اثبات الوصية للامام على بن ابى طالب

اشارة

سرشناسه : مسعودي، علي بن حسين، - ق 345

عنوان و نام پديدآور : اثبات الوصيه للامام علي بن ابي طالب/ ابوالحسين علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي

مشخصات نشر : ايران ، قم: موسسه انصاريان، 1417ق. = 1996م. = 1375.

مشخصات ظاهري : ص 279

يادداشت : عربي

يادداشت : چاپ دوم: 1424ق. = 2003م. = 1382ISBN 964-438-486-5

موضوع : علي بن ابي طالب(ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- اثبات خلافت

موضوع : امامت

موضوع : ائمه اثناعشر -- سرگذشتنامه

موضوع : پيامبران -- سرگذشتنامه

رده بندي كنگره : BP223/5 /م5الف2 1375

رده بندي ديويي : 297/452

شماره كتابشناسي ملي : م 77-18598

ص :1

اشارة

ص :2

ص :3

ص :4

كلمة الناشر

تشكل مسألة الإمامة ركنا جوهريا في العقيدة الشّيعية،حيث يؤمن اتباع مذهب أهل البيت(ع)بأنّ الأرض لا تخلو من حجّة للّه و إمام.و انطلاقا من هذا المعتقد الذي يستند الى في تأسيسه إلى منطق العقل يؤمن الاماميّون بوجود الامام في العصر الحالي و العصور الغابرة و اللاحقة و ان الحكمة الإلهيّة اقتضت غيابه عن الانظار حتّى تتمهد الظروف المؤاتية لظهوره.

على أن مسألة الايمان بالمهدي لا تتوقف على القواعد العقليّة التي تقضي بانتفاء ضرورة استمرار النوع الانساني في غياب المثال الذي يجسد مسارها التكاملي.

فهناك الوثائق التاريخية التي سجلت ولادته في الخامس عشر من شعبان سنة 256 ه،في مدينة سامرّاء،إضافة إلى حشد هائل من الروايات و الأحاديث الشريفة التي بشّرت بظهور منقذ للبشرية في آخر الزمان.

و الكتاب الذي بين يديك عزيزى القارئ محاولة لمؤرخ كبير هو المسعودي،صاحب تاريخ«مروج الذهب»من اجل تقديم تفسير للحديث الشريف بأن الأرض لا تخلو من حجة للّه.

و«اثبات الوصية»يواكب تسلسل الحجج الإلهيّة من لدن آدم و بدء تاريخ النوع البشري على سطح الأرض و حتّى ولادة الامام محمّد المهديّ،و اختفائه عن الانظار.

و تمتاز هذه الطبعة الجديدة بتبويبها و تصحيحها ممّا علق بها من أخطاء في التركيب اللغوي و بعض التواريخ،إضافة إلى اعتماد قواعد الاملاء الحديث في تركيب المفردات.

و لا ننسى أن ننتهز هذه الفرصة لنقدم شكرنا و تقديرنا إلى كل من الأستاذ كمال السيّد و الأستاذ عبد الرضا افتخاري على ما بذلاه من جهد في إخراج هذا الكتاب بحلته الجديدة...سائلين اللّه أن يوفقهما للمزيد من اعمال البرّ و الخير.انه سميع مجيب.

أنصاريان

ص:5

ص:6

ترجمة المؤلّف

اشارة

هو أبو الحسن عليّ بن الحسين بن علي المسعودي الهذلي (1).من ذرّية عبد اللّه بن مسعود الصحابيّ و لذا قيل له المسعودي (2).و هو جد الشيخ الطوسيّ (3).

ولد في«بابل»كما نص عليه في«مروج الذهب»،ج 1،ص 273 عند وصف الأرض و البلدان و حنين النفوس للاوطان.قال:

«و اوسط الأقاليم الاقليم الذي ولدنا به و ان كانت الأيّام أنأت بيننا و بينه و ساحقت مسافتنا عنه و ولدت في قلوبنا الحنين إليه اذ كان وطننا و مسقطنا و هو اقليم بابل و قد كان هذا الاقليم عند ملوك الفرس جليلا و قدره عظيما...الخ».

و حينئذ فلا موقع لقول ابن النديم في«الفهرست»،ص 219 انّه من أهل المغرب.

نشأ في بغداد و أقام بها زمانا،و بمصر أكثر،و دخل البصرة فلقي بها ابا خليفة الجمحي (4)و رحل في طلب العلم إلى اقصى البلاد فطاف فارس و كرمان سنة 309 حتّى استقر في«اصطخر»و في السنة التالية قصد الهند إلى ملثان و المنصورة ثمّ عطف إلى كنباية فصيمور فسرنديب(سيلان)و من هناك ركب البحر إلى بلاد الصين و طاف البحر الهندي إلى مداغسكر(مدغشقر)و عاد إلى عمان و رحل رحلة أخرى سنة 314 إلى ما وراء اذربيجان و جرجان ثمّ إلى الشام و فلسطين.

و في سنة 332 جاء إلى أنطاكية و الثغور الشامية إلى دمشق و استقر اخيرا بمصر و نزل الفسطاط سنة 345 (5)توفي في مصر (6)،في جمادى الآخرة (7)سنة 345.

ص:7


1- .-الخلاصة للحلي،ص 49.
2- .-آداب اللغة العربية،جرجي زيدان،ج 2،ص 313.
3- .-رياض العلماء مخطوط.
4- .-طبقات الشافعية للسبكي،ج 2،ص 307.
5- .-آداب اللغة العربية،ج 2،ص 313،و معجم المطبوعات،ج 2،ص 1743.
6- .-لسان الميزان،ج 4،ص 225.
7- .-شذرات الذهب،ج 2،ص 371.

عقيدته

كان اماميا اثنا عشريا و من الاجلاء الثقات.و قد اعترف بذلك علماؤنا الاعلام.ففي «الخلاصة»للعلامة الحلي:ثقة من أصحابنا.

و لم يتعقب عليه الشهيد الثاني في«حواشي الخلاصة».

و في«رياض العلماء»للمولى عبد اللّه المعروف بالافندي:كان شيخا جليلا متقدما في أصحابنا الإماميّة عاصر الصدوق عليه الرحمة.

ثمّ حكى عن السيّد الداماد في حاشيته على اختيار رجال الكشّيّ للشيخ الطوسيّ انه قال:شيخ جليل ثقة ثبت مأمون الحديث عند العامّة و الخاصّة.

و عدّه المجلسي(قدّس سرّه)في«الوجيزة»من الممدوحين.و في«البحار»،ج 1، فصل 2 ذكر ان النجاشيّ عدّه من رواة الشيعة و لم يتعقب عليه.

و في«فرج المهموم»للسيّد ابن طاوس:

من العاملين بالنجوم الشيخ الفاضل الشيعي عليّ بن الحسين المسعودي صاحب مروج الذهب.

و قال ابن إدريس الحلي في«السرائر»في كتاب الحجّ:

هو من مصنفي أصحابنا معتقد للحق.

و قال أبو علي الحائري في«منتهى المقال»:هو من جلة العلماء الإماميّة و من قدماء الفضلاء الاثنا عشرية.و لم اقف إلى الآن على من توقف في تشيع هذا الرجل.

و في«روضات الجنّات»:

اشتهر بين العامّة بانه شيعي المذهب.

ثمّ ذكر الشواهد على تشيعه و انه من الإماميّة الاثنا عشرية.

و حكى خاتمة المحدثين ميرزا محمّد حسين النوريّ(قدّس سرّه)في«خاتمة

ص:8

المستدرك»،ج 3،ص 310 كلمات العلماء في عده من ثقات الإماميّة ثمّ قال:

و لم يطعن عليه الا في تصنيف«مروج الذهب»و ليس بشيء،اذ هو بمرأى من هؤلاء و مسمع.

و المتأمل في خباياه يستخرج ما كان مكتوما في سريرته،فانه ذكر من مناقب أمير المؤمنين عليه السلام المقتضية لأحقيته بالخلافة شيئا كثيرا كحديث المنزلة و الطير و الغدير و الاخوة.و اصرح من ذلك ما ذكره في مروج الذهب،ج 1،17 عند ذكر المبدأ و شأن الخليقة.و نص ما قال:

1- «وَ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حِينَ شَاءَ تَقْدِيرَ الْخَلِيقَةِ وَ ذَرْءَ الْبَرِيَّةِ وَ إِبْدَاعَ الْمُبْدَعَاتِ،نَصَبَ الْخَلْقَ فِي صُورَةٍ كَالْهَبَاءِ قَبْلَ دَحْوِ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ السَّمَاءَ وَ هُوَ فِي انْفِرَادِ مَلَكُوتِهِ وَ تَوَحُّدِ جَبَرُوتِهِ فَأَتَاحَ نُوراً مِنْ نُورِهِ فَلَمَعَ وَ نَزَعَ قَبَساً مِنْ ضِيَائِهِ فَسَطَعَ ثُمَّ اجْتَمَعَ النُّورُ فِي وَسَطِ تِلْكَ الصُّورَةِ الْخَفِيَّةِ فَوَافَقَ ذَلِكَ صُورَةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:أَنْتَ الْمُخْتَارُ الْمُنْتَجَبُ وَ عِنْدَكَ مُسْتَوْدَعُ نُورِي وَ كُنُوزُ هِدَايَتِي،مِنْ أَجْلِكَ أُسَطِّحُ الْبَطْحَاءَ وَ أَمْوَاجَ الْمَاءِ وَ أَرْفَعُ السَّمَاءَ وَ أَجْعَلُ الثَّوَابَ وَ الْعِقَابَ وَ الْجَنَّةَ وَ النَّارَ وَ أَنْصِبُ أَهْلَ بَيْتِكَ لِلْهِدَايَةِ وَ أُوتِيهِمْ مِنْ مَكْنُونِ عِلْمِي مَا لاَ يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ دَقِيقٌ وَ لاَ يُعْيِيهِمْ خَفِيٌّ وَ أَجْعَلُهُمْ حُجَّتِي عَلَى بَرِيَّتِي وَ الْمُنَبَّهِينَ عَلَى قُدْرَتِي وَ وَحْدَانِيَّتِي.

ثُمَّ أَخَذَ اللَّهُ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِمْ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَ الْإِخْلاَصَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ فَقَبِلَ أَخْذَ مَا أَخَذَ جَلَّ شَأْنُهُ بِبَصَائِرِ الْخَلْقِ انْتَخَبَ مُحَمَّداً وَ آلَهُ وَ أَرَاهُمْ أَنَّ الْهِدَايَةَ مَعَهُ وَ النُّورَ لَهُ وَ الْإِمَامَةَ فِي آلِهِ تَقْدِيماً لِسُنَّةِ الْعَدْلِ وَ لِيَكُونَ الْإِعْذَارُ مُتَقَدِّماً ثُمَّ أَخْفَى اللَّهُ الْخَلِيقَةَ فِي غَيْبِهِ وَ غَيَّبَهَا فِي مَكْنُونِ عِلْمِهِ.

إِلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ حَظُّ آدَمَ مِنَ الْخَيْرِ مَا آوَاهُ مِنْ مُسْتَوْدَعِ نُورِنَا وَ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ يُخْبِئُ النُّورَ تَحْتَ الزَّمَانِ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي ظَاهِرِ الْفَتَرَاتِ فَدَعَا النَّاسَ ظَاهِراً وَ بَاطِناً وَ نَدَبَهُمْ سِرّاً وَ إِعْلاَناً.

وَ اسْتَدْعَى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)التَّنْبِيهَ عَلَى الْعَهْدِ الَّذِي قَدَّمَهُ إِلَى الذَّرِّ قَبْلَ النَّسْلِ.فَمَنْ وَافَقَهُ

ص:9

وَ اقْتَبَسَ مِنْ مِصْبَاحِ النُّورِ الْمُقَدَّمِ اهْتَدَى إِلَى سَيْرِهِ وَ اسْتَبَانَ وَاضِحَ أَمْرِهِ،وَ مَنْ أَلْبَسَتْهُ الْغَفْلَةُ اسْتَحَقَّ السَّخَطَ.

ثُمَّ انْتَقَلَ النُّورُ إِلَى غَرَائِزِنَا وَ لَمَعَ فِي أَئِمَّتِنَا فَنَحْنُ أَنْوَارُ السَّمَاءِ وَ أَنْوَارُ الْأَرْضِ فَبِنَا النَّجَاةُ وَ مِنَّا مَكْنُونُ الْعِلْمِ وَ إِلَيْنَا مَصِيرُ الْأُمُورِ وَ بِمَهْدِيِّنَا تَنْقَطِعُ الْحُجَجُ خَاتِمَةُ الْأَئِمَّةِ وَ مُنْقِذُ الْأُمَّةِ وَ غَايَةُ النُّورِ وَ مَصْدَرُ الْأُمُورِ فَنَحْنُ أَفْضَلُ الْمَخْلُوقِينَ وَ أَشْرَفُ الْمُوَحِّدِينَ وَ حُجَجُ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلْيَهْنَأْ بِالنِّعْمَةِ مَنْ تَمَسَّكَ بِوَلاَيَتِنَا وَ قَبَضَ عُرْوَتَنَا.

فَهَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ ابْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ . و لم نتعرض لكثير من اسانيد هذه الأخبار و طرقها لأنا قد اتينا على جميع ذكرها و اتصالها في النقل بمن ذكرناها عنه و عزوناها إليه فيما سلف من كتبنا خوف الإكثار و التطويل في هذا الكتاب.

و على هذا فلا موقع لما في لسان الميزان،ج 4،ص 225 من انه شيعي معتزلي و حيث لم يتحققه السبكي نسبه إلى القيل،فقال في«طبقات الشافعية»،ج 2،ص 307:

قيل كان معتزلي العقيدة.

مؤلّفاته

ذكر النجاشيّ في«الرجال»،ص 178:

له كتاب المقالات في أصول الديانات و الزلف،و الاستبصار،و بشر الحياة،و بشر الابرار،و الصفوة في الإمامة،و الهداية إلى تحقيق الولاية،و المعالي في الدرجات،و الابانة في أصول الديانات و اثبات الوصية و رسالة إلى ابن صفوة المصيصي،و اخبار الزمان من الأمم الماضية و الأحوال الخالية،و مروج الذهب.

و في«أمل الآمل»للحر العاملي نقلا عن«حواشي الشهيد»على الخلاصة:

ان له كتاب الانتصار و آخر اسمه الاستبصار و آخر أكبر من مروج الذهب اسمه

ص:10

الاوسط و آخر اسماه القضاء و التجارب و النصرة و مزاهر الاخبار و طرائف الآثار و حدائق الازهار في اخبار آل محمّد عليهم السّلام و الواجب في الاحكام اللوازب.

و في«روضات الجنّات»،ص 379:

له كتاب ذخائر العلوم و ما كان في سالف الدهور،و الرسائل و الاستذكار لما مر في سالف الاعصار،و التاريخ في اخبار الأمم من العرب و العجم،و التنبيه و الاشراف و خزائن الملك و سر العالمين و البيان في أسماء الأئمّة و كتاب اخبار الخوارج.

و في بعض المواضع المعتبرة:له كتاب الأدعية نسبه إليه الكفعمي في مصباحه.

و في«فهرست ابن النديم»،ص 219:

له أسماء القرابات و الرسائل.

و في«لسان الميزان»لابن حجر،ج 4،ص 224:

له كتاب التعيين للخليفة الماضي.

و في«فوات الوفيات»للكتبي،ج 2،ص 45:

له كتاب البيان في أسماء الأئمّة.

و ذكر كتاب البيان في أسماء الأئمّة ياقوت في المعجم،ج 13،ص 94.

كتاب اثبات الوصية

ذكره النجاشيّ في الرجال

و العلاّمة الحلّي في الخلاصة

و الشهيد الثاني في الحاشية عليها

و المجلسي عند ذكر الكتب التي ينقل عنها في البحار

و أبو عليّ الحائري في منتهى المقال

و الخونساري في روضات الجنّات

و المحدث النوريّ في خاتمة المستدرك

و الشيخ العلامة الشيخ عبد اللّه المامقاني في تنقيح المقال.

ص:11

و لعلّ ما ذكره ياقوت في المعجم،و الكتبى في فوات الوفيات من البيان في أسماء الأئمة عين اثبات الوصية،كما ان ما ذكره ابن حجر في لسان الميزان من كتاب تعيين الخليفة الماضي لعله يوافقه.

و الحجة الامام كاشف الغطاء في كتابه«اصل الشيعة و اصولها»

و العلامة الشيخ آغا بزرك الطهرانيّ في كتابه«الذريعة إلى تصانيف الشيعة»في الجزء الأول.

ص:12

القسم الأوّل: اتصال الحجج و الأنبياء من أبينا آدم إلى سيدنا محمد صلی الله علیه و آله

اشارة

ص:13

ص:14

مقدّمة في بدء الخليقة

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه ربّ العالمين و العاقبة للمتقين و لا عدوان الا على الظالمين و صلّى اللّه على سيدنا محمّد و آله الطيبين الطاهرين.

2- (رُوِيَ)عَنْ عَالِمِ أَهْلِ الْبَيْتِ(عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ): أَنَّهُ قَالَ لِشِيعَتِهِ:اِعْلَمُوا الْعَقْلَ وَ جُنُودَهُ وَ اعْرِفُوا الْجَهْلَ وَ جُنُودَهُ تَهْتَدُوا.

فَقِيلَ لَهُ:إِنَّا لاَ نَعْرِفُ إِلاَّ مَا عَرَّفْتَنَا.

فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَلاَ خَلَقَ الْعَقْلَ وَ هُوَ أَوَّلُ خَلْقٍ خَلَقَهُ مِنَ الرُّوحَانِيِّينَ مِنْ يَمِينِ الْعَرْشِ مِنْ نُورِهِ فَقَالَ لَهُ أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ،ثُمَّ قَالَ لَهُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ.فَقَالَ لَهُ:خَلَقْتُكَ خَلْقاً عَظِيماً وَ كَرَّمْتُكَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِي.ثُمَّ خَلَقَ الْجَهْلَ مِنَ الْبَحْرِ الْأُجَاجِ الظُّلْمَانِيِّ فَقَالَ لَهُ أَدْبِرْ فَلَمْ يُدْبِرْ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَقْبِلْ فَلَمْ يُقْبِلْ فَلَعَنَهُ وَ قَالَ لَهُ اسْتَكْبَرْتَ،ثُمَّ جَعَلَ لِلْعَقْلِ خَمْساً وَ سَبْعِينَ جُنْداً فَلَمَّا رَأَى الْجَهْلُ مَا أَكْرَمَ اللَّهُ بِهِ الْعَقْلَ أَضْمَرَ لَهُ الْعَدَاوَةَ وَ قَالَ يَا رَبِّ هَذَا خَلْقٌ مِثْلِي خَلَقْتَهُ وَ كَرَّمْتَهُ وَ قَوَّيْتَهُ بِالْجُنُودِ وَ أَنَا ضِدُّهُ فَتُضَعِّفُنِي وَ لاَ يَكُونُ لِي قُوَّةٌ فَأَعْطِنِي مِنَ الْجُنْدِ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ.

فَقَالَ:نَعَمْ،فَإِنْ عَصَيْتَ بَعْدَ ذَلِكَ أَخْرَجْتُكَ وَ جُنُودَكَ مِنْ رَحْمَتِي.

قَالَ:قَدْ رَضِيتُ.

ص:15

فَأَعْطَاهُ خَمْساً وَ سَبْعِينَ جُنْداً. فكان ما اعطاهما من الجنود ما فسره العالم عليه السّلام و هو كما يوضع في الجهة التي تتلوها إن شاء اللّه تعالى.

جند العقل

الخير وزير العقل،الإخلاص،العلم،التهيئة،الرفق،الستر،النفس،الصبر التذكر، التوبة،الدعاء،التصديق،الإسلام،الشهامة،المداراة،البركة،الرهبة،الحلم،النظافة، الراحة،الحفظ،المواساة،النشاط،السلامة،الحق،الايمان،الطمع في الغفران،سلامة العيب،البر للوالدين،الصمت،العفو،السهولة،الحكمة،المودة،الفرح،الالفة،العدل، الأمانة،التوكل،الصلاة،العفة،الحقيقة،التقية،الرحمة،الصفا،الوقار،الاستغفار،السخاء، الحب في اللّه عزّ و جلّ،الفهم،الصوم،الزهد،التواضع،الإنصاف،الحياء،الغنى باللّه عز و جل،التعطف،المحافظة،الإغضاء،الصدق،الرجاء،المعرفة،الجهاد،الكتمان،التؤدة، الاستسلام،القصد،العافية،القناعة،الوفاء،الشكر،الرضاء،الرأفة،الحجّ،صون الحديث، المعروف،التسليم،اليقين،القوام،السعادة،الطاعة.

جند الجهل

الشر وزير الجهل،الكفران،البلادة،المكاشفة،الخرق،التبرج،الجحود،الكفر،الطمع، المماكرة،الجرأة،الاضاعة،التطاول،الباطل،الحرص،التهتك،العقوق،الإفطار،البلاء، الخيانة،الغباوة،الرعنة،الرياء،السفه،الجور،القنوط،الانكار،الافشاء،الكبر،الهذر، البغض،السخط،الغلظة،النميمة،التسرع،الإذاعة،الكذب،الشؤم،الجهل،الغضب، المنكر،الحمية،الاستكبار،العدوان،الخلع،المحق،البلوى،الشره،المعصية،التجبر، الشك،الفرقة،المكاثرة،الشقاوة،الاستنكاف،الحسد،الجزع،البخل،السهو،الاصرار، الكسل،الغدر،الحرص لغير اللّه،التعب،النسيان،المنع،الحزن،الحقد،النكول،الصعوبة، الهوى،العداوة،القساوة،نبذ الميثاق،الانتقام،الخفة،الاغترار،القحة،البغي،الفقر،القطيعة، التهاون،العصبيّة.

ص:16

فلا يجمع هذه الخصال كلها التي هي جنود العقل الا نبي أو وصي نبي أو مؤمن قد امتحن اللّه قلبه للايمان،فاما ساير المؤمنين فلا يخلو أحدهم من بعض هذه الجنود للخير حتّى إذا استكمل وصفا من جنود الجهل كان في الدرجة العليا مع الأنبياء.تدرك معرفة العقل و جنوده بمجانبة الجهل و جنوده.

بدء الخليقة

3- وَ رُوِيَ: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَلاَ خَلَقَ الْجِنَّ وَ النَّسْنَاسَ وَ أَسْكَنَهُمُ الْأَرْضَ فَسَفَكُوا الدِّمَاءَ وَ غَيَّرُوا وَ بَدَّلُوا فَأَهْبَطَ اللَّهُ إِبْلِيسَ اللَّعِينَ فِي جُنْدٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ وَ كَانَ اسْمُهُ عَزَازِيلَ فَأَبَادُوا الْجِنَّ وَ النَّسْنَاسَ إِلَى أَطْرَافِ الْأَرْضِ وَ سَكَنَ إِبْلِيسُ وَ مَنْ مَعَهُ الْعُمْرَانَ وَ كَانَ يَحْكُمُ بَيْنَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَ يَتَشَبَّهُ بِالْمَلاَئِكَةِ،وَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ،وَ يُظْهِرُ الطَّاعَةَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ يُبَطِّنُ الْمَعْصِيَةَ،ثُمَّ لَعَنَهُ اللَّهُ،وَ أَظْهَرَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ وَ حَكَمَ بِخِلاَفِ مَا أَمَرَ اللَّهُ وَ غَيَّرَ وَ بَدَّلَ فَلَمَّا أَرَادَ- جَلَّ وَ عَلاَ-أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)وَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ مَضَى لِلْجِنِّ وَ النَّسْنَاسِ سَبْعَةُ آلاَفِ سَنَةٍ وَ بَعْدَ أَنْ مَضَى لِإِبْلِيسَ(لَعَنَهُ اللَّهُ)حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ كَشَفَ عَنْ أَطْبَاقِ السَّمَاوَاتِ ثُمَّ قَالَ لِلْمَلاَئِكَةِ انْظُرُوا إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ خَلْقِي.

فَلَمَّا رَأَى الْمَلاَئِكَةُ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ وَ سَفْكَ الدِّمَاءِ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ،فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» يَكُونُ حُجَّةً لِي عَلَى مَنْ فِي أَرْضِي عَلَى خَلْقِي.

فَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ «أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ» فَقَالُوا اجْعَلْهُ مِنَّا فَإِنَّا لاَ نُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ وَ لاَ نَسْفِكُ الدِّمَاءَ.فَقَالَ: «إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ» إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْلُقَ خَلْقاً بِيَدِي وَ أَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَنْبِيَاءَ مُرْسَلِينَ وَ عِبَاداً أَئِمَّةً مَهْدِيِّينَ أَجْعَلُهُمْ خُلَفَاءَ عَلَى خَلْقِي وَ حُجَجاً يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِي وَ يُنْذِرُونَهُمْ مِنْ عَذَابِي وَ يَهْدُونَهُمْ إِلَى طَاعَتِي وَ يَسْلُكُونَ بِهِمْ إِلَى سَبِيلِي وَ أَبْتُرُ النَّسْنَاسَ عَنْ أَرْضِي وَ أَهْلَ مَرَدَةِ الْجِنِّ الْعُصَاةِ عَنْ بَرِيَّتِي وَ خَلْقِي وَ أُسْكِنُهُمْ فِي الْهَوَاءِ وَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَ أَجْعَلُ بَيْنَ الْخَلْقِ وَ بَيْنَ الْجِنِّ حِجَاباً فَلاَ يَرَى نَسْلُ خَلْقِي الْجِنَّ وَ لاَ يُجَالِسُونَهُمْ.

فَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ: «لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ»

ص:17

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ» .

وَ كَانَ ذَلِكَ تَقْدِمَةً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ؛احْتِجَاجاً بِهِ عَلَيْهِمْ.

قَالَ فَاغْتَرَفَ-تَبَارَكَ وَ تَعَالَى-مِنْ ذَاتِ الْيَمِينِ بِيَمِينِهِ غُرْفَةً مِنَ الْمَاءِ الْعَذْبِ الْفُرَاتِ فَصَلْصَلَهَا فَجَمَدَتْ ثُمَّ قَالَ لَهَا:مِنْكِ أَخْلُقُ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ عِبَادِيَ الصَّالِحِينَ الْأَئِمَّةَ الْمَهْدِيِّينَ وَ الدُّعَاةَ إِلَى الْجَنَّةِ وَ أَتْبَاعَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ لاَ أُبَالِي(وَ لاَ أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْأَلُونَ)يَعْنِي خَلْقَهُ.

ثُمَّ اغْتَرَفَ غُرْفَةً مِنَ الْمَاءِ الْمَالِحِ الْأُجَاجِ مِنْ ذَاتِ الشِّمَالِ فَصَلْصَلَهَا فَجَمَدَتْ فَقَالَ لَهَا:مِنْكِ أَخْلُقُ الْخَنَازِيرَ وَ الْفَرَاعِنَةَ وَ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ وَ الدُّعَاةَ إِلَى النَّارِ وَ أَتْبَاعَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَ شَرَطَ-جَلَّ وَ عَزَّ-فِي هَؤُلاَءِ البدء [اَلْبَدَاءَ] ثُمَّ خَلَطَ الطِّينَتَيْنِ جَمِيعاً ثُمَّ أَكْفَأَهُمَا مِثْلَهُ قُدَّامَ عَرْشِهِ.

4- وَ رُوِيَ: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَلاَ فَرَّقَ الطِّينَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَ لَهُمَا نَاراً فَقَالَ لَهُمَا ادْخُلُوهَا نَارِي فَدَخَلَهَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَهَا مُحَمَّدٌ وَ آلُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ثُمَّ اتَّبَعَهُمْ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ أَوْصِيَاؤُهُمْ وَ أَتْبَاعُهُمْ فَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْداً وَ سَلاَماً.وَ أَبَى أَصْحَابُ الشِّمَالِ أَنْ يَدْخُلُوهَا،فَقَالَ لِلْجَمِيعِ كُونُوا طِيناً بِإِذْنِي ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ آدَمَ.

قَالَ:فَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلاَءِ لاَ يَكُونُ مِنْ هَؤُلاَءِ وَ مَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلاَءِ لاَ يَكُونُ مِنَ هَؤُلاَءِ.

5- وَ قَالَ الْعَالِمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِلَّذِي حَدَّثَهُ مِنْ شِيعَتِهِ وَ مَوَالِيهِ: فَمَا رَأَيْتَ مِنْ فِرَقِ أَصْحَابِكَ وَ خُلُقِهِمْ مَا أَصَابَ مِنْ لَطْخِ أَصْحَابِ الشِّمَالِ،وَ مَا رَأَيْتَ مِنْ حُسْنِ سِيمَاءٍ وَ وَقَارِ أَعْدَائِكَ مَا أَصَابَ مِنْ لَطْخِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ.

6- وَ رُوِيَ: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ بِالتَّوْحِيدِ وَ الرِّسَالَةِ وَ الْإِمَامَةِ وَ ثَبَّتَ الْمَعْرِفَةَ فِي قُلُوبِهِمْ وَ نَسُوا الْمَوْقِفَ وَ سَيَذْكُرُونَهُ.وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَمْ يَدْرِ أَحَدٌ مَنْ خَالِقُهُ وَ رَازِقُهُ.

7- وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ(يَعْنِي تِلْكَ الْمَعْرِفَةَ)أَنْ يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ .

ص:18

8- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ سُمِّيَ آدَمَ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ مِنْ عَذْبِهَا وَ مَالِحِهَا وَ مُرِّهَا وَ مُنْتِنِهَا فَجُعِلَتِ الْمُلُوحَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَذَابَتَا وَ جُعِلَتِ الْمَرَارَةُ فِي الْأُذُنَيْنِ وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَدَخَلَهَا الْهَوَامُّ وَ جُعِلَ النَّتْنُ فِي الْأَنْفِ لِيَجِدَ الْإِنْسَانُ الرَّوَائِحَ الطَّيِّبَةَ وَ جُعِلَتِ الْعُذُوبَةُ فِي الْفَمِ لِيَجِدَ بِهِ لَذَّةَ المَطْعَمِ وَ الْمَشْرَبِ.

و لما خلق اللّه تعالى آدم عليه السلام و نفخ فيه الروح و أمر بالسجود له و انما كان السجود للّه تبارك و تعالى و الطاعة لآدم عليه السّلام و امتنع إبليس حسدا له و طغيانا و قال «خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»

و أخطأ إبليس اللعين في القياس لان الطين الذي خلق منه آدم أنور من النار لأن النار من الشجر و الشجر من الطين.

ثمّ قال إبليس:يا ربّ اعفني من السجود لآدم حتّى أعبدك عبادة لم يعبدك بها أحد.

فأوحى اللّه تعالى:لست أقبل شيئا من عبادتك الا الطاعة لآدم.

فأبى إبليس اللعين ذلك،فلعنه اللّه و غضب عليه و أمر الملائكة بإخراجه ثمّ قال له «وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ» «قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» «قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ»

9- : فَسُئِلَ الْعَالِمُ عَنِ السَّبَبِ فِي إِجَابَتِهِ إِلَى الْإِنْظَارِ.فَقَالَ لَهُ:إِنَّهُ لَمَّا هَبَطَ إِلَى الْأَرْضِ تَحَكَّمَ فِيهَا وَ غَيَّرَ وَ بَدَّلَ،فَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَسَجَدَ أَرْبَعَةَ آلاَفِ سَنَةٍ سَجْدَةً وَاحِدَةً فَجَعَلَ اللَّهُ تِلْكَ السَّجْدَةَ سَبَباً لِلْإِجَابَةِ لِلنَّظِرَةِ إِلَى قِيَامِ صَاحِبِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ يَوْمُ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ.

قال:فقال اللعين «فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ»

10- فَرُوِيَ: أَنَّهُ لاَ سُلْطَانَ لِإِبْلِيسَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي إِخْرَاجِهِمْ مِنْ وَلاَيَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى وَلاَيَةِ الْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ،وَ لَهُ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ.

11- وَ رُوِيَ: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ الْعَالِمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ» فَقَالَ:مَا زَالَ مُذْ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ فِي كُلِّ زَمَانٍ دَوْلَتَيْنِ دَوْلَةٌ لِلَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ وَ هِيَ دَوْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَوْصِيَاءِ،وَ دَوْلَةٌ لِإِبْلِيسَ.فَإِذَا كَانَتِ الدَّوْلَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَوْصِيَاءِ عَبَدَ اللَّهَ نَبِيُّهُ فِي الظَّاهِرِ،وَ إِذَا كَانَتْ دَوْلَةُ إِبْلِيسَ(لَعَنَهُ اللَّهُ)عَبَدَ اللَّهَ فِي السِّرِّ.

ص:19

هبوط آدم علیه السلام

12- قال: و كان مكث آدم في الجنة فيما روي سبع ساعات الدنيا؛

13- روي أنّه دخلها قبل زوال الشمس و خرج قبل أن تغيب،و أنّها كانت جنة تطلع فيها الشمس و القمر.و لو كانت جنة الخلد لما أخرج منها،و أنّه لما ذاق الشجرة انتزعت عنه زينته و كان عليه أحسن الثياب و أنفس الجواهر فاستتر بورق الموز ثمّ أمر اللّه جل و عزّ الملائكة باخراجه فاخذوا بيده ليخرجوه فقال اللّهمّ بحق محمّد و علي و الحسن و الحسين تب علي فاوحى اللّه إليه:اهبط إلى الأرض حتّى أتوب عليك،فهبط و أهبط معه من الحمرات،فلما استوى على الأرض مدّ بصره فرأى إبليس قد سبقه إلى الأرض.

14- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ لَمْ يَصْعَدْ آدَمُ شَجَرَةً إِلاَّ صَعِدَ إِبْلِيسُ بِحِيَالِهِ شَجَرَةً مِثْلَهَا فَرَفَعَ آدَمُ يَدَهُ ثُمَّ قَالَ:يَا رَبِّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُطِقْهُ وَ أَنَا فِي جِوَارِكَ،وَ قَدْ أَهْبَطْتَهُ مَعِي إِلَى الْأَرْضِ حَتَّى أُطِيقَهُ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:يَا آدَمُ السَّيِّئَةُ سَيِّئَةٌ وَ الْحَسَنَةُ عَشْرٌ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ.

قَالَ:يَا رَبِّ زِدْنِي.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:لاَ يَأْتِي أَحَدٌ مِنْ وُلْدِكَ بِمِثْلِ الْجِبَالِ مِنَ الذُّنُوبِ ثُمَّ يَتُوبُ مِنْهَا إِلاَّ غَفَرْتُ لَهُ.

قَالَ يَا رَبِّ:زِدْنِي.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:أَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَ لاَ أُبَالِي.

قَالَ:حَسْبِي.

فَقَالَ إِبْلِيسُ:قَدْ حُلْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ وَ مَنَعْتَنِي مِنْهُ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:أَنَّهُ لاَ يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ إِلاَّ وُلِدَ لَكَ وَلَدَانِ.

قَالَ يَا رَبِّ:زِدْنِي.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: «يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً»

قَالَ:حَسْبِي.

ص:20

فَصَارَ اللَّعِينُ ضِدّاً لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ وُلْدُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ.

15- وَ رُوِيَ: فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» قَالَ:عَهِدَ إِلَيْهِ فِي النَّبِيِّ وَ الْأَئِمَّةِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ)فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُمْ عَزِيمَةٌ أَيْ قُوَّةٌ.وَ إِنَّمَا سُمُّوا أُولُو الْعَزْمِ لِأَنَّ اللَّهَ(جَلَّ ذِكْرُهُ)لَمَّا عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي السِّيَادَةِ أَجْمَعَ عَزْمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ.

وَ قَدْ هَبَطَ آدَمُ عَلَى الصَّفَا وَ حَوَّاءُ عَلَى الْمَرْوَةِ،فَاشْتُقَّ لِلْجَبَلَيْنِ هَذَانِ الاِسْمَانِ،وَ كَانَ جَبْرَئِيلُ يَأْتِيهِمَا بِأَرْزَاقِهِمَا مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ احْتَبَسَ الرِّزْقُ عَنْهُمَا فَاشْتَدَّ جُوعُهُمَا فَنَزَلاَ إِلَى الْوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ فَالْتَقَيَا وَ أَكَلاَ مِنْ ثَمَرِهِ.

16- وَ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: أَمْرُ الْحِنْطَةِ وَ الطَّحِينِ وَ الْعَجِينِ وَ الْخُبْزِ؛قَالَ:وَ لَمْ يَكُنْ آدَمُ يُقَارِبُ حَوَّا.وَ قَالَ هُوَ لَهَا:إِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَنَا فِي الْهُبُوطِ لِأَنَّكِ قَدْ حَرُمْتِ عَلَيَّ،فَمَكَثَا مَا شَاءَ اللَّهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ثُمَّ هَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

17- وَ كَانَ مِنْ خَبَرِ حَجِّ آدَمَ وَ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ حَوَّا مَا قَصَّ بِهِ،وَ مِنْ مَوْلِدِ هَابِيلَ وَ قَابِيلَ وَ نُشُوئِهِمَا: فَكَانَ هَابِيلُ رَاعِيَ غَنَمٍ وَ قَابِيلُ حَرَّاثاً،فَقَالَ لَهُمَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَتَقَرَّبَا إِلَى اللَّهِ-عَزَّ ذِكْرُهُ-بِقُرْبَانٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْكُمَا فَتُقِرَّا بِذَلِكَ عَيْنِي،فَانْطَلَقَ هَابِيلُ إِلَى أَكْبَرِ كَبْشٍ فِي غَنَمِهِ فَقَرَّبَهُ،وَ انْطَلَقَ قَابِيلُ إِلَى شَرِّ مَا كَانَ لَهُ مِنَ الطَّعَامِ وَ أَنْقَصِهِ فَقَرَّبَهُ،فَتَقَبَّلَ اللَّهُ قُرْبَانَ هَابِيلَ وَ لَمْ يَتَقَبَّلْ قُرْبَانَ قَابِيلَ،فَحَسَدَ أَخَاهُ وَ أَظْهَرَ عَدَاوَتَهُ ثُمَّ أَخَذَ حَجَراً فَفَضَّ رَأْسَ أَخِيهِ هَابِيلَ بِهِ حَتَّى قَتَلَهُ.

18- وَ كَانَ مِنْ قِصَّةِ الْغُرَابِ وَ الدَّفْنِ مَا قَصَّ اللَّهُ بِهِ.وَ: رَجَعَ قَابِيلُ إِلَى آدَمَ،فَلَمَّا لَمْ يَرَ مَعَهُ أَخَاهُ هَابِيلَ قَالَ لَهُ:أَيْنَ تَرَكْتَ أَخَاكَ؟

قَالَ لَهُ قَابِيلُ:أَرْسَلْتَنِي رَاعِياً لاِبْنِكَ؟

قَالَ لَهُ:اِنْطَلِقْ مَعِي إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فَقَدْتَهُ فِيهِ،فَلَمَّا بَلَغَ الْمَكَانَ وَ رَأَى آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَثَرَ قَتْلِ هَابِيلَ اشْتَدَّ حُزْنُهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَ قَابِيلَ وَ نُودِيَ مِنَ السَّمَاءِ:لُعِنْتَ كَمَا قَتَلْتَ أَخَاكَ،وَ لَعَنَ آدَمُ الْأَرْضَ كَمَا بَلِعَتْ دَمَ هَابِيلَ،فَانْبَعَثَتِ الْأَرْضُ بَعْدَ ذَلِكَ دَماً وَ صَارَ يَجْمُدُ عَلَيْهَا وَ يَجِفُّ.

وَ انْصَرَفَ آدَمُ حَزِيناً فَبَكَى عَلَى هَابِيلَ أَرْبَعِينَ يَوْماً،فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:اِنِّي أَهَبُ لَكَ

ص:21

مَكَانَهُ غُلاَماً أَجْعَلُهُ خَلِيفَتَكَ وَ وَارِثَ عِلْمِكَ،فَوُلِدَ لَهُ شَيْثٌ وَ هُوَ هِبَةُ اللَّهِ،فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ سَمِّهِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ،فَجَرَتْ سُنَّةً،فَلَمَّا شَبَّ وَ كَبِرَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رَافِعُكَ إِلَيَّ يَوْمَ كَذَا وَ كَذَا فَأَوْصِ إِلَى خَيْرِ وُلْدِكَ هِبَةِ اللَّهِ وَ سَلِّمْ إِلَيْهِ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ وَ اجْعَلِ الْعِلْمَ فِي تَابُوتٍ وَ سَلِّمْهُ إِلَيْهِ فَإِنِّي آلَيْتُ أَلاَّ أُخَلِّيَ أَرْضِي مِنْ عَالِمٍ أَجْعَلُهُ حُجَّةً لِي عَلَى خَلْقِي، فَجَمَعَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وُلْدَهُ الرِّجَالَ وَ النِّسَاءَ ثُمَّ قَالَ:يَا وُلْدِي إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَى إِلَيَّ أَنَّهُ رَافِعِي إِلَيْهِ،وَ أَمَرَنِي أَنْ أُوصِيَ إِلَى خَيْرِ وُلْدِي هِبَةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ قَدِ اخْتَارَهُ لِي وَ لَكُمْ مِنْ بَعْدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِيعُوا أَمْرَهُ فَإِنَّهُ وَصِيِّي وَ خَلِيفَتِي.فَقَالُوا:سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا.

فَأَمَرَ بِتَابُوتٍ فَعُمِلَ وَ جُعِلَ فِيهِ الْعِلْمُ وَ الْأَسْمَاءُ وَ الْوَصِيَّةُ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى هِبَةِ اللَّهِ وَ قَالَ لَهُ:

انْظُرْ يَا هِبَةَ اللَّهِ فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَغَسِّلْنِي وَ كَفِّنِّي وَ صَلِّ عَلَيَّ وَ أَدْخِلْنِي حُفْرَتِي فِي تَابُوتٍ تَتَّخِذُهُ لِي.فَإِذَا حَضَرَتْ وَفَاتُكَ وَ أَحْسَسْتَ بِذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ فَأَوْصِ إِلَى خَيْرِ وُلْدِكَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَدَعُ الْخَلْقَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ عَالِمٍ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ قَدْ جَعَلْتُكَ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ فَلاَ تَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى تَدَعَ لِلَّهِ حُجَّةً وَ وَصِيّاً مِنْ بَعْدِكَ عَلَى خَلْقِهِ وَ تُسَلِّمَ إِلَيْهِ التَّابُوتَ وَ مَا فِيهِ كَمَا سَلَّمْتُهُ إِلَيْكَ،وَ أَعْلِمْهُ أَنَّهُ سَيَكُونُ نَبِيّاً وَ اسْمُهُ نُوحٌ يَكُونُ فِي الطُّوفَانِ وَ الْغَرَقِ فَمَنْ أَدْرَكَ فُلْكَهُ وَ رَكِبَ مَعَهُ فِيهِ نَجَا وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ هَلَكَ.وَ أَوْصِ وَصِيَّكَ أَنْ يَحْتَفِظَ بِالتَّابُوتِ فَإِذَا حَضَرَتْ وَفَاتُهُ أَنْ يُوصِيَ إِلَى خَيْرِ وُلْدِهِ وَ أَكْرَمِهِمْ لَهُ وَ أَفْضَلِهِمْ عِنْدَهُ،وَ لْيُوصِ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ.وَ احْذَرْ يَا هِبَةَ اللَّهِ الْمَلْعُونَ قَابِيلَ وَ وُلْدَهُ وَ لاَ تُنَاكِحُوهُمْ وَ لاَ تُخَالِطُوهُمْ.

قَالَ ثُمَّ اعْتَلَّ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَدَعَا(هِبَةَ اللَّهِ)وَ قَالَ لَهُ قَدِ اشْتَهَيْتُ مِنْ فَوَاكِهِ الْجَنَّةِ.

19- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ قَالَ لَهُ:اِمْضِ إِلَى الْجَنَّةِ فَجِئْنِي مِنْهَا بِعِنَبٍ.

فَانْطَلَقَ هِبَةُ اللَّهِ لِطَلَبِ مَا أَمَرَهُ بِهِ،فَاسْتَقْبَلَهُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ فَقَالَ:أَيْنَ تَذْهَبُ؟

فَقَالَ:اِشْتَهَى آدَمُ فَاكِهَةً فَأَمَرَنِي أَنْ أَطْلُبَهَا لَهُ.

فَقَالَ جَبْرَئِيلُ:أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ فِيهِ.إِنَّ أَبَاكَ آدَمَ قَبَضَهُ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ إِلَيْهِ.اِرْجِعْ.

فَرَجَعَ فَوَجَدَهُ قَدْ قُبِضَ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ)،فَغَسَّلَهُ وَ الْمَلاَئِكَةُ يُعِينُونَهُ،وَ كَفَّنَهُ وَ كَانَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ هَبَطَ مِنَ الْجَنَّةِ بِكَفَنِهِ وَ حَنُوطِهِ.

ص:22

فَلَمَّا وُضِعَ لِلصَّلاَةِ عَلَيْهِ قَالَ هِبَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:تَقَدَّمْ يَا رُوحَ اللَّهِ فَصَلِّ عَلَيْهِ.

قَالَ جَبْرَئِيلُ:بَلْ تَقَدَّمْ أَنْتَ فَصَلِّ عَلَيْهِ فَإِنَّكَ قَدْ قُمْتَ مَقَامَ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ لَهُ بِالسُّجُودِ.

فَلَمَّا سَمِعَ هِبَةُ اللَّهِ ذَلِكَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى عَلَيْهِ.

وَ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ كَبِّرْ خَمْساً وَ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً،بِعَدَدِ صُفُوفِ الْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ صَلَّوْا عَلَيْهِ.

وَ دُفِنَ بِمَكَّةَ فِي جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ.

ثُمَّ إِنَّ نُوحاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَمَلَ بَعْدَ الطُّوفَانِ عِظَامَهُ فِي تَابُوتٍ فَدَفَنَهُ فِي ظَاهِرِ الْكُوفَةِ.فَقَبْرُهُ هُنَاكَ مَعَ قَبْرِ نُوحٍ فِي الْغَرِيِّ،وَ تَابُوتُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَوْقَ تَابُوتِهِمَا(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ) فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ.

و كان عمره ألف سنة؛وهب لداود منها سبعين سنة فصار عمره بعد ذلك تسعمائة و ثلاثين سنة،و كانت كنيته-فيما روي عن الصادقين عليهم السّلام-ابا محمد.

20- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي أَخْبَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنَّهُ مُتَوَفِّيهِ فِيهِ تَهَيَّأَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِلْمَوْتِ وَ أَذْعَنَ بِهِ،فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ).

فَقَالَ لَهُ:دَعْنِي حَتَّى أَتَشَهَّدَ وَ أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي خَيْراً بِمَا صُنِعَ لَدَيَّ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ رُوحِي.فَقَالَ لَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ:اِفْعَلْ.

فَقَالَ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَ خَلِيفَتُهُ فِي أَرْضِهِ ابْتَدَأَنِي بِإِحْسَانِهِ وَ خَلَقَنِي بِيَدِهِ وَ لَمْ يَخْلُقْ بِيَدِهِ سِوَايَ وَ نَفَخَ فِيَّ مِنْ رُوحِهِ ثُمَّ أَجْمَلَ صُورَتِي وَ لَمْ يَخْلُقْ عَلَى خَلْقِي أَحَداً مِثْلِي ثُمَّ أَسْجَدَ لِي مَلاَئِكَتَهُ وَ عَلَّمَنِي الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ أَسْكَنَنِي جَنَّتَهُ وَ لَمْ يَكُنْ يَجْعَلُهَا دَارَ قَرَارٍ وَ لاَ مَنْزِلَ شَيْطَانٍ وَ إِنَّمَا خَلَقَنِي لِيُسْكِنَنِي الْأَرْضَ الَّذِي أَرَادَ مِنَ التَّقْدِيرِ وَ التَّدْبِيرِ وَ قَدَّرَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي،فَمَضَتْ قُدْرَتُهُ فِيَّ وَ قَضَاؤُهُ،وَ نَافِذُ أَمْرِهِ ثُمَّ نَهَانِي عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ،فَأَكَلْتُ مِنْهَا،فَأَقَالَنِي عَثْرَتِي وَ صَفَحَ لِي عَنْ جُرْمِي،فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ حَمْداً يَكْمُلُ بِهِ رِضَاهُ عَنِّي.

ثُمَّ قَبَضَ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ رُوحَهُ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)،فَصَارَ التَّشَهُّدُ عِنْدَ الْمَوْتِ سُنَّةً فِي وُلْدِهِ.

ص:23

[هبة اللّه عليه السّلام-و هو شيث بالعبرانية]

21- : فَلَمَّا أَفْضَى الْأَمْرُ إِلَى هِبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ-وَ هُوَ شَيْثٌ بِالْعِبْرَانِيَّةِ-قَامَ فِي وُلْدِ أَبِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ بِمَا أَوْصَاهُ بِهِ أَبُوهُ.وَ زَادَهُ اللَّهُ فِيمَا كَانَ أَهْبَطَهُ إِلَى آدَمَ مِنَ الصُّحُفِ خَمْسِينَ صَحِيفَةً وَ شَرَّفَهُ بِالْحَوْرَاءِ الَّتِي أَهْبَطَهَا إِلَيْهِ مِنَ الْجَنَّةِ.

وَ اعْتَزَلَ قَابِيلَ وَ وُلْدَهُ.وَ بَنَى الْكَعْبَةَ بِالْحِجَارَةِ،وَ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ مَكَانَهَا الْحَيَّةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ مِنَ الْجَنَّةِ وَ قُصَّ خَبَرُهَا،وَ كَانَ قَابِيلُ وَ وُلْدُهُ فِي أَعْلَى الْجَبَلِ،وَ هِبَةُ اللَّهِ وَ وُلْدُهُ وَ شِيعَتُهُ فِي أَسْفَلِهِ،فَنَزَلَ وَ جَاءَ إِلَى هِبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ:قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ صَاحِبُ الْأَمْرِ وَ أَنَّ أَبَاكَ قَدْ أَوْصَى إِلَيْكَ وَ اسْتَوْدَعَكَ الْعِلْمَ وَ إِنْ نَطَقْتَ أَوْ أَظْهَرْتَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ أَلْحَقْتُكَ بِأَخِيكَ هَابِيلَ فَوَضَعَ هِبَةُ اللَّهِ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَ أَمْسَكَ،فَلَزِمَتِ الْأَوْصِيَاءُ التَّقِيَّةَ وَ الْإِمْسَاكَ إِلَى أَنْ يَقُومَ قَائِمُ الْحَقِّ.

وَ أَمَرَ هِبَةُ اللَّهِ وُلْدَهُ وَ الشِّيعَةَ بِالْحُضُورِ عِنْدَهُ فِي يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ،وَ كَانُوا إِذَا حَضَرُوا فَتَحَ التَّابُوتَ وَ نَظَرَ فِيهِ وَ جَعَلَ ذَلِكَ يَوْمَ عِيدٍ لَهُمْ.

وَ إِنَّمَا كَانَ نَظَرُهُ فِي التَّابُوتِ تَوَقُّعاً لِقِيَامِ الْقَائِمِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

و كان عمر هبة اللّه تسعمائة سنة.

22- وَ رُوِيَ: أَنَّ إِبْلِيسَ أَتَى قَابِيلَ فَقَالَ لَهُ إِنَّمَا قُبِلَ قُرْبَانُ أَخِيكَ هَابِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْبُدُ النَّارَ فَانْصِبْ أَنْتَ أَيْضاً نَاراً تَكُونُ لَكَ وَ لِعَقِبِكِ،فَبَنَى بَيْتَ نَارٍ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ نَصَبَ النِّيرَانَ وَ عَبَدَهَا وَ سَنَّ الْكُفْرَ فِي وُلْدِ آدَمَ،وَ كَانَ الْمُلْكُ وَ التَّدْبِيرُ وَ الْأَمْرُ وَ النَّهْيُ لَهُ،وَ هِبَةُ اللَّهِ صَامِتٌ مَغْمُورٌ وَ هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ.

فَلَمَّا حَضَرَتْ وَفَاتُهُ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْدِعَ التَّابُوتَ وَ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ ابْنَهُ رَيْسَانَ بْنَ نَزْلَةَ وَ هِيَ الْحُورِيَّةُ الَّتِي أُهْبِطَتْ لَهُ مِنَ الْجَنَّةِ اسْمُهَا نَزْلَةُ.

23- وَ رُوِيَ: أَنَّ اسْمَ رَيْسَانَ أَنُوشُ،فَأَخْبَرَهُ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ التَّابُوتَ وَ مَوَارِيثَ الْأَنْبِيَاءِ وَ أَمَرَهُ بِمِثْلِ مَا كَانَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَوْصَى بِهِ إِلَيْهِ،وَ قَالَ لَهُ:إِنْ أَدْرَكْتَ نُبُوَّةَ نُوحٍ فَسَلِّمْ إِلَيْهِ الْعِلْمَ وَ مَا فِي يَدَيْكَ.

وَ اسْتَخْفَتِ الْإِمَامَةُ وَ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ خَوْفاً مِنْ قَابِيلَ وَ وُلْدِهِ يَتَوَقَّعُونَ مِنْ قِيَامِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

وَ مَضَى هِبَةُ اللَّهِ وَ اسْتَخْلَفَ رَيْسَانَ.

ص:24

[ريسان(ابن نزلة الحورية)و اسمه أنوش عليه السّلام]

24- قَامَ رَيْسَانُ(ابْنُ نَزْلَةَ الْحُورِيَّةَ)وَ اسْمُهُ أَنُوشُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِأَمْرِ اللَّهِ(جَلَّ وَ عَلاَ)وَ مَاتَ اللَّعِينُ قَابِيلُ فَأَفْضَى الْمُلْكَ إِلَى ابْنِهِ طَهْمُورَثَ فَمَلَكَ مِائَتَيْنِ وَ سِتّاً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَ وُضِعَ فِي زَمَانِهِ لِبَاسُ الشَّعْرِ وَ الصُّوفِ وَ اتُّخِذَ الدَّوَابُّ وَ الْآلاَتُ وَ الْأَنْعَامُ.

وَ اسْتَخْفَى أَنُوشُ الْأَمْرَ وَ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.فَمَنْ آمَنَ بِهِ كَانَ مُؤْمِناً،وَ مَنْ جَحَدَهُ كَانَ كَافِراً،وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ كَانَ ضَالاًّ.

فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْبِضَ أَنُوشَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْدِعَ نُورَ اللَّهِ وَ حِكْمَتَهُ وَ التَّابُوتَ وَ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ وَ الْعِلْمَ ابْنَهُ أُمْحُوقَ وَ اسْمُهُ أَيْضاً قَيْنَانُ فَأَحْضَرَهُ وَ جَمَعَ ثِقَاتِ شِيعَتِهِ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ وَ سَلَّمَ جَمِيعَ مَا أُمِرَ بِتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِ وَ أَوْصَاهُ بِمَا احْتَاجَ إِلَى تَوْصِيَتِهِ بِهِ وَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي خَفَاءٍ وَ تَقِيَّةٍ وَ سِتْرٍ مِنْ طَهْمُورَثَ بْنِ قَابِيلَ.

وَ قَبَضَ اللَّهُ-جَلَّ وَ عَزَّ-أَنُوشَ،وَ قَامَ مِنْ بَعْدِهِ بِالْأَمْرِ أُمْحُوقُ وَ هُوَ قَيْنَانُ بْنُ أَنُوشَ بْنِ شَيْثِ بْنِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

[قينان عليه السلام]

25- فَقَامَ قَيْنَانُ بِأَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ وَ ظَهَرَ مُلْكُ عَوْجِ بْنِ عَنَاقَ مِنْ وُلْدِ قَابِيلَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ،وَ طَغَى وَ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ،وَ اشْتَدَّ أَمْرُ الشِّيعَةِ وَ غَلُظَتْ عَلَيْهِمُ الْمِحْنَةُ.

فَلَمَّا حَضَرَتْ وَفَاةُ قَيْنَانَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْدِعَ نُورَ اللَّهِ وَ حِكْمَتَهُ وَ التَّابُوتَ وَ الْعِلْمَ ابْنَهُ الْحَيْلَثَ،فَأَحْضَرَهُ وَ جَمَعَ ثِقَاتِ شِيعَتِهِ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ وَ سَلَّمَ جَمِيعَ مَوَارِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ إِلَيْهِ.

[الحيلث بن قينان عليه السّلام]

26- فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَيْنَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَامَ الْحَيْلَثُ بْنُ قَيْنَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِأَمْرِ اللَّهِ مُسْتَخْفِياً مِنْ طَهْمُورَثَ وَ مِنْ عَوْجِ بْنِ عَنَاقَ وَ أَوْلاَدِهِمْ وَ أَصْحَابِهِمْ لِكَثْرَتِهِمْ وَ قُوَّةِ أَمْرِهِمْ وَ قِلَّةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا عَهِدَ إِلَيْهِ أَبُوهُ إِلَى أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأَوْحَى إِلَيْهِ أَنِ اسْتَوْدِعِ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّابُوتَ غِنْمِيشَا،فَأَحْضَرَهُ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ بِمِثْلِ مَا كَانَ أَوْصَى بِهِ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ مَا فِي يَدِهِ مِنَ التَّابُوتِ وَ الْعِلْمِ وَ مَضَى(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ).

ص:25

[غنميش عليه السلام]

27- فَقَامَ غِنْمِيشَا بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى مِنْهَاجِ آبَائِهِ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ اسْتَوْدِعْ نُورَ الْحِكْمَةِ وَ مَا فِي يَدَيْكَ مِنَ التَّابُوتِ وَ الاِسْمِ الْأَعْظَمِ أُخْنُوخَ وَ هُوَ إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ هِرْمِسُ،فَأَحْضَرَهُ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ الْعِلْمَ وَ التَّابُوتَ.

[إدريس و هو هرمس و هو اخنوخ عليه السّلام]

28- فَلَمَّا قَبَضَهُ اللَّهُ جَلَّ وَ عَلاَ قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ إِدْرِيسُ وَ هُوَ هِرْمِسُ وَ هُوَ أُخْنُوخُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِأَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ وَ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ عِلْمَ الْمَاضِينَ وَ زَادَهُ ثَلاَثِينَ صَحِيفَةً وَ هُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى ،يَعْنِي الصُّحُفَ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى هِبَةِ اللَّهِ وَ إِدْرِيسَ.

وَ كَانَ أُخْنُوخُ جَسِيماً وَسِيماً عَظِيمَ الْخَلْقِ.وَ سُمِّيَ إِدْرِيسَ لِكَثْرَةِ دِرَاسَتِهِ فِي الْكُتُبِ.

وَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ قَرَأَ وَ كَتَبَ وَ سَنَّ سُنَنَ الْإِسْلاَمِ بَعْدَ هِبَةِ اللَّهِ وَ أَوَّلُ مَنْ خَاطَ الثِّيَابَ وَ كَانَ اللِّبَاسُ قَبْلَ ذَلِكَ الْجُلُودَ.

فَعِنْدَ ذَلِكَ وَ فِي أَيَّامِهِ مَلَكَ بِيوَرْأَسْبُ مِنْ وُلْدِ قَابِيلَ أَلْفَ سَنَةٍ وَ كَانَ وُلْدُ قَابِيلَ الْفَرَاعِنَةَ الْجَبَابِرَةَ لاَ يَمْلِكُونَ وَ لاَ يَقْعُدُونَ عَلَى تَرْتِيبِ الاِبْنِ وَ ابْنِ الاِبْنِ كَمَا يَمْلِكُ هَؤُلاَءِ مِنْ وُلْدِ هِبَةِ اللَّهِ فَصَارَ رَسْماً لِمَنْ غَلَبَ مِنَ الظَّالِمِينَ الطُّغَاةِ بَعْدَهُمْ يَمْلِكُ الرَّجُلُ ثُمَّ يَمْلِكُ أَخُوهُ وَ ابْنُ أَخِيهِ وَ ابْنُ عَمِّهِ وَ الْأَبْعَدُ دُونَ الْوَلَدِ وَ وَلَدِ الْوَلَدِ.

وَ كَانَ بِيوَرْأَسْبُ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ فِي مُلْكِهِ الْفَرَاسَةَ فَمِنْ هُنَاكَ سُمِّيَ كِتَابَ الْفَرَاسَةِ وَ كَانَ قَدْ وَقَعَ إِلَيْهِ كَلاَمٌ مِنْ كَلاَمٍ أَذَبَّ فَاتَّخَذَهُ سِحْراً وَ أَحَالَهُ عَنْ مَعْنَاهُ.وَ كَانَ بِيوَرْأَسْبُ يَعْمَلُ السِّحْرَ بِذَلِكَ الْكَلاَمِ وَ طَغَى فِي الْأَرْضِ وَ كَانَ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً مِنْ مَمْلَكَتِهِ نَفَخَ بِقَصَبَةٍ كَانَتْ لَهُ مِنْ ذَهَبٍ فَيَأْتِيهِ بِنَفْخَتِهِ كُلُّ مَا يُرِيدُ فَمِنْ هُنَاكَ تَنْفُخُ الْيَهُودُ بِالشَّبُورِ.فَرَكِبَ الْجَبَّارُ (لَعَنَهُ اللَّهِ)ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى نُزْهَةٍ فَمَرَّ بِرِيَاضٍ لِرِجَالٍ مِنْ شِيعَةِ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَسَنَةٍ خَضِرَةٍ فَسَأَلَ عَنْهَا فَقِيلَ إِنَّهَا لِرَجُلٍ مِنَ الرَّافِضَةِ وَ كَانَ مَنْ لاَ يَتْبَعُهُ عَلَى كُفْرِهِ وَ يَرْفُضُهُ يُسَمَّى رَافِضِيّاً.فَدَعَا بِهِ وَ قَالَ لَهُ أَ تَبِيعُنِي هَذِهِ الْأَرْضَ فَقَالَ لَهُ عِيَالِي أَحْوَجُ إِلَيْهَا مِنْكَ؟فَغَضِبَ وَ انْصَرَفَ عَنْهُ.فَشَاوَرَ فِي أَمْرِهِ امْرَأَةً كَانَتْ لَهُ وَ أَخْبَرَهَا بِقَوْلِهِ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ بِقَتْلِهِ فَأَبَى قَتْلَهُ إِلاَّ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ.

ص:26

فَقَالَتْ لَهُ:فَأَنَا أَحْتَالُ لَكَ فِي قَتْلِهِ،ائْتِ بِقَوْمٍ يَشْهَدُونَ عِنْدَكَ أَنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوهُ قَدْ بَرِئَ مِنْكَ وَ مِنْ دِينِكَ.فَفَعَلَ وَ قَتَلَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنَ وَ أَخَذَ ضَيْعَتَهُ.

فَغَضِبَ اللَّهُ-جَلَّ وَ عَزَّ-لِلْمُؤْمِنِ وَ أَوْحَى إِلَى إِدْرِيسَ أَنِ ائْتِ هَذَا الْجَبَّارَ الْعَنِيدَ فَقُلْ لَهُ:

مَا رَضِيتَ أَنْ قَتَلْتَ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنَ حَتَّى أَخَذْتَ ضَيْعَتَهُ وَ أَفْقَرْتَ عِيَالَهُ،أَمَا وَ عِزَّتِي لَأَنْتَقِمَنَّ لَهُ مِنْكَ وَ لَأَسْلُبَنَّكَ مُلْكَكَ وَ لَأُخَرِّبَنَّ مَدِينَتَكَ وَ لَأُطْعِمَنَّ الْكِلاَبَ لَحْمَ امْرَأَتِكَ.

فَقَالَ الْجَبَّارُ لِإِدْرِيسَ:اُخْرُجْ عَنِّي وَ أَرِحْ نَفْسَكَ.

ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ أَخْبَرَ امْرَأَتَهُ بِنُبُوَّةِ إِدْرِيسَ وَ مَا قَالَ لَهُ.

فَقَالَتْ لَهُ:لاَ يَهُولُكَ أَمْرُهُ فَإِنِّي سَأَبْعَثُ إِلَيْهِ بِمَنْ يَقْتُلُهُ اغْتِيَالاًفَجَمَعَ إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ شِيعَتَهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مِنَ الرِّسَالَةِ إِلَى الْجَبَّارِ وَ مَا قَالَتْهُ لَهُ امْرَأَتُهُ،فَأَشْفَقُوا عَلَيْهِ.

ثُمَّ إِنَّ امْرَأَةَ الْجَبَّارِ بَعَثَتْ بِأَرْبَعِينَ رَجُلاً لِيَقْتُلُوا إِدْرِيسَ فَقَصَدُوا مَجْلِسَهُ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ فِيهِ وَ كَانَ مَنْزِلُهُ مَسْجِدَ السَّهْلَةِ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ فَوَجَدُوهُ قَدْ تَنَحَّى عَنِ الْقَرْيَةِ مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ.فَلَمَّا كَانَ فِي السَّحَرِ نَاجَى رَبَّهُ وَ سَأَلَهُ أَنْ لاَ يُمْطِرَ السَّمَاءَ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَ لاَ مَا حَوْلَهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ ذَلِكَ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ قَدْ أَجَبْتُكَ.

فَأَخْبَرَ شِيعَتَهُ بِذَلِكَ وَ أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ تِلْكَ النَّوَاحِي،وَ كَانَتْ عِدَّتُهُمْ عِشْرِينَ رَجُلاً، فَتَفَرَّقُوا فِي أَقْصَى الْقُرَى وَ السَّوَادِ.وَ صَارَ إِدْرِيسُ إِلَى كَهْفِ جَبَلٍ شَاهِقٍ وَ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكاً بِاسْتِطْعَامِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَ سَلَبَ اللَّهُ ذَلِكَ الْجَبَّارَ مُلْكَهُ وَ خَرَّبَ مَدِينَتَهُ وَ أَطْعَمَ الْكِلاَبَ لَحْمَ امْرَأَتِهِ.وَ مَكَثَ إِدْرِيسُ غَائِباً عِشْرِينَ سَنَةً وَ أَمْسَكَتِ السَّمَاءُ مِنَ الْمَطَرِ،وَ الْأَرْضُ عَنِ النَّبَاتِ فَقُحِطَ النَّاسُ وَ اشْتَدَّ الْبَلاَءُ حَتَّى هَلَكَ خَلْقٌ مِنْهُمْ جُوعاً،وَ أُعْلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ بِدَعْوَةِ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُفَتَضَرَّعُوا وَ سَأَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَ التَّوْبَةَ.فَأَوْحَى اللَّهُ الرَّحِيمُ-جَلَّ وَ تَعَالَى-إِلَى إِدْرِيسَ أَنَّهُمْ قَدْ سَأَلُونِي وَ قَدْ رَحِمْتُهُمْ فَاسْأَلْنِي حَتَّى أُمْطِرَ السَّمَاءَ وَ أُنْبِتَ الْأَرْضَ.

وَ أَبَى إِدْرِيسُ ذَلِكَ.فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:لَمْ تَسْأَلْنِي فَأَجَبْتُكَ وَ أَنَا أَسْأَلُكَ إِنْ لَمْ تَسْأَلْنِي.فَأَبَى أَنْ يَسْأَلَهُ.

فَأَمَرَ اللَّهُ الْمَلِكَ أَنْ يَحْبِسَ عَنْهُ الرِّزْقَ وَ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنِ اهْبِطْ مِنَ الْجَبَلِ.

ص:27

فَهَبَطَ وَ قَدِ اشْتَدَّ جُوعُهُ فَرَأَى دُخَاناً فَقَصَدَهُ فَوَجَدَ عَجُوزاً كَبِيرَةً وَ قَدْ خَبَزَتْ قُرْصَيْنِ عَلَى مَقْلِيٍّ.فَقَالَ لَهَا:أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ أَطْعِمِينِي فَإِنِّي مَجْهُودٌ بِالْجُوعِ.

فَقَالَتْ لَهُ:هُمَا قُرْصَانِ أَحَدُهُمَا لِي وَ الْآخَرُ لِوَلَدِي فَإِنْ أَطْعَمْتُكَ قُرْصِي تَلِفْتُ وَ إِنْ أَطْعَمْتُكَ قُرْصَ ابْنِي هَلَكَ.

فَقَالَ لَهَا:اِبْنُكُ صَغِيرٌ وَ نِصْفُ قُرْصٍ يَكْفِيهِ.

فَأَجَابَتْهُ.فَأَخَذَتِ الْقُرْصَ فَكَسَرَتْهُ نِصْفَيْنِ وَ دَفَعَتْ إِلَيْهِ.

فَلَمَّا رَأَى الصَّبِيُّ أَنَّهُ شُورِكَ فِي قُرْصِهِ تَضَوَّرَ وَ اضْطَرَبَ وَ مَاتَ.

فَقَالَتْ أُمُّهُ:يَا عَبْدَ اللَّهِ قَتَلْتَ وَلَدِي.

فَقَالَ لَهَا إِدْرِيسُ:أَنَا أُحْيِيهِ بِإِذْنِ اللَّهِ.

فَأَخَذَ بِعَضُدَيِ الصَّبِيِّ ثُمَّ قَالَ:أَيَّتُهَا الرُّوحُ الْخَارِجَةُ ارْجِعِي إِلَى بَدَنِ هَذَا الْغُلاَمِ بِإِذْنِ اللَّهِ.

فَلَمَّا سَمِعَتِ الْمَرْأَةُ كَلاَمَهُ وَ نَظَرَتْ إِلَى ابْنِهَا قَدْ تَحَرَّكَ وَ عَاشَ قَالَتْ:أَشْهَدُ أَنَّكَ إِدْرِيسُ وَ خَرَجَتْ تُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهَا فِي الْقَرْيَةِ:أَبْشِرُوا بِالْفَرَجِ.

وَ جَلَسَ إِدْرِيسُ عَلَى تَلٍّ مِنْ مَدِينَةِ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ شِيعَتِهِ فَقَالُوا لَهُ:

مَا رَحِمْتَنَا هَذِهِ الْعِشْرِينَ سَنَةً قَدْ مَسَّنَا الضُّرُّ وَ الْجُوعُ وَ الْجُهْدُ ادْعُ اللَّهَ لَنَا فَقَالَ:لاَ أَدْعُو حَتَّى يَأْتِيَنِي الْجَبَّارُ وَ جَمِيعُ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ مُشَاةً حُفَاةً.

وَ اتَّصَلَ الْخَبَرُ بِالْمَلِكِ،فَبَعَثَ بِجَمَاعَةٍ وَ أَمَرَهُمْ بِإِحْضَارِهِ فَلَمَّا قَرُبُوا مِنْهُ دَعَا عَلَيْهِمْ فَمَاتُوا ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ بِخَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَمَاتُوا فَصَارَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَى الْجَبَّارِ فَقَالُوا:أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّ إِدْرِيسَ نَبِيٌّ مُسْتَجَابُ الدَّعْوَةِ وَ لَوْ دَعَا عَلَى الْخَلْقِ لَمَاتُوا.وَ سَأَلُوهُ الْمَصِيرَ إِلَيْهِ.

فَصَارَ إِلَيْهِ هُوَ وَ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ مُشَاةً حُفَاةً فَوَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْهِ خَاضِعِينَ طَالِبِينَ،فَقَالَ إِدْرِيسُ:أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ.

فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُمْطِرَهُمْ،فأظللهم [فَأَظَلَّتْهُمْ] سَحَابَةٌ مِنْ سَاعَتِهِمْ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ الْغَرَقُ.فَلَمْ يَزَلْ إِدْرِيسُ يُدَبِّرُ أَمْرَ اللَّهِ وَ عِلْمَهُ وَ حِكْمَتَهُ حَتَّى مَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ وَ مَا بَطَنَ حَتَّى أَرَادَ اللَّهُ

ص:28

عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَيْهِ فَأَوْحَى إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْدِعَ نُورَ اللَّهِ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّابُوتَ ابْنَهُ بُرْداً فَأَحْضَرَهُ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ مَوَارِيثَ الْأَنْبِيَاءِ وَ رَفَعَهُ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ إِلَيْهِ وَ كَانَتْ سِنُّهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي رُفِعَ فِيهِ ثَلاَثَمِائَةٍ وَ سِتّاً وَ خَمْسِينَ سَنَةً لَمَّا أَفْضَى الْأَمْرَ إِلَى بُرْدِ بْنِ أَخْنُوخٍ.

[برد بن أخنوخ عليه السّلام]

29- وَ قَامَ بُرْدُ بْنُ أَخْنُوخَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَلَمْ يَزَلْ قَائِماً يَحْفَظُ مَا اسْتُودِعَ وَ الْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ عَلَى حَالِ تَقِيَّةٍ وَ اسْتِخْفَاءٍ إِلَى أَنْ حَضَرَتْ وَفَاتُهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى بُرْدٍ أَنْ أَوْصِ إِلَى ابْنِكَ أَخْنُوخَ فَأَوْصَى إِلَيْهِ وَ أَمَرَهُ بِمِثْلِ مَا كَانَ أَوْصَى بِهِ وَ مَضَى.

[أخنوخ بن برد بن أخنوخ عليهم السّلام]

30- فَقَامَ أَخْنُوخُ بْنُ بُرْدِ بْنِ أَخْنُوخَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عَلَى سَبِيلِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ.

[متوشلخ بن أخنوخ عليهما السّلام]

31- : فَلَمَّا قَضَى وَ تُوُفِّيَ قَامَ بِالْأَمْرِ ابْنُهُ مُتَوَشْلِخُ بْنُ أَخْنُوخَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَمْ يَزَلْ يَدِينُ وَ يَحْفَظُ مَا اسْتُودِعَ سِرّاً وَ خَفَاءً عَلَى حَالِ غَيْبَةٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ مِنْ أَوْلاَدِ قَابِيلَ وَ أَصْحَابِهِ عَلَى مِنْهَاجِ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ قَبْضَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنْ أَوْصِ إِلَى ابْنِكَ لَمَكَ وَ هُوَ أَرْفَخْشَدُ فَفَعَلَ وَ مَضَى.

[ارفخشد بن متوشلخ عليه السّلام]

32- وَ قَامَ لَمَكُ وَ هُوَ أَرْفَخْشَدُ بْنُ مَتُوشَلَخَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِأَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَلاَ مَقَامَ آبَائِهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ)فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْبِضَهُ اخْتَارَ جَلَّ وَ عَزَّ لِإِظْهَارِ نُبُوَّتِهِ وَ رِسَالَتِهِ الْقَائِمَ الْمُنْتَظَرَ ابْنَهُ نُوحاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَمَرَ لَمَكَ بِتَسْلِيمِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ وَ الاِسْمِ الْأَعْظَمِ وَ الْوَصِيَّةِ وَ التَّابُوتِ وَ جَمِيعِ عُلُومِ الْأَنْبِيَاءِ فَأَحْضَرَهُ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ جَمِيعَ مَوَارِيثِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ.

[نوح بن ارفخشد عليه السلام]

33- : فَلَمَّا مَضَى لَمَكُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَامَ نُوحُ بْنُ أَرْفَخْشَدَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ هُوَ أَوَّلُ ذَوِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ أَظْهَرَ نُبُوَّتَهُ وَ أَمَرَهُ اللَّهُ جَلَّ وَ عَلاَ بِإِظْهَارِ الدَّعْوَةِ فَأَقْبَلَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَدْعُو قَوْمَهُ وَ الْمُلْكُ فِي بَنِي رَاسِبٍ وَ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ عَوْجُ بْنُ عَنَاقَ وَ كَانَ دُعَاؤُهُ إِيَّاهُمْ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ سِرّاً

ص:29

فَلَمْ يُجِيبُوهُ فَلَمْ يَزَلْ يَدْعُوهُمْ تِسْعَمِائَةٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ قَرْنٌ تَبِعَهُمْ قَرْنٌ عَلَى مِلَّةِ آبَائِهِمْ وَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ الْغَفَّارِ وَ إِنَّمَا سُمِّيَ نُوحاً لِأَنَّهُ كَانَ يَنُوحُ عَلَى قَوْمِهِ إِذَا كَذَّبُوهُ وَ كَانَ الَّذِي آمَنَ بِهِ الْعَقِبُ مِنْ وُلْدِ هِبَةِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ الْعَقِبُ مِنْ وُلْدِ قَابِيلَ وَ عَوْجِ ابْنِ عَنَاقَ بَنِي عَمِّهِمْ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَ عِظَمِ أَمْرِهِمْ وَ سُلْطَانِهِمْ فِي الْأَرْضِ وَ كَانُوا إِذَا دَعَاهُمْ يَقُولُونَ لَهُ: أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ؟ يَعْنُونَ الْعَقِبَ مِنْ وُلْدِ شَيْثٍ،يُعَيِّرُونَهُمْ بِالْفَقْرِ وَ الْفَاقَةِ وَ أَنَّهُ لاَ مَالَ لَهُمْ وَ لاَ عِزَّ وَ لاَ سُلْطَانَ فِي الْأَرْضِ.

و كانت شريعة نوح عليه السّلام التوحيد و خلع الانداد و الفطرة و الصيام و الصلاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

34- وَ: بُعِثَ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ ثَمَانَمِائَةٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً يَدْعُوهُمْ فَلاَ يَزِيدُهُمْ دُعَاؤُهُ إِلاّ فِراراً مِنْهُ وَ طُغْيَاناً.فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ تَكْذِيبُ قَوْمِهِ وَ طَالَ عَلَى شِيعَتِهِ الْأَمَدُ صَارُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ كُنَّا نَتَوَقَّعُ الْفَرَجَ بِظُهُورِكَ فَنَحْنُ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يُفَرِّجَ عَنَّا فَنَاجَى نُوحٌ رَبَّهُ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:مُرْ شِيعَتَكَ فَلْيَأْكُلُوا التَّمْرَ وَ يَغْرِسُوا النَّوَى فَإِذَا صَارَ نَخْلاً فَرَّجْتُ عَنْكُمْ.

فَأَمَرَهُمْ بِذَلِكَ.

فَارْتَدَّ مِنْ أَصْحَابِهِ الثُّلُثُ وَ بَقِيَ الثُّلُثَانِ صَابِرِينَ فَأَكَلُوا التَّمْرَ وَ غَرَسُوا النَّوَى وَ جَلَسُوا يَحْرِسُونَ نَبَاتَهُ وَ حَمْلَهُ حَتَّى إِذَا حَمَلَ بَعْدَ سِنِينَ كَثِيرَةٍ أَخَذُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَ صَارُوا بِهِ إِلَى نُوحٍ مُسْتَبْشِرِينَ.

فَنَاجَى اللَّهُ فِي ذَلِكَ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:مُرْهُمْ فَلْيَأْكُلُوا مِنْ هَذَا التَّمْرِ وَ لْيَغْرِسُوا النَّوَى فَإِذَا أَنْبَتَتْ وَ أَثْمَرَ فَرَّجْتُ عَنْهُمْ.

فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ فَارْتَدَّ الثُّلُثَانِ وَ بَقِيَ الثُّلُثُ صَابِرِينَ.

فَأَكَلُوا تِلْكَ الثَّمَرَةَ وَ غَرَسُوا النَّوَى وَ لَمْ يَزَالُوا يَحْرُسُونَهُ عِدَّةً مِنَ السِّنِينَ حَتَّى أَثْمَرَ ثُمَّ أَتَوْا نُوحاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالُوا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ تَفَانَيْنَا وَ تَهَافَتْنَا فَلَمْ يَبْقَ مِنَّا إِلاَّ الْقَلِيلُ وَ قَدْ أَدْرَكَتْ

ص:30

هَذِهِ الثَّمَرَةُ مِنَ الْغَرْسِ الثَّالِثِ.

فَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ جَلَّ وَ عَلاَ وَ سَأَلَهُ وَ تَضَرَّعَ إِلَيْهِ وَ قَالَ:يَا رَبِّ لَمْ يَبْقَ مِنْ شِيعَتِي إِلاَّ الْقَلِيلُ وَ إِنْ لَمْ أَرْجِعْ إِلَيْهِمْ بِمَا فِيهِ فَرَجُهُمْ تَخَوَّفْتُ عَلَيْهِمْ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ «أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَ وَحْيِنا» وَ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ جُذُوعَ النَّخْلِ الْأَوَّلِ عَرْضَ السَّفِينَةِ وَ الثَّانِيَةَ جَوَانِبَهَا وَ الثَّالِثَةَ سُقُوفَهَا.

فَرُوِيَ: أَنَّ قَوْمَهُ مَرُّوا عَلَيْهِ وَ عَلَى شِيعَتِهِ وَ قَدْ غَرَسُوا النَّوَى فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَ يَقُولُونَ قَدْ قَعَدَ(فَلَمَّا قَطَعَ النَّخْلَ وَ نَحَتَهُ جَعَلُوا يَمُرُّونَ وَ يَضْحَكُونَ وَ يَقُولُونَ قَدْ)قَعَدَ نَجَّاراً فَلَمَّا أَلَّفَ السَّفِينَةَ جَعَلُوا يَقُولُونَ قَدْ جَلَسَ فِي الْبَرِّ مَلاَّحاً.

35- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ عَمِلَهَا فِي دَوْرَيْنِ وَ هُمَا ثَمَانُونَ سَنَةً وَ كَانَ طُولُهَا أَلْفَ وَ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ وَ عَرْضُهَا مِائَةَ ذِرَاعٍ وَ ارْتِفَاعُهَا ثَمَانُونَ ذِرَاعاً وَ كَانَ بِنْيَتُهَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ مَسْجِدُ الْكُوفَةِ.

و أوحى اللّه جل و عزّ إليه «لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ» فعند ذلك دعا عليهم فقال «رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً»

36- فَرُوِيَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْقَمَ النِّسَاءَ قَبْلَ الْغَرَقِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَلَمْ يُغْرِقْ إِلاَّ الرِّجَالَ الْبَالِغِينَ.

وَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ احْمِلْ فِي السَّفِينَةِ مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ.فَحَمَلَ كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ وَلَدَ الزِّنَا.

وَ كَانَ مِيعَادُهُ فِي إِهْلاَكِ الْقَوْمِ أَنْ يَفُورَ التَّنُّورُ فَفَارَ فَجَاءَتْ ابْنَتُهُ فَقَالَتْ إِنَّ التَّنُّورَ قَدْ فَارَ.فَقَامَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى الْمَاءِ فَخَتَمَهُ فَوَقَفَ حَتَّى أَدْخَلَ فِي السَّفِينَةِ مَا أَرَادَ إِدْخَالَهُ ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْخَاتَمِ فَفَضَّهُ وَ كَشَفَ الطَّبَقَ فَفَارَ الْمَاءُ وَ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ الْمَطَرَ وَ زَعَمُوا أَنَّ التَّنُّورَ كَانَ يَفُورُ وَ فَارَ الْفُرَاتُ وَ فَاضَتِ الْعُيُونُ وَ الْأَوْدِيَةُ «وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ ... يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا» فَأَجَابَهُ بِمَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ.

37- وَ رُوِيَ: أَنَّ فُرُشَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ لاَ تُوطَأُ وَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَلاَ نَفَى عَنْهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ لِمَا لَمْ يَتَّبِعْهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ،فَأَغْرَقَ اللَّهُ الْكُفَّارَ وَ أَنْجَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي السَّفِينَةِ.

ص:31

38- وَ رُوِيَ: أَنَّ السَّفِينَةَ طَافَتْ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَ سَعَتْ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ ثُمَّ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ.وَ الْجُودِيُّ فُرَاتُ الْكُوفَةِ الْمَوْضِعُ الَّذِي مِنْهُ بَدَأَتْ فَصَارَ الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ سُنَّةً.

و إنمّا سمّى الطوفان لأن الماء طغى فوق كلّ شيء أربعين ذراعا و تصبب ماء الأرض و بقي ماء السماء فصار بحرا حول الدنيا.فماء البحر من بقية ذلك الماء و هو ماء سخط.

39- فَخَرَجَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ السَّفِينَةِ وَ عِدَّتُهُمْ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ، وَ رُوِيَ: أَنَّ عِدَّتَهُمْ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ.

فَلَمَّا رَأَى الْعِظَامَ قَدْ تَفَرَّقَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الْحَارِّ هَالَهُ وَ اشْتَدَّ حُزْنُهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:هَذَا آثَارُ دَعْوَتِكَ.أَمَا انِّي آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَلاَّ أُعَذِّبَ خَلْقِي بِالطُّوفَانِ بَعْدُ أَبَداً.

وَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَ الْعِنَبَ الْأَبْيَضَ فَأَكَلَهُ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَزَنَوَ خَرَجَ مَعَهُ مِنَ السَّفِينَةِ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ وَ ثَلاَثَةُ بَنِينَ وَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ كَانَ نُوحٌ التَّاسِعُ،فَجَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَخْطُبُ ابْنَتَهُ عَلَى حِدَتِهِ سِرّاً مِنْ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ فَضَاقَ ذَرْعاً وَ شَكَا إِلَى اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَ قَالَ يَا رَبِّ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَصْحَابِي إِلاَّ هَؤُلاَءِ الْأَرْبَعَةُ وَ كُلٌّ قَدْ خَطَبَ ابْنَتِي وَ إِنْ زَوَّجْتُ وَاحِداً أُغْضِبَ الْبَاقُونَ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ كِسَاءً فَيَجْعَلَ ابْنَتَهُ تَحْتَ الْكِسَاءِ وَ يَجْعَلَ مَعَهَا هِرَّةً وَ قِرَدَةً وَ خِنْزِيرَةً وَ يَسْتُرَ الْجَمِيعَ ثُمَّ يَرْفَعَ الْكِسَاءَ فَإِنَّكَ تَرَى أَرْبَعَ جَوَارٍ لاَ تَعْرِفُ ابْنَتَكَ مِنْهُنَّ فَزَوِّجْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمْ.

فَرُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: فَمِنْ هُنَاكَ تَنَاسَخَ الْخَلْقُ.

وَ عَقَدَ نُوحٌ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ قُبَّةً فَأَدْخَلَ إِلَيْهَا أَهْلَهُ وَ وُلْدَهُ وَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَنْ مَصَّرَ الْأَمْصَارَ وَ أَسْكَنَ وُلْدَهُ الْبُلْدَانَ فَسُمِّيَتِ الْكُوفَةُ قُبَّةَ الْإِسْلاَمِ بِسَبَبِ تِلْكَ الْقُبَّةِ.

ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:قَدِ انْقَضَتْ أَيَّامُكَ فَاجْعَلِ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ وَ مِيرَاثَ الْأَنْبِيَاءِ عِنْدَ ابْنِكَ سَامٍ فَإِنِّي لاَ أَتْرُكُ الْأَرْضَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ عَالِمٍ يَكُونُ عَلَى خَلْقِي وَ أَمَرَهُ أَنْ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ اللَّهَ سَيُفَرِّجُ عَنِ النَّاسِ بِنَبِيٍّ اسْمُهُ هُودٌ يُهْلِكُ مَنْ يَكْفُرُ بِهِ بِالرِّيحِ.فَمَنْ أَدْرَكَهُ فَلْيُؤْمِنْ بِهِ.وَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَفْتَحُوا الْوَصِيَّةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَ يَنْظُرُوا فِيهَا.

فَدَعَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ابْنَهُ سَامَ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ مَوَارِيثَ الْأَنْبِيَاءِ وَ أَوْصَاهُ بِكُلِّ مَا وَجَبَ.

ص:32

و قبض عليه السّلام و أنّه كان له فيما روي ألف و أربعمائة و خمسين سنة.و في خبر آخر انّه كان سنه حين بعث ثمانمائة و خمسين سنة.و لبث في قومه تسعمائة و خمسين سنة و عاش بعد خروجه من السفينة خمسمائة سنة فكان عمره ألفي سنة و ثلاثمائة سنة.

40- وَ رُوِيَ أَيْضاً: أَنَّهُ عَاشَ أَلْفَيْ وَ ثَمَانَمِائَةِ سَنَةٍ وَ أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ لَمَّا هَبَطَ لِقَبْضِ رُوحِهِ أَتَاهُ وَ هُوَ جَالِسٌ فِي مَشْرَقَةِ الشَّمْسِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَ عَرَّفَهُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ أَمَرَهُ بِقَبْضِ رُوحِهِ فَقَالَ نُوحٌ:اُتْرُكْنِي حَتَّى أَنْتَقِلَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ.

فَقَامَ إِلَى فَيْءِ شَجَرَةٍ فَنَامَ تَحْتَهَا ثُمَّ أَذِنَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ:يَا أَطْوَلَ وُلْدِ آدَمَ عُمُراً كَيْفَ وَجَدْتَ الدُّنْيَا؟

فَقَالَ:مَا أَذْكُرُ مِنْهَا شَيْئاً إِلاَّ انْتِقَالِي مِنَ الشَّمْسِ إِلَى ظِلِّ هَذِهِ الشَّجَرَةِ.

فَقَبَضَ رُوحَهُ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)وَ تَوَلَّى سَامٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ابْنُهُ غُسْلَهُ وَ دَفْنَهُ وَ الصَّلاَةَ عَلَيْهِ.

وَ قَبْرُهُ فِي ظَاهِرِ الْكُوفَةِ بِالْغَرِيِّ مَعَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

41- وَ رُوِيَ: بَيْنَ آدَمَ وَ نُوحٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ بَيْنَهُمَا مِنَ السِّنِينَ ألفي [أَلْفَا] سَنَةٍ وَ مائتي [مِائَتَانِ] وَ اثْنَانِ وَ أَرْبَعُونَ سَنَةً.وَ كَانَتْ أَعْمَارُ قَوْمِ نُوحٍ ثَلاَثَمِائَةِ سَنَةٍ.

[سام بن نوح عليهما السّلام]

و قام سام بن نوح عليهما السّلام بأمر اللّه عزّ و جلّ فآمن به شيعة نوح و أقام ولد قابيل و عوج ابن عناق على كفرهم و طغيانهم و خالف حام و يافث على أخيهم سام و لم يؤمنا به.و ولد لحام كنعان بن النمرود.و كان ملوك النبط من ولد حام و يافث و استخلف سام بالأمر و هو أبو النبيين و المرسلين و الأوصياء و أبو العرب و العجم(صلّى اللّه عليه)،و حام أبو الحبشة و السند و الهند،و يافث أبو البربر و الروم و الصقالبة و الترك.

فلما انقضت أيّامه عليه السّلام أوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته و الاسم الأعظم و ميراث النبوّة ابنه ارفخشد عليه السّلام فدعاه و أوصاه و سلّم إليه.

[ارفخشد عليه السّلام]

و قام ارفخشد عليه السّلام بأمر اللّه تعالى و حيث قام ارفخشد عليه السّلام بأمر اللّه تعالى آمن به شيعة أبيه و اتبعوه فعند ذلك ملك أفريدون و هو ذو القرنين

42- وَ كَانَ مِنْ قِصَّتِهِ: أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ

ص:33

وَ تَعَالَى بَعَثَهُ إِلَى قَوْمِهِ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ فَكَذَّبُوهُ وَ جَحَدُوا نُبُوَّتَهُ ثُمَّ أَخَذُوهُ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْمَنِ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ أَحْيَاهُ فَبَعَثَهُ فَجَحَدُوا نُبُوَّتَهُ وَ ضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْسَرِ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ أَحْيَاهُ وَ جَعَلَ دَلاَئِلَهُ فِي قَرْنَيْهِ فَكَانَ مَوْضِعُ الضَّرْبَتَيْنِ نُوراً يَتَلَأْلَأُ وَ كَانَ إِذَا غَضِبَ وَ صَرَخَ خَرَجَ مِنْ قَرْنَيْهِ الرُّعُودُ وَ الْبُرُوقُ وَ الصَّوَاعِقُ

وَ مَلَّكَهُ اللَّهُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا وَ قَتَلَ بِهِ الْجَبَّارِينَ. و هو الذي أوقع ببيورأسب و كان من قصته ما نبأنا اللّه به من أمر يأجوج و مأجوج و السند و غير ذلك من المشرق و المغرب لا يدع جبّارا إلاّ قصمه.و كان زمانه زمان عدل و خصب و بركة.

43- وَ رُوِيَ: أَنَّ الْخَضِرَ بْنَ أَرْفَخْشَدَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ كَانَ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ.

44- وَ كَانَ مِنْ قِصَّةِ الْخَضِرِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى السَّمَاءِ مَرَّ وَ مَعَهُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي بُقْعَةٍ مِنَ الْأَرْضِ فَاشْتَمَّ مِنْهَا رَوَائِحَ الْمِسْكِ فَسَأَلَ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْهَا فَقَالَ لَهُ:كَانَ مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ ذَا عَدْلٍ وَ حُسْنِ سِيرَةٍ وَ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ لاَ وَلَدَ لَهُ غَيْرُهُ فَلَمَّا شَبَّ الْوَلَدُ اعْتَزَلَ أَبَاهُ وَ الْمُلْكَ وَ لَزِمَ الْعِبَادَةَ وَ رَفَضَ الدُّنْيَا فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْمَمْلَكَةِ إِلَى الْأَبِ فَوَصَفُوا حُسْنَ سِيرَتِهِ فِيهِمْ وَ عَرَفُوهُ وَ أَنَّهُمْ مُشْفِقُونَ مِنْ حَادِثَةٍ تَحْدُثُ عَلَيْهِ فَيَخْرُجُ الْمُلْكُ فِي عَقِبِهِ وَ سَأَلُوهُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْمُلُوكِ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَداً ذَكَراً مِنِ ابْنِهِ هَذَا يَكُونُ الْمُلْكُ لَهُ بَعْدَ الْمَلِكِ إِذْ كَانُوا آيِسِينَ مِنْ تَقَلُّدِ ابْنِهِ الزَّاهِدِ شَيْئاً مِنْ أَمْرِهِ.

فَاخْتَارَ الْمَلِكُ بَعْضَ بَنَاتِ الْمُلُوكِ فَزَوَّجَ ابْنَهُ بِهَا ثُمَّ أَحْضَرَهَا فَعَرَّفَهَا صُورَةَ أَمْرِ ابْنِهِ الزَّاهِدِ وَ سَأَلَهَا أَنْ تَتَأَلَّفَهُ وَ تَرْفُقَ بِهِ وَ تُحْسِنَ خِدْمَتَهُ مِقْدَارَ أَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا الْوَلَدَ.

وَ زَيَّنَهَا بِأَحْسَنِ الزِّينَةِ وَ أَمَرَ بِإِدْخَالِهَا إِلَيْهِ فَدَخَلَتْ وَ هُوَ يُصَلِّي فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَسَأَلَهَا عَنْ شَأْنِهَا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَاهُ زَوَّجَهُ بِهَا وَ أَنَّهَا مِنْ بَنَاتِ الْمُلُوكِ وَ قَالَتْ لَهُ:إِنَّكَ لاَ تَسْتَغْنِي عَمَّنْ يَخْدُمُكَ وَ يُؤْنِسُكَ وَ يُعِينُكَ عَلَى أَمْرِكَ،فَرَقَّ لَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا:خَيْرُ الْقَوْلِ أَصْدَقُهُ،إِنِّي لَسْتُ مِنَ الدُّنْيَا وَ أَسْبَابِهَا فِي شَيْءٍ،فَإِنْ أَرَدْتَ الْمُقَامَ مَعِي عَلَى هَذَا أَبُثُّكَ سِرِّي عَلَى أَنْ تَكْتُمِيهِ وَ إِلاَّ فَلاَ.

فَأَجَابَتْهُ إِلَى الْمُقَامِ مَعَهُ وَ وَجَّهَ الْمَلِكُ إِلَيْهَا يَسْأَلُهَا عَنْ حَالِهَا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا بِخَيْرٍ.فَأَخْبَرَ

ص:34

بِذَلِكَ أَهْلَ الْمَمْلَكَةِ فَاسْتَبْشَرُوا ثُمَّ أَتَوْا إِلَيْهِ بَعْدَ مُدَّةٍ فَسَأَلُوهُ الْبِعْثَةَ إِلَيْهَا وَ مَسْأَلَتَهَا هَلْ بِهَا حَمْلٌ فَوَجَّهَ إِلَيْهَا الْمَلِكُ بِذَلِكَ فَقَالَتْ لِرَسُولِهِ إِنَّهَا بِخَيْرٍ وَ عَلَى مَا تُحِبُّ.فَلَمْ تَسْأَلْ أَنَّهَا حَمَلَتْ.

فَلَمَّا مَضَى مِنَ الْأَيَّامِ أَكْثَرُ مِنْ مُدَّةِ أَيَّامِ الْحَمْلِ وَ هِيَ عَلَى حَالِهَا اسْتَحْضَرَهَا وَ سَأَلَهَا عَنْ حَالِهَا فَلَمْ تُخْبِرْهُ وَ قَالَتْ أَنَا بِخَيْرٍ وَ مَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئاً.فَأَحْضَرَ الْقَوَابِلَ فَنَظَرْنَ إِلَيْهَا فَوَجَدْنَهَا بِكْراً.

فَأَحْضَرَ الْمَلِكُ أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ وَ عَرَّفَهُمْ ذَلِكَ فَأَشَارُوا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً ثَيِّباً قَدْ عَرَفَتِ الرِّجَالَ،لِتُعَامِلَهُ بِمَا يَبْعَثُهُ عَلَى الْقُرْبِ مِنْهَا.فَفَعَلَ الْمَلِكُ وَ أَحْضَرَ الْمَرْأَةَ وَ قَالَ لَهَا مَا أَرَادُوا وَ وَصَّاهَا وَ وَجَّهَ بِهَا إِلَيْهِ.

فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا ابْنُهُ خَاطَبَهَا بِمِثْلِ مَا كَانَ خَاطَبَ بِهِ الْأُولَى فَأَجَابَتْهُ بِذَلِكَ الْجَوَابِ فَأَنِسَ بِهَا وَ عَرَّفَهَا صُورَةَ أَمْرِهِ فَأَقَامَتْ مَعَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ.

ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ بَعَثَ إِلَيْهَا يَسْأَلُهَا عَنْ حَالِهَا فَوَجَّهَتْ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَعَ رَجُلٍ كَالْمَرْأَةِ لاَ حَاجَةَ لَهَا فِيهِ.

فَأَحْضَرَهُ الْمَلِكُ فَأَغْلَظَ عَلَيْهِ فِي الْقَوْلِ ثُمَّ حَبَسَهُ فِي بَيْتٍ وَ سَدَّ الْبَابَ فِي وَجْهِهِ وَ تَرَكَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَتَحَ الْبَابَ فَلَمْ يَجِدْهُ فِي الْبَيْتِ فَهُوَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مَدِينَةِ ذَلِكَ الْمَلِكِ رَجُلاَنِ فِي تِجَارَةٍ فَرَكِبَا الْبَحْرَ فَكُسِرَ بِهِمَا فَخَرَجَا فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ فَوَجَدَا فِيهَا رَجُلاً يُصَلِّي فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ سَأَلَهُمَا عَنْ حَالِهِمَا فَعَرَّفَاهُ وَ شَأْنَهُمَا وَ ذَكَرَا بَلَدَهُمَا فَعَرَفَهُمَاوَ اجْتَازَتْ بِهِ سَحَابَةٌ فَدَعَا بِهَا وَ سَأَلَهَا إِلَى أَيْنَ أُمِرْتَ أَنْ تَمْضِيَ فَعَرَّفَتْهُ فَقَالَ لَهَا:اِمْضِ إِلَى حَيْثُ أُمِرْتَ.ثُمَّ دَعَا بِسَحَابَةٍ أُخْرَى فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ لِتُمْطِرَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا.فَأَمَرَهَا بِأَخْذِ الرَّجُلَيْنِ عَلَى ظَهْرِهَا إِلَى مَنَازِلِهِمَا فَبُعِثَتِ السَّحَابَةُ وَ أَلْقَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى سَطْحِ دَارٍ قَدْ عَرَفَاهُ جَمِيعاً.

فَنَزَلَ أَحَدُهُمَا مِنَ السَّطْحِ وَاضِعاً فِي نَفْسِهِ الْكِتْمَانَ وَ نَزَلَ الْآخَرُ وَاضِعاً فِي نَفْسِهِ الْإِذَاعَةَ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ فِي مَنْزِلِهِ حَتَّى صَاحَ بِصَيْحَةٍ إِلَى الْمَلِكِ فَحُمِلَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَهُ فِي الْجَزِيرَةِ وَ وَصَفَهَا لَهُ فَسَأَلَهُ كَيْفَ نَعْلَمُ صِدْقَكَ؟فَقَالَ لَهُ:كُنْتُ وَ فُلاَنٌ،وَ حَدَّثَهُ بِحَدِيثِهِمَا

ص:35

فَأَحْضَرَ الْمَلِكُ الْآخَرَ فَسَأَلَهُ فَجَحَدَ وَ أَلَحَّ عَلَيْهِ فَأَقَامَ عَلَى الْجُحُودِ فَقَالَ الْمُذِيعُ لِلْمَلِكِ:

وَجِّهْ مَعِي بِجَمَاعَةٍ حَتَّى أَتَاكَ بِهِ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ افْعَلَنَّ بِي مَا تَشَاءُ.فَفَعَلَ الْمَلِكُ ذَلِكَ وَ حَبَسَ الرَّجُلَ الْمُنْكِرَفَرَجَعَ الْمُذِيعُ وَ الْجَمَاعَةُ فَأَخْبَرُوا أَنَّهُمْ لَمْ يُصَادِفُوا أَحَداً.فَأَطْلَقَ الْمَلِكُ الرَّجُلَ الْمُنْكِرَ وَ صَلَبَ الْمُذِيعَ.

ثُمَّ عَمِلَ أَهْلُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِالْمَعَاصِي فَأَمَرَنِي اللَّهُ أَنْ أُقَلِّبَ تِلْكَ الْمَدِينَةَ عَلَى أَهْلِهَا فَرَفَعْتُهَا حَتَّى صَارَتْ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ قَلَبْتُهَا فَلَمَّا صَارَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ خَرَجَ مِنْهَا رَجُلٌ وَ امْرَأَةٌ وَ سَاخَتِ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا فَكَانَ الرَّجُلُ الَّذِي كَتَمَ عَلَى الْخَضِرِ وَ الْمَرْأَةُ الَّتِي كَتَمَتْ عَلَيْهِ فَاجْتَمَعَا وَ حَدَّثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِأَمْرِهِ فَتَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ وَ أَوْلَدَهَا أَوْلاَداً وَ احْتَاجَا إِلَى خِدْمَةِ النَّاسِ فَاتَّصَلَتِ الْمَرْأَةُ بِابْنَةِ الْمَلِكِ فَبَيْنَمَا هِيَ ذَاتَ يَوْمٍ تُسَرِّحُ رَأْسَهَا سَقَطَ الْمَشْطُ مِنْ يَدِهَا فَقَالَتْ«تَعَسَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ»فَأَخْبَرَتِ ابْنَةُ الْمَلِكِ أَبَاهَا بِمَا قَالَتْ فَدَعَا الْمَرْأَةَ فَأَقَرَّتْ لَهُ بِقَوْلِهَا،فَأَحْضَرَ زَوْجَهَا وَ أَوْلاَدَهَا فَاسْتَتَابَهُمْ وَ دَعَاهُمْ إِلَى دِينِهِ فَأَبَوْا عَلَيْهِ،فَغَلَّى لَهُمُ الزَّيْتَ ثُمَّ كَانَ يَطْرَحُ فِيهِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ وَ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَمْرِهِمْ،فَلَمَّا بَلَغَ إِلَيْهَا قَالَ لَهَا قَبْلَ أَنْ يَطْرَحَهَا:هَلْ لَكِ مِنْ حَاجَةٍ؟قَالَتْ:نَعَمْ تَحْفِرُ لِجَمَاعَتِنَا حَفِيرَةً وَ تَأْمُرُ بِدَفْنِنَا فِيهَا فَفَعَلَ.

فَرَائِحَةُ تِلْكَ الْحَفِيرَةِ يَفُوحُ مِنْهَا الْمِسْكُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

ثمّ كان من قصّة الخضر مع موسى عليهما السّلام ما هو مبيّن في موضعه.و كان ملك ذي القرنين خمسمائة عام ثمّ ملك بعده منوشهر مائة و ست و عشرين سنة و هو الذي كرى الفرات يعني حفره و اتخذ الأساورة و الزي و السلاح و الضياع و البساتين و كان زمانه زمان صلاح و لين.

فلما حضرت ارفخشد النبيّ المغمور الصامت عليه السّلام الوفاة أوحى اللّه جل و عزّ إليه أن يستودع أمر اللّه و نوره ابنه شالح فدعاه و أوصى إليه بما كان أبوه أوصاه به و سلّم إليه ما في يده.

[شالح عليه السّلام]

فقام شالح عليه السّلام بأمر اللّه عزّ و جلّ و معه المؤمنون و سلك سبيل آبائه و جرى مجراهم

ص:36

و على سنّتهم إلى أن حضرته الوفاة فأمره اللّه أن يستودع الأسماء و الحكمة و النبوّة إلى ابنه هود(صلّى اللّه عليه)و دعاه إليه و أوصى و مضى عليه السّلام.

[هود بن شالح عليه السلام]

و قام هود بن شالح بأمر اللّه جل و علا فأظهر اللّه تبارك و تعالى نبوّته فسلم له العقب من ولد سام و قال الآخرون من ولد حام و يافث و كان هود عليه السّلام أشبه الناس بآدم(صلّى اللّه عليه)و كان تاجرا.

45- وَ رُوِيَ: أَنَّ طُولَهُ كَانَ أَرْبَعِينَ ذِرَاعاً وَ كَانَتْ أَعْمَارُ أَهْلِ زَمَانِهِ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ وَ كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ فِي أَحْقَافِ الرَّمْلِ الَّذِي فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَ كَانَتْ جِبِالاً وَ عُيُوناً وَ مَرَاعِيَ فَطَحَنَتْهَا الرِّيَاحُ فَصَارَتْ رِمَالاً وَ كَانُوا قَدْ عُذِّبُوا بِالْقَحْطِ ثَلاَثَ سِنِينَ فَلَمْ يَرْجِعُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ وَ بَعَثُوا وَفْداً مِنْهُمْ إِلَى مَكَّةَ لِيَسْتَسْقُوا قَالَ:فَرُفِعَتْ لَهُمْ ثَلاَثُ سَحَائِبَ فَاخْتَارُوا مِنْهَا الَّتِي فِيهَا الْعَذَابُ وَ هِيَ الرِّيحُ الصَّرْصَرُ فَعَصَفَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً وَ كَانَ رَئِيسُهُمُ الْخَلْجَانُ فَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً نَحْنُ نَدْفَعُ الرِّيحَ أَنْ تَدْخُلَ مَدِينَتَنَا فَقَامُوا مُتَضَامِّينَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَكَانَتِ الرِّيحُ تَرْمِي بِهِمْ كَأَجْذَاعِ النَّخْلِ فَصَارَ الْخَلْجَانُ إِلَى هُودٍ فَقَالَ لَهُ:إِنَّا نَرَى الرِّيحَ إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَ مَعَهَا خَلْقٌ كَمِثَالِ الْآبَاءِ مَعَهُمُ الْأَعْمِدَةُ هُمُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ الْأَفَاعِيلَ بِنَا.

فَقَالَ لَهُمْ هُودٌ:أُولَئِكَ الْمَلاَئِكَةُ.فَقَالَ لَهُ الْخَلْجَانُ:أَ فَتَرَى رَبَّكَ إِنْ نَحْنُ آمَنَّا بِكَ يُدِيلُ لَنَا مِنْهُمْ؟

قَالَ هُودٌ:إِنَّ أَهْلَ الطَّاعَةِ لاَ يُدَالَ مِنْهُمْ لِأَهْلِ الْمَعَاصِي وَ لَكِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْكُمُ الْعَذَابَ.

فَقَالَ الْخَلْجَانُ:فَكَيْفَ لَنَا بِالرِّجَالِ الَّذِينَ هَلَكُوا؟

قَالَ هُودٌ:يُبَدِّلُكُمُ اللَّهُ بِهِمْ مَنْ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ.

فَقَالُوا:لاَ خِيَرَةَ لَنَا فِي الْحَيَاةِ بَعْدَهُمْ.

فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالرِّيحِ.

فَلَمَّا انْقَضَتْ أَيَّامُ هُودٍ بَعْدَهُمْ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِأَنْ يَسْتَوْدِعَ أَمْرَ اللَّهِ وَ نُورَهُ وَ حِكْمَتَهُ

ص:37

ابْنَهُ(فَالِغَ)فَدَعَاهُ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ.

و مضى هود(صلّى اللّه عليه)و دفن فيما روي على شاطئ البحر تحت جبل على صومعة.

46- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ صَارَ إِلَى مَكَّةَ هُوَ وَ شِيعَتُهُ بَعْدَ أَنْ أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمَهُ فَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ.

[فالغ بن هود عليهما السّلام]

و قام فالغ بن هود عليهما السّلام بأمر اللّه جلّ جلاله بعد أبيه هود و سلك مسلكه و جرى في الأمور و السيرة مجراه حتّى إذا حضرت وفاته و انقطع أجله أوحى اللّه تعالى إليه أن يستودع النور و الاسم الأعظم ابنه يروغ فدعاه و أوصى إليه و مضى عليه السّلام.

[يروغ بن فالغ عليهما السّلام]

فقام يروغ بن فالغ عليهما السّلام بأمر اللّه جل و عزّ

47- وَ: مَلَكَ الْأَرْضَ فِي أَيَّامِهِ فراشيَاتُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَ كَانَتْ مَعَهُ سَاحِرَةٌ تَعْمَلُ السِّحْرَ وَ لَمْ يَزَلْ يَرُوغُ بْنُ فَالِغَ الْقَائِمَ بِأَمْرِ اللَّهِ مُسْتَخْفِياً إِلَى أَنْ قَتَلَهُ الْجَبَّارُ فِي زَمَانِهِ مِنْ وُلْدِ عَوْجِ بْنِ عَنَاقَ(لَعَنَهُ اللَّهُ)وَ قَتَلَ مِنْ أَوْلاَدِهِ خَمْسَةً كُلُّهُمْ أَنْبِيَاءُ وَ أَوْحَى اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إِلَى أَلْفٍ وَ أَرْبَعِمِائَةِ نَبِيٍّ أَنْ يَقْتُلُوا أَهْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَ مَنْ كَانَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ يَرُوغَ وَ أَوْلاَدِهِ فَفَعَلُوا.

فَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ طهمسعَانُ مِائَتَيْنِ وَ ثَمَانِيَ وَ تِسْعِينَ سَنَةً فَكَثُرَ الْخِصْبُ فِي زَمَانِهِ وَ عُمِلَ الْبَسَاتِينُ وَ زَكَتِ الزُّرُوعُ وَ الْغُرُوسُ وَ أَعَانَ وُلْدُ عَوْجَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ ثَمَانَمِائَةٍ وَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَبِيّاً.

[نوشا بن أمين عليه السّلام]

فقام نوشا بن أمين عليه السّلام بالأمر لما اختاره اللّه و جمع له أنبياء ذلك الزمان فاجتمع إليه المؤمنون و الشيعة و الصديقون و ورثه اللّه العلم و الحكمة و ما كان خلفه يروغ بن فالغ من مواريث النبوّة فلم يزل يجاهد حتّى رفعه اللّه إليه من غير موت،و أمره قبل أن يرفعه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته صاروغ بن يروغ بن فالغ فأوصى إليه و سلّم ما في يده إليه.

ص:38

[صاروغ بن يروغ عليه السّلام]

و قام صاروغ بن يروغ عليه السّلام مقام آبائه(صلوات اللّه عليهم) فلما حضرته وفاته أوحى اللّه إليه أن يستودع الاسم الأعظم و النور ابنه تاجور بن صاروغ ففعل و أوصى و سلّم إليه و مضى على منهاج آبائه صلوات اللّه عليهم.

[تاجور بن صاروغ عليه السّلام]

و قام تاجور بن صاروغ عليه السّلام و ولده بأمر اللّه جل و علا فمن آمن بهم كان مؤمنا و من جحدهم كان كافرا و من جهل أمرهم كان ضالاّ ثمّ أوحى اللّه إليه أن يستودع الاسم الأعظم و ميراث النبوّة و ما في يده تارخا ابنه ففعل صلّى اللّه عليه.

[تارخ و هو أبو إبراهيم الخليل(صلّى اللّه عليهما)]

و قام تارخ و هو أبو إبراهيم الخليل(صلّى اللّه عليهما)بالأمر في أربع و ستين سنة من ملك رهو بن طهمسعان،و في رواية أخرى أربع و ثمانين سنة و هو نمرود.

و إبراهيم(صلّى اللّه عليه)اختاره اللّه جل و علا لنبوّته

و انتجب لرسالته و تفصيل حكمته خليله إبراهيم(صلّى اللّه عليه)و كان بين نوح و إبراهيم عليهما السّلام ألف سنة.

48- وَ رُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ آزَرَ كَانَ جَدَّ إِبْرَاهِيمَ لِأُمِّهِ مُنَجِّماً لِنُمْرُودَ وَ هُوَ رَهْوُ ابْنُ طهمسعَانَ فَنَظَرَ فِي النُّجُومِ لَيْلَةً فَقَالَ لِنُمْرُودَ:قَدْ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ عَجَباً وَ هُوَ حَالُ مَوْلُودٍ فِي أَرْضِنَا يَكُونُ هَلاَكُنَا عَلَى يَدَيْهِ وَ لَسْنَا نَلْبَثُ إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى تَحْمِلَ بِهِ أُمُّهُ.فَأَمَرَ الْمَلِكُ فَحُجِبَ الرِّجَالُ عَنِ النِّسَاءِ فَلَمْ يَتْرُكِ امْرَأَةً فِي الْمَدِينَةِ وَ كَانَ تَارِخُ عِنْدَهُ ابْنَةُ آزَرَ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَحَمَلَتْ بِهِ فَظَنَّ آزَرُ أَنَّهُ هُوَفَأَرْسَلَ إِلَى نِسَاءٍ مِنَ الْقَوَابِلِ فَنَظَرْنَ فَأَلْزَمَ اللَّهُ مَا فِي الرَّحِمِ الظَّهْرَ فَلَمْ يَرَيْنَ شَيْئاً فِي بَطْنِهَا فَلَمَّا وَضَعَتْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَرَادَ آزَرُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى نُمْرُودَ فَقَالَتْ لَهُ ابْنَتُهُ:لاَ تَذْهَبْ بِهِ إِلَيْهِ فَيَقْتُلَهُ وَ لَكِنْ دَعْنِي حَتَّى أَذْهَبَ بِهِ إِلَى بَعْضِ الْغَارَاتِ فَأَجْعَلَهُ فِيهِ حَتَّى يَجِيءَ أَجَلُهُ فَأَجَابَهَا،فَذَهَبَتْ بِهِ إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ فَوَضَعَتْهُ فِيهِ وَ جَعَلَتْ عَلَى بَابِ الْغَارِ صَخْرَةً وَ انْصَرَفَتْ عَنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ رِزْقَهُ فِي إِبْهَامِهِ فَجَعَلَ يَمَصُّهَا فَتَشْخَبُ لَبَناً وَ جَعَلَ يَشِبُّ فِي الْيَوْمِ مَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي شَهْرٍ وَ أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ الْمَحَبَّةَ

ص:39

مِنْ أُمِّهِ وَ كَذَلِكَ سَبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ.

وَ مَضَى تَارَخُ؛وَ إِبْرَاهِيمُ مَوْلُودٌ صَغِيرٌ،وَ مَكَثَ حِيناً غَائِباً،وَ جَاءَتْ أُمُّهُ لِتَعْرِفَ خَبَرَهُ فَإِذَا هِيَ بِهِ وَ عَيْنَاهُ تَزْهَرَانِ فَأَخَذَتْهُ وَ ضَمَّتْهُ إِلَى صَدْرِهَا وَ أَرْضَعَتْهُ وَ انْصَرَفَتْ عَنْهُ فَأَخْبَرَتْ أَبَاهَا أَنَّهَا مَضَتْ فَمَا رَأَتْهُ وَ كَانَتْ تَأْتِيهِ فِي ذَلِكَ الْغَارِ إِلَى أَنْ تَحَرَّكَ فَانْصَرَفَتْ عَنْهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَخَذَ بِثَوْبِهَا فَقَالَتْ لَهُ:مَا لَكَ؟فَقَالَ:اِذْهَبِي بِي مَعَكِ.فَقَالَتْ لَهُ:حَتَّى أَسْتَأْذِنَ أَبَاكَ.

قَالَ:فَأَتَتْ أَبَاهُ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ فَقَالَ لَهَا:أَقْعِدِيهِ عَلَى الطَّرِيقِ فَإِذَا مَرَّ بِهِ إِخْوَتُهُ دَخَلَ مَعَهُمْ حَتَّى لاَ يُعْرَفَ.فَفَعَلَتْ ذَلِكَ بِهِ،فَلَمَّا رَآهُ أَبُوهُ أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ مَحَبَّتَهُ لَهُ.

فَبَيْنَا قَوْمُهُ يَعْمَلُونَ الْأَصْنَامَ إِذْ أَخَذَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ خَشَبَةً وَ أَخَذَ الْفَأْسَ وَ نَجَرَ مِنْهَا صَنَماً لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ قَطُّ فَقَالَ آزَرُ لِأُمِّهِ،إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أُصِيبَ خَيْراً كَثِيراً بِبَرَكَةِ ابْنِكِ هَذَا.

فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ الْفَأْسَ فَكَسَرَ الصَّنَمَ.فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُوهُ عَلَيْهِ.فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ:وَ مَا تَصْنَعُونَ بِهِ؟قَالَ:نَعْبُدُهُ.قَالَ إِبْرَاهِيمُ:أَ تَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ بِأَيْدِيكُمْ؟!فَقَالَ آزَرُ جَدُّهُ هَذَا الَّذِي يَكُونُ ذَهَابُ الْمُلْكُ عَلَى يَدِهِ.قَالَ:فَلَمَّا شَبَّ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَبِرَ صَارَ يُجَادِلُ قَوْمَهُ فِي اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ وَ يُخَاصِمُهُمْ وَ كَانَ رَفِيقاً بِالْغَرِيبِ وَ الضَّعِيفِ وَ يَقْرِي الضَّيْفَ حَتَّى سُمِّيَ أَبُو الْأَضْيَافِ.

ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِالْحَنِيفِيَّةِ وَ التَّوْحِيدِ وَ الْإِخْلاَصِ وَ خَلْعِ الْأَنْدَادِ وَ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ وَ الصِّيَامِ وَ الْحَجِّ وَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيِّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ جَمِيعِ شَرَائِعِ الْإِسْلاَمِ وَ سُنَنِهِ، وَ بِالْخِتَانِ وَ التَّنْظِيفِ وَ التَّطْهِيرِ.وَ أَعْطَاهُ اللَّهُ جَمِيعَ مَا أَعْطَى الْأَنْبِيَاءَ وَ زَادَهُ عَشْرَ صَحَائِفَ وَ كَشَفَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ عَنِ الْأَرْضِ فَنَظَرَ إِلَى جَمِيعِهَا.

وَ كَانَ مِنْ قِصَّتِهِ فِيمَا دَعَا بِهِ عَلَى الرَّجُلِ الزَّانِي وَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ وَ فِي قَوْلِهِ وَ قَدْ رَأَى جِيفَةً بَعْضُهَا فِي الْبَرِّ وَ بَعْضُهَا فِي الْبَحْرِ وَ دَوَابُّ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ يَأْكُلُ مِنْهَا ثُمَّ يَأْكُلُ بَعْضُهَا بَعْضاً «أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى» مَا قَصَّ اللَّهُ جَلَّ وَ تَعَالَى بِهِ وَ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ بِشَرْحِهِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ.

وَ شَاعَ خَبَرُهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقُبِضَ عَلَيْهِ وَ أُتِيَ بِهِ إِلَى نُمْرُودَ وَ أُخْبِرَ خَبَرُهُ فَبَنَى لَهُ حِيزاً وَ جَمَعَ فِيهِ الْحَطَبَ وَ أَحْرَقَ،ثُمَّ وُضِعَ فِي الْمَنْجَنِيقِ لِيُرْمَى بِهِ إِلَى النَّارِ فَلَمَّا صَارَ بَيْنَ الْكِفَّةِ وَ النَّارِ

ص:40

ضَجَّتِ الْمَلاَئِكَةُ فَقَالُوا يَا رَبِّ خَلِيلُكَ مَا فِي أَرْضِكَ مَنْ يَعْبُدُكَ غَيْرُهُ.فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِمْ:اِمْضُوا إِلَيْهِ وَ أَمْسِكُوا أَمْرَهُ.

فَسَبَقَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ بَيْنَ الْمَنْجَنِيقِ وَ النَّارِ فَقَالَ لَهُ:يَا إِبْرَاهِيمُ هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ؟ فَقَالَ:أَمَّا إِلَيْكَ فَلاَ.فَلَمَّا تَنَحَّى عَنْهُ جَبْرَئِيلُ دَعَا بِسُورَةِ التَّوْحِيدِ فَقَالَ:اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ نَجِّنِي مِنَ النَّارِ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى النَّارِ: «كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ»

فَرُوِيَ: أَنَّ النَّارَ لَمْ تُحْرِقْ شَيْئاً ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَ لَمْ يُسَخِّنِ الْمَاءَ مَخَافَةً مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ بِقَمِيصٍ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ وَ لَبِسَهُ وَ كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى كَسَاهُ إِسْحَاقَ ثُمَّ وَرِثَهُ يَعْقُوبُ ثُمَّ يُوسُفُ وَ هُوَ الْقَمِيصُ الَّذِي وَجَدَ يَعْقُوبُ رِيحَهُ.

قَالَ:وَ أَشْرَفَ نُمْرُودُ عَلَى النَّارِ وَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَوَجَدَ إِبْرَاهِيمَ سَلِيماً قَاعِداً فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:إِذَا عَبَدَ النَّاسُ فَلْيَعْبُدُوا مِثْلَ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ.

وَ كَانَ نُمْرُودُ أَوَّلَ مَنْ لَبِسَ التَّاجَ وَ أَظْهَرَ التَّجَبُّرَ وَ الْكِبْرَفَأَمَرَ بِإِبْرَاهِيمَ فَأُخْرِجَ إِلَيْهِ وَ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ عَنْ دَارِ مَمْلَكَتِهِ وَ بَلَدِهِ وَ مَنَعَهُ مَالَهُ وَ مَاشِيَتَهُ فَحَاكَمَهُمْ إِبْرَاهِيمُ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى قَاضِي الْمَدِينَةِ فَقَالَ:إِنْ أَخَذْتُمْ مَاشِيَتِي وَ مَالِي فَرُدُّوا عَلَيَّ مَا ذَهَبَ مِنْ عُمُرِي فِي بِلاَدِكُمْ.

فَقَضَى لِإِبْرَاهِيمَ عَلَى نُمْرُودَ بِرَدِّ مَا ذَهَبَ مِنْ عُمُرِهِ عَلَيْهِ أَوْ رَدِّ مَالِهِ وَ مَاشِيَتِهِ فَأَمَرَ نُمْرُودُ بِرَدِّ مَالِهِ وَ مَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ وَ تَخْلِيَةِ سَبِيلِهِ.

فَخَرَجَ مِنْ أَرْضِ كُوپي فَأَتَى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَ عَمِلَ تَابُوتاً حَمَلَ زَوْجَتَهُ سَارَةَ لِأَنَّهُ كَانَ غَيُوراً وَ كَانَ مِنْ قِصَّةِ الْجَبَّارِ الْقِبْطِيِّ مَا كَانَ مِنْ خُرُوجِهِ وَ تَشْيِيعِهِ لِإِبْرَاهِيمَ وَ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَنْ لاَ تَمْشِ قُدَّامَ الْجَبَّارِ وَ اجْعَلْهُ أَمَامَكَ وَ مَا قَالَهُ الْقِبْطِيُّ فِي جَوَابِ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ إِنَّ إِلَهَكَ حَلِيمٌ كَرِيمٌ رَفِيقٌ؛مَا قَدْ قُصَّ.

وَ سَارَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى نَزَلَ بِأَعْلَى الشَّامَاتِ وَ نَزَلَ لُوطٌ وَ كَانَ ابْنَ أُخْتِهِ نَازِلُهَا وَ كَانَ بَيْنَهُمَا فِيمَا رُوِيَ ثَمَانِيَةَ فَرَاسِخَ.

وَ ابْتَاعَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هَاجَرَ مِنْ سَارَةَ فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ وَ وَلَدَتْ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ الذَّبِيحُ وَ هُوَ أَكْبَرُ أَوْلاَدِهِ وَ مِنْ إِسْحَاقَ بِخَمْسِ سِنِينَ وَ كَانَ مِنْ قِصَّةِ إِسْمَاعِيلَ فِي الذَّبْحِ مَا

ص:41

قَصَّ اللَّهُ بِهِ.

وَ وُلِدَ إِسْحَاقُ مِنْ سَارَةَ فَلَمَّا بَلَغَ ثَلاَثَ سِنِينَ أَقْبَلَ إِسْمَاعِيلُ إِلَى إِسْحَاقَ وَ هُوَ فِي حَجْرِ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ فَنَحَّاهُ وَ جَلَسَ مَجْلِسَهُ وَ نَظَرَتْ بِهِ سَارَةُ وَ قَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ تُنَحِّي ابْنِي إِسْحَاقَ مِنْ حَجْرِكَ وَ تُجْلِسُ مَكَانَهُ ابْنَ هَاجَرَ لاَ وَ اللَّهِ لاَ تجاروني [تُجَاوِرُنِي] هَاجَرُ وَ ابْنُهَا فِي بَلَدٍ أَبَداً.

فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ.فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ أَتَاهُ آتٍ بِرُؤْيَا الذَّبْحِ فَلَمَّا حَضَرَ الْمَوْسِمُ انْطَلَقَ بِإِسْمَاعِيلَ وَ أُمِّهِ هَاجَرَ إِلَى مَكَّةَ وَ دَخَلَهَا فَبَدَأَ بِبِنَاءِ قَوَاعِدِ الْبَيْتِ وَ كَانَ الطُّوفَانُ ثَلَمَ شَيْئاً مِنْهُ فَرَفَعَ الْقَوَاعِدَ وَ إِسْمَاعِيلُ مَعَهُ يُعِينُهُ عَلَى الْبِنَاءِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مِنًى ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ الْحَجِّ فَلَمَّا أَنْ صَارَ فِي السَّعْيِ قَالَ لِإِسْمَاعِيلَ «يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ» فِي الْمَوْسِمِ فِي عَامِي هَذَا فَمَا ذَا تَرَى.

«قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ»

فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى مِنًى فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى كَانَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَصَّ اللَّهُ بِهِ فَدَاهُ اللَّهُ بِالْكَبْشِ وَ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مَعَهُ إِسْمَاعِيلُ إِلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ وَدَّعَ إِسْمَاعِيلَ وَ أُمَّهُ هَاجَرَ لِيَنْصَرِفَ عَنْهُمَا فَبَكَيَا فَقَالَ لَهُمَا إِبْرَاهِيمُ مَا يُبْكِيكُمَا؟ وَ قَدْ جَعَلْتُكُمَا فِي أَحَبِّ الْبِقَاعِ إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ.فَقَالَتْ لَهُ هَاجَرُ:مَا كُنْتُ أَرَى نَبِيّاً مِثْلَكَ يُخَلِّفُ امْرَأَةً ضَعِيفَةً وَ غُلاَماً ضَعِيفاً لاَ حِيلَةَ لَهُمَا فِي مَكَانٍ قَفْرٍ لاَ أَنِيسَ لَهُ وَ لاَ زَرْعَ وَ لاَ ضَرْعَ.

فَرَقَّ إِبْرَاهِيمُ وَ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَ أَقْبَلَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ الْكَعْبَةِ وَ أَخَذَ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ «إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ» إِلَى قَوْلِهِ...

يَشْكُرُونَ .

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ اصْعَدْ أَبَا قُبَيْسٍ وَ نَادِ:يَا مَعْشَرَ الْخَلاَئِقِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ بِحَجِّ هَذَا الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ.

قَالَ:فَمَدَّ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ صَوْتَهُ ثُمَّ أَسْمَعَ أَهْلَ الْمَشْرِقِ وَ أَهْلَ الْمَغْرِبِ وَ جَمِيعَ مَا بَيْنَهُمَا وَ جَمِيعَ مَا قَدَّرَ اللَّهُ وَ مَا فِي أَصْلاَبِ الرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فالتلبية من

ص:42

الحاجّ إجابة النداء.

49- وَ رُوِيَ: أَنَّ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَفَرَ زَمْزَمَ فَنَبَعَ الْمَاءُ فَحَجَزَهَا مِنْ حَوْلِ الْمَاءِ فَلَوْلاَ ذَلِكَ لَسَاحَتْ عَلَى الْأَرْضِ.

50- وَ رُوِيَ: أَنَّ هَاجَرَ وَ إِسْمَاعِيلَ كَانَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَدْ صَعِدَا إِلَى الْجَبَلِ فِي طَلَبِ الْمَاءِ فَلَمَّا بَصُرَتْ هَاجَرُ إِلَى الْمَاءِ صَارَتْ إِلَيْهِ وَ صَاحَتْ بِإِسْمَاعِيلَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَأَجَابَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ.

لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ.وَ نَسِيَ ذَلِكَ اللِّسَانَ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ.

51- وَ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: أَنَّهَا صَاحَتْ بِهِ فَصَارَ إِلَيْهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الْمَاءِ وَ كَانَ عَطْشَاناً انْكَبَّ عَلَيْهِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَ رَفَعَ رَأْسَهُ وَ قَالَ«الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ»وَ نَسِيَ اللِّسَانَ الْأَوَّلَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ.

52- وَ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: أَنَّ هَاجَرَ لَمَّا عَطِشَ إِسْمَاعِيلُ جَعَلَتْ تَسْعَى مِنَ الْجُوعِ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ فَلَقِيَهَا جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَتَعَلَّقَ بِهَا فَجَزِعَتْ وَ جَذَبَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ.

فَقَالَ لَهَا:مَنْ أَنْتِ؟.

فَقَالَتْ أَنَا أُمُّ إِسْمَاعِيلَ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ.

فَقَالَ لَهَا:فَعَلَى مَنْ خَلَّفَكِ؟

فَقَالَتْ لَهُ:قَدْ قُلْتُ مِثْلَ مَقَالَتِكَ،فَقَالَ:وَكَلْتُكُمْ إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَ عَلاَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ.

فَقَالَ لَهَا:أَمَا إِنَّهُ وَكَلَكِ إِلَى كَافٍ كَرِيمٍ.

وَ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قِطْعَةً مِنْ بِلاَدِ الْأُرْدُنِّ فَانْقَطَعَتْ بِأَشْجَارِهَا وَ ثِمَارِهَا فَطَافَتْ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعاً ثُمَّ اسْتَقَرَّتْ فَسُمِّيَتِ الطَّائِفَ لِيَلْحَقَ إِسْمَاعِيلَ الْخِصْبُ وَ الرَّفَاهَةُ.

وَ لَمَّا شَخَصَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الشَّامِ كَانَ يَأْتِي إِسْمَاعِيلَ وَ هَاجَراً زَائِراً فَأَنْكَرَتْ سَارَةُ ذَلِكَ وَ أَحْلَفَتْهُ أَنْ لاَ يَبِيتَ عِنْدَهَا وَ كَانَ يُكْرِمُهَا وَ يُعَظِّمُهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ أَوْلاَدِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ.

وَ كَانَ إِذَا اشْتَاقَ إِسْمَاعِيلَ يَرْكَبُ حِمَاراً لَهُ أَبْتَرَ الذَّنَبِ ثُمَّ يَأْتِي مَكَّةَ وَ يَقْضِي وَطَرَهُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَ هَاجَرٍ وَ يَرْجِعُ فَيَبِيتُ بِالشَّامِ.

ثُمَّ مَاتَتْ هَاجَرُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ فَدَفَنَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي الْحِجْرِ؛وَ الْحِجْرُ مِنَ الْكَعْبَةِ.فَكَانَ إِبْرَاهِيمُ

ص:43

يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ زَائِراً فَأَتَاهُ يَوْماً لَمْ يُصَادِفْهُ فَجَمَعَ أَوْلاَدَ إِسْمَاعِيلَ وَ زَوْجَتَهُ الْجُرْهُمِيَّةَ وَ دَعَا لَهُمْ وَ بَرَّهُمْ فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ سَأَلَتْهُ النُّزُولَ عِنْدَهُمْ وَ الْغَدَاءَ مَعَهُمْ فَأَبَى.فَسَأَلَتْهُ شُرْبَ اللَّبَنِ فَفَعَلَ.وَ اسْتَأْذَنَتْهُ فِي غَسْلِ رَأْسِهِ وَ هُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَ قَرَّبَتِ الْجُرْهُمِيَّةُ إِلَيْهِ حَجَراً فَوَضَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَيْهِ وَ دَلَتْ رَأْسَهُ فَغَسَلَتْ إِحْدَى شِقَّيْهِ وَ أَلاَنَ اللَّهُ ذَلِكَ الْحَجَرَ تَحْتَ قَدَمِهِ حَتَّى غَاصَتْ قَدَمُهُ فِيهِ ثُمَّ دَارَتِ الْحَجَرُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَغَسَلَتِ الشِّقَّ الْآخَرَ مِنْ رَأْسِهِ وَ شَعْرِهِ وَ انْغَمَسَتْ قَدَمُهُ الْيُسْرَى فِي الْحَجَرِ فَهُوَ الْمَقَامِ.

وَ رَجَعَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى الشَّامِ.فَلَمَّا قَرُبَتْ وَفَاتُهُ قَالَتْ لَهُ سَارَةُ:قَدْ كَبِرْتَ وَ قَرُبَ أَجَلُكَ وَ زِيدَ فِي عُمُرِكَ فَتَعْبُدُ وَ أَنْتَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فسأل [فَاسْأَلِ] اللَّهَ أَنْ يُنْسِيَ فِي أَجَلِكَ وَ يَزِيدَ فِي عُمُرِكَ فَتَعِيشَ مَعَنَا فَسَأَلَ إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ قَدْ أَجَبْتُكَ إِلَى مَا سَأَلْتَ وَ لَنْ أَتَوَفَّاكَ حَتَّى تَسْأَلَنِي ذَلِكَ فَأَخْبَرَ إِبْرَاهِيمُ سَارَةَ بِذَلِكَ فَقَالَتْ:أَشْكُرُ اللَّهَ وَ أَعْمَلُ طَعَاماً تَدْعُو إِلَيْهِ الْمُؤْمِنِينَ.

فَعَمِلَ طَعَاماً وَ جَمَعَ النَّاسَ لِلْأَكْلِ.وَ كَانَ فِيمَنْ أَتَاهُ رَجُلٌ كَبِيرُ السِّنِّ مَكْفُوفٌ.فَلَمَّا جَلَسَ تَنَاوَلَ مِنَ الطَّعَامِ وَ أَهْوَى بِهِ إِلَى فِيهِ فَجَعَلَتْ يَدُهُ تَرْتَعِشُ وَ تَذْهَبُ يَمِيناً وَ شِمَالاً مِنْ ضَعْفِهِ ثُمَّ أَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى جَبْهَتِهِ مَرَّةً وَ إِلَى عَيْنِهِ مَرَّةً مِنَ الْكِبَرِ وَ الضَّعْفِ.

فَلَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ ذَلِكَ قَالَ:اَللَّهُمَّ تَوَفَّنِي فِي الْأَجَلِ الَّذِي كَتَبْتَهُ لِي فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ.

53- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ سُمِّيَ خَلِيلَ اللَّهِ لِرِفْقِهِ بِالْمَسَاكِينِ وَ مَحَبَّتِهِ لَهُمْ وَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ طَعَاماً إِلاَّ مَعَهُمْ فَحَضَرَ طَعَامَهُ يَوْماً وَ لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَخَرَجَ يَلْتَمِسُ مَنْ يَأْكُلُ مَعَهُ فَلَمْ يَجِدْ إِلاَّ رَجُلاً مَذْمُوماً مُنْقَطِعاً[مُصَاباً]بِالْجُذَامِ وَ كَانَ فِيهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ تَعَزُّزٌ؛فَدَعَاهُ إِلَى طَعَامِهِ وَ احْتَمَلَ مَا دَخَلَ نَفْسَهُ مِنْ أَمْرِهِ وَ كَانَ طَعَامُهُ اللَّبَنَ.فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ فَإِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ مِنَ الصَّحْنَةِ بَقِيَ أَثَرُ أَصَابِعِهِ فِي اللَّبَنِ.فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَلْسَعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ فَيَأْكُلُهُ.

فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْأَكْلِ كَشَفَ عَنِ الرَّجُلِ الْغِطَاءَ فَإِذَا هُوَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ الطَّعَامُ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ يَأْكُلُهُ مَوْضُوعٌ فِي إِنَاءٍ تَحْتَهُ فَقَالَ لَهُ:إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَ يَقُولُ لَكَ:قَدِ اتَّخَذْتُكَ خَلِيلاً بِرَحْمَتِكَ لِلضُّعَفَاءِ الْمَسَاكِينِ.

و كان عمره فيما روي مائة و خمسا و سبعين سنة.

ص:44

54- وَ رُوِيَ أَيْضاً: أَنَّ نُبُوَّتَهُ ظَهَرَتْ وَ لَهُ ثَمَانُونَ سَنَةً وَ كَانَتْ مُدَّةُ نُبُوَّتِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَ كَانَ عُمُرُهُ مِائَةً وَ عِشْرِينَ سَنَةً.

و لمّا حضرت وفاته أمره اللّه أن يستودع نور اللّه و حكمته و مواريث الأنبياء عليهم السّلام إسماعيل ابنه فدعاه و أوصى إليه و سلّم إليه جميع ما في يده.

و توفي(صلّى اللّه عليه)و دفن في أرض كان قد ابتاعها بناحية بيت المقدس.

و كان بين نوح و إبراهيم عليه السّلام ألف و خمسمائة سنة.و نمرود قد ملك مشارق الأرض و مغاربها و هو صاحب النسور.

و كان أبو إبراهيم توفي و إبراهيم طفل و بقيت أمّه ابنة آزر فلما شب و ترعرع و استقل بنفسه ماتت عنه أمّه.

[إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام]

فقام إسماعيل بن إبراهيم بالنبوة و الأمر مقامه و لم يزل يدبّر أمر اللّه جل و عزّ و هو أوّل من تكلّم بالعربية و أبو العرب و كان إبراهيم عليه السّلام قد خلف عنده سبعة أعنزة فكانت أصل ماله.

و أقام أكثر أيّامه بمكّة و تزوّج بهالة بنت الحارث فولدت(قيدار)و كان فيه شبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان لإسماعيل ثلاث عشر ذكرا كان كبيرهم و رئيسهم(قيدار)و هو أوّل من ركب الخيل و كسا البيت و لبس العمائم و أطعم الحاجّ.

و عاش مائة و عشرين سنة إسماعيل،كما روي أن أباه إبراهيم عاش مائة و خمسا و سبعين سنة.

فلما حضرت وفاته أوحى اللّه إليه أن يستودع الاسم و نور اللّه و حكمته أخاه إسحاق.

و روي انّه شريكه في الوصيّة و تقدّمه إسماعيل بالسن لأنّه أكبر منه بخمس سنين فسلم الأمر إلى إسحاق و توفي إسماعيل عليه السّلام و دفن بمكّة و هو:إسماعيل صادق الوعد

55- وَ: كَانَ وَعَدَ رَجُلاً إِلَى مَوْضِعٍ يَجْتَمِعَانِ فِيهِ فَأُنْسِيَ الرَّجُلُ وَ حَضَرَ إِسْمَاعِيلُ الْمَوْضِعَ وَ أَقَامَ فِيهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَنْتَظِرُهُ فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَقَدَهُ الرَّجُلُ فَجَاءَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَعَدَهُ فَوَجَدَهُ فِيهِ يَنْتَظِرُ فَأَعْظَمَ ذَلِكَ وَ أَكْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ:لَوْ لَمْ تَحْضُرْ لَأَقَمْتُ حَتَّى يَصِيرَ

ص:45

الْمَحْشَرُ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ.

[إسحاق بن إبراهيم عليه السلام]

و قام إسحاق بن إبراهيم بالأمر و النبوّة بعد أخيه إسماعيل و كان من حديث إسحاق عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ «فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ»

قال إن الملائكة لمّا جاءت في هلاك قوم لوط عليه السّلام قالوا «إِنّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ» فقالت سارة و من يطيق قوم لوط يعني كثرة عددهم،فبشرناها باسحاق و من وراء إسحاق يعقوب، فَصَكَّتْ وَجْهَها وَ قالَتْ:عَجُوزٌ عَقِيمٌ .

و هي يومئذ ابنة تسعين سنة و إبراهيم له أكثر من مائة سنة

56- : فَلَمَّا وُلِدَ لِإِبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ قَالَ مَنْ حَوْلَهُ:أَ لاَ تَعْجَبُونَ مِنْ هَذِهِ الْعَجُوزِ وَ هَذَا الشَّيْخِ وَجَدَا صَبِيّاً مُنْقَطِعاً فَأَخَذَاهُ يَزْعُمَانِ أَنَّهُ وَلَدُهُمَا وَ هَلْ تَلِدُ مِثْلُ هَذِهِ الْعَجُوزِ.

وَ كَانَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَلاَ قَدْ صَوَّرَهُ عَلَى صُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَ الْعَجُوزُ سَارَةُ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا:

نَشْهَدُ أَنَّهُ ابْنُ الشَّيْخِ إِبْرَاهِيمَ وَ الْعَجُوزُ سَارَةُ.

فلما قام إسحاق بالأمر بعد أخيه إسماعيل عليه السّلام سلم له المؤمنون و جميع شيعة أبيه و أخيه.

و تزوّج إسحاق من أخواله بالشام و ولد له يعقوب عليه السّلام و العيص و كان من حديثهما ما اقتص و كان لا يفرّق الناس بين إبراهيم و بين ابنه إسحاق حتّى شاب إبراهيم فكان يعرف منه بالشيب.

فلما حضرت وفاة إسحاق أوحى اللّه إليه ان يستودع الاسم الأعظم و النور و جميع ما في يديه من المواريث ابنه يعقوب عليه السّلام و هو إسرائيل اللّه فأحضره و سلّم إليه.

و مضى إسحاق عليه السّلام و دفن في بيت المقدس و كان عمره مائة و ثمانين سنة.

[يعقوب عليه السّلام]

و قام يعقوب عليه السّلام بالأمر بعده و هو إسرائيل اللّه و آمن به المؤمنون،و جحد نبوّته الكفّار و الشّكاك.

و تزوّج بالشام بابنتي خالته و كان في ذلك الوقت يجمع بين الأختين فولد منهما اثنا

ص:46

عشر ذكرا.

و غلب العيص أخوه على بيت المقدس و الملك الجبّار في ذلك الوقت(فيتساد)ملك مائة سنة و هو أوّل من قطع القطائع بغير حقّ فصارت سنة للظالمين إلى هذا الوقت و أخذ من الناس الخراج.

57- وَ: خَرَجَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَ اتَّصَلَ الْخَبَرُ بِأَخِيهِ الْعِيصِ فَخَرَجَ بِجَمِيعِ جَيْشِهِ يَسْتَقْبِلُهُ لِيَقْتُلَهُ وَ بَلَغَ يَعْقُوبَ فَأَهْدَى إِلَيْهِ هَدِيَّةً يَتَأَلَّفُهُ بِهَا وَ كَتَبَ إِلَيْهِ كِتَاباً وَقَعَ عَلَى عُنْوَانِهِ:عَبْدُكَ يَعْقُوبُ.

فَلَمَّا قَرَأَ الْعِيصُ كِتَابَهُ عَطَفَ عَلَيْهِ وَ فَرَّقَ جَيْشَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهُ جَمَعَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَوْلاَدَهُ حَوْلَهُ خَوْفاً مِنْهُ وَ أَمَرَهُمْ إِذَا قَرُبَ مِنْهُ الْعِيصُ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنَ الدُّنُوِّ مِنْهُ وَ كَانُوا أُولِي قُوَّةٍ وَ بَأْسٍ شَدِيدٍ فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهُ مَنَعَهُ الْأَسْبَاطُ مِنَ التَّقَدُّمِ إِلَيْهِ.

58- وَ رُوِيَ: أَنَّ الْعِيصَ كَانَ قَدْ صَمَّمَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ أَخُوهُ يَعْقُوبُ أَنْ يَعْتَنِقَهُ ثُمَّ يَقْرُصَ حَلْقَهُ فَيَقْتُلَهُ فَقَالُوا لَهُ تَنَحَّ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ،فَارْتَاعَ الْعِيصُ لِذَلِكَ.

وَ دَخَلَ يَعْقُوبُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَ قَامَ يُصَلِّي وَ حَوْلَهُ الْأَسْبَاطُ الاِثْنَا عَشَرَ وَ الْمُؤْمِنُونَ، وَ الْعِيصُ نَاحِيَةً يَرَاهُمْ.فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ كَشَفَ لَهُ عَنْ بَصِيرَتِهِ فَرَأَى الْعِيصُ وَ نَظَرَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ اللَّيْلِ كُلُّهُمْ يَنْزِلُونَ مِنَ السَّمَاءِ وَ يَصْعَدُونَ وَ يُسَلِّمُونَ عَلَى يَعْقُوبَ وَ يُسَبِّحُونَ وَ يُهَلِّلُونَ وَ يُقَدِّسُونَ،فَاغْتَاظَ لِذَلِكَ وَ عَلِمَ أَنَّهُ لاَ طَاقَةَ لَهُ بِهِ وَ حَسَدَهُ.

فَاسْتَأْذَنَهُ الْعِيصُ فِي التَّنَحِّي عَنْهُ فَأَذِنَ لَهُ،فَعَبَرَ مَعَ وُلْدِهِ الْبَحْرَ فَأَقَامَ هُنَاكَ،وَ وَلَدُهُ الْأَصْغَرُ عِمْلاَقُ.فَالْأَصْغَرُ أَبُو الْأَشْرَافِ مِنَ الرُّومِ وَ عِمْلاَقُ أَبُو الْعَمَالِقَةِ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ يُوشَعُ ابْنُ نُونٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

و رأى يوسف عليه السّلام الرؤيا فقصّها على أبيه و كان من حديثه ما أخبر اللّه عزّ و جلّ به في كتابه و جاءت به الروايات من قصّته مع اخوته الأسباط.و حزن يعقوب حتّى اِبْيَضَّتْ عَيْناهُ و تقوّس ظهره

59- فَرُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ يُوسُفَ بَاقٍ لَمْ يَأْكُلْهُ الذِّئْبُ فَقَالَ:

كَانَ يَعْلَمُ بِجَمِيعِ أَمْرِهِ.فَقِيلَ لَهُ:فَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ حُزْنُهُ؟فَقَالَ:مِنْ خَوْفِ الْبَدَاءِ فِيمَا وَعَدَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْجَمْعِ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ يُوسُفَ.

ص:47

وَ كَانَتْ مُدَّةُ الْمِحْنَةِ عِشْرِينَ سَنَةً (وَ رُوِيَ): سَبْعَ عَشَرَ سَنَةًفَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِزَالَتَهَا وَ كَشْفَهَا رَفَعَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا مَنْ لاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ وَ حَيْثُ هُوَ وَ قُدْرَتَهُ إِلاَّ هُوَ يَا مَنْ سَدَّ الْهَوَاءَ بِالسَّمَاءِ وَ كَبَسَ الْأَرْضَ عَلَى الْمَاءِ وَ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَحْسَنَ الْأَسْمَاءِ ائْتِنِي بِرَوْحٍ مِنْ عِنْدِكَ وَ فَرَجٍ قَرِيبٍ.

فَمَا انْفَجَرَ عَمُودُ الصُّبْحِ حَتَّى أُتِيَ بِالْقَمِيصِ وَ طُرِحَ عَلَى وَجْهِهِ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ وَ وُلْدَهُ.

وَ خَرَجَ إِلَى مِصْرَ وَ جَمَعَ اللَّهُ مَعَ ذَلِكَ أَهْلَهُ وَ مَالَهُ.وَ خَرَجَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِتَلَقِّيهِ فَلَمَّا رَآهُ يَعْقُوبُ تَرَجَّلَ لَهُ وَ الْأَسْبَاطُ.

وَ لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ وَ يُعَظِّمُهُ إِيَّاهُ فَأَخْرَجَ اللَّهُ الْإِمَامَةَ مِنْ عَقِبِهِ وَ جَعَلَهَا فِي وُلْدِ أَخِيهِ الْأَكْبَرِ لاَوِي بْنِ يَعْقُوبَ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَبَاهُ حَقَّهُ.

ثُمَّ صَارَ بِهِمْ إِلَى مَنْزِلِهِ فَرَفَعَ أَبَوَيْهِ إِلَى سَرِيرِ الْمُلْكِ وَ هُوَ الْعَرْشُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ وَ هُمَا أَبُوهُ وَ خَالَتُهُ لِأَنَّ أُمَّهُ رَاحِيلَ كَانَتْ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ الرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا وَ تَكَفَّلَتْ خَالَتُهُ بِتَرْبِيَتِهِ.

وَ دَخَلَ فَلَبِسَ ثِيَابَ الْعِزِّ وَ الْمُلْكِ وَ خَرَجَ فَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لِلَّهِ شُكْراً فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ يُوسُفُ «هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا»

وَ مَكَثَ يَعْقُوبُ مَعَ يُوسُفَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ بِمِصْرَ سَنَتَيْنِ فَلَمَّا حَضَرَتْ وَفَاتُهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ مَوَارِيثَ الْأَنْبِيَاءِ وَ النُّورَ وَ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ إِلَى يُوسُفَ فَدَعَاهُ وَ جَمَعَ أَوْلاَدَهُ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ ثُمَّ قُبِضَ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)وَ سِنُّهُ مِائَةٌ وَ سِتٌّ وَ أَرْبَعُونَ سَنَةً.

[يوسف عليه السّلام]

و قام يوسف عليه السّلام مقامه

60- وَ: وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً يَبْكِي عَلَيْهِ وَ يُعَدِّدُ حَتَّى رَكِبَ إِلَيْهِ الْمَلِكُ فِي زَمَانِهِ مَعَ عُظَمَاءِ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ فَكَلَّمُوهُ وَ وَعَظُوهُ.

وَ حَمَلَهُ مِنْ مِصْرٍ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِيَدْفِنَهُ مَعَ آبَائِهِ فَوَجَدَ الْعِيصَ قَدْ رَجَعَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَمَنَعَ مِنْ دَفْنِهِ وَ نَازَعَهُمْ فِيهِ فَوَثَبَ ابْنُ شَمْعُونَ[وَ]كَانَ أَيْداً عَلَى الْعِيصِ فَوَكَزَهُ فَقَتَلَهُ فَدُفِنَ يَعْقُوبُ وَ الْعِيصُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ.

وَ رَجَعَ يُوسُفُ إِلَى مِصْرَ فَلَمْ يَزَلْ يُدَبِّرُ أَمْرَ اللَّهِ وَ مَعَهُ أَهْلُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ فَمَنْ أَطَاعَهُ كَانَ

ص:48

مُؤْمِناً وَ مَنْ عَصَاهُ كَانَ كَافِراً.

61- وَ: كَانَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِمَاماً مَلِكاً يَلْبَسُ الدِّيبَاجَ وَ الْوَشْيَ وَ الْإِبْرِيسَمَ الْمَنْسُوجَ بِالذَّهَبِ وَ الْجَوْهَرِ وَ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ تَحْرِيمُ لُبْسِ ذَلِكَ.

و ملك اثنين و سبعين سنة و عاش مائة و عشرين سنة و كان له ابنان يقال لأحدهما افرائيم و هو جدّ يوشع بن نون و الآخر ميشا.

62- : فَلَمَّا قَرُبَتْ وَفَاتُهُ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنِ اسْتَوْدِعْ نُورَ اللَّهِ وَ حِكْمَتَهُ وَ جَمِيعَ الْمَوَارِيثِ الَّتِي فِي يَدَيْكَ ببرزَ بْنَ لاَوِيِ بْنِ يَعْقُوبَ فَأَحْضَرَ ببرزَ بْنَ لاَوِيِ وَ جَمَعَ آلَ يَعْقُوبَ وَ هُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانُونَ رَجُلاً فَقَالَ لَهُمْ:إِنَّ هَؤُلاَءِ الْقِبْطَ سَيَظْهَرُونَ عَلَيْكُمْ وَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَ نُعُوتُ الْإِمَامَةِ مَكْتُومَةٌ ثُمَّ يُنَجِّيكُمُ اللَّهُ وَ يُفَرِّجُ عَنْكُمْ بِرَجُلٍ مِنْ وُلْدِ لاَوِي اسْمُهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ طُوَالٌ جَعْدٌ آدَمُ مُفَلْفَلُ الشَّعْرِ أَحْلَجُ عَلَى لِسَانِهِ شَامَةٌ وَ عَلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ شَامَةٌ وَ لَنْ يَظْهَرَ حَتَّى يَخْرُجَ قَبْلَهُ سَبْعُونَ كَذَّاباً، وَ رُوِيَ: خَمْسُونَ كُلٌّ يَدَّعِي أَنَّهُ هُوَ، ثُمَّ يَظْهَرُ وَ يَنْصُرُ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ يُفَرِّجُ عَنْهُمْ.

و سلم التابوت و النور و الحكمة و جميع المواريث إلى ببرز بن لاوي عليه السّلام و مضى (صلّى اللّه عليه).

و دفن بمصر في صندوق من مرمر في بطن النيل ثمّ استخرجه موسى عليه السّلام من ذلك الموضع و مضى به إلى الأرض المقدّسة فدفنه فيها.

63- وَ كَانَ سَبَبُ حَمْلِهِ مِنْ مِصْرَ: أَنَّ الْمَطَرَ احْتَبَسَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَوْحَى اللَّهُ جَلَّ وَ عَلاَ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ أَخْرِجْ عِظَامَ يُوسُفَ.

فَسَأَلَ مُوسَى عَنِ الْمَوْضِعِ فَأُتِيَ بِعَجُوزٍ عَمْيَاءَ مُقْعَدَةٍ فَقَالَتْ أَنَا أَعْرِفُ مَوْضِعَهُ وَ لاَ أُخْبِرُكَ بِهِ حَتَّى تُعْطِيَنِي ثَلاَثَ خِصَالٍ:تُطْلِقَ لِي رِجْلَيَّ وَ تُعِيدَ لِي صُورَتِي وَ شَبَابِي وَ عَيْنِي وَ تَجْعَلَنِي مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ وَ كَانَتِ الْعَجُوزُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى أَنْ أَعْطِهَا مَا سَأَلَتْ فَإِنَّمَا تُعْطَى عَلَى مَا سُئِلْتَ فَفَعَلَ فَدَلَّتْهُ فَأَخْرَجَهُ وَ نَقَلَهُ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ).

ص:49

[ببرز بن لاوي بن يعقوب عليهم السّلام]

قام ببرز بن لاوي بن يعقوب عليهم السّلام بأمر اللّه جلّ و عزّ يدبره على سبيل آبائه عليهم السّلام

64- فَرُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا وُلِدَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُ هُوَ وَ يُسَمَّى عِمْرَانَ ثُمَّ يَأْتِي عِمْرَانَ وَلَدٌ فَيُسَمَّى الْوَلَدُ مُوسَى يَتَعَرَّضُونَ بِذَلِكَ لِقِيَامِ الْقَائِمِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ.فَمَا ظَهَرَ مُوسَى حَتَّى خَرَجَ سَبْعُونَ كَذَّاباً «وَ رُوِيَ»: خَمْسُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُ هُوَ وَ عِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ الْأَرْضَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ يُوسُفُ فيقابوس مِائَةٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً وَ بَنَى مَدِينَةً سَمَّاهَا قيفدون وَ هُوَ الَّذِي كَانَتِ الشَّيَاطِينُ مَعَهُ قَبْلَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ.

فلما حضرت ببرز عليه السّلام الوفاة أوحى اللّه إليه ان يستودع نور اللّه و حكمته و ما في يديه ابنه أحرب فدعاه و أوصى إليه بمثل ما كان يوسف(صلّى اللّه عليه)أوصى به ففعل ذلك.

[أحرب بن ببرز بن لاوي عليهم السّلام]

و قام أحرب بن ببرز بن لاوي عليهم السّلام بأمر اللّه عزّ و جل و اتبعه المؤمنون و جرى على منهاج آبائه حتّى إذا حضرته الوفاة أوحي إليه أن يجعل الوصيّة إلى ابنه ميتاح فأحضره و أوصى إليه و سلّم مواريث الأنبياء و ما في يديه إليه و مضى(صلّى اللّه عليه).

[ميتاح بن أحرب عليهما السّلام]

و قام ميتاح بن أحرب عليهما السّلام بأمر اللّه جل ذكره و اتبعه المؤمنون و هم الأقلون عددا في ذلك الزمان المستخفون من الجبّار المتوقعون الفرج.

فلما حضرت ميتاح الوفاة أوحى اللّه إليه أن يوصي إلى ابنه عاق فأحضره و أوصى إليه.

[عاق بن ميتاح عليه السّلام]

و قام عاق بن ميتاح عليه السّلام بأمر اللّه جل و علا و اتبعه المؤمنون على سبيل من تقدّمه من آبائه فلما حضرته الوفاة أوحى اللّه تعالى إليه أن يوصي إلى ابنه خيام فأحضره و أوصى إليه و مضى صلّى اللّه عليه.

[خيام بن عاق عليه السّلام]

و قام خيام بن عاق عليه السّلام بأمر اللّه جل و تعالى و نوره حكمته إلى أن حضرته الوفاة أوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته ابنه مادوم فاتبعه المؤمنون مدّة زمانه على

ص:50

خوف و استخفاء و أودع نور اللّه و حكمته ابنه مادوم.

[مادوم بن خيام عليه السّلام]

و قام مادوم بن خيام عليه السّلام بأمر اللّه جل و علا و نوره حكمته إلى أن حضرته الوفاة فأوحى اللّه إليه أن يوصي إلى شعيب فأحضره و أوصى إليه و مضى عليه السّلام و كان شعيب من ولد نابت بن إبراهيم صلّى اللّه عليه لم يكن من ولد إسماعيل و إسحاق صلوات اللّه عليهم.

[شعيب عليه السلام]

فقام شعيب بالأمر بعد مادوم فعند ذلك ظهر ملك فرعون ذو الأوتاد و هو فرعون موسى عليه السّلام و اسمه الوليد بن ريان بن مصعب و كان ملكه أربعمائة سنة و في سنة من ملكه بعث اللّه أيوب صاحب البلاء صلّى اللّه عليه و كانت امرأته رحمة بنت يوسف عليه السّلام و هو أيوب بن أموص بن العيص بن إسحاق بن يعقوب

65- وَ كَانَ مِنْ قِصَّةِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ إِلَى قَوْمٍ نَبِيّاً حِينَ كَبِرَتْ سِنُّهُ فَدَعَاهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ وَ الْإِقْرَارِ وَ الطَّاعَةِ فَلَمْ يُجِيبُوهُ فَغَابَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِمْ شَابّاً فَدَعَاهُمْ فَقَالُوا مَا صَدَّقْنَاكَ شَيْخاً فَكَيْفَ نُصَدِّقُكَ شَابّاً.

66- (فَرُوِيَ): أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يُعِيدُ ذِكْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَ يُكَرِّرُهُ وَ يَتَمَثَّلُ بِهِ كَثِيراً.

67- وَ: كَانَ سَبَبُ نُبُوَّةِ شُعَيْبٍ أَنَّ قَوْمَهُ اتَّخَذُوا ميكائيل [مَكَائِيلَ] وَ مَوَازِينَ مُخْتَلِفَةً يَأْخُذُونَ بِالْأَوْفَرِ وَ يُعْطُونَ بِالْأَنْقَصِ. وَ فِي الْحَدِيثِ طُولٌ .

68- وَ: بَلَغَ فِرْعَوْنَ قُرْبُ أَمْرِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَنَّ زَوَالَ مُلْكِهِ وَ هَلاَكِهِ عَلَى يَدَيْهِ وَ فِي أَيَّامِهِ فَوَكَّلَ الْقَوَابِلَ بِالنِّسَاءِ الْحَوَامِلِ فَلَمْ يَكُنْ يُولَدُ غُلاَمٌ إِلاَّ ذُبِحَ وَ إِذَا وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ جَارِيَةً اسْتُحْيِيَتْ وَ تُرِكَتْ فَغَلُظَ الْأَمْرُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ اجْتَمَعُوا إِلَى فَقِيهٍ كَانَ لَهُمْ عَالِمٍ فَقَالُوا:لاَ نَقْرَبِ النِّسَاءَ حَتَّى لاَ يُذْبَحَ الْأَطْفَالُ مِنْ أَوْلاَدِنَا فَقَالَ عِمْرَانُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ عَالِماً مُؤْمِناً تَقِيّاً مِنْ أَوْلاَدِ الْمُؤْمِنِينَ:وَ اللَّهِ لاَ تَرَكْتُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَإِنَّ أَمْرَهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَاقِعٌ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ اللَّهُمَّ مَنْ حَرَّمَ ذَلِكَ فَإِنِّي لاَ أُحَرِّمُهُ وَ مَنْ تَرَكَهُ فَإِنِّي لاَ أَتْرُكُهُ.

69- وَ رُوِيَ: أَنَّ أَصْحَابَ فِرْعَوْنَ شَكَوْا قِلَّةَ النَّسْلِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعْبِدُونَهُمْ

ص:51

وَ يَسْتَخْدِمُونَهُمْ فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ بِأَنْ تُسْتَحْيَى الذُّكُورُ سَنَةً وَ يَقْتُلُونَ سَنَةً فَوُلِدَ هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ فِي سَنَةِ الاِسْتِحْيَاءِ وَ وُلِدَ مُوسَى فِي سَنَةِ الْقَتْلِ حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قُدْرَتَهُ.

70- وَ رُوِيَ: أَنَّ أُمَّ مُوسَى لَمَّا حَمَلَتْ فَطَنَ بِهَا وَ وَضَعَ عَلَيْهَا قَابِلَةً تَلْزَمُهَا فَأَوْقَعَ اللَّهُ عَلَى الْقَابِلَةِ مَحَبَّةً قَبْلَ وِلاَدَتِهِ وَ كَذَلِكَ حُجَجُ اللَّهِ عَلَى مَنْ خَلَقَهُ.

فَكَانَتْ أُمُّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ تَضْمُرُ وَ تَذُوبُ،فَقَالَتْ لَهَا الْقَابِلَةُ:يَا بُنَيَّةُ أَرَاكَ تَذُوبِينَ وَ تَحْزَنِينَ.

قَالَتْ لَهَا:كَيْفَ لاَ أَذُوبُ وَ أَحْزَنُ وَ إِذَا وَلَدْتُ أُخِذَ وَلَدِي وَ ذُبِحَ؟

قَالَتْ لَهَا:لاَ تَحْزَنِي فَإِنِّي سَوْفَ أَكْتُمُ عَلَيْكِ وِلاَدَةَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فَلَمَّا وُلِدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَتِ الْقَابِلَةُ لِأُمِّهِ:أَدْخِلِيهِ الْمِخْدَعَ.

وَ خَرَجَتِ الْقَابِلَةُ إِلَى الْحَرَسِ وَ كَانَ مَعَ كُلِّ قَابِلَةٍ حَرَساً يَقْتُلُ مَنْ يُولَدُ مِنَ الذُّكُورِ فَقَالَتْ لَهُ وَ لِمَنْ مَعَهُ:اِنْصَرِفُوا فَقَدْ كُفِينَا إِنَّمَا خَرَجَ دَمٌ مُتَقَطِّعٌ.

فَانْصَرَفُوا وَ رَضَعَتْهُ أُمُّهُ وَ خَافَتْ عَلَى الصَّوْتِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا أَنِ اعْمَلِي تَابُوتاً فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَاجْعَلِيهِ فِيهِ وَ أَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ بِاللَّيْلِ فِي نِيلِ مِصْرَ،فَفَعَلَتْ وَ طَرَحَتْهُ وَ جَعَلَ يَرْجِعُ إِلَيْهَا وَ جَعَلَتْ تَدْفَعُهُ فِي غَمْرِ الْمَاءِ ثُمَّ إِنَّ الرِّيحَ ضَرَبَتْهُ بِالْأَمْوَاجِ فَانْطَلَقَتْ بِالتَّابُوتِ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَدْ ذَهَبَ بِهِ الْمَاءُ جَزِعَتْ وَ أَيِسَتْ وَ هَمَّتْ أَنْ تَصِيحَ فَرَبَطَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهَا.

وَ كَانَتِ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ عَلَى دِينِ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَكْتُمُ إِيمَانَهَا.قَالَتْ لِفِرْعَوْنَ:هَذِهِ أَيَّامُ الرَّبِيعِ فَأَخْرِجْنِي وَ تَقَدَّمْ أَنْ يُضْرَبَ لِي قُبَّةٌ عَلَى شَاطِئِ النِّيلِ حَتَّى أَتَفَرَّجَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْخُضْرَةِ وَ الرِّيَاضِ.فَفَعَلَ وَ كَانَ يَقْعُدُ مَعَهَا،فَأَقْبَلَ التَّابُوتُ نَحْوَهُمَا حَتَّى صَارَ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا فَقَالَتْ:هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟قَالُوا:بَلَى إِنَّا لَنَرَى شَيْئاً.

فَلَمَّا دَنَا التَّابُوتُ بَادَرَتْ إِلَى الْمَاءِ فَجَذَبَتْهُ إِلَيْهَا وَ كَادَ الْمَاءُ أَنْ يَغْمُرَهَا فَأَخْرَجَتْهُ وَ وَضَعَتْهُ فِي حَجْرِهَا وَ وَقَعَتْ عَلَيْهَا لَهُ مَحَبَّةٌ وَ قَالَتْ:هَذَا ابْنِي وَ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَ لاَ لِلْمَلِكِ وَلَدٌ.

وَ قَالَ فِرْعَوْنُ:نَقْتُلُهُ فَإِنَّا نَتَخَوَّفُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

فَلَمْ تَزَلْ تَرْفُقُ بِهِ حَتَّى أَمْسَكَ عَنْ قَتْلِهِ وَ رَضِيَ وَ وَهَبَهُ لَهَا.

وَ طَلَبَتْ آسِيَةُ مَنْ تُرْضِعُهُ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ وَجَّهَ بِامْرَأَتِهِ لِتُرْضِعَهُ فَامْتَنَعَ مِنْ رَضَاعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَ أَبَى تَنَاوُلَ ثَدْيِهِنَّ.

ص:52

71- وَ رُوِيَ: أَنَّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً» قَالَ:فَارِغاً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ مِنْ ذِكْرِ وَلَدِهَا مُوسَى وَ الْفِكْرَةِ فِيهِ.فَقَالَتْ لِأُخْتِهِ:اُنْظُرِي هَلْ تَرَيْنَ أَوْ تَسْمَعِينَ لَهُ خَبَراً أَوْ أَثَراً.

فَانْطَلَقَتْ فَوَجَدَتْ مَنْ يَطْلُبُ الدَّايَاتِ فَرَجَعَتْ إِلَى أُمِّهَا فَعَرَّفَتْهَا الْخَبَرَ.

فَانْطَلَقَتْ حَتَّى أَتَتْ بَابَ الْمَلِكِ فَقَالَتْ:إِنَّ هُنَا امْرَأَةً صَالِحَةً تَكْفُلُهُ لَكَ.

فَأُدْخِلَتْ فَقَالَتْ لَهَا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ:مِمَّنْ أَنْتِ؟قَالَتْ:مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.فَقَالَتْ لَهَا:

اذْهَبِي يَا بُنَيَّةُ فَلاَ حَاجَةَ بِنَا إِلَيْكِ.

فَقُلْنَ لَهَا النِّسَاءُ:فَانْظُرِي يَأْخُذُ مِنْهَا ثَدْيَهَا أَمْ لاَ يَأْخُذُ.

فَرُفِعَ مُوسَى إِلَيْهَا فَوَضَعَتْهُ فِي حَجْرِهَا ثُمَّ أَلْقَمَتْهُ الثَّدْيَ فَأَخَذَهُ وَ مَصَّهُ حَتَّى رَوِيَ فَقَامَتْ آسِيَةُ إِلَى فِرْعَوْنَ فَأَخْبَرَتْهُ.

فَقَالَ لَهَا:اَلْغُلاَمُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ الظِّئْرُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛هَذَا مَا لاَ يَكُونُ أَبَداً وَ لاَ يَجُوزُ أَنْ نَجْمَعَهُمَا.

فَلَمْ تَزَلْ تَرْفُقُ بِهِ حَتَّى رَضِيَ وَ أَمْسَكَ.

72- فَرُوِيَ: أَنَّهُ لَمَّا وَضَعَتْهُ أُمُّهُ فِي حَجْرِهَا اشْتَدَّ فَرَحُهَا بِهِ فَقَالَتْ:فَدَيْتُكَ يَا مُوسَى.فَسَمِعَ فِرْعَوْنُ فَاسْتَشَاطَ فَأَرْسَلَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ فَنَطَقَ عَلَى لِسَانِهَا فَقَالَتْ:بَلَغَنِي أَنَّكُمْ مُشْتُمُوهُ مِنَ الْمَاءِ فَقُلْتُ يَا مُوشَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ.فَقَالَ لَهَا فِرْعَوْنُ:صَدَقْتَ،مِنَ الْمَاءِ مشتناه [مُشْنَاهُ] وَ إِنَّا نُسَمِّيهِ مُوشَى فَعُرِّبَتْ،فَهُوَ مِيشَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي دَارِ فِرْعَوْنَ.

وَ كَتَمَتْ أُمُّهُ وَ أُخْتُهُ وَ الْقَابِلَةُ خَبَرَهُ.وَ مَاتَتِ الْقَابِلَةُ فَلَمْ يَعْلَمْ بِخَبَرِهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

وَ اشْتَدَّ أَمْرُ الْغَيْبَةِ فِي تَوَقُّعِهِ وَ انْتِظَارِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ كَانُوا يَتَجَسَّسُونَ مِنْ خَبَرِهِ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ غَلُظَ عَلَيْهِمْ سِيرَةُ فِرْعَوْنَ وَ جُنُودِهِ فَخَرَجُوا فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ إِلَى فَقِيهٍ لَهُمْ وَ كَانَ الاِجْتِمَاعُ عِنْدَهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ وَ يَخَافُونَ فَقَالُوا لَهُ:قَدْ كُنَّا نَسْتَرِيحُ إِلَى الْأَحَادِيثِ فَحَتَّى مَتَى؟فَقَالَ لَهُمْ:لاَ تَزَالُونَ فِي هَذَا أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَ يَظْهَرَ فِي الْأَرْضِ.

وَ أَخَذَ يَصِفُ لَهُمْ وَجْهَهُ وَ طُولَهُ وَ لِحْيَتَهُ وَ عَلاَمَاتِهِ إِذْ أَقْبَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَدْ كَانَ خَرَجَ

ص:53

إِلَى الصَّيْدِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ شَهْبَاءَ وَ عَلَيْهِ طَيْلَسَانُ خَزٍّ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْفَرَفَعَ الْعَالِمُ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَعَرَفَهُ فَوَثَبَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ:مَا اسْمُكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟

فَقَالَ لَهُ:مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فَانْكَبَّ عَلَى يَدِهِ وَ رِجْلِهِ فَقَبَّلَهُمَا.وَ ثَارَ الْقَوْمُ فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَ رِجْلَهُ وَ قَالُوا لَهُ:اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنَا حَتَّى أَرَانَاكَ.

فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ قَالَ:أَرْجُو أَنْ يُعَجِّلَ لَكُمُ الْفَرَجَ فَاتَّخَذَهُمْ شِيعَةً مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

ثُمَّ غَابَ بَعْدَ ذَلِكَ بِضْعَةَ عَشَرَ سَنَةً ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الدَّارِ إِلَى السَّفِينَةِ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلاً مِنْ شِيعَتِهِ أُولَئِكَ؛يُقَاتِلُهُ رَجُلٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ؛وَ كَانَ الْقِبْطَةُ يَحْمِلُونَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمَاءَ وَ الْحَطَبَ وَ الصُّخُورَ وَ الْحِجَارَةَ «فَرُوِيَ»: أَنَّهُ كَانَ طَبَّاخاً لِفِرْعَوْنَ قَدْ حَمَلَ عَلَى ذَلِكَ الْمُؤْمِنِ حَطَباً فَلَمْ يُطِقْ حَمْلَهُ فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ.

فَلَمَّا رَأَى مُوسَى الْمُؤْمِنُ اسْتَغَاثَ بِهِ عَلَى الطَّبَّاخِ الْقِبْطِيِّ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ وَ دَخَلَ الدَّارَ.وَ انْتَشَرَ الْخَبَرُ فِي الْمَدِينَةِ وَ بَلَغَ الْمَلِكَ وَ قَدْ كَانَ أُعْلِمَ أَنَّ مُوسَى إِذَا خَرَجَ يَقْتُلُ طَبَّاخاً لَهُ فَبَذَلَ الرَّغَائِبَ لِمَنْ يَأْتِي بِهِ.

وَ خَرَجَ مُوسَى بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْمَدِينَةِ «فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ» عَلَى رَجُلٍ آخَرَ مِنَ الْقِبْطِ.

فَقَالَ لَهُ مُوسَى «إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ» بِالْأَمْسِ رَجُلٌ وَ الْيَوْمَ رَجُلٌ.ثُمَّ دَنَا مِنَ الْقِبْطِيِّ فَتَخَلَّصَ الرَّجُلُ مِنْهُ،فَظَنَّ الْقِبْطِيُّ أَنَّهُ قَاتِلُهُ وَ ظَنَّ الْمُؤْمِنُ أَنَّهُ دَنَا مِنْهُ لِيُعَاقِبَهُ لِقَوْلِهِ «إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ» فَقَالَ لَهُ: يا مُوسى أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ .

وَ بَصُرَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ ،بِغَيْرِ ظَهْرٍ يَرْكَبُهُ وَ لاَ خَادِمٍ يَخْدُمُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَرْضِ(مَدْيَنَ)وَ هِيَ مَسِيرَةُ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْماً فَرُوِيَ: أَنَّهُ صَارَ إِلَيْهَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَ بَعْضِ يَوْمٍ فَانْتَهَى إِلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ تَحْتَهَا بِئْرٌ يَسْتَقِي مِنْهَا الْمَاءَ فَوَجَدَ عِنْدَهَا أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ فَكَانَ قِصَّتُهُ مَعَ شُعَيْبٍ وَ ابْنَتِهِ مَا قَصَّ اللَّهُ بِهِ.

فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَ أَرَادَ أَنْ يُوَدِّعَ شُعَيْباً قَالَ لَهُ:اُدْخُلْ إِلَى الْبَيْتِ فَأَخْرِجْ مِنْ تِلْكَ الْعِصِيِّ وَاحِدَةً وَ كَانَ شِيعَةُ شُعَيْبٍ وَ أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ فَدَخَلَ فَأَخْرَجَ الْعَصَا فَقَامَ شُعَيْبٌ فَرَدَّهَا وَ جَعَلَهَا تَحْتَ الْعِصِيِّ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ فَيُخْرِجَ غَيْرَهَا فَدَخَلَ فَوَجَدَهَا فَوْقَ

ص:54

الْعِصِيِّ فَأَخْرَجَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.

فَقَالَ لَهُ شُعَيْبٌ:إِنِّي أَرَى أَنَّكَ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى الطُّورِ.فَكَانَتْ تِلْكَ إِشَارَةٌ مِنْ شُعَيْبٍ بِحَضْرَةِ شِيعَتِهِ،وَ كَانَتِ الْعَصَا قَضِيبَ آسٍ لِرَأْسِهَا شَاخَتَانِ.فَأَخَذَهَا وَ سَارَ بِأَهْلِهِ يُرِيدُ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَغَلِطَ فِي الطَّرِيقِ وَ جَنَّهُ اللَّيْلُ فَأَخَذَ الزِّنَادَ لِيَقْدَحَ بِهِ فَلَمْ يَنْقَدِحْ فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ كَلَّمَتْهُ الْحَدِيدَةُ وَ قَالَتْ لَهُ يَا سَيِّدِي لاَ تَتْعَبَنَّ فَإِنِّي مَأْمُورَةٌ.فَالْتَفَتَ فَرَأَى نَاراً فَأَقْبَلَ إِلَيْهَا فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا طَفَرَتْ فَصَارَتْ مِنْ خَلْفِهِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهَا فَصَارَتْ عَنْ يَمِينِهِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهَا فَصَارَتْ عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ صَارَتْ عَلَى الشَّجَرَةِ وَ سَمِعَ الْكَلاَمَ فَقَالَ:يَا رَبِّ هَذَا الَّذِي أَسْمَعُهُ كَلاَمُكَ؟قَالَ:نَعَمْ.فَنُودِيَ: أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ،فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً .

وَ إِذَا حَيَّةٌ مِثْلُ الْجِذْعِ وَ لِأَسْنَانِهَا صَرِيرٌ يَخْرُجُ مِنْ فِيهَا كَالنَّارِ.

73- : سُئِلَ الْعَالِمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: «تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً» فَقَالَ:كَانَتْ كَالْجِذْعِ الْعَظِيمِ وَ حَرَكَتُهَا حَرَكَةُ الْجَانِّ الصَّغِيرِ.

74- : فَأُمِرَ بِالرُّجُوعِ فَرَجَعَ وَ هُوَ خَائِفٌ فَأُمِرَ بِأَخْذِهَا فَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى ذَنَبِهَا ثُمَّ تَنَاوَلَ لِحْيَتَهَا فَإِذَا يَدُهُ فِي شُعْبَةِ الْعَصَا قَدْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ وَ قَالَتْ لَهُ: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ .

وَ أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى فِرْعَوْنَ وَ الْعَصَا بِيَدِهِ وَ أَمَرَ بِتَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ وَ تَحْذِيرِهِ وَ إِنْذَارِهِ وَ أَوْصَاهُ بِمَا يَقُولُهُ لَهُ وَ كَانَ فِيمَا نَاجَاهُ بِهِ قَالَ لَهُ:يَا مُوسَى أَ تَدْرِي لِمَ اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِوَحْيِي وَ كَلاَمِي؟

قَالَ:لاَ يَا رَبِّ.

قَالَ:إِنِّي قَلَّبْتُ عِبَادِي ظَهْراً لِبَطْنٍ فَلَمْ أَرَ مِنْهُمْ أَذَلَّ نَفْساً لِي مِنْكَ.

75- قَالَ: وَ كَانَ مُوسَى إِذَا صَلَّى لاَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاَتِهِ حَتَّى يَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ وَ الْأَيْسَرَ عَلَى التُّرَابِ.

76- فَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَجْعَلَ مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ وَزِيراً وَ قَصَّ اللَّهُ مِنْ شَأْنِهِ مَا قَصَّ فَأَجَابَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى ذَلِكَ وَ قَالَ لَهُمَا: نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَ مَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ .

ص:55

77- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ :اُرْدُدْ صَفُورَا عَلَى شُعَيْبٍ.فَرَجَعَ فَرَدَّهَا وَ خَرَجَ إِلَى مِصْرَ بَعْدَ غَيْبَتِهِ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ قَدْ كَانَ طَالَ عَلَى الشِّيعَةِ الاِنْتِظَارُ بَعْدَ أَنْ رَأَوْا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَاجْتَمَعُوا إِلَى فَقِيهِهِمْ وَ عَالِمِهِمْ فَسَأَلُوهُ الْخُرُوجَ مَعَهُمْ إِلَى مَوْضِعٍ يُحَدِّثُهُمْ فِيهِ فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الصَّحْرَاءِ وَ قَعَدَ يُحَدِّثُهُمْ وَ قَالَ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَلاَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ يُفَرِّجَ عَنْكُمْ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.

فَقَالُوا:مَا شَاءَ اللَّهُ.

فَقَالَ لَهُمْ:إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ يُفَرِّجَ عَنْكُمْ بِقَوْلِكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ.

فَقَالُوا:كُلُّ نِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ.

فَقَالَ لَهُمْ:إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ يُفَرِّجَ عَنْكُمْ بِقَوْلِكُمْ كُلُّ نِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ شَهْرَيْنِ.

فَقَالُوا:لاَ يَأْتِي بِالْخَيْرِ إِلاَّ اللَّهُ.

فَقَالَ لَهُمْ:إِنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلاَلُهُ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ يُفَرِّجَ عَنْكُمْ بِمَا قُلْتُمْ بَعْدَ شَهْرٍ.

فَقَالُوا:لاَ يَصْرِفُ السُّوءَ إِلاَّ اللَّهُ.

فَقَالَ لَهُمْ:فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْحَى إِلَيَّ بِأَنَّهُ يُفَرِّجُ عَنْكُمْ إِلَى جُمْعَةٍ بِمَا قُلْتُمْ فَقَالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ .

فَقَالَ لَهُمْ:إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ يُفَرِّجَ عَنْكُمْ هَذَا الْيَوْمَ فَانْتَظِرُوا.

فَقَالُوا:اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ جَلَسُوا يَنْتَظِرُونَ إِذْ أَقْبَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ بِيَدِهِ الْعَصَا وَ عَلَيْهِ مِدْرَعَةُ صُوفٍ وَ هُوَ رَاكِبٌ حِمَاراً فَقَامَ إِلَيْهِ الْعَالِمُ وَ سَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ:يَا سَيِّدِي بِمَا ذَا جِئْتَ.

قَالَ لَهُ:جِئْتُ بِالرِّسَالَةِ إِلَى فِرْعَوْنَ وَ مَلَئِهِ.

وَ أَمَرَهُمْ بِمَا أَرَادَ وَ دَخَلَ مِصْرَ بِاللَّيْلِ مُسْتَخْفِياً فَجَاءَ إِلَى دَارِ وَالِدَتِهِ وَ أُخْتِهِ فَرُوِيَ أَنَّهُ قَدْ وَقَفَ عَلَى الْبَابِ وَقْفَةً فَسَمِعَ أُمَّهُ تَقُولُ لِأُخْتِهِ:تَرَى مَا فَعَلَ الشَّرِيدُ الطَّرِيدُ الْغَائِبُ.

فَدَقَّ الْبَابَ وَ دَخَلَ فَلَمَّا رَأَتْهُ أُمُّهُ سَقَطَتْ مَغْشِيّاً عَلَيْهَا ثُمَّ أَفَاقَتْ فَحَمِدَتِ اللَّهَ وَ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ.

وَ أَمَرَ بِإِحْضَارِ أَخِيهِ هَارُونَ وَ كَانَ أَحَدَ خَوَاصِّ فِرْعَوْنَ(وَ رُوِيَ)أَنَّهُ كَانَ يَسْقِيهِ الْخَمْرَ

ص:56

وَ كَانَ يَلْبَسُ الْجَوَاهِرَ وَ الْمَزَادَ الْمُذَهَّبَةَ فَأُحْضِرَ وَ خَبَّرَهُ بِالْخَبَرِ وَ أَمَرَهُ بِمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَ رَدَّهُ إِلَى دَارِ فِرْعَوْنَ.

78- وَ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَى إِلَى هَارُونَ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ أَنِ اخْرُجْ إِلَى بَابِ الْمَدِينَةِ حَتَّى تَلْقَى أَخَاكَ.فَخَرَجَ وَ أَقْبَلَ مُوسَى فَلَمْ يَعْرِفْهُ لِلنُّورِ الَّذِي كَانَ قَدْ عَلاَ وَجْهَهُ وَ لَبِسَهُ حَتَّى نَادَاهُ مُوسَى فَقَالَ هَارُونُ مَرْحَباً بِسَيِّدِي وَ أَخِي ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ.

79- وَ رُوِيَ: أَنَّ هَارُونَ كَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ وَ أَبِيهِ وَ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ بِثَلاَثِ سِنِينَ وَ كَانَ مُوسَى أَكْبَرَ جِسْماً وَ خَلْقاً وَ كَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ يُوحِيهِ إِلَى هَارُونَ.

وَ غَدَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى بَابِ فِرْعَوْنَ وَ عَلَيْهِ مِدْرَعَتَانِ مِنْ شَعْرٍ فَاسْتَأْذَنَ فَحُجِبَ فَضَرَبَ الْبَابَ بِعَصَاهُ فَاصْطَفَقَتِ الْأَبْوَابُ كُلُّهَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ فِرْعَوْنَ وَ تَفَتَّحَتْ.

وَ كَانَ لِفِرْعَوْنَ فِي عِمْرَانِ دَارِهِ أُسْدٌ فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ بِتَخْلِيَتِهَا فِي طَرِيقِهِ فَخُلِّيَتْ وَ دَخَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَقْبَلَتِ الْأُسْدُ تُبَصْبِصُ وَ تَضْرِبُ بِأَذْنَابِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَحْتَ رِجْلَيْهِ.

فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِجُلَسَائِهِ:أَ رَأَيْتُمْ مِثْلَ هَذَا قَطُّ؟ قَالُوا:لاَ.

فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ وَ أَدَّى رِسَالَةَ رَبِّهِ إِلَيْهِ وَ سَأَلَ أَنْ يُرْسِلَ مَعَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ لاَ يُعَذِّبَهُمْ فَعَرَفَهُ فِرْعَوْنُ وَ قَالَ لَهُ «أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَ لَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ» إِلَى قَوْلِ اللَّهِ «فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ» فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ هَرَبَ.

وَ فَتَحَتِ الْحَيَّةُ فَاهَا فَأَهْوَتْ إِلَى قُبَّةِ فِرْعَوْنَ أَنْ تَبْتَلِعَهَا فَنَادَى:يَا مُوسَى أَنْشُدُكَ اللَّهَ وَ الرَّضَاعَ إِلاَّ امْتَنَعْتَ.

فَأَخَذَ مُوسَى الْعَصَا وَ رَجَعَتْ إِلَى فِرْعَوْنَ نَفْسُهُ،وَ هَمَّ بِتَصْدِيقِهِ،فَقَامَ إِلَيْهِ هَامَانُ فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَ قَالَ لَهُ:بَيْنَمَا أَنْتَ إِلَهٌ تُعْبَدُ تَصِيرُ تَابِعاً لِعَبْدٍ إِنَّمَا هُوَ أَمْرُ السَّمَاءِ وَ أَمْرُ الْأَرْضِ فَأَمَّا أَمْرُ السَّمَاءِ فَإِنِّي أَبْنِي لَكَ بِنَاءً تُقَاوِمُ بِهِ مَلِكَ السَّمَاءِ وَ أَمَّا أَمْرُ الْأَرْضِ فَالسَّحَرَةُ يُقَاوِمُونَ مُوسَى؛فَصَدَّهُ عَنِ الْإِيمَانِ وَ التَّصْدِيقِ لِمُوسَى.

فَ «قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ»

ص:57

ثُمَّ قَالَ لَهُ:مَنْ يَشْهَدُ لَكَ بِالرِّسَالَةِ؟

فَقَالَ:هَذَا الْوَاقِفُ عَلَى رَأْسِكَ يَعْنِي أَخَاهُ هَارُونَ

فَالْتَفَتَ إِلَى هَارُونَ فَقَالَ لَهُ:مَا تَقُولُ؟

قَالَ لَهُ:صَدَقَ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ

فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ فَنُزِعَتْ عَنْهُ ثِيَابُ الْمَلِكِ وَ الْحُلَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ

فَبَادَرَ مُوسَى فَنَزَعَ إِحْدَى الْمِدْرَعَتَيْنِ فَأَلْبَسَهَا هَارُونَ فَلَمَّا وَقَعَتْ عَلَى جِلْدِهِ بَكَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ كَانَ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى وَ السَّحَرَةِ مَا قَصَّ اللَّهُ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ «فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى» (فَرُوِيَ): أَنَّهُ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ وَ إِنَّمَا خَافَ عَلَى شِيعَتِهِ الْفِتْنَةَ.

وَ أَلْقَى عَصَاهُ فَتَلَقَّفَتْ جَمِيعَ مَا عَمِلُوهُ مِنَ الْحِبَالِ وَ الْعِصِيِّ وَ كَانَ فِيمَا رُوِيَ حِمْلَ مِائَتَيْ بَعِيرٍ.

فَلَمَّا رَأَى السَّحَرَةُ ذَلِكَ قَالُوا:لَيْسَ هَذَا سِحْراً،هَذَا أَمْرُ اللَّهِ وَ إِلاَّ فَأَيْنَ أَحْمَالُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ حَمَلْنَاهَا؟

قَالَ:وَ سَجَدُوا وَ آمَنُوا فَقَالَ لَهُمْ فِرْعَوْنُ: آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ؟

فَقَالُوا لَهُ: فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ .

وَ رَجَعَ فِرْعَوْنُ وَ أَصْحَابُهُ مَغْلُوبِينَ وَ اشْتَدَّتِ الْمِحْنَةُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ ظُهُورِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانُوا يُضْرَبُونَ وَ يُحْمَلُ عَلَيْهِمُ الْحِجَارَةُ وَ الْمَاءُ وَ الْحَطَبُ فَصَارُوا إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ:كُنَّا نَتَوَقَّعُ الْفَرَجَ فَلَمَّا فُرِّجَ عَنَّا بِكَ غَلُظَتِ الْمِحْنَةُ عَلَيْنَا.

فَنَاجَى مُوسَى رَبَّهُ فِي ذَلِكَ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:عَرِّفْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي مُهْلِكُ فِرْعَوْنَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ فَقَالُوا:مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:عَرِّفْهُمْ أَنِّي قَدْ نَقَصْتُ مِنْ مُدَّةِ فِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِمْ«مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ»عَشْرَ سِنِينَ وَ إِنِّي أُهْلِكُهُ بَعْدَ ثَلاَثِينَ سَنَةً.

فَقَالُوا:كُلُّ نِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى:فَإِنِّي قَدْ نَقَصْتُ مِنْ أَيَّامِهِ لِقَوْلِهِمْ«كُلُّ نِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ»عَشْرَ سِنِينَ

ص:58

وَ إِنِّي مُهْلِكُهُ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً.

فَقَالُوا:لاَ يَأْتِي بِالْخَيْرِ إِلاَّ اللَّهُ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:قَدْ نَقَصْتُ مِنْ أَيَّامِهِ بِقَوْلِهِمْ«لاَ يَأْتِي بِالْخَيْرِ إِلاَّ اللَّهُ»عَشْرَ سِنِينَ وَ إِنِّي مُهْلِكُهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ.

فَقَالُوا:لاَ يَصْرِفُ السُّوءَ إِلاَّ اللَّهُ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:إِنِّي قَدْ بَتَرْتُ عُمُرَهُ وَ مَحَقْتُ أَيَّامَهُ بِقَوْلِهِمْ«لاَ يَصْرِفُ السُّوءَ إِلاَّ اللَّهُ»

فَأَخْرَجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ فَعَذَّبَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِرْعَوْنَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ يَوْماً بِالْقَمْلِ وَ يَوْماً بِالْجَرَادِ وَ يَوْماً بِالضَّفَادِعِ وَ يَوْماً بِالدَّمِ وَ يَوْماً بِالرِّيحِ الصَّفْرَاءِ وَ يَوْماً بِالرِّيحِ السَّوْدَاءِ

ثُمَّ خَرَجَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ نَحْوَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَ اتَّبَعَهُ فِرْعَوْنُ فِي جَمِيعِ جُنُودِهِ وَ جَيْشِهِ وَ كَانَ فِي خَيْلِهِ سَبْعُونَ فَرَساً أَبْلَقَ.

وَ كَانَ مِنْ شِيعَةِ مُوسَى قَوْمٌ قَدْ تَبِعُوا فِرْعَوْنَ طَلَباً لِدُنْيَاهُ وَ هُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ قَالُوا:

هَذَا الَّذِي قَدْ كُنَّا نَرْجُوهُ،رَجَعْنَا وَ صِرْنَا مَعَ مُوسَى.

فَلَمَّا خَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنْ مِصْرَ اتَّبَعُوهُ وَ أَسْرَعُوا فِي السَّيْرِ فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ مَلاَئِكَةً يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ دَوَابَّهُمْ حَتَّى رَدُّوهُمْ إِلَى عَسْكَرِ فِرْعَوْنَ فَهَلَكُوا فِيمَنْ هَلَكَ وَ نُودُوا:

حَقّاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُصَيِّرَكُمْ مَعَ مَنْ عِشْتُمْ فِي دَوْلَتِهِ.

فَلَمَّا قَرُبَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ الْبَحْرِ لَحِقَهُ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ فَاشْتَدَّ خَوْفُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ شَكَوْا ذَلِكَ إِلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ فَصَارَ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ:يَا سَيِّدِي قَدْ أَدْرَكَنَا فِرْعَوْنُ فَأَيَّ شَيْءٍ تَأْمُرُ؟

فَقَالَ لَهُ:اَلْبَحْرَ يَا يُوشَعُ.

فَبَادَرَ إِلَى الْبَحْرِ فَاقْتَحَمَهُ بِفَرَسِهِ حَتَّى كَادَ أَنْ يَغْرَقَ.

فَلَمَّا رَأَى الْمَاءَ قَدْ غَمَرَهُ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ لَهُ:أَيَّ شَيْءٍ تَأْمُرُ؟

فَقَالَ لَهُ:اَلْبَحْرَ يَا يُوشَعُ.

فَاقْتَحَمَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ كان [كَادَ] أَنْ يَغْرَقَ فِيهِ.

ص:59

فَقَالَ مُوسَى:وَ إِلَهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا كَذَبْتُ وَ لاَ كُذِبْتُ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى «أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ» فَضَرَبَهُ «فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ» وَ تَقَدَّمَ يُوشَعُ وَ كَانَ فَرَسُهُ يَخْطُو عَلَى جَدَدِ الْأَرْضِ الصُّلْبَةِ.

وَ رُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بِرْذَوْنٌ أَشْهَبُ فَأَنْجَى اللَّهُ بِعَظَمَتِهِ وَ قُدْرَتِهِ مُوسَى وَ مَنْ مَعَهُ وَ غَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَ جُنُودَهُ وَ آلَ فِرْعَوْنَ.

فَلَمَّا خَرَجَ قَوْمُ مُوسَى مِنَ الْبَحْرِ مَرُّوا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ فَقَالُوا: يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ .

قَالَ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ .

فَلَمَّا انْتَهَى بِهِمْ إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ قَالَ لَهُمْ: يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ .

قَالُوا: إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ وَ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها -يَعْنُونَ الْعَمَالِقَةَ.

فَحَرَّمَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ رَجَعُوا نَحْوَ مِصْرَ فَتَاهُوا فِي أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ أَرْبَعِينَ سَنَةًفَنَزَلَ عَلَيْهِمُ الْمَنُّ وَ السَّلْوَى فَهَلَكُوا جَمِيعاً فِيهَا إِلاَّ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَ ابْنُ عَمِّهِ كَالِبُ بْنُ يُوحَنَّا وَ هُمَا اللَّذَانِ قَالَ اللَّهُ فِي حَقِّهِمَا:قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا.

وَ كَانَ مَعَهُمْ فِي التِّيهِ حَجَرٌ يَحْمِلُهُ أَحَدُهُمْ عَلَى كَتِفِهِ وَ رُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ عَلَى حِمَارٍ فَإِذَا وَضَعَهُ«انْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً» فَيَشْرَبُونَ فَإِذَا أَرَادُوا الرَّحِيلَ بَلَعَ الْمَاءَ وَ غَاضَ وَ حُمِلَ الْحَجَرُ مَعَهُمْ وَ إِذَا وُلِدَ لَهُمْ وَلَدٌ أُنْزِلَ لَهُ الْقَمِيصُ فَطُرِحَ عَلَيْهِ فَإِذَا اتَّسَخَ طُرِحَ فِي النَّارِ فَيَتَنَظَّفُ وَ لَمْ يَحْتَرِقْ.وَ كُلَّمَا طَالَ الْمَوْلُودُ طَالَ الْقَمِيصُ مَعَهُ.

وَ لَمَّا مَضَى مُوسَى لِمِيعَادِهِ وَ هُوَ ثَلاَثُونَ يَوْماً عَرَفَ مُوسَى أَصْحَابَهُ ذَلِكَ.

فَلَمَّا انْقَضَتْ وَ تَمَّمَهَا اللَّهُ لَهُ بِعَشْرٍ،صَنَعُوا فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ مَا صَنَعُوا مِنْ أَمْرِ الْعِجْلِ.

وَ كَانَ أَصْلُ ذَلِكَ السَّامِرِيِّ كَاهِناً يَتَنَجَّمُ فَرَأَى فِي نُجُومِهِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقْطَعُونَ الْبَحْرَ فَدَخَلَ مَعَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ وَ كَانَ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ أَرْضِ مَدِينَةِ الْمَوْصِلِ مِنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الْبَقَرَ فَنَظَرَ إِلَى جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لاَ يَضَعُ حَافِرُ فَرَسِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدَّوَابِّ الْمَيِّتَةِ وَ لاَ شَجَرٍ قَدْ سَقَطَ وَ مَاتَ وَ نَخِرَ إِلاَّ عَاشَ.فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ وَ هُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّهُ جَبْرَئِيلُ قَبَضَ قَبْضَةً

ص:60

مِنْ تَحْتِ حَوَافِرِ الْفَرَسِ فَصَرَّهَا فِي صُرَّةٍ.فَلَمَّا أَبْطَأَ مُوسَى عَلَى قَوْمِهِ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ:

إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَدِ اسْتَعَرْتُمْ حُلِيّاً مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَ أَخْرَجْتُمُوهَا مَعَكُمْ فَأَخْرِجُوهُ وَ ارْمُوا بِهِ وَ تُوبُوا مِنْهُ وَ تَطَهَّرُوا.

فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَ رَمَوْا بِالْحُلِيِّ فَأَخَذَهُ السَّامِرِيُّ وَ كَانَ صَائِغاً فَصَاغَ مِنْهُ عِجْلاً جَسَداً ثُمَّ أَدْخَلَ الصُّرَّةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ تَحْتِ الْحَوَافِرِ فِي فَمِ الْعِجْلِ فَإِذَا هُوَ يَخُورُ وَ قَالَ لَهُمْ:هَذَا «إِلهُكُمْ وَ إِلهُ مُوسى» فَعَكَفُوا عَلَيْهِ.

فَقَامَ هَارُونُ خَطِيباً فِيهِمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ «يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي.

قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى»

فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى وَ خُبِّرَ بِالْخَبَرِ قَالَ لَهُ هَارُونُ مَا قَالَهُ وَ أَجَابَهُ بِمَا قَصَّ اللَّهُ بِهِ،فَأَخَذَ مُوسَى الْعِجْلَ فَوَضَعَ عَلَيْهِ الْمَبَارِدَ حَتَّى بَرَدَ كُلُّهُ وَ ذَرَاهُ فِي الْبَحْرِ فَبَادَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الْبَحْرِ لِيَطْرَحُوا أَنْفُسَهُمْ فِيهِ نَدَامَةً عَلَى مَا فَعَلُوهُ وَ رُجُوعاً وَ تَوْبَةً فَمَنَعَهُمْ.

وَ أَمَرَهُمْ أَنْ لاَ يَشْرَبُوا مِنَ النَّهَرِ وَ كَانَ خَلِيجاً مِنَ الْبَحْرِ.

فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَصَارَ حَوْلَ شِفَاهِهِمْ مِنْ ذَهَبٍ فَعَرَفَ الْمُخَالِفِينَ مِنْهُمْ ثُمَّ قَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ خَطِيباً وَ ذَكَّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَ جَمِيلِ بَلاَئِهِ فَأَخَذَ بِقُلُوبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا لَهُ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَلْ بَقِيَ نَبِيٌّ أَعْلَمَ مِنْكَ؟فَقَالَ:لاَ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:يَا مُوسَى هَلاَّ وَكَلْتَ الْعِبَادَ إِلَى عِلْمِي حِينَ سَأَلُوكَ.

80- فَرُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ تَحْتَ الْمِنْبَرِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَلْفُ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ ثُمَّ جَاءَهُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَمَرَهُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ بِطَلَبِ الْعِلْمِ وَ قَالَ لَهُ:هُوَ فِي مَكَانِ كَذَا وَ كَذَا.

فَسَأَلَ مُوسَى أَنْ يُعَرِّفَهُ مَكَانَهُ فَأُعْطِيَ مِكْتَلاً فِيهِ حُوتٌ مَمْلُوحٌ وَ قِيلَ لَهُ هَذَا زَادُكَ وَ هُوَ يَدُلُّكَ عَلَى الْمَكَانِ.

فَخَرَجَ هُوَ وَ فَتَاهُ يُوشَعُ فَسَارَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى عَيْنٍ فَأَخْرَجَ يُوشَعُ الْحُوتَ لِيَغْسِلَهُ فِي الْمَاءِ فَاضْطَرَبَ فِي يَدِهِ،وَ كَانَ مِنَ الْعَيْنِ نَفَقَ إِلَى الْبَحْرِ وَ نَسِيَ الْحُوتَ فَلَمَّا جَاعَا دَعَا مُوسَى بِالطَّعَامِ فَذَكَرَ الْفَتَى يَعْنِي يُوشَعَ مَا صَنَعَ الْحُوتُ.

ص:61

فَقَالَ لَهُ مُوسَى:ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْتَغِيهِ.

فَارْتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً ،أَيْ عَلَى آثَارِ أَقْدَامِهِمَا،فَأَخَذَا فِي جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ فَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابُ صُوفٍ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى وَ جَلَسَ فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ وَ قَالَ لَهُ:مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟

قَالَ:أَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ صَاحِبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

وَ قَالَ:إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ أَتَّبِعَكَ فَأَعْلَمَ مِنْ عِلْمِكَ.

قَالَ لَهُ:يَا مُوسَى إِنِّي وُكِّلْتُ بِأَمْرٍ لاَ تُطِيقُهُ.

ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ الْعَالِمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ حَتَّى ذَكَرَ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْمِحَنِ وَ ذَكَرَ الْقَائِمَ مِنْ وُلْدِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَ مَا يَجْرِي عَلَى يَدِهِ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَ الْبَرَكَاتِ.

وَ أَقْبَلَ طَائِرٌ «رُوِيَ»: أَنَّهُ الْجُنْدَبُ وَ أَنَّهُ أَصْغَرُ مِنَ الْعُصْفُورِ وَ أَنَّهُ الْخُطَّافُ حَتَّى وَقَعَ بِالْبَحْرِ فَأَخَذَ بِمِنْقَارِهِ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ الْعَالِمُ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ:هَلْ رَأَيْتَ الطَّائِرَ وَ مَا صَنَعَ؟.

قَالَ:نَعَمْ.

قَالَ لَهُ:مَا عِلْمِي وَ عِلْمُكَ فِي عِلْمِ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ إِلاَّ بِمِقْدَارِ مَا أَخَذَهُ هَذَا الطَّائِرُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلْ تَرَاهُ نَقَصَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ بِمَا أَخَذَهُ بِمِنْقَارِهِ.

ثُمَّ كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ قِصَّةِ السَّفِينَةِ وَ الْغُلاَمِ وَ الْجِدَارِ مَا قَصَّ اللَّهُ بِهِ .

81- وَ: أَنْزَلَ اللَّهُ-جَلَّ وَ عَزَّ-عَلَى مُوسَى التَّوْرَاةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِسِتِّ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْهُ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالصَّوْمِ وَ الْإِمْسَاكِ عَنْ جَمِيعِ مَا يُؤْكَلُ وَ يُشْرَبُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ.فَتَرَكُوا الْجُمُعَةَ فَأَمْسَكُوا يَوْمَ السَّبْتِ.فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ الصَّيْدَ وَ قَتَلَ اللَّهُ فِيهِ عَوْجَ بْنَ عَنَاقَ عَلَى يَدَيْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ وُلِدَ فِي زَمَنِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ كَيْخُسْرُوُ خَمْسِينَ سَنَةً وَ قَتَلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثَمَانِيَةً وَ عِشْرِينَ أَلْفَ نَبِيٍّ وَ اخْتَلَفَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَاخْتَارَ مِنْهُمْ مُوسَى سَبْعِينَ رَجُلاً وَ قَدْ كَانُوا طَالَبُوهُ وَ قَالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ. فَمَاتُوا.

وَ رُوِيَ: أَنَّ مُوسَى مَاتَ بِمَوْتِهِمْ،فَلِذَلِكَ.

82- رُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: لاَ تُجَالِسُوا

ص:62

الْمَفْتُونِينَ فَيَنْزِلَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ فَيُصِيبَكُمْ مَعَهُمْ.

83- ثُمَّ أَحْيَا اللَّهُ مُوسَى قَبْلَهُمْ فَلَمَّا رَآهُمْ صَرْعَى اغْتَمَّ وَ قَالَ:يَا رَبِّ أَصْحَابِي أَصْحَابِي.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:إِنِّي أُبَدِّلُكَ بِهِمْ مَنْ هُمْ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُمْ.

قَالَ:يَا رَبِّ إِنِّي قَدْ عَرَفْتُهُمْ وَ عَرَفُونِي وَ وَجَدْتُ رِيحَهُمْ.

فَبَعَثَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ أَنْبِيَاءَ.

ثُمَّ أَخَذَ مُوسَى بِيَدِ هَارُونَ وَ مَضَيَا إِلَى جَبَلِ طُورِ سَيْنَاءَ فَإِذَا هُمْ بِبَيْتٍ عَلَى بَابِهِ شَجَرَةٌ فَتَدَلَّتْ مِنَ الشَّجَرَةِ عَلَى مُوسَى حُلَّتَانِ فَأَخَذَهُمَا مُوسَى وَ قَالَ لِهَارُونَ:اِنْزِعْ ثِيَابَكَ وَ ادْخُلْ هَذَا الْبَيْتَ وَ الْبَسْ هَاتَيْنِ الْحُلَّتَيْنِ وَ نَمْ عَلَى السَّرِيرِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ.

فَفَعَلَ هَارُونُ ذَلِكَ فَلَمَّا نَامَ عَلَى السَّرِيرِ قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ وَ ارْتَفَعَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَ الشَّجَرَةُ وَ رَجَعَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ فَكَذَّبُوهُ وَ قَالُوا بَلْ أَنْتَ قَتَلْتَهُ.

فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَ تَعَالَى فَأَمَرَ اللَّهُ الْمَلاَئِكَةَ فَنَزَلَتْ بِهَارُونَ عَلَى سَرِيرٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ حَتَّى رَأَوْهُ وَ عَلِمُوا أَنَّهُ مَاتَ وَ رُفِعَ.

84- وَ: أَمَرَ اللَّهُ مُوسَى أَنْ يَسْتَوْدِعَ عِلْمَ اللَّهِ وَ نُورَهُ وَ جَمِيعَ مَا فِي يَدَيْهِ ابْنَ عَمِّهِ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ فَأَحْضَرَهُ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ التَّابُوتَ وَ الْعِلْمَ وَ عَرَّفَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ هُوَ الْقَائِمُ مَقَامَهُ وَ أَنَّ عَلَيْهِمْ فَرْضَ طَاعَتِهِ.

85- وَ: مَكَثَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ مَرَّ بِرَجُلٍ وَ هُوَ يَحْفِرُ قَبْراً فَقَالَ لَهُ أَ لاَ أُعِينُكَ عَلَى حَفْرِ هَذَا الْقَبْرِ.

فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ:بَلَى.

فَأَعَانَهُ حَتَّى حَفَرَ فَأَرَادَ الْحَفَّارُ أَنْ يَضْطَجِعَ فِي اللَّحْدِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ هُوَ فَقَالَ لَهُ مُوسَى:

أَنَا أَضْطَجِعُ فِيهِ.

فَاضْطَجَعَ فَرَأَى مَكَانَهُ مِنَ الْجَنَّةِ فَقَالَ:رَبِّ اقْبِضْنِي إِلَيْكَ.

فَقُبِضَ وَ دُفِنَ فِي ذَلِكَ الْقَبْرِ.وَ كَانَ الَّذِي يَحْفِرُ الْقَبْرَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ.

فَذَلِكَ قَبْرُ مُوسَى وَ لاَ يَعْرِفُ بِهِ أَحَدٌ.وَ كَانَ مَوْتُهُ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التِّيهِ.

ص:63

86- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَنْ قَبْرِ مُوسَى فَقَالَ:عِنْدَ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ.

و عاش موسى مائة و ستا و عشرين سنة و عاش هارون نحوا من ذلك و كان بين إبراهيم و بين موسى عليهما السّلام أربعمائة و ثمان و ستون سنة.

يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف عليهم السّلام

87- وَ: خَرَجَ يُوشَعُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ جَمَعَ أَوْلاَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي التِّيهِ مَعَهُ وَ هُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الْجَبَّارِينَ وَ لاَ الْعَمَالِقَةَ وَ لاَ يَمْتَنِعُونَ مِنْ قِتَالِهِمْ فَقَاتَلَ بِهِمُ الْعَمَالِقَةَ وَ فَتَحَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَ جَمِيعَ مَدَائِنِ الشَّامِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَلْقَاءِ لِأَنَّهُ قَاتَلَ فِيهَا رَجُلاً يُقَالُ لَهُ بَالِقٌ فَجَعَلُوا يَخْرُجُونَ وَ يُقَاتِلُونَ وَ لاَ يُقْتَلُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَسَأَلَهُ يُوشَعُ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ فِي مَدِينَتِهِ امْرَأَةً كَاهِنَةً تُدْعَي أَنَّهَا مُنَجِّمَةٌ تَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ بِفَرْجِهَا ثُمَّ تَحْسُبُ وَ تُعْرَضُ عَلَيْهَا الْخَيْلُ وَ الرِّجَالُ وَ لاَ يَخْرُجُ يَوْمَئِذٍ إِلَى الْحَرْبِ رَجُلٌ قَدْ حَضَرَ أَجَلُهُ.

قَالَ:فَصَلَّى يُوشَعُ بْنُ نُونٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَكْعَتَيْنِ وَ دَعَا رَبَّهُ أَنْ يَحْبِسَ الشَّمْسَ عَنْهُمْ سَاعَةً فَأَجَابَهُ وَ أُخِّرَتِ الشَّمْسُ،فَخَرَجَتْ فَاخْتَلَطَ عَلَيْهَا حِسَابُهَا فَقَالَتْ لِبَالِقٍ:اُنْظُرْ مَا يَعْرِضُ عَلَيْكَ يُوشَعُ وَ يَلْتَمِسُهُ فَأَعْطِهِ فَإِنَّ حِسَابِي قَدِ اخْتَلَطَ عَلَيَّ.

فَقَالَ لَهَا:إِنَّهُ لاَ يَكُونُ صَالِحٌ إِلاَّ بِقِتَالٍ.

فَقَاتَلَ يُوشَعَ فَقُتِلَ أَصْحَابُ«بَالِقٍ»قَتْلاً ذَرِيعاً كَثِيراً لَمْ يُقْتَلْ مِثْلُهُ قَبْلُ.فَسَأَلَ الصُّلْحَ فَأَبَى يُوشَعُ بْنُ نُونٍ أَنْ يَفْعَلَ حَتَّى يُسَلِّمَ إِلَيْهِ الْمَرْأَةَ.

فَقَالَتْ:اِدْفَعْنِي إِلَيْهِ.

فَدَفَعَهَا فَقَالَتْ:هَلْ تَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَى صَاحِبِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَتْلَ النِّسَاءِ؟.

قَالَ:لاَ.

قَالَتْ:أَ لَيْسَ إِنَّمَا تَدْعُونِي إِلَى دِينِكَ؟.

قَالَ:بَلَى.

قَالَتْ:فَإِنِّي قَدْ دَخَلْتُ فِيهِ.

ص:64

فَتَرَكَهَا ثُمَّ انْتَهَى إِلَى مَدِينَةٍ أُخْرَى فَأَرْسَلَ صَاحِبُ الْمَدِينَةِ إِلَى(بَلْعَمَ)وَ كَانَ يُقَالُ إِنَّ (بَلْعَمَ)قَدْ أُوتِيَ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ وَ هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ عَنْهُ: «آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها»

نَسْأَلُ اللَّهَ الثَّبَاتَ وَ أَنْ يَجْعَلَ مَا أَعْطَانَا مُسْتَقَرّاً وَ لاَ يَجْعَلَهُ مُسْتَعَاراً مُسْتَوْدَعاً وَ أَلاَّ يَزِيغَ قُلُوبُنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا وَ أَنْ يَهَبَ لَنَا مِنْ لَدُنْهُ رَحْمَةً إِنَّهُ هُوَ الْوَهَّابُ.

قَالَ:فَرَكِبَ(بَلْعَمُ)حِمَارَتَهُ ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى صَاحِبِ الْمَدِينَةِ لِيُعِينَ عَلَى(يُوشَعَ)فَعَثَرَتْ حِمَارَتُهُ فَقَالَ لَهَا:لِمَ عَثَرْتِ وَ لَمْ تَكُونِي تَعْثُرِينَ؟قَالَتْ:وَ لِمَ لاَ أَعْثُرُ وَ هَذَا جَبْرَئِيلُ بِيَدِهِ الْحَرْبَةُ يَنْهَاكَ أَنْ تَدْعُوَ عَلَى أَصْحَابِ(يُوشَعَ).

فَدَخَلَ(بَلْعَمُ)عَلَى أَصْحَابِ الْمَدِينَةِ وَ صَاحِبِهَا وَ قَالَ لَهُ:اُدْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ.

فَقَالَ:لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ وَ لَكِنْ أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تُزَيِّنَ النِّسَاءَ وَ تَأْمُرَهُنَّ أَنْ يَأْتِينَ عَسْكَرَ(يُوشَعَ)فَيَتَعَرَّضْنَ لِلرِّجَالِ فَإِنَّ الزِّنَا لَمْ يَظْهَرْ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلاَّ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ،فَفَعَلَ،فَلَمَّا دَخَلَتِ النِّسَاءُ الْعَسْكَرَ وَقَعَ الرِّجَالُ عَلَيْهِنَّ،فَوَجَدَ ابْنَا هَارُونَ رِيحَ الْخَطِيئَةِ فَخَرَجَا فَوَجَدَا رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ فَطَعَنَهُ أَحَدُهُمَا بِالرُّمْحِ،فَقَوَّى اللَّهُ-عَزَّ ذِكْرُهُ-اَلرُّمْحَ وَ ذِرَاعَ الْفَتَى حَتَّى شَكَّهُمَا جَمِيعاً فِيهِ وَ شَالَهُمَا عَلَيْهِ، فَصَارَتِ الْمَرْأَةُ فَوْقَ الرَّجُلِ عَلَى الرُّمْحِ،فَأَخْرَجَهُمَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؛حَتَّى نَظَرُوا إِلَيْهِمَا.

وَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى(يُوشَعَ بْنِ نُونٍ)إِنْ شِئْتَ سَلَّطْتُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ،وَ إِنْ شِئْتَ أَهْلَكْتُهُمْ بِالسِّنِينَ،وَ إِنْ شِئْتَ فَبِمَوْتٍ حَثِيثٍ.

فَقَالَ يُوشَعُ:إِنَّهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَ لاَ أُحِبُّ أَنْ تُسَلِّطْ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ وَ لاَ أَنْ تُهْلِكُهُمْ بِالسِّنِينَ،وَ لَكِنْ بِمَوْتٍ حَثِيثٍ.

فَمَاتَ فِي ثَلاَثِ سَاعَاتٍ سَبْعُونَ أَلْفاً بِالطَّاعُونِ.

و قد روي في«بلعم»أحاديث توجب انّه لم يخرج عن شيء من دينه و هو من ولد (لوط)عليه السّلام.

88- : ثُمَّ خَرَجَتْ«صَفُورَا»بِنْتُ شُعَيْبٍ امْرَأَةُ مُوسَى عَلَى«يُوشَعَ»وَ رَكِبَتِ الزَّرَافَةَ وَ كَانَ ظَهْرُ الزَّرَافَةِ كَالسَّرْجِ فَلَمَّا حَارَبَتْ حُجَّةَ اللَّهِ وَ ظَفِرَ بِهَا وَ مَنَّ عَلَيْهَا صَيَّرَ اللَّهُ ظَهْرَ الزَّرَافَةِ

ص:65

كَالزَّلاَّقَةِ وَ حَمَّاهُ فَكَانَتِ الْحَرْبُ لَهَا أَوَّلَ النَّهَارِ إِلَى قَبْلِ زَوَالِ الشَّمْسِ ثُمَّ صَارَتْ لَهُ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ فَظَفِرَ بِهَا وَ أَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ مَعَهُ بِقَتْلِهَا،فَقَالَ لَهُمْ:قَدْ عَرَّفَنِي مُوسَى أَمْرَهَا وَ خُرُوجَهَا وَ أَمَرَنِي أَنْ أَحْفَظَهُ فِيهَا وَ أُحْسِنَ صَوْنَهَا فَوَكَّلَ بِهَا نِسَاءً مُتَلَثِّمَاتٍ أَرْكَبَهُنَّ الْخَيْلَ فِي زِيِّ الرِّجَالِ وَ وَجَّهَ بِهِنَّ.فَلَمَّا صَارَتْ هُنَاكَ جَمَعَتِ النِّسَاءَ وَ الرِّجَالَ وَ قَالَتْ:إِنَّ(يُوشَعَ ابْنَ نُونٍ)أَسَرَنِي وَ بَعَثَ بِي مَعَ رِجَالٍ لَيْسَ فِيهِمْ مَحْرَمٌ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ.

فَكَشَفَ النِّسَاءُ اللِّثَامَ حَتَّى نَظَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَيْهِنَّ وَ كَذَّبْنَهَا.

فلما حضرت يوشع الوفاة أوحى اللّه إليه ان يستودع ما في يده ابنه(فينحاس) فأحضره و سلّم إليه علوم النبيين و مواريثهم و مضى صلّى اللّه عليه.

[فينحاس ابنه(صلّى اللّه عليه)]

فقام فينحاس ابنه(صلّى اللّه عليه) بأمر اللّه جل و علا و اتبعه المؤمنون من بني إسرائيل على قلّة عددهم إلى أن حضرت وفاته فأوحى اللّه إليه ان يستودع ما في يده ابنه بشيرا فأحضره و أوصى إليه و سلّمه ما في يده و مضى صلّى اللّه عليه.

[بشير بن فينحاس عليه السّلام]

فقام بشير بن فينحاس عليه السّلام بأمر اللّه جل و عزّ مقام آبائه عليهم السّلام إلى أن حضرته الوفاة فأوحى اللّه إليه ان يوصي إلى ابنه(جبرئيل)فأوصى و سلّم ما في يده إليه و مضى.

[جبرئيل بن بشير عليه السّلام]

فقام جبرئيل بن بشير عليه السّلام بأمر اللّه جل و عزّ مع من اتبعه من المؤمنين مقام آبائه عليهم السّلام إلى أن حضرته وفاته،فأوحى اللّه تعالى إليه أن يجعل الوصيّة في ابنه«ابلث» فأوصى و سلّم جميع ما في يده إلى«ابلث»ابنه و مضى صلّى اللّه عليه.

[ابلث بن جبرئيل بن بشير عليه السّلام]

و قام ابلث بن جبرئيل بن بشير عليه السّلام بأمر اللّه عزّ و جلّ على سبيل آبائه إلى أن حضرته الوفاة،و أوحى اللّه تعالى إليه إلى ابنه«أحمر»فأحضره و سلّم إليه ما في يده و مضى عليه السّلام.

ص:66

[أحمر بن ابلث عليه السلام]

فقام أحمر بن ابلث مقام أبيه و من تقدّمه من آبائه عليهم السّلام بأمر اللّه جلّ جلاله،حتى إذا حضرت وفاته أوحى اللّه إليه أن يستودع الاسم الأعظم و النور ابنه«محتان»فأحضره و سلّم إليه الوصيّة و مواريث الأنبياء و مضى عليه السّلام.

[محتان بن أحمر عليه السّلام]

و قام محتان بن أحمر عليه السّلام بأمر اللّه جل و تعالى مقام أبيه إلى أن حضرت وفاته فأوحى اللّه إليه أن يستودع ما في يده و يوصي إلى ابنه«عوق»ففعل و مضى عليه السّلام.

[عوق(صلّى اللّه عليه)]

و قام عوق(صلّى اللّه عليه) بأمر اللّه عزّ و جلّ مقام آبائه و اتبعه المؤمنون،و ملك الأرض حينئذ(بهراسب)مائة و عشرين سنة،و كان في ملكه العدل و الأمن.و في ملكه رجعت اليهود إلى الأرض المقدّسة فأقاموا فيها آمنين و كان يدبّر أمر اللّه عزّ و جلّ يومئذ (عوق)من ولد(يوشع)و المؤمنون متّبعون له و لمن تقدّمه من آبائه عليهم السّلام.

و لما حضرت الوفاة(عوق)أوحى اللّه إليه أن يستودع الاسم الأعظم و جميع مواريث الأنبياء(طالوت)فأحضره و سلّم إليه الوصية و جميع ذلك.

[طالوت عليه السّلام]

و قام طالوت عليه السّلام بأمر اللّه جل و علا و أظهر أمر اللّه في أيّام نبوّته و كان من ولد «بنيامين»بن يعقوب

89- وَ: كَانَ رَاعِياً فَآتَاهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَ الْعِلْمَ وَ خَالَفَ عَلَيْهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ جَلاَلُهُ «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ»

وَ كَانَ الْمَلِكُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُ الْجُيُوشَ،وَ النَّبِيُّ يُقِيمُ أَمْرَ اللَّهِ وَ يُنْبِئُهُ بِالْخَيْرِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.

فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لِنَبِيِّهِمْ،قَالَ لَهُمْ:أَ لَيْسَ عِنْدَكُمْ ذِمَّةٌ وَ لاَ وَفَاءٌ وَ لاَ رَغْبَةٌ فِي الْجِهَادِ؟

قَالُوا:بَلَى قَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَ أَبْنَائِنَا وَ لاَ بُدَّ لَنَا مِنْ قِتَالِ عَدُوِّنَا وَ طَاعَةِ رَبِّنَا.

قَالَ لَهُمْ:فَ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ(طالُوتَ)مَلِكاً .

قَالَتْ عُظَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ:(طَالُوتُ)مِنْ سِبْطِ(بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ)،وَ الْمُلْكُ وَ النُّبُوَّةُ

ص:67

فِي أَوْلاَدِ(يَهُودَا)وَ(لاَوِي)ابْنَيْ يَعْقُوبَ،فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ.

قَالَ لَهُمْ:إِنَّ اللَّهَ قَدِ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَ زَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ،وَ الْمُلْكُ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ وَ لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَتَجَبَّرُوا عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ فِي أَمْرِهِ وَ مُلْكِهِ وَ سُلْطَانِهِ،وَ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ،وَ هُوَ الَّذِي كُنْتُمْ تَهْزِمُونَ بِهِ مَنْ لَقِيتُمْ مِنْ أَعْدَائِكُمْ.قَالُوا:إِنْ جَاءَنَا بِالتَّابُوتِ رَضِينَا فَسَلَّمْنَا،فَرُوِيَ أَنَّ التَّابُوتَ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْبَقَرَةِ وَ أَنَّ السَّكِينَةَ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ،فَجَاءَ بِالتَّابُوتِ تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ فَسَلَّمُوا حِينَئِذٍ فَقَامَ بِأَمْرِ اللَّهِ،وَ جَيَّشَ الْجُيُوشَ لِقِتَالِ الْجَبَّارِ(جَالُوتَ)وَ كَانَ أَبُو دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ شَيْخاً كَبِيراً وَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْلاَدٍ فَوَجَّهَ الشَّيْخُ مَعَ(طَالُوتَ)بِأَوْلاَدهِ كُلِّهِمْ سِوَى دَاوُدَ فَإِنَّهُ خَلَّفَهُ فِي الْغَنَمِ وَ فَصَلَ طَالُوتُ لِقِتَالِ الْجَبَّارِ(جَالُوتَ)فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو دَاوُدَ لِدَاوُدَ اذْهَبْ بِسِلاَحٍ قَدْ صَنَعْتَهُ إِلَى إِخْوَتِكَ لِيَقْوَوْا بِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ،وَ كَانَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَصِيراً أَزْرَقَ قَلِيلَ الشَّعْرِ فَمَضَى إِلَى إِخْوَتِهِ فَنَزَلَ فِي خَيْمَتِهِمْ(وَ رُوِيَ)أَنَّهُ فِي طَرِيقِهِ مَرَّ بِحَجَرٍ فَنَادَاهُ الْحَجَرُ يَا دَاوُدُ خُذْنِي فَاقْتُلْ بِي جَالُوتَ فَإِنِّي إِنَّمَا خُلِقْتُ لِقَتْلِهِ فَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ فِي مِخْلاَتِهِ فَلَمَّا دَخَلَ الْعَسْكَرَ سَمِعَ النَّاسَ يُعَظِّمُونَ أَمْرَ جَالُوتَ وَ جُنُودِهِ فَقَالَ لِإِخْوَتِهِ وَ لِلنَّاسِ:مَا تَعْظِيمُكُمْ أَمْرَهُ؟لَئِنْ عَايَنْتُهُ لَأَقْتُلَنَّهُ!فَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَ ارْتَفَعَ الْخَبَرُ بِهِ إِلَى طَالُوتَ فَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا بَلَغَ مِنْ قُوَّتِكَ؟فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ قَدْ كَانَ الْأَسَدُ يَعْدُو عَلَى الشَّاةِ مِنْ غَنَمِي فَأُدْرِكُهُ فَآخُذُ بِرَأْسِهِ فَأَفُكُّ لِحْيَيْهِ عَنْهَا وَ آخُذُهَا مِنْ فِيهِ،وَ كَانَ الْوَحْيُ قَدْ نَزَلَ عَلَى طَالُوتَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ لاَ يَقْتُلُ جَالُوتَ إِلاَّ مَنْ لَبِسَ دِرْعَكَ فَمَلَأَهَا،وَ كَانَ طَالُوتُ يُلْبِسُ الدِّرْعَ رَجُلاً رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَضْطَرِبُ عَلَيْهِ.فَدَعَا إِخْوَةَ دَاوُدَ فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ كَيْفَ صِدْقُهُ،قَالُوا مَا جَرَّبْنَا عَلَيْهِ كَذِباً قَطُّ،قَالَ لَهُمْ فَكَيْفَ عَقْلُهُ،قَالُوا أَحْسَنُ عَقْلٍ وَ أَوْفَرُهُ،قَالَ فَكَيْفَ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ أَبِيهِ،قَالُوا هُوَ آثَرُنَا عِنْدَهُ،فَدَعَا طَالُوتُ بِالدِّرْعِ فَأَلْبَسَهَا دَاوُدَ فَانْتَقَضَ فِيهَا فَتَفَضَّلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ:يَا دَاوُدُ أَنْتَ الَّذِي يَقْتُلُ بِإِذْنِ اللَّهِ جَالُوتَ.فَلَمَّا الْتَقَى الْجَمْعَانِ قَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَرُونِي جَالُوتَ فَأَرَوْهُ إِيَّاهُ فَأَخَذَ الْحَجَرَ فَجَعَلَهُ فِي مِقْلاَعٍ مَعَهُ فَرَمَاهُ بِهِ فَصَكَّ بِهِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ صَرِيعاً.وَ كَانَ طَوِيلاً جَسِيماً فَسَقَطَ مَيِّتاً وَ بَادَرَ إِلَيْهِ فَحَزَّ

ص:68

رَأْسَهُ وَ وَضَعَهُ فِي مِخْلاَتِهِ. فروي ان طالوت استخلفه في مجلس القضاء و الفقه فكان يحكم بين الناس فلما حضرت طالوت الوفاة أوحى اللّه إليه أن يسلّم ما في يده من المواريث و العلوم إلى(الياس)و داود عليهما السّلام و روي انّه أمر بتسليم ذلك إلى داود عليه السّلام فسلّم طالوت نور اللّه و حكمته و جميع ما في يديه إلى داود عليه السّلام.

[داود صلّى اللّه عليه]

فقام داود صلّى اللّه عليه بأمر اللّه بعد طالوت

90- وَ: اجْتَمَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى دَاوُدَ، وَ أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ عَلَيْهِ الزَّبُورَ،وَ عَلَّمَهُ صَنْعَةَ الْحَدِيدِ،وَ لَيَّنَ الْحَدِيدَ فِي يَدَيْهِ،وَ أَمَرَ الْجِبَالَ وَ الطَّيْرَ أَنْ يُسَبِّحْنَ مَعَهُ وَ أُعْطِيَ صَوْتاً لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ،وَ أُعْطِيَ النُّورَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْرَاةَ وَ زَادَهُ اللَّهُ الزَّبُورَ وَ أَقَامَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسْتَخْفِياً وَ أُعْطِيَ الْقُوَّةَ فِي الْعِبَادَةِ ثُمَّ إِنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَهُ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ مِنْ وُلْدِ إِسْرَائِيلَ يُدْعَى بآلهه [بِإِلَهِهِ] كَمَا كَانَ يُدْعَى إِبْرَاهِيمُ وَ إِسْحَاقُ وَ يَعْقُوبُ حَتَّى يُقَالَ وَ إلهه [إِلَهُ] دَاوُدَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّ أُولَئِكَ ابْتَلَيْتُهُمْ فَصَبَرُوا.

فَقَالَ:يَا رَبِّ ابْتَلِنِي.فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ إِنِّي مُبْتَلِيكَ فِي سَنَةِ كَذَا فِي شَهْرِ كَذَا فِي يَوْمِ كَذَا فِي سَاعَةِ كَذَا.فَلَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَخَلَّى دَاوُدُ فِي مِحْرَابِهِ وَ كَانَ يَدْعُو عَلَى الْخَاطِئِينَ وَ كَانَ أَمْرُهُ مَا قَصَّ اللَّهُ بِهِ مِنْ حَدِيثِ الطَّائِرِ وَ الْمَرْأَةِ وَ الْمَلَكَيْنِ فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ لَهُ:إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَاسْأَلْهُ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ فَبِذَلِكَ سَأَلَ آدَمُ رَبَّهُ وَ بِذَلِكَ سَأَلَ إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَ بِذَلِكَ سَأَلَ الْأَنْبِيَاءُ رَبَّهُمْ.فَقَالَ:اَللَّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ.فَأَجَابَهُ وَ تَابَ عَلَيْهِ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَبْتَدِئُ بِالدُّعَاءِ لِلْخَاطِئِينَ (وَ رُوِيَ): أَنَّهُ كَانَ فِي مِحْرَابِهِ إِذْ مَرَّتْ بِهِ دُودَةٌ تَدِبُّ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ،ثُمَّ قَالَ:يَا رَبِّ لِمَ خَلَقْتَ هَذِهِ؟فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا أَنْ تَكَلَّمْهُ،فَقَالَتْ لَهُ:أَنَا عَلَى صِغَرِي وَ تَهَاوُنِكَ بِي أَكْثَرُ لِذِكْرِ اللَّهِ مِنْكَ يَا دَاوُدُ.هَلْ سَمِعْتَ حِسِّي أَوْ تَبَيَّنْتَ أَثَرِي؟فَقَالَ لَهَا:لاَ.قَالَتْ:فَإِنَّ اللَّهَ لَيَسْمَعُ دَبِيبِي وَ نَفَسِي وَ حِسِّي وَ يَرَى شَخْصِي فَاخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ.

91- وَ: كَانَ دَاوُدُ يُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ بِأَنْ يُلْهِمَهُ اللَّهُ الْقَضَاءَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا هُوَ عِنْدَهُ الْحَقُّ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّ النَّاسَ لاَ يحملون [يَحْتَمِلُونَ] ذَلِكَ.فَعَاوَدَ فِي الدُّعَاءِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنِّي سَأَفْعَلُ.فَارْتَفَعَ إِلَيْهِ رَجُلاَنِ اسْتَعْدَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَأَمَرَ الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ إِلَى الْمُسْتَعْدِي فَيَضْرِبَ

ص:69

عُنُقَهُ،فَفَعَلَ،فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ،وَ قَالُوا:رَجُلٌ جَاءَ يَتَظَلَّمُ مِنْ رَجُلٍ ظَلَمَهُ.

فَأَمَرَ الظَّالِمَ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَ الْمَظْلُومِ.فَقَالَ:يَا رَبِّ أَنْقِذْنِي مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ فَإِنِّي بِأَمْرِكَ أَمَرْتُ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ سَأَلْتَنِي أَنْ أُلْهِمَكَ الْقَضَاءَ بَيْنَ عِبَادِي بِالْحَقِّ،فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمُسْتَعْدِي الَّذِي هُوَ عِنْدَ النَّاسِ مَظْلُومٌ قَتَلَ أَبَا مَنِ اسْتُعْدِيَ عَلَيْهِ سِرّاً وَ هُوَ عِنْدَهُمْ ظَالِمٌ لَهُ.فَأَلْهَمْتُكَ الْقَوَدَ مِنْهُ فَهُوَ الْمَدْفُونُ فِي حَائِطِ كَذَا وَ كَذَا تَحْتَ شَجَرَةٍ.نَادِهِ بِاسْمِهِ فَإِنَّهُ يُخْبِرُكَ بِقِصَّتِهِ.

فَفُرِّجَ عَنْ دَاوُدَ وَ قَالَ ذَلِكَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَ مَضَى إِلَى الْمَوْضِعِ فَنَادَى الْقَتِيلَ:يَا فُلاَنُ.

فَقَالَ لَهُ:لَبَّيْكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ.

قَالَ:مَنْ قَتَلَكَ؟.

فَقَالَ:فُلاَنٌ الْفُلاَنِيُّ قَتَلَنِي.

وَ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُونَ لِدَاوُدَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَ إِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ.

92- : ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى دَاوُدَ أَنَّ النَّاسَ لاَ يَحْتَمِلُونَ إِلاَّ الظَّاهِرَ دُونَ الْبَاطِنِ فَاسْأَلِ الْمُدَّعِيَ الْبَيِّنَةَ وَ أَضِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِلَى اسْمِي يَعْنِي الْيَمِينَ بِاللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ.

قَالَ:وَ صَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْحَرْثِ وَ الزَّرْعِ فَتَحَاكَمَا إِلَيْهِ فَحَكَمَ دَاوُدُ بِمَا حَكَمَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ وَ هُوَ أَنَّ لِصَاحِبِ الْحَرْثِ رِقَابُ الْغَنَمِ بِمَا أَفْسَدَتْ عَلَيْهِ مِنْ زَرْعِهِ،وَ كَانَ كَرْماً قَدْ أَيْنَعَ،فَأَلْهَمَ اللَّهُ(سُلَيْمَانَ)فِي تِلْكَ الْحَالِ لِمَا شَاءَ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ أَمْرِهِ وَ يَدُلَّ النَّاسَ عَلَيْهِ أَنْ قَالَ أَيُّ غَنَمٍ نَفَشَتْ فِي زَرْعٍ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ إِلاَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِ الْغَنَمِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَجَرَتِ السُّنَّةُ بَعْدَ سُلَيْمَانَ بِذَلِكَ فَحَكَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُكْمِ اللَّهِ.وَ كَانَتْ هَذِهِ إِشَارَةٌ فِي سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

93- وَ رُوِيَ: أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى دَاوُدَ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ أَعْطِفَ عَلَيْكَ بِقُلُوبِ عِبَادِي فَاحْتَجِزِ الْإِيمَانَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ وَ تَخَلَّقْ لِلنَّاسِ بِأَخْلاَقِهِمْ.

94- (وَ رُوِيَ): أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَوْحَى إِلَى دَاوُدَ أَنَّ لِي وَ لِلْجِنِّ وَ الْإِنْسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَبَأً عَظِيماً،أَخْلُقُهُمْ وَ يَعْبُدُونَ غَيْرِي،وَ أَرْزُقُهُمْ وَ يَعْبُدُونَ سِوَايَ.

ص:70

95- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ يَا دَاوُدُ كَمَا لاَ تَضِيقُ الشَّمْسُ عَلَى مَنْ جَلَسَ فِيهَا كَذَلِكَ لاَ تَضِيقُ رَحْمَتِي عَلَى مَنْ دَخَلَ فِيهَا وَ كَمَا لاَ يَضُرُّ الطَّيْرُ مَنْ يَتَطَيَّرُ مِنْهَا كَذَلِكَ لاَ يَنْجُو مِنَ الْفِتْنَةِ الْمُتَطَيِّرُونَ وَ كَمَا أَنَّ أَقْرَبَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُتَوَاضِعُونَ كَذَلِكَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْمُتَكَبِّرُونَ.

96- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ يَا دَاوُدُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْتَبِذاً؟.

قَالَ:أَعْيَتْنِي الْخَلِيقَةُ فِيكَ.

قَالَ:فَمَا ذَا تُحِبُّ؟.

قَالَ:مَحَبَّتَكَ.

قَالَ:مِنْ مَحَبَّتِي التَّجَاوُزُ عَنْ عِبَادِي فَإِذَا رَأَيْتَ لِي مُرِيداً فَكُنْ لَهُ خَادِماً.

97- وَ: وُلِدَ(سُلَيْمَانُ)فَلَمَّا تَرَعْرَعَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى دَاوُدَ أَنَّهُ الْقَيِّمُ بِالْأَمْرِ بَعْدَكَ.

فَصَعِدَ دَاوُدُ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:إِنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلاَلُهُ أَمَرَنِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ سُلَيْمَانَ عَلَيْكُمْ بَعْدِي.

فَضَجَّتْ رُؤَسَاءُ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ قَالُوا:غُلاَمٌ حَدَثٌ يُسْتَخْلَفُ عَلَيْنَا وَ فِينَا مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَ نَحْنُ كُبَرَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

فَبَلَغَ ذَلِكَ دَاوُدَ فَجَمَعَهُمْ وَ قَالَ لَهُمْ:أَحْضِرُوا لِي عِصِيَّكُمْ فَأَيَّةُ عَصاً أَوْرَقَتْ وَ أَثْمَرَتْ فَصَاحِبُهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ بَعْدِي.

فَسَرُّوا بِذَلِكَ وَ قَالُوا:قَدْ رَضِينَا.

وَ أَحْضَرُوا الْعِصِيَّ وَ كَتَبَ عَلَيْهَا أَسْمَاءَ أَصْحَابِهَا وَ أَدْخَلَهَا بَيْتاً،وَ غَلَّقَ الْبَابَ،وَ أَجْلَسَ رُؤَسَاءَ الْأَسْبَاطِ عَلَى الْبَابِ يَحْرِسُونَ عِصِيَّهُمْ فَلَمَّا أَصْبَحَ صَلَّى بِهِمُ الْغَدَاةَ،ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ فَأَخْرَجَ عِصِيَّهُمْ وَ قَدْ أَوْرَقَتْ عَصَا سُلَيْمَانَ وَ أَثْمَرَتْ.

98- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ حَمَلَ سُلَيْمَانَ فَطَافَ بِهِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُنَادِي هَذَا خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي.

وَ مَاتَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ عَقَدُوا الْأَمْرَ لِبَعْضِ أَوْلاَدِهِ غَيْرِ سُلَيْمَانَ،وَ اعْتَزَلَهُمْ سُلَيْمَانُ فَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِنَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ(أَرْمِيَا)وَ كَانَ مُتَخَلِّياً فِي بَعْضِ الْجِبَالِ فَنَزَلَ وَ صَارَ إِلَى سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهُ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ عَقَدُوا الْأَمْرَ لِغَيْرِكَ.

ص:71

فَأَمْسَكَ عَنْهُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمْ يَزَلْ(أَرْمِيَا)يَسْأَلُهُ إِلَى أَنْ أَقَامَهُ وَ أَخْرَجَهُ وَ أَرْكَبَهُ بَغْلَةَ دَاوُدَ وَ أَلْبَسَهُ عِمَامَتَهُ وَ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ شَبِيهاً بِالْقَرْنِ كَانَ إِذَا وُضِعَ عَلَى رَأْسِ الْإِمَامِ يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ كَصَوْتِ خَرِيرِ الْمَاءِ ثُمَّ شَدَّ(أَرْمِيَا)وَسَطَهُ بِشَرِيطٍ وَ أَخَذَ بِزِمَامِ بَغْلَةِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ طَافَ بِهِ مُنَادِياً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ:هَذَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.

فَانْفَضَّ النَّاسُ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي كَانُوا نَصَبُوهُ وَ عَادُوا إِلَى سُلَيْمَانَ وَ كَانَ الرَّجُلُ الْمَنْصُوبُ أَحَدُ أَوْلاَدِ دَاوُدَ وَ كَانَ بَنُوا إِسْرَائِيلَ يَمِيلُونَ إِلَيْهِ لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ مِنْهُمْ وَ لَمْ تَكُنْ أُمُّ سُلَيْمَانَ مِنْهُمْ.

99- وَ رُوِيَ: أَنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَوَّلُ مَنْ صَنَعَ بِنَاءَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَبَنَى بَعْضَهُ وَ تَمَّمَهُ سُلَيْمَانُ وَ نَصَبَ فِيهِ الْمَحَارِيبَ.

[سليمان(صلوات اللّه عليه)]

فقام سليمان(صلوات اللّه عليه)بأمر اللّه جل ذكره و نوره و حكمته و جميع مواريث الأنبياء.

ثمّ إنّه لما استوى له الأمر قام خطيبا فذكر اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:يا أيها الناس «عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ» و سخّر اللّه له الجنّ و الانس و الطير و الهوام و السباع و كان لا يسمع بملك في ناحية من أقطار الأرض إلاّ أتاه يذلّه و يدخله في الإسلام.

100- وَ رُوِيَ: أَنَّ الْقَحْطَ اشْتَدَّ فِي زَمَانِهِ فَشَكَا النَّاسُ إِلَيْهِ ذَلِكَ وَ سَأَلُوهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ فَخَرَجَ مَعَهُمْ فَلَمَّا صَارَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ إِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ يَدَيْهَا إِلَى السَّمَاءِ وَاضِعَةٍ رِجْلَيْهَا فِي الْأَرْضِ وَ هِيَ تَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ وَ لاَ غِنَى بِنَا عَنْ رِزْقِكَ فَلاَ تُهْلِكْنَا بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ.

فَقَالَ سُلَيْمَانُ لِأَصْحَابِهِ:اِرْجِعُوا فَقَدْ سُقِيتُمْ بِغَيْرِكُمْ.

فَسُقُوا فِي ذَلِكَ الْعَامِ مَا لَمْ يُسْقَوْا مِثْلَهُ.

101- وَ رُوِيَ: أَنَّ الْهُدْهُدَ كَانَ يَدُلُّ أَصْحَابَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَتَى سُلَيْمَانَ «فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ»

ص:72

فَكَتَبَ مَعَهُ بِمَا قَصَّ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ بِهِ وَ اسْتَعْجَلَهُ فَقَالَ لَهُ:كَيْفَ تَسْتَعْجِلُنِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَ أَنَا أَخَافُ سِبَاعَ الطَّيْرِ يَعْنِي الْجَوَارِحَ تَأْكُلُنِي.

فَأَرْسَلَ مَعَهُ الصَّقْرَ-وَ رُوِيَ الْعُقَابَ-وَ أَمَرَهُ بِحِفْظِهِ وَ لِذَلِكَ صَارَ الْعُقَابُ رَئِيسَ الْجَوَارِحِ.

فَمَضَى الْهُدْهُدُ حَتَّى أَلْقَى الْكِتَابَ إِلَى مَلَكَةِ سَبَإٍ وَ هِيَ عَلَى سَرِيرِ الْمُلْكِ فَجَمَعَتْ أَهْلَ مَمْلَكَتِهَا وَ قَالَتْ «أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ» وَ رُوِيَ: أَنَّهُ مَخْتُومٌ وَ أَنَّ أَوَّلَهُ «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ثُمَّ قَالَتْ لَهُمْ:مَا ذَا تَأْمُرُونَ؟.

قَالُوا: نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَ الْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ؟ .

وَ قَالَتْ لَهُمْ مَا قَصَّ اللَّهُ بِهِ جَلَّ وَ تَعَالَى ثُمَّ أَهْدَتْ إِلَيْهِ مِنَ الْوَصَائِفِ وَ الْعَبِيدِ وَ الْخَيْلِ وَ سَائِرِ الْأَصْنَافِ مَا لَهُ مِقْدَارٌ جَلِيلٌ عَظِيمٌ.

فَقَالَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِلرُّسُلِ: «أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللّهُ خَيْرٌ مِمّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ»

فَرَجَعَ الرُّسُلُ إِلَيْهَا فَقَالُوا لَهَا:مَا هَذَا مَلِكاً وَ مَا لَنَا بِهِ طَاقَةٌ.

فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ:إِنِّي قَادِمَةٌ عَلَيْكَ بِمُلُوكِ قَوْمِي حَتَّى أَمْتَثِلَ أَمْرَكَ.

ثُمَّ أَمَرَتْ بِسَرِيرِ مُلْكِهَا وَ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعاً بِالْيَاقُوتِ وَ الزَّبَرْجَدِ وَ اللُّؤْلُؤِ وَ جَعَلَتْهُ فِي سَبْعَةِ أَبْيَاتٍ بَعْضُهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ كُلَّهَا وَ كَانَتْ تَخْدُمُهَا سِتُّمِائَةِ جَارِيَةٍ فَقَالَتْ لِمَنْ خَلَّفَتْ عَلَى سُلْطَانِهَا احْتَفِظُوا بِسَرِيرِي لاَ يَصِلْ إِلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى أَرْجِعَ.

ثُمَّ خَرَجَتْ نَحْوَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ مُلْكُهَا بِالْيَمَنِ فَشَخَصَتْ فِي اثْنَيْ عَشَرَ فِيلاً مِنْ أَفْيَالِ الْيَمَنِ وَ الْفِيلُ الْمُلْكُ وَ جَعَلَ الْجِنُّ يَأْتُونَ سُلَيْمَانَ بِخَبَرِهَا حَتَّى إِذَا قَرُبَتْ «قالَ ... أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ»

وَ كَانَ مِنْ قِصَّةِ الْعِفْرِيتِ مَا قَصَّ اللَّهُ بِهِ فَقَالَ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ»

وَ كَانَ آصَفُ كَاتِبَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَ ابْنَ عَمِّهِ وَ وَصِيَّهُ وَ زَوْجَ ابْنَتِهِ فَرُوِيَ:

أَنَّ الْأَرْضَ طَوِيَتْ حَتَّى تَنَاوَلَ السَّرِيرَ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ مِنْ طَرْفِ الْعَيْنِ وَ أَمَرَ سُلَيْمَانُ أَنْ

ص:73

يُنَكَّرَ لَهَا عَرْشُهَا فَنُكِّرَ فَلَمَّا قَدِمَتْ وَ كَانَ مِنْ أَمْرِهَا مَا قَصَّ اللَّهُ بِهِ «قِيلَ لَهَا أَ هكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ»

ثُمَّ أَمَرَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالصَّرْحِ وَ قَدْ عَمِلَتْهُ الشَّيَاطِينُ مِنْ زُجَاجٍ كَأَنَّهُ الْمَاءُ بَيَاضاً ثُمَّ أَرْسَلَ الْمَاءَ تَحْتَهُ وَ وَضَعَ سَرِيرَهُ فِيهِ وَ جَلَسَ«وَ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ» وَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يُرِيَهَا مُلْكاً أَعْظَمَ مِنْ مُلْكِهَا.

فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَ كَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا وَ جَعَلَتْ تَسْأَلُهُ حَتَّى سَأَلَتْهُ عَنِ الرَّبِّ جَلَّ جَلاَلُهُ وَ أَخْبَرَهَا ثُمَّ دَعَاهَا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَ نَهَاهَا عَنْ عُبَادَةِ الشَّيْطَانِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ذَكَّرَهَا بِأَيَّامِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَتْ عِنْدَ ذَلِكَ «إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» وَ حَسُنَ إِسْلاَمُهَا.

فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْرِهَا قَالَ لَهَا:اِخْتَارِي لِنَفْسِكِ رَجُلاً مِنْ قَوْمِكِ أُزَوِّجُكِ بِهِ.

فَزَوَّجَهَا(ذَا تَبَعٍ)مَلِكَ هَمْدَانَ بِاخْتِيَارِهَا وَ رَدَّهَا إِلَى الْيَمَنِ،فَلَمْ يَزَلْ ذُو تَبَعٍ مَلِكاً بِالْيَمَنِ إِلَى أَنْ قُبِضَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

102- قَالَ: وَ جَلَسَ سُلَيْمَانُ يَعْرِضُ الْخَيْلَ لِبَعْضِ الْغَزَوَاتِ وَ كَانَتْ تُعْجِبُهُ فَتَشَاغَلَ بِعَرْضِهَا عَنِ التَّسْبِيحِ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ وَ كَانَ عَدَدُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَأْساً فَلَمَّا أَمْسَى نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ وَ قَالَ:شَغَلَتْنِي الْخَيْلُ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي فَأَمَرَ بِهَا فَعُوقِبَتْ وَ ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهَا.

فَرُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: قَتْلُ الْخَيْلِ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُ عَنْ تَرْكِ التَّسْبِيحِ.

قَالَ: فَسَقَطَ خَاتَمُهُ مِنْ إِصْبَعِهِ وَ كَانَ حَلْقَةً مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ مِنَ الْجَنَّةِ عَلَيْهَا صُورَةُ كُرْسِيٍّ فَأَعَادَهُ إِلَى إِصْبَعِهِ فَسَقَطَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ لَهُ آصَفُ:إِنَّهُ لَنْ يَتَمَاسَكَ الْخَاتَمُ فِي يَدِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْماً بِعَدَدِ الْخَيْلِ الَّتِي قَتَلْتَهَا فَادْفَعْ إِلَيَّ الْخَاتَمَ حَتَّى أَقُومَ مَقَامَكَ وَ اهْرُبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ آخذ [اُخْلُ] بِالاِسْتِغْفَارِ وَ التَّوْبَةِ.وَ كَانَتْ هَذِهِ إِشَارَةٌ مِنْ آصَفَ عَنْ نَفْسِهِ.

وَ قَالَ لَهُ:إِنِّي أَسِيرُ فِي رَعِيَّتِكَ وَ أَهْلِ بُيُوتِكَ بِسِيرَتِكَ إِلَى أَنْ تَرْجِعَ.

فَدَفَعَ سُلَيْمَانُ الْخَاتَمَ إِلَى(آصَفَ)فَلَمَّا جَعَلَهُ فِي إِصْبَعِهِ ثَبَتَ.فَأَقَامَ فِي مُلْكِ سُلَيْمَانَ يَعْمَلُ عَمَلَهُ،وَ أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ شِبْهَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمْ يَفْقِدْ سُلَيْمَانَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ حَرَمُهُ.

ص:74

ثُمَّ رُفِعَ سُلَيْمَانُ إِلَى مَجْلِسِهِ،فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ قَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ وَ تَنَحَّى لَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى جَلَسَ فِيهِ فَأَخَذَ الْخَاتَمَ وَ وَضَعَهُ فِي يَدِهِ فَثَبَتَ.

وَ حَدَّثَهُ آصَفُ بِمَا عَمِلَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الَّتِي غَابَ فِيهَا فَدَعَا سُلَيْمَانُ رَبَّهُ وَ نَاجَاهُ وَ قَالَ يَا رَبِّ أَتَخَوَّفُ أَنْ يَعْلَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِمَا كَانَ مِنِّي فَتَنْقُصَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُمْ«فَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ» ،فَأُعْطِيَ زِيَادَةً فِي مُلْكِهِ وَ سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رَخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ثُمَّ أَوْحَى إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ» ثُمَّ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ وَ عالمه [أَعْلَمَهُ] إِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَ حُسْنَ مَآبٍ،وَ كَانَ إِذَا أَرَادَ الرُّكُوبَ أَمَرَ بِجَمْعِ الْعَسْكَرِ وَ ضُرِبَتْ لَهُ الخُشُبُ ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهِ النَّاسَ وَ الدَّوَابَّ وَ آلَةَ الْحَرْبِ كُلَّهَا حَتَّى إِذَا حَمَلَ عَلَى ذَلِكَ الْخَشَبِ كُلَّ مَا يُرِيدُ أَمَرَ الرِّيحَ فَدَخَلَتْ تَحْتَ الْخَشَبِ وَ حَمَلَتْهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهِ إِلَى حَيْثُ يُرِيدُ.

103- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ خَرَجَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى هَذِهِ السَّبِيلِ عَنْ يَمِينِهِ ثَلاَثُمِائَةِ كُرْسِيٍّ عَلَيْهَا الْإِنُس وَ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثُمِائَةِ أَلْفِ كُرْسِيٍّ عَلَيْهَا الْجِنُّ وَ أَمَرَ الطَّيْرَ فَأَظَلَّتْهُمْ وَ الرِّيحَ تَحْمِلُهُمْ حَتَّى وَرَدَ(الْمَدَائِنَ)مِنْ يَوْمِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَبَاتَ بِ(اصْطَخْرَ)ثُمَّ غَدَا فَانْتَهَى إِلَى(جَزِيرَةِ كَاوَانَ)ثُمَّ أَمَرَ الرِّيحَ أَنْ تَحْفَظَهُمْ حَتَّى كَادَتْ أَقْدَامُهُمْ تَلْحَقُ الْمَاءَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ هَلْ رَأَيْتُمْ مُلْكاً أَعْظَمَ مِنْ هَذَا؟.

فَرُوِيَ: أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ حَرَّاثٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلُ ذَلِكَ الْمُلْكَ قَالَ:اَلْحَمْدُ لِلَّهِ لَقَدْ أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ مُلْكاً عَظِيماً.

فَأَلْقَتِ الرِّيحُ الْكَلاَمَ فِي أُذُنِ سُلَيْمَانَ فَمَالَ إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُ فَزِعَ فَقَالَ لَهُ:سُلَيْمَانُ أَيَّ شَيْءٍ قُلْتَ؟

فَجَحَدَ مَا قَالَهُ.فَلَمْ يَزَلْ بِهِ إِلَى أَنْ قَالَ:قُلْتُ:اَلْحَمْدُ لِلَّهِ أَكْثَرَ مِمَّا أُوتِيَ دَاوُدُ [وَ] آلُ دَاوُدَ.

و كان لسليمان ثلاثمائة زوجة مهيرة و سبعمائة سرية و ملك مشارق الأرض و مغاربها و ملك سبعمائة سنة و ست عشرة سنة و ستة أشهر و لم يزل يدبر أمر اللّه جل و عزّ فلما حضرت وفاته أوحى اللّه إليه ان يجعل وصيّه و المواريث و النور و الحكمة إلى(آصف بن برخيا)فأوصى و سلّم إليه ذلك و مضى عليه السّلام و كان في قبّة زجاج فكان من قصته ما نبأنا

ص:75

اللّه من أمر منسأته إلى قوله لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ

[آصف بن برخيا عليه السلام]

و قام آصف بن برخيا بأمر اللّه و أعطاه اللّه عزّ و جلّ من الاسم الأعظم حرفا و كان يرى المعجزات.

و في أيامه ملك«كشتاسب»مائة و ستا و عشرين سنة،و في أربعة و ثلاثين سنة من ملكه ظهر أمر«الهرابذة»و بنى مدينة بفارس سمّاها«نشا»و تسلّط اليهود على نسل داود فقتلوا منهم مائة و عشرين نبيّا و قتلوا من شيعة الأنبياء خلقا كثيرا فعند ذلك لعنهم اللّه باللعنة التي لعن بها إبليس و مسخهم قردة و خنازير و أنواعا شتّى من المسوخ في البر و البحر و منهم الجري و المارماهي و الزمار على حسب ذنوبهم و كفرهم مسخ كلّ صنف و كان أمر اللّه مفعولا.

و لما حضرت«آصف»الوفاة أوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته و جميع ما في يديه ابنه«صفورا»فدعاه و سلّم إليه التابوت و الوصيّة و مضى.

[صفورا بن آصف عليهما السّلام]

و قام صفورا بن آصف عليهما السّلام بأمر اللّه جل و عزّ فاتبعه المؤمنون من بني إسرائيل فلما حضرته الوفاة أوحى اللّه إليه ان استودع الاسم الأعظم و التابوت و الحكمة و النبوّة إلى ابنك«مبنه»و أحضره و أوصاه و سلّم إليه و مضى.

[منبه بن صفورا عليهما السّلام]

و قام منبه بن صفورا عليهما السّلام بأمر اللّه جل و علا فعند ذلك و في أيامه ملك أردشير بن اسفنديار مائة و اثنتي عشرة سنة.

و في خمس سنين من ملكه بنى مدينة بفارس و سماها«اصطخر»و سيكون فيها ملحمة عظيمة في آخر الزمان على ما روي عن عالم أهل البيت عليهم السّلام.

و لما حضرت مبنه الوفاة أوحى اللّه إليه ان يستودع و يوصي«هندوا»فأحضره و أوصى إليه و سلّمه ما في يديه و مضى.

ص:76

[هندو بن مبنه عليه السّلام]

و قام هندو بن منبه عليه السّلام بأمر اللّه جل و عزّ فلما حضرت وفاته أوحى اللّه إليه ان استودع مواريث الأنبياء ابنك«اسفر بن هندوا»فأحضره و سلّم إليه و مضى عليه السّلام.

[أسفرا بن هندوا عليه السلام]

104- فَقَامَ أسفرُ ابْنُ هندوا بِأَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَ تَعَالَى وَ تَبِعَهُ الْمُؤْمِنُونَ فَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَتْ حَمَاهُ بِنْتُ شَهْرَزَانَ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَ كَانَ فِي مُلْكِهَا تَخْفِيفُ الْخَرَاجِ وَ صَلاَحُ أَمْرِ النَّاسِ وَ لَمْ يَخْرُجْ عَلَيْهَا أَحَدٌ إِلاَّ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ،وَ كَانَتِ امْرَأَةً بَغِيَّةً،وَ كَانَتْ لَهَا امْرَأَةٌ تَخْدُمُهَا تَطْلُبُ لَهَا كُلَّ لَيْلَةٍ رَجُلاً شَابّاً جَمِيلاً تُدْخِلُهُ إِلَيْهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا لَيْلَتَهَا فَإِذَا أَصْبَحَ أَمَرَتْ بِهِ فَقُتِلَ لِئَلاَّ يُشَنِّعَ عَلَيْهَا وَ يُذِيعَ خَبَرَهَا.

فَعِنْدَ ذَلِكَ-قَالَ عَالِمُ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ-: لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ لَمَا أَعْطَى مُلْكَهَا امْرَأَةً بَغِيَّةً.

فلما حضرت«أسفر»الوفاة أوحى اللّه إليه ان استودع النور و الحكمة و المواريث ابنك «رامن»فأحضره و أوصى إليه و سلّمه ما في يده و مضى عليه السّلام.

[رامين بن اسفر عليه السّلام]

فقام رامين بن اسفر عليه السّلام بأمر اللّه عزّ و جلّ و تبعه المؤمنون و قد كانوا قلوا و فنوا و بقي منهم عدد يسير إلى أن حضرت وفاته فأوحى اللّه إليه ان يستودع ما في يده«إسحاق» فأحضره و أوصى إليه و سلّمه جميع المواريث و النور و الحكمة و الاسم الأعظم و مضى.

[إسحاق بن رامين عليه السلام]

و قام إسحاق بن رامين بأمر اللّه جلّ جلاله مقام آبائه عليهم السّلام فلما حضرته الوفاة أوحى اللّه إليه ان استودع الاسم الأعظم ابنك«أيم»فأحضره و أوصى إليه و سلّم ما في يديه و مضى صلّى اللّه عليه.

[ايم بن إسحاق عليه السلام]

و قام أيم بن إسحاق بأمر اللّه جل و عزّ مقام آبائه عليهم السّلام فلما حضرته الوفاة أوحى اللّه إليه ان يستودع الاسم الأعظم و يوصي إلى ابنه«زكريا»روي ان اسمه«زمرتا»فأحضره و أوصى إليه و مضى صلوات اللّه عليه.

ص:77

[زكريا عليه السّلام]

فقام زكريا عليه السّلام بأمر اللّه و هو«زكريا بن أيم»و يروى ابن(اردن)و اتبعه المؤمنون من ولد داود من سبط يهودا.

و كان زكريا متزوجا(ايساع)اخت(حنة)(أم مريم أمّ عيسى).

105- وَ رُوِيَ: أَنَّ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمْ يَزَلْ خَائِفاً مِنَ الْيَهُودِ مُسْتَخْفِياً،ثُمَّ هَرَبَ مِنْهُمْ فَالْتَجَأَ إِلَى شَجَرَةٍ فَنُشِرَتْ لِحَاهَا ثُمَّ نَادَتْهُ«يَا زَكَرِيَّا ادْخُلْنِي»فَدَخَلَهَا فَانْضَمَّ عَلَيْهِ اللِّحَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ فَأَتَاهُمْ إِبْلِيسُ فَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ فَأَتَوُا الشَّجَرَةَ فَنَشَرُوهَا وَ نَشَرُوهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَعَهَا فَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَبَضَ رُوحَهُ قَبْلَ وُصُولِ الْمِنْشَارِ إِلَيْهِ،وَ رَفَعَ عَنْهُ الْأَلَمَ.

و كان اللّه أوحى إليه قبل ذلك أن يسلّم مواريث الأنبياء و ما في يديه إلى عيسى عليه السّلام

106- وَ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى زَكَرِيَّا أَنْ يَسْتَوْدِعَ النُّبُوَّةَ وَ مَوَارِيثَ الْأَنْبِيَاءِ وَ مَا فِي يَدَيْهِ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ(الْيَسَابِغُ).

[اليسابغ عليه السّلام]

فقام اليسابغ عليه السّلام بما أوصاه به زكريا عليه السّلام من أمر اللّه جل و علا و أعطاه ثلاث آيات متظاهرات بيّنات ليريها بني إسرائيل فأبى أكثرهم إلاّ طغيانا و كفرا.

فعند ذلك ملك(دارا بن شهزادان)اثنتي عشرة سنة و هو أوّل من صنع السكك و أعد لنفسه الأموال و الخزاين فلما أراد اللّه أن يقبض(اليسابغ)أوحى إليه أن يستودع النور و الحكمة و الاسم الأعظم ابنه«روبيل».

[روبيل بن اليسابغ]

و قام روبيل بن اليسابغ بأمر اللّه جل و عزّ و تدبير ما استودعه

و ملك في أيامه(دارا بن شهزادان)أربع عشرة سنة و بعد سنة من ملكه بنى مدينة و سمّاها«داراجرد»ثم ملك بعده(الاسكندر)أربع عشرة سنة و ذلك كلّه في وقت إمامة (روبيل).

و قتل«الاسكندر»(دارا بن دارا)و هدم بيوت النيران و قتل(الهرابذة)و كان في زمانه العدل و الإنصاف فلما مات(الاسكندر)و كان أصحابه يعبدون الحجارة فحملوه في

ص:78

تابوت من ذهب إلى بلاد الروم و كان بنى بعد سنتين من ملكه مدينة بأصبهان سمّاها «جي»فأسرف كفرة بني إسرائيل في قتل المؤمنين و تعذيبهم فدعوا اللّه أن يخرجهم من بينهم و يبعد بين أقطارهم فبعث اللّه إليهم ملائكة فسيرهم على الماء و معهم الكتاب المنزل على موسى عليه السّلام.

و ملك عند ذلك(أشبح بن اشبحان)مائتي سنة و ستين سنة،و في احدى و خمسين سنة من ملكه

بعث اللّه عزّ و جلّ المسيح عيسى بن مريم عليه السّلام

107- فَقَالَ الْعَالِمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إِنَّ امْرَأَةَ عِمْرَانَ لَمَّا نَذَرَتْ مَا فِي بَطْنِهَا مُحَرَّراً ،وَ الْمُحَرَّرُ لِلْمَسْجِدِ وَ خِدْمَةِ الْعُلَمَاءِ وَ قَالَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى عِمْرَانَ أَنِّي أَهَبُ لَكَ ابْناً يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ يُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِي.

فلما ولدت امرأته بنتا و هي مريم قالت انّي وضعتها انثى و ليس الذكر كالانثى-تريد أن الأنثى لا تكون نبيّا مرسلا.

و انما كان الوعد لعمران بعيسى عليه السّلام من ابنته مريم فنشأت مريم أحسن نشوء و لزمت العبادة و الصلاة في الكنائس و البيع مع العلماء و أحصنت..لم ترغب في أحد من الرجال و كان زكريا قد كفلها في حياته فكان إذا دخل إليها و هي في اَلْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً .

قال: يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ .

قال:كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء و فاكهة الشتاء في الصيف

108- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ الرِّزْقُ عِلْماً مِنَ الْعُلُومِ.

109- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ حَمْلُ مَرْيَمَ كَانَ ثَلاَثَ سَاعَاتٍ وَ رُوِيَ: سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ وَ رُوِيَ: تِسْعَةَ أَيَّامٍ وَ أَنَّ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَتَاهَا بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ مِنَ الْعَجْوَةِ وَ هِيَ الصَّرَفَانُ فَأَكَلَتْهَا فَحَمَلَتْ بِعِيسَى.

110- وَ رُوِيَ: أَنَّ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَفَخَ فِي جَيْبِهَا وَ قَدْ دَخَلَتْ إِلَى الْمُغْتَسَلِ لِلتَّطْهِيرِ فَخَرَجَتْ وَ قَدِ انْتَفَخَ بَطْنُهَا فَخَافَتْ مِنْ حَالَتِهَا وَ مِنْ زَكَرِيَّا فَخَرَجَتْ هَارِبَةً عَلَى وَجْهِهَا وَ إِنَّ نِسَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ مَنْ كَانَ يَتَعَبَّدُ مَعَهَا رَأَوْا بَطْنَهَا فَشَتَمْنَهَا وَ نَتَفْنَ شَعْرَهَا وَ خَمَشْنَ وَجْهَهَا فَأَنْطَقَ اللَّهُ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي بَطْنِهَا فَقَالَ وَ حَقِّ النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ بَعْدِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَئِنْ أَخْرَجَنِي اللَّهُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي مَرْيَمَ لَأُقِيمَنَّ عَلَيْكُنَّ الْحَدَّ.

وَ مَضَتْ مَرْيَمُ عَلَى وَجْهِهَا حَتَّى أَتَتْ قَرْيَةً فِي غَرْبِيِّ الْكُوفَةِ يُقَالُ لَهَا«بَشُوشَا»

ص:79

وَ يُرْوَى(بَانِقْيَا)وَ هِيَ الْيَوْمَ تُعْرَفُ بِالنُّخَيْلَةِ.وَ فِيهَا عِظَامُ هُودٍ وَ شُعَيْبٍ وَ صَالِحٍ وَ عِدَّةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْأَوْصِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَاشْتَدَّ بِهَا الطَّلْقُ فَاسْتَنَدَتْ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ نَخِرَةٍ قَدْ سَقَطَ رَأْسُهَا فَوَلَدَتْهُ فَاخْضَرَّتِ النَّخْلَةُ مِنْ وَقْتِهَا وَ أَثْمَرَتْ وَ أَيْنَعَتْ وَ سَقَطَ مِنْهَا عَلَى مَرْيَمَ رُطَبٌ جَنِيٌّ وَ كَانَ فِيمَا رُوِيَ: فِي كَانُونَ مِنْ زَمَانِ الشِّتَاءِ فَلِذَلِكَ تُطْعَمُ النُّفَسَاءُ التَّمْرَ وَ الرُّطَبَ.

وَ اشْتَدَّ خَوْفُهَا مِنْ زَكَرِيَّا وَ مِنْ خَالَتِهَا وَ كَانَتْ أُمُّهَا حَنَّةُ قَدْ مَاتَتْ وَ كَفَّلَتْهَا إِيسَاعُ حَتَّى قَالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَ كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا وَ رُوِيَ: أَنَّهَا قَالَتْ يَا لَيْتَنِي [مِتُّ ] قَبْلَ أَنْ أَرَى فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا قَدْ رَأَيْتُ مِنَ الاِفْتِتَانِ بِسَبِّي وَ بِاتِّهَامِهِمْ لِي إِشْفَاقاً مِنْهُمْ فَنَادَاهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا يَعْنِي نَفْسَهُ وَ «هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا» ثُمَّ ضَرَبَ بِرِجْلِهِ فَانْبَعَثَ مِنْ تَحْتِ رِجْلِهِ عَيْنُ مَاءٍ جَارٍ فَقَالَ لَهَا«كُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً» أَيْ صَمْتاً «فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا»

فَطَابَتْ نَفْسُهَا وَ أَكَلَتْ وَ شَرِبَتْ ثُمَّ حَمَلَتْهُ وَ رَجَعَتْ إِلَى الشَّامِ وَ كَانَ مَجِيئُهَا مِنَ الشَّامِ إِلَى الْكُوفَةِ وَ رُجُوعُهَا فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَلَقِيَهَا زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مَعَهُ خَالَتُهَا فَكَلَّمَاهَا فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ أَنْ كَلِّمْهُمَا فَأَنْطَقَهُ اللَّهُ حَتَّى «قالَ إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا» إِلَى قَوْلِهِ «وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا» فَطَابَتْ نَفْسُ زَكَرِيَّا وَ إِيسَاعَ خَالَتِهَا وَ ظَهَرَتْ حُجَّتُهُمْ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتِهِمْ وَ عِنْدَ النَّاسِ.

فَأَقْبَلَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا وَ قَدْ حَمَلَتْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى صَدْرِهَا فَخَرَجَ مِنْ عَوَاتِقِ الْقَرْيَةِ سَبْعُونَ عَاتِقاً فَقُلْنَ لَهَا قَدْ «جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا» ...اَلْآيَةَ،فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ،فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَهُنَّ:

يَا وَيْلَكُنَّ أَ تَفْتَرِينَ عَلَى أُمِّي،إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ...إِلَى قَوْلِهِ «ما دُمْتُ حَيًّا»

وَ تَكَلَّمَ بِالْحِكْمَةِ ثُمَّ صَمَتَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَذِنَ اللَّهُ لَهُ بِالْكَلاَمِ. و روي انّه بعد ذلك بسبع سنين و روي بعد أربع سنين فأوتي الحكمة فأخبرهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم.

111- وَ رُوِيَ: أَنَّ إِبْلِيسَ مَضَى فِي طَلَبِهِ فِي وَقْتِ وِلاَدَتِهِ فَلَمَّا وَجَدَهُ وَجَدَ الْمَلاَئِكَةَ قَدْ حَفَّتْ بِهِ فَذَهَبَ لِيَدْنُوَ فَصَاحَتْ بِهِ فَقَالَ:مَنْ أَبُوهُ؟فَقَالُوا لَهُ:مَثَلُهُ كَمَثَلِ آدَمَ.فَقَالَ:وَ اللَّهِ لَأُضِلَّنَّ بِهِ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْخَلْقِ.

ص:80

ثم نشأ و أرسله اللّه عزّ و جلّ و كان مربوع الخلق إلى الحمرة و البياض سبط الشعر كان رأسه يقطر من غير ماء يصيبه و كانت شريعته التوحيد شريعة نوح و إبراهيم و موسى فأنزل اللّه عليه الإنجيل و أخذ عليه ميثاق الأنبياء بتحليل الحلال و تحريم الحرام و الأمر و النهي و الإنجيل مواعظ و أمثال ليس فيه قصص و لا حدود و لا فرائض و لا مواريث و أنزل اللّه عليه تخفيفا ممّا كان في التوراة و هو قوله «وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» فآمن به المؤمنون بالحجج و كذّبه بنو إسرائيل فافترقوا فيه فرقا يختلفون فيه حتى قال بعضهم انّه إله و قال بعضهم انّه ابن اللّه جلّ اللّه و تعالى فاقشعرت الأرض و تشوّك الشجر من ذلك الزمان.

ثمّ أحيا الموتى و أبرأ الاكمه و الأبرص باذن اللّه.

112- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ لَمْ يُحْيِ إِلاَّ مَيِّتاً وَاحِداً وَ أَنَّهُ قَامَ خَطِيباً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَأْكُلُوا حَتَّى تَجُوعُوا فَإِذَا جُعْتُمْ فَكُلُوا وَ لاَ تَشْبَعُوا فَإِنَّكُمْ إِذَا شَبِعْتُمْ غَلُظَتْ رِقَابُكُمْ سَمِنَتْ جُنُوبُكُمْ وَ نَسِيتُمْ رَبَّكُمْ.إِنِّي أَصْبَحْتُ فِيكُمْ إِدَامِي الْجُوعُ وَ طَعَامِي مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ لِلْوُحُوشِ وَ الْبَهَائِمِ،وَ سِرَاجِيَ الْقَمَرُ،وَ فِرَاشِيَ التُّرَابُ،وَ وِسَادِيَ الْحَجَرُ،لَيْسَ لِي بَيْتٌ يَخْرَبُ وَ لاَ مَالٌ يَتْلَفُ،وَ لاَ وَلَدٌ يَمُوتُ،وَ لاَ امْرَأَةٌ تَحْزَنُ.

113- وَ: كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَدْ بُعِثَ بِالسِّيَاحَةِ وَ التَّقَشُّفِ فَمَرَّ وَ هُوَ يَسِيحَ فِي الْأَرْضِ بِقَوْمٍ يَبْكُونَ فَقَالَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَبْكِي هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ؟قَالُوا لَهُ عَلَى ذُنُوبِهِمْ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَتْرُكُونَهَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمْ.

114- وَ: اتَّبَعَهُ الْحَوَارِيُّونَ وَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً وَ هُمُ التَّلاَمِيذُ وَ وَجَّهَ إِلَى الْبُلْدَانِ بِالرُّسُلِ وَ دَعَاهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ فَاتَّصَلَ بِهِ أَنَّ مَلِكاً فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ يَأْكُلُ النَّاسَ هُوَ وَ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ وَ أَنَّهُمْ يُسَمِّنُونَ النَّاسَ وَ يُغَذُّونَهُمْ بِأَغْذِيَةٍ تَزُولُ بِهَا أَفْهَامُهُمْ حَتَّى يَسْمَنُوا ثُمَّ يَأْكْلُونَهُمْ فَأَمَرَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَحَدَ خَوَاصِّهِ أَنْ يُرْسِلَ بِبَعْضِ ثِقَاتِهِ إِلَيْهِمْ يُنْذِرُهُمْ وَ يُحَذِّرُهُمْ فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ وَ كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ فَلَمَّا دَخَلَ إِلَى مَدِينَتِهِمْ أَتَاهُمْ إِبْلِيسُ فَأَغْرَاهُمْ بِهِ حَتَّى أَخَذُوهُ فَحَبَسُوهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُسَمِّنُونَ فِيهِ النَّاسَ وَ سَقَوْهُ مَا كَانُوا يَسْقُونَهُمْ فَمَكَثَ عَلَى عَادَتِهِ وَ كَانَتِ الْعَادَةُ أَنْ يُخْرِجُوا الرَّجُلَ بَعْدَ شَهْرٍ مِنْ مَحْبَسِهِ فَيَذْبَحُوهُ فَلَمَّا مَضَى لِلرَّجُلِ سَبْعَةٌ وَ عِشْرُونَ يَوْماً قَالَ الْمَسِيحُ لِلْمُرْسِلِ بِهِ أَدْرِكْ أَخَاكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَيَّامِهِ إِلاَّ

ص:81

ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ فَخَرَجَ الرَّجُلُ مُبَادِراً حَتَّى صَارَ إِلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فَوَجَدَ مَرْكَباً صَغِيراً فَجَلَسَ فِيهِ فَقَالَ لَهُ الْمَلاَّحُونَ-وَ كَانَ فِي الْمَرْكَبِ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ-أَيْنَ تُرِيدُ؟.

فَلَمْ يُخْبِرْهُمْ فَلَمَّا أَلَحُّوا عَلَيْهِ عَرَّفَهُمُ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُرِيدُهُ فَجَعَلُوا يَتَضَاحَكُونَ بِهِ وَ صَاحِبُ السُّكَّانِ مِنْ بَيْنِهُمْ يَهْزَأُ مِنْهُ وَ يَقُولُ كَيْفَ تَبْلُغُ مَسِيرَةَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.

فَاغْتَمَّ وَ أَوْقَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ السُّبَاتَ فَانْتَبَهَ وَ هُوَ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ فَخَرَجَ مِنَ الْمَرْكَبِ فَلَمَّا دَنَا مِنْ بَابِ الْمَدِينَةِ وَجَدَ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَطَّلِعُ مِنَ السُّورِ فَكَلَّمَهُ وَ سَأَلَهُ مِنْ خَبَرِهِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ أَرَى أَنَّكَ كُنْتَ صَاحِبَ السُّكَّانِ فِي الْمَرْكَبِ ثُمَّ دَخَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَ صَارَ إِلَى الْمَلِكِ فَزَجَرَهُ وَ وَعَظَهُ فَأَتَاهُ إِبْلِيسُ فَأَغْرَاهُ بِهِ فَأَخَذُوهُ وَ أَدْخَلُوهُ إِلَى الْمَجْلِسِ الَّذِي يُسَمِّنُونَ فِيهِ فَلَمَّا رَآهُ صَاحِبُهُ وَثَبَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ خَبَرِهِ فَأَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ فَقَالَ لَهُ أَيْنَ أَخْرُجُ وَ إِنَّمَا أَرَدْتُ إِذَا خَرَجْتُ أَنْ أَصِيرَ إِلَيْكَ.فَقَالَ:تَنْتَظِرُنِي عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ.

فَخَرَجَ وَ الْحَرَسُ جُلاَّسٌ فَلَمْ يَرَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ.

وَ أَغْرَى إِبْلِيسُ بِالرَّجُلِ وَ قَالَ لَهُمْ هَذَا وَ أَمْثَالُهُ آفَةُ الْمُلُوكِ وَ الْوَجْهُ أَنْ يُعَذَّبَ حَتَّى يَرْتَدِعَ بِهِ غَيْرُهُ وَ أَشَارَ أَنْ يُرْجَمَ بِالْحِجَارَةِ وَ يُسْحَبَ عَلَى الْحَصْبَاءِ لِوَجْهِهِ وَ سَائِرِ جَسَدِهِ حَتَّى يَتَرَضَّضَ فَيَأْلَمَ جَسَدُهُ،فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ وَ غُلِّظَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ،فَشَكَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ قَالَ يَا رَبِّ إِنْ كَانَ أَجَلِي قَدْ قَرُبَ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ وَ إِلاَّ فَفَرِّجْ عَنِّي فَلَمْ يَبْقَ فِيَّ مَوْضِعٌ لِلصَّبْرِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ لَكَ عِنْدِي مَنْزِلَةً لَمْ تَبْلُغْهَا إِلاَّ بِالصَّبْرِ عَلَى أَغْلَظِ الْمِحَنِ وَ قَدْ فَرَّجْتُ عَنْكَ وَ أَمَرْتُ كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ بِطَاعَتِكَ فَاخْرُجْ فَخَرَجَ إِلَى صَنَمٍ لَهُمْ مِنْ حِجَارَةٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْبَعِثَ مِنْ سَائِرِهِ الْمَاءُ فَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ عَيْنَيْهِ وَ أَنْفِهِ وَ أُذُنِهِ وَ فَمِهِ وَ سَائِرِ أَعْضَائِهِ فَغَرِقَ خَلْقٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ،وَ عَلِمَ الْبَاقُونَ السَّبَبَ فِي غَرْقِهِمْ فَصَارُوا إِلَيْهِ خَاضِعِينَ طَالِبِينَ، وَ آمَنُوا وَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ وَ اتَّبَعُوهُ فَأَمَرَ الصَّنَمَ أَنْ يَبْتَلِعَ الْمَاءَ فَابْتَلَعَهُ وَ بَقِيَ مَنْ مَاتَ بِذَلِكَ الْعَذَابِ مَطْرُوحاً فَأَحْيَاهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ جَمِيعاً فَآمَنَ بِهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

115- وَ: كَانَ الْمَسِيحُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يُبَشِّرُ الْحَوَارِيِّينَ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَيَقُولُونَ هُوَ مِنَّا وَ نَحْنُ شِيعَتُهُ فَكَانَ فِي الْإِنْجِيلِ لاَ يَلِي أَمْرَ الْأُمَّةِ رَجُلٌ وَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ إِلاَّ كَانَ أَمْرُهُمْ إِلَى سَفَالٍ.

ص:82

116- وَ رُوِيَ: أَنَّ الدُّنْيَا تَمَثَّلَتْ لِلْمَسِيحِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، وَ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: أَنَّهَا تَمَثَّلَتْ فِي صُورَةِ امْرَأَةٍ زَرْقَاءَ شَمْطَاءَ عَجُوزٍ فَقَالَ لَهَا:هَلْ تَزَوَّجْتِ؟فَقَالَتْ:كَثِيراً.فَقَالَ لَهَا:فَكُلٌّ طَلَّقَكِ؟فَقَالَتْ:بَلْ كُلٌّ قَتَلْتُهُ.فَقَالَ لَهَا:فَوَيْحٌ لِأَزْوَاجِكِ الْبَاقِينَ كَيْفَ لَمْ يَعْتَبِرُوا بِالْمَاضِينَ.

117- وَ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى الدُّنْيَا:مَنْ خَدَمَكِ فَاسْتَعْبِدِيهِ،وَ مَنْ خَدَمَنِي فَاخْدُمِيهِ.

118- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ دَعَا الْحَوَارِيِّينَ فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ ثُمَّ قَامَ يَخْدُمُهُمْ حَتَّى يَفْعَلُوا مِثْلَهُ ثُمَّ يُعَلِّمُونَهُ النَّاسَ.

119- وَ: مَكَثَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي الْأَرْضِ ثَلاَثاً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَ كَانَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ الْحَوَارِيِّينَ قَوْلُهُ:اِرْضَوْا بِذِي الدُّنْيَا مَعَ سَلاَمَةِ دِينِكُمْ كَمَا رَضِيَ أَهْلُ الدُّنْيَا بِذِي الدِّينِ مَعَ سَلاَمَةِ دِينِهِمْ،وَ تَحَبَّبُوا إِلَى اللَّهِ بِبُغْضِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَ الْبُعْدِ مِنْهُمْ.

فَقَالُوا:وَ مَنْ نُجَالِسُ يَا رُوحَ اللَّهِ؟.

فَقَالَ:مَنْ يُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ،وَ يَزِيدُ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ،وَ يُرَغِّبُكُمْ فِي الْآخِرَةِ عَمَلُهُ.

ثُمَّ نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ عَلَيْهِمْ فَأَمَرَ بِتَغْطِيَتِهَا وَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ رَجُلٌ مِنْهَا شَيْئاً حَتَّى يَأْذَنَ لَهُمْ، وَ مَضَى فِي بَعْضِ شَأْنِهِ،فَأَكَلَ مِنْهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ بَعْضُ الْحَوَارِيِّينَ:يَا رُوحَ اللَّهِ قَدْ أَكَلَ مِنْهُمْ رَجُلٌ.

فَقَالَ لَهُ عِيسَى:أَكَلْتَ مِنْهَا؟.

فَقَالَ الرَّجُلُ:لاَ.

فَقَالَ الْحَوَارِيُّونَ:بَلَى يَا رُوحَ اللَّهِ لَقَدْ أَكَلَ مِنْهَا.

فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِلْحَوَارِيِّينَ:صَدِّقْ أَخَاكَ وَ كَذِّبْ بَصَرَكَ.

و روي في المائدة أخبار كثيرة يطول شرحها.

120- قَالَ: وَ اشْتَدَّ طَلَبُ الْيَهُودِ لَهُ حَتَّى هَرَبَ مِنْهُمْ ثُمَّ جَمَعَ أَصْحَابَهُ وَ أَوْصَى إِلَى شَمْعُونَ وَ أَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ وَ التَّابُوتَ ثُمَّ قَالَ لِلْحَوَارِيِّينَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَ قَدْ جَمَعَهُمْ فِي بَيْتٍ،أَيُّكُمْ يَكُونُ رَفِيقِي غَداً فِي الْجَنَّةِ عَلَى أَنْ يَتَشَبَّهَ لِلْقَوْمِ غَداً فِي صُورَتِي فَيَقْتُلُوهُ؟.

ص:83

فَقَالَ لَهُ شَابٌّ مِنْهُمْ:أَنَا يَا رُوحَ اللَّهِ.

فَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ فِيهِ فَامْتَثَلَ أَمْرَهُ وَ طَرَحَ عَلَيْهِ شِبْهَهُ فَدَخَلَ إِلَيْهِ الْيَهُودُ فَقَتَلُوهُ وَ صَلَبُوهُ فَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْحَوَارِيِّينَ مَرَّ بِشَمْعُونَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ تَحْتَ الْخَشَبَةِ يَجْمَعُ مَا يَسْقُطُ مِنْ جِلْدِهِ وَ أَعْضَائِهِ فَقَالَ لَهُ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِذَا رَآكَ النَّاسُ تَفْعَلُ هَذَا افْتَتَنُوا.

فَقَالَ لَهُ:إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ أَضَلَّ قَوْماً وَ أَحْبَبْتُ أَنْ أَزِيدَهُمْ.

121- وَ كَانَ فِيمَا قَالَهُ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَمَا إِنَّكُمْ سَتَفْتَرِقُونَ بَعْدِي ثَلاَثَ فِرَقٍ،فِرْقَتَيْنِ تَفْتَرِي عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ هِيَ فِي النَّارِ وَ فِرْقَةٌ مَعَ شَمْعُونَ صَادِقَةٌ عَلَى اللَّهِ وَ هِيَ فِي الْجَنَّةِ.

122- وَ: رَفَعَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ الْمَسِيحَ إِلَيْهِ مِنْ سَاعَتِهِ ثُمَّ صَارَتْ مَرْيَمُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ إِلَى مَلِكِ الْيَهُودِ فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَهَبَ لَهَا الْمَصْلُوبَ فَفَعَلَ فَدَفَنَتْهُ فَخَرَجَتْ هِيَ وَ أُخْتُهَا لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ فَإِذَا الْمَسِيحُ جَالِسٌ عِنْدَ الْقَبْرِ فَقَالَتْ لِأُخْتِهَا:مَا تَرَيْنَ الرَّجُلَ الَّذِي عِنْدَ الْقَبْرِ؟قَالَتْ:لاَ.فَأَمَرَتْهَا أَنْ تَرْجِعَ وَ مَضَتْ إِلَى الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَخْبَرَهَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ رَفَعَهُ إِلَيْهِ وَ أَوْصَى بِمَا أَرَادَ.

فَرَجَعَتْ قَرِيرَةَ الْعَيْنِ.

ثمّ افترقت أمته ثلاث فرق،فرقة قالوا ان اللّه عزّ و جلّ فينا فارتفع،و فرقة قالوا كان ابن اللّه فينا فرفعه اللّه.و فرقة مؤمنة مع شمعون.

123- وَ رُوِيَ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَظْهَرَ دَعْوَةَ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً وَ عُمُرُهُ ثَلاَثٌ وَ ثَلاَثُونَ سَنَةً.

[شمعون عليه السّلام]

و قام شمعون عليه السّلام بأمر اللّه جل و عزّ و كان يفعل فعل المسيح يبرئ الاكمه و الأبرص و يحيي الموتى باذن اللّه و معه الشيعة الصديقون فمن آمن به كان مؤمنا و من جحده كان كافرا و من شك فيه كان ضالاّ.

124- وَ: وَجَّهَ(شَمْعُونُ)عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالْحَوَارِيِّينَ إِلَى الْبُلْدَانِ يَدْعُونَ النَّاسَ وَ كَانَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ شَمْعُونُ لاَ يَبْعَثَانِ إِلَى الرُّومِ بِأَحَدٍ إِلاَّ قُتِلَ.فَقَالَ شَمْعُونُ لِرَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ:اِذْهَبَا فِي وَقْتِ كَذَا وَ كَذَا إِلَى بَلَدِ الرُّومِ فَعَجِّلاَ فَذَهَبَا قَبْلَ الْوَقْتِ فَأَخَذَهُمَا الْمَلِكُ وَ حَبَسَهُمَا فَلَمَّا

ص:84

حَضَرَ الْوَقْتُ مَضَى شَمْعُونُ فِي صُورَةِ مُتَطَبِّبٍ فَكَانَ لاَ يُعَالِجُ أَحَداً إِلاَّ أَبْرَأَهُ وَ غَلَبَ عَلَى الْمَلِكِ.

ثُمَّ إِنَّ الْمَلِكَ رَأَى رُؤْيَا فَقَصَّهَا عَلَى شَمْعُونَ فَقَالَ شَمْعُونُ:لَعَلَّ فِي حَبْسِكَ قَوْماً مَظْلُومِينَ،فَأَمَرَهُ بِالنَّظَرِ فِي أُمُورِ جَمِيعِ النَّاسِ.فَجَلَسَ الْمَلِكُ وَ جَلَسَ مَعَهُ شَمْعُونُ وَ أَخَذَ يَنْظُرُ فِي أُمُورِهِمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَسَأَلَهُمَا عَنْ قِصَّتِهِمَا فَعَرَّفَاهُ أَنَّهُمَا رُسُلُ الْمَسِيحِ وَ أَنَّهُمَا يُبْرِئَانِ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ فَقَالَ:أَحْضِرْ رَجُلاً أَعْمَى فَأَحْضَرَ مَنْ لَمْ يُبْصِرْ قَطُّ فَوَضَعَ شَمْعُونُ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمَا أَنَا أُبْرِئُهُ قَبْلَكُمَا وَ نَحَّى شَمْعُونُ يَدَهُ فَأَبْصَرَ الرَّجُلُ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُرِي الْمَلِكَ وَ أَصْحَابَهُ آيَةً بَعْدَ آيَةٍ وَ مُعْجِزَةً بَعْدَ مُعْجِزَةٍ إِلَى أَنْ أَحْيَى ابْناً كَانَ لِلْمَلِكِ قَدْ مَاتَ مُنْذُ سَبْعِ سِنِينَ فَآمَنَ الْمَلِكُ وَ جَمِيعُ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ وَ بِهِ عَظَّمُوا أَمْرَ الْمَسِيحِ وَ قَالُوا فِيهِ مَا قَالُوا.

فلما حضرت شمعون الوفاة أوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و الحكمة و جميع مواريث الأنبياء يحيى بن زكريا ففعل و أوصى و سلّم إليه و مضى.

[يحيى بن زكريا عليه السّلام]

و قام يحيى بن زكريا عليه السّلام بأمر اللّه جل و تعالى و كان من حديثه أن زكريا عليه السّلام دعا ربّه فقال «إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي» و أعني بني العمومة «وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا» «فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً»

و حملت به أمّه فلما ولد عليه السّلام غذي بانهار الجنة حتّى فطم ثمّ انزل به إلى أبويه فكان يضيء البيت لنوره ثمّ نشأ و بعثه اللّه عزّ و جلّ بالحكمة و اتاه زيادة على ما سلم إليه شمعون خمس كلمات و أمره يضربهن مثلا لقومه

125- فَقَالَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا لِقَوْمِهِ الْكَلِمَاتِ وَ إِنَّمَا هِيَ:

1-- مَثَلُ الشِّرْكِ بِاللَّهِ مَثَلُ رَجُلٍ كَانَ لَهُ عَبْدٌ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ يَمْلِكُهُ فَاضْطَرَبَ الْعَبْدُ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَ مَالاً كَثِيراً فَانْطَلَقَ فَجَعَلَ سَعْيَهُ وَ خَيْرَهُ لِغَيْرِهِ فَذَلِكَ مَثَلُ الشِّرْكِ بِاللَّهِ.

ص:85

2-- وَ مَثَلُ الصَّلاَةِ مَثَلُ رَجُلٍ صَارَ إِلَى بَابِ سُلْطَانٍ مَهِيبٍ فَظَنَّ أَنْ لاَ يُمْكِنُهُ الْكَلاَمُ فَأَمْكَنَهُ حَتَّى تَكَلَّمَ بِحَاجَتِهِ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ وَ إِنْ شَاءَ حَرَمَهُ.

3-- وَ مَثَلُ الصَّدَقَةِ مَثَلُ رَجُلٍ كَانَ لَهُ أَعْدَاءٌ فَأَرَادُوا قَتْلَهُ فَقَالَ مَا يَنْفَعُكُمْ قَتْلِي كَاتِبُونِي وَ نَجِّمُوا عَلَيَّ نُجُوماً فَكُلَّمَا أَدَّيْتُ نَجْماً حَلَلْتُمْ عَنِّي عُقْدَةً.

4-- وَ مَثَلُ الصَّوْمِ مَثَلُ رَجُلٍ أَخَذَ مِنَ السِّلاَحِ مَا أَطَاقَ حَتَّى رَأَى أَنَّهُ لاَ يَصِلُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ السِّلاَحِ فَكَذَلِكَ الصَّوْمُ جُنَّةٌ.

5-- وَ مَثَلُ الْقُرْآنِ مَثَلُ قَوْمٍ فِي حِصْنٍ وَ لَهُمْ قَوْمٌ يَطْلُبُونَ غِرَّتَهُمْ فَكُلَّمَا جَاءُوهُمْ وَجَدُوهُمْ حَذِرِينَ فِي حِصْنِهِمْ فَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ.

126- فَعِنْدَ ذَلِكَ مَلَكَ(أَرْدَشِيرُ بْنُ بَابَكَانَ)أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ عِدَّةَ شُهُورٍ،وَ فِي ثَمَانِي سِنِينَ مِنْ مُلْكِهِ قُتِلَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ،وَ كَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّ امْرَأَةً بَغِيَّةً كَانَتْ تَخْتَلِفُ إِلَى الْمَلِكِ وَ كَانَتْ إِذَا مَرَّتْ بِيَحْيَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ تَقُولُ فَلاَ يَكْفِي فُلاَناً مِنْ عِنْدِهِ،فَامْتَنَعَتْ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يُقْتَلَ يَحْيَى فَبَعَثَ الْمَلِكُ إِلَى يَحْيَى فَقَتَلَهُ وَ أَتَى بِرَأْسِهِ،وَ كَانَ عِنْدَ الْمَلِكِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَقَّاصٌ مُلْهًى،فَقَالَ لَهُ:اِدْفَعْهُ إِلَيَّ فَإِنَّهُ كَانَ يُؤْذِينِي.فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ فَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَانْبَعَثَ الدَّمُ مِنْهُ وَ أَخَذَ يَفُورُ فَكَانَ مِمَّا رَآهُ أَنْ أَفْلَتَ مِنَ الدَّمِ فَلَمْ يَغْرَقْ فِيهِ وَ طَرَحَهُ فِي نَاحِيَةٍ وَ جَعَلَ النَّاسُ يُلْقُونَ عَلَيْهِ التُّرَابَ وَ الْكُنَاسَةَ،وَ الدَّمُ يَفُورُ وَ يَغْلِي حَتَّى صَارَ الْمَوْضِعُ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ.فَلَمْ يَزَلْ يَفُورُ حَتَّى قُتِلَ بِيَحْيَى سَبْعُونَ أَلْفاً ثُمَّ سَكَنَ.

127- وَ: كَانَ الَّذِي تَوَلَّى قَتْلَهُ وَلَدُ الزِّنَا، وَ كَذَلِكَ رُوِيَ: فِيمَنْ تَوَلَّى قَتْلَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنِ ابْنِ مَرْجَانَةَ وَ غَيْرِهِ كَانُوا أَوْلاَدَ زِنًا.

128- وَ رُوِيَ: أَنَّ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ عُمُرُهُ ثَلاَثاً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَقْبِضَهُ إِلَيْهِ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامَةَ فِي وُلْدِ شَمْعُونَ فَأَحْضَرَ وُلْدَ شَمْعُونَ وَ الْحَوَارِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِ(مُنْذِرِ بْنِ شَمْعُونَ)وَ التَّصْدِيقِ لِمَا يَأْتِي بِهِ.

[منذر بن شمعون]

و قام منذر بن شمعون بأمر اللّه جل و عزّ فعند اللّه ذلك ملك(سابور بن أردشير) ثلاثين سنة.و في ثلاث عشر سنة من ملكه جاهد صاحب الزنادقة و قتله.و خرج(بخت

ص:86

النصر بن ملتنصر بن بخت نصر الأكبر)و ملك سبعا و ثمانين سنة.و في ثلاثة عشر سنة من ملكه سلّطه اللّه على من في بيت المقدس من اليهود فقتل سبعين ألفا على دم يحيى ابن زكريا عليه السّلام و أخرب بيت المقدس و تفرّق اليهود في البلدان.

129- وَ: فِي سَبْعٍ وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ مُلْكِهِ بَعَثَ اللَّهُ الْعُزَيْرَ وَ خَرَجَ قَوْمٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هَارِبِينَ مِنَ الْقِتَالِ فَنَزَلُوا بِالْقُرْبِ مِنْ جِوَارِ(الْعُزَيْرِ)فَلَمَّا رَآهُمْ وَ سَمِعَ مِنْهُمْ كَلاَمَ الْإِيمَانِ اجْتَبَاهُمْ ثُمَّ غَابَ عَنْهُمْ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ وَ رَجَعَ إِلَيْهِمْ فَوَجَدَهُمْ كُلَّهُمْ مَوْتَى صَرْعَى لَمْ يُنَجِّهِمْ فِرَارُهُمْ مِنَ الْمَوْتِ فَقَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَعِنْدَ ذَلِكَ أَلْحَقَهُ اللَّهُ بِهِمْ مَيِّتاً فَلَبِثَ فِيهِمْ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ أَحْيَاهُ اللَّهُ قَبْلَهُمْ وَ أَحْيَاهُمْ بِحَضْرَتِهِ فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعِظَامِ وَ الْمَفَاصِلِ كَيْفَ تُضَافُ وَ تَجْتَمِعُ كُلُّ مَفْصِلٍ إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ كُسِيَتْ لَحْماً فَقَالَ(الْعُزَيْرُ)عِنْدَ ذَلِكَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

ثمّ إنّ اللّه جلّ جلاله أمر الوصي(منذر بن شمعون)أن يستودع النور و ميراث الأنبياء (دانيال)عليه السّلام.

[دانيال عليه السّلام]

130- وَ: قَامَ دَانِيَالُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ وَ مَضَى بُخْتَ نَصَّرُ،وَ مَلَكَ ابْنُهُ(فِهْرٌ)-وَ كَانَ كَافِراً خَبِيثاً -سِتَّ عَشَرَ سَنَةً وَ أَيَّاماً فَأَمَرَ أَنْ يُتَّخَذَ لَهُ أُخْدُودٌ ثُمَّ جَاءَ بِدَانِيَالَ وَ أَصْحَابِهِ الصِّدِّيقِينَ فَطَرَحَهُمْ فِي النَّارِ فَلَمْ تَقْرَبْهُمْ وَ لَمْ تُحْرِقْ مِنْهُمْ شَيْئاً.

فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ لاَ يَضُرُّهُمْ اسْتَوْدَعَهُمُ الْجُبَّ وَ فِيهِ سِبَاعٌ ضَارِيَةٌ فَلَمَّا رَأَتْهُمُ السِّبَاعُ لاَذَتْ بِهِمْ وَ بَصْبَصَتْ حَوْلَهُمْ.

فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَذَّبَهُمْ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ فَخَلَّصَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ وَ أَدْخَلَهُمْ جَنَّةً وَ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً فِي كِتَابِهِ «أَصْحابُ الْأُخْدُودِ اَلنّارِ ذاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ» «وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» .

و كان أوحى اللّه إلى دانيال أن يوصي إلى مكيخا و يستودعه الحكمة و كان ابنه ففعل،

131- وَ قَدْ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: أَنَّ(الْعُزَيْرَ وَ دَانِيَالَ كَانَا قَبْلَ الْمَسِيحِ وَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ).

132- وَ رُوِيَ:

أَنَّ يَحْيَى مَضَى فِي آخِرِ أَيَّامِ الْمَسِيحِ وَ بَعْدَهُ. و دفن دانيال بتستر و قد روي بالسوس.

ص:87

[مكيخا ابن دانيال]

و قام مكيخا ابن دانيال بأمر اللّه و اتبعه المؤمنون من بني إسرائيل و ملك«بهرام بن هرمز»ثلاث سنين و ثلاثة أشهر و أربعة أيّام و كان زمانه زمان أمن و عدل و الإمامة مكتومة.ثم ملك(بهرام بن بهرام)اثنين و عشرين سنة،ثمّ ملك بعده«نرسي بن بهرام بن بهرام»و لما حضرت«مكيخا»الوفاة أوحى اللّه إليه أن يستودع الحكمة ابنه(انشوا) فأحضره و أوصى إليه.

[انشوا بن مكيخا]

فقام انشوا بن مكيخا بأمر اللّه تعالى و اتبعه المؤمنون سرّا و ملك«هرمز بن نرسي» سبع سنين ثمّ ملك بعده ابنه«سابور»و هو أول من عقد التاج على رأسه و بنى «السوس»و«جنديسابور»ثم حكم بعده«أردشير»أخوه سنتين.

و في ذلك الزمان بعث اللّه الفتية المؤمنين(أصحاب الكهف و الرقيم)الذين آمنوا بربّهم و زادهم اللّه هدى،

133- وَ كَانَ مِنْ قِصَّتِهِمْ: أَنَّهُمْ أَصَابُوا كِتَاباً مِنْ كُتُبِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَقَامُوا عَلَيْهِ بِأَرْضِ الرُّومِ مُسْتَخْفِينَ وَ هُوَ الرَّقِيمُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ بِهِ وَ كَانَ مِنْ شَأْنِهِمْ فِي بَعْثِهِمْ بِالْوَرِقِ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَأْتِيَهِمْ بِطَعَامٍ يَأْكُلُونَهُ مَا قَصَّ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ بِهِ وَ كَانَ الْمُرْسَلُ بِالْوَرِقِ يُسَمَّى(مَكِيخَا)فَرُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْفُونَ الْإِيمَانَ وَ يُظْهِرُونَ الْكُفْرَ وَ يُصَلُّونَ فِي الْبِيَعِ مَعَ النَّصَارَى وَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَ يَشُدُّونَ فِي أَوْسَاطِهِمْ بِالزَّنَانِيرِ فَآتَاهُمُ اللَّهُ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ عَلَى إِظْهَارِهِمُ الْكُفْرَ وَ إِسْرَارِهِمُ الْإِيمَانَ.

و حضرت«نشوا»الوفاة فأوحى اللّه إليه أن يوصي إلى ابنه«رشيخا»فأحضره و أوصى إليه و سلّمه ما في يديه فتسلمه و مضى صلّى اللّه عليه.

[رشيخا بن انشوا عليه السلام]

و قام رشيخا بن انشوا بأمر اللّه جل و علا و اتبعه المؤمنون في ذلك الزمان و ملك (بهرام جورسابور)فملك سنتين و ملك بعده(يزدجرد بن سابو)احدى و عشرين سنة و كان منزله و دار ملكه«كرمان».

فلما أراد اللّه أن يقبض(رشيخا)أوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته و الاسم الأعظم«نسطورس»فأحضره و أوصى إليه و سلّم إليه مواريث الأنبياء.

ص:88

[نسطورس بن رشيخا عليه السلام]

و قام نسطورس بن رشيخا بأمر اللّه جل و تعالى فاتبعه المؤمنون في ذلك الزمان و ملك(بهرام جور)ستا و عشرين سنة و ثلاثة أشهر و أياما و هو من ولد سام بن لاوي ثمّ ملك بعده(يزدجرد بن بهرام)ابنه ثمان عشر سنة و ثلاثة أشهر و أياما و ملك بعده ابنه «فيروز»سبع عشرة سنة.

فلما حضرت«نسطورس»الوفاة أوحى اللّه إليه أن يستودع النور«مرعيد»ابنه ففعل.

[مرعيد بن نسطورس عليه السلام]

و قام مرعيد بن نسطورس بأمر اللّه جل و عزّ و اتبعه المؤمنون و صار الملك إلى «كسرى بن هرمز»فملك ثماني و ثلاثين سنة فلما حضرت«مرعيد»الوفاة أوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته«بحيرا»فأحضره و أوصى إليه.

[بحيرا عليه السّلام]

و قام بحيرا عليه السّلام بأمر اللّه جل و علا و اتبعه المؤمنون.

134- وَ: مَلَكَتْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ«بُورَانَ بِنْتُ كِسْرَى»ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَهَا«يَزْدَجَرْدُ بْنُ كِسْرَى»أَخُوهَا وَ قَوِيَ أَمْرُ الْكُفْرِ فِي الْأَرْضِ وَ دُرِسَ اسْمُ الْإِيمَانِ مَا اسْتَوْجَبُوا الْعَمَى وَ نُسِيَتِ الصَّلاَةُ وَ تَحَيَّرَتِ الْجَمَاعَةُ وَ اخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ فَعِنْدَ ذَلِكَ اسْتَخْلَصَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى الشَّجَرَةَ الطَّيِّبَةَ الطَّاهِرَةَ الْمَخْزُونَةَ وَ الصَّفْوَةَ الْخَالِصَةَ وَ النُّورَ الزَّاهِرَ سَيِّدَ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ.

135- وَ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْدِعَ نُورَ اللَّهِ وَ حِكْمَتَهُ مَا بَطَنَ مِنْهَا وَ مَا ظَهَرَ«مُنْذِرَ بْنَ شَمْعُونَ»فَأَحْضَرَهُ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ.

[منذر بن شمعون عليه السلام]

فقام منذر بن شمعون بأمر اللّه و اتبعه المؤمنون إلى أن حضرته الوفاة و أوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته ابنه«سلمه بن منذر»فأحضره و أوصى إليه و سلّم إليه.

[سلمة بن منذر عليه السّلام]

و قام سلمة بن منذر عليه السّلام بأمر اللّه جل و عزّ و اتبعه المؤمنون إلى أن حضرته الوفاة فأوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته ابنه«برزة»فأحضره و أوصى إليه.

ص:89

[برزة بن سلمة عليه السّلام]

و قام برزة بن سلمة عليه السّلام بأمر اللّه جل و عزّ و اتبعه المؤمنون إلى أن حضرته الوفاة فأوحى اللّه إليه أن يستودع و يوصي إلى«أبي بن برزة»و يستودعه النور و الحكمة ففعل.

[أبي بن برزة عليه السّلام]

و قام أبي بن برزة عليه السّلام بأمر اللّه جل و تقدّس و تبعه المؤمنون إلى أن حضرته الوفاة فأوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته ابنه«دوس»فأحضره و سلّم إليه.

[دوس بن أبي عليه السّلام]

و قام دوس بن أبي عليه السّلام بأمر اللّه جل و علا و تبعه المؤمنون إلى أن حضرته الوفاة و أوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته«أسيد»فأحضره و أوصى إليه.

[أسيد بن دوس عليه السّلام]

و قام أسيد بن دوس عليه السّلام بأمر اللّه جل و عزّ و تبعه المؤمنون إلى أن حضرته الوفاة فأوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته«هوف»فأحضره و أوصى إليه.

[هوف عليه السّلام]

و قام هوف عليه السّلام بأمر اللّه جل و عزّ و تبعه المؤمنون فلما حضرته الوفاة أوحى اللّه إليه أن يستودع ما في يديه ابنه«يحيى بن هوف»فأحضره و أوصى إليه و سلّم إليه.

[يحيى بن هوف-عليه السلام]

و قام يحيى بن هوف-عليه و على من تقدّمه السلام من النبيّين و الأوصياء و الأئمة أجمعين-بأمر اللّه جلّ جلاله إلى أن حضرته الوفاة فأوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته و مواريث الأنبياء(و أنا)و هو سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أسماه بالعبرانية و السريانية في التوراة و الإنجيل و الزبور و أسماء وصيّه معروفة مشهورة لا يجحدها إلاّ كافر ضال غوي شقي معاند مفتتن.

انتهى هذا القسم و يتلوه سيرة سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نشأته و مهاجرته و فتوحه و مغازيه و محنته بقومه و عشائره من قريش ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا حسبنا اللّه و نعم الوكيل.

ص:90

القسم الثاني: اتصال الحجج و الأوصياء من سيدنا محمد صلی الله علیه و آله حتى ولادة المهديّ

اشارة

ص:91

ص:92

مولد سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

اشارة

136- رَوَى الْخَاصَّةُ وَ الْعَامَّةُ: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَلاَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً أَمَرَ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِالْقَبْضَةِ الْبَيْضَاءِ الَّتِي هِيَ قَلْبُ الْأَرْضِ وَ نُورُهَا فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي مَلاَئِكَةِ الْفَرَادِيسِ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ مَوْضِعِ قَبْرِهِ وَ هِيَ يَوْمَئِذٍ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ فَعُجِنَتْ بِمَاءِ التَّسْنِيمِ وَ زعزت [زُعْزِعَتْ] حَتَّى جُعِلَتْ كَالدُّرَّةِ الْبَيْضَاءِ ثُمَّ غُمِسَتْ فِي جَمِيعِ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ وَ طِيفَ بِهَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْبِحَارِ وَ عَرَفَتِ الْمَلاَئِكَةُ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ فَضْلَهُ قَبْلَ أَنْ تَعْرِفَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

وَ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ سَمِعَ مِنْ تَخْطِيطِ أَثْنَاءِ جَبْهَتِهِ نَشِيشاً كَنَشِيشِ الذَّرِّ فَقَالَ سُبْحَانَكَ رَبِّي مَا هَذَا؟.

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ:هَذَا تَسْبِيحُ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ مِنْ وُلْدِكَوَ لَوْلاَهُ مَا خَلَقْتُكَ وَ لاَ خَلَقْتُ سَمَاءً وَ لاَ أَرْضاً وَ لاَ جَنَّةً وَ لاَ نَاراً فَخُذْهُ بِعَهْدِي وَ مِيثَاقِي عَلَى أَنْ لاَ تُودِعَهُ إِلاَّ فِي الْأَصْلاَبِ الطَّاهِرَةِ.

قَالَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:نَعَمْ إِلَهِي وَ سَيِّدِي قَدْ أَخَذْتُهُ بِعَهْدِكَ وَ مِيثَاقِكَ عَلَى أَنْ لاَ أُودِعَهُ إِلاَّ فِي الْمُطَهَّرِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَ الْمُحْصَنَاتِ مِنَ النِّسَاءِ. و روي أن المحصنات هن الصالحات العفائف.

ص:93

137- قَالَ: وَ كَانَ نُورُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يُرَى فِي دَائِرَةِ غُرَّةِ جَبِينِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَالشَّمْسِ فِي دَوَرَانِ فَلَكِهَا وَ كَالْبَدْرِ فِي دَيْجُورِ لَيْلِهِ فَكَانَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَتَغَشَّى حَوَّاءَ يَتَطَهَّرُ وَ يَتَطَيَّبُ وَ يَأْمُرُهَا أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ وَ يَقُولُ يَا حَوَّاءُ تَطَهَّرِي فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَسْتَوْدِعَ هَذَا النُّورَ الْمُسْتَوْدَعَ ظَهْرِي عَنْ قَلِيلٍ طَهَارَةَ بَطْنِكَ.

قَالَ:فَلَمْ تَزَلْ حَوَّاءُ كَذَلِكَ حَتَّى بَشَّرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِشَيْثٍ أَبِي الْأَنْبِيَاءِ وَ رَأْسِ الْمُرْسَلِينَ،وَ فُتِحَ لِآدَمَ وَ حَوَّاءَ نَهَرٌ مِنَ الْجَنَّةِ وَ بَسَطَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا الرَّحْمَةَ وَ اجْتَمَعَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَحَمَلَتْ بِشَيْثٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

وَ كَانَ أَبَا الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَأَصْبَحَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ ذَلِكَ النُّورُ مَفْقُودٌ مِنْ وَجْهِهِ وَ نَظَرَ إِلَيْهِ فِي جَبْهَةِ حَوَّاءَ فَسُرَّ بِذَلِكَ وَ كَانَتْ حَوَّاءُ تَزْدَادُ فِي كُلِّ يَوْمٍ حُسْناً وَ كَانَتْ طَيْرُ الْأَرْضِ وَ سِبَاعُ الْآجَامِ إِلَيْهَا يُشِيرُونَ وَ إِلَى نُورِهَا يَشْتَاقُونَ.

وَ بَقِيَ آدَمُ لاَ يَقْرَبُهَا لِطَهَارَتِهَا وَ طَهَارَةِ مَا فِي بَطْنِهَا وَ قَابَلَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ كُلَّ يَوْمٍ بِالتَّحِيَّاتِ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَ تُؤْتَى كُلَّ يَوْمٍ بِمَاءِ التَّسْنِيمِ مِنَ الْجَنَّةِ تَشْرَبُهُ حَتَّى خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِنُورِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ.

فَلَمْ تَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى وَضَعَتْ شَيْثاً فَنَظَرَتْ إِلَى نُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ قَدْ صَارَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَ ضَرَبَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَ بَيْنَ الْمَلْعُونِ إِبْلِيسَ حِجَاباً مِنَ النُّورِ فِي غِلَظِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ فَلَمْ يَزَلْ إِبْلِيسُ مَحْبُوساً فِي قَرَارِ مَحْبَسِهِ حَتَّى بَلَغَ شَيْثٌ سَبْعَ سِنِينَ وَ عَمُودُ النُّورِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ النُّورُ فِي الْأَرْضِ مَمْدُوداً حَتَّى أَدْرَكَ شَيْثٌ.

فَلَمَّا أَيْقَنَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالْمَوْتِ أَخَذَ بِيَدِ شَيْثٍ وَ قَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ آخُذَ عَلَيْكَ الْعَهْدَ وَ الْمِيثَاقَ مِنْ أَجْلِ هَذَا النُّورِ الْمُسْتَوْدَعِ وَجْهَكَ أَنْ لاَ تَضَعَهُ إِلاَّ فِي أَطْهَرِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَ اعْلَمْ أَنَّ رَبِّي جَلَّ وَ عَزَّ أَخَذَ عَلَيَّ فِيهِ قَبْلَكَ عَهْداً غَلِيظاً.

ثُمَّ قَالَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:رَبِّي وَ سَيِّدِي إِنَّكَ أَمَرْتَنِي أَنْ آخُذَ عَلَى شَيْثٍ مِنْ بَيْنِ وُلْدِي جَمِيعاً عَهْداً مِنْ أَجْلِ هَذَا النُّورِ الَّذِي فِي وَجْهِهِ فَأَسْأَلُكَ أَنْ تَبْعَثَ إِلَيَّ مَلاَئِكَةً يَكُونُونَ شُهُوداً عَلَيْهِ.

فَمَا اسْتَتَمَّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الدَّعْوَةَ حَتَّى نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ مَعَهُمْ حَرِيرَةٌ بَيْضَاءُ

ص:94

وَ قَلَمٌ مِنْ أَقْلاَمِ الْجَنَّةِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَ قَالَ لَهُ إِنَّ اللَّهَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَ يَقُولُ لَكَ قَدْ آنَ لِحَبِيبِي مُحَمَّدٍ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى الْأَصْلاَبِ وَ الْأَرْحَامِ الطَّاهِرَةِ وَ هَذِهِ حَرِيرَةٌ بَيْضَاءُ وَ قَلَمٌ لَكَ مِنَ الْجَنَّةِ تَشْهَدُ لَكَ بِغَيْرِ كِتَابٍ فَاكْتُبْ عَلَى ابْنِكَ شَيْثٍ كِتَاباً بِالْعَهْدِ وَ الْأَمَانَةِ بِشَهَادَةِ هَؤُلاَءِ الْمَلاَئِكَةِ.

وَ طَوَى الْحَرِيرَةَ طَيّاً شَدِيداً وَ خَتَمَهَا بِخَاتَمِ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَسَا(شَيْثاً)حُلَّتَيْنِ حَمْرَاوَيْنِ أَضْوَأَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ وَ فِي رِقَّةِ لُجَجِ الْمَاءِ وَ زَوَّجَهُ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ تَزُولَ الْمَلاَئِكَةُ بِحَوْرَاءَ أَهْبَطَهَا لَهُ مِنَ الْجَنَّةِ تُسَمَّى(نَزْلَةَ)فَحَمَلَتْ بِ(أَنُوشَ)فَلَمَّا حَمَلَتْ بِهِ سَمِعَتِ الْأَصْوَاتَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ«هَنِيئاً هَنِيئاً لَكَ أَبْشِرِي فَقَدْ أَوْدَعَكَ اللَّهُ نُورَ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى»،وَ ضَرَبَ لَهَا حِجَاباً مِنَ النُّورِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ(لَعَنَهُ اللَّهُ).

وَ كَانَ إِبْلِيسُ لاَ يَتَوَجَّهُ فِي وَجْهٍ مِنَ الْأَرْضِ إِلاَّ نَظَرَ إِلَى ذَلِكَ الْحِجَابِ مَضْرُوباً عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى وَضَعَتْ(أَنُوشَ)فَلَمَّا وَضَعَتْهُ نَظَرَتِ الْحَوْرَاءُ«نَزْلَةُ»إِلَى نُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَلَمَّا تَرَعْرَعَ دَعَاهُ أَبُوهُ شَيْثٌ فَقَالَ لَهُ:يَا ابْنِي أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَتَّخِذَ عَلَيْكَ عَهْداً وَ مِيثَاقاً،أَلاَّ تَتَزَوَّجَ إِلاَّ بِأَطْهَرِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ.

فَحَمِدَ اللَّهَ وَ قَبِلَ وَصِيَّتَهُ.

وَ أَوْصَى أَنُوشُ إِلَى ابْنِهِ«قَيْنَانَ»بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ وَصِيَّةِ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ.

وَ أَوْصَى قَيْنَانُ إِلَى ابْنِهِ«مَهَائِيلَ»وَ أَوْصَى مَهَائِيلُ ابْنَهُ«بُرْداً»فَتَزَوَّجَ بُرْدٌ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا«بَرَّةُ»فَحَمَلَتْ بِ«أَخْنُوخَ»وَ هُوَ إِدْرِيسُ،فَلَمَّا وُلِدَ إِدْرِيسُ نَظَرَ أَبُوهُ إِلَى النُّورِ يَلُوحُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَقَالَ:يَا بُنَيَّ أُوصِيكَ بِهَذَا النُّورِ كُلَّ الْوِصَايَةِ،فَقَبِلَ وَصِيَّتَهُ وَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا«بزرعا»فَوَلَدَتْ لَهُ«مَتُوشَلَخَ».

وَ وُلِدَ لِمَتُوشَلَخَ لَمَكٌ،كَانَ لَمَكٌ رَجُلاً أَشْقَرَ قَدْ أُعْطِيَ قُوَّةً وَ بَطْشاً فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا «قَنْسُوسُ»بِنْتُ«تركاسلَ»فَوَلَدَتْ لَهُ نُوحاً وَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ نُورُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى النُّورِ فِي وَجْهِهِ قَالَ:يَا بُنَيَّ إِنَّ هَذَا النُّورَ هُوَ النُّورُ الَّذِي تَتَوَارَثُهُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ هُوَ نُورُ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَنْتَقِلُ بِالْعُهُودِ وَ الْمَوَاثِيقِ إِلَى يَوْمِ خُرُوجِهِ وَ إِنِّي آخُذُ عَلَيْكَ عَهْداً وَ مِيثَاقاً أَلاَّ تَتَزَوَّجَ إِلاَّ بِأَطْهَرِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ.

ص:95

فَقَبِلَ نُوحٌ وَصِيَّةَ أَبِيهِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا(عَمُودَةُ)وَ كَانَتْ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ فَوَلَدَتْ (سَاماً)وَ فِيهِ نُورُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَلَمَّا نَظَرَ نُوحٌ إِلَى النُّورِ فِي وَجْهِ سَامٍ سَلَّمَ إِلَيْهِ تَابُوتَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ التَّابُوتُ مِنَ الْيَاقُوتِ وَ يُقَالُ إِنَّهُ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ لَهُ بَابَانِ مُغْلَقَانِ بِسِلْسِلَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَحْمَرَ إِبْرِيزٍ وَ عُرْوَتَانِ مِنَ الزُّمُرُّدِ وَ فِيهِ الْعَهْدُ وَ الدِّيبَاجَةُ وَ زَوَّجَهُ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ الْمُلُوكِ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي الْحُسْنِ شِبْهٌ فَوَلَدَتْ لَهُ«أَرْفَخْشَدَ»وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ التَّابُوتَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا«مَرْجَانَةُ»فَحَمَلَتْ بِغَابِرٍ،وَ هُوَ هُودٌ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ.فَلَمَّا وَضَعَتْهُ سَمِعَتْ نِدَاءً الْأَصْوَاتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ«هَذَا نُورُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ تُكْسَرُ بِهِ الْأَصْنَامُ كُلُّهَا وَ يُقْتَلُ بِهِ مَنْ طَغَى وَ كَفَرَ».

فَخَرَجَ أَجْمَلُ نُورِهِ جَمَالاً وَ أَشَدُّهُ زَهْراً فَزُوِّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا(منساحا)فَوَلَدَتْ لَهُ (فَالَغاً)وَ وُلِدَ لِفَالَغٍ(شَالَخٌ)وَ وُلِدَ لِشَالَخٍ(أَرْغُو)وَ وُلِدَ لِأَرْغُو(سروعُ)وَ وُلِدَ لسروع (نَاحُورُ)وَ وُلِدَ لِنَاحُورَ(تَارَخٌ)فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا(أَدْنَى بِنْتُ سُمْنٍ)فَوَلَدَتْ لَهُ (الْخَلِيلَ)إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ،فَلَمَّا وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ ضُرِبَ لَهُ عَلَمَانِ مِنْ نُورٍ،عَلَمٌ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَ عَلَمٌ فِي غَرْبِهَا فَصَارَتِ الدُّنْيَا كُلُّهَا نُوراً وَاحِداً وَ ضُرِبَ لَهُ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ فِي وَسَطِ الدُّنْيَا لاَحِقٌ بِأَعْنَانِ السَّمَاءِ لَهُ إِشْرَاقٌ وَ طَنِينٌ تَهْتَزُّ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ حُسْنِ طَنِينِ ذَلِكَ الْعَمُودِ فَقَالَتْ رَبَّنَا مَا هَذَا؟.فَنُودِيَتْ:هَذَا نُورُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ.

قَالَ وَ رُفِعَ لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ كَمَا رُفِعَ لآِدَمَ مِنْ قَبْلُ،فَقَالَ:رَبِّي وَ سَيِّدِي مَا رَأَيْتُ لَكَ خِلْقَةً أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ الْخَلِيقَةِ وَ لاَ أُمَّةً مِنْ أُمَمِ الْأَنْبِيَاءِ هِيَ أَنْوَرُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَمَنْ هَذَا؟فَنُودِيَ:هَذَا مُحَمَّدٌ حَبِيبِي أَجْرَيْتُ ذِكْرَهُ قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَ سَمَائِي وَ أَرْضِي وَ جَعَلْتُهُ نَبِيّاً وَ أَبُوكَ آدَمُ مَدَرَةٌ بَيْنَ الرُّوحِ وَ الْجَسَدِ وَ لَقَدْ لَقِيتَهُ أَنْتَ فِي الذِّرْوَةِ الْأُولَى ثُمَّ أَجْرَيْتُهُ فِي صُلْبِكَ إِلَى صُلْبِ ابْنِكَ إِسْمَاعِيلَ.

وَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ قَدْ خَبَّرَ سَارَةَ بِخَبَرِهِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ سَيَرْزُقُهَا وَلَداً طَيِّباً فَطَمِعَتْ فِي نُورِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَدْ خَبَّرَهَا بِعَظِيمِ نُورِهِ وَ بَهَائِهِ فَلَمْ تَزَلْ مُتَوَقِّعَةً لِذَلِكَ حَتَّى حَمَلَتْ هَاجَرُ بِإِسْمَاعِيلَ.

فَلَمَّا حَمَلَتْ هَاجَرُ اغْتَمَّتْ سَارَةُ مِنْ ذَلِكَ غَمّاً شَدِيداً فَلَمْ تَزَلْ فِي أَشَدِّ الْغَمِّ وَ الْكَرْبِ.

ص:96

فَلَمَّا وَلَدَتْ هَاجَرُ أَدْرَكَ سَارَةَ الْغَيْرَةُ فَأَخَذَهَا مَا يَأْخُذُ النِّسَاءَ فَبَكَتْ وَ قَالَتْ:يَا إِبْرَاهِيمُ مَا لِي مِنْ بَيْنِ الْخَلْقِ حُرِمْتُ الْوَلَدَ؟.

قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:أَبْشِرِي وَ قَرِّي عَيْناً فَإِنَّ اللَّهَ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ إِنَّهُ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ.

فَلَمْ تَزَلْ سَارَةُ كَذَلِكَ حَتَّى رَزَقَهَا اللَّهُ إِسْحَاقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ،فَلَمَّا نَشَأَ وَ صَارَ رَجُلاً أَدْرَكَتْ إِبْرَاهِيمَ الْوَفَاةُ وَ جَمَعَ أَوْلاَدَهُ وَ هُمْ يَوْمَئِذٍ سِتَّةٌ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى النُّورِ فِي وَجْهِ إِسْمَاعِيلَ قَالَ لَهُ:بَخْ بَخْ هَنِيئاً لَكَ يَا إِسْمَاعِيلُ قَدْ خَصَّكَ اللَّهُ بِنُورِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وَ أَنَا آخُذُ عَلَيْكَ عَهْداً وَ مِيثَاقاً.

فَأَخَذَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مُتَمَسِّكاً بِذَلِكَ الْعَهْدِ حَتَّى تَزَوَّجَ(هَالَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ)فَوَاقَعَهَا فَوَلَدَتْ (قَيْدَارَ)وَ فِيهِ نُورُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَلَمَّا نَظَرَ إِسْمَاعِيلُ إِلَى النُّورِ فِي وَجْهِ قَيْدَارَ سَلَّمَ التَّابُوتَ إِلَيْهِ وَ أَوْصَاهُ بِدِينِ اللَّهِ وَ سُنَّتِهِ وَ أَمَرَهُ أَنْ لاَ يَضَعَ النُّورَ إِلاَّ فِي أَطْهَرِ النِّسَاءِ.

وَ كَانَ قَيْدَارُ مَلِكُ قَوْمِهِ وَ سَيِّدُهُمْ وَ كَانَ قَدْ أُعْطِيَ سَبْعَ خِصَالٍ لَمْ يُعْطَهَا مَنْ كَانَ قَبْلَهُ:

الْقَنْصَ،وَ الرَّمْيَ،وَ الْفُرُوسِيَّةَ،وَ الشِدَّةَ،وَ الْبَأْسَ،وَ الصِّرَاعَ،وَ الْجِمَاعَ،وَ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ مِائَتَيْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنَاتِ إِسْحَاقَ وَ أَقَامَ مَعَهُنَّ مِائَتَيْ سَنَةٍ لاَ يُحْبِلُهُنَّ وَ لاَ يَلِدْنَ.فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَ قَدْ جَمَعَ قَنَصَهُ إِذْ تَلَقَّتْهُ الْوُحُوشُ وَ السِّبَاعُ وَ الطَّيْرُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَنَادَتْهُ بِلِسَانِ الْآدَمِيِّينَ:

يَا قَيْدَارُ قَدْ مَضَى عُمُرُكَ وَ إِنَّمَا هِمَّتُكَ اللَّهْوُ وَ لَذَّةُ الدُّنْيَا فَمَا آنَ لَكَ أَنْ تَهْتَمَّ بِنُورِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَيْنَ تَضَعُهُ وَ لِمَا ذَا اسْتَوْدَعْتَهُ.

فَرَجَعَ قَيْدَارُ إِلَى مَنْزِلِهِ مَغْمُوماً مَكْرُوباً وَ حَلَفَ بِإِلَهِ إِبْرَاهِيمَ أَنْ لاَ يَطْعَمَ طَعَاماً وَ لاَ يَقْرَبَ امْرَأَةً أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَهُ بَيَانُ مَا سَمِعَ عَلَى لِسَانِ الْوَحْشِ وَ الطَّيْرِ.

فَلَمْ يَزَلْ قَاعِداً عَلَى فَلاَةٍ مِنَ الْأَرْضِ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكَ الْهَوَاءِ فِي صُورَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ،لَمْ يَرَ قَيْدَارُ أَحْسَنَ وَجْهاً مِنْهُ وَ زِيّاً وَ خَلْقاً فَهَبَطَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ وَ قَعَدَ مَعَ قَيْدَارَ وَ قَالَ:يَا قَيْدَارُ إِنَّكَ قَدْ زُيِّنْتَ بِالْقُوَّةِ وَ الْبَأْسِ وَ مَلَكْتَ الْبِلاَدَ وَ نُقِلَ إِلَيْكَ نُورُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ إِنَّهُ كَائِنٌ لَكَ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِ نَسْلِ إِسْحَاقَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَوْ أَنَّكَ نَذَرْتَ نُذُوراً وَ قَرَّبْتَ لِإِلَهِ إِبْرَاهِيمَ قُرْبَاناً وَ سَأَلْتَهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَكَ مِنْ أَيْنَ لَكَ ذَلِكَ التَّزْوِيجُ لَكَانَ خَيْراً مِنَ التَّوَانِي.

ثُمَّ تَرَكَهُ الْمَلَكُ وَ قَدْ عُرِجَ إِلَى مَقَامِهِ فَقَامَ قَيْدَارُ مِنْ مَقَامِهِ وَ سَاعَتِهِ وَ كَانَتْ لَهُ رَحْمَةٌ

ص:97

وَ جَمَالٌ وَ بَهَاءٌ وَ كَمَالٌ،وَ قَرَّبَ يَوْمَئِذٍ سَبْعَمِائَةِ كَبْشٍ أَقْرَنَ مِنَ الْكِبَاشِ الَّتِي وَرِثَهَا مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ كُلَّمَا ذَبَحَ كَبْشاً جَاءَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ حَمْرَاءُ لاَ دُخَانَ لَهَا فِي سَلاَسِلَ بِيضٍ فَتَأْخُذُ ذَلِكَ الْقُرْبَانَ فَتَصْعَدُ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ.

فَلَمْ يَزَلْ قَيْدَارُ يَذْبَحُ وَ يُقَرِّبُ حَتَّى نَادَى مُنَادٍ:حَسْبُكَ يَا قَيْدَارُ قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ مِنْكَ دَعْوَتَكَ وَ قَبِلَ قُرْبَانَكَ انْطَلِقِ الْآنَ مِنْ فَوْرِكَ هَذَا إِلَى شَجَرَةِ الْوَعْدِ فَقُمْ فِي أَصْلِهَا وَ انْتَهِ إِلَى مَا تُؤْمَرُ بِهِ فِي الْمَنَامِ فَافْعَلْهُ.

فَأَقْبَلَ قَيْدَارُ حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ فَقَامَ فِي أَصْلِهَا فَأَتَاهُ آتٍ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُ:قَيْدَارُ إِنَّ هَذَا النُّورَ الَّذِي فِي ظَهْرِكَ هُوَ النُّورُ الَّذِي فَتَحَ اللَّهُ بِهِ الْأَبْوَابَ كُلَّهَا وَ خَلَقَ الدُّنْيَا طُرّاً مِنْ أَجْلِهِ وَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ اسْمُهُ لَمْ يَكُنْ لِيَخْزُنَهُ إِلاَّ فِي الْفَتَيَاتِ الْعَرَبِيَّاتِ فَابْتَغِ لِنَفْسِكَ امْرَأَةً طَاهِرَةً مِنَ الْعَرَبِ وَ لْيَكُنِ اسْمُهَا(غَاضِرَةَ).

فَوَثَبَ قَيْدَارُ فَرَحاً فَرَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَ بَعَثَ رُسُلاً يَطْلُبُونَ لَهُ امْرَأَةً مِنَ الْعَرَبِ اسْمُهَا الْغَاضِرَةُ وَ لَمْ يَرْضَ بِرُسُلِهِ حَتَّى رَكِبَ جَوَادَهُ وَ أَخَذَ السَّيْفَ مَعَهُ شَاهِراً لَهُ وَ جَعَلَ يَسْتَقْرِئُ أَحْيَاءَ الْعَرَبِ وَ يَنْزِلُ عَلَى قَوْمٍ وَ يَرْحَلُ إِلَى آخَرِينَ حَتَّى وَقَعَ عَلَى مَلِكِ الْحَرَمَيْنِ وَ كَانَ مِنْ وُلْدِ ذُهَلَ بْنِ عَامِرِ بْنِ يَعْرُبِ بْنِ قَحْطَانَ وَ لَهُ بِنْتٌ يُقَالُ لَهَا الْغَاضِرَةُ وَ كَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فَتَزَوَّجَهَا وَ حَمَلَهَا إِلَى أَرْضِهِ فَوَاقَعَهَا فَحَمَلَتْ بِابْنِهِ(حَمَلٍ)وَ أَصْبَحَ قَيْدَارُ وَ النُّورُ مَفْقُودٌ مِنْ وَجْهِهِ وَ نَظَرَ إِلَيْهِ فِي وَجْهِ الْغَاضِرَةِ فَسُرَّ بِذَلِكَ سُرُوراً شَدِيداً.

وَ كَانَ عِنْدَهُ تَابُوتُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ وُلْدُ إِسْحَاقَ يُنَازِعُونَهُ فِي التَّابُوتِ لِيَأْخُذُوهُ وَ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ النُّبُوَّةَ قَدِ انْتَقَلَتْ عَنْكُمْ فَلَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ هَذَا النُّورُ الْوَاحِدُ فَأَعْطِنَا التَّابُوتَ.

فَكَانَ يَمْتَنِعُ قَيْدَارُ عَلَيْهِمْ وَ يَقُولُ إِنَّهُ وَصِيَّةُ أَبِي إِسْمَاعِيلَ وَ لاَ أُعْطِيهِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ.

فَذَهَبَ قَيْدَارُ ذَاتَ يَوْمٍ لِيَفْتَحَ التَّابُوتَ فَعَسُرَ فَتْحُهُ عَلَيْهِ وَ نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ الْهَوَاءِ:مَهْلاً يَا قَيْدَارُ وَ لَيْسَ لَكَ إِلَى فَتْحِ التَّابُوتِ سَبِيلٌ.إِنَّكَ وَصِيُّ نَبِيٍّ وَ لاَ يَفْتَحُ هَذَا التَّابُوتَ إِلاَّ نَبِيٌّ فَادْفَعْهُ إِلَى ابْنِ عَمِّكَ يَعْقُوبَ إِسْرَائِيلِ اللَّهِ.

فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ أَقْبَلَ إِلَى أَهْلِهِ وَ هِيَ الْغَاضِرَةُ فَقَالَ لَهَا انْظُرِي إِنْ أَنْتِ وَلَدْتِ غُلاَماً فَسَمِّيهِ حَمَلاً فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ نَسَمَةً طَيِّبَةً.

ص:98

وَ حَمَلَ قَيْدَارُ التَّابُوتَ عَلَى عَاتِقِهِ وَ خَرَجَ يُرِيدُ أَرْضَ كَنْعَانَ وَ كَانَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِهَا فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى قَرُبَ مِنَ الْبِلاَدِ فَصَرَّ التَّابُوتُ صَرِيراً سَمِعَهُ يَعْقُوبُ فَقَالَ لِبَنِيهِ أُقْسِمُ بِاللَّهِ حَقّاً لَقَدْ جَاءَكُمْ قَيْدَارُ فَقُومُوا نَحْوَهُ.

فَقَامَ يَعْقُوبُ وَ أَوْلاَدُهُ جَمِيعاً فَلَمَّا نَظَرَ يَعْقُوبُ إِلَى قَيْدَارَ اسْتَعْبَرَ بَاكِياً وَ قَالَ مَا لِي أَرَى لَوْنَكَ مُتَغَيِّراً وَ قُوَّتَكَ نَاقِصَةً؟أَرْهَقَكَ عَدُوٌّ أَمْ أَتَيْتَ مَعْصِيَةً؟.

قَالَ:مَا أَرْهَقَنِي عَدُوٌّ وَ لاَ أَتَيْتُ مَعْصِيَةً وَ لَكِنْ نُقِلَ مِنْ ظَهْرِي نُورُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَلِذَلِكَ تَغَيَّرَ لَوْنِي وَ ضَعُفَ رُكْنِي.

فَقَالَ:بَخْ بَخْ شَرَفاً لَكَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِيَخْزُنَهُ إِلاَّ فِي الْعَرَبِيَّاتِ الطَّاهِرَاتِ يَا قَيْدَارُ فَإِنِّي مُبَشِّرُكَ بِبِشَارَةٍ.

قَالَ:وَ مَا هِيَ؟.

قَالَ:اِعْلَمْ أَنَّ الْغَاضِرَةَ قَدْ وَلَدَتْ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ غُلاَماً.

قَالَ قَيْدَارُ:مَا عِلْمُكَ يَا ابْنَ عَمِّي وَ أَنْتَ بِأَرْضِ الشَّامِ وَ هِيَ بِأَرْضِ الْحَرَمِ مِنْ تِهَامَةَ.

قَالَ يَعْقُوبُ:لِأَنِّي رَأَيْتُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ قَدْ فُتِحَتْ وَ رَأَيْتُ نُوراً كَالْقَمَرِ الْمَمْدُودِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ رَأَيْتُ الْمَلاَئِكَةَ يَنْزِلُونَ مِنَ السَّمَاءِ بِالْبَرَكَاتِ وَ الرَّحْمَةِ فَعَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

قَالَ:فَسَلَّمَ قَيْدَارُ التَّابُوتَ إِلَى يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَهَا قَدْ وَضَعَتْ حَمَلاً فَلَمَّا تَرَعْرَعَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَ انْطَلَقَ بِهِ يُرِيدُ مَكَّةَ وَ الْمَقَامَ وَ مَوْضِعَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ.

فَلَمَّا صَارَ إِلَى جَبَلِ(ثَبِيرٍ)تَلَقَّاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَقَالَ لَهُ:

إِلَى أَيْنَ يَا قَيْدَارُ؟.

قَالَ:أَنْطَلِقُ بِابْنِي هَذَا فَأُرِيهِ مَكَّةَ وَ الْمَقَامَ وَ مَوْضِعَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ.

قَالَ:وَفَّقَكَ اللَّهُ وَ لَكِنْ عِنْدِي ضَحِيَّةٌ فَادْنُ إِلَيَّ.

فَدَنَا مِنْهُ لِيُسَارَّهُ فَقَبَضَ رُوحَهُ مِنْ أُذُنِهِ فَخَرَّ مَيِّتاً بَيْنَ يَدَيْ ابْنِهِ حَمَلٍ.

قَالَ:فَغَضِبَ حَمَلٌ مِنْ ذَلِكَ غَضَباً شَدِيداً وَ قَالَ:يَا عَبْدَ اللَّهِ فَتَكْتَ بِأَبِي.

قَالَ لَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:اُنْظُرْ إِلَى أَبِيكَ أَ مَيِّتٌ هُوَ أَمْ حَيٌّ؟

ص:99

قَالَ:فَانْكَبَّ حَمَلٌ عَلَى أَبِيهِ لِيَعْرِفَ حَالَهُ فَوَجَدَهُ مَيِّتاً،وَ عَرَجَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى السَّمَاءِ فَرَفَعَ حَمَلٌ رَأْسَهُ فَلَمْ يَرَ دَيَّاراً وَ لاَ مُجِيباً فَعَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَلَكاً،فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ يَبْكِي فَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُ قَوْماً مِنْ وُلْدِ إِسْحَاقِ فَغَسَّلُوهُ وَ كَفَّنُوهُ وَ حَنَّطُوهُ وَ دُفِنَ فِي جَبَلِ ثَبِيرٍ.

وَ بَقِيَ حَمَلٌ وَحِيداً فَكَلاَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ حَتَّى بَلَغَ ذِكْرُهُ فِي الْعِزِّ وَ الشَّرَفِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهَا(حَرِيزَةُ)فَحَمَلَتْ بِابْنِهِ(نَبَتٍ)عَلَيْهِ السَّلاَمُوَ وُلِدَ لِنَبَتٍ وَلَدٌ هُوَ«سَلاَمَانُ»وَ وُلِدَ لِسَلاَمَانَ«الْهَمَيْسَعُ»وَ وُلِدَ لِلْهَمَيْسَعِ«الْيَسَعُ»وَ وُلِدَ لِلْيَسَعِ«أُدَدٌ»وَ إِنَّمَا سُمِّيَ أُدَداً لِأَنَّهُ كَانَ مَادَّ الصَّوْتِ طَوِيلَ الْعِزِّ وَ الشَّرَفِ.

وَ وُلِدَ لِأُدَدٍ(أَدٌّ)،وَ وُلِدَ لِأَدٍّ عَدْنَانُ وَ إِنَّمَا سُمِّيَ عَدْنَانَ لِأَنَّ أَعْيُنَ الْأَحْيَاءِ كُلَّهَا كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ وَ قَالُوا إِنْ تَرَكْنَا هَذَا الْغُلاَمَ حَتَّى يُدْرِكَ مُدْرَكَ الرِّجَالِ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ ظَهْرِهِ مَنْ يُسَوِّدُ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَجْمَعِينَ،فَأَرَادُوا قَتْلَهُ فَوَكَّلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى حِيلَةٍ فِيهِ فَنَشَأَ أَحْسَنَ أَهْلِ زَمَانِهِ خَلْقاً وَ خُلُقاً فَوُلِدَ لَهُ(مَعَدٌّ)وَ إِنَّمَا سُمِّيَ مَعَدّاً لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ حُرُوبٍ وَ غَارَاتٍ عَلَى يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ لَمْ يُوَاقِعْ أَحَداً إِلاَّ رَجَعَ مَنْصُوراً مُظَفَّراً فَجَمَعَ مِنَ الْمَالِ مَا لَمْ يَجْمَعْهُ أَحَدٌ فِي زَمَانِهِ وَ وُلِدَ لَهُ(نَزَارٌ)،سُمِّيَ نَزَاراً لِأَنَّ مُعَدّاً نَظَرَ إِلَى نُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي وَجْهِهِ فَقَرَّبَ لَهُ قُرْبَاناً عَظِيماً وَ قَالَ«لَقَدِ اسْتَقْلَلْتُ هَذَا الْقُرْبَانَ» فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ سُمِّيَ نَزَاراً.

فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهَا(سَعِيدَةُ)فَوَلَدَتْ لَهُ(مُضَرَ)وَ إِنَّمَا سُمِّيَ مُضَرَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْقُلُوبِ فَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَحَبَّهُ وَ كَانَ صَاحِبَ قَنَصٍ وَ صَيْدٍ وَ كَانَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَأْخُذُ عَلَى ابْنِهِ كِتَابَ عَهْدٍ أَلاَّ يَتَزَوَّجَ إِلاَّ أَطْهَرَ النِّسَاءِ فِي زَمَانِهِ وَ كَانَتِ الْكُتُبُ بِالْعُهُودِ تُعَلَّقُ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَلَمْ تَزَلْ مُعَلَّقَةً مِنْ لَدُنْ إِسْمَاعِيلَ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)إِلَى أَيَّامِ الْفِيلِ.وَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ بَدَّلَهَا وَ غَيَّرَهَا وَ زَادَ فِيهَا وَ نَقَصَ مِنْهَا عُمَرُ بْنُ اللُّحَيِّ صَاحِبُ اسْتِخْرَاجِ الْأَصْنَامِ مِنَ الْكَعْبَةِ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ حَتَّى تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهَا(خُزَيْمَةُ)وَ تُدْعَى أُمَّ حَكِيمٍ فَأَوْلَدَهَا(إِلْيَاسَ)وَ إِنَّمَا سُمِّيَ إِلْيَاسُ لِأَنَّهُ جَاءَ عَلَى يَأْسٍ وَ انْقِطَاعٍ وَ كَانَ يُدْعَى كَرِيمَ قَوْمِهِ وَ سَيِّدَهُمْ وَ يُسْمَعُ مِنْ ظَهْرِهِ أَحْيَاناً دَوِيُّ نُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا«فَرَعَةُ»فَوَلَدَتْ لَهُ«مُدْرِكَةَ»وَ وُلِدَ لِمُدْرِكَةَ«خُزَيْمَةُ»وَ إِنَّمَا سُمِّيَ خُزَيْمَةَ

ص:100

لِأَنَّهُ خَزَمَ نُورَ آبَائِهِ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى تَزَوَّجَ«بِنْتَ طَابِخَةَ»فَأَوْلَدَهَا«كِنَانَةَ».

فَتَزَوَّجَ كِنَانَةُ بِامْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا«الْحَافَةُ»فَأَوْلَدَهَا«النَّضْرَ»وَ إِنَّمَا سُمِّيَ النَّضْرَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى اخْتَارَهُ وَ أَلْبَسَهُ نَضْرَةً وَ سُمِّيَ النَّضْرُ قُرَيْشاً فَكُلُّ مَنْ وَلَدَهُ النَّضْرُ قُرَشِيٌّ وَ هُوَ الَّذِي قَالَ رَأَيْتُ كَأَنَّمَا خَرَجَتْ مِنْ ظَهْرِي شَجَرَةٌ خَضْرَاءُ حَتَّى بَلَغَتْ عَنَانَ السَّمَاءِ وَ إِنَّ أَغْصَانَهَا نُورٌ فِي نُورٍ فَلَمَّا انْتَبَهْتُ أَتَيْتُ الْكَعْبَةَ وَ أَخْبَرْتُ مَنْ فِيهَا بِذَلِكَ فَقَالُوا إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ صُرِفَ إِلَيْكِ الْعِزُّ وَ الْكَرْمُ وَ خُصِّصْتِ بِالْحَسَبِ وَ السُّؤْدُدِ.

فَأَعْطَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ وَ نَظَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى نَظْرَةً إِلَى الْأَرْضِ فَقَالَ لِلْمَلاَئِكَةِ:اُنْظُرُوا مَنْ أَكْرَمُ أَهْلِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ عِنْدِي وَ أَنَا أَعْلَمُ وَ أَحْكَمُ؟.

فَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ:رَبَّنَا وَ سَيِّدَنَا مَا نَرَى أَحَداً يَذْكُرُكَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ مُخْلِصاً إِلاَّ نُوراً وَاحِداً فِي ظَهْرِ رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ.

قَالَ:فَقَالَ اللَّهُ:اِشْهَدُوا أَنِّي قَدِ اخْتَرْتُهُ لِنُطْفَةِ حَبِيبِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

قَالَ:فَانْبَسَطَ لَهُ بِالْعِزِّ وَ الشَّرَفِ حَتَّى وُلِدَ لَهُ«مَالِكٌ»وَ إِنَّمَا سُمِّيَ مَالِكاً لِأَنَّهُ مَلَكَ الْعَرَبَ فَأَوْصَى إِلَى ابْنِهِ«فِهْرٍ»وَ أَوْصَى فِهْرٌ إِلَى ابْنِهِ«غَالِبٍ»وَ أَوْصَى غَالِبٌ إِلَى ابْنِهِ «لُؤَيٍّ»وَ أَوْصَى لُؤَيٌّ إِلَى ابْنِهِ«كَعْبٍ»وَ أَوْصَى كَعْبٌ إِلَى«مُرَّةَ»وَ أَوْصَى مُرَّةُ إِلَى«كِلاَبٍ» وَ أَوْصَى كِلاَبٌ إِلَى«قُصَيٍّ»وَ أَوْصَى قُصَيٌّ إِلَى«عَبْدِ مَنَافٍ»لِأَنَّهُ أَنَافَ عُلاَ النَّاسِ وَ عَلاَ فَضَرَبَ إِلَى الرُّكْبَانِ مِنْ أَطْرَافِ الْأَرْضِفَأَوَّلُ وَلَدٍ وُلِدَ لَهُ هَاشِمٌ،وَ إِنَّمَا سُمِّيَ هَاشِماً لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ وَ كَانَ النَّاسُ فِي جَدْبٍ شَدِيدٍ وَ مَحْلٍ مِنَ الزَّمَانِ وَ كَانَتْ مَائِدَتُهُ مَنْصُوبَةً وَ كَانَ يَحْمِلُ أَبْنَاءَ السَّبِيلِ وَ يُؤْمِنُ الْخَائِفِينَ وَ كَانَتْ صِفَتُهُ وَ حِلْيَتُهُ عَلَى حِلْيَةِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فَلَمَّا خَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هَاشِماً بِالنُّورِ وَ اصْطَفَاهُ عَلَى الْعَرَبِ وَ فَضَّلَهُ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ قَالَ لِلْمَلاَئِكَةِ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ طَهَّرْتُ عَبْدِي هَذَا مِنْ دَنَسِ الْآدَمِيِّينَ وَ أَحْدَثْتُ نُطْفَةَ مُحَمَّدٍ فِي ظَهْرِهِ.

وَ كَانَ يُرَى عَلَى وَجْهِهِ كَالْهِلاَلِ وَ الْكَوْكَبِ الَّذِي يَتَوَقَّدُ شُعَاعُهُ،لاَ يَمُرُّ بِشَيْءٍ إِلاَّ سَجَدَ لَهُ،وَ لاَ يَمُرُّ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ أَقْبَلَ نَحْوَهُ،تَفِدُ إِلَيْهِ قَبَائِلُ الْعَرَبِ وَ مُلُوكُ الرُّومِ وَ وُفُودُ

ص:101

الدُّنْيَا مِنَ الْأَحْيَاءِ،وَ يَحْمِلُونَ إِلَيْهِ بَنَاتَهُمْ يَعْرِضُونَهُنَّ عَلَيْهِ،وَ كَانَ يَأْبَى وَ يَقُولُ:لاَ وَ الَّذِي فَضَّلَنِي عَلَى أَهْلِ زَمَانِي لاَ تَزَوَّجْتُ إِلاَّ بِأَطْهَرِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ.

قَالَ:فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِسَلْمَى بِنْتِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ لَبِيدِ ابْنِ خِرَاشِ بْنِ عَدْنَانَ فَتَزَوَّجَهَا وَ كَانَتْ كَخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ كَانَ لَهَا عَقْلٌ وَ يَسَارٌ وَ حِلْمٌ فَوَاقَعَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَ كَانَ هَاشِمٌ خَطَبَ خُطْبَتَهُ الْمَعْرُوفَةَ بِالْمُنْذِرَةِ.

138- رَوَى هَارُونُ عَنْ زَكَرِيَّا الْهَجَرِيِّ عَنْ أَبِي جَمِيلٍ الْبَحْرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ لَهُ رَفَعَهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ سَمِعْتُ أَخِي مُوسَى-عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ عَلَى آبَائِهِ-يَقُولُ: رَأَى أَعْرَابِيٌّ رُؤْيَا لِهَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَصَّهَا عَلَيْهِ،فَقَالَ لَهُ هَاشِمٌ:سَلْ أُعْطِكَ.

قَالَ:تُجَيِّدُ حُلَّتِي وَ تَسُدُّ خَلَّتِي وَ تَحْمِلُ وَجِلَتِي.

قَالَ:فَأَمَرَ لَهُ بِنَاقَةٍ حَمْرَاءَ دَرِيرَةٍ يَتْبَعُهَا مِنْ نِتَاجِهَا خَمْسَةُ أَبْطُنٍ كُلُّهَا مُنْتِجٌ فَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ نَعْجَةٍ شَحِمَةٍ حَلُوبٍ وَ كَسَاهُ مِنْ حُلَلِ صَنْعَاءَ وَ عَدَنٍ وَ قَالَ لَهُ:لَئِنْ أَخَّرَنِي اللَّهُ إِلَى كَوْنٍ لَأَجْعَلَنَّكَ سَيِّدَ الْعَرَبِ.

فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ رَأَى هَاشِمٌ فِي مَنَامِهِ كَأَنَّهُ رُفِعَ إِلَيْهِ لِوَاءٌ فَرَكَزَهُ عَلَى بَابِ دَارِهِ وَ كَأَنَّ شِهَابَ نَارٍ خَرَجَ مِنْ ظَهْرِهِ أَضَاءَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ وَ الْوُحُوشِ إِلاَّ صَارَ تَحْتَ ذَلِكَ اللِّوَاءِ حَتَّى نَطَحَتِ الشَّاةُ الذِّئْبَ وَ نَبَحَ الْكَلْبُ الْأَسَدَ وَ وَرَدَ ذَلِكَ الْجَمْعُ كُلُّهُ شِرْباً وَاحِداً وَ سَمِعَ هَاتِفاً يَقُولُ:يَا أَبَا نَضْلَةَ هَذَا بَيْتُ شِعْرٍ يُكْتَبُ بِسَطْرٍ مُنْفَرِدٍ:

عَلَى رَغْمِ آنَافِ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا سَيَظْهَرُ مَحْمُودٌ وَ يَنْصُرُ نَاصِرُهُ.

فَلَمَّا أَصْبَحَ هَاشِمٌ أَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى فِي شِعَابِ مَكَّةَ:يَا مَعْشَرَ أَوْلاَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ وَ مَنْ سَكَنَ بِمَكَّةَ مِنْ قَبَائِلِ مَكَّةَ لاَ يَتَخَلَّفْنَ أَحَدٌ عَنْ نِدَائِي.

فَلَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ وَ أَوْفَتِ الرُّكْبَانُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَ قَدْ نَصَبَ لَهُ مِنْبَرَهُ الْمُرَكِّزُ فَجَلَسَ عَلَيْهِ سَاكِتاً لاَ يَتَكَلَّمُ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ يَا أَبَا نَضْلَةَ لِأَمْرٍ كَانَ نِدَاؤُكَ فَأَنْبِهْ فَلَقَدْ ضَاقَتْ مِنْهُ الصُّدُورُ.

ص:102

فَقَالَ:وَ اللَّهِ هِيَهْ عَنْ قَرِيبٍ أَضْيَقُ،إِذَا حَضَرَتِ الْقُرُومُ تَنَفَّخُ شَقّاً شَقّاً،وَ خَنَسَ كُلُّ حَادِلٍ يَحُكُّ عَجْبَ الذَّنَبِ فَكَيْفَ بِكُمْ إِذَا صِرْتُمْ كَدَوْحَةِ الْقَاعِ أَحَاطَ بِهَا الرَّاعِي بِغَنَمِ الْمَرْعِيِّ فَهِيَ تَحْصُدُ هَشِيمَ أَغْصَانِهَا،فَعِنْدَهَا تُصْبِحُ تِلْكَ الْأَعْلاَمُ سَهْلَةً مَحَجَّتُهَا،لِحَافِرِ الْعِيرِ وَ ظَلَفِ الْمِعْزَى وَ يَتَوَاضَعُ كُلُّ شَمُوخٍ عَالِي الذِّرْوَةِ صَعْبِ الْمُرْتَقَى فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ قُرِعَ النَّبْعُ بِالنَّبْعِ وَ أَرِثَتِ الزِّنَادُ بِجَنَاتِهَا وَ سَادَ ذَلِيلُ الْقَوْمِ عَشِيرَتَهُ،وَ اتَّبَعَ الْمَتْبُوعُ تَابِعَهُ، وَ اضْطَرَبَتْ أَمْوَاجُ الْعَرَبِ.وَ اصْطَكَّتْ جَنَادِلُ قُرَيْشٍ،فَثَمَّ تُنْكِرُ قُرَيْشٌ أَمْرَهَا.

فَقَالَتْ قُرَيْشٌ:يَا أَبَا نَضْلَةَ إِنَّ سَحَابَكَ لَيَرْعَدُ بِغَرْقِ الْعَشِيرَةِ فَأَبِنِ الْقَوْلَ نَعْلَمْهُ،وَ اشْرَحِ الْأَمْرَ نَفْهَمْهُ.

قَالَ:إِنَّهُ لَأَمْرٌ عَجِيبٌ وَ كَائِنٌ عَمَّا قَرِيبٍ يَعِزُّ تَابِعُهُ وَ يَذِلُّ دَافِعُهُ،فَإِذَا أَنَارَ بَدْرُهُ،وَ شَدَّ أَزْرُهُ،وَ قَاتَلَ فَظَفِرَ،وَ غَزَا فَنُصِرَ،فَلَيْسَتْ مَكَّةُ لِقُرَيْشٍ،وَ لَتَلَقَّاهُ رِجَالاَتُ قُرَيْشٍ تَمْنَعُهَا أَوَاصِرُ الْأُلْفَةِ مِنِ اتِّبَاعِهِ،كَالْإِبِلِ حَوْلَ قَلِيبِ السَّقْيِ،وَ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَيَكُونَنَّ مَا أَقُولُ وَ لَوْ أَدْرَكْتُهُ إِذًا وَ اللَّهِ حَامَيْتُ عَنْهُ مُحَامَاةَ الْأَسَدِ عَنْ عَرِينِهِ،وَ ضَارَبْتُ دُونَهُ مُضَارَبَةَ الْجَمَلِ الْهَائِجِ عَنِ النُّوقِ الضُّبْعِ،فَثَمَّ تَرْزَأُ الْحَاضِنُ بَيْضَهَا وَ تُثْكِلُ الْمُفْرَدَةُ وَحِيدَهَا وَ يَبْكَمُ خَطِيبُ الْعَشِيرَةِ، وَ يُقَدَّمُ كَسِيرُ الْقَطِيعِ،وَ اللَّهِ لَيَكُونَنَّ وَ لَيَظْهَرَنَّ وَ إِنْ رُغِمَتْ مِنْهُ أَنْفُ رِجَالٍ،حِينَ يُهْتَفُ بِي فَلاَ أُجِيبُ.

قَالَ:وَ خَرَجَ فَمَاتَ بِغَزَّةَ.فَرَآهُ أَبُوهُ يَوْماً فِي الْحِجْرِ مَكْحُولاً مَدْهُوناً قَدْ كُسِيَ حُلَّةً مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ فَبَقِيَ مُتَحَيِّراً لاَ يَدْرِي مَنْ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ.فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَ انْطَلَقَ بِهِ إِلَى كَهَنَةِ قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ فَقَالُوا اعْلَمْ يَا أَبَا نَضْلَةَ أَنَّ إِلَهَ السَّمَاءِ قَدْ أَذِنَ لِهَذَا الْغُلاَمِ بِالتَّزْوِيجِ.

قَالَ:فَزَوَّجَهُ(قُبْلَةَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ عَائِشَةَ)فَوَلَدَتْ لَهُ الْحَارِثَ فَمَاتَتْ،فَزَوَّجَهُ بَعْدَهَا هِنْداً بِنْتَ عَمْرٍو،وَ حَضَرَتْ هَاشِمَ الْوَفَاةُ فَدَعَا بِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ قَالَ لَهُ:يَا بُنَيَّ اجْمَعْ إِلَيَّ بَنِي النَّضْرِ كُلَّهَا عَبْدَ شَمْسِهَا وَ مَخْزُومَهَا وَ فِهْرَهَا وَ لُؤِيَّهَا وَ غَالِبَهَا وَ هَاشِمَهَا.

فَجَمَعَهُمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ ابْنُ خَمْسٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً أَطْوَلُ قُرَيْشٍ بَاعاً وَ أَشَدُّهُمْ قُوَّةً تَفُوحُ مِنْهُ رَوَائِحُ الْمِسْكِ وَ يَسْطَعُ مِنْ دَائِرَةِ جَبِينِهِ النُّورُ.

قَالَ:فَلَمَّا أَبْصَرَ هَاشِمٌ ذَلِكَ النُّورَ قَالَ:مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ،أَنْتُمْ مُحُّ أَوْلاَدِ إِسْمَاعِيلَ

ص:103

وَ أَوْلاَدِي وَ قَدِ اخْتَارَكُمُ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ لِنَفْسِهِ،فَجَعَلَكُمْ سُكَّانَ حَرَمِهِ وَ بَيْتِهِ،وَ أَنَا رَبِيبُكُمْ وَ سَيِّدُكُمْ،فَهَذَا لِوَاءُ نَزَارٍ،وَ قَوْسُ إِسْمَاعِيلَ،وَ سِقَايَةُ الْحَاجِّ وَ مَفَاتِيحُ الْكَعْبَةِ،قَدْ سَلَّمْتُهَا إِلَى ابْنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِيعُوا أَمْرَهُ.

قَالَ:فَوَثَبَتْ قُرَيْشٌ فَقَبَّلَتْ رَأْسَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ نَثَرُوا عَلَيْهِ وَرِقاً وَ عَيْناً وَ قَالُوا سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا.

فَكَانَ لِوَاءُ نَزَارٍ وَ قَوْسُ إِسْمَاعِيلَ وَ سِقَايَةُ الْحَاجِّ وَ مَفَاتِيحُ الْكَعْبَةِ كُلُّ ذَلِكَ يَجْرِي عَلَى يَدَيْهِ وَ كَانَتْ مُلُوكُ الْأَطْرَافِ وَ الْأَكْنَافِ جَمِيعاً تُكَاتِبُهُ وَ تُهَادِيهِ وَ تَعْرِفُ لَهُ فَضْلَهُ مَا خَلاَ كِسْرَى صَاحِبِ الْمَدَائِنِ فَإِنَّهُ كَانَ مُعَانِداً مُكَاشِفاً.

وَ كَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا أَصَابَهَا مَحْلٌ أَوْ شِدَّةٌ يَأْخُذُونَ بِيَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ يُخْرِجُونَهُ إِلَى جَبَلِ ثَبِيرٍ فَيَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ وَ يَسْتَسْقُونَ،فَكَانَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَسْقِيهِمْ بِنُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ الْغَيْثَ.

139- وَ لَقَدْ رُوِيَ: مِنْ نُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَجَبٌ يَوْمَ قُدُومِ أَبْرَهَةَ بْنِ الصَّبَّاحِ الْمَلِكِ الَّذِي قَدِمَ لِهَدْمِ الْكَعْبَةِ وَ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّهُ لاَ يَصِلُ إِلَى هَدْمِ هَذَا الْبَيْتِ لِأَنَّ لَهُ رَبّاً يَحْفَظُهُ.

وَ جَاءَ أَبْرَهَةُ الْمَلِكُ فَنَزَلَ بِفِنَاءِ مَكَّةَ فَاسْتَاقَ إِبِلاً وَ غَنَماً لِقُرَيْشٍ وَ أَرْبَعَمِائَةِ نَاقَةٍ حَمْرَاءَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَامَ فَرَكِبَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَلَمَّا صَارَ عَلَى جَبَلِ ثَبِيرٍ اسْتَدَارَتْ دَائِرَةُ غُرَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَلَى جَبِينِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَالْهِلاَلِ وَ زَهَرَ شُعَاعُهَا عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ كَالسِّرَاجِ إِذَا وَقَعَ عَلَى الْجِدَارِ ضَوْءٌ.

فَلَمَّا نَظَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ قَالَ:مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ ارْجِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ فَوَ اللَّهِ مَا اسْتَدَارَ هَذَا النُّورُ مِنِّي قَطُّ إِلاَّ كَانَ الظَّفَرُ.

ثُمَّ قَصَدَ الْمَلِكَ وَ قَالَ الْمَلِكُ وَ قَدْ سَأَلَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي الْإِبِلِ وَ الْغَنَمِ:جِئْتُ لِأُخَرِّبَ بَيْتَهُ وَ شَرَفَهُ وَ هُوَ يَسْأَلُنِي فِي الْإِبِلِ.

فَأَخْبَرَ التَّرْجُمَانُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بِذَلِكَ عَنْهُ؛قَالَ:سَأَلْتُ فِيمَا هُوَ لِي وَ لِقَوْمِي؛وَ الْبَيْتُ لِمَنْ يَحْمِيهِ وَ لاَ يَدَعُ أَحَداً يَصِلُ إِلَيْهِ،وَ مَتَى تَهَيَّأَ لَهُ الْوُصُولُ إِلَى الْبَيْتِ وَ إِخْرَابِهِ فَلْيَقْتُلْنِي فِيهِ.

ص:104

فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى(أَبْرَهَةَ)وَ قِيلَ إِنَّ أَبْرَهَةَ عِنْدَ مَا حَاصَرَ مَكَّةَ بَعَثَ إِلَيْهَا رَجُلاً مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ حَنْظَلَةُ الْحِمْيَرِيِّ وَ كَانَ شَدِيدَ الْبَأْسِ فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ فَسَأَلَ عَنْ خَيْرِ النَّاسِ فَقِيلَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَلَمَّا أُدْخِلَ عَلَيْهِ حَنْظَلَةُ حَضَرَ وَ تَلَجْلَجَ لِسَانُهُ وَ خَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ يَخُورُ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ إِذَا جُزَّ.

فَلَمَّا أَفَاقَ خَرَّ سَاجِداً لَهُ فَقَالَ:أَشْهَدُ أَنَّكَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ حَقّاً.

قَالَ:وَ كَانَ لاَ يَدْخُلُ مَكَّةَ أَحَدٌ وَ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلاَّ خَرَّ لَهُ سَاجِداً إِكْرَاماً مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ.

ثُمَّ أَدَّى رِسَالَةَ أَبْرَهَةَ الْمَلِكِ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَرَكِبَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَلَمَّا تَوَسَّطَ الْعَسْكَرُ سَبَقَهُ حَنْظَلَةُ وَ جَعَلَ يَسْعَى سَعْياً حَثِيثاً حَتَّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ قَدْ جَاءَكَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ حَقّاً.

قَالَ:وَ كَيْفَ عَلِمْتَ.

قَالَ:لِأَنِّي لَمْ أَرَ فِي الْآدَمِيِّينَ أَجْمَلَ مِنْهُ وَجْهاً،كَانَ صَفَاءُ لَوْنِهِ اللُّؤْلُؤَ الْمَكْنُونَ.وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ بِشَيْءٍ إِلاَّ خَرَّ لَهُ سَاجِداً.

فَأَخَذَ أَبْرَهَةُ أَحْسَنَ زِينَتِهِ وَ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فَلَمَّا دَخَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَلَى أَبْرَهَةَ وَ هُوَ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ فِي قُبَّةِ دِيبَاجٍ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ أَبْرَهَةُ عَلَيْهِ السَّلاَمَ وَ قَامَ قَائِماً فَأَخَذَ بِكِلْتَا يَدَيْهِ فَأَقْعَدَهُ مَعَهُ.

فَأَقْبَلَ الْمَلِكُ أَبْرَهَةُ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ هَلْ كَانَ فِي آبَائِكَ أَحَدٌ لَهُ مِثْلُ هَذَا النُّورِ؟

قَالَ:نَعَمْ كُلُّ آبَائِي كَانَ لَهُمْ هَذَا النُّورُ.

قَالَ أَبْرَهَةُ:فَأَنْتُمْ قَوْمٌ قَدْ فَاخَرْتُمُ الْمُلُوكَ شَرَفاً وَ فَخْراً.

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى سَائِسِ الْفِيلِ الْأَبْيَضِ وَ كَانَ عَظِيماً أَبْيَضَ لَهُ نَابَانِ مُرَصَّعَانِ بِالدُّرِّ وَ الْجَوَاهِرِ كَانَ يُبَاهِي بِهِ جَمِيعَ مُلُوكِ الْأَرْضِ وَ كَانَ مِنْ بَيْنِ الْفِيَلَةِ لاَ يَسْجُدُ لِأَبْرَهَةَ فَقَالَ لَهُ:أَخْرِجْهُ.

فَأَخْرَجَهُ وَ قَدْ زُيِّنَ فَلَمَّا نَظَرَ الْفِيلُ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَرَكَ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ وَ خَرَّ سَاجِداً

ص:105

وَ نَادَى بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ:اَلسَّلاَمُ عَلَى النُّورِ الَّذِي فِي ظَهْرِكَ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ سَيِّدَ قُرَيْشٍ حُزْتَ الْعِزَّ وَ السَّنَاءَ وَ الشَّرَفَ.

فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَهَةُ مَقَالَ الْفِيلِ وَقَعَ عَلَيْهِ الْأَفَكُ وَ هِيَ الرغدة [اَلرِّعْدَةُ] فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ سِحْرُهُ فَبَعَثَ مِنْ سَاعَتِهِ فَجُمِعَ لَهُ كُلُّ سَاحِرٍ فِي الْمَمْلِكَةِ وَ قَالَ لَهُمْ حَدِّثُونِي عَنْ شَأْنِ هَذَا الْفِيلِ أَنَّهُ لاَ يَسْجُدُ لِي وَ قَدْ سَجَدَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

قَالَتْ لَهُ السَّحَرَةُ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّ هَذَا الْفِيلَ لَمْ يَسْجُدْ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ إِنَّمَا سَجَدَ لِنُورٍ يَخْرُجُ مِنْ ظَهْرِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ يَمْلِكُ الْأَرْضَ شَرْقاً وَ غَرْباً وَ بَرّاً وَ بَحْراً وَ سَهْلاً وَ جَبَلاً وَ تَذِلُّ لَهُ الْمُلُوكُ وَ يَدِينُ بِدِينِ صَاحِبِ هَذَا الْبَيْتِ إِبْرَاهِيمَ،وَ مُلْكُهُ أَعْظَمُ مِنْ مُلْكِ أَهْلِ الدُّنْيَا فَتَأْذَنُ لَنَا أَيُّهَا الْمَلِكُ أَنْ نُقَبِّلَ يَدَيْهِ وَ رِجْلَيْهِ،فَأَذِنَ لَهُمْ أَبْرَهَةُ فِي ذَلِكَ.

فَقَامَتِ السَّحَرَةُ فَقَبَّلَتْ يَدَيْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ رِجْلَيْهِ وَ قَامَ الْمَلِكُ مُتَوَاضِعاً فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَ أَمَرَ لَهُ بِأَجْزَلِ الْجَوَائِزِ وَ الْعَطَايَا وَ رَدَّ عَلَيْهِ وَ عَلَى عَشَائِرِهِ مِنْ قُرَيْشٍ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ.

وَ عَادَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى مَكَّةَ فَتَزَوَّجَ هَالَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ فَوَلَدَتْ أَبَا لَهَبٍ وَ اسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى فَخَرَجَ كَافِراً شَيْطَاناً وَ مَاتَتْ هَالَةُ فَتَزَوَّجَ بَعْدَهَا عِدَّةً مِنَ النِّسَاءِ وَ وُلِدَ لَهُ عِدَّةُ أَوْلاَدٍ.

140- ثُمَّ نَامَ يَوْماً فِي الْحِجْرِ قَالَ فَرَأَيْتُ كَأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ ظَهْرِي سِلْسِلَةٌ بَيْضَاءُ لَهَا أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ طَرَفٌ مِنْهَا بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ طَرَفٌ بَلَغَ مَغَارِبَهَا وَ طَرَفٌ لَحِقَ أَعْنَانَ السَّمَاءِ وَ طَرَفٌ جَاوَزَ الثَّرَى فَبَيْنَمَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا إِذْ صَارَتْ فِي أَسْرَعَ مِنْ طَرْفِ الْعَيْنِ شَجَرَةً خَضْرَاءَ لَمْ يَرَ الرَّاءُونَ أَنْضَرَ مِنْهَا وَ لاَ أَحْسَنَ فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ فَإِذَا أَنَا بِشَخْصَيْنِ بَهِيَّيْنِ قَدْ وَقَفَا عَلَيَّ فَقُلْتُ لِأَحَدِهِمَا مَنْ أَنْتَ؟فَقَالَ أَ مَا تَعْرِفُنِي؟قُلْتُ لاَ.قَالَ:أَنَا أَبُوكَ نُوحٌ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ قُلْتُ لِلثَّانِي مَنْ أَنْتَ؟فَقَالَ:أَنَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ثُمَّ انْتَبَهْتُ.

فَقِيلَ لَهُ إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ ظَهْرِكَ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَيَكُونَنَّ فِي النَّاسِ عِلْماً مُبَيَّناً.

ص:106

فَرَجَعَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَ بَقِيَ زَمَاناً لاَ يَدْرِي بِمَنْ يَتَزَوَّجُ حَتَّى رَأَى فِي مَنَامِهِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الْمَخْزُومِيِّ فَتَزَوَّجَهَا وَ أَمْهَرَهَا مِائَةَ نَاقَةٍ حَمْرَاءَ وَ حَمَلَتْ مِنْهُ فَوَلَدَتْ أَبَا طَالِبٍ ثُمَّ حَمَلَتْ فَوُلِدَ الزُّبَيْرُ.

وَ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ زَمَاناً لاَ يَزُولُ النُّورُ عَنْ وَجْهِهِ.فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ مِنَ الْأَيَّامِ رَجَعَ مِنْ قَنَصِهِ فِي الظَّهِيرَةِ وَ هُوَ عَطْشَانُ يَلْهَثُ فَرَأَى فِي الْحِجْرِ مَاءً مَعِيناً وَ شَرِبَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَوَجَدَ بَرْدَهُ عَلَى قَلْبِهِ ثُمَّ دَخَلَ تِلْكَ السَّاعَةَ عَلَى فَاطِمَةَ فَوَاقَعَهَا فَحَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ هُوَ أَصْغَرُ وُلْدِهِ وَ أَخُو أَبِي طَالِبٍ لِأَبِيهِ وَ أُمِّهِ فَلَمَّا وَلَدَتْهُ سُرَّ أَبُوهُ بِهِ سُرُوراً شَدِيداً فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ وَ لاَ الشَّامِ إِلاَّ عَلِمَ بِمَوْلِدِهِ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ جُبَّةُ صُوفٍ بَيْضَاءُ مَغْمُوسَةٌ فِي دَمِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ وَ كَانُوا يَجِدُونَ فِي الْكُتُبِ(أَنْ إِذَا رَأَيْتُمُ الْجُبَّةَ الْبَيْضَاءَ وَ الدَّمُ يَقْطُرُ فِيهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ وُلِدَ)فَمَا زَالُوا يَتَرَقَّبُونَ الْجُبَّةَ عَلَى مَرِّ السِّنِينَ حَتَّى إِذَا صَارَ عَبْدُ اللَّهِ غُلاَماً مُتَرَعْرِعاً قَدِمَتْ عَلَيْهِ الْأَحْيَاءُ لِيَقْتُلُوهُ فَصَرَفَ اللَّهُ كَيْدَهُمْ عَنْهُ فَرَجَعُوا خَائِبِينَ لَمْ يَقْدِرُوا فِي أَمْرِهِ عَلَى حِيلَةٍ.

وَ كَانَ تِجَارَةُ قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ بِأَرْضِ الشَّامِ فَكَانَ لاَ يَقْدَمُ عَلَى أَحْبَارِ يَهُودِ الشَّامِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ وَ تِهَامَةَ إِلاَّ سَأَلُوهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَيَقُولُ بَخْ بَخْ تَرَكْنَاهُ يَزْدَادُ فِي قُرَيْشٍ تَلَأْلُأً وَ حُسْناً وَ جَمَالاً وَ كَمَالاً فَيَقُولُ الْأَحْبَارُ:مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ إِنَّ ذَلِكَ النُّورَ لَيْسَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ...ذَلِكَ النُّورُ لِمُحَمَّدٍ نَبِيٍّ يَخْرُجُ مِنْ ظَهْرِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يُغَيِّرُ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ وَ يُزِيلُ عِبَادَةَ اللاَّتِ وَ الْعُزَّى وَ يُبْطِلُهَا.

فَكَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا سَمِعَتْ بِذَلِكَ يُغْشَى عَلَيْهَا فَإِذَا رَجَعَتْ عَادَتْ فِي كُفْرِهَا ثُمَّ تَقُولُ:

الْقَوْلَ كَمَا يَقُولُونَ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ.

وَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ أَجْمَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ كُلِّهِمْ قَدْ شُغِفَ بِهِ نِسَاؤُهُمْ حَتَّى لَقِيَ فِي زَمَانِهِ مَا لَقِيَ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فِي زَمَانِهِ فَقَالَتِ السَّحَرَةُ إِنَّا إِذَا لَمْ نَغْلِبْ هَذَا الْفَتَى عَلَى هَذَا النُّورِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ تَخَوَّفْنَا أَنْ يُسْلَبَ عِلْمُنَا عَنْ قَلِيلٍ وَ كَهَانَتُنَا.

فَكَانَتِ الْكَهَنَةُ تَعْرِضُ أَنْفُسَهَا عَلَيْهِ مَعَ الْمَالِ الْكَثِيرِ فَيَأْبَاهُمْ وَ يَقُولُ:لاَ سَبِيلَ لِي إِلَى كَلاَمِكُمْ وَ كَانَ يُخْبِرُ أَبَاهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بِالْعَجَائِبِ. فَقَالَ لَهُ يَوْماً: يَا أَبَهْ إِنِّي خَرَجْتُ مِنْ

ص:107

بَطْحَاءِ مَكَّةَ فَخَرَجَ مِنْ ظَهْرِي نُورَانِ أَحَدُهُمَا يَأْخُذُ الْمَشْرِقَ وَ الْآخَرُ الْمَغْرِبَ وَ إِنَّ النُّورَيْنِ اسْتَدَارَا فِي ظَهْرِي كَأَسْرَعَ مِنْ طَرْفِ الْعَيْنِ.

فَقَالَ لَهُ:إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ ظَهْرِكَ خَيْرُ الْعَالَمِينَ.

وَ بَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ زَمَاناً وَ دَهْراً لَيْسَ لِنِسَاءِ قُرَيْشٍ تَشَوُّقٌ وَ لاَ هِمَّةٌ غَيْرُهُ.

وَ قَدِمَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ سَبْعُونَ حِبْراً مِنْ يَهُودِ الشَّامِ فَتَحَالَفُوا أَنْ لاَ يَخْرُجُوا أَوْ يَقْتُلُوا عَبْدَ اللَّهِ فَجَاءُوا مَعَهُمْ بِسَبْعِينَ سَيْفاً مُسْقَاةً سَمّاً فَجَعَلُوا يَسِيرُونَ اللَّيْلَ وَ يَكْمُنُونَ النَّهَارَ حَتَّى نَزَلُوا بِفِنَاءِ مَكَّةَ وَ أَقَامُوا.فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى الصَّيْدِ وَحِيداً فَأَصَابَ الْأَحْبَارُ مِنْهُ خَلْوَةً فَأَحْدَقُوا بِهِ لِيَقْتُلُوهُ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى ذَلِكَ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ الزُّهْرِيُّ وَ هُوَ أَبُو آمِنَةَ أُمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَدْرَكَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ:سَبْعُونَ رَجُلاً يُحْدِقُونَ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لاَ نَاصِرَ لَهُ وَ لاَ مُعِينَ أَشْهَدُ لَأَنْصُرَنَّهُ عَلَيْهِمْ.

قَالَ:فَحَمَلَ مِنْ مَكَانِهِ لِنُصْرَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ فَنَظَرَ إِلَى رِجَالٍ لاَ يُشْبِهُونَ رِجَالَ الدُّنْيَا يَنْزِلُونَ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ فَحَمَلُوا عَلَى الْيَهُودِ فَقَطَعُوهُمْ إِرْباً إِرْباً.

فَلَمَّا نَظَرَ وَهْبٌ إِلَى ذَلِكَ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ مُبَادِراً فَخَبَّرَهَا بِالْخَبَرِ وَ قَالَ انْطَلِقِي إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَاعْرِضِي عَلَيْهِ ابْنَتَكَ لاِبْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ لَعَلَّهُ يَتَزَوَّجُهَا قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنَا إِلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَتَكُونَ الْحَسْرَةُ الْكُبْرَى وَ الْمُصِيبَةُ الْعُظْمَى.

فَجَاءَتْ(بَرَّةُ)إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَعَرَضَتْ ابْنَتَهَا عَلَيْهِ وَ هِيَ(آمِنَةُ)فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:لَقَدْ عُرِضَتِ امْرَأَةٌ لاَ يَصْلُحُ لاِبْنِي مِنَ النِّسَاءِ غَيْرُهَا.فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ عَلَى مِائَةِ نَاقَةٍ حَمْرَاءَ فَلَمَّا ابْتَنَى عَبْدُ اللَّهِ(بِآمِنَةَ)مَرِضَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ وَ تَلِفَ خَلْقٌ مِنْهُنَّ وَ مِنْ غَيْرِهِنَّ أَسَفاً إِذْ لَمْ يَتَزَوَّجْهُنَّ عَبْدُ اللَّهِ.

وَ أَعْطَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ مِنَ النُّورِ وَ الْجَمَالِ وَ الْبَهَاءِ وَ الْكَمَالِ مَا كَانَتْ تُدْعَى سَيِّدَةَ قَوْمِهَا.

وَ بَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ وَ نُورُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ لاَ يَخْرُجُ إِلَى بَطْنِ زَوْجَتِهِ حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِذَلِكَ النُّورِ أَنْ يَنْزِلَ مِنْ ظَهْرِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى بَطْنِ آمِنَةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ

ص:108

عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ وَ أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى رِضْوَانَ خَازِنَ الْجَنَّةِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ يَفْتَحَ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ وَ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَ الْفَرَادِيسِ كُلُّهَا وَ بُشِّرَتِ الْأَرْضُ بِأَنَّ النُّورَ الْمَكْنُونَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ اللَّيْلَةَ يَسْتَقِرُّ فِي بَطْنِ آمِنَةَ أُمِّهِ.

وَ أَصْبَحَتْ يَوْمَئِذٍ أَصْنَامُ قُرَيْشٍ وَ أَصْنَامُ الدُّنْيَا كُلُّهَا مَنْكُوسَةً مُصَفَّدَةً فِيهَا شَيَاطِينُهَا وَ أَصْبَحَ عَرْشُ إِبْلِيسَ اللَّعِينِ مَنْكُوساً أَرْبَعِينَ يَوْماً وَ أَفْلَتَ مُحْتَرِقاً هَارِباً حَتَّى أَتَى جَبَلَ أَبِي قُبَيْسٍ فَصَاحَ صَيْحَةً اجْتَمَعَ إِلَيْهِ كُلُّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ فَقَالُوا لِسَيِّدِهِمْ مَا ذَا الْحَالُ؟.

فَقَالَ:وَيْلَكُمْ هَلَكْتُمْ بِهَذِهِ الْمَرَّةِ هَلاَكاً لَمْ تُهْلَكُوا مِثْلَهُ قَطُّ.

قَالُوا:مَا الْقِصَّةُ؟.

قَالَ:هَذَا مُحَمَّدٌ مَبْعُوثٌ بِالسَّيْفِ الْقَاطِعِ الَّذِي لاَ حَيَاةَ بَعْدَهُ.أُمَّتُهُ أُمَّةٌ هِيَ الَّتِي ألعنني [لَعَنَنِي] رَبِّي مِنْ أَجْلِهَا وَ جَعَلَنِي شَيْطَاناً رَجِيماً،يُظْهِرُونَ الْوَحْدَانِيَّةَ وَ لاَ يُشْرِكُونَ بِرَبِّهِمْ شَيْئاً، وَ سَيَأْتِي مِنْ هَذَا النَّبِيِّ وَ مِنْ أُمَّتِهِ مَا يُسْخِنُ عَيْنِي وَ قَلْبِي فَإِلَى أَيْنَ الْمَفَرُّ وَ الْمَلْجَأُ؟

فَقَالَتْ لَهُ عَفَارِيتُهُ:طِبْ نَفْساً وَ قِرَّ عَيْناً فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ خَلَقَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ عَلَى سَبْعَةِ أَطْبَاقٍ وَ لِكُلِّ طَبَقٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ وَ قَدْ مَضَتْ سِتَّةُ أَطْبَاقٍ وَ كَانُوا أَشَدَّ مِنْ هَؤُلاَءِ وَ أَكْثَرَ جَمْعاً وَ أَوْلاَداً وَ قَدِ اسْتَوْثَقْنَا مِنْهُمْ وَ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ نَسْتَوْثِقَ مَنْ فِي الطَّبَقِ السَّابِعِ.

قَالَ إِبْلِيسُ:فَكَيْفَ تَقْدِرُونَ عَلَيْهِمْ وَ فِيهِمُ الْخِصَالُ الْجَمِيلَةُ:اَلْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ؟.

قَالَتِ الْعَفَارِيتُ:نَأْتِي الْعَالِمَ مِنْ جِهَةِ عِلْمِهِ وَ الْجَاهِلَ مِنْ جِهَةِ جَهْلِهِ وَ صَاحِبَ الدُّنْيَا مِنْ جِهَةِ الدُّنْيَا وَ نَأْتِي الزَّاهِدَ مِنْ جِهَةِ زُهْدِهِ وَ صَاحِبَ الزِّنَا مِنْ زِنَائِهِ.

قَالَ إِبْلِيسُ:إِنَّهُمْ يَعْتَصِمُونَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ.

قَالَتِ الْعَفَارِيتُ:فَإِنِ اعْتَصَمُوا بِاللَّهِ ثَبَّتْنَا فِئَةَ الْأَهْوَاءِ الضَّالَّةِ الْمُضِلَّةِ.

فَضَحِكَ إِبْلِيسُ وَ قَالَ:أَقْرَرْتُمْ عَيْنِي.

وَ كَانَتْ قُرَيْشٌ فِي جَدْبٍ جَدِيبٍ مِنَ الزَّمَانِ وَ مَحْلٍ وَ قَحْطٍ فَسُمِّيَتِ السَّنَةُ الَّتِي فِيهَا حَمْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَنَةَ الْفَتْحِ وَ الاِسْتِبْهَاجِ وَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ اخْضَرَّتْ وَ حَمَلَتِ الْأَشْجَارَ وَ وَافَاهُمُ الْوُفُودُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَخَصَبَتْ مَكَّةُ وَ أَكْنَافُهَا خِصْباً

ص:109

عَظِيماً.

وَ كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِذْ ذَاكَ يُسْتَسْقَى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْهُ النُّورُ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ.

141- مَا رُوِيَ مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُحِطَتْ بِلاَدُ قَيْسٍ وَ أَجْدَبَتْ جَدْباً شَدِيداً فَلَمْ يُصِبْهُمْ سَمَاءٌ يَعْقِدُ الثَّرَى وَ لاَ يُنْبِتُ الْكَلَأَ فَذَهَبَ اللَّحْمُ وَ ذَابَ الشَّحْمُ وَ تَهَافَتُوا ضَرّاً وَ هَزْلاً فَاجْتَمَعَتْ قَيْسٌ لِلْمَشُورَةِ وَ إِجَالَةِ الرَّأْيِ وَ عَزَمُوا عَلَى الرِّحْلَةِ وَ انْتِجَاعِ الْبُلْدَانِ فَقَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْهُمْ:مَعْشَرَ قَيْسِ عَيْلاَنَ إِنَّكُمْ أَصْبَحْتُمْ فِي أَمْرٍ لَيْسَ بِالْهَزْلِ هَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ خَطَرُهُ،بَعِيدٌ مَنْظَرُهُ وَ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ سَيِّدَ الْبَطْحَاءِ اسْتَسْقَى فَسُقِيَ وَ دَعَا فَأُجِيبَ وَ شَفَعَ فَشُفِّعَ فَاجْعَلُوا قَصْدَكُمْ إِلَيْهِ وَ اتِّكَالَكُمْ عَلَيْهِ وَ اسْتَشْفِعُوا بِهِ كَمَا اسْتَشْفَعَ بِهِ غَيْرُكُمْ.

فَقَالُوا:أَصَبْتَ الرَّأْيَ.

فَأَتَوْا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ وَ قَالُوا:أَفْلَحَ الْوَجْهُ أَبَا الْحَارِثِ،نَحْنُ ذَوُو أَرْحَامِكُمُ الْوَاشِجَاتُ أَصَابَتْنَا سِنُونَ مُجْدِبَاتٌ أَهْزَلْنَ السَّمِينَ وَ أَفْقَرْنَ الْمُعِينَ وَ قَدْ بَلَغَنَا خَبَرُكَ وَ بَانَ لَنَا أَثَرُكَ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى مُشَفِّعِكَ.

فَقَالَ لَهُمْ:مَوْعِدُكُمْ جَبَلُ عَرَفَاتٍ.

ثُمَّ خَرَجَ فِي بَنِيهِ وَ بَنِي بَنِيهِ حَتَّى أَتَى جَبَلَ عَرَفَاتٍ فَرَفَعَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ، اللَّهُمَّ رَبَّ الرِّيحِ الْعَاصِفِ وَ الْبَرْقِ الْخَاطِفِ،وَ الرَّعْدِ الْقَاصِفِ،مُنْشِئَ السَّحَابِ،وَ مَالِكَ الرِّقَابِ وَ خَالِقَ الْخَلْقِ،وَ مُنْزِلَ الرِّزْقِ وَ الْحَقِّ،هَذِهِ مُضَرُ،خَيْرُ الْبَشَرِ،تَشْكُو شِدَّةَ الْحَالِ، وَ كَثْرَةَ الْأَمْحَالِ،قَدِ احْدَوْدَبَتْ ظُهُورُهَا،وَ شَعِثَتْ شُعُورُهَا،وَ هُزِلَ سَمِينُهَا وَ نَضَبَ مَعِينُهَا، وَ غَارَتْ عُيُونُهَا،وَ قَدْ خَلَّفُوا نَشَأً ظَلَعاً،وَ بَهَائِمَ رُتَّعاً،وَ أَطْفَالاً رُضَّعاً،اللَّهُمَّ فَأَتِحْ لَهُمْ رِيحاً خَرَّارَةً،وَ سَحَابَةً دَرَّارَةً،تَضْحَكُ أَرْضُهُمْ وَ تَذْهَبُ ضَرُّهُمْ.

قَالَ:فَمَا بَرِحُوا حَتَّى نَشَأَتْ سَحَابَةٌ دَكْنَاءُ فِيهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ.

فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:إِيهْ.هَذَا أَوَانُ خَرِيرِكِ فسحي [فَسِيحِي] .

ثُمَّ قَالَ:اِرْجِعُوا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ فَقَدْ سُقِيَتْ أَرْضُكُمْ.

ص:110

فَرَجَعُوا وَ قَدْ فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ ذَلِكَ،فَأَنْشَأَ أَبُو طَالِبٍ يَقُولُ شِعْراً:

أَبُونَا شَفِيعُ النَّاسُ حِينَ سُقُوا بِهِ مِنَ الْغَيْثِ رَجَّاسُ الْعَشِيرِ بُكُورٌ

وَ نَحْنُ سِنِينَ الْمَحْلَ قَامَ شَفِيعُنَا بِمَكَّةَ يَدْعُو وَ الْمِيَاهُ تَغُورُ

فَلَمْ تَبْرَحِ الْأَقْدَامُ حَتَّى رَأَوْا بِهَا سَحَابَاتِ مُزْنٍ صَوْبُهُنَّ دُرُورٌ

وَ قَيْسٌ أَتَتْنَا بَعْدَ أَزْمٍ وَ شِدَّةٍ وَ قَدْ عَضَّهَا دَهْرٌ أَكَبُّ عَثُورٌ

فَمَا بَرِحُوا حَتَّى سَقَى اللَّهُ أَرْضَهُمْ بِشَيْبَةَ غَيْثاً فَالنَّبَاتُ نَضِيرٌ

وَ كَانَ صَاحِبُ أَحْكَامِ قُرَيْشٍ يَخْرُجُ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى جَمَالِ شَخْصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مُمَثَّلاً بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ نُورٍ فَكَانَ يَقُولُ:مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ إِنِّي إِذَا خَرَجْتُ أَطُوفُ أَنْظُرُ إِلَى جَمَالِ شَخْصٍ بَيْنَ عَيْنَيَّ كَأَنَّهُ النُّورُ.

فَتَقُولُ قُرَيْشٌ:وَ لَكِنَّا نَحْنُ لاَ نَرَى مِثْلَ مَا يَرَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ.

142- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَكَانَ مِنْ دَلاَئِلِ حَمْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّ كُلَّ دَابَّةٍ كَانَتْ لِقُرَشِيٍّ نَطَقَتْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ بِأَنْ قَالَتْ:حَمَلَتْ بِمُحَمَّدٍ بِرَبِّ الْكَعْبَةِ وَ هُوَ أَمَانُ الدُّنْيَا وَ صَلاَحُ أَهْلِهَا.

وَ لَمْ تَبْقَ كَاهِنَةٌ فِي قُرَيْشٍ إِلاَّ حُجِبَ عَنْهَا صَاحِبُهَا وَ انْتَزَعَ عِلْمُ الْكِهَانَةِ مِنْهَا وَ مَرَّتْ وَحْشُ الْمَشْرِقِ إِلَى وَحْشِ الْمَغْرِبِ بِالْبِشَارَاتِ وَ كَذَلِكَ أَهْلُ الْبِحَارِ بَشَّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِحَمْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

143- وَ رُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُظْهِرَ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنْزَلَ قَطْرَةً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ فَأَلْقَاهَا عَلَى ثَمَرَةٍ مِنْ ثِمَارِ الْأَرْضِ فَأَكَلَهَا أَبُوهُ فَلَمَّا وَاقَعَ آمِنَةَ وَ صَارَتْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ جَلَّ وَ عَلاَ فِيهِ وَ مَضَى لَهَا أَرْبَعُونَ يَوْماً سَمِعَ الصَّوْتَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَلَمَّا مَضَى لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كُتِبَ عَلَى عَضُدِهِ الْأَيْمَنِ «وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ،فَلَمَّا ظَهَرَ بِأَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ رُفِعَ لَهُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ يَنْظُرُ بِهِ إِلَى أَعْمَالِ الْعِبَادِ.

144- وَ رُوِيَ عَنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَرُبَتْ وِلاَدَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ:رَأَيْتُ جَنَاحَ طَائِرٍ أَبْيَضَ قَدْ مَسَحَ عَلَى فُؤَادِي وَ كَانَ قَدْ دَخَلَنِي رُعْبٌ فَذَهَبَ الرُّعْبُ عَنِّي وَ أُتِيتُ بِمَشْرَبَةٍ بَيْضَاءَ كَأَنَّهَا لَبَنٌ وَ كُنْتُ عَطْشَى فَنَاوَلَنِيهَا مُنَاوِلٌ فَشَرِبْتُهَا فَأَضَاءَ مِنِّي نُورٌ عَالٍ ثُمَّ رَأَيْتُ

ص:111

نِسْوَةً كَأَطْوَلِ النَّخْلِ يُحَدِّثْنَنِي فَعَجِبْتُ وَ جَعَلْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي:مِنْ أَيْنَ عَلِمَ هَؤُلاَءِ بِمَوْضِعِي.ثُمَّ اشْتَدَّ بِيَ الْأَمْرُ وَ أَنَا أَسْمَعُ الْوَجْبَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ حَتَّى رَأَيْتُ كَالدِّيبَاجِ الْأَبْيَضِ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ قَائِلٌ يَقُولُ«خُذُوهُ مِنْ أَعْيُنِ النَّاسِ»ثُمَّ رَأَيْتُ رِجَالاً وُقُوفاً فِي الْهَوَاءِ بِأَيْدِيهِمْ أَبَارِيقُ ثُمَّ كَشَفَ اللَّهُ لِي عَنْ بَصَرِي سَاعَتِي تِلْكَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا وَ رَأَيْتُ ثَلاَثَةَ أَعْلاَمٍ مَنْصُوبَةً عَلَماً فِي الْمَشْرِقِ وَ عَلَماً فِي الْمَغْرِبِ وَ عَلَماً عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ خَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ،فَخَرَّ سَاجِداً لِلَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَ رَفَعَ إِصْبَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ كَالْمُتَضَرِّعِ الْمُبْتَهِلِ وَ رَأَيْتُ سَحَابَةً بَيْضَاءَ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى غَشِيَتْهُ وَ سَمِعْتُ مُنَادِياً يُنَادِي:طُوفُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ شَرْقَ الْأَرْضِ وَ غَرْبَهَا وَ الْبِحَارَ لِيَعْرِفُوهُ بِصُورَتِهِ وَ اسْمِهِ وَ نَعْتِهِ.

ثُمَّ تَجَلَّتْ عَنْهُ الْغَمَامَةُ وَ إِذَا أَنَا بِهِ فِي ثَوْبٍ أَبْيَضَ أَشَدَّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ وَ تَحْتَهُ حَرِيرَةٌ خَضْرَاءُ وَ قَدْ قَبَضَ عَلَى ثَلاَثَةِ مَفَاتِيحَ مِنَ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ وَ قَائِلٌ يَقُولُ:قَبَضَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلَى مَفَاتِيحِ الْجَنَّةِ وَ مَفَاتِيحِ النَّصْرِ وَ مَفَاتِيحِ النُّبُوَّةِ وَ مَفَاتِيحِ الرِّيحِ.

ثُمَّ أَقْبَلَتْ سَحَابَةٌ أُخْرَى أَنْوَرُ مِنَ الْأُولَى وَ سَمِعْتُ مُنَادِياً يُنَادِي:طُوفُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ الْمَشْرِقَ وَ الْمَغْرِبَ وَ اعْرِضُوهُ عَلَى رُوحَانِيِّ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ وَ الطَّيْرِ وَ السِّبَاعِ وَ أَعْطُوهُ صَفَاءَ آدَمَ وَ رِقَّةَ نُوحٍ وَ حُلَّةَ إِبْرَاهِيمَ وَ لِسَانَ إِسْمَاعِيلَ وَ جَمَالَ يُوسُفَ وَ بُشْرَى يَعْقُوبَ وَ صَوْتَ دَاوُدَ وَ صَبْرَ أَيُّوبَ وَ زُهْدَ يَحْيَى وَ كَرَمَ عِيسَى.

ثُمَّ انْكَشَفَ عَنْهُ فَإِذَا أَنَا بِهِ وَ بِيَدِهِ حَرِيرَةٌ خَضْرَاءُ قَدْ طُوِيَتْ طَيّاً شَدِيداً وَ قَدْ قَبَضَ عَلَيْهَا وَ قَائِلٌ يَقُولُ:قَدْ قَبَضَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ عَلَى الدُّنْيَا كُلِّهَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ إِلاَّ دَخَلَ فِي قَبْضَتِهِ.

ثُمَّ أَتَانِي ثَلاَثَةُ نَفَرٍ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنْ وُجُوهِهِمْ فِي يَدِ أَحَدِهِمْ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ رَائِحَتُهُ كَالْمِسْكِ وَ فِي يَدِ الثَّانِي طَشْتٌ مِنْ زُمُرُّدٍ خَضْرَاءَ لَهَا أَرْبَعَةُ جَوَانِبَ فِي كُلِّ جَانِبٍ لُؤْلُؤَةٌ بَيْضَاءُ يَقُولُ:هَذِهِ الدُّنْيَا فَاقْبِضْ عَلَيْهَا يَا حَبِيبَ اللَّهِ.

فَقَبَضَ عَلَى وَسَطِهَا فَقَالَ قَائِلٌ:قَبَضَ عَلَى الْكَعْبَةِ.

وَ رَأَيْتُ فِي يَدِ الثَّالِثِ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ مَطْوِيَّةً نَشَرَهَا وَ أَخْرَجَ مِنْهَا خَاتَماً تَحَارُ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ فِيهِ ثُمَّ حُمِلَ ابْنِي فَغُسِلَ بِذَلِكَ الْمَاءِ مِنَ الْإِبْرِيقِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ خُتِمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ

ص:112

بِالْخَاتَمِ وَ لُفِّفَ فِي الْحَرِيرَةِ وَ أُدْخِلَ بَيْنَ أَجْنِحَتِهِمْ سَاعَةً.

145- وَ رُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَنَّ الْفَاعِلَ بِهِ مَا فَعَلَ مِنَ الْغَسْلِ(رِضْوَانُ)عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ انْصَرَفَ وَ جَعَلَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَ يَقُولُ:أَبْشِرْ يَا عِزَّ الدُّنْيَا وَ شَرَفَ الْآخِرَةِ.

و ولد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم طاهرا مطهّرا(و روي)أَنَّ الْوَصِيَّ الَّذِي كَانَ هُوَ صَاحِبَ الزَّمَانِ فِي ذلك الوقت هو أبي فلما ولد صلّى اللّه عليه و آله خَبَّرَ ثقاتِهِ بأمره ثمّ صار بابا له عليه السّلام و كان ذلك الوصي حجّة له في الظاهر و بابا في الباطن لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم تكن له حجّة عليه قط و لا كان إلاّ حجّة فكان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منذ وقت ولادته إلى أن نطق بالرسالة حجّة على الوصي و على ثقات الوصي و ذلك الوصي حجّة على الخلق في الظاهر و باب السيّد عليه السّلام محجوب به في الباطن.

146- وَ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ فِي لَيْلَةِ وِلاَدَةِ ابْنِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ أَؤُمُّ مِنَ الْبَيْتِ شَيْئاً فَلَمَّا انْتَصَفَ اللَّيْلُ إِذَا أَنَا بِبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ قَدِ اسْتَمَالَ بِجَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ وَ خَرَّ سَاجِداً فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ اسْتَوَى كَمَا كَانَ.فَسَمِعْتُ مِنْهُ تَكْبِيراً عَظِيماً اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ رَبُّ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى الْآنَ طَهَّرَنِي اللَّهُ رَبِّي مِنْ أَنْجَاسِ الْمُشْرِكِينَ وَ رَجَسَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ.ثُمَّ انْتَقَضَتِ الْأَصْنَامُ كَمَا تَنْتَقِضُ الْبُيُوتُ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الصَّنَمِ الْأَعْظَمِ(هُبَلَ) وَ قَدِ انْكَسَفَ فَلَمَّا رَأَيْتُ الْبَيْتَ وَ فِعْلَهَا لَمْ أَدْرِ مَا أَقُولُ وَ جَعَلْتُ أَحْسِرُ عَنْ عَيْنِي وَ أَقُولُ إِنِّي لَنَائِمٌ ثُمَّ أَقُولُ كَلاَّ إِنِّي لَيَقْظَانُ ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى بَطْحَاءِ مَكَّةَ وَ خَرَجْتُ فَإِذَا أَنَا بِالصَّفَا تَتَطَاوَلُ وَ الْمَرْوَةُ تَرْتَجُّ وَ إِذَا أَنَا أُنَادَى مِنْ كُلِّ جَانِبٍ:يَا سَيِّدَ قُرَيْشٍ مَا لَكَ كَالْخَائِفِ الْوَجِلِ؟ أَ مَطْلُوبٌ أَنْتَ؟.

وَ لاَ أُخْبِرُ جَوَاباً إِنَّمَا هِمَّتِي آمِنَةُ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى ابْنِهَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ إِذَا أَنَا بِطَيْرِ الْأَرْضِ حَاشِرَةٌ إِلَيْهَا وَ إِذَا أَنَا بِجِبَالِ مَكَّةَ مُشْرِفَةٌ عَلَيْهَا وَ إِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ بَيْضَاءَ بِإِزَاءِ حُجْرَتِهَا فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ دَنَوْتُ مِنَ الْبَابِ فَاطَّلَعْتُ فَإِذَا أَنَا بِآمِنَةَ قَدْ غَلَّقَتِ الْبَابَ عَلَى نَفْسِهَا لَيْسَ بِهَا أَثَرُ النِّفَاسِ وَ الْوِلاَدَةِ فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَأَجَابَتْ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ.فَقُلْتُ:عَجِّلِي وَ افْتَحِي الْبَابَ.

فَأَوَّلُ شَيْءٍ وَقَعَتْ عَيْنِي عَلَيْهِ وَجْهُهَا فَلَمْ أَرَ مَوْضِعَ نُورِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَقُلْتُ:أَنَا نَائِمٌ يَا آمِنَةُ أَمْ يَقْظَانُ؟.

ص:113

قَالَتْ:بَلْ يَقْظَانُ.مَا لَكَ كَالْخَائِفِ الْوَجِلِ؟أَ مَطْلُوبٌ أَنْتَ؟.

قُلْتُ:لاَ وَ لَكِنِّي مُنْذُ لَيْلَتِي فِي كُلِّ ذُعْرٍ وَ خَوْفٍ.وَ مَا لِي لاَ أَرَى النُّورَ الَّذِي كُنْتُ أَرَاهُ بَيْنَ عَيْنَيْكِ سَاطِعاً؟.

قَالَتْ:قَدْ وَضَعْتُهُ.

قُلْتُ:وَ كَيْفَ وَ لَيْسَ بِكِ أَثَرُ نِفَاسٍ؟وَ مَا أُنْكِرُ مِنْ أَمْرِكِ شَيْئاً.

قَالَتْ:بَلَى قَدْ وَضَعْتُهُ أَتَمَّ الْوَضْعِ وَ أَطْيَبَهُ وَ أَسْهَلَهُ وَ هَذِهِ الطَّيْرُ الَّتِي تَرَاهَا بِإِزَائِي تُنَازِعُنِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْهَا فَتَحْمِلَهُ إِلَى أَعْشَاشِهَا،وَ هَذِهِ السَّحَابُ تَسْأَلُنِي مِثْلَ ذَلِكَ.

قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:فَهَاتِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ.

قَالَتْ آمِنَةُ:حِيلَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ أَنْ تَرَاهُ لِأَنَّهُ أَتَانِي آتٍ كَأَنَّهُ قَضِيبُ فِضَّةٍ أَوْ كَالنَّخْلَةِ الْبَاسِقَةِ فَقَالَ لِي:اُنْظُرِي يَا آمِنَةُ لاَ تُخْرِجِيهِ إِلَى خَلْقٍ مِنْ وُلْدِ آدَمَ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مُنْذُ وَلَدَتْهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.

فَغَضِبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مِنْ قَوْلِهَا وَ قَالَ:تُخْرِجِينَهُ إِلَيَّ أَوْ لَأَقْتُلَنَّ نَفْسِي.

فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ مِنْهُ قَالَتْ:شَأْنَكَ وَ إِيَّاهُ،هُوَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ مُدَرَّجٌ فِي ثَوْبِ صُوفٍ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ تَحْتَهُ حَرِيرَةٌ خَضْرَاءُ..

قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ:فَقَصَدْتُ لِأَلِجَ الْبَابَ،فَبَدَرَ إِلَيَّ مِنْ دَاخِلِهِ رَجُلٌ فَقَالَ لِي:مَكَانَكَ وَ ارْجِعْ فَلاَ سَبِيلَ لِأَحَدٍ مِنْ وُلْدِ آدَمَ إِلَى رُؤْيَتِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَنْقَضِيَ زِيَارَةُ الْمَلاَئِكَةِ لَهُ.

قَالَ:فَارْتَعَدَتْ جَوَارِحِي وَ خَرَجْتُ مُبَادِراً لِأُخْبِرَ قُرَيْشاً بِذَلِكَ،فَأَخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِلِسَانِي فَلَمْ أَنْطِقْ بِخَبَرِهِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا.

147- وَ رُوِيَ: أَنَّ السَّيِّدَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وُلِدَ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ مُطَهَّراً- وَ رُوِيَ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ-لاِثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فِي عَامِ الْفِيلِ وَ هُوَ عَامُ الْفَتْحِ- وَ هُوَ أَصَحُّ-: فَعَظُمَتْ قُرَيْشٌ فِي الْعَرَبِ وَ سُمُّوا آلَ اللَّهِ جَلَّ جَلاَلُهُ.

و دفعه عبد المطلب إلى حليمة بنت أبي ذويب،و كان من حديثها في ارضاعه ما رواه الناس و شرح في كتاب الدلائل لنبوّته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و دلايله في نحو مائتي ورقة بروايات المشايخ الثقات.

ص:114

و مات أبوه و أمّه و هو صلّى اللّه عليه و آله صغير السن و كفله جدّه عبد المطلب مدّة قليلة ثمّ عمّه أبو طالب إلى أن بعث و أمره اللّه تعالى بإظهار أمره و تبليغ رسالاته.

14-,6 148 فَرُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَلاَ أَيْتَمَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِئَلاَّ تَكُونَ عَلَيْهِ رِئَاسَةٌ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ.

ثمّ نشأ فكان من خبره مع عمّه أبي طالب ما قصّ به من حديثه و خدمة زوجته فاطمة بنت أسد له،و كان من قصّة اليهود و طلبهم إيّاه و من خبر خروج السيّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع عمّه أبي طالب و اجتيازه ببحيرا الراهب في طريق الشام و نزوله من صومعته لما رأى الغمامة قد أظلّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما ظهر من الدلالة في تلك الحال حتّى أطعمهم الطعام و ما كان من خبر تزويجه بخديجة عليهما السّلام و هو ابن نيف و عشرين سنة و ما خطب به أبو طالب حيث زوّجه بها،الى غير ذلك ممّا ظهر من كلام الشجر و المدر و الحصى له و دعوتهم إيّاه بالرسالة في حال صغر سنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و صلاته و صيامه و حجّه على خلاف ما كانت قريش تعمله و إنكارهم ذلك ما أتت به الأخبار و رواه الرواة من كافّة الناس.

الوحي

149- : فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ جَلَّ تَعَالَى جَلاَلُهُ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ يُظْهِرَ بُرْهَانَهُ وَ أَتَتْ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً- وَ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ نَبِيّاً مُسْتَخْفِياً-أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ يَهْبِطَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِإِظْهَارِ الرِّسَالَةِ فَقَالَ لَهُ مِيكَائِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ:أَيْنَ تُرِيدُ؟.

فَقَالَ لَهُ:لَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَلاَ نَبِيَّ الرَّحْمَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَهْبِطَ إِلَيْهِ بِإِظْهَارِ الرِّسَالَةِ.

فَقَالَ لَهُ مِيكَائِيلُ:فَأَجِيءُ مَعَكَ؟.

قَالَ لَهُ:نَعَمْ.

فَنَزَلاَ فَوَجَدَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ نَائِماً بِالْأَبْطَحِ،بَيْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ وَ بَيْنَ جَعْفَرٍ ابْنَيْ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فَجَلَسَ جَبْرَئِيلُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَ مِيكَائِيلُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَ لَمْ يُنَبِّهَاهُ إِعْظَاماً لَهُ وَ هَيْبَةً فَقَالَ مِيكَائِيلُ لَهُ:إِلَى أَيِّهِمْ بُعِثْتَ؟.

فَقَالَ:إِلَى الْأَوْسَطِ.

ص:115

فَأَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَهُ فَمَنَعَهُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَانْتَبَهَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ:تُنَبِّهُ ابْنَ عَمِّكَ؟.

فَنَبَّهَهُ فَأَدَّى جَبْرَئِيلُ الرِّسَالَةَ إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ جَلَّ جَلاَلُهُ.

فَلَمَّا نَهَضَ جَبْرَئِيلُ لِيَقُومَ،أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ بِثَوْبِهِ وَ قَالَ:مَا اسْمُكَ؟.

قَالَ:جَبْرَئِيلُ.

فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لِيَلْحَقَ بِغَنَمِهِ،فَلَمْ يَمُرَّ بِشَجَرَةٍ وَ لاَ مَدَرَةٍ إِلاَّ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ وَ هَنَّأَتْهُ بِالرِّسَالَةِ.

وَ كَانَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَأْتِيهِ فَلاَ يَدْنُو مِنْهُ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهِ،فَأَتَاهُ يَوْماً وَ هُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ بِنَاحِيَةِ الْوَادِي فَغَمَزَ بِعَقِبِهِ فَانْفَجَرَتْ عَيْنٌ فَتَوَضَّأَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ تَطَهَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ صَلَّى وَ هِيَ أَوَّلُ صَلاَةٍ صَلاَّهَا فِي الْأَرْضِ فَرَضَهَا اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ.

وَ صَلَّى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ تِلْكَ الصَّلاَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ إِلَى خَدِيجَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ فَأَخْبَرَهَا فَتَوَضَّأَتْ وَ صَلَّتْ صَلاَةَ الْعَصْرِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ،فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مِنَ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ.

و أعطى اللّه جلّ ذكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جميع ما أعطى الأنبياء المرسلين و الملائكة المقرّبين و علّمه جميع الكتب المنزلة و الصحف على الأنبياء و أنزل عليه الكتاب و الحكمة و آتاه ما لم يؤت أحدا من العالمين.

150- وَ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: أُعْطِيتُ مَا أُعْطِيَ النَّبِيُّونَ وَ الْمُرْسَلُونَ جَمِيعاً وَ أُعْطِيتُ خَمْسَةَ عَشَرَ لَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ:نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ،وَ جُعِلَ لِي ظَهْرُ الْأَرْضِ مَسْجِداً وَ طَهُوراً، وَ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ،وَ فُضِّلْتُ بِالْغَنِيمَةِ،وَ أُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ فِي أُمَّتِي.

و أعطاه اللّه عزّ و جلّ كلّما أعطى الأنبياء من المعجزات و الآيات و العلامات و فضل بما لم يؤته أحدا منهم.

ص:116

حديث الدار

151- ثُمَّ: أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَ تَعَالَى: «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» فَجَمَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَنِي هَاشِمٍ وَ هُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً مِنَ الْمَشَايِخِ الرُّؤَسَاءِ،فَأَمَرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَطْبَخَ لَهُمْ رِجْلَ شَاةٍ وَ خَبَزَ لَهُمْ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ ثُمَّ أَدْخَلَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ عَشَرَةً،فَأَكَلُوا حَتَّى تَصَدَّرُوا ثُمَّ جَعَلَ يُدْخِلُ إِلَيْهِ عَشَرَةً بَعْدَ عَشَرَةٍ حَتَّى أَكَلُوا وَ شَرِبُوا جَمِيعاً وَ شَبِعُوا،وَ إِنَّ فِيهِمْ مَنْ يَأْكُلُ الْجَذَعَةَ وَ يَشْرَبُ الزِّقَّ.

وَ رُوِيَ: أَنَّهُ أَمَرَ بِشَاةٍ فَذُبِحَتْ لَهُمْ فَأَكَلُوا مِنْهَا ثُمَّ أَمَرَ بِجَمْعِ إِهَابِهَا وَ عِظَامِهَا ثُمَّ أَحْيَاهَا ثُمَّ أَنْذَرَهُمْ وَ دَعَاهُمْ إِلَى نُبُوَّتِهِ وَ قَالَ لَهُمْ:قَدْ بَعَثَنِي رَبِّي جَلَّ وَ عَزَّ إِلَى الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ وَ الْأَبْيَضِ وَ الْأَسْوَدِ وَ الْأَحْمَرِ.

152- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ:إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ تَعَالَى أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِيَ الْأَقْرَبِينَ وَ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ حَظّاً إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا«لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ».

فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ لَهُ:أَ لِهَذَا دَعَوْتَنَا؟

ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ» ...

السُّورَةَ.

153- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ دَعَاهُمْ ثَانِيَةً فَأَطْعَمَهُمْ وَ سَقَاهُمْ جَمِيعاً لَبَناً مِنْ عُسٍّ وَاحِدٍ حَتَّى تَصَدَّرُوا ثُمَّ قَالَ لَهُمْ:يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَطِيعُونِي تَكُونُوا مُلُوكَ الْأَرْضِ وَ حُكَّامَهَا.إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّاً قَطُّ إِلاَّ جَعَلَ لَهُ وَصِيّاً وَ أَخاً وَ وَزِيراً فَأَيُّكُمْ يَكُونُ أَخِي وَ وَصِيِّي وَ مُؤَازِرِي وَ قَاضِي دَيْنِي؟.

فَأَبَوْا قَبُولَ ذَلِكَ وَ قَالُوا:وَ مَنْ يُطِيقُ مَا تُطِيقُهُ أَنْتَ؟.

فَقَامَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ أَصْغَرُهُمْ سِنّاً فَقَالَ لَهُ:أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

فَقَالَ لَهُ:أَنْتَ لَعَمْرِي تَقْبَلُ مَا قُلْتُ وَ تُجِيبُ دَعْوَتِي.

ص:117

وَ لِذَلِكَ كَانَ وَصِيَّهُ وَ أَخَاهُ وَ وَارِثَهُ دُونَهُمْ.

154- وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَمَعَ عَشِيرَتَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ هُمْ خَمْسَةٌ وَ أَرْبَعُونَ رَجُلاً فِيهِمْ عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ فَظَنُّوا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْزِعَ عَمَّا دَعَا إِلَيْهِ.

فَقَالَ لَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ أَبُو لَهَبٍ:يَا مُحَمَّدُ هَؤُلاَءِ عُمُومَتُكَ وَ بَنُو عُمُومَتِكَ قَدِ اجْتَمَعُوا فَتَكَلَّمْ بِمَا تُرِيدُ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لاَ طَاقَةَ لِقَوْمِكَ بِالْعَرَبِ.

فَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِيهِمْ خَطِيباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ كَثِيراً وَ ذَكَّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ-وَ الْجَبَابِرَةِ وَ الْفَرَاعِنَةِ وَ وَصَفَ لَهُمُ الْجَنَّةَ وَ النَّارَ ثُمَّ قَالَ:

«إِنَّ الرَّائِدَ لاَ يَكْذِبُ أَهْلَهُ.وَ اللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ،إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ حَقّاً وَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً.وَ اللَّهِ لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ وَ لَتُبْعَثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ وَ لَتُحَاسَبُنَّ كَمَا تَعْلَمُونَ وَ لَتُجْزَوْنَ سَرْمَداً وَ إِنَّكُمْ أَوَّلُ مَنْ أُنْذِرُهُ».

155- وَ رُوِيَ: أَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالُوا لَهُ:لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِاللَّهِ وَ الْمَلاَئِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ-يَعْنُونَ مِنْ ذَهَبٍ-أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ، وَ اللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَدْرِي أَ صَدَقْتَ أَمْ لاَ.

ثُمَّ آمَنَ مِنْ بَعْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَوْمٌ مِنْ عَشِيرَتِهِ،أَوَّلُهُمْ:جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

ص:118

تآمر قريش،و معجزاته صلی الله علیه و آله

156- وَ: اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ فِي دَارِ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ (وَ سُمِّيَتْ دَارَ النَّدْوَةِ لِلتَّدْبِيرِ وَ الْمُشَاوَرَةِ): وَ كَتَبُوا بَيْنَهُمْ صَحِيفَةً بِخَطِّ مُعَاوِيَةَ وَ هُوَ حَدَثٌ أَخَذُوا فِيهَا الْأَيْمَانَ الْفَاجِرَةَ الْكَافِرَةَ وَ حَلَفُوا جَمِيعاً بِاللاَّتِ وَ الْعُزَّى أَنْ لاَ يُكَلِّمُوا بَنِي هَاشِمٍ وَ لاَ يُبَايِعُوهُمْ أَوْ يُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَيَقْتُلُوهُ.

ثُمَّ أَخْرَجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِهِمْ حَتَّى نَزَلُوا شِعْبَ أَبِي طَالِبٍ وَ وَضَعُوا عَلَيْهِمُ الْحَرَسَ فَمَكَثُوا كَذَلِكَ ثَلاَثَ سِنِينَ.

ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ الْأَرَضَةَ عَلَى الصَّحِيفَةِ. فَكَانَ من حديثهم ما رواه الناس و كان من آيات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما بهر العقول من أمر الحصاة،و شقّ القمر،و دعاء الشجر،و كلام الوحش و البهائم و الطير،و اخبارهم بما يأكلون و ما يدّخرون في بيوتهم،و نبع الماء من بين اصابعه،الى غير ذلك من آياته و معجزاته صلّى اللّه عليه و آله ممّا قد روي.

المعراج

و أنزل اللّه القرآن في ليلة من ليالي شهر رمضان دفعة واحدة ثمّ أوحى اللّه إليه: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ .

157- وَ: أَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَيْلاً-وَ هُوَ بِالْأَبْطَحِ-بِالْبُرَاقِ،وَ هُوَ أَصْغَرُ مِنَ الْبَغْلِ وَ أَكْبَرُ مِنَ الْحِمَارِ فَرَكِبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَمْسَكَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِرِكَابِهِ وَ مَضَى يَزِفُّهُ زَفّاً إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ إِلَى السَّمَاءِ فَتَلَقَّتْهُ الْمَلاَئِكَةُ فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ وَ تَطَايَرَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَرُوِيَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ بَعَثُوا إِلَيْهِ وَ دَفَعُوا لَهُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ حَتَّى صَلَّى بِهِمْ وَ أَمَّهُمْ ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ:إِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ -يَعْنِي الْأَنْبِيَاءَ.

فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ:بِمَا ذَا تَشْهَدُونَ؟.

ص:119

فَقَالُوا:نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَ أَنَّ عَلِيّاً ابْنَ عَمِّكَ وَصِيُّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ.

158- وَ رُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: أَنَّهُ قَالَ:لاَ أَشُكُّ يَا رَبِّ وَ لاَ أَسْأَلُ.

159- ثُمَّ رُوِيَ: أَنَّهُ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ حَتَّى كَانَ مِنْ رَبِّهِ كَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى وَ أَنَّ الْحُجُبَ رُفِعَتْ لَهُ وَ مَشَى فَنُودِيَ:يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ لَتَمْشِي فِي مَكَانٍ،مَا مَشَى عَلَيْهِ بَشَرٌ قَبْلَكَ.

فَكَلَّمَهُ اللَّهُ جَلَّ وَ عَلاَ فَقَالَ: «آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ» فَقَالَ النَّبِيُّ:نَعَمْ يَا رَبِّ «وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ»

فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَلاَ: «لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ»

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» ...الى آخِرِ السُّورَةِ.

فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ لَهُ:قَدْ فَعَلْتُ.

ثُمَّ قَالَ لَهُ:مَنْ لِأُمَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ؟.

فَقَالَ:اَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَقَالَ:عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فَكَانَتْ إِمَامَتُهُ مِنَ اللَّهِ مُشَافَهَةً..

160- وَ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَلاَ لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَيْهِ مَثَّلَ لِي أُمَّتِي فِي الطِّينِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا،فَأَنَا أَعْرَفُ بِهِمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِأَخِيهِ وَ عَلَّمَنِي الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا.

وَ فَرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ الصَّلاَةَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَ رُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ مَبْعَثِهِ بِخَمْسِ سِنِينَ فَفُرِضَتْ خَمْسِينَ رَكْعَةً ثُمَّ رُدَّتْ إِلَى سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَخْفِيفاً عَنْ أُمَّتِهِ.

وَ رُوِيَ: إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَفَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سِتَّ رَكَعَاتٍ وَ أَضَافَهَا إِلَى تِلْكَ وَ هِيَ الَّتِي تَسْقُطُ فِي السَّفَرِ.

ص:120

161- وَ رُوِيَ: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ فَرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ الصِّيَامَ ثُمَّ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرَةِ ثُمَّ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ ثُمَّ الْحَجَّ بَعْدَ الْفَرَائِضِ ثُمَّ الْجِهَادَ ثُمَّ خَتَمَ جَمِيعَ ذَلِكَ بِالْوَلاَيَةِ.

162- ثُمَّ: رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ كَانَ فَقَدَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَبُو طَالِبٍ وَ لَمْ يَزَلْ يَطْلُبُهُ وَ وَجَّهَ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنِ الْبَسُوا السِّلاَحَ فَقَدْ فَقَدْتُ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

فَخَرَجَ بَنُو هَاشِمٍ سِوَى أَبِي لَهَبٍ فَإِنَّهُ كَانَ حَلِيفَ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ أُمَيَّةَ وَ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ صَاهَرَ أَبَا سُفْيَانَ بِأُخْتِهِ حَمَّالَةِ الْحَطَبِ،وَ أَبُو طَالِبٍ يَقُولُ:

يَا لَهَا مِنْ عَظِيمَةٍ إِنْ لَمْ أَرَ ابْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ تَلَقَّاهُ السَّيِّدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى بَابِ أُمِّ هَانِي أُخْتِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ:اِنْطَلِقْ مَعِي فَادْخُلِ الْمَسْجِدَ بَيْنَ يَدَيَّ.

فَدَخَلَ وَ مَعَهُ بَنُو هَاشِمٍ فَسَلَّ سَيْفَهُ أَبُو طَالِبٍ عِنْدَ الْحِجْرِ ثُمَّ قَالَ:يَا بَنِي هَاشِمٍ أَظْهِرُوا مَا مَعَكُمْ.

فَأَخْرِجُوا السِّلاَحَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى بُطُونِ قُرَيْشٍ فَقَالَ:وَ اللَّهِ لَوْ لَمْ أَرَهُ لَمَا بَقِيَ فِيكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ.

فَقَالَتْ قُرَيْشٌ:يَا أَبَا طَالِبٍ لَقَدْ كُنْتَ مِنَّا عَظِيماً.

وَ اتَّقَتْهُ قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنْ تُفَكِّرَ فِي اغْتِيَالِهِ.

وَ أَصْبَحَ السَّيِّدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ وَ حَدَّثَهُمْ بِحَدِيثِ الْمِعْرَاجِ فَقَالُوا:صِفْ لَنَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ،فَرَفَعَهُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى جَعَلَهُ تِجَاهَهُ وَ جَعَلَ يَرَاهُ وَ يُحَدِّثُهُمْ بِصِفَتِهِ حَتَّى حَدَّثَهُمْ بِخَبَرِ عِيرِ أَبِي سُفْيَانَ وَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ الَّذِي يَقْدُمُهَا.

فَكَذَّبُوهُ وَ قَالُوا:هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ.

و أقام صلّى اللّه عليه و آله بمكّة يدعو الناس سرّا و جهرا فأجابه المؤمنون و جحده من حقت عليه كلمة العذاب.

ص:121

الهجرة و المبيت

163- وَ: اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ فِي دَارِ النَّدْوَةِ يَأْتَمِرُونَ فِي قَتْلِهِ،فَأَتَاهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ مِنْ مُضَرَ فَاسْتَقَرَّتْ آرَاؤُهُمْ بِمَشُورَةِ اللَّعِينِ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ بَطْنٍ مِنْهُمْ رَجُلاً بِأَسْيَافِهِمْ فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا أَبُو طَالِبٍ وَ تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ.

فَأَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِذَلِكَ وَ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ عَنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَ أَنْ يُنَوِّمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى فِرَاشِهِ،فَفَعَلَ.

وَ كَانَ مِنْ قِصَّتِهِ فِي خُرُوجِهِ وَ حَدِيثِ الْغَارِ وَ هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَا رَوَاهُ النَّاسُ،فَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ تَعَالَى وَاخَى بَيْنَ مَلاَئِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ،فَوَاخَى بَيْنَ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ ثُمَّ أَوْحَى إِلَيْهِمَا:إِنْ كَتَبْتُ عَلَى أَحَدِكُمَا نَائِبَةً أَوْ مِحْنَةً عَظِيمَةً هَلْ فِيكُمَا مَنْ يَقِي أَخَاهُ بِنَفْسِهِ؟.

فَقَالاَ:نَعَمْ يَا رَبِّ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمَا:إِنْ كَتَبْتُ عَلَى أَحَدِكُمَا الْمَوْتَ قَبْلَ أَخِيهِ،هَلْ فِيكُمَا مَنْ يَبْذُلُ مُهْجَتَهُ وَ يَفْدِي أَخَاهُ بِنَفْسِهِ؟.

قَالاَ:لاَ يَا رَبِّ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ:اِهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ فَانْظُرَا.

فَهَبَطَا فَوَجَدَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَائِماً عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَدْ وَقَاهُ بِنَفْسِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.فَقَالاَ:بَخْ!بَخْ!هَذِهِ الْمُوَاسَاةُ بِالنَّفْسِ.

و كان من حديث هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة ما كان.

164- وَ: دَخَلَ مَسْجِدَ قُبَا وَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمْعٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مُتَوَجِّهاً إِلَى الْمَدِينَةِ فَاسْتَقْبَلَهُ الْأَنْصَارُ وَ قَالُوا:

هَلُمَّ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الْعِدَّةِ وَ الْعَدَدِ وَ النَّصْرِ وَ الْمُوَاسَاةِ.

وَ جَعَلُوا يَتَعَلَّقُونَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:خَلُّوا عَنْهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ.

حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى أُسْطُوَانَةِ الْخَلُوقِ فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ الْحِجَارَةِ ثُمَّ نَصَبَهَا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ.

165- وَ رُوِيَ: أَنَّ هِجْرَتَهُ كَانَتْ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.

ص:122

الدعوة

و أمره اللّه جل و عزّ باشهار سيفه و إظهار الدعوة و الجهاد لأعداء اللّه و أعداء دينه، فكتب إلى ملوك الطوائف و جميع النواحي يدعوهم إلى توحيد اللّه عزّ و جلّ جلاله و إلى نبوّته.

ثمّ عبأ جيشه لغزاة بدر-و كان عدد المسلمين ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا-فغزاهم فأظهره اللّه على المشركين،فقتل منهم و سبى و أسر.

ثمّ لم يزل يفتح البلدان عنوة و صلحا،و كان عدد الغزوات تسعا و عشرين غزوة و عدد سراياه نحو ثمانين سرية إلى أن فتح مكّة،و كان من حديثه ما رواه الناس.

حجة الوداع

ثمّ حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سنة عشر من الهجرة فاذن في الناس بالحجّ و كان خروجه لخمس ليال بقين من ذي القعدة.و أحرم(من ذي الحليفة).و قضى مناسكه صلّى اللّه عليه و آله في ذي الحجة و انصرف.

فلما صار بوادي خم نزل عليه الوحي في أمير المؤمنين عليه السّلام آية العصمة من الناس و قد كان الأمر قبل ذلك يأتيه فيتوقف انتظارا لقول اللّه عزّ و جلّ «وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ» فلما نزلت قام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه كثيرا ثمّ نصب أمير المؤمنين عليه السّلام علما و قيّما مقامه بعده.و كان من حديث غدير خم ما رواه الناس ثمّ انصرف في آخر ذي الحجة.

و روي ان اللّه عزّ و جلّ علم نبيّه كل ما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة ثمّ فوّض إليه أمر الدين و الشرائع فقال: «وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» و قال: «وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى» و قال: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ»

ثمّ وصفه اللّه عزّ ذكره بما لم يصف به أحدا من أنبيائه و جميع خلقه فقال: «وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»

ص:123

166- وَ رُوِيَ: أَنَّ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ عَلَى ثَلاَثَةٍ وَ سَبْعِينَ حَرْفاً،أَعْطَى اللَّهُ آصَفَ بْنَ بَرْخِيَا مِنْهُ حَرْفاً وَاحِداً فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ فِي عَرْشِ بِلْقِيسَ مَا كَانَ،وَ أَعْطَى عِيسَى مِنْهُ حَرْفَيْنِ فَعَمِلَ بِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ بِهِ،وَ أَعْطَى مُوسَى أَرْبَعَةَ أَحْرُفٍ،وَ أَعْطَى إِبْرَاهِيمَ ثَمَانِيَةَ أَحْرُفٍ،وَ أَعْطَى نُوحاً خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفاً،وَ أَعْطَى مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اثْنَيْنِ وَ سَبْعِينَ حَرْفاً وَ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ جَلَّ وَ تَعَالَى بِحَرْفٍ وَاحِدٍ،فَعَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا عَلِمَهُ الْأَنْبِيَاءُ وَ مَا لَمْ يَعْلَمُوهُ.

الوصية

167- : فَلَمَّا قَرُبَ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَلاَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ كِتَاباً مُسَجَّلاً نَزَلَ بِهِ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَعَ أُمَنَاءِ الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْ مَنْ عِنْدَكَ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَجْلِسِكَ إِلاَّ وَصِيَّكَ لِيَقْبِضَ مِنَّا كِتَابَ الْوَصِيَّةِ وَ يَشْهَدَنَا عَلَيْهِ.

فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فِي الْبَيْتِ بِالْخُرُوجِ مَا خَلاَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَ يَقُولُ لَكَ:هَذَا كِتَابٌ بِمَا كُنْتُ عَهِدْتُ وَ شَرَطْتُ عَلَيْكَ وَ أَشْهَدْتُ عَلَيْكَ مَلاَئِكَتِي وَ كَفَى بِي شَهِيداً.

فَارْتَعَدَتْ مَفَاصِلُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ:هُوَ السَّلاَمُ وَ مِنْهُ السَّلاَمُ وَ إِلَيْهِ يَعُودُ السَّلاَمُ، صَدَقَ اللَّهُ،هَاتِ الْكِتَابَ.

فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ،فَدَفَعَهُ مِنْ يَدِهِ إِلَى عَلِيٍّ وَ أَمَرَهُ بِقِرَاءَتِهِ وَ قَالَ:هَذَا عَهْدُ رَبِّي إِلَيَّ وَ أَمَانَتُهُ، وَ قَدْ بَلَّغْتُ وَ أَدَّيْتُ.

فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:وَ أَنَا أَشْهَدُ لَكَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي بِالتَّبْلِيغِ وَ النَّصِيحَةِ وَ الصِّدْقِ عَلَى مَا قُلْتَ،وَ يَشْهَدُ لَكَ بِهِ سَمْعِي وَ بَصَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ:أَخَذْتَ وَصِيَّتِي وَ قَبِلْتَهَا مِنِّي وَ ضَمِنْتَ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ لِي الْوَفَاءَ بِهَا؟

قَالَ:نَعَمْ عَلَيَّ ضَمَانُهَا وَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَوْنِي.

وَ كَانَ فِيمَا شَرَطَهُ فِيهَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:اَلْمُوَالاَةُ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَ الْمُعَادَاةُ لِأَعْدَاءِ

ص:124

اللَّهِ وَ الْبَرَاءَةُ مِنْهُمْ،وَ الصَّبْرُ عَلَى الظُّلْمِ،وَ كَظْمِ الْغَيْظِ،وَ أَخْذِ حَقِّكَ مِنْكَ وَ ذَهَابِ خُمُسِكَ وَ انْتِهَاكِ حُرْمَتِكَ،وَ عَلَى أَنْ تُخْضَبَ لِحْيَتُكَ مِنْ رَأْسِكَ بِدَمٍ عَبِيطٍ.

فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:قَبِلْتُ وَ رَضِيتُ وَ إِنِ انْتَهَكَتِ الْحُرْمَةُ وَ عُطِّلَتِ السُّنَنُ وَ مُزِّقَ الْكِتَابُ وَ هُدِمَتِ الْكَعْبَةُ وَ خُضِبَتْ لِحْيَتِي مِنْ رَأْسِي صَابِراً مُحْتَسِباً.

فَأَشْهَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ وَ الْمَلاَئِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَأَعْلَمَهُمْ مِنَ الْأَمْرِ مِثْلَ مَا أَعْلَمَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ شَرَحَ لَهُمْ مَا شَرَحَهُ لَهُ.

فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِ وَ خُتِمَتِ الْوَصِيَّةُ بِخَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ لَمْ تُصِبْهُ النَّارُ وَ دُفِعَتْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

و في الوصية سنن اللّه جلّ و علا و سنن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خلاف من يخالف و يغيّر و يبدّل و شيء شيء من جميع الأمور و الحوادث بعده صلّى اللّه عليه و آله و هو قول اللّه عزّ و جلّ «إِنّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ»

وفاة الرسول صلی الله علیه و آله

168- : ثُمَّ اعْتَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَجَيَّشَ أَكْثَرَ أَصْحَابِهِ مَعَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ لِلْغَزَاةِ فَلَمْ يَتَّبِعُوهُ وَ تَثَاقَلُوا وَ قَعَدُوا عَنْهُ وَ خَالَفُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِلْخُرُوجِ مَعَ أَمِيرِهِمْ.

فَلَمَّا كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ دَعَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَوَضَعَ إِزَارَهُ سِتْراً عَلَى وَجْهِهِ وَ لَمْ يَزَلْ يُنَاجِيهِ بِكُلِّ مَا كَانَ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ مَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَدْ سَلَّمَ إِلَيْهِ جَمِيعَ مَوَارِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَ النُّورِ وَ الْحِكْمَةِ.

169- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ مِمَّا قَالَ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ:إِذَا أَنَا مِتُّ فَغَسِّلْنِي وَ كَفِّنِّي وَ حَنِّطْنِي ثُمَّ أَجْلِسْنِي فَاسْأَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ وَ اكْتُبْ.

170- وَ رُوِيَ: أَنَّ جَبْرَئِيلَ قَالَ لَهُ:هَذَا الْوَقْتَ يَا مُحَمَّدُ،هَذَا آخِرُ نُزُولِي إِلَى الدُّنْيَا.

فَسَمِعُوا صَوْتاً مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ:عَلَيْكُمُ السَّلاَمُ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ الرِّسَالَةِ.إِنَّ فِي اللَّهِ خَلَفاً مِنْ

ص:125

كُلِّ هَالِكٍ وَ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَ دَرَكاً مِنْ كُلِّ فَائِتٍ،لَيْسَ الْمُصَابُ مَنْ أَعْقَبَهُ الثَّوَابُ.

ثُمَّ سَكَنَتْ حَرَكَةُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سُتِرَ بِثَوْبٍ.

و تولّى أمير المؤمنين عليه السّلام غسله و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه في البقعة التي قبض فيها صلّى اللّه عليه و آله.

171- وَ رُوِيَ: أَنَّ سِنَّهُ كَانَتْ ثَلاَثاً وَ سِتِّينَ سَنَةً،وَ كَانَتْ وِلاَدَةُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أُمِّ السَّيِّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ عَامِ الْفِيلِ،وَ كَانَ مَلِكُ ذَلِكَ الزَّمَانِ كِسْرَى أَنُوشِيرَوَانَ صَاحِبُ الْمَدَائِنِ،وَ هُوَ الَّذِي يُرْوَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ فِيهِ:وُلِدْتُ فِي زَمَنِ الْمَلِكِ الصَّالِحِ،لَوْ لَحِقَنِي لَآمَنَ بِي.وَ ظَهَرَتْ نُبُوَّتُهُ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

172- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ثَلاَثَ عَشَرَ سَنَةً وَ هَاجَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَمَكَثَ بِالْمَدِينَةِ مُهَاجِراً عَشْرَ سِنِينَ وَ شُهُوراً.

173- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ قُبِضَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ فَكَانَتْ ثَلاَثاً وَ سِتِّينَ سَنَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ عَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ.

ص:126

خطبة أمير المؤمنين عليه السّلام

174- وَ خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ خُطْبَةً فِي انْتِقَالِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ مِنْ آدَمَ إِلَى أَنْ وُلِدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَوَحَّدَ بِصُنْعِ الْأَشْيَاءِ وَ فَطَرَ أَجْنَاسَ الْبَرَايَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَهُ فِي إِنْشَائِهَا، وَ لاَ إِعَانَةِ مُعِينٍ عَلَى ابْتِدَاعِهَا بَلِ ابْتَدَعَهَا بِلُطْفِ قُدْرَتِهِ،فَامْتَثَلَتْ لِمَشِيَّتِهِ خَاضِعَةً مُسْتَحْدِثَةً لِأَمْرِهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الدَّائِمِ بِغَيْرِ حَدٍّ وَ لاَ أَمَدٍ وَ لاَ زَوَالٍ وَ لاَ نَفَادٍ وَ كَذَلِكَ لَمْ يَزَلْ وَ لاَ يَزَالُ لاَ تُغَيِّرُهُ الْأَزْمِنَةُ،وَ لاَ تُحِيطُ بِهِ الْأَمْكِنَةُ،وَ لاَ تَبْلُغُ مَقَامَهُ الْأَلْسِنَةُ وَ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاَ نَوْمٌ،لَمْ تَرَهُ الْعُيُونُ فَتُخْبِرَ عَنْهُ بِرُؤْيَتِهِ،وَ لَمْ تَهْجُمْ عَلَيْهِ الْعُقُولُ فَيُتَوَهَّمَ كُنْهُ صِفَتِهِ،وَ لَمْ تَدْرِ كَيْفَ هُوَ إِلاَّ بِمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ،لَيْسَ لِقَضَائِهِ مَرَدٌّ وَ لاَ لِقَوْلِهِ مُكَذِّبٌ ابْتَدَعَ الْأَشْيَاءَ بِغَيْرِ تَفْكِيرٍ وَ خَلَقَهَا بِلاَ ظَهِيرٍ وَ لاَ وَزِيرٍ فَطَرَهَا بِقُدْرَتِهِ،وَ صَيَّرَهَا بِمَشِيَّتِهِ،وَ صَاغَ أَشْبَاحَهَا، وَ بَرَأَ أَرْوَاحَهَا،وَ اسْتَنْبَطَ أَجْنَاسَهَا،خَلْقاً مَبْرُوءاً مَذْرُوءاً،فِي أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ، لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ عَلَى غَيْرِ مَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ لِيُرِيَ عِبَادَهُ آيَاتِ جَلاَلِهِ وَ آلاَئِهِ،فَسُبْحَانَهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ،وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً.

اللَّهُمَّ فَمَنْ جَهِلَ فَضْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَإِنِّي مُقِرٌّ بِأَنَّكَ مَا سَطَحْتَ أَرْضاً وَ لاَ بَرَأْتَ خَلْقاً حَتَّى أَحْكَمْتَ خَلْقَهُ وَ أَتْقَنْتَهُ مِنْ نُورٍ سَبَقْتَ بِهِ السُّلاَلَةَ،وَ أَنْشَأْتَ آدَمَ لَهُ جُرْماً فَأَوْدَعْتَهُ مِنْهُ قَرَاراً مَكِيناً وَ مُسْتَوْدَعاً مَأْمُوناً وَ أَعَذْتَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَ حَجَبْتَهُ عَنِ الزِّيَادَةِ وَ النُّقْصَانِ وَ جَعَلْتَ لَهُ الشَّرَفَ الَّذِي بِهِ يُسَامَى عِبَادُكَ،فَأَيُّ بَشَرٍ كَانَ مِثْلَ آدَمَ فِيمَا سَبَقْتَ الْأَخْبَارَ.

وَ عَرَّفْتَنَا كُتُبَكَ فِي عَطَايَاكَ،أَسْجَدْتَ لَهُ مَلاَئِكَتَكَ وَ عَرَّفْتَهُ مَا حَجَبْتَ عَنْهُمْ مِنْ عِلْمِكَ إِذْ

ص:127

تَنَاهَتْ بِهِ قُدْرَتُكَ وَ تَمَّتْ فِيهِ مَشِيَّتُكَ دَعَاكَ بِمَا أَكْنَنْتَ فِيهِ فَأَجَبْتَهُ إِجَابَةَ الْقَبُولِ،فَلَمَّا أَذِنْتَ اللَّهُمَّ فِي انْتِقَالِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ مِنْ صُلْبِ آدَمَ أَلَّفْتَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ زَوْجٍ خَلَقْتَهَا لَهُ سَكَناً وَ وَصَلْتَ لَهُمَا بِهِ سَبَباً.

فَنَقَلْتَهُ مِنْ بَيْنِهِمَا إِلَى(شَيْثٍ)اخْتِيَاراً لَهُ بِعِلْمِكَ،فَأَيُّ بَشَرٍ كَانَ اخْتِصَاصُهُ بِرِسَالَتِكَ،ثُمَّ نَقَلْتَهُ إِلَى(أَنُوشَ)فَكَانَ خَلْفَ أَبِيهِ فِي قَبُولِ كَرَامَتِكَ،وَ احْتِمَالِ رِسَالَتِكَ،ثُمَّ قَدَّرْتَ نَقْلَ النُّورِ إِلَى(قَيْنَانَ)وَ أَلْحَقْتَهُ فِي الْحُظْوَةِ بِالسَّابِقِينَ،وَ فِي الْمِنْحَةِ بِالْبَاقِينَ،ثُمَّ جَعَلْتَ (مَهْلاَئِيلَ)رَابِعَ أَجْرَامِهِ قُدْرَةً تُودِعُهَا مِنْ خَلْقِكَ فِي مَنْ تَضْرِبُ لَهُمْ بِسَهْمِ النُّبُوَّةِ،وَ شَرَفِ الْأُبُوَّةِ حَتَّى تَنَاهَى تَدْبِيرُكَ إِلَى(أَخْنُوخَ)فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَعَلْتَ مِنَ الْأَجْرَامِ نَاقِلاً الرِّسَالَةَ وَ حَامِلاً لِأَعْبَاءِ النُّبُوَّةِ،فَتَعَالَيْتَ يَا رَبِّ،لَقَدْ لَطُفَ عِلْمُكَ وَ جَلَّتْ قُدْرَتُكَ عَنِ التَّفْسِيرِ إِلاَّ بِمَا دَعَوْتَ إِلَيْهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِرُبُوبِيَّتِكَ،وَ أَشْهَدُ أَنَّ الْأَعْيُنَ لاَ تُدْرِكُكَ،وَ الْأَوْهَامَ لاَ تَلْحَقُكَ، وَ الْعُقُولَ لاَ تَصِفُكَ،وَ الْمَكَانَ لاَ يَسَعُكَ وَ كَيْفَ يَسَعُ الْمَكَانُ مَنْ خَلَقَهُ وَ كَانَ قَبْلَهُ أَمْ كَيْفَ تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ وَ لاَ نِهَايَةَ لَهُ وَ لاَ غَايَةَ وَ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ نِهَايَةٌ وَ غَايَةٌ،وَ هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ الْغَايَاتِ وَ النِّهَايَاتِ أَمْ كَيْفَ تُدْرِكُهُ الْعُقُولُ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سَبِيلاً إِلَى إِدْرَاكِهِ،وَ كَيْفَ يَكُونُ لَهَا سَبِيلٌ إِلَى إِدْرَاكِهِ وَ قَدْ لَطُفَ بِرُبُوبِيَّتِهِ عَنِ الْمَحَاسَّةِ وَ الْمَجَاسَّةِ،وَ كَيْفَ لاَ يَلْطُفُ عَنْهُمَا مَنْ لاَ يَنْتَقِلُ عَنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ،وَ قَدْ جَعَلَ الاِنْتِقَالَ نَقْصاً وَ زَوَالاً،فَسُبْحَانَكَ مَلَأْتَ كُلَّ شَيْءٍ وَ بَايَنْتَ كُلَّ شَيْءٍ فَأَنْتَ الَّذِي لاَ يَفْقِدُكَ شَيْءٌ وَ أَنْتَ الْفَعَّالُ لِمَا تَشَاءُ،تَبَارَكُ يَا مَنْ كُلُّ مُدْرَكٍ مِنْ خَلْقِهِ،وَ كُلُّ مَحْدُودٍ مِنْ صُنْعِهِ أَنْتَ الَّذِي لاَ يَسْتَغْنِي عَنْكَ الْمَكَانُ وَ الزَّمَانُ وَ لاَ نَعْرِفُكَ إِلاَّ بِانْفِرَادِكَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَ الْقُدْرَةِ،وَ سُبْحَانَكَ مَا أَبْيَنَ اصْطِفَاءَكَ(لِإِدْرِيسَ)عَلَى سَائِرِ خَلْقِكَ مِنَ الْعَالَمِينَ لَقَدْ جَعَلْتَ لَهُ دَلِيلاً مِنْ كِتَابِكَ إِذْ سَمَّيْتَهُ صِدِّيقاً نَبِيّاً،وَ رَفَعْتَهُ مَكَاناً عَلِيّاً، وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ نِعْمَةً حَرَّمْتَهَا عَلَى خَلْقِكَ،إِلاَّ مَنْ نَقَلْتَ إِلَيْهِ نُورَ الْهَاشِمِيِّينَ وَ جَعَلْتَهُ أَوَّلَ مُنْذِرٍ مِنْ أَنْبِيَائِكَ ثُمَّ أَذِنْتَ فِي انْتِقَالِ نُورِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنَ الْقَابِلِينَ لَهُ(مَتُوشَلَخَ) وَ (لَمَكَ) الْمُفِيضَيْنِ بِهِ إِلَى نُوحٍ فَأَيُّ آلاَئِكَ يَا رَبِّ لَمْ تُوَلِّهِ،وَ أَيُّ خَوَاصِّ كَرَامَتِكَ لَمْ تُعْطِهِ،ثُمَّ أَذِنْتَ فِي إِيدَاعِهِ (سَاماً) دُونَ(حَامٍ) وَ(يَافِثَ)فَضَرَبْتَ لَهُمَا بِسَهْمٍ فِي الذِّلَّةِ،وَ جَعَلْتَ مَا أَخْرَجْتَ بَيْنَهُمَا لِنَسْلِ سَامٍ خَوَلاً،ثُمَّ تَتَابَعَ عَلَيْهِ الْقَابِلُونَ مِنْ حَامِلٍ إِلَى حَامِلٍ وَ مُوَدِّعٍ إِلَى مُسْتَوْدِعٍ

ص:128

مِنْ عِتْرَتِهِ فِي فَتَرَاتِ الدُّهُورِ حَتَّى قَبِلَهُ(تَارُخُ)أَطْهَرُ الْأَجْسَامِ وَ أَشْرَفُ الْأَجْرَامِ وَ نَقَلْتَهُ مِنْهُ إِلَى«إِبْرَاهِيمَ»فَأَسْعَدْتَ بِذَلِكَ جَدَّهُ،وَ أَعْظَمْتَ بِهِ مَجْدَهُ وَ قَدَّسْتَهُ فِي الْأَصْفِيَاءِ وَ سَمَّيْتَهُ دُونَ رُسُلِكَ خَلِيلاً،ثُمَّ خَصَصْتَ بِهِ إِسْمَاعِيلَ دُونَ وُلْدِ إِبْرَاهِيمَ فَأَنْطَقْتَ لِسَانَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ الَّتِي فَضَّلْتَهَا عَلَى سَائِرِ اللُّغَاتِ فَلَمْ تَزَلْ تَنْقُلُهُ مِنْ أَبٍ إِلَى أَبٍ حَتَّى قَبِلَهُ(كِنَانَةُ)عَنْ«مُدْرِكَةَ» فَأَخَذْتَ لَهُ مَجَامِعَ الْكَرَامَةِ،وَ مَوَاطِنَ السَّلاَمَةِ،وَ أَحْلَلْتَ لَهُ الْبَلْدَةَ الَّتِي قَضَيْتَ فِيهَا مَخْرَجَهُ فَسُبْحَانَكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَيُّ صُلْبٍ أَسْكَنْتَهُ فِيهِ وَ لَمْ تَرْفَعْ ذِكْرَهُ،وَ أَيُّ نَبِيٍّ بَشَّرَ بِهِ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الْأَسْمَاءِ اسْمُهُ،وَ أَيُّ سَاحَةٍ مِنَ الْأَرْضِ سَلَكْتَ بِهِ لَمْ يَظْهَرْ بِهَا قُدْسُهُ،حَتَّى الْكَعْبَةِ الَّتِي جَعَلْتَ مِنْهَا مَخْرَجَهُ،غَرَسْتَ أَسَاسَهَا بِيَاقُوتَةٍ مِنْ جَنَّاتِ عَدْنٍ،وَ أَمَرْتَ الْمَلَكَيْنِ الْمُطَهَّرَيْنِ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ فَتَوَسَّطَا بِهَا أَرْضَكَ وَ سَمَّيْتَهَا بَيْتَكَ،وَ اتَّخَذْتَهَا مَعْبَداً لِنَبِيِّكَ وَ حَرَّمْتَ وَحْشَهَا وَ شَجَرَهَا،وَ قَدَّسْتَ حَجَرَهَا،وَ مَدَرَهَا وَ جَعَلْتَهَا مَسْلَكاً لِوَحْيِكَ وَ مَنْسَكاً لِخَلْقِكَ وَ مَأْمَناً لِلْمَأْكُولاَتِ وَ حِجَاباً لِلْآكِلاَتِ الْعَادِيَاتِ،تُحَرِّمُ عَلَى أَنْفُسِهَا إِذْعَارَ مَنْ أَجَرْتَ ثُمَّ أَذِنْتَ لِلنَّضْرِ فِي قَبُولِهِ وَ إِيدَاعِهِ(مَالِكاً)ثُمَّ مِنْ بَعْدِ مَالِكٍ«فِهْراً»ثُمَّ اخْتَصَصْتَ مِنْ وُلْدِ فِهْرٍ «غَالِباً»وَ جَعَلْتَ كُلَّ مَنْ تَنْقُلُهُ إِلَيْهِ أَمِيناً لِحَرَمِكَ،حَتَّى إِذَا قَبِلَهُ لُؤَيُّ بْنُ غَالِبٍ آنَ لَهُ حَرَكَةُ تَقْدِيسٍ فَلَمْ تُودِعْهُ مِنْ بَعْدِهِ صُلْباً إِلاَّ جَلَّلْتَهُ نُوراً تَأْنَسُ بِهِ الْأَبْصَارُ وَ تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ الْقُلُوبُ، فَأَنَا يَا إِلَهِي وَ سَيِّدِي وَ مَوْلاَيَ الْمُقِرُّ لَكَ بِأَنَّكَ الْفَرْدُ الَّذِي لاَ يُنَازَعُ وَ لاَ يُغَالَبُ وَ لاَ يُجَادَلُ، سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ مَا لِعَقْلٍ مَوْلُودٍ،وَ فَهْمٍ مَعْقُودٍ،مَدْحُوٍّ مِنْ ظَهْرٍ،مَزِيجٍ بِمَحِيضِ لَحْمٍ وَ عَلَقٍ دَرَأَ إِلَى فُضَالَةِ الْحَيْضِ،وَ عُلاَلاَتِ الطَّعْمِ،شَارَكَتْهُ الْأَسْقَامُ وَ الْتَحَفَتْ عَلَيْهِ الْآلاَمُ،لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ قِيلٍ وَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى فِعْلٍ،ضَعِيفِ التَّرْكِيبِ وَ الْبِنْيَةِ،مَا لَهُ وَ الاِقْتِحَامَ عَلَى قُدْرَتِكَ.وَ الْهُجُومَ عَلَى إِرَادَتِكَ،وَ تَفْتِيشِ مَا لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُكَ سُبْحَانَكَ أَيُّ عَيْنٍ تَصُبُّ نُورَكَ،وَ تَرْقَى إِلَى ضِيَاءِ قُدْرَتِكَ،وَ أَيُّ فَهْمٍ يَفْهَمُ مَا دُونَ ذَلِكَ إِلاَّ بَصَائِرُ كَشَفْتَ عَنْهَا الْأَغْطِيَةَ،وَ هَتَكْتَ عَنْهَا الْحُجُبَ الْعَمِيَّةَ وَ فَرَّقْتَ أَرْوَاحَهَا إِلَى أَطْرَافِ أَجْنِحَةِ الْأَرْوَاحِ فَتَأَمَّلُوا أَنْوَارَ بَهَائِكَ وَ نَظَرُوا مِنْ مُرْتَقَى التُّرْبَةِ إِلَى مُسْتَوَى كِبْرِيَائِكَ فَسَمَّاهُمْ أَهْلُ الْمَلَكُوتِ زُوَّاراً دَعَاهُمْ أَهْلُ الْجَبَرُوتِ أَغْمَاراً فَسُبْحَانَكَ يَا مَنْ لَيْسَ فِي الْبِحَارِ قَطَرَاتٌ،وَ لاَ فِي مُتُونِ الْأَرْضِ جَنَّاتٌ وَ لاَ فِي رِتَاجِ الرِّيَاحِ حَرَكَاتٌ وَ لاَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ خَطَرَاتٌ،وَ لاَ فِي

ص:129

الْأَبْصَارِ لَمَحَاتٌ.وَ لاَ عَلَى مُتُونِ السَّحَابِ نَفَحَاتٌ،إِلاَّ وَ هِيَ فِي قُدْرَتِكَ مُتَحَيِّرَاتٌ،أَمَّا السَّمَاءُ فَتُخْبِرُ عَنْ عَجَائِبِكَ،وَ أَمَّا الْأَرْضُ فَتَدُلُّ عَلَى مَدَائِحِكَ،وَ أَمَّا الرِّيَاحُ فَتَنْشُرُ فَوَائِدَكَ، وَ أَمَّا السَّحَابُ فَتَهْطِلُ مَوَاهِبَكَ،وَ كُلُّ ذَلِكَ يُحَدِّثُ بِتَحَنُّنِكَ وَ يُخْبِرُ الْعَارِفِينَ بِشَفَقَتِكَ وَ أَنَا الْمُقِرُّ بِمَا أَنْزَلْتَ عِنْدَ اعْتِدَالِ نَفْسِهِ وَ فَرَاغِكَ مِنْ خَلْقِهِ رَفَعَ وَجْهَهُ فَوَاجَهَهُ مِنْ عَرْشِكَ رَسْمٌ فِيهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ إِلَهِي مَنِ الْمَقْرُونُ بِاسْمِكَ فَقُلْتَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ خَيْرُ مَنْ أَخْرَجْتُهُ مِنْ صُلْبِكَ،وَ اصْطَفَيْتُهُ بَعْدَكَ،مِنْ وُلْدِكَ،وَ لَوْلاَهُ مَا خَلَقْتُكَ،فَسُبْحَانَكَ لَكَ الْعِلْمُ النَّافِذُ وَ الْقَدَرُ الْغَالِبُ،لَمْ تَزَلِ الْآبَاءُ تَحْمِلُهُ،وَ الْأَصْلاَبُ تَنْقُلُهُ،كُلَّمَا أَنْزَلْتَهُ سَاحَةَ صُلْبٍ جَعَلْتَ لَهُ فِيهَا صُنْعاً يَحُثُّ الْعُقُولَ عَلَى طَاعَتِهِ،وَ يَدْعُوهَا إِلَى مَقْتِهِ حَتَّى نَقَلْتَهُ إِلَى (هَاشِمٍ)خَيْرِ آبَائِهِ بَعْدَ إِسْمَاعِيلَ،فَأَيَّ أَبٍ وَ جَدٍّ،وَ وَالِدٍ أُسْرَةٍ،وَ مُجْتَمَعِ عِتْرَةٍ،وَ مَخْرَجِ طُهْرٍ،وَ مَرْجِعِ فَخْرٍ،جَعَلْتَ يَا رَبِّ هَاشِماً،لَقَدْ أَقَمْتَهُ لَدُنْ بَيْتِكَ،وَ جَعَلْتَ لَهُ الْمَشَاعِرَ وَ الْمَتَاجِرَ،ثُمَّ نَقَلْتَهُ مِنْ هَاشِمٍ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَنْهَجْتَهُ سَبِيلَ إِبْرَاهِيمَ،وَ أَلْهَمْتَهُ رُشْداً لِلتَّأْوِيلِ،وَ تَفْصِيلِ الْحَقِّ،وَ وَهَبْتَ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ وَ أَبَا طَالِبٍ وَ حَمْزَةَ وَ فَدَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بِالْقُرْبَانِ وَ لَقَدْ بَلَّغْتَ يَا إِلَهِي بِبَنِي أَبِي طَالِبٍ الدَّرَجَةَ الَّتِي رَفَعْتَ إِلَيْهَا فَضْلَهُمْ فِي الشَّرَفِ الَّذِي مَدَدْتَ بِهِ أَعْنَاقَهُمْ وَ الذِّكْرِ الَّذِي حَلَّيْتَ بِهِ أَسْمَاءَهُمْ وَ جَعَلْتَهُمْ مَعْدِنَ النُّورِ وَ جَنَّتَهُ،وَ صَفْوَةَ الدِّينِ وَ ذِرْوَتَهُ،وَ فَرِيضَةَ الْوَحْيِ وَ سُنَّتَهُ،ثُمَّ أَذِنْتَ لِعَبْدِ اللَّهِ فِي نَبْذِهِ عِنْدَ مِيقَاتِ تَطْهِيرِ أَرْضِكَ مِنْ كُفَّارِ الْأُمَمِ الَّذِينَ نَسُوا عِبَادَتَكَ،وَ جَهِلُوا مَعْرِفَتَكَ،وَ اتَّخَذُوا أَنْدَاداً،وَ جَحَدُوا رُبُوبِيَّتَكَ،وَ أَنْكَرُوا وَحْدَانِيَّتَكَ،وَ جَعَلُوا لَكَ شُرَكَاءَ وَ أَوْلاَداً،وَ صَبَوْا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ،فَدَعَاكَ نَبِيُّنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِنُصْرَتِهِ فَنَصَرْتَهُ بِي وَ بِجَعْفَرٍ وَ حَمْزَةَ فَنَحْنُ الَّذِينَ اخْتَرْتَنَا لَهُ وَ سَمَّيْتَنَا فِي دِينِكَ لِدَعْوَتِكَ أَنْصَاراً لِنَبِيِّكَ،قَائِدُنَا إِلَى الْجَنَّةِ خِيَرَتُكَ، وَ شَاهِدُنَا أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ،جَعَلْتَنَا ثَلاَثَةً مَا نَصَبَ لَهُ عَزِيزٌ إِلاَّ أَذْلَلْتَهُ بِنَا وَ لاَ مَلِكٌ إِلاَّ طَحْطَحْتَهُ بِنَا أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً،وَصَفْتَنَا يَا رَبَّنَا بِذَلِكَ وَ أَنْزَلْتَ فِينَا قُرْآناً جَلَّيْتَ بِهِ عَنْ وُجُوهِنَا الظُّلْمَ،وَ أَرْهَبْتَ بِصَوْلَتِنَا الْأُمَمَ،إِذَا جَاهَدَ مُحَمَّدٌ رَسُولُكَ عَدُوّاً لِدِينِكَ تَلُوذُ بِهِ أُسْرَتُهُ،وَ تَحُفُّ بِهِ عِتْرَتُهُ كَأَنَّهُمُ النُّجُومُ الزَّاهِرَةُ إِذَا تَوَسَّطَهُمُ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ لَيْلَةَ تِمِّهِ،فَصَلَوَاتُكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَ نَبِيِّكَ وَ صَفِيِّكَ وَ خِيَرَتِكَ وَ آلِهِ

ص:130

الطَّاهِرِينَ،أَيُّ مَنِيعَةٍ لَمْ تَهْدِمْهَا دَعْوَتُهُ،وَ أَيُّ فَضِيلَةٍ لَمْ تَنَلْهَا عِتْرَتُهُ جَعَلْتَهُمْ خَيْرَ أَئِمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ،يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ،وَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِكَ.

وَ يَتَوَاصَلُونَ بِدِينِكَ،طَهَّرْتَهُمْ بِتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَ الدَّمِ وَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَ مَا أُهِلَّ وَ نُسِكَ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ،تَشْهَدُ لَهُمْ وَ مَلاَئِكَتُكَ أَنَّهُمْ بَاعُوكَ أَنْفُسَهُمْ،وَ ابْتَذَلُوا مِنْ هَيْبَتِكَ أَبْدَانَهُمْ،شَعِثَةً رُءُوسُهُمْ، تَرِبَةً وُجُوهُهُمْ،تَكَادُ الْأَرْضُ مِنْ طَهَارَتِهِمْ أَنْ تَقْبِضَهُمْ إِلَيْهَا وَ مِنْ فَضْلِهِمْ أَنْ تَمِيدَ بِمَنْ عَلَيْهَا.رَفَعْتَ شَأْنَهُمْ بِتَحْرِيمِ أَنْجَاسِ الْمَطَاعِمِ وَ الْمَشَارِبِ.فَأَيُّ شَرَفٍ يَا رَبِّ جَعَلْتَهُ فِي مُحَمَّدٍ وَ عِتْرَتِهِ فَوَ اللَّهِ لَأَقُولَنَّ قَوْلاً لاَ يُطِيقُ أَنْ يَقُولَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِكَ،أَنَا عَلَمُ الْهُدَى، وَ كَهْفُ التُّقَى وَ مَحَلُّ السَّخَاءِ،وَ بَحْرُ النَّدَى،وَ طَوْدُ النُّهَى،وَ مَعْدِنُ الْعِلْمِ،وَ النُّورِ فِي ظُلَمِ الدُّجَى وَ خَيْرُ مَنْ أَمَرَ وَ اتَّقَى وَ أَكْمَلُ مَنْ تَقَمَّصَ وَ ارْتَدَى،وَ أَفْضَلُ مَنْ شَهِدَ النَّجْوَى بَعْدَ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى،وَ مَا أُزَكِّي نَفْسِي وَ لَكِنْ أُحَدِّثُ بِنِعْمَةِ رَبِّي أَنَا صَاحِبُ الْقِبْلَتَيْنِ،وَ حَامِلُ الرَّايَتَيْنِ،فَهَلْ يُوَازِي فِيَّ أَحَدٌ؟وَ أَنَا أَبُو السِّبْطَيْنِ فَهَلْ يُسَاوِي بِي بَشَرٌ؟وَ أَنَا زَوْجُ خَيْرِ النِّسْوَانِ فَهَلْ يَفُوقُنِي رَجُلٌ؟أَنَا الْقَمَرُ الزَّاهِرُ بِالْعِلْمِ الَّذِي عَلَّمَنِي رَبِّي،وَ الْفُرَاتُ الزَّاخِرُ، أَشْبَهْتُ مِنَ الْقَمَرِ نُورَهُ وَ بَهَاءَهُ وَ مِنَ الْفُرَاتِ بَذْلَهُ وَ سَخَاءَهُ،أَيُّهَا النَّاسُ بِنَا أَنَارَ اللَّهُ السُّبُلَ، وَ أَقَامَ الْمَيَلَ،وَ عُبِدَ اللَّهُ فِي أَرْضِهِ،وَ تَنَاهَتْ إِلَيْهِ مَعْرِفَةُ خَلْقِهِ،وَ قَدَّسَ اللَّهَ جَلَّ وَ تَعَالَى بِإِبْلاَغِنَا الْأَلْسُنُ،وَ ابْتَهَلَتْ بِدَعْوَتِنَا الْأَذْهَانُ،فَتَوَفَّى اللَّهُ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَعِيداً شَهِيداً،هَادِياً مَهْدِيّاً،قَائِماً بِمَا اسْتَكْفَاهُ،حَافِظاً لِمَا اسْتَرْعَاهُ،تَمَّمَ بِهِ الدِّينَ،وَ أَوْضَحَ بِهِ الْيَقِينَ،وَ أَقَرَّتِ الْعُقُولُ بِدَلاَلَتِهِ وَ أَبَانَتْ حُجَجَ أَنْبِيَائِهِ،وَ انْدَمَغَ الْبَاطِلُ زَاهِقاً وَ وَضَحَ الْعَدْلُ نَاطِقاً،وَ عَطَّلَ مَظَانَّ الشَّيْطَانِ،وَ أَوْضَحَ الْحَقَّ وَ الْبُرْهَانَ.اَللَّهُمَّ فَاجْعَلْ فَوَاضِلَ صَلَوَاتِكَ وَ نَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ وَ رَأْفَتَكَ وَ رَحْمَتَكَ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ.

ص:131

ص:132

مولد الإمام عليّ عليه السّلام

اشارة

قام أمير المؤمنين عليه السّلام،مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

175- رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَ عَلِيٌّ نُوراً فِي جَبْهَةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَانْتَقَلْنَا مِنَ الْأَصْلاَبِ الطَّاهِرَةِ إِلَى الْأَرْحَامِ الْمُطَهَّرَةِ الزَّاكِيَةِ حَتَّى صِرْنَا فِي صُلْبِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَانْقَسَمَ النُّورُ قِسْمَيْنِ فَصَارَ قِسْمٌ فِي عَبْدِ اللَّهِ وَ قِسْمٌ فِي أَبِي طَالِبٍ فَخَرَجْتُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَ خَرَجَ عَلِيٌّ مِنْ أَبِي طَالِبٍ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ «الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ كانَ رَبُّكَ قَدِيراً» .

176- وَ رُوِيَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ أُمَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَتْ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي وَلَدَتْ فِيهَا آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ أُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَاضِرَةً عِنْدَهَا وَ إِنَّهَا رَأَتْ مِثْلَ الَّذِي رَأَتْهُ آمِنَةُ، فَلَمَّا كَانَ الصُّبْحُ انْصَرَفَ أَبُو طَالِبٍ مِنَ الطَّوَافِ فَاسْتَقْبَلَتْهُ فَقَالَتْ لَهُ:لَقَدْ رَأَيْتُ اللَّيْلَ عَجَباً، قَالَ لَهَا وَ مَا رَأَيْتِ؟قَالَتْ:وَلَدَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ مَوْلُوداً أَضَاءَتْ لَهُ الدُّنْيَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ نُوراً حَتَّى مَدَدْتُ عَيْنَيَّ فَرَأَيْتُ سَعَفَاتِ هَجَرَ،فَقَالَ لَهَا أَبُو طَالِبٍ انْظُرِي سَبْتاً فَسَتَأْتِينَ بِمِثْلِهِ.فَوَلَدَتْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَ رُوِيَ: أَنَّ السَّبْتَ ثَلاَثُونَ سَنَةً وَ رُوِيَ: أَنَّهُ ثَمَانٍ وَ عِشْرُونَ سَنَةً.

177- وَ رُوِيَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ لَمَّا حَمَلَتْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَتْ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَجَاءَهَا الْمَخَاضُ وَ هِيَ فِي الطَّوَافِ فَلَمَّا اشْتَدَّ بِهَا دَخَلَتِ الْكَعْبَةَ فَوَلَدَتْهُ فِي جَوْفِ الْبَيْتِ عَلَى مِثَالِ وِلاَدَةِ آمِنَةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا وُلِدَ فِي الْكَعْبَةِ قَبْلَهُ وَ لاَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ.

ص:133

ايمان علي عليه السّلام

178- وَ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي نَصْرٍ رَجَاءِ بْنِ سَهْلٍ الصَّاغَانِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَدْوِ إِيمَانِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِفَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:إِذَا ذَكَرْتَ الْفَضَائِلَ وَ الْمَنَاقِبَ فَفِي شَرْحِ إِيمَانِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا تَنْفَتِحُ الْأَذْهَانُ،وَ تُكْثِرُ الرَّغَائِبَ لِأَنَّ حُبَّ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَرْضٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ،وَ غَيْظٌ عَلَى الْمُنَافِقِينَ،فَمَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً فَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَحَبَّ وَ مَنْ أَمْسَكَ عَنْهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَ نَكَبَ عَنْ سَبِيلِ النَّجَاةِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ،وَ صَلَّى مَعَهُ،وَ صَدَّقَ بِمَا جَاءَ مِنَ اللَّهِ وَ سَارَعَ إِلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ وَ مَرْضَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ صَبَرَ عَلَى الْبَأْسَاءِ وَ الضَّرَّاءِ فِي كُلِّ شِدَّةٍ وَ عُسْرٍ،وَ كَانَ أَكْثَرَ أَصْحَابِهِ نُصْحاً لَهُ،وَ أَكْثَرَهُمْ وَ أَشَدَّهُمْ مُوَاسَاةً بِنَفْسِهِ وَ ذَاتِ يَدِهِ لَهُ،وَ كَانَ مِمَّا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي دَلاَئِلِهِ،وَ اخْتَصَّهُ بِفَضَائِلِهِ،وَ مَنَحَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ،وَ الْحِبَاءِ وَ شَرَّفَهُ بِسَوَابِقِ الزُّلْفَى،إِنَّهُ كَانَ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَبْلَ مَبْعَثِهِ،يَغْذُوهُ بِمَا يَغْذُو بِهِ نَفْسَهُ.

كفالة أبي طالب للنبي عليه السّلام

179- وَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي حَجْرِ أَبِي طَالِبٍ يُغَذِّيهِ وَ يَحُوطُهُ،وَ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا الْحَرْثِ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ كَانَ يُكَفِّلُ الْأَرَامِلَ وَ الْأَيْتَامَ وَ يُغِيثُ الْمَلْهُوفَ وَ يُجِيرُ الْمَظْلُومَ وَ يُنْظِرُ الْمُعْسِرَ وَ يَحْمِلُ الْكَلَّ وَ يَقْرِي الضَّيْفَ،وَ يَمْنَعُ مِنَ الضَّيْمِ،وَ كَانَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَفِيّاً فِي السِّرِّ وَ الْإِعْلاَنِ يَتَفَقَّدُهُ فِي مَطْعَمِهِ وَ أَغْذِيَتِهِ،وَ يَعْدِلُهُ قُرَيْشاً،يَخْضَعُ لَهُ الْأَشْرَافُ،وَ يَذِلُّ لَهُ عُظَمَاءُ الْمُلُوكِ وَ يَدِينُ بِدِينِهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْمِلَلِ وَ الْأَدْيَانِ،وَ تُرْعَدُ لِهَيْبَتِهِ فَرَائِصُ الْجَبَّارِينَ وَ يَظْهَرُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ وَ نَاوَأَهُ حَتَّى يُقَرِّنَهُمْ فِي الْأَصْفَادِ وَ يَبِيعُ ذَرَارِيَّهُمْ فِي الْأَسْوَاقِ وَ يَتَّخِذُ أَبْنَاءَهُمْ عَبِيداً،وَ شُجْعَانَهُمْ جُنُوداً،وَ تُعِينُهُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى نُصْرَتِهِ فَطُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَ طُوبَى لِأُمَّتِهِ.

فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي حَجْرِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص:134

وَ وَصَّاهُ بِهِ،وَ قَالَ لَهُ:يَا بُنَيَّ هَذَا فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْكَ وَ مِنْحَةٌ وَ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَيْكَ أَلْهَمَنِيهِ فِي أَمْرِكَ وَ هُوَ ابْنُ أَخِيكَ لِأَبِيكَ وَ أُمِّكَ دُونَ سَائِرِ إِخْوَانِكَ ثُمَّ أَطْلَعَهُ عَلَى مَكْنُونِ سِرِّ عِلْمِهِ وَ دَلاَئِلِهِ وَ أَخْبَرَهُ بِمَا بُشِّرَ بِهِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ،وَ مَا رَوَاهُ فِيهِ أَفَاضِلُ الْأَحْبَارِ،وَ عِبَادُ الرُّهْبَانِ،وَ أَقْيَالُ الْعَرَبِ وَ كُهَّانُ الْعَجَمِ.

وَ لَمْ يَكُنْ لِأَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ،وَ كَانَ فَرْداً وَحِيداً،امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ ابْنِ عَبْدِ مَنَافٍ بِنْتُ عَمِّهِ وَ كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنَ الْوَلَدِ تَنْذِرُ لِذَلِكَ النُّذُورَ،وَ تَتَقَرَّبُ إِلَى الْأَصْنَامِ وَ تَسْتَشْفِعُ بِالْأَزْلاَمِ إِلَى الرَّحْمَنِ وَ تَعْتِرُ الْعَتَائِرَ،وَ تَضِخُ وُجُوهَ الْأَصْنَامِ،بِذَكِيِّ الْمِسْكِ وَ خَالِصِ الْعَنْبَرِ،تَطْلُبُ الْوَلَدَ.وَ كَانَتْ كُلَّمَا لَقِيَتْ كَاهِناً أَوْ حِبْراً عَالِماً مِنَ السَّدَنَةِ بَشَّرَهَا أَنَّهَا تَبْتَنِي وَلَداً لَمْ تَلِدْهُ وَ تُرَبِّيهِ وَ يَأْمُرُهَا إِذَا رُزِقَتْهُ أَنْ تَضُمَّهُ وَ تَكْنِفَهُ وَ تَحْفَظَهُ وَ لاَ تُبْعِدَهُ فَتَسْأَلُهُمْ أَنْ يُسَمُّوهُ وَ يَصِفُوهُ لَهَا فَيَقُولُونَ ذَاكَ نُورٌ مُنِيرٌ بَشِيرٌ نَذِيرٌ مُبَارَكٌ فِي صِغَرِهِ مُنْبِئٌ فِي كِبَرِهِ،يُوضِحُ السَّبِيلَ،وَ يَخْتِمُ الرُّسُلَ،يَبْعَثُ بِالدِّينِ الْفَاضِلِ وَ يُزْهِقِ الْعَمَلَ الْبَاطِلَ، يَظْهَرُ مِنْ أَفْعَالِهِ السَّدَادُ وَ يَتَبَيَّنُ بِاتِّبَاعِهِ الرَّشَادُ،وَ يَنْهَجُ اللَّهُ لَهُ الْهُدَى،وَ يُبَيِّنُ بِهِ التُّقَى.

فَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ تَرْقُبُ ذَلِكَ وَ تَنْتَظِرُهُ.فَلَمَّا طَالَ انْتِظَارُهَا،وَ ذَهَلَ اصْطِبَارُهَا، أَنْشَأَتْ تَقُولُ:

طَالَ التَّرَقُّبُ لِلْمِيعَادِ إِذْ عُدِمَتْ مِنِّي الْحَوَائِلُ وَلَداً مِنْ عَنَاصِيرِي

لَمَّا أَتَيْتُ إِلَى الْكُهَّانِ بَشَّرَنِي عِنْدَ السُّؤَالِ عَلِيمٌ بِالْمَخَابِيرِ

فَقَالَ يُوعِدُنِي وَ الدَّمْعُ مُبْتَدِرٌ يَا فَاطِمُ انْتَظِرِي خَيْرَ التَّبَاشِيرِ

نُوراً مُنِيراً بِهِ الْأَنْبَاءُ قَدْ شَهِدَتْ وَ الْكُتُبُ تَنْطِقُ عَنْ شَرْحِ الْمَزَامِيرِ

أَنَّى بِذَاكَ فَقَدْ طَالَ الطِّلاَعُ إِلَى وَجْهِ الْمُبَارَكِ يَزْهُو فِي الدَّيَاجِيرِ

فَلَمَّا مَاتَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ كَفَلَ أَبُو طَالِبٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِأَحْسَنِ كَفَالَةٍ،وَ حَنَّ عَلَيْهِ، وَ دَأَبَ فِي حِيَاطَتِهِ وَ تَمَسَّكَ بِهِ وَ الْتَحَفَ عَلَيْهِ وَ عَطَفَ عَلَى جَوَانِبِهِ.

وَ كَانَ أَبُو طَالِبٍ مُحْتَرَماً مُعَظَّماً كَشَّافاً لِلْكُرُوبِ غَيْرَ هَذِرٍ وَ لاَ مِكْثَارٍ وَ لاَ عَاقٍّ بَلْ بَرٌّ وَصُولٌ،جَوَادٌ بِمَا يَمْلِكُ،سَمِحٌ بِمَا يَقْدِرُ،لاَ يَثْنِيهِ عَنْ مُبَادَرَةِ الْخِطَابِ وَجَلٌ،وَ لاَ يُدْرِكُهُ لَدَى الْخِصَامِ مَلَلٌ،فَشَغِفَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ شَغَفاً شَدِيداً.وَ وَلِهَتْ بِحُبِّهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ

ص:135

وَ ذَهَلَتْ بِمَحَبَّتِهِ وَ دِلاَلَةِ الَّتِي وُعِدَتْ بِهَا فَكَانَتْ تَقُولُ:وَ إِلَهِ السَّمَاءِ لَقَدْ قُبِلَ نَذْرِي وَ شُكِرَ سَعْيِي وَ أُجِيبَتْ دَعْوَتِي،لَأَنْزِلَنَّ مُحَمَّداً مِنْ قَلْبِي مَنْزِلَةَ صَمِيمِ الْأَحْشَاءِ وَ لَأَلْهُوَنَّ بِرُؤْيَتِهِ عَنْ كُلِّ نُظَرَائِهِ،وَ مَنْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِمَّنْ أُعْطِيَ مِثْلَهُ،وَ لَيْسَ هَذَا مِنْ أَمْرِ الْخَلْقِ بَلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ الْإِلَهِ الْعَظِيمِ.

فَكَانَتْ قَدْ جَعَلَتْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نُصْبَ عَيْنِهَا إِنْ غَابَ لَحْظَةً لَمْ يَغِبْ عَنْهَا مِثَالُهُ وَ لَمْ يَفْقِدْ شَخْصُهُ وَ تَذْهَلُ حَتَّى تُحْضِرَهُ فَتَشْتَغِلَ بِتَغْذِيَتِهِ وَ غَسْلِهِ وَ تَنْظِيفِهِ وَ تَلْبِيسِهِ وَ تَدْهِينِهِ وَ تَعْطِيرِهِ وَ إِصْلاَحِ شَأْنِهِ وَ تَعَاهُدِ إِرْضَاعِهِ بِالنَّهَارِ فَإِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ اشْتَغَلَتْ بِفَرْشِهِ وَ نَوْمِهِ وَ تَوْسِيدِهِ وَ تَمْهِيدِهِ وَ تَعَوُّذِهِ وَ تَنَيُّمِهِ

قَالَ: وَ كَانَتْ فِي دَارِ أَبِي طَالِبٍ نَخْلَةٌ مَنْعُوتَةٌ بِكَثْرَةِ الْحَمْلِ مَوْصُوفَةٌ بِالرِّقَّةِ وَ عُذُوبَةِ الطَّعْمِ شَهِيَّةُ الْمَضْغِ يُعَقِّبُ طَعْمُهَا رَائِحَةً طَيِّبَةً عَطْرِيَّةً كَرَائِحَةِ الزَّعْفَرَانِ الْمُذَابِ بِالْعَسَلِ، كَثِيرَةُ اللِّحَا قَلِيلَةُ السَّحَا،دَقِيقَةُ النَّوَى فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَأْتِي إِلَيْهَا كُلَّ غَدَاةٍ مَعَ أَتْرَابٍ لَهُ مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَرْثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنُ عَمِّهِ وَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ وَ مَشْرُوحُ بْنُ نُوَيْبَةَ فَيَلْتَقِطُونَ مَا يَتَسَاقَطُ تَحْتَهَا مِنْ ثَمَرِهَا بِهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَ وُقُوعِ الطَّيْرِ وَ نَقْرِهِ.

وَ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ لاَ تَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يُسَابِقُ أَتْرَابَهُ عَلَى الْبُسْرِ وَ الْبَلَحِ وَ الرُّطَبِ فِي أَوَانِهِ،وَ كَانَ الْغِلْمَةُ يُبَادِرُونَ لِذَلِكَ وَ هُوَ-عَلَيْهِ السَّلاَمُ-يَمْشِي بَيْنَهُمْ وَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَ الْوَقَارُ بِتَوَاضُعٍ وَ ابْتِسَامٍ وَ يَتَعَجَّبُ مِنْ حِرْصِهِمْ وَ عَجَلَتِهِمْ،فَكَانَ إِنْ وَجَدَ شَيْئاً سَاقِطاً بَعْدَهُمْ أَخَذَهُ وَ إِلاَّ انْصَرَفَ بِوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ طَلِقٍ وَ بِشْرٍ حَسَنٍ.

فَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَعْجَبُ مِنْ شِدَّةِ حَيَائِهِ وَ طِيبِ شَأْنِهِ وَ رِقَّةِ قَلْبِهِ وَ سُرْعَةِ دَمْعَتِهِ وَ كَثْرَةِ رَخْمَتِهِ،فَرُبَّمَا جُمِعَتْ لَهُ مِنْ تَمْرِ النَّخْلَةِ قَبْلَ مَجِيئِهِمْ فَإِذَا أَقْبَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَدَّمَتْهُ إِلَيْهِ،فَيُحِبُّ أَنْ يَأْكُلَهُ مَعَهُمْ.

قَالَتْ فَاطِمَةُ:وَ دَخَلَ عَلَى أَتْرَابِهِ يَوْماً وَ أَنَا مُضْطَجِعَةٌ وَ لَمْ أَرَهُ مَعَهُمْ فَقُلْتُ:أَيْنَ مُحَمَّدٌ؟.

قَالُوا:مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَرَاءَنَا.

ص:136

فَسَكَنَتْ نَفْسِي قَلِيلاً،وَ لَقَطَ الْغِلْمَانُ مَا كَانَ تَحْتَ النَّخْلَةِ.وَ جَاءَ بَعْدَهُمْ مُحَمَّدٌ فَلَمْ يَرَ تَحْتَهَا شَيْئاً،فَصَارَ إِلَيْهَا وَ وَقَفَ تَحْتَهَا،وَ كَانَتْ بَاسِقَةً،فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَيْهَا،فَانْثَنَتْ بِعَرَاجِينِهَا حَتَّى كَادَتْ تَلْحَقُ بِثِمَارِهَا الْأَرْضَ،فَلَقَطَ مِنْهَا مَا أَرَادَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ وَ أَوْمَأَ إِلَيْهَا،فَرَجَعَتْ، وَ حَسِبَنِي رَاقِدَةً.

قَالَتْ:وَ كُنْتُ مُضْطَجِعَةً،فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ اسْتُطِيرَ فِي رُوعِي،وَ لَمْ أَمْلِكْ نَفْسِي فَأَتَيْتُ أَبَا طَالِبٍ فَخَلَوْتُ بِهِ،فَقُلْتُ لَهُ:كَانَ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَيْتَ وَ كَيْتَ.

فَقَالَ:مَهْلاً يَا فَاطِمَةُ لاَ تَذْكُرِي مِنْ هَذَا شَيْئاً فَإِنَّهُ حُلُمٌ وَ أَضْغَاثٌ.

فَقُلْتُ:كَلاَّ وَ اللَّهِ،بَلْ هُوَ حَقٌّ يَقِينٌ فِي يَقَظَةٍ لاَ فِي نَوْمٍ،وَ رَأْيُ الْعَيْنِ لاَ رُؤْيَا،وَ إِنِّي لَأَرْجُو اللَّهَ أَنْ يُحَقِّقَ ظَنِّي فِيهِ وَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي بُشِّرْتُ بِتَرْبِيَتِهِ وَ وُعِدْتُ الْفَوْزَ عِنْدَ كَفَالَتِهِ.

فَكَانَتْ فَاطِمَةُ لاَ تُفَارِقُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي لَيْلٍ وَ لاَ نَهَارٍ،وَ لاَ تَغْفُلُ عَنْهُ وَ عَنْ خِدْمَتِهِ وَ تَفَقُّدِ مَطْعَمِهِ فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يُسَمِّيهَا أُمِّي،وَ هَجَرَتِ الْأَصْنَامَ،وَ قَطَعَتِ الْقُرْبَانَ إِلَيْهَا مِنَ الذَّبَائِحِ فِي الْأَعْيَادِ تَسْأَلُ الْوَلَدَ.وَ تَسْلِتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ التَّبَنِّي لَهُ وَ خِدْمَتِهِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ.فَلَمَّا قَطَعَتْ عَادَتَهَا،وَجِدَ عَلَيْهَا السَّدَنَةُ مِنْ ذَلِكَ وَ مَنَعُوهَا مِنَ الدُّخُولِ عَلَى الصَّنَمِ الْأَعْظَمِ، وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَحْضُرُ قُرَيْشاً فِي مَشَاهِدِهِمْ كُلِّهَا غَيْرَ السُّجُودِ لِلْأَصْنَامِ،وَ الذَّبَائِحِ لِلْأَنْصَابِ،وَ فِي حَالِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَ وَصْفِ الشِّعْرِ،وَ قَوْلِ الزُّورِ،فَإِنَّهُ كَانَ يَجْتَنِبُهُمْ مُذْ كَانَ طِفْلاً حَتَّى اسْتَكْمَلَ فَدَخَلَ يَوْماً عَلَى سَادِنٍ مِنْ سَدَنَةِ الْأَصْنَامِ،فَقَالَ لَهُ:لِمَ تُعَتِّبُ عَلَى أُمِّي فَاطِمَةَ وَ تَمْنَعُهَا مِنْ زِيَارَةِ هَذِهِ الْأَحْجَارِ الْمُؤَثِّرَةِ فِينَا الاِعْتِبَارَ؟.

فَقَالَ لَهُ السَّادِنُ:لِأَنَّهَا أَتَتْ بِأُمُورٍ مُتَشَابِهَةٍ،وَ قَطَعَتْ بِرَّ الْآلِهَةِ،وَ هِيَ لِمَنْ عَبَدَهَا نَافِعَةٌ، وَ لِمَنْ جَاءَ إِلَيْهَا شَافِعَةٌ،وَ سَتَعْلَمُ ابْنَةُ أَسَدٍ أَنَّهَا لاَ تَرْزُقُهَا وَلَداً.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ:أَ أَصْنَامٌ تَرْزُقُكُمُ الْوِلْدَانَ،وَ تَأْتِيكُمْ بِالْغَيْثِ عِنْدَ الْمَحْلِ فِي السَّنَوَاتِ الشِّدَادِ؟.

قَالَ لَهُ السَّادِنُ:نَعَمْ!أَ وَ مَا عَلِمْتَ نَحْنُ نَحْمَدُ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَصْنَامِ عَاجِلاً فِي الْفَاقَةِ وَ آجِلاً مُدَّخَراً.

ص:137

وَ الْتَفَتَ إِلَى السَّدَنَةِ فَقَالَ:هَذَا غُلاَمٌ مَاتَ أَبُوهُ وَ جَدُّهُ وَ أُمُّهُ وَ ظِئْرُهُ وَ هُوَ طِفْلٌ فَكَفَّلَهُ مَنْ لاَ يُعْبَأْ بِهِ وَ لاَ يَدُلُّهُ عَلَى رُشْدِهِ-وَ هُوَ عَمُّهُ وَ امْرَأَةُ عَمِّهِ.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ:فَأَخْبِرْنِي عَنْ هَذِهِ الْأَصْنَامِ مَنْ خَلَقَهَا وَ مَنِ ابْتَدَعَ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ وَ رَزَقَهَا؟.

قَالَ السَّادِنُ:اَللَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ،وَ هُوَ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ مَالِكٌ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ:فَإِنَّ أُمِّي تَجْعَلُ قُرْبَانَهَا لِلَّهِ الْحَيِّ الْقَائِمِ الْقَدِيمِ فَهُوَ أَحَقُّ مِنَ الْأَصْنَامِ.

ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْ سَاعَتِهِ وَ حَدَّثَهَا بِمَا جَرَى بَيْنَهُ وَ بَيْنَ السَّادِنِ وَ قَالَ لَهَا:قَرِّبِي إِلَى اللَّهِ قُرْبَانَكَ.

فَاصْطَفَتِ الْقُرْبَانَ وَ قَالَتْ:هَذَا لِلَّهِ خَالِصاً..جَعَلْتُهُ ذُخْراً..قَبِلْتُهُ مِنْ مُحَمَّدٍ حَبِيبِي.

فَمَا أَصْبَحَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا حَتَّى اكْتَسَتْ حُسْناً إِلَى حُسْنِهَا وَ جَمَالاً إِلَى جَمَالِهَا.

فَحَمَلَتْ فَوَلَدَتْ عَقِيلاً ثُمَّ حَمَلَتْ فَوَلَدَتْ طَالِباً ثُمَّ حَمَلَتْ فَوَلَدَتْ جَعْفَراً،وَ كَانَ وَجْهُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ يَزْدَادُ نُوراً وَ ضِيَاءً لَمَّا حَمَلَتْ بِأَزْكَاهُمْ وَ أَطْهَرِهِمْ وَ أَبَرِّهِمْ وَ أَرْضَاهُمْ عَلِيٍّ،فَوَلَدَتْهُ وَ نَالَهَا فِي وِلاَدَتِهِ بَعْضُ الصُّعُوبَةِ ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ حَتَّى حَنَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ وَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ وَ قَمَّطَهُ فِي حِضْنِهِ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ.

ثُمَّ رُزِقَتْ بَعْدَ عَلِيٍّ أُمَّ هَانِي وَ اسْمُهَا فَاخِتَةُ وَ هِيَ الْمُبَارَكَةُ الطَّيِّبَةُ أُخْتُ الطَّاهِرِينَ مِنْ وُلْدِ أَبِيهَا أَبِي طَالِبٍ.

مولد علي عليه السّلام

180- وَ: كَانَتْ فَاطِمَةُ حَمَلَتْ بِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَ وَلَدَتْهُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ،وَ حَمَلَتْ بِهِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ.

181- وَ: بَعْدَ حَمْلِهَا بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ كَانَتْ جَالِسَةً وَ قَدْ كُسِيَتْ نُوراً وَ جَمَالاً،وَ وَجْهُهَا يَزْهَرُ،وَ جَبْهَتُهَا تَتَلَأْلَأُ بَيْنَ الْأَكَارِمِ مِنَ الْفَوَاطِمِ مِنْ قُرَيْشٍ،مِنْهُنَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ جَدَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِأَبِيهِ،وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِرَةَ بْنِ الْأَصَمِّ أُمُّ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ،وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَرَّامٍ،وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَرْثِ بْنِ عِكْرِمَةَ،وَ مِمَّنْ لَمْ

ص:138

يَحْضُرْنَ وَ يَلْحَقْنَ مِنَ الْفَوَاطِمِ اللَّوَاتِي يَقْرَبْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ مِنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالنَّسَبِ وَ اللُّحْمَةِ:فَاطِمَةُ بِنْتُ النَّضْرِ أُمُّ وَلَدِ قُصَيٍّ.فَإِنَّهُنَّ لَجُلُوسٌ يَتَفَاخَرْنَ بِالذَّرَارِيِّ وَ الْأَوْلاَدِ إِذْ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ كَانَ وَجْهُهُ الْمِرْآةَ مَصْقُولَةً وَ الْمَهَاةَ مَجْلُوَّةً يَنْثَنِي كَغُصْنٍ مَيَّادٍ وَ قَدْ تَبِعَهُ بَعْضُ الْكُهَّانِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ نَظَراً شَافِياً.

فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى فَاطِمَةَ أُمِّ عَلِيٍّ بَيْنَ الْعَجَائِزِ مِنَ الْفَوَاطِمِ وَ جَلَسَ الْكَاهِنُ بِإِزَائِهِ لاَ يَمُرُّ بِهِ كَاهِنٌ مِثْلُهُ وَ لاَ حِبْرٌ وَ لاَ قَائِفٌ وَ لاَ عَائِفٌ إِلاَّ هَمَسَ إِلَيْهِ وَ غَمَزَهُ وَ اسْتَوْقَفَهُ، يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَبَعْضٌ يُشِيرُ إِلَيْهِ بِسَبَّابَتِهِ وَ بَعْضٌ يَعَضُّ عَلَى شَفَتِهِ.

فَغَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِقِيَامِهِ وَ دَخَلَ إِلَى مَنْزِلٍ عِنْدَ عَمِّهِ.

فَقَالَ الْكَاهِنُ لِلْعَجَائِزِ:مَنْ هَذَا الْفَتَى الَّذِي قَدْ زَهَا بِحُسْنِهِ عَلَى كُلِّ الْفِتْيَانِ وَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ؟.

قَالُوا:هَذَا الْمُحَبَّبُ فِي قَوْمِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذُو الْفَضْلِ وَ الْعُرْفِ وَ السُّؤْدُدِ فَقَالَ الْكَاهِنُ:يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ايذَنُوا بِالْحَرْبِ،بَعْدَ الْهَرَبِ،مِنْ سَيْفِ النَّبِيِّ الْمُنْتَجَبِ، الْوَيْلُ مِنْهُ لِلْعَرَبِ وَ لِلْأَصْنَامِ وَ النُّصُبِ.

ثُمَّ نَادَى:يَا أَهْلَ الْمَوْسِمِ الْحَافِلِ،وَ الْجَمْعِ الشَّامِلِ،قَرُبَ ظُهُورُ الدِّينِ الْكَامِلِ،وَ مَبْعَثُ النَّبِيِّ الْفَاضِلِ،ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

إِنِّي رَأَيْتُ نَبِيّاً مَا كُنْتُ أَعْرِفُهُ حَقّاً تَيَقَّنَهُ قَلْبِي بِإِثْبَاتٍ

فِي الْكُتُبِ أَنْزَلَهُ لَمَّا تَخَيَّرَهُ وَ كُنْتُ أَعْرِفُ مَا فِي شَرْحِ تَوْرَاةِ

مِنْ فَضْلِ أَحْمَدَ مَنْ كَالْبَدْرِ طَلْعَتُهُ يَزْهُو جَمَالاً عَلَى كُلِّ الْبَرِيَّاتِ

مِنْ أُمَّةٍ عُصِمَتْ مِنْ كُلِّ خَائِنَةٍ وَ صَارَ مُجْتَنِباً رِجْسَ الْخَسَارَاتِ

مَا زِلْتُ أَرْمُقُهُ مِنْ حُسْنِ بَهْجَتِهِ كَالشَّمْسِ مِنْ بُرْجِهَا تُبْدِي الطَّلِيعَاتِ

فَإِنْ بَقِيتُ إِلَى يَوْمِ السِّبَاقِ وَ قَدْ نَادَى قُرَيْشاً لِتَبْلِيغِ الرِّسَالاَتِ

كُنْتُ الْمُجِيبَ لَهُ لَبَّيْكَ مِنْ كُتُبٍ أَنْتَ الْمُفَضَّلُ مِنْ خَيْرِ الْبَرِيَّاتِ

يَا خَيْرَ مَنْ حَمَلَتْ حَوَّاءُ أَوْ وَضَعَتْ مِنْ أَوَّلِ الدَّهْرِ فِي رَجْعِ الْكَرِيرَاتِ

قَدْ كُنْتُ أَرْقُبُ هَذَا قَبْلَ فَجْوَتِهِ حَتَّى تَلَمَّسْتُهُ قَبْضاً بِرَاحَاتٍ

ص:139

فَالْيَوْمَ أَدْرَكْتُ غُنْماً كُنْتُ أَرْقُبُهُ مِنْ عِنْدِ رَبِّي جَبَّارِ السَّمَاوَاتِ

فَيَا لَهَا فَرْحَةً يَعْتَادُهَا نُجُحٌ لَمَّا حُبِيتُ بِتَحْبِيرِ التَّحِيَّاتِ

فَكَيْفَ يَنْزِلُ مَنْ نَالَ الرِّيَاحَ وَ مَنْ أَهْدَى لَهُ مُوهِبٌ مِنْ خَيْرِ خَيْرَاتٍ

ذَاكَ النَّبِيُّ الَّذِي لاَ شَكَّ مُنْتَجَبٌ جِبْرِيلُ يَقْصِدُهُ بِالْوَحْيِ تَارَاتٍ

فِي كُلِّ يَوْمٍ بِوَحْيِ اللَّهِ يَمْنَحُهُ يُنْبِيهِ عَنْ كُلِّ مَعْلُومِ الدَّلاَلاَتِ

قَالَ:فَقَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ:فَرَأَيْتُ حِبْراً مِنْهُمْ يَسْمَعُ شِعْرَ الْكَاهِنِ وَ دُمُوعُهُ تَسُحُّ عَلَى خَدَّيْهِ فَتَبِعْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ:أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِدِينِكَ وَ سِفْرِكَ وَ كِتَابِكَ لَتُخْبِرُنِي بِالْأَمْرِ عَلَى حَقِيقَتِهِ،فَإِنَّ الْحَكِيمَ لاَ يَكْتُمُ مَنِ اسْتَنْصَحَهُ نَصِيحَةً يُقَوِّي بِهَا بَصِيرَتَهُ.

فَنَظَرَ الْحِبْرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نَظَراً مُسْتَقْصِياً ثُمَّ قَالَ:وَ اللَّهِ هَذَا غُلاَمٌ هُمَامٌ،آبَاؤُهُ كِرَامٌ، يَكْفُلُهُ الْأَعْمَامُ،دِينُهُ الْإِسْلاَمُ،شَرِيعَتُهُ الصَّلاَةُ وَ الصِّيَامُ،تُظِلُّهُ الْغَمَامُ،يُجَلِّي بِوَجْهِهِ الظَّلاَمَ، مَنْ كَفَلَهُ رَشَدَ،وَ مَنْ أَرْضَعَهُ سُعِدَ،وَ هُوَ لِلْأَنَامِ سَنَدٌ،يَبْقَى ذِكْرُهُ مَا بَقِيَ الْأَبَدَ.

ثُمَّ ذَكَرَ كَفَالَةَ أَبِي طَالِبٍ إِيَّاهُ وَ عَدَدَ سِيرَتِهِ وَ خَاتِمَةَ أَمْرِهِ وَ عُقْبَاهُ.

ثُمَّ قَالَ:وَ تَكْفُلُهُ مِنْكُمْ امْرَأَةٌ تَطْلُبُ بِذَلِكَ زِيَادَةَ الْعَدَدِ فَسَيَكُونُ هَذَا الْمُبَارَكُ الْمَحْمُودُ لَهَا فِي طِيبِ الْغَرْسِ أَفْضَلَ وَلَدٍ.

قَالَتْ:فَقُلْتُ لَهُ:لَقَدْ أَصَبْتَ فِيمَا وَصَفْتَ إِلَى حَيْثُ انْتَهَيْتَ،وَ قُلْتَ الْحَقَّ عِنْدَ مَا شَرَحْتَ،أَنَا الْمَرْأَةُ الَّتِي أَكْفُلُهُ،زَوْجَةُ عَمِّهِ الَّذِي يَرْجُوهُ وَ يُؤَمِّلُهُ.

فَقَالَ لَهَا:إِنْ كُنْتِ صَادِقَةً فَسَتَلِدِينَ غُلاَماً،رَابِعَ أَرْبَعَةٍ مِنْ أَوْلاَدِكِ شُجَاعاً قَمْقَاماً عَالِماً إِمَاماً مِطْوَاعاً هُمَاماً،بِدِينِهِ قِوَاماً،لِرَبِّهِ مُصَلِّياً صَوَّاماً،غَيْرَ خَرِقٍ وَ لاَ نَزِقٍ وَ لاَ أَحْيَفَ وَ لاَ جَنِفٍ،اسْمُهُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَحْرُفٍ،يَلِي هَذَا النَّبِيَّ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ،وَ يُوَاسِيهِ فِي قَلِيلِهِ وَ كَثِيرِهِ،يَكُونُ سَيْفَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ،وَ بَابَهُ الَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ إِلَى أَوْلِيَائِهِ،يَقْصَعُ فِي جِهَادِهِ الْكُفَّارَ قَصْعاً،وَ يَدُعُّ أَهْلَ النَّكْثِ وَ الْغَدْرِ وَ النِّفَاقِ دَعّاً،يُفَرِّجُ عَنْ وَجْهِ نَبِيِّهِ الْكُرُبَاتِ، وَ تُجَلَّى بِهِ دَيَاجِرُ حِنْدِسِ الْغَمَرَاتِ،أَقْرَبُهُمْ مِنْهُ رَحِماً،وَ أَمَسُّهُمْ لَحْماً،وَ أَسْخَاهُمْ كَفّاً، وَ أَنْدَاهُمْ يَداً،يُصَاهِرُهُ عَلَى أَفْضَلِ كَرِيمَةٍ،وَ يَقِيهِ بِنَفْسِهِ فِي أَوْقَاتِ شِدَّتِهِ،تَعْجَبُ مِنْ صَبْرِهِ مَلاَئِكَةُ الْحِجَابِ إِذَا قَهَرَ أَهْلَ الشِّرْكِ بِالطَّعْنِ وَ الضِّرَابِ،يَهَابُ صَوْتَهُ أَطْفَالُ الْمِهَادِ،وَ تُرْعَدُ

ص:140

مِنْ خِيفَتِهِ الْفَرَائِصُ يَوْمَ الْجِلاَدِ،مَنَاقِبُهُ مَعْرُوفَةٌ،وَ فَضَائِلُهُ مَشْهُورَةٌ،هِزَبْرٌ دَفَّاعٌ،شَدِيدٌ مَنَّاعٌ،مِقْدَامٌ كَرَّارٌ،مُصَدِّقٌ غَيْرُ فَرَّارٍ،أَحْمَشُ السَّاقَيْنِ،غَلِيظُ السَّاعِدَيْنِ،عَرِيضُ الْمَنْكِبَيْنِ، رَحْبُ الذِّرَاعَيْنِ،شَرَّفَهُ اللَّهُ بِأَمِينِهِ،وَ اخْتَصَّهُ لِدِينِهِ،وَ اسْتَوْدَعَهُ سِرَّهُ،وَ اسْتَحْفَظَهُ عِلْمَهُ،عِمَادُ دِينِهِ،وَ مُظْهِرُ شَرِيعَتِهِ،يَصُولُ عَلَى الْمُلْحِدِينَ،وَ يُغَيِّظُ اللَّهُ بِهِ الْمُنَافِقِينَ،يَنَالُ شَرَفَ الْخَيْرَاتِ،وَ يَبْلُغُ مَعَالِيَ الدَّرَجَاتِ،يُجَاهِدُ بِغَيْرِ شَكٍّ،وَ يُؤْمِنُ مِنْ غَيْرِ شِرْكٍ،لَهُ بِهَذَا الرَّسُولِ وُصْلَةٌ مَنِيعَةٌ،وَ مَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ،يُزَوِّجُهُ ابْنَتَهُ،وَ يَكُونُ مِنْ صُلْبِهِ ذُرِّيَّتُهُ،يَقُومُ بِسُنَّتِهِ،وَ يَتَوَلَّى دَفْنَهُ فِي حُفْرَتِهِ،قَائِدُ جَيْشِهِ،وَ السَّاقِي مِنْ حَوْضِهِ،وَ الْمُهَاجِرُ مَعَهُ عَنْ وَطَنِهِ الْبَاذِلُ دُونَهُ دَمَهُ،سَيَصِحُّ لَكَ مَا ذَكَرْتُ مِنْ دَلاَلَتِهِ إِذَا رُزِقْتِيهِ،وَ تَرَيْنَ مَا قُلْتُهُ فِيهِ عِيَاناً كَمَا صَحَّ لِي دَلاَئِلُ مُحَمَّدٍ الْمَحْمُودِ بِاللَّهِ،إِنَّ مَا وَصَفْتُهُ مِنْ أَمْرِهِمَا مَوْجُودٌ مَذْكُورٌ فِي الْأَسْفَارِ وَ الزَّبُورِ، وَ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَ مُوسَى،ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

لاَ تَعْجَبِي مِنْ مَقَالِي سَوْفَ تَخْتَبِرِي عَمَّا قَلِيلٍ تَرَيْنَ الْقَوْلَ قَدْ وَضَحَا

أَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي قَدْ كُنْتُ أَذْكُرُهُ فَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا قَوْلِي لَهُ مَزْحاً

يَأْوِي الرَّشَادُ إِلَيْهِ مِثْلَ مَا سَكَنَتْ أُمٌّ إِلَى وَلَدٍ إِذْ صَادَفَتْ نُجْحاً

ثُمَّ الْمُؤَازِرُ وَ الْمُوصَى إِلَيْهِ إِذَا تَتَابَعَ الصَّيْدُ مِنْ أَطْرَافِهِ كَلِحاً

فَأَحْمَدُ الْمُصْطَفَى يُعْطِيهِ رَايَتَهُ يَحْبُوهُ بِابْنَتِهِ يَا خَيْرَ مَا مَنَحَا

بِذَاكَ أَخْبَرَنَا فِي الْكُتُبِ أَوَّلُنَا وَ الْجِنُّ تَسْتَرِقُ الْأَسْمَاعَ مُتَّضِحَا

قَالَتْ فَاطِمَةُ:فَجَعَلْتُ أُفَكِّرُ فِي قَوْلِهِ،فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ لَيَالٍ رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنَّ جِبَالَ الشَّامِ قَدْ أَقْبَلَتْ تَدِبُّ عَلَى عَرَاقِبِهَا،وَ عَلَيْهَا جَلاَبِيبُ حَدِيدٍ وَ هِيَ تَصِيحُ مِنْ صُدُورِهَا بِصَوْتٍ مَهُولٍ فَأَسْرَعَتْ نَحْوَهَا جِبَالُ مَكَّةَ وَ أَجَابَتْهَا بِمِثْلِ صِيَاحِهَا وَ أَهْوَلَ وَ هِيَ تَنْضِحُ كَالشَّرَرِ الْمُجَمَّرِ،وَ جَبَلُ أَبِي قُبَيْسٍ يَنْتَفِضُ كَالْفَرَسِ الْمُسَرْبَلِ بِالْعِدَّةِ وَ فِصَالُهُ تَسْقُطُ عَنْ يَمِينِهِ وَ شِمَالِهِ،وَ النَّاسُ يَلْتَقِطُونَ تِلْكَ النُّصُولَ،فَلَقَطْتُ مَعَهُمْ أَرْبَعَةَ أَسْيَافٍ وَ بَيْضَةَ حَدِيدٍ مُذَهَّبَةً،فَأَوَّلُ مَا دَخَلْتُ مَكَّةَ سَقَطَ مِنْهَا سَيْفٌ فِي مَاءٍ فَعَبَرَ،وَ طَارَ الثَّانِي فِي الْجَوِّ فَانْثَمَرَ وَ سَقَطَ الثَّالِثُ إِلَى الْأَرْضِ فَانْكَسَرَ،وَ بَقِيَ الرَّابِعُ فِي يَدِي مَسْلُولاً،فَبَيْنَمَا أَنَا بِهِ أَصُولُ إِذْ صَارَ السَّيْفُ شِبْلاً أَتَبَيَّنُهُ ثُمَّ صَارَ لَيْثاً مُسْتَأْسِداً فَخَرَجَ عَنْ يَدِي وَ مَرَّ نَحْوَ تِلْكَ الْجِبَالِ

ص:141

يَجُوبُ بلاطخها [بُلاَطِحَهَا] ،وَ يُخْرِقُ صلادحها [صُلاَطِحَهَا] ،وَ النَّاسُ مِنْهُ مُشْفِقُونَ،وَ مِنْ خَوْفِهِ حَذِرُونَإِذْ أَتَاهُ مُحَمَّدٌ ابْنِي فَقَبَضَ عَلَى رَقَبَتِهِ،فَانْقَادَ لَهُ كَالظَّبْيَةِ الْأَلُوفِ،فَانْتَبَهْتُ وَ أَنَا مُرْتَاعَةٌ،فَغَدَوْتُ عَلَى الْحِبْرِ وَ الْكَاهِنِ اللَّذَيْنِ بَشَّرَانِي وَ وَعَدَانِي وَ عَلَى سَائِرِ الْقَافَةِ وَ الْعَافَةِ بِأَنْ قَصَدْتُ(أَبَا كُرْزٍ)الْكَاهِنَ وَ كَانَ عَارِفاً مُحَذَّقاً فَوَجَدْتُهُ قَدْ نَهَضَ فِي حَاجَةٍ لَهُ فَجَلَسْتُ أَرْقُبُهُ وَ كَانَ عِنْدَهُ(جَمِيلٌ)كَاهِنُ بَنِي تَمِيمٍ فَكَرِهْتُ حُضُورَهُ وَ عَمِلْتُ عَلَى انْتِظَارِ قِيَامِهِ وَ انْصِرَافِهِ، فَنَظَرَ جَمِيلٌ إِلَيَّ وَ ضَحِكَ ثُمَّ قَالَ لِي:أُقْسِمُ بِالْأَنْوَاءِ وَ مُظْهِرِ النَّعْمَاءِ،وَ خَالِقِ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ،إِنَّكِ لَتَكْرَهِينَ مَثْوَايَ وَ تُحِبِّينَ مَسْرَايَ لِتَسْأَلِي(أَبَا كُرْزٍ)عَنِ الرُّؤْيَا،فَيُنْبِئَكَ بِالْأَنْبَاءِ،فَقُلْتُ لَهُ:إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فِيمَا قُلْتَ مِنَ الْهَتْفِ حِينَ زَجَرْتَ فَنَبِّئْنِي بِمَا اسْتَظْهَرْتَ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

رَأَيْتِ أَجْبَالاً تَلِي أَجْبَالاً وَ كُلُّهَا لاَبِسَةٌ سِرْبَالاً

مُسْرِعَةٌ قَدْ تَبْتَغِي الْقِتَالاَ حَتَّى رَأَيْتِ بَعْضَهَا تَعَالَى

يَنْثُرُ مِنْ جِلْبَابِهِ نِصَالاً أَخَذْتِ مِنْهَا أَرْبَعاً طِوَالاً

وَ بَيْضَةً تَشْتَعِلُ اشْتِعَالاً فَوَاحِدٌ فِي ثَجِّ مَاءٍ عَالاَ

وَ آخَرُ فِي جَوِّهَا قَدْ صَالاَ بِذِي طَوَافٍ طَارَ حِينَ زَالاَ

وَ ثَالِثٌ قَدْ صَادَفَ اخْتِلاَلاَ لَمَّا غَدَا مُنْكَسِراً أَوْصَالاً

وَ رَابِعٌ قَدْ خِلْتِهِ هِلاَلاً مُقْتَدَحَ الزَّنْدَيْنِ قَدْ تَلاَلاَ

وَلَّتْ بِهِ صَائِلَةٌ إِيغَالاً حَتَّى اسْتَحَالَ بَعْدَهَا انْتِقَالاً

أَدْرَكَ فِي خِلْقَتِهِ الْأَشْبَالاَ ثُمَّ اسْتَوَى مُسْتَأْسِداً صُوَالاً

يَخْطَفُ مِنْ سُرْعَتِهِ الرِّجَالاَ فَانْسَلَّ فِي قِيعَانِهَا انْسِلاَلاً

يَخْرِقُ مِنْهَا الصَّعْبَ وَ الْمُحَالاَ وَ النَّاسُ يَرْهَبُونَ مِنْهُ الْحَالاَ

حَتَّى أَتَى ابْنَ عَمِّهِ إِرْسَالاً فَتَلَّهُ بِعُنُقِهِ إِتْلاَلاً

كَظَبْيَةٍ مَا مَنَعَتْ غِفَالاً ثُمَّ انْتَبَهْتِ تَحْسَبِينَ خَالاً

قَالَتْ فَاطِمَةُ:فَقُلْتُ:صَدَقْتَ وَ اللَّهِ يَا جَمِيلُ وَ بَرِرْتَ فِي قَوْلِكَ،هَكَذَا رَأَيْتُ مِمَّا رَأَيْتُ فِي الْكَرَى فَنَبِّئْنِي بِتَأْوِيلِهِ.فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

ص:142

أَمَّا النُّصُولُ فَهِيَ صَيْدُ أَرْبَعٍ ذُكُورِ أَوْلاَدٍ حَكَتْهَا الْأَسْبُعُ

وَ الْبَيْضَةُ الْوَقْدَاءُ بِنْتٌ تَتْبَعُ كَرِيمَةٌ غَرَّاءُ لاَ تُرَوَّعُ

فَصَاحِبُ الْمَاءِ غَرِيبٌ مُفْتَقَدٌ فِي لُجَّةٍ تُرْمَى بِأَصْنَافِ الزَّبَدِ

وَ الطَّائِرُ الْأَجْنَحُ ذُو الْغَرْبِ الزَّغِبُ تَقْتُلُهُ فِي الْحَرْبِ عَبَّادُ الصُّلُبِ

وَ الثَّالِثُ الْمَكْسُورُ مَيْتٌ قَدْ دُفِنَ يَنْزِلُ عُقْباً بَعْدَهُ طُولَ الزَّمَنِ

وَ الرَّابِعُ الصَّائِلُ كَاللَّيْثِ الْمَرِحِ يَرْفُلُ فِي عِرَاصِهَا وَ يَقْتَرِحُ

فَذَاكَ لِلْخَلْقِ إِمَامٌ مُنْتَصِحٌ إِذَا بَغَاهُ كَافِرٌ جَهْراً ذُبِحَ

وَ إِنْ لَقَاهُ بَطَلٌ عَنْهُ جَنَحَ حَتَّى تَرَاهُمْ مِنْ صَيَاصِيهِمْ بَطِحٌ

فَاسْتَشْعِرِي الْبُشْرَى فَرُؤْيَاكِ تَصِحُّ

قَالَتْ فَاطِمَةُ فَمَا زِلْتُ مُفَكِّرَةً فِي ذَلِكَ وَ تَتَابُعِ حَمْلِي وَ وِلاَدَتِي لِأَوْلاَدِي.

فَلَمَّا كَانَ فِي الشَّهْرِ الَّذِي وَلَدْتُ فِيهِ عَلِيّاً رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنَّ عَمُوداً حَدِيداً انْتَزَعَ مِنْ أُمِّ رَأْسِي ثُمَّ شَعَّ فِي الْهَوَاءِ حَتَّى بَلَغَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ رُدَّ إِلَيَّ فَمَكَثَ سَاعَةً فَانْتَزَعَ مِنْ قَدَمِي فَقُلْتُ:مَا هَذَا؟فَقِيلَ:هَذَا قَاتِلُ أَهْلِ الْكُفْرِ،وَ صَاحِبُ مِيثَاقِ النَّصْرِ،بَأْسُهُ شَدِيدٌ تَجْزَعُ مِنْ خِيفَتِهِ الْجُنُودُ،وَ هُوَ مَعُونَةُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ وَ مُؤَيِّدُهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ،بِحُبِّهِ فَازَ الْفَائِزُونَ، وَ سَعِدَ السُّعَدَاءُ،وَ هُوَ مُمَثَّلٌ فِي السَّمَاءِ الْمَرْفُوعَةِ وَ الْأَرْضِ الْمَوْضُوعَةِ وَ الْجِبَالِ الْمَنْصُوبَةِ، وَ الْبِحَارِ الزَّاخِرَةِ وَ النُّجُومِ الزَّاهِرَةِ،وَ الشُّمُوسِ الصَّاحِيَةِ،وَ الْمَلاَئِكَةِ الْمُسَبِّحَةِ،ثُمَّ هَتَفَ بِي هَاتِفٌ يَقُولُ:

جَالَ الصَّبَاحُ لَدَى الْبَطْحَاءِ إِذْ شَمِلَتْ (سُوداً)بِذِي خَدَمٍ فَرْشَ الْمَرَاقِيلِ

مِنْ دَلْجِ هَامٍ جَرَاثِيمَ جَحَاجِحَةٍ مِنْ كُلِّ مُدَّرَعٍ بِالْحِلْمِ رعبيلٍ

مِنَ الْجَهَاضِمِ إِذْ فَاقَتْ قَمَاقِمُهَا دُونَ السَّحَابِ عَلَى جُنْحِ الْأَثَاكِيلِ

يَا أَهْلَ مَكَّةَ لاَ تَشْقَى جَدُودُكُمْ وَ أَبْشِرُوا لَيْسَ صِدْقُ الْقِيلِ كَالْقِيلِ

فَقَدْ أَتَتْ سُودُ بِالْمَيْمُونِ فَانْتَحِجُوا وَ اجْفُوا الشُّكُوكَ وَ أَضْغَاثَ الْأَبَاطِيلِ

مِنْ خَازِنِ النُّورِ فِي أَبْنَاءِ مَسْكَنِهِ مِنْ صُلْبِ آدَمَ فِي نَكْبِ الضَّمَاحِيلِ

إِنَّا لَنَعْرِفُهُ فِي الْكُتُبِ مُتَّصِلاً بِشَرْحِ ذِي جَدَلٍ بِالْحَقِّ حِصْلِيلٍ

.

ص:143

182- قَالَ: فَوُلِدَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ثَلاَثُونَ سَنَةً فَأَحَبَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حُبّاً شَدِيداً.

وَ قَالَ لِفَاطِمَةَ أُمِّهِ:اِجْعَلِي مَهْدَ عَلِيٍّ بِجَنْبِ فِرَاشِي،وَ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَلِي تَرْبِيَتَهُ وَ يُوجِرُهُ اللَّبَنَ فِي سَاعَةِ رَضَاعِهِ وَ يُحَرِّكُ مَهْدَهُ عِنْدَ نَوْمِهِ وَ يُنَاغِيهِ فِي يَقَظَتِهِ،وَ يَحْمِلُهُ عَلَى صَدْرِهِ تَارَةً وَ عَلَى عَاتِقِهِ أُخْرَى وَ يَتَكَتَّفُهُ وَ يَقُولُ:هَذَا أَخِي وَ وَلِيِّي وَ نَاصِرِي وَ صَفِيِّي وَ وَصِيِّي وَ ذَخِيرَتِي وَ كَهْفِي وَ صِهْرِي وَ زَوْجُ كَرِيمَتِي وَ أَمِينِي عَلَى وَصِيَّتِي.وَ كَانَ يَحْمِلُهُ وَ يَطُوفُ بِهِ جِبَالَ مَكَّةَ وَ شِعَابَهَا وَ أَوْدِيَتَهَا وَ فِجَاجَهَا.

فَلَمَّا تَزَوَّجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ عَلِمَتْ بِوَجْدِهِ بِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَكَانَتْ تَسْتَزِيرُهُ وَ تُزَيِّنُهُ بِفَاخِرِ الثِّيَابِ وَ الْجَوْهَرِ وَ تُرْسِلُ مَعَهُ وَلاَئِدَهَا،فَيَقُلْنَ:هَذَا أَخُو مُحَمَّدٍ وَ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ وَ قُرَّةُ عَيْنِ خَدِيجَةَ وَ مَنْ يُنْزِلُ السَّكِينَةَ عَلَيْهِ.

علي ربيب الرسول

183- وَ: كَانَتْ أَلْطَافُ خَدِيجَةَ وَ هَدَايَاهَا إِلَى مَنْزِلِ أَبِي طَالِبٍ مُتَّصِلَةً حَتَّى أَصَابَتْ قُرَيْشاً أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ،وَ سَنَةٌ مُعْصَوْصِبَةٌ،وَ كَانَ أَبُو طَالِبٍ رَجُلاً جَوَاداً مِعْطَاءً سَمِحاً فَقَلَّ مَالُهُ وَ كَثُرَ عِيَالُهُ وَ أَجْحَفَتِ السَّنَةُ بِحَالِهِ.

فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَمَّهُ الْعَبَّاسَ وَ كَانَ أَيْسَرَ بَنِي هَاشِمٍ فِي وَقْتِهِ وَ زَمَانِهِ فَقَالَ لَهُ:يَا عَمِّ إِنَّ أَخَاكَ كَثِيرُ الْعِيَالِ مُتَضَعْضِعُ الْحَالِ وَ قَدْ أَصَابَ النَّاسَ مَا تَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ، وَ ذَوُو الْأَرْحَامِ أَحَقُّ بِالرِّفْدِ وَ أَوْلَى مَنْ حُمِلَ عَنْهُمُ الْكَلُّ،فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ لِنَحْمِلَ مِنْ كَلِّهِ وَ نُخَفِّفَ مِنْ عَيْلَتِهِ فَيَأْخُذَ بَعْضٌ بِبَنِيهِ وَ نَأْخُذَ الْبَعْضَ.

فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ:نِعْمَ مَا رَأَيْتَ يَا ابْنَ أَخٍ وَ عَلَى الصَّوَابِ أَتَيْتَ هَذَا وَ اللَّهِ التَّيَقُّظُ عَلَى الْكَرَمِ وَ الْعَطْفُ عَلَى الرَّحِمِ.

فَمَضَيَا إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَأَجْمَلاَ مُخَاطَبَتَهُ وَ قَالاَ لَهُ:إِنَّ لَكَ سَوَابِقَ مَحْمُودَةً وَ مَنَاقِبَ غَيْرَ مَجْحُودَةٍ وَ أَنْتَ صِنْوُ الْأُبَاةِ الْأَنْجَادِ وَ قَدْ جُمِعَ لَكَ الْعُرْفُ فِي قَرْنٍ فَهُوَ إِلَيْكَ مُنْقَادٌ،وَ لَسْنَا نَبْلُغُ صِفَاتَكَ،وَ قَدْ أَضَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ الْغَبْرَاءُ،وَ عِيَالُكَ كَثِيرٌ وَ لاَ بُدَّ أَنْ نُخَفِّفَ عَنْكَ بَعْضَهُمْ

ص:144

حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا فِيهِ النَّاسُ مِنْ هَذَا الْقِمْطَرِيرِ.

فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ:إِذَا تَرَكْتُمَا لِي عَقِيلاً وَ طَالِباً فَشَأْنَكُمَا الْأَصَاغِرَ.

فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلِيّاً وَ أَخَذَ الْعَبَّاسُ جَعْفَراً عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فَتَوَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مُنْذُ ذَلِكَ الْوَقْتِ تَرْبِيَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ تَغْذِيَتَهُ وَ تَعْلِيمَهُ بِنَفْسِهِ.

و كان يصلّي معه قبل أن تظهر نبوّته بسنتين ثمّ كان من قصّته وقت إظهار النبوّة إلى وقت مضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و من أمر غدير خم و غيره ما هو مشهور و قد روي و قص به و ذكرنا بعضه.

و قام بأمر اللّه جل و علا و سنه خمس و ثلاثون سنة و اتبعه المؤمنون و قعد عنه المنافقون،و نصبوا للملك و أمر الدّنيا رجلا اختاروه لأنفسهم دون من اختاره اللّه-جلّ و عز-و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

في الحوادث التي اعقبت وفاة النبيّ صلی الله علیه و آله

184- فَرُوِيَ: أَنَّ الْعَبَّاسَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَارَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ:

امْدُدْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ.

فَقَالَ:وَ مَنْ يَطْلُبُ هَذَا الْأَمْرَ وَ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ غَيْرُنَا.

وَ صَارَ إِلَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمُ الزُّبَيْرُ وَ أَبُو سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ،فَأَبَى.

وَ اخْتَلَفَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ:مِنَّا أَمِيرٌ وَ مِنْكُمْ أَمِيرٌ.

فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ:سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ:اَلْخِلاَفَةُ فِي قُرَيْشٍ.

فَسَلَّمَتِ الْأَنْصَارُ لِقُرَيْشٍ بَعْدَ أَنْ دِيسَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَ وَطِئُوا بَطْنَهُ.

وَ بَايَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا بَكْرٍ وَ صَفَّقَ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ بَايَعَهُ قَوْمٌ مِمَّنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ذَلِكَ الْوَقْتُ مِنَ الْأَعْرَابِ وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ،وَ تَابَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُمْ.

وَ اتَّصَلَ الْخَبَرُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ غُسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ تَحْنِيطِهِ وَ تَكْفِينِهِ وَ تَجْهِيزِهِ وَ دَفْنِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ مَعَ مَنْ حَضَرَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ قَوْمٍ مِنْ صَحَابَتِهِ

ص:145

مِثْلِ سَلْمَانَ وَ أَبِي ذَرٍّ وَ الْمِقْدَادِ وَ عَمَّارٍ وَ حُذَيْفَةَ وَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَ جَمَاعَةٍ نَحْوَ أَرْبَعِينَ رَجُلاً فَقَامَ خَطِيباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

«إِنْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ فِي قُرَيْشٍ فَأَنَا أَحَقُّ قُرَيْشٍ بِهَا وَ إِنْ لاَ تَكُنْ فِي قُرَيْشٍ فَالْأَنْصَارُ عَلَى دَعْوَاهُمْ».

ثُمَّ اعْتَزَلَهُمْ وَ دَخَلَ بَيْتَهُ فَأَقَامَ فِيهِ وَ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَ قَالَ:

إِنَّ لِي فِي خَمْسَةٍ مِنَ النَّبِيِّينَ أُسْوَةٌ:نُوحٍ إِذْ قَالَ إِنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ،وَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ:

وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ،وَ لُوطٍ إِذْ قَالَ:لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ،وَ مُوسَى إِذْ قَالَ:فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ،وَ هَارُونَ إِذْ قَالَ:إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كَادُوا يَقْتُلُونِّي.

ثُمَّ أَلَّفَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الْقُرْآنَ وَ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ وَ قَدْ حَمَلَهُ فِي إِزَارٍ مَعَهُ وَ هُوَ يَئِطُّ مِنْ تَحْتِهِ فَقَالَ لَهُمْ:هَذَا كِتَابُ اللَّهِ قَدْ أَلَّفْتُهُ كَمَا أَمَرَنِي وَ أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَمَا أُنْزِلَ.

فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ:اُتْرُكْهُ وَ امْضِ.

فَقَالَ لَهُمْ:إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ لَكُمْ:إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ،كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَإِنْ قَبِلْتُمُوهُ فَاقْبَلُونِي مَعَهُ،أَحْكُمْ بَيْنَكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ.

فَقَالُوا:لاَ حَاجَةَ لَنَا فِيهِ وَ لاَ فِيكَ،فَانْصَرِفْ بِهِ مَعَكَ لاَ تُفَارِقْهُ وَ لاَ يُفَارِقْكَ.

فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ فَأَقَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مَنْ مَعَهُ مِنْ شِيعَتِهِ فِي مَنْزِلِهِ بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَوَجَّهُوا إِلَى مَنْزِلِهِ فَهَجَمُوا عَلَيْهِ،وَ أَحْرَقُوا بَابَهُ،وَ اسْتَخْرَجُوهُ مِنْهُ كَرْهاً، وَ ضَغَطُوا سَيِّدَةَ النِّسَاءِ بِالْبَابِ حَتَّى أَسْقَطَتْ(مُحْسِناً)وَ أَخَذُوهُ بِالْبَيْعَةِ فَامْتَنَعَ وَ قَالَ:لاَ أَفْعَلُ.

فَقَالُوا:نَقْتُلُكَ.

فَقَالَ:إِنْ تَقْتُلُونِي فَإِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَ أَخُو رَسُولِهِ.

وَ بَسَطُوا يَدَهُ فَقَبَضَهَا،وَ عَسُرَ عَلَيْهِمْ فَتْحُهَا،فَمَسَحُوا عَلَيْهَا وَ هِيَ مَضْمُومَةٌ.

ثُمَّ لَقِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ هَذَا الْفِعْلِ بِأَيَّامٍ أَحَدَ الْقَوْمِ فَنَاشَدَهُ اللَّهَ وَ ذَكَّرَهُ بِأَيَّامِ اللَّهِ

ص:146

وَ قَالَ لَهُ:هَلْ لَكَ أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى يَأْمُرَكَ وَ يَنْهَاكَ؟.

فَقَالَ لَهُ:نَعَمْ!.

فَخَرَجَا إِلَى مَسْجِدِ(قُبَا)فَأَرَاهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَاعِداً فِيهِ فَقَالَ لَهُ:يَا(فُلاَنُ)عَلَى هَذَا عَاهَدْتُمُونِي بِهِ فِي(تَسْلِيمِ الْأَمْرِ إِلَى عَلِيٍّ وَ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ).

فَرَجَعَ وَ قَدْ هَمَّ بِتَسْلِيمِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ،فَمَنَعَهُ صَاحِبُهُ مِنْ ذَلِكَ،فَقَالَ:هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ مَعْرُوفٌ مِنْ سِحْرِ بَنِي هَاشِمٍ،أَ وَ مَا تَذْكُرُ يَوْمَ كُنَّا مَعَ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ فَأَمَرَ شَجَرَتَيْنِ فَالْتَقَتَا فَقَضَى حَاجَتَهُ خَلْفَهُمَا،ثُمَّ أَمَرَهُمَا فَتَفَرَّقَتَا،وَ عَادَتَا إِلَى حَالِهِمَا؟.

فَقَالَ لَهُ:أَمَا إِنْ ذَكَّرْتَنِي هَذَا فَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ فِي الْكَهْفِ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِي ثُمَّ أَهْوَى رِجْلَهُ فَأَرَانِي الْبَحْرَ ثُمَّ أَرَانِي جَعْفَراً وَ أَصْحَابَهُ فِي سَفِينَتِهِ تَقُومُ فِي الْبَحْرِ.

فَرَجَعَ عَمَّا كَانَ عَازِمٌ عَلَيْهِ،وَ هَمُّوا بِقَتْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ تَوَاصَوْا وَ تَوَاعَدُوا بِذَلِكَ وَ أَنْ يَتَوَلَّى قَتْلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَعَثَتْ(أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ)إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِجَارِيَةٍ لَهَا فَأَخَذَتْ بِعِضَادَتَيِ الْبَابِ وَ نَادَتْ:إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ.

فَخَرَجَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مُشْتَمِلاً سَيْفَهُ وَ كَانَ الْوَعْدُ فِي قَتْلِهِ:يَنْتَهِي إِمَامُهُمْ مِنْ صَلاَتِهِ بِالتَّسْلِيمِ فَيَقُومُ خَالِدٌ إِلَيْهِ بِسَيْفِهِ.

فَأَحَسُّوا بَأْسَهُ فَقَالَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ:لاَ يَفْعَلَنَّ خَالِدٌ مَا أَمَرْتُهُ بِهِ.

ثمّ كان من أقاصيصهم ما رواه الناس.

و في سنتين و ثلاثة أشهر و عشرة أيّام من إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام مات(ابن أبي قحافة)و هو عتيق بن عثمان و أوصى بالأمر بعده إلى عمر بن الخطّاب لعهد كان بينهما، و اعتزله أمير المؤمنين عليه السّلام كاعتزاله لصاحبه قبله،لا يأمر إلاّ بما لم يجد من الأمر به بدا، و لا ينهى إلاّ عمّا لم يجد من النهي عنه بدا،و هم في خلال ذلك يسألونه و يستفتونه في حلالهم و حرامهم و في تأويل الكتاب و فصل الخطاب.

و بعد اثنتي عشرة سنة و ثلاثة أشهر و أيّام من إمامة أمير المؤمنين قتل أبو لؤلؤة مولى المغيرة بن شعبة عمر بن الخطّاب بخنجر جرحه به،و كان الخنجر مسموما فمكث ثلاثة

ص:147

أيام ثمّ مات،

185- وَ: جَعَلَ الْخِلاَفَةَ بَعْدَهُ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ وَ قَالَ:هَؤُلاَءِ أَحَقُّ النَّاسِ بِالْخِلاَفَةِ، وَ لَوْ كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ حَيّاً مَا اخْتَلَجَنِي فِيهِ الشُّكُوكُ أَنْ أُقَلِّدَهُ هَذَا الْأَمْرَ بَعْدِي.

وَ جَعَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي الشُّورَى آخِرَ السِّتَّةِ مِنْهُمْ وَ بَدَا فَسَمَّى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَ أَشَارَ إِلَيْهِ وَ عَرَضَ بِتَوَلِّيهِ الْأَمْرَ بَعْدَهُ ثُمَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيَّ وَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ الْأَسَدِيَّ وَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ الزُّهْرِيَّ وَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ ثُمَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيَّ بَعْدَهُمْ فِي وَصِيَّتِهِ،وَ أَمَرَ صُهَيْباً أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ إِلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ أَمْرُ الْقَوْمِ فِي الشُّورَى فَإِنِ اخْتَلَفَ السِّتَّةُ قَتَلَ الثَّلاَثَةَ الَّذِينَ لَيْسَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَ نَصَبَ الثَّلاَثَةَ الَّذِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مَنْ يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ،وَ إِنِ انْقَضَتْ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ وَ لَمْ يَقَعِ الاِخْتِيَارُ وَ الاِتِّفَاقُ عَلَى أَحَدِهِمْ قَتَلَ السِّتَّةَ بِأَجْمَعِهِمْ.

فَصَلَّى صُهَيْبٌ- وَ رُوِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: -بِالنَّاسِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ وَقَعَ اخْتِيَارُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَلَى عُثْمَانَ فَقَلَّدَهُ الْأَمْرَ،وَ لَمْ يَجِدْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عِنْدَهُ مَا قَدَّرَهُ مَعَ الْمُوَاخَاةِ وَ الصِّهْرِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا فَأَظْهَرَ النَّدَامَةَ وَ الْأَسَى عَلَى فِعْلِهِ وَ اخْتِيَارِهِ وَ صَارَ أَحَدَ مَنْ يُؤَلِّبُ عَلَيْهِ النَّاسَ.وَ اعْتَزَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

و كان من حديث عثمان ما رواه الناس من ايوائه طريد رسول اللّه الحكم بن العاص و مروان ابنه و انّه استوزر مروان و ردّ أموره و النظر في أعماله و أحكام المسلمين إليه و نفيه أبا ذر جندب بن جنادة بعد أن وجر حلقه و ضرب ظهره و حمل على قتب يابس الى الربذة حتّى مات فيها.

و قد روى الناس ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه و وصفه له بالصدق و شهادته له بالجنّة.

ثمّ اجتمع المهاجرون و الأنصار على محاصرة عثمان و الهجوم عليه حتّى قتلوه، و ذلك في أربع و عشرين سنة من إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام.

186- : ثُمَّ صَارَ النَّاسُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِيُبَايِعُوهُ،فَامْتَنَعَ عَلَيْهِمْ،فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ حَتَّى أَكْرَهُوهُ وَ تَدَاكُّوا عَلَيْهِ تَدَاكَّ الْإِبِلِ عَلَى الْمَاءِ،فَبَايَعَهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ طَائِعِينَ رَاغِبِينَ.

فَلَمَّا بَايَعُوهُ قَامَ خَطِيباً فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ ذَكَّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ:«يَا

ص:148

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَوَّلَ قَتِيلٍ بَغَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَنَاقُ بِنْتُ آدَمَ خَلَقَ اللَّهُ لَهَا عِشْرِينَ إِصْبَعاً لِكُلِّ إِصْبَعٍ فِيهَا ظُفُرَانِ كَالْمِنْجَلَيْنِ الطَّوِيلَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَ كَانَ مَجْلِسُهَا عَلَى جَرِيبٍ مِنَ الْأَرْضِ فَبَغَتْ فِي الْأَرْضِ ثَمَانِينَ سَنَةً فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ هَلاَكَهَا خَلَقَ لَهَا أَسَداً مِثْلَ الْفِيلِ وَ ذِئْباً مِثْلَ الْحِمَارِ الْكَبِيرِ وَ نَسْراً مِثْلَ الْبَعِيرِ فَسَلَّطَهُمْ عَلَيْهَا فَمَزَّقُوهَا فَقَتَلُوهَا وَ أَكَلُوهَا ثُمَّ قَتَلَ اللَّهُ الْجَبَابِرَةَ فِي زَمَانِهَا،وَ قَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ وَ خَسَفَ بِقَارُونَ وَ قَدْ قُتِلَ عُثْمَانُ وَ كَانَ لِي حَقٌّ حَازَهُ مَنْ لَمْ آمَنْهُ عَلَيْهِ وَ لَمْ أُشْرِكْهُ فِيهِ فَهُوَ مِنْهُ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ لاَ يَسْتَنْفِذُهُ مِنْهَا إِلاَّ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ يَتُوبُ عَلَى يَدَيْهِ وَ لاَ نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ».

ثُمَّ قَالَ:«أَيُّهَا النَّاسُ!اَلدُّنْيَا دَارُ حَقٍّ وَ بَاطِلٍ وَ لِكُلٍّ أَهْلٌ.أَلاَ وَ لَئِنْ غَلَبَ الْبَاطِلُ فَقَدِيماً كَانَ،وَ لَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ وَ ضَعُفَ صَاحِبُهُ فَلَيْسَ بِمَا عَادَ،وَ لَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ إِنَّكُمْ لَسُعَدَاءُ وَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ تَكُونُوا فِي فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ أَمَا إِنِّي لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ سَبَقَ الرَّجُلاَنِ وَ قَامَ الثَّالِثُ كَالْغُرَابِ هِمَّتُهُ بَطْنُهُ،يَا وَيْحَهُ لَوْ قُصَّ جَنَاحُهُ وَ قُطِعَ رَأْسُهُ كَانَ خَيْراً لَهُ،شُغِلَ عَنِ الْجَنَّةِ وَ النَّارُ أَمَامَهُ».

ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلاَمٍ طَوِيلٍ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ:

إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَلاَ أَدَّبَ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّيْفِ وَ السَّوْطِ فَاسْتَتِرُوا بِبُيُوتِكُمْ وَ أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ فَإِنَّ التَّوْبَةَ مِنْ وَرَائِكُمْ،مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ،أَلاَ وَ إِنَّ كُلَّ قَطِيعَةٍ أَقْطَعَهَا عُثْمَانُ-أَوْ قَالَ أَعْطَاهُ-مِنْ مَالِ اللَّهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ لاَ يُبْطِلُهُ شَيْءٌ وَ لَوْ وَجَدْتُهُ تَفَرَّقَ فِي الْبُلْدَانِ لَرَدَدْتُهُ فَإِنَّ فِي الْحَقِّ سَعَةً،وَ مَنْ ضَاقَ عَنْهُ الْحَقُّ فَالْجَوْرُ عَنْهُ أَضْيَقُ،أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَ لَكُمْ.

ثُمَّ: اسْتَأْذَنَهُ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ فِي الْخُرُوجِ إِلَى مَكَّةَ وَ كَانَا أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ وَ مَدَّا يَدَهُ وَ صَفَقَا عَلَيْهَا وَ مَسَحَاهَا فَأَذِنَ لَهُمَا وَ حَذَّرَهُمَا النَّكْثَ وَ الْغَدْرَ وَ جَدَّدَ عَلَيْهِمَا بَيْعَتَهُ وَ ذَكَّرَهُمَا مَا سَمِعَا9هُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَهُمَا وَ لَهُ بِحَضْرَتِهِمَا:أَنَّكَ تُقَاتِلُ بَعْدِي النَّاكِثِينَ وَ الْقَاسِطِينَ وَ الْمَارِقِينَ.

و قد روي في قتالهم ما جاءت به الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رواه الخاص و العام و لا يدفع ذلك إلاّ معاند،

187- : فَخَرَجَا إِلَى مَكَّةَ فَأَلَّبَا عَلَيْهِ النَّاسَ وَ أَخْرَجَا عَائِشَةَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَ قَدْ

ص:149

أَنْذَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهَا تُقَاتِلُهُ ظَالِمَةً لَهُ وَ بِكِلاَبِ الْحَوْأَبِ إِذَا نَبَحَتْ فِي طَرِيقِهَا وَ مَا رَوَاهُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ.

فَدَخَلُوا الْبَصْرَةَ وَ نَهَبُوا مَا فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَ ضَرَبُوا جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ بِالسَّوْطِ حَتَّى مَاتُوا فَنَهَضَ إِلَيْهِمْ يُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ فَأَبَوْا إِلاَّ طُغْيَاناً وَ بَغْياً فَوَعَظَهُمْ وَ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَلَمْ يَرْجِعُوا وَ لاَ اتَّعَظُوا بِوَعْظِهِ وَ أَقَامُوا عَلَى مُحَارَبَتِهِ فَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ أَظْفَرَهُ بِهِمْ وَ قَتَلَ طَلْحَةَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَ كَانَ مَعَهُ فِي صَحَابَتِهِ وَ رِجَالِهِ وَ اتَّبَعَ الزُّبَيْرَ بِهِ ابْنُ جُرْمُوزٍ مِمَّنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْخَوَارِجِ وَ قَتَلَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِيمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَ لِذَلِكَ بَشَّرَهُ بِالنَّارِ لَمَّا أَتَاهُ بِخَبَرِ الزُّبَيْرِ وَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِوَادِي السِّبَاعِ فَتَوَلَّى قَتْلَهُمَا مَنْ كَانَ مَعَهُمَا وَ مَعَ عَائِشَةَ وَ كَانُوا سَبْعِينَ أَلْفَ رَجُلٍ وَ كَانَتْ عَائِشَةُ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ يُقَالُ لَهُ عَسْكَرٌ فَأَمَرَ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَعُرْقِبَ فَقَامَ عَلَى ثَلاَثٍ فَعُرْقِبَ الثَّانِي مِنْ رِجْلَيْهِ فَقَامَ عَلَى يَدَيْهِ فَعُرْقِبَ فَقَامَ عَلَى يَدٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:شَيْطَانٌ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ،فَقُطِعَ الرَّابِعُ فَسَقَطَ وَ الْهَوْدَجُ عَلَى ظَهْرِهِ وَ ظَفِرَ بِعَائِشَةَ.

فَقَالَ لَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهَا مَا لَمْ يَقْبَلْهُ وَ خَطَّأَهُمْ وَ وَكَّلَ بِهَا نِسَاءً مُتَلَثِّمَاتٍ أَرْكَبَهُنَّ الْخَيْلَ وَ رَدَّهَا مَعَهُنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ.

و انقضت حرب الناكثين و الحمد للّه ربّ العالمين.

و خرج عليه معاوية بن أبي سفيان رأس القاسطين فنهض إليه فذكّره بأيام اللّه فأبى إلاّ نفورا أو بغيا و عدوانا فحاربه و قتل من أصحابه مقتلة عظيمة.

فلما رأى معاوية انّه قد أخذ بكظمه شاور عمرو بن العاص فأشار عليه بمكيدة ان يرفع له المصاحف فرفعها إليه على رءوس الرماح فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:انها مكيدة و كلمة حقّ أريد بها باطل.

ثمّ كان من الأمر ما رواه الناس و حكم أمير المؤمنين عليه السّلام كتاب اللّه دون غيره فخالف أبو موسى الأشعري وصيته و أمره و فعل و عمرو بن العاص ما فعلاه.

و انصرف أمير المؤمنين ليعد و ليستعد و يرجع لقتال معاوية و من معه من القاسطين فخالف عليه أصحابه أهل العراق و خرجت الخارجة المارقة الذين مرقوا من الدين كما

ص:150

مرق السهم من الرمية فحاربهم بالنهروان فقتل منهم أربعة آلاف لم ينج منهم إلاّ أربعة نفر وقعوا على أطراف الأرض و تناسلوا فالخارجة إلى يوم القيامة من نسل أولئك الأربعة.

فانصرف إلى الكوفة ليعاود إلى قتال معاوية فكان من أمره ممّا رواه الناس.

معجزات علي

اشارة

188- وَ رُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: الاِسْمُ الْأَعْظَمُ عَلَى ثَلاَثَةٍ وَ سَبْعِينَ حَرْفاً أُعْطِيَ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفاً وَ أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اثْنَيْنِ وَ سَبْعِينَ حَرْفاً وَ أُعْطِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا أُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

189- وَ رُوِيَ: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ:وَ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْعَظِيمُ.

190- وَ رُوِيَ: أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ أَتَاهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:قَدْ نُشِقَ الْفُرَاتُ مِنَ الزِّيَادَةِ فَقَامَ حَتَّى تَوَسَّطَ الْجِسْرَ ثُمَّ ضَرَبَهُ بِعَصَاهُ ضَرْبَةً فَنَقَصَ ذِرَاعَيْنِ ثُمَّ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً أُخْرَى فَنَقَصَ ذِرَاعَيْنِ.

191- وَ رُوِيَ: أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَتَوْهُ فَقَالُوا لَهُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً وَ كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيماً وَ كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُحْيِي الْمَوْتَى فَمَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟.

فَقَالَ:إِنْ كَانَ اللَّهُ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً فَقَدِ اتَّخَذَنِي حَبِيباً،وَ إِنْ كَانَ كَلَّمَ مُوسَى مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فَقَدْ رَأَيْتُ جَلاَلَ رَبِّي وَ كَلَّمَنِي مُشَافَهَةً،وَ إِنْ كَانَ عِيسَى يُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِنْ شِئْتُمْ أَحْيَيْتُ لَكُمْ مَوْتَاكُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ.

فَقَالُوا:قَدْ شِئْنَا.

فَأَرْسَلَ مَعَهُمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ أَنْ رَدَّاهُ بِرِدَائِهِ الَّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ الْمُسْتَجَابُ ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَيْهِ فَجَعَلَهُمَا عَلَى كَتِفَيْهِ وَ رَأْسِهِ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَقْدُمَهُمْ إِلَى قُبُورِ مَوْتَاهُمْ وَ أَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ.

فَاتَّبَعُوهُ فَلَمَّا تَوَسَّطَ الْجَبَّانَةَ سَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ وَ دَعَا وَ تَكَلَّمَ بِكَلاَمٍ لَمْ يَسْمَعْهُ الْقَوْمُ

ص:151

فَاضْطَرَبَتِ الْأَرْضُ وَ ارْتَجَّتْ فَدَخَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ ذُعْرٌ شَدِيدٌ فَقَالُوا:أَقِلْنَا يَا أَبَا الْحَسَنِ أَقَالَكَ اللَّهُ.

وَ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالُوا لَهُ:أَقِلْنَا.

فَقَالَ لَهُمْ:إِنَّمَا رَدَدْتُمْ عَلَى اللَّهِ لاَ أَقَالَكُمُ اللَّهُ عَثْرَتَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

192- وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ فَإِذَا أَنَا بِشَيْخٍ لاَ أَعْرِفُهُ وَ دُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدَّيْهِ فَقُلْتُ لَهُ:مَا يُبْكِيكَ يَا شَيْخُ؟.

قَالَ:إِنَّهُ قَدْ أَتَتْ عَلَيَّ مِائَةُ سَنَةٍ وَ نَيِّفٌ عَلَى الْمِائَةِ لَمْ أَرَ فِيهَا عَدْلاً وَ لاَ حَقّاً إِلاَّ سَاعَةً مِنْ لَيْلَةٍ أَوْ إِلاَّ سَاعَةً مِنْ يَوْمٍ.

فَقُلْتُ:وَ كَيْفَ ذَلِكَ؟.

فَقَالَ:إِنِّي كُنْتُ رَجُلاً مِنَ الْيَهُودِ وَ كَانَتْ لِي ضَيْعَةٌ بِنَاحِيَةِ(سُورَا)فَدَخَلْتُ الْكُوفَةَ بِطَعَامٍ عَلَى حَمِيرٍ أُرِيدُ بَيْعَهُ بِهَا فَبَيْنَا أَنَا أَسُوقُ الْحَمِيرَ إِذِ افْتَقَدْتُهَا فَكَأَنَّ الْأَرْضَ ابْتَلَعَتْهَا فَأَتَيْتُ مَنْزِلَ الْحَارِثِ الْهَمْدَانِيِّ وَ كَانَ لِي صَدِيقاً فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ مَا أَصَابَنِي فَأَخَذَ بِيَدِي وَ مَضَى بِي إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَقَالَ لِلْحَارِثِ:اِنْصَرِفْ يَا حَارِثُ إِلَى مَنْزِلِكَ فَإِنِّي الضَّامِنُ لِلْحَمِيرِ وَ الطَّعَامِ،وَ أَخَذَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِي فَمَضَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فَقَدْتُ فِيهِ الْحَمِيرَ فَوَجَّهَ وَجْهَهُ الْقِبْلَةَ وَ رَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ سَجَدَ وَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ:وَ اللَّهِ مَا عَلَى هَذَا عَاهَدْتُمُونِي وَ بَايَعْتُمُونِي يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ أَيْمُ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَرُدُّوا عَلَى الْيَهُودِيِّ حَمِيرَهُ وَ طَعَامَهُ لَأَنْقُضَنَّ عَهْدَكُمْ وَ لَأُجَاهِدَنَّكُمْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ.

قَالَ الْيَهُودِيُّ:فَوَ اللَّهِ مَا فَرَغَ مِنْ كَلاَمِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْحَمِيرَ عَلَيْهَا الطَّعَامُ تَجُولُ حَوْلِي فَتَقَدَّمَ إِلَيَّ يَسُوقُهَا فَسُقْتُهَا مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّحْبَةِ فَقَالَ:يَا يَهُودِيُّ عَلَيْكَ بَقِيَّةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَضَعْ عَنْ حَمِيرِكَ حَتَّى تُصْبِحَ.

فَوَضَعْتُ عَنْهَا.

ثُمَّ قَالَ لِي:لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ.

وَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ وَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ إِلَيَّ فَعَاوَنَنِي عَلَى الطَّعَامِ

ص:152

حَتَّى بِعْتُهُ وَ اسْتَوْفَيْتُ ثَمَنَهُ وَ قَضَيْتُ حَوَائِجِي.

فَلَمَّا فَرَغْتُ لَقِيتُهُ وَ قُلْتُ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ عَالِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ خَلِيفَةُ اللَّهِ عَلَى الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلاَمِ وَ أَهْلِهِ وَ الذِّمَّةِ وَ أَهْلِهَا خَيْراً.

ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ ضَيْعَتِي فَأَقَمْتُ بِهَا مُدَّةً ثُمَّ اشْتَقْتُ إِلَى لِقَائِهِ فَقَدِمْتُ الْآنَ فَوَجَدْتُهُ قَدْ قُتِلَ،فَجَلَسْتُ حَيْثُ تَرَانِي أَبْكِي عَلَيْهِ.

193- وَ رُوِيَ: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ يَخْطُبُ النَّاسَ إِذْ أَقْبَلَتْ حَيَّةٌ مِنْ بَابِ الْفِيلِ فَقَالَ:اِفْرِجُوا لَهَا فَإِنَّ هَذَا رَسُولُ قَوْمٍ مِنَ الْجِنِّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَامِرٍ.

فَأَفْرَجُوا وَ جَاءَتِ الْحَيَّةُ حَتَّى صَعِدَتْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَوَضَعَتْ فَاهَا فِي أُذُنِهِ وَ هِيَ تَنِقُّ فَكَلَّمَهَا مِثْلَ نَقِيقِهَا وَ وَلَّتْ خَارِجَةً مِنْ حَيْثُ دَخَلَتْ.

فَنَزَلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ خُطْبَتِهِ فَأَخْبَرَ النَّاسَ:أَنَّ قِتَالاً وَقَعَ بَيْنَ قَوْمٍ مِنَ الْجِنِّ فَأَتَتْ هَذِهِ الْحَيَّةُ تَسْأَلُهُ عَمَّا يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فَعَلَّمَهَا.

وَ رُوِيَ: أَنَّ تِلْكَ الْحَيَّةَ كَانَتْ وَصِيَّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى الْجِنِّ.

رد الشمس للامام على عليه السّلام

194- وَ رُوِيَ: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَرَّ بِأَرْضِ بَابِلَ وَ قَدْ غَابَتِ الشَّمْسُ وَ اشْتَبَكَتِ النُّجُومُ فَنَزَلَ وَ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَ دَعَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ،فَرَجَعَتِ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ انْقَضَّتْ كَمَا يَنْقَضُّ الْكَوْكَبُ حَتَّى غَابَتْ وَ عَادَ الظَّلاَمُ.

وَ قَدْ رُوِيَ: إِنَّمَا رُدَّتْ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِمَكَّةَ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَوْعُوكاً فَوَضَعَ رَأْسَهُ فِي حَجْرِهِ وَ حَضَرَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَلَمْ يَزَلْ مِنْ مَوْضِعِهِ حَتَّى انْتَبَهَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ:اَللَّهُمَّ انْ كَانَ عَلِيّاً فِي طَاعَتِكَ فَرُدَّ عَلَيْهِ الشَّمْسَ.

فَرَدَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً حَتَّى صَلَّى ثُمَّ غَرَبَتْ.

ص:153

كراماته الأخرى عليه السّلام

195- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ بَعْدَ عِشَاءِ الْآخِرَةِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَ هُوَ يُهَمْهِمُ هَمْهَمَةً لاَ تُدْرَى وَ عَلَيْهِ قَمِيصُ آدَمَ وَ بِيَدِهِ عَصَا مُوسَى وَ خَاتَمُ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ.

196- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ اجْتَازَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الشَّامِ«بِبَادُورَيَا»فَخَرَجَ أَهْلُ قَرْيَةٍ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا «قَطُفْتَا»فَشَكَوْا إِلَيْهِ ثِقَلَ الْوَضَائِعِ فِي الْخَرَاجِ وَ أَنَّهَا مُخَالَفَةٌ لِسَائِرِ وَضَائِعِ السَّوَادِ بِالْعِرَاقِ فَقَالَ لَهُمْ بِالنَّبَطِيَّةِ«و غرار و طاهوا غررنا»يَعْنِي رُبَّ جَحْشٍ صَغِيرٍ خَيْرٌ مِنْ حِمَارٍ كَبِيرٍ.

فَكَانُوا كَلَّمُوهُ بِالنَّبَطِيَّةِ فَأَجَابَهُمْ بِكَلاَمِهِمْ،ثُمَّ قَالَ لَهُمْ:أَنْتُمْ تَبِيعُونَ ثِمَارَكُمْ بِضِعْفِ مَا يَبِيعُهَا غَيْرُكُمْ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ.

197- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَلَسَ لِلنَّاسِ فَوَقَفَ الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ:اُقْعُدْ وَ اسْتَعِدَّ وَ أَعِدَّ لِنَفْسِكَ فَأَنْتَ تَمُوتُ فِي يَوْمِ كَذَا وَ سَنَةِ كَذَا وَ سَبَبُ مَرَضِكَ كَذَا.

198- وَ رُوِيَ عَنِ الْحَارِثِ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى «الْعَاقُولِ»فَإِذَا هُوَ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ قَدْ وَقَعَ لِحَاؤُهَا وَ بَقِيَ عُودُهَا فَضَرَبَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ:

ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّهِ خَضْرَاءَ مُثْمِرَةً فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ بِأَغْصَانِهَا حَمْلُهَا الْكُمَّثْرَى فَأَكَلْنَا وَ حَمَلْنَا مَعَنَا.

199- وَ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَةٍ لَهُ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ: إِنَّهُ يَمُوتُ مِنَّا مَنْ مَاتَ وَ لَيْسَ بِمَيِّتٍ وَ يَبْقَى مَنْ بَقِيَ مِنَّا حُجَّةً عَلَيْكُمْ.

200- وَ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: اعْرِضُوا عَلَيَّ مَسَائِلَكُمْ فَكَانَ مِمَّا سَأَلُوهُ عَنْ صِيَاحِ الْبَهَائِمِ مِنَ الْوَحْشِ وَ الطَّيْرِ وَ الدَّوَابِّ.فَقَالَ:أَمَّا الدُّرَّاجُ فَإِنَّهُ يَقُولُ «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى» وَ أَمَّا الدِّيكُ فَإِنَّهُ يَقُولُ«اذْكُرُوا اللَّهَ يَا غَافِلِينَ»وَ أَمَّا الْحِمَارُ فَيَلْعَنُ الْعَشَّارِينَ وَ يَنْهَقُ فِي وَجْهِ الشَّيَاطِينِ،وَ أَمَّا الضِّفْدِعُ فَإِنَّهُ يَقُولُ«سُبْحَانَ الْمَعْبُودِ بِكُلِّ مَكَانٍ..سُبْحَانَ الْمَعْبُودِ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ..سُبْحَانَ الْمُسَبَّحِ بِكُلِّ لِسَانٍ»،وَ أَمَّا الْقُنْبُرَةُ فَإِنَّهَا تَقُولُ«اللَّهُمَّ الْعَنْ مُبْغِضِي آلِ مُحَمَّدٍ»،وَ أَمَّا الْفَرَسُ فَإِنَّهُ يَقُولُ«سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَ الرُّوحِ»،وَ أَمَّا الْوَرَشَانُ فَيَقُولُ«آلُ مُحَمَّدٍ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»،وَ أَمَّا الْقُمْرِيُّ فَيَقُولُ«جَزَى اللَّهُ مُحِبِّي آلِ مُحَمَّدٍ خَيْراً».

ص:154

شهادة الإمام عليّ عليه السّلام

و كان من حديث الضربة و ابن ملجم(لعنه اللّه)ما روي.و كانت الضربة لتسع ليال بقين من شهر رمضان سنة إحدى و أربعين من الهجرة.

201- وَ رُوِيَ: أَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا حَوْلَهُ وَ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ صَاحَتْ«وَا أَبَتَاهْ»فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ:لَيْسَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَأْسٌ، إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ.فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنِّي مُفَارِقُكُمْ.ثُمَّ قَالَ إِلَى السَّبْعِينَ بَلاَءٌ،حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.

قَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ:فَهَلْ بَعْدَ الْبَلاَءِ رَخَاءٌ؟.فَلَمْ يُجِبْهُ.

202- وَ رُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ«إِلَى السَّبْعِينَ بَلاَءٌ»أَنَّ اللَّهَ-جَلَّ وَ عَزَّ-وَقَّتَ لِلْفَرَجِ سَنَةَ سَبْعِينَ.فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ غَضَبَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَأَخَّرَهُ إِلَى حِينٍ.

203- وَ رُوِيَ: أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ بَكَتْ،فَقَالَ لَهَا:يَا بُنَيَّةُ مَا يُبْكِيكِ؟لَوْ تَرَيْنَ مَا أَرَى مَا بَكَيْتِ!إِنَّ مَلاَئِكَةَ السَّبْعِ سَمَاوَاتٍ مَوَاكِبُ؛بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ،وَ النَّبِيُّونَ خَلْفَهُمْ؛كُلُّ نَبِيٍّ كَانَ قَبْلَ مُحَمَّدٍ،وَ هَا هُوَ ذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عِنْدِي أَخَذَ بِيَدِي يَقُولُ لِي انْطَلِقْ يَا عَلِيُّ فَإِنَّ أَمَامَكَ خَيْراً لَكَ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ.

ثُمَّ قَالَ:أَخْلُونِي وَ أَهْلَ بَيْتِي أَعْهَدْ إِلَيْهِمْ.

فَقَامَ النَّاسُ إِلاَّ الْيَسِيرَ،فَجَمَعَ أَهْلَ بَيْتِهِ وَ هُمْ اثْنَا عَشَرَ ذَكَراً وَ بَقِيَ قَوْمٌ مِنْ شِيعَتِهِ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ:إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَ فِيَّ سُنَّةَ نَبِيِّهِ يَعْقُوبَ إِذْ جَمَعَ بَنِيهِ وَ هُمْ اثْنَا عَشَرَ ذَكَراً فَقَالَ«إِنِّي أُوصِي إِلَى يُوسُفَ فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِيعُوا أَمْرَهُ»وَ إِنِّي أُوصِي إِلَى الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ فَاسْمَعُوا لَهُمَا وَ أَطِيعُوا أَمْرَهُمَا.

فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَ دُونَ مُحَمَّدٍ-يَعْنِي ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ-فَقَالَ لَهُ:

أَ جُرْأَةً فِي حَيَاتِي،كَأَنِّي بِكَ وَ قَدْ وُجِدْتَ مَذْبُوحاً فِي خَيْمَتِهِ.

وَ أَوْصَى إِلَى الْحَسَنِ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ وَ النُّورَ وَ الْحِكْمَةَ وَ مَوَارِيثَ الْأَنْبِيَاءِ وَ قَالَ لَهُ:إِذَا أَنَا مِتُّ فَغَسِّلْنِي وَ كَفِّنِّي وَ حَنِّطْنِي وَ أَدْخِلْنِي قَبْرِي،فَإِذَا أَشْرَجْتَ عَلَيَّ اللَّبِنَ فَارْفَعْ أَوَّلَ لَبِنَةٍ فَاطْلُبْنِي؛فَإِنَّكَ لَنْ تَرَانِي.

ص:155

و قبض عليه السّلام في ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان فكان عمره خمسا و ستين سنة(و روي ثلاثا و ستين سنة)منها مع النبيّ و خمس و ثلاثون سنة،و بعده ثلاثون سنة.و دفن بظاهر الكوفة بالغري.

204- وَ قَدْ رَوَى النَّاسُ بِمَا أَوْصَى بِهِ إِلَى الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَنْ يَحْمِلَ هُوَ وَ أَخُوهُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مُقَدَّمَ الْجَنَازَةِ فَإِذَا وَقَفَتِ الْجِنَازَةُ حُفِرَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُمَا يَجِدَانِ خَشَبَةً كَانَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَفَرَهَا لَهُ فَدَفَنَاهُ فِيهَا.

205- وَ رُوِيَ: أَنَّ الْجَنَازَةَ حُمِلَتْ إِلَى مَسْجِدِ السَّهْلَةِ وَ وُجِدَتْ نَاقَةٌ بَارِكَةٌ هُنَاكَ فَحُمِلَ عَلَيْهَا وَ أَقَامُوهَا وَ تَبِعُوهَا فَلَمَّا وَقَفَتْ بِالْغَرِيِّ وَ بَرَكَتْ حُفِرَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَوُجِدَ الْخَشَبَةُ الْمَحْفُورَةُ فَدُفِنَ فِيهَا حَسَبَ مَا أَوْصَى،وَ أَنَّ آدَمَ وَ نُوحاً وَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ.

وَ كَانَ حَمْلُهُ وَ دَفْنُهُ لَيْلاً؛لَمْ يَتَوَلَّ أَمْرَهُ فِي ذَلِكَ سِوَى الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ.

206- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ لَمَّا ضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ(لَعَنَهُ اللَّهُ)وَ حُمِلَ إِلَى مَنْزِلِهِ،اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:كُلُّ امْرِئٍ مُلاَقٍ مَا يَفِرُّ مِنْهُ،وَ الْأَجَلُ تُسَاقُ إِلَيْهِ النَّفْسُ،وَ الْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ.كَمْ أَطْرَدْتُ الْأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هَذَا الْأَمْرِ فَأَبَى اللَّهُ-جَلَّ ذِكْرُهُ-إِلاَّ إِخْفَاءَهُ.

هَيْهَاتَ..عِلْمٌ مَكْنُونٌ.أَمَّا وَصِيَّتِي لَكُمْ فَاللَّهَ-جَلَّ وَ تَعَالَى-لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لاَ تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ.أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ وَ خَلاَكُمْ ذَمٌّ مَا لَمْ تَشْرُدُوا [حُمِّلَ ] كُلُّ امْرِئٍ مَجْهُودَهُ،وَ خُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ رَبٌّ رَحِيمٌ،وَ دِينٌ قَوِيمٌ،وَ إِمَامٌ عَلِيمٌ،كنار [كُنَّا] فِي أَعْصَارٍ وَ دوي [ذُرِيَ] رِيَاحٌ تَحْتَ ظِلِّ غَمَامَةٍ اضْمَحَلَّ رَاكِدُهَا،فَحَطَّهَا مِنَ الْأَرْضِ حُبّاً جَاوَرَكُمْ بَعْدِي خَيْرُهَا سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَكَةٍ كَاظِمَةً بَعْدَ نُطْقٍ لِيَعِظَكُمْ هَدِّي وَ خفرت [خُفُوتُ] أَطْوَافِي إِنَّهُ أَوْعَظُ لَكُمْ مِنْ نُطْقِ الْبَلِيغِ،وَدَّعْتُكُمْ وَدَاعَ امْرِئٍ مُرْصِدٍ لِلتَّلاَقِ،غَداً تُرْوَى آثَارِي،وَ يُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي، عَلَيْكُمُ السَّلاَمُ إِلَى يَوْمِ اللزازم [اَللِّزَامِ] ،كُنْتُ بِالْأَمْسِ صَاحِبَكُمْ،وَ أَنَا الْيَوْمَ عِظَةٌ لَكُمْ.وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ.إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي،وَ إِنْ أَفْنَ فَالْقِيَامَةُ مِيعَادِي وَ الْعَفْوُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى فَاعْفُوا عَفَا اللَّهُ عَنِّي وَ عَنْكُمْ،أَ لاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ!.

207- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ لَمْ يَبْقَ حَوْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَجَرٌ إِلاَّ دَمِي.

208- وَ رُوِيَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي صَبِيحَةِ الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:إِنِّي

ص:156

رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ فِي مَنَامِي كَأَنَّ جَبَلَ أَبِي قُبَيْسٍ قَدِ انْهَدَّ وَ تَقَطَّعَ وَ سَقَطَ حَوَالَيِ الْكَعْبَةِ وَ اظَّلَمَتِ الْكَعْبَةُ وَ مَكَّةُ وَ مَا حَوْلَهُمَا مِنْ غُبَارِ الْجَبَلِ حَتَّى لَمْ يَرَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً.

قَالَ:فَقُلْتُ:إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.مَا أَخْوَفَنِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ قَدْ نَالَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

قَالَ فَوَرَدَ الْخَبَرُ بِقَتْلِهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي رَأَيْتُ فِيهَا هَذِهِ الرُّؤْيَا.

209- وَ رُوِيَ: أَنَّ الْحَسَنَ قَامَ خَطِيباً بَعْدَ دَفْنِهِ،فَعَلاَ مِنْبَرَ الْكُوفَةِ وَ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ مَسْدُولَةٌ وَ طَيْلَسَانُ أَسْوَدُ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:إِنَّهُ وَ اللَّهِ قَدْ قُبِضَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رَجُلٌ،مَا سَبَقَهُ الْأَوَّلُونَ،وَ لاَ يُدْرِكُهُ الْآخِرُونَ،إِنْ كَانَ لَصَاحِبَ رَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ،جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَ مِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ،لاَ يَنْثَنِي حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ،وَ اللَّهِ مَا تَرَكَ بَيْضَاءَ وَ لاَ حَمْرَاءَ إِلاَّ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ فَضْلِ عَطَائِهِ،وَ لَقَدْ قُبِضَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ، وَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا يُوشَعُ بْنُ نُونٍ،وَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي رُفِعَ فِيهَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

الحسن السبط عليه السّلام

و قام أبو محمّد الحسن بن عليّ عليه السّلام مقامه صلوات اللّه عليه.

ولدت سيّدة النساء فاطمة(صلوات اللّه عليها)بعد مبعث السيّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخمس سنين،فأقامت بمكّة مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثماني سنين،و بالمدينة عشر سنين و شهورا.و ولدت أبا محمّد و سنّها احدى عشر سنة بعد الهجرة بثلاث سنين،و كانت ولادته مثل ولادة جدّه و أبيه،و ولد طاهرا مطهّرا،و ربّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تولّى تعليمه و تلقينه و تأديبه بنفسه.و مضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و له سبع سنين و أشهر،و أقام مع أمير المؤمنين عليه السّلام ثلاثين سنة،و كان أمير المؤمنين(صلوات اللّه عليه)في خلال ذلك يشير إليه و ينصّ عليه بآي من القرآن و الأحاديث.فلما حضرت وفاته دعاه و دعا بأبي عبد اللّه و بجميع أولاده و ثقات شيعته و سلّم إليه الوصيّة التي تسلّمها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أوصى بما أراد و احتاج.

و أمره بغسله و تكفينه و دفنه و قال له في رفع اللبن عند ما ذكرناه ففعل عليه السّلام ما أمره به.

210- وَ رُوِيَ: أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيَّ كَانَ فِيمَنْ حَضَرَ الْوَصِيَّةَ بِالدَّفْنِ فَسَأَلَ أَبَا مُحَمَّدٍ عَنْ رَفْعِ

ص:157

اللَّبِنَةِ فَقَالَ:يَا سُبْحَانَ اللَّهِ أَ تَرَانِي كُنْتُ أَغْفُلُ عَنْ هَذَا!

فَقَالَ لَهُ:فَوَجَدْتَهُ فِي الْقَبْرِ؟

فَقَالَ:لاَ وَ اللَّهِ.

ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمُوتُ فِي الْمَغْرِبِ،وَ يَمُوتُ وَصِيُّهُ فِي الْمَشْرِقِ إِلاَّ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ.

211- وَ: قَامَ أَبُو مُحَمَّدٍ بِأَمْرِ اللَّهِ-جَلَّ وَ عَلاَ-وَ اتَّبَعَهُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَتَاهُ النَّاسُ فَبَايَعُوهُ وَ قَالُوا لَهُ:

يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ نَحْنُ السَّامِعُونَ الْمُطِيعُونَ لَكَ.

قَالَ:كَذَبْتُمْ فَوَ اللَّهِ مَا وَفَيْتُمْ لِمَنْ كَانَ خَيْراً مِنِّي،فَكَيْفَ تَفُونَ لِي وَ كَيْفَ أَطْمَئِنُّ إِلَيْكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ،فَمَوْعِدُنَا بَيْنِي وَ بَيْنَكُمُ الْمُعَسْكَرُ فِي الْمَدَائِنِ.

فَرَكِبَ،وَ تَخَلَّفَ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ،فَقَامَ خَطِيباً،فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ ذَكَّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ غَرَرْتُمُونِي كَمَا غَرَرْتُمْ مَنْ كَانَ قَبْلِي،فَلاَ جَزَاكُمُ اللَّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ خَيْراً.مَعَ أَيِّ إِمَامٍ تُقَاتِلُونَ بَعْدِي،مَعَ الظَّالِمِ الْكَافِرِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ قَطُّ،وَ لاَ أَظْهَرَ الْإِسْلاَمَ وَ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ بَنِي أُمَيَّةَ إِلاَّ خَوْفاً مِنْ سُيُوفِ الْحَقِّ.وَ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ عَجُوزٌ دَرْدَاءُ لَبَغَتْ لِدِينِ اللَّهِ الْغَوَائِلَ.

ثُمَّ نَزَلَ وَ وَجَّهَ بِرَجُلٍ مِنْ كِنْدَةَ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفِ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ لِحَرْبِ مُعَاوِيَةَ،وَ أَمَرَهُ أَنْ يُعَسْكِرَ بِالْأَنْبَارِ وَ لاَ يُحْدِثَ شَيْئاً حَتَّى يَأْتِيَهُ أَمْرُهُ.

فَلَمَّا نَزَلَ الْكِنْدِيُّ الْأَنْبَارَ،بَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ رَسُولاً يَعِدُهُ وَ يُمَنِّيهِ وَ يَبْذُلُ لَهُ الرَّغَائِبَ مِنَ الْمَالِ وَ حُطَامِ الدُّنْيَا وَ أَنْ يُوَلِّيَهُ مِنْ أَعْمَالِ الشَّامِ وَ الْجَزِيرَةِ مَا يَخْتَارُهُ وَ يَسُوقُهُ مَالٌ مَا يُقَلِّدُهُ، وَ حَمَلَ إِلَيْهِ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ صِلَةً لَهُ وَ مَعُونَةً عَلَى سَفَرِهِ،فَقَبَضَ عَدُوُّ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ الْمَالَ وَ مَضَى إِلَى مُعَاوِيَةَ.

فَقَامَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ خَطِيباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا فُلاَنٌ الْكِنْدِيُّ قَدَّمْتُهُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لِمُحَارَبَةِ عَدُوِّ اللَّهِ وَ ابْنِ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِمَالٍ وَ وَعَدَهُ وَ مَنَّاهُ حُطَامَ الدُّنْيَا وَ مَتَاعَهَا فَبَاعَ دِينَهُ وَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا زَائِلَةٍ غَيْرِ بَاقِيَةٍ وَ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ،وَ قَدْ

ص:158

أَخْبَرْتُكُمْ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّهُ لاَ وَفَاءَ لَكُمْ وَ لاَ ذِمَّةَ وَ لاَ خَيْرَ عِنْدَكُمْ وَ أَنَّكُمْ عَبِيدُ الدُّنْيَا.وَ إِنِّي مُوَجِّهٌ مَكَانَهُ رَجُلاً وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ يَفْعَلَ فِعْلَ صَاحِبِهِ غَيْرَ مُفَكِّرٍ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ وَ مَرْجِعِهِ وَ لاَ مُرَاقِبٍ لِلَّهِ فِي دِينِهِ.

وَ بَعَثَ رَجُلاً مِنْ(مُرَادٍ)فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ وَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِمَشْهَدٍ مِنَ النَّاسِ وَ حَذَّرَهُ الْغَدْرَ وَ النَّكْثَ.

فَلَمَّا صَارَ إِلَى الْأَنْبَارِ أَتَاهُ رَسُولُ مُعَاوِيَةَ بِمِثْلِ مَا أَتَى الْكِنْدِيَّ مِنَ الصِّلَةِ وَ الْمَوَاعِيدِ، فَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ مُؤْثِراً لِدُنْيَاهُ عَلَى آخِرَتِهِ وَ بَائِعاً دِينَهُ بِالتَّافِهِ الْقَلِيلِ الْفَانِي وَ مُخْتَاراً عَلَى الْجَنَّةِ.

فَقَامَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ خَطِيباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ:قَدْ عَرَّفْتُكُمْ أَنَّكُمْ لاَ تَفُونَ بِعَهْدٍ وَ لاَ تَسْتَيْمِنُونَ إِلَى عَقْدٍ،وَ قَدْ غَدَرَ الْمُرَادِيُّ الَّذِي اخْتَرْتُمُوهُ وَ قَبْلَهُ مَا اخْتَرْتُمُ الْكِنْدِيَّ.فَقَامَ أُنَاسٌ فَقَالُوا إِنْ كَانَ الرَّجُلاَنِ غَدَرَا فَنَحْنُ نَنْصَحُ وَ لاَ نَغْدِرُ.

فَقَالَ لَهُمْ:كَلاَّ وَ إِنِّي أَعْذَرُ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ مَعَ عِلْمِي بِسُوءِ مَا تُبْطِنُونَ وَ تَنْطَوُونَ عَلَيْهِ، وَ مَوْعِدُكُمْ عَسْكَرِي بِالنُّخَيْلَةِ.

ثُمَّ خَرَجَ،فَعَسْكَرَ بِالنُّخَيْلَةِ وَ أَقَامَ بِهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ،فَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ مِنْهُمْ إِلاَّ عَدَدٌ يَسِيرٌ، فَانْصَرَفَ إِلَى الْكُوفَةِ وَ قَامَ خَطِيباً،فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:يَا عَجَباً مِنْ قَوْمٍ لاَ حَيَاءَ لَهُمْ وَ لاَ دِينَ..مِنْ غَدَرَةٍ بَعْدَ غَدَرَةٍ.أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ وَجَدْتُ أَعْوَاناً لَقُمْتُ بِهَذَا الْأَمْرِ أَيَّ قِيَامٍ، وَ نَهَضْتُ بِهِ أَيَّ نُهُوضٍ،وَ أَيْمُ اللَّهِ لاَ رَأَيْتُمْ فَرَجاً وَ لاَ عَدْلاً أَبَداً مَعَ ابْنِ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ وَ بَنِي أُمَيَّةَ وَ لَيَسُومُنَّكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ حَتَّى تَتَمَنَّوْا أَنْ يَلِيَكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ،فَأُفٍّ لَكُمْ وَ بُعْداً وَ تَرَحاً يَا عَبِيدَ الدُّنْيَا وَ مَوَالِيَ الْحُطَامِ.

ثُمَّ نَزَلَ وَ هُوَ يَقُولُ:وَ اعْتَزَلَكُمْ وَ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.

فَاتَّبَعَهُ مِنْ شِيعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَدَدٌ يَسِيرٌ إِشْفَاقاً عَلَيْهِ وَ حَقْناً لِدَمِهِ.وَ غَلَبَ ابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ عَلَى الْمُلْكِ مُدَّةَ أَيَّامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَظْهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ وَ الزِّيِّ وَ الْفَرْشِ وَ الْأَثَاثِ مِثْلَ مَا كَانَتْ مُلُوكُ الْأَعَاجِمِ تَفْعَلُهُ وَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قُصَّ وَ رُوِيَ وَ سَارَتِ الرُّكْبَانُ بِخَبَرِهِ.

212- وَ مِنْ دَلاَئِلِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا رُوِيَ: أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي بَعْضِ السِّنِينَ مَاشِياً حَتَّى

ص:159

تَوَرَّمَتْ رِجْلُهُ،فَقَالَ بَعْضُ مَوَالِيهِ لَوْ رَكِبْتَ لَسَكَنَ عَنْكَ مَا تَجِدُ.

فَقَالَ لَهُ:إِذَا أَتَيْنَا هَذَا الْمَنْزِلَ فَيَسْتَقْبِلُكَ عَبْدٌ أَسْوَدُ مَعَهُ دُهْنٌ فَاشْتَرِ مِنْهُ وَ لاَ تُمَاكِسْهُ.

فَسَارُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْمَوْضِعِ فَإِذَا بِالْأَسْوَدِ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِمَوْلاَهُ:دُونَكَ الرَّجُلَ.

فَقَصَدَهُ فَأَخَذَ مِنْهُ بِمَا اسْتَلَمَ بِهِ وَ أَعْطَاهُ الثَّمَنَ فَقَالَ لَهُ الْأَسْوَدُ:لِمَنْ تَأْخُذُ هَذَا الدُّهْنَ؟

فَقَالَ:لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فَانْطَلَقَ مَعَهُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ:بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الدُّهْنَ يُرَادُ لَكَ وَ لَسْتُ أُحِبُّ أَنْ أَقْبَلَ لَهُ ثَمَناً،فَإِنِّي مَوْلاَكَ،وَ لَكِنِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي وَلَداً ذَكَراً سَوِيّاً يُحِبُّكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؛ لِأَنِّي خَلَّفْتُ أَهْلِي فِي شَهْرِهَا.

قَالَ:فَانْطَلِقْ إِلَى مَنْزِلِكَ فَقَدْ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ ذَلِكَ وَ وَهَبَ لَكَ غُلاَماً سَوِيّاً وَ هُوَ لَنَا شِيعَةٌ.

فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ وَلَدَتْ غُلاَماً؛ يُرْوَى: أَنَّهُ أَبُو هَاشِمٍ السَّيِّدُ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْحِمْيَرِيُّ وَ كَانَ أَبُوهُ انْتَقَلَ مِنْ أَرْضِ حِمْيَرٍ إِلَى أَرْضِ تِهَامَةَ ثُمَّ عَادَ إِلَى بَلَدِهِ.

213- وَ يُرْوَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ عَنْ آبَائِهِ(صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ)..قَالَ: أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَعَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَ جَلَسَ فِيهِ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَ اللِّبَاسِ فَسَلَّمَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي قَصَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ ثَلاَثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ حَقّاً،وَ إِنْ لَمْ تُخْبِرْنِي بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّكَ وَ هُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ.

فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ.

فَقَالَ:أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ،وَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَ يَنْسَى، وَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِهُ وَلَدُهُ الْأَعْمَامَ وَ الْأَخْوَالَ.

فَالْتَفَتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ:يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَجِبْهُ.

فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:أَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا نَامَ فَإِنَّ رُوحَهُ مُعَلَّقَةٌ بِالرِّيحِ،وَ الرِّيحُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْهَوَاءِ إِلَى وَقْتٍ يَتَحَرَّكُ صَاحِبُهَا إِلَى الْيَقَظَةِ،فَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ بِرَدِّ الرُّوحِ،جَذَبَتْ تِلْكَ الرُّوحُ الرِّيحَ،

ص:160

وَ جَذَبَتِ الرِّيحُ الْهَوَاءَ فَرَجَعَتِ الرُّوحُ إِلَى مَسْكَنِهَا فِي الْبَدَنِ.وَ إِذَا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِرَدِّ الرُّوحِ إِلَى صَاحِبِهَا،جَذَبَتِ الْهَوَاءُ الرِّيحَ،وَ جَذَبَتِ الرِّيحُ الرُّوحَ فَلَمْ تَرْجِعْ إِلَى صَاحِبِهَا إِلَى أَنْ يَبْعَثَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى.وَ أَمَّا الذُّكْرُ وَ النِّسْيَانُ فَإِنَّ قَلْبَ الرَّجُلِ فِي مِثْلِ حُقٍّ وَ عَلَيْهِ طَبَقٌ فَإِنْ سَمَّى اللَّهَ وَ ذَكَرَهُ وَ صَلَّى-عِنْدَ نِسْيَانِهِ-عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ انْكَشَفَ ذَلِكَ الطَّبَقُ وَ هُوَ غِشَاوَةٌ عَنْ ذَلِكَ الْحُقِّ وَ أَضَاءَ الْقَلْبُ وَ ذَكَرَ الرَّجُلُ مَا كَانَ نَسِيَ.وَ إِنْ هُوَ لَمْ يُصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ انْطَبَقَتْ تِلْكَ الْغِشَاوَةُ عَلَى ذَلِكَ الْحُقِّ فَأَظْلَمَ الْقَلْبُ فَنَسِيَ الرَّجُلُ مَا ذَكَرَ.وَ أَمَّا الْمَوْلُودُ الَّذِي يُشْبِهُ الْأَعْمَامَ وَ الْأَخْوَالَ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ فَوَاطَأَهَا بِقَلْبٍ سَاكِنٍ وَ عُرُوقٍ هَادِئَةٍ وَ بَدَنٍ غَيْرِ مُضْطَرِبٍ،اسْتَكَنَتْ تِلْكَ النُّطْفَةُ فِي جَوْفِ الرَّحِمِ وَ خَرَجَ الرَّجُلُ يُشْبِهُ أَبَاهُ وَ أُمَّهُ.وَ إِنْ هُوَ أَتَاهَا بِقَلْبٍ غَيْرِ سَاكِنٍ وَ عُرُوقٍ غَيْرِ هَادِئَةٍ وَ بَدَنٍ مُضْطَرِبٍ اضْطَرَبَتِ النُّطْفَةُ فَوَقَعَتْ فِي اضْطِرَابِهَا عَلَى بَعْضِ الْعُرُوقِ،فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عِرْقٍ مِنْ عُرُوقِ الْأَعْمَامِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَعْمَامَهُ،وَ إِنْ وَقَعَتْ عَلَى عِرْقٍ مِنْ عُرُوقِ الْأَخْوَالِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ.

فَقَالَ الرَّجُلُ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا،وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رَسُولُ اللَّهِ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا،وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَ خَلِيفَتُهُ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ-وَ أَشَارَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ-وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ-وَ أَشَارَ إِلَى الْحَسَنِ-وَ أَشْهَدُ أَنَّ أَخَاكَ الْحُسَيْنُ وَصِيُّ أَبِيكَ وَ وَصِيُّكَ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَكَ،وَ أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَيْنِ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ،وَ أَشْهَدُ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ بَعْدَ أَبِيهِ وَ حُجَّتُهُ،وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ بَعْدَ أَبِيهِ جَعْفَرٍ،وَ أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ بَعْدَ أَبِيهِ،وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ بَعْدَ أَبِيهِ،وَ أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ بَعْدَ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ،وَ أَشْهَدُ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْقَائِمُ بِأَمْرِ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ،وَ أَشْهَدُ أَنَّ رَجُلاً مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ لاَ يُسَمَّى وَ لَكِنْ يُكَنَّى حَتَّى يُظْهِرَ اللَّهُ أَمْرَهُ يَمْلَأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً،وَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.

وَ مَضَى،فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ:اِتَّبِعْهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ؟

ص:161

قَالَ:فَخَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي أَثَرِهِ،فَلَمَّا وَضَعَ الرَّجُلُ رِجْلَهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَدْرِ كَيْفَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ.

فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَعْلَمَهُ فَقَالَ:يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَ تَعْرِفُهُ؟

قَالَ:اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِهِ.

قَالَ:ذَاكَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

214- وَ رُوِيَ: أَنَّ النَّاسَ عَلَى عَهْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ تَحَدَّثُوا بِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ خِطَابَةٌ وَ لاَ عِلْمٌ.فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَدْ بَلَغَهُ ذَلِكَ:يَا بُنَيَّ إِنَّ النَّاسَ قَدْ تَحَدَّثُوا فِيكَ بِمَا أَنْتَ عَلَى خِلاَفِهِ،فَاعْلُ الْمِنْبَرَ وَ اخْطُبِ النَّاسَ وَ بَيِّنْ عَنْ نَفْسِكَ حَتَّى يَسْمَعُوكَ.

فَصَعِدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ ذَكَّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ:يَا مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَابُ حِطَّةٍ،مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً،وَ سَفِينَةُ نُوحٍ مَنْ لَحِقَ بِهِ نَجَا،وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ غَرِقَ وَ هَلَكَ،فَلاَ يُبَعِّدُ اللَّهُ إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ نَزَلَ.

فَقَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

وَ كَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ لُغَةً وَ خَلْقاً وَ خُلُقاً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

215- ثُمَّ كَانَ خَبَرُهُ فِي السَّمِّ الَّذِي دَسَّهُ إِلَيْهِ ابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ مَا رَوَاهُ النَّاسُ: فَاعْتَلَّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَدَخَلَ إِلَيْهِ أَخُوهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ:كَيْفَ تَجِدُ نَفْسَكَ يَا سَيِّدِي؟

قَالَ:أَجِدُنِي فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وَ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الْآخِرَةِ عَلَى كُرْهٍ مِنِّي لِفِرَاقِكَ وَ فِرَاقِ إِخْوَتِي وَ الْأَحِبَّةِ.

ثُمَّ قَالَ:أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَلَى مَحَبَّةٍ مِنِّي لِلِقَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ أُمِّي فَاطِمَةَ وَ حَمْزَةَ وَ جَعْفَرٍ.

216- ثُمَّ: أَوْصَى إِلَيْهِ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ وَ مَوَارِيثَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الْوَصِيَّةَ الَّتِي كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سَلَّمَهَا إِلَيْهِ.وَ قُبِضَ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)بَعْدَ خَمْسِينَ سَنَةً مِنَ الْهِجْرَةِ؛وَ سِنُّهُ سَبْعٌ وَ أَرْبَعُونَ سَنَةً،فَأَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَبْعَ سِنِينَ وَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ،وَ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ثَلاَثِينَ سَنَةً،وَ مُنْفَرِداً بِالْوَصِيَّةِ وَ الْأَمَانَةِ عَشْرَ سِنِينَ،وَ دُفِنَ بِالْبَقِيعِ مَعَ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ أُمِّهِ

ص:162

فَاطِمَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ.

217- وَ: كَانَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ عَزَمَ عَلَى دَفْنِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَمَنَعَتْ عَائِشَةُ مِنْ ذَلِكَ وَ رَكِبَتْ بَغْلَةً لَهَا وَ خَرَجَتْ تُؤَلِّبُ النَّاسَ عَلَيْهِ وَ تُحَرِّضُهُمْ.

فَلَمَّا رَأَى الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ذَلِكَ دَفَنَهُ بِالْبَقِيعِ مَعَ أُمِّهِ،وَ لَقَّتْهَا بَعْضُ بَنِي هَاشِمٍ- وَ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَقِيَهَا: -مُنْصَرِفَةً إِلَى مَنْزِلِهَا فَقَالَ لَهَا:أَ مَا كَفَاكِ أَنْ يُقَالَ يَوْمُ الْجَمَلِ حَتَّى يُقَالَ يَوْمُ الْبَغْلِ؟يَوْماً عَلَى جَمَلٍ وَ يَوْماً عَلَى بَغْلٍ بَارِزَةً عَنْ حِجَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ تُرِيدِينَ إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ؛ وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ،إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

فَقَالَتْ لَهُ:إِلَيْكَ عَنِّي أُفٍّ لَكَ.

218- وَ رُوِيَ: أَنَّ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عِنْدَ مَا فَعَلَتْ عَائِشَةُ وَجَّهَ إِلَيْهَا بِطَلاَقِهَا،وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَعَلَ طَلاَقَ أَزْوَاجِهِ بَعْدَهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ جَعَلَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَهُ إِلَى الْحَسَنِ وَ جَعَلَهُ الْحَسَنُ إِلَى الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ.

219- وَ قَالَ النَّبِيُّ(صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ): إِنَّ فِي نِسَائِي مَنْ لاَ تَرَانِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ تِلْكَ مَنْ يُطَلِّقُهَا الْأَوْصِيَاءُ بَعْدِي.

الحسين الشهيد عليه السّلام

و قام الحسين مقام الحسن بأمر اللّه بعده.

220- وَ رُوِيَ عَنْ عَالِمِ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ هَبَطَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ تَلِدُ ابْناً،وَ أَمَرَهُ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْحُسَيْنَ،وَ عَرَّفَهُ أَنَّ أَكْثَرَ أُمَّتِهِ يَجْتَمِعُ عَلَى قَتْلِهِ.فَعَرَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ ذَلِكَ،فَقَالَتْ فَاطِمَةُ:لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ وَ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُعْفِيَهَا مِنْ ذَلِكَ.

فَأَوْحَى اللَّهُ جَلَّ وَ عَلاَ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْ يُعَرِّفَهُمَا أَنَّهُ يُعَوِّضُ لِلْحُسَيْنِ عَنِ الْقَتْلِ أَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامَةَ وَ مِيرَاثَ النُّبُوَّةِ وَ الْوَصِيَّةِ وَ الْعِلْمِ وَ الْحِكْمَةِ فِي وُلْدِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

فَعَرَّفَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ذَلِكَ،فَقَالاَ:قَدْ رَضِينَا بِمَا يَحْكُمُ اللَّهُ لَنَا.

221- فَرُوِيَ: أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ وَلَدَتِ الْحَسَنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَ حَمَلَتْ بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي ذَلِكَ

ص:163

الْيَوْمِ؛لِأَنَّهَا كَانَتْ طَاهِرَةً مُطَهَّرَةً وَ لَمْ يُصِبْهَا مَا يُصِيبُ النِّسَاءَ.

وَ كَانَ الْحَمْلُ بِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ،وَ كَانَتْ وِلاَدَتُهُ مِثْلَ وِلاَدَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْحَسَنِ(صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ).

قَالَ:فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ،هَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي أَلْفِ مَلَكٍ يُهَنُّونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِوِلاَدَتِهِ، فَمَرَّ بِمَلَكٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ يُقَالُ لَهُ(فُطْرُسُ)فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ فَأَبْطَأَ فِيهِ فَكُسِرَ جَنَاحُهُ وَ أُزِيلَ عَنْ مَقَامِهِ وَ أُهْبِطَ إِلَى تِلْكَ الْجَزِيرَةِ، فَمَكَثَ فِيهَا خَمْسَمِائَةِ عَامٍ؛وَ كَانَ صَدِيقاً لِجَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِيمَا مَضَى.فَقَالَ لَهُ:أَيْنَ تُرِيدُ؟

قَالَ:إِنَّهُ قَدْ وُلِدَ لِمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَوْلُودٌ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَبَعَثَنِي اللَّهُ فِي أَلْفِ مَلَكٍ لِأُهَنِّئَهُ.

فَقَالَ لَهُ:يَا جَبْرَئِيلُ احْمِلْنِي إِلَيْهِ لَعَلَّهُ يَدْعُو لِي.

فَحَمَلَهُ،فَلَمَّا أَدَّى جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الرِّسَالَةَ،وَ نَظَرَ النَّبِيُّ إِلَى فُطْرُسَ قَالَ:يَا جَبْرَئِيلُ مَنْ هَذَا؟

فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ.

فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ:(هل) امْسَحْ جَنَاحَكَ عَلَى هَذَا الْمَوْلُودِ؟

فَمَسَحَ فُطْرُسُ جَنَاحَهُ عَلَى الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَرَدَّهُ اللَّهُ إِلَى حَالَتِهِ الْأُولَى.

فَلَمَّا نَهَضَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ:فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ شَفَّعَنِي فِيكَ،فَالْزَمْ أَرْضَ كَرْبَلاَءَ،فَأَخْبِرْنِي بِكُلِّ مَنْ يَأْتِي الْحُسَيْنَ زَائِراً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

قَالَ:فَذَلِكَ الْمَلَكُ يُسَمَّى عَتِيقَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

222- : فَأَقَامَ الْحُسَيْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَبْعَ سِنِينَ،وَ تَوَلَّى رَسُولُ اللَّهِ تَغْذِيَتَهُ وَ تَأْدِيبَهُ وَ تَعْلِيمَهُ، وَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى «إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» .

223- وَ رُوِيَ: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا شُرَكَاءَ فِي الْوَصِيَّةِ وَ الْإِمَامَةِ،فَتَقَدَّمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمَا خَصَّهُ اللَّهُ-عَزَّ وَ جَلَّ-بِهِ وَ تَقَدَّمَ الْحَسَنُ بِالْكِبَرِ.

ص:164

وَ أَقَامَ الْحُسَيْنُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثَلاَثِينَ سَنَةً،وَ مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَشْرَ سِنِينَ،فَلَمَّا حَضَرَتْ وَفَاةُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَحْضَرَهُ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ جَمِيعَ مَوَارِيثِ الْأَنْبِيَاءِ،فَقَامَ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ؛وَ الْمُلْكُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِمُعَاوِيَةَ.

ثُمَّ تُوُفِّيَ مُعَاوِيَةُ فِي سَنَةِ سِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَ عَهِدَ إِلَى اللَّعِينِ ابْنِهِ يَزِيدَ(لَعَنَهُ اللَّهُ)فَمَلَكَ بَعْدَ أَبِيهِ وَ طَالَبَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمُبَايَعَتِهِ،فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ.

224- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ لَمَّا أُصِيبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِإِبْرَاهِيمَ ابْنِهِ مِنْ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ جَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعاً شَدِيداً حَتَّى قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ:اَلْقَلْبُ يَجْزَعُ وَ الْعَيْنُ تَدْمَعُ وَ إِنَّا عَلَيْكَ لَمَحْزُونُونَ وَ مَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ.

فَهَبَطَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ:اَلرَّبُّ جَلَّ جَلاَلُهُ يَقْرَأُ عَلَيْكَ سَلاَمَهُ وَ يَقُولُ:إِمَّا أَنْ يَخْتَارَ حَيَاةَ إِبْرَاهِيمَ فَيَرُدُّهُ اللَّهُ حَيّاً وَ يُوَرِّثُهُ النُّبُوَّةَ بَعْدَكَ فَيَقْتُلُهُ أُمَّتُكَ فَيُدْخِلُهَا اللَّهُ النَّارَ،أَوْ يَبْقَى الْحُسَيْنُ سِبْطُكَ وَ يَجْعَلُهُ اللَّهُ إِمَاماً بَعْدَكَ فَيَقْتُلُهُ نِصْفُ أُمَّتِكَ بَيْنَ قَاتِلٍ لَهُ وَ مُعِينٍ عَلَيْهِ وَ خَاذِلٍ لَهُ وَ رَاضٍ بِذَلِكَ وَ مُبْغِضٍ فَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ النَّارَ.

فَقَالَ:يَا رَبِّ لاَ أُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ أُمَّتِي كُلُّهَا النَّارَ.وَ بَقَاءُ الْحُسَيْنِ أَحَبُّ،وَ لاَ تَفْجَعْ فَاطِمَةَ بِهِ.

قَالَ:وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِذًا قَبِّلْ ثَنَايَا الْحُسَيْنِ وَ لِثَاتِهِ قَالَ لَهُ:فَدَيْتُ مَنْ فَدَيْتُهُ بِإِبْرَاهِيمَ.

225- وَ: لَمَّا عَزَمَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْعِرَاقِ بَعْدَ أَنْ كَاتَبَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَ وَجَّهَ مُسْلِمَ ابْنَ عَقِيلٍ إِلَيْهِمْ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ وَ أَرَادَ الْخُرُوجَ بَعَثَتْ إِلَيْهِ أُمُّ سَلَمَةَ:أَنِّي أُذَكِّرَكَ اللَّهَ يَا سَيِّدِي أَنْ لاَ تَخْرُجَ.

قَالَ:وَ لِمَ؟

قَالَتْ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ:يُقْتَلُ الْحُسَيْنُ ابْنِي بِالْعِرَاقِ.وَ أَعْطَانِي مِنَ التُّرْبَةِ قَارُورَةً أَمَرَنِي بِحِفْظِهَا وَ مُرَاعَاةِ مَا فِيهَا.

فَبَعَثَ إِلَيْهَا:وَ اللَّهِ يَا أُمَّاهُ إِنِّي لَمَقْتُولٌ لاَ مَحَالَةَ فَأَيْنَ الْمَفَرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ الْمَقْدُورِ؟مَا مِنَ الْمَوْتِ بُدٌّ وَ إِنِّي لَأَعْرِفُ الْيَوْمَ وَ السَّاعَةَ وَ الْمَكَانَ الَّذِي أُقْتَلُ فِيهِ،وَ أَعْرِفُ مَكَانَ مَصْرَعِي

ص:165

وَ الْبُقْعَةَ الَّتِي أُدْفَنُ فِيهَا،وَ أَعْرِفُهَا كَمَا أَعْرِفُكِ،فَإِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ أُرِيَكِ مَضْجَعِي وَ مَضْجَعَ مَنْ يُسْتَشْهَدُ مَعِي فَعَلْتُ.

قَالَتْ:قَدْ شِئْتُ وَ حَضَرَتْهُ.

فَتَكَلَّمَ بِاسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الْأَعْظَمِ فَتَخَفَّضَتِ الْأَرْضُ حَتَّى أَرَاهَا مَضْجَعَهُ وَ مَضْجَعَهُمْ، وَ أَعْطَاهَا مِنَ التُّرْبَةِ حَتَّى خَلَطَتْهَا مَعَهَا بِمَا كَانَ.

ثُمَّ قَالَ لَهَا:إِنِّي أُقْتَلُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ بَعْدَ صَلاَةِ الزَّوَالِ، فَعَلَيْكِ السَّلاَمُ..رَضِيَ اللَّهُ عَنْكِ يَا أُمَّاهْ بِرِضَانَا عَنْكِ.

وَ كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَسْأَلُ عَنْ خَبَرِهِ وَ تُرَاعِي قُرْبَ عَاشُورَاءَ.

وَ خَرَجَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ يُشَيِّعُهُ فَقَالَ لَهُ عِنْدَ الْوَدَاعِ:يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ!اَللَّهَ اللَّهَ فِي حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ.

فَقَالَ لَهُ:أَبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يَكُنَّ سَبَايَا.

و كان من مصيره إلى النهرين ما رواه الناس.

226- وَ: تَوَجَّهَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ(لَعَنَهُ اللَّهُ)بِالْجُيُوشِ مِنْ قِبَلِ يَزِيدَ فِي ثَمَانِيَةٍ وَ عِشْرِينَ أَلْفاً.

فَلَمَّا صَافَّهُ لِلْحَرْبِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ صَلَّى الْحُسَيْنُ بِأَصْحَابِهِ الْغَدَاةَ. وَ رُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ يَوْمِ الْعَاشِرِ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ إِحْدَى وَ سِتِّينَ..قَامَ خَطِيباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ:

«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ أَذِنَ فِي قَتْلِكُمُ الْيَوْمَ وَ قَتْلِي وَ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ وَ الْجِهَادِ».

وَ رُوِيَ: أَنَّ عِدَّتَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَانَتْ وَاحِداً وَ سِتِّينَ رَجُلاً وَ أَنَّ اللَّهَ-عَزَّ وَ جَلَّ-اِنْتَصَرَ وَ يَنْتَصِرُ لِدِينِهِ مُنْذُ أَوَّلِ الدَّهْرِ إِلَى آخِرِهِ بِأَلْفِ رَجُلٍ.

فَسُئِلَ عَنْ تَفْصِيلِهِمْ؛فَقَالَ:ثَلاَثُمِائَةٍ وَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ أَصْحَابُ طَالُوتَ،وَ ثَلاَثُمِائَةٍ وَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ أَصْحَابُ يَوْمِ بَدْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ،وَ ثَلاَثُمِائَةٍ وَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ أَصْحَابُ الْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.بَقِيَ وَاحِدٌ وَ سِتُّونَ رَجُلاً هُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا مَعَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي يَوْمِ الطَّفِّ.

227- فَرُوِيَ أَنَّ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ فِي خُطْبَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ-فِيمَا حُفِظَ مِنْ كَلاَمِهِ-: أَلاَ وَ إِنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ؛بَيْنَ السِّلَّةِ وَ الذِّلَّةِ.وَ هَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ.يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ لَنَا وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ حُجُورٌ طَابَتْ وَ طَهُرَتْ.نُؤْثِرُ مَصَارِعَ الْكِرَامِ عَلَى طَاعَةِ اللِّئَامِ.

ص:166

أَلاَ وَ انِّي زَاحِفٌ بِهَذِهِ الْعِصَابَةِ عَلَى قِلَّةِ الْعَدَدِ وَ كَثْرَةِ الْخَذَلَةِ وَ الْعَدُوِّ ثُمَّ أَنْشَدَ يَقُولُ:

فَإِنْ نَهْزِمْ فَهَزَّامُونَ قِدْماً وَ إِنْ نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلَّبِينَا

وَ مَا إِنْ طِبُّنَا جُبْنٌ وَ لَكِنْ مَنَايَانَا وَ دَوْلَةُ آخَرِينَا

ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْقِتَالِ.فَقَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ(لَعَنَهُ اللَّهُ):يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لِمَ لاَ تَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ الْأَمِيرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ؟

فَقَالَ لَهُ:يَا شَقِيُّ إِنَّكَ لاَ تَأْكُلْ مِنْ بُرِّ الْعِرَاقِ بَعْدِي إِلاَّ قَلِيلاً.فَشَأْنَكَ وَ مَا اخْتَرْتَهُ لِنَفْسِكَ.

فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ،فَنَادَاهُ وَ قَالَ:أَبْشِرْ يَا حُسَيْنُ بِالنَّارِ.

فَقَالَ لَهُ:مَنْ أَنْتَ؟

قَالَ:أَنَا ابْنُ جُوَيْرَةَ.

فَقَالَ:اَللَّهُمَّ جُرَّهُ إِلَى النَّارِ.

فَنَفَرَتْ دَابَّتُهُ تَحْتَهُ فَإِذَا هُوَ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ فَقَتَلَتْهُ ثُمَّ دَارَتْ عَلَيْهِ فَلَمْ تَزَلْ تَدُوسُهُ حَتَّى بَضَّعَتْهُ إِرْباً إِرْباً فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلاَّ رِجْلاَهُ.

ثُمَّ أَحْضَرَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ عَلِيلاً فَأَوْصَى إِلَيْهِ بِالاِسْمِ الْأَعْظَمِ وَ مَوَارِيثِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ عَرَّفَهُ أَنْ قَدْ دَفَعَ الْعُلُومَ وَ الصُّحُفَ وَ الْمَصَاحِفَ وَ السِّلاَحَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-وَ أَسَرَّهَا أَنْ تَدْفَعَ جَمِيعَ ذَلِكَ إِلَيْهِ.

228- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ دَعَا ذَلِكَ الْيَوْمَ ابْنَتَهُ الْكُبْرَى فَاطِمَةَ فَدَفَعَ إِلَيْهَا كِتَاباً مَلْفُوفاً وَ أَمَرَهَا أَنْ تُسَلِّمَهُ إِلَى أَخِيهَا عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فَسُئِلَ الْعَالِمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:أَيُّ شَيْءٍ كَانَ فِي الْكِتَابِ؟

فَقَالَ:فِيهِ-وَ اللَّهِ-جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وُلْدُ آدَمَ إِلَى فَنَاءِ الدُّنْيَا وَ قِيَامِ السَّاعَةِ.

و قتل عليه السّلام يوم الجمعة عاشر محرّم سنة إحدى و ستين من الهجرة؛و سنه في ذلك سبع و خمسون سنة؛منها مع النبيّ سبع سنين.و بعد أن أفضى أمر اللّه إليه عشر سنين.

و دفن بكربلاء عليه السّلام.

229- وَ رُوِيَ: أَنَّ السَّمَاءَ بَكَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْماً،فَسُئِلَ عَلاَمَةُ بُكَاءِ السَّمَاءِ فَقَالَ:كَانَتِ

ص:167

الشَّمْسُ تَطْلُعُ فِي حُمْرَةٍ وَ تَغِيبُ فِي حُمْرَةٍ.

230- وَ رُوِيَ: أَنَّ الدَّمَ لَمْ يَسْكُنْ حَتَّى خَرَجَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ فَقَتَلَ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفاً،وَ أَنَّ الْمُخْتَارَ قَالَ:قَتَلْتُ بِالْحُسَيْنِ سَبْعِينَ أَلْفاً-وَ اللَّهِ-لَوْ قَتَلْتُ أَهْلَ الْأَرْضِ جَمِيعاً لَمَا وَفَوْا بِقُلاَمَةِ ظُفْرِهِ.

231- وَ رُوِيَ: أَنَّ اللَّهَ-جَلَّ وَ عَزَّ-أَهْبَطَ إِلَيْهِ أَرْبَعَةَ آلاَفِ مَلَكٍ هُمُ الَّذِينَ هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَوْمَ بَدْرٍ،وَ خَيَّرَهُ النَّصْرَ عَلَى أَعْدَائِهِ أَوْ لِقَاءَهُ.

فَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ بِالْمُقَامِ عِنْدَ قَبْرِهِ،فَهُمْ شُعْثٌ غُبْرٌ يَنْتَظِرُونَ قِيَامَ الْقَائِمِ مِنْ وُلْدِهِ.

232- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ قَتَلَ بِيَدِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَلْفاً وَ ثَمَانَمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَ أَنَّهُ دَعَاهُمْ إِلَى الْبِرَازِ وَ أَخَذَ يَتَقَدَّمُ الْوَاحِدُ ثُمَّ الْعَشَرَةُ ثُمَّ صَارُوا مِائَةً عَلَى وَاحِدٍ ثُمَّ اجْتَمَعَ الْجَيْشُ كُلُّهُ مَعَ كَثْرَتِهِمْ عَلَيْهِ فَأَحَاطُوا بِهِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ.

233- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ مَا رُفِعَ حَجَرٌ إِلاَّ وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ وَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَلاَ رَفَعَ لِأَصْحَابِهِ مَنَازِلَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ حَتَّى رَأَوْهَا فَحَارَبُوا شَوْقاً إِلَيْهَا وَ طَلَباً لَهَا وَ حِرْصاً عَلَيْهَا.

و غلب اللعين يزيد على الملك،و عادت الإمامة مكتومة مستورة.

و استخفى بها عليّ بن الحسين عليه السّلام مع من تبعه من المؤمنين.

علي السجّاد عليه السّلام

و قام أبو محمّد عليّ بن الحسين عليه السّلام بالأمر مستخفيا على تقيّة شديدة في زمان صعب.

234- وَ رُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ «إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْإِمَامَةِ وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ شُرَكَاءُ- عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ الْحُسَيْنِ: -ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ» فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ خَاصَّةً فِي إِمَامَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

235- وَ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ فِي يَدِ فَاطِمَةَ لَوْحاً أَخْضَرَ

ص:168

ظَنَنْتُ أَنَّهُ زُمُرُّدٌ فِيهِ كِتَابٌ أَبْيَضُ يُشْبِهُ نُورَ الشَّمْسِ فَقُلْتُ:بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي مَا هَذَا اللَّوْحُ؟ فَقَالَتْ:لَوْحٌ أَهْدَاهُ اللَّهُ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِيهِ اسْمُهُ وَ اسْمُ ابْنِ عَمِّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ أَسْمَاءُ ابْنَيَّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ أَسْمَاءُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَأَعْطَانِيهِ يُبَشِّرُنَا بِهِ وَ يَأْمُرُنِي بِحِفْظِهِ وَ خَزْنِهِ.

ثُمَّ دَفَعَتْهُ إِلَيَّ وَ قَرَأْتُهُ وَ اسْتَنْسَخْتُهُ فَكَانَتْ نُسْخَتُهُ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.هَذَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ لِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَ نُورِهِ وَ سَفِيرِهِ وَ حِجَابِهِ وَ دَلِيلِهِ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.عَظِّمْ يَا مُحَمَّدُ أَسْمَائِي وَ اشْكُرْ نَعْمَائِي فَإِنِّي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا قَاصِمُ الْجَبَابِرَةِ وَ مُدِيلُ الْمَظْلُومِينَ وَ دَيَّانُ الدِّينِ.

فَمَنْ رَجَا غَيْرَ فَضْلِي أَوْ خَافَ غَيْرَ عَدْلِي عَذَّبْتُهُ عَذَاباً أَلِيماً لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ وَ عَلَيَّ فَتَوَكَّلْ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيّاً فَأُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ وَ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ إِلاَّ جَعَلْتُ لَهُ وَصِيّاً وَ إِنِّي فَضَّلْتُكَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَ فَضَّلْتُ وَصِيَّكَ عَلِيّاً عَلَى الْأَوْصِيَاءِ وَ أَكْرَمْتُكَ بِسِبْطَيْكَ حَسَنٍ وَ حُسَيْنٍ وَ جَعَلْتُ حَسَناً مَعْدِنَ عِلْمِي وَ جَعَلْتُ حُسَيْناً خَازِنَ وَحْيِي وَ أَكْرَمْتُهُ بِالشَّهَادَةِ وَ خَتَمْتُ لَهُ بِالسَّعَادَةِ وَ هُوَ أَفْضَلُ مَنِ اسْتُشْهِدَ وَ أَرْفَعُهُمْ دَرَجَةً وَ جَعَلْتُ كَلِمَتِيَ التَّامَّةَ مَعَهُ وَ حُجَّتِيَ الْبَالِغَةَ عِنْدَهُ بِعِتْرَتِهِ أُثِيبُ وَ أُعَاقِبُ؛أَوَّلُهُمْ:عَلِيٌّ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ وَ زَيْنُ أَوْلِيَائِيَ الْمَاضِينَ.وَ ابْنُهُ شَبِيهُ جَدِّهِ الْمَحْمُودِ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ لِعِلْمِي وَ الْمَعْدِنُ لِحِكْمَتِي.

وَ سَيَهْلِكُ الْمُرْتَابُونَ فِي جَعْفَرٍ الرَّادُّ عَلَيْهِ كَالرَّادِّ عَلَيَّ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي،لَأُكْرِمَنَّ مَثْوَى جَعْفَرٍ وَ لَأَسُرَّنَّهُ فِي أَنْصَارِهِ وَ أَشْيَاعِهِ وَ أَوْلِيَائِهِ تُنْتِجُ بَعْدَهُ فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ حِنْدِسٌ لِأَنَّ فَرْضِي لاَ يَنْقَطِعُ وَ حُجَّتِي لاَ تَخْفَى وَ أَوْلِيَائِي لاَ يَشْقَوْنَ.أَلاَ وَ مَنْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَقَدْ جَحَدَ نِعْمَتِي وَ مَنْ غَيَّرَ آيَةً مِنْ كِتَابِي فَقَدِ افْتَرَى عَلَيَّ.فَوَيْلٌ لِلْمُفْتَرِينَ الْجَاحِدِينَ عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ عَبْدِي مُوسَى حَبِيبِي وَ خِيَرَتِي.إِنَّ الْمُكَذِّبَ لِعَلِيٍّ وَلِيِّي وَ نَاصِرِي مُكَذِّبٌ لِكُلِّ أَوْلِيَائِي.يَقْتُلُهُ عِفْرِيتٌ مُسْتَكْبِرٌ.يُدْفَنُ فِي الْمَدِينَةِ الَّتِي بَنَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ إِلَى جَنْبِ شَرِّ خَلْقِي.حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأُقِرَّنَّ عَيْنَهُ بِمُحَمَّدٍ ابْنِهِ وَ خَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ وَارِثِ عِلْمِهِ فَهُوَ مَعْدِنُ عِلْمِي وَ مَوْضِعُ سِرِّي وَ حُجَّتِي عَلَى خَلْقِي،جَعَلْتُ الْجَنَّةَ مَأْوَاهُ وَ شَفَّعْتُهُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ.وَ أَخْتِمُ بِالسَّعَادَةِ لاِبْنِهِ عَلِيٍّ وَلِيِّي وَ نَاصِرِي وَ الشَّاهِدِ فِي خَلْقِي

ص:169

مِنْهُ الدَّاعِي إِلَى سَبِيلِي وَ الْخَازِنُ لِعِلْمِي الْحَسَنُ.ثُمَّ أُكْمِلُ ذَلِكَ بِابْنِهِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ..عَلَيْهِ كَمَالُ مُوسَى وَ بَهَاءُ عِيسَى وَ صَبْرُ أَيُّوبَ..يُسْتَذَلُّ أَوْلِيَائِي فِي زَمَانِهِ وَ تُهْدَى رُءُوسُهُمْ كَمَا تُتَهَادَى رُءُوسُ التُّرْكِ وَ الدَّيْلَمِ فَيُقْتَلُونَ وَ يُحْرَقُونَ وَ يَكُونُونَ خَائِفِينَ مَرْعُوبِينَ وَجِلِينَ..

تُصْبَغُ الْأَرْضُ بِدِمَائِهِمْ وَ يَفْشُو الْوَيْلُ وَ الرَّنَّةُ فِي نِسَائِهِمْ..أُولَئِكَ أَوْلِيَائِي..حَقّاً،بِهِمْ أَدْفَعُ كُلَّ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ حِنْدِسٍ،وَ بِهِمْ أَكْشِفُ الزَّلاَزِلَ وَ أَرْفَعُ الْآصَارَ وَ الْأَغْلاَلَ،أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ،وَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.

236- وَ رُوِيَ: أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ ثَلاَثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَ كَانَتْ أُمُّهُ جَهَانْشَاهُ بِنْتُ (يَزْدَجَرْدَ مَلِكٍ)آخِرِ مُلُوكِ الْفُرْسِ وَ هُوَ يَزْدَجَرْدُ بْنُ شَهْرِيَارَ.وَ كَانَ مِنْ حَدِيثِهَا أَنَّهَا وَ أُخْتَهَا سُبِيَتَا فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَقْدَمَتَا،وَ أَمَرَ عُمَرُ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِمَا مَعَ السَّبْيِ الْمَحْمُولِ،فَمَنَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنْ ذَلِكَ وَ قَالَ:إِنَّ بَنَاتَ الْمُلُوكِ لاَ يُبَعْنَ فِي الْأَسْوَاقِ.

ثُمَّ أَمَرَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى أَخَذَتْ بِأَيْدِيهِمَا فَدَارَتْ بِهِمَا عَلَى مَجَالِسِ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ تَعْرِضُهُمَا عَلَى مَنْ يَتَزَوَّجُ بِهِمَا.فَأَوَّلُ مَنْ طَلَعَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ فَوَقَفَا فَخَطَبَاهُمَا لِأَنْفُسِهِمَا.فَقَالَتَا:لاَ نُرِيدُ غَيْرَكُمَا.

فَتَزَوَّجَ الْحَسَنُ بِ(شَهْرَبَانُو)وَ تَزَوَّجَ الْحُسَيْنُ بِ(جَهَانْشَاهُ).فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:اِحْتَفِظْ بِهَا وَ أَحْسِنْ إِلَيْهَا فَسَتَلِدُ لَكَ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْدَكَ.

فَوَلَدَتْ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ.فَكَانَ مَوْلِدُهُ وَ مَنْشَؤُهُ مِثْلَ مَوَالِيدِ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ مَنْشَئِهِمْ.

وَ تُوُفِّيَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي نِفَاسِهَا فَابْتِيعَتْ لَهُ دَايَةٌ تَوَلَّتْ رَضَاعَهُ وَ تَرْبِيَتَهُ؛وَ كَانَ يُسَمِّيهَا أُمِّي.

فَلَمَّا كَبِرَتْ زَوَّجَهَا بِسَلاَمٍ مَوْلاَهُ فَكَانَ بَنُو أُمَيَّةَ يَقُولُونَ:إِنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ زَوَّجَ أُمَّهُ بِغُلاَمِهِ.وَ يُعَيِّرُونَهُ بِذَلِكَ.

و كان يسمّى عليه السّلام سيّد العابدين؛لأنّه

237- رُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَ اللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ.

238- وَ: حَضَرَ يَوْمَ الطَّفِّ مَعَ أَبِيهِ وَ كَانَ عَلِيلاً بِهِ بَطَنٌ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْجِهَادُ.فَلَمَّا قَرُبَ اسْتِشْهَادُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ دَعَاهُ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَتَسَلَّمَ مَا خَلَّفَهُ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ- رَحِمَهَا اللَّهُ-مَعَ مَوَارِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَ السِّلاَحِ وَ الْكِتَابِ.

فَلَمَّا اسْتُشْهِدَ حُمِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مَعَ الْحَرَمِ وَ أُدْخِلَ عَلَى اللَّعِينِ يَزِيدَ وَ كَانَ لاِبْنِهِ

ص:170

أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ سَنَتَانِ وَ شُهُورٌ،فَأُدْخِلَ مَعَهُ.فَلَمَّا رَآهُ يَزِيدُ قَالَ لَهُ:كَيْفَ رَأَيْتَ يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ[صُنْعَ اللَّهِ؟]قَالَ:رَأَيْتُ مَا قَضَاهُ اللَّهُ-عَزَّ وَ جَلَّ-قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ.

فَشَاوَرَ يَزِيدُ جُلَسَاءَهُ فِي أَمْرِهِ.فَأَشَارُوا بِقَتْلِهِ وَ قَالُوا لَهُ:لاَ تَتَّخِذْ مِنْ كَلْبِ سَوْءٍ جَرْواً.

فَابْتَدَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَلاَمَ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لِيَزِيدَ(لَعَنَهُ اللَّهُ):لَقَدْ أَشَارَ عَلَيْكَ هَؤُلاَءِ بِخِلاَفِ مَا أَشَارَ جُلَسَاءُ فِرْعَوْنَ عَلَيْهِ،حَيْثُ شَاوَرَهُمْ فِي مُوسَى وَ هَارُونَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَهُ:أَرْجِهْ وَ أَخَاهُ،وَ قَدْ أَشَارَ هَؤُلاَءِ عَلَيْكَ بِقَتْلِنَا،وَ لِهَذَا سَبَبٌ.

فَقَالَ يَزِيدُ:وَ مَا السَّبَبُ؟

فَقَالَ:إِنَّ أُولَئِكَ كَانُوا لِرِشْدَةٍ وَ هَؤُلاَءِ لِغَيْرِ رِشْدَةٍ.وَ لاَ يَقْتُلُ الْأَنْبِيَاءَ وَ أَوْلاَدَهُمْ إِلاَّ أَوْلاَدُ الْأَدْعِيَاءِ.

فَأَمْسَكَ يَزِيدُ مُطْرِقاً ثُمَّ أَمَرَ بِإِخْرَاجِهِمْ- عَلَى مَا قُصَّ وَ رُوِيَ: -

فَاسْتَخْفَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالْإِمَامَةِ مَعَ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

و في السنة الثالثة من إمامته مات يزيد اللعين،و بويع لابنه معاوية بن يزيد،فأقام في الملك ثلاثة أشهر و مات ثمّ كانت فتنة ابن الزبير بالحجاز في سنة أربع و ستين و كانت مدّتها تسع سنين.

و في سنة اثني عشر من إمامة عليّ بن الحسين،بويع اللعين طريد رسول اللّه و ابن طريده و لعينه و ابن لعينه الأزيرق مروان بن الحكم بن أبي العاص،فاستخفى في أيامه المؤمنون و صعب الزمان و اشتد على أهله،و كانت الشيعة تطلب في أقطار الأرض..تهدر دماؤهم و أموالهم.

و أظهروا لعن أمير المؤمنين عليه السّلام على منابرهم.و أقام(لعنه اللّه)في ملكه عشرة أشهر و أياما ثمّ توفي،و بويع ابنه عبد الملك بن مروان،

239- : فَقَلَّدَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ خِلاَفَتَهُ عَلَى الْعِرَاقَيْنِ ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.أَمَّا بَعْدُ فَانْظُرْ فِي دِمَاءِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَاحْقِنْهَا وَ احْذَرْ سَفْكَهَا وَ تَجَنَّبْهَا فَإِنِّي رَأَيْتُ آلَ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا وَلَغُوا فِيهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى اخْتَرَمُوا.

ص:171

وَ أَنْفَذَ الْكِتَابَ سِرّاً مِنْ كُلِّ قَرِيبٍ وَ بَعِيدٍ وَ خَاصٍّ بِهِ وَ عَامٍّ،إِلَى الْحَجَّاجِ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْتُمَهُ.

قَالَ الْعَالِمُ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ.أَمَّا بَعْدُ؛فَإِنَّكَ كَتَبْتَ فِي سَاعَةِ كَذَا مِنْ يَوْمِ كَذَا فِي شَهْرِ كَذَا إِلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ بِكَذَا وَ كَذَا وَ كَذَا وَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ عَرَفَ ذَلِكَ لَكَ وَ أَمْهَلَكَ فِي مُلْكِكَ وَ زَادَ فِيهِ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِكَ.

وَ طَوَى الْكِتَابَ وَ أَنْفَذَهُ إِلَيْهِ.فَلَمَّا قَرَأَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ اشْتَدَّ سُرُورُهُ،فَأَوْقَرَ رَاحِلَةَ الرَّسُولِ عَيْناً وَ وَرِقاً.

و كانت مدّة عبد الملك نيفا و عشرين سنة ثمّ مات و بويع لابنه الوليد في سنة ست و ثمانين من الهجرة و ذلك في سنة ست و عشرين من إمامة أبي محمّد علي بن الحسين عليه السّلام،

240- وَ: نَازَعَهُ عَمُّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْإِمَامَةِ وَ ادَّعَى أَنَّ الْأَمْرَ لَهُ بَعْدَ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَنَاظَرَهُ وَ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِآيٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» وَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ جَرَتْ فِيهِ وَ نَزَلَتْ لَهُ وَ لِوُلْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ.

فَلَمْ يَثْنِهِ ذَلِكَ عَنْ مَنْزِلَتِهِ،فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:فَنَتَحَاكَمُ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ.

فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ:كَيْفَ تُحَاكِمُنِي إِلَى حَجَرٍ لاَ يَسْمَعُ وَ لاَ يُجِيبُ؟وَ كَيْفَ يَخْلُو الْمَكَانُ مِنَ النَّاسِ وَ أَهْلِ الْمَوْسِمِ؟

فَأَعْلَمَهُ أَنَّ اللَّهَ-جَلَّ جَلاَلُهُ-يُحِسُّهُ وَ يُنْطِقُهُ بِالْحُكْمِ فِينَا.

فَمَضَى مُحَمَّدٌ مَعَهُ مُتَعَجِّباً حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ.فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:يَا عَمِّ فَكَلِّمْهُ.

فَتَقَدَّمَ مُحَمَّدٌ فَوَقَفَ حِيَالَهُ وَ كَلَّمَهُ.فَأَمْسَكَ عَنْهُ وَ لَمْ يُجِبْهُ.

وَ تَقَدَّمَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَوَضَعَ يَدَهُ الْمُبَارَكَةَ الطَّاهِرَةَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْمَكْتُوبِ فِي سُرَادِقِ الْعَظَمَةِ.-وَ دَعَا بِمَا أَحَبَّ-لَمَّا أَنْطَقْتَ هَذَا الْحَجَرَ.

ثُمَّ قَالَ:أَيُّهَا الْحَجَرُ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي جَعَلَ فِيكَ مَوَاثِيقَ الْعِبَادِ وَ الشَّهَادَةَ لِمَنْ وَافَاكَ وَ اسْتَلَمَكَ،لَمَّا أَخْبَرْتَ لِمَنِ الْوَصِيَّةُ وَ الْإِمَامَةُ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ؟

ص:172

قَالَ:فَتَزَعْزَعَ الْحَجَرُ حَتَّى كَادَ أَنْ يَزُولَ ثُمَّ أَنْطَقَهُ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ سَلِّمِ الْإِمَامَةَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ.

فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:اَللَّهُمَّ اسْمَحْ وَ اغْفِرْ.

فَرَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ مُنَازَعَتِهِ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ وَ اسْتَغْفَرَ.

241- وَ رُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ أَخَذَ بِيَدِ أَبِي حَمْزَةَ دَيْرَانِ بْنِ أَبِي صَفِيَّةَ الثُّمَالِيِّ فَقَالَ:يَا أَبَا حَمْزَةَ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ.

242- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ إِلَى مَكَّةَ فَبَيْنَا هُمْ جُلُوسٌ إِذْ جَاءَتْ ظَبْيَةٌ فَوَقَفَتْ بِإِزَائِهِ فَحَمْحَمَتْ وَ عَيْنَاهَا تَدْمَعَانِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:تَدْرُونَ مَا تَقُولُ هَذِهِ الظَّبْيَةُ؟

فَقَالُوا:اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَوْلِيَاؤُهُ أَعْلَمُ.

فَقَالَ:إِنَّهَا تَذْكُرُ أَنَّهَا عِنْدَ فُلاَنٍ الْقُرَشِيِّ وَ لَهَا خِشْفٌ قَدْ حُبِسَ عَنْهَا وَ لَمْ يَطْعَمْ شَيْئاً مُنْذُ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ.

ثُمَّ وَجَّهَ إِلَى الْقُرَشِيِّ فَأَحْضَرَهُ وَ اسْتَوْهَبَ مِنْهُ الظَّبْيَةَ وَ الْخِشْفَ وَ حَضَرَ طَعَامَهُ فَجَعَلَ يُطْعِمُهَا ثُمَّ أَمَرَ أَنْ تُخْرَجَ إِلَى الْبَرِّ فَتُخَلَّى لَهَا السَّبِيلُ.فَمَضَتْ وَ هِيَ تُحَمْحِمُ وَ مَعَهَا خِشْفُهَا، فَقَالَ:مَا تَدْرُونَ مَا تَقُولُ؟

قُلْنَا:لاَ.

فَقَالَ:إِنَّهَا تَدْعُو لَنَا وَ تُجْزِي خَيْراً.

243- وَ رُوِيَ: أَنَّ رَجُلاً صَارَ إِلَيْهِ وَ عِنْدَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالَ لَهُ:مَنْ أَنْتَ؟

قَالَ:أَنَا رَجُلٌ مُنَجِّمٌ قَائِفٌ عَرَّافٌ.

فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ:هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ قَدْ مَرَّ مُنْذُ دَخَلْتَ عَلَيْنَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَامٍ؟

قَالَ:مَنْ هُوَ؟

فَقَالَ لَهُ:إِنْ شِئْتَ نَبَّأْتُكَ بِمَا أَكَلْتَ وَ مَا ادَّخَرْتَ فِي بَيْتِكَ؟

فَقَالَ لَهُ:نَبِّئْنِي.

ص:173

فَقَالَ لَهُ:أَكَلْتَ فِي هَذَا الْيَوْمِ حَيْساً وَ لَكَ فِي بَيْتِكَ عِشْرُونَ دِينَاراً؛مِنْهَا ثَلاَثَةُ دَنَانِيرَ دَارِيَّةٌ.

فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ:أَشْهَدُ أَنَّكَ الْحُجَّةُ الْعُظْمَى وَ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَ كَلِمَةُ التَّقْوَى.

فَقَالَ لَهُ:وَ أَنْتَ صِدِّيقٌ قَدِ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ فَآمَنْتَ.

244- وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَهُ فَسَمِعَ صَوْتَ الْعَصَافِيرِ فَقَالَ:يَا أَبَا حَمْزَةَ هَلْ تَدْرِي مَا تَقُولُ هَذِهِ الْعَصَافِيرُ؟

قُلْتُ:لاَ.

قَالَ:تُقَدِّسُ رَبَّهَا وَ تَطْلُبُ مِنْهُ قُوتَ يَوْمِهَا.

...الى غير ذلك من دلائله عليه السّلام،فإنها كثيرة و قد بيّنا في آخر بابه بعضها.

فلما قربت أيامه صلّى اللّه عليه أحضر أبا جعفر ابنه و أوصى إليه،فحضر جماعة من خواصّه الوصية الظاهرة و سلّم إليه بعد ذلك الاسم الأعظم و مواريث الأنبياء.

و كان فيما قاله من أمر ناقته ان يحسن إليها و يقدم لها العلف و لا تحمل بعده على الكد و السفر و تكون في الحظيرة.و قد كان حجّ عليها عشرين حجّة ما قرعها بخشبة.

و مضى(صلّى اللّه عليه)في سنة خمس و تسعين من الهجرة؛و سنه سبع و خمسون.

و دفن بالبقيع في قبر أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السّلام.

فأقام مع أمير المؤمنين عليه السّلام سنتين و شهورا.و روي عنه أحاديث كثيرة،و أقام مع أبيه و عمّه عليهما السّلام عشرين سنة،و منفردا بالإمامة خمسا و ثلاثين سنة و شهورا.

245- فَرُوِيَ: أَنَّ النَّاقَةَ خَرَجَتْ إِلَى قَبْرِهِ بِالْبَقِيعِ فَضَرَبَتْ بِجِرَانِهَا عَلَيْهِ وَ لَمْ تَزَلْ دُمُوعُهَا تَجْرِي وَ تَهْمُلُ مِنْ عَيْنِهَا،فَبَعَثَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمَنْ يَرُدُّهَا إِلَى مَوْضِعِهَا فَعَادَتْ.فَعَلَتْ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أُقِيمَتْ فَلَمْ تَقُمْ حَتَّى مَاتَتْ.فَأَمَرَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَحُفِرَ لَهَا وَ دُفِنَتْ.

246- وَ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قُحِطَ النَّاسُ يَمِيناً وَ شِمَالاً فَمَدَدْتُ عَيْنِي فَرَأَيْتُ شَخْصاً أَسْوَدَ عَلَى تَلٍّ قَدِ انْفَرَدَ،فَقَصَدْتُ نَحْوَهُ فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ.فَلَمْ يُتِمَّ دُعَاءَهُ حَتَّى أَقْبَلَتْ غَمَامَةٌ.فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا حَمِدَ اللَّهَ وَ انْصَرَفَ.وَ أَدْرَكَنَا الْمَطَرُ حَتَّى ظَنَنَّاهُ الْغَرَقَ.فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ دَارَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ:يَا سَيِّدِي فِي دَارِكَ غُلاَمٌ أَسْوَدُ

ص:174

تَفَضَّلْ عَلَيَّ بَيْعَهُ.

فَقَالَ:يَا سَعِيدُ وَ لِمَ لاَ يُوهَبُ لَكَ؟

ثُمَّ أَمَرَ الْقَيِّمَ عَلَى غِلْمَانِهِ يَعْرِضُ كُلَّ مَنْ فِي الدَّارِ عَلَيْهِ فَجُمِعُوا فَلَمْ أَرَ صَاحِبِي بَيْنَهُمْ.

فَقُلْتُ:فَلَمْ أَرَهُ.فَقَالَ:إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ فُلاَنٌ السَّائِسُ.فَأَمَرَ بِهِ فَأُحْضِرَ فَإِذَا هُوَ صَاحِبِي.

فَقُلْتُ لَهُ:هَذَا هُوَ.

فَقَالَ لَهُ:يَا غُلاَمُ إِنَّ سَعِيداً قَدْ مَلَكَكَ فَامْضِ مَعَهُ.

فَقَالَ لِيَ الْأَسْوَدُ:مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَرَّقْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَ مَوْلاَيَ؟

فَقُلْتُ لَهُ:إِنِّي رَأَيْتُ مَا كَانَ مِنْكَ عَلَى التَّلِّ.

فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ مُبْتَهِلاً ثُمَّ قَالَ:إِنْ كَانَتْ سَرِيرَةُ مَا بَيْنَكَ وَ بَيْنِي قَدْ أَذَعْتَهَا عَلَيَّ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ.

فَبَكَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَ بَكَى مَنْ حَضَرَهُ وَ خَرَجْتُ بَاكِياً.فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَافَانِي رَسُولُهُ فَقَالَ لِي:إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَحْضُرَ جَنَازَةَ صَاحِبِكَ فَافْعَلْ.

فَرَجَعْتُ مَعَهُ وَ وَجَدْتُ الْعَبْدَ قَدْ مَاتَ بِحَضْرَتِهِ.

247- وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَقُولُ بِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ زَمَاناً،فَلَقِيَنِي يَحْيَى بْنُ أُمِّ الطَّوِيلِ ابْنُ دَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَدَعَانِي إِلَى صَاحِبِهِ،فَامْتَنَعْتُ عَلَيْهِ.

فَقَالَ لِي:مَا يَضُرُّكَ أَنْ تَقْضِيَ حَقِّي وَ أَنْ تَلْقَاهُ مَرَّةً وَاحِدَةً؟

فَصِرْتُ مَعَهُ إِلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ جَالِساً فِي بَيْتٍ مَفْرُوشٍ بِالْمُعَصْفَرِ مُلْبَسِ الْحِيطَانِ..عَلَيْهِ ثِيَابٌ مُصْبَغَةٌ.فَلَمْ أُطِلْ عِنْدَهُ.

فَلَمَّا نَهَضْتُ قَالَ لِي:صِرْ إِلَيَّ فِي غَدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَ قُلْتُ لِيَحْيَى:أَدْخَلْتَنِي إِلَى رَجُلٍ يَلْبَسُ الْمُصْبَغَاتِ

وَ عَزَمْتُ أَنْ لاَ أَرْجِعَ إِلَيْهِ،ثُمَّ فَكَّرْتُ فِي أَنَّ رُجُوعِي غَيْرُ ضَائِرٍ،فَصِرْتُ إِلَيْهِ فِي الْوَقْتِ،فَوَجَدْتُ الْبَابَ مَفْتُوحاً وَ لَمْ أَرَ أَحَداً،فَهَمَمْتُ بِالرُّجُوعِ،فَنَادَانِي مِنْ دَاخِلِ الدَّارِ ثَلاَثَةَ أَصْوَاتِ،فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ غَيْرِي..حَتَّى صَاحَ بِي(يَا كَنْكَرُ)ادْخُلْ-وَ هَذَا اسْمٌ سَمَّتْنِي أُمِّي بِهِ وَ لَمْ يَسْمَعْهُ وَ لاَ عَلِمَ بِهِ أَحَدٌ غَيْرِي-فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ جَالِساً فِي بَيْتٍ

ص:175

مُطَيَّنٍ عَلَى حَصِيرٍ بَرْدِيٍّ وَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ كَرَابِيسِيٌّ.

فَقَالَ لِي:يَا أَبَا خَالِدٍ إِنِّي قَرِيبُ عَهْدٍ بِعَرُوسٍ،وَ إِنَّ الَّذِي رَأَيْتَ بِالْأَمْسِ مِنْ آلَةِ الْمَرْأَةِ، وَ لَمْ أُحِبَّ مُخَالَفَتَهَا.

فَمَا بَرِحْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْعَجَائِبَ،فَقُلْتُ بِإِمَامَتِهِ وَ هَدَانِي اللَّهُ بِهِ وَ عَلَى يَدَيْهِ.

248- وَ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: لاَ تَكُونُ الْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ لاَ تَخْرُجُ مِنَ الْأَعْقَابِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

249- وَ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لاَ يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ:اَلْمُدْخِلُ فِينَا مَنْ لَيْسَ مِنَّا،وَ الْمُخْرِجُ مِنَّا مَنْ هُوَ مِنَّا،وَ الْقَائِلُ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلاَمِ نَصِيباً-يَعْنِي هَذَيْنِ الصَّنَمَيْنِ-.

محمد الباقر عليه السّلام

و قام بالأمر بعده أبو جعفر محمّد بن علي عليهما السّلام.

250- رُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِأُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بن [بِنْتِ] الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَمِّهِ وَ هِيَ أُمُّ [أَبِي] جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ يُسَمِّيهَا الصِّدِّيقَةَ وَ يَقُولُ:لَمْ يُدْرَكْ فِي آلِ الْحَسَنِ مِثْلَهَا امْرَأَةٌ.

251- رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ أُمِّي أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ الْحَسَنِ جَالِسَةً عِنْدَ جِدَارٍ فَتَصَدَّعَ الْجِدَارُ فَقَالَتْ بِيَدِهَا:لاَ وَ حَقِّ الْمُصْطَفَى مَا أَذِنَ اللَّهُ-جَلَّ وَ عَزَّ-لَكَ فِي السُّقُوطِ حَتَّى أَقُومَ.

فَبَقِيَ مُعَلَّقاً حَتَّى قَامَتْ وَ بَعُدَتْ ثُمَّ سَقَطَ،فَتَصَدَّقَ عَنْهَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بِمِائَةِ دِينَارٍ.

و كان مولد أبي جعفر عليه السّلام في سنة ثمان و خمسين من الهجرة قبل أن يصاب الحسين عليه السّلام و كان مولده و منشؤه مثل مواليد آبائه عليهم السّلام.

252- : فَلَمَّا شَبَّ وَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ مَعَ أَبِيهِ أَتَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ:إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ جَدَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَ كَانَ قَالَ لِي:تَعِيشُ حَتَّى تَرَى مُحَمَّدَ بْنَ

ص:176

عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ابْنِي،فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَاقْرَأْ عَلَيْهِ سَلاَمِي.

ثُمَّ أَتَاهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ:يَا بَاقِرُ.

فَلَمَّا فَعَلَ جَابِرٌ ذَلِكَ،أَمَرَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَلاَّ يَخْرُجَ مِنَ الدَّارِ.فَكَانَ جَابِرٌ يَأْتِيهِ طَرَفَيِ النَّهَارِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ.فَلَمَّا مَضَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ يَمْضِي إِلَى جَابِرٍ لِسِنِّهِ وَ صُحْبَتِهِ جَدَّهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الْوَقْتِ.

253- وَ رُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا: كُنَّا مَعَهُ فَمَرَّ بِهِ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَنَا:

لَتَرَوْنَ أَخِي هَذَا وَ اللَّهِ لَيَخْرُجَنَّ بِالْكُوفَةِ وَ لَيُقْتَلَنَّ وَ لَيُصْلَبَنَّ وَ يُطَافُ بِرَأْسِهِ.

254- وَ رُوِيَ: أَنَّ أَصْحَابَهُ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ عِنْدَهُ إِذْ سَقَطَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَرَشَانٌ وَ مَعَهُ أُنْثَاهُ فَرَقَا لَهُمَا،فَوَقَفَا سَاعَةً ثُمَّ طَارَا.فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينَا مِنْ عِلْمِ كُلِّ شَيْءٍ.كُلُّ شَيْءٍ أَسْمَعُ لَنَا وَ أَطْوَعُ وَ أَعْرَفُ بِحَقِّنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ.إِنَّ هَذَا الْوَرَشَانَ ظَنَّ بِزَوْجَتِهِ ظَنَّ سَوْءٍ وَ صَارَ إِلَيَّ فَشَكَاهَا وَ أَتَى بِهَا مَعَهُ فَحَاكَمَهَا فَحَلَفَتْ لَهُ بِالْوَلاَيَةِ أَنَّهَا مَا خَانَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ بِأَنَّهَا صَادِقَةٌ وَ نَهَيْتُهُ عَنْ ظُلْمِهَا؛لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَهِيمَةٍ وَ لاَ طَائِرٍ يَحْلِفُ بِوَلاَيَتِنَا كَاذِباً إِلاَّ ابْنُ آدَمَ.فَاصْطَلَحَا وَ طَارَا.

255- وَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ إِذْ بَصُرْتُ بِشَاةٍ مُنْفَرِدَةٍ مِنَ الْغَنَمِ تَصِيحُ إِلَى سَخْلَةٍ لَهَا قَدِ انْقَطَعَتْ عَنْهَا وَ تُسْرِعُ السَّيْرَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:أَ تَدْرِي مَا تَقُولُ هَذِهِ الشَّاةُ لِوَلَدِهَا؟

قُلْتُ:لاَ يَا سَيِّدِي.

قَالَ:تَقُولُ لَهَا:اِسْرَعِي فِي الْقَطِيعِ فَإِنَّ أَخَاكِ عَامَ أَوَّلَ تَخَلَّفَ عَنِّي وَ عَنِ الْقَطِيعِ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَاخْتَلَسَهُ الذِّئْبُ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ:فَدَنَوْتُ مِنَ الرَّاعِي فَقُلْتُ لَهُ:أَرَى هَذِهِ الشَّاةَ تَصِيحُ سَخْلَتُهَا فَلَعَلَّ الذِّئْبَ أَكَلَ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ سَخْلاً لَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؟

قَالَ:قَدْ كَانَ ذَاكَ عَامَ أَوَّلَ،فَمَا يُدْرِيكَ؟.

256- وَ رُوِيَ: أَنَّ الْأَسْوَدَ بْنَ سَعِيدٍ كَانَ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَابْتَدَأَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَالَ لَهُ:نَحْنُ

ص:177

حُجَجُ اللَّهِ وَ نَحْنُ لِسَانُ اللَّهِ وَ نَحْنُ وَجْهُ اللَّهِ وَ نَحْنُ وُلاَةُ أَمْرِ اللَّهِ.

ثُمَّ قَالَ:يَا أَسْوَدُ إِنَّ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ الْأَرْضِ تُرّاً مِثْلَ تُرِّ الْبَنَّاءِ فَإِذَا أُمِرْنَا بِأَمْرٍ فِي الْأَرْضِ جَذَبْنَا بِذَلِكَ التُّرِّ فَأَقْبَلَتْ إِلَيْنَا تِلْكَ الْأَرْضُ.

257- وَ رُوِيَ عَنِ الْحَكِيمِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ: أَتَيْتُ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالْمَدِينَةِ فَقُلْتُ لَهُ:عَلَيَّ نَذْرٌ بَيْنَ الرُّكْنِ وَ الْمَقَامِ إِنْ أَنَا لَقِيتُكَ أَلاَّ أَخْرُجَ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ.

فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ.

فَأَقَمْتُ ثَلاَثِينَ يَوْماً ثُمَّ اسْتَقْبَلَنِي فِي طَرِيقٍ فَقَالَ:يَا حَكِيمُ وَ إِنَّكَ لَهَاهُنَا.

قُلْتُ:قَدْ أَخْبَرْتُكَ بِمَا جَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَى نَفْسِي فَلَمْ تَأْمُرْنِي وَ لَمْ تَنْهَنِي.

وَ قَالَ:بَكِّرْ عَلَيَّ إِلَى الْمَنْزِلِ.

فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ:سَلْ عَنْ حَاجَتِكَ.

فَقُلْتُ:قَدْ جَعَلْتُ عَلَيَّ نَذْراً صِيَاماً وَ صَدَقَةً إِنْ أَنَا لَقِيتُكَ لَمْ أَخْرُجْ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّكَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ أَوْ لاَ.فَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ رَابَطْتُكَ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ انْتَشَرْتُ فِي الْأَرْضِ وَ طَلَبْتُ الْمَعَاشَ.

فَقَالَ:يَا حَكِيمُ كُلُّنَا قَائِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ.

قُلْتُ:فَأَنْتَ الْمَهْدِيُّ؟

قَالَ:كُلُّنَا نَهْدِي إِلَى اللَّهِ.

قُلْتُ:فَأَنْتَ صَاحِبُ السَّيْفِ.

قَالَ:كُلُّنَا صَاحِبُ السَّيْفِ وَ وَارِثُ السَّيْفِ.

قُلْتُ:وَ أَنْتَ تَقْتُلُ أَعْدَاءَ اللَّهِ وَ تُعِزُّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَ يَظْهَرُ بِكَ دِينُ اللَّهِ.

قَالَ:يَا حَكِيمُ كَيْفَ أَكُونُ أَنَا هُوَ وَ قَدْ بَلَغْتُ هَذَا السِّنَّ.إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ أَقْرَبُ عَهْدٍ بِاللَّبَنِ مِنِّي.

ثُمَّ قَالَ-بَعْدَ كَلاَمٍ طَوِيلٍ-:سِرْ فِي حِفْظِ اللَّهِ وَ الْتَمِسْ مَعَاشَكَ.

258- وَ رُوِيَ عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ الْقَائِمِ،فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ.قَالَ:صَدَقَ

ص:178

جَابِرٌ،وَ قَالَ:لَعَلَّكُمْ تَرَوْنَ أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ هُوَ الْقَائِمَ بَعْدَ الْإِمَامِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ.هَذَا اسْمٌ لِجَمِيعِهِمْ.

259- وَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ دَعَا عَلِيّاً فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَضَى فِيهِ فَقَالَ لَهُ:يَا عَلِيُّ ادْنُ مِنِّي حَتَّى أُسِرَّ إِلَيْكَ بِمَا أَسَرَّهُ اللَّهُ إِلَيَّ وَ أَئْتَمِنَكَ عَلَى مَا ائْتَمَنَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ.

فَدَنَا مِنْهُ فَأَسَرَّ إِلَيْهِ.

وَ فَعَلَ عَلِيٌّ بِالْحَسَنِ.

وَ فَعَلَ الْحَسَنُ بِالْحُسَيْنِ.

وَ فَعَلَ الْحُسَيْنُ بِأَبِي.

وَ فَعَلَ أَبِي بِي.

260- وَ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ،وَ أَخِي عَلِيٌّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.فَإِذَا اسْتُشْهِدَ فَابْنِيَ الْحَسَنُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.ثُمَّ ابْنِيَ الْحُسَيْنُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.فَإِذَا اسْتُشْهِدَ فَابْنُهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ سَتُدْرِكُهُ يَا عَلِيُّ.ثُمَّ ابْنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ سَتُدْرِكُهُ يَا حُسَيْنُ.

وَ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الطَّيَّارُ- رَحِمَهُمُ اللَّهُ- .

261- وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قُلْتُ:لِأَبِي جَعْفَرٍ أَنْتُمْ وَرَثَةُ رَسُولِ اللَّهِ؟

فَقَالَ لِي:نَعَمْ.رَسُولُ اللَّهِ وَارِثُ الْأَنْبِيَاءِ وَ نَحْنُ وَرَثَتُهُ وَ وَرَثَتُهُمْ.

قُلْتُ:تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تُحْيُوا الْمَوْتَى وَ تُبْرِءُوا الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ؟

فَقَالَ لِي:بِإِذْنِ اللَّهِ.

ثُمَّ قَالَ:اُدْنُ مِنِّي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ.

فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِي فَأَبْصَرْتُ الشَّمْسَ وَ السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ وَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الدَّارِ.

فَقَالَ:أَ تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ هَكَذَا وَ لَكَ مَا لِلنَّاسِ وَ عَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ أَوْ تَعُودُ عَلَى حَالِكَ

ص:179

وَ لَكَ الْجَنَّةُ خَالِصاً؟

قُلْتُ:أَعُودُ وَ الْجَنَّةُ.

فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيَّ فَرَجَعْتُ كَمَا كُنْتُ.

262- وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ: كُنْتُ يَوْماً عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ،فَالْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ لِي:يَا جَابِرُ مَا لَكَ حِمَارٌ فَتَرْكَبَهُ؟

قُلْتُ:لاَ يَا سَيِّدِي.

فَقَالَ لِي:إِنِّي أَعْرِفُ رَجُلاً بِالْمَدِينَةِ لَهُ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ فَيَأْتِي الْمَشْرِقَ وَ الْمَغْرِبَ فِي لَيْلَةٍ.

263- وَ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: نَحْنُ جَنْبُ اللَّهِ-عَزَّ وَ جَلَّ-وَ نَحْنُ خِيَرَةُ اللَّهِ وَ نَحْنُ مُسْتَوْدَعُ مَوَارِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَ نَحْنُ أُمَنَاءُ اللَّهِ وَ نَحْنُ حُجَجُ اللَّهِ وَ نَحْنُ حَبْلُ اللَّهِ وَ نَحْنُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ.بِنَا يَفْتَحُ اللَّهُ وَ بِنَا يَخْتِمُ اللَّهُ.مَنْ تَمَسَّكَ بِنَا لَحِقَ،وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنَّا غَرِقَ.وَ نَحْنُ الْقَادَةُ الْغَرَّاءُ الْمُحَجَّلُونَ.

ثُمَّ قَالَ-بَعْدَ كَلاَمٍ طَوِيلٍ-:فَمَنْ عَرَفَنَا وَ عَرَفَ حَقَّنَا وَ أَخَذَ بِأَمْرِنَا فَهُوَ مِنَّا وَ إِلَيْنَا.

264- وَ رُوِيَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: إِنَّ الْإِمَامَ مِنَّا يَسْمَعُ الْكَلاَمَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَإِذَا وَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ رُفِعَ لَهُ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ يَرَى بِهِ أَعْمَالَ الْعِبَادِ.

265- وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: لاَ وَ اللَّهِ لاَ يَكُونُ عَالِمٌ بِشَيْءٍ جَاهِلاً بِشَيْءٍ.إِنَّ اللَّهَ أَجَلُّ وَ أَكْرَمُ وَ أَعَزُّ وَ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ طَاعَةَ عَبْدٍ وَ يَجْعَلَهُ حُجَّةً ثُمَّ يَحْجُبَ عَنْهُ عِلْمَ أَرْضِهِ وَ سَمَائِهِ.

ثُمَّ قَالَ:لاَ يَحْجُبُ ذَلِكَ عَنْهُ.

266- وَ رُوِيَ: أَنَّ حَبَابَةَ الْوَالِبِيَّةَ دَخَلَتْ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهَا:يَا حَبَابَةُ مَا الَّذِي أَبْكَاكِ؟

قَالَتْ:كَثْرَةُ هُمُومِي وَ ظَهَرَ فِي رَأْسِيَ الْبَيَاضُ.

قَالَ:يَا حَبَابَةُ ادْنِي.

فَدَنَتْ مِنْهُ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهَا وَ دَعَا لَهَا بِكَلاَمٍ لَمْ يُفْهَمْ.ثُمَّ دَعَا لَهَا بِالْمِرْآةِ فَنَظَرَتْ فَإِذَا شَمْطُ رَأْسِهَا قَدِ اسْوَدَّ وَ عَادَ حَالِكاً.فَسُرَّتْ بِذَلِكَ وَ سُرَّ أَبُو جَعْفَرٍ بِسُرُورِهَا.

ص:180

فَقَالَتْ:بِالَّذِي أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ عَلَى النَّبِيِّينَ أَيَّ شَيْءٍ كُنْتُمْ فِي الْأَظِلَّةِ؟

فَقَالَ:يَا حَبَابَةُ،نُوراً بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ آدَمَ،فَأَوْحَى إِلَيْنَا فَسَبَّحْنَا فَسَبَّحَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِتَسْبِيحِنَا وَ لَمْ يَكُنْ تَسْبِيحٌ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ.فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ سَلَكَ ذَلِكَ النُّورَ فِيهِ.

و كان أبو جعفر عليه السّلام عمره سبع و خمسون سنة،و كانت ولادته في سنة ثمان و خمسين للهجرة،فأقام مع أبي عبد اللّه الحسين سنتين و شهورا و مع عليّ بن الحسين خمسا و ثلاثين سنة،و منفردا بالإمامة تسع عشرة سنة و شهورا.

و كانت وفاته سنة مائة و خمس عشرة.و في أربع سنين من إمامته توفي الوليد بن عبد الملك،و كان ملكه تسع سنين و شهورا،و بويع لسليمان؛و أمر الإمامة مكتوم و الشيعة في شدّة شديدة.

و في ست سنين و شهور من إمامة أبي جعفر عليه السّلام توفي سليمان و بويع لعمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم،فرفع اللعن عن أمير المؤمنين عليه السّلام.

267- وَ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَنَّهُ قَالَ وَ هُوَ بِالْمَدِينَةِ:قَدْ تُوُفِّيَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ تَلْعَنُهُ مَلاَئِكَةُ السَّمَاءِ وَ تَبْكِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْأَرْضِ.

و بويع ليزيد بن عبد الملك،و كان شديد العداوة و العناد لأبي جعفر عليه السّلام و لأهل بيته

268- فَرُوِيَ: أَنَّهُ بَعَثَ إِلَيْهِ فَأَحْضَرَهُ لِيُوقِعَ بِهِ.فَلَمَّا أُدْخِلَ إِلَيْهِ حَرَّكَ بِشَفَتَيْهِ بِدُعَاءٍ لَمْ يُسْمَعْ،فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ:تَعْرِضُ عَلَيَّ حَوَائِجَكَ؟

قَالَ:تَرُدُّنِي إِلَى بَلَدِي.

فَقَالَ لَهُ:اِرْجِعْ.وَ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ يَمْنَعُهُ الْمِيرَةَ فِي طَرِيقِهِ فَمُنِعَ عَنْهَا بِمَدِينَةِ مَدْيَنَ وَ أُغْلِقَ الْبَابُ دُونَهُ.فَصَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ فَقَرَأَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ «وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً -إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى- بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» وَ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ شَيْخٌ مِنْ بَقَايَا الْعُلَمَاءِ فَخَرَجَ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ:هَذَا وَ اللَّهِ شُعَيْبٌ يُنَادِيكُمْ.فَقَالُوا لَهُ:لَيْسَ هَذَا شُعَيْباً.هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أُمِرْنَا أَنْ نَمْنَعَهُ الْمِيرَةَ.

فَقَالَ لَهُمْ:اِفْتَحُوا لَهُ الْبَابَ وَ إِلاَّ فَتَوَقَّعُوا الْعَذَابَ.

ص:181

فَأَطَاعُوهُ وَ فَتَحُوا الْبَابَ وَ أَمَرَهُمْ بِحَمْلِ الْمِيرَةِ إِلَيْهِ فَفَعَلُوا.

فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَ أَقَامَ بِهَا.

269- : فَلَمَّا قَرُبَتْ وَفَاتُهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ دَعَا بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرٍ ابْنِهِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فَقَالَ:إِنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ الَّتِي وُعِدْتُ فِيهَا ثُمَّ سَلَّمَ إِلَيْهِ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ وَ مَوَارِيثَ الْأَنْبِيَاءِ وَ السِّلاَحَ وَ قَالَ لَهُ:يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ!اَللَّهَ اللَّهَ فِي الشِّيعَةِ.فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:وَ اللَّهِ لاَ تَرَكْتُهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى أَحَدٍ.

فَقَالَ لَهُ:إِنَّ زَيْداً سَيَدْعُو بَعْدِي إِلَى نَفْسِهِ فَدَعْهُ وَ لاَ تُنَازِعْهُ فَإِنَّ عُمُرَهُ قَصِيرٌ.

فروى أن خروج زيد كان في يوم الأربعاء و قتله في يوم الأربعاء-جدّد اللّه على قاتله العذاب.

و قام أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السّلام مقام أبيه-صلوات اللّه عليه-

270- رُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: وُلِدَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَ ثَمَانِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي حَيَاةِ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ-صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ-وَ كَانَتْ أُمُّهُ أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَ كَانَ أَبُوهَا الْقَاسِمُ مِنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ.وَ كَانَتْ مِنْ أَتْقَى نِسَاءِ زَمَانِهَا. و روت عن عليّ بن الحسين أحاديث؛

271- مِنْهَا: قَوْلُهُ لَهَا:يَا أُمَّ فَرْوَةَ إِنِّي لَأَدْعُو لِمُذْنِبِي شِيعَتِنَا فِي الْيَوْمِ وَ اللَّيْلَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ-يَعْنِي الاِسْتِغْفَارَ-لِأَنَّا نَصْبِرُ عَلَى مَا نَعْلَمُ وَ هُمْ يَصْبِرُونَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ.

و كان مولده و منشأه-و ما روي من أمر العمود و غيره-على منهاج آبائه صلّى اللّه عليهم.

و مضى عليّ بن الحسين و له اثنتا عشرة سنة و قام بأمر اللّه جلّ و علا في سنة خمس عشرة و مائة و سنه اثنتين و ثلاثين سنة.و لم يزل أبو جعفر عليه السّلام يشير إليه في حياته مدّة أيامه ثمّ نصّ عليه؛فمنها:

272- مَا رَوَاهُ زُرَارَةُ وَ أَبُو الْجَارُودِ: أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَحْضَرَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ صَحِيحٌ لاَ عِلَّةَ بِهِ فَقَالَ لَهُ:إِنِّي أُرِيدُ أَنْ آمُرَكَ بِأَمْرٍ.

فَقَالَ لَهُ:مُرْنِي بِمَا شِئْتَ.

فَقَالَ:اِيتِنِي بِصَحِيفَةٍ وَ دَوَاةٍ.

فَأَتَاهُ بِهَا فَكَتَبَ لَهُ وَصِيَّتَهُ الظَّاهِرَةَ ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ جَمَاعَةً مِنْ قُرَيْشٍ فَدَعَاهُمْ

ص:182

وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِ.

273- وَ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ يَا جَابِرُ إِنِّي كُنْتُ سَمَّيْتُهُ أَحْمَدَ ثُمَّ أَشْفَقْتُ عَلَيْهِ فَسَمَّيْتُهُ جَعْفَراً عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

وَ رُوِيَ عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ: مِثْلُهُ.

274- وَ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَ عَنْبَسَةَ بْنِ مُصْعَبٍ جَمِيعاً: أَنَّهُمَا سَأَلاَ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ الْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ:هَذَا وَ اللَّهِ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ بَعْدِي.

275- وَ رُوِيَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَقْبَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ:

هَذَا خَيْرُ الْبَرِيَّةِ بَعْدِي.

جعفر الصادق عليه السّلام

276- قَالَ عَنْبَسَةُ: فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ:لَعَلَّكُمْ تَرَوْنَ أَنْ لَيْسَ كُلُّ إِمَامٍ مِنَّا هُوَ الْقَائِمَ بِأَمْرِ اللَّهِ بَعْدَ الْإِمَامِ الَّذِي قَبْلَهُ.هَذَا اسْمٌ لِجَمِيعِهِمْ.

فَلَمَّا أُفْضِيَ أَمْرُ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ إِلَيْهِ،جَمَعَ الشِّيعَةَ وَ قَامَ خَطِيباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ ذَكَّرَهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ:إِنَّ اللَّهَ أَوْضَحَ أَئِمَّةَ الْهُدَى مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَنْ دِينِهِ وَ أَبْلَجَ بِهِمْ عَنْ سَبِيلِ مِنْهَاجِهِ،وَ فَتَحَ بِهِمْ عَنْ بَاطِنِ شَاسِعِ عِلْمِهِ،فَمَنْ عَرَفَ وَاجِبَ حَقِّ إِمَامِهِ وَجَدَ طَعْمَ حَلاَوَةِ إِيمَانِهِ،وَ عَلِمَ فَضْلَ طَلاَوَةِ إِسْلاَمِهِ،لِأَنَّ اللَّهَ نَصَبَ الْإِمَامَ عَلَماً لِخَلْقِهِ، وَ جَعَلَهُ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ عَالَمِهِ،وَ أَلْبَسَهُ تَاجَ الْوَقَارِ،يُمَدُّ بِسَبَبٍ مِنَ السَّمَاءِ لاَ يَنْقَطِعُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَ لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلاَّ بِمَعْرِفَتِهِ،فَهُوَ عَالِمٌ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ مُلَبَّسَاتِ الدُّعَاءِ، وَ مُغَيَّبَاتِ السَّمَاءِ،وَ مُشَبَّهَاتِ الْفِتَنِ،ثُمَّ لَمْ يَزَلِ اللَّهُ يَخْتَارُهُمْ لِخَلْقِهِ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ عَقِبِ كُلِّ إِمَامٍ إِمَاماً،يَصْطَنِعُهُمْ لِذَلِكَ وَ يَجْتَبِيهِمْ وَ يَرْضَاهُمْ لِخَلْقِهِ،وَ يَخْتَارُهُمْ عَلَماً بَيِّناً،وَ هَادِياً مُنِيراً،وَ حُجَّةً عَالِماً...أَئِمَّةً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ،يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ..

حُجَجُ اللَّهِ،وَ دُعَاتُهُ عَلَى خَلْقِهِ،وَ مَفَاتِيحُ الْكَلاَمِ،وَ دَعَائِمُ الْإِسْلاَمِ..يَدِينُ بِهَدْيِهِمُ الْعِبَادُ.

وَ يُسْتَهَلُّ بِنُورِهِمُ الْبِلاَدُ.جَعَلَهُمُ اللَّهُ حَيَاةً لِلْأَنَامِ،وَ مَصَابِيحَ الظَّلاَمِ.جَرَتْ بِذَلِكَ فِيهِمْ مَقَادِيرُ

ص:183

اللَّهِ عَلَى مَحْتُومِهَا.وَ الْإِمَامُ هُوَ الْمُنْتَجَبُ الْمُرْتَضَى،وَ الْقَائِمُ الْمُرْتَجَى،اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِذَلِكَ وَ اصْطَنَعَهُ عَلَى عَيْنِهِ فِي الذَّرِّ حِينَ ذَرَأَهُ،وَ فِي الْبَرِيَّةِ حِينَ بَرَأَهُ،قَبْلَ خَلْقِ نَسَمَةٍ عَنْ يَمِينِ عَرْشِهِ وَ هُوَ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ مَرْعِيّاً بِعَيْنِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ يَحْفَظُهُ وَ يَكْلَؤُهُ بِسَتْرِهِ،مَذُوداً عَنْهُ حَبَائِلُ إِبْلِيسَ وَ جُنُودِهِ،مَصْرُوفاً عَنْهُ قَوَارِفُ السُّوءِ،مُبَرَّأً مِنَ الْعَاهَاتِ،مَحْجُوباً مِنَ الْآفَاتِ،مَعْصُوماً مِنَ الْفَوَاحِشِ كُلِّهَا،مَخْصُوصاً بِالْحِلْمِ وَ الْبِرِّ،مَنْسُوباً إِلَى الْعَفَافِ وَ الْعِلْمِ، صَامِتاً عَنِ النُّطْقِ إِلاَّ فِيمَا يَرْضَاهُ اللَّهُ،أَيَّدَهُ اللَّهُ بِرُوحِهِ،وَ اسْتَوْدَعَهُ سِرَّهُ،وَ نَدَبَهُ لِعَظِيمِ أَمْرِهِ، فَقَامَ لِلَّهِ بِالْعَدْلِ،عِنْدَ تَحَيُّرِ أَهْلِ الْجَهْلِ،بِالنُّورِ السَّاطِعِ وَ الْحَقِّ الْأَبْلَجِ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ الصَّادِقُونَ مِنْ آبَائِهِمْ.فَانْظُرُوا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ نَظَرَ طَالِبِ الرَّشَادِ،وَ تَدَبَّرُوا هَذِهِ الْأُمُورَ تَدَبُّرَ تَارِكٍ لِلْعِنَادِ،وَ لاَ تُلِحُّوا فِي الضَّلاَلَةِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ وَ لاَ تَتَّبِعُوا الظَّنَّ وَ لاَ هَوَى الْأَنْفُسِ فَلَقَدْ جَاءَكُمْ مِنْ رَبِّكُمُ الْهُدَى.

277- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَجْلِسُ لِلْعَامَّةِ وَ الْخَاصَّةِ وَ يَأْتِيهِ النَّاسُ مِنَ الْأَقْطَارِ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْحَلاَلِ وَ الْحَرَامِ وَ عَنْ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَ فَصْلِ الْخِطَابِ فَلاَ يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ رَاضِياً بِالْجَوَابِ.

278- وَ رَوَى عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ أَعْيَنَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:مَا الْحُجَّةُ عَلَى الْمُدَّعِي بِهَذَا الْأَمْرِ؟

قَالَ:أَنْ يَكُونَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَنْ قَبْلَهُ وَ يَكُونَ عِنْدَهُ سِلاَحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ يَكُونَ صَاحِبَ الْوَصِيَّةِ الظَّاهِرَةِ،الَّذِي إِذَا قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ سَأَلْتَ الْعَامَّةَ وَ الْخَاصَّةَ وَ الصِّبْيَانَ إِلَى مَنْ أَوْصَى فُلاَنٌ فَيَقُولُونَ إِلَى فُلاَنٍ.

279- وَ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ يَدَّعِي الْوَصِيَّةَ فِي السِّرِّ.

فَقَالَ:مَنِ ادَّعَى الْوَصِيَّةَ فِي السِّرِّ فَلْيَأْتِ بِبُرْهَانٍ فِي الْعَلاَنِيَةِ.

قُلْتُ:وَ مَا الْبُرْهَانُ؟

قَالَ:يُحَلِّلُ حَلاَلَ اللَّهِ وَ يُحَرِّمُ حَرَامَهُ.

280- وَ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا لَمْ تَدْرُوا أَيْنَ الْمَسْلَكُ وَ الْمَذْهَبُ فَعَلَيْكُمْ بِالَّذِي يَجْلِسُ مَجْلِسَ

ص:184

صَاحِبِكُمُ الْأَوَّلِ.

وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا ادَّعَى مُدَّعٍ فَاسْأَلُوهُ.

281- وَ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ» يَعْنِي لَوْ يغب [يَغِيبُ] عَنْكُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَ فِيكُمُ الْحُجَّةُ مِنْهُ قَائِمَةٌ.

282- وَ رُوِيَ عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ وَ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ وَ أَبُو سَلَمَةَ السَّرَّاجِ وَ الْحُسَيْنِ بْنِ نُوَيْرَةَ قَالُوا: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَنَا:أُعْطِينَا خَزَائِنَ الْأَرْضِ وَ مَفَاتِيحَهَا،وَ لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ بِإِحْدَى رِجْلَيَّ هَذِهِ اخْرُجِي مَا فِيكِ مِنَ الذَّهَبِ؛وَ فَحَصَ بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ خَطَا مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ.فَاسْتَخْرَجَ سَبِيكَةً مِنْ ذَهَبٍ قَدْرَ شِبْرٍ فَنَاوَلَنَاهَا ثُمَّ قَالَ:اُنْظُرُوا فِيهَا حَسَناً حَتَّى لاَ تَشُكُّوا.

ثُمَّ قَالَ:اُنْظُرُوا فِي الْأَرْضِ.

فَنَظَرْنَا فَإِذَا سَبَائِكُ كَثِيرَةٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ تَتَلَأْلَأُ.

فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ:يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ!أُعْطِيتُمْ هَذَا وَ شِيعَتُكُمْ مُحْتَاجُونَ؟

فَقَالَ:إِنَّ اللَّهَ سَيَجْمَعُ لِشِيعَتِنَا الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةَ وَ يُدْخِلُهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَ يُدْخِلُ عَدُوَّنَا نَارَ جَهَنَّمَ.

283- وَ رُوِيَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ» قَالَ هُمُ الْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ. وَ رُوِيَ: الْمَأْمُونُونَ يَعْنِي الْحُجَجَ.

284- وَ رُوِيَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى الْحَجِّ،فَلَمَّا كَانَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ قَالَ لِي فِي أَرْضٍ قَفْرٍ:يَا دَاوُدُ قَدْ حَانَتِ الظُّهْرُ فَاعْدِلْ بِنَا عَنِ الطَّرِيقِ.

فَعَدَلْنَا فَنَزَلْنَا فِي أَرْضٍ قَفْرٍ لاَ مَاءَ فِيهَا،فَوَكَزَهَا بِرِجْلِهِ فَنَبَعَتْ لَنَا عَيْنٌ مِنْ مَاءٍ كَأَنَّهَا قِطَعُ الثَّلْجِ،فَتَوَضَّأَ وَ تَوَضَّأْتُ وَ صَلَّيْنَا.

فَلَمَّا هَمَمْنَا بِالسَّيْرِ الْتَفَتَ فَإِذَا أَنَا بِجِذْعِ نَخْلَةٍ فَقَالَ:يَا دَاوُدُ أَ تُحِبُّ أَنْ أُطْعِمَكَ رُطَبَاً؟

فَقُلْتُ:نَعَمْ.

فَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى الْجِذْعِ وَ هَزَّهُ فَاهْتَزَّ اهْتِزَازاً شَدِيداً فَإِذَا قَدْ تَدَلَّى مِنْهُ كَبَائِسُ بِأَعْذَاقِهَا،

ص:185

فَأَطْعَمَنِي أَنْوَاعاً كَثِيرَةً مِنَ الرُّطَبِ ثُمَّ مَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى النَّخْلَةِ وَ قَالَ:عُودِي جِذْعاً نَخِراً بِإِذْنِ اللَّهِ.فَعَادَتْ كَسِيرَتِهَا الْأُولَى.

و في إحدى عشرة سنة من إمامته،مات الوليد بن يزيد بن عبد الملك،و بويع لابنه يزيد بن الوليد فملك ستة أشهر،و بويع لأخيه إبراهيم فمكث أربعة أشهر ثمّ بويع لمروان ابن محمّد الجعدي المعروف بالحمار في سنة سبع و عشرين و مائة في اثنتي عشر سنة من إمامة أبي عبد اللّه عليه السّلام

285- فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: مَرْوَانُ خَاتَمُ بَنِي أُمَيَّةَ وَ إِنْ خَرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قُتِلَ.

286- و روى عنه عليه السّلام من قدمنا ذكره من رجاله .

قَالُوا:كُنَّا عِنْدَهُ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ وَ قَبَّلَ رَأْسَهُ وَ جَلَسَ فَمَسَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثِيَابَهُ ثُمَّ قَالَ:مَا رَأَيْتُ الْيَوْمَ أَشَدَّ بَيَاضاً وَ لاَ أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ.

فَقَالَ الرَّجُلُ:يَا سَيِّدِي هَذِهِ ثِيَابُ بِلاَدِنَا وَ قَدْ جِئْتُكَ مِنْهَا بِجِرَابَيْنِ.

فَقَالَ:يَا مُعَتِّبُ اقْبِضْهَا مِنْهُ.

ثُمَّ خَرَجَ الرَّجُلُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:إِنْ صَدَقَ الْوَصْفُ وَ قَرُبَ الْوَقْتُ فَهَذَا الرَّجُلُ صَاحِبُ الرَّايَاتِ السُّودِ الَّذِي يَأْتِي بِهَا مِنْ خُرَاسَانَ.

ثُمَّ قَالَ:يَا مُعَتِّبُ الْحَقْهُ فَاسْأَلْهُ عَنِ اسْمِهِ وَ هَلْ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ؟قَالَ لَنَا إِنْ كَانَ اسْمُهُ فَهُوَ هُوَ.

فَرَجَعَ مُعَتِّبٌ فَقَالَ:اِسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ عَادَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ سِرّاً فَعَرَّفَهُ أَنَّهُ قَدْ دَعَا إِلَيْهِ خَلْقاً كَثِيراً فَأَجَابُوهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:إِنَّ مَا تُومِي إِلَيْهِ غَيْرُ كَائِنٍ لَنَا حَتَّى يَتَلاَعَبَ بِهِ الصِّبْيَانُ مِنْ وُلْدِ الْعَبَّاسِ.

فَمَضَى إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ فَدَعَاهُ فَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ أَهْلَ بَيْتِهِ وَ هَمَّ بِالْأَمْرِ وَ دَعَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِلْمُشَاوَرَةِ فَحَضَرَ فَجَلَسَ بَيْنَ الْمَنْصُورِ وَ بَيْنَ السَّفَّاحِ؛عَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَ وَقَعَتِ الْمُشَاوَرَةُ.فَضَرَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِ أَبِي الْعَبَّاسِ عَبْدِ اللَّهِ السَّفَّاحِ فَقَالَ:لاَ وَ اللَّهِ إِمَّا أَنْ يَمْلِكَهَا هَذَا أَوَّلاً.

ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأُخْرَى عَلَى مَنْكِبِ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنْصُورِ وَ قَالَ:وَ تَتَلاَعَبُ بِهَا

ص:186

الصِّبْيَانُ مِنْ وُلْدِ هَذَا.

وَ وَثَبَ فَخَرَجَ مِنَ الْمَجْلِسِ.

وَ كَانَ مِنْ أَمْرِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَعْدِيِّ مَا رَوَاهُ النَّاسُ وَ قُتِلَ بِمِصْرَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَ ثَلاَثِينَ وَ مِائَةٍ.

و في سبعة عشر سنة من إمامة أبي عبد اللّه عليه السّلام انتقلت الدولة إلى ولد العبّاس،و بويع أبو العبّاس عبد اللّه محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس بن عبد المطلب ليلة الجمعة لثلاثة عشر ليلة من ربيع الأوّل سنة اثنتين و ثلاثين و مائة بالكوفة في بني(أود)في دار (الوليد بن سعيد)مولى بني هاشم،و كانت دولته أربع سنين و تسعة أشهر.و توفي بالأنبار سنة ست و ثلاثين و مائة،و بويع لأخيه أبي جعفر عبد اللّه بن محمّد المنصور في ذلك الوقت

287- وَ: كَانَتْ دَوْلَةُ الْمَنْصُورِ فِي إِحْدَى وَ عِشْرِينَ سَنَةً مِنْ إِمَامَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَقْدَمَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا عَلاَ(النَّجَفَ)نَزَلَ فَتَأَهَّبَ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ صَلَّى وَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَ قَالَ:

يَا نَاصِرَ الْمَظْلُومِ الْمَبْغِيِّ عَلَيْهِ..يَا حَافِظَ الْغُلاَمَيْنِ لِأَبِيهِمَا احْفَظْنِي الْيَوْمَ لآِبَائِي مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ.اَللَّهُمَّ اضْرِبْ بِالذُّلِّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ.

ثُمَّ قَالَ:بِاللَّهِ أَسْتَفْتِحُ،وَ بِاللَّهِ أَسْتَنْجِحُ،وَ بِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ أَتَوَجَّهُ.اَللَّهُمَّ إِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَ تُثْبِتُ وَ عِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ.

ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَابِ فَاسْتَقْبَلَهُ الرَّبِيعُ الْحَاجِبُ فَقَالَ لَهُ:مَا أَشَدَّ غَيْظَ هَذَا الْجَبَّارِ عَلَيْكَ،يَعْنِي مَا قَدْ هَمَّ بِهِ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى آخِرِكُمْ.

ثُمَّ دَخَلَ إِلَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ لَهُ فَأَذِنَ فَدَخَلَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ.

288- فَرُوِيَ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ صَافَحَهُ وَ قَالَ لَهُ:رُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الرَّحِمَ إِذَا تَمَاسَّتْ عَطَفَتْ فَأَجْلَسَهُ الْمَنْصُورُ إِلَى جَنْبِهِ ثُمَّ قَالَ:فَإِنِّي قَدِ انْعَطَفْتُ وَ لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:أَجَلْ مَا عَلَيَّ بَأْسٌ.

ثُمَّ قَالَ الْمَنْصُورُ:يَا جَعْفَرُ يَبْلُغُنَا عَنْكَ مَا يَبْلُغُنَا.

فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:وَ اللَّهِ مَا فَعَلْتُ وَ لاَ أَرَدْتُ،وَ لَوْ كُنْتُ فَعَلْتُ فَإِنَّ سُلَيْمَانَ أُعْطِيَ فَشَكَرَ،وَ إِنَّ أَيُّوبَ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ،وَ إِنَّ يُوسُفَ ظُلِمَ فَغَفَرَ وَ لاَ يَأْتِي مِنْ ذَلِكَ النَّسْلِ إِلاَّ مَا

ص:187

يُشْبِهُهُ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ:صَدَقْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ.

وَ أَمَرَ لَهُ بِسِتَّةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَ قَالَ لَهُ:تَعْرِضُ حَوَائِجَكَ؟

فَقَالَ:حَاجَتِيَ الْإِذْنُ لِي فِي الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِي.

قَالَ:هُوَ فِي يَدَيْكَ.

فَوَدَّعَهُ وَ خَرَجَ فَقَالَ لَهُ الرَّبِيعُ:فَأَمَرَ بِقَبْضِ الْمَالِ لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ اصْرِفْهَا حَيْثُ شِئْتَ.

فَقَالَ:إِذَنْ تُغْضِبُهُ.

فَأَمَرَ بِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ وَجَّهَ بِهَا إِلَى مَنْزِلِ الرَّبِيعِ فَخَرَجَ.

289- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ نَزَلَ الْحِيرَةَ فَبَيْنَمَا هُوَ فِيهَا إِذْ أَتَاهُ الرَّبِيعُ فَقَالَ لَهُ:أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

فَرَكِبَ إِلَيْهِ وَ قَدْ كَانَ وَجَدَ فِي الصَّحْرَاءِ صُورَةً عَجِيبَةَ الْخَلْقِ لَمْ يَعْرِفْهَا أَحَدٌ ذَكَرَ مَنْ وَجَدَهَا أَنَّهُ رَآهَا وَ قَدْ سَقَطَتْ مَعَ الْمَطَرِ.فَلَمَّا دَخَلَ إِلَيْهِ قَالَ لَهُ:يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْهَوَاءِ أَيُّ شَيْءٍ فِيهِ؟

فَقَالَ لَهُ:بَحْرٌ مَكْفُوفٌ.

فَقَالَ لَهُ:فَلَهُ سُكَّانٌ؟

قَالَ:نَعَمْ.

قَالَ:وَ مَا سُكَّانُهُ؟

قَالَ:خَلَقَ اللَّهُ أَبْدَانَهُمْ أَبْدَانَ الْحِيتَانِ وَ رُءُوسَهُمْ رُءُوسَ الطَّيْرِ وَ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ كَأَجْنِحَةِ الطَّيْرِ مِنْ أَلْوَانٍ شَتَّى أَشَدَّ بَيَاضاً مِنَ الْفِضَّةِ.

فَدَعَا الْمَنْصُورُ بِالطَّشْتِ فَإِذَا ذَلِكَ الْخَلْقُ فِيهِ لاَ يَزِيدُ وَ لاَ يَنْقُصُ.

فَأَذِنَ لَهُ فَانْصَرَفَ ثُمَّ قَالَ لِلرَّبِيعِ:هَذَا الشَّجَا الْمُعْتَرِضُ فِي حَلْقِي مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ فِي زَمَانِهِ.

290- وَ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَعْيَنَ وَ عُبَيْدَةَ بْنِ بَشِيرٍ قَالاَ:قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ابْتِدَاءً مِنْهُ: وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَ مَا فِي الْأَرْضِ وَ مَا فِي الْجَنَّةِ وَ مَا فِي النَّارِ وَ مَا

ص:188

كَانَ وَ مَا يَكُونُ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ.

ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَالَ:أَعْلَمُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ؛يَقُولُ: تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ .

291- وَ رُوِيَ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ بَشَّارٍ قَالَ: هَذَا طَائِرٌ فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَالَ لِي:تَدْرِي مَا يَقُولُ هَذَا الطَّائِرُ؟

فَقُلْتُ:لاَ.

فَقَالَ:يَقُولُ لِطَيْرَتِهِ:يَا عِرْسِي،مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكِ إِلاَّ مَوْلاَيَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

292- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ لَمَّا قَرُبَ أَمْرُهُ دَعَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ مُوسَى ابْنَهُ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ الْوَصِيَّةَ وَ مَوَارِيثَ الْأَوْصِيَاءِ وَ نَصَّ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ خَوَاصِّ مَوَالِيهِ(وَ نَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي بَابِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ).

293- وَ: كَانَ عُمُرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ سِتّاً وَ سِتِّينَ سَنَةً.وَ قُبِضَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَ ثَمَانِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ فَأَقَامَ مَعَ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ مَعَ أَبِيهِ عِشْرِينَ سَنَةً وَ مُنْفَرِداً بِالْإِمَامَةِ ثَلاَثاً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَ دُفِنَ بِالْبَقِيعِ فِي قَبْرِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ؛أَبِيهِ(صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ).

موسى الكاظم عليه السّلام

و قام أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليه السّلام مقام أبيه.

294- وَ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:قَدْ قَدِمَ رَجُلٌ مِنَ الْمَغْرِبِ مَعَ رَقِيقٍ وَ وَصَفَ لِي جَارِيَةً وَ أَمَرَنِي بِابْتِيَاعِهَا بِصُرَّةٍ دَفَعَهَا.فَمَضَيْتُ إِلَى الرَّجُلِ.فَعَرَضَ عَلَيَّ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الرَّقِيقِ.فَقُلْتُ لَهُ:بَقِيَ عِنْدَكَ غَيْرُ مَا عَرَضْتَ عَلَيَّ.

قَالَ لِي:بَقِيَتْ جَارِيَةٌ عَلِيلَةٌ.

فَقُلْتُ:اِعْرِضْهَا عَلَيَّ.

فَعَرَضَ عَلَيَّ حَمِيدَةَ.

ص:189

فَقُلْتُ:بِكَمْ تَبِيعُهَا؟

فَقَالَ لِي:بِسَبْعِينَ دِينَاراً.

فَأَخْرَجْتُ الصُّرَّةَ إِلَيْهِ.

فَقَالَ لِيَ النَّخَّاسُ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ.رَأَيْتُ-وَ اللَّهِ-اَلْبَارِحَةَ فِي النَّوْمِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَدِ ابْتَاعَ مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِهَذِهِ الصُّرَّةِ.

فَبِعْتُهَا مِنْهُ،ثُمَّ تَنَاوَلَ[الصُّرَّةَ]وَ تَسَلَّمْتُ الْجَارِيَةَ.وَ كَانَ فِي الصُّرَّةِ سَبْعُونَ دِينَاراً.

وَ صِرْتُ بِهَا إِلَيْهِ.فَسَأَلَهَا عَنِ اسْمِهَا.فَقَالَتْ:(حَمِيدَةُ).

فَقَالَ:حَمِيدَةٌ فِي الدُّنْيَا،مَحْمُودَةٌ فِي الْآخِرَةِ.

ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ خَبَرِهَا فَعَرَّفْتُهُ أَنَّهَا بِكْرٌ مَا مَسَّهَا رَجُلٌ.

فَقَالَ لَهَا:أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ وَ أَنْتِ جَارِيَةٌ كَبِيرَةٌ؟

فَقَالَتْ:كَانَ لِي مَوْلًى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَبَنِي أَتَاهُ رَجُلٌ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ أَرَاهُ دُونَهُ وَ لاَ يَرَاهُ فَيَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَصِلَ إِلَيَّ وَ يَدْفَعُهُ وَ يَصُدُّهُ عَنِّي.

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:اَلْحَمْدُ لِلَّهِ.

وَ دَفَعَهَا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَالَ لَهُ:يَا عَبْدَ اللَّهِ،حَمِيدَةُ سَيِّدَةُ الْإِمَاءِ مُهَذَّبَةٌ مُصَفَّاةٌ مِنَ الْأَرْجَاسِ كَسَبِيكَةِ الذَّهَبِ،مَا زَالَتِ الْأَمْلاَكُ تَحْرُسُهَا لَكَ حَتَّى أُدِّيَتْ إِلَيْكَ كَرَامَةً مِنَ اللَّهِ جَلَّ جَلاَلُهُ وَ عَلاَ.

295- وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي السَّنَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمَّا نَزَلْنَا فِي الْمَنْزِلِ الْمَعْرُوفِ بِ(الْأَبْوَاءِ)وُضِعَ لَنَا الطَّعَامُ،فَبَيْنَا نَحْنُ نَأْكُلُ إِذْ أَتَاهُ رَسُولُ حَمِيدَةَ وَ قَالَ:تَقُولُ لَكَ مَوْلاَتِي:قَدْ أَنْكَرْتُ نَفْسِي وَ قَدْ أَمَرْتَنِي أَنْ لاَ أَسْبِقَكَ بِحَادِثَةٍ فِي هَذَا الْمَوْلُودِ.

فَقَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَاحْتَسَبَ هُنَيْئَةً وَ عَادَ إِلَيْنَا.

فَقُمْنَا إِلَيْهِ وَ قُلْنَا:سَرَّكَ اللَّهُ وَ جَعَلَنَا فِدَاكَ،مَا صَنَعَتْ حَمِيدَةُ؟

فَقَالَ لَنَا:سَلَّمَهَا اللَّهُ وَ وَهَبَ لِي مِنْهَا غُلاَماً هُوَ خَيْرُ مَنْ بَرَأَهُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ،وَ لَقَدْ أَخْبَرَتْنِي حَمِيدَةُ بِشَيْءٍ ظَنَّتْ أَنِّي لاَ أَعْرِفُهُ وَ كُنْتُ أَعْلَمَ بِهِ مِنْهَا.

ص:190

قُلْنَا لَهُ:وَ مَا أَخْبَرَتْكَ بِهِ؟

قَالَ:ذَكَرَتْ أَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ رَأَتْهُ وَاضِعاً يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَ رَأْسُهُ إِلَى السَّمَاءِ.فَأَخْبَرْتُهَا أَنَّ تِلْكَ أَمَارَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ وَ أَمَارَةُ الْوَصِيِّ إِذَا خَرَجَ إِلَى الْأَرْضِ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ وَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَ يَقُولَ مِنْ حَيْثُ لاَ يَسْمَعُهُ آدَمِيٌّ:أُشْهِدُ اللَّهَ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَ الْمَلاَئِكَةُ وَ أُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْعِلْمَ الْأَوَّلَ وَ الْعِلْمَ الْآخِرَ وَ اسْتَحَقَّ زِيَارَةَ الرُّوحِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ هُوَ خَلْقٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

وَ كَانَتْ وِلاَدَتُهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ،وَ رُوِيَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ وَ مِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ.وَ كَانَ مَوْلِدُهُ وَ مَنْشَؤُهُ مِثْلَ مَوَالِيدِ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ.

296- وَ رُوِيَ عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ فِي الْمَهْدِ فَجَعَلَ يُسَارُّهُ طَوِيلاً فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لِي:اُدْنُ فَسَلِّمْ عَلَى مَوْلاَكَ.

فَدَنَوْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ.فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ ثُمَّ قَالَ لِي:اِمْضِ فَغَيِّرْ اسْمَ ابْنَتِكَ الَّتِي وُلِدَتْ أَمْسِ فَإِنَّهُ اسْمٌ يُبْغِضُهُ اللَّهُ.

وَ قَدْ كُنْتُ سَمَّيْتُهَا(الْحُمَيْرَاءَ)فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ:اِنْتَهِ إِلَى أَمْرِهِ تَرْشُدْ.

فَمَضَيْتُ فَغَيَّرْتُ اسْمَهَا.

297- وَ رَوَى رِفَاعَةُ بْنُ مُوسَى قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ جَالِسٌ فَأَقْبَلَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ صَغِيرُ السِّنِّ فَأَخَذَهُ وَ وَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ وَ قَبَّلَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ لِي يَا رِفَاعَةُ أَمَا إِنَّهُ سَيَصِيرُ فِي يَدَيْ بَنِي(مِرْدَاسٍ)وَ يَتَخَلَّصُ مِنْهُمْ ثُمَّ يَأْخُذُونَهُ ثَانِيَةً فَيَعْطَبُ فِي أَيْدِيهِمْ فَطُوبَى لَهُ وَ الْوَيْلُ لَهُمْ.

298- وَ رُوِيَ: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ صَارَ إِلَى بَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِيَسْأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَجَلَسَ لِيَنْتَظِرَ الْإِذْنَ فَخَرَجَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ فَقَالَ لَهُ:يَا فَتَى أَيْنَ يَضَعُ الْمُسَافِرُ خَلاَهُ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا؟

فَاسْتَنَدَ إِلَى الْحَائِطِ وَ قَالَ لَهُ:يَا شَيْخُ تَتَوَقَّى شُطُوطَ الْأَنْهَارِ وَ مَسَاقِطَ الثِّمَارِ

ص:191

وَ مَنَازِلَ النُّزَّالِ وَ مَحَجَّةَ الطُّرُقِ وَ أَقْبِلَةَ الْمَسَاجِدِ وَ أَفْنِيَتَهَا وَ لاَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَ لاَ يَسْتَدْبِرُهَا وَ يَتَوَارَى حَيْثُ لاَ يُرَى وَ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ.

فَانْصَرَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَ لَمْ يَلْقَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

299- وَ رُوِيَ عَنْ نَصْرِ بْنِ قَابُوسَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْإِمَامِ مِنْ بَعْدِهِ فَقَالَ:أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ ابْنِي الْإِمَامُ بَعْدِي.

300- وَ رُوِيَ: أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ مُحِبّاً لِإِسْمَاعِيلَ ابْنِهِ وَ كَانَ يُثْنِي عَلَيْهِ خَيْراً فَتَشَاجَرَ قَوْمٌ مِنْ مَوَالِيهِ وَ مَوَالِي أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي ذَلِكَ وَ ادَّعَوْا لِإِسْمَاعِيلَ الْأَمْرَ فِي حَيَاةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي الْحَسَنِ:بَاهِلُونَا فِيهِ.فَخَرَجُوا مَعَهُمْ إِلَى الصَّحْرَاءِ لِيُبَاهِلُوهُمْ فَأَظَلَّتِ الْجَمْعَ غَمَامَةٌ فَأَمْطَرَتْ عَلَى أَصْحَابِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ دُونَ أُولَئِكَ.

فَاسْتَبْشَرُوا وَ رَجَعُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ فَسَمَّاهُمُ الْمَمْطُورَةَ.

301- وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: قُلْتُ:لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ إِنْ كَانَ كَوْنٌ وَ لاَ أَرَانِيَ اللَّهُ ذَلِكَ فَبِمَنْ آتَمُّ؟

فَقَالَ:بِمُوسَى ابْنِيَ الْإِمَامِ بَعْدِي.

قُلْتُ:فَإِنْ مَضَى مُوسَى فَمَنْ آتَمُّ؟

فَقَالَ لِي:بِوَلَدِهِ وَ إِنْ كَانَ صَغِيراً،ثُمَّ هَكَذَا أَبَداً.

قُلْتُ:فَإِنْ لَمْ أَعْرِفْهُ وَ لاَ أَعْرِفُ مَوْضِعَهُ فَمَا أَصْنَعُ؟

قَالَ:تَقُولُ:اَللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَلَّى مِنْ حُجَّتِكَ مِنْ وُلْدِ الْإِمَامِ الْمَاضِي.

302- وَ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَكُونُ الْإِمَامَةُ فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ لاَ تَخْرُجُ مِنَ الْأَعْقَابِ.

303- وَ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ أَخِيهِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الضَّرِيرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ عِنْدَهُ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ قَبَالَةِ الْأَرْضِ.

فَأَجَابَنِي فِيهَا.فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ:يَا أَبَهْ إِنَّكَ لَمْ تَفْهَمْ مَا قَالَ لَكَ.

فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ لِأَنَّا كُنَّا يَوْمَئِذٍ نَتَوَهَّمُ أَنَّهُ بَعْدَ أَبِيهِ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنِّي كَثِيراً مَا أَقُولُ لَكَ:اِلْزَمْنِي وَ خُذْ مِنِّي وَ لاَ تَفْعَلُ.

ص:192

فَأَطْرَقَ إِسْمَاعِيلُ ثُمَّ خَرَجَ.

فَقُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:وَ مَا عَلَى إِسْمَاعِيلَ أَلاَّ يَلْزَمَكَ وَ لاَ يَأْخُذَ مِنْكَ إِذَا أُفْضِيَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَيْهِ عَلِمَ مِثْلَ الَّذِي عَلِمْتُهُ مِنْكَ.

فَقَالَ لِي:إِسْمَاعِيلُ لَيْسَ فِيهِ مَا كَانَ مِنْ أَبِي.

ثُمَّ نَهَضَ فَقَالَ لِي:لاَ تَبْرَحْ.

وَ دَخَلَ بَيْتاً كَانَ يَخْلُو فِيهِ ثُمَّ دَعَانِي.فَدَخَلْتُ،فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ غُلاَمٌ حَدَثٌ فَقَالَ لَهُ:اُدْنُ مِنِّي.

فَدَنَا فَالْتَزَمَهُ وَ أَقْعَدَهُ إِلَى جَنْبِهِ وَ قَالَ:إِنِّي لَأَجِدُ[فِي]ابْنِي هَذَا مَا كَانَ يَجِدُهُ يَعْقُوبُ بِيُوسُفَ.

فَقُلْتُ لَهُ:زِدْنِي جُعِلْتُ فِدَاكَ.

فَقَالَ:مَا نَشَأَ فِينَا أَهْلَ الْبَيْتِ نَاشٍ مِثْلَهُ.

فَقُلْتُ لَهُ:زِدْنِي.

فَقَالَ:أَجِدُ بِهِ مَا كَانَ أَبِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَجِدُهُ بِي.

قُلْتُ:زِدْنِي.

قَالَ:كَانَ إِذَا دَعَا فَأُحِبُّ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ أَوْقَفَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ دَعَا فَأَمَّنْتُ فَإِنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ بِابْنِي هَذَا.

فَقُلْتُ:زِدْنِي يَا سَيِّدِي.

فَقَالَ:إِنِّي لَأَئْتَمِنُهُ عَلَى مَا كَانَ أَبِي ائْتَمَنَنِي عَلَيْهِ.

فَقُلْتُ:يَا مَوْلاَيَ زِدْنِي.

فَقَالَ لِي:كَانَ أَبِي ائْتَمَنَنِي عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي بِخَطِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)وَ إِنِّي لَأَئْتَمِنُهُ عَلَيْهَا وَ هِيَ عِنْدَهُ الْيَوْمَ.

فَقُلْتُ:يَا مَوْلاَيَ زِدْنِي.

فَقَالَ:قُمْ إِلَيْهِ وَ سَلِّمْ عَلَيْهِ فَهُوَ إِمَامُكَ بَعْدِي.لاَ يَدَّعِيهَا فِيمَا بَيْنِي وَ بَيْنَهُ أَحَدٌ إِلاَّ كَانَ مَفْتُوناً،إِنْ أَخَذَ النَّاسُ يَمِيناً وَ شِمَالاً فَخُذْ مَعَهُ.

ص:193

قَالَ:فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَأَخَذْتُ يَدَهُ فَقَبَّلْتُهَا وَ قُلْتُ:أَشْهَدُ أَنَّكَ مَوْلاَيَ وَ إِمَامِي.

فَقَالَ لِي:صَدَقْتَ وَ أَصَبْتَ.

فَقُلْتُ:يَا سَيِّدِي،أُخْبِرُ بِهَذَا مَنْ يُوثَقُ بِهِ؟

فَقَالَ لِي:نَعَمْ.

ثُمَّ نَهَضْتُ،بَعْدَ كَلاَمٍ طَوِيلٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى.

304- وَ رَوَى حَمَّادُ بْنُ عِيسَى عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ فَلَمَّا مَضَى(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)أَتَيْتُ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَهُ الْأَفْطَحَ فَقُلْتُ لَهُ:مَنْ صَاحِبُ الْأَمْرِ بَعْدَ أَبِيكَ؟

فَقَالَ:أَنَا.

قُلْتُ:فَتُقَرِّرُ أَخَاكَ بِهَذَا؟

قَالَ:نَعَمْ.

فَجَمَعْتُ بَيْنَهُمَا وَ أَعَدْتُ الْقَوْلَ.فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَ لَمْ يَنْطِقْ،وَ سَكَتَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فَلَمَّا رَأَيْتُهُمَا لاَ يَتَكَلَّمَانِ قُلْتُ:سَمِعْتُ أَبَاكُمَا يَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ:مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:إِمَامٌ حَتَّى نَعْرِفَهُ.

قُلْتُ:أَ سُمِعَ أَبُوكَ يَذْكُرُ هَذَا؟

قَالَ:قَدْ-وَ اللَّهِ-قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

قُلْتُ:فَعَلَيْكَ إِمَامٌ؟

قَالَ:لاَ.وَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ قَاعِداً فَلَمْ يَنْطِقْ.

فَقُمْتُ وَ تَرَكْتُهُمَا،ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الْحَسَنِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لِي:يَا عُمَرُ إِنَّكَ جَمْجَمْتَ بِالْقَوْلِ فَجَمْجَمْتُ لَكَ،فَلَمَّا صَرَّحْتَ صَرَّحْتُ لَكَ.

305- وَ رُوِيَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْأَفْطَحَ لَمَّا ادَّعَى الْإِمَامَةَ دَخَلَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشِّيعَةِ لِيَسْأَلُوهُ عَنْ مَسَائِلَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ:فِي كَمْ تَجِبُ الزَّكَاةُ؟

فَقَالَ لَهُ:فِي الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ.

ص:194

قَالُوا:فَكَمْ فِي الْمِائَةِ؟

قَالَ:دِرْهَمَانِ وَ نِصْفٌ.

فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ وَ لَمْ يَسْأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ.

306- وَ رُوِيَ عَنْ مُرَازِمٍ عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ إِنْ كَانَ كَوْنٌ-وَ أَعَاذَنِي اللَّهُ مِنْهُ-فِيكَ فَإِلَى مَنْ؟

قَالَ:إِلَى ابْنِي مُوسَى.

قَالَ دَاوُدُ:فَلَمَّا حَدَثَتِ الْحَادِثَةُ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَا شَكَكْتُ فِي مُوسَى طَرْفَةَ عَيْنٍ.ثُمَّ مَكَثَ نَحْوَ ثَلاَثِينَ سَنَةً ثُمَّ قَصَدْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ:إِنِّي دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقُلْتُ:إِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلَى مَنْ،فَنَصَّ عَلَيْكَ،وَ أَنَا أَسْأَلُكَ كَمَا سَأَلْتُهُ إِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلَى مَنْ؟

قَالَ لِي:إِلَى عَلِيٍّ ابْنِي.

قَالَ فَمَضَى أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَوَ اللَّهِ مَا شَكَكْتُ فِي الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ طَرْفَةَ عَيْنٍ.

307- وَ رَوَى السَّارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:

حَدِّثْنِي عَنِ الْقَوْمِ.

فَقَالَ:اَلْحَدِيثُ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوِ الْمُعَايَنَةُ؟

قُلْتُ:اَلْمُعَايَنَةُ.

فَقَالَ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ:اِنْطَلِقْ فَائْتِنِي بِالْقَضِيبِ.

فَمَضَى فَأَحْضَرَهُ وَ أَمَرَهُ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً فَانْشَقَّتْ عَنْ بَحْرٍ أَسْوَدَ،ثُمَّ ضَرَبَ الْبَحْرَ بِالْقَضِيبِ فَانْفَلَقَ عَنْ صَخْرَةٍ سَوْدَاءَ،فَضَرَبَ الصَّخْرَةَ فَانْفَتَحَ فِيهَا بَابٌ،فَإِذَا بِالْقَوْمِ جَمِيعاً لاَ يُحْصَوْنَ كَثْرَةً..وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ وَ أَعْيُنُهُمْ مُزْرَقَّةٌ،وَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَصْفُودٌ مَشْدُودٌ إِلَى جَانِبٍ مِنَ الصَّخْرَةِ.مُوَكَّلٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَلَكٌ وَ هُمْ يُنَادُونَ:يَا مُحَمَّدُ.

وَ الزَّبَانِيَةُ تَضْرِبُ وُجُوهَهُمْ وَ تَقُولُ لَهُمْ:كَذَبْتُمْ لَيْسَ مُحَمَّدٌ لَكُمْ وَ لاَ أَنْتُمْ لَهُ.

فَقُلْتُ لَهُ:جُعِلْتُ فِدَاكَ مَنْ هَؤُلاَءِ؟

فَقَالَ لِي:ذَاكَ الْجِبْتُ وَ الطَّاغُوتُ،وَ ذَاكَ:اَلرِّجْسُ(قَرْمَانُ)،وَ ذَاكَ اللَّعِينُ ابْنُ اللَّعِينِ، وَ لَمْ يَزَلْ يَعُدُّهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ كُلِّهِمْ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ حَتَّى أَتَى عَلَى أَصْحَابِ السَّقِيفَةِ

ص:195

وَ بَنِي الْأَزْرَقِ وَ الْأَوْزَاعِ مِنْ آلِ أَبِي سُفْيَانَ وَ آلِ مَرْوَانَ-جَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً-

ثُمَّ قَالَ لِلصَّخْرَةِ:اِنْطَبِقِي عَلَيْهِمْ إِلَى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ.

308- وَ: نَشَأَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ مِثْلَ مَا نَشَأَ عَلَيْهِ آبَاؤُهُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَلَمَّا حَضَرَتْ وَفَاةُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ دَعَاهُ فَأَوْصَى إِلَيْهِ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ الْمَوَارِيثَ وَ كَانَ قَدِ اتَّصَلَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:أَنَّ الْمَنْصُورَ قَالَ:

إِنْ حَدَثَ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ حَادِثَةٌ وَ أَنَا حَيٌّ نَظَرْتُ إِلَى مَنْ يُوصِي فَأَقْتُلُهُ،فَأَوْصَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَصِيَّتَهُ الظَّاهِرَةَ-خَوْفاً عَلَى ابْنِهِ مُوسَى وَ تَقِيَّةً-إِلَى أَرْبَعَةٍ؛أَوَّلُهُمُ الْمَنْصُورُ وَ الثَّانِي عَبْدُ اللَّهِ الْأَفْطَحُ ابْنُهُ وَ الثَّالِثُ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ وَ الرَّابِعُ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

309- وَ: قَامَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِأَمْرِ اللَّهِ سِرّاً وَ اتَّبَعَهُ الْمُؤْمِنُونَ،وَ كَانَ قِيَامُهُ بِالْأَمْرِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَ لَهُ عِشْرُونَ سَنَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.

310- وَ: اتَّصَلَ بِالْمَنْصُورِ خَبَرُ وَفَاةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ سَأَلَ عَنْ وَصِيَّتِهِ،فَأُخْبِرَ بِوَصِيَّتِهِ إِلَيْهِ وَ إِلَى ثَلاَثَةٍ مَعَهُ،وَ حُمِلَتْ إِلَيْهِ،فَوَجَدَ فِيهَا اسْمَهُ مُقَدَّماً،فَأَمْسَكَ وَ لَمْ يَعْرِضْ لِأَبِي الْحَسَنِ ...إِلَى أَنْ مَاتَ الْمَنْصُورُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَةٍ فِي عَشْرِ سِنِينَ مِنْ إِمَامَةِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ بُويِعَ لاِبْنِهِ الْمَهْدِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.فَلَمَّا مَلَكَ وَجَّهَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَحُمِلَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى الْعِرَاقِ.

311- فَرُوِيَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الزُّبَالِيِّ قَالَ: وَرَدَ عَلَيْنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَدْ حَمَلَهُ الْمَهْدِيُّ،فَخَرَجْتُ فَتَلَقَّيْتُهُ مِنْ«زُبَالَةَ»عَلَى أَمْيَالٍ ثُمَّ شَيَّعْتُهُ فَلَمَّا وَدَّعْتُهُ بَكَيْتُ فَقَالَ:مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا خَالِدٍ؟

فَقُلْتُ:يَا سَيِّدِي قَدْ حُمِلْتَ وَ لاَ أَدْرِي مَا يَكُونُ؟

فَقَالَ:أَمَّا فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيَّ مِنْهُمْ وَ أَنَا أَعُودُ إِلَيْكَ يَوْمَ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا فِي سَاعَةِ كَذَا فَتَرَقَّبْ مُوَافَاتِي وَ انْتَظِرْنِي عِنْدَ أَوَّلِ مِيلٍ.

وَ مَضَى فَلَقِيَ الْمَهْدِيَّ وَ صَرَفَ اللَّهُ كَيْدَهُ عَنْهُ وَ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ،وَ سَأَلَهُ عَرْضَ حَوَائِجِهِ، فَعَرَضَ مَا رَأَى عَرْضَهَا،فَقَضَاهَا،وَ سَأَلَهُ الْإِذْنَ فَأَذِنَ لَهُ،فَخَرَجَ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)مُتَوَجِّهاً إِلَى الْمَدِينَةِ.

قَالَ أَبُو خَالِدٍ:وَ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ خَرَجْتُ نَحْوَ الطَّرِيقِ أَنْتَظِرُهُ فَأَقَمْتُ حَتَّى اصْفَرَّتِ

ص:196

الشَّمْسُ،وَ خِفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَأَخَّرَ وَ أَرَدْتُ الاِنْصِرَافَ،فَرَأَيْتُ سَوَاداً قَدْ أَقْبَلَ،وَ إِذَا بِنِدَاءٍ مِنْ وَرَائِي،فَالْتَفَتُّ فَإِذَا مَوْلاَيَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَمَامَ الْقَطْرِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ يَقُولُ:يَا أَبَا خَالِدٍ.

قُلْتُ:لَبَّيْكَ يَا مَوْلاَيَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ.اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَّصَكَ وَ رَدَّكَ.

فَقَالَ:يَا أَبَا خَالِدٍ لِي إِلَيْهِمْ عَوْدَةٌ لاَ أَخْلُصُ مِنْهَا.

وَ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ.

312- فَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ يُقَالُ لَهُ جُنْدَبٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَ جَلَسَ فَسَأَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَأَخْفَى مَسْأَلَتَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ:مَا فَعَلَ أَخُوكَ؟

قَالَ:بِخَيْرٍ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ وَ هُوَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ.

فَقَالَ يَا جُنْدَبُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ فِي أَخِيكَ.

فَقَالَ:يَا سَيِّدِي وَرَدَ عَلَيَّ كِتَابُهُ قَبْلَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً بِالسَّلاَمَةِ.

فَقَالَ:يَا جُنْدَبُ إِنَّهُ قَدْ مَاتَ بَعْدَ كِتَابَتِهِ بِيَوْمَيْنِ وَ قَدْ دَفَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ مَالاً فَقَالَ لِيَكُنْ هَذَا عِنْدَكَ فَإِذَا قَدِمَ أَخِي فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ وَ قَدْ أَوْدَعَتْهُ الْأَرْضَ فِي الْبَيْتِ الَّذِي كَانَ يَكُونُ فِيهِ مَبِيتُهُ.فَإِذَا أَنْتَ لَقِيتَهَا فَتَلَطَّفْ لَهَا وَ أَطْمِعْهَا فِي نَفْسِكَ فَإِنَّهَا سَتَدْفَعُهُ إِلَيْكَ.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ:فَلَقِيتُ جُنْدَباً بَعْدَ ذَلِكَ بِسِنِينَ وَ قَدْ عَادَ حَاجّاً فَسَأَلْتُهُ عَمَّا كَانَ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.فَقَالَ:صَدَقَ وَ اللَّهِ سَيِّدِي مَا زَادَ وَ لاَ نَقَصَ.

313- وَ رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ نَعَى إِلَى رَجُلٍ نَفْسَهُ،فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ مَتَى يَمُوتُ الرَّجُلُ مِنْ شِيعَتِهِ.

فَالْتَفَتَ إِلَيَّ شِبْهَ الْمُغْضَبِ وَ قَالَ:يَا إِسْحَاقُ قَدْ كَانَ رُشَيْدٌ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ،فَعَلِمَ عِلْمَ الْمَنَايَا وَ الْبَلاَيَا،وَ الْإِمَامُ أَوْلَى بِذَلِكَ يَا إِسْحَاقُ،اصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ،فَعُمُرُكَ قَدْ فَنِيَ وَ أَنْتَ تَمُوتُ إِلَى سَنَتَيْنِ،وَ إِخْوَتُكَ وَ أَهْلُ بَيْتِكَ لاَ يَلْبَثُونَ بَعْدَكَ حَتَّى تَفْتَرِقَ كَلِمَتُهُمْ وَ يَخُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَ يَشْمَتَ بِهِمْ عَدُوُّهُمْ.

فَلَمْ يَلْبَثْ إِسْحَاقُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلاَّ سَنَتَيْنِ حَتَّى مَاتَ،وَ قَامَ بَنُو عَمَّارٍ بِأَمْوَالِ النَّاسِ وَ أَفْلَسُوا أَقْبَحَ إِفْلاَسٍ.

314- وَ رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَسَائِلَ فَلَمْ

ص:197

يَكُنْ عِنْدَهُ جَوَابٌ فَذَهَبْتُ إِلَى بَابِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمْ يَأْذَنْ لِي فَجِئْتُ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَجَلَسْتُ أَدْعُو وَ أَبْكِي وَ جَعَلْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي:إِلَى مَنْ أَمْضِي؛إِلَى الْمُرْجِئَةِ؟ إِلَى الْقَدَرِيَّةِ؟إِلَى الزَّيْدِيَّةِ؟إِلَى الْحَرُورِيَّةِ.فَأَنَا فِي هَذَا إِذْ جَاءَنِي(مَصَافٌ)الْخَادِمُ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي إِلَيْهِ.

فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ قَالَ يَا هِشَامُ:لاَ إِلَى الْمُرْجِئَةِ وَ لاَ إِلَى الْقَدَرِيَّةِ وَ لاَ إِلَى الزَّيْدِيَّةِ وَ لاَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ وَ لَكِنْ إِلَيْنَا.

فَقُلْتُ بِهِ وَ سَلَّمْتُ لِأَمْرِهِ.

315- وَ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ:سَمِعْتُ الْعَبْدَ الصَّالِحَ يَعْنِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: لَمَّا وَقَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَضَى فِيهِ قَالَ لِي:يَا بُنَيَّ لاَ يَلِي غُسْلِي غَيْرُكَ فَإِنِّي غَسَلْتُ أَبِي،وَ الْأَئِمَّةُ يَغْسِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً.

وَ قَالَ لِي:يَا بُنَيَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ سَيَدَّعِي الْإِمَامَةَ فَدَعْهُ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ يَلْحَقُنِي مِنْ أَهْلِي.

فَلَمَّا مَضَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَرْخَى أَبُو الْحَسَنِ سِتْرَهُ وَ دَعَا عَبْدَ اللَّهِ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ:مَا بَالُكَ مَا ذَبَحْتَ الْعَامَ وَ قَدْ نَحَرَ عَبْدُ اللَّهِ جَزُوراً؟

قَالَ:يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ لاَ يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ فَأَيْنَ يَذْهَبُ أَصْحَابُهُ؟

قُلْتُ:سَنَةٌ قَدْ مَرَّتْ بِهِ.

قَالَ:يَمُوتُ فِيهَا لَيْسَ يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْهَا.فَلَمْ يَعِشْ أَكْثَرَ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ.

316- وَ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقُلْتُ:جُعِلْتُ فِدَاكَ بِمَ يُعْرَفُ الْإِمَامُ؟

فَقَالَ:بِخِصَالٍ؛أَوَّلُهَا النَّصُّ مِنْ أَبِيهِ عَلَيْهِ،وَ نَصْبُهُ لِلنَّاسِ عَلَماً حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهِمْ حُجَّةً لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نَصَبَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَماً وَ عَرَّفَهُ النَّاسَ،وَ كَذَلِكَ الْأَئِمَّةُ نَصَبَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ.وَ أَنْ تَسْأَلَهُ فَيُجِيبَ،وَ تَسْكُتَ عَنْهُ فَيَبْتَدِئَ،وَ يُخْبِرَ النَّاسَ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ،وَ يُكَلِّمَ النَّاسَ بِكُلِّ لِسَانٍ كُلَّ أَهْلِ لُغَةٍ بِلُغَتِهِمْ.

قُلْتُ لَهُ:جُعِلْتُ فِدَاكَ تُكَلِّمُ النَّاسَ بِكُلِّ لِسَانٍ.

قَالَ:نَعَمْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَ أَعْرِفُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ السَّاعَةَ.أُعْطِيكَ عَلاَمَةَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَكَانِكَ.

ص:198

فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ فَكَلَّمَهُ الرَّجُلُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَأَجَابَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ.قَالَ الْخُرَاسَانِيُّ:مَا معنى [مَنَعَنِي] أَنْ أُكَلِّمَكَ بِكَلاَمِي إِلاَّ ظَنَنْتُكَ لاَ تُحْسِنُهُ؟

فَقَالَ لَهُ:سُبْحَانَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لاَ أُحْسِنُ أَنْ أُجِيبَكَ فَمَا فَضْلِي عَلَيْكَ.

ثُمَّ قَالَ لِي:يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ الْإِمَامَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ كَلاَمُ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَ لاَ طَائِرٍ وَ لاَ بَهِيمَةٍ وَ لاَ شَيْءٍ فِيهِ رُوحٌ.فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ فَلَيْسَ هُوَ بِإِمَامٍ.

317- وَ رُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى الْجُهَنِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقُلْتُ لَهُ:جُعِلْتُ فِدَاكَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي دَاراً وَ زَوْجَةً وَ وَلَداً وَ خَادِماً وَ أَنْ أَحُجَّ فِي كُلِّ سَنَةٍ.

فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ:اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ ارْزُقْهُ دَاراً وَ زَوْجَةً وَ وَلَداً وَ خَادِماً وَ الْحَجَّ خَمْسِينَ سَنَةً.

ثُمَّ قَالَ حَمَّادٌ:فَحَجَجْتُ ثَمَانِيَةً وَ أَرْبَعِينَ حِجَّةً،وَ هَذِهِ زَوْجَتِي وَرَاءَ السِّتْرِ تَسْمَعُ كَلاَمِي،وَ هَذَا ابْنِي وَ هَذِهِ دَارِي وَ هَذَا خَادِمِي.

وَ حَجَّ بَعْدَ هَذَا الْكَلاَمِ حِجَّتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ فَزَامَلَ أَبَا الْعَبَّاسِ النَّوْفَلِيَّ فَعَرَّفَنَا أَنَّهُ لَمَّا صَارَ فِي مَوْضِعِ الْإِحْرَامِ دَخَلَ يَغْتَسِلُ فَجَاءَ مَدُّ الْوَادِي فَحَمَلَهُ فَغَرِقَ وَ دُفِنَ بِالسَّيَالَةِ.

318- وَ: أَقَامَ مُوسَى بِالْمَدِينَةِ بَاقِيَ أَيَّامِ الْمَهْدِيِّ،وَ تُوُفِّيَ الْمَهْدِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَ سِتِّينَ وَ مِائَةٍ فِي إِحْدَى وَ عِشْرِينَ سَنَةً مِنْ إِمَامَةِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ بُويِعَ لاِبْنِهِ مُوسَى وَ لُقِّبَ بِالْهَادِي فَأَقَامَ سَنَةً وَ شَهْرَيْنِ وَ مَاتَ فِي سَنَةِ سَبْعِينَ وَ مِائَةٍ فِي اثْنَيْنِ وَ عِشْرِينَ سَنَةً مِنْ إِمَامَةِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

وَ بُويِعَ لِهَارُونَ الرَّشِيدِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَوَجَّهَ فِي حَمْلِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمَّا وَافَاهُ الرُّسُلُ دَعَا أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ أَكْبَرُ وُلْدِهِ فَأَوْصَى إِلَيْهِ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ خَوَاصِّهِ وَ أَمَرَهُ بِمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ،وَ نَحَلَهُ كُنْيَتَهُ وَ تَكَنَّى بِأَبِي إِبْرَاهِيمَ وَ دَفَعَ إِلَى أُمِّ أَحْمَدَ كُتُباً وَ قَالَ لَهَا سِرّاً:مَنْ أَتَاكَ فَطَلَبَ مِنْكَ مَا دَفَعْتُهُ إِلَيْكَ وَ أَعْطَاكَ صِفَتَهُ فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ.وَ دَفَعَ إِلَيْهَا رُقْعَةً مَخْتُومَةً وَ أَمَرَهُمَا بِأَنْ تُسَلِّمَهَا مَعَ مَا قَبْلَهَا إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذَا طَلَبَهَا وَ أَمَرَ أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ يَبِيتَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي دِهْلِيزِ دَارِهِ أَوْ عَلَى بَابِهِ

ص:199

أَبَداً مَا دَامَ حَيّاً.يَعْنِي نَفْسَهُ.

319- فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الْبَزَنْطِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي مُسَافِرٌ قَالَ: أَمَرَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ حُمِلَ إِلَى الْعِرَاقِ أَنْ يَنَامَ عَلَى بَابِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فَكُنَّا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ نَفْرُشُ لَهُ فِي الدِّهْلِيزِ ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ عِشَاءِ الْآخِرَةِ فَيَنَامُ فَإِذَا أَصْبَحَ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ.وَ كُنَّا رُبَّمَا حَبَانَا الشَّيْءَ مِمَّا يُؤْكَلُ فَيَجِيءُ حَتَّى يَسْتَخْرِجَهُ وَ يُعْلِمُنَا أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِهِ فَمَكَثَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ مُقِيمٌ مُعْتَقِلٌ فِي يَدِ السُّلْطَانِ فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ وَ إِكْرَامٍ.

وَ كَانَ الرَّشِيدُ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي الْمَسَائِلِ فَيُجِيبُهُ عَنْهَا حَتَّى كَانَ مِنَ الْبَرَامِكَةِ مَا كَانَ مِنَ السَّعْيِ فِي قَتْلِهِ وَ الْإِغْرَاءِ بِهِ،حَتَّى حَبَسَهُ الْغَوِيُّ-يَعْنِي الرَّشِيدَ هَارُونَ-فِي يَدِ السِّنْدِيِّ ابْنِ شَاهَكَ،وَ لَمْ يَزَالُوا يُوقِعُونَ الْحِيلَةَ حَتَّى بَعَثَ الْغَوِيُّ إِلَى السِّنْدِيِّ يَأْمُرُهُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِالسَّمِّ وَ أَنْ يَحْضُرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ الْعُدُولُ وَ الْقُضَاةُ حَتَّى يَرَوْهُ.

وَ كَانَ النَّاسُ إِذَا دَخَلُوا دَارَ السِّنْدِيِّ رَأَوْا أَبَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِيهَا.فَرُوِيَ أَنَّ النَّاسَ كَثِيراً مَا يَرَوْنَهُ سَاجِداً فَيَظُنُّونَهُ ثَوْباً مُلْقًى فِي صِفَةِ الدَّارِ؛حَتَّى ثَارُوا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ فَسَأَلُوا عَنْهُ.فَقِيلَ لَهُمْ:هَذَا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ،إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَلَسَ يَعْقِبُهَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ يَقْرَأُ وَ يُسَبِّحُ وَ يَدْعُو ثُمَّ يَسْجُدُ إِلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ.

فَأَدْخَلَ السِّنْدِيُّ الْقُضَاةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ،فَأَخْرَجَهُ إِلَيْهِمْ وَ قَالَ لَهُمْ:إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ:إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ فِي يَدِي فِي ضَنْكٍ وَ ضَرَرٍ،هَا هُوَ ذَا صَحِيحٌ لاَ عِلَّةٌ بِهِ وَ لاَ مَرَضٌ وَ لاَ ضَرَرٌ.

فَالْتَفَتَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُمْ:اِشْهَدُوا عَلَيَّ أَنِّي مَقْتُولٌ بِالسَّمِّ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.فَانْصَرَفُوا.

320- وَ رُوِيَ مِنْ جِهَاتٍ صَحِيحَةٍ: أَنَّ السِّنْدِيَّ أَطْعَمَهُ السَّمَّ فِي رُطَبٍ وَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا عَشْرَ رُطَبَاتٍ فَقَالَ لَهُ السِّنْدِيُّ:تَزْدَادُ؟فَقَالَ لَهُ:حَسْبُكَ قَدْ بَلَغْتَ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيمَا أُمِرْتَ بِهِ.

وَ كَانَ السَّمُّ مِمَّا يُتْلِفُ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.ثُمَّ أَحْضَرَ الْقُضَاةَ وَ الْعُدُولَ وَ أَرَاهُمْ إِيَّاهُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:

اشْهَدُوا أَنِّي صَحِيحُ الظَّاهِرِ لَكِنِّي مَسْمُومٌ سَأَحْمَرُّ فِي هَذَا الْيَوْمِ حُمْرَةً شَدِيدَةً مُنْكَرَةً وَ أَصْفَرُّ غَداً صُفْرَةً شَدِيدَةً مُنْكَرَةً وَ أَبْيَضُّ بَعْدَ غَدٍ وَ أَمْضِي إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَ رِضْوَانِهِ.

ص:200

فَمَضَى كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي آخِرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فِي ثَلاَثٍ وَ ثَمَانِينَ وَ مِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَ كَانَ سِنُّهُ أَرْبَعاً وَ خَمْسِينَ سَنَةً أَقَامَ مِنْهَا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عِشْرِينَ سَنَةً وَ مُنْفَرِداً بِالْإِمَامَةِ أَرْبَعَةً وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً فَأَخْرَجَهُ السِّنْدِيُّ إِلَى مَجْلِسِ الشُّرْطَةِ مِنَ الْجِسْرِ بِبَغْدَادَ وَ كَشَفَ وَجْهَهُ وَ نَادَى عَلَيْهِ:مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ قَدْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ لاَ هُوَ مَسْمُومٌ وَ لاَ مَقْتُولٌ فَلْيَحْضُرْ مَنْ أَرَادَ.

وَ نَظَرُوا إِلَيْهِ ثُمَّ حُمِلَ وَ اتَّبَعَهُ النَّاسُ حَتَّى دُفِنَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ ابْتَاعَهُ لِنَفْسِهِ فِي مَقَابِرِ قُرَيْشٍ بِمَدِينَةِ السَّلاَمِ.

321- قَالَ مُسَافِرٌ مَوْلاَهُ: وَ لَمَّا كَانَ فِي لَيْلَةٍ مِنَ اللَّيَالِي وَ قَدْ فَرَشْنَا لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى عَادَتِهِ،أَبْطَأَ عَنَّا فَلَمْ يَأْتِ كَمَا كَانَ يَأْتِي،فَاسْتَوْحَشَ الْعِيَالُ وَ ذُعِرُوا وَ تَدَاخَلَهُمْ مِنْ إِبْطَائِهِ وَحْشَةٌ،حَتَّى أَصْبَحْنَا،فَإِذَا هُوَ قَدْ جَاءَ وَ حَضَرَ الدَّارَ وَ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ،وَ دَعَا أُمَّ أَحْمَدَ فَقَالَ لَهَا:هَاتِ الَّذِي أَوْدَعَكِ أَبِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ سَمَّاهُ لَهَا.

فَصَرَخَتْ وَ لَطَمَتْ وَ شَقَّتْ ثِيَابَهَا وَ قَالَتْ:مَاتَ وَ اللَّهِ سَيِّدِي.

فَكَفَّهَا وَ قَالَ لَهَا:اُكْتُمِي الْأَمْرَ وَ لاَ تُظْهِرِيهِ حَتَّى يَرِدَ الْخَبَرُ بِهِ عَلَى وَالِي الْمَدِينَةِ وَ يَعْرِفَهُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِنَا فِي وَقْتِهِ.

فَأَخْرَجَتْ إِلَيْهِ سَفَطاً فِيهِ تِلْكَ الْوَدِيعَةُ وَ مَالاً مَبْلَغُهُ سِتَّةُ آلاَفِ دِينَارٍ وَ سَلَّمَتْهُ إِلَيْهِ.

وَ كَتَمُوا الْأَمْرَ حَتَّى وَرَدَ الْخَبَرُ عَلَى وَالِي الْمَدِينَةِ فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَاهُ قَدْ تُوُفِّيَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي لَمْ يَحْضُرْ فِيهَا أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِعَيْنِهَا.صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ عَلَى آبَائِهِ وَ أَبْنَائِهِ وَ ذُرِّيَّتِهِمُ الطَّاهِرِينَ وَ سَلَّمَ كَثِيراً.

علي الرضا عليه السّلام

و قام أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام بأمر اللّه عزّ و جلّ مع أبيه.

322- وَ رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حُمْرَانَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:قَدْ قَدِمَ رَجُلٌ نَخَّاسٌ مِنْ مِصْرَ فَامْضِ بِنَا إِلَيْهِ فَمَضَيْنَا.فَاسْتَعْرَضَ عِدَّةَ جَوَارٍ مِنْ رَقِيقٍ عِنْدَهُ يُعْجِبُهُ مِنْهُمْ شَيْءٌ.فَقَالَ لِي:سَلْهُ عَمَّا بَقِيَ عِنْدَهُ.فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ:لَمْ يَبْقَ إِلاَّ جَارِيَةٌ عَلِيلَةٌ وَ تَرَكْنَاهُ وَ انْصَرَفْنَا.

ص:201

فَقَالَ لِي:عُدْ إِلَيْهِ فَابْتَعْ تِلْكَ الْجَارِيَةَ مِنْهُ بِمَا يَقُولُ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَكَ ثَمَانِينَ دِينَاراً فَلاَ تُمَاكِسْهُ.فَأَتَيْتُ النَّخَّاسَ فَكَانَ كَمَا قَالَ.وَ بَاعَنِي الْجَارِيَةَ ثُمَّ قَالَ لِي النَّخَّاسُ:بِاللَّهِ اشْتَرَيْتَهَا لِنَفْسِكَ؟قُلْتُ:لاَ.قَالَ:فَلِمَنْ؟قُلْتُ:لِرَجُلٍ هَاشِمِيٍّ.

قَالَ لِي:فَإِنِّي أُخْبِرُكَ أَنِّي اشْتَرَيْتُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ مِنْ أَقْصَى الْمَغْرِبِ فَلَقِيَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَتْ لِي:مَنْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ مَعَكَ؟قُلْتُ جَارِيَةٌ اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي؟فَقَالَتْ:مَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ إِلاَّ عِنْدَ خَيْرِ أَهْلِ الْأَرْضِ.

وَ لَمْ تَلْبَثْ عِنْدَهُ إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى حَمَلَتْ بِأَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ اسْمُهَا تُكْتَمُ.

323- فَرُوِيَ عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ لَمَّا ابْتَاعَهَا جَمَعَ قَوْماً مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ:وَ اللَّهِ مَا اشْتُرِيَتْ هَذِهِ الْأَمَةُ إِلاَّ بِأَمْرِ اللَّهِ وَ وَحْيِهِ.

فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟

قَالَ:بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي جَدِّي وَ أَبِي عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ وَ مَعَهُمَا شِقَّةُ حَرِيرٍ فَنَشَرَاهَا فَإِذَا قَمِيصٌ وَ فِيهِ صُورَةُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ.فَقَالاَ:يَا مُوسَى لَيَكُونَنَّ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْجَارِيَةِ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْدَكَ.ثُمَّ أَمَرَانِي إِذَا وَلَدَتْهُ أَنْ أُسَمِّيَهُ عَلِيّاً وَ قَالاَ لِي:إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ تَعَالَى يُظْهِرُ بِهِ الْعَدْلَ وَ الرَّأْفَةَ.طُوبَى لِمَنْ صَدَّقَهُ،وَ وَيْلٌ لِمَنْ عَادَاهُ وَ جَحَدَهُ وَ عَانَدَهُ.

فَوُلِدَ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَمِ بِخَمْسِ سِنِينَ،وَ كَانَتْ وِلاَدَتُهُ عَلَى صِفَةِ وِلاَدَةِ آبَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ.وَ نَشَأَ مَنْشَأَهُمْ.

324- وَ حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ:حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ نُعَيْمٍ الْقَابُوسِيِّ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ نَصْرِ بْنِ قَابُوسَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَ عَلِيٌّ ابْنُهُ صَبِيٌّ يَدْرُجُ فِي الدَّارِ،فَقُلْتُ أَرَى عَلِيّاً ذَاهِباً وَ جَائِياً دُونَ سَائِرِ النَّاسِ؟

فَقَالَ:هُوَ أَكْبَرُ وُلْدِي وَ أَحَبُّهُمْ إِلَيَّ وَ هُوَ يَنْظُرُ مَعِي فِي كِتَابِ الْجَفْرِ وَ لاَ يَنْظُرُ فِيهِ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ.

325- وَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ وَ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالاَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَجَاءَ إِلَى ابْنِهِ فَأَخَذَهُ فَأَجْلَسَهُ ثُمَّ قَالَ لَنَا:هَذَا عَلِيٌّ ابْنِي سَيِّدُ وُلْدِي وَ قَدْ

ص:202

نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي.

فَقَامَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ فَضَرَبَ عَلَى جَبْهَتِهِ وَ قَالَ:إِنَّا لِلَّهِ وَ إنَا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ نَعَى-وَ اللَّهِ- إِلَيْنَا نَفْسَهُ.

326- وَ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ نَصْرِ بْنِ قَابُوسَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:مَنِ الْإِمَامُ بَعْدَكَ؟

فَقَالَ لِي:مُوسَى ابْنِي.

فَسَأَلْتُ مُوسَى وَ قُلْتُ:مَنِ الْإِمَامُ بَعْدَكَ،فَقَدْ سَأَلْتُ أَبَاكَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ أَنْتَ هُوَ، فَذَهَبَ النَّاسُ بِكَ يَمِيناً وَ شِمَالاً،وَ قُلْتُ بِكَ.فَأَخْبِرْنِي مَنِ الْإِمَامُ بَعْدَكَ؟

قَالَ:عَلِيٌّ ابْنِي.

327- وَ رُوِيَ أَيْضاً عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الضَّحَّاكِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ رَزِينٍ قَالَ: حَمَلْتُ إِلَى أَبِي إِبْرَاهِيمَ مَالاً فَأَخَذَ مِنِّي بَعْضَهُ وَ رَدَّ عَلَيَّ الْبَاقِيَ فَقُلْتُ لَهُ:جُعِلْتُ فِدَاكَ لِمَ رَدَدْتَ عَلَيَّ هَذَا؟

فَقَالَ:أَمْسِكْهُ حَتَّى يَطْلُبَهُ مِنْكَ صَاحِبُهُ بَعْدِي.

فَلَمَّا مَضَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعَثَ إِلَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ هَاتِ الْمَالَ الَّذِي قِبَلَكَ.

فَوَجَّهْتُ بِهِ إِلَيْهِ.

328- وَ رُوِيَ عَنْهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ الزَّيَّاتِ عَنْ زِيَادٍ الْقَنْدِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمَكَّةَ وَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلِيٌّ ابْنُهُ،فَقَالَ لِي:هَذَا عَلِيٌّ ابْنِي،قَوْلُهُ قَوْلِي وَ كِتَابُهُ كِتَابِي،وَ خَاتَمُهُ خَاتَمِي،فَمَا قَالَ لَكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ لَكُمْ.

329- وَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ قَالَ: اشْتَكَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ شَكَاةً شَدِيدَةً حَتَّى خِفْنَا عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ:إِنْ كَانَ مَا أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ لاَ يُرِيَنَا إِيَّاهُ وَ يُعِيذَنَا مِنْهُ؟

قَالَ مَنْ قَالَ لِي عَلِيٌّ ابْنِي فَإِنَّهُ وَصِيِّي وَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي.

330- وَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَاسْتَقْرَضَ مِنِّي سِتَّمِائَةِ دِينَارٍ فَلَمَّا مَضَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعَثَ إِلَيَّ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ:أَنَّ الْمَالَ

ص:203

الَّذِي كَانَ لَكَ عَلَى أَبِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَهُوَ لَكَ عَلَيَّ.

9-

331- وَ رُوِيَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكِيمِ عَنْ حَيْدَرَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَعَانَا أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَشْهَدَنَا وَ نَحْنُ ثَلاَثُونَ رَجُلاً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ غَيْرِهِمْ:أَنَّ عَلِيّاً ابْنَهُ وَصِيُّهُ وَ خَلِيفَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ.

332- وَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ الْوَاسِطِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ:اَلرَّجُلُ يَقُولُ لاِبْنِهِ أَوْ بِنْتِهِ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي؟

فَقَالَ:إِنْ كَانَا بَاقِيَيْنِ،فَإِنَّ ذَلِكَ عُقُوقٌ.وَ إِنْ كَانَا قَدْ مَاتَا فَلاَ بَأْسَ.

ثُمَّ قَالَ لِي:كَانَ جَعْفَرٌ يَقُولُ لِي:مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ لاَ يَمُوتَ حَتَّى يَرَى خَلَفَهُ مِنْ بَعْدِهِ يَأْمُرُ وَ يَنْهَى.

ثُمَّ نَظَرَ إِلَى عَلِيٍّ ابْنِهِ فَقَالَ لِي:وَ قَدْ وَ اللَّهِ أَرَانِيَ اللَّهُ خَلَفِي مِنْ بَعْدِي.

333- وَ رَوَى الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى وَ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالاَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ بِالْمَدِينَةِ فَدَخَلْنَاهَا بَعْدَ مَا حُمِلَ مُوسَى فَجَاءَنَا إِسْحَاقُ وَ عَلِيٌّ ابْنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَشَهِدَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:أَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَصِيَّ أَبِيهِ وَ خَلِيفَتَهُ مِنْ بَعْدِهِ.

334- وَ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَنَّامِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ:قَالَ لِي مَنْصُورُ بْنُ يُونُسَ«بُزُرْجَ»: قَالَ لِي أَبُو إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَدْ دَخَلْتُ إِلَيْهِ يَوْماً:يَا مَنْصُورُ مَا عَلِمْتَ مَا أَحْدَثْتُ فِي يَوْمِي هَذَا؟

قُلْتُ:لاَ.

قَالَ:قَدْ صَيَّرْتُ ابْنِي عَلِيّاً وَصِيِّي وَ الْخَلَفَ مِنْ بَعْدِي،فَادْخُلْ إِلَيْهِ وَ هَنِّئْهُ بِذَلِكَ.

335- وَ عَنْهُ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ عَلاَمَاتِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا لَوْ أَدْرَكْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا كُنْتُ أُبَالِي أَنْ لاَ أَرَى أَكْثَرَ مِمَّا رَأَيْتُ.

336- وَ رَوَى الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْخُزَامِيِّ عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ قَالَ: قُلْتُ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ:قَدْ كَبِرَ سِنِّي وَ ضَعُفَ بَدَنِي وَ لَعَلِّي لاَ أَلْقَاكَ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا فَأَخْبِرْنِي مَنِ الْإِمَامُ بَعْدَكَ؟

ص:204

فَقَالَ:عَلِيٌّ ابْنِي.

337- وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ دَاوُدَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:إِنْ حَدَثَتْ حَادِثَةٌ فَمَنِ الْإِمَامُ بَعْدَكَ؟

فَقَالَ لِي:مُوسَى ابْنِي.

فَمَا شَكَكْتُ وَ اللَّهِ فِي مُوسَى طَرْفَةَ عَيْنٍ.وَ قُلْتُ لِمُوسَى مِثْلَ قَوْلِي لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فَقَالَ لِي:اِبْنِي عَلِيٌّ.

فَمَا شَكَكْتُ فِي عَلِيٍّ طَرْفَةَ عَيْنٍ.

338- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ لَمَّا وَجَّهَ هَارُونُ الْغَوِيُّ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِيَحْمِلَهُ إِلَى الْعِرَاقِ أَحْضَرَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ وَ دَفَعَ إِلَيْهِ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ وَ مَوَارِيثَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ دَفَعَ إِلَى أُمِّ أَحْمَدَ الْمَالَ وَ الْوَدَائِعَ وَ أَمَرَهَا أَنْ تَدْفَعَ ذَلِكَ إِلَى مَنْ يُعْطِيهَا عَلاَمَتَهُ،وَ أَمَرَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ يَبِيتَ فِي دِهْلِيزِ دَارِهِ مَا دَامَ حَيّاً-كَمَا شَرَحْنَاهُ فِي الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ-فَلَمَّا مَضَى نَعْيُ مُوسَى بِبَغْدَادَ قَصَدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ دَخَلَ الدَّارَ وَ أَمَرَ أُمَّ أَحْمَدَ أَنْ تَدْفَعَ إِلَيْهِ مَا عِنْدَهَا وَ أَعْطَاهَا الْعَلاَمَةَ،فَصَرَخَتْ وَ لَطَمَتْ وَ قَالَتْ:مَاتَ وَ اللَّهِ سَيِّدِي فَكَفَّهَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَالَ لَهَا:اُكْتُمِي وَ لاَ تُظْهِرِي شَيْئاً حَتَّى يَرِدَ الْخَبَرُ وَاليَ الْمَدِينَةِ.

وَ قَامَ الرِّضَا بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَ ثَمَانِينَ وَ مِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ،وَ سِنُّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثَلاَثُونَ سَنَةً،وَ أَظْهَرَ أَمْرَ اللَّهِ لِشِيعَتِهِ.

339- وَ رَوَى الْحِمْيَرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ:حَدَّثَنِي سَامُ بْنُ نُوحِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ غَسَّانَ الْقَاضِي فَدَخَلَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ عَظِيمُ الْقَدْرِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَأَعْظَمَهُ وَ رَفَعَهُ وَ حَادَثَهُ،فَقَالَ الرَّجُلُ:سَمِعْتُ هَارُونَ الرَّشِيدَ يَقُولُ:

لَأَخْرُجَنَّ الْعَامَ إِلَى مَكَّةَ وَ لآَخُذَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى وَ لَأَرُدَّنَّهُ حِيَاضَ أَبِيهِ.

فَقُلْتُ:مَا شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْ [أَنْ ] أَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِلَى رَسُولِهِ فَأَخْرُجَ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَأُنْذِرَهُ.

فَخَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ وَ دَخَلْتُ عَلَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ هَارُونُ،فَجَزَانِي خَيْراً ثُمَّ قَالَ:لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ.أَنَا وَ هَارُونُ كَهَاتَيْنِ.وَ أَوْمَى بِإِصْبَعِهِ.

ص:205

340- وَ رَوَى الْحِمْيَرِيُّ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: اجْتَمَعَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ الْبَطَائِنِيُّ وَ زِيَادٌ الْقَنْدِيُّ وَ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُكَارِي فَصَارُوا إِلَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَدَخَلُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا:أَنْتَ إِمَامٌ؟

فَقَالَ:نَعَمْ.

فَقَالُوا لَهُ:مَا تَخَافُ مِمَّا قَدْ تَوَعَّدَكَ بِهِ هَارُونُ،وَ مَا شَهَرَ نَفْسَهُ أَحَدٌ مِنْ آبَائِكَ بِمَا شَهَرْتَهَا أَنْتَ؟

فَقَالَ لَهُمْ:إِنَّ أَبَا جَهْلٍ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ:أَنْتَ نَبِيٌّ؟فَقَالَ لَهُ:نَعَمْ.فَقَالَ لَهُ:أَ مَا تَخَافُ مِنِّي؟فَقَالَ لَهُ:إِنْ نَالَنِي مِنْكَ سُوءٌ فَلَسْتُ نَبِيّاً.

وَ أَنَا أَقُولُ:إِنْ نَالَنِي مِنْ هَارُونَ سُوءٌ فَلَسْتُ بِإِمَامٍ.

فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ:أَسْأَلُكَ.

فَقَالَ لَهُ:لِمَ تَسْأَلُنِي وَ لَسْتَ مِنْ غَنَمِي.سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ.

فَقَالَ لَهُ:مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ قَدِيمٍ فِي مِلْكِي فَهُوَ حُرٌّ،مَا يُعْتَقُ مِنْ مَمَالِيكِهِ؟

فَقَالَ لَهُ:إِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ مَمَالِيكِهِ مَنْ مَضَى لَهُ فِي مِلْكِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ؛لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ» وَ بَيْنَ الْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ وَ الْعُرْجُونِ الْحَدِيثِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.

341- الْحِمْيَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلاَّلِ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ:إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ مِنْ هَارُونَ.

فَقَالَ:لَيْسَ عَلَيَّ بَأْسٌ مِنْهُ.إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ بِلاَداً تُنْبِتُ بِالذَّهَبِ وَ قَدْ حَمَاهَا بِأَضْعَفِ خَلْقِهِ بِالنَّمْلِ،فَلَوْ أَرَادَتْهَا الْفِيَلَةُ مَا وَصَلَتْ إِلَيْهَا.

342- وَ قَالَ«الْوَشَّاءُ»: سَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْبِلاَدِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهَا بَيْنَ نَهَرِ«بَلْخٍ»وَ«التُّبَّتِ»وَ أَنَّهَا تُنْبِتُ الذَّهَبَ وَ فِيهَا نَمْلٌ كِبَارٌ أَشْبَاهُ الْكِلاَبِ لَيْسَ يَمُرُّ بِهَا الطَّيْرُ فَضْلاً عَنْ غَيْرِهِ..تَكْمُنُ بِاللَّيْلِ فِي الْأَجْحِرَةِ وَ تَظْهَرُ بِالنَّهَارِ،فَرُبَّمَا أَغَارُوا عَلَى هَذِهِ الْبِلاَدِ عَلَى الدَّوَابِّ الَّتِي تَقْطَعُ فِي اللَّيْلَةِ ثَلاَثِينَ فَرْسَخاً لاَ يَصْبِرُ شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ صَبْرَهَا فَيُوْقِرُونَهَا ثُمَّ يَرْجِعُونَ مِنْ وَقْتِهِمْ.فَإِذَا أَصْبَحَتِ النَّمْلُ خَرَجَتْ فِي الطَّلَبِ فَلاَ تَلْحَقُ مِنْهُمْ أَحَداً إِلاَّ قَطَعَتْهُ وَ هِيَ الرِّيحُ

ص:206

لِسُرْعَتِهَا فَإِذَا لَحِقَتْهُمْ قَذَفُوا لَهَا قِطَعَ اللَّحْمِ فَاشْتَغَلَتْ بِهَا.وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَلَحِقَتْهُمْ وَ قَطَعَتْهُمْ وَ دَوَابَّهُمْ.

343- الْحِمْيَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى: لَمَّا مَضَى أَبُو إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ تَكَلَّمَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَشَفَ وَجْهَهُ عَمَّا يَسْتَفْتُونَهُ فِيهِ،خِفْنَا عَلَيْهِ.فَقِيلَ لَهُ قَدْ أَظْهَرْتَ أَمْراً عَظِيماً،وَ إِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ هَذَا الْغَوِيَّ الطَّاغِيَةَ.

فَقَالَ:لِيَجْهَدْ جَهْدَهُ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيَّ.

344- وَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ: أَنَّ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ قَالَ لِهَارُونَ:هَذَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى قَدْ قَعَدَ وَ ادَّعَى الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ.

فَقَالَ:مَا يَكْفِينَا مَا صَنَعْنَا بِأَبِيهِ؟أَ تُرِيدُونَ أَنْ أَقْتُلَهُمْ كُلَّهُمْ.

345- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ عَنْ مُوسَى بْنِ مِهْرَانَ قَالَ:

رَأَيْتُ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَدْ نَظَرَ إِلَى هَرْثَمَةَ بِالْمَدِينَةِ وَ قَالَ:كَأَنِّي بِهِ وَ قَدْ حُمِلَ إِلَى مَرْوَ فَضُرِبَتْ رَقَبَتُهُ.

فَكَانَ كَمَا قَالَ.

346- قَالَ: وَ كَتَبَ إِلَيْهِ مُوسَى بْنُ مِهْرَانَ يَسْأَلُهُ أَنْ يَدْعُوَ لاِبْنِهِ الْعَلِيلِ.فَكَتَبَ إِلَيْهِ:وَهَبَ اللَّهُ لَكَ وَلَداً صَالِحاً.

فَمَاتَ ابْنُهُ الْعَلِيلُ وَ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ آخَرُ خَرَجَ صَالِحاً.

347- وَ عَنْهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَدَخَلَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَ ابْنُ السَّرَّاجِ وَ ابْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُكَاوِي،فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ:رُوِّينَا عَنْ آبَائِكَ أَنَّ الْإِمَامَ لاَ يَلِي أَمْرَهُ إِذَا مَاتَ إِلاَّ إِمَامٌ مِثْلُهُ.

فَقَالَ لَهُ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ:أَخْبِرْنِي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِمَاماً كَانَ أَوْ غَيْرَ إِمَامٍ؟

قَالَ:كَانَ إِمَاماً فَمَنْ وَلَّى أَمْرَهُ؟

قَالَ:عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ.

قَالَ:وَ أَيْنَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ؟

ص:207

قَالَ:فِي يَدِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ مَحْبُوساً بِالْكُوفَةِ.

فَقَالَ:كَيْفَ وَلِيَ أَمْرَ أَبِيهِ وَ هُوَ مَحْبُوسٌ؟

فَقَالُوا لَهُ:رُوِّينَا أَنَّهُ خَرَجَ وَ هُمْ لاَ يَعْلَمُونَ حَتَّى وَلِيَ أَمْرَ أَبِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مَوْضِعِهِ.

فَقَالَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ:إِنْ يَكُنْ هَذَا أَمْكَنَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ وَ هُوَ مُعْتَقِلٌ،فَقَدْ يُمَكِّنُ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ وَ هُوَ غَيْرُ مُعْتَقِلٍ أَنْ يَأْتِيَ بَغْدَادَ فَيَتَوَلَّى أَمْرَ أَبِيهِ وَ يَنْصَرِفَ وَ لَيْسَ هُوَ بِمَحْبُوسٍ وَ لاَ بِمَأْسُورٍ.

فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ:فَإِنَّا رُوِّينَا أَنَّ الْإِمَامَ لاَ يَمْضِي حَتَّى يَرَى عَقِبَهُ.فَقَالَ لَهُ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ:أَ مَا رُوِّيتُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ«إِلاَّ الْقَائِمُ».

قَالُوا:لاَ.

قَالَ الرِّضَا:بَلَى،قَدْ رَوَيْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ لاَ تَدْرُونَ لِمَ قِيلَ وَ لاَ مَا مَعْنَاهُ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ:إِنَّ هَذَا لَفِي الْحَدِيثِ.

فَقَالَ لَهُ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ:وَيْحَكَ كَيْفَ تَجَرَّأْتَ أَنْ تَحْتَجَّ عَلَيَّ بِشَيْءٍ تَدْمُجُ بَعْضُهُ؟

ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُرِينِي عَقِبِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ:يَا شَيْخُ اتَّقِ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لاَ تَكُنْ مِنَ الصَّدَّادِينَ عَنْ دِينِ اللَّهِ.

348- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْرَفُ الْإِمَامُ بَعْدَ الْإِمَامِ؟

فَقَالَ:بِعَلاَمَاتٍ؛مِنْهَا:أَنْ يَكُونَ أَكْبَرَ وُلْدِ أَبِيهِ وَ يَكُونَ فِيهِ الْفَضْلُ وَ إِذَا قَدِمَ الرَّكْبُ الْمَدِينَةَ سَأَلَ إِلَى مَنْ أَوْصَى فُلاَنٌ فَيَقُولُونَ إِلَى فُلاَنٍ وَ السِّلاَحُ فِينَا بِمَنْزِلَةِ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يَدُورُ مَعَ الْإِمَامَةِ كَيْفَ دَارَ.

349- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ قَالَ: لَمَّا كَانَ فِي السَّنَةِ الَّتِي بَطَشَ فِيهَا هَارُونُ بِجَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى وَ حَبَسَ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ وَ ابْنَهُ الْفَضْلَ وَ نَزَلَ بِالْبَرَامِكَةِ النَّوَازِلُ كَانَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَاقِفاً بِعَرَفَاتٍ يَدْعُو ثُمَّ طَأْطَأَ بِرَأْسِهِ حَتَّى كَادَتْ جَبْهَتُهُ تُصِيبُ قَادِمَةَ الرِّجْلِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ.

ص:208

فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو عَلَى هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ يَعْنِي الْبَرَامِكَةَ مُنْذُ أَنْ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا.فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِيَ الْيَوْمَ.

فَلَمَّا انْصَرَفْنَا لَمْ نَلْبَثْ إِلاَّ أَيَّاماً حَتَّى وَرَدَ الْخَبَرُ بِالْبَطْشِ بِجَعْفَرٍ وَ قَتْلِهِ وَ حَبْسِ ابْنِهِ وَ أَخِيهِ وَ تَغَيَّرَتْ أَحْوَالُهُمْ فَلَمْ يَجْبُرِ اللَّهُ لَهُمْ كَسْراً وَ لاَ عَادَتْ لَهُمْ حَالٌ وَ لاَ لِعَقِبِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

350- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ عَنْ مُوسَى بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَ هَارُونُ الْغَوِيُّ يَخْطُبُ فَقَالَ:تَرَوْنِي أَنِّي وَ إِيَّاهُ نُدْفَنُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَ أَنَّهُ لاَ يَحُجُّ بَعْدَهُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ.

351- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى قَالَ: أَلْحَحْتُ عَلَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي شَيْءٍ أَطْلُبُهُ مِنْهُ وَ كَانَ يَعِدُنِي فَخَرَجْنَا ذَاتَ يَوْمٍ لِنَسْتَقْبِلَ بَعْضَ الطَّالِبِيِّينَ وَ حَضَرَ وَقْتُ الصَّلاَةِ فَجَازَ إِلَى أَقْرَبِ قَصْرٍ فِي تِلْكَ النَّوَاحِي فَنَزَلَ بِالْقُرْبِ مِنْ شَجَرَاتٍ وَ نَزَلْتُ مَعَهُ فَقُلْتُ لَهُ:جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا الْعِيدُ قَدْ أَظَلَّنَا وَ لاَ وَ اللَّهِ مَا أَمْلِكُ دِرْهَماً فَمَا سِوَاهُ.فَحَفَرَ بِسَوْطِهِ الْأَرْضَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ فَتَنَاوَلَ سَبِيكَةَ ذَهَبٍ فَقَالَ:هَاكِ اسْتَنْفِعْ بِهَا وَ اكْتُمْ مَا رَأَيْتَ.

و لما مات هارون في سنة ثلاث و تسعين و مائة و ذلك في عشر سنين من امامة الرضا عليه السّلام بويع لمحمّد بن هارون المعروف بابن زبيدة.

352- فَرَوَى الْحِمْيَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَشَّارٍ قَالَ: قَالَ لِيَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ:عَبْدُ اللَّهِ يَقْتُلُ مُحَمَّداً أَخَاهُ.

قُلْتُ لَهُ:عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَارُونَ يَقْتُلُ مُحَمَّدَ بْنَ زُبَيْدَةَ؟

قَالَ:نَعَمْ،عَبْدُ اللَّهِ بِخُرَاسَانَ يَقْتُلُ مُحَمَّدَ بْنَ هَارُونَ أَخَاهُ.

قُلْتُ:عَبْدُ اللَّهِ الَّذِي بِخُرَاسَانَ صَاحِبُ طَاهِرٍ وَ هَرْثَمَةَ يَقْتُلُ مُحَمَّدَ بْنَ زُبَيْدَةَ الَّذِي بِبَغْدَادَ؟

قَالَ:نَعَمْ.

وَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ وَ قَتَلَهُ.

ص:209

353- وَ رُوِيَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لِي:كَانَ أَبِي الْبَارِحَةَ عِنْدِي فَرَآنِي أَتَفَزَّعُ،فَقَالَ لِي فِي النَّوْمِ شَيْئاً ثُمَّ قَالَ:نَوْمَتُنَا وَ يَقَظَتُنَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ.

و قتل محمّد بن زبيدة في المحرم سنة سبع و تسعين و مائة و ذلك في أربعة عشر سنة من إمامة الرضا عليه السّلام.

354- وَ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ:

كُنْتُ مَعَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي السَّنَةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا ثُمَّ خَرَجَ إِلَى خُرَاسَانَ وَ كَانَ مَعَهُ أَبُو جَعْفَرٍ ابْنُهُ وَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ سَنَةٌ وَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُوَدِّعُ الْبَيْتَ فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ عَادَ إِلَى الْمَقَامِ فَصَلَّى عِنْدَهُ وَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى عَاتِقِ مُوَفَّقٍ الْخَادِمِ يَطُوفُ بِهِ،فَلَمَّا صَارَ بِهِ إِلَى الْحَجَرِ جَلَسَ أَبُو جَعْفَرٍ عِنْدَهُ فَأَطَالَ فَقَالَ لَهُ مُوَفَّقٌ:قُمْ يَا مَوْلاَيَ جُعِلْتُ فِدَاكَ.

قَالَ:مَا أُرِيدُ أَنْ أَبْرَحَ مِنْ مَكَانِي هَذَا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ.

وَ اسْتَبَانَ فِي وَجْهِهِ الْغَمُّ،فَصَارَ مُوَفَّقٌ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَخْبَرَهُ بِخَبَرِهِ فَقَامَ أَبُو الْحَسَنِ فَصَارَ إِلَيْهِ وَ قَالَ لَهُ قُمْ:يَا حَبِيبِي.

فَقَالَ:مَا أُرِيدُ أَنْ أَبْرَحَ مِنْ مَكَانِي هَذَا وَ كَيْفَ أَبْرَحُ وَ قَدْ رَأَيْتُكَ وَدَّعْتَ الْبَيْتَ وَدَاعاً لاَ تَرْجِعُ إِلَيْهِ أَبَداً.

فَقَالَ لَهُ:قُمْ مَعِي.

فَقَامَ مَعَهُ.

355- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمَكَّةَ فَلَمَّا أَرَدْنَا الْخُرُوجَ قُلْنَا لَهُ:إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَكْتُبَ مَعَنَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ كِتَاباً لِنُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَ نَلْقَاهُ بِكِتَابِكَ إِذَا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ؟

فَكَتَبَ لَنَا إِلَيْهِ كِتَاباً فَلَمَّا وَافَيْنَا أَخْرَجَهُ إِلَيْنَا مُوَفَّقٌ عَلَى كَتِفِهِ فَدَفَعْنَا إِلَيْهِ الْكِتَابَ فَعَجَزَ عَنْ فَضِّهِ لِصِغَرِ سِنِّهِ فَفَضَّهُ لَهُ مُوَفَّقٌ وَ نَشَرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ سَطْراً سَطْراً وَ يَتَبَسَّمُ وَ يَطْوِيهِ حَتَّى قَرَأَهُ إِلَى آخِرِهِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ:فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ حَرَّكَ رِجْلَيْهِ عَلَى ظَهْرِ مُوَفَّقٍ وَ قَالَ:تَاخَ

ص:210

تَاخَ.

قَالَ:فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَتَمَسَّحْتُ بِهِ وَ قُلْتُ:«فُطْرُسِيَّةٌ فُطْرُسِيَّةٌّ».

فَعَادَ بَصَرِي بَعْدَ مَا كَانَ ذَهَبَ.

وَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْمَأْمُونِ وَ إِظْهَارِهِ التَّشَيُّعَ وَ مُنَاظَرَتِهِ النَّاسَ وَ دَعْوَتِهِ إِلَى هَذَا الدِّينِ الْقَيِّمِ مَا رَوَاهُ النَّاسُ وَ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ مِنْ نَقْلِ الْأَمْرِ إِلَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ وَ سَأَلَهُ الْقُدُومَ إِلَيْهِ لِيَعْقِدَ لَهُ الْأَمْرَ.فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ ثُمَّ كَاتَبَهُ فِي الْخُرُوجِ وَ أَقْسَمَ عَلَيْهِ.

356- فَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْوَشَّاءِ وَ رَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ:قَالَ عَلِيٌّ الرِّضَا: لَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ مِنَ الْمَدِينَةِ جَمَعْتُ عِيَالِي وَ أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَبْكُوا عَلَيَّ حَتَّى أَسْمَعَ بُكَاءَهُمْ ثُمَّ فَرَّقْتُ فِيهِمْ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ لِعِلْمِي أَنِّي لاَ أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبَداً.

قَالَ:ثُمَّ أَخَذَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَدْخَلَهُ الْمَسْجِدَ وَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى حَائِطِ الْقَبْرِ وَ أَلْصَقَهُ بِهِ وَ اسْتَحْفَظَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُ:يَا أَبَهْ أَنْتَ وَ اللَّهِ تَذْهَبُ إِلَى اللَّهِ.ثُمَّ أَمَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ جَمِيعَ وُكَلاَئِهِ بِالسَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ لَهُ وَ تَرْكِ مُخَالَفَتِهِ،وَ نَصَّ عَلَيْهِ عِنْدَ ثِقَاتِهِ وَ عَرَّفَهُمْ أَنَّهُ الْقَيِّمُ مَقَامَهُ وَ شَخَصَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ-كَمَا سَأَلَهُ الْمَأْمُونُ.

357- فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَبِيبٍ النَّبَّاحِيِّ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَدْ وَافَى النَّبَّاحَ وَ نَزَلَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يَنْزِلُهُ الْحَاجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَ كَأَنِّي مَضَيْتُ إِلَيْهِ وَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ وَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ وَجَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ طَبَقاً مِنْ خُوصِ نَخْلِ الْمَدِينَةِ فِيهِ تَمْرٌ صَيْحَانِيٌّ فَكَأَنَّهُ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ فَنَاوَلَنِي فَعَدَدْتُهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ تَمْرَةً.وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ إِحْدَى وَ عِشْرِينَ تَمْرَةً.فَتَأَوَّلْتُ أَنِّي أَعِيشُ بِعَدَدِ كُلِّ تَمْرَةٍ سَنَةً.فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ عِشْرِينَ يَوْماً كُنْتُ فِي أَرْضٍ تُعْمَرُ بَيْنَ يَدَيَّ الزِّرَاعَةُ حَتَّى جَاءَنِي مَنْ أَخْبَرَنِي بِقُدُومِ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَ نُزُولِهِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَ رَأَيْتُ النَّاسَ يَسْعَوْنَ إِلَيْهِ،فَمَضَيْتُ نَحْوَهُ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ رَأَيْتُ فِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ تَحْتَهُ حَصِيرٌ مِثْلُ مَا كَانَ تَحْتَهُ وَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَبَقٌ مِنْ خُوصٍ فِيهِ تَمْرٌ صَيْحَانِيٌّ.فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ وَ اسْتَدْنَانِي، فَنَاوَلَنِي قَبْضَةً مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ فَعَدَدْتُهُ فَإِذَا عَدَدُهَا مِثْلُ ذَلِكَ الْعَدَدِ الَّذِي نَاوَلَنِي رَسُولُ

ص:211

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَوَاءً.

فَقُلْتُ:لَهُ زِدْنِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ.

فَقَالَ:لَوْ زَادَكَ رَسُولُ اللَّهِ لَزِدْنَاكَ.

وَ أَقَامَ يَوْمَهُ وَ رَحَلَ يُرَادُ بِهِ خُرَاسَانَ عَلَى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ وَ الْأَهْوَازِ وَ فَارِسَ وَ كِرْمَانَ.

358- فَرُوِيَ: أَنَّ الْمَأْمُونَ اسْتَقْبَلَهُ وَ أَعْظَمَهُ وَ أَكْرَمَهُ وَ أَظْهَرَ فَضْلَهُ وَ إِجْلاَلَهُ وَ نَاظَرَهُ فِيمَا عَزَمَ عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ.

فَقَالَ لَهُ:إِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَيْسَ بِكَائِنٍ فِينَا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَمْلِكَ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ رَجُلاً بَعْدَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ فَأَلَحَّ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ.

ثُمَّ أَقْسَمَ فَأَبَرَّ قَسَمَهُ بِأَنْ يَعْقِدُ لَهُ الْأَمْرَ بَعْدَهُ.وَ جَلَسَ مَعَ الْمَأْمُونِ لِلْبَيْعَةِ ثُمَّ سَأَلَهُ الْمَأْمُونُ أَنْ يَخْرُجَ فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى فَاسْتَعْفَاهُ وَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ.فَلَمْ يُعْفِهِ، فَأَمَرَ الْقُوَّادَ وَ الْجَيْشَ بِالرُّكُوبِ مَعَهُ فَاجْتَمَعُوا وَ سَائِرُ النَّاسِ عَلَى بَابِهِ،فَخَرَجَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ وَ طَيْلَسَانٌ وَ عِمَامَةٌ قَدْ أَسْدَلَ لَهَا ذُؤَابَتَيْنِ مِنْ قُدَّامِهِ وَ خَلْفِهِ وَ قَدِ اكْتَحَلَ وَ تَطَيَّبَ وَ بِيَدِهِ غرة [عَنَزَةٌ] كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَفْعَلُ فِي الْأَعْيَادِ.

فَلَمَّا خَرَجَ وَقَفَ بِبَابِ دَارِهِ وَ كَبَّرَ وَ قَدَّسَ وَ هَلَّلَ وَ سَبَّحَ،فَضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَ هُوَ يَمْشِي،فَتَرَجَّلَ الْقُوَّادُ وَ الْجَيْشُ يَمْشُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ خَلْفَهُ،وَ كُلَّمَا خَطَا أَرْبَعِينَ خُطْوَةً وَقَفَ فَكَبَّرَ وَ هَلَّلَ؛وَ النَّاسُ يُكَبِّرُونَ مَعَهُ.وَ كَادَ الْبُلْدَانُ يَفْتَتِنُ،وَ اتَّصَلَ الْخَبَرُ بِالْمَأْمُونِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ:يَا سَيِّدِي كُنْتَ أَعْلَمَ بِشَأْنِكَ مِنِّي.فَارْجِعْ.

وَ رَجَعَ وَ لَمْ يُصَلِّ بِالنَّاسِ.ثُمَّ زَوَّجَهُ الْمَأْمُونُ ابْنَتَهُ-وَ قَالُوا أُخْتَهُ أُمَّ أَبِيهَا-وَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ أُخْتَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ.وَ سَأَلَهُ أَنْ يَخْطُبَ لِنَفْسِهِ.

359- فَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ السَّكُونِيُّ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ لِلْإِمْلاَكِ وَ خَطَبَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ:اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِيَدِهِ مَدَارُ الْأَقْدَارِ وَ بِمَشِيَّتِهِ تَتِمُّ الْأُمُورُ،وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ شَهَادَةً يُوَاطِئُ عَلَيْهَا الْقَلْبُ اللِّسَانَ،وَ السِّرُّ الْإِعْلاَنَ،وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ انْتَجَبَهُ نَبِيّاً، فَنَطَقَ الْبُرْهَانُ بِتَحْقِيقِ نُبُوَّتِهِ،بَعْدَ أَمْرٍ لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ فِيهِ وَ قُرْبِ أَمْرٍ مَآبُ مَشِيَّةِ اللَّهِ إِلَيْهِ، وَ نَحْنُ نَتَعَرَّضُ بِبَرَكَةِ الدُّعَاءِ لِخِيَرَةِ الْقَضَاءِ وَ الَّتِي تَذْكُرُ أُمُّ حَبِيبَةَ أُخْتُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ

ص:212

عَبْدِ اللَّهِ الْمَأْمُونِ صِلَةُ الرَّحِمِ،وَ أَمْشَاجُ الشَّبِيكَةِ،وَ قَدْ بَذَلْتُ لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ،تُزَوِّجُنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟

فَقَالَ الْمَأْمُونُ:نَعَمْ قَدْ زَوَّجْتُكَ.

فَقَالَ:قَدْ قَبِلْتُ وَ رَضِيتُ.

360- وَ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الرَّيَّانِ قَالَ:حَدَّثَنِي الرَّيَّانُ بْنُ الصَّلْتِ قَالَ: لَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى الْعِرَاقِ عَزَمْتُ عَلَى تَوْدِيعِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:إِذَا وَدَّعْتُهُ سَأَلْتُهُ قَمِيصاً مِنْ مَجَاسِدِهِ لِأُكَفَّنَ فِيهِ وَ دَرَاهِمَ مِنْ مَالِهِ أَصُوغُهَا لِبَنَاتِي خَوَاتِيمَ.

فَلَمَّا وَدَّعْتُهُ شَغَلَنِي الْبُكَاءُ وَ الْأَسَى عَلَى فِرَاقِهِ عَنْ مَسْأَلَتِهِ ذَلِكَ.

فَلَمَّا خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ صَاحَ:يَا(رَيَّانُ)ارْجِعْ.

فَرَجَعْتُ،فَقَالَ لِي:أَ مَا تُحِبُّ أَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكَ قَمِيصاً مِنْ مَجَاسِدِي تُكَفَّنُ فِيهِ إِذَا فَنِيَ أَجَلُكَ؟أَوْ مَا تُحِبُّ أَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكَ دَرَاهِمَ تَصُوغُ بِهَا لِبَنَاتِكَ خَوَاتِيمَ؟

فَقُلْتُ:يَا سَيِّدِي قَدْ كَانَ فِي نَفْسِي أَنْ أَسْأَلَكَ ذَلِكَ،فَمَنَعَنِي مِنْهُ الْغَمُّ لِفِرَاقِكَ.

فَرَفَعَ الْوِسَادَةَ فَأَخْرَجَ قَمِيصاً وَ دَفَعَهُ إِلَيَّ،وَ رَفَعَ جَانِبَ الْمُصَلَّى فَأَخَذَ دَرَاهِمَ فَدَفَعَهَا إِلَيَّ عَدَدُهَا ثَلاَثُونَ دِرْهَماً.

361- وَ رَوَى الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَشَّاءُ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ بِنْتِ إِلْيَاسَ قَالَ: شَخَصْتُ إِلَى خُرَاسَانَ وَ مَعِي حُلَلٌ وَ شَيْءٌ لِلتِّجَارَةِ فَوَرَدْتُ مَدِينَةَ مَرْوَ لَيْلاً وَ كُنْتُ أَقُولُ بِالْوَقْفِ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَوَافَانِي فِي مَوْضِعِ نُزُولِي غُلاَمٌ أَسْوَدُ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لِي:سَيِّدِي يَقُولُ لَكَ وَجِّهْ إِلَيَّ بِالْحِبَرَةِ الَّتِي مَعَكَ لِأُكَفِّنَ بِهَا مَوْلَى لَنَا قَدْ تُوُفِّيَ.

فَقُلْتُ لَهُ:وَ مَنْ سَيِّدُكَ؟

فَقَالَ:عَلِيُّ بْنُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فَقُلْتُ:مَا مَعِي حِبَرَةٌ وَ لاَ حُلَّةٌ إِلاَّ وَ قَدْ بِعْتُهَا فِي الطَّرِيقِ.

فَمَضَى ثُمَّ عَادَ إِلَيَّ فَقَالَ:بَلَى قَدْ بَقِيَتِ الْحِبَرَةُ قِبَلَكَ.

فَحَلَفْتُ لَهُ:إِنِّي مَا أَعْلَمُهَا مَعِي.

فَمَضَى وَ عَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ:هِيَ فِي عَرْضِ السَّفَطِ الْفُلاَنِيِّ.

ص:213

فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:إِنْ صَحَّ قَوْلُهُ فَهِيَ دَلاَلَةٌ؛وَ كَانَتِ ابْنَتِي دَفَعَتْ إِلَيَّ حِبَرَةً وَ قَالَتْ:اِبْتَعْ لِي بِثَمَنِهَا شَيْئاً مِنَ الْفَيْرُوزَجِ وَ الشَّبَهِ مِنْ خُرَاسَانَ،فَأُنْسِيتُهَا.

فَقُلْتُ لِغُلاَمِي:هَاتِ هَذَا السَّفَطَ الَّذِي ذَكَرَهُ.

فَأَخْرَجَهُ إِلَيَّ وَ فَتَحَهُ فَوَجَدْتُ الْحِبَرَةَ فِي عَرْضِ ثِيَابٍ فِيهِ فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ وَ قُلْتُ:لاَ آخُذُ لَهَا ثَمَناً.

فَعَادَ إِلَيَّ فَقَالَ:تُهْدِي مَا لَيْسَ لَكَ؟هَذِهِ دَفَعَتْهَا إِلَيْكَ ابْنَتُكَ فُلاَنَةُ وَ سَأَلَتْكَ بَيْعَهَا وَ أَنْ تَبْتَاعَ لَهَا بِثَمَنِهَا فَيْرُوزَجاً وَ شَبَهاً،فَاشْتَرِ لَهَا بِهَذَا مَا سَأَلَتْ.

وَ وَجَّهَ مَعَ الْغُلاَمِ الثَّمَنَ الَّذِي يُسَاوِي الْحِبَرَةَ بِخُرَاسَانَ.فَعَجِبْتُ مِمَّا وَرَدَ عَلَيَّ وَ قُلْتُ:

وَ اللَّهِ لَأَكْتُبَنَّ لَهُ مَسَائِلَ أَنَا شَاكٌّ فِيهَا ثُمَّ لَأَمْتَحِنُهُ فِي مَسَائِلَ سُئِلَ أَبُوهُ عَنْهَا،فَأَثْبَتُّ تِلْكَ الْمَسَائِلَ فِي دَرَجٍ وَ غَدَوْتُ إِلَى بَابِهِ وَ الْمَسَائِلُ فِي كُمِّي،وَ مَعِي صَدِيقٌ لِي مُخَالِفٌ لاَ يَعْلَمُ شَرْحَ هَذَا الْأَمْرِ.

فَلَمَّا وَافَيْتُ بَابَهُ رَأَيْتُ الْعَرَبَ وَ الْقُوَّادَ وَ الْجُنْدَ وَ الْمَوَالِيَ يَدْخُلُونَ إِلَيْهِ فَجَلَسْتُ نَاحِيَةً وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي:مَتَى أَصِلُ أَنَا إِلَى هَذَا فَأَنَا مُفَكِّرٌ وَ قَدْ طَالَ قُعُودِي وَ هَمَمْتُ بِالاِنْصِرَافِ إِذْ خَرَجَ خَادِمٌ يَتَصَفَّحُ الْوُجُوهَ وَ يَقُولُ:اِبْنُ بِنْتِ إِلْيَاسَ الصَّيْرَفِيُّ! فَقُلْتُ:هَا أَنَا ذَا.

فَأَخْرَجَ مِنْ كُمِّهِ دَرَجاً وَ يَقُولُ:هَذَا جَوَابُ مَسَائِلِكَ وَ تَفْسِيرُهَا.

فَفَتَحْتُهُ فَإِذَا هُوَ تَفْسِيرُ مَا مَعِي فِي كُمِّي.فَقُلْتُ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أُشْهِدُ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أَنَّكَ حُجَّةُ اللَّهِ،وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَ أَتُوبُ إِلَيْهِ.

وَ قُمْتُ فَقَالَ لِي رَفِيقِي:إِلَى أَيْنَ تُسْرِعُ؟

فَقُلْتُ:قَدْ قُضِيَتْ حَاجَتِي فِي هَذَا الْيَوْمِ وَ أَنَا أَعُودُ لِلِقَائِهِ بَعْدَ هَذَا.

و كان من أمر الفضل بن سهل(ذي الرئاستين)و تغيّر المأمون عليه حتّى دسّ إليه من قتله في الحمام ما رواه الناس.

362- رُوِيَ عَنْ أَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ لِيَ الْمَأْمُونُ يَوْماً:أَطِلْ أَظْفَارَكَ وَ لاَ تُقَلِّمْهَا.

ص:214

فَطَوَّلْتُهَا حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنَ النَّاسِ طُولَهَا.فَحَضَرْتُهُ يَوْماً وَ قَدْ دَعَا بِمُزَوَّرٍ مَخْتُومٍ فَأَمَرَنِي بِفَضِّهِ وَ إِدْخَالِ يَدِي فِيهِ وَ تَقْلِيبِ الدَّوَاءِ الَّذِي فِيهِ فَفَعَلْتُ وَ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مَطْحُونٌ مِثْلُ الذَّرِيرَةِ الْبَيْضَاءِ امْتَلَأَتْ أَظْفَارِي مِنْهُ وَ صَارَ فِيهَا مِنْهُ ثُمَّ قَالَ لِي:قُمْ بِنَا.

فَلَمْ أَدْرِ مَا يُرِيدُ فَيَدْخُلُ مِنْ بَابٍ كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ دَارِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ قَدْ أَنْزَلَهُ فِي دَارٍ مَعَهُ تُلاَصِقُ دَارَهُ وَ كَانَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ حُمَّ فَجَلَسَ عِنْدَهُ وَ سَأَلَهُ عَنْ خَبَرِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ:

الصَّوَابُ أَنْ تَمَصَّ رُمَّاناً أَوْ تَشْرَبَ مَاءَهُ.

فَقَالَ:مَا بِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ.

فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ لَيَفْعَلَنَّ،وَ كَانَ فِي بُسْتَانِ الدَّارِ شَجَرَةُ رُمَّانٍ حَامِلٌ فَأَمَرَ الْخَادِمَ فَقَطَفَ مِنْهَا رُمَّانَةً ثُمَّ قَالَ لِي:تَقَدَّمْ فَقَشِّرْهَا وَ فُتَّهَا.

فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ،هَذِهِ وَ اللَّهِ الْمُصِيبَةُ الْعُظْمَى.

فَفَتَتُّ الرُّمَّانَةَ فِي جَامٍ بِلَّوْرٍ أَحْضَرَهُ الْخَادِمُ وَ دَعَا بِمِلْعَقَةٍ فَنَاوَلَهُ مِنْ يَدِهِ ثَلاَثَ مَلاَعِقَ.

فَلَمَّا رَفَعَ إِلَيْهِ الرَّابِعَةَ قَالَ لَهُ:حَسْبُكَ قَدْ أَتَيْتَ عَلَى مَا احْتَجْتَ إِلَيْهِ وَ بَلَغْتَ مُرَادَكَ.

فَنَهَضَ الْمَأْمُونُ فَلَمْ يُمْسِ يَوْمُنَا حَتَّى ارْتَفَعَ الصُّرَاخُ.

وَ كَانَ مِنْ حَدِيثِ حَفْرِ الْقَبْرِ وَ السَّمَكِ الصِّغَارِ مَا رَوَاهُ النَّاسُ.

363- وَ: دُفِنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِطُوسَ أَمَامَ قَبْرِ هَارُونَ الْغَوِيِّ.وَ مَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ اثْنَيْنِ وَ مِائَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ.

و روي انّه مضى في صفر،و الخبر الأوّل أصح.و كان مولده في سنة ثلاث و خمسين و مائة بعد مضي أبي عبد اللّه عليه السّلام بخمس سنين فأقام مع أبيه عليه السّلام ثلاثين سنة و بعده في الإمامة تسع عشرة سنة،و مضى و سنّه تسع و أربعون سنة و شهور.

364- وَ رَوَى عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَصِيبِيُّ قَالَ:حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ قَالَ:حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى قَالَ: كُنْتُ يَوْماً بَيْنَ يَدَيْ مَوْلاَيَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي عِلَّتِهِ الَّتِي مَضَى فِيهَا إِذْ نَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ لِي:يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ يَوْمِي هَذَا وَ ارْتَفَعَتِ الصَّيْحَةُ فَإِنَّهُ سَيُوَافِيكَ ابْنِي مُحَمَّدٌ فَيَدْعُوكَ إِلَى غُسْلِي فَإِذَا غَسَلْتُمُونِي وَ صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ فَأَعْلِمْ هَذَا الطَّاغِيَةَ لِئَلاَّ يَنْقُصَ عَلَيَّ شَيْئاً وَ لَنْ يَسْتَطِيعَ ذَلِكَ.

ص:215

قَالَ:فَوَ اللَّهِ إِنِّي بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِي يُكَلِّمُنِي إِذْ وَافَى الْمَغْرِبُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَيِّدِي قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا فَأَخَذَتْنِي حَسْرَةٌ وَ غُصَّةٌ شَدِيدَةٌ فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا قَائِلٌ مِنْ خَلْفِي يَقُولُ:مَهْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ،فَالْتَفَتُّ فَإِذَا الْحَائِطُ قَدِ انْفَرَجَ فَإِذَا أَنَا بِمَوْلاَيَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ عَلَيْهِ دُرَّاعَةٌ بَيْضَاءُ مُعَمَّمٌ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ فَقَالَ:يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ قُمْ إِلَى غَسْلِ مَوْلاَكَ فَضَعْهُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ، وَ غَسِّلْهُ بِثَوْبِهِ كَغُسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

فَلَمَّا فَرَغَ،صَلَّى وَ صَلَّيْتُ مَعَهُ عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:لِي يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَعْلِمْ هَذَا الطَّاغِيَ مَا رَأَيْتَ لِئَلاَّ يَنْقُصَ عَلَيْهِ شَيْئاً وَ لَنْ يَسْتَطِيعَ ذَلِكَ.

وَ لَمْ أَزَلْ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِي إِلَى أَنِ انْفَجَرَ عَمُودُ الصُّبْحِ فَإِذَا أَنَا بِالْمَأْمُونِ قَدْ أَقْبَلَ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ فَمَنَعَنِي هَيْبَتُهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالْكَلاَمِ فَقَالَ:يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَحْيَى مَا أَكْذَبَكُمْ أَ لَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَا مِنْ إِمَامٍ يَمْضِي إِلاَّ وَ وَلَدُهُ الْقَائِمُ مَكَانَهُ يَلِي أَمْرَهُ.هَذَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بِخُرَاسَانَ وَ مُحَمَّدٌ ابْنُهُ بِالْمَدِينَةِ.

قَالَ:فَقُلْتُ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا إِذَا ابْتَدَأْتَنِي فَاسْمَعْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْسِ قَالَ لِي سَيِّدِي كَذَا وَ كَذَا فَوَ اللَّهِ مَا حَضَرَتْ صَلاَةُ الْمَغْرِبِ حَتَّى قَضَى،فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَإِذَا قَائِلٌ مِنْ خَلْفِي يَقُولُ:مَهْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ.

وَ حَدَّثْتُهُ الْحَدِيثَ،فَقَالَ:صِفْهُ لِي،فَوَصَفْتُهُ لَهُ بِحِلْيَتِهِ وَ لِبَاسِهِ وَ أَرَيْتُهُ الْحَائِطَ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ.فَرَمَى بِنَفْسِهِ إِلَى الْأَرْضِ وَ أَقْبَلَ يَخُورُ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ وَ هُوَ يَقُولُ:وَيْلَكَ يَا مَأْمُونٌ؟مَا حَالُكَ وَ عَلَى مَا أَقْدَمْتَ؟لَعَنَ اللَّهُ فُلاَناً وَ فُلاَناً فَإِنَّهُمَا أَشَارَا عَلَيَّ بِمَا فَعَلْتُ.

محمد الجواد عليه السّلام

و قام أبو جعفر محمّد بن عليّ بن موسى عليهم السّلام مقام أبيه.

365- فَرُوِيَ أَنَّهُ: كَانَ اسْمُ أُمِّ أَبِي جَعْفَرٍ سَبِيكَةَ فَإِنَّهَا كَانَتْ أَفْضَلَ نِسَاءِ زَمَانِهَا.

366- وَ رُوِيَ أَنَّهُ: وُلِدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِإِحْدَى عَشَرَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَ تِسْعِينَ وَ مِائَةٍ فَلَمَّا وُلِدَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِأَصْحَابِهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ:قَدْ وُلِدَ لِي شَبِيهُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَالِقُ الْبِحَارِ قُدِّسَتْ أُمٌّ وَلَدَتْهُ فَلَقَدْ خُلِقَتْ طَاهِرَةً مُطَهَّرَةً ثُمَّ قَالَ:

ص:216

بِأَبِي وَ أُمِّي شَهِيدٍ يَبْكِي عَلَيْهِ أَهْلُ السَّمَاءِ يُقْتَلُ غَيْظاً وَ يَغْضَبُ اللَّهُ-جَلَّ وَ عَزَّ-عَلَى قَاتِلِهِ فَلاَ يَلْبَثُ إِلاَّ يَسِيراً حَتَّى يُعَجِّلَ اللَّهُ بِهِ إِلَى عَذَابِهِ الْأَلِيمِ وَ عِقَابِهِ الشَّدِيدِ.

367- وَ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ كُلْثُمَ بْنِ عِمْرَانَ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ:أَنْتَ تُحِبُّ الصِّبْيَانَ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَكَ وَلَداً.

فَقَالَ:إِنَّمَا أُرْزَقُ وَلَداً وَاحِداً وَ هُوَ يَرِثُنِي.

فَلَمَّا وُلِدَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ طُولُ لَيْلَتِهِ يُنَاغِيهِ فِي مَهْدِهِ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى عِدَّةِ لَيَالٍ قُلْتُ لَهُ:جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ وُلِدَ لِلنَّاسِ أَوْلاَدٌ قَبْلَ هَذَا فَكُلَّ هَذَا تُعَوِّذُهُ؟

فَقَالَ:وَيْحَكَ لَيْسَ هَذَا عُوذَةٌ إِنَّمَا أَغُرُّهُ بِالْعِلْمِ غَرّاً.

وَ كَانَ مَوْلِدُهُ وَ مَنْشَؤُهُ عَلَى صِفَةِ مَوَالِيدِ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ.

368- وَ رَوَى الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ بَشَّارٍ الْوَاسِطِيِّ قَالَ: سَأَلَنِي الْحَسَنُ بْنُ قِيَامَا الصَّيْرَفِيُّ أَنْ أَسْتَأْذِنَ لَهُ عَلَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا صَارَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ ابْنُ قِيَامَا:أَنْتَ إِمَامٌ؟ قَالَ:نَعَمْ.

قَالَ:فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ لَسْتَ بِإِمَامٍ.

قَالَ لَهُ:وَ مَا عِلْمُكَ؟ قَالَ:لِأَنِّي رُوِّيتُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ:اَلْإِمَامُ لاَ يَكُونُ عَقِيماً،وَ قَدْ بَلَغْتَ هَذَا السِّنَّ وَ لَيْسَ لَكَ وَلَدٌ.

فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ:اَللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ لاَ تَمْضِي الْأَيَّامُ وَ اللَّيَالِي حَتَّى تَرْزُقَنِي وَلَداً يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً.

فَعَدَدْنَا الْوَقْتَ فَكَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ وِلاَدَةِ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ شُهُورُ الْحَمْلِ.

369- وَ رَوَى الْحِمْيَرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ حَكِيمَةَ ابْنَةِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَتْ: لَمَّا عَلِقَتْ أُمُّ أَبِي جَعْفَرٍ كَتَبَتْ إِلَيْهِ أَنَّ جَارِيَتَكَ سَبِيكَةَ قَدْ عَلِقَتْ.

فَكَتَبَ إِلَيَّ:إِنَّهَا عَلِقَتْ سَاعَةَ كَذَا مِنْ يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا فَإِذَا هِيَ وَلَدَتْ فَالْزَمِيهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ.

ص:217

قَالَ:فَلَمَّا وَلَدَتْهُ وَ سَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ:أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ عَطَسَ فَقَالَ:اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ عَلَى الْأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ.

وَ حَجَّ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ وَ مَعَهُ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ مِنْ أَمْرِ الْبَيْتِ وَ الْحَجَرِ وَ جُلُوسِهِ فِيهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

370- وَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ لِأَصِفَ قَامَتَهُ لِأَصْحَابِنَا بِمِصْرَ فَقَالَ لِي:يَا عَلِيَّ بْنَ أَسْبَاطٍ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ احْتَجَّ فِي الْإِمَامَةِ بِمِثْلِ مَا احْتَجَّ بِهِ فِي النُّبُوَّةِ فَقَالَ: «وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» ، وَ قَالَ: «وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً» فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى الْحُكْمَ صَبِيّاً وَ يُؤْتَاهُ ابْنَ أَرْبَعِينَ.

371- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي الْمَهْدِ.

372- وَ رُوِيَ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ آدَمَ قَالَ: إِنِّي لَعِنْدَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذْ جِيءَ بِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ سِنُّهُ نَحْوُ أَرْبَعِ سِنِينَ فَضَرَبَ إِلَى الْأَرْضِ وَ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَأَطَالَ الْفِكْرَ فَقَالَ لَهُ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ:بِنَفْسِي أَنْتَ فِيمَ تُفَكِّرُ طَوِيلاً مُنْذُ قَعَدْتَ.قَالَ:فِيمَا صُنِعَ بِأُمِّي فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ أَمَا وَ اللَّهِ لَأُخْرِجَنَّهُمَا ثُمَّ لَأُحْرِقَنَّهُمَا ثُمَّ لَأُذْرِيَنَّهُمَا ثُمَّ لَأَنْسِفَنَّهُمَا فِي الْيَمِّ نَسْفاً.

فَاسْتَدْنَاهُ وَ قَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ:بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي أَنْتَ لَهَا-يَعْنِي الْإِمَامَةَ.

373- وَ رُوِيَ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ الرِّضَا فَدَعَا بِأَبِي جَعْفَرٍ ابْنِهِ وَ هُوَ صَبِيٌّ صَغِيرٌ فَأَجْلَسَهُ ثُمَّ قَالَ لِي:جَرِّدْهُ.

فَنَزَعْتُ قَمِيصَهُ فَأَرَانِي فِي أَحَدِ كَتِفَيْهِ كَالْخَاتَمِ دَاخِلاً فِي اللَّحْمِ ثُمَّ قَالَ:تَرَى هَذَا؟ كَانَ مِثْلُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ.

374- وَ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ نَجْمٍ الصَّنْعَانِيِّ قَالَ: إِنِّي لَعِنْدَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذْ جِيءَ بِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقُلْتُ لَهُ:جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا الْمَوْلُودُ الْمُبَارَكُ؟

فَقَالَ لِي:نَعَمْ هَذَا الَّذِي لَمْ يُولَدْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهُ عَلَى شِيعَتِنَا.

ص:218

375- وَ رَوَى الْحِمْيَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي خِدَاشٍ عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ:يَكُونُ إِمَامٌ لَيْسَ لَهُ عَقِبٌ؟فَقَالَ لِي:أَمَا إِنَّهُ لاَ يُولَدُ لِي إِلاَّ وَاحِدٌ وَ لَكِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ مِنْهُ ذُرِّيَّةً كَثِيرَةً.

وَ لَمْ يَزَلْ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَعَ حَدَاثَتِهِ وَ صِبَاهُ يُدَبِّرُ أَمْرَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالْمَدِينَةِ وَ يَأْمُرُ الْمَوَالِيَ وَ يَنْهَاهُمْ لاَ يُخَالِفُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ.

376- وَ رَوَى صَفْوَانُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ:قَدْ كُنَّا نَسْأَلُكَ قَبْلَ أَنْ يَهَبَ اللَّهُ لَكَ أَبَا جَعْفَرٍ فَكُنْتَ تَقُولُ:يَهَبُ اللَّهُ لِي غُلاَماً.فَقَدْ وَهَبَ اللَّهُ وَ أَقَرَّ عُيُونَنَا فَلاَ أَرَانَا اللَّهُ يَوْمَكَ،فَإِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلَى مَنْ؟

فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ نَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ:جُعِلْتُ فِدَاكَ هُوَ ابْنُ ثَلاَثِ سِنِينَ.

قَالَ:وَ مَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ؟قَدْ قَامَ عِيسَى بِالْحُجَّةِ وَ هُوَ ابْنُ ثَلاَثِ سِنِينَ.

377- وَ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الرِّضَا؛وَ أَبُو جَعْفَرٍ صَغِيرٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي بَعْدَ كَلاَمٍ طَوِيلٍ جَرَى:لَوْ قُلْتُ لَكَ يَا حَسَنُ إِنَّ هَذَا إِمَامٌ،مَا كُنْتَ تَقُولُ؟

قَالَ:قُلْتُ مَا تَقُولُهُ لِي جُعِلْتُ فِدَاكَ.

قَالَ:أَصَبْتَ،ثُمَّ كَشَفَ عَنْ كَتِفِ أَبِي جَعْفَرٍ فَأَرَانِي مِثْلَ رَمْزِ إِصْبَعَيْنِ.

فَقَالَ لِي:مِثْلُ هَذَا كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ أَبِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

378- الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ:

كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَدَّثاً.

379- وَ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ وَ صَفْوَانَ بْنَ يَحْيَى عَلَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ؛وَ أَبُو جَعْفَرٍ عِنْدَهُ نَائِمٌ لَهُ ثَلاَثُ سِنِينَ فَقُلْنَا لَهُ:جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاكَ إِنَّا-وَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ حَدَثٍ يَحْدُثُ-لاَ نَدْرِي مَنِ الْقَائِمُ بَعْدَكَ؟

قَالَ:اِبْنِي هَذَا.

فَقُلْتُ:وَ هُوَ فِي هَذَا السِّنِّ؟

فَقَالَ:إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى احْتَجَّ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ ابْنُ السَّنَتَيْنِ وَ إِنَّ الْإِمَامَةَ

ص:219

تَجْرِي مَجْرَى النُّبُوَّةِ.

380- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدٍ الْمَحْمُودِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ حَاضِنَةَ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَتْ لَهُ يَوْماً:مَا لِي أَرَاكَ مُفَكِّراً كَأَنَّكَ شَيْخٌ؟

فَقَالَ لَهَا:إِنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ كَانَ يُمَرِّضُ وَ هُوَ صَبِيٌّ فَيَصِفُ لِأُمِّهِ مَا تُعَالِجُهُ بِهِ فَإِذَا تَنَاوَلَهُ بَكَى.

قَالَتْ:يَا بُنَيَّ إِنَّمَا أُعَالِجُكَ بِمَا عَلَّمْتَنِي.

فَيَقُولُ لَهَا:اَلْحُكْمُ حُكْمُ النُّبُوَّةِ،وَ الْخِلْقَةُ خِلْقَةُ الصِّبْيَانِ.

381- وَ عَنِ الْمَحْمُودِيِّ قَالَ: كُنْتُ وَاقِفاً عَلَى رَأْسِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِطُوسَ فَقَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِهِ:إِنْ حَدَثَ حَدَثٌ،فَإِلَى مَنْ؟

فَالْتَفَتَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَالَ لَهُ:إِلَى ابْنِي أَبِي جَعْفَرٍ.

فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَصْغَرَ سِنَّهُ،فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ:إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ قَائِماً بِشَرِيعَتِهِ وَ هُوَ فِي دُونِ السِّنِّ الَّتِي يَقُومُ فِيهَا أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى شَرِيعَتِنَا.

فَلَمَّا مَضَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَ مِائَتَيْنِ كَانَتْ سِنُّ أَبِي جَعْفَرٍ نَحْوَ سَبْعِ سِنِينَ.

وَ اخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ مِنَ النَّاسِ بِبَغْدَادَ وَ فِي الْأَمْصَارِ وَ اجْتَمَعَ الرَّيَّانُ بْنُ الصَّلْتِ وَ صَفْوَانُ بْنُ يَحْيَى وَ مُحَمَّدُ بْنُ حَكِيمٍ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَجَّاجِ وَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ وُجُوهِ الشِّيعَةِ وَ ثِقَاتِهِمْ فِي دَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ فِي بِرْكَةٍ زَلُولٍ يَبْكُونَ وَ يَتَوَجَّعُونَ مِنَ الْمُصِيبَةِ فَقَالَ لَهُمْ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:دَعُوا الْبُكَاءَ،مَنْ لِهَذَا الْأَمْرِ؟ وَ إِلَى مَنْ يُقْصَدُ بِالْمَسَائِلِ إِلَى أَنْ يَكْبُرَ هَذَا الصَّبِيُّ؟-يَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فَقَامَ إِلَيْهِ الرَّيَّانُ بْنُ الصَّلْتِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي حَلْقِهِ وَ لَمْ يَزَلْ يَلْطِمُهُ وَ يَقُولُ لَهُ:يَا ابْنَ الْفَاعِلَةِ أَنْتَ تُظْهِرُ الْإِيمَانَ لَنَا وَ تُبْطِنُ الشَّكَّ وَ الشِّرْكَ.إِنْ كَانَ أَمْرُهُ مِنَ اللَّهِ-جَلَّ وَ عَلاَ-فَلَوْ أَنَّهُ ابْنَ يَوْمٍ وَاحِدٍ كَانَ بِمَنْزِلَةِ ابْنِ مِائَةِ سَنَةٍ،وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلَوْ عُمِّرَ أَلْفَ سَنَةٍ فَهُوَ كَوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ.هَذَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَكَّرَ فِيهِ.

فَأَقْبَلَتِ الْعِصَابَةُ عَلَى يُونُسَ تُعَذِّلُهُ وَ تُوَبِّخُهُ.وَ قَرُبَ وَقْتُ الْمَوْسِمِ وَ اجْتَمَعَ مِنْ فُقَهَاءِ بَغْدَادَ وَ الْأَمْصَارِ وَ عُلَمَائِهِمْ ثَمَانُونَ رَجُلاً وَ قَصَدُوا الْحَجَّ وَ الْمَدِينَةَ لِيُشَاهِدُوا أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ،

ص:220

فَلَمَّا وَافَوْا أَتَوْا دَارَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَدَخَلُوهَا وَ أُجْلِسُوا عَلَى بِسَاطٍ كَبِيرٍ أَحْمَرَ وَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى فَجَلَسَ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ وَ قَامَ مُنَادٍ فَنَادَى:هَذَا ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ،فَمَنْ أَرَادَ السُّؤَالَ فَلْيَسْأَلْهُ.

فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ لَهُ:مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ؟

قَالَ:طُلِّقَتْ بِثَلاَثٍ بِصَدْرِ الْجَوْزَاءِ وَ النَّسْرِ الْوَاقِعِ.

فَوَرَدَ عَلَى الشِّيعَةِ مَا حَيَّرَهُمْ وَ غَمَّهُمْ.

ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ:مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَتَى بَهِيمَةً؟

فَقَالَ:تُقْطَعُ يَدُهُ وَ يُجْلَدُ مِائَةً وَ يُنْفَى.

فَضَجَّ الْقَوْمُ بِالْبُكَاءِ.وَ قَدِ اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ بِالْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ الْحِجَازِ وَ مَكَّةَ وَ الْعِرَاقَيْنِ وَ اضْطَرَبُوا لِلْقِيَامِ وَ الاِنْصِرَافِ حَتَّى فُتِحَ عَلَيْهِمْ بَابٌ مِنْ صَدْرِ الْمَجْلِسِ وَ خَرَجَ مُوَفَّقٌ الْخَادِمُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ خَلْفَهُ وَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ وَ إِزَارٌ عَدَنِيٌّ وَ عِمَامَةٌ بِذُؤَابَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا مِنْ قُدَّامٍ وَ أُخْرَى مِنْ خَلْفِهِ وَ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلٌ بِقِبَالَيْنِ فَسَلَّمَ وَ جَلَسَ،وَ أَمْسَكَ النَّاسُ كُلُّهُمْ،فَقَامَ صَاحِبُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَقَالَ لَهُ:يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ؟

قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:اِقْرَأْ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ»

قَالَ لَهُ:فَإِنَّ عَمَّكَ قَدْ أَفْتَانَا أَنَّهَا قَدْ طُلِّقَتْ.

فَقَالَ لَهُ:يَا عَمِّ اتَّقِ اللَّهَ وَ لاَ تُفْتِ وَ فِي الْإِمَامَةِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ.

فَقَامَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ:يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَتَى بَهِيمَةً؟

فَقَالَ لَهُ يُعَزَّرُ وَ يُحْمَى ظَهْرُ الْبَهِيمَةِ وَ تُخْرَجُ مِنَ الْبَلَدِ لِئَلاَّ يَبْقَى عَلَى الرَّجُلِ عَارُهَا.

فَقَالَ لَهُ:إِنَّ عَمَّكَ أَفْتَى بِكَيْتَ وَ كَيْتَ.

فَقَالَ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ!يَا عَمِّ إِنَّهُ لَعَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقِفَ غَداً بَيْنَ يَدَيْهِ،فَيَقُولَ لَكَ:لِمَ أَفْتَيْتَ عِبَادِي بِمَا لَمْ تَعْلَمْ وَ فِي الْإِمَامَةِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ.

ص:221

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى:رَأَيْتُ أَخِي الرِّضَا وَ قَدْ أَجَابَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِهَذَا الْجَوَابِ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:إِنَّمَا سُئِلَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ نَبَّاشٍ نَبَشَ قَبْرَ امْرَأَةٍ وَ فَجَرَ بِهَا وَ أَخَذَ أَكْفَانَهَا فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ لِلسَّرِقَةِ وَ نَفْيِهِ لِتَمْثِيلِهِ بِالْمَيِّتِ.

382- قَالَ أَبُو خِدَاشٍ الْمَهْدِيُّ وَ كُنْتُ قَدْ حَضَرْتُ مَجْلِسَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ:

جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ أُمُّ وَلَدٍ لِي أَرْضَعَتْ جَارِيَةً لِي بَالِغَةً بِلَبَنِ ابْنِي أَ يَحِلُّ لِي نِكَاحُهَا أَمْ تَحْرُمُ عَلَيَّ؟

فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ:لاَ رَضَاعَ بَعْدَ فِطَامٍ.

وَ سَأَلَهُ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الْحَرَمَيْنِ تَتِمُّ أَمْ تُقَصَّرُ؟

فَقَالَ:إِنْ شِئْتَ أَتْمِمْ وَ إِنْ شِئْتَ قَصِّرْ.

قَالَ لَهُ:اَلْخَصِيُّ يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ.

فَأَعْرَضَ وَجْهَهُ.

قَالَ:فَحَجَجْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فَدَخَلْتُ عَلَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَأَجَابَنِي بِالْجَوَابِ الَّذِي أَجَابَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ جَالِساً مَجْلِسَ أَبِي جَعْفَرٍ فِي هَذَا الْوَقْتِ قَالَ:

فَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:جُعِلْتُ فِدَاكَ أُمُّ وَلَدٍ لِي أَرْضَعَتْ جَارِيَةً بَالِغَةً بِلَبَنِ ابْنِي أَ يَحْرُمُ عَلَيَّ نِكَاحُهَا؟

فَقَالَ:لاَ رَضَاعَ بَعْدَ فِطَامٍ.

قُلْتُ:اَلصَّلاَةُ فِي الْحَرَمَيْنِ؟

قَالَ:إِنْ شِئْتَ أَتْمِمْ وَ إِنْ شِئْتَ قَصِّرْ وَ كَانَ أَبِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُتَمِّمُ.

قُلْتُ:اَلْخَصِيُّ يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ.

فَحَوَّلَ وَجْهَهُ ثُمَّ اسْتَدْنَانِي وَ قَالَ:وَ مَا نَقَصَ مِنْهُ إِلاَّ الْخَنَاثَةُ الْوَاقِعَةُ عَلَيْهِ.

383- قَالَ: وَ كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ نَوْبَخْتَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ.قَالَ إِسْحَاقُ:

فَأَعْدَدْتُ لَهُ فِي رُقْعَةٍ عَشْرَ مَسَائِلَ وَ كَانَ لِي حَمْلٌ،فَقُلْتُ:إِنْ أَجَابَنِي عَنْ مَسَائِلِي سَأَلْتُهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ ذَكَراً،فَلَمَّا سَأَلَهُ النَّاسُ قُمْتُ وَ الرُّقْعَةُ مَعِي لِأَسْأَلَهُ.

ص:222

فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ قَالَ:يَا أَبَا إِسْحَاقَ سَمِّهِ أَحْمَدَ.

فَوُلِدَ لِي ذَكَرٌ فَسَمَّيْتُهُ أَحْمَدَ.فَعَاشَ مُدَّةً وَ مَاتَ.

وَ كَانَ فِيمَنْ خَرَجَ مَعَ الْجَمَاعَةِ عَلِيُّ بْنُ حَسَّانَ الْوَاسِطِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْأَعْمَشِ قَالَ:

فَحَمَلْتُ مَعِي شَيْئاً مِنْ آلاَتِ الصِّبْيَانِ مُصَاغَةً مِنْ فِضَّةٍ وَ قُلْتُ أُهْدِيهَا إِلَى مَوْلاَيَ وَ أُتْحِفُهُ بِهَا.فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ وَ أَجَابَ جَمِيعَهُمْ عَنْ مَسَائِلِهِمْ وَ مَضَى إِلَى مَنْزِلِهِ اتَّبَعْتُهُ فَلَقِيتُ مُوَفَّقاً فَقُلْتُ:اِسْتَأْذِنْ لِي عَلَى مَوْلاَيَ فَفَعَلَ.وَ دَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ فَتَبَيَّنْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهَةَ وَ لَمْ يَأْمُرْنِي بِالْجُلُوسِ فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَ فَرَّغْتُ مَا كَانَ فِي كُمِّي بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيَّ نَظَرَ مُغْضَبٍ ثُمَّ رَمَى بِهِ يَمِيناً وَ شِمَالاً وَ قَالَ:مَا لِهَذَا خَلَقَنَا اللَّهُ.فَاسْتَقَلْتُهُ وَ اسْتَعْفَيْتُهُ فَعَفَا وَ قَامَ فَدَخَلَ وَ خَرَجْتُ وَ مَعِي تِلْكَ الْآلاَتُ.

وَ بَقِيَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مُسْتَخْفِياً بِالْإِمَامَةِ إِلَى أَنْ صَارَتْ سِنُّهُ عَشْرَ سِنِينَ.

384- وَ رَوَى أُمَيَّةُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ أَخْتَلِفُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ أَبُوهُ بِخُرَاسَانَ فَدَعَا يَوْماً بِالْجَارِيَةِ.

فَقَالَ لَهَا:قُولِي لَهُمْ يَتَهَيَّئُونَ لِلْمَأْتَمِ فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا مِنْ مَجْلِسِهِ وَ كُنْتُ أَنَا وَ جَمَاعَةٌ قُلْنَا:

إِنَّا مَا سَأَلْنَاهُ مَأْتَمَ مَنْ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَعَادَ الْقَوْلَ،فَقُلْنَا لَهُ:مَأْتَمَ مَنْ؟

فَقَالَ:مَأْتَمَ خَيْرِ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ.

فَوَرَدَ الْخَبَرُ بِمُضِيِّ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ.

ثُمَّ وَجَّهَ الْمَأْمُونُ فَحَمَلَهُ وَ أَنْزَلَهُ بِالْقُرْبِ مِنْ دَارِهِ وَ أَجْمَعَ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ أُمَّ الْفَضْلِ.

385- فَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ شَبِيبٍ خَالِ الْمَأْمُونِ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ الْمَأْمُونُ أَنْ يُزَوِّجَ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ابْنَتَهُ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ خَوَاصُّهُ الْأَدْنَوْنَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَقَالُوا لَهُ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَشَدْنَاكَ اللَّهَ أَنْ لاَ تُخْرِجَ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ أَمْراً قَدْ مَلَّكَنَاهُ اللَّهُ وَ تَنْزِعَ عِزّاً قَدْ أَلْبَسَنَاهُ وَ قَدْ عَرَفْتَ مَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَ آلِ أَبِي طَالِبٍ،وَ هَذَا الْغُلاَمُ صَبِيٌّ غِرٌّ.

قَالَ:فَانْتَهَرَهُمُ الْمَأْمُونُ وَ قَالَ لَهُمْ:هُوَ وَ اللَّهِ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ بِسُنَّتِهِ وَ أَحْكَامِهِ مِنْ جَمَاعَتِكُمْ.

ص:223

فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ وَ صَارُوا إِلَى يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ فَسَأَلُوهُ الاِحْتِيَالَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ بِمَسْأَلَةٍ مُشْكِلَةٍ يُلْقِيهَا عَلَيْهِ.فَلَمَّا اجْتَمَعُوا وَ حَضَرَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالُوا:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ إِنْ أَذِنْتَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ أَبَا جَعْفَرٍ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الْفِقْهِ فَنَنْظُرَ كَيْفَ فَهْمُهُ وَ مَعْرِفَتُهُ مِنْ فَهْمِ أَبِيهِ وَ مَعْرِفَتِهِ؟

فَأَذِنَ الْمَأْمُونُ لِيَحْيَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ يَحْيَى لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:مَا تَقُولُ فِي مُحْرِمٍ قَتَلَ صَيْداً؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:فِي حِلٍّ أَمْ حَرَمٍ؟عَالِماً كَانَ الْمُحْرِمُ أَمْ جَاهِلاً؟قَتَلَهُ عَمْداً أَوْ خَطَأً؟صَغِيراً كَانَ الْقَاتِلُ أَمْ كَبِيراً؟عَبْداً أَمْ حُرّاً؟مُبْتَدِئاً بِالْقَتْلِ أَمْ مُعِيداً؟مِنْ ذَوَاتِ الطَّيْرِ كَانَ الصَّيْدُ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا؟مِنْ صِغَارِ الصَّيْدِ كَانَ أَوْ مِنْ كِبَارِهَا؟مُصِرّاً عَلَى مَا فَعَلَ أَوْ نَادِماً؟بِاللَّيْلِ كَانَ قَتْلُهُ لِلصَّيْدِ أَمْ بِالنَّهَارِ؟مُحْرِماً كَانَ بِالْعُمْرَةِ أَوْ بِالْحَجِّ؟

قَالَ:فَانْقَطَعَ يَحْيَى عَنْ جَوَابِهِ.

وَ قَالَ الْمَأْمُونُ:تَخْطُبُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ لِنَفْسِكَ.

فَقَامَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ:اَلْحَمْدُ لِلَّهِ مُنْعِمِ النِّعَمِ بِرَحْمَتِهِ وَ الْهَادِي إِلَي فَضْلِهِ بِمِنَّتِهِ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَيْرِ خَلْقِهِ..اَلَّذِي جَمَعَ فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ مَا فَرَّقَهُ فِي الرُّسُلِ قَبْلَهُ،وَ جَعَلَ تُرَاثَهُ إِلَى مَنْ خَصَّهُ بِخِلاَفَتِهِ،وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً،وَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ عَلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ«إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» وَ قَدْ بَذَلْتُ لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ مَا بَذَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِأَزْوَاجِهِ وَ هُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ،وَ نَحَلْتُهَا مِنْ مَالِي مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.تُزَوِّجُنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟؟

فَرُوِيَ أَنَّ الْمَأْمُونَ قَالَ:اَلْحَمْدُ لِلَّهِ إِقْرَاراً بِنِعْمَتِهِ وَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ إِخْلاَصاً لِعَظَمَتِهِ،وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَ خِيَرَتِهِ،وَ كَانَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ عَلَى الْأَنَامِ أَنْ أَغْنَاهُمْ بِالْحَلاَلِ عَنِ الْحَرَامِ،فَقَالَ «وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ خَطَبَ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ وَ بَذَلَ لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَ قَدْ زَوَّجْتُهُ.فَهَلْ قَبِلْتَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ؟

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:قَدْ قَبِلْتُ هَذَا التَّزْوِيجَ بِهَذَا الصَّدَاقِ.

ص:224

ثُمَّ أَوْلَمَ عَلَيْهِ الْمَأْمُونُ فَجَاءَ النَّاسُ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ.فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْنَا كَلاَماً كَانَ مِنْ كَلاَمِ الْمَلاَّحِينَ فَإِذَا نَحْنُ بِالْخَدَمِ يَجُرُّونَ سَفِينَةً مِنْ فِضَّةٍ مَمْلُوَّةً غَالِيَةً فَخَضَبُوا بِهَا لِحَا الْخَاصَّةِ ثُمَّ مَدُّوهَا إِلَى دَارِ الْعَامَّةِ فَطَيَّبُوهُمْ.فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ قَالَ الْمَأْمُونُ:يَا أَبَا جَعْفَرٍ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُبَيِّنَ لَنَا مَا الَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الَّذِي ذَكَرْتَ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ؟

فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:إِنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا قَتَلَ صَيْداً فِي الْحِلِّ وَ الصَّيْدُ مِنْ ذَوَاتِ الطَّيْرِ مِنْ كِبَارِهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ،وَ إِذَا أَصَابَ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ مُضَاعَفاً وَ إِذَا قَتَلَ فَرْخاً مِنَ الْحِلِّ فَعَلَيْهِ حَمَلٌ قَدْ فُطِمَ مِنَ اللَّبَنِ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ،وَ إِذَا قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْحَمَلُ وَ قِيمَةُ الْفَرْخِ،وَ إِذَا كَانَ مِنَ الْوَحْشِ فَعَلَيْهِ فِي حِمَارِ وَحْشٍ بَقَرَةٌ وَ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ،فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَصُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً،وَ إِنْ كَانَ بَقَرَةً فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَإِطْعَامُ ثَلاَثِينَ مِسْكِيناً فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَصُمْ تِسْعَةَ أَيَّامٍ،وَ إِنْ كَانَ ظَبْياً فَعَلَيْهِ شَاةٌ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَإِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ،وَ إِنْ كَانَ قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ مُضَاعَفاً هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ حَقّاً وَاجِباً عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَهُ إِنْ كَانَ فِي حَجٍّ بِمِنًى حَيْثُ يَنْحَرُ النَّاسُ،وَ إِنْ كَانَ فِي عُمْرَةٍ يَنْحَرُ بِمَكَّةَ وَ يَتَصَدَّقُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ حَتَّى يَكُونَ مُضَاعَفاً، وَ إِنْ كَانَ أَصَابَ أَرْنَباً فَعَلَيْهِ شَاةٌ وَ يَتَصَدَّقُ إِذَا قَتَلَ الْحَمَامَةَ بَعْدَ الشَّاةِ بِدِرْهَمٍ أَوْ يَشْتَرِي بِهِ طَعَامَ الْحَمَامِ فِي الْحَرَمِ وَ فِي الْفَرْخِ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَ فِي الْبَيْضَةِ رُبُعُ دِرْهَمٍ،وَ كُلُّ مَا أَتَى بِهِ الْمُحْرِمُ بِجَهَالَةٍ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ إِلاَّ الصَّيْدَ فَإِنَّ فِيهِ عَلَيْهِ الْفِدَاءَ-بِجَهَالَةٍ كَانَ أَمْ بِعِلْمٍ،بِخَطَإٍ كَانَ أَمْ بِعَمْدٍ-وَ كُلُّ مَا أَتَى بِهِ الْعَبْدُ فَكَفَّارَتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ مِثْلَ مَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ،وَ كُلُّ مَا أَتَى بِهِ الصَّغِيرُ الَّذِي لَيْسَ بِبَالِغٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ،فَإِنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ،وَ لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَ النَّقِمَةُ فِي الْآخِرَةِ.وَ إِنْ دَلَّ عَلَى الصَّيْدِ وَ هُوَ مُحْرِمٌ فَقُتِلَ،فَعَلَيْهِ الْفِدَاءُ وَ الْمُصِرُّ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْفِدَاءِ الْعُقُوبَةُ فِي الْآخِرَةِ،وَ النَّادِمُ عَلَيْهِ لاَ شَيْءَ بَعْدَ الْفِدَاءِ.

وَ إِذَا أَصَابَ الصَّيْدَ لَيْلاً فِي وَكْرِهِ خَطَأً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَتَعَمَّدَ،فَإِذَا تَصَيَّدَ بِلَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَعَلَيْهِ الْفِدَاءُ وَ الْمُحْرِمُ لِلْحَجِّ يَنْحَرُ الْفِدَاءَ بِمِنًى حَيْثُ يَنْحَرُ النَّاسُ،وَ الْمُحْرِمُ لِلْعُمْرَةِ يَنْحَرُ بِمَكَّةَ.

ص:225

فَأَمَرَ الْمَأْمُونُ أَنْ يُكْتَبَ ذَلِكَ عَنْهُ ثُمَّ دَعَا مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ تَزْوِيجَهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ وَ قَالَ لَهُمْ:هَلْ فِيكُمْ مَنْ يُجِيبُ بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ؟

فَقَالُوا:أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنَّا.

ثُمَّ أَمَرَ الْمَأْمُونُ فَنُثِرَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ رِقَاعاً فِيهَا ضِيَاعٌ وَ طُعَمٌ وَ عَمَالاَتٌ وَ لَمْ يَزَلْ مُكْرِماً لَهُ.

386- وَ رَوَى يُوسُفُ بْنُ السُّخْتِ عَنْ صَالِحِ بْنِ عَطِيَّةَ الْأَصَمِّ قَالَ: حَجَجْتُ قَبْلَ خُرُوجِ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى الْعِرَاقِ فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ الْوَحْدَةَ فَقَالَ لِي:أَمَا إِنَّكَ لاَ تَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ حَتَّى تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُرْزَقُ مِنْهَا ابْناً.

فَقَالَ لَهُ:جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُشِيرَ عَلَيَّ؟

فَقَالَ:نَعَمْ،اذْهَبْ فَاعْتَرِضْ فَإِذَا رَضِيتَ فَأَعْلِمْنِي.

فَفَعَلْتُ ذَلِكَ.

قَالَ:فَاذْهَبْ فَكُنْ بِالْقُرْبِ مِنْ صَاحِبِهَا حَتَّى أُوَافِيَكَ.

فَصِرْتُ إِلَى دُكَّانِ النَّخَّاسِ فَمَرَّ بِنَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ،فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَمَضَى فَصِرْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ:قَدْ رَأَيْتُهَا وَ هِيَ قَصِيرَةُ الْعُمُرِ.

فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ صِرْتُ إِلَى صَاحِبِهَا.فَقَالَ:اَلْجَارِيَةُ مَحْمُومَةٌ وَ لاَ يُمْكِنُ عَرْضُهَا.

فَعُدْتُ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا.فَقَالَ:دَفَنْتُهَا الْيَوْمَ.

فَأَتَيْتُهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ وَ ابْتَعْتُ غَيْرَهَا فَرُزِقْتُ مِنْهَا ابْنِي مُحَمَّداً.

387- وَ عَنْ حُمْرَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا قُضِيَتْ حَوَائِجِي فَقُلْتُ لَهُ:إِنَّ أُمَّ الْحَسَنِ تُقْرِئُكَ السَّلاَمَ وَ تَسْأَلُكَ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِكَ تَجْعَلُهُ كَفَناً لَهَا.

فَقَالَ لِي:قَدِ اسْتَغْنَيْتُمْ عَنْ ذَلِكَ.

فَخَرَجْتُ وَ لاَ أَدْرِي مَا مَعْنَى قَوْلِهِ حَتَّى وَرَدَ عَلَيَّ الْخَبَرُ بِوَفَاتِهَا.

388- وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:اِرْتَفَعَ الشَّكُّ.

مَا لِأَبِي وَلَدٌ غَيْرِي.

389- وَ رُوِيَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْفَرَجِ الرُّخَّجِيَّ قَالَ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:إِنَّ شِيعَتَكَ تَدَّعِي أَنَّكَ تَعْلَمُ كُلَّ

ص:226

مَا فِي دِجْلَةَ؛وَ كَانَا جَالِسَيْنِ عَلَى دِجْلَةَ.فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:يَقْدِرُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُفَوِّضَ عِلْمَ ذَلِكَ إِلَى بَعُوضَةٍ مِنْ خَلْقِهِ؟

قَالَ:نَعَمْ،يَقْدِرُ.فَقَالَ:أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ بَعُوضَتِهِ.

ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ-فِي السَّنَةِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا الْمَأْمُونُ إِلَى«الْبَلِيدُونِ»مِنْ بِلاَدِ الرُّومِ-بِأُمِّ الْفَضْلِ حَاجّاً إِلَى مَكَّةَ وَ أَخْرَجَ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيّاً ابْنَهُ مَعَهُ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ وَ هُوَ صَغِيرٌ فَخَلَّفَهُ بِالْمَدِينَةِ وَ انْصَرَفَ إِلَى الْعِرَاقِ وَ مَعَهُ أُمُّ الْفَضْلِ بَعْدَ أَنْ أَشَارَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ وَ نَصَّ عَلَيْهِ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ.

و توفي المأمون ب«بليدون»في يوم الخميس لثلاثة عشرة ليلة مضت من رجب سنة ثماني عشرة و مائتين في ست عشرة سنة من إمامة أبي جعفر عليه السّلام و بويع للمعتصم ابي إسحاق محمّد بن هارون في شعبان سنة ثماني عشرة و مائتين.

390- فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى الْعِرَاقِ لَمْ يَزَلِ الْمُعْتَصِمُ وَ جَعْفَرُ بْنُ الْمَأْمُونِ يُدَبِّرُونَ وَ يَعْمَلُونَ فِي الْحِيلَةِ فِي قَتْلِهِ فَقَالَ جَعْفَرٌ لِأُخْتِهِ أُمِّ الْفَضْلِ وَ كَانَتْ لِأُمِّهِ وَ أَبِيهِ فِي ذَلِكَ؛لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى انْحِرَافِهَا عَنْهُ وَ غَيْرَتِهَا عَلَيْهِ لِتَفْضِيلِهِ أُمَّ أَبِي الْحَسَنِ ابْنَهُ عَلَيْهَا مَعَ شِدَّةِ مَحَبَّتِهَا لَهُ وَ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْزَقْ مِنْهُ وَلَداً.فَأَجَابَتْ أَخَاهَا جَعْفَراً وَ جَعَلُوا سَمّاً فِي شَيْءٍ مِنْ عِنَبٍ رَازِقِيٍّ وَ كَانَ يُعْجِبُهُ الْعِنَبُ الرَّازِقِيُّ.فَلَمَّا أَكَلَ مِنْهُ نَدِمَتْ وَ جَعَلَتْ تَبْكِي.

فَقَالَ لَهَا:مَا بُكَاؤُكِ؟وَ اللَّهِ لَيَضْرِبَنَّكِ اللَّهُ بِفَقْرٍ لاَ يُنْجِي وَ بَلاَءٍ لاَ يَنْسَتِرْ.

فَبَلِيَتْ بِعِلَّةٍ فِي أَغْمَضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ جَوَارِحِهَا صَارَتْ«نَاسُوراً»يَنْتَقِضُ عَلَيْهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ.فَأَنْفَقَتْ مَالَهَا وَ جَمِيعَ مِلْكِهَا عَلَى تِلْكَ الْعِلَّةِ حَتَّى احْتَاجَتْ إِلَى رِفْدِ النَّاسِ.

وَ يُرْوَى: أَنَّ النَّاسُورَ كَانَ فِي فَرْجِهَا.وَ تَرَدَّى جَعْفَرُ بْنُ الْمَأْمُونِ فِي بِئْرٍ فَأُخْرِجَ مَيِّتاً وَ كَانَ سَكْرَانَ.

391- وَ: لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَصَّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ وَ كَانَ سَلَّمَ الْمَوَارِيثَ وَ السِّلاَحَ إِلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ،وَ مَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ وَ مِائَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي يَوْمِ الثَّلاَثَاءِ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَكَانَتْ سِنُّهُ أَرْبَعَةً وَ عِشْرِينَ سَنَةً وَ شُهُوراً لِأَنَّ مَوْلِدَهُ كَانَ فِي سَنَةِ خَمْسَةٍ وَ تِسْعِينَ وَ مِائَةٍ فَأَقَامَ مَعَ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ سِتَّ سِنِينَ وَ شُهُوراً وَ أَقَامَ بَعْدَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ دُفِنَ بِبَغْدَادَ فِي تُرْبَةِ جَدِّهِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ.

ص:227

علي الهادي عليه السّلام

و قام أبو الحسن عليّ بن محمّد صاحب العسكر بسرمن رأى مقام أبيه عليهما السّلام.

392- وَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ وَ غَيْرِهِ قَالَ: دَعَانِي أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَعْلَمَنِي أَنَّ قَافِلَةً قَدْ قَدِمَتْ وَ فِيهَا نَخَّاسٌ مَعَهُ رَقِيقٌ وَ دَفَعَ إِلَيَّ صُرَّةً فِيهَا سِتُّونَ دِينَاراً وَ وَصَفَ لِي جَارِيَةً مَعَهُ بِحِلْيَتِهَا وَ صُورَتِهَا وَ لِبَاسِهَا وَ أَمَرَنِي بِابْتِيَاعِهَا فَمَضَيْتُ وَ اشْتَرَيْتُهَا بِمَا اسْتَلَمَ وَ كَانَ سَوْمُهَا بِهَا مَا دَفَعَهُ إِلَيَّ.فَكَانَتْ تِلْكَ الْجَارِيَةُ أُمَّ أَبِي الْحَسَنِ وَ اسْمُهَا جُمَانَةُ وَ كَانَتْ مُوَلَّدَةً عِنْدَ امْرَأَةٍ رَبَّتْهَا.

وَ اشْتَرَاهَا النَّخَّاسُ وَ لَمْ يُقْضَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى بَاعَهَا.هَكَذَا ذَكَرَتْ.

393- وَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ وَ عَلِيُّ بْنُ مَهْزِيَارَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: أُمِّي عَارِفَةٌ بِحَقِّي وَ هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَا يَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ مَرِيدٌ وَ لاَ يَنَالُهَا كَيْدُ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَ هِيَ مَكْلُوءَةٌ بِعَيْنِ اللَّهِ الَّتِي لاَ تَنَامُ،وَ لاَ تَتَخَلَّفُ عَنْ أُمَّهَاتِ الصِّدِّيقِينَ وَ الصَّالِحِينَ.

394- وَ: كَانَتْ وِلاَدَتُهُ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)-مِثْلَ وِلاَدَةِ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ-فِي رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعَةَ عَشْرَةَ وَ مِائَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ،وَ حُمِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَ هُوَ صَغِيرٌ فِي السَّنَةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِابْنَةِ الْمَأْمُونِ وَ زَوْجَتِهِ.

395- وَ رَوَى الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا أَرَادَ الشُّخُوصَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْعِرَاقِ أَجْلَسَ أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي حَجْرِهِ وَ قَالَ لَهُ:مَا الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُهْدَى إِلَيْكَ مِنْ طَرَائِفِ الْعِرَاقِ؟

فَقَالَ:سَيْفاً كَأَنَّهُ شُعْلَةٌ.

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى مُوسَى ابْنِهِ فَقَالَ لَهُ:مَا تُحِبُّ أَنْتَ؟

فَقَالَ لَهُ:فَرْشَ بَيْتٍ.

فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:أَشْبَهَنِي أَبُو الْحَسَنِ،وَ أَشْبَهَ هَذَا أُمَّهُ.

396- وَ حَدَّثَ الْحِمْيَرِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيغٍ قَالَ:

قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ:يُفْضَى هَذَا الْأَمْرُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ وَ هُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ،ثُمَّ قَالَ:نَعَمْ وَ أَقَلَّ

ص:228

مِنْ سَبْعِ سِنِينَ كَمَا كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

397- وَ رَوَى الْحِمْيَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْكُوفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَنَّهُ قَالَ لَهُ:إِنْ حَدَثَ بِكَ-وَ أَعُوذُ بِاللَّهِ-حَادِثٌ فَإِلَى مَنْ؟

فَقَالَ:إِلَى ابْنِي هَذَا-يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ.

ثُمَّ قَالَ:أَمَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فَتْرَةٌ.

قُلْتُ:فَإِلَى أَيْنَ؟

فَقَالَ:إِلَى الْمَدِينَةِ.

قُلْتُ:أَيِّ مَدِينَةٍ؟

قَالَ:هَذِهِ الْمَدِينَةِ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هَلْ مَدِينَةٌ غَيْرُهَا.

398- وَ رَوَى الْحِمْيَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ قَارُونَ عَنْ رَجُلٍ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ رَضِيعَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: بَيْنَا أَبُو الْحَسَنِ جَالِساً فِي الْكُتَّابِ وَ كَانَ مُؤَدِّبَهُ رَجُلٌ كَرْخِيٌّ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ يُكَنَّى أَبَا زَكَرِيَّا وَ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِبَغْدَادَ وَ أَبُو الْحَسَنِ بِالْمَدِينَةِ يَقْرَأُ فِي اللَّوْحِ عَلَى الْمُؤَدِّبِ إِذْ بَكَى بُكَاءً شَدِيداً،فَسَأَلَهُ الْمُؤَدِّبُ عَنْ شَأْنِهِ وَ بُكَائِهِ،فَلَمْ يُجِبْهُ وَ قَامَ فَدَخَلَ الدَّارَ بَاكِياً وَ ارْتَفَعَ الصِّيَاحُ وَ الْبُكَاءُ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ بُكَائِهِ.

فَقَالَ:إِنَّ أَبِي تُوُفِّيَ.

فَقُلْنَا لَهُ:بِمَا ذَا عَلِمْتَ ذَاكَ؟

قَالَ:دَخَلَنِي مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ-جَلَّ وَ عَزَّ جَلاَلُهُ-شَيْءٌ عَلِمْتُ مَعَهُ أَنَّ أَبِي قَدْ مَضَى (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ).

فَأَرَّخْنَا الْوَقْتَ.فَلَمَّا وَرَدَ الْخَبَرُ نَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ قَدْ مَضَى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ.

399- وَ عَنْهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ عَنْ أَبِي النضل [اَلْفَضْلِ] الشَّيْبَانِيِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ:

رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَضَى فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ:إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ..

مَضَى أَبُو جَعْفَرٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ.

فَقِيلَ لَهُ:فَكَيْفَ عَرَفْتَ ذَلِكَ؟

ص:229

قَالَ:تَدَاخَلَنِي ذُلٌّ وَ اسْتِكَانَةٌ لَمْ أَكُنْ أَعْهَدُهَا.

400- وَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَلًّى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ:حَدَّثَتْنِي أُمُّ مُحَمَّدٍ مَوْلاَةُ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَتْ: جَاءَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَدْ ذُعِرَ حَتَّى جَلَسَ فِي حَجْرِ أُمِّ أَبِيهَا بِنْتِ مُوسَى عَمَّةِ أَبِيهِ فَقَالَتْ لَهُ:مَا لَكَ؟

فَقَالَ لَهَا:مَاتَ أَبِي وَ اللَّهِ السَّاعَةَ.

فَقَالَتْ:لاَ تَقُلْ هَذَا.

قَالَ:هُوَ وَ اللَّهِ كَمَا أَقُولُ لَكَ.

فَكَتَبْنَا الْوَقْتَ وَ الْيَوْمَ فَجَاءَتْ وَفَاتُهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

و قام أبو الحسن بأمر اللّه جل و علا في سنة عشرين و مائتين و له ست سنين و شهور في مثل سن أبيه عليهما السّلام بعد أن ملك المعتصم بسنتين.

401- فَرَوَى الْحِمْيَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ مَوْلًى لِوُلْدِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْفَرَجِ المرخجي [اَلرُّخَّجِىُّ] الْمَدِينَةَ حَاجّاً بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَحْضَرَ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ الْمُخَالِفِينَ وَ الْمُعَانِدِينَ لِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لَهُمْ:اِبْغُوا لِي رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ وَ الْقُرْآنِ وَ الْعِلْمِ لاَ يُوَالِي أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ لِأَضُمَّهُ إِلَى هَذَا الْغُلاَمِ وَ أُوكِلَهُ بِتَعْلِيمِهِ وَ أَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِأَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ الرَّافِضَةَ الَّذِينَ يَقْصِدُونَهُ وَ يَمَسُّونَهُ.

فَسَمَّوْا لَهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَ يُعْرَفُ بِالْجُنَيْدِيِّ مُتَقَدِّماً عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي الْأَدَبِ وَ الْفَهْمِ ظَاهِرَ الْغَضَبِ وَ الْعَدَاوَةِ فَأَحْضَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْفَرَجِ وَ أَسْنَى لَهُ الْجَارِيَ مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ وَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بِمَا أَرَادَ وَ عَرَّفَهُ أَنَّ السُّلْطَانَ أَمَرَهُ بِاخْتِيَارِ مِثْلِهِ وَ تَوْكِيلِهِ بِهَذَا الْغُلاَمِ.

قَالَ:فَكَانَ الْجُنَيْدِيُّ يَلْزَمُ أَبَا الْحَسَنِ فِي الْقَصْرِ بِصُرْيَا فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ أَغْلَقَ الْبَابَ وَ أَقْفَلَهُ وَ أَخَذَ الْمَفَاتِيحَ إِلَيْهِ.

فَمَكَثَ عَلَى هَذَا مُدَّةً وَ انْقَطَعَتِ الشِّيعَةُ عَنْهُ وَ عَنِ الاِسْتِمَاعِ مِنْهُ وَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ.ثُمَّ إِنِّي لَقِيتُهُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ قُلْتُ لَهُ:مَا قَالَ هَذَا الْغُلاَمُ الْهَاشِمِيُّ الَّذِي تُؤَدِّبُهُ؟

فَقَالَ-مُنْكِراً عَلَيَّ-:تَقُولُ الْغُلاَمُ،وَ لاَ تَقُولُ الشَّيْخُ الْهَاشِمِيُّ؟!أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ

ص:230

بِالْمَدِينَةِ أَعْلَمَ مِنِّي؟

قُلْتُ:لاَ.

قَالَ:فَإِنِّي وَ اللَّهِ أَذْكُرُ لَهُ الْحِزْبَ مِنَ الْأَدَبِ أَظُنُّ أَنِّي قَدْ بَالَغْتُ فِيهِ فَيُمْلِي عَلَيَّ بَاباً فِيهِ أَسْتَفِيدُهُ مِنْهُ.وَ يَظُنُّ النَّاسُ أَنِّي أُعَلِّمُهُ،وَ أَنَا وَ اللَّهِ أَتَعَلَّمُ مِنْهُ.

قَالَ:فَتَجَاوَزْتُ عَنْ كَلاَمِهِ هَذَا كَأَنِّي مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ،ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ خَبَرِهِ وَ حَالِهِ ثُمَّ قُلْتُ:مَا حَالُ الْفَتَى الْهَاشِمِيِّ؟

فَقَالَ لِي:دَعْ هَذَا الْقَوْلَ عَنْكَ.هَذَا وَ اللَّهِ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ وَ أَفْضَلُ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ.إِنَّهُ لَرُبَّمَا هَمَّ بِالدُّخُولِ فَأَقُولُ لَهُ:تُنْظِرُ حَتَّى تَقْرَأَ عَشْرَكَ.فَيَقُولُ لِي:أَيَّ السُّوَرِ تُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَهَا؟أَنَا أَذْكُرُ لَهُ مِنَ السُّوَرِ الطِّوَالِ مَا لَمْ تَبْلُغْ إِلَيْهِ فَيَهُذُّهَا بِقِرَاءَةٍ لَمْ أَسْمَعْ أَصَحَّ مِنْهَا مِنْ أَحَدٍ قَطُّ وَ جَزْمٍ أَطْيَبَ مِنْ مَزَامِيرِ دَاوُدَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الَّذِي إِلَيْهَا مِنْ قِرَاءَتِهِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ.

قَالَ:ثُمَّ قَالَ:هَذَا مَاتَ أَبُوهُ بِالْعِرَاقِ وَ هُوَ صَغِيرٌ بِالْمَدِينَةِ وَ نَشَأَ بَيْنَ هَذِهِ الْجَوَارِي السُّودِ،فَمِنْ أَيْنَ عَلِمَ هَذَا؟

قَالَ:ثُمَّ مَا مَرَّتْ بِهِ الْأَيَّامُ وَ اللَّيَالِي حَتَّى لَقِيتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ قَالَ بِإِمَامَتِهِ وَ عَرَفَ الْحَقَّ وَ قَالَ بِهِ.

و في سبع سنين من إمامته مات المعتصم في سنة سبع و عشرين و مائتين،و لأبي الحسن عليه السّلام أربع عشرة سنة و بويع لهارون الواثق ابن المعتصم و مضى الواثق في اثنتين و ثلاثين و مائتين في اثنتي عشرة سنة من إمامة أبي الحسن عليه السّلام و بويع للمتوكل جعفر بن المعتصم.

402- وَ رَوَى الْحِمْيَرِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُصْعَبٍ الْمَدَائِنِيِّ: يَسْأَلُهُ عَنِ السُّجُودِ عَلَى الزُّجَاجِ قَالَ:فَلَمَّا نَفَذَ كِتَابِي حَدَّثَتْنِي نَفْسِي أَنَّهُ مِمَّا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ وَ أَنَّهُمْ قَالُوا:لاَ بَأْسَ بِالسُّجُودِ عَلَى مَا أَنْبَتَتْ.

فَوَرَدَ الْجَوَابُ:لاَ تَسْجُدْ عَلَيْهِ فَإِنْ حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ أَنَّهُ مِمَّا أَنْبَتَهُ الْأَرْضُ فَحَالَ فَإِنَّهُ مِنَ الرَّمْلِ وَ الْمِلْحِ؛وَ الْمِلْحُ سَبَخٌ؛وَ السَّبَخُ أَرْضٌ مَمْسُوخَةٌ.

403- وَ عَنْهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيِّ قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ:إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ

ص:231

كَتَبَ إِلَيْهِ:يَا مُحَمَّدُ اجْمَعْ أَمْرَكَ وَ خُذْ حِذْرَكَ فَأَنَا فِي جَمْعِ أَمْرِي.

وَ لَسْتُ أَدْرِي مَعْنَى مَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ حَتَّى وَرَدَ عَلَيَّ رَسُولٌ حَمَلَنِي مِنْ مِصْرَ مُقَيَّداً وَ ضَرَبَ عَلَى كُلِّ مَا كُنْتُ أَمْلِكُ فَمَكَثْتُ فِي السِّجْنِ ثَمَانِيَ سِنِينَ فَوَرَدَ عَلَيَّ مِنْهُ كِتَابٌ:

يَا مُحَمَّدُ لاَ تَنْزِلْ فِي نَاحِيَةِ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ.فَقَرَأْتُ الْكِتَابَ فَقُلْتُ:يَكْتُبُ إِلَيَّ بِهَذَا وَ أَنَا فِي السِّجْنِ،إِنَّ هَذَا لَعَجَبٌ.

فَلَمْ أَلْبَثْ فِي السِّجْنِ إِلاَّ أَيَّاماً قَلِيلَةً حَتَّى خُلِّيَ عَنِّي.

404- وَ عَنْهُ قَالَ:حَدَّثَنِي خَيْرَانُ الْخَادِمُ مَوْلَى فَرَاطِيسَ أُمِّ الْوَاثِقِ قَالَ: حَجَجْتُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَ ثَلاَثِينَ وَ مِائَتَيْنِ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ:مَا حَالُ صَاحِبِكَ-يَعْنِي الْوَاثِقَ.

فَقُلْتُ:وَجِعٌ وَ لَعَلَّهُ قَدْ مَاتَ.

قَالَ:لَمْ يَمُتْ وَ لَكِنَّ أَلَماً بِهِ.

ثُمَّ قَالَ:فَمَنْ يُقَالُ بَعْدَهُ؟

قُلْتُ:اِبْنُهُ.

فَقَالَ:اَلنَّاسُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ جَعْفَرٌ.

قُلْتُ:لاَ.

قَالَ:بَلَى هُوَ كَمَا أَقُولُ لَكَ.

قُلْتُ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ابْنُ رَسُولِهِ.فَكَانَ كَمَا قَالَ.

405- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيِّ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَ ثَلاَثِينَ وَ مِائَتَيْنِ:مَا فَعَلَ الرَّجُلُ-يَعْنِي الْوَاثِقَ-؟

قُلْتُ:عَلِيلٌ أَوْ قَدْ مَاتَ.

قَالَ:لَمْ يَمُتْ وَ لَكِنَّهُ لاَ يَلْبَثُ حَتَّى يَمُوتَ.

406- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَتَى الْمَسْجِدَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَصَلَّى عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي حِذَاءَ بَيْتِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ.فَلَمَّا جَلَسَ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يُقَالُ لَهُ مَعْرُوفٌ قَدْ عَرَفَهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ وَ غَيْرُهُ فَقَعَدَ إِلَى جَانِبِهِ يُعَاتِبُهُ وَ قَالَ لَهُ:إِنِّي

ص:232

أَتَيْتُكُمْ فَلَمْ تَأْذَنْ لِي.

فَقَالَ:لَعَلَّكَ أَتَيْتَ فِي وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ عَلَيَّ وَ مَا عَلِمْتُ بِمَكَانِكَ وَ أُخْبِرْتُ عَنْكَ أَنَّكَ ذَكَرْتَنِي وَ شَكَوْتَنِي بِمَا لاَ يَنْبَغِي.

فَقَالَ الرَّجُلُ:لاَ وَ اللَّهِ مَا فَعَلْتُ وَ إِلاَّ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ صَاحِبِ الْقَبْرِ إِنْ كَانَ فَعَلَ.

فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ:عَلِمْتُ أَنَّهُ حَلَفَ كَاذِباً فَقُلْتُ:اَللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ حَلَفَ كَاذِباً فَانْتَقِمْ مِنْهُ.

فَمَاتَ الرَّجُلُ مِنْ غَدٍ وَ صَارَ حَدِيثاً بِالْمَدِينَةِ.

407- قَالَ: وَ كَتَبَ بُرَيْحَةُ الْعَبَّاسِيُّ صَاحِبُ الصَّلاَةِ بِالْحَرَمَيْنِ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ:إِنْ كَانَ لَكَ فِي الْحَرَمَيْنِ حَاجَةٌ فَأَخْرِجْ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ قَدْ دَعَا إِلَى نَفْسِهِ وَ اتَّبَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ.

وَ تَابَعَ بُرَيْحَةَ الْكُتُبُ فِي هَذَا الْمَعْنَى،فَوَجَّهَ الْمُتَوَكِّلُ بِيَحْيَى بْنِ هَرْثَمَةَ وَ كَتَبَ مَعَهُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كِتَاباً جَمِيلاً يُعَرِّفُهُ أَنَّهُ قَدِ اشْتَاقَهُ وَ يَسْأَلُهُ الْقُدُومَ عَلَيْهِ وَ أَمَرَ يَحْيَى بِالْمَسِيرِ مَعَهُ كَمَا يَجِبُ وَ كَتَبَ إِلَى بُرَيْحَةَ يُعَرِّفُهُ ذَلِكَ.

فَقَدِمَ يَحْيَى بْنُ هَرْثَمَةَ الْمَدِينَةَ فَأَوْصَلَ الْكِتَابَ إِلَى بُرَيْحَةَ وَ رَكِبَا جَمِيعاً إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَوْصَلاَ إِلَيْهِ كِتَابَ الْمُتَوَكِّلِ فَاسْتَأْجَلَهُمَا ثَلاَثاً.

فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثٍ عَادَ إِلَى دَارِهِ فَوَجَدَ الدَّوَابَّ مُسْرَجَةً وَ الْأَثْقَالَ مَشْدُودَةً قَدْ فَرَغَ مِنْهَا.

وَ خَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مُتَوَجِّهاً نَحْوَ الْعِرَاقِ وَ اتَّبَعَهُ بُرَيْحَةُ مُشَيِّعاً،فَلَمَّا صَارَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ لَهُ بُرَيْحَةُ قَدْ عَلِمْتُ وُقُوفَكَ عَلَى أَنِّي كُنْتُ السَّبَبَ فِي حَمْلِكَ،وَ عَلِيٌّ حَلَفَ بِأَيْمَانٍ مُغَلَّظَةٍ لَئِنْ شَكَوْتَنِي إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَاصَّتِهِ وَ أَبْنَائِهِ لَأُجْمِرَنَّ نَخْلَكَ وَ لَأَقْتُلَنَّ مَوَالِيَكَ وَ لَأُعَوِّرَنَّ عُيُونَ ضَيْعَتِكَ وَ لَأَفْعَلَنَّ وَ لَأَصْنَعَنَّ.

فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ فَقَالَ لَهُ:إِنَّ أَقْرَبَ عَرْضِي إِيَّاكَ عَلَى الْبَارِحَةِ وَ مَا كُنْتُ لِأَعْرِضَنَّكَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَأَشْكُوَنَّكَ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ خَلْقِهِ.

قَالَ:فَانْكَبَّ عَلَيْهِ بُرَيْحَةُ وَ ضَرَعَ إِلَيْهِ وَ اسْتَعْفَاهُ.

فَقَالَ لَهُ:قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ.

408- وَ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ هَرْثَمَةَ قَالَ: رَأَيْتُ مِنْ دَلاَئِلِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الْأَعَاجِيبَ فِي

ص:233

طَرِيقِنَا؛مِنْهَا:أَنَّا نَزَلْنَا مَنْزِلاً لاَ مَاءَ فِيهِ فَأَشْرَفْنَا وَ دَوَابَّنَا وَ جِمَالَنَا مِنَ الْعَطَشِ عَلَى التَّلَفِ، وَ كَانَ مَعَنَا جَمَاعَةٌ وَ قَوْمٌ قَدْ تَبِعُونَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ،فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:كَأَنِّي أَعْرِفُ عَلَى أَمْيَالٍ مَوْضِعَ مَاءٍ.

فَقُلْنَا لَهُ:إِنْ نَشِطْتَ وَ تَفَضَّلْتَ عَدَلْتَ بِنَا إِلَيْهِ وَ كُنَّا مَعَكَ.

فَعَدَلَ بِنَا عَنِ الطَّرِيقِ فَسِرْنَا نَحْوَ سِتَّةِ أَمْيَالٍ فَأَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ كَأَنَّهُ زَهْوُ الرِّيَاضِ فِيهِ عُيُونٌ وَ أَشْجَارٌ وَ زُرُوعٌ وَ لَيْسَ فِيهَا زَارِعٌ وَ لاَ فَلاَّحٌ وَ لاَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ فَنَزَلْنَا وَ شَرِبْنَا وَ سَقَيْنَا دَوَابَّنَا وَ أَقَمْنَا إِلَى بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ تَزَوَّدْنَا وَ ارْتَوَيْنَا وَ مَا مَعَنَا مِنَ الْقِرَبِ وَ رُحْنَا رَاحِلِينَ.فَلَمْ نَبْعُدْ أَنْ عَطِشْتُ وَ كَانَ لِي مَعَ بَعْضِ غِلْمَانِي كُوزُ فِضَّةٍ يَشُدُّهُ فِي مِنْطَقَتِهِ وَ قَدِ اسْتَسْقَيْتُهُ فَلَجْلَجَ لِسَانُهُ بِالْكَلاَمِ وَ نَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ قَدْ أُنْسِيَ الْكُوزَ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي كُنَّا فِيهِ فَرَجَعْتُ أَضْرِبُ بِالسَّوْطِ عَلَى فَرَسٍ لِي جَوَادٍ سَرِيعٍ وَ أُغِذُّ السَّيْرَ حَتَّى أَشْرَفْتُ عَلَى الْوَادِي فَرَأَيْتُهُ جَدْباً يَابِساً قَاعاً مَحْلاً لاَ مَاءَ فِيهِ وَ لاَ زَرْعَ وَ لاَ خُضْرَةَ وَ رَأَيْتُ مَوْضِعَ رِحَالِنَا وَ رَوْثَ دَوَابِّنَا وَ بَعْرَ الْجِمَالِ وَ مَنَاخَاتِهِمْ وَ الْكُوزَ مَوْضُوعٌ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي تَرَكَهُ الْغُلاَمُ،فَأَخَذْتُهُ وَ انْصَرَفْتُ،وَ لَمْ أُعَرِّفْهُ شَيْئاً مِنَ الْخَبَرِ.

فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنَ الْقَطْرِ وَ الْعَسْكَرِ وَجَدْتُهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَاقِفاً يَنْتَظِرُ فَتَبَسَّمَ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)وَ لَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً وَ لاَ قُلْتُ لَهُ سِوَى مَا سَأَلَ مِنْ وُجُودِ الْكُوزِ فَأَعْلَمْتُهُ أَنِّي وَجَدْتُهُ.

409- قَالَ يَحْيَى: وَ خَرَجَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ آخَرَ وَ نَحْنُ فِي ضَحْوٍ وَ شَمْسٍ حَامِيَةٍ تُحْرِقُ فَرَكِبَ مِنْ مَضْرَبِهِ وَ عَلَيْهِ مِمْطَرٌ،وَ ذَنَبُ دَابَّتِهِ مَعْقُودٌ وَ تَحْتَهُ لِبْدٌ طَوِيلٌ فَجَعَلَ كُلُّ مَنْ فِي الْعَسْكَرِ وَ أَهْلُ الْقَافِلَةِ يَضْحَكُونَ تَعَجُّباً وَ يَقُولُونَ:هَذَا الْحِجَازِيُّ لَيْسَ يَعْرِفُ الرِّيَّ،فَمَا سِرْنَا أَمْيَالاً حَتَّى ارْتَفَعَتْ سَحَابَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ وَ أَظْلَمَتْ وَ أَظَلَّتْنَا بِسُرْعَةٍ وَ أَتَى مِنَ الْمَطَرِ الْهَاطِلِ كَأَفْوَاهِ الْقِرَبِ،فَكِدْنَا أَنْ نَتْلَفَ وَ غَرِقْنَا حَتَّى جَرَى الْمَاءُ مِنْ ثِيَابِنَا إِلَى أَبْدَانِنَا وَ امْتَلَأَتْ خِفَافُنَا،وَ كَانَ أَسْرَعَ وَ أَعْجَلَ مِنْ أَنْ يُمْكِنَ أَنْ نَحُطَّ وَ نُخْرِجَ اللَّبَابِيدَ فَصِرْنَا شُهْرَةً وَ مَا زَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَتَبَسَّمُ تَبَسُّماً ظَاهِراً تَعَجُّباً مِنْ أَمْرِنَا.

قَالَ يَحْيَى:وَ صَارَتْ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنٌ لَهَا أَرْمَدُ الْعَيْنِ وَ لَمْ تَزَلْ تَسْتَذِلُّ وَ تَقُولُ:مَعَكُمْ رَجُلٌ عَلَوِيٌّ دُلُّونِي عَلَيْهِ حَتَّى يَرْقِيَ عَيْنَ ابْنِي هَذَا.

ص:234

فَدَلَلْنَاهَا عَلَيْهِ فَفَتَحَ عَيْنَ الصَّبِيِّ حَتَّى رَأَيْتُهَا وَ لَمْ أَشُكَّ أَنَّهَا ذَاهِبَةٌ،فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا لَحْظَةً يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ ثُمَّ نَحَّاهَا فَإِذَا عَيْنُ الْغُلاَمِ مَفْتُوحَةٌ صَحِيحَةٌ مَا بِهَا عِلَّةٌ.

410- وَ رَوَى الْحِمْيَرِيُّ قَالَ:حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ عَنِ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ الْجُرْجَانِيِّ قَالَ: ضَمَّنِي وَ أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الطَّرِيقُ لَمَّا قَدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ فَسَمِعْتُهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ يَقُولُ:مَنِ اتَّقَى اللَّهَ يُتَّقَى،وَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ يُطَاعُ.

فَلَمْ أَزَلْ أَدْلِفُ حَتَّى قَرُبْتُ مِنْهُ وَ دَنَوْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ رَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ فَأَوَّلُ مَا ابْتَدَأَنِي أَنْ قَالَ لِي:يَا فَتْحُ مَنْ أَطَاعَ الْخَالِقَ لَمْ يُبَالِ بِسَخَطِ الْمُخْلُوقِينَ،وَ مَنْ أَسْخَطَ الْخَالِقَ فَلْيُوقِنْ أَنْ يَحُلَّ بِهِ سَخَطُ الْمَخْلُوقِينَ.يَا فَتْحُ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلاَلُهُ لاَ يُوصَفُ إِلاَّ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ،فَأَنَّى يُوصَفُ الَّذِي يَعْجِزُ الْحَوَاسُّ أَنْ تُدْرِكَهُ،وَ الْأَوْهَامُ أَنْ تَنَالَهُ، وَ الْخَطَرَاتُ أَنْ تَحُدَّهُ،وَ الْأَبْصَارُ أَنْ تُحِيطَ بِهِ،جَلَّ عَمَّا يَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ،وَ تَعَالَى عَمَّا يَنْعَتُهُ النَّاعِتُونَ،نَأَى فِي قُرْبِهِ وَ قَرُبَ فِي نَأْيِهِ،فَهُوَ فِي نَأْيِهِ قَرِيبٌ،وَ فِي قُرْبِهِ بَعِيدٌ،كَيَّفَ الْكَيْفَ فَلاَ يُقَالُ كَيْفَ،وَ أَيْنَ الْأَيْنَ فَلاَ يُقَالُ أَيْنَ،إِذْ هُوَ مُنْقَطِعُ الْكَيْفِيَّةِ وَ الْأَيْنِيَّةِ،الْوَاحِدُ الْأَحَدُ جَلَّ جَلاَلُهُ بَلْ كَيْفَ يُوصَفُ بِكُنْهِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَدْ قَرَنَ الْخَلِيلُ اسْمَهُ بِاسْمِهِ وَ أَشْرَكَهُ فِي طَاعَتِهِ وَ أَوْجَبَ لِمَنْ أَطَاعَهُ جَزَاءَ طَاعَتِهِ،فَقَالَ «وَ ما نَقَمُوا مِنْهُ إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ» وَ قَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ-يَحْكِي قَوْلَ مَنْ تَرَكَ طَاعَتَهُ: «يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللّهَ وَ أَطَعْنَا الرَّسُولاَ» أَمْ كَيْفَ يُوصَفُ مَنْ قَرَنَ الْجَلِيلُ طَاعَتَهُ بِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَيْثُ يَقُولُ:

«أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» .يَا فَتْحُ كَمَا لاَ يُوصَفُ الْجَلِيلُ جَلَّ جَلاَلُهُ وَ لاَ يُوصَفُ الْحُجَّةُ فَكَذَلِكَ لاَ يُوصَفُ الْمُؤْمِنُ الْمُسَلِّمُ لِأَمْرِنَا فَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَ وَصِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الْأَوْصِيَاءِ.

ثُمَّ قَالَ لِي-بَعْدَ كَلاَمٍ-:فَأَوْرَدَ الْأَمْرَ إِلَيْهِمْ وَ سَلَّمَ لَهُمْ.

ثُمَّ قَالَ لِي:إِنْ شِئْتُ

فَانْصَرَفْتُ مِنْهُ.

فَلَمَّا كَانَ فِي الْغَدِ تَلَطَّفْتُ فِي الْوُصُولِ إِلَيْهِ فَسَلَّمْتُ فَرَدَّ السَّلاَمَ فَقُلْتُ:يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ تَأْذَنُ لِي فِي كَلِمَةٍ اخْتَلَجَتْ فِي صَدْرِي لَيْلَتِيَ الْمَاضِيَةَ؟

ص:235

فَقَالَ لِي:سَلْ وَ اصخ [أَصْغِ] إِلَى جَوَابِهَا سَمْعَكَ،فَإِنَّ الْعَالِمَ وَ الْمُتَعَلِّمَ شَرِيكَانِ فِي الرُّشْدِ، مَأْمُورَانِ بِالنَّصِيحَةِ،فَأَمَّا الَّذِي اخْتَلَجَ فِي صَدْرِكَ فَإِنْ يَشَأِ الْعَالِمُ أَنْبَأَكَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُظْهِرْ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ،وَ كُلُّ مَا عِنْدَ الرَّسُولِ فَهُوَ عِنْدَ الْعَالِمِ،وَ كُلُّ مَا اطَّلَعَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ فَقَدِ اطَّلَعَ أَوْصِيَاؤُهُ عَلَيْهِ.يَا فَتْحُ عَسَى الشَّيْطَانُ أَرَادَ اللَّبْسَ عَلَيْكَ فَأَوْهَمَكَ فِي بَعْضِ مَا أَوْرَدْتُ عَلَيْكَ وَ أَشَكَّكَ فِي بَعْضِ مَا أَنْبَأْتُكَ؛حَتَّى أَرَادَ إِزَالَتَكَ عَنْ طَرِيقِ اللَّهِ وَ صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ،فَقُلْتَ مَتَى أَيْقَنْتُ أَنَّهُمْ هَكَذَا:فَهُمْ أَرْبَابٌ.

مَعَاذَ اللَّهِ،إِنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ مَرْبُوبُونَ مُطِيعُونَ دَاخِرُونَ رَاغِمُونَ.فَإِذَا جَاءَكَ الشَّيْطَانُ بِمِثْلِ مَا جَاءَكَ بِهِ فَاقْمَعْهُ بِمِثْلِ مَا نَبَّأْتُكَ بِهِ.

قَالَ فَتْحُ:فَقُلْتُ لَهُ:جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ فَرَّجْتَ عَنِّي وَ كَشَفْتَ مَا لَبَّسَ الْمَلْعُونُ عَلَيَّ فَقَدْ كَانَ أَوْقَعَ فِي خَلَدِي أَنَّكُمْ أَرْبَابٌ.

قَالَ:فَسَجَدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ:رَاغِماً لَكَ يَا خَالِقِي دَاخِراً خَاضِعاً.

ثُمَّ قَالَ:يَا فَتْحُ كِدْتَ أَنْ تَهْلِكَ وَ مَا ضَرَّ عِيسَى إِنْ هَلَكَ مَنْ هَلَكَ.إِذَا شِئْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ.

قَالَ:فَخَرَجْتُ وَ أَنَا مَسْرُورٌ بِمَا كَشَفَ اللَّهُ عَنِّي مِنَ اللَّبْسِ.

فَلَمَّا كَانَ فِي الْمَنْزِلِ الْآخَرِ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَ هُوَ مُتَّكِئٌ وَ بَيْنَ يَدَيْهِ حِنْطَةٌ مَقْلُوَّةٌ يَعْبَثُ بِهَا وَ قَدْ كَانَ أَوْقَعَ الشَّيْطَانُ(لَعَنَهُ اللَّهُ)فِي خَلَدِي أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْكُلُوا وَ لاَ يَشْرَبُوا.

فَقَالَ:اِجْلِسْ يَا فَتْحُ فَإِنَّ لَنَا بِالرُّسُلِ أُسْوَةً.كَانُوا يَأْكُلُونَ وَ يَشْرَبُونَ وَ يَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ،وَ كُلُّ جِسْمٍ مُتَغَذٍّ إِلاَّ خَالِقُ الْأَجْسَامِ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ مُنْشِئُ الْأَشْيَاءِ وَ مُجَسِّمُ الْأَجْسَامِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ..تَبَارَكَ اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَ عَلاَ عُلُوّاً كَبِيراً.

ثُمَّ قَالَ:إِذَا شِئْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ.

وَ قُدِّمَ بِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَغْدَادَ وَ خَرَجَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَ جُمْلَةُ الْقُوَّادِ فَتَلَقَّوْهُ فَحَدَّثَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَلَبِيُّ الْقَاضِي قَالَ:حَدَّثَنِي الْخَضِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزَّازُ وَ كَانَ شَيْخاً مَسْتُوراً ثِقَةً يَقْبَلُهُ الْقُضَاةُ وَ النَّاسُ قَالَ:رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ بِمَدِينَةِ السَّلاَمِ فِي رَحْبَةِ الْجِسْرِ وَ النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ..خَلْقٌ كَثِيرٌ يَزْحَمُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَ هُمْ يَقُولُونَ:قَدْ أَقْبَلَ بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ.

ص:236

فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ رَأَيْتُ الْبَيْتَ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ السَّتَائِرِ وَ الدِّيبَاجِ وَ الْقَبَاطِيِّ قَدْ أَقْبَلَ مَارّاً عَلَى الْأَرْضِ يَسِيرُ حَتَّى عَبَرَ الْجِسْرَ مِنَ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ وَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى دَخَلَ دَارَ خُزَيْمَةَ وَ هِيَ الَّتِي آخِرُ مَنْ مَلَكَهَا بَعْدَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ الْقُمِّيِّ وَ أَبُو بَكْرٍ الْفَتَى ابْنُ أُخْتِ إِسْمَاعِيلَ ابْنُ بُلْبُلٍ بَدْرِ الْكَبِيرِ الطُّولَوِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْحَمَّامِيِّ فَإِنَّهُ أَقْطَعَهَا.

فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ خَرَجْتُ فِي حَاجَةٍ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْجِسْرِ فَرَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ وَ هُمْ يَقُولُونَ:قَدْ قَدِمَ ابْنُ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَرَأَيْتُهُ قَدْ عَبَرَ مِنَ الْجِسْرِ عَلَى شَهْرِي تَحْتَهُ كَبِيرٌ يَسِيرُ عَلَيْهِ الْمَسِيرَ رَفِيقاً؛وَ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ خَلْفَهُ،وَ جَاءَ حَتَّى دَخَلَ دَارَ خُزَيْمَةَ بْنِ حَازِمٍ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُهَا.

ثُمَّ خَرَجَ إِلَى سُرَّمَنْ رَأَى فَتَلَقَّاهُ جُمْلَةٌ مِنَ أَصْحَابِ الْمُتَوَكِّلِ حَتَّى دَخَلَ إِلَيْهِمْ فَأَعْظَمَهُ وَ أَكْرَمَهُ وَ مَهَّدَ لَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ إِلَى دَارٍ أُعِدَّتْ لَهُ.وَ أَقَامَ بِسُرَّمَنْ رَأَى.

411- وَ حَدَّثَ الْحِمْيَرِيُّ قَالَ:حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ نُوحٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:أَنَّ لِي حَمْلاً وَ أَسْأَلُهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِي ذَكَراً فَوَقَّعَ لِي:سَمِّهِ مُحَمَّداً.

فَوُلِدَ لِي ابْنٌ سَمَّيْتُهُ مُحَمَّداً.

و كان من خبره عليه السّلام في بركة السباع و خبر المشعبذ و خبر عليّ بن الجهم و خبر عمرو ابن الفرج الرخجي و غير ذلك ممّا رواه الناس.

412- وَ رَوَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَابَنْدَاذَ الْكَاتِبُ الْإِسْكَافِيُّ قَالَ: تَقَلَّدْتُ دِيَارَ رَبِيعَةَ وَ دِيَارَ مُضَرَ فَخَرَجْتُ وَ أَقَمْتُ بِنَصِيبِينَ وَ قَلَّدْتُ عُمَّالِي وَ أَنْفَذْتُهُمْ إِلَى نَوَاحِي أَعْمَالِي وَ تَقَدَّمْتُ أَنْ يَحْمِلَ إِلَيَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كُلَّ مَنْ يَجِدُهُ فِي عَمَلِهِ مِمَّنْ لَهُ مَذْهَبٌ،فَكَانَ يُرَدُّ عَلَيَّ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدُ وَ الاِثْنَانِ وَ الْجَمَاعَةُ مِنْهُمْ فَأَسْمَعُ مِنْهُمْ وَ أُعَامِلُ كُلَّ وَاحِدٍ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ.فَأَنَا ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ إِذْ وَرَدَ كِتَابُ عَامِلٍ بِكَفَرْتُوثَى يَذْكُرُ أَنَّهُ قَدْ وَجَّهَ إِلَيَّ بِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ إِدْرِيسُ بْنُ زِيَادٍ،فَدَعَوْتُ بِهِ فَرَأَيْتُهُ وَسِيماً قَسِيماً قَبِلَتْهُ نَفْسِي ثُمَّ نَاجَيْتُهُ فَرَأَيْتُهُ مَمْطُوراً وَ رَأَيْتُهُ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِالْفِقْهِ وَ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَا أَعْجَبَنِي فَدَعَوْتُهُ إِلَى الْقَوْلِ بِإِمَامَةِ الاِثْنَيْ عَشَرَ فَأَبَى وَ أَنْكَرَ عَلَيَّ ذَلِكَ وَ خَاصَمَنِي فِيهِ وَ سَأَلْتُهُ بَعْدَ مُقَامِهِ عِنْدِي أَيَّاماً أَنْ يَهَبَ لِي

ص:237

زَوْرَةً إِلَى سُرَّمَنْ رَأَى لِيَنْظُرَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ يَنْصَرِفَ،فَقَالَ لِي:أَنَا أَقْضِي حَقَّكَ بِذَلِكَ.

وَ شَخَصَ بَعْدَ أَنْ حَمَلْتُهُ فَأَبْطَأَ عَنِّي وَ تَأَخَّرَ كِتَابُهُ ثُمَّ إِنَّهُ قَدِمَ فَدَخَلَ إِلَيَّ فَأَوَّلُ مَا رَآنِي أَسْبَلَ عَيْنَيْهِ بِالْبُكَاءِ،فَلَمَّا رَأَيْتُهُ بَاكِياً لَمْ أَتَمَالَكْ حَتَّى بَكَيْتُ،فَدَنَا مِنِّي وَ قَبَّلَ يَدِي وَ رِجْلِي ثُمَّ قَالَ:يَا أَعْظَمَ النَّاسِ مِنَّةً نَجَّيْتَنِي مِنَ النَّارِ وَ أَدْخَلْتَنِي الْجَنَّةَ،وَ حَدَّثَنِي فَقَالَ لِي:

خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِكَ وَ عَزْمِي إِذَا لَقِيتُ سَيِّدِي أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنْ أَسْأَلَهُ مِنْ مَسَائِلَ وَ كَانَ فِيمَا أَعْدَدْتُهُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ عَرَقِ الْجُنُبِ هَلْ يَجُوزُ الصَّلاَةُ فِي الْقَمِيصِ الَّذِي أَعْرَقُ فِيهِ وَ أَنَا جُنُبٌ أَمْ لاَ؟

فَصِرْتُ إِلَى سُرَّمَنْ رَأَى فَلَمْ أَصِلْ إِلَيْهِ وَ أَبْطَأَ مِنَ الرُّكُوبِ لِعِلَّةٍ كَانَتْ بِهِ ثُمَّ سَمِعْتُ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ بِأَنَّهُ يَرْكَبُ فَبَادَرْتُ فَفَاتَنِي وَ دَخَلَ دَارَ السُّلْطَانِ فَجَلَسْتُ فِي الشَّارِعِ وَ عَزَمْتُ أَنْ لاَ أَبْرَحَ أَوْ يَنْصَرِفَ.وَ اشْتَدَّ الْحَرُّ عَلَيَّ فَعَدَلْتُ إِلَى بَابِ دَارٍ فِيهِ فَجَلَسْتُ أَرْقُبُهُ وَ نَعَسْتُ فَحَمَلَتْنِي عَيْنِي فَلَمْ أَنْتَبِهْ إِلاَّ بِمِقْرَعَةٍ قَدْ وُضِعَتْ عَلَى كَتِفِي،فَفَتَحْتُ عَيْنِي فَإِذَا هُوَ مَوْلاَيَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَاقِفٌ عَلَى دَابَّتِهِ،فَوَثَبْتُ فَقَالَ لِي:يَا إِدْرِيسُ أَ مَا آنَ لَكَ؟

فَقُلْتُ:بَلَى يَا سَيِّدِي.

فَقَالَ:إِنْ كَانَ الْعَرَقُ مِنْ حَلاَلٍ فَحَلاَلٌ وَ إِنْ كَانَ مِنْ حَرَامٍ فَحَرَامٌ.

مِنْ غَيْرِ أَنْ أَسْأَلَهُ.فَقُلْتُ بِهِ وَ سَلَّمْتُ لِأَمْرِهِ.

413- وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقُلْتُ لَهُ:قَدْ كَبِرَ سِنِّي وَ ضَعُفَ بَدَنِي وَ هَرِمَ بِرْذَوْنِي وَ هُوَ ذِي تَلْحَقُنِي مَشَقَّةٌ فِي زِيَارَتِكَ مِنْ بَغْدَادَ،فَادْعُ اللَّهَ لِي.

فَقَالَ:يَا أَبَا هَاشِمٍ قَوَّى اللَّهُ بِرْذَوْنَكَ وَ قَرَّبَ طَرِيقَكَ.

فَكُنْتُ أَرْكَبُ فَأَصِيرُ إِلَى سُرَّمَنْ رَأَى وَ أَتَحَدَّثُ عِنْدَهُ نَهَارِي كُلَّهُ وَ أَرْجِعُ إِلَى بَغْدَادَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ.

414- وَ رُوِيَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ النَّهْرَيْنِ قَالَ: خَرَجْتُ وَ أَهْلَ قَرْيَتِي إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِشَيْءٍ كَانَ مَعَنَا وَ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ قَدْ حَمَّلَنَا رِسَالَةً وَ دَفَعَ إِلَيْنَا مَا

ص:238

أَوْصَلْنَاهُ وَ قَالَ تُقْرِءُونَهُ مِنِّي السَّلاَمَ وَ تَسْأَلُونَهُ عَنْ بَيْضِ الطَّائِرِ الْفُلاَنِيِّ مِنْ طُيُورِ الْآجَامِ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ أَمْ لاَ؟

فَسَلَّمْنَاهُ مَا كَانَ مَعَنَا إِلَى خَازِنِهِ وَ أَتَاهُ رَسُولُ السُّلْطَانِ فَنَهَضَ لِيَرْكَبَ وَ خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ وَ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ.

فَلَمَّا صِرْنَا فِي الشَّارِعِ لَحِقَنَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لِرَفِيقِي بِالنَّبَطِيَّةِ:وَ اقْرَأْ فُلاَناً السَّلاَمَ وَ قُلْ لَهُ:

بَيْضُ الطَّائِرِ الْفُلاَنِيِّ لاَ تَأْكُلْهُ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُسُوخِ.

415- وَ رَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ: وُلِدَ لِأَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ جَعْفَرٌ فَهَنَّأْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْ بِهِ سُرُوراً فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ.

فَقَالَ:هَوِّنْ عَلَيْكَ أَمْرَهُ فَإِنَّهُ سَيُضِلُّ خَلْقاً كَثِيراً.

416- وَ رُوِيَ: أَنَّهُ دَخَلَ دَارَ الْمُتَوَكِّلِ فَقَامَ يُصَلِّي فَأَتَاهُ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ فَوَقَفَ حِيَالَهُ فَقَالَ لَهُ:

إِلَى كَمْ هَذَا الرِّيَاءُ.

فَأَسْرَعَ الصَّلاَةَ وَ سَلَّمَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِ فَقَالَ:إِنْ كُنْتَ كَاذِباً نَسَخَكَ اللَّهُ.

فَوَقَعَ الرَّجُلُ مَيِّتاً فَصَارَ حَدِيثاً فِي الدَّارِ.

417- وَ حَدَّثَ الْحِمْيَرِيُّ عَنِ النَّوْفَلِيِّ قَالَ:قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: يَا عَلِيُّ إِنَّ هَذَا الطَّاغِيَةَ يَبْتَدِي بِبِنَاءِ مَدِينَةٍ لاَ يَتِمُّ لَهُ بِنَاؤُهَا وَ يَكُونُ حَتْفُهُ فِيهَا عَلَى يَدَيْ بَعْضِ فَرَاعِنَةِ الْأَتْرَاكِ.

418- قَالَ النَّوْفَلِيُّ:وَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ عَلَى ثَلاَثَةٍ وَ سَبْعِينَ حَرْفاً وَ إِنَّمَا كَانَ عِنْدَ آصَفَ بْنِ بَرْخِيَا مِنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ فَتَكَلَّمَ بِهِ فَانْخَرَقَتْ لَهُ الْأَرْضُ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ سَبَإٍ فَتَنَاوَلَ عَرْشَ بِلْقِيسَ حَتَّى صَيَّرَهُ إِلَى حَضْرَةِ سُلَيْمَانَ ثُمَّ بُسِطَتِ الْأَرْضُ لَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ،وَ عِنْدَنَا مِنْهُ اثْنَانِ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً وَ يُتَعَجَّبُ مِمَّا وَهَبَهُ اللَّهُ لَنَا بِقُدْرَتِهِ وَ إِذْنِهِ.

419- وَ: كَتَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدَائِنِ يَسْأَلُهُ عَمَّا بَقِيَ مِنْ مُلْكِ الْمُتَوَكِّلِ فَكَتَبَ:

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تَأْكُلُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ»

فَقُتِلَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ الْخَامِسَةَ عَشَرَةَ.

ص:239

قَالَ:وَ كَانَ مِنْ أَمْرِ بِنَاءِ الْمُتَوَكِّلِ الْقَصْرَ الْمُسَمَّى(بِالْجَعْفَرِيِّ)وَ مَا أَمَرَ بِهِ بَنِي هَاشِمٍ مِنَ الْأَبْنِيَةِ مَا يُحَدَّثُ بِهِ.

420- وَ: وَجَّهَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِثَلاَثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهَا فِي بِنَاءِ دَارٍ فَخُطَّتْ وَ رُفِعَ أَسَاسُهَا رَفْعاً يَسِيراً،فَرَكِبَ الْمُتَوَكِّلُ يَوْماً يَطُوفُ فِي الْأَبْنِيَةِ فَنَظَرَ إِلَى دَارِهِ لَمْ تَرْتَفِعْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَ قَالَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَاقَانَ وَزِيرِهِ:عَلَيَّ وَ عَلَيَّ..يَمِيناً أَكَّدَهَا..

لَئِنْ رَكِبْتُ وَ لَمْ تَرْتَفِعْ دَارُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ.

فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَعَلَّهُ فِي ضِيقَةٍ.

فَأَمَرَ لَهُ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَوَجَّهَ بِهَا عُبَيْدُ اللَّهِ مَعَ ابْنِهِ أَحْمَدَ وَ قَالَ حَدِّثْهُ بِمَا جَرَى فَصَارَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ بِالْخَبَرِ فَقَالَ:إِنْ رَكِبَ إِلَى الْبِنَاءِ فَرَجَعَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ إِلَى أَبِيهِ فَعَرَّفَهُ ذَلِكَ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ:لَيْسَ وَ اللَّهِ يَرْكَبُ.

وَ لَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ مِنَ السَّنَةِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا الْمُتَوَكِّلُ أَمَرَ بَنِي هَاشِمٍ بِالتَّرَجُّلِ وَ الْمَشْيِ بَيْنَ يَدَيْهِ،وَ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَتَرَجَّلَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَتَرَجَّلَ بَنُو هَاشِمٍ وَ تَرَجَّلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَاتَّكَأَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ مَوَالِيهِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الْهَاشِمِيُّونَ فَقَالُوا لَهُ:يَا سَيِّدَنَا مَا فِي هَذَا الْعَالَمِ أَحَدٌ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ فَيَكْفِينَا اللَّهُ؟

فَقَالَ لَهُمْ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:فِي هَذَا الْعَالَمِ مَنْ قُلاَمَةُ ظُفُرِهِ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ نَاقَةِ ثَمُودَ لَمَّا عُقِرَتْ وَ ضَجَّ الْفَصِيلُ إِلَى اللَّهِ فَقَالَ اللَّهُ «تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ»

فَقُتِلَ الْمُتَوَكِّلُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ.

421- وَ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ-وَ قَدْ أَجْهَدَهُ الْمَشْيُ-: أَمَا إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ رَحِمِي قَطَعَ اللَّهُ أَجَلَهُ.

422- وَ حَدَّثَ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ السُّخْتِ قَالَ:حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: عَرَضْتُ مُؤَامَرَتِي عَلَى الْمُتَوَكِّلِ فَأَقْبَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى فَقَالَ:لاَ تُتْعِبَنَّ نَفْسَكَ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي الْفَرَجِ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَافِضِيٌّ فَإِنَّهُ وَكِيلُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ.

فَأَرْسَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَيَّ فَعَرَّفَنِي أَنَّهُ قَدْ حَلَفَ أَلاَّ يُخْرِجَنِي مِنَ الْحَبْسِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِي بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.قَالَ:فَكَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّ نَفْسِي قَدْ ضَاقَتْ وَ قَدْ خِفْتُ الزَّيْغَ فَوَقَّعَ إِلَيَّ:أَمَّا

ص:240

إِذَا بَلَغَ الْأَمْرُ مِنْكَ مَا قُلْتَ فِينَا فَأَقْصُدُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِيكَ.

فَمَا انْقَضَتْ أَيَّامُ الْجُمُعَةِ حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ الْحَبْسِ.

423- وَ حَدَّثَنِي بَعْضُ الثِّقَاتِ قَالَ: كَانَ بَيْنَ الْمُتَوَكِّلِ وَ بَيْنَ بَعْضِ عُمَّالِهِ مِنَ الشِّيعَةِ مُعَامَلَةٌ فَعُمِلَتْ لَهُ مُؤَامَرَةٌ أُلْزِمَ فِيهَا ثَمَانُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُتَوَكِّلُ:إِنْ بَاعَنِي غُلاَمَهُ الْفُلاَنِيَّ بِهَذَا الْمَالِ فَلْيُؤْخَذْ مِنْهُ وَ يُخَلَّى لَهُ السَّبِيلُ؟

قَالَ الرَّجُلُ:فَأَحْضَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى وَ كَانَ يَعْنِي بِأَمْرِي وَ يُحِبُّ خَلاَصِي فَعَرَّفَنِي الْخَبَرَ وَ وَصَفَ سُرُورَهُ بِمَا جَرَى وَ أَمَرَنِي بِالْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِي بِبَيْعِ الْغُلاَمِ،فَأَنْعَمْتُ لَهُ، وَ وَجَّهَ لِإِحْضَارِ الْعُدُولِ وَ كَتَبَ الْعُهْدَةَ.

فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:وَ اللَّهِ مَا بِعْتُهُ غُلاَماً وَ قَدْ رَبَّيْتُهُ وَ قَدْ عَرَفَ بِهَذَا الْأَمْرِ وَ اسْتَبْصَرَ فِيهِ فَيَمْلِكُهُ طَاغُوتٌ فَإِنَّ هَذَا حَرَامٌ عَلَيَّ.

فَلَمَّا حَضَرَ الشُّهُودُ وَ أُحْضِرَ الْغُلاَمُ فَأَقَرَّ لِي بِالْعُبُودِيَّةِ،قُلْتُ لِلْعُدُولِ:اِشْهَدُوا أَنَّهُ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ.

فَكَتَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بِالْخَبَرِ،فَخَرَجَ التَّوْقِيعُ أَنْ يُقَيَّدَ بِخَمْسِينَ رِطْلاً وَ يُغَلَّ بِخَمْسِينَ وَ يُوضَعَ فِي أَضْيَقِ الْحُبُوسِ.

قَالَ:فَوَجَّهْتُ بِأَوْلاَدِي وَ جَمِيعِ أَسْبَابِي إِلَى أَصْدِقَائِي وَ إِخْوَانِي يُعَرِّفُونَهُمُ الْخَبَرَ وَ يَسْأَلُونَهُمُ السَّعْيَ فِي خَلاَصِي وَ كَتَبْتُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَبَرِي إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَوَقَّعَ إِلَيَّ:لاَ وَ اللَّهِ لاَ يَكُونُ الْفَرَجُ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ الْأَمْرَ لِلَّهِ وَحْدَهُ.

قَالَ:فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَمِيعِ مَنْ كُنْتُ رَاسَلْتُهُ وَ سَأَلْتُهُ السَّعْيَ فِي أَمْرِي أَسْأَلُهُ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ وَ لاَ يَسْعَى فِي أَمْرِي،وَ أَمَرْتُ أَسْبَابِي أَلاَّ يُعَرِّفُوا خَبَرِي وَ لاَ يَسِيرُوا إِلَى زَائِرٍ مِنْهُمْ.

فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ تِسْعَةِ أَيَّامٍ فُتِحَتِ الْأَبْوَابُ عَنِّي لَيْلاً فَحُمِلْتُ فَأُخْرِجْتُ بِقُيُودِي فَأُدْخِلْتُ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى فَقَالَ لِي وَ هُوَ مُسْتَبْشِرٌ:وَرَدَ عَلَيَّ السَّاعَةَ تَوْقِيعُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُنِي بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِكَ.

فَقُلْتُ لَهُ:إِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ يُحَلَّ قُيُودِي حَتَّى تَكْتُبَ إِلَيْهِ تَسْأَلُهُ عَنِ السَّبَبِ فِي إِطْلاَقِي.

ص:241

فَاغْتَاظَ عَلَيَّ وَ اسْتَشَاطَ غَضَباً وَ أَمَرَنِي فَنُحِّيتُ مِنْ يَدَيْهِ.

فَلَمَّا أَصْبَحَ رَكِبَ إِلَيْهِ ثُمَّ عَادَ فَأَحْضَرَنِي وَ أَعْلَمَنِي أَنَّهُ رَأَى فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ آتِياً أَتَاهُ وَ بِيَدِهِ سِكِّينٌ،فَقَالَ لَهُ:لَئِنْ لَمْ تُخَلِّ سَبِيلَ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ لَأَذْبَحَنَّكَ.وَ أَنَّهُ انْتَبَهَ فَزِعاً فَقَرَأَ وَ تَعَوَّذَ وَ نَامَ.فَأَتَاهُ الْآتِي فَقَالَ لَهُ:أَ لَيْسَ أَمَرْتُكَ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِ فُلاَنٍ،لَئِنْ لَمْ تُخَلِّ سَبِيلَهُ اللَّيْلَةَ لَأَذْبَحَنَّكَ.فَانْتَبَهَ مَذْعُوراً وَ دَاخَلَهُ شَأْنٌ فِي تَخْلِيَتِكَ وَ نَامَ.فَعَادَ إِلَيْهِ الثَّالِثَةَ فَقَالَ لَهُ:

وَ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تُخَلِّ سَبِيلَهُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ لَأَذْبَحَنَّكَ بِهَذَا السِّكِّينِ.قَالَ:فَانْتَبَهْتُ وَ وَقَّعْتُ إِلَيْكَ بِمَا وَقَّعْتُ.قَالَ:ثُمَّ نِمْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئاً.

فَقُلْتُ لَهُ:أَمَّا الْآنَ فَتَأْمُرُ بِحَلِّ قُيُودِي.

فَحَلُّوهَا فَخَرَجْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَ أَهْلِي وَ لَمْ أَرُدَّ مِنَ الْمَالِ دِرْهَماً.

ثم قتل المتوكل في اليوم الرابع من شوال سنة سبع و أربعين و مائتين و سنة سبع و عشرين من إمامة أبي الحسن عليه السّلام و بويع لابنه محمّد بن جعفر المنتصر فكان من حديثه مع أبي الحسن عليه السّلام و مع جعفر بن محمود ما رواه الناس.و ملك ستة أشهر توفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمان و أربعين و مائتين.

و بويع لأحمد بن محمّد المستعين بن المعتصم باللّه فكانت مدته أربع سنين و شهر مع منازعته المعتزلة و محاربته إياه و كانت الفتنة و الحرب بينهما أكثر أيامه إلى أن خلع، و بويع للمعتز ابن المتوكل،و يروى ان اسمه الزبير،في سنة اثنين و خمسين و مائتين، و ذلك في اثنين و ثلاثين سنة من امامة أبي الحسن عليه السّلام.

الحسن العسكريّ عليه السّلام

424- وَ: اعْتَلَّ أَبُو الْحَسَنِ عِلَّتَهُ الَّتِي مَضَى فِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ فَأَحْضَرَ أَبَا مُحَمَّدٍ ابْنَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَسَلَّمَ إِلَيْهِ النُّورَ وَ الْحِكْمَةَ وَ مَوَارِيثَ الْأَنْبِيَاءِ وَ السِّلاَحَ وَ أَوْصَى إِلَيْهِ وَ مَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سِنُّهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي رَجَبٍ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَ مِائَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ فَأَقَامَ مَعَ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ نَحْوَ سَبْعِ سِنِينَ وَ أَقَامَ مُنْفَرِداً بِالْإِمَامَةِ ثلاث [ثَلاَثاً] وَ ثَلاَثِينَ سَنَةً وَ شُهُوراً.

ص:242

425- وَ حَدَّثَنَا جَمَاعَةٌ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْكِي أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَ قَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا جُمْلَةُ بَنِي هَاشِمٍ مِنَ الطَّالِبِيِّينَ وَ الْعَبَّاسِيِّينَ وَ اجْتَمَعَ خَلْقٌ مِنَ الشِّيعَةِ وَ لَمْ يَكُنْ ظَهَرَ عِنْدَهُمْ أَمْرُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ لاَ عَرَفَ خَبَرَهُ إِلاَّ الثِّقَاتُ الَّذِينَ نَصَّ أَبُو الْحَسَنِ عِنْدَهُمْ عَلَيْهِ فَحَكَوْا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مُصِيبَةٍ وَ حَيْرَةٍ.فَهُمْ فِي ذَلِكَ إِذْ خَرَجَ مِنَ الدَّارِ الدَّاخِلَةِ خَادِمٌ فَصَاحَ بِخَادِمٍ آخَرَ:

يَا رَيَّاشُ خُذْ هَذِهِ الرُّقْعَةَ وَ امْضِ بِهَا إِلَى دَارِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ أَعْطِهَا إِلَى فُلاَنٍ وَ قُلْ لَهُ:هَذِهِ رُقْعَةُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ.

فَاسْتَشْرَفَ النَّاسُ لِذَلِكَ ثُمَّ فُتِحَ مِنْ صَدْرِ الرِّوَاقِ بَابٌ وَ خَرَجَ خَادِمٌ أَسْوَدُ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَاسِراً مَكْشُوفَ الرَّأْسِ مَشْقُوقَ الثِّيَابِ وَ عَلَيْهِ مُبَطَّنَةٌ بَيْضَاءُ وَ كَانَ وَجْهُهُ وَجْهَ أَبِيهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لاَ يُخْطِئُ مِنْهُ شَيْئاً وَ كَانَ فِي الدَّارِ أَوْلاَدُ الْمُتَوَكِّلِ وَ بَعْضُهُمْ وُلاَةُ الْعُهُودِ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ عَلَى رِجْلِهِ.وَ وَثَبَ إِلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُوَفَّقُ فَقَصَدَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَعَانَقَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ:مَرْحَباً بِابْنِ الْعَمِّ.

وَ جَلَسَ بَيْنَ بَابَيِ الرِّوَاقِ وَ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ كَانَتِ الدَّارُ كَالسُّوقِ بِالْأَحَادِيثِ.

فَلَمَّا خَرَجَ وَ جَلَسَ أَمْسَكَ النَّاسُ،فَمَا كُنَّا نَسْمَعُ شَيْئاً إِلاَّ الْعَطْسَةَ وَ السُّعْلَةَ وَ خَرَجَتْ جَارِيَةٌ تَنْدُبُ أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَا هَاهُنَا مَنْ يَكْفِي مَئُونَةً مِنْ هَذِهِ الْجَاهِلَةِ.

فَبَادَرَ الشِّيعَةُ إِلَيْهَا فَدَخَلَتِ الدَّارَ ثُمَّ خَرَجَ خَادِمٌ فَوَقَفَ بِحِذَاءِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَنَهَضَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)وَ أُخْرِجَتِ الْجِنَازَةُ وَ خَرَجَ يَمْشِي حَتَّى أُخْرِجَ بِهَا إِلَى الشَّارِعِ الَّذِي بِإِزَاءِ دَارِ مُوسَى بْنِ بَقَا.

وَ قَدْ كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى النَّاسِ وَ صَلَّى عَلَيْهِ لَمَّا أُخْرِجَ الْمُعْتَمَدُ ثُمَّ دُفِنَ فِي دَارٍ مِنْ دُورِهِ.وَ اشْتَدَّ الْحَرُّ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ ضَغَطَهُ النَّاسُ فِي طَرِيقِهِ وَ مُنْصَرَفِهِ مِنَ الشَّارِعِ بَعْدَ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ،فَصَارَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى دُكَّانِ بَقَّالٍ رَآهُ مَرْشُوشاً فَسَلَّمَ وَ اسْتَأْذَنَهُ فِي الْجُلُوسِ فَأَذِنَ لَهُ وَ جَلَسَ،وَ وَقَفَ النَّاسُ حَوْلَهُ.فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُ شَابٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ نَظِيفُ الْكِسْوَةِ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ عَلَى سَرْجٍ بِبِرْذَوْنٍ أَبْيَضَ قَدْ نَزَلَ عَنْهُ فَسَأَلَهُ أَنْ يَرْكَبَهُ،فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى الدَّارَ وَ نَزَلَ وَ خَرَجَ فِي تِلْكَ الْعَشِيَّةِ إِلَى النَّاسِ مَا كَانَ يُحْزَمُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى لَمْ يَفْقِدُوا مِنْهُ إِلاَّ الشَّخْصَ.

ص:243

وَ تَكَلَّمَتِ الشِّيعَةُ فِي شَقِّ ثِيَابِهِ وَ قَالَ بَعْضُهُمْ:هَلْ رَأَيْتُمْ أَحَداً مِنَ الْأَئِمَّةِ شَقَّ ثَوْبَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ؟

فَوَقَّعَ إِلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ:يَا أَحْمَقُ مَا يُدْرِيكَ مَا هَذَا؟قَدْ شَقَّ مُوسَى عَلَى هَرُونَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ.

وَ قَامَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مَقَامَ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ وَ رُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ:لَمَّا أُدْخِلَتْ سَلِيلٌ أُمُّ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ:سَلِيلٌ مَسْلُولَةٌ مِنَ الْآفَاتِ وَ الْعَاهَاتِ وَ الْأَرْجَاسِ وَ الْأَنْجَاسِ.

ثُمَّ قَالَ لَهَا:سَيَهَبُ اللَّهُ حُجَّتَهُ عَلَى خَلْقِهِ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً.

وَ حَمَلَتْ أُمُّهُ بِهِ بِالْمَدِينَةِ وَ وَلَدَتْهُ بِهَا فَكَانَتْ وِلاَدَتُهُ وَ مَنْشَؤُهُ مِثْلَ وِلاَدَةِ آبَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ مَنْشَئِهِمْ.وَ وُلِدَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَ ثَلاَثِينَ وَ مِأَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ؛وَ سِنُّ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ سِتَّةَ عَشْرَةَ سَنَةً وَ شُهُوراً وَ شَخَصَ بِشُخُوصِهِ إِلَى الْعِرَاقِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَ ثَلاَثِينَ وَ مِائَتَيْنِ وَ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ وَ شُهُورٌ.

426- وَ رَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ لَمَّا مَضَى ابْنُهُ مُحَمَّدٌ فَفَكَّرْتُ فِي نَفْسِي فَقُلْتُ:كَانَتْ قِصَّةُ أَبِي مُحَمَّدٍ مِثْلَ قِصَّةِ إِسْمَاعِيلَ وَ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

فَالْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ:نَعَمْ يَا أَبَا هَاشِمٍ هُوَ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ وَ إِنْ كَرِهَ الْمُبْطِلُونَ.أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي عِنْدَهُ عِلْمُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَ مَعَهُ آلَةُ الْإِمَامَةِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

427- وَ حَدَّثَنَا الْحِمْيَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: أَبُو مُحَمَّدٍ إِبْنِي الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي.

428- وَ حَدَّثَنِي الْحِمْيَرِيُّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:إِنِّي كُنْتُ سَأَلْتُ أَبَاكَ عَنِ الْإِمَامَةِ بَعْدَهُ فَنَصَّ عَلَيْكَ،فَفِيمَنِ الْإِمَامَةُ بَعْدَكَ؟

فَقَالَ:إِلَى أَكْبَرِ وُلْدِي.

وَ نَصَّ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ قَالَ:إِنَّ الْإِمَامَةَ لاَ تَكُونُ فِي الْأَخَوَيْنِ بَعْدَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ.

429- وَ عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحُصَيْبِيِّ قَالَ: كُنْتُ بِحَضْرَةِ أَبِي

ص:244

الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ؛وَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَقَالَ:يَا بُنَيَّ أَحْدِثْ لِلَّهِ شُكْراً فَقَدْ أَحْدَثَ اللَّهُ فِيكَ أَمْراً.

430- وَ رَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ مِنْ وُلْدِ الْأَفْطَسِ قَالَ: حَضَرْنَا دَارَ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نُعَزِّيهِ عَنِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ وَ كُنَّا نَحْوَ مِائَةٍ وَ خَمْسِينَ رَجُلاً وَ مَا زَادَ مِنْ أَهْلِهِ وَ مَوَالِيهِ وَ سَائِرِ النَّاسِ إِذْ نَظَرَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ جَاءَ حَتَّى قَامَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ لَهُ:يَا بُنَيَّ أَحْدِثْ لِلَّهِ شُكْراً فَقَدْ جَدَّدَ اللَّهُ فِيكَ أَمْراً.

فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَ إِيَّاهُ أَسْأَلُ تَمَامَ نِعَمِهِ لَنَا فِيكَ وَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

فَسَأَلَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ،فَقَالَ:مَنْ هَذَا الصَّبِيُّ؟

فَقَالَ:هَذَا الْحَسَنُ ابْنُهُ.

431- وَ عَنْهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَلَوِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: الْخَلَفُ بَعْدِي ابْنِيَ الْحَسَنُ فَكَيْفَ بِالْخَلَفِ بَعْدَ الْخَلَفِ؟

فَقُلْتُ:وَ لِمَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ؟

قَالَ:إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَ شَخْصَهُ وَ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ.

قُلْتُ:فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ؟

فَقَالَ:قُولُوا:اَلْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ.

432- وَ رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ رِئَابٍ قَالَ:حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْفَهْفَكِيُّ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَسْأَلُهُ عَنْ مَسَائِلَ فَلَمَّا نَفَذَ الْكِتَابُ قُلْتُ فِي نَفْسِي:إِنِّي كَتَبْتُ فِيمَا كَتَبْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ وَ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ مُحَمَّدٍ ابْنِهِ.فَأَجَابَنِي عَنْ مَسَائِلِي وَ كُنْتَ أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَنِي عَنِ الْخَلَفِ.وَ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي أَصَحُّ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ غَرِيزَةً وَ أَوْثَقُهُمْ عَقِيدَةً بَعْدِي وَ هُوَ الْأَكْبَرُ مِنْ وُلْدِي،إِلَيْهِ تَنْتَهِي عُرَى الْإِمَامَةِ وَ أَحْكَامُهَا.فَمَا كُنْتَ سَائِلاً عَنْهُ فَسَلْهُ،فَعِنْدَهُ عِلْمُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ.

433- وَ حَدَّثَنَا الْحِمْيَرِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ عَنْ سِنَانٍ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ النَّوْفَلِيِّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي صَحْنِ دَارِهِ فَمَرَّ بِنَا أَبُو جَعْفَرٍ ابْنُهُ

ص:245

مُحَمَّدٌ،فَقُلْتُ:جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ هَذَا صَاحِبُنَا؟

فَقَالَ:لاَ وَ صَاحِبُكُمُ الْحَسَنُ.

434- وَ عَنْهُ عَنْ عَلاَّنٍ الْكِلاَبِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ النَّيْسَابُورِيِّ قَالَ:حَدَّثَنِي شَاهَوَيْهِ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجَلاَّبِ قَالَ: كُنْتُ رُوِّيتُ دَلاَئِلَ كَثِيرَةً عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي ابْنِهِ مُحَمَّدٍ فَلَمَّا مَضَى بَقِيتُ مُتَحَيِّراً وَ خِفْتُ أَنْ أَكْتُبَ فِي ذَلِكَ فَلاَ أَدْرِي مَا يَكُونُ.فَكَتَبْتُ أَسْأَلُ الدُّعَاءَ.

فَخَرَجَ الْجَوَابُ بِالدُّعَاءِ لِي،وَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ:أَرَدْتَ أَنْ تَسْأَلَ عَنِ الْخَلَفِ وَ قَلِقْتَ، لِذَلِكَ فَلاَ تَغْتَمَّ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لاَ يُضِلُّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ، وَ صَاحِبُكَ بَعْدِي أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي عِنْدَهُ عِلْمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ يُقَدِّمُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ،قَدْ كَتَبْتُ بِمَا فِيهِ تِبْيَانٌ لِذِي لُبِّ يَقْظَانَ.

435- وَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَا وَ جَمَاعَةٌ نَسْأَلُهُ عَنْ وَصِيِّ أَبِيهِ.

فَكَتَبَ:قَدْ فَهِمْتُ مَا ذَكَرْتُمْ،وَ إِنْ كُنْتُمْ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ فِي شَكٍّ فَإِنَّهَا الْمُصِيبَةُ الْعُظْمَى، أَنَا وَصِيُّهُ وَ صَاحِبُكُمْ بَعْدَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمُشَافَهَةٍ مِنَ الْمَاضِي أُشْهِدُ اللَّهَ تَعَالَى وَ مَلاَئِكَتَهُ وَ أَوْلِيَاءَهُ عَلَى ذَلِكَ،فَإِنْ شَكَكْتُمْ بَعْدَ مَا رَأَيْتُمْ خَطِّي وَ سَمِعْتُمْ مُخَاطَبَتِي فَقَدْ أَخْطَأْتُمْ حَظَّ أَنْفُسِكُمْ وَ غَلِطْتُمُ الطَّرِيقَ.

436- وَ عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَا صَاحِبِ التُّرْكِ قَالَ:قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ابْنِي الْقَائِمُ مِنْ وُلْدِي.

و نشأ أبو محمّد عليه السّلام و قد نص عليه بهذه الأخبار و غيرها عند الخاصّة فقام بأمر اللّه عزّ و جلّ و سنّه ثلاث و عشرون سنة فظهر من دلائله في اليوم الذي مضى فيه أبو الحسن عليه السّلام ما هو مثبت في باب أبي الحسن صلّى اللّه عليه.

و بعد سنة و شهور من إمامته بويع لمحمّد بن الواثق المهتدي و كانت من قصته مع أبي محمّد عليه السّلام ما نحن مثبتوه من الدلائل في مواضعه من هذا الباب.

و في سنتين و شهور من إمامته قتل المهتدي و بويع لأحمد بن جعفر المعتمد سنة ست و خمسين و مائتين.

ص:246

437- وَ رَوَى عَلاَّنٌ الْكِلاَبِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ النَّيْسَابُورِيِّ قَالَ:حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سُوَيْدٍ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ:حَدَّثَنِي نَاصِحٌ الْبَادُودِيُّ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أُعَزِّيهِ فِي أَبِي الْحَسَنِ وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي وَ أَنَا أَكْتُبُ:لَوْ قَدْ حَيَّرَ بِبُرْهَانٍ يَكُونُ حُجَّةً لِي؟

فَأَجَابَنِي عَنْ تَعْزِيَتِي وَ كَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ:مَنْ سَأَلَ آيَةً أَوْ بُرْهَاناً فَأُعْطِيَ ثُمَّ رَجَعَ عَمَّنْ طَالَبَ مِنْهُ الْآيَةَ عُذِّبَ ضِعْفَ الْعَذَابِ،وَ مَنْ صَبَرَ أُعْطِيَ التَّأْيِيدَ مِنَ اللَّهِ،وَ النَّاسُ مَجْبُولُونَ عَلَى جِبِلَّةِ إِيثَارِ الْكُتُبِ الْمُنَشَّرَةِ،فَأَسْأَلُ السَّدَادَ فَإِنَّمَا هُوَ التَّسْلِيمُ أَوِ الْعَطَبُ،وَ لِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ.

438- وَ حَدَّثَنِي عَلاَّنٌ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا مَضَى أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ انْتُهِبَتِ الْخِزَانَةُ فَأُخْبِرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ،فَأَمَرَ بِإِغْلاَقِ الْبَابِ الْكَبِيرِ ثُمَّ دَعَا بِالْحَرِيمِ وَ الْعِيَالِ وَ الْغِلْمَانِ فَجَعَلَ يَقُولُ لِوَاحِدٍ وَاحِدٍ:رُدَّ كَذَا وَ كَذَا؛وَ يُخْبِرُهُ بِمَا أَخَذَ،فَيَرُدُّهُ حَتَّى مَا فُقِدَ مِنَ الْخِزَانَةِ شَيْءٌ إِلاَّ رُدَّ بِعَلاَمَتِهِ وَ عَيْنِهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

439- وَ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ يَوْماً كَتَبْتُ إِلَيْهِ أُخْبِرُهُ بِاخْتِلاَفِ الْمَوَالِي وَ أَسْأَلُهُ إِظْهَارَ دَلِيلٍ،فَكَتَبَ:

إِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ذَوِي الْأَلْبَابِ وَ لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي بِآيَةٍ أَوْ يُظْهِرُ دَلِيلاً أَكْثَرَ مِمَّا جَاءَ بِهِ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ،فَقَالُوا كَاهِنٌ وَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ،فَهَدَى اللَّهُ مَنِ اهْتَدَى،غَيْرَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ يَسْكُنُ إِلَيْهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ،وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلاَلُهُ يَأْذَنُ لَنَا فَنَتَكَلَّمُ وَ يَمْنَعُ فَنَصْمُتُ،وَ لَوْ أَحَبَّ اللَّهُ أَلاَّ يُظْهِرَ حَقّاً لَمَا بَعَثَ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ يُصَدَّعُونَ بِالْحَقِّ فِي حَالِ الضَّعْفِ وَ الْقُوَّةِ فِي أَوْقَاتٍ،وَ يَنْطِقُونَ فِي أَوْقَاتٍ؛لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرَهُ وَ يُنْفِذَ فِي النَّاسِ حُكْمَهُ؛فِي طَبَقَاتٍ شَتَّى.فَالْمُسْتَبْصِرُ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ مُسْتَمْسِكٌ بِالْحَقِّ مُتَعَلِّقٌ بِفَرْعٍ أَصِيلٍ غَيْرُ شَاكٍّ وَ لاَ مُرْتَابٍ لاَ يَجِدُ عَنْهُ مَلْجَأً.وَ طَبَقَةٌ لَمْ تَأْخُذِ الْحَقَّ مِنْ أَهْلِهِ فَهُمْ كَرَاكِبِ الْبَحْرِ يَمُوجُ عِنْدَ مَوْجِهِ وَ يَسْكُنُ عِنْدَ سُكُونِهِ.وَ طَبَقَةٌ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ شَأْنُهُمُ الرَّدُّ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ وَ دَفْعُهُمْ بِالْبَاطِلِ وَ الْهَوَى كُفَّاراً؛حَسَداً مِنْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ.فَدَعْ مَنْ ذَهَبَ يَمِيناً وَ شِمَالاً فَإِنَّ الرَّاعِيَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ غَنَمَهُ جَمَعَهَا فِي أَهْوَنِ سَعْيٍ.ذَكَرْتَ اخْتِلاَفَ مَوَالِينَا فَإِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَ الْكُتُبُ فَلاَ رَيْبَ مَنْ جَلَسَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ،أَحْسِنْ رِعَايَةَ مَنِ اسْتَرْعَيْتَ وَ إِيَّاكَ وَ الْإِذَاعَةَ وَ طَلَبَ الرِّئَاسَةِ،فَإِنَّهُمَا يَدْعُوَانِ إِلَى

ص:247

الْهَلَكَةِ.

ثُمَّ قَالَ:ذَكَرْتَ شُخُوصَكَ إِلَى فَارِسَ فَاشْخَصْ خَارَ اللَّهُ لَكَ وَ تَدْخُلُ مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِناً وَ اقْرَأْ مَنْ تَثِقُ بِهِ مِنْ مَوَالِينَا السَّلاَمَ وَ مُرْهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَظِيمِ وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَ أَعْلِمْهُمْ أَنَّ الْمُذِيعَ عَلَيْنَا حَرْبٌ لَنَا.

قَالَ:فَلَمَّا قَرَأْتُ خَارَ اللَّهُ لَكَ فِي دُخُولِكَ مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِناً لَمْ أَعْرِفِ الْمَعْنَى فِيهِ فَقَدِمْتُ بَغْدَادَ عَازِماً عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى فَارِسَ فَلَمْ يُقَيَّضْ لِي وَ خَرَجْتُ إِلَى مِصْرَ.

قَالَ:وَ لَمَّا هَمَّ الْمُسْتَعِينُ فِي أَمْرِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمَا هَمَّ وَ أُمِرَ سَعِيدٌ الْحَاجِبُ بِحَمْلِهِ إِلَى الْكُوفَةِ وَ أَنْ يُحْدِثَ فِي الطَّرِيقِ حَادِثَةً،انْتَشَرَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ فِي الشِّيعَةِ فَأَقْلَقَهُمْ،وَ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِ سِنِينَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَ الْهَيْثَمُ بْنُ سَبَابَةَ:قَدْ بَلَغَنَا-جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاكَ-خَبَرٌ أَقْلَقَنَا وَ غَمَّنَا وَ بَلَغَ مِنَّا.

فَوَقَّعَ:بَعْدَ ثَلاَثَةٍ يَأْتِيكُمُ الْفَرَجُ.

قَالَ:فَخُلِعَ الْمُسْتَعِينُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَ قَعَدَ الْمُعْتَزُّ وَ كَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ.

440- وَ حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْكَاتِبُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الصَّيْمَرِيِّ صِهْرِ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ الْوَزِيرِ عَلَى ابْنَةِ أُمِّ أَحْمَدَ وَ كَانَ رَجُلاً مِنْ وُجُوهِ الشِّيعَةِ وَ ثِقَاتِهِمْ وَ مُقَدَّماً فِي الْكِتَابَةِ وَ الْأَدَبِ وَ الْعِلْمِ وَ الْمَعْرِفَةِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي أَحْمَدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ وَ بَيْنَ يَدَيْهِ رُقْعَةٌ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِيهَا:إِنِّي نَازَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فِي هَذَا الطَّاغِي يَعْنِي الْمُسْتَعِينَ وَ هُوَ آخِذُهُ بَعْدَ ثَلاَثٍ،فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ خُلِعَ وَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا رَوَاهُ النَّاسُ فِي إِحْدَارِهِ إِلَى وَاسِطٍ وَ قَتْلِهِ.

441- وَ حَدَّثَنَا الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ عَلاَّنِ بْنِ حَمَّوَيْهِ الْكِلاَبِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ النَّخَعِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَابٌّ حَسَنُ الْوَجْهِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:تَرَى مَنْ هَذَا فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:هَذَا ابْنُ أُمِّ غَانِمٍ صَاحِبِ الْحَصَاةِ الَّتِي طَبَعَ فِيهَا آبَائِي عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ قَدْ جَاءَنِي بِهَا لِأَطْبَعَ لَهُ فِيهَا.هَاتِ حَصَاتَكَ.

قَالَ:فَأَخْرَجَ فَإِذَا فِيهَا مَوْضِعٌ أَمْلَسُ فَطَبَعَ بِخَاتَمٍ فِي إِصْبَعِهِ فَانْطَبَعَ.

قَالَ:وَ اسْمُ هَذَا الشَّابِّ الْيَمَانِيِّ مِهْجَعُ بْنُ سِمْعَانَ بْنِ غَانِمِ بْنِ أُمِّ غَانِمٍ الْيَمَانِيَّةِ.

ص:248

442- وَ عَنْهُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ قَالَ: شَكَوْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ضِيقَ الْحَبْسِ وَ كَلَبَ الْقَيْدِ فَكَتَبَ إِلَيَّ:أَنْتَ تُصَلِّي الْيَوْمَ فِي مَنْزِلِكَ الظُّهْرَ.

فَصَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ؛لِأَنِّي أُطْلِقْتُ مِنْ وَقْتِي.

443- وَ عَنْهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَلاَنِسِيِّ قَالَ: كَتَبَ مُحَمَّدٌ أَخِي إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ امْرَأَتُهُ حَامِلٌ تَسْأَلُهُ الدُّعَاءَ بِخَلاَصِهَا وَ أَنْ يَرْزُقَهَا اللَّهُ ذَكَراً أَوْ تَسْأَلُهُ أَنْ تُسَمِّيَهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ:رَزَقَكَ اللَّهُ ذَكَراً سَوِيّاً،وَ نِعْمَ الاِسْمُ مُحَمَّدٌ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ.

فَوَلَدَتْ ابْنَيْنِ تَوْأَماً فَسَمَّى أَحَدَهُمَا مُحَمَّداً وَ الْآخَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ.

444- وَ عَنْهُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: سَأَلَ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْأَرْمَنِيُّ أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ» فَقَالَ:هَلْ يَمْحُو إِلاَّ مَا كَانَ، وَ هَلْ يُثْبِتُ إِلاَّ مَا لَمْ يَكُنْ؟

فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:هَذَا خِلاَفُ مَا يَقُولُ هِشَامٌ الْفُوطِيُّ.إِنَّهُ لاَ يَعْلَمُ الشَّيْءَ حَتَّى يَكُونَ.

فَنَظَرَ إِلَيَّ شَزْراً وَ قَالَ:تَعَالَى اللَّهُ الْجَبَّارُ الْعَالِمُ بِالشَّيْءِ قَبْلَ كَوْنِهِ الْخَالِقُ إِذْ لاَ مَخْلُوقَ وَ الرَّبُّ إِذْ لاَ مَرْبُوبَ وَ الْقَادِرُ قَبْلَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ.

فَقُلْتُ:أَشْهَدُ أَنَّكَ وَلِيُّ اللَّهِ وَ حُجَّتُهُ وَ الْقَائِمُ بِقِسْطِهِ وَ أَنَّكَ عَلَى مِنْهَاجِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

445- وَ عَنْهُ قَالَ:قَالَ لِي أَبُو هَاشِمٍ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْأَرْمَنِيُّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا» فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:ثَبَتَتِ الْمَعْرِفَةُ وَ نَسُوا الْمَوْقِفَ وَ سَيَذْكُرُونَهُ وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَمْ يَدْرِ أَحَدٌ مَنْ خَالِقُهُ وَ لاَ مَنْ رَازِقُهُ.

قَالَ أَبُو هَاشِمٍ:فَجَعَلْتُ أَتَعَجَّبُ فِي نَفْسِي مِنْ عَظِيمِ مَا أَعْطَى اللَّهُ إِلَى أَوْلِيَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَأَقْبَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ:الاّما [اَلْأَمْرُ] أَعْجَبُ أ [مِمَّا] عَجِبْتَ مِنْهُ يَا أَبَا هَاشِمٍ؟مَا ظَنُّكَ بِقَوْمٍ مَنْ عَرَفَهُمْ عَرَفَ اللَّهَ،وَ مَنْ أَنْكَرَهُمْ أَنْكَرَ اللَّهَ،وَ لاَ مُؤْمِنَ إِلاَّ وَ هُوَ لَهُمْ مُصَدِّقٌ وَ بِمَعْرِفَتِهِمْ مُوقِنٌ.

446- وَ عَنِ الْحِمْيَرِيِّ أَيْضاً قَالَ:قَالَ لِي أَبُو هَاشِمٍ:سَمِعْتُهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي لاَ تُغْفَرُ قَوْلُ الْإِنْسَانِ:لَيْتَنِي لاَ أُؤَاخَذُ إِلاَّ بِهَذَا.

فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعِلْمُ الدَّقِيقُ وَ قَدْ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَفَقَّدَ مِنْ نَفْسِهِ كُلَّ

ص:249

شَيْءٍ.

فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ:صَدَقْتَ يَا أَبَا هَاشِمٍ،فَالْزَمْ مَا حَدَّثَتْكَ بِهِ نَفْسُكَ،فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ فِي النَّاسِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ وَ مِنْ دَبِيبِهِ عَلَى الْمِسْحِ الْأَسْوَدِ.

447- وَ عَنْهُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» أَقْرَبُ إِلَى اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ مِنْ سَوَادِ الْعَيْنِ إِلَى بَيَاضِهَا.

448- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شموذ [شَمُّونٍ] عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أَخَذَ الْمُهْتَدِي:يَا سَيِّدِي الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَغَلَهُ عَنَّا فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يَتَهَدَّدُ شِيعَتَكَ وَ يَقُولُ وَ اللَّهِ لَأُجْلِيَنَّهُمْ عَنْ جَدِيدِ الْأَرْضِ فَوَقَّعَ بِخَطِّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:ذَاكَ أَقْصَرُ لِعُمُرِهِ عُدَّ مِنْ يَوْمِكَ هَذَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ مِنْ يَوْمِ السَّادِسِ بَعْدَ هَوَانٍ وَ اسْتِخْفَافٍ وَ ذُلٍّ يَلْحَقُهُ.

فَكَانَ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

449- وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شموذ [شَمُّونٍ] قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَمِّنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ يُشَاوِرُهُ فِي شِرَاءِ جَارِيَةٍ نَفِيسَةٍ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ لاِبْنِهِ فَكَتَبَ:لاَ تَشْتَرِهَا فَإِنَّ بِهَا جُنُوناً وَ هِيَ قَصِيرَةُ الْعُمُرِ مَعَ جُنُونِهَا.

قَالَ فَأَضَرَّتْ عَنْ أَمْرِ هَاشِمٍ مَرَرْتُ بَعْدَ أَيَّامٍ وَ مَعِي ابْنِي عَلِيٌّ مَوْلاَهَا فَقُلْتُ أَشْتَهِي أَنْ أَسْتَعِيدَ عَرْضَهَا وَ أَرَاهَا فَأَخْرَجَهَا إِلَيْنَا،فَبَيْنَمَا هِيَ وَاقِفَةٌ بَيْنَ أَيْدِينَا حَتَّى صَارَ وَجْهُهَا فِي قَفَاهَا،فَلَبِثَتْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَ مَاتَتْ.

450- وَ عَنْهُ عَنْ أَبِي غَانِمٍ قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: سَنَةَ سِتِّينَ تَفْتَرِقُ شِيعَتُنَا.

451- وَ رَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ قَالَ: كُنْتُ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كُنْتُ فِي إِضَافَةٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أَطْلُبَ مِنْهُ دَنَانِيرَ فَاسْتَحْيَيْتُ فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَجَّهَ إِلَيَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَ كَتَبَ إِلَيَّ:إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَلاَ تَسْتَحْيِ وَ لاَ تَحْتَشِمْ وَ اطْلُبْهَا يَأْتِكَ مَا تُحِبُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

452- وَ عَنْهُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ سُفْيَانَ الْعَبْدِيِّ قَالَ: خَلَّفْتُ ابْنِي بِالْبَصْرَةِ عَلِيلاً وَ كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَسْأَلُهُ الدُّعَاءَ فَوَقَّعَ:رَحِمَ اللَّهُ ابْنَكَ إِنَّهُ كَانَ مُؤْمِناً.

قَالَ الْحَجَّاجُ:فَوَرَدَ عَلَيَّ الْكِتَابُ:إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَ كَانَ شَاكّاً فِي الْإِمَامَةِ

ص:250

لِلاِخْتِلاَفِ الَّذِي وَقَعَ فِي أَلْسِنَةٍ.

453- وَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلاَّنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكِلاَبِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّخَعِيِّ قَالَ:

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رِئَابٍ الرَّقَاشِيُّ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَسْأَلُهُ عَنْ مِشْكَاةٍ وَ أَنْ يَدْعُوَ لاِمْرَأَتِي وَ كَانَتْ حَامِلاً أَنْ يَرْزُقَهَا ذَكَراً وَ أَنْ يُسَمِّيَهُ فَرَجَعَ الْجَوَابُ:

الْمِشْكَاةُ قَلْبُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

وَ كَتَبَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ:أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ وَ أَخْلَفَ عَلَيْكَ.

فَوَلَدَتْ وَلَداً مَيِّتاً وَ حَمَلَتْ بَعْدَهُ فَوَلَدَتْ غُلاَماً.

454- وَ عَنْهُ عَنْ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُمَيْدٍ الذَّارِعُ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَسْأَلُهُ الدُّعَاءَ بِالْفَرَجِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الضِّيقِ،فَرَجَعَ الْجَوَابُ:اَلْفَرَجُ سَرِيعٌ.يَقْدَمُ عَلَيْكَ مَالٌ مِنْ نَاحِيَةِ فَارِسَ.

فَمَاتَ ابْنُ عَمٍّ لِي بِفَارِسَ وَرِثْتُهُ وَ جَاءَنِي مَالٌ بَعْدَ أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ.

455- وَ عَنْهُ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَلْخِيِّ قَالَ: أَصْبَحْتُ يَوْماً وَ جَلَسْتُ فِي شَارِعِ سُوقِ الْغَنَمِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ أَقْبَلَ يُرِيدُ بَابَ الْعَامَّةِ بِسُرَّمَنْ رَأَى فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:تَرَانِي إِنْ صِحْتُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَذَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فَاعْرِفُوهُ يَقْتُلُونِّي.

فَلَمَّا دَنَا مِنِّي وَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ أَوْمَأَ إِلَيَّ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ وَ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ أَنِ اسْكُتْ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ حَتَّى قَبَّلْتُ رِجْلَهُ،فَقَالَ لِي:أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَذَعْتَ لَهَلَكْتَ.

وَ رَأَيْتُهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ يَقُولُ:إِنَّمَا هُوَ الْكِتْمَانُ أَوِ الْقَتْلُ فَابْقُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ.

456- وَ عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَقْرَعِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَمْزَةَ قَصْرٌ الْخَادِمُ قَالَ: سَمِعْتُ مَوْلاَيَ أَبَا مُحَمَّدٍ غَيْرَ مَرَّةٍ يُكَلِّمُ غِلْمَانَهُ الرُّومَ بِالرُّومِيَّةِ وَ الصَّقَالِبَةَ بِالصَّقْلَبِيَّةِ وَ الْأَتْرَاكَ بِالتُّرْكِيَّةِ فَعَجِبْتُ مِنْ ذَلِكَ وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي:هَذَا وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ وَ لَمْ يَظْهَرْ لِأَحَدٍ حَتَّى مَضَى أَبُوهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ،فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ:إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَبِينُ الْحُجَّةَ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ وَ يُعْطِيهِ اللُّغَاتَ وَ مَعْرِفَةَ الْأَنْسَابِ وَ الْآجَالِ وَ الْحَوَادِثِ وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحُجَّةِ وَ الْمَحْجُوجِ فَرْقٌ.

457- وَ عَنْهُ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَسْأَلُهُ هَلْ يَحْلُمُ الْإِمَامُ؟فَقُلْتُ فِي نَفْسِي بَعْدَ

ص:251

نُفُوذِ الْكِتَابِ:اَلاِحْتِلاَمُ شَيْطَانِيٌّ وَ قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ ذَلِكَ.فَوَقَّعَ إِلَيَّ:حَالُ الْأَئِمَّةِ فِي النَّوْمِ مِثْلُ حَالِهِمْ فِي الْيَقَظَةِ لاَ يُغَيِّرُ النَّوْمُ مِنْهُمْ شَيْئاً وَ قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ لَمَّةَ الشَّيْطَانِ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ.

458- وَ رَوَى الْكِلاَبِيُّ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بِلاَلٍ وَ أَبُو يَحْيَى النُّعْمَانِيُّ قَالاَ: وَرَدَ كِتَابٌ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ وَ نَحْنُ حُضُورٌ عِنْدَ أَبِي طَاهِرٍ مِنْ بِلاَلٍ فَنَظَرْنَا فِيهِ فَقَالَ النُّعْمَانِيُّ:فِيهِ لَحْنٌ أَوْ يَكُونُ النَّحْوُ بَاطِلاً-وَ كَانَ هَذَا بِسُرَّمَنْ رَأَى-فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ إِذْ جَاءَنَا تَوْقِيعُهُ:مَا بَالُ قَوْمٍ يَلْحَنُونَنَا وَ إِنَّ الْكَلِمَةَ نَتَكَلَّمُ بِهَا تَنْصَرِفُ عَلَى سَبْعِينَ وَجْهاً؛فِيهَا كُلِّهَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا وَ الْمَحَجَّةُ.

459- وَ عَنْهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَبَّاسِيِّ قَالَ: قَعَدْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ فَلَمَّا مَرَّ بِي قُمْتُ إِلَيْهِ وَ شَكَوْتُ الْحَاجَةَ وَ حَلَفْتُ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي دِرْهَمٌ فَمَا فَوْقَهُ فَقَالَ لِي:تَحْلِفُ بِاللَّهِ كَاذِباً قَدْ دَفَنْتَ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَ لَيْسَ قَوْلِي هَذَا دَفْعاً عَنِ الْعَطِيَّةِ.أَعْطِهِ يَا غُلاَمُ إِذَا صِرْتَ إِلَى الدَّارِ مِائَةَ دِينَارٍ.

ثُمَّ قَالَ:أَمَا إِنَّكَ تُحْرَمُهَا أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهَا-يَعْنِي الْمِائَتَيْنِ.

فَاضْطُرِرْتُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مَا أُنْفِقُهُ فَمَضَيْتُ لِأَنْبُشَهَا فَإِذَا ابْنٌ لِي قَدْ عَرَفَ مَوْضِعَهَا فَأَخَذَهَا وَ هَرَبَ.

460- عَلاَّنٌ الْكِلاَبِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ لِي فَرَسٌ وَ كُنْتُ بِهِ مُتَعَجِّباً فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لِي:مَا فَعَلَ فَرَسُكَ؟

قُلْتُ:كَانَ تَحْتِي وَ هُوَ عَلَى الْبَابِ.

فَقَالَ:اِسْتَبْدِلْ بِهِ قَبْلَ الْمَسَاءِ إِنْ قَدَرْتَ.

فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ مُفَكِّراً فِي بَيْعِهِ ثُمَّ نُفِسَتْ فِيهِ وَ كَانَ الرَّاغِبُ فِيهِ الطَّالِبُ لَهُ كَثِيراً بِأَوْفَرِ الثَّمَنِ فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ أَتَانِي السَّائِسُ بَاكِياً صَارِخاً فَقَالَ:نَفَقَ الْفَرَسُ فَاغْتَمَمْتُ.

قَالَ:وَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَيَّامٍ وَ قَدْ فَكَّرْتُ فِي أَنْ يُخْلِفَ [ فَلَمَّا جَلَسْتُ قَالَ نَعَمْ نُخْلِفُ دَابَّةً] عَلَيْكَ يَا غُلاَمُ ادْفَعْ إِلَيْهِ بِرْذَوْنِيَ الْكُمَيْتَ الَّذِي أَرْكَبُهُ،هَذَا أَفْرَهُ مِنْ فَرَسِكَ وَ أَطْوَلُ عُمُراً وَ أَشَدُّ وَ أَقْوَى.

461- سَعْدٌ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ قَالَ: كُنْتُ مَحْبُوساً عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي حَبْسِ الْمُهْتَدِي فَقَالَ

ص:252

لِي:يَا أَبَا هَاشِمٍ إِنَّ هَذَا الطَّاغِيَةَ أَرَادَ أَنْ يَعْبَثَ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَ قَدْ بَتَرَ اللَّهُ عُمُرَهُ وَ جَعَلَهُ لِلْمُتَوَلِّي بَعْدَهُ وَ لَيْسَ لِي وَلَدٌ وَ سَيَرْزُقُنِي اللَّهُ وَلَداً بِمَنِّهِ وَ لُطْفِهِ.

فَلَمَّا أَصْبَحْنَا شَغَبَتِ الْأَتْرَاكُ عَلَى الْمُهْتَدِي وَ أَعَانَهُمُ الْعَامَّةُ لَمَّا عَرَفُوا مِنْ قَوْلِهِ بِالاِعْتِزَالِ وَ الْقَدَرِ فَقَتَلُوهُ وَ نَصَبُوا مَكَانَهُ الْمُعْتَمَدَ وَ بَايَعُوا لَهُ،وَ كَانَ الْمُهْتَدِي قَدْ صَحَّحَ الْعَزْمَ عَلَى قَتْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَشَغَلَهُ اللَّهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى قُتِلَ وَ مَضَى إِلَى أَلِيمِ عَذَابِ اللَّهِ.

462- وَ عَنْهُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: إِذَا قَامَ الْقَائِمُ أَمَرَ بِهَدْمِ الْمَنَابِرِ الَّتِي فِي الْمَسَاجِدِ.

فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:لِأَيِّ مَعْنَى هَذَا؟

فَقَالَ لِي:مَعْنَى هَذَا أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ مُبْتَدَعَةٌ لَمْ يَبْنِهَا نَبِيٌّ وَ لاَ حُجَّةٌ.

463- الْحِمْيَرِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الزَّعْفَرَانِ عَنْ أُمِّ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ قَالَ: قَالَ لِي يَوْماً مِنَ الْأَيَّامِ:يُصِيبُنِي فِي سَنَةِ سِتِّينَ وَ مِائَتَيْنِ حَرَارَةٌ أَخَافُ أَنْ أَنْكَبَ مِنْهَا نَكْبَةً.

قَالَتْ:فَأَظْهَرْتُ الْجَزَعَ وَ أَخَذَنِي الْبُكَاءُ.

قَالَ:لاَ بُدَّ مِنْ وُقُوعِ أَمْرِ اللَّهِ لاَ تَجْزَعِي.

فَلَمَّا كَانَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سِتِّينَ وَ مِائَتَيْنِ أَخَذَهَا الْمُقِيمُ وَ الْمُقْعِدُ وَ جَعَلَتْ تَخْرُجُ فِي الْأَحَايِيِنِ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ تُجَسِّسُ الْأَخْبَارَ حَتَّى وَرَدَ عَلَيْهَا الْخَبَرُ حِينَ حَبَسَهُ الْمُعْتَمَدُ فِي يَدَيْ عَلِيِّ بْنِ جَرِينٍ وَ حَبَسَ أَخَاهُ جَعْفَراً مَعَهُ وَ كَانَ الْمُعْتَمَدُ يَسْأَلُ عَلِيّاً عَنْ أَخْبَارِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَ وَقْتٍ فَيُخْبِرُهُ أَنَّهُ يَصُومُ النَّهَارَ وَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فَسَأَلَهُ يَوْماً مِنَ الْأَيَّامِ عَنْ خَبَرِهِ فَأَخْبَرَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ امْضِ السَّاعَةَ إِلَيْهِ وَ اقْرَأْهُ مِنِّي السَّلاَمَ وَ قُلْ لَهُ انْصَرِفْ إِلَى مَنْزِلِكَ مُصَاحَباً.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ جَرِيرٍ فَجِئْتُ إِلَى بَابِ السِّجْنِ فَوَجَدْتُ حِمَاراً مُسْرَجاً فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ فَوَجَدْتُهُ جَالِساً وَ قَدْ لَبِسَ خُفَّهُ وَ طَيْلَسَانَهُ وَ شَاشِيَّتَهُ فَلَمَّا رَآنِي نَهَضَ فَأَدَّيْتُ إِلَيْهِ الرِّسَالَةَ وَ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى الْحِمَارِ وَقَفَ فَقُلْتُ لَهُ:فَمَا وُقُوفُكَ يَا سَيِّدِي؟فَقَالَ لِي:حَتَّى يَخْرُجَ جَعْفَرٌ،فَقُلْتُ:إِنَّمَا أَمَرَنِي بِإِطْلاَقِكَ دُونَهُ.

ص:253

فَقَالَ:تَرْجِعُ إِلَيْهِ فَتَقُولُ لَهُ:خَرَجْنَا مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ جَمِيعاً فَإِذَا رَجَعْتُ وَ لَيْسَ هُوَ مَعِي كَانَ فِي ذَلِكَ مَا لاَ خَفَاءَ بِهِ عَلَيْكَ.

فَمَضَى وَ عَادَ فَقَالَ لَهُ:يَقُولُ لَكَ:قَدْ أَطْلَقْتُ جَعْفَراً لَكَ لِأَنِّي قَدْ حَبَسْتُهُ بِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَ عَلَيْكَ وَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ.

وَ خَلَّى سَبِيلَهُ فَصَارَ مَعَهُ إِلَى دَارِ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ.

قَالَ:خَرَجَ السُّلْطَانُ يُرِيدُ صَاحِبَ الْبَصْرَةِ،خَرَجَ أَبُو مُحَمَّدٍ بِشِيعَتِهِ فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ مَاضِياً مَعَهُ وَ كُنَّا جَمَاعَةً مِنْ شِيعَتِهِ فَجَلَسْنَا مَا بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ نَنْتَظِرُ رُجُوعَهُ فَلَمَّا رَجَعَ فَحَاذَانَا وَقَفَ عَلَيْنَا ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ إِلَى قَلَنْسُوَتِهِ فَأَخَذَهَا مِنْ رَأْسِهِ وَ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ أَمَرَّ يَدَهُ الْأُخْرَى عَلَى رَأْسِهِ وَ ضَحِكَ فِي وَجْهِ رَجُلٍ مِنَّا فَقَالَ الرَّجُلُ مُبَادِراً:أَشْهَدُ أَنَّكَ حُجَّةُ اللَّهِ وَ خِيَرَتُهُ.

فَسَأَلْنَاهُ:مَا شَأْنُكَ؟

فَقَالَ:كُنْتُ شَاكّاً فِيهِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي إِنْ رَجَعَ وَ أَخَذَ قَلَنْسُوَتَهُ مِنْ رَأْسِهِ قُلْتُ بِإِمَامَتِهِ.

464- وَ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصميريين [اَلصَّيْمَرِيِّينَ] مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ صَالِحٍ: أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ صَالِحٍ كَانَ فِي أَوَّلِ خُرُوجِهِ إِلَى سُرَّمَنْ رَأَى لِلِقَاءِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ مَعَهُ رَجُلاَنِ مِنَ الشِّيعَةِ وَافَقَ قُدُومَهُمْ رُكُوبُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

قَالَ الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ:فَتَفَرَّقْنَا فِي ثَلاَثِ طُرُقٍ وَ قُلْنَا:إِنْ رَجَعَ فِي أَحَدِهَا رَآهُ رَجُلٌ مِنَّا.فَانْتَظَرْنَاهُ،فَعَادَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي قَعَدَ فِيهِ الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ.فَلَمَّا طَلَعَ وَ حَاذَاهُ قَالَ:قُلْتُ فِي نَفْسِي:اَللَّهُمَّ إِنْ كَانَ حُجَّتُكَ حَقّاً وَ إِمَامَنَا فَلْيَمَسَّ قَلَنْسُوَتَهُ.

فَلَمْ أَسْتَتِمَّ ذَلِكَ حَتَّى مَسَّهَا وَ حَرَّكَهَا عَلَى رَأْسِهِ،فَقُلْتُ:يَا رَبِّ إِنْ كَانَ حُجَّتَكَ فَلْيَمَسَّهَا ثَانِياً.

فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَأَخَذَهَا عَنْ رَأْسِهِ ثُمَّ رَدَّهَا.

وَ كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ بِالسَّلاَمِ عَلَيْهِ وَ الْوُقُوفُ عَلَى بَعْضِهِمْ فَتَقَدَّمَهُ إِلَى دَرْبٍ آخَرَ فَلَقِيتُ صَاحِبَيَّ وَ عَرَّفْتُهُمَا مَا سَأَلْتُ اللَّهَ فِي نَفْسِي وَ مَا فَعَلَ،فَقَالاَ:فَتَسْأَلُ وَ نَسْأَلُ الثَّالِثَةَ فَطَلَعَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَرُبْنَا مِنْهُ فَنَظَرَ إِلَيْنَا وَ وَقَفَ عَلَيْنَا ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ إِلَى قَلَنْسُوَتِهِ فَرَفَعَهَا عَنْ رَأْسِهِ وَ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ وَ أَمَرَّ يَدَهُ الْأُخْرَى عَلَى رَأْسِهِ وَ تَبَسَّمَ فِي وُجُوهِنَا وَ قَالَ:كَمْ هَذَا الشَّكُّ؟

ص:254

قَالَ الْحَسَنُ:فَقُلْتُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنَّكَ حُجَّةُ اللَّهِ وَ خِيَرَتُهُ.

قَالَ:ثُمَّ لَقِينَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي دَارِهِ وَ أَوْصَلْنَا إِلَيْهِ مَا مَعَنَا مِنَ الْكُتُبِ وَ غَيْرِهَا.

465- وَ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الصَّيْمَرِيِّ قَالَ: كُنْتُ جَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَحْمِلَ فِي كُلِّ سَنَةٍ النِّصْفَ مِنْ خَالِصِ ارْتِفَاعِ ضَيْعَتَيْنِ لِي بِالْبَصْرَةِ لَمْ يَكُنْ فِي ضِيَاعِي أَجَلَّ مِنْهُمَا وَ لاَ أَكْثَرَ دَخْلاً إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَكَانَتْ تَزْكُو غَلاَّتُهَا وَ تَرِيعُ أَضْعَافَ الرَّيْعِ قَبْلَ ذَلِكَ.فَأَعْدَدْتُ أَلْفَيْ دِينَارٍ لِأَحْمِلَهَا،فَوَجَّهَ إِلَيَّ ابْنُ عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ صَالِحٍ الصَّيْمَرِيُّ بِأَمْوَالٍ حَمَلْتُهَا إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَعَ أَمْوَالِي فِي كِتَابِي وَ لاَ فَصَّلْتُ مَالَهُ مِنْ مَالِي،فَوَرَدَ عَلَيَّ الْجَوَابُ:وَ قَدْ وَصَلَ مَا حَمَلْتَهُ وَ فِي جُمْلَتِهِ مَا حَمَلَهُ إِلَيْنَا عَلَى يَدِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَرَابَتُكَ فَعَرَفَهُ ذَلِكَ.

466- وَ عَنْهُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى قَالَ: كُنْتُ جَالِساً فِي الشَّارِعِ بِسُرَّمَنْ رَأَى فَمَرَّ بِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ رَاكِبٌ وَ كُنْتُ أَشْتَهِي الْوَلَدَ شَهْوَةً شَدِيدَةً فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:تَرَى أَنِّي أُرْزَقُ وَلَداً؟

فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ:نَعَمْ.

فَقُلْتُ:ذَكَراً؟

فَقَالَ بِرَأْسِهِ:لاَ.

فَحُمِلَ لِي حَمْلٌ وَ وُلِدَتْ لِي بِنْتٌ.

467- وَ عَنْهُ عَنِ الْمَحْمُودِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ خَطَّ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا أُخْرِجَ مِنْ حَبْسِ الْمُعْتَمَدِ:

«يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» .

468- الْحِمْيَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لِي:يَا أَحْمَدُ مَا كَانَ حَالُكُمْ فِيمَا كَانَ النَّاسُ فِيهِ مِنَ الشَّكِّ وَ الاِرْتِيَابِ؟

قُلْتُ:يَا سَيِّدِي لَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ بِخَبَرِ سَيِّدِنَا وَ مَوْلِدِهِ لَمْ يَبْقَ مِنَّا رَجُلٌ وَ لاَ امْرَأَةٌ وَ لاَ غُلاَمٌ بَلَغَ الْفَهْمَ إِلاَّ قَالَ بِالْحَقِّ.

فَقَالَ:أَ مَا عَلِمْتُمْ أَنَّ الْأَرْضَ لاَ تَخْلُو مِنْ حُجَّةِ اللَّهِ.

ثُمَّ أَمَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَالِدَتَهُ بِالْحَجِّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ وَ عَرَّفَهَا مَا يَنَالُهُ

ص:255

فِي سَنَةِ السِّتِّينَ وَ أَحْضَرَ الصَّاحِبَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَوْصَى إِلَيْهِ وَ سَلَّمَ الاِسْمَ الْأَعْظَمَ وَ الْمَوَارِيثَ وَ السِّلاَحَ إِلَيْهِ.

وَ خَرَجَتْ أُمُّ أَبِي مُحَمَّدٍ مَعَ الصَّاحِبِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ جَمِيعاً إِلَى مَكَّةَ،وَ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَهَّرٍ أَبُو عَلِيٍّ الْمُتَوَلِّي لِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْوَكِيلُ فَلَمَّا بَلَغُوا بَعْضَ الْمَنَازِلِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ تَلَقَّى الْأَعْرَابُ الْقَوَافِلَ فَأَخْبَرُوهُمْ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ وَ قِلَّةِ الْمَاءِ فَرَجَعَ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ مَنْ كَانَ فِي«النَّاحِيَةِ»فَإِنَّهُمْ نَفَذُوا وَ سَلَّمُوا.

وَ رُوِيَ: أَنَّهُ وَرَدَ عَلَيْهِمْ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالنُّفُوذِ. و مضى أبو محمّد عليه السّلام في شهر ربيع الآخر سنة ستين و مائتين و دفن بسرمن رأى إلى جانب أبيه أبي الحسن(صلّى اللّه عليهما)فكان من ولادته إلى وقت مضيه تسع و عشرون سنة منها مع أبي الحسن ثلاث و عشرون سنة و بعده منفردا بالإمامة ست سنين.

ص:256

قيام صاحب الزمان عليه السلام

و هو الخلف الزكيّ بقيّة اللّه في أرضه و حجّته على خلقه المنتظر لفرج أوليائه من عباده عليه السّلام و رحمته و تحياته.

469- رُوِيَ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْإِمَامَ أَنْزَلَ قَطْرَةً مِنَ الْمُزْنِ فَسَقَطَتْ عَلَى ثِمَارِ الْأَرْضِ فَيَأْكُلُهَا الْحُجَّةُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَسْتَقِرُّ فِيهِ وَ مَضَى لَهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً سَمِعَ الصَّوْتَ،فَإِذَا أَتَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كُتِبَ عَلَى عَضُدِهِ الْأَيْمَنِ: «وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ، فَإِذَا قَامَ بِالْأَمْرِ رُفِعَ لَهُ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ فِي كُلِّ بَلَدٍ يَنْظُرُ بِهِ إِلَى أَعْمَالِ الْعِبَادِ.

470- قَالَ الْمُؤَلِّفُ لِهَذَا الْكِتَابِ:رَوَى لَنَا الثِّقَاتُ مِنْ مَشَايِخِنَا: أَنَّ بَعْضَ أَخَوَاتِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ وُلِدَتْ فِي بَيْتِهَا وَ رَبَّتْهَا تُسَمَّى نَرْجِسَ فَلَمَّا كَبِرَتْ وَ عَبِلَتْ دَخَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَأَعْجَبَتْهُ.

فَقَالَتْ عَمَّتُهُ:أَرَاكَ تَنْظُرُ إِلَيْهَا؟

فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ:إِنِّي مَا نَظَرْتُ إِلَيْهَا إِلاَّ مُتَعَجِّباً!

أَمَا إِنَّ الْمَوْلُودَ الْكَرِيمَ عَلَى اللَّهِ-جَلَّ وَ عَلاَ-يَكُونُ مِنْهَا.

ثُمَّ أَمَرَهَا أَنْ تَسْتَأْذِنَ أَبَا الْحَسَنِ فِي دَفْعِهَا إِلَيْهِ،فَفَعَلَتْ،فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ.

471- وَ رَوَى جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّيُوخِ الْعُلَمَاءِ؛مِنْهُمْ عَلاَّنٌ الْكِلاَبِيُّ وَ مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْغَازِي وَ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَسَانِيدِهِمْ: أَنَّ حَكِيمَةَ بِنْتَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَمَّةَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَتْ تَدْخُلُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ فَتَدْعُو لَهُ أَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ وَلَداً وَ إِنَّهَا قَالَتْ:دَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْماً فَدَعَوْتُ لَهُ كَمَا كُنْتُ أَدْعُو.فَقَالَ لِي:يَا عَمَّةُ أَمَا إِنَّهُ يُولَدُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ-وَ كَانَتْ لَيْلَةُ

ص:257

النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ-اَلْمَوْلُودُ الَّذِي كُنَّا نَتَوَقَّعُهُ،فَاجْعَلِي إِفْطَارَكِ عِنْدَنَا-وَ كَانَتْ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ-

فَقُلْتُ لَهُ:مِمَّنْ يَكُونُ هَذَا الْمَوْلُودُ يَا سَيِّدِي؟

فَقَالَ:مِنْ جَارِيَتِكِ نَرْجِسَ.

قَالَتْ:وَ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَوَارِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهَا وَ لاَ أَخَفُّ عَلَى قَلْبِي وَ كُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ الدَّارَ تَتَلَقَّانِي وَ تُقَبِّلُ يَدِي وَ تَنْزِعُ خُفِّي بِيَدِهَا.

فَلَمَّا دَخَلْتُ إِلَيْهَا فَفَعَلَتْ بِي كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ،فَانْكَبَبْتُ عَلَى يَدِهَا فَقَبَّلْتُهَا وَ مَنَعْتُهَا مِمَّا تَفْعَلُهُ،فَخَاطَبَتْنِي بِالسِّيَادَةِ،فَخَاطَبْتُهَا بِمِثْلِهِ،فَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ،فَقُلْتُ لَهَا:لاَ تُنْكِرِي مَا فَعَلْتُهُ،فَإِنَّ اللَّهَ سَيَهَبُ لَكِ فِي لَيْلَتِنَا هَذِهِ غُلاَماً سَيِّداً فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ.

قَالَتْ:فَاسْتَحْيَتْ.

قَالَتْ حَكِيمَةُ:فَتَعَجَّبْتُ،وَ قُلْتُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ:إِنِّي لَسْتُ أَرَى بِهَا أَثَرَ حَمْلٍ!

فَتَبَسَّمَ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)وَ قَالَ لِي:إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَوْصِيَاءِ لاَ نُحْمَلُ فِي الْبُطُونِ وَ لَكِنَّا نُحْمَلُ فِي الْجَنُوبِ.وَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مَعَ الْفَجْرِ يُولَدُ الْمَوْلُودُ الْمُكَرَّمُ عَلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

قَالَتْ:فَنِمْتُ بِالْقُرْبِ مِنَ الْجَارِيَةِ،وَ بَاتَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي صُفَّةٍ فِي تِلْكَ الدَّارِ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ صَلاَةِ اللَّيْلِ قُمْتُ؛وَ الْجَارِيَةُ نَائِمَةٌ..مَا بِهَا أَثَرُ الْوِلاَدَةِ،وَ أَخَذْتُ فِي صَلاَتِي ثُمَّ أَوْتَرْتُ.

فَبَيْنَا أَنَا فِي الْوَتْرِ حَتَّى وَقَعَ فِي نَفْسِي:أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ وَ دَخَلَ فِي قَلْبِي شَيْءٌ،فَصَاحَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ الصُّفَّةِ:لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ يَا عَمَّةُ بَعْدُ،فَأَسْرَعْتُ الصَّلاَةَ وَ تَحَرَّكَتِ الْجَارِيَةُ فَدَنَوْتُ مِنْهَا وَ ضَمَمْتُهَا إِلَيَّ وَ سَمَّيْتُ عَلَيْهَا ثُمَّ قُلْتُ لَهَا:هَلْ تَحِسِّينَ شَيْئاً؟

قَالَتْ:نَعَمْ.

فَوَقَعَ عَلَيَّ سُبَاتٌ،لَمْ أَتَمَالَكْ مَعَهُ أَنْ نِمْتُ،وَ وَقَعَ عَلَى الْجَارِيَةِ مِثْلُ ذَلِكَ،فَنَامَتْ وَ هِيَ قَاعِدَةٌ.فَلَمْ تَنْتَبِهْ إِلاَّ وَ هِيَ تُحِسُّ مَوْلاَيَ وَ سَيِّدِي تَحْتَهَا وَ بِصَوْتِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ هُوَ يَقُولُ:يَا عَمَّتِي هَاتِ ابْنِي إِلَيَّ.

فَكَشَفْتُ عَنْ سَيِّدِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِذَا أَنَا بِهِ سَاجِداً مُنْقَلِباً إِلَى الْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ

ص:258

وَ عَلَى ذِرَاعِهِ الْأَيْمَنِ مَكْتُوبٌ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً .

فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ فَوَجَدْتُهُ مَفْرُوغاً مِنْهُ-يَعْنِي مُطَهَّرَ الْخِتَانَةِ-

وَ لَفَّفْتُهُ فِي ثَوْبٍ وَ حَمَلْتُهُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَخَذَهُ وَ أَقْعَدَهُ عَلَى رَاحَتِهِ الْيُسْرَى وَ جَعَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِهِ ثُمَّ أَدْخَلَ لِسَانَهُ فِي فِيهِ وَ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَ سَمْعِهِ وَ مَفَاصِلِهِ ثُمَّ قَالَ:تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ.

فَقَالَ:«أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ أَنَّ عَلِيّاً أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ».

ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَعُدُّ السَّادَةَ الْأَوْصِيَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَى نَفْسِهِ فَدَعَا لِأَوْلِيَائِهِ عَلَى يَدَيْهِ بِالْفَرَجِ،ثُمَّ صَمَتَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنِ الْكَلاَمِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:اِذْهَبِي بِهِ إِلَى أُمِّهِ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهَا وَ رُدِّيهِ إِلَيَّ.

فَمَضَيْتُ بِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا فَرَدَدْتُهُ،فَوَقَعَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ كَالْحِجَابِ،فَلَمْ أَرَ سَيِّدِي فَقُلْتُ لَهُ:يَا سَيِّدِي أَيْنَ مَوْلاَيَ؟

فَقَالَ:أَخَذَهُ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْكِ وَ مِنَّا.

فَإِذَا كَانَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ جِئْتُ فَسَلَّمْتُ وَ جَلَسْتُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:هَلُمَّ ائْتِنِي بِهِ فَجِئْتُ بِسَيِّدِي وَ هُوَ فِي ثِيَابٍ صُفْرٍ،فَفَعَلَ كَفَعَالِهِ الْأَوَّلِ،وَ جَعَلَ لِسَانَهُ فِي فِيهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ.

فَقَالَ لَهُ:«أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ»وَ ثَنَّى بِالصَّلاَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ حَتَّى وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ:

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ»

بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً دَخَلْتُ دَارَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَإِذَا بِمَوْلاَيَ يَمْشِي فِي الدَّارِ فَلَمْ أَرَ وَجْهاً أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)وَ لاَ لُغَةً أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ.فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:هَذَا الْمَوْلُودُ الْكَرِيمُ عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَ عَلاَ.

قُلْتُ:يَا سَيِّدِي تَرَى مِنْ أَمْرِهِ مَا أَرَى وَ لَهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً.

ص:259

فَتَبَسَّمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَالَ:يَا عَمَّتِي أَ وَ مَا عَلِمْتِ أَنَّا مَعَاشِرَ الْأَوْصِيَاءِ نَنْشَأُ فِي الْيَوْمِ مِثْلَ مَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي الْجُمُعَةِ وَ نَنْشَأُ فِي الْجُمُعَةِ مِثْلَ مَا يَنْشَأُ غيرها [غَيْرُنَا] فِي الشَّهْرِ وَ نَنْشَأُ فِي الشَّهْرِ مِثْلَ مَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي السَّنَةِ.

فَقُمْتُ فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَ انْصَرَفْتُ.

ثُمَّ عُدْتُ وَ تَفَقَّدْتُهُ فَلَمْ أَرَهُ فَقُلْتُ لِسَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:مَا فَعَلَ مَوْلاَنَا؟.

فَقَالَ:يَا عَمَّةِ اسْتَوْدَعْنَاهُ الَّذِي اسْتَوْدَعَتْ أُمُّ مُوسَى.

و حدّثني موسى بن محمّد أنّه قرأ المولد عليه عليه السّلام فصححه و زاد فيه و نقص و تقرّر بالروايات على ما ذكرناه.

472- وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا وُلِدَ الصَّاحِبُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَلَكَيْنِ فَحَمَلاَهُ إِلَى سُرَادِقِ الْعَرْشِ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ:مَرْحَباً بِكَ،وَ بِكَ أُعْطِي وَ بِكَ أَعْفُو وَ بِكَ أُعَذِّبُ.

473- وَ رَوَى عَلاَّنٌ الْكِلاَبِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ الدَّقَّاقِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّيَّارِيِّ قَالَ:

حَدَّثَنِي نَسِيمُ وَ مَارِيَةُ قَالَتَا: لَمَّا خَرَجَ صَاحِبُ الزَّمَانِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ سَقَطَ جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ رَافِعاً سَبَّابَتَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ ثُمَّ عَطَسَ فَقَالَ:اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ مِنْ عَبْدٍ دَاخِرٍ لِلَّهِ غَيْرِ مُسْتَنْكِفٍ وَ لاَ مُسْتَكْبِرٍ،ثُمَّ قَالَ:زَعَمَتِ الظَّلَمَةُ أَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ دَاحِضَةٌ وَ لَوْ أُذِنَ لَنَا فِي الْكَلاَمِ زَالَ الشَّكُّ.

474- وَ رَوَى عَلاَّنٌ بِإِسْنَادِهِ: أَنَّ السَّيِّدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ وَ مِأَتَيْنِ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِنَحْوِ سَنَتَيْنِ.

475- وَ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ نَصْرٍ غُلاَمُ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: وُلِدَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَتَبَاشَرَ أَهْلُ الدَّارِ بِمَوْلِدِهِ فَلَمَّا أَنْشَأَ خَرَجَ إِلَيَّ الْأَمْرُ أَنْ أَبْتَاعَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ اللَّحْمِ قَصَبَ مُخٍّ وَ قِيلَ إِنَّ هَذَا لِمَوْلاَنَا الصَّغِيرِ.

476- وَ حَدَّثَنِي الثِّقَةُ مِنْ إِخْوَانِنَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِدْرِيسَ قَالَ: وَجَّهَ إِلَيَّ مَوْلاَيَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِكَبْشَيْنِ وَ قَالَ:عِقَّهُمَا عَنِ ابْنِي فُلاَنٍ وَ كُلْ وَ أَطْعِمْ إِخْوَانَكَ.

ص:260

فَفَعَلْتُ ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ:إِنَّ الْمَوْلُودَ الَّذِي وُلِدَ مَاتَ.

ثُمَّ وَجَّهَ إِلَيَّ بِكَبْشَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ وَ كَتَبَ إِلَيَّ:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.عِقَّ هَذَيْنِ الْكَبْشَيْنِ عَنْ مَوْلاَكَ وَ كُلْ هَنَّأَكَ اللَّهُ وَ أَطْعِمْ إِخْوَانَكَ.

فَفَعَلْتُ وَ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَا ذَكَرَ لِي شَيْئاً.

477- وَ حَدَّثَنِي عَلاَّنٌ قَالَ:حَدَّثَنِي نَسِيمُ خَادِمُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: قَالَ لِي صَاحِبُ الزَّمَانِ وَ قَدْ دَخَلْتُ إِلَيْهِ بَعْدَ مَوْلِدِهِ بِلَيْلَةٍ فَعَطَسْتُ عِنْدَهُ فَقَالَ لِي:يَرْحَمُكِ اللَّهُ.

قَالَ نَسِيمُ:فَفَرِحْتُ.

فَقَالَ لِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ:أَ لاَ أُبَشِّرُكِ فِي الْعُطَاسِ؟.

قُلْتُ:بَلَى.

قَالَ:هُوَ أَمَانٌ مِنَ الْمَوْتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.

478- وَ حَدَّثَنَا عَلاَّنٌ قَالَ:حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ ضَرِيرٌ الْخَادِمُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى صَاحِبِ الزَّمَانِ فَقَالَ لِي:عَلَيَّ بِالصَّنْدَلِ الْأَحْمَرِ.

فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَقَالَ:أَ تَعْرِفُنِي؟.

قُلْتُ:نَعَمْ.

قَالَ:مَنْ أَنَا؟.

فَقُلْتُ:أَنْتَ سَيِّدِي وَ ابْنُ سَيِّدِي.

فَقَالَ:لَيْسَ عَنْ هَذَا سَأَلْتُكَ.

قَالَ ضَرِيرٌ:فَقُلْتُ:جُعِلْتُ فِدَاكَ فَسِّرْ لِي.

فَقَالَ:أَنَا خَاتَمُ الْأَوْصِيَاءِ وَ بِي رَفَعَ اللَّهُ الْبَلاَءَ عَنْ أَهْلِي وَ شِيعَتِي.

479- وَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: وَجَّهَ قَوْمٌ مِنَ الْمُفَوِّضَةِ وَ الْمُقَصِّرَةِ كَامِلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْمَدَائِنِيَّ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِيُنَاظِرَهُ فِي أَمْرِهِمْ،قَالَ كَامِلٌ:فَقُلْتُ:فِي نَفْسِي أَسْأَلُهُ وَ أَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَ مَعْرِفَتِي وَ قَالَ بِمَقَالَتِي.

قَالَ:فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ نَظَرْتُ إِلَى ثِيَابٍ بَيَاضٍ نَاعِمَةٍ عَلَيْهِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:وَلِيُّ اللَّهِ

ص:261

وَ حُجَّتُهُ يَلْبَسُ النَّاعِمَ مِنَ الثِّيَابِ وَ يَأْمُرُنَا بِمُوَاسَاةِ الْإِخْوَانِ وَ يَنْهَانَا عَنْ لُبْسِ مِثْلِهِ.

فَقَالَ مُتَبَسِّماً:يَا كَامِلُ.وَ حَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَإِذَا مِسْحٌ أَسْوَدُ خَشِنٌ رَقِيقٌ عَلَى جِلْدِهِ فَقَالَ:هَذَا لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ،وَ هَذَا لَكُمْ.

فَخَجِلْتُ وَ جَلَسْتُ إِلَى بَابٍ عَلَيْهِ سِتْرٌ مُسْبَلٌ فَجَاءَتِ الرِّيحُ فَرَفَعَتْ طَرَفَهُ فَإِذَا أَنَا بِفَتًى كَأَنَّهُ فِلْقَةُ قَمَرٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ مِثْلِهَا.

فَقَالَ لِي:يَا كَامِلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ.

فَاقْشَعْرَرْتُ مِنْ ذَلِكَ.فَأَلْهَمَنِيَ اللَّهُ أَنْ قُلْتُ:لَبَّيْكَ يَا سَيِّدِي.

فَقَالَ:جِئْتَ إِلَى وَلِيِّ اللَّهِ وَ حُجَّتِهِ وَ بَابِهِ تَسْأَلُهُ هَلْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَ مَعْرِفَتَكَ وَ قَالَ بِمَقَالَتِكَ؟.

قُلْتُ:إِيْ وَ اللَّهِ.

قَالَ:إِذَنْ وَ اللَّهِ يَقِلُّ دَاخِلُهَا.وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيَدْخُلُهَا قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمُ الْحَقِّيَّةُ.

قُلْتُ:يَا سَيِّدِي مَنْ هُمْ؟.

قَالَ:قَوْمٌ مِنْ حُبِّهِمْ لِعَلِيٍّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يَحْلِفُونَ بِحَقِّهِ وَ لاَ يَدْرُونَ مَا حَقُّهُ وَ فَضْلُهُ.

ثُمَّ سَكَتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَنِّي سَاعَةً ثُمَّ قَالَ:وَ جِئْتَ تَسْأَلُهُ عَنْ مَقَالَةِ الْمُفَوِّضَةِ،كَذَبُوا بَلْ قُلُوبُنَا أَوْعِيَةُ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ اللَّهُ شِئْنَا وَ هُوَ قَوْلُهُ «وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ»

ثُمَّ رَجَعَ السِّتْرُ إِلَى حَالَتِهِ فَلَمْ أَسْتَطِعْ كَشْفَهُ فَنَظَرَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مُتَبَسِّماً فَقَالَ:يَا كَامِلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ مَا جُلُوسُكَ وَ قَدْ أَنْبَأَكَ الْحُجَّةُ بَعْدِي بِحَاجَتِكَ؟.

فَقُمْتُ وَ خَرَجْتُ وَ لَمْ أُعَايِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ:فَلَقِيتُ كَامِلاً فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِي بِهِ.

480- وَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: الْقَائِمُ مَنْ تَخْفَى وِلاَدَتُهُ عَلَى النَّاسِ.

481- الْحِمْيَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ عُثْمَانَ ابْنِ نَشِيطٍ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ عَهْدٌ وَ لاَ عَقْدٌ وَ لاَ ذِمَّةٌ.

ص:262

482- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ عَنِ الزَّيْتُونِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ يَرْفَعُهُ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:أَنْتَ صَاحِبُنَا-أَعْنِي صَاحِبَ الْأَمْرِ؟.

فَقَالَ:أُلْبِسْتُ دِرْعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأُبْخِرَتْ عَلَيَّ وَ إِنَّهُ لَيَأْخُذُ لِي بِالرِّكَابِ وَ إِنَّ صَاحِبَكُمْ يَلْبَسُ الدِّرْعَ فَتْسَتْوِي عَلَيْهِ وَ لاَ يُؤْخَذُ لَهُ بِالرِّكَابِ.

ثُمَّ قَالَ لِي:أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ وَ لَمْ يُولَدِ الْغُلاَمُ الَّذِي تُرَبِّيهِ جَدَّتُهُ.

483- وَ عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَا وَ صَفْوَانُ بْنُ يَحْيَى وَ أَبُو جَعْفَرٍ عِنْدَهُ وَ لَهُ ثَلاَثُ سِنِينَ فَقُلْتُ لَهُ:جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاكَ إِنْ حَدَثَ بِكَ حَادِثٌ فَمَنْ يَكُونُ؟.

قَالَ:اِبْنِي هَذَا-وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ.

قُلْنَا:وَ هُوَ فِي هَذِهِ السِّنِّ.

فَقَالَ:إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ احْتَجَّ بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ وَ لَهُ سَنَتَانِ.

484- وَ: كَتَبَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ سَنَةٍ فَصَارُوا إِلَيْهِ فَأَخْرَجَهُ مُوَفَّقٌ الْخَادِمُ إِلَيْهِمْ عَلَى عَاتِقِهِ فَلَمَّا لَمَحَ الْعُنْوَانَ أَوْمَأَ إِلَى مُوَفَّقٍ بِفَضِّ الْكِتَابِ وَ نَشْرِهِ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ يَنْظُرُ فِيهِ وَ يَقْرَأُ،فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ:تَاخَ تَاخَ.

فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ:فُطْرُسِيَّتُهُ.

وَ دَنَا مِنْهُ فَتَمَسَّحَ بِهِ فَعَادَ بَصَرُهُ.

قَالَ ابْنُ أَبِي نَصْرٍ فَلَمَّا كَبِرَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:ذَكَّرْتُهُ قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ فُطْرُسِيَّتُهُ فَضَحِكَ.

485- وَ عَنْهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:وَ قَدْ نَصَّ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ يَا سَيِّدِي أَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ؟.

قَالَ:نَعَمْ وَ ابْنَ خَمْسِ سِنِينَ.

486- وَ عَنْهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ أَخِيهِ عَلِيٍّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ عَنْ حُمْرَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ» ...اَلْآيَةَ.

ص:263

486- وَ عَنْهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ أَخِيهِ عَلِيٍّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ عَنْ حُمْرَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ» ...اَلْآيَةَ.

فَقَالَ لِي:اَلْإِمَامُ يَتَكَلَّمُ بِالْوَحْيِ فِي صِغَرِ سِنِّهِ.

487- وَ عَنْهُ وَ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ»

قَالَ:يَعْنِي بُلُوغَ الْإِمَامِ.

قُلْتُ:وَ مَا بُلُوغُهُ؟.

قَالَ:أَرْبَعُ سِنِينَ.

488- وَ عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ بِإِقَامَةِ شَرِيعَةٍ وَ لَهُ سَنَتَانِ.

489- وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: وَ مَا يَضُرُّكُمْ مِنْ صِغَرِ سِنِّهِ،قَدْ قَامَ عِيسَى بِالْحُجَّةِ وَ هُوَ ابْنُ ثَلاَثِ سِنِينَ.

490- سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ أَبِي هَاشِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ-يَعْنِي صَاحِبَ الْعَسْكَرِ-يَقُولُ:اَلْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي ابْنِيَ الْحَسَنُ فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِ الْخَلَفِ؟.

قُلْتُ:وَ لِمَ جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ؟.

قَالَ:لِأَنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَ شَخْصَهُ وَ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ.

قُلْتُ:فَكَيْفَ نَذْكُرُهُ؟.

قَالَ:قُولُوا:اَلْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

491- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي نَجْرَانَعَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ:إِيَّاكُمْ وَ التَّنْوِيهَ بِاسْمِهِ،وَ اللَّهِ لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ دَهْراً مِنْ دَهْرِكُمْ،وَ لَيُمَحَّصَنَّ حَتَّى يُقَالَ:هَلَكَ،بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ،وَ لَتَدْمَعَنَّ عَلَيْهِ عُيُونُ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَتَكَفَّأُنَّ كَمَا تَتَكَفَّأُ السُّفُنُ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ فَلاَ يَنْجُو إِلاَّ مَنْ أَخَذَ عَلَيْهِ مِيثَاقَهُ وَ كَتَبَ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانَ وَ أَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ،وَ لَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْبِهَةً بَعْضُهَا بَعْضاً لاَ يَدْرِي أَيٌّ مِنْ أَيٍّ.

ص:

قَالَ الْمُفَضَّلُ:فَبَكَيْتُ وَ قُلْتُ:وَ كَيْفَ نَصْنَعُ؟.

فَنَظَرَ إِلَى شَمْسٍ دَاخِلَ الصُّفَّةِ فَقَالَ:تَرَى هَذِهِ الشَّمْسَ؟.

قُلْتُ:نَعَمْ.

قَالَ:وَ اللَّهِ لَأَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْهَا.

492- وَ عَنْهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: إِذَا فُقِدَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ فَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَدْيَانِكُمْ لاَ يُزِيلَنَّكُمْ أَحَدٌ عَنْهَا.لاَ بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْهُ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ.إِنَّمَا هُوَ مِحْنَةٌ مِنَ اللَّهِ يَمْتَحِنُ بِهَا خَلْقَهُ.

قُلْتُ:يَا سَيِّدِي مَنِ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ؟.

قَالَ:عُقُولُكُمْ تَصْغُرُ عَنْ هَذَا،وَ لَكِنْ إِنْ تَعِيشُوا فَسَوْفَ تُدْرِكُونَهُ.

493- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيِّ أَبِي سُمَيَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍعَنْ فُرَاتِ بْنِ أَحْنَفَ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ قَدْ ذَكَرَ الْقَائِمَ مِنْ وُلْدِهِ فَقَالَ:أَمَا إِنَّهُ لَيَغِيبَنَّ حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ:مَا لِي فِي آلِ مُحَمَّدٍ حَاجَةٌ.

494- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الرَّبِيعِ الْهَمَدَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَسِيدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ أُمِّ هَانِي قَالَتْ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ «فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ اَلْجَوارِ الْكُنَّسِ»

قَالَ:إِمَامٌ يُفْقَدُ فِي سَنَةِ سِتِّينَ وَ مِائَتَيْنِ ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الْوَقَّادِ،فَإِنْ أَدْرَكْتَ زَمَانَهُ قَرَّتْ عَيْنَاكَ.

495- وَ عَنْهُ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ سَعْدَانَ عَنْ سَعْدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ فِي خُطْبَةٍ لَهُ: اللَّهُمَّ لاَ بُدَّ لِأَرْضِكَ مِنْ حُجَّةٍ عَلَى خَلْقِكَ يَهْدِيهِمْ إِلَى دِينِكَ وَ يُعَلِّمُهُمْ عِلْمَكَ لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَّتُكَ وَ لاَ يَضِلَّ أَتْبَاعُ أَوْلِيَائِكَ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَهُمْ ظَاهِراً وَ لَيْسَ بِالْمُطَاعِ أَوْ مُكَتَّماً مُتَرَقَّباً إِنْ غَابَ عَنِ النَّاسِ شَخْصُهُ فِي حَالِ هُدْنَةٍ لَمْ يَغِبْ عَنْهُمْ مَثْبُوتٌ عِلْمُهُ فَإِذَا بِهِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مُثْبَتَةٌ فَهُمْ بِهَا عَامِلُونَ.

496- وَ عَنْهُ يَرْفَعُهُ إِلَى الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَوَجَدْتُهُ مُفَكِّراً يَنْكُتُ

ص:265

فِي الْأَرْضِ،قُلْتُ:مَا لِي أَرَاكَ مُفَكِّراً يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟.

قَالَ أُفَكِّرُ فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِ الْحَادِي عَشَرَ مِنْ وُلْدِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً يَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ تَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَ يَهْتَدِي فِيهَا آخَرُونَ.

ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلاَمٍ طَوِيلٍ:أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ أَبْرَارِ هَذِهِ الْعِتْرَةِ.

قُلْتُ:ثُمَّ مَا ذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟.

قَالَ:ثُمَّ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ.

497- وَ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ مَسْعَدَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْعَالِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ اخْتَارَ مِنَ الْأَيَّامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَ مِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَ مِنَ الشُّهُورِ شَهْرَ رَمَضَانَ وَ اخْتَارَنِي مِنَ الرُّسُلِ وَ اخْتَارَ مِنِّي عَلِيّاً وَ اخْتَارَ مِنْ عَلِيٍّ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ وَ اخْتَارَ مِنْهُمَا تِسْعَةً تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ وَ هُوَ ظَاهِرُهُمْ وَ هُوَ بَاطِنُهُمْ.

498- وَ عَنْهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ صَاحِبِ الْعَسْكَرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: لاَ تُعَادُوا الْأَيَّامَ فَتُعَادِيَكُمْ.

فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَعْنَى ذَلِكَ.

فَقَالَ:لَهُ مَعْنَيَانِ،ظَاهِرٌ وَ بَاطِنٌ،فَالظَّاهِرُ:اَلسَّبْتُ لَنَا،وَ الْأَحَدُ لِشِيعَتِنَا،وَ الاِثْنَيْنِ لِأَعْدَائِنَا،وَ تَمَّمَ الْحَدِيثَ،وَ الْبَاطِنُ السَّبْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الْأَحَدُ:أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ،وَ الاِثْنَيْنِ:

الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ،وَ الثَّلاَثَاءُ:عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَ الْأَرْبِعَاءُ:مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ وَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَ أَنَا،وَ الْخَمِيسُ:اَلْحَسَنُ ابْنِي،وَ الْجُمُعَةُ:اِبْنُهُ.وَ عَلَيْهِ يَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأُمَّةُ.

ثُمَّ قَرَأَ: «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»

ثُمَّ قَالَ:نَحْنُ بَقِيَّةُ اللَّهِ.

499- وَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيِّ عَنِ الْحَسَنِ ابْنِ حَمَّادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لَهِيعَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ: صَاحِبُ بَنِي الْعَبَّاسِ يَقْتُلُهُ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي لاَ يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ إِلاَّ كَافِرٌ.

500- وَ عَنْهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ:سَمِعْتُ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: الْقَائِمُ لاَ يُرَى جِسْمُهُ وَ لاَ يُسَمَّى بِاسْمِهِ.

ص:266

501- وَ عَنْهُ قَالَ: إِذَا وَقَعَ عَلَمُكُمْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِكُمْ.

502- وَ عَنْهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ»

قَالَ:إِذَا قدمتم [فَقَدْتُمْ] إِمَامَكُمْ فَلَمْ تَرَوْهُ فَمَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ؟.

وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِهِ إِلاَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ تَعَالَى.

503- الْحِمْيَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: فِي صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ أَرْبَعُ سُنَنٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ،سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى فِي غَيْبَتِهِ،وَ سُنَّةٌ مِنْ عِيسَى فِي خَوْفِهِ وَ مُرَاقَبَتِهِ الْيَهُودَ وَ قَوْلِهِمْ مَاتَ وَ لَمْ يَمُتْ وَ قُتِلَ وَ لَمْ يُقْتَلْ، وَ سُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ فِي جَمَالِهِ وَ سَخَائِهِ،وَ سُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي السَّيْفِ يَظْهَرُ بِهِ.

504- وَ عَنْهُ قَالَ: لاَ يَكُونُ مَا تَرْجُونَ حَتَّى يَخْطُبَ السُّفْيَانِيُّ عَلَى أَعْوَادِهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ انْحَدَرَ عَلَيْكُمْ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ مِنْ قِبَلِ الْحِجَازِ.

505- وَ عَنْهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ بَيْتٌ يُقَالُ لَهُ(بَيْتُ الْحَمْدِ)فِيهِ سِرَاجٌ يَزْهَرُ مُنْذُ يَوْمَ وُلِدَ إِلَى أَنْ يَقُومَ بِالسَّيْفِ.

506- وَ عَنْهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ أَبِي الزَّعْفَرَانِيِّ عَنْ أُمِّ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَتْ: قَالَ لِي يَوْماً:تُصِيبُنِي فِي سَنَةِ السِّتِّينَ حَرَارَةٌ وَ أَخَافُ مِنْهَا.

فَجَزِعْتُ وَ بَكَيْتُ،فَقَالَ لِي:لاَ تَجْزَعِي لاَ بُدَّ مِنْ وُقُوعِ أَمْرِ اللَّهِ.

فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَيَّامِ صَفَرٍ مِنْ تِلْكَ أَخَذَهَا الْمُقِيمُ وَ الْمُقْعِدُ فَجَعَلَتْ تَخْرُجُ إِلَى الْجَبَلِ وَ تَتَجَسَّسُ أَخْبَارَ الْعِرَاقِ حَتَّى وَرَدَ عَلَيْهَا الْخَبَرُ.

507- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ:قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةٌ الْمُتَمَسِّكُ فِيهَا بِدِينِهِ كَالْخَارِطِ لِلْقَتَادِ.

ثُمَّ قَالَ:وَ مَنْ يُطِيقُ خَرْطَ الْقَتَادِ.

508- وَ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَرْثِ بْنِ مُغِيرَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: الْقَائِمُ إِمَامٌ ابْنُ الْإِمَامِ يَأْخُذُونَ مِنْهُ حَلاَلَهُمْ وَ حَرَامَهُمْ قَبْلَ قِيَامِهِ.

قُلْتُ:أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِذَا فَقَدَ النَّاسُ الْإِمَامَ عَمَّنْ يَأْخُذُونَ؟.

ص:267

قَالَ:إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَحِبَّ مَنْ كُنْتَ تُحِبُّ وَ انْتَظِرِ الْفَرَجَ،فَمَا أَسْرَعَ مَا يَأْتِيكَ.

509- وَ عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلاَلٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ:

لاَ بُدَّ مِنْ فِتْنَةٍ صَمَّاءَ صَيْلَمٍ تَظْهَرُ فِيهَا كُلُّ بِطَانَةٍ وَ وَلِيجَةٍ وَ ذَلِكَ عِنْدَ فِقْدَانِ الشِّيعَةِ الثَّالِثَ مِنْ وُلْدِي يَبْكِي عَلَيْهِ أَهْلُ السَّمَاءِ وَ أَهْلُ الْأَرْضِ.

ثُمَّ قَالَ مِنْ بَعْدِ كَلاَمٍ طَوِيلٍ: كَأَنِّي بِهِمْ شَرُّ مَا كَانُوا وَ قَدْ نُودُوا ثَلاَثَةَ أَصْوَاتٍ،الصَّوْتُ الْأَوَّلُ:أَزِفَتِ الْآزِفَةُ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ،وَ الصَّوْتُ الثَّانِي:أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ، وَ الثَّالِثُ:بَدَنٌ يَظْهَرُ فَيَرَى فِي قَرْنِ الشَّمْسِ يَقُولُ:إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ فُلاَناً فَاسْمَعُوا وَ أَطِيعُوا.

510- وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: يَكُونُ مِنَّا بَعْدَ الْحُسَيْنِ تِسْعَةٌ تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ وَ هُوَ أَفْضَلُهُمْ.

511- وَ عَنْهُ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَلِيٍّ الْقَيْسِيِّ عَنِ الْهَيْثَمِ التَّمِيمِيِّ قَالَ:قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إِذَا تَوَالَتْ ثَلاَثَةُ أَسْمَاءٍ مُحَمَّدٌ وَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ كَانَ رَابِعُهُمْ قَائِمُهُمْ.

512- وَ عَنْهُ عَنْ أَبِي السَّفَاتِجِ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ذَاتَ يَوْمٍ وَ بَيْنَ يَدَيْهَا لَوْحٌ يَكَادُ يَغْشَى ضَوْؤُهُ الْأَبْصَارَ،فِيهِ ثَلاَثَةُ أَسْمَاءٍ فِي ظَاهِرِهِ،وَ ثَلاَثَةُ أَسْمَاءٍ فِي بَاطِنِهِ،وَ ثَلاَثَةُ أَسْمَاءٍ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ،وَ ثَلاَثَةُ أَسْمَاءٍ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ،يُرَى مِنْ ظَاهِرِهِ مَا فِي بَاطِنِهِ وَ يُرَى مِنْ بَاطِنِهِ مَا فِي ظَاهِرِهِ،فَعَدَدْتُ الْأَسْمَاءَ فَإِذَا هِيَ اثْنَا عَشَرَ،فَقُلْتُ:مَنْ هَؤُلاَءِ؟.

قَالَتْ:هَذِهِ أَسْمَاءُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي،آخِرُهُمُ الْقَائِمُ.

قَالَ جَابِرٌ:فَرَأَيْتُ فِيهَا مُحَمَّداً فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ.

513- وَ عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ اخْتَارَ مِنَ الْأَيَّامِ الْجُمُعَةَ وَ مِنَ الشُّهُورِ شَهْرَ رَمَضَانَ وَ مِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَ مِنَ النَّاسِ الْأَنْبِيَاءَ وَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الرُّسُلَ وَ اخْتَارَنِي مِنَ الرُّسُلِ وَ اخْتَارَ مِنِّي عَلِيّاً وَ اخْتَارَ مِنْ عَلِيٍّ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ وَ اخْتَارَ مِنَ الْحُسَيْنِ الْأَوْصِيَاءَ يَنْفُونَ عَنِ التَّنْزِيلِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَ انْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ،تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ وَ هُوَ ظَاهِرُهُمْ وَ هُوَ بَاطِنُهُمْ.

ص:268

514- مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ تَفْسِيرِ جَابِرٍ فَقَالَ:لاَ تُحَدِّثْ بِهِ السَّفِلَةَ فَيُذِيعُوهُ أَ مَا تَقْرَأُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «فَإِذا نُقِرَ فِي النّاقُورِ» إِنَّ مِنَّا مَنْ يَكُونُ إِمَاماً مُسْتَتِراً فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ إِظْهَارَ أَمْرِهِ نَكَتَ فِي قَلْبِهِ فَيَظْهَرُ حَتَّى يَقُومَ بِأَمْرِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ.

515- وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الصَّيْمَرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ صَاحِبِ الْعَسْكَرِيِّ أَسْأَلُهُ عَنِ الْفَرَجِ،فَوَقَّعَ:إِذَا غَابَ صَاحِبُكُمْ عَنْ دَارِ الظَّالِمِينَ فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ.

516- وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: جَاءَ يَهُودِيٌّ إِلَى عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنْ مَسَائِلَ فَأَرْشَدَهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ.

قَالَ:أَخْبِرْنِي بَعْدَ نَبِيِّكُمْ،مَنِ الْإِمَامُ الْعَدْلُ،وَ فِي أَيِّ جَنَّةٍ،وهو [هُوَ] وَ مَنْ يَسْكُنُ مَعَهُ فِي جَنَّتِهِ.

فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:يَا هَارُونِيُّ!لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً عَدْلاً لاَ يَضُرُّهُمْ خِذْلاَنُ مَنْ خَذَلَهُمْ وَ لاَ يَسْتَوْحِشُونَ خِلاَفَ مَنْ خَالَفَهُمْ،أَرْسَبُ فِي دِينِ اللَّهِ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي،وَ مَنْزِلُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ-فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ،وَ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ مَعَهُ هَؤُلاَءِ الاِثْنَا عَشَرَ.

فَأَسْلَمَ الرَّجُلُ وَ قَالَ:أَنْتَ أَوْلَى بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْ هَذَا.أَنْتَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَفُوقَ الْآفَاقَ وَ تَعْلُوهُ وَ لاَ تُعْلَى.

517- مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَ عَلاَ أَرْسَلَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَى الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ عَامَّةً وَ كَانَ مِنْ بَعْدِهِ اثْنَا عَشَرَ وَصِيّاً،مِنْهُمْ مَنْ سَبَقَنَا،وَ مِنْهُمْ مَنْ بَقِيَ،وَ كُلُّ وَصِيٍّ أَجْرَتْ سُنَّةَ الْأَوْصِيَاءِ الَّذِينَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَلَى سُنَّةِ أَوْصِيَاءِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى ظُهُورِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ،أَوَّلُهُمْ شَمْعُونُ،وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى سُنَّةِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

518- حَدَّثَنِي الْحِمْيَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بَصِيرٍ وَ مَعَنَا مَوْلًى لِأَبِي جَعْفَرٍ فَحَدَّثَنَا أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا

ص:269

جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ:مِنَّا اثْنَا عَشَرَ مُحَدَّثاً الْقَائِمُ السَّابِعُ بَعْدِي.

فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ:أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَذْكُرُ هَذَا مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

519- وَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْكُوفِيِّ عَنْ مُنْذِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَابُوسَ عَنْ نَصْرِ بْنِ السِّنْدِيِّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَبِي مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ عَنِ الْحَرْثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: أَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَوَجَدْتُهُ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ فَقُلْتُ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لِي أَرَاكَ مُفَكِّراً تَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ،أَ رَغْبَةً مِنْكَ فِيهَا؟.

قَالَ:لاَ وَ اللَّهِ مَا رَغِبْتُ فِيهَا قَطُّ،وَ لَكِنَّنِي فَكَّرْتُ فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِي،الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِي،هُوَ الْمَهْدِيُّ يَمْلَأُهَا عَدْلاً وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً،يَكُونُ لَهُ غَيْبَةٌ وَ فِي أَمْرِهِ حَيْرَةٌ يَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَ يَهْتَدِي فِيهَا آخَرُونَ.

قُلْتُ:يَا مَوْلاَيَ فَكَمْ يَكُونُ الْحَيْرَةُ وَ الْغَيْبَةُ؟.

فَقَالَ:سِتَّةُ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةُ شُهُورٍ أَوْ سِتَّةُ سِنِينَ.وَ ذَلِكَ إِذَا فُقِدَ الْبَابُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ شِيعَتِنَا تَكُونُ الْحَيْرَةُ.

فَقُلْتُ:وَ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَكَائِنٌ؟.

فَقَالَ:نَعَمْ كَمَا أَنَّهُ مَخْلُوقٌ.وَ أَنَّى لَكَ يَا أَصْبَغُ بِهَذَا الْأَمْرِ أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ أَبْرَارِ هَذِهِ الْعِتْرَةِ.

قَالَ:قُلْتُ:ثُمَّ مَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟.

قَالَ:ثُمَّ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ فَإِنَّ لَهُ بَدَآتٍ وَ إِرَادَاتٍ وَ غَايَاتٍ وَ نِهَايَاتٍ.

520- أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى الْعَلَوِيُّ قَالَ:حَدَّثَنِي أَبِي عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِذَا فُقِدَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَدْيَانِكُمْ فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ يَغِيبُهَا حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ،يَا بُنَيَّ إِنَّمَا هِيَ مِحْنَةٌ مِنَ اللَّهِ امْتَحَنَ اللَّهُ بِهَا خَلْقَهُ لَوْ عَلِمَ آبَاؤُكُمْ وَ أَجْدَادُكُمْ دِيناً أَصَحَّ مِنْ هَذَا الدِّينِ لاَتَّبَعُوهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى:فَقُلْتُ:يَا سَيِّدِي مَنِ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ؟.

قَالَ:يَا بُنَيَّ عُقُولُكُمْ تَصْغُرُ عَنْ هَذَا وَ أَحْلاَمُكُمْ تَضِيقُ عَنْ حَمْلِهِ وَ لَكِنْ إِنْ تَعِيشُوا

ص:270

تُدْرِكُوا.

521- أَبُو الْحَسَنِ صَالِحُ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ وَ الْحَسَنُ بْنُ طَرِيفٍ جَمِيعاً عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: قَالَ أَبِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ:إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَمَتَى يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ أَخْلُوَ بِكَ وَ أَسْأَلَكَ عَنْهَا؟.

قَالَ لَهُ ياجابر [جَابِرٌ] :فِي أَيِّ وَقْتٍ أَحْبَبْتَ.

فَخَلاَ بِهِ أَبِي فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَقَالَ لَهُ:يَا جَابِرُ أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّوْحِ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي يَدِ أُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ مَا أَخْبَرَتْكَ بِهِ فَمَا هُوَ فِي ذَلِكَ اللَّوْحِ مَكْتُوبٌ؟.

فَقَالَ جَابِرٌ:أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي دَخَلْتُ عَلَى أُمِّكَ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَهَنَّأْتُهَا بِوِلاَدَةِ الْحُسَيْنِ فَرَأَيْتُ فِي يَدِهَا لَوْحاً أَخْضَرَ لَظَنَنْتُ أَنَّهُ مِنْ زُمُرُّدَةٍ وَ رَأَيْتُ فِيهِ كِتَاباً أَبْيَضَ يُشْبِهُ نُورَ الشَّمْسِ فَقُلْتُ لَهَا:بِأَبِي وَ أُمِّي يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ مَا هَذَا اللَّوْحُ فَقَالَتْ:هَذَا أَهْدَاهُ اللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ فِيهِ اسْمُهُ وَ اسْمُ ابْنَيَّ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَأَعْطَانِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَرَأْتُهُ وَ انْتَسَخْتُهُ.

قَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:فَهَلْ لَكَ يَا جَابِرُ أَنْ تُعَارِضَنِي بِهِ.

قَالَ:نَعَمْ.

فَمَشَى مَعَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَخْرَجَ إِلَيَّ صَحِيفَةً مِنْ وَرَقٍ فِيهَا نُسْخَةُ مَا فِي اللَّوْحِ.فَقَالَ:يَا جَابِرُ انْظُرْ فِي كِتَابِكَ لِأَقْرَأَ أَنَا عَلَيْكَ.

فَنَظَرَ فِي نُسْخَتِهِ وَ قَرَأَ أَبِي،فَمَا خَالَفَ حَرْفاً حَرْفٌ.

فَقَالَ جَابِرٌ:وَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّي هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي اللَّوْحِ مَكْتُوباً.

و قد أثبتناه في باب عليّ بن الحسين من هذا الكتاب و استغني عن اعادته في هذا الباب،فانما ذكرناه في طريق ثان لروايته.

522- أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ:حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ أُخْتِ أَبِي الْحَسَنِ صَاحِبِ الْعَسْكَرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي سَنَةِ اثْنَيْنِ وَ سِتِّينَ وَ مِائَتَيْنِ بِالْمَدِينَةِ فكَلَّمْتُهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَ سَأَلْتُهَا عَنْ دِينِهَا،فَسَمَّتْ لِي مَنْ تَأْتَمُّ بِهِمْ.

ص:271

ثُمَّ قَالَتْ:وَ الْخَلَفُ الزَّكِيُّ ابْنُ الْحَسَنِ ابْنِ عَلِيِّ أَخِي فَقُلْتُ لَهَا:جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ مُعَايَنَةً أَوْ خَبَراً؟.

فَقَالَتْ:خَبَراً عَنِ ابْنِ أَخِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَتَبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ.

فَقُلْتُ لَهَا:فَأَيْنَ الْوَلَدُ؟.

فَقَالَتْ مَسْتُورٌ.

قُلْتُ:فَإِلَى مَنْ تَفْزَعُ الشِّيعَةُ؟.

قَالَتْ:إِلَى الْجَدَّةِ أُمِّ أَبِي مُحَمَّدٍ.

فَقُلْتُ لَهَا:اِقْتِدَاءً بِمَنْ وَصِيَّتُهُ إِلَى امْرَأَةٍ.

فَقَالَتْ لِي:اِقْتِدَاءً بِالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِأَنَّهُ أَوْصَى إِلَى أُخْتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ فِي الظَّاهِرِ فَكَانَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي زَمَانِهِ مِنْ عِلْمٍ يُنْسَبُ إِلَى زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ عَمَّتِهِ سِرّاً عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ تَقِيَّةً وَ إِبْقَاءً عَلَيْهِ.

ثُمَّ قَالَتْ:إِنَّكُمْ قَوْمٌ أَصْحَابُ أَخْبَارٍ وَ رِجَالٌ وَ ثِقَاتٌ أَمَا رُوِّيتُمْ أَنَّ التَّاسِعَ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ وَ هُوَ حَيٌّ بَاقٍ....

وَ نَشَأَ الصَّاحِبُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَلَى مَنْشَإِ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَ قَامَ بِأَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَلاَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتِّينَ وَ مِأَتَيْنِ سِرّاً إِلاَّ عَنْ ثِقَاتِهِ وَ ثِقَاتِ أَبِيهِ وَ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ وَ سَبْعَةُ أَشْهُرٍ.

و قد روي من الأخبار في الغيبة في هذا الكتاب ما فيه كفاية.

523- وَ رُوِيَ: أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ صَاحِبَ الْعَسْكَرِ احْتَجَبَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الشِّيعَةِ إِلاَّ عَنْ عَدَدٍ يَسِيرٍ مِنْ خَوَاصِّهِ فَلَمَّا أُفْضِيَ الْأَمْرُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يُكَلِّمُ شِيعَتَهُ الْخَوَاصَّ وَ غَيْرَهُمْ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ إِلاَّ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي يَرْكَبُ فِيهَا إِلَى دَارِ السُّلْطَانِ وَ إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ مِنْهُ وَ مِنْ أَبِيهِ قَبْلَهُ مُقَدِّمَةً لِغَيْبَةِ صَاحِبِ الزَّمَانِ لِتَأْلَفَ الشِّيعَةُ ذَلِكَ وَ لاَ تُنْكِرَ الْغَيْبَةَ وَ تَجْرِيَ الْعَادَةُ بِالاِحْتِجَابِ وَ الاِسْتِتَارِ.

و في تسع عشرة سنة من الوقت توفي المعتمد و بويع لأحمد بن الموفق و هو المعتضد و ذلك في رجب سنة تسع و تسعين و مائتين.

ص:272

و في تسع و عشرين سنة من الوقت توفي المعتضد و بويع لابنه علي المكتفي في شهر ربيع الآخر سنة تسع و ثمانين و مائتين.

و في خمس و ثلاثين سنة من الوقت توفي المكتفي و بويع لأخيه جعفر المقتدر في سلخ شوال سنة خمس و تسعين و مائتين.

و في سنة ستين من الوقت قتل جعفر المقتدر لليلة بقيت من شوال سنة عشرين و ثلاثمائة و بويع لأخيه محمّد القاهر باللّه.

و في سنة اثنين و ستين من الوقت خلع القاهر ثمّ سمل و وقعت البيعة للراضي محمّد ابن المقتدر في جمادى الأولى سنة اثنتين و عشرين و ثلاثمائة و بويع لأخيه إبراهيم المتقي لعشر خلون من ربيع الأوّل سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة.

و للصاحب عليه السّلام منذ ولد إلى هذا الوقت و هو شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين و ثلاثين و ثلاثمائة،ست و سبعون سنة و أحد عشر شهرا و نصف شهر.قام مع أبيه أبي محمّد عليهما السّلام أربع سنين و ثمانية أشهر و منها منفردا بالإمامة اثنتان و سبعون سنة و شهورا.

و قد تركنا بياضا لمن يأتي بعدنا و السّلام.

ص:273

ص:274

الفهرست

كلمة الناشر 5

ترجمة المؤلّف 7

القسم الأوّل اتصال الحجج و الأنبياء من آدم إلى محمد(ص).13

مقدّمة في بدء الخليقة 15

جند العقل 16

جند الجهل 16

بدء الخليقة 17

هبوط آدم(ع)20

هبة اللّه(شيث)بن آدم 24

ريسان(أنوش)بن هبة اللّه 25

قينان(أمحوق)بن ريسان 25

الحيلث بن قينان 25

غنميشا بن الحيلث 26

أخنوخ أو(هرمس)و هو إدريس بن غنميشا 26

برد بن أخنوخ 29

أخنوخ بن برد بن أخنوخ 29

متوشلخ بن اخنوخ 29

لمك(و هو ارفخشد)بن متوشلخ 29

نوح بن ارفخشد 29

ص:275

سام بن نوح 33

ارفخشد بن سام 34

شالح بن ارفخشد 36

هود بن شالح 37

فالغ بن هود 38

يروغ بن فالغ 38

نوش بن امين 38

صاروغ بن يروغ 39

تاجور بن صاروغ 39

تارخ بن تاجور 39

إبراهيم بن تارخ 39

إسماعيل بن إبراهيم 45

إسحاق بن إبراهيم 46

يعقوب بن إسحاق 46

يوسف بن يعقوب 48

ببرز بن لاوي بن يعقوب 50

أحرب بن ببرز بن لاوي 50

ميتاح بن أحرب 50

عاق بن ميتاح 50

خيام بن عاق 50

مادوم بن خيام 51

شعيب بن نابت بن إبراهيم 51

يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف 64

فينحاس بن يوشع 66

ص:276

بشير بن فينحاس 66

جبرئيل بن بشير 66

ابلث بن جبرئيل 66

أحمر بن ابلث 67

محتان بن أحمر 67

عوق بن محتان 67

طالوت من ولد بنيامين بن يعقوب 67

داود 69

سليمان بن داود 72

آصف بن برخيا 76

صفورا بن آصف 76

مبنه بن صفورا 76

هندوا بن مبنه 77

أسفرا بن هندوا 77

رامين بن أسفرا 77

إسحاق بن رامين 77

ايم بن إسحاق 77

زكريا بن أيم 78

اليسابغ 78

روبيل بن اليسابغ 78

المسيح عيسى بن مريم 79

شمعون 84

يحيى بن زكريا 85

دانيال 87

ص:277

مكيخا بن دانيال 88

انشوا بن مكيخا 88

رشيخا بن انشوا 88

نسطورس بن رشيخا 89

مرعيد بن نسطورس 89

بحيرا 89

منذر بن شمعون 86

سلمة بن منذر 89

برزة بن سلمة 90

أبي بن برزة 90

دوس بن أبي 90

أسيد بن دوس 90

هوف 90

يحيى بن هوف 90

اتصال الحجج و الأوصياء 91

القسم الثاني

من سيدنا محمد(ص)حتى ولادة المهديّ(ع)91

مولد سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 93

الوحي 115

حديث الدار 117

المعراج 119

تآمر قريش،و معجزاته(ص)119

الهجرة و المبيت 122

ص:278

الدعوة 123

حجة الوداع 123

الوصية 124

وفاة الرسول(ص)125

خطبة أمير المؤمنين(ع)127

ايمان عليّ عليه السلام 134

كفالة أبي طالب للنبي(ع)134

مولد عليّ عليه السلام 138

في الحوادث التي اعقبت وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله 145

معجزات عليّ عليه السلام 151

رد الشمس للامام عليّ عليه السلام 153

كراماته الأخرى(ع)154

شهادة الإمام عليّ عليه السلام 155

الحسن السبط(ع)157

الحسين الشهيد(ع)163

علي السجّاد(ع)168

محمّد الباقر(ع)176

جعفر الصادق(ع)183

موسى الكاظم(ع)189

علي الرضا(ع)201

محمّد الجواد(ع)216

علي الهادي(ع)228

الحسن العسكريّ(ع)242

قيام صاحب الزمان و هو الخلف الزكيّ 257

ص:279

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.