الجوهرة في نسب الامام على و آله

اشارة

سرشناسه : بري، محمدبن ابي بكر، قرن ق 7

عنوان و نام پديدآور : الجوهره في نسب الامام علي و آله/ تاليف محمدبن ابي بكر الانصاري التلمساني المعروف بالبري؛ تحقيق محمد التونجي

وفات: قرن هفتم

تعداد جلد واقعى: 1

مشخصات نشر : قم: موسسه انصاريان، []1374.

مشخصات ظاهري : [126] ص

وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي

يادداشت : عربي

يادداشت : كتابنامه: ص. [126-125]؛ همچنين به صورت زيرنويس

موضوع : علي بن ابي طالب(ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- سرگذشتنامه

شناسه افزوده : تونجي، محمد، 1933 - ، مصحح

رده بندي كنگره : BP37/ب 4ج 9

رده بندي ديويي : 297/951

شماره كتابشناسي ملي : م 75-11630

زبان: عربى

كلمة المحقق

نسخة فريدة في العالم، نادرة و مهمة، جديرة بالدراسة و الاطلاع، هي «الجوهرة في نسب النبي و أصحابه العشرة» للكاتب الأندلسي «محمد بن أبي بكر بن عبد اللّه بن موسى الأنصاري التلمساني المشهور بالبري».

و مع اننا ذكرنا مدى أهمية الكتاب، فإننا نعلن أسفنا حيال هذا المؤلف المجهول، الذي عانى الكثير حتى أنهى كتابه في الرواية و التراجم أكبر عناء. و كلّ ما نعرفه أنه ألّف كتابه و انتهى منه سنة 645 ه، و هو من سكان جزيرة منورقة في الأندلس، عاش في أواسط القرن السابع الهجري و أهدى كتابه الى أمير الجزيرة الصغيرة «سعيد بن حكم بن عمر بن حكم القرشي أبو عثمان».

و سبب ضياع ترجمة هذا الكتاب- في نظرنا- يرجع إلى انه عاش في مرحلة كان العرب فيها ضعفاء، و إلى أنه عاش في جزيرة صغيرة نائية لا يؤبه لها في الأندلس.

الجوهرة، التلمساني ،ص:8

و قد تلمسنا أغلب كتب التراجم، و نقّبنا في كتب الأندلس، فعثرنا في كتاب (كشف الظنون) على اسم لهذا الكتاب، و لكن لمؤلف آخر هو «كمال الدين عبد الرحمن بن

محمد الأنباري» المتوفّى سنة 577 ه. و هذا مخالف لسنة تأليف الجوهرة المسجل في ختامها، و للخط المغربي الصعب الذي لا يجيد المشارقة رسمه، ثم ان الكتاب بخط مؤلفه، و هي نسخته الخاصة.

و قد رأينا أن نطبع الفصل الخاص بالإمام علي و آله نظرا الى أهميته و انفصاله و تفصيله في نسبه و نسب أبناء السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام. على ان أنشغل بعد ذلك بتحقيق الجوهرة الكاملة عن النسخة الوحيدة و الفريدة.

و لا نبغي من أعمالنا هذه سوى مرضاة اللّه.

حلب: 18/ 10/ 80 المحقق

الجوهرة، التلمساني ،ص:9

أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب

ابن عبد المطّلب، ابن عم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، القريب القرابة. و هو أول من آمن بالنبيّ عليه السلام من الصبيان. قيل إنه أسلم و هو ابن عشر سنين، قاله ابن اسحاق. و ذكر أبو زيد عمر بن شبه قال:

حدثنا سريج بن النعمان قال: حدثنا الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر فقال: أسلم عليّ بن أبى طالب و هو ابن ثلاث عشرة، و توفي و هو ابن ثلاث و ستين، و هذا أصحّ ما قيل في ذلك. و قد روى عن ابن عمر من وجهين جيّدين.

و روى شعبة عن سلمة بن كهيل عن حبّة العرني «1» قال: سمعت عليا يقول: أنا أول من صلّى مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم.

و قال زيد بن أرقم «2»: أول من آمن باللّه بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه

______________________________

(1) هو حبة بن جوين البجلي ثم العرني، أبو قدامة. كوفي من أصحاب علي روى حديث غدير خم، و كان يومئذ مشركا. اسد الغابة: 1/ 363

(2) هو زيد بن أرقم بن

زيد بن قيس بن النعمان الأنصاري، أبو سعيد.

الجوهرة، التلمساني ،ص:10

و آله و سلم عليّ بن أبي طالب.

و عن أنس بن مالك قال: استنبئ النبيّ عليه السلام يوم الاثنين، و صلى علي يوم الثّلاثاء. و روى سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن حنش بن المعتمر «1»، عن عليم الكندي، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «أوّلكم ورودا عليّ الحوض أولكم إسلاما عليّ بن أبي طالب».

و حدّث عبد العزيز بن محمد الدّراوردي قال: حدثني عمر مولى غفرة قال: سئل محمد بن كعب القرظيّ «2» عن أول من أسلم علي أو أبو بكر. قال سبحان اللّه عليّ أوّلهما إسلاما! و عن معاذة بنت عبد اللّه العدويّة «3» قالت: سمعت عليّ بن أبي طالب على منبر البصرة و هو يقول: «أنا الصدّيق الأكبر، آمنت قبل ان يؤمن أبو بكر، و أسلمت قبل أن يسلم».

______________________________

صحابي غزا مع رسول اللّه سبع عشرة غزوة، و قد استصغره يوم أحد، و كان يتيما في حجر عبد اللّه بن رواحة، و سار معه في غزوة مؤتة. روى سبعين حديثا. نزل الكوفة و توفي بها سنة ست و خمسين، و قيل سنة ثمان و ستين. تهذيب الأسماء: 1/ 199

(1) ذكر حنش بن المعتبر في الصحابة، و لا يصحّ حديثه. ذكر ابن الأثير ذلك في اسد الغابة: 2/ 55

(2) منسوب الى بني قريظة الطائفة اليهودية المعروفة. و هو تابعي جليل، أبو حمزة. كان ابوه من سبي قريظة. سكن محمد الكوفة ثم عاد إلى المدينة. و قد ولد في حياة رسول اللّه. و سمع ابن عباس و زيد بن أرقم و معاوية. و روى عن

كثير من الصحابة. و روى عنه آخرون. توفي سنة 108 ه، و قيل بعد ذلك. تهذيب الأسماء: 1/ 90

(3) تكن معاذة أمّ العهباء. و هي امرأة فاضلة من العالمات بالحديث من أهل البصرة. روت عن علي و عائشة. و روى عنها عاصم و جماعة. توفيت سنة 83 ه. رغبة الأمل: 8/ 184

الجوهرة، التلمساني ،ص:11

و روى ابراهيم بن سعد الزّهريّ عن ابن اسحاق، قال: حدثني يحيى بن أبي الأشعث، عن اسماعيل بن إياس بن عفيف الكنديّ، عن أبيه، عن جده، قال: كنت امرأ تاجرا. فقدمت الحجّ، فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة، و كان امرأ تاجرا. فو اللّه إني لعنده إذ خرج رجل من خباء في بيت، فنظر إلى الشمس، فلما رآها قد مالت قام يصلي. قال: ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل، فقامت خلفه تصلي. ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء، فقام معه يصلي.

فقلت للعباس: من هذا يا عباس؟ قال: هذا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب ابن أخي.

قلت: من هذه المرأة؟

قال: هذه امرأته خديجة بنت خويلد.

قلت: من هذا الفتى؟

قال: عليّ بن أبي طالب ابن عمه.

قلت: ما هذا الذي يصنع؟

قال: يصلي. و هو يزعم أنه نبيّ، و لم يتّبعه على أمره إلا امرأته و ابن عمّه هذا الغلام. و هو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى و قيصر. فكان عفيف يقول، و قد أسلم بعد ذلك، و قد حسن إسلامه: لو كان اللّه رزقني الإسلام يومئذ فأكون ثانيا مع علي.

الجوهرة، التلمساني ،ص:12

و قال مجاهد بن جبر أبو الحجاج «1»: كان من نعمة اللّه تعالى على عليّ بن أبي طالب، و ممّا صنع اللّه

تعالى له، و أراد به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة. و كان أبو طالب ذا عيال كثير. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم للعباس عمّه، و كان من أيسر بني هاشم: «يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال، و قد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة.

فانطلق بنا إليه، لنخفّف من عياله. آخذ من بنيه رجلا، و تأخذ أنت رجلا، فنكفهما عنه». قال العباس: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب؛ فقالا له: إنا نريد ان نخفف عنك من عيالك، حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه. فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عليا فضمّه إليه. و أخذ العباس جعفرا فضمّه إليه.

فلم يزل علي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم حتى بعثه اللّه نبيا، فاتّبعه علي، و آمن به و صدّقه. و لم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم و استغنى عنه.

و ذكر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في أول الإسلام كان إذا حضرته الصلاة خرج إلى شعاب مكة، و خرج معه عليّ بن أبي طالب مستخفيا من عمّه أبي طالب و من جميع أعمامه و سائر قومه، فيصليان

______________________________

(1) مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي، مولى بني مخزوم. تابعي من أهل مكة. أخذ التفسير عن ابن عباس، و تنقّل في اسفاره ثم استقر في الكوفة. مات و هو ساجد سنة 104. انفرد أبو زكريا النووي في تهذيب الأسماء في أن جعل أباه «جبيرا» بالتصغير، و هذا ما لم يرد في المخطوطة و في أغلب المراجع.

طبقات الفقهاء: 45

الجوهرة، التلمساني ،ص:13

الصلوات فيها. فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء اللّه تعالى أن يمكثا.

ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما، و هما يصليان. فقال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: يا بن أخي، ما هذا الدين الذي اراك تدين به؟

قال: «أي عمّ، هذا دين اللّه و دين ملائكته و دين رسله و دين أبينا ابراهيم».

أو كما قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: «بعثني اللّه به رسولا إلى العباد، و أنت أي عمّ أحقّ من بذلت له النصيحة، و دعوته إلى الهدى، و أحقّ من أجابني إليه، و أعانني عليه»، أو كما قال. فقال أبو طالب: أي ابن أخي، إني لا أستطيع ان افارق دين آبائي و ما كانوا عليه، و لكن و اللّه لا يخلص إليك بشي ء تكرهه ما بقيت. و قال لعلي بن أبي طالب: أي بنيّ، ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ فقال: يا أبت، آمنت برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و صدّقته بما جاء به، و صليت معه للّه تعالى، و اتّبعته.

فزعموا أنه قال له: أمّا إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه.

و روى سلمة بن كهيل عن حبّة بن جوين قال: سمعت عليا رضي اللّه عنه يقول: «لقد عبدت اللّه قبل أن يعبده أحد من هذه الامة خمس سنين».

و لمّا دبّرت قريش في دار النّدوة في رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) قبل الهجرة بيسير ما دبّرت، و أرادوا المكر به، و معهم إبليس في صورة شيخ نجديّ، أتى جبريل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك

الذي كنت تبيت عليه. قال: فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام، فيثبون عليه.

فلما رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم مكانهم، قال لعلي بن أبي

الجوهرة، التلمساني ،ص:14

طالب: «نم على فراشي، و تسجّ بردي هذا الحضرميّ الأخضر، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شي ء تكرهه منهم.

قال محمد بن كعب القرظيّ: اجتمعوا له و فيهم أبو جهل بن هشام فقال، و هم على بابه: إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب و العجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردنّ، و إن لم تفعلوا كان لكم فيه ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم نار تحرقون فيها.

قال: و خرج عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: «نعم، أنا أقول ذلك، أنت أحدهم».

و أخذ اللّه تعالى على أبصارهم عنه، فلا يرونه. فجعل ينثو «1» ذلك التراب على رءوسهم، و هو يتلو هؤلاء الآيات من يس: يس، وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ .. إلى قوله تعالى: وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ «2». حتى فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم من هؤلاء الآيات، و لم يبق منهم رجل إلا و قد وضع على رأسه ترابا. ثم انصرف إلى حيث أراد.

فأتاهم آت ممّن لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا: محمد.

قال: خيّبكم اللّه، قد و اللّه خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلا إلا و قد وضع على رأسه ترابا، و انطلق لحاجته. أ فما ترون ما بكم؟

______________________________

(1)

ينثو التراب: يفرّقه.

(2) سورة يس: 36/ الآية: 1- 10.

الجوهرة، التلمساني ،ص:15

قال: فوضع كلّ رجل منهم يده على رأسه، إذا عليه تراب. ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا على الفراش متسجّيا ببرد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم. فيقولون: و اللّه إنّ هذا لمحمد نائما، عليه برده.

قال: فلم يبرحوا كذلك حتى اصبحوا. فقام علي عن الفراش. فقالوا:

و اللّه لقد كان صدقنا الذي كان حدّثنا.

و كان ممّا أنزل اللّه تعالى من القرآن في ذلك اليوم، و ما كانوا أجمعوا له من المكر بالنبي عليه السلام: (و إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك. و يمكرون و يمكر اللّه، و اللّه خير الماكرين) «1».

و لما هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الى المدينة أقام علي بمكة ثلاث ليال و أيامها حتى أدّى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، حتى إذا فرغ منها لحق برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، فنزل معه على كلثوم بن هدم الأوسيّ «2».

و أجمع رواة الآثار على أن عليا صلّى القبلتين، و هاجر، و شهد بدراً و الحديبية و سائر المشاهد، و أنه أبلى ببدر و بأحد و الخندق و خيبر بلاء عظيما، و أنه أغنى في تلك المشاهد، و قام فيها المقام الكريم. و كان لواء

______________________________

(1) سورة الأنفال: 8/ الآية: 29.

(2) ذكر ابن الأثير أنه ابن هرم بن امرئ القيس بن الحارث .. ابن أوس الأنصاري الأوسي، بينما ضبطه مؤلف الجوهرة بالدال الساكنة. كان يسكن قباء و يعرف بصاحب رسول اللّه. و كان شيخا كبيرا، أسلم قبل وصول رسول اللّه إلى المدينة. و هو الذي نزل عليه

رسول اللّه بقباء. و أقام عنده أربعة أيام، ثم خرج الى أبي أيوب الأنصاري. قيل إنه أول من مات من صحابة رسول اللّه بعد قدومه المدينة، و لم يدرك شيئا من مشاهده. و قيل توفي قبل بدر بيسير. اسد الغابة: 4/ 253

الجوهرة، التلمساني ،ص:16

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بيده في مواطن كثيرة. و كان يوم بدر بيده على اختلاف في ذلك.

و لما قتل مصعب بن عمير «1» يوم أحد، و كان اللواء بيده دفعه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إلى علي. و شهد بدرا و هو ابن خمس و عشرين سنة، قاله ابن اسحاق.

و ذكر ابن السرّاج في تاريخه عن مقسم، عن ابن عباس قال: دفع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الراية يوم بدر إلى علي، و هو ابن عشرين سنة.

و لم يتخلّف عن مشهد شهده رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم مذ قدم إلى المدينة إلا في غزوة تبوك، خلّفه فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم على عياله، و قال له: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبيّ بعدي».

و روى قوله عليه السلام لعليّ: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» جماعة من الصحابة، و هو من أثبت الآثار و أصحّها. رواه عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: سعد بن أبي وقاص، و طرق حديث سعد فيه كثيرة

______________________________

(1) مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف أبو عبد اللّه. من فضلاء الصحابة و خيارهم، و من السابقين إلى الإسلام. أسلم و رسول اللّه في دار الأرقم. و كتم إسلامه خوفا

من أمه و أبيه. و حين علما به حبساه إلى أن هاجر الى الحبشة، بعثه رسول اللّه مع الاثني عشر أهل العقبة الثانيةُ ليفقه أهل المدينة و يقرئهم القرآن. و هو أول من جمع الجمعة بالمدينة. اسلم على يديه سعد بن معاذ. شهد بدرا و استشهد بأحد و كان عمره أربعين سنة. و زوجه حمنة بنت جحش. تهذيب الأسماء: 1/ 97

الجوهرة، التلمساني ،ص:17

جدا، و قد ذكرها ابن أبي خيثمة «1» و غيره. و رواه جابر بن عبد اللّه، و أسماء بنت عميس «2»، و ابن عباس، و أبو سعيد الخدري، و أمّ سلمة.

الترمذيّ: حدثنا القاسم بن دينار الكوفيّ: حدثنا أبو نعيم، عن عبد السلام بن حرب، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، عن سعد بن أبى وقاص أن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى». قال: هذا حديث حسن صحيح.

الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان: حدثنا أبو أحمد الزبيريّ: حدثنا شريك عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد اللّه أن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبيّ بعدي».

و حدّث يحيى بن معين «3» قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاريّ، عن

______________________________

(1) اسمه أحمد بن زهير بن حرب النسائي ثم البغدادي، أبو بكر. و هو مؤرخ من حفاظ الحديث و من رواة الأدب. مولده و وفاته ببغداد (180- 279) الأعلام: 1/ 123

(2) أسماء بنت عميس، امرأة أبي بكر، و أمها هند بنت عوف. كانت تحت جعفر بن أبي طالب، هاجرت معه إلى أرض الحبشة، ثم قتل عنها يوم مؤتة، فتزوجها

أبو بكر، فمات عنها ثم تزوجها علي.

و ولدت لجعفر عبد اللّه و محمدا و عونا، و ولدت لأبي بكر محمدا، و ولدت لعلي يحيى. و روى عنها بعض الصحابة كعمر و أبي موسى الأشعري و ابن عباس. و هي أخت ميمونة زوج النبي. اسلمت قبل دخول رسول اللّه دار الأرقم بمكة، و بايعت رسول اللّه. توفيت نحو 40 ه.

تهذيب الأسماء: 1/ 330

(3) يحيى بن معين بن عون بن زياد، أبو زكريا، مولى بني مرة غطفان. أصله من الأنبار، و إمام الحديث في زمانه. كان إماما ربانيا عالما حافظا ثبتا. يقول عنه ابن حنبل: كل حديث لا يعرفه يحيى ليس بحديث. توفي بالمدينة و غسل على السرير الذي غسل عليه رسول اللّه، و دفن بالبقيع، و رثاه الشعراء سنة 233، و له من العمر سبع و سبعون سنة. تهذيب الأسماء: 1/ 159

الجوهرة، التلمساني ،ص:18

موسى الجهنيّ، عن فاطمة بنت علي قالت: سمعت أسماء بنت عميس تقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول لعلي: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس بعدي نبي».

و تزوج عليّ فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في صفر في العام الثاني من الهجرة، و ابتنى بها في ذي الحجة من آخر العام.

و روى أنه مهرها درعه، إذ لم يكن له في ذلك الوقت صفراء و لا بيضاء.

و قيل إن عليا رحمه اللّه، تزوج فاطمة على أربع مائة و ثمانين درهما.

فأمره النبيّ عليه السلام أن يجعل ثلثها في الطّيب.

و قيل إنّ عليا قدّم الدّرع من اجل الدخول بأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إياه بذلك. و كان سنّها

يوم تزوجها خمس عشرة سنة و خمسة اشهر و نصفا. و كانت سنّ علي؛ رحمه اللّه، يومئذ إحدى و عشرين سنة و خمسة أشهر.

و قالت عائشة: ما رأيت أحدا كان اشبه برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كلاما و حديثا من فاطمة ابنته. و كان يحبّها حبا شديدا. و كانت إذا دخلت عليه قام إليها، و قبّل بين عينيها و رحّب بها و أجلسها في مجلسه.

كما كانت تصنع هي به صلى اللّه عليه و آله و سلم.

و قال ابن السرّاج محمد بن اسحاق بن ابراهيم أبو العباس: حدثنا محمد بن حميد: حدثنا سلمة عن ابن اسحاق، عن يحيى بن عبّاد، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما رأيت أحدا أصدق لهجة من فاطمة .. إلا أن يكون الذي ولدها صلى اللّه عليه و آله و سلم.

الجوهرة، التلمساني ،ص:19

و ذكر ابن السراج أيضا: حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن انس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد و آسية امرأة فرعون».

و روى عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدريّ قال النبيّ عليه السلام: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، إلا ما كان من مريم بنت عمران».

و ذكر ابن السرّاج قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا علي بن هاشم عن كثير النّواء عن عمران بن حصين ان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم عاد فاطمة، و هي مريضة فقال لها: «كيف تجدينك يا بنية؟» قالت:

إني وجعة، و إنه ليزيدني أني ما لي طعام آكله.

فقال: يا بنية، أ ما ترضين انك سيدة نساء العالمين؟ فقالت: يا أبت، فأين مريم بنت عمران؟ قال: «تلك سيدة نساء عالمها، و أنت سيدة نساء عالمك. أما و اللّه، لقد زوّجتك سيّدا في الدنيا و الآخرة».

ابن السراج بسنده عن جميع بن عمير قال: دخلت على عائشة فسئلت: أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم؟

قالت: فاطمة: قلت: فمن الرجال؟ قالت: زوجها، إن كان ما علمته صوّاما قوّاما.

مسلم: حدّثني زهير بن حرب قال: حدثنا يعقوب بن ابراهيم قال:

حدثنا أبي عن أبيه أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة، حدثته أن رسول

الجوهرة، التلمساني ،ص:20

اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم دعا فاطمة ابنته، رضي اللّه عنها، فسارّها، فبكت. ثم سارّها، فضحكت. فقالت عائشة: فقلت لفاطمة: ما هذا الذي سارّك به رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فبكيت، ثم سارّك به فضحكت؟

قالت: سارّني فأخبرني بموته فبكيت. ثم سارّنى فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكت.

و توفيت فاطمة بعد موت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بسبعين ليلة. قاله ابن بريدة عن أبيه. و قال عمرو بن دينار: توفيت فاطمة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بثمانية أشهر. و قيل: توفيت بعده بستة اشهر، و هو قول أكثر أصحاب التواريخ و الآثار، و قاله مسلم في الصحيح، و قال ذلك محمد بن علي أبو جعفر الباقر عليهم السلام و ابن هشام.

و قال محمد بن عمر الواقديّ: حدّثنا معمر عن الزّهري، عن عروة، عن عائشة، قال: و أخبرنا ابن جريج عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن فاطمة توفيت بعد النبي

عليه السلام بستة أشهر. قال: محمد بن عمرو: هو الثّبت عندنا.

و قال المدائنيّ: ماتت فاطمة ليلة الثّلاثاء [لليال] خلون من شهر رمضان، سنة إحدى عشرة، و هي ابنة تسع و عشرين سنة. ولدت قبل النّبوة بخمس سنين، و صلى عليها العباس. و قال عبد اللّه بن حسن بن علي بن أبي طالب: بلغت فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ثلاثين سنة. و قيل: صلّى عليها علي، و هو الذي غسلها مع أسماء بنت عميس،

الجوهرة، التلمساني ،ص:21

و دفنت ليلا. و دخل قبرها العباس و عليّ و الفضل، و هي أول من غطّي نعشها من النساء في الإسلام. إذ حكت لها أسماء بنت عميس ما يصنع للمرأة إذا ماتت بأرض الحبشة، فأمرتها أن تصنع ذلك لها. و كذلك صنع بعدها بزينب بنت جحش زوج النبيّ عليه السلام. و لم يخلّف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم من بنيه غيرها.

و يروى أن عليّ بن أبي طالب، رضي اللّه عنه، لما رأى فاطمة، رضي اللّه عنها، مسجّاة بثوبها بكى حتى رثي له. ثم قال:

لكلّ اجتماع من خليلين فرقةو إن الذي دون الممات قليل

و إنّ افتقادي واحدا بعد واحددليل على أن لا يدوم خليل و ولدت فاطمة لعلي رضي اللّه عنهما: الحسن، و الحسين، و محسنا درج صغيرا، و أمّ كلثوم الكبرى أمّ زيد بن عمر بن الخطاب «1»، و قد تقدّم ذكرها، و زينب الكبرى و كانت عند عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب «2»، فولدت له جعفرا الأكبر، و عليا، و عونا الأكبر و عباسا، و أمّ كلثوم.

______________________________

(1) ولدت أم كلثوم قبل وفاة رسول اللّه، و خطبها عمر بن

الخطاب إلى أبيها علي، فقال له إنها صغيرة، فقال عمر: زوّجنيها يا أبا الحسن، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد. فتزوجها على مهر أربعين ألفا. فولدت له زيد بن عمر الأكبر و رقية. توفيت أم كلثوم و ابنها زيد في وقت واحد، و صلى عليهما عبد اللّه بن عمر. أسد الغابة: 5/ 614

(2) جعفر أكبر من أخيه علي بعشر سنين. كان آية الكرم و غاية النجدة. لقبه ذو الجناحين، لأنه قطعت يداه في حرب مؤتة، و قال لرسول اللّه إن اللّه أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء.

الجوهرة، التلمساني ،ص:23

الحسن بن علي عليهما السلام

ولدت فاطمة الحسن للنصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة قبل وقعة أحد بشهر، هذا أصحّ ما قيل في ذلك إن شاء اللّه.

و عقّ عنه «1» رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يوم سابعه بكبش، و حلق رأسه، و أمر أن يتصدّق بزنته فضة.

مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال: وزنت فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم شعر حسن و حسين و زينب و أم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة.

و قال ابن الجارود: حدثنا أبو بكر محمد بن اسحاق الصاغانيّ قال:

حدثنا محمد بن عمر القصبانيّ قال: حدثنا الوارث عن أيّوب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم عقّ عن الحسن و الحسين كبشا كبشا؛ عن الحسن كبشا و عن الحسين كبشا.

محمد بن اسحاق أبو بكر الصاغانيّ شيخ ابن الجارود خرّج عنه مسلم. قال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي و هو ثبت صدوق.

و كان الحسن من المشبّهين برسول اللّه صلى اللّه عليه

و آله و سلم،

______________________________

(1) عقّ بكبش: العقّة: شعر كل مولود لأنه يشق الجلد. و العقيقة: الشاة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه عند حلق شعره. و من عادة العرب أن يزنوا شعر الطفل فضة أو ذهبا و يوزعوه.

الجوهرة، التلمساني ،ص:24

و كذلك قثم بن العباس و جعفر بن أبي طالب.

الترمذي بسنده عن عليّ قال: الحسن أشبه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ما بين الصدر إلى الرأس، و الحسين أشبه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ما كان أسفل من ذلك.

الترمذيّ: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزّهريّ، عن أنس بن مالك قال: لم يكن منهم أحد أشبه برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم من الحسن بن علي.

قال: هذا حديث حسن صحيح. و قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد عن اسماعيل بن أبي خالد، عن أبي جحيفة، قال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و كان الحسن بن علي يشبهه. هذا حديث حسن صحيح.

قال النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم: «حسن مني و حسين من علي».

و قال عليه السلام: «الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنة، و أبوهما خير منهما».

و قال صلى اللّه عليه و آله و سلم في الحسن: «إنّ ابني هذا سيّد.

و سيصلح اللّه على يده بين فئتين عظيمتين من المسلمين».

و في حديث آخر ان «ابني هذا سيّد، و عسى اللّه أن يبقيه حتى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين». رواه جماعة من الصحابة.

و في حديث أبي بكرة في ذلك: «و إنه ريحانتي من الدنيا». و لا أسود ممّن سماه رسول اللّه

صلى اللّه عليه و آله و سلم سيدا.

الجوهرة، التلمساني ،ص:25

و تصارع الحسن و الحسين يوما بين يدي النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم، فجعل عليه السلام يقول: «إيه يا حسن، إيه يا حسن». فقالت له فاطمة: يا رسول اللّه، أ تحرّض الكبير على الصغير؟ فقال: «يا فاطمة، هذا جبريل يقول إيه يا حسين، إيه يا حسين».

و كان معاوية، و هو خليفة، إذا دخل عليه الحسن يعظمه و يجلّه و يجلسه معه على سريره، و يقول له: يا أبا محمد، كأني أنظر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إذا رأيتك لشبهك به.

و حقّ لمعاوية أن يصنع به هذا الصنع الجميل، و ما هو أعزّ منه و أكرم، ففعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم به اكبر و أعظم.

روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم سجد في صلاة من الصلوات، فركب الحسن على ظهره، فأطال السجود. قال بعض الصحابة:

فرفعت رأسي من السجود، لأنظر ما شأن رسول اللّه. فرأيت الحسن على ظهره، فرجعت إلى السجود. فلما قضى صلى اللّه عليه و آله و سلم قيل: يا رسول اللّه، إنك سجدت سجدة في هذه الصلاة فأطلتها. فقال: «إن ابني استرحلني فكرهت أن أعجله».

و حدّث أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النّسائي في مصنّفه قال:

حدثنا محمد بن عبد العزيز بن غزوان، و هو ابن أبي رزمة قال: حدثنا الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه قال:

كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم يخطب فجاء الحسن و الحسين، عليهما قميصان أحمران، يعثران فيهما. فنزل النبيّ صلى اللّه عليه و

آله

الجوهرة، التلمساني ،ص:26

و سلم فقطع كلامه، فحملهما ثم عاد إلى المنبر. ثم قال: «صدق اللّه: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ* رأيت هذين يعثران في قميصهما، فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما». و خرّج هذا الحديث الترمذيّ عن الحسن بن حريث عن عليّ بن حسين بن واقد، عن أبيه، و خرّجه أيضا الحافظ أبو نعيم الأصبهانيّ في كتاب: «رياضة المتعلمين». فقال: حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان: حدثنا الحسن بن سفيان: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة:

حدثنا زيد بن حباب عن حسين بن واقد. و مدار هذا الحديث على حسين بن واقد، عن عبد اللّه بن بريدة.

مسلم: عن أبي هريرة أن الأقرع بن حابس «1» أبصر النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم يقبّل الحسن بن علي رضي اللّه عنه فقال: أن لي عشرة من الولد، ما قبّلت واحدا منهم! فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم:

«إنه من لا يرحم لا يرحم».

مسلم: حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن عبيد اللّه بن أبي يزيد، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبي هريرة قال: خرجت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في طائفة من النهار لا يكلّمني و لا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع، ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة. فقال: «أ ثمّ لكع،

______________________________

(1) هو الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد .. بن زيد مناة التيمي. شهد مع رسول اللّه فتح مكة و حنينا و حصار الطائف. و شهد مع خالد فتح العراق و الأنبار. اسمه فراس، و لقب الأقرع لقرع كان في رأسه. و كان شريفا في الجاهلية و الإسلام. تهذيب الأسماء: 1/ 125.

الجوهرة،

التلمساني ،ص:27

أ ثمّ لكع؟» يعني حسنا. فظننّا أنه إنما تحبسه أمّه لأن تغسله و تلبسه سخابا «1». فلم يلبث أن جاء يسعى حتى اعتنق كلّ واحد منهما صاحبه.

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «اللهمّ إني أحبّه فأحبّه، و أحبب من يحبّه». و خرّج هذا الحديث البخاريّ.

مسلم: حدثني عبد اللّه بن الروميّ اليماميّ و عباس بن عبد العظيم العنبريّ قالا: حدثنا النّضر بن محمد قال: حدثنا عكرمة، و هو ابن عمار قال: حدثنا إياس عن أبيه قال: لقد قدت بنبيّ اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و الحسن و الحسين على بغلته الشهباء. حتى إذا أدخلتهم حجرة النبي صلى اللّه عليه [و آله و سلم] هذا قدّامه و هذا خلفه.

إياس الذي روى عنه عكرمة بن عمار هذا الحديث هو إياس بن سلمة بن الأكوع الأسلمي، و أبوه سلمة من كبار الصحابة. شهد بيعة الرضوان، و ظهر منه في غزوة ذي قرد الفعل الكريم و الغناء العظيم. و قد ذكرتهما قبل في «أسلم» من خزاعة.

الترمذيّ: حدّثنا محمد بن بشار: حدثنا أبو عامر العقديّ: حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن و هرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم حامل الحسن بن علي على عاتقه.

فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام. فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم: «و نعم الراكب هو».

______________________________

(1) السخاب: القلادة.

الجوهرة، التلمساني ،ص:28

و قال: حدّثنا محمد بن بشار: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شعبة عن عديّ بن ثابت قال: سمعت البراء بن عازب يقول: رأيت النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم واضعا الحسن بن علي

على عاتقه، و هو يقول: «اللهم إني أحبّه فأحبّه». و خرّج مسلم هذا الحديث بسنده و نصّه.

الترمذي: عن أسامة بن زيد قال: طرقت النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم ذات ليلة في بعض الحاجة. فخرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم، و هو مشتمل على شي ء لا أدري ما هو. فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشفه، فإذا حسن و حسين عليهما السلام على وركيه. فقال: «هذان ابناي و ابنا ابنتي. اللهم إني أحبّهما فأحبّهما».

و حفظ الحسن عن النبيّ صلى اللّه عليه أحاديث، و رواها عنه. منها حديث الدّعاء في القنوت. و منها: «إنّا آل محمد لا تحلّ لنا الصدقة».

و كان عليّ، رضي اللّه عنه، محبا في همدان. و قال يوم الجمل في بطن منهم، و هم بنو ربيعة بن مالك بن معاوية بن صعب بن دومان بن بكيل بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان: «لو تمّت عدّتهم ألفا لعبد اللّه حقّ عبادته». و كان إذا رآهم تمثّل بقول الشاعر:

ناديت همدان و الأبواب مغلقةو مثل همدان سنّى فتحة الباب

كالهندوانيّ لم تفلل مضاربه وجه جميل و قلب غير وجّاب و ولي الحسن بعد موت عليٍّ عليهما السلام لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربعين، و صالح معاوية في شهر ربيع الأول سنة إحدى و أربعين. و قد قيل: في جمادى الأولى من هذه السنة، و يسمى عام صلحه مع معاوية

الجوهرة، التلمساني ،ص:29

«عام الجماعة». فكانت خلافته ستة أشهر، تمّت بها ثلاثون سنة للخلافة.

روى «سفينة» «1» مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم أنه قال: «الخلافة

بعدي ثلاثون سنة ثم تعود ملكا».

و لما بويع الحسن سار إلى معاوية بأهل الشام، فالتقوا بموضع يقال له «مسكن» «2» بأرض الكوفة، فاصطلحوا. و سلّم الحسن إليه الخلافة.

و اشترط عليه شروطا، منها أن يذهب ما بين أهل العراق و بين أهل الشام من الذّحول «3» و الضغائن: و أن يكون له الأمر من بعده. فرضي معاوية كلّ ما اشترط عليه الحسن، و كاد يطير فرحا.

البخاري: حدثنا عبد اللّه بن محمد، حدثنا سفيان عن أبي موسى قال:

سمعت الحسن يقول: استقبل و اللّه الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان بكتائب أمثال الجبال. فقال عمرو بن العاص: إني لارى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها. فقال له معاوية: و كان و اللّه خير الرجلين. أي عمرو، إن قتل هؤلاء هؤلاء و هؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس؟ من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سمرة و عبد اللّه بن عامر. فقال: اذهبا إلى هذا الرجل، فأعرضا

______________________________

(1) سفينة: مولى رسول اللّه، و هذا لقبه، و اسمه «مهران» و قيل غير ذلك، و كنيته أبو عبد الرحمن، لقبه، رسول اللّه سفينة. كان يسكن بطن نخلة، و هو من مولدي العرب، و قيل: من أبناء فارس. خدم النبي عشر سنين، و روى أربعة عشر حديثا. تهذيب الأسماء: 1/ 226.

(2) مسكن: موضع قريب من أوانا على نهر دجيل. كانت فيه الوقعة بين عبد الملك بن مروان و مصعب بن الزبير 72 ه، فقتل مصعب. و قبره هناك معروف. معجم البلدان: مادة مسكن.

(3) الذحول: مفردها الذحل و هو الثأر. تقول: لي عندهم ذحول أي ثارات.

الجوهرة، التلمساني ،ص:30

عليه، و قولا له، و

اطلبا إليه. فأتياه، فدخلا عليه، فتكلما. و قالا له: و طلبا إليه. فقال لهم (كذا) الحسن بن علي:

«إنّا بنو عبد المطّلب، قد أصبنا من هذا المال، و إنّ هذه الأمة قد عاثت في دمائها».

قالا له: فإنه يعرض عليك كذا و كذا، و يطلب إليك و يسألك.

قال: فمن لي بهذا؟

قالا: نحن لك به.

فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به.

فصالحه.

فقال الحسن: و لقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم على المنبر و الحسن بن علي إلى جنبه، و هو يقبل على الناس مرة و عليه أخرى، يقول: «إن ابني هذا سيّد، و لعل اللّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين».

قال البخاريّ: قال لي عليّ بن عبد اللّه: إنما ثبت عندنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث.

و حدّث أحمد بن زهير، و هو أبو بكر بن أبي خيثمة قال: حدثنا هارون بن معروف: حدثنا ضمرة، عن ابن شوذب قال: لما قتل علي سار الحسن فيمن معه من أهل الحجاز و العراق. و سار معاوية في أهل الشام قال:

فالتقوا. فكره الحسن القتال، و بايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده.

الجوهرة، التلمساني ،ص:31

قال: فكان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار المؤمنين. فيقول: العار خير من النار.

و دخل على الحسن بعض شيعة أبيه الناصحين له فقال: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين، بايعت معاوية و معك أربعون ألف سيف من أهل العراق.

فقال: اجلس يا بن فلان، لا تقل كذلك. إنّ أبي عهد إليّ أنه لا بدّ لمعاوية أن يلي هذا الأمر. فلو قاتلنا بالشجر و الحصى و الجندل لم ينفعنا ذلك. و قد سبق القضاء بولايته.

و لما خرج

ذلك الرجل من عند الحسن دخل على الحسين فقال: امدد يدك نبايعك.

فقال له الحسين: أما ما دام أبو محمد حيا فلا.

و كان الحسن يكنى أبا محمد، و الحسين يكنى أبا عبد اللّه.

و ذكر أبو عمر بن عبد البرّ في كتاب «الصحابة» فقال: حدثنا خلف بن قاسم قال: حدثنا عبد اللّه بن عمر بن اسحاق بن معمر قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحجّاج بن رشدين قال: حدثني عمرو بن خالد مرارا قال:

حدثني زهير بن معاوية الجعفيّ قال: حدّثني أبو روق الهمداني أن أبا الغريف حدّثهم قال: كنا في مقدمة الحسن بن علي اثني عشر الفا بمسكن مستميتين، تقطر أسيافنا من الجدّ و الحرص على قتال أهل الشام، و علينا ابو العمرطة. فلما جاءنا صلح الحسن بن علي كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ و الحزن. فلما جاء الحسن الكوفة جاءه شيخ يكنى أبا عامر شفيق بن ليلى. فقال: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين. فقال: لا تقل يا أبا عامر،

الجوهرة، التلمساني ،ص:32

فإني لم أذلّ المؤمنين، و لكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك.

و حدّث ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: لما دخل معاوية الكوفة حين سلّم إليه الأمر الحسن بن علي كلّم عمرو بن العاص معاوية أن يأمر الحسن بن علي فيخطب الناس، فكره ذلك معاوية و قال: لا حاجة بنا إلى ذلك.

قال عمرو: و لكني أريد ذلك ليبدو عيّه، فإنه لا يدري هذه الأمور ما هي. و لم يزل بمعاوية حتى أمر الحسن يخطب. و قال له: قم يا حسن، فكلّم الناس فيما جرى بيننا.

فقام الحسن، فتشهّد و حمد اللّه و أثنى عليه و قال في بديهته:

«أما بعد أيها الناس، فإن

اللّه هداكم بأوّلنا، و حقن دماءكم بآخرنا. و إنّ لهذا الأمر مدّة، و الدنيا دول. و إن اللّه عز و جلّ يقول: وَ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ، إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ، وَ يَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ، وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ «1».

فلما قالها قال له معاوية: اجلس فجلس. ثم قام معاوية فخطب الناس.

ثم قال لعمرو: هذا من رأيك.

و روى مجالد بن سعيد عن الشعبي قال: لما جرى الصّلح بين الحسن بن علي و بين معاوية. قال له معاوية: قم فاخطب الناس و اذكر ما كنت فيه.

فقام الحسن، فخطب. فقال «الحمد للّه الذي هدى بنا أوّلكم، و حقن بنا دماء آخركم. ألا إن أكيس الكيس التقى، و أعجز العجز الفجور. و إن هذا

______________________________

(1) سورة الأنبياء: 21/ الآية: 109- 111.

الجوهرة، التلمساني ،ص:33

الأمر الذي اختلفت فيه أنا و معاوية. إما أن يكون كان أحقّ به مني، و إما أن يكون حقي، فتركته للّه و لصلاح أمة محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم و حقن دمائهم. قال: ثم التفت إلى معاوية فقال: و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين».

ثم نزل فقال عمرو لمعاوية: ما أردت إلا هذا.

و مات الحسن، رضي اللّه عنه، مسموما «1». يقال إن امرأته «جعدة» بنت الأشعث بن قيس سمّته. دسّ إليها معاوية أن تسمّه. فإذا مات أعطاها أربعين ألفا، و زوّجها من يزيد. فلما مات الحسن و فى لها بالمال و قال لها:

... حاجة هذا ما صنعت بابن فاطمة، فكيف تصنع بابن معاوية؟ فخسرت و ما ربحت. و قيل: إن يزيد دسّ إلى جعدة بذلك. و قد ذكر الخبرين أصحاب التواريخ.

و

حدّث قاسم اصبغ البيانيّ قال: حدثنا عبد اللّه بن روح حدثنا عثمان بن عمر بن فارس قال: حدثنا ابن عون، عن عمير بن اسحاق قال: كنا عند الحسن بن علي فدخل المخرج ثم خرج فقال: سقيت السمّ مرارا، و ما سقيت مثل هذه المرة. و لقد لفظت طائفة من كبدي، فرأيتني أقلّبها بعود معي. فقال له الحسين: أي أخي، من سقاك؟ فقال: و ما تريد إليه؟ أ تريد أن تقتله؟ قال: نعم. قال: لئن كان الذي أظنّ فاللّه أشدّ نقمة. و لئن كان غيره فما أريد ان يقتل بي بري ء.

و لما ورد البريد بموته على معاوية أتى ابن عباس معاوية فقال له: يا

______________________________

(1) انظر تفصيل موته في «المختصر في أخبار البشر: 1/ 182» و في تجارب السلف: 52.

الجوهرة، التلمساني ،ص:34

بن عباس، احتسب الحسن، لا يحزنك اللّه و لا يسوؤك. فقال: أما ما أبقاك اللّه لي يا أمير المؤمنين فلا يحزنني اللّه و لا يسوؤني. فأعطاه على كلمته ألف الف و عروضا و أشياء. و قال له: خذها و اقسمها على أهلك.

و ذكر أنه لما بلغ معاوية موت الحسن كبّر، و كبّر من كان في مجلسه معه. و سمعت فاختة بنت قرظة زوجه التكبير. فلما دخل عليها قالت له: يا أمير المؤمنين: إني سمعت تكبيرا عاليا في مجلسك، فما الخبر؟ فقال لها:

مات الحسن. فبكت و قالت: إنا للّه و إنا إليه راجعون. سيد المسلمين و ابن رسول اللّه تكبّر على موته؟ فقال لها معاوية: إنه و اللّه كما قلت فأقلّي لومي و يحك.

و دخل عليه ابن عباس عشية يوم هذه القصة فقال: يا ابن عباس أسمعت بموت الحسن، فبكى ابن عباس و قال: قد سمعت به،

و بلغني يا معاوية انك كبّرت على موته. أما و اللّه ما زاد موته في عمرك. و لقد وافاه أجله، و قد زكا قوله و عمله، و صار إلى ما أعدّ اللّه له من الكرامة في دار المقامة مع جدّه الرسول و أمّه البتول و أبيه النفّاع في اللّه الضرّار، و عمّه ذي الجناحين الطيار. و لئن رزئنا بفقده، فلقد رزئنا بفقد من هو خير منه؛ محمد صلى اللّه عليه و آله و سلّم.

و كانت وفاة الحسن بالمدينة في شهر ربيع الأول سنة تسع و أربعين، و هو يومئذ ابن سبع و أربعين سنة. و دفن بالبقيع الى جنب أمّه فاطمة رضي اللّه عنها و عن بينها أجمعين. و صلى عليه سعيد بن العاص والد عمرو الأشدق، و كان يومئذ أميرا على المدينة. قدّمه الحسين للصلاة عليه، و قال:

الجوهرة، التلمساني ،ص:35

هي السنّة، و لو لا أنّها سنّة ما قدّمتك.

و كان أوصى أن يدفن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، إلا أن تكون فتنة تثير قتالا، فإن كانت فادفنوني بالبقيع. فلما جي ء بسريره إلى المسجد منعهم مروان من الدخول و قال: و اللّه لا يدفن أمير المؤمنين عثمان في البقيع و تدفنون الحسن مع رسول اللّه. و تنازعوا حتى دخلت بنو هاشم مع الحسين في السلاح و بنو أمية مع مروان كذلك. فأصلح الناس، و ابو هريرة بينهم. و قال أبو هريرة: و اللّه إنّ هذا لظلم، يمنع الحسن أن يدفن مع جدّه. ثم ناشد اللّه الحسين و قال: يا أبا عبد اللّه، أ ليس قد قال الحسن: ادفنوني بالبقيع إن كانت فتنة تثير قتالا؟ و لم يزل به حتى سكن غضبه

و رضي، و دفن الحسن بالبقيع، رضي اللّه عنهما.

و لما توفي الحسن عليه السلام أدخله قبره الحسين و محمد ابن الحنفية و عبيد اللّه بن عباس. ثم وقف على قبره و قد اغرورقت عيناه فقال:

«رحمة اللّه عليك أبا محمد. فلئن عزّت حياتك لقد هدّت وفاتك. و لنعم الروح روح تضمّنه بدنك، و لنعم الجسد جسد تضمّنه كفنك، و لنعم الكفن كفن تضمّنه لحدك. و كيف لا تكون كذلك و أنت حلف التقى؟ و جدّك النبيّ المصطفى و أبوك عليّ المرتضى، و أمّك فاطمة الزّهراء، و عمّك جعفر الطيار في جنة المأوى؟ غذتك أكفّ الحقّ، و ربّيت في حجر الاسلام، و رضعت ثدي الايمان. فطبت حيا و ميتا. فلئن كانت الأنفس غير طيّبة بفراقك فإنها غير شاكة أنه قد خير لك، و إنك و أخاك سيّدا شباب أهل الجنة. فعليك السلام منا».

الجوهرة، التلمساني ،ص:36

و كان الحسن و الحسين رضي اللّه عنهما من أجواد الاسلام، و لهما و لعبد اللّه بن جعفر و لعبيد اللّه بن عباس و لسعيد بن العاص أخبار مأثورة، عزيزة الوجود في المبرّزين في الجود.

و ولد الحسن بن علي الحسن، أمّه خولة بنت منظور بن زبان الفزارية و عمرا أمه ثقفيّة، و ابنه محمد بن عمرو. و روى عن جابر بن عبد اللّه حديث: «ليس من البرّ أن تصوموا في السفر». خرّجه مسلم. و الحسين الأثرم لأمّ ولد، و طلحة و أمّه أمّ اسحاق بنت طلحة بن عبيد اللّه.

فأما الحسن بن الحسن بن علي فولد: عبد اللّه، و الحسن، و ابراهيم، و محمدا، و جعفرا، و داود. و كان عبد اللّه بن حسن بن حسن بن حسن يكنى أبا محمد، و روي ان

عمر بن عبد العزيز وجه إلى عبد اللّه بن الحسن بن حسن: إذا كانت لك حاجة فاكتب بها رقعة، فإني أستحيي من اللّه ان يراك على بابي.

و من ولد عبد اللّه بن حسن: ابراهيم، و محمد، و إدريس. فأما ابراهيم و محمد فكانت لهما فطنة و ذكاء في صغرهما، و كانا من أهل البلاغة و اللسن في كبرهما.

الأصمعي: عن بعض شيوخه الثقات، عن عبد اللّه بن طاوس «1» قال:

أقبلت إلى عبد اللّه بن الحسن، فأدخلني بيتا، قد نجّد بالرهاوي «2» و كل

______________________________

(1) عبد اللّه بن طاوس بن كيسان الهمداني. من شيوخ الأصمعي، و من عبّاد أهل اليمن و فقهائهم المشهورين، و من رجال الحديث الثقات. توفي سنة 132 ه الأعلام: 4/ 227.

(2) الرهاوي: منسوب إلى بلدة الرها في بلاد الروم (أصلها أودية)، و إلى رهاء قبيلة من مذحج، و الأول هو المطلوب هنا. (معجم البلدان).

الجوهرة، التلمساني ،ص:37

فرشة شريفة. قال فبسطت نطعي «1» و جلست عليه، و ابناه محمد و ابراهيم صبيان يلعبان. فلما نظرا إليّ قال أحدهما لصاحبه: ميم. قال الآخر: جيم.

فقلت أنا: نون واو نون. فاستغرقا ضحكا، و خرجا إلى أبيهما، فأخبراه فتبسّم.

توفي عبد اللّه بن طاوس في خلافة أبي العباس السفاح، و روي عنه الحديث و كان من الثقات، و أكثر روايته عن أبيه. و أبوه طاوس: كان من أصحاب ابن عباس. و توفي بمكة سنة ست و مائة قبل التّروية «2» بيوم، و صلى عليه هشام بن عبد الملك. و هو طاوس بن كيسان مولى لأهل اليمن. و أمّه مولاة لحمير. و كان يكنى أبا عبد الرحمن. و خرّج عنه الأئمة مالك و البخاريّ و مسلم و الترمذيّ و غيرهم.

و خرج محمد

و ابراهيم على أبي جعفر المنصور، و غلبا على المدينة و مكة و البصرة. فبعث إليهما، فقتل محمد بالمدينة، و قتل ابراهيم بباخمرا «3»، على ستة عشر فرسخا من الكوفة.

و أمّا ادريس بن عبد اللّه «4» أخوهما فهو الذي صار إلى أرض البربر

______________________________

(1) النطع: بساط من الجلد.

(2) التروية: يوم قبل يوم عرفة، و هو الثامن من ذي الحجة. سمي به لأن الحجاج يتروّون فيه من الماء، و ينهضون إلى منى و لا ماء بها، فيتزوّدون ربّهم من الماء أي يسقون و يستقون. (اللسان)

(3) باخمرا: موضع بين الكوفة و واسط، و هو إلى الكوفة أقرب. بها كانت الوقعة بين أصحاب أبي جعفر المنصور و ابراهيم بن عبد اللّه بن حسن. فقتل ابراهيم هناك، و قبره إلى الآن يزار. (معجم البلدان)

(4) هو ادريس بن عبد اللّه بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب، مؤسس دولة الأدارسة

الجوهرة، التلمساني ،ص:38

بالمغرب هاربا في خلافة هارون الرشيد. و ولد إدريس الأصغر. ترك أمّه حاملا به حين سمّ، و خبره مشهور.

و من ولد إدريس بن إدريس الشرفاء بالمغرب و الأمراء بقرطبة و مالقة و سبتة، و ذلك بعد انقراض دولة المنصور محمد بن أبي عامر المعافري «1» و دولة ولديه.

و أمّ عبد اللّه بن حسن بن حسن فاطمة بنت الحسين بن علي، أخت سكينة. و كانت أجمل من سكينة. و كان الحسين رضي اللّه عنه أرى ابن أخيه الحسن بن الحسن ابنتيه سكينة و فاطمة، و خيّره فيهما، فاختار فاطمة. و مات عبد اللّه بن حسن في سجن أبي جعفر، و أخوته معه، و هم:

حسن و داود و ابراهيم.

و من ولد ابراهيم بن حسن، ابن طباطبا «2»، و هو

محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن حسن بن حسن، و هو صاحب أبي السّرايا

______________________________

في المغرب و إليه نسبتها. انهزم من العباسيين بعد قتل الحسين بن علي في المدينة فنزل في مصر فالمغرب الأقصى سنة 172. و استطاع أن يجمع البربر تحت إمرته. و تمّ له الأمر في نفس العام.

و عظم أمره و اتسع ملكه حتى سنة 177 حيث مات مسموما. الاستقصاء: 1/ 67

(1) هو محمد بن عبد اللّه بن عامر بن محمد أبي عامر المعافري القحطاني. أمير الأندلس في دولة المؤيد الاموي و أحد الشجعان الدهاة. عهد إليه بوكالة السيدة صبح (أم هشام المؤيد) فولي النظر في أموالها و ضياعها و عظمت مكانته عندها، ثم أضيف إليه عدة وظائف. و دامت له الإمرة ستا و عشرين سنة، غزا فيها بلاد الافرنج ستا و خمسين غزوة. و مات في احدى غزواته في مدينة سالم، و لا يزال قبره معروفا فيها سنة 392 ه.

(2) ابن طباطبا: أمير علوي ثائر و من ولد علي بن أبي طالب و من أئمة الزيدية. مال إليه الناس في المدينة فاستتر. دخل الكوفة يستعرض رأي الناس فيه. ثم لقي أبا السرايا و اتفقا على إعلان الثورة ضد العباسيين. لكن توفي سنة 199 و عمره ست و عشرون إثر مرض أو سم. الطبري: 10/ 227

الجوهرة، التلمساني ،ص:39

الشّيباني «1». و خرج ابن طباطبا على المأمون عبد اللّه بن الرشيد بالكوفة سنة تسع و تسعين و مائة. و هي السنة الثانية من خلافة المأمون. و بويع للمأمون عند قتل المخلوع أخيه محمد الأمين ليلا ببغداد و هو بخراسان لخمس بقين من المحرّم سنة ثمان و تسعين و مائة. و تولّى قتل المخلوع طاهر

بن الحسين ذو اليمينين «2».

و من موالى الحسن بن علي رضي اللّه عنهما الحسن بن سعد: روى عن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب.

مسلم: حدثنا شيبان بن فرّوخ قال: حدثنا مهدي بن ميمون قال: حدثنا محمد بن عبد اللّه بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي عن عبد اللّه بن جعفر قال: أردفني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ذات يوم خلفه، فأسرّني حديثا لا آخذ به احتراس الناس (؟).

و أبو أسامة حماد بن أسامة: المحدّث الثقة، مولى الحسن ابن سعد هذا.

______________________________

(1) ابو السرايا: هو السري بن منصور الشيباني، من احفاد هانئ الشيباني و من الأمراء العصاميين.

كان كثير الطموح، فاتصل بهرثمة بن أعين أيام الفتنة بين الامين و المأمون. لقيه ابن طباطبا في الرقة و اتفق معه على الثورة و بايعه. فاستوليا على الكوفة. و سيّر الجيوش الى البصرة. ثم استفحل أمره فملك واسطا و المدائن. قتله الحسن بن سهل و أرسل رأسه إلى المأمون، و نصبت جثته على جسر بغداد سنة 200 ه. الطبري: 10/ 227

(2) طاهر بن الحسين بن مصعب الخزاعي أبو الطيب. من كبار الوزراء و القواد أدبا و حكمة و شجاعة.

و هو الذي وطّد الملك للمأمون العباسي. و كانت لأبيه منزلة عند الرشيد. و لما مات الرشيد و ولي الأمين، كان المأمون في مرو. فانتدب طاهرا للزحف الى بغداد فهاجمها، و ظفر بالأمين فقتله سنة 198، و عقد البيعة للمأمون. فولاه شرطة بغداد. ثم ولاه خراسان سنة 205. وجد عليه المأمون لقتله أخاه. و أحسّ طاهر بهذا فقطع الخطبة عن المأمون. قتله أحد غلمانه سنة 207. وفيات الأعيان

الجوهرة، التلمساني ،ص:40

فهو مولى مولى. توفي

أبو أسامة بالكوفة سنة تسع و مائتين و هو ابن ثمانين سنة.

الجوهرة، التلمساني ،ص:41

الحسين بن علي عليهما السّلام

ولد الحسين في شعبان سنة أربع من الهجرة. و يكنّى أبا عبد اللّه.

و علقت فاطمة بالحسين بعد وضعها الحسن بخمسين يوما. قاله الواقديّ.

و كان الحسين رضي اللّه عنه من الفقهاء العالمين بالكتاب و السنة. و روى عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قوله: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».

هكذا حدّث به العمريّ عن الزّهري، عن علي بن حسين، عن أبيه، عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم.

و روى ابراهيم بن سعد عن ابن اسحاق، عن الزّهري، عن سنان بن أبي سنان الدّؤلي عن حسين بن علي، عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم حديثا في ابن صائد: «اختلفتم و أنا بين أظهركم و أنتم بعدي أشدّ اختلافا».

و حديث: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، هو ثلث الإسلام».

و رواه أيضا أبو هريرة.

و روى سفيان بن عيينة «1» عن عبد اللّه بن شريك عن بشر بن غالب قال: سمعت ابن الزبير و هو يسأل الحسين بن علي: يا أبا عبد اللّه، ما تقول في فكاك الأسير، على من هو؟

______________________________

(1) سفيان بن عيينة، أبو أحمد. و هو تابعي، اتفقوا على إمامته و جلالته. قال: قرأت القرآن و أنا ابن سبع سنين. ولد سنة 107، و توفي سنة 197 ه. تهذيب الاسماء: 1/ 225

الجوهرة، التلمساني ،ص:42

قال: على القوم الذين أعانهم.

و ربما قال: قاتل معهم.

قال سفيان: يعني يقاتل مع أهل الذّمّة فيفكّ من جزيتهم.

قال: و سمعته يقول: يا أبا عبد اللّه متى يجب عطاء الصبيّ؟ قال: إذا استملى وجب عطاؤه و رزقه. و سأله عن

الشرب قائما، فدعا بلقحة «1» له فحلبت و شرب قائما، و ناوله. و كان يعلّق الشاة المصلية «2» فيطعمنا منها، و نحن نمشي معه.

و كان كثير الصلاة و الصيام و الحج. حجّ رضي اللّه عنه عشرين حجة، ماشيا. قال ذلك مصعب بن عبد اللّه الزبيريّ.

و كان رضي اللّه عنه متواضعا. مرّ على قوم من المساكين، و كان راكبا، فسلّم عليهم، و هم قد وضعوا كسرا بالأرض، و هم يأكلون. فقالوا: هلّم يا ابن رسول اللّه. فنزل عن دابته و قال: إنّ اللّه لا يحبّ المستكبرين، ثم جلس و أكل معهم. فلما فرغوا قال: إنكم دعوتموني فأجبتكم. و إني أدعوكم إلى منزلي، فأجابوه. فلما دخلوا منزله و جلسوا قال: يا رباب، هات ما كنت تدّخرين.

و من مناقبه ما ذكر التّرمذيّ بسنده عن يعلى بن مرّة «3» قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «حسين مني و أنا من حسين. أحبّ اللّه من

______________________________

(1) اللقحة (بكسر القاف): الناقة الحلوب الغزيرة اللبن.

(2) الشاة المصلية: المشويّة.

(3) يعلى بن مرة بن وهب بن جابر بن عتاب بن مالك. شهد مع النبي صلح الحديبية، و بايع بيعة الرضوان، و شهد خيبر و الفتح و هوازن و الطائف. ثم كان من أصحاب علي. سكن الكوفة، و قيل البصرة. أسد الغابة: 5/ 130

الجوهرة، التلمساني ،ص:43

أحبّ حسينا. حسين سبط «1» من الأسباط».

و قال أبو هريرة: أبصرت عيناي هاتان، و سمعت أذناي رسول اللّه، و هو آخذ بكفّي حسين، و قدماه على قدم رسول اللّه و هو يقول: «ترقّ عين بقّة». «2» قال: فرقي الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، ثم قال له

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «افتح فاك». ثم قبّله، ثم قال: «اللّهمّ أحبّه، فإني أحبّه».

الترمذي: حدثنا عقبة بن مكرم العمّيّ: حدثنا عقبة بن مكرم العمّيّ: حدثنا وهب بن جرير بن حازم:

حدثنا أبي عن محمد بن أبي يعقوب، عن عبد الرحمن بن أبي نعم أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب. فقال ابن عمر: انظروا الى هذا، يسأل عن دم البعوض، و قد قتلوا ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم! و سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول: «إن الحسن و الحسين ريحانتاي من الدنيا».

و لما مات معاوية، و بويع يزيد ابنه وصل البريد ببيعة يزيد إلى المدينة، و أمر و إليها الوليد بن عتبة بن ابي سفيان بأخذ الحسين بالبيعة. فأرسل إليه ليلا، و أقرأه كتاب يزيد و طلبه بالبيعة، فقال: مثلى لا يبايع سرا، فإذا كان في غد بايعت علانية. فلما همّ بالخروج قال مروان بن الحكم للوليد، و كان حاضرا معه في مجلسه لتدبير أمر بيعة يزيد: يا لها من غلطة، ما رأيت لها

______________________________

(1) السبط: ولد الولد. و يغلب على ولد البنت، مقابل الحفيد الذي هو ولد الابن.

(2) ترقّص الأمهات العربيات أولادهنّ و هنّ يغنّين بهذه الجملة. و أصل الجملة «حزقّة حزقّة، ترقّ عين بقّة». قيل: بقّة اسم حصن، و لعله الذي كان به جذيمة الأبرش على شاطئ الفرات. و المراد بهذه الجملة: اعل عين بقّة. و قيل: إنها تشبّه طفلها بالبقة لصغر جثته. و قد استخدم رسول اللّه هذا القول مداعبا حفيده. لسان العرب «بقق»

الجوهرة، التلمساني ،ص:44

مثلا. تترك الأمر مستقبلا، و تطلبه مستدبرا؟ فقال

له: فما ترى أنت؟ قال:

تأخذه بالبيعة، فإن أبى ضربت عنقه. فسمعه الحسين فسلّ سيفه، و همّ أن يضرب مروان، ثم قال له: يا بن الزرقاء، أ مثلك يأمر بقتل مثلي؟ و كان الحسين قد دعا بمواليه و أهل بيته، فأقعدهم على الباب حين دخل و قال لهم: إن ارتفع صوتي فاقتحموا عليّ الدار، و إلا فمكانكم حتى أخرج إليكم.

و حين خرج الحسين عن الوليد ارتحل من ليلته إلى مكة. و قيل: إنه ارتحل نهارا.

و كان عبد اللّه بن الزبير قد خرج من أول هذه الليلة إلى مكة هاربا بعد ما اجتمع مع الحسين مخافة أن يؤخذ بالبيعة ليزيد، و هرب معه أخوه جعفر بن الزبير. و مضيا على طريق «الفروع»، و هي طريق غير الجادة، خوفا من الطلب، فلم يقدر عليهما.

فلما قدم الحسين مكة كتب إليه سليمان بن صرد الخزاعيّ «1» و المسيّب بن نجبة الفزاريّ و غيرهما من رجال أبيه و شيعته من الكوفة: «هلّم إلينا يا بن رسول اللّه، فأنت أحقّ بالخلافة من يزيد الخمور»، و كتبوا بيعتهم.

فلما أراد الخروج من مكة جاءه عبد اللّه بن عمر فقال: إلى أين تسير يا أبا عبد اللّه؟ قال: هذه بيعة أهل العراق و كتبهم قد أتتني.

قال: أ تسير إلى قوم قتلوا أباك، و خذلوا أخاك، و كانت طاعتهم لهما أكثر ممّا لك الآن؟

______________________________

(1) سليمان بن صرد، ابو مطرف. روى عن رسول اللّه خمسة عشر حديثا. نزل الكوفة، و كان خيّرا فاضلا صاحب عبادة. و كان له قدر و شرف في قومه. قتل في رأس العين بالجزيرة سنة 65، و هو ابن ثلاث و تسعين سنة، و كان أميرا على الجيش. تهذيب الأسماء: 1/ 234

الجوهرة، التلمساني

،ص:45

و جعل عبد اللّه يثبّطه عن الخروج. فلما أبى عليه اعتنقه و قال:

أستودعك اللّه من قتيل.

و بعث الحسين من مكة إلى الكوفة ابن عمّه مسلم بن عقيل ليصحّح بيعته بها، و يأخذ العهود له من أهلها. فقتل بعد خطب طويل. قتله عبيد اللّه بن زياد، و قتل معه هانئ بن عروة المراديّ «1».

و قيل إنّ الوالي كان على المدينة عند بيعة يزيد بن معاوية، خالد بن الحكم أخو مروان. ثم عزل و ولاها عثمان بن محمد بن أبي سفيان. و هو الذي قال لمّا خرج الحسين عن المدينة، و لم يبايع: «اركبوا كلّ بعير بين السماء و الارض، فاطلبوه». فطلبوه فلم يدرك.

و خرج الحسين من مكة إلى العراق فلقيه الفرزدق في الطريق، فسأله عن أمر الناس فقال: يا بن رسول اللّه، القلوب معك و السيوف عليك، و النصر من السماء.

و خرج عبيد اللّه بن زياد من الكوفة بجيشه إلى الحسين، و على مقدّمته عمر بن سعد ابن أبي وقاص. و كان مسلم بن عقيل لما قدّم ليقتل بين يدي عبيد اللّه بن زياد، و قد أثخن جراحا، نظر هل يرى أحدا من قريش؟ فرأى عمر بن سعد، فقال: ادن مني. فدنا منه عمر، فقال: أنت أقرب الناس إليّ في النسب. فإن أردت أن تفوز بشرف الدارين فابعث إلى حسين ليرجع من الطريق، فإني تركته و من معه، و هم تسعون إنسانا على الخروج من

______________________________

(1) هو هانئ بن عروة بن الفضفاض بن عمران: أحد سادات الكوفة و أشرافها. كان في البدء من خواص علي، ثم كان من قواد معاوية. قتله ابن زياد لأنه امتنع عن تسليمه مسلم بن عقيل رسول الحسين الى الكوفة، و صلبه في

سوق الكوفة سنة 60 ه. الكامل: 4/ 10- 15

الجوهرة، التلمساني ،ص:46

مكة، و إنهم الآن في الطريق، و اكتب إليه بما أصابني.

فلما انصرف عنه عمر بن سعد قال لابن زياد: أ تدري ما قال لي مسلم؟ قال: اكتم على ابن عمّك.

قال: الأمر أعظم من ذلك.

قال: اكتم على ابن عمّك.

قال الأمر أعظم من ذلك.

قال: اكتم على ابن عمك.

فلمّا اكثر على ابن زياد فيما قال له مسلم، قال له: قل.

قال: أخبرني أن حسينا خرج في أهله و قرابته و من اتبعه من الناس إلى الكوفة.

قال له ابن زياد: أمّا إذا أخبرتني فو اللّه لا خرج لقتاله غيرك. أما و اللّه لو أسرّ إليّ كما أسرّ إليك لرددتهم. ويحك ما حفظت وصية ابن عمّك حين رآك لها أهلا؟

ثم التقوا مع الحسين بكربلاء؛ و هو موضع على الفرات. فأتاه عمر بن سعد فقال: ما هذا المسير يا أبا عبد اللّه؟

قال: سرت إلى قوم غرّوني بكتبهم، و لا مردّ للقضاء. و إني أسأل منكم إحدى ثلاث خلال: إمّا أن تتركوني أرجع من حيث جئت. و امّا أن تخلّوا بيني و بين الطريق إلى الأعاجم، أقاتل فيهم حتى أموت، و إمّا أن أسير إلى يزيد فأضع يدي في يده «1».

______________________________

(1) من دعايات الأمويين للحطّ من منزلة الإمام الحسين و قد اثبتت الدراسات التاريخية و وثائق الثورة عدم صحتها- مؤسسة انصاريان

الجوهرة، التلمساني ،ص:47

فأخبر عمر بن سعد بذلك عبيد اللّه بن زياد، فقال: لا أعطيه واحدة من الثلاث. و لكن ينزل على حكمي.

فأخبر عمر بن سعد بذلك الحسين فقال: أ أنزل على حكم ابن مرجانة الدّعيّ؟ الموت و اللّه عندي دون ذلك أشهى و أحلى.

و مرجانة: أمّ عبيد اللّه، و هي أمة.

و لما أبى

عبيد اللّه أن يعطي الحسين واحدة من الخلال الثلاث التي طلب، قالت طائفة من عسكر عبيد اللّه: يعرض عليكم ابن بنت رسول اللّه واحدة من ثلاث خلال فلم تسعفوه بها! لقد خاب سعيكم، و شقي من يتبعكم. فانصرفوا إلى الحسين، فقتلوا معه، رضي اللّه عنهم و رحمهم.

و أبلى الحسين في ذلك اليوم بلاء عظيما، و قتل من عسكر عبيد اللّه أشقياء كثيرة، حتى قتل، رضوان اللّه عليه. و قتل معه من ولده و ولد أخيه الحسن و ولد عمه عقيل جماعة لم ينشأ في الاسلام مثلهم.

و روى فطر عن منذر الثّوريّ عن ابن الحنفيّة قال: قتل مع الحسين بن علي سبعة عشر رجلا، كلّهم من ولد فاطمة.

و قتل، رضي اللّه عنه، يوم عاشوراء، سنة إحدى و ستين، و هو ابن ثمان و خمسين سنة. و اختلف فيمن قتله، فقيل: شمر ابن ذي الجوشن الضّبابيّ، لعنه اللّه. و هو القائل لعبيد اللّه بن زياد:

أوقر ركابي فضة و ذهباإني قتلت الملك «1» المحجّبا

خير عباد اللّه أمّا و أباو خيرهم إذ ينسبون نسبا و قال مصعب الزبيريّ: الذي ولي قتل الحسين بن علي سنان بن أبي

______________________________

(1) تشير اكثر المرويات الى «السيد» بدل «الملك» و هو أقرب. مؤسسة أنصاريان.

الجوهرة، التلمساني ،ص:48

سنان النخعي، لا رحمه اللّه. و هو جدّ شريك بن عبد اللّه القاضي. و يصدّق ذلك قول الشاعر:

و أيّ رزيّة عدلت حسيناغداة تبيره «1» كفّا سنان و لما أدخل أهله على يزيد بن معاوية بالشام، و هم في حال سيّئة، و كانوا على الأقتاب «2»، لم يوطّأ في طريقهم إليه.

و جعل بين يدي يزيد علي بن الحسين الأصغر، و هو زين العابدين.

و كان عليّ الأكبر قتل مع الحسين مع

جملة من قتل من بنيه و بني أخيه الحسن و بني عمّه عقيل. فقرأ يزيد: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ «3».

فقال: لا تقل ذلك يا يزيد، و لكن قل: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها، إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ «4» و استشار يزيد أهل الشام في من بقي من ولد الحسين و ولد أخيه الصّغار. فقال له بعض الأشقياء منهم: لا تتّخذ من كلب سوء جروا يا أمير المؤمنين. فقال له النعمان بن بشير: اصنع بهم يا أمير المؤمنين ما كان يصنع بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لو رآهم على هذه الحال.

فأمر بإنزالهم و إكرامهم. ثم قال: لو كان بينهم و بين من عضّ بظر أمّه نسب (يعني ابن زياد) ما قتلهم.

______________________________

(1) تبيره: تهلكه، من البوار بمعنى الهلاك.

(2) القتب: الرّحل، جمعها الأقتاب.

(3) الشورى رقم: 42/ الآية: 30

(4) الحديد: 57/ الآية: 22.

الجوهرة، التلمساني ،ص:49

ثم ضرب عليهم القباب بعد ما أدخلوا الحمّام، و أمال عليهم المطبخ، و كساهم، و أخرج لهم جوائز كثيرة، و بعث معهم من ردّهم إلى المدينة.

و أتي يزيد برأس الحسين عليه السلام. فلما وضع بين يديه جعل ينكت أسنانه بقضيب كان في يده و يقول: كان أبو عبد اللّه صبيحا. فقال له النعمان بن بشير: ارفع يدك يا يزيد عن فم طالما رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقبّله.

قال: فاستحيا يزيد، و أمر برفع الرأس.

و ما روي بعد قتل الحسين من العبر في يقظة و منام روي عن رواة صحائح الآثار و الأخبار.

الترمذي بسنده، عن

أمّ سلمة قالت: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم- تعني في المنام- و على رأسه و لحيته التراب. فقالت: ما لك يا رسول اللّه؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا.

و حدّث أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، فيما يرى النائم نصف النهار، و هو أشعث أغبر، في يده قارورة فيها دم. فقلت: بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه، ما هذا؟ قال: «هذا دم الحسين، لم أزل التقطه منذ اليوم». فوجد قد قتل في ذلك اليوم.

و بكى الناس الحسين، فأكثروا و أحسنوا. قالت الرباب بنت امرئ القيس الكلبية «1»، ترثي زوجها الحسين بن علي رضي اللّه عنهما:

______________________________

(1) الرباب بنت امرئ القيس بن عدي، زوجة الحسين الشهيد. كانت معه في وقعة كربلاء، و لما قتل

الجوهرة، التلمساني ،ص:50 إنّ الذي كان نورا يستضاء به بكربلاء قتيلا غير مدفون

سبط النبيّ جزاك اللّه صالحةعنا و جنّبت خسران الموازين

قد كنت لي جبلا صعبا ألوذ به و كنت تصحبنا بالرحم و الدّين

من لليتامى و من للسائلين يقي و يأوي إليه كلّ مسكين؟ و قال سليمان بن قنّة الخزاعي «1»، و أجاد فيما قال:

مررت على أبيات آل محمدفلم أر من أمثالها حيث حلّت

فلا يبعد اللّه البيوت و أهلهاو إن أصبحت منهم برغمي تخلّت

و كانوا رجاء ثم عادوا رزيّةلقد عظمت تلك الرزايا و جلّت

و إنّ قتيل الطّفّ «2» من آل هاشم أذلّ رقابا من قريش فذلّت

أ لم تر أن الأرض أضحت مريضةلفقد حسين، و البلاد اقشعرّت

______________________________

جي ء بها مع السبايا الى الشام، ثم عادت الى المدينة، فخطبها بعض الأشراف من قريش

فأبت.

و بقيت بعد الحسين لم يظلها سقف حتى بليت و ماتت كمدا سنة 62 ه. و كانت شاعرة.

الأعلام: 3/ 36

(1) ابن الأثير: 4/ 91 لم يذكر اسمه، فقد وضع نقاطا لفراغ في الأصل ثم ذكر: التيمي تيم مرة. و سليمان هذا رجل من بني تيم بن مرة بن كعب، و كان منقطعا إلى بني هاشم. انظر الكامل لاختلاف الروايات و الانفراد ببعض الأبيات. و انظر رغبة الآمل: 3/ 43 للسبب ذاته.

(2) الطف: أرض من ناحية الكوفة، فيها كان مقتل الحسين.

الجوهرة، التلمساني ،ص:51 و قد أعولت تبكي السماء لفقده و أنجمها ناحت عليه و صلّت كذا قال أبو عمر بن عبد البرّ في الاستيعاب: عن سليمان ابن قنّة إنه خزاعي.

و قال المبرد في الكامل: هو من تيم بن مرّة ابن كعب بن لؤي. و كان منقطعا إلى بني هاشم.

و قال ابن قتيبة في «المعارف»: سليمان بن قنة هو منسوب إلى أمّه.

و هو مولى لتيم قريش. و كان مع روايته الحديث شاعرا. و هو القائل:

و قد يحرم الله الفتى و هو عاقل و يعطي الفتى ... «1» و ليس عاقلا و هذا البيت، زعموا لا يدرى قائله:

أ ترجو أمّة قتلت حسيناشفاعة جدّه يوم الحساب؟ و لبعض المحسنين المجيدين يرثي الحسين رضي اللّه عنه:

امرر على جدث الحسين و قل لأعظمه الزكيّة

يا أعظما لا زلت من وطفاء ساكبة رويّة

و إذا مررت بقبره فأطل به، وقف المطيّة

و ابك المطهّر للمطهرو المطهّرة التّقيّة

كبكاء معولة أتت يوما لواحدها منيّة و قال بعض من وقذ «2» رزء الحسين فؤاده، و ألف الحزن على مصابه الجلل و اعتاده. نفعه اللّه بما قاله، و من عثرات الذنوب أقاله:

______________________________

(1) فراغ في الأصل.

(2) وقذ: صرع، و هو وقيذ.

الجوهرة، التلمساني ،ص:52 أيا رزء الرضى

الزاكي حسين أسلت مع الدموع لنا نجيعا

ببقعة كربلاء أريت سبطالخير المرسلين لقى صريعا

رزينا ابن البتول و أيّ رزءجليل قد أرى خطبا شنيعا

أثار لنا اكتئابا و انتحاباو أجّج لفحه منا الضّلوعا

و كم من أجله صبر تولّى و كم عين له هجرت هجوعا

و كم قلب به أضحى مروعاو نفس فارقت جلدا و روعا

فيا صبري على بلوى حسين ألا ودّع فؤادا لي جزوعا

و ما عاف الأسى و الوجد مثلي عليه و لا الكآبة و الخشوعا

دهاه ابن الدّعيّ بشرّ ناس فجذّوا الأصل منه و الفروعا

لقد خسروا بما اكتسبوا فمن ذايكون لهم إذا بعثوا شفيعا

هم وتروا شفيع الخلق في ابن لديه كان محفوظا رفيعا

فلا سقت الغوادي قبر رجس زنيم «1» للغرور غدا مطيعا

تحكّم في بني المختار قسراو أجرى من دمائهم ربيعا

و عن ماء الفرات حمى كرامالراعي حقهم أضحى مضيعا

أتى في الذّكر ذكرهم بقدس فكن يا من تلاه له مذيعا و ولد الحسين، رضي اللّه عنه، عليا الأكبر: أمه مرة بنت عروة بن مسعود الثّقفيّ. كذا قال محمد بن شبل في روايته كتاب «المعارف» عن موسى بن جميل، عن ابن قتيبة مؤلّفه.

و في رواية غير ابن شبل: هي بنت مرة بن عروة بن مسعود، و قتل مع أبيه الحسين.

______________________________

(1) الزنيم: اللئيم.

الجوهرة، التلمساني ،ص:53

و ولد عليا الأصغر، لأمّ ولد، و فاطمة: أمّها أم اسحاق بنت طلحة بن عبيد اللّه، و سكينة: أمّها الرباب بنت امرئ القيس الكلبية، و فيها كان الحسين يقول:

لعمرك إنّني لأحبّ داراتحلّ به سكينة و الرّباب فأما عليّ فليس للحسين عقب إلا منه، و هو زين العابدين. و كان أفضل بني هاشم بعد علي و الحسين، و أمّه فارسية، معروفة النسب، و اسمها سلافة بنت يزدجرد بن شهريار ابن كسرى أنوشروان بن قباذ. و كانت سلافة من

خيرات النساء. و يقال إنها عمة أمّ يزيد الناقص «1» أو اختها.

و كان علي بن الحسين من أبرّ الناس بأمّه سلافة. و كان لا يأكل معها في صحفة واحدة، فسئل عن ذلك فقال: أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها.

و كان يقال له ابن الخيرتين لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم:

«للّه من عباده خيرتان». فخيرته من العرب قريش، و من العجم فارس.

و خلف على سلافة بعد الحسين بن علي زبيد مولاه. فولدت له عبد اللّه بن زبيد. فهو أخو علي بن الحسين لأمّه.

و روي أن عليّ بن حسين زوّج أمّه من مولاه، و أعتق جارية له و تزوّجها. فكتب إليه عبد الملك يعيّره بذلك، فكتب إليه علي: «قد كان لكم في رسول اللّه اسوة حسنة. قد أعتق رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم

______________________________

(1) هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان. ولد في دمشق و مات فيها سنة 126 ه. ثار على ابن عمه الوليد لسوء سيرته، و قتل الوليد. غير ان يزيد مات بالطاعون أو بالسم. كان من أهل الورع و الصلاح. يقال له الناقص، لأنه انقص من أعطيات الجند التي زادها سلفه. الكامل 5/ 115

الجوهرة، التلمساني ،ص:54

صفيّة بنت حييّ «1» و تزوجها، و أعتق زيد بن حارثة و زوّجه بنت عمته زينب بنت جحش».

و توفي عليّ بن الحسين بالمدينة، و هو ابن ثمان و خمسين سنة، سنة أربع و تسعين. و كان يكنى أبا الحسن. و دفن بالبقيع، و كان خيّرا فاضلا.

قال الزّهريّ: ما رأيت قرشيا أفضل منه. و قال يحيى بن سعيد الأنصاريّ: عليّ بن الحسين أفضل هاشمي رأيت

بالمدينة. و كان، رضي اللّه عنه، من أهل العلم. و كان معظما عند خلفاء بني أمية.

و أشهر ولد علي بن الحسين: محمد و عليّ و زيد.

فأما محمد فهو الباقر: و أمّه أمّ عبد اللّه بنت الحسن بن علي. و قيل له:

الباقر، لأنه بقر العلم، أي شقّه، و كان من الفقهاء. لقي جابر بن عبد اللّه و أنس بن مالك و غيرهما ممّن تأخّر موته من شباب الصحابة. و مات بالمدينة سنة سبع عشرة و مائة، و هو ابن ثمان و خمسين سنة.

و قال المدائنيّ: مات و هو ابن ثلاث و ستين.

و أخوه شقيقه علي بن علي بن الحسين؛ كان يلقب الأفطس و أعقب.

و من عقبه حسين بن حسن بن علي بن علي بن علي بن الحسين: خرج على المأمون بمكة سنة تسع و تسعين و مائة.

و قيل لمحمد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام: من أزهد الناس؟ قال:

من لا يبالي في يد من كانت الدنيا. و من العجب أن يشغل الرجل نفسه

______________________________

(1) هي صفية بن حيي بن أخطب أم المؤمنين من بني النضير، سباها رسول اللّه عام خيبر سنة 7 ه.

اعتقها و تزوجها و لما تبلغ السابعة عشرة، و جعل عتقها صداقها. روت عشرة أحاديث. توفيت سنة 50 ه. و ابن قتيبة ذكر انها توفيت سنة 36 و دفنت بالبقيع. تهذيب الأسماء: 1/ 349

الجوهرة، التلمساني ،ص:55

بشي ء التدبير فيه إلى غيره.

و كان رضي اللّه عنه يقول: أدّب اللّه محمدا صلى اللّه عليه و آله و سلم أحسن الأدب، فقال: خُذِ الْعَفْوَ، وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ، وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. «1»

فلما وعى عن اللّه عزّ و جلّ ما أمره قال: وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «2».

فلما قبل منه

ما فوّض إليه قال: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «3».

و قال رضي اللّه عنه: «إن اللّه رضي الآباء للأبناء، فحذّرهم منهم، و لم يرض الأبناء للآباء، فأوصاهم بهم. و إنّ شرّ الأبناء من دعاه التّقصير إلى العقوق. و إنّ شرّ الآباء من دعاه البرّ إلى الإفراط.

و ولد محمد الباقر جعفرا و هو الصادق: ولده أبو بكر الصديق، رضي اللّه عنه مرتين: أمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، و أمّهما أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.

و كان من ساكني المدينة، و بها مات في خلافة أبي جعفر في قول المدائني و الواقدي.

قال الواقديّ: لمّا خرج محمد بن عبد اللّه بن حسن بن الحسن بالمدينة على أبي جعفر هرب جعفر بن محمد إلى ماله بالفرع. فلم يزل هنالك مقيما متنحّيا عما كانوا فيه، حتى قتل محمد. فلما قتل محمد و اطمأنّ الناس و أمنوا رجع إلى المدينة، فلم يزل بها حتى توفي سنة ثمان و أربعين

______________________________

(1) سورة الاعراف.

(2) سورة القلم: 68/ الآية: 4.

(3) سورة الحشر: 59/ الآية: 7.

الجوهرة، التلمساني ،ص:56

و مائة. و هو يومئذ ابن احدى و سبعين سنة. و كان فاضلا. و كان من شيوخ مالك و سفيان الثوريّ. و لمالك عنه في الموطأ تسعة أحاديث، منها خمسة متصلة مسندة، أصلها حديث واحد، و هو حديث جابر الطويل في الحج، و الأربعة منقطعة و كان يكنى أبا عبد اللّه.

و كان أبو جعفر يعظّمه و يعرف له حقّ القرابة و الطاعة. و أراده مرة بسوء لأمر باطل قرف به، فصرفه اللّه عنه. و علم أبو جعفر براءته و صدقه و إخلاصه و نصحه، رضي اللّه عنه و

عن آبائه.

و ولد جعفر موسى. و ولد موسى عليا و هو الرّضا، و هو مولى معروف الكرخي الزاهد. و حدّث الرّضا علي بن موسى عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن .....

و بايع المأمون لعلي الرّضا بولاية العهد بعده بخراسان. و أمر الناس بلباس الخضرة و لبس السّواد.

فلما بلغ أهل بغداد ما فعل من ردّ الأمر إلى آل أبي طالب بايعوا عمّه ابراهيم بن المهدي، و هو الذي كان يقال له: ابن شكلة. و خبره مع المأمون مشهور. و كان أسود حسن الصوت بالغناء.

و مات الرضا بخراسان، فصرف المأمون عن الطالبيين الأمر، و رجع هو و أهل دولته إلى لبس السواد.

و أما زيد بن علي بن الحسين فكان يكنى أبا الحسين، و أمّه سنديّة.

و كان بعيد الهمّة، شريف النفس، سديد القول، بليغ المنطق.

و لزيد بن علي مع ابن شهاب الزهري خبر طريف. رأى الزّهريّ في منامه كأنه مدفون في قبر، و كفّه خارجة من القبر، مخضوبة بالحنّاء. فسئل

الجوهرة، التلمساني ،ص:57

عن ذلك سعيد بن المسيّب، فقال: هذا رجل صالح، يصيب دما خطأ.

فاستعمل الزهريّ على صدقات بني عذرة. فاستعمل مولى للصّلت بن عبد اللّه بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطّلب، ساعيا. فخان، فضربه الزّهريّ بعصا، فأصاب جرحا كان بظهره قد برأ. فانتقض عليه عند ضربته إياه فمات منه. فجزع الزّهريّ و ندم، و قال: لا أقرب امرأة، و لا يظلّني سقف بيت. و ظلّ متخفيا منفردا عن الناس. فمرّ به زيد بن علي بن الحسين فقال: يا بن شهاب. اتّق اللّه، فو اللّه ما أخاف أن تعجز عنك رحمة اللّه، و لكني أخاف أن يوبقك قنوطك من رحمة اللّه. تب إلى اللّه

تعالى، و ابعث إلى أهل الرجل بديته، و ارجع إلى أهلك و منزلك.

فكان الزّهريّ يقول: زيد بن علي أعظم الناس عليّ منّة.

و دخل زيد على هشام بن عبد الملك و هو خليفة. فقال له هشام: بلغني انك تدّعي الخلافة، و أنت ابن أمة.

فقال له: إنّ اللّه وضع بالإسلام النّقيصة، و رفع به الخسيسة. هذه اسماعيل أمّه هاجر، و هي أمة، أخرج اللّه من صلبه سيد ولد آدم محمدا صلى اللّه عليه و آله و سلم، و هذا اسحاق بن حرة أخرج اللّه من صلبه من مسخه قردة و خنازير.

فأسمعه هشام ما كره. فخرج مغضبا و هو يقول: ما أحبّ أحد الحياة إلا ذلّ.

قال مولاه: فلما سمعت هذا الكلام منه علمت أنه سيخرج.

فخرج على هشام بالكوفة، و اجتمع عليه عسكر كبير. و حارب فبعث إليه يوسف بن عمرو الثقفيّ عامل هشام على العراق جيشا، فرمي بسهم

الجوهرة، التلمساني ،ص:58

فمات، و صلب. صلبه يوسف بن عمر بالكناسة، و ذلك سنة اثنتين و عشرين و مائة. و إليه تنسب الزيدية: و هم يرون الخروج مع كلّ من خرج.

فولد زيد بن علي يحيى و عيسى و حسينا. فأما يحيى فقتل بخراسان بالجوزجان منها، زمن نصر بن سيار. و قدم برأسه إلى الشام على الوليد بن يزيد الماجن. و أمّ يحيى ريطة بنت أبي هاشم عبد اللّه بن محمد بن الحنفية.

و أما عيسى بن زيد فخرج على أبي جعفر المنصور بعد قتل أبي مسلم، و استيلائه على ملك العراقين و الشام و الحجاز و خراسان و مصر و اليمن.

و قاتله فيما بين الكوفة و بغداد، و لقيه في جموع كثيرة، نحو من عشرين و مائة الف. فأقام أياما يقاتله في كلّ

يوم، حتى همّ أبو جعفر بالهزيمة، و ركب فرسه لذلك. ثم جعل يشجّع الناس، و يعدهم العطايا الواسعة و الصلات العظيمة، فقاتلوا.

ثم إنّ أبا جعفر غلبته عينه، و هو على فرسه. فنام، فرأى في نومه كأنه يمدّ، و تسمر يداه و رجلاه على الأرض. فاستيقظ، فدعا عبّارا كان معه.

فأخبره بما رأى.

فقال له: أبشر يا أمير المؤمنين، فإن سلطانك ثابت، و سيليه بعدك جماعة من ولدك. و هذا الرجل منهزم. فما كان بأسرع أن نظر المنصور إلى عيسى بن زيد منهزما.

و أما حسين بن زيد فعمي. و كانت ابنته ميمونة عند المهدي. و كان له ولد.

و ولد عليّ من غير فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم

الجوهرة، التلمساني ،ص:59

و رضي عنهما، محمدا، و هو ابن الحنفيّة، و أبا بكر و عثمان و العباس و جعفرا و عبد اللّه و ابراهيم. و قتل هؤلاء الستة مع الحسين رضي اللّه عنه و عنهم.

و عبيد اللّه قتله المختار، و لا عقب له. و يحيى: و أمّه أسماء بنت عميس.

و عمر: و أمّه تغلبيّة. و كان خالد بن الوليد سباها في الرّدّة، فاشتراها علي.

و حمل عنه الحديث. روى عن عمر بن الخطاب، و كان له عقب بالمدينة.

و من ولده محمد. و أمّه أسماء بنت عقيل بن أبي طالب.

و من ولد محمد بن عمر أبو الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب. حدّث عن ابن أبي فديك، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد اللّه بن عباس قال: سمعت عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يقول: خرج علينا رسول اللّه

صلى اللّه عليه و آله و سلم، فقال: «اللهمّ ارحم خلفائي». قيل: يا رسول اللّه، و من خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون من بعدي، يروون أحاديثي و سنّتي و يعلّمونها الناس.

خرّج هذا الحديث أبو نعيم الحافظ الاصبهانيّ في «الرياضة» عن أبي حصين محمد بن الحسين بن حبيب القاضي، عن أبي الطاهر، مرفوع النسب، عن ابن أبي فديك.

و أعقب العباس بن علي. ترك ولدين: عبيد اللّه، أمّه لبابة بنت عبيد اللّه بن العباس. و حسنا لأمّ ولد. و أمّ العباس و أخويه جعفر و عبد اللّه أمّ البنين بنت حرام الوحيدية. و ليس لجعفر عقب. و أمّ عبيد اللّه و أبي بكر ابني علي:

ليلى بنت مسعود بن خالد النّهشليّ.

و أما أبو القاسم محمد بن علي ابن الحنفية فأمّه من سبي بني حنيفة،

الجوهرة، التلمساني ،ص:60

اشتراها علي، و اتّخذها أمّ ولد. فولدت له محمدا فأنجبت. و اسمها خولة بنت ابن جعفر جانّ الصّفا «1». و يقال: بل كانت أمة لبني حنيفة، سندية سوداء. و لم تكن من أنفسهم. و إنما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق، و لم يصالحهم على أنفسهم.

و كان شجاعا أيّدا فصيحا عالما بالكتاب و السّنة، رضي اللّه عنه.

و كان ابن الزبير قد حبس محمد بن الحنفية في خمسة عشر رجلا من بني هاشم، فقال: لتبايعنّ، أو لأحرقنّكم. فأبوا البيعة. و كان السجن الذي حبسهم فيه يدعى سجن عارم. و في ذلك يقول كثيّر، يخاطب ابن الزّبير:

تخبّر من لاقيت انك عائذبل العائذ المحبوس في سجن عارم

وصيّ النبيّ المصطفى و ابن عمّه و فكّاك أعناق و قاضي مغارم أراد ابن وصيّ النبيّ. و العرب تقيم المضاف إليه في هذا الباب مقام المضاف، كما قال الآخر:

صبّحن من كاظمة الخصّ

الخرب يحملن عباس بن عبد المطّلب يريد ابن عباس. و كان ابن الزبير يدعى العائذ، لأنه عاذ بالبيت. و كان يدعى المحلّ، لإحلاله القتال في الحرم. و في ذلك يقول رجل في رملة بنت الزّبير:

______________________________

(1) الحنفية أمه، و هي خولة بنت إياس بن جعفر بن قيس بن مسلم بن ثعلبة بن يربوع. يكنى بأمه و أبيه جميعا. و لهذا يشترط أن ينوّن (علي)، و يكتب (ابن الحنفية) بالألف، و يكون اعرابه اعراب محمد، لأنه وصف لمحمد لا لعلي، كما ذكرنا. تهذيب الأسماء: 1/ 88

الجوهرة، التلمساني ،ص:61 ألا من لقلب معنّى غزل بقتل المحلّة أخت المحلّ؟ و كان عبد اللّه بن الزبير يظهر البغض لابن الحنفيّة إلى بغض أهله. و كان يحسده على أيده. و يقال إن عليا استطال درعا: فقال: لينقض منها كذا و كذا حلقة. فقبض محمد ابن الحنفية على ذيلها بإحدى يديه، بالأخرى على فضلها، ثم جذبها فقطعها من الموضع الذي حدّ أبوه.

فكان ابن الزبير إذا حدّث بهذا غضب و اعتراه له أفكل «1».

و مات محمد ابن الحنفية بالطائف سنة إحدى و ثمانين، و هو يومئذ ابن خمس و ستين سنة. و ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر.

و أشهر ولد محمد بن الحنفية: عبد اللّه أبو هاشم، و الحسن أبو محمد، و روي عنهما الحديث.

قال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدا أعلم بما اختلف فيه من الحسن بن محمد ما كان زهريّكم هذا إلا غلاما من غلمانه، يعني ابن شهاب. و مات زمن عمر بن عبد العزيز.

و أما أبو هاشم أخوه فكان عظيم القدر. و كانت الشيعة تتولّاه، فحضرته الوفاة بالشام، فأوصى إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن عباس، و قال له:

أنت صاحب

هذا الامر، و هو في ولدك. و دفع إليه كتبه، و صرف الشيعة إليه.

و ليس لأبي هاشم عقب.

و بنات علي رضي اللّه عنه من غير فاطمة كنّ عند ولد عقيل و ولد العباس، و عند جعدة بن هبيرة المخزوميّ، و عند سعيد بن الأسود بن أبي البختريّ القرشيّ الاسديّ. و اسم أبي البختريّ: العاصي بن هشام بن

______________________________

(1) أفكل: رعدة (هنا)، و هو مفكول.

الجوهرة، التلمساني ،ص:62

الحرث بن أسد. و هو قتيل المجذّر بن ذياد «1» يوم بدر. و قد ذكرت خبره في بني أسد من قريش.

و من موالي آل علي رضي اللّه عنه و عنهم؛ يحيى بن أبي كثير: روى عنه الأوزاعي. قال أيوب السّختياني: ما بقي على الأرض مثل يحيى بن أبي كثير. و مات يحيى سنة تسع و عشرين و مائة. و روى عنه ابنه عبد اللّه بن يحيى و غيره الحديث.

______________________________

(1) اسمه صحيح بالذال، و هو صحابي بدري، استشهد ببدر.

الجوهرة، التلمساني ،ص:63

فضائل علي و مواعظه و وصاياه

مسلم: حدّثنا محمد بن المثنّى و ابن بشّار قالا: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن الحكم عن مصعب بن سعد عن سعد بن ابي وقّاص قال: «خلّف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عليّ بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول اللّه تخلّفني في النساء و الصبيان؟ فقال: أ ما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنّه لا نبيّ بعدي».

التّرمذيّ: حدّثنا واصل بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن فضيل عن عبد اللّه بن عبد الرحمن أبي النصر عن المساور الحميريّ عن أمه، قال:

«دخلت على أمّ سلمة فسمعتها تقول: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول: لا يحبّ

عليا منافق، و لا يبغضه مؤمن».

مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع و أبو معاوية عن الأعمش. و حدثنا يحيى بن يحي و اللفظ له، قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن عديّ بن ثابت عن زرّ بن حبيش قال: قال عليّ رضي اللّه عنه: «و الذي فلق الحبة و برأ النسمة إنّه لعهد النبيّ الأمّي إليّ ألّا يحبّني إلا مؤمن، و لا يبغضني إلا منافق».

الترمذيّ: حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا عبيد اللّه بن موسى عن عيسى

الجوهرة، التلمساني ،ص:64

بن عمر عن السّدّي عن أنس بن مالك قال: كان عند النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم طير فقال: «اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك، يأكل معي هذا الطير».

فجاء علي، فأكل معه. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث السّدّي إلا من هذا الوجه. و قد روي من غير وجه عن أنس.

الترمذي: حدّثنا اسماعيل بن موسى الفزاري ابن بنت السّدّي، حدثنا شريك عن أبي ربيعة عن ابن بريدة عن أبيه، قال: قال: رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «إنّ اللّه أمرني بحبّ أربعة». قيل: يا رسول اللّه سمّهم. قال:

«عليّ منهم»، يقول ذلك ثلاثا: «و أبو ذرّ و المقداد و سلمان أمرني بحبّهم، و أخبرني أنه يحبهم». قال: هذا حديث حسن غريب.

الترمذي: حدّثنا اسماعيل بن موسى، حدثنا شريك عن أبي اسحاق عن حبشيّ بن جنادة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «عليّ مني و أنا من علي، و لا يؤدّي عني إلا أنا أو علي».

النسائي: أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد اللّه النّيسابوريّ، و أحمد بن عثمان بن حكيم قالا: حدثنا عمرو بن

طلحة قال: حدثنا أسباط عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أنّ عليا كان يقول: «و اللّه إني لأخو رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و وليّه».

و لما آخى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بين المهاجرين بمكة ثم آخى بين المهاجرين و الانصار بالمدينة قال- في كل واحدة منهما لعلي، «أنت أخي في الدنيا و الآخرة».

الترمذي: حدثنا يوسف بن موسى القطّان البغدادي، حدثنا عليّ بن قادم، حدثنا عليّ بن صالح بن حي عن حكيم عن بشير عن جميع بن عمير التّيمي

الجوهرة، التلمساني ،ص:65

عن ابن عمر قال: آخى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بين أصحابه، فجاء عليّ تدمع عيناه، فقال: يا رسول اللّه آخيت بين أصحابك، و لم تؤاخ بيني و بين أحد. فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «أنت أخي في الدنيا و الآخرة».

و حدّث أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد اللّه بن نمير عن حجّاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لعلي: «أنت أخي و صاحبي».

و قال: حدثنا عبد اللّه بن نمير عن الحارث بن حصيرة قال حدثني أبو سليمان الجهني يعني زيد بن وهب قال: سمعت عليا يقول على المنبر: «أنا عبد اللّه و أخو رسوله، لم يقلها أحد قبلي، و لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر».

و روى أبو داود الطيالسيّ قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لعلي:

«أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي».

و قال خزيمة بن

خازم: حدثني أبو جعفر المنصور قال: حدثني أبي محمد بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس قال: حدّثني أبي عليّ بن عبد اللّه قال:

حدّثني أبي عبد اللّه بن عباس قال: كنت أنا و أبي العباس بن عبد المطّلب جالسين عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إذ دخل إليّ بن أبي طالب فسلّم، فردّ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و بشّ به، و قام إليه و اعتنقه، و قبّل بين عينيه، و أجلسه عن يمينه فقال العباس: يا رسول اللّه، أ تحبّ هذا؟ فقال النبي عليه السلام: «يا عمّ رسول اللّه و اللّه للّه أشدّ حبا له مني إنّ اللّه جعل ذرية كلّ نبي في صلبه، و جعل ذريتي في صلب هذا».

الجوهرة، التلمساني ،ص:66

و روى أبو نعيم الاصبهانيّ في «رياضة المتعلمين» عن ابن عمر قال:

سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول: «يا عليّ إن اللّه أمرني أن أدنيك و لا أقصيك، و أعلّمك و لا أجفوك».

و ذكر البخاريّ في قصة الحديبية أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لعلي: «أنت مني و أنا منك».

الترمذي: حدثنا قتيبة: حدثنا محمد بن سليمان الاصبهاني عن يحيى بن عبيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: أنزلت هذه الآية على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم:

إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «1» في بيت أم سلمة. فدعا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم فاطمة و حسنا و حسينا، فجلّلهم بكساء، و

عليّ خلف ظهره. ثم قال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرّجس و طهرهم تطهيرا». قالت أمّ سلمة: و أنا معهم يا نبيّ اللّه؟ قال: «أنت على مكانك و أنت إلى خير».

الطبري: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء و محمد بن عمر بن هيّاج قالا:

حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الأزديّ قال: حدثنا ابراهيم بن يوسف، عن أبيه عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، فكنت فيمن سار معه، فأقام عليهم ستة أشهر لا يجيبونه إلى شي ء. فبعث النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم عليّ بن أبي طالب، و أمره أن يقفل خالدا و من اتبعه إلا من أراد البقاء مع علي فيتركه.

______________________________

(1) سورة الأحزاب: 33/ الآية: 33.

الجوهرة، التلمساني ،ص:67

قال البراء: فكنت في من عقب مع علي فلما انتهينا إلى وائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له، فصلى عليّ الفجر، فلما فرغ صفّنا صفا واحدا، ثم تقدّم بين أيدينا فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قرأ عليهم كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم. فأسلمت همدان كلّها في يوم واحد. و كتب بذلك عليّ إلى رسول اللّه فلما قرأ كتابه خرّ ساجدا، ثم جلس فقال: «السلام على همدان، السلام على همدان».

و تابع أهل اليمن على الإسلام. و قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «يا عليّ أ لا أعلمك كلمات إذا قلتهنّ غفر اللّه لك، مع أنك مغفور لك؟» قلت: بلى. قال: «قل: لا إله إلا اللّه الحليم العليم، لا إله إلا اللّه العليّ العظيم، لا إله

إلا اللّه ربّ السماوات و ربّ العرش الكريم».

و قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: «من أحبّ عليا فقد أحبّني، و من أبغض عليا فقد أبغضني، و من آذى عليا فقد آذاني، و من آذاني فقد آذى اللّه».

و قال له صلى اللّه عليه و آله و سلم: «يهلك فيك رجلان: محبّ مطر و كذاب مفتر».

و قال له: «تفترق فيك أمتي كما افترقت بنو اسرائيل في عيسى».

و روى بريدة بن الحصيب «1» و أبو هريرة و البراء بن عازب و زيد بن أرقم و جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ، كلّ واحد عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال يوم غدير خم «2»: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ وال من والاه

______________________________

(1) ابن الحصيب، أبو عبد اللّه، و يقال: أبو الحصيب صحابي سكن المدينة ثم البصرة ثم مرو و توفي بها سنة 62. و هو آخر من توفي من الصحابة بخراسان. روى 164 حديثا عن رسول اللّه. أسلم قبل بدر و لم يشهدها. و قيل: أسلم بعدها. تهذيب الأسماء: 1/ 133

(2) خم واد بين مكه و المدينة قريب من الجحفة فيه غدير، عنده خطب رسول اللّه.

الجوهرة، التلمساني ،ص:68

و عاد من عاداه». و رواية جابر لهذا الحديث بالسّند أذكرها:

حدّث أبو سعيد عبد اللّه بن سعيد الأشجع قال: حدثنا المطّلب بن زياد عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل قال: كنا عند جابر بن عبد اللّه في بيته، و عليّ بن الحسين و محمد بن الحنفيّة و أبو جعفر، فدخل رجل من أهل العراق فقال: أنشدك باللّه إلا حدّثتني ما رأيت و ما سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم.

فقال: كنا بالجحفة «1» بغدير خم، و ثمّ ناس كثير من جهينة و مزينة و غفار، فخرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم من خباء أو فسطاط، فأشار بيده ثلاثا، فأخذ بيد عليّ فقال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه».

عبد اللّه بن محمد بن عقيل راوي هذا الحديث عن جابر. قتل أبوه محمد مع الحسين، و جدّه عقيل هو عقيل بن أبي طالب. و كان عبد اللّه بن محمد بن عقيل فقيها يروى عنه. و كان أحول، و أمّه و أمّ أخويه: القاسم و عبد الرحمن زينب الصغرى بنت علي بن أبي طالب.

و روى أبو العباس سهل بن سعد و بريدة الأسلميّ و أبو سعيد الخدريّ و عبد اللّه بن عمر و عمران بن حصين، كلّهم بمعنى واحد عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أنه قال يوم خيبر: «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحب اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله، ليس بفرّار، يفتح اللّه على يديه». ثم دعا بعلي و هو أرمد، فتفل في عينيه و أعطاه الراية، ففتح اللّه عليه.

______________________________

(1) الجحفة: قرية كبيرة على طريق المدينة من مكة. كان اسمها «مهيعة»، و إنما سميت الجحفة لأن السيل اجتحفها، و حمل أهلها في بعض الأعوام. دعا النبي (ص) ربه أن ينقل و باء المدينة إلى الجحفة، فرأى في منامه أن الحمى انتقلت إلى الجحفة في صورة امرأة ثائرة الرأس. معجم البلدان

الجوهرة، التلمساني ،ص:69

و روى هذا الحديث أيضا أبو هريرة و سعد بن أبي وقاص و سلمة بن الأكوع.

مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا يعقوب، يعني ابن عبد الرحمن القارئ عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن

رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال يوم خيبر: «لأعطينّ هذه الراية رجلا يحبّ اللّه و رسوله، يفتح اللّه على يديه».

قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ. قال: فتساورت «1» لها رجاء أن أدعى لها.

قال: فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عليّ بن أبي طالب، فأعطاه إياها و قال: «امش و لا تلتفت حتى يفتح اللّه عليك».

قال: فسار عليّ شيئا ثم وقف و لم يلتفت، فصرخ برسول اللّه: على ما ذا أقاتل الناس؟ قال: «قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه. فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم و أموالهم إلا بحقّها، و حسابهم على اللّه».

الترمذي: حدثنا قتيبة: حدثنا حاتم بن اسماعيل عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ قال: أمّا ما «2» ذكرت ثلاثا قالهنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فلن أسبّه لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النّعم.

______________________________

(1) تساورت: علوت و و ثبت.

(2) ما: (هنا) مصدرية ظرفية.

الجوهرة، التلمساني ،ص:70

سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول لعلي، و خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول اللّه تخلّفني على النساء و الصبيان! فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «أ ما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوءة بعدي».

و سمعته يقول يوم خيبر: «لأعطينّ الراية رجلا يحب اللّه و رسوله، و يحبه اللّه و رسوله». قال: فتطاولنا لها

فقال: ادع لي عليا، فأتاه و به رمد، فبصق في عينيه، فدفع الراية إليه، ففتح اللّه عليه. و أنزلت هذه الآية: «تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم ...» الآية «1».

دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال: «اللهمّ هؤلاء أهلي».

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب.

و قال ابن اسحاق: حدّثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلميّ عن أبيه سفيان عن سلمة بن عمرو بن الأكوع قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أبا بكر الصديق برايته إلى بعض حصون خيبر يقاتل ثمّ رجع، و لم يكن فتح، و قد جهد، ثم بعث الغد عمر بن الخطاب، فقاتل ثم رجع، و لم يكن فتح و قد جهد. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله، يفتح على يديه، ليس بفرّار».

قال: يقول سلمة: فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عليا و هو أرمد فتفل في عينيه ثم قال: خذ هذه الراية، فامض بها حتى يفتح اللّه

______________________________

(1) و تمام الآية: «... و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين».

آل عمران: 61

الجوهرة، التلمساني ،ص:71

عليك». فمضى و اللّه بها يأنح «1» يهرول هرولة، و إنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم «2» من حجارة الحصن، فاطّلع إليه يهوديّ من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. قال: يقول اليهوديّ: علوتم علينا و ما أنزل على موسى، أو كما قال. فما رجع حتى فتح اللّه على يديه.

قال ابن اسحاق: و

حدثني عبد اللّه بن حسن عن بعض أهله عن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: خرجنا مع عليّ بن ابي طالب حين بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم برايته يوم خيبر. فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطرح ترسه من يده. فتناول علي بابا كان عند الحصن، فترس به عن نفسه. فلم يزل في يده و هو يقاتل حتى فتح اللّه عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ. فلقد رأيتني في نفر معي سبعة أنا منهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه.

و بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إلى اليمن و هو شاب ليقضي بينهم فقال: يا رسول اللّه، إني لا أدري ما القضاء. فضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم بيده صدره و قال: «اللهم اهد قلبه، و سدّد لسانه».

قال علي: فو اللّه ما شككت بعدها في قضاء بين اثنين.

و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «أنا مدينة العلم و عليّ بابها.

فمن أراد العلم فليأته من بابه».

و قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: «ان تولّوا أبا بكر تجدوه ضعيفا في بدنه، قويا في دينه. و إن تولّوا عمر تجدوه قويا في بدنه قويا في دينه. و إن

______________________________

(1) يأنح: يوافق.

(2) الرضم: الصخور العظيمة، يرضم بعضها فوق بعض في الأبنية، واحدتها رضمة.

الجوهرة، التلمساني ،ص:72

تولّوا عليا- و لن تفعلوا- تجدوه هاديا مهديا، فيسلك بكم المطيّ للّه و حرامه معه».

و قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: «أقضاكم علي، و أفرضكم زيد بن ثابت، و

أعلمكم .... «1» جبل و ما أظلّت الخضراء، و لا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ. و لكلّ أمة حكيم، و حكيم هذه الأمة أبو الدّرداء».

و روى ابن عباس عن عمر: أقضانا عليّ، و أقرؤنا أبي «2». و عن علقمة عن عبد اللّه قال: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة عليّ بن أبي طالب.

و عن سعيد بن وهب قال: قال عبد اللّه: أعلم أهل المدينة بالفرائض ابن أبي طالب.

و حدّث أحمد بن زهير قال: حدثنا عبيد اللّه بن عمر القواريريّ: حدثنا مؤمّل بن إسماعيل: حدّثنا سفيان الثّوريّ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب قال: كان عمر يتعوّذ باللّه من معضلة ليس لها أبو حسن.

و قال في المجنونة التي أمر عمر برجمها، و في التي وضعت لستة أشهر، فأراد عمر رجمها فقال له علي: إن اللّه يقول: وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً «3»، الحديث. و قال له: إنّ اللّه رفع الغلم «4» عن المجنون، الحديث.

______________________________

(1) بياض في الأصل.

(2) يعني أبي بن كعب بن قيس. كناه النبي ابا المنذر. شهد بدرا و المشاهد كلها مع النبي (ص)، و روى عنه 164 حديثا. روي أن رسول اللّه قال: «أقرأ أمتي أبي بن كعب». و هو أحد الأربعة الذين أمر رسول اللّه أن يؤخذ القرآن عنهم. توفي بالمدينة سنة 30 في خلافة عثمان، و قيل غير ذلك.

تهذيب الأسماء: 1/ 111

(3) سورة الأحقاف: 46/ الآية 15.

(4) الغلم: الانقياد للشهوة. الجوهرة، التلمساني 73 فضائل علي و مواعظه و وصاياه

الجوهرة، التلمساني ،ص:73

فكان عمر يقول: «لو لا عليّ هلك عمر».

و روى سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: كنا إذا أتانا الثّبت عن عليّ لم نعدل به.

و

روى جويبر عن الضحّاك بن مزاحم عن عبد اللّه بن عباس. قال: و اللّه لقد أعطي عليّ بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، و أيم اللّه لقد شاركهم في العشر العاشر.

و سأل شريح بن هانئ عائشة أمّ المؤمنين عن المسح على الخفّين فقالت: ائت عليا فسله.

و روى عبد الرحمن بن أذينة عن أبيه أذينة بن مسلمة العبديّ قال: أتيت عمر بن الخطاب فسألته: من أين أعتمر؟ قال: ائت عليا فسله ...

و ذكر الحديث مالك عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل.

فقال له علي بن ابي طالب: نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر، و اذا سكر هذى، و اذا هذى افترى، أو كما قال: فجلد عمر في الخمر ثمانين.

البخاري: حدثنا عبد اللّه بن عبد الوهّاب: حدثنا خالد بن الحارث:

حدثنا سفيان: حدثنا أبو حصين: سمعت عمر بن سعد النّخعيّ يقول: سمعت عليّ بن أبي طالب يقول: ما كنت لأقيم حدّا على أحد فيموت، فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر. فإنه لو مات و ديته «1»، و ذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لم يسنّه.

______________________________

(1) وديته: أعطيت وليّه ديته، من الديه و الودي.

الجوهرة، التلمساني ،ص:74

و روى معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن المطّلب بن عبد اللّه بن حنطب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لوفد ثقيف حين جاءوه:

«لتسلمنّ أو لأبعثنّ رجلا مني». أو كما قال: «مثل نفسي فليضربنّ أعناقكم أو ليسبينّ ذراريكم، و ليأخذنّ أموالكم».

قال عمرو: فو اللّه ما تمنّيت الإمارة إلا يومئذ، و جعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول: هو هذا.

قال: فالتفت إلى عليّ، فأخذ بيده

ثم قال: «هو هذا، هو هذا».

و روى عمار الدّهنيّ عن أبي الزبير عن جابر قال: ما كنّا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب.

و عن يزيد أبي زياد عن اسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: عليّ مخشوشن في ذات اللّه و عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: إن ولّوا عليا فهاديا مهديّا.

و سأل رجل الحسن بن أبي الحسن البصريّ عن علي بن أبي طالب فقال:

كان عليّ- و اللّه- سهما صائبا من مرامي اللّه على عدوّه، و ربّانيّ هذه الأمة، و ذا فضلها و ذا سابقتها و ذا قرابتها من رسول اللّه، لم يكن بالنّؤومة عن أمر اللّه، و لا بالملومة في دين اللّه و لا بالسّروقة لمال اللّه، أعطى القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة؛ ذلك عليّ بن أبي طالب يا لكع.

و كان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له عليّ بن أبي طالب عن ذلك.

فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه و العلم بموت ابن أبي طالب. فقال له عتبة أخوه: لا يسمع هذا منك أهل الشام. قال: دعني عنك.

الجوهرة، التلمساني ،ص:75

و روى معمر بن وهب بن عبد اللّه عن أبي الطّفيل قال: شهدت عليا يخطب، و هو يقول: سلوني، فو اللّه لا تسألوني عن شي ء إلا أخبرتكم.

و سلوني عن كتاب اللّه فو اللّه ما من آية إلا و أنا أعلم أ بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل. و خطب يوما بالكوفة فقال: سلوني قل أن تفقدوني، فإنّ بين جنبيّ علما جمّا. فقام إليه عبد اللّه بن الكوّاء فقال: يا أمير

المؤمنين، ما الذَّارِياتِ ذَرْواً، فَالْحامِلاتِ وِقْراً، فَالْجارِياتِ يُسْراً، فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً «1» فقال: ويحك سل تفقّها و لا تسل تعنّتا؛ الذاريات ذروا: الرياح.

و الحاملات وقرا: السحاب. و الجاريات يسرا: السفن. و المقسّمات أمرا:

الملائكة.

قام إليه ابن الكوّاء يوما آخر، و هو يخطب فقال: ما السّواد الذي في القمر؟

فقال له: قاتلك اللّه، سل تفقّها و لا تسل تعنّتا، أ لا سألت عن شي ء ينفعك في أمر دنياك و آخرتك؟ ثم قال: محو الليل.

و دخل ضرار بن ضمرة الصّدائيّ، و كان من أصحاب ألوية علي بصفين على معاوية بعد موت علي. فقال له: يا ضرار صف لي عليا. فقال: اعفني يا أمير المؤمنين.

قال: لتصفنّه.

قال: أما إذا لا بدّ من وصفه، فكان- و اللّه- بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، و يحكم عدلا، يتفجّر العلم من جوانبه، و تنطق الحكمة من

______________________________

(1) سورة الذاريات 51/ الآية: 2- 4.

الجوهرة، التلمساني ،ص:76

نواحيه، يستوحش من الدّنيا و زهرتها، و يستأنس بالليل و وحشته. و كان غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلّب كفّه، و يخاطب نفسه، يعجبه من اللّباس ما قصر، و من الطعام ما خشن. كان فينا كأحدنا؛ يجيبنا إذا سألناه، و ينبئنا إذا استنبأناه. و نحن و اللّه مع تقريبه إيانا، و قربه منّا لا نكاد نكلمه لهيبته، و لا نبتديه لعظمته. يعظّم أهل الدين، و يقرّب المساكين. لا يطمع القويّ في باطله، و لا ييأس الضعيف من عدله. و أشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، و قد أرخى الليل سدوله، و غارت نجومه، قابضا على لحيته يتململ تململ السليم، و يبكي بكاء الحزين، و يقول: يا دنيا غري غيري. إليّ تعرّضت أم إلي تشوّقت. هيهات هيهات قد بتّتك «1» ثلاثا لا رجعة فيها،

فعمرك قصير، و خطرك قليل «2» حقير. آه من قلّة الزاد و بعد السّفر، و وحشة الطريق.

فبكي معاوية و قال: رحم اللّه أبا حسن، كان- و اللّه- كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟

قال: حزن من (ديح واحد .. الطريق المستقيم) «3» مآقي لا ترقى لها دمعة، و لا تنقضي لها حسرة.

قال المبرّد: و حدّث ابن عائشة «4» في إسناد ذكره أن عليا رحمه اللّه انتهى إليه أنّ خيلا لمعاوية وردت الأنبار، فقتلوا عاملا له يقال له حسان بن حسان.

فخرج مغضبا، يجرّ ثوبه حتى أتى النّخيلة، و اتّبعه الناس، فرقي رباوة من

______________________________

(1) بتتك: قطعتك. و قد وردت «طلقتك» بدلها و هي أقرب لجوّ العبارة.

(2) تبدو (قليل) مقحمة و هي غير موجودة في مصادر كثيرة- انصاريان.

(3) جاء في بعض المصادر: حزن من ذبح واحدها في حجرها- أنصاريان.

(4) ابن عائشة: هو عبد اللّه بن حفص بن عمر التيمي. نسب إلى عائشة بنت طلحة. كان عالما بالعربية و أيام الناس. مات سنة 228. رغبة الآمل: 1/ 104

الجوهرة، التلمساني ،ص:77

الأرض. فحمد اللّه و أثنى عليه، و صلى على محمد نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلم. ثم قال:

«أمّا بعد فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه اللّه الذّلّ، و سيما «1» الخسف، و ديّث بالصّغار. و قد دعوتكم إلى حرب هؤلاء القوم ليلا و نهارا، و سرّا و إعلانا. و قلت لكم: اغزوهم من قبل أن يغزوكم.

فو الذي نفسي بيده ما غزي قوم قطّ في عقر دارهم إلا ذلّوا.

فتخاذلتم و تواكلتم، و ثقل عليكم قولي، و اتخذتموه وراءكم ظهريّا حتى شنّت عليكم الغارات.

و هذا أخو غامد، قد وردت خيله الأنبار، و قتلوا حسان بن حسان،

و رجالا كثيرا منهم و نساء. و الذي نفسي بيده لقد بلغني أنه كان يدخل على المرأة المسلمة و المعاهدة «2» فتنزع أحجالهما و رعثهما «3». ثم انصرفوا موفورين، لم يكلم أحد منهم كلما. فلو أنّ امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا ما كان فيه عندي ملوما، بل كان به جديرا. يا عجبا كلّ العجب من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم، و فشلكم عن حقّكم «4».

إذا قلت لكم: اغزوهم في الشتاء. قلتم: هذا أوان قر و صرّ. و إن قلت لكم:

اغزوهم في الصيف. قلتم: هذه حمارّة القيظ، أنظرنا ينصرم الحرّ عنا. فإذا كنتم من الحرّ و البرد تفرّون فأنتم و اللّه من السيف أفرّ. يا أشباه الرّجال و لا

______________________________

(1) سيما: علامة للخير أو الشر

(2) المعاهدة: المرأة الذمية ذات العهد.

(3) الأحجال: الخلاخيل. الرعث: الأقراط، مفردها رعثة، و جمعها رعاث، و جمع جمعها رعث.

(4) اسقط المؤلف سطرين من أصل الخطبة.

الجوهرة، التلمساني ،ص:78

رجال، و يا (طغام الأحلام) «1» و يا عقول ربّات الحجال. و اللّه لقد أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان. و لقد ملأتم جوفي غيظا، حتى قالت قريش: ابن أبي طالب شجاع، و لكن لا رأي له في الحرب. للّه درّهم؟ و من ذا يكون أعلم بها مني، و أشدّ لها مراسا! فو اللّه لقد نهضت فيها، و ما بلغت العشرين. و لقد نيّفت اليوم على الستين. و لكن لا رأي لمن لا يطاع». يقولها ثلاثا.

فقام إليه رجل. و معه أخوه «2» فقال: يا أمير المؤمنين أنا و أخي هذا كما قال اللّه: رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَ أَخِي «3» فمرنا بأمرك. فو اللّه لننتهينّ إليه.

و لو حال بيننا و بينه جمر الغضا و شوك

القتاد «4». فدعا لهما بخير. ثم قال:

و أين تقعان ممّا أريد؟ ثم نزل.

قوله: ديّث بالصّغار؛ تأويله ذلّل. يقال: بعير مديّث أي مذلّل. و قوله: في عقر دارهم؛ العقر: الأصل. و قوله: شنّت عليكم الغارات؛ معناه صبّت. يقال شننت الماء على رأسه أي صببته. و قوله: هذا أخو غامد؛ هو رجل مشهور من أصحاب معاوية، من بني نصر بن غامد بن نصر بن الأزد بن الغوث. و في هذه القبيلة يقول القائل:

ألا هل أتاها على نأيهابما فضحت قومها غامد

تمنّيتم مائتي فارس فردّكم فارس واحد

______________________________

(1) اضافة من رغبة الآمل: 1/ 106، لبياض في الأصل.

(2) الرجل و أخوه يعرفان بابني عفيف من الأنصار. و الصحيح أن الأول هو جندب بن عفيف، و الآخر ابن أخيه عبد الرحمن.

(3) سورة المائدة: 5/ الآية: 5- 25.

(4) الغضا: شجر من الأثل. خشبه من أصلب الخشب، و جمره يبقى زمنا، مفردها الغضاة. القتاد: شجر صلب له شوك كالإبر.

الجوهرة، التلمساني ،ص:79

و الاحجال: الخلاخيل، واحدها، حجل. و يقال للصّيد: حجل، لأنه يقع في ذلك الموضع. و قوله: و رعثهما: الواحدة رعثة، و جمعها رعاث، و جمع الجمع رعث؛ و هي الشّنوف.

قال المؤلف، غفر اللّه له: ابن عائشة الراوي لهذا الخبر هو عبد اللّه بن محمد بن حفص التّيميّ؛ تيم قريش. و يكنى أبا عبد الرحمن. و يقال لأبيه أيضا: ابن عائشة. و توفي بالبصرة سنة ثمان و عشرين و مائتين. و الرجل الغامديّ الذي لم يسمّ اسمه هو «سفيان بن عوف». و كان من أصحاب الطوائف لمعاوية. و قال المبرد في غامد هو غامد بن نصر بن الأزد ابن الغوث. و قال القاضي أبو القاسم صاعد بن محمد بن صاعد الطّليطليّ، رحمه اللّه، في «مختصر

النسب» له: غامد بن عبد اللّه بن كعب بن الحرث بن كعب بن عبد اللّه بن نصر بن الأزد.

و روي أن عليا. رضي اللّه عنه، خطب الناس، فحمد اللّه، و أثنى عليه، و صلى على النبي محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم، ثم قال: «أما بعد، فإني أحذركم الدنيا، فإنها خضرة، حلوة، حفّت بالشهوات، و حسّنت بالعاجلة، و عمّرت بالآمال، و زيّنت بالغرور، لا يدوم خيرها، و لا تؤمن فجائعها.

لا تعدو إذا تاهت أمنيّة أهل الرغبة فيها، و الرضى عنها، أن تكون كما قال اللّه عز و جل: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ، فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ، فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ. وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ مُقْتَدِراً «1»، مع أنّ أمرا لم يكن منها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة. و لم يبق من سرّائها بطنا إلا منحته من ضرّائها ظهرا، و لم تطلّه منها ديمة رخاء إلا هتنت عليه مزنة بلاء حري إذا هي أصبحت لك

______________________________

(1) سورة الكهف: 18/ الآية: 45.

الجوهرة، التلمساني ،ص:80

متنضّرة أن تمسي لك متنكّرة، مع أن وراء ذلك سكرات الموت و زفراته، و هول المطّلع، و الوقوف بين يدي الملك العدل لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا، وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى «1».

و خطب رضي اللّه عنه فقال:

«ألا إنّ الدنيا قد أدبرت و آذنت بوداع و الآخرة قد أقبلت و آذنت باطّلاع. ألا و إن المضمار اليوم، و السباق غدا. ألا و إنّ السّبقة الجنة، و الغاية النار. ألا و إنكم في مهل من ورائه أجل، تحته عجل، فمن عمل في ايام مهله قبل حضور أجله نفعه عمله، و لم يضرّه أمله. و من لم يعمل في أيام مهله قبل

حضور أجله ضرّه أمله و ساءه عمله».

و خطب رضي اللّه عنه يوما فقال:

«أيها الناس، اتّقوا اللّه الذي إن قلتم سمع، و إن أضمرتم علم. و بادروا الموت الذي إن هربتم أدرككم، و إن أقمتم أخذكم».

و خطب رضي اللّه عنه، فقال: «إنّ التّقوى يوم القيامة مطايا ذلل ركبتها أهلها، و أعطوها أزمّتها. فسارت حتى أتت ظلا ظليلا. فنزلوا، فتحدّثوا.

ففتحت لهم أبواب الجنة، ففاح عليهم زهرتها و نعيمها. و قيل: ادخلوها بسلام آمنين. ألا و إنّ الخطايا خيل شمس، حمل عليها أهلها، و نزع لجمها، فحمحمت بهم، حتى ألقتهم في النار».

و خطب، رضي اللّه عنه، فقال:

«ألا و إنّ الأمل يسهّي العقل، و يورث الحسرة. ألا فاعزفوا عن الأمل

______________________________

(1) سورة النجم: 53/ الآية: 31.

الجوهرة، التلمساني ،ص:81

كأشدّ ما أنتم عن شي ء عازفون «1» ... غرر، و صاحبه معنّى مغرور. فافزعوا إلى قوام دينكم بالجدّ في أموركم، فإني لم أر كالجنة نام طالبها، و لا كالنار نام هاربها. فتزوّدوا في الدنيا ما تحوزون به أنفسكم في الآخرة، و اعملوا خيرا تجزوا به خيرا يوم يفوز بالخير من يقدّمه».

و كتب رضي اللّه عنه إلى عثمان بن حنيف الأنصاريّ الأوسيّ حين استعمله على البصرة:

«أما بعد، فقد بلغني أنّ بعض قطّان البصرة دعاك إلى مأدبة، فأسرعت.

و كرت عليكم الجفان، فكرعت، فأكلت أكل يتيم نهم، أو ضبع قرم «2». و ما خلتك تأكل طعام قوم عائلهم مجفوّ، و غنيّهم مدعو. و اعلموا أن إمامكم قد اكتفى بطمرته «3»، يسدّ فورة جوعه بقرصته، و لا يطعم الفلذة إلا في سنة أضحيته. و لن تقدروا على ذلك، فأعينوني بورع و اجتهاد. فمتاع الدّنيا صائر إلى نفاد. و اللّه ما ادّخرت من دنياكم تبرا، و لا أخذت

من أقطارها شبرا.

و إنّ قوتي فيها لبعض قوت أتان دبرة، و لهي عندي أهون من عصفة مقرة «4» تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً، وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ «5». و لو شئت لاهتديت إلى هذا العسل المصفّى و لباب البرّ المربّى حين ينضجه وقوده. هيهات أن يغرّني معقوده. و لعلّ يتيما في المدينة يتضوّر

______________________________

(1) بياض في الأصل.

(2) ضبع قرم: مشتاق الى اللحم.

(3) الطمر: الثوب البالي.

(4) مقرة: كاسرة. مقر عنقه: ضربها بالعصا حتى تكسر العظم.

(5) سورة القصص: 28/ الآية: 83.

الجوهرة، التلمساني ،ص:82

من سغبه، أ أبيت مبطانا، و حولي بطون غرثى «1»؟ إذا يخصمني في القيمة رهم «2» من ذكر و أنثى، و كأن بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت أمير المؤمنين فقد قعد به العجز عن مبارزة الشجعان و منازعة الأقران، أ لم تسمعوا اللّه يقول: فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا. وَ اللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ؟ «3» و اللّه ما اقتلعت باب خيبر بقوة جسدانيّة و لا بحركة غذائية، لكنّي أيّدت بقوة ملكوتيّة. و أنا من أحمد كالضوء من الضّوء. و اللّه لو تظاهرت العرب على قتالي ما باليت، و لو أمكنتني من رقابها ما بغيت: وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ «4». إليك عني يا دنيا، حبلك على غاربك «5»، بثثت لي الحبالة «6». فانسللت من مخالبك، و رأيت آثار مصائدك، فاجتنبت العبور في مراحضك. أين القرون التي أفنيتها بزخارفك، و في حبائلك أوقعتها و متآلفك. و اللّه لو كنت شخصا مرئيا أو طللا حسّيّا لأقمت عليك حدود اللّه في عباد أسلمتهم إلى التلف، و أوردتهم موارد الهلكة و الأسف. هيهات

هيهات. من وطئ رحضك «7» زلق، و من شرب من مائك شرق. و السالم منك قليل، و عزيزك و إن عظم حقير ذليل.

______________________________

(1) غرثى: جائعة.

(2) الرهم: العدد الكثير.

(3) سورة آل عمران: 3/ الآية: 146.

(4) سورة الشعراء: 26/ الآية: 227.

(5) مثل يضرب في تخلية الشي ء و نفض اليد عنه. الغارب: الكاهل أو بين الظهر و العنق.

(6) الحيالة: المصيدة.

(7) الرحيض: الثوب المغسول. و ثوب رحض: غسّل حتى خلق.

الجوهرة، التلمساني ،ص:83

فاغربي عنّي، فو اللّه لا ألين لك فتخدعيني، و لا أنقاد لك فتذليني أ تغرّيني؟ بأن أنام على القباطيّ «1» من اليمن، و أتمرّغ في مفروش من منقوش الأرمن، و أغذو نفسا حلوها و مرها، لتسمن، إذا أكون كإبل ترعى و تبعر. و اللّه لأروضنّ نفسي رياضة تهشّ إلى قوتها إذا عنه نفرت، و تقنع بملحها مأدوما إذا هي أفطرت، لعلّها تنال نعيما، و ملكا كبيرا جسيما و السلام».

و عن أبي حمزة الثّماليّ، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النّخعيّ قال: أخذ علي بن أبي طالب بيدي، فأخرجني، إلى ناحية الجبّان.

فلما أصحر تنفّس الصعداء ثم قال: «يا كميل، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها. يا كميل احفظ عني ما أقول: الناس ثلاثة؛ عالم ربّاني، و متعلم على سبيل نجاة، و همج رعاع، لكلّ ناعق أتباع، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، و لم يلجئوا إلى ركن وثيق. يا كميل، العلم خير من المال. العلم يحرسك، و أنت تحرس المال. و المال تنقصه النّفقة، و العلم يزكو على الإنفاق. يا كميل محبة العالم دين يدان به يكسبه الطاعة في حياته و جميل الأحدوثة بعد وفاته، و منفعة المال تزول بزواله. و العلم حاكم و

المال محكوم عليه. يا كميل، مات خزّان المال، و العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، و أمثالهم في القلوب موجودة. ثم قال: ها إنّ هاهنا علما- و أشار إلى صدره- لو أصبت له حملة، بلى أصبته، لقنا «2» غير مأمون. يستعمل آلة

______________________________

(1) القباطي: ثياب كتان بيض رقاق تعمل بمصر، و هي منسوبة الى القبط على غير قياس. مفردها قبطية.

(2) اللقن: الذكي العاقل أو السريع الفهم.

الجوهرة، التلمساني ،ص:84

الدّين في طلب الدّنيا، و يستظهر بحجج اللّه على أوليائه، و بنعم اللّه على معاصيه، أو منقادا لحملة العلم، لا بصيرة له في أنحائه. يقدح الشك في قلبه بأول ناعق من شبهة، ألا لا ذا و لا ذاك. فمن هو منهوم باللذات، سلس القياد إلى الشهوات، و مغرم بالجمع و الادخار، و ليس من دعاة الدّين أقرب شبها به الأنعام، كذلك يموت العلم بموت حامليه».

ثم قال: «اللهمّ لا تخلو الأرض من قائم بحجّة إمّا ظاهرا مستورا، و إمّا خافيا مغمورا، لئلا تبطل حجج اللّه و ميثاقه. و كم و أين أولئك الأقلّون عددا، و الأعظمون قدرا، بهم يحفظ اللّه حججه حتى يودعها في أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الأمور. فباشروا روح اليقين، و استلانوا ما استوعر المترفون، و أنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان، أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى، يا كميل، أولئك خلفاء اللّه في أرضه، و الدّعاة إلى دينه. هاه هاه شوقا إليهم و إلى رؤيتهم، و أستغفر اللّه لنا و لهم».

و عن شريك بن عبد اللّه بن أبي نمر، عن سعيد بن المسيّب، عن علي بن أبي طالب، رضي اللّه عنه، قال:

«إنّ من حقّ العالم أن لا تكثر عليه السؤال، و لا تعنّته في

الجواب. و لا تلحّ عليه إذا كسل، و لا تأخذ بثوبه إذا نهض، و لا تشير إليه بيدك و لا تفشي له سرّا. و لا تغتابنّ عنده أحدا، و لا تطلبن عثرته، فإن زلّ انتظرت أوبته، و قبلت معذرته، و أن توقّره، و تعظّمه للّه، و لا تمشي أمامه. و إن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته. و لا تتبرّمنّ من طول صحبته، فإنما هو بمنزلة النخلة، تنتظر ما سقط عليك منها منفعة. و إذا جئت فسلّم على القوم، و خصّه بالتحية، و احفظه شاهدا و غائبا. و ليكن ذلك كلّه للّه، فإنّ العالم أعظم أجرا من الصائم

الجوهرة، التلمساني ،ص:85

القائم المجاهد في سبيل اللّه تعالى. و إذا مات العالم انثلمت في الإسلام ثلمة إلى يوم القيامة، لا يسدّها إلا خلف مثله. و طالب العلم تشيّعه الملائكة من السماء».

و قال رضي اللّه عنه:

«رحم اللّه عبدا سمع فوعى، و دعي إلى الرشاد فدنا، و أخذ بحجزة هدى فنجا، و راقب ربه و خاف ذنبه، و قدّم خالصا، و عمل صالحا، و اكتسب مدخورا، و اجتنب محظورا، و كابر هواه، و كذب مناه، و حذر أجلا، و دأب عملا. و جعل الصبر رغبة حياته، و التّقى جنة وفاته».

و قال لرجال من أصحابه:

«كيف انتم؟ قالوا: نرجو و نخاف. قال (عليه السلام): من رجا شيئا طلبه.

و من خاف شيئا هرب منه. و ما أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يتركها لما يخاف، و ما أدري ما رجاء رجل نزل به بلاء فلم يصبر عليه لما يرجو».

و قال، رضي اللّه عنه:

«يأتي على الناس زمان لا يقرّب فيه، إلا الماحل، و لا يظرّف فيه إلا الفاجر، و لا يضعّف

فيه إلا المنصف. يتخذون الفي ء مغنما، و الصدقة مغرما، و صلة الرّحم منّا و العبادة استطالة على الناس. فعند ذلك يكون سلطان النساء، و مشاورة الإماء، و إمارة الصبيان».

و قال له، رضي اللّه عنه، قائل:

«أين كان ربّك قبل أن يخلق السماء و الأرض؟ قال: يا أعرابيّ، أين سؤال عن مكان، و كان اللّه و لا مكان؟».

الجوهرة، التلمساني ،ص:86

و قال: «سيأتي على الناس زمان لا يبقي من الإسلام إلا اسمه، و لا من القرآن إلا رسمه. مساجدهم يومئذ عامرة، و هي خراب من الهدى علما، و هم شرّ من تحت أديم السماء، منهم خرجت الفتنة، و فيهم تعود».

و قال، رضي اللّه عنه:

«لا يزال الدين و الدنيا قائمان ما دام العلماء يستعملون ما علموا، و الجهّال يستكثرون ما لم يعلموا، و الاغنياء لا يبخلون بما خوّلوا، و الفقراء لا يبيعون آخرتهم بدنياهم».

و قال رضي اللّه عنه:

«قطيعة العاقل تعدل صلة الجاهل».

و قال: «من سعادة المرء خمسة أشياء: أن تكون زوجته موافقة، و أولاده ابرارا، و إخوانه أتقياء، و جيرانه صالحين، و رزقه في بلده».

و يروى أن عليا، رضي اللّه عنه، لما رجع من صفّين، فدخل أوائل الكوفة، إذا هو بقبر. قال: «قبر من هذا؟» قالوا: قبر خبّاب بن الأرتّ «1».

فوقف عليه و قال: «رحم اللّه خبابا، أسلم راغبا، و هاجر طائعا، و عاش مجاهدا، و ابتلي في جسمه أحوالا. و لن يضيع اللّه أجر من أحسن عملا».

ثم مضى فإذا أقبر، فجاء حتى وقف عليها، فقال:

______________________________

(1) خباب بن الأرت، أبو عبد اللّه و قيل أبو أحمد و هو ابن جندلة بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة. عربى لحقه سباء في الجاهلية، فبيع بمكة. و قيل: هو

حليف بني زهرة، و قيل: هو مولى أم أنمار بنت سباع الخزاعية. و كان من السابقين إلى الإسلام، و ممن تعذب في اللّه تعالى. و كان سادس ستة في الإسلام. شهد مع النبي بدرا و المشاهد كلها. توفي بالكوفة في خلافة علي سنة 37، و كان عمره ثلاثا و سبعين سنة. تهذيب الأسماء: 1/ 175.

الجوهرة، التلمساني ،ص:87

«السلام عليكم أهل الدّيار الموحشة، و المحالّ المقفرة. أنتم لنا سلف، و نحن لكم تبع، و بكم عمّا قليل لاحقون. اللهم اغفر لنا و لهم، و تجاوز عنا و عنهم. طوبى لمن ذكر المعاد، و عمل للحساب، و قنع بالكفاف، و رضي عن اللّه تعالى».

ثم قال: «يا أهل القبور، أما الأزواج فقد نكحت، و أما الديار فقد سكنت و أما الأموال فقد قسمت. فهذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم».

ثم التفت إلى أصحابه فقال:

«أما إنهم، لو تكلموا لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى».

و قال الزبير بن بكار: أوصى علي، رضي اللّه عنه، ابنه الحسن فقال:

«يا بنيّ، أوصيك بتقوى اللّه تعالى في الغيب و الشهادة و كلمة الحق في الرّضى و الغضب، و القصد في الغنى و الفقر، و العدل على الصديق و العدوّ، و العمل في النشاط و الكسل، و الرضى عن اللّه عز و جلّ في الشدّة و الرّخاء.

يا بنيّ، ما شرّ بعده الجنة بشرّ، و لا خير بعده النار بخير. و كلّ نعيم دون الجنة حقير. و كلّ بلاء دون النار عافية. اعلم يا بني، إنّ من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره. و من رضي بقسم اللّه تعالى لم يحزن على ما فاته. و من سلّ سيف بغي قتل به. و من حفر لأخيه بئرا

وقع فيها. و من هتك حجاب أخيه انكشفت عورات بيته. و من نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره. و من أعجب برأيه ضلّ. و من استغنى بعقله زلّ. و من تكبّر على الناس ذلّ. و من خالط الأنذال احتقر. و من دخل مداخل السوء اتّهم. و من جالس العلماء وقّر. و من مزح استخفّ به. و من أكثر من شي ء عرف به. و من كثر كلامه كثر خطؤه، و قلّ حياؤه، و من قلّ حياؤه قلّ ورعه. و من قلّ ورعه مات قلبه. و من مات قلبه

الجوهرة، التلمساني ،ص:88

دخل النار. يا بنيّ، الأدب خير ميراث. و حسن الخلق خير قرين. يا بنيّ العافية عشرة اجزاء؛ تسعة منها في الصّمت، إلا عن ذكر اللّه عزّ و جلّ، و واحدة في ترك مجالسة السّفهاء. يا بنيّ زينة الغنى الشكر. يا بني لا شرف أعلى من الإسلام، و لا كرم أعزّ من التّقوى، و لا شفيع أنجح من التوبة. و لا لباس أجمل من العافية. و الحرص مفتاح المقت، و مطيّة للنّصب. التدبّر قبل العمل يؤمنك الندم. بئس الزاد للمعاد العدوان على العباد. طوبى لمن أخلص للّه عزّ و جلّ علمه و عمله و حبّه و بغضه و أخذه و تركه و كلامه و صمته و قوله و فعله.

و عن عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده قال: أتى رجل عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، فقال: أخبرني عن القدر.

قال: طريق مظلم فلا تسلكه.

قال: أخبرني عن القدر.

قال: «بحر عميق فلا تلجه».

قال: أخبرني عن القدر.

قال: «سرّ اللّه، فلا تكلّفه».

قال: ثمّ ولى الرجل غير بعيد ثم رجع، فقال لعلي: في المشيئة الأولى أقوم و أقعد و أقبض

و أبسط.

فقال له علي رضي اللّه عنه: إني سائلك عن ثلاث خصال، و لن يجعل اللّه عزّ و جل لك و لا لمن ذكر المشيئة مخرجا. أخبرني: أخلقك اللّه لما شاء.

أو لما شئت؟

قال: بل لما شاء.

الجوهرة، التلمساني ،ص:89

قال: أخبرني أ فتجي ء يوم القيامة كما شاء أو كما شئت.

قال: بل كما شاء.

قال: فليس لك من المشيئة شي ء.

و كان عليّ رضي اللّه عنه، يسير في الفي ء بسيرة أبي بكر الصديق في القسم. و إذا ورد عليه مال لم يبق منه شيئا إلا قسمه، و لا يترك في بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمه في يومه ذلك. و يقول:

«يا دنيا غرّي غيري».

و لم يكن يستأثر بشي ء من الفي ء، و لا يخصّ به حميما و لا قريبا. و لا يخصّ بالولايات إلا أهل الدّيانات و الأمانات. و إذا بلغه عن أحدهم جناية كتب إليه: «قد جاءتكم موعظة من ربّكم، فأوفوا الكيل و الميزان بالقسط، و لا تبخسوا الناس أشياءهم، و لا تعثوا في الأرض مفسدين. بقيّة اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين. و ما أنا عليكم بحفيظ. إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى نبعث إليك من يتسلّمه منك».

ثم يرفع طرفه إلى السماء فيقول: «اللّهمّ إنك تعلم إني لم آمرهم بظلم خلقك و لا بترك حقّك».

و عن الأجلح بن عبد اللّه الكندي، عن أبي المغيرة عبد اللّه ابن أبي الهذيل قال: رأيت عليا خرج و عليه قميص غليظ رازي. إذا مدّ كمّ قميصه بلغ إلى الظّفر، و إذا أرسله صار إلى نصف الساعد.

و حدّث الحرّ بن جرموز عن أبيه قال: رأيت عليّ بن أبي طالب يخرج من مسجد الكوفة و عليه قطريتان «1»،

متّزر بالواحدة، مرتد بالأخرى، و إزاره

______________________________

(1) القطريّة: ضرب من البرود. و في الحديث أنه عليه السلام كان متوشحا بثوب قطري. و البرود

الجوهرة، التلمساني ،ص:90

إلى نصف الساق، و هو يطوف في الاسواق، و معه درّة، يأمرهم بتقوى اللّه، و صدق الحديث، و حسن البيع، و الوفاء بالكيل و الميزان.

و عن مجمع التّيميّ أبي حمزة أن عليا قسم ما في بيت المال بين المسلمين، ثم أمر به فكنس، ثم صلّى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة.

و حدّث سفيان بن عيينة قال: حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه قال: قدم على عليّ مال من أصبهان، فقسمه سبعة أسباع، و وجد فيه رغيفا فقسمه سبع كسر، و جعل على كلّ جزء كسرة. ثم أقرع بينهم أيّهم يعطى أولا.

و ذكر عبد الرزاق عن الثّوري عن أبي حيّان التّيمي قال: رأيت علي بن ابي طالب على المنبر يقول: «من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته». فقام إليه رجل فقال: أنا أسلفك ثمن إزار.

و روى وكيع عن عليّ بن صالح، عن عطاء قال: رأيت على عليّ قميص كرابيس «1» غير غسيل.

و قال أبو نيزر: جاءني عليّ بن أبي طالب، و أنا أقوم بضيعة عين نيزر و البغيبغة «2»، فقال لي: «هل عندك من طعام؟». فقلت: طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين؛ قرع من قرع الضّيعة بإهالة سنخة «3». فقال: «عليّ به». فقام إلى

______________________________

القطرية حمر لها أعلام، فيها بعض الخشونة. منسوبة إلى «قطر» فخفّفوا و كسروا القاف للنسبة، فقالوا: قطري و الأصل: قطري.

(1) كرابيس: مفردها كرباس و هو الثوب الخشن (فارسية).

(2) ضيعتان لعلي بن أبي طالب. روى يونس أن أبا نيزر الذي تنسب إليه العين هو مولى علي

(ع)، و كان ابنا للنجاشي، رووا أن عليا أوصى بهما لمواليه؛ و هذا غلط لأنه وقف الضيعتين لسنتين من خلافته كما جاء في المتن.

(3) الإهالة: ما أذيب من الشحم و الألية أو هي كل دهن يؤتدم به. سنخة: متغيرة الريح.

الجوهرة، التلمساني ،ص:91

الرّبيع، و هو جدول، فغسل يده، ثم أصاب من ذلك شيئا، ثم رجع إلى الربيع فغسل يديه بالرّمل حتى أنقاهما، ثم ضم (يديه) «1» كلّ واحدة منهما إلى أختها، و شرب بهما حسا «2» من الربيع ثم قال: «يا أبا نيزر، إنّ الأكفّ أنظف الآنية». ثم مسح ندى ذلك الماء على بطنه، و قال: «من أدخله بطنه النار فأبعده اللّه». ثم أخذ المعول و انحدر في العين فجعل يضرب، و أبطأ عليه الماء، فخرج و قد تفضّج «3» جبينه عرقا. فانتكف العرق عن جبينه، ثم أخذ المعول و عاد إلى العين، فأقبل يضرب فيها، و جعل يهمهم، فانثالت كأنّها عنق جزور، فخرج مسرعا. فقال: «أشهد (اللّه) أنها صدقة. عليّ بدواة و صحفية». قال: فعجلت بهما، فكتب: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما تصدّق به عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين. تصدّق بالضّيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر و البغيبغة على فقراء أهل المدينة و ابن السبيل، ليقي اللّه بهما وجهه حرّ النار يوم القيامة، لا تباعا و لا توهبا حتى يرثهما اللّه، و هو خير الوارثين، إلا أن يحتاج إليهما الحسن و الحسين، فهما طلق «4» لهما، و ليس لأحد غيرهما».

قال: فركب الحسين دين، فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مائتي ألف دينار، فأبى أن يبيع. و قال: إنّما تصدّق بها أبي ليقي اللّه بهما وجهه حرّ النار و لست بائعهما بشي ء.

كان أبو نيزر من أبناء

ملوك الأعاجم. و قيل إنه من ولد النّجاشيّ، و هو

______________________________

(1) الاضافة من معجم البلدان في (عين أبي نيزر)، و انظر تفصيل الحكاية فيه.

(2) حسا: مفردها حسوة و هي الشربة مل ء الفم.

(3) في معجم البلدان: تنضخ. و ربما جازت: تفضخ.

(4) طلق: حلال.

الجوهرة، التلمساني ،ص:92

الصحيح. فرغب في الإسلام صغيرا. فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و كان معه في بيوته. فلما توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم صار مع فاطمة و ولدها عليهم السلام.

الجوهرة، التلمساني ،ص:93

و أخباره عليه السّلام

في تقشّفه في لباسه، و في طعمه، أشهر من هذا كله، و لا يحيط بسيره و فضائله كتاب و حدّث حفص بن غياث: حدثنا الثّوريّ، عن أبي قيس الأوديّ قال:

أدركت الناس و هم ثلاث طبقات: أهل دين يحبّون عليا، و أهل دنيا يحبّون معاوية، و خوارج.

و قال أحمد بن حنبل و اسماعيل بن اسحاق القاضي: لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد ما روي في فضائل علي بن أبي طالب.

و كذلك قال أحمد بن شعيب بن علي أبو عبد الرحمن النّسائيّ.

و قال هارون بن اسحاق: سمعت يحيى بن معين يقول: من قال: أبو بكر و عمر و عثمان و علي، و عرف لعلي سابقته و فضله، فهو صاحب سنّة.

و وقف جماعة من أئمة أهل السنة في علي و عثمان، فلم يفضّلوا واحدا منهما على صاحبه، منهم: مالك بن أنس، و يحيى بن سعيد القطّان. و أكثر أهل السّنة على تقديم أبي بكر في الفضل على عمر، و تقديم عمر على عثمان، و تقديم عثمان على علي.

الجوهرة، التلمساني ،ص:94

و قد كان بنو أمية ينالون منه و ينتقصونه، فما زاده اللّه بذلك إلا سموّا

و علوّا و محبة عند العلماء.

و ذكر الطبري قال: حدثنا محمد بن عبيد المحاربيّ قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه قال: قيل لسهل بن سعد «1» إنّ أمير المدينة يريد أن يبعث إليك تسبّ عليا عند المنبر.

قال: أقول ما ذا؟

قال: تقول: أبا تراب.

فقال: و اللّه ما سمّاه ذلك إلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم.

قال: قلت: و كيف ذلك يا أبا العباس؟

قال: دخل عليّ على فاطمة، ثم خرج من عندها، فاضطجع في صحن المسجد، فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم على فاطمة، فقال:

أين ابن عمّك؟ قالت: هو ذاك مضطجعا في المسجد.

قال: فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره، و خلص التراب إلى ظهره. فجعل يمسح التراب عن ظهره، و يقول:

«اجلس أبا تراب» فو اللّه ما سماه به إلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم». ما كان اسم أحبّ إليه منه.

***______________________________

(1) سهل بن سعد الساعدي أبو العباس و قيل أبو يحيى. صحابي. كان اسمه حزنا فسماه النبي سهلا. شهد قضاء رسول اللّه في المتلاعنين. كان له يوم وفاة النبي (ص) خمس عشرة سنة، و توفي بالمدينة سنة ثمان و ثمانين، و قيل إحدى و تسعين. قال ابن سعد: هو آخر من مات من أصحاب النبي، ليس فيه خلاف. روى 188 حديثا. تهذيب الأسماء: 1/ 238

الجوهرة، التلمساني ،ص:95

و روى ابن وهب عن حفص بن ميسرة عن عامر بن عبد اللّه بن الزبير أنه سمع ابنا له يتنقّص عليا، فقال: يا بنيّ إياك و العودة الى ذلك، فإن بني مروان شتموه ستين سنة، فلم يزده اللّه

بذلك إلا رفعة، و إن الدّين لم يبن شيئا، فهدمته الدنيا. و إن الدنيا لم تبن شيئا إلا عادت على ما بنت فهدمته.

و حدّث محمد بن اسحاق السرّاج: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف قال: حدثني حصين بن عمر عن مخارق و عن طارق قال: جاء ناس إلى ابن عباس فقالوا: جئناك نسألك. فقال: سلوا عمّا شئتم. فقالوا: أي رجل كان أبو بكر؟ قال: كان خيرا كلّه، أو قال: كالخير كلّه على حدّة كانت فيه. قالوا: فأيّ رجل كان عمر؟ قال: كان كالطّير الحذر الذي يظنّ أن له في كل طريق شركا.

قالوا: فأيّ رجل كان عثمان؟ قال: رجل ألهته نومته عن يقظته. قالوا: فأي رجل كان علي؟ قال: كان قد ملئ جوفه حكما و علما و بأسا و نجدة مع قرابته من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم.

قال ابن السرّاج: و أخبرنا محمد بن الصّباح قال: حدثنا عبد العزيز الدّراورديّ عن عمر مولى غفرة عن محمد بن كعب عن عبد اللّه بن عمر قال:

قال عمر لأهل الشورى: للّه درّهم إن ولّوها الاصيلع، يعني عليا .. كيف يحملهم على الحق، و لو كان السيف على عنقه. فقلت: أ يعلم ذلك و لا يولّيه؟

قال: إنه قال: إن لم أستخلف و أتركهم، فقد تركهم من هو خير مني.

و قال الشعبيّ: قال لي علقمة: تدري ما مثل عليّ في هذه الأمة؟ قلت:

و ما مثله؟ قال: مثل عيسى بن مريم، أحبّه قوم حتى هلكوا في حبّه، و أبغضه قوم حتى هلكوا في بغضه.

***

الجوهرة، التلمساني ،ص:96

و بويع لعلي، رضي اللّه عنه، الخلافة يوم قتل عثمان، و اجتمع على بيعته المهاجرون و الأنصار، و تخلف عن بيعته منهم

نفر، فلم يهجهم، و لم يكرههم.

و سئل عنهم، فقال: «أولئك قوم قعدوا عن الحق و لم يقوموا مع الباطل». و في رواية اخرى: «أولئك قوم خذلوا الحقّ، و لم ينصروا الباطل».

و تخلّف عن بيعته أيضا معاوية و من معه في جماعة أهل الشام. فكان منهم في صفّين بعد الجمل ما قد كان.

و قتل مع علي في صفين أبو اليقظان عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن لوذين. و يقال: لوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن يام بن عنس العنسيّ المذحجيّ. و عنس بالنون اخو مراد، و أبو هما مالك بن أدد، و هو جماع مذحج. و كان ياسر أبو عمّار قدم مكة من اليمن. فخالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم. فزوّجه أبو حذيفة أمة له يقال لها سميّة بنت خياط، فولدت له عمارا، فأعتقه أبو حذيفة. فمن هاهنا هو عمار مولى لبني مخزوم، و أبوه عربي- كما ذكر.

و كان عمار و أمّه سمية و أبوه ياسر ممّن عذّب في اللّه. ثم أعطاهم عمار ما أرادوا بلسانه. و اطمأنّ بالإيمان قلبه، فنزلت فيه:

إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ، وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ «1».

و هذا مما اجتمع عليه أهل التفسير.

و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يمرّ بهم، و هم يعذّبون، فيقول لهم: «صبرا يا آل ياسر، صبرا يا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة. اللهمّ اغفر لآل ياسر، و قد فعلت».

______________________________

(1) سورة الأنعام: 6/ الآية: 122.

الجوهرة، التلمساني ،ص:97

و أمّه سمية- فيما روى سفيان و شعبة و جرير عن منصور، عن مجاهد بن جبر- أول شهيد استشهد في الإسلام.

و روى

أبو رزين عن عبد اللّه بن مسعود قال: إنّ أبا جهل طعن بحربة في فخذ سمية، أمّ عمار حتى بلغت فرجها، فماتت. فقال عمار: يا رسول اللّه، بلغ منا العذاب كلّ مبلغ. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «صبرا أبا اليقظان، اللهمّ لا تعذّب من آل ياسر أحدا بالنار».

و قال مجاهد: أول من أظهر الإسلام رسول اللّه و أبو بكر و بلال و صهيب و خبّاب و عمار و سمية أمّ عمار.

و هاجر عمار إلى أرض الحبشة، و صلى القبلتين، و هو من المهاجرين الأولين. ثم شهد بدرا و المشاهد كلّها، و أبلى ببدر بلاء حسنا. ثم شهد اليمامة فأبلى فيها أيضا، و يومئذ قطعت أذنه.

ذكر الواقديّ: حدّثنا عبد اللّه بن نافع عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمر قال:

رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة، و قد اشرف يصيح:

«يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرّون؟ أنا عمار بن ياسر، هلمّوا إلي». و أنا أنظر إلى أذنه، قد قطعت، فهي تذبذب، و هو يقاتل أشدّ القتال. و كان، فيما ذكر الواقديّ: طويلا، أشهل، بعيدا ما بين المنكبين. و قال ابراهيم بن سعيد، بلغنا أن عمار بن ياسر قال: كنت تربا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في سنّه، و لم يكن أحد أقرب به سنا منّي.

و روي عن ابن عباس في قول اللّه عزّ و جلّ: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ، وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ «1»، قال: هو عمار بن ياسر «كمن مثله في

______________________________

(1) تتمة الآية السابقة.

الجوهرة، التلمساني ،ص:98

الظلمات ليس بخارج منها» «1»، قال: أبو جهل بن هشام.

و قال رسول اللّه صلى اللّه

عليه و آله و سلم: «إنّ عمارا ملئ إيمانا إلى مشاشته» «2».

روى مسروق عن عائشة قالت: ما من أحد من أصحاب محمد أشاء أن أقول فيه إلا قلت، إلا عمار بن ياسر، فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول: «إن عمار بن ياسر حشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنه إيمانا».

و عن خالد بن الوليد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: «من أبغض عمارا أبغضه اللّه». قال خالد: فما زلت أحبّه من يومئذ.

تقتل عمارا الفئة الباغية:

و عن أبي عبد الرحمن السّلميّ قال: شهدت مع علي، رحمه اللّه، صفّين، فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في جهة، و لا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم يتبعونه، كأنه علم لهم. و سمعت عمارا يقول يومئذ لهاشم بن عتبة: يا هاشم، تقدّم .. الجنة تحت الأبارقة «3».

اليوم ألقى الأحبّة محمدا و حزبه.

و اللّه لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا على الحقّ، و أنهم على الباطل.

______________________________

(1) الاضافة من معجم البلدان.

(2) المشاشة (هنا): ما أشرف من عظم المنكب.

(3) روى الطبري في: 5/ 41 أنه قال: الجنة تحت ظلال السيوف.

الجوهرة، التلمساني ،ص:99

و روي أن عليا قال بعد مصاب عمار بصفين: «إنّ امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر، و تدخل عليه به المصيبة الموجعة لغير رشيد.

رحم اللّه عمارا يوم أسلم، و رحم اللّه عمارا يوم قتل، و رحم اللّه عمارا يوم يبعث حيا. لقد رأيت عمارا، و ما يذكر من أصحاب محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم أربعة إلا كان رابعا، و لا خمسة

إلا كان خامسا. و ما كان أحد من قدماء أصحاب محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم يشكّ أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن، و لا اثنين. فهنيئا لعمار الجنة.

و لقد قيل إنّ عمارا مع الحق، و الحقّ، مع عمار. يدور عمار مع الحق أينما دار، و قاتل عمار في النار.

و عن الصّقعب بن زهير عن عبد اللّه بن جنادة أبي رملة أن سفيان بن عوف حدثه بمكة، و التقيا في الحجّ. فقال: إني لعند معاوية إذ أتي برأس عمار بن ياسر «1»، فقال عبد اللّه بن عمرو بن العاص: بشر قاتل عمار بالنار.

فقال معاوية، و ضرب على صدره: أبطلت، ففيم نحن إذا؟

فقال: سمعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول: «تقتل عمارا الفئة الباغية».

فقال معاوية: صدقت، إنك لا تعرف تأويل هذا المنطق، نحن نبغي قتلة ابن عفان حتى ننقى «2» بدمه.

و عهد إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّ آخر شربة يشربها من الدنيا شربة لبن. فاستسقى يوم صفين. فأتته امرأة طويلة اليدين بإناء فيه

______________________________

(1) انظر تفصيل مقتله في الطبري: 5/ 38.

(2) ننقى: ننظف.

الجوهرة، التلمساني ،ص:100

ضياح «1» من لبن. فقال عمار حين شربه: الحمد للّه، الجنة تحت الأسنّة. ثم قاتل حتى قتل.

و كانت سنّ عمار يوم قتل نيّفا على تسعين سنة. قتله ابو الغادية الفزاريّ، و احتزّ رأسه ابن جزء السّكسكيّ. و دفنه علي في ثيابه، و لم يغسله.

و روى أهل الكوفة أنه صلّى عليه. و هو مذهبهم في الشهداء أنهم لا يغسلون، و لكنّهم يصلّى عليهم.

و كانت صفين في ربيع الآخر سنة سبع و ثلاثين. و لما أجهد أهل الشام القتال بصفين، و

سئموا منه، و خافوا الفناء رفعوا المصاحف على أسنّة الرّماح، و قالوا: بيننا و بينكم كتاب اللّه.

و عن علي بن أبي طالب قال: «جاء عمار يستأذن على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم يوما، فعرف صوته، فقال: مرحبا بالطيّب، ائذنوا له».

و قال عبد الرحمن بن أبزي «2»: شهدنا مع عليّ صفين في ثمان مائة ممّن بايع بيعة الرّضوان؛ قتل منّا ثلاثة و ستون، منهم عمار بن ياسر.

و تواترت الآثار عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أنه قال: «تقتل عمارا الفئة الباغية». و هو حديث ثابت صحيح، أخبر فيه عليه السلام بما يكون بعده من مغيّبات الأمور، و هو من بواهر معجزاته صلى اللّه عليه و آله و سلم. و روى هذا الحديث جماعة من الصحابة مشهورون، و هم: عثمان بن عفان، و أبو هريرة، و أبيّ بن كعب، و أبو سعيد الخدريّ، و أنس بن مالك،

______________________________

(1) الضياح: اللبن الممزوج بالماء.

(2) عبد الرحمن بن أبزي صحابي خزاعي، مولى نافع بن الحارث. سكن الكوفة، و استعمله علي على خراسان. و أكثر رواياته عن عمر و أبي بن كعب. روى اثني عشر حديثا، روى عنه ابناه سعيد و عبد اللّه و غيرهما. تهذيب الأسماء: 1/ 293

الجوهرة، التلمساني ،ص:101

و عمرو بن العاص، و ابنه عبد اللّه بن عمر، و خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين.

قال محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت: ما زال جدي خزيمة كافّا سلاحه يوم صفين. فلما قتل عمار سلّ سيفه، فقاتل حتى قتل. و قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول: «تقتل عمارا الفئة الباغية».

و روته أمّ سلمة رضي اللّه عنها.

مسلم: حدثنا أبو بكر

بن أبي شيبة قال: حدثنا إسماعيل بن ابراهيم، عن ابن عون الحسن، عن أمّه، عن أم سلمة قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أمرهم بذلك عمرو بن العاص. فقال أهل العراق لعلي: يا أمير المؤمنين، بيننا و بينهم كتاب اللّه نحاكمهم إليه. فقال: «إنها مكيدة منهم، فناجزوهم حتى يرجعوا إلى أمر اللّه و حكمه». فأبوا عليه.

و حكّم أهل العراق أبا موسى الأشعريّ، و حكّم أهل الشام عمرو بن العاص. و كان علي قال لأهل العراق: «حكّموا عبد اللّه بن عباس». فقالوا: لا و اللّه، لا يجتمع في الحكم مضريّان. فلما اجتمع أبو موسى و عمرو مكر عمرو بأبي موسى.

و لما كان من أمر الحكمين ما كان خرجت الخوارج على عليّ، فكفّروه، و كفّروا كلّ من معه، إذ رضي بالتحكيم، و قالوا له: حكّمت الرجال في دين اللّه، و اللّه يقول: «إن الحكم إلا للّه». ثم اجتمعوا، و شقوا عصا المسلمين، و نصبوا راية الخلاف، و سفكوا الدماء، و قطعوا السّبل، و قتلوا عبد اللّه بن خبّاب بن الأرتّ ذبحا. و قيل إنهم ضربوا عنقه، و بقروا بطن امرأته، و هي حبلى، أبعدهم اللّه.

الجوهرة، التلمساني ،ص:102

و خبّاب: أبوه من خيار الصحابة، شهد بدرا، و كان من المعذّبين في اللّه بمكة في أول الإسلام. و هو من بني سعد بن مناة بن تميم. و كان أصابه سباء، فبيع بمكة، فاشترته أمّ أنمار الخزاعية، و هي أمّ أبي نيار سباع بن عبد العزّى الخزاعيّ الغبشانيّ، حليف بني زهرة، فأعتقته. و كانت أمّ سباع ختّانة بمكة.

و لولدها سباع قال حمزة يوم أحد: هلمّ إليّ يا بن مقطّعة البظور. و حين التقيا ضربه حمزة فقتله.

و

انضمّ خباب إلى سباع، و ادّ عن حلف بني زهرة بهذا السبب. و كان خباب رجلا قينا. و كان بظهره برص.

الواقديّ قال: كان خبّاب يكنى أبا عبد اللّه. و مات بالكوفة سنة سبع و ثلاثين، و هو ابن ثلاث و ستين أو ثلاث و سبعين. و هو أول من قبره عليّ بالكوفة، و صلى عليه منصرفه من صفين، و له عقب.

الجوهرة، التلمساني ،ص:103

كيفية قتل الخوارج عبد اللّه بن خباب

قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجرّيّ «1» في كتاب «الشريعة» له: حدثنا أبو القاسم عبد اللّه بن محمد بن عبد العزيز البغويّ قال: حدثنا شيبان بن فرّوخ قال: حدثنا سليمان بن المغيرة، عن شيبان بن هلال، عن رجل كان مع الخوارج، ثم فارقهم. و حدّثنا جدي و أبو خيثمة زهير بن حرب قالا: حدثنا اسماعيل بن ابراهيم عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن رجل من عبد القيس كان مع الخوارج ثم فارقهم، قال: دخلوا قرية، فخرج عبد اللّه بن خباب يجرّ رداءه. فقالوا: لم ترع؟ مرتين. فقال: و اللّه لقد رعتموني. قالوا:

أ أنت عبد اللّه بن خباب صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم؟

قال: نعم.

قالوا: فهل سمعت من أبيك حديثا حدّثه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فحدّثناه؟

______________________________

(1) هو محمد بن الحسين بن عبد اللّه الحافظ أبو بكر البغدادي الآجري المحدث الشافعي. توفي بمكة سنة 360. و آجر من قرى بغداد. له تصانيف عديدة.

الجوهرة، التلمساني ،ص:104

قال: سمعته يقول عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أنه ذكر فتنة القاعد فيها خيّر من القائم، و القائم فيها خيّر من الماشي، و الماشي فيها خيّر من الساعي. قال: فإن أدركتها فكن عبد

اللّه المقتول.

قال أيوب: و لا أعلمه إلا قال: و لا تكن عبد اللّه القاتل.

قالوا: أ أنت سمعت هذا من أبيك يحدّث به عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم؟ قال: نعم.

فقدّموه على ضفّة النهر، فضربوا عنقه، فسال دمه كأنّه شراك ما امذفرّ، يعني: ما اختلط بالماء الدّم، و بقروا أمّ ولده عمّا في بطنها.

و قال المبرد في الكامل: إن الخوارج قالوا لعبد اللّه بن خباب: ما تقول في أبي بكر و عمر؟ فأثنى خيرا. فقالوا له: فما تقول في علي قبل التحكيم؟

و في عثمان ستّ سنين؟ فأثنى خيرا. قالوا: فما تقول في الحكومة و التحكيم؟

قال: أقول: إن عليا أعلم باللّه منكم و أشدّ توقّيا لدينه، و أنفد بصيرة.

قالوا: إنك لست تتبع الهدى، إنما تتبع الرجال على أسمائها. ثم قرّبوه إلى شاطئ النهر فذبحوه، فامذقرّ دمه، أي جرى مستطيلا على ذقنه.

و ساموا رجلا نصرانيا بنخلة، فقال: هي لكم. فقالوا: ما كنا لنأخذها إلا بثمن. فقال: ما أعجب هذا! تقتلون مثل عبد اللّه بن خباب، و لا تقبلون منا نخلة إلا بثمن؟ و كان قتل عبد اللّه بن خباب بقرية يقال لها «كسكر» «1».

فبهذا السبب استحلّ عليّ قتالهم، و استئصالهم بالقتل.

______________________________

(1) كسكر: كورة واسعة ينسب إليها الفراريج الكسكرية قرب البصرة من سقي النهروان.

معجم البلدان (كسكر)

الجوهرة، التلمساني ،ص:105

قتل عليّ الخوارج

و خرج إليهم رضي اللّه عنه بمن معه، ورام رجعتهم، فأبوا الا القتال. و كان علي أرسل إليهم عبد اللّه بن عباس، فاجتمع معهم و احتجّ عليهم بحجج من كتاب اللّه عز و جل، و من فعل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، و فعل أبي بكر و عمر حتى قطعهم. و لم يجدوا جوابا

لما قال. فقال بعضهم لبعض: دعوه عنكم و لا تجيبوه، فلن تطيقوا مخاصمة ابن عباس، فإنه من القوم الذين قال اللّه تعالى فيهم: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ «1». و قال جلّ ثناؤه: وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا «2».

و كان فيهم من تبيّن له الحقّ. فرجع معه منهم من حروراء ألفان إلى الحق.

و صدّقوا ابن عباس فيما قال: و لزموا عليا. و أما الباقون فمكثوا على ضلالهم و عنادهم، و هم أهل النهروان، و كانوا ستة آلاف. فقتل منهم علي بالنهروان ألفين و ثماني مائة في أصحّ الأقاويل. و قتل معهم رئيسهم عبد اللّه بن

______________________________

(1) سورة الزخرف: 43/ الآية: 58.

(2) سورة مريم: 19/ 97.

الجوهرة، التلمساني ،ص:106

وهب «1» ذو الثّفنات الراسبيّ من بني راسب بن مالك بن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث.

ثم جمعوا لعلي بعد ذلك بالنّخيلة، فقتلهم أجمعين، و لم يفلت منهم إلا ثمانية «2»، و لم يقتل من عسكر علي غير تسعة، و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم أخبر عليا خبرهم، و أنه يقتلهم. و آية ذلك أنّ أحدهم إحدى عضديه مثل ثدي المرأة. فلما قتلهم عليّ أمر بتفتيش المخدج اليد، فلم يوجد، فتغير وجه علي، و قال: «و اللّه ما كذبت و لا كذّبت، فتّشوه».

ففتّشوه فوجدوه في وهدة من الأرض بين القتلى. فلما رآه علي كبّر و حمد اللّه تعالى.

و عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدريّ قال: بينما نحن عند النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم، و هو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة؛ رجل من بني تميم فقال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: اعدل.

قال: «ويلك،

و من يعدل إذا لم أعدل! قد خبت و خسرت إن لم أعدل».

فقال عمر: يا رسول اللّه، ائذن لي فيه أضرب عنقه.

فقال له: «دعه، فإنّ له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، و صيامه مع صيامهم. يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدّين كما يمرق

______________________________

(1) عبد اللّه بن وهب الراسبي من الأزد، من أئمة الاباضية. كان ذا علم و رأي و فصاحة. أدرك النبي (ص) و شهد فتوح العراق مع سعد بن أبي وقاص. ثم كان مع علي في حروبه. و لما وقع التحكيم أنكر جماعة فيهم الراسبيّ. فاجتمعوا بالنهروان (بين بغداد و واسط)، و أقرّوه عليهم، فقاتلوا عليا.

و قتل الراسبي في هذه المعركة سنة 38. الكامل: 2/ 119

(2) او تسعة على بعض الروايات- انصاريان

الجوهرة، التلمساني ،ص:107

السّهم من الرميّة، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شي ء، ثم ينظر إلى قذذه «1» فلا يوجد فيه شي ء ثم ينظر إلى رصافه «2» فلا يوجد فيه، ثم ينظر إلى نضّه- و هو قدحه- فلا يوجد فيه شي ء. آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر «3»، يخرجون على حين فرقة من الناس».

قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، و أشهد أن عليّ بن أبي طالب قاتلهم؛ و أنا معه. فأمر بذلك الرجل فالتمس في القتلى، فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت النبيّ- صلى اللّه عليه و آله و سلم- الذي نعته.

و عن يزيد بن أبي زياد قال: سألت سعيد بن جبير عن أصحاب النهر فقال: حدثني مسروق، قال: سألتني عائشة، فقالت: هل أبصرت أنت الرجل الذي يذكرون ذو الثّدية؟ قال: فقلت:

لم أره. و لكن شهد عندي من قد رآه.

قالت: فإذا قدمت الأرض فاكتب إلي بشهادة نفر قد رأوه. قال: فجئت، و الناس أسباع. قال: فكلمت من كلّ سبع عشرة ممن قد رآه. قال: فقلت: كلّ هؤلاء عدل رضى. فقالت: قاتل اللّه فلانا «4»، فإنه كتب إليّ أنه أصابه بمصر.

قال يزيد: و حدثني من سمع عائشة، تقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول: «إنهم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي».

و حدّث قطن بن عبد اللّه الحداني قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو

______________________________

(1) القذة: الأذن.

(2) الرصاف: عظام الجنب.

(3) البضعة: القطعة. تدردر: تمزمز و ترجرج أي تجي ء و تذهب. و الأصل: تتدردر، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا.

(4) تعني معاوية- أنصاريان.

الجوهرة، التلمساني ،ص:108

غالب قال: كنت في مسجد دمشق فجاءوا بسبعين رأسا من رءوس الخوارج، فنصبت على درج المسجد. فجاء أبو أمامة، فنظر إليها فقال:

كلاب جهنم .. شرّ قتلى قتلوا تحت ظلّ السماء. و من قتلوا خير قتلى تحت ظلّ السماء، و بكى و نظر إلي. قال: فقال: يا أبا غالب، إنك ببلد هؤلاء به كثير.

قال: قلت: نعم. قال: أعاذك اللّه منهم. ثم قال: أ تقرأ القرآن؟ قلت: نعم. قال:

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ، هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ، وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ إلى قوله: وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ: آمَنَّا بِهِ «1». قال: قلت:

يا أبا أمامة إني رأيتك تغرغرت لهم عيناك. قال: رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام، فخرجوا من الإسلام. فقال له رجل: يا أبا أمامة، أمن رأيك تقوله أو شي ء سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم؟ قال: إني إذا لجري ء، لقد سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه

و آله و سلم غير مرة و لا مرتين و لا ثلاث و لا أربع حتى عدّ سبع مرات.

أبو غالب راوي هذا الحديث عن أبي أمامة اسمه حزوّر: روى عنه أزهر بن صالح و ابن عيينة، و حماد بن زيد. ذكره مسلم صاحب الصحيح في كتاب «الكنى». و أبو أمامة: هو حديّ بن عجلان الباهليّ صاحب النبيّ عليه السلام.

و روى الاعمش عن ابن أبي اوفى عن النبي (ص) قال: «الخوارج كلاب النار». و قال عليه السلام فيهم «طوبى لمن قتلهم او قتلوه».

______________________________

(1) سورة آل عمران: 3/ الآية: 7.

الجوهرة، التلمساني ،ص:109

خبر مقتل على عليه السلام

ذكر عمر بن شبّة عن الضحّاك بن مخلد أبي عاصم النّبيل و موسى بن اسماعيل أنه سمع أباه يقول: جاء عبد الرحمن بن ملجم يستحمل عليا فحمله. ثم قال: أريد حباءه:

أريد حباءه و يريد قتلي عذيري من خليلي من مراد «1» أما إن هذا قاتلي. قيل له: فما يمنعك منه؟ قال: «إنه لم يقتلني بعد».

و أتي علي فقيل له: إنّ ابن ملجم يسمّ سيفه و يقول: إنه سيفتك فتكة تحدّث بها العرب. فبعث فيه و قال له: «لم تسمّ سيفك؟) فقال: لعدوّي و عدوّك. فخلّى عنه، و قال: «ما قتلني بعد».

و كان سبب قتل ابن ملجم لعلي أنه خطب امرأة من بني عجل بن لجيم يقال لها قطام. و قال المبرّد: إنها قطام بنت علقمة بن تيم الرّباب. و كانت ترى رأي الخوارج. و كان علي قد قتل أباها و إخوتها بالنّهروان. فلما تعاقد

______________________________

(1) يروى أن عليا كان يتمثل، إذا رأى ابن ملجم، ببيت عمرو بن معد يكرب في قيس ابن مكشوح المرادي. غير أن المبرد رواه هكذا:

أريد حباءه و يريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد

رغبة الآمل: 7/ 124

الجوهرة، التلمساني ،ص:110

الخوارج على قتل علي و عمرو بن العاص و معاوية بن أبي سفيان، خرج منهم ثلاثة نفر لذلك. و كان عبد الرحمن بن ملجم المراديّ حليفا لهم من تجوب، و قيل: «من السّكون من كندة. و قيل من حمير هو الذي اشترط قتل علي منهم. و الثاني الحجاج بن عبد اللّه: و هو البرك التّميميّ الصّريميّ «1».

اشترط قتل معاوية. و الثالث زاذويه: مولى بني العنبر بن عمرو بن تميم.

اشترط قتل عمرو بن العاص. و تواعدوا أن يكون ذلك في ليلة واحدة، و هي ليلة سبع عشرة، و قيل: ثمان عشرة، و قيل: ليلة تسع عشرة من رمضان.

فدخل ابن ملجم، لعنه اللّه، الكوفة عازما على ذلك، و اشترى لذلك سيفا بألف، و سقاه السّمّ فيما زعموا حتى لفظه. و كان في خلال ذلك يأتي عليا، و يستحمله فيحمله. إلى أن وقعت عينه على قطام. و كانت امرأة رائعة جميلة، فأعجبته، و كانت معتكفة في المسجد الأعظم بالكوفة، و وقعت بنفسه فخطبها، فقالت: قد آليت أن لا أتزوج إلا على مهر لا أريد سواه.

فقال: و ما هو؟ قالت: ثلاثة آلاف و عبد و قينة و قتل علي بن أبي طالب.

فقال: و اللّه لقد قصدت لقتل علي بن أبي طالب و الفتك به، و ما أقدمني إلى هذا المصر غير ذلك. و لكن لما رأيتك آثرت تزويجك.

فقالت: ليس إلا الذي قلت.

فقال لها: و ما يغنيك أو يغني منك قتل علي، و أنا أعلم أني إن قتلته لم أفت؟

______________________________

(1) الحجاج بن عبد اللّه من بني سعد بن زيد مناة، ثائر من أهل البصرة. كان أول من عارض في التحكيم، فقال: لا حكم إلا للّه.

و خرج على الفريقين ثم كان أحد الذين اتفقوا على قتل علي و معاوية و عمرو. سنة 40 ه. الكامل: 3/ 157

الجوهرة، التلمساني ،ص:111

فقالت: إن قتلته و نجوت فهو الذي أردت. تبلغ شفاء نفسي، و يهنيك العيش معي. و إن قتلت فما عند اللّه خير من الدنيا و ما فيها.

فقال لها: لك ما اشترطت.

و في تزوّج ابن ملجم لقطام، و ما دار بينهما في قتل علي يقول شاعر الخوارج:

و لم أر مهرا ساقه ذو سماحةكمهر قطام من فصيح و أعجم

ثلاثة آلاف و عبد و قينةو ضرب عليّ بالحسام المصمّم و قيل: إن عدوّ اللّه ابن ملجم جلس مع شبيب بن بجرة الأشجعي بعد محاورة كانت بينهما في قتل علي قبالة السّدّة التي يخرج منها علي إلى المسجد.

فخرج علي إلى صلاة الصبح فبدره شبيب «1» فضربه فأخطأه، و ضربه ابن ملجم على رأسه و قال: الحكم للّه يا عليّ لا لك و لا لأصحابك.

فقال علي: عليه السلام «فزت و ربّ الكعبة. لا يفوتنّكم الكلب».

فشدّ عليه الناس من كلّ ناحية. فلما همّ الناس به حمل عليهم بسيفه، فأفرجوا له، فتلقّاه المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب «2» بقطيفة،

______________________________

(1) هو شبيب بن بجرة. قال: للّه الحكم يا علي لا لك أبدا. انتزع رجل من حضر موت سيفه من يده و صرعه، و قعد على صدره. و كثر الناس فجعلوا يصيحون: عليكم صاحب السيف. فخاف الحضرمي أن يكبّوا عليه و لا يسمعوا عذره، و انسل شبيب بن الناس. رغبة الآمل: 7/ 126

(2) المغيرة ... قرشي هاشمي. ولد على عهد رسول اللّه بمكة قبل الهجرة، و قيل: لم يدرك حياة الرسول (ص) إلا ست سنين، يكنى أبا يحيى.

أوصى علي أن يتزوج أمامة بعده، فتزوجها. و هو الذي ألقى القطيفة على ابن ملجم لما ضرب عليا، و كان شديد القوة. شهد مع علي صفين، و كان قاضيا في خلافة عثمان. روى عن النبي حديثا واحدا. أسد الغابة: 4/ 408

الجوهرة، التلمساني ،ص:112

فرقى بها عليه و احتمله، و ضرب به الأرض، و قعد على صدره، و انتزع سيفه، و كان أيّدا. ثم حمل ابن ملجم، و حبس حتى مات علي، رحمه اللّه، فقتل- لا رحمه اللّه، و رحم اللّه عليا و المغيرة.

و قال عبد اللّه بن حبيب أبو عبد الرحمن السّلميّ: أتيت الحسن بن عليّ في قصر أبيه، و كان يقرأ عليّ، و ذلك في اليوم الذي قتل فيه علي. فقال لي إنه سمع أباه في ذلك السّحر يقول له: «يا بنيّ، رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الليلة في نومة نمتها. فقلت: يا رسول اللّه ما ذا لقيت من أمّتك من الأود؟ فقال: أدع اللّه عليهم. فقال: اللهم أبدلني بهم خيرا منهم، و أبدلهم بي من هو شرّ مني». ثم انتبه، و جاء مؤذّنه بالصلاة. فخرج، فاعتوره الرجلان.

فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطاق. و أما الآخر فضربه في رأسه. و ذلك في صبيحة بدر «1».

و روى أبو رءوف عبد اللّه بن مالك قال: جمع الأطباء إلى علي رضي اللّه عنه يوم جرح، و كان أبصرهم بالطبّ أثير بن عمرو السّكونيّ: و كان يقال له:

أثير بن عمريّا، و كان صاحب كرسي، يتطبّب. و هو الذي تنسب إليه صحراء أثير «2» فأخذ أثير رئة شاة، فتتبّع عرقا منها، فاستخرجه و أدخله في جراحة عليّ، ثم نفخ العرق فاستخرجه فإذا عليه بياض، و

إذا الضربة قد وصلت إلى أمّ رأسه. فقال: يا أمير المؤمنين، اعهد عهدك، فإنك ميّت. و في ذلك يقول

______________________________

(1) تضافرت اغلب الروايات على أن اغتيال الامام كان ليلة 19 رمضان- أنصاريان

(2) أثير: يقول ياقوت: كأنه تصغير أثر. و صحراء أثير بالكوفة. ينسب إليها أثير بن عمرو السكوني الطبيب الكوفي. و يعرف بابن عمريا. قال عبد اللّه بن مالك: جمع الأطباء لعلي لما ضربه ابن ملجم، و كان أبصرهم بالطب أثير. معجم البلدان «أثير»

الجوهرة، التلمساني ،ص:113

عمران بن حطّان الخارجيّ «1»:

يا ضربة من تقيّ ما أراد بهاإلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره حينا فأحسبه أوفى البرّية عند اللّه «2» ميزانا كذب أبعده اللّه، و قال بكر بن حماد التاهرتيّ مناقضا له:

قل لابن ملجم؛ و الأقدار غالبة:هدمت- ويلك- للإسلام أركانا

قتلت أفضل من يمشي على قدم و أول الناس إسلاما و ايمانا

و أعلم الناس بالقرآن ثمّ بماسنّ الرسول لنا شرعا و تبيانا

صهر النبيّ و مولاه و ناصره أضحت مناقبه نورا و برهانا

و كان في الحرب سيفا صارما ذكراليثا إذا لقي الأقران أقرانا

ذكرت قاتله و الدمع منحدرفقلت: سبحان ربّ العرش سبحانا

إني لأحسبه ما كان من بشريخشى المعاد و لكن كان شيطانا

______________________________

(1) عمران بن حطان بن ظبيان السدوسي الشيباني أبو سماك. رأس القعدة من الصفرية و خطيبهم و شاعرهم. كان قبل ذلك من رجال العلم و الحديث من أهل البصرة. طلبه الحجاج فهرب إلى الشام ثم إلى عمان. و مات هناك سنة 84 ه. الاصابة، رقم: 6877

(2) ورد البيتان في رغبة الآمل: 7/ 84، مع اختلاف في الرواية.

الجوهرة، التلمساني ،ص:114 أشقى مراد إذا عدّت قبائلهاو أخسر الناس عند اللّه ميزانا

كعاقر الناقة الأولى التي جلبت على ثمود بأرض الحجر خسرانا

قد كان يخبرهم أن سوف

يخضبهاقبل المنية أزمانا فأزمانا

فلا عفا اللّه عنه ما تحمّله و لا سقى قبر عمران بن حطانا

لقوله في شقيّ ظلّ مختبلاو نال ما ناله ظلما و عدوانا

يا ضربة من تقيّ ما أراد بهاإلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

بل ضربة من شقيّ أوردته لظى مخلّدا قد أتى الرحمن غضبانا و روى ابن الهادي عن عثمان بن صهيب، عن أبيه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لعلي: «من أشقى الأولين؟» قال: الذي عقر الناقة. قال:

«صدقت. فمن أشقى الآخرين؟». قال: لا أدري. قال: «الذي يضربك على هذه». يعني لحيته.

و كان علي، رضي اللّه عنه، كثيرا ما يقول: ما يمنع أشقاها، أو: ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا- و يشير إلى لحيته و رأسه- خضاب دم لا خضاب عطر و لا عبير.

الجوهرة، التلمساني ،ص:115

و ذكر النّسائيّ من حديث عمار بن ياسر عن النبي عليه السلام أنه قال لعلي: «أشقى الناس الذي عقر الناقة، و الذي يضربك على هذا- و وضع يده على رأسه- حتى يخضب هذه- يعني لحيته-». و ذكره ابن اسحاق في «السّير» عن عمار في غزوة ذي العشيرة.

و روى الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة الحمّانيّ، سمع عليّ بن أبي طالب يقول: «و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لتخضبنّ هذه من دم هذا» يعني رأسه.

و قال بكر بن حماد التاهرتي «1»، رحمه اللّه:

و هزّ عليّ بالعراقين لحيةمصيبتها جلّت على كلّ مسلم

فقال: سيأتيها من اللّه حادث و يخضبها أشقى البرية بالدّم

فباكره بالسيف شلّت يمينه لشؤم قطام عند ذاك ابن ملجم

فيا ضربة من خاسر ضلّ سعيه تبوّأ منها مقعدا في جهنم

ففاز أمير المؤمنين بحظّه و إن طرقت فيه الخطوب بمعظم

ألا إنما الدنيا بلاء و فتنةحلاوتها

شيبت بصاب «2» و علقم و قال أبو زبيد الطائيّ «3»:

______________________________

(1) بكر بن حماد بن سمك الزناتي أبو عبد الرحمن التاهرتي. شاعر عالم بالحديث و رجاله. من أفاضل المغرب. ولد بتاهرت بالجزائر و نسب إليها. و رحل إلى البصرة سنة 217 ثم إلى القيروان ثم عاد إلى تاهرت فتوفي فيها سنة 296 ه. البيان المغرب: 1/ 153

(2) الصاب: شجر مرّ إذا اعتصر خرج كهيئة اللبن.

(3) أبو زبيد: شاعر جاهلي أدرك الاسلام، و لكن ظل على نصرانيته. و كان من المعمّرين. يقال: بلغ من العمر مائة و خمسين سنة. و كان نديم الوليد بن عقبة و يشربان معا. و لما عين الوليد على الرقة تبعه أبو زبيد. و مات فدفن على البليخ. الشعر و الشعراء: 1/ 219

الجوهرة، التلمساني ،ص:116 إنّ الكرام على ما كان من خلق رهط امرئ ضاره للدّين مختار

طبّ بصير بأضغان «1» الرجال و لم يعدل بحبر رسول اللّه أحبار

و قطرة قطرت إذ حان موعدهاو كلّ شي ء له وقت و مقدار

حتى تنصّلها في مسجد طهرعلى إمام هدى إن معشر جاروا

حمّت ليدخل جنّات أبو حسن و أوجبت بعده للقاتل النار و قال الكميت:

و الوصيّ الذي أمال التّجوبي به عرش أمّه لانهدام

قتلوا يوم ذاك إذ قتلوه حكما لا كغابر الحكّام

الإمام الزكيّ و الفارس المعلم تحت العجاج غير «2» الكهام

راعيا كان مسجحا ففقدناه، و فقد المسيم هلك «3» السّوام و كان قتادة، رحمه اللّه، يقول: قتل علي رضي اللّه عنه على غير مال احتجنه «4»، و لا دنيا أصابها.

و ذكر أن ابن ملجم لما ضرب عليا رضي اللّه عنه، أدخل منزله فاعترته

______________________________

(1) الطب: الحاذق. الضغن: الحقد و العداوة. الحبر: العالم.

(2) الكهام: الكليل البطي ء.

(3) السوام: الماشية و الإبل.

(4) احتجن المال: ضمّه إلى نفسه و

احتواه.

الجوهرة، التلمساني ،ص:117

غشية، ثم أفاق. فدعا الحسن و الحسين فقال: «أوصيكما بتقوى اللّه تعالى، و الرغبة في الآخرة، و الزّهد في الدنيا. و لا تأسفا على شي ء فاتكما منها.

اعملا الخير، و كونا للظالم خصما، و للمظلوم عونا».

ثم دعا محمدا فقال: «أ ما سمعت بما أوصيت به أخويك؟» قال: بلى.

قال: «فإني أوصيك به. و عليك ببرّ أخويك، و توقيرهما، و معرفة فضلهما.

و لا تقطع أمرا دونهما».

ثم أقبل عليهما فقال: «أوصيكما به خيرا، فإنه سيفكما و ابن أبيكما.

و أنتما تعلمان أن أباه كان يحبّه فأحبّاه».

و لما أدخل ابن ملجم، عدوّ اللّه، على علي، رضي اللّه عنه، قال له الذين أدخلوه: يا عدوّ اللّه، لا بأس على أمير المؤمنين. قال: فعلام تبكي إذا، أمّ كلثوم؟ و اللّه لقد ضربته ضربة لو كانت بأهل منى لوسعتهم. و لقد سقيت سيفي السّمّ حتى لفظه، و ما كان ليخونني.

و لما مثّل بين يدي علي قال: «احبسوه، و أحسنوا إساره. فإن أعش فسأرى فيه رأيي في العفو أو القصاص. و إن أمت فقتل نفس بنفس، و لا تمثلوا به».

و لما دفن علي رضي اللّه عنه أراد الحسن أن يقتل عدوّ اللّه (ابن ملجم) بضربة واحدة. فقال عبد اللّه بن جعفر: كلا و اللّه حتى أذيقه العذاب الأليم.

فقطعه عضوا عضوا حتى مات، لعنه اللّه «1».

و روي أن البرك الصّريميّ و زاذويه فارقا ابن ملجم من الكوفة على ما

______________________________

(1) تتضارب الروايات حول تعذيب ابن ملجم قبل انزال القصاص بحقه، و هي روايات ضعيفة مرسلة و متناقضة- أنصاريان.

الجوهرة، التلمساني ،ص:118

تعاقدوا عليه. فذهب البرك إلى الشام إلى معاوية للفتك به، فضربه على أليته، و هو في الصلاة. فأمر به، فحبس، و أراد قتله، فقال له البرك:

لا تعجل و احبسني فإن في هذه الليلة قتل علي. فقال: ويلك، و ما يدريك؟ قال: إنا تواعدنا ثلاثة لقتل علي و قتلك و قتل عمرو بن العاص، فإن وجدت الأمر على خلاف ما قلت لك فاضرب عنقي. فوصل الخبر إلى معاوية بقتل علي، كما ذكر البرك فأطلقه بعد ما قطع يده و رجله، ثم قتله بعد ذلك زياد بن سمية بالكوفة.

و دعا معاوية بالطبيب فقال له: إن الضربة مسمومة فاختر إحدى خصلتين؛ إما أن تصبر على الكيّ، و إما أن أسقيك شربة تقطع عنك الولد.

فقال: لا صبر لي على النار، ولي في يزيد و عبد اللّه كفاية. فسقاه الشربة، فلم يولد له بعدها.

و ذهب زاذويه إلى مصر للفتك بعمرو بن العاص. فدخل المسجد فضرب خارجة بن حذاقة السهميّ «1»، حين كبّر للصلاة، فقتله. فقبض عليه الناس بعد جولة. و كان عمرو بن العاص مريضا يشتكي بطنه. فقدّم خارجة ليصلي بالناس. فلما أدخل الخارجيّ على عمرو، و رأى الناس يسلّمون عليه بالإمرة قال: أو ما قتلت عمرا قالوا: ألا إنما قتلت خارجة. فقال: أردت عمرا و أراد اللّه خارجة. فأمر به عمرو، فقتل.

و في عمرو و خارجة يقول الكاتب الأديب أبو محمد عبد المجيد بن

______________________________

(1) هو خارجة بن حذافة بن غانم من بني كعب. صحابي من الشجعان، كان يعد بألف فارس. أمّر به عمر بن الخطاب عمرو بن العاص، فشهد معه فتح مصر و ولي شرطته، قتله عمرو بن بكر الذي انتدب لقتل عمرو بن العاص. قتل سنة 40 ه. الاصابة: 1/ 399

الجوهرة، التلمساني ،ص:119

عبدون الأندلسيّ البطليوسيّ «1» من قصيدة:

و ليتها إذ فدت عمرا بخارجةفدت عليا بمن شاءت من البشر *** و مات عليّ، رضي

اللّه عنه، ليلة إحدى و عشرين من رمضان سنة أربعين. و دفن في قصر الإمارة بالكوفة عند مسجد الجماعة. و صلّى عليه الحسن، هذا قول أبي اليقظان. و قال الواقديّ: دفن ليلا و عمّي قبره.

و روي عن أبي جعفر محمد بن علي أن قبر علي جهل موضعه.

و كانت ولايته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر.

قال ابن قتيبة في «المعارف» «2»: و قالت عائشة، لما بلغها قتل علي:

لتصنع العرب ما شاءت، فليس أحد ينهاها.

و قال الحسن صبيحة ليلة دفن علي في المسجد الأعظم: «أيها الناس، إنكم فقدتم رجلا لم يسبقه الأولون، و لا يدركه الآخرون. كان إذا شهد الحرب اكتنفه جبريل عن يمينه و ميكائيل عن يساره. لم يترك إلّا ثمان مائة درهم أو سبع مائة درهم فضلت من عطائه، كان يعدّها لخادم يشتريها لأهله.

و قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب يرثي عليا رضي اللّه عنه:

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن

______________________________

(1) أديب الاندلس في عصره و ذو الوزارتين. مولده و وفاته في يابرة. استوزره بنو الأفطس إلى انتهاء دولتهم سنة 485 و انتقل بعدهم إلى خدمة المرابطين. و كان كاتبا مترسلا عالما بالتاريخ و الحديث. توفي سنة 529 ه. الأعلام: 4/ 293

(2) كتاب المعارف مطبوع عدة طبعات.

الجوهرة، التلمساني ،ص:120 أ ليس أوّل من صلّى لقبلته و أعلم الناس بالقرآن و السّنن؟ و قالت أمّ الهيثم بنت العريان النّخعيّة «1» ترثيه:

ألا يا عين ويحك أسعديناأ لا تبكي أمير المؤمنينا؟

تبكي أمّ كلثوم عليه بعبرتها و قد رأت اليقينا

ألا قل للخوارج حيث كانوافلا قرّت عيون الشامتينا

أ في شهر الصّيام فجعتمونابخير الناس طرّا أجمعينا؟

قتلتم خير من ركب المطاياو ذلّلها، و من ركب السفينا

و

من لبس النعال و من حذاهاو من قرأ المثاني و المئينا

و كلّ مناقب الخيرات فيه و حبّ رسول ربّ العالمينا

لقد علمت قريش حيث كانت بأنك خيرها حسبا و دينا

إذا استقبلت وجه أبي حسين رأيت النور فوق الناظرينا

و كنا قبل مقتله بخيرنرى مولى رسول اللّه فينا

يقيم الحقّ لا يرتاب فيه و يعدل في العدا و الأقربينا

و ليس بكاتم علما لديه و لم يخلق من المتجبّرينا

كأنّ الناس إذ فقدوا عليانعام حار في بلد سنينا

فلا تشمت معاوية بن صخرفإنّ بقية الخلفاء فينا *** قاضي عليّ: شريح.

كاتبه: عبيد اللّه بن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم.

______________________________

(1) شاعرة. ذكر المبرد أن اسمها أم العريان. و انظر رغبة الآمل: 7/ 183 لاختلاف الروايات.

الجوهرة، التلمساني ،ص:121

حاجبه: قنبر مولاه.

نعته: كان رضي اللّه عنه عظيم العينين، أدعجهما، عظيم (البطن) «1»، عريض المنكبين، حسن الوجه، أغيد، كأنّ عنقه إبريق فضة، آدم شديد الأدمة، أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه، لا يتبيّن عضده من ساعديه، قد أدمجت إدماجا، شديد الساعد و اليد. إذا أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه، فلم يستطع أن يتنفّس. إذا مشى إلى الحرب هرول. ثبت الجنان، قويا، شجاعا، منصورا على من لاقاه، أبيض الرأس و اللحية، لا يغيّر شيبه. و رأته امرأة بالكوفة فقالت: من هذا الذي كأنه كسر ثم جبر؟

عمره: خمس و ستون، و قيل: ثلاث و ستون، قاله أبو نعيم الفضل بن دكين و غيره. و قيل: ثمان و خمسون، قاله أبو جعفر محمد بن علي. و اختلفت عنه الرواية في ذلك. رضي اللّه عن علي و عن آله الأكرمين الطاهرين المنتخبين، آمين.

______________________________

(1) ساقط من الأصل، و الاضافة من تاريخ من تاريخ الخلفاء: 156.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.