن يجعل ولاة الموصل تابعين له، و أكسب ولاة بغداد شكلا ثابتا، فكانت متذمرة من سيرته مذ كان كتخدا بغداد.

و في عزمها أن تحول إدارة العراق إلي الشكل المرغوب فيه و لكن الحوادث لم تمهلها، و أن روسية كانت عازمة علي الاستيلاء علي ممالكها فكانت تظهر تعندا بين آونة و أخري لقهرها و لا تزال إلي أيام قائممقامية علي باشا تظهر الخصام و تفتح أبواب الجدال استفادة من سنوح الفرصة كما إن حكومة النمسة لم تخل في وقت من اكتساح قسم من الممالك العثمانية بالاتفاق مع روسية. و مما زاد الطين بلة ظهور نابليون بونابارت و قيامه بما قام به بحيث بدل خارطة أوروبا و حول في النظامات الملكية و العسكرية في الدولة.

هذه الأحوال دعت إلي أن يطرأ في الدولة خلل فصرفت نواياها عن تطبيق فكرتها في العراق. و علي هذا و لما توفي سليمان باشا قدم الأهلون المحضر للدولة في طلب التوجيه إلي الكتخدا السابق علي باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 180

فعزم. رجال الدولة أن يوجهوا الإيالة إلي علي باشا حذرا من وقوع ما لا تحمد عقباه، إذ إن العراق مجاور للحدود الإيرانية، و أنه موطن العشائر، ففي حدوث تبدل كهذا يتخذ أرباب الشغب الوسيلة. و إثر ذلك ورد خبر الاضطراب في

بغداد بالوجه المبسوط فاضطرت الدولة إلي تأخير إصدار المنشور حتي تتوضح النتائج بأن تعلم ما يصل إليه النزاع و حاذرت من التسرع فاكتفت بتوجيه (القائممقامية) إلي علي باشا فحسب.

و لما ورد الأمر كانت تحسنت الأوضاع و عاد النظام و قويت يد علي باشا و بعد ذلك ورد أمر بالتحري عن مخلفات سليمان باشا. و بهذه الوسيلة تراخت الدولة في قضية التوجيه مدة ثلاثة أشهر أو أربعة بصورة لا تحس.

و في هذه الحالة تابع علي باشا أوامر الدولة و أرضي أمناءها في تنفيذ أوامر السلطان و أتباع المرسوم، و من ثم أسند إليه منصب الوزارة و جاءه المنشور فحصل علي مرامه في 17 شهر رمضان هذه السنة و قري ء الفرمان باحتفال، و حينئذ تمكن علي سرير الوزارة و شرع في إدارة شؤونها.

سفر الوزير إلي بلباس:

إن عشائر بلباس من الأكراد المقيمين في شنو و لاهجان زادت شرورها و تمادي عتوها خصوصا أن قسما منها سلب راحة تلك الجهات من حدود إيران في أطراف صاوق بولاق و مراغة و أورمية، فقطعوا السبل و أوقعوا خسارات و أضرارا كبيرة.

و لذا كان الشاه يكاتب الحكومة متواليا يتضجر من سوء عملها.

و لو بقيت هذه الحالة لأدت إلي انهدام صرح الصداقة بين إيران و العراق، كما أن العشائر المذكورة في موسم الربيع تنزل ناحية كوي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 181

حوالي إربل فيصيب السكان و أبناء السبيل منها أضرار جمة فاقتضي تأديبهم من جانب الوزير بل استئصال غائلتهم فجهز عليهم جيشا عظيما و نهض من بغداد في 8 شوال و توجه إليهم. و في اليوم السادس من حركته وصل إلي قنطرة الذهب كما أنه أوعز إلي إبراهيم باشا أن ينكل بمن في جهته

منهم. و لما سمعوا بالخبر بادروا إلي إنقاذ أنفسهم من الهلاك ففروا بأهليهم و لجأوا إلي الجبال فاستولت الحكومة علي أموالهم و مواشيهم و لا يكاد يحصيها عد. و أوقع إبراهيم باشا بمن في ناحيته و علم الوزير أنه مضي إليهم من ناحية السليمانية فاستأصلهم نهبا و قتلا و غنم منهم غنائم كثيرة جدا فساق أغنامهم و مواشيهم و جاء بجيوشه إلي الفيلق. فحصل علي إكرام الوزير له.

و في هذه المرة غنم منهم أكثر من ستين ألف شاة و ما يتجاوز ألفي رأس من البقر و الفا من البغال فبيعت إلي الأهلين في كركوك و إربل و قنطرة الذهب. و بقي الجيش مدة شهر، ثم عزم علي الذهاب إلي بغداد، و هذا ديدن الوزراء حينما يتولون الإيالة بالهجوم علي بعض العشائر فأحيا تلك البدعة.

حرب اليزيدية:

كان العزم مصروفا إلي العودة إلي بغداد و لكن الوزير علم أن اليزيدية في جبل سنجار طغوا و تزايد ضررهم، فرأي أن يزحف عليهم فتحرك من إربل إلي سنجار، و نكل بهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 182

حوادث سنة 1218 ه- 1803 م

العمادية و الجيش:

إن حاكم العمادية مراد خان طلب الوزير منه أن يأتي بنفسه أو يرسل جيشا كبيرا فاعتذر عن الحضور و أرسل نحو ثلاثمائة بندقي لا غير و تهاون في إرسال قوة كبيرة. لذا عزله الوزير و نصب (قباد باشا). بعد أن أتم حرب اليزيدية. ثم إن الوزير حطّ ركابه قرب تلعفر.

قتلة محمد بك الشاوي و أخيه:

في أوائل المحرم بعد أن رحل الوزير من سنجار غضب علي محمد بك و عبد العزيز بك آل الشاوي فأمر بخنقهما فخنقا. قالوا: إن آغا بغداد (أحمد آغا المقتول) كان قد ارتكب مفاسد كثيرة، و ظهر للوزير أن آل الشاوي سعوا له في الخفاء و اشتركوا معه، و أنهم من أول الأمر كانوا يحركون أهل الفساد علي القيام و الشقاق، فانهمكوا في الأمر. كل هذا تبين له عيانا.

و كذا في هذه السفرة من حين حركتهم إلي اليوم قد قصروا في واجبات الخدمة و مراسيمها و ارتكبوا أحوالا رديئة لا تحصي فألقي القبض عليهما في المنزل المذكور و أمر بقتلهما لساعتهما. و كان معهما ابنهم الصغير و الحاج أحمد بك ابن الحاج سليمان بك الشاوي فإنهما حبسا و استصحبا مقيدين، و عاد الوزير إلي بغداد في 22 صفر. و كانت مدة سفره أربعة أشهر و اثني عشر يوما» اه.

هذا ما أبدوه في تبرير فعلة الوزير.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 183

ترجمة الأخوين:

قال عثمان بن سند: «كانا كندماني جذيمة فتفرقا، و أصبح كل منهما وحيدا في لحده مع أن كلّا منهما نسيج وحده، و لكن الحمام مورود، و الأجل محتوم معدود، و البقاء في الدنيا مستحيل، و العبد فيها علي جناح رحيل …

أما محمد بك فكان في أيامه من ملوك العرب، و أهل النجابة و البراعة منهم و الأدب، و من الدهاء و إصابة الرأي في المكان الذي لا يجهل، و من الحلم و الرزانة بحيث لا يسأل، و من لين الجانب للأصحاب و الأجانب بحيث لا يوجد له مناظر، و من الغوص علي النوادر بحيث ضرب المثل السائر، و من ايراد النكت و اللطائف بحيث

لا يدع مقالا لقائل، و وصفا لواصف …

قرأ علي علماء أجلاء. خدم ملوكا و وزراء و عاشر أمثالا و كبراء، و اعتمدوا عليه في الأمور الصعاب، و شاوروه فأشار و كشف عن وجه الرأي النقاب. و أن حسن باشا اعتمد عليه في أشياء مهمة، و أرسله إلي العجم فجلا تلك الإشكالات المدلهمة. و أما سليمان باشا فصدره صدارة ما عليها مزيد بحيث شاوره في أمر الحاضر و البادي و استرشد به في الخفي و البادي …

ورث الرئاسة عن أبيه وجده، و من أجلّ ما فيه أن جلساءه العلماء، و ندماءه الأكابر و العظماء، و أنه كثير الصدقات الخفية خصوصا لمن تعلق بالأسباب العلمية.

و أما أخوه عبد العزيز بك: «فمنطيق ألمعي، غاية في التمييز، قرأ علي علماء قطره، و استضاء من شموس عصره، و تشبث بأسباب الديانة، و أعرض عن كل ما يشين، و لازم الجماعات في المساجد، و نادم كل ناسك، و صار لا يباشر من الأسباب الدنيوية، إلا ما كان من الأمور الضرورية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 184

و قد شاهدته في الليالي المظلمة، يمشي إلي المساجد، يتصدق في ممشاه، إليها علي بعض من ماشاه، إلا أنه لما أرسله إلي الوهابية سليمان باشا الوزير عنّ له من اعتقادهم ما عنّ، و ظن أنه الحق و لبئس ما ظن، مع أنه رحمه اللّه ما اعتقد منه إلا ما كان حسن الظاهر، و لو اطلع علي باطنه لكان له أعظم نافر، و الذي تحققت منه أنه لا يعتقد معتقد أولئك الأقوام، و لكنه يستحسن أشياء منهم تقبلها في الظاهر الأفهام، مع أنهم توصلوا بها إلي أمور مستقبحة عند الخاص و العام، و لكن لما عرف

ميله إلي هذا المذهب ناس، أظهروه في المحافل و احتجوا لصحته بالكتاب و السنة و الإجماع و القياس، و صاروا في ذلك أشد من أهل العارض …».

و ابن سند كان له عداء مع الوهابية، و ماشي الدولة في إظهار النفرة، و أن عبد العزيز بك كان أول من بشر بمذهب السلف في العراق لما رآه من حسن عقيدتهم، و تابعه في بغداد خلق كثير. و شاهدهم صاحب المطالع عيانا و رأي من صحة العقيدة منهم ما لم يره في سائر البلاد الإسلامية … و الآلوسيون تلقوها عن هؤلاء و قوّوها بكتب ابن تيميّة و أنصاره. و لنعد إلي تتمة ترجمة هذين الأخوين. قال ابن سند:

«و لما أمر الوزير علي باشا بقتل الأخوين لأمر كل منهما بري ء منه دفنا في موضع قريب من الموصل رحمهما اللّه و إيانا. و قد رثيتهما بمقطوعة مرتجلة قضاء لحق الصحبة … قضيا نحبهما في أول المحرم من سنة 1218 ه».

و بقي الأثر السيّي ء لهذه الوقعة في نفوس الأهلين و في نفوس آل الشاوي و ظهر في شعر عبد الحميد بك الشاوي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 185

الطاعون في بغداد:

و لما أوقع الوزير بذينك السريين بقي أياما في البرية بسبب الطاعون و كان بدت آثاره في بغداد في شوال سنة 1217 ه و دام إلي أوائل سنة 1218 ه و بعد زواله عاد الوزير إلي بغداد في 22 صفر سنة 1218 ه.

الوزير في بغداد:

«و بعد ما دخلها الوزير اشتد غضبه علي أناس من الأجناد، فصيرهم شذر مذر، فتك بقسم و نفي آخرين، و هرب قسم و منهم من اختفي و نجا من العطب» اه.

و في هذا ما يشير إلي السخط منه.

قبيلة العبيد و الملية:

كانت بين والي الرقة تمر باشا الملي و بين العبيد عداوة سابقة.

فلما حدثت وقعة سنجار و قتل محمد بك الشاوي و عبد العزيز بك لم يتيسر الحصول علي جاسم بك أكبر أولاد محمد بك و إنما مال إلي عشيرته.

فاتخذ تيمور باشا ذلك وسيلة للانتقام من العبيد من أجل عدائه القديم (لا شك أن ذلك بإيعاز من علي باشا) فانتهز الفرصة و هاجم عشيرة العبيد، و في نتيجة المعركة كسر جيش تمر باشا شر كسرة و انهزم و تغلب جاسم بك و العبيد عليهم و غنموا ما لديه من نقود مخفية و أموال بارزة مما لا يحصي و عادوا إلي الخابور فأقاموا فيه. فكان لغلبة العبيد شأن يذكر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 186

سمع الوزير بذلك فعزم علي تأديب هذه العشيرة فتوجه إليها بنفسه و معه قوة عظيمة. و في 6 رجب نهض من بغداد و وصل إلي ناحية دجيل. و حينئذ علمت بوصوله فقامت من مواطنها و عبرت إلي الشامية.

و حينئذ حول عزمه إلي جهة الفلوجة.

و في مجموعة مخطوطة عندي جاء أن (العبيد) كانت تقطن قصبة البصيرة و لها مخابرات مع الوهابية، فعاثت بالأمن. و أن والي الموصل محمد باشا أراد التنكيل بها و بمن معها من عشائر الجبور و العقيدات و البقارة إلا أن هذه العشائر مالت إلي الدخالة، و استولي علي العبيد الرعب فتركوا أغنامهم و إبلهم و مضوا إلي الجنب الآخر من الفرات،

و أن القصبة المذكورة أذعن علماؤها و كبارها بالطاعة، فاقتضي نصب شيخ علي هؤلاء و هو شيخ الخرنينة (علي الفضلي) فنصب و كانت الدير و عانة بيد الأغيار فلم يستطع أن يصل إليها أحد. فاستولي والي الموصل عليها.

و في هذه الأثناء جاء (عبد اللّه العظم) إلي الوزير فاستشفع به لدي السلطان و كان غضب عليه، و لذا راعي الوزير جانبه و أبدي له الاحترام اللائق و تعهد أن يستشفع له. و حينئذ عبر جسر الفلوجة و ضرب خيامه في الجانب الآخر و مكث بضعة أيام، ثم حدثت في بغداد بعض الغوائل و ولد بعض المتنفذين مثل ملا خليل و أعوانه الشغب فأحدثوا اضطرابا فلما اطلع القائممقام درويش آغا اهتم للأمر و لم يمكّن أحدا من ايقاع أي خلل و ألقي القبض علي قسم منهم و عرض الأمر علي الوزير فكتب إليه أن اقتل من يستحق و بعّد الآخرين عن ديارهم. و حينئذ قتل الملا خليل و أعوانه مثل موسي البيرقدار، و الحاج خليل البيرقدار، و الحاج حسين هبّة، و خلف البقال، و جواد بن حمزة و نفي آخرين.

مكث الوزير بضعة أيام في أنحاء الفلوجة ثم عاد إلي بغداد و رحل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 187

إلي جهة الشامية و منها نزل قرب المشهد (النجف). و هناك رتب جموعا من عثمانيين و كرد و عرب و جعلهم تحت قيادة فارس الجرباء و أمرهم بالذهاب إلي جبل شمر. و في هذه الأثناء أعلم فارس الجرباء بأن جمع الوهابيين وافي إلي هذه الجهات فأغار فارس بجموعه نحوهم بقصد الظفر بهم فلم يروا أثرا لهم و قضوا ليلتهم قرب قصر الأخيضر فوق شفاثا. و بينما هم في استطلاع

الأخبار إذ جاءت الأنباء بأنهم وصلوا إلي غربي المشهد إلي القطقطانة (طقطقانة) فقاموا من ساعتهم فأغاروا عليهم و لم يصلوها إلا وقت المغرب فوجدوا أثرا و لكنهم لم يعثروا عليهم و عادوا بيأس لأنهم علموا مؤخرا أن الوهابيين رجعوا إلي ديارهم. ثم عادوا إلي الجيش و وصلوا إلي الحلة و أقيم عبد اللّه باشا العظم في دار خاصة تليق بمكانه و أعد له ما يقتضي لإيفاء واجب الضيافة. و عاد الوزير إلي بغداد في 4 شهر رمضان من هذه السنة.

غزو الأمير سعود البصرة:

كان في بغداد رجل أفغاني الأصل يدعي ملا عثمان عزم علي قتل عبد العزيز السعود فتوجه إلي الدرعية. وصل إليها بصفة درويش و أظهر التنسك و الزهد، فأكرمه عبد العزيز السعود، و كان يضمر اغتياله، فوثب عليه و طعنه فقضي عليه، و جرح عبد اللّه أخاه فبايع القوم لسعود بن عبد العزيز. و قيل إن القاتل من أهل كربلاء، و استبعد صاحب عنوان المجد أن يكون من أهل العمادية كما نقل، و كان القتل في العشر الأواخر من رجب سنة 1218 ه.

و بعد أن تمت للأمير سعود الإمارة سار في نفس السنة إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 188

العراق، فكانت غزوة البصرة. هدم قصر الدريهمية مشرب أهل الزبير و قتل من كان فيه. و ذلك أن سعودا أمير نجد سار من الدرعية و قصد ناحية الشمال حتي نزل التنومة عند القصيم فعيّد فيها عيد النحر. ثم رخص عربان الشمال من الظفير و ذكر لهم أنه يريد الرجوع و كان حذرا أن يخبروا أهل البصرة و الزبير و من في جهتهم إذا رجعوا إليهم. قفل حتي يبغتهم من حيث لا يعلمون و كانت عادته إذا

كان يريد جهة ورّي بغيرها.

فلما رحل عنه عشائر الشمال من التنومة قصد الدرعية فسار نحو يوم أو يومين فوصلت العشائر و أخبرت من في ناحيتها بقفوله.

ثم إن سعودا رجع عائدا إلي البصرة. فلما أتي قربها وافق كتيبة من خيل المنتفق رئيسهم منصور بن ثامر السعدون فأغار عليها و قتل منهم قتلي و أخذ منصورا أسيرا. أراد الأمير سعود أن يضرب عنقه ثم عفا عنه فأقام عنده في الدرعية نحو أربع سنين ثم أذن له بالرجوع إلي أهله.

نزل الأمير سعود علي الجامع المعروف قرب الزبير فنهض جيشه إلي البصرة فدهموا جنوبها و نهبوها و قتلوا من أهلها كثيرين و حصروا أهلها، ثم رجعت تلك الجموع و حاصرت أهل الزبير و هدمت جميع القباب و المشاهد خارج سور البلد، و لم يبقوا لها أثرا. ثم أعيدت قبة طلحة و الحسن (البصري رضي اللّه عنهما) بعد هدم الدرعية.

ثم إن سعودا أمر جموعه أن يحشدوا علي قصر الدريهمية فهدموه و قتلوا أهله. فلما كان وقت غروب الشمس أمر سعود مناديه أن يثور كل رجل بندقيته فثوروها دفعة واحدة. قال لي رجل من أهل الزبير: لما ثارت البنادق في الأرض و الجو و أظلمت السماء و رجفت الأرض بأهلها، و انزعج أهل الزبير انزعاجا عظيما و صعد النساء في رؤوس السطوح و وقع فيهم الضجيج و أسقطت بعض الحوامل. فأقام محاصرهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 189

نحو اثني عشر يوما. حصد جميع زروعهم، و رجع قافلا».

و ذكر هذه الواقعة عثمان بن سند في حوادث سنة 1219 ه قال ما ملخصه:

«حاصر سعود بن عبد العزيز البصرة و قتل و نهب و حرق و زأر و أرعد و أبرق. و متسلم

البصرة إذ ذاك إبراهيم آغا فصبر و صابر، و رجع حمود إليها بعد ما سافر عنها و شد للمتسلم عضده.

و كان ابتداء غزوه في آخر السنة التي قبلها و هي التي قتل فيها أبوه» اه …

ساد الاعتقاد في نجد أن القتل جري بإيعاز من حكومة العراق فأراد أن يشفي غليله بالانتقام لوالده.

حوادث سنة 1219 ه- 1804 م

غارة الوهابية:

علم الوزير أن الوهابيين توجهوا نحو العراق فقام من بغداد في 19 المحرم حتي وصل إلي أبي عوسجة فتبين أن الركب مضي إلي البصرة فلم ينل مرغوبه، و كان حاصر قرية الزبير تسعة أيام و عاد جيشهم فلم يظفر ببغية، مضوا من جهة جنوبي البصرة إلي ديارهم. و رجع الوزير في 21 صفر.

تجهيزات علي الدرعية:

إن الحكومة العراقية لم تنل مرغوبها من سفرها السابق تحت قيادة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 190

علي باشا و عادت بالخيبة و الدمار. و لكن الدولة ألحت في لزوم القضاء علي غائلة الوهابية و عهدت بذلك إلي الوزير علي باشا في حين أن الواقعة السابقة لا زال يرن صداها في الآذان. و أن الحكومة العراقية عالمة يقينا بأنها لا تستطيع القيام بسفر مثل هذا.

قرر الوزير السفر لمجرد طاعة الأمر السلطاني و تأهب لإعداد ما يجب القيام به. و في 9 شعبان خرج من بغداد. و توجه نحو الحلة و عبر جانب الشامية فوصل الجيش إلي حوالي النبي أيوب (ع). و هناك مكث نحو أربعة أشهر و نصف في خلالها نشر سطوته في تلك الأنحاء، و أعد جمعا قويا من العساكر و أكمل معداتهم و عين عليهم ابن أخته أمير لواء إربل سليمان بك قائدا و سيره إلي جبل شمر.

سفر الجيش:

إن هذا القائد تجول في جبال نجد و وهادها و اجتاز مصاعبها، و نكل بكل من صادفه من جموع الوهابيين فنال غنائم وافرة من نعم و شاء و عاد. و الأصح أصابه ما أصاب علي باشا قبله من العناء و العطش و أن الحرارة أثرت علي الكثيرين فكف بصرهم، و نالهم الصمم و بعضهم اعترتهم خفة العقل. و لم يصلوا إلي مواطنهم إلا بعد مدة.

الخزاعل:

في هذه الأيام انحرف شيخ الشامية عن الطاعة، فجرد الوزير عليهم خيلا و أغار عليهم إلي هور شلال، فسمع الشيخ بالخبر قبل الوصول إليه ففر إلا أنه خربت دياره، و أتلفت زروعه. و حينئذ عاد الوزير و أخر خالدا الكهية، و رئيس الكتيبة (باش آغا)، و عبد الرحمن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 191

باشا، و محمد باشا متصرف كوي في الحلة للمحافظة و عاد هو إلي بغداد في 22 ذي الحجة. و طالت هذه السفرة أربعة أشهر و أحد عشر يوما.

قبيلة الظفير:

أغار الأمير سعود علي الظفير، و لم يبق لهم من شاة و لا بعير.

و رؤساؤهم (آل سويط) و هذه الواقعة دعت الظفير أن يميلوا إلي العراق و يتوطنوا فيه. و كان رأي آل سعود منهم مخالفات آووا أعداءهم و أن أناسا منهم غزوا مع أولئك الأعداء، فخالفوا السمع و الطاعة.

حوادث سنة 1220 ه- 1805 م

جاسم بك الشاوي و العبيد- آل بابان:

إن علي باشا عاد إلي بغداد و تأخر خالد الكهية، و باش آغا، و عبد الرحمن باشا، و محمد باشا في الحلة. و بعد مرور شهر و نصف طلب خالد الرجوع إلي بغداد، و بقي رفاقه و بعد سبعة أيام أو ثمانية أمروا بالعودة فعادوا و استراحوا ثلاثة أيام أو أربعة. و في هذه الأثناء علم الوزير أن جاسم بك الشاوي عبر بعشيرة العبيد من الشامية إلي الجزيرة و تمكّن في جهة الخابور، فعاثوا هناك. لذا عين الوزير عبد الرحمن باشا و محمد باشا لتبديد شملهم و أمر أن يتوقف عبد الرحمن باشا حوالي كركوك لإعداد ما يلزم من معدات و أن يذهب محمد باشا إلي لواء كوي كذلك، ثم يتلاحق الاثنان و يذهبا إلي أنحاء الخابور لإنهاء المهمة فأطاعا الأمر و ذهبا و لكن العداء القديم كان مستحكما بين الاثنين فيتربص الواحد الفرصة للوقيعة بالآخر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 192

و كان عبد الرحمن باشا أثناء سفر الوزير تظهر منه بعض المعاملات خلاف ما كان عليه أسلافه من حسن الطاعة كما أنه رأي من محمد باشا أوضاعا زائدة في مراعاة جانب الوزير. و من جراء ذلك صار عبد الرحمن باشا يترقب الفرص للوقيعة بمحمد باشا و يلتمس الوسائل للعصيان.

و في سفرتهما هذه وصلا إلي منزل (البط) فانتهز عبد الرحمن باشا الفرصة و قتل

محمد باشا و ألقي القبض علي جميع أتباعه و نهب معسكره و جيشه و كتب بذلك عرضا إلي الوزير أخبره به عما جري و ذهب توا إلي كركوك.

و هذا ما لا يصح السكوت عليه إلا أنه تعهد أن يقوم بالخدمة، و يراعي الإخلاص و الصداقة. و كانت المصلحة تدعو إلي مراعاة جانبه و السكوت عنه لأجل، لذا كتب إليه يعزره و ينصحه و بالنتيجة يعفو عنه، و لزيادة تطمينه أرسل إليه خلعة و أمرا و وجهت إليه ألوية كوي و حرير.

و لما ورد موظف من قبله أرجع إلا أنه حينما وصل إلي داقوق عاث عسكره بالزروع و القري و نهب و سلب. فأخبر متسلم كركوك الوزير بكل ذلك و جاءت الأخبار من أماكن أخري تنذر بخطره فتظاهرت خيانته فلم يطق الوزير التغافل عنه.

و كان الوزير يحسب أن خالدا الكهية متفق معه في الخفاء هو و بعض ندمائه. لذا ألقي القبض عليه و علي الحاج عبد اللّه آغا متسلم البصرة سابقا و أعوانهما و سجنهما في القلعة الداخلية و في هذه أتهم محمد الفيضي بن لطف اللّه كاتب الديوان و كان خطاطا معروفا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 193

و عين مكانه ابن أخته سليمان بك وكيل الكهية و عزل الكهية، و وجه إيالة بابان إلي خالد بك ابن أحمد باشا و كان أرسل قبل شهر مأمورا إلي جهة العمادية لمعاونة قباد باشا و أن يكون قوة ظهره. و منحه الوزير رتبة باشا و وجه ألوية كوي و حرير إلي سليمان بك ابن إبراهيم باشا برتبة باشا و ألبس الخلعة من بغداد و أرسلت إلي خالد باشا خلعة ليلبسها في المحل الذي هو فيه و صدر

أمر العزل بحق عبد الرحمن باشا و أعطي إلي رسوله. و أمر الوزير بما يلزم للسفر و أن يقضي علي هذه الغوائل.

رأي الوزير أنه لا يأتلف بقاء خالد الكهية و الحاج عبد اللّه آغا محبوسين حذر أن يتولد ما لا تحمد عقباه، و لذا قتل خالدا الكهية في الحال و أمر بنفي الحاج عبد اللّه آغا. و حينئذ نهض في 5 شهر ربيع الأول للانتقام من عبد الرحمن باشا و ساق الكتائب متوجها إلي ديار الكرد.

و في هذا الحين قدم عبد الرحمن باشا عرضا يلتمس فيه العفو و الرأفة به و توالت العرائض منه و لكنه لم يعدل عن غيه، و أنه لا يزال جادا في عمله. جلب لجهته ضامن المحمد شيخ العبيد، و حمد الحسين شيخ الغرير و بقوا في كركوك بضعة أيام لا سيما أنه نصب خيامه في (قره حسن)، و أرسل أخاه سليمان بك بنحو خمسمائة فارس فدمروا (زهاو) مقر متصرفية درنة و باجلان فهرب منها حاكمها عبد الفتاح باشا. ثم إن خالد باشا عبر إلي الجانب الآخر من الزاب فوصلت إليه الخلعة مع الأمر المتضمن التوجيه و من ثم عاد إلي إربل، و صار يترقب ورود الوزير فجمع جموعا من الإربليين و الموصليين فأغتر بهم و جاء إلي قنطرة الذهب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 194

و علي هذا جهز عبد الرحمن باشا أكثر من ثلاثة آلاف فأغار علي خالد باشا بوجه السرعة قبل أن تصله القوة، و لما قرب من القنطرة صادف خالد باشا و معه نحو ثلاثمائة أو أربعمائة من خيالته فخرجوا عليهم من القنطرة و تأهبوا لمكافحتهم فنصب خيامه خارج القنطرة و اتخذ المتاريس فلم يمهلهم عبد الرحمن

باشا و إنما هاجمهم بكافة جموعه فقابله خالد باشا مدة قليلة فرأي أنه لا يستطيع الدوام علي محاربته نظرا لقلة عسكره و ضعفهم فانكسر جيشه و رموا بأنفسهم في الماء، فلم يجدوا نجاة بل غرق أكثرهم، و انتهبوا ما لديهم من أموال و غنائم. و أن خالد باشا نجا بنفسه مع بعض أعوانه بشق الأنفس فانهزم إلي إربل موليا الأدبار، و أما أخوه عبد العزيز بك فإنه خرق جيش عبد الرحمن باشا بنحو مائة فارس و ذهب توا إلي علي باشا و أخبره بما وقع.

هذا و أن عبد الرحمن باشا هاجمت جيوشه بلدة آلتون كوپري و انتهب أهليها ثم عاد رأسا إلي (قره حسن) و أقام فيها. و أن عبد العزيز بك ذهب بتلك الحالة من طوز خورماتي إلي ناحية البيات فوصل إلي علي باشا، و لذا سارع الوزير لملاقاة عبد الرحمن باشا و مقارعته فتوجه إلي جهة كركوك و لكن عبد الرحمن باشا لم يعتقد أن الوزير سيتوجه إليه و لم يعلم بمجيئه نحوه.

و بينما هو في حالة الدفاع إذ فاجأه الوزير بغتة فلم يقدر علي البقاء فعاد إلي الوراء و حاصر في مضيق (بازيان). و أن شيوخ العبيد و شيوخ الغرير كانوا معه ففروا منه و التمسوا النجاة، مالوا إلي أنحاء سنجار و منها إلي الخابور ثم عبروا إلي الشامية.

و لما أن علم الوزير بذلك وجه شمر و رئيسها فارس الجرباء لاقتفاء أثرهم و كذا قبيلة عقيل ليقطعوا مرورهم و يمنعوهم من العبور إلي جهة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 195

الشامية. و أخذ الوزير معه أمراء الكروية و عساكر إربل لاستئصال المذكورين و القضاء عليهم، و من الغريب أنهم حينما حاولوا العبور

باغتتهم القبائل و أحاطت بهم من كل صوب فقتلوا كثيرا بينهم ضامن المحمد شيخ العبيد و غنموا منهم غنائم كثيرة فجاءت البشري إلي الوزير و هو آنئذ في كركوك.

و أن خالد باشا جمع له جموعا أخري قدر المستطاع و وصل إلي كركوك فتحركوا جميعا منها و ضربوا خيامهم في الجانب الآخر من وادي (قزل دره) و يبعد نحو نصف ساعة عن المضيق، أما عبد الرحمن باشا فإنه أحكم سد المضيق.

و صار يفكر الوزير في طريق يسهل الذهاب إليه فبقي نحو أربعة أيام، و في هذه الأثناء كتب عبد الرحمن باشا إلي الشاه يستمده و يطلب منه إنقاذه، و لذا التمس شاه إيران من الوزير أن يشفعه فيه في العفو عنه فجاء سفيره بكتاب منه.

أما الوزير فألزمه الحجة بوجه معقول. و في ضحي اليوم الخامس صف الجنود و نظم الكتائب و شرع بالحرب فهاجم المضيق و كان محكما. اتخذ فيه عبد الرحمن باشا سناكر متعددة و وضع في كل واحد منها مقدار ألف بندقي من خيار جنوده، و إخوته سليم بك و سليمان بك و خالد بك و سائر مشاهير رجاله جعلهم خارج المضيق و بقي هو مددا لهم وقت الضرورة، و حينئذ صالت جيوش الوزير فنال جيش عبد الرحمن باشا اضطراب فانكسر البندقيون و الخيالة. فروا إلي داخل المضيق فقتل منهم الكثير، و ألقي القبض علي آخرين منهم. و انتهب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 196

الجيش جماعته و غنم أموالهم. و كانت الخسائر في النفوس فادحة و الغنائم وافرة.

و علي هذا كسا الوزير كلّا من خالد باشا و سليمان باشا خلعة مجددا و رخصهما في الذهاب إلي مقر حكومتهما.

ثم إن الوزير أراد أن يقضي

علي البقية الباقية من قبيلة العبيد فتحرك نحو الخابور و ساق عليهم كتائبه. و لما وصل إلي قرية (أزناور) في سفح جبل (اشتبه) نكل بخلف آغا و أولاده الذين كانوا ألفوا نهب القوافل و قطع الطرق فأخذ منهم مؤونة عظيمة و مبالغ وافرة من النقود فأذعنوا له بالطاعة ثم توجه نحو الخابور فسمع العبيد بذلك فعبروا نهر الفرات بأنواع الكلفة و العناء و تركوا زروعهم فحل الجيش محلهم و رتعت خيوله فيها إلي أن أتلفها، مكث بضعة أيام ثم عاد إلي بغداد فدخلها في 4 رجب. و دامت هذه السفرة أربعة أشهر و عشرين يوما.

سليمان بك يوجه إليه منصب كهية:

و لما دخل بغداد أنعم علي سليمان بك بمنصب كهية اصالة و ألبسه الخلعة لما رأي فيه من المقدرة و الكفاءة.

الوهابيون- غارتهم:

اشارة

إن الوهابيين صاروا يشنون الغارات علي أنحاء العراق، و شاع في هذه الأيام إرسالهم السرايا علي العراق، و لا تزال ركبانهم تتري، فتأهب الوزير فخرج بنفسه من بغداد في غرة شهر رمضان و جاء إلي الحلة فنزل الوردية، و بث العيون لاستطلاع الأخبار.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 197

و قال صاحب عنوان المجد:

«و فيها- سنة 1220 ه- بعث سعود سرية جيش أميره منصور بن ثامر و غصاب العتيبي يترصدون ركبان العراق لئلا يغيروا علي طوارف (قوم ابن سعود) و عشائرهم. فسار الجيش المذكور و صادف غزوا لأهل الجزيرة رئيسهم روخي بن خلاف السعدي الظفيري و راشد بن فهد بن عبد اللّه السليمان بن سويط و مناع الضويحي رؤساء الظفير. و أكثر هذا الغزو منهم و من رؤسائهم. و هم في فليج في الباطن قرب الحفر فاستأصلوا جميع الغزو قتلا و لم يسلم منهم إلا الشريد قدر عشرة رجال و القتلي يزيدون علي المائة.

و رجع منصور و من معه غانمين سالمين.

و منصور هذا هو الذي أخذته خيل سعود أسيرا في غزوة الدريهمية كما تقدم» اه.

غزوة النجف:

في هذه السنة سار سعود بجيوشه، و نازل المشهد، و فرق جيشه عليه من كل جهة و أمرهم أن يتسوروا الجدار علي أهله، فلما قربوا منه فإذا دونه خندق عريض عميق فلم يقدروا علي الوصول إليه و جري بينه و بينهم مناوشة و قتال ورمي من السور و البروج فقتل من جيش سعود عدة قتلي فرجعوا عنه.

ثم رحل سعود فانحاز علي الزملات من غزية فأخذ مواشيهم، ثم ورد الهندية المعروفة ثم اجتاز بحلل الخزاعل و جري بينه و بينهم مناوشة قتال و طراد خيل، ثم سار و قصد السماوة و حاصر أهلها و نهب نواحيها و دمر أشجارها، و وقع بينهم رمي و قتال ثم رحل منها و قصد جهة البصرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 198

و نازل أهل الزبير و وقع بينه و بين أهله مناوشة قتال و رمي، و رحل منه إلي وطنه.

بنو لام- ربيعة:

إن شيخ بني لام عرار العبد العال تمنع عن أداء الميري، و لا تزال بقايا أميرية لدي ربيعة لم تؤد بعد فاقتضي استيفاؤها كما أن محلا يقال له (وادي) كان مقر أهل العيث و قطاع الطريق يرتكبون فيه أنواع الأضرار و السرقات فأخبر الوزير عن هؤلاء أيضا.

لذا أمر أن يؤدب هؤلاء، و أن تحصل الأموال الأميرية فسير كتخداه سليمان بك إلي بني لام من بغداد ليلا و استصحب عليق خيوله معه لمدة يومين و أغار بسرعة حتي وافي ال (وادي). فلم يجد أحدا إذ أنهم علموا بالأمر ففروا قبل الهجوم عليهم. و حينئذ سلبوا نحو سبعمائة رأس من الجاموس و نزلوا من ال (شبّاب) للاستراحة و هو قريب من شط دجلة إلي أن تأتي أثقالهم. و لما كان الوقت

أيام الشتاء، و الهواء باردا لم يصل الثقل بسرعة و نال الجيش من جراء ذلك عناء شديد و كان في هذا المنزل فرقة من بني لام يقال لها (الرحمة) و شيخها (حاشي)، عزل و عين مكانه (مهنّا الجساس). و من هذه الغارة فرّ عرار شيخ بني لام فنصب مكانه عباس الفارس و كتب له أمر بالحضور فتوقف الجيش منتظرا ورود الجواب فتبين أن عباس الفارس متفق مع عرار. و لما لم تكن لأحد رغبة في المشيخة و لم يجرأ علي المواجهة فالموظف المرسل لجلبه وصل إلي منزل يقال له (طيب)، بقي فيه بضعة أيام أخروه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 199

عندهم ليذهبوا إلي مسافة ثلاث مراحل أبعد كما تبين من كلام الرسول حين عودته.

و حينئذ أخبر الجيش بأن هناك بعض العربان يبعدون بضع ساعات فأغار عليهم صباحا فأحاط بهم فاغتنم منهم نحو اثني عشر ألفا من الغنم و رجع إلي مخيمه الأصلي. ثم استطلعوا أخبارا عن بني لام فتبين أنهم عبروا نهر (دويريج) فكانت المسافة بعيدة، لذا ترك الجيش أثقاله في محلها و هاجم بما لديه خفافا فأصبحوا منزل (طيب) و عبروا إلي الجانب الآخر فنزلوا ببعد ساعتين عنه، فمضوا إليهم فصبحوا نهر (دويريج). و حينما عبروا هذا النهر لم يجدوا أثرا للعربان و لكنهم عثروا بالقرب منهم علي عرب المقاصيص و كانوا أيضا من نوع من سبق فأخبر الجيش بذلك فذهب نحوهم فدمرهم و غنم منهم نحو اثني عشر ألف شاة فأرسلت إلي بغداد من طريق جسّان.

في هذه الأثناء أرسل الكتخدا إلي عرار أمرا بتأمينه مع بعض الموظفين فلم يجسر أن يأتي للمواجهة و لكن بعد بضعة أيام طلب عباس الفارس الدخالة فقبلت

منه و من ثم وجهت إليه مشيخة بني لام و ألبس الخلعة ثم أغار علي بعض المعدان و اغتنم مقدارا من الأغنام و المواشي و أخذت الرهائن من شيخ ربيعة. و عاد الكتخدا إلي بغداد. و هكذا كانت الغاية النهب و السلب فتحققت.

شيخ زبيد:

أقام الوزير مدة في الحلة خلالها رأي من الشيخ حطاب الشلال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 200

شيخ زبيد ما يغاير المطلوب فعزله و نصب مكانه ابن عمه حسين البندر شيخا، و أغار الوزير علي حطاب فلم يظفر به. ثم عاد إلي بغداد فدخلها في 24 من المحرم. و كانت مدة سفره أربعة أشهر و أربعة و عشرين يوما.

حوادث سنة 1221 ه- 1806 م

إيران و بابان:

كان عبد الرحمن باشا انهزم بأتباعه إلي إيران فوصل إلي (سنة)، و بواسطة أميرها (أمان اللّه خان) عرضت قضيته علي الشاه.

و لما كان رجال إيران يرغبون في تنفيذ آمال أمثاله تعهدوا أن يؤازروه و خصصوا له محلا في سقز و مع هذا أرسل أمان اللّه خان كتابا إلي الوزير يلتمس فيه العفو عنه، و أن يعاد إلي بلاده.

أما الوزير فلم يرق له هذا الملتمس لوجوه عديدة اقتصر منها علي بيان مساوي ء عبد الرحمن باشا و كتب جوابا أرسله مع الرسول، و عقب ذلك أرسل السيد سليمان بك الفخري، فرجع بعد بضعة أشهر حاملا الجواب و أوصاه بوصايا شفهية مآلها أنه قبل اعتذاراته و أنه راغب في الصداقة و المصافاة، ثم إن سليمان بك حينما كان في طهران أحضر الشاه له عبد الرحمن باشا و بيّن له أن الوالي مشغول في حروب الوهابية، و أن كل تكليف يقع من جانب الشاه يضطر إلي قبوله فيما إذا حصل من حضرة الشاه إصرار ما.

و أرسل الشاه سفيرا آخر يؤكد فيه لزوم توجيه إيالة الكرد إلي عبد الرحمن باشا بعد عودة سليمان الفخري بنحو شهرين.

و في الأثناء كان أحد التجار الإيرانيين متوطنا قصبة الكاظمية فطلب مرة مواجهة الوزير و أخبره أن شاه إيران يزيد علي توجيه إيالة الكرد إلي عبد

الرحمن باشا طلب مبلغ مائتين و خمسين ألف تومان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 201

يريدها من بغداد مع هدايا كثيرة، و أن هذا السفير إن أعيد خاليا فسوف تضبط ديار الكرد قسرا بواسطة أمير سنة و عبد الرحمن باشا، و لم يكتف حينئذ بهذا بل سوف يهدد بغداد فتكون عرضة للأخطار، و قال أخبره بذلك أحد أقاربه.

إن الاعتقاد بصحة أمثال هذه الأقوال ليس بصواب و لكن تحقيقه ضروري، و عندئذ يتوسل بالوسائل اللازمة لدرء الأخطار. و هذا مما يحتاج إلي استطلاع رأي الدولة و لكن الوزير غضب لمعاملة إيران هذه.

لذا أصدر أمره حالا بالتأهب للحرب دون أن ينظر في العواقب، و ما ينجم من أخطار، فلم يستأذن من دولته، و هذا منتهي الطيش».

توتر العلاقات بين العراق و إيران:

اشارة

و في الحال كان رئيس الكتيبة محمد أمين آغا حاضرا فأرسله مع رعيلات الخيالة لإمداد خالد باشا متصرف بابان، و بعد أيام أكمل أسباب السفر و جمع قوته و نهض من بغداد في 7 ربيع الآخر و معه اثنا عشر ألفا من الجنود العراقية الخالصة بين خيالة و مشاة.

قال صاحب غرائب الأثر:

«خرج من بغداد الوزير علي باشا بالعساكر و سبب خروجه أن الشاه أرسل إليه يطلب حكم السليمانية إلي عبد الرحمن باشا فامتنع و أصر علي القتال فخرج من بغداد في أوائل جمادي الأولي و جمع معه العشائر و طلب من الموصل عسكرا فأرسل إليه محمد باشا الجليلي خمسمائة مقاتل و عليهم كاتب ديوانه أحمد بن بكر الموصلي و لما اجتمعت العساكر سار …» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 202

و حينئذ عبر ديالي و ساق الكتائب نحو شهربان فوافاه خالد باشا متصرف بابان و عبد الفتاح باشا متصرف درنة و باجلان و حسن خان الفيلي فعقد معهم مجلس شوري، و هؤلاء تحادثوا في الأمر، و كانوا يعلمون الخطر و يتوقعون نتائجه. و لكنهم رأوا أن الوزير مصر و أن رغبته فيه قوية، و لم يجسر أحد علي معارضته فاقترحوا لزوم أخبار الدولة بما وقع فوافق و رافقوه إلي قزلرباط، فاستراحوا بضعة أيام، و تواصلت في هذا الحين بعض العشائر و البقايا العسكرية فتلاحق الكل فنهض الوزير و اتخذ زهاو (زهاب) مضرب خيامه.

و هناك انتظر بضعة أيام للاستراحة و لكنه في الحقيقة يترقب جواب دولته، و كان يعتقد أنها سوف تأذن له، و لذا تحرك من المنزل المذكور و علي هذا و لما كان الطريق و عرا أمر بتعديله و تنظيمه، و أرسل إلي رئيس الكتيبة

أن يلتحق به مع بيارق الخيالة فوصلوا إليه و تمت تسوية الطريق و تقدمت عقيل و بأثرها المدفعية فمضت من طريق (پاي طاق) و كان الوزير متأهبا للمضي في عقبهم و جاءه الجواب من الدولة عما عرضه عليها مع التاتار (البريد السريع) و خلاصته أن السلطان لا يرضي أن تنقض المعاهدات المعقودة مع إيران، للآن لم يشرع بالحركة فعليه أن يعدل عنها و إلا فمن المحل الذي تصل فيه هذه الأوامر، و الدولة آنئذ ليس لها من القدرة ما تحارب الثورات الناشبة عليها فضلا عن الدول المجاورة.

و لذا أمر الوزير أن تعود العساكر و المدفعية في الحال امتثالا للأمر السلطاني.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 203

إمداد خاند باشا لسليمان الكهية:

رجع الوزير عن القتال و لكن في خلال إقامتهم في (پاي طاق) تقدمت بعض العشائر و اجتازت الطاق فتخطت الحدود و أغارت علي ناحية (مايدشت) و انتهبت بعض رعايا الإيرانيين و استولي الرعب علي الأهلين في كرمانشاه خوفا من سطوة الوزير و تسلطه و فر بعضهم إلي همذان، و أن الأهلين تأهبوا للحيطة و اتخذوا التدابير اللازمة.

و هذه الأخبار توالت علي الشاه، و لذا أمر أن تحافظ الحدود و إذا كانوا اجتازوها أن يدافع عن المواطن المتباقية فأرسل ابنه محمد علي ميرزا مع مقدار وافر من الجيش لجهة كرمانشاه و بعث بفرج اللّه خان ليكون قائدا علي أنحاء سنة و حاكمها (أمان اللّه خان) و يخمن الجيش بخمسة آلاف أو ستة. أما عبد الرحمن باشا فإنه خرج من سقز و تمكن في محل قريب من السليمانية و كان ينتظر أن تظهر نتيجة.

و لما تبينت وظيفة فرج اللّه خان و أمان اللّه خان بهذه الصورة أراد عبد الرحمن باشا

جذبهم إليه و تعهد لهم بأطماع وفيرة و جلبهم إلي محل قريب منه. و حينئذ علم خالد باشا بالخبر و لكنه لم يستطع أن يعمل عملا دون استشارة الوزير فعرض الأمر عليه و طلب منه أن يرسل إليه قائدا قديرا ليشاوره في الأمر و يتخذ الحيطة، و أن يزود بقوة من الجند.

و لا يزال الوزير في (پاي طاق). ورد إليه الخبر من الباشا فأرسل إليه سليمان باشا متصرف كوي و حرير و بعض العشائر الموجودة و صنوف كركوك العسكرية و السباهية و بعض الأفراد من أهل القري فتجمع نحو ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف نفر و جعل هؤلاء تحت قيادة سليمان الكهية و سيره لجانب خالد باشا و عاد هو بباقي الجيوش و جاء إلي (شروانة) التابعة لقضاء كفري فأقام فيها، و كان يترقب الأخبار عن الجيش الذي أرسله.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 204

أما الكتخدا فإنه مقدام و همام، ذو شجاعة و لكنه لم يكن ممن زاول جسام الأمور ليقوم بعمل مثل هذا. و علي كلّ إن الكتخدا حسب أن عبد الرحمن باشا و جيوش إيران كعشائر العرب التي حينما تسمع بجيش الحكومة تفر من وجهه فاعتقد أنها سوف تنهزم بهذه الصورة.

و لذا تقدم بجيشه و مضي من پاي طاق فقطع الجبال الصعبة و الطرق الوعرة فطوي مقدار خمسة منازل أو ستة في يومين و ورد شهرزور و تحرك مع جيش خالد باشا و هذا أراد إقناعه في البقاء للاستراحة بضعة أيام لينظر نوايا إيران و يتحقق أوضاعهم، فلم يلتفت، و لم يتدرع بالحزم الذي هو شرط الشجاعة و لا راعي الاحتياط، أغار علي ايران، و لم يستقر في موطن للاستراحة حتي بلغ

الحدود بل تخطاها و اجتاز (زير باري) في مريوان من أعمال سنة، فصادف جيش إيران.

و كان جيش الكتخدا رأي عناء شديدا في اجتياز هذه الجبال و الوهاد و لم ير راحة أو استراحة فقطعها في ثلاثة أيام أو أربعة فلم يستطع الباقون اللحاق به و لم يجد مجالا ليرتب الجيش و يراعي تعبيته بالوجه المطلوب. و حينئذ قابل العدو فوقع القتال بين الفريقين فلم يقصر في الشجاعة و الحرب و لكن رغم الجلادة التي أبداها كسر.

قال في غرائب الأثر: «كان فيه هوج و حمق … فسار إلي أن وصل معسكر عبد الرحمن باشا و من حمقه باشر القتال و الخيل و الفرسان في تعب من بعد الطريق و قاتل سليمان بك بنفسه فأسر و تفرقت عساكره و قتل منهم أكثر من ألف، و من سلم سلبت ثيابهم و سلاحهم و ملكت خيامهم و أثقالهم …» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 205

أحاطت بالكتخدا الجيوش من كل صوب. فألقي القبض عليه و علي من معه فأسر و أرسل إلي الشاه في طهران.

وصل خبر هذه الواقعة إلي الوزير و هو في شروانة، و في عين الوقت جاء خبرها إلي محمد علي ميرزا و كانت مهمته أن يحافظ علي الحدود و لكن الميرزا مشي من زهاو بلا سبب و جاءت طلائعه إلي قزلرباط و أغارت علي بعض الرعايا فانتهبها و اتخذ ذلك فرصة، و حينئذ تحول الوزير من شروانة إلي كفري و عاد الإيرانيون إلي مواطنهم الأولي و أن الوزير لمجرد تطمين السكان و إزالة الخوف عن الرعايا بقي أياما.

و في هذه الأثناء أظهر عبد الرحمن باشا الطاعة و طلب أن يجاب ملتمسه فجاء رسول منه بذلك.

و حينئذ وجه الوزير إليه البيورلدي و الخلعة فجاء إلي بغداد في سلخ رجب. و مدة هذا السفر ثلاثة أشهر و ثلاثة و عشرون يوما.

و أما صاحب المطالع فإنه قال:

«و لما وصل خبر أسره الوزير خاله، ساءه ما دهمه و غير حاله، فرجع القهقري إلي أن نزل بعسكره في مأمن، و في ذلك المأمن نزل عليه حمود بن ثامر و صار نزوله علي الوزير نعمة اقتضت من الوزير إكرامه و تعظيمه، كيف و قد ورد عليه إبان هزيمته و لين شكيمته، و بسالة فرسانه كالعدم، و رجالته تقول أفلح من انهزم.

و لما سكن بورود حمود اضطرابه … أقام في ذلك المكان … إلي أن صلح بسعي السفراء بين الفرقتين و التئام شمل ذات البين فدخل بغداد …

فأفاض علي حمود كل نعمة … فرجع شاكرا أنعامه …» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 206

نعمان باشا الجليلي:

و في 16 جمادي الأولي توفي الوزير محمد باشا الجليلي والي الموصل و دفن في جامع الشيخ محمد الزيواني فتسلم البلد ولده محمود بك، و في غرة شوال ثارت فرقة من الينگچرية … ثم صالحوهم فسكنت الفتنة و في 26 منه اعتزل الأمير أسعد بك ابن الوزير الحاج حسين باشا الجليلي و عزم علي محاربة أقاربه … و من ثم انسحب محمود بك فتسلم الموصل نعمان بك ابن الوزير سليمان باشا الجليلي في 7 ذي القعدة ثم ظهر في 22 منه فساد من أتباع أسعد بك فطلبه نعمان بك فهرب …

و بتوسط من الجليليين خرج أسعد بك إلي إربل … و في المحرم سنة 1222 ه ورد الفرمان بولاية نعمان باشا فسكنت الموصل.

الوهابية- سفرة إلي الحلة:

إن الوزير حينما عاد من سفر (پاي طاق) حدثت وقعة سليمان الكهية فشغلت فكره. و في هذه الأثناء شاعت قضية الوهابية … فأقام ببغداد نحو الشهرين و هو في حيرة و في 5 شوال تحرك من بغداد بما لديه من جيش إلي الحلة و بث العيون في كل صوب حذرا من المفاجأة.

و بوجوده لم يستطع الوهابية أن يتقدموا فلم تظهر لهم حادثة و أما التدابير المتخذة لخلاص سليمان الكهية فقد كانت نتائجها حسنة. بقي في طهران نحو ستة أشهر ثم رخص الشاه بانصرافه فورد بغداد فاستراح بضعة أيام ثم ذهب إلي الحلة لملاقاة الوزير. و لما لم يبق حذر من الوهابية، عاد الوزير إلي بغداد فدخلها في 22 المحرم سنة 1222 ه و مدة سفره هذه بلغت ثلاثة أشهر و 28 يوما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 207

و بهذا وجه الأستاذ سليمان فائق اللوم علي الوزير من جراء خرقه في سياسته

بهجومه علي إيران و معاملته عبد الرحمن باشا.

حوادث سنة 1222 ه- 1807 م

رتبة ميرميران للكهية:

إن سليمان الكهية كانت أعماله مرضية للوزير فالتمس من دولته أن تنعم عليه برتبة ميرميران فورد الفرمان و نال لقب (باشا).

جمل الليل في بغداد:

ورد البصرة فبغداد العالم أبو عبد الرحمن زين العابدين المشهور بجمل الليل، و في البصرة أخذ عنه عثمان بن سند المؤرخ المشهور.

و في بغداد روي عنه الأكابر و الأصاغر طلبا لعلو الإسناد، أما الوزير فزاد في إكرامه و لكنه فاجأه الأجل فحال دون الوفاء بما وعد من عزمه علي شراء أملاك يقفها في مدينة الرسول صلي اللّه عليه و سلّم. و أمره الوزير سليمان باشا بعد ما توفي خاله أن يقرأ البخاري … ثم رجع من بغداد علي طريق البصرة في سنته هذه و لم ينل مطلوبا. و توفي في حدود سنة 1235 ه.

قتلة علي باشا:

جاء قبل ثلاث سنوات مدد بك من أعيان باطوم إلي الوزير فأكرم مثواه، إلا أنه كفر النعمة، فاتفق في الخفاء مع مصطفي الأبازة و أمثاله و هم ثمانية أو تسعة تحالفوا علي اغتيال الوزير و صاروا ينتهزون الفرصة.

و في 24 جمادي الثانية ليلة الثلاثاء كان الوزير حسب المعتاد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 208

يؤدي صلاة الصبح عند طلوع الفجر مع الجماعة، و بينا هو في السجدة الثانية من الركعة الأولي إذ فاجأه مدد بك بضربة خنجر و آخر ضرب عباس آغا المهردار في بشتاو (بشتاوه) فأرداه. و في الحال كسر (السراج) و أطفي ء الشمع فخرجوا و ذهبوا إلي دار نصيف آغا كتخدا البوابين. أما المهردار فإنه توفي في آنه و لكن الوزير بقي ساعة فمات.

أما سليمان باشا الكهية فإنه حينما سمع بالخبر وافي إليه في حالة النزع. فعهد لبعض الأغوات بالقيام بما يلزم لتكفينه و دفنه و عاد هو إلي مكانه لضبط الإدارة و رعاية منصب الحكومة ثم دفن الوزير في مدرسته قرب السراي بإجلال و عظمة. و الملحوظ أنه

لم تعرف له اليوم مدرسة باسمه.

ترجمة الوزير:

اشارة

قال صاحب الدوحة: «إن هذا الوزير عمر نحو 45 سنة. و أيام حكومته مع مدة القائممقامية خمس سنوات و ثلاثة أشهر و 19 يوما. و هو من مماليك سلفه سليمان باشا، رباه، فحفظ القرآن الكريم، و هو ذو دين و ورع، يحب الصلحاء، و العلماء … و كان خفيف الروح، أديبا، سخي الطبع، شجاعا، صعب المراس، ذا هيبة و وقار و صاحب غضب وحدة و مناقبه كثيرة …» اه.

و قال صاحب مرآة الزوراء:

«تولي علي باشا بعد وفاة سليمان باشا فوجد كل شي ء في مصلحته. و هو جري ء جسور، لذا أخاف الناس إلا أنه سريع الغضب و لم يكن له من الدراية ما يكفي مما دعا إلي حروب و مخاصمات كان في غني عنها، منها ما كان قبل أوانه، و منها ما لم يحسن عمله. فلم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 209

تتقدم الإدارة في أيامه بل انحطت و أدت إلي ضعف إلا أن ذلك كان زمن شباب (المماليك) فلم يشعر بالضعف في حينه …» اه.

و يعرف ب (أبي غدارة). لأنه كان يحمل الغدارة و هي نوع سيف له حدان، و ليس فيه انحناء، و إلي وقت قريب تستعمل الغدارة.

و أوضح صاحب مرآة الزوراء أنه بعد وفاة سليمان باشا خلفه كتخداه علي باشا. و هذا كأنه حصل علي الثروة بطريق الإرث فصار يهب إنعامات كبيرة لأدني أمر فيمنح الألف ليرة و ما يزيد فاشتهر بين العوام، فأسرف حتي في الإكراميات و أمثالها. فكان إذا توفي أحد من العلماء، أو من رجال الحكومة يمنح أسرته ما يحتاجون من أطعمة، و ما يكفيهم من حبوب و دراهم و يخصص لهم مخصصات. و هذا و إن كان من الأمور المستحسنة إلا أنه

لم يوزن بمقياس صحيح. و كذا راعي أقوال بعض المغرضين فسفك الدماء أيام وزارته فأفرط» اه.

و هذه الوقائع لا ننسي منها قتل آل الشاوي و غيرهم. أراد أن يمشي مشية سليمان باشا في قهره و سطوته فخاب فالخرق في أعماله ظاهر، و أراد أن يتحكم في إمارة بابان ففشل و قتل خالدا الكهية دون تحقيق بل لمجرد الواهمة، و جهز جيشا علي الوهابية فخذل. و هذه الوقائع فضحت أمره، والدين براء منه، لسوء أعماله و قسوته.

و كان المماليك عصبة لم يؤثر فيهم خرق أمير أو وزير و إلا فإن أعماله هذه كافية لهدم صرحهم. و إن صاحب الدوحة أثني عليه إلا أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 210

لم يستطع أن يستر خطله. و قال: التف حوله بعض من لا خلاق له فسفك الدماء …

سليمان باشا الكهية:

إن الذين غدروا بالوزير غيلة ذهبوا إلي دار نصيف آغا، و رأي في نفسه الكفاءة فجمع له جموعا و صار يدعو لنفسه، فمضي إلي دار الحكومة، و لكن عامة الأهلين حينما سمعوا بالأمر قالوا لا نريد غير سليمان، أذعنوا له بالطاعة من تلقاء أنفسهم، فاختاروه (قائممقاما) قبل أن يتحرك نصيف آغا بحركة، و لما جاء نصيف آغا بجمعه إلي قرب السراي و اطلع علي ما وقع تفرق شمله و ذهب إلي جانب الكرخ فاختفي.

أما مدد بك و مصطفي آغا الإبازة و أعوانهما فقد ألقي القبض عليهم الواحد بعد الآخر فنالوا عقوبتهم و كذا من شايعهم و أجريت التحريات الشديدة علي نصيف آغا فألقي القبض عليه في الكرادة. و قبل أن يصل إلي (القائممقام) صادفه أغوات الداخل في جانب الكرخ فقطعوه إربا إربا …

وقائع:

1- إن متصرف بابان عبد الرحمن باشا وصل إليه خبر هذه الوقعة فنهض في الأثر و توجه إلي كوي و حرير للاستيلاء عليهما، و لكن متصرفهما سليمان باشا ثبت للمقاومة فلم ينل منه غرضا وعاد.

2- إن خالد باشا متصرف بابان سابقا كان مهجورا في كركوك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 211

و حينئذ جاء إلي بغداد و نزل الميدان لمناصرة سليمان باشا و أجري مراسم الخدمة و الإخلاص له.

3- نهض عبد الرحمن باشا من جهة لواء كوي فأراد أن يولد اضطرابا في أنحاء بغداد فمر بكفري حتي وصل إلي قريب من الخالص.

و كان رئيس الكتيبة في شهربان مع بيارق الخيالة و اللوندات فسير إليه عبد العزيز بك أخا خالد باشا و بعض العشائر و العقيليين و ثلاثمائة من خيالة (بابان) ليكونوا قوة له فلم يجسر عبد الرحمن باشا أن يوقع أي ضرر

و إنما بقي بضعة أيام ثم رجع.

4- في هذه الأثناء ظهر من كاتب الديوان (محمد أفندي بن لطف اللّه أفندي) بعض الأوضاع منها أنه نفّر متسلم البصرة سليم آغا كما أنه حث عبد الرحمن باشا علي المجي ء. فلما تبينت منه هذه الأوضاع ألقي عليه القبض و نال جزاءه داخل القلعة و نصب مكانه (ولي أفندي) فصار (رئيس الديوان) و هو كاتب بليغ و منشي ء قدير، أعجوبة في البلاغة و الفصاحة، قلمه سيال، و كتابته رائقة جميلة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 212

حوادث سنة 1223 ه- 1808 م

وزارة سليمان باشا:

اشارة

لم يرق المحضر للدولة للخيانة التي أدمجها كاتب الديوان السابق محمد أفندي و لذا وجهت الإيالة إلي يوسف باشا و بقيت في عهدته ثلاثة أشهر أو أربعة. و من ثم شنعت الدولة علي سليمان باشا لمحاولتها القضاء علي المماليك.

ثم إنه بعد أن عين ولي أفندي لرئاسة الديوان دبج عرضا و محضرا آخر و أرسل مجددا إلي الدولة يلتمس فيه التوجيه و بوصوله ورد الفرمان بإجابة ما طلب فرفعت الوزارة من يوسف باشا و وجهت إلي سليمان باشا الكهية في المحرم بواسطة معتمد كتخدا الباب محمد أفندي. و السبب في هذا لم يكن كاتب الديوان و إنما هو السياسة و فيها توجيه للمعذرة و انتحال تدبير.

و جاء في تاريخ الكولات:

«لما علم الباب العالي بوفاة الوزير علي باشا وجهت إيالة بغداد إلي يوسف ضيا باشا الصدر السابق و كان واليا علي أرضروم (أرزن الروم) مع القيادة العامة في الجبهة الشرقية. و هذا بعث فيض اللّه أفندي متسلما من قبله، و كان سير إلي بغداد، أما سليمان باشا فإنه حينما سمع بذلك جهز جيشا بقيادة أحمد بك أخيه من الرضاعة و زوده بتعليمات خاصة و بعثه إلي ماردين التي لا تزال تحت سيطرة ولاة بغداد و في هذا الحين و بينا كان فيض اللّه أفندي متوجها إلي جهة بغداد إذ علم أن الجيش المذكور ورد ماردين فلم يتمكن من الذهاب إليها. و لذا عدل إلي كركوك فوصل إليها، و حينئذ ألقي القبض عليه متسلم كركوك و تحري عما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 213

لديه فوجد عنده أمرا من يوسف ضيا باشا يتضمن متسلميته و علي هذا وقفه و منع أن يتصل بأحد.

و من ثم قام سليمان باشا بأعمال عدائية، و

تأهب للعصيان فيما إذا أصرت الدولة. هذا من جهة، و من جهة أخري بذل لها الأموال، و أبدي الإخلاص، و تعهد في المحضر الأخير أنه يؤدي مخلفات سليمان باشا و استعمل اللهجة اللائقة في محضره، و طلب أن توجه إليه إيالة بغداد و سائر ما يلحق بها من البصرة و شهرزور» اه.

و في غرائب الأثر أبدي أعماله العدائية للدولة و بذلك كله انجلي ما أبداه صاحب الدوحة من تعمية عن حقيقة الواقعة مما مر به سريعا و بإيجاز.

لم تر الدولة بدّا من قبول ما عرض، رأت الجيوش في إيالة ماردين، و أن المتسلم قبض عليه، و الأموال بذلت، و مع هذا أبدي الوزير الخضوع و أظهر الطاعة، فلم تر الدولة مبررا يدعو لرفض الملتمس فقبلت ذلك خصوصا بعد ورود المحضر و العرض الأخيرين لما في لهجتهما ما يستدعي القبول بخلاف الأولين فقد كانا شديدي اللهجة و مما لا يرضي التفوه بهما.

لذلك كله وجهت الإيالات و قبلت المعذرة حسب التعهدات المارة و جاء المنشور فأجريت المراسيم المعتادة … وصلت صورة المنشور في منتصف شوال سنة 1222 ه و في ذي الحجة قدم إلي بغداد سلاحشور السلطان و معه أصل المنشور و الخلعة فتلقاهما بفرح و زال عن بغداد الهمّ و ضربت طبول البشائر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 214

عبد الرحمن باشا متصرف بابان:

أذعن للوزير بالطاعة جميع الأنحاء و العشائر إلا متصرف بابان.

و ظهرت منه بعض الأوضاع التي لم يصبر الوزير علي تحملها. فجمع ما لديه من جيوش و جماعات فسار عليه في 3 ربيع الآخر. و حط رحاله في محل يبعد نصف ساعة عن مضيق بازيان.

أما عبد الرحمن باشا فقد استعد للقراع و سدّ المضيق ببناء محكم جدا

و أعد نحو أربعة أو خمسة آلاف من الجند المشاة و الفرسان و بدأ الخصام، فصار الوزير يلتمس طريقا آخر أو ممرا من يمين المضيق أو يساره. و ذلك لمدة يوم أو يومين، فعثر علي ممر في يمين المضيق صالح لمرور المشاة. و في ليلته جهز (أو جقلية) كركوك و بندقيين من إربل و بعض الكرد من المشاة جعلهم مع محمد بك آل خالد باشا و بقيادة محمد بك الآخر كهية الوزير. و أمرهم أن يجتازوا من الممر المذكور و يحتلوه.

و أن سليمان باشا متصرف كوي ورد إلي مضيق خطيبان فأمر بالذهاب إلي الجهة اليسري من مضيق بازيان.

صعد هؤلاء الجبال ليلا فصاروا في أعلاها فعرف ذلك عند الصباح، و أن الوزير هاجم أيضا من جهة نفس المضيق فكان عبد الرحمن باشا قد حوصر من فوق و من أسفل، فلم يستقر له قرار و تزلزلت منه الأقدام و اضطرب جمعه فولي الأدبار. و أن خالد باشا و سليمان باشا تعقبوه و ساروا في أثره إلي قزلجة المحادة لإيران و أن أكثر أتباعه مالوا إلي جهة خالد باشا.

و بعد بضعة أيام عاد الموما إليهما إلي فيلق الوزير رابحين المعركة. و من ثم وجه الوزير لواء بابان إلي سليمان باشا و عهد بلواء كوي إلي محمد بك آل خالد باشا و كان وعده الوزير بمتصرفيته، و كساهما الخلع و سيرهما إلي مواطن حكمهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 215

أما الوزير فإنه عاد إلي بغداد منتصرا فدخلها في 28 جمادي الأولي.

الوهابية- و الوزير:

في هذه الأيام جاءت الأخبار أن عبد اللّه بن سعود جمع جموعا كثيرة، و غزا العراق، فتأهب الوزير و توجه نحو الحلة فتحقق أن الوهابيين لم يأتوا

فعاد إلي بغداد. و كان سفره من بغداد في 11 جمادي الأولي و رجوعه إليها في 22 منه.

متصرفية بابان:

استند عبد الرحمن باشا إلي شاه إيران فعده ركنا ركينا له. و لذا عزم الوزير أن يسير عليه، و جري ما جري.

و من ثم مال أتباعه إلي خالد باشا فكانت المصلحة تقضي أن يعطي لواء بابان إلي خالد باشا فلم يعطه بل لم يوجه إليه حتي منصب لواء كوي فيطيب خاطره به و لم يكتف الوزير بكل هذا و إنما نسب المغلوبية الأولي إلي تقصير منه و لم يعين له راتبا، ليقتات به و أقعده في كركوك. و كذا سكن عبد الرحمن باشا في أراضي (سنة) فقدم عرائض إلي الشاه يطلب فيها قبول دخالته و أن يساعده.

و في هذه المرة أرسل رسولا و معه كتاب يلتمس فيه من الوزير العفو عنه و يرجو أن يعينه. و بعد التوقف لبضعة أيام أرسل الوزير رئيس كتيبة الخيال (باش آغا) و معه البيارق إلي ديار الكرد ليكونوا قوة لسليمان باشا، و من جهة أخري أن خالد باشا نظرا لما ناله من اليأس لم يبق له أمل في البقاء. فراسل عبد الرحمن باشا و لكنه أبدي أنه يريد السفر إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 216

بغداد و جمع له نحو خمسمائة أو ستمائة خيال و تحرك من كركوك. و لما وصل إلي ما بين كفري و قره تپه أمال عنان خيله إلي ناحية زهاو (زهاب) فالتحق بعبد الرحمن باشا في محل يقال له مريوان (مهربان) فورد خبر ذلك إلي الوزير و حينئذ لم ير بدّا من توجيه لواء بابان إلي عبد الرحمن باشا و أرسل إليه خلعة و عزل سليمان

باشا و جلبه إلي بغداد فخصص له و لإدارته مندلي و خانقين و علي آباد (علياوة) المقاطعات المعروفة.

إيالة الموصل:

اشارة

إن أحمد بن بكر الموصلي كان آباؤه و أجداده لدي ولاة الموصل بأنواع الوظائف و منهم رؤساء الديوان و الكهيات، و يتولون المناصب حسب مقدرة كل منهم و يعيشون برفاه و سعة عيش، و لهم المكانة المعتبرة.

و في غرائب الأثر:

«في 20 المحرم- سنة 1224 ه- ولي مدينة الموصل أحمد باشا … سعي له بالحكم والي بغداد لبغضه لآل عبد الجليل … كان جدّ أحمد باشا يونس فقير الحال و له أدب و حسن خط فاستخدمه بعض أتباع الوزير الحاج حسين باشا الجليلي، ثم تقدم و خدم ولده أمين باشا، و نال لديه مكانة لحسن سيرته و فرط أدبه حتي جعله كاتب ديوان الإنشاء و سافر معه إلي الجهاد، و لما خرج أمين باشا من الأسر جعله كتخداه فكان محمود السيرة إلي أن توفي أمين باشا و كان ولده الوزير سليمان باشا قد جعل كاتب ديوان إنشائه بكر بن يونس و حظي عنده و كثرت دولتهم و نمت نعمتهم و عزت كلمتهم. و لم يزل بكر متصلا بخدمة مواليه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 217

صادقا في خدمتهم و صار له أولاد فاستخدمهم سليمان باشا و قربهم إلي أن استعفي من الحكم و ولي مكانه أخاه الوزير محمد باشا فجعل بكر أفندي كتخداه و ولده المترجم أحمد باشا كاتب ديوان إنشائه و باقي إخوته من أجل أتباع الوزير محمد باشا. و لما مضت برهة من الزمان توفي بكر فأقام أولاده في عز و كرامة. فلما ولي الموصل نعمان باشا ابن سليمان باشا بعد وفاة محمد باشا قرب إليه أحمد و جعله كتخداه فازداد عزا و نمت دولتهم و اشتهر ذكرهم إلي أن عرض لنعمان باشا مرض الفالج فحدثت

أحمد نفسه بالحكم فأرسل إلي والي بغداد و تعهد له بذهاب دولة آل عبد الجليل … لعلمه أن والي بغداد يعاديهم طمعا في ملك الموصل لنفسه … فجعل أحمد يتراسل خفية مع والي بغداد … ثم خاف من مواليه أن يطلعوا علي أفعاله … فعزم علي المسير إلي بغداد … فنصب أشراك الحيلة لتكون لإخراجه من الموصل وسيلة حتي يجتمع بوالي بغداد و يحرضه علي الفساد فجعل يطوف علي مواليه و يجتمع بواحد واحد و يحرضهم علي طلب الحكم … فباحوا له بأسرارهم … فسار إلي بغداد و اجتمع بواليها … و جعل يقدح بمواليه حتي رفضهم والي بغداد … ثم إن والي بغداد عرض علي الدولة يطلب حكم الموصل لأحمد فأجيب إلي ما طلب …» اه.

و لنعد إلي الدوحة قال:

و في هذه الأيام أيضا كان كاتب الديوان لدي نعمان باشا الجليلي متصرف الموصل إلا أن ميله كان في إدارة الحكومة و رغبته مصروفة إليها بكلية زائدة، و أنه عهد إليه لمرة أو مرتين قيادة عساكر الموصل، و أن الموما إليه كان مع سليمان باشا في سفر دربند فهو بمعية سليمان باشا و أظهر له من الإخلاص و التفادي ما لا يوصف، و الحق أنه ذو لياقة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 218

و كفاءة و أبدي في كل أحواله سواء في الحل و الترحال و الإدارة من المهارة ما استوجب الثناء العاطر و رضا الوزير التام بما أبداه من المقدرة و التعقل. فالوزير راض من كل عمل من أعماله.

و أن نعمان باشا كان مبتلي بعلة الفالج و ليس له من المقدرة ما يمكنه من القيام بأعباء الحكومة و أن الموما إليه كان قدم رقيما (قائمة) من نعمان

باشا حين وروده إلي سفر دربند يوصي به الوزير أن يعينه بناء علي سؤاله، و أبدي للوزير ما في ضميره و أفشي له سره و عرضه عليه.

لذا التزم جانبه و التمس من الدولة أن تمنحه الموصل برتبة مير ميران (باشا)، فكانت الدولة تروّج مطالب ولاة بغداد في عزل والي الموصل و نصب غيره. و بهذه الصورة قبل رجاء الوزير و وجهت إيالة الموصل إليه برتبة مير ميران.

و من ثم نال أقصي ما تمني و حصل علي رتبة (باشا) و بعد بضعة أيام أذن له الوزير بالذهاب إلي وظيفته، و علي الأثر رشحه إلي السفر إلي جهات ماردين لتأديب بعض العشائر، و كذا عين بمعيته أمير كوي محمد بك مع بندقيي لوائه. فورد الموصل في 20 المحرم سنة 1224 ه و من ثم تأهب لإعداد جيشه و تدارك اللوازم المقتضية له ثم سارع للجهة التي أمر بالذهاب إليها.

قبيلة العبيد:

صالح الوزير قبيلة العبيد و استخدمها كما أنه قرب قاسم (جاسم) بك الشاوي منه و نفر من آل الجرباء لما رآه منهم في وقائع الموصل.

و تم ذلك في سنة 1224 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 219

حوادث سنة 1224 ه- 1809 م

اليزيدية- الظفير:

اشارة

إن عشائر الظفير كانوا في تلك الأيام يقطنون أراضي الرها (أورفة) و يسكنون الخيام و لم يحصل تجاوز منهم علي أحد و كذا قبيلة الدريعي من عنزة. و كان بين فارس الجرباء و بينهم عداء قديم فأبدي للوزير أن لديهم غنائم كثيرة و من السهل الحصول عليها فسول له أن يسير عليهم، و كان الأولي به أن لا يلتفت إلي تنفيذ مآرب الآخرين تشفية لغليلهم ممن لهم العداء معهم و لكنه لم يدرك هذه الأمور و لم يراع المصالح الحقيقة.

و أن السبب الذي بينه صاحب الدوحة لم يذكره صاحب المطالع و إنما قال لتأديب هؤلاء و الظاهر أنه بسبب توجهه إلي ماردين و تلك الأنحاء سخطت عليه الدولة، و هو يعد نفسه صاحب الحق في التسلط عليها إذ إنها بيد ولاة بغداد إلي ذلك الحين فجعل صاحب الدوحة ذلك سببا في المضي في حين أن السبب الحقيقي المحافظة علي أملاك الحكومة و ساحة حكمها …

لذا تحرك برغبة الشيخ فارس الجرباء لتأديب عشيرة الظفير و قوم الدريعي من جهة و التنكيل بأشقياء سنجار من جهة أخري، فخرج من بغداد في 25 من المحرم متوجها إلي تلك الأنحاء.

قال صاحب غرائب الأثر:

«عزم والي بغداد علي السفر إلي جهة ماردين و أمر العساكر بالمسير أمامه لتعديل نظام تلك الجهات فقدم والي كوي محمد بك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 220

بالعساكر إلي الموصل و سار إلي ماردين، ثم قدم عسكر كركوك و زعماؤها، ثم عسكر إربل، ثم عسكر مندلي، ثم عسكر زهاو، ثم عسكر تكريت، ثم عرب البو حمدان، و البو سلمان ثم عرب طيي ء الذين في شمامك، ثم عرب العبيد (البو حمد). و لم يزالوا يتواردون أفواجا و يتوجهون إلي

جهة ماردين.

خرج الوزير سليمان باشا من بغداد بعساكر تسدّ الفضاء … و سار إلي مدينة تكريت فجاء الخبر أن عرب الظفير و الدريعي كثر بغيهم فسار من تكريت إلي جهة (الحضر) و هي خرائب ثم توجه إلي جهة جبل سنجار و نهب مدينة بلد من أعمال سنجار ثم نهب قري المهركان و قطع أشجارهم و خرب ديارهم، و أعمي آثارهم، ثم نزل علي جهة الشمال من سنجار و حاصرها أياما، ثم رحل و توجه إلي جهة الخابور فبلغ عرب الظفير و الدريعي خبر قدوم العساكر فهربوا و عبروا نهر بليخ، و نهر الفرات. و كان عرب الجرباء و الملية علي شاطي ء الفرات محاصرين لهم. و أرسل والي بغداد لهم إمدادا اثني عشر ألفا من العساكر، و نزل سليمان باشا بمن معه عند رأس الخابور محاصرا الظفير.

و إن والي الموصل أحمد باشا أمر الزعماء بالسفر، و كذا وجوه أهل الموصل من الينگچرية و خرج من الموصل في أواخر صفر و أخذ معه جماعة من بني عبد الجليل ممن كان زعيما و توجه إلي جهة ماردين و اجتمع بوالي كوي محمد بك فنزلوا علي قري ماردين و نهبوها ثم نزلوا علي قرية ديرك و هي علي جبل و أهلها شرفاء و حاصروهم و التحم بينهم القتال عند رأس الشعب فأظهر أهل الديرك أنهم انكسروا فتبعهم عسكر الموصل و عسكر محمد بك فرجعوا عليهم و قتلوا من عسكر الموصل سبعة عشر رجلا واحد منهم من زعماء الموصل و سلبوا منهم أربعين رجلا و قتل من عسكر العراق ستون و سلب منهم خمسون و رجع العسكران بالخيبة إلي خيامهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 221

ثم ورد الخبر إلي

والي بغداد و هو برأس عين الخابور أن العرب المجمعة من عسكره و هم الجرباء و العبيد و الملية و البو حمدان، و البو سلمان أغار بعضهم علي بعض من شدة الجوع و نهب القوي الضعيف و صار الكل أيدي سبا و هربوا إلي أماكنهم و لم يظهر لهم نبأ و نهبوا أموال مقدمتهم من عسكر بغداد أحد أمراء سليمان باشا و من سلم من أتباعه قدم إلي عسكر سليمان باشا …» اه

و هذه الحروب لم تسفر عن نتيجة مشرفة، أصابت الجيش أخطار و مهالك من كل صوب رأوا إهانة و خذلانا، و أورثوا في الجيش نقصا و سببوا معائب في الرأي العام …

و بهذه الحالة عاد الوزير إلي الموصل و نزل (باب الطوب)، فبقي يومين، و في اليوم الثالث سار عنها.

اضطراب في الموصل:

أما آل عبد الجليل فإنهم كانوا قد اغبروا من نصب أحمد باشا متصرفا علي الموصل و لكنهم تحملوه كرها و لم يبدوا معارضة سوي أنهم كانوا يترقبون الفرص للوقيعة به … و في هذه المرة رأوا أن الفرصة سانحة، خصوصا أنه ظهر منه الخرق و عدم القابلية رأي العين، و أن الوزير أيضا لم تبق له مهابة في قلوبهم فلما جاؤوا إلي الموصل اتفقوا عليهم في الخفاء فاختاروا من بينهم أسعد بك للمخاصمة و انحاز لجهتهم أكثر الأهلين فعاضدوهم.

فالوزير لم يعلم عن ذلك شيئا فلما أمر بالرحيل سمع في هذه الأثناء صوت البنادق قد ثارت و بوشر بالحرب … و عند ذلك حاصر أسعد بك في داره و أعلن الخصام فعاد الوزير و أمر بنصب الخيام و طلب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 222

من الأمراء الالتحاق بالجيش فجاؤوا ما عدا أسعد بك

الجليلي. و في خلال ذلك اشتد الخصام و النضال.

و لما كان جانب الجيش متصلا بالخندق قرب السور فالبنادق تأتي طلقاتها إلي الجيش و تصيب بعض أفراده خطأ أو عمدا حين القتال بين أحمد باشا من جهة و أسعد بك من أخري فأحدث هذا تشوشا و اضطرابا فاضطر الفيلق أن يرحل من مكانه لما أحس به من خطر و نزل في محل يبعد نحو ساعة من أسفل المدينة و صار ينتظر ما ستؤول إليه حال أحمد باشا …

إن الأمراء الجليليين الذين أحضروا إلي الجيش أخبروا أن أسعد بك نجح علي خصمه أحمد باشا و أن الأهلين ساعدوه و طردوا أحمد باشا استفادة من رحلة الجيش عنهم فاضطر الوالي إلي الهزيمة مع بعض أعوانه اثنين أو ثلاثة و جاؤوا إلي الفيلق …

وصلت الحالة إلي هذا الحد و لم يتيسر اتخاذ إجراءات سريعة و عاجلة حتي أنه ليس من المصلحة بقاء الجيش في هذا المحل. و لذا أمر الوزير أن يقوم الجيش و يذهب إلي (كشاف)، و آخر أبقي مع أحمد باشا و كذا جعل معه سليمان بك آل الفخري و هو من ندماء الوزير و نهض من المحل المذكور و توجه نحو بغداد فدخلها في 4 جمادي الثانية.

و مدة هذا السفر خمسة أشهر و يومان. أما الأمراء الجليليون فإنهم عادوا إلي الموصل أثر قيام الوزير و عودته إلي بغداد …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 223

وقائع أخري:

1- نفي عبد اللّه آغا الخازن السابق، و طاهر آغا الچوقدار الداخلي السابق بناء علي وشاية وردت إلي الوزير بأنهما فاها بما يخالف واجبات وظائفهما، و أبعدا إلي البصرة. أرسلهما مقيدين و حبسا فيها.

2- إن أحمد باشا تأخر في كشاف

إلي أن تتخذ التدابير لإدارة شؤونه، و معه سليمان الفخري و عشائر شمامك، و ظاهر الحسن المنفصل من مشيخة طيي ء مع مقدار من بندقيي إربل، و شيخ الغرير محمود الخليفة مع عشيرته.

3- بعد عودة سليمان باشا إلي بغداد عين معه عساكر العمادية.

و لكنه حينما أراد المضي إلي الموصل نبه أن ينهب القري و ينكل بها …

4- لما علم ذلك آل الجليلي أمراء الموصل اتخذوا جيشا و مشوا علي أحمد باشا. و أن متصرف العمادية زبير باشا حسب الأمر نظم نحو ثلاثة آلاف من الخيالة و المشاة و أرسلهم لمعاونة أحمد باشا تحت قيادة أخيه موسي بك و لم يمض نصف ساعة حتي التقي الجيشان فدارت الدائرة علي الموصليين فكسروا و ألقي القبض علي عثمان بك من (الجليليين) و بعد انتهاء الوقعة أصابت أحمد باشا رمية رصاصة فأردته قتيلا فتوفي …

و لما وصل خبر ذلك إلي الوزير تيقن أن عمل هؤلاء مرذول لدي الدولة و أن ذلك مما دعاه أن يضيق علي الثوار داخل الموصل و يتسلط علي القري فعين أخاه من الرضاعة أحمد بك للقيام بذلك و كان ولاه حكومة البصرة و جهز معه العساكر ليحاصر الموصل فوصل إليها و أقام في إربل و بواسطة العشائر التي حاربت الموصل بأمر من الوزير قبيلة الزگاريط (الزقاريط) و كانت في ماردين و قبيلة زوبع و كانت أيضا في أنحاء ماردين و كذا أرسل الوزير إلي شمر الجرباء لينهبوا قري الموصل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 224

و إلي أهل قرية شيخان يحثهم علي نهب أموال الرعايا و تخريب القري فلم يمتثل أمير الشيخان حسن بك ما أمر به و امتثل الأمر أخوه عبدي بك فأضروا كثيرا …

و هاجم أحمد بك بالزگاريط الموصل مرتين لينتقم من الثوار و انتهب قراها.

و في هذه الحروب أسر الحاج عثمان بك الجليلي و جي ء به إلي بغداد فوبخه الوزير … و أن قبيلة الزگاريط أسرت عثمان العمري و لم تفكه إلا بفكاك دراهم مقبوضة … فسمعت الدولة بقتل أحمد باشا من قبل أسعد بك. لذا وجهت إيالة الموصل في غرة شوال إلي محمود بك آل محمد باشا الجليلي برتبة مير ميران و أمرت بترك التضييق عن الموصل فدعي أحمد بك إلي بغداد … وصل المنشور إلي محمود بك في ذي القعدة و عزم أسعد بك علي معارضة محمود باشا فلم يطعه أحد و توفي في 9 ذي الحجة.

5- و كان أحمد باشا بعد قتلته دفن قرب نهر الخازر. هذا و التحامل علي أحمد باشا مبالغ فيه. و أحواله الماضية تؤيد أنه لم يصح ما توجه عليه من الذم. و هو صاحب المدرسة المعروفة في الموصل باسمه.

و كانت مدة إقامة أحمد باشا بالموصل لما ولي الحكم أربعين يوما من وقت قدومه ثم سافر و لما عاد أقام ستة أيام فكان ما كان …

قاضي بغداد:

كان قاضي بغداد فخري أفندي عرف بسوء الأحوال مما لا يليق بالقضاء. و لذا كف الوالي سليمان باشا يده، و أناب الكاتب الأول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 225

فأقامه مقامه في الأمر، و نقله إلي محل آخر حذر الفتنة. فعاد إلي استنبول و نفي إلي جزيرة لمني. و هو المعروف ب (مفتي زاده محمد فخر الدين). و عندي حجج شرعية في مجموعة خطية صدرت في أيامه منها بتاريخ ربيع الأول سنة 1222 ه و منها وقفية جامع الصاغة في 21 شهر رمضان سنة

1223 ه.

حوادث نجد و الجزيرة:

في أواخر شعبان وردت إلي استنبول قائمة من وزير بغداد تنبي ء بظهور مرض الطاعون في الجزيرة العربية، ففتك فيها، و أدي إلي أضرار كبيرة في النفوس، فخلت غالب البيوت من الناس، مما أدي إلي خلل كبير فيها. و بين أن هذه الحالة دعت إلي ضعفهم و قلتهم و أدت إلي نكبتهم.

شمر الجرباء و الوزير:

قبض الوزير علي أحد أمراء الجرباء في بلدة عانة و صلبه فغضب عمه فارس أمير الجرباء فرحل عن بغداد و نزل قريبا من جبل سنجار فأرسل إليه الوالي يترضاه و يأمره بمعاداة أهل الموصل فأبي. و اتفق مع أمير طيي ء فارس بن محمد لحقده عليهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 226

حوادث سنة 1225 ه- 1810 م

حالت محمد سعيد:

إن الدولة العثمانية سيرت حالت محمد سعيد المعروف بالرئيس إلي بغداد لبعض المطالب الظاهرية. و الأسباب الخفية أظهرتها الوقائع.

قال الأستاذ سليمان فائق:

«إن حركة الوزير بفيلقه و تجاوزه حدود إيالته إلي إيالة أخري مما أغضب عليه رجال الدولة لا سيما أنه أبدي إمهالا بل أهمالا في تأدية بدل مخلفات سليمان باشا و علي باشا فلم يؤد شيئا من ذلك …

فاختير لهذه المهمة (رئيس الديوان الهمايوني) حالت …» اه.

وصل إلي بغداد في 25 جمادي الأولي. فواجه الوزير و أعطاه الأوامر و بلغه بما أرسل إليه. و حينئذ خصص له محلا للضيافة و الإقامة فيه. و كان الرئيس يترقب ظهور نتيجة من مهمته فمضت أيام و ليال و لم تظهر لها آثار، و ذكره بها فكان يعتذر و يدافع، و نصحه ببعض النصائح الخيرية فلم ير لها فائدة، و كان يلمح فيري منه تجاهلا، و يصرح فيجد عدم مبالاة. و ألح في الطلب فلم يسمع له قول …

تحدث الناس آنئذ بأنه جاء بعزل الوزير … فلما استراب منه أمر بعض من يثق به أن يكون له كالأنيس ليطلع علي ما في ضميره من الخبايا و يكشف عما أخفاه.

و بينا الناس في حيرة من أمره، و في دهشة من توقع مكره يتيهون في موامي الاستطلاع و يستنشقون أرج الأخبار و هو لا ينطق ببنت شفة

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 6، ص: 227

و لا يبدي ما عنده من نكرة و معرفة … أشفق من فوات مرامه و انحلال مغار ابرامه فبادر و خرج من بغداد … و لم يقم بأمر ما فيها و لا تمكن أحد أن يعرف نواياه حتي الوزير فصرف ذلك إلي المطالبة بما جاء من أجله ظاهرا …

سوي أنه صرح بأن الوزير إذا لم يجر أمر السلطان فسوف يندم، و لذا بين الوزير أنه تكلف آلافا من الخدمات المطلوبة و تعهد بمقادير جزئية و اعتذر لحكومته بأعذار باردة و كتب لها بذلك و أعاد الرئيس بإكرام قليل و أرجعه إلي حكومته … إذ لم ير سامعا لأقواله و لم يجد لها تأثيرا فقفل راجعا خصوصا أنه لم يجد مجالا لبث فكرة و قد التف حوله رجال الوزير فلم يأمن من أحد …

أراد حالت التدخل في أمور المال فلم يتيسر له لقوة الوزير و لعدم تمكينه كما أنه لم يبح لأحد بالسلطة المخولة له إذا لم يجد التربة صالحة …

عصيان سليم آغا متسلم البصرة:

ظهر للوزير أن سليم آغا راسل الدولة طالبا منها أن توجه إيالة بغداد و شهرزور و البصرة إليه، فكتب إلي حمود بن ثامر شيخ المنتفق أن يخرج سليما من البصرة فتكاسل حمود و أبدي تهاونا ليتبين له الحال لأن سليم آغا أفهمه أن الرئيس حالت أقبل من الدولة بعزل سليمان باشا و توجيه الإيالة إليه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 228

قال صاحب المطالع: و قد كان فيما بلغني له يد معه في ذلك …

فلما استبطأ حمود قدوم الرئيس إذ لم يأته خبر عنه مع ترادف رسل الوزير عليه قرب من البصرة و كان سليم آغا أعد المراكب و له عسكر

في سور البصرة و أبوابه فاستنهض حمود سكان قصبة الزبير من النجديين فنهضوا و حاصروا البصرة مع برغش بن حمود فخاف بعض العسكر و فتحوا أبواب السور فندم سليم و بقي في المراكب أياما ثم سلمها و سافر بمركب إلي أبي شهر …

عزله الوزير و نصب أحمد بك أخاه من الرضاعة متسلما مكانه و جهزه الوزير بجيش فوصل إلي كوت العمارة فتأهب سليم آغا لمقاومته.

و لما كان في هذا المنزل جاءه خبر سقوط البصرة علي يد شيوخ المنتفق و أن المتسلم فر في زورق إلي جهة بندر أبي شهر. و حينئذ رخص أحمد بك العساكر التي معه و ذهب هو بنفسه شطا إلي البصرة فانحدر إلي هناك. فدخلها.

ورود علي بن محمد السويدي:

و في هذه السنة ورد البصرة الشيخ علي السويدي أرسله الوزير سليمان باشا إلي حمود قبل أن تفتح البصرة، و كان من خواصه الناصحين له. فكف اللّه به عن أهل البصرة ما عسي أن يتوقعوا من حاكمها أحمد بك لكونه غاية في سوء التدبير.

عود حالت محمد سعيد:

عاد حالت أفندي من بغداد خائبا فلم يحصل علي مطالب الدولة،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 229

و لم يتمكن من التشويش علي الوزير لأنه اتخذ له كل حيطة. و لما رأي ذلك تكتم بمطلوبه الحقيقي و وقف عند الأمر الذي جاء لأجله. و لكنه سير الإدارة من طرف خفي … و لما جاء الموصل عرض القضية علي دولته و مكث يستطلع الجواب. و الإدارة في بغداد معروفة، و يد المماليك الحديدية مسيطرة فلا تحتاج إلي بصيرة، و نفوذ نظر زائد.

حصلت تذمرات من هذا الوزير حين سفره إلي محاربة الظفير.

فتطاول الجيش علي قري كثيرة من ديار بكر، و أضروا بأهليها ذهابا، و علي قري الموصل و أهليها إيابا فاستغاث الجميع منه، و ضيق علي الموصليين أثناء قتلة أحمد باشا متصرف الموصل. فقدم العلماء و الأعيان في ديار بكر و الموصل، و الأمراء شكاوي تظلموا فيها من أوضاعه. عرضوها علي الدولة و كذا وردت تقارير حالت أفندي …!!

ذلك ما دعا أن يصدر الفرمان بعزله، و أنه إذا بدا منه ما لا يليق فيجب قتله، و أن يعهد حالت أفندي بالقائممقامية لمن يختاره و يراه أهلا، و أن يقوم بسائر ما يقتضي فزود بسلطة واسعة النطاق تفوق ما تقدمها.

و علي هذا خابر عبد الرحمن باشا متصرف بابان. و بينه و بين الوزير مشادة. و مثلها مع متصرف الموصل وجد موافقة من هؤلاء.

و سار

مع محمود باشا متصرف الموصل و استصحبا معهما شيخ طيي ء فارس الحمد، و أمير شمامك و رجالهما و فرسانهما فتوجها نحو بغداد.

و كذا تلاحقت معهما جيوش عبد الرحمن باشا فأنضموا إلي حالت أفندي فصار الكل تحت إمرته و تجمعوا في كركوك. و التحقت بهم عشائر العبيد و الغرير و قسم من البيات فتابعوهم و اتفقوا معهم …

فلما علم سليمان باشا بذلك صار يفكر في أمر الدفاع و المقاومة فعين كتخداه فيض اللّه الكهية لمقاتلتهم فنزل (خرنابات) من جهة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 230

الخالص و استراح فاتخذ فيها متاريس و أحكم أمرها … و كذا الجيش وافي لملاقاتهم فضربوا الخيام تجاههم فحصلت بضع مبارزات بين الفريقين و مجاولات فردية تطارد فيها بعض الفرسان ثم تأهب الفريقان للقتال و لازم كل مكانه فلم يحصل تقدم من أحد.

أما حالت أفندي فإنه أخبر خفية الأهلين ببغداد أن الفرمان صدر بعزل الوزير فأثر ذلك ببعض الناس. و كان في مقدمة هؤلاء عبد الرحمن الموصلي. قام بالأمر و تابعه جماعة من الموصليين و بعض البغداديين فاتفقوا بغتة و مشوا علي الآغوات و قتلوا آغا الينگچرية السيد إسماعيل آغا و قطعوا رأسه، و علي الفور مشوا إلي القلعة الداخلية و ضبطوها و تابعهم الأهلون و مشوا نحو الميدان و بذلك استولوا علي القلعة و لواحقها و اتخذوا المتاريس و شرعوا بحرب أعوان الوزير سليمان باشا.

و حينئذ انفصل من الوزير جميع أتباعه و عساكره ما عدا نحو المائتين من آغوات الداخل و من يتصل بهم. فقاوم هؤلاء و اتخذوا المتاريس و تحاربوا من الضحي إلي العصر. و علي هذا تغلب أتباع الوزير و فر عبد الرحمن باشا و أعوانه إلي الجيش

العثماني و معهم آغا الينگچرية فقدموه إلي عبد الرحمن باشا آل بابان و محمود باشا الجليلي.

و لما شاهد الجيش العثماني ذلك انبعث فيهم الأمل. و لذا لم يبالوا بخصومهم و ذهبوا إلي الجديدة.

و ذهب فيض اللّه الكهية بعسكره إلي بغداد و تبعهم علي الأثر جيش حالت فنزلوا بمحل يبعد ساعة عن الأعظمية، و كذا الوزير لم يبق له اعتماد علي أحد فعزم علي الحرب فخرج بما لديه من قوة في 10 شهر رمضان. و صادفه أعداؤه فتلاقي الجمعان فدامت الحرب و اكتسبت شدة، فلا تسمع إلا إطلاق المدافع و صوت البنادق و القتل و الضرب …

و في هذه المعركة قتل عبد العزيز بك بن أحمد باشا ابن عم عبد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 231

الرحمن باشا، و قتل معه نحو الثمانين من أعوانه أثناء المعمعة. أما الجرحي فكانوا يبلغون نحو المائة و خمسين فانكسر عبد الرحمن باشا كسرة فاحشة جدا و لكن قرب الغروب و تلاحق الظلام حالا دون تعقيبهم و اللحاق بهم. لذا ترك القتال إلي الصباح علي أن يستأنف لإتمامه و ذهب جيش الوزير للاستراحة.

أما عبد الرحمن باشا فإنه لما وافاه الليل سكن جأشه و ذهب روعه فثبت مكانه و تراجع جيشه رغم انكساره.

و أدي فيلق الوزير صلاة المغرب إلا أنه اختل نظامه حينما سمع بالفرمان فانحل نصف جيشه بين المغرب و العشاء، و في الليل عاد إلي بغداد، و لم يبال بانحلال جيشه بهذه الصورة و حاول أن يدخل الحرب مع عبد الرحمن باشا فتفرق عنه باقي عسكره و رجع إلي بغداد فاحتار في أمره و أسف لما ناله و لم يبق معه من اتباعه إلا نحو خمسة عشر رجلا …!!

قتلة سليمان باشا الصغير:

و حينئذ خرج خائفا و ضرب في البادية هائما بيأس و حرمان و مضي لجهة ديالي و غرضه الذهاب إلي شيخ المنتفق حمود فعبر إلي الجانب الشرقي و وصل إلي (عشيرة الدفافعة). فرأت الفرصة سانحة للحصول علي السمعة فقتلوا الوزير و قطعوا رأسه فجاؤوا به إلي عبد الرحمن باشا. و لم يفعل من العرب فعلة هذه العشيرة. و من ثم لصق بها العار و أن القاتل علي الشعيب من فخذ البو نجاد. و هو جد علي بن شخناب بن إبراهيم بن حمد بن علي الشعيب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 232

و في تاريخ زاده أن أطوار هذا الوالي كانت لا تليق بمهمة الوزارة و أن معاملاته قد خرجت عن حدود الطاعة فعهد بالأمر إلي (حالت محمد سعيد) فقام بالمهمة لإعادة النظام إلي بغداد و بسهولة ثم قتله و ورد رأسه المقطوع إلي استنبول في يوم الخميس 10 شوال 1225 ه فدفعت بقتله غائلة جسيمة.

ثم بين أن حالت عمل بعد ذلك لإعادة النظام، و أن عبد اللّه باشا نصب قائممقاما. و لما خول بأن بوجه الولاية إلي من يشاء بفرمان مفتوح و له أن يحشي اسم من أراد، عهد بولاية بغداد إلي عبد اللّه باشا، و أرشده إلي ما يجب عمله لإعادة النظام و عاد.

حياة الوزير سليمان باشا القتيل:

اشارة

إن الوزراء الأخيار قليلون و أقل منهم من راعوا حقوق الأفراد، و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر، و أصلحوا حالة المجتمع … و هذا أحدهم إلا أن سلطة الحكومة لم تناصره بل لا تريد أن تساعده في مشروع يفسد عليها ادارتها و يكون قدوة مثلي و نتيجة صالحة و إنما بذلت الجهود للقضاء عليه و إحباط مساعيه لا سيما

بعد أن عرفت أنه حاول إصلاح القضاء، و السلوك الديني المرضي أتباعا للسلف الصالح، و الطريقة المثلي.

كانت مدة وزارته بانضمام أيام القائممقامية ثلاث سنوات و شهرين و خمسة و عشرين يوما. و عمره نحو خمس و عشرين سنة جاء في الدوحة:

«هو في حد ذاته صاحب مروءة، و ليس له ميل إلي الظلم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 233

و التعدي، و هو بشوش متواضع، رقيق القلب، رؤوف و حليم. و كان وقاد الذهن ذكيا، شجيعا و جلدا، و مقبولا من الكل» اه …

قال عثمان بن سند:

«و لما تولي الوزارة … سار سيرة حسناء، في أهل بغداد و الرعناء، و جري علي منهاج السلف في الاعتقاد، و انحرف عن الجور و حاد، و رغب في الفنون الحديثة، و نكب عن الأبحاث الفلسفية، و منع قضاة أعماله عن أخذ العشور و رتب لهم معلوما من بيت المال بانقضاء الشهور و له أشياء حسنة، فطابقت عليها الألسنة، و حظي عنده شيخنا علي بن محمد السويدي العالي الإسناد … قال: بعد أن أثني عليه:

و سمعته يقول إنه عباسي النسب فهو علي ما قال من أشرف العرب» اه …

و قال بعد قتله:

«فمذ قتله ذلك الدفاعي، و أخبر بموته الناعي، كثر عليه الأسف، و ذرف عليه كل طرف و وكف، و ندبه الفضل و العدل، و أشمت كل مبغض كل:

بكي الفضل و الانصاف و العلم و التقي عليه و زالت كل شمس عن السمت

و أصبحت الآفاق تندب مفردا أحض علي تقوي و أبقي علي سمت

فأغصان الفضل بموته ذوابل، و أجفان الفضل عليه هواطل،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 234

و أقمار العدل إذ أفل أوافل. أدرك شمس أبهته الميل بعد الاعتدال، و انحطت بعد غاية الارتفاع إلي الزوال، فبكي عليه أهل بغداد و البصرة، و تزفروا لمصابه زفرة بعد زفرة، لكونه في مكان من الإنصاف، و علي سمت لا يوصم بالانحراف، و من مراعاة الأفاضل و الجريان، علي منهاج الأماثل، في مكان. لا يطاوله فيه مطاول، أبطل كثيرا من عوائد ذميمة، و أعمل فكره فيما يوجب الفضل تقديمه. فقد منع القضاة مما يوبقهم في النار، و فطمهم عن ارتكاب ما فيه شنار.

و قد ذكر لي محمد أمين مفتي الحلة، من فضله الذي لا يكون إلا في أشراف الجلة،

أنه سريع الفهم للأبحاث العلمية، خصوصا في العلوم الحديثة، مع أنه ما قرأ إلا القليل، فرحمه اللّه و أسبغ ظله الظليل» اه.

و قال في تاريخ الكولات:

«إن الوزير في حد ذاته ذو أخلاق حسنة، و عدل، و هو صاحب إنصاف و مروءة، متشرع و ذو دين، حليم كريم، و ممن شعارهم العاطفة … ألغي رسوم التحصيلية، و خدمة المباشرية، و المصادرات، و ضبط المخلفات و أمثال ذلك من الرسوم القديمة و الحادثة، و منع من كافة العقوبات ما عدا الإعدام، و في كل أحواله و أعماله مراع أحكام الشرع الشريف، حتي أنه عين لقضاة بغداد و للنواب و القضاة الآخرين رواتب من الخزانة بدل حاصلاتهم و معيناتهم. و من العجائب أن تلغي هذه الرسوم و تبطل واردات أساسية، و ترفع الغرامات و العقوبات المغايرة للشريعة المطهرة و التعذيب، و السخر و الأذيات … و مع هذا تتزايد الأموال الأميرية فتبلغ الواردات أضعاف ما تقدمها. و كذا أزال من البين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 235

السرقة، و قطع الطرق و ما شاكل من الحالات الفجيعة. و بذلك زال العناء عن الأهلين … إلا أنه نظرا لحداثة سنه لم ينظر بعيدا في بعض الأمور يضاف إلي ذلك إلقاءات بعض قرنائه فسقط في حب دعوي التفرد فتوالت المصائب المتنوعة عليه من كل صوب لحد أن حالت أفندي المشهور الذي هو من دهاة عصره و من يعد في مقدمتهم اتخذ معه تدابير حكيمة فأخرج بغداد من قبضته و قضي عليه و لم يبلغ حدود الثلاثين من عمره … ثم ذكر وقعة اليزيدية و الظفير و أنه رجع مخذولا في حربهما …

ثم قال: إن حركته هذه بفيلق عظيم، و تجاوزه حدود إيالته إلي

ايالات أخري مما أغضب عليه وكلاء الدولة لا سيما أنه لم يقم بما تعهد به من بدل مخلفات سليمان باشا و علي باشا فأهمل الأداء فأرسلت الدولة حالت أفندي الرئيس السابق للمطالبة فوصل إلي بغداد فلم تؤثر في الوزير أقواله فعاد إلي الموصل فمكث فيها ثم كتب إلي عبد الرحمن باشا. و هذا جاءه بجيش يتجاوز العشرة آلاف بين خيالة و مشاة و جلب معه عبد اللّه آغا الخازن و كان في السليمانية. و هذا من عتقاء سليمان باشا الكبير، و له حق السبق بالنظر لأقرانه. فنصبه حالت أفندي (قائممقاما) و توجه إلي بغداد فصار الجيش في أطرافها و حواليها، فحدثت معركة بين جيش الوزير و جيش حالت فكانت وبيلة جدا و لم يدخر أحد منهما وسعا. و أن عبد الرحمن باشا انسحب إلي جانب و ظهرت بوادر النجاح لسليمان باشا و لكن جيشه تفرق عنه بلا سبب ليلا مما ولد حيرة و علي هذا سار و معه نحو 15 من آغوات الداخل فعبر نهر ديالي فغدرت به عشيرة الدفافعة. و لذا استولي أسف علي الكل حينما علموا بقتله و نالهم حزن عظيم» اه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 236

و مما يؤثر عنه أنه لم يكتف بإلغاء عشور المحاكم بل أبطل رسم القسام، و الساليانة (الصليان). و محا كثيرا من البدع السيئة و المظالم القبيحة … و عوض عنها بتخصيصات من الأموال الأميرية.

كان مشفقا علي الرعية، رؤوفا بالأهلين إلا أنه كان يتراخي في خدمات الدولة و يتساهل في شأنها أو يتناساها …

و كل أولئك المؤرخين يعتذرون له بحداثة السن و قلة الممارسة، و أنه لا يزال غير مطلع علي الرسوم و القواعد كما

هي فأدي ذلك إلي ما أدي. و الحال أن الوزراء السابقين أهلكوا البلاد و العباد لتأمين سطوتهم من جهة، و لإرضاء الدولة من أخري. و هذا الوزير أراد أن يرفع هذه المظالم و يقوم بإصلاح مهم. فلم يرض دولته و هي لا تريد إلا تمشية أمورها و لا يهمها الأهلون كما أن أرباب الوظائف اعتادوا النهب و السلب باسم (الجباية)، فعادوه و حرم أعوانه الفائدة. فقضي في سبيل العراق و إرادة الخير له ما قضي. فهو من أكبر رجال الإصلاح. و أثره لا ينسي في تاريخ الضرائب و تاريخ القضاء.

ثم إنه قرب علماء بغداد و صالح آل الشاوي و لم يتصلب كأسلافه في البغض للعرب و الكره للأكراد. و هكذا أبعد آل الجرباء لما تبين له من أوضاعهم آنئذ.

و من هذا كله يعرف أن من لازمه أو رماه بحداثة السن كان يماشي في ارضاء الدولة و المماليك معا و لكن أعماله تشهد بصفوته. و كل ما يقال فيه قليل. و معاصروه لم ينكروا أعماله الجليلة. و إنما نسبوا له الخرق بلا وجه حق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 237

وزارة عبد اللّه باشا

إن عبد اللّه آغا حينما عاد سليمان باشا من سفر الظفير أسند إليه بعض الأمور فنفي هو و طاهر آغا إلي البصرة. و بعد بضعة أشهر عفا عنه و أذن له بالمجي ء إلي بغداد إلا أنه لم يأمن. فلما وصل إلي قرب القرنة من الجانب الشرقي ذهب مع طاهر آغا إلي (بلاد اللر) من طريق الحويزة ثم وردا إلي السليمانية فأقاما عند عبد الرحمن باشا. و كانت بينهما و بين عبد الرحمن باشا معرفة سابقة. لذا بالغ في إكرام عبد اللّه و التزم جانبه.

و لما

جاء حالت لقضاء مهمته أخذه معه إلي بغداد و نصبه (قائممقاما) و أمر بمتابعته، و عند انتهاء أمر سليمان باشا جاء كتخداه فيض اللّه الكهية، و ندماؤه، و آغواته و خازنه إسماعيل آغا و آغوات الداخل فناصروه إلا أن فيض اللّه حينما كان في البلدة رأي أن الأهلين اختاروا سعيد بك بن سليمان باشا لمنصب القائممقامية لمدة يوم أو يومين، و أن الخازن إسماعيل آغا حينما كان الجيش في خرنابات كاتب حالت أفندي و عبد الرحمن باشا خفية و أبدي رغبته في الوزارة. و حينئذ طالبهما القائممقام بخزانة سليمان باشا و بهذه الوسيلة ألقي القبض عليهما و قتلهما.

ثم جعل كتخداه الحاج عبد اللّه بك (أخا أحمد الكهية)، و عزل الحاج محمد سعيد من الدفترية و عين بدله داود الدفتري السابق و هو صهر الوزير سليمان باشا الكبير و كان عزل منها ثم عين طاهر آغا خازنا و كان بمنصب (چوخه دار)، و نصب للينگچرية عبد الرحمن آغا الموصلي (الأورفه لي) الذي جاء برأس السيد إسماعيل آغا (رئيس الينگچرية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 238

السابق). و بعد أن مكث عبد اللّه باشا في الخارج نحو ستة أيام أو سبعة دخل بغداد فاستقر في القائممقامية.

مضت مدة شهر واحد علي هذه الحالة.

مشاغبات جديدة:

اشارة

لم يكن هم حالت الرئيس عزل وزير من المماليك لينصب آخر منهم مكانه بل كان يود القضاء عليهم و تحويل السلطة للعثمانيين و لكنه لم يستطع أن يقوم بالأمر أو أن يصارح عبد الرحمن باشا إذ رآه بعيدا عن ذلك فأراد أن يطحن بعضهم ببعض. و في مدة بقائه في بغداد عرف كبار رجالهم و اتصل بهم دون رقيب فتمكن من بث فكره علي لسان

غيره في أن (عبد اللّه آغا) إنما جرت رئاسته و نال منصبه بواسطة عبد الرحمن باشا أمير بابان. و هذا تابع إيران فلم يرض به الأهلون، و لا العثمانيون.!

لذا أوعز حالت إلي عبد الرحمن الموصلي آغا الينگچرية أن يحرك الأهلين في دفع عبد الرحمن باشا و عسكره، و عزل عبد اللّه آغا من القائممقامية، و نصب سعيد بك مكانه. اتفقت كلمتهم علي ذلك و توجهت رغبتهم.

و ليلا أعدوا أسباب النزاع و اتخذوا المتاريس و قاموا صباحا بالشغب و ثاروا إلا أن العثمانيين و الطوائف الأخري لم ترغب في متابعة الأهلين. فأكدوا رابطة اتفاقهم مع عبد الرحمن باشا و أظهروا تأييد القائممقام. فدام القتال بين الفريقين من الضحي إلي المغرب و استمر الفريقان في تصلبهم و لكن الأهلين انكسر جمعهم و تفرقوا، و عاد عبد الرحمن الموصلي بالخيبة و اختفي. و نصب للينگچرية قاسم و هو آغا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 239

كركوك السابق، و أن القائممقام أصدر أمرا بالعفو عن الجميع.

لم يتزلزل القائممقام من مخالفة الأهلين و أن العثمانيين و سائر العسكر ناصروه و دافعوا عنه أشد الدفاع. فلما رأي ذلك حالت حذر أن يشيع عنه أنه السبب في توليد الشغب. و لما كان أودع إليه الأمر من دولته اختار (عبد اللّه آغا) للوزارة و كانت لديه فرامين لم يحش الاسم بها و أدرج اسمه بها بتوجيه الإيالة برتبة وزارة و قدمه إليه علي أن يقرأ في الغد في الديوان المرتب للاحتفال، و حينئذ أعلن ذلك للجميع. بتاريخ 21 ربيع الآخر سنة 1226 ه.

قال صاحب المطالع:

«و لما تولي عبد اللّه باشا أعطي عبد الرحمن باشا الكردي من رأيه رسنه، فوقعت بينه و بين الرئيس فتنة

قتل فيها من أهل البلد من سل صارمه فيها و سنه، و نجا من وجد للهرب سبيلا، و أما الرئيس فقد كاد يكون قتيلا، فرجع إلي ما رامه عبد الرحمن الكردي و وزيره إذ ضاق خناقه و ذل نصيره فاستقرت الأمور لعبد اللّه باشا» اه.

و بعد ثلاثة أيام أو أربعة من نصبه وزيرا هيأ الوزير لحالت أفندي أسباب السفر و سيره إلي استنبول مكرما معززا. خاف أن يحدث غائلة أخري.

متصرف الموصل:

و بعد دخول العسكر بغداد ببضعة أيام انحرف مزاج محمود باشا متصرف الموصل فتوفي في 18 شوال و دفن في تربة بجوار قبر الوزير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 240

علي باشا كان أعدها سليمان باشا له.

كانت مدة حكمه في الموصل سنة و بضعة أيام، و عمره 33 سنة.

فوجهت إيالة الموصل إلي سعد اللّه بك ابن الوزير الحاج حسين باشا الجليلي برتبة وزارة. و صار متسلم الموصل. حكم في منتصف ذي الحجة و جاءه البشير بذلك في 13 المحرم سنة 1226 ه.

غرائب الأثر:

في هذا التاريخ انتهت وقائع غرائب الأثر لمؤلفه ياسين بن خير اللّه الخطيب العمري و النسخة التي بخطه موجودة في خزانة البلدية في الاسكندرية و مخطوطتي منقولة منها. و غالب حوادثه مما يتعلق بالموصل خاصة فهو مهم. فطبعه الأستاذ الدكتور السيد محمد صديق الجليلي في الموصل سنة 1359 ه- 1940 م.

حوادث سنة 1226 ه- 1811 م

قتلة سليم آغا و البصرة:

إن الوزير سليمان باشا أبعد كلّا من عبد اللّه آغا و طاهر آغا إلي البصرة فسعي سليم آغا متسلم البصرة آنئذ في انقاذ حياتهما. و حينما ورد الأمر بقتلهما شفع لهما فعفا الوزير.

قتل ظاهر الكهية

في سنة 1226 ه قتل ظاهر الكهية و سليمان آغا كتخدا البوابين.

ثم أضمر سليم أن يقوم علي الوزير فأعطاهما مالا جمّا و سيرهما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 241

إلي ربوع الكرد فلما ملكا قياد الأمر، و توليا زمام بغداد سافر من الدورق و فر إلي أبي شهر ليتقاضي منهما ما أسدي إليهما من جميل فلما وصل إلي بغداد و علما منه المطالبة بالوزارة من حالت أفندي حذرا منه و لم يذكرا الجميل فأمر الوزير بقتله فقتل.

وقائع أخري:

جاء عبد الرحمن باشا بترغيب من حالت إلي جهة بغداد بالوجه المبسوط، و استصحب معه عبد الفتاح باشا متصرف درنة و باجلان إلا أن هذا أبدي إهمالا و ظهرت منه خيانة علي ما أشيع فبعد دخول عبد اللّه باشا و استقلاله بالحكم عزل عبد الفتاح باشا و وجه الولاية إلي خالد باشا الباباني تنفيذا لرغبة عبد الرحمن باشا ابن عمه كما أن عبد الرحمن باشا ساعد الوزير و مكنه من الحكم و عزم أن لا يترك جانبه ما لم يأت منشور التوجيه إليه.

و كان لسليمان باشا نوع انتماء ضمني إلي شاه ايران. لذا لم يوافق الشاه أن يقوم بسفر عليه. و بسبب وقعته المعلومة تكدر مما جري. و علي هذا زال المانع بوفاته و من ثم و لما كانت سردشت المعروفة ب (كلاس) من مضافات (صاوق بولاق) و صارت في تصرف العراق منذ ثمانين أو تسعين عاما. و دخلت في حوزة حكام بابان فقد عزم أمير صاوق بولاق و هو بوداق خان علي ضبطها و سير له الشاه جيشا فاضطر عبد الرحمن باشا إلي الاستئذان من عبد اللّه باشا للذهاب فأذن له و في 11 صفر عاد إلي

دياره.

و في 21 ربيع الآخر ورد منشور الوزارة المتضمن التوجيه بواسطة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 242

علي بك الخاصكي فأجريت المراسيم و الاحتفال المعتاد.

ثم إن عبد الفتاح باشا عزله عبد الرحمن باشا فالتجأ هو و ابنه عبد العزيز بك و توابعهما إلي إيران مضوا إلي كرمانشاه إلي محمد علي ميرزا. و هذا كتب إلي عبد اللّه باشا يرجو منه أن يعيد عبد الفتاح إلي محله. و كان عبد الرحمن باشا آنئذ في بغداد فاعتذر الوزير فلم يشأ أن يخالف عبد الرحمن باشا …

و بعد ذهاب عبد الرحمن أعاد الميرزا الرجاء و ألح في الطلب و حينئذ كتب الوزير إلي عبد الرحمن باشا فلم يصغ و كتب الميرزا مرة أخري فأبدي عبد الرحمن باشا اصرارا.

و كذا أمره الوزير بمطالب أخري فلم يصغ. لهذا كله انقلب الحب بينهما إلي بغض إذ تحقق الوزير أنه مبتن علي أطماع، و لم تمض مدة حتي تولدت البرودة و انقلبت إلي كدورة فصار كل ما يأمر به الوزير لا يصغي إليه، و كل ما أراد تمشيته عرقله بخلاف مطالب عبد الرحمن باشا فإنها كانت تروج.

هذا ما دعا أن يتغير عليه عبد اللّه باشا تغيرا تاما. و لذا عزل آغا الينگچرية قاسم آغا و نصب السيد علي آغا قبطان شط العرب سابقا آغا بغداد.

و بعد أيام عزل الكتخدا الحاج عبد اللّه بك و نصب وكيلا مكانه الحاج محمد سعيد الدفتري السابق. و بعد شهر نصب طاهر آغا الخازن كتخدا مستقلا.

فكانت هذه التبدلات في الإدارة تشعر بما يضمر لعبد الرحمن باشا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 243

عزل عبد الرحمن باشا:

أصر محمد علي ميرزا أن يمكّن عبد الفتاح باشا في زهاو و لذا أصر

عبد الرحمن باشا علي أن لا يلتفت إلي أوامر الوزير و لا إلي محمد علي ميرزا … حتي أنه لم يكتف بذلك بل تسلط علي بعض الأماكن من سنة مما يجاور شهرزور.

و حينئذ عزم الطرفان علي تأديب عبد الرحمن باشا. فوافق الوزير أن يكون بدله خالد باشا الموجود في زهاو. و ساق عليه محمد علي ميرزا نحو ستين ألف مقاتل و علي هذا تأهب عبد الرحمن من السليمانية لمقابلته بعد أن جعل ابنه سليمان بك إلي جهة الوزير. و ظن أن قوته مع قوة خالد باشا كافية لصد الإيرانيين. ثم تبين لعبد الرحمن باشا و لم يدر بالاتفاق عليه و أن تكون ديار الكرد لخالد باشا و لما وصل الميرزا إلي محل قريب من زهاو سارع خالد باشا لاستقباله بناء علي ايعاز من الوزير و تابعه بعسكره فحينما سمع عبد الرحمن باشا بذلك خاب أمله و لم تبق له قدرة فعاد من المحل الذي هو فيه بأتباعه و أسرته إلي لواء كوي و هناك أعد للحصار عدته و أحكم المواطن و تأهب للنضال.

و لما جاء خبر ذلك إلي بغداد و جهت إيالة بابان و كوي و حرير إلي خالد باشا و أرسلت إليه الخلعة مع الأمر (البيورادي) بصحبة أحد الآغوات أحمد جلبي، و أن محمد علي ميرزا ذهب إلي كوي لمحاصرة عبد الرحمن باشا. ففهم الوزير أن الميرزا سوف يؤثر علي الأهلين تأثيرا سيئا فيما إذا استولي علي عبد الرحمن باشا كما أنه خاف منه علي ديار الكرد لا سيما كركوك و الأماكن الأخري. لذا ندم علي ما فعل فأوعز إلي العشائر هناك لمناصرة عبد الرحمن باشا بحيث لا يدع مجالا لإيران في التوغل …!

و من ثم اطلع الميرزا علي نوايا الوزير و خشي أن يقع ما لا يحمد …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 244

و علي هذا طلب المصالحة مع عبد الرحمن باشا علي أن تكون له كوي و حرير، و أن يكون لواء بابان لخالد باشا، و أن يكتفي منه ببعض الهدايا و في خلال الخمسة عشر يوما التي حاصر بها عبد الرحمن باشا لم يؤثر ذلك التأثير الملحوظ فقفل راجعا إلي كرمانشاه و لم يتمكن من قهر عبد الرحمن باشا. لأن رجال عبد الرحمن باشا يقدرون بسبعين أو ثمانين من البابانيين فأبدوا من البسالة و الشجاعة ما لا يوصف.

حوادث سنة 1227 ه- 1812 م

عبد الرحمن باشا:

وجهت إلي عبد الرحمن باشا ألوية كوي و حرير، و إلي خالد باشا لواء بابان ثم عاد الميرزا فأقام خالد باشا في السليمانية و قنع عبد الرحمن بما في يديه إلا أنه بعد ثلاثة أشهر تحرك بتسويل من بعض مقربي الميرزا فقام من لواء كوي إلي ما بين السليمانية و كوي باسم أنه يتصيد و مضي إلي أنحاء السليمانية بغتة فسمع خالد فتوهم أن ذلك كان بإذن من الميرزا كما أنه لقلة جموعه لم تكن له قدرة علي الحرب. فترك السليمانية و توجه نحو زهاو و منها ذهب إلي مندلي و أخبر بغداد بما وقع.

و من ثم عزم الوزير في الحال علي السفر و جهز جيوشه. أما عبد الرحمن باشا فإنه دخل (سرچنار) فمكث فيها و عرض القضية علي الوزير فرأي الوزير أن السفر مخاطرة و فيه مجازفة و يخشي العاقبة فتحاشي لا سيما الموسم موسم الشتاء و البرد القارص و أن من المصلحة العدول عن الحرب و مساعدة معروضاته و السكوت عن أعماله فأبدي الرضا

و القبول منه و أضاف إليه السليمانية ضميمة إلي لواء كوي و جلب خالد باشا إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 245

بغداد و خصص له مندلي لإدارته.

سفر الوزير علي عبد الرحمن باشا:

أخذ عبد الرحمن يتمادي في أعماله و يتجاوز علي بعض القري و علي الرعايا حتي أنه حاول الاستيلاء علي إربل و قراها و تطاول علي قري كركوك، لذا عزله الوزير و وجه لواء بابان إلي خالد باشا و جعل ألوية كوي و حرير إلي سليمان باشا و تأهب للسفر عليه فنهض من بغداد في 21 جمادي الأولي و سار نحو لواء السليمانية. أما عبد الرحمن باشا فإنه أبدي تجلدا فتلاقي الفريقان في محل قريب من (كفري). رتبا صفوفهما و استعرت الحرب و ضاق الأمر.

و في ساحة القراع بدا الانكسار في العشائر و بعض العثمانيين و لم يبق سوي جيش الوزير و أعوانه، و المدفعية و البندقيين من عقيل و بعض البابانيين الموجودين. و في هذه المعركة أبدي داود الدفتري من البسالة ما يفوق الوصف، و قام يحرض القوم و يحضهم علي المصابرة. و لم تمض مدة حتي ظهرت علائم الفوز في جيش الوزير فتغلب علي عبد الرحمن باشا.

و قتل في هذه الحرب خالد بك من إخوة عبد الرحمن باشا و كثيرون و تفرقت سائر الجيوش و استولت الحكومة علي الخيام و سائر الأموال و المعدات.

إن الوزير بقي هناك مدة ثلاثة أيام ثم توجه نحو كركوك. فاتهم بالخيانة كلّا من متسلم كركوك خليل آغا آل صاري مصطفي آغا، و قاضيها عبد الفتاح، و محمود بك الزعيم (ميرالاي)، و قاسم آغا و كان آغا بغداد و ثلاثة من أعيان شمر و شيخهم (شاطي) و كان مد يده علي

موسوعة تاريخ

العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 246

مؤونة الفيلق يوم المعركة. و علم أنهم اتفقوا في الخفاء مع عبد الرحمن باشا فألقي القبض عليهم و نالوا ما يستحقون من عقوبة.

ثم سار الجيش من كركوك إلي جهة إربل، و إن والي الموصل سعد اللّه باشا كان قد أمر بفرمان أن يتابع الوزير و أن يكون بصحبته فتخلف و تحقق أنه كاتب عبد الرحمن باشا في السر. لذا عزم الوزير أن يذهب إلي الموصل من أجل ذلك فجاءه بهدايا و طلب العفو منه واجهه في (نهر الضرب) و قدم معاذيره فعفا عنه ثم أعاده إلي الموصل.

و رجع هو إلي بغداد.

و لما وصل الوزير منزل كفري جاءه خالد باشا متصرف بابان بهدايا فأذن له بالعودة. أما عبد الرحمن باشا فقد فر إلي كرمانشاه.

و في هذه المرة التزم محمد علي الميرزا جانبه فوصل كتابه فلم يصغ إليه الوزير و أجابه بجواب موافق للحالة. و لما وصل الجديدة ورد خبر فرار سعيد بك بن سليمان باشا الكبير. خاف من الوزير علي نفسه و أشاع أنه ذهب لاستقباله. و بهذه الوسيلة مال إلي المنتفق.

و علي كل دخل الوزير بغداد في 29 رجب. و مدة هذه السفرة شهران و عشرة أيام.

حركة محمد علي ميرزا:

إن الميرزا رعي جانب عبد الرحمن باشا. و رجا مرات من عبد اللّه باشا أن يعاد فلم يصغ فنهض من كرمانشاه و توجه نحو قزلرباط فانتهب بعض الأماكن و شتت الأهلين من ديارهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 247

أما الوزير فقد عزم علي مقارعته إلا أن سعيد بك بن سليمان باشا الكبير قد ذهب إلي المنتفق فخشي أن يكون للدولة يد في خروجه. و لذا عدل عن عزمه و اضطر إلي قبول

تكاليف الشهزاده و صالحه فعزل خالد باشا و سليمان باشا و وجه ألوية بابان و كوي و حرير إلي عبد الرحمن و تعهد بمقدار من المبالغ للشهزاده حتي يعود و أدي منها النصف و أعطي سندا بالباقي.

و جاء في تاريخ ذلك كما نطق بها الشيخ علي الموسوي:

(كل من تلقاه يشكو دهره)

فكان سنة 1227 ه.

و علي هذا عاد الشهزاده. و من ثم دعا خالد باشا و سليمان باشا إلي بغداد و أعطي لخالد باشا مقاطعات مندلي و خانقين و علي آباد و لسليمان باشا مقاطعات شهربان و بلدروز.

المنتفق- سعيد بك:

أوضح أن سعيد بك بن سليمان باشا استولي عليه الرعب من الوزير و خشي أن يصيبه منه ضرر ففر إلي المنتفق. و ذلك حينما بلغ الوزير الجديدة فأقام لدي شيخ المنتفق، و لم يكن له مطامع و إنما أراد أن يتخلص من الغائلة التي توهمها.

أما الوزير فإنه حمل ذلك علي محمل آخر فكان ذلك داعية التساهل مع ايران … فقرر لزوم القبض عليه فنهض من بغداد بجيش

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 248

عظيم في 27 شوال. و في مطالع السعود أنه سار في أول ذي القعدة.

قال في الدوحة: و لما كانت في ذمة عشائر الدليم مبالغ وافرة من الميري ذهب لاستحصالها فبقي في الفلوجة بضعة أيام و استوفي منهم ما تمكن ثم توجه نحو الحلة، و منها إلي الحسكة و أن قلة الزاد و الأرزاق مما أدي إلي اضطراب الجيش فمكث بضعة أيام ليتدارك الأمر فظهرت المخاطر من جهات عديدة فحاول رجال الوزير و المقربون إليه عذله عن سفره فلم يفلحوا. و إنما نهض نحو المنتفق.

حوادث سنة 1228 ه- 1813 م

تمام الوقعة:

و من ثم اجتازت الجيوش البراري و القفار و قطعت الأنهار و اقتحمت المخاطر حتي وصل الوزير إلي قريب من المنتفق فسمع أن حمود الثامر أيضا توجه لمقارعته، فجمع نحوا من عشرين ألفا بين فرسان و مشاة فنهض من محله و نزل بعيدا عن سوق الشيوخ بنحو ساعتين منتظرا وصول الوزير.

اتخذ طريق العذل و الاستعفاء عن التقصير بإرسال السفراء و تلطف في رسائله فلم يلتفت الوزير. و في غرة صفر تقدم علي شيخ المنتفق وصف صفوفه فاضطر الشيخ علي الدفاع … فتقاربوا إلي محل يقال له (غليوين). و حينئذ ترامي الفريقان من الضحي إلي وقت الظهر بالمدافع و

البنادق و سائر الأسلحة النارية و كل فريق تأهب للهجوم علي الآخر.

و نظرا لما أثاره الوزير من النيران الحامية تفرق شمل المنتفق، و انتثر عقدهم، و انهزمت جموعهم الواحد بعد الآخر … و لم يبق إلا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 249

القليل و معهم سعيد بك تجاه الوزير. و كانت طائفة من العثمانيين في خدمة والده سابقا فأرادت أن تقوم بمساعدته تجاه انعامات والده لها.

فراسلته لتكون معه فمالت إليه و لحقت به. و كذا العشائر ممن كانوا مع الوزير. اغتنموا بها الفرصة فانتهبوا أثقال الجيش. و ذهبوا و لم يبق مع الوزير إلا نحو مائتين من اتباعه و معه كتخداه طاهر الكهية، فبقي محتارا في أمره و ندم علي ما فعل.

لذا عزم الوزير علي العودة و لكن المنتفق انتشروا فأحاطوا به فلم يجد له مخرجا. و حينئذ ظهر أخو حمود و هو محمد السعدون مع نحو مائة فارس فصاحوا بالوزير:

لك الرأي، لك الرأي …!

أخذ الوزير مع كتخداه إلي خيامهم الحربية و بعد ليلة أتوا بهما إلي سوق الشيوخ. و بعد يوم أو يومين مات برغش بن حمود الثامر و كانت اصابته جراح في المعركة فادعوا أن سليمان آغا كهية البوابين جرحه فأخذوه من سعيد بك و أرسلوه إلي سوق الشيوخ و قتلوا الثلاثة هناك.

فجاؤوا برؤوسهم إلي سعيد بك.

و في مطالع السعود: كان مع الوزير في هذه الحرب الشيخ مشكور شيخ ربيعة. و هذا التقي مع صالح بن ثامر من المنتفق فقتل في المعركة.

و كان قبل هذا عزل حمودا من إمارة المنتفق و نصب مكانه نجم ابن عبد اللّه بن محمد بن مانع أخا ثويني.

و لما قتل الشيخ مشكور زحف الوزير بعسكره و كان قادة الجيش قد وجهوا

همهم نحو سعيد بك ثم حمل كل منهما علي الآخر و انهزم كثير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 250

من أتباع حمود و صدق الحملة برغش بن حمود بن ثامر فطعنه بعض الفرسان من عسكر الوزير و حمل علي ابن ثامر و يقال إنه هو الذي قتل نجم بن عبد اللّه المنصوب من جانب الوزير شيخا علي المنتفق.

و لما كادت عشيرة حمود تولي الأدبار أدبر آل قشعم من جماعة الوزير فسقط في يد الوزير و طاهر كهية و من معهما فطلبوا الأمان من حمود فأعطاهم و لم يف لهم بالأمان فإن عشيرته نهبت العسكر و لم تبق لواحد منهم ما يستر عورته و أسر الوزير و طاهر كهية و معهما ثالث (سليمان آغا) و ذهبوا بهم إلي سوق الشيوخ. فلما مات برغش من تلك الطعنة خنقهم راشد بن ثامر و بعد ما قبروا أخرجوا فقطعت رؤوسهم.

ترجمة عبد اللّه باشا:

اشارة

كان من مماليك سليمان باشا الكبير اشتراه أثناء متسلميته البصرة، و كان أميا، بسيطا إلا أنه جواد كريم و شجاع. كان بذل جهده لإرضاء الدولة و مراعاة مصالحها …

لامه المؤرخون علي ارتباكه من فرار سعيد بك فلم يهدأ له قرار و حاذر أن يقوم عليه في حين أن حالت أفندي بذر هذه البذرة للتفرقة.

و كان ذلك لغرض سياسي أهم من الوزارة فأراد أن يتناحر المماليك ليتيسر للدولة القضاء علي حكومتهم بسهولة.

قال في الدوحة:

«إنه من مماليك سليمان باشا الكبير. و عاش بنعمته، و أن عمره نحو الخمسين عاما و مدة وزارته مع أيام قائممقاميته سنتان و خمسة أشهر و ثمانية عشر يوما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 251

و هو عارف كامل و عالم فاضل و له وقار و هيبة، كان جسورا، لا يلحقه أحد في الجود و الكرم» اه.

وزارة سعيد باشا

أيامه إلي حين وزارته:

هو ابن سليمان باشا الكبير. ولد سنة 1205 ه و عمره حين وفاة والده (12 عاما). و لم يكلفه بعمل ما نظرا لصغر سنه. و من وفاة والده إلي أيام عبد اللّه باشا اختار الراحة في داره، و إن الوزراء بناء علي أنه ابن الوزير لم يقربوه لمناصب الحكومة، و لم يطمح هو إليها.

و بعد وفاة سليمان باشا القتيل تولي القائممقامية بترغيب من فيض اللّه الكهية لمدة يوم أو يومين ثم نفض يده منها و قعد في بيته كالأول.

و لم يخطر بباله تعهد رئاسة، أو رغبة في الحكومة. و لكن بعد ميل الأهلين و اختيارهم له مع فيض اللّه توجهت الأنظار إليه فصار محل التهمة و مظنة الرغبة في الرئاسة. لذا شاهد من عبد اللّه باشا سوء قصد نحوه. و لمجرد انقاذ حياته و خلاصه من هذه الورطة خرج من بغداد و فر إلي المنتفق …

لذا قام عبد اللّه باشا و جهز جيشا علي المنتفق فوقع ما وقع.

فالتحقت الجيوش بسعيد بك و مالت نحوه فتابعه الكل فقبل الرئاسة ضرورة نزولا عند رغبة هؤلاء و صار يناضل جهده فبقي هناك إلي نهاية صفر ثم تحرك في أوائل ربيع الأول سنة 1228 ه و توجه نحو بغداد بصحبة حمود الثامر. و كان في بغداد آغا الينگچرية السيد عليوي و هو

معروف بالتحريكات لا يهدأ له أمر و لكن القائممقام درويش محمد آغا كان صاحب تدبير، لذا دبره مدة و طمأنه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 252

قائممقاميته:

و عند وصول سعيد بك إلي الدورة فرح الأهلون به فاستقبله العلماء و الأعيان فدخل بغداد في 15 من شهر ربيع الأول بأبهة عظيمة و جلس في منصب القائممقامية.

و حينئذ كتبت عريضة و دون محضر في ترشيحه للوزارة. و لما وصل المحضر و العرض وجهت الدولة إليه وزارة بغداد و البصرة و شهرزور رعاية للحقوق القديمة فوردت إليه البشري مع الحاج حسين آغا التوتونچي باشي لكتخدا الباب في غرة جمادي الثانية، و في 15 شوال و وردت الفرامين و التشريفات مع محمد آغا معتمد حالت محمد سعيد فسر بذلك و أجري الاحتفال المعتاد.

تبديل بعض المناصب:

إن الوزير حينما انحاز إليه الجيش في وقعة (غليوين) و تابعه أبقي كلّا من أرباب المناصب في محله و قرر أن يكون داود الدفتري وكيلا عن الكتخدا، و عمر آغا الملي الباش آغا السابق كهية البوابين، و عزل رستم آغا متسلم البصرة و نصب السيد سليمان الفخري مكانه.

قال في الدوحة: إن داود حين ورد بغداد قدم استقالته لما تفرس في الوزير أنه سوف لا يتمكن من تدبير الحالة، و لا يتصرف تصرفا قويما كما استدل من بعض القرائن فعين وكيلا بدله بعد أن دخل بغداد درويش محمد آغا آل الحاج سليمان آغا و باشر في وظيفته.

و جاء في تاريخ الكولات أنه من حين تولي الإدارة عهد بالكتخدائية لزوج أخته داود و هذا قبض عليها بكليته فلما وصل إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 253

بغداد عزله بلا سبب ظاهري و أبعده عن الإدارة و الصواب أن والدة الوزير ألحت عليه بلزوم عزله و أصرت فاضطر أن يعزله. و قالت: هؤلاء اعدائي من أيام والدك.

و ذكر أنه أبقي أهل المناصب كلّا من منصبه

ممن كان زمن عبد اللّه باشا و لكنه عزل خليل آغا الخازن و عين لطف اللّه آغا مكانه نظرا لحقوقه القديمة حينما كان في المنتفق كما أنه عين خليل آغا متسلما لكركوك.

و كان أيضا وعد السيد خضر آغا الموصلي الذي هو آغا القرنة فجعله (آغا بغداد) نظرا لإخلاصه له و لما رآه منه في وقعة (غليوين). و رأي من المصلحة عزل السيد عليوي و لكنه لم ير من المناسب عزله حين دخوله بغداد فأرجأ أمر ذلك إلي وقت آخر. أما السيد عليوي فإنه فضلا عن أعماله السابقة صار يتفوه ببعض الأقوال و يندد بالوزير و أعماله. تحقق ذلك منه فعزله حالا و أجلاه إلي البصرة و عين مكانه السيد خضر آغا الموصلي.

و عندي رسالة فيها قصائد مرتبة علي حروف الهجاء في مدح الوزير. جاء في مقدمتها كلام علي انتصاره علي أعدائه … و سماه محمد سعيد باشا بن سليمان باشا و أن هذه الرسالة للسيد (سعدي) جد (آل السعدي) المعروفين في بغداد كما أن للأستاذ علي علاء الدين الموصلي قصيدة مدحه بها.

وفاة عبد الرحمن باشا بابان:

تواترت الأخبار بوفاة عبد الرحمن باشا فكان المأمول أن يعين مكانه أحد الباشوات الموجودين في بغداد من البابانيين و عقب هذه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 254

الإشاعة جاء رسول خاص يخبر بوفاته و أنه في ساعة وفاته أجمع عموم البيگات و الآغوات و جمهور المشايخ و السادات و العلماء و العشائر و سائر الرؤساء و مختاري القري علي اختيار ابنه محمود بك و قلدوه الرئاسة.

و أنهم يلتمسون توجيه إيالة ديار الكرد إليه و علي هذا وجهت ألوية بابان و كوي و حرير إليه برتبة (باشا) و أرسلت إليه الخلعة و الأمر (البيورلدي).

الخزاعل:

كان شيخ الخزاعل من مدة مصرا علي العصيان و أن جوره بلغ حده. و لذا عزم الوزير علي التنكيل به فجهز عليه الجيوش. و في 11 ذي الحجة سار فوصل إلي الحلة و لكن المعدات لم تكن متناسبة مع حالة الخزاعل و لا قام بكل ما يجب إعداده فنصب خيامه في الحلة.

حوادث سنة 1229 ه- 1814 م

الخزاعل أيضا:

تبين للوزير نقص المعدات فتوقف في الحلة و لكن النقص لم يكن مقصورا علي عدد الجيش، أو نقص في المتاع و إنما هو نقص في حسن الإدارة. و لذا عزم علي العودة و غرضه التوقف إلي أن يظهر ما يدعو فيتخذ وسيلة فأقام في الحلة.

أما الكتخدا و سائر (أهل الحل و العقد) فقد أرادوا أن يستروا عيوب الوزارة فاتخذوا الروية و راسلوا شيخ الخزاعل. ساقوه إلي أن يتعهد بالميري و أبدوا للوزير السطوة فأظهر الطاعة و تعهد بأداء الميري،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 255

فاكتفي بهذا منه و رجع إلي بغداد فدخلها في 22 صفر. و مدة سفره شهران و 12 يوما.

وقائع مختصرة:

1- إن الوزير عزل داود أفندي من الدفترية و نصب مكانه محمد سعيد الدفتري كذا في الدوحة. و الصحيح ما مر في تاريخ الكولات و أما الباقون فإنهم توصلوا بطرق مختلفة إلي الوظائف.

2- إن عبد الرحمن باشا تسلط علي بغداد زمن وزارة عبد اللّه باشا و بسبب ذلك تفرق جمع المقربين أيام علي باشا و سليمان باشا حذرا من بطش الوزير فاختاروا الجلاء عن وطنهم … و من جملة هؤلاء محمد آغا الكتخدا السابق. ذهب إلي بلاد الروم، و كذا أحمد بك الأخ من الرضاعة للوزير … فإن هؤلاء حينما سمعوا بوفاة عبد اللّه باشا أمنوا شره و عادوا إلي بغداد الواحد بعد الآخر إلا أنه كان الواجب علي الوزير أن يبالغ في إكرام محمد آغا أكثر من أحمد بك نظرا لمقدرته و كفاءته لكنه توجهت ألطافه إلي أحمد بك دون محمد آغا إذ إنه خصص له راتبا أكثر و رعاه رعاية زائدة جدا و عين راتبا لمحمد آغا بصورة اعتيادية …

3-

كان علي باشا قد نفي متسلم البصرة سابقا الحاج عبد اللّه آغا ثم اغترب متوجها إلي بندر أبي شهر فبقي بضع سنوات فلما سمع بأن ابن سيده ولي الوزارة في بغداد زال عنه الخوف فاستأذن في العودة إلي بغداد فأدخله الوزير ضمن ندمائه و التفت إليه و سره.

4- ورد بغداد كل من عبد اللّه بك و أحمد بك و عمر بك إخوة عبد الرحمن باشا. فارقوا محمود باشا فتوجهوا بأتباعهم إلي بغداد تاركين عائلاتهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 256

الحلة- الخزاعل و حسكة:

مضي أن سعيد باشا لم يتجاوز الحلة، و أنه لم يعد العدة و لم يقدر أن يقوم بالسفر علي الخزاعل. و هذا مما أدي إلي خذلانه و قلة سطوته و عدم التأثير علي العشائر الأخري فصار عشائر الجزيرة و الشامية يتعرضون بالمارة فازداد البغي و العتو من كل صوب.

و من هؤلاء زبيد و الخزاعل و سائر العشائر و لم يؤدوا الرسوم الأميرية. و كذا عشائر (الجرباء)، و (الظفير)، و (الرولة) … فعاثت بالقري و القصبات المجاورة لها مثل (الحلة) و كربلاء و النجف فضج الناس من كل صوب … لحد أن النهب و السلب وصل إلي القصبات المجاورة مثل الكاظمية و حوالي الكرخ فصار الناس في خوف علي نفوسهم و أموالهم …

و في هذه الأثناء اتفق أن أربعين ألف زائر من الإيرانيين كانوا في قصبة كربلاء علمت بهم العشائر فتوجهت إليهم من كل صوب و صارت تنتظر خروجهم للوقيعة بهم، و أحاطت بالمدينة من أطرافها فلم يجد الزوار طريقا للخروج.

بقي الزوار محصورين و كان فيهم حرم الشاه و في صحبتها بعض الخانات و أن خدام الحضرة عرضوا الأمر مرارا علي الوزير فلم يصغ و

لم يتخذ أي تدبير.

كان التهاون بأمثال هذه مما فضح سياسة الوزير و أظهر عجزه، و ولد سمعة سيئة. و لذا ألح أهل الحل و العقد علي الوزير للقيام بتدبير ناجع فأحال القضية إلي داود الدفتري السابق فجعله قائدا و عين بصحبته مقدارا من الجيش و فوض إليه رفع أمر الغوائل.

جهز داود جيشه و سار من بغداد بتاريخ 14 ذي القعدة نحو الحلة فوصل إليها. و كانت آنئذ كربلاء و النجف مزدحمة بالعشائر في كافة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 257

أنحائها و حواليها … و أن كثرتها كانت تعادل أضعاف أضعاف الجيش فلم يبال بكثرتهم.

مكث في الحلة بضعة أيام للاستراحة فذاع أمره فاستولي الرعب علي العربان النازلة في تلك الجهات. لذا لم يحتج إلي المحاربة فحذرت العشائر منه و تفرقت دون أن يجرد سيفا و إنما أرسل مقدارا من الجيش لتخليص الزوار المحصورين فجاء بهم إلي الحلة ثم ذهبوا إلي النجف و منها عادوا إلي الحلة، ثم توجهوا إلي بغداد دون أن ينالهم خوف أو يصيبهم ضرر.

و حينئذ نهض داود من الحلة يريد الحسكة و لكن علم أن زبيدا في أنحاء الحلة تولدت منهم أكثر المفاسد من قطع طرق و نهب و سلب …

لذا عزل شيخهم و نصب مكانه (شفلح الشلال) و تعهد بتأمين الطرق و حراستها.

و إن عشيرة جبور الواوي سلكت عين ما سلكته زبيد فألقي القبض علي شيوخها و أغار علي عشائرها. و كانت متحصنة في ناحية (شكري) بين الأنهار و الغابات فعزموا علي النضال سوي أنهم لم يطيقوا المثابرة فانهزموا و تقدم الجيش فانتهب أموالهم و اغتنم مواشيهم و سائر ممتلكاتهم.

و حينئذ حط داود خيامه تجاه الديوانية محل (ضابط الحسكة) و هناك

أبدي سطوته.

حوادث سنة 1230 ه- 1815 م

الخزاعل:

أما الخزاعل فإنهم من زمن علي باشا لم يذعنوا لسلطة بسبب ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 258

أصاب الحكومة من غوائل ألهتها فصاروا ينظرون إليها بنظر الاستغراب.

فلما جاءهم داود رأوا كصاعقة اصابتهم، و اضطروا إلي الانقياد و الطاعة و تعهدوا بالميري و قدموا الهدايا …

أما القائد داود فمراعاة للمصلحة عاملهم بالحسني ثم رجع بناء علي أمر الوزير و نظم الاشغال لكنه قبل أن يتمها صدر الأمر بعودته فعجل بالرجوع حذر أن يحمل عمله علي محمل آخر.

و إن أكبر شيوخ الخزاعل محسن الغانم جاء إليه و أبدي الطاعة فراعي جانبه و أحسن إليه و استصحبه إلي بغداد و حصل علي واردات جسيمة و أبدي سطوة.

و في سلخ صفر عاد. و مدة سفرته ثلاثة أشهر و 16 يوما.

و إلي هذه الوقعة أشار الشيخ صالح التميمي بقصيدة مطلعها:

أ مدبرا قطر الممالك بعد ما عجزت ولاة الأمر عن تدبيرها

تبدلات في الموظفين:

و قبل عودة داود كان قد عزل الوزير وكيل الكتخدا درويش آغا و نصب مكانه متسلم البصرة السابق الحاج عبد اللّه آغا وكيل الكتخدا.

و هذا مما لا شك في مقدرته قام بأعباء جسيمة. أبدي فيها كفاءة فهو مجرب للأمور. و لكن الأحوال كانت مختلة. و لو نصب غيره أيضا لما أمكنه التنظيم. و لهذا اكتفي داود بالدفترية حبّا في برودة الرأس من الغوائل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 259

وقائع متفرقة:

1- إن سعيد باشا في سفره إلي الحلة في سنة 1228 ه استصحب معه خيالة خالد باشا متصرف بابان سابقا فرأي تهاونا. أما عبد اللّه بك أخو عبد الرحمن باشا فقد ذهب بصحبة داود إلي الخزاعل. فظهر سعيه و بدت نتائج أعماله. و لذا تغير الوزير علي خالد باشا و حبسه في داره و سلب منه مقاطعة مندلي و خانقين و علي آباد و أعطي حاصلاتها إلي عبد اللّه بك. ثم عفا عنه إلا أنه لم يعد إليه مقاطعاته.

2- إن متصرفي الكرد من أواسط أيام علي باشا كانوا يتوصلون إلي الإدارة بواسطة الشاه إلا أن نفوذ الوزراء في الحدود بتعيين موظفين لا يزال باقيا، و أن إيران تخشي أن تتعرض بهم … و لذا كفت يدها من كوي و حرير، و من درنة و باجلان.

3- كانت يد إيران في بابان لا تزال عاملة في الخفاء، و المصارحة و كانت ترضي الوزير بالمواعيد و الآمال …

4- بناء علي بعض التعهدات وجهت كوي و حرير إلي سليمان باشا متصرف بابان سابقا.

5- إن متصرف درنة و باجلان محمد جواد باشا جاء إلي بغداد و ألبس من الوزير خلعة إمارته.

6- إن وكيل الكتخدا الحاج عبد اللّه آغا نظم أمور

وكالته مدة خمسة أشهر و لأمر طفيف عزل، و نصب درويش محمد آغا بالوكالة.

7- لاحظ ضابط الحلة أن زرع المقاطعات ممن يعيث بالأمن ليس من المصلحة و أبدي لزوم اتخاذ تدبير لذلك، فطلب من خالد باشا متصرف بابان سابقا مقدارا من العسكر فأرسل ابنه محمد بك و معه نحو خمسمائة فارس إلي بغداد. و لما لم تكن بعهدته مقاطعة تقوم بمصارفه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 260

أعطي خمسين ألف قرش ليدبر بها أموره و أرسل إلي نهر الشاه …

الخزاعل:

إن الخزاعل لم يبد منهم ما يبرر القيام بمخاصمة و إنما ذهب جاسم بك الشاوي إلي الخارج أيام عبد اللّه باشا في بعض المصالح و في طريقه مر بشيخ الخزاعل سلمان المحسن. و لما لم ير منه توجها و حفاوة فقد اضمر له الغيظ. و في هذه الأثناء ورد كتاب من شيخ الخزاعل عباس الفارس ينطق بأن سلمان المحسن عاث بالأمن، و أنه لا يزال علي سوء الأحوال فكانت هذه نعم الوسيلة لتبريد غلته، فأبدي للوزير حاله و شوقه للسفر عليه بأمل تقوية النفوذ و جلب الإيراد.

تأهب الوزير و في 8 شوال نهض من بغداد نحو الخزاعل. و لما وصل إلي الحسكة اضطرب شيخ الشامية مغامس الشلال فترك دياره و ضرب في الصحاري، و إن عباس الصقر جاء ليعرض اخلاصه …

أما سلمان المحسن فإنه ثبت و تمكن في (لملوم) و لكنه لم يطق الدوام فرحل إلي الأهوار و استقر في السيباية في محل يقال له (المدينية). فضرب الوزير اللملوم و أتلف زروعه فرعتها الخيل و وطأتها.

و من هناك ضرب خيامه بمقربة من السيباية و ساق عليه الجنود فضيق لبضعة أيام و مشي علي السيباية مرات

حاول الاستيلاء عليها فاستعصت و لم يتمكن من الوصول إليها. فاضطرب الشيخ لحاله أن يتركها فتفرق جمعه في الأهوار الصعبة المرور …

و لما علم أن لا طريق لتعقيبهم مضي الوزير إلي جليحة لتحصيل الميري و جعل وجهته اليوسفية فتوقف بضعة أيام و تبين له أن لا طريق لاستحصال الميري منهم فقام بلا نتيجة و رجع. و في طريقه زار النجف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 261

و كربلاء. و في المحرم سنة 1231 ه دخل بغداد. و مدة سفرته دامت شهرين و 26 يوما …

حوادث سنة 1231 ه- 1816 م

شمر و الخزاعل- المنتفق و الظفير:

إن فارس الجرباء بعشائره و الزقاريط و عشائر البعيج لم يروا من سعيد باشا ما كانوا يرونه من الوزراء السابقين من عناية و رعاية لا سيما أيام الوزير علي باشا ففي أيامه كانت لفارس أبهة عظيمة و صدارة فعبر إلي غربي الفرات عند ما تولي سعيد باشا الوزارة بسبب ما بين الجرباء و العبيد من الضغائن لا سيما قاسم بك الشاوي و كان الوزير ولي أكثر أموره له فلم يستقر فارس في الجزيرة فنزل بعشيرته علي الخزاعل فاتفقوا و تجمعوا. و في هذه الأثناء كان قد نكل الوزير بشيخ الخزاعل سلمان المحسن و ضيق عليه تضييقا مرا. و علي هذا استمد سلمان المحسن بفارس الجرباء فأمده بعشائره فوصلوا و تبعوا الجيش للنكاية به و حينما جاؤوا قرب ديار الخزاعل علموا أن الوزير رجع. و لما سمع بهم تأهب عليهم. و لكنهم هابوه و لذا مالوا إلي الخزاعل، و اتفقت زبيد و العشائر الأخري ممن في تلك الأنحاء. فصارت جموعهم خطرا. جاؤوا من الحسكة إلي الحلة فانتشر ضررهم و زال الأمن و انقطعت السبل و تسلط العشائر علي القري و المقاطيع.

فتحير الوزير في أمره لما ظهر من هذه الأحوال.

و حينئذ طلب الوزير حمود الثامر شيخ المنتفق للسفر علي الخزاعل فجهز جيشا عظيما فوصل إلي أنحاء السماوة كما أن الوزير علم أن لا مجال للخلاص من الجرباء إلا بجلب الظفير ألد أعدائهم. و كذا دعا كل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 262

من ينزع إلي معاكسة هذه العشائر من العشائر الأخري من العبيد و أرسل معهم قاسم بك مع بيارق الخيالة و عقيل و باش آغا. و كذا جلبوا الدريعي من رؤساء الرولة من عنزة لجانبهم. ولي قاسم بك أكثر أمور هذا الوزير و نظرا لذلك لم يستقر آل الجرباء في الجزيرة و إنما نزلوا بعشائرهم علي الخزاعل ليكتالوا من أنحائها. و كان بين فارس و بين الدريعي عداء قديم فاقتفي الدريعي أثره و نزل قريبا منه و أرسل إلي حمود بن ثامر فاستنفره فنفر بفرسان عشائره لمساعدة الدريعي و كذلك خرج عسكر الوزير مع من ذكر …

تقابل الفريقان في لملوم و اشتعلت نيران الحرب فكانت الغلبة في جهة مناصري الوزير و قتل من خصومهم خلق كثير.

و في هذه الواقعة قتل بنيّة بن قرينس ابن أخي فارس و كان بنية ما كرّ علي جناح أو قلب إلا هزمه حتي تحامته الفرسان فأصابته طلقة اردته قتيلا و حينئذ أرسل رأسه إلي الوزير فأعلن أمره ليؤدب به الباقين …

المنتفق في هذه الأيام:

بعد قتلة عبد اللّه باشا قويت شوكة حمود و صار أمر سعيد بيده و لهذا أعطاه و إخوانه ما في جنوب البصرة من القري. و أطاعهم الحاضر و البادي، و سالمتهم الأعادي.

و في أيام الشيخ حمود امتدت يد الظلم من أتباعه. و أطنب في ذلك صاحب مطالع السعود لقصد

التوصل إلي ذم ادارة سعيد باشا بل ذمها كثيرا، و بالغ في ذم حمادي بن أبي عقلين و سائر الموظفين. و ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 263

ذلك إلا لأن الوزير أشرك العرب في الإدارة فنقم عليهم داود باشا فظهر ذلك علي لسان مؤرخيه صاحب الدوحة و صاحب المطالع.

وقائع مختصرة:

1- إن خالد باشا متصرف بابان سابقا كان قد عين ابنه محمد بك مع خمسمائة فارس لمحافظة أنحاء الحلة فخدم بإخلاص. لذا وعده الوزير أن يوجه إليه إربل لما شاهد من بسالته في حرب الخزاعل.

مضت بضعة أيام فوجه إيراد إربل إلي خالد باشا و صار يستوفيه تدريجيا و يصرفه علي أتباعه … ثم ذهب ابنه محمد بك بمن معه إلي إربل.

2- شوهد تهاون من سليمان باشا متصرف كوي و حرير في أداء ما تعهد به و تساهل في الخدمة. و علي هذا عزله و وجه هذه الالوية إلي خالد باشا، و إلي ابنه محمد بك وكالة كوي و حرير بعنوان (باشا).

فلما سمع سليمان باشا بهذا قوض خيامه و طوي بساط الراحة و ذهب إلي سنة مع أتباعه و منها سار إلي كرمانشاه و تابعه محمد علي ميرزا. و سارع محمد باشا ابن خالد باشا من إربل نحو لواء كوي. و كذا استأذن خالد باشا من الوزير أن يذهب إلي محله و كان في بغداد.

سعيد باشا- حمادي ابن أبي عقلين:

تولي سعيد باشا الوزارة و هو حديث السن، لم يجرب الأمور.

و مما حط من منزلته أنه استخدم حمادي (ابن أبي عقلين) من صنف العلواتية (بياعي الأطعمة) فنال مكانة لديه.

و إن مؤرخي داود باشا حرموه من كل صفة مقبولة. قالوا: و هو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 264

كردي الأصل، فلم يكن عاقلا و لا نصف عاقل فضلا عن أن يكون أبا عقلين. و لو كتبت أعماله لاحتاجت إلي تدوين سفر مع قصر المدة لمباشرته الأعمال و عدوا ذلك من خرق الوزير سعيد باشا و بينوا أنه لم يسمع نصحا كما أن ابن أبي عقلين زاد عتوه، فوصلت الحالة إلي انحطاط و

تدهور ليس وراءهما و هكذا كان شأن العشائر و صاروا لا يسمعون أمرا و تكاثر العصيان. و مثلهم أهل المدن. و مجري الحوادث يبصر بحقيقة الوضع.

و مما وقع في هذه الأيام:

1- في مندلي حدث اختلال فطرد أهلها ضابطهم و اختاروا ضابطا غيره.

2- في كركوك حدثت فتنة عظيمة لم يسبق لها مثيل طالت ثلاث سنوات استعرت في خلالها نيران الخصام بين الأهلين.

3- أصر (حمادي بن أبي عقلين) علي أن يعزل محمود باشا متصرف بابان و ينصب مكانه عبد اللّه بك أخو عبد الرحمن باشا برتبة باشا فاضطر الوزير علي ذلك و أرسله إلي كركوك، و سير معه عبد الفتاح آغا (بلوك باشي) تقوية له و أن باش آغا مع عبد اللّه باشا وصلا الجانب الأعلي من (قزل دگر من) في كركوك فنصبا خيامهما و طيرا الخبر بما عهد إليهما. فلما سمع محمود باشا تأهب للقراع و عين أحد إخوته عثمان بك مع مقدار من الجيش و تحصن هو في مضيق (بازيان).

و كانت أرسلت الدولة إلي إيران سليمان أفندي رسولا و هذا تشاور الوزير معه علي عزل محمود باشا فلم يرض. ثم ذهب إلي إيران و بلغ الرسالة و لكن قبل أخذ الجواب رأي ابن أبي عقلين أن يعجل في القضية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 265

فلما علمت إيران اتخذت هذه سببا لاعتذار الشاه، و أدت إلي انفعال الرسول.

جاء محمود باشا بجيوشه إلي المضيق و أبرز من السطوة ما جعل عبد اللّه باشا يتهيبه. و إن الباش آغا كانت معه شرذمة قليلة فلم يجسر أن يمضي إلي الأمام بل بقي في محله و لازال في انحطاط في القوة يوما فيوما … و عزا انصار داود باشا إلي الوزير و إلي

ابن أبي عقلين أمورا كثيرة ليبرروا نهضته. و بهذه التشنيعات و أمثالها أثروا علي الدولة في أنه عاجز عن ادارة الشؤون مما أدي إلي عزله فاختلت الحالة. و عاد محمود باشا إلي محله.

أحوال بغداد:

إن أحوال بغداد انعكست إلي الدولة فتحولت عن الوزير الانظار كما أن حالت أفندي الرئيس كان قد عاد إلي استنبول فصار بمقام مشاور للدولة في مصالح العراق و مهامه لا تخرج الدولة عن رأيه …

و هذا كان له صراف في استنبول يقال له (حسقيل) بن راحيل من يهود بغداد. و كان له أخ يدعي عزره التمس من الوزير أن يعينه رئيس الصرافين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 266

أما رئيس الصرافين الموجود فإنه ملتزم من والدة الوزير و من ابن أبي عقلين لذا لم يروج ملتمسه فاستكبر حالت أفندي ذلك و تألم من الوزير. و صار يتربص الوسائل للوقيعة به.

و في تلك الأيام كانت الدولة تأذن للولاة في ضرب بعض النقود في بغداد. فأذن له بضرب النقود النحاسية و عين عزره المذكور. و هذا اغتنم الفرصة من غفلة الموظفين فكتب بدل (الطغراء) لفظ (سعيد باشا) و لما قدم إلي الوزير الانموذج تهيج كثيرا فسارع إلي تغيير هذه النقود و لكن تسرب مقدار منها إلي الدولة و لا تزال معروفة عندي نماذج منها.

و عزرا هذا بعث إلي أخيه حسقيل مقدارا من هذه النقود قدمها إلي حالت أفندي مبديا له أن سعيد باشا ضرب نقودا باسمه و قدمها إليه تصديقا لقوله و علي هذا و للأسباب المارة عزل سعيد باشا و صدر الفرمان بلزوم إقامته في حلب في محل (شيخ بكر). و لكن سعيد باشا لا يزال خالي الذهن.

علم محمود باشا ذلك كله و

لكنه التزم الكتمان و أمر أن لا يتزحزح من مكانه. و حينئذ فهم الوزير من الأوضاع أن نوايا الدولة متوجهة عليه فاضطر أن يدعو الجيش المرسل لمساعدة عبد اللّه باشا و أن محمود باشا مع جيوش إيران قاموا من المضيق فعاد كل إلي مكانه و بقي عبد اللّه باشا في كركوك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 267

خروج داود من بغداد:

قال صاحب المطالع: «فلما رأي أرباب الأغراض منه ما رأوا أي من داود من وقعة الخزاعل أضمروا له ما أضمروا و سعوا فيما سعوا …

فوافقهم الوزير علي ما بينوا فحاولوا قتله، أو كادوا … فبلغه ما عليه أضمروا … فأشير عليه أن يخرج من بغداد، و يخطب إيالتها فوافق ما كان أضمره … فخرج في 12 ربيع الأول لسنة 1231 ه.

و مثله و بصورة أوسع في الدوحة من أنه كان مخلصا للوزير إلا أنه أبدي خرقا في الإدارة و تسلط عليه ابن أبي عقلين و أجري تبدلات كثيرة في المناصب أغضب بها المماليك، فاختار أكابرهم داود للأمر، و حذرا من الوقيعة به نهض من بغداد في 12 شوال مع بعض أعوانه. ذهب إلي زنگباد و منها مضي إلي كركوك.

و في طريقه وصل إليه كتاب من محمود باشا يبدي أنه و والده لا يقصرون في الخدمة و أن الولاة كانت معاملتهم سيئة و إذا وجهت إليه الوزارة فإنهم لا يخرجون عن رأيه و لا من طاعته و لا يميلون إلي إيران أو يركنون إليها، و أنهم متأهبون لمؤازرته فأجاب ملتمسهم و ذهب إلي السليمانية فاستقبل بحفاوة بالغة الحد.

أخبار سعيد باشا بعد خروج داود:

إن هذا الوزير بعد ذهاب داود أحس بالخطر و علم أن تبعيد المماليك أدي إلي هذا، و من ثم قرب الموجودين، و أبعد ابن أبي عقلين. و حاول إرضاء جماعته، فجعل درويش محمد آغا كتخدا أصالة، و نصب مكان ابن أبي عقلين يحيي آغا الميراخور جعله خازنا، و عين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 268

يوسف آغا الميراخور أمين الاصطبل كما كان، و عزل عمر آغا الملي و وجه كهية الباب إلي عبد اللّه آغا الباش آغا السابق.

و أجري تبديلات أخري فكان ذلك تسكينا للخواطر و هيهات أن يرضوا عنه بعد ما رأوا منه ما رأوا و صار يهرب الواحد بعد الآخر. و صار يشتبه من أوضاع العثمانيين أيضا خشية أن يهربوا. و كتب إلي شيخ المنتفق حمود الثامر أن يأتيه لإزالة ما هو فيه من الاضطراب.

داود في السليمانية:

تمكن داود في السليمانية. و ناصره محمود باشا و قبل برئاسته و كان قد فر إلي كرمانشاه كل من سليمان باشا بن إبراهيم باشا متصرف كوي و حرير سابقا، و خليل آغا متسلم كركوك. و رستم آغا متسلم البصرة سابقا، و السيد عليوي المنفصل من آغوية بغداد فورد هؤلاء السليمانية و تابعوه، و كذا راسله الكركوكيون و أبدوا له الطاعة و دعوه لموافاتهم. لذا استدعي عطف السلطان عليه و عنايته به بتوجيه الوزارة إليه و عرض الكيفية مع تاتار خاص و بقي في السليمانية نحو أربعين يوما ثم توجه إلي كركوك و معه محمود باشا بعساكره و سليمان باشا.

ثم ورد الجواب، فأنجز السلطان ما أمله و منح له الإيالة، فاستقبله وجوه المملكة. و قبل أن يصل إلي كركوك بنحو ثلاث ساعات جاءه عمر بك دفتري بغداد ابن الحاج محمد سعيد بك مع مقدار من الاتباع، فنال التفاته. و لما قارب كركوك استقبله متسلمها الحاج معروف آغا و قاضيها و مفتيها و نقيب إشرافها و جملة العلماء و الأعيان و آغا الينگچرية و صنوف الجيش من سردنكجدية و متميزي الاوجقلية، فقدموا ما يجب من طاعة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 269

ثم نصب خيامه قرب (قزل دگر من) فاستراح هناك و تجمعت الجيوش إليه. و حينئذ جعل أحمد بك الأخ من الرضاعة وكيل كتخدا، و محمد

آغا كتخدا البوابين وكيل كتخذا البوابين أيضا و نصب عبد القادر آغا الحشامات وكيل الخازن، و عمر بك الدفتري وكيل المصرف و خصص لهؤلاء بعض الكدكات المناسبة.

عزل خالد باشا و خيانة أحمد بك:

حينما وصل داود باشا إلي زنگباد كان قد كلف عبد اللّه باشا متصرف بابان سابقا أن يكون في جهته فأبي. و لم يقف عند هذا بل ارتكب بعض الخيانات فلما رجع من السليمانية إلي كركوك عاد عبد اللّه إلي بغداد مع أعوانه. و في طريقه أغار علي قرية خرنابات من قري الأوقاف فانتهبها. و بهذه الصورة وصل إلي بغداد و التحق بسعيد باشا.

و أيضا طلب من خالد باشا متصرف كوي و حرير أن يتابعه حينما توجه من السليمانية إلي كركوك فامتنع و خالفه. و لذا بعد أن ورد كركوك ببضعة أيام عزله و وجه الألوية المذكورة إلي محمود باشا و عين أخاه عثمان بك لضبطها و إدارتها و أرسل معه قوة كافية للاستيلاء عليها.

و لما كانت الدولة أصدرت فرمانا بعزل سعيد باشا عزمت أن تجعل أحمد بك الأخ من الرضاعة قائممقاما فأصدرت فرمانا بقائممقامية و لكن لم يستطع إعلانه حذرا من الخذلان فكتم الأمر و صار يترقب الفرصة. و لما ذهب الجيش إلي كوي و حرير اعتقد أن قد حان الوقت، فوافقه أهل كركوك نزولا عند الرغبة السلطانية.

قام أحمد بك بوسائل الفتنة فتابعه بعض الآغوات و خالفه آخرون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 270

سرا فانتظروا الفرصة ليلا و ذهبوا إلي داود فعذل هؤلاء و أهل المدينة فلم يعذلوا بالرغم من الاستمالة بل هاجموا الجيش علي حين غرة فقابلهم ضرورة، فلم يثبتوا إلا مدة قصيرة فألقي القبض علي قسم و قتل آخرون.

و منهم من تشتت شملهم.

و من ثم

نهض الجيش من المحل المذكور و ضرب خيامه في جنوب كركوك في قرية (تر كلان). و بعد ثلاثة أيام رحل الجيش إلي قرية (طقمقلو) منتظرا أجوبة ما قدمه من معروضات إلي الدولة.

و بعد أن أتم عثمان بك مهمته في كوي و حرير عاد الجيش و نظمت الإدارة هناك.

حمود الثامر- بعض وقائع بغداد:

إن عبد اللّه باشا لم يستطع البقاء في كركوك. فلما سمع بمجي ء داود باشا إليها ذهب مع خمسمائة من الخيالة إلي بغداد فنصب خيامه خارج باب الإمام الأعظم و طلب أيضا سعيد باشا من حمود الثامر أن يوافيه فجاءه بألف و خمسمائة من العساكر فوصل إلي بغداد في 23 ذي الحجة و نزل في جانب الكرخ.

أما سعيد باشا فإنه اضطربت حالته فلم يتمكن من ضبط الأمور كما أن المصروفات اليومية بلغت عنده ما يزيد علي اثني عشر ألف قرش فصار الوزير يري كل الصعوبات في الحصول علي المبلغ فلم ير بدّا من تحمل هذه المشاق و صار يبذل جهوده لتأمين الحالة.

أما العثمانيون فقد ضجروا من هذه الحالة و جعل الوزير في الأبواب من يمنع الخروج عن البلد من الفرسان. لذا تري الواحد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 271

و الاثنين بصورة متوالية يبدلون قيافتهم و يخرجون ليذهبوا إلي داود باشا حتي أن أخا الوزير صادق بك مل هذه الحالة و يئس فانتهز الفرصة و فر إلي جهة قزلرباط فأعيد إلي الوزير بعد بضعة أيام. و أن أعوان الوزير احتاروا في أمرهم … و في النتيجة سدت أبواب المدينة سدا محكما …

حوادث سنة 1232 ه- 1816 م

وزارة داود باشا

توجيه الوزارة إلي داود باشا:

جاءت البشري بتوجيه إيالة بغداد و البصرة و شهرزور إليه و هو في قرية (طقمقلو) في غرة المحرم يوم الجمعة، و ورد محمد آغا معتمد محمد سعيد التوقيعي السابق. و محمد سعيد آغا التاتار بالمنشور يوم الأحد 3 المحرم فاحتفل بذلك.

و هذا الوزير من أكابر وزراء العراق علما و معرفة. و له الصيت الذائع … و مهمته أنه أدرك مناهج من قبله. فإذا كان سليمان أبو ليلة ثبت دعائم الحكم للمماليك، و أن سليمان

الكبير حاول أن تكون الإدارة خالصة لهم و أن سليمان (المقتول) استخدم الأهلين في الإدارة و مثله سعيد باشا فإن داود باشا سعي سعيه الحثيث للقضاء علي العناصر الأخري أو تبعيدها عن الإدارة و راعي كل واسطة دون أن يبالي بما قام به من قسوة و تجددت له آمال استقلال فحال دونها ما لم يخطر ببال، و ظهر ما لم يتوقع فكانت عاقبة ذلك الخذلان. و تعين ذلك حوادثه.

مكث نحو خمسة عشر يوما ثم توجه إلي بغداد فأقام في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 272

طوز خورماتو نحو عشرة أيام في خلالها قام ببعض الأعمال، فوجه لواء درنة و باجلان إلي سليمان باشا فذهب إلي منصبه الجديد.

و نهض من هناك فوصل إلي الجديدة. و حينئذ أرسل نسخ الفرامين و بعض الأوامر إلي بعض أعيان بغداد و اتخذ الوسائل لاستمالة الأهلين.

و العثمانيون ملوا من سعيد باشا فأبدوا ذلك بتحرير ورد منهم إلي الوزير إلا أن سعيد باشا اكتسب قوة بعبد اللّه باشا و حمود الثامر.

ثم علم هؤلاء بعزل سعيد باشا حينما تقرب داود من بغداد فانتبهوا من غفلتهم و كذا الصنوف العسكرية و اللوند و عقيل و القليقلية (أهل القلنسوات) و سائر الزمر فمن كانت له شهرية تقاضاها في حينها بقصد الاستمالة و جمع نحو أربعة آلاف أو خمسة آلاف من المشاة ليتغلب بهم علي الأهلين، و لكن ظهر القحط في بغداد فبلغت وزنة الحنطة ثلاثين قرشا و زيادة و وزنة الشعير ستة عشر قرشا و لكنها كانت مفقودة. و كذا تضاعفت أسعار الارزاق الأخري و استولي الضيق علي الفقراء و شغلوا بأنفسهم. و كذا الأغنياء سئموا الحالة.

و كان الأولي بالوزير أن يذعن للأمر السلطاني فأبي

بتسويل من ابن أبي عقلين و أمثاله.

و علي هذا أراد سعيد باشا أن يشوش علي محمود باشا متصرف بابان أمره و كان ورد مع داود باشا بجميع قواه فبقيت بابان خالية فعين عبد اللّه باشا الباباني أن يسير بجيشه ليستولي علي لواء بابان فذهب من جانب الكرخ ليعبر من ناحية تكريت و يذهب إلي كركوك و منها إلي السليمانية ففعل، و كتب إلي خالد باشا الذي عزل من لواء كوي و ذهب إلي إربل فأقام فيها بضعة أيام ثم جاء إلي كركوك فأكد له الوزير سعيد باشا في لزوم متابعة عبد اللّه باشا و أن يأخذ معه السباهية ممن في كركوك و يرافقه إلي السليمانية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 273

و لما وصل الخبر إلي محمود باشا اضطرب. لأنه لم يترك سوي أخيه حسن بك و نحو مائة من الخيالة للمحافظة. و لكن حسن بك تمكن أن يقاوم الهاجمين فلم يتزلزل بالرغم من الجموع الوفيرة التي هاجمته.

و ذلك أن الموظفين حينما وصل عبد اللّه باشا إلي كركوك اتفقوا معه و جهزوا نحو ألفي جندي من خيالة و مشاة و توجهوا نحو السليمانية و سعوا جهدهم للاستيلاء عليها فقاومهم حسن بك مقاومة لا مثيل لها و داموا نحو ثلاثة أيام أو أربعة فلم ينالوا بغيتهم و عادوا خائبين …

الوزير في قره بولاق:

تيقن الوزير أن سعيد باشا و أعوانه لم يكن عملهم مثمرا و أنه سريع الزوال، لما علم أن القحط اشتد علي بغداد و انقطعت القوافل. فلو بقي علي هذه الحالة لبضعة أيام لقام الأهلون علي الحكومة و هاجموا سعيد باشا. و هذا كان لديه نحو الأربعة آلاف أو الخمسة من الجنود الموظفين و من عشائر المنتفق

و من غيرهما أما الوزير فأراد أن يزيد الاضطراب و أن ينكف عن سعيد باشا أعوانه و المتصلون به، فانسحب و تنحي عن بغداد و لم يعجل بالأمر.

و من ثم دعا حمود الوزير أن يخرج معه فلم يوافقه …

رحل الوزير من منزله و توجه إلي ما يحاذي مقاطعة (دكة) من ديالي و نزل في (قره بولاق)، فأمن ذخائر الجيوش و أطعمتهم من الكرد و من درنة و باجلان. فصارت تجلب إليه المؤونة من هناك فتوقف مدة و ترك الأمور تجري في مجراها الطبيعي …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 274

سعيد باشا و الوزير:

لم يلتفت سعيد باشا إلي الأمر السلطاني و أرسل عبد اللّه إلي جهة كركوك ليذهب إلي السليمانية و أبقي العشائر الأخري في بغداد. فلما رجع عبد اللّه باشا من السليمانية بيأس توقف في كركوك. و لكن المنتفق و العبيد والدليم بقوا للمحافظة، و أن مصاريف المنتفق و حدهم تتجاوز العشرة آلاف قرش و نفقات الباقين علي هذه النسبة فنفدت المؤونة و صارت تشتري من الأهلين بصعوبة بحيث تسعي الحكومة من الصباح إلي الغروب لسد حاجتها.

كانت الأوضاع في حرج و العربان لا سيما المنتفق يتحكمون من أجل الارزاق بحيث صار لا يطاق أمر إرضائهم فأظهر سعيد باشا العجز و لم يبق له تدبير بل صار يتحري الخلاص من الكلفات الناجمة.

و في هذه الأثناء ورد الخبر بأن الوزير عاد من الجديدة و رفع الحصار عن بغداد فكان ذلك خير وسيلة لترخيص شيخ المنتفق و إخوته و عشائره فابتهج الشيخ لهذه المنة. أبدت الحكومة استغناء عنه بداعي أن النظام جري علي محوره المطلوب فعاد.

مذاكرات:

في المطالع ما يشير إلي أن الوزير أرسل صورة الفرمان إلي حمود ابن ثامر و كان مشككا فيه و حينئذ أشار علي سعيد باشا بالامتثال للأمر و أنه يبلغه مأمنه فلم يسمع قوله. و حينئذ عزم الشيخ حمود علي الرجوع إلي دياره فذهب. و أن ابن سند أسهب في البحث.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 275

حالة بغداد بعد الشيخ حمود:

إن سعيد باشا عزل الكتخدا درويش محمد آغا و نصب مكانه أصالة الحاج عبد اللّه آغا و كان من الندماء و قبل ذلك كان وكيل الكتخدا فصار العزل داعية سرور الأول و النصب حزنا علي الآخر. قال صاحب الدوحة: أنه اطلع علي كتاب منه ورد إلي الشيخ موسي ابن الشيخ جعفر جوابا له «إنني كنت أظنك تضمر الخير لي فظهر لي أنك لم تكن كذلك.

فلو كنت محبا لما تمنيت لي هذا المنصب في هذا الأوان بل كنت تعزيني به» اه …

و ذكر أنه شاهد الكتاب بعينه. و لذا قام بهذا المنصب علي كره.

أما درويش محمد آغا فإنه اعتزل الوظيفة و سكن بيته فرحا إلا أنه نسب حمادي إليه بعض الأعمال فترك منزله ضرورة و أقام في دار أخري بعيدة عن دار الحكومة. و صار يترقب الفرج.

مضت أيام علي هذه الحالة و تواردت السوابل، و زال الضيق عن الأهلين نوعا و أن سعيد باشا اطمأن. و خرج مرة راكبا فشاهد أخاه صادق بك و معه أتباعه و بعض آغوات الداخل يرافقونه ذاهبين إلي الوزير فلم يمنعهم أو أنه لم يقدر علي ارجاعهم.

و بعد بضعة أيام اجتمع قسم من أهل باب الشيخ و تذاكروا في أمر دفع سعيد باشا فوصل إليه خبر اجتماعهم فطلب الأشخاص الحاضرين فلم يأتوا و أصر

فلم يجيبوا و وافقهم غيرهم و تجمهروا و شرعوا في الشغب.

و كان سعيد باشا ينوي تسيير جيش عليهم. و في الصباح سير الجيش فأشعل الفتنة متميزو العساكر، و أغروا لفيفا من أهل باب الشيخ.

و علي هذا علم الباشا أن حمادي جرح فحاصر في القلعة و من ثم ترك أعوانه و حشمه و تخلي عن المنصب من تلقاء نفسه و حاصر في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 276

القلعة مع حمادي. و قبل هذا وضع عسكر عقيل في القلعة.

و حينئذ اجتمع آغوات الداخل مع الأعيان و الندماء و العلماء و صنوف العسكر فاتفقوا علي طاعة الوزير داود و نصبوا موسي آغا قائممقاما ثم كتبوا عرضا مع محضر دونوه من ساعتهم و أرسلوه إلي الوزير. و كان في قره بولاق ينتظر الفرج بصبر فجاءه العرض مع المحضر متضمنا دعوته و إنقاذ الأهلين مما نالهم.

الوزير في بغداد:

و علي هذا نهض بموكب فخم إلي بغداد فوصل يوم الجمعة 5 ربيع الآخر سنة 1232 ه فتوقف خارج الباب الشرقي و نصب خيامه هناك.

و من ثم استقبله الأعيان و العلماء و الأركان … فدخلها مساء بابتهاج من الأهلين. مضي من وسط المدينة فتعالت الأصوات من كل صوب ب (خير مقدم) و (مرحبا) …!

و في اليوم الثالث اجتمع العلماء و الأعيان و صنوف الجيش و الندماء و وجهاء البلد و عموم العثمانيين فتألف الديوان العظيم و ازدحم الخلق فقرئت المناشير علي الملأ و أجريت مراسيم الأفراح …

و عين محمد آغا كتخدا البوابين سابقا كهية. و لكتابة الديوان فضل اللّه و لآغوية الينگچرية السيد علي آغا و أبقي كلّا من الحاج محمد سعيد الدفتري، و موسي آغا كهية البوابين، و يحيي آغا الخازن في

مناصبهم و ألبس كلّا منهم خلعة … كما ألبس رؤساء الصنوف الأخري.

و حينئذ تقدم الأعيان و العلماء و الأشراف و العثمانيون للتبريك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 277

قتلة سعيد باشا و حمادي:

إن سعيد باشا حينما عزل وصل الأمر السلطاني إلي الأخ من الرضاعة أحمد بك فأطلع سعيد باشا علي محتوياته فلم يلتفت و تمرد فكانت النتيجة أن تفرق جمعه فالتجأ مع حمادي إلي القلعة الداخلية فحاصر بها. و أنذره الوزير داود باشا مرارا بلزوم التسليم فلم يذعن.

و ورد الفرمان بأنه إذا خالف قتل. و في أول الأمر أبعد عنه العقيليون و ألقي القبض علي حمادي و حبس في (باشا اسكي). ثم قتله محمد آغا معتمد حالت داخل القلعة يوم الأربعاء 10 من شهر ربيع الآخر.

و حكي صاحب تاريخ الكولات تفصيل مأساة قتلته بشكل روائي داع للألم. و بين قسوة داود باشا، و أن آغا الينگچرية و بعض الأعوان الآخرين قد عهد إليهم بقتله فقتلوه. أخذوه من حجر أمه.. فانتهت المأساة. و حمل ذلك علي شدة حنقه و قسوته. و كان الأولي به أن يسيره إلي السلطان و يطلب العفو عنه كما فعل خلفه علي رضا باشا اللاز.

و لم يكن قتله في القلعة كما ذكر صاحب الدوحة.

و من هنا نري المؤرخين أيام الوزير لم يجسروا أن يدونوا مثل هذه الأمور كما دون الأستاذ سليمان فائق (مؤرخ الكولات) من ذم داود باشا علي فعلته بابن سيده. و مهما بالغ الوزير في تبرير قتلته علي لسان مؤرخيه لم يستطع لها توجيها إلا من عباد الجاه.

ترجمة سعيد باشا:

ذكرت أحواله علي لسان مؤرخي داود باشا. و غاية ما يستفاد منها أنه حصل علي الوزارة بمناصرة حمود الثامر شيخ المنتفق و نال سائر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 278

العناصر توجها منه و تدخلوا في الإدارة و أقصي بعض المماليك و كانوا آنئذ قوة لا يستهان بها فعارضوه من جهة، و نفروه من

أخري و ذهبوا إلي بلاد نائية مما ولد فيهم حنقا عليه. لذا نبزوه بأنه قدم من ليس بأهل و يعنون من ليس منهم.

و قالوا كان ذلك بتسويل من حمادي بن أبي عقلين و أنه لخرق فيه لم يلتفت إلي مصلحة المماليك.

سكت داود و لم يتدخل في الشؤون ظاهرا لكنه كان يرقب هذه الأحوال … فلما رأي الكيل قد طفح، و وجد أن لدعوته تربة صالحة رتب أموره في بغداد باتفاق من رجالهم البارزين و نهض بمن نهض و أراد أن يستميل قاسم بك الشاوي و أمثاله فلما اطلع قاسم بك علي دخيلة الأمر تخلف عنه و لعله أراد أن يطحنهم بعضهم ببعض فشوق علي ابقاء الشيخ حمود لينهك القوي. و نتائج الحرب غير مكفولة … و كان له الأمل ان يخذل خصمه إلا أن الأوضاع لم تساعد. و منها خذلان عبد اللّه الباباني و مهما يكن فإن الحكومة لهم و بأيديهم. لذا ناصروه لما شعروا به من خشيتهم أن يصير حمادي مهردارا أو خازنا ثم كهية فوزيرا فيخرج الأمر من يدهم فكانت ثورة داود بأمل القضاء علي تدخل العراقيين في الإدارة … و لم يكن آنئذ مجال للعرب و غير العرب أن يظهروا أكثر من مناصرة بعضهم علي بعض.

أشار صاحب تاريخ الكولات أنه نحي عنه العارفين بالإدارة و قرب الجهال …!

مضت أعمال حمادي بن أبي عقلين فلم نر ما ينقمونه منه سوي تسمية المناصب و استشارة الوزير له و كانت مدة عمر الوزير سعيد باشا (25) عاما و بضعة أيام. و مدة حكومته بانضمام أيام ما بعد العزل أربع سنوات و بضعة أيام. قتل و قطع رأسه في 10 ربيع الآخر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 6، ص: 279

و كان يلقب ب (أسعد). و الأبيات المنسوبة إليه لأسعد ابن النائب عن بيان حالة نفسه. و بعد بضعة أيام قتل حمادي أيضا و أرسلت رؤوسهما المقطوعة إلي استنبول.

و كانت هذه الوقعة سبب انتصار المماليك. قبض هؤلاء بيد من حديد علي الإدارة و أمنوا الغوائل … و الحوادث أيام داود باشا تعين المجري و تميط اللثام.

حمادي بن أبي عقلين:

يقال إن سبب تسميته هو أن والده أو أحد أجداده عاش كثيرا حتي بلغ من العمر ما دعا أن يكني بذلك. و بعضهم يقول إنه من أهل (بعقلين) من أنحاء الشام و شاع غلطا بابن أبي عقلين و هذا يرجح علي غيره. و تروي حكايات كثيرة عن تعذيبه و قطع لحمه حيا ليطلعه علي ما جمعه من أموال، أو اخفاه من أموال الحكومة لحد أنه قال وضعت الأموال عند تاجر لا أذكر اسمه (لكثرة ما أصابه من ضرب) فأحضر التجار و كل منهم خاف أن يقول هذا أو ذاك. و حينئذ وجه خطابه إليهم و قال: اعلموا أن وزيركم صفته كذا و كذا …!

و لم يترك قذعا أو سبّا إلا قاله. أراد أن يعجل بقتله فلم يلتفت إلي ذلك. و يقال إنه رأي محمود باشا أمير بابان مارّا فدعاه إليه و رجا منه أن يلتمس من الوزير ليعجل بقتله قائلا له: إنه تألم كثيرا من هذا التعذيب و رجا أن يتوسط بقتله لينجو من التعذيب. و هذه قسوة أخري.

و لا تزال بقية باقية من ذريته إلي اليوم رأيت منهم الأستاذ عبد الكريم نادر من مدة طويلة. و له رسالة سماها (مختصر تاريخ العراق) طبعت سنة 1929 م في مطبعة النجاح.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 280

الكركوكيون- خالد باشا و عبد اللّه باشا:

في اليوم الذي قتل فيه سعيد باشا تمهد للوزير أمره و تم له استقلاله، فحذر منه القريب و البعيد و صاروا يهابون السطوة، و من جملة هؤلاء أهل كركوك. أذعنوا بالطاعة و ندموا علي أفعالهم، و فتحوا الطريق لأحمد بك أخيه من الرضاعة فذهب. و أرسلوا العلماء للعفو عما وقع منهم …

و أيضا جاء عبد اللّه باشا و

خالد باشا إلي بغداد للدخالة بصورة متوالية إذ إنهما ضاقت بهما الأرض بما رحبت فلم يروا نجاة إلا بالتسليم.

و احتراما للعلم و العلماء قبل رجاءهم فعفا عن كركوك و كرم العلماء و أعطاهم (كتاب الأمان)، كما أنه أغمض عينه عن هؤلاء الباشوات و عفا عن هفواتهما و خصص لكل منهما أربعة آلاف قرش شهريا.

حبس و إعدام:

كانت مخالفة سعيد باشا للأمر السلطاني و دوامه علي هذه المعارضة لمدة إنما كان لمعاضدة من درويش محمد آغا من الكهيات السابقين، و الحاج عبد اللّه آغا، و الحاج محمد سعيد الدفتري ببغداد، و عمر آغا الملي كهية البوابين سابقا، و قاسم بك الشاوي باب العرب، و الحاج نعمان الباچه چي من التجار فصدر الفرمان بقتلهم لغضب السلطان عليهم من جراء إقدامهم علي هذا العمل.

أما قاسم بك الشاوي فقد فر إلي جزيرة العرب فلم يتمكنوا من القبض عليه، و ألقي القبض علي الخمسة الباقين. منهم الحاج محمد سعيد و عمر آغا الملي فإنهما أعدما في الحال و أرسلت رؤوسهما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 281

المقطوعة إلي استنبول و أما درويش محمد آغا، و الحاج عبد اللّه آغا فإنهما وصلا حدود السبعين من عمرهما، و إنهما كما تحقق للوزير قد أكرها علي التوظف فرأفت الحكومة بشيخوختهما و كبر سنهما فعفت عنهما كما أن الحاج نعمان چلبي من التجار المعتبرين و أن قتله سيؤدي إلي تنفير التجار و توحشهم، و لهذه الملاحظة و مراعاة لخاطر التجار توقف الوزير عن إعدامه و عرض الأمر علي الدولة فعفت، و أن درويش محمد آغا، و الحاج عبد اللّه آغا قد أدخلا في عداد الندماء و نالا التفاتا و إكراما … و الحاج نعمان چلبي هو

صاحب مسجد العمار سبع أبكار و كان الأستاذ أبو الثناء شهاب الدين محمود الآلوسي أول مدرس فيه، و آل الباچه چي اسرة معروفة في بغداد، و لم يعقب الحاج نعمان الباچه- چي فآلت تولية المسجد إلي ابن أخيه الحاج سليم چلبي بن عبد الرحمن و ذريته و إلي سعد الدين و ذريته. و التفصيل في كتاب المعاهد الخيرية.

قتل السيد عليوي آغا الينگچرية:

لم تؤدبه الغربة. و كان يحسب الوزير أنه رجع عن غيّه و أبدل حالته. لذا حينما كان الوزير في بلاد الكرد وافي إليه الآغوات من كرمانشاه و جاء معهم فدخلوا جميعا في معية الوزير و كان المرقوم آغا بغداد سابقا و تبينت له خدمة ماضية فحين وروده بغداد جعله الوزير (آغا بغداد) كالأول. و لكنه عاد إلي حالته الماضية فلم تتغير أطواره من نفاق و فتنة كما أنه فسدت طباعه أكثر في ديار إيران و ظهرت مساويه بوضوح …

ورد من الشهزاده محمد علي ميرزا بعض التفاصيل عن سوء أحواله خفية، كما أنه ظهرت منه فلتات لسانية و أوضاع رديئة … كل ذلك تبين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 282

بصورة يقينية لذا رأي الوزير من الضروري أن ينال عقوبته قبل أن يقوم بعمل يخشي منه فعاقبه بالقتل. و لما كان عبد الرحمن أفندي كاتب الينگچرية موصوفا بالرشد و الروية نصبه الوزير وكيل الآغا و قربه منه …

أراد الوزير أن يقضي علي كل من كان يخشي منه أو يتوسم فيه قدرة معارضة ليخلو له الجو و تصفو الإدارة خالصة …

بعض العشائر:

إن أمور الحكومة و إدارتها كانت في الأيام السالفة منحلة. و هذا ما دعا أن تخرج العشائر قاطبة عن دائرة الطاعة و تلتزم العصيان و المخالفة و لكن الوزير هابته العشائر و خافت صولته فلم يقع ما يكدر الصفو …

إلا أن بني تميم و الباوية من شمر، و النجادة (البو نجاد أو النجادات) من الدفافعة، و عشائر بني عمير و بعض العشائر في المحمودية … عاثوا بالأمن فاقتضي تأديبهم فعين الوزير عبد الفتاح آغا (بلوك باشي) بيارق الخيالة لتأديب بني تميم، و آغا الحشامات يوسف آغا

لتأديب عشيرة الباوية من شمر، و النجادة من الدفافعة، و البو موسي، و أرسل باش آغا السابق عبد اللّه آغا، و السلحدار مظفر آغا لتأديب عشيرة بني عمير، و سير عبد اللّه بك الشاوي باب العرب (من آل سليمان الشاوي) و خليل آغا متسلم كركوك سابقا للمتجمعين في المحمودية. فذهب كل واحد من هؤلاء للناحية التي وجه إليها فقاموا بما عهد إليهم و أدبوا المرقومين و أخذوا أموالهم و مواشيهم. فحصل المطلوب و هو جل القصد من التأديب …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 283

راحة و طمأنينة- قصائد الشعراء:

من أيام علي باشا إلي سعيد باشا تشوشت أمور العراق فالفتن و الاضطرابات في كل صوب. توالت المحن، و زال الأمن … و في كل هذا انتهكت الحقوق، فوصلت الضجة إلي عنان السماء. فمنّ اللّه علي العراق بهذا الوزير فكان نصير الفقراء و الضعفاء، و أكبر من اهتم بأمر العدل و النظام فسعي للتنكيل بالعابثين و أوقع بهم … فدبر الملك بقوة و سياسة رشيدة فذهب البؤس و زال الخوف فتحركت الهمم، و صار يرعي الوزير كافة الطبقات لا سيما العلماء، و الفضلاء و الأدباء و الشعراء فيمنح الجوائز، و الوظائف، و يقدم له الشعراء و الأدباء خير البضائع الأدبية بلغة الضاد كما أن الأدباء من الترك و الفرس لم يحرموا بدائع بيانهم من نظم و نثر فيحصل كل فوق ما يأمل.

قال صاحب الدوحة: فالقصائد العربية لا تكاد تحصي و كذا القصائد التركية و الفارسية ليست بالقليلة و رجح أن ينشر قصيدتين باللغة التركية إحداهما ل (ثاقب خضر) و هو شقيقه سماها (عيدية)، و الثانية ل (عبد اللّه الإربلي).

نجتزي ء بالإشارة إليهما و هما طويلتان. و قد حصل الأول علي

جائزة ثلاثة آلاف قرش، و الآخر كانت جائزته أن نال قضاء إربل أما المادحون من العرب فمنهم الشيخ صالح التميمي. و علي علاء الدين الموصلي المدرس مدحه بقصيدة فلم ينل منه معروفا و صد عنه. و لعل السبب أنه مدح سعيد باشا، فكرهه.

و منهم عثمان بن سند. أرسل إليه قصيدة طويلة من البصرة مع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 284

رسالة. ذكرهما في تاريخه في حوادث السنة الأولي من أيام وزارته و أتبعها بأبيات من رسالته. و غير هؤلاء من الشعراء.

عشيرة الدليم:

كانت هذه من العشائر المساعدة للوزير السابق. قال صاحب الدوحة: ما زالت و لا تزال تعصي علي الحكومة، و في زمن الوزير حدث فيها اضطراب فعذلت بالترغيب تارة و بالترهيب أخري، فلم تنجع فيها الوسائل. لذا أمر الوزير وكيل الكتخدا (محمد آغا) للتنكيل بها فنهض من بغداد في 2 ذي الحجة و قام بما عهد إليه. أما الدليم فتأهبوا للمقاومة و تكاتفوا للدفاع.

حوادث سنة 1233 ه- 1817 م

الدليم أيضا: (تتمة)

و كانت مواطن الدليم لا تخلو من غابات، و عوارض لا يستطيع الجيش أن يسير فيها بسهولة و لا يتمكن من اجتيازها. فلاذوا بهذه الأماكن ظانين أنها الملجأ الوحيد. أما وكيل الكتخدا فإنه كان قبل بضعة أيام قد حصل علي رتبة كتخدا أصالة و يحاول أن لا يحبط عمله لدي الوزير، و أن لا يخيب الظن في اختياره فبذل غاية جهده ليفوز بالغلبة فلم يبال بالأخطار في سبيل آماله و اقتحم المصاعب فاضطرهم إلي التسليم و استشفعوا بباب العرب عبد اللّه بك الشاوي، و بعبد اللّه آغا بلوك باشي بيارق الخيالة. و بتوسط هؤلاء اختاروا الطاعة و قدموا مبالغ و فيرة، و هدايا عظيمة … فقبلت دخالتهم و عفي عنهم. و عين لكل قبيلة آغا يحصل المتعهد به.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 285

و عرضت تفاصيل ذلك للوزير فقبل بالعفو و شكر سعي القائمين بالأمر. و في خلال بضعة أيام أكملوا التحصيلات منهم.

عشائر أخري:

انتهب عربان الجرباء من عشيرة الحديديين بعض المواشي فضيق عليهم من جراء ذلك و أخذ منهم خمسمائة ذلول، و أن ترسل الأموال إلي دائرة الوزير أولا فأولا.

و بهذه الصورة حصل النظام.

ثم عادوا من طريق الشامية إلي الحلة. و كانت عشيرة اليسار خرجت عن الطاعة فأغار عليها جيش الكتخدا فاستأصلها، و استولي علي أغنامها و أموالها و مواشيها و أدبها بالوجه المطلوب. و عاد إلي بغداد فدخلها يوم الخميس 10 صفر فأكرمه الوزير و ألبسه الخلعة و مكنه في مسنده. و مدة هذه السفرة شهران و ثمانية أيام.

الغارة علي شمر طوقة:

إن هذه العشائر منطوية علي الشر، و إن شيخها (حمد البردي) موصوف بالغرور، و إن قومه يقطعون الطرق فأمر الوزير كتخداه محمد بك ليسير عليهم فذهب بمقدار من الجيش ليلا عند صلاة العشاء و طال سيره ثماني عشرة ساعة حتي وصلوا ديارهم. فعلموا بالخبر فتفرقوا، و لم يتمكن الكتخدا من استئصالهم و لكنهم تركوا بضعة آلاف رأس من الغنم، و مقدارا من الإبل نظرا لما أصابهم من اضطراب و ارتباك ثم عاد الكتخدا إلي بغداد. و كانت مدة هذه السفرة ثمانية أيام. و بهذه الغارات و الغزوات سد الوزير عجز ماليته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 286

أحمد باشا والي الموصل:

إن ولاة الموصل من قديم الزمان كانوا تبعا لولاة بغداد يجتنبون ما يخالف رغباتهم. أما والي الموصل أحمد باشا فإنه لم يكن كأسلافه.

لم يبال بما يوافق رغبتهم، أو يخالفها فجابه الوزير بمخالفات عديدة و لم يخل من معارضة …

و لو أغمض الوزير عينه عنه لأدي إلي إخلال في أمور كثيرة و تشوش في النظام. فلم يسعه التساهل للمصلحة التي كان يراها فقدم عرضا بذلك إلي الدولة و بين لها حقيقة الأمر. فالشكاوي من ولاة بغداد مسموعة و بالأخص علي ولاة الموصل.

فأجابت الدولة ملتمسه و عزلت والي الموصل علي أن يذهب إلي حلب و يقيم في المحل المسمي (شيخ بكر) و صدر الفرمان بذلك، و توجهت إيالة الموصل إلي حسن بك بن حسين باشا الجليلي و أرسلت الفرامين بواسطة والي بغداد فأرسلها مع (درويش محمد آغا) الكتخدا السابق إلي حسن باشا، فامتثل أحمد باشا الأمر و توجه نحو حلب إلا أنه أثناء الطريق و عند وصوله إلي المحل المعروف بالموصل القديمة أمال عنان فرسه و جاء إلي بغداد

فدخل علي الوزير إذ لم ير ملجأ للعفو إلا من طريقه. و حينئذ قام الوزير بما يقتضي من ضيافته و إكرامه، و أنه صمم أن يكتب إلي استنبول في أمره. و إثر وصول الفرمان إلي حسن باشا جلس علي سرير الحكم و لكنه مرض بضعة أيام فتوفي.

و لما ورد خبر ذلك إلي بغداد استشفع الوزير لأحمد باشا و بعد تردد و اشتباه قبلت الدولة شفاعته و منحته ولاية الموصل و ورد منشور إيالته و ذهب مكرما إلي الموصل و هذا هو الذي يأمله الوزير من سلطة علي الموصل و ولاتها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 287

محمود باشا متصرف بابان و كوي:

إن محمود باشا تعهد أن يقطع علاقته من إيران و لكن محمد علي ميرزا حاكم كرمانشاه ضيق عليه في الخفاء و أسرّ إليه أن يخالف و هدده فلم يستطع أن يخرج عن طاعته.

أما الوزير فإنه احتاط للأمر، و التزم الحقوق القديمة علي أن لا تمس بسياسة الدولة و مكانتها فأرسل إليه عناية اللّه آغا المهر دار لينصحه، و يدعوه للخدمة الخالصة … فنصحه فلم يصغ إليه، و بين أنه منقاد لإيران من كل وجه …

و حينئذ تغير فكر الوزير عليه فنزع منه في بادي ء الأمر لواء كوي و عهد إلي عناية اللّه آغا المهردار أن يعهد به إلي من يصلح. و أرسل معه من دائرته نحو مائة من آغوات الداخل، و سير معه عسكر إربل و عشائر شمامك و دزدي (ديزه يي).

أما محمود باشا فإنه عرض لأموره وهن و فتور و ذلك أن أخاه حسن بك أمير (قره طاغ) كان قد أرسله إلي محمد علي ميرزا الشهزاده ليكون رهنا لديه. و في أثناء الطريق رجع توّا و

دعا إليه بقية أتباعه و حاشيته. فرغبهم في اللحاق به فوصل إلي بغداد بنحو خمسمائة فارس من النخبة فالتجأ إلي الوزير فنال إكراما منه.

توجه عناية اللّه إلي إربل و فيها عثمان بك من إخوة محمود باشا.

و هذا لم يستطع البقاء فترك نحو مائة خيال هناك مع محمد عيسي آغا و خرج من اللواء و أخذ بقية أتباعه و متعلقاته و ذهب إلي السليمانية. أما المهر دار فإنه ساق كتائبه إلي كوي و حينئذ فر محمد عيسي بمن معه من الخيالة من وجه المهر دار. و علي هذا ضبط البلدة و أقام بها ثم أخبر الوزير بما جري.

أما الوزير فإنه راعي جانب حسن بك و أبدي له توجها و التفاتا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 288

زائدا، و علي هذا وجه إليه ألوية كوي و حرير برتبة (باشا) و ألبسه الخلعة و سيره إلي مقر حكومته فتمكن.

أما محمود باشا فإنه أخبر إيران بما وقع و استمدها. و رأت من المنفعة ما يبرر نقض العهد و يسوغ خرق الصلح فالتزمت جانب محمود باشا و جهزت جيشا يبلغ العشرة آلاف جندي بقيادة (محمد علي خان شام) البياتي، و كذا سير خان الفيلية حسن خان و معه عساكر اللر إلي أنحاء مندلي. و علي خان گلهر مع (كلب علي خان) أمير كروسي و بقيادته نحو ثلاثة أو أربعة آلاف توجه إلي ناحية بدرة و جسان بأمل ضبط المقاطعات المذكورة.

فلما علم الوزير بالأمر تأهب للدفاع و أرسل كتخدا البوابين خليل آغا مع قوة كافية إلي مندلي، و سير عبد الفتاح الباش آغا السابق مع مقدار من الجيش إلي ناحية جسان و بدرة. و أما كتخداه محمد آغا فإنه بعثه ليقطع

الصلة بالجيوش المرسلة مددا إلي محمود باشا من جانب ايران … و جهز معه جيشا عظيما ليذهب إلي جهة كركوك.

حوادث بغداد:

كان صادق بك رأي رعاية و إنعاما من الوزير و كان ينظر إليه بالتفات زائد. و نظرا لحداثة سنه و قلة رشده كان يأمل أن يكون وزيرا و دخل في دماغه ميل و رغبة في الرئاسة. لذا اتخذ هذه الوقائع و هجوم إيران من كل صوب فرصة سانحة لإنفاذ مرغوبه و القيام بدعوته … لذا فر ليلا و اختلس الفرصة فوصل إلي (عشيرة زبيد) و التجأ إلي شيخ شفلح الشلال. و هذا بمقتضي عوائد العشائر قد قبل دخالته و آواه ملتزما جانبه.

ثم وافاه قاسم بك الشاوي و كان صدر الفرمان بقتله و التجأ إلي الخزاعل و سكن معهم فعاضده و اتفق معه فجمع له عشائر كثيرة فسلكوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 289

طريق المناوأة، و تجاوزوا علي السفن المارة بين بغداد و البصرة و صاروا ينتهبون ما عرض لهم.

و علي هذا عين الكتخدا لدفع غائلته و أخر الذهاب إلي كركوك و عين مكانه عبد اللّه باشا. عهدت إليه القيادة و سير معه محمد باشا ابن خالد باشا و بلوك باشي بيارق الخيالة عبد اللّه آغا مع كافة البيارق و جمع كبير من الصنوف الأخري …

و كذا كتب إلي المهر دار أن يلتحق بهم بمن معه من عشائر ذزه يي و شمامك كما علم أن الشهزاده عازم علي الحركة من كرمانشاه و شاع خبر ذلك.

و لدي التحقيق تبين أن أمل الكتخدا من هذه الإشاعة أن يذهب الوزير بنفسه فيكون مانعا من إرسال قوة كافية إلي صادق بك لتمزيق شمله و القضاء عليه … هذا و كان

من متشخصي زبيد و المطالبين بمشيختها علي البندر مع شبيب الدرويش قد جلبوا لجهة الوزير و افترقوا عن الشيخ شفلح …!

و حينئذ عزل شفلح و وجهت المشيخة إلي علي البندر و جعل في معيته جميع العربان فألحقوا بمن معه من عشائر و سلطوا علي شفلح فتقابلوا في موقع يقال له (خشيخشة) و بتأثير من توجهات الحكومة لعلي البندر تغلب علي شفلح و كسر هو و صادق بك و قاسم بك و ذهب صادق بك و من معه إلي جهة عفك. التجأوا إلي شيوخها و تحصنوا بالأهوار.

و كانت المشاغل الأخري تدعو إلي تركهم علي هذه الحالة شهرين. و في هذه المدة لم يدعوا الشغب. استفادوا من الفرصة و ركنوا إلي التشويش و سلبوا الراحة. انتهبوا السفن و قطعوا الطرق فاضطرب حبل الأمن …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 290

أحوال إيران و البابان:

أما عبد اللّه باشا فقد ورد كركوك بعشائره. و كان هناك أيضا محمد باشا بن خالد باشا فاتفقا و كان المهر دار قد عين بصحبتهما آغوات الداخل و سائر خيالة العشائر فوافوا إليهم و التحقوا بهم. أقاموا في أنحاء كركوك و تكاتفوا لدفع الأعداء.

و أما الإيرانيون الذين سيرهم الشهزاده لمعاونة محمود باشا فقد وصلوا إلي ديار الكرد لكنهم لم يروا من المصلحة استرداد لواء كوي و انتزاعه من حسن باشا و ذهابهم إليه لأن الجيش العثماني كان مرابطا في كركوك و يخشي أن يقطع خط الرجعة عليهم فرأوا الأحري أن يخرجوا من مضيق (بازيان) إلي كركوك، فمضوا إلي (كوشك اسپان) و تبعد ثلاث ساعات عن (قره حسن) و تقابلوا.

و كذا وصل (حسن خان الفيلي) مع عسكر اللر إلي قرب مندلي كما أن (علي خان گلهر) مع

(كلب علي خان كروسي) و سائر الجيوش وردوا حوالي بدرة و جسان و أبدوا آثار العداء، ثم نهض الشهزاده من كرمانشاه بجيش عظيم و جعل (پاي طاق) مضرب خيامه.

ورد خبر ذلك كله إلي الوزير و سمع بورود الشهزاده فعزم بنفسه و أعد المعدات إلا أن الخانات الذين وردوا مندلي و بدرة و جسان بأمل الاستيلاء عليها هاجموها عدة مرات فلم يتمكنوا منها لما رأوا من دفاع.

و كذا الجيوش التي تبعت محمود باشا من إيران تقارعت طلائعها مرارا مع العساكر و الكركوكيين فأصابهم ما أصاب أولئك فلم يفلحوا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 291

و الحاصل لم تستطع طلائعهم أن تخرج عن أصل الجيش، و لم تقم بعمل ما.

ثم وحدوا قواهم فصار الكرد و الإيرانيون جبهة واحدة و بلغوا نحو أربعة عشر ألف فارس فوصلوا إلي (قوتلو) فوقفوا علي تل هناك نحو ساعة أو ساعتين ليظهروا قوتهم بقصد الارهاب و أن يشوشوا علي معنوية الجيش إلا أنه عقد النية علي الدفاع و ناضل نضال مستميت فلم يعبأ بخصمه.

و في هذه الحالة هاجم منهم نحو خمسمائة علي قرية (تسعين) فقابلهم من العساكر نحو ثلاثين خيالا من أهل شمامك فأبلوا فيهم بلاء حسنا و غنموا منهم غنائم وافرة و تركوا المواشي التي كانوا انتهبوها.

و عادوا.

شاهد محمود باشا هذه الحالة بأم عينه و علم أن الإيرانيين لا يستطيعون التقدم، فندم ندما عظيما و عاد. و أن أخبار هذه الوقائع كانت ترد إلي الشهزاده فتيقن ضعف جيشه، و أن جيوش الوزير ما زالت تتوارد، و أنه عازم علي النهوض بجيش عرمرم. فأرسل كتابا إلي الوزير يرجو فيه ترك المخاصمات و أن تبقي كوي و حرير بيد محمود باشا و أن

لا يرسل عبد اللّه باشا إلي ديار الكرد. و أن محمود باشا ينقاد إليه.

و تبقي بابان في عهدته و ألح في الطلب.

أما الوزير فقد عرض علي دولته ماجريات الاحوال، و أن الإيرانيين تقدموا علي بغداد و علي ربوع الكرد و أوضح مغازيهم، و طلب المساعدة له. و علي هذا صدرت الفرامين بلزوم حرب ايران، و عين الأمراء و الوزراء و سائر الرجال من أهل الكفاءة للقيام بالأمر، و أن تجهز الجيوش اللازمة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 292

و بينما هم في هذه الحالة إذ جنح الإيرانيون إلي الصلح فلم تر الحكومة بدّا أن توافق صيانة للدماء و حبّا للراحة، و أضيف إلي الشروط لزوم ترخيص سليمان باشا بن إبراهيم باشا الذي فر زمن سعيد باشا و عبد العزيز بك بن عبد الفتاح باشا متصرف درنة السابق الذي التجأ أيام عبد اللّه باشا إلي إيران و أن يسير إلي هذه الأنحاء …

أسعف طلبه في حق محمود باشا و ذهب السفراء من الطرفين لبضع مرات حتي استقر الصلح و تم الاتفاق بين الحكومتين و سحبت الجيوش الإيرانية من أنحاء مندلي و بدرة و جسان، و نهض الشهزاده و عاد إلي كرمانشاه كما أن الوزير أمر بإعادة الجيوش وفاء بالشروط و جلب حسن باشا من لواء كوي، و طلب من الشهزاده أن يرخص عبد العزيز بك و سليمان باشا فأرسلهم إلي بغداد.

و حينئذ خصصت مقاطعة (زنگباد) إلي سليمان باشا و وجهت درنة و باجلان إلي عبد العزيز بك برتبة باشا و أن عبد اللّه باشا ائتلف مع محمود باشا فجاء معتمد الدولة ميرزا محمد اللرستاني من الشهزاده لتعطي كوي و حرير إلي عبد اللّه باشا فأعادها محمود

باشا إليه. و كتب للوزير كتابا يبدي فيه امتنانه العظيم و شكره و قدم الهدايا … كما أنه أرسل والدته إلي أخيه حسن باشا لترغيبه في المجي ء إليه فوافق و عاد إلي أخيه محمود باشا فتم أمر بابان.

صادق بك و شيخ زبيد:

شغل الوزير بأمر إيران مدة شهرين في خلالها شاغب هؤلاء …

و لذا أرسل عليهم عبد اللّه آغا بلوك باشي بيارق الخيالة، و عبد اللّه بك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 293

الشاوي و جهز عليهم جيوشا كافية فلما وصلوا إلي قرب محلاتهم لم يتمكنوا من اجتياز الأهوار و الأماكن الصعبة المرور فاتخذوا الوسائل للتضييق عليهم، و بقوا بضعة أيام …

و لما ضيقوا الخناق عليهم أرسل الشيخ شفلح أنه إذا أعيدت المشيخة إليه ترك جماعته و حدهم … و تعهد أنه يقطع علاقته من صادق بك و قاسم بك الشاوي، و حينئذ عرضوا الأمر علي الوزير فعفا عنه و أرسل إليه الخلعة مع أمر المشيخة ففارق جماعته و عاد، فتضعضع أمرهم …

و نفر من صادق بك بعض أعوانه بسبب ما كان يقوم به من الأعمال كما أن شيوخ عفك كفوا أيديهم عن مؤازرته، و كذا فارقه قاسم بك الشاوي و بعض أتباعه فبقي متحيرا في أمره. و بكل عناء و مشقة تمكن من الوصول إلي الحويزة و منها توجه إلي كعب و بقي هناك.

عشيرة الصقور (الصكور):

هذه العشيرة من عنزة كانت في أنحاء حلب. و أحيانا تأتي من طريق الشامية إلي أطراف العراق و تتجول في جهات الحلة و حسكة …

و في هذه السنة وردت العراق و حلت في غربي المسيب من صوب الشامية فجاء بعض شيوخها إلي الوزير و عرضوا الطاعة. فنالوا إكراما و رعاية ثم أذن لهم بالذهاب علي أن لا يأتوا بما يخالف الرضا، أو يخل بالأمن. و رجعوا إلي مواطنهم …

كل هذا التكريم، و تلك الرعاية لم تؤثرا … فصاروا يعيثون بالأمن و توالت الشكاوي عليهم فصدر الأمر بتأديبه و سير الوزير خازنه يحيي

آغا بسرية عبرت الفرات من الجسر و توجهت نحو هذه العشيرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 294

فلما وصلت إلي قلعة أبي صخير في غربي المسيب تقابل الخازن معهم فأبلي الجيش بلاء حسنا، و لكن الخازن لم يكن عارفا بترتيب الصفوف و لا مطلعا علي الأمور الحربية، و بما أن (السر بالسردار) كما يقول المثل العامي أي الجيش بقائده. غلب الجيش علي أمره و كسر فتفرق العسكر شذر مذر فوصلوا إلي (قلعة الدريعية). و حينئذ عرض الخازن الأمر علي الوزير بما وقع فأمر أن يرجع.

عشيرة شمر:

إن العراق من قديم الأيام إنما تنشأ فيه الفتن و القلاقل في الغالب من العشائر. و هم دائما في غي و شغب … فعرض الوهن علي الإدارة و نظامها … فمن الضروري القضاء عليها تأمينا لسلطة الحكومة علي العشائر. و كان الوزير أرسل علي الصقور من عنزة خازنه فلم يفلح في تأديبهم.

عد بعض العشائر ذلك دليلا علي ضعف الحكومة و عجزها عن السيطرة. و من جملة هؤلاء شيخ شمر (مشكور الزوين). قطع السبل …

فلما علم الوزير بذلك أنذره عدة مرات فلم يجد نصحه نفعا … و حينئذ لم ير الوزير بدا من القضاء علي غائلته فاهتم للأمر و جهز جيشا تحت قيادة محمد الكهية بقصد استئصالهم و القضاء عليهم … ليكونوا عبرة …

و علي هذا سار الكتخدا ليلا في أول العشاء فأغار ليلته و نهاره إلي وقت الزوال مدة ثماني عشرة ساعة حتي وصل إلي ديارهم فعلموا بالأمر في حينه فتركوا جميع أموالهم و مواشيهم و فروا بأنفسهم و أهليهم …

و حينئذ انتهب الجيش خيامهم و كل ما يملكون من حطام و إبل و غنم …

صارت هذه الوقعة عبرة. و

كانت الغنائم ثمانية آلاف من الضأن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 295

و مائتي ذلول و نحو خمسمائة من النوق، فسيرت لجانب الوزير و قفل الجيش راجعا منصورا.

ابن سعود و الأحساء:

سار إبراهيم باشا في هذه السنة لقتال الأمير ابن سعود فانتصر عليه في أكثر وقائعه و استولي علي غالب المدن و أخذ أكابر رجالهم أسري و فتح الدرعية و غيرها من بلاد نجد … و تهمنا علاقة العراق بهذه الوقائع …

أرسل الوزير محمدا و ماجدا ابني عريعر بعشائرهما بني خالد و ساعدهما بعشائر المنتفق و العشائر المناوئة للأمير ابن سعود ممن قربتهم الحكومة لوقت الحاجة … فحاصروا بلاد الأحساء قبل أن يفتح إبراهيم باشا الدرعية. فتحاها و فتحا القطيف و ما حاذاها … فأخبر الوزير الدولة. فلما انتصر إبراهيم باشا في حرب الدرعية مد يده علي الأحساء و نزعها من محمد و ماجد و بهذا تابع إبراهيم باشا الشيخ محمد بن عبد اللّه بن فيروز الحنبلي و أرسل معه عثمان الكاشف. و لكنه فاجأه الأجل بغتة فبقيت الأحساء بيد الكاشف …

فلما بلغ الوزير ذلك كتب إلي السلطان محمود شارحا له حال ذينك الشيخين فأجابه إلي ما أمله و كتب منشورا نازعا يد إبراهيم باشا عن الأحساء و القطيف ناصبا ذينك الشيخين فخرج الكاشف حين ورود المنشور فارتاحت عشيرة بني خالد و شكرت الوزير علي صنيعه …

و من ثم نعلم أن الحكومة العراقية لا تزال مرتبطة بالأحساء و بوقائع الأمير ابن سعود و أنها تراعي سياسة الدولة و لذا قربت عشائر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 296

نجد المناوئة لآل سعود تنتظر بهم مثل هذا اليوم، فجلبت قبائل بني خالد، و الظفير، و الجرباء من شمر. و في

الوقت نفسه نري الدولة راعت في هذه الوقعة رغبة حكومة بغداد.

حوادث سنة 1234 ه- 1818 م

عفك و وقائع أخري:

طمعت قبيلة الظفير في العام المنصرم في وقعة يحيي آغا الخازن و كذا سائر العشائر في قطع الطرق و تجاوزت علي زوار العتبات …

حتي أن وكيل متولي أوقاف النجف عباس الحداد تمكن من إشعال نيران الفتن بين حيين من أحياء النجف و هما الشمرت و الزكرت فأدي الأمر إلي هلاك الكثيرين. و كذا في أنحاء الخزاعل امتنع شيوخ جليحة و عفك عن أداء الميري. فحاول الوزير عبثا في دعوتهم فلم يجيبوا و أصروا علي عنادهم …

و علي هذا أرسل من آغوات الداخل صالح آغا الكردي مع بيرق أو بيرقين من الخيالة لاتخاذ الوسائل الناجعة لإلقاء القبض علي عباس الحداد أو قتله، و إذا لم يتيسر فيجب عليه أن يراعي المصلحة بالتزام من يناوئه بإغرائهم عليه … أو ما ماثل …

و أرسل محمدا الكهية بقوة عظيمة علي الصقور و علي عشائر جليحة و عفك لأجل تأديبهم فتحرك من بغداد في 2 المحرم يوم الأحد فوصل إلي الحلة و عبر الفرات من الجسر إلي الشامية و في محل يبعد عن الكفل نحو ساعتين وجد رؤساء الصقور حمدان القعيشيش (الگعيشيش)، و ابن هذال و هو زيد بن الحميدي، و ابن أخيه فواز مع مشاهير رؤساء عنزة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 297

و أعيانهم و يقدرون بثمانية و أبناء عمهم و أقاربهم و مجموع الكل نحو ثمانية عشر رجلا فاستقبلهم الجيش، و أن الكتخدا استصحبهم معه إلي أن وصلوا إلي الكوفة فأمر الكتخدا بإلقاء القبض عليهم و أرسلهم إلي بغداد مقيدين …

و أما صالح آغا فلم يتيسر له القبض علي عباس الحداد حيّا فانتهز الفرصة و قتله

مع علي دبيس الشقي المشهور و أرسل برأسيهما إلي الوزير فزالت الفتنة بين الزكرت و الشمرت في النجف و هدأ الأهلون و أن الباقين أذعنوا و خلدوا للسكينة. و حينئذ نصب عليهم وكيل متول محمد طاهر چلبي من أقارب السادن (الكليدار) الأسبق و زال النزاع.

نهض الجيش من الكوفة و توجه نحو مهمته الأصلية. و في هذه الأثناء أخبر الكتخدا أن الحميدي، و ابن حريميس و معهم نحو أربعة آلاف بعير و ركب كبير جاؤوا للاكتيال إلي محل يقال له (الحاج عبد اللّه) فعين عليهم شيوخ الخزاعل و البعيج للانتقام منهم و أرسل معهم خيالة و قسما من العثمانيين العرب. و لما وصلت العساكر إلي الديوانية اشتغلت الجنود بربط الجسر و ترقبوا أخبار العشائر فاختاروا الإقامة هناك و الانتظار في جهة الشامية لبضعة أيام و حينئذ وصلت العشائر إلي محل أخذ الكيل فتقابل الفريقان و وقع القتال بينهما من طلوع الشمس إلي غروبها.

و هناك نزل شيخ البعيج السابق عزيز السلطان يبعد بضع ساعات عن المحل المذكور للإفساد و أعان عنزة كما تلاحق ركبهم و تظاهر معهم و في كل هذا كان النصر حليف الجيش و كسر أولئك شر كسرة و استولوا علي مقدار كبير من الإبل فنالت العشائر المذكورة عقوبتهم و رجعت عشائر الحكومة ظافرة منصورة.

و في هذه الأثناء أكملت العساكر نصب الجسر فعبرت إلي جهة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 298

جليحة و عفك من الشامية إلي الجزيرة. فوصلوا إلي گرمة اليوسفية فاشتغلوا بسدها و أكملوها في بضعة أيام و مروا عليها …

و حينئذ توجه الجيش نحو الطائفتين لاستئصال الواحدة بعد الأخري فأحدثوا رعبا. و لذا اتفق الكل و اتحدوا خشية مما سينالهم …

و لكن

العساكر هاجمتهم بصولة عظيمة، و اختل جمعهم و لم يقدروا أن يدافعوا. و من ثم انقسمت جليحة إلي فرقتين إحداهما كان رئيسها (نهر الطعيس). و هذا طلب الأمان فقبل منه ترغيبا له و جلبا للباقين، و الأخري تابعت مشكور الحمود. و هذه تركت أثقالها و فرت إلي هور (البدير) و ولت الأدبار …

و أما عفك فإنها اتفقت و لكنها أصابها أيضا الخوف فتفرقت و لم تعمد إلي مناجزة العساكر بل فرت فرقة منها إلي الأهوار التي لا يمكن اجتيازها و الأخري التي كان شيخها (شخير الغانم) التجأت إلي قلعة محكمة و هي المعروفة (بقلعة شخير) فتحصنوا فيها. و من ثم توجهت الجنود إليها و وصلت في 28 صفر و قبل الوصول إليها بنحو نصف ساعة حط الجيش ركابه و ضرب خيامه تجاههم … فدخل العشائر الذين في أطرافها إلي باطنها و باشروا في الخصام …

و إلقاء للحجة أنذروا بالنصيحة مرارا فلم ينتصحوا. و في اليوم التالي نقل الفيلق منزله إلي محل (قروشوت)، و حينئذ نظمت الكتائب و المدافع و الخمبرة و أعدت المعدات فهاجمتهم الجيوش فقاوموا. و كانت القلعة محكمة رصينة كما أنها محاطة بخندق عميق جدا و هي في مناعتها مثل قلعة الأحساء في الإحكام و المتانة.

وجد الجيش أن لا طريقة للاستيلاء عليها و اكتساحها بالهجوم …

و علي هذا التجأ إلي اتخاذ التلول الصناعية و نصب المدافع عليها، و كذا الخمبرة و توجيهها عليهم و اتخاذ متاريس للجيش حتي لا تصل طلقات بنادقهم، فتضر بالجيش. و دام القتال و الرمي من الصباح إلي الغروب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 299

و استفادة من ظلام الليل قدمت التلول و المتاريس إلي الأمام، و من أول

السحر بوشر بضرب المدافع و الطلقات و أخرجت المدفع إلي أعلي الروابي و أدخل البندقيون في متاريسهم و عين القواد لكل فرقة و صنف و أحاطت بهم الجيوش من جوانبهم الأربعة و أحكمت الإحاطة …

و في الليلة التالية تستر الجند بظلمة الليل و المطر فهاجموهم لعلمهم بأن الجيوش كانت مشغولة بنفسها و من ثم هربوا إذ رأوا أن البقاء سيؤدي إلي وبال و خطر … فتركوا جميع أموالهم و أمتعتهم، و اكتفوا بأخذ أهليهم. اختلسوا فرصة الهزيمة و النجاة. فضبطت الجيوش آنئذ القلعة و اختفي أولئك بالأهوار و الأماكن الصعبة المرور فاستولي الجيش علي جميع أموالهم و متاعهم و حصلوا علي ما يزيد علي ألف تغار من الغلال و الأطعمة غنيمة، و خربوا قلعتهم فجعلوها قاعا صفصفا …

و علي هذا نظموا تلك البقاع و نسقوا إدارتها و عرضوا علي الوزير هذا الفتح بتفاصيله فنال الكتخدا مكانة أعظم و شكر الوزير سعيه و قدم إليه أمرا (بيورلدي) يتضمن تقدير صنعه، و بين له أن البقاء أكثر لا تقتضيه المصلحة و أمره بالعودة.

و في هذه المدة أذعنت جليحة، و الفتلة بالطاعة و ألبس شيوخهما الخلع و طلب من كل منهم خمسون ألف قرش و أحيل أمر تحصيل هذه المبالغ إلي شيخ الخزاعل تعهد باستيفائها منهم علي أن لا يفتح سد اليوسفية ما لم تدفع بتمامها.

و إن شيخ الأقرع مع عشيرته ألزموا بمحافظة (سدة أم العويل).

و للقيام بذلك ليلا و نهارا ترك له مقدارا من الجيش يبلغ أربعين بيرقا من عقيل جعلوا معه، و كذا أعاق نحو ثلاثين بيرقا في معاونة شيخ الخزاعل لاستحصال المبالغ المطلوبة من الفتلة و جليحة و جعل لكل بيرق (باش

موسوعة تاريخ العراق بين

احتلالين، ج 6، ص: 300

چاووش) للقيام بالخدمة المطلوبة تبعا لأمر الشيخ. نظمت الأمور بهذا الوجه و قفل الكتخدا راجعا بباقي الجند.

و في 5 ربيع الأول دخل بغداد ظافرا منصورا. ففرح الوزير و ألبسه خلعة فاخرة ترغيبا له.

وقائع أخري:

جاء في تاريخ شاني زاده أن الوزير حارب قبيلة العبيد و في مقدمتها قاسم بك الشاوي المتفق مع اليزيدية في سنجار فنكل بها كثيرا كما أنه في أواسط ربيع الأول عاثت عنزة في الأطراف فأرسل إليها كتخداه فقضي علي غائلتها و أسر منها جماعة منهم ابن هذال و ابن كعيشيش فأمر الوزير بقتلهم فقتلوا و غنموا من هؤلاء غنائم كثيرة.

جامع الحيدر خانة و مدرسته:

في هذه السنة بني الوزير الجامع الكائن في محلة الحيدر خانة و اتخذ فيه مدرسة سماها (الداودية) و سجل وقفيتها و رصد لها أوقافا و اشترط لنفسه التغيير و التبديل ثم إنه في غرة رجب سنة 1243 ه غير الشروط و عين راتبا للمدرس و الإمام و الخطيب و اتخذ فيها خزانة كتب و جعل راتبا لمحافظها.

حوادث سنة 1235 ه- 1819 م

عشائر الدليم:

إن عشائر الدليم بسبب عصيانهم سنة 1233 ه كان قد قضي علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 301

غائلتهم فرضخوا و تعهدوا بأداء الميري مع حق الخدمة. فمضت عليهم سنة أو سنتان فنسوا ذلك …

و لما طلبت الحكومة حقوقها تهاونت في الأداء. أنذروا عدة مرات و نصحوا فلم يلتفتوا. و كانوا يميلون إلي الانقياد إلا أنهم بسبب غلبة الجهل رجحوا الاستمرار علي غيهم. و لهذا تطاولوا و أشعلوا نيران الفتنة فسير الوزير جيشا عظيما عليهم تحت قيادة محمد الكهية فتحرك من بغداد في 27 ربيع الأول يوم الخميس.

و عند ما قرب الجيش من شيوخهم نصحهم الكهية فلم يرجع من شيوخهم الأربعه إلا ضامن الصاروتة (السازوتة) فإنه فارق جماعته و أذعن. و لذا أمر بالرحيل و أسكن في أنحاء الزنبرانية.

و باقي شيوخهم و عشائرهم التجأوا إلي الغابات و الأماكن المنيعة.

و منهم من فر إلي الحويجة المسماة (سيره) المتفرعة من نهر الفرات.

أرسل إليهم بعض الجواسيس للاطلاع علي الحالة فعلم أنهم عازمون علي الحرب، و أن حويجتهم محاطة بغابات لا يمكن الوصول إليها لحصانتها بالأشجار الملتفة …

تقدمت الجيوش إلي مكان يبعد نحو ربع ساعة منها. و في 10 ربيع الثاني عند طلوع الشمس تقدمت بكامل تعبئة و تصادم الفريقان و اشتركت الخيالة و المشاة و أمطرت المدافع و البنادق بنيرانها و

تضاربوا من الضحي إلي المغرب فتبينت المغلوبية في عشائر الدليم فهاجم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 302

العسكر جموعهم فقتل أكثرهم و ولوا الأدبار فلم يبق لهم مجال أن يلتفتوا إلي أولادهم و عيالهم و إنما ألقوا بأنفسهم علي المعبر من الفرات فغرق أكثرهم. و حينئذ ألقي القبض علي نحو خمسمائة من ذراريهم و عيالهم و خرج الباقون إلي الصحراء إذ لم يجدوا منجي لهم في الغابات فأبلي فيهم الجيش.

هذا، و إن مؤلف الدوحة قدم التفصيلات بقلمه إلي الوزير بإمضاء الكتخدا فشكره علي ما أبدي و أمره يبقي بضعة أيام لتكون سطوته أكبر و أعظم.

عشائر زوبع:

بقي الكتخدا بضعة أيام ثم قصد عشيرة (زوبع)، و من بقي من عشائر البو عيسي و الجميلة إذ إنهم كانوا متفقين مع الدليم إلا أنهم انحازوا إلي جانب، و لما لم يؤدوا الميري تيقنوا بالخطر فتركوا ديارهم و نهجوا إلي الفيافي و القفار. و إن (البو عيسي) و (الجميلة) تعهدوا ببعض النقود بسبب انفصالهم و طلبوا العفو و من ثم فوض بعض من باشر التحصيل منهم.

و أيضا ندم أهل شفاثا علي المخالفة و تعهدوا بأداء الميري فأغمض الكتخدا عينه عنهم و فوض عليّا موظف (المصرف السابق) ليقبض ما بذمتهم و نظم بعض المهام و طلب الإذن بالعودة فعاد بجيوشه في 28 ربيع الآخر.

و حين عودته ألبس الخلعة و أكرم باقي موظفيه و احتفل بهذا النصر و تقدمت القصائد في مدح الوزير و الكتخدا و من جملة من مدح الوزير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 303

صاحب الدوحة بقصيدة باللغة التركية فأنعم عليه و زاد في مرتبته. ثم عظم شأنه أكثر بتقديم (دوحة الوزراء) إليه. و أودع هذه القصيدة تاريخه.

و جعلها

كخاتمة له.

محمد باشا بن خالد باشا الباباني:

سكن أولاد خالد باشا أمير بابان سابقا في كركوك بأتباعهم إلا أنهم كانوا يؤذون القري فشكا منهم الأعيان للوزير فكتب إلي محمد باشا أن لا يدع مجالا لهذه الأحوال و أن يردع أعوانه، ثم تكرر الطلب منه مرارا فلم يفد التنبيه فأصدر الوزير أمرا إلي متسلم كركوك (موسي آغا).

في القبض علي محمد باشا و سجنه.

تمكن المتسلم من القبض عليه و سجنه. و لم تمض بضعة أيام حتي هجم أتباعه بثلاثمائة خيال أو مائتين علي دار الحكومة ليلا و هربوه من السجن. و علي هذا أمر الوزير بإلقاء القبض علي والدهم خالد باشا و كان ينوي الفرار إلي إيران فسجن الاثنان في (باش أسكي) إلا أن محمد باشا بعد أن هرب من السجن ندم علي فعلته فلم يذهب إلي جهة أخري، و إنما مكث في الجهة العليا من كركوك يبعد أربع ساعات أو خمس في (شواه) و عرض أمره علي الوزير طالبا العفو و قبول معاذيره …

و علي هذا أصدر أمره بالعفو علي أن لا يضر اتباعه بأحد فعاد إلي أنحاء كركوك. و حينئذ عفا عن والده خالد باشا. و أما سليمان باشا بن إبراهيم باشا ابن عمه فقد أخذت منه أيمان مغلظة علي أن لا يخون مرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 304

أخري فاعتمد علي أقواله و أطلق سراحه أيضا و عين لهما ما يعيشون به.

ختان:

و في هذه السنة ختن الوزير ابنه طورسون يوسف بك لبلوغه سبع سنوات و كان ذلك باحتفال كبير و بهذه المناسبة أنفق الوزير علي الفقراء ما لا يحصي و ختن نحو ألف من الأيتام معه. و خلع علي العلماء و الأشراف حللا بديعة الأوصاف، و بني خيمة جميلة

في دار الإمارة و بسطت الموائد للقاصي و الداني …

و هنأه الشعراء بقصائد و مدائح فاكتفي صاحب الدوحة بنشر قصيدة فوزي ملا محمد أمين المنفصل من كتابة المصرف فنالت قبولا.

و ممن مدحه الشيخ صالح التميمي بقصيدة مطلعها:

ربيع و لا سحب تسح و تنطف و خصب و لا نبت لسعدان يعرف

إلي آخر ما قال.

و ممن هنأ الوزير بقصيدة عبد اللّه البصري فنقدها صاحب المطالع كما نقد شعر التميمي و أورد هو قصيدة.

المقيم البريطاني و تجولاته:

في آذار سنة 1820 م- 1235 ه عزم كلاديوس جمس رچ hciR scmaJ suidualC المقيم البريطاني tnediseR أن يتجول في ديار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 305

الكرد. وصل إلي بعقوبة في 28 آذار، فذهب إلي قصر شيرين و عاد في 8 نيسان ثم إنه في نهاية نيسان سنة 1820 م- 1235 ه اصطحب زوجته ماري و سكرتيره (بليّنو) و هو ألماني من أصل ايطالي، و أحد الأطباء و السيد محمد المنشي البغدادي و سماه السكرتير الفارسي مع حاشية كبيرة من الخدم و الحرس. و كان معه (ميناس) الأرمني. و هو جد ميناس الأرمني المتوفي سنة 1948 م و كان الترجمان الأول للمقيمية. فأصدر الوالي أمره بلزوم العناية بهم إلا أنه ندم علي ما فعل، فأوجس خيفة من هذه الرحلة و أن يجوسوا خلال الديار و فسرها بأنه يريد اثارة الفتن و القلاقل و في 12 آذار سنة 1821 ه- 1236 م عاد إلي بغداد. فاشتد الخلاف بين الوزير و بينه إذ منع التجار من إصدار الأموال و جلبها أو أنه أمر السفن أن لا تذهب إلي الهند و لا تأتي منها فاتخذ الوالي التضييق عليه حتي أحرجه علي الخروج من بغداد. و لم يأذن له

بهذا الخروج حتي تعهد بأنه ذهب باختياره و من تلقاء نفسه. و كانت جنود الوزير محيطة بالمقيمية معلنا أنه يقصد سلامة المقيم حذر أن يناله من التجار الهائجين ضرر.

دونت رحلة المقيم البريطاني في مجلدين و فيها تفصيل أحوال الكرد و ما مر به من مواطن. كما أن السكرتير الفارسي السيد محمد ابن السيد أحمد الحسيني كتب رحلة بذلك أيضا و كانت مختصرة و فيها ما يزيد من بعض الوجوه علي رحلة المقيم البريطاني.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 306

حوادث سنة 1236 ه- 1820 م

ورود مدافع و مهمات حربية:

وردت بغداد مدافع و معدات حربية من استنبول مع أفراد مدفعيين و عرباتيين نظرا لما رأته من الضرورة لحراسة العراق سواء في حدوده و ثغوره، أو غيرهما. و ذلك أن الدولة أرسلت خمسة عشر مدفعا سريعا مع مدفعيين و عرباتي واحد و أفراد آخرين يصلحون للعمل و معدات كثيرة و أدوات وافرة و لوازم وافية … جاءت بصحبة مصلح الدين أحد رجال السلطان محمود فوصلت في غرة صفر فأجري لها الاحتفال و أذيع أمرها.

قصر الوزير:

أمر الوزير باتخاذ حديقة في الفريجات من ناحية الأعظمية غرس فيها من الأشجار المتنوعة و اتخذ فيها قصرا فخما جامعا للطافة و الزينة علي أبدع أسلوب معماري. و كتب صاحب الدوحة قصيدة في تاريخ بنائه باللغة التركية.

تعمير باب السراي:

أمر الوزير بتعمير باب السراي لأنه عاد لا يليق و جعله واسعا، و جعل عن يساره برجا فمدح صاحب الدوحة الوزير بقصيدة تركية.

عمل مضخة:

ورد امرؤ من إيران يدعي ميرزا عبد المطلب فأبدي أنه عمل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 307

طلومية (مضخة) ترفع المياه و تغني عن الكرود و البكرات المعتادة فعرض القضية محمد المصرف علي الوزير فأمر أن يقوم بأعمالها. و لما تم العمل أخبر الوزير فشاهدها الكل فعجبوا من هذا الصنع. و علي هذا نال خلعة و أنعم عليه بإكرام جزيل و أن يقيم في بغداد ليتعلم سائر الناس منه و أجري له راتبا.

سميت هذه الطلمبة إضافة لنجل الوزير طورسون يوسف فسموها (چرخ يوسف) أي دولابه و نظم صاحب الدوحة قصيدة تبين تاريخ عملها.

تعمير السراي:

أمر الوزير بتعمير السراي مراعيا فيه النقوش و التزيينات و الإتقان المعماري. فدامت التعميرات نحو ثلاثة أشهر فتم بالوجه المرغوب فيه فأجريت مراسيم الافتتاح و فرش بأنواع الفرش و جلس فيه الوزير و تقدم الشعراء في وصفه و أرخوا بناءه. و صاحب الدوحة ممن أرخه. و من ثم صار (ناظم التواريخ) …

وقائع أخري:

1- إن محمد باشا ابن خالد باشا بعد العفو عنه داخلته الوساوس فجمع أعوانه و فر إلي إيران إلي الشهزاده. و لما علم الوزير أن ذلك كان بإغراء من والده خالد باشا و أنه ينوي اللحاق به ألقي القبض عليه و حبسه.

2- سبق أن يحيي آغا الخازن خذل في حرب الصقور و لوحظ أن ذلك لم يكن نتيجة إهمال و غفلة و إنما أشيعت عنه اشاعات غير مقبولة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 308

فعزل و وجهت إليه مقاطعة (تازة خورماتي) في أنحاء كركوك و أماكن متعددة في أطراف بغداد، و نال انعامات وفيرة. و بالرغم من ذلك ارسل الشهزاده إليه من يغريه و يحضه فنزل من الطاق باسم الصيد فجاء إلي أطراف زهاو (زهاب) و باديتها و تجول فيها تنفيذا لنواياه. و كان يترقب الخازن الفرص و باح بسره لبعض محبيه فأخبر الوزير خفية فأمر بإحضاره و إلقاء القبض عليه و كان من المحتمل أن يكتفي بحبسه و لكنه حينما أخذ للحبس و كان في ساري الكتخدا سل خنجره و جرح بعض الموكلين بالمحافظة عليه فلم يجد طريقا للخلاص فزج في السجن هو و من ساعده اثناء الحادثة فقتل. و من أراد الوزير الوقيعة به اختلق له الأسباب.

3- أظهر الوزير الذهاب إلي قصره في الفريجات و من هناك أبدي أنه عازم علي

الصيد و نصب خيامه بعد منزل واحد فأرسل أحمد بك مع ألفي جندي إلي إربل لنشر آثار سطوته هناك.

سمع الشهزاده بالخبر و في الحال ابدل طوره و أراد أن يخفي حاله فأبدي خلاف ما عرف عنه و أظهر أنه مخلص للوزير و أرسل بعض التحف إليه توددا و صداقة. ثم لوي عنان عزمه و عاد لمقره. و حينئذ قضي الوزير بضعة أيام في الصيد و أخفي هو أيضا نواياه ثم رجع …

4- إن سليمان باشا بن إبراهيم باشا متصرف بابان سابقا كان يرعاه الوزير و الظاهر أنه كان بينه و بين يحيي آغا موافقة في الخفاء لذا حذر أن ينكشف أمره فانهزم إلي الشهزاده. أما خالد باشا فقد دققت أحواله فظهر أن لا دخل له في القضية فعفا عنه الوزير و أكرمه و أطلقه من السجن.

و في سنة 1234 ه مرّ أن عبد اللّه باشا متصرف بابان سابقا كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 309

اتفق مع محمود باشا و أرسل إليه علي أن يوليه كوي و حرير و لكن لم يوافق مصلحته أن يجعله بعيدا عنه. لذا لم يعطه اللواء المذكور و خصص له عائدات توازي هذا اللواء و امتزج معه لبضعة أشهر إلا أن عبد اللّه باشا ظهرت منه علائم الخيانة و تبين منه ميل إلي الفرار لجهة الشهزاده فاضطر محمود باشا إلي إلقاء القبض عليه و سجنه.

و بعد أن بقي شهرين أو ثلاثة في السجن رق عليه أخوه فأطلق سراحه بعد أن أخذ منه العهود و الأيمان المغلظة و خصص له بعض المحال الكافية لإدارته. و لكن لم تؤثر فيه الأيمان و لا راعي المواثيق.

فحينما خرج من السجن كاتب الشهزاده فاختلس فرصة

و فر بنحو مائة أو مائتين من أتباعه لجهة ايران.

تجاوز إيران حدود العراق:

مال قسم من امراء ديار الكرد إلي إيران و هم محمد باشا بن خالد باشا و سليمان باشا بن إبراهيم باشا، و عبد اللّه باشا أخو عبد الرحمن باشا فاجتمع هؤلاء في كرمانشاه لدي الشهزاده فتولد فيه أمل التسلط علي أنحاء مهمة من العراق. لذا سير هؤلاء ما عدا سليمان باشا إلي ناحية زهاو و تجاوزوا الحدود فأشعلوا نيران الفتنة، و أن الشهزاده توجه نحو أبيه إلي طهران ليخفي هذا العمل فيما إذا عاتبه الوزير.

و إن محمد باشا بعد أن وصل إلي زهاو أغار علي جهة قولاي و خانقين و علي آباد فدمر الأهلين هناك و انتهب أموالهم و مواشيهم و أضر بهم أضرارا كبيرة ثم عاد إلي جهة زهاو.

فلما سمع الوزير بالخبر سير مقدارا من الجيش فحاول اللحاق به و لكن المسافة كانت بعيدة جدا فلم يتمكن من الوصول إليه و عاد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 310

و علي هذا عرض الوزير الأمر علي الدولة و أطلعها علي ما وقع و طلب الترخيص فيما إذا تجاوزت إيران الحدود و اعتدت علي العراق و طلب قوة تساعده و أنه في الحال الحاضر مثابر علي محافظة الثغور …

و من جهة أخري أمر (بلوك باشي بيارق الخيالة) عبد الفتاح آغا أن يرجع من بني لام حالا و يسير إلي جهة زنگباد مع البيارق التي معه …

و كان الوزير في تبصر من جهة العراق و إيران، و يتوقع ما سيحدث، و أنه في انتظار أمر الدولة.

و لما وصلت عريضته إلي استنبول اهتمت الدولة للأمر إذ إنه مما لا يجوز التساهل أو التهاون فيه. و لذا صدر الفرمان

بلزوم محافظة الثغور و التأهب للطواري ء، و أن تجهز الجيوش و تعد القوي …

و أول ما قام به الوزير أن سير (البلوك باشي) إلي أنحاء زنگباد و معه نحو 1500 من الخيالة و مكث في هذا المحل …

و علم أن الشهزاده عاد من طهران إلي جهة كرمانشاه و حينئذ وجه إيالة ديار الكرد إلي عبد اللّه باشا و أنه شرع في إخراج محمود باشا من السليمانية باتخاذ ما يجب من الأعمال.

وردت رسائل من محمود باشا و من غيره من الأنحاء الأخري تنبئ بذلك مما بلغ حد التواتر … أما الوزير فقد رشح محمد الكهية لتجهيز الجيوش و جعله قائد الحملة علي ايران. و حينئذ تعين أن يقيم في زنگباد و يتخابر مع محمود باشا و أن يعاضد الواحد الآخر، و يأتي بسرعة لإمداده.

و علي هذا نهض الكتخدا من بغداد بمهمات كثيرة و جيش جرار في 13 رمضان فالتقي (بباش آغا) في مقاطعة (كوكس) من زنگباد. ثم تلاحقت العساكر و نصب خيامه في (شيروانه) أربعين يوما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 311

و في هذه المدة اتخذ الشهزاده جميع المكائد لعزل محمود باشا و نصب عبد اللّه باشا و سيره إلي السليمانية و جهز معه أربعة آلاف جندي أو خمسة آلاف أما محمود باشا فإنه استمد بالكتخدا و طلب أن يوافيه.

و لذا تحرك من (شيروانة) و توجه إلي ديار الكرد فوصل إلي (بازيان) إلا أن عبد اللّه باشا منعه أن يعبر ديالي و يوافي (خواجايي) من أعمال گلعبر (حلبجة) الواقعة في منتهي حدود شهرزور. فتمكن من تشتيت شمل القري كما أنه استطاع أن يجذب (أمير الجاف) كيخسرو بك إليه في حين أنه كان بمثابة قوة الظهر

لمحمود باشا، و كذا تمزق باقي أتباعه فانحل نظام جماعته.

أما الجيش فقد بقي بعيدا عن السليمانية بمسافة ثلاث ساعات من جانبها الآخر في محل يقال له (تپه رش) قرب بازيان. و بهؤلاء قوي الأمل و ثبتوا. و تقدم الجيش إلي جهة السليمانية ببعد ساعة و نصف قريبا من قرية (باريكة) في الجانب الآخر من وادي (تاجرود). و أن محمود باشا وعد أنه يأتي بسبعة آلاف جندي أو ثمانية آلاف إلا أنه لم يحضر إلا مقدار خمسمائة من الخيالة و مائتين من المشاة. جاء بهم بعد أسبوع و نصب خيامه في الجانب الآخر من النهر تجاه الجيش.

ثم إن عبد اللّه باشا لم يقف عند حده و إنما توجه نحو السليمانية إلا أنه حينما وصل إلي (خواجائي) لم يجسر أن يتقدم إلي الأمام و مكث في محل منيع هناك و أبدي عجزا. و عندئذ استغاث بالشهزاده ليمده فجهز نحو خمسة عشر ألف خيال و خمسة آلاف راجل و علي حين غرة انحدر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 312

من پاي طاق و مضي إلي زهاو و منها عبر إلي ديالي و انتهب (قرا الوس) من زنگباد و بقي هناك بضعة أيام يتجاوز علي القري و الأطراف و تفرق الأهلون. و منهم من سار إلي جهة كركوك.

وصل الخبر إلي بغداد. و يأمل تثبيت الأهلين في مواطنهم نهض أحمد بك أخو الوزير علي وجه العجلة بمقدار من الجيش، و علي أثره عزم الوزير أن ينهض بنفسه ليقف الشهزاده عند حده، و كتب إلي الكتخدا و أكد إليه أن يلتحق به في طريقه …

خبر موحش:

و في هذه الأثناء ورد أن الجيش نزل في (باريكة). و هذا حرارته شديدة في النهار

و برودته زائدة ليلا و فيه وخامة. و بعد بضعة أيام من جراء هذا التأثير و سوء الأكل و الشرب استولي علي الجيش مرض كأنه الوباء إذ سري علي الجميع لدرجة أن الألف لم يبق منه إلا الخمس و هؤلاء لا يستطيعون القيام و النهوض و لازموا مضاربهم و لم يقدروا علي الخروج من مخيماتهم فحدثت فيهم وفيات بين خمسة عشر أو عشرين يوميا.

و إن الاصحاء استولت عليهم الواهمة و نالتهم الحيرة و الاندهاش فعادوا لا يبدون حراكا و لا يدرون ماذا يعملون …

و كان عبد اللّه باشا مع الجيوش الإيرانية في (خواجايي) و تحصن فيه و هو بعيد عن الجيش بنحو اثنتي عشرة ساعة في حدود ايران، و أن العساكر العراقية لم تطق الصبر علي هذه الحالة و لم يقر لها قرار فعزمت علي الفرار فانعكس الأمر إلي عبد اللّه باشا فنشط و سار نحو جيش الكتخدا فوصل إلي (قره طاغ) ببعد تسع ساعات و ورد إلي الطريق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 313

المسمي (كوره قلعة) فورد ثغر الطريق و تمكن فيه.

فالجيش بحالته هذه لم يستطع الحرب و المقاتلة و لم تبق فيه قدرة بسبب الأمراض الفتاكة فكان الرأي أن يميلوا إلي جانب و يتحصنوا في مكان منيع. وعدا هذا إن الشهزاده في نية التقدم إلي جهتهم كما يستفاد من الكتاب المرسل إلي الكتخدا، فكتب الوزير إليه أن يأتيه بالعسكر سريعا.

كتب الكتخدا جوابا للوزير يتضمن بعض المعاذير و التهاون عن المجي ء و رمي بالجيش فجعلهم طعمة باردة للعدو و خاطر بهم مخاطرة عظيمة فعذله الأمراء و رؤساء الجيش فلم يتعذل و قال إني أريد أن أقهر جيش عبد اللّه باشا …

نسب صاحب الدوحة

ذلك إلي خيانة منه و أنه اتخذ أمراض الجيش وسيلة لإظهار نواياه بخدمة إيران و لم ينظر إلي أن الوزير كان يرعاه خمس سنوات تقريبا … فلم يؤثر فيه ذلك كله …!!

و الحال أن صاحب مرآة الزوراء يطعن في الدوحة و ينسب المغلوبية إلي الأمراض من جهة و إلي الموقع الحربي و أنه غير مساعد من جهة أخري و أن الكتخدا كان متصلبا في رأيه غير مدرب للحرب الدولية و رأي من العار عليه أن يرجع دون أن يشفي غليله من عدوه فأصابه ما أصابه.

و في 14 ذي الحجة يوم الثلاثاء تحرك من منزل (باريكه) و تقدم بالعسكر بالرغم من أمراضهم و هم في حالة لا يرجي منها فائدة و أقام بين المنزلتين بعد أن قطع سبع ساعات و تقدم إلي مقربة من العدو. وصل إلي قرية (بيستان سوار). جاءها يوم الخميس فنزل (قره گول) و يبعد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 314

عن المضيق (الدربند) الذي نزله عبد اللّه باشا نحو ساعتين و أمر الجيش بعمل المتاريس و عزم أن يهاجم عبد اللّه باشا.

و في يوم الجمعة تقابل الجيشان و غرضه أن يقضي علي جيش عبد اللّه باشا حتي إذا رجع لا يعيث هؤلاء بالأنحاء. و لكن يوم السبت و الأحد أرسلت الرسل و الرسائل من الجانبين في التدخل بمفاوضات صلح كاذبة و أشغل العسكر بها و غرض عبد اللّه باشا أن يوافي الشهزاده بجيوشه الجرارة … و هذه المفاوضات كانت بتدبير من عبد اللّه باشا لا خيانة من الكتخدا و هو حريص علي نجاحه …

و في يوم الاثنين رتبوا الصفوف و تأهبوا للقتال … فوافي جيش الشهزاده و يبلغ نحو خمسة و عشرين

ألفا في حين أن جيش الكتخدا لا يبلغ أكثر من ثلاثة آلاف من الخيالة و المشاة … و بهذه القوة الضعيفة وقفت صفوفهم تجاه الأعداء و اشتبك القتال و دام إلي الضحوة الكبري فلم يقصر الجيش في النضال و الصبر علي الحرب و دافع بقدر ما أوتيه من قوة فكان جيش إيران مشرفا علي الهزيمة و لكن الكتخدا منع جيشه من التقدم علي العدو و ردعهم من الهجوم عليه فأدي ذلك إلي كسر الجيوش …

قال صاحب الدوحة: و هذه خيانة. و الحال أن الجيش الذي قوته و عدده ما ذكر لا يستطيع أن يهاجم خمسة أضعافه فالمحافظة علي القوة و مداراتها تدبير ضروري … فسلمت المهمات و المدافع و الخيام و كافة معدات الجيش إلي الأعداء فاستولوا عليها و رجع جيش الكتخدا إلي كركوك مكسورا ليلة الأربعاء.

أقام ستة أيام. و في اليوم السابع ليلة الاثنين ذهب الكتخدا و أخوه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 315

علي آغا و اثنان من اتباعه خفية إلي الشهزاده، فالتجأوا إليه. خافوا من العقوبة ففروا. و لم تقع خيانة.

و جاء في ناسخ التواريخ قسم القاجارية: إن الدولة العثمانية أرسلت ألفي جندي إلي الوزير و معهم عشرة مدافع و جلبوا محمود باشا لجهتهم فأرسل الوزير عشرة آلاف جندي بإمارة محمد الكهية فالتحق به محمود باشا قرب ماء شيروان.

و إن محمد علي ميرزا حاكم كرمانشاه كان معه خمسة عشر ألفا من الجند المشاة و الفرسان، فتأهب في العشرة الأولي من ذي الحجة و معه عشرة مدافع و التحق به حسن خان والي الفيلية بثلاثة آلاف جندي.

و في هذه الأثناء أرسل كل من حسين خان من أهالي خمسه، و محمد باقر خان المافي

من طريق سنندج بأمر من الشهزاده.

و في 18 ذي الحجة وصلوا قرب شهرزور.

أما محمد كهية و محمود باشا فقد نظما متاريس في (ياسين تپه).

و هذا محل يتصل من ثلاث جوانبه بالمياه و من جهته الأخري بالبر و رتبوا خمسة عشر مدفعا أمام متاريسهم. و في هذا الأوان أرسل محمود باشا رسلا إلي الشهزاده فحواها أنه إن أمنه و عفا عنه فإنه غدا عند المعركة يلتحق به متظاهرا بالفرار و في الحال يحارب محمدا الكهية متفقا مع الشهزاده جنبا لجنب. أما الشهزاده فإنه لم يثق من كلامه و لم يحمله علي الإخلاص فأبدي موافقته و أجاب جوابا ملائما. و قضي الشهزاده ليلته. و في اليوم التالي تأهب للقتال و أمر (مسيو دوده) المعلم الانجليزي (كذا. و هو فرنسي) مع جماعة من العسكر و هم بين مشاة و فرسان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 316

بالتأهب و زودهم بالمدافع و بآلات نارية أخري من زنبرك و غيره فساروا في طريقهم بين التلول و صاروا كمينا. قصدوا مفاجأة العثمانيين من خلفهم، و الشهزاده رتب الميمنة و الميسرة و بعد ذلك صعد إلي تل عال و تضرع إلي اللّه طالبا أن يؤيده بالنصر و بكي بكاء تضرع. فظهر في وسط العسكر و ابتدأ الحرب و ثارت المدافع و البنادق و من ثم اشتبك القتال بين الطرفين بحرارة فأسفرت النتيجة أن العثمانيين لم يروا مجالا للدوام علي الحرب فولوا الأدبار. أما محمود باشا فأنه باتفاق مع الكهية توجها إلي أطراف كركوك بأنفسهما فتيسر للشهزاده أن يستولي علي جميع معداتهم من الخيام و المدافع. ثم نزل السليمانية. فلما رأي الكهية هذه الحالة و كان يخجل أن يرجع إلي بغداد بهذه المغلوبية

التجأ إلي الشهزاده حرصا علي حياته.

و في هذه الأثناء ولي الشهزاده عبد اللّه باشا عم علي باشا والي ديار الكرد حكومة شهرزور. و أن الشهزاده بقي أيام المحرم في السليمانية و عرض هذه القضية إلي مسامع الشاه.

و في أول صفر خيم خارج السليمانية و كان يقصد زيارة العسكريين فتوجه إلي بغداد» اه.

و في هذا ما يؤيد براءة محمد الكهية من الخيانة و يوضح الوقعة أكثر ببيان قوة إيران آنئذ … و مطامعها في العراق و لكن أمل الفتح و الاستيلاء قد انقضي بوفاة نادر شاه. و في هذه الأيام تجددت فكرة الاستيلاء علي العراق و علي أنحاء أرضروم من عباس ميرزا فكانوا علي اتفاق و لم تكن غائلة محصورة في أمور بابان. و بوفاة هذا الميرزا انقطع الأمل فلجأوا إلي طريق السياسة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 317

الهواء الأصفر: (الهيضة):

في أوائل هذه السنة سنة 1236 ه- 1820 م ظهر مرض لم يسمع باسمه (قوليرا) أو الهواء الأصفر أو الهيضة يفتك في النفوس فتكا ذريعا. سماه ابن سند بالوباء و قال هو طاعون ظهر في ديار الهند و أصاب الكثير من أهل بومبي. و منها سار إلي بلاد الهند الأخري.

و ازداد شره و مشي كالسيل الطامي حتي وصل إلي البصرة، و استمر فيها من آخر شوال إلي آخر ذي القعدة و أن شدته في أول ذي القعدة سنة 1235 ه- 1819 م إلي الثاني عشر منه. يشتد تارة و يخف أخري إلي 22 منه ثم خف إلي أن زال و قد مات من أهل البصرة خمسة عشر ألفا و أكثر فاضطرب منه الأهلون و ابتهروا من فعله و صاروا يفرون إلي القري و الضياع في الأطراف

… و أول ما وقع في البصرة هبت الشمال العظيمة نهارا و ليلا …

ثم إنه ذهب بؤسه فصار يتعاود الأهلون و يرجعون إلي مواطنهم و لكنه توجه بعد البصرة إلي جهة سوق الشيوخ، و العرجة، و السماوة حتي استولي علي أكثر أهل الجزيرة و بعض عشائر الشامية ثم جاء إلي الحلة و كربلاء و مكث في هذه الأماكن مددا تتراوح بين عشرة أيام و عشرين يوما.

ثم إنه سري إلي بغداد و لكنه كلما تصاعد و طالت مدته قل ضرره و خفت وطأته … فبقي مدة خمسة عشر يوما و في بعضها أصاب الواحد و الاثنين … ثم زال.

و منها سار حتي وصل كركوك و دام هناك نحو 20 يوما. فتوفي نحو ألف نفس و لكنه لم يتماد في سيره فاندفع بسرعة و سار إلي ديار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 318

الكرد فانتقل إلي السليمانية و من حين وصل إلي البصرة و ورد خبره إلي بغداد أوقع رعبا في النفوس.

و في هذا المرض استشير أطباء الانجليز فكتبوا علي أدوية تجلب من ديارهم فجاءت إلي الوزير و وصلت إلي وكيل متسلم البصرة. قالوا:

و إن أطباء الانجليز وجدوا دواء لهذا المرض و كتبوا رسالة بلغتهم في المعالجة و التداوي. و في هذه الرسالة أن هذا المرض ثلاثة أنواع أو أربعة، و أنه سري إلي البصرة في سنة 1236 ه. و ذكر صاحب الدوحة ترجمة الرسالة من العربية. فلم نر اليوم حاجة لسردها بالنظر إلي معلومية هذا المرض و تجدد الفن و تبدل الأدوية و التدقيقات …

و ذكر ابن سند من علامات هذا الداء القي ء و الإسهال المفرط و لكن صاحبه لا يبول فمن بال سلم و قد

لا يسلم.

حوادث سنة 1237 ه- 1821 م

مجي ء الشهزاده إلي ناحية دلي عباس:

إن الجيش رجع مغلوبا إلي كركوك. فأقام فيها بضعة أيام ثم التجأ الكتخدا إلي الشهزاده. و لكن الأهلين استمروا علي المقاومة. أما الشهزاده فقرب منهم بمسافة ثلاث ساعات و أقام حواليهم بضعة أيام يرغبهم من جهة و يرهبهم من أخري فحاول بكل وجه اقناعهم و دعوتهم إليه للتسليم فأبوا و اتفق الكل علي الدفاع … و لذا رحل عن كركوك و وصل (داقوق). بقي أكثر من عشرة أيام، و منها توجه نحو (طوز خورماتي) فنزلها و بقي فيها بضعة أيام جال في خلال جيشه في الأنحاء و عاث و نهب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 319

و منها ذهب إلي (كفري) ثم توجه إلي قره تپه (قره دپه) و منها وصل إلي ناحية (دلي عباس).

عرض الوزير القضية بحالها علي دولته و طلب الإمداد منها إلا أنها لم يكن لها أمل في الحرب و لا كان لديها من المعدات ما يكفي و الأمل مصروف إلي أن الشهزاده سوف يرجع من كركوك إلي بلاده و لكنه جاء إلي كفري فلم يرجع حتي وافي (دلي عباس). و حينئذ أشعل نيران الفتنة في الأطراف و ألقي التشويش فنزل بين خان چبق و بين قرية هبهب و عين عساكر علي العشائر القاطنة هناك فانتهب منهم نحو عشرة آلاف رأس من الغنم و المواشي و أوقعوا أضرارا كبيرة بالأثمار فمدوا أيديهم و خربوا الكثير من القري.

أما الحكومة فإنها خشيت من الذين يميلون إلي إيران فاتخذت التدابير بسد الأبواب الثلاثة و أبقت لها حرسا من الآغوات المعتبرين توقعا لما يخشي منه و وضعت المدافع، لحراسة العاصمة و التأهب لما يخشي وقوعه و أقيم الحرس من الينگچرية و صنوف الجيش الأخري

و في هذه الوقائع و ذيوعها لم يبد الأهلون ما يخل بالأمن، و لا ما يخالف الوضع. صبروا و انقادوا لولاة الأمر فكانوا علي وفاق، و كذا الشأن في الصنوف العسكرية و أكابر موظفيها فإنهم أدوا ما عليهم من الخدمة و بذلوا ما استطاعوا من راحة …

و جاءت العشائر زمرا و وافقت علي ترتيبات الحكومة و سلطتهم علي السرايا و الهجومات المختلفة و صاروا يهاجمونهم و يصولون عليهم من كل ناحية و وقفوا لهم بالمرصاد، و إنهم حينما رأوا محمدا الكهية و أعوانه في الجهة التي بين خان چبق و بين قرية هبهب صاروا يشنون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 320

الغارة عليه و علي أعوانه و معهم العثمانيون فأوقعوا بهم خسائر كبيرة فاضطر إلي العودة إلي فيلق الشهزاده و لم يتمكن من البقاء هناك …

وقعة صفوق:

ثم إنه سار الكتخدا إلي دلتاوه (الخالص) مرة لتحصيل ميرة منها فلاقاه جمع كبير يتجاوز الألف مع شيخ شمر الجرباء صفوق الفارس و عشرة من بلوگباشية اللاوند قرب القرية فانتهزوا الفرصة و صالوا عليهم بهجوم عظيم و قتلوا أكثرهم و أسروا قسما و تفرق الآخرون و فروا …

و بعد بضعة أيام لم ير فائدة من البقاء فاضطر أن يترك هذه السفرة و كتب خفية إلي المجتهد المقلد عندهم الشيخ موسي ابن الشيخ جعفر (كاشف الغطاء) ليتدخل في أمر الصلح بين الفريقين و أرسل إليه رسولا فأبدي ميله إلي الصلح من تلقاء نفسه و رغب فيه … و في تواريخ إيران أن الوزير هو الذي أرسل الشيخ موسي للمفاوضة … و الصواب أن المرض الشديد دعا إلي هذا الصلح، فأراد أن لا يرجع بلا سبب.

و حينئذ أرسل إليهم الوزير محمد

آغا ابن أبي دبس من ندمائه و محمد أسعد ابن النائب الكركوكي من المدرسين و بعد وصولهم إلي معسكره أخبروا الوزير أن الشهزاده راغب في الصلح إلا أنه علق أمر الصلح علي أن يوجه لواء بابان إلي عبد اللّه باشا، و ألوية كوي و حرير إلي محمد باشا بن خالد باشا، و أن ترسل إليهم البيورلديات و الخلع و أن يعفي عمن التجأ إلي إيران من الأشخاص و أن لا يسألوا …

و لما شاور الوزير العلماء و الأعيان رجحوا جانب الموافقة علي أن لا يبقي الشهزاده في محله و أن يرجع حالا إلي بلاده و لم تقبل جهة العفو عمن التجأ إلي إيران و اشترط أن تعاد العشرة آلاف رأس من الغنم التي نهبت من أنحاء الخالص.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 321

ثم إن الشهزاده قبل أن يتحرك من دلي عباس اشتد مرضه و لذا أبدي تساهلا في الصلح بغتة و بين رغبته فيه. فتحرك حالا و رجع مسارعا في الانصراف فعبر جيشه من ديالي إلي الجانب الآخر و فارقه أكثر عسكره. و إن خان گلهر حينما رجع كان معه نحو خمسمائة من أتباعه فصادفه بعض العشائر قرب قزانية فانتهزوا الفرصة فقتلوا منهم نحو مائتين و سلبوا الباقين و اغتنموا خيولهم و أسلحتهم …

أما الشهزاده فإنه تزايد عليه المرض و اشتد كثيرا فتوفي في المحل المسمي (مرجانية) قرب قزلرباط و حينئذ ذهبوا بجنازته إلي كرمانشاه و جاء في ناسخ التواريخ أنه توفي قرب (طاق گران) ليلة السبت 26 صفر سنة 1237 ه- 1821 م وقت الفجر و وصل خبر وفاته إلي والده الشاه في 6 ربيع الأول، فنصب ابنه محمد حسين ميرزا مكانه.

ثم إن

الحكومة بعد ذهاب الشهزاده مكنت الأهلين من الزراعة و راعت أحوال المنكوبين و أعفتهم من الرسوم الأميرية كما أنه انتهب بعض العشائر أموالا من جهة الدجيل و ما والاها فأرسل الوزير عليهم السرايا لمرة أو لمرتين فاستعاد المنهوبات إلي أصحابها …

و في هذه الأثناء ورد الفرمان إجابة لمعروضات الوزير بخصوص هجوم إيران علي العراق كما إن حاكم تبريز الشهزاده عباس ميرزا هاجم البلاد العثمانية من ناحية الاناضول فتقدم نحو أرضروم بغتة فوصل خبر ذلك إلي استنبول أيضا. و حينئذ فوضت الدولة الصدر الأسبق محمد أمين رؤوف باشا أمين المعدن الهمايوني آنئذ و أضيفت إليه ولاية ديار بكر فجعل قائد جيش الجبهة الشرقية كما أنها جعلت الوزير داود باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 322

قائد العسكر في جبهته و جهزت الجيوش معه و عين والي الموصل بمعيته و أرسلت الخلعة و صدر الفرمان بلزوم معاقبة الكتخدا و اهتمت بأمر الحرب مع إيران و سيرت العساكر لمحاربتهم من كل صوب و كان صدور الفرمان إليه بتاريخ 2 ربيع الآخر يوم الخميس.

قري ء الفرمان علي ملأ من الناس و أعلن أمره و أطلقت المدافع و احتفل احتفالا كبيرا و أرسلت صور منه إلي الأنحاء …

و من ذلك الحين استقر الأمن و سكنت الخطة العراقية و استراح الأهلون …

وصف دوحة الوزراء:

إلي هنا انتهي ما جاء في دوحة الوزراء و هي من تأليف رسول حاوي. قال في خاتمة كتابه هذا: «أنه منعته الاسفار و الغارات المتوالية من البحث الكافي … ثم انتسب إلي صنعة الكتابة في ديوان الوزير فلم ير راحة أو أوقات فراغ فاستوعبت أوقاته و استنفدت قواه عدا أن أربعين، أو خمسين سنة من الحوادث بقيت في الخفاء و

لذا اقتحم المصاعب في التقاطها فكان يختلس الفرص للعثور عليها فلم يترك طريقا للوصول إلا ولجه. فذكر وقائع 99 عاما مع بيان تراجم نحو عشرين وزيرا. و أضاف تاريخ وقائع ست سنوات من أيام الوزير فكان تاريخه يبتدي ء من 1132 ه و يستمر إلي وقائع سنة 1237 ه. كتبه بأمر من الوزير ليكون ذيلا لگلشن خلفا.

أكمله غير موسع و لا قصد أن يكون لائقا بالملوك بل بالنظر لقدرته. و أن وقائع الوزير دونت مجملة و إلا فأيامه تحتاج إلي مجلدات عديدة.

قدمه إلي الوزير، و سيلحقه بالمجلد الثاني الخاص به و هو جديد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 323

يدعو للذة. أوضح في المجلد الأول أوصاف الوزراء الاسلاف و رجا أن يكون مقبولا لدي الوزير ملحوظا بعنايته …

و تم في أواخر ربيع الثاني «سنة 1237» اه. و لم يظهر المجلد الثاني. و لا أشار أحد إلي مسوداته أو تتمة وقائعه.

قال لي الأستاذ هجري دده: أن رسول حاوي من عصبته و لم يستطع أن يبين وجه القربي. و جاء ذكره و ذكر أخيه في كتاب شعراء بغداد و أدبائها أيام داود باشا.

طبع الكتاب في طباعة دار السلام في أوائل جمادي الأولي سنة 1246 من الهجرة علي يد محمد باقر التفليسي. و إن نسختي الخطية منقولة من النسخة المطبوعة و الملحوظ أنه ظهر نقص في أرقام الدوحة المطبوعة بسبب استلال بعض أوراقها. و مراجعة السنين سهلة. و هي الأصل في المراجعة.

تتمة واقعة صفوق:

«إن صفوق بن فارس الجرباء غزا ابن الشاه. عبر ديالي بفوارس من عشيرته إلي أن كان من عسكره بمرأي فركب فرسان العسكر لما رأوه وكروا عليه فاستطردهم حتي عبروا ديالي و بعدوا فعطف عليهم هو و من

معه من عشيرته و من الروم فأدبرت فرسان العجم و قفاهم فوارس شمر و قتلوا منهم من أدركوا و أتوا بخيلهم و سلبهم … هذه غير الأولي التي ذكرها المؤرخ التركي (صاحب الدوحة). و صفوق هذا عديم النظير في كرمه … و لما نصر صفوق أقطعه الوزير عانة و ما يتبعها من القري …

فعادي أعداءه و والي أولياءه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 324

حوادث سنة 1238 ه- 1822 م

وقعة الزبير:

كانت الزبير آمنة مطمئنة و كان أهلوها يدا واحدة فحافظوا علي كيانهم حتي حصل بينهم الخلاف و سببه أن محمد بن ثاقب كان يحسد ابن زهير علي ماله، و استعباده الناس بسماحته و نواله، فانقاد له أهل البلد لما طوقهم به من رفد …

فادعي ابن ثاقب أن ابن زهير أمر بسمّ راشد بن ثامر و صدقه في دعواه بعض المغرضين الأوباش فسعي ابن ثاقب إلي حاكم البصرة فوافقه علي ما طلب. فلما شاع أمر السم ركب ابن زهير متن الحذر و تترس بماله و تحيز لمن يغضب لغضبه و يعيش بسببه و بنشبه …

و حينئذ و لما لم ينجح تدبيره أمر زمرته أن تخرج بأسلحتها إلي تلك البلدة ليكونوا علي ابن زهير عدة و عونا. فلما دخلوها مدوا يد بغيهم و ائتمروا بأمر من أوقعهم في غيهم. و عند الظلام تقلدوا سيوفهم و نظموا صفوفهم قاصدين دار ابن زهير غير ملتفتين إلي الغير. فعلم بهم قبل أن يصلوا الباب فقابلهم خدام ابن زهير فضاربوهم فجرح من جرح و انهزم من انهزم. فتزايد الشر و حاصروا الهاجمين إلي أن ساعد جماعة ابن زهير في الإفراج عنهم فرجعوا إلي البصرة و دخلوها بأمر من له الأمر حذرا من تفاقم الفتنة، فنزل ابن

ثاقب و أتباعه قريبا من نهر معقل و أمير البصرة محمد كاظم يأمره أن يستقر في ذلك المنزل.

و ما زال ابن ثاقب في منزله حتي نزل عليه من عاداه فتقاتل الفريقان فلم يلبث إلا قليلا حتي ترك المقاتلة و كان قد قتل جماعة من الطرفين. ثم لما انهزم ابن ثاقب عبر الفرات و لم يقف عند هذا الحد بل كاتب من يساعده من الأصحاب.

و أكبر من ساعده محمد كاظم أمير البصرة فإنه بذل في سبيل تأييده

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 325

ما استطاعه من قدرة و حسن عند الوزير أمره …

و لما ورد حمود بن ثامر من البادية خدع ابن زهير في مودته. و عند ما ورد إليه و صار في قبضته منعه من الانصراف و ركب معه متن الاعتساف و بقي عنده مدة حتي مرض من شدة القهر. فلما اشتد به المرض أذن له بالانصراف فدخل البصرة و مات. و كان رحمه اللّه ذا صدقات وافرة و أعمال بر نافعة و عفة عن الحرمات و سيرة حسنة منذ شبّ إلي أن مات.

يوم بصالة:

في هذه السنة حدث يوم بصالة. و هو لشمر علي آل هذال و كبيرهم عبد اللّه بن هذال و كبير شمر صفوق. و كانت الغلبة لشمر و استولي الشمريون علي هودج بنت ابن هذال. و نهبوا أموالهم.

و لما عبر ابن هذال الفرات ندب قبائل عنزة لأخذ الثار و غسل العار فاجتمع العنزيون و عبروا الفرات علي الجزيرة ثم ساروا قاصدين شمر و ذلك في سنة 1239 ه، و بقوا في مطاردة و مطاعنة، ثم في آخر الأيام التي التقوا فيها أدبرت شمر و صارت النصرة لعنزة عليهم. و غنم العنزيون من

شمر أموالا كثيرة و قتلوا منهم فرسانا عديدين.

و لما انكسرت شمر شد الوزير عضد كبيرهم صفوق و أفاض عليه من كرمه ما تضيق عنه ساحة عطاء الملوك و من كرمه أنه أعطاه ثلاثين ألفا دفعة واحدة … و لكنه أعطاها للشيخ خالد النقشبندي لقضاء ديونه.

منصب كتخدا:

اختير الحاج طالب كهية لمنصب كتخدا. و هذا هو والد الأستاذ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 326

سليمان فائق بك و جدّ فخامة الأستاذ حكمت سليمان.

حوادث سنة 1239 ه- 1823 م

اشارة

لم يحدث من الوقائع ما يستحق الذكر سوي وقعة عنزة و شمر و هي وقعة بصالة فانتهت في هذه السنة.

و في هذه السنة:

1- صار أوزون موسي آغا وكيل كتخدا و بقي في الوكالة بضعة أشهر.

2- عهد إلي أحمد باشا أخي الوزير بمنصب كتخدا أصالة فتوفي بعد بضعة أشهر. ورد بغداد بعد أن بلغ الثلاثين من عمره. و دخل في الدين الإسلامي. و عين لتربيته لالاوات و معلمين. ثم نال إمارة إربل فحصل علي رتبة ميرميران و بعدها حصل علي متسلمية البصرة …

و بعد عزل الحاج طالب الكهية صار كتخدا و بعد بضعة أشهر وافاه الأجل. و لم تكن له مقدرة علي ادارة الأمور، فكان عبد الغني آغا من المماليك بمقام (لالا) لتدريبه فجعل في معيته. و يصدق عليهما المثل (أعمي يقود عميانا). و مع هذا لا مثيل له في السخاء، بشوش و أخلاقه جيدة إلا أنه في حسن إسلامه نظر و تنقل له غباوات عديدة.

نصب كتخدا البوابين- كربلاء:

في أوائل هذه السنة نصب سليمان آغا كتخدا البوابين. و بعد خمسة أشهر أنفذ نقيب كربلاء هدية إليه و هنأه بمنصبه فكتب إليه جوابا في 10 شوال يخبره بوصول الهدية و شكره عليها إلا أنه ذكره بأن الوزير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 327

قد عفا عما سلف علي أن ينهج خير المناهج، و أن يترك ما يؤدي إلي المهالك و أن تصفو البقعة المباركة من الكدورات إلا أنه خاب المأمول بما وقع، فحذره ممن ارتكبوا الرذائل، و أوصي أن يخرجوهم من بينهم و إلا فالعاقبة و خيمة. و المأمول ان يراعي رضا الوزير، و أن يمتثل أمره …

و في سنة 1241، حدثت وقعة مع الوزير.

و في هذا ما يوضح

أوضاع كربلاء في تلك الأيام و إن كان مجملا، نظرا لقلة المصادر عن ادارة الألوية في الخارج. و هذا ما قاله مؤرخ عراقي عن أيام داود باشا و من تلاه:

«إن كربلاء كانت عاصية علي وزراء بغداد فسير العساكر إليها- نجيب باشا- و كان بها السيد إبراهيم الزعفراني رجل أصله عجمي و ترأس علي أوباشها و سفهائها و أطاعه أراذل البلد المفسدون و هم يتولون الحرب و عامتهم من أيام داود باشا كانوا عاصين إلا أنهم يؤدون شيئا قليلا عوض خراجها (نحو خمسة و ثلاثين ألف قران)، و كل من يعمل مفسدة في العراق، أو يأكل أموال الناس يذهب إلي كربلاء و يستجير بهؤلاء الأراذل حتي اجتمع عندهم مقدار عشرة آلاف مقاتل من أجلاف الناس و عصت أيام داود باشا و علي باشا. هم عصاة، بغاة، يؤذون السكان الذين في كربلاء حتي أنهم مرة أمسكوا علي أحد مجتهديهم السيد إبراهيم القزويني ليلا و لم يطلقوه حتي أدي لهم أربعة آلاف قران من سكة محمد شاه فأطلقوه فهم مفسدون ذوو جرأة علي أعراض الناس. و أهل البلد يؤوونهم و يخافون علي أنفسهم. لأنهم متي أرادوا هجموا علي بيت أحدهم و نهبوه و الحاكم الذي هو من أهل البلد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 328

طوع أيديهم و لا يعارض بما يفعل هؤلاء الباغون الفجرة …» اه.

و هذا المؤرخ تحامل علي الولاة كثيرا و لا يخلو قوله هذا من مبالغة … و إن كان يتفق كلامه و ما لخص من كتاب الكتخدا. و هنا نشير إلي أن محرر هذا الكتاب السيد عبد الفتاح الأدهمي (الواعظ) و نقل من مجموعته. كتبه للكتخدا. و للتفصيل محل آخر.

و هذه الوقعة لم

نجد لها ذكرا إلا في كتاب (نزهة الإخوان)، و فيه جرت مع الوزير داود باشا، فقد ضيق علي البلد و حاصره سنة 1241 ه، فتوسط السادة بأداء المعين الذي أشار إليه صاحب التاريخ المجهول فكان لما كتبه كتخدا البوابين أثره.

الخازن:

هو عناية اللّه و كان في هذه السنة خازنا كما فهم من وقفية كتاب تفسير الجلالين و هو من آل الروزنامه جي و من أحفاده عبد اللّه أفندي ابن عارف أفندي ابن عناية اللّه المذكور. و بيتهم قديم معروف.

حوادث سنة 1240 ه- 1824 م

الحلة- محمد الكهية:

في أواخر هذه السنة مضي محمد الكهية و عاضده أناس من أعداء الوزير إلي الحلة فدخلها بمن ناوأه و نازعه الرئاسة فشوشوا الحالة و أطاعهم بعض العشائر فادعي الوزارة لنفسه دخلها باستدعاء من أهليها …

قال لطفي في تاريخه: إنها كانت بإيعاز من دولة إيران و ذكرها في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 329

حوادث سنة 1241 ه. و ابن سند عين أنها حدثت في أواخر هذه السنة …

فلما بلغ الوزير ذلك جهز جنوده و حشد عساكره بعد أن تفاقم الخطب و منت الكهية نفسه دخول بغداد اليوم أو غدا و حينئذ جند الوزير جيشا تحت قيادة أحمد باشا الكتخدا فوصل قريبا من الحلة فقامت الحرب بين الطرفين و كرت الخيل و تساقطت الأعناق.

و ممن أبلي في هذه المعركة قبيلة عقيل و كانت في جهة الوزير.

و ما زالوا في كر و فر حتي أدبرت الفئة الأخري فعبر المنهزمون الجسر ثم قطعوه ليمنعوا اللحاق بهم فعبر العقيليون النهر و عقبوهم فدخلوا الحلة و سقوا محاربيهم صاب الحتوف و انهزم منهم من انهزم.

و فر الكتخدا إلي حمود بن ثامر فاعتذر منه. قال ابن سند: و اللّه المطلع علي الضمائر، يشير إلي أنه كان ذلك بتدبير منه فذهب إلي الحويزة و بقي فيها فانتابته صروف الدهر. و كانت هزيمته في أوائل سنة 1241 ه.

و يقال إن الذي أرسل وراء محمد الكتخدا حمود بن ثامر فقدم العراق لإثارة الفساد و أمر

حمود خفية آل قشعم و آل حميد و آل رفيع ليساعدوه فأعانوه علي دخول الحلة. فلما انهزم انهزموا …

حوادث سنة 1241 ه- 1825 م

المنتفق:

1- ورد إلي الوزير من رجال المنتفق محمد بن عبد العزيز بن مغامس فأكرمه بوافر الإنعام و هذا من أجواد العرب و شجعانهم و من المثابرين علي الدين. كان عند ثويني بن عبد اللّه بن محمد بن مانع له أبهة و صدارة، و كذلك عند حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 330

أولا ثم تغير خاطره علي حمود فقصد الوزير و رشح نفسه لرئاسة المنتفق فما وافقه الوزير علي ما أراده لأنه كان وعدها ابن ثويني لأن أباه كان شيخا علي المنتفق و كذلك جده عبد اللّه وجد أبيه محمد وجد جده مانع لا سيما و ابن ثويني متصل بالوزير في حله و مرتحله و معتصم به.

2- قدم حنيان بن مهنا بن فضل بن صقر أحد أكابر آل شبيب فأكرمه الوزير و أجزل عطاءه …

و لما اجتمع هو و محمد بن عبد العزيز عزم الوزير علي عزل حمود و نصب براك بن ثويني علي بني المنتفق ثم عرضت أحوال أخرت ذلك.

3- قدم جماعة من آل صالح و هم شبيبيون لمناصرة براك بن ثويني.

4- قدم محمد بن مناع الأجودي العقيلي أحد مشايخ بني المنتفق و فرسانهم …

و قوي براك بن ثويني بهم و توجهت إليه أنظار الوزير و كاد يوليه رئاسة المنتفق إلا أنه أخر أمره لمصلحة.

حمود بن ثامر- و محمد الكتخدا:

لم يقف حمود تجاه هذه الحوادث مكتوف اليدين و إنما شاع علي الألسنة أن حمودا أرسل إلي محمد الكتخدا و هو في الحويزة أن يوافيه فقدم إلي العراق لإثارة الفتنة و أمر حمود خفية آل قشعم و آل حميد و آل رفيع أن يساعدوه فدخل الحلة فلما انهزم انهزموا!

و علي كل

إن الفتنة اشتعلت في الخفاء و لكل حزب مناصر و إن الوزير في كل هذه الأحوال لم يقدم علي حرب ثويني و لكنه حاول تكثير حزبه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 331

براك- عفك و الشاوي:

إن الوزير أراد أن يجرب مقدرة براك فجعله يغزو بمن معه من آل شبيب عفكا و قاسم بن شاوي و من معه فتحصنوا بالأهوار فخاضها المنتفقيون و قتل من أكابرهم و فرسانهم دويحس بن مغامس بن عبد اللّه بن محمد بن مانع الشبيب. و قتل أيضا ابن لثامر بن مهنا بن فضل بن صقر و هو شبيبي أيضا.

و كان مع براك بن ثويني شيخ زبيد فلم تكن منه مساعدة و لم يخلص في الخدمة فخذلوا و قل أمل الوزير في السيطرة علي الوضع …

القضاء علي الينگچرية:

أمر السلطان بالقضاء علي الينگچرية و قتل منهم ألوفا و نسخهم من ديوان الجند و كتب إلي الارجاء أن يعزلوهم و أن يمحوا هذا الاسم …

و في وادي العوسج بقرب صقال طوتان إلي جهة خانقين لا تزال قبورهم باقية. و هي مواطن قتلهم و للترك مؤلفات خاصة في تحبيذ إلغائهم و القضاء عليهم مثل كتاب (أس ظفر) … و كانوا واسطة تقدم الترك و نجاحهم في بادي ء أمرهم، و يعد تجديدا في (أمر الجندية).. فطرأ علي هذا النظام ما طرأ فقدوا الطاعة و التنظيم، و أمنوا السلطة فتحكموا بل جرّوا الويل علي هذه الدولة. و (ينگچري) مخفف من (ينگي چري) أي العسكر الجديد.

و ما أفسد الأمم أو قضي عليها إلا فساد الجندية و أنظمتها، و عدم القدرة علي الاصلاح.. و كان الغرب و الشرق يخشون سطوة هذا الجيش إلا أنه بعد أن فقد مزاياه طمع فيه كل طامع و نالوا منه ما نالوا فتوالت هزائمه و كثرت مصائبه و كاد يقضي علي الدولة لو لا أن تداركها السلطان بنظامه الجديد، ملت الأمة تحكم هذه الفئة، فلم يهدأ لها أمر حتي

موسوعة تاريخ

العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 332

قضت عليها، و جرت ما جرت عليه تجارب الأمم، فعادت إلي نشاطها، و استعادت حياتها..

أسست الدولة العساكر المنصورة المحمدية فثار الينگچرية فنكلوا بهم و تم تأليفهم و أصدر قانون بشأنهم و جري العمل به فكان طبعه في آخر ذي القعدة سنة 1244 ه. و عندي نسخة مطبوعة منه في هذا التاريخ.

و كانت محاولة السلطان سليم الثالث في الإصلاح جلبت عليه الهلاك فنجح السلطان محمود و ظهرت فوائد النظام الجديد و تطور حتي اكتسب شكلا مرغوبا فيه.

تكية البكتاشية:

غضب السلطان علي البكتاشية في العاصمة و في سائر الأرجاء و أمر أن يطردوا من تكياتهم. و يسمون (الددوات). فلما ورد الأمر السلطاني علي الوزير أخلي التكيات منهم و ولي عليها خليل أفندي و هذا عين إمامه السيد طه الحديثي للقيام بإدارة التكية الكائنة في بغداد (في محلة الجعيفر) فأقام فيها يومين أو ثلاثة ثم عزله.

الداسنية اليزيدية:

و بعد ثمانية أشهر من وقعة الكتخدا في الحلة عاثت عشيرة الداسنية من عشائر ماردين التابعة إلي بغداد فأرسلت إليها قوة عسكرية فشتت شمل فسادها، و لم يبق أحد من رؤسائها و مزق جمعهم.

فتح جادة الجسر:

شكا العلماء و الأعيان إلي قاضي بغداد محمد راشد بن فخر الدين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 333

بأن طريق الجسر ضيق بالمارة و ألحوا عليه في فتح طريق آخر متصل بالجسر من الجهة الغربية. أما الطريق القديم فهو المار من مسناة الجسر إلي قهوة زنبور (قهوة المميز) فأصدر القاضي حكمه بضرورة فتحه و هو شارع المأمون.

حوادث سنة 1242 ه- 1826 م

المنتفق:

قدم بغداد الشيخ عقيل (عجيل) بن محمد بن ثامر في 12 صفر فألبسه الوزير خلعة رئاسة المنتفق في 14 منه و أعطاه الاسلحة الكافية و كتب إلي متسلم البصرة أن يعلن ذلك في أرجائه و أن يحافظ علي البصرة، فأظهر المتسلم للعشائر عزل حمود و نصب عقيل.

فلما تبين حمود عزله أمر ابنيه (ماجدا و فيصلا) أن يقصدا البصرة فزحفا بالعشائر. فأما ماجد فنزل قريبا من نهر معقل، و أما فيصل فنزل أبا سلال و معه الاباضية أتباع امام مسقط و عشائر كعب …

فلما اشتد الأمر و كاد ينكسر المتسلم برز النجادة للمعاونة فكسروا و دخلوا البصرة … بعد خوضهم حومات المهالك. و بعد هذه الوقعة اشتدت أعضادهم و قوي اعتمادهم … و إن إمام مسقط ملأ بالسفن الشط … و ساعد ماجدا و فيصلا و حمل بأجناده كما حملا و مع ذلك لم يلن النجديون فبقوا في مجالدة شهرين.

هذا و لما رأي متسلم البصرة كثرة الأعداء و ضيق الحال … صالح إمام مسقط بمقتضي رأيه فانتظم الصلح فسافر و بقي فيصل و ماجد و لم يبق من قري البصرة إلا من كان لهما مساعد. و في أول ربيع الأول خرج عقيل من بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 334

و في أثناء ارتحاله ورد سليمان المناخور فوجده محاصرا

للأقرع فحشدوا عليه و معهم ابن قشعم و محمد الكهية و رستم و غيرهم. و الذين كانوا مع سليمان زبيد القبيلة المعروفة و من عقيل شيخهم جعفر، و من رجال الوزير محمد المصرف.

و لما ظهر الأقرع بمن معهم و عاين الروم الكماة جمعهم زحفوا عليهم … مع أنهم من الأعداء بمنزلة واحد من مائة … فما كان إلا ريثما التقوا رد الروم علي الاعقاب فندبهم سليمان فكروا ثانيا كرة أسد الغاب. فمذ ثارت أطواب العسكر كر مع الدخان من الروم كل غضنفر فأدبروا إدبار الرئال و تركوا البنادق و النصال … و قتلوهم قتلا ذريعا …

فأخبرني من أثق بخبره أن قتلاهم يزيدون علي ألف في نظره و منهم من قال يزيدون علي ألفين و لم يحضر الحرب الشيخ عقيل و لا صفوق و لكن حضرها شخير …

ثم إن الشيخ عقيلا أقام في أرض عفك زمانا آملا أن يأتيه أناس من أكابر قبيلته و فرسان عمارته و الوزير ينهاه عن العجلة و يأمره بالأناة و التؤدة فلم يسمع نصحه …

و في هذه الأثناء نصب الوزير سليمان الميراخور (المناخور) أميرا فبقي الشيخ عقيل في تلك الناحية و معه من شيوخ أهل البادية صفوق بن فارس الشمري و معه من بني عمه جماعة قال ابن سند: و قد ذكر لي الثقات عنه أنه صنع من الضيافات و نحر من الكوم السمان ما لا يحصره لسان.

أحوال البصرة:

أما البصرة فإنها في تلك الأيام قد بذل متسلمها جهده لمحافظتها و حراستها و ساعده النجادة من أهل الزبير فاعتز بهم. أما فيصل فإنه نزل أبا سلال و أكثر علي البصرة بالغارات في البكور و الآصال. فلما سافرت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6،

ص: 335

سفن (إمام مسقط) و طال عليه المقام رحل من ذلك المنزل و نزل علي أخيه في نهر معقل و أشار عليه أن يذهبا إلي والدهما و يستشيراه في مقاصدهما فلم يقبل و قال: لا أرحل حتي أملك البصرة و أجعل عاليها سافلها …

وعند قدوم فيصل إلي والده ورد محمد الكهية.

ثم إن ماجدا منته نفسه … أن يملك البصرة و تأهب للأمر فخرج عليه سكان الزبير فلما رآهم ماجد و جنده تلقاهم بخيله و رجله و ترك خيامه في منزله فما كان إلا اليسير حتي ولي الدبر فخرج عسكر المتسلم علي خيامه فغنموها عند ما لاحت أمارات انهزامه و أقبل النجديون إلي البصرة و أكرمهم المتسلم علي هذه النصرة.

عود إلي وقائع المنتفق:

جاء ماجد فوجد والده قد فارق عزه و ذلك أن عقيلا لما نزل البغيلة ورد عليه أعمامه فبسط لهم موائد الإكرام. و أما حمود عمه فإنه لما ارتحل عنه إخوانه علم أن لا مقام له و ركب خيله و فر إلي البادية.

فورد عقيل إلي وطنه بعسكر الوزير فولي الرئاسة مكرما لبني عمه و عمومته خصوصا أنه أشجعهم و أرفعهم.

و لما استقر عقيل رجع المناخور بالعسكر و انتظمت له الأمور و صار عونا للوزير في الخطوب …

و في هذه المرة أيضا أحبط مسعي محمد الكهية …

شيخ زبيد:

و في 13 صفر ورد شفلح شيخ زبيد إلي بغداد طالبا من الوزير أن يعفو عنه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 336

قال ابن سند: إن زبيدا قبيلة معروفة في العراق و شفلح هذا من أدهي أهل البادية. و كان شيوخ هذه القبيلة من أهل السنة. و أما الآن فالظاهر أنهم روافض …

مطالع السعود:

إلي هنا وقف كتاب مطالع السعود لعثمان بن سند و تاريخه مسلسل الحوادث السياسية. يأخذ الكثير من الدوحة إلا أنه لا يخلو من الالتفات إلي القطر و علاقته الأدبية و العلمية و المحادثات و المجالسات ممزوجة بمشاهداته و مروياته. و يتوسع في حوادث البصرة و أحوالها مما لا يكاد يوجد في غيره و لا يخلو من ملحوظة أدبية أو نادرة تاريخية … عولنا عليه في السنين التالية للدوحة و في الغالب لا نراعي سجعه، و لا نلتفت إلي أبياته و مدحياته مما لا علاقة له بالموضوع التاريخي …

وقف تاريخه عند حوادث سنة 1242 ه و يناقش صاحب الدوحة أحيانا بقوله: قال المؤرخ التركي … و في تاريخه نوادر لم توجد في الدوحة إذ لا تحلل الشخصيات العربية و لا تتوسع في وقائعها.

و المهم فيه ذكر مشاهير العلماء المعاصرين لداود باشا أو قبله أو من لهم علاقة بنفس المؤلف أو بالبصرة أو من اشتهر في بغداد …

فكتابه نافع للتاريخ العلمي و الأدبي و يعد خير وثيقة. و يتعرض لوقائع آل سعود أيضا إلا أنه يتحامل و يماشي الحكومة في رغبتها و لم يكتم ما يعلمه بل أعطي كلّا حقه.

و يعاب:

1- من جهة أنه رسمي. يمدح الوزير و يطري كل عمل من أعماله.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 337

2- من جهة السجع:

3- لم

يذكر لغيره من أقوال أو أشعار إلا قليلا جدا. لم يدرك نفعها من الناحية الأدبية، و لا يعول علي النصوص التاريخية و إيرادها …

لا يزال مخطوطا و نسخته التي بخطه في خزانة السيد نعمان خير الدين الآلوسي. و منها انتشرت نسخها و عندي مخطوطة منها. و توفي ابن سند في بغداد. و الظاهر أنه توفي في سنة تاريخ كتابه أو بعدها بقليل. و منهم من ذكر أنه توفي في الطاعون سنة 1246 ه في بغداد.

و مختصر مطالع السعود لأمين بن حسن الحلواني المدرس بالروضة النبوية في المدينة و فيه من الحوادث ما يصل به إلي سنة 1250 ه. طبع في بمبي سنة 1304 ه علي الحجر. و طبع في مصر في المطبعة السلفية بتحقيق صديقنا الأستاذ محب الدين الخطيب سنة 1371 ه و قدم له مقدمة مهمة و توفي الحلواني علي ما جاء في معجم المطبوعات سنة 1898 م.

قال الأستاذ المرحوم السيد نعمان خير الدين الآلوسي: و فيه لين. قال ذلك في آخر المختصر و بين أنه في سنة 1315 ه حصل له التاريخ الأصلي. فعلمنا تاريخ اقتنائه. و المختصر موجود في خزانة كتبه بخطه.

تعليم المدفعية في بغداد:

أرسلت الدولة أستاذا و خمس مدفعيين لتعليم عساكر بغداد المدفعية بناء علي طلب الوزير. و خصص للأستاذ ألفا قرش و لكل واحد من الأفراد خمسمائة قرش لمصارف الطريق …

عشائر العراق في سورية:

في هذه السنة قلت الأمطار فبدت علائم الغلاء فظعن العربان إلي أنحاء الشام فأزعجوا الأهلين هناك، و أن الميرة لم تعد تكفي الأهلين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 338

فحصلت الضرورة ففسر ذلك بعجز الوالي فعزل والي الشام ولي الدين باشا لعجزه عن القيام بأعباء الولاية. و وجهت إدارة الشام إلي متصرف قيصري الصدر الأسبق مير الحاج صالح باشا.

غوائل الموصل:

نال الجوع من الأهلين مناله فظهر الاضطراب و اختلت الإدارة.

فلم يتخذ تدبير.

و العداوة كانت كامنة بين (الجليليين) و الأعيان الآخرين. فسرت إلي بيت الوزير يحيي باشا آل نعمان باشا والي الموصل فاضطر إلي الفرار إلي بغداد فعلمت الدولة بذلك. فكتبت إلي داود باشا و يحيي باشا بما يقتضي لإجراء التدابير اللازمة فعاد الوالي إلي الموصل و سكن الاختلال.

و لما حدث الاضطراب انتهب من سراي يحيي باشا و متعلقاته ما يزيد علي ستة أحمال من القروش. و علي هذا طالب يحيي باشا باستردادها و أرسل محضرا إلي استنبول مبينا فيه خدمات هذه الأسرة و رضا الأهلين عنها.

و يقال إن المروّج لهذه الفتنة وزير بغداد فعلمت الدولة بذلك و لكن أغمضت العين مراعاة للمصلحة …

وفيات

1- في 13 ذي القعدة سنة 1242 ه- 1827 م توفي الشيخ خالد صاحب الطريقة النقشبندية المشهورة …

و كانت طريقته أحدثت أثرا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 339

مهما و معارضة شديدة و خافتها الدولة و نكلت بأتباعه. و سألت الوزير عن وضعها فأخبرها بأن هذا الشيخ ليس من أهل الدنيا و هو رجل صالح لا خوف منه.

توفي بدمشق.

2- الشيخ أحمد الأحسائي.
اشارة

توفي سنة 1242 ه و منهم من قال سنة 1241 ه أو سنة 1243 ه. و كان يعد من علماء الشيعة الأصولية إلا أنه ظهر من دعوته أنه من الغلاة و انتشرت مؤلفاته في الخفاء بين أتباعه، فعثر عليها و من ثم ثار عليه علماء الشيعة. و فرقة الشيخية تنسب إليه.

و إن نحلته شاعت علي يد أكبر الآخذين عنه و هو السيد محمد كاظم الرشتي. و في أيامه عرفوا بالكشفية.

و من مشتقات الشيخية:

1- الركنية.

2- الكشفية.

3- البابية. و من هذه تفرعت (البهائية)، و (أتباع صبح أزل).

و لا يزال بعض الشيخية متمسكا بآراء الأحسائي دون غيره و الركنية نالت مكانة و لا يزال بعض رجالها في البصرة و ايران و غالب كتبهم مطبوعة، و أما البابية فقد غطت البهائية عليها و هي تطور في البابية.

و انتشار الشيخية في العراق بين الشيعة كان بهمة زعيمها السيد محمد كاظم الرشتي، و توفي سنة 1259 ه و لا يزال عقبه في كربلاء، و كتبت في هذه النحلة (كتاب تاريخ الشيخية).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 340

حوادث سنة 1243 ه- 1827 م

إمارة أسعد باشا:

وجهت رتبة باشا إلي أسعد علي أن يبقي كما كان كتخدا الموصل و هو أخو والي الموصل يحيي باشا ثم وجهت إيالة الموصل إلي عبد الرحمن باشا آل محمود باشا من وجوه الموصل و هو المعروف ب (رئيس الحجاب).

و في هذه الأثناء ورد كتاب من الوزير ينبي ء أن الشهزاده في نيته التسلط علي أنحاء بغداد فنبه بلزوم اتخاذ التدابير و التحكيمات، و أن لا تؤمل المساعدة مع وجود الغوائل الحاضرة المحيقة بالدولة …

و ذكر أن عشائر الشامية عصوا فقام بمحاربتهم و أرسل 28 رأسا مقطوعا ممن قتل منهم.

واقعة شمر:

جرت واقعة مع شمر في نهر عيسي ذكرها الشيخ صالح التميمي في قصيدة شطرها السيد عمر رمضان و فيها انتصار باهر للوزير.

أوقاف الوزير:

1- وقف موقوفات كثيرة علي جامع الآصفية المعروف سابقا بالمولاخانة فجعل فيه مدرسين اثنين … و حدد رواتبهم و سجلها في غرة رجب سنة 1243 ه.

2- جامع الداودية: هو جامع الحيدر خانة عمره سنة 1234 ه و جعل فيه مدرسة و خزانة كتب و جعل لنفسه حق التغيير في الشروط و في هذه المرة وقفه بشروط جديدة و التفصيل عن هذين الجامعين في كتاب المعاهد الخيرية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 341

3- وقفيات أخري. جعلها لنفسه ثم لمن بعده و بالنتيجة ترجع غلتها بعد الانقراض إلي جامع الحيدر خانة.

و في هذه الوقفيات ما يعين ممتلكاته مما وقفه … و منها يعرف غناه و ما استولي عليه …

حوادث سنة 1244 ه- 1828 م

النقود في بغداد:

كان قديما يجري الضرب في البلدان النائية مثل مصر و العراق و تونس تسهيلا للمعاملات. و كان يسمح لها بضرب النقود الصغيرة.

و بغداد سوغ لها أن تضرب و منعت أن تنتشر في الخارج. و من هذا القبيل ما حدث سنة 1235 ه فقد أذن لها أن تضرب بموجب فرمان كل سنة علي أن لا يتجاوز مبلغ خمسين ألف قرش و منع الضرب بعد هذه السنة منعا باتا في حين أننا رأينا ما ضرب إلي سنة 1255 ه.

حوادث سنة 1245 ه- 1829 م

في الموصل:

في 9 شوال سنة 1244 ه- 1829 م قتل والي الموصل عبد الرحمن باشا الجليلي من جراء أنه تجاوز في ظلمه الحد. دبر قتله قاسم (باشا) العمري و خالد آغا ابن صالح آغا الشويخ من أغوات الينگچرية و محمد سعيد بك (باشا) ابن إبراهيم بك آل ياسين المفتي و كان مدير تشريفات. و في هذه الوقعة قتل محمد بك أخو الوالي.

و عند ما عرض الأمر علي داود باشا رشح محمد أمين باشا ابن الحاج عثمان بك الجليلي فوجهت الدولة ولاية الموصل إليه و أرسل للتحقيق عمن اجترأ علي قتل الوالي عبد الرحمن باشا، و أرسل شاكر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 342

بك من الخلفاء للقيام بضبط مخلفاته. و كانت ولاية محمد امين باشا في المحرم سنة 1245 ه، فوقعت له فتنة مع الذين قتلوا عبد الرحمن باشا فأخرجهم من الموصل، فتوجهوا إلي تلعفر فعادوا بعد شهر بقوة (1400) من السكبان من أهل تلعفر بينهم نحو 400 من عربان البو حمد فدخلوا الموصل و اشتد القتال نحو 21 يوما فكسر الباشا فتوجه بنفر قليل إلي بغداد. و في هذه الفتنة قتل الأستاذ صالح السعدي كاتب الديوان.

و تسلم البلد

قاسم باشا العمري …

حوادث سنة 1246 ه- 1830 م

واقعة صادق الدفتري:

غطت هذه الحادثة علي غيرها، فأعادت للأذهان قضية حالت أفندي. و ذلك أن الدولة طلبت من بغداد مبالغ للضرورة التي أصابتها إلا أن الوزير اعتذر علي خلاف المأمول فحمل اعتذاره علي التعند، فأرسل إليه صادق الدفتري فعذله و بين له أن تصلبه سوف يجر إلي نتائج وخيمة.

و الصحيح أنه جاء بعزله إلا أنه لم يستعمل الحكمة و لم يراع التؤدة و لا بالي بالمكاشفات و عواقبها. لذا صارح رجال الحكومة بما جاء من أجله، فاطلع الوزير علي جلية الأمر و بأمر منه قتله (محمد المصرف).

و هذا ما دعا إلي غضب الدولة عليه و أدي إلي وقوع (حادثة بغداد). فاضطربت الآراء في تفسيرها و الكل يستطلع طلعها لما أحدثت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 343

من غائلة و التواريخ بين التفصيل و الاجمال و تضارب في النصوص.

و نحن نذكر ما تيسر دون إخلال.

و كان الأستاذ محمد أمين الكهية مفتي بغداد الأسبق أبدي بيانات دونها لطفي في تاريخه و زاد عليها مصادر رسمية و بيانات أخري و أن الأستاذ سليمان فائق تصدي للموضوع و هو بمثابة رد عليه بالنظر لما علم عن المماليك و عن الوزير. استنطق بعض رجال الدولة و رجال المماليك فكتب تاريخ الكولات و مرآة الزوراء، فأوضح ما عنده. و من ثم رجعنا إلي هذه و غيرها. و لخصنا ما جري.

إن الدولة أرادت أن تطبق ما جري علي يد حالت أفندي فقامت بأمر خطير و ذلك أن داود باشا داخل ذهنه الاستقلال فاستخدم الشعراء لمدحه و إطرائه، و قام بتعمير المدارس و الجوامع و كلها مقدمات نوايا يحسب لها حسابها. و ما طلب الإعانة منه إلا وسيلة للوقيعة به. و

كان هذا الوزير أعرف بالأوضاع السياسية و الحربية. زاد نفوذه في بغداد.

فقضي علي المتنفذين من الأهلين و العشائر و رجال المماليك فصفا له الجو بحيث لم يبق له مزاحم. و تدخل في شؤون الموصل فعرفت الدولة آماله. و كانت تظن أن يكون عونا لها في الملمات فيقوم بخدمات جلي فتهاون بل صار يطلب الاستقلال فعزمت علي القضاء عليه.

استغل الحوادث السياسية و الحربية فكان من الصعب جدا أن تكاشفه الدولة بعزل. و إنما أعملت الفكرة، فاتخذت الكتمان و المذاكرات الخفية لا سيما أنها كانت في غوائل حاقت بها و لكنها عدت حادث الوزير أكبر.

أرادت أن تطرح إعانة علي بغداد و قررت إرسال صادق الدفتري لهذه المهمة و لحل بعض القضايا المعلقة بين الدولة و ايران، حاولت الحصول علي دراهم من بغداد تعادل ما يؤخذ من إيالة مصر، و أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 344

يتفاوض مع إيران بخصوص محمود باشا متصرف بابان الهارب إليها في تلك الأثناء. هذا ما أظهرته الدولة.

و لا ننس أن الوزير حاول إلحاق الموصل ببغداد، لتأمين آماله.

فشكا من واليها يحيي باشا و طلب عزله و لكن حاذرت الدولة أن تودع الولاية إلي أحد الوطنيين مع علمها بأن إرسال صادق لا يقترن بنتيجة صالحة بل ارسلته لهذه الغاية و إن كانت أظهرت غير ذلك.

قبل أن يذهب صادق الدفتري إلي بغداد أراد أن يحصل علي تعليمات تخص مهمته فلم يظفر ببغية سوي أنه أوعز إليه أنه إذا وصل المحل تحرك حسب المصلحة.!

فلما تحقق أن لا مجال لمعرفة الوضع جاء إلي (المابين الهمايوني) مع مصطفي (باشا) (كاتب السر) فأمر بالمواجهة فتلقي التعاليم الشفهية من السلطان و التنبيهات المقتضية. و هذا أغلب ما يرد إلي

الخاطر …!

قال المؤرخ لطفي: و للتحقق عن أصل القضية ذهبت بنفسي إلي مصطفي باشا كاتب السر من قدماء وكلاء السلطنة و كان مقيما في واني كوي (من قري استنبول) و لما سألت منه أفادني أنه لم يواجه صادق أفندي إلا أن الصراف جاءه يوما إلي (المابين الهمايوني) و حضر عنده فأبدي أنه يطلب إعفاء صادق من هذه المهمة و التمس أن يتوسط بذلك و أتي بليرات كثيرة، فأجابه أن الدولة عينته و أنه لا يتدخل و طرد الصراف. هذا ما بقي بخاطره.

و استمر لطفي في الرجوع إلي أصل بحثه و قال:

و علي هذا سار صادق إلي بغداد في ربيع الأول و صحبه معه جناب أفندي من مقدمي قلم الديوان و أخذ مصاريف سفرية خمسين ألف قرش، و أجور المنزل ثلاثين ألف قرش فقصد بغداد …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 345

و يقال إن من جملة التعليمات التي تلقاها أن يحصل علي المعلومات من يحيي باشا الموصلي و كان آنئذ والي ديار بكر فإذا التقي به استفاد منه خبرة … و لكن الدولة إثر إرساله كانت تخشي أن يفتضح أمره فتحبط مساعيها فتعد قضيته شبيهة بقضية حالت.

نقل لطفي في تاريخه المسموعات عن هذه القضية و هي لا تختلف كثيرا عما في تاريخ الكولات و لا عما ورد في تقويم وقائع … و لا يهمنا أن تكرر الأقوال. و إنما نذكر الصفوة.

ورد صادق بغداد. و الدولة في ريب من أمره.

و كان الوزير علي علم بالخبر قبل أن يتحرك صادق فلما جاء إلي بغداد قابله (محمد المصرف) و أظهر له الوزير معاملات جافة لحد أنه لم يأمر له بالجلوس بحضرته و إنما أبقاه واقفا و حقره بأمثال

هذه … مع أن المعتاد أن من يأتي من جانب السلطنة صغيرا أو كبيرا يستريح في قصبة الأعظمية و يبيت فيها ليلته و في اليوم التالي يدخل بغداد باحتفال مهيب فيلاقي الوالي و ينزل ضيفا عنده. جري ذلك المعتاد من زمن حسن باشا فاتح همذان.

أما الموما إليه فقد وصل إلي الأعظمية يوم الجمعة و أمر أن يدخل بغداد في حينه فاحتفل بدخوله و توجه إلي السراي و أحضر للسلام مقدار من مشاة العساكر النظامية. و من هناك ذهب إلي داره.

و في اليوم التالي جاء لملاقاة الوزير فأحضر لاستقباله فوج من العسكر و لم يقصر في الاحتفال به رسميا إلا أن الوزير تثاقل في القيام له … و لكنه رأي مقابلة بمثلها تقريبا. و لم يفاتحه بما يتعلق بمهمته حتي أنه لم يسأله عن حاله و إنما أنهي المجلس ببعض الكلمات الرسمية و العادية … و لما خرج لم ينهض له إلا بتثاقل. و هذا صعب علي مثل صادق و لم يعد إليه الزيارة مع أنه انتظره في اليوم التالي. و في يوم الاثنين ذهب إلي الوزير و حينئذ و عند المواجهة اخبره بعزله فقال له إني

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 346

قدمت معروضات إلي الدولة و أنا منتظر جوابها فينبغي أن تكتم ذلك.

فأبدي أنه لا يغتر بمواعيد أمثال هذه و أصر عليه بلزوم تسليم المملكة إليه. و جرت معارضات بينهما فانفعل الواحد من الآخر … ثم عاد صادق إلي محله.

و إثر عودته دعا سليمان آغا الميراخور (المناخور) من عتقاء الوزير ففاتحه صادق في القضية و قال له إذا قتلت الوزير وجهت إليك وزارة بغداد فلم يقبل و ذهب توا إلي الوزير فأخبره بما جري.

و

في الأثناء دخل محمد آغا كتخدا البوابين و قال للوزير إن قائممقام النقيب السيد عبد الرزاق جاء لأمر مهم يطلب المواجهة فأذن له. و حينئذ قدم إليه تذكرة مرسلة إليه من صادق الدفتري يبين له فيها عزل الوزير و صدور الفرمان بقتله و أنه يطلب معاونته … و لما قدمها إليه كانت يده ترتجف و آثار الرعب بادية عليه. قرأها و قال: أنا سوف أتصالح مع دولتي فلا تطلع أحدا.

مذكرات:

بعد الملاقاة الثانية للوزير و انفعال الواحد من الآخر عاد صادق إلي داره متألما و علي هذا وعد سليمان الميراخور بالوزارة و أخبر قائممقام النقيب …

و علي هذا غرق الوزير في بحر من الأفكار. و حينئذ استوحش الوزير من سليمان آغا، فدعاه و دعا محمدا المصرف و إسحاق الصراف و تذاكر معهم في دفع هذه الغائلة. فاتفقوا علي لزوم قتل صادق إلا أن الوزير أبدي أن عاقبة ذلك وخيمة فقال الجميع: إن حياتنا مهددة ببقائه، و إن الخطر محيق بنا ما دام هذا حيا، و تعهد الميراخور بقتله و عند هذا أنهي الوزير القول. و هذا غفلة منه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 347

ثم أرسل الوزير بعض رجاله فقتلوه و في اليوم التالي أعلن للناس أنه أضر بالأهلين بحركات غير لائقة فحبس و أخبرت الدولة بذلك. و بعد بضعة أيام ورد التاتار بإعدام صادق فأعدم.

قص خبر هذه الواقعة الأستاذ محمد أمين الزندي البغدادي أحد أعضاء شوري الدولة باستنبول و كان عالما معروفا. صار مفتيا ببغداد بعد أبي الثناء السيد محمود شهاب الدين الآلوسي ثم صار كهية و بعدها صار في مجلس الشوري.

قال الأستاذ الزندي:

«إن مسموعاتي عن قتل صادق هي أنه دبر نزاع بين الضباط

لقتله فلم ينجح.

و لما رأوا فشل التدبير أحاطت ثلة من العسكر النظامي بدار صادق و كان سليمان آغا الميراخور و محمد المصرف في غرفة منها و أدخل كل من رمضان آغا الجوخه دار مع خالد من قواسي سليمان آغا و معهم أتباع الوزير فهاجموا فجأة غرفة صادق فأعلموه بما جاؤوا لأجله فتكلم معهم كثيرا و طلب الأمان منهم و أن لا يقتلوه و أنه يعمل ما يريدون و طلب مواجهة الوزير مرة واحدة فلم يفد معهم حتي أنه رضي أن يعرض له الأمر فإذا أصر فليفعلوا ما شاؤوا … فلم يجد ذلك كله نفعا و قالوا له كان الواجب أن تطلب ذلك قبل الآن. و حينئذ سل خالد القواس سيفه فقتله في الحال …

و ذهبوا توّا لتبشير الوزير بما فعلوا و كان جالسا مع عدة أشخاص ينتظر ما يأتي من الاخبار. و حينئذ ذهب إلي دار المقتول فتبين له مماته فأظهر التأسف، و أمر أن تدفن جنازته في محل تحت رابية الصابونية (الصابونجية) تجاه الدار التي قتل فيها.

ثم أعلن أن صادق أفندي مريض خشية شيوع الخبر و لكن حقيقة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 348

الحال عرفت في تلك الليلة. و في الصباح علمها الكل و مع هذا أخبر أنه مريض، و أن الوزير في كل يوم يبعث بطبيب لمداواته … و كذا يرسل بعض الأشخاص للسؤال عن خاطره …

و علي كل أحدثت هذه الوقعة اضطرابا في النفوس و قلقا، أما الوزير فقد كتب إلي الباب العالي فلم يأخذ عن درجة أثرها. لذا قام بأمر المدافعة و اهتم بلوازم التأهب للطواري ء.

استدعي الوزير إليه عجيل السعدون شيخ المنتفق و كان من أعوانه.

جاءه بعشائره و عشائر أخري

غيرها و جعل قسما كبيرا من هذه بقيادة الميراخور و أن يكون في جهة ماردين و جعل العشائر الأخري بقيادة عجيل السعدون ليسوقهم إلي أنحاء أورفه من جهة الدير.

قرر ذلك و اختط هذه الخطة.

و في الأثناء و توسلا ببعض الوسائط ورد تحرير من كتخدا البوابين إلي نجيب بك أنه عفي عنه و عما قريب يأتيه خبر ابقائه في منصبه من استنبول و أنه ينبغي أن يقدم لركاب السلطان عدة رؤوس من الخيل العربية و أن يحترس من القيام بأي حركة عسكرية من شأنها أن تكدر عليه أمره. جاء خبر ذلك بواسطة بعض الأشخاص بتأكيد. و علي هذا أخر الأمر و صار ينتظر النتيجة.

ثم علم الوزير أن علي رضا باشا نصب واليا علي بغداد. و علي هذا اتخذ التدابير اللازمة لإعداد القوة إلا أنه في هذا الحين استولي الوباء علي بغداد جاءها من ايران. و في أمد قصير انتشر فحطم من الأهلين 95 من 100 من نفوسها و فتك فتكا ذريعا و أفني العساكر الموجودة» اه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 349

صدي قتلة صادق:

و بينما الدولة تترقب وصول خبر من صادق عما قام به إذ انبأها والي حلب علي رضا باشا أنه قتله الوزير و جاء كتاب من داود باشا يفيد أنه توفي بقضاء اللّه تعالي.

وصلت هذه الكتب متعاقبة إلي الباب العالي و حينما علم الوزير أن القضية عكس صداها إلي الباب العالي و وقف علي التدابير السريعة التي اتخذتها الدولة كتب إلي السلطان و وكلائه و رجال البلاط كتبا فحواها أن القضية وقعت حسب المقدر، و نظرا لخدماته السابقة في العراق، و صدقه و إخلاصه و ديانته … يستعفي عن جرمه و قصوره …

فأرسل هذه الكتب بواسطة المقيم البريطاني في بغداد إلي سفارة استنبول. قدمها الترجمان (شابر) مع أقوال السفير في حق الوزير تتضمن حسن حاله …

قال لطفي: طالعت كل هذه الوثائق …!

اهتمام الدولة بلزوم تأديب الوزير:

ثم إن الصراف لداود باشا في استنبول ورد إليه كتاب من ابنه في بغداد يصدق ما جاء من نبأ علي رضا باشا و العزم مصروف إلي لزوم التنكيل بداود. فقدمت الدولة مهمتها علي غيرها و جعلتها أم المسائل و قامت بتدابير عاجلة.

و علي هذا بينت الدولة الحالة سرا إلي علي رضا باشا والي حلب و هو من أقوي الوزراء في جوار بغداد و أقدرهم … فأجاب أن تأديبه أمر سهل إلا أنه إذا لم يكن للدولة معلومات عما أعلمه عنه فلا تتخذ أي تدبير علني و لا تشرع بشي ء من ذلك فطلبت منه المعلومات و أرسلت إليه ترجمة كتاب الصراف فورد الجواب منه ينطق بأن أكثر رؤساء العشائر في البصرة و بغداد و تجار البصرة كل هؤلاء ساخطون و أكثرهم ذو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 350

علاقة به. و من المتوقع أن تلتحق به رؤساء القبائل و عساكر عظيمة من أنحاء البصرة إلي بغداد، فيري أن توجه إليه بغداد إلحاقا بحلب و يعلن ذلك، و أن تودع الموصل إلي قاسم العمري برتبة باشا و أن تدفع إليه ستة آلاف كيس علي أن تسترد بعد ذلك، و أن تصل إليه المهمات و أن يلتحق المتميزون من الأهلين في الأطراف بمعيته …

أنهي ذلك كله فوافقت علي طريقة حله …

و من جهة أخري أشعر رسميا إلي دولة إيران عما وقع من داود و أنه اقتضي تأديبه، و الشروع بما يجب عمله فإذا حاول أن يفر إلي جهتها

فترجو أن لا تؤويه. و جعل بصحبة علي رضا باشا كل من يحيي باشا والي ديار بكر، و علي شفيق باشا والي أرضروم (أرزن الروم) سابقا و موظفين كثيرين و متسلمين و أكابر رجال الكرد و الأنحاء المجاورة.

و الملحوظ أن والي الموصل عبد الرحمن باشا توفي في هذه الأثناء، و أن قاسم أفندي التزم مخلفات أخت المتوفي و أخيه و أمه بألف و خمسمائة كيس بسعر الموصل، و بهذا نال إيالة الموصل.

كما أن علي شفيق باشا من أهل بلد علي رضا باشا فصوب استخدامه معه.

حركة علي رضا باشا إلي بغداد:

إن علي رضا باشا هيأ لوازم السفر و استعد. و في 8 شوال سنة 1246 ه توجه من حلب إلي بغداد. و في حركته هذه بعث أوامر (بيورلديات) تتضمن الرأي و الأمان لمماليك بغداد و العثمانيين (الجيش الوطني) و لصنوف (الينگچرية) و سائر الأهلين. و بذلك أراد جلبهم إلي جهته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 351

وصوله إلي الموصل:

و في ذي القعدة وصل إلي الموصل و أبقت الدولة وزارة حلب بعهدته و وجهت رئاسة البوابين إلي متسلم حلب إبراهيم آغا و وردت الوزارة إلي محمد باشا. فصار قائممقاما في حلب. و هذا هو (البيرقدار) و وجهت رتبة مكة إلي قاضي حلب وحيد أفندي العرياني و وجه قضاء بغداد إلي قائممقام النقيب (تقي الدين القدسي) و كان أخذه معه. ثم ألحقت ديار بكر بعلي رضا باشا فخولت إدارتها إلي شفيق باشا و رفع يحيي باشا إلي رتبة الوزارة و أقيم في أماسيه …

ثم إن علي رضا باشا نال كل التفات و وجه إليه عنوان سر عسكر (قائد الجيش) تقوية لنفوذه. فأصدر الخط الهمايوني و جاء في فقرة منه: «تذاكر المجلس بخصوص إعطاء عنوان سر عسكر إلي الوالي تقوية لنفوذه و إعظاما للمسألة، و بيانا لمكانته و أهمية القضية التي يعالجها» اه …

ثم صدرت الإرادة إلي الصدر السابق سليم محمد باشا أن يذهب إلي فيلق حلب ليكون قوة ظهر فصار قائدا للفيلق الثاني و سار بسرعة إلي أنحاء حلب.

داود باشا- اجراءات الدولة:

وقف الوزير علي الأعمال المتخذة و النوايا المزمع عملها فبدرت له فكرة نقل أمواله و نفائسه و نقوده الموجودة إلي الهند بمعرفة قنصل انكلترا فإذا تضايق فحينئذ يذهب هو أيضا إلي الهند. فلما علم الباب العالي دعا ترجمان الانجليز (شابر) و بسطت له الحالة و بين له أن كل مساعدة له تنافي الصفاء و الولاء بين الدولتين و أن يبين ذلك للسفير رسميا. و لما كان يعتقد بعدم التصحب أبدي أنه ينبغي محافظة حدود البصرة قبل كل شي ء و ختم الترجمان كلامه بذلك و ذهب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 352

و من ثم كتب إلي

علي رضا باشا بلزوم محافظة أنحاء البصرة، و أن يسرع فأجري الإيجاب.

و بعد هذا قدم سفير الانجليز إلي الباب العالي مذكرة حاول بها أن يعفي عن داود باشا. و لكن الجواب المرسل من مقام الرئاسة كان يضمن أنه لزم القصاص الشرعي في حقه و لا يمكن العدول عنه فأجاب الترجمان أري الأولي من صرف مبالغ طائلة أن تؤخذ منه المقادير التي سيؤديها … ألم يكن ذلك خيرا؟

فقال له: إن الرجل خائن، و لا قيمة للمبالغ التي يؤديها و إن الخزائن الموجودة معدة لتصرف في مثل هذه السبيل. فلا يستثقل من مصاريف باهظة مثل هذه …!

فأعيد الترجمان.

حوادث سنة 1247 ه- 1831 م

حادث بغداد:

يعين هذا الحادث وضعه التاريخي و ما كان من مراجعات رسمية، و ما قصه أكابر رجالنا في بغداد. و خير من عولوا علي بياناته الأستاذ محمد أمين الكهية مفتي بغداد الأسبق قال ما ملخصه: إن الدولة اختارت- بعد أن سمعت بحادث صادق- علي رضا باشا للمهمة فسار من حلب بقوة عسكرية كافية، و كان معه من المبعدين و الفارين من المماليك جماعة منهم رستم آغا، و أخو شوكت صالح آغا و صالح چلبي الزهير، و صفوق الفارس شيخ شمر، و سليمان الغنام من رؤساء عقيل …

و إن هؤلاء كاتبوا الأطراف وسعوا لجلب الأعيان و سائر من يؤمل منهم خدمة و صاروا يهتمون بمن يوافيهم فينال كل اعزاز و تكريم …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 353

و بذلت الأموال الطائلة في هذه السبيل … و كلما جاؤوا إلي موطن أعزوا أهله، و بشوا في وجوههم و قضوا مطالبهم حتي جاؤوا إلي الموصل.

و في الأثناء فتك الطاعون فاستفاد القوم من هذه الغائلة. و مع هذا لم يضيعوا الحزم فبقي علي

رضا باشا في الموصل مدة و نصب قاسم باشا متصرف الموصل (قائممقاما) لبغداد و عين بمعيته خليل بك الكتخدا السابق، و الحاج أبو بكر، و شيخ شمر الجرباء صفوق، و سليمان الغنام و أتباعهم و لواحقهم … فأرسلهم إلي بغداد من طريق الصحراء من الجانب الغربي.

و لما وصلوا إلي ما يبعد نحو خمس ساعات أو ست ساعات عن بغداد أرسل قاسم باشا البيورلدي إلي قاضي بغداد طاهر السيروزي خفية، فأظهره لبعض معتبري الأهلين و أخذ منهم عهدا أن لا يخونوا دولتهم و أن يخلصوا لها.

و لما كان الوزير في دار الحكومة صار طاهر أفندي يحث الأهلين و يدعوهم أن لا يركنوا إليه. و أن يبادروا لاستقبال القائممقام و إلا نظر إليهم نظر عصاة. فلما سمعوا منه ذلك وافقوه، و أذعنوا بالطاعة.

أما الوزير فقد قتل الوباء أكثر عساكره و رجال دائرته و حواشيه و سائر أعوانه و مماليكه ما عدا الأربعين أو الخمسين نفرا منهم كانوا في الخارج و الداخل حتي إن سليمان آغا الميراخور توفي في خانقين مطعونا مما أدي إلي تفرق أتباعه. و في تلك الأثناء مرض الوزير بالطاعون و تعطل عن إدارة الأمور.

و لما زال الوباء عاد من فر و ممن رجع محمد المصرف. و هذا كان منتظرا مجي ء محمد باشا آل خالد باشا و معه نحو أربعمائة فارس أو خمسمائة من الأكراد فتوقف خارج المدينة معتمدا عليه. و من ثم عين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 354

الباشا محمدا المصرف مكان سليمان آغا الميراخور.

ذهبا إلي أنحاء مندلي و خانقين من طريق بهرز ليتداركا قوة إلا أن رئيس شمر طوقة الشيخ محمد البردي كانت بينه و بين الشيخ صفوق مخابرة فأوصاه صفوق أن

لا يفلت منهما أحدا إلي خارج بغداد.

و علي هذا أراد محمد البردي أن يبدي خدمة، و أن يستولي علي الغنائم. و بهذا الأمل خرج عليهما بقبيلته و سائر من معه من عشائر أما محمد باشا فإنه أبدي بسالة و شجاعة و لكن معداته الحربية نفدت و سقط بعيدا عن الماء و بهذا خارت قواه فانسحب بعد ذلك و لم يسلّم. و أن محمد المصرف عري و صار يقوم و يقعد حتي تمكن من الذهاب إلي ناحيته. و حينئذ استولي محمد البردي و من معه علي خزانة الوزير و ما جمعه محمد المصرف. فصارت لمحمد البردي و من معه من العربان …

و إن الوزير لم تكن له قدرة القيام و القعود. و مع هذا كان في كل يومين أو ثلاثة يأتي إلي دائرة العرض محتضنا بالأيدي فيجلس في محله ثم يرفع الستار فيدخل عليه البعض. نجا من مخالب الطاعون و صار يخرج متطلعا علي العثمانيين المجتمعين و يجلس كجلسة خطيب ثم ينفض الحضار من حوله فيعاد إلي دائرة الحرم.

و إن قاسم باشا جاء بفيلقه إلي محل قريب من الكاظمية فصارت تسمع أصوات المدافع من هناك. و في بعض الأيام وافت الساعة الحادية عشرة فجاء نحو المائتين من الأهلين المسلحين من محلة الشيخ فهاجموا دار الحكومة. و أشعلوا النيران في باب السراي الداخلي ثم انسحبوا.

و كان ذلك لإفهام الوزير أنهم من أعوان الدولة، و إعلام قاسم باشا أنهم منقادون مخلصون لها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 355

هرب الوزير:

و علي هذا علم الوزير أن الأمر خرج من يده و أنه لا يسعه أن يحتمي بالسراي فلم يدر أين يذهب؟ و في تلك الليلة ركب فرسه و استصحب

معه حبشيا يقال له فيروز و خرج من السراي و التجأ إلي بيت حبيبة خانم زوجة محمد آغا من ملتزمي الاحتساب المعروف ب (قره بيبر).

و في اليوم التالي عرف مقره فوافاه العلماء و الرؤساء و الأعيان و أخرجوه من ذلك البيت بتعظيم و احترام، و أبدوا أن علي رضا باشا إذا ورد فلا يستطيع أن يتعرض و لو بشعرة منه، و لا يقدر أن يصيبه بأذي ما، و إنما يسلم إليه دون أن يناله مكروه. و حينئذ نزل ضيفا عند صالح بك ابن سليمان باشا الكبير و تعهد له بسند مصدق من جانب الشرع يتضمن لزوم المحافظة عليه …

القائممقام في بغداد:

و حينئذ عرضت الكيفية علي القائممقام و طلب منه أن يعجل بالمجي ء فأجاب الدعوة في الحال. و سارع أركان المدينة و أعيانها لاستقباله فجاؤوا به إلي دار الإمارة …

و من حين دخل المدينة حصلت له فكرة ضبط بغداد و دفع علي رضا باشا استعانة بصفوق و سليمان الغنام. و لكنه تيقن بأن الأمر لا يتم له ما لم يقض علي الوزير و المماليك و كذا علي بقايا العثمانيين … قرر ذلك في نفسه و لما قري ء البيورلدي كان أول عمل قام به أن دعا الوزير إليه. و لما لم توافق الهيئة علي هذا ركب فلكة في اليوم الثالث من دخوله ليلا وقت العشاء و ذهب إلي دار الحاج صالح بك الكائنة علي ساحل دجلة (بيت دلة) و طلب الوزير و لكنه أقنع بالأدلة المسكتة فلم يذعن و أصر علي طلبه و جري بينه و بين صالح بك مناقشة انتهت في أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 356

تعهد أن يسلمه غدا بمحضر الهيئة و القاضي و

يستعيد السند الذي أخذ منه، فصار القائممقام ينتظر انبلاج الصباح.

أما المعارضون فقد شعروا بالخطر من القائممقام كما أن العوام رأوا ما يكرهون من الشيخ صفوق و من سليمان الغنام. و الظاهر أنهم لم يتمكنوا من ضبط أعوانهم فعاثوا و إلا فهؤلاء لا يعرف عنهم ما عزي إليهم. و بهذا يفسر قول صاحب مرآة الزوراء و تاريخ الكولات أو كان ذلك تشنيعا من أعدائهم …

مؤامرة و دعوة فمقارعات:

إن بعض الخواص علم بمجي ء قاسم باشا ليلا ثم أخبر بالأمر الحاج صالح بك و الوزير، و في تلك الليلة اجتمعوا في دار صالح بك و تذاكروا فقر رأيهم أن يفتكوا بقاسم باشا لسلامة العموم.

و عند الصباح دعا قاسم باشا للحضور من يجب حضوره لأخذ داود باشا بمحضر الهيئة و أن يعطي لصالح بك سنده فحضر من لم يكن يعلم بما بيت ليلا. و أن المطلوب حضورهم لم يأتوا فأوجس قاسم باشا خيفة من تأخرهم فعزم أن يقضي علي من يتيسر له القضاء عليه إلا أن الحاضرين صاروا يتسللون الواحد بعد الآخر. و توارد الأهلون مسلحين فقال قاسم باشا: ما هذه الجلبة؟!

قالوا له إن هؤلاء ممن لا يعرفون وزنا لأنفسهم من الخذلة، لنقم الآن و ندفعهم فنهض بهذه الوسيلة من بقي. و حينئذ كان مع قاسم باشا نحو ثلاثة آلاف أو أكثر من عساكر عقيل فدافعوا من وراء الحيطان و سدوا الأبواب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 357

بدأ القتال من وراء الحيطان و من المتاريس و التحق العقيليون من عسكر الوزير في الكرخ بالأهلين دون أن يدعوهم أحد. و ممن في الثكنة الداخلية الملا حسين رئيس الاحشامات دخل في زمرة الأهلين و أعطي مدافع و مهمات و معدات حربية. و

عدا ذلك وجه القنابل من داخل القلعة علي السراي فكانت تمطر علي جوانب السراي الأربعة و بهذه الصورة استولي علي المحصورين اليأس.

و كان درويش آغا القائممقام قد أعاقه قاسم باشا عنده ثم ساعد علي خروجه … فأفهم المحاصرين أن جناب أفندي الذي جاء مع صادق أفندي من الخواجگان و لا يزال في السراي، و قد استولي عليه الخوف و الهلع … فأقنعهم بلزوم إخراجه و إخراج صادق بك الذي جاء مع علي رضا باشا فوافقوا.

و بناء علي ذلك أرسل مصطفي بك الربيعي فأخرج جناب أفندي و صادق بك من أعيان عينتاب. و في وقت العصر سلم قاسم باشا و (ويودة) ماردين و لكن الحاج أبا بكر آغا كتخدا علي رضا باشا السابق مع سليمان الغنام امتنعوا من التسليم و بقوا إلي وقت الغروب، و قبل أن يستولي الظلام انتهبوا الخزانة الداخلية و ألقوا النار في غرفة العرض فاحترقت الأطراف ما عدا الحرم و خرجوا في وقت ذهاب الناس إلي أهليهم. ركضوا مسرعين و ذهبوا من باب الإمام الأعظم حتي أنهم لم يبالوا بما سقط من أكياس الذهب و الفضة. و لا بما تساقط من شقوق الأكياس …

حبس القائممقام و قتله:

حبس قاسم باشا مع و يودة ماردين شهرا و نصف شهر و بناء علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 358

إصرار الوزير قتلا و جاء في مجموعة الأستاذ أبي الثناء الآلوسي كان قتله في 3 المحرم سنة 1247 ه أيام الفتنة قبل أن يفتح بغداد علي رضا باشا اللاز …

و بقيت نقود كثيرة. و أواني فضية و ذهبية و سيوف مرصعة و طبانجات و خناجر و محامل مرختة و مرصعة مما يخص الوزراء و لؤلؤ و شمام و

عنبر و بنادق و أسلحة نارية و صناديق و شال لاهوري و أقمشة هندية فكان من التحف الكثيرة و التفاريق التي لم تشاهد قبل و من نوادر و نفائس فريدة و عديدة اغتالتها أيدي النهب و السلب.

اجتماع و اتفاق:

انتهت غائلة قاسم باشا ببؤسها إلا أن الاضطراب من جراء علي رضا باشا لا يزال كبيرا و يحسب للخطر ألف حساب. و لكن انتهاب السراي أسس الاتفاق و شد الأزر. و لذا اجتمع العثمانيون و الأهلون و الحيطة (هايته) و متقدمو العقيليين … في محل واحد و قالوا لا يجوز بعد هذه الوقعة أن نأمن علي رضا باشا و الأولي أن نبقي الوزير أو ننصب صالح بك، و أن علي باشا لو جاء فإننا ندافع بأجمعنا لمقاومته، و أن الدولة لا تهدم صرح مملكة عظيمة لأجل علي رضا باشا …

و جرت مذاكرات أخري عديدة فكانت النتيجة أن قرروا إرسال محضرين قدموهما بواسطة القنصل العام الانجليزي المستر تيلر أحدهما يرسل من طريق الشام، و الآخر من طريق إيران فأرسلا و أوضح فيهما حدوث هذه الوقعة، و أنهم سلب أمنهم. و قدموا ذلك إلي استنبول و صاروا يترقبون صدور الإرادة الملكية. و قرروا أن علي رضا باشا إذا جاءهم و اضطروا لمدافعته فإنهم يناضلون بكل ما استطاعوا من قوة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 359

و يكونون قد بدأوا بالمخالفة فيما إذا لم يسمع منهم قول. كما كتبوا محضرا قدموه إلي علي رضا باشا مع أحد متميزي المماليك سفيان أفندي (الخطاط المعروف).

ثم إن إقعاد الوزير في محل الحكومة يعد بمثابة عصيان علي الدولة و مكاشفة لها في العداء. و لذا أقيم في دار صالح بك الذي نصب (قائممقاما).

كان ظهور هذه

الحالة من قاسم باشا مما سبب أن تسلب الأمنية فكتب الأهلون المحضر إلي الباب العالي و طلبوا العفو و عوضوا بدل هذا العفو بعشرين ألف كيس خدمة للخزانة الجليلة، و إبلاغ سنوية بغداد إلي أربعة آلاف كيس في السنة الأولي بعد أن كانت ألفين، ثم يضاف في كل سنة ألف كيس حتي تبلغ عشرة آلاف كيس و تؤدي المبالغ المصروفة من قبل علي رضا باشا علي حدة، و أن الإيالة بأجمعها كفيلة بذلك و يلتمس ابقاء الوزير داود باشا و إذا لم يوافق رأي الباب العالي فالمأمول أن توجه الوزارة إلي صالح بك. و هذا إذا لم يمكن فلا نكلف بمبلغ و للدولة أن تختار من شاءت. و يتخلل هذا ألفاظ رقة و مرحمة و تعابير استرحام و تمنيات …

أوضاع علي رضا باشا:

أما علي رضا باشا فإنه حينما علم أن قاسم باشا دخل بغداد بسهولة سار من الموصل و حط رحاله علي نهر الزاب، و حينئذ وصل إليه سفيان أفندي فعرف دخائل الأمر و لئلا يحدث اضطراب في الجيش أمر بالرحيل. و تقدموا مرحلة إلي الامام. و في اليوم التالي وصلوا إلي إربل و لم يتوقفوا و استمروا في السير حتي ضرب الجيش خيامه أمام قصبة الأعظمية.

و جاء ذكر واقعة بغداد في حديقة الورود. و بين الأستاذ سليمان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 360

فائق أن كلّا من قاسم باشا و الحاج أبي بكر و سليمان الغنام و صفوق صار يميل إلي تولي الإدارة و أن يستقل بالأمر.

الطاعون و الغرق في بغداد:

إن هذا الداء كان من المصائب العظيمة علي بغداد. محا البيوتات الكثيرة و قضي علي الآثار بل هو البلاء علي المماليك. سبّب انقراض حكومتهم. و لولاه لما أمكن الاستيلاء علي بغداد.

و جاء وصفه في حديقة الورود حدث في سنة 1246 ه. ابتدأ في العشر الأواخر من شهر رمضان و أوضح عن المصاب و ما كان يهلك كل يوم حتي ضاع الحساب. زاد شدة في شوال فهرب الناس و مات الغالب و خف في ذي الحجة. و من ثم صار ينقل الموتي و يطرحون في دجلة و انقطع بعد أن أضر بما لا مزيد عليه. و جاء وصفه أيضا في غرائب الاغتراب و في مجموعة الآلوسي و مجموعة خليل ونة. و أن دجلة فاضت فدمرت غالب البيوت … مما يطول تفصيله.

محاصرة بغداد:

و حينئذ سدت مداخل المدينة فدافع الأهلون. و كان في كل ليلة تطلق تسع قنابل بقصد الإرهاب، فانقطع الذهاب و الإياب و كانت مدافع بغداد تجيبها. و ثابروا علي هذه الحالة.

و في مرآة الزوراء:

«إن الأهلين كانوا بانتظار الأمر العالي و لكن ورود الوزير بسرعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 361

مما ولد ارتباكا في القلوب. و لذا اجتمع العلماء و وجوه البلد و رؤساء العسكر جميعا و اتفقوا علي أن لا يفترق الواحد عن الآخر، و أن لا يخابروا علي باشا و لا ينفصل عن الاتفاق أحد. و تعاهدوا، و أعدوا المدافع و لوازم المحاربة فيما إذا أقدم علي باشا علي الحرب حتي أن داود باشا كان له مشاة من العساكر النظامية بقيت منهم نحو الخمسمائة مع ضباطهم فدعوا و سلموا إلي الحاج صالح بك.

و كذا كان له من العساكر الموظفة نحو الستمائة أو السبعمائة من الخيالة و نحو الخمسمائة من عقيل و هم مشاة. هذا ما كان له من جيش.

و أن سور الجانب الغربي تهدم بسبب طغيان دجلة فبقي مفتوحا. و حينئذ وظف عسكر عقيل مع سليمان آغا الخازن لمحافظة باب الكاظمية. و كذا محمد آغا المقدم النظامي عين لحراسة باب الكريمات بمن معه من العساكر النظامية.

و كانت العساكر الموظفة في القلعة فأبقيت بيد ملا حسين الحشامات و في الروابي وضع الوجوه من رجال المماليك لحراستها …

و الحاصل اتخذت التدابير لمحافظة البلد من جميع جهاته …

أما علي باشا فإنه كان معه من القوة عبارة عن ألايين (كتيبتين) من (التيمارلو) الخيالة و فوجين من المشاة و نحو اثني عشر ألفا من سائر الخيالة و المشاة ممن لم يكونوا منظمين فمجموع ما كان لديه من العسكر عبارة عن

خمسة عشر ألفا. و لم تكن معه مدافع و عتاد كافية، و إن قلة الذخائر أو فقدانها عرقل أكثر. و لذا كان الاستيلاء علي بغداد عنوة مما لا يؤمل.

عدل الوزير عن فكرة الاستيلاء علي بغداد و ركن إلي مراعاة السياسة و ذلك أن محمد آغا الكهية بعد عصيان الحلة أخذ يتجول بين العربان. فلما علم بالواقعة ذهب إلي حلب مستقبلا الوالي. و علي هذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 362

نصبه كتخدا، و أن رستم آغا كان من موظفي الوزير ففر منه أيام الوباء و ذهب إلي أنحاء بدرة و جسان. و هناك اتصل بالكتخدا. و كذا الأبازة سعدون آغا (البلوك باشي) التحق بفيلق علي رضا باشا في نحو ألف من اللوند الخيالة.

و نظرا لما كان ينطق به الوزير منفردا لكل من يلاقيه فيؤمل به من أرباب المكانة و يقول إن إيالة حلب حسرة الوزراء و لكن تأييدا للخاطر الشريف و تأكيدا لعهدي الخالص له تركتها. و إلا فمثل بغداد ادارتها مشكلة، و منطقة حارة كيف يمكنني الإقامة فيها. و كيف يتيسر لي أن أتصرف بمنصب عارضي و أبدله بإيالة أتصرف بها علي وجه الملكية.

و لكن القصد الأصلي هو القبض علي الوزير داود باشا، و أن أجعل شأنا للدولة. و لما لم أر من يصلح لإدارة العراق سوي المماليك فإنني بعد موافقتي في حسن ادارتها و تسخيرها سوف أكتب منشور الوزارة حسب المأذونية باسمكم و أقرأه ثم أعود إلي محلي.

و بهذ الصورة كان يطرح الآمال في فم كل واحد، و ينبه كل واحد أن يلتزم الأمر مكتوما و يؤكد في التنبيه. و لذا تمكن أن يشغل كل واحد و يدعه يبذل جهودا عظيمة …

ثم إنه

فر أيام الوباء كثيرون من بغداد و لم يعودوا إليها بعد فكانوا يأتون بدخالة إلي الفيلق سواء من الأهلين أو المماليك. و كان يبدي لهؤلاء التفاتا زائدا و كان يوجه إليهم الأنهار و المقاطعات و الإنعامات الوفيرة … و لما كان الناس لا يتمكنون أن يطأوا بأقدامهم دار الوزارة في غير الأيام الرسمية و الأعياد و أيام الجمعة، و الكثير منهم لا يري وجه الوزير بعينه، فإن علي رضا باشا صار يصاحب كل واحد و يجالسه جنبا لجنب و يأتلف مع الكل، و يبذل إحسانا عظيما لكل وارد. رأي الناس منه ذلك فارتبط الكل به قلبا و قالبا و صاروا أسري إحسانه و عرفوا أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 363

القيام بخدمته فرض عين.

و من ثم صارت تجلب له الذخائر من كل صوب بعد أن كانت أعوزته الحاجة و الضرورة فتزايد الرفاه في فيلقه في مدة يسيرة» اه …

حركة خروج:

دامت الحالة علي هذا المنوال مدة. فكانت الأرزاق تأتي من الباب الشرقي و من باب الحلة. و لكن حطت مؤخرا عساكر اللاوند مع سعدون آغا من المماليك تجاه الباب الشرقي و نزلوا بجهتها فقطعوا المواصلة مع الخارج، و كذا سليمان الغنام مع عساكر عقيل ضربوا خيامهم تجاه باب الحلة فحالوا دون أخذ الارزاق، و ظهرت علائم القحط و الغلاء، و أن الأهلين اضطربوا من هذه الحالة.

جاء في مرآة الزوراء:

«بمناسبة ضيق هذه الحالة في المدينة تجمع الأهلون و العساكر و المتشخصون فجاؤوا إلي صالح بك القائممقام فباحثوه في أحوالهم الحاضرة. و طال الكلام، فاستقر الأمر علي أن يكتفي بضرب سليمان الغنام و جيشه لرفع الحصار عن بغداد. و عهدت قيادة ذلك إلي المسيو دووه ليقوم بالأمر.

و

حينئذ جعل الجيش النظامي تحت إمرته مع قطعتي مدافع و فوج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 364

مشاة يتألف من خمسمائة نفر مع ما هو موجود من عساكر عقيل، و نحو خمسمائة من الحيطة (هايته) و ضم إلي هؤلاء مقدار ألف و خمسمائة من المشاة من أهالي الكرخ فصاروا تحت قيادة ملا حسين (رئيس الحشامات) فهاجموا جبهة سليمان الغنام و لم يكن له علم بهذا. فلم يترك لهم مجال للمقابلة بسبب المفاجأة. و حينئذ قتلوا منهم ما يزيد علي مائتين و أسر مثلهم و انهزم الباقون و انتهبت خيامهم و أرزاقهم. و بذلك رفعوا الحصار عن بغداد.

حركة خروج أخري:

إن هزيمة سليمان الغنام مما بعث النشاط و الأمل في البغداديين.

و لذا تأهبوا للهجوم علي فيلق الكاظمية. و كان تحت قيادة الحاج أبي بكر، فحاولوا الهجوم عليه. و بسبب ما شوهد من مستنقعات اضطروا إلي العودة. و كانوا بقيادة الملا حسين، و لم يحصلوا علي نتيجة.

مناوشات قرب الأعظمية:

إن علي رضا باشا اتخذ تلّا صناعيا أمام الثكنة الداخلية قرب بستان سعيد باشا. و منه صار يرمي القنابل، فاشتبكت الحرب، و صارت تسمع من روابي الثكنة أصوات المدافع كما أن علي رضا باشا اتخذ في بستان صالح بك روابي و صار يضرب بالقنابل قلعة بغداد.

و من جهة بودر في المضاربة من جانب بغداد من تلول الصابونية و الچاووش و صار الواحد يقابل الآخر. و إن كثيرا من الأهلين تجمعوا في السور و بعضهم صار يحاول أن يهاجم التلول رأسا وسعوا أن يفتحوا باب الأعظمية.

إن محافظي الباب مثل عبد الرزاق آغا، و رضوان آغا و هم من متميزي المماليك عذلوا الناس و حاولوا اقناعهم فلم يفد. و لذا فتحوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 365

الباب و مشوا إلي حديقة سعيد رأسا، و أن القافلة الأولي من هؤلاء كانت نحو مائتين من المشاة و كان في رأسهم حسن آغا آل عليش آغا … ثم تابعتهم جماعات كثيرة تقدر بألف و خمسمائة ركضوا وراءهم و تحاربوا مع عسكر الحيطة بين الأنهار و المتاريس المتخذة هناك، و بين النخيل و كل من صادفوه كسروه و هاجموا التلال في ساحل دجلة أيضا فاقتحموها و فر من كان فيها و ضبطوها مع المدافع …

و إن إبراهيم آغا ابن رئيس القوشجية جمع من الأهلين نحو السبعين أو الثمانين فارسا و حاول أن يهاجم الروابي

الكائنة في جادة الأعظمية فلم يتمكنوا من عذله بل عاند و لكنه حين خرج أحس بالخطر و لم يتمكن من الرجوع و لا استطاع أن يخرج من دائرة الرمي الموجه إلي العدو فأخذ الخندق يمينا و ذهب. فخرج عليهم الفرسان، و تكاثروا فاضطروا أن يميلوا إلي باب الأعظمية، قدموا بأنفسهم إلي المدينة فأغلقت في وجوههم الأبواب و هكذا شأن من كان علي السور نزل عنه و انسحب إلي جانب.

و إن العساكر التي هاجمت المشاة وقعت تحت نيران المدافع، فلم يروا ملجأ و لذا سلوا سيوفهم و صاروا يطعنون كل من صادفهم. و كان محل خان نجيب باشا إلي داخل المدينة حتي القهاوي و الدكاكين مملوءا بالناس لا يكاد المرء يجد محل وضع قدم. فصار هؤلاء مانعين من دخول الجيش و العساكر الواردة، و إلا فليس هناك حائل أو مانع …

إن وقوع هذه الحالة ممن ضبطوا التلول علي ساحل دجلة تزلزلت منهم الأقدام فلم يستطيعوا التقدم فوجب أن يعودوا حتي أنهم لم يجدوا وقتا ليأخذوا المدافع التي استولوا عليها.. و لذا ألقوا أحد المدافع في باب البستان و عادوا بمجموعهم إلا أن الحيطة لم يمكنوهم من الذهاب.

و لذا استعانوا بالمقابر فاتخذوها متاريس لهم فأصلوا بنيران العدو من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 366

جهة، و بنيران البغداديين من أخري … و في هذه الأثناء كان جمع من المماليك في رابية سلطان سليم الناظرة علي باب الإمام الأعظم و هؤلاء لم ينظروا إلي عدو أو صديق فضربوا بنيران بنادقهم علي خيالة علي رضا باشا و لواحقهم … و بهذه الصورة كان الخيالة بين نيران الذين التجأوا إلي المقابر كما سبق و بين نيران هؤلاء … فاضطروا للعودة.

و

استولي علي الجبهة سكون و حينئذ دخل المدينة من كان خارجها ثم سدت الأبواب و جرت مناوشات في المدفعية. و في هذه لم يعرف عدد القتلي من الجانبين. و علي كل إن وفيات البغداديين كانت كثيرة بسبب الزحام الحاصل.

أوضاع علي رضا باشا:

إن علي رضا باشا لم يفتر عزمه بل ثابر و لم يتأخر عن العمل لحظة حتي أنه قبل أن يصل إلي تجاه بغداد استصحب صالح چلبي آل زهير، و بواسطته و بواسطة بعض البصريين هزم عزيز آغا متسلم البصرة و ضبطها صالح چلبي و كان معه نحو أربعة آلاف أو خمسة آلاف جندي.

ثم حصر علي رضا باشا جهوده في جلب الأعيان و المعتبرين من مقدمي المماليك في بغداد، و المكاتبة معهم، فتمكن نفوذه في أنحاء العراق …

الحالة في بغداد:

و بغداد في هذا الأوان تجاوزت الحد في الغلاء. و أصاب الناس قنوط لا مزيد عليه.

و علي هذا جرت مذكرات بين الأعيان و رجال الحكومة فكانت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 367

النتيجة مصروفة إلي لزوم مهاجمة جيش علي رضا باشا ليلا و كان الاختلاف في الرأي بلغ حده بين درويش القائممقام، و بين الحاج صالح بك و الحاج عمر الراوي، فانفض المجلس و لم يستقر أمر. و إن درويش آغا دعا إلي لزوم انتظار المحضر المرسل إلي الدولة. و أكثر التوجيه يهدف إلي أن لا يزاد في الطين بلة حذر أن تتوتر الحالة.

تدابير علي رضا باشا:

أجري علي رضا باشا نفوذه نوعا إلا أنه من حين خروجه من حلب لم يدخل خزانته فلس واحد، و أن إنعاماته كادت تجعل هذه الخزانة فارغة و الجيوش الذين في صحبته كانوا بأمل نهب بغداد، و لكن زالت منهم فكرة الانتصار و توالت عليهم المصاعب و المشاق …

فاستولت عليهم الهواجس فهم بين أن يهاجموا وزيرهم، و يرجعوا إلي الأناضول، و بين أن لا يحصلوا علي شي ء …

قوي فيهم الميل في أن جميع ما يملكه الباشا لا يفي بعشر مطلوبهم. و هذا من وسائل احجامهم، خصوصا أن موسم الصيف انقضي و ورد الشتاء و امتدت أيام المحاصرة … فتجددت فيهم تلك الهواجس.

عرف الباشا ذلك كله و استولي عليه الضيق لكنه لم يفتر عزمه، فلم يترك تحري الوسائل لدخول بغداد … و بينا هو في هذه الحالة إذ ورد إليه محضر من الباب العالي و هو الذي كتبه أهل بغداد و أعيانها. ورد إليه الأمر مع المحضر و فيه أنه إذا لم يتيسر عمل شي ء فالأولي ادارة الأمور بحكمة.

و علي هذا دعا علي

رضا باشا بعض الذوات الموثوق بهم و طير الخبر إلي داخل المدينة للمفاوضة. و حينئذ أرسل إليه ملا حسين رئيس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 368

الحشامات فتفاوض مع حمدي بك خازن علي رضا باشا و قال حمدي بك:

إن الباشا يسلم علي الحاج صالح بك و عليكم و علي جميع أهل بغداد، و في هذه المدة لم يأمر بدخول بغداد انتظارا لورود الجواب من الباب العالي. فالآن ورد المحضر و إن الدولة لم توافق علي ما ذكر فيه، أرسل إلي عينا و صدرت الإرادة بلزوم دخول بغداد. و أعددت اللوازم الحربية فيما إذا حصل تعند و سندخل قسرا بما لدينا من مدافع و قوي أخري … و أنتم المسؤولون عما يلحقكم و يلحق الأهلين. و ليس وراء ذلك سوي المضرة. فندعوكم أن تسلموا ساعة أقدم و لا تدخلوا في خطايا العباد … و مع هذا فالخيار لكم في الإصرار إذا كنتم في ريب.

و اعلموا يقينا أننا لم نضمر شرا لأحد و لا نريد سوي الخير …

هذا ما تفضل به الباشا و أمرني بتبليغه و أراه المحضر المرسل من جانب الدولة و قال له:

ألم يكن هذا محضركم و فيها إمضاءات المعلومين منكم، و إن شئتم أخذتموه معكم!. و سلمه إليهم. و هؤلاء أخذوا المحضر و سلموه إلي صالح بك خفية و نقلوا له كلماته فأصابته بهتة و استولي عليه الاضطراب لمدة. ثم أوصي أن لا يفشي هذا الأمر لأحد، و أن يحترس في الكتمان …

فشا سره إلا أنه لم يباشر بعمل و لم يبق ذلك مكتوما.

فتح أبواب بغداد و طاعة العموم:

اشارة

اتفق علي باشا بواسطة رجاله و هم كتخداه رستم و صالح أخو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 369

شوكة، و

سعدون آغا (بلوك باشي اللوند) مع جماعة من المماليك في بغداد بصورة خفية و وعد كل واحد منهم بوظيفة و كتب بيورلدي (الرأي و الأمان) و أرسله، و أن السيد أحمد أفندي أيضا تمكن من جلب الكثيرين من الأهلين من محلة الشيخ فانحازوا لجهته. و لما أرسل المحضر إلي علي رضا باشا و لم يساعد فيه علي مطلوب الأهلين و شاع خبره و تبين ذلك، أكثر المماليك تبدلت أفكارهم و استفاد السيد أحمد أفندي و أعوانه، و علي هذا و نظرا لوقوع المخابرة بينه و بين علي رضا باشا ضبط (الباب الشرقي) و طرد محافظيه في الساعة الثانية غروبية في ليلة ربيع الآخر سنة 1247 ه و سمع هؤلاء في إدخال عساكر (التيمار) إلي المدينة من ذلك الباب.

أما داود باشا فإنه بعد صلاة الفجر ركب فرسه و أراد أن يرمي بنفسه إلي القلعة الداخلية إلا أن ملا حسين رئيس الحشامات و كاتبه اعتذرا، فذهب إلي دار نوح بك أحد أتباعه بجوار القلعة ينتظر ما ستؤدي إليه حالته …

و بعد مرور بضع ساعات جاء من علي رضا باشا جماعة من الأمراء إلي داود باشا فأخرجوه بكمال الاحترام. فلما تقرب من خيمة علي رضا باشا استقبله ماشيا و سارع لذلك و بعد المعانقة دخل خيمته و سأله حاله و خاطره و تكلم معه بعض الكلمات الاعتيادية و الرسمية و من ثم قدمت إليه القهوة و الجبوق فسقي من الفنجان الذي سقي به علي رضا باشا لإزالة الخوف عنه فإن علي رضا باشا أخذ فنجانه و قدم له فنجان نفسه فسكن روعه.

فلما رأي داود باشا هذا الالتفات من علي رضا باشا تخطر ابنه الصغير حسن البالغ خمس سنوات

أو ستّا و قال: لا أدري أين صار حسن!؟ و علي سؤاله أمر علي رضا باشا أن يتحري عنه فوجدوه و جاؤوا به إليه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 370

تحادث الوزيران ساعة أو ساعتين ثم أعدت لداود باشا خيمة فأوصله علي رضا باشا إليها بنفسه و كلمه بأمور تسلي خاطره ثم عاد إلي خيمته و عين حراسا و محافظين و رخص أن يأتي كل احد إلي داود باشا من خواص و عوام.

و أيضا أرسل أمرا إلي الحاج صالح بك يتضمن الرأي و الأمان له كما أنه نصب درويش آغا القائممقام قائممقاما أيضا و أعلن بواسطة منادين العفو العام.

إن علي رضا باشا لم يدع داود باشا يدخل بغداد إلي أن يذهب إلي استنبول و إنما أقامه في محله و عرض الأمر علي الباب العالي.

و التمس العفو عنه.

قال صاحب مرآة الزوراء:

«و علي ما سمعت مرارا من عثمان سيفي بك و من حمدي بك أن داود باشا بعد أن أخرج من بغداد و جي ء به إلي الفيلق اجتمع كل من رستم آغا و سعدون آغا و الكتخدا السابق الحاج أبو بكر آغا الذين هم من المماليك مع سائر المتميزين لدي علي رضا باشا فكان البحث يدور حول قتل داود باشا، أو إرساله حيا فكان رأي الكل مصروفا إلي قتله.

اتفقوا علي ذلك إلا أنه في أوائل سلطنة محمود خان كان عصي علي باشا المشهور والي يانيه فقتله خلفه الصدر الأسبق خورشيد باشا لكنه لم يتمكن أن يبري ء نفسه حتي الممات من التهمة الموجهة إليه من قبل الدولة و كذلك سوف لا يبري ء علي رضا باشا ساحته من الاتهام فيما إذا قتل داود باشا و لا ينجو من الشبهة حينئذ. هذا

ما أورده علي رضا باشا فلم يوافق علي رأيهم فنجا داود باشا.

و أري أن نجاة داود باشا من غضب السلطان محمود و عدم قتله ثم نيله بعض المناصب في الدولة إنما كان لتأمين محمد علي باشا والي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 371

مصر المشهور و أخذه تحت القيادة. فروعيت السياسة لهذا العرض. و إلا فإن قتله لصادق الدفتري المعدود من وكلاء الدولة، و مجاهرته بالعصيان، و الاستيلاء عليه بقوة الجيش ثم إلقاء القبض … كل هذا مما يدعو أن يسل السلطان سيفه عليه و يورده رمسه … و لكن السياسة هي التي دعت لبقائه» اه …

و جاء في مجموعة المرحوم الأستاذ السيد نعمان خير الدين الآلوسي رقم 2591: «إن بغداد فتحت ليلة الخميس 8 ربيع الآخر سنة 1247 ه و دخل الوزير علي رضا باشا في 17 منه- 1831 م» اه.

قتلة المماليك و انقراضهم:

أكمل داود باشا لوازم سفره و أرسل برفقته ثلة من الخيالة التيمارية و علي ياور بك من متميزي دائرة علي رضا باشا و آخرون، فبعث بإعزاز و أمر علي رضا باشا أن يقتل إذا حاول الفرار؛ أو جاء أحد لإنقاذه.

ثم علم بصورة سرية أن رئيس العبيد الشيخ سعدون و أهالي كركوك عازمون علي انقاذه، و أنهم سوف يحتركون إذا مر من جهتهم. و حينئذ بين أن هذه الحركة مضرة به و وخيمة عليه فسعي جهده لمنعها …

ذهب الوزير داود باشا إلي استنبول و سر أكثر المماليك بوظائف داخلية و خارجية و طيب علي رضا باشا خواطرهم. ثم إنه مراعاة للأصول القديمة عين الوقت المرغوب فيه فدخل بغداد بكمال العظمة و الحشمة. و لما كانت دار الحكومة احترقت نزل في محل اتخذ دارا للحكومة.

و في اليوم الثالث من دخوله دعا من يلزم دعوته لقراءة الفرمان بوزارته و ملأ الدار المتخذة منزلا للحكومة من خيار الجيش و حشدهم في كافة نواحيها. و كان من الطبيعي حضور المماليك لسماع الفرمان.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 372

و لما اجتمعوا ذهب إلي دائرة الحرم بوسيلة أنه يريد أن يتوضأ و أمر بإعدام المماليك طبق المنهج الذي أعده. و علي هذا صار كل واحد بيد عدة جلادين و لم تمض إلا مدة يسيرة حتي قضي علي كل الموجودين كما أن الحاج صالح بك وصل إلي الدار التي أقام فيها حكومته أيام تغلبه فأنزل من فرسه و قتل إذ لم يصل في الوقت المقرر للحضور كما قتل إخوته.

ثم قري ء الفرمان بإعدام المماليك و سجل في سجل المحكمة الشرعية و أرسل من عهد إليهم أمر القبض علي الباقين و قتلهم داخلا و خارجا فأعدم جماعة منهم … و لم يبق إلا نحو عشرة أو اثني عشر فأرسلوا إلي استنبول.

و الحاصل أن جميع من كان عند علي رضا باشا و الذين كاتبوه أيضا قد اعدم أكثرهم. و من بقي منهم اختفوا فسلموا من القتل و بعد مدة عفي عنهم فعادوا إلي بغداد و خصص لكل منهم علي قدر حاله راتب.

و بهذه الصورة كانت مقدرات العراق مدة قرن بيد المماليك فانقرضت أسرتهم سنة 1247 ه و صارت إدارة بغداد بيد الدولة رأسا كما كانت.

قال لطفي في تاريخه: هذا ما حصلت عليه من المعلومات المحلية و ما نقل عن الأستاذ محمد أمين الزندي و في مجموعة الأستاذ الآلوسي «إن قتلة المماليك كانت في 22 ربيع الآخر سنة 1247 ه».

حياة الوزير داود باشا:

اشارة

من أكابر وزراء بغداد أبقي ذكرا لا ينسي

ولد نحو عام 1188 ه-

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 373

1774 م و أنه ورد بغداد بتاريخ 1195 ه- 1780 م فدخل تحت تملك سليمان باشا الكبير. و كان من الگرج ممن يقال لهم (أچيق باش) أي (مكشوفو الرأس).

و نظرا لما فيه من المواهب قرأ و كتب و أتقن فن الاسلحة وفاق به أقرانه، و نال اختصاصا لدي سيده … ثم حصل علي المفاتيح، و بعدها استخدم في المهردارية و لا يزال في تقدم و سعد و اعتبار حتي نال وظيفة (خازن) و تعد من أكبر وظائف الحكومة في ضبط الحكومة و ربطها …

ثم صاهر الوزير فأحرز أعلي فخر امتاز به علي أقرانه …

و إن أكثر مواهبه و قدرته ظهرت في وزارته و مرت بنا حوادثها.

و أهم ما فيها أنه قضي علي نفوذ الأهلين، و علي المماليك البارزين فصفا له الجو و تطلع إلي الاستقلال و اتخذ له أسبابه. و نهض لمقارعة دولته فبدا ما لم يكن في الحسبان. حدث الطاعون فغير الوضع بل قلبه فكان ما كان، فأخذ إلي استنبول، فنال عفو السلطان و تقلب في مناصب الدولة منها ولاية بوسنة وليها سنة 1249 فبقي فيها ثلاث سنوات.

و في سنة 1254 ه عهد إليه برئاسة مجلس الشوري، و في سنة 1255 ه وجهت إليه ولاية انقرة، و في 1256 ه عزل. و في سنة 1262 وجهت إليه مشيخة الحرم النبوي و في سنة 1267 ه توفي و دفن بالبقيع.

و كان يعد من أكابر الرجال و رأس العلماء فامتاز علي معاصريه بمزايا فاضلة. و له اطلاع واسع علي اللغات الثلاث، و نظم و نثر، و إن جودة قريحته لا تنكر بل هي مسلمة عند

البلغاء كما أنه في الحرب يعد من شجعانها. و ليس له قرين في العفة و الحياء. و علي كل لو قيس بغيره فهو وزير كامل …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 374

و قال صاحب مرآة الزوراء:

«و مما يؤسف له كثيرا أنه في زمن حكومته حصل منه حيف و ظلم في أمور كثيرة فلم يخل من أن ينعت به، و لم يكن كريما، سخيا.

و تجاوز الحد في جلب المال و ادخاره فأفرط و لا تزال الرسوم التي طرحها علي بغداد يئن من ثقلها الأهلون. فاستمر أخلافه علي استيفائها مع أنها لم تكن معروفة قبله، و لا مسموعا بها …

و كل هذا لم يمنع أن له مآثر لا تنكر. بني ثلاثة جوامع كبيرة و أخري صغيرة تقام فيها الجمع و ثلاث مدارس، و قام بعمارة مساجد و جوامع أخري و عين لها خداما و موظفين فأحيا ذكره.

و صار له من الأولاد نحو الأربعين من الذكور فلم يعمر منهم أحد و تجرع مرارة وفاتهم في حياته و الظاهر أن الباري تعالي عاقيه بذلك من جراء عمله في قتل ابن سيده و هو سلفه سعيد باشا» اه.

و في تاريخ مجهول المؤلف جاء ما نصه:

«و أما هذا الوزير داود فقد انقضت أيامه عند خلاص الطاعون من بغداد. و أما وقائعه فما تذكر لقبحها و لمزيد ظلمه … و ليس له مادة حسنة كي يعتني المؤرخون بذكرها حتي لو أننا نذكر من تعديه علي عباد اللّه لأفضي إلي كفره و إنكاره. أسس أشياء من الظلم ما تخطر في قلب فرعون و كان بخيلا جدا مع زيادة أمواله، يغصب الناس أموالهم ظلما و عدوانا و الحال سير إلي اسلامبول في ربيع الثاني من هذه السنة سنة 1247 ه بأمر السلطان محمود، سيره علي باشا مهانا كما ذهب الحمار بأم عمرو … كان يغصب أموال الناس بواسطة حاج أفندي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 375

الكردي …» انتهي. فجاء ذلك مؤيدا لما في مرآة

الزوراء. و هناك نصوص أخري للأستاذ أبي الثناء لا تخرج عن ذلك.

و علي كل حال أضر بالأهلين لإقامة دعائم حكومته فلم يفلح و صارت الدولة تتدخل في الإدارة مباشرة و من أسباب خذلانه الطاعون.

و للّه تعالي إرادة لا مرد لها.

أوضاع العراق العامة (في هذا العهد)

1- الإمارات و العشائر:

من أهم ما أشغل بال الحكومة وقائع (بابان)، و (اليزيدية)، و (المنتفق) و (الخزاعل)، و (زبيد)، و (الدليم)، و (ربيعة)، و (بني لام)، و (شمر)، و (عنزة)، و (العبيد)، و (الظفير) … و هذه كشفت وقائعها عن مكانتها. و كانت المعرفة بها مكينة. و مر عنها الشي ء الكثير. و في كتاب عشائر العراق ما يوضح أكثر و يبصر بحالاتها الأخري.

2- الدولة العثمانية:

نري العلاقة بها مشهودة بالرغم من أن السلطة كانت بيد المماليك. و هذه قائمة سلاطينها:

1- محمود الأول ابن مصطفي الثاني إلي 27 صفر سنة 1168 ه- 1754 م.

2- عثمان الثالث أخو سابقه إلي 16 صفر سنة 1171 ه- 1757 م.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 376

3- مصطفي الثالث بن أحمد الثالث إلي 8 ذي القعدة سنة 1187 ه- 1774 م.

4- عبد الحميد الأول أخو سابقه إلي 12 رجب سنة 1203 ه- 1789 م.

5- سليم الثالث بن مصطفي الثالث إلي 21 ربيع الآخر سنة 1222 ه- 1807 م.

6- مصطفي الرابع ابن عبد الحميد الأول إلي 4 جمادي الأولي سنة 1223 ه- 1808 م.

7- محمود الثاني أخو سابقه إلي 14 ربيع الأول سنة 1255 ه- 1839 م.

3- إدارة العراق: (التشكيلات الإدارية)

هذه لا تختلف عما مر في المجلدات السابقة إلا أنها اكثرت من المماليك الجنود و في الإدارة و راعت الانتظام و حاسبت علي التقصير في العمل و في الواجب و راقبت مراقبة شديدة و بعناية. و هذا الذي سهل لها السيطرة.

و القضاء في هذه الحكومة لم يختلف إلا أن الوزير سليمان المقتول (الصغير) قام بإصلاح كبير فيه. راقب القضاة، و خصص لهم رواتب. و أراد أن تكون الضرائب شرعية فألغي الرسوم الجائرة. و بذا أسخط دولته، فقضت عليه، فعادت الحالة كما كانت.

و الجيش جري فيه إصلاح كبير بعد إلغاء الينگچرية و جلب أساتذة من الخارج. و كان الموسيو دوده (دووه) من قواده العسكريين. و في أيام داود باشا زادت الضرائب بقسوة بأمل تمكين القوة و لكن هذه كانت أكثر مما تتحمله البلاد فكانت قوته و زيادة بطشه مما حالا دون تزعزع موقعه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 377

و

اختلال إدارته لا سيما و أنه عمل للدعاية كثيرا في الثقافة و المؤسسات الدينية …

و نهج المماليك مصروف أولا إلي تثبيت الملك، ثم مالوا إلي جعل الإدارة خالصة لهم ثم دخلت آمال استقلال و لكن حدث ما لم يخطر ببال و هو ظهور الطاعون، فأدي الأمر إلي انقراضهم.

4- الثقافة:

تولي المماليك الإدارة. و لم يتدخلوا في الثقافة إلا أنهم وجهوها، و بعضهم اتخذها وسيلة لترويج السياسة إلا أن الطمأنينة ساعدت أكثر.

و المدارس القديمة كافية إلا أن المماليك أسسوا مدارس جديدة. و كذا الأهلون، ففاضت الثقافة العلمية و الأدبية. و ساعد علي النمو ثقافة الدولة، و الاتصال بالمجاورين كما يفهم من الإجازات و الرحلات و الحوادث التاريخية.

و من علمائنا في هذا العهد:

1- آل السويدي.

و أولهم الشيخ عبد اللّه السويدي و أولاده و أحفاده.

2- آل الحيدري.

صبغة اللّه و أولاده و أحفاده.

3- آل الراوي.

السيد عبد اللّه و أخوه عبد الرحمن، و عبد الفتاح و ابنه إسماعيل، و السيد عمر.

4- آل الآلوسي.

و منهم السيد عبد اللّه والد السيد الأستاذ أبي الثناء.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 378

5- آل الواعظ.

و منهم السيد عبد الفتاح.

6- آل الشواف.

و منهم عبد العزيز الشواف أستاذ أبي الثناء الآلوسي.

7- آل المدرس.
8- أحمد الزندي.
9- علي علاء الدين الموصلي.

و علماء آخرون في الموصل و البصرة و النجف و كربلاء و الحلة و السليمانية و كركوك و إربل …

و في بغداد من الأدباء:

حسين العشاري، و جواد عواد، و آل الازري و منهم الشيخ كاظم، و السياهپوش، و آل الفخري، و محمود الدفتري. و في الأنحاء العراقية الأخري أدباء كثيرون. و الخطاطون كثيرون منهم إسماعيل النوري، و المكي، و صالح السعدي من الموصل. و القراء في مقدمتهم (آل السعدي).

و لا محل للإحاطة. و نذكرهم في التاريخ العلمي و الأدبي. و الثقافة كان يدير شؤونها رئيس العلماء و من معه من العلماء. و المدارس المشهورة في هذا العهد العادلية الصغيرة و الكبيرة و العلية، و السليمانية، و مدرسة الصاغة للباچه چية، و مدرسة العمار سبع ابكار و رأس القرية للباچه چية و مدرسة عاتكة خاتون.

و الحروب للزندية و للقجارية، و الطواعين تعد من أكبر النكبات علي الثقافة إلا أن العراق يستعيد ثقافته بعد ركود الحالة مما يدل علي عظيم حبه للعلوم و الآداب، و أن داود باشا كان يضمر آمال استقلال.

و لذا ركن إلي تأسيس مدارس كثيرة. أراد أن يجعل الإدارة خالصة له

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 379

فأرضي العلماء فلهجوا بذكره. و كان كأسلافه يخشي أن يغضب العلماء فيصدر منهم ما يضر بالسياسة و قيل (رب قول أنفذ من صول).

تمكنت المعرفة و فاضت. و المجاميع الأدبية كانت خلاصة ما يجري في المجالس العلمية و الأدبية. و كان العراقيون يفضلون المماليك لحمايتهم للمعرفة علي العهد التالي و لكن الأهلين لم ينتفعوا من ثقافتهم للإدارة. و لو لا حب المعرفة و الميل إلي العلوم الدينية لما وجدوا فائدة في العلوم و الآداب.

العلاقات بالمجاورين

اشارة

الحوادث المذكورة تبصر بالعلاقات. و من أشهر هذه ما يأتي بيانه:

1- الدولة الزندية:

ظهرت بعد انحلال الدولة الافشارية و إن كانت لم تنقرض بعد.

و جاءت الزندية و مؤسسها (كريم خان الزندي) و قيل إنه من فرقة الغرابية كما ذكر ذلك جودت باشا في تاريخه، و هذه أزعجت العراق، و استولت علي البصرة، و شوشت أمر بابان. و أصلها من عشيرة كردية. تغلبت في سنة 1163 ه- 1750 م فاستولت علي أكثر أنحاء إيران و استعصت عليه خراسان. و توفي كريم خان سنة 1193 ه- 1779 م. و قد مر بنا من الامراء بعده زكي خان، و أبو الفتح خان، و علي مراد خان، و صادق خان الذي استولي علي البصرة فحكم من سنة 1193 ه إلي سنة 1196 ه 1781 م فحل محله علي مراد خان ثانية. و هذا خلفه جعفر خان بن صادق خان سنة 1199 ه. و استمر حكمه إلي سنة 1203 ه- 1789 م، فاستقر مكانه لطف علي خان بن جعفر خان. و هذا قتله القجارية سنة 1209 ه- 1794 م بعد نضال طويل فانقرضت هذه الدولة. و مرت بنا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 380

حوادثها. و ذكرتنا بأعمال نادر شاه. و لم تستقر الأوضاع السياسية بينها و بين العراق. و ذهب إليها محمد بك الشاوي.

2- الدولة القجارية:

و هي من عشائر التركمان. خلصت لها إيران بقتلة لطف علي خان سنة 1209 ه- 1794 م. و يعد مؤسسها آغا محمد خان فقد أعلن سلطنته سنة 1210 ه في طهران. و قتل في 21 ذي القعدة سنة 1211 ه- 1797 م، فخلفه (فتح علي خان) ابن أخيه حسين قلي خان. و كان يدعي (بابا خان). و إن ابنه الشهزاده محمد علي ميرزا ولي كرمانشاه سنة 1221 ه،

فأزعج العراق بوقائعه. فاضطرب أمر بابان بسبب ذلك. و هدد بغداد بالاستيلاء عليها كما مرت حوادثه إلا أن مرضه عجل بالصلح، ففارق العراق، و توفي في طريقه. و كان ولي عهد إيران عباس ميرزا هاجم جهة الاناضول. و لو لا حروب روسية لأزعجت هذه الدولة العراق لذا عقدت سنة 1238 ه معاهدة صلح علي أساس معاهدة نادر شاه، و أيدتها و اتفقت مع الدولة العثمانية ضد روسية سنة 1245 ه. و توفي فتح علي شاه بعد هذا العهد في 19 جمادي الآخرة سنة 1250 ه- 1834 م.

3- إمارة آل سعود:

غالب عشائر العراق من نجد. وصلة الدم مشهودة. و كانت نجد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 381

متعددة الإمارات و في اضطرابات بالغة الحد تنتابها الفتن من كل صوب.

و بينا هي في هذه الحالة إذ ظهر عالم حريص علي الدين و التبشير به فلم يبال بما رأي من اضطهاد. و هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فوجد أذنا صاغية من كثيرين من جهة. و معارضة قوية من أخري. سار سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية في الإصلاح و بدأت دعوته بعد وفاة والده سنة 1153 ه، و وصلت إلي العراق في أواسط سنة 1155 ه في كتاب أرسله إلي البصرة فرد عليه أحد علماء البصرة الشيخ أحمد بن علي القباني البصري في شوال منها. و في خلال هذه الدعوة طوح بنفسه عام 1158 ه إلي الدرعية. و كان أميرها آنئذ محمد بن سعود فطلب منه نصرته. و لما رأي منه آثار النجدة و الحرص علي بث العقيدة وافقه، و تعهد له.

و من ثم قويت دعوته، و زادت بأتباعه قوة ابن سعود. و هذا بدء نشاط هذه الإمارة و قوتها

بعد أن كانت محدودة ضيقة فاتصلت بعقيدة السلف و لازمتها، و بذلك سيطرت علي جميع أنحاء نجد. و توفي الأمير محمد بن سعود سنة 1179 ه- 1765 م، و خلفه ابنه عبد العزيز. و هذا قتل في أواخر رجب سنة 1218 ه- 1804 م. ثم صار ابنه سعود المتوفي في 11 جمادي الأولي سنة 1229 ه- 1814 م. ثم نال الإمارة عبد اللّه ابن سعود المتوفي سنة 1233 ه- 1817 م. ثم تركي ابن أخي سعود و توفي سنة 1249 ه- 1833 م و انتهي عهد المماليك.

و بدأت دعوتهم أيام الوزير سليمان باشا الكبير و ذلك بإرسال رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب. فأجاب عليها السيد عبد اللّه الراوي. و هذه رد عليها حفيد ابن عبد الوهاب. و كانت حوادث الوزير الحربية في العراق مناصرة للدولة، فتولدت المشادة، و ذهب عبد العزيز بك الشاوي إلي نجد للمفاوضة. بقي نحو سنتين من سنة 1216 ه و بسببه دخلت هذه العقيدة العراق. و كانت معلومة قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب و هي عقيدة السلف. و إجازات العلماء تؤيد ذلك كما أن عقيدة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 382

ابن خزيمة معروفة في بغداد و اختصرت باسم (اتحاف الأخيار).

أوضحت ذلك في (تاريخ العقيدة الإسلامية في العراق). و المؤلفات كثيرة في الانتصار لهم و مثلها في التحامل عليهم. و الأكثر علي قبولها.

و المخالفون كان همهم إرضاء الدولة، رأوا من قيامها عليهم و حربها لهم … و أثرت في الترك و في الأقطار العربية و الإسلامية بنجاح. حتي في ايران … و قوتها في الهند. ثم صارت في الترك. و العرب أقرب لقبولها.

خاتمة (في هذا العهد)

اشارة

كانت الإدارات المتوالية في العراق لم

تتدخل في الجزئيات و لم تتسلط بشدة إلا أيام المماليك سيطرت الحكومة علي الأهلين كثيرا بحيث صارت عبئا ثقيلا و تحاول تقليل العلاقات بالدولة و من ثم شعرت الدولة بوطأتهم لكنها كانت تتحاشي الغائلة و تتجنب إشعال نار الفتنة بسبب أن الغوائل انتابتها من كل صوب …

و مع هذا جربت تدابير مهمة للقضاء عليهم مرارا فلم تنجح و لم تقدر أن تلح حذرا من توليد غائلة خارجية و العراق مهدد بإيران. فكان سكوتها لأمر اضطراري فاختارت أهون الشرين …

و كان أشدهم وطأة سليمان باشا الكبير و داود باشا فالأول امتدت سطوته إلي خارج العراق، و حاول أن تكون السلطة خالصة للمماليك و حدهم. و الآخر داود باشا غلب عليه الحرص و طمح إلي الاستقلال.

لذا نظم الجيوش و رتب العساكر المعلمة لا سيما بعد واقعة ايران …

و سعي جهده لتوفير الخزانة. و راعي جلب خواطر بعض الأهلين في عمارات دينية قام بها … ليظهر أنه من أهل الصلاح و التقوي، و ليجلب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 383

العوام البسطاء و كان شديدا قاسيا علي الباقين فصار يخشاه القوم …

كما أنه حاول التسلط علي الموصل و التدخل في شؤونها.

و ترجح إدارة المماليك من جهة ايجاد النظام و استتباب الأمن في غالب الأحيان. و ما إلي ذلك من مراقبة السلطة من جهة، و المعرفة بالقطر و ما فيه من عشائر و أهلين بخلاف الولاة السابقين. لم يعلموا عنه شيئا، فكانوا يعودون كما جاؤوا في جهل أو عجز و إن المتنفذين كانوا يغلون أيديهم و لا يدعونهم يتدخلون في جميع الشؤون.

قال الأستاذ سليمان فائق:

«إن الخطة العراقية لم تصل إلي أيدي أصحابها من زمن العباسيين إلي اليوم. فصارت تعد من أردأ

البقاع. و هذا كل ما استطيع بيانه بكمال الأسف. تمادي الجور و العسف فبدل حسنها بالسوء، و حول أنسها و لطافتها بالوحشة و الخشونة. و هذه الحالة صارت تظهر للأهلين أنها المثلي، فصاروا يرون الجهل أمرا مقبولا، و عادوا لا يشعرون بما لحقهم من الانحطاط … و إن الدولة كانت تري المخلص ذليلا، و الخائن المهين في أعلي المراتب، و أرقي المنازل … مما أدي إلي فتور الهمم بل موت العزائم.

و العراقيون أكثرهم أهل بادية … و سكان المدن عبيد القفا من أعوام كثيرة، فالذل مسيطر، و ضارب أطنابه، نسي هؤلاء لذة الحرية فهم البائسون حقا في حين أن من هؤلاء من يصلح للتربية و يليق أن ينال منزلة رفيعة لما وهبوا من الذكاء و الفطنة إلا أن الأغراض لم تمكنهم من عمل مرض فخارت القوي و ذلت النفوس دون نيل مطلوب، و الأكثر ظلوا خائبين خاسئين … الخ» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 384

هذا، و سياسة الحكومة القضاء علي من يظهر بكفاءة و مقدرة لتبقي الحالة لهم في عز وصولة دائما و في سيطرة مستمرة. و لكن لم تدم الأحوال و إنما أصاب هؤلاء ما أصاب غيرهم. و عادت إدارة الدولة مباشرة و لم تلبث أن صارت أردأ و أتعس فكتب الشقاء علي هذا القطر فلم ينفك عنه … و للانتباه قيمته في لم الشعث … و للّه إرادات. و هو ولي الأمر.

تمّ المجلد السادس و يتلوه المجلد السابع يبحث في وقائع العراق من سنة 1247 ه- 1831 م إلي سنة 1335 ه- 1917 م.

من سياسية و ثقافية و عشائرية و صلات بين الأقطار المجاورة و حروب و معاهدات …

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 6، ص: 385

الفهارس العامة

اشارة

1- فهرس الأعلام

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

3- فهرس المدن و الأماكن

4- فهرس الكتب

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

6- فهرس الصور

7- فهرس الموضوعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 387

1- فهرس الأعلام

حرف الألف

آزاد خان الأفشاري: 54

إبراهام اليهودي: 66

إبراهيم (الإمام): 70

إبراهيم آغا: 351

إبراهيم أفندي: 119

إبراهيم باش إسكي: 178

إبراهيم باشا: 295

إبراهيم باشا: 34، 107، 108، 114، 119، 121، 125، 126، 127، 128، 142، 167، 169، 181

إبراهيم الزعفراني: 327

إبراهيم زهدي الكتخدا: 39

إبراهيم بن عفيصان: 151، 152، 153

إبراهيم باشا القبطان: 30، 31

إبراهيم القزويني: 327

إبراهيم القوشجي: 365

إبراهيم متسلم البصرة: 189

إبراهيم المحمود: 131

ابن تيمية (شيخ الإسلام أحمد): 184، 381

ابن حجر الهيتمي: 76

ابن حريميس: 297

ابن خزيمة: 382

ابن زهير: 324، 325

ابن قعيشيش (كعيشيش): 296

ابن هذال: 296، 300، 325

أبو بكر آغا: 353، 357، 360، 364، 370

أبو الحسن بن محمد گلستانة: 16

أبو عبد الرحمن زين العابدين: 207

أبو الفتح خان: 379

أحمد آغا: 22

أحمد آغا الحجازي: 144

أحمد آغا السلحشور: 21

أحمد آغا ابن طيفور: 91

أحمد آغا بن محمد خليل: 57، 59، 89، 90، 92، 93، 98، 102

أحمد الأحسائي: 339

أحمد أفندي: 22، 24، 369

أحمد باشا: 44، 50، 54، 55، 56، 57، 58، 59، 61، 67، 79، 80، 88، 89، 90، 91، 92،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 388

93، 211، 217، 220، 222، 229، 326

أحمد باشا الكهية: 25، 31، 39، 84، 118، 124، 127، 129، 132، 134، 136، 139، 141، 237، 329

أحمد باشا والي كركوك: 34

أحمد باشا والي الموصل: 216، 221، 223، 224، 286

أحمد باشا الوزير: 8، 10، 18، 21، 27، 62

أحمد بك: 212، 255، 269، 277، 280، 308، 312

أحمد بك الشاوي: 117، 182

أحمد بن بكر الموصلي: 201، 216

أحمد جلبي: 243

أحمد جودت باشا: 14

أحمد خانقاه: 290

أحمد الداماد: 25

أحمد الزندي (العالم):

378

أحمد عاصم: 13، 14

أحمد عبد الغني الراوي (السيد): 377

أحمد بن علي القاني (العالم البصري):

381

أحمد الكمركي: 25

أحمد لطفي: 13

أحمد المهردار: 101، 113، 114، 115، 137

أحمد واصف: 12

أحمد الينگچري: 175، 176، 178

الأزري: 135

إسحاق آغا: 62

إسحاق الصراف: 346

أسعد ابن النائب: 279

أسعد باشا الجليلي: 206، 222، 224

أسعد باشا: 340

أسعد المؤرخ: 14

أسماء لطف اللّه: 211

أسماء بنت نائل عمر: 211

إسماعيل آغا: 62، 230

إسماعيل أمير الفيلية: 98

إسماعيل التكه لي (التكرلي): 121، 123

إسماعيل الچوربه جي: 328

إسماعيل حقي: 39

إسماعيل الخازن: 237

إسماعيل الراوي: 377

إسماعيل الصفوي الشاه: 35

إسماعيل الكهية: 39، 67، 80، 82، 85، 87، 89، 100، 101

إسماعيل المكي: 67، 378

إسماعيل النوري: 378

الأقرع: 334

أمان اللّه خان: 200، 203

أمين باشا الجليلي: 66، 216

أمين بن حسن الحلواني: 337

أمين خالص (الأستاذ): 366

أمين بن هيبت زيور: 211

أنور شاؤل المحامي (الأستاذ): 266

أوزون عبد اللّه باشا: 62، 68، 71

أوزون موسي آغا: 326

أوشار أوغلي: 21

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 389

أيوب النبي عليه السّلام: 190

حرف الباء

بابا خان: 380

باش آغا: 191

باول هرن: 16

البخاري: 207

بداق خان: 109

براك ثويني: 330، 331

براك بن عبد المحسن: 143، 144، 145، 146، 148، 159

براك بن غرير: 158

برغش بن حمود: 228، 249، 250

بكر أفندي: 217

بكر باشا: 117

بكر الحمام: 37

بكر الخطاط الكاتب: 175

بكر صوباشي: 9

بكر بن يونس: 217

بلينو: 305

بندر شيخ المنتفق: 30

بنية بن قرينس: 262

بهاء الدين نوري (معالي الأستاذ): 305

بوداق خان: 241

حرف التاء

تركي السعود: 381

تقي الدين القدسي: 351

تمر باشا (تيمور) الملي: 54، 59، 61، 89، 90، 129، 130، 131، 135، 163، 164، 185

تيمور متصرف كركوك: 61

تيلر المقيم البريطاني (المستر): 358

حرف الثاء

ثابت بن سليمان فائق: 12

ثاقب خضر: 283

ثامر السعدون: 74، 97، 98، 147

ثامر بن مهنا بن فضل: 331

ثويني العبد اللّه: 74، 98، 100، 101، 119، 121، 123، 124، 125، 128، 140، 144، 145، 146، 147، 149، 152، 155، 159، 249، 329، 330

حرف الجيم

جاسم بك الشاوي: قاسم

جاوش أوسطه: 178

جبور بني خالد: 145

جذيمة بن الأبرش: 183

جعفر خان: 379

جعفر العقيلي: 334

جميل الأورفه لي: 237

جناب أفندي: 344، 357

جواد بن حمزة: 186.

جواد عواد: 378

جودت باشا: 379

حرف الحاء

حاجي سعيد بن زائل عمر: 211

حاشي شيخ الرحمة: 198

حالت محمد سعيد: 226، 227، 228،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 390

229، 230، 232، 235، 237، 238، 239، 241، 250، 252، 266، 277، 342، 343

حبيب الشاوي: 114

حبيبة خانم: 355

حسن آغا آل عليش: 365

حسن باشا: 286، 290، 345

حسن باشا الوزير: 8، 10، 27، 34، 69، 79، 80، 81، 87، 88، 89، 90، 94، 97، 99، 100، 101، 105، 106، 116، 183

حسن بك: 273، 287

حسن بك آل شير بك: 108

حسن بك بن أحمد آغا: 303

حسن بك أمير الشيخان: 224

حسن بك الجليلي: 286

حسن خان: 108، 288، 290، 315

حسن بن داود باشا: 369

حسن الفيلي: 202

حسن بن مشاري: 145

حسقيل بن راحيل: 265، 266

حسقيل ناجي المحامي: 265، 266

حسني بك: 348

حسين آغا الكوسة: 177، 178

حسين باشا التوتونجي: 252

حسين باشا الجليلي: 206، 216

حسين البندر: 200

حسين خان: 315

حسين رئيس الحشامات: 357، 361، 364، 367، 369

حسين العشاري: 50، 51، 70، 89، 103، 378

الحسين بن علي (الإمام): 168

حسين قلي خان: 380

حسين متسلم البصرة: 24، 26، 30

حسين هبة: 186

حطاب الشلال: 199، 200

حكمت سليمان (فخامة الأستاذ): 12، 326

حمادي بن أبي عقلين: 262، 263، 264، 266، 267، 272، 275، 276، 277، 278، 279

حمد البردي: 285

حمد الحسين: 193

حمد الحمود الخزعلي: 81، 103، 104، 111، 112، 119، 120، 134، 136، 141، 142

حمدان القعيشيش: 296

حمدي بك (باشا) الخازن: 368، 370

حمود الثامر: 120، 121، 122، 123، 125، 140، 147، 148، 149، 154، 158، 168، 205، 227، 228، 231، 248، 249، 250، 251، 261، 262، 268،

270، 272، 274، 275، 277، 278، 325، 329، 330، 333، 335

حمود الحمد: 48، 49

حنيان بن مهنا: 330

حيدر خان: 85

حيدر قلي خان: 64

حرف الخاء

خالد آغا: 99، 117، 118، 176، 178

خالد آغا ابن صالح آغا: 341

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 391

خالد باشا: 83، 201، 202، 203، 204، 210، 211، 214، 215، 241، 243، 244، 245، 246، 247، 259، 263، 269، 272، 280، 303، 308

خالد بك بن أحمد باشا: 193، 194، 195، 196، 245

خالد الثامر: 154

خالد القواس: 347

خالد الكهية: 190، 191، 192، 209

خالد الكيكي: 92

خالد النقشبندي: 325، 338

خان كلهر: 321

خديجة خانم: 138، 139، 140

خزيم بن لحيان: 148

خسرو خان: 80

خضر الموصلي: 253

خلف آغا: 196

خلف البقال: 186

خليل آغا الخازن: 253

خليل آغا كتخدا البوابين: 288، 353

خليل (ملا): 186

خليل أفندي: 332

خليل البيرقدار: 186

خليل متسلم كركوك: 245، 268، 282

خليل الينگچري: 38

خورشيد باشا: 370

حرف الدال

داود باشا: 170، 171، 259، 263، 265، 267، 268، 269، 270، 271، 272، 276، 277، 278، 279، 321، 323، 327، 328، 336، 338، 341، 343، 349، 350، 351، 352، 356، 359، 361، 362، 363، 369، 370، 371، 372، 374، 376، 378

داود الدفتري: 227، 245، 252، 255، 256، 257، 258

داود بن ساسون: 266

درويش آغا: 186، 258، 259

درويش باش أعيان (الشيخ): 26

درويش باشا: 209، 321

درويش القائممقام: 32، 251، 252، 367، 370

درويش محمد آغا: 267، 275، 280، 281، 286

الدريعي: 262

دوده (دوه) الموسيو: 315، 363، 376

دويحس بن مغامس: 331

دينه بنت حسقيل: 265

حرف الراء

راشد بن ثامر: 250، 324

راشد بن فهد: 197

راشد بن مغامس: 158

رستم آغا: 352، 362

رستم متسلم البصرة: 252، 268

رستم الكهية: 39، 334، 368، 370

رسول حاوي: 323

رضا شفق زاده (الدكتور): 16

رضوان آغا: 364

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 392

رمضان (السيد): 26

رمضان الچوخه دار: 347

روبين بن ساسون: 266

روخي بن خلاف: 197

روفايل بن عزره: 265

حرف الزاي

زبير باشا: 223

زكي خان: 97، 98، 379

زيد بن الحميدي: 296، 297

زيد بن عريعر: 159

حرف السين

ساسون أبو روبين: 266

سالم بن محمد آغا: 249

سامي الأورفه لي: 237

سبتي المحسن: 142

سعد آغا الينگچري: 178

سعد الدين باشا: 40

سعد الدين جلبي: 281

سعد اللّه باشا الجليلي: 240، 246

سعدون (الشيخ): 371

سعدون آغا: 362، 369، 370

سعدون بن عريعر: 147

سعدي: 253

سعود بن عبد العزيز: 143، 145، 147، 148، 150، 153، 154، 155، 156، 159، 162، 164، 165، 168، 187، 188، 189، 191، 197، 380، 381

سعيد باشا: 251، 256، 259، 261، 262، 263، 264، 266، 267، 269، 270، 271، 272، 273، 274، 275، 277، 278، 280، 283، 292، 364، 374

سعيد بك: 171، 177

سعيد بك بن سليمان باشا: 237، 238، 246، 247، 249، 250، 252

سعيد نفيسي (الأستاذ): 16

سفيان الخطاط: 359

سلاحشور السلطان: 213

سلطان الشاوي: 50، 51، 52

سلطان المحمد الخزعلي: 81

سلمان المحسن: 260، 261

سليم بك: 106، 127، 167، 169، 170، 171، 176، 177، 178، 190، 195

سليم آغا متسلم البصرة: 211، 227، 228، 240

سليم أفندي: 79، 81، 82، 84، 85، 87، 88، 94

سليم بابان: 26، 29، 31، 32، 33، 34، 43

سليم جلبي: 281

سليم الثالث (السلطان): 12، 13، 332، 376

سليم محمد باشا: 351

سليمان آغا: 58، 59، 62، 63، 65، 72، 73، 74، 75، 76، 79، 97، 98، 100، 124

سليمان آغا متسلم شوشتر: 64

سليمان أفندي: 264

سليمان باشا: 26، 29، 31، 33،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 393

34، 43، 44، 54، 55، 61، 156، 157، 159، 171، 175، 179، 180، 183، 196، 203، 206، 207، 208، 209، 210، 211، 212، 213، 214، 215، 216، 217، 220، 221، 223، 224، 226، 227، 228، 229، 230، 235، 237، 240، 241، 245، 247، 250، 255،

259، 271، 272، 292، 309

سليمان باشا بن إبراهيم باشا: 268، 292، 303، 308

سليمان باشا الأول: 13

سليمان باشا الكبير: 16، 103، 235، 237، 250، 251، 271، 273، 381، 382

سليمان باشا الموصلي: 71

سليمان باشا الوزير: 17، 18، 19، 21، 24، 25، 27، 29، 35، 38، 39، 40، 45، 46، 82، 105، 126، 184، 232، 240، 376

سليمان بك آل يحيي: 31

سليمان بك وكيل الكهية: 193، 195، 198، 204

سليمان بك أمير درنة: 33

سليمان بك بن عبد الرحمن باشا: 243

سليمان الجليلي: 61، 62، 66، 100، 101، 103، 216، 217

سليمان الخازن: 361

سليمان الشاوي: 38، 40، 43، 46، 48، 49، 51، 70، 85، 86، 87، 88، 90، 92، 93، 94، 101، 103، 106، 112، 113، 114، 115، 117، 118، 119، 120، 122، 123، 124، 129، 132، 134، 135، 137

سليمان العثمان: 42

سليمان عزي: 12

سليمان الغنام: 352، 353، 355، 356، 357، 360، 363، 364

سليمان فائق (الأستاذ): 12، 13، 18، 139، 171، 207، 226، 277، 326، 343، 359، 383

سليمان الفخري: 200، 222، 223، 252

سليمان قائممقام مندلي: 39

سليمان القرماني: 101

سليمان كهية البوابين: 240، 249، 326

سليمان الماجد: 151، 156

سليمان الميراخور: 334، 335، 346، 347، 353، 354

السياهبوش: 378

سمحة بنت حسقيل: 265

حرف الشين

شاطي: 245

شابر الترجمان: 349، 351

شاكر بك: 341

شاني زاده: 14

شبيب الحبيب: 161

شبيب الدرويش: 289

شخير الغانم: 298، 334

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 394

شفلح الشلال: 257، 288، 289، 293

شقي خان: 58، 59

شهاب الدين السهروردي: 139

شوكت صالح: 352، 369

حرف الصاد

صادق أفندي: 357

صادق بك: 171، 271، 275، 288، 289، 292، 293

صادق خان: 58، 59، 63، 72، 73، 75، 94، 97، 379

صادق الدفتري: 342، 343، 344، 345، 346، 349، 352، 347، 371

صاري محمد آغا: 101، 135

صالح أخو شوكت: 368

صالح آغا الكردي: 296، 297

صالح باشا: 338

صالح بك: 171، 178، 355، 356، 358، 359، 361، 367، 368، 370، 372

صالح التميمي: 258، 283، 304، 340

صالح بن ثامر: 249

صالح جلبي الزهير: 352، 366

صالح السعدي: 342، 378

صالح القيومجي: 178

صبح أزل: 339

صبغة اللّه الحيدري: 377

صفوق الفارس: 320، 323، 325، 334، 352، 353، 354، 355، 356، 360

صقر أخو ثويني: 146

صوفي إسماعيل: 101

حرف الضاد

ضامن الصاروتة: 301

ضامن المحمد: 193، 195

حرف الطاء

طالب الكهية (الحاج): 326

طاهر أفندي: 353

طاهر الجوقه دار: 223

طاهر السيروزي القاضي: 353

طاهر آغا: 237، 240، 242، 249، 250

طعيس العبد: 145

طه الحديثي: 332

طورسون يوسف: 304، 307

طويق زاده بكر آغا: 25

حرف الظاء

ظاهر الحسن: 223

ظاهر الكهية: 240

حرف العين

عائشة خانم بنت أحمد باشا: 83

عباس الحداد: 296، 297

عباس الصقر: 260

عباس الفارس: 198، 199، 260

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 395

عباس قلي خان: 110

عباس المهردار: 208

عباس ميرزا: 316، 280

عبد اللّه آغا: 22، 138، 259، 275، 280، 281، 282، 284، 289، 292

عبد اللّه آل محمد أفندي: 100، 101

عبد اللّه الآلوسي: 377

عبد اللّه الإربلي: 283

عبد اللّه أفندي بن عارف أفندي: 328

عبد اللّه باشا: 177، 232، 246، 264، 265، 269، 270، 272، 273، 274، 278، 289، 290، 291، 292، 309، 310، 311، 312، 313، 314

عبد اللّه باشا العظم: 186، 187

عبد اللّه باشا والي بغداد: 69، 70

عبد اللّه باشا الوزير: 75، 79، 81، 82، 83، 84، 85، 86، 88، 116، 237، 238، 239، 240، 241، 242، 250، 251، 253، 255، 260، 262، 266، 280

عبد اللّه البصري: 304

عبد اللّه بك: 124، 141، 237، 242، 255، 259

عبد اللّه الخازن: 31، 223، 235

عبد اللّه الرازي: 16

عبد اللّه الراوي: 377، 381

عبد اللّه بن سعود (الأمير): 187، 215، 381

عبد اللّه السويدي (الشيخ): 34، 377

عبد اللّه الشاوي: 49، 50، 65، 282، 284، 292

عبد اللّه بن عزره: 265

عبد اللّه الفخري: 32، 64

عبد اللّه الكردي البيتوشي: 75

عبد اللّه الكهية: 37، 38، 39، 62، 63، 71، 76، 77، 79، 262، 264، 265، 268

عبد اللّه متسلم البصرة: 192، 193، 255، 258

عبد اللّه متصرف درنة: 33

عبد اللّه بن محمد لطف اللّه: 211

عبد اللّه المنتفقي: 49، 330

عبد الجليل أمير الحلة: 117، 161

عبد الجليل زاده: 68

عبد الحميد الأول (السلطان): 376

عبد الحميد بك الشاوي: 184

عبد الحميد بن محمد لطف اللّه: 211

عبد الرحمن أفندي: 282

عبد الرحمن باشا: 21، 109، 110، 120، 126، 127، 128، 142، 167، 177، 178، 190،

191، 192، 193، 195، 200، 201، 203، 204، 205، 207، 210، 211، 214، 215، 216، 229، 230، 235، 237، 238، 241، 242، 243، 244، 245، 246، 247، 253، 255، 259، 264، 309، 340، 342، 350

عبد الرحمن باشا الجليلي: 341

عبد الرحمن باشا الكردي: 239

عبد الرحمن الراوي: 377

عبد الرحمن زيور: 211

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 396

عبد الرحمن السويدي: 34، 37، 40، 44، 48، 49

عبد الرحمن بن محمد لطف اللّه: 211

عبد الرحمن الموصلي: 230، 237، 238

عبد الرزاق آغا: 364

عبد الرزاق قائممقام النقيب: 346

عبد السلام ابن الحاج علي باشا: 70

عبد العزيز بابان: 230، 231

عبد العزيز بك: 127، 194، 211، 242

عبد العزيز بك بن عبد الفتاح: 292

عبد العزيز السعود (الأمير): 143، 144، 145، 147، 150، 151، 153، 159، 164، 187، 295، 381

عبد العزيز الشاوي: 114، 164، 165، 182، 183، 184، 185، 381

عبد العزيز الشواف: 378

عبد العزيز القشعمي: 161

عبد الغني آغا: 326

عبد الفتاح الأدهمي: 328

عبد الفتاح آل النقشلي: 141

عبد الفتاح باشا: 119، 202، 241، 242، 243

عبد الفتاح باشا (حاكم باجلان): 193، 194

عبد الفتاح بلوك باشي: 264، 282، 288، 310

عبد الفتاح الراوي: 377

عبد الفتاح القاضي: 245

عبد الفتاح الواعظ: 378

عبد القادر باشا: 119

عبد القادر حشامات: 269

عبد القادر الكيلاني: 116

عبد القادر بن نائل عمر: 211

عبد الكريم أمير الحلة: 117

عبد الكريم الشيرازي: 16

عبد اللطيف آغا بن أحمد آغا: 39

عبد اللطيف الشوشتري: 16، 52

عبد المطلب: 306

عبد المحسن بن سرداح: 147

عبد المطلب ميرزا: 306

عبد للو: 37

عبدي باشا الكيكي: 62، 68، 71، 75، 76، 77، 79

عبدي بك: 224

عثمان آغا تفنكجي باشي: 22، 25

عثمان الأفغاني: 187

عثمان بن سند: 11، 74، 183، 184، 189، 207، 233، 274، 283، 317، 318، 329، 336، 337

عثمان باشا: 26، 29، 31، 32،

33، 34، 102، 105، 106، 107، 108، 110، 120، 121، 123، 124، 125، 126

عثمان باشا آل بابان: 122

عثمان بك: 264، 269، 270، 287

عثمان الثالث (السلطان): 33، 375

عثمان الجليلي: 223، 224

عثمان الجنباز: 21، 25

عثمان سيفي: 370

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 397

عثمان طوبال: 169

عثمان العمري: 224

عثمان الكاشف: 295

عثمان الكهية: 92، 93، 105، 106

عثمان المطرجي: 26

عثمان (الملا): 187

عثمان يوسف: 21

عجم محمد (محمد الكهية): 81، 82، 83، 84، 85، 89

عرار العبد العال: 198، 199

عريعر: 145، 265، 266

عزيز السلطان: 297

عزيز آغا متسلم البصرة: 366

العشاري: 52

عقيل (عجيل) المنتفقي: 333، 334، 348، 335

علوان شيخ الكثير: 97

علي آغا: 24، 25، 26، 137، 138، 140، 276، 315

علي باشا (الحاج): 68، 69، 79

علي باشا الوزير: 21، 39، 40، 44، 45، 47، 49، 54، 141، 143، 150، 153، 154، 155، 159، 160، 161، 165، 167، 168، 169، 170، 175، 177، 178، 179، 180، 184، 185، 190، 191، 194، 201، 208، 209، 212، 226، 235، 240، 255، 257، 259، 261، 283، 316، 327، 361، 368، 370

علي بك الخاصكي: 242

علي البندر: 289

علي البندنيجي: 172

علي جلبي: 160، 161

علي الجوقه دار: 25

علي الحمد: 134

علي خان كلهر: 288، 290

علي دبيس: 297

علي السويدي (الشيخ): 228، 233

علي رضا باشا: 277، 348، 349، 350، 351، 352، 353، 355، 357، 358، 359، 362، 366، 367، 368، 369، 370، 371، 372

علي الشعيب: 231

علي شفيق باشا: 350، 351

علي علاء الدين الموصلي: 253، 283، 378

علي الفضلي: 186

علي القبطان: 242

علي محمد خان: 94، 95

علي مراد خان: 58، 98، 108، 379

علي الموسوي: 247

علي (موظف المصرف): 302

علي نقي خان: 73

علي ياور بك: 371

عليوي آغا الينگجرية: 251، 253، 268، 281

عمر آغا الملي: 252، 268، 280

عمر باشا الكهية: 39، 47، 48،

54، 55، 56، 57، 58، 59، 61، 62، 65، 66، 68، 69، 70، 71، 72، 74، 75، 77، 82، 83، 88

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 398

عمر بك: 255

عمر الدفتري: 268، 269

عمر الراوي: 367، 377

عمر رمضان: 340

عمر السهروردي: 99

عمر المطرجي: 22، 25، 55

عناية اللّه الخازن: 328

عناية اللّه المهردار: 287

العيدروسي: 48

عيسي المارديني: 125

حرف الغين

غانم بن حسان: 345

غصاب العتيبي: 197

غورس ملكي حسن آغا: 131

حرف الفاء

فارس الجرباء: 165، 194، 255، 261، 262

فارس بن محمد أمير طيي ء: 225، 229

فاضل شيخ عنزة: 160

فتح علي خان: 380

فخري أفندي: 224، 225

فرج الله خان: 203

فرعون: 374

فضل اللّه كاتب الديوان: 276

فقيه إبراهيم: 55

فواز بن هذال: 296

فوزي ملا محمد أمين: 304

فيروز الحبشي: 355

فيصل بن حمود: 333، 334، 335

فيض الله الكهية: 229، 230، 237، 251

فيض اللّه المتسلم: 212

حرف القاف

قاسم آغا: 245

قاسم الشاوي: 185، 191، 218، 260، 261، 262، 278، 280، 288، 289، 293، 300، 331

قاسم پاشا العمري: 341، 342، 350، 353، 354، 356، 357، 358، 359، 360

قاسم الينگچري: 238، 242

قباد پاشا العمادي: 182

قبودان باشا: 24

قرنوص: 49

قره يوسف: 101

القصبه جي: 178

قوچ پاشا: 34

حرف الكاف

الكارجي: 62

كاظم الأزري: 62، 378

كامل بك: 303

كريم خان الزندي: 54، 57، 58، 61، 62، 63، 68، 69، 72، 74، 80، 82، 85، 86، 97، 379

كلاديوس جيمس رچ: 304

كلب علي خان: 80، 81، 288، 290

كمال بك: 303

كنج عثمان: 176

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 399

كيخسرو بك: 311

حرف اللام

لطف علي خان: 379، 380

لطف اللّه رئيس الديوان: 130، 131، 211، 253، 276

لطفي المؤرخ (أحمد لطفي): 328، 343، 344، 349، 372

حرف الميم

ماجد بن عريعر: 295

ماجد بن حمود: 333، 335

ماري زوجة رچ: 305

مانع: 49، 330

محب الدين الخطيب (الأستاذ): 337

محسن الحمد: 121، 122

محسن شيخ الشامية: 104، 111

محسن الشلال: 260

محسن الغانم: 142، 258

محسن المحمد: 132، 134، 142

محمد بن أبي دبس: 230

محمد بن أحمد الحسيني: 305

محمد أسعد طلس: 76

محمد أسعد بن النائب: 320، 375

محمد آغا: 84، 85، 252، 255، 271، 277، 284، 288، 355، 380

محمد أفندي: 212

محمد أمين آغا: 201

محمد أمين پاشا: 341، 342

محمد أمين رؤوف پاشا: 321

محمد أمين الكهية الزندي: 13، 343، 347، 352، 372

محمد بك: 123، 218، 219، 259، 285، 341

محمد بك آل خالد باشا: 214، 303، 307، 309

محمد أمين مفتي الحلة: 234

محمد پاشا: 55، 56، 57، 58، 59، 61، 79، 80، 89، 90، 93، 190- 192، 217، 263، 289، 290، 351

محمد باشا الصدر: 18- 21، 24

محمد باقر التفليسي: 323

محمد باقر خان المافي: 315

محمد البردي: 354

محمد بسيم الدفتري: 101

محمد بن ثاقب: 324

محمد پاشا الجليلي: 201، 206

محمد جواد پاشا: 259

محمد خان بن حسن خان القجاري:

127

محمد آغا بن أبي دبس: 320

محمد حسين خان السيستاني: 95، 97

محمد بن حسين بن عثمان: 158

محمد حسين ميرزا: 321

محمد پاشا بن خالد پاشا: 320، 353

محمد الخزعلي: 81، 142

محمد خليل آغا الينگچرية: 44

محمد بك الدفتري الربيعي: 171

محمد بك آل تيمور: 167

محمد راشد القاضي: 332

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 400

محمد راغب پاشا: 40

محمد الزيواني: 206

محمد السعدون: 249

محمد بن سعود (الأمير): 380، 381

محمد سعيد آغا التاتار: 271

محمد سعيد پاشا: 253، 271، 341

محمد سعيد الدفتري: 169، 171، 237، 242، 255، 276، 280

محمد سعيد المصرف: 126

محمد السلحشور:

35

محمد السيد زينا: 53

محمد الشاوي: 82، 85، 86، 92، 93، 114، 128، 129، 139، 158، 165، 178، 182، 183، 185، 380

محمد صادق خان: 64

محمد صديق الجليلي: 240، 342

محمد طاهر الچلبي: 297

محمد بن عبد العزيز المنتفقي: 329، 330

محمد بن عبد اللّه بن فيروز: 295

محمد بن عبد الوهاب (الشيخ): 380، 381

محمد العريعر: 144، 146، 295

محمد عطاء اللّه الشاني: انظر شاني زاده محمد العلي: 148

محمد علي پاشا: 370

محمد علي خان: 72

محمد علي خان الزندي: 147

محمد علي خان شام البياتي: 288

محمد علي ميرزا: 203، 205، 242، 243، 246، 263، 281، 263، 380

محمد عيسي آغا: 287

محمد فخر الدين القاضي: 224

محمد الفيضي الخطاط: 192

محمد الفضل: 84

محمد كاظم الرشتي: 339

محمد كاظم: 324

محمد اللرستاني: 292

محمد بن لطف اللّه: 211

محمد بن مانع الشبيب: 331

محمد آغا بن محمد خليل: 104

محمد المصرف: 334، 342، 345، 346، 347، 353، 354

محمد الكهية: 31، 84، 87، 88، 91، 92، 93، 98، 102، 129، 132، 214، 294، 296، 301، 310، 315، 316، 319، 328، 329، 330، 334، 335، 361

محمد آغا كتخدا البوابين: 269، 276، 346

محمد بن معيقل: 144، 145

محمد بن مناع الأجودي: 330

محمد پاشا والي كركوك: 21

محمد المنشي البغدادي: 305

محمد پاشا والي الموصل: 186

محمد أفندي و پودة ماردين: 26

محمد وصفي الخطاط: 70

محمد بن يوسف الحربي: 134

محمود الأول (السلطان): 375

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 401

محمود (السلطان): 13، 36، 295، 306، 332، 370

محمود الثاني (السلطان): 376

محمود الآلوسي (الأستاذ شهاب الدين أبو الثناء): 171، 233، 281، 347، 358، 377، 378، 375

محمود پاشا: 54، 57، 59، 61، 93، 99، 102، 105، 106، 107، 108، 109، 118، 229، 255، 264، 265، 266، 267، 268، 269، 272، 273، 287، 288، 290، 291، 292، 309، 310،

311، 315، 316، 344

محمود پاشا متصرف الموصل: 239

محمود پاشا بن تمر پاشا: 106، 107، 117، 125، 126

محمود بك: 254

محمود بك الجليلي: 206، 224، 230

محمود خموشي: 231

محمود خالص (الأستاذ): 366

محمود الخليفة: 223

محمود الدفتري: 378

محمود بك الزعيم: 245

محمود الزعيم الكردي (الشيخ): 310

محمود الكهية: 39، 51

محمود النقيب (السيد): 356

مدحت بك الربيعي: 171

مدد بك: 208، 210

مراد جلبي: 161

مراد خان حاكم العمادية: 182

مرجان: 128

مشكور الحمود: 298

مشكور الزوين: 294

مشكور شيخ ربيعة: 249

مصطفي آغا: 107، 124، 125

مصطفي الأبازة: 207، 210

مصطفي پاشا الاسبيناقجي: 62، 82

مصطفي پاشا الباباني: 54

مصطفي پاشا الوزير: 66، 67، 68

مصطفي الثالث (السلطان): 376

مصطفي الرابع (السلطان): 376

مصطفي خان: 35

مصطفي آغا آل حجازي: 123

مصطفي پاشا: 68، 71، 72، 75، 76، 77

مصطفي پاشا السلحدار: 110

مصطفي پاشا القبطان: 29، 30، 100

مصطفي پاشا كاتب السر: 344

مصطفي آغا الكردي: 121، 122، 123، 147

مصطفي آغا المراخور الثاني: 77

مصطفي بك الربيعي: 357

مصطفي بك المير اخور: 19، 20، 21، 22، 25

مصطفي الدفتري: 21، 25، 26

مصطفي ناظر الدفتر الخاقاني: 15

مطلق بن محمد الجرباء: 148، 149

مظفر آغا: 282

معروف متسلم كركوك: 268

مغامس الشلال: 260

مكي الأورفلي: 237

ملكي حسين: 131

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 402

مناع الضويحي: 197

المناوي (صاحب الإرشاد): 135

منصور الثامر: 188، 197

منيخر شيخ المنتفق: 24، 30

موسي بك: 223

موسي البيرقدار: 186

موسي متسلم كركوك: 303

موسي ابن الشيخ جعفر: 275، 276، 320

موسي الكاظم (الإمام): 67، 118

موسي الكهية: 276

موسي (الشيخ): 24

مهنا الجبري: 158

مهنا الجساس: 198

ميخائيل الصراف: 66

مير الحاج صالح پاشا: 338

مير بصري: 363

ميناس الأرمني: 305

حرف النون

نائل عمر بن ولي أفندي: 211

نابليون بونارت: 179

نادر شاه: 16، 35، 76، 316، 380

ناصر الحبيب القشعمي: 161

نامي (ميرزا محمد صادق الموسوي): 16

نجم بن عبد اللّه بن محمد بن مانع:

249، 250

نجيب پاشا: 327، 348، 365

نصيف آغا كهية البوابين: 170، 171، 177،

208، 210

نظر علي خان: 58، 59، 64

نعمان الپاچه چي: 280، 281

نعمان جلبي: 281

نعمان پاشا الجليلي: 206، 217، 218

نعمان خير الدين الآلوسي (الأستاذ):

371

نعمان المتسلم: 97، 98، 100، 101

نعمة اللّه (السيد): 73، 74

نعمت بن حسقيل ناجي: 265

نهر الطعيس: 298

نوري الأورفه لي: 237

حرف الهاء

هارون بن يهودا: 266

هجري دده: 323

هودج بنت ابن هذال: 325

هيبت خاتون: 211

هيبت زيور: 211

حرف الواو

واصف (أحمد واصف): 36

وحيد العرياني قاضي حلب: 351

ولي الدين پاشا والي الشام: 338

ولي رئيس الديوان: 67، 211، 212

ولي بن نائل عمر: 211

وهبي أفندي السفير التركي إلي إيران: 61

حرف الياء

ياسين بن خير اللّه: 240

ياسين العمري: 83

يحيي پاشا آل نعمان: 338

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 403

يحيي پاشا: 340، 344، 345، 350، 351

يحيي الخازن: 276، 293، 294، 296، 307

يحيي آغا المير اخور: 267

يهودا بن يوسف: 266

يوسف آغا: 282

يوسف بن ساسون: 266

يوسف بن عزره: 265

يوسف آغا المير اخور: 267

يوسف ضيا پاشا الصدر: 212

يونس جد أحمد پاشا: 216

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 404

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

حرف الألف

آچيق باش: 373

الآلوسيون: 184، 377

الإسلام: 382

أبازة: 28، 362

إباضية: 333

الإربليون: 193

أرمن: 73

الأزري (آل): 378

أزلية: 339

الأسلم: 160

أقرع: 299، 334

الأورفة (أسرة): 237

الإنكليز: 318، 352

الإيرانيون: 58، 59، 61، 63، 72، 77، 79، 83، 97، 98، 109، 203، 205، 290- 292

حرف الباء

بابان: 29، 31، 35، 43، 54، 89- 93، 99، 105، 106، 108، 125، 142، 191، 243، 345، 353، 279

البابية: 339

الباجه جي (آل): 281

باجلان: 119

باطوم: 207

باوية من شمر: 282

البدير: 298

البرشاوية: 141

البعيج: 148، 149، 261، 297

البغداديون: 105، 230

البقارة: 186

البكتاشية: 14، 332

بلباس: 110، 180، 144، 146

البلوج: 144، 146

البهائية: 339

البوابيون: 240

البيات: 165، 194، 299

حرف التاء

التتار: 21

الترك: 28، 331، 382

التركمان: 380

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 405

التكرلي (آل): 123

تميم: 282

حرف الجيم

الجاف: 311

الجبور: 37، 145، 186، 257، 301

الجرباء: 218- 221، 225، 236، 256، 261، 262، 285، 296، 320، 353

جليحة: 63، 166، 260، 296، 298، 299

جليليون: 222، 223، 338

جميلة: 302

حرف الحاء

الحديديون: 285

الحربي: 134

البو حمد: 220

البو حمدان: 220، 221

الحمد: 104، 342

الحميد: 158، 159، 329، 330

حمير: 94

الحيدري آل: 377

حرف الخاء

خالد (بنو): 143- 148، 295، 296

الخزاعل: 43، 48، 49، 55، 63، 98، 103- 105، 111، 112، 119- 121، 132- 136، 141، 142، 154، 162، 164، 190، 197، 254- 262، 267، 288، 296، 297، 299، 375

الخمسة: 315

حرف الدال

الداسنية: 332

الدريعي: 219، 220

دزدي (دزه يي): 287، 289

الدفافعة: 231، 235، 282

الدليم: 37، 160، 161، 248، 274، 284، 300- 302، 375

حرف الراء

الراوي (آل): 377

الرحمة: 198

ربيعة: 143، 198، 199، 249، 375

الربيعي (آل): 171

الرفيع: 160، 329، 330

الركنية: 339

روافض: 336

الرولة: 256، 262

الروس: 69

الروم: 74، 77، 80، 87، 154، 155، 323، 334

حرف الزاء

زبيد: 143، 167، 199، 200، 257، 261، 288، 289، 292، 331، 334، 335، 375

الزقاريط: 148، 149، 224، 261

الزملات: 197

زند و الدولة الزندية: 15، 16، 76،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 406

378، 379

زنگنة: 32، 64

زوبع: 37، 223، 302

حرف السين

سبيع: 144

السعدي (آل): 253، 378

سعود (آل): 145، 158، 159، 336، 380

السعيد: 143، 167

السلف: 381

سلمان (البو): 25، 220، 221

السلمان (آل): 105، 162

سليمان الشاوي (آل): 282

السنة (أهل): 336

السهول: 144، 148

السويدي (آل): 377

سويط (آل): 191

حرف الشين

الشافعي: 43

شاهر (البو): 134

الشاوي (آل): 182، 184، 209، 236

شبيب (آل): 158، 330، 331

شمامك (عشائر): 223

شمر: 20، 37، 144، 148، 149، 194، 223، 225، 261، 282، 294، 296، 320، 323، 325، 326، 340، 352، 353، 375

شمر طوقة: 285، 354

الشواف (آل): 377

الشيعة: 339

الشيخان: 224

الشيخية: 339

حرف الصاد

صالح (آل): 330

الصقور: 293، 294، 296، 307

الصفويون: 64، 76

الصورانيون: 54

حرف الطاء

طيي ء: 220، 223، 225، 229

حرف الظاء

الظفير: 144، 148، 149، 188، 191، 197، 219، 220، 228، 235، 237، 256، 261، 296، 375

حرف العين

العباسيون: 383

عبد الجليل (آل): 68، 161، 216، 217، 220، 221

عبدة الشيطان: 131

العبيد: 20، 50، 92- 94، 99، 101، 114، 117، 165، 185، 186، 191، 193- 196، 218، 220، 221، 229، 262، 274، 300، 371، 375

عثمان باشا (آل): 54

العثمانيون و الدولة العثمانية: 16، 46، 71، 73، 74، 84، 100- 102، 178، 187، 238، 239، 245، 249، 268، 270- 272،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 407

297، 315، 316، 320، 321، 350، 354، 355، 358، 375، 380

العجم: 75، 83، 84، 87، 89، 95، 183، 323

العجمان: 144

العرب: 36، 70، 97، 122، 146، 183، 187، 204، 221، 231، 232، 236، 263، 278، 283، 297، 329

عز (بنو): 136

العزة: 20

عزيز آغا (آل): 366

عفك: 141، 166، 289، 293، 296، 297، 331، 334

العقيدات: 186

عقيل (بنو): 165، 169، 194، 211، 245، 262، 276، 277، 329، 334، 352، 355- 358، 361، 363، 364

عمير (بنو): 282

عنزة: 159، 160، 219، 262، 293، 294، 296، 297، 300، 325، 326، 375

عيسي (البو): 302

حرف الغين

الغرابية: 379

الغربيون: 17

الغرير: 193، 194، 223، 229

حرف الفاء

الفتلة: 299

الفخري (آل): 378

الفيلية: 98، 288، 315

حرف القاف

قبائل قيس: 195

القجارية: و الدولة القجارية: 15، 16، 127، 315، 316، 378، 379، 380

قرا ألوس: 312

قزلباش: 63، 64، 73، 74، 291

قشعم (آل): 149، 160، 161، 250، 329، 330، 334

حرف الكاف

الكتخدا (آل): 39

الكثير: 97

الكرج: 28

كرد (الأكراد): 7، 29، 30، 33، 36، 43، 53، 58، 59، 65، 70، 89، 94، 102، 107، 112، 114، 120، 122، 125، 187، 200، 214، 215، 236، 241، 243، 259، 273، 281، 291، 305، 350، 353

الكروية: 195

الكشفية: 339

كعب: 42، 45، 54، 97، 146، 333، 293، 343

الكولات: 7، 212، 277، 234

كيكية: 92

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 408

حرف اللام

لام (بنو): 20، 42، 198، 199، 310، 375

اللّر: 98، 237، 288، 290

حرف الميم

مافي: 315

المسلمون (الإسلام): 32، 73

مطير: 144

المقاصيص: 199

الملي آل: 129

الملية: 129، 185، 220، 221

المماليك: 7- 13، 17، 18، 27، 28، 40، 46، 65، 67، 69، 72، 77، 79، 81، 84، 85، 103، 113- 125، 137- 139، 171، 173، 179، 209، 212، 229، 236، 238، 271، 278، 279، 326، 343، 359- 364، 366، 369- 373، 375، 377، 379، 381، 382، 383

المنتفق: 29، 30، 36، 49، 50، 95، 97، 98، 100، 118- 121، 123، 125، 128، 140، 144، 146- 149، 168، 188، 227، 228، 231، 246- 252، 261، 262، 268، 273، 274، 277، 295، 329- 331، 333، 335، 348، 375

المهاشير: 144، 148

مهر كان: 220

موسي (البو): 282

الموصليون: 88، 193، 230

حرف النون

نجاد (البو): 231

النجادة: 88، 149، 157، 282، 333، 334

النقشلي (آل): 141

النجديون: 228، 333، 335

حرف الهاء

هذال (آل): 325

حرف الواو

الواعظ (آل): 377

الوهابية: 143، 146، 149، 151، 154، 162، 164، 168، 169، 184، 186، 187، 189، 190، 196، 200، 206، 209، 215، 380، 381

حرف الياء

اليزيدية: 13، 35، 131، 181، 182، 219، 235، 300، 332، 375

اليسار: 285

اليهود: 73

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 409

3- فهرس المدن و الأماكن

حرف الألف

آلتون كوپري: انظر قنطرة الذهب

أبو حلانة: 97، 147

أبو حمار: 141

أبو سلال: 333، 334

أبو شهر: 228، 241

أبو عوسجة: 189

أبو قير: 118

أبيرة: 118

الأبيض: 148، 149، 168

الأحساء: 76، 143- 145، 150، 151، 153- 155، 156- 159، 295، 298

الأخيضر: 118، 169، 186

أذربيجان: 109

إربل: 32، 34، 43، 54، 55، 59، 61، 157، 181، 190، 193، 194، 195، 245، 246، 263، 206، 214، 220، 223، 263، 272، 283، 287، 308، 326، 359، 378

أردلان: 109

أرضروم (أرزن الروم): 70، 212، 316، 321، 350

أزمر (جبل): 93

أزناور: 196

استنبول: 12، 13، 15، 25، 35، 53، 61، 65، 76- 79، 101، 131، 175، 225، 232، 265، 239، 279، 281، 286، 305، 310، 321، 338، 344، 347، 348، 349، 358، 370- 374

إسكان: 129، 131

الإسكندرية: 240

أسكي كفري: 33

أسكي موصل: 173

أصفهان: 16، 108

الأعظمية: 99، 102، 178، 230، 306، 345، 359، 364

افتخار: 136

الأفشارية: 379

الأفلاج: 144

أم تل: 93

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 410

أم الحنطة: 50، 121

أم ربيعة: 145

أم العباس: 120، 121، 148

أماسية: 351

الأناضول: 321، 367، 380

أنقرة: 373

إنكلترا: 351

الأهواز: 74

أورفه: 219، 237، 348

أورمية: 180

أوروبا: 179

أوه كرد: 34

إيران و الدولة الإيرانية: 9، 10، 13، 16، 20، 29، 31، 33- 35، 40، 47، 58، 61، 64- 68، 70- 72، 76، 77، 79- 82، 85، 86، 89، 95، 97، 98، 102، 108- 110، 112، 126- 130، 170، 180، 195، 198- 205، 207، 214، 215، 238، 241- 243، 247، 256، 259، 264- 267، 281، 287- 292، 303، 306، 308- 310، 312- 314، 316، 319- 322، 328، 229، 343، 344، 348، 350، 358، 379، 380، 382

إينجه

صو: 33

الإيوان: 321

حرف الباء

بابان: 26، 29، 31- 34، 43، 44، 54، 55، 57، 59، 79، 102، 108، 114، 119، 125- 128، 167، 169، 177، 193، 200- 202، 209- 211، 214- 216، 229، 238، 241- 247، 254، 257، 269، 272، 273، 287، 290- 292، 303، 308، 316، 320، 344، 375، 379، 380

الباب الأبيض: 62

باب الإمام الأعظم: 22، 102، 357، 364- 366

باب الحلة: 363

باب الرباط: 30، 157

باب السراي: 306، 354

الباب الشرقي: 102، 276، 363، 369

باب الشيخ: 275

باب الطوب: 221

الباب العالي: 348، 349، 351، 352، 359، 367، 368، 370

باب العرب: 280

باب الكاظمية: 361

باب الكريمات: 361

باجلان: 59، 119، 193، 202، 241، 259، 292

باريكة: 311- 313

بازيان: 33، 106، 108، 194، 214، 264، 290، 311، 313

باشا أسكي: 277

باغچة: 108

بانة: 33

پاي طاق: 202- 204، 206، 290، 312

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 411

باين چوب: 108

بدرة: 54، 56، 83، 173، 288، 290، 292، 362

برزنجة: 290

برنه: 127

بستان سوار: 313

بستان صالح: 364

بشتاو: 208

بشير: 128

بصالة: 325، 326

البصرة: 18- 22، 24- 26، 29، 30، 36، 37، 39، 40، 42، 47، 49، 50، 59؛ 62- 66، 68، 71- 79، 81- 95، 97، 98، 100، 101، 103، 115، 119، 121- 126، 140، 144، 147، 149، 151، 156، 164، 169، 178، 179، 187- 189، 192، 197، 207، 211، 213، 223، 227، 228، 234، 237، 240، 252، 253، 255، 258، 262، 265، 268، 271، 283، 289، 317، 318، 324- 326، 333- 336، 339، 349- 352، 366، 378، 379، 381

البصيرة: 186

البط (البت): 192

بعقلين: 279

بعقوبة: 88، 98، 305

بغداد: 9، 12، 13، 18- 22، 24- 27، 29، 31- 40، 42، 47- 55، 57، 58، 61- 66، 68- 76، 79- 85، 87، 89- 94،

97- 101، 103- 106، 108، 110، 118، 113، 114، 116، 118، 120- 130، 132- 136، 139- 143، 149، 157، 160- 167، 169- 172، 177، 179- 181، 184- 193، 196، 198- 201، 205- 207، 211- 213، 215- 218، 220- 227، 229- 239، 241- 247، 251- 253، 255- 259، 260، 263، 265- 267، 268- 276، 280، 281، 284، 289، 291، 292، 296، 297، 300، 301، 305، 308، 310، 312، 316- 318 326، 327، 332، 333، 335- 338، 340- 346، 348- 350- 355، 358- 363، 366- 371، 373، 374، 378، 380

البغيلة: 335

البقيع (بقيع الغرقد): 373

بلبول: 151

البلد: 22، 220، 239

بلد الحسين: 168

بلد روز: 247

بليخ: 220

بمبي: 337

بندر بوشهر: 31، 53، 74، 255

بهرز: 128، 354

بودة: 135

بوستان: 34

البوسنة: 373

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 412

بولاق: 13

بومبي: 317، 337

بيت دلة: 355

پير حياتي: 59

حرف التاء

تاجرود (تاتجرود): 311، 313

تازه خورماتي: 128، 308

تبريز: 321

تپه رش: 311

تربة السيدة زبيدة: 37

تركلان: 270

تسعين (قرية): 291

تكريت: 114، 178، 220، 272

تكية البكتاشية: 14، 332

تل أسود: 122، 129

التنهات: 145

التنومة: 147، 188

تهامة: 168

حرف الثاء

الثاج: 154

ثادق: 152

حرف الجيم

جادة الأعظمية: 365

جادة الجسر: 332

جامع الآصفية: 88، 340

جامع الأحمدية (الميدان): 141

جامع إياس: 25

جامع الحيدرحانة: 300، 340، 341

جامع الخلفاء: 172

جامع الداودية: 340

جامع الصاغة: 225

جامع القيلانية: 172

جامع محمد الفضل: 172

جامع الوزير: 176

چاووش (رابية): 364

چاي طاووق (شاي): 33

جباري: 59

جبل أشبته: 196

جبل حمرين: 43

جبل سرسير: 58

جبل سنجار: 181

جبل شمر: 144، 153، 187، 190

جبه: 161

الجديدة: 169، 230، 246، 247، 272، 274

الجزائر: 29

الجزيرة: 111، 142، 166، 191، 197، 225، 256، 261، 262، 298، 317، 325

جزيرة العرب: 280

جزيرة لمني: 225

جسان (حصان): 43، 54، 56، 83، 173، 199، 288، 290، 292، 362

جسر الخر: 122

الجعيفر: 332

چلاغة: 173

جلولاء: 128

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 413

چمن (قنطرة): 33، 172

الجوازر: 143، 149

الجهرا (الجهرة): 144، 145، 151

جيشانه: 90

حرف الحاء

الحاج عبد اللّه: 297

الحجاز: 168

الحديثة: 99

الحرم النبوي: 373

حديقة سعيد: 365

حرير: 32، 43، 54، 61، 79، 90، 93، 102، 106- 108، 114، 119، 120، 125- 127، 142، 167، 192، 203، 210، 243- 246، 254، 259، 263، 268- 270، 288، 291، 292، 309، 320

حزام: 80

الحسكة: 24، 39، 40، 116، 120، 134، 248، 256، 257، 260، 261، 293

الحضر: 220

حضرم: 131

الحفر: 145، 197

حلب: 266، 286، 293، 349- 352، 361، 362، 367

حلبجة: 311، 313

الحلة: 19، 21، 40، 42، 92، 106، 116، 117، 159، 160، 161، 167، 169، 177، 187، 191، 196، 199، 206، 215، 234، 248، 254، 256، 257، 259، 261، 263، 293، 296، 317، 328- 320، 361، 363، 378

حورية: 166

حويجة سيره (سرية): 301

الحويزة: 97، 98، 237، 293، 329، 330

حيدرآباد: 16، 53

الحيدرخانة: 70، 300

حرف الخاء

الخابور: 114، 115، 117، 132، 134، 191، 194، 196، 220، 221

الخازر: 224

الخالص: 167، 169، 211، 230، 320

خان جبق: 319

خان جغاله (خان جغان): 88

خان نجيب آغا: 365

خانقين: 110، 128، 216، 246، 259، 309، 331، 353، 354

خان كيشه: 106، 107

الختيمية: 301

خراسان: 379

الخرج: 144

خرنابات: 229، 237، 269

خزانة الآلوسي: 337

خزانة الأوقاف العامة: 76، 342، 358

خزانة البلدية: 240

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 414

خزانة الحيدرخانة: 340

خزانة السليمانية: 172

الخشيخشية: 289

الخطة العراقية: 322، 383

خطيبان (مضيق): 214

خواجايي: 311، 312

خوي: 109

حرف الدال

دار السعادة: 21، 25

دار صالح: 355، 359

دار الطباعة العامرة: 13

دار عمر باشا: 88

دار نصيف آغا: 208، 209

داق خان: 109، 110

داقوق (دقوقا): 192، 291، 318

دبة حمدون: 130

دبّي: 146

دجلة: 42، 101، 198، 199، 355، 360، 361، 365

الدجيل: 21، 22، 50، 93، 118، 186، 321

الدربند: 34، 106، 218، 314

دربندگي: 59، 61

الدرعية: 146، 150، 156، 157، 188، 189، 295

درنة: 31، 33، 59، 119، 193، 202، 241، 259، 272، 273، 292، 381

الدريهمية: 149، 188، 197

دزكره: 80

دشخرو: 80، 89

دكة: 373

دلتاوة: 320

دلي عباس: 32، 43، 172، 318، 319، 321

دمشق: 339

دمير قپو: 173

دنكچيه: 88

دوخران: 80

دوخلة: 32

الدورة: 45، 168، 252

الدورق: 241

دويريچ: 199

الدهناء: 145

ديار بكر: 62، 77، 94، 99، 105، 130، 229، 321، 345، 350، 351

ديار الكرد: 34، 55- 57، 59، 80، 193، 215، 254، 290، 291، 305، 309- 311، 316، 318

ديالي: 90، 102، 179، 202، 231، 235، 273، 310- 312، 321، 323

الدير: 186، 348

ديرك: 220

ديوان أفنديسي: 130

الديوانية: 104، 111، 142، 257، 297

حرف الذال

ذو الكفل (الكفل): 169، 296

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 415

حرف الراء

رابية السلطان سليم: 366

رأس العين: 221

الراشدية: 32

الرحبة: 129

الرصافة: 178

الرضيمة: 147

الرقة: 40، 129، 130، 164، 185

الرها: 130، 163، 219

رواندز: 110

روسية: 47، 179، 380

الروضتان: 151

الروضة النبوية: 337

روم إيلي: 20

حرف الزاي

الزاب: 193، 222، 246، 359

الزبير: 49، 144، 149، 188، 189، 198، 228، 324، 334، 335

زرده لي كاوه: 313

الزكرت (مي): 296، 297

الزكاريط: 223، 224

الزنبرانية: 301

زنبرك: 316

زنگباد: 32، 43، 54، 56، 123، 267، 269، 292، 310، 312

زهاب (زهاو): 79، 80، 193، 202، 205، 216، 220، 243، 244، 308، 309، 312

زير باري: 204

حرف السين

ساقز (سقز): 109، 110، 126، 203

سامراء: 136

سبع رحي: 93، 98

سحبة: 146

سحول: 117

سدة أم العويل: 299

سدير: 144

السراي: 116، 172، 307، 338، 345، 354، 355، 357، 358

سرچنار: 244، 311، 313

سردشت: 241

سرگلو: 290

سروجك: 90، 93

سطرنجان: 80

السلطان سليم (رابية): 366

السعدية: 128

سفوان: 147، 150

سلماس: 109

السلمان: 162

سلمان پاك: 24

السليمانية: 127، 142، 181، 201، 203، 235، 237، 243- 245، 267- 269، 272- 274، 287، 310- 312، 316، 318، 378

السماوة: 103، 148، 197، 261، 317

سنجار: 35، 181، 182، 185، 194، 219، 220، 225، 300

سنة (سنندج): 26، 29، 33، 54،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 416

55، 59، 79، 80، 108، 127، 200، 203، 204، 215، 243، 263، 315

سور البصرة: 173

سور بغداد: 172

سور الحلة: 173

سور الكرخ: 172

سور ماردين: 173

سور مندلي: 173

سور النجف: 126

سورية: 159، 337

سوق الشيوخ: 148، 248- 250، 317

سويركه: 130

سيباية: 104، 111، 120، 142، 166، 260

السير: 25

حرف الشين

شارع المأمون: 88، 333

الشام: 279، 337، 338، 358

الشامية: 104، 111، 117، 118، 142، 186، 187، 190، 191، 194، 195، 256، 260، 293، 296- 298، 317، 340

الشبّاب (الچباب): 198

الشباك: 145، 152- 154

شريعة الإمام موسي الكاظم عليه السّلام: 118

الشريعة البيضاء: 19

شط الحي: 167

شط العرب: 29، 95، 100، 123، 242

شفاثا: 118، 161، 165، 187، 302

شكري: 257

شمامك: 220، 223، 229، 287، 288، 289، 291

الشمرت (حي): 296، 297

شنو: 180

شواه (شوان): 303

شوشتر (تستر): 52، 64، 73

شهربان: 202، 211، 247

شهر زور: 79، 100، 179، 204، 213، 227، 243، 252، 271، 311، 315، 316

الشيخان: 224

الشيخ بكر: 266، 286

الشيخ سكران: 99

الشيخ عمر: 99

شيراز: 61، 72، 73، 74، 85، 94، 97

الشيروانة: 203، 310، 311، 315

حرف الصاد

الصابونية (رابية): 347، 364

صاووق بولاق: 109، 110، 180، 241

صاهود (قصر): 152

صخيري: 161

صقال طوتان: 43، 331

صلنية: 143

حرف الضاد

الضجعة: 146

ضريح الإمام إبراهيم: 70

ضريح الإمام علي عليه السّلام: 127

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 417

حرف الطاء

طاشليجة: 90

طاق گران: 308، 321

طباعة دار السلام: 323

طرابزون: 68

الطفّ (قرية): 144، 145

طقمقلو: 270، 271

طهران: 16، 200، 205، 206، 309، 310، 380

الطهماسية: 159

طوزخورماتي: 33، 194، 272، 318

طيب: 198، 199

حرف العين

عادلات: 142

العارض: 153

عانة: 117، 164، 186، 225، 323

عباة (قرمة): 163

العتبات: 296

العراق: 8، 10، 13، 35، 53، 58، 63، 69، 70، 75، 77، 79، 97، 110، 112، 130، 144، 149، 155، 156، 158، 160، 165، 171- 173، 179، 184، 188- 191، 196، 197، 201، 215- 220، 236، 241، 265، 271، 278، 283، 293- 295، 305، 309، 310، 316، 321، 327، 329، 330، 336، 337، 341، 349، 362، 366، 376، 341، 349، 362، 366، 376، 378، 380- 382

العرجا (العرجة): 30، 50، 101، 125، 317

العشار: 25، 30

عقرقوف: 114

العقير (العجير): 143، 151

علي آباد (علياوة): 110، 128، 216، 247، 259، 309

علوي: 147

العمادية: 55، 110، 182، 187، 193، 223

العمارة: 22، 42، 167، 198، 199

العماير: 146، 153

عين ابن فهيد: 147

عين القير: 129

عينتاب: 357

العيواضية: 172

حرف الغين

غزية: 197

غليوين: 248، 252، 253

حرف الفاء

الفرات: 37، 104، 111، 112، 164، 186، 196، 220، 261، 293، 296، 301، 302، 324، 325

الفرع: 144

فريات (قرمة): 162

فريجات: 306، 380

الفضلية: 97

الفلوجة: 37، 117، 118، 132، 135

الفليج: 197

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 418

حرف القاف

قبة الحسن البصري: 188

قبة طلحة: 188

القراغول: 84

قرط ألوس: 312

القرنة: 22، 25، 237، 253

قره بولاق: 273، 276

قره تپه: 33، 216، 319

قره حسن: 43، 54، 59، 193، 194، 290

قره شوط: 298

قره طاغ (قره داغ): 56، 57، 127، 287، 312

قره گول: 313

قروشوت: 298

قرية اثني عشر إماما: 33، 44

قريم: 69

قزانية: 321

قزلجه: 57، 214

قزل دره: 195

قزل دگرمن: 264، 269

قزلرباط: 57، 110، 128، 205، 246، 271، 321

قصبة الإمام الأعظم: 52

قصر شيرين: 305

القصيم: 144، 188

قطقطانة (طقطقانة): 187

القطيف: 143، 144، 158، 295

قلعة أبي صخير: 294

قلعة چولان: 30، 32- 43، 54، 56- 58، 79، 89، 93، 105، 107

القلعة الداخلية: 26، 45، 89، 92، 99، 192، 230، 275- 277، 361، 369

قلعة الدريعية: 294

قلعة السلمان: 151

قلعة شخير: 298

قنطرة الذهب (ألتون كوپري): 34، 43، 54، 56، 59، 61، 181، 193، 194

قهوة زنبور (قهوة المميز): 333

قوتلو: 291

قوج حسار: 130

قولاي: 128، 309

قونيه: 368

حرف الكاف

كار (شط): 141

كارون (نهر): 42

الكاظمية: 19، 64، 200، 256، 354، 364

الكرادة: 210

كربلاء: 101، 132، 135، 168، 169، 187، 256، 261، 317، 326، 327، 339، 378

كبيسة: 118، 132

كدوك سطرنجان: 80

الگرخ: 21، 45، 53، 66، 85، 87، 88، 99، 118، 172، 177، 210، 256، 270، 272، 357، 364

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 419

كروسي: 288

كركوك: 21، 25، 33، 34، 36، 57، 59، 61، 62، 66، 67، 79، 80، 87- 90، 105- 108، 128، 136، 181، 191- 195، 203، 210، 212، 214- 216، 220، 229، 239، 243، 245- 253، 264- 266- 270، 272- 274، 280، 282، 288- 290، 303، 308، 312، 314، 316- 319، 371، 378

الكرمات: 111

كرمانشاه: 16، 59، 79، 125، 127، 203، 242، 244، 246، 263، 268، 281، 287، 289، 290، 292، 309، 310، 315، 320، 380

كشاف: 222،

223

كفري: 44، 203، 205، 211، 245، 246، 310، 319

كلاس: 241

گلستانة: 16

گله زرده: 127

الكوت: 42، 158، 167، 173، 228

كوره قلا: 313

كوشك اسپان: 290

كوشك زنكي: 44

كوقة: 297، 298

كوك تيه: 32، 34

كوكس (مقاطعة): 310

كولة: 290، 303

كوي: 32- 34، 43، 54، 56، 59، 61، 79، 80، 89، 90، 93، 102، 105- 108، 114، 117، 119، 125- 127، 142، 167، 180، 191- 193، 203، 210، 211، 214- 216، 218- 220، 243، 245، 246، 254، 259، 263، 268- 270، 272، 287- 292، 309، 320

الكويت: 125، 144، 145، 151

كويسنجق: 56، 61

حرف اللام

لاهجان: 180

لملوم: 111، 162، 163، 260، 262

ليدن: 16

ليوة: 162

حرف الميم

المابين الهمايوني: 344

ماردين: 36، 79، 131، 135، 173، 179، 212، 213، 218، 219، 220، 223، 332، 348، 357

مايدشت: 203

المبرز: 151، 152

محكمة التمييز: 366

المحمرة: 51

المحمودية: 282

محنات: 153

مدرسة الحيدرخانة (الداودية): 300، 340

مدرسة رأس القرية: 378

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 420

المدرسة السليمانية: 131، 172، 378

مدرسة الصاغة: 378

مدرسة عاتكة خاتون: 378

المدرسة العادلية الكبيرة و الصغيرة: 378

المدرسة العلية: 44، 378

مدرسة العمار سبع أبكار: 378

المدينة المنورة: 207، 337

المدينية: 260

المرادية: 32

مراغة: 109، 180

مرجانية: 128، 321

مرقد الشيخ أبي النجيب السهروردي:

176

مرقد كنج عثمان: 176

مريوان (مهربان): 204، 216

مسجد عبد اللّه الكتخدا: 37

مسجد العمار سبع أبكار: 281

المسعودي: 101، 103، 125

مسقط: 119، 333، 335

مسناة الجسر: 333

المسيب: 118، 161، 293، 294

المشهد: 197

مشهد الإمام الحسين: 101، 132، 169

مشهد الزبير: 74

مشهد العسكريين: 316

مشهد الإمام الكاظم: 169

مصر: 69، 132، 337، 341، 343، 371

مطبعة إقبال: 16

مطبعة الحكومة ببغداد: 209

مطبعة الحوادث: 13، 15

مطبعة دار السلام: 323

مطبعة السكك الحديدية: 305

المطبعة السلفية: 337

مطبعة شركة التجارة و الطباعة: 305

مطبعة النجاح: 279

معقل (نهر): 324، 333

مقام الحلاج: 118

مقبرة الإمام الأعظم: 170

مقبرة الشيخ شهاب الدين السهروردي:

139

مقبرة الشيخ عمر: 88، 139

منارة الإمام الأعظم: 172

المناوي: 29، 30، 31، 123

المنتفق: 29، 49، 253

مندلي: 39، 56، 80، 83، 93، 98، 105، 125، 216، 220، 244، 245، 259، 288، 290، 292، 312، 354

المنصورية: 43

المنطقة: 66

المهدية: 84

المهركان: 220

الموسّان: 131

الموصل: 21، 22، 55، 61، 66، 100، 169، 173، 178، 179، 184، 186، 201، 206، 216- 218، 220- 225، 229، 235، 239، 240، 246، 286، 322، 338، 340- 344، 350، 351، 353، 359، 378

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 421

الموصل العتيقة (إسكي موصل): 286

المولي خانة (جامع الآصفية): 88، 340

مايدشت: 203

الميدان: 84، 85، 88، 89، 92،

99، 176، 178، 230

الميدان الجديد: 24

ميدان السلق: 24، 62، 167

حرف النون

نارين: 32، 43، 173

ناوكر: 110

نجد: 140، 147، 148، 168، 169، 188، 190، 225، 295، 380، 381

النجف: 162، 164، 169، 187، 197، 256، 257، 260، 296، 297، 378

نصيبين: 130

نطاع: 151

نظربيجان (بوجاق): 130، 131

النعمانية: 335

النمسا: 179

نهر الشاه: 40، 42، 165، 260

نهر الطعيس: 298

نهر عمر: 54، 121

نهر عيسي: 340

حرف الهاء

هبهب: 319

الهفوف: 151، 152

همذان: 203، 345

الهند: 16، 35، 305، 351، 382

الهندية: 160، 165، 168، 197، 317

حرف الواو

وادي: 198

وادي الدواسر: 144

وادي العوسج: 331

واني كوي: 344

الوردية: 42، 196

الوشم: 144

وشيل: 114

حرف الياء

يانيه: 37

اليمن: 153

اليوسفية: 166، 260، 298، 299، 301

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 422

4- فهرس الكتب

حرف الألف

اتحاف الأخيار: 382

أس ظفر: 14، 331

حرف الباء

بانت سعاد: 62

حرف التاء

تاريخ أحمد جودت: 14، 143

التاريخ الأدبي: 62، 135، 283، 378

تاريخ إيران: 16

تاريخ جديد: 68، 79

تاريخ جودت: 143، 379

تاريخ الزندية: 16

تاريخ سليمان عزّي: 12

تاريخ شاني زادة: 14، 225، 226، 232، 247، 252، 265، 286، 295، 300

تاريخ الشيخية: 339

تاريخ عاصم: 13

تاريخ العراق بين احتلالين: 17، 35، 181، 333، 363

تاريخ العقيدة الإسلامية: 164، 382

تاريخ الكولات: 12، 19، 98، 171، 172، 205، 212، 213، 226، 234، 235، 250، 252، 253، 255، 265، 266، 277، 278، 343، 345، 346، 348، 356

تاريخ گيتي كشا: 16

تاريخ لطفي: 13، 328، 332، 337، 338، 342، 343، 357، 372، 373، 380

التاريخ المجهول المؤلف: 327، 328، 374

تاريخ مختصر إيران: 16

تاريخ مساجد بغداد: 44

تاريخ نجد: 158

تاريخ نشاطي: 12، 17، 18، 20، 22، 26، 29- 32، 62

تاريخ واصف (محاسن الآثار و حقائق الأخبار): 12- 14، 20، 36

تاريخ اليزيدية: 16، 36، 131، 181، 332

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 423

التواريخ الرسمية: 12

تحفة عالم و تتمها: 16، 52، 53، 63، 64، 73، 74، 97

تذكرة شعراء بغداد: انظر شعراء بغداد أيام داود پاشا

تراجم الزواجر عن اقتراف الكبائر: 76

ترجمة تاريخ واصف إلي الفرنسية: 13

تفسير الجلالين: 328

تقرير الحاج علي پاشا: 68، 70

تقرير درويش پاشا: 209، 321

التكايا و الطرق: 48، 339

حرف الحاء

حديقة السرائر في نظم الكبائر: 76

حديقة الورود: 358، 359، 360

حروب الإيرانيين: 12

حرف الدال

دوحة الوزراء: 12، 14، 20، 26، 31، 34، 43، 44، 46، 49- 53، 62، 65، 67، 71، 73، 77، 78، 81، 82، 85، 88- 90، 94، 95، 97، 98، 100- 104، 108، 112- 128، 130- 137، 139- 143، 146- 149، 151، 152، 154، 156، 158، 160- 162، 164، 165، 167، 168، 170- 173، 179، 181، 182، 187، 196، 199، 201، 202، 204، 205- 208، 210، 212، 213، 215، 216، 219، 222، 224، 226- 228، 231، 233، 236، 238، 239، 244، 250- 255، 257، 258، 260- 271، 273- 276، 281- 286، 292- 296، 300، 302- 304، 306- 310، 313- 316، 318، 322، 323، 336

ديوان التميمي: 258، 283

ديوان العشاري: 50، 51، 70، 89، 103

حرف الذال

ذيل تاريخ واصف: 13

حرف الراء

رحلة رچ: 305

رحلة عبد اللطيف الزائري الشوشتري:

52

رحلة المنشي البغدادي: 43، 74، 192، 305، 315، 316، 321

رسالة السيد محمد السعدي: 253

رسالة في الهيئة: 62

رسائل المنتفق: 12

حرف السين

سكب الأدب علي شرح لاميّة العرب:

38، 46، 48

سومر (مجلة): 342

سياحتنامه حدود: 321

حرف الشين

شعراء بغداد و كتّابها: 39، 67، 192،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 424

193، 211، 342، 276، 323

حرف الطاء

طريقة البصائر إلي حديقة السرائر: 76

حرف العين

عثمانلي تاريخ و مؤرخلري: 13، 14

عثمانلي مؤلفلري: 13، 14

عشائر الشام: 92، 129

عشائر العراق: 37، 42، 136، 141، 191، 209، 262، 302، 312، 339، 375

عمدة البيان: 11

عنوان الشرف: 82، 83

عنوان المجد لابن بشر: 137، 144، 146، 148، 150، 152، 154، 156، 168، 187، 189، 191، 197، 198

عنوان المجد للحيدري: 328

حرف الغين

غرائب الأثر: 11، 201، 204، 206، 210، 212، 217، 218، 219، 221، 222، 224، 225، 239، 247

غرائب الاغتراب: 233، 360

حرف القاف

القرآن الكريم: 208

حرف الكاف

الكشاف عن مخطوطات الأوقاف: 76

گلشن خلفا: 322

گلشن معارف: 14، 15

حرف اللام

لغة العرب (مجلة): 135

حرف الميم

مجمل تواريخ الزندية: 16

مجموعة الآلوسي: 342، 358، 360، 371، 372

مجموعة الأدهمي: 328

مجموعة تركية: 66، 79

مجموعة حموشي: 231

مجموعة خطّية: 34، 37، 40، 44، 48، 49، 104، 123، 137

مجموعة خليل ونّه: 360

مجموعة علي البندنيجي: 172

مجموعة عمر رمضان: 51، 52، 62، 81، 104، 122، 240

محررات رسمية: 34، 38

مختصر تاريخ العراق: 279

مختصر مطالح السعود: 337

مرآة الزوراء: 12، 113- 115، 137، 139، 140، 171، 207- 210، 265، 313، 315، 326، 343، 356، 360، 363، 370، 371، 374، 375، 383

مطالع السعود لعثمان بن سند: 11، 76، 83، 84، 86، 94، 97، 112، 113، 118، 119، 124- 126، 135، 144- 148، 156، 158، 160، 161، 164، 165، 167،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 425

169- 171، 179، 182، 184، 185، 189- 191، 205، 207، 219، 226، 228، 231، 233، 234، 239، 241، 246- 251، 262- 264، 266، 268، 273، 277، 284، 285، 294، 295، 303، 304، 306، 317، 319، 323، 325، 332، 336، 337

المعاهد الخيرية: 38، 44، 70، 74، 132، 141، 281، 333، 340

معجم المطبوعات: 337

منهل الأولياء: 11

حرف النون

ناسخ التواريخ: 315، 316، 321

نتائج الوقوعات: 15، 227

نزهة الإخوان: 328

حرف الياء

يادگار تاريخ: 68

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 426

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

حرف الألف

أوجقلي، أوجقلية. صنف من الجند:

21، 57، 214، 268، و شاع علي لسان بعض العوام (قوجقلي)

حرف الباء

باش أسكي (نوع سجن): 33، 303.

باش آغا (رئيس الكتيبة): و يقال له (بلوك باشي): 59، 92، 190، 310، 369

باش جاوروش: 300

الباليوز: 11، 77، 98

البندقيون: 144

براتلي، برطلية (صنف جند): 25

بيرق (رعيل خيالة): 26، 310، 351

البيورلدي (أمر الوالي، أمر سامي):

205، 243، 254، 299، 320، 355، 369

حرف التاء

التاتار، تتار (بريد سريع) 202، 347

توقيعي: 12

حرف الجيم

چاي (شاي و يجمع علي شايات) و يراد به مياه السيول و الوديان أو الأنهر الصغيرة: 33

چرخ (دولاب): 307

الجنباز: 25

الجندرمة: 301

چوربه جي (صنف من الجند): 328

چوخه دار، چوقه دار (نوع موظف):

21، 25، 237

حرف الحاء

حدرة (سابلة، قافلة): 161

حرف الخاء

خان (بك، أمير): 29، 58، 85، 94

خدمة (إكرامية): 301

خربندة (مكاري): 113

حرف الدال

داماد (صهر): 25

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 427

دربند (مضيق): 314

ديوان: 40

حرف الراء

رانجه: 25

رقيم (أمر الشاه): 97

حرف السين

سابلة، سوابل (قافلة، حدرة): 71، 161

السباهية (نوع جند): 80، 203، 272

سراي (دار الحكومة): 24، 354

سراي الكهية: 116

السردار (قائد): 73

سكبانجية (نوع جند): 26

سنگر (صنگر): 195

سيباية (حصن، قلعة محكمة): 166

حرف الشين

الشهزاده (ابن الشاه): 290- 292، 307- 312، 314- 316، 318، 320، 321، 340

حرف الطاء

طبنجه، طبنجات (بندقية، أو نوع سلاح ناري مثل الپشتاوة): 24، 358

طلومبه، طلمبة (مضخة): 307

حرف الفاء

فرمان (أمر سلطاني): و يقال له (الخط الهمايوني): 9، 13، 18، 35، 130، 141، 310

حرف القاف

قائممقام (نائب الوزير): 21، 32، 100، 179

قلپقلية (نوع جند) و هم أصحاب القلنسوات: 272

قوليرا (الهواء الأصفر، الهيضة، أبو زوعة): 317

حرف الكاف

كاتب السر: 344

كتخدا، كهية، جخوة، كخوه: 280

كدك، كدكات: 79، 269

كليت، جلبوت (نوع زورق): 31

كليدار (سادن): 297

كمرك: 25

كيس، كيسه (مبلغ معين اختلف مقداره حسب العصور): 171

حرف اللام

لالا، لاله لالاوات (مربي، مدرب):

48، 326

اللاوند، لوند (نوع جند): 20، 24، 57، 67، 88، 89، 90، 121، 140، 320، 362، 363، 372

حرف الميم

المطرجي (نوع جند): 22، 25، 26، 89، 117

مقيم (رزدنت)، باليوز: 304

مير اخور، مناخور: مكررة.

ميرزا (مخفف ميرزاده) ابن الأمير و يطلقه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 428

الإيرانيون علي ابن الشاه و مثله (الشهزاده) كما يراد به (السيد من أولاد الإمام علي): 309

حرف الهاء

هايته (حيطة، صنف من الجيش): 364

حرف الواو

و يوده (أمير لواء خاص بماردين و بعض الألوية): 26، 79، 135، 357

حرف الياء

ينكيجه (جديدة): 169

ينكچري (العسكر الجديد): 331

الينكجرية: 8، 9، 14، 21، 25، 27، 38، 44، 46، 84، 89، 101، 114، 138، 206، 220، 230، 237، 238، 242، 277، 281، 331، 341

6- فهرس الصور

محراب جامع العادلية 23

كتابة جامع العادلية 41

واجهة في جامع العادلية 60

جامع الأحمدية 78

باب جامع الآصفية القديم 96

جامع الآصفية 115

جامع الحيدرخانة 133

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 429

7- فهرس الموضوعات

المقدمة 7

نظرة عامة 8

المراجع التاريخية 10

حوادث سنة 1162 ه- 1749 م 17

حوادث سنة 1163 ه- 1750 م 22

حوادث سنة 1164 ه- 1750 م 29

حوادث سنة 1165 ه- 1751 م 35

حوادث سنة 1166 ه- 1752 م 35

حوادث سنة 1167 ه- 1753 م 36

حوادث سنة 1168 ه- 1754 م 36

حوادث سنة 1169 ه- 1755 م 37

حوادث سنة 1170 ه- 1756 م 37

حوادث سنة 1171 ه- 1757 م 37

حوادث سنة 1173 ه- 1759 م 38

حوادث سنة 1175 ه- 1761 م 38

حوادث سنة 1176 ه- 1762 م 39

حوادث سنة 1177 ه- 1763 م 45

حوادث سنة 1178 ه- 1764 م 48

حوادث سنة 1182 ه- 1768 م 49

حوادث سنة 1183 ه- 1769 م 50

حوادث سنة 1184 ه- 1770 م 51

حوادث سنة 1185 ه- 1771 م 51

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 430

حوادث سنة 1186 ه- 1772 م 52

حوادث سنة 1187 ه- 1773 م 53

حوادث سنة 1189 ه- 1775 م 63

حوادث سنة 1192 ه- 1778 م 82

حوادث سنة 1193 ه- 1779 م 94

حوادث سنة 1194 ه- 1780 م 101

حوادث سنة 1195 ه- 1781 م 103

حوادث سنة 1196 ه- 1782 م 105

حوادث سنة 1197 ه- 1783 م 107

حوادث سنة 1198 ه- 1783 م 108

حوادث سنة 1199 ه- 1784 م 111

حوادث سنة 1200 ه- 1785 م 112

حوادث سنة 1201 ه- 1786 م 117

حوادث سنة 1202 ه- 1787 م 120

حوادث سنة 1203 ه- 1788 م 122

حوادث سنة 1204 ه- 1789 م 126

حوادث سنة 1205 ه- 1790

م 128

حوادث سنة 1206 ه- 1791 م 131

حوادث سنة 1207 ه- 1792 م 132

حوادث سنة 1208 ه- 1793 م 132

حوادث سنة 1209 ه- 1794 م 134

حوادث سنة 1210 ه- 1795 م 136

حوادث سنة 1211 ه- 1796 م 140

حوادث سنة 1212 ه- 1797 م 141

حوادث سنة 1213 ه- 1798 م 143

حوادث سنة 1214 ه- 1799 م 159

حوادث سنة 1215 ه- 1800 م 162

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 431

حوادث سنة 1216 ه- 1801 م 164

حوادث سنة 1217 ه- 1802 م 170

حوادث سنة 1218 ه- 1803 م 182

حوادث سنة 1219 ه- 1804 م 189

حوادث سنة 1220 ه- 1805 م 191

حوادث سنة 1221 ه- 1806 م 200

حوادث سنة 1222 ه- 1807 م 207

حوادث سنة 1223 ه- 1808 م 212

حوادث سنة 1224 ه- 1809 م 219

حوادث سنة 1225 ه- 1810 م 226

حوادث سنة 1226 ه- 1811 م 240

قتل ظاهر الكهية 240

حوادث سنة 1227 ه- 1812 م 244

حوادث سنة 1228 ه- 1813 م 248

حوادث سنة 1229 ه- 1814 م 254

حوادث سنة 1230 ه- 1815 م 257

حوادث سنة 1231 ه- 1816 م 261

حوادث سنة 1232 ه- 1816 م 271

حوادث سنة 1233 ه- 1817 م 284

حوادث سنة 1234 ه- 1818 م 296

حوادث سنة 1235 ه- 1819 م 300

حوادث سنة 1236 ه- 1820 م 306

حوادث سنة 1237 ه- 1821 م 318

حوادث سنة 1238 ه- 1822 م 324

حوادث سنة 1239 ه- 1823 م 326

حوادث سنة 1240 ه- 1824 م 328

حوادث سنة 1241 ه- 1825 م 329

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 6، ص: 432

حوادث سنة 1242 ه- 1826 م 333

حوادث سنة 1243 ه- 1827 م 340

حوادث سنة 1244 ه- 1828 م 341

حوادث سنة 1245

ه- 1829 م 341

حوادث سنة 1246 ه- 1830 م 342

حوادث سنة 1247 ه- 1831 م 352

خاتمة 382

الفهارس العامة 385

1- فهرس الأعلام 387

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل 404

3- فهرس المدن و الأماكن 409

4- فهرس الكتب 422

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة 426

6- فهرس الصور 428

7- فهرس الموضوعات 429

الجزء السابع

اشارة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين

العهد العثماني الثالث 1247 ه- 1831 م 1289 ه- 1872 م

اشارة

يتضمن الشطر الأول من تاريخنا الحديث من بدء وزارة علي رضا پاشا اللاز إلي آخر أيام مدحت پاشا و فيه وقائع تاريخية و سياسية داخلية و صلات خارجية و أحوال ثقافية

تأليف المؤرخ الكبير

عباس العزاوي المحامي

المجلد السابع

الدار العربية للموسوعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 5

عواطف صديق إلي: العزاوي مؤرخ العراق

رأيت الرجال بآثارهم و تاريخ (عباس) آثار

فأعظم بتاريخه المستفيض و أكبر فقد حق اكباره

نماه إلي [الضاد] فرع شأي فجاز الفراتين مضماره

تباهت به [العزة] المصطفاة وضم العروبة إيثاره

فمن كأبي فاضل في الرجال و أصل التواريخ أسفاره

كمال عثمان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 7

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي رسوله الأمين و علي آله و صحبه و من تبعه بإحسان إلي يوم الدين. (و بعد) فهذا التاريخ يتلو عهد المماليك مباشرة و يتناول أيام العراق من عهد علي رضا باشا اللاز إلي آخر زمن مدحت باشا و فيه حوادث و مشاكل عاني منها ما عاني و تهم معرفتها. و هو ملي ء بالأحداث العظيمة القريبة. و من الضروري التوسع فيها لتكون أمكن في المعرفة و العلاقة بها أجل. و إذا كان العراق لم يهدأ في وقت من توالي الوقائع و تنوعها. فالحاجة ملحة بنا أن ندرك ماضينا القريب لمساسه بشؤوننا التي لا نزال نتحدث بها، و نذكر ما جري من غرائبها و مهماتها.

نظرة عامة

هذا العهد يبدأ من سنة 1247 ه- 1831 م و ينتهي بانتهاء ولاية مدحت باشا سنة 1289 ه- 1872 م. و من ذلك يتكون قسم كبير من تاريخه الحديث. دخل العراق في عهد جديد زالت به إدارة المماليك، و صار يعتقد الخير كله في هذا الانتقال و التحول، فلم يلبث أن تقلصت آماله، بل شعر بالخطر، و من ثم استعصي علي الإدارة أمره و شمس عليها أو جمح جموحا لا هوادة فيه. فجعلها في ريب من أمرها. ارتبك الأمر في المدن، و اضطربت الحالة في العشائر، و دخلت الأمة في جدال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 8

عنيف.

تريد الدولة أن تستقل بالعراق، و الشعب يأمل الرفاه و الراحة، فاختلفت و جهات النظر و زادت الشؤون تعقيدا و قويت المشادة..

كانت الحالة في أشد التوتر، فلم تتغلب الدولة علي المدن إلا بشق الأنفس و بعد تعديل سياستها. و لم تغير أوضاعها ألا بعد أن شعرت بالخطر … و كانت العشائر في غالب أوضاعها بنجوة. جربت الدولة تجارب عديدة، فباءت كلها أو أغلبها بالفشل فلم تستطع الإخلال بالمعهود، و لم تقدر أن تتجاوز حدود المألوف.

و حوادث العالم نبهت إلا أن التدخل كان قليلا و التجدد غير مشهود. و الإدارة تبغي المال لدولتها و تلح. و الولاة همّهم أن ينالوا نصيبا أيضا و من جهة تحاول الدولة تأسيس حكم مباشر و أن تقضي علي الإمارات و علي العشائر الكبيرة و أن تنظم إدارة المدن كما هو الشأن في أصل الدولة … لتتمكن من الاستغلال، فكان دون ذلك خرط القتاد.

لم توفق في ذلك إلا بعض التوفيق بعد عناء كبير و كلفة عظيمة.

فإذا كان هذا حال الأمة في سياسة الدولة فلا شك أن الإدارة خابت في الثقافة أكثر من جراء أن مؤسساتنا عظيمة. لم تخذل من كل وجه.

و الحكومة في كل أعمالها لم تتمكن إلا من بعض الشي ء في حين أن الأفكار تنبّهت في هذا الاضطراب السياسي و الثقافي و تهيأت لتقوية الثقافة من ناحية الاتصال بالغرب.

كانت المشادة بالغة غايتها بين الحكومة و الشعب. يراد بالعراق أن يتابع الدولة في إدارتها و أن ينقاد بلا قيد و لا شرط فلم يسلس قياده، و لم تربح الدولة قضيتها. و بقي النضال مستمرا. فلم تستطع إدارته إلا أن تمضي بمألوفه. تريد أن توجهه إلي سياستها فخابت أو باءت بالفشل الذريع.

و لا شك أن الحالة الاقتصادية في أمر كهذا نراها مضطربة قطعا. تعينها حوادث كثيرة و توضح هذا الاضطراب العلاقة المشهودة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 9

و تاريخ هذا النضال أولي بالتفهم. و منه ندرك الحالة الاجتماعية أيضا، و الاتصال بالشعب في هدوء نفسياته و اضطرابها، فيتجلي تاريخ ذلك بوضوح، و نتبيّنه في حالاته كلها مجموعة بالالتفات إلي حوادث الجدال و ظواهر الحياة و هدوئها أو اطراد الأوضاع أو اختلالها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 10

المراجع التاريخية

نعلم قطعا أن تبدل الحالات، و ما يبدو من الحوادث العظيمة ظواهر لا يصح أن تهمل أو أن تبقي بلا تفسير صحيح. و العراق من أعظم الأقطار حوادث و أكثرها مشاكل. لا يهدأ لحالة، و لا يرضخ لسياسة، و لا يقبل بفرض ثقافي أو اقتصادي … و كل هذه تحتاح إلي مراجعة وثائق عديدة في تدوين تاريخه إلا أننا في هذا التدوين تهمنا الوثائق العامة ذات المساس بالوقائع علي أن نذكر الخاصة في حينها نظرا لقيمتها في تفسير وقائع القطر و بسطها، بل هي الأولي و الأجل لعلاقتها بنا. و هذه كثيرة جدا. و قد بذلت منتهي الجهد في جمع شتاتها و تنظيمها.

المراجع العامة:

1- سياحتنامه حدود.

و هذه من أجل الآثار في بيان حالة القطر الاجتماعية كتبها خورشيد بك باللغة التركية و كان من موظفي الخارجية أمره السلطان عند إجراء تحديد الحدود العراقية الإيرانية أن يدوّن عن العراق و ما جاوره من قري و بلدان و عشائر و شعوب و أحوال تاريخية و اجتماعية و اقتصادية ما يستطيع تدوينه، فقام بالمهمة. و لم نر من تعرض لمثل مباحثه مجموعة كما تعرض … وقفت مدوناته في أواخر سنة 1268 ه- 1851 م. عندي نسخة مخطوطة منها بلغت الغاية في نفاستها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 11

و إتقانها. و كان خورشيد بك قد عيّن بصحبة درويش باشا الفريق. ثم إنه صار خورشيد باشا و تقلب في مناصب عديدة. و كان من مماليك يحيي باشا الجليلي والي الموصل. فدخل قلم الخارجية فصار مكتوبيا. و توفي سنة 1296 ه- 1879 م. و هو وال علي أنقرة. و علاقته بالعراق مشهودة.

و لا شك أنه متمكن من التفاهم مع الأهلين رأسا من جراء

اتقانه اللغة العربية و العامية الدارجة. فهو عراقي عارف و كتابه جلا صفحة عن أحوال العراق.

2- تقرير درويش باشا الفريق كتبه باللغة التركية.

و كان أستاذا في المهندسخانة. فعهد إليه أمر (تحديد الحدود) بين إيران و العراق. و كان خورشيد بك في صحبته. طبع تقريره هذا مرات. و كان مقتضبا. يفسره كتاب (سياحتنامه حدود) و فائدته كبيرة في التعريف بالشعوب العراقية الإيرانية في الحدود كسابقه. توفي مؤلفه في 11 المحرم سنة 1296 ه- 1879 م. كانت علاقته بالوقائع التاريخية كبيرة. و هذا التقرير نقلته وزارة الخارجية العراقية إلي اللغة العربية و طبع في مطبعة الحكومة ببغداد سنة 1953 م.

3- مرآة الزوراء.

في تاريخ بغداد لما بعد دوحة الوزراء باللغة التركية للمرحوم سليمان فائق والد الأستاذ صاحب الفخامة حكمت سليمان. توفي في 27 جمادي الأولي سنة 1314 ه- 1896 م. و هو مهم جدا في بيان أحوال القطر لو لا نقص و تشوش في أوراق مسوداته و مع هذا كانت فائدته عظيمة، و بياناته جليلة في امتداد الحوادث إلي ما بعد المماليك حتي أيام نامق باشا الكبير. و كان يتعرض لما بعد ذلك بإشارة خفيفة أو بيان موجز فأتم ما هنالك بما أو ضحه في رسالتيه في المنتفق.

و لا شك أنه من أجل الوثائق لتاريخ العراق للمدة التي ذكرها. و كتب الأستاذ المرحوم متلازمة يوضح بعضها البعض. و نفعها عظيم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 12

4- رسالتان في المنتفق.

له أيضا مخطوطتان عندي نسخها. و لا تخلوان من نقص. و فيهما بيان عن أعظم مشاكل القطر في حوادث المنتفق و علاقة الدولة بها.

5- التاريخ المجهول المؤلف.

كتب باللغة العربية بدأ بأيام داود باشا و مضي في حوادثه إلي سنة 1279 ه. بعض أوراقه ساقطة و كانت حوادثه غير مطردة. و فيه تحامل علي الولاة. لغته عامية و يعول علي كتاب (ألف با)، و كتاب (تاريخ المنتفق) للرفاعي. و في كل أحواله يعد صفحة كاشفة عن الأهلين، و الولاة. و هو يبين روح الكاتب و أثر الوقائع في نفسه. ينسب بعض الحوادث إلي الولاة ببيان خرقهم أو قلة معرفتهم و لم يدر أن ذلك تطبيق لمنهاج الدولة. و قد حاولنا أن نعثر علي كتاب (تاريخ المنتفق للرفاعي) و التمسناه كثيرا، فلم نتمكن من الحصول عليه.

و لعل الأيام تظهره.

6- تاريخ الشاوي.

تأليف الأستاذ محمود بن سلطان الشاوي المتوفي سنة 1932 م يبدأ بسنة 1246 ه و يمتد إلي احتلال بغداد سنة 1335 ه- 1917 م. مختصر جدا. و لا يخلو من بعض المهمات و إن كانت أغلاطه كثيرة. اعتمدناه فيما توسع فيه أو انفرد به عن غيره مما اعتقدنا وثوقه. عندي مخطوطته.

7- الزوراء.

أول صحيفة عراقية ظهرت في بغداد بل في العراق.

و لم تسبقها غيرها كانت حكومية تعين ما كان يجري ببغداد حذر أن تشوش الأخبار. أو تشوه. و يأتي الكلام عليها.

8- تاريخ السيد رشيد السعدي.

و يسمي (قرة العين في تاريخ الجزيرة و العراق و بين النهرين). كتبه إلي سنة 1294 ه. طبع سنة 1325 ه في بومبي. و توفي السيد رشيد السعدي سنة 1939 م. و من أولاده الأستاذ أحمد السعدي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 13

9- مؤلفات أبي الثناء الآلوسي.

و هذه كثيرة و التاريخ منتشر خلال سطورها. و أحوال الولاة لهذا العهد ذكرها في رحلاته بإشارة و تلميح أو بسط و توضيح. و ربما كانت الإشارة أبلغ. و هو العارف بالموارد و المصادر. و أبو الثناء هو السيد شهاب الدين محمود الآلوسي المتوفي في 25 ذي القعدة سنة 1270 ه- 1855 م و يعد من أعاظم مؤرخي العراق لهذه الحقبة.

و هناك مراجع ذكرناها في المجلد السابق. تمتد حوادثها إلي هذه الأيام مثل (تاريخ لطفي)، و جريدة (تقويم وقائع). و هكذا اعتمدنا الجوائب و كنز الرغائب و تواريخ جديدة … كما أن الوثائق الخاصة كثيرة لا تكاد تحصي و بينها ما يخص حادثا أو يوضح أمرا.

و في هذا العهد كثرت المراجع العربية و الأجنبية إلا أننا في الغالب نلتمس منها المحلية، و نصحح ما جاء مغلوطا من تلقيات الأجانب، و بالتعبير الأصح نعين تاريخنا بالنقل من رجالنا مع العلاقة بأصل الدولة.

و إلا وقعنا بأوهام لا تعد و لا تحصي سواء كانت فارسية أو تركية أو غريبة و التمحيص صعب. و المقابلة تكشف.

لم يتسع المجال للمناقشات أو النقد العلمي و إنما تكفي المقابلة لإظهار ما وقع الآخرون به من خطأ. نقدم الزبدة الصافية فيما نعتقد، و إلا طال بنا الأمر.

و إذا كان الأجنبي يشكو من قلة الوثائق فلا شك أننا بذلنا أقصي جهودنا في سبيل تذليل المصاعب فتيسر لنا الكثير. و المادة

عندنا غزيرة و مع هذا نري فينا رغبة عظيمة لاستطلاع ما يزيد أو يوضح. و ليس لنا إلا أن نحكي ما وصل إلينا خبره.

و علي كل حال نري المراجع الخاصة كثيرة و ليس في الوسع تعدادها. و إنما يهمنا منها ما نذكره في حينه. و أكثر فائدة ما أوردناه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 14

المباحث

اشارة

العراق للحقبة من انتهاء حكم المماليك إلي آخر أيام مدحت باشا طافح بالأحداث العظيمة نبهت حوادثه الغافل و الساهي. و كانت محل استفادة المعتبر و السياسي البارع. و الجهل بها لا يعذر، و الغفلة لا تعوّض. و استعراضها ليس بالأمر السهل. و من أجل ما هنالك:

1- فتح بغداد و تحول الحكم و عودته إلي الدولة العثمانية.

و هذا يعد (دور انتقال) تخلله اضطراب. أدي ألي نتائج مبصرة في بيان نزعات الأهلين، و آمال الدولة. و ما كان من جراء ذلك من مشادة.

2- التحول العام في سياسة الدولة بإعلان (التنظيمات الخيرية)

و الوعد بالإصلاح و هل تحقق لهذه التنظيمات من أثر في العراق؟

3- القضاء علي بعض الإمارات العراقية و انقراضها مثل إمارة الرواندزي، و إمارة العمادية، و إمارة الجليليين، و إمارة بابان.

و لكن الدولة لم تتسلط علي إمارة المنتفق و لا علي العشائر. و إنما بقيت في جدال عنيف.

4- الجرائد و المطابع.

تكونت في آخر هذا العهد. و صارت مبدأ تحول لم يظهر أثره في حينه و إنما فقدت الفائدة المطلوبة مدة.

5- مجاري السياسة.

و هذه ظهرت في الحوادث المتوالية في نفس العراق و في الولاة و القضاة و في مالية الدولة و رغباتها الأخري في الجندية … و أن المجاري العامة أثرت كثيرا …

6- الثقافة العلمية و مدارس الدولة.

و هذه الأخيرة لم تشاهد نتائجها في هذا العهد. و إنما ظهر أثرها في عصر تال، و لكنها لا تخلو من علاقة ما. و بجانب هذه تكونت المدارس الأهلية.

و كل هذه من أوضح المطالب و أجل الأوضاع. و لا نتوغل فيها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 15

الآن. و إنما يأتي تفصيلها. و عندنا برزت أوضاعها عيانا. و الحوادث التي نذكرها مما يهم العراق أكثر و هي ذات علاقة مباشرة بنا و لها ملامسة بأوضاعنا و حالاتنا الأخري. و لا ننس ما له اتصال قلّ أو كثر مما يؤثر تأثيرا مشهودا.

كل هذه مما نبّه العراق و جعله يفكر في مصالحه و يراعي ثقافته و يقرر اقتصادياته للنهوض بمستواها فوجد نفسه مكتوف الأيدي كما شاعت حوادث العالم و انتشرت فكان أثرها أكبر و إن كانت تلك ذات صلة أمكن.

و لا شك أن هذه دروس عملية لا تقتبس من كتاب و إنما أقرّها التاريخ. و هي نتيجة اتصال بالحوادث و صفحاتها المتحولة و المشهودة كل يوم فتتكرر و تمضي فلا تزول بزوال الشخص و لا تموت بموته بل هي حياة عامة. و حوادث العصر الثابتة هذه تحقق ما وراءها.

و هنا لا نقتصر علي المهم العام وحده و إنما نراعي تسلسل المطالب للارتباط البين. و من اللّه تعالي التيسير.

حوادث سنة 1247 ه- 1831 م

الوزير علي رضا باشا اللاز

لا يختلف هذا العهد عن الأزمان السابقة. و أن التنظيمات الخيرية لم تؤثر فيه إلا قليلا فكان بعيدا عن الإصلاح. توالي فيه وزراء كثيرون يحملون عقليات جافة- كما حدثت فيه أحوال سياسية مهمة و أوضاع داعية للالتفات تيسرت لنا و كشفت عن أحوال هؤلاء و لم تتيسر لغيرنا ممن شكا من قلتها.

و هذا الوزير أحد ولاة الدولة. لا يفترق

عنهم بما يمتاز به.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 16

دخل بغداد ليلة الخميس 8 ربيع الأول سنة 1247 ه- 1831 م و بذلك انقاد العراق لدولته رأسا، فأزال عنه المتغلبة، فكان أول وزير بعد المماليك، إلا أن الأهلين لم يلبثوا أن تذمروا منه، و أن المماليك عادوا من طريق آخر للتدخل في الإدارة، يعرفون التركية و هم أبصر بالمداخل فاستعانت بهم.

لم يستطع الأهلون أن يتغلبوا من جراء أن الثقافة التركية في الأهلين كانت ضعيفة، و هؤلاء متسلحون بها، و التفاهم سهل.. إلا أن الإمارة زالت منهم.

صار العراق تتحكم به سلطة الدولة مقرونة بسيطرة المماليك باسم موظفين و علي رضا باشا اللاز قد سكر بخمرة الانتصار، فتحكم به أتباعه و موظفوه، و تجاوزوا الحد في الظلم و الاعتداء.

و من مختلف المراجع تتعين أوضاع هذا الوالي، و تعرف وقائعه، و بين هذه ما هو حكومي و ما هو أهلي.. و عرض مثل هذه يجعلنا علي يقين من أمره. و كانت شهرته قد زادت في مقارعة داود باشا بل لم يكن ليعرف لولا هذه الحادثة.. و قد قيل لأم المخطئ الهبل، فالأوضاع ساعدته أكثر، و أن أكبر مسهل له الوباء و الغرق و إلا لتغيرت الأوضاع.

و للّه إرادات في خذلان داود باشا.

و هنا لا نود أن نعيد ذكري (حادث بغداد)، و إنما يهمنا بيان ما جري في أيام علي رضا باشا من وقائع أخري. لنكون علي بينة منها، و فيها ما يكفي للتبصر بها و بما خفي من أحواله الأخري.

أخذ داود باشا إلي استنبول

من أهم الوقائع أن أخذ داود باشا إلي استنبول في شهر ربيع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 17

الثاني. و يقال إن الحكومة احتفظت به و لم

تقتله لئلا يتطير محمد علي باشا خديو مصر، فلا يتقرب من الدولة.

و حذره الوزير علي رضا باشا أن يتحرك بحركة أثناء سفره لأنه أمر المحافظين بأنه إذا حصلت حركة إنقاذ أو هرب فلا يتأخر في قتله. و لذا منع من أي عمل طائش مثل هذا فإنه يضرّ به.

هذا ما شاع عن داود باشا. و رأيت في وثيقة تاريخية لم أتمكن من معرفة مؤلفها في تاريخ ولاة بغداد و سميتها (التارخ المجهول) في حوادث أيامهم. قال:

أما هذا الوزير- داود باشا- فقد انقضت أيامه عند خلاص الطاعون من بغداد، و أما وقائعه فما تذكر لقبحها، و لمزيد ظلمه- قبحه اللّه- و ليس له مادة حسنة كي يعتني المؤرخون بذكرها- حتي لو أننا نذكر من تعديه علي عباد اللّه لأفضي إلي كفره و إنكاره.

و أسس أشياء من الظلم ما تخطر في قلب فرعون. و كان بخيلا جدا مع زيادة أمواله، يغصب الناس أموالهم ظلما و عدوانا، و الحال سيّر إلي استنبول بأمر السلطان محمود، سيره علي باشا مهانا كما ذهب الحمار بأم عمرو …» اه.

هذا مؤيد بغيره. كان قاسيا إلا أن غالب أعماله مصروفة إلي المصلحة العامة. لا تزال أعماله الخيرية محل الانتفاع. و هل كانت خالصة للّه تعالي؟ و علي كل حال نقول: إنما الأعمال بالنيات كما هو منطوق الحديث الشريف.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 18

قتلة المماليك:

مرّ الكلام عليها في تاريخ المماليك، جعلناها تتمة لمباحثهم.

و كانت في 22 شعبان.

سوء أعمال:

إن الوزير بعد أن فتح بغداد، و قضي علي المماليك نصب الحاج يوسف آغا الشريف وكيل كتخدا، و كان من أعيان حلب. جاء بصحبة الوزير، و كذا السيد محمد آغا سيّاف زاده. نصبه متسلما للبصرة، و أودع المهمات الأخري لموظفين آخرين.. و صار يجمع بعجل مخلفات المماليك، و هذه مما جمعه و ادّخره هؤلاء خلال 90 سنة، أكثرها صار نهبا، فلم يصل إلي الوزير منها إلا القليل. باعها علنا بالمزايدة، و أرسل المبالغ المتحصلة إلي (الجيب الهمايوني)، أو (الجيب السلطاني)..

و في شهر رجب ورد بغداد عارف الدفتري. أرسلته الدولة. و لما وصل إلي الأعظمية استقبل بحفاوة، و أقيم في دار خاصة، و أجريت له مراسيم الضيافة و الحرمة. و ما استحصل من أموال المماليك كان قليلا فبيع و أرسل إلي الجيب السلطاني.. فلم تحصل فائدة تذكر من مجي ء الدفتري إلا أن الدفاتر التي هلكت أو نهبت كان قد جاء ببعض صورها فاستكتبت.

و من جهة أخري أن العشائر انتهبوا الأطعمة المدخرة بحيث إن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 19

الدولة لم تنل ما كانت تتطلبه من هذا الفتح، و الوزير في بغداد لم يتمكن من إعاشة الجيش و لا استيفاء راتبه إلا من طريق التغريم و المصادرة..

فكان الملا علي (الخصي) كاتب مقاطعة الخالص، و محمد الليلاني، و آخرون أمثالهما أرادوا التقرب من الحكومة، فأجروا مظالم بلغت الغاية في القسوة و تعرضوا بالمخدرات من النساء، صاروا يعذبونهن بأنواع التعذيب.. فتجاوزوا علي زوجة رضوان آغا المقتول في الواقعة. ضربوها بالفلقة، و كووا بدنها بالسيخ (الشيش) مع أنها من المخدرات، و ارتكبوا فجائع مما لا يأتلف

و الأخلاق المقبولة. آلموا الأهلين كثيرا.. و ذلك بأمل تقديم مبالغ للجيب الهمايوني، و سدّ جشع الوالي و أعوانه. فكان أثر هذه الواقعة كبيرا جدا. ثم أدركت الدولة غلطها، و علمت ما ولدته من نفرة في نفوس الأهلين، فحاولت أن تتدارك الأمر فلم تفلح.. و البغض لا يبدل بسهولة فينقلب إلي حب.

آل رضوان آغا:

تنتسب إليه أسرته المعروفة باسمه. أعقب ولدا صغيرا لا يتجاوز عمره آنئذ الست سنوات اسمه عبد الوهاب، فهربه الأهلون، أخفوه في دار الأستاذ عبد الغني جميل، و أصاب أمه الاعتداء. و هي نائلة خاتون من أسرة نقيب (مندلي). و كان التضييق عليها أدي إلي أن تظهر (مشربات) مملوءة ذهبا، و بعد ذلك صدر العفو عن المماليك، فعادوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 20

إلي بغداد، و صار الحاج عبد الوهاب معروفا. أعقب أولادا لا يزال بعض بقاياهم.

عبد الغني جميل- السيد محمود الآلوسي:

العراق لم ير ما رآه في أيام علي رضا باشا. شاهد الأهلون منه قسوة شديدة. و كان الوزير قد استدعي الأستاذ عبد الغني جميل من الشام. فورد بغداد و عهد إليه بالإفتاء. و في أثناء ذلك وجد ما يثير حفيظته فسخط علي حكومته، و ثار، و كذلك ثار لثورته جماعة كبيرة، و لكن مؤرخي الترك لم يعيّنوا سبب الواقعة، و لا ذكروا إيضاحا عنها فلا يودون إعادة أشجانها، جاءت مراجع كثيرة تنبئ بماهية الحادث مما ذكر من الجيب الهمايوني (السلطاني) و ما يلزم من المبالغ له.

و في تاريخ لطفي لم يصرح باسم الثائر المقبوض عليه، و راعي الكتمان و التخفي حذرا من توليد خواطر سيئة.

و في مجموعة الآلوسي أن عبد الغني آل جميل قام علي الوزير علي رضا باشا و أهل بغداد معه. حاولوا إخراجه و كلفوا بذلك. هاجموا دار الحكومة و قتلوا بضعة أشخاص، و تقدموا نحو باب الحرم.. و لكن الوزير راعي الحكمة، و قام بحركات قويمة. استعان بالجيش، فتمكن من القضاء علي الفتنة و فرق شمل الثوار.. اندلعت النيران في محلة قنبر علي، و سلّم عبد الغني آل جميل المفتي إلي الحكومة، و دخل في

أمانها، فأخمدت الغائلة.

و في حديقة الورود:

«إن علي رضا باشا لما ولي العراق من قبل السلطان … أبي أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 21

يطيعه من في العراق، و قامت الحرب بين الطرفين علي ساق، إلي أن دخل الوزير بغداد. فنسب إليه (إلي أبي الثناء محمود الآلوسي) من حادثة الحصار ما نسب، و شنّ عليه الأعداء إغارة البهتان و الكذب حتي أغلظوا قلب الوزير عليه، فضاقت عليه الأرض برحبها، و ظن أن لا ملجأ من اللّه إلا إليه. جاور مختفيا في محلة الشيخ عبد القادر الگيلاني … و لم يبرح خائفا و جلا، و لو رأي غير شي ء ظنه رجلا، إلي أن أقبل في هذه السنة من ناحية الشام الليث الهصور، و الشهم الغيور، غرة جبهة الكرام، و جمال محاسن الأيام، الذي لم تسمح بمثل سماحته و شجاعته الأيام في جيل، الجميل ابن الجميل، عبد الغني أفندي جميل، لا زالت سحب جوده منهلة علي العفاة، و مطارف فتاويه تسحب ذيول النسيان علي قاضي القضاة، فنصبه الوالي مفتي الحنفية، و ولاه أحكام الحنيفية، فلم ير مزيلا لخوفه و وجله، و مبلغا في خلاصه من تلك القضية غاية أمله، مثل الانتماء إليه، و الإقامة في داره لديه، فلما حلّ في جواره كسي حلة الأمان، و كان آمنا من دخل دار أبي سفيان، فصار عنده (أمين الفتوي)، كما أمن في ذراه من البلوي.

و في تلك الأثناء أنعم عليه الحضرة العلية- الوزير- توجيه تدريس (المدرسة القادرية)، فلما جري ما جري من حضرة الموما إليه (عبد الغني جميل) مع الوزير الخطير.. مما أوجبه محض الغيرة المحمدية، و الشهامة العمرية، و قد شاع و ذاع، و ملأ الأسماع و البقاع، حتي انفصل بسببه

عن منصب الإفتاء، و خرج من بغداد، و صار طريفه و تليده نهبا بيد الأجناد، نسب إليه- إلي الآلوسي- ما هو أعظم من الأول، و جفاه من الأصدقاء من كان يظنه السموأل، إذ تهّور الوزير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 22

عليه، حتي عزم علي قتله، لولا أن منّ اللّه تعالي عليه، و نجاه من ذلك الخطب و هوله، و ذلك بشفاعة بعض مشايخ الطريقة العلية النقشبندية (و هو الشيخ عبد الفتاح أفندي العقراوي) و كان منتسبا فيها إلي.. الشيخ خالد … فأمر الوزير حينئذ بجلوسه في التكية الخالدية، فلم يمكث هناك إلا أياما قلائل.. حتي سعي فيه السيد محمود النقيب، فزاد علي الطنبور نغمات … فصدر أمر الوزير حينئذ بحبسه في محلة الشيخ عبد القادر … فبقي نحوا من سنة و نصف و قد رفعت عنه وظائفه.. و لم تزل الأيام تعاديه إلي أن اتفق أن وعظ في الحضرة القادرية في رمضان، و اتفق أن كان هناك الوزير علي رضا باشا..

فسمع من زاجر وعظه ما أخذ بقلبه.. فسأل عنه فقيل هو فلان …

فلحقته إذ ذاك ندامة علي ما صدر في حقه.. ثم وصله بعطية، و أجازه بجائزة سنية، و أمر بعض خواصه أن يأتي به في عيد الفطر، فأتي به فأكرمه غاية الإكرام.. و أرجع إليه جميع وظائفه.. و أمره بأن لا ينقطع عن حضرته العلية، و أن يشرح (البرهان في طاعة السلطان)، فبادر إلي شرحه فأكمله و سمّاه (التبيان).. و قبل أن يتمه جعله خطيبا في الحضرة الأعظمية، و أهدي إليه ميزان الشعراني..

هذا و أجازه بتولية مرجان، و هي من خواص مفتي الحنفية من زمن السلطان مراد خان إلي هذه الأيام. و كانت

علي ما يحكي في الزمن القديم مشروطة لأعلم أهل بغداد بكتاب اللّه تعالي و حديث نبيه الكريم..» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 23

منظر بغداد من ساحة الميدان- رحلة وليم فوغ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 24

و في مجموعة ابن حموشي أن ابن جميل ضربت داره في قنبر علي بالمدافع فاحترقت. أمر الوالي و الكمركجي عبد القادر آغا ابن زيادة و الملا حسين الكهية بذلك و انهزم إلي الشام سنة 1249 ه. و أقول عاد الحريق إليها في 3 شوال سنة 1332 ه فقضي علي ما بقي من الكتب.

و كانت نفيسة جدا.

أرادت الدولة أن تغير سياستها لما ولدت من نفرة، فقربت الأستاذ أبا الثناء الآلوسي. و هذا حدث مهم في تبديل تلك السياسة.

عبد الرحمن الأورفه لي- محمد أسعد النائب:

إن النقمة التي حصلت في الناس بحيث صاروا يثنون علي حكم المماليك مما دعا أن يقربوا بعض رجالهم ممن كان خبيرا بالإدارة لتسكين الحالة.

جاء في مرآة الزوراء: أن عبد الرحمن الأورفه لي كان قد خالف العهد مع الأهلين، و فرّ أثناء المحاصرة إلي جهة علي رضا باشا اللاز.

فلما دخل الوزير بغداد نصبه دفتريا. فظهرت خيانته في ضبط مخلفات المماليك و أموالهم المتروكة، و من ثم عزله الوالي و نصب مكانه أسعد النائب في أواخر شهر ربيع الآخر. و أقول أراد الوزير أن يبرر العذر لدولته، فانتحل مثل هذه المعذرة.. و كان محمد أسعد بمنصب (مصرف) قبل أن يتولي الدفترية.

آل الأورفه لي:
اشارة

و الملحوظ أن عبد الرحمن الأورفه لي ابن الحاج علي الرهاوي.

و آل الأورفه لي ببغداد يتفرعون منه. كان له من الإخوة حسن آغا، و محمود آغا و محمد صالح فلم يعقبوا. و أما عبد الرحمن فقد ترك من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 25

الأولاد داود آغا فتوفي عن سعد آغا، و هذا مات عن بنات و عن ابن اسمه محمد سليم أعقب عدة أولاد.. و من أولاده علي آغا لم يعقب بنين. و أما ابنه عثمان آغا فقد أعقب:

1- إبراهيم:

و أولاده الأساتذة جميل و إسماعيل و خليل و مكي و ناظم و جلال.

2- عبد الرحمن:

و أولاده الأساتذة مكي و عثمان و نوري و نشأت.

3- نجيب:

و أولاده الأساتذة سامي و نافع و نامق و مدحت.

و هذه الأسرة لا يعرف بالضبط تاريخ ورودها العراق إلا أن مكانتها معلومة من سنة 1215 ه.. و أن داود آغا كان معروفا بشعره العامي، و لا يزال يتغني به. و ظهر من هذه الأسرة أفاضل اشتهروا بالمحاماة و الحاكمية و الوزارة و المناصب العسكرية. و منهم ملاكون بل غالبهم.

تزوج الوالي:

إن هذا الوالي دخل بغداد بنفسه، و أن المماليك بعد انقراضهم بقيت زوجاتهم أرامل، و كان بقاء الوزير أعزب لا يليق به. فأشاروا عليه أن يتزوج. و أن زوجته أبقاها في حلب، و هي أسماء خاتون بنت الصدر الأعظم قوجة يوسف باشا، و لم يكن لها ولد ذكر، فتزوج الوزير بنت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 26

سليمان باشا الصغير والي بغداد و هي سلمي خاتون، عقد عليها في أواسط جمادي الأولي سنة 1247 ه.

شمر و المنتفق:

كان الشيخ صفوق الفارس رئيس شمر منفورا من حكومة المماليك، و شيخ المنتفق الشيخ عجيل السعدون مقربا منها.

أما علي رضا باشا فإنه قرب الشيخ صفوقا من حين كان في حلب. و لذا هاجم الشيخ عجيلا شيخ المنتفق من آل السعدون، و كان فريق من المنتفق محبوسين سنين عديدة فلما وقع الوباء سنة 1246 ه فرّ هؤلاء من السجن، و بينهم شيوخ المنتفق ممن كان يضمر العداء للشيخ عجيل، التجأ هؤلاء إلي الشيخ صفوق، و انضمت إليهم عشائر البعيج و الأسلم في أنحاء الحلة، و كذا عشائر أخري مالت إليهم.

أما بغداد فقد اختلّت حالتها بتأثير الوباء. و من ثم هاجم الشيخ صفوق المنتفق بما عنده من قوة، فظهر الشيخ عجيل لمحاربته و معه نحو 1500 من الفرسان و المشاة إلا أن الجموع التي كانت مع صفوق لا تكاد تحصي كثرة، فلا يستطيع أن يقابلها أولئك فجري الحرب بينهم في أواخر جمادي الثانية و بذلك انفرط عقد من كان مع الشيخ عجيل من الجموع. أما هو فقد كبا به فرسه فسقط و مات لساعته..

و بهذا انتصر صفوق و من معه من شيوخ المنتفق. و لعله من جراء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7،

ص: 27

هذه الواقعة لقب- (سلطان البر).

حوادث سنة 1248 ه- 1832 م

قتلة الأدهمي:

كان السيد محمد الأدهمي قاضي الحلة، فجاء خبر قتله في 25 شعبان سنة 1248 ه، و هذا هو ابن السيد جعفر الأدهمي الأعظمي.

كان مثابرا علي العلوم و الكمالات فنال منها نصيبا و افرا، و برع بها، و له نظم و نثر، توفي في الحلة.

آل الأدهمي- آل الواعظ:

عرف بآل الأدهمي جماعة من العلماء و المتوفي المذكور رأس أسرتهم، أنجب أولادا منهم السيد عبد الفتاح الشهير (بالواعظ) توفي بالطاعون سنة 1246 ه. و كذا السيد محمد أمين و عرف بالواعظ، و توفي سنة 1273 ه، و له من الأولاد الذين اشتهروا بالعلم السيد مصطفي الواعظ مفتي الحلة، و من أولاده السيد إسماعيل الواعظ، و هو من المدرسين، و السيد إبراهيم الواعظ كان محاميا معروفا و اليوم هو رئيس التفتيش العدلي. و لهما أولاد كثيرون. دام فيهم العلم و الوعظ مدة طويلة. و من مشاهيرهم السيد جعفر أخو السيد مصطفي ثم مالوا إلي نواحي الثقافة الأخري. و الملحوظ أن آل الأدهمي الآخرين احتفظوا باسم أسرتهم الأصلية (آل الأدهمي)، و لا تزال بقية باقية منهم.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 28

عشائر الشامية و الهندية

امتنع عشائر الشامية و الخزاعل و تابعهم أهالي الهندية من أداء الرسوم الأميرية البالغة نحو ثلاثين ألف شامي. فجهز عليهم الوالي نحو أربعة آلاف جندي من الموظفين. جعلهم في قيادة الحاج أبي بكر الكتخدا السابق، و عثمان بك آل إبراهيم باشا و آخرين. ساروا إلي تلك الأنحاء في أوائل جمادي الآخرة، فلما وصلوا إلي الحلة حدث بين أمراء الجيش خلاف أدي إلي تعطيل الحركة.

ذلك ما جعل الوزير يبعث محمد أسعد النائب الدفتري بصلاحية واسعة. و هذا حين وصوله اختار عثمان بك رئيسا. و تعهد أن يستوفي الأموال المطلوبة من أهل الهندية، و أعاد إلي بغداد الحاج أبا بكر و آخرين … و ذهب هو بنفسه إلي الهندية و معه نحو أربعين أو خمسين من الأفراد، فجبي من الهندية عشرة آلاف شامي. استوفي ذلك كله في بضعة أيام، و عاد إلي بغداد، و أن

عثمان بك آل الشيخ أجري بعض المعارك فحصل الأموال الأميرية و أمهل عن الباقي و هو القسم القليل و أصلح ما بينهم، و عاد ناجحا في المهمة، فأبقي الجيش في الحلة و عاد بمن معه من أتباعه إلي بغداد..

قتلة أسعد ابن النائب

كان قد صار دفتريا، و كان منصب (كتخدا) من المناصب الجليلة في تشكيلات الدولة، فالكتخدا مرجع العام و الخاص، و بيده تصريف أمور الوالي. و كان وكيل الكتخدا الحاج يوسف آغا من رجال الوالي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 29

و أهل دائرته إلا أن هذا لا يعلم عن أحوال بغداد شيئا، فلا يصلح للقيام بالمهمة، فاختار ابن النائب كتخدا- في شعبان- لأنه كان مستكملا الصفات المطلوبة، عارفا بالداخل و الخارج، و له المعلومات الوافية، و في أيام داود باشا كانت له المنزلة المقبولة رأي عيانا ما قام به.

بذل ما استطاع في إرضاء الوزير. و حصر به الأعمال كافة، فأقلق راحة رجال الوزير كما تعقب المجرمين و أهل الشقاء فاضطرب الكل لما استولي عليهم من الخوف، و حسبوا أن قد عاد زمن المماليك مرة أخري.

تألبوا عليه، و لكن خدماته كانت مقبولة في نظر الوزير، فلم يتمكنوا من تغييره عليه بسهولة، و إذا عزل أيضا فلا يبعد أن يستعيد مكانته بعد قليل.

فلا يوجد من يعدله في مقدرته. صاروا يخشون بطشه.. فاتفقوا أن يغروا الوزير بقتله، فتم لهم الأمر، و اضطر أن يقتله.

و ذلك أنه من حين صار كتخدا قرب إليه رجال المماليك فأحال إليهم المهمات، جلب لجهته أعيان العراق و شيوخهم و أمراءهم و في أيامه استعاد (جيش بغداد). فأخذهم و صار شأنه كسائر الكهيات السابقين، يسير بخدمته نحو ثلاثمائة أو أربعمائة من رجاله. فاتخذوا ذلك وسيلة

لتنفيذ ما أضمروه من الوقيعة به.. فأفهموا الوزير بأن هذا قد أمّن الخارج، و لم يبق له إلا الداخل، و أن يستولي عليك و علي من معك. نواياه ظاهرة من أعماله هذه.. و قالوا له (تغدّ به قبل أن يتعشّي بك). فتردد الوالي في بادئ الأمر، و لكنه لما لم يزاول أمور السياسة بتدبير و حذق ظن أنه سوف يستقل بأعماله هذه، و هكذا حذره القاضي تقي أفندي الحلبي، و كان جريئا، حديد اللسان.. و رأي من أهل دائرته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 30

اتفاقا في بيان خطر الوضع إذا بقي بعيدا عنهم، و كل واحد منهم قدم بعض المقدمات، فخوفوا الوالي، و تمكنوا من إمالته.

و في 27 رمضان ليلة الجمعة بعد التراويح نفذوا ما عزموا عليه، فباشر قتله السلحدار ضربه ب (طبانجة) و يقال لها (فرد) أو قربينة. فقتل علي حين غرة، و بقيت جنازته مطروحة علي الأرض في الميدان مدة 24 ساعة مكشوفة العورة، ثم غسل و كفن و دفن في المدرسة العلية. و له جامع باسمه في كركوك يسمي (جامع ابن النائب) لا يزال عامرا إلي هذه الأيام ذكرته في كتاب المعاهد الخيرية.

و الظاهر أنه عاد إلي ظلمه، فنفر منه الأهلون و الموظفون و من هنا داهمه الخطر، و إلا فقد اختير كتخدا آخر من المماليك و لم يقصدوا القضاء عليه لينالوا منصبه. و لا شك أن الأستاذ سليمان فائق كان عارفا بالحالة جيدا.

آل النائب:

لا تزال هذه الأسرة في الحلة و بغداد و كركوك و هم أمويون. رأيت لهم بعض الفرامين المشعرة بذلك، و ابن النائب يعد من أدباء العربية و التركية، و له ديوان في العربية و التركية. و لا

يزال يحفظ له أهل كركوك و إربل مقطوعات مختارة منه. و هو كاتب مبدع و (آل عبد الوهاب النائب) غير هؤلاء.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 31

أحمد آغا كهية بغداد:

اختير لهذا المنصب أحمد آغا، و كان في أيام داود باشا، و شوهدت منه خدمات.. إلا أنه لم تتوفر له وسائل الإدارة ليتولي مصالحها كافة و يستطيع القيام بالمطلوب لما هناك من خطر ذاقه سلفه.

تبين له الأمر بوضوح فزاول المهمة باحتراس زائد، و لم يتوغل حذرا من الوقيعة..

و يلاحظ هنا أن هذا الكتخدا استقر في وظيفته هذه مدة.. ثم توفي فصار مكانه أحد مماليكه (الحاج أحمد آغا) المشهور، فظلم ما شاء أن يظلم. و من هذا نري الإخفاق في الإدارة أدي إلي أن التجأت الحكومة إلي المماليك. فأعادوا نفوذهم، و لم يحصل تجدد.

هذا، و إن أحمد آغا الأول والد الحاج حسن الكولهمن و من أولاده كامل و كمال و منهم مدحت و توفي. و بنات تزوج إحداهن الحاج محمد رفعت و كان قبل احتلال بغداد قائد المركز (رتبة عسكرية مهمة) نالها في الحرب الأولي. و رتبته الأصلية بكباشي أي (مقدم). و هو والد الدكاترة أكرم و بسيم و نهاد المعروفين. و إن الحاج أحمد آغا من مماليك أحمد آغا الأول. توفي بلا عقب. و يضرب المثل بظلمه و قسوته تنقل حكايات كثيرة عن قسوته.

تقليل الجيش

في السنة التالية للطاعون وجد أن قد نهب العشائر المقاطعات، و استقلوا بإدارتها، و لم تبق بذور تزرع. تعطلت المقاطعات، و أن واردات البصرة بقيت بيد المتغلبين، و كانت آنئذ عدة الجيش نحو عشرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 32

آلاف من الخيالة. و المشاة. كانوا من الهايته (الباشي بوزق)، فلم تتيسر الإدارة بهم إدارة صالحة. و لم يبق من يقوم بالمهمة.. فاقتصر علي ثلاثة آلاف منهم و سرح الآخرين، فذهبوا جماعات (إلي الأناضول).

فكان العجب كل العجب في إدارة المملكة بهذا

القدر من الجيش، في حين أن ديار بكر و حلب و العراق كلها كانت تدبر بمثل هذا الجيش..!

كور باشا و اليزيدية:

قالوا عاث كور باشا بالأمن. و قتّل في اليزيدية تقتيلا ذريعا، و نهب و سلب حتي وصل إلي الموصل فقطع الجسر حذرا منه. و ذلك أن اليزيدية قتلوا علي آغا البالطي عم الشيخ يحيي المزوري فاستصرخه المزوري علي هذا العدوان فانتصر له و انتقم منهم و كان ذلك أيام والي الموصل محمد سعيد باشا آل ياسين المفتي.

جرت هذه الواقعة في هذه الأيام و تلتها وقائع بهدينان علي ما يأتي: في حادث القضاء علي إمارته. و يقال له (ميره كوره). و يتغنّي الأكراد بشجاعته. و لم يكن ما نسب إليه من أنه عاث بالأمن صوابا.

و إنما حذرت الدولة من توسعه فشنعت عليه، و اهتمت في أمر غائلته.

عزير آغا و محمد المصرف:

إن عزير آغا من أعوان داود باشا، كان متسلم البصرة مدة أربع سنوات أو خمس فلما خرج منها ذهب إلي المحمرة (خرمشهر)، و من هناك فرّ إلي إيران. و أما محمد أفندي المصرف فإنه مال إلي العشائر في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 33

الحدود الإيرانية، و صار يتجول هناك، فتمكنوا من جلب بني لام لجهتهم و كذا بعض العشائر الأخري، و مضي لجهتهم العثمانيون الذين تفرقوا بعد قتلة ابن النائب.

و في تاريخ لطفي أن عزير آغا بعد أن فرّ إلي إيران صار يكاتب الأهلين بقصد إحداث الاضطراب. فجمع علي رأسه جموعا كثيرة، و عزم علي المجي ء إلي بغداد، و لكن نظرا للمصافاة آنئذ بين إيران و العراق لم تقبل إيران أن تخل بالأمن، بل كان عليها أن تراعي حقوق الجوار، و تمنع عزير آغا أن يقوم بعمل.

فاتحها علي رضا باشا بالأمر و كتب إلي حاكم كرمانشاه الشهزادة حسين ميرزا بواسطة رسول خاص، و من ثم ألقي القبض حالا

علي عزير آغا في أنحاء شوشتر (تستر)، و كان في حراسته مائتا جندي و التمست إيران أن يعطي له الأمان، و أن يحافظ علي حياته.

آل عزير آغا:

و يلاحظ هنا أن مرآة الزوراء وقفت عند ما نقلت، و لو لا تاريخ لطفي لبقي البحث مبتورا. و كل ما نعلمه أن آل عزير آغا لا يزالون في بغداد. تولوا مناصب كبيرة في الدولة العراقية و صاروا أصحاب مكانة مقبولة. أعني الأساتذة أمين خالص و كان بمنصب رئاسة المفتش الإداري فأحيل إلي التقاعد، و كان ولي متصرفيات مهمة مثل البصرة، و محمود خالص يشغل عضوية محكمة تمييز العراق، و كان كل منهما قد تقلد بمناصب مهمة لما نالوا من ثقة و اعتماد. و هما ابنا خالص بن أمين بن عزير آغا. و لعزير آغا أوقاف خيرية في البصرة و أوقاف ذرية أيضا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 34

بكر بك البصري:

من جراء حادث بغداد، و أثناء الواقعة جلب إلي استنبول فبقي في الما بين الهمايوني، و خصص له راتب شهري ألف قرش.

إيالة حلب:

كانت منضمة إلي والي بغداد فانفصلت في هذه السنة و كان القائممقام عن والي بغداد في حلب محمد باشا المعروف ب (اينجه بير قدار).

إيالة البصرة:

ثم إن الدولة رأت أن اللائق لإدارة البصرة والي حلب محمد باشا المعروف ب (اينجه بيرقدار) فوجهت منصبها إليه. و لا شك أن ذلك برأي الوزير علي رضا باشا. و الظاهر أنه لم يذهب إلي البصرة أو لم تطل إقامته هناك فنقل إلي شهرزور علي ما يأتي.

حوادث سنة 1249 ه- 1833 م

منصب الإفتاء- الأستاذ الآلوسي:

إن الأستاذ أبا الثناء محمودا الآلوسي كان قد ظهر بين العلماء بالمظهر اللائق و أبدي القدرة العلمية، فصار أمين الفتوي أيام المفتي الأستاذ عبد الغني جميل. ولي هذا المنصب سنة 1249 ه أو أوائل سنة 1250 ه. و في أيامه زها الإفتاء و اكتسب جمالا و جلالا و مهابة بما اشتهر به من علم جم و أدب فياض. بقي في هذا المنصب نحوا من خمس عشرة سنة. و هو المفسر الكبير و صاحب المؤلفات المفيدة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 35

أوضحت عنه في (ذكري أبي الثناء) بمناسبة مرور مائة سنة علي وفاته، و بينت حالة الإفتاء و مكانه منه. و كان قبله محمد سعيد الطبقجه لي ثم عبد الغني جميل و بعده محمد سعيد أيضا ثم صار الأستاذ الآلوسي.

هنأه بهذا المنصب جماعة من الشعراء و الأدباء و مدحوه.

صفوق الجرباء:

لم يلتئم الشيخ صفوق مع الوزير، فحدث بينهما خلاف. بسببه اختل الأمن فأرادت الدولة أن تحقق الأمر، و أن يعاد النظام كما كان، فأرسلت آگاه أفندي من الخواجكان للقيام بالمهمة في بغداد. و إثر وروده إلي بغداد زالت هذه الغائلة.. و كل ما عرف أن والي الموصل يحيي باشا كانت بينه و بين علي رضا باشا نفرة.. فحرك رئيس عشائر شمر الشيخ صفوقا فقام في وجه علي رضا باشا، فالتقي الجيشان قرب الكاظمية، فعلم صفوق أن لا طاقة له بحرب علي رضا باشا فترك أثقاله و أحماله و انهزم، فتجاوز حدود الموصل، فاضطر جيش بغداد إلي العودة و كان بين متروكات الشيخ صفوق كتاب من يحيي باشا يدل علي العلاقة بينهما.

آل الجليلي و انقراض إمارتهم:

مما مرّ عرف السبب في اتخاذ الوسيلة للقضاء علي هذه الإمارة.

و دامت في إمارة الموصل من أمد بعيد جدّا من أيام إسماعيل باشا الجليلي والد الحاج حسين باشا الجليلي ولي سنة 1139 ه- و هو أول و ال من آل عبد الجليل. ثم صار ابنه الحاج حسين باشا الجليلي ولي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 36

إمارة الموصل مرات عديدة و استمرت هذه الأسرة في الحكم فلم تقو عليها الدولة العثمانية فبقيت في الإدارة. طال حكمها أكثر من حكم المماليك. دام إلي سنة 1250 ه- 1834 م تتخلله فواصل إلا أنها لم تفارق الحكم من بعض الوجوه، فلم يكن الولاة الجليليون متوالين و لكن المواهب قوية فلا تلبث أن تعود إلي الإدارة. و عندي مشجر مخطوط في أسرتهم. ورد في تاريخ العراق بين احتلالين ذكر بعض ولاتهم لا سيما الحاج حسين باشا الجليلي و ما قام به من الدفاع عن الموصل أيام نادر شاه

فوقف في وجهه. و أخبارهم في تاريخ الموصل للأستاذ الصائغ، و في كتاب مخطوطات الموصل، و في كتاب منية الأدباء في تاريخ الموصل الحدباء لياسين بن خير اللّه الخطيب العمري نشره و حققه الأستاذ سعيد الديوه جي مدير متحف الموصل. و في تاريخ العراق بين احتلالين (ج 5 و 6). و آخر الأمراء من هذه الأسرة يحيي باشا ابن نعمان باشا الجليلي. و في ولايته الأولي من سنة 1238 ه إلي 1242 ه- 1827 م كتب الشاعر عبد الباقي العمري الموصلي المعروف (كتاب نزهة الدنيا في الوزير يحيي). و هو من آثاره المهمة. عندي مخطوطته الأصلية كما أعتقد. و في ولايته الأخيرة من سنة 1249 ه إلي سنة 1250 ه كان ما نسب إليه من سبب الاتفاق مع الشيخ صفوق غير صحيح فإن تدابير الدولة الأصلية انصرفت إلي القضاء علي المتنفذين قضت علي المماليك و ثنت بالجليليين. و همها القضاء علي هؤلاء قبل كل شي ء فاتخذوا سببا ظاهريا و هو قضية الشيخ صفوق للمعذرة. و سبق ذلك استخدام الولاة من العمرية و من آل ياسين المفتي. و هي أسباب غير مباشرة أيضا.

و هذه الإمارة نالت منزلة كبيرة و خدمة عظيمة للثقافة قامت بها في تأسيس المعاهد الخيرية من مدارس و جوامع حافظت بها علي الآداب و العلوم و ناصرت المؤلفين و كفاها هذا. و ما تقوله البعض عليهم فلا قيمة له و يدل علي تفكير ضيق و حنق زائد إذ لو لاهم لكانت الموصل في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 37

جهل … و لو عددنا المعاهد الخيرية من مؤسساتها لهالنا الأمر و في كتابنا (المعاهد الخيرية) تعرضنا لما قاموا به.

و الأسرة اليوم انصرفت إلي

ناحية ثقافة جديدة و لا تزال محتفظة بمقامها المعتبر. و أصدقاؤنا من هذه الأسرة الدكتور محمود الجليلي، و الأستاذ عبد الرحمن الجليلي و صديق الجليلي و هم من المعروفين من هذه الأسرة في الأوساط العراقية. و لم تكن في أيامنا بأقل نصيبا من سابق عهدها و المواهب تظهر.

أما آگاه أفندي فقد استأذن حكومته في الأمر فجاءه الأمر بلزوم إبداء الشكر للوالي علي ما قام به، و أن يذهب إلي إيران للمفاوضة بخصوص القضاء علي التعديات في ديار الكرد. و أن يعزّي شاه إيران بوفاة الشهزاده ولي العهد عباس ميرزا.. و من هنا نشأت نكبة يحيي باشا.

حوادث سنة 1250 ه- 1834 م

تسيير البواخر الإنكليزية:

كان قد أذن للإنكليز بتسيير باخرتين في نهر الفرات من البواخر النقلية. و لم تكن تستعمل قبلها سوي الوسائط القديمة. و هاتان الباخرتان قد أصابهما العطب. و يعدّ هذا أول دخول البواخر العراق. و لم يستفد العراق منها إلا أنه ورد الإذن في سنة 1257 ه- 1842 م إلي الوزير علي رضا باشا اللاز بتسيير الباخرتين. و هو الأمر الأول فاستغلته شركة لنج لاستخدام البواخر في دجلة. و سيأتي الكلام علي ذلك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 38

القصمان أو عقيل:

في 2 شعبان سنة 1250 ه خرج القصمان (أهل القصيم) في نجد عن الطاعة و نهبوا جانب الكرخ، فأجلوا عن ديارهم.. و هؤلاء يقال لهم عگيل (عقيل) فهم من عشائر متعددة نجدية الأصل.

المدرسة الحربية:

في هذه السنة تأسست المدرسة الحربية باستنبول، فكانت فاتحة الجيش المنظم علي أساس علمي عصري فكان لها تأثير كبير في حياة الدولة العثمانية..

و كان للعراق نصيب وافر منها. فقد تخرج كثيرون من طلاب العراق لا سيما بعد أن تكونت في العراق (المدارس الرشدية العسكرية)، و (الإعدادية العسكرية) سارت بانتظام، و كان الطلاب بوفرة، و الرغبة قوية. و كانت تعد من أنظم المدارس في الدولة.

حوادث سنة 1251 ه- 1835 م

والي شهرزور:

عزل محمد باشا اينجه بيرقدار والي شهرزور، و وجهت الإيالة إلي أشقر باشا، و كان قد سماه الأستاذ الآلوسي علي أشقر باشا. جاء مع الوالي علي رضا باشا. و كان من موالي بيت السلطنة، صار واليا علي شهرزور و أقام ببغداد، و هو يد علي رضا باشا في حضره، و قائممقامه في سفره. ثم إن محمد باشا صار بعد ذلك واليا علي الموصل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 39

و في (تاريخ الموصل) للأستاذ الصائغ بيان عن مجيئه إلي الموصل ثم دعوة علي رضا باشا له، و صيرورته في شهرزور. و فيه مخالفة لما سبق أن ذكرت من أنه كان قائممقام الوزير في حلب.

مختارو المحلات:

في هذه السنة حدث انتخاب المختارين للمحلات في البلاد، فكتبت الأوامر للولاة اتباعا لنظامات البلدية.. و كذا كان لكل محلة إمام، و صارت تراعي أصول انضباط لهذا الغرض..

و لا يزال مختار و المحلات علي أوضاعهم القديمة. لم يحدث تبدل إلا أن سلطتهم تعيّنت نوعا في ملاحظة سكان المحلة، و من يتوفي بلا وارث، و تنظيم بيان لإصدار قسامات بانحصار الوراثة، و صار يسأل المختارون عن حال الشهود و ما ماثل من الأمور كعقود النكاح و ما يتعلق به..

الشاعر عمر رمضان

في هذه السنة أو التي بعدها توفي الشاعر المعروف السيد عمر رمضان الهيتي. و كانت له صلات أدبية بالأخرس و مهاجاة، و بالشيخ صالح التميمي، و بأبي الثناء الآلوسي و آخرين. رثاه السيد عبد الغفار الأخرس بقصيدة مطلعها:

رمينا بأدهي المعضلات النوائب و فقد الذي نرجو أجل المصائب

و عندي مجموعته بخطه و تحوي شعره و مختاراته. و أوسعت الكلام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 40

عليه في (التاريخ الأدبي). و هو عالم فاضل و أديب كامل. و ترجمته في المسك الأذفر و في حديقة الورود …

حوادث سنة 1252 ه- 1836 م

نفي السيد محمود النقيب:

كان نقيب الأشراف أخرجه علي رضا باشا من بغداد متوجها إلي السليمانية يوم الخميس 24 من المحرم سنة 1252 ه، و بقي خلف باب الإمام الأعظم إلي ليلة الثلاثاء الساعة الثانية، فذهب إلي السليمانية في منتصف صفر سنة 1252 ه ليلة الثلاثاء. و كان ممن نفي معه السيد محمد سعيد التكه لي (التكرلي).

و الملحوظ أن السيد محمود أفندي النقيب ابن السيد زكريا. دفن في رواق المكتبة للحضرة القادرية و كذا دفن السيد محمد سعيد التكرلي هناك كما أن السيد علي الكبير دفن هناك.. و من هؤلاء السيد رمضان و من ذريته السيد عبد الفتاح الكليدار..

و ذمه الأستاذ أبو الثناء لما رأي من معاملة جافة و قاسية. و هو من آل عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الكيلاني. و بعدها انتقلت النقابة إلي السيد علي الكيلاني من آل عبد العزيز ابن الشيخ عبد القادر الكيلاني و استقرت النقابة فيهم و لا تزال إلي أيامنا.

كور باشا الرواندزي- القضاء علي إمارته:

كان أمراء الصورانيين زال ذكرهم من البين ب (آل بابان). و لم تظهر حوادث عنهم إلا قليلا. و إنما بدأت حوادثهم أيام (كور باشا).

و يعرف ب (مير كوره). و هو محمد باشا الرواندزي و كان من الصورانيين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 41

و منهم من قال إنه من أمراء (لپ زيرين) في برادوست من أمراء زرزا شنّ غارات عديدة و أوقع وقائع قاسية وقعت أيام داود باشا، و منها ما كان علي (اليزيدية) أيام علي رضا باشا إجابة لاستغاثة الشيخ يحيي المزوري المتوفي سنة 1252 ه. مطالبا بدم عمّه (علي آغا البالطي). قتله اليزيدية. فأفتي أحد علمائه الشيخ محمد الخطي العالم المعروف جد الأستاذ خورشيد بن عبد الحكيم ابن الشيخ محمد

الخطي بقتلهم ما دعا كور باشا أن يقاتلهم. و توفي الخطي سنة 1252 ه. بعد القضاء علي كور باشا و كان من مشاهير العلماء في أيامه. و عندي له رسالة قدمها إلي داود باشا (في العلم الإلهي). و له مؤلفات أخري …

صال كور باشا علي اليزيدية عبر الزاب الأعلي من جهة (ياسين كلك)، و تعقب أثرهم حتي الموصل، فقطع أهل الموصل الجسر حذرا منه، فاعتصم اليزيدية بالنبي يونس عليه السلام و تحصنوا فيه إلا أنه استولي عليهم بعد المحاصرة و دمرهم تدميرا. و كان الأستاذ أبو الثناء رآهم في ياسين كلك بعد تلك الواقعة و ذكرهم في رحلته. و الظاهر أنهم رأوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 42

مدحت باشا- عن تبصره عبرت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 43

ضعفا، فمالوا إلي أبناء طائفتهم و كان قبل ذلك رآهم نيبور السائح الهولندي و ذكر بعض قراهم قبل واقعة كورباشا الرواندزي. رآهم في الجانب الأيمن من الزاب الأعلي. و مثله في رحلة المنشي البغدادي و سميت قريتهم ب (حسين كفتي). و لعلها نفس قرية (ياسين كلك). ثم مال الأمير كور باشا إلي العمادية و فعل بها ما فعل. و توالت حوادثه، فشغل الدولة و من ثم اهتمت للأمر خوفا من توسع هذه الإمارة.

عزمت الدولة علي القضاء عليه، و عدت غائلته من أمهات الغوائل، فجهزت والي سيواس الصدر الأسبق و السردار الأكرم رشيد محمد باشا. اختارته للأمر و عهدت إليه بالمهمة. و أمرت والي الموصل محمد باشا (اينجه بيرقدار)، و وزير بغداد علي رضا باشا اللاز أن يكونا علي أهبة و موعد للتعاون معه و أن يهتما في دفع هذه الغائلة.

قام الكل بما عهد إليهم مجتمعا. و

من ثم و قبل الشروع في حرب كور باشا حذره السردار من العصيان، و كتب إلي العلماء أن ينصحوه لتقديم الطاعة. و في الوقت نفسه تعهد له السردار رشيد محمد باشا أن لا يلحقه ضرر و لا يمسّه سوء، فأبدي انقياده و أذعن للسلطان، فأخذ إلي استنبول و عفي عنه. ثم صدر الفرمان بقتله في طربزون و منهم من قال في سيواس و دفن فيها. و في رجب سنة 1252 ه توفي الصدر الأعظم السردار رشيد محمد باشا و لعل لوفاته دخلا في قتله بعد العفو عنه.

مات بلا عقب. و الباقون اليوم من ذرية أخيه رسول آغا. و منهم إسماعيل بن سعيد بن عبد اللّه مخلص قتل قبل بضع سنوات و هو ابن أخي إسماعيل قتل غيلة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 44

و كان رشيد محمد باشا من أكابر رجال الدولة نال الصدارة في أوائل شهر رمضان سنة 1244 ه، و فصل عنها في أوائل شهر رمضان سنة 1284 ه و ولي سيواس في جمادي الآخرة سنة 1249 ه. و في ذي القعدة من تلك السنة بمناسبة غائلة الرواندزي أضيفت إليه ولاية ديار بكر لزيادة الاهتمام بالأمر.

و علي كل حال انقرضت إمارة الرواندزي سنة 1252 ه- 1836 م.

قام لها الترك و قعدوا. و قالوا كانت أقلقت راحة الأهلين مدة اضطرب فيها حبل الأمن و سلبت الطمأنينة … و علي كل عادت في طيات التاريخ. عاشت في حياة كور باشا و ماتت بموته. و كان التشنيع عليه بسبب توسع إمارته و نجاحها في ديار الكرد و حسبوا لها خطرها عليهم.

فأرسلوا إليها أحد الصدور العظام بلقب (سردار أكرم). و بهذا كان قد حصل رشيد محمد باشا

و (اينجه بيرقدار) و علي رضا باشا اللاز علي إنعامات السلطان من جراء هذا العمل الجدير بالإنعام و التقدير. و إن الشيخ صالح التميمي مدح الوزير علي رضا باشا اللاز بقصيدة علي هذا النجاح الباهر.

و الملحوظ أن ما جاء في تاريخ الموصل للأستاذ الصائغ من أن قيادة الجيش كانت بيد (مصطفي رشيد باشا) فغير صواب. تسرب إليه الخطأ من سالنامة الموصل. و سماه الأستاذ الدكتور داود الچلبي (رشيد باشا الگوزلكي) ظنا منه أنه وزير بغداد المذكور. و جاء في كتاب (إمارة بهدينان) أنه (محمد رشيد باشا). وقع فيما وقع فيه معالي الأستاذ المرحوم محمد أمين زكي في كتابه (تاريخ الدول و الإمارات الكردية)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 45

دون أن يصرح بالنقل منه.

إمارة العمادية- انقراضها:

هذه الإمارة كنت ذكرتها في (عشائر العراق الكردية) و في الأجزاء السابقة من تاريخ العراق و في هذا العهد علي ما جاء في مجموعة السهروردي أن العمادية كانت بيد إسماعيل باشا ابن طيار باشا (محمد الطيار) و كان أخوه عبد القادر بك رهنا لدي علي رضا باشا. ثم إن إسماعيل باشا هذا خرج علي الوزير فأرسل إليه جيشا بقيادة الملا حسين آغا كتخدا ففرق إسماعيل باشا جماعتهم، فاحتاج الوزير أن ينكل به و ينهض عليه بنفسه. و حينئذ عين أخاه عبد القادر بك بلقب باشا أميرا علي العمادية. و في آخر الأمر تغلبوا علي العمادية و قبضوا علي إسماعيل باشا و أخيه عبد القادر باشا و أتي بهما إلي بغداد حنقا عليهما و ولي علي العمادية محمد سعيد پاشا من أقاربهما.

و من ثم عرفنا كيف ولي محمد سعيد پاشا و كيف ابتدأت وقائع أيامه هذه. فكشفت هذه المجموعة عن الحالة و

ما كانت عليه قبل أمير العمادية محمد سعيد پاشا و كيف صار هو أميرا عليها. و هذا- علي ما جاء في النصوص الأخري- استولي عليه كور باشا و نصب مكانه (موسي باشا). و كان موسي باشا هذا قد نازع محمد سعيد باشا في الإمارة و لما أيس من بلوغ أمنيته التجأ إلي الأمير كور باشا فنصره و قلده الإمارة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 46

و رجع إلي رواندز فتعصب الأهلون عليه فطردوه و أعادوا محمد سعيد باشا. و حينئذ أقبل الرواندزي علي العمادية فأقام علي حصارها ثلاثة أشهر حتي نفدت مؤن الأهلين و لم يبق لهم صبر علي المقاومة فطلبوا الصلح و سلموا إليه (محمد سعيد باشا). و من ثم دخل القلعة فغدر بالأهلين فنهبهم و قتل رؤساءهم، فأقام عليهم أخاه (رسول آغا) واليا.

دامت في يده إلي أن ولي الموصل محمد باشا اينجه بيرقدار.

ثم إن إسماعيل باشا كان يأمل أن محمد باشا اينجه بيرقدار يعيده إلي العمادية فطلب أن يوليه مملكته فلم يجبه فمال إلي الجزيرة و راسل أكابر رجال العمادية يفاوضهم حتي انقادوا له و سلّموا إليه العمادية. و إثر ذلك جرت حوادث بين البيرقدار و بينه. و هذه الحوادث منها ما جري في (عين توثة). و كذا حوادث الرواندزي مما شغل الدولة فقطعت بلزوم القضاء عليهما معا لا سيما بعد أن ربحت قضيتها في بغداد علي يد علي رضا پاشا.

جهزت الصدر الأسبق رشيد محمد باشا علي الرواندزي فقبض عليه. ثم مال الجيش إلي العمادية و شدد الحصار عليها أياما، فاضطرت إلي التسليم. افتتحها، و قبض علي إسماعيل باشا، فأرسل مكبلا إلي الموصل. و من هناك أبعد إلي بغداد. بقي فيها إلي أن

مات عقيما في شوال سنة 1289 ه- 1872 م. و ما جاء في (تاريخ الدول و الإمارات الكردية) من أن إسماعيل باشا توفي سنة 1259 ه- 1843 م فغير صواب.

و بهذا الاستيلاء انقرضت (إمارة بهدينان) و هي إمارة العمادية و صارت تابعة مدينة الموصل هي و العقر (عقرة) إلي سنة 1265 ه. ثم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 47

انفصلت عن الموصل و صارت تابعة إلي لواء حكاري من ألوية (وان) و لم تعد إلي الموصل إلا بعد أكثر من أربعين سنة.

و الملحوظ أن ما جاء في (تاريخ الموصل) من أن إسماعيل باشا عاد إلي العمادية سنة 1258 ه- 1842 م فغير صحيح لما عرف من تاريخ الانقراض.

كان الأستاذ الصائغ اعتمد كتابا خطيّا في تاريخ العمادية فتسرب إليه الخطأ منه، و هذا المخطوط موجود عند أحد أشراف قرية زيروا من قري العمادية. ذكره في تاريخ الموصل. و لم يظهر لحد الآن.

هذا. و كنت نشرت مقالات في العمادية في جريدة النداء للمرحوم الأستاذ نور الدين داود. ثم كتبت كتابا في (تاريخ العمادية) لا يزال مخطوطا أوضحت فيه تاريخ تكونهم، و دوام إمارتهم مدة، و انقراضهم … و هكذا بينت نطاق الإمارة و حالة الأهلين … أما كتاب (بهدينان) للأستاذ صديق الدملوجي فإنه لا يصلح أن يكون مرجعا لخلوه مما يعتمد من مراجع تاريخية.

و مما يصح التنبيه عليه أنه جاء في كتاب (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) المنقول إلي اللغة العربية في الطبعة الأولي منه ص 307 أن رشيد پاشا الصدر الأعظم و والي سيواس الأسبق استولي علي (ماردين) و اعتقد أنها (العمادية) فجاء ذلك سهوا من الأصل أو من النقل، فاقتضت الإشارة إلي ذلك إذ

لا محل لذكر ماردين و لا لفصلها من الموصل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 48

وفيات:
1- توفي العلامة الشيخ يحيي المزوري.

من أكابر علماء الأكراد.

أخذ عنه الأستاذ أبو الثناء فهو من أساتذته. و هو الذي حضّ الأمير كور پاشا الرواندزي علي قتل اليزيدية مطالبا بدم عمه البالطي. و الأشهر أنه توفي في هذه السنة (سنة 1252 ه). و رثاه الأستاذ عبد الباقي العمري بقصيدة مذكورة في ديوانه.

حوادث سنة 1253 ه- 1837 م

واقعة المحمرة:

خرج علي رضا باشا اللاز علي قبيلة كعب، فأخذ المحمرة، و نصب حاكما من قبله في الفلاحية يقال له (عبد الرضا) بعد أن نكل بهم تنكيلا مرا، و نهب و أسر. جرت هذه الواقعة في شعبان سنة 1253 ه.

و المحمرة في الجانب الشرقي من شط العرب و تبعد عن كردلان جنوبا نحو ثماني ساعات. و تقع علي يمين نهر كارون بالقرب من مصبه.

و بقربها أطلال قرية بهذا الاسم و فيها مقاطعات علي هذا النهر في اليسار تمتد نحو ساعتين و في اليمين منه نحو أربع ساعات. و هذه البلدة حديثة العهد بنيت نحو سنة 1236 ه و تم بناؤها نحو سنة 1240 ه. و تليها جزيرة الخضر و تمتد إلي ساحل شط العرب حتي الخليج و هي محصورة بينهما بين نهر بهمشر و كارون. و في غربي هذه الجزيرة (جزيرة المحلة) في نفس شط العرب. و كلها كانت للعراق فصارت إيران تطالب بها من جراء أن هذه العشيرة تريد أن تكون بنجوة فإنها تميل تارة إلي إيران و أخري إلي العراق فكلما رأت تضييقا من جانب صارت إلي الآخر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 49

و قبيلة كعب قديمة، و معروفة. كانت في العراق فمالت إلي أنحاء المحمرة و جزيرة الخضر و جزيرة المحلة و الفلاحية. و لا تزال منها مجموعات كبيرة في العراق. قامت علي أطلاق المشعشعين، و

حلّت محلّهم في الحكم علي الحويزة. انقادت لإيران أو أن إيران اكتفت منها بالقليل.

و محل إمارتها الفلاحية. و الإمارة كانت للشيخ جابر. و كانت إمارة كعب قبله بيد (البو ناصر) إلا أن نشاطها في أيام جابر هو الذي مكن إمارتها. و توفي سنة 1298 ه فخلفه الشيخ مزعل. و توفي سنة 1315 ه، فخلفه الشيخ خزعل و طالت مدة إمارته و اكتسبت استقرارا. و إن دولة إيران سخطت عليه و علي أمراء آخرين فانتزعت الإمارة منه في 20 نيسان سنة 1925 م و بقي في حجر إيران إلي أن توفي في 26 مايس سنة 1936 م.

و من أهم فروع كعب المحيسن و هي فرقة الإمارة، و من فروع كعب الدريس و النصار و لا محل لتفصيل فروعها الآن. بسطت القول عنها في المجلد الرابع من عشائر العراق.

و في 12 شعبان سنة 1253 ه كتب علي رضا باشا اللاز كتابا بتوقيعه (علي الرضا محافظ بغداد و البصرة و شهرزور) إلي مفتي بغداد السيد محمود الآلوسي. ينطق بانتصاره علي أهل المحمرة، و قمع غائلتها و تسخير حصونها، و ذكر في كتابه أن عبد الباقي العمري نظمها في قصيدة أرسلها إليه للاطلاع علي منطوياتها، ثم إعطائها إلي الشيخ علي الهروي ليثبتها في (تحفة الرضا) …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 50

و كتب الوزير إلي الأستاذ السيد محمود المفتي جوابا لكتابه المرسل مع أحمد آغا الكتخدا السابق أنه عازم علي زيارة مشهد الحسين رضي اللّه عنه أثناء عودته. و القصيدة مثبتة في ديوان العمري. و في حديقة الورود تفصيل.

و ممن ذكر هذه الواقعة عبد الجليل البصري في ديوانه المطبوع في بومبي … و كذا جاء في (تاريخ الشاوي)

بعض الإيضاح إلا أنه مزج بين هذا الحادث و بين واقعة (تحديد الحدود) بين إيران و العراق المتأخرة عنها و هذا ناجم من اضطراب المحفوظ أو تداخله.

و هذه الواقعة بلا ريب فتحت بابا للمفاوضات بين إيران و الدولة العثمانية و دامت إلي سنة 1263 ه، فأدت إلي عقد (معاهدة أرضروم) فطالت نحو إحدي عشرة سنة فانتهت بتلك المعاهدة و بتحديد الحدود أثر انعقادها بلا فاصلة. و لا تزال لم تحسم قضية الحدود. و يستفاد كثيرا من كتاب (سياحتنامه حدود)، و من تقرير درويش پاشا لمعرفة الاتجاه و الأدلة التاريخية.

و كان يوجه اللوم علي الوزير علي رضا پاشا من جراء أنه لم ينظم إدارة المحمرة و يجعلها منقادة للبصرة مما أدي إلي دوام النزاع … و كل ما كانت تفسر به هذه الواقعة أنها غزو و نهب و عودة كما تفعل بالعشائر الأخري. و هي أيضا عشيرة بل عشائر لا تستقر و لا يتسلط عليها حكم فمن الصعب تأسيس إدارة لها.

والي شهرزور- تبدلات في المناصب:

كانت شهرزور ملحقة ببغداد، و في هذه الأيام انفصل و اليها أشقر باشا. و كان استخدم في بغداد بخدمات أخري اقتضت … فلزم تعيين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 51

فريق إلي هناك، فاختير لهذا المنصب عزت بك آل قپوجي باشي و كان و يودة (يني ايل). و من ثم نصب فريق آخر مكانه للعساكر ببغداد و كذا نصب للدفترية عارف أفندي خليفة المخلفات.

و الملحوظ أن هذا الفريق كان مستقيما، عدلا. جري تعيينه فريقا من جهة أنه من أقربي علي رضا باشا. قال لطفي في تاريخه: توفي قبل سنوات. و مدح خصاله و أثني عليه كثيرا..

حوادث سنة 1254 ه- 1838 م

و مما حدث:

1- أبدل لقب (صدر أعظم)، ب (رئيس الوكلاء) في 4 المحرم من هذه السنة.

2- جواز السفر، قرّر لزوم مراعاته في وزارة الخارجية. و بهذا تابعت الدولة ما هو معروف لدي دول الغرب.. و كان معروفا قديما.

3- الحجر الصحي. أسس الحجر الصحي في الدولة العثمانية.

4- المكاتب الرشدية. تكونت في عاصمة الدولة (استنبول) إلا أنها لم تعم الولايات.. و لم يؤسس في بغداد المكتب الرشدي إلا بعد أكثر من ثلاثين سنة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 52

حوادث سنة 1255 ه- 1839 م

خط كلخانه- التنظيمات الخيرية:

في 26 شوال أعلنت التنظيمات الخيرية (خط كلخانه) المؤرخ 26 شعبان. قررت فيه الدولة لزوم الإصلاحات العدلية، و النظامات اللازمة لتهدئة الرأي العام الأوروبي الهائج علي الدولة و أملها أن تجلب ودّ الدول الغربية و قررت لزوم تشكيل سفارات في باريس و لندن و عزمت علي إصلاح التشكيلات الإدارية و قبول النظم المالية. قرئ خط كلخانة بصوت جهوري بمحضر من العلماء و الوزراء و الأعيان و سائر رجال الدولة في (ميدان كلخانة) في القصر العالي بحيث فهمه الكل.. و أعلن أيضا في سائر البلاد العثمانية و منها بغداد.. فأجريت له الاحتفالات الكبيرة و أطلقت المدافع.. و تلته التنظيمات الخيرية..

و هذا الفرمان يصرح أن الدولة كانت تراعي الأحكام الشرعية فبلغت قمة المجد، و منذ مائة و خمسين سنة أهملت الإدارة الشرعية بسبب الغوائل، و ما عرض من الحوادث.. فاقتضي مراعاة ما يجب لوضع قوانين جديدة لانكشاف القابليات في الأهلين، و حفظ نفوسهم، و أموالهم و أعراضهم، و أن تقوم بحسن الإدارة، و تعيين الضرائب، و تحديد مدة الجندية و تأكيد الثقافة، فأوضح المنهج للعمل، و هدد المخالف بأعظم العقوبات و أمر أن يرتب (قانون عقوبات).. و أن يكون الإصلاح عاما

شاملا فلا يقتصر علي ناحية دون أخري.

و الحق أن الدولة كانت بيد المتنفذين و الينكچرية فبلغ سوء الإدارة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 53

أقصي حدود الظلم. و مرّ بنا من الحوادث ما يعين الحالة، فالدولة بعيدة عن الإصلاح و من الصعب إرضاء الشعب بوجه. فالتذمر بلغ غايته …

سواء في عاصمة الدولة أو في الولايات التابعة لها.

و العراق كان نصيبه أقل الأقطار من الإصلاح لما يوجس الأهلون خيفة أن يؤدي ذلك إلي تقوية سطوة الدولة و كان بنجوة نوعا. رأت الدولة لزوم القضاء علي الإمارات العراقية و رعاية التجنيد، و ما ماثل مما يؤدي إلي التمكن من السيطرة فكان عملها بطيئا لم تنل من العراق حظا إلا بعد جهود تكبدتها و دماء أهرقتها، و أموال طائلة بذلتها.. وقف العراق في وجهها، و عارض آمالها، و في الوقت نفسه كانت لا تستطيع أن تضغط كثيرا حذرا من إيران بل راعت الصلح مع إيران و عملت لأن يكون صحيحا.

و هكذا تولدت تيارات ضد الغربيين لما ظهر من نوايا التدخل في المملكة، و الضغط من طريق الانتصار علي الشرق، و دعوي حماية النصاري، و أمثال ذلك من الأوضاع العديدة.

قال الأستاذ أبو الثناء الآلوسي:

«كنت أري أمر الإفتاء أمرّ من مر القضاء حيث مزقت (الشوري) إذ ذاك أديمه، و أسقمه (أعضاء المجلس) ذوو الآراء السقيمة أعضاءه السليمة فلم يكد يختاره إلا ذو جهالة قد جعل … دينه لدنياه حباله.

و حاشاني أن أكون كذلك …» ا ه.

و الشوري لا تذم لذاتها. و لكن جهل الأعضاء مما يفسد معناها.

و الآراء السقيمة تطوح بالمملكة و تقضي علي الآمال … و النقمة كانت مشهودة. ذكرها الأستاذ في مجموعته الكبري. و هكذا قال الشيخ رضا

الطالباني في عهد المشروطية:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 54

قانون إلهي و ارايكن يعني شريعت باقي هذياندر، چه أساسي چه سياسي

يقول إذا كان القانون الإلهي موجودا و هو الشريعة فالباقي هذيان سواء كان سياسيا أم أساسيا.

و هكذا كانت النفرة راسخة في الأذهان، و لا تزال خشية التسلط ملحوظة. و هذا لم يمنع قبول الصواب و الإدارة الحقة و لا تلقي العلوم و الفنون، و سائر ما يؤهل للحياة العملية الدنيوية مما لا يتصور منه ضرر علي الدين، بل هو من دعائمه.. و كانوا يخشون ما وراء ذلك.

ثم أصدرت الدولة قوانين عديدة و سارت نحو الإدارة الغربية لتنال قوة، و تتمكن من الإصلاح و ترضي الغرب فأعلنت بعده عدة فرامين منها الفرمان المؤكد لزوم تشكيل المجلس سنة 1267 ه و منها الفرمان المؤرخ 1272 ه ثم أصدرت القانون الأساسي و هو الدستور المؤرخ سنة 1293 ه، فأعيد العمل به في أيام المشروطية. فكانت المشية بطيئة جدا.

جرت علي سنة التطور بمقدار ما تمكنت من مراعاة الإدارة الديمقراطية و تمكينها في المملكة كما لاحظت المعارف، و أسست المدارس للقيام بالإصلاح الثقافي.. و العراق حصل علي مقدار ضئيل، و لكن تبدل العصر أدي إلي قبول العلوم الغربية، و التوسع في الثقافة، و لا يزال الأمر ماضيا في طريقه.. و لكن بمقياس ضعيف..

غرق بغداد:

في كل بضع سنوات يستولي الغرق أو الفيضان علي بغداد، و طغيان دجلة و الفرات لم ينقطع في وقت إلا قليلا، فكم استولت المياه و خربت ديارا و محت أموالا و لكن هذا الحادث كان كبيرا.. قال الأستاذ الآلوسي:

«شاهدنا جورها- جور المياه- مرارا، و أعظم ما شاهدناه بعد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 55

حادثة الطاعون

ما وقع سنة 1255 ه، فإن دجلة طغي ماؤها، حتي تساوي من بغداد أرضها و سماؤها، و غيرت جدران بيوتها بين ساجد و راكع، و خاضع و خاشع، و مبطون أضرّت به علّة الاستسقاء، و محموم استلقي علي ظهره يتفكر في ملكوت السماء، و باك قد استغرق بالبكاء ليله و نهاره، و تفجرت منه العيون فتلا و إن من الحجارة، و الملائكة تتيمّم في سماها بغبار البيوت و تنادي يا أهل الأرض عزاء فبيوت العنكبوت كثير علي من يموت، و الألباب أمست لفرط البلبال حياري، و تري الناس سكاري و ما هم بسكاري، و كم من مخدرة أراقت ماء المحيا، و سخت بما يعزّ عليها لنجاة نفسها و لم تك و حياتك بغيّا، و بالجملة لقد فار التنّور، و أمست الأرجاء كالبحر المسجور، و عادت- لا أطيل- حادثة الطوفان، و كان و الأمر للّه تعالي ما كان.. و قد أشار الشاعر عبد الباقي العمري إلي بعض ذلك ببيتين شطرهما الفاضل الأديب أمين العمري المعروف ب (الكهية) قال:

(لا تعجبوا من نهر دجلة إذ جري) و هو الفرات كمعظم الطوفان

و طغي علي الزوراء كل منهما (حتي انتهي لحضيرة الكيلاني)

(هو للحقيقة و الطريقة بحرها) و به نري البحرين يلتقيان

آوي إليه الماء معتصما به (و البحر مأوي جملة الخلجان)

و الملحوظ أنه مرت بنا في (تاريخ العراق بين احتلالين) حوادث غرق كثيرة فلم تهدأ حوادثه، و لم تقل مضاره و مصائبه في غالب السنين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 56

السنة المالية:

إن الدولة العثمانية اعتبرت سنة 1255 هجرية سنة مالية و بدأت بآذار. و جري العراق في معاملاته المالية علي هذه السنة. و المالية لم تبدأ من أول الهجرة. و

إنما بدأت من هذه السنة اعتباطا. و توالي الاختلاف علي غير اطراد. و تسمي هذه السنة المالية بالرومية. و كان الاختلاف علي هذا قديما. نوضحه بما يلي:

التاريخ الهجري و الرومي

التاريخ الهجري قمري. وضعه عمر رض سنة 17 ه. و أول السنة الهجرية يوافق 16 تموز سنة 622 م. و كانت تواريخ غير المسلمين مرعية فيما بينهم. ثم شعر المسلمون أيام الأمويين و العباسيين بلزوم الأخذ بالسنة الشمسية لحاجة الخراج لتعيين مواعيد الجباية، فاستعملوا (السنة الخراجية). و للتوفيق بين التاريخين في السنة الخراجية و السنة الهجرية اتبعوا طريقة (الازدلاق)، و يسمي (الازدلاف) بإرجاع ثلاث سنوات كل مائة سنة ففي ال (33) سنة الأولي حذفوا سنة، و في الثانية أسقطوا سنة أخري. و في التالية لهما تركوا سنة من 34 سنة. و هكذا فعلوا علي هذه الطريقة في كل مائة سنة.

و أشهر السنين المستعملة (السنة الجلالية) أو (الملكشاهية) أيام السلجوقيين. بدأت سنة 471 هجرية و اعتبرت السنة الأولي جلالية.

و كان قبلها استعملت سنين خراجية أشهرها (السنة اليزدجردية). ثم إن المغول أيام السلطان محمود غازان اعتبروا (السنة الايلخانية) سنة 701 ه. قامت مقام (السنة الخراجية). و هي مستعملة في الأمور المالية.

و اعتبرت السنة الأولي الايلخانية.

و مضت الدولة العثمانية علي هذا. فأصدر السلطان محمد الرابع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 57

فرمانا في 4 صفر سنة 1088 ه أمر فيه أن تعد (السنة المالية) من سنة 1087 ه قمرية و تمحي سنة كل 33 سنة و أخري مثلها سنة أخري في 33 سنة ثم في مدة 34 سنة بعدهما تسقط سنة أيضا. فيسقط في كل مائة سنة ثلاث سنوات بالوجه المذكور. و يقال لهذا الازدلاق عندهم (سويش). و يحتفظ بمراعاة السنين

الهجرية و المالية معا. و يقال لهذه السنين السنون المالية أو السنون الرومية.

ثم اعتبروا سنة 1205 ه مالية و اتبعوا (التاريخ الأورثوذوكسي أصلا و بدأوا من آذار. و خالفوا التاريخ الغريغوري ثم اعتبروا سنة 1255 ه مالية و دام العمل بها كذلك. و في أيام السلطان عبد العزيز سنة 1288 ه كان موعد الازدلاق فلم يفعلوا لغفلة فحدث اختلاف بين الهجري و المالي، و تزايد حتي احتلال بغداد سنة 1335 ه- 1917 م. ثم نسخ عندهم بالتاريخ الميلادي المتداول. و بهذا انفصل التاريخ الهجري عن الشمسي الميلادي بسبب إهمال علم الميقات من مباحث الفلك.

ثم اضطرت الدولة العثمانية إلي اعتبار التفاوت بين (التاريخ الرومي و الميلادي المستعمل) فأبقت السنة علي حالها و جعلت يوم 16 شباط من سنة 1332 اليوم الأول من آذار سنة 1333 بموجب القانون المؤرخ 28 ربيع الآخر 1335 و 8 شباط سنة 1332 رومية.

و هذا لم يعمر كل الغلط، ثم وجدوا أسهل طريقة قبول التاريخ الميلادي. لم يستندوا إلي أمر علمي و توالي الغلط حتي تركوا الماضي و ما أحدثوا فيه من أغلاط و أهملوا العلم و منطوياته أو اشتغالات العصور في الفلك.

و في إيران حذف من السنة الميلادية ما قبل الهجرة 622 سنة فما بقي صار هجريا شمسيا إلا أنهم جعلوا النوروز أول يوم من السنة،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 58

و اعتبروا الأشهر الإيرانية أسماء فارسية، فاختلفت عن الميلادية في الشهور و في مبدأ السنة. و يتوقع أن يحدث عندهم مثل ما حدث في الجمهورية التركية.

و إن الحكومة المصرية بدأت في 29 رجب سنة 1292- 1 أيلول سنة 1875 باستعمال التاريخ الغربي الغريغوري. و تعد أسبق بلاد الدولة العثمانية

إلي قبول هذا التاريخ.

و عندنا حدث عين ما حصل للعثمانيين إلي سنة 1335 ه- 1917 م. ففي أول يوم من الاحتلال قبل التاريخ الميلادي عينا و في أيام الدولة العراقية استعمل معه التاريخ الهجري. و لا يزال إلي اليوم. و كان الأولي أن يستعمل التاريخ الهجري الشمسي مع الاحتفاظ بأسماء الأشهر و أوائلها و أول السنة الميلادية لدي الأمم دون تغيير و أن تعد السنة (خراجية) و باقي معاملاتنا الدينية و التاريخية هجرية قمرية دون أن نشوش تواريخنا، و أن يقرن بها التاريخ الشمسي فلا نري الاضطراب.

و يهمنا بيان أن الدولة العثمانية بدأت بإصلاح التاريخ المالي في هذه السنة فأهمل و لم يراع حكمه في لزوم مراقبة الحالة في التجدد فوقعت الدولة في الغلط. و الأسباب الموجبة في كل تبدل تعين و جهات النظر. و هكذا جري عند الغربيين من التحولات في التاريخ الميلادي نفسه قبل الإصلاح الغريغوري، و تغير أول السنة الشمسية كثيرا، فاستقر في أن صارت السنة الميلادية أو الشمسية تبدأ بأول يوم من كانون الثاني. و لا تزال الآراء سائرة علي قبول متجددات عصرية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 59

السردار الأكرم عمر باشا- عن مشاهير الشرق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 60

حوادث سنة 1256 ه- 1840 م

آل بابان:

في هذه السنة لم يحرك الوزير علي رضا پاشا ساكنا فمضت الحالة بهدوء. و بالتعبير الأولي لم يتعرض بالخارج من عشائر فلم يقع ما يستحق الذكر إلا ما وقع من العفو عن محمود پاشا البابان عفت عنه الدولة عما سبق منه من تعنت أثناء ولايته. فألبسه الوزير الخلعة. و هو أخو سليمان باشا. و لما علم أمير السليمانية أحمد باشا انحاز بأتباعه إلي جانب و في هذه الأثناء

ظهر (علي بك) ابن محمود باشا مطالبا و ناصرته إيران باعتبار أن أمه منهم. فاحتل جيشها السليمانية و قبض علي أحمد پاشا و نهب جيش محمود پاشا فاضطر إلي الانسحاب إلي ناحية قره حسن من كركوك.

و من ثم عين الوزير علي رضا پاشا جيشا قوامه خمسة أفواج من عسكر النظام جعل رئيسهم إبراهيم پاشا أمير اللواء. و عزم الوالي أن يذهب بنفسه. و حذّر أن تقع فتنة بين الدولتين فأشير عليه بالبقاء. و فوض هذه الأنحاء إلي معتمده راشد آغا، فذهب إليها أيضا و جعل معه علي آغا اليسرجي إلا أنه لم تعرف نتائج ذلك.

و إنما رأينا عودة أحمد پاشا و إبقائه أميرا علي ديار الكرد إلي أن أزاحته الدولة سنة 1264 ه بأخيه عبد اللّه پاشا فصار قائممقاما. و في سنة 1267 ه عزل و صارت إدارة اللواء للدولة فانقرضت (إمارة بابان).

و الملحوظ أن سليمان پاشا بابان توفي سنة 1239 ه- 1823 م.

و هو والد أحمد پاشا و أخو محمود پاشا. ذكره الأستاذ أبو الثناء في مجموعته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 61

رجال الوزير علي رضا باشا
اشارة

يهمنا هنا أن نذكر بعض المشاهير من رجال الوزير علي رضا پاشا ممن كان له مكان أو عرفت له علاقة كبيرة بالعراق. و بذلك يتوضح اتصاله:

1- الملا علي الخصي:
اشارة

هذا اشتهر بالظلم و القسوة كثيرا. بلغ حد التواتر، و لا تزال تتردد علي الأفواه وقائعه القاسية. و قال فيه الأستاذ الآلوسي في مقاماته «أعجوبة الأمم ملا علي كتخدا الحرم …».

قال صاحب التاريخ المجهول:

«هذا- علي پاشا- كانت خاصته يغصبون أموال الخلق منهم بعلمه كملا علي، و هو رجل من قبيلة يقال لها (سرمرية).. قبيلة أذل جميع القبائل.. لا ينتمون إلي قبيلة معلومة.. و مبدأ أمره كان كاتبا في قرية الخالص.. رجلا ذميم الخلقة وجهه وجه الخصي، منهم من يدعي أنه خصي.. وجهه ينبي ء أنه خصي، و له زوجة، لم تلد منه، و وجهه أمرد، مهول، كوجه القرد، بل أسوأ حالا من القرد و الخنزير..

فالمذكور قدمه الوزير، و جعله بمنزلة قائد الجيش، و جعل بيده جمع ميري العشائر. و يقال له (الخانة) و تسمي القلم (القلمية). و هي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 62

مثل الجزية عند رأس كل سنة يأخذون من بعض العشائر من كل رجل له زوجة 600 قرش و ليس بالسوية حيث بعضا منهم يأخذون من الرجل (1500) قرش، و ليس بالسوية حيث بعضا منهم يأخذون من الرجل (1500) قرش، و أقلّهم (300) قرش.

و هؤلاء المسلمون مظلومون، حيث سابقا كان يعطي الرجل خمسة عشر قرشا و الذي ضاعفها هذا الكلب ملا علي الخصي، يسمي في أول أمره، و آخر أيامه سمي علي أفندي، بل غصب أموال الناس أكثر من حاج أفندي (أسعد ابن النائب).. و هذان الظالمان لو تحرر جميع ما هم عليه لأدي إلي تكذيب المؤرخين، و لكن علم اللّه و كفي طالعت جمّا من كتب التواريخ فلم أجد أجرأ من هذين الباغيين فإن ابن النائب كان يجرم خفية، و هذا الكلب الخصي يغصب

عيانا مجاهرة، و يفتخر بفعله و الوزير علي باشا مطلع بذلك و لم يعارضه، و لا ينهاه.. فالخصي المذكور كان مقدما عنده، و كان يظهر إلي خارج البلد، و ينهب سواد العراق و هم أعراب، فلاحون، يزرعون لهم أراضيهم، و يؤدون الخانة (البيتية) المذكورة، يأخذ أغنامهم، و جميع مالهم من الدواب، و يبيعونها علي جزّاري بغداد غنمهم و البقر يرمونها علي أهالي البساتين، و يحسبونها عليهم، الدابة التي تباع بمائة يأخذون منهم ثلاثمائة، و أمثال ذلك، حتي أنهم إذا مات شي ء من هذه الدواب يقطون أذناها (كذا) و يجرونها بثمن دابة حيّة قبل تسليمهم إياها، و لزيادة طغيانه يحبس الناس في بيته و يضربهم أشد ضرب، و لا يطلقهم حتي يأخذ منهم مالا، لا يستطيعون أداءه، و يبيعون أملاكهم، و هم مسجونون عنده في بيته.

و مع هذا الظلم الفاحش من هذا الكلب يتصدق علي فقراء الناس من مال الناس، و أن أعجاما تبعة إيران قطّانين يبيعون القطن رمي عليهم جاموسا، و يأخذ أضعافا عن أثمانهن مضاعفة، و علي بياعي الحطب يرمي عليهم جاموسا، و يأخذ كما يأخذ من المذكورين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 63

و الحيرة أن الأعاجم الذين ذكرناهم مساكنهم لا تدخل فيه الجمس، و هم حايرون في بيعها، و يدورون بها في الطرق، لا مأوي لها عندهم، و يدور في نفسه في الميدان، فكلما رأي فرسا جيدة غصبها من مالكها قهرا، و أخذ خيلا من أصحابها من شيوخ العرب و سائرهم بهذه الصورة، و الناس يخافون من سطوته و جوره.

و كل هذه الفعال القبيحة يعلم بها علي باشا الضال حتي أنه جاء إلي الجسر يريد العبور، فوجد امرأة مارة أمامه أيضا تريد

العبور فضربها بعصاة بيده كان يحملها برأسها ضربة شديدة فماتت من ساعتها عامله اللّه تعالي بعدله و غضبه و سخطه، فإن له أفعالا تفضي إلي كفره و لا تحصي عدّا لكثرتها. و ذكرنا هذا المختصر منها، لأنه تقدمت أيامه علي هذا التاريخ. و كل ما ذكرناه عنه كان بعصرنا مشاهدا لا أخبارا. و هاشميون أدخلهم في (قلم الميري)، و أخذ منهم (الخانة)، و جرت العادة الهاشميون ما يعطون ميري الخانة التي تؤخذ من غيرهم من العشائر..

و هذا الخبيث يأخذ أموال الرعية، و يتصدق من بعضها علي فقراء الناس. و وجوه أهل بغداد لا قدرة لهم عليه، بل و بعضهم يتأمل من إكرامه فيا تعسا له من زمان.. وجوه بغداد لم يكن أحد منهم يخاطب الوزير في هذا الخبيث، مع أنه كان يوجد من أرباب العلم و أهل العبادة.. و أما لو نتتبع أمور هذا الخبيث و ظلمه مدة وزارة علي باشا و هي اثنتا عشرة سنة لأدي إلي تكذيب الناقل، و تكون مجلدات ما فعله في بغداد..» ا ه.

2- علي آغا اليسرجي:

طاغية آخر من رجال علي رضا باشا اللاز. كان علي شاكلة ملا علي الخصي، و ربما تداخلت حوادثهما..

قال صاحب التاريخ المجهول:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 64

«و علي قدمه (علي شاكلة ملا علي الخصي) علي آغا اليسرچي من الترك، نصبه علي باشا (تفكچي باشي) أيضا جرم أغاسي، و أخذ أموالهم قهرا، و كان لا يعرف سياسة الحكومة، و لا يدرك شيئا. غير أنه يحبس المسلمين، و يأخذ دراهمهم، كما أنه كان مولعا بالزني، و تزوج امرأة فاحشة مجاهرة، و جعل يخلو نهاره معها، و هذا.. كجرأة علي أفندي (ملا علي الخصي)..» ا ه.

3- حمدي بك:

هو قريب من سابقه في ظلمه و تعديه، أخذ من الخلق خفية.. كذا قال صاحب التاريخ المجهول، و لم يوضح عن أعماله، و ما كان يقوم به، و لا بيّن وظيفته و لا مهمته..

و كل ما نعلمه أنه كان خازن الوزير و هو الذي تكلم مع مندوبي الأهلين أيام حصار بغداد، فأكد لهم عزم الدولة علي الفتح، و كذا بيّن جهود الوزير علي رضا باشا لتحقيق هذا العزم.. نال الوزارة بعد ذلك، و حصل علي المنصب في جملة ولايات كقونية و أرزن الروم، فصار يدعي حمدي باشا، و هو ابن السيد علي باشا القپودان. و له صلة قربي بالوزير علي رضا باشا و هو مشهور بالنهب و السلب من أموال بغداد …

و في محاورته مع الأهلين وثّقهم بأيمان مغلظة.. و في مرآة الزوراء بين الأستاذ سليمان فائق أنه رآه و استطلع منه بعض حوادث المماليك فدوّنها في تاريخه من جهة داود باشا فاستطلع رأيه، قال: لم يوافق علي رضا باشا اللاز علي قتله..

و كان هذا تولي التضييق علي الناس، و التعدي

علي النساء بالضرب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 65

و الإهانة و التجريد بأمل الحصول علي مبالغ للدولة، و لحكومة بغداد..

كل هذا دوناه كما هو المنقول. و إن الأستاذ أبا الثناء في رحلته إلي استنبول دعاه إلي أرزن الروم و كان آنئذ و اليها فذهب إليه و رحب به و الأستاذ أثني ثناء عاطرا عليه و دعا له. و مدح خصاله و سماه محمد حمدي باشا. قال:

«ورد بغداد في معية … (علي رضا باشا) … فنلت إذ ذاك تفضله … و بقي في بغداد مدة مديدة … و هو في جميع تلك المدة بدر سماء وزارة ذلك الوزير … و كان (الوزير) عليه الرحمة … يهابه. ثم رجع لأمر ما إلي الآستانة العلية، فخطبته حوراء الوزارة البهية … و كان بينه و بين المرحوم علي رضا باشا قرابة سببية.. و ذلك أنه كان متزوجا بخالته … و كان هو متزوجا ببنت درويش باشا الصدر الأعظم إلي آخر ما قال» ا ه.

و الثناء في الرحلة ينافي ما عرف من ذم.

4- عبد القادر بن زيادة الموصلي:

و هذا لم تتناوله الألسن و لا عرفنا عنه ما يكشف الغطاء عن حالته.. إلا أن صاحب التاريخ المجهول أوضح عنه خبره بتفصيل بما يلي:

«جعله- علي رضا باشا- علي الكمرك، أتي مع الوزير علي باشا من حلب، و كذلك فشا ظلمه في بغداد. و من بعض ظلمه كان يتعاطي التجارة و هو وال علي الكمرك، و تأتيه المكاتيب من الشام و حلب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 66

و غيرها من شركائه و عمّاله، و يخبرونه عن أجناس البضاعة، و عن أسعارها فيرسل ما شاء، و إذا أراد تاجر من تجار بغداد أن يرسل من ذلك

الجنس لم يدعه يرسل، بل يمنعه من إرساله و هذا دأبه إلي أن وقف أمر التجار.

و في أيامه يأكل الناس أموال بعضهم بعضا، و يأتون إليه، و يرشونه فيساعدهم علي أكل أموال عباد اللّه، و هذا كان دأبه، و لا يبالي من أحد و لا من علي باشا، و لا يخاف من الحكيم العليم.. و كان بخيلا أبخل من كلب بني زائدة، خمارا لواطا، يفحش في كلامه و سائر أوقاته خال من الكمال و مآثر السياسة. كان منهمكا بتحصيل الدراهم، و عاكفا علي لذاته، و مع ذلك أمور الناس موكولة نحوه، و أمراء العراق، و مشائخ العرب، و بيكات الرستاق، و مضافات بغداد، و توابعها قري و رستاقا و مزارعا و عقارا، و إيراد داخل بغداد كله من تحت يده، من يرشوه برشوة وافرة يحكي مع الوزير، و يأخذ له المنصب من إمارة و مشيخة و التزام ميري، و ضمان و ما أشبه ذلك، و يصك له صكا، و يكون ذلك الأمير و غيره بطوع عبد القادر بن زيادة.

و جري علي هذه الحالة إحدي عشرة سنة إلي أن أكل جميع إيراد بغداد، و صار عنده كنوز، و كثرت أمواله. و كان عنده دائما أربعة غلمان يلوط بهم اثنان مماليكه، و اثنان من أولاد الناس. و كل سبت يطلع خارج البلد و يعمل وليمة، و يشرب الخمر مجاهرة، و جعلها وظيفة علي جلسائه من التجار كل أسبوع علي واحد، و هو أيضا يوم عليه، حمله علي ذلك البخل و حب المال، و منهم ما يودون يعملون الوليمة، و لكن يعملونها مخافة منه.

و مناقبه أيضا شنيعة جدا حتي أنه تجرأ علي رجل من أهل بغداد، أمر بقتله

في مربط خيله، بسبب أنه متعرض لأحد غلمانه، قتله ظلما،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 67

و لم يخف من أولياء المقتول، و لا من الوزير علي باشا.

و له أخوان جعل واحدا واليا علي البصرة، و الآخر علي الحلة، و يجلبون الأموال إليه، و مع هذه الصولة ما تصدق يوما بمائة درهم، و لا أجاز شاعرا. فحين زاد طغيانه، و تجرؤه علي عباد اللّه، و لم يعبأ بالحاكم دمره اللّه تعالي، و غضب عليه الوزير، و أخرجوه من بيته مهانا حافيا، مسكه اثنان من أوادم الوزير (رجاله) و هو ماش و جر من بيته إلي أن وصل السراي كالمشهور بين عباد اللّه فحبسه علي باشا، و أراد منه جرما ثلاثة عشر ألف كيس، و جاء العزل لعلي باشا فاشتغل عنه بنفسه و أتت وزارة الشام إلي علي باشا فسيره معه إلي الشام، و جعله كهيته فبقي علي باشا ثلاث سنين في الشام و مات، و أرسلت الدولة علي عبد القادر زيادة، و قدم إسلامبول و جعلوه حاكما علي (كاوور أزمير)، و جعلوا إيرادها مضاعفا عن الأول قصدا من الدولة لأن ما يمكن الدولة أن تجرمه حيث ارتفع الجرم في أول سلطنة عبد المجيد خان، و لكن سلبوا من أمواله بهذه الكيفية..» ا ه.

و لما ذهب الأستاذ أبو الثناء إلي استنبول شاهده هناك و قال: عبد القادر باشا كمركجي بغداد. و أثني علي ما رأي منه من لطف. قال:

و رأيت له قبولا عظيما عند الرجال. و كانوا يحلونه أعلي محل و يجلونه غاية الإجلال. و كان بصدد أن يتسور وزارة بغداد. و قد أرادها له معظم الوكلاء إلا أن اللّه تعالي ما أراد …» ا ه.

و

الملحوظ أن الأستاذ تهرب من بيان ترجمته بقوله زيادة شهرته تغني عن ترجمته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 68

و هذه صفحة كاشفة عن آخر من أعوان الوزير.

و في كتاب للشيخ محسن السهروردي أن أخاه صالح أفندي من مقولة التجار جعله الوزير علي رضا باشا واليا علي البصرة. و في (كتاب شعراء بغداد و كتابها) أن السيد محمد آغا سياف زادة كان قد عين واليا للبصرة و بعد بضعة أشهر توفي بالطاعون هناك. و الظاهر أن صالح زيادة صار متسلما بعده.

5- عثمان سيفي بك:

كان كاتب ديوان علي رضا باشا، و في سنة 1264 ه صار محصل كوتاهية و قد رآه الأستاذ سليمان فائق سنة 1260 ه، و استطلع منه أخبار فتح بغداد، رآه في استانبول، و اجتمع به، و دوّن عنه ما علمه منه..

و هو الذي عمر بعض التعميرات في جامع الشيخ عمر السهروردي..

و جاء ذكره كثيرا في ديوان عثمان نورس و في ديوان العمري، و في ديوان الأخرس و من أولاده هاتف بك. و هذا وقف وقفية بتاريخ 6 جمادي الآخرة سنة 1277 ه علي الذرية. و تقع البستان التي وقفها مجاورة لشارع الزهاوي في طريق بغداد- الأعظمية قطعة 10 من مقاطعة 6 شريعة نجيب باشا.

و لهاتف بك من الأولاد فخري و كامل و فاطمة.

و من أولاد عثمان سيفي مير شعبان حامي بك تردد ذكره كثيرا، و عندي رسائل كتبها له الأستاذ عيسي صفاء الدين البندنيجي. و جاء في ديوان عبد الباقي العمري ذكر ولادة محمد وحيد بن مير شعبان سنة 1266 ه و عثمان سيفي يعد من أدباء الترك ذكرته في (تاريخ الأدب التركي في العراق). و له صلات أدبية بالشاعر الأستاذ عبد الباقي العمري

و بالشاعر عثمان نورس.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 69

حوادث سنة 1257 ه- 1841 م

تسيير البواخر الإنكليزية:

طلبت الحكومة الإنكليزية من الدولة العثمانية رخصة لتسيير باخرتين من البواخر النقلية في نهر الفرات، فأذنت لها في أواخر شعبان سنة 1250 ه الموافقة كانون الأول سنة 1834 م، و هذا الإذن تحول إلي شركة المراكب التجارية في نهري الفرات و دجلة لشركة لنج للبواخر و دام عملها من سنة 1257 ه و هي هذه السنة. و كان الإذن قد صدر في أيام علي رضا باشا في السنة المذكورة و صورة الفرمان المنقول إلي العربية:

«حكم لوزيري علي رضا باشا والي بغداد و البصرة حالا.

قد طلبت حكومة إنكلترا لتسهيل التجارة رخصتنا العلية في تسيير باخرتين مناوبة في نهر الفرات الواقع في جانب بغداد و ذلك بواسطة مرخصها فوق العادة السفير الكبير (لورد بونسويني) ختمت عواقبه بالخير النازل الآن في دار سعادتنا، و قد وقع لسدتنا المسعودة تقريرا رسميا بهذا الطلب و قد حررنا للاستعلام عن ذلك من وزارتكم، و حيث للآن لم يرد منكم الجواب قد كررت السفارة الطلب بأن الحكومة المشار إليها لم تزل منتظرة إنهاء الأمر فبناء علي إفادته الواقعة ما دامت المنافع مشاهدة و محققة للجانبين و ما لم يستلزم ذلك محذورا قد صدرت من لدنا الرخصة لهم بتسيير باخرتين مناوبة في النهر المذكور، و بذلك أعطينا للدولة المشار إليها رخصة رسمية، و أعطيناها أمرين شريفين خطابا لمن يجب خطابه ممن علي جانبي النهر المذكور يمينا و شمالا لتبرز لهم عند الاقتضاء. و قد جري تسطير أمرنا العالي ليطبق العمل و الحركة بموجبه فعليه أن الأمر قد صار معلوما لدي درايتكم المسلمة، فيجب العمل بمقتضاه حسب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص:

70

رؤيتكم المشهودة مع بذل الجهد في المحافظة عليه..» ا ه.

و قد رأيت نص الفرمان باللغة التركية. و هو عين ما نقل إلي العربية. رأيته في ثروت فنون عدد 965 و تاريخ ذي القعدة سنة 1327- تشرين الثاني سنة 1909 م. و هذا الفرمان قبل تكوّن شركة لنج.

و علقت عليه جريدة الرقيب بأنهم اتخذوا أول الأمر باخرتين سيروهما في الفرات، فغرقتا فيه، ثم اتخذوا باخرتين أخريين سيروهما في دجلة، و لم يحصل لهم مانع حتي أن أوراق الشحن التي تستعملها شركة لنج تحرر عليها:

(شركة المراكب البخارية في نهري الفرات و دجلة).

إلي آخر ما قالت.

و لم تبق اليوم قيمة لما أبدته جريدة الرقيب من المطالعة.

كربلاء- المنتفق في أيامه:

كان أمله مصروفا إلي الاحتفاظ بالحالة، و من ثم تعرف درجة ضعفه فلا يرغب أن يحرك ساكنا.. فرضي من كربلاء بمبلغ سبعين ألف قران و هكذا كان أمره مع المنتفق. رضي منهم ب (70) حصانا، و (70) ألف شامي. و يقدر ذلك بمبلغ سبعة آلاف ليرة تركية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 71

حوادث سنة 1258 ه- 1842 م

عزل الوالي علي رضا باشا:
اشارة

لم نقف علي أسباب عزله، و كل ما علمناه أنه سخطت عليه دولته و لعل الحوادث الماضية و أوضاع رجاله و شيوع أعمالهم مما كان يكفي لعزله و الضرب علي يده إلا أنه لما كان أنقذ بغداد من المماليك و جعلها تابعة لدولته رأسا، لم يضره ما فعل بعد ذلك … و القول بأن الأهلين يملّون الأوضاع و يضجرون من الحالات المستمرة عليهم، لم يكن ذلك من دواعي عزله، و ربما كان عزله من جراء أنه لم يستطع أن يقوم بعوائد الدولة. ذلك ما جلب عليه السخط. و الصواب أن الدولة لا تشتري النفرة العامة من الأهلين و لا تقصد إساءتهم و لكن مثل هؤلاء الوزراء جلبوا لها سوء السمعة فصار كل عمل ينسبونه إليها أو أن النقمة تتوجه عليها رأسا.

جري تحويله إلي الشام و هو كاره. و كان خروجه من بغداد إثر ورود الوالي الجديد نجيب باشا في شعبان هذه السنة.

و حسبنا أن نعرف من ترجمته تاريخ حوادثه في العراق، و رجاله الذين استخدمهم لمهمة الإدارة، و كانت بئس الإدارة، و كأن الدولة جعلتها منحة له مدة، و كل ما يقال فيه إن حالة بغداد ساءت في أيامه و نري مؤرخينا أبدوا كناية و تصريحا أعماله، و أنها كانت أضر علي العراق من إدارة المماليك. ضجر الأهلون من تلك الإدارة،

و ملّوها، فوقعوا بما هو أتعس و أسوأ.. فعلموا أن إدارة المماليك كانت أهون الشرين من هذه الإدارة الجائرة، و كانوا يأملون خيرا فصاروا في مشكلة لا يستطيعون التخلص منها.

و لا يكفي التألم للمصاب، أو العويل لما وقع. و لنستنطق أقوال المؤرخين، و نورد ما أمكن إيراده، ندون ما كتب عن صفحة، أو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 72

صفحات مختلفة. من مجموعها تظهر ترجمة الرجل، و حالته في العراق خاصة بوضوح..

قال في مرآة الزوراء:

«.. و علي رضا باشا كان من أرباب الذكاء، و من الوزراء المخلصين لدولتهم، كان كريما جوادا، و حليما، خلوقا، بلغ به الإفراط في السخاء أنه كان مبذرا، لدرجة أنه صار لا يبالي و تهاون في الأمور، فأودعها إلي جماعة ممن لا خلاق لهم من الجهال، أو الذين بلغ بهم الصلف و الحمق، أن جلبوا النقمة عليه، و أفسدوا ما بينه، و بين دولته. فقد كان يرسل أيام المماليك إلي استنبول مبلغ ألفي كيس سنويا في أيام داود باشا، و بقدرها هدايا، فلم يستطع هو القيام بذلك، و خرجت العمارات، و زالت بهجتها سواء للأهلين أو للأجانب و عاد الأغنياء في حالة يرثي لها بحيث انحطت تجارتهم، و صاروا لا يملكون شروي نقير.. و لا فلسا أحمر.. دامت هذه الحالة حتي عزل من بغداد …» ا ه.

و هذا منتهي الذم من صاحب المرآة، و في حديقة الورود يذكر نص كتاب منه إلي المفتي السيد محمود يبدي فيه تشوقه إلي العراق و يتألم لفراقه، و يقول:

«فهل لي إلي دار السلام بنظرة يغاث بها ظمآن ليس بسالي..» اه

و في سجل عثماني كان من أهل طربزون، من متعلقات أحمد باشا اللاز، ولي مناصب عديدة حتي صار

كتخدا والي حلب رؤوف باشا في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 73

سنة 1244 ه، و في سنة 1245 ه صار واليا لحلب برتبة الوزارة، و في سنة 1246 ه صار والي ديار بكر، فأرسلته الحكومة إلي بغداد، فأخرج داود باشا منها، و قام بخدمة الدولة فحصل علي منصب الوزارة في بغداد، و في المحرم سنة 1253 ه أضيفت إليه إيالة شهرزور، و في سنة 1256 ه انضمت إليه ولاية جدة، و في ربيع الأول سنة 1258 ه صار واليا في الشام، و في ذي القعدة سنة 1261 ه انفصل منها، و في رمضان سنة 1262 ه توفي، و كان عاقلا، كاملا، و شاعرا، مدبرا، و غيورا، و أبرز خدمة لا تنسي في القضاء علي المماليك.

و جاء في تاريخ لطفي:

«طال أمد بقائه في بغداد، و كانت له خبرة سابقة عن ولاية سورية، و هو في الأصل من أهل اللياقة و الوقوف كما أن بغداد مهمة بالنظر لموقعها و إدارتها، فاقتضي نصب وال لها من أهل الكفاية و اللياقة، فأجري التبديل بين والي الشام نجيب باشا و والي بغداد علي رضا باشا» اه.

ثم علق بأنه كان تحويله ناجما من طول بقائه. و علي كل حال كانت الحكومة تبدي سببا من هذا النوع، و إلا فإن امتداد المدة مما يقتضي أن يتبصر أكثر بعمارة المملكة و تحسين الإدارة و تزايد تكاملها …

و هذه بمنزلة أن يقول سيئ السيرة، و ضجر منه الأهلون، فبدلته الحكومة، و انتحلت معذرة أنها لم تستغن عنه بل حولته و إلا كان الواجب عليه أن يعتني بالمملكة، و يتبصر في نقائصها، و يراعي رغبات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 74

الأهلين الحقة، فيحبّب نفسه إليهم بكل

وسيلة، و يظهر بمظهر مقبول لدولته و للأهلين..

و في تاريخ لطفي عند تدوين خبر وفاته:

«علي رضا باشا كان والي بغداد، و كان في بغداد كما كان في الشام لا يبالي في إدارة أموره، و إنما كانت بيد المتميزين لديه، فلا يستطيع الخروج عما يقومون به.. فعزل عن الشام علي أن يقيم في ديمتوقة. توفي في الشام. و المشهور أنه قال لا نعزل من الشام، فأثبت أنه رجل حافظ علي قوله..» اه.

و زاد عبد الرحمن شرف في التعليق:

«كان قد اشتهر بالسخاء و الجود لحد الغاية، و تدور علي الألسن حكايات كثيرة عنه، فمن ذلك أنه لم يقصده أحد، و رجع خائبا.. و مما يحكي أنه كان قد طلب من كتخذاه بعض الدراهم لينفقها علي من قصده، فقال له وراء المخدة كيس فيه دراهم، فأجابه أننا أنفقناه قبل هذا.. و مما يحكي أنه كان لابسا كركا، فمنحه لبعض قاصديه و بقي بلا كرك فألحه البرد.. و هذه و إن كانت تدل علي كرم طباعه، و علو أخلاقه إلا أنه أفرط فيها، و خرج عن المعقول.. و إن إدارته اختلت لهذه الغاية، فأصابته الديون التي لا تحصي.. و علي كل كان رجلا فاضلا..

و لعل في هذه ما يغني عن التوضيح أكثر، و هي من معاصرين متعددين و بينهم أمثال هؤلاء الرسميين، فظهرت ترجمته واضحة..

و قال في حديقة الورود:

«تم المجلد الرابع (من روح المعاني).. فصادف ذلك عزل الوزير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 75

السابق من الزوراء، الفائق بجوده و حلمه علي الوزراء، بل من اتخذ السماحة غطاء و فراشا، حضرة أفندينا علي رضا باشا..

و في هذا ما يؤكد خصاله التي بينها عبد الرحمن شرف، فهو مشهور بجوده و حلمه، و كفي.. و هكذا نعته سائر المؤرخين.. و لكن الأمر الشخصي غير الإدارة الحقة في تدبير مالية الدولة، فقد اختلت كاختلال مالية الوزير، و لم يجد معها تدبير. و كذا لم يتمكن من إدارة المجتمع إدارة حقة.

و علي كل حال أن المدح للوزير، و الثناء عليه، و كثرة القصائد في مدحه من شعراء عديدين أمثال العمري، و التميمي، و عمر رمضان، و عثمان نورس و الشيخ عبد الحسين محيي الدين و غيرهم لم يمنع أن يدون عنه المؤرخون

ما دونوا، و يسجلوا ما سجلوا مع تحاشي الكثيرين و استسلامهم للقوة و الصبر علي المكاره، و علي ما حصل من مصاب..

و في تاريخ الشاوي أن الوالي علي رضا باشا كان بكتاشي الطريقة. و بهذا يفسر ما جري بينه و بين السيد محمد سعيد المفتي الطبقچه لي و السيد محمود الآلوسي من مباحث في أبي طالب و إسلامه بحيث أدي ذلك إلي عزل الطبقچه لي عن الإفتاء. و لعل هذا سبب ظاهري لإجراء التعديل و التدخل في المناصب، و كذا يفسر ما شاع عنه من تهاونه بالفروض الشرعية المفروضة و تأثير عقيدة البكتاشية فيه..

هذا، و في التاريخ الأدبي ذكرنا من الأشعار ما له علاقة بوقائع العراق في أيامه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 76

وزارة محمد نجيب

في شعبان ورد بغداد الوالي الجديد، و بعد قدومه بأيام قلائل خرج علي رضا باشا. و خلص أمر العراق للوالي الجديد، فاستقر في منصبه.. فتنفس الناس الصعداء، و كانوا قد ظنوا أن قد صارت بغداد ملكا لعلي رضا باشا، و أنه لن يزول ملكه، أعطيت له طعمة جزاء الفتح.. فأخذوا راحة نوعا، و توسموا خيرا في الوالي الجديد. و قد حدثت في أيامه أحداث عديدة و مهمة.

و يهمنا هنا أن ندوّن عن حالة القطر إلي هذه الأيام ليكون كتمهيد لما جري في بغداد أيامه، و لعلها تكون مفسرة، و بعض حالات الولاة قد عرضت نوعا علي المحك الأدبي و السياسي في بغداد، و نكتفي بأقرب نص من معاصر يعين مزايا القطر أو قيمته بما فيها من خير أو شر..

قال في حديقة الورود: «أشرقت إذ ذاك أنوار العدل علي الرعية، و لمعت في العالم بوادر السيرة العمرية، بطلعة حضرة الوزير النجيب،

المخصوص من الورع و التقوي بأوفر نصيب، الحاج محمد نجيب باشا …» اه.

و جاء في تاريخ الشاوي أنه تركي الأصل و كان برتبة وزير، و هو من نفس أهالي استنبول و من أشرافها القدماء أبا عن جد، و هم ذوو قدر و حشم، و كانوا ممتازين علي أهالي استنبول لشرفهم. و كانت سلاطين آل عثمان تزورهم. يأتون إلي محلهم في الشهر مرتين أو أقل أو أزيد و لا يزورون غيرهم من الوزراء و الأشراف و السكنة. إلي أن قال:

«كان ذا عدالة و متانة و شجاعة يأخذ بحق المظلوم و لا تأخذه في اللّه لومة لائم» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 77

جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني- عن رحلة مدام ديولافوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 78

قتلة سليمان الغنام:

هو باني المسجد المعروف باسمه. قتله الوزير محمد نجيب باشا سنة 1258 ه ورثاه السيد عبد الغفار الأخرس بأبيات. و لم نعرف سبب قتله.

واقعة كربلاء

كان التغلب في كربلاء قد استمر من أيام داود باشا، إلي آخر عهد علي رضا باشا اللاز، و لما ورد محمد نجيب باشا و علم بذلك جهّز جيشا في ذي القعدة سنة 1258 ه فحاصر البلدة. و في 11 ذي الحجة سنة 1258 ه استولي عليها. و جاء تاريخ ذلك (غدير دم).

و جاء في التاريخ المجهول:

«بلدة كربلاء كانت عاصية علي وزراء بغداد، فسيّر نجيب باشا العساكر إليها، و حاصرها و كان بها السيد إبراهيم الزعفراني، أصله عجمي، و ترأس علي أوباشها و سفهائها، و أطاعه أراذل البلد و المفسدون و هم يتولون الحرب، و عامتهم من أيام داود باشا كانوا عاصين إلا أنهم يؤدون شيئا قليلا عوض خراجها، و كل من يعمل مفسدة من العراق، أو يأكل أموال الناس، يذهب إلي كربلاء و يجار بهؤلاء الأراذل حتي اجتمع عندهم مقدار عشرة آلاف مقاتل من أجلاف الناس و عصت أيام داود باشا، و زمان علي باشا أيضا، فهم عصاة، بغاة، يؤذون … في كربلاء حتي أنهم أمسكوا مرة علي أحد مجتهديهم السيد إبراهيم القزبيني (القزويني) ليلا، و لم يطلقوه حتي أدي لهم أربعة آلاف قران من سكة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 79

محمد شاه.. و كانوا مفسدين، ذوي جرأة علي أعراض الناس، و أهل البلد يهابونهم، و يخافون علي أنفسهم، لأنهم متي أرادوا، هجموا علي بيت أحدهم و نهبوه، و الحاكم الذي هو من أهل البلد طوع أيديهم و لا يعارضهم بما يفعل هؤلاء الباغون الفجرة.

و في أيام علي باشا حاصرها

و خرج إليه سادات البلد، و علماؤهم، و تكفلوا له بزيادة الإيراد، فارتحل عنهم، و كان ذلك الوزير لا يبالي بعصيانهم، و مرامه الدراهم، و قد أدّوا له سبعين ألف قران المثل اثنين عما يؤدونه إلي داود باشا، فرضي و تركهم.

و هذا الوزير محمد نجيب باشا حاصرها ثلاثة و عشرين يوما و يوم الجمعة التالي في الثاني من عيد الأضحي جاء البشير إلي بغداد بفتحها عنوة (مبينا) صورة الفتح، و كان قد تولي أمر العساكر فريق النظام كرد محمد باشا، و بدأ يرمي الأطواب (المدافع) من جهة واحدة، فلم يستقر أحد يقابل الأطواب إلي أن ثلم ثلمة من سور البلد (من محلة باب النجف)، و دخل العسكر من تلك الثلمة، فانهزم البرطازية عسكر البلد و خرجوا منه، و شرذمة قليلة و أكثرها من أهل البلد دخلت حضرة العباس و بدأوا يرامون العساكر السلطانية، فوقف العساكر النظامية أمامهم، ورموهم دفعات بالتفك (البنادق) فتساقط أكثر الذين في الحضرة من الباغين من سكنة البلد و فقراء الناس، و نهب الجيش البلد مقدار أربع ساعات، و نادي منادي الأمان، و التجأ أكثر الناس إلي بيت السيد كاظم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 80

الرشتي المجتهد العالم المخالف لأصول مذهب الشيعة، و لقب مذهبه (بالكشفي)، أو (پشت سري) كما أن مذهب الشيعة الذين هم أقدم منهم يسمي ب (البالاسرية)، و هم الشيعة الأصولية، و كان بين الفريقين هؤلاء مقلدي السيد كاظم و الشيعة الذين هم مقلدي الشيخ محمد حسن البالا سري عداوة شديدة ظاهرة..

و الذي قتل من ولاية كربلاء مقدار أربعة آلاف نفس، و من العسكر مقدار خمسمائة نفر، و من بعد فتحها أمسكوا السيد إبراهيم الزعفراني، و جاؤوا به

إلي بغداد، و السيد صالح من كبار البلد و كم واحد، فالسيد صالح نفوه إلي كركوك، و ترجاه قونصلوص الإنكليز، و ابن الزعفراني بقي أياما قلائل في بغداد، و تمرض بالدق و مات.

و بعضهم عفا عنهم الوزير محمد نجيب باشا، و جعل عليهم واليا واحدا …» اه.

و من هذا يعلم أشخاص الواقعة، و عواملها و من أهمها ضعف الحكومة، و تسلط المتغلبين … و هذا شأن الحكومات الضعيفة.. و لا يزال الناس هناك إلي اليوم يرغبون في حكم صارم لتكون يد الحكومة أقوي من الكل، و سلطتها نافذة علي الجميع.. فلم تقف حوادث هؤلاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 81

عند هذا الحد، و قد ذاقوا حلاوة التغلب، فلا يفيد معهم تدبير، و لا يجدي تفاهم إلا السيطرة المكينة التي تنتصر للضعيف و تعدل بين الجميع.. و الأسباب الظاهرية يتمسك بها كثيرون لتحقيق آمالهم المكتومة..

و ذكر هذه الواقعة السيد عبد الغفار الأخرس و يحاول كتّاب اليوم أن يكسبوها صبغة سياسية من إيران أو أنها دينية. و جل ما هنالك أن المتنفذين استبدوا بها استفادة من ضعف الدولة لا أكثر و لا أقل.

و جاء ذكر هذه الواقعة في كتاب هداية الطالبين لكريم خان الكرماني، و بين أن الجيوش كانت تحترم بيوت الشيخية، و كل من التجأ إليهم كان آمنا علي نفسه و ماله، و لم يقتل أحد من أصحاب السيد كاظم الرشتي مع أن الذين التجأوا إلي المشاهد قد قتلوا بلا رحمة، و يقولون إن الباشا دخل بجواده في المكان المقدس. و في تاريخ نبيل المعروف (نبيلي) من البهائية تفصيل و تعيين لوجهة نظرهم و بين أنها جرت في ليلة عرفة من ذي الحجة سنة 1258

ه- 10 كانون الثاني سنة 1842 م و فيها قتل 9 آلاف شخص و سلب ما في الجوامع من نفائس.

و جاء أن محمد شاه كان مريضا فلم يشأ رجال دولته إخباره، فلما علم حنق، و عزم علي أخذ الثأر إلا أن التدخل السياسي من روسيا و بريطانيا هدأه..

و في كتاب قرة العين في تاريخ الجزيرة و العراق و بين النهرين تأليف محمد رشيد السعدي أن الواقعة جرت في التاريخ المذكور قال:

جاهر أهل كربلاء بالعصيان فأرسل والي بغداد محمد نجيب باشا عليهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 82

الجنود المظفرة العثمانية فانتصروا علي العصاة و قتلوا رؤساءهم و عاد الأمن و السكينة» اه.

و في تاريخ الشاوي جاء تفصيل أيضا إلا أنه لم ينسبها للعصيان من الأهلين، بل بيّن أن بنتا من شهزادات الدولة القجرية قد تعرض بها العصاة. و اختطفوها و فعلوا ما فعلوا بها. و في نتيجة المخابرات السياسية اضطرت الدولة علي القضاء علي عصيان هؤلاء اتخذت هذه الحادثة وسيلة أنذرهم الوالي أن يسلموا الأشقياء تنفيذا للإرادة السلطانية فأبوا. و من ثم ضربهم. و فصل ذلك … و الحال أن ما ذكره كان أيام داود باشا.

و لا يهمنا تفصيل الواقعة بأكثر من هذا و لكننا لا نعلم الحاكم الذي عينه الوزير لإدارتهم، و مهما يكن فلا يفترق عمن ذكروا. و عندي كتاب لأهل كربلا ذكروا فيه تفاصيل الواقعة أيام داود باشا و كان مبدأ العصيان سنة 1241 ه و دام إلي المحرم سنة 1242 و هو المسمي (نزهة الإخوان في واقعة بلد المقتول العطشان). لم يعرف مؤلفه. و منه نسخ عديدة. عندي نسخة منها. أولها: الحمد للّه الذي نصب أولياءه الخ.

و يعين مبادئ العصيان و

رجاله و حروبه في وقائع. و هذا يفسر ما جري مؤخرا أيام نجيب باشا. و قد أشرت إلي ما فيه أيام داود باشا في حوادث تلك السنة. إلا أن التاريخ المجهول المؤلف أوضح الحالة و علاقة الوزراء من أيام داود باشا إلي أيام محمد نجيب باشا و حدوث هذه الواقعة بالاستيلاء علي المتنفذين إلا أن هذا الكتاب يعين أشخاص العصيان أيام داود باشا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 83

حوادث سنة 1259 ه- 1843 م

القرعة في الموصل:

تأسست أيام محمد باشا اينجه بيرقدار. ضيق علي الموصل، فثارت ثائرة الأهلين و عارضوا الجندية فأرسل إليهم الوالي أحد أعوانه قاسم أفندي ليدعوهم بالتي هي أحسن، فقاموا في وجهه و قتلوه، فأحضر محمد باشا عشرين مدفعا صوبها علي المدينة، و أرسل بعض الكتائب النظامية، فدخلوا المدينة و نهبوا أسواقها، و سفكوا دماء الأبرياء، و ألقي القبض علي بعض الوجوه و نفوا إلي البصرة. و من ثم أذعن الأهلون قسرا، و قبلوا بالجندية، و لكنه تجاوز حدود نظامها.

السيد كاظم الرشتي مؤسس الكشفية:

توفي السيد كاظم الرشتي في 9 ذي الحجة سنة 1259 ه- 1844 م. ذكرته في كتاب تاريخ (عقائد الشيخية و الكشفية).

و عقائد الكشفية هي عقائد الشيخية موسعة في شرح المطالب.

انتشرت في أنحاء عديدة من العراق و إيران. و آل الرشتي معروفون في كربلاء هم من ذرية السيد كاظم. و منهم في إيران.

حوادث سنة 1260 ه- 1844 م

وفاة والي الموصل: (محمد باشا البيرقدار)

كان هذا تركي الأصل من مدينة پارطين في قسطموني. خدم الجندية في مصر و غيرها ثم رحل إلي الشام. مكث بها مدة طويلة، فجمع له أصحابا و أعوانا شخص بهم إلي ديار بكر، ثم إلي الموصل، و نزل بظاهر البلد قريبا من باب سنجار، فخرج عليه الأهلون و طردوه، و لما أنهي خبره إلي والي بغداد علي رضا باشا اللاز أرسل إليه فاستقدمه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 84

سنة 1249 ه- 1833 م و ولاه متصرفية كركوك حيث بقي زهاء سنتين و شيّد فيها قصرا منيفا جعله دار الحكومة. بناه علي نهر شاطرلي.

و لما عزل محمد سعيد باشا آل ياسين أفندي من الموصل سنة 1251 ه- 1835 م فوضت إليه ولاية الموصل. و كانت الولاية مختلة الأمن، أصابها القلق العظيم من الإمارات المجاورة لا سيما الرواندزي.

فتمكن من التغلب علي الصعاب، و تأسيس الراحة و الأمن بعد القضاء علي إمارة كور باشا الرواندزي و علي إمارة العمادية، و أسس القرعة بالوجه المذكور …

و من مؤسساته:

1- تعمير دار الحكومة. ألزم التجار و الأهلين بالإعانة لها.

2- تعمير الثكنة العسكرية.

3- المستشفي.

4- جامع سوق الحنطة.

5- جدد مزار دانيال النبي.

6- نظم أحوال الجند، و أنشأ لهم الأفران العديدة.

7- اهتم ببناية معمل لصنع المدافع و القنابل و البارود و غيرها من الأسلحة و جلب صناعا حاذقين فعمل ما يزيد

علي الثمانين مدفعا، و اليوم يري منها مدفعان أمام الثكنة العسكرية.

و كان محمد باشا شديدا فيما يرومه، قاسيا علي العصاة، فظا شرسا مع الأهلين.. توفي سنة 1260 ه علي ما جاء في تاريخ لطفي، و في تاريخ الموصل للأستاذ الصائغ سنة 1259 ه- 1843 م، و هو أول وال تركي أعقب إدارة المماليك و لعل شدته كانت لقطع آمال النهضة عليه و القيام ضدّه. و من ثم انحطت العلوم العربية و المدارس الدينية من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 85

جراء زوال من يجيز المؤلفين علي التآليف العربية، و الحاجة إلي المعاش بإرضاء الحكومة في معرفة لغتها، و اضطراب إدارة الأوقاف و إهمال شؤونها، و فتح المدارس الحديثة لاتباع التدريس الحكومي.

و الملحوظ أن الوزير علي رضا باشا كان استخدمه قائم مقامه في حلب. و من المستبعد أن يكون مجيئه إلي الموصل بالوجه المنقول كما يفهم مما أوضحنا سابقا.

ولاة الموصل و اليزيدية:

بعد وفاة البيرقدار وجهت ولاية الموصل إلي شريف باشا برتبة وزارة. و هذا هاجم سنجار في هذه السنة. و لم تقف حوادثهم عند كور باشا و ما أوقع بهم. و لعل أهل سنجار لم تصبهم تلك الحوادث و لم تصلهم بنارها، فامتنعوا بجبالهم و هكذا أعقبت هذه الواقعة صولة حافظ باشا والي الموصل أيضا، فجرت مذابح دموية قاسية. و في سنة 1261 ه هاجمهم محمد باشا الگريدي والي الموصل أيضا فأفحش في قتلهم.

و قبض علي زعيمهم الشيخ ناصر. و كان هذا الوالي من أقسي ولاة الموصل عليهم. و هكذا فعل طيار باشا والي الموصل في سنة 1262 ه.

و لم تنقطع وقائعهم و لا هدأت ثوراتهم إلي أيام مدحت باشا.

أوراق الطمغا:

أحدثت في هذه الأيام الطمغا (التمغا)، و لم يسبق أن استعملت في المعاملات من بيع و شراء و ما ماثل من عقود بأن تكتب بأوراق رسمية ذات قيمة، و هي المسماة ب (أوراق الطمغا).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 86

ثم إنه صدرت الطوابع، فصارت تتداول.

الباب و البهائية

من مدة طويلة فقد العلماء الدعوة إلي العقيدة و تباعدوا عن الاتصال بالأهلين. و بذلك أهملت عقائد الشعب أو قل الاتصال بها.

الأمر الذي دعا أن يتصل دعاة آخرون من المبتدعة. و بذلك كانت لهم العلاقة مكينة بالأهلين.

و كان نادر شاه ضيق علي العلماء و أحرجهم كثيرا لما رأي من مخالفتهم سياسته، و لم يتعاونوا معه. و بعد نادر شاه تنفسوا الصعداء، ورأوا احتراما من الملوك و الأمراء إلا أنهم فاجأتهم عقائد كان سببها إهمالهم العلاقة بالشعب و إرشاده. فظهر الشيخية أتباع الشيخ أحمد الأحسائي، ثم الكشفية. ثم ظهر في هذه الأيام (الباب) و هو رئيس نحلة (البابية) و مبتدعون آخرون منهم (البهاء) …

كان ظهور الباب (علي محمد الشيرازي) في إيران بتاريخ 5 جمادي الأولي سنة 1260 ه- 1844 م، فمال إليه كثيرون. و لما أعلن دعوته قامت الدولة الإيرانية في وجهه، و كذا العلماء و أعلنوا تكفيره و عارضوه بشدة إلا أن الكثير من الإيرانيين تابعوه لأسباب سياسية عدا الدعوة، و أسباب أخري و آخرون تابعوا العلماء فكانوا شطرين. و انتشرت الدعوة في إيران. و غالب المتصوفة منهم.

و في هذه السنة كان مقدّمهم في بغداد محمد بن شبل العجمي و يبلغ من معه نحو خمسين أو ستين رجلا و هذا الداعية كان من أتباع السيد كاظم الرشتي. حبسه الوزير نجيب باشا كما حبس المرأة (قرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 7، ص: 87

العين) في بيت المفتي (هو أبو الثناء الآلوسي). فوجدها أثناء المباحثة معها كافرة فتركها. و بعد ذلك أطلقوها و سيّروها إلي بلاد العجم، و سيروا محمد الشبل إلي الدولة.

كتب الوزير بخبره إلي استنبول بأن أهل كربلاء و النجف و علماءها لم يقبلوه فجي ء به إلي بغداد، و كتب محضر من علماء بغداد في أمره بعد أن دوّنوا ما ذكره، فقدم إلي استنبول. و سجن هو في بغداد فاستطلعوا رأي الدولة فيه. و علي هذا أرسل، و سجن في الترسانة العامرة (دار صناعة السفن) و صدرت الإرادة السنية بذلك كما فهم من الأوراق الرسمية.

و غالب من تبعه كان من الكشفية. و إن قرة العين متأثرة بغلاة التصوف. و تعد هذه المطالب من أول ما عرف عنهم. و كان قد ولد الباب في أول المحرم سنة 1235 ه- 1819 م و هو متأثر بالكشفية. التف حوله جماعة ناصروا هذه الدعوة. و مال إليه استغلاليون في الدين و السياسة فرأت دولة إيران خطرا فيها يهدد سلامتها. و من ثم حدثت معارك. و بعدها أمرت أن يقتل هذا الداعية فقتل رميا بالرصاص في تبريز بتاريخ 27 شعبان سنة 1266 ه- 8 تموز سنة 1850 م، فلم تطل دعوته أكثر من ست سنوات. و له (كتاب البيان)، و مجموعة مخطوطة قد حوت غالب رسائله. كتبها كاتبه الخاص محمد حسين بن عبد اللّه من كتاب وحيه. و عندي هذه المجموعة بخطه. و من كتاب وحيه ميرزا أحمد القزويني.

و لما قتل عاد الكثير من أشياعه إلي الإسلام لتحقق كذب دعوته، و أصر آخرون علي ما عندهم إلا أنهم تشتتوا. و من بقي منهم كتم عقيدته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7،

ص: 88

و أظهر التشيع. و آخرون هربوا إلي العراق باسم الزيارة فتركوا أثرا.

و من هؤلاء حسين علي بن عباس النوري ورد العراق في غرة المحرم سنة 1267 ه- 1850 م كان استأذن في مبارحة طهران للتوجه إلي العتبات بقصد الزيارة فبقي في بغداد. و كان يختلف إلي السليمانية.

و منها إلي جبل سرگلوا و يعود إلي بغداد. و بالنظر إلي المخابرات الرسمية و شكوي إيران في أنهم لم يهدأوا من إلقاء بذور الفتن. قررت الدولة العثمانية تبعيده و من معه بعد أن أقام ببغداد إحدي عشرة سنة و بضعة أشهر في خلالها درس ابنه عباس أفندي المسمي أخيرا ب (عبد البهاء) العربية علي العلامة عبد السلام الشوّاف.

و في سنة 1279 ه أظهر دعوته في بغداد إبان نفيهم و جمعهم في (الحديقة النجيبية) و تسمي اليوم ب (المجيدية) أعلن أنه ناله الظهور أي صار (إلها) و وضع (عقيدته الجديدة) بزعم أن الباب بشر به. و هي لا تختلف عن عقيدة أهل الحلول و الاتحاد و الوحدة أو أعاد إلي الذاكرة دعوة أهل الإبطان عينا في تعطيل الصفات أي أنهم عندهم الباري ليس له وجود بالمعني المعروف و لا صفات و إنما يظهر ذلك في الأشخاص، و أن عقيدة الباطنية علي هذا بل إن هذه لا تختلف عن تلك. قبلها عينا باسم جديد. و سمي نفسه (البهاء). و منه اشتقت البهائية. و صار ابنه بعده يدعي عبد البهاء.

و عقيدتهم تلخص في عبادة الأشخاص أو عقيدة التجلّي الناجمة من وحدة الوجود و من أصول عقائدهم قيام قائمهم و متابعة دعوته. و في عدم التقيّد بالرسوم الدينية أو (التكاليف الشرعية) و هي (عقيدة الباطنية).

و (غلاة التصوف) علي هذه العقيدة فلا

يختلفون في عقيدة عن هؤلاء.

فالعقيدة هي عين عقائد الإسماعيلية و الباطنية الآخرين من غلاة و غيرهم. و هكذا كان بدعوته يريد أن يحقق ما قيل في المهدي من أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 89

يأتي بدين جديد و هو علي العرب شديد. نفي إلي استنبول و منها إلي أدرنة و صلوا إليها في 28 جمادي الثانية سنة 1280 ه و من ثم انفصل منه (صبح الأزل). و كان اختاره الباب ليكون داعية. و هو أخو البهاء فعارضه البهاء، و صرف الدعوة إلي نفسه بداعي أنه كان مستودع الأمر، و أن مستقر الدعوة هو البهاء، دون صبح الأزل، فاستغلها لنفسه.

و من ثم حصلت بينهما مشادة فأبعدوا من أدرنة في بداية سنة 1285 ه- 1868 م. فجعل صبح الأزل و اسمه (ميرزا يحيي) في ماغوسه من (جزيرة قبرص). و أما البهاء و أتباعه فقد نقلوا إلي (عكا) فأقاموا بها. و البهاء مالت إليه الرغبة لقرب اتصاله بإيران و استمر في دعوته.

و تابعه الباطنية و قسم كبير من الكشفية. و الغربيون حاولوا الاستفادة من هذا الانشقاق فناصروهم. و كانت الإشادة بذكرهم تأييدا لسياسة التفريق.

فظن الناس أنه جاء بعقيدة جديدة. و هي قديمة جدا لا تختلف عن عقائد الإسماعيلية و غلاة التصوف.

توفي البهاء في 2 ذي القعدة سنة 1309 ه- 16- أيار سنة 1892 م و له مؤلفات منها (الإيقان) و (جواهر الأسرار)، و (الأقدس)، و (الطرازات)، و (الإشراقات)، و (الألواح)، و (الكلمات المكنوتة) و غير ذلك. و يشك كل الشك أن يكون كتب هذه الكتب كلها. و إنما كتب له ابنه (عباس أفندي). و كان خلفه. و سمي نفسه (عبد البهاء).

و هو أقدر من أبيه بكثير بل

هو الذي أوجد والده و أذاع شهرته. و غير دعوته و عدّل فيها فجعلها عامة بعد أن كانت تهدف الانفصال عن العرب بدين جديد.

أظهر عبد البهاء مؤلفات عديدة له. و في أيامه اكتسبت نشاطا بما أذاع عن والده و علي لسانه. و توفي في 28 تشرين الأول (نوفمبر) سنة 1921 م فخلفه شوقي و هو المعروف ب (الرباني). ابن ضيائية خانم بنت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 90

عبد البهاء. و والده ميرزا هادي أفنان الشيرازي. من نفس أسرة حسين أفنان. و هذا جاء بعد الاحتلال البريطاني إلي بغداد و شغل مركزا مهما، و بسببه انتشر البهائيون في بغداد. و حسين أفنان بن فروغية خانم بنت البهاء.

و علي كل لم تكن عقيدتهم جديدة بل تستند إلي (الأفلاطونية الحديثة) و تسمي الإشراقية. و هي مادية صرفة تعتقد بأن العالم هو اللّه.

و الباطنية و غلاة التصوف علي هذه العقيدة. و كل ما دعوا إليه مذكور في كتب غلاة التصوف.

و أهم مباديهم الوحدة و الاتحاد و الحلول و إنكار التكاليف و نفي صفات الباري و أنها لا تظهر إلا في التجلي أو الإشراق في الأشخاص و من هنا نشأت (عبادة الأشخاص) فلا تختلف عن أهل الإبطان بوجه.

و افترقوا عن الشيخية في أن الحلول و الإشراق لا يستدعي أن يكون في الأئمة بل يصح أن يكون في غيرهم. و بذلك قبلوا فكرة التصوف دون الشيخية. و كلها (عبادة أشخاص). و اعتقاد الألوهية فيهم. و أن الباري لا يظهر و لا يعرف إلا في أمثال هؤلاء الأشخاص.

كتبت رسالة في عقائدهم و تاريخ ظهورهم و تطور معتقداتهم. و هنا ذكرت العلاقة و الأثر و التأثير في حينه بالقطر العراقي.

حوادث سنة 1261 ه- 1845 م

الطبقجه لي و مدرسته:

آل الطبقچه

لي من الأسر العلمية المعروفة ببغداد. منهم السيد أحمد الطبقچه لي كان مفتيا ببغداد، و له شرح كلمة التوحيد و الأجوبة الحكمية علي الأسئلة الهندية. توفي سنة 1213 ه. و إن ابنه السيد محمد كان من العلماء أيضا و له شرح علي كتاب والده في كلمة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 91

التوحيد. و جعل داره مدرسة للعلوم و جعل المتولي عليها و المدرس فيها الشيخ داود رأس أسرة آل الشيخ داود. تكلمت عليها في كتاب المعاهد الخيرية. و توفي السيد محمد سنة 1265 ه بعد وقف المدرسة بسنة واحدة. و لم يعقب. و سيأتي الكلام علي السيد محمد سعيد المفتي.

حوادث سنة 1262 ه- 1845 م

الوباء:

في هذه السنة سنة (1262 ه) وقع الطاعون ببغداد، و في كثير من الأنحاء العراقية.

وفيات
اشارة

و ذكر في حديقة الورود من وفيات هذا الطاعون:

1- عبد الفتاح الشواف.

و هو مؤلف حديقة الورود في مدائح أبي الثناء شهاب الدين السيد محمود الآلوسي. كتبها في حياة الأستاذ أبي الثناء. و هي أول كتاب كتب في حياته و تعد من خير المراجع في تاريخ العراق الأدبي و السياسي. و غالب الوقائع في أيامه ذات علاقة به. فجلا السيد عبد الفتاح صفحة من هذا التاريخ. توفي في شوال هذه السنة رحمه اللّه تعالي.

هذا. و وقفت الحديقة عند ما كتب فأتمها الأستاذ أبو الثناء. ثم إنه لم يستطع الدوام عليها فأكملها أمين الفتوي إبراهيم بن بكتاش و استمر فيها قليلا فتم المجلد الأول من هذا الكتاب الجليل.

ثم إن السيد نعمان خير الدين الآلوسي ابن أبي الثناء ألحقه بمجلد ثان جاء صفحة متمّمة لأدب عصر أبي الثناء الآلوسي و فيه بيان صلاته بالعلماء الأفاضل و الأدباء الأكابر. و اختصر الحديقة الأستاذ عبد السلام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 92

الشواف أخو عبد الفتاح الشواف و جد الأساتذة محمود عزت و مصطفي عزت.

أوسعنا البحث في (التاريخ الأدبي في العراق)، و في كتاب (ذكري أبي الثناء) بمناسبة مرور مائة سنة علي وفاته.

2- العلامة السيد إبراهيم القزويني في كربلاء.

توفي في الوباء في هذه السنة. و له ذكر في حديقة الورود.

حوادث سنة 1263 ه 1847 م

في هذه السنة:

1- أنعم السلطان علي الوزير نجيب باشا بسيف مرصع، ثمين لما قام به من خدمات، تلطيفا له. أرسله مع أحد القرناء (الندماء) و هو راغب آغا..

2- قدمت لمراقد الأولياء الكرام ستائر تغطّي بها المشاهد.

أرسلت إلي بغداد مع ابن الوالي نجيب باشا و هو جميل بك..

ويلا حظ أن نجيب باشا له ابن آخر هو أحمد شكري بك.

3- أبطل بيع الرقيق و الأسير بفرمان سلطاني.

4- بدرهان بك متسلّم قضاء الجزيرة التابع للموصل كان قد عاث بالأمن، و تجاوز علي الأهلين، و لم يلتفت إلي النصائح، و لا أصغي للتنبيهات.. فاقتضي تأديبه، فساقت إليه الحكومة قوة عسكرية بقيادة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 93

عثمان باشا.. فقضي علي غائلته. و كان متحصنا في مواطن منيعة جدا..

معاهدة أرضروم (بين إيران و العراق)

هذه المعاهدة عقدت بين دولة إيران (الدولة القجارية) أيام محمد شاه و بين الدولة العثمانية أيام السلطان عبد المجيد في أرضروم و كانت في 13 جمادي الآخرة من سنة 1263 ه- 1847 م. و قد غلط من قال كانت سنة 1264 هجرية. و تستند إلي معاهدة 19 ذي القعدة سنة 1238 ه- 1823 م المعقودة في أرضروم أيضا بين إيران (الدولة القجارية) أيام فتح علي شاه و بين الدولة العثمانية أيام السلطان محمود الثاني و هذه تستند أيضا إلي معاهدة 17 شعبان سنة 1159 ه- 1746 م أيام نادر شاه. و فيها تقرير الحدود كما كانت أيام السلطان مراد الرابع بموجب المعاهدة المعقودة في أوائل شوال سنة 1049 ه- 1640 م.

و المعاهدة الأخيرة غيرت كثيرا في حدود (زهاب) أو (زهاو) و وردت في المعاهدة بلفظ (ذهاب) غلطا فجعلت شرقيها البلاد الجبلية لجهة إيران و غربيها للعراق كما منحت (المحمرة) و ميناءها لإيران

و كذا (جزيرة الخضر) و (لنگرگاه) و السواحل الشرقية من شط العرب ابتداء من المحمرة إلي مصب شط العرب في البحر. و تركت الأراضي المذكورة بعشائرها لإيران كما أن إيران تركت كل دعوي في لواء السليمانية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 94

و بلدتها و تعهدت بأن لا تتدخل في تملكها في ذلك و لا تتعرض به.

و قرر فيها أن يشرع عقب عقد المعاهدة بأمر (تحديد الحدود). و أما العشائر فمنع كل تجاوز يقع منها، و أن دولتها مسؤولة عنه. و أما العشائر الذين لا تعرف تابعيتهم فيخيرون في اتخاذ موطن، و أن يكونوا تابعين إحدي الدولتين.

و باقي المطالب إقرار لما جاء في المعاهدات السابقة من ألفة و أخوة و رعاية للحقوق الجوارية و من مراعاة زوّار و اتصال تجاري …

و ما ماثل.

و هذه المعاهدة تمت بعد مخابرات سياسية لسنين عديدة. و عندي جملة كبيرة من هذه المخابرات لا تزال مخطوطة.

و بهذه المعاهدة رفع النزاع المستمر من أجل بابان و من أجل عشائر كعب و عشائر الحدود الأخري بل كانت السبب في القضاء علي بعض الإمارات المتغلبة بين الطرفين بل إن الدولة العثمانية استغلتها للقضاء علي غائلة بابان. و لكن إيران لم تتمكن إلا بعد حين.

تحديد الحدود (بين إيران و العراق)

إن تحديد الحدود شرع فيه بعد تصديق المعاهدة المذكورة أعلاه مباشرة. و تكونت لجنة لهذا الغرض و كانت العشائر و الإمارات المجاورة تحدث القلاقل بلا علم من الدولتين بسبب النزاع علي المراعي أو لضرورة كانت تراها، فتحدث معارك.

و ربما كان بعض هذه بإيعاز عند اشتداد حالة التوتر بين إيران و العراق فاشتدت الحروب و كادت تقضي علي الدولتين دون جدوي مما أدي إلي ضعفهما و لما رأت الدولتان أن

ذلك مضرّ بصالحهما تقاربتا لما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 95

عرفتا من نتائج و خيمة إلا أن محمد علي ميرزا حاول أن يعيد إلي الأذهان وقائع نادر شاه أو حوادث عباس شاه … فلم يفلح. و بعد وفاته سنة 1237 ه- 1821 م هدأت الحالة و تم الصلح بين إيران و العراق سنة 1238 ه- 1822 م. و أكد هذا الصلح بمعاهدة سنة 1245 ه- 1829 م.

عزمت الدولتان علي تحقيق الصلح بعد مخابرات سياسية كثيرة فعقدتا المعاهدة علي أن يجري تحديد الحدود فورا، و أن يبدأ من خليج فارس و يمضي التحديد حتي يصل إلي أرضروم (أرزن الروم) فوقع ذلك فعلا و اختار العثمانيون الفريق درويش باشا و بصحبته خورشيد بك كاتبا و أوعز إلي الأخير منهما بتدوين ما يعرض من مواطن و من سكان و أحوال اجتماعية و صناعة و عشائر و ما ماثل. و اختارت إيران أحد رجالها و عهد إلي أحد رجال الروس و أحد رجال الإنكليز فقاموا فعلا و أجروا التحديد إلا أنه لم يتم لما حدث من أوضاع و حالات طارئة.

و إن الفريق درويش باشا كتب تقريرا بالتحديد طبع عدة مرات إلا أنه مختصر بالرغم مما حوي من فوائد. و إن خورشيد بك صار (باشا) كتب (سياحتنامه حدود). فجاء كتابه هذا مكملا لذلك التقرير و لم نقف علي مثلهما في إيران فكانا خزانة معلومات في أحوال العراق لم يترك فيهما شاردة و لا واردة فيما كان عليه العراق و ما هو عليه في أيامهما.

أما ما حدث بعد ذلك فمعلوم. و لعل علاقة خورشيد بك بالعراق دعت إلي هذا التفصيل.

أدركنا الوضعين نزاع الحدود و ماهيته، و حالة القطر، فكشفا ما

لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 96

ناصر الدين شاه- عن رحلة مدام ديولافوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 97

يكن معروفا، و عينا تاريخ النزاع و مولداته، فعلمنا صفحات كثيرة عن العراق، و أدركنا أن لا أمل في توسيع الحدود أو الاشتغال بأمر لم يؤد إلي نتيجة صالحة.

دام تحديد الحدود إلي نهاية سنة 1268 ه- 1851 م. من أيام نجيب باشا إلي أيام نامق باشا الكبير و من ثم اشتدت الحالة فحدثت الحرب مع روسيا فوقف العمل و لم يتقرر الحد بين إيران و العراق.

و قبيل الحرب العامة الأولي أي في سنة 1913 م أعيد النظر في التحديد فلم يسفر عن نتيجة حاسمة.

و إذا كانت الحدود لم تحسم لحد الآن فقد ترك لنا هؤلاء الأفاضل معلومات جمة لما يتعلق بالقطر في مختلف أوضاعه إلي أيامهما. و هذه لم تظهر في حينها. و إنما كشفت عنها الأيام. و حبذا مثل هذه و لم نر إلا القليل من نوعها.

و من جهة أخري جلت عما يجاور الحدود العراقية من أصقاع و عشائر بحيث لم يبق خفاء و زال الإبهام و من ثم عرفنا الأوضاع فانكشفت انكشافا تاما.

و في أيام الدولتين الحاضرتين تم التفاهم من طريقه و جرت محاولات لتحديد الحدود و أن ينهي أمرها، فلا يبقي نزاع أو ما يسمي بالنزاع فقد ترك الفريقان الآمال أو لم يجدا ما كان يشعر به من كان قبلهما فحصل التفاهم. و لم يشأ أحد أن يعيد التجربة.

و هل رأينا من كتب مثل ما كان كتب في تقرير درويش باشا و خورشيد باشا بأمل اتصال المعرفة إلي أيامنا؟ لم نقف علي شي ء من ذلك أو لم يظهر. و من جهة أخري

لم نعثر علي ما كتبه الإيرانيون في تحديد الحدود لتعرف و جهات النظر، أو ما توسع فيه كل فريق كما أنهم لم يكتبوا عما جري في هذه الأيام.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 98

و الملحوظ أن عشائر الحدود و إمارة بابان و كعب كل هذه كانت تثير القلاقل. و يعرف هذا من وقائع العراق و حوادثه في مختلف الأزمان. و من ثم تتعين الأوضاع.

حوادث سنة 1264 ه- 1847 م

غلاء و قحط:

قلّت الغلال و ارتفعت الأسعار في هذا العام. و في سواد العراق من باع أولاده لزيادة القحط.. و لا يستغرب وجود غلاء و قحط، فالوسائط النقلية و المخابرات الخارجية تكاد تكون مفقودة، و مثل هذه لا تؤدي إلي سد الخلل.. و كثيرا ما يقع أمثالها في ممالك عديدة حتي في العراق الوافر الخيرات و المزارع.

فيلق العراق و الحجاز:

في هذه السنة تأسس فيلق باسم (فيلق العراق و الحجاز) و جعل (مشيره) عبدي باشا ناظر المدارس العسكرية، و دعي إلي استنبول حمدي باشا فريق بغداد، و أرسل مكانه عزمي باشا برتبة فريق..

حوادث سنة 1265 ه- 1848 م

البصرة- الأسطول:

في هذه السنة أمرت الدولة بلزوم إصلاح الأسطول في البصرة من جديد، و بعثت ب (پير بك) من أمراء البحرية، مع بعض الضباط الموظفين للشروع بالعمل..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 99

عزل الوالي محمد نجيب باشا:
اشارة

يوم الجمعة 22 شعبان سنة 1265 ه عزل الوالي عن بغداد و منهم من قال كان عزله في رجب. و قد مرّ من حوادثه ما يبصر بما قام به من الأعمال إلا أن الوثائق ليست كافية للقطع بما هو معروف عنه من الحوادث، الأمر الذي اضطرنا أن ننقل ما قاله المؤرخون فيه. جاء في مرآة الزوراء:

«خلف علي رضا باشا اللاز في ولاية بغداد و كان والي الشام.

و هو قادر علي إيقاع ما هدد. و له المهارة الكافية في ضبط الإدارة و تمشية الأمور فهو من الوزراء الذين اختارتهم الدولة للمهمة. مآثره لا تنكر.. و لكنه كان قد بلغ في أيامه الظلم و العسف بالأهلين حدّا فائقا، تجاوز طوره.. و كان يحمل أفكارا بالية. الأمر الذي جعل الدولة لا تنتفع منه، و كذا الأمة..» اه.

و يريد أن يقول إن تمسكه بالطريقة القادرية تمسكا قويا صده عن النظر في أمور الدولة و مال بكلّيته إلي نقيب الأشراف السيد علي الكيلاني. تعلق به تعلقا كبيرا.. و الحق أنه ساعد علي تنظيم أمور الوقف القادري، فنهج السيد علي نهجا مقبولا، فصار ينتفع آل الكيلاني من هذا الوقف إلي اليوم. و من الغريب أن يشير الأستاذ سليمان فائق إلي ذلك في حين أننا نراه يميل إلي (النقشبندية) كثيرا. و قد قبلت القادرية.

و في سجل عثماني أنه من الگرج، تخرج من الأقلام، و تولي الدفترية و غيرها.. و تقلّب في مناصب عديدة. و بعد أن ولي منصب الشام

مدة وجّه إليه منصب الوزارة ببغداد في ربيع الأول سنة 1258 ه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 100

و عزل في رجب سنة 1265 ه، و توفي في رجب سنة 1267 ه و دفن بأبي أيوب، و كان مدبرا قديرا، ذا ثروة.

و في هذا بيان حياته الرسمية، و فيه ما ينافي قول الشاوي عن أصله … و كان مدحه عبد الباقي العمري بقصائد في مناسبات عديدة.

و كذا مدح ابنه.

مما عرف به:
1- النجيبية.

حديقة من مؤسساته، و تدعي اليوم (المجيدية)، و في أيام مدحت باشا اتخذت حديقة، ثم شيد فيها قصر لناصر الدين شاه ليقيم فيه مدة بقائه في بغداد.. و تطورت حتي صارت (مستشفي) و هذه البستان يعدها (البهائية) من المواطن المقدسة. لأنها حينما نفي (البهاء) سكنها بخيامه مع المنفيين معه مدة 10 أيام أو 12 يوما إلي أن جري سوقهم و تبعيدهم و أن البهاء فيها أعلن الوهيته. و من جراء ذلك صار يعد من الأماكن المحترمة عندهم. و يأتي الكلام علي المستشفي في حينه.

2- سقاية نجيب باشا.

أنشأها سنة 1261 ه في المنطقة (براثا) و للعمري (عبد الباقي) قصيدة هنأ بها الوزير. اندرست هذه السقاية و لم يعرف تاريخ خرابها..

3- شريعة نجيب باشا.

اسم محلة في الأعظمية عرفت باسمه.

و لا تزال.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 101

والي بغداد عبد الكريم نادر باشا (عبدي باشا)

مدة وزارته قليلة، لا تتجاوز ثمانية عشر شهرا و لا يؤمل خير من وال يبقي زمنا كهذا.. و لعل التجارب بصرت الدولة بمراعاة ذلك، فصارت هي تدربه بالوجه المرغوب فيه لديها، لا أن يسير بعقله و ترتيبه.

كأن الشاهد لا يري ما يري الغائب. و في الوقت نفسه تحذر منه و تخشي تمكنه و تغلبه. فأوقعها الخوف في مهالك أعظم و مصاعب أجلّ.

كان فرمانه مؤرخا في أوائل شعبان سنة 1265 ه- 1849 م و يتضمن أن الوزير الحاج محمد نجيب باشا قد انفصل و أودعت مهام ولاية بغداد إليه، و هو متّصف بالأوصاف المطلوبة، واقف علي أحوال الإيالة، كان هناك مدة، فأودعت إليه إيالة بغداد و شهرزور و أن تتولي إدارة البصرة متصرفية، فأودعت إلي والي طرابلس الغرب السابق المشير الوزير محمد راغب باشا، و أوصيا بمراعاة المتوطنين و السكان من الأهلين و التبعة و مراعاة وسائل راحتهم و رفاههم، و أن يلاحظ أمر طاعتهم و انقيادهم و التأليف فيما بينهم، و أن يكون سلوكهم مرعيا، و معاشرتهم بتيقظ و بصيرة و أن تدار شهرزور بقائممقام (متصرف) حسن الإدارة.

و أبو الثناء الآلوسي نعته بخير النعوت و أطراه و ذكر ما رأي منه من لطف. قال في نشوة المدام:

«حققت أنه لما سمع- الأستاذ سليمان فائق- بحلولي تلك المعاهد، و تحقق قرب و صولي مدينة آمد، رفع الأمر لحضرة فيلسوف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 102

الوزراء، و من ابتهجت بوزارته العادلة سابقا الزوراء، ذي الحسب الزاهر، و النسب الباهر، الذي لم يقل السلطان لغيره (عبدي)، و إن يكن قال فهو نادر، السيد

عبد الكريم نادر باشا الشهير بعبدي باشا..» اه.

إلي آخر ما قال. و مثله بل أكثر ما جاء في غرائب الاغتراب.

أثني عليه الأستاذ الآلوسي، و كرر القول في مدحه. رآه في ديار بكر المعروفة ب (آمد) لما رأي من لطف و حفاوة فمدح أخلاقه النبيلة..

و كل ما علمنا عنه أنه ذهب إلي (فينّة) من بلاد النمسا للتحصيل، و في سنة 1256 ه صار رئيس أركان الجيش برتبة مير لواء.. و تقلب في مناصب عديدة، و في ربيع الأول سنة 1264 ه نال منصب المشيرية للعراق و الحجاز برتبة الوزارة، و في رجب سنة 1265 ه منح ولاية بغداد، و عزل في صفر سنة 1267 ه، و هكذا استمر في صعود حتي نال السردارية و السر عسكرية، ثم نزعتا منه. و في سنة 1301 ه مات في رودس. و الشاعر عثمان نورس كتب (أثر نادر) من (مجموعة الطرب علي لسان الأدب) باللغة التركية. تحوي بعض غزليات الوزير عبد الكريم نادر، و خصص لها الجزء الأول من مجموعته هذه، و فيها بعض أشعاره، و الباقي محرراته بقلم نورس.. و يذكر أنه رافقه من سنة 1264 ه فرأي منه كل لطف و كرم كما شاهد منه الأدب الجم، و الشجاعة و القدرة، و الحب للعلوم و المعارف و أثني عليه كثيرا و جعل هذه المجموعة خاطرة و ذكري لتلك الأيام.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 103

و ذكر في الجزء الثاني منها بعض غزليات علي رضا باشا اللاز و جعلها ذكري أخري، و بهذا جمع ما يتعلق بأيام الوزيرين و بعض الغزل.

و في تاريخ الأدب التركي أوسعت الكلام في الشاعر عثمان نورس و محرراته. و يأتي الكلام عليه في

حينه.

القلعة:

و في هذه السنة بنيت (القلعة). و تم بناؤها. و في ديوان الفاروقي أبيات تشعر بعام البناء سنة 1265 ه. و هذه القلعة تحوي في أيامنا (وزارة الدفاع). و كانت معروفة من العهد العباسي. و فيها أثر لا يزال محل اشتباه الباحثين. و يسمي ب (القصر العباسي). و في أوائل العهد العثماني كانت مشغولة ببيوت للأهلين و حمام و مرافق أخري و في أيام السلطان مراد الرابع بني فيها جامع القلعة. و كانت فيها دار الضرب و تكية. و ذكرها أوليا جلبي و نسب الجامع إلي السلطان مراد الرابع و قبله كان عمره السلطان سليمان في حين أن وقفيته معروفة و تدل علي أنه بني حين تأسيسه.

حوادث سنة 1266 ه- 1849 م

لم يظهر فيها من الحوادث ما يستحق الذكر.

حوادث سنة 1267 ه- 1850 م

عزل الوالي:

في هذه السنة عزل الوالي عبدي باشا و قد مرّ ما يوضح حياته الرسمية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 104

والي بغداد محمد وجيه باشا (وجيهي باشا)
اشارة

و هذا الوالي كانت مدة حكمه أقل من سابقه، فلم يطل مقامه أكثر من عشرة أشهر، فلا يستطيع أن يتعرف بالشعب، و لا بإدارته و لا اختيار موظفيه.. و لا شك أنه لم يقع في زمنه ما يستحق الذكر. و الظاهر أنه (محمد صالح وجيهي) المذكور بين ولاة الموصل من سنة 1264 ه إلي سنة 1265 ه.

و في مرآة الزوراء:

«إن وجيهي باشا أودع أمور الإدارة إلي نامق باشا، و لم يتدخل لا في خيرها و لا في شرها، و طلب أن يعفي عن هذا المنصب، و أنهي به إلي نامق باشا بضم مشيرية فيلق العراق إليه..» اه.

و جاء في سجل عثماني:

«إنه من أهل يوزغاد، ثم صار رئيس البوابين و في سنة 1243 ه صار قائممقام وال في أدرنة، و بعدها تولي مناصب عديدة و ولايات..

منها ولاية الموصل في ربيع الأول سنة 1263 ه (كذا). و هكذا حتي ولي بغداد في صفر سنة 1268 ه (كذا). و انفصل في صفر سنة 1268 ه (كذا) و هكذا صار في ولايات عديدة بعدها. و توفي في 16 ربيع الآخر سنة 1284 ه. و كان عارفا بالأمور الملكية، مدبرا، و لم يتم سنة 1267 ه فعزل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 105

هذا. مع العلم بأن له ابنا اسمه محمد صالح فهل هو الذي ولي الموصل؟ مع الإشارة إلي أنه نفسه ولي الموصل. و لا شك في أنه كان هو نفسه والي الموصل.

واقعة الوردية- الحلة:

و في تاريخ الشاوي ورد أنه في أيام ولايته كان زعيم الفيلق السادس في بغداد و ملحقاتها المشير محمد نامق باشا و قد وقعت بينهما عداوة و بغضاء و أسبابها الوقائع و الثورات التي حدثت من عشائر الفرات فأراد الوالي تسكين الفتن سياسة و خالفه المشير، فكان من رأيه أن يؤدبهم حربا. و جرت المخابرات و المراجعات إلي استنبول فتعهد المشير بضربهم و تأديبهم لتأمين شرف الحكومة، فوافقت الدولة، و من ثم خرج بجنوده، فضربهم ضربة قاضية، و أخذهم أخذ عزيز مقتدر، و أخبر استنبول بذلك فصدر الأمر بعزل الوالي و نصب المشير نامق باشا واليا مع زعامة الفيلق. و تسمي هذه الواقعة ب (واقعة الوردية). لأن اجتماع العشائر للحرب كان في أراضي مقاطعة الوردية. و الظاهر أن هذه الواقعة هي التي عرفت ب (واقعة بني حسن) الآتي ذكرها … بل لا يوجد غيرها.

عزل الوالي:

في صفر هذه السنة سنة 1267 ه عزل الوالي وجيهي باشا. و في يوم السبت 5 شهر ربيع الأول سنة 1267 ه خرج من بغداد قاصدا استنبول.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 106

ولاية نامق باشا الكبير

كان هذا الوالي مدركا للأمور كما نعته بعض المعاصرين من العراقيين، و مهابا في أعين الناس يتكلم الفرنسية بإتقان، و كان لا يداهن في أمور الحكومة، مقداما في الحروب، عاقلا، حازما.

أتته الوزارة في صفر، و في آخر هذا الشهر جاءه الفرمان من السلطان بالحكومة التامة و أنه وال علي العراق من الموصل إلي البصرة، و أطراف بغداد، يولي عليها من شاء من قبله لا من قبل الدولة.

و قد هنأه الأستاذ عبد الباقي العمري بقصيدة.

جاء في تاريخ جودت باشا أنه كان من المعمرين، و هو في عصرنا من أفاخم مشيري السلطنة. ولد سنة 1219 ه. تقدم في المناصب العسكرية بسرعة حتي نال في 1 شعبان سنة 1265 ه منصب المشيرية لفيلق العراق و الحجاز. ثم إنه في أوائل سنة 1268 ه حصل علي منصب الولاية ببغداد فجمعت فيه العسكرية و الملكية معا.. فكانت هذه ولايته الأولي في بغداد.

و بقي فيها إلي 29 شوال سنة 1269 ه فعين في هذا التاريخ لمشيرية المدفعية العامرة، فعاد إلي استنبول و هو المعروف ب (نامق باشا الكبير). و لم يذكر هذا المؤرخ شيئا من أعماله ببغداد..

نفي و تبعيد

سير مع الوالي المعزول وجيهي باشا سبعة رجال نفوا مقيدين.

أرسلوا إلي استنبول، فكان ذلك باكورة أعماله، و من هؤلاء مشايخ العشائر:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 107

1- ظاهر المحمود شيخ زوبع.

2- كريدي شيخ الخزاعل.

3- مع كريدي ثلاثة من سادات قومه، و قيل معه ستة.

قال صاحب التاريخ المجهول: «و هنا ذكر شي ء يلزم تحريره و هو أن المنفيين إلي إسلامبول: كريدي الخزاعي و معه من قومه، و ظاهر المحمود الزوبعي، فإن ظاهرا قد تكلم مع كريدي علي الهزيمة، و قال له اليوم نحن عرب،

و جنس واحد، و أنا مقتدر علي الفرار هل لك أن تنهزم معي، فسكت عنه كريدي، و وشي علي (ظاهر)، فمسكه المبعوثون معهم و هم الجنود، و ضربوا ظاهرا ضربا موجعا. و من بعد ذلك أيضا انهزم من المأمورين بإيصالهم إلي إسلامبول من فوق الموصل، و ركض عامة ليله، و اختفي وقت الفجر بأشجار سدر، و رأي رجالا علي جمال فصادفوه و عرفوه، و هم من شمر، غزو، فأركبوه معهم و أوصلوه إلي محلهم، و أرسل إلي أهله، و تحول من مكانه الأول، و نجا بنفسه، و بدا يظهر العصيان، و يقطع الطريق، و أخذ بعض الأغنام لرعايا الحكام، و غار (كذا) مرة ثانية و معه فضيل أخو نجم الزيدان المحبوس عند الحكام في بغداد، فأخذوا غنما مقدار عشرين ألف رأس و دواب و خيل، و كروان أموال أمتعة كان مرسولا إلي هيت بمقدار جسيم..» اه.

هذا. و قد تكلمت علي قبيلة زوبع في (عشائر العراق) في المجلد الأول، و أن رئيسها ظاهر المحمود علمنا عنه أول واقعة سنة 1267.

آل بابان و انقراض إمارتهم:

إن هذه الإمارة دامت مدة طويلة. و أولها رئاسة دينية، ثم وليت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 108

الإدارة. و في بادئ أمرها كانت سلطتها قليلة لا تتجاوز شهربازار.

بدأت في أواسط القرن الحادي عشر الهجري، فتوسعت بالسيطرة علي العشائر الكبيرة حتي تمكنت. و قد مرّ بنا من حوادثها ما يعين مكانتها.

و غالب وقائع العراق متصلة بها و بإيران معا، فلم يتيسر للدولة القضاء عليها و لكن شعرت بما يحيط بها من غوائل، و مثلها إيران فاضطرتا علي مراعاة السلم و الهدوء بينهما بعد أن علمنا ما علمنا من حوادث محمد علي مرزا. و بعد وفاته تمت

المصالحة بينها و بين إيران فعقدت معاهدة سنة 1238 ه. و سنة 1245 ه، و جرت مفاوضات عديدة لقطع نزاع الحدود من وجوهه المختلفة في أراضيه و إماراته …

و بذلك تمت معاهدة سنة 1263 ه المذكورة. و هذه المعاهدة في الحقيقة تعد السبب في القضاء علي إمارة بابان و انقراضها بعد جدال عنيف و نضال بالغ الحد. و باقي الأسباب من أهمها خمول طرأ علي البابانيين أو شعروا بمجاري الأحوال فأذعنوا رهبة أو رغبة. و لم يخالفوا ما حدث من تبدل من جراء أن الدولة اتخذت التدابير و كانت عزمت عزما أكيدا في القضاء علي الإمارات في العراق. و شجعها ما حدث من الوقيعة بالرواندزي و بأمراء العمادية.

قامت بتدابير تمهيدية من حين عقد المعاهدة مع إيران أو قبلها إبان المفاوضات و استمرت في تدابيرها إلي أن تم لها ما أرادت. و في خلال المدة و تأمينا لمطلوبها عزلت (نجيب باشا)، و جعلت عبدي باشا (عبد الكريم نادر) مشيرا ثم واليا و نامق باشا كذلك مشيرا ثم واليا، فاختارت أكابر رجالها للمهمات مع توقع ما يحدث سواء في بابان أم في المنتفق من حوادث …

و كلامنا في بابان. و كنت كتبت كتاب (شهرزور- السليمانية) أوضحت فيه عن هذه الإمارة و انقراضها و هنا أقول:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 109

إن الدولة عزلت أحمد باشا بن سليمان باشا من إمارة بابان سنة 1264 ه- 1847 م ودعته إلي استنبول و منحته مناصب مهمة. و جعلت أخاه الأصغر منه عبد اللّه باشا مكانه، وليها بصفة قائممقام (و هو بمعني المتصرف في هذه الأيام) و هذا عزل سنة 1267 ه- 1850 م و ذهب إلي استنبول سنة 1268

ه و تقلب في مناصب عديدة.

ثم حلّ محله عزيز بك من آل بابان. و كان نامق باشا اعتمده في أول وروده إلا أنه بعد مدة قصيرة عزله إذ قطع بأن آل بابان عادوا لا يصلحون للحكم. و بالتعبير الأولي أرادت الدولة إقصاءهم عن الإدارة فانتزعت منه الإمارة سنة 1267 ه.

و في الحقيقة كان انقراضهم من تاريخ المعاهدة المعقودة مع إيران سنة 1263 ه. و أول قائممقام عرف للسليمانية من غير البابانيين إسماعيل باشا فهو أول متصرف من العثمانيين.

و قد أثني عليه أبو الثناء الآلوسي و بيّن أنه كان صادق الخدمة لدولته، و أنه ممن صحبه زمن المرحوم علي رضا باشا و قد خدم أحسن خدمة في حادثة السليمانية فأنست به استنبول، و أنه رأي فيها من حسن معاملته فوق المأمول.

و في عشائر العراق الكردية (ص 98) و في كتاب لواء شهرزور- السليمانية تفصيل أكثر.

الحلة في أيامه:

قال الشاوي: كان الوالي نامق باشا شجاعا حقودا علي العصاة، فكل من يخرج عن طاعة الحكومة يقدم له السيف لا السياسة … و كان الموظفون في أيامه يخافون بطشه و يبذلون كل جهد لينالوا رضاه …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 110

و كان قد عين لقائممقامية الحلة خلف آغا إلي آخر ما قال. و حكي ظلم خلف آغا.

مشيخة المنتفق

في 23 شهر ربيع الثاني سنة 1267 ه- 1851 م تغلب شيخ المنتفق منصور بن راشد (ابن ثامر السعدون و هو منصور باشا) من مشائخ المنتفق علي فارس بن عجيل، و صار شيخا بالسيف بدل فارس المذكور، و كلاهما قبل هذه المادة ساد قومه مرتين، الواحد يغلب الآخر، و لم ينقطع القتال بينهما إلي أن آل الأمر في هذه الواقعة إلي الشيخ منصور … و هو من أمراء المنتفق … و فارس كان أبوه شيخا في وزارة داود باشا و انتصر عليه الشيخ منصور، فانتدب للشيخ منصور الشيخ وادي شيخ زبيد، سار من طريق الحلة، و قصد الفزعة لمنصور، فوقف الفريقان طوائف المنتفق قسمين، قسم مع فارس، و قسم مع منصور و زبيد معهم، فأولا كان الغلب لجماعة فارس، و من بعد صارت الهزيمة علي فارس و قومه، و قتل عبد اللّه أخو فارس و كان شجاعا معدودا أشجع من فارس المذكور، و مسك جماعة وادي فارسا و أبقاه وادي عنده محجورا عليه» اه.

أصل المنتفق

قال: «و هؤلاء المنتفق ذكر مؤرخو البصرة عنهم، و منهم السيد إبراهيم الرفاعي و كان عالما فاضلا (قال): إن قبيلة المنتفق أصلها حسنية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 111

من أولاد الحسن رضي اللّه عنه. لا جميعهم بل رؤساؤهم، و ما عداهم من قبائل متفرقة، و ذكر عنهم أن وجودهم في هذا المكان سنة الستمائة بعد الهجرة، سكناهم في أراضي البصرة، و لهم أراض مزارع و نخيل تبلغ لكوك يأكلونها، و جعل (يريد الرفاعي المذكور) لهم تاريخا مستقلا مختصرا، و عدّ أمراءهم به مفصلا، هذا طالعت به، و وجدته عند واحد من أهل البصرة و نقلت منه هذين السطرين لأجل اللازم»

اه.

و في هذا ما يؤيد أن الأمراء سادة حسنية، و ذكرت في تاريخ العراق أصلهم و زمن ورودهم بنصوص قطعية و لم نجد ما يؤيد وجودهم قبل عهد المغول و في النص المنقول ذكر للمبالغة في القدم.

و كنت تكلمت في أصلهم في تاريخ العراق بين احتلالين ج 2 و في كتاب الأنساب للسيد ركن الدين الحسني ما يوضح عن تاريخ ورودهم العراق و من تفرع منهم مما أوضحناه في عشائر العراق (ج 4).

و حوادثهم مبينة في المجلد الثالث من تاريخ العراق فيما بعده.

المجلس الكبير في بغداد:

كانت صدرت الإرادة السنية بتأليف هذا المجلس في رمضان سنة 1267 ه- 1850 م، و كان تأليفه في بغداد استنادا إلي (خط كلخانه) المعلن بوقته.. و صار يعد أول خطوة لقبول الإدارة القانونية.. و أن يكون الحكم بيد الأمة أو أن تشترك الأمة في أعمال الحكومة. و قد تكلمت علي ذلك فيما سبق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 112

قبيلة بني حسن:

ذكر الأستاذ أبو الثناء أنه في جزيرة ابن عمر سمع بواقعة للوزير نامق باشا تدل علي انتصاره علي (عشائر بني حسن). ورد إليه كتاب يخبر بما جري. ذكرها الأستاذ (محمد أمين العمري الكهية) في قصيدة.

و في ذيلها أبيات في تاريخ هذا الانتصار كما سطر الأستاذ الشاعر عبد الباقي العمري بعض أبياتها.

و لم نر فيها تفصيلا للحادث. و الظاهر أنها كانت أيام وجيهي باشا و علي يد نامق باشا. و كان ممن حاربه بنو حسن القبيلة المعروفة.

رحلة الأستاذ أبي الثناء إلي استنبول:

كان الأستاذ أبو الثناء قد ضاق به الحال بسبب العزل و تجريده من الوظائف المهمة مثل (تولية أوقاف مرجان). فذهب إلي استنبول (فروق). خرج من بغداد في غرة جمادي الآخرة سنة 1267 ه- 1851 م و في سفرته هذه كتب ما شاهد و ذكر من لقي حتي وصل إلي استنبول.

و سمي رحلته هذه (نشوة الشمول في السفر إلي إسلامبول). ثم عاد إلي بغداد فدوّن ما مرّ به في طريقه و كان رجوعه إلي بغداد في 5 شهر ربيع الأول سنة 1269 ه- 1852 م و كتب بذلك رحلة دعاها (نشوة المدام في العود إلي مدينة السلام).

ثم إنه بعد عوده سنة 1269 ه- 1853 م كتب ما جمع فيه بين الرحلتين و زاد توضيحا في رحلته المسماة (غرائب الاغتراب و نزهة الألباب) فكانت أبدع و لم يستغن عن الرحلتين الأخريين. ففي كل واحدة من هذه الرحلات الثلاث ما ليس في الأخري فكانت خزانة معرفة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 113

ربح هذه الرحلات و إن لم ينجح في مسعاه و ما ذهب من أجله فالطغيان لم يكن من الولاة كما توهم. و إنما كان ذلك مقصود الدولة فخاب أمله و

عاد بالخذلان، إلا أنه ترك لنا ثروة أدبية و علمية و تاريخا ناطقا. و كان يعلم ما كان ينوشه من افتراء و تدليس و بيّن أنه لا يخلو هناك من مناضل يذب عنه و لكن تغلب أهل الشقاوة فقضي علي آماله.

حوادث سنة 1268 ه- 1851 م

نفي و إبعاد:

في يوم الخميس سلخ شهر ربيع الآخر سنة 1268 ه نفي نامق باشا مقدار مائة رجل من أهل الجنايات إلي البصرة. كانوا في السجن، و أكثرهم لم يستوجب النفي، و لكن نفاهم عملا بقواعد التنظيمات التي هي مدار أحكامهم و سياستهم.

صالح العيسي شيخ المنتفق:

في غرة جمادي الثانية قدم إلي بغداد الشيخ صالح بن عيسي من أمراء المنتفق و كان أبوه شيخا علي المنتفق، أرسل عليه الحكام، و نزل خارج البلد، في باب المعظم. و قصد الحكام يسيّرون معه عساكر إلي بلاده و يجعلونه شيخا عوض الشيخ منصور بن راشد. و في ثالث يوم قدومه عبّروه دجلة من الجانب الشرقي إلي الجانب الغربي و نزل (باب الحلة)، و سمع أن عرب زبيد مرامهم يغتالونه فطلب من الوزير نامق باشا أن يسير إلي بلاده من الجانب الشرقي لئلا يظفر به

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 114

ساعي بريد هجان- عن رحلة وليم فوغ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 115

أعراب زبيد، فما أذن له الوزير بالمسير مما رامه المذكور فعند ذلك أغارت أعراب زبيد و معهم أخو وادي فحل، و ابن أخيه سمرمد و أخذوا من سواد العراق أغنامه و أمواله، و قطعوا طريق الحلة و أخذوا بعض الخانات، و تبيّن وجه تعدّيهم، و خلع الطاعة، و بان صريحا أنهم يريدون أن يغتالوا الشيخ صالح العيسي، فعند ذلك أذن الوزير له بالمسير علي الجانب الشرقي من بغداد علي طريق جسّان و بدرة و ألحقوه بمدد بعض العسكر من أعراب نجد راجلين، و هم من عقيل و كان ظهوره يوم 13 من جمادي الآخرة» اه.

غارات زبيد:

«في أوائل جمادي الآخرة كثرت الغارات من أعراب زبيد حتي أنهم و افقوا في دجلة خمس سفن محمّلات أموالا للتجار، فعاقوها عن المسير، و هؤلاء هم أعراب وادي. و مع هذه الغارات الجمّة يسمع الوزير و لم يرسل عسكرا لقتال هؤلاء الباغين، و ذلك بعكس عادة الوزراء الماضين في العراق، فإنهم إذا سمعوا بأن أعرابا أخذوا،

ركبوا بأنفسهم، أو أرسلوا من يقوم مقامهم لأجل فك أموال الناس من المعتدين.

و هذا الوزير جمع العساكر في الديوانية، و لم يحارب هؤلاء المتجاسرين و الذي أحوجهم إلي خلع الطاعة بطشه بهم و مماشاتهم علي غير المعتاد، فإنه قد ذكرنا في تاريخنا هذا أنه سيّر إلي إسلامبول مقدار عشرين رئيسا من رؤساء العرب، و بعضهم محبوسون بالقلعة مهانين ينقلون الأحجار و التراب علي ظهورهم، و هم من كرماء العرب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 116

و شجعانهم. و هذا الفعل مباين لعادة الملوك الماضين» اه.

المسيب و أطراف بغداد:

ثم قال «و في 14 جمادي الآخرة في يوم الأحد أتي الخبر أن أعراب زبيد أتباع وادي أخذوا المسيب، و نهبوا ما فيها من الأهالي، و نهبوا الطعام الذي هو مخزون للناس، و أن ما حول بغداد من الأعراب خافوا علي أموالهم و أنفسهم و جعلوا منزلهم قرب المدينة، و بقيت أمور الناس معطلة و جميع الطرق مخوفة، و لا يمكن لأحد أن يطلع من البلد، و يسير مقدار ساعتين إما ينهب أو يقتل كما وقع مرارا.

و أعراب وادي نازلون بالوردية و هو مكان قريب من الحلة مقدار نصف فرسخ و العساكر بالنزيزة و هو مكان طرف بلد الحلة بل هو من الحلة، و حاصروا البلد، و لم يقدر أحد أن يذهب خارجها، و انقطع الخبر من بغداد إلي الحلة و غلت الأسعار بالحسين (كربلا) و بالمشهد (النجف) و الحلة. و المزارع التي حول بغداد آن حصادها و لم يمكنهم أن يحصدوها مخافة الطريق و بقي أمر الخلق مضطربا فلم يجدوا ملكا يصون أموالهم. و لم يتفق بالعراق انحلال و اختلال كما في هذه الأيام.

ثم إن الوزير نامق باشا يوم

21 رجب أطلق سمير الزيدان من مشايخ شمر، و كان مسجونا» اه.

الوالي في نظر الغربيين:

لا ينظر الغربيون إلا إلي مصالحهم. قالوا:

كان في حكمه مشهورا بتعصبه علي المسيحيين و الأجانب، و ذكروا له حادثة اتخذوها دليل ذمّه، و ذلك أن شاميا من تبعة فرنسا كان صيرفيا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 117

يمثل بعض البيوت التجارية في بيروت، ركب يوما حصانه، فأدي به طريقه إلي سوق الهرج، و في هذه الأثناء كان نامق باشا ذاهبا إلي الصلاة يوم جمعة و موكبه مؤلف آنئذ من فرسان الجندرمة يتقدمهم ضابط كبير، و جاء القواصون بعدهم يتقدمهم رئيسهم (قواص باشي)، ثم كبار موظفي الدولة، و الوالي يأتي بعدهم راكبا حصانه، و يتبعه الكهية ثم الإمام، و عدد كبير من رجال الدين.

و كان قد اعتاد الناس أن يبقوا واقفين عند مروره، كما أنه إذا مرّ خيّال بهذا الموكب ترجّل احتراما إلي أن يمضي الموكب. أما الشامي فيظهر أنه كان يجهل التقاليد، فلم يترجّل، فلما شاهده نامق باشا بهذه الحالة عدّ ذلك سوء أدب أو صلافة منه لا سيما بعد أن علم أنه نصراني فأمر الجندرمة بإنزاله عن حصانه فأخذ هؤلاء يوجعونه ضربا مبرحا بمؤخرة بنادقهم (قونداق) حتي أسالوا منه الدماء، و بقي طريح الفراش بضعة أسابيع. أما القنصل الفرنسي فقد احتج احتجاجا شديدا علي هذه الفعلة القاسية، كما أن السفير الفرنسي باستنبول قدم احتجاجا مماثلا للباب العالي طالبا تعويضا ماليا للمعتدي عليه (36000) فرانق فكانت النتيجة أن استدعي نامق باشا إلي استنبول بعد أن حكم مدة (9) أشهر.

يعزو الغربيون عزله إلي هذا الحادث. و أعتقد أن اضطراب الحالة كانت السبب الرئيسي.

عزل نامق باشا:
اشارة

مما مرّ عرفنا الحالة السياسية، و الأوضاع الحكومية أيام نامق باشا، فكانت الأمور مرتبكة، و الناس في ريب من أوضاعهم. علا

موسوعة تاريخ العراق

بين احتلالين، ج 7، ص: 118

صوت المتنفذين و صارت الأموال غير مصونة، و الطرق مختلة فالعراق أصابه انحلال و اختلال لم ير مثلهما في عصوره الماضية. فعزل هذا الوالي.

و جاء في مرآة الزوراء:

«إن نامق باشا عهدت إليه إيالة بغداد و مشيرية فيلق العراق، فترك المشار إليه راحته ليل نهار، و سعي جهده لمصالح الإيالة و تدبير أمورها، و تنسيق إدارتها. قام بذلك بنفسه، فاتصل بالإصلاح من أصله.. و لكنه من جراء التداوي المتوالي قد بدت فيه الأمراض المكتومة، و العلل العارضة، فظهرت القلاقل، و توالت المحن.. نهض أهل الشقاوة من كل صوب، فتوالت إقداماته و برزت العلائم المبشرة بقرب التنظيم و التوجيه.. إلا أن ذلك أدي إلي أن رجال الدولة صاروا لا يرون بقاءه فعزل..» اه.

و قال الأستاذ الآلوسي:

«و كنت سمعت عن والي باشا في الاجه خان خبرا يتلوّن تلوّن الحرباء في قبوله الأذهان و هو عزل الوزير، الذي لحضرة السلطان حسن ظن به، و المشير الذي لا يستشير سوي غضبه، ذي المهابة التي حفظت بغداد عن أن تنتهبها يد أهل البغي و الفساد و صدت مفسد العشائر عن تخريب المنابر و المناير، عالي الهمة محمد نامق باشا، زاده اللّه تعالي بالأنظار الخاقانية انتعاشا، و نصب الوزير الذي ندر مثله فيمن استوزر و المشير الذي فخر عقله بما انطبع فيه علي مرآة الإسكندر، حضرة ذي العزم الجلي، رشيد باشا الشهير بالگوزلگلي، فلم يطمئن قلبي بهذا الخبر، و حسبت راويته جاء بالصقر و البقر، حيث إن الوالي الأول من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 119

نظرة حضرة السلطان بأعلي محل، و قد اطلعت علي اتفاق معظم الوكلاء علي السعي في عزله، لما اطلعوا علي اضمحلال العراق، و اختلاف أهله، و أن بغداد بعد أن كانت شجرة لا يبلغ الطير ذراها:

قد تراخي الأمر حتي أصبحت هملا يطمع فيها من يراها

و أنه لا يستطيع الطير أن يطير، و لا الأسد الوثاب أن

يسير، ما بين باب حلّتها و بصرتها، بل ما بين باب كرخها و مقبرتها، و تعذر علي الساعي الخريت، الذهاب من باب الكاظم إلي هيت و تكريت، حيث كثر القتل و النهب في جهاتها الأربع، فغدا كل من اشتمل عليه سورها يفتت مما عراه اليرمع، فلم يلق حضرة السلطان لهم سمعا، و علموا منه أنه يحب المشير المشار إليه طبعا، فتركوا لما أيسوا العراق علي ما فيه، و لم يعبأوا بانقطاع ما كان يسيل من الذهب و الفضة من واديه، حتي إذا وصلت إلي آمد رأيت الخبر أظهر من أن يجحده جاحد، فقلت سبحان مقلب القلوب، الشاهدة أفعاله بأنه الرب المتصرف و ما سواه مربوب، و ملأ التعجب من قلبي أركانه و إن كنت تحققت أنه رفع اللّه تعالي قدره نصب مشير الطوبخانة، و كان هذا النقض و الإبرام في أول ذي القعدة الحرام، فنسأل اللّه تعالي شأنه أن يوفق كلّا فيما نصب له، و يزيل عن العراق ما أسال عرق القربة، و يسيل عليه فضله» اه.

و جاء في حديقة الورود:

«و لما دخلتها- فروق- جعل سمعي يفت حنظل أخبار بغداد،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 120

و يتجرع ما أجري اللّه تعالي علي يد واليها من سموم الأكدار و الأنكاد، و ذلك أنه أفسد البر، و حلف ليكثرن فيه الهرج و المرج فبرّ، فعصفت بي عواصف الغيرة، فقذفتني في بيداء الحيرة، و مقلتني في بحار التشويش، فجعلت أتشبث بكل حشيش، و شرعت أغري علي طلب وزارتها كل من أراه، و إن كنت أعلم أنه لا يصلح أن يكون واليا علي خراه، و لم أدر ما أودع في بطون الأقدار، و ما ينتجه إيلاج الليل و

النهار، فأصبح يطلبها منك (فنك) ذباب و هو لعمري أقذر من الطلياء و أهون من معباه القحاب. لم يزل ماله في زيادة و هو مع ذلك أبخل من كلب بني زائدة … و انقضت الأيام و الأمر بين نقض و إبرام.

و لما خرجت سمعت في الطريق بأن الوالي قد عزل علي التحقيق، و أنه قد نصب بدله من لم يكن يخطر ببال، و لم يمكن أن يري برصد الفكر في سماء الخيال، و هو المشير العديم النظير الوزير رشيد باشا الگوزلگلي- لا رأته المكاره- بدر بنيها الواضح الجلي، حتي إذا دخلت ديار بكر، سمعت من زيد و عمرو مزيد الثناء عليه، و أنه المشير المشار ببنان التعظيم إليه (إلي أن قال:) ثم سرت متوجها معه إلي بغداد …» اه.

و لعل في هذا ما يعين أوضاع بغداد، و درجة الأمن، و في ذلك تأييد لما جاء في التاريخ المجهول. تألم الأستاذ الآلوسي لحالتها، فلم يقصر ببيان. و ذكر عن وادي شيخ زبيد ما يؤيد. و هذا لم ير مسيطرا فتسلط و إن الأستاذ سليمان فائق أيد اضطراب الحالة، و إن كان حاول التوجيه، و هو الكاتب البليغ القدير و السياسي الماهر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 121

حوادث سنة 1269 ه- 1852 م

الوالي محمد رشيد باشا الكوزلكلي
اشارة

يدعوه العراقيون (أبا مناظر). و هذا طالت أيامه أكثر من سابقه، عهد إليه بمنصب ولاية بغداد في ذي القعدة سنة 1268 ه، و دخل بغداد في 5 ربيع الأول سنة 1269 ه.

و لما كان الأستاذ محمود الآلوسي في دياربكر، و واليها آنئذ عبدي باشا (عبد الكريم نادر) وردها هذا الوالي فاستقبله عبدي باشا و جماعة بينهم الأستاذ الآلوسي.

قال الأستاذ الآلوسي في حديقة الورود:

«و اتفق أن ألح عليّ بانتظاره والي هاتيك الديار حر الأخلاق، عبدي باشا، يسر اللّه له من الخير ما يشاء، فلم يمكني إلا الامتثال، لما أن الوالي المشار إليه علي غاية الإفضال، فبقيت نحوا من ثلاثة أشهر منتظرا له، مستشرفا حله و مرتحله، حتي إذا قدم مع بعض الأعيان، و آل الخبر إلي العيان، رأيت منه في هاتيك الديار، ما أنطقني فأنشدت من دون اختيار:

سمعت بوصف الناس هندا فلم أزل أخا صبوة حتي نظرت إلي هند

فلما أراني اللّه هندا و زيّها تمنيت أن قد زدت بعدا علي بعد» اه

و قال في رحلته نشوة المدام ما نصّه:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 122

«و في اليوم السادس و العشرين من محرم الحرام، و كان من حيث المطر و الهواء أهون الأيام، ظهر خير خبر، و أبرّ أثر، و هو خبر والي الزوراء، علي دخول مدينة آمد السوداء، و تنوير أرجائها بأنوار طلعته الغراء، فذهبت مع وجوه البلد، و هم كأصابع الكف في العدد، إلي حضرة واليها، و من إليه مرجع أهاليها، فجلسنا عنده علي أحسن حال، ثم قمنا جميعا للاستقبال، فقعدنا برهة من الزمان في خيمة نصبت عند كشك السريان، حتي إذا لاح خميس ذلك الوالي، و أقبل نحونا ركابه العالي، أسرعنا لاستقباله، و استكشاف حالي حاله، فأدركنا

ذلك الشهم، علي نحو غلوة سهم، فإذا هو وال رشيد و مشير مأمون له احتفال برعيته حتي كأنه ينظر إليهم بأربعة عيون، و قد صحبه سليل الأجلة الأمجاد، مولانا (محمد عبد الرؤوف أفندي الپرلپه وي) قاضي بغداد، و رأيناه سجل المفاخر، قد ورث الفضل كابرا عن كابر، و كذا جناب ذو الخلق النفيس عبد اللّه أفندي نائب بدليس، و كان منتسبا إليه منذ كان مشيرا في إيالة كردستان فيقال إنه جلبه إلي خربوت و توسط له بالنيابة فملأ من عياب رسومها علي الوجه المرسوم إهابه، و قد أمره برفاقته إلي محل إقامته، و هو حسب القياس و الاستحسان حري بالاستصحاب، فقد وقع الإجماع علي عمله في المصالح المرسلة إليه بالسنّة و الكتاب، و قد جمعنا العشاء مع الموما إليه في بيت المفتي، فرأيت منه ما يقضي بمزيد نجابته و يفتي، و لم نزل نجتمع كل ليلة عند الوزير معه، فنكاد نحيي بحلو السمر الليل أجمعه، و قد علمت من أمر الوالي، في هاتيك المعالي أنه لا نظير له بين الوزراء، و لا نظرت مثله عين الزوراء.

و لما كانت ليلة الخميس سادسة صفر، صنع المفتي و ليمة لم يبق فيها و لم يذر، فبعد أن رفعت ألوان الطعام، و نصبت في البين موائد الكلام، قال: غدا إن شاء اللّه تعالي عدة سفرة السفر، فامتلأت آنية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 123

الفؤاد سرورا، و كنت من قبل بمعتقة الهموم مخمورا..» اه.

ثم استمر في ذكر أنه أخذ الأهبة للمسير، و بين المنازل التي ساروها، و المواطن التي طووها.. حتي وصل إلي بغداد مساء الخميس خامس شهر ربيع الأول سنة 1269 ه- 1852 م.

قال الأستاذ أبو الثناء:

«سرت متوجها

معه إلي بغداد. و لم تزل تهبّ عليّ من أنفاسه ما يصدع الرأس و يكرب الفؤاد (ثم ذكر ما أصابه من حمي فقال:)

حتي إذا ذهبت أورثت ضعف العصب. و كم من خبيث أورث الأخبث لما ذهب … فتركت لذلك كل الأمور. و لزمت بيتي فلا أزار و لا أزور …

لزوم البيت أروح في زمان عدمنا فيه مائدة البروز

فلا الوالي يميز قدر فضل و لست علي الحواشي بالعزيز

و لست بواجد حرا كريما أكون لديه في كنف حريز» اه

و في هذا اليوم كان ورود الوزير رشيد باشا بغداد.. كما ذكر ذلك الآلوسي، جاءا معا.. و لا شك أن المعتاد من الاستقبال و الاحتفال جري بالوجه اللائق … و قد مدحه الفاروقي بقصيدة.

جمع إعانة:

جمع الوزير الأعيان و العلماء، و بينهم صبغة اللّه الحيدري و السيد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 124

محمود الآلوسي المفتي السابق و طلب منهم إعانة علي أهل بغداد، لأنه ورد خبر في شوال من استنبول يفيد أن الارس (الروس) أي المسقوف تحركوا علي محاربة السلطان و اقترح الوزير من الوجوه أن يقبلوا ما طلب منهم، و أن يجلبوا الناس علي ما أراد..

و في ذي القعدة بدأوا يجمعون الدراهم من أهل بغداد، فجعلوا علي المقتدر ألف قرش صاغ و منهم أكثر، و بعضهم أقل، و المتوسط مائة قرش، و الفقير خمسة و عشرون قرشا، و أهل الفاقة لم يحملوا شيئا، جعلوا القسمة علي كل دار بحسب الترتيب مائة قرش و أسهل الأطراف طرف باب الشيخ ادعوا أن أكثرهم فقراء، و النقيب تشكي بحال أهل طرفه، ورقّ لهم الوزير لضعفهم، ثم إنهم شرعوا في جمعها..

مشيخة المنتفق:

و في ذي القعدة من هذه السنة حبس الوزير فارس بن عجيل، و عزله من مشيخة المنتفق، و ألبس الشيخ منصور بن راشد الخلعة علي مشيخة المنتفق، فصارت الإمارة إليه، و طلع من بغداد يوم 28 من ذي القعدة هو و وادي بك يريدون أن يسيروا إلي ديرة المنتفق، و كان صالح ابن عيسي شيخا علي المنتفق من أيام نامق باشا..» اه.

و جاء في كتاب قرة العين:

«و في سنة 1269 ه انتشبت الحرب بين قبائل المنتفق و الجنود العثمانية، و انكسرت الجنود العثمانية عند نهر الفرات بمحل يقال له (المغيسل) و قتل قائدهم (تركي بلمز). قتله مشاري السعدون من مشائخ المنتفق» اه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 125

هو مشاري بن عبد اللّه بن ثامر السعدون. و له من الأولاد بدر

و محمد و عبد اللطيف و عبد العزيز. و لهؤلاء أولاد و أحفاد.

قبيلة عنزة- الطارمية:

«في ذي القعدة أغار أعراب عنزة علي جمال حول الطارمية للجمّالة عقيل و غيرهم، فأخذوا منها (900) بعير، و بعد بضعة أيام كان قادما إلي بغداد تسعون حملا من الشام بقية كروان فرآها أعراب عنزة، و رئيسهم ابن هذال، فأخذ الحمول و الجمال، و كان داخل الحمول دراهم فضة و ذهب، و أخذوا دوابّ و ما أشبه ذلك من درب الحلة..» اه.

سدة الصقلاوية:

«في يوم 5 ذي الحجة سنة 1269 ه ظهر الوزير محمد رشيد باشا إلي الصقلاوية بقصد أن يسدّها.. و في المحرم من سنة 1270 ه أحكم سدّها أحسن ممن قبله من الوزراء …» اه.

و جاء في تاريخ الشاوي أن الوزير أمر أن يفتح نهر غير نهر الصقلاوية (غربي الفلوجة من جهة الجزيرة) و أن يجري فيه الماء إلي قرب بغداد و أن يغرس في جانبيه أشجار التوت لتربية دود الحرير (دود القز) ففتح هذا النهر في محل نهر الكنعانية المندرس الذي كان فتحه كنعان آغا و كان حاكما هناك فسمي باسمه ثم نقل إلي قضاء الحي و هو الذي عمر قبّة سعيد بن جبير (رض) و وضع له تاريخا علي قبره. و كان القائممقام في الدليم سرّي أفندي فسمي هذا النهر الجديد ب (السرية).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 126

و في أيام الوالي عبد الرحمن باشا تبين ضرره علي أطراف بغداد و الكاظمية و قلّ ماء الحلة فسده سدّا محكما. فكانت سدة السرية موجودة قبل ورود سري باشا بكثير.

حوادث سنة 1270 ه- 1853 م

حرب روسيا و الدولة العثمانية:

في صفر هذه السنة جاءت الأخبار بانتصار الدولة العثمانية علي المسقوف و كانت الواقعة عظيمة، و قد عرفت درجة العلاقة من جراء الإعانة التي جمعت للدولة..

و شاع الخبر في بغداد أن شاه العجم ناصر الدين شاه أعان الروس و بعث لهم مهمات و أطعمة.. و أنه اتفق مع الأعداء.. فصعب الأمر عليهم خصوصا أهل خانقين، و كان القائممقام هناك محمود بك، فهمّ أن يجمع جيشا تأهبا للطوارئ و مثله الوزير محمد رشيد باشا. جهز عساكر من عقيل، لعين السبب. فاضطرب أهل بغداد، و استولي عليهم خوف عظيم، لقلة عساكر البلد و ضعف الناس عن عادتهم

الأولي من قلة أموالهم و سلاحهم، و انهدام سور البلد فغلت الأسعار عن مألوفها. و في ربيع الأول أتي الخبر إلي قنصل الإنكليز أن الشاه رجع عن الحرب، و فرق عساكره المجموعة لأجل حرب بغداد، و أظهر الصلح، و سببه كان من إمام الجمعة، و هو رجل كبير، مسموع الكلام عند الشاه، و عند جميع أهل إيران، فطلب من الشاه أن يترك هذه الأمور بداعي أننا إسلام و العثمانيون إسلام، و يكون الحرب نصرا للكفّار، و هذا لا يجوز في الشرع، فترك ذلك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 127

و أما رشيد باشا فإنه همّ بالمسير إلي أطراف كرمانشاه. و كان من الجيش النظامي مقدار ألف نفر في بغداد كانوا خارجين عن الزمرة من سنين. أخرجهم الحكام لعلل في أبدانهم، لم ينفعوا للحرب علي عادة النظام، فأمر الوزير بترجيعهم إلي العسكرية فجمعوا منهم مقدار أربعمائة نفر. و بورود الخبر عن الشاه أنه ترك الحرب، أمر الوزير أن يخلّي سبيلهم، و ترك جمع العساكر، و استراح الناس من هذه الفتنة و في هذه الحرب اشترك الشيخ شامل اللزكي..

و بهذا أردنا أن نعرف تلقي العراق لهذا الحادث. و هذه حرب القرم المشهورة. و لا مجال هنا للتوضيح عنها.

مفتي بغداد أبو الثناء الآلوسي:

هو أبو الثناء محمود شهاب الدين الآلوسي توفي في 25 ذي القعدة من سنة 1270 ه- 1854 م. و كان من خير من أنجب العراق في بيان صفحات تاريخية عديدة عنه، و في رحلاته و سائر آثاره. أدبه جمّ، و علمه وافر، و قلمه سيّال. اشتهر في مختلف الأقطار في تفسيره، و عرف برحلاته إلي استانبول و منها إلي بغداد، و عرفت في الحقيقة الأسرة به، و إن كان

قد تقدمه بعض الآلوسيين مثل والده السيد عبد اللّه الآلوسي و كان مدرس الأعظمية نحو أربعين سنة، و مدرس المدرسة العلية. و لأبي الثناء مؤلفات عديدة و أفردت له كتابا في حياته بعنوان (ذكري أبي الثناء الآلوسي) بمناسبة مرور مائة سنة علي وفاته. و فصلت ما له من مؤلفات و ترجمة في مجموعة عبد الغفار الأخرس. و له المكانة العظيمة في التوجيه العلمي و الأدبي و في مؤلفاته ما يكشف عن أحوال العراق السياسية و العلمية و الأدبية كما أنه عرف بعلماء الأقطار التي مرّ بها في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 128

رحلته إلي استنبول و كتب (شهيّ النغم) في ترجمة شيخ الإسلام عارف حكمت و ترجم أساتذته و بعض معاصريه. و هو لا يزال مخطوطا عندي نسخة مخطوطة منه و له الطراز المذهب في شرح قصيدة الباز الأشهب و كتب عديدة مثل الفيض الوارد … و له (نشوة الشمول في السفر إلي إسلامبول)، و (نشوة المدام في العود إلي مدينة السلام). ثم جمع هاتين الرحلتين في (غرائب الاغتراب). و في كل من هذه ما لا يوجد في الأخري و لا في التلخيص و طبعت كلها. و تفسيره مشهور طبع مرات … و مقاماته غزيرة المادة. و كل مؤلفاته مهمة.

و في مؤلفاته تعرض للحوادث التاريخية فأفصح عما فيها من غموض و بالتعبير الأولي أظهر عظمة في حياته و لا ريب أنه خلد تاريخ العراق و بذلك خلد نفسه بما أبداه من حقائق تاريخية …

و كانت توجيهاته العلمية و الدينية عظيمة و له أكبر الأثر في بيان العقائد الحقة و إيضاح عقائد المتصوفة و نقدها نقدا علميا … و كتب في اللغة و النحو و

البلاغة أيضا. أعقب و أنجب أولادا و أحفادا كان لهم الذكر الجميل في العلوم و الآداب و سائر ضروب الثقافة.

حوادث سنة 1271 ه- 1854 م

المشيرية و الهارونية و الدجيل:

عرفنا أن الوزير قام بأعمال مهمة و من أجلّها (المشيرية) أو (الوزيرية). و هي المقاطعة المعروفة بهذا الاسم. و تتصل ببغداد من جانب الرصافة. اندثرت بعد حين و انقطع الماء عنها. و فتح نهر الهارونية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 129

في لواء ديالي بالقرب من المقدادية (شهربان). و هذا لا يزال معمورا.

و لم يتبين لنا تاريخ القيام بهذا العمل بالضبط. و من أعماله أنه أمر بكري نهر الدجيل في بلد التابعة لقضاء سامراء.

حوادث سنة 1272 ه- 1855 م

أعمال عمرانية:

إن هذا الوزير قام بأعمال زراعية مهمة. أمر بكري نهر النيل، و نهر الشاه، و العوادل، و الظلمية، و أبو چماغ، و الباشية، و الشوملي الكبير، و الشوملي الصغير، و فتح نهر الجربوعية. و كل هذه في لواء الحلة. و لم يتعين لنا بالضبط تاريخ عملها. و علي كلّ كانت في أيام هذا الوالي.

البواخر بين بغداد و البصرة:

و من أظهر أعمال الوزير أنه اشتري باخرتين لنقل أموال التجارة و الأهلين بين بغداد و البصرة سمي إحداهما (بغداد)، و الأخري (البصرة). و هما لم تصلا إلي بغداد في حياته. و إنما وصلتا إلي بغداد بعد وفاته. و صارت تجني فوائدهما.

حوادث سنة 1273 ه- 1856 م

زوبعة هائلة:

هاجت ريح شديدة في أواخر الربيع في رمضان، فأظلمت الدنيا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 130

و ذلك من العصر إلي ما بعد العشاء، ثم انكشفت، و قد أرخ ذلك الفاضل عبد الغفار الأخرس بقوله: (لاح الغبار) أو (حان الغبار)، و هي سنة 1273 ه.

وفاة الوزير:
اشارة

في يوم الأربعاء 22 من ذي الحجة توفي الوزير محمد رشيد باشا الگوزلگي ببغداد و منهم من قال في 22 ذي القعدة و منهم من بين أنه توفي في 26 ذي الحجة. و جاء عنه في التاريخ المجهول المؤلف:

«.. حسد كل من يتعاطي المعاملة في البيع و الشراء حتي إنه أعطي دراهم لأناس يجلبون الأغنام من القري، و هو شريك معهم علي زيادة الدراهم.. و كان يأتي إلي بيت بعض التجار، و يسأل كم يملك فلان التاجر، و كم يملك فلان، و هو حسود قد فاق.. بالحسد، و يأتي إلي مخازن التجار و يستكشف عن دفاترهم، ما تملكون؟، و ما عندكم من المال؟.. و قد تحكم به الملل الخارجية كاليهود و النصاري.. و من حين ورد بغداد إلي أن هلك ما تصدق علي فقير بدرهم واحد، و هو كذوب، حسود، قاسي القلب، بخيل، ما سمعنا له بخصلة حسنة.

و في أيامه:
1- رفع إيرادات بعض المقاطيع الأميرية

و هي الشكرخانة، و المومخانة و المصبغة، فجعل إيرادهن علي الكمرك، و زاد بعضا من رسومها علي الرفتية فصار يعد عمله حسنا.

2- في أيامه جعل علي رأس الغنم عشرين قرشا،

و قبله كان يؤخذ علي رأس الغنم 13 قرشا.

3- الإعانة:

(1) أخذها لحرب المسقوف و العثمانيين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 131

(2) صار يكرر الأخذ علي سياق تلك ليجعلها سنة تؤخذ كل سنة.

(3) أخذ من جميع سكان بغداد لبناء المسناة الواقعة علي شاطئ دجلة المحاذية لقرية الأعظمية، و هي مسناة قديمة من أيام العباسيين و العادة أنها تبني إما من أوقاف النعمان أو من مال السلطان (من صندوق الدولة)، و هو غصبها من الناس، و أخذ ثلاثة أضعاف ما يجب أن يصرف لها.

4- أنه كان يضمن بعض الأنهر إلي بعض أولاد وجوه الناس بقيمة زائدة ثم يجبرهم علي الأداء.
5- أنه كان يتراخي في حقوق الناس، و يتهاون في قضاء حوائجهم

و رأيه مصروف إلي تحصيل الدراهم، و فكره مشغول بتدبير الحيل التي يستلب بها أموال العباد.

6- إنه حفر نهرا في أيامه سمي ب (المشيرية) و ب (الوزيرية) أخرجه من تحويلة الخالص، و جعله نهرا،

و أمر أن لا يزرع أحد الشلب بالخالص لانحياز الماء إلي نهره الجديد، و بسبب ذلك كانت تغلو أسعار التمن (الأرز) حيث لا يكون جنسه مزروعا إلا في مكان واحد، و هو بأطراف الشرقية (أنحاء الفرات) بأماكن معلومة في الهندية و الدغارة فقط.

و الخلاصة أن الكلام علي ظلم الوزير محمد رشيد باشا و تجاوزه الحدود مما لا يحصي..

و هذا التحامل ظاهر من صاحب التاريخ المجهول. و نحن ننقل ما قيل فيه. و الأعمال تقدر مكانة الرجل. و صاحب مرآة الزوراء من مادحيه. قال:

«إن هذا الوزير كان قد أكمل التحصيل في فرنسا، و قضي مدة طويلة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 132

هناك، و كان يعد من دهاة العالم في عصره في فنّ الإدارة الملكية، و له آراء صائبة.. و في أيام نامق باشا قامت الثورات و الاضطرابات من جراء شدة بطشه، و كمال صولته، فعرض و هن علي الإدارة و اعتراها خلل..

فاتخذ طريق الصفح، و مراعاة الحكمة في الأمور..

و هذا الوزير راعي كل حيطة، و أدرك أحوال العراق، و عرفها معرفة كاملة و هدأ الحالة كما يرام، و نظم الأمور.. و شمر عن ساعد الجد في أمر إعمار الملك و تكثير وارد الخزانة، و اهتم للأمر و أخذ له أهبته، فتوسعت الواردات، و اكتسبت مالية الدولة ترتيبا نوعا، و وفّي الديون المتراكمة، و غالب رواتب الفيلق، و أحيا بعض المقاطعات المندرسة من أيام علي رضا باشا اللاز، و بذل ما أمكنه في أمر إنعاشها.

و استمرت أشغاله هذه ليلا و نهارا لمدة أربع سنوات. و كان المأمول أنه سوف يدرك

نتائج أعماله هذه و تظهر آثارها و ظواهرها.. إلا أنه اخترمته المنية، و انقضي أجله المحتوم..» اه.

قام بما يعود لحكومته بالنفع.. و لم يلاحظ أن الموظف المتعصب يضر بالأهلين. و لعل سبب ذلك ما قاله صاحب التاريخ المجهول من التشديد علي الأهلين و أبو الثناء الآلوسي يذكر ما تألم به منه في الطريق، و يقول: لا يميز قدر فضل.

اليهود في أيامه

«من أهم من يصح ذكرهم آل دانيال و هم صالح دانيال و إخوته، تقدموا عنده، و كانوا في أيام الشيخ وادي شيخ قبائل زبيد يضمنون بعض الأراضي و البقية يشترونها بالسلف قبل أوان الشلب و حلول موسمه..

و في أيام هذا الوزير أيضا قويت كلمتهم، و امتزجوا معه امتزاج

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 133

منظر نهر الفرات في الحلة- عن رحلة مدام ديولافوا

اسكن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 134

الماء مع الخمر، و انتفعوا انتفاعا بيّنا، كل ذلك بالتفات الوزير لهم و تبيينهم له وجه المنافع الجارية علي غير المعتاد، بظلمهم علي العباد، إلي أن توغلوا في الأمور، و تقدموا عنده حتي إنهم أخفوا عليه الحال و أخذوا يأكلون من أموال الميري لتوجهه لهم، و لم يستيقظ من هذه الغفلة إلا قبل موته بأيام قلائل، و قد آل أمرهم إلي أن ما كان يزرع في ملحقات بغداد من حنطة و شعير أو رز يشترونه و يحتكرونه حتي تغلو أسعار ذلك، فيبدأون ببيعه حسب مرامهم. هذا مما ثبت عند الخاص و العام صراحة و إعلانا منهم بينا، و قد انقطع سبب البائعين و الشارين من الأهالي و السكنة، فصار الطعام محوزا و مدخرا تحت أيديهم، فأسعار الطعام غالية دائما في بغداد و نواحيها..

و هؤلاء اليهود هم أساس

فساد المملكة يلقون الفتنة بين شيوخ الأعراب و الولاة، فاستقام أمرهم (15) سنة بهذه الكيفية إلي مدة انتهاء هذا الوزير.. و هم باقون علي هذه الحال، و قد جمعوا دراهم جمة.

و لو أردنا أن نذكر كل ما عملوه لطال التحرير، و قصر التقرير، و لكن أوجزنا التسطير في ذكر أصحاب السعير.

و قد وضعوا بدعا في أراضي الهندية لم تكن في الزمن السالف، و من ذلك أن موطنا فيه ماء يقال له (أبو بغال)، جعلوا عليه أعوانا يأخذون من المار إذا كان راكبا أو كان حمل علي دابته قوارب (كذا) ثلاثة دراهم و نصف، فضاعفوه، و بدأوا يأخذون خمسة عشر قرشا و أحيانا عشرين قرشا، و مع هذا يضمنونه من الملتزم بثلاثين ألف قران

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 135

و يلزم بأيديهم (000، 230) قران و سبب ذلك أن الملتزم لتلك الأراضي لا بد أن يقدم كفيلا، و هم يكونون كفلاء للضامن بشرط أن يضمّنهم (أبو بغال) المكان المذكور، فيضطر الملتزم إلي إعطائهم ذلك بثمن بخس، و يحصل الضرر علي الضامن، و تحصل مغدورية علي أموال السلطان» اه.

و عميد أسرتهم في أيامنا مناحيم دانيل. توفي في تشرين الثاني سنة 1940 م و كانت ولادته في أيار سنة 1846 م. و توفي ابنه العين عزرا مناحيم بلا عقب في آذار سنة 1952 م- 6 جمادي الآخرة سنة 1371 ه و كانت ولادته سنة 1874 م.

نظرة في أعمال هذا الوزير

طالت مدة حكمه خمس سنوات. و كان أول ما قام به تحسين الحالة الاقتصادية في البلاد لا سيما الزراعة، و شجع قسما من العشائر علي الاستقرار. أقطعهم أراضي واسعة. و هو أول من استقدم البواخر لنقل البضائع التجارية بين بغداد و

البصرة، و استدعي كبار المتمولين ببغداد، و فاوضهم في تأسيس شركة كبيرة لهذه الغاية، فأوصت هذه الشركة المعامل البلجيكية بصنع باخرتين (بغداد)، و (البصرة). و لكن الوالي مات قبل أن تصلا إلي بغداد أو لم تصل إلا واحدة منهما.

هذا. و إن أسواء الماضي كثيرة، فتولدت قناعة في أن الولاة كلهم من نوع واحد، و أنهم لا تمايز بينهم، فصارت حوادثهم تصرف إلي العكس. و لا شك أن العمل النافع يذكر صاحبه و لو بعد حين.

و أعماله الأخري المارة مهمة و ليس لنا إلا أن ندوّن اختلاف و جهات النظر. فإن صاحب التاريخ المجهول كان ضيق الفكرة. يكتب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 136

ما سمع من التذمرات، و لم ينظر بعيدا.. و هذه الأعمال لا تنكر و لكن حرصه علي منفعة الدولة و إضراره بالأهلين مما جلب النقمة عليه.

و في سجل عثماني أنه مملوك حسن باشا. و كان أحد ضباط الجيش، أرسل إلي أوروبا للتحصيل، و لما عاد عهد إليه بالمدفعية العامرة، ثم صار فريقا هناك، و هكذا تقلب في مناصب كبيرة حتي إنه في ذي القعدة سنة 1267 ه (كذا) ولي منصب بغداد و مشيرية العراق و الحجاز. و في المحرم سنة 1274 ه (كذا) توفي. و كان ماهرا في الفنون، قديرا في أمر الإدارة، اكتسب صيتا حسنا ببغداد. و كان له ابن صاحب ثراء».

و الأستاذ أبو الثناء الآلوسي تذمّر من هذا الوالي. و بين أنه لا يميز قدر فضل فكان أبلغ وصف. و لعل السياسة خذلته، فكان آلتها الفتاكة فأهملت شأن مثل الأستاذ أبي الثناء. و لم يكن أول سار غرّه قمر. لقنت الدولة تلقينات سيئة فحرمته من كل ما كان يأمل، و

سلبته وظائفه الدينية …

مفتي بغداد الأسبق (الطبقچه لي)

في شوال هذه السنة توفي مفتي بغداد الأسبق الأستاذ السيد محمد سعيد الطبقچه لي. و هو ابن العلامة الشيخ محمد أمين. من بيت علم و من أبناء عمه الأعلي الأساتذة السيد محمد و والده المفتي الأسبق أحمد المفتي. و كان المترجم ولي الإفتاء ببغداد في أول مجي ء الوزير علي رضا باشا اللاز. و بعده ولي الإفتاء الأستاذ عبد الغني جميل و بعد عزله رضا باشا اللاز. و بعده ولي الإفتاء الأستاذ عبد الغني جميل و بعد عزله

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 137

عاد إلي الإفتاء ثم خلفه الأستاذ أبو الثناء الآلوسي. و يعد من أفاضل المدرسين. و كان من أساتذته والده و عبد الرحمن الروزبهاني. و له مؤلف في تقسيم العلم قدمه إلي الوزير داود باشا و عندي مخطوطته. و من أولاده السيد محمد نافع والد الأستاذ صاحب المعالي فخري الطبقچه لي و والد الأستاذ عطا الطبقچه لي. و للمترجم أخ هو محمد أسعد من أفاضل العلماء و ابنه جابر و أولاده في الحلة. و آل القيارة و آل مصطفي الخليل من أولاد أعمامهم.

حوادث سنة 1274 ه- 1857 م

الوزير السردار الأكرم عمر باشا
اشارة

قدوم الوزير الجديد: في يوم وفاة الكوزللكي كان من الموجودين آنئذ من رجال الدولة السيد مصطفي فائق الدفتري المرسل من جانب الدولة، و خيري باشا المنصوب علي الجيش النظامي و كلاهما عاجز عن سياسة الحكومة، فاستحسن وجوه البلد و الرؤساء و غيرهم ممن له يد بالحكومة أن يكون الدفتري قائممقاما إلي أن يأتي الوالي الجديد إلي بغداد من جانب الدولة و قام بأمور العسكرية خيري باشا، و لا يتعاطي الحكومة و إنما تعهد (بالنظام) الجيش النظامي، و الاثنان لم يقطعا في أمر مهم، و بعد شهرين انتشر الخبر في البريد

و جاء إلي بغداد أن حضرة السلطان أنعم علي عمر باشا السردار الأكرم بوزارة العراق مع انضمام ديار بكر و الموصل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 138

و كركوك و إربل و ما حولها من قري الأكراد و من بغداد و المشاهدة إلي البصرة.

نزل من هناك في مركب دخان (مركب بخاري) و قدم حلبا، و منها مرّ بالسنجك (قضاء عانة) و صل إلي عانة، و لم يعبر منها حتي توجه إلي هيت، فعبر قبل أن يصل إليها، و جاء علي طريق الجزيرة إلي الصقلاوية، و دخل بغداد من الجانب الغربي من باب علاوي الحلة، و معه العساكر النظامية و السوارية أي (الفرسان الخيالة) و الهايتة و يزيدون علي الأربعة آلاف.

و كان دخوله بغداد يوم الخميس الساعة الخامسة (عربية) نهارا في 4 من شهر رجب سنة 1274 ه و لما دخل بغداد عبر الجسر …

و الصواب أنه دخل بغداد يوم الخميس 4 شهر رجب الموافق 18 شباط سنة 1858 م.

و قال الأستاذ سليمان فائق إنه دخل بغداد في 5 رجب، و في اليوم السابع قري ء الفرمان بالوزارة و هنأه بها الرفيع و الوضيع..

أخبرني الفاضل الأستاذ (فيتولد ريكوفسكي) المستشرق الپولوني أن عمر باشا هذا أصله مجري (هنغاري). و مثله في تاريخ الشاوي. دخل الجيش التركي مسلما و كانت له المكانة في الجيش. و صحبه إلي بغداد ضباط پولونيون منهم (إسكندر باشا) و هذا جرح في فتن الحلة في طويريج.

و كل ما علمته منه أن إسكندر باشا أصل اسمه (إيلي نيسكي) و كان متزوجا ببنت اسمها فاطمة من بوسنة. و بعد أن جرح عاد إلي استنبول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 139

و كان قائد فرقة فمات سنة

1861 م و جعلت الدولة تقاعدا لبنته أمينة …

و هذا الوالي جعل نصب عينيه أمر تشكيل الجيوش النظامية، و اتخاذ أساس لها يعول عليه و لتأمين ذلك قام بأعمال من شأنها أن أفسدت عليه أمره، فلم يراع حسن الإدارة أو السياسة المقبولة. و يتعين هذا مما جري من وقائع أيامه، فخابت آمال حكومته فيه، و لم يقم بالأمر بوجه صحيح. و لا داري الأهلين بحكمة و تدبير..

قال في مرآة الزوراء:
اشارة

«السردار الأكرم عمر باشا ولي بعد وفاة رشيد باشا الگوزلگلي.

ذاع صيته، و ولد رعبا في الأوساط و الأهلين.. و في ثالث يوم وروده هدم القلاع في أنحاء الديوانية و الهندية دفعة واحدة، و أمر بإخراج (الهايتة) من الجيش و هم المعروفون ب (باشي بوزق) دون تريث، و طلب من جميع الجهات الجندية في المدن و العشائر، و سارع في الأخذ. ذلك ما ولّد اضطرابا في الأهلين و العشائر، فرأوا هذا الحادث أشد من وقع الصواعق و لكن الوزير كان تأثيره كبيرا. أصابهم الخوف منه، فلم يستطيعوا أن ينبسوا ببنت شفة. ملأ الرعب قلوبهم.

و في خلال بضعة أيام تمكن من أخذ خمسمائة نفر من بغداد وحدها، و سارعت القري المجاورة في الإرسال.. و جاء الخبر من قائممقام خراسان ينبي ء أن الأهلين و العشائر تركوا مزارعهم و هربوا من أوطانهم و كذا ظهرت ثورات و قلاقل من جراء ذلك في العشائر و المواطن المختلفة.. فزادت الاضطرابات في كل موطن، و أدت الحالة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 140

إلي وقوف الأعمال و لكن عزم الوزير لم يصبه فتور، و صار يبعث بالجيوش متوالية لإسكان الفتن … و استمر في أخذ الجندية من الحلة و النجف و كربلاء و ما جاورها

من الأنحاء الفراتية و لم يطرأ خلل علي همته.. حتي إنه تولي قيادة الجيش بنفسه لعشائر الشامية و الهندية فأبدي القدرة و الكفاءة في إدارة الجيش فعلا، و برهن علي تغلبه علي الغوائل بأدني همّة.. إلا أنه رأف بالناس، و أمهل أمر تجنيد الجيش النظامي.. من أعماله:

1- هدم القلاع:

كان الگوزلگلي قد عمر سبع قلاع في أنحاء الهندية، و أطراف سوق الشيوخ، فأمر بهدمها، و سرّح من فيها من الهايتة. و لا نزال نشعر بضرورة بقائها، أو بناء قلاع جديدة.. فلما عاين الأعراب في أنحاء الهندية ذلك عادوا لا يعبأون بالوزير و لا يخافونه.

2- الهايتة:

يشتغلون في الجيش براتب فسرحهم هذا الوزير. و كان لهذا الأثر السيي ء بأطراف الهندية و غيرها.. و أمله أن يأتي بالجيش النظامي محله.

إلا أن الموانع من تشكيله كانت كثيرة.

3- إكرامية:

كان هذا الوالي يظن أنه إذا أكرم وجوه البلد و أنعم عليهم ببعض المنح يأمن كل غائلة، و يتمكن من تنظيم الجيش الجديد، فلا يجد معارضا.. فأكرم القاضي و النائب و المفتي و النقيب و السيد أحمد الموالي و أعضاء المجلس كل شخص خمسة آلاف قرش صاغ، و للنقيب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 141

و المفتي و السيد أحمد كل واحد سبعة آلاف و خمسمائة قرش صاغ و للقاضي و المفتي لكل واحد منهم عشرة آلاف قرش صاغ فبلغت 63 ألف قرش صاغ، و منهم من أهل الذمة واحد من اليهود، و آخر من النصاري.

و هذه تلقاها الناس إسكاتا لا كرما منه. لأنه يريد أن يحرر مضبطة و يرسلها للدولة العليا، فإذا طلب أن يختموها فلا يترددون. يحاول أن لا يخالفوا رأيه فيما يريد..

و الملحوظ أن مما ذكر من هدم القلاع و تسريح جيش المهايتة لا يبعد أن يكون قد قصد بها التخويف، و إيقاع الرهبة ليقوم بأعماله، و لكن لم يخف علي الناس أمره، فولدوا شغبا … و الحق أنه لم يكن للقلاع شأن إلا المحاصرة لمدة، فالغاية غير حاصلة منها، و الإمداد لم يكن سريعا.. و الحكومة فقدت هذه الفائدة أيضا، و لا نزال إلي اليوم نشعر بفائدتها ما دامت الدولة تشعر بضعف.

4- الجيش النظامي:

كانت آمال هذا الوزير مصروفة إلي إيجاد جيش قوي لحراسة المملكة، و الاحتفاظ بكيانها من الأعداء المتربصين لها من كل صوب، يلتمسون مواطن الضعف. و هذا الأمر قوبل بنفرة من تاريخ تأسيس الجيش النظامي و قانونه فلم يتمكن الولاة من تنفيذه في العراق بالرغم من الجهود المبذولة. و كان الإخفاق حليف هذا الوالي أيضا.

و يوضح نفسية الأهلين في أيامه

ما جاء في التاريخ المجهول.

قال:

«لا يدرك- الوالي- شيئا من سياسة الحكومة و خرب ما حول بغداد بعدم تدبيره و غروره، لأنه أراد من جميع العرب القاطنين حول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 142

البلد (عساكر نظام). و هذه الإرادة منافية لطباع العرب الساكنين بنواحي بغداد، و يفرون منها فرار الجبان من الأسد» اه.

آراء الأهلين كانت بهذه المثابة. ملّوا الظلم، و لا يريدون أن يخدموا في دولة لا علاقة لها بالشعب و لا يرغبون في تقوية ظلمها عليهم.

و جاء في التاريخ المذكور:

«في يوم الأربعاء 13 شوال الساعة 11 طلع الوزير من بغداد إلي أطراف الحلة ليمهدها، و يرتب قوانينها وفق الإدارة اللائقة أو علي حسب إرادته، و لم نعرف ما يحدث من مرامه، و أخذ معه الكهية، و الشيخ بندر شيخ المنتفق المعزول، و محمد أمين أفندي كاتب العربية، و صالح اليهودي ابن دانيل و الخلاصة قد أمر علي أهل الحلة خمسين نفرا بطريق البدلية، فضجروا من ذلك، و أخذوا بالفرار من بلدهم، ثم استغاثوا به، فلم يغثهم حتي أنهم قد حرروا عرضا، و جاء به مقدار مائة رجل فأكثر، و صاحوا صيحة واحدة فأهالوه، و أنكر منهم ذلك، و مع هذا فإن سكنة الحلة ليس عندهم داركة أو معرفة و لا نباهة كنباهة أهل بغداد، فإنه لما قرأ الفرمان علي أهل بغداد، فرؤساؤهم و وجوه أهل بغداد قد أتوا بأولادهم منقادين طوعا منهم و أدخلوهم في السراي حتي إن المفتي أتي بولده و أدخله النظام، و كان إذ ذاك المفتي بذاك العصر محمد أفندي الزهاوي.

و من بعد ذلك لما عاين الوزير امتثال أهل البلد (بغداد) و انقيادهم له، كل من أدخل منهم ولده. و أتي

ببدل عنه رضي بذلك، و أخرجوا أولادهم. و لما عاين الوزير ضجر أهل الحلة و عدم انقيادهم له و شاهد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 143

منهم التكلف، و هم ضاجون، صاخبون أمامه في الطريق و الأسواق، أمر بمسك كل من جاء إليه بالعرض و هم كثيرون فمسك منهم مقدار مائة نفر، و أخذ منهم أربعين نفرا و سرّح الباقي.

فالخلاصة برجاء والي بلدهم القائممقام جعل الذين يؤدون بالبدلية ثلاثة و أربعين نفسا، و الذين مسكهم مقدار أربعين نفسا منهم من بقي في النظام بلا بدل لضعفه، و منهم من أتي ببدل عوضا عنه و أطلق نفسه من النظامية.

و علي أهل الحسين (كربلاء) جعل خمسين نفسا، و أخذ منهم بالبدلية ثم تحركوا بحركات فاسدة و قتلوا اثنين من أهل البلد، واحدا من كربلاء و آخر نظام، و هربوا، و رأي منهم الغيلة و الخباثة و يظهر منهم إشارة خلع الطاعة، فأمر النظام و أدخل عليهم عسكرا وافرا و أمر بمسك كل من يصادفونه فصادفوا مقدار ثلاثين نفرا فمسكوهم غصبا و أتوا بهم إلي بغداد مقيدين، ذليلين، و أدخلوهم إلي النظام.

و جعل علي المشهد ثلاثين نفسا، فلما عاين أهل النجف ما فعل بأهل الحلة و أهل كربلاء أبانوا وجه الطاعة و امسكوا ثلاثين نفسا بدلا عنهم، و أتوا بهم إلي بغداد بالطاعة و الانقياد و خلصوا مما حصل من الوزير علي القريتين المذكورتين.

ثم أراد الوزير من الأعراب الذين هم بأطراف الهندية و نواحيها، و من الشامية و الديوانية، من أهل الهندية تسعين نفسا، و من الديوانية و الشامية من الأعراب الذين هم حول الديوانية مائة و ثمانون نفسا، فجميع الأعراب الذين هم بأطراف الحلة خلعوا الطاعة، و

أبانوا المحاربة و القتال، و نهبوا أموال المترددة لا سيما الخزاعل، فإنهم قد خلعوا الطاعة، و كان إذ ذاك الرئيس علي أعراب الخزاعل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 144

و من والاهم مطلق بن كريدي.

و لما أظهروا عدم الطاعة قد سيّر عليهم الوزير عسكرا من بغداد و كان الأمير علي العساكر (شبلي باشا)، ثم أتبعه بعسكر ثان و عليهم الرئيس إسكندر باشا.

و الخلاصة أمدهم بأربع دفعات من العساكر النظامية و السوارية (الخيالة) و الهايتة و وقعت بينهم حروب دفعات، و في الأكثر تكون النصرة للأعراب علي عسكر الوزير المذكور إلي أن آل الأمر إلي أن شبلي باشا أراد الصلح معهم و أخبر بذلك الوزير، فقال له الوزير لا تتصالح معهم إلي أن آتيك» اه.

و في تاريخ الشاوي ما يكمل هذه الواقعة بتفصيل أكثر مما لا محل لذكره.

و من هذا النص الحرفي المنقول علي علّاته ظهرت الحالة.

و لضعف الدولة، و حاجتها إلي استخدام الجيش في مواطن أخري سبب كبير في عدم الإصرار علي أخذ الجندية. و قد جرت تطورات متوالية في ترتيب الجيش و تنسيقه حتي تكامل. عزمت الدولة علي تطبيقه. و إن عمل الوالي لم يكن من تلقاء نفسه. و في سنة 1265 ه طبع (بيان القرعة العسكرية).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 145

حوادث سنة 1275 ه- 1858 م

بقية الحوادث السابقة:

قال المؤرخ المذكور:

«ثم طلع الوزير في المحرم بنفسه، و معه جملة عسكر، و نازلهم إلي أن تنحوا عنه، و لحقهم إلي أطراف السماوة بلا قتال منه و لا منهم.

ثم في آخر المحرم وقعت محاربة بين الأعراب و بين عساكر الوزير و نشبت الحرب فيما بينهم مقدار ست ساعات، و انتصر الأعراب علي العسكر و قتل منهم مقدار خمسمائة نفس، و

قتل القليل من الأعراب، ثم في اليوم الثاني ارتحل العسكر عن مكانه بأمر الوزير، و نزل الجربوعية و في اليوم الثالث ارتحل و نزل هو و عساكره الحلة خائفين، و لو لم يرحل و جنوده معه لبيتوه ليلا و هجموا عليه و علي معسكره و أكثروا فيهم القتل حتي إنه لما كان في مقامه الأول و هو و عسكره أمامهم هاجوا عليه في الليل و هجموا علي العسكر، و قتلوا مقدار مائة نفر فأكثر.

و لما ظعن العسكر و هو معهم و دخل الحلة أعلم الناس أنه يريد سد الهندية التي هي مدار قوة العرب لأنه ما زالت الهندية مكسورة لم يقدر عليهم الوزير حيث إنهم يتحصنون بأهوارها و بطائحها، و يعيشون في أطراف الأراضي البعيدة و لم يتمكن منهم الوزير و لا عسكره، لأنه يكون ما حولهم من جميع الجهات ماء محيط بهم مقدار ست ساعات، و بعض الأماكن أكثر. و أمر بإرسال عشرة آلاف جراب و خمسمائة مسحاة لأجل سد الهندية. و الدفتردار قائممقام في بغداد قد أمسك بما أراد الوزير من الجربان …» اه.

و هنا تنقطع الحوادث. و قد عرفت الأوضاع، و أن الوزير علم أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 146

لا يتمكن علي الأعراب. و أكبر مانعة وجود الأهوار، فهي عثرة في طريق الجيش.

و لم يكن قد حسب لها حسابها حتي شاهدها عيانا، و كان يظن أن الجيش الموجود لديه يكفي للقضاء علي غائلة العشائر في حين أن القوة و إن كان لا يستهان بها و كافية للتنكيل بهم إلا أن الموانع الأرضية و الأوضاع الطبيعية لم تحقق آماله، فقام بمهمة سد الهندية و أظهر ذلك تعميرا لمغلوبيته، و في كل

أعماله هذه لم ينجح إلا أنه أبرز قدرة و أظهر شجاعة بالغة الحد، و ليس من الصواب توجيه اللائمة عليه. و إنما كان ذلك منهاج دولته كما تقدم فاختارته إلا أنه لم ينجح.

أخبار الشاه- الهماوند:

«في هذه الأثناء وردت الأنباء بأن ناصر الدين شاه وافي إيالة (سنة) بجيش يبلغ عشرين ألفا، فاضطربت عشائر الحدود العراقية لهذا الحادث. و قلقت راحتهم، و أن السردار نهض بما تيسر له من الجيش و سار نحو الحدود فورد السليمانية، و هناك علم برجوع الشاه.

أما الوزير فقد اتخذ وجوده وسيلة للقضاء علي غائلة (الهماوند)، لما قاموا به من سلب راحة الأهلين، و إيقاع الأضرار بهم من نهب و غصب.. فمضي إليهم الوزير و دمرهم، كما أنه جنّد ما استطاع تجنيده من لواء شهرزور، و أقام بمهمة تحكيم القلاع و إنشاء ما يقتضي من تحكيمات في الحدود، و رتب الأحوال هناك بالوجه المطلوب..» اه.

و هذه القبيلة ضربها السردار الضربة القوية ذلك ما دعا أن تتألم دولته للحادث فغضبت من فعلته. و لعلها كانت تريد أن تماشي هذه القبيلة حذر أن تستغل إيران وضعها، و تجلبها لجانبها ففاجأه الباب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 147

العالي بالعزل و لم يوافق علي ضربها. و لعل تشويش الحالة بسبب الجندية مما أدي إلي عزله فاتخذت قضية الهماوند وسيلة و إلا فإن الهماوند لم يدمروا بل لا يزالون علي ما هم عليه. ذكرتهم في كتاب عشائر العراق الكردية.

غزية:

«بعد أن أتم الوزير مهمته في لواء شهرزور علم أن قبيلة غزية عبرت الفرات، و عاثت في أنحاء بغداد فأحدثت أضرارا كبيرة، و كثيرة، و ألحقت بالناس خسائر.. و كان قائد الجيش في بغداد علي باشا و هو ابن السر عسكر حافظ باشا و كان أخرق، عاريا من كل دراية، غير متصف بصفة الإنسانية.. خاليا من كل لياقة.. و كان عارفا به، فلم يعتمد عليه، و في خلال ثلاثة أيام سار الوزير

كالبرق الخاطف بما لديه من الجيش فوصل إلي قرية دللّي عباس و صار يتحري موطنا من دجلة للعبور علي هذه القبيلة، قال الأستاذ سليمان فائق و في الأثناء كنت- أنا قائممقام خراسان- حاضرا هناك لاستقبال الوزير، فأعلمته أن أولئك العربان مضوا إلي الشامية، و عبروا الفرات فعادوا..» اه.

و الملحوظ أن غزية متكونة من مجموعة عشائر منها (الحميد) حميرية، و الرفيع، و البعيج.. و عشائر أخري ملحقة بها. ذكرتها في المجلد الرابع من عشائر العراق و يعدون في عداد الأجواد. و كانت إمارتهم كبيرة و لها مكانة إلا أن أكثرها مال إلي الأرياف.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 148

حوادث أخري:
1- تعمير في مشهد الحسين رض:

قد وسّع الشيخ عبد الحسين الطهراني المرسل من قبل ناصر الدين شاه ابن محمد شاه القجري الضلع الغربي و جدد بناء الصحن الشريف الحسيني. و أنشد الشيخ جابر الكاظمي الشاعر تاريخا لهذا البناء بالفارسية في عدة أبيات، و له تاريخ بالعربية أيضا.

2- الغلاء و أسعار الأطعمة:

في هذه السنة بل في حكومة السردار الأكرم صار غلاء في بغداد، فكانت وزنة الحنطة بسعر (450) قرشا رائجا، و الشعير بسعر 300 قرش رائجا.

وفاة الشيخ عبد الرحمن الطالباني:

من مشاهير شيوخ الطريقة القادرية. و هو ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ محمود. عاش في كركوك و تكيته فيها مشهورة في الطريقة ذكرا كبيرا. و أثني عليه في سياحتنامه حدود. و من مؤلفاته (مثنوي) و (ديوانه) و (ترجمة بهجة الأسرار). توفي في جمادي الأولي سنة 1275 ه. و آل الطالباني معروفون. ذكرته في الأدب التركي و الفارسي.

حوادث سنة 1276 ه- 1859 م

عزل الوالي:

انفصل السردار الأكرم عن بغداد و مشيرية العراق و الحجاز يوم 27

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 149

صفر سنة 1276 ه (25 أيلول سنة 1859 م). علي ما جاء في مرآة الزوراء: «إن الوزير في مدة يسيرة وقف علي حالة العراق، و اطلع علي نفسيات الأهلين، فعرف خطأه فيما زاوله من الأعمال الجسيمة المختلفة بسرعة و علي عجل، فعاد إلي صوابه، و رجع بحسن تدبير عن بعضها، و شرع في بعض المهام حسب طبيعة الأمور و مجراها، و أدرك حالات الموظفين رديئهم و جيّدهم، و فرق بين الأهلين. و لكن حادث الهماوند كان قد قام به دون استئذان من الدولة، فقتل بعض أهل الشقاوة منهم، ذلك ما اتخذه أنداده في استنبول وسيلة للتشنيع عليه مما أدي إلي عزله و دعا إلي عرقلة سير الأعمال» اه.

إن الدولة كانت لها سياسة خاصة مع الهماوند فلم تشأ إضاعتهم، و أن يخرجوا من يدها فيلجأوا إلي إيران فتخسرهم، و لها الأمل أن تستخدمهم عند الحاجة، و لكن الوزير لم يستطلع رأي دولته في ضربهم.

فلم يدرك نواياها و عجل بالأمر مما دعا أن تتدارك الحالة بعزله أو جاء هذا ضميمة إلي ما أوجب النفرة من أعمال أضرت بالأهلين.

و السبب الأصلي خذلانه في أمر التجنيد و في معارك عشائر الديوانية و تلك الأنحاء.

كان

خروجه من بغداد في 19 ربيع الآخر سنة 1276 ه- (15 تشرين الثاني سنة 1859 م).

و الملحوظ أن هذا الوزير كان في أيامه الدفتري مخلص باشا، و (الكهية) الأستاذ عبد الباقي العمري، فأخذ مخلص باشا بعض الأعمال المنوطة بالكهية تحكما منه، فكتب العمري إلي الوزير بعض الأبيات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 150

فاستجلب رضاه، و أعاد لقلمه الأشغال التي أخذها الدفتري منه..

و له مقطوعات في مدحه أيضا.

الوالي مصطفي نوري باشا كاتب السر

وجهت ولاية بغداد إلي عهدة هذا الوزير في غرة ربيع الأول من سنة 1276 ه. و دخل بغداد في 12 شعبان سنة 1276 ه.

قال في مرآة الزوراء: «كان السبب في شلّ حركة الحكومة. لا يستطيع أن يكتب اسمه، و مع هذا يعرف ب (كاتب السر) فأدي نصبه إلي سلب الأهلين و مالية الدولة. ورد بغداد. و كان لا يعرف إلا الأكل و البلع مادة و معني، فهو شغله الشاغل، و في أيام حكمه نحو 11 شهرا أضرّ بمالية الدولة نحو ثلاثين ألف كيس بلا مبالغة. و كان كتخداه محمد باشا الميرميران واسطة الرشوة. كان لا يتأخر عن الأخذ من مجيدي فضة واحدة إلي ألفي كيس، و صار قدوة الموظفين في الارتكاب..

و أخبار هؤلاء كانت تلوكها الألسن في المجالس و المحافل، و حكاياتها تنقل إلي مسامع العالم بواسطة الجرائد.. الأمر الذي دعا إلي أن ترسل الدولة سليمان بك أحد الأمراء العسكريين للتحقيق عن أحواله، فجاء بغداد، و في مدة قليلة أتم مهمته و عاد إلي استانبول.. فكانت النتيجة أن عزل.. فأنقذت مالية الدولة من النهب، و نجا الأهلون من الارتكاب و الغارة..» اه.

و هنا لا ننس أن الأستاذ سليمان فائق كان عارفا بأحوال الولاة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 7، ص: 151

و الموظفين. ينطق بالكثير مما لم تتيسر معرفته لمن كان خارج الوظيفة، أو لم يكن بوظيفة مهمة تستدعي الاطلاع. سرد أحواله.. و أشار إلي ما هنالك من إسرافات، و بين أن من جملتها ما كان يعطي إلي الوالي من المصاريف السفرية. و هي نحو ألفي كيس..

البو محمد- العمارة

في أيام هذا الوزير أظهر الشيخ فيصل رئيس عشائر البو محمد في لواء العمارة العصيان علي الحكومة و كان ذلك اعتمادا علي ما حصل بيده من المدافع بواسطة بعض الأمراء الإيرانيين. فعند ذلك أرسل الوالي للتنكيل بهم و تأديبهم أمير اللواء محمد باشا الديار بكري و معه من الجنود النظامية و الهايتة مع المهمات و المدافع و غيرها الشي ء الكثير.

فأتي إلي المحل الفاصل بين دجلة و نهر الچحلة (الكحلاء).

و كان البو محمد جمّا غفيرا، فرماهم أمير اللواء محمد باشا بالبنادق و المدافع و فرق جموعهم، و أنزل الجنود و العساكر في محلهم و اتخذه مقرا للأردو أي الفيلق. و إلي الآن يدعو عشائر العمارة ذلك المحل ب (الأوردي).

فرّ الشيخ فيصل و قومه إلي المحل المسمي ب (الزير) الواقع علي الچحلة و في وسط أهوار العمارة. و له فيها حصن حصين (قلعة). و في أطرافها قرية. فلما علم بذلك أمير اللواء ساق الجيوش خلفهم و حاصرهم في قلعتهم و استولي عليها و أخذ المدافع التي بأيديهم و غنائم كثيرة جاء بها إلي بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 152

اسكن

منظر مدينة كربلاء- عن رحلة مدام ديولافوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 153

و إن محل الأوردي (الفيلق) بقي محافظا علي اسمه مدة. و في أيام الوزير نامق باشا أعاد الأوردي إلي محله. و هناك تجمع كثيرون. و من

ثم تكونت البلدة باسم (العمارة) و يأتي الكلام عليها.

المنتفق:

إن هذا الوالي من حين وروده نقض ما كان أبرمه رشيد باشا فاستهان بالمنتفق (كذا قيل)، و عد نفسه قادرا علي إخضاعهم متي شاء، فألغي أن يكون سوق الشيوخ مقرا للجيش.. و اتخذ و خامة الهواء و عفونته سببا، و لم يعرف ما حمله و إلا كان في الإمكان سد الأنهار بصورة محكمة، و التسلط علي المنتفق عند حدوث مخالفة من الشيوخ.

أبدي ذلك سليمان فائق بك و قال: و السياسة الصحيحة مكتومة طبعا. و كأنه لا يعرف ضعف الحكومة، أو أراد أن يستر أمرها و بين أن الوالي دفع الجيوش المرابطة.. و أعاد للمنتفق سلطتهم.. و أرجع إليه ما أخذ..

قال الأستاذ سليمان فائق: إن الوزير فعل ذلك تبعا لإرادة مخلص الدفتري ببغداد. و بذلك حاول ستر الوضع. فالدولة كلما شعرت بضعف تركت الحالة فلا تعرض نفسها للخطر، فتقع في غائلة، و متي رأت من نفسها قدوة و سلطة تدخلت..

و حينئذ عهدت بقائممقامية لواء المنتفق إلي منصور باشا السعدون و القائممقامية تعني المتصرفية إذ ذاك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 154

حوادث سنة 1277 ه- 1860 م

ولاية أحمد توفيق باشا

أخبر البرق من الموصل بعزل الوالي السابق مصطفي نوري باشا، و نصب أحمد توفيق باشا. بدأ يعزل و ينصب في القائممقامين و الموظفين.. و في 22 شعبان سنة 1277 ه ورد الفرمان بالبريد و قرئ علنا في السراي يوم الاثنين بحضور أرباب الحكومة و الوجوه حتي المختارين. و هذا الوالي كما جاء في مرآة الزوراء ألغي المصاريف السفرية و كانت تبلغ نحو ألفي كيس.. و أنقذ المالية من الإسراف.

و للأستاذ عبد الباقي العمري أبيات في نصبه و أخري في عزله.

و جاء في مرآة الزوراء:

«إن الولاة الذين كانت ترسلهم الدولة لا يعلمون عن العراق، و

لا يجدون من الزمن ما يبصرهم به. بل قد يكونون في حاجة إلي معرفة بعض أسماء الأهلين و الموظفين فلم ترسخ في أذهانهم، و إنما يستدعي ذلك وقتا طويلا فكيف يتمكنون أن يقفوا علي أحوال العراق و عاداته و مصطلحاته، و هو في كل أمر من أموره يباين الممالك الأخري.. فلا يستطيع الوالي هذه المعرفة للاتصال بالأهلين خلال مدة ولايته، و إذا كانت البلدان الأخري متماثلة، فالعراق ليس كذلك.. و إن الوالي أحمد توفيق باشا كان قائممقاما مدة، و دام في رئاسة الجيش نحو سنة. فكان عارفا بالمهمة، و له كفاءة و قدرة علي العمل إذ كان يتطلع للمصلحة من طرف خفي، و يعلم بالنافع و الضار.. فجاء المنصب عن خبرة فاتصل به مباشرة اتصال عارف.. فمنع الإسراف في المالية و أزال الحيف الذي أجراه الوالي السابق في الالتزامات و توقي المصاريف الزائدة فاقتصد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 155

كثيرا. و فرّ نحو عشرين ألف كيس سنويا للخزينة في خلال شهرين..

و وردت إليه الأوامر السلطانية مشعرة بلزوم التحقيق عما أخذه الوالي السابق، و إظهار ما عمله، ليعلم الناس أن غرض الدولة العدل، و العمل لهدم كل باطل، بلا تحاش و لا محاباة.. أما أعضاء المجلس فلا تؤمل منهم الفائدة، و بينهم الجاهل أو الغافل أو المداري الذي يميل مع الأهواء.. أزال مثل هؤلاء فحلّ المجلس، و نقّاه من المغرضين الذين لا يعرفون إلا مصالحهم الذاتية، و لا يبالون بالمصالح العامة.

و الأهلون قد أدبتهم التجارب، بل أفسدت أحوالهم لما رأوا من أراذل جاروا و اعتسفوا، فلم يكن لهم بدّ من المماشاة فأفسدوا أخلاقهم، أو رضوا بالبداوة و وحشتها فصاروا لا يميلون إلي الحضارة.. و الحوادث

المنسية أكثر مما عرف و دوّن، فكانت أضرار العراق كبيرة جدا، لا تعوّض بوجه..» اه.

و هل كان في استطاعة هذا الوالي أن يعمر ما دمرته العصور، أو ينقذ القطر من الورطة التي أصابته؟ كنا نود أن نسمع مثل هذه اللفتات و التألمات المقرونة بذكر أعمال أولئك الولاة الطغاة لنعلم الحالة و إنما اعتاد أن يلتفت عند ذكر كل وال جديد إلي بيان أحوال الماضين و في هذا ما يكفي للمعرفة.

الخط البرقي:

و كان يسمي ب (الخط التلغرافي) و محله (التلغرافخانه) أي إدارة البرق. و هذا الوالي أحمد توفيق باشا قد جري في أيامه تأسيس (إدارة البرق) و كان ذلك في سنة 1277 ه و لم تتم المخابرة إلا سنة 1282 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 156

المنتفق:

جرت في أيام توفيق باشا المزايدة بين الراغبين في المشيخة و هم الشيخ منصور، و الشيخ بندر الناصر الثامر السعدون، فأسندت إلي الأخير منهما في 20 شوال سنة 1277 ه ببدل سنوي قدره 4900 كيس، و الكيس يعتبر خمسمائة قرش.

الثلج أو الوفر:

في هذه السنة أمطرت السماء (الثلج) و هو المعروف عندنا ب (الوفر). و لم يكن يعهد مثل هذا من زمان بعيد.

التحقيق عن أسباب عزل مصطفي نوري باشا:

جاء التاريخ المجهول عن سبب عزله ما نصه:

«من جملة الأسباب الظاهرة عيانا (كهيته) الذي هو زوج كريمته، فإن الكهية كان متجاهرا بأخذ الرشوات ظاهرا بلا مبالاة، و قد اطلعوا علي رشواته عيانا، و قد تحررت مضبطة من جانب بغداد بتدبير توفيق باشا مشعرة بقبول هذا الكهية الرشاوي و أخذها جهرا، و عرضت لدي حضرة السلطان عبد المجيد فقطع رأيه و أرباب مجلسه بعزله، و جاء مصرحا في المضبطة أن نوري باشا يعلم بقبول الرشوات من الكهية، يأخذها من الأهالي و من ذوي المناصب و القائممقامية و غيرهم، فلأجل هذا قد عزلوه.. و قد تصرح من أخذ الرشاوي عند توفيق باشا أن الكهية المعزول قد رتبوا دفترا بما أخذه من شيوخ العرب و القائممقامية و رؤوس العساكر الموظفة لا النظامية ستة عشر ألف كيس حساب إسلامبول.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 157

و في شهر رمضان المبارك قدم من الدولة العليا عطا بك الملقب بالكاشف علي المحاسبة مع الكهية المعزول و إثبات الرشاوي، و صار القرار يخرجونه بعد العيد من الحبس لأنه محبوس في أودته (غرفته) التي كان يتعاطي بها الحكومة، و عليه حرس اثنان نظام، يخرجونه علي إثبات الرشاوي و غيرها و بقي محبوسا ثمانية أشهر، ثم أطلق» اه.

و في سجل عثماني أنه أي مصطفي نوري باشا ابن حسن آغا المقيم في قنديللي.. مات أبواه و هو صغير، فرعاه زوج جدته جعفر آغا، و كان حارسا قصر كوكصو.. و في سنة 1228 ه استخدم في البلاط الداخلي، ثم دخل دائرة الخزينة السلطانية، فنشأ هناك..

حتي أنه في ذي الحجة سنة 1238 ه صار كاتب السر، ثم ولي ولايات عديدة و مناصب، و في أوائل سنة 1276 ه صار واليا ببغداد، و مشيرا لفيلقها.

و في أوائل سنة 1277 ه عزل، و دخل في الأعيان الكرام، و توفي في أوائل سنة 1296 ه، و كان شيخ الوزراء، و مستقيما..

و في تاريخ عطاء أنه بعد انفصاله من بغداد التزم التقاعد، و قال إنه متق، صادق و مستقيم، و هو من الأخيار في دينه، و مخلص لدولته..

و من هذا يفهم أن ما اتّهم به غير صحيح، و أن ذلك كان من الوالي اللاحق. فبعثت الدولة بعض رجالها من حقق فكشف عن براءته.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 158

حوادث سنة 1278 ه- 1861 م

عزل الوالي أحمد توفيق باشا:

يوم الثلاثاء 25 ربيع الأول سنة 1278 ه جاء البرق مخبرا بعزله.

و في يوم الخميس 15 رجب سنة 1278 ه ضحوة توجه إلي استنبول، و شيّعه الأعيان و جملة من الباشوات و القائممقام الحالي منيب باشا متصرف البصرة.

كان نشأ في الجيش، فصار ميرالاي، و مير لواء، و فريقا. و في سنة 1276 ه صار رئيس الفيلق السادس ببغداد، و في رجب هذه السنة حصل علي منصب ولاية ببغداد، و مشيرية الفيلق السادس برتبة الوزارة.

ثم انفصل و تقلد مناصب أخري عديدة. و توفي في 13 ربيع الأول سنة 1295 و قد سمع أنه سيّئ الحال.

محمد نامق باشا (وزارته الثانية)

نال منصب بغداد للمرة الثانية ببرقية وردت. و يعرف عندنا ب (نامق باشا الكبير)، كان قد جاء قبل ذلك في قضية كربلاء لما أن فتحها نجيب باشا. فتكون ولايته هذه ثالث مرة من مرات مجيئه إلي بغداد.

و في جمادي سار من استنبول في باخرة قاصدا بلدة حلب. و في يوم الأحد 2 شعبان من هذه السنة دخل بغداد، و صلي في حضرة الإمام الأعظم و في اليوم الثاني من قدومه عهد بمنصب (الكهية) لمحمد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 159

أمين المفتي ببغداد. و في اليوم الثالث عزل تفكجي باشي الحاج أحمد آغا و جعل بدله الحاج علي آغا أحد أتباعه. كان قادما معه من استنبول.

و كان هذا الوالي يحمل رتبة (مشير) في الدولة العثمانية.

و للسيد شهاب الدين الموصلي في وزارته قصيدة.

جاء في تاريخ جودت باشا أنه نال منصب المشيرية للمدفعية العامرة، و تقلّب في مناصب أخري عديدة منها أنه قلد منصب (سرعسكر) و منه نقل إلي ولاية بغداد بانضمام مشيرية العراق و الحجاز في 24 من شهر ربيع الأول سنة

1278 ه و في سنة 1281 ه منح الوسام المرصع، و ألحقت ببغداد شهرزور و الموصل و البصرة. تولي أمورها العسكرية و المالية بالاستقلال. و في سنة 1284 نال للمرة الثانية منصب (سر عسكر).

و هكذا تقلّد مناصب عديدة، و عمّر طويلا. و في كل مهماته و مناصبه راعي الاستقامة و العفة إلا أنه كان ممسكا، مشتهرا بالبخل، و مما جمعه من رواتبه و تراكم لديه تكونت ثروة طائلة، و يعد من مثري العصر.. و هو من أهل الوقوف و العلم بالأمور لكنه يتصلّب في رأيه، و لا يلين لآراء الآخرين. و كان في بداية أمره يعد من المتفرنجين إلا أنه مال مؤخرا إلي مشايخ الخلوتية. و سلك طريقتها، فالتزم طريق الزهد و الصلاح.. و واظب علي الصلوات المفروضة. و الخلوتية لا تكتفي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 160

بالزهد وحده. و إنما لها دخائل الغلاة.

و هذا الوزير كان قد خطب بأهل بغداد بعد قراءة الفرمان، فذكر أنه سوف يعمل بشدة في حق من يحاول الإخلال بالأمن، أو يعيث بالراحة كما أنه لا يتقرب إليه إلا من كان يحسن عملا..

حصر اهتمامه في مالية الولاية و كانت في حالة فوضي لا توصف، و صنع للخزانة ثلاثة مفاتيح وضع أحدها لدي أمين الصندوق، و آخر عند الدفتري، و ثالثا احتفظ هو به. و أوصي أن تقدم إليه لائحة يومية يفصل فيها الوارد و المصروف، و منع من الصرف بدون إذنه، و أفرز من المبالغ الاحتياطية قسما لإصلاح حالة الجيش في بغداد، و دفع بانتظام رواتب الأفراد و سائر موظفي الدولة، و من جراء اقتصاده حمّل قافلة من البغال في رأس كل شهر بمبالغ طائلة إلي استنبول. فسرّ السلطان

بها، و أمر أن يشيد بها قصره. و كأنه جاء بغداد للقيام بهذه المهمة.

و مما يحكي أنه كان يجمع المبالغ، و يقرأ كل يوم دعاء عند الخزانة يطلب من اللّه تعالي دوامها و حراستها و زيادتها صباح مساء فتكون لديه مجموع عظيم فأرسله لبناء القصر المذكور.

و من أعماله أنه شرع بإنشاء (الثكنة) و تعرف ب (القشلة)، و أن مدحت باشا أكملها، و أتم إنشاءها.

و في أيامه وصلت الباخرتان (بغداد) و (البصرة) إلي بغداد، و أودعت إدارتها إلي رئيس أطباء الجيش.

و كان في سنة 1859 م- 1275 ه حصل الإنكليز علي امتياز في تشغيل البواخر في نهري دجلة و الفرات فلم يحلّ عام 1861 م حتي كان للإنكليز مركب يقال له (لندن). و الظاهر أن هذا كان بعد أن تم السماح لهم أيام علي رضا باشا اللاز بالوجه المذكور..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 161

و من أعماله أنه شرع ببناء (الدميرخانه) أي (دار الحدادة)، و جلب من أوروبا عمالا لعمل الأسلحة.

بلدة العمارة

و من أعمال هذا الوالي أنه أنشأ معسكرا علي نهر دجلة. عرف ب (الأوردي) أي الفيلق. ثم توسع بعد ذلك فأصبح بلدا كبيرا يقال له (العمارة). و الملحوظ أن الأراضي التي تكوّن فيها الأوردي قديما كانت معروفة ب (العمارة)، ذكرها مؤرخون عديدون في أزمنة مختلفة و قد غلط من ذكر أنها نالت اسم (عمارة) بعد ذلك التاريخ لما نالت من عمارات. و في سيدي علي في كتاب (مرآة الممالك) و في يوسف المولوي في كتاب (قويم الفرج بعد الشدة) جاء ذكرها في القرن العاشر فما بعده.

و كانت أقامت الحكومة الأوردي أيام مصطفي نوري باشا و استمر.

و في أيام الوزير نامق باشا أعاد المعسكر إلي

محله. و من ثم تكوّنت فيه بلدة سميت ب (العمارة) و اعتبرت قائممقامية (متصرفية) فعرفت باسم الأراضي التي بهذا الاسم. ثم صار (لواء العمارة) معروفا بين ألوية العراق المهمة.

الخدمة الإجبارية في الجيش:

كانت تأتي الوزير الأوامر من الدولة بإزعاج في التجنيد، فكان يتماهل. عرف ما قام من ضجة سابقا، فلا يرغب في إثارتها إلا أنه جعلها عقوبة فكل من يسرق أو يشرب الخمر، أو كان لا شغل له،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 162

يأخذه للجندية و يرسله إلي البصرة و من هناك كانوا يذهبون إلي اليمن.

و قلّما كان يعود منهم أحد. و كان هذا الوالي من ثاني يوم ولايته بدأ يعاقب من يوقع جريمة بأخذه للجندية و يرسله إلي القلعة و يجعله في عداد العساكر النظامية.

المنتفق:

تلقي الوالي مراسيم الطاعة من الشيخ صالح شيخ مشايخ المنتفق بقبول و الكلام له ما يتبعه، و قد مرت حوادث المنتفق، و لم يروا هدوءا في كل أيامهم، و المشادة غير منقطعة من الاثنين إذا قويت المنتفق ثارت، و إذا شعرت الدولة بقدرة نهضت لاكتساح المنتفق، و الحرب بينهما سجال. و الأمل مصروف إلي لزوم القضاء علي هذه الإمارة.

و التشويش مطلوب لتسهيل هذه المهمة …

سفر الوالي إلي البصرة:

«في يوم السبت 16 شعبان سنة 1278 ه طلع نامق باشا من بغداد في مركب الدخان إلي البصرة و معه منيب باشا والي البصرة الذي كان واليا علي البصرة أيام السلطان عبد المجيد، و علي تعمير أنهر العراق أجمع في أمور الزراعة. و في يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع أنزلوا في مركب الدخان الصغير مائة و عشرة أنفس من الرجال أهل الجنايات، حرامية و قاتلين أنفسا نفيا إلي البصرة مع المحافظة و في أيديهم الكلبچات بناء يشغلونهم في الأعمال الشاقة في البصرة، و ذلك بأمر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 163

هذا الباشا، و من بعد وصولهم إلي البصرة انهزموا، و يقال إنهم خمسة و خمسون رجلا، و ما بقي منهم محبوس سوي سبعة أو ثمانية. ثم جاؤوا إلي بغداد، و اشتغلوا بالسرقة. يختفون في النهار، و يسرقون في الليل من البيوت.

ثم إن الوزير نامق باشا ابتدأ بزيادة الحرس حتي يمسكوا هؤلاء المفسدين، وظف بعض العساكر، و جماعة من أهل البلد يدورون في الليل فمسكوا البعض منهم، و حبسهم في القلعة مقيدين مكبّلين في الحديد.. اه.

نعلم أن محمد منيب باشا عيّن متصرفا علي البصرة (قائممقاما) سنة 1277 ه، و سافر إلي بغداد في غرة صفر سنة 1278 ه ثم عاد

إلي البصرة في التاريخ المذكور، أو في 12 شعبان سنة 1278 ه و معه نامق باشا والي بغداد و السيد علي نقيب أشراف بغداد و مكثا في البصرة بضعة أيام ثم رجعا. و أما منيب باشا فقد أخذ ينفذ الأوامر المعطاة له من نامق باشا، فأدّب العصاة.. و أعلن أن محافظة الأملاك و المحاصيل و جباية الميري من وظائف الحكومة، فلا يحق لأحد التدخل في أمرها، و طرد عشائر المنتفق من التدخل، و استحصل بقية جباية الميري، و ثبّت لأهل البصرة أملاكهم.. و أمنهم في أوطانهم، و قمع الفتن …

و كان الأخرس قد مدح الوالي بقصيدة طلب فيها أن يصلح البصرة لما أصابها من خراب. و كذا مدح منيب باشا والي البصرة.

و في أواخر سنة 1278 ه تعين منيب باشا رئيسا لمجلس الإعمار في بغداد و عهد إليه بمهمة السداد في الجزائر و إصلاح مستنقعاتها،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 164

و تخليص البصرة من و خامة الهواء.

القاضي و منيب باشا تاريخ البصرة:

إن متصرف البصرة محمد منيب باشا كان قد كتب له المرحوم الشيخ أحمد نوري الأنصاري القاضي (تاريخ البصرة) مختصرا في 11 شوال سنة 1277 ه مبينا حالتها الماضية، و ما تحتاج إليه من إصلاح، و الكتاب علي اختصاره مفيد نافع. فاهتم المتصرف في أمر إصلاحها..

و ترجمة هذا المؤرخ في كتاب (أعيان البصرة). هذا التاريخ منه نسخة في خزانة آل باش أعيان.

الشاعر عبد الباقي العمري:

هو الشاعر المعروف و كهية بغداد. سقط في الساعة السادسة من ليلة الأحد من طارمة الحرم من بيته سنة 1278 ه، و توفي ليلة الاثنين سلخ جمادي الأولي أو غرة جمادي الثانية في تشرين الثاني، و كان خروجه للاستنجاء للتوضؤ لصلاة العشاء، و دفن في باب الأزج قرب قبة الشيخ عبد القادر الكيلاني. و كانت ولادته سنة 1203 ه. و ديوانه مطبوع. و له آثار أخري منها نزهة الدنيا في محامد الوزير يحيي الجليلي من أمراء الموصل.

و ديوانه كشف صفحة من تاريخ العراق للعلاقة بوقائعه و تثبيتها، أبدي أشعاره في مناسبات. كما كشفت صفحة عن العلاقات الأدبية فيه و في النزهة. ذكرت ذلك مفصلا في التاريخ الأدبي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 165

حوادث سنة 1279 ه- 1862 م

شمر و الوزير:

«في أوائل حكومة هذا الوزير أرسل بالعساكر النظامية، و الخيالة (الفرسان) و معهم مقدار من عشائر زبيد، و الشيخ سعدون شيخ العبيد، و شيخ ناصر أخو منصور شيخ المنتفق، و معه فرسان المنتفق، و شبلي باشا، و إبراهيم باشا الفريق، و سيرهم لمحاربة شمر و نهبهم، و إباحة أموالهم، فلما علموا بذلك، و كان شيخهم فرحان (الصفوق) انهزموا إلي أطراف سنجار، و منهم من فرّ إلي أطراف الخابور، فلم تظفر العساكر بهم، و كان التراخي من شبلي باشا و إبراهيم باشا. و لو أن الأمر راجع إلي سعدون شيخ العبيد و الأعراب لظفروا بهم و لكن شبلي باشا حاذر علي العساكر، و ظفر بشرذمة قليلة من شمر فنهبوها، و أخذوا منهم سبعمائة بعير، و أدركهم الحر فرجعوا إلي بغداد. فلما علم نامق باشا غضب علي إبراهيم باشا و علي شبلي باشا للفتور الذي حصل منهما.

و في ربيع الثاني ورد بغداد سميط

أحد شيوخ شمر و تواجه مع حضرة الوزير، و صارت مقاولة فيما بينهم أن يؤدوا مقدارا من الخيل و من الأباعر و من الغنم عوض ما نهبوا في أيام توفيق باشا من الكراوين (القوافل)، و من المسافرين و المترددين، فقبل سميط أن يؤدوا ما أراده الوزير نامق باشا، و طلع من بغداد و أرسل معه حضرة الوزير كاتب العربية محمد أمين أفندي، و معه سنجق مشيخة فرحان علي شمر، و أن يتسلم من العرب الأباعر و الخيل و الغنم، فبقي عندهم أياما، ثم جاء إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 166

بغداد، و ورد معه فرحان لمواجهة نامق باشا لأجل تسوية هذه المادة مع جناب الوزير، و طلب من الوالي أن ينزل من المبلغ الذي اشترط عليهم، لأنه كان قد أراد منهم ثلاثمائة حصان، و خمسة آلاف بعير، و خمسين ألف رأس من الغنم عوض ما نهبوا و سلبوا من الكراوين و المترددين و الكلاك و غير ذلك، فهدر لهم قسما من الذي اشترطه عليهم و طلع فرحان من بغداد في أول شهر رجب سنة 1279 ه لأجل أن يجمع الأشياء المذكورة» اه.

التاريخ المجهول المؤلف:

تقف حوادثه عند هذا، و منه يظهر أنه لم يتمّه، و لا استمر نظرا لوجود بياض، فلم يكن النقص ضائعا.. بل وقف قلم الكاتب. و في هذا التاريخ ما كشف عن وقائع العراق و عن أوضاع لم نجدها في غيره.

الرجل يسمع فيدوّن بلغته العامية، و الحوادث مشوبة بشعور الأهلين. جاء مؤيدا و متمما لتاريخ الأستاذ سليمان فائق و بهما انجلت مبهمات كثيرة.

مفتي الشافعية صبغة اللّه الحيدري:

في ليلة الجمعة 16 ربيع الأول سنة 1279 ه مات بعلّة البطن و دفن تجاه الحضرة القادرية داخل المسجد في قبة الحيدرية، عن عمر 85 سنة. و هو صاحب كتاب (المسائل الإيقانية في الرد علي الأسئلة الإيرانية). لا يزال مخطوطا، عندي نسخة منه.

قال الأستاذ السيد نعمان الآلوسي: دفن قرب والده المبرور أسعد مفتي الحنفية مقابل مرقد حضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني قرب المنارة، و جده صبغة اللّه كان قد دفن هناك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 167

هذا. و قد تكلمت في (آل الحيدري) في المجلد الثالث من هذا التاريخ. و كانت لهم المكانة العلمية. و غالب علماء بغداد أخذ عن صبغة اللّه الكبير جد المترجم الأعلي و عن أولاده و أحفاده …

مفتي بغداد الأسبق عبد الغني آل جميل

عالم مفت، و أديب كامل، و شاعر في الفصيح و العامي. ترجمته في مجموعة الأخرس. و في التاريخ الأدبي أوردت شعره، و ذكرت ما قيل فيه … و ملخص ما أقوله هنا أنه كان كامل الثقافة، قوي الروح ثائرا علي الجور، و هو وطني خالص، و عربي مخلص. عثرت علي شعره في مجموعة الأخرس فنشرتها. و كان ثائرا علي الظلم، مجاهرا في خلاف أهله. توفي في 9 ذي الحجة سنة 1279 ه، رثاه الأخرس و آخرون. دفن بمقبرة الوردية في الشيخ عمر السهروردي. قال الآلوسي مات ليلة 8 ذي الحجة عن 84 سنة.

آل جميل:

و آل جميل جدهم محمد جميل. و من أولاده عبد الغني و إخوته و عبد الجليل والد محمد جميل المذكور. و من أولاده علماء أفاضل مثل محمد عمر. و جاء ذكرهم في كتاب الروض الخميل في مدائح آل جميل عندي نسخة مخطوطة منه و لا يزال لم يطبع. و هو من تأليف الأستاذ السيد عبد اللّه بن أبي الثناء الآلوسي والد الأستاذ محمود شكري.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 168

و لآل جميل مسجد في محلة قنبر علي من تأسيس محمد جميل رأس هذه الأسرة ذكرته في كتاب المعاهد الخيرية.

حوادث سنة 1280 ه- 1863 م

المنتفق:

كان يظن الوزير أن قد حان الوقت لإلغاء مشيخة المنتفق، فراعي تدابير رشيد باشا الگوزلگلي. حاول أن يقتطع أولا بعض الأماكن ليقلل السلطة و يحصر دائرة النفوذ في نطاق ضيق.

أما منصور بك فإنه جاراه في أصل الفكرة، و حسّن له أن يلغي المشيخة رأسا بلا تمهيد، و كان الشيخ منصور من أعضاء المجلس الكبير ببغداد و هو منقاد لرأي عينته الحكومة، فأبدي أن لا حاجة إلي فصل بعض المواطن، و بيّن أنه إذا عينته الحكومة قائممقاما (متصرفا) جعل المنتفق كلها تابعة للدولة كسائر البلاد العثمانية.

و علي هذا ارتضي الوالي قوله، و ألغي المشيخة، و أسند إليه القائممقامية يوم الخميس سلخ جمادي الأولي سنة 1280 ه- 1863 م، و كان هذا الأمير صاحب دراية خارقة و تدبير موفق، و نظر نافذ، إلا أنه لم يتقن اللغة التركية، بل يصعب عليه التفاهم بها..

و لم تعهد إليه قائممقامية (متصرفية) قبل هذا، فاختارت الحكومة أن يكون معه الأستاذ سليمان فائق، و هو عارف بشؤون القبائل و له علم بالعربية، و تمكن من التركية و يعد من كتّابها المجيدين.. كان

قائممقام لواء خانقين، فجعله الوالي برفقته لتسهيل المهمة، و إطلاع الحكومة علي ما يجري في الخفاء، فعهدت إليه محاسبة اللواء.

كان الشيخ ناصر آنئذ في بغداد. و كذا الشيخ بندر إلا أن هذا الأخير توفي في اليوم التالي من تعيين الشيخ منصور.. فلما سمع الشيخ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 169

ناصر أخو القائممقام ثار في وجهه، و أشاع إشاعات من شأنها إحداث القلاقل و تحريض الأهلين علي الحكومة، فتولد الخلاف بين الأخوين، فكانت معارضة الشيخ ناصر شديدة. قالوا إن هذه الأمور كانت تجري في الخفاء بسبب المحاسب سليمان فائق، و أنه أصل الفتن، فالتزم قتله و لكن الوجوه و الأعيان لم يوافقوه علي ما عزم عليه، و قالوا إن هذا من المماليك و لم يكن من الأروام (الترك العثمانيين)، و أقاربه في بغداد كثيرون، و هم من أهل النفوذ، و إن قتله لا يشبه قتل أمثاله من الأروم..

و أن أولاده و أقاربه يسولون حينئذ للولاة إثارة الزعازع و الفتن للانتقام له.. فتقع حوادث لا نستطيع التخلص منها، و تتوالي الاضطرابات، فلا نتمكن أن نبرئ ساحتنا من قتله، فليس من العقل التسرع بقتله و من معه من الأروام.

و من ثم طلبوا أن يؤجل الأمر إلي مذاكرة عامة، و اقترحوا التأجيل إلي أن يستقر الرأي.. و لما عرضت القضية علي منصور بك بيّن أنه صديقه القديم و ضيفه، فلا يقبل أن يقتل، و أنه إذا لحقه شي ء لا يتأخر لحظة عن أن يقتل نفسه (ينتحر).. و لما رأوا من منصور بك ذلك عدلوا عن قتل سليمان بك، و لكنهم لم يرضوا بوجه أن تحول المشيخة إلي قائممقامية و أعلنوا عصيانهم، و نهبوا الميرة و الحبوب المرسلة من

لواء الحلة إلي البصرة نهرا، و كذا قطعوا الخطوط البرقية بين بغداد و الحلة، و كان تمديدها من أمد قريب.. و بذلك قصدوا أن يكبروا الحادث في عين الحكومة، و أبقوا المحاسب مدة ثلاثة أشهر غير مسموح له بالخروج إلا أنه كان معززا في الظاهر.. ثم أذنوا له بالعودة..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 170

الشيخ خزعل أمير المحمرة في شبابه- عن رحلة مدام ديولافوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 171

لم تطل إدارة القائممقام و المحاسب أكثر من شهرين، فثارت الزعازع، و اضطرب الأمن.. ثم لما علم الوالي نامق باشا بالأمر عقد مجلسا من الملكيين و العسكريين، فقرروا لزوم إصلاحهم بالقوة و رؤوس الحراب، و قبل أن ينفضّ المجلس و أثناء المذاكرة فيما يجب اتباعه في حربهم وردت برقية من مقام السر عسكر توصي بلزوم إكمال كافة النواقص قبل الإقدام علي الحرب، و أن ينتظر الإشعار الآخر، و أوصوا بالتأهب للأمر..

ذلك ما حدا بالوالي أن يفسخ القرار، و يعيد المشيخة كما كانت.

نقل ذلك سليمان بك عن أمين أفندي كاتب العربية فيما لم يكن له علم به. و محمد أمين هذا كان قد عهدت إليه أيضا مهمة (باب المشايخ)، أو (باب العرب). و لذا سمي بالكهية أي قيل محمد أمين الكهية.

و من ثم أعيدت المشيخة، و أسندت إلي الشيخ فهد العلي الثامر السعدون في سنة 1280 ه- 1863 م بموجب شرطنامة كتبت باللغة العربية.. و فهد هذا هو والد فخامة عبد المحسن السعدون. و سياسة الحكومة كانت مصروفة إلي تمكين النزاع بين أمراء المنتفق، و لم تشأ أن تترك واحدا منهم بلا ضد أو رقيب، و سليمان بك كان عضوا مهما في التدابير إلا أن

سياسة الحكومة الخفية و تدابيرها الاحتياطية و مراعاتها الأوضاع التي هي أعرف بها.. أقوي بكثير مما يتصور.

و تفصيل الخبر أنه بعد عودة الأستاذ سليمان فائق محاسب المنتفق بين أنه يستطيع جلب ناصر باشا إلي بغداد، فجاء به فعلا، و قررت الحكومة اختزال محلين، و إضافة ألف كيس لأجل أن تحيل المشيخة إليه.. و لكن الحكومة لم ترق لها أعماله و لا أمنت منه، فلم تشأ أن تطلعه علي ما ستقوم به، و راعت الحزم و الحيطة.. و لأجل إتمام مهمتها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 172

أبعدت سليمان فائق عن بغداد نقلته محاسبا إلي البصرة، و خابرت فهد بك خفية، فعزمت أن تحيل الالتزام إليه بترك بعض المحلات و بزيادة في البدل، فإذا أمكن ذلك رجحته علي غيره، و أعطته المشيخة..

كان توجيه المشيخة بهذه الصورة لم يخل من شغب، و حدوث غوائل مقصودة، و أن أعوان ناصر باشا و منصور باشا لم يتركوا الأمر.

و إنما أثاروا زعزعة، و هاجموا المحل، و لكن الشيخ فهد استمد الحكومة بعد أن قبل الالتزام فذهب لإمداده طابور مشاة من العمارة مع مدافع صغيرة، أرسلت لمساعدته من طريق النهر بواسطة الباخرة، فوصلت علي عجل، و برزت القوة للمقابلة فوجهت الحكومة المدافع عليها و أطلقت بضع طلقات فرقت بها شملهم دون أن تحتاج إلي الرمي بالبنادق..

اهتمت الحكومة للأمر، و أرادت أن يستقر فهد بك في المشيخة و الالتزام، فأرسل قائممقام لواء الحلة شبلي بك كتيبة من الخيالة، و مقدارا من المشاة، فذهب الخيالة برا، و المشاة ركبوا السفن الصغيرة، و مضوا نهرا، فقام العشائر في وجههم فلم يطيقوا صبرا علي حربهم و أن المقدم قام بحركة مغايرة لفن الحرب فاختل جيشه،

و تبعثر، فلم ينج إلا القليل و قتل المقدم و ضباطه.. و لما سمع شبلي بك بالخبر لم يقدر علي الذهاب بمن معه من الخيالة إلي الأمام فاضطر إلي العودة..

هذا و قد عزمت الحكومة علي تأديب هؤلاء و تثبيت فهد بك فعينت حافظ باشا رئيس أركان الحرب للفيلق السادس، و أرسلت معه فرقة، فكانت ضربته قوية وقاسية، فلم يأمن منصور بك من البقاء هناك، فأعيد مع حافظ باشا و الجيوش العثمانية و خصص راتب إلي ناصر بك، و أمر بالإقامة في بغداد و كان دخول حافظ باشا بقوة السلاح. شتت العشائر بسهولة، و لم يظهر من يقف في وجه الحكومة فصارت لها هيبة و خشية في النفوس.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 173

قال الأستاذ سليمان فائق: و كان الأولي بالحكومة آنئذ أن تتخذ مركزا مناسبا و من السهل حينئذ أن تقلب المشيخة إلي قائممقامية، بل عادت العساكر، فأضاعت هذه الفرصة السانحة..!! و تأسف كثيرا إذ لم يستطع الجيش أن يرابط مدة، و لا اتخذ محلا عسكريا، أو بلدا قريبا يقيم فيه.. في حين أن الجيش سار لمهمة، و ليس من صالحه أن يلغي المشيخة أو يحولها إلي قائممقامية، و كانت الحكومة جربت هذا التدبير كما أنها ليس لها من القدرة ما يكفي للبقاء هناك، و هي قليلة، فإذا كان العربان فروا من وجهها لأمد قصير فلا تستطيع الدوام.

و نلاحظ هنا أن كل هذه التدابير سواء نجحت أو خذلت كانت غايتها إزعاج عشائر آمنة و أن تتقاضي الحكومة بواسطة رؤسائها معينا سنويا لاحق لها به إذ لم تقم بخدمة تستحقها، و لا أفادت بشي ء..

و الذي فرط عقد الجماعة فصل ناصر باشا من اتفاق المتفقين، فأدي

إلي أن يتفرق القوم، و لم يكن ذلك لخدمة الحكومة، و إنما أراد أن يتقدم عند الوالي و ينال مكانة.. و أما منصور بك فإنه لم يبق له ملجأ، رأي أن قد زاد نفوذ الحكومة، و قويت سلطتها. ضبطت أملاكه تجاه ديون الحكومة فأصابها ضنك شديد، و ضيق كبير.. و لكن الحكومة أرادت أن لا يستقل فهد بك في الأمر، ثم يتمنع عليها من الطريق الذي سلكه أولئك، قربت منصور بك إليها تعديلا للكلفة، و احتفاظا باطراد الموازنة.. فلم يخف ذلك علي فهد بك.

رأت الحكومة أن التسامح مع شيخ المنتفق فهد بك لم يقف عند حد، فركنت إلي تقريب منصور بك، و بهذا راعت الموازنة في مثل هذه الأحوال. فأوعزت إلي الأستاذ سليمان فائق بخصوص تقريبه، فأظهر أنه مراعاة للحقوق القديمة، و توسط الوجوه و الأعيان في البصرة.. و جد الضرورة ماسة لإنقاذه من هذا المأزق الحرج.. لما كان أنقذه الموما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 174

إليه من القتل و خاطر بنفسه دونه.. فسعي أن تراعي الحكومة منصور بك تجاه أعمال فهد بك الذي كان ينسب خذلان أوامرها إلي منصور بك، و تجعل ذلك وسيلة للمعذرة.. و كان الوالي آنئذ نامق باشا الذي لا يجازف في الصفح. فتمكن من استمالته، و بين له الحالة، و أن تقريبه مما يدعو إلي محسنات …!!

و علي هذا أعطاه الوالي الأمان، و قبل دخالته، و كان علي و شك أن يتم الأمر إذ استرق فهد بك الأخبار البرقية، فعرقل أمر القبض عليه، و إتمام الحيلة في حقه، فانتصب له، و سلب راحته.. و قال: إني عازم علي القبض علي منصور بك، و قد ضيقت عليه كثيرا، فإذا مال

إلي البصرة فينبغي التضييق عليه من هناك أيضا، فكتب إلي نامق باشا من جهة، و نصح منصور بك من جهة أخري و أخبره بأنه حريص عليه، و مراع مصلحته و أن هؤلاء الروم أهل مكر و خديعة و أصحاب دسائس و غدر، و أنتم أعرف من غيركم بهم.. و هم كما يقولون يصيدون الأرنب بالعربة (يريد أنهم يطاولون حتي يظفروا)، فلو قبضوا عليك أعطوك الأمان بشخصك. لا يتجاوزونه، و إذا عفوا عن العقوبة فلا يشمل ذلك أملاكك و رتبك.. فلا تدع الحيطة، و كن في يقظة من التثبت ثم سلّم نفسك …!!

أوصل إليه هذا الكلام، و شوش عليه أمره.. و كان منصور بك يعد من دهاة العرب، و أكابر رجالهم إلا أنه كان في أمر محافظة حقوق قبيلته قد عدل عن الطريق السوي، و اتبع الهواجس النفسية، و الوساوس فكانت نتيجة ذلك أن تركه أقاربه و إخوته و صدوا عنه، فصار وحيدا يلتمس نجاته، و شاهد أمورا لم تكن في الحسبان، و لا يؤمل وقوعها، و لم يبق له اعتماد و وثوق من الناس..

كان من دهاة العرب و لكنه التزم جانب الحكومة، و ظن أنها قادرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 175

علي كل شي ء، و اعتقد أنه في إخلاصه لها سوف لا تبدل به غيره، و لا ترضي أن تقدم عليه غيره.. فكان من نتائج ذلك أن تشوش عليه أمره من جهة عشائره.. و من جهة أخري أن الحكومة نفضت يدها منه، و لم تراع خدماته لها..

جاء منصور بك إلي ما يبعد عن البصرة نحو ساعتين أو ثلاث، فأخبر القائممقام أنه يقبل الدخالة علي الحكومة، و يشترط أن تبقي له رتبه، و أن تعاد

إليه أمواله.. فأبدي له القائممقام أنه ليس من المناسب ذكر هذه الأمور أو البحث فيها. لأن ذلك تذكير لهم بها.. فلم تحصل ثمرة و أصر علي مطلوبه فاضطر القائممقام أن يكتب برقيا بذلك، فورد الجواب بأن الدخالة تنافي الشرط، و إنما هو مأذون بقبول الدخالة بلا قيد و لا شرط، فلم يوافق، و عاد من طريقه..

ثم تعهد فهد بك أنه يلقي القبض عليه، و طلب أن يشاركه القائممقام، و يتحرك طبق إشعاراته و إشاراته … و من ثم تخابر سليمان فائق مع فهد بك و تأمينا للقيام بالعمل أرسلت فرقة تبلغ نحو الألفين إلي مواطن معينة، فلم يظهر له أثر …!!

إن منصور بك تمكن أن يعيش عيشة البداوة لمدة سنة، و لكنه لم يطق صبرا أكثر. و لم يتحمل شظف العيش، و الحياة البدوية، ناله عناء فقبل الدخالة بلا قيد و لا شرط. أبدي عزمه علي التسليم، و أرسل خبرا إلي سليمان فائق يستشفعه، فعرض هذا بدوره القضية مرة أخري و أخبر ببرقية أن منصور بك قبلت دخالته، فورد إليه الأمر بلزوم استصحابه و المجي ء به إلي بغداد، فسار القائممقام توّا إلي بغداد و معه منصور بك معززا مكرما و بوقار لا مزيد عليه..

و الحاصل أن مشيخة المنتفق بقيت بيد فهد بك ثلاث سنوات، فانتهت مدة الالتزام فدعي إلي بغداد للمزايدة.. و في انتهائها أراد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 176

الأستاذ سليمان فائق أن يحضر إلي بغداد، و يتدخل في البين ليتمكن من إفراز بعض المواطن عن دائرة الالتزام فيخدم الحكومة. و لكنه لم يؤذن له، و الظاهر أن السبب في ذلك أن بعض هؤلاء لا يرغبون في مجيئه، لأنهم يريدون بقاء المشيخة للاستفادة

منها.

وضعت المشيخة بالمزايدة، و زاد البدل عن ذي قبل، و فصلت بعض الأماكن فتقررت المشيخة لعهدة ناصر باشا، و سحب فهد بك عن العمل.. و من ثم جعلتها مناوبة، و من طبعها أن تولد مزاحمة و الملحوظ أن المواطن المفرزة في هذه المرة و إن كانت كثيرة العدد لكنها في الحقيقة أقل سعة.. مما دعا إلي تحامل سليمان فائق، فبيّن أن ذلك جري استفادة من غيابه، و بجهود من المنحازين لناحية الشيخة..

و الصحيح أن الحكومة رأت لزوم ترك الأراضي في نطاق المشيخة، و وجهت رتبة مير ميران لكل من ناصر باشا و فهد بك. و كانت أعرف بالمصلحة.

و لا شك أن الفشل في القضاء علي إمارة المنتفق كان كبيرا، فاضطرت الدولة إلي إبقاء الحالة علي ما كانت عليه.

أوضاع سياسية:

كانت ولاية هذا الوزير تمتد حتي نجد و الحجاز و اليمن.. و في خلالها قام ببعض الأعمال المهمة، إلا أن الغربيين كانوا يشنعون عليه.

يدعون أنه حرض علي ذبح النصاري في جدة، و أنه عامل القناصل بقسوة مما يعد أكبر دليل علي شدة تعصبه علي المسيحيين و الأجانب، و يقول الفرنسيون إنه يعطف علي القنصل الإنكليزي أكثر من الفرنسي و يذكرون أنه حدثت للمسيو پليسه القنصل الفرنسي عدة حوادث كانت بينه و بين الوالي. منها أنه قدم إلي بغداد الكونت پرتوي راغبا في إنشاء خط مواصلات بين بغداد و الشام، و رافقه في سفره أحد مشايخ عقيل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 177

يدعي عثمان النجدي، و قد مرّ في طريقه بكبيسة و هيت، فوصل إلي بغداد سنة 1868 م بعد أن أمضي عدة وثائق مع مشائخ العربان يتعهدون بموجبها أن يحافظوا علي القوافل مقابل مبالغ معينة يتقاضاها

المشائخ كل ثلاثة أشهر يستوفونها من الكونت أو من ممثليه ببغداد، و أدي لهم مبالغ جسيمة كمقدمة..

سمع بذلك نامق باشا، و علم بما جري من اتفاقات دون علم منه فاستدعي وكلاء الكونت في بغداد، و أمرهم أن يقطعوا العلاقة به، ففعلوا، و لما واجه الوالي، و تفاوض معه، أفهمه أنه لا يستطيع الموافقة علي ما يريد من جهة أنه لا يحمل فرمانا يخوله حق القيام بهذا المشروع، كما أنه لا يحمل كتاب توصية من الوزارة ذات الاختصاص.. و قال له الوالي إن الحكومة لها من القوة ما تستطيع به حماية القوافل من غير حاجة إلي دفع مثل هذه الاتاوة إلي المشائخ..!

ثم سافر الكونت إلي استانبول بعد أن أوصي و كلاءه في بغداد أن يستمروا في دفع الأقساط المستحقة للمشائخ في أوقاتها المعينة ريثما يستحصل فرمانا بذلك، و في الأثناء حدث أن فتحت قناة السويس، فلم تعد حاجة لمثل هذا المشروع، و قالوا: عرف مؤخرا أن معارضة الوالي كانت بتحريض من القنصل البريطاني..

هذا. و نري الأستاذ سليمان فائق يطري كثيرا أعمال هذا الوالي، و يتألم لانفصاله، و يقول إن الأهلين لم يرغبوا في عزله و انفصاله عن بغداد..

حوادث سنة 1281 ه- 1864 م

ثارت عشائر:
1- الظوالم:

من عشائر السماوة و هم في أراضي الرميثة.

و يعدون من بني حچيم (بني حكيم). و منهم من يعتبرهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 178

(حمدانيين). و آخرون يقولون من (شمر).

2- البو حسان:

من عشائر السماوة أيضا. و هم من الأقرع من شمر.

و هؤلاء قتلوا العسكر و كلا من ملا مردان الكركوكي ملتزم مقاطعات السماوة و السيد علاوي رئيس الشبانة. و كان قد أرسل قوة معهما بالسفن إلا أن العشائر تغلبت عليهم، و كانت السماوة قائممقامية فألغيت و ألحقت بالديوانية و كان قائممقامها شبلي باشا فلم يعلم بما جري علي العسكر و بعد أن علم أنهي ذلك إلي نامق باشا فأرسل قوة كافية، و نكل بهم شبلي باشا و أخذ قائممقام السماوة السابق عثمان بك لعلمه بأنه هو المحرّك للعشائر فأرسله إلي بغداد فسجن فيها و أبعد بعض رؤساء القبائل لمدة خمس سنوات. و بين هذه العشائر بنو زريج و الحچام.

3- نظام المطابع و المطبوعات:

صدر في 5 شعبان سنة 1281 ه. و ذلك أن الصحف تكاثرت في استنبول و في البلاد الأخري فروعيت نظامات الأمم، فوضع هذا النظام علي غرارها مع ملاحظة الوضع آنئذ.

4- نظام إدارة الولايات:

صدر هذا النظام في ذي القعدة سنة 1281 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 179

5- زلزال:

في 8 رجب سنة 1281 ه صارت رجفة اهتزت بغداد منها و ذلك قبل الظهر من يوم الأربعاء و في تلك الليلة في الساعة الثالثة و النصف صارت هزة أخري، و قبيل الفجر كذلك مع شدة هواء و مطر عظيم.

و رأينا مثل هذه تكررت إلا أنها لم تكن مقرونة بأضرار. و إنما نراها خفيفة.

حوادث سنة 1282 ه- 1865 م

الهيضة:

حدثت الهيضة في بغداد لمدة قليلة فزالت في أواخر جمادي الآخرة. و يقال لها الهواء الأصفر و الكوليرا و أبو زوعة.

دائرة البرق:

تأسست في هذه السنة دائرة البرق. و قد مرّ ذكرها في حوادث سنة 1277 ه.

حوادث سنة 1283 ه- 1866 م

مؤرخ عراقي:

السيد عيسي صفاء الدين البندنيجي. و هو عالم و مؤرخ. و له:

1- تاريخ أولياء بغداد. نقله من التركية إلي العربية. و أصله لمرتضي آل نظمي البغدادي المسمي ب (جامع الأنوار). و لم يطبع التركي بل لا يزال مخطوطا. عندي نسخة منه. و في خزانة الأوقاف نسخة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 180

أخري. نقله الأستاذ البندنيجي بتصرف. راجع النصوص العربية و توسع فيها. و نقله السيد حامد الفخري إلي العربية و لم يتصرف به. و ربما اختصره. عندي نسخة مخطوطة منه و لم يطبع أيضا.

2- رسالة قدمها إلي علي رضا باشا اللاز. و للمترجم مؤلفات أخري. و كان يتقن اللغة التركية. و ترجمته في التاريخ العلمي و في المسك الأذفر. توفي في 17 رجب سنة 1283 ه. و هو شيخ تكية البندنيجي القادرية و كان عالما.

حوادث سنة 1284 ه- 1867 م

1- صنع مراكب:

كان من آخر أعمال هذا الوزير أنه أوصي المصانع البلجيكية بصنع خمسة مراكب بخارية لتشغيلها في نهر دجلة. و عندنا يطلق (مركب) علي السفينة البخارية لشيوعه.

2- منصب وزير الحربية:

استدعي الوزير نامق باشا إلي استنبول ببرقية وردت يوم الاثنين 8 ربيع الأول و خرج من بغداد يوم السبت 13 من هذا الشهر ليتقلد منصب وزير الحربية. و صار قائممقام بغداد تقي الدين باشا متصرف شهرزور، قدم بغداد يوم الأربعاء 17 ربيع الأول سنة 1274 ه.

ترجمة محمد نامق باشا:

من أهل قونية، ورد استنبول من صغر سنّه و تقلب في مناصب الجيش من سنة 1241 ه و في رجب سنة 1265 ه نال منصب المشيرية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 181

لبغداد و الحجاز، و في صفر سنة 1269 ه أضيفت إليه ولاية بغداد، و في ذي القعدة سنة 1269 ه صار مشير المدفعية باستنبول، و هكذا نال مناصب عديدة.. و في ربيع أول سنة 1278 ه انفصل من منصب (سر عسكر) فعاد ثانية إلي ولاية بغداد و مشيرا للعراق و الحجاز، و في ذي القعدة سنة 1284 ه عاد سر عسكرا، ثم صار ياور أكرم (المرافق الأكرم)، و دعي ب (شيخ الوزراء)، و توفي في 22 صفر سنة 1310 ه، و كان يتقن العربية و الفرنسية و الإنكليزية و هو شجاع، صادق، و مستقيم، إلا أنه ممسك في بيته، و يعد من العقلاء الكمل.

ولاية تقي الدين باشا

دخل بغداد يوم الأربعاء 17 ربيع الأول سنة 1284 ه، و كانت ولايته قصيرة الأمد، و من الصعب جدا أن يتمكن المرء من إدراك حالة القطر في سنة أو سنتين، بل لم يتجاوز السنة الواحدة. و من الغرابة أن نري في كل وال الأهداف التي يرمي إليها بارزة، نشاهد صفحات جديدة، و سياسة مخالفة لما كان عليه سابقه و هذه ذات اتصال بتجدّد للمحيط يستدعي التحول في السياسة و الإدارة فهل ذلك عن حكمة أو كان ناجما عن نفسية الولاة؟!! لا أعتقد أن هذا الوالي و لا غيره من الولاة يتحرك بما يوجبه الوضع و إنما يجري علي نهج اختطته دولته ليمضي بموجبه … و هذا يظهر منه بعد حين. و قد اعتاد الأهلون أن يدركوا خطته بسهولة. و

هي ما أمر به ليسير بمقتضاه.

و الغربيون يذكرون له حادثا يعدونه من الغرابة بمكان و هو أنه حدث بينه و بين موسيو (پليسه) قنصل فرنسا شي ء مؤداه أنه كان قدم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 182

بغداد (قاض)، فخرج المسلمون لاستقباله، و كانوا يحملون له عواطف احترام كبيرة.

ثم حدث أن احتفلت الولاية بعيد الجلوس السلطاني في دائرة المشيرية، و حضر من جملة من حضر من المهنئين ذلك القنصل الفرنسي بزيارة رسمية، و لما دخل القنصل نهض الجميع من الموظفين و وقف ضباط الجيش لاستقباله كما تقتضي التقاليد الديبلوماسية عدا القاضي، فإنه لم ينهض، فلما لاحظ القنصل ذلك عده قلّة احترام له من القاضي، فأخذ يحدث المشير بالفرنسية معاتبا إيّاه علي ذلك، و بلغ من حدّة القنصل و غضبه أن طلب ترجمة ما قاله باللغة التركية لكي يفهم الحضار.

أما المشير فكان بدلا من أن يترجم أخذ يفهم القنصل أن عدم قيام القاضي لم يكن لقلة اهتمام به، و إنما كان القاضي يري أن تقاليده الدينية لا تسمح له بذلك، و لكن الحادثة لم تنته عند هذا الحد فكان بين الحاضرين من يفهم الفرنسية، و لم يلبث أمر هذه المشادة أن انتشر بين المسلمين، و ثار ثائرهم، فعدوا ذلك إهانة من الأجنبي بحق رئيسهم الديني فعولوا علي القيام بمظاهرة عدائية ضد الأجانب، و مهاجمة القنصلية الإفرنسية، و قتل القنصل.. و من حسن الحظ أن المشير علم بالخبر قبل أن يحدث ما يعكر الصفو، فأحاط القنصلية بقوة من الجيش للحيلولة دون مهاجمتها، و دعا الوزير جماعة من أعيان البلد. فطلب منهم تهدئة الخواطر العامة خوفا من حدوث ما لا تحمد عواقبه …

و هكذا انتهت الحادثة. فلما علم الباب

العالي بالأمر عزل القاضي تسكينا للفتنة..

و هذا لا يأتلف و العقلية الفاضلة بعد معرفة السبب و أنه ديني.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 183

المنتفق:

هذا الوالي تعاطي أمرا شغل بال الحكومة مدة، و هو أمر المنتفق، و أن عمل الوالي كان يجري تبعا لسياسة المركز، و خططه في إنهاء هذه المعضلة بتدابير منوعة. حبط بعضها، و لا يزال البعض الآخر تحت التجربة. و لذا نري الوزراء يراعون تارة اللين، و طورا الشدة..!

قوي الوالي أمر منصور باشا في عهده، فنلاحظ أن الولاة تناوبوا في تعهد كل وزير منهم واحدا من شيوخ المنتفق.. ليكثر التنافر، و يقوي الخلاف. و لكن الأستاذ سليمان فائق عدّ إبقاء الحالة السابقة في إقرار المشيخة دون القضاء عليها بلاءا علي العشائر و خرقا في الولاة، و السبب كان من الدولة بإثارة القلاقل و توليد الضعف فيها من جهة، و تزييد المقرر في المزايدة مع اقتطاع قسم من الأراضي مما جعل العشائر تفرّ من الظلم و تذهب إلي الحويزة. و الرجل لا يريد سوي تمكين سلطة الحكومة فملأ الجرائد و الصحف في استنبول بالتنديد بأمور المنتفق و توجيه الأنظار للقضاء علي إمارتهم ببيان قسوتها و لم يفصح عن النواحي الأخري.

و من ثم أنحي باللائمة علي تقي الدين باشا لأنه أبقي الحالة في (مشيخة المنتفق) كما كانت، فأقرها و لم ينظر إلي ماهية التوجيه إلي منصور باشا، و لا إلي الاقتطاع، و لا إلي زيادة بدل الالتزام..!

كل ذلك يصح أن يعد من أعظم أعمال الدولة في التمهيد للإلغاء.

قام بذلك الوالي أيام حكومته.. فأغفل الأستاذ أمره، و هو من الأهمية بمكان. و يهمنا كثيرا أن نوضح هذه الأمور لنعلم ما أريد بنا أو يراد

بصراحة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 184

ثلج أو وفر:

في هذه السنة يوم الأحد 30 شوال سنة 1284 ه الساعة 6 غروبية من النهار نزل ثلج و صار علي وجه الأرض مقدار شبر. و مثل هذا نراه في بعض السنين و بفترات طويلة. و قد سبق أن أو ضحت لفظ (و فر) و أصله.

حوادث سنة 1285 ه- 1868 م

عزل الوالي:

في يوم السبت غرة ذي الحجة سنة 1285 ه جاء خبر عزل الوالي برقيا، و توجهت مشيرية العراق و الحجاز إلي مدحت باشا. و خرج تقي الدين باشا يوم الأحد 20 المحرم سنة 1286 ه من بغداد و شيعه الموظفون و غيرهم، و كذا الوالي الجديد كان من جملة المشيعين..

و في سجل عثماني: إنه نال منصب قائممقام الوالي ببغداد في 10 ذي القعدة سنة 1284 ه بعد أن كان متصرفا في شهرزور برتبة بگلربگي (أمير الأمراء)، و في المحرم من سنة 1285 ه حصل علي منصب الولاية ببغداد و عهدت إليه نظارة الفيلق مع الهيئة هناك، و في 5 ذي الحجة من هذه السنة انفصل من منصب بغداد.. ثم أعيد إليه منصب الوزارة ببغداد علي ما سيجي ء في محله..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 185

مفتي بغداد محمد أمين الكهية:

توفي الحاج محمد أمين الزندي يوم الخميس 13 صفر باستنبول.

و كان عضو مجلس الشوري للدولة. و له المكانة العلمية و الأدبية و التاريخية. و صار مدرسا كما أن والده أحمد الزندي كان مدرسا. ولي الإفتاء ببغداد بعد الأستاذ الآلوسي. ثم صار كهية. و لازمه لقب الكهية فصار يعرف ب (أمين الكهية). و منها نال عضوية مجلس الشوري. و ذكرته في التاريخ العلمي. و له (خزانة كتب) عظيمة بما احتوت من نفائس المخطوطات و مهماتها النادرة. وقفها ابنه كامل بك و سائر أفراد الأسرة.

و الآن هي بين كتب خزانة الأوقاف العامة ببغداد كما أن داره صارت جامعا يعرف الآن (بجامع الكهية) ذكرته في (كتاب المعاهد الخيرية).

عهد جديد أو أبو الأحرار مدحت باشا في بغداد

من 18 المحرم سنة 1286 ه- 1869 م

إلي أوائل شهر ربيع الأول سنة 1289 ه- 1872 م

و فيه بيان أيامه في بغداد إلي 23 مايس سنة 1872 م

و ما قام به من أعمال سياسية و عمرانية

و علاقات بالأحساء من أنحاء نجد

و حوادث أخري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 186

حوادث سنة 1286 ه- 1869 م

مدحت باشا أو عهد جديد
مدحت باشا في بغداد
اشارة

في 18 المحرم قدم مدحت باشا و دخل بغداد بمنصب الوزارة.

و كانت سبقت له خدمات في الدولة و نال مناصب كثيرة. و بطلب منه حصل علي منصب بغداد بتاريخ 15 ذي القعدة سنة 1285 ه. و أجري له الاحتفال بوروده. و قري ء الفرمان. و نقل إلي العربية و هذا نصه كما ورد في الزوراء:

«الدستور المكرم، و المشير المفخم، نظام العالم، مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب، متمّم مهام الأنام بالرأي الصائب، ممهّد بنيان الدولة و الإقبال، مشيد أركان السعادة و الإجلال، المحفوف بصنوف عواطف الملك الأعلي، و من أفاخم وكلاء دولتي العلية، رئيس شوري الدولة السابق الموجه لعهدة استيهاله و اقتداره هذه المرة نظارة إدارة أمور الفيلق السادس الهمايوني مع انضمام ولاية بغداد، و الحائز الوسام العثماني من الرتبة الأولي، و كذا الوسام المجيدي الهمايوني من الرتبة الأولي، وزيري و سمير درايتي مدحت باشا أدام اللّه تعالي إجلاله.

ليعلم أنه إذا جاءكم توقيعي الرفيع الهمايوني فليكن معلوما أنه مما لا حاجة للإطناب في وصفه و بيانه هو أن خطة بغداد الجسيمة من أعظم القطع التي تتألف منها ممالك دولتي العلية المحروسة و من مقتضيات أرضها و وضعها أنها صالحة لكل إعمار و ترقّ. و هذا من المسلمات.

و لما كانت أعز الآمال و المطالب لسلطنتي الهمايونية أن تحصل علي كافة أسباب العمران، و هذه الآمال لا تتم كما

هو المرغوب فيه إلا أن يقع الاختيار علي من هو عارف، قادر علي إيصال ذلك بمنه تعالي إلي حيّز العمل، فيكون في رأس إدارة تلك الخطة، و أنت لحد الآن قد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 187

عربة تراموي الكاظمية- مجلة العالم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 188

قمت بأمور مهمة لسلطنتي السنية، فشوهدت منك غيرة و فطنة و إقدام و دراية، و أظهرت خدمات جليلة، و كل هذه بعثت إلي أنك ستكون عند حسن ظن سلطنتي الشاهانية فتؤدي واجب المهمة بتمامها، و تظهر المقدرة الكاملة لإيفائها. الأمر الذي دعا أن أصدر إرادتي السنية في اليوم الثاني من ذي القعدة لسنة 1285 ه فأعهد بهذا الأمر للياقتك في إدارة الولاية ملكيا و عسكريا. فإذا وصلت إلي مركز منصبك قمت بأمور الولاية العسكرية، و زاولت مصالح الأهلين و السكان طبق قواعد الشرع و القانون برويّة و عناية و أن تتخذ التدابير و الأمور التي من شأنها أن تزيد في العمران، و توفر الثروة آنا فآنا بلا هوادة، و أن يراعي الرفاه و الراحة و الأمن لجميع الأهلين من سكان و عشائر، و أن توسع دائرة الزراعة و الحرث و التجارة و تتوسل بما يجب من ذلك كله و أن تعرض ما يجب عرضه لدولتي العلية من الأمور التي يلزم الاستيذان بها إلي أعتاب دولتي العلية و تستمر علي إكمال حسن و انتظام و إدارة الأمراء و الضباط و النفرات الموجودين في الفيلق السادس الهمايوني، و تمنع التعدي، و تراعي حسن الألفة بين العربان و العشائر بعضهم مع بعض، و الأهلين السكان داخل الولاية و أن يشتغلوا في أمر زراعتهم و حراثتهم، و منع تجاوز الواحد علي

الآخر منهم في الحقوق، و دفع التجاسر فيما يخل بالأمن و الراحة و إجراء الجزاء الشرعي و القانوني بتمامه بحق من يتجاسر بالحركة خلاف الشرع و النظام، و أن يراعي الموظفون كافة في المجالس و المحاكم داخل الولاية جادة العفة و الاستقامة، و أن لا يزيغوا في كل حال و قال عن النظامات الموضوعة و أن يحصروا الأوقات و الأفكار في ذلك و أن يبادر للاهتمام بجارتنا دولة إيران البهية و أن يلاحظ في تلك الحوالي الرائح و الغادي من أفرادها و المقيم منهم و من يتعاطي التجارة أو يتردد للزيارة وفق قاعدة المصافاة و الصداقة المتمناة الجارية بين الدولتين حسب العهود المرعية بين الطرفين و طبق أمري و بذلك أعلن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 189

منصبك، و صدر أمري الجليل القدر من ديواني الهمايوني إيذانا بذلك و تفهيما فليكن ذلك معلوما لدي رويّتك و المنتظر المأمول من حميّتك أن تقوم بالمهمات المسرودة أعلاه، و تعمل بالأساسات المعدودة المتعينة، و أن تبذل جل الهمة في إيفاء وظائف هذا المنصب. تحريرا في الخامس عشر من شهر ذي القعدة سنة 1285 ه». و فيه صراحة بذكر ما أودع إليه من مهام، و ما طلب منه من خدمات لما وثقت الدولة منه و جربته في مهام أخري قبل أن يودع هذا المنصب إليه.

و بعد قراءة هذا الفرمان ألقي الوزير خطابا باللغة التركية نقلته جريدة الزوراء إلي العربية. و هذا مجمله:

«قد علم من يعرف التركية حكم هذا الفرمان العالي السلطاني، و من لم يعرف وجب عليه أن يعرف من غيره، و أن جل مقاصد سلطاننا أن ينال الأهلون الرفاه و السعادة في ظل العدل و الرأفة سواء كانوا

مسلمين أو غير مسلمين، ذكورا و إناثا، أفرادا و جماعات، و أن ينالوا الحد اللائق من استكمال ذلك و المحافظة عليه، و أن أول واجب الموظفين أن يخدموا هذه المهمة و يقوموا بها خير قيام.

تعلمون أن الخلقة البشرية متفاوتة، فلا تتشابه، و كذلكم الأفكار و الطبائع متباينة، و لذا لا يتيسر إدارتها برأي كل شخص و ما يوحيه إليه فكره، و إنما يتحتم أن يكون له مركز إدارة. ينظر في وسائل الحاجات و الثروة و الأمن بالنظر للحال و الزمان و الموقع و المكان و ما توجبه تلك الأحوال من حاجات و ضرورات، فتتفرع له قاعدة من هذا المركز مطردة يجري عليها، و معلومات مكملة. و بذلك يتيسر الحصول عليها فتقسم بهذا الوجه، و أن كل ما تشذ عنه الإدارة، و لا تراعي المركز، و تمشي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 190

بمقتضي ما ينبغي أن يماثله.. فلا يتيسر لها الترقي و لا يحصل الانتباه، و تتأخر تلك الجماعة.. و يصح أن يمثل لذلك بوسائط النقل المائية كانت في حالة بسيطة حتي اخترعت السفن ذوات الشراع، ثم تقدمت إلي الوسائل البخارية، و هكذا.. و مثلها وسائط المخابرة.. فمن لم ينل حظا من التقدم في الإدارة، و لم يسع للحصول علي أقصي حد ممكن من الرقي بقي في مكانه، و حرم من نعمة الرقي و الثروة، و صار يتبع في طرق المعيشة غير ما يلائم زمانه، و يكون قد رضي بالدون، و أصر علي جموده، أو قبل أن يرجح ما هو الأدني علي الذي هو خير.

و هنا الأراضي تقبل كل نوع من العمارة، و الأهلون لائقون لكل تعليم، و فطرتهم معلومة و استعدادهم مشهود، فيستطيعون أكثر

من غيرهم التقدم، لينالوا حظا من الثروة و الحضارة.. و لكن الخراب المستولي، و عدم النشاط ناجم من تقصير الأهلين، فلم يسلكوا ما سلكته الأمم، و إنما ترك كل امري ء و شأنه، و صارت الأمة لا تأبه بما أخذت به الأمم.. و إلا فحضارة القطر الماضية، و صناعته القديمة لا تزال آثارها مشهودة (و أطنب الوالي في ذلك كثيرا)، ثم قال: و لا منجاة من هذه الورطة إلا بالانقياد للمتبوع الأعظم، و من قدمه من أصحاب المناصب بأن أطاعوا، و يسلم إليهم بما أرادوا، و هو قد حافظ علي حقوق الأهلين عموما، و راعي استراحتهم، و العدل فيما بينهم، و أرسل الولاة لهذا الغرض، فلا يتطلب أكثر من التسليم لهم و الانقياد بالطاعة، ليتمكنوا من السعي و الحصول علي المبتغي.

جاء ولاة كثيرون. قاموا بالمهمة، و بذلوا جهودا، و عملوا علي ما تمكنوا عليه، خصوصا رشيد باشا (الگوزلگلي)، فإنه بدأ بالعمارة، و مشي في طريقها الصحيح، و خلف الكثير من الآثار.. و لكن قرب أجله لم يهيي ء له آماله.. ثم إن حضرة نامق باشا سلك هذا الطريق و استمر فيه فحصل علي نتائج حسنة، و هكذا نحن سائرون في هذا الطريق،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 191

ساعون لسلامة الأهلين و سعادة أحوالهم. و نأمل أن نصل إلي الغاية المطلوبة، فنري الآثار النافعة و ثمار المساعي في أقرب مدة، و لا أمل لنا إلا تكثير الغني و العمارة و التوسل بأسبابهما.

و ليعلم أن الغني هنا لا يراد به جمع النقود و وضعها في الصناديق أو الخزانات و حبسها هناك و إنما النقود المطلوبة هي أن تتداول بين الناس و أن يراعي فيها و جائب العصر و

حالاته، و أن تراعي التجارة و الزراعة كما يقتضيه العصر فترتكز علي أصل صحيح، و أن نفع الأمة من هذه الطريق هو فائدة للدولة، و هي فائدة للأمة. فلا فرق في هذا الاتصال و التلازم.. و هذا من الأمور المسلمة في العالم و المقطوع بها.

و كلها مما يؤدي إلي التنظيم و الغني..

هذا و ليعلم كل موظف أنه لم يعمل لنفسه، و إنما يعمل في حدود وظيفته للقيام بخدمة الأهلين و سلامتهم و سعادتهم، و ليعاون الأهلون الموظفين فهم في حاجة إلي تسهيل هذه المهمة التي يقومون بها، و ليتحملوا المشاق في هذا السبيل فيما لم يدركوا نتائجه، و هو مما يعود للكل بالخير.

و الحاصل أن كل ما يعمل لا يقصد منه إلا راحة الأهلين و سعادتهم و سلامتهم فمن واجبهم الانقياد و الطاعة التامة. و نسأل اللّه تعالي أن يوفقنا لما يرضي السلطان من الخدمات، و أن نؤديها بنجاح، و أن ينجينا من الخطأ جميعا.. آمين..

هذا ملخص خطاب الوالي، و فيه حث علي النظام، و تشويق للزراعة و الصناعة و التجارة، و حث علي طاعة الموظفين، و بيّن فيه واجبات كل من الموظفين و الأهلين، فكأنه يتكلم بلسان اليوم، و يدعو لخير العمل، و يضرب الأمثال لمراعاة التقدم و الأخذ بأسباب الحضارة.. مبديا أن غرض السلطان مصروف لراحة الأمة و سعادتها،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 192

و سلامة حالتها و إقامة العدل بين أهليها.. فكان آخر قوله أن دعا أن يوفق العموم لما يرضي السلطان، و أن يكون العمل سالما من شوائب الخطأ و الغلط.. و قد أدرج نص (خطابه) باللغة التركية و بالعربية أيضا إلا أن عربيته ضعيفة مفككة لا تؤدي الغرض بل

غطت عليه في أسلوبها الردي ء.. و كل ما فيه شرح للفرمان.

تركيته أوضح و المعني أجل. و به عين الخطة المرسومة. و لا شك أن السياسة المكتومة بقيت طيّ الخفاء. و لعل أعماله تنبي ء عنها و بها يميز علي الولاة قبله بأنه شغلته مشاكل القطر و مهمّات الدولة و قوانينها الموضوعة. و لم ينس أعمال بعض الولاة بل صرح بها أو أشار إليها في خطابه و أنه كان علي علم منها.

و يكون بذلك قد تذرع بالمعرفة التامة بما جري قبله و لاحظ طرق الحل بل أدرك النواقص و سار علي ثقة و اطمئنان من المعرفة لحل ما عرض من مشاكل.

مدحت باشا في بغداد: الرجل العظيم تظهر مواهبه حيثما حل. لا يخفي جوهره و إنما يشع و يسطع … و مدحت باشا من أعاظم أرباب المواهب. ولد سنة 1238 ه 1822 م. و هو ابن الحافظ محمد أشرف من القضاة من آل الحاج علي الروسجغي. جاءت حياته في العراق مدونة بقلم ابنه في كتاب (تبصره عبرت)، و في كتاب (مرآت حيرت) فيما كتبه مدحت باشا عن نفسه و أعماله في مذكرات. حفظ القرآن الكريم، و دخل دوائر الدولة. و في خلال المدة طلب العربية، و تعلّم الفارسية علي مشاهير العلماء. و أتقن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 193

الخط الديواني. أكمل تحصيله، فتقلد مناصب عديدة، و نال الوزارة، و عهدت إليه بعض الإيالات. ثم نال منصب شوري الدولة.

و بعد شوري الدولة ولي (منصب بغداد) فخلف تقي الدين باشا.

و يهمنا تاريخ حياته في بغداد و من أراد التوسع في إدراك عظمة الرجل في أعماله كلها فليرجع إلي ما كتبه مدحت باشا نفسه من الكتب و هو ما نشره

ابنه علي حيدر بك و ما كتب عنه في مؤلفات عديدة. ففي بغداد أبدي قدرة و انتباها. و عرف الإدارات السابقة للولاة الماضين فاستعرضها في خطابه، و أبدي أنه لا يستطيع القيام بكل ما يراد بل ببعض ما يتيسر له و قد فعل. و عمل المرء في هذه الحياة مما ينفع قليل. و هذا يذكر فاعله.

إن الرجل لم يكن واضع قانون، و جلّ همّه تنفيذ قوانين الدولة.

فكان توجيهه مرضيا. و قد وفق لما تطلبته المصلحة و أمكن عمله. فإذا كان لم يأت بشي ء جديد فإنه وجّه، و عمل، و استخدم المواهب و أشرك في مهماته، و حاسب علي الإهمال و التراخي، و تغلّب علي الأهواء و التيارات المتعارضة، فأخذ بناصيتها و عمل بما لم يسبق إليه.

و هذا ما رفع مكانته بين الوزراء، و علا به علي غيره، و ذاع ذكره.

و وقائع القطر ظواهر ذلك في معرفة حياته و كذا في الأقطار الأخري التي حلّ فيها، و المهمات التي قام بها، فحصل الذكر الجميل.

رسوم الاحتساب:

و هذه قديمة. و الاحتساب مبناه مراعاة قاعدة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فلم تبق إلا رسومه و كان أمل الوزير إلغاءها و إلغاء الباج. و جل ما فعله ما ورد في الزوراء:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 194

«هذه الرسوم لا تؤخذ عن كل لواء. و إنما يجب إبراز وصل مشعر بالأخذ. و هكذا يراعي في ضرائب الكمرك. فإذا صار ما هو تابع لرسم الاحتساب إلي قضاء آخر و لم يؤخذ عنه رسم فحينئذ يستوفي الرسم المطلوب بموجب تعرفة. و الملتزمون يجب أن يراعوا ذلك تماما» اه.

و ما جاء في (تبصره عبرت) من أن الوزير ألغي رسوم الاحتساب فغير صحيح.

و إنما جعلها تسير سيرة قانونية. و كذا الأمر في رسوم الكمرك. و إنما ألغيت بتاريخ متأخر. فعمل الوزير أن لا يكرر الأخذ في كل لواء للرسوم.

التشكيلات الإدارية:

أصلها من وضع السلطان سليمان القانوني أجري أكبر إصلاح فيها. و ثبت حالتها التي كانت عليها. ثم لحقها التعديل في أزمان مختلفة. و في 7 جمادي الآخرة سنة 1281 ه وضع نظام في ترتيب الولايات، فلم يعمل به في العراق. و تغيرت أوضاع ألويته و أقضيته و نواحيه كثيرا. حاول التغيير فعلا بل قام بذلك بموجب هذا النظام. و ما يصلح من الألوية أبقاه أو ما كان صالحا و لم يسبق له ذكر أسسه.

و هكذا كان عمله في الأقضية و النواحي. و لم تمض مدة حتي صدر النظام المؤرخ في 29 شوال سنة 1287 ه في أيام مدحت باشا فلم يحدث تبدل جوهري. و هذا النظام بقي معمولا به ثم عدل الباب الثاني منه بالقانون الوقتي المؤرخ 18 ربيع الآخر سنة 1330 ه. و استمر العمل به إلي أن صدر القانون المؤرخ في 17 ربيع الآخر سنة 1331 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 195

و هذا لحقته تعديلات و دام العمل به إلي احتلال بغداد.

و في هذه تعينت واجبات الوالي و المتصرف و القائممقام و مدير الناحية و مجالس الإدارة، و الانتخابات و ما ماثل من الوظائف و المهمات. و أن قانون إدارة الولايات الجديد عندنا جري علي منوال الأخير من هذه القوانين.

و العراق ثلاث ولايات:
1- البصرة. و ألويتها:

(1) نفس البصرة. و أقضيتها:

1. القرنة.

(2) المنتفق. تكوّن بعد مدحت باشا. و كان سوق الشيوخ يعد لواء. و بعد تكوّن الناصرية صارت مركز اللواء و سوق الشيوخ قضاء.

(3) العمارة. أحدثت أخيرا. و لم تتكون لها أقضية إلا أنها سارعت في الظهور.

(4) نجد. تكونت أيام مدحت باشا بعد الاستيلاء عليها. و يسمي لواء الأحساء. و أقضيته:

1. قطيف.

2. قطر.

2- الموصل. و ألويتها:

و هذه لحقها تحول كبير فبينا كانت السليمانية إمارة إذ صارت لواء. و هكذا الألوية كانت تابعة بغداد إذ قامت بنفسها …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 196

(1) نفس لواء الموصل. و أقضيته:

1. نفس الموصل.

2. العمادية. ثم ألحقت بحكاري من مدينة و ان سنة 1265 ه.

ثم أعيدت بعد أيام مدحت باشا بكثير.

3. زاخو.

4. سنجار.

5. دهوك.

6. عقرة (العقر).

(و كان من أقضية الموصل الجزيرة فانفصلت).

(2) كركوك. و يسمي لواء شهرزور. و أقضيته: ثم استقل باسم (لواء كركوك) من تاريخ القضاء علي (بابان) فصارت السليمانية لواء، و كركوك لواء آخر. و أقضيته:

1. رواندز.

2. إربل.

3. صلاحية (كفري).

4. كويسنجق.

5. رانية.

و في غالب إدارته كان تابعا بغداد. و التحول فيه كبير جدا.

(3) لواء السليمانية. و أقضيته:

1. گلعنبر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 197

2. بازيان.

3. شهربازار.

4. قره طاغ.

5. مرگه.

6. قضاء الجاف.

و تحولت هذه الأقضية كثيرا. و اللواء حديث العهد في إدارته.

و كان تابعا بغداد، فصار لواء سنة 1267 ه بإدارة الدولة.

3- بغداد. و ألويتها:

(1) نفس لواء بغداد. و أقضيته:

1. قضاء خراسان. و يقال (خريسان). و أصله (طريق خراسان) فشاع بما ذكر. ثم صار لواء باسم (لواء ديالي).

2. قضاء خانقين.

3. قضاء الكاظمية.

4. قضاء سامراء.

5. الدليم. ثم صار الدليم لواء.

6. قضاء عانة. ثم صار تابعا للواء الدليم.

و في هذا اللواء حدث تحول كثير.

(2) لواء الحلة. و أقضيته:

1. الهندية.

2. السماوة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 198

3. الديوانية. و صارت لواء.

4. النجف.

5. الشامية.

و هذا اللواء لحقته تحولات. و في بعض الأحيان اعتبرت الحلة لواء. و كذا الديوانية صارت لواء.

(3) لواء كربلاء. لم تظهر تشكيلات في هذا اللواء أيام مدحت باشا.

و هذه الألوية جري عليها بعض التعديل و التحوير فلم تستقر. و كان لواء كركوك يسمي

شهرزور لأن المتصرفين يستقرون في كركوك دون السليمانية. و في أيام تكوّن لواء السليمانية صارت كركوك لواء باسم (لواء كركوك). و من ثم تغير الوضع أحيانا، و بالنظر لقانون إدارة الولايات الجديد و ربما اقتطعت بعض المواطن من لواء و ألحقت بآخر لمصلحة. أو أحدث لواء. و أن مدحت باشا استطلع آراء المتصرفين و القائممقامين في تقرير هذه الألوية و الأقضية بنواحيها و قراها. و روعي الزمن و الحالة الراهنة. و الألوية مرتبطة بولايات قد تكوّن منها العراق.

فكانت الوحدة مرعية دائما.

و ولاية بغداد خاصة متكونة:

(1) من وال.

(2) من معاون وال.

(3) من متصرف المركز.

(4) من قائممقام المركز.

و أما الألوية الأخري فإنها متكونة من:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 199

(1) المتصرف.

(2) معاون المتصرف.

و الأقضية من:

(1) القائممقام.

(2) النائب.

و أبقي سائر التشكيلات علي حالها. و أقرب ما يعين ذلك زمن هذا الوالي (سالنامة بغداد) لسنة 1292 ه فلم تحدث تبدلات تدعو إلي الالتفات في خلال بضع سنوات.

المطبعة و جريدة الزوراء:

و هذه من تشكيلات الدولة. و تأسست في الولايات الأخري.

و كان من الصعب تكوينها. و الوزير أراد أن تدوّن أعماله و ما يقوم به.

فأصدر جريدة الزوراء. و أول عدد منها صدر في 5 ربيع الأول سنة 1286 ه- 1869 م و استمرت طول أيامه. و بعدها دامت إلي قبيل الاحتلال. و أن منهاج الحكومة أن تنشر ما يجري من أخبار لئلا تشوه.

و أن تسجل أعمال الحكومة. و كانت قد أوصت الحكومة بجلب المطبعة قبل زمن هذا الوالي.

و أن المطبعة لم تطبع الجريدة و حدها بل طبعت بعض المؤلفات، و السالنامات و أعمال رسمية. و يطول بنا ذكر مرتبات المطبعة و عمالها و القائمين بها. و قد أفردنا ذلك في كتاب خاص

باسم (الطباعة و المطبوعات في العراق) مما لا محل لاستيعابه الآن. و لا شك أن فوائدها كبيرة في نشر الزوراء و بها عرفنا حوادث بغداد. و مطبوعاتها الأخري أفادت الثقافة كثيرا. و خير ما قامت به هذه المطبعة أن أصدرت الزوراء فسجلت أعمال هذا الوالي فكانت خير مرجع و قد تمكنا من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 200

الحصول علي أعدادها المتعلقة بهذا الوالي فلم يبق خفاء في أعماله كما قامت بطبع (سالنامات بغداد) و بعض المؤلفات و القوانين.

متصرف كربلاء:

علم الوالي أن متصرف كربلاء إسماعيل باشا كان سيي ء الإدارة مرتشيا، و كذا بعض الموظفين ممن علي شاكلته، فذهب بنفسه إلي كربلاء، و أجري التحقيق، فثبت له ما كان قد عزي إلي المتصرف، فعزله في الحال، و أمر بأخذه للمحاكمة و نصب مكانه حافظ أفندي قائممقام كوستنديل سابقا.

توسيع كربلاء:

و في أثناء مهمته هناك رأي أن هذه البلدة صغيرة و ضيقة نظرا للزحام الموجود فيها. فأمر بلزوم تشكيل محلة جديدة فيها و تنظيم خارطة بذلك و ترتيبها بالوجه المطلوب علي أن تباع العرصات إلي الأهلين لكل من أراد أن يبني دارا أو دكانا أو أي بناء، و أن تصرف المبالغ المستحصلة في سبيل تنظيم طرقها.. و هذه المحلة هي المعروفة قديما بالمحلة الجديدة و تعرف اليوم ب (العباسية).

التفت الوالي إلي هذه المهمة. و لم يؤخر العمل بها.. و كان قد أقام في كربلاء خمسة أيام أو ستة.

الوالي في قضاء الهندية و الحلة:

ثم إن الوالي عرّج في طريقه من كربلاء إلي قضاء الهندية، و الحلة، فقام ببعض المهام، و عاد إلي بغداد.. و لا شك أنه أوعز بما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 201

أراد من إكمال النواقص.

يزيدية سنجار:

إن اليزيدية كانوا قد عصوا علي الحكومة من مدة نحو خمس سنوات أو ست، و تمنعوا في الجبال فتركوا و شأنهم، بقوا في العزلة و التزموا أن لا يدخل غريب إليهم.. فاستمروا في حالتهم هذه، و عاشوا علي محاصيل الجبل الوافرة، و منعوا غيرهم من الاستفادة فاستأثروا بها..

و لم يهدأ هؤلاء في مواطنهم، و إنما كانوا يعيثون بالأمن و يضرون بالغادي و الرائح.. و من ذلك أن قصابين كانا قد ذهبا إلي قبائل شمر و عنزة لشراء الأغنام. فلما وصلا إلي قرب الجبل لقيهما بعض اليزيدية، فأخبروهما بوجود أغنام في الجبل أرخص و أنفع من غيرها، و أطمعوا بالربح الزائد، فأخذوهما إلي الجبل، و حيل بينهم و بين ما يأملون الحصول عليه فقتلوهما، و سلبوا ما عندهما من نقود.

وافق ذلك ورود الوزير مدحت باشا إلي الموصل، فعلم بما جري و طلب من اليزيدية بيان أسماء القاتلين، و أن يسلموهم إلي الحكومة، فتمكنوا، و لم يقوموا بأمر نحو العتاة و من ثم رأي هذا الأمر من أهم ما يجب أن تلتفت إليه الحكومة، و تتخذ الوسائل للقبض علي هؤلاء الجناة بأي وجه كان. و لزوم تأديب مثل هؤلاء الأشرار..

و علي هذا، و في الحال جمعت العساكر الموجودة في الموصل و ماردين و شهرزور فبلغوا مقدار ثلاثة أفواج، و سريتين من الخيالة، و أربع قطع مدافع، و مقدار من الجند الموظفة.. أدخلوا تحت إمرة أحمد بك الزعيم الموجود في الموصل، مع

ضيا باشا متصرف لواء الموصل،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 202

أمروا بالذهاب إلي سنجار، و زوّدوا بالتعليمات اللازمة..

فلما وصل الجيش إلي سنجار، اضطرب اليزيدية، و ارتدوا إلي الوراء في المسالك الصعاب التي لا يمكن اجتيازها و كانوا يظنون أن العسكر سوف يهجم عليهم و ينهب أموالهم و يقتلهم و يحرق زروعهم، و يستولي علي نسائهم.. و لكنهم ما لبثوا أن علموا أن المقصود أهل الشقاوة القاتلين، فأفهموا بأن المقصود أولئك القاتلون العصاة لا غير، فجاؤوا بهم فألقي القبض عليهم وحدهم.. و جاء الأهلون بعنوان الدخالة.. و اكتفي بالجناة.. و بمقتضي التعليمات أخذ للعسكرية جماعة من أهل الجبل بطريقة القرعة و أن يحصّل ما تراكم بذمتهم من الأموال الأميرية، فعاينوا الأفراد و فرقوا من يصلح للخدمة العسكرية، و من جهة أخري حصلوا الأموال الأميرية، فتم ذلك كله. و لأجل إكمال المدة المعينة للخدمة في الجندية تركوا في بيوتهم عشرين يوما و أمرت الحكومة بوضع ضابطة دائمة مرابطة بناحية تلعفر، و لزوم إنشاء دائرة حكومة مناسبة و أن تحول (ناحية تلعفر) إلي (قائممقامية).. و أن يكون بناء دار الحكومة رصينا محكما، و باشروا بعمل ما يقتضي..

و من ثم سهل القضاء علي غائلة سنجار، و أقام فوجا من العسكر للتأكد من الوضع. و رجع الباقي و أما القاتلون فأودع النظر في دعواهم إلي المحكمة في الموصل، و بذلك تمت الواقعة.. و كذا تم ما معها من لواحق. جري ذلك في 12 ربيع الأول.

الأوزان و المقاييس الأخري:

حاول مدحت باشا التعديل في الأوزان و توحيدها فأمر أن تعتبر الحقة 400 درهم، و أن تجعل كل 10 حقات منّا واحدا، و أن تكون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 203

عشرة أمنان وزنة

واحدة. و عد كل 10 وزنات تغارا. و ذلك في 10 ربيع الأول. فلم يتم كما رغب. و الغرض لم يكن موجها إلي إبداع موازين عشرية. و إنما الغرض التعامل العالمي إلا أنه لم يتم له ذلك.

ثم أصدرت الدولة القانون المؤرخ 20 جمادي الآخرة سنة 1286 ه في المقاييس الجديدة. و طبع باللغة العربية في المطبعة العامرة في 3 ذي الحجة سنة 1286 ه و منع بموجبه استعمال المقاييس القديمة اعتبارا من آذار سنة 1290 رومية أي بعد سنتين. و في خلالهما الاختيار للأهلين. و الحق بذلك نظام في طريقة التطبيق.

فصلت ذلك في مبحث الأوزان من كتاب النقود العراقية. و لم ينجح هذا المشروع. و دام استعمال الناس، فلم يخرجوا علي معتادهم في العهد العثماني حتي أواخره.

النقود:

و هذه حاول الوزير تمشيتها بوجه مطرد موافق لرغبة دولته فلم ينجح. و أنواع النقود لا يمكن حصرها. و بينها النقود العثمانية و النقود الأجنبية. و لم يلتفت الناس إلي الأوامر المشددة، فلم تشأ الأمة أن تمضي علي خلاف مألوفها و حاجتها الاقتصادية. فإن النقود الإيرانية يتعامل بها بكثرة و مثلها نقود الدولة. و هكذا النقود الأجنبية. و علاقات العراق بالأقطار تعينها تحولات النقود و كثرة تنوعها و انتشارها.

و هذه تابعة للحالة التي كانت عليها في ذلك الحين. و ليس من المستطاع تبديل السعر بصورة كيفية أو إعطاء الأوامر التي لا يستطاع تطبيقها. فكانت كل محاولة غير طبيعية أو خلاف الحاجة فاشلة قطعا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 204

بقيت النقود علي حالتها المألوفة و الاقتصادية المتداولة و لم يفلح مدحت باشا و لا من جاء بعده. و في الوقت نفسه بقي التلاعب بالنقود مستمرا. و القيمة الحقيقية

لم تفلت من أيدي الناس و لا من أيدي الصرافين. و بالتعبير الأولي لم يستطع مدحت باشا أن يحل أمر النقود حلا سالما و أن محاولته ذهبت عبثا. و كل منا يعرف نقودنا. تكلمت عليها مفصلا في كتاب (النقود العراقية).

يعسر علي المرء الإصلاح في الأمور القليلة الأهمية فكيف بما ألفه الناس. فالنقود أصابها اضطراب إلا أن الأمور الاقتصادية حياتية و مألوفيتها يجعل التمسك بها مكينا فلا تغير بسهولة. و المهم أنه وجب أن يدخلها الإصلاح في منهاج الدولة. أو أن تظهر أمور قاهرة تستدعي قبول غير المألوف. و إلا فحوادث مثل هذه قد تؤدي إلي قلاقل و تذمرات، لما يلحق من أضرار و عناء و اضطراب في الحكومة من جراء العلاقة.

و في العراق لم تضرب النقود منذ أمد أي من سنة 1262 ه و لم تكن في تعاملها علي وتيرة و نسبة ثابتة، بل تعتبر البيشلك (البيشلغ) بخمسة قروش صحيحة، و في التداول بستة قروش و عشر پارات و يقابله بالنقد المغشوش (المتاليك) خمسة و عشرون قرشا. و كذا يقال في (الشامي) تعتبره الحكومة تسعة قروش و ثلاثين پاره في حين أن التعامل به بين الأهلين بعشرة قروش. و الإجحاف بين الأخذ و الرد ظاهر.

و هكذا يقال في النقود الإيرانية و التلاعب بأسعارها. كان القران بسعر ثلاثة قروش و ثلاثين پارة و لكنه لم يستقر علي هذه الحالة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 205

أختام رسمية (عن مجموعة مخطوطة للسيد حسني الخطاط حفار الأختام المعروف) (من اليمين إلي اليسار) الصف الأعلي: السيد ناصر (باشا السعدون) متصرف لواء المنتفق (1282 ه)- والي ولاية بغداد- سليمان فائق متصرف لواء البصرة (1286 ه).

الصف الأدني: متصرف لواء العمارة (1286

ه)-

متصرف لواء نجد السيد محمد نافذ (1288 ه).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 206

و النقود الأجنبية هذا شأنها فإن التعامل بها غير ثابت.

و علي كلّ إن العراق ليس لديه من النقود العثمانية ما يكفي للتداول، أو يفي بالحاجة الاقتصادية و قسر الناس علي ذلك يضر بالحركة الاقتصادية و يدعو إلي تذمرات كما أن العلاقات الجوارية تستدعي أن تشيع نقود إيران بكثرة بسبب الزيارات و الحج و المعاملات التجارية الكثيرة، فليس من المستطاع أن تزاحم. و النقود الأجنبية الأخري ليس لها من الأهمية كالإيرانية و لكنها متداولة قطعا. و لا شك أن النقود الأجنبية و الإيرانية أبقت أثرا. فإن الدولة فكرت في مزاحمتها، فلم تستطع. و إن توحيد النقود كتوحيد الأوزان و المقاييس الأخري باء بالفشل الذريع. و حرمت الدولة ما كانت تأمله من الفائدة من هذا الطريق فلم تلق رواجا و لا نجاحا. لم يتم لها الغرض حتي بعد انتهاء المدة المضروبة للمقاييس و النقود. و إنما بقي ما كان علي ما كان. نري الأوامر لا تزال تتري بلا جدوي. فنري مساعي الوالي مصروفة إلي تنفيذ رغبة الدولة و تطبيق قوانينها، فلم يفلح.

الضبطية:

من أصول الولاية المقررة أن يكون في مركز الولاية قائد بصفة (زعيم) و تتوزع للألوية (أفواج) من الضبطية، فيكون في كل لواء (فوج) إلا أن هذا لم يعهد قبل في بغداد، فكانت أمور الضبطية مبعثرة و لم تجر علي قاعدة. أمر الوالي بتنظيم التشكيلات كما يتطلبه قانون إدارة الألوية. و كان في بغداد نحو ثمانية آلاف من الضبطية المعروفين ب (باشي بوزوق) و ينطق به العامة (باشبوزغ)، فألغيت و أسست كتيبة خيالة من (2400) و كردوس مشاة يتكون من (4000) و

نيف جعلهم مشاة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 207

و قد تأسست بعض سرياتهم في الحال و عيّن لهم ضباط. و نظمت لهم ألبسة و أسلحة..

و يقال لهؤلاء (الضبطية) الجندرمة. و ترتيبهم عسكري فهم بمنزلة شرطة هذه الأيام، و ترتيب الشرطة جاء متأخرا..

تطوع الجند:

دخلوا الجندية في سنة 1278 ه، و في هذه الأيام اقتضي تسريحهم، فأجريت المراسم إلا أن عددا كبيرا منهم تركوا تذاكرهم الرديفية، و تطوعوا للخدمة، فأعلن الشكر لهم علي لسان الزوراء، و تكونت (دائرة رديف)، و يقال لهؤلاء المتطوعة (گوكلية).. و كانت القرعة تطلق علي (الجندية) و بذلك خففت النفرة، و قيلت نوعا و لو قسرا.

عزل بعض الموظفين:

كان الوالي يتحقق كل من عرف عنه سوء حالة من الموظفين ليضرب علي يده. عزل قائممقام راوندوز بسبب ارتشاء عرف عنه، و هكذا فعل بمدير ناحية عانة و نائبها. كانوا أخذوا بعض المبالغ باسم الرسوم، و سيق هؤلاء للمحاكمة، و صار الموظفون يخشون أن يعبثوا بالأمن، لما يجري من مراقبة فكان الناس بأمن، و أن إعلان ذلك خير رادع للموظفين. و النفوس الشريرة لا يفيد معها تأديب أو عبرة..

المدرسة العلية- مدرسة الصنائع:

رأي الوالي كثرة المدارس، فظن أن تحويل واحدة منها إلي مدرسة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 208

صنائع لا يضر. و لم يدر أن في ذلك اعتداء علي حقوق الواقفين و إن أتي بالخير العميم في تعليم الأيتام القراءة و الكتابة، و بعض الصنائع الحيوية لئلا يكونوا عالة علي المجتمع، بل يعودون عناصر فعّالة و نافعة.

و لماذا لا تقوم الحكومة بمؤسسة جديدة؟ و هل عجزت عن ذلك؟

تكونت مدرسة الصنائع ممن لا معيل لهم أو ممن لا يتمكن أحد من القيام بأمر تربيتهم، و هم من أيتام المسلمين. و الآمال مصروفة إلي توسيع هذه المؤسسة باستخدام مثل هؤلاء للمعامل، و للمطبعة كمرتبين، و لا يترك شأن تعليمهم، فكانت من خير الأعمال لو رأت حسن رعاية و عناية. و كانت مؤسسة من مال الحكومة أو من التبرعات. فلا يبرر الغصب الغاية الخيرية.

استهدفت الحكومة أمر العناية بفقراء المسلمين و تعليمهم الصناعة، فاتخذت (المدرسة العلية) موطنا لهم..

و هذه المدرسة وقفها علي باشا الأول من وزراء المماليك من ماله، و هي علي دجلة في أحسن موقع. تأسست سنة 1176 ه، و كان قد كتب علي جدرانها:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ … [آل عمران: 104] اه.

أوضحنا

عنها في كتاب المعاهد الخيرية و احتمل أنها لعلي باشا الكتخدا كان غير صواب. بقيت (مدرسة صنائع) أيام مدحت باشا و دامت إلي احتلال بغداد سنة 1335 ه- 1917 م.

في أوائل سنة 1287 ه تم افتتاح مدرسة الصنائع و جري توزيع الطلاب فيها إلي صنوف الحدادة، و النسج، و عمل الأحذية.. و بلغوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 209

144 طالبا وضعوا في مخيم إلي أن تتم الأبنية في المدرسة. زارهم الوالي و أحمد باشا رئيس أركان الفيلق السادس، و اهتم الوالي بهم كثيرا و اختير بعضهم أن يكونوا مرتبين في المطبعة.

اشترك الأهلون في التبرع لهذه المدرسة من بغداد و البصرة و مواطن العراق الأخري.. و لو كان الولاة بعد مدحت باشا قاموا بالمهمة لأدت إلي نتائج مرضية، جمعت مبالغ طائلة من التبرعات، و كان من بين المتبرعين محمد آل جميل، و الخواجة يوسف الركوكي، و آخرون، ثم تبرع إقبال الدولة، و ناصر باشا السعدون و سليمان فائق، فكان لتبرعات إقبال الدولة و ناصر باشا أثر مشهود.. و هكذا استمرت الحكومة في جمع التبرعات لتكون مؤسسة مفيدة، و آلة خير لا للفقراء، بل لكل من يرغب في صنعة..

مضت السنون، و توالت الأيام، و لا تزال المدرسة في حالة ابتدائية، و لم تخط خطوة نحو الإصلاح. و إذا كان قد ظهر بعض المتعلمين منها، فما ذلك إلا لأن هؤلاء جدوا لأنفسهم، و اجتهدوا..

لا أن نظم التعليم تحسنت، و الآن اتخذت مجلس الأمة.

تنظيم البلدية- الطرق:

إن الحكومة التفتت إلي ما في البلد من عدم انتظام، و ما يضر به من أوحال و ما يصيب الناس من عناء أيام الأمطار خاصة.. و كان من جملة ما يجب أن يهتم له

أمر تنظيفه و تحسينه مما يؤدي إلي رعاية صحته لا سيما أمر تبليط شوارعه.. و قد شرعت الحكومة في تبليط سوق البلانجية للتجربة و يسمي اليوم (شارع المأمون)، و من ذلك الحين صار يقال له (عقد الصخر).. و وقف التبليط عنده..

و هكذا كانت النية تنظيم الطرق بين الألوية. فلم يتحقق شي ء.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 210

عنزة و شمر:

الشيخ ساجر الرفدي من رؤساء عنزة قد غزا شمر في 12 ربيع الأول بخمسين مردوفا و ثلاثمائة فارس، و أراد أن يعبر الفرات من قرب الرمادي في محل يقال له (طوي)، فسمعت الحكومة، فمنعته، بسوق جيش إليه، فعاد قسم من رجال غزوه و بقي الشيخ يتجول بثلة كانت معه بين حديثة و عانة و من هناك عبر، و هاجم شمر.. و لم يعرف ذلك إلا بعد وقوع الحادث.. و بمهاجمته هذه قد صادف قبيلة عبدة من شمر فلم يقاتلها و إنما اكتفي بنهب (150) بعيرا منها و عاد إلي ما بين هيت وجبّة مجتازا من المعابر و مضي إلي قبيلته..

ثم إنه لم يكتف بهذه الواقعة، بل تلتها غيرها ففي 24 جمادي الأولي سنة 1286 ه غزا ب (500) خيال و مثلها من المراديف، فعبر الفرات بين هيت والدليم، و هاجم شمر الجرباء، فلما علمت الحكومة حاولت منعه إلا أنها لم تظفر به، و البرية واسعة، و ليس لها طريق معينة.

الأراضي الأميرية في البصرة:

نشر قانون الأراضي، و أنظمة الطابو في 14 صفر سنة 1276 ه، ثم جرت التعديلات عليهما، فأعلن نصهما. و لكن هذه القوانين لم يجر العمل بها، و لا تأسست دائرة طابو بصورة صحيحة.

ثم أصدر الوزير أمرا بتفويض الأراضي الخالية بحساب الدونم، و أن المغروس يؤخذ عنه عن كل دونم من الأراضي المعمورة 30 قرشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 211

سنويا، و أما غير المغروس، و ما هو صالح للزراعة فيؤخذ منه العشر.

و ما يغرس جديدا يعفي من الرسوم لمدة ست سنوات، ثم يؤخذ منه المقطوع فحسب.

و تعد هذه خطوة في الإصلاح، لاستفادة الحكومة عاجلا في عملية البيع، و استيفاء العشر لتوحيد المعاملات و اطرادها.

فكان لذلك مكانة مقبولة من نفوس الأهلين، و من ثم انقطعت تدخلات الموظفين في أمر البساتين مما يؤخر الإعمار، فجاء مسهلا طريق استغلال الأراضي الأميرية..

الهماوند- السنجاوية:

و يقال (هموند) أو (حمه وند). عشيرة كردية معروفة بشجاعتها، و بقطع الطرق و الإخلال بالأمن منذ سنين بحيث صار يضرب المثل بها، تتعرض للمارة، و تعيث بالأمن. و من رؤسائها (جوامير)، يقال فيه (فلان صاير جوامير).

كانوا ثلاثمائة فارس أو أربعمائة و بسبب القتال لم يبق منهم في هذه الأيام إلا نحو سبعين فارسا أو ثمانين. ذهبوا إلي أنحاء زهاب (زهاو) فصاروا يهاجمون الأطراف المجاورة بعشرين أو ثلاثين منهم فيسلبون و ينهبون و كان لهم من الرؤساء:

1- محمد ميكائيل:

2- جوكل (جامير).

3- بچه شيرين.

4- بچه أمين.

إن فرقة محمد ميكائيل في أنحاء السليمانية كانت قد ساقت عليها الحكومة جيشا قتل منه (رئيس) و جنديان، و أصيب محمد ميكائيل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 212

بجرح. و لما عاد من إيران توفي. و أما بچه شيرين فقد تعقبته فرقة عسكرية.

و لم تنته قضية الكرد بين إيران و العراق و لا يزال هؤلاء يعيثون بالأمن و يزعجون الحدود. فكانت هذه القضية من جملة ما جرت المفاوضات عليها بين إيران و العراق لا سيما (الهماوند).

و هؤلاء إذا طاردتهم الحكومة مالوا إلي إيران أو إذا طاردتهم إيران عدلوا إلي الأنحاء العراقية و هكذا …

و أما العشائر الإيرانية، فإن السنجابيين (السنجاويين) منهم يشتون في الأنحاء العراقية و لا يخلون بوجه من وقائع ضارة بالأهلين، فلا يهدأون بل لا يقلون عن الهماوند..

ذلك ما دعا أن يتفق العراق و إيران علي أن لا تؤي دولة أشقياء الأخري. و إذا طاردتهم حكومة، وجب علي الأخري المعاونة في القضاء عليهم أو

تأديبهم.. فكان لهذا الاتفاق حسن الأثر بين الدولتين، و لكن الإيرانيين لم يشأ أمراؤهم أن يبقي الهدوء سائدا و أن تقتطف ثمراته، فلم يوافقوا علي صورة حل. بقوا علي آرائهم القديمة.. و إن الموافقة بين رجال الدولتين لا تكفي دون أن يري أثرها مشهودا فعلا، فلم يقم الإيرانيون بما يؤدي إلي نتائج مرضية بسبب المتغلبة و الأمراء هناك..

أما مدحت باشا فإنه اتخذ قلاعا علي الحدود، و الممرات و جعل فيها قوة محافظة لمنع مثل هذه الأعمال، و لم تقم إيران بمثل ذلك..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 213

و كانت هذه القلاع قد اتخذت في أنحاء زنگباد، و في هذه المرة ألقي القبض علي اثنين من رجال الهماوند و مال الباقون إلي إيران فنجوا.

ثم ظهرت فرقة بچه أمين علي قافلة بأطراف خانقين فسلبتها ما عندها، فعلم هؤلاء أن اثنين من المسلوبين كانوا من الإيرانيين فأعادت إليهم أموالهم المنهوبة، و أخذوا ما يعود للعرب.. فلما سمعت الحكومة بالأمر، و علمت بواسطة البرقيات من شهربان (المقدادية) و قزلرباط (السعدية) أن قد غاب هؤلاء من البين. و منذ أربعة أيام أرسلت وراءهم عسكرا لتعقيبهم من خانقين و من قزلرباط، و كذا أرسل وراءهم خيالة من العشائر، فأحاطوا بهم فحصلت معركة بين الطرفين، فجرح عبد اللّه بك رئيس العسكر في قزلرباط برجله، و سويلم من عشيرة ربيعة أصيب بصدره، و قتل العسكر رئيس هؤلاء و هو بچه أمين و اثنين من أعوانه و ألقي القبض علي اثنين آخرين بأسلحتهم و هما محمد رش و محمد صالح، و استولي العسكر علي ستة من خيولهم اغتنموها منهم، و استردوا المنهوبات و سيق المقبوض عليهم إلي المحاكمة.

و هذه الوقائع تعين ضعف الحكومة

و عجزها عن مطاردة مثل هؤلاء و إنما استعانت برجال العشائر.

ثم أجريت محاكمتهم، فاعترفوا بالجرائم التي أوقعوها، و من ثم حكم عليهم بالإعدام. و هذه العشيرة فصلنا أحوالها في كتاب (عشائر العراق الكردية).

و كل ما نقوله هنا إن هذه العشيرة في أيام مدحت باشا لم تقف عند ما مر من الوقائع، و إنما عادت مرة أخري. ففي أنحاء كركوك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 214

سلبت قافلة فجهزت الحكومة عليها جيشا، فألقي القبض علي ثلاثة من رجالها تبين أن واحدا منهم كان ضابطا، ففرّ و التحق بها و اسمه (زاله)، و الآخران اعترفا بالجرائم فسيقا للمحاكمة..

عشائر أورامان:

و يقال (هاورمان) سميت باسم المحل. قسم منهم للعراق و الآخر لإيران.. و هذه من القبائل الكردية المهمة، و القسم الإيراني من توابع سنندج (سنة) و قسم العراق تابع للواء السليمانية، في مواطن جبلية صعبة المرور..

و هذه لم تهدأ من قتال و نضال بينها و بين إيران، و لها أمير يختار من بينها، يدعي (سلطانا)، و كان قبل سنة قد دعا حاكم (سنة) فرهاد ميرزا أحد رؤسائهم حسن سلطان، فقربه إليه ثم قتله غيلة.. و علي هذا ثارت قبيلته و هاج أولاده علي هذا الاعتداء. فأرسل إليهم فرهاد ميرزا قوة. فبيتتهم هذه العشيرة ليلا فأوقعت بهم الوقيعة القاسية. الأمر الذي أدي أن تهتم حكومة إيران اهتماما كبيرا، و تبعث قوة للتنكيل بهم، و الانتقام من فعلتهم هذه..

و هذه القوة أحاطت بالجبل بقصد ضربهم الضربة القاضية.. إلا أن الجيش الإيراني لم ينل غرضا منها.. و لكن الدولة الإيرانية لم تهدأ.

و لا تزال تبعث بالجيوش، و تشن غاراتها عليهم فينالها الإخفاق.. و في هذه المرة قتلت الدولة الإيرانية فتاح بك و

أفرادا آخرين منهم، فتفرقت العشيرة.. ثم سيرت إليهم جيشا تحت قيادة كريم خان في طريق (بازلة)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 215

مع عساكر (بانه) و (ساقز) إلا أن الجيش قد هلك منه ثمانية أفراد، ثم جهزت الحكومة قمر علي خان بنحو خمسة آلاف نفر، فحدثت معركة في (دزلي) فدامت ست ساعات قتل فيها 32 من الجند الإيرانيين، و أثخن الآخرون بجروح، و نال الأورمانيون بعض الأسلحة، و كذا حصلوا علي عربات مدافع، و عتاد حربية..

هذا ما جاءت به أخبار السليمانية، و لم يعين ما أصيبوا به، و ما حدث فيهم من تلفيات..

و من المعلوم أن هذه العشيرة تبلغ أكثر من عشرين ألفا. أراضيها صعبة المرور، إلا أنها لم يكن في وسعها مقاومة إيران.. فلم تطق الوقوف في وجه الدولة الإيرانية.. فجاءت الأخبار بعد ذلك بانهزامها.

أرادت إيران إخضاعها، فناضلوا إلا أنهم لم يستطيعوا الدوام علي الحرب، و إن كانوا قد أصابوا الإيرانيين بأضرار.. و بسبب المخالفة المذهبية حنقوا عليهم حنقا زائدا، و قسوا فيهم.. فلما دخل الإيرانيون الجبل حاولوا أن يقتلوهم قتلا عاما، و شرعوا يحرقون القري و يقتّلون فيه تقتيلا شنيعا فلم يتركوا طفلا و لا امرأة.. و منهم من قطعوا أيديهم و أرجلهم، مما زاد في توحش الأهلين و نفرتهم منهم، فمالوا إلي العراق، طلبوا الدخالة، و قدم رؤساؤهم و أمراؤهم محاضر عامة بينوا فيها حالتهم و الجور الذي لحقهم.

و الدولة العثمانية كانت تلتزم حقوق الجوار، و في مثل هذه تعد من واجبها أن تراعي حالة الاثنين لأداء الخدمة بصورة مرضية، فاختارت تأليف البين و التقريب، فأوعزت إلي موظفي الحدود أن يراعوا المصلحة في ذلك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 216

إن الإيرانيين

لم يجيبوا رغبة الدولة، و لم يلتفتوا إلي ما أبداه الموظفون بل استمروا في القتل و النهب و التخريب، و توغلوا في إفناء هؤلاء، فمال الرؤساء و الأمراء إلي العراق، ثم تبعهم الأهلون من أطفال و نساء و عجزة فطلبوا المعاونة، و قبول الدخالة بتهالك و إلحاح لما نالهم من قسوة، فلم يتمكن الموظفون من رد عدد كبير يبلغ السبعة آلاف نسمة، فقبلوا دخالتهم، و أبدت الحكومة الرأفة و العطف لما رأته في هؤلاء من نكبة، و من ثم أسكنتهم بعض المواطن من أنحاء السليمانية، و اتخذت التدابير لمحافظتهم، و الإنفاق عليهم و إعاشتهم..

و جاء في تبصره عبرت أن الخلاف قد أدي إلي أن تقوم إيران بتأديبهم، فأرسل الشاه موظفا يخبر الحكومة، و يرجو منها أن تمنع دخولهم العراق، و كذا ورد من الباب العالي أمر بهذا المعني، و لما أجرت حكومة بغداد التحقيقات علمت أن هؤلاء من أهل السنة، شافعيو المذهب الأمر الذي دعا إلي أن يختلفوا، و كذا كانت إيران تظلمهم و تضيق عليهم..

و في هذه الحالة حارت إيران في أمرها لا تستطيع أن تخالف الباب العالي، و أن الأهلين في جبل أورامان يبلغون العشرين أو الثلاثين ألف نسمة، و أكثرهم موصوفون بالشجاعة، فأرسلت الحكومة تنفيذا للأمر أربعة أفواج أو خمسة.. و بعد مضي مدة قليلة دخلت حكومة إيران الجبل، فالتجأ الأهلون كافة إلي المملكة العراقية، فلم يسع الجيش أن يمنعهم، جاؤوا بنسائهم و أطفالهم، و كان عددهم أكثر من عشرين ألفا، فمضوا إلي لواء السليمانية، فاتخذت الحكومة التدابير المقتضية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 217

لإعالتهم، و القيام بما يحتاجون إليه ثلاثة أشهر، و حينئذ استحصلت الدولة العفو عنهم من حكومة إيران،

و تأكد أنهم سوف لا يمسهم سوء، بل نالهم العفو العام. فذهبوا إلي ديارهم مرفهين.

ثم إن إيران وافقت أن يقيم الرؤساء المتقدمون في ديار الكرد أو في آذربيجان بأن لا يعودوا إلي مواطنهم و هم بضعة أشخاص من الرؤساء..

ضباط المدرسة الحربية:

في هذه السنة تخرج طلاب من المدرسة الحربية فكانت حصة العراق منهم ستة ضباط، فتوزعوا في الفيلق السادس ببغداد..

عشيرة الحيادر:

كانت قد مالت هذه العشيرة إلي أنحاء الحويزة و في هذه المرة عادت إلي العراق، و تبلغ نحو مائتي بيت، فسكنت أنحاء العمارة، و لا يزال باقي أفرادها يتواردون.. و هذه العشيرة من آل أزيرج (أزيرق).

و يقال لها (بيت حيدر) أيضا.

إحصاء بغداد:

بغداد و في ضمنها الكاظمية و الأعظمية تبلغ (18407) بيوت و نفوسها من تبعة الدولة 63272 من الذكور من هؤلاء:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 218

و أما الأجانب فهم 2411 منهم:

لا نعرف درجة صحة هذا الإحصاء بل لم يكن متقنا. و يصح أن نقول إنه لا نصيب له من الصحة.

التجارة- الطرق البحرية:

كانت تجارة الهند قديما من طريق البصرة، و مصر، و لكن الأوضاع تبدلت فصارت من طريق رأس الرجاء الصالح و منها إلي أوروبا. ثم فتح قنال السويس في 11 شعبان سنة 1286 ه- 16 تشرين الثاني سنة 1869 م فغير الوضع أكثر، و تباعدت التجارة الهندية، فصارت لأيدي الأجانب و اضطررنا إلي التعامل معهم.

و من ثم أوجدت الحكومة سفنا بخارية في خليج البصرة، و بعض السفن الشراعية. و هذه لا تفيد أكثر من محافظة السواحل، و في السويس لم تكن توجد إلا سفن الأجانب.. في حين أن الحاجة للتجارة و للحج تستدعي أن تؤلف سفن للنقل.. و أن المبالغ التي تعطي للأجانب كبيرة لا يستهان بها.. الأمر الذي دعا أن توصي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 219

الدولة بعمل مراكب بحرية لهذا الغرض..

و من ثم اشترت الدولة مركبا دعته (بابل بقوة (350) حصانا، وسعته 1700 طن، و فيه منام 280 من الركاب، اشترته الحكومة بمبلغ 33500 ليرة و قد اختبرته نظارة الحربية الإنكليزية.. و كذا عزمت علي شراء آخر مثله، و هو علي و شك إنهاء المعاملة و لا يختلف عن سابقه..

و هذا تحمّل فيه المعامل الموصي بها و المطلوبة للدولة، لتأتي بها عند فتح قنال السويس و إنهاء عمله، و أن المسافة بين البصرة و السويس 3322 ميلا و هي أربعة أضعاف المسافة

بين استانبول و الإسكندرية..

و سيعلن خبر سفرها، و تاريخ مرورها في كل شهر من باب المندب و مخا و حديدة و جدة و أمثالها مما تمر به في طريقها..

و هكذا تقرر أن يؤخذ مركب آخر من نوع ما سمي ب (مدحت باشا) الذي كان يسير في (الدانوب) و يستخدم للسير بين القرنة و البصرة و الكويت و بندر أبي علي شبر (كذا) و البحرين.

و فتح قنال السويس لم تكن فائدته مقصورة علي الدول الغربية، و إنما فائدته للدولة العثمانية أكثر، فمن واجبها أن تضع أسطولا هناك، و أن تترقب الحوادث السياسية و الاقتصادية.. و كل سواحلها عادت متصلة بسبب هذا القنال.

إن الأراضي في منتوجاتها و تداول ثروتها تحتاج دوما إلي هذا التداول و تأمين اتصاله بالخارج فكانت الضرورة تدعو إلي وسائط النقل، لئلا تبقي المحاصيل في أماكنها حتي تهلك دون أن تجد ما يسهل نقلها بلا كلفة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 220

و من هذه الوسائط البواخر و كان الانكليز قبل هذا قد حاولوا تشغيل بعض البواخر، فاشتغلت بضعة أعوام فأصابها العطب كما أن نهر دجلة لا يصلح لسير البواخر في شمال بغداد، و إنما يجري تشغيل البواخر فيما بين بغداد و البصرة.. و في أيام نامق باشا أوصي بجلب أجزاء ثلاثة بواخر و منها اثنان ركبا في بغداد، فهيئتا للعمل إلا أنها لم تبدأ.

أما مدحت باشا فإنه نصب المركب الثالث أيضا، و شرع بتشغيل المراكب فكانت منافعها للتجارة و للمنفعة العامة كبيرة جدا، و أذن بالصرف لهذه المراكب مبلغ خمسة عشر ألف كيس سنويا، و أن مدحت باشا أبلغ عدد هذه المراكب إلي ثمانية.. و كذا شكل إدارة نهرية، و نظم المعمل الذي

اتخذ ببغداد سابقا، و أتي بلوازمه فعهد إليه بتركيب المراكب و تعميرها و سائر احتياجاتها..

فتح طريق السويس البحري، و صارت السفن تتوزع بكثرة، و تنتهج جميع السواحل و عادت لا تكفي الوسائل القديمة بين بغداد و البصرة، و تحققت الحاجة إليها بقدر الحاجة إلي تنظيم وسائل النقل فتوسعت بالسفن البحرية أكثر.. و بهذا يكون المخرج للمواد العراقية، فاكتسب مكانة مقبولة، و صار العراق يتصل بمواطن بعيدة جدا..

ذلك ما دعا الحكومة آنئذ أن تشتري ثلاثة مراكب بخارية:

1- مركب بابل. و هو مركب جسيم.

2- نينوي.

3- نجد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 221

و هذه أضيفت إلي (مركب آثور).

و هذه الأربعة كانت تسير بين استانبول و العراق في كل ثلاثة أشهر مرة، و تذهب مرة إلي إنكلترا، فنظم موعد سيرها. و كان من أعظم لوازمها الفحم. تأخذه الحكومة من إنكلترا، و كذا كانت تحتاج إلي مواني ء في عدن و مسقط و بندر بوشهر، فكانت تحتاج أن تجعل وكلاء في تلك الأماكن لتقوم بالمهمة، و كانت الضرورة تدعوها أن تحفظ في بلدة عدن مقدار ثمانية آلاف أو عشرة آلاف طن من الفحم الحجري، و أن تجعل هناك مركزا لمراكب الدولة فيما إذا أرادت السير إلي البحر الأحمر و غيره فتأخذ من ذلك الفحم، فتسهل أمر تلك المراكب..

إن مركب بابل اشترته الدولة بطريق المزايدة بمبلغ (33) ألف ليرة في حين أنه كلف ثمانين ألفا. و لم تمض علي عمله إلا سنتان و بسبب إفلاس الشركة بيع، و كان أول سفره من البصرة إلي الحج ربح (35) ليرة..

و هذه السفن البحرية تأسست لها (إدارة عثمانية) قيل لها (العمان العثماني) و قد اشتهر حسن انتظامها في الأنحاء المجاورة، و صارت تربح شهريا

نحو ألف ليرة من التجارة، و بقيت هذه المراكب، و ظهر تفعها.

استمرت علي هذا الوجه، فأمنت للمملكة حاجة و منفعة من هذه الطريقة..

و الأمر لا يصح أن يقتصر علي أيام مدحت باشا بل نري أنها أصابها تضعضع و خلل.. حتي عادت غير صالحة أو زالت من البين.

و ما ذلك إلا لأن أخلاف مدحت باشا لم يرعوا هذه المؤسسة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 222

تطهير الفرات:

و كانت آمال مدحت باشا مصروفة إلي أن يتخذ طريقا في الفرات لتأمين الوسائل الثقيلة لتتكامل مخارج التجارة، و تتبادل المنتوجات.

حاول أن يأتي بالمراكب من (پيره جك) التي أتمها هناك إلا أن غرق هذه المراكب و تلفها قد كوّن قضاء مبرما و إلا فإن نهر الفرات جسيم، و من مسكنة إلي البصرة كانت مياهه صالحة لسير السفن، و أكبر عارضة في طريقها كانت بين قصبة هيت و عانة، و غالب هذه متأتية من الأبنية القديمة في النهر، و كذا من الكرود القديمة و بقايا أنقاضها و انهدامها. فذهب مدحت باشا إليها بنفسه، و علم أنها قابلة للإصلاح و التعمير و أن شاكر بك مأمور النافعة لولاية بغداد ذهب في السنة التالية، و معه مركبان خصصتا له و ما يكفي من مهندسين و أرباب وقوف لكشف جميع مواطن الفرات..

و هذا أجري التحقيقات، و حصل علي معلومات كافية، و بيّن أن الفرات قابل لأن يعمر، و يعد للانتفاع، فقام بإزالة الموانع، و بدأ من هيت وزاول تطهير العوارض في أنحاء جزائر الفليوي وجبّة و ألوس إلا أن الفرات في أكثر محاله يشاهد الجريان فيه قويا و شديدا، فلم يتيسر تخفيف هذه القوة إلي الدرجة المطلوبة. فكانت لا تزيد سرعة هذه المراكب عن

12 ميلا بل تسحب قليلا من الماء، فعزمت الحكومة أن توصي بعمل مركب من نوع المراكب التي تستعمل في النمسا في المجاري القوية. يكون لها أربعة دواليب و سرعة زائدة.. و لكن إنشاء مثل هذا المركب يحتاج إلي وقت طويل، بحيث لا يأتي بصورة (أجزاء)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 223

إلا بعد انفصال مدحت باشا. و لما ورد المركب إلي العراق سمّي (مسكنة)، فاشتغل مدة في الفرات، و هو المركب الوحيد الذي كان يعمل بين بغداد و مسكنة.

أغفل ما آل إليه أمر هذا المركب و لم يعرف تاريخ تلفه و لم ينجح هذا المشروع بوجه.

المنتفق- الالتزام:

جرت تبدلات في الإدارة فاعتبر المنتفق لواء. و في أيام هذا الوزير أوشكت مدة الالتزام أن تنتهي، و وجب أن يعرف موقف الوزير في تنفيذ رغبة الحكومة بلا إيجاد تشويش يؤدي إلي إرباك الحالة لا سيما و قد أخفق وزراء عديدون.

و لا شك أن الوزير استطلع الآراء فعلم أن الأستاذ سليمان فائق أعرف بالحالة. مارسها مدة، فدعاه برقيا للحضور، و كان آنئذ (قائممقاما) فورد بغداد، و علم ما عنده، و كان أول عمل قام به الوالي أن دعا ناصر باشا إلي بغداد للمزايدة فطلب الإمهال إلي انتهاء المدة و كانت قريبة الختام.. فلم ير الوزير بدا من تأخير القضية إلي وقتها المرهون.. و أذن لسليمان فائق بالعودة إلي البصرة. و من ثم حولها إلي متصرفية كما تقتضي التشكيلات الإدارية و بيّن أنه سوف يدعوه إذا رأي ضرورة.

و من ثم انقضت مدة الالتزام، فدعا إليه سليمان فائق، و أبدي ناصر باشا تأخرا و تهاونا أو أنه تثاقل.. و في خلال ذلك تمكن الأستاذ سليمان فائق من الاتصال ب (فهد بك).

لازمه و أقنعه أن شط العرب،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 224

و دجلة في جانبيهما قري و مزارع كثيرة، و هناك عشائر مختلفة، و أن الفرات من الحمار إلي القرنة لم يكن فيه شي ء من العمارات، و لم تؤخذ منه واردات.. و كل وارداته الشتوية و الصيفية تبلغ نحو عشرين ألف ليرة، فأرادت الحكومة أن تعطيها ببدلاتها السابقة لا أكثر..

و نواياها هذه ظهرت علي لسان الأستاذ سليمان فائق. و في 21 ربيع الأول سنة 1286 ه- 1861 م ورد ناصر باشا إلي بغداد، و واجه الوالي مدحت باشا فقال له هل ترغب في التزامها بالبدل السابق بعد أن تترك بعض المواطن، و قد عينها له، فكان جوابه أنه وصل الآن إلي بغداد، و لم يسترح بعد، و أنه يحتاج إلي تأمل و استشارة، و طلب أن يمهله الوالي مدة ثلاثة أيام.

و أن المواطن التي أراد الوالي أن تترك:

1- المدينة (بالتصغير).

2- جزائر البصرة.

و هذه تحتوي علي ثلاثين ألف مسلح بالبنادق من المشاة، و هم مستند شيوخ المنتفق، و قوة ساعدهم.. فكانت هذه أول التدابير، و مقدمات الأعمال، و صار الوالي يفكر في المعضلة، و يفاوض فهد بك في اقتطاع مواطن أخري.. إلا أنه يضمر رأيا آخر و هو القضاء علي هذه الإمارة.. و كان يسمع الأقوال من الأستاذ سليمان فائق و غيره، و لم يبد نواياه..

أما ناصر باشا فقد انتابته الهواجس و استولت عليه الأفكار، فلا يدري ما يصنع؟! و آمال الحكومة معلومة، و الثورة لا تخلو من كلفة و الأسلحة الجديدة لا تطاق، و أن سليمان فائق يضمر الكيد للقضاء علي المشيخة. عرفت آراؤه عند الوزير..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 225

الأستاذ المحامي

محمد آل بابان من أحفاد إبراهيم باشا باني السليمانية (من بقايا آل بابان)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 226

و كان معاون الوالي (تويسز رائف) أي رائفا الأمرد قد أعلن أن المنتفق لم تكن لدولة أخري، فتؤخذ لأقل وسيلة و أدني سبب، و لا معني لاقتطاع قسم من المنتفق، ثم آخر، و هذا أشبه بمن يأخذ من أحد جيبيه ليضع في الآخر، فيعد نفسه قد ربح.. فلا وجه لإفراز قسم من المنتفق و إبقاء سائره بيد الشيوخ، فإن أفندينا (يريد الوالي) جعل المنتفق لواء و قرر أن تجري فيه التشكيلات اللازمة كسائر الألوية، و سيوجه هذا اللواء إلي ناصر باشا، فيكون متصرفه، و نظرا لقرب بعض المواقع من البصرة، و من العمارة تلحق بهذه الألوية. و من ثم ينجو العشائر و الأهلون من غوائل المنتفق، و تزول التعديات..

أعلن المعاون ذلك و عين رغبة دولته.

قال الأستاذ سليمان فائق: ذهبت المذاكرات سدي بيني و بين الوالي بهمة من رائف بك و وساطة من اليهودي المسمي (عزرة الصراف)، و كان يستخدم واسطة الرشوة من الموظفين، و هو من الأبالسة الذين يسترقون السمع. جاء إلي ناصر باشا للترحيب به، و كان يتخذ أطوارا غريبة للوصول إلي غرضه، فتمكن من استهوائه و بعث فيه الأمل في ربح قضيته، و أن يجعله المنتصر في هذه المعمعة.. و في اليوم التالي صدر القرار المذكور.. و لم يكتف الأستاذ بهذا، و إنما أبدي استغرابه من توصل اليهودي في خلال ثلاثة أيام أن يولّد الصداقة و الوئام..

و مهما كانت الأوضاع و خفاياها فقد جاء الحل خلاف رغبة الأستاذ سليمان فائق، فصار يضرب أخماسا بأسداس تأييدا لصحة فكرته.. فلم ير ناصر باشا بدا من الإذعان

لأمر الوالي إذ لا طائل وراء معاكسة الحكومة للأسباب التي كانت ترد لخاطره لا سيما أن أقاربه في تزاحم و نضال علي المنصب فكان يخشي أن يقبل غيره بذلك فيخسر الصفقة..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 227

و في 2 جمادي الأولي سنة 1286 ه سار إلي المنتفق و عين عبد الرحمن بك قائممقام الهندية معاونا له، و عبد القادر الآلوسي نائبا، و الحاج سعيدا محاسبا. و كان هذا الأخير من موظفي المحاسبة في الألوية.. و عاد ناصر باشا إلي المنتفق لإجراء التشكيلات و ذهب سليمان فائق إلي البصرة، و كان أمله مصروفا أن يستخدم في وظائف مهمة، و يلتحق بدائرة الوالي و لكن بتسويل من بعضهم نصب متصرفا للحلة..

إن قبائل المنتفق من أعظم عشائر العراق. يمتدون من الحلة و الديوانية و السماوة حتي البصرة و أراضي الحويزة، و كذا لواء العمارة غالبه منهم يقيمون بصرائف من قصب و أكواخ من بردي..

و يرأس هذه القبائل أحد مشايخها مستقلا و يقال لأراضيهم (المنتفق). تعطي للرئيس بالالتزام، فيتحكم بها، و استمر هذا الحال إلي أيام الوزير رشيد باشا الگوزلگي. و في زمانه، و في أيام نامق باشا قد أفرزت منها بعض المواطن فألحقت بما جاورها من الألوية كالديوانية و البصرة، و كانت توضع بالمزايدة لكل ثلاث سنوات مرة، و بسبب الضم علي بدل المزايدة في كل مرة تزايد مقدار التزامها، فكانت الاستفادة للحكومة مضاعفة من ناحية الزيادة و من اقتطاع الأقسام..

إن هذه الحال لم تجعل للحكومة تدخلا في الإدارة و لا رفّهت علي الأهلين، فلم يحصل الغرض من الإحالة.. و من جهة أخري إن الشيوخ يتحكمون بما لا يأتلف و إرادة الدولة.. و لكنهم يتشكون و يرثون

لحال الأهلين.. في حين أن الزيادة و الاقتطاع كان منهم بسبب حرصهم الزائد.

أرادت بهذا الحكومة التنديد و أن تبين الحالة المعتادة للمشايخ و القواعد التي ساروا عليها فقالت: كان هؤلاء الشيوخ يحيلون كل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 228

قطعة إلي أصحابها ببدل و هؤلاء يتحكمون بالأفراد ما شاؤوا، فيستخدمونهم كالأسري. يأخذون منهم كل أتعابهم، و لا تجري بينهم أحكام شرعية و لا قانونية.

و إن الشيخ الذي ينصب يستولي علي أموال سابقه و أملاكه، و له أن يملكها إلي غيره..

و هذه الأحوال قد لاحظتها الحكومة و عنيت بأمر هؤلاء، فأعلنت إلغاء الالتزام أيام نامق باشا، و أراد هذا الوزير إدخال هذه العشائر ضمن إدارة منظمة، فاختار أحد المشايخ (قائممقاما) و جعل موظفين معه، و لكن هؤلاء لم يقدروا منفعة ذلك، و لم يعملوا لإزالة ما كانوا يتألمون منه، من أخذ رسوم للخزانة، و لم يبالوا بالأصول الجديدة العدلية فظنوا ذلك تثقيلا عليهم، و زيادة ضرائب و تضييقات.. الأمر الذي اضطر الحكومة أن تعود إلي الالتزام.. و هل تأمن العشائر من الحكومة و هي التي ضيقت علي هؤلاء الشيوخ في أخذ ضرائب ثقيلة؟!

كان قد عهد بالالتزام لمدة ثلاث سنوات إلي ناصر باشا عن السنين السابقة، فانتهت مدة التزامه، و حل أمد الالتزام الجديد، فجاء شيوخ المنتفق لأجل المزايدة إلي بغداد..

و لما كان ذلك ينافي إدارة الدولة و قاعدتها الأصولية العدلية شاهدت هذه الاستعمالات السيئة بأم عينها. و من ثم قررت أنه لا يجوز إحالتها كالسابق، و أن فصل بعض الأماكن إلي الألوية المجاورة كان غلطا، و صارت تشعر أنها كانت علي ضلال.. و أن ما أصابها من نكبات و سيئات عادت خواطر قاسية، فزادت الشكاوي من

هذه الحالات السابقة.. فتعلقت إرادة الدولة في أن تنضم المواطن الباقية إلي إدارة الدولة.

و من ثم دخلت العشائر في إدارة جديدة و اختير أحد هؤلاء الشيوخ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 229

(متصرفا) و هو ناصر باشا و رجّح علي غيره. و أعلن للأهلين ما كانوا عليه في السابق، و ما سينالونه في الحاضر.. و أمر الموظفين أن يمضوا إلي محل وظيفتهم، و أرسل من الجيش سريتين من المشاة و سريتين من الخيالة و هي فرقة ضبطية و جعل برفقتهم رئيس فوج (طابور أغاسي)، و قسم لواء المنتفق إلي أربعة قائممقاميات، و عين الموظفين بالتدريج.

و كان أمل الحكومة أن تتخذ (سوق الشيوخ) مركز اللواء إلا أن و خامة هوائها منعت من ذلك فتقرر بناء مدينة باسم (الناصرية) في محل معتدل، و أن تكون طرقها واسعة بمقدار 25 ذراعا و أن تكون في وسط اللواء، فوقع الاختيار علي المحل الموجودة فيه اليوم.. و تقرر إنشاء دار للحكومة و جامع و أبنية أخري، و بهذا صار يتقرب الأهلون للحضارة و المدنية، فشرعوا في هذا الأمر.. جرّبت عين ما كانت جربته في بابان.. و كان أمل نجاحها كبيرا.

و أعلن بيان هذا مفاده:

«أيها المشايخ و الأهلون في ديرة المنتفق!

أنتم جميعكم من تبعة الدولة.. و أراضيكم قابلة للعمارة أكثر من غيرها. و قد بقيتم محرومين من الراحة و الرفاه و الأمن و الدعة و العمارة مما ناله الأهلون في المواطن الأخري، و صرتم في حالة ضيق و عناء..

من جراء الالتزام و الرسومات التي تؤدونها و كان من اللازم تطبيق الشريعة فيما بينكم، فصار يراعي النكال، فيؤخذ من القاتل ألف شام و هكذا من يتعدي علي العفاف يؤخذ منه (الصيحة)، مثل

هذا شأن (الداودية)، كما أنه تجري المصادرات.. مما لا يرضي به السلطان،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 230

و أن الحكومة وضعت قوانين و نظامات منعت بها أمثال هذه الأمور و صارت تجري الألوية علي نظام العدل و الرأفة.. و أن قطعة هي جزء من بغداد لا يسوغ بقاؤها علي هذه الحالة، فيحرم الأهلون من العدل و الشفقة فيها دون غيرها.. فلزم إدخالها في عداد ألوية بغداد لتكون في فلاح و نعيم.. و تطبق في حقها أصول الولاية.. ففعلنا ذلك، و جعلنا المتصرف عليها ناصر باشا، و جعلنا معه موظفين للقيام بهذه المهمة..

فكان هذا من متممات الأعمال الخيرية..» (و ذكر توضيحا عن التنظيمات فقال:

«هذا ما اقتضي أن تتخذ للمنتفق إدارة جديدة و لا غرض إلا أن ينال الأهلون حقوقهم الصريحة و ينالوا العدل و الرأفة.. فليكن معلوما لكم أننا قد ألغينا النكال و الصيحة و الداودية و أمثالها من الرسوم التي لم تكن مشروعة، و أن الأعمال ستجري وفق الشرع و القانون، و المصادرة و التجريم ممنوعان.. و كل أحد أمين علي ماله و ملكه.. و له حق التصرف بأراضيه المنتقلة إليه من آبائه و أجداده بصورة مشروعة..

و ألغيت كافة العوائد و الرسوم من خيول و سمن و أغنام.. و كذا ألغيت المقاطعة و الالتزامات كما هو أصولها الجارية إلي هذا اليوم، و لا يؤخذ من الحاصلات أكثر من العشر، و سوف يعاقب من خالف ذلك أيا كان.. و المراجعات و الشكاوي تجري علي الترتيب فالمدير يشتكي عليه عند القائممقام و القائممقام عند المتصرف، و المتصرف لدي الوالي..

هذه خلاصة ما سنعمله، و سنشاهد آثاره الفعلية و النافعة في القريب العاجل بلا شك و لا شبهة

إن شاء اللّه..» اه.

هكذا قالوا و إن سوء الإدارة ولدته الحكومة. تأخذ الضرائب، و لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 231

تكتف بمقدارها المعين و إنما تزيدها في كل ثلاث سنوات من جهة، و تقتطع أقساما من الأرضين. و أما العادات التي جروا عليها فهذه كانت تؤخذ حسب المعتاد، و ذكرت أنه إذا حدث اختلاف بين الشيوخ تؤخذ (رضوة). و هذه كانت قديما يأخذها شيوخ المنتفق إلا أنها تركت من أيام ناصر باشا، و أيام فهد بك، و منصور بك، فلا وجود لها اليوم، إلا أن جريدة الزوراء ذكرتها بقصد التنديد بالعوائد المألوفة، و أن الحكومة عزمت علي تطبيق الإدارة المدنية.. و منعت ما كان يؤخذ من الاحتساب و التمغا و الباج و أمثالها مما لا توافق رسوم الدولة و لا تنطبق عليها.. و كلها تعين سوء الحالة و غالب العشائر هاجر إلي مواطن أخري للخلاص من هذه الشرور، فالحكومة تطلب بدل الالتزام صافيا، و الشيوخ يريدون نصيبهم، و كذا سائر الرؤساء الصغار و هكذا فكان البلاء مضاعفا، و الحق أنهم كانت تنتهك حرمتهم، و يتحكم بهم كل واحد.

كانوا في أيام التغلب بنجوة من هذه الرسوم. و إن بدلات الالتزام مع اقتطاع قسم أنهك كاهل العشائر.

و من أراد أن يعرف نصوص الالتزامات فليرجع إلي كتاب (مباحث عراقية).

مستشفي الغرباء

إن مدينة بغداد و إن كانت تحوي ما يزيد علي (150) ألف نسمة، و فيها غرباء و أجانب. ليس فيها مستشفي يلجأ إليه، و لا طبيب و لا صيدلي.. و هذا نقص كبير يجب تلافية و في جانب الكرخ حديقة تابعة لوقف مدرسة سليمان باشا و هذه يجب استئجارها و اتخاذها مستشفي إلا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7،

ص: 232

أنها تحتاج إلي مبالغ طائلة، و لا يتم هذا إلا باشتراك الأهلين و تعاونهم و بذلهم في هذا السبيل.

و لما أعلن الأمر صار يتسابق الناس في الاشتراك في هذا العمل، و يتقدمون لجمع الإعانة و أبدوا كل حمية فقدموا ما عندهم، فتبرعوا.

و هذه من أعمال مدحت باشا الخالدة في بغداد، و آثاره الناطقة و قد أصابت هذا المستشفي تقلّبات كثيرة، و لم يبق علي حالته، أوضحت عنه و فصلت ما جري عليه في (كتاب المعاهد الخيرية) في العراق. و لا يزال ينطق بتاريخه في أعلي البناية.

عشائر كردية

في هذه الأيام هاجت عشائر الكرد:

1- بي توي. من عشائر إيران في الحدود.

2- باروند. و هذه أيضا من عشائر العراق.

3- السنجابية. أقرب إلي الاتصال بالعراق و هي إيرانية. و دالبان فرع من فروعها و منهم من يسكن قرية (طالبان) العراقية.

4- الهماوند. في العراق و يفرّون إلي إيران فيهاجمون الأطراف.

هاجم من هذه العشائر نحو 200 فارس الحدود العراقية.

اجتازوها، فوصلوا إلي قزلرباط (السعدية) و أوقعوا بعشيرة ربيعة علي حين غرة، فقتلوا 11 شخصا بلا جريرة، و نهبوا أموالا كثيرة.. و ذلك انتقاما لأحد رؤساء الهماوند أمين پچه، بسبب ما قام به حنيدان شيخ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 233

ربيعة من الخدمات، فأحرقوا بالنار ولديه اللذين في حضن أمهما و أسروا الزوجة.. فعلمت خانقين بذلك فأرسلت عليهم جيشا و لكن هؤلاء فرّوا من حينهم إلي ما وراء الحدود..

و ربيعة هؤلاء في أنحاء خانقين و قزلرباط و الكثرة في لواء الكوت.

ذكرتهم في المجلد الرابع من عشائر العراق.

القرعة أو التجنيد

الوالي لا يستطيع القيام بالتشكيلات الإدارية ما لم تدعمه القوة العسكرية، و إلا ذهبت أتعابه هباء و الإدارة يحرسها الجيش، و الإجراءات الملكية و المالية إنما تقوم به. فكان يحذر أن يجابهه الأهلون، و يفاجئوه بمعارضة علي حين غرة و يناله الخطر فلا يتم الغرض كما وقع فعلا من الولاة السابقين، و أدي إلي غوائل.. و الأهلون لا يقدرون الأوضاع و لا ينظرون إلي المصلحة نظرة حكيم، فأراد أن يحل المعضلة في القرعة بطريقة لا تدعو إلي قلق، فأجراها في بغداد و حدها، و إذا تم الأمر تيسر له القيام بها في أنحاء العراق الأخري بالتدريج.

و الحاجة ماسة في أخذ جيش من هذا القبيل، من جهة أن الجيش التركي لا يرابط

دائما في العراق، و لا يبغي البقاء طويلا، بل هو في ضرورة للعودة إلي أوطانه.. فأصاب بغداد نحو نيف و ثلاثمائة جندي، فقرر سحب القرعة و تجنيد من سحبت القرعة باسمهم. و في اليوم التالي بل في تلك الليلة تجمع القوم جماعات و أخذوا يهوّسون، و حملوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 234

أسلحتهم، و أعدوا العدة للثورة و العصيان، و صار يسمع صوت الطلقات النارية. هوسوا في كل مكان، و صاروا يتجولون في الطرقات، و يأتون بعض الأعمال من نهب و سلب و ما ماثل. تأهبوا للهجوم علي محلات اليهود و النصاري و صاروا يعيثون بها، فحاولوا أمثال هذه المحاولات..

و في الأثناء اعترض مدحت باشا أمر استقالته من منصبه. و ذلك أنه كان كسائر الولاة يتعهد إدارة الجيش و النظارة عليه، و لزوم إجراء الإصلاح فيه، و علي هذا الأساس قد قبل بمنصب بغداد، فعارض السر عسكر (وزير الدفاع) حسين عوني باشا بهذا الأمر المعتاد، ففصل الجيش عن سلطة الوالي و إدارته، فبلغ الوالي هذا الخبر، و أنه جري بإغراء من بعض المغرضين فعهد وزير الدفاع بأمر الجيش إلي رئيس الفيلق سامح باشا.. و من ثم رأي الوزير أنه لا يستطيع القيام بالمهمات المطلوبة منه بهذا الوجه، فطلب أن يعفي من منصبه، و أن الاضطراب من أجل القرعة وقع بعد ذلك و كان الأولي أن يتولي سامح باشا تسكين ذلك دون أن يتدخل مدحت باشا.. و لما كان هو الذي قام بأمر القرعة رأي أن التهاون في تسكين الفتنة سيؤدي إلي نتائج و خيمة، و ربما وقع مثل ما حدث في الشام..

و حينئذ لم يضع الوقت، فمضي توّا إلي القشلة (الثكنة) حينما سمع بالخبر،

و جهز جيشا لحفظ محلات اليهود و النصاري، و لمحافظة القنصليات، فأرسل المقدار الكافي من الجيش، و قطع المواصلات بين الرصافة و الكرخ حذرا من الاتصال و أن يهيج الكل معا، و كذا أحاط المدينة بجيش الخيالة لمحافظتها، و للقبض علي الفارين من الخدمة العسكرية..

و إن محلة الشيخ عبد القادر، و محلة قنبر علي كانتا في مقدمة الثوار فأرسل الوزير أربع سريات من العسكر إلي محلة الشيخ مع مدفع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 235

تحت قيادة اللواء سامح باشا، و شاكر بك و مثلها أرسل إلي محلة قنبر علي مع اللواء فيضي باشا، و زودوا بما يلزم من الأوامر الشديدة و خولوا كل صلاحية..

فلما رأي الأهلون عزم الحكومة و درجة الاهتمام، و حسن التدابير، تفرقوا، فلم يجد الجيش ضرورة لاستعمال السلاح، و أسكنت الفتنة، و قد ألقي القبض في الليلة التالية علي جملة من الأشخاص يبلغ عددهم 180 نفرا، فمن كان من هؤلاء الأشقياء يدخل أسنان الخدمة العسكرية أخذ بلا قرعة، و الباقون أحيلوا للتحقيق عن أحوالهم و إجراء محاكمتهم..

و من ثم أجريت القرعة، و أخذ من أصابته دون أن تحصل للجيش مقاومة أو معارضة فكانت هذه مقدمة أخذ القرعة في الألوية دون العشائر لأنهم أغفل أمرهم، و أعفوا. فمضت بلا زعازع و لا أدت إلي حرب أهلية مع الجيش.. كما كان يظن.. فحصل الهدوء بلا تلفيات و لا وقوع في مأزق حرج..

و علي كل حال انتهت أمور القرعة، و تأسس التجنيد، فكانت تلك البذرة الأولي و كان الولاة قبل ذلك قد تعبوا في تنفيذ الخطة. لقيت صدمة في أيام مدحت باشا إلا أنه ذلّلها.

و من مجموعها يتلخص ما وقع، و يعرف ما جري

ثم إن المقبوض عليهم تجاوزوا (200) و إن الذين هم ضمن الأسنان العسكرية نحو 10 أو 15 و كانت المحلات التي شاغبت هي محلة الشيخ و قنبر علي و محمد الفضل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 236

رسم النخيل

كانت القاعدة في ضريبة الحاصلات تجري علي الخمس أو العشر، و هذا يكون بطريق التخمين أما النخيل فكلفتها كبيرة، و حاصلها لا يتم في آن واحد فيتيسر أخذ العينيات، فيصار إلي طريق التخمين.. لكن ذلك لا يكون علي وجه الصحة، إلا أن الفرق قليل، و التخمين تقريبي..

و الصعوبة ظاهرة في استخراج حصة الحكومة، فكانت تميل إلي إعطائها بالالتزام، و في هذه الحالة نري ربح الملتزم في زيادة الحاصل، و في زيادة التخمين ظلما.. و من جهة أخري تجري الحيل في التخمين أيضا.. و هنا الربح الزائد، و القسر يكون علي صاحب النخيل و الحكومة تستوفي نصيبها و لا تنظر أمرا آخر.. مما أدي إلي عدم العناية و الاهتمام بالمغروسات، بل تعطلت حذرا من ظلم الملتزمين و تعديهم.. فكان هناك فوات المنفعة بل دمارها علي الأهلين و الحكومة معا.

و من ثم و تلافيا لكل ضرر يلحق راعت الحكومة أيام مدحت باشا أن النخلة بصورة وسطية لا تأتي بأكثر من 20 حقة تمرا سنويا، و التمر العادي تساوي الحقة منه بصورة معدلة 20 پارة فالمحال التي تعطي العشر مثل بغداد و جوارها من الأمكنة تكون رسومها أما حقتين أو 40 بارة و تحصيل البدل أيسر علي الحكومة و الأهلين فلا يستدعي كلفة و تشويشا.. فظهرت الرغبة في ذلك، و تلقوها بالقبول.. و طلب الأهلون أن تكون دائمة غير مقيدة بخمس سنوات ليراعي ما يحصل من تبدل في المدة في

السعر قلة أو كثرة..

و أهل قضاء الخالص كانوا يؤدون الخمس، فطلبوا أن يشملهم هذا الأمر فيؤدوا قرشين عن كل نخلة بدل الخمس..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 237

الخرص في البصرة

إن مدحت باشا كان قد ذهب إلي البصرة، و اتصل بأهليها، و عرف ما يجري من رسوم النخيل، و هي أكثر موارد رزقهم.. فوجد أن الحكومة كانت تجري التخمين علي النخيل، بواسطة خرّاصين و هؤلاء يضرون هذا و ينفعون ذاك، و بهذه تجري مظالم كثيرة، و أن الحكومة لا تنتفع الانتفاع الصحيح أيضا، فيكون في ذلك ضرر عام.

و هذه الطريقة حادثة، جرت عليها الحكومة، و لا يدري زمن اعتبارها في حين أن الدولة الإسلامية الأولي من أيام عمر رضي اللّه عنه كانت تجري في نخيل البصرة علي الجريب يقدر نخيله في مواطن متعددة و يحسب ما يستحقه أغلبيا و تقدر قيمته.. الأمر الذي يسهل علي الناس، و هو سريع جدّا، و يصح أن تعين المساحة قبل الحاصل و أن مدحت باشا قد ذاكر الأهلين فأبدوا له مطالعاتهم، فوافق علي الجريب.. بعد مراجعة أهل الخبرة.. فكانت هذه الطريقة أسلم من غيرها، و ليس فيها غدر علي أحد.

و من ثم صارت تؤخذ رسومات أميرية عن كل دونم 15 قرشا سنويا، و ألغي (الخرص).. فكانت تؤخذ مساحة الكل، و لا يترك من الأراضي ما هو غير مغروس، و إنما كانت الأرض الخالية داخلة في الحساب مما دعا الناس أن يغرسوا مواطن الخلل أو ما يتحمله الدونم أو الجريب. غرسوا الأراضي الخالية، فلم تمض مدة حتي قام الأهلون بمهمة الغرس، و نشطوا للعمل..

و كانت واردات البصرة سنويا 48 حملا من النقود، فبلغت بعد سنتين (70) حملا و تجاوزت ذلك فانتفع

الميري أكثر مما كان مأمولا و جري الأمر بانتظام و ضبط تامّين..

أما بعض المحال الأخري البعيدة أو المنقطعة عن العمران فإنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 238

اعتبر لها طريق آخر في استيفاء الرسوم. فإن البصرة لم تكن مغروسة بأجمعها و بصورة متصلة و بعضها لم تغرس نخيلا، و إنما نري فيها أشجارا و محاصيل أخري.. و مثل هذه وجب أن تنفرد بحكم و لكن الوالي لم يرجع إلي الخرص بوجه، و إنما قدّر علي النخلة الواحدة من (40) بارة إلي 3 قروش بصورة متفاوتة، و عيّن لها مقطوعا..

و بذلك انتظم أمر النخيل بصورة لا تدعو إلي تذمر.

الفيلية- إيران:

بعض أهل الشقاوة من هذه العشيرة تجاوز الحدود إلي ما بين شهربان و قزلرباط في الجبال هناك، فصادفوا رئيس الخيالة راغب أفندي و معه نفر ضبطية جاؤوا لأخذ المحبوسين، فأطلقوا عليهم النيران، جرحوا الرئيس و سلبوا أسلحته. أخبر بذلك مدير ناحية قزلرباط (السعدية) فجهزت العساكر لتعقيبهم نحو 15 ساعة، فمضي أولئك إلي الحدود فوصلوا إليهم قربها فجرح منهم أربعة و استعيدت منهم المنهوبات، و أخذت منهم ثمانية من الحيوانات إلا أنه لم يتيسر القبض علي واحد منهم.

و كان قد هاجم قبل أيام 35 شخصا من قبيلة ملكشاهي من الفيلية مزارع قرية زرباطية، و سلبوا و نهبوا، و من ثم تعقبوهم فقتل اثنان منهم و جرح البعض، و استردت الأموال المنهوبة. و هؤلاء مضوا إلي الحدود فنجوا..

و كانوا قد هاجموا ربيعة في أنحاء خانقين فانتهبوا أموالهم و مواشيهم، و قتلوا الكثيرين منهم حتي أنهم أحرقوا ولدي شيخ ربيعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 239

بالنار، و هكذا فعل السنجاوية و غيرهم من الإيرانيين. أوقعوا الأضرار بالسكان و القوافل..

ذلك ما دعا أن تبعث الحكومة (قدري بك) للمفاوضة. و كان أرسل خصيصا لهذه المهمة.

جاء ذكر أميرهم حسين قلي خان في 10 ربيع الأول سنة 1288 ه و عدد 148 من الزوراء. و الفيلية ببغداد منتشرون بكثرة. أفردت البحث في تاريخهم في كتاب (اللّر- الفيلية). و الملكشاهية منهم منتشرون في الأنحاء العراقية. و منهم جماعات كثيرة.

قيادة الفيلق:

أبقيت كما كانت بيد الوالي مدحت باشا، و إن وكالة القيادة صارت لرئيس أركان الجيش سامح باشا، و صدرت بذلك الإدارة الملكية، فانتهت المشادة بين مدحت باشا و ناظر الحربية (وزير الدفاع).

مديرية الدفتر الخاقاني:

وجهت إلي عثمان وافي رئيس كتاب الغابات.

المدرسة الرشدية:

تم بناؤها ففتحت علي أن تعلم مقدمات العلوم.. فدعي الأهلون لتقديم أولادهم ليدرسوا فيها..

و صارت بنايتها بعد إعلان المشروطية (كلية الحقوق) و آخر أمرها أن جعلت متصرفية لواء بغداد. فكانت الرشدية أول بذرة للتحصيل، و لكن تحصيلها كان بسيطا جدا. و تدريساتها مختلفة و ناقصة، تدرس العربي باللغة التركية، و يعلمه أحد المعلمين من الترك، و هكذا سائر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 240

الدروس.. و كان قد أعلن عنها لقبول الطلاب و تسجيلهم إلي 15 رجب من هذه السنة..

و هذه المدرسة من أعمال مدحت باشا. رأي أن قد تأسست مدارس رشدية في بلدان عديدة، فقام بهذا العمل.

و كانت الدولة العثمانية قد قامت بتأسيس المدارس الجديدة في سنة 1262 ه من الابتدائية و الرشدية. و من ثم و بالنظر للتاريخ المذكور نعلم درجة التأخر عندنا، فقام هذا الرجل بتأسيس مدرسة الصنائع و هذه المدرسة، و كنت أنا من متخرجيها أيام ولاية المشير فيضي باشا بالوكالة. تخرجت سنة 1319 رومية أي سنة 1321 ه- 1903 م في صيفها.

اختلاس:

قد استخبر أن قائممقام خراسان عزيز بك قد اختلس، فعين مكانه عبد العزيز أفندي وكالة.. و أخذ للمحاكمة.

قضية الدغارة

كانت تجبي الأموال الأميرية بقوة الجيش، و آمال الحكومة مصروفة إلي طريق الإصلاح فلم يتيسر، فالعشائر لا تؤدي الرسوم المطلوبة، و لا تزال ذممها مشغولة بالمقادير العظيمة.. الأمر الذي دعا أن تركن الحكومة في هذه المرة أيضا إلي قوة جيشها المسلح و سوقه علي عشائر عفك و الديوانية كما هو المعتاد قديما، فذهب إليهم فوج من الجيش تحت إمرة زعيم و معه متصرف الحلة..

و لما كانت هذه العشائر من الزراع، تسكن الخيام و في حالة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 241

البداوة.. فالعسكر ذهب أولا إلي الدغارة و عفك، و كان موجود الفوج (380) نفرا، فنصب خيامه بجانب بستان إلا أن الجيش لم يحترس و لم يتخذ الاحتياطات اللازمة و لم يلتفت إلي أن مزارع الشلب تعرقل الحركات العسكرية. لم يشعروا بالخطر.. أما العربان فهم متيقظون لمثل تلك الأوضاع و الاستفادة منها..

يضاف إلي ذلك أن أصل المدينين بالأموال الأميرية هم الشيوخ و الرؤساء، فأثاروهم و تمكنوا من جمع نحو ثمانية آلاف أو عشرة آلاف، فأحاطوا بالجيش من كل صوب، و قطعوا عنه الماء، تصدي الفريقان للحرب و الدفاع، و دامت الوقائع الوبيلة مدة ثلاثة أيام بلياليها، و بقي الجيش بلا ماء. أصابه العطش، و نفدت أعتدته الحربية، و لم يبق لديه ما يتمكن من الدفاع به..

و في هذه المعارك قتل الزعيم و المتصرف و المقدم، و أكثر الضباط و الأفراد و تفرق الباقون، فوقعوا في أيدي العربان.. فكان من نتائج ذلك أن أظهر سائر القبائل العصيان، و قطعت الأسلاك البرقية، مما دعا أن يجهز مدحت باشا الفريق

سامح باشا بجيش يبلغ بضعة أفواج كما أنه ألحق بهم ما كان في بعض المواطن مما أمكن أخذه فضمهم إليهم..

و هكذا أوعز إلي متصرف المنتفق ناصر باشا المعيّن أخيرا، و إلي أخيه منصور باشا و في هذه الحالة أراد ناصر باشا أن يبدي صدقه و إخلاصه، و أن يقوم بما يرضي الدولة بشوق و نشاط.. فلما وصل إليه كتاب مدحت باشا نهض بأربعة آلاف خيّال، فجاء إلي الديوانية، فاتصل بسامح باشا و وحّدوا جهودهم..

هذا، و القوة العسكرية المحتشدة في الديوانية كانت سبعة أفواج من المشاة، و كتيبة خيالة نظامية و أربعة آلاف خيال من المنتفق و أكثر من 1500 من خيالة الكرد و الچچن مع مدافع و عتاد حربية و معدات أخري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 242

كاملة.. فلما وصل الفريق سامح باشا إلي الديوانية بقي شهرا لم يقم بعمل ما، و لا زوال أمرا فحمل العربان هذا إلي أنه خائف محترس، و من ثم أخذوا في الاشتباك مع الجيش و محاصرة البعض منهم في قلاعهم.. و ضيقوا أنفاسهم..

و كانت هذه العشائر من الخزاعل القاطنين هناك و من بني حكيم و الجبور و البو سلطان و غيرهم. فقاموا في محاصرة نفس الديوانية التي تجمعت فيها القوة.. و لم يكتفوا بذلك بل انتهبوا المعدات و المؤن المرسلة من جهة الحلة علي طريق الفرات، فصارت الحالة تكتسب و خامة و أهمية، اتخذوا ذلك وسيلة فقطعوا الطرق، و دمروا الأسلاك البرقية، و لم يعد في الإمكان أخذ الأخبار..

فلو دام الحال إلي أكثر من ذلك ازدادت الوخامة سوءا إذ لم يبق في بغداد جند أكثر من فوجين من المشاة و المدفعية، و لم يعد في الإمكان إمداد الجيش

بعساكر كافية الأمر الذي دعا مدحت باشا أن يذهب بنفسه فاختار نحو 300 جندي من الفوجين المذكورين و أخذ معه يحيي بك المقدم الركن الذي كان آنئذ (في بغداد)..

أما الديوانية فكانت تبعد عن بغداد 32 ساعة، و بينهما الحلة، فلما وصل مدحت باشا إلي الحلة رأي أن الفريق سامح باشا و ناصر باشا و أمير اللواء أحمد باشا و كثيرا من الضباط و الأمراء كانوا يفكرون فيما يجب أن يعرف عن أخبار المحصورين في الديوانية و يتطلعوا إلي ما هناك إذ ورد طاهر بك رئيس أركان الحرب للفرقة التي هناك استعانة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 243

بنحو ثلاثين خيالا من الجبور الذين لا يزالون في حالة العصيان علي الحكومة قد عاد متنكرا إلي الحلة، و معه مضبطة تنبي ء بأن قائد الفرقة العسكرية و جميع الأمراء و الضباط قد تحقق لهم أن الثوار لا يزال يتكاثر عددهم، و يحملون السلاح الصالح للاستعمال، فلم يجدوا نفعا في الحرب معهم، كما أن انصرافهم للزراعة أولي من سفك الدماء و تعطيل الأعمال الزراعية، فرأوا أن الصلح مع هؤلاء أولي حتي يحين الوقت المرهون، فأجري ذلك معهم..

أما طاهر بك فإنه بيّن شفاها أن إجراء ذلك، و عقد الصلح، و إعطاء العربان تأمينات رهائن و تقديم الفريق بيورلدي (أمرا ساميا) مع المصحف الشريف مربوطا به مما يكسر هيبة الجيش، و يمحو شوكة الحكومة و سطوتها، و سوف يؤثر هذا في جميع الخطة العراقية لا في ذلك الموطن و أهليه وحدهم، فتخرج الإدارة من يد الحكومة، و تكون العاقبة و خيمة جدا..

ذلك ما دعا مدحت باشا أن يرسل تحسين أفندي مرافقه الرئيس الأول الذي بمعيته كما تعهد هو بأن يقطع المسافة

البالغة 14 ساعة في ثلاث ساعات و يخرق صفوف العشائر فتعهد أن يصل إلي الفرقة، فكتب مدحت باشا معه كتابا في لزوم خروج سامح باشا و نصب أحمد باشا أمير اللواء مكانه، و مما كتبه إليه أن يلغي المضبطة و يجعلها كأن لم تكن و أن مدحت باشا متهيي ء للسفر إلي ناحيته بنفسه و معه فوج من الجند، و هو في طريقه علي الفرات عازما الوصول إلي الدغارة.. و من ثم فسخ أحمد باشا المقاولة المعقودة مع الثوار، و أبقي فوجين من الجند في الديوانية و ما بقي من الجيش خرق صفوف العشائر بما عنده من العساكر و جاء إلي صدر الدغارة التي ذكر مدحت باشا أنه يصلها..

أما مدحت باشا فإنه بما عنده من الجند و هم نحو ثلاثمائة، و ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 244

قدر أن يجمعه من الأفراد المبعثرين هناك، أبلغ ذلك فوجا، و في اليوم التالي خرج من الحلة، و تحرك نحو الموقع الذي عينه لأحمد باشا فجاء إلي صدر الدغارة و هو منتصف الطريق ما بين الحلة و الديوانية و من ثم اجتمع الجيشان هناك..

و كان أمل الوزير أن يقطع المياه من المرور في شط الكار الذي يخرج من الجهة الشرقية من الفرات و يمضي في سهول واطئة حتي يصل إلي شط الحي فيعود إلي الفرات، و يتكوّن منه في طريقه أهوار بمسافات بعيدة و يعتز أو يحتمي بالعشائر في اليبس فيما بينها، و لا تصل إلي مواطنهم هذه مرميات المدافع، و لا يستطيع الجيش اجتيازها لأنها ليست عميقة فتستعمل الزوارق مما يعطل الوصول إليهم.. فرأي أن يعمل سدا فيقطع المياه ليحصل يبس في الأرض.. فحطّ الجيش هناك بصورة

منظمة.. و معهم خيالة المنتفق مع ناصر باشا.

و هناك تجمعت العشائر و صارت تضارب الجيش إلا أن بنادقهم لا تصل إلي مواطن العسكر، و أن الجيش كان يضربهم بالمدافع، فيقتل منهم الكثير.. و في الأثناء باشر بالعمل، و أن أهل الهندية كانوا عارفين في عمل السد، تعهدوا بسده بسهولة لمدة قدّرت باثني عشر يوما.. و أن العشائر أحاطت بالجيش ثلاثة أيام، فصاروا يطلقون الرصاص إلا أن طلقات المدافع و البنادق دمرت فيهم كثيرا، و لم يتضرر العسكر و في هذه الأثناء جاء شيخ الجبور و هو الشيخ خليل فطلب الأمان، و الدخالة و معه ألفان من الخيالة، فاتخذ له محلّا مناسبا خارج العسكر، و في ليلة هاجم خيالة المنتفق علي حين غرة و أوقع بهم الأضرار، إلا أن العساكر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 245

النظامية دمرته، فذهب خائبا و فرّ.. فعلم العشائر يقينا أنهم لا يستطيعون مقاومة الجيش بالرغم من أن مجموعهم بلغ المائة ألف و أكثر، و جسّرهم علي هذا ما رأوا من فرقة الديوانية من برودة و تهاون، و ما شاهدوا من تسامح معهم..

و لما علم الثوار أن عبد الكريم شيخ شمر قد ورد أنحاء بغداد، حاولوا أن يمنعوا الاتصال به، كما أن سد النهر مما يؤثر في كل هؤلاء.. فصاروا يهاجمون متواليا و من كل صوب.. و هاجموا سرية عسكر كانت قد خرجت لتدارك التبن للحيوانات، فعلم الوزير بذلك فسير سريتين من كل فوج لإمدادهم و معاونتهم فجرت معركة حامية سقط فيها من العسكر ستة أفراد و جملة من الجرحي، و من الثوار قتل أكثر من خمسمائة، و فر الباقون، و رموا بأنفسهم في شط الدغارة، فقد ملّوا، و لم يبق

لهم عزم في البقاء..

و استفادة من هذا القرار صدرت الأوامر بلزوم تعقب أثرهم بواسطة خيالة الجيش النظامي و من المنتفق و الچچن و الكرد و البغالة فألقي القبض علي الكثير منهم، و وجد معهم الأسلاك البرقية..

و في كل ذلك لم يقف أمر الاشتغال في السد، و في اليوم الثالث عشر تمّ، فانقطعت المياه ثم صار يقل ماء الأهوار، و تيبس الأراضي..

و من هنا حصل يأس كبير.. في العشائر، فأظهروا حينئذ الندم، و طلبوا العفو.. و بعد أن دامت الفتنة نحو شهرين زالت من البين، و لم يبق لهذه الغائلة أثر مهم، لما قام به الوزير من إجراءات و تدابير صائبة..

و هذه الغائلة من أهم ما حدث في العراق من الغوائل، فلم يعهد أن اتفق جميع العشائر هناك علي محاربة الحكومة، و كادوا يقهرونها..

و لم يشترك مع هؤلاء أهل الهندية، فلم يبق أحد إلا اشترك من سائر القبائل. و كل ما يقال عن هؤلاء أنهم لا يفرقون بين الخير و الشر، و إنما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 246

يطيعون رؤساءهم و شيوخهم دون أن يعلموا السبب.

قالوا: و هؤلاء الشيوخ هم أصل الفتن.. خصوصا أن ما وقع في الديوانية من قتل الجيش و المتصرف كان سببه الشيخ دنان رئيس عفك، و الشيخ بدوي رئيس الدغارة، فهؤلاء كانت بذمتهم أموال أميرية كثيرة، و لم يقدموها بل حاولوا إثارة القلاقل ليسلموا من ذلك مما دعا إلي وقائع مؤلمة من الطرفين.. فقد ساقوهم إلي الثورة..

أما الوزير فإنه أبقي في الهندية قسما من الجيش و مضي الباقون إلي الديوانية، و أعلن العفو العام عن الأهلين، و جعل هدفه الرؤساء المذكورين، و أن يتحري عن أفراد الجيش و المدافع و المعدات

فتمكن من استعادة الكثير منها، و من أفراد الجيش و عودتهم.. أما الرؤساء دنان و بدوي فقد فرّا، و لكن شيخ المنتفق ناصر باشا بذل الهمة، فألقي القبض عليهما، و أجريت المحاكمة في المجلس العسكري و حكم عليهما بالإعدام لما ارتكبوا من أعمال ضد الجيش.. فصلبا علي جسر الديوانية.. و بعض الرؤساء من عشائر الديوانية أيضا ألقي القبض عليهم، فنفوا إلي روم ايلي..

و بذلك انتهت واقعة الدغارة. و في هذه الواقعة أبدي كل من ناصر باشا و أخيه منصور باشا من الخدمات الحسنة، و الهمم العظيمة ما يستحقان عليه كل تقدير لدي الوالي مدحت باشا.

و مما يذكر أن شيخ عشائر شمر الشيخ عبد الكريم كان قد ورد بغداد كما تقدم، و جاء إلي الوزير و هو في الديوانية بداعي أنه جاء لمعاونة الحكومة في تسكين الثورة إلا أنه وجدها قد هدأت، و انتهت الحالة بسلام.. أما الوزير فإنه اشتبه من وضعه، و لكنه لم يبد شيئا ينفره، أو أن ذلك فسر بما سيقع.. فأخذه معه و عاد إلي بغداد في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 247

كانون الأول. كما أن ناصر باشا رجع إلي المنتفق..

هذا، و أعتقد أن الواقعة مبالغ فيها و لم تكن بهذه الدرجة إلا أن الحكومة كانت في ضعف و أن الأشخاص الذين قتلوا، و الفوج الذي قضي عليه قد فتّ في عضد الحكومة، و أن المقاومة كانت كبيرة.. و إلا فلا نري ذكرا للعشائر الأخري، فلم يعين شخص منهم.. و يصح أن يكونوا قد ساعدوا القوم في الخفاء.. و لكن اقتدار مدحت باشا أظهر القضية بهذا الوجه ليبدي أنه قام بعمل كبير، و أعلنها لحكومته بهذه الصورة ليبرز عظمة ما تمّ،

و ليغطي أمر ما وقع.. فكأن الغائلة عالمية أو هناك خطر حاق بالعراق فأنقذه منه..

و من الغريب أن نري الأستاذ سليمان فائق قد جعل سبب هذه الفتنة ناصر باشا في حين أن مدحت باشا هو الذي دعاه و كان يثني عليه و علي أخيه منصور باشا بما تقدم الكلام عليه. و لو أننا رأينا (علي حيدر بك) يكتب هذه الواقعة في أعمال والده و يستند إلي مراجعها الصحيحة الرسمية و مذكرات والده لكان للأستاذ العذر. أوضح أن ما صرف من مبالغ و ما قتل من نفوس كان بسبب من ناصر باشا في حين أن الحكومة حاولت جباية الميري، فحرك رؤساء العشائر الفتنة فاشتعلت.

و عدّ الأستاذ سليمان فائق أن هذه الواقعة مما أثر في الوالي لما طرأ فيها من حالات فصار يحتاط أكثر مما يجب، فلم يستطع أن يقوم بالخدمات المطلوبة منه و عدّ من جملة ذلك أمر لواء المنتفق، يريد أن يتحرك الوالي علي ناصر باشا بعد أن قام بما قام به من مساعدة و ما فعل من الخدمات الجليلة في (واقعة الدغارة) فيغضبه و يجعل العراق في نار مشتعلة و الحكومة في عداء للكل، فلم تبق علي صاحب في حين أنها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 248

كانت في بداية تشكيل جيش، و في حاجة إلي أعمال أخري. تغافل عن ذلك كله و أظهر هذه الآراء بعد الوقيعة بمدحت باشا و النفرة من أعماله.

و جاءت واقعة الدغارة بما ملخصه:

إن المقاطعات في لواء الديوانية كان يلتزمها شيوخها، و هؤلاء يحدثون شغبا دائما للتخلص من بدلات الالتزام، فتكون التحصيلات في توقف.. علم بذلك الوالي كما عرف أن أيام الجباية و تأدية التقاسيط تجعلهم يولّدون الأراجيف، و ما من شأنه أن

يثير قلق الأهلين، بل يقومون فعلا بالعصيان و الثورة علي الإدارة..

و في هذه السنة قامت العشائر في أنحاء عفك، و الدغارة، و بعض العشائر من الخزاعل مثل الشبل، و الشلال، و الغزالات، فارتكبوا بعض الأوضاع كقطعهم الأسلاك البرقية بين بغداد و الهند..

ذلك ما دعا الوالي أن يسيّر القائد سامح باشا لقمع هذا العصيان، فأخذ معه فرقة عسكرية و ساق إليهم قوة بنفسه.. و قد وردت الأخبار أن هؤلاء جاؤوا إليه جماعات و عرضوا الدخالة، و طلبوا الاستيمان.. و أن مثيري هذه القلاقل قبض عليهم، و تقرر أن ينالوا ما يستحقون من عقوبة.

و جاء أيضا:

إن القوة العسكرية التي كانت ذهبت إليهم، قد ألحقت بها قوة أخري بفوجين تحت قيادة أمير اللواء أحمد باشا.. و إن الوزير ساق مقدارا من الفرقة العسكرية منها فوجان كانت بنادقهم من أمهات الإبرة، و فوج آخر شيشخان و ثلاثة أفواج مشاة و سريتان من الخيالة و نفرات موظفة فوصلوا إلي قرب قلعة الدغارة، فوجدوا العصاة قد تحصنوا في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 249

القلعة، فبدأت القوة العسكرية تضاربهم، و كان مع القطعة مدفعان فضربتهم بها فدمرتهم، و فرقتهم ثم ذهبت من هناك إلي قبيلة الأقرع، و كان هؤلاء قد حاربوا الجيش، و قاموا بالعصيان هذه المرة فاقتضي تأديبهم فضربتهم القوة، و استعادت المنهوبات التي كانوا قد نهبوها.

و هناك تقدمت الجيوش، و لكن أطراف المواطن أهوار، و مستنقعات، و أن العصاة كانوا يلتجئون إلي مثل هذه. فلما مرت الجيوش من هناك هاجم هؤلاء البغاة من اليسار، و صاروا يقاومون و لكنهم لم يستطيعوا أن يقفوا تجاه العساكر و يتحملوا نيرانهم.. فتركوا مواطنهم و فرّوا، فتعقبهم الخيالة، و قتلوا منهم نحو أربعين..

و الباقون فرّوا بالأهوار.. و نجوا.. و إن صعوبة المواطن جعلت هؤلاء بمأمن، و إن الجيش لا يتمكن من السير إلا ببطء و تؤدة و يخشي من الغابات و كمينها.. و كانوا فعلا قد كمنوا في غابة، و لكن المقدم علي آغا أدرك المغزي، و هاجم الموطن المظنون أنهم فيه بنيران حامية علي حين غرة.. فهلك منهم الكثير، و كان قد جاءهم بغتة ففرّوا، و أعطوا تلفيات كثيرة..

ثم مضت الجيوش نحو خيكان الصغير، فخيكان الكبير، و أخذوا معهم ما يلزم من الذخائر، و عادوا إلي الديوانية.. و التحقوا بالفرقة الأصلية..

و في هذه الحروب كلها قتل ضابط، و ستة أفراد، و ضابطان و 17 نفرا، و ثلاثة جنود خيالة من الچچن. و أما العصاة فقتل منهم الكثير..

و جرح ما لا يحصي..

ثم جاءت برقية تشعر بأن عشائر الشامية جميعها عرضت الدخالة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 250

و لم يبق إلا أشقياء عفك و كانوا قطعوا الأسلاك البرقية، فنالوا ما يستحقون من عقوبة، و ذاقوا مرارة فعلتهم.. و قد أحيط بالباقين منهم من جميع أطرافهم، و عزمت الحكومة علي تأديبهم بل التنكيل بهم.. و الأمل أن تنتهي في مدة قصيرة من هذه الغوائل..

و في هذه المرة سيرت الحكومة بكر باشا أمير اللواء من أركان الفيلق، و ساقت معه أربعة سرايا من الفوج الأول، و مقدارا من الخيالة، و قطعة من الشيشخان، و مدافع جبلية صغيرة، فذهب إلي أنحاء الحلة..

هذه هي المعلومات الرسمية التي أعلنتها الحكومة، و منها يتعين أن الواقعة معتادة، و لم تكوّن خطرا كبيرا بل لم تقف وقائعهم عند حد، و إنما تلتها حوادث أخري.

دامت ذيول وقائع الدغارة و الديوانية و الحلة فلم تهدأ الحالة،

الأمر الذي دعا الوالي مدحت باشا أن يذهب إلي الحلة بنفسه فسافر يوم الخميس 8 رجب سنة 1286 ه، فكان فيها و في الديوانية بعض الاضطراب، بل الثورة فاقتضي تأديب أهل الشغب. بقي في الحلة بضعة أيام، فطلبت بعض العشائر الأمان، و توارد آخرون، و كان غرضه استئصال من اعتاد التمرد.

رأي الوالي أن هذا متأتّ من نهر صدره بقرب الدغارة فاقتضي سد ذلك النهر ليتيسر الوصول إلي هؤلاء بلا مانع، و من ثم قام الوالي بالأمر فأرسل إلي الجيش المرابط في الديوانية تحت قيادة الركن أمير اللواء أحمد باشا أن يمضي إلي صدر الدغارة بما لديه من قوة، فمضي هؤلاء من الديوانية إلي الدغارة رأسا، و كذا الوالي مدحت باشا و من معه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 251

فمضي فوج من الشامية إلي جهة الدغارة علي أن يلحق به الجيش هناك..

و في يوم الجمعة 16 رجب سنة 1286 ه تصادمت العشائر، كانوا يهاجمونهم، و لكنهم رجعوا خائبين، و انتصر الجيش. فوصل إلي الدغارة.. و أما الوالي فإنه لم يصادف أي مقاومة. و صل إلي الدغارة و اتصل بالجيش..

و من ثم شرعوا بسد (صدر الدغارة).. بينما الفيلق مشغول بسد الصدر المذكور، إذ خرجت ثلة من النظامية الخيالة و أرادت في هذه الأثناء أن تتدارك علفا لخيولها فظهر لها العربان، و وقعت معركة، تعرضت لهم العشائر، فأدت إلي محاربة جسيمة، جاءت تفصيلاتها في برقية أرسلها الوالي تتضمن أن القوة المذكورة أعلاه مع العساكر الموظفة و الچچن (الچچان) و العشائر قد نكلت بالعصابات أثناء اشتغالها في سد صدر الدغارة قتل فيها الكثير من عشائر عفك و الدغارة و جليحة.. و في هذه المعارك كانت خدمات الخيالة من

المنتفق مشكورة، و كانت قتلي البغاة تتجاوز 500 أو 600 نسمة. و قتل من أفراد الجيش و من الخيالة واحد، و الجرحي تسعة أفراد..

فكان النصر حليف الجيش بمساعدة العشائر المذكورة و غيرها..

ثم توالت البرقيات بعد ذلك، و منها يفهم أن هؤلاء حاولوا الهجوم علي الجيش مرة أخري فلم يفلحوا، و تكبدوا خسائر كبيرة..

و الملحوظ في هذا أن الوزير لم يعتبر العربان كلهم بمثابة واحدة، و إنما ينظر إلي أصحاب إثارة القلاقل، و المحرضين، ثم من يليهم.. فيعامل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 252

كلّا علي قدر جرمه.. و في هذه الأثناء جاء السادات و التجار، و بعض شيوخ البو سلطان، و (وزير) من الخزاعل و من لاذ به من أقاربه.. كل هؤلاء جاؤوا بدخالة و طلبوا عطف الحكومة، و الباقون خافوا فتفرقوا شذر مذر.. و عفي عن الكثير ممن لم تسبق له ثورة.. و كان مع الفيلق شيخ الجبور خليل و ابنه الياس و هؤلاء فرّوا ليلا، و اتفقوا مع الخزاعل في حين أنهم كانوا قد التجأوا، ثم فروا و عصوا.. و حاولوا الهجوم علي الجيش الذي كان فيه الوالي.. فجرت المحاربة لمدة نحو خمس ساعات فقتل منهم ثمانية أشخاص، و ألقي القبض علي اثنين و اغتنم منهم نحو ألفي رأس من الغنم حاولوا تهريبها..

و علي كل حال قامت الحكومة بتأديب زبيد و البو سلطان لما أبدوا من عصيان، ففرق الجيش شملهم. و لكنهم لم يقفوا عند هذا الحد، و إنما تجمعوا في الجهة الغربية من الجيش في أطراف خيگان، و بقوا علي العصيان فجهزت عليهم قوة فنكلت بهم أيضا..

و إن الحكومة أرسلت تحريرا عاما إلي الألوية الملحقة بتفصيل المعارك و ما اقترنت به من

النصر علي البغاة.. تتضمن التبشير بما جري.. و ما حصلت عليه الحكومة من النتائج الباهرة.. و فيها:

إن عشائر البو سلطان و زبيد قد التحقت بالدغارة و عفك، فصاروا قوة ظهرهم، و اتفقوا مع العصاة.. و قطعوا أسلاك البرق، فاقتضي تأديب مثل هؤلاء.. و من شيوخهم عباس و فارس كانوا قد جاؤوا إلي الوالي مع جماعة منهم بأمل سد شط الدغارة، و أبدوا طاعتهم، و كانوا في الجهة الشمالية من الفيلق، و كذا شيخ الجبور خليل كان بفكرة العصيان، فاتفق مع عصاة الخزاعل.. ففر ليلا، و كذا البو سلطان قطعوا طريق الحلة، فتحصنوا في كتف النهر.. و من ثم أرسلت قوة بقيادة أحمد باشا مع فرقة نظامية، و خيالة من المنتفق، فاشتبكت مع الكمين في كتف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 253

الشط، و لم تظفر بالقوة العشائرية.. و انتهبت الحكومة أغنامهم البالغة أكثر من خمسة آلاف، و الكثير من خيولهم، و مواشيهم.. و لم يتعرض للشيوخ و النساء و الأطفال، و لا بأموالهم.. و استمر الجيش في تعقيب الهاربين، و كانت خيالة الجيش تحت قيادة عثمان بك زعيم الخيالة..

و معهم فوج طليعة من البغالة.. و مدفع، و من المنتفق نحو ألفي خيال..

فعلم من التحقيقات أنهم يبعدون عن خيكان بمسافة ثلاث ساعات.. في البادية، فسار الجيش عليهم، فلما سمعوا فرّوا.. و من ثم قتل من هؤلاء ما يزيد علي مائتين من الخيالة و المشاة، و نحو ضعفهم كان مجروحا، و أسر نحو 30 منهم.. و خيالة المنتفق قد غنموا الشي ء الكثير..

و علي هذا فرق شيخ الدغارة (رسن) جموعه، و مال إلي خليل شيخ الجبور، و نصب للمشيخة رئيسا الشيخ علي شيخ الجبور، و كان ضدا للشيخ

خليل..

و في هذه المعركة استشهد من المنتفق واحد و جرح خمسة..

و انتهت تقريبا هذه الواقعة، فكان ما شاهده العشائر قد قضي علي كل آمال لهم و انقادوا للحكومة، فصاروا ينقمون علي من سوّل لهم هذه الفعلة.. فتمت بالوجه المرضي.

و بعد ذلك استمرت حركة الجيش.. و صاروا ينكلون بالبغاة في أنحاء الجربوعية. جاء لإمدادهم فهد بك متصرف الديوانية، فمضي من هناك إلي نهر علاج، فحارب العصاة و لم تحدث أضرار في الجيش.

و قتل من العصاة نحو مائة، و ولوا الأدبار..

هذا، و أما السدة، فقد تمت، و كان يبلغ طولها 65 مترا بعرض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 254

20 مترا.. و بني هناك موقع مستحكم نوعا للجيش.. و لما لم يبق أمل و رأي العشائر المغلوبية الفاحشة صاروا يتوالون في إبداء الدخالة و من هؤلاء محمد الشخير و عباس من شيوخ البو سلطان، و رؤساء كثيرون عرضوا الطاعة، فأعيد نصاب الأمن إلي محله..

و من ثم عاد الوالي من الدغارة إلي الديوانية في 1 شعبان سنة 1286 ه علي أن يمضي بعد ذلك إلي الحلة و يقضي هناك مدة أسبوع، ثم يأتي إلي بغداد.

ثم إن الوالي ذهب من الدغارة إلي الديوانية و هناك ألقي الجيش القبض علي دنان شيخ البحاحثة، و علي بديوي شيخ جليحة، فتبين أنهما من جملة المحرضين علي العصيان، و كان هذا الأخير قد حارب في عفك، ثم أبدي أنه مع الجيش و أعطاه الأمان ثم غدر به.. و هكذا ظهرت الأدلة عليهما، فصلب أحدهما في رأس الجسر، و الآخر في الجانب الآخر منه.. و أبقي أمير اللواء أحمد باشا مع ثلاثة أفواج، و إن الوالي جاء بمركب إلي الحلة..

ثم جاءت الأخبار أن الوالي

بقي في الحلة يوما واحدا، ثم ركب المركب، و ذهب إلي الكنعانية ليشاهد عمل تطهير النهر، و منها ورد بغداد يوم الثلاثاء 19 منه، و كان أمله أن يؤسس خطا حديديا يوصل الفرات بدجلة من أقرب نقطة ممكنة..

و من هذا علمنا أسماء عشائر الديوانية. و البحاحثة من عفك و هي عشيرة كبيرة. و جليحة عشيرة كبيرة أيضا ذكرتهما في المجلد الرابع من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 255

كتاب عشائر العراق كما علمنا ما جاورها من عشائر الحلة مما أوضحناه في كتاب عشائر العراق الريفية المجلد الثالث.

عشائر الحلة و الديوانية:

من هؤلاء الدغارة، و عفك، و البو سلطان و الجبور بعد تلك الواقعة قد خلدوا للسكينة.. و زاولوا زراعة الأرضين، و عين لكل محله و مكان زرعه.. إلا أن عشيرة البو سلطان فرقة البو جاسم منهم قد قتلوا رئيسهم الشيخ هنديا، و أن هذه العشائر- كما هو المعتاد- لا يراجع أحد من ورثة المقتول الحكومة لاستيفاء حقه. و إنما يركنون إلي قوتهم و سلاحهم للانتقام.. و من ثم قام هؤلاء، و من يمتّ إليهم، و كذا العشائر التي يعولون عليها فصاروا يطالبون بدم المقتول.. فلما علمت الحكومة أن من واجبها صيانة الأمن و الأخذ بالحق، و أنها لا تجوز أن يركن كل إلي قوة ساعده.. أفهمت ذلك للورثة و القائمين.. أما القاتل و أقاربه فقد مالوا إلي حرز منيع من دخالة علي القبائل الأخري. أودعوا أموالهم و هربوا إلي البادية.. و لما كانت الدخالة حماية للجاني طلب إلي أولئك أن يجري قانون الحكومة، و أن يسلّم الجاني، أو أن يتركوا حمايته، و إلا ركنت إلي القوة العسكرية اضطرارا. و من ثم أرسلت قوة عسكرية إلي هناك.. و أراد

أولئك أن يستعينوا بعفك و الدغارة و الجبور فلم يلبوا الطلب و قام الجيش بمهمته بالوجه المطلوب..

هذه الحوادث جرت أيام مدحت باشا مما يتعلق بلواء الحلة، و نري أسماء عشائر عديدة، و كلها لها مكانتها، و كانت متصلة لا تفترق و إنما تجتمع دائما فيما بينها و تقرر ما شاءت، فيظهر قسم المصافاة للحكومة، و القسم الآخر يبقي علي نزاعه، و من ثم تنظم القبائل، و تسير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 256

في الخفاء و تأخذ الأخبار و هكذا أضجروا الحكومة، و الأمل لم يكن لغرض نبيل و إنما غايتهم الخلاص من الرسوم، و أن يكون الشيوخ بنجوة. استمرت مثل هذه الحوادث مدة. ذكرناها لتكون دليلا علي الوقائع الأخري..

حوادث:

1- في يوم الاثنين 21 جمادي الآخرة سنة 1286 ه ورد بغداد أحمد حمدي باشا. عيّن عضوا لمجلس الفيلق السادس.

2- فهد باشا عيّن متصرفا للواء الديوانية.

3- توفي حميد أفندي متصرف العمارة، فخلفه مراد أفندي رئيس مجلس الجناية. و يعرف ب (أبو گذيله)، و زوجته نائلة خاتون صاحبة (مدرسة نائلة خاتون) و المكتبة المؤسسة فيها ألحقت بخزانة الأوقاف العامة و كانت هذه زوجة وادي الشفلح شيخ زبيد، فلما توفي تزوجت بمراد أفندي. و هذا ولي متصرفية العمارة و متصرفيات أخري. و لما مات دفن مع زوجته في طريق الأعظمية في بستان الوقف قرب دار السبيل.

و لما توسع شارع الأعظمية. نقلت رفاتهما إلي مقبرة الأعظمية.

عشيرة الجاف:

هذه العشيرة في لواء السليمانية، و هي من العشائر الكبيرة جدا، تبلغ ذكورا و إناثا نحو أربعين ألف نسمة. و لا تزال رحّالة تقضي أيام الشتاء في العراق في قضاء كلعنبر، و أيام الصيف بإيران في أنحاء سنة، ترعي المواشي..

بقيت متفرقة، و متجولة بين إيران و العراق، فوجب أن تتعين لها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 257

مراع للإقامة في العراق صيفا و شتاء بناء علي طلب محمد بك رئيسها، و كان صاحب دراية و عقل.. و له رغبة أكيدة في إسكان هذه العشائر و أن تتوطن بأن تتخذ القري سكني لها..

تعهد للحكومة بهذه المهمة، و أن تقوم عشائره بأمر الزراعة، و أن تفوض الأراضي في الطابو لعشائره، و أن تكون لكل عشيرة قطعة..

و علي طلبه هذا رأت الحكومة لزوم تقريب العشائر من الحضارة، و أن تأخذ بناصر الراغب حبا في العمارة فقرر مجلس الإدارة قبول ذلك و عرضه علي الباب العالي، فلم يتم أمر.

دار الحدادة

إن الوالي الأسبق رشيد باشا الگوزللكي كان قد أوصي من أوروبا بشراء عدة مراكب بخارية. و آلات زراعية لبغداد، و كذا بما يلزم لها من المعامل من طورنه (تورنه) و مقراض و مثقب و ما ماثل تشتغل بواسطة ماكنة بخارية فاتخذ بمحل خاص بجانب الكرخ عرف ب (الحداد خانة) أو (دار الحدادة).

و كان هذا المعمل يشتغل منتظما، و بعد مدة طرأ عليه خلل، حتي تزايد العطل فأهمل تماما.

و في أيام نامق باشا التزم تكثير السفن البخارية، فأوصي إلي أوروبا بما يلزم من العدد، فوردت البصرة و بلغ ما هنالك خمسة مراكب بخارية، تشتغل بين بغداد و البصرة، و كذا اشتري بضع قطع صغيرة أيضا، فاقتضي أن لا يبقي هذا المعمل

معطلا فأمر مدحت باشا مسعود بك رئيس النافعة أن يقوم بتنظيف الآلات و الأدوات فيه و أن يجعلها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 258

صالحة للعمل تأمينا لفائدة الإدارة النهرية، فأصلحت.

و كذا قام المعمل بخدمات لمنفعة الجيش، و ذلك أن البندقيات المسماة (جاقما قلي قوال تفنك) عادت لا تصلح، و أن الجيش كله مسلح ب (البنادق) المسماة: (شيشخانه لي) أي (شيشخان)، و غالبه (اگنه لي تفنك) أي البندقية ذات الإبرة حتي إن الرديف مسلحون بالأسلحة النفيسة، فلم يبق لزوم في تلك البنادق. و أن بيعها بثمن بخس، أو إهمالها حتي يأكلها الصدأ غير جائز، و كان في الإمكان تحويلها إلي (تفك قابسول) أي بنادق (كبسون) من نوع الشيشخان كما ثبت ذلك بما أجري من التجربة..

و من ثم صار يقوم المعمل بهذه الخدمة أيضا. و هذا النوع من السلاح يقوم به الضبطية فيسد حاجة مهمة..

رئاسة أركان الفيلق السادس:

و جهت رئاسة أركان الفيلق السادس إلي الفريق أحمد حمدي باشا. وصل إلي بغداد في أواخر شهر رمضان، و عهد إليه بوكالة القيادة. و حصل علي و سام من الرتبة الثانية..

دفتري بغداد:

عين لدفترية بغداد أحمد راسم فوصل يوم الجمعة 22 رجب سنة 1286 ه إلا أنه لم تطل إقامته فمرض و عاد إلي استانبول.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 259

تدابير لسير المراكب:

كان يمنع سير المراكب في نهر دجلة بعض الموانع و هي:

1- سد نمرود.

2- سلطان عبد اللّه.

3- أبو شارب.

فهذه عوارض يجب رفعها.. و قد وردت الأخبار من شهرزور في هذه الأيام أن أحد هذه و هو أبو شارب قد أزيل تماما.. و قد أجري التفتيش فلم تبق عارضة سوي عارضة (السلطان عبد اللّه).. و هذه تأتي بعد أبي شارب. و لم يتم أمر، و لا أجدي تدبير..

السنجاوية- دالبان:

هاجم بعض السنجاوية من فرقة دالبان الإيرانية في أول تشرين الثاني سنة 1285 ه الأسلاك البرقية و قطعتها و كسرت الفناجين..

و هاجمت قافلة و بين هؤلاء هواس من ضباط الجيش الإيراني، و أخوه نور علي و ظاهر شواز خان ابن حاتم، و ناصر بن حوممالي دالبان، و أفراد يبلغون الثمانين من المشاة و المائة من الخيالة..

فلما سمع الجيش بهم عقب أثرهم، و من ثم تركوا المنهوبات و جميع أثقالهم الأخري.. في المحل الذي كانوا قد أدركوا فيه و هو (جبل الجص) و يسمي (كرچ طاغ).. فانهزموا شر هزيمة، و عادوا بصفقة الخسران.

و يلاحظ أن طالبان العراق منهم في قرية معروفة بهذا الاسم (طالبان) لا يبعد أن سكنها بعض أفراد هذه القبيلة فسميت باسمهم و من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 260

ثم انتسب إليها شيوخ الطالبانية، من جراء أنهم أقاموا بها مدة. فعرفوا بالطالبانية. و أمثال هذا كثير جدا.

و هؤلاء الشيوخ معروف أنهم جاؤوا أولا إلي هذه القرية فعرفوا بالنسبة إليها، و إلا فهم من عشيرة زنگنة، أو موالون لهم. و شيوخ الطالبانية أنفسهم يقولون إن أصل لفظة (طالبان) هي جمع (طالب).

كانوا يدرسون علي الشيخ محمود زنگنة و كانت القرية كلها من طلابه فسميت ب (طالبان). و هي قرية

تابعة لقضاء چمچمال و لا يبعد قبول أحد الرأيين لوجهاته و قوة تعليله. و لما كان الطالبانية المعروفون اليوم من عشيرة زنگنة فلا يؤثر عليهم أن يكون الطالبانية من (دالبان) من السنجاوية، أو من (طالبان) بمعني طلاب و هم علي الطريقة القادرية.

و تغلب عليهم السياسة في هذه الأيام. و الشيخ عبد الرحمن الطالباني المعروف من رؤساء الطريقة القادرية في كركوك.

تطهير دجلة:

تطهير هذا النهر من أصعب الأمور. كان قد سبق أن أجري تطهير (أبي شارب) ثم و جد المهندسون في طريقهم سد نمرود.. و كل ما علم أن هذا السد كان جسرا هكذا شائع بين الناس، و الحال أن هناك سدين أحدهما العواية في جهة، و جايفة في جهة أخري، و هما لسد المياه..

أما العواية فكان سدها يقصد به أن تميل المياه إلي أنحاء إربل، و هي جسر أيضا.. و أما الجايفة فإنها ليست سدا و إنما هي تلول الجبال المسلسلة و لا يمكن رفعها كما يمكن رفع العواية التي هي طبيعية..

و إنما يجب تحويل النهر بحفر مكان مجاور بطول 1600 ذراع، و عرض 25 ذراعا، و بعمق يلزم لذلك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 261

و هذا أيضا لم يتم، و لا يزال إلي الآن علي وضعه.

الصنوف العسكرية:

إن التنظيمات العسكرية كانت قد وضعت سنة 1259 ه و بمقتضاها كانت الصنوف العسكرية عبارة عن:

1- النظامية.

2- الرديفية.

سبق ذكر ذلك. نشرت في سنة 1264 ه و أعلنت للعموم.. و صدر فرمان يتضمن تقسيمها إلي:

1- النظامية. و مدتها 4 سنوات، و هي إجبارية.

2- الاحتياطية. و هذه متفرعة من النظامية و مدتها سنتان، و هي عند الحاجة و إلا يطلق سراح الاحتياط.

3- الرديفية- و مدتها 6 سنوات.

4- المستحفظة. و هذه متشعبة من الرديفية. و مدتها ثماني سنوات..

و قري ء الفرمان يوم الخميس 27 شعبان، و صدرت خلاصته في الزوراء.

هذا، و قد فصل محتوياته محمود شوكت باشا في كتابه (تشكيلات الجيش و كسوته).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 262

المراكب البخارية:

ورد في هذه الأيام (مركب الحدباء) و هذا مركب صغير، أوصي به لتطهير دجلة و الفرات بقوة خمسة حصن، ذهب مع (مركب بغداد) لكشف أمر تطهير دجلة متوجها نحو الموصل.. و سيأتي من البصرة (الشهباء) و هو بقوة سبعة حصن و ينتظر وروده مع مركب (موصل)..

و أما مركب (الحدباء فقد وصل يوم الجمعة في 12 رمضان سنة 1286 ه.

إن هذه المراكب الصغيرة استخدمت لتعيين عمق الأنهر، و ما يسع المركب من حمولة، فهي صغار جدا، و تستخدم لغرض البريد أيضا..

و لها فوائد خفر السواحل.. و اشترت الحكومة مركب بابل فذهب إلي لندن ليأتي بالمطبعة و المعامل.. و كانت قد اشترته الحكومة من الإنكليز.. و مركب (آثور) الذي اشترته من لندن أيضا..

مكتوبي بغداد:

عين صائب بك مكتوبيا لولاية بغداد. و كان معاون مكتوبي ولاية گريد..

السردار الأكرم:

السردار الأكرم عمر باشا قد سيق للتقاعد براتب سر عسكر لما رأي من الخدمات..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 263

نائب بغداد:

محمد مظهر أفندي عيّن لنيابة الشرع في بغداد، و وصل إليها في 23 رمضان و كان نائبا في بيلان.

مدحت باشا- البصرة:

في 4 شوال سنة 1286 ه ذهب الوالي مدحت باشا إلي البصرة لقضاء بعض الأشغال. و كان معه متصرف بغداد شاكر بك، و واحد أو اثنان من الموظفين استصحبهم معه.

قدري بك- إيران:

من أعضاء شوري العدلية، ورد بغداد لقضاء بعض الخصوصات الملكية بوظيفة خاصة. جاء ليلة العيد. و هذا أرسلته حكومته للمفاوضة مع إيران..

حدثت زعازع من عشائر الفيلية و غيرها فأرسل بهذه المناسبة..

كلعنبر:

كان قد نصب رئيس عشائر الجاف محمد بك قائممقاما لقضاء گلعنبر. و منح لقب باشا و منح ابنه رتبة قبوجي باشي اي (رئيس الحجاب).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 264

المراكب البخارية
(البواخر)

كانت الحكومة قد اشترت مركب (الرصافة). و بعد أن تم تركيبه و وصل إلي بغداد صار يسير بين البصرة و بغداد. و في 3 شوال عاد إلي البصرة. أما مركب (بصرة) فإنه يسير في نهر الفرات، و مركب (بغداد) يستخدم للكشف عن النهر لما هو شمال بغداد، و ملاحظة أمر تطهيره..

و مركب (الرصافة) قد خصص لنقل البريد. و هذه أضيفت إلي ما هناك من (مركب بابل) و كذا (المركبان الآخران) و بذلك توسعت (إدارة المراكب). و تسمي (الإدارة النهرية).

و في هذه الأيام اشتري نقيب البصرة السيد عبد الرحمن مركبا سماه (الفيحاء) و هو مركب صغير. ثم إن النقيب الموما إليه قد تبرع به للحكومة فصار في تصرف الإدارة النهرية.

و جاء في الزوراء أن مركب (بابل) الذي اشترته الحكومة من أوروبا ورد البصرة، و أنه سيسير بين البصرة و جدة في موسم الحج بسعر رخيص، و كان الإنكليز يغالون في السعر، و حصروا الأمر بهم، يصل إلي جدة في مدة 15 يوما و عينت له الأجرة 4000 قرش للموقع الأول و 2500 للموقع الثاني و 1200 للموقع الثالث.

متصرف الموصل:

انفصل متصرف الموصل ضيا باشا، و صار مكانه دفتري الولاية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 265

السابق آصف أفندي، ذهب إلي محل وظيفته يوم السبت 20 شوال سنة 1286 ه.

حوادث عزل:

عزل متصرف البصرة الأستاذ سليمان فائق، و المحاسب سليم، و أمين الصندوق فأخذوا للمحاكمة كما جاء في الزوراء.. و الأستاذ تدخل في أمر الالتزامات في المنتفق و إن لم يتظاهر علنا بل راعي جانب الدولة في لزوم القضاء علي هذه الإمارة. و لذا لم يترك و شأنه تجاه مناوأة آل السعدون..

و الملحوظ جدا أن عزله كان لمصلحة التفاهم مع المنتفق و إرضاء ناصر باشا الذي أصر علي تنحيته، و بيّن للوالي أنه لا يأمن من غائلته، و الوالي في حاجة إلي أمراء المنتفق حبّا في التفاهم معهم بأمل قضاء أشغاله الأخري و من هنا كان سبب ترجيحهم عليه و بعد مدة يسيرة منح رتبة ميرميران (أمير الأمراء).

الكويت

تبلغ نحو ستة آلاف أو سبعة آلاف بيت، و هي تبعد 24 ساعة عن البصرة، تقع في جهتها الجنوبية، و أكثر الأهلين هناك تجار، و ملاحون في السفن و البلدة ميناء تجاري (بندر).. و فيها نحو 100 سفينة كبيرة، و 400 أو 500 سفينة صغيرة و هذه تسير في المحيط الهندي..

و البلدة من ملحقات البصرة إلا أنها إلي الأيام الأخيرة لم تنظم إدارتها بعناية و اهتمام بل بقي أمرها بيد شيوخها و رؤسائها في حين أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 266

يجب أن تتمتع بإدارة قويمة.. و الأهلون هناك يبلغون نحو 30 ألف نسمة لا يزالون في حال العزلة.

و لما ورد الوالي البصرة وافي إليه جماعة من رؤساء الأهلين هناك و أشرافهم فطلبوا إليه أن يدخلوا ضمن تبعة الدولة، و أن ينالوا نصيبهم من الرفاه، و العدل، و أن شيخهم الحالي عبد اللّه الصباح قد نصب (قائممقاما)، و أجري المقتضي هناك، و جعل القاضي (نائب الشرعية) محمد

بن عبد اللّه العدساني، و فيها جوامع عديدة، فاختير منها خمسة كبيرة لإقامة الجمعة و الصلوات. و وجهت الخطابة لمن يقوم بالأمر.

و طلب من استنبول بروات شريفة لهؤلاء الذين تعيّنت أسماؤهم.. و أما أمور الضبط، و ضابطة البحرية فإنها في موقع الدرس. قالوا و سوف توسع التجارة و ينال هؤلاء الرفاه و العمارة و يصيبهم العدل، و العناية بعين عناية السلطان..

الكويت و تابعيتها

الكويت تبعد عن البصرة بحرا (60) ميلا و تقع في ساحل نجد.

أهلها مسلمون، و لم يكونوا تابعين لدولة.. و كان الوالي نامق باشا قد عزم علي إلحاقها بالبصرة. و أن تكون للدولة الحماية عليها.. و لكن الأهلين اعتادوا أن يكونوا بنجوة من التكاليف، و كانت إدارتهم علي البساطة لم يوافقوا أن يرضخوا لأحد.. و لم يؤدوا الضرائب و لا الرسوم الجمركية، فأبقوا علي ما كانوا.

و بيت الإمارة يمتّ إلي قبائل عنزة من القبائل العربية، مالت إلي هذه الديار منذ خمسمائة سنة، مع قسم من عشائر مطير و الأمراء ينتسبون إلي فرع من عنزة يقال له الشملان. و من هؤلاء (الصباح) باسم جدهم الأعلي فعرف بهذا الاسم، فتكون منه البيت المالك و هو الذي شكل هذه البلدة، أو كانت صغيرة فوسعها. و كانت بيد آل عريعر من بني خالد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 267

و يرجح تأسيسها سنة 1135 ه أيام صباح الأول بنيت مجددا فتكاثر الأهلون، فاكتسبت شكلها الحاضر.

و الأهلون شافعية، يسيرون طبق الأحكام الشرعية، و إن قاضيهم، و مفتيهم و علماءهم و مدرسيهم منهم.. و كانوا يدبرون مصالحهم فيما بينهم.. فلا يسيطر عليهم أحد..

و لم يكن لهؤلاء زراعة، و إنما يزاولون التجارة البحرية، و قد ألفوها من أمد بعيد.. و لهم نحو

ألفي سفينة بين صغيرة و كبيرة، و يتعاطون صيد اللؤلؤ في مياه عمان و البحرين، و أكثر سفنهم الكبيرة تذهب إلي الهند و زنكبار.

و كانوا يرفعون علما خاصا بهم إلي وقت قريب، و تحت هذا العلم يسيرون، و يتاجرون إلا أن هؤلاء منذ مدة لم يأمنوا من تعديات الأجانب و سائر الأقوام فاضطروا إلي أن يرفع بعضهم العلم الهولاندي، و آخرون العلم الإنكليزي. اعتادوا ذلك، فكان مقدمة الحماية الأجنبية.. و في بغداد و البصرة خاصة مما يدعو إلي محاذير ملكية عظيمة. ذلك ما دعا مدحت باشا أن يجلب رؤساء هؤلاء و يفهمهم الخطر المترتب، و نصحهم أن يحترسوا من عمل كهذا، و تعهد لهم بأن لا يأخذ منهم ضرائب، و لا تكاليف أخري من كمرك و ما ماثل، و اعطاهم سندا بذلك، و قبلوا أن يكونوا تابعين للبصرة، مرتبطين بها.

و عهد بقائممقامية الكويت للشيخ عبد اللّه الصباح، و أبقي القاضي و المفتي علي حالهما.. و أقرّ تشكيلاتهم. و كانت تعطي لهم الأوامر الرسمية، و البروات الشريفة للجوامع، و سائر المعاملات المشعرة بارتباطهم و تركوا الأعلام الأجنبية، و رفعوا العلم العثماني.

و هذه قائمة بأسماء أمرائهم:

1- صباح الأول. و توفي نحو سنة 1190 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 268

2- عبد اللّه الأول ابن صباح. و توفي سنة 1229 ه.

3- جابر الأول ابن عبد اللّه الصباح. و توفي سنة 1276 ه.

4- صباح الثاني ابن جابر. توفي في رجب سنة 1283 ه.

5- عبد اللّه الثاني ابن صباح الثاني. توفي في ذي القعدة سنة 1309 ه.

6- محمد بن صباح الثاني (أخو سابقه). قتل في ذي القعدة سنة 1313 ه.

7- مبارك بن صباح الثاني. توفي في المحرم سنة 1334

ه.

8- جابر بن مبارك. و توفي في شهر ربيع الأول سنة 1335 ه.

9- سالم بن مبارك. و توفي في رجب سنة 1339 ه.

10- أحمد بن جابر. و توفي 10 ربيع الأول سنة 1369 ه.

11- عبد اللّه بن سالم. الأمير الحالي.

و من هؤلاء الأمير عبد اللّه بن صباح كان أيام مدحت باشا. و في الحقيقة يرجع تاريخ إمارتهم علي الأرجح إلي تاريخ تكوّن الكويت سنة 1135 ه. و دامت من ذلك التاريخ إلي أيامنا.

تبدل في المتصرفين:

عزل الأستاذ سليمان فائق من البصرة كما تقدم و نصب مكانه متصرف كربلاء حافظ باشا، و منح رتبة مير ميران أي (أمير الأمراء).

و انفصل فهد باشا من متصرفية الحلة، و صار مكانه مظهر باشا متصرف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 269

السليمانية، و عهد بمنصبها إلي قربي باشا متصرف الحلة الأسبق. و كان هذا خطاطا، أستاذا في الخط، أخذ عنه خطاطون عراقيون إجازة في الخط. و لا يزال خطه معروفا، متداولا بين الخطاطين و عندي بعض خطوطه.

مراكب بخارية:

ورد بغداد من البصرة مركب آثور يحمل آلات و أدوات عديدة.

و اشتري من شركة صينية مركب آخر بشرط التحقيق عن سلامته و امتحان آلاته أورد إلي بومبي.. و لكنه لم يصادق عليه.. فاقتضي شراء غيره.

قرر الشراء من لندن، فاشتري بمبلغ (28000) ليرة.

مدحت باشا في البصرة

المنتفق أيضا:

كان مدحت باشا بالنظر لما قام به من الأعمال يعد من أعاظم الرجال، بل لو اجتمع مئات لما قاموا بما قام به و لكنه رأي المعارضات كبيرة، و التصلب في الآراء شديدا جدا، فكان لا يقنع بترجيح رأي لموافقته لآخر، و إنما زاول الأمور مباشرة، فلم يكن منقادا لرأي دون أن يتحقق الحالة بنفسه مما دعاه أن يذهب إلي البصرة، و يتحقق أوضاعها ليكون علي علم بما يجري أو يقع. و أمله أن يقوم بأعمال أخري أيضا. و ربما كانت الأعمال الأخري هي المقصودة. و هي قضية نجد.

سار هذا الوزير إلي البصرة، و وصل ملتقي النهرين (القرنة)، و شاهد بعينه أكثر القري و المزارع المنوي إفرازها من لواء المنتفق، و علم مواقع أخري و مزارع.. بل درس الحالة هناك من جميع وجوهها، و دعا الشيوخ و المعتبرين ممن هو قريب من تلك الأنحاء و سألهم عن أحوالهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 270

و شؤونهم، و ما يشكون من ظلم نالهم، أو تعديات لحقت بهم.. فعرف ما هناك مما يجيش في صدورهم..

و الملحوظ أن مدحت باشا لا يتسرع في الحكم و لا يعجل في الحل، و لكن الأستاذ سليمان فائق قد بيّن أنه أمر حالا أن يكون هؤلاء تابعين لقضاء القرنة و فصلهم عن المنتفق، و أكد لهم أنهم صاروا بنجوة عن التعديات، و أوصاهم أن يسعوا لأمر الزراعة، و

أن يثابروا علي ما يعود لهم بالخير، و أن يراجعوا في مصالحهم قضاء القرنة..

قال: و بعد بضعة أيام ورد ناصر باشا البصرة، و جلب الشيوخ المرقومين و قال لهم أنتم من المنتفق فلا تعرفوا غير ذلك، و هدّدهم أن يخالفوا أمره، و حذّرهم أن يفرط منهم ما يكره، و لم يكتف بهذا بل و بّخ قائممقام القرنة، و أبدي سخطه عليه. و لما وصل إلي البصرة واجه صاحب رأيه و هو اليهودي، و أخذ منه الدرس و بيّن للوزير أن تفريق هذه الأماكن و فصلها عن المنتفق يستدعي محاذير، و يخشي أن يقع اضطراب بين العشائر و الحكومة.. و كأنه يذكره بما وقع في الحلة، فاتخذ ذلك وسيلة التهديد من طرف خفي، و أبدي مطالعته في لزوم صرف النظر عن ذلك.

و من ثم أصر ناصر باشا علي رأيه، و صار مدحت باشا يلتمس الخروج من هذا المأزق و استطلع رأي الأستاذ سليمان فائق، و قال له إن ناصر باشا لا يزال مصرا، و لم يتقرب بوجه فهل في وسعنا الموافقة علي ترك هذه الأماكن تابعة للمنتفق..؟

فأبدي الأستاذ أن فهد بك كان قد أعطي كلاما باتا في الموافقة علي ترك المواطن المذكورة، و أخري غيرها و هو لا يزال في بغداد..

و لا يدري ما إذا كانوا يتزاحمون، فلم تعرف فكرته الآن.. و عشائر المنتفق محاربة كعشائر الحلة، و لآل السعدون سلطة قوية عليهم، و إن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 271

كانوا في نفرة منهم.. و إن تسلطهم علي هذه القبائل دعا إلي ذلك..

و من جملة ما قاله: إن الظلم أفسد أوضاعهم، و بسبب الترف ذهبت فروسيتهم و إن الجور نفّر منهم عشائرهم، و لو أرسل

إليهم فوجان من الجند المسلحين بالأسلحة الجديدة لما استطاعوا الوقوف و ولّوا الأدبار، و لكانوا لجأوا إلي الدخالة و الاستيمان.. و ذلك لا شائبة فيه..

هذا ما بيّنه، و كان لا يرضي إلا بالقضاء عليهم و لو طلبوا الاستيمان.. أما الوالي فلم يجبه علي قوله، و اختار السكوت. لم ينبس ببنت شفة..!

و من ثم أدرك الأستاذ سليمان فائق- كما قال- خطأه في قوله للوزير إن المعضلة تتم بقوة السلاح، و ندم.. لأنّ الوالي قد شاهد عشائر الخزاعل و الحلة، و يعتقد أن المنتفق يبلغون مائة ضعف أكثر من الخزاعل، و أن أوضاع مدحت باشا بالنظر لمعارضيه في دار السلطنة حرجة جدا. يترقبون أن يرتكب غلطة أو هفوة أمثال هذه لتفتح طريقا لتقولاتهم فكان يتباعد عن القيل و القال، و يتجنّب ما يدعو للخطر، فالتزم حالة الهدوء و الطمأنينة فلم يشأ أن يحرّك ساكنا، و لم يكن له ميل إلي استعمال القوة..

ذلك ما اضطره أن يراعي الحكمة، و يروج مقاصد المنتفق، و لم ير بدّا أن يعلن عدوله عن إفراز المواطن الكثيرة، فنال ناصر باشا في هذه المرة أيضا أغراضه و مقاصده.. و دعا إلي أن تقف التشكيلات الإدارية التي عزمت عليها الحكومة.. و أقول إن تجنب الحوادث من مدحت باشا لم يكن إلا بأمل أن لا يشوش علي المنتفق فتفسد عليه الخزاعل و أنحاء الديوانية، و يضيع الكل من يده، و أنه له مصالح بالمنتفق من أعظمها (قضية نجد) …

إن أوضاع الأستاذ سليمان فائق هذه لم ترض المنتفق و كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 272

يصارح بها الوزراء، فكانت الوحشة بينه و بين الأمراء تعد السبب في تخديش أفكار الوالي عليه. أفهموه أنه سوف لا

يدع الإدارة تستقر علي حالة بل يزعج الحكومة في إيقاع الفتن و إثارة الزعازع. أرادوا التخلص منه فاختلفوا عليه ما اختلقوا استعانة باليهودي المذكور و بمحاسب البصرة، لتهدأ الحالة.

هذا. و من ثم نعلم نوايا الحكومة، و أوضاع الأهلين، و نزعة الأستاذ سليمان فائق. و بذلك ندرك ما نال المنتفق من العناء و الشقاء فتجاوز حده، نري الحكومة في كل بضع سنوات تزيد في بدلات الالتزام، و تقتطع جملة من الأراضي أو تعيدها، فتكون الضرائب مضاعفة، الأمر الذي دعا أن تميل جملة من العشائر إلي إيران، و الأمراء في انزعاج كبير بين إلغاء المشيخة أو إبقائها..

و من هنا نشأ الاضطراب و ارتباك الحالة و ما تكبدته الحكومة من وقائع و كلفات باهظة و أضرار كبيرة فلم تسلك الطريق السوي في الإصلاح.. و غالب الأشخاص من يهود و غيرهم يصطادون من تعكر الحالة، و يلعبون أدوارهم، و الموظفون لا يخلون من استفادة بل هم بيت القصيد، و الغرض مصروف إلي جهات إرضائهم.. و هناك الأضرار في النفوس، و في الأموال..

و هذا هو سوء الإدارة، و ارتباك أمورها و كثرة مشاغلها في غوائل، و الأمر ليس كما يتصور الأستاذ سليمان فائق من أمر القضاء علي مشيخة المنتفق و أنه من السهولة بمكانة، لم يتوسع أكثر، و لذا عدّ كل مخالفة لرغبته هذه جريرة.

كانت تعترض الدولة عقبات، و إلا فالمعرفة بأحوال المنتفق لا تكفي، فالحكومة أعرف بوضعها العام، فلا تطوّح نفسها في أخطاء غير مأمولة النجاح، و المغامرة مقامرة، و قضية المنتفق شغلت تاريخ هذه الحقبة فلا تزال مضطربة..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 273

و الملحوظ أن مجي ء الوالي إلي البصرة كان قبل سحب يد الأستاذ سليمان فائق

من البصرة.

بناء الناصرية

إن الخلاف بين أمراء المنتفق، و تنازعهم علي السلطة من الأسباب المهمة للقضاء علي هذه الإمارة و تعد كافية لنجاح مشروع الدولة في الاستيلاء علي هذا اللواء كما استولت علي بابان و غيرها.. و لكن هناك عوائق حالت دون الإتمام و كلفت الحكومة كلفا عظيمة أدت إلي القسوة بالأهلين و من أهمها تزييد بدلات الالتزام، و اقتطاع أقسام من أراضي المنتفق مع الاحتفاظ بهذه الزيادات، فقد ولّدت ظلما، و أنتجت ارتباكا، و دعت إلي أن يهرب العدد الكبير من العشائر إلي أنحاء إيران. فكان ذلك التشوش مطلوبا منها، و داعية الكره و الحنق عليها، و قتالها بتهالك زائد حبّا في الانتقام و أخذ الحيف..

و قد مر أن ناصر باشا لم ير بدا من الإذعان لأمر الوالي مدحت باشا حذر أن يوافق سواه من مناوئيه، و أراد أن لا تنزع السلطة منه، و لا يضيع الفرصة و أن يجري مع المقادير.. فقبل أن ينفذ رغبة الوالي أسس بلدة الناصرية المسماة باسمه، اختطها المهندس البلجيكي المسيو جول تللي فوضع الحجر الأساسي لدار حكومتها في سنة 1286 ه- 1869 م، فوافق رغبة الوالي. حصل علي مطلوبه دون استعمال قوة، أو امتشاق حسام.. و في الحقيقة هو الذي ألغي بحق مشيخة المنتفق بتأسيس بلدة صارت مركز اللواء و حصنا للدفاع و الاحتماء بها.. فكانت مقدمة للاستيلاء النهائي علي المنتفق و إلغاء إمارتهم.. و هذا هو طريق الإصلاح الملتمس، فلم يعاكس بقوة..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 274

و كان أول من بني دارا فيها للسكني نعوم سركيس والد الأستاذ يعقوب سركيس، ثم بني أسواقا و خانات و قهاوي، و كان قد اتصل بناصر باشا، فأقامه أمينا لخزانته،

ثم زادت العمارات، و استمرت في تقدمها إلي أيامنا هذه.. و اليوم هي مركز اللواء..

و من ثم عوضت لهم الحكومة أمرا آخر غير توجيه منصب اللواء، فجعلت الأراضي الأميرية في قبضتهم. فوضتها إليهم.. فكانت بعد انتزاع السلطة منهم معوّلهم الأخير..

جاء في لغة العرب:

«صارت- الناصرية- قاعدة بلاد المنتفق، و قد حكم فيها ناصر باشا من آل السعدون، ثم ولده فالح باشا، ثم فهد باشا والد صاحب الفخامة.. عبد المحسن بك و أخيرا في أول إنشاء الحكومة العراقية كان متصرف الناصرية الزعيم الكبير إبراهيم بك ابن مزعل باشا السعدون».

و حدثت بعد ذلك مدن عديدة في هذا اللواء.

و جاء في جريدة الزوراء عن بناء الناصرية أنه كان لناصر باشا همة تشكر في تأسيس هذه المدينة. جاء خبر تحويل عشائر المنتفق إلي لواء، و هؤلاء لا يزالون يسكنون الصرائف، و بيوت البردي.. و لما كان سوق الشيوخ لا يصلح أن يكون مركز اللواء، اقتضي تأسيس بلد آخر. و هذا سمي ب (الناصرية).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 275

و الهمة مصروفة لبناء جامع شريف، و دار حكومة، و أبنية أخري، و المأمول أنها تتم في هذا الصيف بتدارك ما يلزم..

و كان قد تبرع ناصر باشا بمبلغ 500 كيس، ثم بمبلغ 350 كيسا لإكمال بناء الناصرية و له تبرعات أخري لإنشاء جسر تقدر بعشرة آلاف شامي أي 97500 قرش. و هذا يدل علي ما فطر عليه من كرم و همة و أخلاق مرضية..

هذا. و قد علمنا:

1- أن الناصرية صارت مركز اللواء و متصرفها ناصر باشا السعدون.

2- الشطرة من أقضية هذا اللواء و قائممقامها فالح بك السعدون ابن ناصر باشا.

3- الجبيلية. من أقضية هذا اللواء و قائممقامها مريد بك.

4- سوق الشيوخ.

و

نائب الشرع في اللواء السيد عبد الباقي الآلوسي ثم حصل تبدل في هذه التشكيلات الإدارية فاستقرت علي ما هي عليه اليوم من أقضية.. فتعين لنا أن أول متصرف هو ناصر باشا، تعهد ببناء الناصرية، و أن تحوي دار حكومة و مكتبا و جامعا.. و أن يصرف المبالغ المقتضية من كيسه. و أرسل إليه التخطيط من بغداد، و هكذا تكاملت، و صارت في عداد المدن المنتظمة و لا تزال في تكامل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 276

أعشار القطن

إن الحكومة راعت في القطن خاصة العشر، و لم تجعل حسابه كسائر المزروعات من أخذ الخمس، أو الربع، أو الثلث، كضريبة، و في بعض المواطن النصف.. فإنه ثقيل خصوصا أنها ترغب في تكثيره.

أعلنت بأنها تستوفي من حاصله العشر..

حوادث سنة 1287 ه- 1869 م

أيام عاشوراء:

جري إعلان من الحكومة في منع ما يزري أو يضر.. و كذا التجاهر به و التشويش علي الناس.. و هدّد من قام بأي عمل مخالف..

جرت محاولات أمثال هذه، فلم تكن إلا تدبيرا عاجلا، و لم ينقطع أمرها.

الفيلق السادس ببغداد:

نصب الفريق نافذ باشا ركنا للفيلق و كان متصرف استنبول، تحرك نحو بغداد.

حدود إيران- العراق:

لحسم بعض مواد الحدود جاء عن دولة إيران محب علي خان.

و تفاوض مع قدري بك اجتمعوا في (شهربان).. للنظر في قضية الحدود

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 277

بين إيران و العراق. ثم استمرت المفاوضات في اجتماعات عديدة، و قبل إنهاء الأمر و علي حين غرة عاد المفوض الإيراني ليلا إلي مملكته من طريق خانقين فلم يعلم به إلا و قد غادر العراق..

تراموي الكاظمية:

الكاظمية أشبه بالمحلة من محلات بغداد. لا تبعد كثيرا عن بغداد. و فيها مرقد الإمامين موسي الكاظم، و محمد الجواد و الناس هناك بين زائر، و صاحب شغل أو مقيم. و الاتصال ببغداد دائم بلا انقطاع.

و إن الوسائط النقلية القديمة معروفة إلا أن المرء يتطلع إلي ما يسهل. تزيد الحاجة في مواسم الزيارات و الأعياد أكثر.. و الضرورة أشد عندما يريد المرء نقل البضائع.. فالوسائط لا تكفي. و فيها من الصعوبة و الأضرار الكثيرة ما لا يحصي، و كذا أيام الأخطار و الأمطار مما لا يحصي ضرره.

كل هذه و أمثالها مما يدعو إلي تأسيس شركة تسهل علي المارة ذهابهم و إيابهم.. و هي مدار نفع و أرباح طائلة من جراء هذا التسهيل تكونت شركة التراموي فصارت تباع السهام بكثرة و في عشرة أيام أو اثني عشر بلغت 784 حصة لما حصل من تشويق و إقبال، ثم استمر بيع الأسهم.

تم الإنشاء، و للوالي الفخر في ذلك فيعد من خير الأعمال خفّف عن الناس كثيرا من العناء. دامت الاستفادة منه من حين تأسيسه إلي اليوم..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 278

و في نيسان سنة 1941 م صدر حكم بتصفية (شركة تراموي) بغداد- الكاظمية. إن المحكمة اعتمدت علي سبب أنها غير مصادق عليها، و

كأن الحكام لم يكونوا من بغداد، أو لم يشاهدوا فقضي علي هذا المشروع فأماتت هذه المؤسسة، و كان في الإمكان قلبها إلي شركة كهربائية أو مشروع نقل آخر.

كانت أسست بتشويق من الوالي، و تأمين الحكومة، و جعلت كل حصة (250) قرشا علي أن تكون 6000 حصة فيكون مجموع رأس مالها 000، 500، 1 قرش. فكان الأمل قويا في نجاح المشروع.

كان هذا من أجل أعمال مدحت باشا و بذلك حصل منه الربح، و سهّل علي الزوّار فكان عملا نافعا.. و عوّد العراقيين علي المشاريع النافعة المفيدة. مدّوا السكة لمسافة 7 كيلو مترات بين بغداد و الكاظمية.

رتبت شركة أسهم محدودة (آنونيم)، و كانت تجر بالخيول لا بالبخار أو الكهرباء. فتم إنشاؤها في تلك السنة.. و صارت تشتغل..

و قامت هذه المؤسسة بكل ما تحويه بمبلغ (18) ألف ليرة.. و لم تصرف سهامها جميعها و إنما صرف نحو ألف سهم منها. بلغ ربح المشروع في السنة 18% أو 20% فصرف بعضه لأرباب الحصص و البعض الآخر جعل تسديدا للدين في نهاية كل سنة. فبلغت شركة التراموي خمسة آلاف حصة، فبقيت كذلك..

حوادث إيرانية:

حدثت بعض الوقائع و التجاوزات علي أراضي (غريبة) و أراضي (بكسايه) من ملحقاتها. و هي من أراضي بني لام. صار يتجاوز عليها أشقياء إيران فأرسل الوالي قوة إلي هناك.. و كان أحد شيوخ بني لام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 279

محمد علي التزمها من الحكومة، ثم امتنع من أداء بدل الالتزام..

رئيس أركان الفيلق السادس:

جري نقل حمدي باشا الفريق رئيس أركان الفيلق السادس إلي الفيلق الرابع، و نصب مكانه الفريق رؤوف باشا.

مراد أفندي متصرف العمارة:

و جهت إليه رتبة اصطبل عامرة. و هذا هو أبو گذيله زوج نائلة خاتون صاحبة المدرسة المعروفة باسمها و ذات الأوقاف المهمة.

متصرف البصرة:

إن متصرف البصرة راشد باشا توفي أثناء عودته في الكوت لمرض أصابه. و من ثم عين مكانه خليل بك نقل من الحلة إلي متصرفية البصرة.

الفريق نافذ باشا:

عين للأركانية في الفيلق السادس، وصل إلي بغداد. و هذا صار قائدا للأحساء..

متصرف بغداد:

شاكر بك حصل علي و سام عثماني من الرتبة الرابعة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 280

ناصر الدين شاه في بغداد
ناصر الدين شاه- زيارة الأئمة:

صدرت الإرادة الملكية في قبول هذه الزيارة، و جاءت الأوامر للاهتمام بواجب الضيافة و أن تتخذ له حديقة البلدية، و يبني له قصر خاص فيها لإقامته. رحبت الحكومة به، و عدت ذلك دليل الإلفة و الصداقة و حسن الجوار..

اهتمت الدولة، و قامت بأمر الاحتفاء به، و جل أملها تأسيس تعاون بين الدولتين في منع ما كان و لا يزال يجري في الحدود من حوادث و أن تتفاهم علي مطالبها، و صادف وروده أيام مدحت باشا، فكان الوضع ملائما، و حكمة هذا الوالي جعلته يلهج بهذا الاحتفاء، و صار يراعي حسن الجوار، و اتخذ هذه الزيارة فرصة لتأمين العلاقات.

ورد بغداد يوم الاثنين 28 شعبان سنة 1287 ه- 1870 م و مدحت باشا عرفت في أيامه حوادث عديدة كان لها مكانها و تستحق الذكر و لعل للجريدة الرسمية في تدوين أعمال الحكومة قيمتها و منها ما للوالي من يد في التوجيه، و كذلك من وقائع أيامه ورود ناصر الدين شاه لزيارة العتبات فكان الاهتمام به عظيما، و أن السلطان عبد العزيز أرسل كمال باشا نائبا عنه في استقباله و الترحيب به.. و كمال باشا هذا مدحه الأستاذ محمد فيضي الزهاوي بقصيدة فارسية أثناء ملاقاته قال في أولها:

شكر كز فضل ايزد متعال يا فتم دولت وصول كمال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 281

و هي قصيدة عامرة..

و لما ورد الشاه بغداد مدحه الأستاذ الزهاوي بقصيدة فارسية أيضا تتضمن الترحيب بقدومه، أولها:

هزاران شكر كز فضل و عطاي ايزدمنان شد أز تشريف شه بغداد رشك جمله بلدان

إلي آخر الأبيات. رأيت القصيدتين في (ديوان

ناظم) المخطوط مكتوبتين علي غلافه، و أبيات أخري بخطه أيضا. و عندي مخطوطته.

و هذه الزيارة بيّنها ناصر الدين شاه في سياحة خاصة، طبعت و فيها تفصيل لما أجري له من الاحتفالات و التكريمات.

و كان الاحتفال بالشاه باهرا، استقبله الجند من خانقين بأبّهة فائقة و اتخذت له الحديقة النجيبية مسكنا، و هي المعروفة (بالمجيدية) كانت بستان نجيب باشا، فصارت (حديقة الأمة) أو كما يقولون (حديقة البلدية). جعلها مدحت باشا (حديقة عامة).

ثم صارت مستشفي أيام رجب باشا. جعلها مستشفي الجيش، و بقيت إلي آخر أيام الترك العثمانيين تعرف بالمستشفي العسكري. و هي اليوم (المستشفي الملكي التعليمي).

دامت سياحة الشاه نحو ثلاثة أشهر في خلالها زار العتبات في النجف و كربلاء و سامراء، و كانت إرادة السلطان عبد العزيز أن يكون مدحت باشا في صحبته. و كان في هذه السنة قحط و غلاء، فحدثت صعوبات جمة و كان في خدمة الشاه جماعة كبيرة ذكورا و إناثا، و معهم أكثر من 15 ألف دابة. فكانت الحكومة تقوم بتدارك ما يلزم للكل..

و بلغت جميع المصاريف لسياحة الشاه و لما اتخذ له من إنشاءات و مفروشات لقصره ما يزيد علي ثلاثين ألف ليرة عثمانية. بذلت الدولة ما يليق من احترام عظيم، و أبهة لائقة بمقامه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 282

بين إيران و العراق:

اتخذ الوالي فرصة وجود الشاه في بغداد ففتح باب المفاوضات عن المسائل المعلقة و كان قد ورد قدري بك لهذا الغرض..

1- إن نقود إيران لم تطرد، و لم تقف عند سعر معين، و تتداول بصورة متحولة بين خمسة قروش و ثلاثة و ربع فأقنع الوالي الإيرانيين بأنها تتداول كسائر نقود الأجانب بقيمة القران الحقيقية و هي ثلاثة قروش و ربع

القرش 25/ 3 لا تزيد علي ذلك، و أعلن للعموم، و الزيادة تابعة للرغبة.

2- الدفنية. في العتبات العالية مما تضر بالصحة العامة من جراء التعفنات، فلزم أن يدفن الميت في موطن موته و يبقي مدة سنة، و بعد مرور السنة تنقل عظامه و رممه فيحصل الغرض فتمت هذه و غيرها من القضايا المعلقة..

معاون الوالي و محرر الزوراء:

معاون الوالي رائف ذهب إلي استنبول هو و الأستاذ (أحمد مدحت) محرر جريدة الزوراء. و هذا كان له بعد ذلك شأن في عالم الأدب و التاريخ، فاشتهر كثيرا بما نشر من مؤلفات.

الأراضي العراقية

في أيام مدحت باشا سارت الحكومة في قضية العقر علي نهج معين، و أعلنت مدة لإثباته، فلا تسمع الدعوي بعد ذلك حذرا من أن تحدث مشاكل بعد تفويض الأراضي بالطابو للراغب فيها.

و هذا ما جاء في جريدة الزوراء:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 283

«كانت الأراضي و لا تزال تعطي بالالتزام و أن صاحب الأرض يعلم يقينا أنها ليست ملكه فلا يغرس فيها، و لا يراعي إصلاحها الدائم لتكون المنفعة مستمرة.. و هذا الحال مشهود..

و هذا كان يأتي بالنفع للحكومة من جراء إعطائه بالالتزام، إلا أن أضراره كبيرة من جراء ما يأخذه الملتزمون، و ما يقسرون الأهلين علي أخذه زيادة عما تطلبه الحكومة بأمل الاستفادة و المقادير متفاوتة بين الخمس و الثلث أو أكثر..

و آمال الحكومات اليوم ليس المراد بها سلب الأهلين ما عندهم، و إنما همّها مصروف لزيادة الثروة العامة، و مراعاة نفع الأهلين..

و التجارة عندنا منحطة، فلا طريق للاستفادة إلا من ناحية الزراعة..

و الزارع لا يملك مزرعته، و لا يد له في التصرف بها.. فإذا أخذ الميري حصته، و الملتزم حصل علي نصيبه فلا يبقي بيد الفلاح إلا الربع أو الخمس أو أقل.. فاقتضي سوقه إلي أن يكون مالكا لينال رفاها..

فاختارت الدولة التفادي في سبيل منفعة هؤلاء..

و من ثم ابتدأت في أن تجعل الأراضي طابو و تفوضها بالمزايدة لطالبها أو لزارعها.. كما هو الشأن في الأراضي في البلدان الأخري..

و قد شوهد ما يعارض هذا التصرف من الدعاء بالعقر، و هو واحد

من عشرين أو من خمسة و عشرين أو من ثلاثين و هذا الحق مشهود بعضا و ثابت قطعا، و بعضهم صار يدعي به بلا وجه حق..

و هذا الحق كان قد منح للفاتحين الأولين، و بقي أثره إلي اليوم..

و لا يضر بتصرف المالكين ثم إنه بعد زمان صار يوجه إلي بعض الأشخاص ممن قام بمهمة عسكرية، أو تعهد بالقيام بها بالوجه المطلوب منه.. و الحال أن مثل هذا لم يبق فيه لزوم، و أن الترقيات الحاضرة تستدعي أن تقوم الحكومة رأسا بمثل هذه الأمور.. و أن القيام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 284

بخدمات يعوض من ناحية أخري.. و أن المستخدمين في أعمال الدولة كلهم موظفون.

و من ثم زاولت الحكومة البت في أمر العقر، و انتهاجه نحو نهج مرضي.. و أن لا تتولد كل يوم دعاوي في الاعقار، و تضر بحقوق المتصرفين أو المتفوضين بها.. و من ثم تكوّن قوميسيون أي لجنة للنظر في مثل هذه الأمور و تثبيتها بالوجه الشرعي.. و أن لا يقبل ما كان فيه شائبة..

و علي هذا أعلنت الحكومة بأن الدولة عازمة علي تفويض الأراضي بالمزايدة و بعد التفويض لا تسمع (دعوي العقر)، و أن لجنة تشكلت للنظر في ذلك، و بهذا تمهل الحكومة بلزوم المراجعة و إثبات العقر إلي غاية أيلول من سنة (1286 رومية) و إلا فلا تقبل المراجعة بعدها لئلا يتشوش أمر التفويض و يؤدي إلي اضطراب المعاملات..» اه.

و هنا يلاحظ أن ما أوردته الزوراء يخالف في تعليله ما جاء في نفس (الفرمان المتعلق بالعقر في القطر العراقي) و هو:

«إن أغلب الأراضي للقطر العراقي تدار بالالتزام و لا تفوض إلي أحد، و لذا تري الملتزمين يهتمون بالاستفادة من مدة

التزامهم فقط، و لا يبالون بإعمار الأراضي فلم ترق الزراعة و الفلاحة فيها، و كان من النتائج المضرة لهذه الطريقة أن الأراضي الواسعة للقطر العراقي أصبحت خالية من آثار العمران و لا شك أن تكثر الثروة و العمران في الملك متوقف علي تأمين حقوق الأهالي بالتصرف فيه، و لم يزل إيصال أمر الزراعة و الفلاحة في ولاية بغداد إلي الدرجة المطلوبة منها مما ترغب فيه ذاتي الملكية، و إن إحدي المسائل و الأسباب المؤدية إلي ذلك الرقي هو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 285

إصلاح قضية التصرف للأراضي، و لذلك قرر في البداءة إقطاع الأراضي المذكورة و إحالتها إلي طالبيها، و لكن الصدمات و التقلبات التي اعترت البلاد مذ مائتي سنة سلبت من السكان القوة المالية، و القدرة علي الزراعة و الفلاحة، فحدث أن أخذت أغلب الأراضي من أصحابها بانضمام موافقتهم، و سلّمت إلي جانب الميري لتزرع الأراضي و تعمر و يستفيد أصحابها منها، و هكذا صارت تدار مزرعة تلك الأراضي بواسطة الميري علي أن يترك لأصحابها في العشرين و في الخمسة و العشرين و في الثلاثين واحد باسم العقر، و لم تزل هذه المعاملة تجري علي الأراضي المذكورة حتي الآن، ثم انقرض بعد ذلك أصحاب الأراضي الذين كانوا موجودين في ذلك الوقت و أصبح حق التصرف عائدا إلي الميري، و لم تبق علي الأرض إلا الحصة العقرية و لما كان أصحاب العقر لا يتعرضون في المتصرف بالأراضي و تملكها بل يأخذون حصصهم العقرية كما هي، و لما كانت هذه الحصة تزداد بنسبة عمران الأراضي و رقيها، فاستفادتهم ستزداد طبعا بالتدابير الإعمارية التي يتصور اتخاذها، و عليه فقد قرر ما يأتي:

1- يبقي العقر بأيدي أصحابه

إذا ثبت تصرفهم فيه بالسندات المعتبرة، و من لم يثبت يؤخذ منه، و من لم يكن بيده سند و تحقق تصرفه مدة 40 سنة يعامل معاملة المتصرف في السندات المعتبرة.

2- إن الأراضي العقرية (المعقورة) تعرض علي صاحب العقر أولا ببدل المثل الذي يقدره أرباب الوقوف الخالين عن الأغراض و ذلك كالمعاملة التي تجري بحق أصحاب الطابو، فإذا لم يقبلها تعرض بذلك البدل علي الأهالي المجاورين. و إذا لم يقبلوا أيضا تعطي لطالبيها.

3- إن الأراضي التي تباع بأيدي أصحابها إذا كانت مربوطة بعقر، فتعرض أولا علي صاحب العقر، فإذا لم يأخذها تباع للآخرين، و كذلك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 286

إذا باع أصحاب العقر حصة عقرهم، فتعرض علي المتصرف بالأرض أولا بشرط أن يدفع حاصلات الحصة العقرية لمدة لا تزيد علي خمس عشرة سنة، و تحسب السنة من معدل حاصلات العقر مدة ثلاث سنين، فإذا لم يأخذها تباع لغيره، و إذا كانت الأراضي و العقر معا بيد واحد، أو بيد أشخاص متعددين يتصرفون فيهما مشتركا، فيمنع بيع كل من الأراضي و العقر علي حدة بل يجب بيعهما صفقة واحدة، و يجب جعل فراغ العقر و انتقاله بتصديق مدير الدفتر الخاقاني في بغداد و هذه قاعدة يسار بمقتضاها و إعلان كون الأراضي التي تعطي لصاحب العقر أو المجاورين ببدل المثل إن عطلت و لم تعمر مدة 3 سنين بدون عذر تنزع من أيديهم، و تفوض إلي طالبها.

و علي ذلك صدرت إرادتي الملكية في اليوم الثالث و العشرين من شهر شوال المكرم لسنة 1287 اه».

و من هذا نري أن الحكومة أرادت تفويض الأراضي بالطابو، و أن تكون سالمة من علاقة العقر، أو أنها تكون معقورة، فاتخذت هذا

الفرمان كتدبير للمعاملة و سلامتها لا غير.. و من ثم يزيد نصيبها أو لا يزيد، و أن مدحت باشا لم يقم بإصلاح كبير في أمر ذلك، و إنما أراد أن يحصل علي مبالغ لدولته، و هي في ضنك مالي عظيم، و أن يملك العشائر الأراضي فيتصلون بها فلا يثورون دائما.

كانت أعماله هذه في الأراضي تهدف إلي ما يشير إلي نفع الأهلين أيضا. فكانت عملية تلخص في رغبة الدولة و حاجتها في المال.. فعد من نواحي الإصلاح المهمة، و إلا فليس هناك ما أبداه الكتاب ذوو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 287

العلاقة.. أو صنائع الدولة آنئذ.. و غالب ما نراه أن المقصود به هو أن لا يفاجأ العمل المنوي بمعارضة. و هذا هو الذي حدا بالمتأخرين أن يعدوا ذلك من حسناته. و الحق أنه قام بالمهمة، فرأت قبولا لا مزيد عليه.. و كان الأغنياء و أعيان المملكة مرغمين عليها.. و عدّوها ضريبة.. ثم صارت نتائجها نفعا كبيرا للمتفوضين، و جاءت بالخير العميم للأهلين و لخزينة الدولة..

و جل ما نقوله إن الدولة جربت تجارب عديدة للحصول علي أقصي حد ممكن من الضرائب و ملخص أعمالها أنها كانت تجبي رأسا، أو بطريق الالتزام المقطوع، و لا شك أن وارداتها تنغصت بوقائع مؤلمة، و حوادث ملأت غالب صفحات (تاريخ العراق).. من جراء أنها لم تجعل علاقة لمالك بها، بل يتهافت عليها المتزايدون فيقبلها أصحابها بمبالغ كبيرة، فيعجزون عن الأداء فتحدث الفتن، كما أن ضرائبها كانت قاسية تقاسم الأهلين في النصف، أو تأخذ الثلثين، و إذا رأت نقصا عوضته من ناحية التخمين و التقدير، و إذا شعرت بضعف و خوف خمنت بالقليل و رضيت به و مشت علي رأي

القوي و تابعته في تقديره، و هكذا كانت لا تجري علي قاعدة معينة فتعطلت التدابير، و لم يكن لها قدرة علي الإجراء..

و تلخص أعمال الوزير في أمرين:

1- حصوله علي المال.

2- جعل المتصرف بالأراضي كما يقول القانون (متفوضا) بالأراضي فتبقي رقبة الأرض بيد الميري.

و من ثم قام بمهمته إلا أن العراق كله أراض و إصلاحه غير متيسر في آن واحد، بل إن تخريبات العصور لا تعمرها الأيام المعدودة.. و لا يستطيع إيجاد إدارة جديدة في يومين.. و العراق قد دمّرته الفتن و أزعجته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 288

الحوادث و سوء الإدارة فعاد خرابا.. و مهما يكن فقد زاول الأمر الأول و أما الثاني فهو نتيجته.. و من حين عودته من الدغارة صار يفكر في قضية الأراضي و الاستفادة العاجلة منها. و ذلك بتمليكها للآخرين ليتم إعمارها.

رأي الوزير الأراضي العراقية لا تشبه أراضي الممالك الأخري مثل الأناضول، و الروم إيلي نظرا لطبيعة موقعها، فإن أكثرها يسقي بماء الأنهار (سيحا)، و الآخر بواسطة الكرود أو تزرع ديما، و بهذه الوسيلة تختلف أنواعها، و تتفاوت فوائدها و خيراتها و هناك حقوق أخري تتعلق بها مما ولدته العصور، فلا تعتبر أميرية صرفة، بل بينها ما هو مملوك، أو موقوف إلي جهة، أو أنها مرتبطة (بعقر).. و أمثال هذه من الحقوق، و تتنوع إلي أقسام.. و حصة الحكومة (الميري) تكون تبعا لذلك مختلفة إلي ضروب، فتأخذ تارة الثلث، و مرة النصف، أو الثلثين و هكذا بالنظر لطبيعة الأراضي قد تأخذ المقطوع.

و هذه الأراضي بأنواعها لا يصح عدها بمثابة واحدة أثناء التفويض، فإذا أخذت الحكومة العشر من الأراضي و فوضتها إلي الآخرين فلا شك أن ما أدي حاصلا أكثر فله

قيمة أكبر، و يجب تفويضه ببدل زائد علي غيره، و هكذا يتفاوت بدل التفويض لتفاوت قيمة الأرض بالنظر لطبيعتها فيما إذا كانت تسقي سيحا أو ديما و هكذا تختلف قيمتها فيما إذا كانت بعيدة من العمران أو قريبة للمدن الكبيرة.. أو أنها قريبة لدجلة و الفرات أو بعيدة عنهما أو عن أحدهما.. إلي آخر ذلك من الاعتبارات.. فكانت توضع بالمزايدة..

و من جهة أخري أن البدل لا يستطيع المتفوض أن يؤديه دفعة واحدة، و لا يستطيع كل أحد القيام بذلك، و لتسهيل مصلحة الأهلين صار يأخذ عشرين من بدل المزايدة، و الباقي بأقساط لسنين أخري، و إذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 289

سلم المتفوض خمسة أعشار عن خمس سنوات دفعة واحدة، فلا تؤخذ منه الأعشار الأخري، و تفوض له الأرض رأسا.

و في الأراضي المعطلة التي لا ينتفع منها يجري التفويض علي العشر فقط، و لا يستوفي من المتفوض أكثر من ذلك.. تأمينا لتقوية المتفوضين و قيامهم بما يلزم من الأعمال و طرق الإعمار.. فتعطي ببدل العشر أثناء المزايدة، و لا يؤخذ غير ذلك.

و أما أصحاب الديم و أصحاب الكرود فإن الأراضي تعطي لهم بعشرها، و لا يؤخذ منهم شي ء و تسجل بأسمائهم.. كذا قيل و هي ليست جارية علي ذلك في الغالب، و إنما يؤخذ في الغالب المقطوع من أصحاب الكرود.. و لعل هذا لم يجر ليعرف عنه ما ذكره صاحب.

(تبصره عبرت)..

و أما الحالة في أراضي الهندية و أمثالها فقد قرر أن تبقي زراعتها بيد أهلها، و تقسم ما بينهم علي حساب الدونم و الجريب ببدل مناسب (طابو المثل) لا بطريق المزايدة، فتفوض كذلك، و في السنة الأولي فوضت جملة أراض بهذا النمط، و استفاد

المتفوض أمرا مهما و هو أنه أسقط قسما من الرسوم الأميرية.. و ذلك أن مدحت باشا في الشهر الثاني من وروده إلي بغداد ذهب بنفسه إلي الهندية، فعلم أن زراعة هؤلاء خاصة بالأرز (الشلب)، و أن البذور كانت منهم، و مع هذا يؤدون للحكومة 66 من مائة من الحاصلات باسم (ميري)، و الباقي تؤخذ منه عوائد الشيوخ و الرؤساء و كراء محل جمعها و وزانية، فلا يكاد يبقي لهم شي ء، الأمر الذي يستدعي قيامهم دائما، فيضطرون للعصيان، و غوائل الهندية تتوالي من جراء ذلك.. هذا ما استقاه الوزير من المعلومات محليا..

و من ثم أنزل الحصة الأميرية إلي (50) من مائة، و ألغي الكثير من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 290

العائدات الأخري و المصاريف، و وعدهم أنه إذا رأي منهم استقامة و هدوءا أنقص من الميري أكثر من ذلك و جعله 40% و هكذا يمضي في التنزيل كما ينطق بذلك الأمر المعطي من مدحت باشا نفسه.. و يلاحظ أنه لم تمض مدة حتي ثارت ثائرة الدغارة، و أن الأهلين يبلغون في الهندية نحو خمسة عشر ألف مسلح و كان يؤمل أن يعاونوا أهل الدغارة و يظاهروهم، و لكنهم بقوا موالين للحكومة و لم ينحرفوا عن الطاعة و عزموا علي تأدية الحصة الأميرية بكمال الاستقامة.. فأدوا في السنة التالية المطلوب منهم، و أن الوالي أنزل الحصة الأميرية إلي أقل و مع هذا كان الحاصل أكثر من السنين السابقة أو أنه كان أكثر من أي سنة مرت برخاء و وفرة حاصلات..

جري هذا التفويض في جملة أراض، و انتفعت الحكومة أكثر من مائة ألف ليرة فكانت منفعة زائدة حصل عليها مدحت باشا، و كان يخشي أن تتنزل الواردات

بتنزيل مقدار الحصة الأميرية إلي (العشر) و (الخمس)، و لكن المحصولات كانت و افرة في تلك السنة، فسدت النقص، و لم يحصل فيها تبدل.. و كذا في السنة الأخري تجاوز ذلك حدود السنة الماضية.. و من ثم انتفعت خزانة الدولة من النقود دون أن يطرأ خلل في الميري..

و إذا كانت إدارة الأراضي من جراء الرسوم الأميرية تجري بطريق (الأمانة) أي تقوم بها الحكومة رأسا و مباشرة، أو بطريق المقطوع (الالتزام) و هذه تعينت مضراتها فلا شك أن الأصول التي قام بها مدحت باشا تؤدي حتما إلي الإعمار، و تكون العلاقة بالأراضي مكينة جدا..

و من جهة أخري يحصل الارتباط بالأرضين، و أن أصحاب الأراضي لا يقومون بثورات ضد الحكومة بعد أن يعلموا أنهم أصحاب أراض، فزاد التوثق من أصحابها.. و صار انتفاعهم كبيرا، فذاقوا لذة التوطن و الاستقرار.. و من ثم زالت غوائل كانت تتوالي دوما..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 291

و من ذلك كله نعلم ما قام به مدحت باشا و أنه ينوي توزيع الأراضي مثل الهندية و غيرها إلي زراعها باعتبار الجريب و الدونم..

و الملحوظ أن التفويض و لو بلا بدل كان نافعا للحكومة من جراء تداول الأيدي، و تعدد المعاملات من انتقال و تفريغ و رهن و تأمينات..

و أن إبقاء الأراضي أميرية صرفة لا منطق له، و لا قيمة في التدبير أو الاحتفاظ.. فلا نعلم إصلاحا لمدحت باشا في الأراضي إلا بفائدة حكومته، و إلا حدث الاضطراب المتوقع دوما.. و علي هذا الأساس أصدر فرمان العقر، و حق القرار.

هذا. و أن حق القرار يفتح علي الحكومة بابا يجعلها لا تستفيد من أرض. و لهذا أبطلت الدولة حق القرار في الأراضي، و أعلنت

التفويض.. و لكن هذه الفكرة لم تكن صحيحة، و أن التجارب أدت إلي بطلانها، فإن استفادة الدولة في التفريغ و التصرفات الأخري من انتقال و غيره مهمة عدا كسب العلاقة بالأرضين. لا تريد أن تعطي حقّا ما لتنال غيره و تكتسب تدريجا ما هو مقرر لها من الرسوم، و هو أضعاف ما أعطته..

و علي كل حال كانت مضابط العقر قد جرت موافقة للقانون، و لا تزال مرعية في المحاكم، و تسمي (مضابط العقر) ب (مضابط قوميسون الاعقار) و تعد من الحجج القانونية.. و الملحوظ أن العقر كان معلوما قديما، و لكنه خصص في المتعامل عليه من هذا النوع مما يؤخذ من الحاصل، و تاريخ تولده لم يكن أيام مدحت باشا، و لكنه كان معروفا، فحدد أمره.. و ألقي (حق القرار) من العراق مع أنه أمر قانوني من جراء تفويض الأراضي، و أن لا تحصل عرقلة بسببها. و لم يقبل إلا في بعض المواطن (حق اللزمة).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 292

سد النهروان

قام الوالي بهذا المشروع. اتخذ للنهروان سدا في نقطة (زلي).

محل ملتقي النهروان بنهر ديالي، و كان معروفا قديما، فعمل له سدا، و لكنه لم ينجح، و المحل المقابل يعرف ب («أبي عرّوج).. و حال دون المشروع مواد السد و عدم صلاحها لمقاومة تيار المياه و مجاريها القوية.

وفيات:
1- محمد علي خان نواب.

توفي يوم الثلاثاء 14 ربيع الأول سنة 1287 ه و كان أحد نواب الهند المقيمين ببغداد، مرض قبل ستة أشهر فمات. و المعروف أنه سيد و يعرف بسيد علي خان و هذا هو عم أحمد آغا و نادر آغا آل النواب. كان أبوهما وزيرا في دولة (واجد علي شاه) في الهند في لكناهور. و هذا الشاه ابن عم سر اقبال الدولة ابن النواب شمس الدين حيدر ابن سعادة علي خان. أول من ورد بغداد من هؤلاء.. و له زوجة اسمها ثريا بيگم كانت جميلة و محبوبة للنواب سيد علي خان. اشتري أملاكا في رأس القرية و دارا في جانب الكرخ. و كان يكره أولاد أخيه أحمد آغا النواب و نادر آغا لحد أنه رأي في نظارته أحمد آغا النواب فكسرها فلما سئل عن السبب قال رأيت فيها أحمد آغا النواب..!

و مما ينقل أن صفية خانم بنت المزرقجي كان اسمها ليلوه فتزوجها و سماها بصفية خانم. و هذه كانت صغيرة فقالت إن هذه الدور ستكون لي. و من ثم صدقت كلمتها فصارت لها بعد أن تزوجت به. و لما مات ترك زوجتيه المذكورتين و ابنا من صفية صغيرا، فمات بعده. و كان أوصي لزوجته ثريا بكل ما عنده من نقود و أثاث و مجوهرات.. و هذه تزوجها أحمد آغا بعد وفاة زوجها و انقضاء العدة، كانت ذهبت للزيارة، فسار

إليها في الطريق في المحمودية، فتزوجها من ليلته، و أن أخاه نادر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 293

آغا تزوج أيضا صفية خانم و ولدت منه آغا صادق و آغا تقي. ثم بعد وفاة نادر تزوج أحمد آغا صفية خانم حينما توفيت ثريا بيگم، و ولد منها آغا تقي و آغا مصطفي.. و لأحمد آغا زوجة أخري هندية ولدت له سجاد علي خان و أحمد حسن خان.

و مما يحكي أن النواب أحمد آغا قد استولي علي ثروة السيد علي خان، و أنه قدم فصّا للسيد حسني الحكاك من زمرد كان ختم السيد علي فيه فقال له حكّه، و اكتب اسمي، فقال له اقلبه لئلا يضيع منه شي ء، فقال امح اسم هذا النجس و لا يهم أن يخفّ الفصّ، فكانت هذه مثل قضية النظارة..

حوادث سنة 1288 ه- 1871 م

غلاء و موت:

من حوادث هذه السنة:

1- غلاء.

2- موت.

فقد أصاب الناس فقيرهم و غنيهم شدة وطأة الغلاء و الأمراض..

فكان الخطر محدق من كل صوب لا في هذه السنة و حدها بل كان في التي قبلها أيضا، و لم تنجل الغمة و إنما استمرت إلي السنة المقبلة و شق الأمر علي الناس..

أحوال نجد (فتح الاحساء)

من أعظم الحوادث في هذه السنة اضطراب الحالة و ظهور الفتن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 294

في نجد بين آل سعود بعد أن دبّت فيهم روح الحياة و انتعشوا في عهد فيصل بن تركي. و كان والده تركي بن عبد اللّه قد قتل علي يد ابن عمه مشاري بن عبد الرحمن بن سعود سنة 1246 ه، فانتقم منه ابنه فيصل و قتله، فخلف والده تركيا، و في سنة 1254 ه- 1838 م سلم نفسه إلي القائد المصري خورشيد باشا فأخذه أسيرا إلي مصر و نصب مكانه خالدا من آل سعود فلم يذعن له الأهلون.

بقي فيصل في الأسر مدة ثم أطلق سراحه و عاد إلي الحكم سنة 1258 ه- 1842 م فاستعاد ملكه و قويت سلطته و حاول أن يعيد حكم آل سعود كما كان إبان السطوة الأولي.

و في سنة 1263 ه- 1847 م كان أعلن فيصل قدرته و أبدي سلطته بل قبل ذلك بمدة و صار يتغلب علي نجد و يثبت قدمه فيها فرأت الدولة لزوم إرجاعه إلي الطاعة. و عدت ذلك من الأمور الضرورية فكتب السلطان إلي الشريف محمد بن عون شريف مكة يدعوه إلي الهدوء و أن لا يعكر صفو الراحة فذهب الشريف بنفسه إلي نجد و معه العساكر النظامية فأبدي بها قوة و سطوة و أفهمه بوخامة العواقب فيما إذا أصر علي المخالفة.

و

من ثم أرسل الأمير فيصل أخاه عبد اللّه بن تركي و سائر المشائخ في نجد إلي المعسكر السلطاني و طلب العفو و أعلن اسم السلطان في المساجد كافة في منابرها و خطبها. فزالت الغائلة بسلام دون وقوع معارك.

و علي هذا أنعم السلطان علي الشريف بوسام الوزارة و زاد في راتبه و منح ابنيه الشريف عبد اللّه و الشريف عليا رتبا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 295

أراد الأمير أن يصلح إدارته و يتم سلطته علي أنحاء نجد. و لذا عدل عن التعرض إلي ما بيد الدولة فلا يكون سبب الحروب.

و في سنة 1282 ه توفي الأمير فيصل. و في المصادر العراقية أنه توفي سنة 1284 ه و لعله لم يرد الخبر إلي العراق إلا بعد أن حدث انشقاق بين أولاده. و كان النشاط سائدا في أيام فيصل و دخلت الاحساء في حكمه. فلما مات تولد النزاع بين أولاده. و كانت الدولة العثمانية أيام مدحت باشا تسعي في تنظيم الداخل، و التأهب للاستفادة من الانشاق الحاصل بين أمراء نجد للاستيلاء عليها و القضاء علي إدارة آل سعود، فلا تترك البلاد و شأنها حتي يتغلب أحد المتخاصمين، بل لم تحرك ساكنا لو لا أن التجأ إليها أحد المتنازعين..

كان مدحت باشا يرقب الحالة في نجد و صار يجهز جيشا إلي الاحساء، و يحاول أن يجعلها تحت إدارة الدولة..

و الأحساء كانت من أيام السلطان سليمان القانوني في يد الدولة و بقيت في إدارتها مدة. فصارت بيد بني خالد، فانتزعها آل سعود منهم.

و مر بنا ذكر ذلك في المجلدات السابقة.

ثم جري علي آل سعود ما جري. كان قد هاجم إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا والي مصر ربوع نجد، و

خرب الدرعية، و ضبط الأنحاء المجاورة لها و لم تستطع الدولة القيام بإدارتها لضعف مستغلها. و من ثم دخل في طاعة الدولة الأمير فيصل، و بقي مسالما لها. منقادا دام علي الصفاء حتي توفي. و كان ابنه الأمير (محمد) حاكما علي المنطقة الشمالية و ابنه الآخر (سعود) أميرا علي الخرج و الأفلاج، و ابنه (عبد اللّه) أميرا في الرياض. و كان ولده الصغير الأمير (عبد الرحمن) بجانب أخيه الأمير عبد اللّه.

و من ثم تولي الإمارة (عبد اللّه) إلا أن أخاه سعودا عارضه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 296

و استولي علي الأحساء قبل أن يصل المدد لنصرة أمير الأحساء فأدي الأمر إلي أن نشبت معركة طاحنة بين الأخوين عام 1288 ه- 1870 م و كانت خسارة الطرفين كبيرة لا سيما أضرار الأمير عبد اللّه.

و حينئذ يئس الأمير عبد اللّه من النجاح فمال إلي الوزير مدحت باشا و الي بغداد فأرسل معه جيشا بقيادة نافذ باشا فاحتلها و صارت طعمة سائغة للدولة العثمانية. و رجع الأمير عبد اللّه بصفقة خاسرة و وقائع الأحساء و نجد متصلة بالعراق من تاريخ ظهور المبدأ الوهابي (عقيدة السلف). و توالت الأحداث إلي أن تم الاستيلاء علي الأحساء.

استفادة الدولة من النزاع فاستعانت بأحد الطرفين للتدخل في أمور الأحساء، فكان هذا الحادث قد وقع أيام مدحت باشا.

قالوا: حاول سعود أن ينال إدارة نجد، فذهب إلي الهند، و بمعاونة من الانكليز فقام الأمير عبد اللّه الفيصل في وجه أخيه سنة 1286 ه، فتغلب سعود عليه، و ضبط الأحساء و ما والاها، فتمكن جيشه في الهفوف و المبرز (الأحساء)، و في القطيف، و في المواطن الأخري، و توجه نحو الرياض. و لم نر ذكرا

للإنكليز في المصادر السعودية عن هذه المعاونة. و الظاهر أنها دعاية و تشنيع.

و بقي عبد اللّه الفيصل بلا نصير، فكتب إلي مدحت باشا يطلب المساعدة، و الأخبار الواردة تنبي ء أن سعود الفيصل كان مدبرا و شجيعا لا يوازيه أخوه.

و في الوقت نفسه كشف الوزير عن الحالة، و ما يقتضي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 297

لاستطلاعها مما جعل الأمر لازما للوقوف التام، و التحقيق بخفاء عما تجب معرفته. و من ثم قام الوزير بتجهيز خمسة أفواج من الفيلق السادس و مقدارا من المدفعيين و الخيالة فرتب فرقة كاملة العدة بتجهيزاتها جعلها تحت قيادة الفريق نافذ باشا، و أعد المراكب لهذا الغرض، و تحركت من البصرة في أول سنة 1287 ه، و رافق هذه الحملة العسكرية منصور باشا، و السيد محمد سعيد نقيب البصرة، و أن الكويت تطوعت في الخدمة، و رافقت الجيش، و سارت الجيوش بأرزاقها في سفن تبلغ نحو ثمانين بين صغيرة و كبيرة، و كانت هذه بإمرة قائممقام الكويت (عبد اللّه الصباح). قام بإدارتها بنفسه، و تعهد بالخدمة مجانا بلا مقابل..

و هذه الفرقة سارت توّا نحو رأس التنورة، فأنزلت و من ثم سارت برا إلي القطيف، و كانت هناك قوة ابن سعود فلما أطلقت المدافع عليها لم تقو علي المقاومة فتفرقت و انهزمت من خوفها، و دخلت الجيوش قصبة القطيف بلا عناء و لا كلفة في 9 ربيع الأول سنة 1288 ه ثم سارت إلي الهفوف و المبرز، و قبل الوصول إليها ترك أعوان ابن سعود هذه المواطن و فروا.. و من ثم استولت الحكومة علي الأحساء.

و بذلك تم الغرض في قضية نجد بقوة عسكرية و بسهولة، فبقي أمر آخر يهم الدولة هو

دفع ابن سعود، و الخلاص من أخطاره في المستقبل، و أن تكون البلاد بنجوة من تعرض الأجنبي مادة و معني، فأراد الوزير تأمين ذلك فتأهب بنفسه و ذهب إلي هناك لإكمال المهمة.. و في تلك الأثناء ظهرت غائلة شمر فعاقته مدة و أخرت منهاجه..

و مما قاله السيد أحمد الرشدي من علماء الكشفية من قصيدة في ذلك جاء تاريخها:

لقد جاء نصر اللّه يزهر بالفتح

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 298

ثم ذهب مدحت باشا إلي هناك و شكل إدارة فيها فجعلها لواء من ألوية العراق.

أعمال مدحت باشا

1- حديقة البلدية: إن هذا الوزير قام بأعمال أخري منها أنه اتخذ متنزها للعموم، و هي (حديقة البلدية)، و كانت تسمي (بستان نجيب باشا) أو (النجيبية) ثم صار يقال لها (المجيدية). شاعت كذلك علي لسان الناس.

2- جلب مكائن للطحن و للأرز و للغزل و النسج.

إن الألبسة الجديدة لم يعد في الإمكان تداركها، و الأعمال اليدوية لا تأتي بالحاجة و لم تكتف أمة من الأمم أو تتدارك احتياجاتها الكبيرة بمثل هذه.. فاقتضي جلب معامل لعمل الألبسة و الخيام و ما ماثل ما عدا (الطربوش).. و ذلك أن الجيش تكاثر، و صارت احتياجاته كبيرة، فقد كان موجود الفيلق أيام مدحت باشا سبعة آلاف جندي، و بسبب القرعة و المتطوعين تجاوز عدد الاثني عشر ألفا فمثل هذا العدد لا يتيسر سد حاجته من طريق الأهلين و أعمالهم اليدوية، فصعب الأمر.. فأسس معمل النسيج، فصار يعمل يوميا 300 متر من الأقمشة الصوفية (الجوخ) و (400) متر من القماش القطني السميك، و يسمي المعمل بالعباخانة كما أن المحلة يقال لها العباخانة و كذا كانت تسمي (القاطر خانة). و أما معمل الطحين فكان يعد يوميا ألفي قية

من الدقيق و يخبزها.. فجلب مدحت باشا معامل لهذه الغاية من أوروبا بقوة 70 حصانا بكافة ما تحتاجه من أدوات، أوصي إليها من فرنسا بألفي ليرة، و أرسل مهندسا يراقب العمل..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 299

و لما كان ذلك قد صادف أيام الحرب بين فرنسا و ألمانيا (حرب السبعين) تأخر أعمال تلك المعامل، فبقيت ضرورة إلي ما بعد انفصال مدحت باشا. ثم جاءت من طريق البصرة، و لكنها لم تجد لها رجلا يتمكن من إشغالها لتقوم بالمهمة، و أهملت حتي أكلها الصدأ.

و في أيام حسين فوزي باشا حينما كان مشيرا للفيلق السادس جلبها إلي بغداد، و اتخذ لها الأبنية، فصارت تشتغل.. هذا ما علم من أمرها.

معاونية الوالي:

و جهت معاونية الولاية إلي شاكر بك متصرف المركز، و وجهت متصرفية المركز إلي حسن بك. و هذه المعاونية لم تكن من التشكيلات الأصلية و إنما جعلت لمدحت باشا خاصة..

متصرف البصرة:

إن متصرف البصرة خليل بك قد استقال، و عين مكانه سعيد أفندي معاون متصرف الحلة.

حادثة شمر:

لا تزال هذه العشيرة تشق عصا الطاعة، فعظمت غائلتها بسبب رئيسها الشيخ عبد الكريم، و أما الرئيس الرسمي الشيخ فرحان فلم يتمكن من ضبطها.. و هؤلاء كانوا قد عاثوا في الأمن إبان عزم الوالي علي الذهاب إلي البصرة و نجد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 300

و جاء عن هذه الحادثة في (تبصره عبرت):

«إن هؤلاء عاثوا بالأمن في المواطن المسماة ب (الجزيرة) المعروفة ب (بين النهرين) في المواطن بين حلب و أورفة و ديار بكر و الموصل، و خربوها، فصارت ميدان نهب و سلب يتجولون فيها كما شاؤوا..

و رئيسهم آنئذ الشيخ عبد الكريم، فهو شيخ مشايخهم، و قد اعتمد علي قوة عشائره و شجاعتها و كثرتها كما أنه كان قد اكتسب و جها من الحكومة، فأغمضت العين عنه إلا أنه طمع.. فكان يحمل آراء غريبة و انصرفت آماله إلي أن يكون حاكم تلك الأصقاع..

اتخذ واقعة الدغارة فرصة، فجاء إلي ما يقرب من بغداد بجيش عظيم من الخيالة، و صادف أن قد تمت الغائلة، فرجع.. و في هذه المرة رأي واقعة الأحساء، و وجد أن قد خلت البلاد من الجيش، فنهض بجيش كبير متكون من عشائره بين خيالة و مراديف، و يبلغون أكثر من ثلاثين ألفا، فأول ما عمله أن هاجم القري في أورفة و سيورك و ماردين و الموصل، فانتهبها و خربها، و قتل فيها الكثير من النفوس ثم هاجم بغداد بهجوم قاس من حيث لا يأمل الوزير..

و هذا الحادث شغله، و صده عما كان ينويه من الأعمال نوعا، فاقتضي أن ينصرف له، و يهتم به، و لم يكن يدور

في الحسبان و قوعه..

مما دعا الوزير أن يأخذ له عدته.. و كان الشيخ عبد الكريم في أنحاء ديار بكر، و واليها آنئذ (قورت إسماعيل باشا) و هذا بدوره أراد أن يعقبه حتي الموصل، فتهيأ للحركة ضده، فكتب مدحت باشا برقية أن يلتحق بالمشار إليه فوجان من الجيش و تكون تحت قيادته.. و من بغداد أيضا قد أعد ما يلزم من جيش تحت قيادة الفريق أشرف باشا فجهزه الوزير، و سارت الجيوش علي طول دجلة و الفرات، و طريق شهرزور، و اتخذت التدابير المقتضية، و سارع الوزير للحادث، و أعاره من الاهتمام ما يقتضي..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 301

فريق من شمر مضي إلي أنحاء بغداد، و آخر مضي إلي شهرزور و تحارب مع الكرد فانهزم، و فريق آخر مال إلي الشرقاط فهاجم إسماعيل باشا علي حين غرة، و باغتهم علي غفلة.. فنكّل بهم، و أما الفريق الآخر المتوجه نحو بغداد فقد و جد الجيوش متأهبة لحربه، و أن النقاط المهمة قد استولي الجيش عليها و أخذ مواقعه فيها فلم يجد ملجأ إلا الآبار في الجزيرة، و كانوا يعلمونها.. و كانت قد يبست.. فمات غالب هؤلاء عطشا..

أما الشيخ عبد الكريم فإنه فر بمن بقي معه و هم نحو ألفي خيال فعبر الفرات و سار إلي جبل شمر، موطن أجدادهم الأصلي.. و حينئذ كتب مدحت باشا إلي ابن رشيد أن لا يؤويه، و هدده بكتاب منه أرسله إليه.. و كذا وجد الطريق قد سدت في وجهه سواء في الحلة أو في الفرات، و وجد الجيوش أمامه متأهبة لقتاله فلم يستطع أن يلجأ إلي محل ما من هذه.. فاضطر أن يسكن نجدا، و يتغيب بين عشائرها..

و لما

مر من المنتفق ألقي القبض عليه ناصر باشا مجروحا و سلمه إلي بغداد، و من ثم شوهد أن ناصر باشا قام بخدمات عظيمة في هذا الباب، و أدي ما يجب و زيادة..

أجريت محاكمة الشيخ عبد الكريم علنا في بغداد لدي مجلس التمييز، فحكم بإعدامه، و لما كان من أصحاب الرتب أرسل الأعلام و المضبطة و قدما إلي الباب العالي، و بعد قليل أرسل الشيخ عبد الكريم إلي استنبول و في الطريق أثناء وصوله إلي الموصل جاء الأمر بإعدامه فصلب في الموصل.

و في الحروب قتل إخوته ممن علي شاكلته، و كان الشيخ فرحان أخوه لم يقم بما يشوش الأمن، و يقلق الراحة، فاختير لرئاسة العشيرة فصار شيخ مشايخها و كان قد ذهب إلي استنبول، و درس هناك..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 302

فعهدت إليه أمور العشائر و التفت حوله رجال عشيرته، و أمر أن يسكن عشائره، و أن يقوموا بزراعة الكرود، و يأخذ هو من حاصلاتها العشرية (20) ألف قرش معاشا مخصصا له. و في السنة الأولي شكل نحو (170) كردا، و من ثم تجمعت له العشائر التي تشتت فصار يدير شؤونها كرئيس عام، و لم يبق لها مجال للقيام بحركات غزو و نهب كالسابق، فاندفعت غائلتهم.. ثم إن الحكومة استكثرت هذا المعاش فنزلته، و بعد ذلك قطعته، فعاد القوم لما كانوا ألفوه..

حاكم المحمرة:

كان يقوم في هذه الأيام بما يعكر صفو الأمن.. و هو الشيخ جابر أمير قبائل كعب. و مر بنا ذكره.

عشيرة بني ويس:

مشغولة في أنحاء خانقين بالسرقات.. و لا تزال إلي آخر العهد العثماني. و نعتها المنشي البغدادي في رحلته بهذا النعت.

مزبان شيخ بني لام:

كان يولد الشغب ليكون بنجوة من تسليم الميري.. و تكلمت علي عشائر بني لام في المجلد الثالث من عشائر العراق.

متصرف المنتفق:

ناصر باشا نال رتبة روم ايلي بگلربگي (أمير أمراء الروم ايلي).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 303

وقائع:

للهماوند، و السنجاوية وقائعهم لا تزال تذكر و هي نهب و سلب.

مدحت باشا في البصرة و نجد:

ذهب الوالي إلي البصرة، و صل إليها في 21 شعبان سنة 1288 ه، و منها توجه إلي نجد، و في ابتداء شهر رمضان و صل إلي القطيف، و منها سار إلي الأحساء، ثم عاد و وصل إلي البصرة، و منها رجع إلي بغداد.

و من ثم صار لواء (نجد) أحد ألوية العراق و تكونت فيه إدارة مدنية متألفة من متصرف و قائد هو نافذ باشا، و قائممقام قطر و هو جاسم الثاني، بقيت قطر كما كانت بيده، و قائممقام المبرز و قائممقام القطيف..

و في الزوراء تفاصيل وقائع نجد المتوالية، و ذكر المواقع التي سار فيها الجيش، و نري إيضاحا عن العشائر الموالية و المعادية.. فصلنا ذلك في كتاب (نجد و العراق).

و لم يوافق الأمير عبد اللّه أن يكون متصرفا و إنما أراد أن يكون أمره بيده. و لذا فإن مدحت باشا لما ورد الأحساء وجده قد ذهب إلي الرياض علي حين غرة فكتب إليه كتابا دعاه للحضور فلم يوافق. و نظر في القضايا و المشاكل التي حدثت بين الأهلين و الحكومة فحلها بوجه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 304

لائق. أقام الوزير نحو 40 يوما و رجع. و في طريقه مر بالبحرين و شاهد أحوالها بنفسه و عاد إلي البصرة بعد أن أتم مهمته. و كان ذلك قبل أن يفتح قنال السويس بنحو خمس سنوات.

ثم إن السلطان عبد العزيز قدم لمدحت باشا سيفا مرصعا لما أبداه من خدمات في قضية نجد.. و مدحه الشاعر المعروف السيد عبد الغفار الأخرس بقصيدة وردت في ديوانه مطلعها:

سعدت نجدا إذا وافيت نجدا بقدوم منك إقبالا و سعدا

إلي آخر

ما قال. و فيها يهنئه بالسيف المرصع الذي أنعم به عليه السلطان عبد العزيز. و كذا مدحه الأستاذ الشاعر محمد أمين العمري قال:

أيا والي الزوراء الذي لجلاله جميع ولاة الأرض تدنو و تخضع

لك المنشآت الغرّ في البحر إنها تروح بنصر اللّه طورا و ترجع

أضفت إلي الزوراء نجدا بأسرها و لا شك أن الفرع للأصل يتبع

و من ظلم أهل البغي أنقذت أهلها فأضحت بجنات العدالة ترتع

عليها جعلت الجند سورا مشيدا و حصنا حصينا للمفاسد يمنع

فأنعم ظل اللّه سيفا مجوهرا عليك به أنف الشقاوة تجدع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 305

فأكرم وصل و انفع و ضرّ فإنما (يرجّي الفتي كيما يضر و ينفع)

و إني لأرجو أن تكون ضميمة عليها بلاد حازها قبل تبع

لقد جاء تاريخ لفكري مجوهر كسيفك بالترصيع زاه مصنع

و قد جذّ رأي البغي إذ قيل أرخوا أتاك من الخاقان سيف مرصّع

1288

و مدحه من لم أتمكن من معرفة اسمه. قال:

بشائر الفتح فتح نجد قد أسفرت مثل ضوء صبح

إذ جهز الجيش جيش نصر من اسمه شائع بمدح

أمره نافذ جليل حربا و نفوذ رمح

والي العراق الذي تولّي بعزمه مع جميل صفح

طاعت و حوش الأعراب طرا لبأسه بعد حسن نصح

بظل سلطاننا المعلّي سامي الفتوحات ربّ منح

من العزيز الفتاح وافي أرخت هذا عزيز فتح

1288 ه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 306

محمد أمين العمري:

شاعر معروف، و أديب كامل، له شعر جيد منه في (حديقة الورود)، و ترجمته في المسك الأذفر و فيه سلسلة نسبه و هو ابن يوسف العمري. أورد جملة من شعره. و توفي في شوال سنة 1288 ه، و دفن في الشيخ عمر السهروردي في الجهة اليسري للداخل في حجرة هناك.

و كانت ولادته سنة 1223 ه علي ما

ذكره ابنه و لم يقطع بذلك و إنما قال أتذكر أنني سمعت منه ذلك مرة. و ابنه هادي باشا نال رتبة الفريق الأول الركن تقاعد سنة 1332 ه، و اختار الإقامة باستنبول سنة 1335 ه.

هذا ما قاله الأستاذ المرحوم الحاج علي الآلوسي في تعليقه علي هامش شرح قصيدة مدح الباز الأشهب لعبد الباقي العمري و الشرح للسيد أبي الثناء الآلوسي.. و قد علمت من ابنه الأستاذ السيد سعاد العمري أنه توفي في 27 نيسان سنة 1932 م (ذي الحجة سنة 1350 ه).

و في مجموعة خطية عندي للأستاذ المترجم (محمد أمين) أنه:

«عاني الكتابة، فمهر في الإنشاء، و أقر له كتاب العرب و الروم، و سخرت له المعاني المتعاصية علي الأذهان. و مع هذا أبدع في النظم، و أكثر من مدح السيد محمود الآلوسي سواء في تقلده الإفتاء أو الحصول علي رتبة. و للمترجم آثار كثيرة من النظم و النثر دونت في كتاب حديقة الورود، و نشوة الشمول و نزهة الدنيا.

و كان قد طلب حسن زيور أفندي العمري (والد صاحب الفخامة الأستاذ أرشد العمري) في كتاب له مؤرخ 15 كانون الثاني سنة 1321 رومية يسأل ابنه عبد الهادي باشا عن ترجمة والده فأجابه بعين ما ترجمه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 307

به الأستاذ الحاج علي علاء الدين الآلوسي.

و خير ترجمة له أنه ربّي ابنه هادي باشا. و مجموعته فيها نظم في مدح الوالي علي رضا باشا، و السيد محمود الآلوسي، و غالبه فيه، و له بعض الغزل و قصيدة في مدحت باشا.

و في هذه المجموعة جاء أن كاتب الديوان في بغداد عثمان سيفي كان قد ترجم قصيدة عبد الباقي العمري إلي التركية، فقرظها الأستاذ محمد أمين

العمري بقصيدة. و هي مذكورة في ديوان عبد الباقي العمري.

و رأيت له قصيدة في مدح محمد سعيد باشا والي الموصل آل ياسين أفندي المفتي، و في المجموعة رسائل أخري. و المترجم كان كهية بغداد أو بالتعبير الأصح (باب العرب).

و هادي باشا كان في اليمن، و له بعض المذكرات عنها، و هناك حصل علي تصاوير عن اليمن من أحد الألمان و لكنها لم توجد بين متروكاته، و له حوادث في البلقان أيام قيادته كما أنه نال الوزارة في الدولة العثمانية، درس العلوم العسكرية باللغة الألمانية فهو مطلع علي اللغة الألمانية اطلاعا وافيا، كما أنه عارف بالفرنسية.

علمت ذلك من ابنه الأستاذ الصديق السيد سعاد العمري.

حوادث سنة 1289 ه- 1872 م

عزل الوالي مدحت باشا:

انقضت السنة الماضية بجليل الأعمال، و لم يهدأ الوالي مدحت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 308

باشا. كان لا يعرف للراحة طعما، فهو في شغل دائب و فكر مستمر و لم تمض من هذه السنة إلا مدة شهرين حتي عزل في أوائل ربيع الأول سنة 1289 ه - 1872 م في 23 مايس. و في 27 منه خرج من بغداد و ذهب من طريق النهر و البحر إلي استنبول.

و جاء في جريدة (الروضة) البغدادية أن مدحت باشا بقي في ولايته ثلاث سنين و واحدا و عشرين يوما.

و في برقية من الوالي اللاحق رؤوف باشا أنه في 10 مايس الرومي و صل إلي بغداد و باشر عمله و في برقية أخري جاء أنه نظر في الدور و التسليم، فلم يجد خللا في الحساب بل انتظاما. و أنه أي الوالي السابق سوف يذهب غدا من طريق النهر إلي أزميت و منها إلي استنبول.

أرسل البرقية في 13 مايس سنة 1288 أي أنه ذهب من طريق

البحر إلي استنبول في 14 مايس سنة 1288 رومية.

لم يجد خللا في أعماله و لا ما يوجب مسؤولية في عمل. و أن ماليته متقنة. و أن رؤوف باشا أثني عليه أو لم يجد ما يدعو إلي التقول في أعماله بل هي متقنة سالمة.

و جاء في تبصره عبرت أنه خرج من بغداد في مايس سنة 1288 و بهذا طويت صفحة أعماله من بغداد، كان يذكر فيشكر، نال مكانة مهمة فيها و لا تزال أخباره تدور علي الألسن..

مكانة الوزير و أثره

بعض الولاة لا يعرف تاريخ وروده، و لا وقت ذهابه، ضاعت عنا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 309

أسماء الكثيرين منهم، و منهم من لا نعرف أكثر من اسمه، فلم يعرف له عمل.. و ما ذلك إلا لأنهم لم يقوموا بمهمة. و البعض شغل مكانا معروفا، و أحدث دويا حيثما حل.. فكان عظيما خلّد ذكرا مقبولا و سمعة طيبة، و موقعا لائقا.

و هذا شأن وزير بغداد مدحت باشا، و لكنه لم يخل في وقت من طاعن به، أو مشنع عليه، متذمر منه. فإذا أضيف إلي ذلك جهل الناس في التقدير، علمنا درجة التأثير المتعاكس.

جاء هذا الوزير بغداد فوجدها صالحة لكل عمل. تستحق العناية من كل وجه، فصرف جهوده في إرضاء حكومته، و أن لا يقسو في الأهلين و يراعي التوجيه الصحيح.. فقام بالمهمة خير قيام.. و لكن رجال ذلك العهد و بينهم من لم يخرج من استنبول و لا يدري بما هنالك تأثر بالتضليل و حسب أن هذا الرجل لو بقي، لفتح بابا كبيرا لا يسد، و في ثلاث سنوات زاول مطالب عديدة، و أنه في هذه سوف يكلف الدولة تكاليف كبيرة، أو علي الأقل في مشاريعه سوف يمنع

الحكومة من الاستفادة المالية، فتكون واردات العراق للمشاريع التي عزم أن يقوم بها.. و كأن إدارة الدولة أشبه بمستغل وقف يحاول صاحبه أن يقبض إجارته في أقرب ساعة، و لا يهمه تدهوره و هلاكه، و لا يصبر علي تعميره لينال فائدة أكبر.. و من ثم رأي رجال الدولة بأن أعمال هذا الرجل سوف تحول دون الاستفادة و الدولة دائما في حاجة بل في نهم إلي المال، لا تريد أن تصرف فلسا، و إنما كان همها أن تأخذ المبالغ، فتسد جشعها، أو تستخدمها لما حدث أو يحدث من غوائل، و كلها غوائل، و لم تخل في وقت من زعازع..

و من ثم توالت عليه الاعتراضات، و أن أنداد مدحت باشا اتخذوا الوسائل لإقناع هؤلاء الرجال في أن أعماله سيئة.. و لكنها لم تكن لتؤثر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 310

هذه الأقوال علي مركزه لو لا وفاة الصدر الأعظم عالي باشا، ثم ولي الصدر الأعظم محمود نديم باشا فتغيرت الحالة، و صار يعتقد بصحة ما قيل في مدحت باشا، و من ثم صار يطلب منه مطالب لم تكن في محلها، و صار يضيّق في طلب المبالغ.. أما مدحت باشا فإنه لما رأي هذه الحالة قدم دفاتر في الوارد و المصروف لمدة وزارته عن كل سنة و أرسلها إلي الباب العالي..

و علي كل حال اضطر الوزير للاستقالة لأن ذلك الوضع لا يتيسر به إدارة المملكة..

و من ثم قبلت استقالته، و صار مكانه رؤوف باشا، فتوجه لمحل وظيفته علي العجلة بمنصب وال و مشير للفيلق السادس.. أما مدحت باشا فإنه خرج من بغداد بالوجه المذكور.

و لا يزال العراقيون يذكرونه بالخير و يمدحونه، و لم تمض مدة حتي صار صدرا

أعظم في جمادي الآخرة سنة 1289 ه.

و صفوة القول أن مدحت باشا علي قلة حكمه تمكن من إيجاد نظام و انتظام في القطر العراقي. جاء ولاة كثيرون لم يكن لهم شأن فقام بأعمال تدل علي قدرة عظيمة، و مهارة و انتباه، و كانت إدارة البلدة شغله الشاغل، و أنها ملكت سمعه و بصره..

و جل ما نعلمه أنه ولد في صفر سنة 1238 ه- 1822 م و توفي في 18 رجب سنة 1301 ه- 1884 م و حياته الرسمية كلها زعازع و مصاعب، فلم يهدأ علي حالة، قاومه أهل الشر و نال منهم معارضة قوية، فشوشوا عليه أمره و أذاعوا مفتريات كثيرة عنه. و أيامه في بغداد مقبولة محمودة. لم يظهر من الولاة إلي إعلان الدستور من يوازيه في قدرته و حنكته و حسن إدارته.

ترجمه ابنه (علي حيدر). وسع مذكراته و مدوناته بالاستناد إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 311

الوثائق الرسمية و المسموعات من أناس لا يرتاب في صدقهم. تجلّت قدرته و ذاع صيته في حياته و عرف عنه الشي ء الكثير. و في كتاب خاص ذكرت (حياته في العراق) و ما قام به من أعمال جعلته في مجلد واحد و لعل الأيام تسمح بطبعه. و أخباره مستقاة من جريدة الزوراء و عليها عولت في تدوين هذا التاريخ كما رجعت إلي غيرها.

و من الوثائق في ترجمته:

1- تبصره عبرت. مذاكراته بالتركية.

2- مرآت حيرت. في مذكراته أيضا.

نشر هما ولده علي حيدر. و فيهما أعماله في بغداد. نقلتا إلي اللغة العربية باسم (مذكرات مدحت باشا). و قد نشرت هذه بعد إعلان الدستور.

3- تركيانك ماضيسي و استقبالي. أي ماضي تركية و مستقبلها.

أصله مقال باللغة الإنكليزية نقله إلي التركية (ا. ر)

و نشره إبراهيم حلمي تجار زاده طبع في مطبعة آرتين اصادوريان باستنبول سنة 1325 كما طبع في مطبعة السعادة سنة 1324 رومية بعنوان (برسياسي داهينك نطقي).

كان مدحت باشا في حرب الروس سنة 1293 في لندن فكتب هذا المقال. و هو مهم جدا في تلخيص حالة الدولة و وضعها تجاه الغربيين.

نظر نظرة عارف بصير بسياسية العصر و علاقة الدولة العثمانية بها.

بيّن أن الشرق مطمح الأنظار، و أن العصر يتمخض عن حوادث خارقة. كان يتوقع أن تتولد أخطار منها علي أمم كثيرة و تكلم علي حالة العثمانيين في الماضي و الحاضر، و أوضاع الشعوب، و السياسة المذهبية و الاجتماعية فكانت نظرته حكيمة، و التفاته قويما. و لعل فيه ما يعين نهجه السياسي، فجاءت مذكراته شارحة أو أمثلة تطبيقية. كتب ذلك في مايس سنة 1878 م- جمادي الأولي سنة 1294 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 312

و في مقاله هذا يقول:

إن من ينتظر كل تشوش في الشرق من دول أوروبا ليتدخل، و يهدف أن تحل القضية حسب رغبته فهو واهم. فإن الدولة العثمانية متكونة من عناصر متباينة تفسر الحوادث طبق آمالها و أمانيها المتضادة كما أن تلقي الحوادث من هذه المنابع مبتورة قد يؤدي إلي التشويه، و في هذا تضليل للرأي الأوروبي العام.

و هذا قطعي في حالات اجتماعية و سياسية و دينية مثل هذه قد تؤدي إلي الصيد في الماء العكر، أو توليد اضطراب فكان البحث من أوروبا في هذه الحوادث يستدعي التوثق من صحة الأخبار مجردة عن الأهواء و إلا كان البناء علي ذلك يؤدي إلي أن يكون الحل مدخولا و غير موثوق به بل يسوق إلي تهيج في المنافع. فهل أن روسيا استغلت هذا؟ و

هل الغرض منه الانتصار للنصرانية؟ و ما هي آمالها؟

كل هذا يدعو إلي الرجعة التاريخية و الالتفات إليها. و منها نعلم آمالها. و تعينه حروبها، و ما أدت إليه من نتائج …! فإن التشنيع في سبيل هذه المصالح ببيان أن النصرانية مهانة. كل هذه وسائل لتبرير العمل لا غير.

و أوضح أن الإسلام دين الحرية و المساواة و العدل، و أن الدولة العثمانية لم تخرج عن هذه الخطة. و لا ينكر أن الدولة أصابها الوهن في القرن الثامن عشر و التاسع عشر إلا أنها أعلنت التنظيمات الخيرية و أنها سائرة في طريق الإصلاح إلا أن روسيا حانقة. تريد الانتقام. و لم تخل من تشويش أو حرب بين حين و آخر.

و لم تكن آمالها مصروفة لحماية النصاري بل إلي وحدة العنصر السلافي ليكون خطرا علي العالم. و ما توقعت كان فلم ترد من تشنيعها إلا هذا. و الآمال سياسية لا علاقة لها بدين. و أن الدولة العثمانية ماضية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 313

في طريق الأخذ بالديمقراطية سائرة في طريقها.. إلي آخر ما قال.

4- وصية مدحت باشا. و هذه نشرها رشدي. و طبعت في مطبعة القدر باستنبول سنة 1325 و فيها بيان ما لقيه مدحت باشا من الدولة من مطاردة. و لزوجته كتب رسائل سابقة لهذه الوصية. و فيها حكي آلامه.

و كل هذه لا علاقة لها مباشرة بحوادث العراق و لكنها تعين عظمة الرجل. و لعل أعماله في العراق خير ترجمة له في توضيح مكانته في الإدارة إلا أنها تحتاج إلي توسع و تبسط لا مجال له هنا.

5- الزوراء. صحيفة يومية في بغداد دونت أعماله. و هذه تبصر بوضعه. و علاقتها ببغداد و مدحت باشا أكيدة. فهي

صفحة خالدة في حياته.

هذا، و أما المسموع المتداول فهو كثير. و إنما أوضحنا ما علمنا من مسموع و منقول في (تاريخ مدحت باشا في العراق).

1 الأوضاع العامة الدولة العثمانية
1- الحكم المباشر:

إن الدولة حاولت محاولات عديدة للقضاء علي إدارة المماليك فلم تنجح إلا سنة 1247 ه- 1831 م علي يد علي رضا باشا اللاز.

و من ثم صارت تحكم العراق حكما مباشرا. و كان الأهلون يأملون أن تكون الوطأة أخف فجري عليهم التضييق فوق ما يتحملون فحصلت المشادة. و دامت بحيث صاروا يترحمون علي إدارة المماليك و لكن لم يدم ذلك، فخففت الدولة من شدتها و غيرت سياستها، و أرادت أن يكون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 314

العراق تابعا لها في تشكيلاته و سائر أحواله، فكانت المصيبة أعظم، و من هنا تولدت المشادة أكثر. و دام الأمر إلي أواخر هذا العهد.

2- السلاطين في هذا العهد:

1- السلطان محمود بن عبد الحميد الأول:

ولي السلطنة في 4 جمادي الأولي سنة 1223 ه- سنة 1808 م و توفي في 19 ربيع الآخر سنة 1255 ه- 1839 م.

2- السلطان عبد المجيد ابن السلطان محمود:

توفي في 17 ذي القعدة سنة 1277 ه- 1861 م.

3- السلطان عبد العزيز (أخو سابقه):

خلع في 7 جمادي الأولي سنة 1293 ه- 1876 م و توفي بعد أشهر من تلك السنة.

2 التشكيلات الإدارية
اشارة

تتوضح أحوال الإدارة من حوادث أيام كل وزير أو وال و لم تعرف التشكيلات الإدارية بوجه عام و بصورة ثابتة إلا في وقت متأخر. و أول ما جري سنة 1265 ه- 1848 م و تشكل مجلس كبير في الولاية. و أن (نظام إدارة الألوية) قد أحدث في 7 جمادي الأولي سنة 1281 ه- 1864 م و تلاه (أيام مدحت باشا) نظام مؤرخ 29 شوال سنة 1287 ه- 1870 م. و كانت المتصرفيات يقال لها (قائممقامية) و تحولت في النظام الأخير إلي متصرفيات. و باقي التشكيلات علي حالها إلا أن للمتصرفين أحدثت معاونيات بدل (كهيات).

و يهمنا الكلام في عناصر الإدارة المهمة مما لها علاقة بالأهلين أكثر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 315

1- الوزراء أو الولاة: (في بغداد)

الوزراء في بغداد ذكرنا أوصاف كل واحد منهم و ما قيل فيه.

و هؤلاء يترتب عليهم أمر المملكة و بسببهم تمدح الدولة أو تذم. و عندنا ليس لهم مقاييس ثابتة، و لا سياسة مستقرة أو مطردة من جراء أن سياسة الدولة متحولة و لم نجد منهم من كان يتصرف بقدرته و إرادته إلا ما قلّ.

رأينا أوضاعهم مضطربة و من الصعب جدا أن نراها تابعة لنفسياتهم و مقدار ثقافتهم و درجة اهتمامهم بالمصالح و المشاكل العامة، بل لا نشاهد إلا اليسير. فهم (مسيرون لا مخيرون). يشتركون في اتباع عاصمة الدولة أو مراعاة سياستها كما شاءت، و توعز إليهم بما طلبت. و كل من أحدث خلاف المراد عجلوا بعزله و نسبوا الحادث إليه. و باقي الأعمال تكون مقبولة أو مدخولة.

و يهمنا أمر تصرفات الوزراء في متابعة الدولة و الحركة طبق منهاجها. و هذه لم تنجح في غالب أحوالها. و عند ما تشعر الدولة بالخطر تعدل عن

التطبيق و تعزل الوالي تبعا لما كان حدث من أوضاع غير ملائمة. و تنسب إليه الخرق في أمر آخر و المقصود عدم نجاح الخطة. و كل ما تعلمه أن الدولة لم تتمكن من تنفيذ أغراضها إلا قليلا كبعض الإمارات التي تيسر لها القضاء عليها، و استعصي عليها أمر المنتفق، أو التجنيد و أن نجاحها في القضاء علي إمارة العمادية، و علي إمارة الرواندزي، و علي الجليليين مما أطمعها في (المنتفق)، و حبط كل ترتيب عملته، أو أمر قامت به. و مثله أمر (التجنيد) … و هكذا حوادث (الالتزام).

مرّ بنا من الوقائع ما يبصر بالأحوال أكثر. أرسلت الدولة أكابر رجالها للقيام بالمهمة فنجحت في بعض لما مهّدت في القضاء علي (بابان) من معاهدة أرضروم (أرزن الروم) سنة 1263 ه. و هكذا كانت ترتيباتها لا يستهان بها لا سيما في المنتفق و في التجنيد فكان الخذلان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 316

حليفها، و حبطت مساعيها. و إذا كان أجدي بعضها فالفشل كان ذريعا جدا. و كلفها الأمر فلقيت عناء كبيرا و لم تساير الأمور بل وقفت في التيار فلحقها العناء و صارت تتراجع في الأكثر فتخسر الصفقة لما تري من معاكسات. و خير رجالها مدحت باشا و هو آخر العهد و خاتمته.

و كان مطلع عهد جديد.

و مما شغل بالها حوادث اليزيدية. و هؤلاء استعصت إمارتهم كما استعصت تلك الإمارات العربية. و الإمارات أو المجموعات الكبيرة كانت الشغل الشاغل. و الجهود المبذولة كلفتها أكثر مما استفادت لأمد قصير. و هنا لا نريد أن نعيد الحوادث المارة. و هذه النظرة تكفي للمعرفة العامة فأقف عندها. و ليقس ما لم يقل.

و هذه قائمة بأسماء الولاة في بغداد:

1- علي رضا

باشا اللاز: (8 ربيع الأول سنة 1247 ه) شعبان سنة 1258 ه).

2- محمد نجيب باشا: شعبان سنة 1258 ه. رجب سنة 1265 ه.

3- عبد الكريم نادر باشا (عبدي باشا): رجب سنة 1265 ه:

صفر سنة 1267 ه.

4- محمد وجيه باشا (وجيهي باشا): صفر سنة 1267 ه: صفر سنة 1268 ه.

5- محمد نامق باشا الكبير: صفر سنة 1268 ه: 29 شوال سنة 1269 ه.

6- رشيد باشا الگوزلگلي: 5 ربيع الأول سنة 1269 ه: فتوفي 22 ذي الحجة سنة 1273 ه.

7- عمر باشا السردار الأكرم: 4 رجب سنة 1274 ه: 27 صفر سنة 1276 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 317

8- مصطفي نوري باشا: 13 شوال سنة 1276 ه: 22 شعبان سنة 1277 ه.

9- أحمد توفيق باشا: 22 شعبان سنة 1277 ه: 25 ربيع الأول سنة 1278 ه.

10- محمد نامق باشا للمرة الثانية: 2 شعبان سنة 1278 ه: 13 ربيع الأول سنة 1284 ه.

11- تقي الدين باشا: 17 ربيع الأول سنة 1284 ه: 20 المحرم سنة 1286 ه.

12- مدحت باشا: 18 المحرم سنة 1286 ه- 1869 م: أوائل ربيع الأول سنة 1289 ه- 1872 م.

2- معاون الوالي:

هذا المنصب محدث. و كان يقوم بالمهمة (الكهية) أو (الكتخدا) و هو بمثابة معاون الوالي. و التشكيلات الجديدة أطلقت عليه لفظ (معاون). و في أعمال المعاون ما يصحح الوالي غلطه، كما أن الدولة تعمر ما خربه الولاة أو أحدثوه فولد نفرة الأهلين.

3- المالية:

هذه قوام الحكومة و وسيلة حياتها. و يقوم بأمرها دفتري تابع للوالي فإذا ضاقت كما في عهدنا لجأ الوزراء إلي المصادرات و الأضرار بالناس و اتخاذ الطرق الرديئة لابتزاز الأموال. و أكثر ما أضر بالحكومة الحرب للاستيلاء علي بغداد، و الوباء اللاحق، و الغرق المدمر …

و في خارج بغداد كانت الصلة مقطوعة، و أن العشائر اعتزت بمناعتها عن أداء الرسوم الأميرية. و ليس للحكومة قدرة علي القيام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 318

بمهمة جبابة الأموال. لحد أن الوزير قد يعوزه راتبه فيضطر إلي المصادرات و التضييقات علي الأهلين. و في أيام مدحت باشا فوضت الأراضي الأميرية.

و من الضرائب في هذا العهد:

(1) الالتزامات. و هذه في أيام السلطان عبد المجيد قبل إعلان التنظيمات الخيرية منعت الزيادة في الالتزامات منعا باتا سنة 1255 ه.

و رفعت الإجحاف نوعا.

ثم أبطل الالتزام، و صارت الحكومة تقوم بإدارة الضرائب الأميرية اعتبارا من إعلان التنظيمات سنة 1255 ه- 1839 م. و الموظفون الذين يقومون بجباية الضرائب يقال لهم (المحصلون)، و كان يقال لمن يتولي إدارة ذلك (المستوفي) و لكنه لم يستعمل في هذه الأيام.

بقي الحال مدة قصيرة و لم يستمر. و إنما عاد الإعطاء للمقاطعات بالالتزام إذ لم يدم العمل بموجب التنظيمات. و صارت بعض السنين تجبي الضرائب بطريق (الأمانة) أي تتولي الحكومة أمر الجباية. و إن الموظفين الصغار يقال لهم (جباة).

و يغلب إعطاء المقاطعات بالالتزام و ترك أمر

إعطاء المدن بالالتزام و لم ينقطع الأمر حتي أعلن الدستور في العهد التالي.

(2) البيتية. و يقال لها (الخانة). و هي ضريبة تؤخذ علي بيوت العشائر و لكنها في الغالب تؤخذ من البيوت في أطراف بغداد و لا تستطيع أن تأخذها من الآخرين إلا قليلا في بعض الألوية التي لا تستطيع النهوض. و لا يعطي إلا القليل. و الاستفادة في الغالب للرؤساء.

و في المثل العامي (يقتل و يؤدي الخانة) أي يضرب ضربا مبرحا ثم يؤدي البيتية و هذه تحسب علي الكل ثم توزع علي الأغنياء و المتوسطي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 319

الحالة و لا يؤخذ من الفقير و كان مقدارها (15) قرشا. و هي من الضرائب المحدثة أيام العثمانيين. و العشائر البعيدة لا تسلط للحكومة عليها. ثم بلغت ثلاثمائة قرش. و كان السادة لا يؤخذ منهم فصار يأخذها علي رضا باشا وزادت في أيامه. و الشيخ يشارك الموظفين.

و هذه الضريبة تسمي (القلمية) ثم صارت معتادا (50) قرشا. و مرة شاميا واحدا. و هكذا تحولت..

و الظاهر أنها من وضع المماليك باسم (قلمية). و تخص الاحشامات و قرا أولوس و قراغول ثم صارت بعد إلغاء (كتخدا البوابين) يطلق عليها اسم الأقلام الثلاثة و سميت (أقلام العشائر). ورد ذكر ذلك في (التاريخ المجهول) و في (سياحتنامه حدود).

(3) الكودة. و هذه ضريبة علي الأغنام و المواشي. و لا تستطيع الحكومة أخذها إلا من العشائر الضعيفة. و لم نجد أصل هذه التسمية فيما لدينا من المصادر لدي الترك أو الإيرانيين. و إنما تسميتها- كما يظهر- عربية. و الملحوظ أنها من كاده يكوده تؤخذ قسرا من العشائر فعرفت ب (الكودة). و منهم من يقول إن اللفظة تركية بمعني (السوام) و

هي ما يرعي من المواشي و (گودجي) بمعني راع … و لكن الترك لم يسموا هذه الضريبة ب (كودة) و لعلها مغولية أو تركمانية و بقيت من تلك العهود و لكننا لم نجد لها أثرا.

و هذه ضريبة معروفة من قديم الزمان تؤخذ علي الغنم و الإبل و البقر إلا أنها من جراء تكاثر الرسوم عليها و علي البيعية و علي الذبحية بالغوا في الاستيفاء و القسوة في أخذها.

(4) النقود. دام الضرب للنقود في بغداد إلي سنة 1262 ه و بمقادير محدودة و كانت هذه السنة آخر الضرب. جاء في تاريخ لطفي أنه ضربت نقود نحاسية بسعر پارة واحدة، و بسعر خمس پارات. و كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 320

أحمد آغا الجيبه جي (أمين دار الضرب). و يقال له (سكه أميني). و كان محل الضرب في السوق المسمي ب (السكه خانه) أي دار الضرب تجاه (خان الأورتمه) من جانب السوق. و قبل ذلك في أول دخول العثمانيين العراق في (القلعة)، و دامت دار الضرب هناك إلي ما بعد السلطان مراد الرابع.

و بعد سنة 1262 ه لم تضرب النقود في بغداد. لأن الدولة العثمانية اتخذت دار ضرب جديدة مجهزة بأحدث الآلات جلبتها من إنكلترا فلم تبق حاجة إلي ضرب نقود في بغداد و لكن الحاجة إليها لم تنقطع و حوادثها مرّت أيام مدحت باشا.

حاول هذا الوزير أن يجعل نقود الدولة هي السائدة، و أن يقضي علي التلاعب الاقتصادي في أسعارها، و أن تحدد مشكلة النقود الإيرانية بتحديد سعرها فلم يفلح. و في (كتاب النقود العراقية) أوضحت أوضاع هذه النقود و النقود الأجنبية.

4- الجيش:

إن الجيش العراقي لا تزال أوضاعه تابعة إلي سابق العهد، و النظامي منه

لم يتكامل بل رأي معارضات شديدة و حوادثه تعين الحالة.

و لا تزال الحكومة في حاجة إلي العشائر، و إلي الچچان و إلي الهايته و (الباشبوزوق).. للاستعانة بهم.

و التجنيد في هذا العهد اكتسب شدة و نال اهتماما كبيرا من الدولة إلا أن بدءه كان في أيام نامق باشا و أيام مدحت باشا. ففي أيامهما لم يؤخذ من العشائر و لا من الأهلين إلا بطريق القرعة و بتساهل عظيم حذرا من عود الغوائل …

و لعل السبب أن العراق لم يذعن للترك و لا يرغب في تقوية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 321

تسلطهم عليه. و كان الناس يتخذون كل الوسائل للتهرب من الجندية …

و تشكلت في بغداد (المشيرية) و هي قيادة الجيش. و كانت تابعة في الأغلب للوالي تجتمع القوة العسكرية و الإدارة الملكية في شخص الوالي إلا أنها انفصلت أحيانا. و كانت الدولة توجس خيفة من الولاة و حوادث (تپه دلنلي علي باشا)، و (داود باشا)، و (محمد علي باشا والي مصر) لم يكونوا بعيدين عن سمعنا.

و في الغالب تحدث مشادة و تشوشات من أجل الجندية كما في (نامق باشا) و (وجيهي باشا) و أيام (مدحت باشا)، و مرّت بنا حوادثها.

5- القضاء:

اختل أمره كثيرا. و للولاة صلة بالقضاة أو سيطرة. و ربما استغلوا الولاة. و بين هؤلاء قضاة أكابر. و أول قاض بعد المماليك جاء به الوزير علي رضا باشا هو تقي الحلبي.

و أن التنظيمات الخيرية أثرت علي القضاة و زاحمهم القضاة المدنيون و من أهم من عرف حكام الجزاء، و حكام التجارة. ثم تكاملت المؤسسات المدنية لما شوهد في القضاء من خلل سواء في نفسية القضاة أو في الأصول المتبعة.

و هذا العهد أيام اضطراب. و

لم تنظم أمور القضاء إلا في العهد التالي و قائمة القضاة متعينة في سجلات المحكمة الشرعية لهذا العهد.

و أن التشكيلات المدنية في الأمور القضائية لا تزال في بدء التكوين و أنها ناقصة قطعا. و لم تتكامل إلا بعد هذا العهد. و كانت نواة أو بدء تشكيل. و وضع قانون التجارة، و قانون الأراضي، و نظام الطابو و لكن لا تزال الإدارة القضائية معتلة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 322

تكلمنا علي التنظيمات الخيرية و أنها لم تؤسس من حين إعلان الفرمان و لكن قررت الدولة الإصلاح و أتبعته بفرامين. و هذا احتاج إلي وقت طويل. و العراق لم ينل من هذا التجدد أو الإصلاح شيئا في هذا العهد إلا بعض التشكيلات و ما فيها من نقص. و تكلمنا في (تاريخ القضاء العراقي) ما يوضح الحالة. و لا مجال للتفصيل.

6- المجلس الكبير:

تكوّن بعد إعلان التنظيمات الخيرية بكثير. و كان تشكيله في بغداد سنة 1267 ه و لكنه لم يكن مستكمل الأوصاف. و إنما كانت سلطة الوالي مسيطرة. و يعوزه ثقافة الأعضاء. فهم في الغالب أشبه بالأميين.

و لذا نعته الأستاذ أبو الثناء بما نعته، فعيّن حالته بل ذمّ الشوري من أجله لما احتوي من عناصر.

و الشوري أو الحكم الديمقراطي لا يذم لذاته. و إنما يندد به للوسائل المتخذة للتوصل إلي ترتيبه بانتخاب جهال أو موافقين لرغبة الإدارة و ما إلي ذلك. و كان تشكيله عندنا بعد إعلان التنظيمات بمدة أي في رمضان سنة 1267 ه- 1850 م. و هكذا لم ينتظم أمره مدة. و كان مقدمة افتتاح (مجلس الأمة). و يأتي الكلام عليه.

7- العشائر:
اشارة

ألصق بالإدارة للعلاقة و لكنها أكثر استعصاء عليها. و السياسة العشائرية من أصعب ما يزاول الإداري. و قد مرّ بنا ذكر عشائر كثيرة.

و ربما كانت أكثر من العشائر الأخري المبينة في المجلدات السابقة. و ما ذلك إلا لتوضح العلاقة بالدولة و بالحكومة و ظهور قوتها. و العشائر مبسوطة في كتاب (عشائر العراق).

و من أشهر من تردد اسمها في هذا التاريخ المنتفق، و الخزاعل،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 323

و كعب، و زبيد، و بنو لام، و ربيعة، و العبيد، و عشائر عربية عديدة. و أما الكردية مثل الهماوند و الأورامان، و السنجاويين، و الفيلية، و الجاف فهذه مرّت …

(1) المنتفق:

حاولت الدولة القضاء علي إمارتها فلم تطق ذلك. و كانت استغلت الخلاف بين أمرائها فتدخلت في (الالتزام) و كان مقطوعا فصارت تريد فيه كل ثلاث سنوات و تقتطع من أراضيها و عشائرها قسما فتلحقه بما تحت سلطتها و أقرب إليها من ألوية لما أوجدت من خلاف بين الرؤساء.

و أن صكوك الالتزام و مقاديره و الكثير من حوادث المنتفق مبينة في كتاب (مباحث عراقية) للأستاذ يعقوب سركيس في مجلديه المنتشرين الأول و الثاني. و كذا في مقالاته في لغة العرب و في رسالتي الأستاذ سليمان فائق و مصادر تاريخية أخري عديدة مما تكلمنا عليه في صفحات سبقت.

و من هذه نعلم وجوه تدخل الدولة في القضاء علي إمارة المنتفق و الطرق التي مارستها، و لكنها لم تقض علي الإمارة إلا بعد هذا العهد و يأتي بيانه في حينه. و لكنها خطت خطوة و هي تأسيس بلدة (الناصرية)، و أن المقتطعات لم تعد إلي المنتفق جميعها. و عشائر المنتفق أوضحت عنها في المجلد الرابع من عشائر العراق. هذا،

و تكونت (الشطرة) في هذا العهد. و جاء التوضيح عنها فيما كتب الأستاذ يعقوب سركيس.

(2) العشائر الأخري:

و هذه منها عشائر ربيعة، و عشائر كعب، و العشائر الطائية منها ما ذكرت (السياسة العشائرية) فيها في عشائر العراق المجلد الثالث و منها ما أتناوله في المجلد الرابع.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 324

و مرّ بنا ذكر عشائر عديدة مما لها علاقة ظاهرة بهذا العهد سواء كانت عراقية أو أنها من العشائر المجاورة فأحدثت بعض المشاكل..

كما يفهم من حوادثها.

و في هذا العهد حاولت الدولة إسكان بعض القبائل الكردية مثل الجاف فلم تفلح كما أن خير طريق لإسكان العشائر تفويض الأراضي إليهم كما في أيام مدحت باشا في أنحاء (الهندية) و لكن لم يتم ذلك في الأنحاء الأخري.

8- خلاصة في التشكيلات الإدارية:

هذا ما يلخص الحالة في التشكيلات. و أكبر شخصية فيها الوالي.

و الحوادث المارة مما يعين الأوضاع. و للوالي (قائممقام) ينوب عنه عند غيابه لمهمات خارج بغداد. ثم حدث منصب (معاون الوالي)، فصار يقوم بالمهمة.

و المتصرفيات مصغرة من إدارة الولاة. و هكذا (القائممقاميات) مصغرة من المتصرفيات في قلة تشكيلاتها. و كان للولاة من التشكيلات منصب (باب العرب) للتفاهم مع العشائر. و هو بمقام (مدير عشائر عام). و كثير من الحوادث بصرت بمناصب أخري مثل (كاتب الديوان) أو منصب (رئاسة الكتاب) ثم صار (المكتوبي). و مثل منصب (المصرف) أو ما يقال لإدارته (مصرفخانه) من فروع المالية. و للجباية موظفون و للإدارة موظفون تالون.

أما الموصل فإنها تختص بولاة. و بينهم وزراء و لكن التشكيلات بمقياس أقل. و في الغالب جرت علي عهودها السالفة إلي ما بعد التنظيمات بمدة … و راعت القرعة أي التجنيد و جرت عليها قبل بغداد بكثير. و مثلها البصرة و لكن تشكيلات الموصل أكمل. و كذا الألوية الأخري مثل كركوك، و السليمانية بعد أن تكونت

منها ألوية خاصة بها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 325

3 الإمارات المنقرضة
1- إمارة الجليليين في الموصل.

أبعدتهم الدولة عن إمارة الموصل. و كان آخرهم الوزير يحيي باشا نحّته الدولة سنة 1250 ه- 1834 م و لم يعودوا إليها.

2- إمارة رواندز.

انقرضت سنة 1252 ه.

3- إمارة بهدينان.

و كان القضاء عليها سنة 1252 ه.

4- إمارة بابان.

قضي عليها سنة 1267 ه، فلم يعودوا إليها.

و هذه الإمارات لم تنازع بعدها و لم تسع لاستعادة ما كانت عليه إذ ليس لها قوة أو قدرة للقيام بأمر كهذا و لكن الدولة قرّبت إليها (إمارة الجاف) بأمل قطع دابر (إمارة بابان) فكادت تحلّ محلها إلا أنها عاشت مع الحكومة علي الوئام و الألفة في حين أن قوة بابان كانت بهذه العشائر و أمثالها …

4 الثقافة
اشارة

يعدّ بحق هذا العهد عهد إغفال الثقافة و إهمال أمرها. و لكنها جرت علي ما كانت عليه في عهد المماليك. المدارس معمورة، و المدرسون من بقايا ذلك العهد، فلم تتضعضع. و هكذا المثقفون كانوا من تلك البقايا. قاموا بالمهمة. و بهؤلاء ظهر العهد و إن كان ليس للدولة يد في الإيجاد و لا في التغذية العلمية. نهضوا بما لديهم من علم و أدب.

و ربما كانت المساعي مكينة في إحباط ما بذل في العلم و تقويته فاختل الأمر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 326

و علماء هذه الحقبة:

1- آل الطبقچه لي.

و منهم محمد سعيد المفتي، و أسعد، و محمد … و هذا الأخير صاحب مدرسة معروفة ب (مدرسة الطبقچه لي). و كان فيها (خزانة كتب) مهمة، و لكنها تبعثرت.

2- عبد الغني بن محمد جميل بن عبد الجليل المفتي.

و كان أديبا و عالما. ولي إفتاء بغداد بعد محمد سعيد الطبقچه لي. و آل جميل معروفون. و (كتاب الروض الخميل) يعين ما قيل فيهم من شعر.

و يعرف إخوانهم ب (آل جميل) تغلبا. و هم أولاد عبد الجليل.

3- أبو الثناء الآلوسي.

ترجمه صاحب (حديقة الورود) في حياته.

و كان مفتيا ببغداد مدة طويلة. و له مؤلفات نافعة و مهمة من أجلها تفسيره روح المعاني. و كان يعدّ شيخ الأدباء و مرجع العلماء فهو رأس (مشيخة). أو كما نقول (مدرسة). التف حوله جمع من الأدباء و أخذ عنه لفيف من العلماء فشهدت لذلك إجازاته. و (آل الآلوسي) اشتهر كثيرون منهم بالعلوم و الآداب.

4- محمد أمين الزند.

ولي الإفتاء بعد أبي الثناء. ثم صار (كهية) فعرف بالكهية و لازمه هذا الوصف. و عرفت أسرته ب (آل محمد أمين الكهية). وقفت أسرته داره فجعلتها جامعا يسمي ب (جامع الكهية)، و كتبه (خزانة كتب) عظيمة في غزارة مادتها و جليل آثارها.

5- محمد فيضي الزهاوي.

ولي الإفتاء بعد الأستاذ محمد أمين الزند (الكهية). و بقي حيا إلي ما بعد هذا العهد. و (آل الزهاوي) أولاده و أحفاده فتكوّن منهم (البيت الزهاوي).

6- آل الحيدري.

عرف منهم في هذا العهد (صبغة اللّه الحيدري) الثاني. و كان مفتي الشافعية في بغداد. و له (المسائل الإيقانية في الأجوبة علي الأسئلة الإيرانية) عندي مخطوطته. و هو أجوبة علي الأسئلة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 327

الإيرانية. و توفي في 12 ربيع الأول سنة 1279 ه. و ابنه إبراهيم فصيح الحيدري عالم و مؤرخ و أديب. و مؤلفاته كثيرة من أهمها (عنوان المجد في تاريخ بغداد و البصرة و نجد). و (عنوان المجد في تاريخ بغداد و البصرة و نجد). و (المجد التالد في مناقب الشيخ خالد) و كتب كثيرة. و توفي في 5 صفر سنة 1300 ه- 1883 م. و منهم محمد أمين بن عبيد اللّه الحيدري. توفي في 27 جمادي الأولي سنة 1279 ه.

7- عيسي صفاء الدين البندنيجي.

عالم و مؤرخ و له معرفة كاملة باللغة التركية و صاحب مؤلفات عديدة من أجلها (كتاب أولياء بغداد) نقله من التركية و الأصل لمرتضي آل نظمي. عندي مخطوطة منه كتبت في حياة المترجم. و توفي في 17 رجب سنة 1283 ه- 1867 م.

8- آل الشواف.

منهم عبد الرزاق الشواف و عبد العزيز الشواف و هذا الأخير من أساتذة أبي الثناء الآلوسي. عاش في عهد المماليك … و تلاهما جماعة من آل الشواف.

9- عبد الفتاح الشواف.

من فرع آخر من آل الشواف. و هو صاحب (حديقة الورود) أديب كامل مات في مقتبل العمر و ترك أثرا خالدا. و هو الحديقة. ترجم بها أستاذه أبا الثناء الآلوسي و ذكر علاقاته بمعاصريه و بين الأدب العربي في أيامه زيادة علي ترجمته فأظهر قدرة كبيرة، و صار صفحة مجيدة في الشعر و النثر. و أخوه العلامة (عبد السلام الشواف) اختصر الحديقة و عاش إلي ما بعد هذا العهد. و من عقبه الأساتذة محمود عزت و مصطفي عزت. والدهما عزت ابن الأستاذ عبد السلام.

10- آل الواعظ.

هم آل الأدهمي. تغلب عليهم نعت الوعظ.

و من أجل من ظهر منهم في هذا العهد محمد أمين الواعظ. كان عالما جليلا و أديبا و خطاطا معروفا. و آل الواعظ توالي فيهم العلم. و كتب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 328

السيد مصطفي الواعظ ابن الأستاذ محمد أمين كتابا في أسرتهم علق عليه صديقنا الأستاذ إبراهيم الواعظ ابن المؤلف و نشره فكان صفحة وافية في التعريف بهذه الأسرة و عندي مخطوطة أصلية من هذا الكتاب و هو (الروض الأزهر في آل جعفر).

11- آل الراوي.

اشتهر منهم في هذا العهد السيد محمد ابن السيد حسين آل عبد اللطيف الراوي. و كان عالما فقيها. ولي التدريس في مدرسة مرجان مدة. فهو من العلماء البارزين. و من ذريته الأساتذة محمد سعيد و أحمد ابنا السيد عبد الغني ابن السيد محمد المذكور.

و التفصيل في التاريخ العلمي.

12- آل الروزبهاني.

منهم محمود الروزبهاني توفي في 17 جمادي الأولي سنة 1269 ه. و ابنه عبد الرحمن الروزبهاني توفي في المحرم سنة 1270 ه.

13- الحاج رسول الكردي.

توفي في 12 رجب سنة 1276 ه.

14- السيد أحمد الموالي خطيب الأعظمية.

توفي في 16 رجب سنة 1276 ه.

و ظهر علماء كثيرون و لكنهم لم يشتهروا اشتهار هؤلاء. و في الموصل و البصرة و النجف ظهر علماء آخرون.

و في العراق حدث ما حدث من انقراض المماليك، و من طاعون كاد يبيد معالم العلم. و كان هؤلاء من بقاياهم إلا أن المأمول في الدولة أن تنهج بالعراق نهجا جديدا لتحبب نفسها و تؤسس مؤسسات نافعة استفادة من الإصلاحات التي عزمت علي مراعاتاها في فرمان التنظيمات الخيرية المعروف ب (خط كلخانه) فلم تفعل.

و لكنها أخطأت المرمي بل لم تقدر أن تؤسس مؤسسات قويمة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 329

و صالحة في أصل مملكتها أو في عاصمة دولتها، فبقي العراق محروما من التجدد العالمي و اقتباس الحضارة، و أن فتح قنال السويس لم يجعل للعراق علاقة بثقافة و إنما اقتصر علي التجارة. و لو لا اتصال العراق بالهند و بمصر و بإيران و المملكة التركية و البلاد العربية الأخري لبقي علي خموله و جفوته أو أنه اقتصر أمر الثقافة فيه علي مدارسه و خزائن كتبه.

و من أدباء هذا العهد جماعة جاء نظمهم و نثرهم صفحة كاشفة عن الأدب العربي. و من أدباء العرب في العراق في هذه الحقبة.

1- محمد أسعد ابن النائب.

2- عمر رمضان.

3- عبد الباقي العمري.

4- قاسم الحمدي.

5- محمد أمين العمري الكهية.

6- عبد الغفار الأخرس.

7- الشيخ صالح التميمي.

8- عبد الحسين محيي الدين.

9- قاسم الهر.

10- محمود أبو الثناء الآلوسي.

11- عبد الغني آل جميل.

اشتهر هؤلاء بالشعر. و من الأدباء الناثرين أبو الثناء، و عبد الفتاح الشواف و جماعة مما سنوضحه في التاريخ الأدبي و نعين النثر الفني …

و أدباؤنا لم يظهروا تجددا كبيرا

في الشعر و إن كانوا نشروا بعض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 330

المقطوعات و القصائد الأدبية المهمة في جرائد استنبول مثل الجوائب و كنز الرغائب فهذه نشرت الكثير من شعر العراقيين. و لم يظهر فيه ما يتعلق بالمطالب القومية أو الوطنية و ما شابه من الأغراض الاجتماعية إلا قليلا رأيناه في شعر عبد الغني جميل، و نثر الآلوسي و آخرين يعدون علي الأصابع.

و التكايا و الطرق اشتهرت بكثرتها في هذا العهد، و نشطت منها الطريقة (النقشبندية) و كادت تتغلب علي الطرق الأخري و لكن قطع الأمل من عودة نشاطها كما ظهر الخلل في صفوف النقشبندية. و كانت تتميز في أنها تحث علي العلم و الأخذ به إلا أنها لم تتمكن أن تستعيد القوة.

و أكبر نشاط لها في ربوع الكرد. تكاثرت تكاياها … و كادت تتغلب علي المساجد.

و من مشاهير هذه الطريقة:

عثمان طويلة.

و عبد الفتاح العقراوي.

و إسماعيل البرزنجي. و توفي 5 شوال سنة 1279 ه.

و السيد طه الكيلاني. و عنه أخذ البارزانيون الطريقة.

و لا تنكر خدمات هذه الطريقة للثقافة.

و ربحنا الثقافي لهذا العهد أن نحتفظ بما عندنا من تراث علمي و معرفة أدبية، فرعينا المدارس العلمية و خزائن الكتب و لم تنشأ عندنا المدارس الجديدة إلا المدرسة الرشدية كانت في آخر هذا العهد، و لم نشاهد إلا مدرسة اليانس الإفرنسية تأسست سنة 1281 ه- 1865 م و كانت فائدتها محدودة في بادي ء أمرها إذ إنها لم تدرس إلا الفرنسية فاقتصرت عليها. و بعض المدارس الدينية في الكنائس لم تعمّ المعرفة فيها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 331

و مرّ بنا تاريخ تأسيس المدرسة الرشدية. و لم تظهر إلا في آخر هذا العهد و كانت بوضع

ضعيف جدا. و كان تأسيس أمثالها في الدولة سنة 1262 ه و من ثم يعرف أنها عندنا متأخرة جدا. و لم تظهر المدارس المهمة و المنظمة إلا بعد إعلان الدستور.

و كان العراق متأهبا للمعرفة الجديدة مترقبا لتطورها من أيام أبي الثناء الآلوسي فحالت دون ذلك حوائل كما لقيت معارضة من آخرين.

و هذا الاحتكاك في الآراء مما نبّه إلي العلوم الفلكية و الطبيعية و أمثالهما. و التفصيل في التاريخ العلمي.

5 العلاقات بالمجاورين
اشارة

و هذه تهمنا أكثر من غيرها للصلات المباشرة. نريد أن نتوسع فيها بقدر ما نتمكن. و لعل في الحوادث المارة ما يوضح …

1- العلاقات بإيران:
اشارة

كانت الدولة القجرية علي وفاق مع الدولة العثمانية من تاريخ عقد معاهدة سنة 1238 ه، و سنة 1245 ه. و في هذا العهد عقدت معاهدة أرضروم سنة 1263 ه و توالت الإلفة بين الدولتين. و زار ناصر الدين شاه مشاهد الأئمة في العراق فتوثقت الصلة و التقريب.

و هذه قائمة بأسماء شاهات القجرية:

1- فتح علي شاه.

توفي في جمادي الثانية سنة 1250 ه- 1834 م و عندنا تداول من نقوده ما يسمي ب (الفتّه) و هي مخفّف (فتح علي شاه) و كذا (القران) و هو مخفّف (صاحبقران) فشاع نقده ب (قران). و كان ضربه في السنة الثالثة من حكمه.

2- محمد شاه ابن عباس ميرزا

المتوفي في حياة والده ابن فتح

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 332

علي شاه. خلفه. و كان ولي العهد. و توفي سنة 1264 ه- 1847 م.

3- ناصر الدين شاه ابن محمد شاه.

توفي 17 ذي القعدة سنة 1313 ه- 1896 م.

ملّ هؤلاء الحروب كما مل العثمانيون فركنوا إلي المصافاة حبا في الطمأنينة و الراحة للنظر في الشؤون الداخلية.

2- العلاقات بإمارة ابن سعود:

هذه الإمارة شغلت الدولة العثمانية في حروبها في الحجاز و في العراق. و أكبر قوة لها مناصرتها المذهب الوهابي (مذهب السلف) و هو معتقد الشعب. و كان قضي عليها والي مصر تنفيذا لأمر السلطان محمود إلا أن أرباب هذه العقيدة كانوا يميلون إليها و يحبونها حبا جما، فاستعادت بعض سلطتها من طريق الدين فتوسعت. و لكنها حاولت أن تمس بلاد الدولة فحصل التفاهم معها فكفت يدها و الدولة العثمانية كانت في ريب من أمر هذه الإمارة. توجس خيفة منها أن تعود إلي سلطتها الأولي. و من أشهر أمرائها في هذا العهد (فيصل بن تركي).

ولي الإمارة بعد والده سنة 1246 ه. و بعد ذلك أسر ثم استعاد قوته بعد العفو عنه. و حاول الاستيلاء علي جميع ما كان في سلطة آبائه و أجداده و لكن الدولة هدّدته. و من ثم رأي أن لا نتيجة وراء النضال.

و أن اهتمامه بإصلاح داخله أكبر و أعظم.

و بوفاته سنة 1282 ه حدث نزاع بين أولاده علي الإمارة، فاستغلت الدولة الحادث، كما استغل ابن الرشيد ذلك. و من ثم ركن الأمير عبد اللّه بن فيصل إلي العراق، فكانت العاقبة أن استولي مدحت باشا علي الأحساء و حازها لدولته، فطمعت فيها، و بقي أولاد فيصل مبعثرين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 333

و لو لا مناصرة الشعب لهذه الإمارة و اتصاله بعقيدتها لما دام لها حكم لا سيما و قد نهض ابن الرشيد للقضاء عليها فلم يفلح للسبب عينه.

و هذه قائمة أمرائهم:

1- تركي بن عبد اللّه

بن محمد بن سعود. توفي سنة 1246 ه- 1830 م.

2- فيصل بن تركي. توفي سنة 1282 ه- 1865 م.

3- سعود بن فيصل. توفي سنة 1292 ه- 1875 م.

4- عبد اللّه بن فيصل. و هو الذي استعان بالدولة العثمانية.

و توفي سنة 1307 ه- 1889 م.

5- محمد بن فيصل. بقي تحت سلطة ابن رشيد إلي أن توفي.

و هؤلاء داموا في نضال فيما بينهم و إدارتهم مبعثرة.

6- عبد الرحمن بن فيصل. هلك إخوته و بقي متحيرا مدة يلتمس الملك المغصوب و يترقب الفرص ليعود إلي الإمارة.

يدعم هؤلاء الشعب يميل إليهم ينتظر ظهور زعيم منهم، و يودّ أن يعود لهم الحكم ليناصره بلا قيد و لا شرط لما ملّ من الفتن. فكان هذا نصيب (عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل). و صل إليه الحكم بعد جدال عنيف و جهود عظيمة و مخاطرات و مجازفات فلم يترك اليقظة و لا الانتباه حتي نال مقصوده و ظفر … مما هو موضوع عهد تال …

6 العلاقات بالأجانب

كانت هذه محدودة قبل فتح قنال السويس. و مع هذا كانت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 334

العلاقات مشهودة و مقررة في معاهدات. فإن قناصل الإنكليز، و قناصل فرنسا لا يزالون يتوالون. و كان يسمي القنصل بالمقيم (رزدنت)، و (باليوز) و هذا اللفظ إيطالي و شاع عندنا، ثم تكونت القنصليات أو تحول اسمها إلي قنصلية و شاع كذلك في هذا العهد.

و يصعب بيان العلاقات. فإنها كانت ضعيفة إلا أن الإنكليز تعهدوا سير البواخر، و الاتصال بالهند بخطوط البرق، و بعض الخصوصات و كانت تجري بهدوء. و للقنصليات اتصال بالحفريات أيضا.

و العلاقات بالدولة العثمانية بواسطة سفراء قديمة. مرّ بنا في المجلدات الأولي للعهد العثماني بيان بعض المعاهدات. و

هي خير ما يعين الصلات، و هذه تخص تاريخ أصل الدولة. و في الولايات مثل بغداد كان المقيم (رزدنت) و يقال له (باليوز) أيضا. و لم يجلب العراق انتباه الأجانب في مثابة واحدة و درجة متساوية. و إنما تفاوتت العلاقات.

و كان في هذا العهد النفوذ للقنصليات الإنكليزية و الفرنسية. و نري التزاحم بينها كبيرا إلا أن الإنكليز يراعون الجهة العملية و الاستفادة من استغلال الأوضاع، و الفرنسية تريد الأبهة، و أن تري الاحترام الرسمي.

و آثار الإنكليز مشهودة كما أن الفرنسيين أخفقوا في قضية الطريق البري بين الشام و بغداد و شرعوا في العمل، فلم تدعهم الدولة و لم تفسح لهم في العمل و أن قرب فتح قنال السويس مما أحبط المشروع تماما. و يري تدخل الدولتين مشهودا. و لم نشاهد لغيرهما أثرا. و كان مندوب الروس و المندوب البريطاني في قضية تحديد الحدود بين إيران و العراق ذوي تأثير كبير …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 335

و كان الوالي عبدي باشا يميل بالتوجه إلي القنصل الفرنسي. و أن الترك متصلون بالفرنسيين من قديم الزمان و لعل التدخل الفعلي للإنكليز مما جعل الوالي يرتاب من سطوة الإنكليز و تدخلاتهم فينظر إليهم بحذر فيؤثر الفرنسيين. و لا شك أن الوالي كان يرقب الأحداث بحذر و لكن ذلك زال بزواله و اكتسب الإنكليز النفوذ التام و تقلص نفوذ القنصل الفرنسي.

و يهمنا أن السفارات في عاصمة الدولة. و العلاقات بها أمكن.

و أنها المرجع في كل نزاع أو حدوث خلاف. و تعرف الأوضاع من صلات الدولة في معاهداتها بالدول الأخري. و الحق أن العلاقات بالعراق قليلة. و قد مرّ بنا ذكر أوائل العلاقات بالبرتغال ثم بغيرهم.

و التجارة محدودة. و

بعد الدول عن العراق و عدم وجود الصلات بوسائط كافية مما قلل من هذه العلاقات. و في الغالب يمثل الإنكليز الدول الأخري بوكالات قنصلية فانفردوا تقريبا للصلات بالهند بحرا بواسطة الإنكليز …

و أقدم قنصلية في العراق (القنصلية الفرنسية). تأسست سنة 1742 م. و من ذلك الحين أخذ قناصل فرنسا يتواردون إلي بغداد.

و أما القنصلية الإنكليزية فيرجع تاريخها إلي سنة 1797 م فقد عينت لها قنصلا في البصرة و آخر في بغداد. و هذا يلقب ب (المقيم). و يقال له عندهم (رزدنت). و من أشهر رجالها المستر رچ. ذكرناه في المجلد السابق و في رحلة المنشي البغدادي ص 7 تفصيل أكثر عن تأسيس القنصليات الإنكليزية عندنا. و هذه القنصلية تتمتع بامتيازات عظيمة لم يبلغها غيرها. فلها 12 (قواسا) و عدد من الجنود المسلمين يبلغون (60) جنديا و لكن هؤلاء تبدل قسم منهم بالجنود البريطانيين. و كان تحت تصرف هذا القنصل باخرة صغيرة يقال لها (كوميت)Comet تلازم القنصلية دوما.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 336

هذا، و إن مراجعة (المسألة الشرقية) يعين درجة نفوذ الدولة و تدخلها و تاريخ هذا التدخل. و في كتاب (بغداد و سكة حديدها) ما يعين الآمال. و لا يهمنا التوغل إلا بقدر العلاقة بالعراق في بعض الحوادث المارة.

و لم نر أثرا مشهودا أو صلة ظاهرة لقناصل الدول الأخري إلا ما شوهد من علاقة المنتدبين من الإنكليز و الروس في تحديد الحدود بين إيران و العراق بالوجه المبين.

خلاصة و صفوة

تحصل لنا من المطالب المارة و المشاكل المهمة التي عاناها العراق أن الدولة كان همها أن تقطع دار المماليك، و تجعل بغداد كسائر البلاد التابعة لها رأسا، فلم تفلح في هذه المحاولة، و لم تحسن

الإدارة، فتعمل للتشويق عليها أو الترغيب فيها.

قام الولاة في سبيل تحقيق ذلك بأعمال جائرة، و أن الأهلين لم يروا بدّا من المجاهرة بالخلاف، فتولدت مشاكل من أهمها (التجنيد)، و القضاء علي (المنتفق) و أمثالهما مما مرّ بيانه، فاستعصي الأمر، و شمس الأهلون …

و كل ما يقال إن هذا العهد بدء انتقال، فلم يهدأ في أحواله.

ضيقت الدولة فوجدت معاكسة، و خففت من جهة و شددت من جهة أخري، فكانت المصيبة أعظم و الخطر أكبر. و لا شك أن الأمور لم تتوضح. و لعل للمعاهدات مع إيران دخلا في هذا التضييق. و تحقق للدولة القضاء علي بعض الإمارات. و لم تفلح في الأخري.

و هكذا من نتائج المسالمة مع إيران أرادت القضاء علي المنتفق، و ربحت (الأحساء). و غوائل العراق كثيرة و كبيرة. و أن ولاة بغداد لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 337

ينجحوا، و أن مدحت باشا كاد يخفق في مساعيه لو لا همته و مواهبه في حروب الدغارة و تساهله مع المنتفق.

و من المشاكل التي زاولتها الدولة معاهدة أرضروم (أرزن الروم) و ما جري بعدها من تحديد الحدود. و بهذه ثبتت قدم إيران في المحمرة و أنحائها فتركت عشائر كعب إلي إيران مقابل قطع منازعاتها بإمارة بابان … فكانت الصفقة خاسرة.

و في مطالب الثقافة أهملت (المدارس العلمية) مع ضعف التشكيلات الجديدة فكانت الخسارة كبيرة لا في العراق وحده بل في مختلف ممالك الدولة. و كأن هذه المدارس العلمية لا تصلح للثقافة و لا يمكن إصلاحها بوجه علي قاعدة (و هل يصلح العطار ما أفسد الدهر).

أرادت إهمال الماضي أو خافت أن تتعرض بالعلماء حذر الإخلال بمشروع الإصلاحات و أن لا تكرر ما جري أيام السلطان سليم

الثالث من غائلة. و كأن (خط گلخانه) يهدف أمرا غير التعرض بالمدارس و العلماء و إصلاح أمرهما.

و عندنا لم يكن أثر للثقافة الجديدة إلا أيام مدحت باشا بتأسيس المدرسة الرشدية و هي ابتدائية. و سنتعرض في التاريخ العلمي و الأدبي إلي التوضيح.

هذا ما جري في هذا العهد بنظرة أخيرة. و لا ننس أن الحاضر نتاج الغابر فلا نطيل القول بأكثر من هذا. و اللّه وليّ الأمر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 339

الفهارس العامة

اشارة

1- فهرس الأعلام

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

3- فهرس المدن و الأماكن

4- فهرس الكتب

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

6- فهرس الصور

7- فهرس الموضوعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 341

1- فهرس الأعلام

حرف الألف

آصف أفندي: 265

إبراهيم الأورفه لي: 26

إبراهيم باشا: 60

إبراهيم باشا الفريق: 165

إبراهيم باشا بن محمد علي: 295

إبراهيم بك السعدون: 274

إبراهيم بن بكتاش: 91

إبراهيم حلمي: 311

إبراهيم الرفاعي: 110، 111

إبراهيم الزعفراني: 78، 80

إبراهيم فصيح الحيدري: 327

إبراهيم القزويني: 78، 80، 92

إبراهيم الواعظ: 27، 327، 328

ابن الرشيد: 301، 322، 333

ابن سعود: 297، 332

ابن هذال (الشيخ): 125

أبو بغال: 134، 135

أبو بكر الكتخدا: 28

أبو سفيان بن حرب: 21

أبو طالب بن عبد المطلب: 75

أحمد الأحسائي: 86

أحمد آغا: 292، 293

أحمد آغا الأول: 31، 159

أحمد آغا الجيبه جي: 320

أحمد آغا النواب: 293

أحمد الحاج: 159

أحمد آغا الكتخدا: 50

أحمد آغا الكهية: 31، 159

أحمد باشا أمير اللواء: 242، 243، 244، 248، 250، 252، 254

أحمد باشا بابان: 60، 109

أحمد باشا اللاز: 72

أحمد توفيق باشا: 154، 155، 158، 317

أحمد بن جابر الصباح (الأمير): 268

أحمد حسن خان: 293

أحمد حمدي باشا: 256، 258

أحمد راسم: 258

أحمد الراوي (السيد): 297

أحمد الزعيم: 201، 209

أحمد الزندي: 185

أحمد السعدي: 12

أحمد شكري: 92

أحمد الطبقجه لي: 90

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 342

أحمد القزويني: 87

أحمد محمود الطالباني: 148

أحمد مدحت: 282

أحمد المفتي: 136، 185

أحمد الموالي: 140، 141، 328

أحمد نوري الأنصاري: 164

اد. انكله لهارد: 52

أرشد العمري (فخامة): 306

أسعد آل الطبقجة لي: 326

أسماء خاتون بنت قوجه يوسف باشا: 25

الإسكندر: 118

إسكندر باشا: 138، 144

إسماعيل الأورفه لي: 26

إسماعيل بن سعيد: 43

إسماعيل باشا: 200، 300، 301

إسماعيل باشا أمير العمادية: 45، 46

إسماعيل باشا الجليلي: 35

إسماعيل البرزنجي: 330

إسماعيل الواعظ: 27

أشقر باشا: 38، 50

إقبال الدولة: 209، 292

أكاه أفندي: 35، 37

أكرم رفعت (الدكتور): 31

إلياس بن خليل الجبور:

252

أمين پچه: 211، 232

أمين خالص: 33

أمين العمري الكهية: 55

أمينة بنت إسكندر باشا: 138، 139

أوليا جلبي: 103

حرف الباء

پجه أمين: 213

پچه شيرين: 211، 212

بدر بن مشاري: 125

بدرهان بك: 92

بدوي رئيس الدغارة: 246

بديوي (شيخ جليحة): 254

برتوي: 176

بسيم رفعت (الدكتور): 31

بكر باشا أمير اللواء: 250

بكر بك البصري: 34

پليسيه القنصل الفرنسي: 176، 181

بندر السعدون (الشيخ): 142، 156، 168

بوسويني (اللورد): 69

البهاء (حسين علي النوري): 86، 88، 89، 100

پير بك: 98

بيورلدي: 234

حرف التاء

تحسين أفندي: 243

تركي بلمز: 124

تركي بن عبد اللّه (الأمير): 294، 333

تقي آغا: 293

تقي الحلبي: 29، 321

تقي الدين باشا: 180، 183، 184، 193، 317

توفيق باشا: 156، 165

تويسز رائف: 226

حرف الثاء

ثريا بكم: 292، 293

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 343

حرف الجيم

جابر أمير كعب: 49

جابر الكاظمي: 148

جابر بن عبد اللّه الصباح: 268

جابر بن مبارك (الأمير): 268

جاسم الثاني: 303

جعفر آغا: 157

جعفر الأدهمي: 27

جلال بن إبراهيم: 25

جميل بك: 92

جميل الأورفه لي: 26

جوامير: 211

جودت باشا: 106، 159

جوكل (جوامير): 211

جول توللي المهندس: 273

حرف الحاء

جامع أفندي: 62

حافظ باشا: 85، 172، 268

حامد الفخري: 180

حافظ أفندي: 200

حسن آغا: 157

حسن آغا أورفه لي: 24

حسن بن آغا مير: 78

الحسن (الإمام): 159، 299

حسن باشا: 136

حسن بك: 111

حسن تقي زادة: 58

حسن زيور العمري: 306

حسن سلطان: 214

حسن الكولهمن: 31

حسني الحكاك: 293

الحسين (الإمام): 80

حسين آغا الكتخدا: 45

حسين أفنان: 90

حسين باشا الجليلي: 35، 36

حسين علي بن عباس النوري: 88

حسين عوني باشا: 234

حسين فوزي باشا: 299

حسين قلي خان: 239

حسين الكهية: 24

حسين ميرزا: 33

حكمت سليمان (فخامة): 11، 261

حمدي باشا: 64، 65، 98، 279

حميد أفندي: 256

حنيدان (شيخ ربيعة): 232

حرف الخاء

خالد (الشيخ): 22

خالد آل سعود: 294

خالص بن أمين: 33

خزعل (الشيخ): 49

خلف آغا: 110

خليل الأورفه لي: 26

خليل بك: 279، 299

خليل شيخ الجبور: 244، 252، 253

خورشيد باشا: 10، 11، 95، 97، 294

خورشيد بن عبد الحكيم: 41

خيري باشا: 137

خيري أمين العمري: 307

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 344

حرف الدال

داود آغا الأورفه لي: 25

داود (الشيخ): 91

داود باشا: 12، 16، 17، 29، 31، 32، 41، 72، 73، 78، 79، 80، 82، 110، 137، 282

داود الچلبي (الدكتور): 44

داود السعدي: 169

درويش باشا: 11، 50، 65، 95، 97

دنان (شيخ عفك): 246، 254

حرف الراء

رائف بك: 226

رؤوف باشا: 72، 279، 308، 310

راشد آغا: 60

راشد باشا: 279

راغب آغا: 92

رچ (المستر): 335

رجب باشا: 281

رسن (شيخ الدفارة): 253

رسول آغا: 43، 46

رسول الكردي: 328

راشد باشا: 279

راغب أفندي: 238

رشدي: 313

رشيد باشا الكوزلكلي: 118، 120، 123، 127، 139، 140، 153، 168، 190، 227، 257، 316

رشيد السعدي: 12، 169

رشيد محمد باشا: 43، 44، 46، 47

رضا الطالباني (الشيخ): 53

رضوان آغا: 19

ركن الدين الحسني: 111

رمضان (السيد): 40

الرفاعي: 12

حرف الزال

زاله: 214

حرف السين

ساجر الرفدي: 210

سالم بن مبارك (الأمير): 268

سامح باشا: 234، 235، 241، 242، 243، 248

سامي بن نجيب: 25

سجاد علي خان: 293

سري أفندي: 125، 126

سرمد الزبيدي: 115

سعاد العمري: 306، 307

سعد آغا الأورفه لي: 25

سعدة بن محمد ثامر السعدون: 26، 110

سعدون شيخ العبيد: 165

سعود بن فيصل (الأمير): 295، 296، 333

سعيد (الحاج): 227

سعيد أفندي: 299

سعيد بن جبير: 125

سعيد الديوجي: 136، 104

سلمي خاتون: 26

سليم الثالث (السلطان): 337

سليم (كاسب): 265

سليمان باشا: 231

سليمان باشا بابان: 60

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 345

سليمان باشا الصغير: 26

سليمان الغنام: 78

سليمان فائق: 11، 30، 64، 68، 99، 101، 138، 147، 150، 153، 158، 166، 168، 169، 171- 173، 175- 177، 209، 223، 224، 226، 227، 247، 265، 268، 270- 273

سليمان القانوني (السلطان): 103، 194، 295

سمرمد: 115

السموأل: 21

سمير الزيدان: 116

سميط: 165

السهروردي (الشيخ عبد المحسن): 45

سويلم (بن ربيعة): 213

سيدي علي: 161

حرف الشين

شاكر بك: 222، 235، 263، 279، 299

شامل اللزكي (الشيخ): 127

الشاوي: 100، 109، 125

الشاوي: (محمود السلطان): 82

شبلي باشا: 144، 165، 172، 178

شريف باشا: 85

شوقي (الرباني): 89

شهاب الدين الموصلي: 159

حرف الصاد

صائب بك: 262

صادق آغا: 293

صالح التميمي: 39، 44، 75، 329

صالح دانيال: 132، 142

صالح بن زيادة: 67، 68

صالح العيسي: 113، 115، 124، 162

الاستاذ الصايغ: 36، 38، 39، 44، 47

صباح الأول: 267

صباح بن جابر: (الأمير): 266، 268

صبح أزل (ميرزا يحيي): 89

صبغة اللّه الحيدري: 123، 166، 326

صديق الجليلي: 37

صديق الدملوجي: 45، 47

صفوق (الشيخ): 26، 27، 35، 36

حرف الضاد

ضياء باشا: 201، 264

ضيائية خانم بنت عبد البهاء: 89

طاهر بك: 242، 243

طه الكيلاني: 330

طيار باشا: 85

حرف الظاء

ظاهر شوازخان: 259

ظاهر المحمود: 107

حرف العين

عارف أفندي: 51

عارد الدفتري: 18

عارف حكمت: 128

عالي باشا (الصدر الأعظم): 310

عباس إقبال: 212

عباس (الشيخ): 252، 254

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 346

عباس أفندي (عبد البهاء): 88، 89، 90

عباس شاه: 95

عباس ميرزا: 37

عبد الباقي الآلوسي: 275

عبد الباقي العمري: 36، 48، 49، 55، 100، 106، 112، 149، 154، 164، 306، 307، 329

عبد الجليل البصري: 50

عبد الجليل جميل: 167

عبد الحسن مراد: 244

عبد الحسين الأزري (الأستاذ): 308

عبد الحسين الطهراني: 148

عبد الحسين محيي الدين: 75، 329

عبد الرحمن الأورفه لي: 24

عبد الرحمن باشا: 126

عبد الرحمن بك: 227

عبد الرحمن الجليلي: (الأستاذ): 37

عبد الرحمن الروزبهاني: 137، 328

عبد الرحمن شرف: 74، 75

عبد الرحمن الطالباني: (الشيخ): 148، 260

عبد الرحمن بن عثمان: 25

عبد الرحمن الفيصل (الأمير): 295، 333

عبد الرحمن نقيب البصرة: 264

عبد الرزاق الشواف: 327

عبد الرضا: 48

عبد السلام الشواف: 88، 91، 327

عبد العزيز أفندي: 240

عبد العزيز (السلطان): 57، 280، 281، 304، 314

عبد العزيز الشواف: 327

عبد العزيز عبد الرحمن (الأمير): 333

عبد العزيز بن مشاري: 125

عبد الغفار الأخرس: 39، 78، 81، 127، 130، 163، 167، 304، 329

عبد الغني جميل: 19- 21، 24، 34، 35، 136، 167، 326، 329

عبد الفتاح الشواف: 22، 91، 92، 327، 329

عبد الفتاح العقراوي: 22، 330

عبد الفتاح الكليدار: 40

عبد الفتاح الواعظ: 27

عبد القادر الآلوسي: 227

عبد القادر باشا أمير العمادية: 45

عبد القادر آغا بن زيادة: 24، 65، 66، 67

عبد القادر الكيلاني: 40

عبد الكريم شمر: 245، 246، 300، 301

عبد الكريم نادر باشا (عبدي باشا): 98، 101- 103، 108، 121، 299، 316، 335

عبد اللّه (الشريف): 294

عبد اللّه أخو فارس: 110

عبد اللّه أفندي: 122

عبد اللّه الآلوسي: 127، 167

عبد اللّه باشا: 60

عبد اللّه باشا بابان: 109

عبد اللّه بن تركي: 294

عبد اللّه رئيس العسكر: 213

عبد

اللّه بن فيصل: 332، 333

عبد اللّه السالم (الأمير): 268

عبد اللّه الصباح (الأمير): 266- 268،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 347

297

عبد اللّه الثاني بن صباح الثاني: 268

عبد اللّه الفيصل (الأمير): 295- 297، 303، 332

عبد اللطيف بن مشاري: 125

عبد المجيد (السلطان): 67، 93، 156، 162، 314، 318

عبد المحسن السعدون (فخامة): 171، 274

عبد الهادي باشا العمري: 306، 307

عبد الوهاب رضوان آغا: 19، 20

عثمان آغا الأورفه لي: 25

عثمان باشا: 93

عثمان بك: 178

عثمان بك آل إبراهيم باشا: 28

عثمان زعيم الخيالة: 253

عثمان سيفي: 68، 307

عثمان طويلة (الشيخ): 330

عثمان بن عبد الرحمن: 25

عثمان النجدي: 177

عثمان وافي: 239

عثمان نورس: 68، 75، 102، 103

عجيل (شيخ المنتفق): 26، 110

عزرا مناحيم: 135

عزرة الصراف: 226

عزت بك آل قبوجي باشي: 51

عزت بن عبد السلام: 327

عزمي باشا: 98

عزير آغا: 32، 33

عزيز بك: 240

عزيز بك بابان: 109

عطاء الطبقجه لي: 137

عطاء الكاشف: 157

علاوي (رئيس الشبانة): 178

علي (الشريف): 294

علي آغا: 159

علي آغا الأورفه لي: 25

علي الآلوسي (الأستاذ): 306، 307

علي بابان: 60

علي باشا الأول: 208

علي باشا حافظ: 147

علي باشا الكتخدا: 208

الفاروقي: 123

فاطمة زوجة إسكندر باشا: 138

علي البالطي: 32، 41، 48

علي حيدر: 193، 247، 360، 311

علي خان: 214، 292، 293

علي (الملا الخصي): 19، 61،- 64

علي رشاد: 52

علي رضا باشا: 7، 15- 17، 20، 22، 24، 26، 33- 35، 37- 41، 43- 46، 48- 51، 60- 69، 71، 73- 76، 78، 79، 83، 85، 99، 103، 109، 132، 136، 160، 180، 307، 313، 316، 321

علي الرهاوي: 24

علي الشرقي (معالي الأستاذ): 274

علي شيخ الجبور: 253

علي الطباطبائي: 80

علي الكبير: 40

علي محمد الشيرازي: 86

علي بن ناصر بن فارس: 110

علي النقيب (السيد الكيلاني): 40، 99، 163

علي الهروي (الشيخ): 49

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 348

علي اليسرجي: 60،

63، 64

عمر بن الخطاب (رض): 56، 237

عمر رمضان الشاعر: 39، 75، 329

عمر باشا السردار الأكرم: 137- 139، 148، 262، 316

عمر السهروردي: 167

عيسي (شيخ المنتفق): 113

عيسي صفاء الدين البندنيجي: 68، 179، 180، 327

حرف الفاء

فارس (شيخ): 252

فارس العجيل: 110، 124، 252

فاطمة بنت هاتف: 68

فالح السعدون بن ناصر باشا: 274، 275

فايتو ريكو فسكي: 138

فتاح بك: 214

فتح اللّه عبود: 179

فتح علي شاه: 331

فخري بن هاتف: 68

فرحان الصفوق: 165، 299، 301

فحل أخو الشيخ وادي: 115

فخري الطبقچه لي: 137

فرهاد ميرزا: 214

فروغية بنت البهاء: 90

فضيل الزيدان: 107

فهد السعدون (الشيخ): 171- 176، 223، 224، 231، 253، 256، 268، 270، 274

فيتولد ريكوفيسكي: 138، 144

فيصل (الشيخ): 151

فيصل بن تركي (الأمير): 294، 295، 332، 333

فيضي باشا: 235، 240

حرف القاف

قاسم أفندي: 83

قاسم الحمدي: 35، 329

قاسم الهر: 329

قدري بك: 239، 263، 276

قربي باشا: 269

قرة العين: 86

قورت إسماعيل باشا: 300

حرف الكاف

كاظم الرشتي: 80، 81، 83، 86

كامل بن هاتف: 68

كامل بن أحمد آغا الأول: 31، 159

كامل بك: 185

كرد محمد باشا: 80

كريدي (شيخ الخزاعل): 107، 144

كريم خان: 81، 214

كور باشا: 32، 40، 41، 43- 48، 84، 85، 108، 315

كمال بن أحمد آغا الأول: 31، 159

كمال باشا: 280

كنعان آغا: 125

لطفي: 51

حرف الميم

مبارك الصباح (الأمير): 268

محب علي خان: 276

محسن السهروردي: 68

محمد بن أحمد الطبقجة لي: 90، 91

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 349

محمد الأدهمي: 27

محمد أسعد: 137

محمد أسعد النائب: 24، 28، 25، 30، 329

محمد آغا سياف زادة: 18، 68

محمد أفندي الزهاوي: 142

محمد أمين الحيدري: 327

محمد أمين زكي (الأستاذ): 44

محمد أمين العمري الكهية: 75، 112، 137، 142، 158، 165، 171، 185، 304، 306، 326، 329

محمد أمين الواعظ: 27، 327، 328

محمد باشا: 79

محمد باشا اينجه بيرقدار: 34، 38، 43، 46، 83

محمد باشا الديار بكري: 151

محمد باشا الميرميران: 150

محمد باشا الكريدي: 85

محمد (رئيس قبيلة الجاف): 257، 263

محمد جميل: 167، 168، 209

محمد الجواد (الإمام): 277

محمد حسن (محمد حسين): البالاسري:

80

محمد بن حسين الراوي (السيد): 328

محمد حسين بن عبد اللّه: 87

محمد الخطي: 41

محمد درويش الآلوسي: 22

محمد الرابع (السلطان): 56

محمد راغب باشا: 101

محمد رش: 213

محمد رشيد السعدي: 81

محمد رشيد باشا الكوزلكلي: 44، 121، 125، 126، 130، 131

محمد رفعت: 31

محمد سعيد باشا آل ياسين المفتي: 32، 35، 84، 307

محمد سعيد باشا (أمير العمادية): 45، 46

محمد سعيد التكه لي (التكرلي): 40

محمد سعيد الطبقجه لي: 35، 75، 91، 136، 326

محمد سعيد نقيب البصرة: 264، 297

محمد سليم: 25

محمد شاه: 78، 79، 93، 331

محمد بن شبل العجمي: 86، 87

محمد الشخير البوسلطان: 254

محمد صالح: 213

محمد صالح أورفه لي: 24

محمد صالح بن علي بن سعدون: 165

محمد صالح وجيهي: 104- 106، 316، 321

محمد الصباح

(الأمير): 268

محمد الطبقجه لي: 90، 326

محمد عبد الرؤوف: 122

محمد عبد اللّه العدساني: 266

محمد علي باشا (والي مصر): 17، 321

محمد علي (شيخ بني لام): 279

محمد علي ميرزا: 78، 95، 108

محمد عمر آل جميل: 167

محمد بن عون (الشريف): 294

محمد الفيصل (الأمير): 295، 333

محمد فيضي الزهاوي: 280، 281، 326

محمد الليلاني: 19

محمد مختار باشا: 58

محمد بن مشاري: 125

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 350

محمد المصرف: 32

محمد مظهر: 263

محمد المفتي: 136

محمد ميكائيل: 181

محمد نافع: 137

محمد نامق باشا: 11، 97، 105، 106، 109، 112، 113، 116 118، 124، 132، 153، 158، 161، 162، 163، 165، 166، 171، 174، 177، 178، 180، 190، 220، 227، 228، 257، 266، 316، 317، 320، 321

محمد نجيب باشا: 76، 78- 81، 99، 101، 316

محمد وجيه باشا: 104، 106، 112

محمد وحيد بن مير شعبان: 68

محمود بن سلطان الشاوي: 12

محمود (السلطان): 17، 314، 332

محمود أبو الثناء شهاب الدين الآلوسي:

13، 20، 21، 24، 34، 35، 38- 41، 48- 51، 53- 55، 60، 61، 65، 72، 75، 87، 91، 101، 102، 109، 112، 118، 121، 123، 124، 127، 132، 136، 137، 167، 185، 306، 307، 322، 326، 329

محمود الأورفه لي: 24

محمود باشا بابان: 60

محمود بك (القائممقام): 126

محمود الجليلي (الدكتور): 37

محمود خالص: 33

محمود الروزبهاني: 328

محمود زنكنه (الشيخ): 260

محمود شكري (الأستاذ): 167

محمود شوكت باشا: 261

محمود عزت الشواف (الأستاذ): 92، 327

محمود غازان (السلطان): 56

محمود نديم باشا الصدر الأعظم: 310

محمود النقيب (السيد): 22، 40

مخلص باشا الدفتري: 149، 153

مخيف بن كتاب (الشيخ): 244

مدحت بن أحمد آغا الأول: 7، 14، 31، 85، 159، 160

مدحت باشا: 184- 186، 192- 196، 198، 201، 202، 204، 208، 209، 212، 213، 219، 211، 222، 224، 232، 234، 236، 237،

239، 240- 243، 247، 248، 250، 255، 257، 263، 267- 271، 273، 278، 280- 282، 289، 295، 296، 298، 299، 300، 301، 304، 307- 310، 313، 314، 316- 318، 320، 321، 324، 332، 337

مدحت أفندي: 31

مدحت بن نجيب: 25

مراد أبو كذيلة: 256

مراد أفندي: 279

مراد الرابع (السلطان): 22، 93، 203، 320

مرتضي آل نظمي البغدادي: 179

مرجان صاحب المدرسة: 22

مزعل (الشيخ): 49

مزهر بن سرمد: 115

مريد بك: 275

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 351

مسعود بك (رئيس النافعة): 257

مشاري السعدون: 124، 125

مشاري بن عبد الرحمن بن سعود: 294

مصطفي آغا: 293

مصطفي رشيد باشا: 44

مصطفي الزعفراني: 80

مصطفي عزت (الأستاذ): 92، 327

مصطفي فائق: 137

مصطفي نوري باشا: 150، 151، 154، 156، 157، 161، 317

مصطفي الواعظ: 27، 328

مطلق بن كريدي: 144

مظهر باشا: 268

ملا مردان الكركوكي: 178

مكي بن إبراهيم: 25

مكي بن عبد الرحمن: 25

مناحيم دانيل: 135

المنشي ء البغدادي: 43، 264

منصور باشا: 110، 113، 124، 153، 156، 165، 168، 169، 172- 175، 183، 231، 241، 246، 247، 297

منيب باشا: 158، 162- 164

موسي باشا (أمير العمادية): 45

موسي الكاظم (الإمام): 277

المهدي (الإمام): 277

مير شعبان حامي بك: 68

مير كوره: انظر كور باشا

حرف النون

نائلة خاتون: 19، 256، 279

نادر آغا: 292، 293

نادر شاه: 36، 86، 93، 95

ناصر بن حوممالي: دالبان: 259

ناصر الدين شاه: 100، 126، 146، 148، 280

ناصر السعدون (الشيخ): 85، 165، 168، 169، 171، 173، 176، 209، 223، 224، 226- 229، 231، 241، 242، 244، 246، 247، 265، 270، 271، 273- 275، 301، 302

ناظم بن إبراهيم: 25

نافذ باشا: 276، 279، 296، 297، 303

نافع بن نجيب: 25

نامق بن نجيب: 25

نبيلي: 81

نجم الزيدان: 107

نجيب باشا: 71، 86، 92، 97، 108، 158

نجيب بن عثمان: 25

نجيب شيحة: 117، 146، 159

نشأت بن عبد الرحمن: 25

نعمان خير

الدين الآلوسي: (الأستاذ):

91، 166

نعوم سركيس: 274

نهاد رفعت (الدكتور): 31

نور علي: 259

نور الدين داود: 47

نوري بن عبد الرحمن: 25

نيبور الهولندي: 43

حرف الهاء

هاتف بك بن عثمان بك: 68

هادي أفنان الشرازي: 90

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 352

هادي باشا: 307

هندي (شيخ العشائر): 255

هواس (ضابط إيراني): 259

حرف الواو

واجد علي شاه: 292

وادي شيخ زبيد: 110، 115، 120، 124، 132، 256

وجيهي باشا: (محمد صالح وجيهي) ورنر كاسكل: 41

حرف الياء

ياسين العمري: 36، 45، 104

يحيي باشا: 35، 36، 37، 325

يحيي باشا الجليلي: 11، 164

يحيي بك (مقدم ركن في الجيش): 242

يحيي المزوري (الشيخ): 32، 41، 48

يعقوب سركيس (الأستاذ): 274، 323

يوسف الركوكي: 209

يوسف المولوي: 161

يوسف آغا (الحاج): 18، 28

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 353

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

حرف الألف

آل الأدهمي: 27، 327

آل الآلوسي: 326

آل أريرج: 217

آل الأورفه لي (الرهاوي): 24

آل بابان: 60، 107، 109

آل الجليلي: 14، 325

آل جميل: 20، 167، 168، 326

آل الحاج علي الروسجغي: 192

آل الحيدري: 167، 326

آل داود: 91

آل الراوي: 328

آل الرشتي: 83

آل رضوان آغا: 19

آل الروزبهاني: 328

آل الزهاوي: 93

آل السعدون: 26، 265، 270، 274، 294، 295

آل رشيد: 333

آل الزهاوي: 326

آل الشواف: 327

آل صباح: 266

آل الطالباني: 148

آل طبقچه لي: 90، 136، 326

آل عبد الرزاق الكيلاني: 40

آل عبد الجليل: 35، 36

آل عبد العزيز: 40

آل عثمان: 76

آل عريعر: 266

آل عبد الوهاب: 30

آل عزيز آغا: 33

آل القيارة: 137

آل الكيلاني: 99

آل محمد الأمين: 326

آل مصطفي الخليل: 137

آل مناحيم دانيل (دانيال): 132، 135

آل النائب: 30

آل نظمي: 327

آل الواعظ: 27، 327

آل ياسين المفتي: 36

الآلوسيون: 127

آورمان (هاورمان): 214، 215، 323

الأجود: 147

الأسلم: 26

الإسماعيلية: 88، 89

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 354

الإسلام و المسلمون: 87

الأصولية: 80

الأعجام: 63، 87، 126

الأقرع: 178، 249

الأكراد: 32، 48، 61، 138، 156، 214، 232، 324

الألمان: 307

الأمويون: 30، 56

الإنكليز: 37، 126، 218، 262، 264، 296، 334- 336،

الإيرانيون: 86، 97، 151، 212، 213، 215، 216، 218، 239، 282، 319

حرف الباء

الباب: 86، 88

بابان: 14، 40، 60، 94، 98، 108، 109، 160، 196، 229، 273، 315، 325، 337

بابية: 86

البارازانيون: 330

باروند: 232

الباطنية: 88، 89

البالاسرية: 80

بحاحثة: 254

البرتغال: 353

بشت سرية: 80

البعيج: 26، 147

البكتاشية: 75

البلوش: 79

بنو زريج: 178

البو جاسم: 255

البو حسان: 178

البو سلطان: 242، 252، 254، 255

البو شاهر: 165

البو محمد: 151

البو ناصر: 49

بنو حسن: 105، 112

بنو حكيم: 151، 242

بنو خالد: 266، 295

بنو زائدة: 66

بنو لام: 33، 278، 302، 323

بنو ويس: 302

البهائية: 80، 86، 90، 100

بهدينان: 32، 44، 46، 47، 325

بي توي: 232

حرف التاء

الترك: 20، 64، 79، 169، 239، 281، 319، 335

التركمان: 58

حرف الجيم

الجاف: 256، 263، 323- 325

الجبور: 242- 244، 252، 255، 257

چچن (چچان): 241، 245، 249، 251

جليحة: 254

الجوازرية: 244

حرف الحاء

الحجام: 178

الحمدانيون: 178

الحميد: 147

الحميرية: 147

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 355

الحنفية: 21، 22

الحيادر: 217

حرف الخاء

الخزاعل: 28، 107، 143، 144، 242، 248، 252

الخلوتية: 159

حرف الدال

دالبان (طالبان): 232، 259، 260

الدريس: 49

حرف الراء

ربيعة: 26، 61، 213، 232، 233، 238، 323

الرفيع: 147

الروس، و روسيا: 81، 97، 124، 126، 218، 311، 334، 336

الروم: 306

حرف الزاي

زبيد: 110، 115، 116، 120، 132، 165، 252، 256، 323

زرزا: 41

زنكنة (عشيرة): 260

زوبع: 107

حرف السين

السلجوقيون: 56

السلاف: 312، 332

السنة: 212، 216

السنجابية، السنجاوية: 211، 212، 232، 239، 259، 260، 303، 323

السورمرية (سرمرية): 61

حرف الشين

الشافعية: 166، 216

الشبانة: 178

الشبل: 248

الشلال: 248

شمر: 26، 35، 107، 116، 165، 178، 201، 210، 245- 297، 299، 301

الشملان: 266

الشيخية: 81، 86

الشيعة: 80، 212

حرف الصاد

الصورانيون: 40

حرف الطاء

الطالبانية: 260

حرف الظاء

الظوالم: 177

حرف العين

العباسيون: 56، 103، 131

عبدة: 210

العثمانيون و الدولة العثمانية: 14، 33، 36، 38، 50- 52، 56- 58، 159، 168، 169، 215، 219، 240، 281، 295، 296، 307، 311- 313، 319، 320، 331- 334

العرب: 61، 89، 107، 115، 145،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 356

174، 213، 306، 329

العراقيون: 106، 121، 278، 310، 330

عقيل (أعراب نجد): 38، 115، 126، 176

عنزة: 26، 125، 201، 210، 266

العمرية: 36

حرف الغين

الغرب: 51، 53، 58، 66، 89، 116، 142، 176، 181، 219، 311

الغزالات: 248

غزية: 26، 147

حرف الفاء

الفرنسيون: 116، 176، 335

الفيلية: 61، 238، 239، 263، 323

حرف القاف

القادرية: 99، 148، 260

القصمان: 38

القجاريون: 82، 93، 331

حرف الكاف

كرچ: 99

الكرد: 212، 232، 241، 245، 300

الكشفية: 79، 80، 83، 86، 87، 89

كعب: 48، 49، 94، 98، 297، 302، 323، 337

حرف اللام

اللاز (علي رضا باشا اللاز): 15

لب زيرين: 41

المحيسن: 49

المسقوف: 124، 130، 126

المسلمون (الإسلام): 56، 64، 126، 182، 189، 208، 218، 237، 266، 312، 335

المسيحيون: 116

المشعشعون: 49

المطير: 266

المغول: 56، 58

ملك شاهي (قبيلة): 238، 239

المماليك: 3، 11، 14، 16، 18، 19، 24- 27، 29- 31، 36، 64، 71- 73، 84، 111، 169، 208، 321، 325، 328، 336

المنتفق: انظر المنتفق في الأماكن.

حرف النون

النصار: 49

النصاري: 53، 130، 176، 218، 312، 234

النقشبندية: 22، 99، 330

النمساويون: 218

حرف الهاء

الهاشميون: 63

الهماوند: 146، 147، 149، 211- 213، 232، 303

اليزيدية: 32، 41، 48، 85، 201، 202، 316

اليهود: 130، 132، 134، 141، 218، 234

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 357

3- فهرس المدن و الأماكن

حرف الألف

آورامان (جبل): 216

أبو چماع: 129

أبو شارب: 259، 260

أبو عروج: 292

الأحساء: 185، 195، 296، 293، 295، 296، 300، 303، 332، 336

أدرنة: 89، 104

أذربيجان: 217

إربل: 30، 138، 196، 260

أرضروم (أرزن الروم): 50، 64، 65، 93، 94، 315، 331، 337

استنبول (اسلامبول): 16، 17، 29، 34، 38، 43، 51، 65، 67، 68، 72، 76، 86، 87، 89، 98، 105- 107، 109، 112، 115، 117، 124، 127، 128، 138، 150، 156، 177، 178، 180، 181، 183، 185، 219، 221، 258، 266، 276، 282، 301، 306، 308، 311، 313

إسكندرية: 219

الأعظمية: 18، 68، 100، 127، 131، 217، 256

ألمانيا: 299

ألوس: 222

الإمارات العربية: 316

آمد: 101، 102، 119، 123

الأناضول (أناطول): 32، 288

أنقرة: 11

إنكلترا (بريطانيا): 69، 211، 320

أوربا: 136، 161، 218، 257، 264، 298، 312

أورفة: 300

أوقاف المرجان: 112

أوقاف النعمان: 131

إيران: 11، 32، 37، 48- 50، 53، 57، 60، 62، 81، 83، 86، 88، 89، 93- 95، 97، 108، 126، 146، 149، 188، 212- 217، 232، 238، 256، 263، 272، 273، 276، 278، 282، 329، 331، 334- 336

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 358

حرف الباء

باب الأزج: 164

باب الإمام الأعظم: 40

باب البصرة: 119

باب الحرم: 20

باب الحلة: 113، 118

باب سنجار: 83

باب الشيخ: 124

الباب العالي: 301، 310

باب الكاظم: 119

باب الكرخ: 119

باب المعظم: 113

باب المندب: 219

باب النجف: 79

باجسرا (أبو جسرة): 61

پاريس: 52

پارطين: 83

بازلة: 214

بازيان: 197

الباشيه: 129

بالطة (قرية): 41

بانه: 215

پانزرده (جبل): 93

البحر الأحمر: 221

البحرين: 219، 267، 269، 304

بدرة: 115

بدليس: 122

براثا: 100

برادوست: 41

بريطانيا: 81

بريفكان: 41

بستان نجيب باشا: 68، 281، 298

البصرة: 18، 31- 34، 49، 50، 67 69، 83، 98، 101، 106، 110، 113، 129، 135، 138، 158، 162- 164، 169، 172، 195، 209، 210، 218، 220، 221، 223، 226، 227، 238، 257،

262- 274، 279، 297، 299، 303، 328، 335

بغداد: 12، 14، 16- 22، 24، 26، 28 31، 33، 38، 40، 41، 43، 46، 49- 52، 54، 55، 63- 69، 71، 73، 74، 76، 78- 81، 83، 86- 88، 90، 99، 101، 102، 104، 109، 111، 112، 115، 116، 118- 131، 135، 136، 138، 139، 142، 143، 145، 148، 150، 151، 156- 169، 171- 182، 184- 186، 193، 195- 200، 208، 216، 220، 222، 224، 228، 230- 234، 236، 239، 242، 245، 246، 248، 254، 256- 258، 262- 264، 267، 269، 270، 274، 276، 282، 284، 286، 292، 296، 299، 300، 301، 303، 308- 311، 313، 314، 317- 322، 324، 334- 336

البلقان: 307

بكساية: 278

البلانجية (سوق): 209

بلجيكا: 180

بندر بوشهر (بندر شابور)، 219، 221

البوسنة: 138

بهدينان: 32، 44

بهمشير (نهر): 48

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 359

بومبي: 12، 50، 269

بيت الزهاوي: 326

بيروت: 117

بيلان: 263

بين النهرين: 301

حرف التاء

تبريز: 87

تركيا: 68، 86، 329

تكريت: 119

تكية البندنيجي: 180

التكية الخالدية: 22

تكية الطالباني: 148

تلعفر: 202

تلغرافخانة (إدارة البرق): 155

التنورة: 297

حرف الثاء

الثكنة العسكرية: 84

حرف الجيم

الجاف: 197

جامع ابن النائب: 30

جامع سوق الحنطة: 84

جامع العادلية: 41

جامع الشيخ عمر السهروردي: 68

جامع القلعة: 103

جامع الكهية: 185، 326

جبة: 210، 222

الجبيلية: 275

جدة: 73، 219، 264

جربوعية: 129، 145، 253

الجزائر: 163، 224

الجزيرة: 46، 92، 125، 138، 196، 300، 301

جزيرة ابن عمر: 112

جزيرة الخضر: 48، 49، 93

جزيرة المحلة: 48، 49

جمجمال: 260

جسان: 115

جليحة: 251

الحجاز: 98، 101، 106، 136، 148، 159، 176، 181، 184، 332

الجمهورية التركية: 58

حرف الحاء

حديثة: 210

حديدة: 219

حديقة البلدية: 280، 281، 298

الحديقة النجيبية (المجيدية): 88، 100، 281، 298

حسين كفتي (قرية): 43

حضرة العباس: 79

الحضرة الأعظمية: 22، 158

الحضرة القادرية: 26، 40، 166

حضرة الكيلاني: 55

حكاري: 47

حلب: 18، 25، 26، 32، 34، 39، 65، 72، 73، 85، 138، 158، 300

الحلة: 26، 30، 67، 109، 115، 116، 129، 137، 138، 140، 142، 143، 145، 169، 172، 197، 200، 227، 240، 242-

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 360

244، 250، 252، 254، 255، 268- 271، 279، 301

الحمار: 224

الحويزة: 49، 183، 217، 227

حرف الخاء

الخابور: 165

الخالص: 19، 61، 131

خان الاورتمه: 320

خانقين: 61، 126، 168، 197، 213، 233، 238، 277، 281

خراسان: 139، 147، 197، 240

خربوت: 122

خريسان (نهر): 139

خزانة آل باش أعيان: 164

خزانة الأوقاف العامة: 144، 179، 185، 256

خزانة كتب الطبقجة لي: 326

خزانة كتب الكهية: 185، 326

خليج البصرة: 48، 95، 218

خيكان: 249، 252، 253

حرف الدال

دائرة البرق: 179

دائرة الحدادة: 161، 257

دار الحكومة: 20، 84، 229

دائرة الخزينة السلطانية: 157

دار السبيل: 256

الدانوب (نهر): 219

دجلة: 37، 45، 54، 69، 70، 113، 115، 131، 147، 151، 160، 180، 208، 220، 224، 254، 259، 260، 262، 300

الدجيل: 128، 129

درتنك: 93

الدرعية: 295

دزلي: 215

الدغارة: 131، 240، 241، 243- 248، 250- 255، 288، 337

دلي عباس (ناحية المنصورية): 147

الدليم: 125، 197، 210

دهوك: 196

ديار بكر: 32، 44، 73، 83، 102، 120، 121، 137، 300

ديار الكرد: 37، 44، 60، 217

ديالي: 61، 129، 139، 197، 292

ديمتوقة: 74

الديوانية: 115، 143، 149، 178، 198، 227، 228، 240- 246، 248، 250، 253، 254، 271

حرف الراء

رأس الرجاء الصالح: 218

رانية: 196

الرواندز: 14، 43، 44، 46، 196، 207، 325

ردوس: 102

الرستاق: 66

الرصافة: 128، 234

الرمادي: 210

الروضة الحسينية: 78

روم إيلي: 288، 302، 306

الرياض: 295، 303

حرف الزاي

الزاب الأعلي: 41

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 361

زاخو: 196

زرباطية: 238

زلي: 292

زنكبار: 267

زهاب (زهاو): 93، 211

الزوراء: 55، 102، 304

الزير: 151

زيروا: 47

حرف السين

ساقز: 215

سامراء: 219، 197، 281

سد النهر: 245

سد نمرود: 259، 260

سد الهندية: 145، 146

سدة السرية: 126

سدة الصقلاوية: 125

سركلو: 88

السرية: 125

سقاية نجيب باشا: 100

سكة خانه (دار الضرب): 320

سكة محمد باشا: 78

سلطان عبد اللّه: 259، 260

السليمانية: 40، 60، 88، 93، 108، 109، 146، 195، 196، 198، 211، 214، 215، 216، 256، 269، 324

سماوة: 145، 177، 178، 197، 227

سنجار: 85، 165، 196، 201، 202

السنجك: 138

سنة (سنندج): 146، 214

سواد العراق: 62، 115

سورية: 73

سوق الشيوخ: 140، 153، 169، 195، 229، 274، 275

سيواس: 43، 47

سيورك: 300

حرف الشين

شارع المأمون: 209

شارع الزهاوي: 68

شاطرلي (نهر): 84

الشام: 20، 21، 24، 65، 67، 73، 74، 83، 99، 125، 176، 234، 334

الشامية: 28، 14، 143، 147، 198، 249، 250، 251

الشاه (نهر): 129

الشرقاط: 301

شريعة نجيب باشا (محلة): 68، 100

شط الحلي (الغراف): 244

شط دغارة: 252

شط العرب: 48، 93، 223

شط الكار: 244

الشطرة: 275، 323

شكر خانة: 130

شوشتر (تستر): 33

شهر بازار: 108، 197

شهرزور: 34، 38، 39، 49، 50، 51، 73، 101، 108، 146، 147، 159، 180، 184، 196، 198، 201، 259، 300، 301

الشوملي: 129

الشيخ عمر السهروردي (مقبرة): 306

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 362

حرف الصاد

الصقلاوية: 125، 138

صلاحية (كفري): 196

حرف الطاء

الظلمية: 125

طالبان: 232، 259

طرابلس الغرب: 101

طربزون: 43، 72

طوي (محل): 210

طويريج: 138، 144

طهران: 88

حرف الظاء

الظلمية: 129

حرف العين

عانة: 138، 197، 210، 222

العباسية (دولة): 79

العباسية (محلة): 200

العتبات: 88، 280

العخانة (القاطر خانة): 298

عدن: 221

العراق: 7، 8- 16، 20، 21، 25، 29، 30، 32، 33، 37، 38، 48- 50، 53، 54، 56، 58، 61، 66، 71، 72، 75، 76، 78، 83، 88، 90، 91، 93- 95، 97، 98، 101، 104، 106، 108، 111، 115، 116، 118، 119، 127، 132، 137، 141، 148، 149، 154، 159، 161، 162، 166، 181، 184، 192، 194، 195، 198، 199، 203، 206، 209، 212، 214- 217، 221، 232، 233، 245، 247، 256، 257، 276، 277، 282، 284، 287، 288، 295، 296، 298، 303، 309، 313، 314، 320، 322، 328، 329، 331، 332، 334، 336، 337

عفك: 240، 241، 246، 248، 250 252، 254، 255

عقد الصخر: 209

العقر (عقرة): 46، 196، 282- 286

عكا: 89

علاج (نهر): 253

علاوي الحلة (محلة): 138

العمادية: 14، 45، 46، 84، 186، 315

العمارة: 113، 151، 153، 161، 172، 195، 217، 226، 227، 256، 279

عمان: 267

عمر السهروردي (الشيخ): 167

العوادل: 129

عين توثة: 46

حرف الغين

غرفة التجارة ببغداد: 204

غريبة (أراضي): 278

الفرات: 37، 54، 55، 69، 70، 124، 131، 140، 147، 160، 210، 222، 223، 242- 244، 254، 262، 264، 300، 301

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 363

حرف الفاء

فرنسا: 52، 116، 131، 299، 334

فروق (استنبول): 112، 119

الفلاحية: 48، 49

الفلوجة: 125

الفليوي: 222

فينه: 102

قبرص: 89

حرف القاف

قبة الحيدرية: 166

قبة سعيد بن جبير: 125

قبة الشيخ عبد القادر الكيلاني: 164

القجارية: 93، 331

القرم: 127

القرنة: 113، 144، 195، 219، 224، 269، 270

قره حسن: 60

قره طاغ: 197

قز لرباط (السعدية): 213، 232، 233، 238

قسطموني: 83

القشلة: 160، 234

القصر العباسي: 103

القصيم: 38

قطر: 195، 303

القطيف: 195، 296، 297، 303

القلعة: 103، 320

قلعة صالح: 113

قنال السويس: 177، 218- 220، 304، 329، 333

قنبر علي (محلة): 168، 234، 235

قنديللي: 157

القنصلية الإنكليزية: 355

القنصلية الفرنسية: 182، 335

قونية: 64، 180

حرف الكاف

كارون: 48

الكاظمية: 35، 126، 197، 217، 277، 278

كاوور أزمير: 67

كبيسة: 177

كربلاء: 70، 78- 83، 87، 116، 140، 143، 158، 198، 200، 268، 281

كرج طاغ: 259

الكرخ: 38، 231، 234، 257، 292

كردستان: 122

كردلان: 48

كركوك: 30، 60، 80، 84، 138، 148، 196، 198، 213، 260، 324

كرمنشاه: 33، 127

كريد: 262

كلعنبر: 196، 256، 263

كلية الحقوق: 239

الكنعانية: 125، 254

الكوت: 233، 279

كوستنديل: 200

كوكصو: 157

الكويت 219، 265- 268، 297

كويسنجق: 196

لكناهور: 292

لنج (شركة): 37، 69، 70

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 364

لندن: 52، 160، 262، 269، 311

لنكركاه: 93

حرف الميم

ماردين: 47، 201، 300

ماغوسه: 89

المأمون (شاعر): 209

المبرز: 296، 297

متحف الموصل: 36

مجلس الأمة: 322

مجلس التمييز: 301

مجلس الجناية: 256

مجلس الشوري: 185

المجيدية: 100

محكمة تمييز العراق: 33

محلة الشيخ عبد القادر الكيلاني: 21، 22، 234

محلة الفضل: 235

محلة قنبر علي: 20، 24

محمد الفضل (محلة): 235،

المحمرة (خرم شهر): 32، 48- 50، 93، 302، 337

المحمودية: 292

المحيط الهندي: 265

مخا: 219

المدرسة الابتدائية: 240

المدرسة الحربية: 38، 217

المدرسة الرشيدية: 337

المدرسة الرشيدية العسكرية: 38، 240، 329، 330، 331، 337

مدرس الصنائع: 207، 208، 240

مدرسة الطبقچه لي: 90، 326

المدرسة العلية: 30، 127، 207، 208

المدرسة القادرية: 21

مدرسة مرجان: 22، 328

مدرسة نائلة خاتون: 256، 279

مدرسة إليانس: 330

المدينة: 224

مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني: 166

مرقد النبي يونس: 41

مركه: 197

مرقد الإمام محمد الجواد: 277

مرقد الإمام موسي الكاظم: 277

مزار دانيال: 84

المستشفي العسكري (المجيدية): 84، 281

مستشفي الغرباء: 84، 231، 232

مسجد آل جميل: 168

مسجد أسماء خانم: 25

مسجد سليمان الغنام: 78

مسقط: 221

مسكنة: 222، 223

المسناة: 131

المسيب: 116

المشاهدة: 138

مشهد الإمام الحسين: 50، 116، 148

المشيرية (الوزيرية): 128، 131

المصبغة: 130

مصر: 17، 19، 55، 83، 218، 294، 285، 321، 329، 232

مطبعة الاتحاد: 27

مطبعة أرتين اصادوريان: 311

مطبعة الحكومة ببغداد: 11

مطبعة الزوراء: 199

مطبعة السعادة: 311

مطبعة الشابندر: 128

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 365

المطبعة العامرة: 203

مطبعة

القدر: 313

مطبعة ولاية بغداد: 128

المغيسل: 124

مقبرة الأعظمية: 256

مقبرة أبي أيوب الانصاري: 100

مقبرة باب الكرخ: 119

المقدادية (شهربان): 61، 129، 213، 238، 276

المكاتب الرشدية: 51

المنتفق (بلاد و قبيلة): 11، 12، 14، 26، 70، 108، 110، 113، 124، 142، 153، 156، 162، 163، 165، 168، 171، 173، 175، 183، 195، 223، 224، 226- 231، 241، 246، 247، 251- 253، 265، 269- 274، 301، 302، 315، 322، 323، 336

مندلي (بندنيج): 19

الموصل: 11، 19، 32، 35، 36، 39، 41، 43، 46، 47، 50، 83- 86، 92، 104- 107، 137، 159، 164، 195، 196، 201، 202، 262، 264، 300، 301، 306، 307، 324، 325، 328

مومخانة: 130

المهندسخانه: 11

ميدان كلخانه: 52

حرف النون

الناصرية: 195، 229، 273- 275، 323

نجد: 38، 115، 176، 185، 195، 266، 271، 293- 299، 303، 304

النجف: 87، 116، 139، 140، 143، 198، 281 328

النزيزة: 116

النمسا: 102، 222

نهر الچحلة (الكحلاء): 151

نهر الصقلاوية: 125

نهر النيل: 129

النهروان: 292

حرف الهاء

الهارونية: 128

هفوف: 296، 297

الهند: 218، 248، 267، 292، 296، 329، 335

الهندية: 28، 131، 139، 143، 145، 197، 200، 227، 244- 246، 289، 324

هيت: 107، 119، 138، 177، 210، 222

حرف الواو

وان (مدينة): 47، 196

الوردية في الحلة: 89، 116

الوردية (مقبرة): 167

وزارة الدفاع: 103

حرف الياء

ياسين كلك (قرية): 41، 43

اليمن: 162، 176، 307

يني إيل: 51

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 366

4- فهرس الكتب

حرف الألف

الأجوبة الحكمية: 90

أربعة قرون من تاريخ العراق: 47

الإشراقات: 89

الأقدس: 89

ألف باء (كتاب): 12

الألواح: 89

إمارة بهدينان: 45

أعيان البصرة: 164

أولياء بغداد: 327

أيام الكويت: 268

الإيقان: 89

حرف الباء

برسياسي داهينك نطقي: 311

بغداد (كتاب): 117، 146

بغداد و سكة حديدها: 117، 336

البيان (كتاب): 87

بيان القرعة العسكرية: 144

حرف التاء

تاج العروس: 41

تاريخ الأدب التركي في العراق: 30، 68، 103

تاريخ الأدب العرب في العراق: 22، 30، 40، 92

تاريخ الإصلاحات في الدولة العثمانية:

52

تاريخ أولياء بغداد: 179

تاريخ البصرة: 164

تاريخ بغداد: 11

تاريخ جودت باش: 58، 106، 119، 159

تاريخ الدول و الإمارة الكردية: 44، 46، 47

تاريخ رشيد السعدي: قرة العين

تاريخ الشاوي: 12، 19، 22، 50، 75، 76، 82، 105، 126، 129، 138، 144، 151، 178

تاريخ العراق بين احتلالين: 36، 45، 47، 55، 95، 103، 111، 161، 164، 218، 287، 294، 334

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 367

تاريخ عطا: 157

التاريخ العلمي: 327، 328، 337

تاريخ العمادية: 47

تاريخ القضاء العراقي: 322

تاريخ الكويت: 268

تاريخ لطفي: 13، 20، 33، 34، 37، 38، 39، 44، 51، 52، 64، 74، 84- 86، 87، 92، 98، 204، 294، 319

التاريخ المجهول المؤلف: 12، 17، 62، 63، 64، 76، 78، 87، 107، 110، 111، 113، 115، 116، 120، 124، 125، 127، 130، 131، 132، 135، 144، 145، 148، 150، 153، 154، 156، 157، 162، 163، 166

تاريخ مدحت باشا في العراق: 311، 313

تاريخ مساجد بغداد: 100

تاريخ المنتفق: 11

تاريخ الموصل: 36، 38، 39، 44، 47، 85

تاريخ نبيل (نبيلي): 81

تاريخ نجد و العراق: 298، 303

تاريخ اليزيدية: 32، 41، 85

التبيان: 22

تبصره عبرت: 192، 193، 193، 216، 211، 223، 238، 247، 268، 273، 278، 282، 252، 299، 300، 302، 308، 311

تحفة الرضا: 49

تذكرة الشعراء: 18

ترجمة بهجة أسرار: 148

التوفيقات الإلهامية: 58

تركيانك ماضيسي و استقبالي: 311

تركيا و التنظيمات: 52

تقرير تاريخي في نجد و ملحقاتها: 296

تقرير الحدود: 10، 95

تقويم الوقائع (جريدة): 13

تقسيم العلم: 137

تكاليف قواعدي: 18

التكايا و الطرق في

العراق: 75

حرف الثاء

ثروت فنون: 70

حرف الجيم

جامع الأنوار: 179

الجوائب: 13، 179

جواهر الأسرار: 89

حرف الحاء

الحديث (مجلة): 30

حديقة الورود: 20، 22، 36، 40، 41، 48، 49، 32، 75، 76، 91، 92، 119، 120، 121، 123، 306، 326، 327، 328

حرف الدال

الدرر المنضد: 264

الدستور القديم: 8، 252، 203

الدساتير: 195

دوحة الوزراء: 11، 334

ديوان الأخرس: (الطراز الأنفس) ديوان التميمي: 35، 44

ديوان عبد الباقي العمري: 48، 50،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 368

68، 150، 164، 167، 307

ديوان عبد الجليل البصري: 50

ديوان عبد الرحمن الطالباني: 148

ديوان عثمان نورس: 68

ديوان الفاروقي: 103

ديوان ناظم: 281

حرف الذال

ذكري أبي الثناء الآلوسي: 35، 92، 127

حرف الراء

رحلة المنشي البغدادي: 43، 95، 302، 334

رحلة نيبور: 43

رسالة إلي علي رضا: 180

رسالة في البابلية و البهائية: 90

رسالة في العلم الإلهي: 41

رسالتان في المنتفق: 11، 12، 153، 156، 171، 247، 273، 323

الرقيب: 70

روح المعاني: 74

الروض الأزهر: 27، 368

الروض الخميل: 167، 326

روضات الجنات: 78

الروضة (جريدة): 308

الزوراء: 12، 46، 55، 75، 142، 164، 189، 192، 193، 194، 199، 200، 203، 204، 206، 219، 227، 229، 232، 235، 236، 238، 239، 240، 251، 253، 255، 256، 258، 259، 273، 274، 275، 298، 299، 302، 303، 311، 313

حرف السين

سالنامه بغداد: 199، 200

سالنامة الموصل: 44

سجل عثماني: 44، 65، 72، 73، 99، 100، 102، 104، 136، 157، 158، 181، 184

سجل المحكمة الشرعية: 101

سومر (مجلة): 43

سياحتنامه حدود: 10، 11، 44، 50، 95، 148، 319

حرف الشين

شخصيات عراقية: 307

شرح المطالب: 83

شرح كلمة التوحيد: 90

شرح شرح كلمة التوحيد: 90

شعراء بغداد و كتابها: 22، 68

شهرزور- السليمانية: 108، 217

شهيّ النغم: 128

حرف الصاد

صوك صدر أعظملر: 308

حرف الطاء

الطباعة و المطبوعات في العراق: 199

الطراز الأنفس في شعر الأخرس: 35، 68، 91، 163، 304

الطراز المذهب في شرح قصيدة الباز الأشهب: 55، 128، 163، 167، 304، 306

الطرازات: 89

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 369

حرف العين

العالم الإسلامي (مجلة): 194

عثمانلي تشكيلات و قيافت عسكرية سي:

261

عثمانلي مؤلفلري: 148

عشائر العراق: 26، 27، 41، 45، 47، 49، 107، 109، 111، 125، 144، 147، 151، 178، 200، 213، 217، 233، 242، 244، 249، 255، 257، 260، 262، 263، 264، 265، 322، 323

عقائد الشيخية و الكشفية: 80، 83

علم الفلك و تاريخه في العراق: 58

عنوان المجد: 41، 327

حرف الغين

غرائب الاغتراب: 22، 38، 50، 65، 67، 102، 109، 112، 128

غرفة التجارة (مجلة): 204

حرف الفاء

الفصول: 80

حرف القاف

قاموس شمس الدين سامي: 334

قرة العين في تاريخ الجزيرة و العراق و بين النهرين: 12، 81، 82، 124، 169، 298

قصة عنترة: 41

قويم الفرج بعد الشدة: 161

حرف الكاف

كاه شماري: 58

كتاب نجيب شيحة: 182

الكلمات المكنونة: 89

كنز الرغائب: 13، 178، 330

الكويت الحديث: 268

حرف اللام

اللر- فيلية: 239

لغة العرب: 111، 153، 171، 274، 274، 323

لواء شهرزور السليمانية: 109

حرف الميم

مباحث عراقية: 231، 323، 334

(مثنوي) للطالباني: 148

المجلد التالد: 327

مجلة أمور البلدية: 203

مجموعة ابن حموشي: 23، 24، 149، 158

مجموعة الأخرس: 20، 21، 27، 38، 60، 139، 149، 150، 166، 167، 168، 179، 180

مجموعة الباب: 87

مجموعة السهروردي: 45، 60

مجموعة الطرب علي لسان الأدب: 102

مجموعة عبد اللّه الآلوسي: 156، 164

مجموعة عمر رمضان: 39

مجموعة كربلاء: 178، 293

مجموعة الكليدار: 148

مجموعة محمد أمين العمري: 35، 305، 307

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 370

مجموعة المخابرات الرسمية: 72

محيط المحيط: 19

مخطوطات الموصل: 36، 44، 85

مذكرات مدحت باشا: 192، 193، 235، 311

مرآت حيرت: 192، 193، 311

مرآة الزوراء: 11، 18، 19، 24، 26، 28، 27، 28، 30- 33، 41، 64، 65، 68، 72، 99، 118، 131، 139، 140، 146، 147، 148، 149، 150، 153، 154، 184

مرآة الممالك: 161

المسائل الإيقانية: 166، 326

المسك الأذفر: 27، 40، 41، 98، 137، 167، 180، 306

مشاهير الأكراد: 148

مشجر في الأمراء الجليليين: 36

المشرقيات: 42

المصحف الشريف: 243

مطالع السعود: 18، 30

المعاهد الخيرية: 25، 30، 37، 91، 100، 103، 168، 185، 208، 232

معاهدات عمومية مجموعة سي: 93

مقالون منشورة في مجلة غرفة التجارة ببغداد: 204

مقامات الآلوسي: 35، 53، 61

ملوك العرب: 268

منية الأدباء: 36، 38

منية الأدباء في تاريخ الموصل: 38، 104

موجز عشائر العمارة: 151، 161

ميزان الشعراني: 22

حرف النون

نتائج الوقوعات: 337

نزهة الإخوان: 82

نزهة الدنيا في الوزير يحيي: 36، 164، 306

نشوة الشمول: 112، 128، 306

نشوة المدام: 43، 101، 102، 112، 119، 121، 128

النقود العراقية: 28، 70، 203، 204، 320

حرف الواو

وثائق و مخابرات سياسية: 95

وصية مدحت باشا: 313

حرف الياء

يادكار (مجلة): 212

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 371

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

حرف الألف

اتحاد: 88، 90

ازدلاف: 56

ازدلاق: 56، 57

أسطول: 98

إشراق: 89، 90

إفتاء، أمين الفتوي، و المفتي: 21، 34، 35، 53، 91

الأفلاطونية الحديثة: 90

الأوردي: 153، 161

إيالة: 34

حرف الباء

باب العرب (باب المشايخ): 171، 307

باخرة، بواخر: 37، 69، 129

باشبوزق (نوع جند): 32

برطازية (نوع جند): 79

بيتية: 62

البيرق دار: 85

بيكباشي (مقدم): 31

التاريخ الغريغوري: 57، 58

التاريخ الأرثودوكسي: 57

تحديد الحدود: 94- 97

ترامواي: 277

ترسانه (دار صناعة السفن): 87

تعطيل الصفات: 90

رفع التكاليف: 88، 90

تفك، تفنك (بنادق): 79

تفكجي باشي: 64

تكاليف: 18، 88

التنظيمات الخيرية: 10، 14، 52

جندرمة: 117

جواز: 51

الجيب السلطاني، الجيب الهمايوني:

18، 19، 20

الحجر الصحي: 51

حلول: 88، 90

خانه (بيتية): 61، 63

الخصي (آدر): 19

خط كلخانه، 52، 111، 328

خليفة المخلفات: 51

دفتري: 28، 51

رئيس البوابين: 104

رئيس الوكلاء: 51

الرسوم الدينية: 88

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 372

سالنامه: 44

السردار: 43، 102

السردار أكرم: 44

سر عسكر: 102، 171

سفود: 19

سلحدار: 30

السنة الإيلخانية: 56

السنة الجلالية (الملكشاهية) 56

السنة الخراجية: 56، 58

السنة الرومية: 56، 57

السنة الشمسية المالية: 56، 57، 58

السنة الميلادية: 56، 57، 58

السنة الهجرية: 56، 57

السنة اليزدجردية: 56

سويش: 47

سيخ: 19

شامي: 28، 70

شمخال (نوع بنادق): 79

شيش: 19

صدر أعظم: 51

الطابو: 210، 257

طمغا (طمغة): 85

طوب، أطواب، (مدفع): 79

الطوبخانة: 118

ظهور: 88

عبادة الاشخاص: 88، 90

عثمانيون (نوع جند): 33

عقيدة التجلي: 88، 90

غلاة التصوف: 86- 91

فرد: 30

فلقة: 19

فرانق: 117

فرمان: 30، 52، 54، 57، 69، 70، 101

فرن، أفران: 84

فيلق (اردو): 98، 104، 118، 184

قائممقام: 34، 38، 51، 85، 101، 104، 109، 110، 184

قبوجي باشي: 51

قران: 70، 78، 135

قربينه: 30

قرش: 70

قرعة: 83، 84

قرناء (ندماء): 92

قنصل، قونصلوس: 80، 117

قواس، قواص: 117

قونداق، قنداغ: 117

الكتخدا: 28، 30، 31، 317

كروان: 107، 125

الكهية: 29، 55، 117، 171، 317، 326

المابين الهمايوني: 34

متسلم: 32

مختار المحلة: 39

مشربة: 19

مشروطية: 53، 54

مشير: 102، 104، 106، 108، 118، 128، 184

مصادرة: 19

نوروز: 57

هايته: 32

ويوده: 51

وحدة الوجود: 88، 90

الينكجرية: 29،

52

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 373

6- فهرس الصور

منظر بغداد من ساحة الميدان- رحلة و ليم فوغ 23

مدحت باشا- عن تبصره عبرت 42

السردار الاكرم عمر باشا- عن مشاهير الشرق 59

جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني- عن رحلة مدام ديولافوا 77

ناصر الدين شاه- عن رحلة مدام ديولافوا 96

ساعي بريد هجان- عن رحلة وليم فوغ 114

منظر الفرات في الحلة- عن رحلة مدام ديولافوا 133

منظر كربلاء- عن رحلة مدام ديولافوا 152

الشيخ خزعل في شبابه- عن رحلة مدام ديولافوا 170

عربة تراموي الكاظمية- مجلة العالم 187

أختام رسمية- عن مجموعة مخطوطة للسيد حسني الخطاط حفار الأختام المعروف 205

الأستاذ المحامي محمد آل بابان من أحفاد إبراهيم باشا 225

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 374

7- فهرس الموضوعات

مقدمة 5

المراجع التاريخية 10

حوادث سنة 1247 ه- 1831 م 15

حوادث سنة 1248 ه- 1832 م 27

حوادث سنة 1249 ه- 1833 م 34

حوادث سنة 1250 ه- 1834 م 37

حوادث سنة 1251 ه- 1835 م 38

حوادث سنة 1252 ه- 1836 م 40

حوادث سنة 1253 ه- 1837 م 48

حوادث سنة 1254 ه- 1838 م 51

حوادث سنة 1255 ه- 1839 م 52

حوادث سنة 1256 ه- 1840 م 60

حوادث سنة 1257 ه- 1841 م 69

حوادث سنة 1258 ه- 1842 م 71

حوادث سنة 1259 ه- 1843 م 83

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 375

حوادث سنة 1260 ه- 1844 م 83

حوادث سنة 1261 ه- 1845 م 90

حوادث سنة 1262 ه- 1845 م 91

حوادث سنة 1263 ه- 1847 م 92

حوادث سنة 1264 ه- 1847 م 98

حوادث سنة 1265 ه- 1848 م 98

حوادث سنة 1266 ه- 1849 م 103

حوادث سنة 1267 ه- 1850 م 103

حوادث سنة 1268 ه- 1851 م 113

حوادث سنة 1269 ه- 1852 م 121

حوادث سنة 1270 ه- 1853 م 126

حوادث سنة

1271 ه- 1854 م 128

حوادث سنة 1272 ه- 1855 م 129

حوادث سنة 1273 ه- 1856 م 129

حوادث سنة 1274 ه- 1857 م 137

حوادث سنة 1275 ه- 1858 م 145

حوادث سنة 1276 ه- 1859 م 148

حوادث سنة 1277 ه- 1860 م 154

حوادث سنة 1278 ه- 1861 م 158

حوادث سنة 1279 ه- 1862 م 165

حوادث سنة 1280 ه- 1863 م 168

حوادث سنة 1281 ه- 1864 م 177

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 7، ص: 376

حوادث سنة 1282 ه- 1865 م 179

حوادث سنة 1283 ه- 1866 م 179

حوادث سنة 1284 ه- 1867 م 180

حوادث سنة 1285 ه- 1868 م 184

حوادث سنة 1287 ه- 1869 م 276

حوادث سنة 1288 ه- 1871 م 293

حوادث سنة 1289 ه- 1872 م 307

1 الأوضاع العامة الدولة العثمانية 313

2 التشكيلات الإدارية 314

3 الإمارات المنقرضة 325

4 الثقافة 325

5 العلاقات بالمجاورين 331

6 العلاقات بالأجانب 333

1- فهرس الأعلام 341

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل 353

3- فهرس المدن و الأماكن 357

4- فهرس الكتب 366

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة 371

6- فهرس الصور 373

7- فهرس الموضوعات 374

الجزء الثامن

[مقدمة]

من لم تفده عبرا أيامه كان العمي أولي به من الهدي

ابن دريد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 7

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي رسوله الأمين و علي آله و صحبه و من تبعه بإحسان إلي يوم الدين.

(و بعد) فالتاريخ بيان حياة الأمم فلم نر شعبا أهمل أمره، و يرجع تاريخنا في القدم إلي أبعد العصور، سجل حوادثه الحربية و السياسية، و له الفخر في مضمار السبق في هذا التدوين. و كذا دوّن ثقافة العصور أو تاريخ التفكير، و تعزي إلي التاريخ منافع جمة اجتماعية و

تشريعية و أدبية و علمية و سائر ما يتعلق بالحضارة كما نعلم منه نفسيات الأمم.

و مجتمعنا أولي في استفادتنا و أحق بالتفهم، فهو حياتنا في مختلف العصور، و فيه تاريخ نضالنا تجاه العتاة القساة المعتدين و الطامعين المدمرين، فندرك الأخطار التي انتابتنا لنتوقي تكرارها و لا شك أننا نستفيد منه أكثر من تلقين الناصحين و أكبر من وعظ الواعظين، لتلافي النقص، و سدّ الخلل، و كل ما فيه تجارب يعد إهمالها جهلا أو غفلة بل جريرة يؤخر بها سيرنا أمدا طويلا. و العراق طافح بأمثال هذه الحوادث و ليس بعد المعرفة مستعتب من لزوم الذبّ عن حريتنا.

و حوادث هذا العهد تمتد من سنة 1289 ه- 1872 م إلي سنة 1335 ه- 1917 م. و في هذه عبرة كبيرة من المحتم أن نتحاشي تكرار ضررها حذر أن تنطبق علينا آية:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 8

… لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها، وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ … [سورة الأعراف:

الآية: 179].

أجارنا اللّه تعالي من سوء الأيام و هدانا إلي طريق الرشد و سدد خطانا؛ إنه ولي الأمر.

نظرة عامة

مشاكل العراق و حوادثه الاجتماعية و السياسية و الثقافية و الاقتصادية كثيرة لا تحصي و ما دوّن منها قليل من كثير. و ليس في الوسع الإحاطة بها. و كل هذه تحتاج إلي تثبيت بقدر الإمكان و هكذا ما كان متوقعا و مفاجئا، و منها ما هو مألوف معتاد. و العراق تأثر بها، فلم يقف مكتوف اليدين …

ورد بغداد ولاة كثيرون تعاقبوا بعد مدحت باشا و نعجب أن لا يطرأ خلل عظيم علي إدارتهم مع أننا نشعر بخطل

منهم علي الأغلب.

و كيف ينجحون و مدحت باشا أتعب من جاء بعده بل إنهم ولّدوا استياء عاما و نفرة شاملة فلم يذكر الولاة بعده بخير الأعمال و جليلها إلا في عهد المشروطية في الأغلب.

نعم أعجز من جاء بعده و ظهر الخذلان الذريع فلم يفلح وال في عمل بل توالي ولاة كان هذا شأنهم مدة ليست بالقصيرة إلي أن أعلن الدستور. فهل كان هذا مقصودا من الدولة أو أنها فقدت الاختيار أو خافت ممن يلي خوفها منه، لما أفزعوها به فحذروها منه فصارت تترقب حدوث الغوائل، و في هذا الخوف ضياع القدرة و الرشد، و موت المزايا الفاضلة.

بعد أمد قصير صار مدحت باشا صدرا أعظم (رئيس الوزراء)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 9

و أعلن الدستور و تكوّن مجلس الأمة و لم تمض مدة حتي أخفق العمل و انتهك الدستور و صارت الإدارة مستبدة، فتغلب السلطان عبد الحميد علي الأحرار، و الأمة كانت غير متأهبة …

الإدارة غير صالحة، و الثقافة في ركود أو كانت تراعي الظواهر ليقال إن لها مؤسسات ثقافية، و حالة الشعب في هدوء و طمأنينة لا يعلم ما يراد به، و في أمر كهذا لا يقال في الإدارة أكثر من أنها سيئة و لكنها تعلن في صحفها (أسايش بر كمالدر) أي الراحة و الطمأنينة علي أتمهما.

دام هذا و امتد إلي أيام إعلان المشروطية ثانية في 23 تموز سنة 1908 م (24 جمادي الثانية سنة 1326 ه) و من ثم حصل تبدل فجائي في الدولة فأعلن الدستور مرة أخري و كان توقف العمل به مدة فمال الشعب برغبة لا مزيد عليها إلي أن ينال حقوقه و يحصل علي ما يؤكد مطالبه السياسية و الحياتية

من جميع وجوهها.

الأمد قصير إلا أنه أحدث انتباها عظيما، و الشعب حاول الاستفادة من أوضاع الأمم الحرة و ما هي عليه لينال مرغوبه، و كان الأمل فيه كبيرا في انكشاف الثقافة و الانصراف إليها فتأهب للحياة الديمقراطية الحقة و التنظيم الاجتماعي الصالح.

و المهم أنه شوشته الحزبيات. و كانت ضرورة لا بد منها إلا أنها انقلبت إلي مماحكات و اضطرابات فلم تستقر و لم يكبح جماحها من إدارة قويمة حتي جاءت (الحرب العامة الأولي) فقضت علي هذه الفرحة و اجتثتها من أصلها، فحلت الإدارة العسكرية (العرفية) بعد ذلك التوسع علي الناس في الحرية و انقلبت الآية فبلغ التضييق أشده.

ركن العثمانيون إلي الألمان بأمل أن يكون لهم موقع ممتاز بين الدول فأضاعوا ما عندهم و خسروا الحرب و احتلت الدول بلادهم، فكان ما كان، و انتهي الأمر بالتسليم بلا قيد و لا شرط.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 10

كان احتلال بغداد و الاستيلاء علي العراق و انتزاعه من الدولة العثمانية آخر المراحل و أعظمها خطبا و أشدها مصابا لو لا بيان قائد الجيوش البريطانية (السر ستانلي مود) بأنه جاء محررا و لم يكن فاتحا فلم يقطع الأمل و لم يمت الرجاء مما لا يكون موضوع بحث في هذا العهد.

و الحاصل أن المشروطية كانت نعمة و انتهت بنقمة بعد الحرب، و احتلال بغداد. و الأمة صارت في ريب من أمرها و ساورتها الهموم و الآلام. اليأس قتّال. و الأمر بيد اللّه يصرفه كيف يشاء. وَ عَسي أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [سورة البقرة، الآية: 216] و من كان يدري ماذا يحدث أو لعل الأمة تنال الآمال الكثيرة و يتبدل بؤسها بنعيم و يتغير وجه الأرض

و يتحقق وعد القائد. دخلت في جدال عظيم و نضال مستميت ثم هدأت..

المراجع

تكاثرت الظباء علي خراش فما يدري خراش ما يصيد

تزايدت المراجع و تكاثرت بسبب تكاثر المطبوعات و تأسست خزائن الكتب فوصلت إلي درجة الإشباع و صرت في حالة تردد أو حيرة في الاختيار، و الرغبة توجه الاشتغال، و تذلل الصعاب. و لا شك أن بعض المراجع السابقة امتدت إلي هذه الأيام، و بعضها تجدد ظهوره، و المكررات كثيرة، و المطالعات متوفرة إلا أن العمر قصير و القدرة محدودة … و الاقتصار علي المهم أو الأهم ضروري.

و عهدنا هذا أدركنا الكثير من أيامه و ذقنا حلوه و مره شاهدنا أيام الاستبداد و زمن الدستور و أوقات الحرب بما فيها من غوائل و آلام و محن و ما فيها من أفراح و أتراح. و صفحات هذه الحقبة تدعو إلي تنقل الكاتب تنقلا غير مطرد بل تضطره إلي تحول مضطرب. يري المرء نفسه في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 11

حاجة ماسة إلي تدوين صفحات قد يكون شاهد عيانها أو من المطلعين علي كثير من أوضاعها و لكن المرء تعوزه المعرفة التاريخية المتقنة الصحيحة أو إلي ما يذكّر بالحالة المشهودة و التبصر بما لم يكن من شهوده.

نعم إن هذه القصة لا يمليها الخيال، و لا تكملها بعض الأوضاع التي يضطر القصصي إلي اللجوء إليها، أو إلي أن يكتبها تتميما لما يجلب الأنظار و إنما تمليها الحياة الواقعية و الحوادث اليومية بصفحاتها …

كثرت الوثائق فنرانا في حاجة قصوي إلي الاستزادة و منهومان لا يشبعان طالب علم و طالب مال. و الميل إلي تثبيت ما وقع مما هو مشاهد يحتاج في الأغلب إلي سعة اتصال بالحوادث و هذه

الضرورة لا مندوحة لنا منها. و لا تزال المراجع غير مجموعة و لا منسقة و العوائق أو الموانع كثيرة لا تحصي و منها ما أدي إلي تشتتها و لا تزال حوادثنا محتاجة إلي تنظيم و تنسيق. و من هنا تولد العناء و التعب. و عندنا جريدة الزوراء تمتد إلي عهدنا هذا و تلازمه حتي نهايته بل إلي آخر يوم منه تقريبا و الأمل أن ينال التتبع مكان من جمع شمل الوثائق و المصادر.

و لخزائن الكتب الفضل في مثل هذا التنظيم أو الجمع مهما كان نوعه.

و العلم كله في العالم كله. و من المستطاع أن تذكر زيادة عما جاء في سابق العهود بعض الوثائق الجديدة.

1- سياحت ژورنالي (تقرير السياحة). رحلة في استنبول إلي الموصل فبغداد فالبصرة و فيها بيان المواقع الأثرية، و الحاضرة إلي أيامه. و ذكر المؤلف فها بعض الشخصيات مفصلا من جراء الاتصال بهم فهي خلاصة موجزة للولايات الثلاث لا سيما بغداد فقد ذكرها بإسهاب و لعلها أوسع سياحة بعد (سياحتنامه ء حدود). و رأينا غالب نظراته صائبة و تدويناته مهمة و الأوضاع التي مر بها نافعة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 12

ألفه عالي بك والي (طربزون) السابق و مدير الديون العامة طبع سنة 1314 ه. نشره رؤوف بك باستنبول، و كانت مدة سياحة المؤلف من سنة 1300 ه إلي سنة 1304 ه. و كان مفتشا عاما لإدارة الديون العامة في ديار بكر و سعرد. ورد أيام الوالي تقي الدين باشا.

2- طريق الحج من الأحساء إلي الرياض فالحجاز (مكة و المدينة). كتبها مفتي العسكر الشيخ داود السعدي و كان مفتيا للجيش في الأحساء، فذهب إلي الحج و دوّن الطرق التي مر بها، و هذه

الرسالة طبعت في مطبعة الزوراء أو مطبعة الحكومة سنة 1289 ه ثم أعيد طبعها في لغة العرب، سافر مع القائد نافذ باشا، فقرب هذا القائد ابن سعود لجهة الدولة.

3- تقرير الأحساء. لأحد المتصرفين. و لم يصرح باسمه فلم نتمكن من معرفته و لكنه فصل أحوال الأحساء، من مناطق إدارية، و عشائر، و أحوال معاشية و سائر ما تمكن من تدوينه عن الأنحاء المجاورة.

و هذا التقرير كتب سنة 1304 ه أو سنة 1305 ه. و يكمله كتاب السيد داود السعدي، و من تاريخ دخول الأحساء في حوزة الدولة العثمانية كتبت عدة تقارير و رسائل و كتب.

4- (نجد قطعه سي و أحوال عموميه سي). كتاب مهم في تاريخ نجد كتبه الأستاذ حسين حسني في حرب آل سعود أيام الحاج أحمد فيضي باشا، و يتعرض لوقائع أخري، تهمنا العلاقة بالعراق و كتب آخرون يأتي ذكرهم عند الكلام علي انتزاع الأحساء من الدولة العثمانية.

5- ثروت فنون: مجلة مهمة جدا تعرضت لبعض ولاة بغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 13

و فصلت أحوالهم و تصدت لنواح مهمة من العراق و هي من الصحف المعتني بما تكتب في تقدير القيمة العلمية و الأدبية.

6- رسملي كتاب: من المجلات المهمة في عهد المشروطية و لها علاقة كبيرة بالعراق و اتصال مكين به. ذكرت نواب العراق و نشرت تصاوير رجاله.

و هناك مجلات كثيرة مثل (مصور محيط) و جرائد عديدة يطول بنا تعدادها. و من أهمها (شهبال) المجلة المعروفة.

7- لغة العرب. من المجلات البغدادية المهمة. و لها مساس عظيم بالعراق و تدوين حوادثه و بيان رجاله البارزين. قام بتحريرها المرحوم الأب أنستاس ماري الكرملي و شارك في تحريرها عراقيون كثيرون و يهمنا منها ما يتعلق

بالعهد الذي نكتب فيه. و توفي الأستاذ الأب في 7- 1- 1947 م.

8- الرقيب. من الجرائد المهمة. كتبت في أيامها حوادث عديدة و تعرضت أحيانا للماضي، و شارك فيها جماعة من الكتّاب الأفاضل …

و كان يحررها الأستاذ المرحوم عبد اللطيف ثنيان الكاتب القدير صاحب المؤلفات النافعة. و توفي في 21 نيسان سنة 1944 م.

9- الإيقاظ. جريدة أصدرها في البصرة الأستاذ سليمان فيضي و هي من الجرائد المهمة في أحوال القطر. و توفي الأستاذ في 19- 1- 1951 م.

10- التهذيب. جريدة كان يصدرها معالي الأستاذ الشيخ محمد أمين عالي آل باش أعيان العباسي المتوفي في 29- 5- 1928 م و هي من الجرائد المهمة توضح وقائع القطر. صدر العدد الأول منها في يوم الثلاثاء 13 جمادي الأولي سنة 1327 ه- و ذلك بعد الإيقاظ بشهر واحد. و كان محرر القسم التركي الأستاذ عمر فوزي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 14

11- صدي بابل. للأستاذ داود صليوا المتوفي 4- 11- 1921 م في مجلدات منها نسخة في خزانة الآثار ببغداد. و هذه الجريدة تتعرض لحوادث كثيرة كشفت عن أوضاع القطر من بعض الوجوه.

12- الروضة. للأستاذ السيد عبد الحسين الأزري و توفي 17- 12- 1954 م و كان صديقنا و هو من الأخيار و صحيفته هذه أسبوعية و حوادثها مهمة جدا و منها ما يتعلق بالعراق خاصة. عندي نسخة منها.

13- صدي الإسلام. و تتناول أيام الحرب الأخيرة. و لا تخلو من وقائع القطر لم نر سواها، و سوي الزوراء. كان يحررها الأستاذ السيد عطاء جميل آل الخطيب المفتي. و توفي 22- 1- 1929 م.

هذا و الكتب التركية، و التقارير، و الكتب المترجمة بعد الحرب كل هذه تبصر بوقائع

القطر لا سيما مذكرات رجال بارزين مثل جاويد باشا و جمال باشا، و حازم بك، و بعض مؤلفات سليمان نظيف بك و مؤلفات أخري لا تحصي. و لا شك أن ما تركه أمثال هؤلاء يرشدنا كثيرا إلي مؤلفات تفسر الأوضاع الحربية و مشاهدة الحرب و معرفة دوافعها و هذه ليست بالقليلة. و حاجتنا إليها كبيرة استعدادا للطوارئ و توقيا من ويلاتها في المستقبل بأن نكون علي أهبة من غوائلها و محنها. و هكذا وثائق عديدة و مجموعات تعين حادثة أو بضع حوادث مما لم يكن عاما مما نذكره في حينه و أقل ما في ذلك التعريف بأوضاعنا. و ما عليه الأمم مما يدعو إلي الاهتمام. و توقي الأخطار و اتخاذ ما يلزم لصيانة العزة القومية و الحياة الفاضلة أن يمسها سوء أو اعتداء.

و علي كل حال إن هذه الوثائق كثيرة لم تنسق و لم تنظم بالوجه المطلوب و قد بذلنا قصاري جهدنا في تثبيتها في كتاب (التعريف بالمؤرخين للعهد العثماني) و بعض هذه لا يستفاد منها إلا القليل و بعضها أكثر فأكثر فأكتفي بالإشارة، و النقل يعين في محله.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 15

بقية حوادث سنة 1289 ه- 1872 م

ولاية محمد رؤوف باشا

الوالي محمد رؤوف باشا: عزل الوزير مدحت باشا في أوائل ربيع الأول سنة 1289 ه- 1872 م فخلفه في الوزارة محمد رؤوف باشا و إثر وروده بأيام قلائل سافر مدحت باشا إلي استنبول من طريق البحر في 13 مايس سنة 1872 م. و الوالي الجديد لم تبد منه قدرة بل تضاءلت قدرته أو انعدمت تجاه أعمال مدحت باشا و ماذا يؤمل من وال يأتي بعد مدحت؟ فلا شك أن الخذلان يكون حليفه و لا يتصور أن يصل إلي درجة

سلفه.

لم نجد لهذا الوالي فرمانا. و يهمنا أن نقف علي ما جري في أيامه من وقائع فهي ظاهرة عمله و ميزان قدرته. فإذا كان مدحت باشا فاق أقرانه من الوزراء بسياسته و ثقافته الكاملة. فإن محمد رؤوف باشا كان من طبقة الوزراء الذين لا تعرف سوي أسمائهم و لا يعرف لهم عمل أو يبدو الخلل أو الخطل في أوضاعهم و أعمالهم..

اللواء حمدي باشا:

جاء من نجد، و في طريقه أصابه المرض، و لما ورد بغداد توفي.

و أخبرت جريدة الجوائب أنه قتل في المحاربات مع العرب في نجد.

و هذا غير صحيح.

التسجيل في الطابو:

جري التسجيل في الطابو للأراضي الأميرية خاصة في بعض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 16

الأنحاء العراقية، و تعيّن مصطفي أفندي لهذا الأمر في بغداد. و كان قائممقام النجف، فصار مأمور الطابو، و من ثم شرع بذلك، و أعدت له العدة، إلا أن النقص ظاهر في العمل و إن كان قد نشر قبل هذا نظام الطابو و تعليماته و قانون الأراضي. فكانت هذه القوانين و الأنظمة طول هذه المدة لم يعمل بها. و الغالب أن التسجيل كان فيما تفوّضه الحكومة.

و كانت تسجيلات البيوع للمسلمين تجري في المحكمة الشرعية، و أما غير المسلمين فكانت تسجل في كنائسهم و بيعهم. و عند اليهود (الشيطار) تعني الحجة أو الوثيقة المشعرة بالبيع و الشراء للأملاك، و تستعمل غالبا في الأملاك، فاستمرت إلي سنة 1298 ه. و كانت السجلات تسمي (شيطاروث) إلي ما قبل إسقاط الجنسية لليهود سنة 1951 و أصل اللفظة من (سطر و تسطير). أو كما يقولون (شيطار) يعني السطر و يقصد به المكتوب أو المدوّن.

و لم يعمل بالتسجيل في الطابو بالوجه الأتم إلا في أيام عبد الرحمن باشا، فإنه يعدّ مؤسسا و إلا فإن التسجيل جري في التفويض أيام مدحت باشا و من بعده و هو أيام معاون الوالي الجديد. و في 20 ذي الحجة سنة 1289 ه قد قيل إن الطابو تأسس منذ سنتين أو ثلاث سنوات في الخطّة العراقية، فتهافت الناس علي هذا التسجيل..

المحاماة:

تعد المحاماة في الغرب مهنة محترمة و يعتبر المتصف بها من الطبقة الممتازة. و في هذا العهد أصبحت مهنة و ضيعة في نظر الناس، و تستخدم كنبز، يقولون (أوقات)، أو (أوقاتي) تصرفا بهذا اللفظ، و يعني

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8،

ص: 17

الوكيل بالخصومة. جاء في الزوراء أنها ولّدت استياء في حين أنها مناظرة في الدعوي تابعة لآداب البحث بإظهار كل جانب أدلة موكله.

رئيس الهماوند:

و هو فقي قادر سلم نفسه للحكومة، فوصل إلي بغداد، و تعهد رئيس عشيرة گوران عزيز اللّه خان من عشائر إيران بتسليم الهماوند، و أن ينكل بهم.

أخبار نجد:

تنبي ء بأن الأمير سعود الفيصل تشتت شمله، و الجيش العثماني في نجد يتمتع بالصحة. و المخابرات جارية من طريق البحر يصل المركب إلي (رأس التنورة) في ثلاثة أيام، و هو أسهل من طريق البر، و صار مركبان يشتغلان في هذه الطريق مناوبة لتسهيل النقل.

شيخ عنزة:

و هو ساجر الرفدي قد توفي، فاختارت الحكومة الشيخ عبد المحسن الهذّال، و هذا تعهد بإسكان عشيرته، فكان أميرا عليهم بلقب (قائممقام). شكل له (قضاء المحسنية) باسمه في كربلاء، و كتب إلي متصرف كربلاء بذلك ليختار لهم موطنا لائقا، فلم يتم الأمر، و لا تزال عشائر عنزة إلي اليوم في حالة البداوة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 18

العمارة:

هذه البلدة تكوّنت سنة 1278 ه- 1861 م، و كانت تسكنها عشيرة (دوزاوة) من اللر الفيلية، و جملة عشائر بدوية فأقامت الحكومة البلدة. و كانت بيوتها من الطوف، و إن متصرفها مراد و هو أبو گذيلة أنشأ جسرا له جساريات (دوبات)، و بتشويق من قائممقامها حسين بك شرع الملاكون في بناء بيوتهم من الآجر. و مضت البلدة في التقدم في الأبنية و العمارات بسرعة.

التشكيلات الإدارية:

الأنحاء الملحقة ببغداد كانت تقوم إدارتها ب (قائممقامية). و هذه ألغيت كما ألغي منصب معاون الوالي و أودعت مهمته إلي (قائمقام الوالي) و عهد بها إلي (ثابت باشا) قائممقام النواحي سابقا. و ألغيت إدارة النافعة أيضا.

ثم إن متصرفية السليمانية جعلت قائممقامية و ربطت ب (لواء شهرزور). و من ثم كانت الدولة قد اتخذت طريق الاختصار في التشكيلات الإدارية التي جرت أيام مدحت باشا.. و مما جري اختصاره من الألوية أن جعلت ألوية العمارة، و الدليم، و كربلاء. أقضية إلا أن الأمر لم يستمر طويلا حتي أعيدت كما كانت.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 19

حوادث:

1- ولي مدحت باشا الصدارة في الدولة،

و قد أبرق إليه كثيرون من بغداد يهنئونه فشكرهم. و جاءت برقية إلي الولاة يطلب فيها أن يقوموا بالمهمات المودعة إليهم خير قيام، و أن يبدأوا في أعمالهم بما يترتب من الحمية و الاهتمام الزائد.

2- دام القحط سنتين بسبب قلة الأمطار،

و المحتكرون تحكموا بالناس الأمر الذي دعا الحكومة أن تمنع تصدير الطعام إلي الخارج لما رأته من التجار في استغلالهم الوضع، و شرائهم كافة الأطعمة.

3- إن رئاسة الفيلق السادس عهدت إلي الفريق نافذ باشا متصرف لواء شهرزور.
4- تكررت الحوادث من عشائر شمر،

فأضروا بالأهلين و الآن أخلدوا للسكون و الطمأنينة، و أدوا الميري بسبب رئيسهم أو متصرفهم فرحان باشا و يعرف بالشيخ. و هو أخو الشيخ عبد الكريم الذي قبضت عليه الحكومة و قتلته.

5- كثر الإعلان، و التفويض بالمزايدة لأراضي أميرية عديدة

منها في قضاء خراسان (خريسان)، و في قضاء الصلاحية (كفري)، و في أنحاء الحلة و المحاويل و المدحتية و الجربوعية (ناحية القاسم). و في البصرة و خانقين، و نشرت قوائم هذه المقاطعات، فاستمرت الحكومة علي ما قام به مدحت باشا. إذ إن بقاء الأراضي باسم الحكومة خسارة كبيرة.

لأنها محتاجة إلي المال و لم تقصد أنها لم تتداولها الأيدي فتستفيد مما يجري عليها من المعاملات و ما ينالها من الإعمار. و التفويض ببيع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 20

الأراضي الأميرية خاصة و لا يطلق علي غيرها.

6- عشيرة السواعد كانت في أنحاء العمارة،

و إن رئيسها موزان المحمد مال إلي إيران ثم عاد بعشيرته البالغة 300 بيت.

7- جرت حوادث لليزيدية

أوضحناها بتفصيل في تاريخ اليزيدية المعدّ للطبعة الجديدة. و هذه الوقائع مهمة جدا.

8- إن قائممقام نجد السابق عبد اللّه الفيصل استعان بالدولة بأمل أن يستقل بالأحساء فلم توافقه فذهب لحاله.

و وردت برقية من الكويت تفيد أن سعودا اغتال أخاه (عبد اللّه الفيصل).. و أن سعودا أبدي طاعته للدولة، و أرسل أخاه (عبد الرحمن الفيصل) إلي متصرفية نجد و قائدها الفريق محمد باشا، فنال الالتفات اللائق، و ما يستحق من احترام و ترحيب. و هو والد جلالة السلطان عبد العزيز آل سعود. و جريدة بدر التي تصدر باستنبول تنحي باللائمة علي المصاريف و الجهود المبذولة في سبيل نجد و تقول ذهبت هباء.. و قد مرّ في المجلد السابع الكلام عليهم.

9- كان يزرع التبغ في أنحاء عديدة من المملكة،

و نظرا لوضع الرسوم عليه (رسوم الدخانية) ترك الناس الاشتغال به، و في هذه الأيام حصل تشويق لزرعه مرة أخري.

10- في الرمادي لم يوجد جامع،

فجرت تشويقات من متصرف لواء الدليم أشرف باشا فجمع إعانة كافية لإقامة هذا الجامع، فشرع بالبناء في شوال سنة 1289 ه، و تم، فجري افتتاحه في 12 ربيع الأول

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 21

سنة 1290 ه و قرئ فيه المولد الشريف، و لما مر صاحب الدولة رؤوف باشا بالرمادي متوجها إلي استنبول شاهده، و استحسن بناءه. و لا يزال موجودا و أجريت عليه تعميرات عديدة.

11- تمكن قائممقام المسيب صالح أفندي من جمع إعانة لبناء جامع و مدرسة فتيسر له مقدار وافر،

و أعدّ المخطّط لذلك.

12- و في هذه الأيام لم تقع الأمطار

و أصاب الناس ضيق.

نقيب الأشراف (في بغداد)

توفي السيد علي النقيب يوم السبت 24 ربيع الأول سنة 1289 ه و هو من أسرة الشيخ عبد القادر الگيلاني من ذرية الشيخ عبد العزيز ابن الشيخ عبد القادر. ولي النقابة بعد وفاة السيد محمود النقيب ابن السيد زكريا من ذرية عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر. و كان قد نظم أمر الموقوفات القادرية و أزال عنها الاضطراب و وحدها فجعلها في إدارته و ساعده كثيرا الوزير محمد نجيب باشا والي بغداد في أيامه.

و كان للسلاطين إنعامات كثيرة علي الوقف القادري لا سيما في أيامه.

و منها الفرمان المؤرخ سنة 1261 ه. و خلفه في النقابة و تولية الأوقاف القادرية ابنه السيد سلمان النقيب في 28 ربيع الأول. و له أولاد كثيرون منهم السيد سلمان و السيد عبد الرحمن و السيد زين الدين و السيد عبد اللّه و السيد أحمد آل الگيلاني. و السيد علي هو ابن السيد سلمان بن مصطفي بن زين الدين الصغير بن محمد درويش بن حسام الدين بن نور الدين بن حسام الدين بن علاء الدين بن زين الدين بن شرف الدين بن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 22

الوالي عبد الرحمن باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 23

ولي الدين بن محمد بن شمس الدين بن علي بن محمد الهتاك بن عبد العزيز ابن الشيخ عبد القادر.

و (آل عبد العزيز) في بغداد متفرعون من محمد درويش منهم (آل السيد ياسين) و هم ياسين و حسين و حسن و علي أولاد محمد بن ياسين بن طه بن عبد القادر بن محمود بن عبد القادر ابن السيد محمد درويش. و (آل زكري) بن عبد الرزاق بن طه المذكور. و منهم (آل مراد) و هو ابن

عثمان بن مراد بن محمود بن محمد درويش و فخامة الأستاذ رشيد عالي و معالي الأستاذ المرحوم كامل أولاد عبد الوهاب منه. و منهم (آل نور الدين) بن محمد درويش. و من هؤلاء جماعة في السند، و محمد سعيد بن عبد القادر بن بكر بن إسماعيل ابن عبد الوهاب بن نور الدين المذكور. و منهم (آل خميس) أخو السيد علي النقيب و هم توفيق و محمد صالح أولاد حامد بن محمد صالح بن خميس المذكور. و (آل النقيب) هم أولاد السيد علي النقيب (السيد سلمان)، و (فخامة السيد عبد الرحمن)، و (السيد زين الدين)، و (السيد عبد اللّه)، و (السيد أحمد). و ذريتهم معروفة و توالت النقابة فيهم من أيام السيد علي إلي اليوم.

حوادث سنة 1290 ه- 1873 م

رسوم أو ضرائب:

وضعت بالمزايدة و أعطيت بالالتزام:

القصابية، و الميدان (بيعيّة) و الجسر، و القفاف، وقفة ديالي، و دار الدباغة، و أخشاب التعمير، و صيد السمك، و أرضية الشواطي ء و تعشير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 24

التمور و الفواكه، و تعشير المخضرات في العلاوي، و الاحتساب، و التمغا (الطمغة)، و الدلالية، و القبّانية، و المصبغة.

و هناك رسوم أخري مثل الأعشار و الدخانية و ضرائب الأغنام (الكودة و غيرها) لم تعط بالالتزام.

الأوزان و المكاييل:

تقرر اتباع المقاييس الجديدة اعتبارا من هذه السنة (1290 ه).

و لكن لم يتم العمل بها إلا أنها أبقت أثرا.

الججن:

في سنة 1860 م هاجر قسم كبير منهم إلي أنحاء الدولة العثمانية و لما أسند منصب ولاية بغداد إلي مدحت باشا و نظرا لما وجد فيهم من الصدق و الإخلاص و الأخلاق الفاضلة و الجرأة و البطولة فإنه جلب معه قسما كبيرا من الچچن، و أسندت إليهم مناصب في الجيش و في قوات الأمن، و لا تزال منهم جماعة في ناحية المنصورية، و في بغداد، و من أشهر شخصياتهم المحترمة الفريق الأول محمد فاضل باشا الداغستاني والد أمير اللواء الركن غازي باشا. و منهم الشيخ شامل المعروف بحروبه لروسية من عام 1820 م حتي منتصف عام 1859 م و لم يأت العراق.

و عند مجيئهم أعطيت لهم مقاطعة زندان و كانت تسمي (قرية الحميدية) و تغلب عليها اسم زندان و هو حصن من عهد الأكاسرة بالقرب من القرية المذكورة و يعتبر من الآثار القديمة و هو تابع المقدادية و لم يزل بأيديهم، و الصقلاوية غربي الفلوجة إلا أنهم لم يتصرفوا بها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 25

حوادث:

1- مياه الأنهار في الخالص صارت توزع بطريق (المطاوقة)

و يقال لها المراشنة و هي (حق الشرب) (حق السقي) و من ثم استفاد الأهلون من زراعتهم، و لم يستأثر البعض بالمياه دون الآخرين و شكروا القائممقام علي عمله هذا. و كانت مياه الخالص تؤخذ للوزيرية أو المشيرية فيتضرر أصحاب المزارع و البساتين.

2- جمعت إعانة لجامع الهندية (السدة).
3- عاث الجراد في الزروع.

و حوادثه تتكرر في كل بضع سنين، و المكافحة لا تجدي نفعا. و هو من بلايا الزروع و من أعظم الغوائل عليها، فكثيرا ما جعل الزراع في ريب من أمرهم، و أذهب أتعابهم.

الموظفون في هذا العهد:

اشارة

في وثيقة بيع بالمزايدة جاء فيها من الموظفين ذكر:

1- الوالي محمد رؤوف باشا.

والي بغداد آنئذ.

2- قائممقام الولاية السيد محمد ثابت.

و هذا كان ذمّه أحمد بك الشاوي.

3- النائب (قاضي بغداد). محمد عطاء اللّه.

و صار واليا ببغداد.

4- الدفتري. محمد راشد.
5- مفتي الحنفية.

الأستاذ محمد فيضي الزهاوي.

6- محاسب الأوقاف. محمد درويش الحيدري.
7- المكتوبي. السيد عبد اللّه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 26

8- من أعضاء مجلس الإدارة محمد جميل.
9- من أعضاء مجلس الإدارة فهد السعدون.

والد فخامة عبد المحسن السعدون.

10- من أعضاء مجلس الإدارة محمد سعيد بن محمد أمين الزند.
11- من أعضاء مجلس الإدارة فتح اللّه عبود.

جد الأستاذ يعقوب سركيس لأمه.

عزل والي بغداد:

بقي الوالي رؤوف باشا نحو سنة واحدة. فقيل إنه قام بأعمال كثيرة منها (إسكان العشائر)، و لم يتحقق منها شي ء، و لا عرف أن عشيرة بدوية استقرت في محل خاص، و قيل عن عشائر (عنزة) الجشعم (القشعم) و (عشائر الدغارة)، و (عشائر السماوة)، و (عشائر الجاف) أنه قام بإسكانهم.

و الهماوند خربوا قري عديدة، و قتلوا أنفسا كثيرة و رؤساؤهم (جوكل) و (أمين پاخر) و أمثالهما، كان إعدامهم مقررا، أما الوالي فإنه جلبهم و لطفهم بوظائف رئيس ضبطية، و ملازم. و لكنهم لم يلبثوا إلا قليلا حتي عادوا إلي ما كانوا عليه من النهب و السلب، و بسبب توظفهم صارت قوتهم أكبر و أكثر. فاضطرب منهم السكان، و اختل الأمن.

و كل ما يقال في هذا الوالي أنه جاء لتدمير أعمال مدحت باشا. ثم نصب واليا في اليمن و مشيرا للفيلق السابع ثم وجهت إليه نظارة الضبطية باستنبول، فغادر بغداد مسرعا لتسلم منصبه الجديد في 23 ربيع الأول سنة 1290 ه- 21 مايس سنة 1873 م.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 27

و خلفه الوالي رديف باشا والي (بانية) سابقا، عهدت إليه مشيرية الفيلق السادس ببغداد فقام بالوكالة رئيس أركان الفيلق نافذ باشا بإرادة سنية صدرت له إلي أن يأتي الوالي الجديد إلي بغداد.

الجاف:

هذه تحت رئاسة محمد باشا قائممقام گلعنبر. صار أمير لواء، و كان يؤخذ منهم للجيش 8 أفراد سنويا، و في أيام مدحت باشا جعلت 30 نفرا، و منحت الرئاسة لابنه محمود بك علي عشائرهم، و أمراء الجاف الذين نالوا رتبا من الدولة:

1- محمد باشا ابن كيخسرو بك. نال رتبة أمير لواء.

2- محمود بك (ابنه). و منح لقب باشا بعد والده.

3- بهرام بك.

4- قادر

بك.

5- عزيز بك.

6- عثمان بك ابن محمد باشا.

7- سليمان بك ابن محمد باشا.

8- حسن بك ابن محمد باشا.

9- محمد بك من البگزادة أي أبناء الأمراء.

و الملحوظ أن أمراء الجاف نالوا مكانة بعد القضاء علي إمارة بابان و منحتهم الدولة رتبا و حصلوا علي توجه كبير. و كانت قبائل الجاف أو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 28

إماراتها طوع إرادة أمراء بابان فاستغلتهم الدولة فكانوا قوة لها.

و قبائل الجاف قديمة، و كانت تعرف ب (الجاوية) نسبة إلي منازلهم (جوان رود) أو (جاوان رود) كما يتلفظون به و معناه (نهر جوان) ثم تصرفوا باللفظ فصار يقال لهم (جاف) و لا تزال مواطنهم في (جوانرود) و انتشروا منها إلي أنحاء زهاو و كرمانشاه و العراق في ألوية السليمانية و كركوك و ديالي. و هم مجموعة كبيرة جدا و قد مالت إليهم عشائر من (سنة) و سكنت (جوانرود) قبل أكثر من مائة سنة. و القول بأنهم انقرضوا غير صحيح، و قد تكلمت عليهم في المجلد الثاني من عشائر العراق.

بريد الهجانة:

تأسس بين بغداد و حلب بريد من الهجانة.

المكتب الإعدادي:

تأسس، و افتتح للطلاب.

والي بغداد:

ورد الوالي رديف باشا يوم 22 جمادي الأولي سنة 1290 ه و أجريت له المراسيم المعتادة، و قري ء فرمانه في 26 منه. و هذه ترجمة الفرمان:

«الدستور المكرم، و المشير المفخم، نظام العالم، مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب، متمم مهام الأنام بالرأي الصائب، ممهد بنيان الدولة و الإقبال، مشيد أركان السعادة و الإجلال، المحفوف بصنوف عواطف الملك الأعلي، والي ولاية (بانية) سابقا المحول بهذه الدفعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 29

لعهدة استيهاله مشيرية الفيلق السادس مع انضمام ولاية بغداد الحائز و الحامل للوسامين ذي الشانين العاليين العثماني و المجيدي من الرتبة الأولي وزيري سمير الدراية رديف باشا أدام اللّه تعالي إجلاله.

مشير الفيلق السادس الهمايوني مع انضمام ولاية بغداد إلي مشيرية الفيلق السابع الهمايوني مع انضمام ولاية اليمن و بناء علي ما هو مستغني عن التوصيف و البيان أن ولاية بغداد الجسيمة هي من أعظم القطع التي تتركب منها ممالك الدولة العلية المحروسة و حسب الأمور المعلومة المسلمة، أن مقتضي أرضها وسعتها لها قابلية كلية لكل نوع من الأعمار و الترقي و إن استحصال جميع الأسباب من أعمارها مطلوب و ملتزم للغاية و أنت يا أيها المشير سمير الدراية المشار إليه حيث إنك من أصحاب الدراية و الفطانة و لك خبرة بإدارة الأمور الملكية و المواد الجنودية علي الخصوص وقوفك علي آثار أفكار معدلتي الملوكية و بناء علي ما هو معلوم لدي ساحتي السنية من حسن الغيرة و الإقدام الذي أبرزته إلي الآن في خدمات سلطنتي العلية و ما أظهرته في ذلك من آثار الصداقة و الحمية صدرت إرادتي السنية الموهبة للسنوح و الصدور بتوجيه مشيرية الفيلق السادس الهمايوني مع انضمام الولاية

المذكورة بغداد و إحالتها لعهدة حميتك و أهليتك من يوم الثامن عشر من شهر ربيع الأول من سنة 1290 ه. هذا و قد أصدر الأمر الجليل القدر المتضمن لمأموريتك و أعطي من ديواني الهمايوني و عندما تصير الكيفية معلومة لدي رؤيتك الملتزمة تقوم حالا و تتوجه إلي صوب المركز المأمورية و تباشر في رؤية أمور الولاية و العسكرية و مصالح العباد و السكنة و تمشيتها توفيقا علي الشرع الشريف العائدة قواعده إلي السلامة و تطبيقا علي القانون المنيف، و تنظر آنا فآنا في تزايد معمورية الولاية و ثروتها و في حصول رفاه كافة السكنة و العشائر و دوام راحتها و أمنيتها و استحصال الأسباب الموجبة لتوسيع دائرة الزراعة و ترقي الحرف و الصنائع و إدارة كافة الأمراء و الضباط و النفرات الموجودة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 30

في الفيلق المذكور و دوام إكمالها و حسن انتظامها و تصرف الإقدام و الغيرة و تأليف العشائر و العربان و الأهالي الساكنة داخل الولاية و بقائهم بحسن امتزاج البعض مع البعض و أشغالهم بحراثتهم و زراعتهم و أن لا يتعدي أحدهم علي الآخر، و عدم التجاسر منهم علي حقوق الغير المتجاوزة لأحوال الأمنية و الراحة و أن تجري الاهتمام و الدقة في معاملة تبعة جارتنا دولة إيران البهية و في حق المقيمين و الذين يغدون و يروحون منها إلي تلك الحوالي من المترددين و الزوّار تطبيقا علي العقود المرعية بين الطرفين الجارية تيمنا بالصداقة و المصافاة بين الدولتين و أن تجتهد في تزييد توجيهاتي التي غدت لها المكارم الغايات الثابتة في حقك و ترقيها إلي درجة أخري و تنهي الأحوال و الآثار اللازمة الإنهاء إلي دار سعادتي

شيئا فشيئا و تنثر نقد الهمة في ذلك تحريرا في اليوم الحادي و العشرين من شهر ربيع الأول لسنة 1290 ه انتهي.

و هذا الوالي أنعم عليه السلطان بوسام مرصع.. و بوصوله أجري بعض التحويلات، و ذهب إلي الجزائر (في الجنوب) لسد ما هنالك من بثوق.

دفتري بغداد:

عثمان سيفي دفتري الولاية وصل إلي بغداد و باشر أعماله.

و هذا غير عثمان سيفي كاتب الديوان أيام علي رضا باشا فإنه توفي.

مجلس الإدارة في أيامه:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 31

و كان مجلس الإدارة متألفا من أعضاء طبيعيين تحت رئاسة الوالي رديف باشا و هم:

الدفتري سيفي.

المكتوبي حالت.

النائب روحي.

ناصر باشا السعدون.

محمد فيضي الزهاوي مفتي الحنفية.

محاسب الأوقاف محمد درويش الحيدري.

النقيب السيد سلمان الگيلاني.

مفتي الشافعية عبد الغفور الحيدري.

و أما الأعضاء المنتخبون فهم:

أحمد بك الشاوي.

أحمد چلبي الباچه چي.

فتح اللّه عبود.

يوسف كرجي.

مراد أبو كذيلة:

كان متصرف العمارة و نقل إلي متصرفية الحلة، فانفصل عنها، و مرض فتوفي. و هو زوج نائلة خاتون صاحبة الأوقاف و الخيرات المعروفة باسمها. دفن في البستان علي طريق الأعظمية فنقلته دائرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 32

الأوقاف إلي مقبرة الإمام الأعظم مع زوجته بسبب توسيع شارع الإمام أبي حنيفة.

حوادث سنة 1291 ه- 1874 م

رسوم الأغنام:

و تعرف ب (الكودة). صارت تؤخذ من هذه السنة بحساب كل رأس (100 پارة) أي قرشان و نصف القرش.

القشلة في كركوك:

بنيت القشلة و الدپو (المخزن) في كركوك، و للشاعر عبد اللّه صافي أبيات في تاريخها.

الشاعر عبد الغفار الأخرس:

من الشعراء المجيدين توفي يوم عرفة من سنة 1290 ه. طبع ديوانه باستنبول سنة 1304 ه كما أنني طبعت مجموعته في (شعر عبد الغني جميل) و فيما قاله من شعر فيه سنة 1949 م و تفصيل ترجمته هناك.

متصرفية نجد:

أودعت إلي بزيغ باشا، و المعاونية إلي الحاج محمد بك و منح رتبة متمايز من الرتبة الثانية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 33

نافذ باشا:

هو رئيس أركان الفيلق السادس ذهب إلي نجد و عاد …

الأمير عبد الرحمن الفيصل من آل سعود:

ورد بغداد قبل سنتين، و خصص له راتب، و أعيد معززا فذهب إلي البصرة، و منها ذهب إلي البحرين، فتجمع له بعض الأشخاص و قام علي الحكومة. و هو جد جلالة السلطان سعود بن سلطان عبد العزيز آل السعود. و كان معه ابنه السلطان عبد العزيز.

الكلهر و السنجاوية:

عاثوا في الحدود، و وقعت منهم بعض حوادث السلب و النهب و ما ماثل من التجاوز علي العراق. و هم من عشائر إيران.

السيد عبد اللّه بهاء الدين الآلوسي:

توفي السيد عبد اللّه بهاء الدين الآلوسي. و كان ولد سنة 1248 ه، و هو من العلماء الأفاضل، ولي القضاء في البصرة و غيرها، و من مؤلفاته الروض الخميل في مدائح آل جميل، و كتاب آخر في مدائح آل النقيب السيد علي و أولاده، عندي مخطوطتان و له مؤلفات أخري، و من أولاده (الأستاذ محمود شكري) و آخرون.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 34

حوادث سنة 1292 ه- 1875 م

متصرفية نجد:

وجهت إلي مزيد باشا السعدون برتبة أمير لواء بناء علي استقالة بزيغ باشا بسبب مرضه.

الوالي عبد الرحمن باشا الوالي السابق و اللاحق:

ذهب والي بغداد رديف باشا إلي البصرة.. و لم تمض مدة حتي نقل إلي ولاية (مناستر)، و أثنت الزوراء علي اهتمامه بالعمارات و مهارته في الإدارة. سافر إلي استنبول يوم السبت 9 جمادي الأولي.

و عيّن لولاية بغداد و مشيرية الفيلق السادس محمد رأفت باشا والي (مناستر) و مشير فيلقها الثالث كما أخبرت برقية بذلك. و قبل أن يصل الوالي الجديد إلي بغداد نقل إلي ولاية أنقرة، و صار مكانه لمنصب بغداد عبد الرحمن باشا، و هذا ورد بغداد يوم السبت 16 شهر رمضان سنة 1292 ه. فأجريت له المراسيم المعتادة، و في يوم الأربعاء 8 شعبان وصل مظهر باشا قائممقام مركز ولاية بغداد و وصل قبله ببضعة أيام الفريق محمد باشا قائد البصرة، و ناصر باشا السعدون والي البصرة.

التشكيلات الإدارية في البصرة:

اتخذت البصرة ولاية، و ألحق بها (لواء المنتفق) و (لواء نجد)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 35

فحصل تعديل في الإدارة، و مضت الدولة علي هذا الترتيب الإداري مدة، فجعلت العمارة تابعة لها.

خطاب والي بغداد:

أثناء قراءة الفرمان أجريت المراسم المعتادة و احتشدت الجموع لاستماعه فتكلم الوالي بما يناسب المقام فقال ما ترجمته:

«إن الأوامر السنية المندرجة في هذا العهد العالي صارت معلومة عند الجميع و رأيت موافقا للمقاوم و لايجاب الحال التبشير بالبعض من الإرادات الجليلة السلطانية السانحة بالشرف شفاها حين نلت شرف تمريغ الوجه و تعفيره بتراب قدمي الملك الأعظم فأقول:

إن مولانا ولي النعمة قد بيّن أن إيصال العمران في هذه الأنحاء إلي الدرجة التي تساعد عليها مطلوب و ملتزم للغاية عند حضرته الملوكية، و إن الإتيان إلي ساحة الوجود بكل نوع من الوسائل و الوسائط التسهيلية من الأسباب التي يتوقف عليها هذا الأمر كفتح الطرق و حفر الجداول فإنها أهم لدي جنابه و ألزم و مع هذا البيان العالي تفضل بالأمر و الإرادة خاصة بإجراء إيجابه.

و الخط السلطاني الذي صدر بالشرف في باب أعمال طريق جديد من دار السعادة إلي بغداد مصروفه من جيبه الملوكي، و الذي يلزم أن يكون حكمه العالي قد زيّن و شنّف إلي الآن مسامع أمنيتكم هو بشارة كبيرة جدا بحق أنظار حضرة الملك اللطيفة و أفكاره العلوية التي سيري حسن تأثيرها و أن يكون العراق مسعود الحال من كل الوجوه يوما فيوما، و أن معرفة قدر هذه البشارة و شكرها تكون بالسعي و الكد أمام ذلك تيمنا بهذا اليمن و السعد مع اتفاق الأيدي إلي صرف الساعي في هذا الباب.

و سائر الوصايا المعتادة تلخص في النظامات و الأوامر المبلغة و

هي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 36

مسموعة بالذات و الأوامر المؤكدة الأخيرة في تأمين الحقوق أعلنت أيضا فلا مجال لتفصيلها و تكرارها، و المطلوب رؤية آثارها فعلا و مادة. و لا شك أن ملتزمي العفة و الاستقامة طالبي الرضي و من يقومون بحسن الخدمة يكونون مظهرا للتلطفات السنية و في خلاف ذلك يشاهد عكس القضية و بقي شي ء و هو أن العساكر السلطانية وهم مدار الأمن و الراحة و أقدم افتخارات الجميع منّا قد فوضت أيضا إدارتهم في الجهات الكلية لنا، أعني أن هذا الشرف أيضا جعل علاوة علي ألطاف ولي النعمة الكثيرة الجليلة الذي أنا بالذات عاجز عن إيفاء ذرة من تشكراتها و من أجل ذلك سأسعي لأداء المحمدة المترتبة علي هذا أيضا بالاهتمام بحسن إدارة الصنوف العسكرية مرفهين و تحكيم الأمنية و الاستراحة العمومية و إدامتها.

و لا أمضي عن هذه الجهة أيضا و هي أن استمدادي في كل أمر و تشبثي هو من عون عناية حضرة الإله الباري العظيم، و من الروحانية الجليلة من النبيّ المصطفي الرؤوف الرحيم، عليه أفضل الصلوات و أكمل التسليم و كذلك موفقية الملك الأعظم كل هذه مدار استنادي و مكان اعتمادي.

ثم إنّا نكتفي بهذا القدر لأن الوقت وقت صيام و الشهر شهر رمضان و نختم القول بالدعاء و المناجاة لجناب مجيب الدعوات بأن يصير الجميع منّا مظهرا للتوفيقات و التأييدات..

و هذه ترجمة الفرمان:

«يا أيها الدستور المكرم، و المشير المفخم، نظام العالم، مدبر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 37

أمور الجمهور بالفكر الثاقب، متمم مهام الأنام بالرأي الصائب، ممهد بنيان الدولة و الإقبال، مشيد أركان السعادة و الإجلال، المحفوف بصنوف عواطف الملك الأعلي والي ولاية بغداد مع انضمام

نظام عساكري السلطانة الذين هم هناك، الحائز و الحامل للوسامين ذوي الشأن العثماني و المجيدي من الرتبة الأولي وزيري عبد الرحمن باشا أدام اللّه تعالي إجلاله.

ليكن معلوما عند وصول توقيعي الرفيع الملوكي أن معمورية المملكة مع رفاه سكنتها و سعادتهم موقوفة علي أن يكون أفراد الخلق علي العموم آمنين في خصوص محفوظية أموالهم و أنفسهم و أعراضهم و هذا أيضا يكون العدل القائمة و الدائمة استقامته في جميع الزمان كما لا حاجة إلي البيان و التكرار، و بناء علي هذا ففي خطّي الجليل السلطاني المسطر بهذه الكرة و المعلن خطابا لمقام وكالتي المطلقة الجليل زين صحيفة السطور ما نصه أنه كما أن قضية معمورية المسلك و سعادة حال صنوف التبعية ملتزمة لدينا بزيادة، فإن اقتضاء مطلوبنا القطعي أن تكون صنوف تبعتنا السلطانية المتوطنين في دار السعادة و في جميع ممالكنا المحروسة الملوكية علي العموم و الإفراد مظهرا للعدالة و الصيانة من كل الوجوه فعلا و صحيحا و يصيروا مستريحي البال بمحفوظية الحقوق و الناموس دائما و من الجملة أن دائرة الأحكام العدلية مركز مهمّ و معتني به قد شكل بهذه النية الخيرية فتوفيق الحركة علي التوالي من هناك أيضا علي مقصدنا السلطاني هذا الذي له المعدلة آيات أهم و ألزم، فليهتم بتأكيد أفكارنا و نيّاتنا السلطانية في هذا الباب و توثيقها فعلا و إعلانا بكل طرف.

فهذه تنبيهاتي الجليلة و تعليماتي الجديدة السلطانية أيضا تؤيد نياتي الملوكية هاتيك التي لها المعدلة آيات و تؤكدها أما الوسائل و الأسباب التي تأتي بهذا المقصد إلي موقع الفعل و الإجراء صحيحا و حقيقة فهي ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 38

يعرفه مأمور الشريعة و الملكية مخلصين من الإقدامات

و ما يصلحونه من الأفكار و النيات ولذي الجهة فمطلوب و ملتزم للغاية لدي حضرة سلطنتنا أن يكون كل صنف من أهالي دولتي العلية و تبعتها مظهرا للعدالة و الأمنية الكاملة بدرجة أخري بأن تري و تسوّي بالسرعة الدعاوي الحقوقية علي العموم من طرف جميع المأمورين، و خصوصا مأموري المحاكم الشرعية و المحاكم النظامية المكلّفة بأحكام الشرع الشريف المنيفة و مأموري عموم تلك الدعاوي المحولة لهاتيك المحاكم سواء كانت في باب سعادتي أم في ممالكي المحروسة السلطانية علي وجه كمال الدقة و الحقانية تطبيقا علي الشرع الشريف، و قوانين دولتي العلية و نظاماتها و من أجل ذلك بينت الكيفية، و أعلنت لجميع ولاياتي السلطانية بإصدار أوامري الجليلة الملوكية كل علي حدة، فأنت أيها الوالي المشار إليه قد سطر و سيّر إليك أيضا أمري هذا الجليل القدر من ديواني السلطاني تنبيها و إعلانا، و أرسلت لطرفك النسخ المتعددة من ورقة المواد الشائعة و المتواترة عن وقوع بعض سوء الاستعمالات المنافية للشرع الشريف و لقانوني و نظاماتي السنية.

فمن اقتضاء أمري السلطاني أيضا المسارعة عند وصول فرماني الملوكي الجليل العنوان إلي تبليغ كيفية أمري و إرادتي الملوكية التي لها المعدلة إفادة لجميع المحاكم و المجالس سواء كانت في مركز الولاية أم في الألوية الملحقة التي هي تحت إدارتها، و لسائر المأمورين و تفهيمها و إعلانها لكل صنف من تابعيتنا السلطانية حرفا حرفا مع توفيق الحركة في كل موضع علي تنبيهاتي هذه السنية الملوكية، كما ينبغي لها و الاهتمام في بابنا العالي بالتحقيقات اللازمة علي الدوام إذ مصمّم تصميما قطعيا أن حالات المأمورين و حركاتهم أي شي ء كانت من حسن و قبيح يعاملون بالنظر إلي تلك فلتعرف أنت أنه

إذا يؤتي إلي ساحة الوقوع بذرة ما من التكاسل و التسامح في ذا الباب يكون بحقك موجبا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 39

أشد المسؤولية و الوخامة و التصرف ما حصل من اللياقة إلي الحركة بالنظر إلي ذلك و لتعمل بالدقة بالإخبار لبابنا العالي مع المسارعة بلا صحابة بالذين يتحركون بحركة مغايرة لإرادتي الملوكية هذه من المأمورين علي العموم تحريرا في اليوم الحادي من شهر شعبان المعظم سنة 1292 ه».

ثم قري ء الدعاء للسلطان بالوجه المعروف و أجريت مراسم التبريك للوالي، و بعد ذلك انفضّ الجميع..

و هذا الوالي هو السيد عبد الرحمن نور الدين باشا. و فصّل أحواله الأستاذ السيد نعمان خير الدين الآلوسي في هامش نشوة المدام و هو ابن علي باشا الذي أثني عليه الأستاذ أبو الثناء الآلوسي لما رأي منه من لطف. فجاء تعليق الأستاذ نعمان خير الدين في محله و مدحه بأبيات و ذكر أن توجيه منصب بغداد إليه كان في شهر رجب من سنة 1292 ه.

جسر كركوك:

بني في هذه السنة 1292 ه الجسر علي نهر كركوك المسمي ب (الچاي) و قد أرخ ذلك عبد اللّه صافي الشاعر.

الشامي- النقود في العراق:

إن (الشامي) من النقود العثمانية، و ثمنه الأصلي 9 قروش و 30 پارة، و عند تسليمه إلي الخزانة يقبض بهذا السعر إلا أنه بسبب رواجه بين الناس تداولوه بسعر عشرة قروش، و كذلك يصرف لأجل الرواتب و سائر المصارفات بسعر السوق و لكن الحكومة في هذه المرة قبلت أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 40

يتداول بما يجري عليه سعر الحكومة فيؤخذ و يعطي بمبلغ 9 قروش و 30 پارة فتأخذه بالسعر الذي تعطيه، و لا تجعل الزيادة واردا هوائيا كما كانت جارية عليه. و كان سعر (الروبية) بعشرة قروش و نصف و هي سكة هندية. و لا شك أنها بقيت علي هذا السعر و لم تتغير من 23 جمادي الأولي سنة 1292 ه أيام الوالي محمد رؤوف باشا..

نائب بغداد:

استقال حسين توفيق نائب الشرع في بغداد فخلفه النائب يونس.

سدة الكنعانية:

شغلت الوالي مدة..

حاخام اليهود:

توفي الحاخام عبيدية (عوبدية) الرئيس الروحاني للإسرائيليين في 23 شوال سنة 1292 ه.

حوادث سنة 1293 ه- 1876 م

مجلس الأمة (في دورته الأولي)

صدرت الإرادة بافتتاح مجلس الأمة (البرلمان) الأعيان و النواب.

و هو أول مجلس للأمة بموجب قرار مجلس الوكلاء (الوزراء) في 5

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 41

شوال سنة 1293 ه (2 تشرين الثاني سنة 1876 م) و وجهت الصدارة إلي مدحت باشا والي بغداد الأسبق في 4 ذي الحجة سنة 1293 ه.

أراد أكابر المفكرين الخير للأمة و أن تجاري الغرب في مضمار تقدمه و لكن لم تتأهب الأمة، و إن استبداد الملوك كان علي أشده مما حال دون استقرار الإدارة الديمقراطية و لم يحصل الانتباه إلا بعد أمد و لذا خذل الأحرار و عاد التحكم بالأمة و نكل بمدحت باشا و أعوانه.

الشاعر عثمان نورس

من الشعراء المجيدين في التركية و الفارسية و له بعض الشعر باللغة العربية. و كان ورد العراق مع الوزير علي رضا باشا اللاز، فعاش أمدا طويلا، و له اتصال بأدباء بغداد أمثال الأستاذ عبد الباقي العمري، و بوزراء بغداد، و كان انكشافه الأدبي في العراق، و شعوره فيه كبيرا، و مواهبه عظيمة، فهو أديب، ناظم، ناثر.. فصلت أخباره في (تاريخ الأدب التركي في العراق). و له من المؤلفات:

1- ديوانه. و له صلة قوية بنا. طبع سنة 1290 ه. باستنبول.

2- (سماعخانه ء أدب). قسم كبير منها في مدح الوزير عبد الكريم نادر باشا والي بغداد، طبعت باستنبول أيضا. و قسم منها في علي رضا باشا اللاز والي بغداد الأسبق.

3- رسائله. منها باسم الوزراء و منها خاص به، و هي في المنثور الأدبي، عندي نسختها الأصلية باللغة التركية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 42

الأستاذ إقبال الدولة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 43

حوادث سنة 1294 ه- 1877 م

الوالي عاكف باشا

والي بغداد:

نقل الوالي عبد الرحمن باشا إلي ديار بكر، و خرج من بغداد في 23 ربيع الأول سنة 1294 ه، و وجه منصب بغداد إلي عاكف باشا والي (أدرنة)، و وردها يوم الجمعة 29 ربيع الثاني، و ورد فرمانه في 4 جمادي الأولي فقري ء باحتفال و لم ينشر و لعل السبب حرب روسية مما دعا إلي قلة الورق. فإن الجريدة صارت تنشر بقطع صغير..

مجلس الأمة:

صدرت الإرادة بفتحه و افتتح في 4 ربيع الأول كما جاء في جريدة الجوائب. و من نواب بغداد رفعت بك الحاج أحمد آغا جد (فخامة الأستاذ ناجي شوكت، و الدكتور صائب و الدكتور سامي). و مناحيم دانيل و عبد الرزاق الشيخ قادر و هذا عاد إلي بغداد في 23 جمادي الأولي سنة 1295 ه.

و عن الموصل عبد الرحمن وصفي آل شريف بك والد ضياء بك عضو المجلس النيابي و قد توفي. وجد المحامي الأستاذ عبد الرحمن آل شريف.

حوادث:

1- ازداد خطر الوباء في بغداد

كما أخبرت الجوائب بذلك..

2- شرعت إيران تبني استحكامات في المحمرة (خرمشهر) قبالة البصرة بمسافة ساعتين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 44

فأرسلت الدولة أحد الأعيان للسؤال عن هذا الأمر.

حرب روسية:

وردت برقية بإعلان روسية الحرب علي الدولة العثمانية و كان من القواد سليمان باشا صاحب المحاكمة المطبوعة، و في فرقة المجاهدين المشير أحمد مختار باشا و الفريق غازي محمد باشا ابن الشيخ شامل و كان معهم محمد فاضل باشا الداغستاني برتبة (قول أغاسي) رئيس أول، و جمعت إعانات و كانت هذه الحرب قاسية علي العثمانيين و في وقت ضيق و ضعف، فأبدي العراقيون تفاديا كبيرا بتطوعهم و تضرر كثير من هؤلاء من الثلوج و البرد فلم يقووا عليه. و لم ينجح العثمانيون في نتائجها، بل كانت وبالا كبيرا و خسارة عظيمة أدمت القلوب، و أنهكت قوة الدولة، و أصابها الحيف، و في خطاب مدحت باشا ما يوضح المغازي.

حوادث سنة 1295 ه- 1878 م

والي البصرة:

عين عبد اللّه باشا. و في هذه الأيام وردت مضبطة إلي جريدة الجوائب باستنبول ممضاة من 180 شخصا يستنكرون فيها أعمال واليها السابق ناصر باشا، و أنه مستبدّ جبّار، و منذ انفصاله انتعشت المدينة ورأت حياة جديدة، و عندما سمعوا أنه سيعود، طلبوا أن تنصفهم الدولة و إلا اضطروا إلي الهجرة. و لعل السياسة كان لها الرضا بهذه الأمور أو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 45

أو عزت بها، و هو الظاهر من الحالة، و جاءت شكاوي عليه من البصرة.. و ندّدت به جريدة (وقت التركية) و غيرها. و هذا يؤيد الإيعاز.

والي بغداد (قدري باشا)

والي بغداد: قيل (ما سلّم حتي ودّع)، عاد الوالي السابق عاكف باشا إلي استنبول من طريق دير الزور في 14 ربيع الأول سنة 1295 ه. و لا نعلم له أثرا يذكر، فصرنا نستقبل الواحد، و لم تمض مدة حتي نودعه، و نحتفل بآخر غيره، فكانت هذه خير ملهاة، مما يدل علي اضطراب وضع الدولة، و ارتباك شؤونها.

و نال منصب بغداد قدري باشا و كان والي (سيواس). قالت الزوراء: مشهور بالحصافة الذاتية و الاستقامة الفطرية الكاملة مما جعل العراقيين مطمئنين لوروده، و لا أدري كيف علم العراقيون بحيث تمكن صاحب الجريدة أن يعلن منوياتهم، بل كتب كما يشاء.

وصل إلي بغداد يوم الخميس 1 ربيع الآخر سنة 1295 ه- 1878 م فاستقبله المشير و أركان الفيلق و الموظفون في الألوية، و سائر المتميزين و الأعيان. باستقبال مهيب، و باشر العمل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 46

فرمان الوالي:

و في يوم السبت قري ء فرمانه و أجريت المراسم علي الأصول و هذه ترجمته:

«أيها الدستور المكرم، و المشير المفخم، نظام العالم، مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب، متمّم مهام الأنام بالرأي الصائب، ممهّد بنيان الدولة و الإقبال مشيد أركان السعادة و الإجلال، المحفوف بصنوف عواطف الملك الأعلي، والي ولاية سيواس سابقا، الذي وجهت بهذه الدفعة لعهدة استيهاله ولاية بغداد، و الحائز للوسام المجيدي ذي الشأن من الرتبة الأولي، وزيري (قدري باشا) أدام اللّه تعالي إجلاله.

حين وصول توقيعي الرفيع المسعود ليكن معلوما أنه قد وقع بهذه المرة انفصال والي ولاية بغداد، الحائز الحامل للوسام العثماني المجيدي ذي الشأن من الرتبة الأولي، و الدستور المكرم، و المشير المفخم، نظام العالم، وزيري عاكف باشا أدام اللّه تعالي إجلاله، و علي ما لم تكن حاجة

للبيان أنه مطلوب و ملتزم استحصال أسباب الاطمئنان و الراحة لكل صنف من صنوف الأهالي، و تبعتي العلية الساكنين و المتوطنين في ممالكي المحروسة السلطانية، و استكمال وسائل أمانهم و أمنيتهم، مع رؤية المصالح الواقعة و الجارية، و إدارتها بصورة عادلة و محقة، و أنت أيها الوزير السمير، ذو الدراية المشار إليه يحسب كونك من وزراء سلطنتي السنية، أولي الروية، المتصفين بالأوصاف المطلوبة، الواقفين علي أصول الإدارة و الأفكار و المصالح العمومية، و المقتدرين علي إجراء القوانين و النظامات العادلة، قد لمعت نيران توجيهاتي السلطانية التي هي الغايات في المحاسن بحقك من وجه جديد، و نشأ عن ذلك أن ولاية بغداد المذكورة أحيلت و فوضت لعهدة رويتك و استيهالك بموجب أمري الميمون الذي هو بالعناية مقرون، الملوكي الذي زادته موهبة السنوح و الصدور من عواطفي العلية السلطانية،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 47

و عوارفي البهية الملوكية، في اليوم السابع من شهر صفر الخير لهذه السنة، و هي السنة الخامسة و التسعون بعد المائتين و الألف.

فلذا قد أصدر و أعطي أمري هذا الجليل القدر من ديواني المسعود، متضمنا مأموريتك، فأنت أيضا علي اقتضاء كمال المعرفة بالمهام و الفطنة التي صرت مجبولا عليها، و مقتضي وقوفك و معلوماتك الكاملة الظاهرة في الأمور الملكية، ينبغي أن تعزم إلي مركز مأموريتك، و تعمل الدقة و المباشرة برؤية أمور الولاية و مصالح الأهلين و السكنة و تمشيتها تطبيقا علي الشرع الشريف، و القانون المنيف، و أن تصرف الغيرة لاستحصال و استكمال الأسباب و الوسائل الموجبة لتزايد معمورية الولاية و ثروتها آنا فآنا، و رفاه جملة السكنة و العشائر و راحتهم و أمنيتهم مع توسيع دائرة زراعتهم، و حراثتهم و

تجارتهم، و تبذل المقدرة لأن تكون العربان و العشائر الموجودين في داخل الولاية أيضا علي حسن الامتزاج من أحدهم مع الآخر و مع الأهلين الساكنين، أن يشتغلوا بزراعتهم، و حراثتهم، و لا يتعدي أحد علي الآخر بشي ء، و لا يتجاوز علي حقوق الغير، و لا يتجاسر علي إخلال الأمن و إقلاق الراحة، و أن تجري الاهتمام و الدقة بالمعاملة بحقوق تبعة دولة إيران البهية المتحدة معنا بالجوار، و تجارها و زوّارها الواردين إلي تلك الحوالي، و الصادرين منها و المقيمين فيها أيضا تطبيقا علي الصداقة و المصافاة، و عهود الطرفين المرعية الجارية بين الدولتين تيمنا، و تصرف نقد الغيرة لتأييد التوجهات الملوكية التي هي في المكارم الغايات الظاهرة و المستقرة بحقك، و تزييدها مضاعفة، و أن تنهي الأحوال و الآثار اللازمة الإنهاء و الإشعار بها إلي دار سعادتي شيئا بعد شي ء. تحريرا في اليوم الثامن من شهر صفر سنة 1295 ه».

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 48

ثم كتب برقية تتضمن وصوله، و شروعه بالأعمال و تمشيتها، و أنه سيراعي أمر العدل و الاستقامة في الشؤون المودعة إليه لا سيما في هذه الأيام العصيبة.

و كتب إلي أنحاء بغداد أن منصب الولاية قد عهد إليه بحكم الفرمان و بلغ صورته و بيّن أن السلطان محب لرعاياه، و أنه وقع اختياره عليه، و يتطلب منه إجراء العدل و الحق و أنه لم ير حاجة لتفصيل وظائف كل موظف، و أوصي بالمثابرة علي أداء الواجب، تحقيقا لرغبة السلطان و تنفيذا لما أراد.

حوادث:

1- ألغي منصب رئاسة الوكلاء و أعيد منصب الصدارة

كما كان في غرة صفر.

2- استمرت الحكومة في تفويض الأراضي الأميرية في البصرة بعد إعلانها و المزايدة عليها سائرة علي طريقة مدحت باشا

للاستفادة من مبالغها، و هي في حاجة. و هذه أشهر ما جري تفويضه:

البدعة و گوت معمر و الكار و حطامان و العجوز و الطوينات و أم الغنم و الغفارية و أبو جويري و أم التمر و الصفاوة و گرمة بني سعيد و الغموقة و الشاهية و المساين و الخنبث وقفة البو سعيد و أم الغشغوش و الركيوة و توابعها و المقيض و الجباسيات و العورة و المهدية و الحصونية و أم التمر و العفير و عونية و الشيح و مسيج و الحجاميات و خصايا الهور.

و كذا الدولاب في الحلة و خيازة و عنكوش و هما في الشامية كما جعل صيد السمك بالالتزام.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 49

3- أجري تحكيم سدة الكنعانية و لم يجد نفعا،

و صار يعتني بالسداد في أنحاء دجلة لازدياد مائه.

4- إن شياع الفيصل من رؤساء بيت لويلو من البو محمد من شيوخ العمارة، هرب إلي إيران في السنة الماضية،

و صار يتخذ الشقاوة بين العمارة و البصرة ثم أبدي دخالته، و تعهد أن يشتغل بزراعته.

و شياع هذا هو ابن فيصل بن خليفة بن داغر بن لويلو. و وقع الخلاف علي الرئاسة من تاريخ وفاة خليفة. فصار بعده ابنه مشتت بن خليفة فنازعه أخوه فيصل و قتله و تولي الرئاسة، و بعد وفاته صار أخوه منشد رئيسا فنازعه ابن أخيه شياع الفيصل و إخوته. و قوي نفوذ الحكومة فتوزعوا السلطة و التزم كل واحد بعض المقاطعات. و توفي شياع الفيصل سنة 1298 ه. ثم خلفه أخوه يسر. ثم إن الرئاسة صارت موزعة بين وادي بن منشد و آل فيصل. و بعد وفاة يسر صارت الرئاسة لآل منشد و هما وادي و صيهود و من وادي ابنه عريبي والد الشيخ محمد العريبي.

و من صيهود الشيخ فالح و إخوته.

و من ثم عرفت مكانة شياع الفيصل من هؤلاء الرؤساء.

5- ورد رشدي أفندي دفتري بغداد و باشر أعماله،

و إن سلفه هاشم بك عاد إلي استنبول من طريق البصرة..

6- جمعت إعانات للمهاجرين.
7- تجاوزت درجة الحرارة (45) درجة مئوية.
8- إن الشقي مير محمد كان قد اختفي في قرية كمون التي بين دهوك و زاخو فألقي القبض عليه

..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 50

9- منازعات بين العشائر:

(1) نزاع بين الپلانية و الزند في قضاء الصلاحية (كفري) فأدبتهم الحكومة.

(2) البو سلطان و الجبور. قامتا علي الحكومة، ثم أذعنتا.

(3) خصام بين موسي و الشيخ مزبان من شيوخ بني لام، في العمارة.

(4) فرقة ميكائيلي من الجاف حصلت منها تعديات، فقامت الحكومة بتأديبها بقوة الجيش.

و الوقائع العشارية أمثال هذه جلبت التفات الدولة إلي لزوم بناء قلاع في الحيرة (الجعارة)، و (لواء الحلة)، فكان يعد (بور الأراضي) ناجما من عدم استقرار الأمن، و أن القلاع الدواء الشافي.

10- مطر في الصيف،

أمطرت السماء يوم السبت 18 شعبان سنة 1295 ه الموافق 5 آب سنة 1294 رومية و لم يقع مثل هذا إلا نادرا.

11- أمير شمر فرحان باشا جاء بإذن إلي بغداد،

و عاد بإذن أيضا.

12- منصور باشا، أمير المنتفق السابق كان من أعضاء شوري الدولة فعاد من استنبول،

و وصل إلي بغداد في 28 شعبان سنة 1295 ه، فأمر بالإقامة ببغداد و اختير لعضوية مجلس الإدارة.

13- المقاييس، في بداية التشكيلات كان يستعمل البزازون ذراع استنبول، فأهمل،

و صاروا لا يجرون علي مقياس يعينه من الذرع، فنبّهوا إلي لزوم ضرب المقياس بتمغا (طمغا)، و أنذر المخالف بعقوبة.

14- قضاء بغداد، وجه إلي صالح حقي الأرزن الرومي قاضي بوسنة باسم (نائب بغداد).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 51

15- حصلت تبدلات متوالية بين القائممقامين.
16- أنشئت بلدية في جانب الكرخ، و أخري في الأعظمية.
17- تأسس (المكتب المشترك لأطفال كاثوليك الكلدان و الأرمن)

و رأيت ختم هذا المكتب و جاء فيه (مدرسة الاتفاق الكاثوليكي الشرقية) سنة 1878 م أي سنة 1295 ه و أول مدرسيه في اللغة التركية الأستاذ عبد اللّه خونده والد الأستاذين جميل و سامي خونده و استمر إلي سنة 1300 ه- 1882 م و كانت الحكومة قد عينته بالإضافة لوظيفته في دائرة ولاية بغداد و توفي في 24 مايس سنة 1917 م.

والي بغداد قدري باشا

وجه منصب نظارة الداخلية إلي والي بغداد قدري باشا فغادر العراق في 17 ذي الحجة سنة 1295 ه من طريق البصرة. و كانت الحالة في أيامه مختلة. و مع هذا أودعت إليه نظارة الداخلية و لعل ذلك كان تقديرا لخدماته و هكذا ذهب المكتوبي تحسين بك من طريق البصرة إلي استنبول.

حوادث سنة 1296 ه- 1879 م

الوالي عبد الرحمن باشا

وجهت ولاية بغداد إلي عبد الرحمن باشا والي ديار بكر، و كان واليا ببغداد فعاد إليها.

و قالت الزوراء: إنه من أعاظم الوزراء الجامعين لمحاسن الأوصاف من كمال الحصافة و الاستقامة، و اللياقة. أبدي آثارا نافعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 52

و مفيدة سواء في الممالك الأخري أو في ولايته الأولي ببغداد، و المأمول أنه في هذه المرة أيضا يوفق لإبراز مآثره.

وصل إلي بغداد يوم الخميس 12 ربيع الأول سنة 1296 ه فأجريت له الاحتفالات المعتادة. و من حين وصوله أوصي المأمورين و الموظفين بلزوم الهمة لقضاء مصالح الناس. و مدحه السيد أحمد شهاب الدين الراوي عم السيد صالح الراوي قاضي بغداد الأسبق بقصيدة.

و كذا مدحه كاتب الفارسية عزيز أفندي بقصيدة تركية.

الفرمان:

ورد الفرمان، و قري ء يوم السبت 18 ربيع الأول سنة 1296 ه.

أجريت له الاحتفالات المعتادة و قرأ الأدعية المأثورة المفتي محمد فيضي الزهاوي. و هذا نص الفرمان منقولا إلي اللغة العربية.

«يا أيها الدستور المكرم، و المشير المفخم نظام العالم، مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب، متمم مهام الأنام بالرأي الصائب، ممهّد بنيان الدولة و الإقبال، مشيد أركان السعادة و الإجلال، المحفوف بصنوف عواطف الملك الأعلي، والي ولاية ديار بكر سابقا، و الذي أحيل ولاء ولاية بغداد، و وجه بهذه الدفعة لعهدة استيهاله، ألا و هو الحائز و الحامل للنيشان (الوسام) ذي الشأن المجيدي من الرتبة الأولي وزيري عبد الرحمن باشا أدام اللّه تعالي إجلاله!

عند وصول توقيعي الرفيع المسعود ليكن معلوما أنه لزم تعيين ذات لولاء ولاية بغداد، و علي ما لم تكن حاجة للبيان أن استحصال أسباب اطمئنان كل صنف من أهالي و تبعة دولتي العلية الساكنين و المتوطنين في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين،

ج 8، ص: 53

ممالكي المحروسة السلطانية، و راحتهم، و استكمال وسائل استقرارهم و أمنيتهم مع رؤية المصالح الواقعة و الجارية و إدارتها بالصورة المحقة و العادلة إنما هو مطلوب و ملتزم، و إنك أنت أيها الوزير الذي هو للدراية سمير، المشار إليه من ذوي الروية من وزراء سلطنتي السنية المتصفين بالأوصاف المطلوبة، و الواقفين علي أصول الإدارة و الأفكار و المصالح العمومية، و المقتدرين علي إجراء القوانين و النظامات العالية، و من أصحاب الوقوف الكامل علي أحوال تلك الحوالي، و بحسب ذلك أن نيران توجهاتي التي لها المحاسن غايات، قد لمع و أشرق بحقك مجددا، فأحيل ولاء ولاية بغداد المذكورة، و فوض لعهدة رؤيتك و استيهالك بموجب أمري الميمون، الذي هو بالعناية مقرون، الذي زاد موهبة السنوح و الصدور من عواطفي العلية السلطانية، و عوارفي البهية الملوكية، و ذلك في اليوم الرابع و العشرين من شهر صفر الخير لهذه السنة و هي سنة ست و تسعين و مائتين و ألف، فأسطر و أعطي أمري هذا الجليل القدر من ديواني المسعود متضمنا لمأموريتك، فأنت أيضا علي مقتضي ما جبلت عليه من كمال الفطانة و الاطلاع علي المهام و اقتضاء وقوفك و معلوماتك المعلومة في الأمور الملكية ينبغي أن تعزم إلي مركز مأموريتك و تجري الدقة و المباشرة بالأمر الأهم من رؤية أمور الولاية و مصالح الأهالي و السكنة و تمشيتها تطبيقا علي الشرع الشريف و القانون المنيف، و أن تصرف الغيرة بخصوصات تزايد معمورية الولاية و ثروتها آنا فآنا، و رفاه جملة السكنة و العشائر و راحتهم و أمنيتهم مع استحصال و استكمال الأسباب و الوسائل الموجبة لتوسيع دائرة زراعتهم و حراثتهم و تجارتهم، و تبذل المقدرة

لأن يكون العربان و العشائر الموجودين في داخل الولاية أيضا علي حسن الامتزاج أحدهم مع الآخر و مع الأهالي الساكنة، و أن يشتغلوا بزراعتهم و حراثتهم و لا يتعدي أحد علي أحد، و لا يتجاوز علي حقوق الغير، و لا يتجاسر علي إخلال الأمنية و الراحة،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 54

و أن تعمل الاهتمام و الدقة بإبقاء المعاملة بحق الآتين من دولة إيران البهية المجاورة لنا، و الذاهبين و المقيمين من تبعتها و تجارها و زوّارها أيضا تطبيقا لقاعدة المودّة و المصافاة الجارية بين الدولتين تيمنا، و العهود المرعية من الطرفين، و أن توثر نثار نقد الغيرة لتزييد توجهاتي الملوكية التي هي في المكارم غايات الظاهرة و المستقرة بحقك بضعف (بمضاعفة) بعد، و إنهاء الأحوال اللازمة الإنهاء و إشعارها إلي باب سعادتي شيئا يعقب شيئا. تحريرا في اليوم السادس و العشرين من شهر صفر الخير لسنة ست و تسعين و مائتين و ألف» اه.

و الملحوظ: أن هذا الوالي كان السبب في إنشاء المكتب الرشدي العسكري و في هذه المرة زاره.

حوادث:

1- هاجم الهماوند سامراء و لم تنقطع غوائلهم..
2- وجهت ولاية الموصل إلي فيضي باشا بإلحاق لواء السليمانية و شهرزور

و قد وصل إلي الموصل في 13 ربيع الثاني سنة 1296 ه.

و مدحه عبد اللّه صافي الكركوكي الشاعر بقصيدة طويلة و جاء أن الموصل قد قامت و قعدت، و كتبت محاضر، و شكت الأمر لإرجاع الألوية، و أرخ هذه السنة، كما أن أكثر موظفي دوائرهم امتلأت من الكركوكيين، و لذا لم يدخروا وسعا في الأمر حتي نالوا مبتغاهم.

3- صار نائب بغداد و رئيس ديوان التمييز صاحب الفضيلة عاصم بك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 55

وصل إلي بغداد 28 صفر سنة 1296 ه يوم الخميس.

4- السيد أحمد الرشدي (الرشتي): ابن السيد كاظم الرشتي، من علماء الكشفية في كربلاء و من وجهائها. قتل من قبل أشخاص مجهولين

و اتهم بقتله جعفر ابن أخيه فألقي القبض عليه في بغداد.

و خطه جميل و عندي بعض مؤلفاته في النحو و سياحته و مجموعة صالح السعدي بخطه. و المشهور أن حسن الشهيب قتله بإيعاز من الحاج محسن كمونة من جهة مناصرته الحكومة في القرعة و غيرها. و من أولاده قاسم الرشتي و عبود (عبد الحسين) و من أولاد قاسم السيد أحمد و في و فيضي و محمد مهدي. و للتفصيل محل آخر.

5- تم بناء المكتب الرشدي في الجانب الغربي هو مكتب ملكي

و افتتح في 15 ربيع الآخر سنة 1296 ه.

مستشفي الغرباء:

المملكة محتاجة لمثل هذا المستشفي، فكان الوالي الأسبق مدحت باشا قد أنشأه أثناء ولايته في الجانب الغربي و كان منتظما محكما و صرفت عليه مبالغ طائلة. إلا أنه لم يفتح لما حال من الموانع و العوارض، و إن ناظر الداخلية قدري باشا حينما كان واليا ببغداد أحس بالحاجة، فبذلت الهمة في ترتيب مأموريه و ملازميه و تهيئة لوازمه من الأدوية و الآلات و الأدوات الطبية كما أنه كان قد أصابته شقوق في بعض المواطن فأمر الوالي بتعميره و إصلاحه و أن يقوم بإحياء مثل هذه المبرات الخيرية التي أهملت مدة.. فأعيد فتحه بصورة رسمية في 14

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 56

ربيع الآخر سنة 1296 ه و حضر الاحتفال به جمّ غفير.

دوائر البلدية:

اشارة

بناء علي جسامة بغداد، و بالنظر إلي أحكام نظام البلدية الجديد تقرر تشكيل دائرة بلدية أخري في جانب الكرخ و بوشر بالانتخاب، فتم بالوجه الآتي:

1- الدائرة الأولي:

الرئيس سعيد بن محمد أمين الكهية و قد نال رتبة مولوية أزمير..

محمود آل جميل ابن الأستاذ عبد الغني جميل، و مصطفي، و إسماعيل بن إبراهيم بن خليل الدفتري و هو جد معالي محمود صبحي ابن فؤاد الدفتري، و محمود الجيبه جي، و بكر بن محمود الإربلي، و عارف الروزنامه جي، و فتاح بن أحمد آغا الكوسة، و محمود جلبي بن عبد القادر جلبي.

2- الدائرة الثانية:

الرئيس عبد الرزاق الشيخ قادر. و الأعضاء:

السيد صالح الگيلاني، و السيد عبد الرحمن الأدهمي، و مصطفي النقشلي. جد الأساتذة أنور و سامي و عوني و صبري أولاد حامد، و السيد عبد الرحمن الوتري، و السيد عبد القادر السيد فيض اللّه، و عبد المجيد.

3- الدائرة الثالثة:

الرئيس عبد اللّه الزيبق. و الأعضاء:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 57

أحمد الشاوي، و يوسف السويدي، و أحمد الشوّاف، و الحاج عبد اللّه الخنيني، و الحاج إبراهيم التكريتي، و الحاج محمود آغا.

ثم استقال بعض هؤلاء الأشخاص منهم الأستاذ أحمد الشوّاف والد الأستاذ عبد العزيز الشواف. فسد الشاغر ممن حاز آراء أكثر.

في المحاكم الحقوقية:

1- كانت تقدم العرائض رأسا إلي محكمة الاستئناف من ديوان التمييز ثم إلي محكمة البداية في الألوية. فصارت تعنون إلي مراجعها.

2- إن الإعلامات لا حاجة فيها للإشارة إلي التصديق من مأموري الإدارة و بهذا قطعت الصلة بين الإدارة و القضاء.

حوادث:

1- أصيب مركب مسكنة بعارض شمال قرية حديثة أثناء رجوعه من مسكنة.
2- مكتوبي الولاية تحسين أفندي عزم أن يذهب إلي استنبول

و قد وجهت إليه الرتبة الأولي من الصنف الثاني. و تحولت وظيفته إلي مفتش في (سلانيك) و عين مكانه نوري أفندي مكتوبي (گريد).

3- جعل عبد اللطيف أفندي مأمورا للإحالة و التفويض في أراضي بغداد و البصرة و الموصل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 58

مع إجراء معاملاتها المقتضية، جاء من استنبول قبل أيام و معه عارف أفندي. و شكلت لجنة لهذا الغرض. و توالت اجتماعاتها.

4- أوقدت المصابيح في بعض المحلات من دائرة البلدية الأولي من بغداد.

و هذا مبدأ استعمالها.

5- وصل إلي بغداد إسماعيل حقي مأمور الدفتر الخاقاني ليذهب إلي وظيفته بالبصرة،

و كان يشغل هذا المنصب بديار بكر.

6- الصدارة العظمي: تحولت إلي عنوان (رئاسة الوكلاء).
7- السيد محمد مهدي: كليدار حضرة العباس تبرع بمبلغ 12500 قرش إعانة لبناء المكتب الرشدي ببغداد
8- متصرفية الموصل:

و مركزها كركوك وجهت إلي ناظم أفندي متصرفها السابق، و متصرفية السليمانية إلي ثابت باشا متصرف شهرزور سابقا.

9- ولاية البصرة وجهت إلي ثابت باشا رئيس أركان الفيلق السادس سابقا
10- متصرفية المنتفق عهدت إلي أحمد بك

.موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 59

11- تزييف النقود:

ألقت الحكومة القبض علي عصابة تزييف النقود و علم أنها قلدت بغاية المهارة (المجيدي)، و روبية الهند (و قيمتها عشرة قروش و خمس عشرة بارة)، و السكة الروسية المسماة مناط (و تساوي 17 قرشا و نصف القرش)، و نشروا كثيرا منها بين العشائر، و أهل القري و القصبات.

12- أخو جوامير من الهماوند، و نجم العبد اللّه آغا من البيات نهبوا قافلة وجدوها في طريق قزلرباط (السعدية).
13- قائممقامية البدير حولت إلي مديرية،

و لا تزال حتي الآن.

وتسكنها عشيرة البدير.

14- الكمرك:

علي البضائع الواردة من الخارج 8% فطلبت الدولة تزييده إلي 20% فوافقت إنكلترة علي 15% و أن يؤخذ علي الأموال المصدرة إلي الخارج و إلي البلاد الأجنبية 8% بعد أن كان يؤخذ عليه 1%.

15- توفي والد الوالي عبد الرحمن باشا

و هو السيد الحاج علي باشا في 14 شهر رمضان من (سنة 1296 ه).

16- توفي نادر آغا أحد نواب الهند المقيمين ببغداد.

و كان من أصحاب الأخلاق الحسنة.

17- أسس الإعدادي العسكري في أيام عبد الرحمن باشا

في زمن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 60

مضايقة الدولة، و هو اليوم سائر إلي الانتظام، و لا وجه للاستغناء عنه و سدّه.. و جاءت المعارضات بين الجرائد له و عليه.

18- أجري تطهير و حفر أنهار العوادل، و الظلمية، و الباشية،

و البو حسان، و العينية، و الدولاب، و الخاتونية في الحلة و تمت، و إن نهر الشاه سوف يتم بعد بضعة أيام.

حوادث سنة 1297 ه- 1880 م

السيد سلمان النقيب:

رأي في استنبول حفاوة كبيرة، و إكراما و التفاتا زائدا من السلطان عبد الحميد و تناقلت الصحف أخباره. و وجهت إليه رتبة استنبول بتاريخ 24 شعبان سنة 1297 ه ثم أنعم عليه بالوسام العثماني من الصنف الأول.

نقيب البصرة:

هو محمد سعيد نقيب أشراف البصرة. أنعم علي الفقراء بأطعمة كثيرة، فاكتسب الثناء العظيم.

اضطراب الحالة في المنتفق

إن منصور باشا أحد مشايخ المنتفق و من أمرائها جاهر بالعصيان، و إن الباب العالي أرسل إلي رئيس عساكر بغداد الأوامر اللازمة لحفظ الراحة و الأمن.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 61

الوالي الحاج حسن باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 62

ثم ورد الأمر إلي عبد الرحمن باشا والي بغداد أن يتوجه بنفسه إلي البصرة ليعلم أسباب الاضطراب الذي ظهر في المنتفق، و كانت الحكومة أرسلت أربعة أفواج و بقيت الحالة مضطربة في أيامه لاختلاف وجهات النظر بين الجيش و الوالي. و لم تتم الغائلة إلّا في أيام تقي الدين باشا الوالي الذي أتي بعده.

حوادث:

1- النظر في الضرائب علي الأجانب القاطنين باستنبول و غيرها من أرباب الحرف و الصنائع
2- أخبرت الجوائب، و جرائد سورية عن الغلاء و القحط و الجوع الذي أصاب بغداد و الموصل،

و أنه لا يوصف إلا بأبشع الأوصاف، و أنه قاس مؤلم جدا. يشاهد الموتي في الطرقات، و بيعت البنات و الأولاد إلي آخر ما هنالك. و هذا هو الذي يسمي بمجاعة (البرسمية) أي (جوعان) في اللغة الكردية، فمالوا إلي بغداد و صاروا ينطقون:

(برسيمة).. و توالت أخبار الجوع في بغداد بسبب المهاجرة من الشمال.

و قال الأستاذ محمود الملاح: و تسمي في الموصل (سنة الليرة) لأن وزنة الحنطة بيعت بسعر ليرة.

3- رواتب الولاة.

كان راتب والي بغداد من الدرجة الأولي، و مرتبه 20000 قرش. وراتب والي الموصل و هو من الدرجة الثالثة و مرتبه 15000 قرش. وراتب والي البصرة من الدرجة الثانية قدره 17000 قرش.

4- صدقت المعاهدة مع الإنكليز في منع بيع الرقيق،

و جاء نصها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 63

في كنز الرغائب في منتخبات الجوائب عدد 999 و تاريخ 11 جمادي الأولي سنة 1297 ه.

5- إن أربعين رجلا من العشائر في العمارة. أطلقوا النار علي باخرة إنكليزية لنهبها،

فقتلوا بحريا وأحد ركّابها، و ضابطا فأرسل قنصل إنكلترة في البصرة برقية إلي سفيره باستنبول يخبره بذلك، فأبلغ السفير الأمر إلي الباب العالي، فأرسل الباب العالي برقية مشددا بها إلي والي بغداد يأمره فيها أن يرسل قوة عسكرية، و يقبض علي أولئك المعتدين.

6- عيّن عطاء اللّه أفندي معاونا لولاية بغداد.

و وجهت إليه رتبة استنبول. و كان قاضيا ببغداد.

7- في عزم الدولة أن تشكل لواء نجد،

و تعيّن له واليا.

والي بغداد تقي الدين باشا

عزل الوالي عبد الرحمن باشا في غرة ذي الحجة سنة 1297 و بقي بالوكالة فخرج في غرة صفر سنة 1298 و كان أحبه الأهلون لاستقامته و حسن إدارته. فخلفه تقي الدين باشا آل المدرس للمرة الثانية كسلفه، و كان وروده إلي بغداد في 28 المحرم سنة 1298.

و إن الوالي الجديد تقي الدين باشا سبق الكلام عليه أثناء ولايته الأولي، و أنه كان والي الحجاز، ثم عاد إلي بغداد واليا للمرة الثانية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 64

مسجد بابا كوركور أو تكية البكتاشية:

الأستاذ محمد فيضي مفتي بغداد كان وكيلا عن قاضي بغداد. و في أيام وكالته وجّه تولية هذه التكية إلي دده حسين البكتاشي الطريقة ابن أحمد بن مصطفي في 19 ذي الحجة سنة 1297 ه.

ثم إن قاضي الشرع في بغداد السيد مير محمد أسعد ابن السيد محمد شريف باشا ابن الحاج سليمان آغا أصدر حكمه بعزل (حسين دده) و نصب عبد الرحمن أفندي القره داغي متوليا و مدرسا في 28 صفر سنة 1300 ه.

و من ثم عادت مسجدا كما كانت. و تفصيل أحوال هذا المسجد في كتاب (المعاهد الخيرية). و توفي الأستاذ القره داغي في حزيران سنة 1917 م و دفن في تكية (بابا گورگور). و له ولدان الشيخ محمد و الشيخ علي و أخوه الشيخ محمود القره داغي المدرس في جامع خانقين الكبير. و توفي في تشرين الأول سنة 1924 م. و من أولاده المحامي الشيخ مصطفي متصرف كركوك سابقا، و الشيخ صالح- و هو والد الشيخ حسن القاضي الثاني سابقا في بغداد- و الآن هو قاضي كركوك الأول.

حوادث سنة 1298 ه- 1880 م

الوباء في بغداد:

انتشر الوباء في بغداد، و إن واليها اتخذ التدابير اللازمة للإحاطة بالأماكن الموبوءة.. و امتدّ إلي النجف و الهندية و إلي إيران في أنحاء مراغة. و ازداد في العراق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 65

حوت في دجلة:

في كانون الأول صادفت الباخرة بلوص في الغميجة حوتا يبلغ طولها 48 قدما علي مقربة من مشهد العزير، و قد رماها الناس بعدة طلقات بدون جدوي، و كانت قد قربت من الضفة القليلة الغور، فذهب الناس إليها في زوارق بخارية ثم تحركت إلي أن غطست في مياه عميقة، و ظلت تجول، و تقذف المياه عالية في الهواء و سمع صوتها سكان مدينة العزير في الليل فظنوها باخرة إلا أنهم لم يتبيّنوا أضواءها. كذلك شاهدها الناس في القرنة و هي تعوم بسرعة حتي إنها قلبت قاربا في النهر. و قد قتل الحوت في النهاية ربان الباخرة مسكنة المدعو محمد و نوتيتها قرب سدّ (أبو روبة)، و تمكّن الربان من قطع ذيلها و جلبه إلي البصرة و كان طوله 12 قدما …

انقراض إمارة المنتفق

إن الدولة كانت تخشي من منصور باشا أن يحدث اضطرابا في المنتفق. و لذا أمرته بالإقامة في بغداد و جعلته عضوا في مجلس الإدارة، فهو معزز مكرم ظاهرا، و لكنها كانت تخشي أن يولد قلاقل فهي في حذر منه.

و في أيام عبد الرحمن باشا اغتنم فرصة فعبر ديالي و منها ذهب إلي أنحاء الكوت و منها مضي إلي الحي، فاتصل به ابن أخيه فالح باشا و عشائر المنتفق، فكانت محاولات الحكومة في تقريبه فاشلة، و حدث خلاف بين الوالي و الجيش، فأصر رئيس أركان الجيش الفريق عزت باشا علي لزوم القضاء علي إمارة السعدون.

ذلك ما أدي إلي عزل الوالي عبد الرحمن باشا و نصب الوالي تقي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 66

الدين باشا و إن الفريق أكد الانتصار و جعل الدولة في ارتباك من أمرها من جراء أنه اتهم المسؤولين في الدولة بأن دراهم

السعدون شلت اليد عن العمل.

و كانت الحكومة أرسلت أربعة أفواج لتسكين الحالة. و في هذه المرة صدر أمر بإرسال عشرة أفواج نحو ثمانية آلاف جندي إلا أن هذا المقدار غير كاف للتغلب علي منصور باشا فإنه تجمع لديه نحو عشرة آلاف من الفرسان، و قد قرّ الرأي علي إعادة البصرة متصرفية ملحقة بولاية بغداد. فوجد أن انفصالها عن بغداد لم يكن صوابا. و أن الباب العالي استدعي ناصر باشا أخا منصور باشا غير مرة و كان في استنبول ليجيب عن بعض مسائل تتعلق بأحوال تلك الجهة، فأجاب أول مرة بأن ثورة أخيه لا أهمية لها، ثم قال: إنه يمكن إعادة الراحة بعزل قاسم باشا الزهير أحد أعيان مأموري الدولة في البصرة المتصفين بالصداقة لها ثم أرسل منصور باشا برقية إلي الباب العالي تتضمن أن الهيجان الواقع ناشي ء عن الخلاف بينه و بين قاسم باشا. و أن المشاحنة كانت معلومة بينهما. و لما كان هذا يؤدي إلي تدخلات بعزل زيد و نصب عمرو مما يشوش الإدارة، لا شك أن الباب العالي يراعي الحقوق العامة و يعرف ما في الطوية. فلا يتأثر بمثل ما طلب.

ثم إن الأخبار الواردة من البصرة أنبأت باستقرار الراحة العامة فيها و أن الباب العالي طلب حضور منصور باشا. هذا و إن الدولة شكرت مساعي ناصر باشا. و هذا الإجمال غير واف بالغرض.

شغل هذا الحادث الأفكار مدة، و أن الدولة كانت في ريب من أمرها. أرسلت إلي بغداد و البصرة ثلاثين ألف بندقية من صنع مارتين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 67

هنري. و إن الواقعة حدثت في مقاطعة أم الشعير في شمالي الحي و التابعة له. و هذه في تصرف الشيخ عبد

اللّه آل محمد الياسين رئيس عشائر ميّاح.. و في كتاب (نجد قطعه سنك أحوال عموميه سي) تفصيل.

جاء فيه:

هذه الحادثة كانت مهمة، قضت فيها الدولة علي الإدارة العشائرية و إمارتها بعد أن رأت مجادلات، و حاولت محاولات عديدة، فصار اللواء تابعا للبصرة. قام آل السعدون بثورة علي الحكومة، و كانت قوة العشائر تتجاوز العشرة آلاف و الجيش كان لا يتجاوز الألفين.

و في هذه الحرب تقدمت العشائر بابل سارت أمامها نحو ألفين أو ثلاثة آلاف بعير. سدّوا آذانها بالزفت، و وضعوا عليها أكياس الرمل، و ركب عليها بعض المتطوّعين، جعلوه في الأمام و آخر خلفها.. و صار يسوقها بعصي من حديد، و بشدة عظيمة، و هاجموا بها الجيش، و الأول صار يذري الرمال من الأحمال التي علي بعيره ليشوّش الهدف بغبار كثيف، فصار لا يشاهد ما وراء الغبار..

و الباقون من المحاربين جاؤوا من وراء الإبل و هاجموا. و كان رئيس الفيلق السادس الفريق عزّت باشا في موقف خطر من هذه الحالة.

كان حاضرا بنفسه، يشجع العسكر، و يحضه علي الثبات، و كات شجاعة الضباط فائقة، و المدافع متهيئة ترمي بانتظام و سرعة.

بذل الرئيس الجهود الكبيرة ليحصل علي النجاح، و ذلك لأن منصور باشا السعدون أعلن نفسه (سلطان البر)، و أعلن استقلاله في لواء المنتفق و صار يتعرض بالعمارة و البصرة، و أما أخوه ناصر باشا فإنه كان في استنبول يغفل هيئة الوكلاء، فصارت الدولة لا تلتفت إلي ما يقوله عزت باشا، بل تقابل ذلك بتوبيخ.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 68

أما القائد الرئيس فإنه كان ثابت العزم، قوي الإرادة فيما قصده، فهو قائد كبير، و الحكومة تخشي العاقبة، و لكنه مقتنع واثق من النجاح، و لم يبال

بكل ما وصل إليه من تقريع فرأي أن سلامة الفيلق تتوقف علي الانتصار علي آل السعدون، فقدم دلائل قوية و أصرّ علي فكرته.

طالت المخابرة، و زادت المطاولات من السعدون. حوصرت الناصرية و كان فيها فوجان كما تقدمت القبائل و تعاهدت. فأزعجت البصرة بما ترميه عليها ليلا و نهارا من طلقات البنادق، فكانت الأوضاع تستدعي أن تحل القضية بقوة السلاح.

و من ثم أبرق القائد الرئيس إلي السلطان:

«أيها السلطان إن ليرات السعدون، و حرص الوكلاء الحاضرين و طمعهم إذا كانا موجودين فلا يمكن إصلاح العراق» ا ه.

كان لهذه البرقية أثرها، فأربكت أمر الحكومة سواء في المابين، أو في دوائر الدولة الأخري، فقيل إن تأديب هؤلاء يحتاج إلي قوة عسكرية متألفة من 150 ألف جندي كما بيّن ذلك رديف باشا في لائحته. و كان جواب البرقية بأن هذه تحتاج إلي قوة مالية، و الحالة لا تساعد علي إدارة مثل هذا الجيش إلا أنكم إذا كنتم تميلون إلي غير ذلك فالمسؤولية تكون في عهدتكم و امضوا بما عندكم من موجود، فإذا قدرتم علي الإصلاح فابدأوا في تأديب الثائرين.

أما القائد فإنه لم يفتر عزمه، و لا خشي من هذا التهديد حتي إنه لم يبال بالحرّ و الموسم صيف، فتدارك ما تيسر له من قوة قليلة، و مضي بنفسه فوصل إلي الحيّ. و بواسطة يهودي قدم إليه مبلغ ثلاثين ألف ليرة من منصور باشا، فلم يتنزل لقبولها، و أمر أن ينقاد إلي مطالب الحكومة و نصحه أن يرجع عما فكر فيه. فانتظر ثلاثة أيام في الحي. و في هذه المدة خابر أمير ربيعة فتمكن القائد من فصله عن آل السعدون.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 69

و لما لم يصل جواب

ما نصحه به تحرك بما لديه من قوة، و بعد مضي ثلاث ساعات شاهد مقاومة العشائر له، فكان ما كان. فانتصر علي السعدون.

هذا. و قد اشتهرت هذه الواقعة، و حفظت فيها أناشيد و أغاني عامية مما يعيّن درجة تأثيرها، و لكننا نجد الآثار المدوّنة من قبل العراقيين قليلة. فقد ذكرها الأستاذ محمود الشاوي في تاريخه.

ثم جاءت الجوائب تذكر أن منصور باشا من أمراء المنتفق سيقدم إلي استنبول. و إن رئيس مجلس التجارة في البصرة قاسم باشا آل زهير ورد بغداد، و نشرت مضبطة مؤيدة لما يهدف، و مندّدة بآل السعدون و أنهم متغلبة و استعرض أهل البصرة تاريخ المنتفق و ما نالهم من السعدون و هذه صورتها:

«إن إمارة المنتفق كانت متغلبة علينا و علي أملاكنا و كثير منا من ترك أملاكه إذ ذاك و نجا بنفسه لكثرة ظلمهم و جورهم عدا الأملاك التي اغتصبوها منّا. و لما منّ اللّه علينا بحكومة منيب باشا في عهد نامق باشا والي بغداد وقتئذ حارب الموجودين من هذه العشيرة في أطراف البصرة، فغلبهم و طردهم و أراحنا من تعديهم و ظلمهم، فملكنا غاية الراحة، غير أنهم بواسطة بقائهم في المشيخة بقيت الأملاك التي اغتصبوها أولا بأيديهم لما ساعدتهم الولاة و غيروا اسم المشيخة باسم (القائممقامية)، ثم (المتصرفية) و ما زالوا علي ما هم عليه. ثم لما أدركتنا العناية الرحمانية بولي أمرنا والينا الأسبق (والي البصرة) عبد اللّه باشا، و بعده ثابت باشا، لم يخرجا عن دائرة العفة و الاستقامة فلما رأي آل السعدون و عشائرهم ذلك سعوا في تغيير الحال و إلا فلا يمكنهم الوصول إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 70

مآربهم. و لا يجدون سبيلا للطعن في

الولاة. شرعوا يرجفون بأن مهر (ختم) الولاة في يد قاسم باشا، و أن المحاكم تحت أمره مع أن صدق الباشا في خدمة الدولة و الوطن أشهر من أن يذكر. فمن ذلك أنه أنشأ مكتبا وطنيا و جلب له المعلمين البارعين في العربية و التركية و الفارسية و غيرها من لغات الأجانب. و استجلب جملة قوانين و وزعها ليتصل علم ذلك بإخواننا الأرقاء في أيدي المنتفق. فلهذا صاروا يسعون في دفع الباشا المشار إليه. و إبعاده عن وطنه، و أول من سعي في ذلك ناصر باشا لما كان والي البصرة إلا أنه لم يوفق بسبب العدل الحميدي، و بناء علي براءة الباشا من الأباطيل التي نسبوها إليه و إشعارا بأنه لم يكن له مع المنتفق أدني سوء قصد سوي صداقته لدولته و حبّه لوطنه و إنكاره عليهم سوء تصرفاتهم من ظلم الأهالي و التعدي عليهم. اقتضي ذلك أن قدمنا هذا العرض مسترحمين من العدل الحميدي إرجاعه إلي وطننا معززا مكرما كما هو اللائق بشأن أمثاله» ا ه.

و فيها تواقيع كثيرة جدا، منها للحاج محمود، و للشيخ أحمد باش أعيان، و الحاج طه الياسين و غيرهم. و لا شك أنها من إملاء قاسم باشا.

و هذا ملخص ما قاله الأستاذ الشاوي في تاريخه: إن منصور باشا السعدون بعد عودته من استنبول أمر أن لا يخرج من بغداد، و عيّن عضوا لمجلس الإدارة. بقي ثلاث سنوات. و كان الرئيس علي عشائر المنتفق بندر السعدون، فعزم منصور باشا أن يفرّ إلي المنتفق و ينازع الشيخ بندر، فذهب من طريق سلمان باك- الكوت، فمضي إلي الحي، و جلب ابن أخيه فالح باشا إليه و كان متصرفا في المنتفق من جانب الحكومة

و أعلنوا قيامهم بعشائرهم. فأرسل الوالي و مشير الفيلق السادس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 71

في بغداد حسين عوني باشا مقدارا كافيا من الجنود النظامية بقيادة رئيس أركان الجيش الفريق عزت باشا فوصل إلي الكوت فعزل منصور باشا فلم يرتدع لما اجتمع عنده من كثرة العشائر. تقابل الجمعان و كان بينهما نهر اليسروفية. فعبره المنتفق و ساقوا إبلهم و جعلوا خلال الإبل من يعتمدون علي شجاعته من فرسانهم. التقي الفريقان. فكان ما كان- هرب قوم السعدون. فالمدافع أصابت الهدف، و هربت الإبل من صوتها و رجعت العشائر فنهبت ميّاح أموال السعدون. فرجع منصور باشا مع من معه لإنقاذ أموالهم و عيالهم من العشائر التي خانت و صار الظفر لعزت باشا. و نهب الجيش غنائم كثيرة فبيعت في بغداد و صارت للخزانة. و من ثم فرّ منصور باشا و ابن أخيه فالح باشا و سائر أقاربه إلي الشامية.

ثم إن منصور باشا بعد مدة طلب العفو و الأمان و جاء إلي بغداد ثم طلب إلي استنبول و عيّن في مجلس الشوري. بقي فيها مدة. و توفي هناك.

هذا و في المجلد الرابع من كتاب العشائر ذكرنا هذا الحادث بتفصيل بعض الجهات.

و كان قد طال النزاع من تاريخ القضاء علي بابان حتي هذه الأيام.

هذا، و إن آل السعدون دامت مكانتهم و استمرت سلطتهم، فظهر منهم رجال أكابر مثل فالح باشا و سعدون باشا و عجمي باشا و فخامة عبد المحسن السعدون و هذا الأخير ظهر بأكبر مما ظهر فيه سابقوه.

و علي كل حال ابتدأت هذه الحوادث الأخيرة سنة 1297 ه أيام عبد الرحمن باشا و انتهت في أواخر صيف سنة 1298 ه أيام تقي الدين باشا. و في

الحقيقة أن بناء الناصرية من مسهلات القضاء علي هذه الإمارة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 72

وفيات

1- توفي الشيخ محمد بهاء الدين في طويلة في السليمانية

و هو شيخ الطريقة النقشبندية من خلفاء الشيخ خالد، و لا يزال رجالها معروفين إلي اليوم.

حوادث سنة 1299 ه- 1881 م

تجولات الوالي:

في ربيع الأول تجوّل الوالي في أنحاء العمارة، و البصرة، و المنتفق فتمكن من الحصول علي البقايا الأميرية مما يسمي ب (الخياس) و معناها هالكة أو مائتة في لواء العمارة، و عرف الحالة في البصرة، و ما يقتضي لها من إصلاح الميناء، و مضي إلي المنتفق و كانت هذه التجولات يقصد منها كما يقال نيل المخصصات و إلا فإن النتائج غير مشهودة، علمنا ذلك من المقدمة، و هي لا تخص واليا بعينه. فعاد الوالي من جولته في 2 جمادي الأولي، ثم تجوّل هو و المشير في لوائي الحلة و كربلاء في ذي القعدة.

المشير هدايت باشا:

مشير الفيلق السادس وصل من نجد إلي بغداد في 7 جمادي الأولي.

كوت العمارة

و يقال (كوت الإمارة). و المستفاد من سياحة الوالي و تجولاته أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 73

قضاء الكوت يتكوّن من عشائر ربيعة، و بني لام. و هؤلاء لا يعرفون سوي الرؤساء. و لا يؤدّون الضرائب و رسوم الأغنام إلا إليهم. فلا تستفيد الحكومة من رسومها. و يتبع هذا القضاء بدرة، و زرباطية، و جصّان. و فيها عشائر و مزارع. و الملحوظ أن حسين قلي خان يزعج هذه النواحي بتعدياته و تجاوزاته و من الضروري وضع قوة لإيقافه عند حده. شرعت الدولة بالمخابرات الرسمية ليرتدع عما كان و لا يزال علي ما هو عليه.

لواء العمارة

مركزه قصبة العمارة. و جميع أهليه من العشائر البدوية. و إن الرسوم الأميرية تعطي بالالتزام. وجدت الدولة ضرورة لإجراء ذلك بإقطاعها للمشايخ و هذه القاعدة كانت مرعية من القديم. إلا أن استحصال هذا البدل من الشيوخ يتوقف علي قوة الحكومة و نفوذها..

و كانت الرسوم الأميرية سنة 1298 ه بلغت 000، 90 ليرة، و تنحصر المزروعات أغلبيا في (الشلب)، و زمان استحصال الحصة الأميرية في أيلول و تشرين الأول و الثاني. جاء إليهم الوالي في تجولاته و بلغت التحصيلات 33000 ليرة. و المبالغ التي تبقي عليهم يقال لها في تعبيرهم (خياس) و هذه تتراكم، و لا يحصل منها شي ء و لكن تبقي في الدفاتر، و تحوّل من سنة إلي أخري، فتشغل الدفاتر بلا جدوي. و لكن الوالي حصل هذه البقايا لسنة 1297 رومية خلال بقائه أسبوعين. و عدا ذلك أنه اتخذها قاعدة أساسية للسنة الحالية (1298 رومية)، فتمكن من استحصال أكثر من خمسة عشر ألف ليرة. و كتب أمرا إلي المتصرف ليسير بمقتضاه للسنين المقبلة. و مما بيّن له أن البقايا

من سنة 1281 مالية بلغت ما ينوف علي اثني عشر مليونا و تسعمائة ألف قرش، و تبيّن من التدقيقات المحلية أن البقايا لا تقف عند هذه، و إنما تجاوزت مئات الألوف من الليرات.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 74

و مما أورد من الأسباب من جراء عدم الاستيفاء هو النزاع الواقع بين العشائر و الحالات الحربية بينهم، فإنها تأكل مثل هذه الثروات، أو تمنع من التمتع بالمزروع أو الاستفادة منه، و أحيانا تشل الحركة، و تقضي علي العمل. الأمر الذي يدعو أن لا تستوفي الحصة الأميرية، يضاف إلي هذا تزييد بدلات المقاطعات. هذا عدا ما يؤخذ من هذه العشائر في الخفاء من الرشا.

و لما كان إعطاء الأراضي أو المقاطعات بالالتزام يجب أن يمنع عمن كانت عليه بقايا و لكن لا يزال التساهل جاريا. و إن علي عشيرة السواعد بقايا، و بيّن أن لواء الحلة في الشامية و السماوة و الديوانية منه تجري الذرعة و كذا الهندية التابعة للواء كربلاء تستوفي الحصة الأميرية علي هذه الطريقة.

ثم أوضح أن المقاطعات الجسيمة يجب أن لا تعطي لواحد صفقة واحدة لأن الملتزمين في الغالب يؤجرونها لآخرين أيضا. و هكذا الواحد يؤجر إلي الآخر حتي تبلغ أكثر بكثير من بدل الالتزام.

و صرح الوالي بأن المقاطعات و المزارع في العمارة لا تزال مجهولة فلا تعرف مفرداتها و لا تحصلت الدولة علي معلومات أصلية بخصوصها. فاللواء لا يعرف ذلك و كأنه بعيد عنها و أن المشرح و الچحلة لا تعرف أنهارهما. و في خلال الأيام القلائل عرف ذلك.

المشرّح (كانت بيد السواعد و السودان) و عشر و بحاثة و كصة و جوار و عريض و جريت و ابيجع و رميلي و المجر الصغير

(الميمونة) و غيرها بأسماء أنهارها و مزارعها. و يجب أن يحقق عن الچحلة و المجر الكبير، و الجزرة و ما فيها من أنهار و جسامتها، و بيان مقاديرها. و نبّه الوالي إلي لزوم العناية بالرسوم الأميرية، و التشويق للزراعة و تكثيرها. و أن يجري الالتزام علي كل نهر، و مقاطعة بعينها. و أن لا يسوغ إيداعها كلها إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 75

واحد صفقة واحدة و مثل هؤلاء في الغالب يودعونها إلي آخرين بطريق الالتزام أيضا بالاسم المستعار.

هذا و إن مقاطعة (جريت) بسبب خراب صدرها تعطلت زراعتها فيجب تطهير نهرها و إصلاح صدرها. و أن الحكومة تأخذ من العشائر البدوية من شمر و غيرها من كل لواء أو قضاء مقدارا معينا من البغال للشرطة و يطلق عليه (الودي). و الغاية تكثير عساكر الضبطية.

البصرة

إن ميناء البصرة يستدعي الاهتمام، و تأتي أموال تجارية من الهند و من أوروبا دائما، و ترسو المراكب فله أهمية سياسية و تجارية، و هو في توسع، و لكنه لم ينتظم، كسائر المواني ء، و لم توضع المناير (الفنارات)، فالوالي حينما وصل إلي الفاو بعد تجولاته في البصرة شعر بالحاجة مما استحصله من المعلومات، و ما تيقن من لزوم الإصلاح، فعزم علي إجراء ذلك.

المنتفق

من ألوية العراق المهمة التي تنتفع من الفرات و من الغرّاف المسمي ب (مسرهد) و (شط الحي) المتفرع من دجلة، و هذا اللواء نفوسه كثيرة، و حاصلاته كبيرة جدا. و هو بأيدي (آل السعدون). و كانت إدارته عشائرية. و إن عدم الانتظام أدي إلي الإضرار بالأهلين و ضجرهم سواء كانوا من الأهالي أو من العشائر. و إن الوالي تأيّد له ذلك بنفسه بما أجراه من تحقيقات. إن الحكومة تألفت منه ستة أشهر أو سبعة من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 76

أواخر سنة 1298 ه، و هي تجري العدل الآن، و استقبل الوالي بكمال الحفاوة. و من ثم علم أن تشكيلات الدولة في تلك السنة.

و كان علي خان أحد رؤساء العشائر التزم مقاطعة الأزيرج سني 1298 ه و 1299 ه، فشكاه الأهلون، و سمع الوالي هذه الشكوي، فأجري التحقيق بنفسه ففسخ التزامه و كانت القضايا تحسم علي الأصول العشائرية من جانب آل السعدون بصورة (الدية) و (التضمينات). و رأوا من التشكيلات العدلية إجحافا في المحاكمات، فاستحصل الوالي أمرا بمراعاة السياسة مع الأهلين. و لهذا رأي أن يطلق المساجين و يجري محاكمتهم حسب العرف العشائري فابتهج الناس بما أصدره الوالي من الأمر.

و إن اللواء كان يديره متصرف من آل السعدون، و اسميا من

قبل نائب و محاسب و مدير تحرير و قائممقامية سوق الشيوخ، و الحي، و الشطرة تدار من قبل قائممقامين و الآن تكاملت الإدارة، و تأسس فيه مجلس الإدارة و المحاسبة و العدلية، و الأعشار و الطابو، و الدوائر الأخري. و إن قائممقامية سوق الشيوخ تأسست فيها ناحية گرمة بني سعيد. و إن قضاء الحمار تأسست فيه ناحية بني أسد. و قضاء الشطرة أسست فيه نواحي: الدچّة، و البدعة. و قضاء الحي تكوّن فيه من النواحي: واسط، و قلعة سكر، و تأسس في كل قضاء نائب و مجلس إدارة و أعشار و ضبطية. و أصلح الوالي أمر الالتزام.

حوادث:

1- أمر الوالي بلزوم أعمار ناحية العزيزية لسعة أراضيها،

و لها أنهار جسيمة متعددة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 77

2- صدر أمر سام بلزوم توحيد المقاييس القديمة الجارية علي غير اطراد،

سواء في الوزن أو الكيل، و هذه لم تنجح أيضا.

لواء الحلة

من الألوية المهمة. يجب أن يعتني به. فهو قابل للإعمار إلا أن الدولة لم تستفد منه من جراء أن المقاطعات إذا أودعت أمانة أكلت بتمامها.

و من أقضيته: السماوة و الديوانية و الشامية. و إن إعطاء مقاطعها بالالتزام أولي.

و الملحوظ أن همّ الحكومة أن تحصل علي المبالغ العاجلة. و لا تنظر إلّا علي استحصال البقايا.

جسر الخر:

أعلن عمل جسر الخر بالمزايدة.

محمد باشا:

متصرف المنتفق نال رتبة (روم إيلي بگلربگي).

الرفيعات:

قبيلة الرفيعات في سوق الشيوخ لا تزال عليها رسوم الأغنام.

ولاية الموصل:

وجهت ولاية الموصل إلي تحسين باشا. كان سابقا مكتوبي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 78

بغداد. و ظهرت كفايته و قدرته. فهو أهل لهذا المنصب.

الهماوند:

عشيرة الهماوند في لواء السليمانية صغيرة لا تتجاوز نفوسها الأربعمائة أو الخمسمائة، كلهم اعتادوا الشقاوة و العصيان و السلب و النهب و اتخذوا دربند بازيان مأوي لهم. و هؤلاء حتي في أيام هدوئهم و راحتهم لا يسكنون و لا يتأخرون عن ردي ء الأعمال، فإذا أرادت الدولة تعقيبهم هربوا من خوفهم، و مالوا إلي النهب و السلب جميعا بلا استثناء.

فإذا ضيقت عليهم الحكومة الخناق مالوا إلي إيران، و إذا اتفقت الدولتان العثمانية و الإيرانية مالوا إلي الدخالة. و وكيل والي الموصل محمد منير باشا من جراء التضييق قد دخلوا عليه و قبل دخالتهم. و هؤلاء لم يهدأوا من غارة القري، و نهب أموالها، و قتل نفوسها.

من ثم فرّ رئيسهم چوكل بجماعة من رجاله و الباقون دمّرهم وكيل الوالي إلا أن هؤلاء أثناء عبورهم قد عاثوا، و التحق بهم عزيز خان و علي خالد. ثم إن المشير ضربهم ضربة أخري لم تصبهم ضربة مثلها من قبل. و إن جوانمير من رؤسائهم هرب إلي إيران. و بذلت الحكومة جهدا لإلقاء القبض عليه.

قائممقام سوق الشيوخ:

تحول قائممقام سوق الشيوخ إلي قائممقامية النجف و هو فتاح بك و قائممقام النجف فتاح بك الآخر صار في سوق الشيوخ. و أحد هؤلاء فتاح بك كان قائممقام الشطرة، و اشتري سهاما في مقاطعة المهيدية التي بإزاء الشطرة، و سميت أخيرا باسم (الفتاحية)، و توفي في مرض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 79

(الهيضة)، و له ابن اسمه محمد بك. و له أخوال في خفاجة.

المكتب الرشدي:

من مدة لم يعين مدرس للمكتب الرشدي في البصرة فتفرّق طلابه، و سدّ، و الآن ورد له مدرس فافتتح.

الضفير:

عشائر الضفير رئيسهم باذراع و لديهم نحو عشرة آلاف بعير، و هؤلاء بدو كشمر و عنزة، يسكنون الخيام و يتجولون. و كان من الصعب الحصول علي رسوم الودي و بهمة تشكر من متصرف المنتفق حصل علي مائة بعير عينا.

المكتب الإعدادي:

تخرج من مكتب الإعدادي العسكري في هذه السنة 13 طالبا، و لأجل إكمال التحصيل أرسلوا إلي مكتب الحربية باستنبول.

عشائر المنتفق:

أخذ رسم الودي من الرفيع و الحميد من عشائر المنتفق و هو ضريبة الإبل.

حسين قلي خان:

حصلت منازعة بين (حسين قلي خان) و بين مير علي أحد إخوته

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 80

الوالي عطاء الله باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 81

فالتجأ إلي قضاء كوت الإمارة.

ماكنة الثلج:

تأسست في بغداد ماكنة الثلج. و الآن أسست في البصرة أيضا.

أبو الفضل ميرزا:

من أبناء الملوك في إيران. اختار الكاظمية محل إقامة له. و ذهب في هذه السنة إلي الحج.

عفك و الدغارة:

الغالب أن يتولد النزاع بين عشائرها علي الأراضي. و هذا لم ينقطع في وقت.

الزبير و الشطرة:

كانتا ناحيتين فصارتا قضاءين.

الشيخ داود:

توفي الشيخ داود بن سليمان بن جرجيس في سلخ شهر رمضان سنة 1299 ه. كان نقشبندي الطريقة و من العلماء. ولد سنة 1231 ه.

و له من المؤلفات:

(1) المنحة الوهبية في الرد علي الوهابية.

(2) أشد الجهاد في إبطال دعوي الجهاد، و هذا الأخير ألفه سنة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 82

1293 ه. طبعا معا في بومبي من الهند في المحرم سنة 1305 ه.

و كان صدر أولهما بترجمة الشيخ داود بقلم السيد عبد الوهاب ابن السيد أحمد بن حبيب بن موسي البغدادي.

(3) صلح الإخوان. في الرد علي كتاب جلاء العينين في محاكمة الأحمدين.

(4) كتاب رد الآلوسي (أبي الثناء). ورد عليه الأستاذ السيد نعمان خير الدين الآلوسي في كتابه (شقائق النعمان) و للأستاذ السيد محمود شكري الآلوسي ردّ عليه أيضا.

(5) منظومة في العقائد.

و كان وقف الأستاذ السيد محمد الطبقچه لي مدرسته بكتبها و جعله متوليا و مدرسا. و الآن بيد مديرية الأوقاف العامة.

و اشتهر بردّه علي الأستاذ أبي الثناء الآلوسي. و راجت سوقه مدة و لكن مؤلفاته لم تقو علي الانتصار. و له من الأولاد معالي الأستاذ (الشيخ أحمد) و نال الوزارة فجمع كتب الأوقاف في خزانة الأوقاف العامة و (الشيخ محمد) من العلماء و غيرهما.

حوادث سنة 1300 ه- 1882 م

ميرزا جعفر:

من علماء الشيعة توفي، و قيلت فيه المراثي و نشرها صاحب الزوراء متواليا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 83

علي الغربي:

بين العمارة، و الكوت. و الآن هو موقع تجاري. يزاول أهلوه التجارة.

الوالي و المشير:

كان في العزم ذهابهما إلي العمارة إلا أن المشير قد انحرف مزاجه فتأخر. و المأمول أن يذهب إلي البصرة أيضا.. و لعل حوادث نجد تستدعي هذا التجوّل لمساسها بالحوادث و الاتصال بها مباشرة، و التعرف إلي الخبراء بذلك، و معرفة ماهية الخلاف فلا يكون بعيدا عما يجري و هو يشغل أكبر منصب في العراق.

اللر: (الفيلية)

رئيسهم حسين قلي خان. و في رأس الحدود قبيلة من قبائلهم يقال لها (مل خطاوي) و رئيسها كرم بن مالك ما زال و لا يزال يشن الغارة علي قضاء الكوت و شوهد من الكلهور و السنجابية و علي خالد، مهاجمة بعض القوافل. فأنحت الجريدة باللائمة علي إيران، و إن ذلك مما لا يلتئم و حقوق الجوار.

بناء قلعة:

بنت الحكومة قلعة في قضاء الحمّار للجيش. و هذا بدء الأعمال تجاه العشائر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 84

الذرعة في العمارة:

عزم الوالي علي إجراء الإصلاحات في العمارة، و لزوم تطبيق أصول الذرعة، فأرسل إليها موظفين، و صار يحسب أصول (القبالة) أو (المشارة) فيؤخذ علي كل واحدة منها 300 أوقية حسب التعامل القديم باعتبار أدني و وسط و أعلي. أما الرؤساء فإنهم قد استصعبوا قرار الأمن في العمارة، فمانعوا في زرعها كلها، فتناقصت الحاصلات عن ذي قبل. فكان الصيفي لهذه السنة نحو 20 مليون أوقية، و هذا سوف يستوفي بتمامه، و من هذه الجهة يرجّح علي غيره.. هذا و خمنت الأوقية من الشلب ب (15 پارة)، فيكون مجموع ما يحصل من الواردات بنسبة 90 ألف ليرة. و هذه أكثر من المأمول. و بهذا تيسّر أن يقال إن ما يستفيده الرؤساء نصف المنافع الأميرية المتحصلة.

البغيلة (النعمانية):

عزم الوالي علي تخطيطها و تأسيس بيوت و دكاكين بمعرفة المهندس. من جهة أن نهرها قابل للعمران و كذا يقال عن (نهر شادي).

شطرة المنتفق:

شكلت فيها إدارة، و ألغيت المشيخة.

قاسم باشا الزهير:

صار عضوا في شوري الدولة.. و جاء في الجوائب أنه حلبي المولد، فسكن البصرة و بين في تاريخ 14 جمادي الآخرة أنه بلغ عمره نحو 40 سنة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 85

وفيات

1- إبراهيم فصيح الحيدري:

في 5 صفر سنة 1300 ه- 1883 م توفي الأستاذ الحيدري.

و كان من العلماء و الأدباء الأفاضل و عرف بكثرة مؤلفاته في الأدب مثل شرح سقط الزند، عندي مخطوطته و في الهيئة مثل شرح تشريح الأفلاك و في الهيئة الجديدة و علاقاتها بالإسلام، و في التاريخ و من أهمها عنوان المجد في تاريخ بغداد و البصرة و نجد، و المجد التالد في مناقب الشيخ خالد. و في هذين الكتابين ما يفيد التاريخ العلمي و السياسي و تاريخ الطريقة النقشبندية. و كان غير متعمق في مؤلفاته. و لم يظهر بعده من آل الحيدري إلا الشيخ إبراهيم والد معالي العين داود باشا الحيدري. و ما ذلك إلا لأن الوجهة العلمية تغيرت و اختلفت عما كانت عليه. و منهم في لواء إربل، و ذكرت في المجلد الثالث تاريخ هذه الأسرة.

2- الشيخ طه ابن الشيخ أحمد السنوي:

كان من العلماء الأفاضل و له مؤلفات في أصول الفقه و غيره.

و قال الأستاذ محمود الملاح: كان قاضيا في الموصل و توفي و دفن في مقبرة النبي شيث.

و أسرة آل السنوي معروفة في بغداد متكوّنة من أولاد الشيخ أحمد.

و أصلها من سنة (سنندج). و يقولون إنهم من الأمويين. منهم الأستاذ رأفت السنوي كان من العلماء و صار نائبا في عهد (الدستور). و هو والد الأستاذ نشأت و المحامي كمال. و منهم الأستاذ سليمان السنوي المتوفي 18 آب سنة 1929 م. و كان نائب القاضي ببغداد. و هو من الأخيار.

و ابنه الأستاذ عبد العزيز المحامي و من مشاهيرهم الأستاذ المرحوم عبد القادر السنوي و هو أخو الأستاذ عبد اللّه السنوي المحامي و لا محل هنا للتفصيل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 86

حوادث سنة 1301 ه- 1882 م

جريدة (الموصل):

هذه الجريدة تأسست في الموصل كتب تاريخا لها الشاعر التركي المعروف (عبد اللّه صافي) فرحّب بها، و مدح السلطان عبد الحميد علي هذا العمل الجميل..

غرفة التجارة:

صارت رئاسة الغرفة رئاسة كتابة غرفة التجارة.. و أعلنت لزوم قيد الدلالين و السمسارين أسماءهم و أن يحصلوا علي إجازة.

سدة أبي جداحة:

في الناصرية، و متسلطة عليها. فاقتضي صرف مبلغ (30) ألف قرش لها.

شاكر أفندي رئيس الكتاب:

كان رئيس التحرير في نظارة الأعشار في الولاية شاكر أفندي قد مرض من مدة، و لازم الفراش فتوفي، يوم الخميس 20 جمادي الآخرة سنة 1301 ه، و إن الموما إليه من أدباء الوطن و أذكيائه و هو ذو إنسانية و لطافة طبع و حسن أخلاق جعلت كل أحد راضيا عنه، فأسف عليه جميع من له معرفة به و مصاحبة له و هو غضّ الشباب …

في البصرة:

سافر المشير هدايت باشا إلي البصرة، وفتش جهاتها و رأي أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 87

القشلة التي كان قد بدي ء بأساساتها كانت في محل راطب فاقتضي بناؤها في محل مرتفع، صالح. فأمر ببنائها و قد تبرع بها سالم البدر أحد وجوه البصرة و صالح دانيال.

الفيضان:

أحاط المياه ببغداد من جراء الغرق. كسرت سدة الفرهادية الفرحاتية و الفحامة في الجانب الشرقي، و المتولية في جانب الكرخ.

و كذا حدثت أمطار و ثلوج. و كان السيد سلمان النقيب قد عاون معاونات فعلية، و بذل همة و كذا وجوه البلدة مثل محمد جميل، و محمد الربيعي.

فشكروا علي ما أبدوا.

و هذا الفيضان خرّب الزروع و جعل البلدة في خطر. و حاول بعضهم عمل بطخات للسد فلم تنجح.

مدحت باشا:

والي بغداد الأسبق، سجن بالطائف و توفي لما أصابه من مرض السرطان كما قالت الزوراء ذلك. و لم تزد. و ما ذلك إلا لأن الدولة ساخطة عليه من جراء أنه أراد أن يجعل السلطة للشعب و يقلل سلطة السلطان و يجعله غير مسؤول فاستبد و نكل بمن أراد انتزاع السلطة منه حنقا عليه. فسمي (شهيد الأحرار) و له وصية نشرت و كذا محاكمته.

البصرة:

صدر الأمر بفصل البصرة عن بغداد و تشكيلها ولاية كما في السابق، و إلحاق ألوية العمارة و المنتفق و نجد بها، و تعيين يوسف طليع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 88

باشا لولايتها. ثم صدرت الإرادة بانفصاله، و أعيد يحيي نزهت متصرف البصرة السابق فصار متصرفا بها. ثم أنيطت بالوكالة إلي الوالي ببغداد تقي الدين باشا.

نجيب باشا:

إن نجيب باشا وصل إلي بغداد لتسوية بعض أشغاله. و هو ابن علي بك ابن نجيب باشا والي بغداد الأسبق، و هذا هو الذي استقبل عالي بك (باشا) حينما ورد بغداد و عالي باشا هو صاحب تقرير السياحة.

محمد فاضل باشا الداغستاني:

بعد الحرب الروسية أوعز الفريق غازي محمد باشا ابن الشيخ شامل إلي السلطان عبد الحميد أن يبقي لديه محمد فاضل باشا الداغستاني و أن الفريق غازي محمد باشا زوج أخته. و أن السلطان لا يستطيع كسر كلامه أو مخالفته.. و عيّنه مرافقا له و كان قد تخرّج من مكتب روسيا العسكري الخاص لمن يتخرج في معيّة الإمبراطور. و في مايس سنة 1298 رومية حصل علي رتبة أمير لواء، و بناء علي طلبه أسندت إليه في شباط سنة 1299 رومية قيادة الخيالة في الفيلق السادس ببغداد. و توجه لمقر وظيفته.

الهماوند:

وقعت المعركة بينهم و بين عشائر الجبور و الكروية فسقط ثلاثة أفراد. في أطراف مندلي (بندنيجن). هذا و إن رؤساء الهماوند:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 89

1- پچاوشين.

2- محمود خله بزه.

3- حمه مام سليمان.

ثم كلفت الحكومة أمير اللواء محمد فاضل باشا الداغستاني لتعقبهم.

الحدود بين إيران و الدولة العثمانية:

جرت مذاكرات بين وزير الخارجية و السفير حول تحديد الحدود.

الشيخ بطيخ:

من رؤساء شمر طوگة. طلب قبول دخالته، و كان مشهورا بقطع الطريق منذ 15 سنة فقبل الوالي دخالته علي أن يركن و عشيرته للزراعة.

جولة الوالي:

تجوّل الوالي في أنحاء الحلة و كربلاء.

حوادث سنة 1302 ه- 1884 م

المسعودي الكبير:

بنيت قنطرة علي نهر المسعودي الكبير الواقع في جادة الحلة- كربلاء. و لها أهمية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 90

الزوار الإيرانيون:

يشكون علي لسان حكومتهم بأنهم ينالهم الحيف في العبور و في نزول الخانات و اتفاق أصحابها مع السراق، فترجو السفارة اتخاذ التدابير لصيانة أموالهم و أرواحهم فأخذت تعهدات من أرباب الخانات و أمثالهم في تضمين المسروقات و أن تسدّ الخانات التي لم يعط أصحابها تعهدات. و بلزوم الاعتناء بالزوّار.

مدحيات في الوالي:

1- قصيدة الأستاذ علي علاء الدين الآلوسي.

2- قصيدة الأستاذ عبد الوهاب النائب و كان أمين الإفتاء.

الشطرة- شطرة العمارة:

الشطرة قضاء في المنتفق، و شطرة العمارة قضاء في العمارة.

و دفعا للتشوّش سمي الأول (شطرة المنتفق)، و الثاني (شطرة العمارة)، تسهيلا لمصالح البرق و البريد.

حوادث أخري:

1- القرعة.

2- الفيضان.

3- الوباء.

4- المزايدات.

أنهر في قضاء الدليم:

1- نهر الفوار، كان مندرسا، فأجري حفره، و هو بجهة الجزيرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 91

2- نهر السليمانية في جهة الجزيرة و كان مندرسا.

خزانة مشهد الإمام الحسين:

ذهب إلي كربلاء محاسب الأوقاف عبد القادر و معه سليمان فائق الشواف (صهر آل الشواف). و حرّروا موجودات الخزانة بمعرفة مجلس الإدارة، فوجدت أشياء نفيسة للغاية خمنت بمبلغ ينوف علي 22 ألف ليرة، و يوجد مصحف شريف بخط زين العابدين (رض) كتابته كوفية علي رق غزال، و مصحف آخر مذهب بنقش أبيض علي قرطاس ترمة بالقطع الكبير، و بين أوراقه رق غزال لئلا يأتي خلل علي صفحاته و هما نفيسان للغاية يقال إن قيمتها تساوي نحو ألف ليرة. و من جملة ما في الخزانة شمعدانان كبيران معمولان من الذهب أهداهما السلطان عبد المجيد و كانا بقيمة (2500) ليرة و تاج بقيمة أربعين ألف قرش، و وجدت سجادة نفيسة للغاية مزينة بلؤلؤ و ذهب.

و عند ختام تفتيش المعلقات و سائر النفائس اتخذ المحاسب دفترا ختمه السادن ثم بوشر بتحرير النفائس التي في مشهد العباس (رض)، فوجدت أشياء مهمة و نفيسة، و هي كثيرة فدوّنت و ختم دفترها كليدار العباس.

كربلاء:

لواء كربلاء و أقضيته (النجف)، و (الهندية) و نواحي مركز القضاء (المسيب) و (الرحالية) و (شفاثا) و كان متصوّرا قلبها إلي قضاء لأهميتها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 92

الهماوند:

إن كل ما يعرف عن تاريخ هذه القبيلة مملوء بالتعديات بل هو تاريخ التعديات علي الناس من نهب و سلب و قتل.

التسجيل:

صدر الأمر بلزوم التسجيل وفق نظام الأملاك. و تعليمات الطابو.

متصرف المنتفق:

أصيب بنزلة شديدة فتوفي ليلة الخميس 3 جمادي الأولي سنة 1302 ه و كان قبل وفاته قد تبرع بألفي قرش لأجل تعمير تكية الشيخ عبد الرحمن و هي تكية الطالبانية.

مفتي البصرة:

عبد الوهاب بن عبد الفتاح الحجازي عاد إلي البصرة.

البغيلة: (النعمانية)

لم تكن لها مكانة. و قبل سنتين صارت أراضيها سنية، فعادت بالفائدة.

متصرف لواء نجد:

هو محمد سعيد باشا، و إنه مثابر علي حسن الإدارة و القيام بالأعمال الباهرة و السياسة الحكيمة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 93

حوادث سنة 1303 ه- 1885 م

التشكيلات الإدارية في نجد:

المتصرف محمد سعيد باشا و جماعة من الموظفين:

النائب عبد المجيد أفندي.

المحاسب عمر أگاه.

مدير الأعشار حميد.

مدير التحرير مصطفي.

و هكذا الكتاب و المحكمة، و الأمراء و الضباط. و سائر العسكريين.

نزيه بك متصرف لواء نجد:

وصل إلي بغداد يوم الأحد في 22 المحرم سنة 1303 ه و سار إلي محل وظيفته يوم الجمعة مساء 25 المحرم من طريق النهر.

و ذكرت له مقطوعة في الغزل باللغة التركية و أخري نشرت في الزوراء أيضا.

شمر- عنزة:

فارس الصفوق من أمراء شمر بينما كان نازلا مع أفراد عشيرته في الموقع المسمي (جلعوط) بقرب الخابور و يبعد عن الدير 10 ساعات، و في أثناء ورد إبلهم هاجمهم غزو من السبعة من عنزة و نهبوا منهم نحو 400 بعير، و جرحوا البعض، و أسروا الآخر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 94

وفاة ناصر باشا السعدون:

توفي في استنبول أمير المنتفق الكبير ناصر باشا السعدون، و كان قد أحرز رتبة الوزارة و ولي البصرة. و مرت بنا حوادثه العديدة في هذا التاريخ و في المجلد الرابع من عشائر العراق.

متصرف نجد السابق محمد سعيد باشا:

عيّن في اللجنة التحقيقية ببغداد في 9 شعبان سنة 1303 ه لينتظر أعمال محاسب الحلة سليمان سيف الدين و كذا في وضع متصرف البصرة و أعماله. و عاد إلي الأحساء في شوال 1308 ه.

و هذا علي ما أعتقد هو صاحب التقرير في أحوال الأحساء و ما أشبه بكتاب في كثرة مباحثه، و اطرادها، فهو تاريخ كامل واف، ذكر أعماله و أعمال من قبله و ينبي ء عن قدرة و خبرة، و لعله هو الذي دعا أن يعود مرة أخري إلي الأحساء متصرفا. فلم يترك أمرا غامضا. و لعله كتبه أو أكمله في المرة الثانية و عندي مخطوطة منه.

متصرف نجد الجديد نزيه بك:

وصل القطيف، و منها ذهب إلي مركز اللواء.

محمد نوري باشا:

من آل عبد الجليل بك أمير الحلة. توفي يوم الجمعة 17 ربيع الآخر سنة 1303 ه كانت له المكانة المقبولة و أسرته معروفة، كتبت عنها في كتاب المعاهد الخيرية.. كان من أعيان بغداد، و من ذوي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 95

البيوت، ينفق علي العلماء، و علي الفقراء. و من جراء سخائه، و بالرغم من كثرة أملاكه مات مدينا. رأينا من أبنائه ماجد بك و مزاحم بك و من أحفاده الأستاذ عبد اللّه مظفر و أولاد مزاحم بك و ماجد بك، و آخرين.

حفيد ناصر باشا:

و هو ثامر باشا، حفيد أمير المنتفق ناصر باشا، اغتاله في بغداد رجل يقال له صالح أطلق عليه طلقة فقتله. و ألقي القبض علي القاتل.

المشيرية:

هي من تأسيس المشير رشيد باشا الگوزلگي و يقال لها (الوزيرية) و في هذه السنة صار يمر الماء إليها من جدول الخالص الغربي (التحويلة).

جسر في الفلوجة:

أنشي ء، و تم في 27 جمادي الآخرة سنة 1303 ه.

منصور باشا:

توفي في 18 ذي القعدة سنة 1303 ه و هو أصيل، نجيب، شريف مع حسن الخلق و زيادة الشجاعة و البسالة. شيع نعشه باحترامات لازمة من الوالي تقي الدين باشا و المشير هدايت باشا و أعيان البلدة و أركانها، و دفن في جامع الشيخ عبد القادر الگيلاني. و مرت بنا حوادثه في المنتفق و القضاء علي إمارتها و ما وقع قبل ذلك و بعده. و له من الأولاد:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 96

1- سليمان بك. و توفي في البصرة سنة 1321 ه.

2- عبد اللّه بك قتل هو و ابنه في حرب ابن رشيد سنة 1319 ه.

3- سعدون بك ثم صار (باشا). و هو والد عجمي باشا السعدون.

4- عمر بك.

5- حامد بك.

6- عبد الرحمن بك.

7- عبد العزيز بك.

الهماوند:

صاروا ينهبون و يسلبون في أنحاء خانقين و رئيسهم جوامير أو (چوكل)، و هذا لقّبته إيران ب (جوان مردخان).

تكية الطالبانية:

أسسها الشيخ عبد الرحمن الطالباني و هي تكية منسوبة إلي الطريقة القادرية. أصابها الخراب، فعمرها ابنه الشيخ علي المقيم في تكية كركوك العائدة لهم أيضا، و يتولي إرشادها. و يجري في كل ليلة جمعة، (حلقة ذكر) و يتجمع فيها كثيرون و يخشي عليهم من تضعضع البناء الأمر الذي دعا إلي تعميرها بنظارة محمود حلمي من مميزي محاسبة الولاية.

حوادث سنة 1304 ه- 1886 م

نافذ باشا:

مشير الفيلق السادس هدايت باشا نقل إلي الفيلق الرابع، و نصب مكانه نافذ باشا مشير الفيلق الرابع. و ذكرت له الزوراء أعمالا جليلة في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 97

إصلاح الجندية في العراق. و ناب عنه شعبان باشا بالوكالة و هو فريق مشهور.

الحج:

جري في هذه السنة من طريق كربلاء- الجبل- (جبل شمر).

رئيس كتاب الشرعية:

خرج نجم الدين (نائب الباب) نائب القاضي من بيته فضرب بخنجر، فمات. و كان في محلة الفضل و ذلك في 13 ربيع الأول و كان منذ ثلاثين سنة (كذا) رئيس كتاب الشرعية. و الشائعات في قتله كثيرة.

و رثاه جميل صدقي بقصيدة.

و في مجموعة الأستاذ محمد درويش كاتب أول المحكمة الشرعية سابقا: أنه قتل العالم الفاضل و الرجل الكامل كاتب نائب المحكمة الشرعية في بغداد نجم الدين في ضحوة نهار الثلاثاء حادي عشر ربيع الأول سنة 1304 و قاتله مصطفي الكاتب في المحكمة المذكورة و كان مأمور صندوق الأيتام.

صدر الفرمان بقتل القاتل. و كان قتله علي مشهد من الناس الذين ينيفون علي عشرة آلاف نسمة. فمن الازدحام ملأوا الجوامع و الأسواق و القهاوي و سطوحها، فهبط سطح السوق الصغير المتصل بجامع الميدان (جامع الأحمدية)، و كان تحته خلق كثير و بعضهم نجوا، و بقي البعض الآخر تحت الأنقاض و بهمة العساكر النظامية و الشرطة أنقذوا من بقي تحت الأنقاض إلا يهودي شيخ هلك، و كذا امرأة مسلمة و كان قد قطع رأسه طه بن ناعور من محلة العوينة في بغداد يوم السبت 19 جمادي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 98

الآخرة سنة 1305 ه. هذا و صورة الفرمان في مجموعة المرحوم محمد درويش و مؤداه: إن الأمر الشاهاني صدر إلي الوالي و المشير في بغداد مصطفي عاصم باشا الوزير المعروف كما خوطب به نائب قضاء بغداد و مفتيه و أعضاء المجلس مبينا أنه لما كان قد ثبت جرم القتل من مصطفي مدير صندوق الأيتام لنائب الباب نجم الدين و ثبت عن محاكمة، و تحقق للشرع الأنور

و عرض علي الذات الشاهانية، و لم يعف ورثة المقتول فطلب إلي المذكورين تنفيذ أحكام الشرع. و من ثم و بعد صدور الفرمان اقتص منه بمحضر المذكورين و كان الفرمان مؤرخا في 12 شهر رمضان سنة 1305 ه.

و كان قتل نجم الدين أحدث ضجة في بغداد، و كان المرحوم الأستاذ محمد فيضي الزهاوي المفتي جاء إلي محل الفاتحة فقال عند دخوله:

يا له من نجم سعد أفلا أفلا نبكي عليه أفلا؟

و كان المفتي الزهاوي معترفا بقدرته الفقهية حينما كان قاضيا بالوكالة، فتأثر الحاضرون، و لم يبق أحد لم يبك عليه.

و الملحوظ أنه كان قبله (يوسف يعقوب) و يسمي هؤلاء الكتّاب باسم (نائب). و لما تقاعد خلفه نجم الدين النائب رئيس الكتاب، ثم صار يلقب معاون القاضي ب (المشاور). و من ذرية يوسف يعقوب الأستاذ المحامي السيد يوسف بن عبد الحق بن محمد أمين بن يوسف المذكور و هو من أهل بروسة. و في أيام الاحتلال أحرقت خزانته خوفا من تفتيش دارهم. هذا ما علمته من المحامي الموما إليه.

طاهر آغا حويز:

وجهت إليه الرتبة الثالثة في 20 ربيع الأول سنة 1304 ه. و كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 99

الأستاذ سليمان فائق بك مع ولديه الكبير مراد و الصغير خالد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 100

عضو محكمة التجارة ببغداد و أصله من كويسنجق من ذوي البيوت. أقام في بغداد مدة، و هو والد التاجر المعروف محمد طيب.

سقوط واجهة من طاق كسري:

في 21 رجب سنة 1304 ه الموافق يوم الجمعة ليلا المصادف 15 نيسان سنة 1887 م انهار قسم من طاق كسري، و سمع له صوت مريع.

استقالة الوالي تقي الدين باشا

بناء علي استقالته وجهت ولاية بغداد إلي رفعت باشا بالوكالة حتي يأتي الوالي الجديد.

و تقي الدين باشا من أكابر رجال الدولة و أقدم وزرائها، و هو من الصادقين لها. كان عالي القدر، حسن التدبير، صائب الرأي عارفا بمهمام الأمور، مطلعا علي خفايا الأشغال، و غوامض الأحوال. حلب الدهر أشطره. و هو جميل المناقب، محلّي بالعلم، و التقوي و المكرمات. زاول أعمال الدولة نحو 40 سنة. و مدة ولايته ببغداد تزيد علي 6 سنوات من سنة 1298 ه- 1881 م قام بخدمات نافعة. و أهل البلد يلهجون بذكره، و يبتهجون بأيامه.

و في أيام الولاة السابقين شغلت قضية المنتفق الأفكار، و اضطرب لها الأهلون. فانتصر علي هذه الإمارة و قضي عليها في أواخر صيف سنة 1298 ه- 1881 م، و كان المنتفق يبلغون نحو 50 أو 60 ألفا، فشتت شملهم، و أخمد الثورة، فخلص لواء المنتفق للدولة.

و هكذا قضي علي ما حدث في العمارة من اضطراب. و أجريت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 101

في أيامه تعميرات مهمة.. و عطف نظره علي الوزيرية فأحياها بعد أن أصابها الخراب، و أنشأ الجسور، و نظم الطرق. و أكثر من مراكز الشرطة، مراعيا حالة المارين. و فتح نهر الحميدية في قضاء الحي و أنهار و مقاطعات أخري عديدة.. و كذا أصلح المحل المسمي (بالعوينة) في نفس بغداد. (لا تزال علي خرابها إلي أيامنا). و عمر معاهد عديدة.

قالت ذلك الزوراء وزادت:

ذلك ما دعا أن يسخط الأهلون لقبول استقالته، فطلبوا برقيا إعادته. و لا تزال المجالس

تلهج بذكره إلي وقت قريب منا. و هذا الوالي مشتهر بالعلم و الفضل، و صاحب ضمير وقّاد. و كان موصوفا بشدة الذكاء، و هو شيخ جليل.

و كان مدحه الأستاذ جميل الزهاوي بقصيدة عربية و هي أول قصيدة نظمها الأستاذ، ذكرتها في التاريخ الأدبي. و كان عمره (15 سنة أو 16 سنة) كما مدحه آخرون.

كان يقيم في بغداد أيام ولايته في (قصر النجيبية) و هو المستشفي الملكي المعروف اليوم. و هذا القصر أنشي ء للمرحوم ناصر الدين شاه أثناء سياحته في بغداد، و في أيام مصطفي عاصم باشا اتخذ مستشفي للبلدية، و جعل (مستشفي الغرباء) في الكرخ مدرسة لدار المعلمين الابتدائية.

و في أيام هذا الوزير كان القائد للفيلق السادس المشير هدايت باشا و هو صاحب همة خارقة و حمية فائقة. كما أنه جري في أيامه تعديل في الوزن، و (عيار التقي) لا يزال معروفا و هو من وضعه. و (من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 102

التقي) 5/ 12 حقة استنبول، و هي تساوي 1228 غراما، و أما الوزنة البغدادية فتعتبر 96 كيلو، فجعلت 100 كيلو، و هذه الوزنة تساوي 78 حقة استنبول فجبرت إلي 80 حقة..

ثم أحيل إلي التقاعد و خرج من بغداد في 4 رجب سنة 1304 ه (29 آذار سنة 1887 م) و ذهب إلي استنبول من طريق حلب و وافاه الأجل المحتوم في 10 شهر رمضان سنة 1310 ه و كان عالما شاعرا و كاتبا إلا أنه كان موصوفا بالبطش، و معروفا بالثراء.

و كان من أهل (كليس) و نشأته علمية و أسرته (آل المدرس) معروفة في حلب و برزت رغبته في الإدارة و جربته الدولة في عدة مناصب.

حوادث أخري:

1- انقطاع المطر.

2- الجراد.

3- الثلج

(الوفر). سقط في بغداد و اشتد البرد.

4- نصب صالح باشا متصرفا لنجد.

الوالي مصطفي عاصم باشا

والي بغداد الجديد: كانت الولاية قد عهدت إلي رفعت باشا والي (آيدين) السابق إلا أنه قبل سفره إلي بغداد تغيّر أمر تعيينه، فصار والي (اشقودرة) الحاج مصطفي عاصم باشا واليا لبغداد. و كان الناس يرقبون مجيئه و أخبرت الزوراء بقدومه. و في سلخ جمادي الثانية صباحا قرأ فرمانه مكتوبي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 103

الولاية صادق أفندي بمحضر من الوالي و من ذي الدولة نافذ باشا مشير الفيلق السادس مع أركان الجيش و الأمراء و الأعيان، و قرأ فضيلة المفتي الدعاء باللغة العربية.

و في 14 رجب ذهب الوالي للنظر في عمليات سدة الهندية و أناب منابه فضيلة نائب بغداد عمر فهمي.

و إثر ورود الوالي و قيامه بما عهد إليه أنعم عليه السلطان بوسام مرصع عثماني و مدالية ذهبية و أضيف إلي راتبه ثمانية آلاف قرش.

هذا، و لم نتمكن أن نقف علي أحوال هؤلاء الولاة بأكثر مما هو مدوّن في الصحف الرسمية و الدولة كانت متكتمة، فالاستزادة ضرورية من مصادر لم تكن معروفة أو من إلهام الحوادث. و ذكر الأستاذ محمود الشاوي في تاريخه أن غالب هؤلاء لم يقع في أيامهم ما يستحق التدوين.

الهماوند:

كانوا منذ مائة سنة لا همّ لهم إلا السلب و النهب. عزمت الدولة مرارا علي التنكيل بهم، فلم تتمكن، لأنهم لم يستقروا في مكان و كلما ضيقت الدولة الخناق عليهم مالوا إلي إيران. و في هذه الأيام عاثوا في أنحاء بازيان و قراداغ. و عيّن القائد محمد فاضل باشا الداغستاني إلي أنحاء خانقين و تعاونت إيران مع الدولة فأرسلت حسام الملك أمير التومان حاكم كرمانشاه فضيقوا الخناق علي رئيسهم جوامير. و من فرقهم (سيته بسر) كان رئيسهم عزيز كاكي و رئيس

رشوند محمود حاجي خان، فقد نكل بهم. و قضت علي الكثير من أكابر رجالهم. و كان شرهم مستطيرا، ففي سنة 1298 ه، و 1301 ه تكررت وقائعهم. نهبوا زوّار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 104

إيران، و سلبوا البريد قرب المنصورية (دلّي عباس)، و كانت أعمالهم أمثال هذه لا تحصي.

ثم قدم بعض رؤسائهم محمود خضر و جماعته الدخالة لصاحب الدولة إسماعيل باشا مرافق السلطان و كان من المشيرين المأمورين بالإصلاح في كركوك، فسلموا أسلحتهم و أنفسهم. و توفي محمود خضر في الموصل في نحو سنة 1923 م، و قال عنه الأستاذ محمود الملاح: كان قائدا للجندرمة في الموصل، و كان جميل الخلقة مهذبا لا يشبه الأشقياء و وقعت مصاهرة بينه و بين آل توحلة من أغوات الموصل، و كان موقفه حميدا إثر قتل الشيخ سعيد فقد توقع الناس منه شرا فلم يقع منه شي ء. و منهم حمه مام سليمان و عزيز حيدر، و فقي قادر. و الشيخ خسرو و ولداه و أخوه أحمد.

و كان القائد محمد فاضل باشا قد ألقي القبض علي أحد رؤسائهم (حمه مام سليمان) في أنحاء خانقين، و أنعم عليه بفرس و بندقية و أسكنه في خيمته و قام بضيافته و في إحدي الليالي اغتنم فرصة و هرب فرسه و بندقيته.

و لما علم القائد بهروبه تبعه حتي تقرب منه فقال له (حمه مام) إن كنت رجلا فقف أمامي دون أن يحميك الجيش. فوافق القائد و تبدالا إطلاق الرصاص فرماه بطلقة أسقطت عمامته و هرب و تبعه القائد بفرسه و لم يتركه حتي سلّم نفسه في مقر الحكومة في كركوك. و عندئذ عاتبه علي حسن ضيافته و إكرامه له فأجابه قائلا: ماذا يأمل

القائد من (حمه مام) بعد أن ملك بندقية و فرسا؟!. و قال غازي باشا الداغستاني ابن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 105

القائد المومي إليه أنه سافر مع عائلته إلي كركوك، و لما استشهد والده في حرب الكوت و في أثناء عودتهم إلي بغداد قام أولاد (حمه مام) بحراستهم و محافظتهم وفاء بحقوق القائد المشار إليه مما يدل علي شهامتهم.

و من الحوادث:

1- تعمير مرقد الزبير و طلحة و أنس بن مالك (رض).

2- تعمير مرقد الشيخ أحمد الرفاعي.

3- بناء جامع شطرة العمارة.

4- خزانة كتب السيد نعمان خير الدين الآلوسي. وقف ألف كتاب من كتبه النفيسة النادرة لهذه الخزانة.

5- ورد السيد سلمان نقيب أشراف بغداد من استنبول يوم الثلاثاء 6 شوال سنة 1304 ه و استقبل استقبالا رسميا كما أن أخاه السيد عبد الرحمن و سائر إخوته و أقاربه استقبلوه من مسافة عدة أيام.

6- سدة الكنعانية. بقرب الصقلاوية قد تضعضعت من شدة الفيضان فذهب الوالي لمشاهدتها بنفسه.

7- ورد بغداد أمير شمر فرحان باشا.

حوادث سنة 1305 ه- 1887 م

عدة حوادث:

1- إن قائد الفيلق الخامس أحمد توفيق باشا قد نقل إلي الفيلق السادس في بغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 106

فوصل في 13 ربيع أول سنة 1305 ه.

2- إن قائد الفيلق السادس نافذ باشا قد نقل إلي ولاية البصرة

و ذهب جماعة بينهم الوالي و الأمراء و الأعيان لتوديعه. و أودعت القيادة بالوكالة إلي قائد الرديف الفريق شعبان باشا.

3- وقع سوء استعمال في مزايدة في العمارة.

و لعل تبديل الوالي كان معطوفا إلي هذا السبب.

4- وصل المهندس موسيو (غالان) لكشف سدة الهندية.

و هو مهندس الطرق و المعابر في نظارة النافعة. و ذلك بأمل إنشاء سدّها.

ثم ذهب مع الوالي لكشف المحل و أنيب عن الوالي نائب بغداد عمر فهمي، و عاد المهندس في 19 جمادي الأولي.

إقبال الدولة:

توفي يوم الاثنين في 8 ربيع الثاني سنة 1305 ه- 21 كانون الأول سنة 1887 م في الكاظمية و دفن في داره بمحلة القطانة بوصية منه، فتم دفنه في داره حسب منطوق وصيته المكتوبة بخط يده في 9 ربيع الأول سنة 1300 ه يوم الخميس في گرارة. و سجلها في السفارة البريطانية باستنبول، و أوصي أن يقوم بها رئيس الخدام الوكيل بعده أبو الحسن القندهاري و أولاده خضر و عباس، و محمد حسين و هذا مات قبل أن يصير وصيا، و توفي أبو الحسن القندهاري بعد إقبال الدولة بمدة قليلة. فصار الأوصياء بعده:

1- خضر بن أبي الحسن القندهاري. توفي سنة 1913 م.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 107

2- عباس بن أبي الحسن. توفي سنة 1935 م.

3- آغا علي بن خضر بن أبي الحسن القندهاري، توفي سنة 1928 م و آلت الوصاية إلي ابنه آغا محمد.

4- محمد جواد بن خضر.

و تتضمن الوصية أن يقوم أبو الحسن القندهاري و خضر و إخوته و ولده نسلا بعد نسل بأمور داره و خدمة قبره بشرط أن يكون عاقلا قابلا، كاملا و لائقا فائقا، تبقي هذه الخدمة في عقبه من سلالة أبي الحسن ممن هو قادر علي القيام بهذا العمل بصورة صحيحة و كاملة إلي النهاية. و جعل القنصل البريطاني ببغداد وكيلا و وصيا و ناظرا من بعده، إلا أنه رفض ذلك لانشغاله بمهامه الرسمية. و أن يكون الناظر النواب ميرزا محمد حسين خان المدراسي

الأركاتي ليقوم بأعماله باتفاق مع الأوصياء، لا بنفاق. و هذا عزل ثم أعيد، و صار وصيا أيضا آغا محمد جواد و توفي، و يقال إن للوصي القندهاري قربي بعيدة بإقبال الدولة إلا أنه كان يكتمها.

و هذا الأمير إقبال الدولة من أمراء الهند، و يسمي (النواب سر إقبال الدولة) ابن النواب شمس الدين حيدر ابن سعادة علي خان، و هم ملوك بنارس و كان ابن عمه (واجد علي شاه) ملكا علي العاصمة (لكناهور)، و القطر التابع لها. فحارب (واجد علي شاه) الإنكليز فانتصروا عليه، و اعتقلوه في كلكتا، و أعطوه أربعة ألكاك روبية شهريا (30000 دينار)، و أخرجوا إقبال الدولة حذرا من أن يفسد عليهم أمرهم أو يولد زعازع و يحرض علي القيام.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 108

و كان قد تزوج بنت ملك مليبار و هو (تيپو سلطان) المشهور بحرب الإنكليز مدة طويلة، و ولد له منها جلال الدين ميرزا و توفي عن 14 سنة و دفن في روضة الكاظمية، و مقبرته معلومة. و كان قد تمكن إقبال الدولة في العراق، و سكن بغداد سنة 1251 ه. و قدم إعانة للدولة أيام حرب روسية ألف ليرة عثمانية.

وإقبال الدولة من أكابر الرجال و أديب فاضل معروف، و شهرته كبيرة، و لا يخلو من اتصال بأدباء العرب و علمائهم، فهو متمكن في الأدبين إلا أن الأدب الإيراني غالب عليه، و إن كان يتلذذ بهما.. و من أصدقائه الملازمين له دوما الأستاذ عبد الباقي العمري، و الأستاذ أبو الثناء محمود الآلوسي و بيته مجمع رجال الأدب و كل واحد من أدبائنا تظهر قدرته و تعرف مزاياه بما يقدمه. تكامل تهذيبه في تجولاته و تنقلاته من الهند إلي

العراق، و الحجاز، ثم الإقامة ببغداد، و بعد ذلك كانت رحلاته إلي استنبول و أوروبا للحضور في المعارض، و زيارة المتاحف فكانت من أجل ما انتفع منه. و لا ريب أن ذلك يؤدي حتما إلي تهذيب و نضج و انتباه لا مزيد عليه. و كانت سياحته الأولي بصحبة الأستاذ أبي الثناء الآلوسي سنة 1267 ه كما جاء في غرائب الاغتراب. و كانت سياحته الثانية إلي باريس و بعض عواصم أوروبا، و بعودته إلي استنبول زار السلطان عبد الحميد الثاني، و حصل علي الوسام المجيدي من الرتبة الأولي، كان خروجه من بغداد في 5 رجب سنة 1295 ه ذهب من طريق ديار بكر، و عاد منها إلي الموصل فوصل إلي بغداد، يوم الأحد 23 رجب سنة 1296 ه.

و كان قد ورد بغداد سنة 1250 ه، و كتب رحلته إلي الحجاز في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 109

سنة 1251 ه و هي مملوءة من الهزل و اللطائف الكثيرة البديعة. عاش بعدها مدة طويلة قضي غالبها في العراق، و له احترام زائد في نفوس الأهلين، و مكانة مقبولة من الجميع، و بيته مجمع الأدباء. و نوادره و أقواله و لطائفه لا تحصي، يحفظ البغداديون الكثير منها. و تتداولها الألسن، و من المؤسف أنها لم تدوّن، و قد حصلت علي رحلته المذكورة و لعلها كتبت بأمر منه. و ذكر الأستاذ يعقوب سركيس مكاتبات بينه و بين والده نعوم سركيس، محفوظة لديه و فيها من الأدب المفضوح ما يمنع من نشرها و لا تخلو من لطيفة دقيقة، فهو هزلي لما يترك الهزل حتي أواخر أيامه.

و كل ما يقال إنه لا يضيع اللطيفة و لو في أحرج المواقف. و كان

قصره و بستانه في گرارة (قرارة)، ثم بيع إلي سماحة السيد إبراهيم سيف الدين الگيلاني نقيب أشراف بغداد بمبلغ ثمانية آلاف ليرة ذهبا.

و هنا لا نمضي حتي ندوّن بعض ما قيل فيه فقد جاء في (سياحت ژورنالي) ما ترجمته:

«كان من أمراء الهند المشاهير، هاجر إلي بغداد منذ نحو 50 سنة، فاختار الإقامة فيها، فكان من تفرعات سياحتي إلي بغداد مشاهدتي له، فقد ذهبت إلي داره بجوار الباب الشرقي علي ساحل دجلة صحبة متصرف المركز ناظم بك، و الدفتري حسن رضا أفندي، فواجهته و التقيت به، و كان شيخا تجاوز السبعين من عمره و لا يزال قوي الفكرة، حسن الصحبة جيدا، يتكلم باللطائف. و لا تحدّ ثروته، أو لا يمكن إحصاؤها من النقود و المجوهرات مل ء الصناديق. و له في مصرف إنكلترة مبلغ 25 مليون ليرة و لكن بخله و إقتاره مشهور فلا يعرف أنه أنفق دراهم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 110

في وجوه البر و الخير لأهل بغداد التي اتخذها وطنا ثانيا له منذ 50 سنة في حين أنه من جراء أملاكه الكثيرة يصرف جزافا لوكلاء الدعاوي و يعطي بلا حساب للمحامين و غيرهم مبالغ كثيرة و يقدم هدايا في سبيل ذلك مما لم يمنع منها بخله البالغ حده، فقد وقع أن صرف فيما لا يعني و لأمر تافه، نحو 300 ليرة أو 500، و إن داره مملوءة بجوار عديدة، فلا تخرج واحدة منهن إلي خارج البيت، و لا تتصل بالأسر الأخري و لا بنساء الآخرين، أو تتعرف لهن و لا تخرج واحدة منهن إلي الأزقة، توفي بلا وارث و أنا في بغداد، و لما كان من تبعة الدولة الإنكليزية وضعت القنصلية البريطانية يدها

علي تركته».

و لا شك أن هذه الرحلة عينت أوضاعه و أن صاحبها ورد بغداد في 5 تشرين الأول سنة 1301 رومية و ما قاله لا يخلو من مبالغة نوعا، و لا ينكر أنه شارك في إعانات عديدة. و صاحب هذه السياحة شاهده في آخر أيامه، و أشار إلي قوة نشاط و هزل في جدّ و أدب جمّ إلي آخر ما هنالك، فهو مشهور في مجالسه مرغوب في صحبته، مقبول في رفاقته..

و ذكره الأستاذ أبو الثناء الآلوسي فقال:

«و اتفق أن رافقنا في المسير، غنيا عن رفاقه مأمور و أمير، شامة و جنة الأحباب، حضرة (إقبال) الدولة الشهير (بالنواب) و هو رجل من ملوك الهند سكن العراق، و وافقه صباه و جنوبه غاية الوفاق، و عرف الناس و عرفوه، و ألف الأخيار و ألفوه، حيث كان ذا خلق أرق من دمعة الصب، و طبع ألطف من وابل غيث غب الجدب، و له مع الأحبة منهاج، لا تجد له و لو تتبعت من هاج، و مزاج غير أجاج، هو لمدام الأنس خير مزاج، مع عراقة أصل، و رجاحة عقل، و كمال فضل، يحب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 111

بشراشره العترة الطاهرة، و ليس له رأس مال سوي ذلك في الآخرة، و لا يقبل منقولا، ما لم يكن لديه معقولا، و له نظم في الفارسية الدريّة رائق، و نثر كالنجوم الدرية فائق، و الذي أوجب سفره، حب رؤية سوق لم يسبق مثله أحدث في لوندرة، و من عادته حبّ رؤية الغرائب، و لو صرف لأجلها جل الرغائب، علي أن ما صرف، و لو بلغ حدّ السرف، قل من جل، و غيض من فيض، فقد يسر اللّه تعالي له

تجارة رابحة، و آتاه مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ [سورة القصص، الآية: 76]، فليس عليه لأحد سوي اللّه تعالي منّة، و لا يري محنة، تعالج بمراهم الدراهم محنة، و لقد آنسنا برفاقته، لغاية لطفه و نجابته، لا زال يسرح في رياض النعم، محفوظا من كل ألم، بحرمة النبي صلي اللّه عليه و سلم» اه.

و زاد المرحوم الأستاذ السيد أحمد شاكر ابن المؤلف و والد الأستاذ المرحوم السيد محمد درويش الآلوسي في الهامش قوله:

«و قد عمر هذا الرجل عمرا طويلا، يقال إنه تجاوز مائة سنة، و توفي في أوائل ربيع الثاني سنة 1305 ه، و دفن في داره في قصبة الإمام موسي الكاظم رضي اللّه تعالي عنه، و كان ذا ثروة عظيمة، ترك شيئا كثيرا من العقار و الأموال و النقود، و لم يعقب ولدا، و ورثه بعض أقاربه و ذوي أرحامه». اه.

برد في بغداد:

في 2 شعبان سنة 1305 ه (14 نيسان سنة 1888 م) سقط برد و لكنه لم يضر بأحد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 112

حوادث سنة 1306 ه- 1888 م

آل الكيلاني- الوالي:

تدخل الوالي في أمر الأوقاف القادرية، و أراد الوقيعة بالسيد سليمان النقيب. و ناصر الأسرة كتّاب أفاضل مثل عبد الحميد الشاوي قدم شكاوي بقلمه، فشنّع علي الوالي.

و أشهر الحوادث الأخري:

1- الفيضان في دجلة و الفرات.

2- زوابع شديدة.

3- ظهور الجراد.

4- احتفالات بجلوس السلطان و ولادته، أو ولادات أبناء السلطنة.

5- استقبال الولاة، و الاحتفال بهم، و قراءة فرامينهم. و هذه أمور معتادة، تقع دائما، أو تتكرر أو تحدث لأزمنة وقتية.

6- الدفنية في المشاهد: كربلاء، و النجف.

7- توسيع البريد. و إعلان ذلك بين حين و آخر.

8- تطبيق نظام الجدري علي الموظفين.

9- السباق في 10 شعبان سنة 1306 ه.

أعضاء مجلس الولاية:

انقضت المدة النظامية فاختير من حصل أكثر الآراء:

عبد الرزاق شيخ قادر. لا تزال أسرتهم معروفة.

مصطفي بن عبد الغني آل جميل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 113

عبد القادر باشا ابن الحاج عبد الرزاق چلبي الخضيري من آل سبهان من قبائل شمر و هو تاجر و ملاك و حصل علي رتبة (باشا) أي (مير ميران) في 21 ذي الحجة 1318 ه، و علي و سام (شير و خورشيد) من مظفر الدين شاه إيران سنة 1318 ه و صدرت الإرادة السنية بحمله في 5 محرم 1320 ه و أوسمة أخري. و توفي يوم 13 شوال سنة 1341 ه.

والد الصديق علي صائب الخضيري.

محمد بك الربيعي ابن مصطفي بك ابن علي بك ابن عبد اللّه بك ابن محمد أفندي ابن علي باشا الشهير بقدوم ابن محمد الطيار باشا.

يوسف شنطوب اليهودي. هو والد مير شنطوب و عم حسقيل شنطوب.

بدروس الأرمني.

نقيب البصرة:

السيد سعيد أفندي قائممقام نقيب الأشراف قد استعفي، فخلفه ولده السيد رجب. والد طالب باشا النقيب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 114

حوادث سنة 1307 ه- 1889 م

الهيضة في بغداد:

ظهرت الهيضة، و فرّ أكثر الأهلين لا سيما اليهود و أكابر البلد إلي القري، و استمر المرض ثلاثين يوما، ثم أخذ بالتناقص. و بلغ مقدار الوفيات كل يوم ما ينوف علي مائة و ثلاثين نسمة و غلقت الأسواق و لم يبق إلا بعض الدكاكين.

موت الحاخام:

هذه أكبر أمرها الأجانب الذين لا شأن لهم إلا التنديد بأعمال الدولة و ذمّ ولاتها. و في بادي ء أمرها كانت مسألة تافهة لا تستحق الرعاية و الاهتمام. كنت رأيت في مجموعة الأستاذ محمد أمين العمري أن الحاخام أخرجت جثته قبل خروج مصطفي عاصم باشا بليلة واحدة أي يوم 17 ربيع الآخر سنة 1307 ه. قال:

توفي حاخام باشي (رئيس الحاخامين) بهذه العلة (الهيضة)، و خرج اليهود ليلا بجثته، و دفنوه في كنيس النبي يوشع (ع) و ذلك خلاف أمر الوالي مصطفي عاصم باشا و في تلك الليلة وقعت منازعات بين اليهود و بين مأموري البلدية و ضربوا رئيس البلدية عبد اللّه الزيبق و شتموه و ذلك بمساعدة سعيد آغا أمير اللواء (الآي بگي) و كسروا باب تربة النبي يوشع و دفنوا الحاخام. ثم إن الوالي لم يرض بهذه الحالات و أدب اليهود و سجن من تجاسر علي هذه الأفعال و استحصل أمرا من السلطان عبد الحميد بإخراج جثة اليهودي فأخرجت ليلا و دفنت في مقابر اليهود و صادف عزل الوالي قبل ورود هذا الأمر بيومين. و تحول الوالي إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 115

ولاية أطنة (أذنة) و قبل أن يصل إليها صار والي الشام. و نصب وكيلا عنه المشير توفيق باشا.

و هذا أضيف إلي المجموعة من جانب ابن أخيه محمد كامل بن محمد طاهر بن يوسف العمري. و تحققت من

مراجع أخري أنه توفي الحاخام عبد اللّه أبراهام سوميخ في أيلول سنة 1889 م في يوم الجمعة ليلة السبت، فتأخر دفنه إلي يوم الأحد. و كان في هذا الموسم هيضة (قوليرا). و كان له موقع ممتاز بين أبناء طائفته، و محترم الجانب، و له تدريس في (مدارش بيت زلخة)، و تآليفه لا تتجاوز الأمور الدينية، و له فضل و تقوي، و أسرته (آل سوميخ) قديمة فاستأذن اليهود من الوالي أن يدفن في (تربة النبي يوشع (ع) و كان المفهوم أن يدفن في مقبرة اليهود خارج تربة النبي يوشع، فأجري له الاحتفال، و جلب الأنظار أكثر.

و كان بعض اليهود المتهوسين ينوون أن يدفن في تربة النبي يوشع داخل المرقد، فعارض السادن (الكليدار)، و أن اليهود لم يقفوا عند حدود ذلك بل إن (إلياهو سموحة الصائغ)، و معه بعض الحاخامين أصروا علي دفنه داخل المرقد، فأدخلوه و دفنوه، فحدثت بين أقارب الكليدار و اليهود مناوشة، فتدخلت الشرطة.

و زاد في الطين بلّة أن زوجة (عاشير سالم) دفنت في اليوم الثاني داخل سور المرقد، فتجددت المشادة، فأدت إلي شكاوي بينهما، و صارت موضوع بحث في استنبول، و توصل اليهود إلي أن تتدخل أم السلطان في الأمر، و كثرت المطالبات من اليهود.

و بعد ثلاثة أشهر أخرج الحاخام من مدفنه ليلا و نقل إلي مقابر اليهود في الجانب الشرقي من بغداد حذرا من تدخل الناس و توتر الحالة. و هي بسيطة، و من السهل تدارك أمرها، و كان في مقدمة اليهود (يهودا زلوف)، و (شاؤول داود) و كان هذا كاتب الحاخامية و هو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 116

المحامي شاؤول داود، و كانا يحسنان التركية فشاغبوا كثيرا و ساعدهم القائد

و كان يوصي كاتبه تحسين بك بمساعدة اليهود و كان يتصل بالمعلم نسيم. و عكروا بساطة القضية. و أبدي بعض الحاخامين زيادة في التعنّد.

فأوصلوا خبرها إلي الغرب الذي يترقب مثل هذه الأمور، فتدخل فيها بعض اليهود في فرانسة و كأنها من أمهات المسائل.

و جل ما هنالك أن الأنبياء محترمون عند المسلمين و أهل الأديان الأخري فلا يمكن أن يدفن في مراقدهم من سائر الناس، و أن الوالي أذن أن يدفن في مقبرة اليهود، فتولدت المشادة.

أصدر الوالي أمره بتوقيف رئيس الحاخامين اليشاع و رفقائه من هيئة المجلس الجسماني بينهم يوسف شنطوب و صالح كاشي.. ذلك ما وسع نطاق المسألة، و لكن الطائفة لم تستطع أن تبري ء ساحتها من مخالفة الأوامر في الدفن إلا أنها ادعت أن المسبب كان من الرعاع المتهور.

أنهيت القضية بعزل الوالي، و نقله إلي (أطنة)، و بعد ذلك نقل القائد توفيق باشا و حبس المتسبّبون سنة، و سمحت الحكومة أن يكون محل السجن الكنيسة الإسرائيلية لأنهم روحانيون، و يكتفي بتوقيف الوجوه ثلاثة أشهر، هذا ما علمته من بعض اليهود العارفين. و عرفت الدولة خفايا القضية، و ما كان يجري وراء الستار من المشادة بين الوالي و القاضي.

وصول مهندسين:

لسدة الهندية، و تطهير دجلة و الفرات. موسيو (پول شندرفر) مهندس الطرق و المصالح، و معاونه (تيودور دروان).

جسر قرارة (كرارة):

لجميل صدقي الزهاوي قصيدة في جسر قرارة. منها:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 117

من ذاك جسر قد تمدّ د فوق دجلة بالمهاره

في قرب بغداد بمع برة يقال لها قراره

جمع المتانة و الصيا نة و الرزانة و النضاره

أنشاه عاصم الذي، تزهو بطلعته الوزاره

و قال تاريخه:

إذ تمّ قلت مؤرخا جسر تمدد في قراره

1307 ه

و للأستاذ سليمان البستاني من أدباء بيروت، مقطوعة فيه، و كان مقيما في بغداد. و بعد مدة قليلة تخرب فلم يتقن عمله و كان صرف عليه مبلغ 1600 ليرة.

عزل الوالي عاصم باشا

ذكر لي الفاضل المرحوم عبد المجيد بك القائممقام المتقاعد أن مصطفي عاصم باشا كان نزيها، و من الأخيار جاء برتبة مشير و هو فعال جدا، و له مقدرة، أحسن إدارة بغداد، و كانت داره في شريعة الميدان في الدار المجاورة للقنصلية الإيرانية اليوم تجاه المدرسة الإعدادية. فارق بغداد يوم الخميس 18 ربيع الآخر سنة 1307 ه، فذهب لتوديعه الأعيان و الأمراء. و توفي في 8 ربيع الآخر سنة 1309 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 118

السيد سلمان نقيب أشراف بغداد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 119

الوالي سري باشا

نال المنصب الوالي سري باشا في 29 ربيع الأول سنة 1307 ه و كان والي (أطنة) و قدم بغداد في 20 جمادي الأولي و أجريت المراسيم المعتادة. من الأمراء و الأعيان، فهنأوه. ثم ورد إليه منشور الوزارة يوم 25 منه فقري ء بمراسمه المعتادة.

و هذا خطابه مترجما عن التركية:

«أيها السادة!

بشري لكم بالفوز العظيم.

إن اللّه تعالي تفضل عليكم فجعل لكم ظل العدل، و الإحسان الظليل من حضرة أمير المؤمنين فتشكروا، ثم لتشكروا اللّه لما أنالكم هذه النعمة. و اعلموا أن كل ما أمر به أمير المؤمنين فهو واجب الامتثال و دليل سبل الرشد و الهدي. و بالطاعة صلاح الدين و الدنيا.

و اعلموا أن ذلك وارث الملك، و متبوع كافة العثمانيين، و إمامهم المقدس. و هو الذي منّ علي عبده هذا. لولايتكم لطفا منه و عناية.

فأرجو اللّه أن يوفقني لإدامة هذا اللطف و النظر.

و اعلموا أن الوالي هو المتحمل أعباء الأهلين، و لا شك أنه حمل ثقيل، و أرجو من اللّه أن يخفف ذلك عنّي.

ثم اعلموا أن الولاية العلية أمانة، و اللّه الذي أودعنا هذه الأمانة قادر أن يخلق أسباب

حفظها و صيانتها.

منع الأذي، و حفظ الراحة، و تعمير البلاد، و ترفيه العباد كلها من الوظائف الأصلية المتفرعة من تلك الولاية. و هذه أيضا وظيفة كبيرة خطيرة و مشكلة، لكن لي ثلاثة مستندات كبار و هي اللّه و رسوله و سلطانه.

و آمل في طاعتي للأوامر الإلهية و متابعتي للسنة النبوية، و حرمتي لآل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 120

النبوة، و صداقتي للمليك يسهل بهن كل صعوبة بلطف منه تعالي و كرم.

و التوفيق الإلهي معاضد الهمة و الخلوص إليه تعالي.

و الشريعة المطهرة هي حبل اللّه المتين، و كانت و لا تزال مدار اعتصامنا حالا و استقبالا. و القانون لا ينحرف عن الشرع. و هما ميزان الاعتدال. و ما دمتم ملازمين للصلاح، فلكم أن تأملوا من عمّالكم خيرا، و إن عمالكم أعمالكم كما ورد في الأثر. و الكمال للّه، و العصمة مختصة بأنبيائه. فإذا اعترتني غفلة في أداء الواجب فأيقظوني، و إن بدا منّي قصور فاخطروني، و ليس بعيب ظهور الخطأ من الإنسان، و إنما العيب في الإصرار علي الخطأ. و الحق أحق أن يتبع. و هو بالالتفات أحري، و بالتلقي أولي. سوي إن وظيفتي من الأمور التي اتخذتها أقدس ما يكون في الدنيا. أحب وظيفتي و أودها و ذلك منطبع عندي.

اعلموا أنه لا تكون رئاسة بلا سياسة.

و إني بمشيئة اللّه تعالي و عونه لا أبدي فتورا و لا ضعفا في إجراء السياسة، و إيفاء حق الرئاسة اسم الخليفة الأعظم. طبق الحد الذي عينه الشرع و القانون وها أنا قد عاهدت اللّه ذا الجلال. و أعطيته ميثاقا علي أن أسعي السعي البليغ فعلا لا قولا فقط بأنني ذلك العبد المخلص لولي نعمته. و إني من أصدق

عبيده، و أطوعهم، و أصرف المجهود، و أبذل المستطاع.

هذا. و إني آمل من رفاقي الكرام و أعيان الأهلين أن يؤازروني مؤازرة كاملة في هذا الأمر، و أسأل الباري تعالي أن يزيد في عمر مولانا الملك. و يوفر شوكته و يؤيد ملكه. و يجعل توفيقاته دليل السداد و منهاج الرشاد آمين.

و بعد أن أنهي الوالي خطابه شرع صاحب الفضيلة نعمان خير الدين الآلوسي يتلو دعاء بليغا ضمنه التوسل إلي اللّه بأن يزيد في عمر حضرة المولي الخليفة. و عقب هذا تلا وكيل بطريق ملة السريان أيضا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 121

الأدعية الخيرية. و كان تلامذة مكتب الكاثوليك أيضا حاضرين فأخذوا يؤدون الدعوات.

و ممن مدحه مهنئا له بقدومه الأساتذة جميل صدقي الزهاوي و أمين الفتوي عبد الوهاب النائب و محمد سعيد التميمي و طه الشواف مفتي سامراء. و رأينا شعرا تركيا في مدحه من نظم نصري ناطق المارديني من وكلاء الدعاوي و هو والد الأستاذ المحامي فهمي نصري و كذا الأستاذ أمين فيضي.

و الملحوظ أن هؤلاء و غيرهم لم يمدحوا بعد المبارحة، و إنما كان المدح قبل أن يروا خيرا منه للتقرب. و هذا الرجل اشتهر أمره في التحرير و الكتابة، كما عرف بأنه عالم فاضل. و تجاوز القوم في مدحه الحدود. و ما ذلك إلا لأنه ذو صفة أدبية من الولاة. حاولوا استغلالها و كان عالي الهمة كامل الحصافة سديد الرأي صائب التدبير.

سدة الهندية:

أصل الهندية ترعة معروفة بهذا الاسم حفرتها أميرة هندية عند زيارتها إلي النجف لما رأت من قلة المياه فشقت هذه الترعة علي نفقتها. و هذه أخذت تتوسع علي مرّ الأيام و يكبر مجراها لحد أن تحولت مياه الفرات إليها و صارت

تدعي نهر الهندية نسبة إلي تلك الأميرة.

و بذلك انحسرت المياه عن نهر الحلة فكان الخطب عظيما. و نادي أهل الحلة بالويل و الثبور و استغاثوا. فانصرف الولاة لإعادة الحالة فكانت أعمالهم غير مجدية التدبير في إعادة الحالة كما أن النفقات كانت كبيرة إلا أنها لم تحصل فائدة منها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 122

و كان أكبر هم هذا الوالي أن يتم سدة الهندية علي يديه فاستغرقت هذه المهمة غالب أوقاته، فكان اهتمامه بها كبيرا، و عناؤه و عنايته لا يوصفان.

إن سفارة الدولة العثمانية في باريس كانت أجرت مقاولة مع المهندس (شوندرفر) و معاونه (تيودور دروان) و سيرا إلي بغداد بناء علي الإشعار الواقع من الولاية لنظارتي الخزانة الخاصة و النافعة، ليجريا الكشف المقتضي لأجل رفع و إزالة الموانع التي من شأنها أن تصعب المهمة في نهري دجلة و الفرات، و لينظروا في عمل سد الهندية. وصلا إلي بغداد في 19 أيلول سنة 1305 رومية.

و نظرا للحاجة إلي السد و أهميته ذهبا، و أجريا الكشف اللازم لمجري نهر الفرات و مروره نحو الهندية و الحلة في جميع المواسم فعادا إلي بغداد و نظما خارطة و تقريرا، و قدماهما إلي الولاية، فأرسلتهما لنظارة النافعة.

و فهم أن رأي المهندس مصروف إلي لزوم التعديل في الخطة التي عينها المسيو غالان مشاور الفن في نظارة النافعة، فوجد من الضروري الانتظار إلي أن يرد الجواب من النظارة.

و في 1 جمادي الآخرة سنة 1307 ه تحرك المهندس و معاونه من بغداد، و سارا من طريق البر ليكشفا علي نهر الفرات و مضيا إلي مسكنة لتدقيق سير السفن و أن يعاينا كوانين الأحجار في هيت، ثم يعودا إلي بغداد، و يكون رجوعهما

نهرا.

هذا. و مجموع المبالغ التي أخذت من ابتداء تشكيل اللجنة لسدة الهندية إلي نهاية شهر تشرين الثاني استحصلت بموجب سندات مشتركة سواء من صناديق مال مركز الولاية و الملحقات أو من صندوق الأراضي السنية و أصحاب الأملاك قد بلغ 1733998 قرشا و 33 بارة غير أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 123

محل صرف هذه المبالغ علي وجه المفردات غدا مجهولا علي محاسبة الولاية مع أن اللوازم التي استحضرت ليس بشي ء نظرا لهذه المبالغ.

فمن ألزم الأمور أن تكون الولاية علي الدوام عالمة بمفردات الصرف، مطلعة عليها. و أن تراعي القاعدة المالية في الصرف و أصوله.

لهذه الجهة أصدرت الولاية أمرها لرئاسة اللجنة بذلك، و أن ينظم دفتر مفردات يبين محل صرف تلك المبالغ و مستنداتها. و أن تعطي الأمور الواضحة دوما عن المبايعات و المصروفات. و علم أن المصروفات من بيت المال إلي نهاية تشرين الأول سنة 1305 (1350885) قرشا و 13 بارة و من صندوق السنية 200665 قرشا، و من أصحاب الأملاك 182444 قرشا.

ذلك ما يفسر أعمال الوزير مدة ولايته في بغداد.

و أمر نظارة النافعة ورد بلزوم العمل طبق التقرير الفني للمسيو (شوندرفر) المهندس الموافق في الأساس لما أبداه المشاور الفني المسيو (غالان) و أن تبذل الهمة لاتخاذ التدابير لئلا يقع شي ء من المصاريف الزائدة، و أبان أن العمليات بعد هذا تحتاج إلي صرف 15300 ليرة. و أنفق في هذا السبيل إلي الآن زهاء (15180) ليرة، و طلبت الإيضاحات فكان جواب الوزير:

أن ما أنفق إلي الآن 1922000 قرش منها 779539 قرشا صرفت بمعرفة المجلس الأول في أيام تقي الدين باشا. و 1142461 قرشا أنفقت بمعرفة المجلس الثاني في أيام مصطفي عاصم باشا.

أما العمليات في المجلس

الأول فقد تركت بناء علي ورود الموسيو (غالان)، فذهبت المصروفات هباء، و لم يدوّر منها للمجلس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 124

الثاني إلا بعض أشياء. و بقاياها أدخلت في مصروفات المجلس الثاني، و أما أعمال المجلس الثاني فهي الحفريات. مع زورقين كبيرين و زورقين صغيرين لأجل النقلية. و بعض الأدوات. و ما عدا هذا بقيت لمتعهدي الحفر و النقليات ما يبلغ 70 ألف قرش.. و بين الوالي أنه سيجري الكشف، و أبدي مطالعات تخمينية.

و ذهب الوالي لمراقبة العمل تاركا مهمات الأمور في الألوية فتوجه عليه اللوم. كما أنه لا موجب لمدحه.

حوادث:

1- أبدي الوالي أنه سينظر في صورة تسوية للرواتب المتراكمة للموظفين

الذين يقاسون الضائقة لعدم تأمين رواتبهم و علي الأخص الشرطة. و هذا يعين الحالة المالية المرتبكة.

2- صدرت الإرادة السنية بتخصيص الأوقاف المندرسة للمدارس الابتدائية.
3- وجهت الرتبة الثالثة في 22 جمادي الثانية إلي علي رضا العمري معاون المدعي العام في مركز الولاية ببغداد.

و هو والد إسماعيل حقي و ابن عم فخامة الأستاذ أرشد العمري.

4- تأسست مطبعة في ولاية البصرة.

و صدرت جريدة (البصرة) باللغتين العربية و التركية، تحت امتياز الأديب الكاتب صاحب الرفعة محمد علي أفندي مميز المحاسبة في ولاية البصرة و هو من أرباب الذكاء و الفطنة و الأدب و الكتابة وردت بغداد نسختها الأولي فكانت روضة أدب تقرّ بها النواظر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 125

5- صدر أمر الوالي بإعطاء الأيتام و الأرامل رواتبهم

فمدحه الأستاذ عبد الوهاب النائب بقصيدة.

6- افتتح مكتب الحميدية يوم السبت 1 شعبان سنة 1307 ه في محلة جديد حسن باشا.

كتاب الأستاذ السيد محمود شكري الآلوسي:

اشارة

أتته جائزة مدالية ذهب منقوش علي طرف منها رسم ذي الحشمة الملك و علي الطرف الآخر هذه الكلمات:

مكافأة للسيد محمود شكري الآلوسي عن كتاب بلوغ الإرب

و معها كتاب من مشير القصر القرالي نيلس فون روزن- سراي استكهولم 6 أيلول سنة 1889 م.

وفيات:

1- توفي الأستاذ السيد عبد اللطيف الراوي في المحرم سنة 1307 ه.

و كان من العلماء، و مدرسا ثانيا للمدرسة القادرية. و كان مثابرا علي التدريس يقصده الطلاب. اشتهر بالورع و الفنون. و هو عم الأستاذ السيد أحمد عبد الغني الراوي المحامي و أما المدرس الأول في الحضرة فكان الأستاذ عبد السلام الشواف.

2- توفي فرحان باشا رئيس عشائر شمر ببغداد في الجانب الغربي في 6 ذي القعدة سنة 1307 ه

و كان مريضا لازمه مرضه مدة. و كان من أذكياء العرب و شجعانها ذهب مع أبيه الشيخ صفوق إلي استنبول، و أقام بها مدة طويلة في دائرة المرحوم حافظ باشا، فتعلم اللغة التركية. و كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 126

يتكلم بها كأبنائها، و عند ما أدركته الشيخوخة لم يطعه أفراد قبيلته، فاختلت أمورها.

حوادث سنة 1308 ه- 1890 م

سدة الهندية:

منذ شهر لا يزال الوالي ملازما أمر مراقبة الأعمال. و في 14 المحرم ذهب إليه محمد آل جميل، و النقيب السيد سلمان، و صار يذهب أعضاء مجلس الإدارة إليه مناوبة الواحد بعد الآخر، و عزمه أن يتم العمل ثم يعود إلي بغداد، و صارت الشغل الشاغل، و كثرت أعمدة جريدة الزوراء من مباحثها. و كان اهتمام الوزير كبيرا، و كذا المهندس (مسيو شوندرفر) و زاد بقاء الوالي و كأنه مأمور سداد، لا أنه ينظر إلي الأمور العامة للمملكة. و احتفل بافتتاحها في 11 ربيع الأول سنة 1308 ه. و من ثم ركب الوزير سفينة و معه الأستاذ السيد عبد الرحمن الگيلاني و الدفتري شاكر أفندي و المفتي و غيرهم فاستقبلوا عند وصولهم الحلة و قرأ مفتيها السيد مصطفي نور الدين الواعظ خطبة فيها ثناء للوالي و دعاء للسلطان و مدحه شعراء بالعربية و الفارسية.

حوادث:

1- أكمل بناء الإعدادي الملكي

و أعدّ ما يلزم له من المدرسين ثم أجري رسم افتتاحه.

2- الطبيب (آدلر) النمساوي أقام عندنا مدة يطبّب باستقامة.

و كان مولعا بجمع النقود القديمة فجمع مقدارا وافرا منها. و حصل علي مجموعة لا يستهان بها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 127

3- ابن الرشيد كان مستقلا بإمارة حائل،

غير ملتفت إلي أهالي نجد و بذل الدراهم، فنصب نفسه أميرا عليهم. أما سعود بن فيصل فإنه قتله النجديون و جاء أخوه عبد اللّه أيضا إلي حائل، فمرض بها ثم سار إلي الرياض فتوفي فيها. و لم يبق من آل سعود سوي عبد الرحمن و محمد ابني فيصل، حفيدي سعود.

الأستاذ محمد فيضي الزهاوي

توفي ليلة الاثنين من 3 جمادي الأولي سنة 1308 ه و حضر تشييع جنازته الوالي، و المشير و الأشراف و الأعيان، و الأدباء و الفضلاء من علماء و غيرهم.

كان لوفاته وقع كبير علي عالم العلم و الأدب، و يعد شيخ علماء العصر الحاضر و هو ابن مير أحمد بن حسن بك ابن رستم بك ابن خسرو بك ابن الأمير سليمان باشا رئيس الأسرة البابانية. و يعرف المترجم ب (الزهاوي)، و ينتهي نسبه بسيف اللّه خالد بن الوليد (رض).

و كان رحمه اللّه ضليعا في الآداب الفارسية و العربية و في العلوم الدينية لا سيما العقائد. ولي إفتاء بغداد بعد أمين الكهية وطالت مدته في الإفتاء ببغداد 38 سنة، فوفّاه حقه، و عرف به فضله. و له اتصال علمي و أدبي بعلماء بغداد و أدبائهم. و هو من أفذاذ الدهر في ثقافته يضمّ ناديه مختلف الثقافات فلا نجد إلا مطريا له، مادحا لأدبه، مكبرا لعلمه. فلا بدع إن قيل كان الوحيد في عصره.

جاوز عمره التسعين، فأخذ العلوم عن والده و لما توفي قرأ علي الملا محمد الصاوچبلاغي نجل الزكي. فأجازه و هو في العشرين من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 128

عمره، و درس مدة تزيد علي 33 سنة. فذاع صيته في الآفاق، و طبقت شهرته الأقطار و المدن الإسلامية، و تلامذته لا يحصون. كان بحر علم،

و خزانة عرفان. فكم من عويصة حلّها، و مشكلة دفع غموضها و رفع معضلها. فهو فخر العراق، و من خير من ربّي. بل إن مجلسه لا يخلو أن يزاول آدابه و علومه و فنونه. فيظهر علي الكل في الألسنة المختلفة و مواهبه يعجز واصفها، و حافظه تفوق الحد، و قوة عقله لا تقدر.

إن جدّه الأعلي بقي في (زهاو) مدة، و إن والدته كانت من زهاو من بنات أمرائها، فصارت هذه النسبة سببا في أن يسمّوا بالزهاويين، و إلا فهو من بابان. درّس مدة في السليمانية و في كركوك، و لما ورد علي رضا باشا اللاز بغداد كان قد بلغه صيته في العلم و الكمال فدعاه إلي مدينة السلام بغداد، و كان وروده إليها في سنة 1257 ه و نطق بها في مصراع بيت من الشعر الفارسي (هزار و دويست و پنجاه و هفت)، و ولي الإفتاء في حكومة الوزير رشيد باشا الگوزلگلي، و دام في منصبه حتي توفي، فكان جامع الثقة و الاحترام و الأهلية التامة.

ترجمته الزوراء في الصفحة العربية و التركية، و وردتها مرثيات بليغة فاعتذرت من نشرها.

و جاءت ترجمته في (سجل عثماني)، و من جملة من أبّنه و ذكر محامده و علمه الوزير سري باشا في مجموعة تسمي (نطقلر مجموعه سي). و كذا أبّنه السيد محمد جواد الكليدار في النجف، ورثاه عبد الوهاب النائب بقصيدة لامية. ورثاه السيد أحمد الراوي عمّ صالح القاضي الأسبق بمقطوعة كتبت علي قبره.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 129

إفتاء بغداد:

عهد إلي محمد سعيد ابن الأستاذ محمد فيضي الزهاوي بالإفتاء، و صدرت الإرادة الملكية. و كان الذين انتخبوا للقيام بهذه المهمة أربعة من العلماء فوقع الاختيار عليه فرجّح

علي غيره. و الأستاذ محمد سعيد والد الأستاذ أمجد الزهاوي و آخرين.

حوادث:

1- تكوّنت ناحية بني أسد في لواء المنتفق

و عيّن الحاج علي أفندي رئيس التحصيل السابق في شهرزور مديرا.

2- صدرت الإرادة بتجديد دوبات جسر بغداد

و صرف 13800 قرش.

3- جمعت للمكتب الرشدي العسكري مبالغ إعانة من أهل الحمية،

و الآن هو محتاج إلي ما يقارب الثمانين أو السبعين ألف قرش، فطلب إلي أهل الحمية للقيام بأمر إكماله، فاجتمعوا تحت رئاسة محمد آل جميل من أعضاء مجلس الإدارة فتشكلت لجنة فجمعت مقدارا.

4- توجه طلاب الإعدادي العسكري إلي استنبول وهم 14 تلميذا.

و أجري الاحتفال لتوديعهم.

البابية:

بذر هؤلاء بذرة سياسية من طريق الدين و كانت آمالهم إيرانية صرفة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 130

فأصابتهم الضربة من إيران و عرف أنهم باطنية، فمالوا إلي هذه البلاد و لا يزال رجال دعوتها من الباطنية.

قالت الزوراء:

«من المذاهب الباطلة. كان قد ظهر هذا المذهب في إيران قبل 30 أو 40 سنة، و ادّعي مؤسسه في ابتداء أمره أنه (رسول المهدي المنتظر). ثم قال إنه (المهدي نفسه)، و أخيرا ادّعي أنه (نبيّ)، فحصل بسبب ذلك نزاع و اختلال في إيران، فقبض عليه و أفتي العلماء بقتله، فقتل و أعدم بتبريز، و فرّ قسم من أتباعه، و مالوا إلي بغداد للنجاة من أيدي الإيرانيين. و هذا كان السبب في ظهور (رئيسهم ببغداد)، فقد بقي مستترا مدة من الزمان. و لم يكتف أن زاد في طغيانه حتي ادّعي (الألوهية) و العياذ باللّه، فاستهوي بعض سخفاء العقول و ضعفاءهم الذين لم ترسخ فيهم العقائد الدينية، فأضلّهم و استمالهم إليه، فكثرت الشكاوي عليهم فطردوا و نفوا إلي جهات متفرقة، و بينهم الحاج محمد حسين بائع الكتب الأصبهاني الأصل، و كان يتولي خدمة الترجمة و التبليغ لهؤلاء، فنفي إلي الموصل، لكنه بعد مدة تمكن من العودة إلي بغداد، و لم يزل منذ عاد إليها يجتمع إليه (البابية)، و يراجعونه في أمورهم و عدّوه بمثابة الخليفة و النائب عن رئيسهم و لم يأل جهدا في إضلال الناس ممن تبعه إلا أنه كان يتوقّي من إظهار نفسه و إعلان دعوته، و بيان منوياته، و ما يخفيه ضميره. لأنه لم تكن له حماية قوية، و بقي مترقبا للفرص إلي أن حصل له التوجه و الحماية من الدولة (بل غفلتها)

فأخذ يتصّدي لدعوة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 131

الخلق علانية، فكثر القال و القيل بين الأهالي، و أخذت تقدّم الرقاع من تبعة الدولة العثمانية و الإيرانية طالبين تبعيده، و تبعيد أتباعه ممن قلّد مذهبه، و أن يطردوا من بغداد، و أن الشهبندر الإيراني طرد الإيرانيين منهم. أما المرقوم الحاج محمد حسين فإن الباب العالي لم يجوز طرده و إن كان إيرانيا و لا وافق علي تسليمه لإيران حسب التماس سفارة إيران، بل نفته الولاية، و طردته إلي الموصل التي هي منفاه القديم، و جاءت الأخبار بوصوله إلي الموصل». عدته ملتجئا سياسيا …

و هذا بذر البذرة. و لم يكن لدعوته تأثير إلا أنه تمكن أن يحتفظ أعوانه بعقائدهم، فكان ربحا لهم. و نعجب من تمكن (عبادة الأشخاص) بعد أن قضي الإسلام عليها و لكن غالب أتباعهم من غلاة التصوّف و أهل الإبطال القائلين بوحدة الوجود و الاتحاد و الحلول و رفع التكاليف. فلم يروا غرابة في عقيدتهم من القول بألوهية البهاء.

الحسينية:

كانت مسجلة دارا باسم الحاج محمد حسين الكتبي المذكور.

و لما بقيت بيد البابية استولوا عليها، و في أواخر سنة 1921 م أقام ورثة محمد حسين القندراتي دعوي علي البابية و هم محمد جواد وبيبي أولاد أخت محمد حسين في (محكمة الصلح) برفع اليد، ثم كلفت المحكمة المدعين بلزوم إقامة دعوي الملكية، فأقيمت، و وكيلهم الأستاذ أمجد الزهاوي فاستحصل حكما، و أصبحت حسينية و أن الورثة جعلوها وقفا خيريا.

و محمد حسين هذا هو والد الزعيم المتقاعد منير الوكيل و هو وكيل هذه الطائفة و الممثل لها، فصار خلف والده. و هذه الفرقة اكتسبت بعد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 132

الحرب العظمي رسوخا و دامت

إلي الوقت الحاضر. و صار أمرها في توسع بسبب مناصرة الغربيين لها بأمل شق العصا، و إحداث الارتباك في عقائد المسلمين. عرف أمرهم و انكشفت عقائدهم، فلم تنل رواجا، و لم تكتسب مكانة لهذا السبب، و هي عقيدة باطنية قديمة لا تعرف سوي (عبادة الأشخاص) و رفع التكاليف إلي آخر ما مرّ الكلام عليه، و قد لقيت من العرب المسلمين نفرة كبيرة جدا.

نصرت باشا:

سجل نصرت باشا باسمه وكالة لميرزا موسي بن مرزا هادي الإيراني الجنسية، فلم تقبل الصدارة لأن وظيفته تمنع من قبول هكذا وكالات. و كان خطاطا معروفا. و هو متهم بالبهائية.

شيوخ الهندية:

كانت خدمات الشيخ ثعبان رئيس بني حسن و الشيخ منذور آل لوتي شيخ الگريط منحوا رتبا من الرتبة الرابعة و الخامسة. و من أولاد شيخ الگريط رئيسهم اليوم مرهون المنذور.

إفتاء بغداد:

عاد محمد سعيد الزهاوي من استنبول و عيّن للإفتاء، فاستقبل باحتفال من الأعيان و الأشراف. و لا غرو أنه مزدان بحلية الفضل، و محلّي بالكياسة و العقل مع دماثة أخلاق و حسن طباع.

رسوم القنطار:

وضعت بالمزايدة، و أحيلت لراغبها من سنة 1307 ه، و كان يأخذها التجار.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 133

و جاء في مجموعة ابن حموشي أنها أسست أيام سري باشا و قد التزمها مهدي القبانجي المشهور ب (أبي طبرة) ابن إبراهيم فخسرت.

مراحل القسطنطينية:

رسالة لأحمد فهمي مأمور محاسبة المعارف في أحوال مسافة الطريق من بغداد إلي استنبول عن طريق دير الزور، أوضح فيها مقدار مسافة المراحل.

رجب باشا:

في 9 شوال سنة 1308 ه وصل إلي بغداد رجب باشا المشير، قائد الفيلق السادس في بغداد، و صدر الأمر بتعيينه في 18 شعبان سنة 1308 ه و قبل هذا التاريخ كان مشيرا للفيلق الخامس. و استقبل استقبالا باهرا و كان من مرافقي السلطان و ممن تجمعت به الكمالات.

كان في بغداد قبل هذا ضابطا و أميرا، و كانت له معرفة بالكثيرين و لهم حبّ له و اشتياق كبير. لما كان متصفا به من أوصاف الرأفة و الشفقة.

و في 26 شوال سنة 1308 ه بارح العاصمة المشير السابق توفيق باشا.

شيخ عنزة:

عزل الشيخ فهد الهذال رئيس عشيرة الجبل من عشائر عنزة في هذه السنة و نصب مكانه عجل بن راكان علي أن يتعهد بالمحافظة علي الأمن، و يؤدي ستين ألف قرش رسوما مقطوعة إلي الدولة، و أن يرأف بأفراد قبائله، و لا يتخذ الغزو مهمته إلي آخر ما هنالك …

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 134

نقل الوالي سري باشا

نقل الوالي سري باشا إلي ديار بكر، و توجه إليها في يوم الخميس سلخ ذي الحجة سنة 1308 ه و خرج لتوديعه المشير و أركان الدولة و الأعيان. و صار الحاج حسن باشا مكانه بناء علي موافقة الاثنين فورد الأمر من الصدارة بإيداع الولاية وكالة إلي المشير رجب باشا قائد الفيلق السادس. و سري باشا من العلماء الأدباء، و لم ينقطع من الاتصال بالعلم و الأدب، إلي أن توفي في 24 جمادي الآخرة سنة 1313 ه.

و بمناسبة وفاته ترجمه كثيرون.

«كان من علماء الوزراء، أديب فاضل و له الشعر الجيّد إلا أن نثره أمكن من شعره، و أصله من جزيرة گريت (گريد) من مدينة قندية مسقط رأسه و هو ابن حلواجي زاده صالح أفندي ولد سنة 1260 ه و أخذ العلم عن جوري أفندي و تقلب في مناصب عديدة فولي المكتوبية (رئاسة الكتاب)، ثم صار متصرفا، فواليا في عدة ولايات ثم ولي بغداد. و في أيام ولايته في بغداد ولّد نشاطا أدبيا مدحه الشعراء و الكتاب، و ناصر العلماء، فكان لمجيئه إلي بغداد أثر مقبول في تجديد الأدب و إثارته.

و من مؤلفاته:

1- سرّ قرآن.

2- أحسن القصص.

3- سرّ فرقان.

4- سرّ تنزيل.

5- سرّ استوا.

و هذه المؤلفات اتخذ فيها تفسير الفخر الرازي أصلا، فترجم السور، و فسرها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص:

135

6- (رؤيت باري حقنده) رسالة. و فيها أبدي خلاصة الآراء للمتكلمين و المعتزلة في رؤية الباري.

7- (شرح عقائد و حاشية لرينك ترجمه سي). ترجم العقائد النسفية و شرحها و حواشيها لعصام و السيلكوتي و غيرهما.

8- نقد الكلام في عقائد الإسلام. عقائد منقحة و مختصرة من تلك الآثار المذكورة في الفقرة السابقة.

9- آراء ملل. في الفرق.

10- روح. بيّن فيها أقوال بعض العلماء و المتكلمين.

11- نور الهدي لمن استهدي. في أبطال الأقانيم الثلاثة، و عيّن تحريف الأناجيل المتداولة في الأيدي.

12- مكتوبات سري. أورد نصوص ما كتب من رسائل و كتب رسمية و غير رسمية مما يتعلق ببغداد أو بالعراق و غيرهما. و هو في ثلاثة أجزاء.

13- غلطات. و هذه تكملة لرسالة الأغلاط لابن كمال. و للوزير الفاضل منيف باشا تقريظ مهمّ لها.

14- سرّ إنسان.

15- نمونه عدالت.

16- (لك دوقه كين). و هذا في الأخلاق و العادات القديمة للألبانيين (أرناؤود).

و رأيت ترجمة حياته في رسالة مطبوعة لدي الأستاذ المرحوم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 136

الوالي نامق باشا الصغير

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 137

محمد علي عيني (زوج ابنته) المتوفي سنة 1946 م و له ابن مهندس في استنبول. و كان ورد بغداد لعمل سد الكنعانية. و تفصيل ترجمته في كتب كثيرة.

و هنا يلاحظ أن الأهلين ببغداد كانوا يقولون إن سدة الهندية أخذت سمعه و بصره، و ترك الأمور علي مكتوبي الولاية السيي ء السيرة، مما أدي إلي استياء الرأي العام منه. و كان الأولي أن يراقب من كان تحت سلطته فلا يشغل نفسه لهذه الدرجة.

و في أيامه كان في كربلاء و النجف كثيرون يدعون أنهم من تبعة إيران، فأعطي الأمر بلزوم مراعاة الحيطة في التحقيق، و التثبّت من هذه الأمور.

و

في قلم المكتوبي شدّد أن لا يفشوا خبرا، و لا يطلع أحد علي ما جري، و أن لا تنشر الحوادث في الخارج و أن لا يقبل الزوّار، و لا تذاع الأخبار.. و لكن لم يبال أحد بذلك. فالإدارة كانت سيئة، فلم يفد فيها تنبيه أو تهديد لا في أيامه و لا في أيام غيره من الولاة. و لا تخلو المجالس من ذكره بخير أو شر، و لا يتجرّد المرء من ضدّ. و جل ما علمته من العارفين أنه كان موظفا ملكيا فعالا. أثني الكثير علي حسن إدارته.

و قيل في سري باشا و القاضي حقي أفندي، بعض التقولات. و كانا في زمن واحد، قال الشيخ رضا الشاعر الهجّاء المعروف فيهما:

حقي أولنجه قاضي سري أولنجه والي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 138

كل باشكه رعيت ويل لكم أهالي

أي إذا كان القاضي حقي، و الوالي سري فالرماد برأس الأمة و الويل للأهلين.

و الحال أن هذا الوالي نال أكبر شهرة و اكتسب رضا العموم، و ولد حركة أدبية، و فتح ألسن الناس في مدحه. و مثل الشيخ لا يعبأ بهجوه فيعتبر كحقيقة. و تروي أبيات الشيخ رضا بالوجه التالي:

موصل أولدي ولايت نافع أفندي والي

ويل لكم رعيه كل باشكزه أهالي

و لعل هذا هو الصواب. و اللّه يزكي الأنفس.

حوادث سنة 1309 ه- 1891 م

جسر الناصرية:

نصب علي الفرات و أجريت مراسم افتتاحه.

مكتوبي بغداد:

عيّن الأستاذ سليمان فائق لمكتوبية ولاية بغداد و وصل إليها 12 ربيع الأول بعد أن كان مكتوبي ولاية آيدين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 139

والي بغداد الحاج حسن باشا

وصل الحاج حسن رفيق باشا والي بغداد يوم الاثنين 19 المحرم سنة 1309 ه و كان وكيل الوالي نصرت باشا المشير المرافق السلطاني، و جماعة من الأعيان و الأمراء، جاؤوا به بواسطة مركب رصافة من الطارمية فعمل له رجب باشا مأدبة. و استراح الوالي تلك الليلة في قصر كاظم باشا. و هكذا أتم الزيارة في الكاظمية و الأعظمية و تلاقي مع نقيب الأشراف السيد سلمان و سائر وجوه البلدة و أعيانها. و في الساعة التاسعة غروبية وصل إلي مقامه. فأطلقت له المدافع 19 طلقة.

و كان الاحتفال باهرا في الجانبين ينظر الأهلون إلي المركب.

و دخل إليه في مقامه رجب باشا و نصرت باشا و الفرقاء الكرام و الأمراء العسكريون و هيئات الدوائر الملكية، و الأعيان و القناصل للدول المتحابة.

و قري ء الفرمان العالي في نحو الساعة الثانية من هذا اليوم في دار الحكومة متضمنا مهمة والي الولاية الوزير الحاج حسن باشا، قرأه مميز المكتوبي مصطفي بمحضر المذكورين.

و بعد أن تم ذلك ألقي الوالي كلمة تتضمن مقاصده الجليلة، و نيّاته الخيرية و يعلن بعلو أفكاره و سموّ هممه. أداه بأنفس طلاقة و أكمل فصاحة.

ثم قرأ الأستاذ سعيد المفتي الزهاوي الدعاء، فقابله الحضّار ب (آمين).

و ترجمة خطاب الوالي: إن ما اشتملت عليه هذه الجمعية المحترمة التي تشكلت منها صنوف الاحترام من خواص الناس و العوام قد شنّفت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 140

مسامع فخرهم و مسارهم، و زينت باستماع الأوامر و الإرادات السنية الملوكية التي نطق بها الملك الأعظم و عماد الدين

الأقوم حضرة سيدنا و ولي نعمتنا بلا منّة منا، خليفة سيد المرسلين و أشرف الملوك و السلاطين، و صدرت عن قلبه الذي هو مهبط الإلهامات الإلهية، و موضع الفيوضات النبوية.

و العاجز أيضا لم أزل مغمورا بنعمه الجزيلة، مشمولا بعواطفه الجليلة، شاكرا لإحسانه و مراحمه غير المتناهية. و نلت الآن عظيم السعادة، و جميل الفخر و زيادة، إذ صرت بلطف جليل، و إحسان منه مخصوص، مخاطبا بأمره هذا الجليل القدر، النبيل الذكر، موكلا بإنفاذ تلك الإرادات المقدسة و الأوامر العالية.

هذا. و إن أجلّ مقاصد حضرة أمير المؤمنين، و خليفة الرسول الأمين مولانا الذي ازدان به مقام الخلافة، و افتخر بوجوده سرير السلطنة هو عبارة عن حصول العمران في جميع جهات ممالكه المحروسة السلطانية، و تأمين كافة صنوف تبعته الصادقة الملوكية، و كمال استراحتهم و اطمئنانهم و حضورهم و رفاهيتهم.

وها هو حفظه اللّه تعالي و أعز نصره قد أيّد بهذا الأمر المطاع و الفرمان الواجب الاتباع مقصوده ذلك المفروض الشكر المبتني علي نفع التبعة و استراحة الملّة.

و إنني استنادا إلي التأييدات الملوكية مقرونة بأحكام الشريعة المطهرة النبوية و القوانين الموضوعة السنية التي هي دليل سبيل السداد، و مصدر الحق و العدل و الرشاد أرجو عونه و توفيقه تعالي فأكون موفقا بظل حضرة مولانا الخليفة المعظم لاستكمال أسباب عمران هذه الولاية مع رفاه و راحة كل صنف من صنوف التبعة الصادقة الملوكية. و اعتقد أن جميع إخواني و أصحابي أيضا سيلتزمون تلك الغيرة و الاستقامة و يبرزوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 141

مآثر الممدوحية في جميع الأحوال و كافة الأمور و الأشغال، و أجعل خاتمة مناجاتي الدعاء لحضرة ظل اللّه علي العالم قائلا: (ليعش سلطاننا عيشا كثيرا).

و

كان في ضيافة نصرت باشا، ثم قرأ الأستاذ جميل صدقي الزهاوي قصيدة فريدة باللغة التركية يرحب فيها بالوالي، و يبارك قدومه.

و وصلت إليه (رتبة الوزارة) كما جاء في الزوراء بتاريخ 15 صفر سنة 1309 ه فأجريت له المراسم و ذكرت فيها. و أطلقت 21 مدفعا.

حوادث:

1- تأسست مطبعة دار السلام ببغداد في 28 ربيع الأول.

2- نال أمير اللواء كاظم باشا رتبة فريق.

3- حصل خصام بين عشائر الندة (الندي) و شمر طوقة و ربيعة و بني ويس في مندلي و خانقين.

و تدخلت الحكومة في أمورها لئلا يقع بينهما قتال، و روعي الفصل بينها علي قاعدة العشائر. و استردت الأموال المنهوبة، و منع أن يتجاوز الواحد علي الآخر.

4- يزرع الأرز في العراق من قديم الزمان و كان معروفا قبل الإسلام و استمر زرعه. و هو من أهم حاصلاته و يحتاج إلي المياه الكثيرة الدائمة الجريان، و الأراضي المنخفضة يتسلط عليها الماء تصلح لزراعته إلا أنها تولد و خامة و ضررا علي الصحة دوما، و لذا يجب أن يزرع في مواطن متفرقة و في أنحاء مختلفة. و في الموصل قليل، و في قضاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 142

خراسان (خريسان) يكثر زرعه، و في الهندية و الشامية و السماوة و أكثر ما يزرع في لواء العمارة.

يأتي في السنة منه نحو مائة مليون حقة تقريبا. و تأسيس معامل للجرش من أهم ما يلزم. و لكنها لم تستعمل.

5- من الضرائب طريقة الذرعة. و في هذه السنة حصلت اختلاسات فيها.

6- أنشي ء مخفر الشرطة في (المنطقة) وسط الطريق بين الكاظمية و بغداد. و هذا كان مشهودا من مدة، و لا يزال إلي اليوم.

7- توفي عبد الغني آل رئيس الكتاب عن عمر

يتجاوز السبعين في العمارة و كان قد ذهب إليها لتبديل الهواء. و هو والد عبد الحميد رئيس الكتاب وجد عثمان نوري. و آل رئيس الكتاب معروفون من مدة طويلة. و جامع النعمانية في توليتهم.

8- صدرت الإرادة الملكية بتبديل اسم ناحية المدحتية في الحلة إلي (ممدوحية). حتي لا يذكر مدحت باشا للحنق عليه. و لكنها لا تزال معروفة بالمدحتية.

9- شوهدت آثار وباء في أنحاء الحي.

10- أجري الاحتفال بشعرات الرسول صلي اللّه عليه و سلم و كسوة البيت المحرم في بغداد و كربلاء، و قيلت الأشعار مما لا محل لتفصيله.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 143

11- مددت مدة وظيفة ذي الفضيلة حقي قاضي بغداد و هذا هو الذي هجاه الشيخ رضا الطالباني.

12- وصل هدايت باشا والي البصرة السابق إلي بغداد في مركب الموصل في 7 ذي الحجة، و سافر إلي استنبول من طريق الموصل في 9 منه. و توفي في ماردين. و هو الذي تكلّم عليه متصرف الأحساء في تقريره، و ذمّه كثيرا و ذكر سوء إدارته.

13- من أشراف البصرة يوسف آل باش أعيان. توفي في اليوم الثالث من عيد الأضحي فجأة في بغداد و كان قد جاء لتبديل الهواء.

مكتب العشائر:

تأسس في استنبول، و أول من ذهب إليه من العراق الحميدي بن فرحان باشا شيخ شمر، و سليمان بن نصيف الأمير شيخ ربيعة، و علي السليمان البكر شيخ الدليم، و عجيل بن علي السمرمد شيخ زبيد.

عمر وهبي باشا:

الفريق الركن قائد القوة الإصلاحية، وصل إلي الموصل فبدأ بالإصلاحات التي أرسلته الحكومة من أجلها، كإصلاح الجيش، و إخضاع العشائر، و جمع الضرائب. مما كان داخل منهاجه، فصال صولة جبّار علي الأهلين، و سلبهم أمواله، و قضي علي نفسيات عزيزة فأهانها.

و من جملة ما قام به أعماله في اليزيدية لأجل تهذيبهم، فأنفذ إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 144

زعمائهم يطلبهم، فلبّوا الطلب، فحضر إليه خلق كثير من القري في شيخان مع زعماء أربعة منهم. و لما قاربوا الموصل خرج لاستقبالهم و معه العلماء و الأعيان، يتقدمهم أمراء الجيش، و الموسيقي العسكرية فدهش القوم لهذا الاحتفاء و الإكرام. حتي وصلوا إلي دار الحكومة، و معهم أميرهم (ميرزا بك). فوقف الفريق مع الوالي، فعرض عليهم أمر الفريق بأن يلعنوا الشيطان فسكتوا، و كرر عليهم الأمر ثلاث مرات، و هم ساكتون. فأمر الفريق الجند بضربهم، فضربوهم ضربا مبرحا حتي مات منهم ثلاثة، و ألقي الجرحي في المستشفيات ليعالجوا، و من سلم من الأذي قربهم فجعلهم عنده و أكرمهم و أحسن مثواهم لعلهم يهتدون.

ثم أبرق بأن عشرين ألفا من اليزيدية اهتدوا بهمة الفريق. و طلب أوسمة للأمير ميرزا بك و إخوته، فأرسلت، و كان ميرزا بك مقيما عنده، و أما بقية اليزيدية فقد رجعوا إلي قراهم رويدا رويدا. فكان ذلك مدعاة لحبوط أعماله.

و من ثم اتخذ طريقة أخري فأرسل معلّمين يعلمونهم القراءة و أصول الدين فطردوهم و هدّدوهم بالقتل إذا لم يرتدعوا.

فلما بلغ عمر باشا ذلك أنفذ ابنه مع كتيبة من الجند إلي قري الشيخان. فنهبوا القري، و استاقوا المواشي و سبوا النساء و الأولاد و ذبحوا من رجالهم خلقا.

و أضرموا النيران في أربع قري من قري الدنادية، فاحترقت بأهليها و مواشيها.

ثم سار الفريق إلي سنجار، فأقام مدة طويلة يحاول فتحها.. و في خلال غيابه أخبر وكلاء الدول الأجنبية سفراءهم باستنبول، فأطلع الباب العالي علي هذه المظالم، فأرسلت لجنة تفتيش بزي جبليين لاستقصاء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 145

الأحوال. فوقفوا علي صحة الشكاوي، فجاءت الأوامر بعزله، و لزوم عودته إلي استنبول، و لا يزال اليزيدية يذكرون هذه الوقعة بألم.

و قال آخرون إن هذا الفريق ذو سمعة طيبة بين أهل الموصل، أمن الطرق و كسر نفوذ بعض ذوي النفوذ، فما ذكر لا يخلو من مبالغة.

حوادث سنة 1310 ه- 1892 م

سليمان آغا:

من مماليك داود باشا و كان خازنا عنده و في أواخر أيامه اتخذ العزلة و ركن إلي العبادة و الصلاح. حتي توفي يوم الخميس 26 المحرم.

و هو جد أفهم بن رشيد.

ماكنة ماء لبغداد:

أوصي الوالي بها لدائرة البلدية الثانية كما نصبت في البلدية الأولي.

سليمان باشا:

كان مأمورا بالإقامة ببغداد (مبعدا إليها) و توفي في المحرم سنة 1310 ه، و دفن بقرب الإمام أبي يوسف في الكاظمية. و بعد إعلان المشروطية نقل جثمانه إلي استنبول. و كان من أكابر القوّاد و نال منصب قائد عام للجيوش العثمانية في الروم إيلي سنة 1293 رومية التي حدثت مع الروس. و حكم عليه بالمجلس العرفي فأبعد إلي بغداد في 10 المحرم سنة 1296 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 146

و كتب ابنه سامي بك حياته في أجزاء و فصل ترجمته تفصيلا مهما.

و له مؤلفات عديدة منها تاريخ العالم باللغة التركية. و تخرج من مدرسة الحربية سنة 1276 و قام بخدمات جلّي للثقافة و الآداب و العلوم العسكرية و التاريخ. و يهمنا أنه اشتهر بتقريره الذي كتبه لدولته فيما يقوم به الأجانب من التدخلات في جزيرة العرب و ذلك حينما كان في اليمن سنة 1287 رومية برتبة زعيم. و ألحقه في نيسان تلك السنة بتحرير. و فيه ما يعيّن الغرض بوضوح تام.

سليمان فائق بك:

وردت برقية في ربيع الآخر 1310 ه بنقله من مكتوبية بغداد إلي مكتوبية ديار بكر و سافر في يومه، و صار مكانه محمد شاكر و كان ناظر المطبعة كسابقه.

مفتش العدلية:

لبغداد و البصرة و الموصل، عيّن حسني بإرادة سنية، و هو من رجال الدولة المعروفين. وصل يوم الخميس 25 جمادي الأولي سنة 1310 ه.

النقود الزائفة:

أعلن عنها، و حذّرت الحكومة الناس من التداول بها.

السباق:

كان يعلن عنه. و لا يزال.

عبد اللّه الزيبق:

مرض بالفالج، و في 10 جمادي الآخرة سنة 1310 ه توفي و كان

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 147

رئيس البلدية الثالثة، و هو من أسرة معروفة في العراق و لا تزال. و صار وكيلا عنه الحاج محمود التكريتي. ثم وجهت إليه. و هو من أهل المقدرة و الكفاية و الاستقامة.

الحاج محمد العسافي:

مرض فتوفي يوم الأحد 19 رجب سنة 1310 ه. من بني تميم و هو والد الحاج حمد و الحاج صالح. من التجار.

تجوّل الوالي:

أناب الوالي فضيلة عزيز بك القاضي عنه و تجوّل في أنحاء كربلاء و النجف.

حوادث سنة 1311 ه- 1893 م

الهيضة في بغداد:

حدثت الهيضة في 1 صفر ثم أخذت تزداد في يوم الخميس 12 صفر سنة 1311 ه. و روعيت التدابير و الاحتياطات اللازمة.

البلديات في بغداد:

رئيس البلدية الأولي: مصطفي و في آل جميل.

رئيس البلدية الثانية: الشيخ عبد الرزاق الشيخ قادر.

رئيس البلدية الثالثة: الحاج محمود التكريتي. و من أولاده رشيد توفي سنة 1914 م و هو والد الأستاذ الحاج خالد الموظف في وزارة الداخلية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 148

مدير المعارف:

انحل منصب مديرية المعارف فعيّن بإرادة ملكية عيسي غياث الدين آل جميل، و هو من أعيان بغداد أبا عن جد.

حوادث سنة 1312 ه- 1894 م

حوادث:

اشارة
1- اختار (ريشارز) الإقامة في بغداد،

و نال بها منصب قنصل.

ثم ذهب إلي ألمانيا.

2- توفي فتح اللّه عبود من تجار النصاري في 4 كانون الأول سنة 1310 رومية

عاش 90 سنة و كانت أعماله التجارية منتظمة، و كان عضوا في مجلس الإدارة في بغداد مدة، و من جراء خدماته نال رتبة (فپوچي باشي) (رئيس الحجاب). و هو جد الأستاذ يعقوب سركيس لأمه.

3- عمّر مجددا المكتب الابتدائي الملاصق لمكتب الرشدي العسكري و تجاه المستشفي العسكري

.و المستشفي العسكري اليوم هو نادي الضباط تجاه مسجد أبي النجيب السهروردي.

4- وصل إلي بغداد من سادات الإسماعيلية محمد شاه المعروف ب (آغا خان الثالث)

ابن علي شاه (آغا خان الثاني) ابن حسن علي شاه (آغا خان الأول) و ينتهي نسبه بقاسم شاه بن شمس الدين محمد بن ركن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 149

الدين خورشاه آخر أئمة النزارية في (ألموت). أمر السلطان بالعناية به.

جاء لزيارة الأئمة. و هذا من أئمة الإسماعيلية المعروفين ب (النزارية).

منهم في الهند و إيران و سورية و قليل منهم في العراق.

5- عمّرت المشيرية (الوزيرية)

و أجري لها رسم الافتتاح.

6- تأسست في خانقين محلة الحميدية
7- بارمانة (بيرمانة)، و الخواص، و نهر الشاه، من قري المحاويل

صارت نواحي من الصنف الثاني.

حوادث سنة 1313 ه- 1895 م

حوادث:

1- كانت ناحية الرحالية تابعة لكربلاء، فصارت تابعة لقضاء الدليم
2- صدر الأمر من نظارة الداخلية في تسليم الحديثة النجيبية إلي الجهة العسكرية لإنشاء مستشفي فيها،

و أجريت التبليغات اللازمة.

و اتخذت (مستشفي عسكريا). و دامت كذلك إلي احتلال بغداد.

3- في بغداد ليلة 7 جمادي الآخرة سنة 1313 ه اهتزّت الأرض مرتين متواليتين

.موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 150

4- رفع خيري أفندي كتخدا الباب (كهية البوّابين أو الحجاب) في بغداد و الموصل و البصرة إلي رتبة (بالا)
5- كان في بغداد المشير رجب باشا مشير الفيلق السادس
6- صدر أمر الوالي بلزوم استعمال الأوزان الجديدة
7- جاء في لغة العرب (ج 8 ص 10) أن فهد باشا السعدون توفي سنة 1313 ه،

و هو والد فخامة عبد المحسن السعدون، و عبد الكريم، و عبد الرزاق، و محمد، و عبد العزيز، و حامد، و عبد اللطيف، و عبد الهادي، و عبد الرحمن، و حمدي، و عبد المجيد.

حوادث سنة 1314 ه- 1896 م

والي بغداد عطاء اللّه باشا

نقل الحاج حسن باشا إلي ولاية سورية. يوم الخميس 6 المحرم سنة 1314 ه فذهب إلي الشام يوم السبت 15 المحرم. و في هذه الأثناء كانت الدفرة (الفيضان) فركب الباخرة إلي الطارمية و منها سار إلي منصبه الجديد. و صار مكان عطاء اللّه باشا ابن أحد الصدور العظام محمد سعيد الكواكبي. جاء الخبر بأنه صار واليا في 20 المحرم سنة 1314 ه و ورد بغداد يوم الاثنين 15 صفر.

و كان في العراق مدة تتجاوز 12 سنة حصل فيها الوقوف التام علي جميع أحوال الأهلين، ورد بغداد باحتفال، و أطلق له 19 مدفعا.

قري ء فرمانه بعد ظهر يوم الخميس في 4 ربيع الأول. و حضر قائد

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 151

الفيلق السادس رجب باشا و جماعة من الأمراء و الأعيان.

و لم ينشر نص فرمانه في الزوراء. و هذا هو الذي هجاه الشيخ رضا الطالباني فقال:

عمري يوزدن متجاوز نه ايدر بروالي اشته بوندن وز ولور مملكتك أحوالي

ملكك إصلاحنه برميتي ايلر مأمور آفرين قوه دراكه (باب عالي)

و معناه أن الوالي الذي بلغ من العمر عتيا، فتجاوز المائة سنة فلا ريب أن تعيينه يؤدي إلي اضطراب أحوال المملكة و إلا فلا يتصور إصلاح القطر و إحياؤه بأحد الأموات. مرحي لقوة إدراك (الباب العالي) في إدارة الملك و تدبيره …!

ولد باستنبول سنة 1251 ه و ولي وظائف كثيرة في مناصب عديدة من نيابات ولاية ثم نال منصب رئاسة ديوان التمييز في 3 ذي القعدة سنة

1292 ه. و في 12 شعبان سنة 1297 ه فوّض إليه منصب معاون والي بغداد. و عند تشكيل متصرفية المركز عيّن لها في بغداد. و بقي في هذا المنصب خمس سنوات ثم نقل إلي متصرفية شهرزور التابعة للموصل في 12 شهر رمضان سنة 1301 ه و في 8 ذي الحجة عيّن لمتصرفية لازستان من ولاية طربزون ثم (قاضي عسكر الأنضول). و نال رتبا و أوسمة كثيرة.

حوادث:

1- عهدت متصرفية الأحساء إلي محمد سعيد باشا

المنفصل من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 152

متصرفية كربلاء وصل إلي بغداد يوم السبت 16 جمادي الآخرة و بارحها إلي محل مأموريته في أوائل شهر رمضان. و كان متصرفا فيها.

2- نقل مكتب الإعدادي الملكي إلي جانب الكرخ،

و نقل إلي الرصافة الرشدي في المحل الواقع أمام القشلة النظامية (في محل المتصرفية اليوم).

3- توفي أحمد بك الشاوي مدير ناحية قزلرباط (السعدية).

(و هو أحمد الظاهر).

4- أحمد باشا من أعيان البصرة وجهت إليه رتبة أمير لواء

(مير ميران).

5- توفي المشير نصرت باشا من مرافقي السلطان في 18 جمادي الآخرة سنة 1314 ه.

و أجريت له مراسم عظيمة للاحتفال بدفنه في الأعظمية).

الأستاذ سليمان فائق بك

توفي الأستاذ سليمان فائق بك من أشراف بغداد يوم الخميس 28 جمادي الآخرة سنة 1314 ه. و كان رحمه اللّه مؤرخا كبيرا. و لو لا تاريخه لذهبت أخبار كثيرة تتعلق بالقطر. فأزال الغوامض التاريخية.

و مؤلفاته تاريخ الكولات (المماليك)، و مرآة الزوراء، و رسائل المنتفق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 153

كل هذه مما جلا عن مبهمات فأصبحت حوادثه لهذه العهود واضحة.

و هو كاتب أديب كامل. و قدرته القلمية باللغة التركية بالغة حدّها. و كان أبصر بالإدارة و دخائلها صار محاسبا و متصرفا مدة كما كان كاتب الديوان. أثني عليه الأستاذ أبو الثناء الآلوسي في رحلاته و مدح سمو أخلاقه و أدبه و كفي ذلك مشعرا بنجابته و شهامته. و أكبر من كل هذا أنه أنجب أعاظم مثل محمود شوكت باشا و نال الصدارة في الدولة العثمانية و مثل فخامة الأستاذ حكمت و نال رئاسة الوزراء في الدولة العراقية، و صار عضوا في مجلس النيابة، و مثل المرحومين مراد بك و معالي خالد.. و التفصيل في كتاب التعريف بالمؤرخين.

الحاج عبد الرحمن جلبي ثنيان:

من التجار المعتبرين توفي ليلة الجمعة 16 شهر رمضان سنة 1314 ه. و هو والد المرحومين الأستاذين عبد اللطيف ثنيان و عبد اللّه ثنيان.

أنطون:

العضو في لجنة الأملاك السنية في بغداد. وجهت إليه الرتبة الثانية من صنف المتمايز في 22 جمادي الآخرة سنة 1307 ه. و توفي في 13 شوال سنة 1314 ه.

حرب اليونان:

ابتدأت من 14 ذي القعدة سنة 1314 ه. (18 نيسان سنة 1897 م) و دامت إلي 16 ذي الحجة سنة 1314 ه (19 مايس سنة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 154

1897 م) و لم تطل كثيرا، أبدي العثمانيون فيها من البسالة و التفادي أمرا عظيما، فهي صفحة حربية خالدة سجلت لهم الفخر.

حوادث سنة 1315 ه- 1897 م

رزق اللّه عبود:

كان عضوا في مجلس الإدارة و توفي فخلفه يعقوب عيسائي من التجار المعتبرين في بغداد.

الاحتفال بجسر الخر:

جري الصرف عليه من الخزانة الخاصة، و أجري رسم الاحتفال بوضع حجر أساسه، و صرف لتعميره ستة آلاف ليرة، فسمي ب (الجسر الحميدي)، و كان الاحتفال بافتتاحه يوم الخميس 28 شعبان سنة 1315 ه بدعوة من رجب باشا المشير و رئيس لجنة الأراضي السنية، فحضر الوالي و سائر الأمراء و الأعيان.

عبد القادر الكيلاني:

توفي السيد عبد القادر ابن السيد مراد الگيلاني العضو في محكمة الاستئناف في بغداد و كان عالما فاضلا، و كان خطه جميلا جدا و في الوقت نفسه متقنا إلا أنه لم يزاول تعليمه فلا يعد من أساتذة الخط و إن كان قد فاق فيه. و من أولاده السادة محمود و عبد المجيد و حسام الدين و شاكر و توفي السيد محمود في 7 المحرم 1331 ه عن أولاده نور الدين و محمد فائق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 155

الاحتفال بفرمان الوالي مجيد بك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 156

نقيب البصرة:

السيد رجب أفندي نقيب أشراف البصرة نال و سام (المجيدي) من الدرجة الأولي.

السيد سلمان النقيب

كان قائممقام نقيب الأشراف في بغداد. توفي يوم الاثنين في ثاني يوم العيد من ذي الحجة سنة 1315 ه (2 مايس سنة 1898 م) فأجري الاحتفال العظيم بتشييع جنازته، و حضر الوالي و المشير و والي البصرة و الأمراء و الأعيان. و دفن في جامع جدّه الشيخ عبد القادر الگيلاني. له شهرة في السجايا الكريمة. و بلغ (كاتب المابين) أسف السلطان علي وفاته. و أوفد الوالي عطاء اللّه باشا إلي مجلس الفاتحة لتعزية الأسرة.

و للسيد شهاب الدين الموصلي و شعراء كثيرين قصائد في رثائه.

و خلفه أخوه السيد عبد الرحمن في التولية و النقابة. و دام في التولية و النقابة و نال منصب رئاسة الوزراء مرارا. و توفي يوم الأحد في 12 ذي الحجة سنة 1345 ه- 12 حزيران سنة 1927 م.

حوادث سنة 1316 ه- 1898 م

رجب باشا:

مشير الفيلق السادس حوّل إلي قيادة فرقة طرابلس في 17 صفر سنة 1316 ه.

و كان في أيامه الفريق شعبان باشا و كان في بغداد أمير لواء. و علي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 157

طلب من رجب باشا نقل إلي كركوك. و كانت وردت برقية إلي رجب باشا من استنبول:

أي رجب صانمة كيم شعباني طوتارلر چوق آدملر واركيم رمضاني يرلر

و معناه: يا رجب لا تظن أن الناس (يصومون) شعبان و إنما الكثير منهم ينتهك حرمة رمضان. ثم إن شعبان باشا طلب من رجب باشا، نقله إلي بغداد مسترحما ذلك منه، فأجابه رجب باشا: (رجب چقمد قچه شعبان كيره مز).

أجابه بأن لا يدخل شعبان ما دام رجب لم يخرج و قد مر بنا أنه ورد بغداد. و توفي في أيام المشروطية بسكتة قلبية و هو وزير دفاع.

و كان كاملا ذكيا، ورد بغداد أيام كان أمير

لواء، ثم صار مشيرا و وكيل الوالي. و هو عظيم في أدبه و في شجاعته، و في كل أحواله.

مشير الفيلق السادس:

أحمد فيضي باشا عيّن لهذا المنصب. و كان مشير الفيلق السابع و والي اليمن.. ورد بغداد في 28 ربيع الآخر سنة 1316 ه.

الأستاذ عبد الحميد بك الشاوي

إن عبد الحميد بك الشاوي مميز قلم مكتوبي ولاية البصرة ارتحل إلي دار البقاء بحلول أجله الموعود في 8 ربيع الأول سنة 1316 ه.

و المرحوم من أسرة نجيبة مبجلة من وجوه مملكتنا أشرافها و ذوي بيوتها القدماء موصوفة بالأصالة و النجابة و السخاء و الوفاء و علو الجناب و غيرها من الصفات الممدوحة، و هو في حد ذاته كان ذكيا مستعدا أديبا كاملا سريع البديهة، مشتهرا فيما تقلّد للآن من الخدمات العديدة بالعفة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 158

و الاستقامة و الاقتداء و الكفاية، فإن فقدانه الأبدي استلزم الأسف العظيم.

هذا ما قالته الزوراء. و فصّلت ترجمته في التاريخ الأدبي.

عبد اللّه صافي الشاعر:

توفي سنة 1316 ه. و هذا الأستاذ كركوكي الأصل، و كان والده ملا درويش محمد من العلماء. و له من المؤلفات:

1- أمثلة تركية.

2- (افترانامه) موجودة في ديوانه. كتبها بعد أو وجهت إليه تهمة في استنبول.

3- ديوانه. عندي نسخته الأصلية.

4- ترجمة أخبار الدول و آثار الأول في ثلاثة مجلدات للقرماني.

5- قسطاس مستقيم. مناظرة جرت له مع قس. و تتضمن إبطال التثليث، و إثبات التوحيد. منشورة في (مجموعة بلبل).

حوادث سنة 1317 ه- 1899 م

الوالي نامق باشا الصغير

هو والي طرابلس الغرب سابقا، عهد إليه بإيالة بغداد، و هو من أجلّ وزراء السلطنة و له الكفاية التامة في كل مهمة قام بها و مآثر حسنة تشهد له بالمقدرة، و الاستقامة، و الجد، و حسن السلوك، و لا ريب أن هذه الخصال من أكبر المؤهلات لينال هذا المنصب.

و في يوم الخميس 8 المحرم سنة 1317 ه وصل إلي بغداد فاستقبله الوالي السابق عطاء اللّه باشا، و المشير فيضي باشا و الأعيان و الأكابر، و الأهلون استقبالا لائقا. و أجريت له مراسم التبريك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 159

ثم قري ء الفرمان، و أطلقت المدافع عند قراءته ثم خطب الوالي بالجمع خطابا مشتملا علي نواياه الخيرية و مقاصده و أفكاره في جلب الرفاه و الراحة للأهلين. و هذه ترجمة الفرمان:

«الدستور المكرم، و المشير المفخم، نظام العالم مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب، متمم مهام الأنام بالرأي الصائب، ممهّد بنيان الدولة و الإقبال، مشيد أركان السعادة و الإجلال، المحفوف بصنوف عواطف الملك الأعلي من هو من وزراء سلطنتي السنية، الوالي بولاية طرابلس الغرب، الذي وجه و أحسن في هذه الدفعة لعهدة استيهاله ولاية بغداد، الحائز، و الحامل للوسامين ذوي الشأن المجيدي من الرتبة الأولي، و العثماني من الرتبة الثانية!.

ليكن معلوما

لدي وصول توقيعي الرفيع الهمايوني أنه لما كانت ولاية بغداد ولاية حائزة الأهمية لما لأراضيها من القابلية، و من المطلوب و الملتزم للغاية لدي خلافتي و سلطنتي إيصال ما هي مستعدة له من العمران و الترقي إلي ساحة الحصول و استكمال أسباب الرفاه و الراحة لصنوف أهاليها الساكنين داخل الولاية، و رؤية المصالح الواقعة و الجارية و تمشيتها بصورة عادلة و محقة، و لما كنت أنت المشار إليه متصفا بالأوصاف اللازمة، و قد أبرزت مآثر الدراية و الغيرة بما تقلدت للآن من خدمات دولتي العلية، و من المأمول و المنتظر أنك في كل وجه ستصرف ما عندك من الوسع و الاقتدار في توفيق الحركة و المعاملة مع رضاي الملوكي المستلزم للسعادة بعد هذا أيضا، فقد وجه لعهدة لياقتك ولاية بغداد بموجب إرادتي السلطانية المعتادة بالإحسان، السانحة و الصادرة شرفا من عواطفي السنية الشاهانة، و عوارفي الجليلة الخاقانية في اليوم التاسع من شهر شوال المكرم لسنة ست عشرة و ثلاثمائة و ألف الحالية و أعطي أمري هذا الجليل القدر من ديوان الهمايوني متضمنا لمأموريتك، فعليك أنت أن تنصب نفس الاهتمام و الاقتدار في حسن رؤية و تمشية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 160

وظائف و مصالح الولاية بمقتضي درايتك و فطانتك المجبول و المفطور عليهما، و أن تدور الملحقات بالذات حسب الإيجاب، و تتوسل و تتمسك بالشريعة المطهرة النبوية في كل حال مع تطبيق حركاتك علي القوانين و النظامات الموضوعة و تجعل مزيد الاعتناء و الدقة في هذا الأمر الأهم ألا و هو مظهرية عموم الأهالي و السكنة المتمكنين داخل الولاية المذكورة و نائليتهم للعدالة و الحقانية و كمال الأمن و الراحة من كل الوجوه في

ظلّ معدلتي السنية السلطانية و تصرف الإقدام و الغيرة لاستجلاب الدعوات الخيرية من كل أحد لطرفي السلطاني المستجمع للمجد و الشرف، و تبذل المقدرة لدوام و تزايد مكارم توجهاتي الملوكية المقررة في حقك و إشعار المواد اللازمة إلي باب سعادتي شيئا فشيئا تحريرا في 12 شوال سنة 1316» ا ه.

و هذه ترجمة الخطاب الذي ألقاه الوالي:

«من المعلوم لدي العموم أن جلّ آمال حضرة سيدنا ملاذ الخلافة و مأوي العدالة، ولي نعمتنا الأعظم بلا امتنان الشاملة كل خير معطوفة نحو استكمال أسباب العمران في هذه الولاية الواسعة السلطانية حسبما هي مستعدة له، و رفاه حال كل صنف من تبعته و سعادتهم كما هو منطوق فرمانه العالي المنيف الذي قد تلي بالتعظيمات الفائقة فسنسارع بتوفيق اللّه تعالي في كل وجه من الوجوه لصرف المساعي لتمام هذا المقصد العلوي السلطاني الذي هو من أهم الأمور و من جملة نشر أنوار المعارف و تعميمها في كل طرف، و تأسيس أنواع مآثر المدنية و العمران مجددا لمقتضي وجودها بالنظر إلي الإيجابات الزمانية فلذلك ننتظر المعاونة الجدية في هذا الباب من الجميع، و نخطر كافة المأمورين صغيرهم و كبيرهم بأن يتحركوا في وظائفهم الموكولة مع الإقدام و الاستقامة وفق الرضاء العالي، و يصرفوا الاقتدار لاستجلاب الدعوات الخيرية لجانب الحضرة الملوكية الجليلة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 161

فنسأل الحق سبحانه و تعالي أن يؤيد حضرة سيدنا و ولي نعمتنا السلطان الفاروقي الشعار، شمس برج الخلافة و السلطنة، و يديم ظله الظليل الملوكي علي مفارق المسلمين و العثمانيين إلي يوم القيامة، و يوفقنا جميعا لنيل ما أملناه من إبراز الخدمات المبرورة وفقا لمرضاة جلالته العالي». ا ه.

الأستاذ نعمان الآلوسي

في يوم الأربعاء 7 المحرم

توفي المرحوم الأستاذ السيد نعمان خير الدين الآلوسي أحد علماء بغداد المتبحّرين و فقهائها المدققين، دفن في جامع مرجان.

أما المرحوم فهو شبل المفسر العديم المداني صاحب التفسير (روح المعاني) أبي الثناء السيد محمود شهاب الدين الآلوسي، و لعمري إنه لنعم الخلف لخير السلف. مقتفيا أثر والده الماجد في التأليف و التدريس، و كان رحمه اللّه تعالي حليما، سليما، وقورا، مهيبا، مواظبا علي تدريس العلوم الدينية و الفقهية. فلذا إن فقدانه الأبدي يعدّ من الضايعات العظيمة.

و من أشهر مؤلفاته:

1- جلاء العينين في محاكمة الأحمدين.

2- غالية المواعظ.

3- شقائق النعمان.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 162

4- سلس الغانيات في ذوات الطرفين من الكلمات. و له خزانة كتب عظيمة الآن هي ضمن خزانة الأوقاف العامة. و ترجمته في المسك الأذفر و في تاريخنا العلمي و الأدبي و في المعاهد الخيرية.

الوالي السابق:

عطاء اللّه باشا بارح بغداد يوم السبت في 10 المحرم سنة 1317 ه و ودّع من الوالي اللاحق و سائر الأمراء.

أحمد بك الشاوي:

توفي أحمد بك الشاوي مفتي البصرة في الأسبوع الماضي علي أثر داء عضال ألمّ به. أما المرحوم فهو من قدماء الأشراف و ذوي البيوت المشهورين في بلدتنا بالكرم و الوفاء و الشجاعة و البسالة و الأصالة و النجابة. و كان رحمه اللّه أديبا لبيبا كاملا عارفا منفردا في اللغة العربية و أدبياتها، و له اليد الطولي فيهما. فلذا إن فقدانه الأبدي أثر في الجميع.

بين العويديين و الجريان:

في الممدوحية. أجري فصل الخصام، و التأليف بينهما.

الهيضة في البصرة:

تزايدت في 20 جمادي الآخرة سنة 1317 ه.

نقود عباسية:

عثر يوم السبت 14 شعبان سنة 1317 ه علي شاطي ء دجلة من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 163

خضر الياس في الكرخ علي دفينة. مرّ من هناك قفّاف أراد أن يعبر قفّته من هناك فصادف بستوقة فلما مسّها بغرّافته انكسرت فانصبت النقود الذهبية في الشط فأخبرت الحكومة بذلك. فوافت الضابطة و جاء موظفو المعارف، فحافظوا علي المحل و بواسطة غواصين أخرجوا النقود الذهبية من الماء، فبلغت نحو ثلاثة آلاف قطعة من المسكوكات العباسية، و بينها ظهرت قطعة بثقل نحو عشرين ليرة بصورة (سبيكة) ذهبية.

و في جريدة الشعب الغراء الصادرة في 2- 3- 1955 م أن (القفّاف) صالح المشهداني الذي عرف ب (المعتصم) باسم نقود هذا الخليفة التي عثر عليها. أخذها في منديل (كفية) و ثلاثة أكياس.

و المشهداني نسبة إلي عشيرة المشاهدة القاطنين شمال الكاظمية. و كان (حادورة) في (القفّة) المحمل فيها القرع. و الكنز وجد في مسناة بيت السويدي وجدت في حب كبير ضربه في مرديه فانهالت الدنانير، فلم يعلم أحد و فرغ القفة. و في هزيع من الليل عاد فأخذ ما تمكن من أخذه. و من ثم سمي المعتصم و داره تعرف ببيت المعتصم و صارت له ثروة حكاها ابنه (السيد محمد) بن صالح المشهداني.

و جاء تفصيل نوع النقود في مجلة سومر ج 10 ص 180 بقلم السيد الأستاذ ناصر النقشبندي.

و جاء في مسكوكات عثمانية عن هذا الحادث ما ترجمته:

«عثر علي هذه النقود في شاطي ء محلة خضر الياس، و قد تناهبها الناس، فعلمت الحكومة بذلك، و هذه أخذت إلي استنبول و إن ناظر المالية آنئذ أصر علي لزوم إذابتها لما أصابت الدولة آنئذ من ضائقة مالية

و حينئذ اضطر مدير المتحف الأسبق حمدي بك الذي كان شغل هذا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 164

المنصب نحو 30 سنة أن يذهب إلي الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) خليل رفعت باشا فكان سعيه في سبيل منع وزير المالية مثمرا، فأصدر أمره بأن لا يتعرض لهذه النقود.

سراي الكاظمية

وضع الحجر الأساسي لبناء سراي الكاظمية و أجريت المراسم يوم السبت 24 رجب سنة 1318 ه حضره الوالي نامق باشا، و المشير أحمد فيضي باشا و حاكم الشرع كمال الدين بك.

حوادث:

1- شاع استعمال البطاطس (الپتيتة) في أوروبا،

لما احتوي من الخواص المغذية فلم تصدر التشويقات، و الإعفاءات من الرسوم في زرعه في ممالك الدولة العثمانية، حتي صدرت الإرادة الملكية في الإعفاء خمس سنوات اعتبارا من سنة 1313 رومية ثم بوشر باستيفاء العشر عنه. و في هذه المرة أعفي عشر سنوات أيضا. للتشويق علي زرعه.

2- تقرر إنشاء المذابح و أن تكون صحية و بصورة غير ضارة بالأهلين.
3- عيّن عمر شعبان أفندي إلي المعلمية الأولي في المكتب الرشدي ببغداد،

و كان يدرس العلوم الدينية و اللسان العثماني. و كنت طالبا في أيامه، و هو رجل من أهل الصلاح، و من الأخيار. و من الغريب أنه كان يدرسنا اللغة العربية بالتركية. يدرس (كتاب المشذب).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 165

و هو مقرر لتدريس أبناء الترك العربية، فصار يدرس فيه أبناء العرب العربية. و هذا درست فيه و تخرجت منه في صيف سنة 1319 رومية.

و بعدي بسنة تخرّج أخي المرحوم علي غالب العزاوي المحامي المتوفي في 30 آب سنة 1945 م و ذلك بعد أن تخرجنا من المكتب الابتدائي المعروف ب (الحميدي).

4- تأسس في الحلة مكتب ابتدائي.
5- عيّن السيد محمد نافع الطبقچه لي لنيابة القضاء في العمارة.

نزاع العشائر:

بين شمر و الدليم كانت و لا تزال الوقائع المؤلمة من حرب و غزو.

و هذا مما يسبّب زوال الأمن و الراحة، فهي في قلق دوما، و أن الحكومة أرادت إصلاح ذات البيت فانعقد مجلس الإدارة بمحضر من الوالي، و كل واحد ترك ما له من حق نحو الآخر. و كان رئيس شمر آنئذ مجول بك، و رئيس الدليم الشيخ سليمان البكر والد الشيخ علي السليمان، فتم الصلح بينهما. و أخذت العهود عليهما، و أن يكونا مسؤولين فيما إذا حصل ما يقلق الراحة. و تحابا و تصافحا علي الأصول.

نقود فضية:

عثر علي ما يزيد علي ألف قطعة من المسكوكات تخص (آق قوينلو)، و (قره قوينلو) في دار التاجر اليهودي سلمان صالح حينما كان يعمرها، فأرسلت إلي نظارة المعارف. و تبين أن ليس لها قيمة، فأخذ نصفها للمتحف، و الباقي أعيد إلي صاحبها فلم يقبلها و تركها للمكاتب الابتدائية الإسلامية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 166

رفعت بك:

من أشراف بغداد و هو ابن أحمد آغا مرض منذ مدة فلم ينج من مرضه، فتوفي في يوم الاثنين 16 ذي الحجة سنة 1317 ه عن عمر يناهز السبعين و كان من بيوت بغداد القديمة، و له مزايا أخلاقية من زهد و تقوي، و حصل علي قائممقاميات متعددة و متصرفيات، فأدي خدمات صادقة. و ابنه شوكت بك قائممقام الحلة. ثم صار شوكت باشا. و له أبناء و هم السادة فخامة ناجي باشا و الدكتوران سامي و صائب.

حوادث سنة 1318 ه- 1900 م

حوادث:

1- أرسلت أوستريا مجارستان مجددا قنصلا لرؤية مصالحها التجارية

و هو (مسيو آلفرد راپاپورت) و قدم البرات لمقام الولاية بصورة رسمية، ثم أعاد له الوالي الزيارة في اليوم التالي.

2- حصل الأستاذ عبد الجبار الخياط علي وسام من الپاپا من الرتبة الخامسة.

و هو أحد وكلاء الدعاوي المشاهير في بغداد. والد الأساتذة أنور و فؤاد آل الخياط.

3- كان النزاع بين عشائر السماوة علي زراعة الشلب، بين بني حكيم، و البو حسان، و الظوالم، و البو جياش،

فذهب الوالي نامق باشا لحل النزاع و توزيع الأراضي للغرض المشار إليه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 167

محمد آل جميل:

في ليلة الاثنين 26 رجب سنة 1318 ه توفي الشهم الهمام، و البطل المقدام، فريد زمانه، و وحيد أوانه محمد آل جميل، أشرف الوجوه من ذوي البيوت المحترمين في بغداد، و أقدم الرجال الكرام الحائزين درجة استنبول الرفيعة.

و كان مماته فجأة، و في صباح اليوم الثاني حضر لتشييع نعشه كل من صاحبي الدولة حضرة والي باشا، و حضرة مشير باشا، و جميع أركان الولاية و مأموريها و أشراف البلدة و متميزيها و السادات و مشايخ الطرق، و جمّ غفير من الأمة، و حمل بكمال الاحتفال. و نقل إلي الجامع الشريف الذي هو من آثار أسلافه، الواقع بإزاء داره و بعد أداء صلاة الجنازة أودع في تربته.

و هو الغيور الكريم الوقور، الطود الشامخ، الأريب الكامل، الأديب البارع، من كرام أركان بيت رفيع العماد، شهير بالعلم و الفضل، متصف بالأصالة و النّجابة، ورث الشرف العظيم من أسلافه الأنجاب الأمجاد، و لا يزال بأخلاقه الحسنة و كمالاته الذاتية و فضائله الإنسانية يزيد عليه حتي بلغ المرتبة العليا. فترك إلي أخلافه في الشأن ما لا يوصف.

و كان له النصيب الأوفر في الخصائل الممتازة كالغيرة و السخاء و السماحة و الوفاء. و علو الجناب و حب الخير لبني نوعه، و تقلّد كثيرا من الخدمات المهمة للحكومة. أظهر في جميعها مآثر الفعالية و آثار الصدق و الاستقامة. و قد توشح و تزين صدره بالوسامين العثماني و المجيدي من الدرجة الثانية.

و حافظته كانت قوية، واسعة جدا مزينة بكثير من المناقب الحكيمة و الأبيات البليغة، فكان يورد في المحافل لكل مقام ما يناسبه من

موسوعة

تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 168

الشواهد الأدبية، و الوقائع التاريخية، و نوادر الأمثال، فيفيض علي الحاضرين أدبا و حكمة.

و أما إقدامه و اهتمامه في الأمور الخيرية و جدّه التام فقد كان مستلزما للفخر العظيم في مملكتنا، فكان فقده ضياعا عظيما لبغداد بل للخطة العراقية بأسرها.

حزن عليه الجميع. توفي عن ابنه النجيب صاحب الفضيلة عيسي غياث الدين أفندي من أعضاء محكمة الاستئناف، و عن أخويه صاحب الفضيلة مصطفي أفندي، و محمود أفندي.

رثاه محمد جابر ابن المرحوم أسعد أفندي المفتي الطبقجهلي من الحلة ببرقية:

بفقد محمد قد جلّ خطب له الأشراف طأطأت الرؤوسا

و إن الصبر في عيسي جميل فتي يجلو بطالعه النحوسا

بموت أبيه مات المجد لكن بإذن اللّه قد أحياه عيسي

و للقزويني:

لأبي عيسي بكت عين المعالي فهوي في فقده بدر الكمال

فلعيسي أسوة بالمصطفي يتسلّي و بمحمود الفعال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 169

نهر الخالص:

يتفرع من نهر ديالي، و يتشعب إلي الخالص الغربي و التحويلة.

و فيه يقع دائما العطش في بعض الجهات. لا سيما أيام الصيف. و كان قد خرب الخالص الغربي، و لا تزال المنازعات في التطهير و الإصلاح قائمة علي قدم و ساق. و منهم من يري لزوم حفر دوار من (نهر الگوتي) أو أن يسال الماء من جهة الصوجاغ. و ما زال السعي مستمرا، و لكن التدابير لم تكن ناجعة. و من التدابير أيام الصيف عمل السدود، و إعطاء الاستحقاق المعيّن لأهل الأنهار.

جسر الكوت:

صدرت الإرادة بعمله، و لم يكن فيها جسر، و قرر أن ينشأ في محل يبعد نحو ربع ساعة عن البلد إلي الجنوب، و جري الاحتفال بافتتاحه.

مستشفي الغرباء

جري افتتاحه في يوم الخميس الساعة الثالثة غروبية صباحا في 15 ذي الحجة سنة 1318 ه فحضر الوالي و المشير و جماعة من الأعيان و الأشراف. و قرأ المرحوم الأستاذ محمد فهمي المدرس محرر جريدة الزوراء الدعاء للسلطان و لوزرائه و للوالي. و إن البيانات كانت حول الحاجة إلي مستشفي مثل هذا. ثم اتخذت حديقة أمامه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 170

الحاج أحمد السمين:

ابن إبراهيم آغا. أصلهم (ألبان) و هو من بيت علم. مدرس أول في مدرسة الإمام الأعظم. عاش نحو مائة سنة. و من أولاده الحاج أحمد أيضا توفي في سنة 1955 م. و هو خال الأستاذ إبراهيم أدهم الزهاوي. و كان من الزهاد و خلفه في التدريس الشيخ سعيد النقشبندي و هو أخو الأستاذ عبد الوهاب النائب.

حوادث سنة 1319 ه- 1901 م

حوادث:

1- رفع قنصل روسية في بغداد إلي قنصل جنرال.
2- أجريت المراسم لتطهير نهر الحسينية
3- رشيد الحاج سليمان آغا مميز قلم النفوس في الشعبة الثانية من الأركان الحربية قد توفي.

و أثنت الجريدة علي أدبه و كماله.

4- في 28 ذي القعدة ثارت زوبعة شديدة أمطرت السماء بعدها بردا يساوي حجمه بيضتين و ثقله خمسين درهما،

فلم يسمع بنزول مثله في سابق العهود في أنحائنا. و صار يبالغ فيه و لا شك أنه أضر بالأشجار و النباتات.

السيد درويش الكيلاني:

أخو السيد عبد الرحمن و السيد عبد اللّه و السيد أحمد. توفي يوم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 171

الثلاثاء 14 شعبان سنة 1319 ه و شيع جنازته الأشراف و الوالي و سائر الأمراء و الأعيان. و دفن في الحضرة الگيلانية.

طريق بغداد- استنبول- سورية:

الطريق الآن هو طريق بغداد- الدليم- عانة- دير الزور. و هو معروف و لكنه لم تمسّه يد التعديل و الإصلاح، و المسافة من بغداد إلي حلب 24 أو 25 يوما و إلي الدير 15 يوما، و هو من الطرق الشاقة التي يصعب سلوكها سواء كانت علي الدواب أو المحمل (تخته روان) و صار بعض المسافرين يركبون العربات، و لكنهم يلاقون المشاق و الصعوبات.

و من ثم أمرت الحكومة بتعديل الطريق و تسويته، فذهب المهندس موسيو (شاوانيس) من جانب الولاية ليلاحظ الطريق. و من طريق الخر أجريت بعض التسوية و لم تتم.

شيخ الحلقة:

توفي الشيخ عبد اللّه (شيخ الحلقة) في الحضرة القادرية يوم الثلاثاء بعد العصر في 10 ذي القعدة سنة 1319 ه و دفن في الغزالي. و هو والد المرحوم السيد محمد نجيب شيخ الحلقة.

حوادث سنة 1320 ه- 1902 م

جسر بغداد:

تخرّب هذا الجسر و صار لا يصلح للمرور و عاد بالمضار الكثيرة فاضطرت الدولة إلي تعميره. و نصب في 26 جمادي الأولي سنة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 172

1320 ه- أيلول سنة 1902 م قامت بعمله مدرسة الصنائع ببغداد. و مما قيل فيه:

هي الحضارة ما تعلو بها الرتب و ما سوي العدل في الدنيا لها سبب

و اليوم أضحت بملك ساسه ملك من آل عثمان مضروبا له الطنب

عبد الحميد الذي رامت فما اقتدرت تحصي مناقبه الكتّاب و الكتب

هو المليك فلا تعدل به ملكا سواه إذ ما تساوي النبع و الغرب

أيام دولته الغرّاء تحسبها عقدا تحلّي به أجيادها الحقب

ملك تودّ نزولا عند مربعه لتلثم الكف منه السبعة الشهب

مؤيد بجنود من مهابته أسيافه الرأي لا الهندية القضب

تقلّد العدل سيفا في الأنام و كم له من الحزم فيهم عسكر لجب

أحسن به سيف عدل من تقلّده دانت له الروم و الأعجام و العرب

أدام سيب الندي حتي لقد حسدت ندي يديه بحار الأرض و السحب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 173

و كيف تنهل سحب قطرها مطر و ليس يحسدن سحبا قطرها ذهب

فأصبح الملك مطلول الرياض به تود من أرضه الخضراء تقترب

هذا العراق أجل طرفا بخطته يبدو لعينيك منه ما هو العجب

و انظر إلي ساحة الزوراء تلق بها لنامق همما زالت بها الكرب

ذاك الوزير الذي دار السلام به ماست من الفخر عطفا هزّه الطرب

كانت مريضة جسم قبله فأتي و هو الطبيب و فيها الداء منتشب

حتي تتبع أقصي

دائها فبدا فيها الشفاء وزال السقم و الوصب

فكم له من أياد في مرابعها و كم له من مساع شكرها يجب

سعي بتجديد جسر من تكسره كانت سفائنه كالماء تضطرب

فعاد جسرا علي الشعري العبور لمن رام العبور عليه التيه و العجب

كل البدائع جاءت في صناعته مستبدع الصنع مأمونا به العطب

كأنه و وضوح في طرائقه مهند منتضي في متنه شطب

كأنما كل فلك في محاسنه خريدة وشيت أثوابها القشب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 174

الوالي أبو بكر حازم مع هادي باشا العمري.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 175

تستوقف العابر العجلان صنعته فيقصر الخطو فيه و هو مرتقب

إن قال واصفه فاق الحديد فلا تعجب فربّ حديد فاقه الخشب

فقلت مذ مدّ منصوبا أورخه جسرا لدجلة في الزوراء قد نصبوا

1320 ه

عزل الوالي نامق باشا

عزل الوالي: عزل في يوم نصب الجسر في 26 جمادي الأولي سنة 1320 ه فآلمه جدا. و المسموع أنه لم يصرف له مبالغ مهمة فإن أكثر أخشابه جمعها من أهل البساتين و الملاكين. لحاجة الدولة آنئذ. و نري جماعة يذمونه و آخرون يمدحونه. و لا شك أن مالية الدولة لا تتحمل فكلف الملاكين. و جاء في ذمّه بعض أشعار في يوم نصب الجسر و عزله منها:

قوموا بنا يا بني الزوراء نبتهل فعن قريب جميع الخزي يرتحل

اللّه أكبر زال الشك و ارتحلت عنا الهموم و زال الخوف و الوجل

قد جاءكم خير فال من مؤرخه بشري فنامق بعد الجسر ينعزل

رأيت هذه الأبيات في (كتاب شكرية) المخطوطة الموجودة نسختها عندي و لم أقف علي اسم ناظمها.

و مما قاله الأستاذ المرحوم محمد فهمي المدرس:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 176

و بمعجم الألفاظ أرخ قائلا مرّوا عليه ذا صراط مستقيم

و جاء بحقه بيت بالتركية أنقله عن المرحوم الحاج محمد رفعت المقدم المتقاعد والد الدكاترة أكرم و نهاد و بسيم و لم يعلم من قاله و إنما شاع علي الألسن:

چيقدي نامق بغداد ايچندن منكسر كيچدي قفه ايله كيچمدي فوق الجسر

و كان ذلك في يوم الاحتفال بجلوس السلطان عبد الحميد، و كان جالسا للتبريكات أو قبيلها فبلغ بالعزل و الشائع أنه أجري افتتاح الجسر و حينما أراد المرور منه بلّغ نكاية به. و هذا ليس بصحيح علي ما أكده لي المرحوم محمد رفعت.

و

قال السيد محمود حموشي في مجموعته:

«كثرت عليه الشكاوي. و من جملتها أنه في يوم الجمعة صلي في جامع أحمد باشا الكهية (جامع الميدان)، و أن الخطيب دعا للسلطان ثم للوزير و حينئذ أخذت منه الخطبة و أرسلوها برقيا إلي الصدارة، فجاء البرق مخبرا بعزله …» مما يدل علي الحنق و التألب عليه.

تزوج هذا الوالي عاتكة خاتون بنت المرحوم الأستاذ نعمان خير الدين الآلوسي و ابنه حسن رضا بك من زوجته الأولي سافر إلي ألمانيا لإكمال دراسته و هو مشهور بفرط الذكاء و عاد إلي بغداد مع الوالي ناظم باشا و قتله أسعد باشا الألباني قائد (اشقودرة) حيث كان مدعوا عنده و ذلك أثناء الثورة الألبانية.

و علي كل حال ثبتنا ما سمعنا مؤيدا بشعر منقول، و المرء لا يخلو من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 177

ضد، و غرضنا تعيين الاتجاهات المختلفة. و لم يرض البغداديون عن وال و لا يخفي المصلح من المفسد. و كانت الأنحاء العراقية في مشادة دوما مع الحكومة، و غالب الولاة يرون تضييقا من الدولة في الحصول علي المال، و تنفيذ ما يمكن دون أن يخسروا شيئا في سبيل الإصلاح، و خير الولاة من كان نهجه أن يأخذ و يفيد كما فعل مدحت باشا. و هناك من لم يستطع أن يقوم بالمهمة و غالبهم أبدي العجز. عرف منهم كثيرون بحسن السمعة.

وكيل الوالي:

إن وكالة الولاية عهد بها إلي قاضي بغداد أبي بكر حلمي، و هو الذي أجري المراسم بصفته وكيلا و بقي في الوكالة شهرين ثم وليها بالوكالة بعده المشير أحمد فيضي باشا. و كان سيي ء الأحوال. انفصل من الوكالة في 11 شعبان سنة 1322 ه- 21 تشرين الأول سنة 1904 م.

واقعة ابن الرشيد:

من الوقائع المهمة ما جري بين ابن الرشيد و ابن السعود و ذلك أنه في سنة 1320 ه ثار أهل القصيم و الرياض علي آل الرشيد لما رأوا من ظلم لا يطاق، و دعوا عبد الرحمن الفيصل من آل السعود، فنابذوا آل الرشيد العداء، و جاهروا بالخصام و الدولة لم تنظر إلي أعمال ابن رشيد و ما قام به رجاله من اعتداء حتي عاد لا يطاق أمرهم.

و هذه كلفت العراق ثمنا غاليا في النفوس و الأموال. فالدولة أرادت أن لا ينهض آل سعود مرة أخري فجهزت جيشا لا يزال العراقيون يذكرونه بتألم لما أصاب أولادهم من ضرر، و من جهة أخري إن وكيل الوالي و هو أحمد فيضي باشا آذي التجار و الأعيان و العلماء فصار يكلف هذا و ذاك للذهاب معه، و أن يقوم بالتشويق للحرب، و لم يترك العلماء من هذا الأمر، و إنما سلبهم بهذه الوسيلة. فوق ما يملكون.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 178

و كانت الإرادة السنية في تجهيز الجيش صدرت في ذي الحجة سنة 1321 ه، و سار الجيش في سنة 1322 ه. و أصابه كل عناء بل هلك و لم يبق منه إلا بعض الأفراد فتولدت فيهم عاهات رافقتهم مدة حياتهم.

و مجمل ما أقوله هنا إن الجيش صار تابعا لأوامر البدو في حركاته و سكناته و لم يحافظ

خطوط حركته، و لا التزم ما يقتضي من مخابرة و تموين و عتاد. سار في العلماء فهام في البادية لا يدري إلي أين مصيره فمات من مات.

و يهمنا أن ابن رشيد لم يشأ تدخل الدولة و أراد مدافع و أسلحة …

و الخوف فيه تولّد من حادثة الأحساء أيام مدحت باشا أعان ابن سعود فاستأثر بالغنيمة.

السيد جعفر ابن السيد محمد أمين الواعظ:

توفي ليلة الاثنين الساعة الثامنة غروبية و دفن صباح الاثنين في 19 ذي الحجة في تكية البكري. و ترك بنتا. له مجموعة في دروس الوعظ.

و كان من مشايخ القراء في بغداد، درس علي المقري ء المعروف الملا خليل المظفر، و الملا عمر الخضيري و درس عليه كثيرون.

حوادث سنة 1322 ه- 1904 م

الوالي عبد الوهاب باشا

في 17 شعبان سنة 1322 ه ولي بغداد عبد الوهاب باشا أمير أمراء (روم ايلي) و ورد بغداد في يوم الجمعة 8 شوال سنة 1322 ه و كان والي الموصل الأسبق. و هو (ألباني) الأصل. و هذا الوالي راعي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 179

آل الحيدري كثيرا، و اكتسبوا في أيامه نفوذا، و نكب آل الزهاوي.

دامت ولايته نحو سنة. و لم يعرف عنه من الحوادث ما يستحق الذكر.

و مما قيل في وروده:

نسمات العدل هبت أحيت القلب فعاشا

و قلوب الخلق ريا بعد ما كانت عطاشا

عطرت بغداد أرخ بشذا وهاب باشا

1322 ه

و علي الضدّ منها ما جاء باللغة التركية:

خطاي نابجايي يا پديران ظن ايتمه و اليدر بالق باشدن قوقار ضرب مثل معلوم عاليدر

و لآخر:

خطاي نابجايي يا پديران هيچ شبه يوق باريدر مسلمدر قوقار باشدن بالق مراد اللّه بويله جاريدر

وفيات

1- نعمان أفندي الوكيل عن أخيه مصطفي أفندي متولي أوقاف الإمام الأعظم، توفي في رجب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 180

و كان رحمه اللّه من الأخيار. و أخلاقه مرضية. و هو ابن عبد اللطيف بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن داود و هؤلاء توالوا في التولية. ثم خلف نعمان أفندي في الوكالة أخوه الشقيق عبد الباقي ثم توفي مصطفي المذكور عن ابنه أمين ثم إلي ابنه جاهد و بعد وفاته انحلت التولية.

2- حسين الپشدري. من العلماء و مدرس ثان في مدرسة الإمام الأعظم.

و له مؤلفات عديدة. توفي في 3 شوال سنة 1322 ه. و ترجمته في التاريخ العلمي. و من أحفاده الأستاذ عارف الأعظمي المحامي و الأستاذ فائق الأعظمي ملاحظ محكمة البداية سابقا.

حوادث سنة 1323 ه- 1905 م

نفي و تبعيد:

في 22 المحرم من هذه السنة نفي و أبعد كل من السادة ثابت بن نعمان خير الدين الآلوسي، و السيد محمود شكري الآلوسي، و الحاج حمد العسافي. و كان ذلك في أيام عبد الوهاب باشا والي بغداد في الليلة التي وردت برقية بنفيهم. هذا ما جاء في مجموعة السيد محمود حموشي.

و ضبط التاريخ. و كان أمر تبعيدهم إلي بلاد الترك من طريق كركوك، و بيّن أن عبد الرزاق الأعظمي كان مقصودا أيضا إلا أنه اختفي، فلم يذهب معهم.

و لم يطل أمر تبعيدهم و لا تجاوزوا الموصل و إنما تشبث أهل الموصل من علماء و أعيان كما تشبث الأستاذ الحاج علي علاء الدين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 181

الآلوسي الذي كان في استنبول في إرجاعهم فعادوا بعد مدة قصيرة.

عزل والي بغداد عبد الوهاب باشا

عزل الوالي عبد الوهاب باشا في سلخ شعبان سنة 1323 ه.

و خرج من بغداد يوم الخميس 10 شوال سنة 1323 ه. فخلفه بالوكالة قائد الفيلق المشير سليمان باشا و هذا القائد كان بينه و بين كاظم باشا الفريق الأول نفرة، و كاظم باشا صهر السلطان عبد الحميد، و قائد الخيالة، و كان يتولي الوكالات لبعض الولاة. و في نتيجة النزاع عزل سليمان باشا، و نفي إلي أرزنجان، فلما وصلها أعيد، و كان يعتقد في حساب الجفر، و مما يحكي أن حسن المتقاعد من (الحجر الصحي) أخبره أنه سيعود، فلما عاد أكرمه، فقوي اعتقاده في صحة حساب الجفر. فأسند إلي أعدائه أمورا أثرت في استنبول. و وجدت أذنا صاغية، فقبلت و أعيد.

و الملحوظ أن رئيس أركان الجيش في أيام عبد الوهاب باشا كان فخري باشا.

ثم خلفه الوالي عبد المجيد بك. و كان يعرف ب (مجيد بك)، و

هو كاتب قدير، و رتبته (بالا). ورد بغداد في 28 شوال سنة 1323 ه.

حوادث سنة 1324 ه- 1906 م

والي البصرة:

انفصل الفريق مخلص باشا والي البصرة و قائدها، و أحيلت الولاية بالوكالة إلي والي بغداد مجيد بك. و هذا الوالي واقف علي دقائق الأمور و غوامضها، و له تجارب عديدة فيما عهد إليه، و قام بالهمّات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 182

و المعضلات. و لم تمض مدة حتي عيّن لمنصب البصرة حسن بك فوصل إلي بغداد يوم الجمعة في 14 شوال سنة 1324 ه و في 16 منه توجّه إلي البصرة.

مصطفي وفي آل جميل:

توفي ليلة 28 شهر رمضان سنة 1324 ه و شيّع جثمانه الأهلون، و كان دينا، عاقلا، كاملا محسنا، و إن وفاته ضياع أليم. و كان عالما و أديبا. ذكرته في التاريخ الأدبي. و هو من أشراف بغداد.

عزل الوالي مجيد بك

صدرت الإرادة بنصب والي مناستر أبي بكر حازم بك واليا لبغداد و أن ينتظر الوالي السابق مجيد بك إلي إشعار آخر.

سافر مجيد بك إلي استنبول يوم السبت 26 ذي الحجة سنة 1324 ه و أجريت له المراسم المعتادة.

و كان سبب عزله حركة كربلاء حينما وجه رشيد باشا ابن الأستاذ محمد فيضي الزهاوي وكيل المتصرف فوقع قتال بين العجم و بين الجند بسبب أخذ الرسوم. و عندي رسالة خطية باللغة الفارسية في تفصيل هذه الواقعة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 183

حوادث سنة 1325 ه- 1907 م

والي بغداد أبو بكر حازم بك

وصل إلي بغداد يوم الجمعة 3 المحرم سنة 1325 ه فأجريت له المراسم و الاحتفالات المعتادة. و هنأوه بمنصبه. و كان برتبة (بالا).

ولد سنة 1864 م و تقلب في مناصب تحريرية أولها سنة 1294 ه و هو من سلالة مراد باشا صاحب الخيرات العميمة في (نيكده).

و هذا الوالي أصل محلته (تبه و ايران) فصارت تبه يران (تپيران) و هذا ما اتخذه هذا الوالي عنوانا له في أيام أتاتورك.

كان حدث في كربلاء قتل أربعين شخصا من الإيرانيين الأمر الذي دعا إلي توجيه منصب الولاية إليه، فوردها براتب ثلاثين ألف قرش.

و هذه ترجمة الفرمان:

«افتخار الأعالي و الأعاظم، مختار الأكابر و الأفاخم، المستجمع لجميع المعالي و المكارم، المختص بمزيد عناية الملك الدائم، من أعاظم رجال دولتي العلية، والي ولاية مناستر، الذي أحسن بتوجيه إيالة ولاية بغداد لعهدة استيهاله، الحائز و الحامل للوسامين العليّين العثماني و المجيدي حازم بك دام علوه.

لقد بلغك توقيعي الرفيع الملوكي فاعلم أن أقصي آمالي الملوكية هو تزييد العمران في ولاية بغداد و تكثير ثروتها علي حد ما لها في ذلك من الاستعداد و القابلية، و كذا تمهيد سبل الأمن لأهالي الولاية، و توطيد

موسوعة

تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 184

طرق الراحة من جميع الوجوه لقطّانها و تكميل أسباب الرفاه و السعادة فيها فتلك أمور ملتزمة لدي جنابي الملوكي غاية الالتزام، و حيث إن ظهور الخدمات الحسنة منك طبق آمالي السلطانية هو مأمول و مترقب لدي جانبي السلطاني لكونك أنت المشار إليه من المتصفين بالدراية و الروية و من متميزي مأموري سلطنتي السنة الواقفين علي الأصول الإدارية، و إن أحاسن توجيهاتي شاملة لك و مقررة في حقك وجهت إلي عهدة اقتدارك إيالة ولاية بغداد بموجب إرادتي الملوكية السانحة و الصادرة بالشرف من لدن عواطفي السنية، و عوارفي الجليلة السلطانية في اليوم الخامس عشر من شهر شوال المكرم سنة 1324 و أصدر من قبل ديواني الهمايوني جليل أمري هذا ناطقا بمأموريتك، فعليك أنت أيضا حسبما جبلت عليه شيمتك البهية، و بمقتضي ما اتصفت به من الدراية و الأهلية أن تبذل الوسع كما تقتضيه مأموريتك في إيفاء مصالح الولاية و حسن تسوية أمورها وفق أحكام القوانين المؤسسة و النظامات الموضوعة متمسكا و متوسلا في جميع الأحوال بالشريعة المطهرة النبوية و أن تخرج عند اللزوم إلي الملحقات و تطوفها، و أن تخفض للجميع جناح الرأفة و الشفقة فلا تجعل لسبب ما أحدا يؤخذ بالجور و الأذي بغير حق و أن تهتم كل الاهتمام و تعتني غاية الاعتناء بالخصوصات المتعلقة بتزييد الثروة و توفير التجارة، و تنظيم أحوال قطّان الولاية و تبين ما يلزم إنهاؤه إلي سدتي الملوكية مما يقتضي اتخاذه و إجراؤه من التدابير النافعة علي التعاقب و تسعي في أقصر مدة لإظهار ما يكفي للحصول علي المطلوب من الآثار الفعلية و بالجملة فعليك أن تصرف القدرة لجعل مصالح الولاية العمومية علي

الوجه المطابق لمقصدي الملوكي دائرة علي محورها المطلوب، مجدّا في استجلاب الدعوات الخيرية لجانبي الأسني الملوكي تحريرا في اليوم السادس و العشرين من شهر شوال المكرم لسنة أربع و عشرين و ثلاثمائة و ألف». ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 185

قري ء الفرمان يوم الاثنين في 5 المحرم سنة 1325 ه بمراسمه المعتادة و بمحضر من الأشراف و الأمراء و الأعيان و سائر الموظفين.

و بعد انتهائه ألقي الوالي خطابا كانت هذه ترجمته:

«ينتظر مني أن ألقي خطابا موجزا أو مفصلا كما ألقي قبلي أسلافي الكرام، و إنه من المتعذر إيراد الكلام الموزون في مثل هذا الوقت الذي أضحت به ألسنتنا العاجزة، و أفكارنا القاصرة في غاية من البهت و الحيرة لما أصابها من المهابة العظمي المتحصلة من بلاغة فرمان الحضرة الملوكية التي قرطت آذان المستمعين، و عظيم اللذة الحاصلة في قلوب الحاضرين علي أن الأمر الجليل الملوكي أوضح ما لحضرة سيدنا و مولانا أمير المؤمنين من الآمال الخيرية و المقاصد السنية المتعلقة بولاية بغداد كما أنه بيّن وظائف هذا العبد العاجز بتمامها، فمهما أقول فهو شي ء زائد بل عبث.

فنسأل اللّه تعالي رب العباد أن يزيد في عمر حضرة سيدنا و مولانا السلطان الأعظم و الخليفة المعظم و في شأنه و شوكته، و أن يوفق الجميع و لا سيما هذا العاجز لما فيه رضاه و رضاء خليفته إنه هو الجواد الكريم». ا ه.

ثم قرأ أمين الفتوي علي الخوجة الدعاء. و بعدها عاد الوالي إلي محله فهنأه القوم.

حوادث:

1- اتخذت الحكومة قرارا في تزييد النخيل التي تعد من منابع الثروة في بغداد و البصرة،

و إعطاء الأراضي الأميرية مجانا لراغبي ذلك.

و تقسيم أصنافها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 186

2- أعطي امتياز تراموي النجف إلي عبد الرحمن الباجه جي

.و لمحمد صالح الشابندر، و المشروع بشكل (شركة مساهمة) معروفة ب (آنونيم). و يقال: إن المرحوم الباجه جي قال: جئت من استنبول (بمفتاح الكيمياء) يقصد مشروع التراموي أي (المحجة بين النجف و الكوفة).

3- تدمرت سدة الهندية من سنين.

فكشف عليها الوالي لإجراء ما يجب.

4- جعلت البلديات بلدية واحدة.
5- حدث وباء في البصرة.
6- لأهمية ولاية بغداد عيّن لها المعاون ممتاز بك من دائرة- الملكية في شوري الدولة

فصدرت له الإرادة في 28 ربيع الآخر سنة 1325 ه و وصل إلي بغداد في 15 جمادي الآخرة سنة 1325 ه.

7- أحالت الحكومة عرق السوس بالمزايدة
8- صدرت الإرادة السنية بجعل فهد الهذال رئيسا علي فرقة العمارات
9- سد الحويرة و سد الكنعانية:

جاء ذكرهما بمناسبة الفيضان. و إن سدة الحويرة ذكرها الأستاذ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 187

معروف الرصافي في ديوانه بعنوان (السد في بغداد) و لا شك أن القصيدة نظمت في جمادي الأولي سنة 1325 ه- 1907 م. مدح الوالي بها و جاءت في الديوان المطبوع سنة 1343 ه- 1925 م طبعة ثانية. و له قصيدة (سوء المنقلب)، و هي بعد تلك و جاءت في ص 92 من ديوانه ندب بها حال بغداد و ما أصابها من نكبات متوالية من أشدها قسوة الغرق و تلاقي مياه دجلة و الفرات مما أفزع الناس. بكي علي الكرخ و استبكي.

10- توفي عبد اللطيف بك آل القائممقام في 10 ذي القعدة سنة 1325 ه

بعد أن طال مرضه نحو شهرين و دفن في الحضرة الگيلانية و أسرته من المماليك معروفة في بغداد. و هو والد درويش بك وجد الأستاذ فؤاد.

الهيئة الإصلاحية:

استقبلت الهيئة الإصلاحية و علي رأسها ناظم باشا ذو الدولة.

و هذه قامت بأعمال جليلة في تأسيس ثقافة في العراق. فكانت أعمالها من أجلّ الأعمال.

و لما كان الوالي لم يأتلف مع رئيس الإصلاحات في بغداد طلب نقله، فنقل.

حوادث سنة 1326 ه- 1908 م

أعمال الهيئة الإصلاحية:

قامت بأجلّ عمل يذكر، فأسست في العراق 24 مدرسة ابتدائية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 188

للذكور، و ثلاث مدارس للإناث. و فتحت في 14 تموز سنة 1908 م أي قبل إعلان الدستور بتسعة أيام. و أهميتها في أنها وافق فتحها إعلان المشروطية فعادت بالثقافة علي القطر. و تكاملت عند تنسيق المدرسين فكان ذلك عملا مهما. و بذرة إصلاح جميلة.

و إن المدارس لم تكن تعدّ في الحقيقة مدارس، و لم يكن عمل الحكومة صحيحا في إدارتها و في هذه المرة قامت بخير عمل. و تاريخ تأسيس المدارس الرشدية يرجع إلي أيام مدحت باشا إلا أنها كانت بوضع غير مثمر و أما مدرسة الحقوق فإن الدولة العثمانية اتخذت (دار التدريس) في ديوان الأحكام العدلية في ربيع الآخر سنة 1281 ه- 1870 م و دام إلي أن شكلت (مدرسة حقوق) في عاصمتها في 4 صفر سنة 1304 ه- 1886 م و تأخر عندنا إلي قبيل المشروطية و لا شك أن ذلك دعا إلي ضرورة تكوّن عدة مدارس حقوق في البلدان الأخري.

و كانت المحاولات كثيرة في إلغائها و بقيت رغم كل ذلك، فاضطرت الدولة أن تنظر إليها بنظر جدّ و اهتمام. و كانت مدرسة الحقوق مؤسسة عدلية لدرس القوانين و الحقوق و النظامات و الحقوق الأساسية و الإدارية فكانت لها قيمتها في تنبيه الآراء و توجيه الأفكار.

الوالي نجم الدين

ولي بغداد الوالي نجم الدين منلا. و لا يفرق فرمانه و لا الاحتفال به عن سائر الولاة قبله. دخل بغداد يوم السبت 23 ذي الحجة سنة 1325 ه- 1908 م. و استمر حكمه إلي ما بعد (إعلان الدستور). دام إلي يوم الخميس 23 ربيع الآخر سنة 1327 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين

احتلالين، ج 8، ص: 189

عهد المشروطية أو إعلان الدستور

من أعظم العهود العثمانية و أجلّها لما حصل فيه من انكشاف فكري في الأقطار التابعة للدولة و منها العراق. و يبدأ في 24 جمادي الثانية سنة 1326 ه- 23 تموز سنة 1908 م. و وقائع هذا العهد أحدثت تغيرا كبيرا في الإدارة، و ظهورا في نفسيات الشعوب، وصولة في تكسير قيود الاستبداد، و سرعة في التطورات السياسية و العلمية و الأدبية. تحاول الأمم أن تعيش حرة طليقة تعول علي نفسها. و العراق لم يكن متأهبا مترقبا للأمر، فلا تزال أوضاعه تتمخض عن حوادث جسيمة من أهمها الرغبة في تبديل السياسة و تحقيق ما تسمو إليه الأمة من عيشة راضية و حياة سعيدة.

و نري حوادث العراق متأثرة بما كان يجري في العالم من الآراء و العقليات و في حياة الأمم المشهودة ما يصلح أن يكون قدوة.

و يهمني هنا أن أوضح حوادثنا الخاصة و لا أتعرض إلا لما له مساس مباشر أو تفسير قطعي. و مراجعنا مستمدة من وثائق عديدة تخصنا أو دوّنت في حينها من الآخرين لمعرفة الأثر و التأثير. و كنت شاهدت الحالة. و الوثائق تذكّر بها. و فيها بيان الآراء المتعاكسة. رجحت ما اعتقدته راجحا، و لم ألتفت إلي ما سواه.

عزل الوالي

و هذا الوالي أدرك العهدين عهد الاستبداد، و عهد الحرية، و بقي مدة، فلم يحصل منه ما يخالف النهج التشريعي إلا أنه لم يتمكن من القيام بإجراءات مهمة و إصلاحات كبيرة، بل من أكبر ما يعد من حسنات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 190

أيامه فتح المدارس الابتدائية للذكور و الإناث و مدرسة الحقوق، فكأن الحالة في انتظار هذا الانقلاب، و التأهب للعهد الجديد.

و هو من أشراف يكيشهر (يني شهر) ابن علي طيفور

بك، ولد سنة 1278 ه و تقلّب في مناصب عديدة، منها الموصل، و أرضروم، و ديار بكر، و قسطموني. و نال رئاسة الهيئة الإصلاحية في العراق. ثم عهدت إليه ولاية (يانية) في سنة 1325 رومية. و قبل أن يذهب إلي منصبه الجديد وجهت إليه وزارة العدلية (نظارة العدلية) فاستشهد في حادث 31 آذار في ميدان أيا صوفية.

و من المهم أن نقول: إن الدولة لم تستعض عن رجال إدارتها بغيره، بل لم يسعها ذلك، و الموظفون آلة الوالي، و واسطة تنفيذ قدرته، و هؤلاء عرقلوا سير الأمور جهلا منهم، أو بسبب سوء أعمالهم التي اعتادوها، فاضطرت إلي إبقائهم، علي أن يزاولوا أعمالهم بكل جد و استقامة، و قد عفا اللّه عما سلف، و إنها سوف تحاسب من شذّ.

لم يبال الكثيرون بالتهديد القانوني، و صاروا يستمرون علي سوء أعمالهم، أو جهلهم، و لم يستطيعوا أن يمشوا علي الأوامر المرسومة، فبقي الحال علي ما هو عليه، و الناس لم يسكتوا في أغلب الأعمال، و لا كظموا الغيظ، أطلقت ألسنتهم، فتوسلوا بالشكاوي، و زاد الضجيج بحق و بغير حق، و اعتمدوا الجرائد، و عدّوها لسان حال الأمة، فحصل اضطراب و ترجرج في الإدارة.

و في الوقت نفسه نري أهل الباطل قد علا أيضا صوتهم، و حاولوا أن يظهروا بمظهر المظلوم، و يعودوا إلي سيرتهم الأولي، فالتبس الأمر، أو كاد. و استأجروا بعض الجرائد، و أهل السوء لا يحصون في كل زمان و مكان.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 191

و هذه الحالة لا يقوم بإصلاحها وال من الأخيار، و إن كان يودّ إقامة العدل إذ ليس له من الموظفين إلا من لا خلاق لهم أو من هم جهّال لا قدرة

لهم علي أداء الواجب علي الأغلب و هذا شأن والينا.

كان يضمر الخير، و لكنه مقصوص الجناح، يرغب في الإصلاح ويهمّ به إلا أنه لا يستطيع القيام لضعف في الآلة، و جموح في طمع موظفيه. فلا يكفي أن يكون سديد الرأي و هو أعزل عن الموظفين القديرين.

مضت الحالة علي هذا النمط حتي أواخر أيام هذا الوالي في بغداد.

يوم إعلان المشروطية

في 10 تموز سة 1324 رومية و 24 جمادي الثانية سنة 1326 ه (23 تموز سنة 1908 م) أعلن الدستور و تقررت الإدارة المشروطية (التشريعية)، فكان هذا الحادث من أعظم الحوادث، و الناس في الغالب لا يعلمون عنه شيئا، و لا يفهمون له مدلولا إلا أن هذه الحرية ساوت بينهم و بين غير المسلمين، فرأوا في ذلك حيفا بل عدّوا من الإهانة ترديد ألفاظ الحرية و العدالة و المساواة و الأخوة خصوصا أن خط گلخانه (التنظيمات الخيرية) يرمي إلي عين الغرض، ولّد بوقته نفرة و سوء تأثير في النفوس، و آخرون يعلمون حق العلم فائدة في هذه الحرية من جراء اتصالهم بالعالم الخارجي في مطالعة المجلات و الجرائد أو اتصلوا برجال الدعوة، فصار محيطهم أوسع، وثقافتهم أكمل، فلا رقيب عليهم و لا متجسس لأعمالهم.

و كان الإفهام صعبا، و السواد الأعظم جاهل، فكثر الخطباء، و صدرت الجرائد، و كتبت الأعمدة الطويلة في الجرائد تعيّن المراد في المقالات المسهبة في التوضيح و الدعاية في صلاح الإدارة، و التشويق لها، و لكن الغالب لا يزال يعجب مما كان يسمع من شدة الضغط

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 192

الوالي ناظم باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 193

و التضييق في استنبول و الأنحاء المجاورة لها، لعلمه أنه كان بنجوة من الشرور، و من الاستبداد و يكرّرون أن الشريعة إذا كانت موجودة فما وجه الاعتماد علي القانون الأساسي، أو الحقوق الأساسية و ما ذلك إلا من جراء التلقينات التي أشبعوا بها. فالناس بين مصدق و مكذب، أو مثبت و منكر. و كل ما فسرت به أن هذه الإدارة وسيلة لتدخل الأجانب.

و لا غرابة، فالعراق لم ير عناء من عهد الاستبداد

إلا قليلا، و لا أصابته تلك الشدة إلا يسيرا، فكأنه في حلم، أو في غفلة عما كان يجري. إلا أن التلقينات المتكررة و العديدة أدت نوعا إلي التفهم لبعض المعاني، و لا زالت تتكاثر، و انتشرت الفكرة، و أعلن ما كان ينشر في الخفاء من جرائد و مجلات، فظهرت الآراء الحرة، و ذاعت ذيوعا شاملا. وقوتها مدرسة الحقوق ببغداد و المتخرجون العراقيون من كلية الحقوق باستنبول و كلية الملكية الشاهانية.

و من المؤسف أنها فسرت عند بعض الناس في أن يكون حبل المرء علي غاربه يسوغ له أن يتعاطي ما شاء من الموبقات، و أن يرتكب المنكرات، و يسرح و يمرح كما شاء له هواه، فانقلبت الفائدة، و ما ذلك إلا لأن غالب الذين رأيناهم فسحوا لأنفسهم المجال في تعاطي هذه.

حتي صار المفكرون ينددون بهؤلاء الذين فتحوا بابا واسعا لسوء الأحوال و الأعمال الشائنة، و عدم التقيد بواجبات الأسرة و الانهماك في الملذات بحيث اتخذوها وسيلة لقضاء الوطر مستمرا.

و علي كل حال كان الشعب يري لهذا الإعلان مكانته في التنبيه، و أثره في التلقين. فالتناصر تولد نوعا، و صار مشهودا بين الحكومة و بين الأقطار لفك الأغلال مما لم يعرف نظيره، و لا علم مثيله. و تتعين درجة ذلك بالحوادث و الأحوال التي سنتناول موضوعها و نقرر شكلها الواقعي بقدر الإمكان و مساعدة الوثائق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 194

و العراق غالبه من العشائر، فكان تأثير التلقين مقصورا علي المتعلمين أو علي قسم منهم. و كذا كان الموظفون من رجال الاستبداد لم يعتادوا غير إدارته السابقة، و لا أثروا التأثير الكبير. و المتعلمون العارفون نظرا لقلتهم لم يتغلبوا علي تلك العناصر.

و أعتقد أن في هذا

كفاية لبيان الوضع و الحالة الراهنة، فلا نعجل بأكثر من هذا الإجمال. إلا أننا نقول من ظواهر هذا العهد:

1- الجرائد و المجلات.

2- الكتب و النشرات.

3- التلقينات و المظاهرات.

4- الفائدة الفعلية في انكشاف المواهب.

و لا ينكر أن هذه الحركة مباركة و قهارة، عظيمة الشأن من جراء إقامة صرح الحرية و تنبيه الناس لما لهم و عليهم قام بها نيازي و أنور و محمود شوكت باشا و نعتهم المرحوم الأستاذ حافظ إبراهيم الشاعر بقوله:

ثلاثة آساد يجانبها الردي و إن هي لاقاها الردي لا تجانبه

يصارعها صرف المنون فتلتقي مخالبها فيه و تنبو مخالبه

روت قول بشار فثارت و أقسمت و قامت إلي عبد الحميد تحاسبه

«إذا الملك الجبّار صعّر خدّه مشينا إليه بالسيوف نعاتبه»

و إن المثقفين من العراقيين كانوا يناصرون هذه الحركة و هم كثيرون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 195

و بذلك يحاولون أن يجدوا ناصرا من جراء هذا التكاتف و التعاون لاستحصال حقوقهم و حسن إدارتهم. و لكن لم تمض مدة حتي صار طلاب الحرية من الترك لا يقصدون إلا حرية مملكتهم و شعبهم، و لا يبالون بالشعوب الأخري، بل قويت شوكتهم و تمكنت عنصريتهم و ساروا علي سياسة غير مألوفة، هي أن لا تعتبر المملكة عثمانية بل تركية، و لا ينظر إلي الشعوب الأخري إلا بنظر من يحاول الانفصال أو يدعو لفكّ العلاقة، و هكذا مما أدي إلي مشادات كثيرة و مخاصمات، و مطالبات بحقوق يصح تلخيصها في:

1- المطالبة باللغة. و كانت اللغة العربية مهملة مع أنها لغة الشعب العربي عامة.

2- الاشتراك في الإدارة، و تساوي التوظيف في المملكة العربية، و أن يكونوا من العرب كما يجب أن يكون في بلاد الترك من هم من العنصر التركي.

3-

أن ينالوا الثقافة اللائقة كما نالها الأتراك، فتكون لهم مؤسسات علمية و أدبية لا تفترق عن غيرها. و صاروا يقدمون الأرقام للمؤسسات التركية.

4- أن يراعي في التوظيف للبلاد العربية ترجيح من يحسن العربية ليتم التفاهم.

و اشتد النزاع، و قوي الجدال وطالت المطالبات و أذعنت الحكومة أحيانا و جاهرت بالإصلاح. حتي سقوط الدولة العثمانية و خروج بلاد العرب من الأيدي فلم يقوموا بأمر إصلاحي فعلي، و اكتفوا في الغالب بالمواعيد. فلم يمكنوا ثقافة الشعوب ليرتبطوا بهم و يكونوا يدا علي من سواهم. فاختلف التلقي لمعني الحرية، و لمفهوم العدالة، و المراد من المساواة، مما كان يلهج به هؤلاء دوما و بإزعاج و إلحاح.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 196

- نعم أعلنت المشروطية، و انتشرت المطبوعات و تنبهت الأفكار فعلمنا الشي ء الكثير، والتفتنا إلي ما لم نكن نحلم به أو نهتم له، و كان لهذا الاحتكاك في الآراء أثره. فخبرنا ما في العالم من أحداث أدّت إلي ما يزيل الغفلة، و إلا فلم يعرض لحريتنا سوء، فنري في هذه الصفحات ما يعين الحالة، و يميط اللثام عن درجة العلاقة بالأهلين و نواحي الاتصال بهم و انكشاف الأمر حتي لم يبق خفاء في العراق و غيره من الأحوال فذاعت مطالب قد تكون أوسع مما مر في عصور، فكأن التاريخ تجمعت عصوره في هذه السنين، زاد المطالعون، و كثر القراء، و انتشرت الجرائد و المجلات، و زادت المدارس.

و لا شك أن المرء يتطلع إلي هذه الأيام التي ابتدأت بيوم إعلان المشروطية و هو يوم الحرية، و يوم إطلاق القيود عن الأفكار، و هو يوم استقلالها، أو خروجها من قفص ضيق. كما أن الأهواء مالت إلي ما ترغب فيه،

و كل نال غرضه.

و لا شك أن الوقائع تميط اللثام عن الحالة بأمثلتها العديدة، و عن الحزبيات و انتشارها، و عن الآراء و تناطحها و هكذا. فظهرت الآراء الحرة. و لم تخل من فائدة و لا من انتباه و يقظة. إلا أن الأيام الأولي للمشروطية مضت و الناس كان عليهم من الصعب جدا أن يفهموها إلا قليلا.

اتخذت الدولة هذا اليوم عيدا مليّا، يحتفل به في كل سنة و تعاد ذكرياته كل عام، و يجري له المهرجان في كل بلد و موطن، و كانت قد قامت ثورة ضد الحرية، و لكنها أخمدت بسرعة، و استمرت فكرتها و رسخت في الأذهان إلا أننا نقول لم تقتصر فائدتها علي الترك وحدهم بل إن العرب استفادوا منها أكثر من الأقوام الآخرين.

و كان تيّار معارض يكره الحرية، و يظنها ضربة علي الإسلام،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 197

و يعدها أمرا منكرا، و ما زالت الآراء تشيع في الخفاء، و في يوم 17 شهر رمضان سنة 1326 ه قام حزب بغداد، و أجري مظاهرة يريد بها الشريعة كأنها نهبت من البين، أو سلبت من الأيدي، و لا قصد لهم سوي المظاهرة علي (حزب الاتحاد و الترقي)، و في هذه الحادثة أوقف معروف الرصافي، و عبد اللطيف ثنيّان بضع ساعات. و كان ذلك أيام الوالي (ناظم باشا).

و من ثم نشاهد من صاحب الرقيب الأستاذ عبد اللطيف ثنيان قلما سيالا، و مقالات ملتهبة في ذم هؤلاء و أمثالهم ممن يحاول ذمّ المشروطية، و القيام عليها أو التنديد بها أو بأصحابها و هكذا..

و الآراء المناصرة قويت، و وجدت تكاتفا، و إن الحكومة لم تبال بمثل هؤلاء، و القوة بيدها، الأمر الذي أدّي أن

تنال الإخفاق التام، و لم يعد لها هبوب أبدا و لا عاد لها ذكر.

مجلس المبعوثين أو مجلس الأمة

و هذا المجلس من أعظم ظواهر الأمة في حالتها التشريعية، و لم ينجح المجلس الأول في أوائل أيام السلطان عبد الحميد.

أعلن الخط السلطاني، و القانون الأساسي (الدستور) في 7 ذي الحجة سنة 1293 ه و لم يعمل بهما إلا مدة قصيرة فتغلب استبداد هذا السلطان، و لم يعد العمل بهما إلا في تموز سنة 1908 م. و صارت الإدارة مشروطية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 198

و من أوضح ما جري بعد المشروطية انتخاب مبعوثين (نوّاب) من بغداد و الألوية العراقية كسائر البلدان العثمانية للقيام بمهمة التشريع، و ما يقتضي للمملكة من سير الحالة القانونية و حسن جريانها و كان الانتخاب من كل قطر بنسبة نفوسه. ثم صار موضع البحث قضية دخول العشائر في الحساب أو عدم دخولها. و لكن الأمة لا تعلم عن الانتخاب و المنتخبين، و ما كانت أرادته الحكومة قد جري. و هكذا لم ينل هذا القطر حرية انتخابه و بيان رغبته.

افتتح مجلس المبعوثين (النواب) في 23 ذي القعدة سنة 1326 ه 17 كانون الأول سنة 1908 م و هذه هي الدورة الأولي. و انتخب فيها عن العراق:

1- عن لواء بغداد:

(1) الأستاذ إسماعيل حقي بابان.

(2) الحاج علي علاء الدين الآلوسي.

(3) ساسون حسقيل.

2- عن الديوانية:

(1) شوكت باشا ابن رفعت بك والد فخامة الأستاذ ناجي.

(2) السيد مصطفي نور الدين آل الواعظ والد صديقنا الأستاذ إبراهيم الواعظ.

3- عن كربلاء:

(1) الحاج عبد المهدي الحافظ.

4- عن البصرة:

(1) السيد طالب آل النقيب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 199

(2) أحمد باشا الزهير.

5- عن المنتفق:

(1) رأفت السنوي. والد الأستاذ نشأت السنوي.

(2) خضر لطفي عضو محكمة

البداية في المنتفق.

6- عن الموصل:

(1) محمد علي فاضل حافظ. والد معالي الأستاذ الدكتور عبد الإله حافظ.

(2) داود يوسفاني.

7- عن السليمانية:

(1) الحاج ملا سعيد كركوكلي زاده.

8- عن كركوك:

(1) الحاج علي ابن الحاج مصطفي قيردار. من أشراف كركوك و كان والده رئيس بلديتها و ابنه جميل صار نائبا و حفيده أمين صار نائبا في المجلس.

(2) صالح باشا آل النفطجي كان متصرفا في الحلة.

9- عن العمارة:

(1) عبد المحسن السعدون.

(2) عبد المجيد الشاوي.

و كانت تعزي لهذا المجلس فوائد لا تحصي كما في المجالس النيابية للأمم الدستورية فلم يلبث أن خاب الظن فيه، و تحوّلت إرادة المجلس لخدمة الدولة وحدها، و برزت أوضاع تستدعي النفرة منه،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 200

و قيام الشعوب للمطالبة بحقوقها، و المعارضة لسلوك الدولة.

و من جهة أخري إن الانتخابات لم تكن حرة، و إنما عينت الحكومة من رأته موافقا لرغبتها، و ملائما لسياستها. فصارت تعقب طريقة (هذا من شيعته و هذا من عدوه) و دعا ذلك أحيانا إلي حل المجلس، و دعوة النواب للمرة الأخري. كما أن المجلس وافق الدولة لأحوال حزبية. و كانت أصابت الدولة وقائع منها حرب طرابلس الغرب، و حرب البلقان، فالحرب العامة مما دعا أن لا تكون حرية للنواب، و لا طريقا للمحاسبة..

و بعد أمد وجيز صار ميل النواب إلي التوظف و أن يحرزوا منصبا في الدولة أكبر راتبا من النيابة، و بهذا أهملوا النيابة، و تركوا النضال و الجهاد في سبيل الإصلاح وزال أمل أنهم يكافحون للأمة و إنهاضها فخابت الآمال في الكثير منهم، فكانوا قد فرّوا من ساحات مشرفة، و رأوا الراحة بما يطمئن أغراضهم. و لعل الكثيرين قطعوا بأن لا جدوي من الإصلاح و السعي في

طريقه فمالوا إلي الهدوء.

و النواب كانوا في الأغلب بوضع عدم مبالاة، و نال الكثير منهم الغرور، و مزاولة الخطابة بوجه ما مقبول أو غير مقبول، فكثر الشغب، و تولدت الحزبية و المماحكة، و حدثت مناوشات كلامية و اختلافات شخصية أدت أحيانا إلي الملاكمة. و لم يكن للمجلس نظام داخلي، و لا سلوك مرضي، فلم تدقق القوانين بسبب الجدل و المماحكة.

ثم إن المجلس فسخ بإرادة ملكية في 28 المحرم سنة 1330 ه علي أن يجري الانتخاب الجديد. و هكذا توالت الانتخابات.

و كان قدّم المحامي رؤوف آل كتخدا في الدورة الأولي للمجلس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 201

رسالة في الإصلاحات و هي لائحة أرسلها إلي النواب، تحوي 52 مادة طبعت في مطبعة ولاية بغداد في ابتداء شباط سنة 1324 رومية ثم ألحقها بمواد أخري نشرها باسم بعض إصلاحات ضمها إلي لائحة الإصلاحات. فأكمل المواد فبلغت 68 مادة طبعت في مطبعة ولاية بغداد أيضا سنة 1325 رومية و هي مهمة في بيان الماضي السابق لعهد المشروطية، و فيها تشريح لحالة الموظفين و بيان نفسيات الأهلين و المطالب الإصلاحية فكانت خير وصية إصلاحية للقطر العراقي و للدولة.

و لم نر فيها إلا حكاية ما وجد المؤلف، و له اتصال بمختلف الطبقات بسبب المحاماة، فكتب عن خبرة و إن كانت لا تخلو من غلو، أو مبالغة أحيانا فيسترسل قلمه، فلا يأخذ بجماحه فهي تبصر أكثر بما عاناه القطر من الآلام.

و القانون الأساسي، و قانون الانتخاب كانا قد نشرا في أول مجلس للأمة أيام السلطان عبد الحميد الثاني. و لا يسعنا هنا الاسترسال في كل ما عرف.

الجرائد و المجلات

من أهم الظواهر، و أشهر الحوادث للمجتمع نالت من الاهتمام درجة لائقة، و في

العراق في مختلف أصقاعه برزت جرائد عديدة و زادت لدرجة الإشباع لا سيما في بغداد، فصار يتولي التحرير فيها كل أحد، و لا يتحاشي من إصدار جريدة كل من رأي في نفسه قدرة نوعا، و الجرائد و المجلات، خدمت الثقافة العامة، و غالب المتعلمين لا يدرسون الآداب و الشعر، و التحرير و الكتابة إلا من طريقها، فظهر بعض الكتّاب، أو تخرج عليها و تدرّب!.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 202

و الجرائد ظهرت بكثرة. و يصح أن نعد المهم منها:

جريدة الزوراء، و بغداد، و الرقيب، و البصرة، و الإيقاظ، و الزهور، و المصباح، و صدي الإسلام، و صدي بابل، و الروضة، و مصباح الشرق، و التهذيب، و جرائد أخري في الموصل و البصرة. و من المجلات:

لغة العرب، و تنوير الأفكار، و العلم و النور، و الحياة.

الموظفون

و هؤلاء كل ما يقال فيهم قليل، استخدمت الدولة حثالات الناس، فيهم من الجهل، أو سوء الأحوال ما لا يوصف، و الأخيار العارفون بما يجب عليهم قليلون، نقدت الجرائد بحق و بغير حق فخلطوا بها الصالح و الطالح. فشلّت أيديهم عن العمل، كما أنه لم يفسح المجال للمتعلمين من أبنائه، فقد ضجر الناس من هذه الحالة.

و الثقافة العامة لا تصلح لتدريب الناس علي التوظيف، و سدّهم مسدّ العاطلين من هؤلاء و قامت الضجّات عليهم في بغداد و في الأنحاء العثمانية الأخري، و لكن الجمود الثقافي منع من الإصلاح، و الوالي كان بوضع مقصوص الجناح لا يستطيع الحراك و إن كان محبا للإصلاح، و لا يوجد من الموظفين من يصلح للمساعدة و القيام بأعمال من شأنها أن ترفع مستوي القطر.

و لم تبق هذه الحالة مدة، بل جري تنسيق الموظفين من

لجنة باسم (لجنة التنسيقات)، فحصل بعض النشاط نوعا و شمل المعارف و المكاتب. و سارت الإدارة بنطاق أوسع في المعرفة، و لكن لا تزال منحطة، و دخل الالتماس و الرجاء فلم يكن التنسيق كافيا. أما اللغة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 203

العربية فلا تسمع إلا في الجرائد و بين الناس، فالحكومة لم تسمح باللغة العربية في مخابراتها الرسمية، و لا قبول العرائض إلا أحيانا، و من صنف العشائر أو ما ماثل.

ثم جاءت الأوامر بأن العرائض العدلية يصح أن تقدم باللغة العربية و لكن لم يعمل بها إلا قليلا، و في بعض الأحيان. و العدلية و المحاكم الشرعية لم يدخلهما التنسيق. فلم تتعرض لهما الإدارة لصيانة هذه من التدخلات.

و الملحوظ أن التشكيلات الإدارية كانت تعرف من قوائم الموظفين أثناء التنسيق، فإنها تعين الوظائف و أصحابها، علي أنها كانت جارية علي طريقة التشكيلات الإدارية للدولة حتي ظهور (قانون إدارة الولايات).

المراقص و الملاهي

و هذه زاد الترداد إليها، و أضرت بالأهلين من جهة فساد الأخلاق، و الوقائع المؤلمة، و ابتزاز ثروة الأهلين، فهاج في الناس السفه، و صاروا يؤمونها بانهماك، و كان ما ينفقه المرء في ساعة لا يستطيع أن يربحه في أيام بل في شهر، فكثرت الأسواء و زادت الموبقات.

قامت الجرائد بنقد هذه الأمور، لما بعثت من غائلة، و انصرف ظن الناس إلي أن الحرية اغتنام الشهوات و الملاذ من غير طريقها الشرعي، فلم يكن هناك سامع أو ملتفت، و اشتهرت (طيرة) و (رحلو) و أضرابهما.. و لا همّ لهؤلاء المومسات إلا ابتزاز الثروة.. فمال الناس إليهن ميلة واحدة.. فكثرت الوقائع المؤلمة، فاختلت حالة بيوت كثيرة و ساء مصيرها. و تطاير الشرر و تمكن أكثر كلما طالت الأيام،

و كأنها في تقدم مستمر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 204

و من ثم اقتنع الناس بأن الحرية ليست إلا مجموعة هذه السفاهات، و ارتكاب الموبقات، و إفساح المجال للنفس أن تنال كل ما ترغب من أهواء، فلا دين يردع، و لا سيطرة عامة يفزع إليها، و لا قوة قاهرة تحول دون التوغل في هذه الأمور فاكتسبت شكل مصيبة. فصار يتألم من حالتها من كان يدعو إليها بالأمس، و يحض علي عملها. فكان أسوأ تفسير لها بالمراقص أو الملاهي و حانات الخمور، فصار الحبل علي الغارب يؤم المرء ما شاء من هذه.

كان لهذا الأمر أثره في انتهاك حرمة الأخلاق و الآداب، و الإخلال بأمور الأسرة و الانشغال عن الواجب، و عن الآداب العامة. فذهبت العائلات ضحية هذا التهاون في الواجب، و نال الكثيرين بؤس و أصابهم شقاء.

ورد في أعداد من الجرائد التنبيه إلي خطر ذلك، فكاد يقطع الأمل من الصلاح و الإصلاح. و هذا ما قاله الأستاذ معروف الرصافي في بيان الحالة و وصف ما كان علة العراق من الحالات التعسة، و الأوضاع الرديئة التي صار إليها. و قد رأي الشام و استنبول و بلادا كثيرة و ما فيها من التبدل، و عاد منها إلي بيروت في 7 شعبان سنة 1327 ه و منها وصل إلي بغداد كما أخبرت الجرائد المحليّة في 18 شهر رمضان سنة 1327 ه قال تحت عنوان (بغداد بعد الدستور):

أري بغداد تسبح في الملاهي و تعبث بالأوامر و النواهي

رمت حملاتها الأرباق حتي تناطحت الكباش مع الشياه

أيا بغداد إن الأمر جدّ فخلّي بعض هزلك في الملاهي

جميع الناس قد نفضت كراها و أبدت للعلي نظر انتباه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 205

و

فيك معاهد الدستور تشقي بغفلة غافل و بسهو ساهي

إلي آخر ما قال. و كانت نشرت في الرقيب عدد 56 في 29 شهر رمضان سنة 1327 ه.

و أعتقد في هذا كفاية لتصوير الحالة، و ما عليه أمور الناس.. و ما وصلت إليه بعد ذلك حتي وقوع الحرب العامة.

المدارس و المعارف

من أهم ظواهر هذا العهد المدارس، و جاءت إصلاحات المدارس في وقت متصل بإعلان المشروطية. و الهيئة الإصلاحية كانت تحت رئاسة ناظم باشا. فتحت المدارس في 13 تموز سنة 1908 م. و أعلنت المشروطية في اليوم 23 تموز سنة 1908 م فكأنها فتحت في هذا العهد. ثم تأسست مدارس أخري رسمية و أهلية سنتعرض لها في حينها.

و كانت توجد مدارس غير هذه مثل المكتب الابتدائي و المكتب الرشدي في الرصافة و في الكرخ، و مكتب رشدي عسكري و مكتب إعدادي و كل هذه سقيمة التدريس و لا يوجد فيها من المدرسين من يصلح للقيام بمهمة ما أودع إليه إلا أن المدارس العسكرية كانت منتظمة أكثر.

أحداث أخري

1- أخبرت نظارة المعارف مديرية معارف بغداد بأن المطبوعات حرّة، فلا تحتاج إلي إجازة.

2- جرت مقاطعة البضائع النمسوية من جراء قضية إعلان ضم البوسنة و الهرسك إلي النمسة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 206

3- نواب العراق و الأحزاب: (للدورة الأولي).

(1) ساسون أفندي مبعوث بغداد. التحق بجمعية الاتحاد و الترقي.

(2) الحاج عبد المهدي الحاج حبيب الحافظ، مبعوث كربلاء التحق بجمعية الاتحاد و الترقي.

(3) شوكت باشا مبعوث الديوانية. التحق بجمعية الاتحاد العربي.

(4) مصطفي نور الدين آل الواعظ. التحق بجمعية الاتحاد العربي.

(5) الحاج ملا سعيد عن السليمانية. التحق بجمعية الاتحاد و الترقي.

(6) الحاج علي علاء الدين الآلوسي مبعوث بغداد علي الحياد.

(7) رأفت السنوي. والد الأستاذ السيد نشأت السنوي، مبعوث المنتفق. اتحادي.

قال الأستاذ الرصافي في هؤلاء المبعوثين (النواب):

يا أهل بغداد متي ينجلي هذا العمي عنكم و هذا الفتور

قد أعلن الدستور لكنكم لم تظفروا منه و لا بالقشور

يقول من شاهد مبعوثكم سبحان من يبعث من في القبور

ذلك لأنه لم يرهم يتكلمون و يناضلون عن

حقوق الأمة في المجلس و إنما كانوا كما وصفهم لا ينبسون ببنت شفة، و كأنهم خشب مسندة.

4- إسالة الماء. مدت أنابيب متصلة بمضخة الماء من المصبغة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 207

إلي محلات عديدة، و لا تزال المدينة محتاجة إلي أنابيب أخري، و الحكومة عازمة علي القيام بما يلزم. و لا أمل في أن ينتظم الأمر في مدة قريبة.

حوادث سنة 1327 ه- 1909 م

الموظفون- التنسيقات:

هؤلاء كل ما يقال فيهم قليل، استخدمت الدولة جهالا في الأغلب و أصحاب سوء أحوال و لا يعلمون لغة البلاد، و إن الحكومة مضت علي الأصول الدستورية مدة، و لم تفسح المجال لأهل القطر أن يتولوا أموره، و ضجر الأهلون من هذه الحالة، و بلغ ما هم عليه من إدارة غاية المنتهي من سوء الحالة. و كذا يقال في المدرسين، فكثرت الشكاوي عليهم، فلم يصلح غالبهم للثقافة و التثقيف. فحصل التذمر، و زادت المنافرات.

الحكومة و في رأسها الوالي لا تريد الإصلاح أو لا تستطيعه، و المجلس لا يلح في المطالبة، بل هو موافق له في كل الأحوال، و الموظفون علي ما هم عليه من سوء إدارة و لكن الجرائد لم تقصر في بث الفكرة و المطالبة بما هو الصواب.

ذلك ما دعا أن يجري التنسيق للموظفين، و قد انتقي منهم الكثير، و استغني عن قسم آخر فكانت الحالة أهون، و لا يزال الوضع علي حاله، و لم يكن هناك كبير فرق إلا أنه أهون الشرّين. فتم بعض الإصلاح من جراء هذا التنسيق سواء في الموظفين أو في المعلمين و صارت تعرف قيمة للمواهب نوعا.

المقاييس:

حاولت البلدية في بغداد توحيد الأوزان و المقاييس الأخري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 208

باستعمال (المقاييس الجديدة)، فكانت هذه المحاولات غير مجدية، و باءت بالفشل كسائر التجارب الأخري و كان العراق و لا يزال يتأثر بصورة متوالية في المقاييس القديمة و ما ذلك إلا من جراء اختلاطه و معاملاته الاقتصادية مع الممالك المجاورة و النائية، فخلفت هذه أثرها المشهود.

واقعة 31 آذار:

يوم الثلاثاء 22 ربيع الأول سنة 1327 ه 31 آذار سنة 1325 رومية حدثت ثورة ارتجاعية علي الحكومة الحاضرة، قامت بها (الجمعية المحمدية)، يناصرها الجيش في استنبول فأوجبت احتلالا عسكريا، فإن جيش الحرية تمكن من السيطرة علي هذه الغائلة فقضي علي آمال الجمعية و نياتها و هو تحت قيادة محمود شوكت باشا أخي فخامة الأستاذ حكمت سليمان. فلم يجد مقاومة، و من ثم لم تعد آمال رجعية، و تسلطت الجمعية الاتحادية علي الحكم، و تمكنت من القضاء علي كل مخالف.

كان للعراق النصيب الوافر في الاشتراك في إعلان الدستور و صيانته أيام الارتجاع، و محمود شوكت باشا من أبطال حمايته و هو عراقي. إلا أن الكثيرين ظن أنه فاروقي، فصار الناس يمدحون، و ينظمون الأشعار بالثناء عليه، و هو أهل لكل مدح، و منشأ هذا التوهم أن المشار إليه كان هو و هادي باشا العمري ابني خالة فظن الناس قرباهم صلبية، و إلا فإن محمود شوكت باشا ابن سليمان بك ابن الحاج طالب كهية. و قد قيل في مدحه:

للّه درّ سلالة الفاروق من عبّا علي أهل الضلال و جنّدا

عصفت به للمكرمات حميّة عربية و بجدّه عمر اقتدي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 209

محمود أنت بما حقنت من الدما أولي الكرام بأن تجلّ و تحمدا

نبّه علي

ذلك صاحب الرقيب، و كذب النسب المزعوم للفاروق و أن يعدّ من سلالته و إن كان قام بما قام به.

السلطان محمد رشاد

و من نتائج هذه الواقعة أن خلع السلطان عبد الحميد الثاني في 7 ربيع الثاني سنة 1327 ه- (14 نيسان سنة 1325 رومي)، بفتوي من شيخ الإسلام محمد ضياء الدين و أعلنت سلطنة محمد رشاد باسم السلطان محمد الخامس، فأجريت له المراسم المعتادة، و الاحتفال العظيم بسلطنته، فأبلغ الصدر الأعظم توفيق باشا الولاية ببرقية يشير فيها إلي لزوم إطلاق 101 من المدافع علي المعتاد. و من ثم أجريت المراسم، و أظهر الأهلون و الحكومة مراسم الزينة.

و كانت هذه الواقعة ضرورة لازمة للقضاء علي أهل الشغب، و من لا يريد الإصلاح أو أهل الارتجاع، و المهم هنا أن القائمين بأمر الدستور لا يعرفون الإدارة، و لا أدركوا خفاياها، فقام محمود شوكت باشا و أعوانه للقضاء علي هؤلاء، و استعادة المشروطية التي حاول السلطان عبد الحميد القضاء عليها.

تشاءم الناس من سلطنة محمد الخامس، و جري علي لسانهم (إذا حكم رشاد ظهر الفساد)، فتلقنوا هذه، و نسبوها إلي محيي الدين بن عربي، تألم أصحاب الطرق لخلع السلطان عبد الحميد فأذاعوا ما أذاعوا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 210

و كانت ولادة السلطان محمد رشاد في 20 شوال سنة 1261 ه و هو ابن السلطان عبد المجيد، و أخو السلطان المخلوع، و من تاريخ ولادته و سلطنته نعلم أنه جاء علي هرم و كان يرمي بالبلاهة و ضعف الرأي.

و الحالة كانت في اضطراب. فتحت عهود المشروطية أبوابا لقضايا كانت كامنة بظهور وقائع قاسية من المجاورين و غير المجاورين مما أدي إلي تمزيق شمل المملكة و تشويش أمرها. و أهل

القنص وجدوا الفرصة سانحة، فلم يتأخروا و لم يترددوا فيما عزموا عليه استفادة من حالة الاضطراب.

و مما يعزي إلي السلطان الجديد أنه جاءته بعض نساء السلطنة تشكو حالها من جراء الأمر بالإعدام علي قريبها، و كانت تبكي بإجهاش، فصار هو أيضا يبكي، و لم يستطع أن يتدخل في إنقاذه من الإعدام.

و دامت سلطنته أيام الحرب أي ما بعد سقوط بغداد، فتوفي في شهر رمضان سنة 1336 ه- 13 تموز سنة 1918 م فخلفه في التاريخ المذكور السلطان وحيد الدين ابن السلطان عبد المجيد. باسم محمد السادس. و بسبب قيام الكماليين و الانتصار الذي أحرزه المرحوم أتاتورك ألغي المجلس الوطني حكومة استنبول و خلع السلطان وحيد الدين و ذلك 11 ربيع الأول سنة 1341 ه- 1 تشرين الثاني سنة 1922 م. و في 26 ربيع الأول (17 تشرين الثاني) هرب السلطان في سفينة حربية انكليزية.

و في 29 ربيع الأول من السنة المذكورة اختار المجلس الوطني ولي العهد سلطانا باسم السلطان عبد المجيد الثاني ابن السلطان عبد العزيز و يصادف ذلك 19 تشرين الثاني سنة 1922 م باعتباره خليفة. إلا أن المجلس الوطني قرر مؤخرا أن الجمورية تعني عين ما يقصد من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 211

الفريق محمود شوكت باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 212

الخلافة فقررت إلغاء الخلافة في 26 رجب سنة 1342 ه- 2 آذار سنة 1924. و من ثم تأسست الجمهورية التركية برئاسة المغفور له أتاتورك (مصطفي كمال)، و خلفه عصمت اينونو بالرئاسة ثم فخامة جلال بايار و هو رئيس الجمهورية اليوم.

السلطان المخلوع

هو السلطان عبد الحميد الثاني ابن السلطان عبد المجيد، و لا يجهل اسمه أحد، طالت مدة سلطنته، و عصره كان مليئا بالحوادث المهمة، و قام بأعمال قد يقصر عنها غيره، و لكن إلغاء الدستور للمرة الأولي قد حصل عليه شغب من كل صوب، و بعد إعلان الدستور للمرة الثانية نري تركيا الفتاة قد خلعته. و بعد ذلك تطورت الآراء و تغيرت الأحوال، و زادت اتصالات الأمم، فلا يستطيع فرد أو أفراد أن يتغلّبوا و يتحكموا بالأمم فيستطيعوا أن يسيطروا علي العناصر دون أن يكون للأمة اشتراك في الإدارة و أن يتدخل في المقدرات، فقامت الشعوب و حصلت قبل الدستور و في أيامه علي بعض الحقوق أو كلها و الرأي الغربي يناصر هؤلاء الأقوام، و يخولهم حق التدخل، و هكذا استفادت بعض الشعوب و الدول من هذا الاضطراب و التفكك فأظهرت ما عندها و جاهرت بالعداء …

دامت سلطنته إلي يوم 7 ربيع الثاني سنة 1327 ه فخلع و طوي خبره.

أراضي الوزيرية:

كائنة بين نقطة البير و بغداد، و كانت قرية و مزارع معروفة، وضعت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 213

الجهة العسكرية يدها عليها من أيام رشيد باشا الگوزلگلي و سميت بالوزيرية أو المشيرية نسبة إليه. إلا أن الأملاك المجاورة ضبطت. و كذا الأوقاف فألحقت بها.

قال صاحب الرقيب:

فأما اليوم، و قد عادت المياه لمجاريها، و أن الحكومة دستورية، فالأمل أن تسمع شكاوي المظلومين و إنصافهم، فإن أراضي الغزالية و النعيرية و الفضيلية، و القيارة و الغرابية و غير ذلك منها الملك و منها الوقف و كلاهما مثبت بحجج شرعية لا يجوز لأحد معارضتها، و بذلك يظهر الفضل للحكومة الدستورية علي الحكومة المستبدة، و يسترجع المظلومون حقوقهم.

قال ذلك،

فلم يجد أذنا صاغية لقوله ثم سجلت هذه الأراضي في تسوية حقوق الأراضي، و كانت القرية و المزارع معمورة و لكنها اندثرت من مدة بانقطاع ماء الخالص عنها. و لم يعد في الإمكان إيصال الماء إليها، و نصبت المضخات و صارت تسقي بالواسطة.

مجلس النواب:

رفض المجلس المصادقة علي اقتراح تعيين الموظفين للبلاد العربية من العارفين باللغة العربية، فكان لهذا القرار أسوأ وقع في نفوس العرب و هذا مبدأ المشادة، و المطالبات القوية، و شجع الصحف علي الجهر بالمخالفات. فعلم العرب أن ليس في الإمكان الحصول علي حق، فدعا ذلك إلي تفسيرات، استغلها أهل الأطماع و الشغب و من يعملون لمصلحة الأجانب.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 214

الوالي نجم الدين منلا

تعين لنظارة العدلية، و غادر بغداد في يوم الخميس سلخ ربيع الآخر سنة 1327 ه سافر إلي استنبول من طريق حلب، فأجريت له مراسم التوديع. و كان حسن النية، فاضلا، عالي الهمة، موصوفا بفرط حب الوطن، فأسف الكثيرون لمفارقته هذه الديار.

و كان الأمل به كبيرا، و أن الناس في الولاية كانوا بحاجة عظيمة إلي وال مقتدر فعّال مثله، يدفع عنهم ما يلاقونه من ظلم و جور و الثناء عليه قبل وروده فاستبشر الناس به خيرا و كان عالما، و لما ورد بغداد رأوه فعلا متصفا بهذه الأوصاف، فتعقب كافة الأمور صغيرها و كبيرها، و ترك راحته و استراحته، و جعل نفسه موقوفة علي طلب راحة الأهلين، و عزم أن يقوم بما من شأنه أن ينفع. زاول أعماله بجد و اهتمام إلا أنه لم يكد يعمل بما نواه، و ما قرر العمل به حتي وردت برقية تشعر بتعيينه لمنصبه الجديد. و كان همّه مصروفا إلي:

1- عمل المحركات (الموتورات) و تسييرها في دجلة فاستحصل رخصة، و شوق الأهلين لتشكيل شركة وطنية للنقل النهري.

2- نقل شركة المنسوجات إلي مكتب الصنائع.

3- إنشاء الطريق إلي قرارة (كرارة).

4- عمّر دار الشفاء التي هي من آثار مدحت باشا.

5- تحويل أعشار الكرود إلي مقطوع كما هو المتعارف في بعضها.

6-

جعل رسوم الأغنام علي الصوف.

7- لغو الذرعة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 215

8- تفويض الأرضين للزراع. و هذه أول خطوة لقانون التسوية.

9- إنشاء رصيف (مسناة) خارج البلد لتحويل المضخات إليها.

هذا. و سياسة الدولة مصروفة إلي أن لا تبقي الوالي إلا بضعة أشهر بحيث لا ينسي مشاق السفر، و لا يتمكن من معرفة الأهلين و احتياجاتهم، و درس أخلاق الشعب العامة و ميوله. فتحوله عند ما يتبصر بالأمور، و يحاول المباشرة بالعمل، و كانت الإدارة المستمرة علي هذه الحالة أن يهدم الوالي الجديد ما بناه سلفه، و يتحرك بعكس نهجه.

و شأنها في الولاة لا يختلف عن أمر القضاة إلا أن هؤلاء أطول مدة.

أودع الوالي أعمال الولاية بالوكالة إلي الفريق الأول محمد فاضل باشا الداغستاني نهار السبت 23 ربيع الآخر سنة 1327 ه، و كان هذا الفريق أمير لواء الخيالة إلي سنة 1320 رومية ثم نال منصب فريق و أرسل قائدا إلي (لاهيجان و بسوه) و بقي ثلاث سنوات و مكافأة لخدماته نصب وكيلا عن المشير في قيادة جيش العراق. ثم إن الوالي السابق توجه في ذلك اليوم إلي كربلاء للزيارة و عاد يوم الاثنين في 25 منه، و سافر إلي استنبول يوم الخميس 29 ربيع الآخر و ذهب معه مكتوبي الولاية إبراهيم فهيم بك، و الأستاذ حمدي بك بابان، و مراد بك آل سليمان فائق صاحب امتياز جريدة بغداد. و هو أخو فخامة الأستاذ حكمت سليمان.

و من هنا نعلم أن الولاة كانوا يتحركون بمشيئة المركز، و لا تهمهم المعرفة و التعرف بالأهلين، و لم يقم هذا الوالي بعمل يذكر، أو فائدة تعود للقطر، و كان يدوّن مذكرات عما في الجرائد، و يتعقب ما فيها و

يحقق صحة ذلك، و يسترشد بما هو الصواب. و لكن مع الأسف لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 216

تظهر له مأثرة تستحق التدوين، و لكن صاحب الرقيب أراد أن يلهج بذكره، و بترجيحه علي من جاء بعده ممن أفسد. و قد شهد عهد الاستبداد و عهد الدستور.

و الملحوظ أن الوالي نجم الدين منلا في سنة 1941 م، جاء إلي بغداد مع نواب الترك بصفته نائبا لزيارتها، و يعد من أفاضل الرجال، و الذنب آنئذ ذنب الإدارة التي لم تفسح المجال للعمل، و إلا فهو من الرجال المشاهير الأخيار، و لا يزال موضع احترام وثقة.

معاون الوالي:

ممتاز بك دامت وظيفته نحو سنين، و كان فيها حسن المعاملة، مقبولا من كل مراجع، و عيّن متصرفا لأورفة.

الجندية:

في رجب سنة 1327 ه أعلن قانون الجندية الجديد في الجرائد المحلية، و بموجبه يتحتم علي كل عثماني أن يقوم بالخدمة مسلما أو غير مسلم علي أن يكون قد بلغ 21 سنة من العمر، و مدة الجندية 25 سنة منها 3 سنوات نظامية، و 5 احتياطية، و 12 رديفية، و 5 مستحفظة.

هذا في الجيش البري، و أما البحري فمدته 20 سنة بإسقاط مدة المستحفظية منه. و هناك قوانين صدرت في الجندية و ضباط الجيش تتعلق بعموم المملكة، مدونة في الجلد الأول و الثاني من الدستور الجديد.

ولاية الموصل:

فوضت ولاية الموصل و قيادتها لعهدة الفريق الأول وكيل الوالي و قائد الفيلق محمد فاضل باشا الداغستاني، و بعد أن ورد الوالي الجديد و استقبله، سافر إلي الموصل في 27 رجب سنة 1327 ه، و ودعه جماعة من الأعيان و الأشراف.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 217

و هذا القائد الفاضل لم يزل يكرر بأنه رجل عسكري، رجل حرب و ضرب لا رجل كتابة و قلم، و لكنه و الحق يقال أن الأمور مرت في أيامه مرورا حسنا، فجري الأمر علي طبيعته.

الوالي محمد شوكت باشا

جري استقبال والي بغداد الفريق محمد شوكت باشا و وكيل قائد الفيلق، بالوجه المعتاد نهار الاثنين 22 رجب سنة 1327 ه. و صدرت الإرادة السنية بنصبه واليا في 6 جمادي الآخرة سنة 1327 ه، و في 25 رجب قري ء فرمانه بحفاوة لائقة، و لكن هذا الوالي لم يراع ما كان يراعيه أسلافه من إلقاء خطاب يعين نهجه كتفسير لمنطويات الفرمان، فصرت ذلك إلي أنه يحاول أن يقوم بأعمال، فلم يأبه إلي الأقوال، فتوسم القوم خيرا. و لم يؤولوها بالعجز.

كان فريق المدفعية للفيلق الثالث و شاءت الأقدار أن لا يعين لمنصب الولاية في بغداد إلا العسكريون، و ما ذلك إلا لأن الغرض تسكين القلاقل، و الفتن، و ليس هناك غرض إصلاح مدني. يطبلون و يزمرون بخبر تعيينهم، و حركاتهم و سكناتهم، و أنهم في يوم كذا وصلوا المحل الفلاني، و استقبلوا من مكان كذا، و هكذا تتوارد المعلومات عنهم حتي يصلوا إلي بغداد. و والينا هذا جاء من الطريق النهري إلي الفلوجة، و اختار أن يأتي ليلا، و يصبح بغداد لئلا يصيب المستقبلين عناء، و الوقت تموز، فعدّ مأثرة له.

نص الفرمان:

«أمير الأمراء الكرام، كبير الكبراء الفخام، ذو القدر و الاحترام،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 218

صاحب العز و الاحتشام، المختص بمزيد عناية الملك الأعلي من فرقاء فيلقي الأول الهمايوني المتميزين في المدفعية، الذي وجهت إلي عهدة درايته ولاية بغداد، و أحسنت بها إليه شوكت باشا دامت معاليه.

ليكن معلوما لمن يصل إليه توقيعي الرفيع الهمايوني أن ولاية بغداد:

تزيد ثروتها و يكثر عمرانها بدرجة قابليتها و استعدادها، و أن صنوف الأهلين، و سكان الولاية يجب أن ينالوا المساواة و الحرية طبق أحكام القانون الأساسي، و أن يحصلوا

علي الرفاه و السعادة مما هو مطلوب و ملتزم لدي ملوكيتي لدرجة فوق العادة، و أنت أيها الباشا المشار إليه متصف بالمقدرة و الدراية، و واقف علي أصول الإدارة، و من متميزي أمرائي العسكريين آمل منك و أترقب أن تقوم بما هو مطابق لأحكام القانون المذكور، و كما تقتضيه الوجائب المحلية، فتقوم بما يظهر الآثار الجميلة و الخدمات المقبولة، و علي ذلك و بناء علي الاستيذان أصدرت إرادتي السنية في اليوم السادس و العشرين من جمادي الأولي لسنة 1327 ه، فأودعت لعهدة لياقتك ولاية بغداد المارة الذكر و وجهت منصبها إليك، و أصدرت هذا الأمر من ديواني الهمايوني بمهمتك، فعليك أن تمضي بمقتضي وظيفتك، و أهليتك و درايتك، و ما أنت مجبول عليه من شيمة بهية و علي كل حال ينبغي أن تتوسل بشريعة سيد الأنام المطهرة و تتمسك بها، و تقوم بحسن الوظائف، فتشمر عن ساعد الاهتمام و الغيرة، فتبسط علي الجميع جناح الرأفة و الشفقة، و تؤمن المساواة و الحرية بصورة مشروعة و في دائرة القانون المذكور بين سكان الولاية، و توفر أسباب الرفاه و الثروة و تتوسل بالتدابير التي من شأنها أن يحصل بها العمران فتتعهدها و تتشبث بها، فتظهر في مدة يسيرة الآثار الفعلية و تبرز للعيان بما تصرفه من قدرة و روية، و في الأمور التي تدعو الحالة فيها إلي الإنهاء فعليك أن تشير إلي استانتي العلية و تشعر بها، تحريرا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 219

في 6 جمادي الآخرة سنة 1327». اه.

و بعد قراءة الفرمان، أجريت مراسم الدعاء، و بعد ذلك قدمت التبريكات للوالي.

و هذا الوالي من المهندسخانة البرية الهمايونية، و من الأذكياء المستعدين، و ذهب للتطبيقات، و

وسع المعلومات، فيعد من نوادر الرجال، و له اطلاع واسع علي اللغة الفرنسية و الألمانية. و يلاحظ أن من كان اختصاصه في هذه الأمور كيف ساغ للدولة أن تعينه واليا للإدارة، و كان الواجب أن تجعله في المهمة التي قضي أمدا فيها و أتقنها و لننظر ما ذا عمل!.

و في (صدي بابل) أنه كان قبل نحو 17 سنة مقدما (بيكباشي) في بغداد، و أنه من كبار المصلحين و العلماء العاملين.

عزل الوالي شوكت باشا

وردت برقية بتاريخ 3 ذي القعدة سنة 1327 ه بعزل الوالي شوكت باشا (ولم يكمل السنة) و تنبي ء بتعيين الفريق الأول حسين ناظم باشا عضو الشوري العسكري لمنصب ولاية بغداد بانضمام قيادة الفيلق السادس كما أنه ورد الأمر الرسمي بذلك، و بقي الوالي السابق بالوكالة إلي حين ورود الوالي الجديد.

حال الولاية:

لا أمل من وال قليل المدة، أو أن تعهد بالوكالة، أو يبقي الوالي كما هو الشأن في والينا هذا بالوكالة ينتظر ورود خلفه، و هو في اضطراب من أمره. و في الحقيقة لم تكن منه فائدة تذكر، و هو لا يزال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 220

قريب العهد، و لم يدرس الحالة خصوصا أنه قضي أمدا في الهندسة، فلا يصلح أن يكون في يوم واحد واليا. و الفتن قائمة، و الجيش لم يجد راحة. و كان سأله الحاج عبد المهدي الحافظ بصفته مبعوثا عن كربلاء عن أعماله، فاعتذر له بكثرة الأشغال و التحارير، و أنه عمل ما لا يمكن القيام بأكثر منه، و أنه كتب إلي استنبول أن يفتح ببغداد مكتب ملكي، و آخر زراعي و أن يرسل مأمور زراعة، و أن يعطي له الإذن بصرف ما ينوف علي 1800 ليرة لإصلاح الطريق بين بغداد و حلب، و أن يؤلف ضابطة للأمن، و بيّن له أنه سائر نحو الإصلاح. و لم يبال بالفتن، و لا التفت إلي ما حوله. و علي كل حال بقي مغلول اليدين لا يدري ما يفعل، و ينتظر ورود الوالي الجديد.

أما الشعب العراقي فإنه لا يريد إلا أن يقوم الوالي بتقويم المعوجّ، و إصلاح الفاسد و أن يؤمن المخاوف، و يحقن الدماء في عموم الأنحاء، فيسلم القوم من عصيان القبائل

حيث تعذر تأديبهم، و تجرأوا علي أعمال لا يصح السكوت عليها، و وقائع الدليم، و آل أزيرج، و المنتفق بصورة عامة … شاهدة بذلك.

و هنا الهمس و الكلام بخفاء و جهر في الاعتراض علي تعيين وال لا يفهم اللغة العربية، و لا يتمكن من الاتصال بالأهلين مباشرة و استماع شكاواهم. كما أنه يدعي الوالي أنه يقوم بعمل و لا يشاهدون له أثرا، و لا ممن جاء بعده لإكماله. الأمر الذي أطلق الألسن في المطالبة بالإصلاح.

و كانت آمال الوالي شوكت باشا:

1- إصلاح المعارف. و لكن المعلمين مضت عليهم خمسة أشهر و لم يستوفوا رواتبهم.

2- الطرق. لم يرد له الإذن للقيام بالعمل.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 221

3- الأمن العام. و قد كتب إلي المراجع المختصة.

4- تأليف الشركات. فلم يسمع عنها شي ء.

و علي كل حال لم يتحقق أمر من هذه الأمور، و بقي العراق في زوايا النسيان و الأعمال المطلوبة لا تزال ترددها الألسن.

إلغاء ألفاظ التعظيم:

في هذه السنة قرر مجلس الأعيان إلغاء ألفاظ التعظيم. و بهذا زالت عثرة كبيرة من أسلوب التحرير.

الأملاك السنية

بعد خلع السلطان عبد الحميد عادت الأراضي السنية التي كانت في حوزته إلي المالية، و صار يقال لها (الأملاك المدورة)، و هذه استمرت تدعي بهذا الاسم، و هي التي عبّر عنها الوالي الأسبق سليمان نظيف بك بكتابه (جالنمش أولكه) أي (المملكة المسروقة). كاد السلطان عبد الحميد يكوّن له إدارة خاصة، و يستخدم لها الموظفين و الولاة و العسكريين. ففي ربيع الآخر سنة 1327 ه تبلغت الولاية في تحويل إدارة الأملاك السنية إلي المالية. و كان قد صدر قانون بذلك يتضمن تصفية الديون و ما يتعلق بذلك، أن الالحاق وقع في 14 نيسان سنة 1325 بالمالية إلا أنها من حين عهدت إلي المالية أصابها الخراب.

الإدارة النهرية:

شغلت أفكار الناس قضية بيع الإدارة النهرية لشركة (لنج) بمبلغ

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 222

(250) ألف ليرة حذرا من أن تخرج إدارة النهرين دجلة و الفرات من سيادة الدولة العثمانية، فقامت قيامة الأهلين في بغداد، فاحتج الناس لهذا الحادث، و اضطربوا له، لأن وسائط النقل التجارية تكون منحصرة في أيديهم و تحت أمرهم، يتحكمون فيها. فلو لم تكن المراقبة بين الإدارتين لوصلت الأجرة إلي الحد الذي كانت تبتغيه الشركة، و لكن وجود المراقبة أدي إلي تنازل الأجرة إلي سعر 3 بارات عن (الطن) انحدارا و 6 بارات اصعادا، و هكذا كانت مؤثرة من جهة السياسة و نقل الجنود للأشغال العسكرية.

طلب الأهلون و منهم عبد القادر باشا الخضيري أن لا يرجح الأجانب علي الأهلين فكتبت برقيات عديدة، و تداولها المجلس و طلب نواب العراق أن تعدل الحكومة، فرد طلبهم، و جاءت برقية من الصدر الأعظم يقول فيها لم تكن رغبة الحكومة في أن تبيعها، و إنما غرضها توحيد المساعي بصورة

شركة لا غير.

ثم إنه بعد ذلك بيعت إلي شركة أغلب حصصها إنكليزية، و أخذت تتسلمها رويدا رويدا اعتبارا من 13 آذار سنة 1914 م مبتدئة من البصرة.

هذا. و قد مر بنا ذكر نص الإذن المسموح به للإنكليز في تسيير باخرتين.

العشائر:

شغلت الحكومة وقائع العشائر فيما بينها و بين الحكومة و تستغرق غالب الحوادث المهمة. و وقع في النجف فتن بين (الزگورت و الشمرت)

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 223

و طالت الحروب فيما بينهما. فصاروا مضرب المثل. و كان يعد من المسببين لهذه الحروب (السيد مهدي آل السيد سلمان) رئيس البو سيد سلمان من الزگورت و كان أبوه رئيسا. و في البصرة اشتد الشغب و اضطرب حبل الأمن.

الوفيات

1- صيهود بن منشد بن خليفة شيخ البو محمد في العمارة توفي

كما أخبرت الجرائد في 11 صفر سنة 1327 ه.

2- الشيخ أبو الهدي الصيادي. وردت برقية من استنبول في ربيع الأول سنة 1327 ه تنبي ء بوفاته.

و له اتصال بالرفاعية و أرباب طريقتها في بغداد و بسببه عمر مسجد الشيخ أحمد الرفاعي في محل دفنه، و جامع السيد سلطان علي، و مسجد الروّاس، و صار لهذه الطريقة سوق في أيامه، و كثرت الردود لهم و عليهم مما لا مجال لتفصيله هنا.

3- فالح باشا السعدون. توفي في هذه السنة

و لم نتمكن من معرفة تاريخ وفاته بالضبط.

4- الفريق كاظم باشا. توفي في هذه السنة،

و له ورثة أثبتوا وراثتهم، و انتقلت إليهم أراضي الفحامة و جامعها، و جامع الفلوجة من مؤسساته.

5- عثمان وفيق بك ابن محمد بك الربيعي كان قد نال الرتبة الثالثة هو و أخوه محمود بك. و توفي في 18 رجب سنة 1327 ه عن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 224

عمر 42 سنة و دفن في مقبرة الإمام الأعظم، و أولاده:

(1) أمير اللواء الركن حسيب باشا، ولد سنة 1906 م و تخرج من كلية الأركان العراقية سنة 1935 م و أوفد إلي كليات انكلترة العسكرية عدة مرات و شغل عدة مناصب كبيرة آخرها المعاون الإداري لرئيس أركان الجيش، توفي ظهر يوم الأحد 23 أيلول سنة 1956 م و شيع جثمانه صباح اليوم التالي باحتفال عسكري مهيب و دفن في مقبرة الإمام الأعظم.

(2) أمير اللواء الركن نجيب باشا قائد الفرقة الثالثة.

6- السيد عبد الرزاق آل السيد مراد. من الأسرة الگيلانية، توفي صبيحة الاثنين 28 شعبان سنة 1327 ه عن عمر ناهز السبعين.

7- الشيخ حسين كمونة في كربلاء. قتل في 16 ربيع الآخر سنة 1327 ه فكان لقتله وقع كبير و شاع أنه قتله أخوه الشيخ عباس من جراء الرئاسة و الأملاك، و كانت الرئاسة قبله للحاج محسن الحاج مهدي والد فخري و محمد علي، ثم صارت للشيخ حسين بن محمد جواد، و بقتله صارت للشيخ فخري.

8- حاخام يوسف حييم إلياهو. توفي يوم الاثنين 13 شعبان سنة 1327 ه عن عمر يناهز الرابعة و السبعين.

9- عبد الوهاب الباچه چي هو أخو الأستاذ موسي كاظم و نعمان و الأستاذ شاكر و والد المرحوم فخامة الأستاذ حمدي الباچه چي. ورد خبر ذلك من

استنبول.

10- الأستاذ عبد الوهاب نيازي الكاتب الأول في المحكمة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 225

الشرعية. و هو والد الصديق الأستاذ أحمد نيازي و كان عالما و خطاطا معروفا و كانت مكتبته من الخزائن المهمة في بغداد بما احتوت عليه من نوادر المخطوطات و الألواح الخطية.

11- عبد الهادي كبة. و آل كبة بيت تجارة و علم.

12- فتح اللّه يوسفاني ابن عم داود يوسفاني من أسرة معروفة في الموصل و من أولاده الأستاذ جبرائيل مدير شركة نفط الموصل.

حوادث سنة 1328 ه- 1910 م

الوالي حسين ناظم باشا

و قد تطلعت إليه الأنظار، و جاءت الأخبار تتري عن كل حركاته و سكناته. في حله و ترحاله حتي دخل بغداد يوم الخميس 25 ربيع الآخر سنة 1328 ه، و كان الوالي الجديد، و الوالي السابق محمد شوكت باشا قد صليا صلاة الجمعة 26 منه في حضرة الشيخ عبد القادر الگيلاني، و بعد الصلاة جري توديع الوالي السابق. و سار معه أركان جيشه قاصدين استنبول.

و إن الوالي ناظم باشا من الولاة الذين يستحقون البحث في أحوالهم و إدارتهم، و ما قاموا به من أعمال، ويهمنا ما كان أيام حكومته هنا، و كانت الدولة آنئذ في ريب من أمرها و شك من بقائها.

و كل ما علمناه أنه يختلف فرمانه في نصوصه عن فرامين الآخرين من الولاة اختلافا كبيرا، و أذن له بأربعين ألف ليرة زيادة سنوية للإصلاحات اللازمة في الولايات الثلاث بغداد و الموصل و البصرة، و أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 226

سيفتح في بغداد مكتب جندرمة، و آخر للشرطة و ثالث للضباط الصغار.

و أحضر 24 ضابطا بينهم الزعيم الركن حسن رضا بك ابن نامق باشا والي بغداد الأسبق و 32 جنديا برتبة رئيس عرفاء متخرجين من

مكتب صغار الضباط باستنبول و عشرة من الشرطة، و سيكون هؤلاء معلمين لمكتبي الضباط و الشرطة، و كان بصحبته ثمانية من الأطباء العسكريين، و أربعة مدافع رشاشة يطلق كل واحد منها 450 طلقة في الدقيقة، و 6 مدافع جبلية سريعة و ألف بندقية ماوزر حديثة الطراز مع الخراطيش و اللوازم.

هذا عدا ما أرسل قبل وروده من (العتاد). و كانوا قد مدحوه قبلا أو كما يقول المثل البغدادي (طيّروا به البازات:) و هو في الحقيقة كان من رجال الدولة المعروفين. و أن البلدية قدمت للولاية تقريرا بمبلغ سبعة آلاف قرش للمصادقة علي ما يصرف لاستقباله. و كان يوصف بأنه كثير التفكير، قليل الكلام فقويت الآمال فيه. و لما ورد بغداد احتفل القوم به احتفالا شائقا، و أطلق له 19 مدفعا.

و في يوم الأحد 28 ربيع الآخر سنة 1328 ه احتفل بقراءة الفرمان المنبي ء بتعيين ناظم باشا الفريق الأول واليا لولاية بغداد و قائدا للفيلق السادس فكان الاحتفال مهيبا، تلا الفرمان مراد بك المكتوبي و عقبه بالدعاء مسود الفتوي السيد رشيد و عزفت الموسيقي و عاد الوالي لمحله.

و هذا الفرمان جاءت ترجمته كما يلي:

«أحد فرقائي الأول الكرام و عضو الشوري العسكري الذي وجهت إحساني لعهدته ولاية بغداد و قيادة فيلقي السادس الهمايوني ناظم باشا دام علوه. بناء علي رغبتنا في ترقي عمران الولاية المذكورة و تزييد ثروتها و توسيع تجارتها و تنسيق و إصلاح فيلقنا السادس و استحصال

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 227

أسباب تكملة اقتضت إرادتنا ربط الوظيفتين إحداهما بالأخري و إحالتهما لذات مجرب الأطوار، مشهود له بالدراية و الحمية، و حيث إنك أيها المشار إليه متصف بالحمية و الروية و لك الوقوف التام علي

المعاملات الملكية، و إدارة أمور العسكرية، و من متميزي أمرائي العسكريين.

فحسب الاستيذان الواقع قد صدرت إرادتي السنية الملوكية بتوجيه الولاية، و قيادة الفيلق المذكورين و إيداعها ليد اقتدارك مع إبقاء عضوية الشوري العسكري بعهدتك.

فبمنّه تعالي بوصولك للمحل المذكور تفحص أحوال أركان و أمراء و ضباط الفيلق و مأموري الولاية و من لم تجد به الكفاءة اقتدارا و أخلاقا و تراه غير قابل للاستخدام تكف يده عن العمل فورا، و تنتخب سواه و تودع إليه الوظيفة و تخبر دائرته المنسوب إليها لإجراء معاملته بلا تأخير.

و أما ولايتا الموصل و البصرة فلكونهما داخلتين ضمن دائرة الفيلق السادس و لو أن كل وال من ولاتهما مسؤول عن ولايته بأمور الإدارة و الانضباط فعليهما أن يتحدا معكم بالرأي في الأمن العمومي و الضبط بالمخابرة. و لا شك أن في ذلك فوائد و محسنات. و لذا فقد جري التبليغ لهما من الباب العالي لإيفاء هذه المعاملة حقها.

و كذلك أن تجلب الأفواج الأربعة التابعة لفيلقي الرابع الموجودة الآن في الموصل و تبقيها لحين إكمال الانتظام في الفيلق السادس.

و كذلك أن تأخذ من أفراد قرعة الفيلق الرابع ممن يمكن امتزاجه مع هواء العراق المقدار الكافي للفيلق السادس الهمايوني.

و قد حرر للبحرية شراء أربع مدرعات بشرط تسليمها في البصرة بأسرع ما يمكن لاستخدامها في شط العرب، ولدي الإيجاب في نهري دجلة و الفرات لاستعمالهما لسوق العساكر و غيره من الأمور، و بأن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 228

تجري المذاكرة معك عن لوازم الفيلق و كسوة العساكر و النواقص الحربية، و يستحضر ما يقتضي لإكمال النواقص حسب الترقيات الفنية الجديدة من الآلات و الأدوات و ترسلها بوجه السرعة.

و كذا حرر لها بتخصيص و

إرسال ثلاث بواخر و باخرة نقل لتشتغل منحصرا في مضيق البصرة للسوقيات العسكرية تحت أمرك.

و بما أن واردات الولاية غير كافية لإدارة ملكيتها و عسكريتها فقد حرر للمالية بإرسال ما يسد النقص و ما يقتضي صرفه للأمور المهمة شهريا بواسطة البانق بصورة منتظمة.

و كذا حرر بوزارة النافعة بتخصيص مبلغ لا يقل عن 40000 ليرة لتسوية الطرق و المعابر و إنشائها داخل الألوية و إرسال أوراقها علي الأصول من مخصصات النافعة.

و الحاصل أمر بإجراء ما يقتضي من اللوازم سواء للولاية أو للفيلق بالصور اللازمة المستعجلة.

فعليك إجراء الأمر حسب صداقتك و حصافتك المسلّمة و إيفاء ما يجب من الوظائف و المعاملات، و أن تكون مظهرا للعدالة التامة و إعلان الحرية و المساواة حسب القانون الأساسي لدي تبعتي، و أن تجري الدقة في هذا الأمر المهم إذ ذلك مطلوبي المنتظر.

و علي كل حال يلزم أن تتوسل بالمدد من روحانية النبي المحترم، و تهتم بإيفاء الوظائف بأحسن صورة و أتم غيرة. في 17 ذي القعدة سنة 1327» ا ه.

و من الفرق بين تاريخ نصبه و تاريخ وصوله إلي بغداد يظهر أنه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 229

الوالي محمد زكي باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 230

تأخر وروده، و اهتمت الحكومة لأمر العراق، و غوائله. و إن إرسال الضباط، و تسليمه القيادة للفيلق السادس و استخدامه بعض جيوش الفيلق الرابع يدل علي شدة العناية و اتخاذ القوة لتأديب العشائر و تسكين الحالة، و أعلنوا عنه كثيرا، و بالغوا في أمره و درجة اهتمامه و تعظيم شأنه. و الحق أنه نال سمعة كبيرة، و حصل علي رهبة من الأهلين و من العشائر، فخافه الناس علي البعد، و أكبروا أمره. و في

أيامه جرت وقائع تعين مكانته، كما أنه في نظر دولته يعد من أفذاذ الرجال و مشاهيرهم.

و لم ينل شهرته من وزراء بغداد إلا مدحت باشا، و الحق أنه يصح أن يعد (مدحت الثاني). و نعته الأستاذ حمدي بابان ب (مدحت زماننا).

و كان بوقته وردت برقية من نائب كربلاء الحاج عبد المهدي الحافظ يبشر بها بتعيين الفريق الأول ناظم باشا أحد أعضاء الشوري العسكرية واليا لولاية بغداد بانضمام قيادة الفيلق السادس لعهدته. بتاريخ 3 ذي القعدة سنة 1327 ه.

و الشعب العراقي لا يريد إلا أن يتولي من يقوّم المعوجّ، و يصلح الفاسد، و يؤمن المخاوف، و يحمي الدماء المهراقة في عموم الأنحاء.

فإن العصيان في العشائر عمّ أنحاء القطر، و صار لا يستطيع الجيش تأديبها. و تجرأوا علي أعمال لا يصح السكوت عليها. و هكذا قل عن سائر الجهات. فهذه عشائر الدليم و وقائعها و آل أزيرج و عشائر أخري لم تستقر علي حالة. و هذه المنتفق و وقائعها.

و هنا نجد الاعتراضات تتري علي تعيين وال لا يفهم العربية، و لا يتمكن أن يطلع علي أحوال الأهلين و استماع شكاواهم رأسا و بلا واسطة. و أمثال هذه الاعتراضات ليس لها من سامع.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 231

و الملحوظ أن كل وال يدعي أنه يقوم بعمل، و في الحقيقة لا يظهر له وجود فصار الناس يطالبون به أو يضجرون من واليهم لأنه لم يقم بعمل ما، و هكذا كان الأمر. و لإطلاق الألسن المكانة المقبولة في طلب الإصلاح.

ورد ناظم باشا واليا و قائدا للفيلق السادس بصلاحية واسعة فيما يختص بالولايات الثلاث الموصل و بغداد و البصرة.. و لم نر واليا نال شهرة، أو اكتسب ذكرا، و

ذاع صيته كهذا الوالي سبقت أخباره وروده بغداد.

و ممن بعث إليه بتبريك والي البصرة سليمان نظيف بك قال:

«الفيلق السادس في انحلال و يحتاج إلي لمّ الشعث، و خراب بغداد من زمان بعيد ينتظر الإصلاح، و علو عزمكم يبعث علي الأمل، فأبارك لكم بإخلاص».

و من هذا يعلم ما نال العراق، و أن والي البصرة الأديب الفاضل أدرك المغزي، و نعم ما طلب من الوالي الجديد. و فيه بعث بهمته و تقوية لعزمه في الإصلاح.

و لا يهمنا الثناء عليه أو مدحه مجردا، و إنما نحاول تثبيت وقائعه لتعرف درجة تصرفه في الإدارة و الجيش. إلا أننا نقول إن الزمن في ولايته غير ما كان في أيام مدحت باشا، فالوضع مختلف و من ثم يصح أن نقول هنا باختلاف الطبع بالنظر لاختلاف الوضع.

و من ثم نري كثرة المطالبات علي لسان الجرائد، و الصحف، و بعرائض كانت تقدم إليه، فكل من ناله حيف صار يلجأ إليه، و أخاف الموظفين بل أرعبهم، فصار لا يجسر أحد أن يقوم بعمل ما غير قانوني، أو مخالف للشرف و الأدب. كما أن رجال العشائر صاروا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 232

يظنون بكل مجهول أنه ناظم باشا جاء بتبديل القيافة. فنصر بالرعب، و اعتري الناس بهتة من أمره.

و رأينا قصيدة في مدحه لأوسطة علي البناء جاء في آخرها:

إليك من الأمي وافتك مدحة سري ذكرها في نجدها و التهائم

فدم حاكما بين البرية (ناظما) لشمل الهدي من كل ماض و قادم

و للمرحوم الأستاذ (هجري دده) الكركوكي قصيدة فارسية يستبشر بها خيرا بوروده و كذا مدحه المعلم داود صليوا بقصيدة بعنوان (حنين المشتاق إلي لقاء وزير العراق) أدرجها في جريدته صدي بابل علي ورق صقيل. و

كذا مدحه عبد المسيح الأنطاكي بقصيدة. و مدحه في قصيدة ثانية نشرت بالرقيب عدد 131 و مدحه المرحوم الشيخ محمد السماوي في قصيدة نشرت في العدد 133. إلا أن هذه كانت قليلة بالنسبة للعهد السابق. لأن مدح الأتراك صار يعد وصمة فلا يقدر أحد من الأدباء مصادمة الجريان الفكري و التيار القومي.

هذا. و لا ينكر أن بغداد نالها السوء، و أصاب أطرافها الهوان من سفك دماء و هتك أعراض، و غصب حقوق فأخذ منها الفساد مأخذه.

الأعراب يأكل بعضهم بعضا، و لا قدرة للجيش علي دفع صائلتهم. و في الولاية لا يري رادع، و للتغلب و النفوذ حكمه. فصاروا يأملون الخير و الصلاح في الوالي لما بلغ من حالة تعسة و أوضاع رديئة. و يرجون أن يتحقق ما يتمنون من صلاح و إصلاح.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 233

و كانت المطالب مصروفة إلي:

1- تأسيس مخافر.

2- تأمين الأطراف.

و من الجهة الأخري نري الأهلين غافلين عما يفرضه الواجب، فلم يستفيدوا من المجالس العامة للبلدان (المجلس العمومي)، و لا من النواب لأنهم لم يقع اختيارهم علي من يصلح. و في الغالب كانوا يراعون الصلاح الديني، فيختارون الواعظ، و العالم الديني، أو المتنفذ، المتحكم.

نعته سليمان نظيف بك بأنه أكبر جندي في الجيش العثماني، و لم يقبل أن يذل للاستبداد في وقت. و هو آلة خير تحمل الرحمة، و العلم الغزير، و الوقوف التام. فلا شك أنه سيتدارك أمر بغداد، و الظاهر أنه قال ذلك كنشرة. و بيّن أن العراق كان خزانة الأطعمة و تكاد أهلوه تموت جوعا، و كان موطن الفيالق، فصار يتحكم به البدو، فلا يستطيع إفهام أغراضه و آماله. و بلغ به من سوء الإدارة و التخريب

ما اللّه عالم به.

و صار الأمل معقودا بهذا الوالي و زاد النشاط، و تولدت حركة في السوق من جراء قدومه.

و يطول بنا ذكر العموميات، أو المدح، و إنما تهمنا أعماله، و إلا فهذا صاحب مجلة العمران عبد المسيح الأنطاكي مدحه بقصيدتين إحداهما في ديوانية الحضرة الگيلانية بعد أن صلي الجمعة في الحضرة الگيلانية و أخري خاصة و مثل هذه لا تعدّل المسلك، و أن مدح الشعراء لا يغير الواقع. و الجرائد التركية بالغت في إطرائه، و أنه من مشاهير العسكريين، و قد كتب لهذا القطر أن لا يتولي أمره إلا عسكري، أو من ينال السلطة العسكرية و لو كان مدنيا. و كل ما نقوله إنه استتب الأمن في أيامه، ولكنه لم يقم بعمل كبير كشهرته. لا سيما و أنه لم تطل أيامه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 234

العشائر و الغزو

اشارة

الخصام بين العشائر كثير و دائم بصورة مستمرة و كانت تتفق العشائر مع بعضها أو يركن الضعيف منها إلي القوي ليعتز به، و تقع المنازعات بعضها مع بعض علي الأراضي، أو من جراء التعديات و السرقات. و قد تكون المنازعات من جراء ما بينها و بين الحكومة، أو سوء إدارة الموظفين. و الأمثلة كثيرة منها:

1- بين البو سلطان و الجحيش:

اشتد النزاع، و توترت الحالة، و تأهب كل فريق علي الآخر، و تدخل القائممقام في الجزيرة (الصويرة) للحيلولة دون وقوع ما لا يحمد، فلم تجد التدابير، و حصل الصدام في 25 المحرم سنة 1327 ه. و قتل الشيخ رشيد البربوتي ابن وادي رئيس عشائر زبيد، و سبب النزاع كان من أجل الأراضي، و كان رئيس البو سلطان عداي الجريان.

2- المنتفق:

كان في اضطراب و امتناع دوما من أداء الرسوم الأميرية و الأعشار. و ما بين الناصرية و سوق الشيوخ لا يستطيع الجيش اجتيازها.

3- لواء العمارة:

ذهبت القوة التأديبية تحت قيادة الزعيم يوسف باشا و مظهر بك، إلي العشائر و اهتمت الحكومة لما رأت من ضرب المراكب بين بغداد و البصرة، فاشتدت المعارك، ثم ورد وكيل الشيخ غضبان لأخذ الأمان له و معه مبالغ وافرة، ولكن الحركات العسكرية ابتدأت في 24 ربيع الأول سنة 1327 ه.

و جاء في جريدة التهذيب أن والي البصرة محمد عارف بك المارديني عزل الشيخ غضبان من مشيخة بني لام، و كذا أولاد صيهود

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 235

فالحا و إخوته عن زعامة البو محمد و فسخت جميع المقاطعات التي بأيديهم و التزامهم و حجزت أموالهم. و في أثناء الحرب العامة الأولي أعيد الشيخ غضبان إلي الرئاسة و صار عضوا في المجلس التأسيسي و بوفاته آلت الرئاسة إلي ابنه حاتم.

4- بين العزة و العنبگية:

حدث نزاع طويل دام نحو سبع سنوات من جراء قتل هزاع الناصر من البو موسي من قبيلة العزة و كان من المشاهير في شجاعته و بطولته و كثرت المقاتلات بين الطرفين، ثم إن الحكومة أصلحت ما بينهما.

5- الهماوند:

كثرت وقائعهم في چمچمال بين كركوك و السليمانية و في غيرها بصورة مستمرة. و (چمچمال) محل سكناهم. و كان أصلهم من لورستان و مواطنهم فيها يقال لها چمچمال فسموا بلدهم بين السليمانية و كركوك بهذا الاسم (چمچمال).

6- الدليم- زوبع:

وقعت بينهم وقائع عديدة. فلم تستطع الحكومة أن تقوم بمهمة الإصلاح.

7- القرطان و الفداغة:

حدثت منازعات و مقاتلات، و امتدت بينهما، فاشترك فيها القراغول أيضا. و ذكرت هذه العشائر في (كتاب عشائر العراق).

و هذا النزاع قليل من كثير، و نري الوقائع بين الشبل و الغزالات، و الجبور، و البو محمد و الأزيرج و بني زريج و بني لام إلي آخر ما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 236

هنالك. و لو تحرينا الأسباب لا نراها تخرج عما ذكرنا أو هي من جراء بعض الوقائع الجوارية أو الحوادث الشخصية. و مثل هذه لا تخلو سنة من السنين من وقائعها، و لا تهدأ الحالة في وقت، فعادت طبيعية في العشائر، و كأنها مجبولة عليها أو مما تقتضيه حياتها. و الدولة لا تستطيع قطع دابر الفتن، أو القضاء علي الآلة الفتاكة (السلاح) فلا تقدر علي منع الأسلحة من دخول العراق، و إنما هي منتشرة في أنحاء البادية و بين العشائر، و المتاجرة بها غير منقطعة، و إنما يراد بها إيقاد الفتن. و مهما أجرت الحكومة من مكافحة فليس في استطاعتها القضاء علي دابر التهريب، بل تعد تقليل انتشارها ربحا لها و هيهات..!

كان انتشار الأسلحة يجري بواسطة الرؤساء فلهم يد في تسهيل المتاجرة بها، و تساهل الموظفين أو عجزهم عن المراقبة أزال الخوف و الحذر.

و هذا الوالي جعل باكورة أعماله إثر وروده بغداد بنحو أسبوع مهمة العشائر و دفع غوائلها فحصل علي فتاوي من العلماء في لزوم تأديب من يستحل الغزو المحرم في الشريعة الغراء و هذا يكون بين القبائل البدوية، أو القبائل المتعادية أثناء الخصام. فصدرت فتاوي علماء السنة بقتل المجاهر بالظلم أي الآخذ أموال الناس علانية بطريق الغلبة و القهر كما

يفعله عصاة الأعراب و غيرهم من النهب و الغارة و تسميتهم ذلك (غزوا) و هو ليس من الغزو في شي ء. و أصدر هذه الفتاوي:

1- مفتي ولاية بغداد محمد سعيد الزهاوي.

2- غلام رسول. من علماء الهند المقيمين ببغداد.

3- سماحة نقيب أشراف بغداد السيد عبد الرحمن النقيب.

4- السيد محمد نافع المفتي (الطبقچه لي).

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 237

5- الشيخ عبد الوهاب النائب مدرس جامع منورة خاتون.

6- السيد محمود شكري الآلوسي مدرس جامع الحيدرخانة.

7- الشيخ محمد سعيد المدرس الأول في جامع الإمام الأعظم.

هو أخو الشيخ عبد الوهاب النائب.

أخذ الوالي هذه الفتاوي من العلماء لمنع الغزو و هو عادة جاهلية، لا تتضمن إلا قتل النفوس، و نهب الأموال، و لا يختلف اثنان في فظاعتها و محاذيرها بل مضراتها المادية و المعنوية كما أنها مخالفة للشرع، و أن مرتكبها يستحق العقاب الشرعي و القانوني.

و أخذ فتاوي من علماء الشيعة فأفتوا بأنه يجب منع العشائر من هذه الأعمال بالنصائح و الوعظ، فإن أبوا فحينئذ يركن إلي التهديد.

و التخويف و إلّا جاز التنكيل بهم. و من بين هؤلاء العلماء:

الشيخ كاظم الخراساني. من النجف.

و الشيخ عبد اللّه المازندراني. من النجف.

و السيد محمد القزويني. من الحلة.

و الشيخ محمد حسين. من كربلاء.

و الشيخ محمد باقر. من كربلاء.

و السيد إسماعيل الصدر. من الكاظمية.

فكان لهذه الفتاوي أثرها، و كانت تعد من التدابير الصائبة تجاه أعمال العشائر. فأرعب القوم و ولّد فيهم الخوف، فسكنوا مدة و هدأوا زمنا لا بأس به.

أبلغ الوالي ناظم باشا هذه الفتاوي إلي العشائر حينما توافدت عليه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 238

عند مجيئه فحذرها من الاستمرار في الغزو و التمادي في الغيّ و البغي و النزوع إلي الشرور.

و لكن لم

يطل أمد انصياعهم لأمره إلا أيام حكومته في بغداد فعادوا إلي ما كانوا عليه بعد مغادرته العراق.

و من أعمال الوالي ناظم باشا:

1- دفن الخندق.

2- سدة ناظم باشا.

3- استتباب الأمن. و هذا من أكبر أعماله.

و كان يأمل أن يقوم:

1- بتشغيل تراموي الكاظمية- بغداد بالكهرباء.

2- بعمل جسر حديدي لبغداد.

3- تسيير بواخر.

4- إسقاء الولاية بماء مقطر.

5- إصلاح و توسيع طرق المدينة و شوارعها.

6- بناء مستشفيات.

7- عمل حدائق عامة.

8- بناء جسر علي الفرات و إصلاح الجسور الموجودة.

قدم لائحة بذلك.

و هو كأكبر موظف قام بمهمات عديدة إلا أنه منع أن تكتب له العرائض بغير التركية ثم عدل عن ذلك و حصل عليه شغب من جراء

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 239

قضية سارة خاتون بنت أوانيس إسكندر الأرمنية. فطلب أحد أعوانه من الضباط برتبة مهمة أن يتزوجها و هو أرمني أيضا فامتنعت، فحدثت شكاوي عليه من جراء ذلك، و اتخذت وسيلة للتنديد بأعماله. و لكن الأهلين أغلبيا راضون عنه، و ولّد رهبة في قلوب أهل الشقاوة.

و عيّن حالته الأستاذ الزهاوي في قصيدة بعنوان (طاغية بغداد).

غرفة التجارة:

تكوّنت في ربيع الآخر سنة 1328 ه (غرفة التجارة) ببغداد، فكانت أول غرفة تجارة بصورة صحيحة. و من ثم صارت مرجعا للأمور التجارية و الاقتصادية في المملكة، و أن تكوّنها كان بسيطا جدا. عيّن مركوريان مدير شعبة المصرف العثماني رئيسا لها، و جعل الرئيس الثاني شاؤول معلم حسقيل، و مستشارا الحاج ياسين باشا الخضيري و مستشارا ثانيا يهودا زلوف، و أعضاء كثيرين منهم شاؤول شعشوع و محمود الأطرقچي، و الحاج عبد المجيد حمودي و توفي سنة 1956 م عن ولديه الحاج باقر و حمودي و من الأعضاء إبراهيم حييم معلم إسحق.

و أعلنت لزوم تسجيل الشركات

و الحصول علي إجازة بالاشتغال اعتبارا من 26 جمادي الأولي سنة 1328 ه.

هذا مع العلم بأن الحكومة ألغت غرفة التجارة السابقة في سنة 1301 كما مرّ. و كتبت ذلك بتفصيل ذكرته في مجلة غرفة التجارة في بغداد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 240

والي البصرة:

في جمادي الأولي سنة 1328 ه ورد سليمان نظيف بك بغداد بمناسبة مجي ء الوالي للمذاكرة معه فيما يقتضي عمله من الأمور التي تخص البصرة، فأثني عليه صاحب الرقيب الثناء العاطر من جهة الأدب و السياسة و كان مدحه علي البعد حتي قال إنه مصداق قول الشاعر:

حتي التقينا فلا و اللّه ما سمعت أذني بأحسن مما قد رأي بصري

والي الموصل:

محمد فاضل باشا الداغستاني ورد بغداد بمناسبة قدوم الوالي للمذاكرة و تلقي الأوضاع المطلوبة منه رأسا فيما هو مقرر من الإدارة المزمع عليها من الحكومة المركزية ثم عاد.

إلغاء الاحتساب:

وردت برقية من استنبول تشعر بصدور القرار في لغو رسوم الاحتساب، و شهرية الدكاكين. و هذه الرسوم كانت تنتفع منها الحكومة و عدّتها من الضرائب المهمة، و تطورت كثيرا و أصل وضعها كان لأمور البلدية تنفيذا لقاعدة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لما يتعلق بالموازين، و ملاحظة الأمور الصحية، و الآداب العامة. مما يستدعي القيام به كلفة و مصاريف، فكانت تؤخذ بقدر الحاجة لسد مثل هذه الكلف و المصاريف. ثم تغير الوضع، و انعدم هذا الأمر، أو توجه العمل به إلي نواح عديدة، منها البلدية، و انتزعت السلطة من القضاء الشرعي، في حين أنه كان لا يعين قاض إلا و معه محتسب.

و قد قامت هذه المهمة بأمور مفيدة و نافعة. و لكن التشكيلات الإدارية تبدلت، فأودعت أقسام كبيرة منها إلي النقابات، أو إلي القوانين

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 241

الأخري كقانون العقوبات و غيره …

و رسوم الاحتساب تؤخذ من:

1- رسوم التمغا (الطمغة). تؤخذ علي معمولات الولاية اثنان و نصف من كل ما يساوي مائة علي أساس الزكاة. من قيمتها. ثم توسع الموظفون. و تجاوزوا الحد. و كانت هذه تأتي بمبالغ وافرة، و تعطي كسائر الرسوم بالالتزام و كان آخر الملتزمين السيد عواد والد الفاضل السيد علي السيد عواد. و كانت تؤخذ من الأموال التجارية التي تباع في الأسواق من مفروشات و بضائع. و كانت مؤسسة من أيام داود باشا.

و الصواب أنها قبل ذلك بكثير.

2- رسوم الدلالية. و هذه أيضا تعطي بالتزام.

3- القبانية. رسوم تجارية لما

يوزن في (القبّان).

4- الأرضية. عما يباع في الميادين العامة.

5- الذبحية. و هذه (رسوم المجازر).

6- الرسوم عن كل (قفّة) أو (كلك) أو (شختور) أو سفينة أو طرادة بالنظر لما يحمله من رقي أو بطيخ، أو مخضرات، أو أحطاب، أو بقالية، أو حبوبات أو فواكه.

7- أحمال الدواب من بعير و بغل و حمار تبعا لنوع المحمول من حنطة أو شعير أو ماش أو باقلاء.

و يهمنا أن نقول إن الحكومة كانت تضع الرسوم بصورة متوالية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 242

و تنوي إلغاء ما سبق من رسوم و لكنها تطمع في إبقاء الاثنين و هكذا حتي تولدت أنواع الضرائب. تنفس الناس الصعداء من جراء إلغاء (رسوم الاحتساب) مع أن الحكومة لم تقم بأمر ديني أو مدني لتتقاضي عنه هذه الرسوم. و صار يعد الجباة في نظر الأهلين (زبانية جهنم).

وكلاء الدعاوي:

جري في المحاكم الشرعية تحقيق أحوالهم فقبل الوالي منهم ستة أشخاص و نقم الناس منهم كثيرا، و اشتهروا حتي صاروا مضرب المثل في التزوير و الاحتيال.

مستشفي مير إلياهو (إلياس):

احتفل الوالي بفتحه خارج باب المعظم بدعوة من حاخام اليهود داود پاپو و المؤسس، ففتح الوالي بيده بابه، و حضر الاحتفال جملة من الأشراف و الأعيان في يوم 19 شعبان سنة 1328 ه. و إن مؤسسه مير إلياهو توفي بعد مدة قصيرة.

والي البصرة- السيد طالب النقيب:

حصلت بينهما مشاجرة، و كل واحد كتب علي الآخر برقية شكوي، و كان السيد طالب باشا النقيب مبعوث البصرة. و علي الأثر استقال الوالي سليمان نظيف بك، فلم يستطع أن يقوم بأعمال مرضية لما رأي من المعاكسات من أهل النفوذ و في مقدمتهم السيد طالب فقد كان الحاكم بأمره، أو الحاكم المطلق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 243

قبلت استقالته، فخلفه جلال بك متصرف لواء كربلاء. و كان سليمان نظيف بك فائقا في قدرته العلمية و الأدبية، و في انتباهه للوقائع السياسية، و في كل أعماله مقبول الإدارة مرضي السلوك و لكن البصرة كانت ملتهبة بالفتن، فلم يتمكن أن ينجح فيها.

حوادث أخري:

1- الأستاذ ناجي السويدي كان رئيس محكمة التجارة في البصرة و جري تحويله بطلب منه إلي عضوية محكمة الاستئناف في بغداد.

2- فتحت الجادة الرشادية في البصرة.

3- أجريت التنسيقات في المعلمين (مدرسي مدارس الحكومة).

4- عمّر قبر القائد الكبير سليمان باشا الكائن بقرب الإمام أبي يوسف. في الكاظمية. و ابنه سامي بك من أصدقاء سليمان نظيف بك و بسببه جري تعميره.

5- هبت ريح عاصفة في 15 جمادي الأولي سنة 1328 ه و كانت زعزعا، ظنها الناس في بادي ء الأمر غمامة سوداء. كما حجبت الشمس عن الأبصار و كانت هبت ريح مثلها عصر يوم 27 شهر رمضان سنة 1274 ه.

6- عهد إلي محمود شوكت باشا منصب وزارة الدفاع.

7- تأسس في بغداد مكتب الجندرمة. في (باب المعظم) و هو اليوم مديرية السجون العامة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 244

8- توسيع سوق العطارين.

9- الأستاذ جميل صدقي الزهاوي. حدثت ضجة عليه بسبب ما كتب عن المرأة و حقوقها في الإسلام، و اعترض علي حكم (للذكر مثل حظ الأنثيين) فانبري

للرد عليه الشيخ سعيد النقشبندي في رسالة سماها (السيف البارق في عنق المارق) و آخرون.

10- ظهور الهواء الأصفر أو الهيضة (كوليرا).

11- أدخلت وزارة المعارف في برامجها تدريس اللغة العربية.

وفيات:

1- الأستاذ عبد الرزاق الأعظمي.

وكيل مدرس المدرسة المرجانية. توفي يوم الخميس 2 المحرم سنة 1328 ه و عمره يناهز الخمسين سنة و كان أول من قرأت عليه في بداية تحصيلي العلمي. و من أولاده هاشم و مكي.

2- الشيخ رضا الطالباني.

الشاعر الأديب المعروف في العربية و التركية و الفارسية و الكردية، و يعدّ في الكردية من أبلغ الشعراء. توفي عصر الخميس 9 المحرم سنة 1328 ه و قد رثاه جماعة. و طبع ديوانه للمرة الثانية في بغداد سنة 1946 م. و له ولدان الشيخ محمد و الشيخ عبد اللّه المتوفي سنة 1941 م و هذا أولاده الشيخ رحمة اللّه و سعادة الأستاذ حسن و الأستاذ علي.

3- الأستاذ العلامة طه الشواف ابن الأستاذ عبد الرزاق الشواف.

من العلماء الأدباء، و له شعر جيد، توفي في البصرة و دفن في مقبرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 245

الحسن البصري في الزبير يوم الخميس 4 صفر سنة 1328 ه. و كان مفتي البصرة من سنة 1317 ه، و أبناؤه الأساتذة: عبد الملك و الحاج علي، و إبراهيم. و رثاه جماعة.

4- السيد محمد جابر الطبقچه لي.

توفي في الحلة.

5- الحاج محمد صالح الشابندر.

توفي في 23 ربيع الآخر سنة 1328 ه كما أخبرت برقية بذلك و هو عم معالي إبراهيم و موسي الشابندر.

6- توفي العلامة الشيخ حسن المعروف ب (ابن الشيخ)

يوم الاثنين 6 جمادي الأولي سنة 1328 ه عن عمر يناهز الثمانين.

7- الحاج محمد صالح بن عبد الوهاب ابن الحاج عبد الرزاق

(من العلماء) ابن الحاج حسين ابن الحاج عثمان البرزانلي. توفي ليلة الأربعاء في 18 شعبان سنة 1328 ه و توفي ولده عبد الرزاق في 26 ذي القعدة سنة 1358 ه. و حفيده محمد ناجي و العائلة تشتغل بالتجارة، و جاء في جريدة الرقيب: أنه كان موصوفا بحسن المعاشرة و الدعة و التودد.

حوادث سنة 1329 ه- 1911 م

الوالي ناظم باشا

انفصل الوالي ناظم باشا من بغداد، و أودعت الولاية بالوكالة إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 246

الفريق يوسف آكاه باشا في يوم الجمعة 16 ربيع الأول سنة 1329 ه، و في يوم الثلاثاء صباحا 19 ربيع الأول ذهب إلي استنبول من طريق البصرة في أحد مراكب شركة (لنج)، و خلف أثرا في النفوس، و كانت أعماله جليلة و فاضلة إلا أنه لم تطلق يده، ثم أودعت إليه وزارة الدفاع إقرارا بفضله، و اعتمادا علي مقدرته، ثم جاء نبأ برقيّ يشعر بأنه قتل و معه اثنان في 24 شباط سنة 1913 م و دفن الجميع بأبّهة عظيمة، و في خاطرات جمال باشا أنه قتل في 23 كانون الثاني سنة 1913 م، و لم تدفن جنازته إلا في اليوم التالي.

و كتب المعلم داود صليوا في حياته رسالة سماها (المحاق في ترجمة شهيد الإصلاح ناظم عقد العراق) جعلها ملحقا لمجلة الغرائب العدد الرابع الصادر في 30 ربيع الآخر سنة 1331 ه و طبعت بمطبعة الآداب في بغداد. كما أنني سمعت أنه كتبت رواية تتضمن ذمه، في حادث سارة خاتون.

متصرفية نجد:

أودعت إلي مدير تحرير ولاية البحر الأبيض المتوسط و لم يسمّه.

كلية الأعظمية:

في أوائل حزيران (أوائل جمادي الآخرة سنة 1329 ه) تمّ تخطيط كلية العراق الإسلامية المعروفة ب (الكلية الأعظمية). و لا زالت عناية الوالي دولة يوسف باشا مصروفة إلي إخراج هذه الكلية إلي عالم المثال. و هي تلك الكلية التي رفعت إلي هذه المرتبة نهار الجمعة 26

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 247

أيار (18 جمادي الأولي سنة 1329 ه) و حضر حفلة افتتاحها جمّ غفير من أكابر البلدة و رجالها الأماثل من عسكريين و ملكيين و مدنيين..

هذا. و قد حصلت معارضات في تكوينها مما أخر العمل، لما قام به أهل الشغب من المعارضة.

الوالي جمال بك

جمال بك كان كسائر الولاة المهمين ترد الأخبار عن حركاته في طريقه إلي بغداد حتي وصل يوم السبت في 1 شهر رمضان سنة 1329 ه فخرج لاستقباله إلي الفلوجة معاون الوالي لطفي بك و غيره. و استقبله من الأعظمية:

1- الفريق يوسف أكاه باشا وكيل الوالي و وكيل مفتش الفيلق الرابع الذي انتهت وكالته بورود علي رضا باشا الركابي قائد الفيلق الثالث عشر.

2- الأمراء و الأشراف.

3- ضربت له المدافع كالمعتاد.

و إثر وصوله كتب إلي الملحقات برقيا يخبر بأنه باشر أعماله، فأوصي الموظفين بلزوم الاهتمام بوظائفهم و أن يقوموا بما يتعلق بالأمن و الراحة، و طلب أن يثابروا علي أداء الواجب، و يؤدوا أعمالهم كما يرام.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 248

الفريق محمد فاضل باشا الداغستاني و علي يمينه فارس آغا من رؤساء بيشدر و إخوته

اشارة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 249

قراءة الفرمان:

يوم الأربعاء في 5 شهر رمضان سنة 1329 ه قري ء باحتفال في الساعة 5/ 9- و كان الجمع حاشدا، و بعد قراءة الفرمان تكلم الوالي عن عمارة الخطة العراقية سابقا، و ما اعتراها من خراب في هذه الأيام و أوضح ما تستدعيه من الجهود لإعادة حالتها..

ترجمة الفرمان:

«افتخار الأعالي و الأعاظم، مستجمع جميع المعالي و المفاخم، المختص بمزيد عناية الملك الدائم والي أطنة جمال بك الذي وجه منصب ولاية بغداد و أودع لعهدة استيهاله دام علوه.

ليكن معلوما أنه يصل توقيعي الرفيع الهمايوني أن بغداد تقبل الترقي و العمران بقدر الاستعداد و نسبة القابلية، فتصبح متوافرة التجارة و الثراء عندما تكون مظهر العدل و الرأفة بصورة متساوية بين صنوف الأهلين و من ثم تنال الرفاه و السعادة. فاقتضي ذلك أن تودع هذه الولاية لمن جربت درايته و أهليته، فأنت لما كنت متصفا بكمال الحمية و الرويّة، و واقفا علي أمور الإدارة، و أنك من متميزي الموظفين في سلطنتي السنية، فإني أودع هذه الولاية ليد اقتدارك بناء علي الاستيذان الواقع، فأصدرت إرادتي السنية الملوكية.

و بوصولك- بمنه تعالي- إلي هناك أن تسحب يد أي موظف يتبين لكم أنه لم يكن حائزا للأوصاف المطلوبة عدا الموظفين العدليين و الشرعيين، فإنهم مستثنون، و أن تعينوا مكانهم من يليق حسب الأصول، و تخبروا عاجلا بما يتمّ للدوائر المتعلقة بهم.

و إن التدابير اللازمة للإصلاح و العمران في بغداد و البصرة إذا مسّت الحاجة تدعون والي البصرة للمذاكرة معه فتوحدوا الفكرة و الحركة، و تقرروا ما يقتضي بصورة مشتركة، و أن تقوموا بالمهمة بسرعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 250

كاملة للتنفيذ، و كل ما يطلب من جانبك من أي نوع من الوسائط السابحة

و التجهيزات الأخري تجري مبايعتها و ترسل.

هذا و من اللازم تنسيق الجندرمة أيضا في بغداد و البصرة و إصلاح شؤونها و أن ترتبط هيئة التنسيق و التفتيش بمقام الولاية رأسا، و أن يكون قائد كردوس الجندرمة و لجنة التفتيش تنحصر مخابراتهم مع قيادة الجندرمة و المفتشية العامة بواسطة مقام الولاية حصرا، و تنفيذ أمور التنسيق بسرعة، و هكذا قضية التسليمات و التجهيزات للجندرمة، و أن تروج الإشعارات التي تقع من الولاية بخصوص إسكان العشائر، و أن تنسق أمور الشرطة في بغداد و البصرة بتأسيس مكتب لهم، و أن يراعي الانتظام فيه، و أن يكون تحت نظارتك، و أن تهتم بأمور الشرطة و المفوضين، و ما يتعلق بهم من معاشات و تجيهزات، و ما يقتضي لتزييدها حسب اللزوم الذي تراه، و إكمال النواقص.

و إن من أهم القضايا الاجتماعية قضية الأراضي في بغداد، فهذه سوف يصدر بها قانون، و قد عزم علي تنظيمه، فعليك أن تدققه بالسرعة الممكنة و أن تبدي الملاحظات من جميع أطرافها، و تبين نتائجها المستقاة.

و هكذا تنظر الطرق عدا الشوارع العامة. تعمل ذلك، و تقوم بأمر تطهير الأنهار، و كل ما هو لازم من الأمور النافعة. و للقيام بذلك خصص سنويا علي الأقل 40 ألف ليرا، و يصح إبلاغها إلي ما هو أزيد بتقرير من رجال الفن، تقرر ذلك كله، و جرت التبليغات اللازمة للدوائر المختصة. فعليك و أنت ذو الحصافة و الإخلاص المسلّم به أن تقوم بواجبك، و ما يترتب من معاملات و وظائف بالوجه اللائق و الأتم، و أن ينال الأهلون علي اختلاف صنوفهم وفقا للقانون الأساسي أتم العدل، و تتحقق لديهم المساواة و الحرية، و كل ما هو يهمهم، فالعناية

العناية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 251

بذلك، و هو المطلوب المنتظر من سلطنتي، و علي كل حال استمد من روحانية الرسول صلي اللّه عليه و سلم، و قم بوظائفك أحسن قيام، و اهتم بها خير اهتمام. تحريرا في اليوم الحادي و العشرين من شهر رجب الفرد لسنة 1329 ه» ا ه.

و هذه ترجمة خطابه:

«أيها الوطنيون المحترمون!

لقد تلي عليكم الآن بكمال التعظيم التوقيع السلطاني بتوديع زمام إدارة أمور ولاية بغداد لعهدة العاجز، فها أنا أفتح أعمالي باسمه تعالي ملتجئا بالعناية الصمدانية، و متوكلا بروحانية الرسول صلي اللّه عليه و سلم فأقول: أري نفسي مضطرة أن تذكر لكم ما أحسه قلبي، و أوضح ما حواه صدري عند لقائي أبناء وطني العراقيين، و هو أول لقاء يباهي به في هذا اليوم.

أيها السادة:

أجدني متحسسا بثلاث إحساسات تعود إلي مملكتكم.

الأول- حسن الاحترام و الحيرة العائدة إلي الحال السابق لمملكتكم المباركة.

الثاني- حسن التأثر و الأسف الذي يعود إلي حالها الحاضر.

الثالث- هو عائد لاستقبالها إلا أن هذا الاستقبال الشريف ذا الشأن هو و ترقي العثمانيين و تعاليمهم توأمان.

أما الذي يتعلق بماضي هذه المملكة المباركة فمن قرأ تاريخها لا يسعه إلا أن يطيل وقوفه حائرا إذ بحرارة هذه الشمس انتشأت أدمغة نسل ذلك البشر الذي استبانت خدماته الكبيرة لعالم الإنسانية و المدنية في الأدوار البعيدة الماضية قبل أن تشرق أنوار الإسلامية علي الدنيا، و بعد ظور الإسلام فمدنية الخطة العراقية وصلت إلي نقطة و انتهت إلي غاية لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 252

يتيسر الوصول إليها لقطر من أقطار العالم كله. و لما كانت جميع الأقطار تنمحق تحت ظلام كابوس الجهالة فالخطة العراقية كانت إذ ذاك مستغرقة بأنوار الفنون و العلوم،

مشرقة عليها الأشعة المختلفة حتي بدت كأنها روضة غناء و لذلك تركت أنظار العالم معطوفة محتارة بالتدقيق علي ما يعود لذلك الزمان.

فالذي أوجد الساعة لتنظيم أوقات البشر، و الذي أثبت كروية الأرض، و الذي عيّن دائرة نصف النهار، و من خلّد آثارا كثيرة بحيث لا تعد و لا تحصي في الطب و الفلسفة، و الأدب و العلوم الرياضية و الهيئة هم علماء الإسلام الذين كانوا قد نشأوا بهذه الخطة و تنفسوا بهوائها و اصطلوا بذكائها، و ارتووا بمائها، و انتعشوا بما استحضرت هذه الخطة لعالم البشر من المواد الطبيعية فيها.

و لكن الذي يؤسف له هو أن الأخلاف الذين نشأوا بعد ذلك لما أهملوا أمر اقتفاء أثر أسلافهم المبجلين أخذت تلك الشمس المشرقة بالعلوم و الفضائل بالتضاؤل شيئا فشيئا حتي أفلت، فاضمحل ما كان بأيديهم من الثراء و الغناء، و استولي عليهم الجهل و بدلوا الحضارة بالبداوة، و الاجتماع بالتفرق و التشتت، و تعوضوا عن الهدوء و الراحة بالفتن. فمن يقول بأن خراب المملكة بالحاضر هو ناشي ء من ال 33 سنة التي هي الدور الحميدي، و يعطفه علي ذلك الزمن لم يك صادقا في دعواه إذ قد ابتدأ انحطاط الخطة العراقية منذ خمسمائة سنة أو ستمائة تقريبا غير أن الدور الحميدي أوصله غايته، و أبلغه نهايته، مع ما فيه أيها السادة فالملّة بحمد اللّه لما استردت حقوقها بعد هذا الانقلاب الأخير، و تأسست حكومتنا المشروعة و المشروطة فكما أن الخطة العراقية هي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 253

عين تلك الخطة و الهواء ذلك الهواء و الشمس تلك الشمس و النهران اللذان يجريان فضة و ذهبا الفرات و دجلة هما أيضا ذلك الفرات و دجلة و

الأهلون هم أيضا في عين ذلك المحيط ينشأون تحت ذلك المؤثر، و فيه يعيشون آمنين و مطمئنين إلي أن يشرق مستقبل هذه القطعة المباركة، و حسب و سعي ما دمت فيما بينكم أجد و أجتهد في إيصال هذا الأمر إلي الدرجة القصوي.

هذا و إني أمين من جميع الوطنيين من أن يعضدوني، و يؤازروني في إخراج هذه الوظيفة المهمة التي أودعنيها حضرة الخليفة الأعظم من القوة إلي الفعل، لأن قوة الحكومة المشروطة و مدار استنادها هو المجموع المتشكل من الأفراد، و من أجل ذلك كانت الحكومة و الملّة شيئا واحدا، متحد الوجود، و في التشبث للعمران ينبغي أن يكون كل منها ظهيرا و معينا للآخر، فالملّة ينبغي لها أن يكون جميعها في شكل جمع واحد في مقابلة من يهاجمها حتي يسعها أن تكتسب الحياة و تفوز بالقدرة و لذلك تصمّم علي كسر أيدي الخائنين و المنافقين الذين يمدون أيديهم ليورثوا الخراب و الخسار لذلك المجتمع المتحد المحترم.

فالهيئة العثمانية المتركبة من أفراد الملّة لا يفرق بين فقيرهم و غنيّهم و لا تفاوت بين كبيرهم و صغيرهم في نظر الحكومة و القانون، إذ كلهم متساوون، و يحافظ علي حقوق كل منهم، أما مأمورو الحكومة فقد تعينوا لتأمين المناسبات الدائمة الحسنة بين الأفراد، و من أجل ذلك إن معاشاتهم تؤخذ من الأفراد، هم خدم الملة، فبناء علي ذلك ينبغي إن يعلم كل أحد أن باب الحكومة مفتوح لكل أحد و لا تمس حاجة بقدر الذرة إلي توسيط زيد و عمرو عند المراجعة للحكومة.

أيها السادة:

أريد أن أوضح لكم هذا أيضا قبل أن أختم مقالي اعلموا أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 254

الخطة العراقية باب من حديد للخلافة المعظمة الإسلامية

في مقابلة الجنوب، فالأنظار التي تتوجه أو الأيدي التي تمد من الجنوب نحو الخلافة الإسلامية و السلطة العثمانية يلزم الاجتهاد لمنع دخولهما من هذا الباب و هو وظيفة عموم العثمانيين بيد أنها وظيفة مبجلة لهم بحيث يجتهدون و يكونون متحدين علي أمنية واحدة حتي يفدوا بأرواحهم.

فإذا اجتهدنا لهذا كنا قد هيأنا للإسلامية منافذ تخدم للإشراق نحو الشرق و أسأل اللّه العظيم أن يجعل التوفيق رفيقنا طرّا آمين.» ا ه.

و جاء خطاب الوالي موضحا لمضمون الفرمان، و لكن المطالب عامة، و كانت له صلاحية كبيرة في عزل الموظفين عدا العدليين و الشرعيين، و أن الدولة شعرت بأن الموظفين السابقين لا يصلح غالبهم للعمل، أو أنهم اشتهروا بأمور من شأنها أن تجعل الدولة في وضع منفور و أنها مجموعة سفهاء و أشرار، و خوّل الوالي هذه الصلاحية و لم تقف الدولة عند حدود الفرمان و الخطاب، و إنما بعثت نظارة الداخلية له الخطة التي يسير عليها، فلا تريد أن تدعه يقوم بأعمال كهذه خطيرة دون أن توجه أعماله. و في هذا ما يشعر بأن الخطة العراقية تحتاج إلي اهتمام زائد، و من الضروري أن يكون الموظفون قد حازوا الأوصاف اللازمة.

و في ذلك حث علي السرعة، و أن يتداول مع والي البصرة، فيكون العمل مشتركا.

و لم نجد عملا مثمرا من هذا الاهتمام، و لا صلاحا من الفرمان، و لا من الخطاب و لا من أمر وزارة الداخلية، فكلها ذهبت هباء. و هذه الأمور تذكرنا بحكاية (حمارة القاضي)، فإنه طلب أن تكون أوصافها مقبولة. فأجابه المكلف باختيارها بأن هذه الأوصاف لا توجد في أحد الناس.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 255

هذا. و لا نعجل بإبداء الفكرة في هذا

الوالي حتي نتبين ما قام به من الأعمال في أيام ولايته، و من ثم ندرك النتائج، و درجة تنفيذ ما أمر به، أو ما نطق هو به من منهاج عهد علي نفسه السير بموجبه، و العمل بمقتضاه، فنقطع بالنتائج، و نعلم بالأوضاع. أو لا نقف عند ذلك و إنما نتجاوز موضوع الولاية، و نلاحظ ما هنالك من تيارات معاكسة، و حالات معارضة أو موافقة و هكذا حتي نعلم ما في القطر من صفحات و تيارات نافعة و مهمة جدا …

و رحب بقدومه شاعرنا الشعبي الشيخ علي البغدادي المعمار قال:

مذ حلّ بغداد (جمال) العلي بطلعة تخجل بدر التمام

قد قرّ فيه طرفها بعد ما قد كاد مما نابها لا ينام

و كان أطراه صاحب (سبيل الرشاد) و نسب إليه تأسيس كلية الإمام الأعظم، و جميع الإصلاحات وعده المصلح الوحيد.

هذا. و الملحوظ أن الفرامين لها أسلوب خاص في التحرير، و ألفاظها التفخيمية تختلف عن سائر الكتابات، فهي تابعة لمراسم و أوضاع معتادة، و كذا خطها يكون ديوانيا، و خطاطوها يجب أن يكونوا مختصين بهذا الخط، و من الماهرين فيه، و بينهم من برع فيه بحيث لا يكاد يحسن سواه، أو أنه مهر فيه، و أتقنه بصورة خاصة، فكان يعد من أساتذته و تمتاز هذه الفرامين و أمثالها بما تحتوي من التواقيع السلطانية المسماة ب (الطغرا)، و هي من اختصاص خطاطين عارفين بهذه المهمة بعناية لا مزيد عليها، و يلقب الواحد منهم ب (طغراكش) و قديما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 256

بالطغرائي، و هو الموقع لها، و لا يصح أن تقلّد، أو تحتذي، أو تزوّر، فالخطاط القائم بها لا يستطيع أن يوازيه أحد. و عرف بهذا المنصب أشخاص اشتهروا

بهذا اللقب، تعرضت لذكرهم في (تاريخ الخط العربي في العراق) و انتشاره في الأقطار الإسلامية التركية و الإيرانية و غيرهما.

الغزو:

أيد هذا الوالي ما كان عمله الوالي ناظم باشا و نشر بيانا في الزوراء عدد 2323 في 15 شهر رمضان سنة 1329 ه أعلنه للعشائر كما فعل ناظم باشا مهدّدا لهم بأن الغزو أمر مرذول، و لا يجوز الإقدام عليه كما ثبت بالفتاوي من العلماء، و مؤكدا لزوم الكف عنه، و أبدي ما يترتب عليه من أمور مقبوحة من إزهاق نفوس، و سلب أموال بالباطل، و تيتم أولاد، و قتل أبناء الأمة. و هكذا.

و هذا نص بيانه:

«تعيّنت واليا علي بغداد تلك البلدة التي كانت في سالف عهدها بفضل أولي السعي و الآباء من السلف المحترم موطن علوم شتي أخذت في عصر الحضارة هذا تسرع في التقدم إسراع البرق المتألق، و منبت الثراء و الغني، و جنّة للعمران دانية القطوف، و التي فقدت بعد تلك الأيام سالف مجدها، و خسرت باهر غناها و زاهر عمرانها عندما تواني الخلف فلم يتبع خطوات سلفه في المشي في طريق الحياة الكثيرة التعاريج و العقبات و أظهر عزا يشين عن مقاومة ما طرأ عليها من العوارض و المصائب فجئت إليها قبل أسبوع و باشرت وظيفتي مستعينا بتوفيق اللّه تعالي.

و لما بحثت عن البواعث التي قضت أن يفتقر هذا القطر الغني بقابليته بل و أن تخرب هذه البقعة المباركة التي جمعت بين حدّيها كل وسيلة لرفاه أهليها و غناهم و سعادتهم و تحرّيت الأسباب التي ولّدت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 257

ضرورة أبنائها و أطالت أيام شقائهم المؤلم وجدت أحدها و أكبرها ما اعتدتموه مدفوعين إليه بالجهل من القتل و

النهب اللذين تسمونهما (الغزو).

فأردت أن أقول لكم في بلاغي هذا كلمات تفهمكم ما لهذا الاعتياد الذميم من الضرر الفادح و تنذركم لو نفعكم الإنذار بما له من وخيم العاقبة و سوء المصير.

هلّا فهم رؤساؤكم و عقلاؤكم في كل هذه السنين أن الغزوات التي تنتهي تارة بالغلبة و أخري بالخيبة و الفشل تحرم كثيرا من الأبناء آباءهم و كثيرا من الآباء أبناءهم و تسلب الأموال و المواشي من أيدي أصحابها سلبا قاسيا و تتلفهما إتلافا مستمرّا.

كلكم بحمد اللّه تعالي موحّدون ألا يجب أن تعرفوا أن جزاء الذي يقتل النفس التي حرم اللّه و ينهب أموال الناس و يعيث في الأرض فسادا أن يذوق يوم القيامة عذاب الجحيم و يصلي سعيرا.

هل يتصور وجود مسلم عاقل يقرأ بعيني بصيرته قوله تعالي: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا.. [الحجرات: 10] ثم هو لا يدعو الناس إلي السلم و الوفاق أو مؤمن يقرأ وعيده بقوله تعالي: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها.. [النساء: 93] ثم هو يتجرأ علي سفك دم أخيه المؤمن.

إنكم بعملكم الفظيع هذا لتستحقون غضب المنتقم الجبّار و إنكم بعملكم هذا لتخسرون في يوم واحد بل في ساعة واحدة جلّ أموالكم التي جمعتموها بأتعاب أعوام طوال تفقدون أبناءكم الذين ربيتموهم علي أفخاذكم و في أحضان أمهاتهم و زوجاتكم طوال السنين حتي شبّوا فكانوا رجالا.

و إذا كنتم مسلمين و عثمانيين معا فإنكم بعملكم هذا المجحف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 258

بالجامعتين الإسلامية و العثمانية لتضرون الدولة و الأمة و تضرون الإسلام و المسلمين أضرارا كبيرة و أنتم لا تعلمون.

و إنكم بما تأتونه من الشقاق و النزاع لتقربون الوسائل بأيديكم لتلقوا وطنكم العزيز في خطر الاستيلاء من قبل

أعداء دينكم.

و هل يرضي من كان ذا قلب سليم أو أوتي قليلا من العقل بدوام هذه الحال المطيلة لأيام النكبات و المصائب؟!

و لعلكم فقهتم مما قدمته من الإيضاح أني مأمور دينا و وظيفة بمنع ما يتمادي بينكم من قتل الأنفس و شنّ الغارات و نهب الأموال.

و لذلك أرسلت إليكم في آخر بلاغي هذا صور الفتاوي الشرعية التي بلغكم إياها في السنة الماضية حضرة سلفي المبجّل و المحترم ناظم باشا بعد أن استحصلها من مشاهير العلماء الراسخين و المشايخ الواصلين مؤكدا بذلك لأحكامها الشرعية القطعية إذ ربما كنتم قد نسيتموها لبعد الزمن، و داعيا لكم إلي صراط الحق و سبيل الرشاد و إلي السكينة و الأمن و الوحدة و الاتفاق فإن المملكة اليوم في حاجة كبري إلي كل ذلك.

و إني لموصيكم أن لا يعتدي بعد هذا اليوم بعضكم علي بعض و أن ترجعوا إلي باب الحكومة الرحيب و عدالتها في فصل ما عسي أن تحدثه الميول البشرية من الخلف بينكم و إن أصررتم علي غيّكم، و تماديتم في وحشتكم القديمة من نهب هذا، و قتل ذاك، فاعلموا أن الحكومة السنية تنزل بالمعتدين عقابا شديدا، و تؤدبهم تأديبا يكبح من جماحهم و لا تسامحهم أبدا، و قد أعذر من أنذر.» ا ه.

نشر هذا البيان باللغة التركية، مع ترجمته العربية، و أذيع، و لكن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 259

هل يكفي هذا للقضاء علي أمر الغزو؟ في حين أن ذلك يحتاج إلي حراسة و إلي مراعاة سيطرة كاملة تجتثه من أصله، و الحكومة كانت من الضعف بمكانة، و من الوهن بحيث لا تستطيع تأمين داخلية المدن فضلا عن الخارج.

ذهب هذا الأمر سدي و بلا فائدة كالنصيحة من

ضعيف، أو التوصية من واعظ ليس له سلطة و لا قدرة علي تعديل في الرأي لمتعنت باغ.

و من ثم كان أول عمل لهذا الوالي أن جهز قوة عسكرية بقيادة الرئيس الأول عسكري بك (و صار مؤخرا قائد الجيش في الحرب العامة)، فقام بحرب عشائر الغزالات و آل إبراهيم و الفتلة و الشبل و صارت تحصل علي الضرائب بالقوة.

و هل قضي الجيش علي الغوائل كلها، أو أصابت العشائر رهبة فأذعنوا بالطاعة؟؟

حرب إيطالية:

أعلنت إيطاليا الحرب علي الدولة العثمانية في 18 شوال سنة 1329 ه الموافق 29 أيلول سنة 1912 م للاستيلاء علي طرابلس الغرب و بنغازي، و حصلت مظاهرات في كل مكان و تجمع الناس في دار الحكومة، و أبدوا السخط علي أعمال إيطاليا فتكلم الوالي بخطاب بليغ، و خطب الأستاذ جميل الزهاوي باللغة العربية و حث علي الحرب، فاحتشدت الجموع و جاءت البرقيات من كل صوب مظهرة استياء الأمة.

فتوالت وقائعها و استمرت حروبها مدة. فانتهت بالاستيلاء عليها.

تجولات الوالي:

لتفتيش أمور الولاية و الملحقات. ذهب الوالي إلي المسيب، فالهندية إلي السدة ثم إلي الحلة، و الديوانية و الشنافية، و إلي أبي صخير الذي هو مركز الشامية، ثم إلي النجف، و كربلاء. ثم عاد، فاستقبله

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 260

بعودته الناس في جسر الخر (المسعودي) و في رحلته هذه شاهد عمليات السدة، و الحفريات في كويرش و بابل، وزار المدارس و أعان بعض الطلاب بالكتب و الألبسة. و هكذا شاهد حفريات الجدول المعروف ب (رشادية) القريب من الديوانية.

كلية الحقوق:

نشر الوالي بيانا حول هذه المدرسة و ما شاع من عزم الحكومة علي إلغائها. و هذا البيان يتضمن أن المدارس في سقامة تدريس، و أن نوايا الحكومة مصروفة إلي إصلاح المدارس الموجودة و ترقيتها من الناحية المادية و المعنوية لتكون صالحة لإخراج طلاب أكفاء لمدرسة الحقوق و بسط هذه النوايا بتأسيس مدرسة دار المعلمين و مدارس رشدية للذكور و الأناث، و إصلاح المدرسة الإعدادية، و لكنه في الوقت نفسه بين أن المدارس الموجودة لم تكن فيها التدريسات نافعة و لا تستحق أن تسمي تدريسات. فولد آمالا معسولة، فكأنه قام بالمهمة، و لا نزال نسمع أمثالها. و العراق لم يقنع من هذا البيان، و لكنه أبدي أن الولاية لم تتصور إلغاءها و إنما تقصد إصلاحها.

و الملحوظ أن التدابير كانت سائرة في طريق الإلغاء، ندمت علي تأسيسها … القضاء عليها، و لما رأت التيار قويا في المعارضة أبدت المعاذير و سكتت، و لم تجر أي إصلاح فيها.

حوادث:

1- دهم الغرق بغداد،

فأحاط الماء بها من كل جانب، و تولدت

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 261

حمّي الملارية من جراء ذلك، كما أن الوباء ظهر في البصرة، و ظهرت بعض إصابات الهيضة في العزير.

2- خطت الحكومة خطوة عظيمة في إلزام الطلبة بتحصيل مبادي ء العلوم باللغة العربية

مع المحافظة علي التدريس باللسان الرسمي العثماني.

3- ليلة السبت 20 المحرم سنة 1329 ه الموافق 8 كانون الثاني سنة 1326 رومي سقط الوفر بثخن 20 سانتيمترا

و تكرر الحادث يوم الاثنين صباحا و من 40 سنة لم يشاهد نظيره. لحد أن بعضهم سمي ابنه ب (ثلج). و تاريخ ذلك باللغة التركية قال الأستاذ عبد اللّه خونده الأديب المعروف في اللغات العربية و التركية و الفارسية:

نسل حاضر گورمه مش زوراده يا هو مثلني اشبو كانون سكزنده دوشدي تاريخ (ياغدي قار)

1326 رومية (8 كانون الثاني)

و معني البيت لم يشاهد في بغداد مثل هذا الوفر في الثامن من كانون (الثاني) فجاء تاريخه (ياغدي قار) أي أمطرت الوفر.

وفيات

1- رشيد باشا الزهاوي.

توفي نهار الاثنين 28 المحرم سنة 1329 ه (29 كانون الثاني سنة 1911 م) و هو أخو محمد سعيد المفتي و الأستاذ جميل صدقي الزهاوي و عبد اللطيف أفندي.. رثاه الأستاذ عبد الرحمن البنّاء بقصيدة مطلعها:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 262

صبرا جميلا فالزمان يجور و العمر فان و الحياة غرور

2- توفي السيد ثابت بن نعمان خير الدين الآلوسي في ذي القعدة سنة 1329 ه.

و هو والد المرحوم السيد إبراهيم الآلوسي قاضي بغداد الأسبق.

3- الشيخ محمد كاظم الخراساني.

توفي ليلة الثلاثاء 18 ذي القعدة سنة 1329 ه فكان لوفاته حزن عميق في النفوس.

4- سعدون باشا.

توفي في حلب الشهباء في أوائل شهر كانون الأول سنة 1911 م (ذي القعدة سنة 1329 ه) و هو من أمراء المنتفق. و هو ابن منصور باشا بن راشد بن ثامر ابن الشيخ سعدون الذي سمّي به الكثيرون من آل سعدون. و مرت بنا وقائعه، و يعد من مشاهير رؤساء العشائر، و طاردته الحكومة مدة، و حارب بعض العشائر، فكان المنتصر. ولد نحو سنة 1270 ه- 1853 م. هو والد الشيخ عجمي باشا السعدون.

حوادث سنة 1330 ه- 1912 م

مشاريع:

نسمع بها، و لا نري لها تحققا، و منها إنشاء جسر حديدي لبغداد.

و جسور للمواطن الأخري. و قصد الولاة بها تطمين الأهلين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 263

انتخاب المبعوثين: (للمرة الثانية)

عن بغداد:

1- مراد بك آل سليمان بك. والد حزمي بك و أخو فخامة الأستاذ حكمت سليمان.

2- فؤاد أفندي مدير الأملاك المدورة.

3- السيد محيي الدين عبد القادر الگيلاني ابن سماحة نقيب أشراف بغداد السيد عبد الرحمن النقيب.

4- ساسون حسقيل، انتخب للمرة الثانية.

عن البصرة:

1- السيد طالب بك النقيب. أعيد انتخابه للمرة الثانية.

2- عبد اللّه الزهير. صاحب جريدة الدستور.

3- عبد الوهاب باشا القرطاس و هو ملاك مشهور. توفي بالبصرة سنة 1924 م.

4- أحمد نديم رئيس محكمة الجزاء.

عن كربلاء:

1- فؤاد الدفتري البغدادي، والد معالي محمود صبحي الدفتري.

2- نوري بك البغدادي رئيس تحرير القسم التركي في جريدة الزهور البغدادية. لصاحبها الأستاذ رشيد الصفار و هو خال والد الأستاذ ناظم حميد المحامي.

عن الديوانية:

1- الأستاذ إسماعيل حقي بابان.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 264

عن المنتفق:

1- الأستاذ جميل صدقي الزهاوي.

2- عبد المجيد الشاوي.

عن العمارة:

1- عبد الرزاق المير. من ملاكي البصرة.

2- معروف الرصافي.

والي البصرة:

تعين جلال بك والي البصرة سابقا مفتشا عاما لإصلاح الشؤون العراقية. و لم يبين تاريخ انفصاله من منصب ولاية البصرة.

الساعة الزوالية:

استعملت في الدوائر الحكومية في ولاية بغداد اعتبارا من منتصف ليلة 30 نيسان سنة 1328 رومية (13 مايس سنة 1912 م) كما يظهر من برقية نظارة الداخلية في استنبول المرقمة 134 و المؤرخة في 30 نيسان سنة 1328 رومية.

افتتاح سكة حديد بغداد:

في صباح السبت 27 تموز سنة 1912 م كان الاحتفال بوضع الحجر الأول لسكة حديد بغداد في جانب الكرخ بقرب السن، و دعا رئيس الأشغال (مايسز باشا) الألماني والي الولاية جمال بك و القائد و أركان الولاية و سراة الوطنيين و قناصل الدول إلي الاشتراك في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 265

الاحتفال، و كان عدد المهندسين الموجودين أربعين من أمم مختلفة و أغلبهم من ألمانيا.

و هذه السكة دعت إلي النزاع الاقتصادي، و الرقابة الألمانية- الإنكليزية، و كذا الفرنسية، و دونت آثار عديدة عن هذه الرقابة و الزحام و أدت إلي الحرب العظمي بل هي من أهم العوامل، و كتب أحد الإفرنسيين كتابا عنوانه (سكة حديد بغداد)، و ما هنالك من عوامل..

و هكذا توالت المؤلفات و فيها ما يعين الحالة و يدعو إلي الخصام، و لا محل للإطالة في بحثها، و كفي أن نقول: إن الرقابة الدولية كبيرة، و النفسيات متطلعة. و المعاهدات و الاتفاقيات عينت ما هنالك من آمال.

و ربما تجاوزت حدود الرقابة إلي تكوين خطر.

دار سبيل:

من مؤسسات شوكت بك دفتري بغداد سابقا 1371 ه- 1854 م، ثم صار باشا، أنه شيّد سنة 1272 ه- 1855 م سبيلا في محلة الميدان بناه من المرمر، ثم توالت النكبات فخرب كما خربت أبنية ذلك الحي، فلما جاء إلي بغداد حفيده قدرت بك مدير الأمور الأجنبية ابن عصمت باشا و رأي ما حل بذلك البناء عزم علي تعميره، فطلب إلي المهندس الفرنسي (الموسيو غودا) أن يخطط رسمه علي هيئة بديعة فلبي طلبه و تم هذا البناء و وزع الماء الزلال علي العطاشي، و قد بلغ مصرفه 108 ليرات، و للبناء واجهتان علي إحداهما أبيات عربية و علي

الأخري أبيات فارسية و تركية و كلها مكتوبة علي الآجر المطلي المعروف ب (الكاشي)، و يحيط بالكتابة أشجار خضراء، و أغصان غضّة، و نقوش عربية، و أثمار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 266

الوالي سليمان نظيف بك

اشارة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 267

بألوانها الطبيعية حتي تخالها حقيقية. هذا. و بفتح جادة خليل باشا (شارع الرشيد) لم يبق له أثر.

معرض صناعي زراعي:

أقام الوالي هذا المعرض بهمة معاونه لطفي بك، و اشترك فيه جماعة أيضا.

الوالي جمال بك:

استقال من ولاية بغداد عند سقوط الوزارة، فقبل استعفاؤه، و في عصر السبت 4 شهر رمضان سنة 1330 ه- 17 آب سنة 1912 م سافر إلي استنبول من طريق حلب، و ودعه كثيرون من مختلف الطبقات.

و كانت بدأت ولايته من نهار السبت 26 آب سنة 1911 م و استكثر صاحب لغة العرب مدة ولايته فقال:

«هذا دليل علي حسن إدارته و درايته إذ قل من يسوس ولايته في هذا العصر، و تطول مدته هذا الطول» ا ه. و بقيت في إدارته مهمات الولاية. و من ثم دعا الموظفين و أبدي لهم أنه راض من سلوكهم و جهودهم في مساعدته، و طلب إليهم أن يستمروا في أعمالهم كما كانوا. لبوا طلبه و تألموا لاستقالته لبذله ما في وسعه من الجهود لترقي المملكة و إعلاء شأنها.

و جاء في مجموعة السيد محمود حموشي ما نصه:

«اشتهر بالمخازي، و رقص الدانص مع مدامة مدير البانق

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 268

العثماني، و كان محل إقامته في قصر عبد القادر الخضيري الكائن علي دجلة قرب الدباغخانة و بيته ملاصق لبيت الوالي» ا ه.

و عرف بين العرب بالسفاح بسبب قتل كثيرين في الشام. و انتسب لجمعية الاتحاد و الترقي فنال متصرفيات و ولايات عديدة حتي صار وزير البحرية، فذهب إلي سورية قائد جبهة، فهاجم قناة السويس فلم يوفق كما أنه لم ينجح في إدارته، سخط عليه القوم. فعاد إلي وزارة البحرية.

و بعد متاركة (موندروس) تغيب عن استنبول، و قضي مدة في أوروبا، ثم سافر إلي الأفغان لأجل تنظيم الجيش، و بعد ذلك عاد إلي برلين ليري أسرته و يقضي

بعض الأشغال و في أثناء عودته إلي الأفغان ظفر به الأرمن في تفليس و اغتالوه مع ولديه. و كان من متخرجي المدرسة الحربية، و من أهل الذكاء، و فعالا جوالا و مستعدا.

صدرت الإرادة في 12 آب سنة 1328 رومية بتعيين محمد زكي باشا مشير الفيلق الرابع بولاية بغداد. و وردها في 3 ذي الحجة سنة 1330 ه يوم الثلاثاء (12 تشرين الثاني سنة 1912 م)، و كان معاون الوالي آنئذ عمر لطفي بك وكيلا للوالي. و في 5 ذي الحجة قري ء الفرمان باحتفال علي المعتاد. و هذه ترجمته:

«الدستور المكرم، و المشير المفخم، نظام العالم، مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب، متمم مهام الأنام بالرأي الصائب، ممهّد بنيان الدولة و الإقبال، مشيد أركان السعادة و الإجلال، المحفوف بصنوف

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 269

عواطف الملك الأعلي، أحد مشيري سلطنتي السنية العظام، مشير فيلقي الهمايوني الرابع سابقا زكي باشا الذي وجهت لعهدة استئهاله ولاية بغداد مع مفتشية فيلقي الرابع أدام اللّه تعالي إجلاله. ليكن معلوما لمن يصل إليه توقيعي الرفيع الهمايوني أن ولاية بغداد تحصل علي الترقي و العمران بنسبة قابليتها و استعدادها و تتوافر لها التجارة و الثراء، و يكون صنوف الأهلين فيها متساوين في مظهر العدل و ينالون الرأفة، و الرفاه و السعادة فيما إذا كان قد أودع أمرهم إلي وال صاحب دراية و أهلية، و صاحب تجربة. و أنت أيها الباشا المشار إليك و المتصف بكمال الحمية و الروية، و الواقف علي أصول الإدارة، و من المشيرين العظام لسلطنتي السنية. فاقتضي توديع الولاية و المفتشية ليد اقتدارك بناء علي الاستيذان الواقع، فأصدرت إرادتي السنية الملوكية كما سنحت في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان

المبارك لسنة ثلاثين و ثلاثمائة و ألف، و بمنه تعالي و حين وصولك أن تسحب الموظفين الذين في ولاية بغداد ممن لا تراهم حائزين للأوصاف المطلوبة عدا الشرعية و العدلية فإنهم مستثنون من ذلك، و أن تقيم في محلاتهم من يليق مستعجلا و تبعا للأصول، و أن تخبر المراجع (الدوائر) المختصة بذلك. و أما التدابير الإصلاحية و العمرانية التي يجب التوسل بها لتكون مشتركة في ولايتي بغداد و البصرة فعند مسيس الحاجة تدعو والي البصرة إلي بغداد و تتذاكر معه، و توحّد الفكرة و الحركة فيقرر فيما بينكما المواد المطلوبة، و بسرعة يعمل بها في الولايتين معا، و أن تشتري الوسائط النهرية من جانبك، و كذا التجهيزات وسائر الأمور حسبما يقع من طلب و توسل، و أن ينسق أمر الجندرمة و يجري إصلاحه في بغداد و البصرة، و أن تكون هيئات التفتيش مرتبطة رأسا بمقام الولاية، و هكذا إدارتها، و كافة أمور قيادة كردوس الجندرمة و مصالحه، فإن كافة ذلك و التفتيش العمومي تنحصر مخابراتها بالولاية و بواسطتها، و كذا أمور تنسيق الجندرمة و ما يتعلق بذلك من خصوصات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 270

و علي الأخص الجندرمة و ما يلزم لها من تجهيزات فإنه مما يعود للولاية و يجب ترويجه بسرعة، و مثله العشائر و تنسيق الشرطة، و تأسيسها في بغداد سواء للأفراد أو المفوضين، و تأمين ما يلزم من قبلك لمعاشاتهم و تجهيزاتهم، و حسب اللزوم يزاد في ذلك، و تكمل النواقص، و أن من أهم قضايا العراق الاجتماعية مسائل الأراضي، فقد عزمت علي وضع قانون و تنظيمه، و ما يقتضي لذلك من أساسات يجب إجراؤها بسرعة ممكنة، أن تبدو الملاحظات و

النتائج المستحصلة عنها موضحة من جميع الوجوه و الأطراف، و أن يهتم بالطرق العامة في ولاية بغداد، و عدا ذلك إنشاء الطرق، و تطهير الأنهار، و سائر الأعمال النافعة، و ما يجب لإجرائها فقد خصص في الأقل أربعون ألف ليرة، و أن تصرف في هذا السبيل، و إذا وجد لزوم من جانبك، و بناء علي إقرار الهيئة الفنية في الولاية يصح إبلاغ ذلك إلي الحد المطلوب فيقر ذلك و يبلغ للدوائر العائدة. و علي كل حال إن الأمور المذكورة قد أودعت إلي حصافتك، و صداقتك المسلمة، فلا شك أنك ستقوم بحسن إيفاء الوظائف المترتبة و المعاملات كما يليق، و مما اتخذته دولتنا العلية كمسلك مشت عليه و هو من إيجابات مصلحتها أن يقطع الموظفون عموما علاقاتهم بالجمعيات و الفرق، و أن يطبقوا القوانين الموضوعة علي الوطنيين بحياد كامل، و مساواة تامة، و أن يعتني بذلك بدقة و أن لا يتدخلوا في الانتخابات و أن لا يقوموا بمعاملات من شأنها أن تخالف القانون، و أن يكون الانتخاب بكمال الحرية، و بدائرة الأحكام القانونية فيجري بأصوله، و أن يكون كل صنف من الأهلين في ظل معدلتي الملوكية في حماية و صيانة من كل الوجوه، و أن يصانوا من الأذي و التعدي، و يتوسل بوسائل راحتهم و سعادتهم المهمة و أن تستكمل، و أن تصرف الجهود لاستجلاب الدعوات الخيرية من كل أحد لمقام ملوكيتي المستجمعة للمجد و الشرف، هذا و أن تستمد في جميع الأحوال من روحانية حضرة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 271

النبيّ صلي اللّه عليه و سلم و تؤدي الوظائف بحسن أداء و اهتمام و غيرة. تحريرا في 9 شوال سنة 1330» ا ه.

خطبة الوالي:

و

الملحوظ أن الوالي بعد قراءة الفرمان ألقي خطابا باللغة التركية موجها إلي الحضار، و هذه ترجمته:

«أيها الحضار!»

إن كل نقطة من وطننا العزيز قد صارت مجالا لحياتي العسكرية، فاجتهدت مستعينا باللّه، و بعد أن أجريت وظائفي المقدسة مع ناموسي و وقاري العسكري و نلت أكبر الرتب و الأوسمة اخترت الإحالة علي المعاش وفقا لما أمر به النظام فانزويت، و كنت عندئذ مشغولا بالدعاء لتعالي الوطن و الملّة و سعادتهما.

بيد أني كلفت منذ برهة من الزمان بولاية بغداد المشتهر أهلها بالعرفان و المدنية و بالنجابة و المتانة، و كذلك أودعت إليّ مفتشية الفيلق الرابع، و لما لم تكن تسبق لي خدمة في الخطة العراقية التي هي من أهم أجزاء وطني المقدس و من متمماته فإني قبلت ذلك قصد إيفاء ما تيسر من الخدمات في هذا الجزء المبارك من الوطن أيضا، و بهذه الوسيلة اتصلت مرة أخري بأبناء وطني و بإخواني و أولادي الجنود.

و إني سأسعي مستندا علي اللّه، و ملتجئا إليه و قلبي مطمئن بأن سأكون مظهرا لخدمة و معاونة أرباب الوظائف و كافة أبناء الوطن، و بهذه الأمنية فإني أعدّ نفسي سعيدا.

إن مقصدي تعميم المساواة و العدالة و تأمين رابطة الأخوة و توسيع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 272

المعارف و الزراعة و ترقي التجارة و الصناعة، و محصل القول هو رفاه حال العراق و سعادته.

و سأصرف الجهد علي قدر الاستطاعة في كل زمان لتلطيف و تسرير من يبرز المعاونة فعلا و يراجع قلما في هذا السبيل، و مع هذا فإني لا أتأخر من مجازاة من يأتي بحركة تخالف المنافع العامة و الوطنية..

و من الجملة فالأجانب ضيوفنا المحترمون، و لذا فإني أرجو من عموم أبناء الوطن

حسن معاملتهم و رعايتهم و تأييد الألفة و الإخلاص..

هلمّوا أيها الإخوان لنسع معا و بكل ما نجده و بأرواحنا لحفظ شأن الحكومة و شرفها، و لرفاه الأمة و سعادتها، فمنا السعي و الغيرة و من اللّه التوفيق.» ا ه.

هذا. و بعد أن ورد الوالي كتب إلي مديرية المعارف يشكر فيها الطلاب و المعلمين للحضور في استقباله، و أنه يتمني لهم كل خير، و أن ينال الطلاب ما يبهج من العلوم و المعارف. كما أنه أوصي الموظفين أن يهتموا بأعمالهم، و يبدوا ما يجب من تفاد نحو وظائفهم، و يقوموا بها بانتظام.

حوادث:

1- عشيرة الصائح من شمر عاثت بالأمن.
2- تكررت حوادث عديدة للتهرب من رسوم الدخان.
3- حدثت معارك بين عجمي باشا السعدون من رؤساء المنتفق

و ناصره مزيد باشا السعدون متصرف الأحساء سابقا في حربه مع الضفير و البدور.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 273

4- بلغ سعر الوزنة (مائة كيلو) من الحنطة الداودية بمائة قرش

وحنطة الكلك ب (90 قرشا)، و العراقية ب (80 قرشا)، و اللحم كيلو ب (3 قروش)، و الرز الشنبة كل كيلو ب (45 پارة).

5- حرب البلقان.
6- في مساء يوم السبت 23 جمادي الأولي سنة 1330 ه وقع حريق في خان النفط في الساعة الواحدة و الدقيقة 45،

و دام إلي 30 منه إلي يوم السبت الساعة الخامسة صباحا و الدقيقة 20 أذانية، و كان ما التهمته النار يربو علي ثلاثة عشر ألف صندوق من النفط، و 250 اسپرتو، و 200 من البانزين. و هذه لم توضع في التأمين (السيگورتاه)، فضمنت البلدية لأصحابها 5500 ليرا.

7- في يوم الجمعة 14 جمادي الآخرة حدث حريق في معمل العباخانة العسكرية.

و بعد أربع ساعات أمكن إطفاؤه و تقدر الأضرار بخمسة آلاف ليرا عثمانية.

8- و في يوم الجمعة 27 رجب سنة 1330 ه حدث حريق في خان الحاج عبد العزيز

فالتهمت النيران جانبي سوق العطارين مقابل خان الدجاج و امتدت النيران إلي جامع مرجان، و دامت نحو أسبوع، و تقدر خسائر الحاج عبد العزيز بنحو اثنين و عشرين ألف ليرة عثمانية.

وفيات

1- الشيخ غلام رسول الهندي.

توفي في 1 تموز سنة 1912 م (سنة 1330 ه). و كان من العلماء. صار مدرسا مدة و أخذ عنه علماء كثيرون.

2- عيسي غياث الدين آل جميل.

توفي الساعة السادسة من نهار الاثنين 15 شعبان سنة 1330 ه الموافق 29 تموز سنة 1912 م، و هو

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 274

أحد أشراف بغداد و علمائها عن نحو 50 عاما، و دفن في جامع آل جميل بجوار والده (محمد جميل). و هو والد معالي فخر الدين.

3- توفي السيد أحمد شاكر الآلوسي فجأة باستنبول

في شهر رمضان سنة 1330 ه. في 19 أيلول سنة 1912 م و كان عضو مجلس المعارف الكبير. و هو من العلماء المشاهير. والد الأستاذ المرحوم السيد محمد درويش وجد الأستاذ السيد هاشم الآلوسي.

4- عبد الرحمن الباچه چي.

توفي في يوم الخميس 1 ذي القعدة سنة 1330 ه- 2 تشرين الأول سنة 1912 م و له من العمر أكثر من 80 سنة كان نائبا في المجلس العثماني. و من مؤلفاته:

كتاب الفارق بين المخلوق و الخالق و ذيله.

كتاب الفارق بين المخلوق و الخالق و ذيله.

و من أولاده:

(1) نعمان جلبي والد جعفر صدقي جلبي الباچه چي.

(2) الأستاذ موسي كاظم بك مدير كلية الحقوق سابقا في بغداد.

5- الشيخ عبد اللّه المازندراني. توفي في الأسبوع الأخير من تشرين الثاني سنة 1912.

حوادث سنة 1331 ه- 1913 م

الوالي السابق:

استقال المشير محمد زكي باشا من الولاية فقبلت استقالته و لم يعرف سبب ذلك و فوضت الولاية بالوكالة لمعاونه عمر لطفي بك في يوم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 275

الثلاثاء 7 جمادي الآخرة سنة 1331 ه ثم سافر إلي استنبول يوم الخميس 15 جمادي الثانية سنة 1331 ه فأجريت له المراسم. و هو عسكري متقاعد، و من المحتمل أن تكون له رغبة في الإدارة. فلم يظهر بعمل مقبول، و علي كل ترجمة حياته تدل علي أنه قضي عمره في الجندية، فلا يحتمل أن يقوم بعمل إداري حازم. و لم تمض عليه إلا بضعة أشهر، فلم يدر عن بغداد، و لا دري الأهلون عنه.

محمود شوكت باشا

ورد الخبر من قائممقام الصدر الأعظم محمد سعيد باشا بتاريخ 29 مايس سنة 1329 (6 رجب سنة 1331 ه) أن قد استشهد الصدر الأعظم محمود شوكت باشا، و لم يقع ما يخلّ بالأمن.

و جاء في لغة العرب:

«قتل بطل الحرية البغدادي ناظر الحربية فتوفي باستنبول في 11 حزيران سنة 1913 م- 6 رجب سنة 1331 ه.

و في مذكرات جمال باشا أنه وقع اغتياله في 15 حزيران سنة 1913 م. و كان قد رآه قبل الواقعة بمدة قليلة جدا و تواجه معه،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 276

و جرت مباحث حول ما يتوقع من جرائم ضده، و نبّه في لزوم الاحتفاظ بالنظام، و مراعاة الاحتياط، و ترقب الحوادث..!

هذا الشعور، و توقع المخاطر لم يدفع المقدر، و المرء يحترس بقدر الإمكان، و لا يهمل أمره، و لا يهمه أن يجتاز الأخطار، أو أن يقع فريسة لها و محمود شوكت باشا بطل الحرية المشهور، لهج الناس به و نال شهرة لم ينلها غيره، و العراق يفخر به من جراء ما حصل من مكانة. اعتلي هذا البطل الصدارة العظمي، و وزارة الحربية و صارت المملكة تحت سلطته و تابعة أمره، فكيف يجسر أحد علي اغتياله، أو الغدر به، فما ذا بدله، أو غيّر فكر الأمة حتي ناله ما ناله؟

ذلك نتيجة حوادث متسلسلة يصح الالتفات إليها من تاريخ اغتيال ناظم باشا والي بغداد الأسبق عندما كان وزير الحربية. و إلا فما تقلده محمود شوكت من مناصب الدولة، و ما حصل من مكانة لا يحتاج إلي إيضاح. شاع أمره، و انتشر ذكره في الخافقين. ذاع في الشرق و الغرب و أن هذه الواقعة تفسر بما حدث من حزبيات متطاحنة.

و زوجته سليمة دلشاد خانم خصص

لها مبلغ (6250) قرشا صحيحا شهريا يؤدي لها ما دامت في الحياة. له مذكرات فيها ما يميط اللثام عن حقائق.

و كل ما نعلمه عنه أنه ابن سليمان فائق ابن الحاج طالب كهية من رجال المماليك فهو من الگرج. نال مناصب مهمة في الدولة لم ينلها المماليك في بغداد بفضل التقدم العلمي و العسكري و السياسي.

و جاء في (ثروت فنون) أنه ولد في بغداد سنة 1273 ه. و بعد أن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 277

درس مقدمات العلوم في بغداد ورد استنبول سنة 1293 رومية فدخل المدرسة الحربية و في سنة 1298 تخرج أولا فائقا في صفّه، و صار رئيسا ركنا..

و في التاريخ المذكور صار في الأركان الحربية العامة، ثم ذهب إلي (گريد) ليرسل إلي مصر و بعد عودته من المهمة و في 3 مارت سنة 1299 صار مدرسا في كلية الأركان، و مدرس فن الأسلحة، و بقي مدة في مرافقة (فوندر غولچ باشا) و (قامبوفنر) الألمانيين. و في 1 آب سنة 1300 نال رتبة رئيس أول، و في 22 مارت 1302 صار مقدما. و في هذه المدة أبقي في المدرسة الحربية. و في 9 شباط ذهب إلي ألمانيا لشراء ماوزر و جعل عضوا في الإشراف علي التجارب في هذه الأسلحة.

و في آذار سنة 1305 نال رتبة قائممقام و صار معاونا لرئاسة اللجنة المذكورة. ثم ذهب إلي فرنسا للتدقيقات في الاستحكامات المدرعة و القذائف النارية. و لما عاد نال رتبة زعيم. و في 1 حزيران سنة 1315 عيّن رئيسا في دائرة المدفعية و معاينة تجاربها بالوكالة، و في 5 مايس سنة 1317 حصل رتبة فريق. و في هذه السنة ذهب إلي الحجاز لتمديد خط البرق

بين الحرمين، و عاد بانتهاء السنة إلي منصبه السابق. و في نيسان سنة 1321 جري ترفيعه إلي فريق أول، و عيّن واليا لولاية (قوصوه) و بقي فيها إلي إعلان الدستور. فظهرت مواهبه. و كان ذلك يصادف أيام اضطراب الحالة في (مكدونية) و سوء أوضاعها. و لما أعلنت المشروطية عيّن لقيادة الفيلق الثالث، و جاء بحركة عسكرية إلي استنبول و يسمي (فيلق الحركة) أو (حركت أوردوسي) ثم عهد إليه تفتيش الفيالق الثلاثة الأول و الثاني و الثالث، و في صدارة حقي باشا صار (وزير الحربية).

و له مقالات عسكرية و فنيّة نشرها في عالم المطبوعات و قد أنتج آثارا مهمة خدم بها المملكة و من أشهرها:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 278

1- (اللغارتمه)، و أصول الهندسة، و الهندسة المجسمة و فن الأسلحة، و محاضرات للضباط في النفير العام، و بنادق الماوزر ب (95 من المليمتر) و الماوزر كوچك چابلي، و أطلس و تشكيلات الجيش و السياسة.

2- التشكيلات و القيافة العسكرية في الجيش العثماني في مجلدين مصورين. و هذا من أجلّ آثاره التاريخية، و عين اللباس العسكري و التشكيلات العسكرية من أوائل العثمانيين حتي التشكيلات الجديدة.

و كان محمود شوكت باشا نال الصدارة يوم السبت في 17 صفر سنة 1331، و عهدت إليه في الوقت نفسه وزارة الدفاع. و دام إلي أن قتل.

واقعة الأحساء:

مرّ الكلام علي الأحساء أيام مدحت باشا حينما استولي عليها سنة 1287 ه- 1870 م، و الترك يعدونها (لواء نجد) و من ذلك التاريخ حصلت فيها بعض الزعازع و الفتن، و كلها لم تخرجها من يد الدولة حتي هذه الأيام، فوردت الأخبار باستيلاء الأمير عبد العزيز بن سعود عليها.

و علي القطيف أيضا.

و جاء في جريدة

الدستور عن بيانات الأمير عبد العزيز السعود أن (الدولة العلية) غصبت من آبائي هذا اللواء بدون أمر مشروع بحجة دعوة عبد اللّه السعود شقيق والدي، و من بعد أن أخذته لم تحسن إليهم صنعا، و كان والدي يومئذ ولي العهد بعد والده علي إمارة نجد التي يدخل فيها هذا اللواء و ما يتبعه و عمان و سواحله.. و لما اشتد الخصام

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 279

بين سعود و عبد اللّه آل سعود علي الإمارة أرسل الأخير مندوبا إلي بغداد لمفاوضة واليها في مسألته مع أشقائه و بقي ينتظر من الدولة إسعافه و نجدته لإخماد نار الفتنة المتأججة، غير أن الدولة وجدت أن قد آن زمن الاحتلال فوضعت يدها من ذلك الوقت علي الأحساء، و أبعدت أمراءها عنها مع أنه لم تبدر منهم بادرة تستوجب ما أتته، وليت الدولة احتلت ما يداني الأحساء من البلاد كعمان و غيرها التي تركتها هملا، و مكنت الدول الأجنبية من أن تقذف فيها نيران الفتن لتحصل علي ما تنويه.

و منذ ذلك الوقت أخذ سكان هذا اللواء بالسقوط و الهوي لتغلب قطاع الطرق عليه لكثرتهم، و كان الأهلون يرفعون ظلامتهم إلي مقام الولاية، و يذكرون عجز أصحاب الأمر في ذلك الموطن فما كان يسمع صدي لأصواتهم المتكررة، فراجعوني مرارا، فأضربت عنهم صفحا إذعانا لدولتي و إن كان يسوؤني أن أراهم في تلك الحالة. ثم جاءتني محاضر (مضابط) فيها تواقيع كثيرة من العلماء و الوجوه قائلين إن لم تسعفنا نضطر إلي ما لا تحمد عقباه و في تلك المطاوي سمعت أن الدولة تنازلت عن حقوقها في خليج فارس و سواحله، فاستندت حينئذ علي ما لي من الحقوق الشرعية في هذا

القطر بمنزلة أساس فبادرت بتلبية الطلب، ليكونوا في حرز حريز من فتك أرباب الفساد فيهم و إبعاد الأجانب عن ديارهم.

هذه الأمور التي ساقتني إلي ما أتيت، فقدمت الأهم علي المهم، و سرحت موظفي الإمارة محافظا علي حياتهم..».

هذا ملخص ما أبداه، و أنه بذلك حقن الدماء وراعي الحقوق، فصار الأمن ضاربا أطنابه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 280

و جاء بخط الأستاذ الحاج علي علاء الدين الآلوسي علي غلاف كتاب الأنساب للسمعاني ما نصه:

«في أواخر جمادي الأولي سنة 1331 ه احتل عبد العزيز بن سعود مدينة الأحساء و نواحيها و ضبطها بعد أن كاتبه أعيانها و دعوه إلي ذلك، و وعدوه بالنصرة و المؤازرة، فتوجه من الرياض إليها بعسكره، و أخرج المتصرف و عسكر الدولة، و ضبط البلد و الأموال و السلاح و الخزانة للحكومة، و كتب محتجا بأن حال العمال و جورهم و ضجر الأهالي من أعمالهم دعاه إلي ذلك. علي أن الأهالي هم الطالبون لأن يقصدها و يقوم بإدارتها لما له من إماراتها الموروثة من آبائه قبل استيلاء الحكومة العثمانية.

فأشغلها، و هو يعترف بسيادة الخلافة الإسلامية، و أنها تبقي في يده إلي رجوع قوة الدولة و سطوتها، أما الحكومة فلم تجهز عليه جيشا و لا تصدت لحركات عسكرية …» ا ه.

دوّن الأستاذ ذلك في حينه، و هذا شأنه في تسجيل الحوادث علي غلاف كتبه، فلم يترك المهمات.

الكويت

استقلت استقلالا إداريا، و لم تبق للدولة العثمانية فيها إلا السيادة الاسمية. و عقدت الدولة العثمانية مع الإنكليز معاهدة تنازلت فيها عن جميع حقوقها بما يتعلق ب (قطر و البحرين و مسقط و عمان و سائر ديار الشيوخ الموالين لإنكلترة). و كانت إمارة الكويت قد رأت من

ابن الرشيد وقائع و معه الأمير عبد الرحمن آل سعود فكان الانتصار في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 281

الغالب لابن الرشيد. ثم علمت الدولة العثمانيد بأن الأمير مبارك الصباح كانت له علاقة حماية بالإنكليز. و هكذا كانت علاقات ابن الرشيد به في حروب دائمة في مساعدته لابن سعود في حادث الرياض الذي جهزت فيه الدولة (جيش العراق).

و لما كانت للأمير مبارك الصباح معارك مع ابن الرشيد في شهر رمضان سنة 1316 ه، و أخري في المحرم سنة 1318 ه، و ثالثة في ذي الحجة سنة 1321 ه لم تر الدولة مندوحة من عقد معاهدة مع الإنكليز بالوجه المذكور، و كانت المعاهدات بين الإنكليز و الكويت تؤيد الحكم لأسرة آل صباح و أن لا تتفق الكويت مع دولة دون موافقة إنكلترا، و أن هذه تحميها من الاعتداء الخارجي علي أن لا تتدخل في أمورها الداخلية.

قانون الولايات الموقت:

أصدرته الدولة، و طبع ببغداد بالتركية و العربية. و في هذا ما يعيّن التشكيلات الإدارية و المجالس العمومية و أعمالها و سائر ما يتعلق بالإدارة.

اغتيال فريد و بديع نوري

أطلق بعض الأشقياء رصاصا علي فريد بك آمر موقع البصرة، و بديع نوري بك الجابري متصرف الناصرية فمات الأول حالا، و أما الثاني فتوفي بعد بضع ساعات نهار الجمعة 20 حزيران سنة 1913 م (شعبان سنة 1331 ه). و لم يعرف الجناة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 282

و جاء في ثروت فنون: قائد البصرة الزعيم فريد بك قد اغتيل بوحشية مع المتصرف في لواء المنتفق بديع نوري بك. و المرحوم ولد في أرضروم (أرزن الروم)، و درس في المدرسة الابتدائية في مسقط رأسه، و جاء إلي استنبول فتخرج في سنة 1314 رومية من المدرسة الحربية و في سنة 1317 أكمل مدرسة الأركان فتخرج برتبة رئيس، و بعد مدة أرسل إلي العراق، و قضي حياته العسكرية فيه برتبة زعيم و كان غيورا، متفاديا، و مخلصا، فهو جندي ثمين و إن الغدر به بصورة مفجعة من دواعي الألم عليه.

و جاء عن بديع نوري:

«اغتيل في 7 حزيران مع الزعيم فريد بك عند مرورهما من جسر العشار من أشخاص مجهولين فاستشهد من أثر الجرح الذي أصابه كما أن فريد بك استشهد حالا إثر ضربه. و كان فاضلا كاملا، و هو من أبناء المملكة الأفذاذ، و لا شك أن من فتنوا بثقافته و علمه و أدبه سيجرح قلوبهم خبر نعيه و فراقه، و هو من المعروفين لقراء (ثروت فنون) و من المحترمين في نظرهم، و كان ما ينشره نتيجة وقوف و تدقيق و كذا في المجلات و الجرائد الأخري مما يدل علي جوهر عرفانه،

و كمال ثقافته و هو ابن هلال الحلبي تخرج من المدرسة الملكية، و عهدت إليه قائممقاميات في (روم ايلي)، و نال مكتوبية (أدرنة) و مديرية التحرير بولاية استنبول و حصل علي منصب مديرية البلدية في فاتح ثم إنه بطلب منه رجح أن يكون في محل بعيد لا قريب يحتاج إلي إعمار، فوقع الاختيار أن يكون في لواء المنتفق». ا ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 283

دار البريد و البرق:

في 16 كانون الأول سنة 1911 م وضع الحجر الأساسي فتم بناؤها علي الطراز الحديث، و في صباح نهار الأحد 29 حزيران سنة 1913 م افتتحت بحضور الوالي و كبار الموظفين و غيرهم. و لا تزال عامرة، و هي دار بريد أيضا لحد اليوم. و تقع تجاه الإعدادية المركزية للبنين.

الوالي حسين جلال بك

عيّن لولاية بغداد جلال بك والي ديار بكر كما أخبرت البرقية الواردة من وزارة الداخلية. جاء من طريق الموصل في يوم الأحد 17 رجب سنة 1331 ه و احتفل به.. و قري ء فرمانه في 30 رجب سنة 1331 ه.

و هذه ترجمته:

«افتخار الأعالي و الأعاظم، مختار الأكابر و الأفاخم، مستجمع جميع المعالي و المكارم، المختص بمزيد عناية الملك الدائم، والي ولاية ديار بكر الذي توجه و أحسن لعهدة أهليته منصب ولاية بغداد جلال بك دام علاه.

بوصول توقيعي الرفيع الهمايوني يصير معلومكم نسبة الموقع و أهميته و قابليته المخصوصة المعلومة لولاية بغداد، يلزم تأمين الانضباط و الانتظام و حصول الترقي و العمران لها، و بموجب أحكام القانون الأساسي المنيفة، أن تكون حقوق الأهالي متساوية لمظهر العدالة و الرأفة، و أن ينالوا الرفاه و السعادة و ذلك أخص آمالي الملوكانية، و حيث أنت الأمير المشار إليه، و لكونك من مأموري السلطنة السنية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 284

الذي أنت من أرباب الأهلية و الدراية و لك وقوف علي أصول الإدارة، فبناء علي مأمولي و منتظري الشاهاني يلزم منك ظهور الخدمات الحسنة و الآثار الجميلة الموافقة للإيجابات المحلية ضمن الشرع الشريف و القوانين و النظامات الموضوعة، و بموجب قرار مجلس الوكلاء الفخام الذي عقد في الخامس من شهر جمادي الآخرة لسنة 1331 ه لدي الاستئذان إرادتي السنية الملوكانية

التي صدرت قد توجهت لعهدة اقتداركم منصب ولاية بغداد، و قد أصدر و أعطي هذا الأمر الجليل القدر من الديوان الهمايوني المتضمن لمأموريتكم و بمقتضي فطانتكم و معرفتكم بكمال مهام الأمور التي أنت مفطور و مجبول عليها و علي كل حال مع التمسك و التوسل بالشريعة المطهرة لحضرة سيد الأنام و توفيقا لأحكام القوانين و النظامات الموضوعة أن تعمل همة و غيرة لإيفاء حسن الوظائف، و تبسط جناح الرأفة و الشفقة علي صنوف الأهالي، و أن تبعتي الملوكانية ينالون السعادة و الحرية بصورة متساوية و يكونون مظهرا لأتم العدالة و الحقانية، و تتكمل الوسائل المهمة علي عموم المأمورين أيضا بأن يطبقوا القوانين الموضوعة علي أبناء الوطن متساويا بلا التزام طرف، و تبدي المقدرة لأجل استجلاب الدعوات الخيرية من كل أحد لجانبي الملوكاني المستجمع المجد و الشرف و تسارع بإنهاء الخصومات المتكونة إلي الباب العالي. تحريرا في اليوم السابع و العشرين من شهر جمادي الآخرة سنة 1331 ه» ا ه. هذا ما قالته الزوراء و هي ترجمة سقيمة ثبتناها علي حالها.

ترجمة خطاب الوالي:

«أريد أن أوضح ما أنويه و أبيّن عما يكنه ضميري و يحويه لدي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 285

الوالي نور الدين بك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 286

الأشراف المحترمة و الأهالي المجتمعة بسبب تلاوة التوقيع الملوكي الصادر من حضرة ملاذ الخلافة بتوجيه العاجز واليا لولاية بغداد.

فيا أيها الحاضرون:

لا شك و لا مرية في أن الدنيا كانت تحسد هذه الخطة المباركة علي ثروتها و غناها و تغبطها علي سعادتها و علاها إذ هي مهد العلوم و الحضارة و مستودع المعارف و التجارة و اليوم أمست بحالة يرثي لها من التدني لعلل تفصيلها يورث الملل و

أسباب بسطها يستوجب الإطناب و الإسهاب.

و من ثمة وجب علي الولاة الذين يقبلون ولاية بغداد أن يجعلوا نصب أبصارهم و يكون مطمح أنفسهم و أنظارهم إعادة السعادة لهذا المصر و إعمار ما دثر من هذا القطر و لذلك كانت الوظائف التي يتحملونها علي عاتقهم شي ء لا يطاق و الأعباء الثقيلة التي تلزمهم ضيقة النطاق و أنا ممن يعلم كنه ذلك واقفا علي حقائق هذه المسالك.

و لكنما الوطن ينتظر من كل فرد عثماني أن يجعل حليته العزم و زينته الحزم ليقاوم به كل مشكلة تعارضه و يطلب منه أن يقوم بخدمته عند كل مهمة تناهضه و أن لا يتردد و لا يفتر ليكون مرهما لجراحاته التي أبرزها الاستبداد في صدره و أظهرها سوء الإدارة في اقتبال عمره و ما أولداه بطبعهما من سوء الأخلاق و قبح السيرة بين الرفاق. و ها إني قد جئت إلي بغداد متقلدا هذه الوظيفة المهمة متجرئا علي إيفائها باذلا وجودي فيها عند كل ملمة لأني أمين من أن أهل بغداد متحسسون بهذا الحس و الهمة متلبسون بثياب الحمية و الغيرة و الذي ساقني إلي قبولها شيئان، الأول: أداء ما أنا مكلف و مدين به من الخدمة للمملكة و مواطني. الثاني: اطمئناني الكامل بحصول المعاونة من الأهالي طرا و جميع رفقائي المأمورين فابتدأت بمباشرة وظائفي مستعينا بتوفيقه تعالي شأنه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 287

و قبل الشروع في أصل المقصد أعدّ من الوظيفة التبريك لأهالي بغداد علي ما أبدوه من المتانة و التأني و أظهروه من الاعتماد علي الحكومة العثمانية و وقوفهم علي صالح أعمالها و حسن أفعالها بمقصدها الأبوي و نظرها العلوي ليحصل الفرق بين جريان هذه المملكة في زمانه و

الجريان الذي ظهر ببعض الولايات المجاورة في غير أوانه.

فمن المعلوم المسلم عند العموم أن الترقي و التكامل لا يكون إلا تدريجيا فأي مملكة و أي ملّة حصلت علي مساعدة فوق قابليتها و أكثر مما يتحمله عرفانها و لم تتأمل حاجاتها الحقيقة و لم تتبصر بما تمشيه من غلط الخطا فهي (لا سمح اللّه) تقع في هوّة لا تحمد عقباها و لا يسعها إذ ذاك تلافيها، و من يتحرك بخلاف هذه القاعدة الاجتماعية يكون قد ارتكب الخيانة لوطنه. و الذي جري في جهة منتهي غرب (روم إيلي) من الأحوال هو أصح دليل و أوضح برهان و لهذا المقصد اتخذت الحكومة السنية قرارات معقولة في غاية الإصابة، و ما ذاك إلا أن العثمانية المتشكلة من العناصر المختلفة و هي تحت مراقبة المجلس الملّي و وصايته الحافظة و نظارته الشفيقة صارت تتحري الوسائل بالتدريج لتسير بإقدام التجربة و تنظر بعين البصيرة في طريق التكامل و سبل الترقي، و قد أرسلت الآن قانون إدارة الولايات إلي مواضعه و سمحت فيه ببعض الامتيازات و أعطت المساعدات للمجالس العمومية في الولايات و قد أمرت بتطبيق اللسان المحلي في المكاتب و المحاكم بشرط أن يحافظوا علي اللسان الرسمي للحكومة تأمينا للجامعة العثمانية خاصة.

فبناء علي ذلك يجب علي كل من يجب وطنه و قلبه مشحون بحس الحمية و رابطة الأخوة أن يكون معينا و ظهيرا لتشبثات الحكومة و إجراءاتها بكمال الجد و الصد و ينتظر إن شاء اللّه باعتماد تام و اطمئنان كامل عند ترقي عرفان الملة بأنها ستسمح لهم المساعدات المتناسبة مع عرفانهم و لا يعد هذا النوع من الاحتقار إذ هو عين الحقيقة فقد ذهب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص:

288

زمان الانخداع بالأوهام الباطلة و الأماني الكاذبة.

و أي نوع من الترقي لا يحصل إلا بعد الاعتراف بالنقائص و حينئذ يمكن الاجتهاد بإصلاحه.

و لنرجع الآن إلي ما نحن بصدده: اعلموا أني ما دمت بين ظهرانيكم سيكون همي مصروفا إلي نقاط ثلاث:

الأولي: استتباب الراحة و الأمن بكل طرف من أطراف الولاية.

الثانية: إعمار أراضيها و إحياء مواتها و هو بمنزلة نفخ الروح لهذه الخطة العراقية و إعادة رونق هذه الأراضي الميتة.

الثالثة: هي كيفية تزيين القوي المفكرة للناشئة الجديدة من أبناء الوطن بنور العلم و العرفان.

أما مسألة الأراضي فهو الاهتمام بعمليات الإرواء و الإسقاء و تحري الأسباب لإحياء الموات من الأراضي الواسعة المنبتة العديمة المياه.

فالكل يعلمون أن الحكومة السنية بذلت مئات ألوف من الذهب منذ خمس سنوات لأجل الإسقاء و الإرواء في سدة الهندية فبلطفه تعالي أن هذه الإنشاءات القريب إتمامها ستصل إلي الختام في زمن مأموريتي.

و أسأله تعالي بفضله و كرمه أن ييسر لي ذلك ليكون لي نصيبا من الفرح و السرور من إغاثتي و إمدادي لأهالي الحلة و الديوانية الذين قد حرموا الماء منذ سنين و ساءت أحوالهم و ضاقت بهم الأرض بما رحبت. و من الأمور الطبيعية بعد إكمال سدة الهندية تتشبث بإكمال الإرواء شيئا فشيئا حسبما هو مسطور في المقررات.

و أما مسألة الأراضي فسأجتهد إلي آخر درجة في جعل الفلاحين أو من هو محروم من المعاونة و المظاهرة من فقراء الأهالي أن يكونوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 289

أصحاب أراض يستفيدون من ترابها، و إذا حصلت الموفقية في هذا الباب فإن الأمن و الراحة يحصل و يحدث بطبيعته.

و لنأت إلي أمر المعارف لأن انتسابي و حبي إلي هذا المسلك من قبل و خدمتي فيه

مدة و مظاهرة أعضاء المجلس العمومي أولو الحمية الذين لا يمكن أن يشتبه في تقديرهم و علمهم بحاجات المملكة لأنهم أعلم الناس هنالك إذ بحسب قانون إدارة الولايات قد تركت للمواقع (كذا) يقويان أملي باقتطاف ثمراته النافعة بمدة قليلة و برهة يسيرة، لا أري حاجة في بيان ما تصادفه الحكومة السنية و مأمور و المعارف من المشكلات في تطبيق ما أمرت به في تدريس العربي و ندرة المتخصصين من معلميه حتي أنها في مضايقة شديدة من استحصالها كتابا مؤلفا علي هذا المنوال. و لكنها ستصرف مجهودها في إتمام هذا النقصان في أقرب زمان و تسعي في تطبيق هذه الأصول في الدورة المقبلة علينا حسب الإمكان.

و هي تصادف هذه المشكلات بعينها في تطبيق العربي في المحاكم العدلية لأن الجميع يصدق أنه لا يمكن وجود كتبة يحسنون الضبط و ينظمون الأعلام بالعربي في جميع المحاكم فضلا عن المأمورين و رؤساء المحاكم.

و مع ذلك كله فقد راجعت المقام العائد له هذا الأمر في تطبيق هذه الأصول و اتخاذ معاملات العدلية باللسان المحلي من الآن في الأقضية التي أكثر أهاليها وزراعها عربان أو متشكلة من العشائر فهذا مما يجب بالصورة القطعية.

و بواسطة ما تكتسبه الكتبة و المأمورون من المكنة و الممارسة في محاكم الأقضية سيمكن التطبيق لذلك الأمر في الألوية و مراكز الألوية و إلي ذلك الوقت يسهل علي الحكومة انتخاب الرؤساء اللازمين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 290

فالآن أكتفي بما أوضحته من تفويض الأراضي و ما أبديته في حق المعارف و ما صرحت به علي طريق الاستطراد في أمر اللسان المحلي و ألخص ذلك كله و إن كان مكررا من أني أوقفت وجودي علي عمران البلدة و

ما تقتضيه أهالي المملكة من الاحتياجات في طريق رفاههم و سعادتهم و أن أذني صاغية لاستماع مطالعة كل فرد سواء كان صغيرا أو كبيرا يراجعني بلا استثناء، و أعير سمعي له إذا بث شكواه أو بذل شكره. و من الجملة اجتهد في استخلاص عراقنا العزيز من ربقة إساره الاقتصاد و أبذل و سعي و اهتمامي في إعادة ثروته و معموريته لمساعيه الذاتية و ليطمئن كل منكم في صحة ما أقوله و أفوه به سائلا من المولي تعالي ذي الجلال أن يقرن مساعينا في هذا الباب بتوفيقاته الصمدانية إنه علي كل شي ء قدير و بالإجابة جدير». ا ه.

هذا ما نطق به الوالي، و لننظر ماذا يفعل؟ خصوصا ما يتعلق باللغة في التعليم و المحاكم، و درجة قيامه بأعمال الري و الأراضي، و ما يعود للفلاحين و ما يتعلق بالثقافة.

حوادث:

1- عهد إلي الفريق الأول محمد فاضل باشا الداغستاني المتقاعد من العسكرية تفتيش الفيلق

في 18 رجب سنة 1331 ه.

2- الإعدادي الملكي في بغداد تحوّل إلي مكتب سلطاني.

و بذلك لم تشأ الحكومة أن تقلب تحصيله إلي عربي فكان ذلك تدبيرا اتخذته لإبقاء الحالة علي ما هي عليه. و من هذا السبب لم تتمكن العربية الفصحي في البلاد.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 291

3- تقرر قبول أربعين طالبا في دار المعلمين الليلي

و أعلنت الشروط المطلوبة.

4- عزل والي البصرة علاء الدين بك الدروبي عن منصبه،

و أنيطت الأشغال بالآمر عزت باشا أمير اللواء الكركوكي الذي أصبح وزيرا للمواصلات و الأشغال في الوزارة النقيبية.

5- ورد الأمر بتعيين قائد الفيلق في بغداد علي رضا باشا الركابي وكيلا لولاية البصرة،

و سافر إليها في 27 تشرين الثاني سنة 1913 م.

و هو والد الأستاذ علي حيدر الركابي.

6- زاد الشغب في البصرة كثيرا،

و اضطرب حبل الأمن فعادت لا تصلح للسكني خصوصا للموظفين الترك. و طالبوا بالإصلاح و قدموا عريضة لمقام الولاية.

7- أنشي ء في أواخر آذار سنة 1913 م النادي العلمي في الكرخ.

و صار يؤمه الناس.

عزل الوالي حسين جلال

عزل في أول يوم العيد الأضحي 10 أيلول سنة 1913 م و سافر إلي استنبول صباح الأربعاء 26 ذي الحجة سنة 1331 ه فخلفه في الولاية مفتش الفيلق محمد فاضل باشا الداغستاني بالوكالة اعتبارا من يوم سفره إلي يوم 20 صف سنة 1332 ه (18 كانون الثاني سنة 1914 م) و هو يوم ورود الوالي الجديد جاويد باشا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 292

وفيات

1- توفي آغوب آل قيومچيان.

يوم الأحد 1 شعبان سنة 1331 ه و هو أحد أعضاء مجلس الإدارة و من المعتبرين في بغداد.

2- السيد محمد الطباطبائي

و هو المشهور بالحجة الطباطبائي توفي في شعبان سنة 1331 ه (15 حزيران سنة 1913 م).

3- مزيد باشا السعدون سقط من ظهر ذلوله

فتوفي بعد ستة أيام.

4- السيد مصطفي نور الدين الواعظ

توفي مساء الثلاثاء و دفن نهار الأربعاء في تكية البكري في 2 نيسان سنة 1913 م (الموافق 24 ربيع الآخر سنة 1331 ه) و كان من مبعوثي الديوانية سابقا، و من علماء بغداد المشهورين، و هو صاحب عدة مؤلفات.

في مجموعة الأستاذ محمد درويش أنه توفي بتاريخ 23 ربيع الآخر سنة 1331 ه في مساء يوم الثلاثاء عند الغروب، و في يوم الأربعاء صباحا شيع باحتفال لم يشاهد مثله، و احتفاء عظيم، و دفن في تكية الشيخ محمد البكري في مقبرتهم الخاصة و في (الروض الأزهر) أنه توفي يوم الثلاثاء مساء 24 جمادي الآخرة سنة 1331 ه و دفن صبيحة يوم الأربعاء و هو والد الأستاذ السيد إبراهيم الواعظ.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 293

حوادث سنة 1332 ه- 1913 م

افتتاح سدة الهندية:

في عام 1326 رومية- 1328 ه انتدبت الحكومة المهندس الشهير السير ويليام ويلكوكس الذي أحيا الأراضي المصرية، فقدم تقريره بما يجب من إصلاح لإرواء أراضي الديوانية و الحلة التي نالها ما نالها من خراب نظرا لتغيّر مجري الفرات. و كذا تناول تقريره الخطة العراقية و نقل إلي العربية و طبع مع خرائطه سنة 1927 م. و بنتيجة المزايدة أودع إلي شركة (جاكسون) للقيام به، و باشرت العمل علي الترتيب المقرر. و لما تم العمل أجري رسم الافتتاح نهار الجمعة (12 المحرم سنة 1332 ه) حضور وكيل الوالي الفريق الأول محمد فاضل باشا و الأعيان و الأمراء، فحضروا موقع العمليات و شهدوا المباني و المشروع، و من ثم فتحوا بعض الأبواب، فجري الماء في شط الحلة. و في هذه الأثناء ألقي وكيل الوالي خطابا باللغة التركية، و ترجمته كما يلي:

«أيها الحضار الكرام:

كل منا يعلم و لا يمتري في أن أهم أقسام

الخطة العراقية إنباتا و أكثرها عمرانا و أوفرها جدة و أعظمها خصبا هو لواء الديوانية و السبب الوحيد لما آلت إليه هذه القطعة الجسيمة من الخراب و الانتكاس و العلة المنفردة فيما صارت إليه هذه البقعة الكريمة إلي الدمار و الاندراس هو فعل الفرات بتبديل مجراه لأنه هو الضمين لذلك العمران و الكفيل بحياة أولئك السكان.

و لما وقفت الحكومة السنية علي حقيقة الحال أخذت بالأهبة و الاهتمام علي ما كان لديها من العوائل و ما انتابها من المهام و المشاغل بإعادة ماء الفرات إلي مجراه القديم و إحياء ما مات من أراضي اللواء الجسيم و حفظ نفوسه من التوزع و التشتت فتفضلت و تعطفت بهذه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 294

العمليات الجسيمة و بذلت ما يقتضي من المبالغ الوفيرة لها و أسرعت في إنشائها فأثبتت بذلك درجة رأفتها علي هؤلاء الأهالي و أبدت علو عاطفتها علي سكان هذا القطر العالي، أما هذا القسم من السد الذي يعود إلي الهندية و هو نصب أعيننا. فأني بكمال المسرة ابتهج به و استجيده و أشهد بهمة الهيئة الفنية و مهارتهم المصروفة في هذا الباب و حسن اتقانهم.

إلا أني أري أن هذا المصراع المفتوح للمجري القديم من الفرات و الأبواب الستة التي أنشئت في صدر هذه الترعة لا تكفي لنفوس هذا اللواء الجسيم و لا يفي بإسقاء أراضيهم و إرواء مزارعهم، و لذلك أتوكل علي عون الباري سبحانه و تعالي و أعدكم بأني سأسعي بكل جهدي في إكمال ما نقص و إتمام ما يؤمن سعادة هذا اللواء ورد حياته بما يقتضيه من الأعمال. وها إني مستعينا باللّه أفتتح هذه الترعة و أعرض شكري و أبدي منّتي لمن أجاب

الدعوة بتشريفه من الحضار الكرام» ا ه.

و كان هذا العمل في الحقيقة كبيرا مع ضعف في الحكومة، و ضيق حالتها، و الأزمة التي أصابتها في إدارتها و حروبها المتوالية بحيث لم تهدأ لها أمورها.

عشائر السماوة:

ثارت علي الحكومة، فأرسل إليها قائممقام قضاء الهندية الأستاذ ناجي السويدي فنصح لهذه العشائر و أتم المهمة بأحسن وجه، فنال تقدير الوالي و مجلس الإدارة. و كان قتل الرئيس خاچي في بعض المعارك، و كانت العشائر الثائرة الزياد و الظوالم و الجياش و الجبور.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 295

والي بغداد جاويد باشا

قدم بغداد الوالي جاويد باشا في 18 كانون الثاني سنة 1914 م (21 صفر سنة 1332 ه) و قدم معه بهاء الدين بك رئيس أركان الحرب و 18 ضابطا منهم 11 عربيا و الباقون من الترك و قدم معه فؤاد أفندي مدير الأملاك الأميرية سابقا في بغداد و عين مفتشا للأوقاف في العراق براتب (5000) قرش و لمعاونه مصطفي شفيق (3500) قرش، و الأستاذ حكمت بك سليمان قائممقام مركز بغداد و هو أخو محمود شوكت باشا الشهير و معهم خليل هجري بك مدير تحرير الولاية، و عبدي بك قائد الدرك في بغداد. فاستقبل و أطلقت له المدافع. و للوالي سيارة بقيمة 600 ليرة.

ثم عين الوالي مفتشا لفيلق بغداد، كان يسمي الفيلق السادس و لكن التقسيمات الأخيرة جعلته يدعي ب (الفيلق الرابع عشر).

و قبل ورود هذا الوالي شاغبت عليه الجرائد و توسمت فيه الشر علي العراق و أهله و أوجست خيفة منه، و بالغت في أن المقصود الوقيعة بالعراقيين من جراء فعلاته بالألبانيين فكان ذلك داعية معاقبتهم علي هذا التنديد.

و الملحوظ أن هذا الوالي لم يحمل فرمانا، و لا نشرت الجرائد قراءة فرمانه، فصار يعلن البرق عن تعيينه، و يردد تنقله. و لعل فرمانه يحتوي علي مطالب شعر بها الأهلون فلم ترق لأحد، و حاذروا من إعلانها.

قام ببعض التجولات في الألوية التابعة لبغداد. و لم

تمض مدة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 296

طويلة حتي أعلن النفير العام، و تبعه إعلان الحرب، و تبدلت الأمور، و اضطرب العالم أجمع و اختل أمر العراق لما أصابه من حمل ثقيل.

جمعية الإصلاح في البصرة:

رئيسها السيد طالب باشا النقيب، و نشر (الدستور) في عدد (68) الخطة التي يجري عليها للبلوغ إلي المقصد.

تدريس العربية:

أبلغ والي الولاية جميع الألوية و الأقضية التابعة لولاية بغداد بأن يكون التدريس عموما في دار المعلمين و الحقوق و الإعدادي باللغة العربية ما عدا بعض دروس تركية.. و لكن الإعدادي الملكي قلب إلي مكتب سلطاني فحرم من تدريس اللغة العربية.

الأستاذ حكمت سليمان:

بعد أن شغل قائممقامية مركز بغداد مدة وجيزة، صار مدير كلية الحقوق، و وكيلا للمعارف بدل رفعت بك الذي ذهب إلي استنبول.

معاون الوالي:

عيّن لمعاونية الولاية في بغداد هجري بك مدير التحرير (مكتوبيا)، و صار مكانه إسماعيل حقي رئيس مجلس إسكان العشائر.

مدرسة ابتدائية:

حضر والي الولاية، و وكيل مدير المعارف الأستاذ حكمت بك

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 297

سليمان و جماعة لوضع الحجر الأساسي في تأسيس مدرسة ابتدائية بالقرب من جامع الخاتون في بغداد في 27 شعبان سنة 1332 ه.

و هي الآن دار المعلمات الابتدائية.

الحرب العامة الأولي

و تعرف ب (الحرب العظمي)، و هذه من أشد الحروب هولا، و أقساها، ولدت في العالم ضجة و ارتباكا، و شوشت علي الأمم أحوالها و لو لم تدخل معامعها، و لم يكن بنجوة منها إلا القليل. و هذا أيضا لا يخلو من ضرر ما. فهي من أعظم ما رأت البشرية لحد إعلانها. و قد قيل (و ما راء كمن سمعا)، أو كما يقال (و ما الحرب إلا ما علمتم و ذقتم) …

أعلنت في أوائل آب سنة 1914 م فاشتبكت الدول العظمي فيما بينها بقتال عنيف، طاحن و كانت ألمانيا في جهة، و الإنكليز و فرنسة و روسية في جهة أخري، و مالت دول أخري لإحدي هاتين الجهتين بعامل المصالح.

كان التطاحن للسيطرة علي البشرية و التحكم في العالم، لتأمين المنافع الاقتصادية، و باقي الأمم أصحاب أطماع و مصالح فلا تري الربح إلا في الانحياز لإحدي هاتين الدولتين.

و الدولة التي تربح هذه الحرب تأمن الغوائل، و تنال السلطة علي اقتصاديات الأقوام الضعيفة مشفوعة بالسيطرة السياسية أو التحكم. و لكن الحالة بعد الحرب العالمية الثانية برهنت علي أن التسلط علي الأمم غير ميسور، و كل أمة تجادل عن نفسها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 298

و لم يدر هؤلاء أنهم عرضة للبلي، علي حد تعبير أبي العلاء:

روعتم السابح في لجّه و هجتم في الجوّ ذات الجناح

هذا و أنتم عرضة للبلي فكيف لو خلدتم يا وقاح

إعلان الحرب:

الدولة العثمانية في وضع لا يخلو من خطر بالنظر للدول العظمي، و كل واحدة يخشي منها أن تخرق الحياد، فتضطرها إلي الدخول في الحرب، و البقاء علي الحياد أمر لا يرتضيه المتحاربون، فصاروا في الحرب العامة الثانية يدعون إلي أن تكون الدولة معهم،

أو في جانب عدوّهم، و لا يعتبر هناك أمر ثالث. و لا شك أن الدولة العثمانية ليس لها أمل في ربح، و هي من الضعف بمكانة، فالتزمت الحياد، و تأهبت للطواري ء بإعلان النفير العام في 11 شهر رمضان سنة 1332 ه- 3 آب سنة 1914 م. و لم تر أن تدخل في المعمعة و ربما كانت هي المقصودة من بين الدول التي تشملها أطماع المتحاربين، أو ربما كانت العامل في تحريك شهوة الحرب. قبلت البدل النقدي من غير المسلمين، و أجلت الديون، وراعت كل التأهبات التي فعلتها الدول الغربية، و تكاثر أمر الاهتمام بالحرب.

حدث النفير العام، فضاق الأمر بالناس و وقع الاضطراب. و توالي سوء الحالة. و بقي الترك علي حيادهم إلي يوم 16 تشرين الأول سنة 1330 رومية. و كانت الحرب علي أشدها و لا شك أن العثمانيين كانوا حجر عثرة في المواصلة بين الروس و حلفائهم، فلم يسهل أمر التعاون

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 299

فيما بينهم و يرون من الضروري اجتياز هذه العقبة، فاتخذوا مناورة الأسطول العثماني في البحر الأسود وسيلة فتعقبوه، و حاولوا وضع ألغام في مضيق البوسفور، و أبدوا المخاصمة. و هذه ترجمة البلاغ.

«إن الأسطول الروسي كان يتعقب الأسطول التركي في كافة حركاته، و يزعج الأوضاع فيما يقومون به من أعمال تطبيقية بصورة متمادية، و في (29 تشرين الأول سنة 1914 م) ابتدر في الخصام. و بناء علي تقدمهم بأعمال عدائية نحو المضيق (البوسفور) بحاملة (ألغام)، و ثلاثة زوارق (طوربيد) و سفينة فحم، قامت السفينة الحربية (غوبن) فأغرقت حاملة الألغام، و أوقع الخسار في طوربيد بصورة ثقيلة، و ضبطت السفينة حاملة الفحم، و أسر ثلاثة ضباط، و 72 جنديا،

و قصفت (سيواستپول) بنجاح.

و إن حاملة الألغام كانت تحمل 700 لغما، و 200 جندي، فأنقذ بعضهم فوصلوا إلي استنبول في 30 منه، و من إفادات الأسري علم أن هؤلاء كان أملهم أن يبثوا الألغام داخل البوسفور ليتمكن الروس من تدمير الأسطول.

و أما (برسلاو) فإنه وافي شرقي مدخل (بحر آزاق) فخرب في مدينة (نوو راسيسق) نحو 50 مخزنا للبترول، و مخازن عديدة للأرزاق و أغرق 14 سفينة نقل عسكرية». ا ه.

و من ثم لم يقبلوا كل معذرة و لا تفاهم من طريق السلم، و عدوا العثمانيين في جانب الألمان من جراء سكة حديد بغداد، فاضطرب الدولة علي المقابلة، و لم تدع مجالا للتدابير في التحقيق عن السبب

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 300

و ماهيته، و لا تيسرت مراجعة روسية للتفاهم، فجلبت هذه سفيرها الكبير دون تأخير، و تقدمت جيوشها و تجاوزت حدود أرضروم (أرزن الروم) في نقاط مختلفة و هكذا فعل الفرنسويون و كذا الإنكليز كانوا في انتظار الحرب معها، فدعوا سفراءهم، و ابتدروا فعلا بالمخاصمات. و من ثم صار (29 تشرين الأول سنة 1914 م) تاريخ إعلان الحرب علي الدولة العثمانية، فدافعت الدولة عن نفسها و اشتبكت أيضا في الحرب..

قالوا: و جاءت نوايا هؤلاء مؤيدة باتفاقية (سازونوف) المتضمنة تقسيم الدولة العثمانية و تأهبات الإنكليز لانتظار هذا اليوم الذي اتخذ وسيلة، و كذا الدول الأخري بضرب (چناق قلعة)، و الفاو، و الدخول في المعارك الفعلية، و دخلت في الحرب. و آمال كل دولة من هذه الدول مؤكدة بماضيها و أعمالها في حروب البلقان و غيرها.

يضاف إلي ذلك أن العثمانيين بينوا أن الحلفاء احتلوا استنبول و لم يستطيعوا أن يوضحوا الأسباب و العوامل، و أكدوا أيضا

بقولهم إن أطماع روسية كانت مصروفة إلي ابتلاع المملكة العثمانية، و إن الوثائق التي نشرتها روسية بعد الانقلاب، كانت تعد من الوثائق السرية المحرم نشرها و قد وردت في النشرة السابقة فأذاعت وثائق برقم 68 و 69 و 70 و منها يقطع بأن لا مجال لحياد العثمانيين، و كان دخولهم ضرورة لا مندوحة منها، و لا يمكن التخلي عنها بوجه.

هذا ما بينه الترك في نشرياتهم من جرائد و صحف و كتب. و كانوا يرون هذه الحرب فرصة سانحة لأخذ الانتقام، و الرأي العام الأوروبي حانق علي الدولة، و يبغي القضاء عليها. فكان كتّاب الترك و أكابر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 301

فوندر غولج باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 302

رجالهم يوصون قبل الحرب بأن الرأي العام الأوروبي في تحامل عظيم عليهم، و حانق للانتقام منهم، فلا طريق لمقاومة هذا التيار إلا بالانتصار للأحزاب المعارضة و تقويتها، و فيها ما يمكن من إيقاف ذلك التيار عند حده!. و رأوا الفرصة سانحة، و لعلها السبب في دخولهم و يظهر أن الألمان هم السبب في إثارتها و كانوا قد أعلنوا الحياد فأوقعوهم، و أن استخدام القواد الألمان في السفن البحرية الألمانية المشتراة كان خطأ.

و من المراجع الألمانية أن الروس كانوا يراقبون الحالة و ينتهزون فرصة بث الألغام.. و مع هذا ليس لهم من القدرة ما يقف في وجه الدول إلا بالتزام الحياد، و انتظار النتائج، لتأخذ الدولة راحة. و مع هذا لم تنجح في مسعاها و كان الإنكليز وضعوا اليد علي السفن الحربية المشتراة منهم، و لما اشترت الدولة العثمانية (غوبن) و (برسلاو) قامت قيامتها.

فلم تدعها تعوض ما امتنعت من تسليمه و إثر أخذ هذين المركبين الحربيين

فإن روسية أيضا لم تتحمل عمل تركية، و كأنها دولة غير مستقلة و تابعة لهؤلاء و منقادة لإدارتهم.. حنق الترك علي الروس من جراء تدخلهم و مثلهم الإنكليز و ذلك لأن الترك اتفقوا مع الألمان علي سكة الحديد و غير ذلك مما أدي إلي الميل إلي الألمان..

و بعد انتهاء الحرب العظمي بمخذولية الترك و الألمان صار يتمسك المعارضون للاتحاديين بأدلة خصومهم أن الألمان هم المعتدون، و نسبوا دخول الحرب إليهم. و لكنهم لم يدعوا فرصة للتحقيق، و التفاهم من طريقه. و هذا جاويد باشا بيّن أن الميل إلي الألمان جلب سخط الإنكليز

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 303

و اضطرابهم لما لهم من الآمال في العراق، و في طريق الهند، فكان خط بغداد مبدأ السخط، و هو الذي سبب أن تميل الدولة الإنكليزية إلي مساعدة البلقانيين، و الإيطاليين في أعمالهم. بل إن البلقان و استقلاله في نظر الإنكليز سيكون سدا مانعا من تسلط الألمان علي الهند. كما أن حماية الهند، و آبار النفط في عبادان مما يستدعي أن تكون لها سلطة علي العراق، و أن ذلك هو السبب في الدخول بحرب العراق، بل تجاوز ذلك و كاد يعد أصل الحرب اتفاق الترك و الألمان، و خط حديد (بغداد- برلين)، و الآمال التركية سارت في خيال واسع، تريد أن تستولي علي قفقاسية و تركستان و الهند.. مما لا تستطيع الوصول إليه.

و علي رأي جاويد باشا رجال آخرون من الترك يناوئون الاتحاديين. و لا تزال لم تحل هذه القضية و الآراء مضطربة فيها، و غالبها لا تخلو من ميل للإنكليز، أو عداء لهم. و إلا فلا يسوغ لدولة أن تتحكم في أخري. و تجري طبق رغبتها. فتقول

لها لا تتفقي مع عدوي. و هذا ما نقوله من أن الدول لا تعرف الحياد، و أن تكون دولة تراعي مصلحة كل الدول بقدر الإمكان، و تكون حرة في عقودها و اتفاقياتها. و لا سبب لذلك إلا الضعف و القوة، أو الحكم لمن غلب.

و اختلاف الوجهات في التعليل لا يغير الواقع.

و في كتاب (بطاريه ايله آتش) أيد وجهة الدولة العثمانية في لزوم الحرب، و عدد ويلاتها و ما جرت إليه، و بين أن هذه الحرب علي ما فيها من مصائب أنقذت الأمة الإسلامية من عتوّ الروس و تحكمهم بالبلاد و قهرهم للأمم الإسلامية فلما سدّ العثمانيون البوسفور خذلوا، فدخلهم الاضطراب فتبدل شكل الحكم، و تكوّنت دويلات عديدة فلم تكن دولة موحدة، إلا أن الأيام كشفت بطلان هذه الفكرة، و أن روسية عادت إلي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 304

ما كانت تفكر فيه قديما … و أعادوا قضية الاستيلاء للذاكرة … فكان قوله حلما لذيذا و راحة و استراحة لأمد قصير جدا … و مثل هذا سمعنا عن فريد بك الداماد ما سمعنا من أنهم حرّروا دولا عديدة …

و مهما كان من أمر، فقد دخلت الدولة العثمانية الحرب، و حافظت علي المضايق فلم تمكن من اجتيازها أحدا و وقائعها في (چناق قلعة) من أعظم الحروب العالمية، أوقفت الإنكليز و الفرنسيين و غيرهم عند حدودهم، نري ضعفا في قوة، و تدميرا في هزيمة. و ربما كانوا السبب في انحلال روسية بعد الحرب، لعدم الاتصال بينها و بين متفقيها، و كان وضعهم أضر بالإنكليز و متفقيهم، فصار عليهم بثمن غال، و خطرهم من جراء إعلان الجهاد كان كبيرا جدا..

و لا يهمنا تفصيل الأوضاع الحربية، و جبهات المعارك،

و إنما يدعونا الواجب أن نقرر أوضاعنا في جبهتنا الحربية خاصة.. و سوف نراعي سني الحرب بالتوالي مع ملاحظة ارتباط المباحث بقدر الإمكان.. سوي أننا نقول إن الحرب العامة نفرها الأهلون، و صاروا لا يبالون بالهزيمة، و شاع علي لسانهم (سفر برلك) بلفظ (سفر علّلك) أي (نفير الهزيمة) لا نفير الحرب.. و صاروا يذهبون إلي خط الحرب مكبلين و لا يبالون أن ينهزموا في أحرج المواقف.. فعجزت الحكومة من ضبطهم.. و توالي عدد الفارين و تكاثر.. إلا أن الضباط صبروا علي الحرب و استمروا حتي النهاية، و بقوا صامدين مخلصين للدولة، و كثير منهم داموا علي ذلك حتي آخر أيامهم.. فكانوا مضرب المثل في الحرب و البطولة.

نواب البصرة:

ورد بغداد من استنبول نواب البصرة عبد الرزاق النعمة، و الحاج عيسي روحي الإمام صباح الأحد 16 شوال سنة 1332 ه و مكثا يوما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 305

و ليلة ثم سافرا إلي البصرة.

الامتيازات القديمة:

هذه الامتيازات لا أصل لها في الحقيقة، و إنما هي منح، فصارت (و جائب قانونية)، فألغيت، و تعد حدثا عظيما في الدولة استفادة من الحرب الطاحنة بين الدول العظمي، إلا أن بعض الدول لم توافق علي هذا الإلغاء، و لكنه قبل مؤخرا، و لم يعد للامتيازات ذكر في الدولة العثمانية و لا في الجمهورية التركية..

عزل قاضي بغداد:

في 2 رجب سنة 1332 ه وردت برقية بعزل قاضي بغداد السيد علي وهبي. جاءت من والي بغداد محمد جاويد باشا مؤرخة في 29 جمادي الآخرة. و كانت حدثت عليه شكاوي من جراء أنه طرد وكلاء الدعاوي و لم تفد مراجعاتهم. و هو مشهور بالفقه و لم يكن من أهل الرشوة. و كان عفيفا في غاية العفة.

مديرية دار المعلمين:

عين لوكالة دار المعلمين الأستاذ حسن رضا، و هو من متخرجي كلية الحقوق بدرجة (عليّ الأعلي). و هو اليوم عضو محكمة تمييز العراق.

وفيات

1- الأستاذ إسماعيل حقي بك بابان.

توفي فجأة أثناء التدريس

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 306

في الكلية الشاهانية. و كان شهما فاضلا و كاتبا ضليعا و أستاذا بارعا.

دفن في جامع بايزيد، و كان نائبا عن العراق، و هو من أسرة بابان.

ورد نعيه في صفر سنة 1332 ه ورثاه الأستاذ جميل صدقي الزهاوي بقصيدة مذكورة في ديوانه ص 161 أثني علي أدبه و علمه و رجاحة عقله. و له آثار حقوقية مهمة منها (حقوق أساسية) باللغة التركية و كان من أساتذة الحقوق باستنبول. و هو ابن مصطفي ذهني باشا متصرف طرابلس، و والي ولاية الحجاز. قال الأمير شكيب أرسلان: و إسماعيل حقي بك أحد أركان جمعية الاتحاد و الترقي، مات في حياة والده.

و أخوه نعيم بك من أعضاء مجلس الأعيان في الدولة العثمانية، و كان من الفضلاء، و نقل الأمير عن نعيم بك أنهم و إن كانوا رؤساء الأكراد في السليمانية فنسبهم عربي صريح يرجع إلي خالد بن الوليد (رض).

2- توفي الحاج حمد العسافي في الزبير.

يوم الثلاثاء 9 صفر سنة 1332 ه. و له من العمر 69 سنة و كان يشتغل بالتجارة و بوفاة والده استمر بالاشتغال بالتجارة سنتين مع أخيه الحاج صالح ثم اقتسما الميراث و اشتغل كل علي حدة. و في شوال 1327 ه ترك الحاج حمد الاشتغال بالتجارة و اختار العزلة عن الناس و ترك من الأولاد الحاج عبد اللّه و الحاج محمد و عبد اللطيف و عبد الصمد. و كان والدهم حريصا علي تعليمهم العلوم الدينية فأرسلهم إلي مدرسة مرجان و كان الحاج محمد المانع مفتش معارف المملكة العربية السعودية يدرسان لدي الأستاذ المرحوم الحاج علي علاء الدين الآلوسي.

و إن الحاج محمد واصل دراسته العلمية و شغل وظائف علمية دينية و آخر

وظيفة شغلها التدريس في جامع العادلية الكبير.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 307

و أما الحاج صالح أخو الحاج حمد فإنه استمر في التجارة و توفي في شهر صفر سنة 1335 ه و عمره (85) سنة و ترك ولديه الحاج عبد الرحمن و عبد العزيز العسافي المتوفي 30 آب سنة 1945 م.

3- توفي صباح الأحد 14 صفر سنة 1332 ه الملا أحمد ابن المرحوم الحاج فليح بن حسن العساف فجأة في سوق البقالين.

و كان خطاطا معروفا.

دار آل جميل:

في 3 شوال سنة 1332 ه شب الحريق في دار آل جميل ليلة الثلاثاء، فلم يبق شي ء لا من أثاث و لا من كتب، كما كانت قد احترقت أيام الوالي علي رضا باشا و لم يبق من الكتب و كانت نفيسة جدا.

حوادث سنة 1333 ه- 1914 م

الحرب- المناوشات الأولي:

كانت الدولة الإنكليزية في أوائل تشرين الأول سنة 1914 م اتخذت التدابير لمقارعة العثمانيين، و في الحقيقة كان تأهبهم للدخول في الحرب من حين اشتركوا في النضال مع الألمان، لا لحماية نفط عبادان، بل لرعاية مصالحهم في هذه الأنحاء، و البلاد العربية الأخري بل لآمال أكبر من المحافظة، فأرسلت جيشا مختلطا، مؤلفا من القوات الهندية و الإنكليزية برية و بحرية.. و كانت تعلم الدولة الإنكليزية يقينا أن العثمانيين في جهة الألمان..

تجمعت قوتهم في البحرين، و هي في انتظار إعلان الحرب، و تمرنت علي حركات الإنزال. و أعلنت الحرب علي تركية، و جاء إلي القيادة هناك بإعلامهم في اليوم الأول من تشرين الثاني سنة 1914 م و كان القائد للحركات الجنرال (ديلامين) و في 6 تشرين الثاني سنة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 308

1914 م دخل الطراد (أودن) شط العرب تتقدمه رافعات الألغام، و تعقبه بواخر النقل و الزوارق الأخري فكانت هذه مبادي ء الحملة الإنكليزية في العراق.

وقعت المعركة في ذلك اليوم، و كانت هذه المعركة حامية دامت نحو 40 دقيقة، و أسفرت عن إسكات البطرية التركية. و علي أثر ذلك تقدمت البواخر النقلية المؤلفة من الباخرتين البحريتين (فاير فلاي)- (أوماديا و فاريلا) و بعض الزوارق المسلحة، و الأخري البخارية للبارجة (أوشن) تحمل جيوشا للإنزال..

و تتألف هذه من 600 جندي من المشاة، و زهاء (100) جندي من بحارة البارجة أوشن) و بعض رشاشات ماكسيم

و بطرية الساحل و حضيرة مدفعية جبلية. و هذه القوة نزلت قرب محطة البرق فاحتلت مواضع الجيش التركي دون أن تجابه مقاومة، و قطعت آنئذ مسافة لا بأس بها من شط العرب. و كان (الطراد اسبيكل) علي بعد 20 ميلا قطعها من شط العرب.

و إن العثمانيين لم تكن لهم من القوة كفاية، فأمكن للانكليز إنزال جيوشهم، فلم تلق مقاومة و في 14 تشرين الثاني سنة 1914 م وصل (السر ارثر يارت) مع الفرقة 18 الهندية ليستلم قيادة العراق، و جرت عمليات إنزال الجيوش بسرعة، و بلا مقاومة، فعضدوا القوة البرية، و حصل تماسك كبير بينهما. و حصلت مصادمة مع العثمانيين في 15 منه و أوقعت خسائر كبيرة بالجيش العثماني، ثم عززت القوة البحرية بالطراد (لورانس) و كان مسلحا بثمانية مدافع.

احتلال البصرة:

و في يوم 16 تشرين الثاني سنة 1914 م عقد البريطانيون اجتماعا قرروا فيه مواصلة الزحف في اليوم التالي و هو 17 منه. أخذت القوات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 309

البريطانية تتقدم في زحفها نحو البصرة يسند جناحها الأيمن النهر و فيه الاسبيكل و الأودن.

و كانت القوة كبيرة بالنظر للقوة العثمانية التي تعد تجاه القوة الإنكليزية لا شي ء، و كان يظن أن المدفعية في الفاو تستطيع صد هجوم البحرية و إيقافها عند حدها و أن عشائر العراق وحدها في استطاعتها المقاومة، فلا تدعه يطأ أرض العراق، أو بالتعبير الأولي لم تهتم الحكومة بالعراق، و كان خوفها من أنحاء قفقاسية، و من سورية و چناق قلعة، فلم تهتم بهذه الجبهة. و سيق الجيش العراقي إلي قفقاسية و الجهات الأخري و لم يرجع منه إلا القليل، و أصابته أمراض قاسية و حروب ماحقة لا يكاد يحصيها

قلم. فأخلي الترك البصرة قبل أن يدخلها الإنكليز بثلاثة أيام مما لم يكن ليحلم به الإنكليز. و كانوا قد استولوا علي سيحان و كوت الزين بمقاومة قليلة من الجيش العثماني.

و من ثم احتل الإنكليز المدينة بلا مقاومة، فقد كانت قوة العثمانيين ضعيفة، و لم تستطع البقاء. فكان احتلالها يوم 17 تشرين الثاني سنة 1914 م و يعد أول دخولهم العراق، و من ثم ابتدأت حروبهم الطاحنة، و الجيش العثماني أعزل من كل نجدة، و لا قدرة له علي المقاومة إلا بقدر ما عنده من أعتدة حربية و مهمات، فكانت هذه الحرب تجهز أحد طرفيها بأسلحة جديدة و الآخر لا يزال علي حالته القديمة إلا قليلا.

و لا محل للموازنة بين قوي الجيش العثماني، و الجيش الإنكليزي، و من أراد التفصيل فليرجع إلي:

1- حرب العراق تأليف (طاونسند). ترجم إلي التركية و العربية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 310

2- معارك السفن الحربية علي ضفاف دجلة.

3- عراق سفري (خواطر). تأليف جاويد باشا والي بغداد و القائد العام.

4- (عثمانلي جبهه لري وقائعي). تأليف العقيد الركن محمد أمين بك (هو معالي الأستاذ محمد أمين زكي وزير المواصلات و الأشغال و المعارف) و توفي سنة 1948 م.

و من هذه و غيرها نعلم أن الدولة العثمانية أهملت أمر إدارة العراق من الناحية العسكرية، فلم تترك قوة كافية تستطيع الوقوف في وجه الإنكليز لصد هجومهم، و إيقافهم عند حدهم.

و لا شك أن ذلك نتيجة لازمة لسقوط البصرة. و لكن الحكومة وجهت اللوم علي جاويد باشا القائد العام لأنه لم يقدر علي صد صولة الإنكليز.

و الوقائع الأخري التي تلت هذه الحادثة مؤلمة أكثر. فإن الإنكليز اتخذوا كل تدبير للوصول إلي الغرض بالقضاء علي الجيش

العثماني، و كانوا يظنون أن سوف يكون الأمر بردا و سلاما، و بلا مقاومة كبيرة.

و من جهة أخري إن الإنكليز اتخذوا تدابير تجاه ما ستتخذه الدولة العثمانية من إعلان الجهاد، و إبداء لزوم ما يقوم به كل فرد بالنظر لما يستطيع من قدرة. فلم يدعوا وسيلة إلا توسلوا بها. و هذا نص ما أعلنوه للعشائر العربية:

إعلان لحكام و شيوخ العرب و لرعاياهم في خليج فارس

«قد صدرت من الدولة العثمانية في زماننا هذا أعمال و أفعال متفرقة خلافا لمصالح التجار الإنكليز و منافعهم و يعرف هذا من تحريض

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 311

الألمانيين و تداخلهم في السياسة العثمانية إلي أن تقربنا لقضية الحرب بين الدولة العثمانية و الدولة البريطانية مع الدول المتحدة يعني فرنسا و البلجيك و الجابان و غيرها. و قبل الستين سنة و لما وقع الحرب بين الدولة العثمانية و الدولة الروسية كانت الدولة الإنكليزية و الدولة الفرنساوية تساعد الباب العالي بعساكرهما و حفظت استقلال الدولة العثمانية، و إبقاء بلادها و ممالكها من أعظم مقاصد الدولة الإنكليزية في أمورها السياسية و أما الحين رجال الدولة العثمانية من عدم الفروسية يريدون يدخلون دولتهم في المناقشة الصائرة بين الدولة و غيرها من الدول و بعزة قوتها في ورطة الفناء حتي لا يبقي إبقاء مملكتها علي صحتها بعده إذا صارت نتيجة هذه الأفعال أن الدولة العثمانية ساقت الدولة البريطانية إلي الحرب مع العثمانيين. فإن الواجب علي جميع شيوخ بلاد العرب تأمل علي حالتهم مع الظالم الذي يدعو لنفسه بأنه حافظ المسلمين و حاميهم كان أهل الإسلام محتاجين لحافظ إلي اللّه سبحانه و تعالي.

و أما الشيوخ الذين قد جربوا الظلم و التعدي من الدولة العثمانية لكون بلادهم متصلة ببلادها فلا تحصي حالتهم معها لأن

المخالفة بينهم و إياها كانت موجودة من زمان و هم لا يزالون مجتهدين لاستخلاص أنفسهم من تسلطها و قد حصل لبعضهم الاستقلال و بعضهم باغون عليها الآن.

و لا يخفي علي شيوخ الخليج العجمي أن الدولة البهية الإنكليزية لا تتعرض أبدا لدين المسلمين و لا تخالفه في شي ء و إنما تجتهد لإقامة الصلح و الأمان في جميع البلاد و تشديد روابط الصداقة و الاتفاق مع جيرانها و صار لها مرارا فرصة للاستيلاء علي بعض البلاد و لكنها ما انتهزت الفرصة و إن تعلقاتكم مع الدولة البهية الإنكليزية كانت من زمان فأوعدتكم بأنا سنجتهد في كل أمر متعلق بالحرب الجارية لحماية حريتكم الذاتية و الدينية و لا نفعل فعلا يضر هاتين الحريتين اللتين هما

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 312

حب الإنسان من الحياة البشرية. أما ما قد وقع في جميع البلاد في تعب و اشتداد من تكبر رجال الدولة العثمانية و حماقتهم، و لا نريد شيئا من جنابكم إلا حفظ السكينة و الأمان في بلادكم و أن تأذن للجهال من رعاياكم الذين أن الدولة البهية قد حماهم من زمان من تعدي الظالمين في ارتكاب أعمال تخل السكينة البلاد أو تضر المصالح الانكليزية فإن سلك جنابكم هذا الطريق مستخرج عن قريب من المسائل المحيطة بكم في حال الصحة بل أقوي و أحري مما كنت من قبل و لا تأذن لرعاياكم في الالتفات إلي كلام الجهال داعين إلي الجهاد لأنه ليس في الحرب الجارية ما يتعلق بالأديان إلا أنه مفيد لجميع الأديان استئصال الرجال المتكبرين و الظالمين و تقوية حالات الرجال المطمئنين الذين لا يرون شيئا إلّا الاستقلال و السكون في بلادهم المألوفة بالصلح و الأمان» ا ه

بنصه و فصه.

و من فحواه يفهم أن الإنكليز لم يهدأوا للأمر و لا تهاونوا فيه، و إنما اتخذوا التدابير اللازمة لتوجيه الرأي العام العشائري إلي جهتهم.

و معارضة فتاوي المشيخة الإسلامية و لم يكونوا يأملون أن ينالوا البصرة بهذه السهولة فوقعت بأيديهم.

كانت أرسلت الدولة العثمانية بعض الفتاوي إلي الأنحاء المختلفة و بعض الرسل إلي ابن سعود و إلي الأفغان و لكن مع هذا كانت أعمالها فاشلة، و سياستها بالنظر للمملكة، و للإمارات العربية غير حكيمة، و إن تدارك الأمور في حينها ضروري، فلم يفطنوا إلا بعد فوات الفرصة و أنهم كانوا من الضعف بمكانة … و من أمثلة ذلك أن ابن سعود كتب إلي المرحوم محمد فاضل باشا الداغستاني جوابا لكتاب بعث به إليه جاء فيه:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 313

«إن الحكومة الاتحادية أعطت ابن الرشيد ما طلب، و لكنها لم تراعني، و لا أبدت لي من الحرمة كشيخ بدوي نال ما نال. فلا اعتماد لي علي دولة متكوّنة من أوغاد». ا ه.

قال جاويد باشا: و في البيانات التي عثر عليها في العراق «إن اتباعنا للترك أو للإنكليز واحد، كلها أسر، و إن الترك باعوا بلادنا، و أخذوا أولادنا إلي أرضروم، و كذا دوابنا، و أطعمتنا و بقيت نساؤنا أرامل، و ساقوا أبناءنا إلي جهة مجهولة فأهلكوهم في الحروب، اقتلوا ضباط الأتراك، و عودوا إلي أوطانكم …» ا ه.

هذه أراها مختلقة علي الأهلين، و إنما هي صادرة من الإنكليز علي لسانهم، ليخوفوهم من العرب، و يشتد التوتر بين الطرفين، و لكن الأهلين نالهم العناء الكبير فصبروا، و ملوا الإدارة التركية. أو بالتعبير الأولي كما قلت أساؤوا التدابير للسياسة الداخلية، و للعرب. و من ثم

حصل التوتر، و قويت المشادة في البصرة و غيرها و في أثناء الحرب صار يفر الجند العرب من صفوف القتال.. و ما قاله جاويد باشا عن الكرد و طلبه متطوعين منهم في أنحاء دهوك بواسطة والي الموصل سليمان نظيف بك، و أنه جمع نحو 700 متطوع فلما علموا أنهم يحاربون الإنكليز أبوا. أمر مبالغ فيه كثيرا، فهؤلاء لا يعرفون الإنكليز و لا علاقة لهم بهم..!

فيضان و غرق:

في المحرم سنة 1333 ه (في 15 و 16 تشرين الثاني سنة 1914 م) استولي الماء علي أطراف بغداد بصورة لم يسبق لها مثيل حتي دخل الأزقة، و كانت حادثة مؤلمة، و صادف أيام سقوط البصرة و اهتمام الجيش بإيقاف جيش الإنكليز عند حده.

و في هذا استولت المياه علي مقر الجيش، و علي مواطن عديدة،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 314

و صارت تخريبات وافرة حينما كان عزت الفارسي رئيس بلدية، فقد أزال السدة القديمة فدخلت المياه بغداد، فعزل و تعين للوكالة رفعت بك الچادرچي، و اشترك الأهلون بالسد، فلم يجد نفعا.

وقائع موحشة:

لم يعلم الأهلون عن حادث البصرة. و لا أعلن خبرها رسميا إلا أن الحكومة اتخذت تأهبات كبيرة، و جعلت مقر الجيش في جهة الباب الشرقي خارج بغداد، و استعدت للأمر، و أخذت الجيوش و ساقتهم بكل سرعة لما ورد من الأخبار أن الإنكليز تقدموا و الجيش انسحب إلي (العزير).

و جلية الخبر أن الجيش العثماني بعد أن ترك البصرة انسحب قسم منه إلي القرنة و الآخر إلي الناصرية و أن قائد الفرقة 38 اتخذ القرنة محل دفاع له فتحصن فيها بقسم من قوته و تبلغ نحو ألف، و كان معه ثلاثة مدافع، و التزم حالة الدفاع، و لكن العدو في 21 و 26 تشرين الثاني سنة 1330 تعرض به، و أمطر عليه بوابل من نيرانه، فلم يستطع أن يقاوم، و اضطر علي التسليم، فوقع أسيرا بيد العدو.. فلم يكن أمام الإنكليز قوة تدفعهم أو توقفهم، و لكنهم لا يزالون يوجسون خوفا من قوة مكتوبة أو حركة التفاف، أو من كمين.

و في هذه الأثناء كان الفيضان، فاجتمع الأمران معا الفيضان و الحرب و لكن هذه

الحرب أشبه بجهنم متحركة، و الهول كان شديدا، فلم يقدر أن يقوي عليه جيشنا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 315

سفر إلي ابن سعود:

في 10 المحرم يوم السبت سافر الأساتذة السيد محمود شكري الآلوسي و ابن عمه الحاج علي علاء الدين الآلوسي و معهما الأستاذ الحاج نعمان الأعظمي لأجل الإصلاح و تقريب ابن سعود و إمالته لجهة الدولة، و الاتفاق معها علي الإنكليز و ذلك سنة 1333 ه فعادوا في 27 جمادي الأولي و لم تنجح مساعيهم. و إنما تعهد لهم ابن سعود بأنه يكون علي الحياد.

فتاوي المشيخة:

أصدرت المشيخة الإسلامية فتاوي شريفة، قرئت في كافة الممالك الإسلامية، و في جوامع بغداد جميعها في 23 المحرم سنة 1333 ه عقب الخطبة من يوم الجمعة. و هذه تتضمن مداهمة الخطر للبلاد الإسلامية و تدعو إلي لزوم جهاد الأعداء من جميع المسلمين. و نصوصها معروفة. و جاء بيان الإنكليز حذرا علي انتشاره بين الأهلين.

سفر إلي الأفغان:

في 3 جمادي الأولي سنة 1333 ه ذهب السيد محيي الدين ابن سماحة نقيب أشراف بغداد السيد عبد الرحمن النقيب إلي الأفغان. ثم عاد إلي بغداد.

حروب العراق:

لا يهمنا التعرض لحروب الدولة العثمانية أو الحرب العامة بكل تفاصيلها، و لا ذكر انتصارات العثمانيين في چناق قلعة أو دفاعهم عنها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 316

دفاع الأبطال، و لا ما لاقته من الويلات من جراء هذه الحرب إلا أننا نقول إن مصيبة العراق كانت كبيرة جدا، فمن أول إعلان النفير العام ساقوا أبناء العراق إلي أنحاء قفقاسية و إلي جهات (وان) و ما جاورها، فنالهم عناء كبير و لحقهم ضرر لا يستهان به.

نتعرض لما يخصنا، و نقرر شعور أهلينا، و نتائج الحرب بالنظر لما شاهدنا و سمعنا، و لما نطقت به الوثائق. و الملحوظ أن الجرائد العراقية كانت بلاغاتها الرسمية غير صحيحة، و ظهر أنها خلاف الواقع، كانت تكتم الأخبار الموثوقة لأنها مخذوليات متوالية و كوارث فظيعة في الجبهة العراقية.

نعم أصابت الإنكليز صدمات من الجيش، أوقعت به خسارا كبيرا. و لكنها لم تثمر شيئا و لا تمكنت من صدّ الإنكليز من التقدم إلا مدة و ما أكسبته في النفوس و في المعدات لم يؤد إلي تدميره و قهره. و في هذه ربح العثمانيون بعض المعارك و لو لم يكن كذلك لعادت الدولة العثمانية في خبر كان. فالجيش مغلوب و لكنه يعارك عراك الأبطال و يقاوم بشدة، و بسبب أضرارا كبيرة، و لقي الإنكليز من العثمانيين ما لم يلقوه من أمة في حروبها، و رأوا العطب من قتالهم، و كادوا يخذلون في غالب المواقف إلا أن القدرة المالية و السلاح القوي كان يبعث فيهم الآمال. فيعودون إلي

قوتهم، و لكنهم لم ينسوا تلك الضربات، فصاروا في حذر، يخشون الهزيمة، و يخافون المقاومة الأمر الذي دعا أن يتأنوا كثيرا و يعدوا العدة، و يتطلبوا الوقت المناسب و هكذا..

عزل الوالي جاويد باشا

جاءتنا أخبار البصرة غامضة، و لم يعلن احتلالها، و لا ما أصاب العراق من وقائع، و إنما جري الهمس، و الكلام الخفي في أن البصرة سقطت و أن المحاربات في (العزير)، و الناس بين مصدق و مكذب، فكان عزل الوالي ضرورة لازمة لما وقع..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 317

و كان هذا الوالي قد ولي منصب ولاية بغداد و مفتشية الفيلق الرابع، و هو من الأركان الحربية برتبة أمير لواء، و كتب سنة 1334 رومية كتابا عن أوضاع الحرب العامة و التدابير المتخذة في بغداد سمّاه (عراق سفري) أي (حرب العراق)، وجه علي دولته من الذم ما شاء أن يوجه، و يعد كتابه وثيقة من وثائق الحرب في العراق طبع في السنة المذكورة بمطبعة (مدافعة) في استنبول.

و في مذكراته هذه يبرر موقفه و ينحو باللائمة علي الإدارة الاتحادية و سوء تصرفاتها في الجيش و الإدارة و ما ماثل من صنوف السياسة، و نعت إدارتهم بالظلم، و أن المشروطية كانت زائفة، و أن سقوط البصرة بل و العراق كان من سوء هذه الإدارة و السياسة الخرقاء و الحرب التي لا مبرر لإثارتها..

و في كتابه هذا عين اضطراب الإنكليز لتدخل الألمان في أمور الدولة العثمانية، و مدهم السكة الحديدية نحو البصرة، و رأوا أن قد تهدد كيانهم فقاموا بأعمال ضد الدولة العثمانية لما فعلته من الميل إلي الألمان. كما أن إعلان الجهاد للعالم الإسلامي صار يهدّد مركز الإنكليز في عبادان، و كذا السفن الحربية كوبن و

برسلاو و التجائهما إلي الدولة العثمانية و اشترائهما، و تعدّي الألمان في المناورة علي السفن الروسية.

كل هذه أسباب النضال الإنكليزي، و التقدم في الأنحاء العراقية حربا تبعيدا للألمان عن العراق.

و الدولة العثمانية لم تتخذ أي تدبير من شأنه الوقوف في وجه العدو، و إنما أهملت شأنه بما بينه من قوي الطرفين، فحاول تبرير موقفه، و ترقيع خساراته في البصرة و ما جاورها. و الصحيح أن من أهمها سحب الجيوش العراقية إلي جبهة روسية و تعيين أوضاع الإنكليز في تأمين منافعهم في العراق و ما جاوره، و اتخاذ سد منيع لمحافظة الهند من

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 318

الخطر. و ما ماثل من أمور يتوسل بها أصحاب الأعذار للقضاء علي حرية الشعوب و إلا كان الأولي بهم أن يكونوا قد حرروا الشعب، و نفضوا يدهم منه إلا بمساعدة و ما ماثل..! و لكن جري الأمر علي خلاف المفروض، و ما كان يعلن، فحصل الطمع..

و علي كل حال عزل من القيادة في الجيش، و من ولاية بغداد..

فلم يعد يصلح أن يتولي أمرا مهما مثل هذا، و كان الأولي به أن يهتم للأمر، و يتوقع ما رآه و يتأهب بقدر الحاجة، و ما يتيسر من أمر. و لا شأن له بإيراد ما أورد من جهة أنه قائد عسكري و تابع للأوامر و تنفيذها.

قيادة الجيش:

جاء في الزوراء ما نصه: «قد تعين سليمان عسكري بك المقدم من أركان الحرب واليا للبصرة، و قائدا لفرقتها. و الموما إليه من أعاظم الرجال المشتهرين بالدراية و الاقتدار و البسالة».

و سبب ذلك الوقائع المؤلمة التي جرت بالانسحاب من البصرة، و أدت إلي واقعة القرنة، فرجع باقي الجيش إلي شطرة العمارة، و هم نحو

1800 نفر، فأمد هؤلاء ببعض الأفراد، و زاد في القوة، ثم انحدر إلي الجنوب، فوجد العدو لم يتجاوز القرنة، فتماسّ به بصورة ضعيفة.

ذلك ما جعل مقر القيادة العامة ترتبك للحوادث، و تغير في القيادة ظنا منها أن ذلك كان من خرق القيادة، فأودعت ولاية البصرة إلي المقدم سليمان عسكري. و رفعته فجعلته قائد الجبهة العراقية، و في 3 كانون الثاني سنة 1915 م تولي القيادة و زاولها فعلا في (العزير).

و كان هذا القائد يحسب أنه بالعشائر يقضي علي قوة الإنكليز، و يفلّ جيشهم، و يقهر قيادتهم، و لا سبب لذلك إلا أنه كان يجد دولته لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 319

تستطع أن تقهر العشائر في زمان فظن أنهم يقدرون علي التنكيل بالإنكليز، و يخرجونهم من هذه الديار، أو أن المقصود تجهيز جيش العشائر لإيقافهم لمدة.

والي بغداد سليمان نظيف بك

بعد انفصال جاويد باشا، و مفارقته بغداد عهد بوكالة الولاية إلي رشيد بك معاون الوالي، و لما ورد سليمان نظيف بك واليا علي بغداد في 18 صفر سنة 1333 ه 5 كانون الثاني سنة 1915 م ذهب إلي الموصل رشيد بك واليا عليها. و صدرت الإرادة الملكية بتاريخ 10 صفر سنة 1333 ه بتعيين قائد الجندرمة المقدم أحمد بك معاونا للوالي، و كان في بغداد.

و هذه ترجمة الفرمان بولايته:

«افتخار الأعالي و الأعاظم، مختار الأكابر و الأفاخم، مستجمع جميع المعالي و المكارم، المختص بمزيد عناية الملك الدائم، والي ولاية الموصل، و قد أحسن و وجه إلي عهدة استيهاله أن يكون واليا لولاية بغداد، سليمان نظيف بك دام علوه.

فليكن معلوما لدي وصول توقيعي الرفيع السلطاني أن من الواضح ما لموقع ولاية بغداد من الأهمية و ما اختصت به من القابلية،

و بتلك النسبة نخبة آمالي الملوكية تأمين انضباطها و حصول ترقيها و عمرانها، و أن تكون صنوف أهاليها متساوين في ظهور العدل عليهم، و الرأفة بهم حسب الأحكام المبينة في القانون الأساسي، و أن يفوزوا بالرفاه و يحوزوا السعادة.

و من حيث أنت يا أيها الأمير المشار إليه من المتصفين بكمال الحمية و الروية، و الواقفين علي أصول الإدارة من متميزي مأموري

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 320

سلطنتي السنية، و بناء علي مأمولي الملوكي فيك، و ما تنتظره سلطنتي منك أن تظهر الخدمات الحسنة و الآثار الجميلة الموافقة للإيجاب المحلي في دائرة الشرع الشريف و القوانين الموضوعة و النظامات قد أصدر من ديوان سلطنتي هذا الأمر الجليل القدر المتضمن لمأموريتك بتوجيه ولاية بغداد التي ذكرت لعهدة اقتدارك بموجب إرادتي السنية الملوكية الصادرة بالشرف علي القرار الذي استأذن فيه مجلس الوكلاء الفخام في اليوم الحادي عشر من شهر صفر الخير سنة 1333 ه، فبمقتضي ما جبلت و فطرت عليه من المعرفة بمهام الأمور أن تهتم علي كل حال بالتوسل و التمسك بشريعة حضرة سيد الأنام المطهرة، و تبذل الغيرة في توفيق حسن إيفاء الوظائف حسب أحكام القوانين و النظامات الموضوعة، و تبسط جناح الرأفة و الشفقة علي صنوف الأهالي، و أن ينال جميع تبعة سلطنتي السعادة و الحرية و بالصورة المتساوية و أن يكونوا مظهرا لنعم العدالة و الحقانية و أن تستكملوا الوسائل المهمة أيضا في تطبيق القوانين الموضوعة علي السواء من قبل عموم المأمورين في حق عامة المواطنين بكمال الحياد و أن تصرفوا و تبذلوا اقتداركم في استجلاب الدعوات الخيرية لطرفي الملوكي المستجمع للمجد و الشرف، و تسارعوا بالإشعار فيما يقتضي إنهاؤه إلي (بابنا العالي)

و ذلك تحريرا في اليوم الثالث عشر من شهر صفر سنة 1333 ه) اه.

و بعد قراءة الفرمان علي الأصول المعتادة يوم السبت 19 ربيع الآخر سنة 1333 ه- 7 آذار سنة 1915 م. أجريت مراسم التبريك.

و أعقب ذلك الوالي بخطاب ألقاه هذه ترجمته:

«أشكرك اللهم علي ما مننت به عليّ من تتويج طالعي بنصيب من كرمك إذ جعلتني ممن يسعه إيفاء الخدمة في مثل هذا الزمن المستثني المهم في هذه القطعة المباركة التي انطبع علي تربتها الطاهرة الخاطرات الإسلامية و العثمانية الحرية بالإعزاز جدا و يتلوه شكرا علي ما تفضل به

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 321

عليّ حضرة السلطان الأعظم حيث أعدني و مكنني من أداء هذه الخدمة المهمة.

أنا منذ زمن قديم خبير نوعا عارف بهذه الديار لأني كنت مأمورا علي البصرة قبل خمس سنوات و نصف و علي الموصل قبل سنة و نصف السنة و حينما جئت البصرة كان إذ ذاك الانقلاب العثماني جديدا عهد انفلاق و لذلك كان يوقد أنواع المشاعل و المصابيح في آفاقنا الملية و عندما أمّرت علي الموصل أتيتها و أعصابي ترتعش و ترتجف بالمصائب البلقانية و لما أخذت زمام الإدارة في ولايات العراق و أنا بين حسّين متضادين أي تضاد متجليين متعاندين أي عناد علي أني لم أنخدع و أغتر في الأولي للآمال و الخيال و لم أكن في الثانية مقهورا لليأس و الملال.

فالعدو الذي مدّ يد اعتدائه في هذا اليوم إلي بصرتنا التي أهداها و ضمّها حضرة عمر الفاروق رضي اللّه عنه إلي الإقليم الإسلامي هو في ذلك الوقت كان يجد و يجتهد علي الدوام بسعي خائف بحيث لا يكل و لا يمل و كنت أري إذ ذاك

أن غيوم الهواجس لم تزل تزداد كثافة دقيقة منذ عصر و نصف في تلك الآفاق و لا بد و أنها ستحدث في النهاية أعاصير و زوابع.

فها إن هاتيك الأعاصير و الزوابع حدثت و ثارت غير أن الصفحات الزائلة من هذه الحال لا يسعها أن تطرق باب اطمئناننا الأزلي بنوع من التزلزل ففي النتيجة سيري العالم طرا آمال أي الطرفين ستخيب.

فمن الواجب اللازم علينا أن لا نتشكي من الوقائع التي تسوقنا إلي مدافعة ديننا و وطننا بانتباه حقيقي بك نكون ممنونين بذلك فلو لم تحدث هذه الوقائع الأخيرة لأضعنا وقتنا و قوتنا و تركنا حياتنا فيما بين الاختلافات المذهبية و الغائلات و ها نحن اليوم قد تنبهنا من رقدتنا و استيقظنا من سباتنا و اجتمعنا مطمئني البال منشرحي الصدر مثل اجتماع

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 322

آل العبا تحت رداء الجهاد و الشفقة من نبينا صلي اللّه عليه و سلم و لا بد من أن نظفر بالعدو و نظهر عليه و نركز الهلال العثماني لا في البصرة فقط إذ هي مآلنا بل نركزها في الأقطار البعيدة و المواطن الشاسعة و لا تستطيع يد الوقائع أبدا أن تستخرج الراية العثمانية التي ركزت أو التي ستركز في المواقع من تلك الأقطار الإسلامية أقول مقالتي هذه و لست ببانيها علي ما تسوله الظنون أو تتوهمه المخيلات بل هي مبتنية علي المشهودات و المحققات، كيف لا و أنّا قبل أشهر معدودات كنّا نشاهد ما في خليج البصرة و في حوالي السواحل من الشقاق و النفاق ينشآن و ينموان علي التمادي بأيد خفية إلا أن الألواح التي لمعت عند انكشافها أمام بصائرنا في هذه الأيام أهدت إلينا عبرا وطدت بها الاطمئنان

في أفئدتنا هؤلاء شجعان الأتراك و أشاوسها قد جاؤوا مسرعين من شمالي أقسام الوطن يحثون السير ليدافعوا بدمائهم عن القسم الجنوبي منه تحت قيادة قائد شاب لا ندّ له متين منور الفكر يحتقر الحياة بحيث ترك أساطير الأبطال متحيرة بما يبديه من الشجاعة و البسالة و في جانب هذه الكتيبة المجسمة من الحمية من أبناء العرب و الأكراد الذين جمعهم الإخلاص و الإيمان و جادوا بأرواحهم منادين به الدولة والدين فدونك هذا قسم الفيلق الشريف السلطاني الزاحف إلي البصرة فيلزمنا أن نحيّي أولئك الأسود الضياغم في هذا اليوم بتحايا التبجيل و نلقي إليهم الشكر و التمجيد من مكاننا هذا.

و ها أن قلبي ما فاز بما أمله من الآمال النسبية قبل خمس سنوات و نصف في البصرة إلا أنه قد وجد نوعا من جوهر الانشراح في الموصل فإني لما حللتها كانت النوائب تدوي من جهة البلقان فتحدث إذ ذاك عكوسا و زلازل تستلب بها صموت تلك الآفاق المتوكلة و سكونها حيث إن بعض الأراذل و شرذمة من الأنذال العارين عن الوطنية الخالين عن الإيمان الألداء علي سكونة التربة التي ولدوا عليها و المحل الذي نشأوا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 323

فيه كانوا يجهدون بأن يجعلوا تلك الأرض أيضا مخدعا للخيانة بيد أنهم غير مرتبطين بحسّ وطن من الأوطان و لا متحمسين بشعار قوم من الأقوام و مع ذلك فإنه قد خاب ظنهم و ظل سعيهم حيث إنهم ما وجدوا فسحة و لا انتهزوا فرصة لإفسادهم و إضلالهم في وجدان تلك الولاية المعصومة. لقد كانت دولتنا أعلنت التهيؤ لأسباب حقة جدا و مشروعة، و بعد ذلك بقليل أعلنت الحرب وها أن قلبي حتي الآن ممتلي ء شكرا و

يرتجف من صوت التلبية الصاعد من أعماق قلوب الموصليين إجابة للدعوة التي وقعت من قبل سلطاننا الأعظم للحضور.

فيا أبناء العراق النجباء:

لا يجهل أحد من العالم معرفة خلفائكم و سلاطينكم و ملوككم القدم الذين كانت الملوك و الحكام تمشي في مواكب احتشامهم و كل يعظم أولئك الرجال العظام و يبجلهم إذ كانوا يلقون بأشعة دينهم و يوجهون بمصابيح علومهم إلي جميع الجهات من الدنيا قريبها، و بعيدها فلنكن الآن جاعلين ذلك محتضنا في حجر توقير التاريخ و لنفكر فيما يتعاطونه اليوم من أبنائكم و إخوانكم و مصارعاتهم الموت في الحدود و الثغور و قفقاسية و بمقربة ترعة السويس و أطراف البصرة و لنفخر بذلك وحده.

و من العادات القديمة للولاة أنهم يأتون ببعض الخطب بعد تلاوة أمر نصبهم يذكرون فيه خطتهم التي يرمون انتهاجها و لكني لا يسعني إلا أن أتجرأ علي تعيين ما سأسلك به في معرض الحادثات من هذا المحشر الحاضر إذ نحن الآن مصارعون و مجادلون مع عدوّنا الألد لديننا و عرقنا نريد أن نحفظ بذلك موجودية ديننا و نصون ملتنا عن التعرض منه فإذا انتصرنا في النتيجة (و ذلك حاصل إن شاء اللّه و لا بد منه) فكل من يوجد في مقام الولاية حينئذ سيسعي في ما يحتاج هذا القطر الفياض و الإقليم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 324

المهمل من العمران و الرفاه وها إني أتمني التوفيق عموما و خصوصا.

و بقيت لي كلمة أخري أني كنت بدأت بخطابي هذا بعبارة أتيت بها جامعا بين الإسلامية و العثمانية في هذه الأسطر نعم: أن العثمانية كما كانت في الماضي و الحال فهي في المستقبل أيضا قوامها و قدرتها بالإسلامية و لو لم تكن كذلك

لانمحت و العياذ باللّه و مع ذلك يجب علينا أن نعترف بالإنصاف و نقول أن الذي حمل عرش إجلال الإسلامية علي كتف حمايته منذ ستمائة سنة هو الدولة العثمانية و لو لم تكن هذه الدولة لبقيت الإسلامية يتيمة فيما بين البشر فلندع المولي تعالي بتعالي شأنهما و لنعمل بالجد و الاجتهاد.» ا ه.

و هذه الخطبة تعين الحالة الحربية، و ما يكابده المسلمون و الأقوام الشرقية من ألم و حرب و ويلات، كانوا هم المقصودين من إثارتها.

و لكن اللّه تعالي لم يشأ أن يهلك الإسلام، و لا أن يذله تجاه الظلم و القسوة. خرجت الدولة العثمانية مخذولة و لكنها استعادت نشاطها بعد مدة يسيرة، و حافظت علي استقلالها، و لا تزال الأمم تجادل عن نفسها.

و سليمان نظيف بك من الأدباء الأفاضل و الكتاب المشاهير، و أصحاب الإدارة الفائقة و العلم الجمّ، و البصيرة بالأمور، و يعد معتدلا في أوضاعه، و لم نشاهد منه معاكسة لرغبات الأهلين، و لكن الاستفادة منه كانت قليلة من جراء حالة الحرب، و الأوضاع الرديئة الناجمة منها.

لم يعلم عنه سوء إدارة، و لا ما شوهد من الولاة الآخرين. و للأسف جاء إلي العراق بل إلي بغداد في وقت عصيب. و يعين حبّه للعراق ما كتبه من آثار بعد ذلك، و من ثم يفهم ما كان يضمره من نوايا طيبة، و ما يتألم به من فراق.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 325

و هذا الوالي ابن سعيد باشا الديار بكري، و كان كتب الدكتور عبد اللّه جودت بك في جريدة (ترجمان حقيقت) أنه كردي الأصل، فأجابه سليمان نظيف بك بأنه من الترك و ليس هناك ما يبعده عنهم في حسّه و فكرته و

يريد أنه غير مانع أن يكون متأثرا بالترك فيما أبدي. و هذا لا يخل بعنصريته. و لذا لم ينكرها. و الذي أعلمه أن أمه يزيدية، و أعاد إليهم (طاووس ملك).

و من مؤلفاته:

1- (فراق عراق). أثر أدبي بليغ.

2- (چالنمش أولكه). في الأراضي السنية المسماة أخيرا ب (الأملاك المدورة).

3- (ناصر الدين شاه و بابيلر).

4- (بطاريه ايله آتش): من مؤلفاته بعد الحرب. و فيه وقائع مهمة عن العراق و الحرب العظمي. طبع باستنبول في المطبعة العامرة سنة 1335 ه و فيه بحث خاص ب (محمد فاضل باشا الداغستاني) و انقلاب الروس و مباحث أخري عديدة.

و كل هذه مما يخص العراق، و يوضح أوضاعه، و يبين الصالح من أموره. فهو شاعر بالعراق و ملتفت إليه، و منتبه إلي أحواله. و نعته صاحب (الزهور) بأنه مشتهر بالإقدام، و الجد في الأعمال.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 326

حوادث:

ليس للناس إلا حديث الحروب و نتائجها و انتهائها فلا يؤمل أن يقوم الوالي بأعمال مدنية، فكان همّ الوالي مصروفا لخدمة الجيش، و تسهيل وسائطه و جمع الإعانات للهلال الأحمر و ما شابه. فلم يظهر له عمل مدني، بل و لا يتصور أن يظهر مثل ذلك.

و من أهم الحوادث التي جلبت الانتباه في بغداد:

1- إعدام يامين بن يعقوب من محلة قنبر علي لفراره من رأس قطعته، و أجري هذا الأمر للتأديب، و لكثرة ما كان يقع من قضايا الفرار من الجيش. و شاهدت عيانا الحادث و أن الحضيرة التي ضربته لم تضربه في محل قاتل فعوقبت من جراء ذلك بالرياضة فكادت تهلك مما أصابها.

2- إعدام أشخاص صلبا في رأس القرية لثبوت التجسس في حقهم و هم: شكوري التاجر، و عزيز شماس جرجيس،

و سليم شماس جرجيس، في الموصل و هؤلاء من أهل ماردين، و كامل عبد المسيح.

3- أوسمة. أنعم بها السلطان علي:

(1) السيد حسن الكليدار في النجف.

(2) السيد جعفر عطيفة. في الكاظمية.

(3) فالح و عبد الكريم و حاتم أولاد صيهود المنشد الخليفة.

(4) زبون اليسر الفيصل الخليفة.

و هؤلاء رؤساء البو محمد.

(5) الشيخ غضبان الخلف الغصيبة، رئيس عشيرة العزة أنعم عليه بمدالية الافتخار.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 327

4- أنعم علي الوالي سليمان نظيف بك بمدالية اللياقة الذهبية بناء علي ما قام به من خدمات منذ ولي الموصل، و ما عرف به من الأيادي المنيفة في حب الوطن، و التفادي في سبيل خدمته، أو قل مساعداته للجيش بجمع الإعانات، و عرف بالعفة و الاستقامة.

واقعة الشعيبة

كانت خطط القائد سليمان عسكري مصروفة إلي قهر الإنكليز و إخراجهم من العراق، و من تدابيره في ذلك أنه جعل قوة صغيرة جدا أمامه في ساحل دجلة للأشغال فقط، و تثبيت العدو في محله وراعي عين الطريقة في أنحاء كارون للتهديد من المحمرة، و أن يشغل قوة كبيرة هناك فيوزع قدرته، و يتعرض بقواه الكبيرة في البصرة من جهة الفرات أو بالتعبير الأولي من أطراف (الشعيبة).

و هذه الواقعة كان الخطر فيها ناجما من الهجوم، و لم تلتزم الدفاع، فنكبت نكبة مرة، و حادثها صار مؤلما جدا.

كانت هذه تصاميمه أو خططه الحربية، و من ثم تعرض الإنكليز به في 20 كانون الثاني سنة 1915 م في استقامة (الروطة)، فدفع كشفهم التعرضي، ثم حاول تنفيذ خطته المذكورة، و في هذه المصادمة العنيفة جرح سليمان عسكري بك القائد في رجله، فعاد إلي بغداد للتداوي، و منها صار يدير أمر الحركات العسكرية لضرورة اقتضت ذلك. و هو في

المستشفي علي فراش المرض.

و في بادي ء الأمر جعل فوجين و مدفعين، ثم قواهما في جبهة الحويزة و هي الجبهة اليسري، و في 3 آذار سنة 1915 م جرت معركة من الإنكليز أمام ناصرية العجم (الأهواز)، فحصلت القوة العثمانية انتصارا نوعا، إلا أنها بقيت في محلها و لم تتمكن أن تتقدم خطوة واحدة.

و استولت علي مدفع بين النهرين.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 328

و في دجلة في القلب (مركز فولي) أي رتل المركز كانت تهاجم القوة القرنة بين آونة و أخري فكانت تنوي تعجيز الخصم و إزعاجه، فوقفته عند حده. و أما الميمنة فكان سواد العشائر فيها كثيرا جدا، و هم من المتطوعة، و هناك الخطة للحركات الأصلية و تحوي نحو عشرة آلاف جندي منتظم، و مثله من العشائر، و هذه طالت مدة انتظارها إلا أن استحضاراتها كانت ناقصة، و لم تكن متأهبة تماما، و تعوزها المادة، فتقدمت في 13 نيسان سنة 1915 م نحو الشعيبة، و دامت المحاربات نهارين و ليلتين، و من ثم ظهر ضعف هذه القوة و عدم استطاعتها علي التقدم، فرجعت منهزمة بخيبة.

و كان هذا القائد راكبا عربة، و لا يزال مضطربا من جرحه و ينتقل من مكان إلي آخر فيسوق الجيش و يديره، و لكنه بعد أن رأي الجيش موليا الأدبار انتحر في 14 نيسان سنة 1915 م فطوي خبره.

و من ثم خاب ما كان يأمل من العشائر و سوادها من جهة، و من أخري كان الأولي به أن يدرك حقيقة قوته، و قوة عدوه فيتخذ التدابير للدفاع لا للهجوم، و أن تتداخله خيالات فيفكر بعد الانتصار كيف يصل إلي الهند هل يسير من طريق إيران- الأفغان أو من البحر؟!

عجمي باشا السعدون:

نال رتبة مير ميران (أمير لواء) مكافأة لخدماته المشهورة و أفعاله الوطنية المبرورة. و هو رئيس عشائر المنتفق و اشتهر أكثر في هذه الأيام.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 329

المبعوثون:

1- الأستاذ جميل صدقي الزهاوي.

2- توفيق بك الخالدي.

3- نوري بك البغدادي. رئيس تحرير القسم التركي من جريدة الزهور.

4- شوكت باشا والد فخامة الأستاذ ناجي شوكت. و الأساتذة عبد المجيد الشاوي، و معروف الرصافي ذهبوا إلي استنبول الواحد بعد الآخر.

الوالي نور الدين بك

إن الوالي سليمان نظيف بك لم يستطع أن يقوم بأعمال إدارية ملكية و السلطة للجيش، و الوضع حربي و الكلمة فيه لقواد الجيش، فكان من الضروري توحيد السلطتين العسكرية و الملكية، و من ثم أودعت القيادة العامة في العراق، و ولاية بغداد أيضا إلي (نور الدين بك)، و فارق (سليمان نظيف بك) بغداد يوم الأربعاء 24 شعبان سنة 1333 ه (6 تموز سنة 1915 م) و كان عزله في 17 شعبان سنة 1333 ه ذهب متوجها نحو استنبول و كان في توديعه في المحل المعروف ب (المسعودي) كل من وكيل الوالي و القائد يوسف ضياء بك، و الفريق الأول محمد فاضل باشا الداغستاني، و الأعيان و الأشراف. و توفي في آذار سنة 1927 م و جاءت ترجمة حياته في مجلة (سويملي آي) و فيها تصاويره.

أما نور الدين بك فهو الميرالاي ابن المشير إبراهيم باشا والي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 330

طرابلس و قائدها. و بقي في استنبول أكثر من سنة قائد فرقة في (أدرنة)، ثم عين لولاية بغداد، و قيادة عموم الجبهات العراقية.

هذا و كان معاون الوالي شفيق بك، و لما كانت الوقائع الحربية تبلغ بواسطة الجرائد المحلية فلا تعين الحوادث الحقيقية، فمن الضروري الرجوع إلي الآثار التي برزت بعد انتهاء الحرب.

جعلت وكالة القيادة إلي المقدم علي بك و بقي فيها حتي ورود القائد نور الدين بك بغداد فجاء بعد أمد قصير.

تحديد الأسعار:

سعرت الحكومة الوقية من السكر ب (5، 4) قروش و الكبريت كل دستة (12 عددا) بقرش و نصف و كل صندوق من النفط في 36 قرشا و وقية البن في ثلاثين قرشا إلي آخر ما هناك..

حريق:

في الساعة الثالثة من نهار السبت سلخ رجب احترق خان العوينة الموضوع فيه النفط و استمر ثلاثة أيام فصارت الصفائح نهبا بين الأهلين.

النساطرة- الروس:

كانت روسية عينت لهم قنا أي أميرا و أبدوا العداء فنكل بهم الجيش تنكيلا مرّا، و استشهد من العشائر 16 و جرح 80 شخصا، و النسطوريون التجأوا إلي روسية إلي محل يقال له (جولمرك)، و كانت هذه الطائفة ابتدأت بتخريب القري الإسلامية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 331

حروب و وقائع قاسية:

من أيام سليمان عسكري بك و انتحاره في 14 نيسان سنة 1915 م توغل الإنكليز في العراق لحد أنهم استولوا علي العمارة و الناصرية، و كان آخر ما استولوا عليه الكوت في 28 أيلول سنة 1915 م، و داهم الخطر العثمانيين من جراء هذا التوغل و الحروب العثمانية كانت تطحن الإنكليز حتي في حالة الهزيمة مما لم يعهد له مثيل في جيش.

نعم أضاعت القيادة العامة في العراق الكوت، و اضطرت إلي الرجوع إلي (سلمان بك)، و بناء علي الأمر الصادر كانت هذه الرجعة لمسافة طويلة تبلغ 150 كيلو مترا في حين أن هناك مواقع تصلح للتحصن، و تعد حربية، و ترجح علي ما اختارته القيادة. و لعل السبب أن العدو- كما يفهم من حروبه- لا يجتاز بسرعة، و لم تكن حروبه خاطفة، و كان يراعي التدابير القطعية، فلا يجازف و لا يخاطر. و مثل هذا البعد يحتاج إلي زمان لتنظيم أمره و حذر من القبائل و بسط سياسة حكيمة كما أن الجيش التركي لا يلجأ إلي محل قريب مثل البغيلة و العزيزية من جهة أنه لا يستطيع تحكيمها في مدة قليلة خصوصا أن قوة العزم في الجيش ضعيفة لما تناوبته من مصائب و نكبات حتي صار يخشي من الإنكليز و قصفهم الذي لا يطاق. فمن المحتمل أنه لو اتخذ المواقع المذكورة لخذل. و من أهم ما

هنالك أن تموين الجيش بالإعاشة و المواد الحربية يسهل له مهمة الدفاع، و يناضل أكثر..!

و علي كل حال اختارت القيادة العراقية هذا المحل علي خلاف رضي القيادة العامة للدولة التركية. نظرا لقربه من بغداد و سهولة تموينه.

و جاء من قائد العراق العام نور الدين بك بيان إلي الولاية في 31 أيلول سنة 1915 م (22 ذي القعدة سنة 1333 ه) مصدرا من بيت عدّاي (بيت عدّاي الجريان) يفيد أن الانسحاب من الكوت إلي غيره لم

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 332

يكن نتيجة مغلوبية، و إنما كان للاستفادة من الوضع العام، فهو تدبير متخذ، و وسيلة لعرقلة أوضاع العدو و جعلها عقيمة، و للّه الحمد ليس هناك ما يوجب التشويش، و ليفهم الأهلون أن لا موجب للاضطراب، و إنما يدعون للسكينة و العزم و الصلابة الدينية. بلغوا الأهلين ذلك، و النصر- إن شاء اللّه- للإسلام.

واقعة سلمان باك:

من أشهر الوقائع المشرفة للدولة العثمانية، و لم تربح حربا، و لا انتصرت في معركة، و لكنها عرفت عدوها بمكانتها الحربية حتي في حالة هزيمتها و انكسارها. و في هذه المعركة حطمت الجيش الإنكليزي و بعثرته بحيث عاد لا يلوي علي شي ء، و صار في خطر كبير، بل في ريب من أمره في حين أنه كان يظن أنه منتصر قطعا علي العراق في كافة حروبه، فأصابته هذه الضربة القاسية، و لم يقف إلا في الكوت، و كادت هذه النكبة تجعلهم في ريب من البقاء، فلم يستطيعوا الهرب إلي ما وراء ذلك، فتحصنوا في الكوت..

إن العدو بعد أن استولي علي الكوت في حملته الأولي مضي إلي العزيزية في طريقه فتمكن من أخذها بعد أربعة أيام أو خمسة فمكث من 3 تشرين

الأول إلي 21 تشرين الثاني سنة 1915 م أي 49 يوما لأسباب سياسية و عسكرية، و أوصي القائد (طاونسند) بلزوم البقاء و التأخر، بل منع رسميا في 5 تشرين الأول سنة 1915 م بأن لا يتحرك نحو بغداد، و لكن آمال افتتاحها لا تزال حية إلا أنها مملوءة بالتردد و الحذر، و أن المشاورة بين رجال الجيش و السياسة بهذه المكانة.

تحرك الإنكليز في 11 تشرين الثاني سنة 1915 م نحو سلمان باك و اشتبكت المعركة في 22 منه، و هذا التأخر كان ناجما من قلة الوسائط

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 333

أو أنها غير كافية نظرا لانخفاض ماء دجلة إلي حد كبير، فحدثت مشاكل مما أدي إلي أن تتقوي ناحية الدفاع التركي و تأتي قوي جديدة.

و الملحوظ أنهم في حروبهم هذه اعتبارا من الشعيبة صاروا مدافعين، و ذهبت آمال الهجوم منهم. و بهذا لم يتعرضوا للخطر، و لكنهم اكتسبوا انتظاما و اقتبسوا من الإنكليز ما كان أساسا للدفاع و الهجوم.. و كانت التحكيمات قوية لحد أن القائد (طاونسند) كان يعتقد أن الجيش صار بإدارة الألمان فاكتسب هذا النجاح في حين أنه لم يكن من الألمان من تدخل في الحرب و في سوق الجيش.

و في كتاب (طاونسند) تفصيل لقوة الإنكليز كما أن (كتاب حرب سلمان باك) للعقيد الركن محمد أمين بك تفصيل لقوة الجيش العثماني.

و من رأيه الانسحاب إلي سلمان باك دون توقف في المواقع الأخري.

و مهما يكن فقد ابتدأ الإنكليز في التعرض، و اكتسبت الحرب شكل ميدان في 22 تشرين الثاني سنة 1915 م، و دامت أربعة أيام بما لم يسبق لها مثيل و كأن هذه الحرب جهنم متحركة، فكان هولها عظيما.

و هلكت فيها

نفوس كثيرة من الطرفين. و تزلزلت الأقدام، و اضطربت حالة الجيشين المتحاربين، و صار يظن كل قائد في جيشه الظنون. بل اعتقد كل واحد أن جيشه خسر المعركة، و وجب أن ينسحب فأعطي أوامره بالانسحاب.

إن الجيش العثماني أمر بالرجوع و الانسحاب و بعد 12 ساعة علم أن عدوّه رجع، و من ثم عاد إلي مواقعه، و لم يكن يعلم عن وضع الإنكليز شيئا، ظنوا أن قد وصل إلي الجيش مدد، فأمروا بالرجعة فانهزم جيشهم هزيمة فاحشة، و بذلك لم يحصل علي النتائج التي كان يتطلبها، بل حصلت واقعة (الدلابحة) و (أم الطبول) و ما تلاها، فلم ير له ملجأ إلا أن يعود إلي (كوت الإمارة) فيتحاصر بها، و قامت عليه العشائر من كل صوب، و دمرته من كل جانب. و بقي محاصرا.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 334

و بهذا حصل الترك أول انتصار علي الإنكليز. و لكن هذا الانتصار كاد يعود بالخيبة علي الجيش، لو لا أن (فون در غولچ باشا) أدركهم و منع من تضييق الحصار، و أن يكونوا بعيدين عن مدي الطلقات و المرمي. و أن يقوموا بضربه كلما حاول الخروج. و جاءت جيوش إنكليزية للإنقاذ و حاولت فك الحصار فلم تفلح، و كبدت خسائر عظيمة.

و الترك لازموا الدفاع كعادتهم..

الحوادث الأخري:

1- حكم بالإعدام:

(1) علي خضير بن عباس و أربعة من رفقائه في 15 شوال سنة 1333 ه.

(2) علي عبد بن كاظم من عشيرة بني طرف. للتجسس.

(3) في 18 شوال علي سلمان بن حسين العاني لفراره.

(4) في 1 ذي القعدة علي علوان بن حسين لفراره.

(5) في 12 منه علي عبو بن منصور النصراني من محلة السراجخانة في الموصل.

(6) في 15 ذي الحجة علي

الشقي مطلك بن خلف البكر.

(7) في 21 ذي الحجة علي محمد بن مهدي من الكاظمية من محلة الباغات.

2- وردت الطائرات الإنكليزية:

(1) في 27 ذي القعدة سنة 1333 ه يوم الأربعاء لأول مرة في الساعة 10 أذانية و الدقيقة 15.

(2) في 8 ذي الحجة سنة 1333 ه يوم الأحد الساعة 4 و الدقيقة 40.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 335

(3) في 23 منه يوم الاثنين الساعة 7 و الدقيقة 45.

(4) في 27 منه صباح الجمعة الساعة 3 و الدقيقة 15.

(5) في 30 منه يوم الاثنين الساعة 6.

3- في 1 ذي الحجة سنة 1333 ه يوم الأحد مساء ألقي القبض علي الأستاذ عبد اللطيف چلبي ثنيان، و يوم الثلاثاء الساعة الرابعة أبعد إلي الموصل بقصد أن ينفي إلي (درسم) من ملحقات معمورة العزيز.

و في 1 جمادي الثانية سنة 1334 ه أعيد إلي بغداد، لصدور العفو بحقه.

4- في 21 ذي الحجة أجريت مهرجانات، و لهجت الجرائد بدخول الدولة الحرب، و مرور سنة علي ذلك لما أبرزته في خلال المدة من تفاد و عمل جليل. و يصادف 17 تشرين الأول سنة 1331.

5- قبض في 21 ذي الحجة ليلة الأحد علي يوسف في قلم النافعة و علي أخيه المحامي فرج أوفي و جبوري كسبرخان التاجر و سيقوا إلي الإدارة العرفية، و في 24 ذي الحجة في الساعة 5، 11 غروبية مساء قبض علي النصراني كاتب المخصصات في المحاسبة.

6- في 25 ذي الحجة أبعد إلي الموصل عبد الجبار غلام و الأستاذ إبراهيم أحمد صالح شكر و الأستاذ إبراهيم حلمي العمر و شلال ابن حاجي حبيب الأفغاني، و ميخائيل ياغچي و أخوه يوسف و عبد الأحد صاحب الأوتيل و حسقيل طويق،

و إبراهيم حييم و سلمان عنبر، و عزرا سحيق و أخوه و آخرون بلغوا 65 شخصا لينفوا إلي (درسم)، فذهبوا إلي الموصل. ثم صدر العفو عنهم فعادوا إلي بغداد في 6 جمادي الأولي سنة 1334 ه يوم الجمعة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 336

وفيات:

1- توفي السيد عبد الجبار ابن السيد مراد

ليلة الاثنين في الساعة السابعة و النصف غروبية في غرة ربيع الآخر سنة 1333 ه و كان ولد سنة 1267 ه. و قبره في الجرة التي يسكنها إمام الشافعية. مات بلا عقب و هو عم فخامة الأستاذ رشيد عالي الگيلاني.

2- توفي عبد الجبار خان زاده رئيس كتاب إدارة الأوقاف في 5 شوال.

و دفن في تكية عرب مع أبيه و أمه. و هو ابن الحاج عبد القادر الأفغاني قال ابن حموشي و يلقب (آخون زاده) و كان احيل إلي التقاعد في شعبان سنة 1331 ه في تموز سنة 1329 رومية و صار مكانه أحد كتبة الأوقاف عبد العزيز غدارة (سمي باسم والدته) و بعد سنة في تموز أيضا من سنة 1330 رومية عزل و صار مكانه السيد محمد رشيد آل السيد مراد الگيلاني (هو فخامة الأستاذ رشيد عالي).

و كان دخل قلم الأوقاف سنة 1302 رومية. فبلغت خدماته 27 سنة و لما أحيل للتقاعد كان مدير الأوقاف أحمد خيري. و كان للمتوفي خزانة كتب عظيمة لا ندري أين ذهبت فلم يعرف لها عين و لا أثر.

حوادث سنة 1334 ه- 1915 م

الوالي نور الدين بك

القائد العام للجبهة العراقية، نال و سام الحرب الذهبي لما توج به من مظفريات. و إثر ذلك وقع فصله. و هذا القائد ابن المشير إبراهيم باشا والي طرابلس الغرب و قائدها، ولد في (بروسه) سنة 1291 ه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 337

و تخرج من المدرسة الحربية ملازما ثانيا، ثم دخل دائرة الفيلق الأول، و في 1313 ه صار مرافقا لعثمان باشا الغازي مشير المابين الهمايوني، فذهب إلي سلانيك، و عاد إلي استنبول، فدخل ضمن مرافقي السلطان.

و بعد إعلان المشروطية كان قائممقاما في (مقري كوي)، ثم صار قائد كردوس في (قرق كليسا)، ثم ذهب بكردوسه إلي اليمن، و هناك تولي قيادة الفرقة فقضي أكثر من سنتين في مواقع مختلفة منها. و لما عاد إلي استنبول و بقي فيها مدة أكثر من سنة قائد فرقة في (أدرنة) ثم عيّن لولاية بغداد و قيادة عموم الجبهات العراقية.

فون در غولج باشا:

فون در غولچ باشا تعين لقيادة الجيش السادس، و أجريت له المراسم لاستقباله ورد بغداد سلخ المحرم سنة 1334 ه، و ممن استقبله وكيل الوالي شفيق بك، و قائد الفيلق يوسف ضيا بك. ثم أجري له احتفال، و خطب في القوم و جاء طلاب المدارس، و حضروا المراسم.

و كان مشتهرا معروفا بعلمه و قدرته الحربية و كان له الأثر الكبير في الأوساط العلمية و العسكرية.

جاء في صدي الإسلام:

«شرف حاضرتنا في المحطة بطريق السكة و استقبله أركان الملكية و العسكرية. و كانت إصلاحاته في الجيش العثماني كبيرة.. فأدخل التنسيق في المدرسة الحربية، و كان عاملا مهما في تنظيم الجيش.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 338

و كانت إدارته رشيدة، و جاء مندوبا عسكريا من قبل القيصر حينما تبادل سلطاننا معه

الوداد..

ولد الجنرال فيلد مارشال قرابه فون در غولچ باشا في 12 آب سنة 1843 م و هو الآن في 72 من العمر، نشأ ضابطا بعد تخرجه من المدرسة الحربية و دخل حروبا منها حرب السبعين و في سنة 1883 م دخل في خدمة الدولة العثمانية بصفة مفتش للمكاتب العسكرية.

و لما توفي (فون كه هله ر) باشا رئيس أركان حربيتنا الثاني أضيف إلي وظيفة الرئاسة الثانية سنة 1886 م، فنظم التجنيد، فأجاد العمل 10 سنوات عاد إلي خدمة بروسية العسكرية سنة 1896 م و تولي منصب قيادة الفرقة الخامسة، و هكذا تقلد مناصب عديدة حتي حصل علي رتبة (فلد مارشال). و في 23 آب سنة 1914 م صار واليا عاما علي بلچيكا، ثم في تشرين الثاني من السنة الماضية تعين إلي المعية الملوكية بصفته مندوبا عسكريا فوق العادة.

و له من الآثار العسكرية (كتاب الملة المسلحة)، و (كتاب وظائف الأركان الحربية)، و (وظائف الأركان الحربية العملية)، و (مخطرة للضباط في الحضر و السفر)، و (كتاب الخدمة السفرية)، و (تاريخ محاربات القلاع) و غيرها التي ألفها باسم الجيش العثماني، و أهداها تذكارا للمدرسة الحربية.

ثم إنه تقديرا لخدماته أمر القيصر أن تسمي المدينة التي ولد فيها

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 339

باسمه و هي مدينة (أولينغ يلكه ن) الملحقة بمتصرفية (لابيه ن) الألمانية مسقط رأسه.

أسري الإنكليز:

في 5 كانون الأول سنة 1915 م- 27 المحرم سنة 1334 ه وصل إلي بغداد مساء الساعة 1 و الدقيقة 15 جملة أسري من الإنكليز، و بلغوا 8 ضباط و 520 أسيرا، و الناس بين مصدق و مكذب لكثرة ما أشيع من الأخبار، و توالت هزائمهم، و جاءت البشائر بانتصارات في (چناق قلعة)

و هكذا ضيق الجيش الحصار علي الإنكليز في الكوت، و عاقوا كل تقدم لتخليصهم من الحصار. و في 29 المحرم سنة 1334 ه و 7 كانون الأول سنة 1915 م وصل أسيران أيضا. و في 1 صف سنة 1334 ه- 9 كانون الأول سنة 1915 م وصل أسيران أيضا. و في 1 صف سنة 1334 ه- 9 كانون الأول سنة 1915 م وصل ظابطان من الإنكليز و 14 أسيرا آخر، و في 6 صفر سنة 1334 ه يوم الثلاثاء وصل 32 أسيرا مع مركب (فاير كلاس) الذي سمي ب (سلمان باشا). و كان المركب يحمل 9 مدافع و رشاشات. و بروجكتور (كشاف) و في 7 صفر سنة 1334 ه وصل نحو ستمائة أسير في الساعة الخامسة من يوم الأربعاء و مركب يعرف بأبي السلة و سمي (سلمان باك)، و عمر في 17 صفر سنة 1334 ه و في 22 منه ذهب لخط الحرب.

صد الجيوش:

في يوم الاثنين 12 صفر سنة 1334 ه جاءت بغداد بواسطة مركب بغداد من كوت الإمارة مفرزة من المقر العام لصد الجيوش الروسية و الإنكليزية من ناحية الحدود الإيرانية فحلّت في بستان أم البير في محلة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 340

باب الشيخ و منهم نزلوا غرف حضرة الشيخ. و هي ثلاثة أفواج و 4 مدافع متراليوز (رشاش).

تجولات فوندر غولج باشا:

ذهب في 22 صفر سنة 1334 ه إلي كرمانشاه و عاد في 23 منه لتفتيش الوضع الحربي. و في 4 ربيع الأول ذهب إلي الجبهة راكبا مركب برهانية في كوت الإمارة. و هذه هي المرة الثانية التي ذهب بها إلي ساحة القتال. و منها كتب إلي الفريق محمد فاضل باشا الداغستاني يشكره فيه علي ما قام به من خدمات و بسالة فائقة و شهامة. و فيه من المدح و الإطراء ما لا مزيد عليه. و هذا الكتاب مؤرخ 7 كانون الثاني سنة 1916 م. و عنوانه (غولچ مرافق السلطان و قائد الفيلق السادس). رأيته لدي نجله غازي باشا أمير اللواء الركن.

معاون الوالي و وكيله:

هو شفيق بك. نال مدالية الحرب لما بذل من همة في جمع الإعانات و تسهيل مهمة الجيش في تموينه و ما شابه.

والي بغداد:

ولي بغداد الزعيم خليل بك، و كذا قيادة الجبهة في 6 ربيع الأول سنة 1334 ه الموافق 12 كانون الثاني سنة 1916 م و كان خليل بك قائد الفيلق الثامن عشر و ذلك أن القائد السابق أراد الانسحاب إلي سلمان باك فنجح في مسعاه، و لكنه لم يرق للقيادة العامة إبقاؤه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 341

و مما قاله عبد الرحمن إبراهيم المصري في خليل بك:

يا قائدا جيش العراق لك الثنا و الحمد و الشكران و الإطراء

بك لا بغيرك نسترد بلادنا و بسيف عزمك تمحق الأعداء

فإليك فأل الخير أنشد قائلا ولديه بالعام الجديد وفاء

(يأتي الخليل علي يديه مؤكدا) أرخ تعود البصرة الفيحاء

سنة 1334 ه

حوادث:

1- ورد دوق مكلنبورغ إلي بغداد يوم الثلاثاء 16 جمادي الأولي سنة 1334 ه.
2- تشكلت تحت رئاسة مصطفي باشا ابن عثمان باشا باجلان جمعية معاونة الجرحي

. و هو رئيس عشيرة باجلان و بوفاته آلت الرئاسة إلي أخيه عبد اللّه بك و بوفاته آلت الرئاسة إلي شوكت بك ابن عبد اللّه بك.

3- أحيل المفتي محمد سعيد أفندي الزهاوي إلي التقاعد

بناء علي الأمر البرقي من المشيخة الجليلة بسبب تجاوزه الحد النظامي.

4- حاول الإنكليز تخليص المحصورين في الكوت،

فجرت معركة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 342

دامية في الفلاحية و أخذت منهم غنائم وافرة. و رجعوا، و قتل الكثير.

و العثمانيون اعتادوا أن لا يتحركوا من مكانهم، و أن يلازموا خطوط الحرب لا يفارقونها.

5- الهندية. أبدلت تسميتها ب (هنديه بندي)

أو كما نقول (سدة الهندية).

6- في 12 جمادي الأولي سنة 1334 ه فاضت دجلة يوم السبت،

و تجاوز حده يوم الاثنين 13 منه فأحاط الماء ببغداد من جميع الجوانب، و دخل الماء إدارة الأملاك الأميرية و في 14 منه حدثت كسرات في الرستمية، و في الكريعات و في اليوم التالي أحاط ببغداد الماء من كل الجوانب و حدثت ما يسمي ب (الدفرة).

وفاة فون در غولج باشا

إن هذا المشير كانت له مزايا عسكرية، و كان معلما فاضلا، ثم صار مرافق السلطان الخاص، و من هنا ولي قيادة الفيلق السادس فجاء بغداد و إن فيلقه في الفلاحية دمر جيش الإنكليز و في 19 نيسان سنة 1916 م، (16 جمادي الثانية سنة 1334 ه) توفي بمرض التيفوس و دام مرضه عشرة أيام. و في 21 نيسان جري الاحتفال بصورة مهيبة. و دفن في المحل المسمي بالسن بصورة أمانة و مؤقتا، و بعد عشرين يوما من وفاته نقل نعشه إلي محل دفنه في الباب الشرقي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 343

كوت الإمارة:

في 28 رجب سنة 1334 ه سلم جيش الإنكليز المحصور في كوت الإمارة بعد أن حاولوا التخلص مرارا، أو إنقاذهم من جيوش إنكليزية عديدة، فاضطروا بعد أن فاوضوا في تأدية مبالغ، فلم يوافق القائد العثماني.

سلّم طاونسند و معه خمسة جنرالية، و 277 ضابطا انكليزيا و 274 ضابطا هنديا و 13300 جندي.

و جرت الاحتفالات في هذه الموفقية في برلين و في سائر الممالك المتفقة و أجريت مظاهرات في النمسة و لهجت الجرائد في الانتصار الباهر.

و إن السلطان بلغ سلامه و قدم التبريك للجيش، و قرأ الفاتحة للشهداء و ترحم عليهم، و ذلك علي أثر وصوله الخبر. و قدم إمبراطور (النمسة و المجر) و سام الصليب الحديدي إلي خليل باشا مع مدالية الحرب من الرتبة الأولي.

طائرات الإنكليز:

في هذه السنة حلقت فوق بغداد طائرات الإنكليز:

1- في 3 المحرم سنة 1334 ه الخميس وقت الظهر وردت طائرتان في آن واحد.

2- في 4 المحرم سنة 1334 ه الجمعة قبيل الظهر.

3- في 5 منه يوم السبت الساعة 6 و الدقيقة 40.

أنور باشا:

وصل إلي بغداد وكيل رئيس القيادة العامة و ناظر الحربية أنور باشا

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 344

بقطار خاص في 17 رجب سنة 1334 ه و في 19 مايس سنة 1916 فأجريت له المراسم. وصلي الجمعة في حضرة الشيخ عبد القادر الگيلاني، و أهدي لجامعه مصحفا غلافه ذهب مرصع بالجواهر، و الدرة اليتيمة.. و كذا للأعظمية و الكاظمية و قدم لكل منهما مصحفا بعد أن زارهما..

ثم زار جبهات الحرب، و في 25 مايس سنة 1916 م و 23 رجب سنة 1334 ه عاد و كانت مدة بقائه خمسة أيام أو ستة أيام، و قدم مائة ليرة للمراقد التي زارها لتصرف علي الفقراء، و كان لوروده وقع كبير في نفوس الأهلين.

محمد فاضل باشا الداغستاني:

كتب أنور باشا وكيل القائد العام إلي الفريق محمد فاضل باشا يشعر بتعيينه قائدا علي جيش العشائر و أن يقوم بمهمته و يذهب إلي محل عمله. و رأيت هذا الكتاب لدي نجله غازي باشا.

الثلج:

بعد طلوع الشمس نهار الجمعة السادس عشر من شهر ربيع الأول سنة 1334 ه الموافق 22 كانون الثاني سنة 1916 م سقط الثلج في بغداد و استمر نحو أربع ساعات. و في مجموعة الأستاذ محمد درويش:

هب الهواء من الشمال الغربي فتساقط الوفر و ارتفع نحو شبر، و في بعض المواطن لم يذب في خلال 40 ساعة. و ذلك في يوم الجمعة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 345

15 ربيع الأول سنة 1334 ه و 21 كانون الثاني سنة 1916 م.

جادة خليل باشا:

فتحت بعرض 16 مترا و في مدة وجيزة، و تبتدي ء من الدباغخانة العسكرية، إلي باب الأعظمية، و جري افتتاحها يوم عيد إعلان الدستور 23 تموز سنة 1916 م و في 22 شهر رمضان سنة 1334 ه.

و الملحوظ أنه كتب لوح بالكاشي و بني في الجدار المطل علي الشارع من جامع السيد سلطان علي و بعد احتلال بغداد أزيل، و سمي الشارع ب (شارع الرشيد).

حوادث:

1- في 6 المحرم أعدم ناحوم شلومو ولد ساسون عبد اللّه

و في 23 المحرم أعدم كل من منشي حسقيل و سلمان عبد اللّه كچرو لفرارهم من فوج العملة (فوج الشغل) و في 22 صفر أعدم داود ساسون و عبد اللّه قطان لهروبهما من سرية الخيالة.

2- ظهر مرض يسمي عند الترك ب (لكه لي حما)

و هو (التيفوس) أي الحمي النمشية فأمرت الحكومة موظفيها أي يلقحوا.

3- نقل جسر بغداد صباح يوم الاثنين 25 صفر إلي جبهة سلمان باك التي انسحب الفيلق إليها،

فعملت الولاية غيره و بسعته و كلفها مبلغ 3500 ليرة و نصب فأجريت مراسم الاحتفال و بدأ العبور عليه في 15 ربيع الأول سنة 1334 ه (21 كانون الثاني سنة 1916 م).

4- في 17 جمادي الثانية سنة 1334 ه صار يعمل بقانون المسكوكات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 346

و بموجبه تعتبر الليرة 100 قرش و المجيدي 20 قرشا و أقسامه قرشان و قرش فشرع الناس بتداولها.

5- ورد إلي بغداد خليل باشا في 4 رجب سنة 1334 ه بعد العصر بمركب سلمان باشا من كوت الإمارة.

فاستقبله الأمراء و الأركان و الأعيان و طلاب المدارس و الجيش و الشرطة.

6- في 9 شعبان سنة 1334 ه- 11 حزيران سنة 1916 م أعلن العرب استقلالهم

و صار يعد من أعياد الأمة العربية يحتفل به في كل عام.

وفيات:

1- مبارك الصباح أمير الكويت.

توفي في 12 المحرم سنة 1334 ه فخلفه ابنه جابر الثاني.

2- نعمان بك ابن سليمان فائق بك، أخو محمود شوكت باشا و فخامة الأستاذ حكمت سليمان.

توفي في 11 صفر سنة 1334 ه و كان من أنصار الخير و الإحسان، و من الرجال المعروفين بالتقوي و الصلاح.

3- في نهار الأربعاء الخامس من ربيع الآخر سنة 1334 ه أصيب محمد بك ابن لطف اللّه بك برصاصة مسدس خطأ

و هو في دائرة النفوس الموظف فيها أصابه ابن أمين أفندي أحد رفقائه في الدائرة، و كان يلعب به فثار و أصاب محمد بك في بطنه. توفي في الساعة التاسعة من ليلته و دفن في مقبرة الشيخ عبد القادر الگيلاني، و كان أخوه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 347

يوسف بك من الضباط استشهد في أطراف الجعارة (ناحية الحيرة) و كلاهما من أبناء بنت العم المحروم عبد اللّه الآلوسي فلم يتزوجا و أدركهما الأجل و هما في سن الشباب.

4- في العاشر من ربيع الآخر سنة 1334 ه توفي عارف حكمت الآلوسي متصرف (فزان) الأسبق عن نيف و ستين عاما.

فإن ولادته سنة 1271 ه و كان فاضلا عالما رصين الإيمان شافعي المذهب، خلوقا، رقيق القلب بارا كثير الخير، مواظبا علي العبادة، و حفظ القرآن و حج، و أول نشأته في محاسبة الولاية في بغداد ثم صار قائممقام (راوندوز)، ثم (حرام) و (بيره جك) في ولاية حلب ثم متصرفية (فزان) ثم اكتفي بمعاش المعزولية و بقي باستنبول إلي أن أدركه الأجل و ترك ابنين هما أحمد هاشم بك من أساتذة المكتب السلطاني، و له نظم بالتركية مقبول جدا عند أهليها و الآخر الأستاذ عبد اللّه موفق دخل في السلك العسكري بمقتضي القرعة و هو الآن في الجهاد بجهة (چناق قلعة)، و له بنت اسمها فاطمة تزوجها ضابط في الأخبار. و كان من مهرة علماء الحساب و أوجب فقده الحزن و الأسف..

5- عبد المهدي آل حافظ الكربلائي في كربلاء

توفي في ربيع الآخر سنة 1334 ه و كان مبعوث كربلاء الأسبق، ذكيا تعلم اللسان الإفرنسي جيدا فأحسن القراءة و الكتابة فيه، و كان ذا سلطة و جرأة. و في

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 348

مقدمة القيام علي مأموري الحكومة في كربلاء و إخراجهم منها بعد نهب أموالهم و إهانتهم حتي أعيدوا إليها بمظاهرة الولاية و سكنت الفتنة أثناء الحرب العامة الأولي.

6- في أواخر ربيع الآخر سنة 1334 ه وردت برقية بوفاة (شوكت باشا ابن رفعت بك)

مبعوث ولاية بغداد في استنبول عن عمر يزيد علي الستين عاما، و كان حسن الاعتقاد مسلما، و قضي أيامه في خدمة الحكومة، و منشأه في قلم مكتوبي بغداد، ثم صار قائممقام الكوت و الحلة، و مكتوبيا في بغداد، ثم صار قائممقام الحلة ثانيا، ثم انتخب في عهد الدستور مبعوثا (نائبا) عن لواء الديوانية و انتخب ثانية عن ولاية بغداد بعد انخراطه في سلك جمعية الاتحاد. و أعقب أولادا هم ناجي و سامي و صائب و رفعت و أختهم زوجة منير بك ابن عباس بك الديار بكري.

7- محمد فاضل باشا الداغستاني:

استشهد في 6 جمادي الأولي سنة 1334 ه المرحوم الفريق محمد فاضل باشا الداغستاني. و ذلك أنه وقعت في اليوم المذكور حرب بين قطعاتنا الأمامية و بين الجيش الإنكليزي الذي حاول التقدم بقصد رفع الحصار عن كوت الإمارة، و انتهت الحرب بانتصارنا. و في هذه الحرب أحرز الفريق الأول المشار إليه رتبة الشهادة، و كان في ميدان القتال.

أجريت في 7 منه المراسم اللائقة لتشييع جنازة المرحوم، و حضر

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 349

التشييع معاون الوالي و قائد الفيلق و أمراء عسكريون و ملكيون، فكان مهيبا فاشترك فيه الأهلون..

و هذا الرجل من أفاضل الرجال، و هو المعروف ب (محمد باشا الداغستاني) اشتهر بحروبه، و حسن قيادته، و عهدت إليه مرات عديدة وكالة ولاية بغداد و في كل أعماله موضع الحفاوة و الاحترام، و يحبّه الأهلون حبّا جما، فأحدث ضياعه ألما علي الأهلين.. ورثاه الأستاذ عبد الوهاب النائب. و الأستاذ جميل صدقي الزهاوي و غيرهما.

حوادث سنة 1335 ه- 1916 م

اشارة

ساءت حالة الأهلين و بلغ بهم الضيق و الجهد حدهما، و كانوا يعانون الأمرين من جراء النقود و التعامل بالأوراق النقدية و هدّدوا بلزوم تقديم الذهب إلي رئيس لوازم الفيلق، و من وجد عنده هدمت داره.

و منع التعامل بالنقود المعدنية، و أمروا بتداول الأوراق النقدية، و أنها لا تفترق عن الذهب و نشرت من الأوراق النقدية الترتيب الرابع.. و هدد المخالف تهديدا مرا، و توالت الأوامر..

و أعلن أيضا للأهلين بأنه من كانت أماكنه مواطن حرب فلا يسوغ له أن يذهب من محل إلي آخر بلا رخصة. و جمعت تبرعات ممن كان يؤمل أنه يستطيع أداءها بوجه..

و علي كل حال كانت أيام بغداد بلغت منتهاها من الضيق و الجور لضرورة الحرب

و صعوبة تسيير الأمور.

كان معاون الوالي سعاد بك، فتعين وكيلا لولاية (بتليس)، و صار

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 350

مكانه فائق بك قائممقام خراسان (لواء ديالي)، و هو سيي ء السيرة، قاس علي الأهلين، لا يبالي بهم، و يستهين بأمورهم.

التاريخ الرومي:

إن الدولة ألغت التاريخ الرومي و أمرت بتاريخ 7 ربيع الثاني سنة 1335 ه باستعمال التاريخ الجديد و قد وردت برقية جاء فيها:

«لما كان التاريخ المستعمل في البلاد العثمانية لا قيمة فنية له و دوام استعماله نقيصة عزمت الدولة عزما أكيدا أن تتبوا مكانا خاصا في ذروة المدنية العصرية، اقترحت الحكومة علي مجلس النواب العثماني إهمال التقويم المذكور و استعمال التقويم المستعمل من جميع العالم المتمدن فقبل المجلس اللائحة المذكورة. و بناء علي ذلك فسيصير اليوم السادس عشر من شباط سنة 1332 اليوم الأول من آذار سنة 1333».

هذا و أن التواريخ الرومية أبدلت بعربية و ميلادية ليسهل تفهمها.

الوالي خليل بك

هذا الوالي انهمك انهماكا شائنا في بعض المومسات فتسلطت عليه، و سلبته لبّه، أو أنها ألهته عن الأمر المهم، و شاع أنه قال لها:

(أنا قائد الجبهة و أنت الحاكم المطلق علي) و لم يتحاش من صرف كلمات أمثال هذه مما لا يليق بمقامه و مكانته و أمره الأهم.. فلم يبال بالوضع، و اشتغل في لذائذه، و أهوائه النفسية. و الناس في ريب من أمرهم، و لبس من حالتهم، و ما يدرون ما تضمره لهم الأيام..

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 351

حادثة الحلة:

في 3 المحرم سنة 1335 ه الموافق 31 تشرين الأول سنة 1916 م كانت الحكومة عازمة علي سوق متعب و رفقائه إلي الديوانية. و هم في سجن الحلة فقام بعض رجالهم، و لحقهم عصاة من الأهلين بإغراء منهم، فبلغوا المئات فهاجموا دار الحكومة معتمدين علي ما عندهم من سلاح، و كذا هاجموا الثكنة في الحلة أيضا، فنهبوا ما هناك من أوراق رسمية و نقود، و سلبوا الضباط و نهبوا ما عندهم، و أخذوا أموال التجار، و هكذا قاموا بكسر السجن و فك المسجونين و بينهم المذكورون.

و في حين أن الدولة مشغولة بمقارعة الأعداء في الخارج و النضال معهم، عصي هؤلاء علي الدولة و أجبروها علي ما أوقعوا من أعمال.

نهبوا أرزاق الجيش و لم يبالوا بالصدام العنيف مع العدو، و كان يفادي بنفسه في سوح القتال، الأمر الذي دعا أن أصدر أمري في تأديب أهالي الحلة الذين ارتكبوا تلك الدناءات، و وجهت مفرزة بقيادة عاكف بك قائممقام الخيالة، و هذه متكونة من صنوف مختلفة، فسارت في 14 تشرين الثاني سنة 1916 م (17 المحرم سنة 1335 ه). و هذه القوة شغلت دار الحكومة و

المباني و المؤسسات الأميرية و لم يترك العصاة في هذه الحالة السلاح و لا يزالون موقدين نيران الشر، فاضطروا إلي قصف محلاتهم و هي الجامعين، و الطاقة، و جبران، فشغلها الجيش. و في هذه الواقعة قتل من العصاة (50) و قبض علي مائة. و خربت مواطن (أكواخ) بعضهم، و من البساتين حاول العصاة الدخول إلي البلد، فقتل الكثير منهم، و قتل أحد أفراد الجندرمة الذي سلّم سلاحه إلي والده. و إن طائراتنا قصفت العصاة المتجمعين بين النخيل و ألقت عليهم القنابل، فقتلت ثمانية منهم. و إن خيالتنا تعقبوا العصاة و قتلوا منهم ستة أشخاص. و في 17 تشرين الثاني سنة 1916 م (20 المحرم سنة 1335 ه) جمعت القوة أسلحة الأهلين و استمرت في تخريب بيوت العصاة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 352

و أعدم كل من كان يولد العصيان و يستغل كل فرصة لإيقاع التشويش و هم الذين قاموا بهذا الأمر ساقوا إليه من رؤسائهم و هم محي آغا، و عبد الوهاب، و مهدي النقشبندي، و حاجي أمين علوش، و صالح المهدي، و حاجي علي، و شيخ حسين و ملا إبراهيم، و مختار محلة جبران محمد الحاج سعيد، و ستة أشخاص آخرين كانوا نهبوا النقود، و بلغوا سبعة عشر شخصا، قتلوا صلبا في هذا اليوم و التأديبات مستمرة. العشائر المجاورة مطيعة و هادئة. في 20 تشرين الثاني سنة 1916 م (23 المحرم سنة 1335 ه) بتوقيع قائد الفيلق السادس (خليل).

ثم إن الحكومة سحبت عاكف بك و بعثت عبد المجيد بك القائممقام و هذا طيب خاطر الأهلين، و رأف بهم، و أرسلت هيئة تحقيقية لبيان سبب ما جري لإخماد نيران العداء. فكان المرحوم عبد المجيد

بك خير مرهم لتسكين الحالة. و كان في شعبة التجنيد و إدارة المستشفي في الكاظمية، و هو من الأخيار. و والد المرحومين رشدي و كمال.

حادث ضياع بغداد

نحن في هذه الحالة يهمنا أن ندون واقعة بغداد أو بالتعبير الأولي يجب أن نستعرض وقائع العراق بعد حادث (سلمان باك) المشهور حتي احتلال بغداد من الإنكليز، و حينئذ خلص العراق تقريبا لهم و لم يبق إلا تصفية ما هنالك.

كان حادث سلمان باك ولّد في النفوس أملا، و تيقّن الناس أن الإنكليز غلبوا، و أصابتهم الضربة القوية فلا يستطيعون العودة مرة أخري.. و من أيام محاصرة الكوت حدثت وقائع تخليصية لمرات عديدة، فلم تفلح الدولة الإنكليزية في هجومها، لا سيما أن الجيش

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 353

التركي اتخذ خطة الدفاع، فسببت هذه الهجومات المتوالية ضائعات كبيرة علي الإنكليز حتي انقطع الأمل..

و أعقب ذلك الاستيلاء علي (الكوت) بتاريخ 19 نيسان سنة 1916 م و أخذها من الإنكليز و وقوع أسري كثيرين بيد العثمانيين بينهم الجنرال تاونسند، و هم نحو 13 ألف أسير و وردوا بغداد، و شاهدهم الناس عيانا فقوي الرجاء أكثر، و زاد الأمل. و لكن الوقائع التالية أودت بالجيش التركي، فقد جاء الإنكليز بقوة أكبر، و ضربوا (شيخ سعد) ضربة قوية فلّت منه و دمرت حصانته، و هكذا مضت بوقائع تالية، و متوالية بلا انقطاع و جرت حروب في أنحاء (سلمان باك) للمرة الثانية، و رافقت هذه الحروب رياح قوية مع غبار كاد المرء لا يري فيه راحته فساعد هذا الريح الشرقي الزعزع، و انتهت ب (واقعة بغداد)، و حادث سقوطها علي يد الإنكليز، في 11 آذار سنة 1917 م (17 جمادي الأولي سنة 1335 ه) الساعة

12 أذانية.

و يهمنا أن نقول إن التدابير كانت ناقصة، بل إن القيادة قصرت في تفريق قسم كبير من الجيش المرابط و إرساله إلي إيران، و لم تراع القوات الاحتياطية و كأنها بالاستيلاء علي القوي المحاصرة في الكوت أمنت الأخطار و من ثم داهم الخطر، فصال الإنكليز صولة عظيمة، فاكتسحوا الكوت، و منه مضوا إلي سلمان باك فبغداد.

و من الكتب المعول عليها في توضيح هذا الحادث، و الحوادث الأخري من أوائل الحرب و حرب الفلاحية و الكوت، و سلمان باك، و بغداد غير ما ذكر:

1- (بغداد وصوك حادثة ضياعي). تأليف محمد أمين بك المقدم الركن، و مدير شعبة الاستخبارات في الفيلق السادس للعراق. طبع باستنبول في المطبعة العسكرية سنة 1338- 1341 كتب باللغة التركية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 354

2- (عراق سفرينه دائر إفشاءات). ترجم إلي التركية من اللغة الإنكليزية باسم (الكتاب الأبيض)، مترجمه رحمي بك الرئيس من أركان البحرية في شعبة الاستخبارات. طبع باستنبول سنة 1332.

3- (بغداده طوغرو و بغدادك ضبطنده كي موفقيتسز لك). مترجم من جريدة تايمس عن تاريخ الحرب تأليف (الكابتن چندلر) ترجمه حسام الدين من أركان الحرب البحريين من شعبة الاستخبارات. طبع سنة 1333.

4- (عراق راپوري). و هو تقرير رسمي كتبه قائد جيش الإنكليز في العراق الجنرال (سرپرسي لايك). و يتضمن الأخطاء العسكرية سنة 1915 م- 1916 م نشر في جريدة (التايمس) سنة 1917 م و ترجمه حسام الدين و طبع باستنبول سنة 1933 م.

5- (كوت الإمارة محاصره سي، و حركات تخليصيه نك أدوار و صفحاتي). و هو تقرير الفريق الأول قائد الجيوش الإنكليزية في العراق (السر برسي لايك). ترجمه حسام الدين المذكور طبع سنة 1332.

6- (إنكليز قوه سفريه سنك بصره

كورفزيله خطه عراقيه ده كي حركات حربيه ستدن باحث راپورلر). و هو يتضمن بيان المدة من أواسط تشرين الأول سنة 1915 م إلي أواسط نيسان سنة 1916 م و فيه بيان الأوضاع و الوقائع الحربية. ترجمه رحمي بك المذكور. طبع سنة 1933 م.

7- كتاب ويلسن. عن حالة العراق منذ الحرب إلي آخر أيام الثورة. و كان مؤلفه الحاكم السياسي العام في العراق المستر ويلسن، كتبه بالإنكليزية، و ترجمت بعض فصوله.

8- أسفار الإنكليز في الشرق الأدني. في الإنكليزية.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 355

9- السفر الطويل نحو بغداد. في الإنكليزية.

10- (بيوك جريده تورك حربي). في ثلاثة مجلدات تأليف العقيد الركن م. لارشه الفرنسي. ترجمه إلي التركية محمد نهاد و طبع سنة 1928 م و فيه مقدمة و تعليقات مهمة لا يستغني عنها بوجه.

11- (بيلديرم). تأليف حسين حسني أمير اللواء في حروب العراق و فلسطين. طبع سنة 1337 باستنبول.

12- (بيلديرمك عاقبتي). تأليف أمير اللواء سداد. طبع سنة 1927 م و هو ذيل علي سابقه.

13- حرب العراق. تأليف فخامة الأستاذ العميد طه باشا الهاشمي، طبع ثانية سنة 1936 م في بغداد.

هذه تعين وجهة نظر الإنكليز و الترك و الحالة معروفة إجمالا إلا أن تفصيل الوقائع يهم في توضيح القوي، و بيان القواد، و حالات الحرب بالنظر لكل من الطرفين، و بين هذه الآثار مؤلفات محمد أمين بك من العارفين بالوقائع و المدركين للحالة، و وجهة الترك و آراؤهم، و الآثار الأخري أو أكثرها تبين وجهة نظر الإنكليز. من رجال زاولوا الحرب، و عرفوا أوضاعها، و صوروا نفسياتهم و أدركوا النقائص فكان لنظراتهم قيمتها. و إن كانت لا تخلو من توجيه. و هناك وثائق أخري.

و نحن في هذه

الحالة تهمنا النتائج، فقد سقطت بغداد بتاريخ 11 آذار سنة 1917 م الموافق 17 جمادي الأولي سنة 1335 ه يوم الأحد، فاستولي عليها الإنكليز، و لم يكونوا ليحلموا بهذا الاستيلاء بعد نكبة الكوت التي أعقبت مخذوليتهم في سلمان باك و ما ذلك إلا لأن الأخبار وصلت بانفصال قوة كبيرة من الجيش التركي بعد سقوط الكوت بأيديهم، فظنوا أنهم أمنوا الغوائل. فجاء من هنا الخطر العظيم، فلم يجد تدبير.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 356

حوادث:

1- طيارات الإنكليز حلقت فوق بغداد في 26 ربيع الأول سنة 1335 ه،

ظهرت ثلاث طائرات في آن واحد في الساعة 6 و الدقيقة 40 أذانية و ألقت 7 قنابل علي الولاية و واحدة علي الثكنة و واحدة علي المدرسة النعمانية قرب دائرة البريد و واحدة في الشط قرب مركب (پنير) للألمان و واحدة علي المحطة. و إن التي سقطت في قشلة المدفعية أصابت واحدا فقتلته و آخر جرحته و التي ألقيت علي القشلة سقطت وراء البلدية في دار أيوب القلمجي التاجر في التبغ فخربت الدار و كسرت زجاج الشبابيك للدور المجاورة.

2- في 5 جمادي الأولي سنة 1335 ه و 27 شباط سنة 1917 م تبين أن العدو يبلغ جيشه مائتي ألف،

و ليس لنا أكثر من خمسة آلاف محارب فأمرت الدولة بنقل ما عندها من سجلات و نقود و مهمات أخري إلي سامراء في القطار. و في 12 جمادي الأولي و 6 آذار سنة 1917 م صدر الأمر للموظفين بالنزوح من بغداد فسافر كثير منهم. و ذلك لما علموا أن القوة لا تستطيع المقاومة، و أن الإمداد لم يصل في حينه.

الحوادث بعد احتلال بغداد

اشارة

بعد واقعة بغداد تبعثر الجيش العثماني و انحل انحلالا كبيرا إلا أنه لا يزال يحارب في المؤخرة، و يوقع بالجيش الإنكليزي خسائر فادحة إلا أنه لا يؤمل منه استعادة مكانته. توزعت جيوشه إلي جبهات عديدة لا يدري من أيها يأتيه الخطر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 357

1- جبهة الفرات:

انسحب منها من السماوة إلي الفلوجة في 17 آذار سنة 1917 م.

و في 19 منه تعرض له الإنكليز و شغلوا الفلوجة فاضطر إلي الانسحاب إلي الرمادي. و هذه بقيت هادئة.

و في 11 تموز سنة 1917 م هاجمها الإنكليز إلا أن الحر منعه من التقدم و لم يعد إلي الحرب إلا في 28 أيلول سنة 1917 م و كانت الحرب سجالا. و عرقل الأمر قضية النساطرة و حركاتهم و الأرمن و عصيانهم فكانت خطرا علي الجيش. و هذه أقلقته بضعة أشهر. و في 21 تشرين الأول سنة 1917 م قتل ضابط ألماني من يد مجهولة فاضطر علي إحسان باشا إلي الاستقالة.

و بعد أن تبعثر الجيش و لم يبق منه إلا القليل و أسر أكثره و مزقت الجبهة و صارت فيما وراء عانة. سقطت دمشق في هذه الأثناء و صارت (دير الزور) مهددة بخطر مهاجمة العشائر.

2- جبهة السندية- خان النهروان (جبهة سامراء):

هاجمها الإنكليز في 29 آذار سنة 1917 م بقوة فائقة فانسحبت قوة العثمانيين إلي نهر العظيم. و بعد أن توجه الجيش الإنكليزي نحو خانقين متصلا بالجيش العثماني جرت واقعة (حماية) في جبل حمرين فتكبد الإنكليز خسائر عظيمة في 25 آذار سنة 1917 م و من ثم اتصل (القول اردو 13) بجيش سامراء. و حدثت واقعة العظيم في 18 نيسان سنة 1917 م و عادت المفرزة من العظيم إلي سامراء. و هكذا حدثت حوادث في خرائب الدهوية) بقرب العظيم. و في 30 نيسان سنة 1917 م اضطر (القول اردو 13) إلي الانسحاب إلي الشمال إلي (دواجنات) بعد أن كبد الإنكليز ضايعات كثيرة.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 358

و في جبهة سامراء نفسها كان قد رجع الجيش إلي اصطبلات. و في 21

نيسان سنة 1917 م تعرض الإنكليز له بقوي كبيرة فضايقه و اضطره أن ينسحب و لم يثبت علي القصف الشديد من العدو.

ترك سامراء و محطة القطار. و هذه الواقعة تعرف ب (واقعة السكر) لأن لدي الجيش العثماني في المحطة مقدارا كبيرا من السكر ثم حدثت واقعة (رويضات). و بعدها في أمام دور حدثت معركة في صباح تشرين الأول سنة 1917 م فاضطرت إلي الانسحاب إلي تكريت و في 2 تشرين الثاني حدثت معركة فاضطرت الجيش العثماني إلي أخذ مواقع في الفتحة. و الغريب أن الإنكليز بعد أن ربحوا المعركة رجعوا إلي سامراء لما أصابهم من ضايعات كبيرة فعادت خيالة الجيش العثماني فشغلت تكريت.

3- جبهة السليمانية:

إن الجيش في السليمانية صد هجوم الروس الذين جاؤوا من أنحاء سنة فلم يتجاوزوا الحدود. و ذلك في 8 مايس سنة 1917 م في جوار مريوان.

و كانت حروب الروس في نهر ديالي في العشرة الأولي من مايس عبروا نهر ديالي. و هناك أسرع (القول اردو 13) لاتخاذ التدابير. و في خلال يومين تمكن من صدهم فرجعوا من حيث أتوا. و لم يعد الروس مرة أخري.

و لكن بعض الوقائع جرت في أنحاء السليمانية في أواخر مايس و في تموز سنة 1917 م و استولوا علي (پنجوين) بعد التضييق الزائد و أن (القول اردو 13) جاء لإمداد القوة هناك لدفع العدو إلي أنحاء (بانة) و (سنة) و أخذ منه بعض الأسري مع مدافع و رشاشات.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 359

4- جبهة كركوك:

في 3 كانون الأول سنة 1917 م هاجم الإنكليز الجيش العثماني و بسهولة استولوا علي مواقعه في ديالي من جراء ضيق الإعاشة و استولي الإنكليز علي جبل حمرين. و ربح الإنكليز المعركة إلا أنهم انسحبوا.

و كانوا يخشون من حركة التفاف فرجعوا بانتظام في 8 كانون الأول سنة 1917 م و استعاد العثمانيون مواقعهم.

و هكذا كانت الجبهة في أنحاء الموصل في (رايت)، و في الفرات في (هيت). و الجبهات الأخري كما ذكر.

5- المتاركة مع الروس:

عقدت المتاركة مع رئاسة القيادة في 7 كانون الأول سنة 1917 م، و أن مرخصي (مندوبي) الطرفين اجتمعوا في الموصل و عينوا الشروط الخاصة و الخطوط الفاصلة، فانتهت هذه الغائلة و أمن العثمانيون جهتهم.

هذا، و في سنة 1918 م كان الجيش في حالة سيئة لما أصاب البلاد من قحط، و ما استولي علي الجيش من أمراض، و كثر الفارون الهاربون، و زادت الوفيات و هكذا تولدت عصابات في مواطن عديدة، فأدت إلي ثورات، و زال الأمن في البلاد كما أن الإنكليز استولوا علي هيت في 6 آذار سنة 1918 م و في 26 آذار وقف الجيش و صمد أمام هجوم الإنكليز و تعرضه العنيف، فأحاط بالجند العثمانيين و أسرهم.

و هكذا كان الأمر في قره تپه فقد استولي عليها الإنكليز في أواخر نيسان سنة 1918 م و ضيق الإنكليز علي الجيش العثماني في (طوزخورماتو) فخسروا ضايعات كثيرة و أسر قسم منهم، فهربوا بصورة مبعثرة إلي كركوك.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 360

و في 7 مايس سنة 1918 م انسحب الجيش من كركوك إلي (التون كوپري) و دخلوها.

ثم انسحب الإنكليز عن كركوك فشغلها الترك في 27 مايس سنة 1918 م. و في هذه الحالة كان

الجيش العثماني مقطوع الأمل إلا أنه جاءته قوة فزاد أمله و قوي رجاؤه و ذلك في تموز سنة 1918 م، فتولي خليل باشا قيادة الفيالق الشرقية. و هذا جعل القائد علي إحسان باشا وكيله و صار قائد (القول اردو 13).

و إن علي إحسان باشا ورد الموصل في 11 أيلول سنة 1918 م.

و تولي أمر القيادة فيها.

ثم هاجمه الإنكليز فلم يقدر أن يصمد في وجههم و كان هجومهم قويا. فاستولوا علي كركوك للمرة الثانية في 28 تشرين الأول سنة 1918 م و انسحب العثمانيون إلي (التون كوپري).

أما الإنكليز فإنهم لم يدعوا الجيش مستقرا في (الفتحة)، فقد زادوا في قوتهم و ضاعفوها. تقدموا فاضطر العثمانيون أن يتركوا مواقعهم و مضوا إلي مصب الزاب. و لم يمهلهم الإنكليز فهاجموه بقوة فائقة، فلم ير بدا من الانسحاب إلي الشرقاط في 25 تشرين الأول سنة 1918 م تقدم فيلق الإنكليز بخيالته و سياراته المدرعة فمضي إلي (وادي جرناف) فحاول قطع خط رجعة الجيش العثماني.

و كان الاشتباك بقوات العثمانيين مستمرا إلي 28 منه و في صباح هذا اليوم قطع خط رجعته و بعد أن حوصر الجيش جاءه الإمداد و حدات متعاقبة إلي جنود القيادة فأصابهم عين ما أصاب أولئك.

و هذه الحالة بعثرت الجيش و جعلته غير قادر علي الدفاع فكانت واقعته فادحة و خساراته عظيمة، فلم يبق ما يصح الاستناد إليه.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 361

الهدنة

كانت هذه حالة الجيش في الجهات العراقية، فلم يبق أمل في النجاح و سقط العراق بيد الإنكليز:

1- احتلوا إربل في تشرين الثاني سنة 1918 م.

2- احتلوا راوندوز في 18 أيلول سنة 1918 م.

و في 31 تشرين الأول سنة 1918 م كانت القوي المرابطة

للإنكليز في (خانقين- الصلاحية- كركوك- القيارة- عانة) و لكن الهدنة في هذا التاريخ بشرت بالخير، و زاد الفرح، و بالرغم من ذلك نري الإنكليز استمروا في تقدمهم. و في 8 تشرين الثاني سنة 1918 م استولوا علي الموصل، و طلبوا تخلية أنحاء الموصل حتي أواخر هذا الشهر، و أنذروا الفيلق السادس بذلك. و في نهاية (تشرين الثاني) انسحبت قوات الجيش العثماني إلي الجزيرة و نصيبين. و أعلنت الهدنة في 26 المحرم سنة 1337 ه و 1 تشرين الثاني سنة 1918 م. بعد صلاة الجمعة.

و بهذا طويت صفحة العثمانيين من (تاريخ العراق)، و صار تحت احتلال الإنكليز. و عند ذلك تقف حوادث تاريخنا.

أثر الحرب العامة في النفوس:

هذه الحرب العامة لسنة 1914 م من أقسي الحروب، بل لم يسبقها مثلها، استعمل القوم العلم، و استخدموه في سبيلها، فتسلحوا بأقوي الأسلحة. و الدولة العثمانية عاجزة ليس في استطاعتها المقاومة فابتلعت بلادها بسهولة. دخل العثمانيون الحرب، و جرت عليهم الويلات، و أصابنا أكثر مما أصابهم مباشرة، و لقينا نصبا شديدا، و آلمنا وقعها في النفوس و الأموال، و بحق كان يصح أن يقال (الطائح رائح).

و ليس في المقدور تصوير ويلاتها بقدر ما صورها شعراؤنا:

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 362

الأستاذ (معروف الرصافي) في قصيدته المنشورة في ديوانه ص 225 الطبعة الثانية، و الأستاذ (خيري الهنداوي) في قصيدته المنشورة في صدي الإسلام بعنوان (الحرب في الأرض) بتاريخ 16 ذي الحجة سنة 1333 ه.

اشترك فيها من الدول من لا رغبة له فيها فاضطروا بين أمرين إما أن يكونوا من شيعتها أو من عدوها، فلا تقبل الحياد من أحد، و لا ترضي أن يكون القوم بنجوة فلا يسمع دليل، و لا يؤبه لمعذرة. فإيران

أعلنت حيادها فصارت مطية المتحاربين لا يبالون بخرق حرمتها و لا يتورعون عن انتهاك حريمها.

و يطول بنا تعداد ويلاتها، فهي أكثر من أن تعد، لا يعرف أصحابها رأفة بالإنسانية، و لا يبالون بإزهاق الأرواح، و لا انتهاك حرمة الدول المجاورة و غير المجاورة، و كان ذلك يعد ضرورة لازمة لحياة الحرب لا محيص منها و لا بد من ركوبها.

و كفي أن أشير إلي الأستاذ جميل صدقي الزهاوي في قصيدته (مشهد من الحرب الكبري) و هي مذكورة في ديوانه مما لا أري حاجة إلي إيرادها. وصفها وصفا لائقا بها. و في قصيدته الأخري بعنوان (القوة آفتها الغرور) صور نفوس الغالبين بإهمالهم ما وعدوا الأمم من حرية، و استبدوا بها و قالوا هذا هو الخير.

و هذه تعين الوعود أثناء الحرب، و شروط (ويلسن)، ثم ما قاموا به منتصرين حتي عتوا عتوّا زائدا، و طغوا في الأرض مفسدين، فاقتسموا الأرض و هكذا مضوا في سبيلهم حتي داهمهم خطر جديد و لا محل لإيراد ما جري بعد الاحتلال.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 363

الأحوال العامة

اشارة

أثناء المباحث تعرضنا للعشائر و للموظفين و لما ينزع إليه الأهلون.

و كل ما يقال أن العراق كان ساخطا علي الإدارة، و أن اللغة العربية مهملة، و أن التوظيف لم ينل مكانته. و كان التطلع إلي الاستقلال كبيرا.

و مطالب هذا العهد كثيرة حتي نشوب الحرب العامة.

1- سلاطين آل عثمان:

يبدأ هذا العهد من أيام السلطان عبد العزيز و بعده السلطان مراد الخامس، فعبد الحميد و ينتهي بالسلطان محمد رشاد الخامس. و في أيامه كان احتلال بغداد. و قد مر بنا ذلك مفصلا.

2- الولاة:

هؤلاء أكبر الموظفين في الولاية بيدهم الحل و العقد و يمثلون دولتهم و تشكيلات الحكومة تمثل تشكيلات عاصمة الدولة بصورة مصغرة. و قد وصفنا الولاة بما هم عليه، و ذكرنا نصوص فرامينهم، و بيان وقائعهم بما يغني عن الإعادة. و كل ما نقوله إن الدولة لم ترد إلا الخير و خرق الولاة جلب سوء السمعة.

و الولاية تتفرع إدارتها إلي:

1- المالية. و هذه في رأسها (الدفتري). و هو أكبر موظف مالي.

و من أهم واردها (الأعشار). و كانت في الغالب تجبي، أو تعطي بالالتزام، و أن الخط المعروف ب (خط گلخانه) منع الالتزام و لكن لم يتيسّر المنع. لأن الدولة حينئذ لا تستطيع الجباية ب (طريق الأمانة) و لا تحصل منه علي شي ء لكثرة الاختلاس.

و في جباية الأعشار في (الشلب) تراعي (الذرعة) أحيانا. و في هذه

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 364

لم تنجح أيضا و (طريق المقطوع) للكرود كان أربح لها. و مر بنا من الحوادث ما يشعر بالكثير من الأوضاع المالية. ذكرتها في (كتاب الضرائب).

2- الجيش. لا يزال في اضطراب. و كان يجري من طريق (القرعة) إلي أن تعينت مدة الخدمة بعد إعلان الدستور.

3- الأمن أو إدارة الشرطة لم تنل انتظاما و لا يزال الجندرمة علي حالهم إلا أن عهد المشروطية كان أهون.

4- القضاء. تحددت أعماله، و تأسست المحاكم المدنية. ثم توسعت و لكنها لا تزال معلولة حتي بعد المشروطية. و للتوسع في ذلك موطن آخر.

و لا سبب لاختلال أمر الإدارة إلا

تحكم الأجانب و شنهم الحروب المتوالية مما دعا إلي اضطراب الحالة. و إن الحرب العامة كان تأثيرها أكبر. و لم تقتصر علي المتحاربين. و إنما شملت الأهلين حتي من كان علي الحياد، فغيرت المعالم و بدلت الأوضاع.

أما قانون إدارة الولايات المنشور في المجلد الخامس من (الدستور الجديد) فإنه لم يستقر العمل به حتي اجتاحته الحرب. و كان قد حصل فيه تجدد نوعا. كما أنه في 27 جمادي الأولي سنة 1327 ه أبلغت مخصصات الوالي خمسة آلاف قرش شهريا و صدر قانون بذلك.

الثقافة

رغبة الأمم فائقة في تمكين الثقافة بمقاييس واسعة. و هذا يدل

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 365

علي انتباه الأمم و توجيهها الحق. و يعد ذلك من العوامل الفعالة في فيض المعرفة و قوامها …

و العراق من أقدم الأقطار الثقافية لم ينقطع من العمل لخدمة المعارف. و إن مخلدات أسلافه دليل محسوس في العناية و العناء في سبيلها. و خزائن الكتب تعلن عن الخدمة التي أسدتها في هذا المضمار.

و يهمنا عهدنا الموضوع البحث. و (المدارس العلمية) كانت أصلا في ثقافته. و هي العنصر المهم في ظهور العلماء، و تكثير عدد المتعلمين، و تخريج الموظفين و سائر صنوف المعرفة فقد ظهر علماء كثيرون و أدباء عديدون. و بينهم أصحاب طرق خدموا الثقافة من وجه.

و غالب علمائنا أدباء من جهة و أساتذة أدب من جهة أخري و منهم المتضلع في الأدب الفارسي، أو في الأدب التركي أو فيهما و في الأدب الكردي.

و من العلماء و الأسرات العلمية:

1- الشيخ داود النقشبندي و أولاده.

2- إبراهيم فصيح الحيدري. عالم و أديب، و آل الحيدري لا يزال منهم العالم.

3- الشيخ طه السنوي. و آل السنوي كثيرون من أيام الشيخ

أحمد و من تلاه.

4- الأستاذ محمد فيضي الزهاوي. المفتي. عالم و أديب بالعربي و الفارسي، و آل الزهاوي جماعة منهم محمد سعيد الزهاوي و ابنه الأستاذ أمجد و غيرهما.

5- الأستاذ نعمان خير الدين الآلوسي. أديب و عالم. و آل الآلوسي كثيرون منهم الأستاذ السيد أحمد شاكر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 366

6- أحمد بك الشاوي. عالم و أديب.

7- الحاج أحمد السمين. مدرس أول في المدرسة الأعظمية.

8- حسين البيشدري.

9- السيد ثابت الآلوسي.

10- السيد جعفر الواعظ.

11- السيد عبد اللطيف الراوي.

12- نجم الدين النائب.

13- مصطفي و في من آل جميل. عالم و أديب. و بينهم العلماء و الأعيان.

14- عبد الوهاب نيازي. عالم و خطاط.

15- الشيخ طه الشواف.

16- السيد مصطفي الواعظ.

و علماء آخرون منهم من بقي حيا إلي ما بعد احتلال بغداد، أو إلي ما بعد الهدنة مثل الأساتذة السيد محمود شكري الآلوسي و السيد علي علاء الدين الآلوسي و عبد الوهاب النائب و هم أدباء أيضا. و عبد الرحمن القرداغي و السيد محمد حسين آل كاشف الغطاء و هو أديب أيضا. و آل كاشف الغطاء جماعة علماء و أدباء. و سنتناول العلماء في كتابنا التاريخ العلمي بسعة.

و من الأدباء:

1- السيد عبد الغفار الأخرس.

2- عبد الحميد الشاوي.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 367

3- السيد حيدر الحلي. و توفي سنة 1304 ه.

4- السيد جعفر الحلي. و توفي سنة 1315 ه.

5- محمد سعيد الإسكافي.

6- محمد سعيد حبوبي. و هو عالم فاضل.

7- عثمان نورس. شاعر تركي.

8- إقبال الدولة. أديب فارسي.

9- سليمان فائق. أديب تركي.

10- عبد اللّه صافي الكركوكي. أديب تركي.

11- السيد أحمد شهاب الدين الراوي.

12- السيد محمود البرزنجي. والد السيدين عارف و نوري.

13- عبد القادر شنون العبادي.

14- الشيخ رضا الطالباني.

في الأدب العربي و التركي و الفارسي و الكردي.

و أدباء آخرون عاشوا إلي ما بعد هذا العهد. و منهم الأساتذة الرصافي و الزهاوي و عبد الحسين الأزري و خيري الهنداوي.

و كل هؤلاء تخرجوا من المدارس العلمية. و الخلل ظهر في صدود الحكومة عن هذه المدارس، فكان إهمالها أعظم عيب في معارفنا.

فكانت الخسارة كبيرة جدا و لم تقم الحكومة بأمر إصلاحها. و قد أوضحت ذلك في التاريخ العلمي و الأدبي في العراق.

و المدارس الجديدة للحكومة، لم تغن عن المدارس العلمية. و إنما تظاهرت بالعمل للثقافة و تبجحت بمؤسساتها الجديدة و هي غير صالحة

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 368

و لا تجاري المدارس العلمية. و من ثم حدث تيار النفرة من جهة، و الجهل من جهة أخري. و بذلك ربحت الدولة إرسال الموظفين إلي العراق من استنبول و من الترك. و إن الأهلين شعروا بما جري. و هذا ما قاله الأستاذ أحمد بك الشاوي في ذم المعارف و التنديد برجالها في أوائل هذا العهد:

الجهل أجمعه بدا ئرة المعارف مستدير

أعضاؤها و رئيسها في الجهل ليس لهم نظير

وافي النذير بعزلهم يا حبذا ذاك النذير

لما أتي أرخت (لا رجعت و لا رجع الحمير)

و أما في أواخره فقد قال الأستاذ الرصافي في مدير معارف بغداد:

معارف بغداد قد جاءها مدير من الطيش في مسرح

حمار ولكنه ناطق صبي و لكنه ملتح

فيا أيها العلم عنها ارتحل و يا أيها الجهل فيها اسلح!

و هذا المدير هو حسن رفيق بك. جاء بعد إعلان الدستور.

و المدارس الجديدة كانت للإعلان لا الثقافة الحقة. و لو لا مدارسنا العلمية القديمة و خزائن كتبها و ما تأسس في هذا العهد مثل (مدرسة نائلة خاتون و خزانة كتبها)، و (خزانة

السيد نعمان خير الدين الآلوسي)، و (خزانة الكهية) و ما ماثل من خزائن الكتب الخاصة و لو لا المدارس التي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 369

قامت بفتحها الهيئة الإصلاحية لما بقي أثر للثقافة و أن الجرائد لا تسدّ مسدّها بوجه. فالتعليم المنظم ضروري. و إن من برز عندنا من الأفاضل كان نتيجة جد خاص و مواهب فائقة.

تابعت الدولة في تأسيساتها الدول الأخري للتدخل في أمر الثقافة فجاءت ناقصة ضئيلة جدا، فالمعرفة بعد أن كانت أهلية أفسدتها الحكومة في هذه التدخلات و عادت المملكة أمة لو لا ثقافتها المدرسية العلمية كما أن إضافة الأوقاف المندرسة إلي المعارف لم يرفع من مستواها. فالمدارس الجديدة لم يكن لها أثر يذكر.

و قبيل إعلان الدستور تكونت بعض المدارس الابتدائية للذكور و الإناث و مدرسة للحقوق فكانت أهون الشرين. و هذه لا تفي بحاجة لمن لم يتقن لغته الأصلية (العربية) لضرورة البيان. و إن الدولة بعد إزعاج و إلحاح قبلت التدريس باللغة العربية و لكنها قلبت إعدادياتها إلي مكاتب سلطانية ففقدت الفائدة من تقرير اللغة العربية.

و لا ينكر أننا رأينا انكشافا في (عهد الدستور) من نواح أخري من أهمها الصحافة الخارجية و الداخلية، و انتشار المطبوعات العلمية و الأدبية، و الاتصالات بالأقطار القريبة و النائية … فلم يكن الأمر مقصورا علي المدارس الموجودة.

هذا. و إن الأهلين أسسوا مدارس جديدة. و إن نواب الأمة طالبوا بمؤسسات شبيهة بتشكيلات الدولة في ثقافتها، و ألحّوا في لزوم التدريس باللغة العربية. ففتح الدستور بابه للمطالبات بالإصلاح. و من أهم ما هنالك ما يتعلق بالثقافة.

و كان يؤمل تقدم الثقافة لو لا أن الحرب العامة الأولي فاجأت الناس، فدمرت المعاهد و خربت المدارس و قتل في

الحرب الكثير من المثقفين، و زالت معالم الدارسة … فحلّت محلها الإدارة العرفية

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 370

و التضييق إلي أن عقدت الهدنة … و الأمر بيد اللّه يصرفه كيف يشاء.

العلاقات بالمجاورين

1- الدولة الإيرانية:

الدولة الإيرانية الوحيدة المرتبطة بمعاهدات دولية معنا بواسطة العثمانيين. و في أيام مدحت باشا توضحت المشاكل. و حسمت تقريبا.

و اتخذت وسائل المصافاة و مراعاة التجارة و الشؤون الاقتصادية.

و علاقاتنا بإيران كبيرة و كثيرة و كلما حصلت الألفة توسعت العلاقات السياسية و الاقتصادية. و قويت الروابط التجارية و زادها توثيقا حسم المشاكل المعلقة عند سفرة جلالة ناصر الدين شاه لزيارة الأئمة في العراق. و بذلك تمكنت العلاقات بسبب الحفاوة و الاحتفال الكبير به و العناية بأمره في حله و مرتحله. و المهم أن الدولتين تركتا النزاع و الحروب و مالتا إلي المصافاة.

و في سنة 1913 م تجدد أمر (تحديد الحدود) ولكنه لم يتم بسبب الحرب العامة الأولي و إيران راعت الحياد فيها إلا أنها لم تستطع الاحتفاظ بكيانها. و إنما تداولتها أيدي الدول المتحاربة. و صارت تتخذها وسيلة لتمشية نفوذها و سيطرتها علي المواقع.

و هذه قائمة بشاهات إيران:

1- ناصر الدين شاه. مر الكلام عليه في المجلد السابع.

2- مظفر الدين شاه. توفي 24 ذي القعدة سنة 1324 ه.

3- محمد علي شاه. ولي بعد والده. و خلع يوم الأحد سلخ جمادي الآخرة سنة 1327 ه.

4- أحمد شاه. (أحمد رضا شاه). ولي في يوم خلع والده.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 371

و يهمنا أن نقول إنه في شهر جمادي الآخرة سنة 1327 ه حدث اضطراب في إيران بل جهاد لنيل الحرية و الحصول علي الإدارة الديمقراطية. و حاولت الدول الإنكليزية و الروسية التدخل و لكن

الأمة الإيرانية عجلت بخلع الشاه محمد علي بن مظفر الدين شاه يوم الأحد سلخ جمادي الآخرة سنة 1327 ه و نصبت ابنه أحمد رضا شاه مكانه فحصلت علي حريتها ثانية.

و كانت قد نهضت في ربيع الأول سنة 1324 ه مطالبة بفك الأغلال عنها لما أنهكها الظلم. و استبدت بها الدولة. فنالت حريتها إلا أن محمد علي شاه حاول القضاء علي هذه الحرية فأزاحته بعد جدال عنيف فرأي الشاه و من معه معاونة من أرباب الأطماع أعداء الحرية مما أدي إلي خلعه.

نالت الأمة الإيرانية حريتها في ربيع الأول سنة 1324 ه فغصبها الشاه حقها بعد نضال ثلاثة أشهر. فلما أعلنت الدولة العثمانية دستورها ثارت إيران للمطالبة مرة أخري بعد أن قوض الشاه المجلس و كانت هذه المرة الثالثة. و من ثم خلعت الشاه محمد علي و نصبت ولي عهده أحمد رضا شاه. و كان صغيرا فجعلت عليه وصيا حضرة الأسعد عضد الملك و قرر انعقاد البرلمان …

و ما جري علي أحمد شاه بعد الحرب العامة معلوم فانقرضت هذه الدولة علي يد (الأسرة الپهلوية). و الملحوظ أن علاقة المجتهدين من الإيرانيين المقيمين في النجف و كربلاء بإيران كبيرة جدا للروابط المشهودة. و لا محل لذكر هؤلاء العلماء.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 372

2- ابن سعود:

إن الأمراء من آل سعود تكلمنا عليهم و رغبة الدولة مصروفة إلي القضاء علي (آل سعود) للخشية منهم أن تتكوّن دولة عربية تهدد كيان العثمانيين كما وقع فعلا في سابق العهد.

ثم إن الأمير عبد الرحمن آل سعود التجأ إلي الدولة بأمل أن تعيد إليه إمارته. جاء البصرة و بغداد و معه الأمير عبد العزيز ابنه. فلم يجد ملبيا لمطالبه. و كانت الدولة تراعي

جانبه. و ترقب الحالة في نجد حذر أن يحدث ما لا تحمده فتستغل وجوده ولكن الأمير عبد الرحمن كان يضمر آمال الإمارة. و هيهات أن يوفق بين الأمرين.

و كان ابنه الأمير عبد العزيز يتوثب للنهوض و يتحين الفرصة للإيقاع بأعدائه (آل الرشيد) و يحاول أن يجد ناصرا و لكنه قطع بأن:

لا يكشف الغماء إلا ابن حرة يري غمرات الموت ثم يزورها

و هذه الأوصاف وجدها في نفسه و كان هذا شأنه. خاطر، و غامر فلم ير بدا من النزال بنفسه دون استغاثته بمن يوجس منه خيفة. فكانت نتائج ذلك أن تمكن من أعدائه و حصل علي مطلوبه لا سيما أن الأحوال ساعدته كثيرا بما حدث من تحول في آل الرشيد. و قد ذكرنا وقائعه.

و إن الدولة لم تجد من يقوم بالمهمة لإيقاف هذا الصائل الجديد الأمير عبد العزيز السعود فكان آخر ما استولي عليه (الأحساء) فلم تشأ الدولة أن تدخل معه في جدال يكلفها أضرارا كبيرة و المشغول لا يشغل بل لا أمل لها في النجاح لما جربته من أسفار شاقة. فاضطرت أن تسكت.

و في كل هذا لا ننسي أن العقيدة المتمكنة في النفوس ساعدته و كان الميل إليه من الأهلين كبيرا. و هذا أقوي ناصر له في مهماته. و لم تمض مدة حتي وقعت الحرب العامة الأولي فحاولت الدولة جذب ابن

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 373

سعود لجانبها و لكنه التزم الحياد. و عند هذا وقفت حوادث آل سعود من جراء علاقاتها بالعراق.

و الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود كان الوحيد الذي تمكن من استعادة أمل آبائه بنشاط فائق و قدرة عظيمة فتم له ما أراد.

3- الكويت:

مر الكلام عليها. و في آخر

الأيام انقطعت علاقاتها بالدولة، فلا نري حاجة لإعادة القول هنا.

العلاقات بالأجانب

إن الروابط الدولية زادت و المصالح اشتبكت. و في الوقت نفسه قلت المشادة و صارت عامة أكثر. و انتشرت قناصل الدول في الولايات للتبصر في المصالح. و يصعب تحديد العلاقات و غالبها اقتصادية و تجارية و أكبر حدث في الدولة العثمانية إلغاؤها الامتيازات الأجنبية مغتنمة فرصة اتفاقها مع الألمان.

كانت الدولة العثمانية مقيدة بالعهود و الامتيازات القديمة. فألغت هذه العهود فاغتنمت فرصة الحرب العامة و مشت علي قوانين الدولة.

و يعدّ هذا أكبر حدث في الحقوق الدولية للدولة العثمانية و قبلت بعض الدول هذا الإلغاء و تأخر آخرون و بالنتيجة قبله الكل نظرا للمصالح المشتركة.

و الأوضاع الأخري لا تخفي للاتصال بالأجانب و بلغاتها و الأخذ بثقافة الكثير منها فكان ذلك وسيلة التقرب إلا أن الحرب العامة أهاجت زعزعا كبيرا. و كانت من المصائب علي الأمم جمعاء. و الرابح خسران.

و من خذل في الحرب وقع في الهوة و لم يستعد قوته إلا بصعوبة.

و لشعرائنا قصائد عديدة في بيان ويلاتها.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 374

خاتمة

الأحوال السياسية و الحربية و تواليها مما يبصر بكثرة التحولات و سرعتها، و انكشاف الرأي العام، و الانتباه إلي ما لم يكن معروف القدماء إلا أن الحرب العامة و ما جرت من مزعجات قد أضرت بنا فلم تنته إلا بعد أن جرفتنا و لازمتنا مدة طويلة فكأن الناس قطعوا العصور ورأوا مناظر لم تحصل في غير هذا الوقت و فيها تغير عظيم في الشؤون الاجتماعية و الأدبية، و العلمية، و في النفوس و العقليات. و لم ينكشف الأمر بجلاء إلا بعد هذا العهد.

ذلك ما دعا أن يظهر بيننا أكابر الشعراء، فبدلوا أفكارهم، و صاروا يزاولون ما يجاري العصر من مطالب جديدة، فانصرفوا

في الأغلب عن المدح و الهجاء المألوفين إلي الأمر الأهم مما يعود للأمة بما يعتقدون أنه الخير، و هكذا أدباؤنا الكتّاب تركوا السجع و انصرفوا إلي السلاسة في البيان و التعبير و هكذا مضي سائر متعلمينا، و في التاريخ العلمي و الأدبي ما يبصر بمثل هذه. فقد ولّدت انتباها عاما.

و بهذا قد تم المجلد الثامن و به تم تاريخ العراق بين الحتلالين في مجلداته الثمانية.

هذا. و أشكر الأفاضل الذين آزروني بما قاموا به من عمل مهما كان نوعه و مقداره و أخص بالشكر منهم الأستاذ محمود الملاح و الدكتور

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 375

مصطفي جواد و الأساتذة مير بصري و كوركيس عواد و خضر الطائي و إبراهيم الونداوي … فلهم فائق الشكر. و الحمد للّه أولا و آخرا. إنه وليّ الأمر.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 377

الفهارس العامة

اشارة

1- فهرس الأعلام

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

3- فهرس المدن و الأماكن

4- فهرس الكتب

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

6- فهرس الصور

7- فهرس الموضوعات

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 379

1- فهرس الأعلام

حرف الألف

آجوره أوغلي يوسف: 300

آدلر الطبيب: 126

آغوب آل قيومجيان: 292

آلفرد راپا پابورت: 166

آنزه ل.: 265

إبراهيم الآلوسي: 262

إبراهيم أحمد صالح شكر 335

إبراهيم أدهم الزهاوي: 170

إبراهيم باشا المشير: 329، 336

إبراهيم التكريتي: 57

إبراهيم حلمي العمر: 335

إبراهيم حييم: 239، 335

إبراهيم سيف الدين الكيلاني: 109

إبراهيم الشواف: 245

إبراهيم فصيح الحيدري: 85، 365

إبراهيم فهيم بك: 215

إبراهيم الملا: 352

إبراهيم الواعظ: 198، 292

إبراهيم الونداوي: 375

ابن أحمد بن مصطفي: 64

ابن الرشيد: 96، 127، 177، 178، 280، 281، 313

ابن سعود: 12، 177، 178، 312، 315

ابن عثمان بن مراد: 23

ابن كمال: 135

أبو بكر حازم: 182، 183

أبو بكر حلمي: 177

أبو الحسن القندهاري: 106، 107

أبو حنيفة (الإمام): 32

أبو طبرة: 133

أبو العلاء المعري: 298

أبو الفضل ميرزا: 81

أبو يوسف (الإمام): 145، 243

أتاتورك: 183، 210، 212

أحمد: 104

أحمد الباچه چي: 31

أحمد باش أعيان: 70

أحمد باشا: 152

أحمد بك: 58

أحمد بك معاون الوالي: 319

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 380

أحمد توفيق باشا: 105

أحمد الحاج بن أحمد بن إبراهيم: 170

أحمد الحاج فليح العسافي: 307

أحمد خيري: 336

أحمد الراوي: 125، 128

أحمد الرشتي: 55

أحمد الرشدي: 55

أحمد الرفاعي: 223

أحمد الزهير: 199

أحمد السمين: 170، 366

أحمد السنوي: 85، 365

أحمد شاكر الآلوسي: 111، 274، 365

أحمد الشاوي: 25، 31، 57، 152، 162، 366، 368

أحمد شاه (أحمد رضا شاه): 370، 371

أحمد شهاب الدين الراوي: 52، 367

أحمد الشواف: 57

أحمد (الشيخ): 82

أحمد فهمي: 133

أحمد فيضي باشا: 12، 157، 158، 164، 177

أحمد كسروي: 371

أحمد الكيلاني: 21، 23

أحمد مختار باشا: 44

أحمد نيازي: 225

أحمد نديم: 263

أحمد هاشم الآلوسي: 347

أرثر يارت: 308

أرشد العمري: 124

إسحاق: 239

أسعد باشا الألباني: 176

الأسعد عضد الملك:

371

إسماعيل بن إبراهيم بن خليل: 56

إسماعيل حقي: 58، 124، 198، 263، 296، 305، 306

إسماعيل الصدر: 237

أشرف باشا: 20

أغا خان: 148

أكرم محمد رفعت أفهم بن رشيد: 145

إقبال الدولة: 106، 107، 108، 110، 367

إلياهو سموحة: 115، 242

اليشاع: 116

أمجد الزهاوي: 129، 131، 365

أمين پاخر: 26

أمين (حفيد الحاج علي): 199

أمين علوش: 352

أمين فيضي: 121

أمين الكهية: 127

أمين بن مصطفي: 180

انستاس الكرملي (الأب): 13

أنطون: 153

أنور پاشا: 194، 343، 344

أنور بن حامد: 56

أنور خياط: 166

حرف الباء

باقر حمودي: 239

بجاوشين: 89

بدروس الأرمني: 113

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 381

بديع نوري: 281، 282

برسي لايك: 354

بزيع پاشا: 32، 34

بسيم محمد رفعت: 176

بطيخ (الشيخ): 89

بكر بن محمود الإربلي: 56

بندر السعدون: 70

بهاء الدين بك: 295

بهرام بك: 27

بول ايمبر: 265

بول شندرفر: 116، 122، 123، 126

بيبي: 131

حرف التاء

تاجدار بهو: 107

تحسين أفندي: 57

تحسين پاشا: 77

تحسين بك: 51

تقي الدين پاشا: 12، 62، 63، 65، 71، 88، 95، 100، 123

توفيق پاشا: 115، 116، 133، 209

توفيق بن حامد بن محمد صالح: 23

توفيق الخالدي: 329

تيپو سلطان: 108

تيودور دروان: 116، 122

حرف الثاء

ثابت الآلوسي: 180، 262، 366

ثابت پاشا: 18، 58، 69

ثامر بك: 95

ثعبان (الشيخ): 132

حرف الجيم

جابر الصباح (الثاني): 346

جاكسن: 293

جاهد: 180

جاويد باشا: 14، 291، 295، 298، 302، 303، 305، 310، 313، 316، 319

جبرائيل فتح الله يوسفاني: 225

جبوري (كسبر خان): 335

جعفر صدقي الباجه جي: 186، 274

جعفر الحلي: 367

جعفر الرشتي: 55

جعفر عطيفة: 326

جعفر ميرزا: 82

جعفر الواعظ: 178، 366

جلال بايار: 212

جلال بك: 243، 264

جلال الدين ميرزا: 108

جمال باشا: 14، 246

جمال بك: 247، 249، 264، 275

جميل بن الحاج علي: 199

جميل خونده: 51

جميل الزهاوي: 97، 101، 116، 121، 141، 244، 259، 261، 264، 267، 306، 329، 349، 362، 367

جندلر (كابتن): 354

جوامير (جوان مرد): 59، 78، 96، 103

جوري أفندي: 134

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 382

جوكل: 26، 78، 96

حرف الحاء

حاتم الصيهود: 235، 326

حاخام باشي: 114

حازم بك: 14

حافظ إبراهيم: 194

حافظ پاشا: 125

حالت المكتوبي: 31

حامد: 56

حامد بك: 96

حامد السعدون: 150

حامد بن محمد صالح: 23

حرمي بك: 263

حسام الدين: 354

حسام الدين الگيلاني: 154

حسام الملك: 103

حسقيل: 239

حسقيل شنطوب: 113

حسقيل طويق: 335

حسن: 181

حسن آل ياسين: 23

حسن (ابن الشيخ): 245

حسن باشا (الحاج): 134، 150

حسن بك: 181

حسن بك بن محمد باشا: 27

حسن رضا: 109، 176، 305

حسن رضا بك بن نامق پاشا: 226

حسن رفيق باشا: 139، 368

حسن الشهيب: 55

حسن الطالباني: 244

حسن فرهاد: 265

حسن القره داغي: 64

حسن الكليدار: 326

حسيب پاشا: 224

حسين آل ياسين: 23

حسين بك: 18

حسين البشدري: 180، 366

حسين (الشيخ): 352

حسين توفيق: 40

حسين دده البكتاشي: 64

حسن جلال: 283، 291

حسين حسني: 355

حسين حسني الخطاط: 12

حسين عوني: 71

حسين قلي خان: 73، 79، 83

حسين كمونة: 224

حسين ناظم: ناظم

حقي أفندي: 137

حقي پاشا: 277

حقي القاضي: 138، 143

حكمت سليمان (صاحب الفخامة):

153، 208، 215، 263، 295، 296، 346

حمه مام سليمان: 89، 104، 105

حمد العسافي: 147، 180، 306، 307

حمدي بابان: 215، 230

حمدي الباجه جي: 224

حمدي پاشا: 15

حمدي بك (مدير المتحف): 163

حمدي السعدون: 150

موسوعة تاريخ العراق بين

احتلالين، ج 8، ص: 383

حميد (مدير الأعشار) 93

الحميدي بن فرحان: 143

حمودي حمودي: 239

حيدر الحلي: 367

حرف الخاء

خاجي الرئيس: 294

خالد: 153

خالد التكريتي: 147

خالد النقشبندي (الشيخ): 72

خالد بن الوليد: 127، 306

خسرو: 104

خضر الطائي: 375

خضر القندهاري: 106، 107

خضر لطفي: 199

خضير بن عباس: 334

خليل بك (پاشا): 340، 341، 343، 345، 350، 352، 360

خليل رفعت پاشا: 164

خليل المظفر: 178

خليل هجري بك: 295

خيري الكتخدا: 150

خيري الهنداوي: 362، 367

حرف الدال

داود بابو (الحاخام): 242

داود پاشا: 145، 241

داود پاشا الحيدري: 85

داود ساسون: 345

داود السعدي (الشيخ): 12، 81

داود صليوا: 14، 232، 246

داود النقشبندي: 81، 82، 365

داود يوسفاني: 199، 225

درويش بك: 187

درويش الگيلاني: 170

درويش محمد: 158

دوق ملنبورغ: 341

ديلامين: 307

حرف الراء

رأفت پاشا: 34، 85، 199، 206

رؤوف آل كتخدا المحامي: 200

رؤوف پاشا: 21، 26

رؤوف بك: 12

رجب پاشا: 133، 134، 139، 150، 151، 154، 156، 157

رجب (نقيب البصرة): 113، 156

رحمة اللّه الطالباني: 244

رحمي بك: 354

رديف پاشا: 27، 28، 29، 31، 34، 68

رزق اللّه عبود: 154

رشدي أفندي: 49

رشدي عبد المجيد خير: 352

رشيد پاشا الكوزلكلي: 95، 128، 213

رشيد البربوتي: 234

رشيد بك معاون الوالي: 319

رشيد التكريتي: 147

رشيد الزهاوي: 182، 261

رشيد الصفار: 263

رشيد عالي الگيلاني: 23، 336

رشيد مسود الفتوي: 226

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 384

رضا (الشيخ الشاعر): 137، 138

رضا الطالباني: 143، 151، 244، 367

رفعت باشا: 100، 102، 164

رفعت بك: 43، 166، 314، 348

الرواس (بهاء الدين): 223

روحي النائب: 31

ريشارز: 148

حرف الزاي

زبون اليسر الفيصل: 326

الزكي: 127

زين الدين بن عبد القادر: 21، 23

زين العابدين (رض): 91

حرف السين

ساجر الرفدي: 17

ساره خاتون: 239، 246

سازانوف: 300

ساسون حسقيل: 198، 206، 263

ساسون عبد اللّه: 345

ساطع الحصري: 281

سالم البدر: 87

سامي بك: 146، 243

سامي بن حامد: 56

سامي خونده: 51

سامي شوكت: 43، 166، 348

ستانلي مود: 10

سري پاشا: 119، 128، 133، 134، 137، 138

سعاد بك: 349

سعدون پاشا: 71، 96، 262

سعود بن سلطان عبد العزيز: 33، 279

سعود الفيصل: 17، 20، 127

سعيد آغا: 114

سعيد أفندي: 113

سعيد باشا الديار بكري: 325

سعيد بن محمد أمين الكهية: 56

سعيد المفتي الزهاوي: 139

سعيد النقشبندي: 170، 244

سعيد الكركوكلي: 199، 206

سلطان علي (السيد): 345

سلمان بن حسين العاني: 334

سلمان صالح: 165

سلمان عبد اللّه كجرو: 345

سلمان عنبر: 335

سلمان النقيب: 20، 21، 23، 60، 87، 105، 126، 139، 156

سليم شماس: 326

سليمان آغا: 145، 170

سليمان البستاني: 117

سليمان پاشا: 44، 145، 181، 243، 339، 346

سليمان پاشا الكبير: 113

سليمان بك: 96

سليمان بك بن محمد پاشا: 27

سليمان البكر: 165

سليمان توفيق: 154

سليمان السنوي: 85

سليمان سيف الدين: 94

سليمان عسكري: 318، 327، 331

سليمان فائق: 91، 138، 146، 152،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 385

276، 367

سليمان فيضي: 13

سليمان بن نصيف: 143

سليمان نظيف: 14، 221، 231، 233، 240، 242، 243، 313، 319، 324، 325، 327، 329، 349

سليمان النقيب: 112

سليمة دلشاد خانم: 276

سيفي الدفتري: 31

حرف الشين

شاؤول داود: 115، 116

شاؤول شعشوع: 239

شاؤول معلم حسقيل: 239

شاكر أفندي: 86، 126

شاكر الباجه جي: 186، 224

شاكر الگيلاني: 154

شامل (الشيخ): 24

شاوانيس: 171

شعبان پاشا: 97، 106، 156، 157

شفيق بك: 330، 337، 340

شكوري التاجر: 326

شكيب أرسلان: 306

شلال بن حاجي حبيب الأفغاني: 335

شهاب الدين الموصلي: 156

الشهبندر الإيراني: 131

شوكت باجلان: 341

شوكت پاشا: 166، 198، 206، 329، 348

شوكت بك: 265

شوندرفر المهندس: 122، 123، 126

شياع الفيصل: 49

حرف الصاد

صائب شوكت: 43، 166

صادق أفندي: 103

صالح: 95

صالح أفندي: 21، 134

صالح پاشا: 102

صالح پاشا النفطجي: 199

صالح حقي القاضي: 50

صالح دانيال: 87

صالح الراوي: 52

صالح السعدي: 55

صالح العسافي: 147، 306، 307

صالح القره داغي: 64

صالح كاشي: 116

صالح الكيلاني: 56

صالح المشهداني: 163

صالح المهدي: 352

صبري بن حامد: 56

صفوك: 125

صيهود بن منشد: 49، 223، 234، 326

حرف الضاد

ضياء بك: 43

حرف الطاء

طالب النقيب: 113، 198، 242، 263، 296

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 386

طاهر آغا: 98

طاونسند (القائد): 302، 309، 332، 333، 343

طلعت بك: 300

طه السنوي: 85، 365

طه الشواف: 121، 244، 366

طه بن ناعور: 97

طه الهاشمي: 355

طه الياسين: 70

حرف العين

عاتكة خاتون: 176

عارف أفندي: 58

عارف الأعظمي: 180

عارف حكمت الآلوسي: 347

عارف البرزنجي: 367

عارف الروزنامه چي: 56

عاشير سالم: 115

عاصم پاشا: 117

عاصم بك: 54

عاكف پاشا الوالي: 43، 45، 46

عاكف بك: 351، 352

عالي بك (پاشا): 12، 88

عباس القندهاري: 106، 107

عباس كمونة: 224

عبد بن كاظم: 334

عبد الأحد صاحب الأوتيل: 335

عبد اللّه إبراهام سوميخ: 115

عبد اللّه باجلان: 341

عبد اللّه پاشا والي البصرة: 44، 69

عبد اللّه بك: 96

عبد اللّه بهاء الدين الآلوسي: 347

عبد اللّه ثنيان: 153

عبد اللّه جودت بك: 325

عبد اللّه الخنيني: 57

عبد اللّه خونده: 51، 261

عبد اللّه زهدي: 154

عبد اللّه الزهير: 263

عبد اللّه الزيبق: 56، 114، 146

عبد اللّه آل سعود: 278، 279

عبد اللّه السنوي: 85

عبد اللّه شيخ الحلقة: 171

عبد اللّه صافي: 32، 39، 54، 86، 158، 367

عبد اللّه الطالباني: 244

عبد اللّه العسافي: 306

عبد اللّه الفيصل: 20، 126

عبد اللّه القطان: 345

عبد اللّه الگيلاني: 21، 23، 67

عبد اللّه المازندراني: 237، 274

عبد اللّه مظفر: 95

عبد اللّه المكتوبي: 25

عبد اللّه موفق الآلوسي: 347

عبد الإله حافظ: 199

عبد الباقي العمري: 41، 108

عبد الباقي: 180

عبد الجبار جلبي: 268

عبد الجبار خان زاده: 336

عبد الجبار الخياط: 166

عبد الجبار مراد: 336

عبد الجبار غلام: 335

عبد الحسين الأزري: 14، 367

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 387

عبد الحسين الرشتي: 55

عبد الحميد (السلطان): 9، 60، 86، 88، 114، 172، 176، 181، 194، 197، 221، 363

عبد الحميد الثاني (السلطان): 108، 201، 209، 212

عبد الحميد رئيس الكتاب: 142

عبد الرحمن إبراهيم المصري: 341

عبد الحميد الشاوي: 112، 157، 366

عبد الرحمن: 105

عبد

الرحمن الأدهمي: 56

عبد الرحمن پاشا الوالي: 16، 34، 37، 39، 43، 51، 52، 59، 62، 63، 65، 71

عبد الرحمن بك: 96

عبد الرحمن البناء: 261

عبد الرحمن ثنيان: 153

عبد الرحمن السعدون: 150

عبد الرحمن الطالباني: 92، 96

عبد الرحمن العسافي: 307

عبد الرحمن القرداغي: 64، 366

عبد الرحمن الگيلاني: 21، 126، 156

عبد الرحمن النقيب: 23، 236، 263

عبد الرحمن الوتري: 56

عبد الرحمن وصفي: 43

عبد الرزاق الأعظمي: 180، 244

عبد الرزاق البرزانلي: 245

عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر: 21، 56، 112، 147

عبد الرزاق السعدون: 150

عبد الرزاق الشواف: 244

عبد الرزاق السيد آل مراد: 224

عبد الرزاق المير: 264

عبد الرزاق النعمة: 304

عبد السلام الشواف: 125

عبد الصمد العسافي: 306

عبد العزيز آل سعود (الأمير): 20، 33، 278، 280، 372، 373

عبد العزيز بك: 96

عبد العزيز (السلطان): 363

عبد العزيز السعدون: 150

عبد العزيز السنوي: 85

عبد العزيز العسافي: 307

عبد العزيز الشواف: 57

عبد العزيز غدارة: 336

عبد العزيز بن عبد القادر: 21

عبد الغفار الأخرس: 32، 366

عبد الغفور الحيدري: 31

عبد الغني جميل: 32، 56

عبد الغني رئيس الكتاب: 142

عبد القادر: 91

عبد القادر الأفغاني: 336

عبد القادر پاشا الخضيري: 113، 222، 268

عبد القادر السنوي: 85

عبد القادر شنون: 172، 367

عبد القادر فيض اللّه: 56

عبد القادر الگيلاني: 21، 154، 156

عبد الكريم (الشيخ): 19

عبد الكريم السعدون: 150

عبد الكريم الصيهود: 326

عبد الكريم نادر پاشا: 41

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 388

عبد اللطيف أفندي: 57، 261

عبد اللطيف ثنيان: 13، 153، 197، 335

عبد اللطيف الراوي: 125، 366

عبد اللطيف العسافي: 306

عبد اللطيف السعدون: 150

عبد اللطيف القائممقام: 187

عبد الملك الشواف: 245

عبد المجيد: 56

عبد المجيد (السلطان): 91، 210

عبد المجيد بك الوالي: 181، 182

عبد المجيد الثاني ابن السلطان عبد العزيز: 210

عبد المجيد خير بك: 352

عبد المجيد حمودي: 239

عبد المجيد السعدون: 150

عبد المجيد الشاوي: 199، 264، 329

عبد المجيد القائممقام:

117، 352

عبد المجيد الگيلاني: 154

عبد المجيد نائب نجد: 93

عبد المحسن السعدون: 26، 71، 150، 199

عبد المحسن الهذال: 17

عبد المسيح الأنطاكي: 232، 233

عبد بن منصور النصراني: 334

عبد المهدي الحافظ: 198، 206، 220، 230، 347

عبد الهادي الباجه جي: 186

عبد الهادي السعدون: 150

عبد الهادي كبة: 225

عبد الوهاب: 23، 352

عبد الوهاب پاشا القرطاس: 263

عبد الوهاب پاشا: 178، 179، 180، 181

عبد الوهاب الپاچه چي: 224

عبد الوهاب الحجازي: 92

عبد الوهاب ابن السيد أحمد: 82

عبد الوهاب النائب: 90، 121، 125، 128، 170، 237، 349، 366

عبد الوهاب نيازي: 224، 366

عبدي پاشا: 113

عثمان پاشا الغازي: 337

عثمان بك بن محمد پاشا: 27

عثمان سيفي: 30

عثمان نورس: 41، 367

عثمان نوري: 142

عثمان وفيق: 223

عجل بن راكان: 133

عجمي پاشا: 71، 96، 262، 272، 328

عجيل بن علي السمرمد: 143

عداي الجريان: 234، 331

عريبي: 49

عزت پاشا: 65، 67، 71، 291

عزت الفارسي: 314

عزرة سحيق: 335

عزيز أفندي: 52

عزيز اللّه خان: 17، 78

عزيز بك القاضي: 27، 147

عزيز حيدر: 104

عزيز شماس: 326

عزيز كاكي: 103

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 389

عصمت اينونو: 212

عطاء الله أفندي: 63

عطا پاشا الوالي: 150، 156، 158، 162

عطا جميل آل الخطيب: 14

علاء الدين الدروبي: 291

علوان بن حسين: 334

علي آل ياسين: 23

علي إحسان: 357، 360

علي أحمد شكري: 275

علي أفندي: 129

علي پاشا: 59

علي بك المقدم: 330

علي بك بن نجيب پاشا: 88

علي البغدادي المعمار: 255

علي البناء: 232

علي بن الحاج مصطفي: 199

علي حيدر الركابي: 291

علي خالد: 78، 83

علي خان: 76

علي الخوجة: 185

علي رضا باشا: 307

علي رضا پاشا اللاز: 30، 41، 128

علي رضا الركابي: 247، 291

علي رضا العمري: 124

علي السليمان: 143، 165

علي الشواف: 245

علي صائب الخضيري: 113

علي الطالباني (الشيخ): 96، 244

علي علاء الدين الآلوسي: 90، 180، 182، 183، 198، 206، 280، 306، 315، 347، 348، 366

علي السيد عواد:

241

علي غالب العزاوي: 165

علي القره داغي: 64

علي القندهاري: 107

علي النقيب الكيلاني: 21، 23

علي وهبي القاضي: 305

عمر أكاه: 93

عمر بك: 96

عمر الخضيري: 178

عمر شعبان أفندي: 164

عمر فهمي: 103، 106

عمر فوزي: 13

عمر لطفي بك: 268، 274

عمر وهبي باشا: 143، 144

عواد (السيد): 241

عوبديه (الخاخام): 40

عوني بن حامد: 56

عيسي روحي الإمام: 304

عيسي غياث الدين: 148، 168، 273

حرف الغين

غازي الداغستاني: 24، 88، 104، 340، 344

غازي ابن الشيخ شامل: 44، 88

غالان: 106، 122، 123

غضبان الغصيبة: 234، 235، 326

غلام رسول: 236، 273

غودا: 265

حرف الفاء

فائق الأعظمي: 180

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 390

فائق بك (قائممقام ديالي): 350

فاطمة بنت عبد اللّه موفق: 347

فالح پاشا: 65، 70، 71، 223

فالح الصيهود: 49، 235، 326

فارس الصفوك: 93

فتاح بك: 78

فتاح الكوسة: 56

فتح اللّه عبود: 26، 31، 148

فتح اللّه يوسفاني: 225

فخري عمر: 309

فخري پاشا: 181

فخري كمونة: 181، 224

فرج أوفي: 335

فرحان پاشا: 19، 50، 105، 125

فريد بك الداماد: 304

فريد بك الزعيم: 281، 282

فقي قادر: 104

فهد السعدون: 26، 150

فهد الهذال: 133، 186

فهمي نصري المحامي: 121

فؤاد (51 ستاذ): 187

فئاد بك الدفتري: 263

فؤاد الخياط: 166

فؤاد مدير الأملاك: 263

فوندر غولج پاشا: 277، 334، 337، 338، 340، 342

فون كه هله ر: 338

فيصل آل سعود: 127

فيصل بن شياع: 49

فيضي باشا: 54

فيضي الرشتي: 55

فيلد مارشال: 338

حرف القاف

قادر بك: 27

قاسم پاشا الزهير: 66، 69، 70، 84

قاسم الرشتي: 55

قاسم شاه: 148

قامپوفنر: 277

قدرت بك: 265

قدري پاشا: 45، 46، 51، 55

حرف الكاف

كاظم پاشا: 139، 141، 181، 223

كاظم الخراساني: 237

كاظم الرشتي: 55

كامل عبد المسيح: 326

كامل بن عبد الوهاب: 23

كرم بن مالك: 83

كمال السنوي: 85

كمال الدين بك: 164

كمال عبد المجيد خير: 352

كوركيس عواد: 275

حرف اللام

لارشه الفرنسي: 355

لطفي بك: 247

حرف الميم

ماجد بك: 95

مارتين هنري: 66

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 391

مايسز پاشا: 264

مبارك الصباح: 281، 346

مجول بك: 165

محسن الحاج مهدي كمونة: 55، 224

محمد النبي صلي اللّه عليه و سلم: 36، 111، 142، 251، 271

محمد (النوتي): 65

محمد آغا بن علي القندهاري: 107

محمد آل جميل: 26، 87، 126، 129، 167، 274

محمد آل سعود: 127

محمد أمين باش أعيان: 13

محمد أمين زكي: 310، 333، 353، 355

محمد أمين العمري: 114

محمد پاشا بن كيخسرو: 20، 27، 34، 77

محمد باقر (الشيخ): 237

محمد الباقر الجلالي: 130

محمد بك: 27، 32، 79

محمد بهاء الدين النقشبندي: 72

محمد ثابت: 25

محمد جابر: 168

محمد جابر الطبقجه لي: 245

محمد جواد: 131

محمد جواد بن خضر القندهاري: 107

محمد جواد الكليدار: 128

محمد الحاج سعيد: 352

محمد حسين (الشيخ): 237

محمد حسين (الحاج): 131

محمد حسين آل كاشف الغطاء: 366

محمد حسين القندهاري: 106

محمد حسين خان الأركاتي: 107

محمد حسين الكتبي: 131

محمد حسين القندراتي: 131

محمد الخامس (محمد رشاد): 209، 210، 363

محمد درويش: 23، 25، 31، 97، 98، 274، 292

محمد درويش الآلوسي: 111

محمد راشد الدفتري: 25

محمد رأفت باشا: 34

محمد رؤوف باشا: 15، 25، 40

محمد الربيعي: 87، 113

محمد رشيد رضا: 306

محمد رشيد الكيلاني: 336

محمد رفعت المقدم: 176

محمد زكي باشا: 268، 269، 274

محمد السعدون: 150

محمد سعيد الاسكافي: 367

محمد سعيد پاشا: 92، 93، 94، 151، 275

محمد سعيد التميمي: 121

محمد سعيد حبوبي: 367

محمد سعيد الزهاوي: 129، 132، 236، 239، 261، 341، 365

محمد سعيد بن عبد القادر: 23

محمد سعيد الكواكبي: 150

محمد سعيد بن محمد أمين: 26

محمد سعيد (المدرس): 237

محمد سعيد النقيب: 60

محمد السماوي: 232

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 392

محمد شاه الثالث: 148

محمد شاكر: 146

محمد شوكت باشا: 217، 218، 219، 220، 225

محمد (الشيخ): 82

محمد صالح البرزانلي: 245

محمد صالح

بن حامد: 23

محمد صالح الشابندر: 186، 245

محمد صالح المشهداني: 163

محمد الصاوچپلاغي: 127

محمد ضياء الدين: 209

محمد الطالباني: 244

محمد طاهر: 338

محمد الطباطبائي (الحجة): 292

محمد الطبقچه لي: 82

محمد طيب: 100

محمد عارف والي البصرة: 234

محمد العريبي: 49

محمد العسافي: 147، 306

محمد عطا اللّه: 25

محمد علي شاه: 370، 371

محمد علي عيني: 137

محمد علي فاضل حافظ: 199

محمد علي كمونة: 224

محمد علي مميز المحاسبة: 124

محمد فائق الكيلاني: 154

محمد فاضل پاشا الداغستاني: 24، 44، 88، 89، 103، 215، 216، 240، 290، 291، 293، 312، 325، 329، 340، 344، 348، 349

محمد فهمي المدرس: 169، 175

محمد الفيصل: 127

محمد فيضي الزهاوي: 25، 31، 52، 64، 98، 127، 365

محمد القره داغي: 64

محمد القزويني: 237

محمد كاظم الخراساني: 262

محمد كامل بن محمد طاهر العمري:

115

محمد بك لطف اللّه 346

محمد المانع: 306

محمد منير باشا: 78

محمد بن مهدي: 334

محمد مهدي الرشتي: 55

محمد مهدي الكليدار: 58

محمد ناجي: 245

محمد نافع الطبقنچه لي: 165، 236

محمد نجيب پاشا: 21

محمد نجيب شيخ الحلقة: 171

محمد نهاد: 355

محمد نوري باشا: 94

محمد بن ياسين بن طه: 23

محمود آغا: 57

محمود آل جميل: 56، 168

محمود أبو الثناء الآلوسي: 39، 82، 108، 110، 153، 161

محمود الأطرقچي: 239

محمود البرزنجي: 367

محمود بك: 27

محمود التكريتي: 147

محمود الجيبه جي: 56

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 393

محمود (الحاج): 70

محمود حاجي خان: 103

محمود حلمي: 96

محمود حموشي: 176، 180، 267

محمود خضر: 104

محمود خله بزه: 89

محمود الربيعي: 223

محمود الشاوي: 67، 69، 70، 103

محمود شكري الآلوسي: 33، 82، 125، 180، 237، 315، 366

محمود شوكت پاشا: 153، 194، 208، 209، 243، 275، 276، 295، 346

محمود صبحي بن فؤاد: 56، 263

محمود عبد القادر حلبي: 51

محمود فهمي درويش: 111

محمود القره داغي: 64، 85، 104، 130، 374

محمود الكيلاني: 154

محمود الملاح: 62

محمود النقيب: 21

محيي آغا: 352

محيي الدين

النقيب: 315

محيي الدين بن عربي: 209

محيي الدين الكيلاني: 263

مدحت پاشا: 8، 15، 16، 18، 19، 24، 26، 27، 41، 44، 48، 55، 87، 142، 178، 188، 214، 231، 278

مخلص پاشا: 181

مراد الخامس (السلطان): 363

مراد أبو كذيله: 18، 31

مراد بك: 153، 215، 263

مراد بك المكتوبي: 226

مراد پاشا: 183

مركوريان: 239

مرهون المنذور: 132

مزاحم بك: 95

مزبان (من شيوخ بني لام): 50

مزيد پاشا السعدون: 34، 272، 292

مشتت بن خليفة: 49

مصطفي: 56، 93

مصطفي أفندي: 16، 168، 179، 180

مصطفي شفيق: 295

مصطفي بن عثمان باجلان: 341

مصطفي جواد (الدكتور) 375

مصطفي عاصم: 98، 101، 102، 114، 123

مصطفي عبد الغني آل جميل: 112

مصطفي القرداغي: 64

مصطفي الكاتب: 97، 139

مصطفي النقشلي: 56

مصطفي نور الدين الواعظ: 126، 198، 206، 292، 366

مصطفي وفي آل جميل: 147، 182، 366

مطلك بن خلف البكر: 334

مظفر الدين شاه: 370

مظهر پاشا: 34

مظهر بك: 234

معروف الرصافي: 172، 187، 197، 204، 206، 264، 329، 362،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 394

367

مكي عبد الرزاق الأعظمي: 244

ممتاز بك: 186، 216

مناحيم دانيل: 43

منذور آل لوتي: 132

منشد: 49

منشي حسقيل: 345

منصور پاشا: 50، 60، 65، 66، 67، 68، 69، 70، 71، 95

منيب پاشا: 69

منير بك الديار بكري: 348

منير الدولة: 107

منير الوكيل: 131

منيف پاشا: 135

مهدي آل السيد سلمان: 223

مهدي القباني: 133

مهدي النقشبندي: 352

موزان المحمد: 20

موسي الباچه چي: 186

موسي الشابندر: 245

موسي كاظم الپاچه چي: 224، 274

موسي ميرزا هادي: 132

موسي (من شيوخ بني لام): 50

ميخائيل ياغچي: 335

مير بصري: 375

مير شنطوب: 113

مير علي: 79

مير محمد: 49

مير محمد أسعد القاضي: 64

ميرزا بك: 144

حرف النون

نائلة خاتون: 31

ناجي السويدي: 243، 294

ناجي شوكت (صاحب الفخامة): 43، 166، 198، 339، 348

ناحوم شكومو: 345

نادر آغا: 59

ناصر پاشا السعدون: 31، 34، 44، 66، 67، 70، 94، 95

ناصر الدين شاه: 101، 370

ناصر النقشبندي:

163

ناظم أفندي: 58

ناظم پاشا: 176، 187، 197، 205، 219، 225، 226، 230، 231، 232، 237، 238، 245، 256، 276

ناظم حميد المحامي: 263

نافذ پاشا: 12، 19، 27، 33، 96، 103، 106

نامق پاشا: 69، 158، 164، 166، 175، 176

نجم الدين منلا الوالي: 188، 190، 214، 216

نجم الدين النائب: 97، 98، 366

نجم العبد اللّه آغا: 59

نديم الپاچه چي: 186

نزيه بك: 93، 94

نسيم المعلم: 116

نشأت السنوي: 85، 199، 206

نصرت پاشا: 132، 139، 141، 152

نصري ناطق المارديني: 121

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 395

نعمان الأعظمي: 315

نعمان أفندي: 179، 180

نعمان الپاچه چي: 186، 224، 274

نعمان خير الدين الآلوسي: 39، 82، 105، 120، 161، 176، 365، 368

نعمان سليمان فايق: 346

نعيم بابان: 306

نهاد محمد رفعت: 176

نور الدين بك: 329، 330، 332، 387

نور الدين محمود الكيلاني: 154

نوري أفندي: 57

نوري البرزنجي: 367

نوري البغدادي: 263، 329

نيازي: 194

نيلس فون روزن: 125

حرف الهاء

هادي پاشا العمري: 208

هاشم الآلوسي: 274

هاشم بك: 49

هاشم عبد الرزاق الأعظمي: 244

هجري بك: 296

هجري دده: 232

هدايت پاشا: 72، 86، 95، 96، 101، 143

هزاع الناصر: 235

حرف الواو

واجد علي شاه: 107

وادي بن منشد: 49

وحيد الدين (السلطان محمد السادس):

210

ونفر دنن: 309

ويلس: 354، 362

ويليام ويلكوكس: 293

حرف الياء

ياسين پاشا الخضيري: 239

ياسين محمد درويش: 23

يامن بن يعقوب: 326

يحيي نزهت: 88

يسر الفيصل: 49

يعقوب سركيس: 26، 65، 109، 148

يعقوب عيسائي: 154

يهودا زلوف: 115، 239

يوسف آل باش أعيان: 143

يوسف أكاه پاشا: 246، 247

يوسف پاشا: 234، 246

يوسف حييم إلياهو: 224

يوسف السويدي: 57

يوسف شنطوب اليهودي: 113، 116

يوسف ضياء پاشا: 329، 337

يوسف طليع پاشا: 87

يوسف بن عبد الحق: 98

يوسف فرج: 335

يوسف كرجي: 31

يوسف لطف اللّه: 347

يوسف ياغجي: 335

يوسف يعقوب: 98

يونس (النائب) 40

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 396

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل

حرف الألف

آق قوينلو: 165

آل الآلوسي: 365

آل إبراهيم: 259

آل أزيرج: 220، 230، 235

آل باش: 13، 112، 143، 147، 148، 182، 273، 307، 366

آل الحيدري: 85، 179، 365

آل حميد: 79

آل الخطيب: 14

آل خميس: 23

آل رئيس الكتاب: 142

آل الرشيد: 177، 372

آل زكري: 23

آل الزهاوي: 179، 365

آل زهير: 69

آل الزيبق: 146

آل سبهان: 113

آل سعدون: 262

آل سعود: 12، 20، 33، 127، 177، 365، 372، 373

آل السنوي: 85، 365

آل سوميخ: 115

آل السيد ياسين: 23

آل شريف بك: 43

آل الشواف: 91

آل صباح: 281

آل العبا: 322

آل عبد الجليل: 94

آل عبد العزيز: 21، 23

آل عثمان: 172، 363

آل فيصل: 49

آل كاشف الغطاء: 366

آل كبة: 225

آل الگيلاني: 21، 112، 224

آل المدرس: 64، 102

آل مراد: 23

آل منشد: 49

آل النفطجي: 199

آل النقيب: 23

آل نور الدين: 23

الأرمن: 268، 357

الإسرائيليون: 40

الأسرة البابانية: 127

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 397

الأسرة البهلوية: 371

الإسلام و المسلمون: 16، 85، 116، 131، 132، 141، 161، 196، 244، 251، 252، 257، 258، 303، 311، 315، 324

الإسماعيلية: 148، 149

الأكاسرة: 24

ألبان: 135، 170، 176، 178، 295

الألمان: 9، 265، 299، 303، 304، 307، 311، 317، 333، 356

الأمويون: 85

الإنكليز: 62، 107، 108، 222، 280، 281، 297، 300، 302، 303، 304، 307- 319، 327، 331- 334، 339،

341- 343، 352- 360، 361

الإيطاليون: 303

حرف الباء

بابان: 27، 28، 71، 128، 306

البابية: 129- 131

باجلان: 341

الباطنية: 130

البدير: 59

باذراع: 79

البدو: 17، 73، 75

البكزادة: 27

الپلانية: 50

البلقانيون: 303

بنو حسن: 132

بنو حكيم: 166

بنو زريج: 235

بنو طرف: 334

بنو لام: 50، 73، 234، 235

بنو ويس: 141

البهائية: 130، 131

البو جياش: 166

البو حسان: 60، 166

البو سلطان: 50، 234

البو سيد سلمان: 223

البو محمد: 49، 233، 235، 326

البو موسي: 235

البيات: 59

بيت السويدي: 163

بيت لويلو: 49

حرف التاء

الترك: 165، 180، 195، 212، 216، 232، 278، 295، 300، 302، 303، 305، 313، 322، 325، 331، 334، 345، 347، 355، 368

تميم: 147

حرف الجيم

الجاف: 26، 27، 28، 50

جاوية: 28

الجبل: 133

الجبور: 50، 88، 235، 294

الچچان (الچچن): 24

الجحيش: 234

الجريان: 162

الجشعم: 26

جولمرك: 330

الجياش: 294

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 398

حرف الحاء

الحنفية: 25، 31

حرف الخاء

خفاجة: 79

حرف الدال

الدغارة: 26، 81

الدليم: 143، 165، 220، 230، 235

الدنادية: 144

دوزاوه (من الفيلية) 18

حرف الراء

ربيعة: 68، 73، 141، 143

رشوند: 103

الرفاعية: 223

رفيع: 79

الروس: 145، 298، 299، 302، 303، 325، 330، 358

الروم: 172

حرف الزاي

زبيد: 143، 234

زكورت: 222، 223

الزند: 50

زوبع: 235

الزياد: 294

حرف السين

السبعة: 93

السريان: 120

السعدون: 65- 71، 75، 76، 262

السماوة: 26، 166، 294

السنة: 28، 236

السنجاوية: 33، 83

السواعد: 20، 74

السودان: 74

سيته بسر: 103

حرف الشين

الشافعية: 31، 336

الشبل: 235، 259

شمر: 18، 50، 75، 93، 113، 143، 165، 272

شمر طوگه: 89، 141

شمرت: 222

الشيعة: 82

حرف الصاد

الصائح: 272

حرف الضاد

الضفير: 79، 272

حرف الظاء

الظوالم: 166، 294

حرف العين

عاد: 33

العثمانيون (الدولة العثمانية): 24، 44، 78، 89، 119، 122، 131، 153، 154، 161، 164، 188، 189، 195، 198، 222، 251، 254، 257، 259، 278، 280، 281، 287، 298، 299، 300، 302- 312، 314- 317، 324،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 399

327، 331، 332، 337، 338، 342، 350، 353، 357، 358، 359، 361، 370- 373

العجم: 172، 182

العرب (العربان): 30، 108، 125، 132، 165، 172، 195، 213، 268، 311، 313، 322، 346

عزة: 235، 326

عفك: 81

عمارات: 186

عنبكية: 235

عنزة: 17، 26، 79، 93، 133

العويديون: 162

حرف الغين

الغزالات: 235، 259

حرف الفاء

الفتلة: 259

الفداغة: 235

الفرنسيون: 300، 304

حرف القاف

القراغول: 235

القرطال: 235

قره قوينلو: 165

حرف الكاف

الكرج: 276

الكرد: 306، 313، 322

الگرطان (القرطان): 235

الكروية: 88

الكريط: 132

كشمر: 79

الكلهر: 33، 83، 132

گوران: 7

حرف اللام

اللر (لور): 18، 83

حرف الميم

مل خطاوي: 83

المشاهدة: 163

المعتزلة: 135

المماليك: 187، 276

المنتفق: 50، 60، 65، 69- 72، 75، 220، 234، 272، 328

الموصليون: 323

مياح: 67، 71

ميكائيلي: 50

حرف النون

النده: 141

النزارية: 149

النساطرة: 330، 357

النصاري: 148

حرف الهاء

الهماوند: 17، 26، 54، 59، 78، 88، 92، 95، 103

الهندية: 74، 142، 259

حرف الياء

يزيدية: 20، 144، 145

اليهود: 6، 16، 114، 115، 116، 242

يونان: 153

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 400

3- فهرس المدن و الأماكن

حرف الألف

أبو جداحة: 86

أبو جويري: 48

أبو روية: 65

أبو صخير: 259

أبيجع: 74

الأحساء: 12، 20، 94، 143، 151، 178، 272، 278، 279، 280، 372

أدرنة: 43، 282، 330، 337

إربل: 85، 361

أرزنجان: 181

أرضروم (أرزن الروم): 190، 282، 300، 313

أزمير: 56

الأزيرج: 76

استنبول: 10، 11، 15، 20، 21، 26، 32، 34، 41، 44، 45، 49، 50، 51، 57، 58، 60- 63، 66، 67، 69- 71، 79، 94، 102، 105، 106، 108، 115، 125، 129، 132، 133، 137، 143- 145، 151، 157، 158، 163، 167، 170، 171، 181، 182، 186، 193، 204، 208، 210، 214، 215، 220، 223، 224، 225، 246، 247، 264، 267، 268، 274، 275، 277، 282، 291، 296، 299، 300، 304، 306، 325، 329، 330، 337، 338، 347، 348، 353، 354، 368

استكهولم: 125

اشقودرة: 102

اصطبلات: 358

أطنة: 115، 116، 119، 249

الإعدادي العسكري: 59، 79، 205

الإعدادي الملكي: 152، 296

الإعدادية المركزية: 283

الأعظمية: 31، 51، 139، 152، 247 344

الأفغان: 268، 312، 315، 328

ألتون كوبري: 360

ألمانية: 148، 176، 264، 265،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 401

277، 297

ألموت: 149

أم التمر: 48

أم الشعير: 67

أم الطبول: 333

أم الغشوش: 48

أم الغنم: 48

أنقرة: 34

إنكلترة: 59، 63، 109، 280، 281

آنونيم: 186

الأهواز: 327

أورفة: 216

أوروبا: 75، 108، 164، 268

أوستريا (مجارستان): 166

أولينغ يلكه ن: 339

أيا صوفيا: 190

آيدين: 102، 138

إيران و (الإيرانيون): 17، 20، 30، 33، 43، 49، 54، 64، 78، 81، 83، 89، 90، 96، 103، 104، 130، 131، 137، 149، 183، 328، 353، 362، 370، 371

إيطالية: 259

حرف الباء

باب الأعظمية: 345

الباب الشرقي: 268

باب الشيخ: 111، 340

الباب العالي: 60، 63، 66، 131

باب المعظم: 242، 243

بابا گورگور (مسجد): 64

بابل: 67، 260

بارمان: 149

باريس: 108، 122

بازيان: 103

الباشية: 60

باعذرا: 144

الباغات: 334

البانق العثماني: 267، 268

بانه: 358

بانية: 27، 28، 190

بتليس: 349

بحاثة:

74

بحر آزاق: 299

البحر الأبيض المتوسط: 246

البحر الأسود: 299

البحرين: 33، 280، 307

بدرة: 73

البدعة: 48، 76

البدير: 59

برلين: 268، 303، 343

بروسة: 170، 336، 338

بريطانيا: 311

البستان: 31

بستان أم ألبير: 339

بسوه: 215

البصرة: 11، 19، 33، 34، 44، 45، 48، 49، 51، 58، 60، 62، 65- 70، 72، 75، 79، 81، 83- 88، 92، 94، 95، 113، 124، 143، 146، 150،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 402

152، 156، 157، 162، 181، 182، 185، 186، 198، 202، 222، 223، 225- 227، 231، 234، 240، 242، 243، 245، 246، 249، 250، 254، 261، 263، 264، 269، 281، 282، 291، 296، 304، 305، 308، 309، 310، 312، 313، 314، 315، 317، 318، 321- 323، 327، 340، 341، 372

بغداد: 14، 16، 17، 18، 19، 21، 23- 31، 33- 35، 37، 40، 41، 43، 46، 48- 52، 54- 56، 58- 60، 62، 64، 66، 70، 78، 85، 87، 88، 94، 95، 97، 98، 100، 102، 103، 105- 111، 114، 117، 119، 122- 135، 137- 139، 141- 143، 145- 154، 156- 159، 162، 164، 166- 168، 170- 172، 176- 188، 191، 197، 198، 201، 204، 206، 207، 212، 214، 216- 220، 222، 223، 225، 226، 228، 230، 234، 236، 238- 240، 243، 245- 247، 249، 250، 255، 260، 261، 265، 267، 269، 271، 274- 276، 279، 281، 283، 286، 287، 292، 295، 297، 303، 305، 310، 313- 315، 317، 318، 319، 324، 326، 327، 329، 330، 331، 332، 334، 337، 339، 340، 342، 343- 345، 347، 348، 349، 352، 353، 355، 356، 366، 368، 372

البغيلة: 84، 92، 331

بلجيكا: 311، 338

البلقان: 200، 273، 300، 303، 322

بنارس: 107

بنجوين:

358

بنغازي: 259

بنو أسد (ناحية): 76، 129

البوسفور: 299، 303

البوسنة: 50، 205

بومبي: 82

البيت الحرام: 142

بيت عدّاي: 331

بيت المعتصم: 163

بيروت: 117

بيرة جك: 347

حرف التاء

تبريز: 130

تبيران: 183

التحويلة: 95، 169

تربة النبي يوشع عليه السّلام: 115

ترعة السويس: 323

ترعة الهندية: 121

تركستان: 303

تركيا: 302، 307

تفليس: 268

تكريت: 358

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 403

تكية البكتاشية: 64

تكية البكري: 178، 292

تكية الطالبانية: 92، 96

تكية عرب: 336

تكية كركوك: 96

التومان: 103

حرف الجيم

جابان: 311

جادة خليل پاشا: 267، 345

جاف (نهر): 28

جامع آل جميل: 274

جامع أحمد الكهية: 176

جامع الإمام الأعظم: 237

جامع بايزيد: 306

جامع الحيدرخانة: 237

جامع الخاتون: 237، 297

جامع خانقين الكبير: 64

جامع الرمادي: 20، 21

جامع السيد سلطان علي: 223، 345

جامع شطرة العمارة: 105

جامع العادلية: 306

جامع الشيخ عبد القادر الگيلاني: 95، 344، 346

جامع الفحامة: 223

جامع الفلوجة: 223

جامع مرجان: 161، 273

جامع المسيب: 21

جامع الميدان: (الأحمدية): 97، 176

الچاي: 39

جامع الهندية: 25

جباسيات: 48

جبل حمرين: 357

جبل شمر: 97

الجحلة: 74

جرام: 347

الجربوعية (ناحية القاسم) 19

الجرة: 336

الجريان: 162

الجريت: 74، 75

الجزائر: 30

الجزرة: 74

الجزيرة: 90، 91، 234، 361

جزيرة العرب: 146

جسر بغداد: 129، 171، 175، 176، 262

الجسر الحميدي: 154

جسر الخر (المسعودي) 77، 154، 260

جسر العشار: 282

جسر الفلوجة: 95

جسر كركوك: 39

جسر الكوت: 169

جصان: 73

جعارة (الحيرة): 50، 347

جلعوط: 93

چمچمال: 235

جمعية الاتحاد: 206، 208، 268، 306

جمعية الإصلاح: 296

الجمعية المحمدية: 208

جمعية معاونة الجرحي: 341

چناق (قلعة): 300، 304، 309،

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 404

315، 339، 347

جوار: 74

جوانرود: 28

جولمرك: 330

حرف الحاء

حائل: 127

الحجاز: 12، 63، 108، 277، 306

الحچاميات: 48

الحسينية: 131، 170

الحصونية (الحسونية): 48

حضرة العباس: 58

حضرة عمر بن الخطاب: 321

حضرة القادرية: 171

حضرة الشيخ الكيلاني: 171، 187، 225، 233، 340

حطامان: 48

حلب: 28، 84، 102، 171، 214، 220، 262، 267، 347

الحلة: 19، 31، 48، 50، 60، 72، 74، 77، 89، 94، 121، 122، 126، 142، 165، 166، 168، 199، 237، 245، 259، 293، 348، 351

الحمار: 76، 83

حماية: 357

الحميدية: 24، 101، 125، 148، 149، 165، 205

الحويزة: 327

الحي: 65- 68، 75، 76، 142

حيال: 23

الحيرة: 50، 347

حرف الخاء

الخابور: 93

الخاتونية: 60

الخالص: 25، 95، 169

خان الحاج عبد العزيز: 273

خان الدجاج: 273

خان العوينة: 330

خان النفط: 273

خانقين: 19، 96، 103، 104، 141، 149، 357، 361

خان النهروان: 357

الخر: 171

خرائب الدهوية: 357

خراسان: 19، 142، 350

خزانة الآثار: 14

خزانة الأوقاف العامة: 82، 162

خزانة الكهية: 368

خزانة مشهد الإمام الحسين: 91

خزانة نائلة خاتون: 368

خزانة نعمان الآلوسي: 368

خصايا الهور: 48

الخليج العجمي: 311

خليج فارس: 279، 310

الخنث: 48

الخواص: 149

خيازة: 48

حرف الدال

دائرة الأحكام العدلية: 37

دائرة البلدية: 56

دائرة النفوس: 346

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 405

دار أيوب القلمجي: 356

دار البريد و البرق: 283، 356

دار التدريس: 188

دار السبيل: 265، 268

دار السعادة: 35، 37

دار الشفاء: 214

دار المعلمات الابتدائية: 297

دار المعلمين: 260، 296، 305

(الدباغخانة): 23، 268، 345

الدچة: 76

دجلة: 49، 65، 75، 112، 116، 117، 122، 162، 175، 187، 214، 222، 227، 253، 268، 310، 327، 328، 342

دربند بازيان: 78

درسم: 335

الدلابحة: 333

الدليم: 18، 20، 90، 142، 149

دمشق: 357

الدنادية: 144

دوار: 169

دواجنات: 357

الدولاب: 48، 60

دهوك: 49، 313

دوق مكلنبورغ: 341

ديار بكر: 34، 43، 51، 52، 58، 108، 134، 146، 190، 283

ديالي: 28، 65، 169، 358، 359

دير الزور: 45، 133، 171، 357

الديوانية: 74، 77، 198، 256، 259، 260، 263، 293، 348، 351

حرف الراء

رأس النتنومة: 17

رأس القرية: 326

راوندوز: 347، 361

رايت: 359

الرحالية: 91، 149

الرستمية: 342

الرشادية: 205، 260

الرشدي العسكري (مكتب): 54، 55، 58، 79، 148، 164، 205

الرصافة: 129، 152، 205

الركيوه: 48

الرمادي: 20، 21، 357

الروسية: 24، 43، 44، 88، 108، 297، 302، 303، 304، 311، 330، 371

روضة الكاظمية: 108

الروطة: 327

روم إيلي: 77، 145، 178، 282، 287

رويضات: 358

الرياض: 12، 127، 177، 281

حرف الزاي

الزاب: 360

زاخو: 49

الزبير: 81، 245، 306

زرباطية: 73

الزميلي: 74

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 406

زوارق: 65

زندان: 24

زهاو: 28، 128

حرف السين

سامراء: 54، 121، 356، 357، 358

سدة الحويرة: 186

سد الكنعانية: 49، 105، 114، 186

سدة الهندية: 25، 103، 106، 116، 121، 122، 126، 137، 186، 259، 288، 293، 294، 342

السراجخانة: 334

سراي الكاظمية: 164

سرد: 12

السفارة البريطانية: 106

سكة حديد بغداد: 264، 299، 337، 342

سلانيك: 57، 337

سلمان پاك: 70، 331، 332، 333، 336، 339، 340، 345، 352، 353، 355

السليمانية: 18، 28، 54، 58، 72، 78، 91، 128، 199، 206، 235، 306، 358

السماوة: 26، 74، 77، 142، 357

السن: 254، 342

السنجار: 144

السنجاوية: 33

السند: 23

سندية: 357

سنة (سنندج): 85، 358

سورية: 62، 149، 150، 171، 268، 309

سوق البقالين: 307

سوق الشيوخ: 76، 77، 78، 234

سوق العطارين: 244، 273

سيحان: 309

سيواس: 45، 46

سيواستبول: 299

حرف الشين

شادي: 84

شارع الإمام أبي حنيفة: 32

شارع الرشيد: 267، 345

شارع الملكة عالية: 223

الشام: 115، 150، 204، 268

الشامية: 48، 71، 74، 77، 142، 259

الشاهية: 48، 60

الشرقاط: 360

شركة جاكسون: 293

شركة المنسوجات: 214

شريعة الميدان: 117

شط الحلة: 293

شط الحي: 75

شط العرب: 227، 308

الشطرة العمارة: 76، 78، 81، 84، 90، 318

شطرة المنتفق: 90

الشعيبة: 327، 328

شفاثا: 91

الشنافية: 259

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 407

شهرزور: 18، 19، 54، 58، 129، 151

الشيح: 48

الشيخان: 144

الشيخ سعد: 353

حرف الصاد

الصفاوة: 48

الصقلاوية: 24، 105

الصلاحية: 19، 50، 361

الصنائع (مكتب): 214

حرف الطاء

الطائف: 87

الطارمية: 150

طاق كسري: 100

الطاقة: 351

طرابلس الغرب: 156، 158، 159، 200، 259، 306، 330، 336

طربزون: 112، 151

طوزخورماتو: 359

الطويلة: 72

الطوينات: 48

حرف الظاء

الظلمية: 60

حرف العين

عانة: 171، 361

العبخانة: 273

عبادان: 303، 307، 317

العجوز: 48

العراق: 13، 24، 28، 33، 35، 39، 41، 44، 45، 51، 68، 69، 75، 83، 97، 108، 109، 110، 128، 135، 141، 143، 147، 149، 150، 152، 173، 177، 187، 189، 190، 193، 194، 198، 201، 206، 208، 215، 221، 222، 227، 231، 233، 238، 272، 276، 282، 295، 296، 303، 305، 306، 308، 309، 310، 315، 316، 317، 321، 323، 324، 325، 327، 329، 331، 332، 340، 341، 352، 353، 354، 355، 361، 363، 365، 368، 370، 373

العريض: 74

العزير: 65، 312، 316، 318

العزيزية: 76، 331، 332

عشر: 74

العفير: 38

علي الغربي: 83

العمارة: 18، 20، 31، 49، 50، 63، 67، 72، 73، 74، 83، 84، 87، 100، 142، 143، 165، 199، 223، 234، 264، 330

عمان: 278، 279، 280

عنكوش: 48

العوادل: 48، 60

العورة: 48

العينية: 60، 162

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 408

حرف الغين

الغرابية: 213

الغراف: 75

غرفة التجارة: 239، 240

الغزالي: 171

الغزالية: 213

الغفارية: 48

الغموگة: 48

الغميجة: 65

حرف الفاء

الفاتحة (محلة): 98

الفاو: 75، 300

الفتاحية: 78

الفتحة: 358، 360

الفحامة: 87، 223

الفرات: 75، 112، 116، 122، 138، 187، 222، 227، 238، 253، 293، 294، 327، 357، 359

فرنسة: 116، 277، 297، 311

الفرهادية (الفرحاتية): 87

فزان: 347

الفضيلية: 213

الفلاحية: 342، 353

فلسطين: 355

الفلوجة: 24، 217، 247، 357

الفوار (نهر): 90

فولي: 328

حرف القاف

القاسم (محلة): 19

القاهرة: 275

قبر الإمام أبي يوسف: 243

قبر سليمان باشا: 243

قرا داغ: 103

قرارة: 106، 109، 116، 117، 214

قرق كليسا: 337

القرنة: 65، 314، 318، 328

قره تبة: 359

قزلرباط (السعدية): 59، 152

قسطموني: 190

قسطنطينية: 133

قشلة البصرة: 87

قشلة كركوك: 32

قشلة المدفعية: 356

القشلة النظامية: 152

القصابية: 23

قصبة الإمام موسي الكاظم (رض): 111

قصر عبد الجبار: 268

قصر عبد القادر الخضيري: 268

قصر كاظم باشا: 139

قصيم: 177

القطانة: 106

قطر: 280

القطيف: 94، 278

القفاف: 23

قفة البو سعيد: 48

قفة ديالي: 23

قفقاسبة: 303، 309، 316

قلعة سكر: 76

قلم النافعة: 335

قناة السويس: 268

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 409

قنبر علي (محلة): 326

القندية: 134

القنصلية الإيرانية: 117

القنصلية البريطانية: 110

قوصوه: 277

القيارة: 213، 361

حرف الكاف

الكار: 48

الكارون: 327

الكاظمية: 81، 106، 139، 142، 145، 163، 164، 237، 243، 326، 334، 344، 352

كربلاء: 17، 18، 55، 72، 74، 89، 91، 97، 107، 112، 137، 142، 147، 149، 152، 182، 183، 198، 206، 220، 224، 230، 237، 243، 259، 263، 347، 348

الكرخ: 51، 56، 87، 101، 152، 163، 187، 265، 205، 276، 291

كركوك: 28، 32، 39، 58، 64، 104، 105، 128، 157، 180، 199، 235، 359، 360، 361

گرمانشاه: 28، 103، 340

گرمة بني سعيد: 48، 76

گريد (كريت): 57، 134، 277

الگريعات: 342

كصة: 74

كفري: 19، 50

كلعنبر: 27

كلكتا: 107

كلية الأركان العراقية: 224، 277، 282

الكلية الأعظمية: 246

كلية الإمام الأعظم: 255

كلية الحقوق: 193، 274، 296، 347، 305

كلية الملكية الشاهانية: 193، 282، 306

كليات إنكلترة العسكرية: 224

كمون (قرية): 49

كنعانية: 40، 137

كنيس النبي يوشع عليه السّلام: 114

الكوت: 65، 70- 73، 81، 83، 105، 169، 309، 331، 332، 333، 339، 340، 341، 343، 346، 348، 352، 353، 355

كوت معمر: 48

الكوفة: 186

الكويت: 20، 280، 281، 346، 373

كويرش: 260

كويسنجق: 100

حرف اللام

لابيه ن: 339

لازستان: 151

لاهيجان: 215

لكناهور: 107

لنج (شركة): 221، 246

لندن: 107

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 410

لورستان: 235

حرف الميم

ماردين: 113، 143، 326

المبرات الخيرية: 55

متصرفية الموصل: 58

متصرفية نجد: 33، 34، 69، 152

المتولية: 87

المجر: 343

المجر الصغير: 74

المجر الكبير: 74

مجلس المبعوثون (النواب): 197، 198، 206، 213

مجلس المعارف: 274

محكمة البداية: 57، 199

محكمة التجارة: 243

محكمة الجزاء: 263

المحسنية: 17

محكمة الاستئناف: 57، 243

المحاويل: 19، 149

محلة الجامعين: 351

محلة جبران: 351، 352

محلة جديد حسن پاشا: 125

محلة العوينة: 97، 101

محلة الفضل: 97

محلة خضر إلياس: 163

المحمرة: 43، 327

المدحتية: 19، 142

المدارس الرشدية: 188، 260

المدارس العلمية: 365، 367

مدرسة الاتفاق الكاثوليكي: 51

المدرسة الإعدادية: 117، 126

المدرسة الأعظمية: 170، 246، 366

المدرسة الحربية: 146، 268، 277، 282، 337، 338

مدرسة الحقوق: 188، 190، 260، 274، 296

مدراش بيت زليخة: 115

مدرسة الصنائع: 172، 214

مدرسة الطبقچه لي: 82

مدرسة العشائر: 143

المدرسة القادرية: 96، 112، 125

مدرسة الكاثوليك: 121

مدرسة المرجان: 244، 306

مدرسة المسيب: 21

مدرسة نائلة خاتون: 368

مديرية السجون: 243

المدينة المنورة: 12

المراغة: 64

مرقد الشيخ أحمد الرفاعي

مرقد أنس بن مالك: 105

مرقد الزبير: 105

مرقد طلحة: 105

مريوان: 358

المساين: 48

المستشفي: 55، 101، 148، 242

مستشفي مير الياهو: 242

مسجد الرواس: 223

مسجد الشيخ أحمد الرفاعي: 105، 223

مسجد النجيب السهروردي: 148

المسرهد: 75

المسعودي: 89، 329

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 411

مسقط: 280

مسكنة: 57، 122

المسيب: 21، 91، 259

المسيج: 48

المشرح: 74

مشهد العباس (رض): 91

مشهد العزيز: 65

المشيرية: 25، 95، 149، 213

المصبغة: 206

مصر: 275، 277، 293

مطبعة الآداب ببغداد: 246

مطبعة البصرة: 124

مطبعة الكوفة: 12

مطبعة دار السلام: 141، 197

مطبعة الزوراء: 12

المطبعة العامرة: 325

المطبعة العسكرية: 353

مطبعة ولاية بغداد: 201

معمورة العزيز: 335

مقبرة الإمام الأعظم: 32، 224

مقبرة الحسن البصري: 245

مقبرة الغزالي: 223

مقبرة النبي شيت: 85

مقبرة اليهود: 114- 116

المقدادية: 24

مقري كوي: 337

المقيض: 48

مكة: 12

المكتب السلطاني: 296، 347

مكدونية: 277

مليبار: 108

الممدوحية: 142، 162

مناستر: 34، 182، 183

المملكة العربية السعودية: 306، 347

المنتفق:

34، 50، 58، 60، 62، 65- 72، 75، 77، 79، 87، 90، 92، 94، 95، 100، 129، 199، 206، 230، 262، 264، 282

مندلي (بنديجين): 88، 141

المنصورية: 24، 104

المنطقة: 142

الموصل: 11، 43، 44، 54، 58، 62، 77، 78، 85، 86، 104، 108، 131، 138، 143- 146، 150، 151، 178، 179، 180، 190، 199، 202، 216، 225، 227، 231، 240، 283، 292، 313، 319، 321، 322، 326، 327، 334، 335، 359- 361

المهدية: 48

المهيدية: 78

الميدان: 23، 97، 117، 265

الميناء: 72

حرف النون

نادي الضباط: 148

النادي العلمي: 291

الناصرية: 68، 71، 86، 138، 234، 314، 330

ناصرية العجم: 327

نجد: 15، 17، 20، 32، 33، 34، 63، 72، 83، 85، 87، 92- 94، 102، 127، 246، 278

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 412

النجف: 16، 64، 78، 91، 113، 121، 128، 137، 147، 186، 237، 259، 326

النجيبية (قصر): 101، 149

نصيبين: 361

النعمانية (المدرسة) 84، 356

النعيرية: 213

نقطة البير: 213

النمسة: 205، 343

نهر جوان: 28

نهر الشاه: 60، 149

نهر العظيم: 357

نهر الكوتي: 169

نهر اليسروقية: 71

النهرية (إدارة): 221

نوو راسيسق: 299

حرف الهاء

الهند: 59، 75، 82، 107، 108، 109، 236، 303، 317، 328

الهندية: 64، 91، 121، 122، 132، 149، 294، 342

هيت: 122، 359

حرف الواو

وادي جرناف: 360

واسط: 76

وان: 316

وزارة البحرية: 268

وزارة الزراعة: 268

وزارة الشؤون الاجتماعية: 268

الوزيرية: 25، 95، 149، 212، 213

حرف الياء

يكيشهر (يني شهر): 190

اليمن: 26، 29، 35، 146، 157، 337.

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 413

4- فهرس الكتب

حرف الألف

آراي ملل: 135

آشيان (مجلة تركية): 265

اجتهاد (مجلة تركية): 325

إخاء أربعين سنة: 306

الأخبار (جريدة): 65، 298

أحسن القصص: 134

أسفار الإنكليز في الشرق الأدني: 354

أشد الجهاد في أبطال دعوي الجهاد: 81

أصول الجندية: 338

أصول العسكرية: 338

أصول الهندسة: 278

أطلس: 278

افترنامة: 158

أمثلة تركية: 158

الأنساب للسمعاني: 280

إنكليز قوه سفريه: 354

الإيقاظ (جريدة): 13، 202

حرف الباء

البابية و البهائية: 129

بدر (جريدة): 20

البصرة (جريدة): 202

بطاريه ايله آتش: 303، 325، 349

بغداد (جريدة): 202، 215

بغداد وصوك حادثة ضياعي: 353

بغداده طوغرو: 354

بلبل (جموعة بلبل): 158

بلوغ الأرب: 125

بنادق الماوزر: 278

بيلديرم: 355

بيلد سرمك عاقبتي: 355

بيوك جريده ترك حربي: 300، 355

حرف التاء

تاريخ الأدب التركي في العراق: 41

تاريخ الخط العربي في العراق: 256

تاريخ الشاوي: 67، 69، 70

تاريخ العالم: 146

تاريخ العراق بين احتلالين: 18، 19، 44، 63، 85، 113، 130، 209، 278، 346، 350، 361، 374

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 414

التاريخ العلمي: 162، 180، 366، 367، 374

تاريخ الكولات: 152

تاريخ محاربات القلاع: 338

تاريخ مشروطيت: 371

تاريخ الموصل: 145

تاريخ نجد و علاقاته بالعراق: 12، 127

تاريخ اليزيدية: 20، 145

التايمس (جريدة): 354

تبصره عبرت: 26

ترجمان حقيقت (جريدة): 325

ترجمة أخبار الدول و آثار الأول: 158

ترجمة ديوان عمر الخيام: 325

ترجمة شرح عقائد النسفية و حواشيها:

135

تركيا ده بش سنه: 299

تشكيلات الجيش و السياسة: 278

التشكيلات و القيادة العسكرية: 278

التعريف بالمؤرخين: 14، 153

تعليمات الطابو: 92

تقرير الأحساء: 12، 94

تقرير رئيس أركان الجيش السادس: 178

تقرير السياحة: 88

تقرير في جزيرة العرب: 146

تقويم وقائع: 117، 129، 138

تنوير الأفكار (مجلة): 202

التهذيب (جريدة): 13، 202، 234، 235، 243

حرف الثاء

ثروت فنون: 12، 276، 282، 364

حرف الجيم

چالنمش أولكه: 221، 325

جرائد سورية: 62

جريدة البصرة: 124

جريدة المعلومات: 170

جلاء العينين: 82، 161

الجوائب (جريدة): 15، 43، 44، 45، 48، 58، 59، 62، 63، 64، 66، 69، 70

حرف الحاء

حرب جبهه لري: 314، 340

حرب العراق: 309، 355

حرب عمومينك منشأ لري: 300، 302

حقوق أساسية: 306

حنين المشتاق إلي وزير العراق: 232

الحياة (جريدة): 202

حرف الخاء

خاطرات جمال پاشا: 246، 275، 276، 298

الخدمة السفرية: 338

خزانة كتب نعمان الآلوسي: 105، 162

خزانة الأوقاف العامة: 162

الخط السلطاني: 197

خواطر أبي بكر حازم: 183، 187

حرف الدال

الدستور: 277، 364

الدستور (جريدة): 278، 296

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 415

الدستور الجديد: 364

الدول الإسلامية: 212

دولت عثمانية و يونان محاربه سي: 154

ديوان الرصافي: 187، 362

ديوان رضا الطالباني: 244

ديوان الزهاوي: 202، 306، 362

ديوان عبد الباقي العمري: 41

ديوان عبد اللّه صافي: 32، 39، 54، 158

ديوان عثمان نورس: 41

حرف الراء

رؤيت باري حقنده: 135

الرد علي العقيدة البهائية: 130

رسائل الصافي: 41

رسائل عبد الباقي العمري: 41

رسائل في المنتفق: 152

رسالة في الأغلاط اللغوية: 135

رسملي كتاب: 13، 43

الرقيب: 13، 197، 202، 205، 209، 213، 215، 221، 222، 224، 228، 230، 231، 232، 238، 242، 245

روح: 135

روح المعاني: 161

الروض الأزهر: 292

الروض الخميل: 33

الروضة: 9، 202، 224، 225، 371

الزوراء: 11، 14، 15- 21، 24، 27، 28، 30- 36، 39، 40، 43، 45، 47، 49، 51، 52، 54، 55- 60، 72، 75- 79، 81- 84، 86- 95، 101، 102، 103، 104، 105، 106، 108، 113، 117، 123، 124، 126، 128، 129، 130، 131، 132، 133، 141- 156، 158، 161- 166، 168- 170، 182، 173، 185- 187، 202، 215، 219، 223، 225، 243، 246، 249، 254، 256، 258، 260، 267، 271، 272، 275، 276، 278، 284، 290- 292، 294، 295- 298، 305، 314، 318، 324، 326، 328، 330، 336، 337، 340، 341، 342، 344، 345

حرف الزاي

الزهور: 202، 263، 325

حرف السين

سالنامه ء بغداد: 31

سالنامه ء ثروت فنون: 190، 200، 221، 364

سبيل الرشاد: 255

سجل عثماني: 41، 63، 102، 128

سراستوا: 134

سر إنسان: 135

سر تنزيل: 134

سر فرقان: 134

سر قرآن: 134

سكة حديد بغداد (كتاب): 265

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 416

السفر الطويل نحو بغداد: 355

سلس الغانيات: 162

سلمان باك محاربه سي: 336

سليمان باشا محاكمه سي: 146

سماعخانه أدب: 41

سومر (مجلة): 100، 163

سويملي آي (الجنة): 329

سياحتنامه حدود: 11

سياحت جورنالي: 11، 101، 109، 110

السيف البارق: 244

حرف الشين

شرح تشريح الأفلاك: 85

شرح سقط الزند: 85

شرح عقائد و حاشية لرينك ترجمة سي:

135

الشعب (جريدة): 163

شقائق النعمان: 82، 161

شكرية: 175

شهبال (مجلة): 13

حرف الصاد

صدي الإسلام: 14، 202، 329، 330، 337، 339، 341، 345، 346، 348، 362

صدي بابل: 14، 202، 219، 230، 232، 238، 239، 241، 244، 245، 282، 349

صلح الإخوان: 82

حرف الطاء

طريق الحج: 12

حرف العين

العالم الإسلامي (مجلة): 241

عثمانلي جبهه لري وقائعي: 310

عثمانلي مؤلفلري: 41، 137

عراق سفري: 298، 303، 310، 312، 317

عراق سفرينه دائر (الكتاب الأبيض):

354

عشائر العراق: 17، 23، 28، 33، 72، 85، 94، 235

العلم و النور (مجلة): 202

حرف الغين

غالية المواعظ: 161

غرائب الاغتراب: 108، 111، 113

الغرائب (مجلة): 246

غرفة تجارة بغداد (مجلة): 239

غولج مرافق السلطان: 340

حرف الفاء

الفارق بين المخلوق و الخالق: 274

فراق عراق: 325

فن الأسلحة: 278

حرف القاف

قانون إدارة الولايات: 203، 281

القانون الأساسي: 197، 201

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 417

قانون الانتخاب: 201

قانون الجندية: 216

القسطاس المستقيم: 158

القضاء (مجلة): 188

حرف الكاف

كتاب ويلسون: 354

گلشن خلفا: 182، 183

كنز الرغائب: 41، 63

كوت الإمارة محاصره سي: 354

حرف اللام

لائحة الإصلاحات: 201

لغة العرب (مجلة): 12، 13، 142، 150، 202، 246، 247، 261، 262، 265، 267، 272، 274، 275، 278- 281، 283، 291، 292، 295، 296، 306، 325

لك دوقه كين: 135

لوغارتمه: 278

حرف الميم

ماضي يه برنظر: 302

الماوز كوجك جابلي: 278

المجد التالد: 85

المجد في تاريخ بغداد و البصرة و نجد:

85

مجموعة أختام حسني: 51

مجموعة بلبل: 158

مجموعة حموشي: 63، 87، 133، 150، 164، 176، 179، 180، 182، 267، 274، 305، 315، 336

مجموعة درس و وعظ: 178

مجموعة شوكت پاشا: 278

مجموعة صالح السعدي: 55

مجموعة عبد اللّه خونده: 264

مجموعة عبد الغفار الأخرس: 32، 168

مجموعة عبد الوهاب النائب: 349

مجموعة محمد أمين العمري: 114

مجموعة محمد درويش آل عبد العزيز:

97، 98، 111، 170، 171، 178، 292، 298، 332، 335، 337، 340، 344، 346، 352، 356

محاضرات في النفير العام: 278

المحاق: 246

مخطرة الضباط: 338

مدائح آل النقيب: 33

مذكرات جمال پاشا: 275

مذكرات محمود شوكت: 276

مراحل القسطنطينية: 133

مرآة الزوراء: 152

المسك الأذفر: 161، 162، 274

مسكوكات عثمانية: 163، 164

المشذب: 164

المصباح (مجلة) 202، 295

مصباح الشرق: 202

مصحف شريف: 91

مصور محيط: 13

مصور نوسال: 151

معارك السفن الحربية: 309، 310

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 418

المعاهد الخيرية: 64، 94، 162

معجم البلدان: 347، 348

مفاتيح الغيب (تفسير الرازي): 134

مكتوبات سري پاشا: 133، 135

ملي نوسال: 212، 268

ملت مسلحة: 338

المنثور الأدبي: 41

المنحة الوهبية: 81

مناظرة في إبطال التثليث: 158

منظومة في العقائد: 82

الموصل (جريدة): 86

حرف النون

ناصر الدين شاه وبابيلر: 325

نجد قطعة سنك أحوال عموميه سي:

12، 67، 69، 178

نشوة المدام: 39

نطقلر مجموعه سي: 128

نظام الأملاك: 92

نقد الكلام في عقائد الإسلام: 135

النقود العراقية: 40

نمونه عدالت: 135

النهضة: 295

النور (مجلة): 202

نور الهدي لمن استهدي: 135

نوسال عصر: 137

حرف الهاء

هامش علي غلاف معجم البلدان: 347، 348

الهندسة المجسمة: 278

حرف الواو

وظائف الأركان الحربية: 338

وظائف الأركان العملية: 338

وقت (جريدة): 45

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 419

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة

حرف الألف

الالتزام: 23، 73، 74

الأملاك المدورة: 221، 263

الأوقاف العامة: 82

الأوقاف المندرسة: 124

حرف الباء

بطخات: 71

البرسيمة (كردية بمعني جوعان): 62

حرف التاء

تمغا (طمغة): 24، 241

حرف الحاء

حزب الاتحاد و الترقي: 197، 206

حزب بغداد: 197

حرف الدال

دانس (رقص): 267

الدخانية: 20، 24

دفرة: 150

دوار: 169

حرف الذال

ذرعة: 74، 84، 142، 214

حرف الراء

روبية: 59

حرف الشين

الشيطار: 16

شير و خورشيد (وسام): 113

حرف الصاد

صوجاق: 169

حرف الضاد

الضبطية: 26، 75

حرف الطاء

الطاپو: 15، 16

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 420

طغرا، طغراكش: 255

حرف الغين

غرق: 313

حرف القاف

قبوچي باشي (رتبة): 148

القسم التركي:

قول أغاسي (رتبة): 44

حرف الكاف

الكاشي: 265

الكمرك: 59

الكودة: 24، 32

حرف الميم

المجيدي: 59، 108

المحكمة الشرعية: 16

المشروطية: 8- 10، 13

مناط (نقد): 59

حرف النون

النظامية: 71

النقشبندية (طريقة): 72، 81، 85

حرف الهاء

الهمايوني: 29

الهيضة: 79، 114، 147، 244، 261

حرف الواو

وباء: 64، 90، 142، 186، 261

ودي: 75، 79

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 421

6- فهرس الصور

الوالي عبد الرحمن پاشا 22

الاستاذ إقبال الدولة 42

الوالي الحاج حسن پاشا 61

الوالي عطاء اللّه پاشا 80

الأستاذ سليمان فائق بك مع ولديه الكبير مراد و الصغير خالد 99

السيد سلمان نقيب أشراف بغداد 118

الوالي نامق پاشا الصغير 136

الاحتفال بفرمان الوالي مجيد بك 155

الوالي أبو بكر حازم مع هادي پاشا العمري 174

الوالي ناظم پاشا 192

الفريق محمود شوكت پاشا 211

الوالي محمد زكي پاشا 229

الفريق محمد فاضل پاشا الداغستاني و علي يمينه فارس آغا من رؤساء بيشدر و إخوته 248

الوالي سليمان نظيف بك 266

الوالي نور الدين بك 285

فوندر غولج باشا 301

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 422

7- فهرس الموضوعات

مقدمة 7

بقية حوادث سنة 1289 ه- 1872 م ولاية محمد رؤوف باشا 15

حوادث سنة 1290 ه- 1873 م 23

حوادث سنة 1291 ه- 1874 م 32

حوادث سنة 1292 ه- 1875 م 34

حوادث سنة 1293 ه- 1876 م مجلس الأمة 40

حوادث سنة 1294 ه- 1877 م الوالي عاكف باشا 43

حوادث سنة 1295 ه- 1878 م 44

حوادث سنة 1296 ه- 1879 م الوالي عبد الرحمن باشا 51

حوادث سنة 1297 ه- 1880 م 60

حوادث سنة 1298 ه- 1880 م 64

حوادث سنة 1299 ه- 1881 م 72

حوادث سنة 1300 ه- 1882 م 82

حوادث سنة 1301 ه- 1884 م 86

حوادث سنة 1302 ه- 1884 م 89

حوادث سنة 1303 ه- 1885 م 93

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 423

حوادث سنة 1304 ه- 1886 م 96

حوادث سنة 1305 ه- 1887 م 105

حوادث سنة 1306 ه- 1888 م 112

حوادث سنة 1307 ه- 1889 م 114

حوادث سنة 1308 ه- 1890 م 126

حوادث سنة 1309 ه- 1891 م 138

حوادث سنة 1310 ه- 1892 م 145

حوادث سنة 1311 ه- 1893 م 147

حوادث سنة

1312 ه- 1894 م 148

حوادث سنة 1313 ه- 1895 م 149

حوادث سنة 1314 ه- 1896 م والي بغداد عطاء اللّه باشا 150

حوادث سنة 1315 ه- 1897 م 154

حوادث سنة 1316 ه- 1898 م 156

حوادث سنة 1317 ه- 1899 م الوالي نامق باشا الصغير 158

حوادث سنة 1318 ه- 1900 م 166

حوادث سنة 1319 ه- 1901 م 170

حوادث سنة 1320 ه- 1902 م 171

حوادث سنة 1322 ه- 1904 م الوالي عبد الوهاب باشا 178

حوادث سنة 1323 ه- 1905 م 180

حوادث سنة 1324 ه- 1906 م 181

حوادث سنة 1325 ه- 1907 م 183

حوادث سنة 1326 ه- 1908 م 187

حوادث سنة 1327 ه- 1909 م 207

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، ج 8، ص: 424

حوادث سنة 1328 ه- 1910 م الوالي حسين ناظم باشا 225

حوادث سنة 1329 ه- 1911 م الوالي ناظم باشا 245

حوادث سنة 1330 ه- 1912 م 262

حوادث سنة 1331 ه- 1913 م 274

حوادث سنة 1332 ه- 1913 م 293

حوادث سنة 1333 ه- 1914 م 307

حوادث سنة 1334 ه- 1915 م 336

حوادث سنة 1335 ه- 1916 م 349

خاتمة 374

1- فهرس الأعلام 379

2- فهرس الشعوب و القبائل و النحل 396

3- فهرس المدن و الأماكن 400

4- فهرس الكتب 413

5- فهرس الألفاظ الدخيلة و الغريبة 419

6- فهرس الصور 421

7- فهرس الموضوعات 422

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.