الجمل و النصرة لسید العترة فی حرب البصرة

اشارة

نام کتاب: الجمل و النصرة لسید العترة فی حرب البصرة
نویسنده: شیخ مفید
وفات: 413 ق
تعداد جلد واقعی: 1
زبان: عربی
موضوع: أمیر المؤمنین علیه السلام
ناشر: کنگره شیخ مفید
مکان نشر: قم
سال چاپ: 1413 ق
نوبت چاپ: اوّل‌

المقدمة فی سبب تألیف الکتاب‌

الحمد لله الذی ضمن النصر لناصریه و أعان علی الحق بتوفیقه متبعیه و خذل من عند عن دینه و ألحد فیه و صلاته علی صفوته من خلقه و محبیه محمد و آله المخصوصین بالطهارة و التنزیه.
و بعد سألت أیدک الله بتوفیقه أن أورد لک ذکر الاختلاف بین أهل القبلة فی حدیث الفتنة بالبصرة و ما کان بین أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ع
الجمل، المفید ،ص:48
و بین عائشة و طلحة و الزبیر من الحرب المهولة فی ذلک و المقال و مذهب کل فریق من الأمة فیه علی شرح له و بیان و إثبات سبب هذه الفتنة و الأخبار التی جاءت فیما جری بین القوم من القتال و الفعال فإن کل کتاب صنف فی هذا الفن قد تضمن أخبارا تلتبس معانیها علی جمهور الناس و لم یأت أحد من المصنفین بذکر الحرب فی هذه الفتنة علی الترتیب و النظام بل خلطوا الأخبار فیها خلطا لم یحصل معه تصور الخلل فیما کان بین الجمیع فیه علی الظهور و التبیان للذی جاء.
فقد جمعت لک أیدک الله کل ما صدر عنهم و أثبته فی هذا الکتاب برهانا یفضی الناظر فیه إلی صحة الاعتقاد فی أحکام القوم بأسمائهم بأعمالهم و ما فیها من الکفر و الإیمان و الطاعة و العصیان و التبین و الضلال لتعلم وفقک الله بالنظر و الاعتبار و تخرج بذلک من التقلید الموبق لصاحبه لتظفر بالحق و یزول عنک الاشتباه الذی التبس علیک الأمر فیما کان هناک و أجبتک إلی ما سألت معتصما بالله عز و جل و سائلا لک التوفیق و الرشاد و بالله أستعین
الجمل، المفید ،ص:49

القول فی اختلاف الأمة فی فتنة الجمل و أحکام القتال فیها

اشارة

أما المتولون للقتال فی هذه الفتنة فقد أنبأنا عملهم فیها عن اعتقادهم و دلت ظواهرهم فی ذلک علی بواطنهم فیه إذ العلم یحیط بأن أمیر المؤمنین علیا ع و ولده و أهله من بنی هاشم و أتباعه من المهاجرین و الأنصار و غیرهم من المؤمنین لم یسلکوا فیما باشروه من الحرب و سعوا فیه من القتل و استباحة الدماء طریق المجرمین لذلک الطالبین به العاجل و التارکین به ثواب الآجل بل کان ظاهرهم فی ذلک و المعلوم من حالهم و قصدهم التدین به و القربة إلی الله سبحانه بعمله و الاجتهاد فیه و أن ترکه و الإعراض عنه موبق من الأعمال و التقصیر فیه موجب لاستحقاق العقاب.
أ لا تری إلی ما اشتهر
مِنْ قَوْلِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ قِتَالِهِ لِلْقَوْمِ لَمْ أَجِدْ إِلَّا قِتَالَهُمْ أَوِ الْکُفْرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَی مُحَمَّدٍ ص.
الجمل، المفید ،ص:50
و
قَوْلِ عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ أَیُّهَا النَّاسُ وَ اللَّهِ مَا أَسْلَمُوا وَ لَکِنَّهُمْ اسْتَسْلَمُوا وَ أَسَرُّوا الْکُفْرَ فَلَمَّا وَجَدُوا لَهُ أَعْوَاناً أَظْهَرُوهُ-
فی أمثال هذین القولین من جماعة أجلة من شیعة أمیر المؤمنین ع یطول بشرحها الکتاب فهم تلائم معانی کلامهم فی ذلک ظواهر فعالهم و المعلوم من قصودهم و هذا ما لا مریة فیه بین العلماء و إنما یشتبه الأمر فیه علی الجهلاء الذین لم یسمعوا الأخبار و لا عثروا بتأمل الآثار.
و کذلک الأمر محیط بأن ظاهر عائشة و طلحة و الزبیر و کثیر ممن کان فی حیزهم التدین بقتال أمیر المؤمنین ع و أنصاره و القربة إلی الله سبحانه و تعالی باستفراغ الجهد فیه و أنهم کانوا یریدون علی ما زعموا وجه الله و الطلب بدم الخلیفة المظلوم عندهم المقتول بغیر حق و أنهم لا یسعهم فیما أضمروه من اعتقادهم إلا الذی فعلوه فوضح من ذلک أن کلا من الفریقین یصوب رأیه فیما فعل و یخطئ صاحبه فیما صنع و یشهد لنفسه بالنجاة و یشهد علی صاحبه بالضلال و الهلاک.
إلا أن أمیر المؤمنین ع صرح بالحکم علی محاربیه و وسمهم بالغدر و النکث و أخبر أن النبی ص أمره بقتالهم و فرض علیه جهادهم
الجمل، المفید ،ص:51
و لم یحفظ عن محاربیه فیه شی‌ء و لا سمة له بمثل ذلک و إن کان المعلوم من رأیهم التخطئة له فی القتال و الحکم علیه فی مقامه علی الأمر و الامتناع من رده شوری بینهم و تسلیم قتلة عثمان إلیهم بالزلل عن الحق و ترک الواجب عندهم و الصواب.
و کان مذهب سعد بن مالک أبی وقاص و عبد الله بن عمر و محمد بن مسلمة الأنصاری و أسامة بن زید و أمثالهم ممن رأی القعود عن الحرب و التبدیع لمن تولاها الحکم علی أمیر المؤمنین و الحسن و الحسین ع و محمد بن علی ع و جمیع ولد أبی طالب و کافة أتباع أمیر المؤمنین ع من بنی هاشم و المهاجرین و الأنصار و المتدینین بنصرته المتبعین له علی رأیه فی الجهاد بالضلال و الخطإ فی المقال و الفعال و التبدیع لهم فی ذلک علی کل حال و کذلک کان مذهبهم فی عائشة و طلحة و الزبیر و من کان علی رأیهم فی قتال أمیر المؤمنین ع و أنهم بذلک ضلال عن الحق عادلون عن الصواب مبدعون فی استحلال دماء أهل الإسلام و لم یحفظ عنهم فی الطائفتین و لا فی إحداهما تسمیة بالفسوق و لا إخراجهم بما تولوه من الحرب و القتال عن الإیمان
الجمل، المفید ،ص:53

فصل آراء أهل الفرق فی المتحاربین فی حرب الجمل‌

آراء الحشویة

الخلاف الذی حکیناه عن السلف بعد النبی ص فی الفتنة المذکورة قد تشعب و زاد علی ما أثبتناه عمن سمیناه فی الخلاف فقالت العامة الحشویة المنتسبة إلی السنة علی ما زعموا فی ذلک أقاویل مشهورة و ذهبوا مذاهب ظهرت عنهم مذکورة-
.
الجمل، المفید ،ص:54

رأی سعد بن أبی وقاص و أتباعه-

. فمنهم طائفة اتبعت رأی سعد بن أبی وقاص و شرکائه من المعتزلة عن الفریقین و مذهبهم فی إنکار القتال و حکموا بالخطإ علی أمیر المؤمنین و الحسن و الحسین ع و محمد بن علی و عبد الله بن عباس و خزیمة بن ثابت ذی الشهادتین و أبی أیوب الأنصاری و أبی الهیثم بن التیهان و عمار بن یاسر و قیس بن سعد بن عباده و أمثالهم من وجوه المهاجرین و نقباء الأنصار و عائشة و طلحة و الزبیر و جمیع من اتبعهم فی الحرب و استحل معهم القتال و شهدوا علیهم جمیعا فیما صنعوه بالزلل عن الصواب و وقفوا فیهم مع ذلک و لم یقطعوا لهم بعقاب و رجوا لهم الرحمة و الغفران و کان الرجاء لهم فی ذلک أقوی عندهم من الخوف علیهم من العقاب-

. رأی فرقة أخری منهم-

. و منهم طائفة أخری قالت بتخطئة الجمیع کما قال الأولون منهم فی ذلک و قطعوا علی أن أمیر المؤمنین و الحسن و الحسین ع و ابن عباس و عمار بن یاسر
الجمل، المفید ،ص:55
و خزیمة ذا الشهادتین و إن کانوا قد زلوا فی سفک الدماء فی القتال فإنه مغفور لهم ذلک لما قدموا من عظیم طاعتهم لله تعالی و جهادهم مع رسول الله ص و صحبتهم له و مواساتهم إیاه و کذلک قولهم فی عائشة و طلحة و الزبیر و من شارکهم فی القتال ممن له صحبة و سالف جهاد و أما من سوی الصحابة من الفریقین فهم بقتالهم و استحلالهم الدماء من أهل النار و حکوا عن بعض مشیختهم و أئمتهم فی الدین إنه کان یقول نجا القادة و هلک الأتباع و فرقوا بین الصحابی و غیره فی ذلک بحدیث
رَوَوْهُ عَنِ النَّبِیِّ ص أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ الْمُسْلِمِینَ مِمَّنْ أَدْرَکَهُ وَ لَمْ تَکُنْ لَهُ صُحْبَةٌ وَ قَدْ سَامَی رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ: إِیَّاکُمْ وَ أَصْحَابِی لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُکُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مَدَی أَحَدِهِمْ وَ لَا نِصْفَهُ
-

. رأی فرقة مستضعفة-

. و منهم فرقة أخری قالت لا ینبغی لأحد أن یخوض فی ذکر الصحابة و ما جری
الجمل، المفید ،ص:56
بینهم من تنازع و اختلاف و تباین و قتال و لا یتعرض بالنظر فی ذلک و لا الفکر فیه و یعرض عنه جانبا و إن استطاع أن لا یسمع شیئا من الأخبار الواردة به فلیفعل فإنه إن خالف هذه الوصاة و أصغی إلی الخبر باختلاف الصحابة أو تکلم بحرف واحد أو تسرع إلی الحکم علیهم بشی‌ء یشین المسلم فقد أبدع فی الدین و خالف الشرع و عدل عن قول النبی ص و لم یحذر مما حذره منه
بِقَوْلِهِ ص إِیَّاکُمْ وَ مَا شَجَرَ بَیْنَ أَصْحَابِی
و قد زعموا أن الروایة بذکر أصحاب السقیفة و مقتل عثمان و الجمل و صفین بدعة و التصنیف فی ذلک ضلال و الاستماع إلی شی‌ء منه یکسب الآثام و هذه فرقة مستضعفة من الحشویة یمیل إلی قولها جمع کثیر ممن شاهدناه من العامة و یدعو إلیه المتظاهرون بالورع و الزهد و الصمت و طلب السلامة و حفظ اللسان و هم بذلک بعداء عن العلم و أهله جهال أغمار-

. رأی فرقة تدعی المعرفة بالفقه-

. و قالت فرقة من العامة تختص بمذاهب الحشویة غیر أنها تتعاطی النظر و تدعی المعرفة بالفقه و تزعم أنها من أهل الاعتبار إن علی بن أبی طالب ع و من کان فی حیزه من المهاجرین و الأنصار و سائر الناس و عائشة و طلحة
الجمل، المفید ،ص:57
و الزبیر و أتباعهم جمیعا معا کانوا علی صواب فیما انتهوا إلیه من التباین و الاختلاف و الحرب و القتال و سفک الدماء و ضرب الرقاب فإن فرضهم الذی تعین علیهم من طریق الاجتهاد هو ذلک بعینه دون ما سواه لم یخرجوا بشی‌ء منه عن طاعة الله و لا دخلوا به فی شی‌ء منه إلی معصیته و أنهم کانوا علی الهدی و الصواب و لو قصروا عنه مع الاجتهاد المؤدی إلیه لضلوا عن الحق و خالفوا السبیل و الرشاد و زعموا أنهم کانوا جمیعا مع الحال التی انتهوا إلیها من سفک الدماء و قتل النفوس و الخروج عن الأموال و الدیار علی أتم مصافاة و مودة و موالاة و مخالصة فی الضمائر و النیات و استدلوا علی ذلک و زعموا بأن قالوا وجدنا کل فریق من الفریقین متعلقا بحجة تعذره فیما أتاه و توجب علیه العمل بما صنعه و ذلک أن علی بن أبی طالب ع کان مذهبه تحریم قتل الجماعة بالواحد و إن اشترکوا فی قتله معا و هو مذهب مشهور من مذاهب أصحاب الاجتهاد و لم یثبت عنده أیضا أن المعروفین بقتل عثمان تولوه علی ما ادعی علیهم من ذلک فلم یسعه تسلیم القوم إلی من التمسهم منه لیقتلوهم بعثمان و وجب علیه باجتهاده الدفاع عنهم بکل حال.
الجمل، المفید ،ص:58
و کان مذهب عائشة و طلحة و الزبیر قود الجماعة بالواحد من الناس و هو مذهب عمر بن الخطاب و غیره من الصحابة و جماعة من التابعین و به دان جماعة من الفقهاء و أصحاب الاجتهاد و ثبت عندهم أن الجماعة لیقتلون بالرجل الواحد و أن أمیر المؤمنین ع لم یسلمهم لیقتلوهم بعثمان و أن الناس قد تولوا قتله و اشترکوا فی دمه و کان إماما عندهم مرضیا قتل بغیر حق فلم یسعهم ترک المطالبة بدمه و الاستقادة من قاتله و بذل الجهد فی ذلک.
و اختلف الفریقان فی ذلک لما ذکروه من الاجتهاد و عمل کل فریق منهم علی رأیه و کان بذلک مأجورا و عند الله تعالی مشکورا و إن کانوا قد سفکوا فیه الدماء و بذلوا فیه الأموال و هذا مذهب جماعة قد شاهدتهم و کلمتهم و هم فی وقتنا هذا خلق کثیر و جم غفیر.
فممن کلمتهم فیه من مشیخة أصحاب المخلوق المعروف بأبی بکر التمار الملقب بدرزان و کان فی وقته شیخ أصحاب عبد الله بن سعید بن کلاب و أکبرهم سنا و أکثرهم تقدما فی مجالس الکلام.
و منهم محارب الصیدانی المکنی بأبی العلاء خلیفة أبی السائب فی القضاء و منهم المعروف بالرشفی.
الجمل، المفید ،ص:59
و منهم المکنی بأبی عبد الله المعروف بابن مجاهد البصری الأشعری صاحب الباهلی تلمیذ علی بن إسماعیل بن أبی بشر الأشعری.
و منهم المعروف بأبی بکر بن الطیب و المعروف بابن الباقلانی.
و منهم أبو العباس بن أبی الحسین بن أبی عمرو القاضی.
و جمیع من سمیت ممن جاریته فی هذا الباب من أصحاب المخلوق بعضهم کلابیة و بعضهم أشعریة و إلیه یذهب فی وقتنا هذا جمهور أصحاب الشافعی ببغداد و البصرة و خوزستان و بلاد فارس و خراسان و غیرها من الأمصار لا أعرف شافعیا له ذکر فی قومه إلا و هو یذهب إلی هذا المذهب لیبعد به عن قول الشیعة و أهل الاعتزال
الجمل، المفید ،ص:60

آراء المعتزلة

رأی واصل بن عطاء و عمرو بن عبید

. و اختلف فی ذلک المعتزلة أیضا کاختلاف الحشویة فقال إماماهم المقدمان و شیخاهم المعظمان اللذان هما أصلان للاعتزال و افتتحا للمعتقدین فیه الکلام و هما فخر الجماعة منهم و جمالهم الذین لا یعدلون به سواه واصل بن عطاء الغزال و عمرو بن عبید بن باب المکاری إن أحد الفریقین ضال فی البصرة مضل فاسق خارج من الإیمان و الإسلام ملعون مستحق الخلود فی النار و الفریق الآخر هاد مهدی مصیب مستحق للثواب و الخلود فی الجنات غیر أنهم زعموا أنه لا دلیل علی
الجمل، المفید ،ص:61
تعیین الفریق الضال و لا برهان علی المهتدی و لا بینة یتوصل بها إلی تمییز أحدهما من الآخر فی ذلک بحال من الأحوال و أنه لا یجوز أن یکون علی بن أبی طالب و الحسن و الحسین ع و محمد بن علی ع و عبد الله و قثم و الفضل و عبید الله بنو العباس و عبد الله بن جعفر الطیار و عمار بن یاسر و خزیمة بن ثابت ذو الشهادتین و أبو أیوب الأنصاری و أبو الهیثم بن التیهان و کافة شیعة علی ع و أتباعه من المهاجرین و الأنصار و أهل بدر و بیعة الرضوان و أهل الدین المتحیزین إلیه و المتحققین بسمة الإسلام هم الفریق الضال و الفاسق الباغی الخارج عن الإیمان و الإسلام و العدو لله و البری‌ء من دینه و الملعون المستحق للخلود فی النار و تکون عائشة و طلحة و الزبیر و الحکم بن أبی العاص و مروان ابنه و عبد الله بن أبی سرح و الولید بن عقبة و عبد الله بن عامر بن کریز بن عبد شمس و من کان فی حیزهم من أهل البصرة هم الفریق المهدی الموفق إلی الله المصیب فی حربه المستحق للإعظام و الإجلال و الخلود فی الجنان قالا جمیعا نعم ما ننکر ذلک و لا نؤمن به إذ لا دلیل یمنع من الحکم به علی ما ذکرناه بحال و کما أن قولنا ذلک فی علی ع و أصحابه فکذلک هو فی من حاربهم فإنا لسنا ننکر أنهم و أتباعهم علی السوء و لسنا ننکر أن یکونوا هم الفریق الضال الملعون العدو لله البری‌ء من دینه المستحق للخلود فی النار و أن یکون علی ع و أصحابه هم الفریق الهادی المهتدی المتولی لله المجاهد فی سبیله المستحق بقتاله عائشة و طلحة و الزبیر و قتل
الجمل، المفید ،ص:62
من قتل منهم الجنة و عظیم الثواب قالا و منزلة الفریقین کمنزلة المتلاعنین فیهما فاسق لا یعلمه علی التمییز له و التعیین إلا الله عز و جل.
و هذه مقالة مشهورة عن هذین الرجلین قد سطرها الجاحظ عنهما فی کتابه الموسوم بفضیلة المعتزلة و حکاها أصحاب المقالات عنهما و لم تختلف العلماء فی المذاهب فی صحتها عن الرجلین المذکورین و أنهما خرجا من الدنیا علی التدین بها و الاعتقاد لها بلا ارتیاب-

رأی أبی الهذیل العلاف‌

. و حکی أحمد بن یحیی أن أبا الهذیل العلاف کان علی هذا المذهب فی أمیر المؤمنین ع و عائشة و طلحة و الزبیر متبعا فیه إمامیه المذکورین و لم یزل علیه إلی أن مات-

رأی أبی بکر الأصم‌

. و قال شیخ المعتزلة أیضا و متکلمها فی الفقه و أحکام الشریعة علی أصولها
الجمل، المفید ،ص:63
الأصم المکنی بأبی بکر الملقب بخربان أنا أقف فی کل من الفریقین فلا أحکم له بهدی و لا ضلال و لا أقطع علی أحدهما بشی‌ء من ذلک فی التفصیل و لا الإجمال لکنی أقول إن کان علی بن أبی طالب ع قصد بحرب عائشة و طلحة و الزبیر کف الفساد و منع الفتنة فی الأرض و دفعهم عن التغلب علی الإمرة و العدوان علی العباد فإنه مصیب مأجور و إن کان أراد بذلک الجبریة و الاستبداد بالأمر بغیر مشورة من العلماء و الإمرة علی الناس بالقهر لهم علی ذلک و الإضرار فهو ضال مضل من أهل النار قال و إنما قلت ذلک لخفاء الأمر علی فیه و استتار النیات فی معناه و اشتباه أسباب الباطل فیه باستتار الحق عند العقلاء قال و کذلک قولی فی الفریق الآخر أقول إن عائشة و طلحة و الزبیر إن کانوا قصدوا بقتالهم علی بن أبی طالب و أصحابه منعهم من الاستبداد بالأمر من دون رضا العلماء به و أرادوا الطلب بدم عثمان و الاقتصاص له من ظالمیه برد الأمر شوری لیختار المسلمون من یرون فهم بذلک هداة أبرار مستحقون للثواب و إن کانوا أرادوا بذلک الدنیا و العصبیة و الإفساد فی الأمر و تولی الأمر بغیر رضا العلماء فهم بذلک ضلال مستحقون اللعنة و الخلود فی النار غیر أنه لا دلیل لی علی أغراضهم فیه و لا حجة تظهر فی معناه من أعمالهم فلذلک وقفت فیهم کما وقفت فی علی و أصحابه کما بینت و إن کان طلحة و الزبیر أحسن حالا من علی فیما أتاه-
.
الجمل، المفید ،ص:64

رأی هشام الفوطی و عباد بن سلیمان‌

. و قال هشام الفوطی و صاحبه عباد بن سلیمان الصیمری و هذان الرجلان أیضا من أئمة المعتزلة إن علیا و طلحة و الزبیر و عائشة فی جماعة من أتباع الفریقین کانوا علی حق و هدی و صواب و کان الباقون من أصحابهم علی ضلال و بوار و ذلک أن عائشة و طلحة و الزبیر إنما خرجوا إلی البصرة لینظروا فی دم عثمان فیأخذوا بثأره من ظالمیه و أرادوا بذلک الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر و طلبوا به وجه الله تعالی و خرج علی بن أبی طالب لیتفق معهم علی الرأی و التدبیر فی مصالح الإسلام و أهله و کف السعی فی الفتنة و منع العامة مما لیس إلیهم بل هو إلی وجوه العلماء و لیقع التراضی بینهم علی إنصاف و اجتهاد فی طلب الحق و الاجتماع علی الرأی فلما تراءی الجمعان تسرع غوغاؤهم إلی القتال فانتشب الحرب بینهم علی غیر اختیار من القادة و الرؤساء و خرج الأمر عن أیدیهم فی تلافی ذلک فکان من الإیقاع فی الفتنة و سفک الدماء ما لم یؤثره علی و طلحة و الزبیر و عائشة و وجوه أصحابهم من
الجمل، المفید ،ص:65
الفضلاء فهلک بذلک الأتباع و نجا الرؤساء.
و هذا یشبه ما قدمنا حکایته عن بعض العامة من وجه و یخالفه من وجه آخر تمیز به الرجلان من الکافة و دفعا فیه علم الاضطرار و جحد المعروف بالعیان-

رأی سائر المعتزلة

. و قال باقی المعتزلة کبشر بن المعتمر و أبی موسی المردار و جعفر بن مبشر و الإسکافی و الخیاط و الشحام و أبی مجالد و البلخی و الجبائی فیمن اتبعهم من أهل الاعتزال و جماعة الشیعة من الإمامیة و الزیدیة إن أمیر المؤمنین ع کان
الجمل، المفید ،ص:66
محقا فی جمیع حروبه مصیبا بقتال أهل البصرة و الشام و النهروان مأجورا علی ذلک مؤدیا فرض الله تعالی فی الجهاد و إن کل من خرج علیه و حاربه فی جمیع المواطن ضلال عن الهدی مستحقون بحربه و الخلاف علیه النار غیر أن من سمیناه من المعتزلة خاصة استثنوا عائشة و طلحة و الزبیر من الحکم باستحقاق العقاب و زعموا أنهم خرجوا من ذلک إلی استحقاق الثواب بالتوبة و الندم علی ما فرط منهم فی القتال فحکموا بضد الظاهر من الفعال المعلوم منهم و المقال و ضعفوا فی دعواهم عما هو صناعتهم من الحجاج و أظنهم اتقوا به من العامة و تقربوا بإظهاره إلی أمراء الزمان إذ لا شبهة تعترض أمثالهم من العلماء بالأخبار و النظار المتمیزین بالکلام من أهل التقلید فی فساد هذا الاعتقاد.
و خالف من سمیناه من المعتزلة فی هذا الباب الأصم خاصة فإنه زعم أن معاویة کان إماما محقا لإجماع الأمة علیه فیما قال بعد قتل أمیر المؤمنین ع مع تظاهره بالشک منه فی إمامة أمیر المؤمنین ع حسبما حکینا عنه فیما سلف قبل هذا المکان و کل من سمینا منهم سوی الأصم مع تصویبه أمیر المؤمنین ع و تفسیق محاربیه یقطع علی معاویة و عمرو بن العاص فی خلافهما أمیر المؤمنین ع و استحلالهما حربه بالنار و أنهما خرجا من الدنیا
الجمل، المفید ،ص:67
علی الفسق الموبق لصاحبه الموجب علیه دوام العقاب و أن جمیع من مات علی اعتقاد إمامة معاویة و تصویبه فی قتال أمیر المؤمنین ع فهو عندهم ضال عن الهدی و خارج عن الإسلام مستحق للخلود فی النار.
و قد وافق من سمیناه من المعتزلة و کافة الشیعة الخوارج فی تخطئة معاویة و عمرو بن العاص و تضلیلهما فی قتال أمیر المؤمنین ع و جماعة من المرجئة و أصحاب الحدیث من المجبرة غیر أن هذین الفریقین وقفا فی عذابهما و لم یقطعا
الجمل، المفید ،ص:68
علی دخولهما النار و رجوا لهما و لمحاربی أمیر المؤمنین ع من أصحابهما و غیرهم ممن ظاهره الإسلام العفو من الله تعالی و قولهم فی الخوارج کذلک مع حکمهم علیهم بالضلال
الجمل، المفید ،ص:69

رأی الخوارج‌

و قالت الخوارج بأجمعها إن أمیر المؤمنین ع کان مصیبا فی قتال أهل البصرة و أهل الشام و أنهم کانوا بقتاله ضلالا کفارا مستحقین للخلود فی عذاب النار و ادعوا مع ذلک أنه أخطأ بکفه عن قتال أهل الشام حین رفعوا المصاحف و احتالوا بذلک للکف عن قتالهم و شهدوا علی أنفسهم بالإثم لوفاقهم فی ذلک الرأی و کفهم عن قتال البغاة إلا أنهم زعموا لما ندموا علی ذلک و تابوا منه و دعوا إلی القتال خرجوا من عهدة الضلال و رجعوا إلی ما کانوا علیه من الإسلام و الإیمان و أن أمیر المؤمنین ع لما لم یجبهم إلی القتال و أقام علی الموادعة لمعاویة و أهل الشام کان مرتدا بذلک عن الإسلام خارجا من الدین.
و شبهتهم فی هذا الباب مضمحلة لا یلتبس فسادها علی أهل الاعتبار و ذلک أن أمیر المؤمنین ع إنما کف عن قتال القوم لخذلان أصحابه فی الحال و ترکهم النصرة له و کفهم عن القتال فاضطروه بذلک إلی الإجابة لما دعوه إلیه من تحکیم الکتاب و لم یجز له قتالهم من بعد لمکان العهد لهم فی مدة الهدنة التی اضطر إلیها للفساد فی نقض العهود و حظر ذلک فی کل ملة و خاصة ملة الإسلام
الجمل، المفید ،ص:70

رأی الشیعة

و أجمعت الشیعة علی الحکم بکفر محاربی أمیر المؤمنین ع و لکنهم لم یخرجوهم بذلک عن حکم ملة الإسلام إذ کان کفرهم من طریق التأویل کفر ملة و لم یکن کفر ردة عن الشرع مع إقامتهم علی الجملة منه و إظهار الشهادتین و الاعتصام بذلک عن کفر الردة المخرج عن الإسلام و إن کانوا بکفرهم خارجین عن الإیمان مستحقین به اللعنة و الخلود فی النار حسبما قدمناه و کل من قطع علی ضلال محاربی أمیر المؤمنین ع من المعتزلة فهو یحکم علیهم بالفسق و استحقاق الخلود فی النار و لا یطلق علیهم الکفر و لا یحکم علیهم بالإکفار و الخوارج تکفر أهل البصرة و الشام و تخرجهم بکفرهم الذی اعتقدوه فیهم و وسموهم به عن ملة الإسلام و منهم من یسمهم بالشرک و یزید علی حکمه فیهم بالإکفار
الجمل، المفید ،ص:71
فهذه جمل القول فیما اختلف فیه أهل القبلة من أحکام الفتنة بالبصرة و المقتولین بها ممن ذکرناه و أحکام صفین و النهروان و قد تحریت القول فیها بالمحفوظ عن أرباب المذاهب المشهور عنهم عند العلماء و إن کان بعضها قد انقرض معتقدوه و حصل علی فساد القول به الإجماع و بعضها له معتقد قبل و لم ینقرضوا إلی هذا الزمان و لیس علی فساده إجماع و إن کان فی بطلانه أدلة واضحة لمن تأملها من ذوی الألباب و أنا بمشیئة الله و عونه أذکر طرفا من الاحتجاج علی کل فریق منهم خالف الحق و أثبت من الأخبار الواردة فی صواب فعل أمیر المؤمنین ع و حقه فی حروبه و أحکامه مختصرا یغنی عن الإطالة بما ینتشر به الکلام و أشفع ذلک بما یتلوه و یتصل به من ذکر أسباب الفتنة بالبصرة علی ما ضمنت من ذلک فی أول الکتاب
الجمل، المفید ،ص:73

[القول فی] عصمة أمیر المؤمنین ع‌

باب القول علی صواب فعل أمیر المؤمنین ع فی حروبه کلها و حقه فی جمیع أقواله و أفعاله و التوفیق المقرون بآرائه و بطلان مقال من خالف ذلک من خصمائه و أعدائه‌

اشارة

فمن ذلک وضوح الحجة علی عصمته من الخطإ فی الدین و الزلل فیه و العصمة له من ذلک یتوصل إلیها بضربین أحدهما الاعتبار و الآخر الوثوق بما ورد من الأخبار.
فأما طریق الاعتبار الموصول إلی عصمته ع فهو الدلیل علی إمامته و فرض طاعته علی الأنام إذ الإمام لا بد من أن یکون معصوما کعصمة الأنبیاء ع بأدلة کثیرة قد أثبتناها فی مواضع من کتبنا المعروفة فی الإمامة و الأجوبة عن المسائل الخاصة فی هذا الباب.
فمن ذلک أن الأئمة قدوة فی الدین و أن معنی الائتمام هو الاقتداء و قد ثبت أن
الجمل، المفید ،ص:74
حقیقة الاقتداء هو الاتباع للمقتدی به فیما فعل و قال من حیث کان حجة فیه دون الاتباع لقیام الأدلة علی صواب ما فعل و قال بسوی ذلک من الأشیاء إذ لو کان الاقتداء هو الاتباع للمقتدی به من جهة حجة سواه علی ذلک کان کل وفاق لذی نحلة فی قول له أو فعل لا من جهة قوله و فعله بل لحجة سواه اقتداء به و ائتماما و ذلک باطل لوفاقنا الکفار من الیهود و النصاری و غیرهم من أهل الباطل و الضلال فی بعض أقوالهم و أفعالهم من حیث قامت الأدلة علی صواب ذلک فیهم لا من حیث ما رأوه و قالوه و فعلوه و ذلک باطل بلا ارتیاب.
و من ذلک أحد أسباب الحاجة إلی الأئمة هو جواز الغلط علی الرعیة و ارتفاع العصمة عنها لیکون من ورائها یسدد الغالط منها و یقومه عند الاعوجاج و ینبهه عند السهو منه و الإغفال و یتولی إقامة الحد علیه فیما جناه فلو لم تکن الأئمة المعصومون معصومین کما أثبتناه لشارکت الرعیة فیما تحتاج إلیه مما ذکرناه و کانت تحتاج إلی أئمة علیها و لا تستغنی عن رعاة لها و ساسة تکون من ورائها و ذلک باطل بالإجماع علی أن الأئمة أغنیاء عن إمام.
و غیر ما ذکرناه من الأدلة علی عصمتها کثیر و هو موجود فی أماکنه من کتبنا علی بیان للوجوه و استقصاء فإذا ثبتت عصمة الأئمة ع حسبما وصفناه و أجمعت الأمة علی أنه لو کان بعد النبی ص إماما علی الفور تجب طاعته علی الأنام وجب القطع علی أنه أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ع دون غیره ممن ادعیت له الإمامة فی تلک الحال للإجماع علی أنه لم تکن لواحد ممن ذکروه العصمة التی أوجبناها بالنظر الصحیح لأئمة الإسلام و إجماع الشیعة
الجمل، المفید ،ص:75
الإمامیة علی أن علی بن أبی طالب ع کان مخصوصا بها من بین الأنام إذ لو لم یکن الأمر کذلک لخرج الحق عن إجماع أهل الصلاة و فسد ما فی العقول من وجوب العصمة لأئمة المسلمین بما ذکرناه و إذا ثبت عصمة أمیر المؤمنین ع من الخطإ و وجب مشارکته للرسول فی معناه و مساواته فیها ثبت أنه کان مصیبا فی کل ما فعل و قال و وجب القطع علی خطإ مخالفیه و ضلالهم فی حربه و استحقاقهم بذلک العقاب و هذا بین لمن تدبره و الله الموفق للصواب.
و من ذلک ثبوت الحاجة إلی الإمامة باتفاق و فساد ثبوت الإمامة من جهة الشوری و الآراء فإذا ثبت ذلک وجب النص علی الأئمة و فی وجوبه تثبت إمامة أمیر المؤمنین ع إذ الأمر بین رجلین أحدهما یوجب الإمامة بالنص و یقطع علی إمامة أمیر المؤمنین ع و من جهته دون ما سواها من الجهات و الآخر یمنع من ذلک و یجوزها بالرأی و إذا فسد هذا الفریق لفساد ما ذهبوا إلیه من عقد الإمامة بالرأی و لم یصح خروج الحق عن أئمة الإسلام ثبت إمامة أمیر المؤمنین ع.
و أما طریق الوثوق بالآثار فممّا یدل علی إمامته ع من نص القرآن قوله تعالی اسمه إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکِعُونَ.
و هذا خطاب متوجه إلی جماعة جعل الله لهم أولیاء أضیفوا إلیهم بالذکر و الله ولیهم و رسوله و من عبر عنه بأنه من الذین آمنوا و أقاموا الصلاة و آتوا الزکاة و هم راکعون یعنی حال رکوعهم بدلالة أنه لو أراد سبحانه بالخطاب جمیع المکلفین
الجمل، المفید ،ص:76
لکان هو المضاف و محال إضافة الشی‌ء إلی نفسه و إنما تصح إضافته إلی غیره و إذا لم تکن طائفة تختص بکونها أولیاء لغیرها و لیس لذلک الغیر مثل ما اختصت به فی الولاء و تفرد من جملتهم من عناه الله بالإیمان و الزکاة فی حال رکوعه لم یبق إلا ما ذهبت إلیه الشیعة من ولایة علی أمیر المؤمنین ع علی الأمة من حیث الإمامة له علیها و فرض الطاعة و لم یکن أحد یدعی له الزکاة فی حال رکوعه إلا أمیر المؤمنین ع فقد ثبتت إمامته بذلک الترتیب الذی رتبناه و فی ثبوت إمامته ثبوت ما قدمناه فصح أنه مصیب فی جمیع أقواله و أفعاله و تخطئة مخالفیه حسبما شرحناه.
دلیل آخر و من الخبر ما أجمع علیه أهل القبلة و لم یتنازع فی صحة الخبر به من أهل العلم بالروایة و الآثار اثنان و هو
قَوْلُ النَّبِیِّ ص أَنْتَ مِنِّی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِیَّ بَعْدِی
فأوجب له بذلک
الجمل، المفید ،ص:77
منه جمیع ما کان لهارون من موسی فی المنازل إلا ما استثناه من النبوة و فی ذلک أن الله تعالی قد فرض طاعته علی أمة محمد ص کما کان فرض طاعة هارون علی أمة موسی و جعله إماما لهم کما کان هارون إماما لقوم موسی و أن هذه المنزلة واجبة له بعد مضی النبی ص کما کانت تجب لهارون لو بقی بعد أخیه موسی و لم یجز خروجه عنها بحال و فی ذلک ثبوت إمامة أمیر المؤمنین ع و الإمامة تدل علی عصمة صاحبها کما بیناه فیما سلف و وصفناه و العصمة تقضی فیمن وجبت له بالصواب فی الأقوال و الأفعال علی ما أثبتناه فیما تقدم من الکلام و فی ذلک بیان عن صواب أمیر المؤمنین ع فی حروبه کلها و أفعاله بأجمعها و أقواله بأسرها و خطإ مخالفیه و ضلالهم عن هداه و قد أشبعنا الماضی من کلامنا فی ذلک بیانا له و المنة لله.
و فی هذه الأدلة لأهل الخلاف من المعتزلة و الحشویة و الخوارج أسئلة قد أجبنا عنها فی مواضعها من غیر هذا الکتاب و أسقطنا شبهاتهم بدلیل البرهان و لم نوردها هاهنا لغنانا عن ذلک بثبوتها فیما سواه و إنما اقتصرنا علی ذکر هذه الأدلة و وجوهها و عدلنا عن إیراد ما فی معناها و المتفرع علیه لإثبات رسم الحجاج فی صواب أمیر المؤمنین ع و فساد مذهب الناکثین فیه و الإیماء إلی أصول ذلک لیقف علیه من نظر فی کتابنا هذا و یعلم العمدة بما فیه و یستوفی معانیه فإن أحب ذلک یجده فی مواضعه المختصة به لنا و لغیرنا من متکلمی عصابة الحق و لأن الغرض من هذا الکتاب ما لا یفتقر إلی هذه الأدلة من براهین إصابة أمیر المؤمنین ع فی
الجمل، المفید ،ص:78
حروبه و خطإ مخالفیه و محاربیه فإنا سنذکره فیما یلی هذا الفصل من الکلام و نوضح الحجة فیه علی أصول مخالفینا أیضا فی طریق الإمامة و ثبوتها عندهم من جهة الآراء و إنکارهم ما نذهب إلیه من قصور طریقها علی النص و التوفیق کما قدمناه و بیناه من الغرض فیه و وصفناه
الجمل، المفید ،ص:79

[فصل] الدلیل علی أن أمیر المؤمنین ع کان مصیبا فی حروبه کلها

و من الدلیل علی أن أمیر المؤمنین ع کان مصیبا فی حروبه کلها و أن مخالفیه فی ذلک علی ضلال ما تظاهرت به الروایات
عَنِ النَّبِیِّ ص: مِنْ قَوْلِهِ حَرْبُکَ یَا عَلِیُّ حَرْبِی وَ سِلْمُکَ یَا عَلِیُّ سِلْمِی
وَ قَوْلِهِ ص یَا عَلِیُّ أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَکَ وَ سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَکَ
و هذان القولان مرویان من طریقی العامة و الخاصة و المنتسبة من أصحاب الحدیث إلی السنة و المنتسبین منهم إلی الشیعة لم یعترض أحد من العلماء الطعن علی سندهما و لا ادعی إنسان من أهل المعرفة بالآثار کذب رواتهما و ما کان هذا سبیله وجب تسلیمه و العمل به إذ لو کان
الجمل، المفید ،ص:80
باطلا لما خلت الأمة من عالم منها ینکره و یکذب رواته و لا سلم من طعن فیه و لعرف سبب تخرصه و افتعاله و لأقیم دلیل الله سبحانه علی بطلانه و فی سلامة هذین الخبرین من جمیع ما ذکرناه حجة واضحة علی ثبوتهما حسبما بیناه.
و من ذلک
الرِّوَایَةُ الْمُسْتَفِیضَةُ عَنِ النَّبِیِّ ص أَنَّهُ قَالَ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع تُقَاتِلُ یَا عَلِیُّ عَلَی تَأْوِیلِ الْقُرْآنِ کَمَا قَاتَلْتُ عَلَی تَنْزِیلِهِ
وَ قَوْلُهُ لِسُهَیْلِ بْنِ عُمَرَ وَ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ لِخِطَابِهِ عَلَی رَدِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ مَوَالِیهِمْ لَتَنْتَهُنَّ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ أَوْ لَیَبْعَثُ اللَّهُ عَلَیْکُمْ رَجُلًا یَضْرِبُکُمْ عَلَی تَأْوِیلِ الْقُرْآنِ کَمَا ضَرَبْتُکُمْ عَلَی تَنْزِیلِهِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ مَنْ هُوَ یَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فُلَانٌ قَالَ لَا قَالَ فَفُلَانٌ قَالَ لَا وَ لَکِنَّهُ خَاصِفُ النَّعْلِ فِی الْحُجْرَةِ فَنَظَرُوا فَإِذَا عَلِیٌّ ع فِی الْحُجْرَةِ یَخْصِفُ نَعْلَ رَسُولِ اللَّهِ ص
. و من ذلک
قَوْلُهُ ص لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع تُقَاتِلُ بَعْدِیَ النَّاکِثِینَ وَ الْقَاسِطِینَ وَ الْمَارِقِینَ
و القول فی هذه الروایة کالأخبار التی تقدمت قد سلمت من طاعن فی سندها بحجة و من قیام دلیل علی بطلان ثبوتها و سلم لروایتها الفریقان فدل علی صحتها.
الجمل، المفید ،ص:81
و من ذلک
قَوْلُهُ ص عَلِیٌّ مَعَ الْحَقِّ وَ الْحَقُّ مَعَ عَلِیٍّ اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَ عَلِیٍّ حَیْثُمَا دَارَ
و هذا أیضا خبر قد رواه محدثو العامة و أثبتوه فی الصحیح عندهم و لم یعترض أحدهم لتعلیل سنده و لا أقدم منهم مقدم علی تکذیب ناقله و لیس توجد حجة فی العقل و لا السمع علی فساده فوجب الاعتقاد بصحته و صوابه.
و من ذلک
قَوْلُهُ ص اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ
و هذا فی الروایة أشهر من أن یحتاج معه إلی جمع السند له و هو أیضا مسلم عند نقلة الأخبار
وَ قَوْلُهُ ص لِعَلِیٍّ ع قَاتَلَ اللَّهُ مَنْ قَاتَلَکَ وَ عَادَی مَنْ عَادَاکَ
و الخبر بذلک مشهور و عند أهل الروایة معروف مذکور.
و من ذلک
قَوْلُهُ ص مَنْ آذَی عَلِیّاً فَقَدْ آذَانِی وَ مَنْ آذَانِی فَقَدْ آذَی
الجمل، المفید ،ص:82
اللَّهَ تَعَالَی
فحکم أن الأذی له ع أذی الله و الأذی لله جل اسمه هلاک مخرج عن الإیمان قال الله عز و جل إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِیناً.
و أمثال ما أثبتناه من هذه الأخبار فی معانیها الدالة علی صواب أمیر المؤمنین ع و خطإ مخالفیه کثیرة إن عملنا علی إیراد جمیعها طال به الکتاب و انتشر به الخطاب و فیما أثبتناه منه للحق کفایة للغرض الذی نأمله إن شاء الله تعالی
الجمل، المفید ،ص:83

فصل الاعتراض بأن الدلیل من الأخبار الآحاد و الجواب عنه‌

فإن قال قائل إن کنتم قد اعتمدتم علی هذه الأخبار فی عصمة أمیر المؤمنین ع و هی آحاد لیست من المتواتر الذی یمنع علی قائلیه الافتعال فما الفصل بینکم و بین خصومکم فیما یتعلقون به من أمثالها عن النبی ص فی فضائل فلان و فلان و معاویة بن أبی سفیان.
قیل له الأخبار التی یتعلق بها أهل الخلاف فی دعوی فضائل من سمیت علی ضربین.
أحدهما لا تنکر صحته و إن کان خصومنا منفردین بنقله إذ لیس فینا مشارک لهم فی شی‌ء منه کما شارکنا الخصوم فی نقل ما أثبتناه من فضائل أمیر المؤمنین ع إلا أنهم یغلطون فی دعوی التفضیل لهم به علی ما یتخیلون فی معناه.
و الآخر مقطوع بفساده عندنا بأدلة واضحة لا تخفی علی أهل الاعتبار و لیست مما تساوی أخبارنا التی قدمناها لقطعنا علی بطلان ما تفردوا به من ذلک و طعننا علی رواتها و استدلالنا علی فسادها و إجماع مخالفینا علی روایة ما رویناه مما قد
الجمل، المفید ،ص:84
بیناه و تسلیمه و تخلیده صحفهم کما ذکرنا و عدولهم عن الطعن فی شی‌ء منه حسبما وصفناه و ما کان هذا سبیله لیس یکون الأمر فیه کذلک إلا لاعتقاد القوم صحته و تسخیرهم لنقله و تسلیمهم لرواته إذ کانت العادة جاریة بأن کل شی‌ء یتعلق به متعلق فی حجاج مخالفیه و نصرة مذهبه المتفرد به دون خصمه و کان فی الإقرار به شبهة علی صحة مقالته المباینة لمقال مخالفیه فإنه لا یخلو من دافع له و جاحد و طاعن فیما یروم إبطاله إلا أن تمیز الحجة فی صوابه و أن یکون ملطوفا له فی اعتقاده أو مسخرا للإقرار به حجة لله تعالی فی صحته و دلیلا علی ثبوته و برهانا منه علی نصرته و قوة المحتج به و تأیید الحق فیه بلطف من لطائفه.
فإذا کان الأمر فی هذا الباب علی ما بیناه و ثبت تسلیم الفریقین لأخبارنا مع اختلافهم فی الاعتقاد علی ما ذکرناه و صح الاختلاف بیننا و بین خصومنا فی الاحتجاج بالأخبار و براهینها حسبما اعتمدناه سقط توهم المخالف لما تخیله من المساواة بین الأمرین و تظناه
الجمل، المفید ،ص:85

[فصل] إنکار الخوارج و الأمویة و العثمانیة فضل أمیر المؤمنین ع‌

فإن عارضوا بالخوارج و قالوا هم یدفعون ما أثبتموه من الأخبار الدالة علی عصمة أمیر المؤمنین ع و ذکروا الأمویة و ما یعرف من سلوکهم و ظاهر أمرهم فی جحد ما رویناه و قالوا حکمکم فی جحد أخبارنا کحکمهم فی جحد أخبارکم سواء و إلا فما الفصل بین الأمرین فإنه یقال لهم الفصل بیننا و بین من عارضتم به من الخوارج فی دفع النقل ظاهر لذوی الاعتبار و ذلک أن الخوارج لیسوا من أهل النقل و الروایة و لا یعرفون بحفظ الآثار و لا الاعتماد علی الأخبار لإکفارهم الأمة جمیعا و اتهام کل فریق منهم فیما یروونه و اعتمادهم لذلک علی ظاهر القرآن و إنکارهم ما خرج عن الکتاب من جمیع الفرائض و الأحکام و من کان هذا طریقه و دینه و سبیله فی اعتقاده و مذهبه فی النقل و الأخبار لم یعتن بخلافه فیها علی حال.
فأما سبیل الأمویة و طریق العثمانیة فسبب جحودهم لفضائل أمیر المؤمنین
الجمل، المفید ،ص:86
ع معروف و هو الحرص علی دولتهم و العصبیة لملوکهم و جبابرتهم و هم کالخوارج فی سقوط الاعتراض بهم فیما طریقه النقل و بعده عن علمهم و نبوهم عن فهمه و إطراحهم للعمل به و قد انقرضوا مع ذلک بحمد الله و منه حتی لم یبق منهم أحد ینسب إلی فضل علی حال و لا منهم من یذکر فی جملة العلماء لخلافه فی شی‌ء من أحکام الملة فسقط الاعتراض بهم کسقوط الاعتراض بالمارقة فیما تعتمد فیه علی الأخبار مع أن الخوارج متی تعاطت الطعن فی أخبارنا التی أثبتناها فی الحجة علی عصمة أمیر المؤمنین ع فإنما یقطعونها بالطعن علی رواتها فی دینها المخالف لما تدین به من إکفار علی بن أبی طالب ع و عثمان و طلحة و الزبیر و عائشة ابنة أبی بکر و إکفار من تولی واحدا منهم أو اعتقد أنه من أهل الإسلام و ذلک طعن یعم جمیع نقلة الدین من الملة فسقط لذلک قدحهم فی الأخبار و لیس کذلک طعوننا فی نقل ما تفردت به الناصبة فی الحدیث لأنا نطعن فی رواته لکذبهم فیه و قیام الحجة علی بطلان معانیه دون الطعن فی عقائدهم و إن کانت عندنا فاسدة فوضح الفرق بیننا و بین من عارضنا من الخصوم برأیه فی الأخبار علی ما شرحناه
الجمل، المفید ،ص:87

باب آخر من القول فی صواب أمیر المؤمنین ع فی حروبه و خطإ مخالفیه و ضلالهم عن الحق فی الشک فیه‌

اشارة

قد بینا أن الحکم علی محاربی أمیر المؤمنین ع بالضلال و القضاء له فی حربه بالصواب إذا بنی القول فیه علی إمامته المنصوصة و عصمته الواجبة له بما قدمناه ثبت القطع علی حقه فی کل ما فعل و قال و إذا صحت الأخبار التی ذکرناها فیما قبل هذا المکان و مضمونها من حکم النبی ص علی محاربیه بالفسق المخرج عن الإیمان لم یکن طریق إلی الشک فی صوابه و خطإ مخالفیه علی ما بیناه و فیما أسلفناه فی ذلک مقنع لذوی الألباب و غنی لهم فی الحجة علی خصومهم فیما سواه و نحن نبین القول فی ذلک أیضا بعد الذی تقدم فی معناه علی مذهب خصومنا فی الإمامة و ثبوت البعد لهم من ذوی الرأی حسب اختلافهم فی عدد یتم به العقد و اجتماعهم علی ما اتفقوا علیه فی هذا الباب لیعلم الناظر فی کتابنا هذا قوة الحق و تمکن ناصریه من الاحتجاج له و الله الموفق للصواب
الجمل، المفید ،ص:89

فصل فی البیعة لأمیر المؤمنین ع‌

اشارة

قد ثبت بمتواتر الأخبار و متظاهر الأحادیث و الآثار أن أمیر المؤمنین ع کان معتزلا للفتنة بقتل عثمان و أنه بعد عن منزله فی المدینة لئلا تتطرق علیه الظنون برغبته فی البیعة للأمرة علی الناس و أن الصحابة لما کان من أمر عثمان ما کان التمسوه و بحثوا عن مکانه حتی وجدوه فصاروا إلیه و سألوه القیام بأمر الأمة و شکوا إلیه ما یخافونه من فساد الأمة فکره إجابتهم إلی ذلک علی الفور و البدار لما علمه من عاقبة الأمور و إقدام القوم علی الخلاف علیه و المظاهرة له بالعداوة و الشنئان فلم یمنعهم إباؤه من الإجابة عن الإلحاح فیما دعوه إلیه و أذکروه
الجمل، المفید ،ص:90
بالله عز و جل و قالوا له إنه لا یصلح للإمامة بالمسلمین سواک و لا نجد أحدا یقوم بهذا الأمر غیرک فاتق الله فی الدین و کافة المسلمین.
فامتحنهم عند ذلک بذکر من نکث بیعته بعد أن أعطاها بیده علی الإیثار و أومأ لهم إلی مبایعة أحد الرجلین و ضمن النصرة لهما متی أرادا لإصلاح الدین و حیاطة الإسلام فأبی القوم علیه تأمیر من سواه و البیعة لمن عداه و بلغ ذلک طلحة و الزبیر فصارا إلیه راغبین فی بیعته منتظرین للرضا بتقدمه فیهما و إمامته علیهما فامتنع الاستظهار فألحا علیه فی قبول بیعتهما له و اتفقت الجماعة کلها علی الرضا به و ترک العدول عنه إلی سواه و قالوا إن لم تجبنا إلی ما دعوناک إلیه من تقلید الأمر و قبول البیعة انفتق فی الإسلام ما لا یمکن رتقه و انصدع فی الدین ما لا یستطاع شعبه فلما سمع ذلک منهم بعد الذی ذکرناه من الإباء علیهم و الامتناع لتأکید الحجة لنفسه بسط ع یده لبیعتهم فتداکوا علیه تداک الإبل علی حیاضها یوم ورودها حتی شقوا أعطافه و وطئوا ابنیه الحسن و الحسین ع بأرجلهم لشدة ازدحامهم علیه و حرصهم علی البیعة له و الصفقة بها علی یده رغبة بتقدیمه علی کافتهم و تولیته أمر جماعتهم لا یجدون عنه معدلا و لا یخطر ببالهم سواه لهم موئلا فتمت بیعته بالمهاجرین و البدریین و الأنصار و العقبیین المجاهدین فی الدین و السابقین إلی الإسلام من المؤمنین و أهل البلاء الحسن مع النبی ص
الجمل، المفید ،ص:91
من الخیرة البررة الصالحین و لم تکن بیعته ع مقصورة علی واحد و اثنین و ثلاثة و نحوها فی العدد کما کانت بیعة أبی بکر مقصورة علی بعض أصحابه علی بشیر بن سعد فتمت بها عنده ثم اتبعه علیها من تابعه من الناس و قال بعضهم بل تمت ببشیر بن سعد و عمر بن الخطاب و قال آخرون منهم بل تمت بالرجلین المذکورین و أبی عبیدة بن الجراح و سالم مولی أبی حذیفة و اعتمدوا فی ذلک علی أن البیعة للإمام لا تتم بأقل من أربعة نفر من المسلمین و قال بعضهم بل تمت بخمسة نفر بشیر بن سعد و أسید بن خضیر من الأنصار و عمر و أبو عبیدة و سالم من المهاجرین ثم بایعه الناس بعد تمامها بالخمسة المذکورین و ممن ذهب إلی هذا المذهب الجبائی و ابنه و البقیة من أصحابهما فی هذا الزمان.
و قالوا فی بیعة عمر بن الخطاب مثل ذلک فزعم من یذهب إلی أن البیعة تتم بواحد من الناس و هم جماعة من المتکلمین منهم الخیاط و البلخی و أبو مجالد و من ذهب مذهبهم من أصحاب الاختیار أن الإمامة تمت لعمر بأبی بکر وحده و بعقده له إیاه دون من سواه.
و کذلک قالوا فی عثمان بن عفان و العقد له إنه تم بعبد الرحمن بن عوف خاصة و خالفهم علی ذلک من أضاف إلی المذکورین غیرهم فی العقد فزعم أن بیعة عمر انفردت من الاختیار له عن الإمام و عثمان إنما تم له الأمر ببیعة بقیة أهل الشوری
الجمل، المفید ،ص:92
و هم خمسة نفر أحدهم عبد الرحمن فاعترفت الجماعة من مخالفینا بما هو حجة علیهم فی الاختلاف علی أئمتهم و بشذوذ العاقدین لهم و انحصار عددهم بمن ذکرناه.
و ثبتت البیعة لأمیر المؤمنین ع بإجماع من حوته مدینة الرسول من المهاجرین و الأنصار و أهل بیعه الرضوان و من انضاف إلیهم من أهل مصر و العراق فی تلک الحال من الصحابة و التابعین لهم بإحسان و لم یدع أحد من الناس أنها تمت له بواحد مذکور و لا إنسان مشهور و لا بعدد محصور فیقال تمت بیعته بفلان واحد أو فلان و فلان کما قیل فی بیعة أبی بکر و عمر و عثمان.

وجوب طاعة أمیر المؤمنین ع‌

. و إذا ثبت بالإجماع من وجوه المسلمین و أفاضل المؤمنین و الأنصار و المهاجرین العقد علی إمامة أمیر المؤمنین ع و البیعة له علی الطوع و الإیثار و کان العقد علی الوجه الذی ثبتت به إمامة الثلاثة قبله عند الخصوم بالاختیار و علی أوکد منه بما ذکرناه فی الرغبة إلیه فی ذلک من الإجماع علیه ممن سمیناه من المهاجرین و الأنصار و التابعین بإحسان حسبما بیناه ثبت فرض طاعته و حرم علی کل واحد من الخلق التعرض لخلافه و معصیته و وضح الحق فی الحکم علی مخالفیه و محاربیه بالضلال عن هدایته و القضاء بباطل مخالفة أمره و فسقهم بالخروج عن طاعته لما أوجب الله تعالی من طاعة أولیاء أمره فی محکم کتابه حیث یقول یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا
الجمل، المفید ،ص:93
اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ فقرن طاعة الأئمة بطاعته و دل علی أن المعصیة لهم کمعصیته علی حد سواء فی حکمه و قضیته و أجمع أهل القبلة مع من ذکرناه علی فسق محاربی أئمة العدل و فجورهم بما یرتکبونه بحکم السمع و العقل.
و إذا لم یکن أمیر المؤمنین ع أحدث بعد البیعة العامة له ما یخرجه عن العدالة و لا کان قبلها علی ظاهر خیانة فی الدین و لا خرج عن الإمامة کان المارق عن طاعته ضالا فکیف إذا أضاف إلی ذلک حربا له و استحلالا لدمه و دماء المسلمین معه و یبغی بذلک فی الأرض فسادا یوجب علیه التنکیل بأنواع العقاب المذکور فی نص الکتاب من قوله تعالی إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً أَنْ یُقَتَّلُوا أَوْ یُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ یُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ.
و هذا بین لمن لم یحجب عنه الهوی و یصد عن فهمه العمی و الله ولی التوفیق
الجمل، المفید ،ص:94

فصل فی المتخلفین عن أمیر المؤمنین ع‌

اشارة

فإن قال قائل کیف یتم لکم دعوی الإجماع علی بیعة أمیر المؤمنین ع و قد علمتم أن الأخبار قد ثبتت بتخلف سعد بن أبی وقاص و عبد الله بن عمر بن الخطاب و أسامة بن زید و محمد بن مسلمة و مظاهرتهم له بالخلاف فیما رآه من القتال.
قیل له أما تأخر من سمیت عن الخروج مع أمیر المؤمنین ع إلی البصرة فمشهور و رأیهم فی القعود عن القتال معه ظاهر معروف و لیس ذلک بمناف لبیعتهم له علی الإیثار و لا مضاد للتسلیم لإمامته علی الاختیار و الذی ادعی علیه الامتناع فی البیعة أشکل علیه الأمر فظن أنهم لو تأخروا عن نصرته لکان ذلک منهم لامتناعهم عن بیعته و لیس الأمر کما توهم لأنه قد یعرض للإنسان شک فیمن تیقن سلطانه فی صوابه و لا یری السلطان حمله علی ما هو شاک فیه لضرب من الرأی یقتضیه الحال فی صواب التدبیر و قد یعتقد الإنسان أیضا صواب غیره فی شی‌ء و یحمله الهوی علی خلافه فتظهر فیما صار إلیه من ذلک شبهة تعذره عند کثیر من الناس فی فعاله و لیس کل من اعتقد طاعة إمامه کان مضطرا إلی وفاقه بل قد یجتمع الاعتقاد لحق
الجمل، المفید ،ص:95
الرئیس المقدم فی الدین مع العصیان له فی بعض أوامره و نواهیه و لو لا أن ذلک کذلک لما عصی الله تعالی من یعرفه و لا خالف نبیه من یؤمن به و لیس هذا من مذهب خصومنا فی الإمامة فتوضح عنه بما یکسر شبهة مدعیه علی أن الأخبار قد وردت بإذعان القوم بالبیعة مع إقامتهم علی ترک المساعدة و النصرة و تضمنت عذرا لهم زعموا فی ذلک و جاءت بما کان من أمیر المؤمنین ع فیما أظهروه من إنکاره له بحسب ما اقتضته الحال فی مثله من الخطإ فیما ارتکبوه.
فَرَوَی أَبُو مِخْنَفٍ لُوطُ بْنُ یَحْیَی الْأَزْدِیُّ فِی کِتَابِهِ الَّذِی صَنَّفَهُ فِی حَرْبِ الْبَصْرَةِ عَنْ أَصْحَابِهِ وَ رَوَی غَیْرُهُ مِنْ أَمْثَالِهِ مِنَ الرُّوَاةِ لِلسِّیَرِ عَنْ سَلَفِهِمْ وَ أَصْحَابِهِمْ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع لَمَّا هَمَّ بِالْمَسِیرِ إِلَی الْبَصْرَةِ بَلَغَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِی وَقَّاصٍ وَ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَ أُسَامَةَ بْنِ زَیْدٍ وَ ابْنِ عُمَرَ تَثَاقُلٌ عَنْهُ فَبَعَثَ إِلَیْهِمْ فَلَمَّا حَضَرُوا قَالَ لَهُمْ قَدْ بَلَغَنِی عَنْکُمْ هَنَاتٌ کَرِهْتُهَا وَ أَنَا لَا أُکْرِهُکُمْ عَلَی الْمَسِیرِ مَعِی أَ لَسْتُمْ عَلَی بَیْعَتِی قَالُوا بَلَی قَالَ فَمَا الَّذِی یُقْعِدُکُمْ عَنْ صُحْبَتِی فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ إِنِّی أَکْرَهُ الْخُرُوجَ فِی هَذَا الْحَرْبِ لِئَلَّا أُصِیبَ مُؤْمِناً فَإِنْ أَعْطَیْتَنِی سَیْفاً یَعْرِفُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْکَافِرِ قَاتَلْتُ مَعَکَ وَ قَالَ لَهُ أُسَامَةُ أَنْتَ أَعَزُّ الْخَلْقِ عَلَیَّ وَ لَکِنِّی عَاهَدْتُ اللَّهَ أَنْ لَا أُقَاتِلَ أَهْلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ کَانَ أُسَامَةُ قَدْ أَهْوَی بِرُمْحِهِ فِی عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلَی رَجُلٍ فِی الْحَرْبِ مِنَ الْمُشْرِکِینَ فَخَافَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَشَجَرَهُ
الجمل، المفید ،ص:96
بِالرُّمْحِ فَقَتَلَهُ وَ بَلَغَ النَّبِیَّ ص خَبَرُهُ فَقَالَ یَا أُسَامَةُ أَ قَتَلْتَ رَجُلًا یَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذاً فَقَالَ ص لَهُ أَ لَا شَقَقْتَ قَلْبَهُ فَزَعَمَ أُسَامَةُ أَنَّ النَّبِیَّ ص أَمَرَهُ أَنْ یُقَاتِلَ بِالسَّیْفِ مَا قَاتَلَ الْمُشْرِکِینَ فَإِذَا قَاتَلَ الْمُسْلِمِینَ ضَرَبَ بِسَیْفِهِ الْحَجَرَ فَکَسَرَهُ وَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَسْتُ أَعْرِفُ فِی هَذَا الْحَرْبِ شَیْئاً أَسْأَلُکَ أَلَّا تَحْمِلَنِی عَلَی مَا لَا أَعْرِفُ فَقَالَ لَهُمْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع لَیْسَ کُلُّ مَفْتُونٍ معاتب [یُعَاتَبُ أَ لَسْتُمْ عَلَی بَیْعَتِی قَالُوا بَلَی قَالَ انْصَرِفُوا فَسَیُغْنِی اللَّهُ تَعَالَی عَنْکُمْ.
فقد اعترفوا له ع بالبیعة و أقاموا فی تأخرهم عنه معاذیر لم یقبلها منهم و أخبر أنهم بترک الجهاد معه مفتونون و لم یر الإنکار علیهم فی الحال بأکثر مما أبداه من ذکر زللهم عن الصواب فی خلافه و الشهادة بفتنتهم بترک وفاقهم له لأن الدلائل الظاهرة علی حقه تغنی عن محاجتهم بالکلام و معرفته بباطن أمرهم الذی أظهروا خلافه فی الاعتذار یسقط عنه فرض التنبیه الذی یحتاج إلیه أهل الرقدة عن البیان و قد قال الله تعالی فی تأکید ما ذکرناه و حجة علی من وصفناه بَلِ الْإِنْسانُ
الجمل، المفید ،ص:97
عَلی نَفْسِهِ بَصِیرَةٌ وَ لَوْ أَلْقی مَعاذِیرَهُ.

کلام بعض العلماء فی ذکر أسباب تخلف القوم-

. و قد ذکر بعض العلماء أن أسباب القوم فی تأخرهم عن نصرة أمیر المؤمنین ع بعد البیعة له معروفة و أن الذی أظهروه من الأعذار فی خلافه خداع منهم و تمویه و ستر علی أنفسهم مما استبطنوه منه خوفا من الفضیحة فیه فقال أما سعد بن مالک فسبب قعوده عن نصرة أمیر المؤمنین ع الحسد له و الطمع الذی کان منه فی مقامه الذی یرجوه فلما خاب من أمله حمله الحسد علی خذلانه و المباینة له فی الرأی قال و الذی أفسد سعدا و أطمعه فیما لیس له بأهل و جرأة علی مسامات أمیر المؤمنین ع عمر بن الخطاب بإدخاله إیاه فی الشوری و تأهیله إیاه للخلافة و إیهامه لذلک أنه محل للإمامة فأقدم علیه و أفسد حاله فی الدنیا و الدین حتی خرج منها صفرا مما کان یرتجیه.
و أما أسامة بن زید فإن النبی ص کان ولاه فی مرضه الذی توفی فیه علی أبی بکر و عمر و عثمان فلما مضی رسول الله ص لسبیله انصرف القوم عن معسکره و خدعوه بتسمیته مدة حیاتهم له بالإمرة مع
الجمل، المفید ،ص:98
تقدمهم علیه بالخلافة و صانعوه بذلک بما خالفوه فیه من السمع له و المسیر معه و الطاعة و اغتر بخداعهم و تقبل منهم مصانعتهم و کان یعلم أن أمیر المؤمنین ع لا یسمح له بالخداع و لا یصانعه مصانعة القوم و یحذفه من التسمیة التی جعلوها له و لا یرفعه عن منزلته و یسیر به سیرته فی عبیده و موالی نعمته إذ کان ولاؤه بالعتق الذی کان من إنزاعه النبی ص لأبیه بعد استرقاقه فصار کذلک بعد النبی ص غیر أنه منه فی الولاء فکره الانحطاط عن رتبته التی رتبها القوم فیه و لم یجد إلی التخلص من ذلک إلا کفر النعمة و المباینة لسیده و الخلاف لمولاه فحمل نفسه علی ذلک لما ذکرناه.
و أما محمد بن مسلمة فإنه کان صدیق عثمان بن عفان و خاصته و بطانته فحملته العصبیة له علی معاونة الطالبین بثأره و کره أن یتظاهر بالکون فی حیز المحاربین لهم المباینین طریقهم و لم یر بمقتضی الحال و لا شیعه وریده معاونة أعدائه و لا سمحت نفسه بذلک فأظهر من العذر بتأخره عن نصرة أمیر المؤمنین ع بخلاف باطنه منه مماکرة و سترا للقبیح من سریرته.
و أما عبد الله بن عمر فإنه کان ضعیف العقل کثیر الجهل ماقتا لأمیر المؤمنین وراثة الخلف عن السلف ما یرثونه من المودة و العداوة و کان أمیر المؤمنین ع قد أشجاه مع ذلک بهدر دم أخیه عبید الله لقتله الهرمزان و أجلاه عن المدینة و شرده عن البلاد لا یأمن علی نفسه من الظفر به فیسقط قودا فلم تسمح نفسه
الجمل، المفید ،ص:99
بطاعة أمیر المؤمنین ع و لا أمکنه المقت من الانقیاد له لنصرته و تجاهل بما أبداه من الحیرة فی قتال البغاة و الشک فی سبب ذلک و حجته.
و روی هذا الکلام بعینه عن أمیر المؤمنین ع فی أسباب تأخر القوم عنه فإن صحت الروایة بذلک فهو أوکد لحجته و إن لم تثبت کفی فی برهانه أن قائله من أهل العلم له صحة فکر و صفاء فطنة.
علی أنا لو سلمنا لخصومنا ما ادعوه من امتناع سعد و ابن مسلمة و أسامة و ابن عمر من بیعة أمیر المؤمنین ع و کراهتهم لها و اعتزالهم إیاها و أضفنا إلیهم فی ذلک أمثالهم ممن ظاهره بالعداوة کزید بن ثابت و حسان بن ثابت و مروان بن الحکم بن أبی العاص و عبد الله بن الزبیر و ولد عثمان بن عفان و جماعة ممن کان معهم فی الدار یوم الحصار و سفهاء بنی أمیة المعروفین بمقت بنی هاشم و عداوتهم و المباینة لهم فی الجاهلیة و الإسلام بالخلاف لما قدح فیما اعتمدنا من دلیل إمامته ع الذی بنینا القول فیه علی مذاهب الخصوم من الحشویة و المرجئة و الخوارج و أهل الاعتزال و قاعدتهم فی ثبوت البیعة بالاختیار من أهل الرأی إذ کنا لم نقل فی ذلک بإجماع کافة أهل الإسلام و إنما اعتمدنا ما یثبت عند العقل علی أمور القوم فی بیعة أهل الفضل منهم و الاجتهاد و استظهرنا فی التأکید لذلک بذکر إجماع المهاجرین الأولین و عیون الأنصار و فضلاء المسلمین ممن حوته المدینة یومئذ
الجمل، المفید ،ص:100
و التابعین بإحسان و الخیرة الصالحین من أهل الحجاز و العراق و مصر و غیرها من البلاد الذین کانوا حاضرین بالمدینة یومئذ لأنهم کانوا بأجمعهم سوی من یعتصم بخلافه الخصوم و محصور عددهم لقلتهم رضوا بإمامة أمیر المؤمنین ع و رغبوا إلیه فی تولی الأمر و سألوه و رأوا أن لا یستحق لها سواه و تابعوه علی الطوع منهم و الإیثار و بذلوا نفوسهم من بعد البیعة له فی الجهاد و اعتقدوا أن التأخر عن طاعته فی قتال أعدائه ضلال موبق و فسق مخرج عن الإیمان.
و البیعة عند مخالفینا تتم ببعض من ذکرناه إذ کانوا خمسة نفر علی قول فریق منهم أو أربعة علی قول آخرین أو اثنین علی مذهب فریق آخر بل تتم عند أکثرهم بواحد حسبما قدمناه فکیف یخل مع ذلک بدلیلنا الذی ذکرناه فی إمامته ع خلاف النفر الذین تعلق بذکرهم فی القعود عن القتال من تعلق أو بما ظهر بعد البیعة من خلاف مرتکبها و مباینة معاویة بن أبی سفیان و عمرو بن العاص بعد الذی کان من مراسلتهما أمیر المؤمنین ع بالبیعة و الطاعة بشرط إقرارهما علی ما ولاهما علیه عثمان من الأعمال فلما أبی ذلک خوفا من الله تعالی و تقوی تظاهرا بالخلاف لو لا أن خصومنا جهال أغمار لا معرفة لهم بوجوه النظر و لا علم لهم بالأخبار
الجمل، المفید ،ص:101

باب ذکر جماعة ممن بایع أمیر المؤمنین ع‌

اشارة

و نحن نذکر الآن من جملة مبایعی أمیر المؤمنین ع الراضین بإمامته الباذلین أنفسهم فی طاعته بعد الذی أجملناه من الخبر عنهم حتی یعرف المنصف بوقوفه علی أسمائهم تحقیق ما وصفناه من غایتهم فی الدین و تقدمهم فی الإسلام و مکانهم من نبی الهدی ص و أن الواحد منهم لو تولی العقد لإمام لانعقد الأمر به خاصة عند خصومنا فضلا عن جماعتهم و علی مذهبهم فیما یدعونه من ثبوت الإمامة بالاختیار و آراء الرجال و تضمحل بذلک عنده شبهات الأمویة فیما راموه من القدح فی دلیلنا بما ذکروه من خلاف من سموه حسبما قدمناه.
فممن بایع أمیر المؤمنین ع بغیر ارتیاب و دان بإمامته علی الإجماع و الاتفاق و اعتقد فرض طاعته و التحریم لخلافه و معصیته الحاضرون معه فی حرب البصرة و هم ألف و خمسمائة رجل من وجوه المهاجرین الأولین السابقین إلی الإسلام و الأنصار البدریین العقبیین و أهل بیعة الرضوان من جملتهم سبعمائة من المهاجرین و ثمانمائة من الأنصار سوی أبنائهم و حلفائهم و موالیهم و غیرهم من بطون العرب و التابعین بإحسان علی ما جاء به الثبت من الأخبار
الجمل، المفید ،ص:102

[فصل فی] بیعة المهاجرین‌

فمن جملة المهاجرین.
«1» عمار بن یاسر رضی الله عنه صاحب رسول الله ص و ولیه و أخص الأصحاب کان به و الثقة قبل البعثة و بعدها و أنصر الناس له و أشدهم جهادا فی طاعته المعذب فی الله تعالی اسمه أبوه و أمه فی أول الإسلام الذی لم یکن لأحد من الصحابة فی المحنة ما کان له و لا نال أحد منهم فی الدین من المکروه و الصبر علی الإسلام کما ناله لم تأخذه فی الله لومة لائم و المقیم مع شدة البلاء علی الإیمان الذی اختص من رسول الله ص بمدائح لم یسبقه فیها سواه من صحابته کلها مع شهادته له بالجنة مع القطع و البیان لإنذار من قتله و التبشیر لقاتله بالنار علی ما اتفق علیه أهل النقل من حملة الآثار.
فمن ذلک
قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ص إِنَّ الْجَنَّةَ لَتَشْتَاقُ إِلَی عَمَّارٍ وَ إِنَّهَا إِلَیْهِ أَشْوَقُ مِنْهُ إِلَیْهَا
الجمل، المفید ،ص:103
وَ قَوْلُهُ ص بَشِّرُوا قَاتِلَ عَمَّارٍ وَ سَالِبَهُ بِالنَّارِ
وَ قَوْلُهُ ص عَمَّارٌ جِلْدَةٌ بَیْنَ عَیْنَیَّ وَ أَنْفِی
وَ قَوْلُهُ ص لَا تُؤْذُونِّی فِی عَمَّارٍ
وَ قَوْلُهُ ص عَمَّارٌ مُلِئَ إِیمَاناً وَ عِلْماً
. فی أمثال ذلک من المدائح و التعظیمات التی اختص بها علی ما ذکرناه.
«2» ثم الحصین بن الحارث بن عبد المطلب.
«3» و الطفیل بن الحارث المهاجران البدریان.
«4» و مسطح بن أثاثة.
«5» و جهجاح بن سعید الغفاری.
«6» و عبد الرحمن بن حنبل الجمحی.
«7» و عبد الله.
«8» و محمد ابنا بدیل الخزاعی.
«9» و الحارث بن عوف أبو واقد اللیثی.
الجمل، المفید ،ص:104
«10» و البراء بن عازب.
«11» و زید بن صوحان.
«12» و یزید بن نویرة الذی شهد له رسول الله ص بالجنة.
«13» و هاشم بن عتبة المرقال.
«14» و بریدة الأسلمی.
«15» و عمرو بن الحمق الخزاعی و هجرته إلی الله و رسوله معروفة و مکانه منه ص مشهور و مدحه ص له مذکور.
«16» و الحارث بن سراقة.
«17» و أبو أسید بن ربیعة.
«18» و مسعود بن أبی عمر.
«19» و عبد الله بن عقیل.
«20» و عمرو بن محصن.
«21» و عدی بن حاتم.
«22» و عقبة بن عامر.
و من فی عدادهم ممن أدرک عصر النبی ص.
«23» کحجر بن عدی الکندی.
«24» و شداد بن أوس.
فی نظرائهما من الأصحاب و أمثال من تقدم ذکره من المهاجرین علی طبقاتهم فی التقی و مراتبهم فی الدین ممن یطول بتعداد ذکره الکلام فیه
الجمل، المفید ،ص:105

[فصل فی] بیعة الأنصار

و من الأنصار.
«1» أبو أیوب خالد بن زید صاحب رسول الله ص.
«2» و خزیمة بن ثابت ذو الشهادتین.
«3» و أبو الهیثم بن التیهان.
«4» و أبو سعید الخدری.
«5» و عبادة بن الصامت.
«6» و سهل.
«7» و عثمان ابنا حنیف.
«8» و أبو عیاش الزرقی فارس رسول الله ص یوم أحد.
«9» و زید بن أرقم.
«10» و سعید.
«11» و قیس ابنا سعد بن عبادة.
«12» و جابر بن عبد الله بن حزام.
«13» و مسعود بن أسلم.
«14» و عامر بن أجبل.
«15» و سهل بن سعید».
«16» و النعمان بن عجلان.
الجمل، المفید ،ص:106
«17» و سعد بن زیاد.
«18» و رفاعة بن سعد.
«19» و مخلد.
«20» و خالد ابنا أبی خالد.
«21» و ضرار بن الصامت.
«22» و مسعود بن قیس.
«23» و عمرو بن بلال.
«24» و عمارة بن أوس.
«25» و مرة الساعدی.
«26» و رفاعة بن رافع بن مالک الزرقی.
«27» و جبلة بن عمرو الساعدی.
«28» و عمرو بن حزم.
«29» و سهل بن سعد الساعدی.
فی أمثالهم من الأنصار الذین بایعوا البیعتین و صلوا القبلتین و اختصوا من مدائح القرآن و الثناء علیهم من نبی الهدی ع بما لم یختلف فیه من أهل العلم اثنان و ممن لو أثبتنا أسماءهم لطال بها الکتاب و لم یحتمل استیفاء العدد الذی حددناه
الجمل، المفید ،ص:107

[فصل فی] بیعة بنی هاشم‌

و من بنی هاشم أهل بیت النبوة و معدن الرسالة و مهبط الوحی و مختلف الملائکة ع.
«1» الحسن.
«2» و الحسین سبطا نبی الرحمة ص و سیدا شباب أهل الجنة ع.
«3» و محمد بن الحنفیة.
«4» و عبد الله بن جعفر.
«5» و محمد.
«6» و عون أخواه.
«7» و عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله ص.
«8» و الفضل.
«9» و قثم.
«10» و عبید الله إخوته.
«11» و عتبة بن أبی لهب.
«12» و عبد الله بن الزبیر بن عبد المطلب.
«13» و عبد الله بن أبی سفیان بن الحارث بن عبد المطلب.
و کافة بنی هاشم و بنی عبد المطلب
الجمل، المفید ،ص:108

[فصل فی] بیعة سائر الشیعة

و من یلحق بهم فی الذکر من أولیائهم و علیه شیعتهم و أهل الفضل فی الدین و الإیمان و العلم و الفقه و القرآن المنقطعین إلی الله تعالی بالعبادة و الجهاد و التمسک بحقائق الإیمان.
«1» محمد بن أبی بکر ربیب أمیر المؤمنین ع و حبیبه.
«2» و محمد بن أبی حذیفة ولیه و خاصته المستشهد فی طاعته.
«3» و مالک بن الحارث الأشتر النخعی سیفه المخلص فی ولایته.
«4» و ثابت بن قیس النخعی.
«5» و کمیل بن زیاد.
«6» و صعصعة بن صوحان العبدی.
«7» و عمرو بن زرارة النخعی.
«8» و عبد الله بن الأرقم.
«9» و زید بن الملفق.
«10» و سلیمان بن صرد الخزاعی.
«11» و قبیصة بن جابر.
«12» و عبد الله.
الجمل، المفید ،ص:109
«13» و محمد ابنا بدیل الخزاعی.
«14» و عبد الرحمن بن عدیس البلوی.
«15» و أویس القرنی.
«16» و هند الجملی.
«17» و جندب الأزدی.
«18» و الأشعث بن سوار.
«19» و حکیم بن جبلة.
«20» و رشید الهجری.
«21» و معقل بن قیس بن حنظلة.
«22» و سوید بن الحارث.
«23» و سعد بن مبشر.
«24» و عبد الله بن وال.
«25» و مالک بن ضمرة.
«26» و الحارث الهمدانی.
«27» و حبة بن جوین العرنی.
ممن کانوا بالمدینة عند قتل عثمان و أطبقوا علی الرضا بأمیر المؤمنین ع فبایعوه علی حرب من حارب و سلم من سالم و أن لا یولوا فی نصرته الأدبار فحضروا معه فی مشاهده کلها لا یتأخر عنه منهم أحد حتی مضی الشهید منهم علی نصرته و بقی المتأخر منهم علی حجته حتی مضی أمیر المؤمنین ع لسبیله و کان من بقی منهم بعده علی ولایته و الاعتقاد لفضله علی الکافة و إمامته و إذا کان الأمر فی بیعته حسب ما ذکرناه و الإجماع ممن سمیناه و نعتناه علی الرضا به و الطاعة له و الاعتقاد
الجمل، المفید ،ص:110
کما وصفناه بطل اعتراض المعترض فی ثبوت إمامته بتأخر من سمیناه من البیعة و تفردهم عن الحرب معه و وضح بحصر عددهم أن الإجماع کان من کافة أهل الهجرة علیه إذ لو کان هناک سوی النفر المعدودین فی خلاف أمیر المؤمنین ع لشرکهم فی الرأی و ذکرهم الناس فی جملتهم و أحصوهم فی عددهم و ألحقوهم بهم فیما انفردوا به من جماعتهم و لم یکن لغیرهم ذکر فی ذلک فصح ما حکمنا به من اتفاق المهاجرین و الأنصار و أهل بدر و أهل بیعة الرضوان و التابعین بإحسان علی إمامته ع کما قدمناه فیما سلف و ذکرناه و المنة لله
الجمل، المفید ،ص:111

فصل فی نفی الإجبار علی البیعة

اشارة

فإن قال قائل قد وجدتکم فیما احتججتم به علی مخالفیکم فی إمامة أمیر المؤمنین ع و ثبوتها الموجب لضلال مخالفیه و خروجهم بحربه عن الإیمان بعقد الصحابة له علی الاختیار و رغبتهم إلیه فی تولیه أمورهم و مسألتهم إیاه ذلک و إبائه علیهم حتی اجتمع المسلمون و إلحاح من بایعه طوعا من المهاجرین و الأنصار و قد جاءت الأخبار بضد ذلک و أنه کان قاهرا للأمة مجبرا لها علی البیعة مکرها فی ذلک الناس فروی الواقدی عن هاشم بن عاصم عن المنذر بن الجهم قال سألت عبد الله بن ثعلبة کیف کانت بیعة علی ع قال رأیت بیعة رأسها الأشتر یقول من لم یبایع ضربت عنقه و حکیم بن جبلة و ذووهما فما ظنک بما یکون أجبر فیه جبرا ثم قال أشهد لرأیت الناس یحشرون إلی بیعته فیتفرقون فیؤتی بهم فیضربون و یعسفون فبایع من بایع و انفلت من انفلت و روی أیضا عن
الجمل، المفید ،ص:112
سعید بن المسیب قال لقیت سعید بن زید بن نفیل فقلت بایعت قال ما أصنع إن لم أفعل قتلنی الأشتر و ذووه قال و قد عرف الناس أن طلحة و الزبیر کانا یقولان بایعنا مکرهین و روی عنهما أنهما قالا بایعناه بأیدینا و لم تبایعه قلوبنا.
و الخبر مشهور عن طلحة بن عبید الله أنه کان یقول بایعت و اللج علی رقبتی قال و إذا کانت البیعة لعلی ع قهرا و إضرارا و إکراها للناس و إجبارا لم تثبت إمامته و لم تثبت بیعته کأبی بکر و عمر و عثمان.
فیقال للمعترض لما حکیناه و المائل عما ذکرناه أما الواقدی فعثمانی المذهب معروف بالمیل عن علی أمیر المؤمنین ع و الذی روی عنه ما روی من إکراه الناس علی البیعة لأمیر المؤمنین فبالزور له و التخرص علیه بإضافة الأباطیل إلیه و قد ثبت أن شهادة المشاجر مردودة بالإجماع و حدیث الخصم فیما قدح به من عدالة خصمه مطروح بالاتفاق و قول المتهم الظنین غیر مقبول بلا اختلاف فلا حجة فی الحدیث المذکور عن ابن ثعلبة و لو سلم من جمیع ما وصفناه من الطعون فیه فإنه خبر واحد یضاد المتواتر الوارد بخلاف معناه فکیف و هو من الوهن علی ما بیناه.
و أما خبر ابن المسیب عن سعید بن زید بن نفیل فقد صرح فیه بإقرار سعید بالبیعة و دعواهم أنه بایع خوفا من الأشتر باطلة إذ کان ظاهره بخلاف ما ادعاه فیه و لیس کل من خاف شیئا فقد وقع خوفه موقعه بل أکثر من یخاف متوهم للبعد
الجمل، المفید ،ص:113
ظان للباطل متخیل للفاسد و لم یذکر سعید شیئا من أمارات خوفه فتکون له حجة فیما ادعاه و لم یقل أحد إن الأشتر و لا غیره من شیعة أمیر المؤمنین ع کلموا ممتنعا من بیعته فی الحال و لا ضربوا أحدا منهم بسوط و لا نهروه فضلا عن القتل و ضرب الرقاب فکیف یخاف سعید من الأشتر مع ما ذکرناه و أنی یکون لخوفه وجه صحیح علی ما تظناه و هذا یدل علی کذب الواقدی فیما أضافه إلی سعید بن زید من الخوف و أخبر عنه أو علی تمویه سعید فیما ادعاه.
و أما قول طلحة و الزبیر إنهما بایعا مکرهین فالکلام فیه کالکلام علی ابن المسیب عن سعید و التهمة لهما فی ذلک أوکد لأنهما جعلاه عذرا فی نکثهما البیعة و الخروج عن الطاعة و طلب الرئاسة و الإمرة فلم یجدا إلی ذلک سبیلا مع ما کان منهما فی ظاهر الحال من البیعة علی الطوع بلا إجبار إلا بدعوی الإکراه و الإحالة فی ذلک علی الضمائر و البواطن التی لا یعلمها إلا الله تعالی اسمه و قد ثبت فی حکم الإسلام الأخذ لهما بمقتضی الإقرار منهما فی البیعة و القضاء علیهما بلزوم الطاعة لهما لمن بایعاه و الخلاف علیهما لإمامهما الذی اعترفا ببیعتهما له و صفقا بأیدیهما علی یده بالعقد له علی ظاهر الرضا و الإیثار و سقوط دعواهما للباطن المضاد للحکم الظاهر من ذلک و ما زعماه من حکم الکراهة فی قلوبهما علی ما ادعیاه.
مع أن ظهور مشاحتهما لأمیر المؤمنین ع و مظاهرتهما بالعداوة له و بلوغهما فی ذلک الغایة من ضرب الرقاب و سفک الدماء یبطل دعواهما علی ما یقدح فی عدالته و یؤثر فی إمامته و یمنعه حقا له علی کل حال.
علی أنه لو ثبت الإکراه فی بیعة أمیر المؤمنین ع لمن ادعی المخالفون إکراهه لم یقدح ذلک فی إمامته علی أصول شیعته الدائنین بالنص علیه من رسول الله ص لأن للإمام المنصوص علیه المفترض الطاعة علی الأنام أن
الجمل، المفید ،ص:114
یکره من أبی طاعته و یضربه بالسوط و السیف علی ذلک حتی یفی‌ء إلی أمر الله تعالی و الانقیاد له و یأمن بذلک ما یحذر من فتنته و فساده.
و لا یؤثر أیضا فی إمامته علی مذهب المخالفین القائلین بالاختیار لأنه إذا بایع عندهم من أهل الفضل عدد محصور ثبت له العقد و وجبت له الطاعة و کان له إکراه من أبی البیعة و رام الخلاف و العصیان و إعمال السوط و السیف فی ردعه عن ذلک و إکراهه علی الطاعة و الدخول مع الجماعة و معلوم أن أمیر المؤمنین ع قد بایعه علی الرضا به من لا یحصی عددهم کثرة ممن جاهد معه فی حروبه و بذل دمه فی نصرته من المهاجرین البدریین و الأنصار العقبیین و أهل بیعة الرضوان و التابعین بإحسان ممن أثبتنا أسماء بعضهم فیما سبق هذا الفصل من الکتاب فبطل ما تعلق به الخصم من دعوی الإکراه لمن سموه و الجبر فی ذلک علی ما ادعوه و الاعتماد علی أخبار شواذ به یبطلها الظاهر و المنتشر فی خلافها من الأخبار
الجمل، المفید ،ص:115

إکراه قوم علی بیعة أبی بکر

علی أنه یقال للخصم إن کان الخبر بإکراه قوم علی بیعة أمیر المؤمنین ع یقدح فی إمامته عندک فقد جاءت الأخبار متواترة بإکراه من أکره علی بیعة أبی بکر و عمر و عثمان فیجب أن تقطع علی فساد إمامتهم بذلک و إلا کنت مناقضا عند العقلاء أ لا تری أن المعلوم المنتشر بلا ارتیاب مباینة الأنصار فی بیعة أبی بکر و دعائها إلی العقد لسعد بن عبادة رضی الله عنه و إنکارها بیعة سواه و تضمنها علی صرف الأمر عن قریش و شروعها فی ذلک حتی اختلفت کلمتهم و أفشی أمرهم بشیر بن سعد منهم و بایع أبا بکر حسدا لابن عمه و ضنا علیه بالرئاسة و کراهة الاتباع له و التقدیم علی نفسه فوقعت الفتنة و سلت السیوف و دعا عمر بن الخطاب إلی قتل سعد بن عبادة و حرض علیه فی ذلک و قال اقتلوا سعدا قتل الله سعدا فخافت الأنصار من ظفرها و جنایته علیها فحملوا سعدا من السقیفة
الجمل، المفید ،ص:116
بین جماعة منهم لضعفه عن النهوض بنفسه لمرض کان به فی الحال و انحاز إلیه أهل بیته کارهین لبیعة من عقدت له منکرین لما تم لأبی بکر متوعدین فیه بالخلاف.
و جاءت الأخبار متظافرة بإنکار الزبیر بن العوام لبیعة أبی بکر و خروجه بالسیف مصلتا للقتال فتکاثر القوم علیه حتی أخذوه من یده و ضربوه بالأحجار فکسروه و جاءوا به ملببا لأبی بکر حتی بایع مکرها علی غیر اختیار.
و لما حضر سلمان الفارسی رضی الله عنه منکرا لأمرهم و متکلما فی ذلک بلسانه و مفصحا فیه بلسان العرب فامتنع عن البیعة حتی وجئ عنقه بأیدیهم و صار کالسلقة الحمراء.
و ما کان من إنکار العباس بن عبد المطلب عم رسول الله ص صرف الأمر عن بنی هاشم و بیعتهم لمن بایعوا و دعائه أمیر المؤمنین ع إلی بسط یده لیبایعه علی الأمر فقال له امدد یدک یا ابن أخی أبایعک لیقول الناس
الجمل، المفید ،ص:117
عم رسول الله ص بایع ابن عمه فلا یختلف علیک اثنان.
و قول أبی سفیان صخر بن حرب بأعلی صوته یا بنی هاشم أ رضیتم أن یلی علیکم بنو تیم بن مرة حکاما علی العرب و متی طمعت أن تتقدم علی بنی هاشم بالأمر انهضوا لدفع هؤلاء القوم عما تمالئوا علیه ظلما لکم أما و الله لئن شئتم لأملأنها علیهم خیلا و رجالا ثم أنشأ یقول
بنی هاشم لا تطمعوا الناس فیکم‌و لا سیما تیم بن مرة أو عدی
فما الأمر إلا فیکم و إلیکم‌و لیس لها إلا أبو حسن علی
أبا حسن فاشدد بها کف حازم‌فإنک بالأمر الذی یرتجی ملی

إجبار عمر علی بیعة أبی بکر

و لما اجتمع من اجتمع إلی دار فاطمة ع من بنی هاشم و غیرهم للتحیز عن أبی بکر و إظهار الخلاف علیه أنفذ عمر بن الخطاب قنفذا و قال له أخرجهم من البیت فإن خرجوا و إلا فاجمع الأحطاب علی بابه و أعلمهم أنهم إن لم یخرجوا للبیعة أضرمت البیت علیهم نارا ثم قام بنفسه فی جماعة منهم المغیرة بن شعبة الثقفی و سالم مولی أبی حذیفة حتی صاروا إلی باب علی ع فنادی
الجمل، المفید ،ص:118
یا فاطمة بنت رسول الله أخرجی من اعتصم ببیتک لیبایع و یدخل فیما دخل فیه المسلمون و إلا و الله أضرمت علیهم نارا فی حدیث مشهور.
و لما عرف أهل الیمامة تقلد أبی بکر أنکروا أمره و امتنعوا من حمل الزکاة حتی أنفذ إلیهم الجیوش فقتلهم و حکم علیهم بالردة عن الإسلام و فی إنکار أهل الیمامة بیعة أبی بکر یقول الحطیئة الشاعر العبسی
أطعنا رسول الله ما کان بیننافیا عجبا ما کان ملک أبی بکر
أ نؤتی أبا بکر إذا قام بعده‌فتلک لعمر الله قاصمة الظهر .
و کان عبد الله بن أبی سفیان بن الحارث بن عبد المطلب خارجا عن المدینة فدخلها و قد بویع أبو بکر فوقف فی وسط المسجد و أنشأ یقول
ما کنت أحسب أن الأمر منتقل‌عن هاشم ثم منها عن أبی الحسن
أ لیس أول من صلی لقبلتهم‌و أعرف الناس بالآثار و السنن
و آخر الناس عهدا بالنبی و من‌جبریل عون له بالغسل و الکفن
من فیه ما فیهم لا یمترون به‌و لیس فی القوم ما فیه من الحسن
فما الذی ردکم عنه فنعلمه‌ها إن بیعتکم من أول الفتن .
و روی أبو مخنف لوط بن یحیی الأزدی عن محمد بن سائب الکلبی و أبی
الجمل، المفید ،ص:119
صالح و رواه أیضا عن رجاله عن زائدة بن قدامة قال کان جماعة من الأعراب قد دخلوا المدینة لیمتاروا منها فشغل الناس عنهم بموت رسول الله ص فشهدوا البیعة و حضروا الأمر فأنفذ إلیهم عمر و استدعاهم و قال لهم خذوا بالحظ و المعونة علی بیعة خلیفة رسول الله ص و اخرجوا إلی الناس و احشروهم لیبایعوا فمن امتنع فاضربوا رأسه و جبینه قال فو الله لقد رأیت الأعراب قد تحزموا و اتشحوا بالأزر الصنعانیة و أخذوا بأیدیهم الخشب و خرجوا حتی خبطوا الناس خبطا و جاءوا بهم مکرهین إلی البیعة.
و أمثال ما ذکرناه من الأخبار فی قهر الناس علی بیعة أبی بکر و حملهم علیها بالاضطرار کثیرة و لو رمنا إیرادها لم یتسع لهذا الکتاب فإن کان الذی ما ادعاه المخالف من إکراه من أکره علی بیعة أمیر المؤمنین ع دلیلا علی فسادها مع ضعف الحدیث بذلک فیکون ثبوت الأخبار بما شرحناه من الأدلة علی بیعة أبی بکر موضحة عن بطلانها
الجمل، المفید ،ص:120

کراهة وجوه المهاجرین استخلاف عمر

هذا و الأمة مجتمعة علی أن أبا بکر لما أراد استخلاف عمر بن الخطاب حضره وجوه المهاجرین و فیهم طلحة و الزبیر و سعد بن أبی وقاص فقالوا ما تقول لربک إذا ولیت علینا هذا الفظ الغلیظ فإنا لم نکن نطیقه و هو رعیة لک فکیف إذا ولی الأمر فاتق الله فی الإسلام و أهله و لا تسلطه علی الناس فغضب أبو بکر و قال أجلسونی أجلسونی فأجلس و استند إلی صدور الرجال من ضعفه ثم قال لهم أ بالله تخوفونی إن کل واحد منکم قد طمع فی هذا الأمر فلما سمع ما أریده لعمر ورم لذلک أنفه لکأنی بکم و قد جاءتکم فعمدتم علی التأمر و استعمال الستور و نضائد الدیباج لتتخذوها کسرویة لا و الله لا أجبتکم إلی ما تریدون أنی إذا لقیت ربی فسألنی من استخلفت علیهم قلت استخلفت علیهم خیر أهلهم و هذا
الجمل، المفید ،ص:121
خبر مشهور لا یتنازع فیه العلماء و هو متضمن لعقد أبی بکر الأمر لعمر علی کراهة ممن ذکرناه و قهر لهم و إجبار علیهم فیجب علی مقال الخصم أن تکون إمامة عمر بن الخطاب فاسدة لأنها علی کراهة ممن عددناه
الجمل، المفید ،ص:122

الشوری و اعتزال أمیر المؤمنین ع عن بیعة عثمان‌

قَالَ وَ لَمَّا کَانَ فِی یَوْمِ الشُّورَی حَضَرَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَامَ فِی النَّاسِ وَ قَالَ إِنْ وَلَّیْتُمُوهَا عَلِیّاً سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا وَ إِنْ وَلَّیْتُمُوهَا عُثْمَانَ سَمِعْنَا وَ عَصَیْنَا فَقَامَ الْوَلِیدُ بْنُ عُقْبَةَ وَ قَالَ یَا مَعْشَرَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الشُّورَی إِنْ وَلَّیْتُمُوهَا عُثْمَانَ سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا وَ إِنْ وَلَّیْتُمُوهَا عَلِیّاً سَمِعْنَا وَ عَصَیْنَا فَانْتَهَرَهُ عَمَّارٌ وَ قَالَ لَهُ مَتَی کَانَ مِثْلُکَ یَا فَاسِقُ یَعْتَرِضُ فِی أُمُورِ الْمُسْلِمِینَ وَ أَسْبَابِ جَمْعِهَا وَ تَسَابَّا وَ تَنَاوَشَا حَتَّی حِیلَ بَیْنَهُمَا فَقَالَ الْمِقْدَادُ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ یَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِینَ إِنْ وَلَّیْتُمُوهَا أَحَداً مِنَ الْقَوْمِ فَلَا تُوَلُّوهَا مَنْ لَمْ یَحْضُرْ بَدْراً وَ انْهَزَمَ یَوْمَ أُحُدٍ وَ لَمْ یَحْضُرْ بَیْعَةَ الرِّضْوَانِ وَ وَلَّی الدُّبُرَ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ وُلِّیتُهَا لَأَرُدَّنَّکَ إِلَی زِیِّکَ الْأَوَّلِ.
وَ
لَمَّا صَفَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ یَدَهُ عَلَی یَدِ عُثْمَانَ هَمَسَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ قَالَ
الجمل، المفید ،ص:123
مَالَ الرَّجُلُ إِلَی صِهْرِهِ وَ نَبَذَ دِینَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَ أَقْبَلَ عَلَی عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا أَمَّلْتَ مِنْهُ إِلَّا مَا أَمَّلَ صَاحِبُکَ مِنْ صَاحِبِهِ دَقَّ اللَّهُ بَیْنَکُمَا عِطْرَ مَنْشِمَ وَ انْصَرَفَ مُظْهِراً النَّکِیرَ عَلَی عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَ اعْتَزَلَ بَیْعَةَ عُثْمَانَ
فَلَمْ یُبَایِعْهُ حَتَّی کَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَعَ الْمُسْلِمِینَ مَا کَانَ وَ قَدْ عَرَفَتِ الْخَاصَّةُ وَ الْعَامَّةُ مَا أَظْهَرَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع مِنْ کَرَاهَتِهِ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَیْهِ وَ تَظَلُّمِهِ مِنْهُمْ.
فَقَالَ فِی مَقَامٍ بَعْدَ مَقَامٍ: اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِیکَ عَلَی قُرَیْشٍ فَإِنَّهُمْ ظَلَمُونِی حَقِّی وَ مَنَعُونِی إِرْثِی وَ تَمَالَئُوا عَلَیَ
وَ قَالَ: لَمْ أَزَلْ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص
وَ قَالَ: لَقَدْ عَهِدَ إِلَیَّ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِی مِنْ بَعْدِهِ
الجمل، المفید ،ص:124
وَ قَالَ: لَقَدْ ظُلِمْتُ عَدَدَ الْحَجَرِ وَ الْمَدَرِ
وَ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْزِ قُرَیْشاً عَنِّی الْجَوَازِیَ فَقَدْ قَطَعَتْ رَحِمِی وَ دَفَعَتْنِی عَنْ حَقِّی وَ أَغَرَّتْ بِی سُفَهَاءَ النَّاسِ وَ خَاطَرَتْ بِدَمِی
الجمل، المفید ،ص:125

فصل خطبة أمیر المؤمنین ع یوم بیعته‌

اشارة

وَ لَمَّا أَفْضَی الْأَمْرُ إِلَیْهِ ع رَقِیَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ قَدْ مَضَتْ أُمُورٌ کُنْتُمْ فِیهَا غَیْرَ مَحْمُودِی الرَّأْیِ أَمَا إِنِّی لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ سَبَقَ الرَّجُلَانِ وَ قَامَ الثَّالِثُ کَالْغُرَابِ هِمَّتُهُ بَطْنُهُ وَ فَرْجُهُ یَا وَیْلَهُ لَوْ قُصَّ جَنَاحُهُ وَ قُطِعَ رَأْسُهُ لَکَانَ خَیْراً لَهُ
. و استمر فی الخطبة إلی آخرها و فیها عجائب من فصیح الکلام و غرائب من بدیع المقال و العلماء متفقون علیها عنه ع و قد ذکرها أبو عبیدة معمر بن المثنی و فسر غریب الکلام فیها و أوردها المدائنی فی کتبه و ذکرها الجاحظ مع نصبه و عداوته لأمیر المؤمنین ع فی کتابه الموسوم بالبیان و التبیین
الجمل، المفید ،ص:126

الخطبة الشقشقیة

فَأَمَّا
خُطْبَتُهُ ع الَّتِی رَوَاهَا عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَهِیَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ نَدُلَّ عَلَیْهَا وَ نَتَحَمَّلَ لِثُبُوتِهَا وَ هِیَ الَّتِی یَقُولُ فِی أَوَّلِهَا:
أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِی قُحَافَةَ وَ إِنَّهُ لَیَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّی مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَی یَنْحَدِرُ عَنِّی السَّیْلُ وَ لَا یَرْقَی إِلَیَّ الطَّیْرُ لَکِنِّی سَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَیْتُ عَنْهَا کَشْحاً أَرَی تُرَاثِی نَهْباً فَصَبَرْتُ وَ فِی الْعَیْنِ قَذًی وَ فِی الْحَلْقِ شَجاً حَتَّی أَتَی عَلَی الشُّورَی فِیهَا فَقَالَ فَجَعَلَنِی عُمَرُ سَادِسَ سِتَّةٍ زَعَمَ أَنِّی أَحَدُهُمْ فَیَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَی مَتَی اخْتَلَجَ الرَّیْبُ فِیَّ مَعَ الْأَوَّلِینَ مِنْهُمْ حَتَّی صِرْتُ أُقْرَنُ بِهَذِهِ النَّظَائِرِ وَ لَکِنِّی أَسْفَفْتُ مَعَ الْقَوْمِ حِینَ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ مَعَهُمْ حِینَ طَارُوا انْتِظَاراً لِلْمُدَّةِ وَ الْأَجَلِ
.
الجمل، المفید ،ص:127
فی کلام طویل اختصرناه هاهنا فدل ما ذکرناه عنه ع علی کراهیته من تقدم علیه و إنکاره ما صنعوه فی ذلک و خصومنا لعنادهم الحق و تجاهلهم یجعلون الأخبار الشاذة فی کراهة نفر معدودین لبیعة أمیر المؤمنین ع قدحا فی إمامته و لا یجعلون ما ذکرناه من خلاف وجوه المسلمین و عامة المؤمنین و الأنصار و المهاجرین فی إمامة الثلاثة النفر المذکورین حجة فی بطلانها و لا إنکارهم لذلک و کراهتهم لها قدحا فیها و یدعون مع ذلک بعجبهم و جرأتهم و قلة أمانتهم إجماع الأمة علیهم إِنَّ هذا لَشَیْ‌ءٌ عَجِیبٌ.
و إنی مثبت طرفا من الأخبار التی جاءت ببیعة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ع و أنها کانت علی وفاق ما ذکرت فی أول الباب من الرغبة إلیه فی قبولها منهم و الإیثار لتقدمه علیهم و الاختیار منهم لیتأید ما قصدنا الإیضاح عنه من ثبوت إمامته علی أصول الموافقین من شیعته و المخالفین لهم فی ذلک حسب ما بیناه إن شاء الله
الجمل، المفید ،ص:128

امتناع أمیر المؤمنین ع من قبول الخلافة

فممن روی خبر البیعة و ما کانت علیه من الحال أبو مخنف لوط بن یحیی الأزدی فی کتابه المصنف فی حرب البصرة عن سیف بن عمر عن محمد بن عبد الله بن سوادة و طلحة بن الأعلم و أبی عثمان أجمع قالوا بقیت المدینة بعد قتل عثمان خمسة أیام أمیرها الغافقی بن حرب و الناس یلتمسون من یجیبهم إلی هذا الأمر فلا یجدون فیأتی المصریون علیا فیختبئ منهم و یلوذ بحیطان المدینة فإذا أتوه یأبی علیهم قال و
رَوَی إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِیدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنِ أَبْزَی قَالَ أَ لَا أُحَدِّثُکَ مَا رَأَتْ عَیْنَایَ وَ سَمِعَتْ أُذُنَایَ- لَمَّا الْتَقَی النَّاسُ عِنْدَ بَیْتِ الْمَالِ قَالَ عَلِیٌّ لِطَلْحَةَ ابْسُطْ یَدَکَ أُبَایِعْکَ فَقَالَ طَلْحَةُ أَنْتَ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنِّی وَ قَدِ اجْتَمَعَ لَکَ مِنْ أَهْوَاءِ النَّاسِ مَا لَمْ یَجْتَمِعْ لِی فَقَالَ ع لَهُ مَا خَشِینَا غَیْرَکَ فَقَالَ طَلْحَةُ لَا تَخْشَ فَوَ اللَّهِ لَا تُؤْتَی مِنْ قِبَلِی وَ قَامَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ وَ أَبُو الْهَیْثَمِ بْنُ التَّیِّهَانِ وَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِکِ بْنِ الْعَجْلَانِ وَ أَبُو أَیُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَیْدٍ فَقَالُوا لِعَلِیٍّ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ فَسَدَ وَ قَدْ رَأَیْتَ مَا صَنَعَ عُثْمَانُ وَ مَا أَتَاهُ مِنْ خِلَافِ الْکِتَابِ وَ السُّنَّةِ فَابْسُطْ یَدَکَ نُبَایِعْکَ لِتُصْلِحَ مِنْ أَمْرِ الْأُمَّةِ مَا قَدْ فَسَدَ فَاسْتَقَالَ
الجمل، المفید ،ص:129
عَلِیٌّ ع وَ قَالَ قَدْ رَأَیْتُمْ مَا صُنِعَ بِی وَ عَرَفْتُمْ رَأْیَ الْقَوْمِ فَلَا حَاجَةَ لِی فِیهِمْ
فَأَقْبَلُوا عَلَی الْأَنْصَارِ فَقَالُوا یَا مَعَاشِرَ الْأَنْصَارِ أَنْتُمْ أَنْصَارُ اللَّهِ وَ أَنْصَارُ رَسُولِهِ وَ بِرَسُولِهِ أَکْرَمَکُمُ اللَّهُ تَعَالَی وَ قَدْ عَلِمْتُمْ فَضْلَ عَلِیٍّ وَ سَابِقَتَهُ فِی الْإِسْلَامِ وَ قَرَابَتَهُ وَ مَکَانَتَهُ الَّتِی کَانَتْ لَهُ مِنَ النَّبِیِّ ص وَ إِنْ وَلِیَ أَنَالَکُمْ خَیْراً فَقَالَ الْقَوْمُ نَحْنُ أَرْضَی النَّاسِ بِهِ مَا نُرِیدُ بِهِ بَدَلًا ثُمَّ اجْتَمَعُوا عَلَیْهِ فَلَمْ یَزَالُوا بِهِ حَتَّی بَایَعُوهُ.
وَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِی الْهَیْثَمِ بْنِ التَّیِّهَانِ أَنَّهُ قَالَ: یَا مَعَاشِرَ الْأَنْصَارِ قَدْ عَرَفْتُمْ رَأْیِی وَ نُصْحِی وَ مَکَانِی مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ اخْتِیَارِهِ إِیَّایَ فَرُدُّوا هَذَا الْأَمْرَ إِلَی أَقْدَمِکُمْ إِسْلَاماً وَ أَوْلَاکُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ ص لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ یَجْمَعَ بِهِ أُلْفَتَکُمْ وَ یَحْقِنَ بِهِ دِمَاءَکُمْ فَأَجَابَهُ الْقَوْمُ بِالسَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ
وَ رَوَی سَیْفٌ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ اجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَی عَلِیٍّ ع سَأَلُوهُ أَنْ یَنْظُرَ فِی أُمُورِهِمْ وَ بَذَلُوا لَهُ الْبَیْعَةَ فَقَالَ لَهُمْ الْتَمِسُوا غَیْرِی فَقَالُوا نَنْشُدُکَ اللَّهَ أَ مَا تَرَی الْفِتْنَةَ أَ لَا تَخَافُ اللَّهَ فِی ضِیَاعِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَلَمَّا أَلَحُّوا عَلَیْهِ قَالَ لَهُمْ إِنِّی إِنْ أَجَبْتُکُمْ حَمَلْتُکُمْ عَلَی مَا أَعْلَمُهُ وَ إِنْ تَرَکْتُمُونِی کُنْتُ کَأَحَدِکُمْ فَقَالُوا قَدْ رَضِینَا بِحُکْمِکَ وَ مَا فِینَا مُخَالِفٌ لَکَ فَاحْمِلْنَا عَلَی مَا تَرَاهُ ثُمَّ بَایَعَتْهُ الْجَمَاعَةُ
الجمل، المفید ،ص:130

بیعة طلحة و الزبیر لأمیر المؤمنین ع‌

وَ رَوَی أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِیمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِیُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِی شَیْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِیسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَیْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ جَاءَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ إِلَی عَلِیٍّ ع وَ هُوَ مُتَعَوِّذٌ بِحِیطَانِ الْمَدِینَةِ فَدَخَلَا عَلَیْهِ وَ قَالا لَهُ ابْسُطْ یَدَکَ نُبَایِعْکَ فَإِنَّ النَّاسَ لَا یَرْضَوْنَ إِلَّا بِکَ فَقَالَ لَهُمَا لَا حَاجَةَ لِی فِی ذَلِکَ لَأَنْ أَکُونَ لَکُمَا وَزِیراً خَیْرٌ مِنْ أَنْ أَکُونَ لَکُمَا أَمِیراً فَلْیَبْسُطْ مَنْ شَاءَ مِنْکُمَا یَدَهُ أُبَایِعْهُ فَقَالا إِنَّ النَّاسَ لَا یُؤْثِرُونَ غَیْرَکَ وَ لَا یَعْدِلُونَ عَنْکَ إِلَی سِوَاکَ فَابْسُطْ یَدَکَ نُبَایِعْکَ أَوَّلَ النَّاسِ فَقَالَ إِنَّ بَیْعَتِی لَا تَکُونُ سِرّاً فَامْهَلَا حَتَّی أَخْرُجَ إِلَی الْمَسْجِدِ فَقَالا بَلْ نُبَایِعُکَ هَاهُنَا ثُمَّ نُبَایِعُکَ فِی الْمَسْجِدِ فَبَایَعَاهُ أَوَّلَ النَّاسِ ثُمَّ بَایَعَهُ النَّاسُ عَلَی الْمِنْبَرِ أَوَّلُهُمْ طَلْحَةُ بْنُ عُبَیْدِ اللَّهِ وَ کَانَتْ یَدُهُ شَلَّاءَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ إِلَیْهِ فَصَفَقَ عَلَی یَدِهِ وَ رَجُلٌ مِنْ بَنِی أَسَدٍ یَزْجُرُ الطَّیْرَ قَائِمٌ یَنْظُرُ إِلَیْهِ فَلَمَّا رَأَی أَوَّلُ یَدٍ صُفِقَتْ عَلَی یَدِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع یَدُ طَلْحَةَ وَ هِیَ شَلَّاءُ قَالَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ أَوَّلُ یَدٍ صُفِقَتْ عَلَی یَدِهِ شَلَّاءُ یُوشِکُ أَنْ لَا یَتِمَّ هَذَا الْأَمْرُ ثُمَّ نَزَلَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ وَ بَایَعَهُ النَّاسُ بَعْدَهُمَا.
الجمل، المفید ،ص:131
و هذه الأخبار مع شهرتها و انتشارها فی کتب السیر و عند کافة العلماء و ظهورها و استفاضتها تتضمن نقیض ما ادعاه المخالف من إکراه أمیر المؤمنین ع علی البیعة و تبطل ما تعلق به من ذلک من شک فی الخبر الذی أورده الواقدی عن العثمانیة المتظاهرین بعداوة أمیر المؤمنین ع.
علی أن الواقدی قد أثبت فی کتابه الذی صنفه فی حرب البصرة ما یوافق الأخبار التی قدمنا ذکرها و یضاد ما خالفها فی معناه فقال
حَدَّثَنِی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ أَقْبَلَ النَّاسُ عَلَی عَلِیٍّ ع لِیُبَایِعُوهُ فَتَأَبَّی عَلَیْهِمْ فَقَالُوا بَایِعْنَا لَا نُخْلِفُ فَأَبَی عَلَیْهِمْ فَمَدُّوا یَدَهُ وَ بَسَطُوهَا وَ قَبَضُوهَا فَقَالُوا بَایِعْنَا لَا نَجِدُ غَیْرَکَ وَ لَا نَرْضَی إِلَّا بِکَ.
و
رَوَی إِسْمَاعِیلُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ أَرْسَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع إِلَی أَبِی لِیُبَایِعَ فَقَالَ لَهُ إِذَا لَمْ یَبْقَ غَیْرِی بَایَعْتُکَ فَقَالَ عَلِیٌّ ع خَلُّوا سَعْداً وَ أَرْسَلَ إِلَی أُسَامَةَ بْنِ زَیْدٍ فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ أَنَا أَطُوعُ لَکَ وَ لَکِنْ أَعْصِی الْخُرُوجَ بِالسَّیْفِ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع لَمْ أُکْرِهْ أَحَداً عَلَی بَیْعَتِی.
فقد بان أن جمیع من بایعه کان مؤثرا له راغبا إلیه فی ذلک علی ما قدمناه و الحمد لله
الجمل، المفید ،ص:132

بطلان آراء أهل الفرق‌

قال الشیخ المفید أبو عبد الله أدام الله تأییده قد دللنا علی إمامة أمیر المؤمنین ع من جهة النص علیه من رسول الله ص و باختیار له من ذوی العقول و العلم و الفضل و الرأی علی ما یذهب إلیه المخالفون فی ثبوت الإمامة و انعقادها و أنبأنا عن عصمته ع بما سلف و شرحنا القول فی طریقها و أوضحناه و ذکرنا الأخبار الواردة من طریق الخاصة و العامة فی وجوب حقه و برهان صوابه و تحریم خلافه و فی ذلک إبطال ما ذهب إلیه کافة خصومنا علی اختلافهم فی تصویب محاربیه و الوقوف فی ذلک و الشک فیه و فی ما أصلناه من ذلک و رسمناه فی معناه غنی عن تکلف کلام فی فساد مذهب واصل بن عطاء و عمرو بن عبید علی ما شرحناه عنهما فی صدر هذا الکتاب من شبهات المذهب الرذل و إبطال مذهب الأصم و أتباعه و نقض شبهات الحشویة فی تصویب الجماعة و إفساد ما ذهب إلیه کل فریق منهم فی تخطئتهم بأسرهم و إقامة البرهان علی صحة ما ذهب إلیه الشیعة و من شارکهم من قبائل المعتزلة و المرجئة و الخوارج و تصویب أمیر المؤمنین فی حرب البصرة و الشام و تخطئة محاربیه فی هذین المقامین و ضلالهم فی ذلک عن طریق الرشاد و فیما أثبتناه من عصمته ع و حقه أیضا دلیل مقنع فی إبطال مذهب الخوارج المبدعة فی إنکار التحکیم و ترک القتال عند الموادعة حسب ما قدمناه.
و نحن نشفع ذلک بأسباب فتنة البصرة علی ما بطن منها عن کثیر من الناس
الجمل، المفید ،ص:133
و ظهر منها للجمهور و نورد بعد هذا الباب الذی ذکرناه الأخبار الواردة بصورة الأمر فی القتال و کیفیة ما جری فیه علی ترتیب ذلک فی مواضعه المقتضیة لذکره فیها و نأتی به علی الترتیب و النظام إن شاء الله تعالی
الجمل، المفید ،ص:135

فصل فی نکث البیعة من قبل طلحة و الزبیر

فأما ظاهر سبب الفتنة بالبصرة فهو ما أحدثه طلحة و الزبیر من نکث البیعة التی بذلاها لأمیر المؤمنین ع طوعا و اختیارا و إیثارا و خروجهما من المدینة إلی مکة علی إظهار منهما لابتغاء العمرة فلما وصلاها اجتمعا علی عائشة و عمال عثمان الهاربین بأموال المسلمین إلی مکة طمعا فیما احتجنوه منها و خوفا من أمیر المؤمنین ع و اتفاق رأیهم علی الطلب بدم عثمان و التعلق علیه فی ذلک بانحیاز قتلة عثمان و حاصریه و خاذلیه من المهاجرین و الأنصار و أهل مصر و العراق إلی علی ع و کونهم جندا له و أنصارا و اختصاصهم به فی حربهم منه و مظاهرته لهم بالجمیل و قوله فیهم الحسن من الکلام و ترک إنکار ما صنعوه بعثمان و الإعراض عنهم فی ذلک و المصیر معهم فی جنده إلی ما ذکرناه و شبهوا بذلک علی الضعفاء و اغتروا به السفهاء و أوهموهم فی ذلک بظلم عثمان و البراءة من شی‌ء یستحق به
الجمل، المفید ،ص:136
ما صنع به القوم من إحصاره و خلعه و المنازعة إلی دمه فأجاب إلی مرادهم من الفتنة من استغووه بما وصفناه و قصدوا البصرة لعلمهم أن جمهور أهلها من شیعة عثمان و أصحاب عامله و ابن عمه الذی کان بها و هو عبد الله بن عامر بن کریز فکان ذلک منهم ظاهرا و باطنه بخلافه کما تدل علیه الأخبار و یوضح عن صحة الحکم به الاعتبار أ لا تری أن طلحة و الزبیر و عائشة بإجماع العلماء بالسیر و الآثار هم الذین أوکدوا خلع عثمان و حصره و قتله و أن أمیر المؤمنین ع لم یزل یدفعهم عن ذلک و یلطف فی منعهم عنه و یبذل الجهد فی إصلاح حاله مع المنکرین علیه العائبین له بأفعاله المحتجین علیه بإحداثه فمن أنکر ما ذکرناه أو شک فی شی‌ء مما وصفناه فهو بعید من علم الأخبار ناء عن معرفة السیر و الفتن و الآثار مکابر یحمل نفسه علی جحد الاضطرار و هذا باب لا تحسن مکالمة الخصوم فیه إلا مع الإنصاف و الاطلاع علی ما جاءت به الأخبار و مخالطة العلماء من أهل الاختبار و أما من لا معرفة له بالروایات أو منقطع عنها إلی صناعة الکلام أو عامی له غفلة أو مترف مشغول باللذات فلا وجه لمجاراته فی هذا الباب و أمثاله مما طریقه السمع و الأخبار و سبیله ملاقاة الخاصة و العلماء و استفادة ما عندهم من علم علی ما ذکرناه
الجمل، المفید ،ص:137

فصل فی أسباب الخروج علی عثمان‌

و نحن نثبت بتوفیق الله مختصرا من الأخبار فیما ذکرناه من کون طلحة و الزبیر و عائشة فیما صنعوه فی أیام عثمان من أوکد أسباب ما تم علیه من الخلع و الحصر و سفک الدم و الفساد فَمِنْ ذَلِکَ مَا رَوَاهُ أَبُو حُذَیْفَةَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ الْقُرَشِیُّ وَ أَثْبَتَهُ فِی کِتَابِهِ الَّذِی صَنَّفَهُ فِی مَقْتَلِ عُثْمَانَ وَ کَانَ هَذَا الرَّجُلُ أَعْنِی أَبَا حُذَیْفَةَ مِنْ وُجُوهِ أَصْحَابِ الْحَدِیثِ الْمُنْتَسِبِینَ إِلَی السُّنَّةِ وَ الْمُبَایِنِینَ لِلشِّیعَةِ لَا یُتَّهَمُ فِیمَا یَرْوِیهِ لِمُفَارَقَةِ خُصُومِهِ وَ لَا یُظَنُّ بِهِ تَخَرُّصٌ فِیمَا یَجْتَنِیهِ مِنْ جَمِیعِ الْأَخْبَارِ فَقَالَ حَدَّثَنِی مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِیِّ قَالَ قَدِمَ أَهْلُ مِصْرَ فِی سِتِّمِائَةِ رَاکِبٍ عَلَیْهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَیْسٍ الْبَلَوِیُّ فَنَزَلُوا ذَا خَشَبٍ وَ فِیهِمْ کِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ الْکِنْدِیُّ وَ أَبُو عَمْرِو بْنِ بُدَیْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِیُّ وَ أَبُو عُرْوَةَ اللَّیْثِیُّ وَ اجْتَمَعَ إِلَیْهِمْ حَکِیمُ بْنُ جَبَلَةَ الْعَبْدِیُّ فِی طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَ کُمَیْلُ بْنُ زِیَادٍ وَ مَالِکٌ الْأَشْتَرُ وَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ وَ حُجْرُ بْنُ عَدِیٍّ فِی جَمَاعَةٍ مِنْ قُرَّاءِ أَهْلِ الْکُوفَةِ الَّذِینَ کَانُوا سَیَّرَهُمْ عُثْمَانُ
الجمل، المفید ،ص:138
مِنْهَا إِلَی الشَّامِ حِینَ شَکَوْا أَحْدَاثَهُ الَّتِی أَنْکَرَهَا عَلَیْهِ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَی عَیْبِ عُثْمَانَ وَ جَهَرُوا بِذِکْرِ أَحْدَاثِهِ فَمَرَّ بِهِمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصَمُّ وَ زِیَادُ بْنُ النَّضْرِ فَقَالا لَهُمْ إِنْ شِئْتُمْ بَلَّغْنَا عَنْکُمْ أَزْوَاجَ النَّبِیِّ ص فَإِنْ أَمَرْنَکُمْ أَنْ تُقْدِمُوا فَأَقْدِمُوا فَقَالُوا لَهُمَا افْعَلَا وَ اقْصِدَا عَلِیّاً آخِرَ النَّاسِ فَانْطَلَقَ الرَّجُلَانِ فَبَدَءَا بِعَائِشَةَ وَ أَزْوَاجِ النَّبِیِّ بَعْدَهَا ثُمَّ أَنْبَئَا أَصْحَابَهُ وَ أَخْبَرَاهُمُ الْخَبَرَ فَأَمَرُوهُمْ أَنْ یَقْدَمُوا الْمَدِینَةَ وَ صَارَا إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَأَخْبَرَاهُ وَ اسْتَأْذَنَاهُ لِلْقَوْمِ فِی دُخُولِ الْمَدِینَةِ
فَقَالَ لَهُمَا أَتَیْتُمَا أَحَداً قَبْلِی قَالا نَعَمْ أَتَیْنَا عَائِشَةَ وَ أَزْوَاجَ النَّبِیِّ ص بَعْدَهَا وَ أَصْحَابَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ فَأَمَرُوهُمْ أَنْ یُقْدِمُوا فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع لَکِنِّی لَا آمُرُهُمْ بِذَلِکَ یَسْتَعْتِبُونَهُ مِمَّنْ قَرُبَ فَإِنْ أَعْتَبَهُمْ فَهُوَ خَیْرٌ لَهُمْ وَ إِنْ أَبَی فَهُمْ أَعْلَمُ فَرَجَعَ الرَّجُلَانِ إِلَیْهِمْ جَمِیعاً وَ تَسَرَّعَ إِلَیْهِمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَدِینَةِ فَاجْتَمَعُوا مَعَ أَهْلِ الْحَسَبِ وَ ذَوِی الْمُرُوءَاتِ.
فَلَمَّا بَلَغَ عُثْمَانَ اجْتِمَاعُهُمْ أَرْسَلَ إِلَی عَلِیٍّ ع فَقَالَ لَهُ اخْرُجْ یَا أَبَا الْحَسَنِ إِلَی هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَ رُدَّهُمْ عَمَّا جَاءُوا إِلَیْهِ فَخَرَجَ إِلَیْهِمْ فَلَمَّا رَأَوْهُ رَحَّبُوا بِهِ وَ قَالُوا لَهُ قَدْ عَلِمْتَ یَا أَبَا الْحَسَنِ مَا أَحْدَثَهُ هَذَا الرَّجُلُ مِنَ الْأَعْمَالِ الْخَبِیثَةِ وَ مَا یَلْقَاهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ وَ مِنْ عُمَّالِهِ وَ کُنَّا لَقِینَاهُ وَ اسْتَعْتَبْنَاهُ فَلَمْ یُعْتِبْنَا وَ کَلَّمْنَاهُ فَلَمْ یُصْغِ إِلَی کَلَامِنَا وَ أَغْرَاهُ ذَلِکَ بِنَا وَ قَدْ جِئْنَا نُطَالِبُهُ بِالاعْتِزَالِ عَنْ إِمْرَةِ الْمُسْلِمِینَ وَ اسْتَأْذَنَّا فِی ذَلِکَ الْأَنْصَارَ وَ الْمُهَاجِرِینَ وَ أَزْوَاجَ النَّبِیِّ ص أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِینَ فَأَذِنُوا لَنَا فِی وُرُودِ الْمَدِینَةِ وَ نَحْنُ عَلَی ذَلِکَ فَقَالَ لَهُمْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع یَا هَؤُلَاءِ تَرَیَّثُوا
الجمل، المفید ،ص:139
لَا تَسْرَعُوا إِلَی شَیْ‌ءٍ لَا تُعْرَفُ عَاقِبَتُهُ فَإِنَّا کُنَّا قَدْ عَتَبْنَاهُ عَلَی هَذَا فِی شَیْ‌ءٍ وَ إِنَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ فَارْجِعُوا فَقَالُوا هَیْهَاتَ یَا أَبَا الْحَسَنِ لَا نَقْنَعُ مِنْهُ إِلَّا بِالاعْتِزَالِ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ لِیَقُومَ بِهِ مَنْ یُوثَقُ بِأَمَانَتِهِ فَرَجَعَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع إِلَی عُثْمَانَ وَ خَبَّرَهُ بِمَقَالَتِهِمْ فَخَرَجَ عُثْمَانُ حَتَّی أَتَی الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ النَّاسَ وَ جَعَلَ یَتَکَلَّمُ وَ یَدْعُو إِلَی نُصْرَتِهِ وَ دِفَاعِ الْقَوْمِ عَنْهُ فَقَامَ إِلَیْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ یَا عُثْمَانُ إِنَّکَ قَدْ رَکِبْتَ النَّاسَ بِالنَّهَابِیرِ وَ قَدْ رَکِبُوهَا مِنْکَ فَتُبْ إِلَی اللَّهِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ وَ إِنَّکَ لَهَاهُنَا یَا ابْنَ النَّابِغَةِ ثُمَّ رَفَعَ یَدَیْهِ إِلَی السَّمَاءِ وَ قَالَ أَتُوبُ إِلَی اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنِّی أَتُوبُ إِلَیْکَ اللَّهُمَّ إِنِّی أَتُوبُ إِلَیْکَ.
فَأَنْفَذَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع إِلَی الْقَوْمِ بِمَا جَرَی مِنْ عُثْمَانَ وَ مَا صَارَ إِلَیْهِ مِنَ التَّوْبَةِ وَ الْإِقْلَاعِ فَسَارُوا إِلَی الْمَدِینَةِ بِأَجْمَعِهِمْ وَ سَارَ إِلَیْهِمْ عَمْرُو بْنُ مَعْدِیکَرِبَ فِی نَاسٍ کَثِیرٍ فَجَعَلَ عَمْرٌو یُحَرِّضُ عَلَی عُثْمَانَ وَ یَذْکُرُ أَثْرَتَهُ ثُمَّ جَعَلَ یَقُولُ
أَ مَا هَلَکْنَا وَ لَا یَبْکِی لَنَا أَحَدٌقَالَتْ قُرَیْشٌ أَلَا تِلْکَ الْمَقَادِیرُ
وَ نَحْنُ فِی الصَّفِّ قَدْ تُدْمِی حَوَاجِبُنَانُعْطِی السَّوِیَّةَ مِمَّا أَخْلَصَ الْکِیرُ
نُعْطِی السَّوِیَّةَ یَوْمَ الضَّرْبِ قَدْ عَلِمُواوَ لَا سَوِیَّةَ إِذْ کَانَتْ دَنَانِیرُ .
وَ انْضَمَّ إِلَیْهِمْ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ وَ جُمْهُورُ الْأَنْصَارِ عَلَی ذَلِکَ فَخَرَجَ إِلَیْهِمْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع فَقَالَ لَهُمْ یَا هَؤُلَاءِ اتَّقُوا اللَّهَ مَا لَکُمْ وَ لِلرَّجُلِ أَ مَا رَجَعَ
الجمل، المفید ،ص:140
عَمَّا أَنْکَرْتُمُوهُ أَ مَا تَابَ عَلَی الْمِنْبَرِ تَوْبَةً جَهَرَ بِهَا وَ لَمْ یَزَلْ یَلْطُفُ بِهِمْ حَتَّی سَکَنَتْ فَوْرَتُهُمْ ثُمَّ سَأَلَهُ أَهْلُ مِصْرَ أَنْ یَلْقَاهُ فِی عَزْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِی سَرْحٍ عَنْهُمْ وَ اقْتَرَحَ أَهْلُ الْکُوفَةِ عَزْلَ سَعِیدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْهُمْ وَ سَأَلَ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ أَنْ یَصْرِفَ ابْنَ کَرِیزٍ عَنْهُمْ وَ یَعْدِلَ عَمَّا کَانَ عَلَیْهِ مِنْ مُنْکَرِ الْأَفْعَالِ فَدَخَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع عَلَی عُثْمَانَ وَ لَمْ یَزَلْ بِهِ حَتَّی أَعْطَاهُ مَا أَرَادَ الْقَوْمُ مِنْ ذَلِکَ وَ بَذَلَ لَهُمُ الْعُهُودَ وَ الْمَوَاثِیقَ فَخَرَجَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع إِلَی الْقَوْمِ بِمَا ضَمِنَهُ لَهُ عُثْمَانُ وَ لَمْ یَزَلْ بِهِمْ حَتَّی تَفَرَّقُوا وَ تَوَجَّهَ کُلُّ قَوْمٍ إِلَی بِلَادِهِمْ.
فَلَمَّا سَارَ أَهْلُ مِصْرَ بِبَعْضِ الطَّرِیقِ نَظَرُوا وَ إِذَا رَاکِبٌ عَلَی الطَّرِیقِ مُسْرِعٌ فَلَمَّا دَنَا تَأَمَّلُوهُ فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ لِعُثْمَانَ عَلَی نَاقَةٍ مِنْ نُوقِهِ فَاسْتَرَابُوا بِهِ فَقَالُوا لَهُ أَیْنَ تَذْهَبُ فَقَالَ بَعَثَنِی عُثْمَانُ فِی حَاجَةٍ لَهُ قَالُوا إِلَی أَیْنَ بَعَثَکَ فَأُرْتِجَ عَلَیْهِ وَ تَلَعْثَمَ فِی کَلَامِهِ فَنَهَرُوهُ وَ زَبَرُوهُ فَقَالَ أَنْفَذَنِی إِلَی مِصْرَ فَقَالُوا فِیمَ أَنْفَذَکَ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ فَزَادَتِ اسْتِرَابَتُهُمْ بِهِ فَفَتَّشُوهُ فَلَمْ یَجِدُوا مَعَهُ شَیْئاً فَأَخَذُوا إِدَاوَتَهُ فَفَتَّشُوهَا فَإِذَا فِیهَا کِتَابٌ مِنْ عُثْمَانَ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی سَرْحٍ وَ هُوَ إِذَا أَتَاکَ کِتَابِی هَذَا فَاضْرِبْ عُنُقَ أَبِی عَمْرِو بْنِ بُدَیْلٍ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَلْوَی وَ اقْطَعْ أَیْدِیَ وَ أَرْجُلَ عَلْقَمَةَ وَ کِنَانَةَ وَ عُرْوَةَ ثُمَّ دَعْهُمْ یَتَشَحَّطُونَ بِدِمَائِهِمْ فَإِذَا مَاتُوا فَأَوْقِفْهُمْ عَلَی جُذُوعِ النَّخْلِ.
فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِکَ قَبَضُوا عَلَی الْغُلَامِ وَ عَادُوا إِلَی الْمَدِینَةِ فَاسْتَأْذَنُوا عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ ع وَ دَفَعُوا إِلَیْهِ الْکِتَابَ فَفَزِعَ ع لِذَلِکَ فَدَخَلَ عَلَی عُثْمَانَ فَقَالَ
الجمل، المفید ،ص:141
إِنَّکَ وَسَطْتَنِی أَمْراً بَذَلْتُ الْجُهْدَ فِیهِ لَکَ وَ فِی نَصِیحَتِکَ وَ اسْتَوْهَبْتُ لَکَ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ عُثْمَانُ فَمَا ذَا فَأَخْرَجَ إِلَیْهِ الْکِتَابَ فَفَضَّهُ وَ قَرَأَهُ ثُمَّ أَنْکَرَهُ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع أَ تَعْرِفُ الْخَطَّ قَالَ الْخَطُّ یَتَشَابَهُ قَالَ أَ تَعْرِفُ الْخَتْمَ قَالَ الْخَتْمُ یُنْقَشُ عَلَیْهِ قَالَ فَهَذَا الْبَعِیرُ الَّذِی عَلَی بَابِ دَارِکَ تَعْرِفُهُ قَالَ هُوَ بَعِیرِی وَ لَمْ آمُرْ أَحَداً بِأَخْذِهِ وَ لَا بِرُکُوبِهِ قَالَ فَغُلَامُکَ مَنْ أَنْفَذَهُ قَالَ أُنْفِذَ بِغَیْرِ أَمْرِی فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع أَمَّا أَنَا فَمُعْتَزِلُکَ وَ شَأْنَکَ وَ أَصْحَابَکَ وَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَ دَخَلَ دَارَهُ وَ أَغْلَقَ عَلَیْهِ بَابَهُ وَ لَمْ یَأْذَنْ لِأَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ فِی الْوُصُولِ إِلَیْهِ.
وَ خَرَجَ إِلَیْهِمْ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ فَقَالا لَهُمْ قَدِ اعْتَزَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع وَ انْتَدَبَنَا مَعَکُمْ عَلَی هَذَا الرَّجُلِ فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَی حَصْرِهِ فَلَمَّا عَلِمَ عُثْمَانُ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ حَصَرُوهُ وَ حُقِّقَ الْعَزِیمَةُ عَلَی خَلْعِهِ کَتَبَ إِلَی مُعَاوِیَةَ یَسْتَدْعِیهِ بِجُنُودِ الشَّامِ وَ کَتَبَ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ یَسْتَدْعِیهِ بِجُنُودِ الْبَصْرَةِ وَ فَارِسَ لِیَنْصُرَ بِهِمْ وَ یَدْفَعَهُمْ عَنْ نَفْسِهِ وَ عَرَفَ أَهْلُ مِصْرَ وَ الْعِرَاقِ وَ الْحِجَازِ أَنَّهُ قَدِ اسْتَنْفَرَ عَلَیْهِمْ أَهْلَ الشَّامِ وَ شِیعَتَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَ فَارِسَ وَ خُوزِسْتَانَ فَجَدُّوا فِی حِصَارِهِ وَ تَوَلَّی ذَلِکَ مِنْهُ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ وَ مَنَعَاهُ الْمَاءَ وَ ضَیَّقَا عَلَیْهِ وَ کَانَ طَلْحَةُ عَلَی حَرَسِ الدَّارِ یَمْنَعُ کُلَّ أَحَدٍ یُدْخِلُ إِلَیْهِ شَیْئاً مِنَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ وَ یَمْنَعُ مَنْ فِی الدَّارِ أَنْ یَخْرُجَ مِنْهَا إِلَی غَیْرِهَا
الجمل، المفید ،ص:142

فصل فی براءة أمیر المؤمنین ع من التألیب علی عثمان‌

اشارة

فهل تخفی علی عاقل براءة أمیر المؤمنین ع مما قرفه به ناکثو عهده من التألیب علی عثمان و السعی فی دمه مع ما رویناه من الحدیث عمن سمیناه أم هل یرتاب عاقل فیما فعله طلحة و الزبیر فیما تولیاه من حصر عثمان حتی آل ذلک إلی قتله و هما من بعده یقرفان علیا فیما تولیاه و یدعیان لأنفسهما البراءة مما صنعاه و یجعلان شبهتهما فی استحلال قتاله ع دعوی الباطل المعروف بهتانا ممن ادعاه و هذا یکشف أن الأمر فیما ادعیاه و أظهراه من الطلب بدم عثمان کان بخلافه علی ما بیناه.
و مما جاءت به الأخبار فیما تولاه طلحة و الزبیر من عثمان ما رواه أبو إسحاق عن صلة بن زفر قال رأیت طلحة و الزبیر یرفلان فی أدراعهما فی قتل عثمان ثم جاءا من بعد إلی علی ع فبایعاه طائعین غیر مکرهین ثم صنعا ما صنعا.
الجمل، المفید ،ص:143
وَ رَوَی أَبُو حُذَیْفَةَ الْقُرَشِیُّ عَنِ الْحُصَیْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ جَاوَانَ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَیْسٍ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِینَةَ وَ سَاقَ حَدِیثاً طَوِیلًا مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ إِلَی أَنْ قَالَ فَلَمَّا لَقِحَتِ الْفِتْنَةُ وَ النَّاسُ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَی حَصْرِ عُثْمَانَ وَ هُوَ عَلَی خَطَرٍ أَتَیْتُ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرَ فَقُلْتُ لَهُمَا مَا أَرَی هَذَا الرَّجُلَ إِلَّا مَقْتُولًا فَمَنْ تَأْمُرَانِی أَنْ أُبَایِعَ تَرْضَیَانِهِ لِی فَقَالا عَلِیّاً فَخَرَجْتُ حَتَّی أَتَیْتُ مَکَّةَ وَ بِهَا عَائِشَةُ فَدَخَلْتُ عَلَیْهَا فَقُلْتُ إِنِّی لَأَحْسَبُ هَذَا الرَّجُلَ مَقْتُولًا فَمَنْ تَأْمُرِینِی أَنْ أُبَایِعَ فَقَالَتْ بَایِعْ عَلِیّاً فَقَضَیْتُ حِجَّتِی ثُمَّ مَرَرْتُ بِالْمَدِینَةِ وَ قَدْ قُتِلَ عُثْمَانُ فَبَایَعْتُ عَلِیّاً ثُمَّ عُدْتُ إِلَی الْبَصْرَةِ فَإِذَا عَائِشَةُ وَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ قَدْ جَاءُونَا یَطْلُبُونَ بِدَمِ عُثْمَانَ وَ یَأْمُرُونَنَا بِقِتَالِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَطَالَ عَجَبِی مِنْ ذَلِکَ.
وَ رَوَی أَبُو حُذَیْفَةَ عَنْ رِجَالِهِ أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَی عُثْمَانَ أَنْفَذُوا إِلَیْهِ اخْلَعْ نَفْسَکَ فَقَالَ لَا أَخْلَعُ سِرْبَالًا سَرْبَلَنِیهِ اللَّهُ تَعَالَی وَ کَتَبَ إِلَی مُعَاوِیَةَ یَسْتَدْعِیهِ بِجُنُودِ الشَّامِ وَ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ کُرَیْزٍ یَسْتَدْعِیهِ بِجُنُودِ الْبَصْرَةِ وَ خَرَجَ عُثْمَانُ حَتَّی صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَلَمَّا بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ أَقِمْ کِتَابَ اللَّهِ یَا عُثْمَانُ فَقَالَ هُوَ لَکَ ثُمَّ أَعَادَهَا ثَانِیَةً فَقَالَ هُوَ لَکَ فَأَعَادَهَا ثَالِثَةً فَتَقَنَّعَ وَ جَلَسَ فَقَامَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَخَلَّصُوهُ وَ
حُصِبَ عُثْمَانُ بِالْحَصَی حَتَّی سَقَطَ مَغْشِیّاً عَلَیْهِ فَحَمَلَتْهُ بَنُو أُمَیَّةَ حَتَّی أَدْخَلُوهُ الدَّارَ وَ جَاءَ عَلِیٌّ ع یَسْأَلُ عَنْ خَبَرِهِ وَ حَالِهِ فَثَارَتْ بَنُو أُمَیَّةَ إِلَیْهِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ یَا عَلِیُّ کَدَّرْتَ عَلَیْنَا الْعَیْشَ وَ عَمِلْتَ بِنَا الْعَمَلَ وَ اللَّهِ لَئِنْ بَلَغْتَ الَّذِی تُرِیدُ لَنُخْبِثَنَّ عَلَیْکَ الدُّنْیَا فَخَرَجَ عَلِیٌّ مُغْضَباً فَقَالَ الْقَوْمُ لِلْعَبَّاسِ بْنِ الزِّبْرِقَانِ بْنِ زَیْدٍ وَ کَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ الْحَارِثِ بْنِ الْحَکَمِ أَخِی
الجمل، المفید ،ص:144
مَرْوَانِ بْنِ الْحَکَمِ اتَّبِعِ الرَّجُلَ فَقُلْ لَهُ مَا لَکَ وَ لِابْنِ عَمِّکَ فَاتَّبَعَهُ فَقَالَ لَهُ ذَلِکَ فَقَالَ ع وَ هُوَ مُغْضَبٌ فَعَلَ اللَّهُ وَ فَعَلَ یَجْنِی مَا یَجْنِی وَ أُسْأَلُ عَنْ أَمْرِهِ وَ أُتَّهَمُ مَعَ ذَلِکَ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ لَا مَکَانِی لَأَجْتَزُّ الَّذِی فِیهِ عَیْنَا عُثْمَانَ
الجمل، المفید ،ص:145

موقف طلحة من عثمان‌

وَ لَمَّا أَبَی عُثْمَانُ أَنْ یَخْلَعَ نَفْسَهُ تَوَلَّی طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ حِصَارَهُ وَ النَّاسُ مَعَهُمَا عَلَی ذَلِکَ فَحَصَرُوهُ حَصْراً شَدِیداً وَ مَنَعُوهُ الْمَاءَ فَأَنْفَذَ إِلَی عَلِیٍّ ع یَقُولُ إِنَّ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرَ قَدْ قَتَلَانِی بِالْعَطَشِ وَ الْمَوْتُ بِالسِّلَاحِ أَحْسَنُ فَخَرَجَ عَلِیٌّ ع مُعْتَمِداً عَلَی یَدِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ الزُّهْرِیِّ حَتَّی دَخَلَ عَلَی طَلْحَةَ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ وَ هُوَ جَالِسٌ فِی دَارِهِ یَبْرِی نَبْلًا وَ عَلَیْهِ قَمِیصٌ هِنْدِیٌّ فَلَمَّا رَآهُ طَلْحَةُ رَحَّبَ بِهِ وَ وَسَّعَ لَهُ عَلَی الْوِسَادَةِ فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع إِنَّ عُثْمَانَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَیَّ أَنَّکُمْ قَدْ قَتَلْتُمُوهُ عَطَشاً وَ أَنَّ ذَلِکَ لَیْسَ بِالْحَسَنِ وَ الْقَتْلَ بِالسِّلَاحِ أَحْسَنُ لَهُ وَ کُنْتُ آلَیْتُ عَلَی نَفْسِی أَنْ لَا أَرُدَّ عَنْهُ أَحَداً بَعْدَ أَهْلِ مِصْرَ وَ أَنَا أُحِبُّ أَنْ تُدْخِلُوا عَلَیْهِ الْمَاءَ حَتَّی تَرَوْا رَأْیَکُمْ فِیهِ فَقَالَ طَلْحَةُ لَا وَ اللَّهِ لَا نُعْمَةُ عَیْنٍ لَهُ وَ لَا نَتْرُکُهُ یَأْکُلُ وَ لَا یَشْرَبُ فَقَالَ عَلِیٌّ ع مَا کُنْتُ أَظُنُّ أَنْ أُکَلِّمَ أَحَداً مِنْ قُرَیْشٍ فَیَرُدَّنِی دَعْ مَا کُنْتَ فِیهِ یَا طَلْحَةُ فَقَالَ طَلْحَةُ مَا کُنْتَ أَنْتَ یَا عَلِیُّ فِی ذَلِکَ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَقَامَ عَلِیٌّ ع مُغْضَباً وَ قَالَ سَتَعْلَمُ یَا ابْنَ الْحَضْرَمِیَّةِ أَکُونُ فِی ذَلِکَ مِنْ شَیْ‌ءٍ أَمْ لَا ثُمَ
الجمل، المفید ،ص:146
انْصَرَفَ.
و روی أبو حذیفة إسحاق بن بشر القرشی أیضا قال حدثنی یزید بن أبی زیاد عن عبد الرحمن بن أبی لیلی قال و الله إنی لأنظر إلی طلحة و عثمان محصور و هو علی فرس أدهم و بیده الرمح یجول حول الدار و کأنی أنظر إلی بیاض ما وراء الدرع‌

موقف الزبیر من عثمان‌

و روی أبو إسحاق قال لما اشتد بعثمان الحصار عمل بنو أمیة علی إخراجه لیلا إلی مکة و عرف الناس ذلک فجعلوا علیه حرسا و کان علی الحرس طلحة بن عبید الله و هو أول من رمی بسهم فی دار عثمان قال و أطلع عثمان و قد اشتد به الحصار و ظمئ من العطش فنادی أیها الناس اسقونا شربة من الماء و أطعمونا مما رزقکم الله فناداه الزبیر بن العوام یا نعثل لا و الله لا تذوقه.
و روی أبو حذیفة القرشی عن الأعمش عن حبیب بن أبی ثابت عن ثعلبة بن یزید الحمانی قال أتیت الزبیر و هو عند أحجار الزیت فقلت له یا أبا عبد الله قد حیل بین أهل الدار و بین الماء فنظر نحوهم و قال وَ حِیلَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ ما یَشْتَهُونَ
الجمل، المفید ،ص:147
کَما فُعِلَ بِأَشْیاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ کانُوا فِی شَکٍّ مُرِیبٍ.
فهذه الأحادیث من جملة کثیرة فی هذا المعنی و هی کاشفة عما ذکرناه من إدغال القوم من التظاهر بطلب دم عثمان و هم تولوا سفکه و لم یظهر أحد منهم إلا الذم علیه و لما بایع الناس علیا ع أظهروا الندم علی ما فرط منهم و قرفوه بما صنعوا و أثاروا الفتنة التی رجع علیهم منها ما کانوا أملوه فیها منه و هو الظاهر منهم و الباطن کان مخالفا للظاهر منهم فیما ادعوه بعثمان‌

فی موقف عائشة من عثمان‌

فأما أخبار تألیب عائشة علی عثمان فهی أظهر مما وردت به الأخبار فی تألیب طلحة و الزبیر علیه فمن ذلک ما رواه محمد بن إسحاق صاحب السیرة عن مشایخه عن حکیم بن عبد الله قال دخلت یوما بالمدینة المسجد فإذا کف مرتفعة و صاحب الکف یقول أیها الناس العهد قریب هاتان نعلا رسول الله ص و قمیصه کأنی أری ذلک القمیص یلوح و أن فیکم فرعون هذه الأمة فإذا هی عائشة و عثمان یقول لها اسکتی ثم یقول للناس إنها امرأة و عقلها عقل النساء فلا تصغوا إلی قولها.
و روی الحسن بن سعد قال رفعت عائشة ورقة من المصحف بین عودتین من
الجمل، المفید ،ص:148
وراء حجلتها و عثمان قائم ثم قالت یا عثمان أقم ما فی هذا الکتاب فقال لتنتهن عما أنت علیه أو لأدخلن علیک جمر النار فقالت له عائشة أما و الله لئن فعلت ذلک بنساء النبی ص لیلعنک الله و رسوله و هذا قمیص رسول الله لم یتغیر و قد غیرت سنته یا نعثل.
و روی لیت بن أبی سلیم عن ثابت بن عجلان الأنصاری عن ابن أبی عامر مولی الأنصار قال کنت فی المسجد فمر عثمان فنادته عائشة یا غدر یا فجر أخفرت أمانتک و ضیعت رعیتک و لو لا الصلوات الخمس لمشی إلیک الرجال حتی یذبحوک ذبح الشاة فقال عثمان ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِینَ کَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ کانَتا تَحْتَ عَبْدَیْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَیْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ یُغْنِیا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَیْئاً وَ قِیلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِینَ.
و روی محمد بن إسحاق و المدائنی و أبو حذیفة قال لما عرفت عائشة أن الرجل مقتول تجهزت إلی مکة فجاءها مروان بن الحکم و سعید بن العاص فقالا لها إنا لنظن أن الرجل مقتول و أنت قادرة علی الدفع عنه فإن تقیمی یدفع الله بک عنه
الجمل، المفید ،ص:149
قالت ما أنا بقاعدة و قد قدمت رکابی و غررت غرائری و أوجبت الحج علی نفسی فخرج من عندها مروان بن الحکم و هو یقول
و حرق قیس علی البلادحتی إذا اضطرمت أجذما .
فسمعته عائشة فقالت أیها المتمثل هلم قد سمعت ما تقول أ ترانی فی شک من صاحبک و الله لوددت أنه فی غرارة من غرائری حتی إذا مررت بالبحر قذفته فیه فقال مروان قد و الله تبنیت قد و الله تبنیت قال و سارت عائشة فاستقبلها ابن عباس بمنزل یقال له الصلعاء و ابن عباس یرید المدینة فقالت له یا ابن عباس إنک قد أوتیت عقلا و بیانا فإیاک أن ترد الناس عن قتل هذا الطاغیة.
و هذه أیضا جملة من کثیر ورد بها أخبار فی تألیب عائشة علی عثمان و السعی فی دمه اقتصرنا علیها کراهة الإملال بالتطویل و فیها أوضح دلیل علی أن ما تظاهرته من بعد بالطلب بدمه و المباینة لأمیر المؤمنین ع و جمع الجموع لحربه و الاجتهاد فی نقض عهده و أمره و سفک دمه لم یکن الباطن فیه کالظاهر بل کان لغیر ذلک فیما اشتهر عند المعتبرین لأعمال القوم قدیما و حدیثا و أغراضهم فی الأفعال
الجمل، المفید ،ص:150
و ما فیه من صریح القول عنهم فی عداوته ع فلیتأمل أولو الأبصار فیما رویناه و لیمعن النظر أهل الاعتبار فیما حکیناه یجد الأمر فیه علی ما وصفناه وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ
الجمل، المفید ،ص:151

فصل فی ندم طلحة و الزبیر علی البیعة

اشارة

قد قدمنا من القول فیما کان عمل علیه طلحة و الزبیر فی خلاف أمیر المؤمنین ع و المباینة له و التحیز عنه و هما لما کرها ولایته و أنکرا إمرته و لم یؤثرا من الناس بیعته لما کانا علیه من الطمع فی الولایة للأمر دونه و التأمر علی الناس بذلک ففاتهما منه ما أملاه و ندما علی إفراطهما فیما صنعاه مع التسخیر لهما من الله تعالی فی بذل بیعتهما له ع طوعا و اختیارا سنح لهما الاعتلال فی تسویغ خلافهما له بدعوی إکراهه لهما علی البیعة فتعلقا بذلک و جعلاه حجة لهما فی خلافه و ظنا به تمام الشبهة التی قصداها بغمر الأمر علی الجهال فلما وضح لهما تهافت ما اعتمداه فی ذلک بظهور اختیارهما لبیعته و إیثارهما لتقدمه علیهما و الرضا بإمامته و اشتهر ذلک عند الکافة من الخاصة و العامة و علما أنه لا حجة لهما فی دفع الظاهر بدعوی الباطن و أنه لو تم لهما التلبیس بدعوی الکراهیة الباطنیة لم تتم لهما حجة لأنه لا یسع لأحد کراهة بیعة المحق و لا یسوغ لأحد خلاف المهاجرین و الأنصار فی الرضا بما یجتمعون علیه من الرضا بإمامة المرتضی فی ظاهر الحال فکیف بمن یرضی برضا الله عنه فی الظاهر و الباطن علی کل حال و لأنهما لم یجدا شبهة یتعلقان بها فی کراهة إمامة أمیر المؤمنین
الجمل، المفید ،ص:152
ع مع جمعه للفضل و تقدم الإیمان و الذب عن الإسلام و الجهاد فی الدین و البلاء الحسن مع الرسول و العلم الظاهر الذی لا یختلف فی فضله اثنان من العلماء مع الزهد فی الدنیا و الورع عن محارم الله و حسن التدبیر و صواب الرأی و الرحم الماسة منه برسول الله ص و ما کان فیه من الأمور الدالة علی استحقاقه التقدم علی کافة الأنام من الأمة فإنه ص لم یول علیه والیا قط و لا أنفذه فی سریة إلا و هو أمیرها و سیدها و رئیسها و قائدها و عظیمها و أنه لم یفسد أحد علی عهد النبی أمرا فندبه إلیه إلا قوی فی تلافی فارطه و کان الأمر إذا أعضل فی شی‌ء ناطه به فأنجزه و کفی به و أغناه و فزع إلیه من بعده ص من تقدمه فی مقامه عند معضل الأمور فاستعلموا منه ما کان خافیا علیهم من أحکام الملة و صواب التدبیر فی مصالح الأمة فعلم طلحة و الزبیر أن التعلق فی خلافه بکراهة البیعة له شبهة داحضة لا تثبت بها حجة عند أحد من الفضلاء و العلماء و أنه لو ثبت ما ادعیاه من إکراههما علی البیعة لکان أسوء لحالهما عند الأمة و لکان له ع فی حکم الشریعة ذلک إذ للإمام القهر علی طاعته و الإکراه علی الإجابة إلی ما یلزم الأمة من کف الفتنة و شمول المصلحة فلما علم الرجلان ذلک و وضح لهما ما ذکرناه فی معانیه و لم یکونا ممن یخیل علیهما فساد الدعوی لما ادعیاه و قصورهما به عن غرضهما فیه عدلا إلی التظاهر بطلب دم عثمان و زعما أن الذی کان منهما قد تابا عنه و ادعیا أن التوبة لا تصح أن تتم لهما إلا ببذل الجهد فی طلب قاتلیه و الاقتصاص من ظالمیه و اشتبه الأمر بما سارا إلیه مما ذکرناه عنهما علی المستضعفین و استغویا به کثیرا من العامة البعداء عن فقه الدین.
الجمل، المفید ،ص:153

لحاق عائشة بالناکثین و عصیانها أمر الله‌

و سلکت عائشة فی خلافها لأمیر المؤمنین ع مسلکهما فی ذلک فتظاهرت به من الطلب بدم عثمان و الاقتصاص من قاتله و معلوم فی شریعة المسلمین أن ذلک لیس لهما و لا إلیهما و أنهما فیما تکلفاه منه علی شبهة باطلة عند الناظرین لأنهما لم یکونا أولیاء لدم عثمان و لا بینه و بینهما نسب یسوغهما للتخاصم فی دمه و لا إلی النساء أیضا الدخول فی شی‌ء من ذلک علی وجه من الوجوه إذ لیس علیهن جهاد و لا لهن أمر و لا نهی فی البلاد و العباد لا سیما مع ما خص الله به أزواج النبی ص فی الحکم المضاد لما صنعته هذه المرأة و تبینت بالخلاف فیه للدین و قص الله تعالی فی محکم التنزیل حیث یقول جل اسمه یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْواجِکَ وَ بَناتِکَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِینَ یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلَابِیبِهِنَّ ذلِکَ أَدْنی أَنْ یُعْرَفْنَ و فرض علیهن سبحانه التحصن و التجلبب و لا یتعرفن إلی أحد ففعلت هذه بضد ذلک من التبرج و هتک الحجاب و إطراح الجلباب و إظهار الصورة و إبداء الشخص و التهتک بین العامة فیما لا عذر لها فیه مع ما ارتکبته من قتال ولی الله الذی فرض علیها إعظامه و إجلاله و وجب علیها طاعته و حرم علیها معصیته و سفکت فیما صنعت دماء المؤمنین و أثارت الفتنة التی شانت بها المسلمین و أنی یواطئ ذلک ما أمرها الرسول
الجمل، المفید ،ص:154
ص به
فِی الْحَدِیثِ الْمَشْهُورِ فَقَدْ قِیلَ دَخَلَ ابْنُ أُمِّ مَکْتُومٍ وَ هُوَ أَعْمَی عَلَی النَّبِیِّ ص فَقَالَ لَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ ادْخُلِی الْخِبَاءَ یَا عَائِشَةُ فَاسْتَتِرِی بِهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ فَقَالَتْ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ أَعْمَی وَ لَنْ یَرَانِی فَقَالَ لَهَا إِنْ لَمْ یَرَاکِ فَإِنَّکِ تَرَیْنَهُ
. و قال الله سبحانه فیما أدب به أصحاب نبیه یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُیُوتَ النَّبِیِّ إِلَّا أَنْ یُؤْذَنَ لَکُمْ إِلی طَعامٍ غَیْرَ ناظِرِینَ إِناهُ وَ لکِنْ إِذا دُعِیتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَ لا مُسْتَأْنِسِینَ لِحَدِیثٍ إِنَّ ذلِکُمْ کانَ یُؤْذِی النَّبِیَّ فَیَسْتَحْیِی مِنْکُمْ وَ اللَّهُ لا یَسْتَحْیِی مِنَ الْحَقِّ وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِکُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِکُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ وَ ما کانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْکِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِکُمْ کانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِیماً.
فبین الله عز اسمه أن خطاب المؤمنین من أصحابه لأزواج نبیه ص یسوءه و یؤذیه و أن الانبساط لهن یشق علیه و یؤلمه و صانهن لصیانته و حراسته فنهی أن یؤنس بإحداهن أو یسألن متاعا إلا من وراء حجاب و نهی عن التلبث فی بیته بعد نیل الحاجة من طعامه و غیر ذلک لئلا یطول مقامهم فیه فتأنس أزواجه بهم أو یأنسون بکلامهن فکیف یکون هذا یوافق لما فعلته المرأة من مخالطتها للقوم و مسافرتها معهم و إطالة النجوی لهم و کونها بمحل من لا یحتشم فی خطاب و کلام و أمر و نهی و یؤنس بها فی کل حال و تصیر بذلک کأمیر العسکر و قائد الجیش الذی لا یتمکن من الاستخفاء عن أصحابه بحال إن هذا لعجیب عند من
الجمل، المفید ،ص:155
فکر فیه و الحکم بالعصیان به لله عز و جل و الإطراح لأمره و الاستخفاف بنواهیه غیر مشکل علی کل ذی عقل و من اشتبه علیه ضلالها فهو ممن یعد من الأموات هذا مع قول الله عز و جل یا نِساءَ النَّبِیِّ لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً وَ قَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی و معلوم عند کل ذی لب عرف الشرع و دان بالإسلام أن أزواج عثمان و بناته و بنات عمه من بنی أمیة الذین هن أمس رحما به من عائشة لو تکلفن ما تکلفته لکن عاصیات خارجات عن شرف الإسلام فما ظنک بالبعیدة نسبا النائیة عنه عقلا و مذهبا المقرفة قتله الساعیة فی دمه الداعیة إلی خلعه المانعة عن تصرفه و ما الذی أحدثه بعد إنکارها علیه مما یوجب رجوعها عما کانت علیه معتقدة و هل تراه أحدث عملا صالحا بعد قتله أو أحیاه الله لها فسألها نصرته أم أوحی الله إلیها من باطن أمره ما کان مستورا عنها کلا لکن الأمر فیما قصدته من حرب أمیر المؤمنین ع و تظاهرت علیه به من عداوته کان أظهر و أشهر من أن تخفیه بالعلل و الأباطیل و قد اجتمع أهل النقل عنها علی ما ذکرناه فی باطن الأمر و أوضحناه عنه فی وجوه الحجاج و بیناه
الجمل، المفید ،ص:157

فصل فی بغض عائشة لأمیر المؤمنین ع‌

اشارة

فمن ذلک ما رواه کافة العلماء عنها أنها کانت تقول لم یزل بینی و بین علی من التباعد ما یکون بین الأحماء و
قَالَتْ فِی خَبَرِهَا عَنْ قِصَّةِ الَّذِینَ رَمَوْهَا بِصَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ وَ مَا کَانَ مِنْهَا فِی غَزْوَةِ بَنِی الْمُصْطَلَقِ وَ هَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ ص لَهَا وَ إِعْرَاضِهِ عَنْهَا وَ اسْتَشَارَتِهِ فِی أَمْرِهَا أُسَامَةَ بْنَ زَیْدٍ قَالَتْ وَ کَانَ عَبْداً صَالِحاً مأمومنا [مُؤْمِناً وَ ذَکَرَ لَهُ قَذْفَ الْقَوْمِ بِصَفْوَانَ فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ لَا تَظُنَّ یَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا خَیْراً فَإِنَّ الْمَرْأَةَ مَأْمُونَةٌ وَ صَفْوَانُ عَبْدٌ صَالِحٌ ثُمَّ اسْتَشَارَ عَلِیّاً ع فَقَالَ لَهُ یَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْکَ النِّسَاءُ کَثِیرَةٌ وَ سَلْ بُرَیْرَةَ خَادِمَتَهَا وَ ابْحَثْ عَنْ
الجمل، المفید ،ص:158
خَبَرِهَا مِنْهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص فَتَوَلَّ أَنْتَ یَا عَلِیُّ تَقْرِیرَهَا فَقَطَعَ لَهَا عَلِیٌّ ع عُسُباً مِنَ النَّخْلِ وَ خَلَا بِهَا یَسْأَلُهَا عَنِّی وَ یَتَهَدَّدُهَا وَ یُرْهِبُهَا لَا جَرَمَ أَنِّی لَا أُحِبُّ عَلِیّاً أَبَداً.
فهذا تصریح منها ببغضها له و مقتها إیاه و لم یکن ذلک منه ع إلا النصیحة لله و لرسوله و اجتهاده فی الرأی و نصحه و امتثاله لأمر النبی ص و مسارعته إلی طاعته.
و من ذلک ما رواه کافة العلماء من حدیث عکرمة و ابن عباس و أن عکرمة خبره عن حدیث حدثته عائشة فی مرض رسول الله ص الذی توفی فیه حتی انتهت من ذلک إلی قولها فخرج رسول الله ص متوکئا علی رجلین من أهل بیته أحدهما الفضل بن العباس فقال عبد الله بن العباس لعکرمة فلم تسم لک الآخر قال لا و الله ما سمته فقال أ تدری من هو قال لا قال ذلک علی بن أبی طالب ع و ما کانت و الله أمنا تذکره بخیر و هی تستطیع.
الجمل، المفید ،ص:159
و الروایة المشهورة عن ابن عباس حین أنفذه أمیر المؤمنین ع إلی عائشة و هی بالبصرة نازلة فی قصر ابن خلف یأمرها بالرحیل إلی وطنها و الرجوع إلی بیتها و الحدیث مشهور قد ثبت فی کتب الجمل و غیرها أن ابن عباس قال لها إن أمیر المؤمنین ع یأمرک أن ترتحلی إلی بیتک فقالت رحم الله أمیر المؤمنین و إن تربدت له وجوه و رغمت له معاطس.
هذا مع الأخبار التی لا ریب فیها و لا مریة فی صحتها لاتفاق الرواة علیها أنها لما قتل أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ع جاء الناعی فنعاه لأهل المدینة فلما سمعت عائشة بنعیه استبشرت و تمثلت بقول الشاعر
فإن یک ناعیا فلقد نعاه‌بناع لیس فی فیه التراب .
فقالت لها زینب بنت أبی سلمة أ لعلی تقولین هذا فتضاحکت ثم قالت انسی فإذا نسیت فذکرونی ثم خرت ساجدة شکرا علی ما بلغها من قتله و رفعت رأسها و هی تقول
فألقت عصاها و استقر بها النوی‌کما قر عینا بالإیاب المسافر .
هذا و قد روی عن مسروق أنه قال دخلت علیها فاستدعت غلاما باسم
الجمل، المفید ،ص:160
عبد الرحمن فسألتها عنه فقالت عبدی فقلت کیف سمیته بعبد الرحمن قالت حبا لعبد الرحمن بن ملجم قاتل علی.
وَ الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَ إِلَیْهَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع بِالْبَصْرَةِ أَنِ ارْتَحِلِی عَنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ قَالَتْ لَا أَرِیمُ مَکَانِی هَذَا فَقَالَ لَهَا أَمْ وَ اللَّهِ لَتَرْتَحِلِنَّ أَوْ لَأُنْفِذَنَّ إِلَیْکِ نِسْوَةً مِنْ بَکْرِ بْنِ وَائِلٍ یَأْخُذْنَکِ بِشِقَاقٍ حِدَادٍ فَقَالَتْ لِرَسُولِهِ أَنَا أَرْتَحِلُ فَبِاللَّهِ أَحْلِفُ مَا کَانَ مَکَانٌ أَبْغَضَ إِلَیَّ مِنْ مَکَانٍ یَکُونُ هُوَ فِیهِ
و أمثال هذا مما لو أثبتناه لطال به الکتاب
الجمل، المفید ،ص:161

تناقض مواقف عائشة

و مما یؤکد ما ذکرناه من غرض القوم فی مباینة أمیر المؤمنین ع و مظاهرته بالخلاف و أنه لم یکن لإقامة حق و اجتهاد رأی فی إصابة طاعة و حوزة مثوبة بل کان لضغائن بینه و بینهم لأسباب سالفة و آنفة و طمع فی عاجل و حسد له و بغی علیه و أن حکم المرأة فیما ذکرناه ظاهر لذوی الاعتبار ما أجمع علی نقله رواة الآثار و نقلة السیر و الأخبار أنه لما قتل عثمان بن عفان خرج النعاة إلی الآفاق فلما وصل بعضهم إلی مکة سمعت بذلک عائشة فاستبشرت بقتله و قالت قتلته أعماله إنه أحرق کتاب الله و أمات سنة رسول الله ص فقتله الله قالت و من بایع الناس فقال لها الناعی لم أبرح من المدینة حتی أخذ طلحة بن عبید الله نعاجا لعثمان و عمل مفاتیح لأبواب بیت المال و لا شک أن الناس قد بایعوه فقال إیها ذا الإصبع قد وجدوک لها کافیا و بها محسنا ثم قالت شدوا رحلی فقد قضیت عمرتی لأتوجه إلی منزلی فلما شد رحلها و استوت علی مرکبها سارت
الجمل، المفید ،ص:162
حتی بلغت سرفا موضع معروف بهذا الاسم لقیها عبید ابن أم کلاب فقالت له ما الخبر فقال قتل عثمان فقالت قتل نعثل فقالت خبرنی عن قصته و کیف کان أمره فقال لما أحاط الناس بالدار و به رأیت طلحة بن عبید الله قد غلب علی الأمر و اتخذ مفاتیح علی بیوت الأموال و الخزائن و تهیأ لیبایع له فلما قتل عثمان مال الناس إلی علی بن أبی طالب ع و لم یعدلوا به طلحة و لا غیره و خرجوا فی طلب علی یقدمهم الأشتر و محمد بن أبی بکر و عمار بن یاسر حتی أتوا علیا ع و هو فی بیت سکن فیه فقالوا له بایعنا علی الطاعة لک فتلکأ ساعة فقال الأشتر یا علی إن الناس لا یعدلون بک غیرک فبایع قبل أن تختلف الناس قال و فی الجماعة طلحة و الزبیر فظننت أن سیکون بین طلحة و الزبیر و علی کلام قبل ذلک فقال الأشتر لطلحة قم یا طلحة فبایع قم یا زبیر فبایع فما تنتظران فقاما فبایعا و أنا أری أیدیهما علی یده یصفقانها ببیعته ثم صعد علی بن أبی طالب ع المنبر فتکلم بکلام لا أحفظه إلا أن الناس بایعوه یومئذ علی المنبر و بایعوه من الغد فلما کان الیوم الثالث خرجت و لا أعلم ما جری بعدی فقالت یا أخا بنی بکر أنت رأیت طلحة بایع علیا فقلت إی و الله رأیته بایعه و ما قلت إلا ما رأیت طلحة و الزبیر أول من بایعه فقالت إنا لله أکره و الله الرجل و غصب علی بن أبی طالب أمرهم و قتل خلیفة الله مظلوما ردوا بغالی ردوا بغالی فرجعت إلی مکة قال و سرت معها فجعلت تسألنی فی المسیر و جعلت أخبرها بما کان فقالت لی هذا بعدی و ما کنت أظن أن الناس یعدلون عن طلحة
الجمل، المفید ،ص:163
مع بلائه یوم أحد قلت فإن کان بالبلاء فصاحبه الذی بویع أشد بلاء و عناء فقالت یا أخا بنی بکر لم أسألک غیر هذا فإذا دخلت مکة و سألک الناس ما رد أم المؤمنین فقل القیام بدم عثمان و الطلب به و جاءها یعلی بن منیة فقال لها قد قتل خلیفتک الذی کنت تحرضین علی قتله فقالت برئت إلی الله من قاتله فقال لها الآن ثم قال لها أظهری البراءة ثانیا من قاتله قال فخرجت إلی المسجد فجعلت تتبرأ ممن قتل عثمان.
و هذا الخبر یصرح مضمونه عما ذکرناه من أنها لم تزل مقیمة علی رأیها فی استحلال دم عثمان حتی بلغها أن أمیر المؤمنین ع قد بویع دون طلحة و الزبیر قلبت الأمر و أظهرت ضد الذی کانت علیه من الرأی و أنه لو تم الأمر لطلحة لأقامت علی ما کانت علیه و أن طلحة و الزبیر کانا علی الرأی الأول فی عثمان و أنهما رجعا عنه لما فاتهما ما کانا یأملانه من ذلک و لم یرجعا عنه لما أظهراه من بعد الندم علی قتل عثمان و الدعاء إلی قتلته و لا رجعا عنه استبصارا بضلالة فأعلمنا ذلک أن الذی ادعته الحشویة لهم من اجتهاد الرأی فیه باطل و منحل و أن دعوی المعتزلة فی الشبهة علیهما فیما صارا إلیه من خلاف أمیر المؤمنین ع لیس بصحیح بل الحق فی ذلک ما ذهبت إلیه الشیعة فی تعمدهم الخلاف و أسباب ذلک العداوة له و الشنئان مع الطمع فی الدنیا و السعی فی عاجلها و التأمیل للتأمر علی الناس و التملک لأمرهم و بسط الید علیهم و أن الرجلین خاصة لما أیسا من نیل
الجمل، المفید ،ص:164
ما طمعا فیه من الأمر فوجدا الأمة لا تعدل بأمیر المؤمنین أحدا و عرفا رأی المهاجرین و الأنصار فی ذلک أرادا الحظوة عنده بالبدار إلی بیعته و ظنا أنهما بذلک یشرکانه فی أمره فلما استویا بالحال من بعد وضح لهما أمره و رأیه و تحققا أنهما لا یلیان معه أمرا فامتحنا ذلک مع ما غلب فی ظنهما کما ذکرناه بأن صارا إلیه بعد استقرار الأمر له ببیعة المهاجرین و الأنصار و بنی هاشم و کافة الناس إلا من شذ من بطانة عثمان و کانوا علی خفاء لأشخاصهم مخافة علی دمائهم من أهل الإیمان فصارا إلی أمیر المؤمنین ع فخطب إلیه طلحة ولایة العراق و طلب منه الزبیر ولایة الشام فأمسک ع عن إجابتهما فی شی‌ء من ذلک فانصرفا و هما ساخطان منه فعرفا ما کان غلب فی ظنهما قبل من رأیه ع فترکاه یومین أو ثلاثة أیام ثم صارا إلیه و استأذنا علیه فأذن لهما و کان فی علیة فی داره فصعدا إلیه و جلسا عنده بین یدیه و
قَالا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ عَرَفْتَ حَالَ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَ مَا نَحْنُ فِیهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَ قَدْ جِئْنَاکَ لِتَدْفَعَ إِلَیْنَا شَیْئاً نُصْلِحُ بِهِ أَحْوَالَنَا وَ نَقْضِی بِهِ حُقُوقاً عَلَیْنَا فَقَالَ ع: قَدْ عَرَفْتُمَا مَالِی بِیَنْبُعَ فَإِنْ شِئْتُمَا کَتَبْتُ لَکُمَا مِنْهُ مَا تَیَسَّرَ فَقَالا لَا حَاجَةَ لَنَا فِی مَالِکَ بِیَنْبُعَ فَقَالَ لَهُمَا فَمَا أَصْنَعُ فَقَالا لَهُ أَعْطِنَا مِنْ بَیْتِ الْمَالِ شَیْئاً فِیهِ لَنَا کِفَایَةٌ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع سُبْحَانَ اللَّهِ وَ أَیُّ یَدٍ لِی فِی بَیْتِ الْمَالِ ذَلِکَ لِلْمُسْلِمِینَ وَ أَنَا خَازِنُهُمْ وَ أَمِینٌ لَهُمْ فَإِنْ شِئْتُمَا رَقِیتُ الْمِنْبَرَ وَ سَأَلْتُهُمْ ذَلِکَ مِمَّا شِئْتُمَا فَإِنْ أَذِنُوا فِیهِ فَعَلْتُ وَ أَنَّی لِی بِذَلِکَ وَ هُوَ لِکَافَّةِ الْمُسْلِمِینَ شَاهِدِهِمْ
الجمل، المفید ،ص:165
وَ غَائِبِهِمْ لَکِنِّی أُبْلِی لَکُمَا عُذْراً قَالا مَا کُنَّا بِالَّذِی یُکَلِّفُکَ ذَلِکَ وَ لَوْ کَلَّفْنَاکَهُ لَمَا أَجَابَکَ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ لَهُمَا فَمَا أَصْنَعُ قَالا سَمِعْنَا مَا عِنْدَکَ ثُمَّ نَزَلَا مِنَ الْعُلِّیَّةِ وَ فِی أَرْضِ الدَّارِ خَادِمَةٌ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَسَمِعَتْهُمَا یَقُولَانِ وَ اللَّهِ مَا بَایَعْنَاهُ بِقُلُوبِنَا وَ إِنْ کُنَّا بَایَعْنَاهُ بِأَلْسِنَتِنَا فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللَّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً
الجمل، المفید ،ص:166

خروج طلحة و الزبیر إلی مکة

فترکاه یومین آخرین و قد جاءهما الخبر بإظهار عائشة بمکة ما أظهرته من کراهة أمره و البراءة ممن قتل عثمان و الدعاء إلی نصرته و الطلب بدمه و أن عمال عثمان قد هربوا من الأمصار إلی مکة بما احتجنوه من أموال المسلمین لخوفهم من أمیر المؤمنین ع و من معه من الأنصار و المهاجرین و أن مروان بن الحکم ابن عم عثمان و یعلی بن منیة خلیفته و عامله بالیمن و عبد الله بن عامر بن کریز ابن خاله و عامله علی البصرة قد اجتمعوا مع عائشة و هم یدبرون الأمر فی الفتنة
فَصَارَ الرَّجُلَانِ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ تَیَمَّمَا وَقْتَ خَلْوَتِهِ فَلَمَّا دَخَلَا عَلَیْهِ قَالا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ قَدْ جِئْنَاکَ نَسْتَأْذِنُکَ لِلْخُرُوجِ فِی الْعُمْرَةِ فَلَمْ یَأْذَنْ لَهُمَا فَقَالا نَحْنُ بَعِیدُو الْعَهْدِ بِهَا ائْذَنْ لَنَا فِیهَا فَقَالَ لَهُمَا وَ اللَّهِ مَا تُرِیدَانِ الْعُمْرَةَ وَ لَکِنَّکُمَا تُرِیدَانِ الْغُدْرَةَ وَ إِنَّمَا تُرِیدَانِ الْبَصْرَةَ فَقَالا اللَّهُمَّ غَفْراً مَا نُرِیدُ إِلَّا الْعُمْرَةَ فَقَالَ لَهُمَا ع احْلِفَا لِی بِاللَّهِ الْعَظِیمِ أَنَّکُمَا لَا تُفْسِدَانِ عَلَیَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِینَ وَ لَا تَنْکُثَانِ لِی بَیْعَةً وَ لَا تَسْعَیَانِ فِی فِتْنَةٍ فَبَذَلَا أَلْسِنَتَهُمَا بِالْأَیْمَانِ الْوَکِیدَةِ فِیمَا اسْتَحْلَفَهُمَا عَلَیْهِ مِنْ ذَلِکَ فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ لَقِیَهُمَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُمَا فَأَذِنَ لَکُمَا أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ قَالا نَعَمْ فَدَخَلَ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَابْتَدَأَهُ ع وَ قَالَ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَ عِنْدَکَ خَبَرٌ فَقَالَ قَدْ رَأَیْتُ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرَ فَقَالَ لَهُ إِنَّهُمَا اسْتَأْذَنَانِی فِی الْعُمْرَةِ فَأَذِنْتُ
الجمل، المفید ،ص:167
لَهُمَا بَعْدَ أَنِ اسْتَوْثَقْتُ مِنْهُمَا بِالْأَیْمَانِ أَنْ لَا یَغْدِرَا وَ لَا یَنْکُثَا وَ لَا یُحْدِثَا فَسَاداً وَ اللَّهِ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا قَصَدَا إِلَّا الْفِتْنَةَ فَکَأَنِّی بِهِمَا وَ قَدْ صَارَا إِلَی مَکَّةَ لِیَسْتَعِینَا عَلَی حَرْبِی فَإِنَّ یَعْلَی بْنَ مُنْیَةَ الْخَائِنَ الْفَاجِرَ قَدْ حَمَلَ أَمْوَالَ الْعِرَاقِ وَ فَارِسَ لِیُنْفِقَ ذَلِکَ وَ سَیُفْسِدُ هَذَانِ الرَّجُلَانِ عَلَیَّ أَمْرِی وَ یَسْفِکَانِ دِمَاءَ شِیعَتِی وَ أَنْصَارِی فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ إِذَا کَانَ عِنْدَکَ الْأَمْرُ کَذَلِکَ فَلِمَ أَذِنْتَ لَهُمَا وَ هَلَّا حَبَسْتَهُمَا وَ أَوْثَقْتَهُمَا بِالْحَدِیدِ وَ کَفَیْتَ الْمُسْلِمِینَ شَرَّهُمَا فَقَالَ لَهُ ع یَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَ تَأْمُرُنِی أَنْ أَبْدَأَ بِالظُّلْمِ وَ بِالسَّیِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَ أُعَاقِبَ عَلَی الظِّنَّةِ وَ التُّهَمَةِ أُؤَاخِذُ بِالْفِعْلِ قَبْلَ کَوْنِهِ کَلَّا وَ اللَّهِ لَا عَدَلْتُ عَمَّا أَخَذَ اللَّهُ عَلَیَّ مِنَ الْحُکْمِ بِالْعَدْلِ وَ لَا الْقَوْلِ بِالْفَصْلِ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّنِی أَذِنْتُ لَهُمَا وَ أَعْرِفُ مَا یَکُونُ مِنْهُمَا لَکِنَّنِی اسْتَظْهَرْتُ بِاللَّهِ عَلَیْهِمَا وَ اللَّهِ لَأَقْتُلَنَّهُمَا وَ لَیَخِیبَنَّ ظَنُّهُمَا وَ لَا یَلْقَیَانِ مِنَ الْأَمْرِ مُنَاهُمَا فَإِنَّ اللَّهَ یَأْخُذُهُمَا بِظُلْمِهِمَا لِی وَ نَکْثِهِمَا بَیْعَتِی وَ بَغْیِهِمَا عَلَیَ
. و هذا الخبر و الذی تقدمه مع ما ذکرناه من الأثر موجود فی مصنفات أصحاب السیر فقد أورده أبو مخنف لوط بن یحیی فی کتابه الذی صنفه فی حرب الجمل و جاء به الثقفی عن رجاله الکوفیین و الشامیین و غیرهم و لم یورد أحد من أصحاب الآثار نقیضه فی معناه و لا أثبت ضده فی فحواه و من تأمل ذلک علم أن القوم لم یکونوا فیما صنعوه علی جمیل طویة فی الدین و لا نصیحة للمسلمین و أن الذی أظهروه من الطلب بدم عثمان إنما کان تشبیها و تلبیسا علی العامة و المستضعفین و لو لا ما جعلوه من شعارهم بدعوی الانتصار بعثمان و التظاهر بتظلیم قاتلیه و خاذلیه
الجمل، المفید ،ص:168
و الندم علی ما فرط منهم فیه لما اختلف اثنان من العلماء و أتباعهم فی صواب رأی المسلمین فی عثمان و أنهم إنما اجتمعوا علی خلعه و قتله باستحقاقه ذلک بالأحداث التی أحدثها فی الدین و لکنهم ضلوا بما أظهروه و أفسدوا فسادا عظیما بما أضمروه و لم یؤثر فی المستضعفین فی هذا الباب إلا لنأیهم عن معرفة الأخبار و تدبر الآثار و اشتبه الأمر فیه علی جماعة النظار بجهلهم بما أثبتناه فی ذلک من الحدیث و بعدهم عن معرفة طرقه و لعل جمهورهم لم یسمع بشی‌ء منه فضلا عن تدبره و کل من ضل عن سبیل الحق إنما ضل بالتقلید و حسن الظن بمن لا یجب حسن الظن به و اعتقاد فضل من خرج عنه بسوء الرأی.
و طریق الإنصاف فیما ذکرناه و النظر فیما وصفناه و التأمل لما أثبتناه من الأخبار فیه و شرحناه و الرجوع إلی أهل السیر علی اختلافهم فی الآراء و المذاهب و إلی کتبهم المصنفة فی الفتن تعرف ذلک منهما و من تدبر الأمر یجده علی ما وصفناه و الله سبحانه و تعالی ولی التوفیق
الجمل، المفید ،ص:169

[باب فی] براءة أمیر المؤمنین ع من دم عثمان‌

[فصل] آخر من القول فیما یتصل بالکلام المقدم فی معانیه‌

قد اشتبه الأمر فی رأی أمیر المؤمنین ع و مذهبه فی حصر عثمان و قتله تشعب أقوال المختلفین فی ذلک و لم أجد أحدا من متکلمی أصحابنا الإمامیة ذکر مقالا یحصر القول فی ذلک و لا کلاما فی معناه یوضح الغرض الملتبس علی العقلاء و کل فریق عدا الإمامیة من أهل القبلة یقول فی ذلک بظن و ترجیم و لا یضع یده فی شی‌ء منه علی معرفة و یقین و الذی تدل الدلائل علیه من رأی أمیر المؤمنین ع فیما صنعه القوم بعثمان من الحصار و مطالبته للخلع و منعه الطعام و الشراب لغایة الإجابة لهم إلی ما دعوه إلیه من اعتزال الأمر ثم الهجوم علیه بالقتل و إلقائه علی بعض المزابل لا یرون الصلاة علیه و لا الدفن له و یمنعون من ذلک علی ما أجمعت
الجمل، المفید ،ص:170
علیه رواة الآثار و الأخبار المتفق علی صحته العلماء بالسیر و الآثار الکراهة منه ع لجملة ذلک و اعتزال القوم فیه غیر أنه لم یواط علی کراهته غیره علی نیته فیه و لا وافق سواه من مخالفیه علی طویتهم فی معناه و ذلک أنه ع لم یتسرع مع القوم فی دعاء عثمان إلی الاعتزال و لا رأی ما رأوه من حصاره و ما ولی ذلک من أفعالهم به لأنه ع علم عاقبة الأمر فی ذلک و تحققها و لم یخف علیه ما یکون فی مستقبل الأوقات من الفتنة بذلک و الاختلاف و الحروب و سفک الدماء بأن مخالفیه لقدیم العداوة له و البغضاء له و الشنئان و الحسد و البغی علیه بالطغیان سیقرفونه بقتل عثمان و السعی فی دمه بهتا له بذلک علی ما ذکرناه من الضعفاء فی الدین البعداء عن علمه و لم یصر إلی الاعتزال عما صنعه القوم بالرجل لولائه له و لا لاعتقاده بالجمیل فیه و کیف یکون اعتزاله لهم عما رأوه من خلعه و حصره و قتله لاعتقاد الحق له علیهم و ثبوت إمامته بحکم الله فی ذلک کما ظنه أولیاء الرجل و هو ع یعلم و یعلن أنه مظلوم بدفعه عن الأمر بعد النبی ص و تقدم من لا یستحق علیه و التصغیر من شأنه و الحط بذلک له عن قدره و إغراء السفهاء بذلک فی جحد فضله و إنکار فرضه و تظلمه من القوم جمیعا فی مقام بعد مقام علی التلویح و التصریح و التحقیق و التعریض
کَقَوْلِهِ ع
الجمل، المفید ،ص:171
اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِیکَ عَلَی قُرَیْشٍ فَإِنَّهُمْ ظَلَمُونِی وَ مَنَعُونِی حَقِّی
أی إرثی فی مقام مشهور.
وَ قَوْلِهِ ع: فِی مَقَامٍ آخَرَ- اللَّهُمَّ اجْزِ قُرَیْشاً عَنِّی الْجَوَازِیَ فَقَدْ ظَلَمُونِی حَقِّی وَ صَغَّرُوا شَأْنِی وَ مَنَعُونِی إِرْثِی
وَ قَوْلِهِ ع فِی مَقَامٍ آخَرَ-: لَمْ أَزَلْ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص
وَ قَوْلِهِ ع: اللَّهُمَّ اجْزِ عُمَرَ لَقَدْ ظَلَمَ الْحَجَرَ وَ الْمَدَرَ
وَ قَوْلِهِ ع فِی مَقَامٍ آخَرَ: وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَعَهِدَ النَّبِیُّ ص إِلَیَّ أَنَّهُ سَتَغْدِرُ بِکَ الْأُمَّةُ مِنْ بَعْدِی
وَ قَوْلِهِ ع فِی مَقَامٍ آخَرَ-: لَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِیَّهُ ص لَمْ نَکُنْ نَرَی أَنَّ أَحَداً یَعْدِلُ بِهَذَا الْأَمْرِ عَنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ حَتَّی قَوِیَ مَنْ قَوِیَ عَلَیْهِ فَابْتَزَّنَا حَقَّنَا مِنْهُ
وَ قَوْلِهِ ع فِی مَقَامٍ آخَرَ: فَلَمَّا مَضَی نَبِیُّنَا ص تَقَلَّدَهَا أَبُو بَکْرٍ وَ إِنَّهُ وَ اللَّهِ لَیَعْلَمُ أَنِّی أَوْلَی بِهَا مِنْهُ کَقَمِیصِی هَذَا وَ قَبَضَ قَمِیصَهُ بِیَدِهِ
وَ قَوْلِهِ ع فِی خُطْبَتِهِ الْمَشْهُورَةِ-:
أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِی قُحَافَةَ وَ إِنَّهُ لَیَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّی مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَی یَنْحَدِرُ عَنِّی السَّیْلُ وَ لَا یَرْقَی إِلَیَّ الطَّیْرُ فَصَبَرْتُ وَ فِی الْعَیْنِ قَذًی وَ فِی الْحَلْقِ
الجمل، المفید ،ص:172
شَجاً أَرَی تُرَاثِی نَهْباً حَتَّی إِذَا حَضَرَ أَجَلُهُ جَعَلَهَا فِی صَاحِبِهِ عُمَرَ فَیَا عَجَبَا بَیْنَا هُوَ یَسْتَقِیلُهَا فِی حَیَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فِی کَلَامِهِ الْمَشْهُورِ حَتَّی انْتَهَی إِلَی الشُّورَی «ذَکَرَ عُمَرَ وَ قَالَ»: فَجَعَلَهَا شُورَی فِی سِتَّةٍ زَعَمَ أَنِّی أَحَدُهُمْ فَیَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَی مَتَی اخْتَلَجَ الرَّیْبُ فِیَّ مَعَ الْأَوَّلَیْنِ حَتَّی صِرْتُ أُقْرَنُ بِهَذِهِ النَّظَائِرِ «ثُمَّ مَدَّ فِی کَلَامِهِ حَتَّی انْتَهَی إِلَی بَیْعَةِ عُثْمَانَ فَذَکَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فِی اخْتِیَارِهِ لِعُثْمَانَ عَلَیْهِ فَقَالَ»-:
وَ نَهَضَ وَاحِدٌ لِضِغْنِهِ وَ مَالَ آخَرُ لِصِهْرِهِ
. و کان عبد الرحمن صهر عثمان علی أخته فی الکلام الثابت فی الخطبة إلی آخرها.
وَ قَوْلِهِ ع فِی أَوَّلِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ وَ بَیْعَةِ النَّاسِ لَهُ:
قَدْ مَضَتْ أُمُورٌ کُنْتُمْ فِیهَا غَیْرَ مَحْمُودِی الرَّأْیِ أَمَا إِنِّی لَوْ أَشَاءُ أَقُولُ لَقُلْتُ وَ لَکِنْ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ سَبَقَ الرَّجُلَانِ وَ قَامَ الثَّالِثُ کَالْغُرَابِ هِمَّتُهُ بَطْنُهُ وَ فَرْجُهُ یَا وَیْلَهُ لَوْ قُصَّ جَنَاحُهُ وَ قُطِعَ رَأْسُهُ لَکَانَ خَیْراً لَهُ «حَتَّی انْتَهَی إِلَی قَوْلِهِ»: وَ قَدْ أَهْلَکَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ وَ قَارُونَ
یتصل بهذا الکلام إلی آخر الخطبة.
وَ قَوْلِهِ عِنْدَ بَیْعَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِعُثْمَانَ یَوْمَ الشُّورَی: وَ اللَّهِ مَا أَمَّلْتَ مِنْهُ إِلَّا مَا أَمَّلَ صَاحِبُکَ مِنْ صَاحِبِهِ دَقَّ اللَّهُ بَیْنَکُمَا عِطْرَ مَنْشِمٍ
ثم انصرف.
و أمثال هذا الکلام کثیر إن قصدنا إلی إثباته لطال به الکتاب و فی ثبوت النص علی أمیر المؤمنین ع بالإمامة فی القرآن و الأخبار المتواترة عن النبی ص أوضح دلیل علی أنه ع لم یکن راضیا
الجمل، المفید ،ص:173
بتقدم أحد علیه فی مقام النبوة و لا مصوبا لهم فی ادعاء الإمامة فکیف و قد تضافرت الأخبار بما ذکرناه و بما کشف به عن عقیدته فیه و رأیه فی القوم علی ما بیناه و لو لم یکن علیه نص فی الإمامة و لا ورد فیه مقال فی إنکار ما صنعه القوم فی التقدم علیه فی الأمر لکان الدلیل القاهر من فضله ع و ثبوته عن جماعتهم بذلک کافیا فی کراهة أمرهم و إنکاره علیهم و لو انسد الطریق فی ذلک أجمع و اشتبه الأمر فیه لم یعترض ریب فی إنکاره لأحداث عثمان بن عفان التی أجمع علی إنکارها المهاجرون و الأنصار و التابعون بإحسان و ما تظاهرت به الأخبار من موالیه ع الإنکار علیه فی مقام بعد مقام
الجمل، المفید ،ص:175

[باب] ما نقموه علی عثمان‌

[فصل فی] تعطیل عثمان الحد عن عبید الله بن عمر بن الخطاب‌

أَ لَا تَرَی إِلَی مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ مِنْ إِنْکَارِهِ ع إِدْرَاءَ الْحَدِّ عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ قَدِ اسْتَحَقَّ الْقَوَدَ بِقَتْلِهِ الْهُرْمُزَانَ وَ مَنْ قَتَلَهُ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ بِغَیْرِ حَقٍّ فِی مُقْتَضَی شَرِیعَةِ الْإِسْلَامِ وَ لَمَّا طَالَبَهُ بِالْقَوَدِ مِنْهُ تَعَلَّلَ عُثْمَانُ تَارَةً بِأَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ وَ لَا یَرَی قَتْلَهُ الْیَوْمَ لِمَا تَحْزَنُ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِکَ وَ تَتَوَاتَرُ عَلَیْهِمُ الْهُمُومُ وَ الْغُمُومُ وَ لِمَا یَخَافُ مِنْ الِاضْطِرَابِ بِهِ وَ الْفَسَادِ فَرَدَّ عَلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع هَذَا الرَّأْیَ وَ أَعْلَمَهُ أَنَّ حُدُودَ اللَّهِ لَا تَسْقُطُ وَ لَا یَجُوزُ تَضْیِیعُهَا بِمِثْلِ هَذَا الِاعْتِلَالِ فَعَدَلَ عُثْمَانُ إِلَی التَّعَلُّلِ بِالرَّأْیِ فِی إِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ خِلَافاً عَلَی رَأْیِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فِیهِ وَ مُضَادَّةً لِمَا ادَّعَاهُ عَلَیْهِ وَ أَشَارَ بِهِ عَلَیْهِ فِی حُکْمِ اللَّهِ
الجمل، المفید ،ص:176
وَ قَالَ الْهُرْمُزَانُ رَجُلٌ غَرِیبٌ لَا وَلِیَّ لَهُ وَ أَنَا وَلِیُّ مَنْ لَا وَلِیَّ لَهُ وَ قَدْ رَأَیْتُ الْعَفْوَ عَنْ قَاتِلِهِ
فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع: لَیْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ یَعْفُوَ عَنْ حَدٍّ یَتَعَلَّقُ بِالْمَخْلُوقِینَ إِلَّا أَنْ یَعْفُوَ الْأَوْلِیَاءُ عَنْهُ وَ لَیْسَ لَکَ أَنْ تَعْفُوَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَ لَکِنْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْرَأَ الْحَدَّ عَنْهُ فَأَدِّ الدِّیَةَ إِلَی الْمُسْلِمِینَ الَّذِینَ هُمْ أَوْلِیَاءُ الْهُرْمُزَانِ وَ اقْسِمْهَا مَعَ مَا فِی بَیْتِ الْمَالِ عَلَی مُسْتَحِقِّیهِ فَلَمَّا رَأَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع دِفَاعَ عُثْمَانَ عَنِ الْحَدِّ الْوَاجِبِ فِی حُکْمِ اللَّهِ وَ تَعَلُّلِهِ فِی ذَلِکَ قَالَ لَهُ: أَمَّا أَنْتَ فَمُطَالَبٌ بِدَمِ الْهُرْمُزَانِ یَوْمَ یَعْرِضُ اللَّهُ الْخَلْقَ لِلْحِسَابِ وَ أَمَّا أَنَا فَإِنَّنِی أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ وَقَعَتْ عَیْنِی عَلَی عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَآخُذَنَّ حَقَّ اللَّهِ مِنْهُ وَ إِنْ رَغِمَ أَنْفُ مَنْ رَغِمَ
فَاسْتَدْعَی عُثْمَانُ عُبَیْدَ اللَّهِ لَیْلًا وَ أَمَرَهُ بِالْهَرَبِ مِنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَخَرَجَ مِنَ الْمَدِینَةِ لَیْلًا وَ قَدْ أَصْحَبَهُ عُثْمَانُ کِتَاباً أَقْطَعَهُ فِیهِ الْکُوفَةَ فَهِیَ تُسَمَّی کُوَیْفَةَ ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ یَزَلْ بِهَا حَتَّی وَلِیَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع فَکَانَ عُبَیْدُ اللَّهِ فِی جُمْلَةِ الْمُبَایِنِینَ لَهُ وَ اجْتَهَدَ فِی حَرْبِهِ مَعَ جُنْدِ الشَّامِ فَقَتَلَهُ اللَّهُ بِبَغْیِهِ وَ لَقَّاهُ أَعْمَالَهُ وَ کَفَی الْمُسْلِمِینَ شَرَّهُ
الجمل، المفید ،ص:177

فصل تظلم أهل الکوفة من الولید بن عقبة إلی عثمان‌

وَ لَمَّا وَرَدَ أَهْلُ الْکُوفَةِ یَتَظَلَّمُونَ مِنَ الْوَلِیدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِی مُعَیْطٍ وَ شَهِدُوا عَلَیْهِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَ سُکْرِهِ وَ صَلَاتِهِ فِیهَا بِالنَّاسِ الْفَجْرَ وَ هُوَ سَکْرَانُ وَ أَنَّهُ قَاءَ بِالْخَمْرِ فِی الْمِحْرَابِ وَ نَامَ فِی مَوْضِعِهِ حَتَّی حُمِلَ مِنْهُ وَ جَعَلَ بِمَوْضِعِ الْقُرْآنِ شِعْراً مَشْهُوراً فَاغْتَاظَ عُثْمَانُ مِنَ الشُّهُودِ وَ تَغَیَّرَ عَلَیْهِمْ وَ أَمَرَ بِضَرْبِهِمْ فَصَارُوا إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع یَشْکُونَ إِلَیْهِ أَمْرَهُمْ وَ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عُثْمَانَ فَقَامَ عَلِیٌّ ع حَتَّی دَخَلَ عَلَیْهِ فَلَمَّا رَآهُ عُثْمَانُ قَالَ مَا لَکَ یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ أَ حَدَثَ أَمْرٌ قَالَ نَعَمْ حَدَثَ أَمْرٌ عَظِیمٌ قَالَ عُثْمَانُ وَ مَا ذَاکَ قَالَ عُطِّلَتِ الْحُدُودُ وَ ضُرِبَتِ الشُّهُودُ فَقَالَ عُثْمَانُ فَمَا تَرَی قَالَ أَرَی أَنْ تَعْزِلَ أَخَاکَ عَنِ الْکُوفَةِ وَ تَسْتَدْعِیَهُ وَ تُقِیمَ عَلَیْهِ الْحَدَّ قَالَ أَنْظُرُ فِی هَذَا
الجمل، المفید ،ص:178

فصل فی اعتراض أبی ذر علی عثمان‌

وَ لَمَّا کَانَ مِنْ إِنْکَارِ أَبِی ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحْدَاثَ عُثْمَانَ مَا کَانَ وَ دَخَلَ عَلَیْهِ بَعْضَ الْأَیَّامِ وَ عِنْدَهُ قَوْمٌ یَمْدَحُونَهُ بِالْأَبَاطِیلِ فَأَخَذَ بِیَدِهِ کَفّاً مِنَ التُّرَابِ فَضَرَبَ بِهِ وُجُوهَهُمْ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ وَیْلَکَ مَا هَذَا تَضْرِبُ وُجُوهَ الْمُسْلِمِینَ بِالتُّرَابِ قَالَ إِنِّی لَمْ أَفْعَلْ إِلَّا مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ص
اعْلَمْ أَنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ إِذَا رَأَیْتُمُ الْمَدَّاحِینَ فَاحْثُوا فِی وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ
وَ قَدْ رَأَیْتُ هَؤُلَاءِ یَتَقَرَّبُونَ بِالْأَبَاطِیلِ إِلَیْکَ وَ یَمْدَحُونَکَ بِمَا لَیْسَ فِیکَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ کَذَبْتَ فَبَیْنَا هُوَ یُکَذِّبُهُ وَ یَغْلُظُ لَهُ فِی الْقَوْلِ وَ أَبُو ذَرٍّ یُخَاصِمُهُ إِذْ
دَخَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ یَا عَلِیُّ أَ مَا تَرَی هَذَا الْکَذَّابَ کَیْفَ یَکْذِبُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ أَنْزِلْهُ یَا عُثْمَانُ فِیمَا قَالَ مَنْزِلَةَ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ اسْمُهُ إِنْ یَکُ کاذِباً فَعَلَیْهِ کَذِبُهُ وَ إِنْ یَکُ صادِقاً یُصِبْکُمْ بَعْضُ الَّذِی یَعِدُکُمْ فَغَضِبَ عُثْمَانُ وَ قَالَ اسْکُتْ بِفِیکَ التُّرَابُ فَجَثَا ع عَلَی رُکْبَتَیْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ بَلْ بِفِیکَ التُّرَابُ سَیَکُونُ
الجمل، المفید ،ص:179

فصل فی غضب عثمان من إقامة الحد علی الولید

وَ لَمَّا حَضَرَ الْوَلِیدُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَیْهِ أَخَذَ عُثْمَانُ السَّوْطَ فَأَلْقَاهُ إِلَی مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَ قَالَ وَ هُوَ مُغْضَبٌ مَنْ شَاءَ مِنْکُمْ فَلْیَقُمِ الْحَدَّ عَلَی أَخِی فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ عَنْ ذَلِکَ
فَنَهَضَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ بِیَدِهِ السَّوْطُ إِلَی الْوَلِیدِ فَلَمَّا رَآهُ الْوَلِیدُ یَقْصِدُ نَحْوَهُ لِیَضْرِبَهُ نَهَضَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِیَنْصَرِفَ فَبَادَرَ إِلَیْهِ ع فَقَبَضَهُ فَشَتَمَهُ الْوَلِیدُ فَسَبَّهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع بِمَا کَانَ أَهْلَهُ وَ تَعْتَعَهُ حَتَّی أَثْبَتَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَیْهِ فَاسْتَشَاطَ عُثْمَانُ مِنْ ذَلِکَ وَ قَالَ لَهُ لَیْسَ لَکَ أَنْ تُتَعْتِعَهُ یَا عَلِیُّ وَ لَا لَکَ أَنْ تَسُبَّهُ فَقَالَ لَهُ ع بَلْ لِی أَنْ أَقْهَرَهُ عَلَی الصَّبْرِ عَلَی الْحَدِّ وَ مَا سَبَبْتُهُ إِلَّا لِمَا سَبَّنِی بِبَاطِلٍ فَقُلْتُ فِیهِ حَقّاً ثُمَّ ضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ وَ کَانَ لَهُ رَأْسَانِ أَرْبَعِینَ جَلْدَةً فِی الْحِسَابِ بِثَمَانِینَ فَحَقَدَهَا عَلَیْهِ عُثْمَانُ
الجمل، المفید ،ص:180

فصل إرجاع عثمان طرید رسول الله ص إلی المدینة

وَ لَمَّا رَدَّ عُثْمَانُ طَرِیدَ رَسُولِ اللَّهِ ص الْحَکَمَ بْنَ أَبِی الْعَاصِ وَ کَانَ قَدْ نَفَاهُ عَنِ الْمَدِینَةِ إِلَی الطَّائِفِ وَ ذَلِکَ أَنَّهُ کَانَ یُؤْذِی النَّبِیَّ ص حَتَّی بَلَغَ مِنْ أَذَاهُ أَنَّهُ کَانَ یَتَسَلَّقُ عَلَی حَائِطِ بَیْتِهِ لِیَرَاهُ مَعَ أَزْوَاجِهِ فَبَصُرَ بِهِ ص وَ هُوَ مُتَطَلِّعٌ عَلَیْهِ فَلَمَّا وَقَعَتْ عَیْنَاهُ فِی عَیْنَیْهِ کَلَحَ فِی وَجْهِ النَّبِیِّ ص ثُمَّ نَزَلَ وَ
کَانَ النَّبِیُّ ص إِذَا مَشَی مَشَی خَلْفَهُ الْحَکَمُ ثُمَّ تَخَلَّعَ فِی مِشْیَتِهِ یَحْکِیهِ ص وَ کَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص الْتِفَاتَةٌ إِلَیْهِ فَقَالَ لَهُ کُنْ کَمَا أَنْتَ فَلَا یَقْدِرُ عَلَی الْمَشْیِ بَعْدَهَا إِلَّا مُخْتَلِعاً
وَ کَانَ یَقِفُ نُصْبَ عَیْنَیْهِ فَإِذَا تَکَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِشَیْ‌ءٍ مِنَ الْوَحْیِ أَوْ شَرَّعَ لِأُمَّتِهِ مِنَ الدِّینِ شَیْئاً أَوْ وَعَظَهُمْ وَ أَنْذَرَهُمْ أَوْ وَعَدَهُمْ أَوْ رَغَّبَهُمْ أَوْ عَلَّمَهُمْ شَیْئاً مِنَ الْحُکْمِ لَوَّی الْحَکَمُ شِدْقَیْهِ فِی وَجْهِهِ یَحْکِیهِ وَ یَعِیبُ بِهِ فَلَمَّا طَالَ
الجمل، المفید ،ص:181
ذَلِکَ مِنْهُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَدْ کَانَ یُدَارِی قَوْمَهُ مِنْ قَبْلُ بِالصَّبْرِ عَلَیْهِ نَفَاهُ إِلَی الطَّائِفِ وَ أَبَاحَ دَمَهُ مَتَی وُجِدَ بِالْمَدِینَةِ وَ مَضَی رَسُولُ اللَّهِ ص وَ الْحَکَمُ مَطْرُودٌ فَلَمَّا وُلِّیَ أَبُو بَکْرٍ جَاءَهُ عُثْمَانُ فَسَأَلَهُ فِی رَدِّهِ فَامْتَنَعَ عَلَیْهِ وَ قَالَ لَهُ قَدْ مَضَی رَسُولُ اللَّهِ ص وَ لَمْ یَأْذَنْ لَهُ فِی الرَّدِّ فَإِنِّی لَا أَرُدُّهُ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَکْرٍ وَ وُلِّیَ عُمَرُ الْأَمْرَ جَاءَهُ عُثْمَانُ لِیَسْأَلَهُ فِی رَدِّهِ فَقَالَ قَدْ کُنْتَ سَأَلْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص فِی ذَلِکَ فَلَمْ یُجِبْکَ وَ سَأَلْتَ أَبَا بَکْرٍ فَلَمْ یُجِبْکَ وَ لَسْتُ أَنَا أُجِیبُکَ إِلَی مَا سَأَلْتَ فَأَمْسِکْ یَا عُثْمَانُ فَإِنِّی لَا أُخَالِفُ صَاحِبَیَّ فَلَمَّا وُلِّیَ عُثْمَانُ الْأَمْرَ اسْتَدْعَاهُ مِنَ الطَّائِفِ إِلَی الْمَدِینَةِ وَ آوَاهُ وَ حَبَاهُ وَ أَعْطَاهُ وَ أَقْطَعَهُ الْمِرْبَدَ بِمَدِینَةِ الرَّسُولِ ص فَعَظُمَ ذَلِکَ عَلَی الْمُسْلِمِینَ وَ قَالُوا آوَیَ طَرِیدَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ حَبَاهُ وَ أَعْطَاهُ وَ صَارُوا إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَسَأَلُوهُ أَنْ یُکَلِّمَهُ فِی إِخْرَاجِهِ عَنِ الْمَدِینَةِ وَ رَدِّهِ إِلَی حَیْثُ نَفَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ص
فَجَاءَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ یَا عُثْمَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَدْ نَفَی هَذَا الرَّجُلَ عَنِ الْمَدِینَةِ وَ مَاتَ وَ لَمْ یَرُدَّهُ وَ أَنَّ صَاحِبَیْکَ سَلَکَا سَبِیلَهُ فِی تَبْعِیدِهِ وَ ابْتِغَاءِ سُنَّتِهِ فِی ذَلِکَ فَقَدْ عَظُمَ عَلَی الْمُسْلِمِینَ مَا صَنَعْتَ فِی رَدِّهِ وَ إِیوَائِهِ فَأَخْرِجْهُ عَنِ الْمَدِینَةِ وَ اسْلُکْ فِی ذَلِکَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ یَا عَلِیُّ قَدْ عَلِمْتَ مَکَانَ هَذَا الرَّجُلِ مِنِّی وَ أَنَّهُ عَمِّی وَ قَدْ کَانَ النَّبِیُّ ص أَخْرَجَهُ لَیْلًا عَنْهُ لِبَلَاغِهِ مَا لَمْ یَصِحَّ عَلَیْهِ وَ قَدْ مَضَی النَّبِیُّ ص لِسَبِیلِهِ وَ رَأَی أَبُو بَکْرٍ وَ عُمَرُ مَا رَأَیَاهُ وَ أَنَا أَرَی أَنْ أَصِلَ رَحِمِی وَ أَقْضِیَ حَقَّ عَمِّی
الجمل، المفید ،ص:182
وَ لَیْسَ هُوَ شَرَّ أَهْلِ الْأَرْضِ وَ فِی النَّاسِ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ فَقَالَ ع وَ اللَّهِ لَئِنْ أَبْقَیْتَهُ یَا عُثْمَانُ لَیَقُولَنَّ النَّاسُ فِیکَ شَرّاً مِنْ هَذَا وَ شَرّاً مِنْ هَذَا
الجمل، المفید ،ص:183

فصل فی استئثار عثمان ببیت المال‌

وَ لَمَّا کَانَ مِنْ عُثْمَانَ مِنْ تَفْرِیقِ مَا فِی بَیْتِ الْمَالِ عَلَی أَوْلِیَائِهِ وَ أَقْرِبَائِهِ وَ إِخْرَاجِ خُمُسِ مَالِ إِفْرِیقِیَّةَ إِلَی مَرْوَانَ بْنِ الْحَکَمِ وَ تَسْوِیغِهِ إِیَّاهُ وَ حِبَائِهِ زَیْدَ بْنَ ثَابِتٍ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ بَیْتِ الْمَالِ وَ إِقْطَاعِهِ مَنْ أَقْطَعَ مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِینَ وَ إِجَازَتِهِ الشُّعَرَاءَ/ بِکَثِیرٍ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِینَ أَعْظَمَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِکَ وَ فَزِعُوا إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَدَخَلَ عَلَیْهِ وَ وَعَظَهُ وَ ذَکَرَ لَهُ مَا عَلَیْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ إِنْکَارِهِ بِمَا عَمِلَهُ فَسَکَتَ عُثْمَانُ وَ لَمْ یُجِبْهُ بِحَرْفٍ فَلَمَّا طَالَ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع سُکُوتُهُ قَالَ لَهُ بِمَا ذَا أَرْجِعُ إِلَی الْمُسْلِمِینَ عَنْکَ أَ لَکَ عُذْرٌ فِیمَا فَعَلْتَ قَالَ انْصَرِفْ یَا ابْنَ أَبِی طَالِبٍ فَسَأَخْرُجُ إِلَی الْمَسْجِدِ وَ تَسْمَعُ مِنِّی جَوَابَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ.
ثُمَّ خَرَجَ عُثْمَانُ بَعْدَ وَقْتٍ حَتَّی صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَ اجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ لِسَمَاعِ کَلَامِهِ فَقَالَ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِینَ قَدْ بَلَغَنِی خَوْضُکُمْ فِی بِرِّی أَهْلَ بَیْتِی وَ صِلَتِی لَهُمْ وَ حِبَایَ لِمَنْ حَبَوْتُ مِنْ أَهْلِ بَیْتِی وَ أَوْلِیَائِی وَ ذَوِی قَرَابَتِی إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص کَانَ مِنْ بَنِی هَاشِمٍ فَحَبَا أَهْلَهُ وَ وَصَلَهُمْ وَ جَعَلَ لَهُمُ الْخُمُسَ نَصِیباً وَ وَفَّرَهُ عَلَیْهِمْ
الجمل، المفید ،ص:184
وَ نَحَلَهُمْ صَفْوَ الْأَمْوَالِ وَ أَغْنَاهُمْ عَنِ السُّؤَالِ وَ إِنَّ أَبَا بَکْرٍ حَبَا أَهْلَهُ وَ خَصَّهُمْ بِمَا شَاءَ مِنَ الْمَالِ وَ إِنَّ عُمَرَ حَبَا بَنِی عَدِیٍّ وَ أَصْفَاهُمْ وَ خَصَّهُمْ بِالْإِکْرَامِ وَ الْإِعْظَامِ وَ أَعْطَاهُمْ مَا شَاءَ مِنَ الْمَالِ وَ إِنَّ بَنِی أُمَیَّةَ وَ عَبْدَ شَمْسٍ أَهْلِی وَ خَاصَّتِی وَ أَنَا أَخُصُّهُمْ بِمَا شِئْتُ مِنَ الْمَالِ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ قَدَرْتُ عَلَی مَفَاتِیحِ الْجَنَّةِ لَسَلَّمْتُهَا إِلَی بَنِی أُمَیَّةَ عَلَی رَغْمِ أَنْفِ مَنْ رَغِمَ.
فَقَامَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ فَأَخَذَ بِطَرَفِ أَنْفِهِ وَ قَالَ وَ اللَّهِ إِنَّ أَنْفِی أَوَّلُ أَنْفٍ یَرْغَمُ بِذَلِکَ وَ تَفَرَّقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَی سَخَطٍ مِنْ مَقَالَتِهِ وَ جَاءَ خُزَّانُ بَیْتِ الْمَالِ فَأَلْقَوُا الْمَفَاتِیحَ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ قَالُوا لَا حَاجَةَ لَنَا فِیهَا وَ أَنْتَ تَصْنَعُ فِی أَمْوَالِ اللَّهِ مَا تَصْنَعُ
الجمل، المفید ،ص:185

فصل فی غضب عثمان علی عمار و ضربه إیاه‌

و لما کتب المسلمون کتابا یذکرون فیه ما ینکرون من أحداثه التمسوا من یوصله إلیه لیقف علیه فیرجع عن ذلک أو یعرفون رأیه فیه فوقع اختیارهم علی عمار بن یاسر فضمن لهم عرض الکتاب علیه و أخذه ثم استأذن حاجبه فی إیصاله إلیه فأذن له فدخل علیه و قد لبس ثیابه و هو یلبس خفیه فقال له مرحبا بک یا عمار فیم جئت قال جئتک بهذا الکتاب فأخذه من یده فلما قرأه تغیر و استشاط غضبا ثم قال له یا ماصَّ بَظْرِ أُمِّهِ أنت تجتری علی فتلقانی بما أکره و وثب إلیه فدفعه حتی انصرع علی الأرض و داس بطنه و عورته حتی أحدث و أغمی علیه فلم یصل الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و عرف المسلمون ذلک فانکروه و قال فیه أمیر المؤمنین ع ما هو مشهور روی ذلک محمد بن إسحاق عن الزهری و أبو حذیفة القرشی عن رجاله و غیرهما من أصحاب السیر.
الجمل، المفید ،ص:186
و قد کان من أمیر المؤمنین ع فی مقامات أخر تندید علیه و وعظ مشهور و کان بینه و بین عثمان هنات و مهاجرات و مباینات فی أوقات متفرقات. من ذلک ما
رَوَاهُ أَبُو حُذَیْفَةَ الْقُرَشِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِی الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عِکْرِمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ- کَانَ بَیْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَ بَیْنَ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع کَلَامٌ عَلَی عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ فِیمَا یَقُولُ فَمَا ذَنْبِی وَ اللَّهِ لَا تُحِبُّکُمْ قُرَیْشٌ أَبَداً بَعْدَ سَبْعِینَ رَجُلًا قَتَلْتُمُوهُمْ مِنْهُمْ یَوْمَ بَدْرٍ کَأَنَّهُمْ شُنُوفُ الذَّهَبِ
الجمل، المفید ،ص:187

[فصل فی] نصیحة أمیر المؤمنین ع لعثمان‌

وَ رَوَی الْمَدَائِنِیُّ عَنْ عَلِیِّ بْنِ صَالِحٍ قَالَ ذَکَرَ ابْنُ دَأْبٍ قَالَ لَمَّا عَابَ النَّاسُ عَلَی عُثْمَانَ مَا عَابُوا کَلَّمُوا عَلِیّاً فِیهِ فَدَخَلَ عَلَیْهِ وَ قَالَ إِنَّ النَّاسَ وَرَائِی قَدْ کَلَّمُونِی فِیکَ وَ اللَّهِ مَا أَدْرِی مَا أَقُولُ لَکَ مَا أَعْرِفُ شَیْئاً تُنْکِرُهُ وَ لَا أَدُلُّکَ عَلَی شَیْ‌ءٍ تَجْهَلُهُ إِنَّکَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ مَا سَبَقْنَاکَ إِلَی شَیْ‌ءٍ فَنُخْبِرَکَ عَنْهُ وَ لَا خَلَوْنَا بِأَمْرٍ فَنُعَلِّمَکَ وَ قَدْ رَأَیْتَ کَمَا رَأَیْنَا وَ سَمِعْتَ کَمَا سَمِعْنَا وَ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ ص کَمَا صَحِبْنَا وَ مَا ابْنُ أَبِی قُحَافَةَ وَ لَا ابْنُ الْخَطَّابِ بِأَوْلَی بِشَیْ‌ءٍ مِنْ عَمَلِ الْخَیْرِ مِنْکَ وَ أَنْتَ أَقْرَبُ إِلَی رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِهِ مَا لَمْ یَنَالا فَاللَّهَ اللَّهَ فِی نَفْسِکَ فَإِنَّکَ وَ اللَّهِ مَا تُبَصَّرُ مِنْ عَمًی وَ لَا تُعَلَّمُ مِنْ جَهْلٍ وَ إِنَّ الطَّرِیقَ لَوَاضِحَةٌ بَیِّنَةٌ وَ إِنَّ أَعْلَامَ الدِّینِ لَقَائِمَةٌ تَعْلَمُ یَا عُثْمَانُ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ هَدَی وَ هُدِیَ بِهِ أَحْیَا سُنَّةً مَعْلُومَةً وَ أَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً وَ إِنَّ السُّنَنَ لَنَیِّرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وَ إِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وَ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَ ضُلَّ بِهِ وَ أَمَاتَ سُنَّةً مَعْلُومَةً وَ أَحْیَا بِدْعَةً مَتْرُوکَةً وَ إِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص
الجمل، المفید ،ص:188
یَقُولُ-: یُؤْتَی یَوْمَ الْقِیَامَةِ بِالْإِمَامِ الْجَائِرِ وَ لَیْسَ مَعَهُ نَصِیرٌ وَ لَا عَاذِرٌ فَیُلْقَی فِی جَهَنَّمَ فَیَدُورُ فِیهَا کَمَا تَدُورُ الرَّحَی ثُمَّ یَرْتَطِمُ فِی غَمْرَةِ جَهَنَّمَ وَ إِنِّی أُحَذِّرُکَ أَنْ تَکُونَ إِمَامَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِی یُقْتَلُ فَإِنَّهُ کَانَ یُقَالُ یُقْتَلُ فِی هَذِهِ الْأُمَّةِ إِمَامٌ فَیُفْتَحُ عَلَیْهَا الْقَتْلُ وَ الْقِتَالُ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ یَلْتَبِسُ عَلَیْهَا أَمْرُهَا وَ تَنْشَبُ الْفِتَنُ فِیهَا فَلَا یُبْصِرُونَ الْحَقَّ لِعُلُوِّ الْبَاطِلِ یَمُوجُونَ فِیهَا مَوْجاً وَ یَمْرُجُونَ فِیهَا مَرْجاً فَلَا تَکُنْ لِمَرْوَانَ سَیِّقَةً یَسُوقُکَ حَیْثُ شَاءَ بَعْدَ جَلَالِ السِّنِّ وَ تَقَضِّی الْعُمُرِ.
فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ کَلِّمِ النَّاسَ فِی أَنْ یُؤَجِّلُونِی حَتَّی أَخْرُجَ إِلَیْهِمْ مِنْ مَظَالِمِهِمْ فَقَالَ ع مَا کَانَ فِی الْمَدِینَةِ فَلَا أَجَلَ فِیهِ وَ مَا غَابَ فَأَجَلُهُ وُصُولُ أَمْرِکَ إِلَیْهِمْ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ وَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتُ مَا تَقُولُ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ کُنْتَ بِمَکَانِی مَا عَنَّفْتُکَ وَ لَا ثَلَبْتُکَ وَ لَا عِبْتُ عَلَیْکَ وَ لَا جِئْتُ مُنْکَراً وَ لَا عَمِلْتُ سُوءً إِنْ وَصَلْتَ رَحِماً أَوْ سَدَدْتَ خَلَّةً
.
الجمل، المفید ،ص:189

[خطبة عثمان]

ثم خرج عثمان فجلس علی المنبر مغضبا فقال أما بعد فإن لکل شی‌ء آفة و لکل نعمة عاهة و إن آفة هذه الأمة و عاهة هذه النعمة عیابون طعانون یرونکم ما تحبون و یسرون ما تکرهون یقولون لکم و تقولون طغام أمثال النعام یتبعون أول ناعق أحب مواردها إلیها البعید لا یشربون إلا نغصا و لا یردون إلا عکرا لا یقوم لهم رائد و الله لقد عبتم علی بما أقررتم لابن الخطاب بمثله و لکنه وطئکم برجله و ضربکم بیده و قمعکم بلسانه فدنتم له ما أحببتم أو کرهتم و أوطأتکم کتفی و کففت یدی و لسانی عنکم فاجترأتم علی أم و الله لأنا أعز نفرا و أقرب ناصرا و أکثر عددا و أقمن من قال هلم أتی إلی و لقد أعددت لکم أقرانکم و أفضلت علیکم فضلا و کشرت لکم عن نابی و أخرجتم منی خلقا لم أکن أحسنه و منطقا
الجمل، المفید ،ص:190
لم أکن به أنطق فکفوا عنی ألسنتکم و طعنکم و عیبکم علی ولاتکم فما الذی تفقدون من حقکم و الله ما قصرت فی بلوغ شی‌ء ممن کان قبلی و ما وجدتکم تختلفون علیه فما بالکم فما لی لا أصنع فی الفضل ما أرید فلم کنت إذن إماما.
فقام مروان بن الحکم فقال إن شئتم حکمنا بیننا و بینکم السیف فنحن و أنتم کما قال الشاعر
زرعنا لهم أحسابنا فنمت لهم‌مغارسهم إذ ینبتون علی الدمن .
فقال عثمان لمروان اسکت أسکتک الله دعنی و أصحابی ثم نزل عثمان.
الجمل، المفید ،ص:191

[خطبة أخری لعثمان]

فَلَمَّا کَانَ بَعْدَ أَیَّامٍ عَادَ إِلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع فَوَعَظَهُ فَقَالَ لَهُ لَسْتُ أَلُومُکَ یَا عَلِیُّ وَ إِنِّی لَأَعْلَمُ شَأْنَکَ لِی دَعْنِی وَ أَصْحَابِی فَقَالَ لَهُ عَلِیٌّ ع قَدْ أَدَّیْتُ إِلَیْکَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَیَّ وَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَمْ یَکُنْ بِأَسْرَعَ مِنْ عُثْمَانَ أَنْ خَرَجَ إِلَی الْمَسْجِدِ فَرَقِیَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ أَیُّهَا النَّاسُ فَوَ اللَّهِ مَا عَابَ عَلَیَّ مَنْ عَابَ مِنْکُمْ إِلَّا وَ أَنَا أَعْرِفُهُ وَ لَکِنِّی مَنَّتْنِی نَفْسِی وَ کَذَبَتْنِی نَصِیحَتِی وَ ضَلَّ عَنِّی رُشْدِی: وَ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ مَنْ زَلَّ فَلْیَتُبْ وَ مَنْ أَخْطَأَ فَلْیَتُبْ وَ لَا تَتَمَادَوْا بِالْهَلَکَةِ إِنَّ مَنْ تَمَادَی فِی الْجَوْرِ بَعُدَ عَنِ الطَّرِیقِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنِ اتَّعَظَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِذَا زَلَلْتُ فَلْیَأْتِنِی أَشْرَافُکُمْ فَیَرُدُّونِی فَوَ اللَّهِ لَئِنْ رَدَّنِی إِلَی الْحَقِّ عَبْدٌ لَأَکُونَنَّ لَهُ کَالْمَرْقُوقِ إِنْ مُلِکَ صَبَرَ وَ إِنْ أُعْتِقَ شَکَرَ وَ مَا عَنِ اللَّهِ مَذْهَبٌ إِلَّا إِلَیْهِ لَا یَعْجِزَنَّ عَنْکُمْ خِیَارُکُمْ أَنْ یَدْنُوا إِلَیَّ لَئِنْ أَبَتْ یَمِینِی لَتُتَابِعُنِی شِمَالِی فَقَامَ إِلَیْهِ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ یَا عُثْمَانُ لَا یَرْحَلْ رَحْلَکَ مَنْ لَیْسَ مَعَکَ.
الجمل، المفید ،ص:192
وَ لَمَّا نَزَلَ عُثْمَانُ وَجَدَ فِی مَنْزِلِهِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَکَمِ وَ سَعِیدَ بْنَ الْعَاصِ وَ نَفَراً مِنْ بَنِی/ أُمَیَّةَ فَلَمَّا جَلَسَ قَالَ لَهُ مَرْوَانُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَتَکَلَّمُ أَمْ أَصْمُتُ فَقَالَتْ لَهُ نَائِلَةُ بِنْتُ الْفَرَافِصَةِ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بَلْ اصْمُتْ فَأَنْتُمْ وَ اللَّهِ قَاتِلُوهُ وَ مُوبِقُوهُ إِنَّهُ قَالَ مَقَالَةً لَا یُمْکِنُ أَنْ یَنْزِعَ عَنْهَا فَأَقْبَلَ عَلَیْهَا مَرْوَانُ فَقَالَ لَهَا وَ مَا أَنْتِ وَ هَذَا فَوَ اللَّهِ لَقَدْ مَاتَ أَبُوکِ وَ لَا یُحْسِنُ أَنْ یَتَوَضَّأَ فَقَالَتْ لَهُ مَهْلًا عَنْ ذِکْرِ الْآبَاءِ فَإِنَّکَ تُخْبِرُ عَنْهُ وَ هُوَ غَائِبٌ تَکْذِبُ عَلَیْهِ وَ إِنَّ أَبَاکَ لَا یَسْتَطِیعُ أَنْ یَدْفَعَ عَنْهُ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ لَا عَفْوُ رَبِّنَا عَنْهُ لَأَخْبَرْتُکَ وَ لَمْ أَکْذِبْ عَلَیْهِ قَالَ مَرْوَانُ وَ أَعْرَضَ عَنْهَا أَتَکَلَّمُ أَمْ أَسْکُتُ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ تَکَلَّمْ فَقَالَ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی لَوَدِدْتُ أَنَّ مَقَالَتَکَ هَذِهِ وَ أَنْتَ مُمْتَنِعٌ مَنِیعٌ وَ کُنْتُ أَوَّلَ مَنْ رَضِیَ بِهَا وَ أَعَانَ عَلَیْهَا وَ لَکِنَّکَ قُلْتَ مَا قُلْتَ حِینَ بَلَغَ الْحِزَامُ الطُّبْیَیْنِ وَ بَلَغَ السَّیْلُ الزُّبَی أَعْطَی الْخُطَّةَ الذَّلِیلَةَ الذَّلِیلُ وَ اللَّهِ لَإِقَامَةٌ عَلَی خَطِیئَةٍ یُسْتَغْفَرُ
الجمل، المفید ،ص:193
مِنْهَا أَجْمَلُ مِنْ تَوْبَةٍ تُخَوَّفُ عَلَیْهَا فَإِنَّکَ إِنْ شِئْتَ تَقَرَّبْتَ بِالتَّوْبَةِ وَ لَمْ تُقِرَّ بِالْخَطِیئَةِ وَ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَی الْبَابِ مِثْلُ الْجِبَالِ مِنَ النَّاسِ قَالَ فَاخْرُجْ إِلَیْهِمْ وَ کَلِّمْهُمْ فَإِنِّی أَسْتَحْیِی مِنْهُمْ فَخَرَجَ مَرْوَانُ فَفَتَحَ الْبَابَ وَ النَّاسُ یَرْکَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فَقَالَ مَا شَأْنُکُمْ قَدِ اجْتَمَعْتُمْ أَیُّهَا النَّاسُ کَأَنَّکُمْ جِئْتُمْ لِنَهْبٍ شَاهَتِ الْوُجُوهُ کُلٌّ مِنْکُمْ آخِذٌ بِأُذُنِ صَاحِبِهِ أَلَا مَنْ أُرِیدُ جِئْتُمْ تُرِیدُونَ أَنْ تَنْزِعُوا مُلْکَنَا مِنْ أَیْدِینَا اخْرُجُوا عَنَّا أَمَا وَ اللَّهِ لَئِنْ رُمْتُمُونَا لَیَمُرَّنَّ عَلَیْکُمْ مِنَّا أَمْرٌ لَا یَسُرُّکُمْ وَ لَا تَحْمِدُوا غِبَّ رَأْیِکُمْ ارْجِعُوا إِلَی مَنَازِلِکُمْ فَإِنَّا وَ اللَّهِ مَا نَحْنُ بِمَغْلُوبِینَ عَلَی الْمُبَادَرَةِ وَ لَکِنْ لَمْ نَرْضَهَا.
فَرَجَعَ النَّاسُ وَ خَرَجَ بَعْضُهُمْ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالُوا خَرَجَ عَلَیْنَا مَرْوَانُ فَقَالَ کَذَا وَ کَذَا وَ قَصُّوا عَلَیْهِ الْخَبَرَ فَخَرَجَ عَلِیٌّ ع مُغْضَباً حَتَّی دَخَلَ عَلَی عُثْمَانَ فَقَالَ أَ رَضِیتَ یَا عُثْمَانُ مِنْ مَرْوَانَ وَ لَا یَرْضَی مِنْکَ إِلَّا بِتَحَرُّفِکَ عَنْ دِینِکَ وَ بِخَدْعِکَ عَنْ عَقْلِکَ مِثْلَ جَمَلِ الظَّعِینَةِ یُقَادُ حَیْثُ یُسَارُ بِهِ وَ اللَّهِ مَا مَرْوَانُ بِذِی رَأْیٍ فِی دِینِهِ وَ لَا نَفْسِهِ وَ ایْمُ اللَّهِ إِنِّی لَا أَرَاهُ إِلَّا سَیُورِدُکَ وَ لَا یُصْدِرُکَ وَ مَا أَنَا عَائِدٌ
الجمل، المفید ،ص:194
بَعْدَ مَقَامِی هَذَا لِمُعَاتَبَتِکَ أَذْهَبْتَ وَ اللَّهِ شَرَفَکَ وَ غُلِبْتَ عَلَی أَمْرِکَ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ
الجمل، المفید ،ص:195

[کتاب عثمان إلی معاویة]

الجمل، المفید 195 کتاب عثمان إلی معاویة ..... ص : 195
بعث عثمان فی الحال المسور بن مخرمة الزهری بکتاب إلی معاویة بن أبی سفیان أما بعد فإنی کتبت إلیک کتابی هذا و و الله ما أحسبه یبلغک و أنا حی و قد رأیتک و رضیت بمکانک و اطمأننت إلی نفسک و وثقت بأمنیة من مناک و لن تنتهی بک الأمنیة دون الذلة أو المنیة فإحداهما خیر لک من الأخری فإذا بلغک کتابی هذا فابعث إلی جیشا سریعا برجل معه من أهل ثقتک فی نفسک و اجعله حبیب بن مسلمة ثم مره فلیجعل الیومین یوما و اللیلتین لیلة و المنزلین منزلا و إن استطعت أن تفاجئنی مفاجاة فقد ألقیت العصا و لم یبق إلا خذ و آت و أعط و امنع و هات و هلم و نعم و لا و بین ذلک موت عاجل و أمر ناهض و الدین مع أول صدمة و السلام.
الجمل، المفید ،ص:196
فی أمثال ما أثبتناه من کلام أمیر المؤمنین ع لعثمان و إنکاره علیه فی مقام بعد مقام و اعتزاله أمره و أمر القوم حتی کان منه و منهم ما کان و کیف یکون أمیر المؤمنین ع مصوبا رأی عثمان مع ما وصفناه و راضیا بشی‌ء من أفعاله علی ما ذکرناه و کیف لا یکون ساخطا مع ما بیناه و مشارکا للقوم جمیعا فی تبدیعه علی ما قدمناه غیر أنه لم یساعدهم علی حصره و لا أعانهم علی خلعه و لا شرکهم فی قتله لما أسلفناه من القول فی عاقبة ذلک و علمه بها و إحاطته بجمیع ما کان منها و لإقامة الحجة علی قارفیه بدمه فی بطلان تزویرهم له و إیضاحه عن بهتانهم فیه علیه و لیس ذلک بمناف لرأیه الذی بیناه عنه و شرحناه و لنا فی أحکام قاتلی عثمان و خاذلیه و حاصریه کلام سنبینه شافعا لهذا الفصل إن شاء الله
الجمل، المفید ،ص:197

فصل الآراء فی أحداث عثمان‌

اشارة

اعلم علمک الله الخیر و جعلک من أهله و وفقک لما یرضاه أنی لم أجد أحدا حقق القول فی آراء المنکرین علی عثمان و ما أنکروه من الأحداث و لا صواب مذاهبهم فی ذلک و خطأها و أکثر من قال منهم قولا فهو یسنده إلی ظن تضعف أمارته أو إلی عقد یسبق له فی ذلک و کان قوله فیه بحسبه و القوم عندی فی ذلک کانوا علی مذاهب شتی و آراء متباینة و أغراض متنافیة.
فطائفة منهم تعلقوا علیه بأحداث لم ینکروا مثلها من غیره طمعا فیه و استعفاء لما له و قصدا إلی تقلد الأمر من بعده و نیل الرئاسة بخلعه و قتله فمن هذه الطائفة من قدمنا ذکره فی حصر عثمان و تولی ذلک بنفسه و أعوانه و تغلب علی بیت المال فی حیاته و جعل لأقفال أبوابه مفاتیح فی یدیه فاجتهد فی سفک دمه بمنعه الماء و سعیه فی إتلافه بذلک فلما تم الأمر فی قتل الرجل تطاول منهم من تطاول للأمر فظن أنه
الجمل، المفید ،ص:198
مطاع مختار متابع فبطل بانصراف الناس إلی غیره باختیارهم سواه ظنه فلما فاته ما کان أمله و رجاه بالسعی الذی سعاه و انقاد لبیعة الإمام إما طمعا أو خوفا تعقب الرأی فنکث البیعة و خرج عن العهدة و فارق الإسلام و نصب له الحرب حتی آل أمره فی ذلک إلی ما آل.
و طائفة منهم أرغمها عثمان بمنعه لها المراد منه و ردها عن طلباتها و أبطل رسومها فحقدت علیه لذلک و سعت فی خلعه و سفک دمه و ظنت أن الأمر یصیر من بعده إلی من تتمکن من قیاده و یجیبها إلی ملتمسها بها منه فلما تم ما سعت فیه فات القوم الذی رجت لهم ما رجت من الأمر و رجعت عن رأیها إلی نقیضه و أظهرت الندم علی ما فرط منها فیه و تحیزت إلی الفرقة الأولی و صارت معها ألبا علی الإمام القائم مجتهدة فی إزالة الأمر عنه و مصیرة إلی من ترجوه معینا لها و مطیعا لأمرها و سامعا لقولها فلقیت الجمیع الخیبة مما رجت و کانت عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً.
و طائفة انتقضت عادتها بعثمان و الإکرام لها و الإعظام ممن تقدمه فصارت بذلک کارهة لأمره و ساعیة فی خلعه.
و طائفة کان المتقدمون یقلدونهم الأعمال فاستبدل عثمان منهم سواهم من الناس و حرمهم ما کانوا یصلون إلیه من بیت المال فسعوا من ذلک فی خلعه
الجمل، المفید ،ص:199
و عاونوا من أجله علی قتله.
و طائفة استشنعت أحداثا کانت منه و اعتقدت فیه الضلال بذلک و قصدت فی خلعه قصد الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر فربما کان منهم غالط فیما استشنعه و ربما کان منهم مصیب فیه غیر أن الغرض کان منهم فیما صنعوه قصدا لنصرة الدین و الإسلام و هذه الطائفة هی التی کانت الأصل فی الإنکار علیه و بفعلها تسببت الأسباب فی خلعه و قتله.
و طائفة منهم کانت تعتقد الحق فی أصل الإمامة و طریقها و تری أن السالک سبیل عثمان فی نیل الأمر مشارکا فیما أنکروه منه و لم یکن الذی حملهم علی معونة حاصریه و قاتلیه ممن عددناه بشی‌ء من أغراضهم علی ما شرحناه و فصلناه بل کان غرضهم فی ذلک بما لو تم لهم فیما صنعوه فیمن تقدم لسارعوا إلیه لکن لم یتفق لهم فی المتقدم و اتفق لهم فی المتأخر.
فأما خاذلوه فجمهورهم تنقسم أغراضهم فی ذلک إلی أغراض من سمیناه من خذله أو الشک فی حاله و أحوال حاصریه و قاتلیه فلذلک لم یجوزوا المعونة لهم علیه و لا تفردوا بالنصرة له منهم
الجمل، المفید ،ص:200

موقف أمیر المؤمنین ع من أحداث عثمان‌

و أما أمیر المؤمنین ع فلم یکن تفرده عن نصرته و ترک النهوض بالدفاع عنه خذلانا له لرأی یستصوبه فی خلعه و قتله بل کان رأیه ع تابعا فی ذلک لعقیدته فیمن تقدم علیه بالأمر من کافة القوم و کان عالما بالعواقب غیر شاک فی المصالح یری الموادعة و المهادنة و الرقود و المسالمة إلی انقضاء المدة التی یعلم صواب التدبیر فیها بذلک فامتنع ع من التحمل للدفاع عن حصره و قتله بمثل ما امتنع من دفاع المتقدمین علیه فی الأمر و ذلک لشیئین معروفین أحدهما لعدم الأنصار له علی مراده فی ذلک و الثانی لوخیم العاقبة فی المباینة للجمهور و لما یقتضی الحرب و یوقع الفتنة و قد دفع ع عنه بالقول فی أحوال اقتضت المصلحة عند دفاعه به و أمسک عن الإنکار لما کان القوم علیه و الرأی فی حصره و خلعه و قتله لما عرف من جمیل العاقبة فی ذلک و لو لم یکن ع مستودعا علم ذلک کما تذهب إلیه الشیعة فیه لکانت مشاهدته للحال و دلائلها تکفیه و تقنعه فیما صنع و رآه فی الأحوال و الاختلاف بین ذوی العقول فإن الشاهد یری ما لا یری الغائب فعمل ع فی اختلاف الأقوال منه و الأفعال علی علمه بعواقب الأمور و شاهد الحال فلذلک التبس الأمر علی الجمهور فی رأیه ع فی عثمان و قاتلیه.
الجمل، المفید ،ص:201
فنسبه بعض الناس إلی الرضا بما صنع القوم بعثمان.
و نسبه آخرون إلی المواطاة علیه و التألیب.
و نسبه آخرون إلی الهوی فی ذلک و التقصیر فیما کان یجب علیه لعثمان.
و نسبه آخرون إلی الکراهة لما أجری القوم فی حصر الرجل فادعوا أنه کان له موالیا و بأعماله راضیا لکن العجز عن نصرته أقعده عنها.
ثم أکد الشبهة علیهم فیما ذکرناه من اختلاف الاعتقاد فی ذلک ما قدمنا ذکره من أفعاله المختلفة مع عثمان تارة ینکر علیه ما أنکره المسلمون و تارة یدفع عنه و ینهی عن قتله القاصدین إلی ذلک من أهل الأمصار و تارة ینکر علی من منعه الماء و یغلظ لذلک و یغضب من خلافه فیه و تارة یجلس فی بیته و هو یری الناس یهرعون إلیه لقتله و الاجتهاد فی طلب دمه فلا یکون منه وعظ فی ذلک و لا تخویف بالله عز و جل فی ذلک و هو فی ظاهر الحال مطاع معظم مسموع المقال مستجاب الأمر متبع الرأی هذا مع هجره عثمان أحیانا و صلحه أحیانا و منازعته له حینا و مسالمته له حینا و تغلیظ القول علیه أحیانا و تسهیله علیه أحیانا و سعیه فی الصلح بینه و بین الناس زمانا و ترک ذلک إلی الکف عنه زمانا هذا مع أن المحفوظ من قوله فیه بعد قتله مما تختلف ظواهره و تشتبه معانیه.
کَقَوْلِهِ ع وَقْتاً-: وَ اللَّهِ مَا قَتَلْتُ عُثْمَانَ وَ لَا مَالَأْتُ عَلَی قَتْلِهِ
الجمل، المفید ،ص:202
وَ قَوْلِهِ ع حِیناً-: اللَّهُ قَتَلَ عُثْمَانَ وَ أَنَا مَعَهُ
وَ قَوْلِهِ ع وَقْتاً آخَرَ: لَوْ لَمْ یَدْخُلِ الْجَنَّةَ إِلَّا قَاتِلُ عُثْمَانَ لَمَا دَخَلْتُهَا وَ لَوْ لَمْ یَدْخُلِ النَّارَ إِلَّا قَاتِلُ عُثْمَانَ لَمَا دَخَلْتُهَا
وَ قَوْلِهِ ع وَقْتاً آخَرَ-: وَ اللَّهِ مَا غَاضَنِی قَتْلُ عُثْمَانَ وَ لَا سَرَّنِی وَ لَا أَحْبَبْتُ ذَلِکَ وَ لَا کَرِهْتُهُ
وَ قَوْلِهِ ع: أَکْبَتَ اللَّهُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ
وَ قَوْلِهِ ع عِنْدَ مُطَالَبَةِ الْقَوْمِ لَهُ بِقَتَلَةِ عُثْمَانَ: مَنْ قَتَلَ عُثْمَانَ فَلْیَقُمْ فَقَامَ إِلَیْهِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ مِنَ النَّاسِ الْمُتَحَیِّزِینَ إِلَیْهِ فَقَالَ أَ هَؤُلَاءِ یُقْتَلُونَ بِعُثْمَانَ مَعَ کَوْنِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ خَاصَّةَ أَنْصَارِهِ وَ أَعْوَانِهِ وَ أَصْحَابِهِ وَ إِظْهَارِهِ الْوَلَایَةَ لَهُمْ وَ التَّعْظِیمَ وَ الْمَوَدَّةَ وَ الْإِکْرَامَ مَعَ ثِقَتِهِ بِهِمْ وَ ائْتِمَانِهِ لَهُمْ
وَ قَوْلِهِ ع مَعَ ذَلِکَ: اللَّهُمَّ اقْتُلْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ فِی بَرِّ الْأَرْضِ وَ بَحْرِهَا
.
الجمل، المفید ،ص:203
فی أمثال ما ذکرناه و لکن الأفعال و الأقوال التی ذکرناها منه متلائمة غیر مختلفة فی معناها إذا خص بعضها ببعض و حمل بعضها علی بعض فی الرأی الذی تقتضیه الأحوال و یوجبه النظر فی العلم بالعواقب و تمام المصالح
الجمل، المفید ،ص:204

فصل رأی الجاحظ فی أمیر المؤمنین ع‌

قد زعم الجاحظ أن أمیر المؤمنین ع کان مَمْنُوّاً بعد قتل عثمان بمحن عظیمة و ذلک أن جمیع من نصب له الحرب و جعل الحجة علیه فیه دعواه علیه قتل عثمان قال و ظاهر الحال کانت توهم ذلک علیه لأنه کان مباینا له فی أحوال و أوقات و هاجرا له فی أزمان و أیام و کان المنکرون علی عثمان من أهل مصر و العراق یلجئون إلیه فی السفارة بینهم و بین عثمان و کان فیهم مسموع القول مطاعا معظما مأمونا ثم قعد عن نصرته و تقلد الأمر من بعده و استنصر علی محاربیه بقتلته فلم یشک القوم فی أنه قاتله قال و واحدة من هذه الخصال تریب فکیف بجمیعها ثم قال و قد علم الناس أنه قد یکون فی هذا المصر الذی یتولاه أمیرا و وزیرا و عاملا من یؤهل لمثل عمله و یصلح لمثل رتبته و یمد عنقه إلی مثل ولایته و لا یتفق له مراده
الجمل، المفید ،ص:205
من ذلک و یقصده الناظر بما یمنعه من صرفه و التدبیر فی عزله فیلزم بیته و یقصر مراعاته خوفا من سعیه فی عزله و تولی مقامه فیموت حتف أنفه فلا یشک الناس أنه دس إلیه من قتله أو ما قتله به و لو قتل ذلک الإنسان ذو عز تعرض لضره أو لطلب ماله لقطعوا أن أمیر البلدة واطأه علی ذلک و دبر الأمر فیه علیه و قد یحبس السلطان بعض الرعیة لشی‌ء یجده فی نفسه علیه فیموت فی الحبس حتف أنفه فیحلف خلق من الناس بالله أنه تقدم بخنقه و لا یشک الجمهور أنه واطأ علی دمه و لو أقسم السلطان بالله أقساما أکدها علی البراءة من دمه لجعلوا ذلک شبهة فیما ادعوه علیه من قتله ثم قال هذا الرجل أعنی الجاحظ إن أقوال أمیر المؤمنین فی عثمان إنما اختلفت و تناقضت بزعمه لأنه کان محتاجا إلی التبرئ من دمه لکف أهل البصرة و الشام عنه بذلک و کان محتاجا إلی إضافة دم عثمان إلیه لاستصلاح رعیته و ارتباطهم به لنصرته.
الجمل، المفید ،ص:206
و لیس الأمر کما ادعاه الجاحظ و لا القصة فیه کما توهمها و إنما حمل الجاحظ حال أمیر المؤمنین ع فی ما زعمه علی أحوال أهل الدنیا و من لا دین له و لا یقین و لا تقوی و من یصنع ما یصنع و یقول ما یقول لعمارة الدنیا و لا یبالی بعاقبة ذلک فی الآخرة بل کانت أفعال أمیر المؤمنین ع و أقواله التی أثبتناها فیما تقدم علی الأغراض التی أنبأنا عنها و أوضحنا عن اتفاقها و وفاقها للدین و النظر فی مصالح المسلمین و من تأمل ما ذکرناه و فکر فیه بقلب سلیم وجده علی ما وصفناه
الجمل، المفید ،ص:207

فصل رأی العثمانیة فی قتلة عثمان‌

و قد زعمت العثمانیة أن الذی یدل علی مشارکة علی ع قتله عثمان فی دمه أشیاء قد ثبتت فی الأخبار و تظاهرت بها الآثار.
منها أنه تولی الصلاة بالناس یوم النحر و عثمان محصور و لم یستأذنه فی ذلک و تغلب علیه فیه و هذا مما جعله الشافعی حجة فی جواز صحة صلاة المتغلب بالناس یوم الجمعة و العیدین و رد به علی أهل العراق فی إنکارهم ذلک و قولهم لا تصح الصلاة فی الجمعة و العیدین خلف المتغلب فحکی الربیع و المزنی جمیعا عن الشافعی أنه قال فی هذه المسألة لا بأس بصلاة الجمعة و العیدین خلف الآمر و المأمور فقد صلی علی ع بالناس و عثمان محصور.
و قد روی أبو حذیفة القرشی عن محمد بن إسحاق و غیره أن قوما صاروا إلی عثمان و هو محصور فقالوا أ ما تری إلی هؤلاء الذین یصلون بالقوم فی یوم الجمعة و أنت علی هذه الحالة لم تأمرهم بذلک و قد کان طلحة بن عبید الله صلی بهم یوم الجمعة فی حصاره فحکوا عن عثمان أنه قال إذا أحسنوا فاتبعوهم و إن أساءوا
الجمل، المفید ،ص:208
فاجتنبوهم الصلاة حسنة فصلوا إذا صلوا فزعمت العثمانیة أن علیا کان متهما بدم عثمان لصلاته بالناس یوم النحر من غیر إذنه و ادعی الشافعی أنه کان متغلبا بذلک و لم یتعلق أحد لقرف طلحة بدم عثمان لصلاته بالناس یوم الجمعة و عثمان محصور و لا نسبوه إلی التغلب بذلک و برءوه من دمه و هو الذی تولی حصره حتی قتله و کانت شبهتهم فی براءة طلحة خلافه لأمیر المؤمنین ع و التمویه فی حربه بالتظاهر لطلب دم عثمان و عقول هؤلاء القوم عقول ضعیفة و أحلامهم أحلام سخیفة فلذلک ینقادون من الشبهة إلی ما ذکرناه.
و مما تعلق القوم به أیضا فی قرف أمیر المؤمنین ع بدم عثمان بعد الذی ذکرناه و عددناه مقامه بالمدینة منذ حصر و قول أسامة بن زید مشیرا علیه بالخروج عنها علی ما رواه أبو حذیفة القرشی عن رجاله قال قال أسامة بن زید لعلی لأنت و الله یا أبا الحسن أعز علی من سمعی و بصری فأطعنی و اخرج إلی أرضک ینبع فإن قتل عثمان و أنت شاهد طالبک أناس من الناس بدمه و إن قتل و أنت لم تشهد لم تعدل بک الناس أحدا فقال ابن عباس لأسامة یا أبا محمد أ تطلب أثرا بعد عین أ بعد ثلاثة من قریش.
و روی یوسف بن دینار عن عبد الملک بن عمیر اللخمی عن ابن أبی لیلی قال سألنی عبد الملک بن مروان حین قدم الکوفة عن قتل عثمان فأخبرته فقال أین کان
الجمل، المفید ،ص:209
علی یومئذ فقلت بالمقاعد یأمر فیطاع و ینهی فیطاع و لقد رأیته عند أحجار الزیت محتبیا بسیفه و المنادی ینادی آمن الله الناس کلهم إلا الشقی نعثلا فقال عبد الملک هل سمعت علیا یقول شیئا فقلت لا.
و روی النخعی عن علقمة بن قیس قال أرسلت أم حبیبة بنت أبی سفیان إلی علی و هو قاعد فی المسجد أن أمن لی خاصتی و من فی الدار من أهلی فقال الناس کلهم آمنون إلا الشقی ابن أبی العاص.
و روی أیضا خالد الحذاء عن رجل من بنی شیبان قال رأیت علیا یوم قتل عثمان یخطب الناس علی المنبر و علیه السلاح.
فجعلت العثمانیة هذه الأشیاء شبهة لهم فیما قرفت به أمیر المؤمنین ع من دم عثمان و احتجت أیضا فی ذلک بما صنعه أمیر المؤمنین ع عند قتل عثمان من أخذ نجائبه و أدراعه و أوردوا فی ذلک قول الولید بن عقبة یخاطب بنی هاشم و یعاتبهم عند قتل عثمان إذ یقول
بنی هاشم ردوا سلاح ابن أختکم‌و لا تنهبوه لا تحل مناهبه
بنی هاشم کیف الهوادة بینناو عند علی درعه و نجائبه
بنی هاشم کیف التودد بینناو بز بن أروی فیکم و حرائبه
الجمل، المفید ،ص:210 بنی هاشم أنی و ما کان منکم‌کصدع الصفا لا یشعب الصدع شاعبه
هم قتلوه کی یکونوا مکانه‌کما غدرت یوما بکسری مرازبه
فإن لم تکونوا قاتلیه فإنه‌سواء علیه مسلموه و ضاربه .
و احتجوا أیضا بقول حسان بن ثابت الأنصاری فی قتل عثمان
ضحوا بأشمط عنوان السجود به‌یقطع اللیل تسبیحا و قرآنا
یا لیت شعری و لیت الطیر تخبرنی‌ما کان بین علی و ابن عفانا
الجمل، المفید ،ص:211 لتسمعن وشیکا فی دیارهم‌الله أکبر یا ثارات عثمانا .
و قوله أیضا
من عذیری من الزبیر و من طلحةهاجا أمرا له إعصار
ثم قالا للناس دونکم العلج‌فشبت وسط المدینة نار
و اصطلاها محمد بن أبی بکرجهارا و خلفه عمار
و علی فی بیته یسأل الناس‌رویدا و عنده الأخبار
باسط الکفین یرید ذراعیه‌علیه سکینة و وقار
خذلته الأنصار إذ حضر الموت‌و کانت ثقاته الأنصار
و کذاک الیهود ضلت عن الدین‌بما زینت لها الأحبار .
و أمثال ما ذکرناه و الجواب عن جمیعه سهل قریب و المنة لله تعالی
الجمل، المفید ،ص:212

فصل فی الدفاع عن أمیر المؤمنین ع‌

اشارة

فأما الجواب عما تعلقوا به من قرف أمیر المؤمنین ع بدم عثمان من حیث تولی الصلاة بالناس یوم النحر و عثمان محصور فهو مبنی علی مذهبین أحدهما مذهب الشیعة القائلین بالنص علی أمیر المؤمنین ع القاطعین علی إمامته بلا فصل و هو أنه إذا کان الإمام مفترض الطاعة فله أن یتولی کل ما یمکن من تولیته مما تقتضیه إمامته و الإمامة تقتضی إمامة المسلمین فی الصلاة و التقدم علیهم فی الجهاد و إقامة الحدود و الأحکام و لیس متی تولی الإمام شیئا مما له تولیته عند الإمکان دل ذلک علی أنه ساع فی دم إنسان و لا أنه مرید لقتله علی حال.
و الجواب علی المذهب الآخر و هو القول بالاختیار أن الإمام إذا غیر و بدل و أحدث ما ینفسخ به عقده فلأفاضل الناس أن یتولوا أمر الصلاة و الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر إلا أن یعقد لإمام من بعده علی مذهب القوم الذین رأوا إقامة الإمام
الجمل، المفید ،ص:213
بالاختیار ففی خلع عثمان بأحداثه قد زال فرض طاعته بذلک و کان لأفاضل الناس أن یقدموا فی الصلاة من یرون إلی أن یتم الأمر فی العقد لمن یستحق ذلک و لو کان هناک من یعتقد أن إمامة عثمان لم تزل بأحداثه إلا أنه ممنوع من الصلاة بالناس لکان للأفاضل أن یتولوا الصلاة نیابة عنه فی تلک الحال فعلی کلا المذهبین اللذین ذکرناهما لا یجب بصلاة أمیر المؤمنین ع یوم النحر بالناس و عثمان محصور أن یقضی علیه بأنه کان مریدا لقتله فضلا أن یکون مشارکا فیه.
و قد روی الخصم عن عثمان أنه لما أذن بصلاة طلحة فی الناس و استؤذن بالصلاة معه قال لهم إذا أحسنوا فاتبعوهم و إذا أساءوا فاجتنبوهم فحکم لصلاتهم بالحسن و إن کان محصورا لم یأذن فیها لهم و لم یولهم ذلک إلا أنه أباحه و وصف المصلین بأنهم فی ذلک محسنون فأین تعلق المخالف علی أمیر المؤمنین ع فی قتل عثمان بصلاته بالناس و هو محصور لو لا أنه تعنت بذلک و عدل عن طریق الإنصاف
الجمل، المفید ،ص:214

الجواب عن قعود أمیر المؤمنین ع‌

و أما تعلقهم بقعود أمیر المؤمنین ع فی المدینة حتی قتل عثمان و ترکه الخروج منها و مباعدة القوم فیما صنعوه و ما أشار إلیه أسامة من الخروج و تحذیره فی قعوده بمطالبة القوم له بدم عثمان فلیس أیضا مما تثبت به الحجة علی ما ادعوه من قبل أنه لا یمتنع أن یکون مقامه بالمدینة فی تلک الحال لتدبیر الدفاع عنه و لو کان خرج عنها لتعجل من قتل القوم له ما تأخر و لم یکن أیضا یؤمن من أن یتعدی القتل إلی غیره و تحدث فتنة لا یتلافی صلاحها فجلس ع لذلک و لم یجلس لمعونة علی قتل عثمان بل لو خرج من المدینة فی حال حصر القوم للرجل لکانت التهمة إلیه فی قتله أسرع مع ما ذکرناه من المحذور

الجواب عن تعلق الخصم بکلام ابن عباس‌

و أما تعلقهم بجواب ابن عباس لأسامة و قوله أ بعد ثلاثة من قریش تطلب أثرا بعد عین فلیس أیضا فیه دلیل علی إیثار ابن عباس لأمیر المؤمنین ع قتل الرجل و لا فیه حجة علی أنهما شرکا فی ذلک من تولاه و إنما یدل علی إیثار ابن عباس أن یکون الأمر فیهم بعد عثمان و لسنا ننکر أن یکون أمیر المؤمنین ع کان مؤثرا للتمکین من
الجمل، المفید ،ص:215
الأمر بعد عثمان لیقیم بذلک حدود الله و ینفذ به أحکامه و ینظر فی مصالح المسلمین و من آثر ذلک من أهله فهو محمود و هذا یستمر علی مذهب الشیعة الإمامیة و الزیدیة و الجارودیة القائلین بالنص علیه و علی مذهب أصحاب الاختیار معا.
فأما أصحاب النص فیقولون إنه کان الإمام المفترض الطاعة علی الأنام و کان یجب علیه بذلک أن یجتهد بالتوصل إلی ما للأئمة إقامته و تولی ما لهم تولیته و أن لا یفرط فی ذلک و لا یهمله و إذا کان مقامه لما ذکرناه کان محمودا و لم یجز صرف الغرض فیه إلی ما ادعاه الخصوم من خلافه مع أنه لم ینکر أن یکون مقامه بالمدینة لدفاع ما کان یحذر من إقامة من لا یستحق الأمر بعد قتل عثمان فأقام لدفاعهم عن ذلک لوجوده بینهم و علمه برأی الناس فی تقدیمه علی غیره و لو کان نائیا عن المدینة لغلب علی الأمر من یعسر علی الأمة صرفه عنه ممن لا یؤمن علی الدین و هذا مستمر علی أصول أصحاب الاختیار کما استمر علی أصول أصحاب النص و لیس فیه دلیل علی ما تعلق به القوم من قرفه بقتل عثمان حسبما بیناه و شرحناه
الجمل، المفید ،ص:216

الجواب عن قبض النجائب و الأدراع‌

و أما قبض أمیر المؤمنین ع عند قتل عثمان النجائب و الأدراع التی قبضها مما کان منسوبا إلی عثمان و التعلق بشعر الولید بن عقبة علی ما أثبتناه عنه فیما سلف و سطرناه فلیس أیضا بحجة لقارف أمیر المؤمنین ع بقتل عثمان و ذلک أنه لو لم یقبض ذلک أمیر المؤمنین ع لتسرع إلی قبضه و نهبه و تملکه من لیس له ذلک بحق من الرعیة و احتاط بقبضه و إحرازه لأربابه و قد کان هو الإمام باتفاق الجمهور بعد عثمان و للإمام أن یحتاط لأموال المسلمین و ترکات من قضی منهم لیصل إلی مستحقیه دون غیرهم و لیس إذا التمس الولید بن عقبة ما لا یستحق فمنع منه کان ذلک لغلول المانع له بما التمسه و لا لتغلبه علیه و لا قول الولید أیضا مسموع و لا شهادته مقبولة مع نزول القرآن بتفسیقه قال الله تعالی اسمه یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصِیبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادِمِینَ و قد روی أهل التفسیر أن هذه الآیة نزلت فی الولید بن عقبة حین أنفذه النبی ص إلی قوم یقبض منهم الصدقات فعاد مدعیا علیهم أنهم منعوه من ذلک و خرجوا لحربه فأعد رسول الله جماعة لحربهم فورد واردهم بتکذیب الولید و أنهم علی الإسلام
الجمل، المفید ،ص:217
و الطاعة فأنزل الله سبحانه فیه ما أثبتناه.
وَ جَاءَ فِی الْحَدِیثِ الْمَشْهُورِ: أَنَّ الْوَلِیدَ قَالَ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فِی مُحَاوَرَةٍ جَرَتْ بَیْنَهُ وَ بَیْنَهُ أَنَا أَبْسَطُ مِنْکَ لِسَاناً وَ أَحَدُّ سِنَاناً فَقَالَ لَهُ ع اسْکُتْ یَا فَاسِقُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی فِی هَذِهِ الْقِصَّةِ أَ فَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ
و بعد فلو کانت الأدراع و النجائب التی قبضها أمیر المؤمنین ع بعد قتل عثمان ملکا له لکان أولاد عثمان و أزواجه أحق بها من الولید و کان ارتباط أمیر المؤمنین ع لیوصلها إلی ورثته أولی من تسلیمها إلی الولید و أمثاله من بنی أمیة الذین لیس لهم من ترکة عثمان نصیب علی حال فکیف و قد ذکر الناس فی هذه الأدراع و النجائب أنها من الفی‌ء الذی یستحقه المسلمون فغلب علیها عثمان و اصطفاها لنفسه فلما بایع الناس أمیر المؤمنین ع انتزعها من موضعها لیجعلها فی مستحقیها فما فی ذلک من تهمة بقتله لو لا العمی و الخذلان‌

الجواب عن شعر حسان‌

و أما شعر حسان بن ثابت و ما تضمنه من التحریض علی أمیر المؤمنین ع
الجمل، المفید ،ص:218
حیث یقول
یا لیت شعری و لیت الطیر تخبرنی‌ما کان بین علی و ابن عفانا
لتسمعن وشیکا فی دیارهم‌الله أکبر یا ثارات عثمانا .
فهو لعمری قرف بدم عثمان فلم یکن حجة فتصغی إلی قوله و لا کان عدلا فتقبل شهادته و قد نص القرآن علی رد شهادته فقال الله عز و جل وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ یَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِینَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ.
و لا خلاف أن حسان کان ممن قذف عائشة و جلده النبی ص علی قذفه و إذا کان القرآن حاظرا علی المسلمین قبول شهادة الفاسقین فوجب رد شهادة حسان و أن لا تقبل منه علی حال مع أنه لا خلاف بین أهل العراق ممن تفقه أن القاذف مردود الشهادة و إن تاب فعلی قول هذه الفرقة شهادة حسان مردودة علی کل حال.
و أما من ذهب إلی أن القاذف تقبل شهادته عند التوبة فبینهم فی ذلک اختلاف فمنهم من یقول إنه یشترط فی توبته أن یقف فی الموضع الذی قذف فیه فیکذب نفسه و یظهر التوبة من جرمه و لم یدع أحد أن حسان کذب نفسه ظاهرا و رجع عن
الجمل، المفید ،ص:219
قذفه مختارا فلا توبة له علی قول هذا الفریق.
و أما الفریق الآخر فإنهم قبلوا شهادة القاذف بعد توبته و لم یشترطوا فی توبته ما ذکرناه فلیس معهم دلیل علی أنه تاب و الظاهر منه القذف الذی یستحق به التفسیق و رد الشهادة فی دین الإسلام فلا تعلق فی قول حسان فی قرفه أمیر المؤمنین ع بدم عثمان علی حال علی أن حسان مذموم مردود القول باتفاق أهل الإسلام و علی کل مذهب لأهل القبلة و رأی و ذلک أنه قال فی یوم الغدیر بمحضر من النبی ص فی أمیر المؤمنین ع ما قال و شهد له بالإمامة و النص فیها علیه من الله تعالی فردته المعتزلة بذلک و أنکرته الحشویة و دفعته الخوارج و أکذبه جمیع من سمیناه و لم ینج فیه إلا علی مذهب الشیعة الإمامیة و الجارودیة دون من سواهما من فرق الأمة علی ما ذکرناه
الجمل، المفید ،ص:220

شعر حسان فی یوم الغدیر

و قوله الذی قدمنا ذکره و أشرنا إلیه علی الإجمال هو ما نثبته الآن من قوله
ینادیهم یوم الغدیر نبیهم‌بخم و أسمع بالنبی منادیا
و قال فمن مولاکم و ولیکم‌فقالوا و لم یبدوا هناک التعامیا
إلهک مولانا و أنت ولیناو لم تجدن منا لک الیوم عاصیا
فقال له قم یا علی فإننی‌رضیتک من بعدی إماما و هادیا
فمن کنت مولاه فهذا ولیه‌فکونوا له أنصار صدق موالیا
هناک دعا اللهم وال ولیه‌و کن للذی عادی علیا معادیا .
و هذا القول مقبول عند الشیعة لأنه قاله بمحضر من رسول الله ص و مشهده فلم ینکره علیه فصارت الحجة فی صوابه شهادة رسول الله ص بحقه و الناصبة بأجمعها ترده علیه و تکذبه فیه ثم تقبل قوله فی القذوف الباطلة و حال الفتنة الظاهرة فلا شاهد لهم علی ما ادعاه ثم هو فی وصفه لعثمان بأنه ظلم فیما صنع به و أنه کان بریئا عند الله تعالی و من أهل التقی و الإیمان مردود الشهادة عند جمیع حاصری عثمان و قاتلیه من المهاجرین و الأنصار و التابعین بإحسان و عند کافة
الجمل، المفید ،ص:221
الشیعة و الخوارج و الطوائف البتریة و المعتزلة حین قال
ضحوا بأشمط عنوان السجود به‌یقطع اللیل تسبیحا و قرآنا .
إذ کان حسان مکذبا فی قوله علی مذاهب من ذکرناه من أهل القبلة و مردود الشهادة بما سلف له من قذف المحصنات لم یعتمد فی الحجة بقوله المفتری به إلا من شمله الخذلان.
ثم هو فی قول له آخر مکذب عند الشیعة بأجمعها و جمهور المعتزلة و المرجئة و الحشویة القائلین بأن أمیر المؤمنین ع کان أفضل الناس بعد النبی ص و عند الجبائی و ابنه و رهطهما و من شرکهما فی الوقف و ترک القطع فی التفضیل لأحد من الخلفاء الأربعة علی غیرها و ذلک فی مرثیته لأبی بکر التی فیها یقول
إذا تذکرت شجوا من أخی ثقةفاذکر أخاک أبا بکر بما فعلا
خیر البریة أتقاها و أعدلهابعد النبی و أوفاها بما حملا
الثانی التالی المحمود مشهده‌و أول الناس منهم صدق الرسلا .
الجمل، المفید ،ص:222
و هذا یکشف لک عن سقوط من تعلق فی شی‌ء من الدین بقول حسان من إبطال من جعل قوله حجة علی حال و یبین أنه کان فی ما یقول نظما و نثرا علی مذهب الشعراء الذین لا یتقون السیئات و لا یتورعون عن الخطیئات و لا یبالون بارتکاب الزلات و یقدمون علی الأباطیل فی القول و ارتکاب الموبقات ممن وصفه الله تعالی فی کتابه فقال وَ الشُّعَراءُ یَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِی کُلِّ وادٍ یَهِیمُونَ وَ أَنَّهُمْ یَقُولُونَ ما لا یَفْعَلُونَ. و قد کان حسان ممن یشکر نعمة عثمان علیه و إحسانه إلیه و لم یکن ممن یرجع إلی تقوی فیحجزه من الباطل فیما ادعاه و إن أمرا یعتمد علی قول حسان و أمثاله فی القدح علی أمیر المؤمنین ع و یصوب استنفار الناس علیه و إغراءهم به لخفیف المیزان عند الله تعالی بین الخسران و بالله المستعان
الجمل، المفید ،ص:225

[القول فی] حرب الجمل‌

باب الخبر عن ابتداء أصحاب فتنة البصرة فی تدبیرها و الاجتماع منهم فی العمل علیها و ما جاءت به الأخبار المتظافرة فی ذلک‌

اشارة

قد أسلفنا القول فی أسباب هذه الفتنة و الدواعی إلیها و الأغراض التی کانت فیها و ذکرنا من براهین الحق علی ما أصلناه من المذهب الصحیح فی ذلک و إبطال شبهات الضالین فیه و نحن نبدأ بشرح القصة فی ابتداء الأمر من أصحاب الفتنة و ما عملوا علیه فیها و تجدد من رأیهم فی تدبیرها بحسب ما جاءت به الأخبار المستفیضة بین العلماء بالسیر و الحوادث المشهورة إن شاء الله تعالی
الجمل، المفید ،ص:226

فصل فی اجتماع الناکثین و المنافقین بمکة

اشارة

لما تم أمر البیعة لأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ع و اتفق علی طاعته کافة بنی هاشم و وجوه المهاجرین و الأنصار و التابعین بإحسان و أیس طلحة و الزبیر ممّا کانا یرجوانه بقتل عثمان من بیعة الناس لأحدهما بالإمامة و تحققت عائشة بنت أبی بکر تمام الأمر لأمیر المؤمنین ع و اجتماع الناس علیه و عدولهم عن طلحة و الزبیر و علمت أنه لا مقام لهما بالمدینة بعد خیبتهما مما أملاه من الأمر و عرف عمال عثمان أن أمیر المؤمنین ع لا یقرهم علی ولایاتهم و أنهم إن ثبتوا فی أماکنهم أو صاروا إلیه طالبهم بالخروج مما فی أیدیهم من أموال الله تعالی و حذروا من عقابه علی خوضهم فی خیانة المسلمین و تکبرهم علی المؤمنین و استخفافهم بحقوق المتقین و اجتبائهم الفجرة الفاسقین عمل من کل فریق منهم علی التحرز منه و احتال فی الکید له و اجتهد فی تفریق الناس عنه فسار القوم من کل مکان إلی مکة استعاذة بها و سکنوا إلیها لمکان عائشة بها و طمعوا فی تمام کیدهم لأمیر المؤمنین ع للتحیز إلیها و التمویه علی الناس بها و کانت عائشة تعلم أن کثیرا من
الجمل، المفید ،ص:227
الناس یمیل لها لمکانها من رسول الله ص و أنها من أمهات المسلمین و ابنة أبی بکر المعظم عند الجمهور و أن کل عدو لعلی بن أبی طالب ع یلتجئ إلیها متی أظهرت المباینة له و دعت إلی حربه و فساد أمره.
فلما تواترت الأخبار علیها و هی بمکة فی تحیزها عن عثمان لقتل المسلمین له قبل أن تعرف ما کان من أمر المسلمین بعده عمل علی التوجه إلی المدینة راجیه بتمام الأمر بعد عثمان لطلحة أو الزبیر زوج أختها فلما صارت ببعض الطریق لقیت الناعی بعثمان فاستبشرت بنعیه له و ما کان من أمر الناس فی اجتماعهم علی قتله ثم استخبرت عن الحال بعده فأخبرت أن البیعة تمت لأمیر المؤمنین بعده و أن المهاجرین و الأنصار و التابعین لهم بإحسان و کافة أهل الإیمان اجتمعوا علی تقدیمه و الرضا به فساءها ذلک و أحزنها و أظهرت الندم علی ما کان منها فی التألیب علی عثمان و الکراهة لتمام الأمر لعلی بن أبی طالب ع فأسرعت راجعة إلی مکة فابتدأت بالحجر فتسترت فیه و نادی منادیها باجتماع الناس إلیها فلما اجتمعوا تکلمت من وراء الستر تدعوا إلی نصرة عثمان و تنعاه إلی الناس و تبکیه و تشهد أنه قتل مظلوما.
و جاءها عبد الله بن عامر الحضرمی عامل عثمان علی مکة فقال قرت عینک قتل عثمان و بلغت ما أردت من أمره فقالت سبحان الله أنا طلبت قتله إنما کنت عاتبة علیه من شی‌ء أرضانی فیه قتل عثمان و الله من عثمان خیر منه و أرضی عند الله و عند المسلمین و الله ما زال قاتله تعنی أمیر المؤمنین ع مؤخرا منذ بعث محمد ص و بعد أن توفی یعدل الناس عنه
الجمل، المفید ،ص:228
إلی الخیرة من أصحاب النبی ص و لا یرونه أهلا للأمور و لکنه رجل یحب الإمرة و الله لا نجتمع علیه و لا علی أحد من ولده إلی یوم القیامة ثم قالت معاشر المسلمین إن عثمان قتل مظلوما و لقد قتله مَنْ إصبع عثمان خیر منه و جعلت تُحَرِّضُ الناس علی خلاف أمیر المؤمنین ع و تحثهم علی نقض عهده.
و لحق إلی مکة جماعة من منافقی قریش و صار إلیها عمال عثمان الذین هربوا من أمیر المؤمنین ع و لحق بها عبد الله بن عمر بن الخطاب و عبید الله أخوه و مروان بن الحکم بن أبی العاص و أولاد عثمان و عبیده و خاصته من بنی أمیة و انحازوا إلیها و جعلوها الملجأ لهم فی ما دبروه من کید أمیر المؤمنین ع و جعل یأتیها کل من تحیز عن أمیر المؤمنین ع حسدا له و مقتا و شنآنا له أو خوفا من استیفاء الحقوق علیه أو لإثارة فتنة أو إدغال فی الملة و هی علی ملتها و سنتها تنعی إلیهم عثمان و تبرأ من قاتله و تشهد له بالعدل و الإحسان و تخبر أنه قتل مظلوما و تحث الناس علی فراق أمیر المؤمنین ع و الاجتماع علی خلعه
الجمل، المفید ،ص:229

دعوة طلحة و الزبیر عائشة إلی إثارة الفتنة

و لما عرف طلحة و الزبیر من حالها و حال القوم عملا علی اللحاق بها و التعاضد علی شقاق أمیر المؤمنین ع فاستأذناه فی العمرة علی ما قدمناه و ذکرنا الخبر فی معناه و شرحناه و سارا إلی مکة خالعین الطاعة و مفارقین الجماعة فلما وردا إلیها فیمن تبعهما من أولادهما و خاصتهما و خالصتهما طافا بالبیت طواف العمرة و سعیا بین الصفا و المروة و بعثا إلی عائشة عبد الله بن الزبیر و قالا له امض إلی خالتک فأهد إلیها السلام منا و قل لها إن طلحة و الزبیر یقرءانک السلام و یقولان لک إن أمیر المؤمنین عثمان قتل مظلوما و إن علی بن أبی طالب ابتز الناس أمرهم و غلبهم علیه بالسفهاء الذین تولوا قتل عثمان و نحن نخاف انتشار الأمر به فإن رأیت أن تسیری معنا لعل الله یرتق بک فتق هذه الأمة و یشعب بک صدعهم و یلم بک شعثهم و یصلح بک أمورهم فأتاها عبد الله فبلغها ما أرسلاه به فأظهرت الامتناع من إجابتهما إلی الخروج عن مکة و قالت یا بنی لم آمر بالخروج لکنی رجعت إلی مکة لأعلم الناس ما فعل بعثمان إمامهم و أنه أعطاهم التوبة فقتلوه تقیا نقیا بریئا و یرون فی ذلک رأیهم و یشیرون إلی من ابتزهم أمرهم و غصبهم من غیر مشورة من المسلمین و لا مؤامرة بتکبر و تجبر و یظن أن الناس یرون له حقا کما کانوا یرونه لغیره هیهات
الجمل، المفید ،ص:230
هیهات یظن ابن أبی طالب یکون فی هذا الأمر کابن أبی قحافة لا و الله و من فی الناس مثل ابن أبی قحافة تخضع إلیه الرقاب و یلقی إلیه المقاد ولیها و الله ابن أبی قحافة فخرج منها کما دخل ثم ولیها أخو بنی عدی فسلک طریقه ثم مضیا فولیها ابن عفان فرکبها رجل له سابقة و مصاهرة برسول الله ص و أفعال مع النبی ص مذکورة لا یعمل أحد من الصحابة مثل ما عمله فی ذات الله و کان محبا لقومه فمال بعض المیل فاستتبناه فتاب ثم قتل فیحق للمسلمین أن یطلبوا بدمه.
فقال لها عبد الله فإذا کان هذا قولک فی علی یا أمه و رأیک فی قاتلی عثمان فما الذی یقعدک عن المساعدة علی جهاد علی بن أبی طالب و قد حضرک من المسلمین من فیه غنی و کفایة فیما تریدین فقالت یا بنی أفکر فیما قلت و تعود إلی فرجع عبد الله إلی طلحة و الزبیر بالخبر فقالا له قد أجابت أمنا و الحمد لله إلی ما نرید ثم قالا له باکرها فی الغد فذکرها أمر المسلمین و أعلمها إنا قاصدان إلیها لنجدد بها عهدا و نحکم معها عقدا فباکرها عبد الله و أعاد علیها بعض ما أسلفه من القول إلیها فأجابت إلی الخروج و نادی منادیها إن أم المؤمنین ترید أن تخرج تطلب بدم عثمان فمن کان یرید أن یخرج فلیتهیأ للخروج معها و صار إلیها طلحة فلما بصرت به قالت له یا أبا محمد قتلت عثمان و بایعت علیا فقال لها یا أُمَّه ما مثلی إلا کما قال الأول
ندمت ندامة الکسعی لمارأت عیناه ما صنعت یداه
الجمل، المفید ،ص:231
و جاءها الزبیر فسلم علیها فقالت له یا أبا عبد الله شرکت فی دم عثمان ثم بایعت علیا و أنت و الله أحق منه بالأمر فقال لها الزبیر أما ما صنعت مع عثمان فقد ندمت منه و هربت إلی ربی من ذنبی فی ذلک و لن أترک الطلب بدم عثمان و الله ما بایعت علیا إلا مکرها التفت به السفهاء من أهل مصر و العراق و سلوا سیوفهم و أخافوا الناس حتی بایعوه.
و صار إلی مکة عبد الله بن أبی ربیعة و کان عامل عثمان علی صنعاء فدخلها و قد انکسر فخذه و کان سبب ذلک ما رواه الواقدی عن رجاله أنه لما اتصل بابن أبی ربیعة حصر الناس لعثمان أقبل سریعا لنصرته فلقیه صفوان بن أمیة و هو علی فرس یجری و عبد الله بن أبی ربیعة علی بغلة فدنا منها الفرس فحادت فطرحت ابن أبی ربیعة و کسرت فخذه و عرف أن الناس قد قتلوا عثمان فصار إلی مکة بعد الظهر فوجد عائشة یومئذ بها تدعو إلی الخروج للطلب بدم عثمان فأمر بسریر فوضع له سریر فی المسجد ثم حمل و وضع علیه و قال للناس من خرج للطلب بدم عثمان فعلی جهازه فجهز ناسا کثیرا فحملهم و لم یستطع الخروج معهم لما کان برجله
الجمل، المفید ،ص:232

تحریض المعارضین الناس علی الخروج‌

وَ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ قَالَ رَأَیْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِی رَبِیعَةَ عَلَی سَرِیرٍ فِی الْمَسْجِدِ یُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَی الْخُرُوجِ فِی طَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ وَ یَحْمِلُ مَنْ جَاءَهُ وَ کَانَ یَعْلَی بْنُ مُنْیَةَ التَّمِیمِیُّ حَلِیفُ بَنِی نَوْفَلٍ عَامِلًا لِعُثْمَانَ عَلَی الْجُنْدِ فَوَافَی الْحَجَّ ذَلِکَ الْعَامَ فَلَمَّا بَلَغَهُ قَوْلُ ابْنِ أَبِی رَبِیعَةَ خَرَجَ مِنْ دَارِهِ وَ قَالَ أَیُّهَا النَّاسُ مَنْ خَرَجَ بِطَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ فَعَلَیَّ جَهَازُهُ وَ کَانَ قَدْ صَحِبَ ابْنَ أَبِی رَبِیعَةَ مَالٌ کَثِیرٌ فَأَنْفَقَهُ فِی جَهَازِ النَّاسِ إِلَی الْبَصْرَةِ.
وَ رَوَی الْوَاقِدِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ سَمِعْتُ یَعْلَی بْنَ مُنْیَةَ یَقُولُ وَ هُوَ مُشْتَمِلٌ بِصَنْعَانِیَّةٍ هَذِهِ عَشْرَةُ آلَافِ دِینَارٍ وَ هِیَ عَیْنُ مَالِی أُقَوِّی بِهَا مَنْ طَلَبَ بِدَمِ عُثْمَانَ فَجَعَلَ یُعْطِی النَّاسَ وَ اشْتَرَی أَرْبَعَمِائَةِ بَعِیرٍ فَأَنَاخَهَا بِالْبَطْحَاءِ وَ حَمَلَ عَلَیْهَا الرِّجَالَ.
وَ لَمَّا اتَّصَلَ بِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع خَبَرُ ابْنِ أَبِی رَبِیعَةَ وَ ابْنِ مُنْیَةَ وَ مَا بَذَلَاهُ مِنَ
الجمل، المفید ،ص:233
الْمَالِ فِی شِقَاقِهِ وَ الْفَسَادِ عَلَیْهِ قَالَ وَ اللَّهِ إِنْ ظَفِرْتُ بِابْنِ مُنْیَةَ وَ ابْنِ أَبِی رَبِیعَةَ لَأَجْعَلَنَّ أَمْوَالَهُمَا فِی مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ثُمَّ قَالَ بَلَغَنِی أَنَّ ابْنَ مُنْیَةَ بَذَلَ عَشَرَةَ آلَافِ دِینَارٍ فِی حَرْبِی مِنْ أَیْنَ لَهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِینَارٍ سَرَقَهَا مِنَ الْیَمَنِ ثُمَّ جَاءَ بِهَا لَئِنْ وَجَدْتُهُ لَآخُذَنَّهُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ
فَلَمَّا کَانَ یَوْمَ الْجَمَلِ وَ انْکَشَفَ النَّاسُ هَرَبَ یَعْلَی بْنُ مُنْیَةَ.
وَ لَمَّا رَأَتْ عَائِشَةُ اجْتِمَاعَ مَنِ اجْتَمَعَ إِلَیْهَا بِمَکَّةَ عَلَی مُخَالِفَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ الْمُبَایَنَةِ لَهُ وَ الطَّاعَةِ لَهَا فِی حَرْبِهِ تَأَهَّبَتْ لِلْخُرُوجِ وَ کَانَتْ فِی کُلِّ یَوْمٍ تُقِیمُ مُنَادِیهَا یُنَادِی بِالتَّأَهُّبِ لِلْمَسِیرِ وَ کَانَ الْمُنَادِی یُنَادِی وَ یَقُولُ مَنْ کَانَ یُرِیدُ الْمَسِیرَ فَلْیَسِرْ فَإِنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِینَ سَائِرَةٌ إِلَی الْبَصْرَةِ تَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الْمَظْلُومِ.
وَ رَوَی الْوَاقِدِیُّ عَنْ أَفْلَحَ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ یَزِیدَ بْنِ زِیَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِی رَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَةِ النَّبِیِّ ص قَالَتْ کُنْتُ مُقِیمَةً بِمَکَّةَ تِلْکَ السَّنَةَ حَتَّی دَخَلَ الْمُحَرَّمُ فَلَمْ أَدْرِ إِلَّا بِرَسُولِ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ قَدْ جَاءَنِی عَنْهُمَا یَقُولُ إِنَّ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرَ ابْنَیْکَ یَقُولَانِ إِنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِینَ عَائِشَةَ تُرِیدُ أَنْ تَخْرُجَ لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ فَلَوْ خَرَجْتِ مَعَنَا رَجَوْنَا أَنْ یُصْلِحَ اللَّهُ بِکُمَا فَتْقَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَأَرْسَلَتْ إِلَیْهِمَا وَ اللَّهِ مَا بِهَذَا أُمِرْتُ وَ لَا عَائِشَةُ لَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَقِرَّ فِی بُیُوتِنَا فَکَیْفَ نَخْرُجُ لِلْقِتَالِ وَ الْحَرْبِ مَعَ أَنَّ أَوْلِیَاءَ عُثْمَانَ غَیْرُنَا وَ اللَّهِ مَا یَجُوزُ لَنَا عَفْوٌ وَ لَا صُلْحٌ وَ لَا قِصَاصٌ وَ مَا ذَاکَ إِلَّا إِلَی وُلْدِ عُثْمَانَ وَ أُخْرَی نُقَاتِلُ عَلِیَّ بْنَ أَبِی طَالِبٍ ع ذَا الْبَلَاءِ وَ الْعَنَاءِ أَوْلَی النَّاسِ
الجمل، المفید ،ص:234
بِهَذَا الْأَمْرِ وَ اللَّهِ مَا أَنْصَفْتُمَا رَسُولَ اللَّهِ ص فِی نِسَائِهِ حَیْثُ تُخْرِجُوهُنَّ إِلَی الْعِرَاقِ وَ تَتْرُکُونَ نِسَاءَکُمْ فِی بُیُوتِکُمْ ثُمَّ أَرْسَلَتْ إِلَی عَائِشَةَ فَنَهَتْهَا أَشَدَّ النَّهْیِ عَنْ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ فِی الْخُرُوجِ لِقِتَالِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع وَ ذَکَّرَتْهَا أُمُوراً تَعْرِفُهَا وَ قَالَتْ لَهَا أَنْشُدُکَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمِینَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لَکِ: اتَّقِی اللَّهَ وَ احْذَرِی أَنْ تَنْبَحَکَ کِلَابُ الْحَوْأَبِ
فَقَالَتْ نَعَمْ وَ رَدَعَتْهَا بَعْضَ الرَّدْعِ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَی رَأْیِهَا فِی الْمَسِیرِ
الجمل، المفید ،ص:235

فصل فی مؤامرة الناکثین‌

اشارة

فلما تحقق عزم القوم علی المسیر إلی البصرة و ظهر تأهبهم لذلک اجتمع طلحة و الزبیر و عائشة فی خواص من قومهم و بطانتهم و قالوا نحب أن نسرع النهضة إلی البصرة فإن بها شیعة عثمان و أنصاره و عامله عبد الله بن عامر بن کریز و هو قریبه و نسیبه و قد عمل علی استمداد الجنود من فارس و بلاد المشرق لمعونته علی الطلب بدم عثمان و قد کاتبنا معاویة بن أبی سفیان أن ینفذ لنا الجنود من الشام فإن أبطأنا علی الخروج خفنا أن یدهمنا ابن أبی طالب بمکة أو فی بعض الطریق فیمن یری رأیه فی عداوة عثمان خوفا من أن یفرق کلمتنا و إذا أسرعنا المسیر إلی البصرة و أخرجنا عامله منها و قتلنا شیعته بها و اتسعنا بالأموال منها کنا علی الثقة من الظفر بابن أبی طالب فإن أقام بالمدینة سیرنا إلیه الجنود حتی نحصره فیخلع نفسه أو نقتله کما قتل عثمان و إن سار فهو کال و نحن حامون و هو علی ظاهر البصرة و نحن بها متحصنون فلا یطول الزمان حتی نفل جموعه بهلاک نفسه و إراحة المسلمین من فتنته.
الجمل، المفید ،ص:236

تحذیر أم سلمة عائشة

و بلغ أم سلمة اجتماع القوم و ما خاضوا فیه فبکت حتی اخضل خمارها ثم دعت بثیابها فلبستها و تخفرت و مشت إلی عائشة لتعظها و تصدها عن رأیها فی مظاهرة أمیر المؤمنین ع بالخلاف و تقعد بها عن الخروج مع القوم فلما دخلت علیها قالت إنک سدة رسول الله ص بین أمته و حجابک مضروب علی حرمته و قد جمع القرآن ذیلک فلا تندحیه و مکنک خفرتک فلا تضحیها الله الله من وراء هذه الآیة قد علم رسول الله ص مکانک فلو أراد أن یعهد إلیک لفعل بل نهاک عن الفرطة فی البلاد إن عمود الدین لا یقام بالنساء إن مال و لا یرأب بهن إن صدع حمادیات النساء غض الأطراف و خف الأعطاف و قصر الوهازة و ضم الذیول ما کنت قائلة لو أن رسول الله ص عارضک ببعض الفلوات ناصة قلوصا من منهل إلی آخر قد هتکت صداقته و ترکت حرمته و عهدته إن بعین الله مهواک و علی رسول الله ص تردین و الله لو سرت مسیرک هذا ثم قیل لی ادخلی الفردوس لاستحییت أن ألقی محمدا ص
الجمل، المفید ،ص:237
هاتکة حجابا قد ستره علی اجعلی حصنک بیتک و قاعة البیت قبرک حتی تلقینه و أنت علی ذلک أطوع ما تکونین لله لزمته و أنصر ما تکونین للدین ما جلست عنه.
فقالت لها عائشة ما أعرفنی بوعظک و أقبلنی لنصحک و لنعم المسیر مسیر فزعت إلیه و أنا بین سائرة أو متأخّرة فإن أقعد فعن غیر حرج و إن أسر فإلی ما لا بد من الازدیاد منه.
فلما رأت أم سلمة أن عائشة لا تقلع عن الخروج عادت إلی مکانها و بعثت إلی رهط من المهاجرین و الأنصار فقالت لهم لقد قتل عثمان بحضرتکم و کانا هذان الرجلان تعنی طلحة و الزبیر یسعیان علیه کما رأیتم فلما قضی الله أمره بایعا علیا و قد خرجا الآن زعما أن یطلبا بدم عثمان و یریدان أن یخرجا حبیسة رسول الله ص و قد عهد إلی جمیع نسائه عهدا واحدا أن یقرن فی بیوتهن فإن کان مع عائشة عهد سوی ذلک تظهره و تخرجه إلینا نعرفه لا و الله ما بایعتم أیها القوم و غیرکم علیا مخافة له و لا بایعتموه إلا علی علم منکم بأنه خیر هذه الأمة و أحقهم بهذا الأمر قدیما و حدیثا و الله ما أستطیع أزعم أن رسول الله ص خلف
الجمل، المفید ،ص:238
یوم قبض خیرا منه و لا أحق بهذا الأمر منه فاتقوا الله عباد الله فإنا نأمرکم بتقوی الله و الاعتصام بحبله و الله ولینا و ولیکم.
قال فتقاعد کثیر عن طلحة و الزبیر عند سماع هذا الخبر و القول من أم سلمة ثم أنفذت أم سلمة إلی عائشة فقالت لها قد وعظتک فلم تتعظی و قد کنت أعرف رأیک فی عثمان و أنه لو طلب منک شربة من ماء لمنعتیه ثم أنت الیوم تقولین إنه قتل مظلوما و تریدین أن تثیری لقتال أولی الناس بهذا الأمر قدیما و حدیثا فاتقی الله حق تقاته و لا تتعرضی لسخطه فأرسلت إلیها أما ما کنت تعرفنیه من رأی فی عثمان فقد کان و لا أجد مخرجا منه إلا الطلب بدمه و أما علی فإنی آمره برد هذا الأمر شوری بین الناس فإن فعل و إلا ضربت وجهه بالسیف حتی یقضی الله ما هو قاض فأنفذت إلیها أم سلمة أما أنا فغیر واعظة لک من بعد و لا مکلمة لک جهدی و طاقتی و الله إنی لخائفة علیک البوار ثم النار و الله لیخیبن ظنک و لینصرن الله ابن أبی طالب علی من بغی علیه و ستعرفین عاقبة ما أقول و السلام
الجمل، المفید ،ص:239

فصل استشارة أمیر المؤمنین ع أصحابه فی جهاد الناکثین‌

اشارة

وَ لَمَّا اجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَی مَا ذَکَرْنَاهُ مِنْ شِقَاقِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ التَّأَهُّبِ لِلْمَسِیرِ إِلَی الْبَصْرَةِ وَ اتَّصَلَ الْخَبَرُ إِلَیْهِ وَ جَاءَهُ کِتَابٌ بِخَبَرِ الْقَوْمِ دَعَا ابْنَ عَبَّاسٍ وَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَکْرٍ وَ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ وَ سَهْلَ بْنَ حُنَیْفٍ وَ أَخْبَرَهُمْ بِالْکِتَابِ وَ بِمَا عَلَیْهِ الْقَوْمُ مِنَ الْمَسِیرِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ مَا یُرِیدُونَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَتَبَسَّمَ ع وَ قَالَ «یَطْلُبُونَ بِدَمِ عُثْمَانَ» فَقَالَ مُحَمَّدٌ وَ اللَّهِ مَا قَتَلَ عُثْمَانَ غَیْرُهُمْ ثُمَّ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع: «أَشِیرُوا عَلَیَّ بِمَا أَسْمَعُ مِنْکُمُ الْقَوْلَ فِیهِ» فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ الرَّأْیُ الْمَسِیرُ إِلَی الْکُوفَةِ فَإِنَّ أَهْلَهَا لَنَا شِیعَةٌ وَ قَدِ انْطَلَقَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ إِلَی الْبَصْرَةِ وَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الرَّأْیُ عِنْدِی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْ تُقَدِّمَ رَجُلًا إِلَی الْکُوفَةِ فَیُبَایِعُونَ لَکَ وَ تَکْتُبَ إِلَی الْأَشْعَرِیِّ أَنْ یُبَایِعَ لَکَ ثُمَّ بَعْدَهُ الْمَسِیرَ حَتَّی نَلْحَقَ بِالْکُوفَةِ وَ تُعَاجِلَ الْقَوْمَ قَبْلَ أَنْ یَدْخُلُوا الْبَصْرَةَ وَ تَکْتُبَ إِلَی أُمِّ سَلَمَةَ فَتَخْرُجَ مَعَکَ فَإِنَّهَا
الجمل، المفید ،ص:240
لَکَ قُوَّةٌ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع «بَلْ أَسِیرُ بِنَفْسِی وَ مَنْ مَعِی فِی اتِّبَاعِ الطَّرِیقِ وَرَاءَ الْقَوْمِ فَإِنْ أَدْرَکْتُهُمْ فِی الطَّرِیقِ أَخَذْتُهُمْ وَ إِنْ فَاتُونِی کَتَبْتُ إِلَی الْکُوفَةِ وَ اسْتَمْدَدْتُ الْجُنُودَ مِنَ الْأَمْصَارِ وَ سِرْتُ إِلَیْهِمْ وَ أَمَّا أُمُّ سَلَمَةَ فَإِنِّی لَا أَرَی إِخْرَاجَهَا مِنْ بَیْتِهَا کَمَا رَأَی الرَّجُلَانِ إِخْرَاجَ عَائِشَةَ» فَبَیْنَمَا هُمْ فِی ذَلِکَ إِذْ دَخَلَ عَلَیْهِمْ أُسَامَةُ بْنُ زَیْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَ قَالَ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فِدَاکَ أَبِی وَ أُمِّی لَا تَسِرْ سَیْراً وَاحِداً وَ انْطَلِقْ إِلَی یَنْبُعَ وَ خَلِّفْ عَلَی الْمَدِینَةِ رَجُلًا وَ أَقِمْ بِمَالِکَ فَإِنَّ الْعَرَبَ لَهُمْ جَوْلَةٌ ثُمَّ یَصِیرُونَ إِلَیْکَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْکَ یَا أُسَامَةُ إِنْ کَانَ عَلَی غَیْرِ غِلٍّ فِی صَدْرِکَ فَقَدْ أَخْطَأْتَ وَجْهَ الرَّأْیِ فِیهِ لَیْسَ هَذَا بِرَأْیٍ بَصِیرٍ یَکُونُ وَ اللَّهِ کَهَیْئَةِ الضَّبُعِ فِی مَغَارَتِهَا فَقَالَ أُسَامَةُ فَمَا الرَّأْیُ قَالَ مَا أَشَرْتُ بِهِ أَوْ مَا رَآهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ لِنَفْسِهِ.
ثُمَّ نَادَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع فِی النَّاسِ «تَجَهَّزُوا لِلْمَسِیرِ فَإِنَّ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرَ قَدْ نَکَثَا الْبَیْعَةَ وَ نَقَضَا الْعَهْدَ وَ أَخْرَجَا عَائِشَةَ مِنْ بَیْتِهَا یُرِیدَانِ الْبَصْرَةَ لِإِثَارَةِ الْفِتْنَةِ وَ سَفْکِ دِمَاءِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ رَفَعَ یَدَیْهِ إِلَی السَّمَاءِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ قَدْ بَغَیَا عَلَیَّ وَ نَکَثَا عَهْدِی وَ نَقَضَا عَقْدِی وَ شَقَانِی بِغَیْرِ حَقٍّ مِنْهُمَا کَانَ فِی ذَلِکَ اللَّهُمَّ خُذْهُمَا بِظُلْمِهِمَا لِی وَ أَظْفِرْنِی بِهِمَا وَ انْصُرْنِی عَلَیْهِمَا ثُمَّ خَرَجَ فِی سَبْعِمِائَةِ رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ وَ اسْتَخْلَفَ عَلَی الْمَدِینَةِ تَمَامَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَ بَعَثَ قُثَمَ بْنَ الْعَبَّاسِ إِلَی مَکَّةَ وَ لَمَّا رَأَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع التَّوَجُّهَ إِلَی الْمَسِیرِ طَالِباً لِلْقَوْمِ رَکِبَ جَمَلًا أَحْمَرَ وَ قَادَ کُمَیْتاً وَ سَارَ وَ هُوَ یَقُولُ
الجمل، المفید ،ص:241
«
سِیرُوا أَبَابِیلَ وَ حُثُّوا السَّیْرَاکَیْ نَلْحَقَ التَّیْمِیَّ وَ الزُّبَیْرَا
إِذْ جَلَبَا الشَّرَّ وَ عَافَا الْخَیْرَایَا رَبِّ أَدْخِلْهُمْ غَداً سَعِیراً ».
وَ سَارَ مُجِدّاً فِی السَّیْرِ حَتَّی بَلَغَ الرَّبَذَةَ فَوَجَدَ الْقَوْمَ قَدْ فَاتُوا فَنَزَلَ بِهَا قَلِیلًا ثُمَّ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْبَصْرَةِ وَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ عَنْ یَمِینِهِ وَ شِمَالِهِ مُحْدِقُونَ بِهِ مَعَ مَنْ سَمِعَ بِمَسِیرِهِمْ فَاتَّبَعَهُمْ حَتَّی نَزَلَ بِذِی قَارٍ فَأَقَامَ بِهَا
الجمل، المفید ،ص:242

کتاب أمیر المؤمنین ع إلی أبی موسی الأشعری‌

ثُمَّ دَعَا هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ الْمِرْقَالَ وَ کَتَبَ مَعَهُ کِتَاباً إِلَی أَبِی مُوسَی الْأَشْعَرِیِّ وَ کَانَ بِالْکُوفَةِ مِنْ قِبَلِ عُثْمَانَ وَ أَمَرَهُ أَنْ یُوصِلَ الْکِتَابَ إِلَیْهِ لِیَسْتَنْفِرَ النَّاسَ مِنْهَا إِلَی الْجِهَادِ مَعَهُ وَ کَانَ مَضْمُونُ الْکِتَابِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ مِنْ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَیْسٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أَرْسَلْتُ إِلَیْکَ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ لِتُشْخِصَ مَعَهُ مَنْ قِبَلَکَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ لِیَتَوَجَّهُوا إِلَی قَوْمٍ نَکَثُوا بَیْعَتِی وَ قَتَلُوا شِیعَتِی وَ أَحْدَثُوا فِی هَذِهِ الْأُمَّةِ الْحَدَثَ الْعَظِیمَ فَأَشْخِصْ بِالنَّاسِ إِلَیَّ مَعَهُ حِینَ یُقَدِّمُ الْکِتَابَ عَلَیْکَ وَ لَا تَحْبِسْهُ فَإِنِّی لَمْ أُقِرَّکَ فِی الْمِصْرِ الَّذِی أَنْتَ فِیهِ إِلَّا أَنْ تَکُونَ مِنْ أَعْوَانِی وَ أَنْصَارِی عَلَی هَذَا الْأَمْرِ وَ السَّلَامُ.
فَقَدِمَ هَاشِمٌ بِالْکِتَابِ عَلَی أَبِی مُوسَی الْأَشْعَرِیِّ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَیْهِ دَعَا السَّائِبَ بْنَ مَالِکٍ الْأَشْعَرِیَّ فَأَقْرَأَهُ الْکِتَابَ وَ قَالَ لَهُ مَا تَرَی فَقَالَ السَّائِبُ اتَّبِعْ مَا کَتَبَ بِهِ إِلَیْکَ فَأَبَی أَبُو مُوسَی ذَلِکَ وَ کَسَرَ الْکِتَابَ وَ مَحَاهُ وَ بَعَثَ إِلَی هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ یُخَوِّفُهُ وَ یَتَوَعَّدُهُ بِالسِّجْنِ فَقَالَ السَّائِبُ بْنُ مَالِکٍ فَأَتَیْتُ هَاشِماً فَأَخْبَرْتُهُ بِأَمْرِ أَبِی مُوسَی.
فَکَتَبَ هَاشِمٌ إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع أَمَّا بَعْدُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَإِنِّی
الجمل، المفید ،ص:243
قَدِمْتُ بِکِتَابِکَ عَلَی امْرِئٍ عَاقٍّ شَاقٍّ بَعِیدِ الرَّحْمِ ظَاهِرِ الْغِلِّ وَ الشِّقَاقِ وَ قَدْ بَعَثْتُ إِلَیْکَ بِهَذَا الْکِتَابِ مَعَ الْمُحِلِّ بْنِ خَلِیفَةَ أَخِی طَیِ‌ءٍ وَ هُوَ مِنْ شِیعَتِکَ وَ أَنْصَارِکَ وَ عِنْدَهُ عِلْمُ مَا قِبَلَنَا فَاسْأَلْهُ عَمَّا بَدَا لَکَ وَ اکْتُبْ إِلَیَّ بِرَأْیِکَ أَتَّبِعْهُ وَ السَّلَامُ.
فَلَمَّا قُدِّمَ الْکِتَابُ إِلَی عَلِیٍّ ع وَ قَرَأَهُ دَعَا الْحَسَنَ ابْنَهُ وَ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ وَ قَیْسَ بْنَ سَعْدٍ فَبَعَثَهُمْ إِلَی أَبِی مُوسَی وَ کَتَبَ مَعَهُمْ:
«مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَیْسٍ أَمَّا بَعْدُ یَا ابْنَ الْحَائِکِ وَ اللَّهِ إِنِّی کُنْتُ لَأَرَی أَنَّ بُعْدَکَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِی لَمْ یَجْعَلْکَ اللَّهُ لَهُ أَهْلًا وَ لَا جَعَلَ لَکَ فِیهِ نَصِیباً سَیَمْنَعُکَ مِنْ رَدِّ أَمْرِی وَ قَدْ بَعَثْتُ إِلَیْکَ الْحَسَنَ وَ عَمَّاراً وَ قَیْساً فَأَخْلِ لَهُمُ الْمِصْرَ وَ أَهْلَهُ وَ اعْتَزِلْ عَمَلَنَا مَذْؤُماً مَدْحُوراً فَإِنْ فَعَلْتَ وَ إِلَّا فَإِنِّی أَمَرْتُهُمْ أَنْ یُنَابِذُوکَ عَلی سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا یُحِبُّ الْخائِنِینَ فَإِنْ ظَهَرُوا عَلَیْکَ قَطَعُوکَ إِرْباً إِرْباً وَ السَّلَامُ عَلَی مَنْ شَکَرَ النِّعْمَةَ وَ رَضِیَ بِالْبَیْعَةِ وَ عَمِلَ لِلَّهِ رَجَاءَ الْعَاقِبَةِ
الجمل، المفید ،ص:244

کتاب أمیر المؤمنین ع إلی أهل الکوفة

فَلَمَّا قَدِمَ الْحَسَنُ ع وَ عَمَّارٌ وَ قَیْسٌ الْکُوفَةَ مُسْتَنْفِرِینَ أَهْلَهَا وَ کَانَ مَعَهُمْ کِتَابٌ فِیهِ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ مِنْ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ إِلَی أَهْلِ الْکُوفَةِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی أُخْبِرُکُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ حَتَّی یَکُونَ أَمْرُهُ کَالْعَیَانِ لَکُمْ إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَیْهِ فَکُنْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِینَ أُکْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ وَ أُقِلُّ عِتَابَهُ وَ کَانَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ أَهْوَنُ سَیْرِهِمَا فِیهِ الْوَجِیفُ وَ قَدْ کَانَ مِنْ عَائِشَةَ فِیهِ فَلْتَةُ غَضَبٍ فَأُتِیحَ لَهُ قَوْمٌ فَقَتَلُوهُ وَ بَایَعَنِی النَّاسُ غَیْرَ مُسْتَکْرَهِینَ وَ لَا مُجْبَرِینَ بَلْ طَائِعِینَ مُخَیَّرِینَ وَ کَانَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ أَوَّلَ مَنْ بَایَعَنِی عَلَی مَا بَایَعَا عَلَیْهِ مَنْ کَانَ قَبْلِی ثُمَّ اسْتَأْذَنَانِی فِی الْعُمْرَةِ وَ لَمْ یَکُونَا یُرِیدَانِ الْعُمْرَةَ فَنَکَثَا الْعَهْدَ وَ أَذَّنَا بِالْحَرْبِ وَ أَخْرَجَا عَائِشَةَ مِنْ بَیْتِهَا یَتَّخِذَانِهَا فِتْنَةً فَسَارَا إِلَی الْبَصْرَةِ اخْتِیَاراً لِأَهْلِهَا وَ اخْتَرْتُ الْمَسِیرَ إِلَیْکُمْ وَ لَعَمْرِی مَا إِیَّایَ تُجِیبُونَ إِنَّمَا تُجِیبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ اللَّهِ مَا قَاتَلْتُهُمْ وَ فِی نَفْسِی مِنْهُمْ شَکٌّ وَ قَدْ بَعَثْتُ إِلَیْکُمْ وَلَدِیَ الْحَسَنَ وَ عَمَّاراً وَ قَیْساً مُسْتَنْفِرِینَ بِکُمْ فَکُونُوا عِنْدَ ظَنِّی بِکُمْ
الجمل، المفید ،ص:245

خطبة الحسن ع‌

وَ لَمَّا نَزَلَ الْحَسَنُ ع وَ عَمَّارٌ وَ قَیْسٌ الْکُوفَةَ وَ مَعَهُمْ کِتَابُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع قَامَ فِیهِمُ الْحَسَنُ ع فَقَالَ «أَیُّهَا النَّاسُ قَدْ کَانَ مِنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع مَا یَکْفِیکُمْ جُمْلَتُهُ وَ قَدْ أَتَیْنَاکُمْ مُسْتَنْفِرِینَ لَکُمْ لِأَنَّکُمْ جَبْهَةُ الْأَنْصَارِ وَ سَنَامُ الْعَرَبِ وَ قَدْ نَقَضَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ بَیْعَتَهُمَا وَ خَرَجَا بِعَائِشَةَ وَ هِیَ مِنَ النِّسَاءِ وَ ضَعْفُ رَأْیِهِنَّ کَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَی النِّساءِ وَ ایْمُ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَنْصُرُوهُ لَیَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِمَنْ یَتْبَعُهُ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَ الْأَنْصَارِ وَ سَائِرِ النَّاسِ فَانْصُرُوا رَبَّکُمْ یَنْصُرْکُمْ
الجمل، المفید ،ص:246

خطبة عمار

ثم قام عمار بن یاسر فقال یا أهل الکوفة إن کانت غابت عنکم أبداننا فقد انتهت إلیکم أمورنا و أخبارنا إن قاتلی عثمان لا یعتذرون إلی الناس من قتله و قد جعلوا کتاب الله بینهم و بین محاجیهم فیه و قد کان طلحة و الزبیر أول من طعنا علیه و أول من أمر بقتله و سعی فی دمه فلما قتل بایعا أمیر المؤمنین ع طوعا و اختیارا ثم نکثا علی غیر حدث کان منه و هذا ابن رسول الله قد عرفتم أنه أنفذه یستنفرکم و قد اصطفاکم علی المهاجرین و الأنصار

خطبة قیس بن سعد

ثم قام قیس بن سعد فقال أیها الناس إن هذا الأمر لو استقبلنا فیه الشوری لکان أمیر المؤمنین ع أحق الناس به لمکانه من رسول الله ص و کان قتال من أبی ذلک حلالا فکیف فی الحجة علی طلحة و الزبیر و قد بایعاه طوعا ثم خلعاه حسدا و بغیا و قد جاءکم علی فی المهاجرین و الأنصار ثم أنشأ یقول
رضینا بقسم الله إذ کان قسمناعلیا و أبناء الرسول محمد
و قلنا لهم أهلا و سهلا و مرحبابمد یدینا من هدی و تودد
الجمل، المفید ،ص:247 فما للزبیر الناقض العهد حرمةو لا لأخیه طلحة الیوم من ید
أتاکم سلیل المصطفی و وصیه‌و أنتم بحمد الله عارضة الندی
فمن قائم یرجی بخیل إلی الوغی‌و ضم العوالی و الصفیح المهند
یسود من أدناه غیر مدافع‌و إن کان ما تقضیه غیر مسود
فإن یأت ما نهوی فذاک نریده‌و إن تخط ما نهوی فغیر تعمد

خطبة أبی موسی الأشعری‌

فلما فرغ القوم من کلامهم قام أبو موسی الأشعری فقال أیها الناس أطیعونی تکونوا جرثومة من جراثیم العرب یأوی إلیکم المظلوم و یأمن فیکم الخائف إنا أصحاب محمد ص أعلم بما سمعنا الفتنة إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت بینت و إن هذه الفتنة نافذة کداء البطن تجری بها الشمال و الجنوب و الصبا
الجمل، المفید ،ص:248
و الدبور و تنکب أحیانا فلا یدری من أین تأتی شیموا سیوفکم و قصروا رماحکم و قطعوا أوتارکم و الزموا البیوت خلوا قریشا إذا أبوا إلا الخروج من دار الهجرة و فراق أهل العلم بالإمرة ترتق فتقها و تشعب صدعها فإن فعلت فلنفسها و إن أبت فعلیها جنت سمنها یریق فی أدیمها استنصحونی و لا تستغشونی یسلم لکم دینکم و دنیاکم و یشقی بهذه الفتنة من جناها

خطبة زید بن صوحان‌

فقام زید بن صوحان رحمه الله و کانت یده قطعت یوم جلولاء و رفع یده ثم قال یا أبا موسی ترید أن ترد الفرات عن أدراجه إنه لا یرجع من حیث بدأ فإن قدرت علی ذلک فستقدر علی ما ترید دع ویلک ما لست مدرکه الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ ثم قال أیها الناس سیروا إلی أمیر المؤمنین
الجمل، المفید ،ص:249
و أطیعوا ابن سید المرسلین و انفروا إلیه أجمعین تصیبوا الحق و تظفروا بالرشد قد و الله نصحتکم فاتبعوا رأیی ترشدوا

احتجاج عبد خیر علی أبی موسی الأشعری‌

ثم قام عبد خیر و قال لأبی موسی خبرنی یا أبا موسی هل کان هذان الرجلان بایعا علی بن أبی طالب فیما بلغک و عرفت قال نعم قال فهل جاء علی بحدث یحل عقدة بیعته حتی ترد بیعته کما ردت بیعة عثمان قال أبو موسی لا أعلم قال له عبد خیر لا علمت و لا دریت نحن تارکوک حتی تدری حینئذ خبرنی یا أبا موسی هل أحد خارج من هذه الفتنة التی تزعم أنها عمیاء تحذر الناس منها أ ما تعلم أنها أربع فرق علی بظهر الکوفة و طلحة و الزبیر بالبصرة و معاویة بالشام و فرقة أخری بالحجاز لا یجبی بها بر و لا یقام بها حد و لا یقاتل بها عدو فأین القرآن من هذه الفتن فقال أبو موسی الفرقة القاعدة عن القتال خیر الناس فقال له عبد خیر غلب علی علمک یا أبا موسی فقام رجل من بجیلة فقال
و حاجک عبد خیر یا ابن قیس‌فأنت الیوم کالشاة الربیض
الجمل، المفید ،ص:250 فلا حقا أصبت و لا ضلالافعدت هناک تهوی بالحضیض
أبا موسی نظرت برأی سوءتئول به إلی قلب مریض
و تهت فلیس تفرق بین خمس‌و لا ست و لا سود و بیض
و تذکر فتنة شملت و فیهاسقطت و أنت ترجف بالحریض
الجمل، المفید ،ص:251

إرسال الأشتر إلی الکوفة

قَالَ وَ بَلَغَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع مَا کَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِی مُوسَی فِی تَخْذِیلِ النَّاسِ عَنْ نُصْرَتِهِ فَقَامَ إِلَیْهِ مَالِکٌ الْأَشْتَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَی فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّکَ قَدْ بَعَثْتَ إِلَی الْکُوفَةِ رَجُلًا مِنَ الْعَنَتِ فَمَا أَرَاهُ حَکَمَ شَیْئاً وَ هَؤُلَاءِ أَخْلَفُ مَنْ بَعَثْتَ أَنْ یَسْتَتِبَّ لَکَ النَّاسَ عَلَی مَا تُحِبُّ وَ لَسْتُ أَدْرِی مَا یَکُونُ فَإِنْ رَأَیْتَ جُعِلْتُ فِدَاکَ أَنْ تَبْعَثَنِی فِی أَثَرِهِمْ فَإِنَّ أَهْلَ الْکُوفَةِ أَحْسَنُ لِی طَاعَةً فَإِنْ قَدِمْتُ عَلَیْهِمْ رَجَوْتُ أَنْ لَا یُخَالِفَنِی مِنْهُمْ أَحَدٌ فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع «الْحَقْ بِهِمْ عَلَی اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ» فَأَقْبَلَ الْأَشْتَرُ حَتَّی دَخَلَ الْکُوفَةَ وَ قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ بِالْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ فَأَخَذَ لَا یَمُرُّ بِقَبِیلَةٍ فِیهَا جَمَاعَةٌ فِی مَجْلِسٍ أَوْ مَسْجِدٍ إِلَّا دَعَاهُمْ وَ قَالَ اتَّبِعُونِی إِلَی الْقَصْرِ فَانْتَهَی إِلَی الْقَصْرِ فِی جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ فَاقْتَحَمَ وَ أَبُو مُوسَی قَائِمٌ فِی الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ یَخْطُبُ النَّاسَ وَ یُثَبِّطُهُمْ عَنْ نُصْرَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ هُوَ یَقُولُ «أَیُّهَا النَّاسُ
الجمل، المفید ،ص:252
هَذِهِ فِتْنَةٌ عَمْیَاءُ صَمَّاءُ تَطَأُ فِی خِطَامِهَا النَّائِمُ فِیهَا خَیْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ وَ الْقَاعِدُ فِیهَا خَیْرٌ مِنَ الْقَائِمِ وَ الْقَائِمُ فِیهَا خَیْرٌ مِنَ الْمَاشِی وَ الْمَاشِی خَیْرٌ مِنَ السَّاعِی وَ السَّاعِی خَیْرٌ مِنَ الرَّاکِبِ إِنَّهَا فِتْنَةٌ نَافِذَةٌ کَدَاءِ الْبَطْنِ أَتَتْکُمْ مِنْ قِبَلِ مَأْمَنِکُمْ تَدَعُ الْحَلِیمَ فِیهَا خَیْراً مِنْ أَکَابِرِ الْبَشَرِ فَإِذَا أَدْبَرَتْ أَسْفَرَتْ.
وَ عَمَّارٌ یُخَاطِبُهُ: وَ الْحَسَنُ ع یَقُولُ «اعْتَزِلْ عَمَلَنَا لَا أُمَّ لَکَ صَاغِراً وَ تَنَحَّ عَنْ مِنْبَرِنَا» وَ أَبُو مُوسَی یَقُولُ لِعَمَّارٍ هَذِهِ یَدِی بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص یَقُولُ: «سَتَکُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِیهَا خَیْرٌ مِنَ الْقَائِمِ» فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: «سَتَکُونُ فِتْنَةٌ أَنْتَ فِیهَا یَا أَبَا مُوسَی قَاعِداً خَیْرٌ مِنْکَ قَائِماً» وَ لَمْ یَقُلْ ذَلِکَ لِغَیْرِکَ ثُمَّ قَالَ لَهُ عَمَّارٌ أَرِنِی یَدَکَ یَا أَبَا مُوسَی فَأَبْرَزَهَا إِلَیْهِ فَقَبَضَ عَلَیْهَا عَمَّارٌ وَ قَالَ غَلَبَ اللَّهُ مَنْ غَالَبَهُ وَ لَعَنَ مَنْ جَاحَدَهُ ثُمَّ قَالَ عَمَّارٌ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَبَا مُوسَی أُوتِیَ عِلْماً ثُمَّ انْتَفَضَ عَنْهُ کَمَا یَنْتَفِضُ الدِّیکُ إِذَا خَرَجَ مِنَ
الجمل، المفید ،ص:253
الْمَاءِ
-

. ذهاب الأشتر إلی القصر-

. فَبَیْنَا هُمْ کَذَلِکَ إِذْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ غِلْمَانُ أَبِی مُوسَی یُنَادُونَ یَا أَبَا مُوسَی هَذَا الْأَشْتَرُ اخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ وَ دَخَلَ عَلَیْهِ أَصْحَابُ الْأَشْتَرِ فَقَالُوا لَهُ اخْرُجْ وَیْلَکَ أَخْرَجَ اللَّهُ نَفْسَکَ فَوَ اللَّهِ إِنَّکَ لَمِنَ الْمُنَافِقِینَ فَخَرَجَ أَبُو مُوسَی وَ أَنْفَذَ إِلَی الْأَشْتَرِ أَنْ أَجِّلْنِی هَذِهِ الْعَشِیَّةَ قَالَ قَدْ أَجَّلْتُکَ وَ لَا تَبِیتَنَّ فِی الْقَصْرِ هَذِهِ اللَّیْلَةَ وَ اعْتَزِلْ نَاحِیَةً عَنْهُ وَ دَخَلَ النَّاسُ یَنْتَهِبُونَ مَتَاعَ أَبِی مُوسَی فَأَتْبَعَهُمُ الْأَشْتَرُ بِمَنْ أَخْرَجَهُمْ مِنَ الْقَصْرِ وَ قَالَ لَهُمْ إِنِّی أَخَّرْتُهُ فَکَفَّ النَّاسَ عَنْهُ‌

خطبة أخری للحسن ع‌

: ثُمَّ صَعِدَ الْحَسَنُ ع الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ ذَکَرَ جَدَّهُ فَصَلَّی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ «أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلِیّاً أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ بَابُ هُدًی فَمَنْ دَخَلَهُ اهْتَدَی وَ مَنْ خَالَفَهُ تَرَدَّی»
الجمل، المفید ،ص:254

خطبة أخری لعمّار

ثم نزل فصعد عمار فحمد الله و أثنی علیه و صلی علی رسوله ص ثم قال «أیها الناس إنا لما خشینا علی هذا الدین أن تتهدم جوانبه و یتعری أدیمه نظرنا لأنفسنا و لدیننا فاخترنا علیا ع خلیفة و رضینا به إماما فنعم الخلیفة و نعم المؤدب مؤدب لا یؤدب و فقیه لا یعلم و صاحب بأس لا ینکر و ذو سابقة فی الإسلام لیست لأحد من الناس غیره و قد خالفه قوم من أصحابه حاسدون له باغون علیه و قد توجهوا إلی البصرة اخرجوا إلیهم رحمکم الله فإنکم لو شاهدتموهم و حاججتموهم تبین لکم أنهم ظالمون»

خطبة الأشتر

ثم خرج الأشتر رحمه الله فصعد المنبر فحمد الله و أثنی علیه ثم قال «أیها الناس أصغوا إلی بأسماعکم و افهموا قولی بقلوبکم إن الله عز و جل قد أنعم علیکم بالإسلام نعمة لا تقدرون قدرها و لا تؤدون شکرها کنتم أعداء یأکل قویکم ضعیفکم و ینتهب کثیرکم قلیلکم و تنتهک حرمات الله بینکم و السبیل
الجمل، المفید ،ص:255
مخوف و الشرک عندکم کثیر و الأرحام عندکم مقطوعة و کل أهل دین لکم قاهرون فمن الله علیکم بمحمد ص فجمع شمل هذه الفرقة و ألف بینکم بعد العداوة و کثرکم بعد أن کنتم قلیلین ثم قبضه الله عز و جل إلیه فحوی بعده رجلان ثم ولی علینا بعدهما رجل نبذ کتاب الله وراء ظهره و عمل فی أحکام الله بهوی نفسه فسألناه أن یعتزل لنا نفسه فلم یفعل و أقام علی أحداثه فاخترنا هلاکه علی هلاک دیننا و دنیانا و لا یبعد الله إلا القوم الظالمین و قد جاءکم الله بأعظم الناس مکانا فی الدین و أعظمهم حرمة و أصوبهم فی الإسلام سهما ابن عم رسول الله ص و أفقه الناس فی الدین و أقرئهم لکتاب الله و أشجعهم عند اللقاء یوم البأس و قد استنفرکم فما تنتظرون أ سعیدا أم الولید الذی شرب الخمر و صلی بکم علی سکر و هو سکران منها و استباح ما حرمه الله فیکم أی هذین تریدون قبح الله من له هذا الرأی ألا فانفروا مع الحسن ابن بنت نبیکم و لا یتخلف رجل له قوة فو الله ما یدری رجل منکم ما یضره مما ینفعه ألا و إنی لکم ناصح شفیق علیکم إن کنتم تعقلون أو تبصرون أصبحوا إن شاء الله غدا عادین مستعدین و هذا وجهی إلی ما هنالک بالوفاء»

خطبة حجر بن عدی‌

ثم قام حجر بن عدی الکندی رحمه الله فقال «أیها الناس هذا الحسن بن
الجمل، المفید ،ص:256
علی بن أبی طالب و هو من عرفتم أحد أبویه النبی الأمی ص و الآخر الإمام الرضی المأمون الوصی و هو أحد الذین لیس لهما فی الإسلام شبیه سیدی شباب أهل الجنة و سیدی سادات العرب أکملهم صلاحا و أفضلهم علما و عملا و هو رسول أبیه إلیکم یدعوکم إلی الحق و یسألکم النصر السعید و الله من ودهم و نصرهم و الشقی من تخلف عنهم بنفسه عن مواساتهم فانفروا معه رحمکم الله خِفافاً وَ ثِقالًا و احتسبوا فی ذلک الأجر فَإِنَّ اللَّهَ لا یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ فأجاب الناس کلهم بالسمع و الطاعة»
الجمل، المفید ،ص:257

إرسال محمد بن الحنفیة و محمد بن أبی بکر إلی الکوفة

وَ قَدْ ذَکَرَ الْوَاقِدِیُّ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع کَانَ أَنْفَذَ إِلَی أَهْلِ الْکُوفَةِ رُسُلًا وَ کَتَبَ إِلَیْهِمْ کِتَاباً عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَدِینَةِ وَ قَبْلَ نُزُولِهِ بِذِی قَارٍ وَ قَالَ فِی حَدِیثٍ آخَرَ رَوَاهُ إِنَّهُ أَنْفَذَ إِلَی الْقَوْمِ مِنَ الرَّبَذَةِ حِینَ فَاتَهُ رَدُّ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ مِنَ الطَّرِیقِ.
ثُمَّ اتَّفَقَ الْوَاقِدِیُّ وَ أَبُو مِخْنَفٍ وَ غَیْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ السِّیَرِ عَلَی مَا قَدَّمْنَا ذِکْرَهُ مِنْ إِنْفَاذِ الرُّسُلِ وَ کَتْبِ الْکُتُبِ مِنْ ذِی قَارٍ إِلَی أَهْلِ الْکُوفَةِ لِیَسْتَنْفِرَهُمْ لِلْجِهَادِ مَعَهُ وَ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ عَلَی أَعْدَائِهِ النَّاکِثِینَ لِعَهْدِهِ الْخَارِجِینَ عَلَیْهِ لِحَرْبِهِ فَکَانَ مِمَّا رَوَاهُ الْوَاقِدِیُّ أَنْ قَالَ حَدَّثَنِی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَیْلِ عَنْ أَبِیهِ قَالَ لَمَّا عَزَمَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع عَلَی الْمَسِیرِ مِنَ الْمَدِینَةِ لِرَدِّ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِیَّةِ وَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَکْرٍ إِلَی الْکُوفَةِ وَ کَانَ عَلَیْهَا أَبُو مُوسَی الْأَشْعَرِیُّ فَلَمَّا قَدِمَا عَلَیْهِ أَسَاءَ الْقَوْلَ عَلَیْهِمَا وَ أَغْلَظَ وَ قَالَ وَ اللَّهِ إِنَّ بَیْعَةَ عُثْمَانَ لَفِی رَقَبَةِ صَاحِبِکُمْ وَ فِی رَقَبَتِی مَا خَرَجْنَا مِنْهَا ثُمَّ قَامَ عَلَی الْمِنْبَرِ فَقَالَ أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ نَحْنُ أَعْلَمُ مِنْکُمْ بِهَذِهِ الْفِتْنَةِ فَاحْذَرُوهَا إِنَّ عَائِشَةَ کَتَبَتْ إِلَیَّ أَنِ اکْفِنِی مَنْ قِبَلَکَ وَ هَذَا عَلِیٌّ قَادِمٌ إِلَیْکُمْ یُرِیدُ أَنْ یَسْفِکَ بِکُمْ دِمَاءَ الْمُسْلِمِینَ فَکَسِّرُوا نَبْلَکُمْ وَ قَطِّعُوا أَوْتَارَکُمْ وَ اضْرِبُوا الْحِجَارَةَ بِسُیُوفِکُمْ.
الجمل، المفید ،ص:258
فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِیَّةِ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ یَا أَخِی مَا عِنْدَ هَذَا خَیْرٌ فَارْجِعْ بِنَا إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ نُخْبِرْهُ الْخَبَرَ فَلَمَّا رَجَعَا إِلَیْهِ أَخْبَرَاهُ بِالْحَالِ وَ قَدْ کَانَ کَتَبَ مَعَهُمَا کِتَاباً إِلَی أَبِی مُوسَی الْأَشْعَرِیِّ أَنْ یُبَایِعَ مَنْ قِبَلَهُ عَلَی السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ
وَ قَالَ لَهُ فِی کِتَابِهِ: ارْفَعْ عَنِ النَّاسِ سَوْطَکَ وَ أَخْرِجْهُمْ عَنْ حُجْزَتِکَ وَ اجْلِسْ بِالْعِرَاقَیْنِ فَإِنْ خَفَفْتَ فَأَقْبِلْ وَ إِنْ ثَقُلْتَ فَاقْعُدْ
فَلَمَّا قَرَأَ الْکِتَابَ قَالَ أَثْقُلُ ثُمَّ أَثْقُلُ
الجمل، المفید ،ص:259

کتاب أمیر المؤمنین ع إلی أهل الکوفة

وَ لَمَّا بَلَغَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع مَا قَالَ وَ صَنَعَ غَضِبَ غَضَباً شَدِیداً وَ بَعَثَ الْحَسَنَ ع وَ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ وَ کَتَبَ مَعَهُمْ کِتَاباً فِیهِ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی أَهْلِ الْکُوفَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ الْمُسْلِمِینَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ دَارَ الْهِجْرَةِ تَقَلَّعَتْ بِأَهْلِهَا فَانْقَلَعُوا عَنْهَا فَجَاشَتْ جَیْشَ الْمِرْجَلِ وَ کَانَتْ فَاعِلَةً یَوْماً مَا فَعَلَتْ وَ قَدْ رَکِبَتِ الْمَرْأَةُ الْجَمَلَ وَ نَبَحَتْهَا کِلَابُ الْحَوْأَبِ وَ قَامَتِ الْفِتْنَةُ الْبَاغِیَةُ یَقُودُهَا رِجَالٌ یَطْلُبُونَ بِدَمٍ هُمْ سَفَکُوهُ وَ عِرْضٍ هُمْ شَتَمُوهُ وَ حُرْمَةٍ هُمُ انْتَهَکُوهَا وَ أَبَاحُوا مَا أَبَاحُوا یَعْتَذِرُونَ إِلَی النَّاسِ دُونَ اللَّهِ یَحْلِفُونَ لَکُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا یَرْضی عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِینَ اعْلَمُوا رَحِمَکُمُ اللَّهُ أَنَّ الْجِهَادَ مُفْتَرَضٌ عَلَی الْعِبَادِ وَ قَدْ جَاءَکُمْ فِی دَارِکُمْ مَنْ یَحُثُّکُمْ عَلَیْهِ وَ یَعْرِضُ عَلَیْکُمْ رُشْدَکُمْ وَ اللَّهُ یَعْلَمُ أَنِّی لَمْ أَجِدْ بُدّاً مِنَ الدُّخُولِ فِی هَذَا الْأَمْرِ وَ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ أَحَداً أَوْلَی بِهِ مِنِّی مَا قَدِمْتُ عَلَیْهِ وَ قَدْ بَایَعَنِی طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ طَائِعَیْنِ غَیْرَ مُکْرَهَیْنِ ثُمَّ خَرَجَا یَطْلُبَانِ بِدَمِ عُثْمَانَ وَ هُمَا اللَّذَانِ فَعَلَا بِعُثْمَانَ مَا فَعَلَا وَ عَجِبْتُ لَهُمَا کَیْفَ أَطَاعَا
الجمل، المفید ،ص:260
أَبَا بَکْرٍ وَ عُمَرَ فِی الْبَیْعَةِ وَ أَبَیَا ذَلِکَ عَلَیَّ وَ هُمَا یَعْلَمَانِ أَنِّی لَسْتُ بِدُونِ أَحَدٍ مِنْهُمَا مَعَ أَنِّی قَدْ عَرَضْتُ عَلَیْهِمَا قَبْلَ أَنْ یُبَایِعَانِی إِنْ أَحَبَّا بَایَعْتُ أَحَدَهُمَا فَقَالا لَا نَنْفَسُ ذَلِکَ عَلَیْکَ بَلْ نُبَایِعُکَ وَ نُقَدِّمُکَ عَلَیْنَا بِحَقٍّ فَبَایَعَا ثُمَّ نَکَثَا وَ السَّلَامُ عَلَی أَهْلِ السَّلَامِ»
الجمل، المفید ،ص:261

إرسال الحسن ع و عمار و ابن عباس إلی الکوفة

وَ لَمَّا سَارَ ع مِنَ الْمَدِینَةِ انْتَهَی إِلَی فَیدٍ وَ کَانَ قَدْ عَدَلَ إِلَی جِبَالِ طَیِ‌ءٍ حَتَّی سَارَ مَعَهُ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ فِی سِتِّمِائَةٍ مِنْ قَوْمِهِ
فَقَالَ ع لِابْنِ عَبَّاسٍ: «مَا الرَّأْیُ عِنْدَکَ فِی أَهْلِ الْکُوفَةِ وَ أَبِی مُوسَی الْأَشْعَرِیِّ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْفِذْ عَمَّاراً فَإِنَّهُ رَجُلٌ لَهُ سَابِقَةٌ فِی الْإِسْلَامِ وَ قَدْ شَهِدَ بَدْراً فَإِنَّهُ إِنْ تَکَلَّمَ هُنَاکَ صَرَفَ النَّاسَ إِلَیْکَ وَ أَنَا أَخْرُجُ مَعَهُ وَ ابْعَثْ مَعَنَا الْحَسَنَ ابْنَکَ فَفَعَلَ ذَلِکَ فَخَرَجُوا حَتَّی قَدِمُوا عَلَی أَبِی مُوسَی فَلَمَّا وَصَلُوا الْکُوفَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِلْحَسَنِ وَ لِعَمَّارٍ إِنَّ أَبَا مُوسَی رَجُلٌ عَاتٍ فَإِذَا رَفَقْنَا بِهِ أَدْرَکْنَا مِنْهُ حَاجَتَنَا فَقَالا لَهُ افْعَلْ مَا شِئْتَ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَبِی مُوسَی یَا أَبَا مُوسَی إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَرْسَلَنَا إِلَیْکَ لِمَا یَعْرِفُ مِنْ سُرْعَتِکَ إِلَی طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَسُولِهِ ص وَ مَصِیرِکَ إِلَی مَحَبَّتِنَا أَهْلَ الْبَیْتِ وَ قَدْ عَلِمْتَ فَضْلَهُ وَ سَابِقَتَهُ فِی الْإِسْلَامِ وَ هُوَ یَقُولُ لَکَ أَنْ تُبَایِعَ لَهُ النَّاسَ وَ تَقَرَّ عَلَی عَمَلِکَ وَ یَرْضَی عَنْکَ فَانْخَدَعَ أَبُو مُوسَی وَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَبَایَعَ لِعَلِیٍّ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ ثُمَّ نَزَلَ
الجمل، المفید ،ص:262

خطبة عمار

فلما نزل صعد عمار المنبر فقال «الحمد لله حمدا کثیرا فإنه أهله علی نعمه التی لا نحصیها و لا نقدر قدرها و لا نشکر شکرها و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدی و النور الواضح و السلطان القاهر الأمین الناصح و الحکیم الراجح رسول رب العالمین و قائد المؤمنین و خاتم النبیین جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِینَ و جاهد فی الله حتی أتاه الیقین ثم إن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ع حفظه الله و نصره نصرا عزیزا و أبرم له أمرا رشیدا بعثنی إلیکم و ابنه یأمرکم بالنفیر إلیه فانفروا إلیه و اتقوا و أطیعوا الله تعالی و الله لو علمت أن علی وجه الأرض بشرا أعلم بکتاب الله و سنة نبیه منه ما استنفرتکم إلیه و لا بایعته علی الموت یا معشر أهل الکوفة الله الله فی الجهاد فو الله لئن صارت الأمور إلی غیر علی ع لتصیرن إلی البلاء العظیم و الله یعلم أنی قد نصحت لکم و أمرتکم بما أخذت بیقینی وَ ما أُرِیدُ أَنْ أُخالِفَکُمْ إِلی ما أَنْهاکُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِیدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفِیقِی إِلَّا بِاللَّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَ إِلَیْهِ أُنِیبُ أستغفر الله لی و لکم»
الجمل، المفید ،ص:263

خطبة أخری لعمار

ثم نزل فصبر هنیئة ثم عاد إلی المنبر فحمد الله و أثنی علیه ثم قال «أیها الناس هذا ابن عم نبیکم ص قد بعثنی إلیکم یستصرخکم ألا إن طلحة و الزبیر قد سارا نحو البصرة و أخرجا عائشة معهما للفتنة ألا و إن الله قد ابتلاکم بحق أمکم و حق ربکم و حق ربکم أولی و أعظم علیکم من حق أمکم و لکن الله ابتلاکم لینظر کیف تعملون فَاتَّقُوا اللَّهَ ... وَ اسْمَعُوا وَ أَطِیعُوا و انفروا إلی خلیفتکم و صهر نبیکم فإن أصحاب رسول الله ص قد بایعوه بالمدینة و هی دار الهجرة و دار الإسلام أسأل الله أن یوفقکم ثم نزل»

خطبة الحسن ع‌

فَصَعِدَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِیٍّ ع الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ ثُمَّ ذَکَرَ جَدَّهُ فَصَلَّی عَلَیْهِ وَ ذَکَرَ فَضْلَ أَبِیهِ وَ سَابِقَتَهُ وَ قَرَابَتَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَنَّهُ أَوْلَی بِالْأَمْرِ مِنْ غَیْرِهِ ثُمَّ قَالَ
الجمل، المفید ،ص:264
مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرَ قَدْ بَایَعَا عَلِیّاً طَائِعَیْنِ غَیْرَ مُکْرَهَیْنِ ثُمَّ نَفَرَا وَ نَکَثَا بَیْعَتَهُمَا لَهُ فَطُوبَی لِمَنْ خَفَّ فِی مُجَاهَدَةِ مَنْ جَاهَدَهُ فَإِنَّ الْجِهَادَ مَعَهُ کَالْجِهَادِ مَعَ النَّبِیِّ ص» ثُمَّ نَزَلَ
الجمل، المفید ،ص:265

خدعة ابن عباس لأبی موسی الأشعری‌

و کان أمیر المؤمنین ع قد کتب مع ابن عباس کتابا إلی أبی موسی الأشعری أغلظ فیه فقال ابن عباس فقلت فی نفسی أقدم علی رجل و هو أمیر بمثل هذا الکتاب إذن لا ینظر فی کتابی و نظرت أن أشق کتاب أمیر المؤمنین ع فشققته و کتبت من عندی کتابا عنه لأبی موسی «أما بعد فقد عرفت مودتک إیانا أهل البیت و انقطاعک إلینا و إنما نرغب إلیک لما نعلم من حسن رأیک فینا فإذا أتاک کتابی هذا فبایع لنا الناس و السلام».
فلما قرأ أبو موسی الکتاب قال لی أنا الأمیر أم أنت قلت بل أنت الأمیر فدعا الناس إلی بیعة علی ع فلما بایع قمت فصعدت المنبر فرام إنزالی منه فقلت أنت تنزلنی عن المنبر و أخذت بقائم السیف فقلت اثبت مکانک و الله لئن نزلت إلیک خَذَّمْتُکَ به فلم یبرح فبایعت الناس لعلی و خلعت فی الحال أبا موسی و استعملت مکانه قرظة بن کعب الأنصاری و لم أبرح من الکوفة حتی سیرت لأمیر المؤمنین فی البر و البحر من أهلها سبعة آلاف رجل و لحقته بذی قار و قد سار معه من جبال طی‌ء و غیرها ألفا رجل و لما صار أهل الکوفة إلی ذی قار و لقوا أمیر المؤمنین ع بها رحبوا به و قالوا الحمد لله الذی خصنا بمودتک و أکرمنا بنصرتک فجزاهم ع خیرا
الجمل، المفید ،ص:266

خطبة أمیر المؤمنین ع بذی قار

ثُمَّ قَامَ وَ خَطَبَهُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی النَّبِیِّ ص ثُمَّ قَالَ «یَا أَهْلَ الْکُوفَةِ إِنَّکُمْ مِنْ أَکْرَمِ الْمُسْلِمِینَ وَ أَعْدَلِهِمْ سُنَّةً وَ أَفْضَلِهِمْ فِی الْإِسْلَامِ سَهْماً وَ أَجْوَدِهِمْ فِی الْعَرَبِ مَرْکَباً وَ نِصَاباً حِزْبُکُمْ بُیُوتَاتُ الْعَرَبِ وَ فُرْسَانُهُمْ وَ مَوَالِیهِمْ أَنْتُمْ أَشَدُّ الْعَرَبِ وُدّاً لِلنَّبِیِّ ص وَ إِنَّمَا اخْتَرْتُکُمْ ثِقَةً بِکُمْ لِمَا بَذَلْتُمْ لِی أَنْفُسَکُمْ عِنْدَ نَقْضِ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ بَیْعَتِی وَ عَهْدِی وَ خِلَافِهِمَا طَاعَتِی وَ إِقْبَالِهِمَا بِعَائِشَةَ لِمُخَالَفَتِی وَ مُبَارَزَتِی وَ إِخْرَاجِهِمَا لَهَا مِنْ بَیْتِهَا حَتَّی أَقْدَمَاهَا الْبَصْرَةَ وَ قَدْ بَلَغَنِی أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ فِرْقَتَانِ فِرْقَةُ الْخَیْرِ وَ الْفَضْلِ وَ الدِّینِ قَدِ اعْتَزَلُوا وَ کَرِهُوا مَا فَعَلَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ».
ثُمَّ سَکَتَ ع
فَأَجَابَهُ أَهْلُ الْکُوفَةِ نَحْنُ أَنْصَارُکَ وَ أَعْوَانُکَ عَلَی عَدُوِّکَ وَ لَوْ دَعَوْتَنَا إِلَی أَضْعَافِهِمْ مِنَ النَّاسِ احْتَسَبْنَا فِی ذَلِکَ الْخَیْرَ وَ الْأَجْرَ وَ رَجَوْنَاهُ فَرَدَّ عَلَیْهِمْ خَیْراً
الجمل، المفید ،ص:267

خطبة أخری لأمیر المؤمنین ع بذی قار

وَ لَمَّا أَرَادَ الْمَسِیرَ إِلَی ذِی قَارٍ تَکَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ فَأَبْلَغَ ثُمَّ قَالَ «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بَعَثَ مُحَمَّداً ص لِلنَّاسِ کَافَّةً وَ رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ فَصَدَعَ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَ بَلَّغَ رِسَالاتِ رَبِّهِ فَلَمَّ اللَّهُ بِهِ الصَّدْعَ وَ رَتَقَ بِهِ الْفَتْقَ وَ آمَنَ بِهِ السُّبُلَ وَ حَقَنَ بِهِ الدِّمَاءَ وَ أَلَّفَ بِهِ بَیْنَ ذَوِی الْأَحْقَادِ وَ الْعَدَاوَةِ الْوَاغِرَةِ فِی الصُّدُورِ وَ الضَّغَائِنِ الْکَامِنَةِ فِی الْقُلُوبِ فَقَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَیْهِ حَمِیداً وَ قَدْ أَدَّی الرِّسَالَةَ وَ نَصَحَ لِلْأُمَّةِ فَلَمَّا مَضَی ص لِسَبِیلِهِ دَفَعْنَا عَنْ حَقِّنَا مَنْ دَفَعَنَا وَ وَلَّوْا مَنْ وَلَّوْا سِوَانَا ثُمَّ وَلِیَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَنَالَ مِنْکُمْ وَ نِلْتُمْ مِنْهُ حَتَّی إِذَا کَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا کَانَ أَتَیْتُمُونِی فَقُلْتُمْ بَایِعْنَا فَقُلْتُ لَکُمْ لَا أَفْعَلُ فَقُلْتُمْ بَلَی فَقُلْتُ لَا فَقَبَضْتُ یَدِی فَبَسَطْتُمُوهَا وَ تَدَاکَکْتُمْ عَلَیَّ کَتَدَاکِّ الْإِبِلِ الْهِیمِ عَلَی حِیَاضِهَا یَوْمَ وُرُودِهَا حَتَّی لَقَدْ خِفْتُ أَنَّکُمْ قَاتِلِی أَوْ بَعْضَکُمْ قَاتِلُ بَعْضٍ فَبَایَعْتُمُونِی وَ أَنَا غَیْرُ مَسْرُورٍ بِذَلِکَ وَ لَا جَذِلٍ وَ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنِّی کُنْتُ کَارِهاً لِلْحُکُومَةِ بَیْنَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص وَ لَقَدْ سَمِعْتُهُ یَقُولُ مَا مِنْ وَالٍ یَلِی شَیْئاً مِنْ أَمْرِ أُمَّتِی إِلَّا أُتِیَ بِهِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ مَغْلُولَةً یَدَاهُ إِلَی عُنُقِهِ عَلَی
الجمل، المفید ،ص:268
رُءُوسِ الْخَلَائِقِ ثُمَّ یُنْشَرُ کِتَابُهُ فَإِنْ کَانَ عَادِلًا نَجَا وَ إِنْ کَانَ جَائِراً هَوَی ثُمَّ اجْتَمَعَ عَلَیَّ مَلَؤُکُمْ وَ بَایَعَنِی طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ وَ أَنَا أَعْرِفُ الْغَدَرَ فِی وَجْهَیْهِمَا وَ النَّکْثَ فِی عَیْنَیْهِمَا ثُمَّ اسْتَأْذَنَانِی فِی الْعُمْرَةِ فَأَعْلَمْتُهُمَا أَنْ لَیْسَ الْعُمْرَةَ یُرِیدَانِ فَسَارَا إِلَی مَکَّةَ وَ اسْتَخَفَّا عَائِشَةَ وَ خَدَعَاهَا وَ شَخَصَ مَعَهَا أَبْنَاءُ الطُّلَقَاءِ فَقَدِمُوا الْبَصْرَةَ وَ قَتَلُوا بِهَا الْمُسْلِمِینَ وَ فَعَلُوا الْمُنْکَرَ وَ یَا عَجَبَا لِاسْتِقَامَتِهِمَا لِأَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ وَ بَغْیِهِمَا عَلَیَّ وَ هُمَا یَعْلَمَانِ أَنِّی لَسْتُ دُونَ أَحَدِهِمَا وَ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ وَ لَقَدْ کَانَ مُعَاوِیَةُ کَتَبَ إِلَیْهِمَا مِنَ الشَّامِ کِتَاباً یَخْدَعُهُمَا فِیهِ فَکَتَمَاهُ عَنِّی وَ خَرَجَا یُوهِمَانِ الطَّغَامَ أَنَّهُمَا یَطْلُبَانِ بِدَمِ عُثْمَانَ وَ اللَّهِ مَا أَنْکَرَا عَلَیَّ مُنْکَراً وَ لَا جَعَلَا بَیْنِی وَ بَیْنَهُمَا نَصَفاً وَ إِنَّ دَمَ عُثْمَانَ لَمَعْصُوبٌ بِهِمَا وَ مَطْلُوبٌ مِنْهُمَا یَا خَیْبَةَ الدَّاعِی إِلَی مَ دَعَا وَ بِمَا ذَا أُجِیبَ وَ اللَّهِ إِنَّهُمَا لَفِی ضَلَالَةٍ صَمَّاءَ وَ جَهَالَةٍ عَمْیَاءَ وَ إِنَّ الشَّیْطَانَ قَدْ ذَمَّرَ لَهُمَا حِزْبَهُ وَ اسْتَجْلَبَ مِنْهُمَا خَیْلَهُ وَ رَجِلَهُ لِیُعِیدَ الْجَوْرَ إِلَی أَوْطَانِهِ وَ یَرُدَّ الْبَاطِلَ إِلَی نِصَابِهِ ثُمَّ رَفَعَ یَدَیْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرَ قَطَعَانِی وَ ظَلَمَانِی وَ نَکَثَا بَیْعَتِی فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا وَ انْکُثْ مَا أَبْرَمَا وَ لَا تَغْفِرْ لَهُمَا أَبَداً وَ أَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ فِیمَا عَمِلَا وَ أَمَّلَا
الجمل، المفید ،ص:269

کلام الأشتر

فقام الأشتر رحمه الله فقال «خفض علیک یا أمیر المؤمنین فو الله ما أمر طلحة و الزبیر علینا بمخیل و لقد دخلا فی هذا الأمر اختیارا ثم فارقانا علی غیر جور عملناه و لا حدث فی الإسلام أحدثناه ثم أقبلا یثیران الفتنة علینا تائهین جائرین لیس معهما حجة تری و لا أثر یعرف قد لبسا العار و توجها نحو الدیار فإن زعما أن عثمان قتل مظلوما فلیستقد آل عثمان منهما فأشهد أنهما قتلاه و أشهد الله یا أمیر المؤمنین لئن لم یدخلا فیما خرجا منه و لم یرجعا إلی طاعتک و ما کانا علیه لنلحقنهما بابن عفان»

کلام أبی الهیثم بن التیهان‌

و قام أبو الهیثم بن التیهان رحمه الله فقال یا أمیر المؤمنین صبحهم الله بما یکرهون فإن أقبلوا قبلنا منهم و إن أدبروا جاهدناهم فلعمری ما قوم قتلوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللَّهُ و أخذوا الأموال و أخافوا أهل الإیمان بأهل أن یکف عنهم
الجمل، المفید ،ص:270

کلام عدی بن حاتم‌

فَأَقْبَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع عَلَی عَدِیِّ بْنِ حَاتِمٍ فَقَالَ لَهُ «یَا عَدِیُّ أَنْتَ شَاهِدٌ لَنَا وَ حَاضِرٌ مَعَنَا وَ مَا نَحْنُ فِیهِ» فَقَالَ عَدِیٌّ «شَهِدْتُکَ أَوْ غِبْتُ عَنْکَ فَأَنَا عِنْدَ مَا أَحْبَبْتُ هَذِهِ خُیُولُنَا مُعَدَّةٌ وَ رِمَاحُنَا مُحَدَّدَةٌ وَ سُیُوفُنَا مُجَرَّدَةٌ فَإِنْ رَأَیْتَ أَنْ نَتَقَدَّمَ تَقَدَّمْنَا وَ إِنْ رَأَیْتَ أَنْ نُحْجِمَ أَحْجَمْنَا نَحْنُ طَوْعٌ لِأَمْرِکَ فَأْمُرْ بِمَا شِئْتَ نُسَارِعْ إِلَی امْتِثَالِ أَمْرِکَ.»

حدیث أبی زینب الأزدی مع أمیر المؤمنین ع‌

وَ قَامَ أَبُو زَیْنَبَ الْأَزْدِیُّ فَقَالَ «وَ اللَّهِ إِنْ کُنَّا عَلَی الْحَقِّ إِنَّکَ لَأَهْدَانَا سَبِیلًا وَ أَعْظَمُنَا فِی الْخَیْرِ نَصِیباً وَ إِنْ کُنَّا عَلَی الضَّلَالِ وَ الْعِیَاذُ بِاللَّهِ أَنْ نَکُونَ عَلَیْهِ فَإِنَّکَ أَعْظَمُنَا وِزْراً وَ أَثْقَلُنَا ظَهْراً وَ قَدْ أَرَدْنَا الْمَسِیرَ إِلَی هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَ قَطَعْنَا مِنْهُمُ الْوَلَایَةَ وَ أَظْهَرْنَا مِنْهُمُ الْبَرَاءَةَ وَ ظَاهَرْنَاهُمْ بِالْعَدَاوَةِ نُرِیدُ بِذَلِکَ مَا یَعْلَمُهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِنَّا نَنْشُدُکَ اللَّهَ الَّذِی عَلَّمَکَ مَا لَمْ تَکُنْ تَعْلَمُ أَ لَسْنَا عَلَی الْحَقِّ وَ عَدُوُّنَا عَلَی الضَّلَالِ».
فَقَالَ ع: «أَشْهَدُ لَئِنْ خَرَجْتَ لِدِینِکَ نَاصِراً صَحِیحَ النِّیَّةِ وَ قَدْ قَطَعْتَ مِنْهُمُ الْوَلَایَةَ وَ أَظْهَرْتَ مِنْهُمُ الْبَرَاءَةَ کَمَا قُلْتَ إِنَّکَ لَفِی رِضْوَانِ اللَّهِ فَأَبْشِرْ یَا أَبَا زَیْنَبَ فَإِنَّکَ وَ اللَّهِ عَلَی الْحَقِّ فَلَا تَشُکَّ فَإِنَّکَ إِنَّمَا تُقَاتِلُ الْأَحْزَابَ» فَأَنْشَأَ أَبُو زَیْنَبَ یَقُولُ
الجمل، المفید ،ص:271 سِیرُوا إِلَی الْأَحْزَابِ أَعْدَاءِ النَّبِیِ‌فَإِنَّ خَیْرَ النَّاسِ أَتْبَاعُ عَلِیٍ
هَذَا أَوَانٌ طَابَ سَلُّ الْمَشْرَفِیِ‌وَ قَوْدُنَا الْخَیْلَ وَ هَزُّ السَّمْهَرِیِ
الجمل، المفید ،ص:272

رجوع ابن عباس من الکوفة إلی ذی قار

و لما استقر أمر أهل الکوفة علی الشخوص لأمیر المؤمنین ع و خف بعضهم لذلک بادر ابن عباس و من معه من الرسل فیمن اتبعهم من أهل الکوفة إلی ذی قار للحاق بأمیر المؤمنین ع و أخبره بما علیه القوم من الجد و الاجتهاد فی طاعته و أنهم لاحقون به غیر متأخرین عنه و إنما تقدمهم لیستعدوا للسفر و للحرب و قد کان استخلف قرظة بن کعب بالکوفة علی ما قدمناه و لیحث الناس علی اللحاق به.
فورد علی أمیر المؤمنین ع کتاب قد کتب إلیه من البصرة بما صنعه القوم بعامله عثمان بن حنیف و ما استحلوه من الدماء و نهب الأموال و قتل من قتلوه من شیعته و أنصاره و ما أثاروه من الفتنة بها فوجده ابن عباس و قد أحزنه ذلک و غمه و أزعجه و أقلقه فأخبره بطاعة أهل الکوفة و وعدهم له بالنصر فسر عند ذلک و أقام ینتظر أهل الکوفة و المدد الذی ینتصر به علی عدوه
الجمل، المفید ،ص:273

فصل عثمان بن حنیف و الناکثون‌

و کان من حدیث القوم فیما صنعوه بعثمان بن حنیف رضی الله عنه و من ذکرناه معه علی ما جاءت به الأخبار و اتفقت علیه نقلة السیر و الآثار ما روی الواقدی و أبو مخنف عن أصحابهما و المدائنی و ابن دأب عن مشایخهما بالأسانید التی اختصرنا القول بإسقاطها و اعتمدنا فیها علی ثبوتها فی مصنفات القوم و کتبهم فقالوا إن عائشة و طلحة و الزبیر لما ساروا من مکة إلی البصرة أغذوا السیر مع من اتبعهم من بنی أمیة و عمال عثمان و غیرهم من قریش حتی صاروا إلی البصرة فنزلوا حفر أبی موسی فبلغ عثمان بن حنیف رحمه الله و هو عامل البصرة یومئذ و خلیفة أمیر المؤمنین ع و کان عنده حکیم بن جبلة فقال له حکیم ما الذی بلغک فقال
الجمل، المفید ،ص:274
خبرت أن القوم قد نزلوا حفر أبی موسی فقال له حکیم ائذن لی أن أسیر إلیهم فإنی رجل فی طاعة أمیر المؤمنین ع فقال له عثمان توقف عن ذلک حتی أراسلهم فقال له حکیم إنا لله هلکت و الله یا عثمان فأعرض عنه و أرسل إلی عمران بن حصین و أبی الأسود الدؤلی فذکر لهما قدوم القوم البصرة و حلولهم حفر أبی موسی و سألهما المسیر إلیهم و خطابهم علی ما قصدوا به و کفهم عن الفتنة فخرجا حتی دخلا علی عائشة فقالا لها یا أم المؤمنین ما حملک علی المسیر فقالت غضبت لکما من سوط عثمان و عصاه و لا أغضب أن یقتل فقالا لها و ما أنت من سوط عثمان و عصاه و إنما أنت حبیسة رسول الله ص نذکرک الله أن تهراق الدماء بسببک فقالت و هل من أحد یقاتلنی فقال لها أبو الأسود نعم و الله قتالا أهونه شدید ثم خرجا من عندها فدخلا علی الزبیر فقالا یا أبا عبد الله ننشدک الله أن تهراق الدماء بسببک فقال لهما ارجعا من حیث جئتما لا تفسدا علینا فأیسا منه و خرجا حتی دخلا علی طلحة فقالا له ننشدک الله أن تهراق الدماء بسببک فقال لهما طلحة أ یحسب علی بن أبی طالب أنه إذا غلب علی أمر المدینة أن الأمر له و أنه لا أمر إلا أمره و الله لیعلمن فانصرفا من حیث جئتما فانصرفا من عنده إلی عثمان بن حنیف فأخبراه الخبر.
و روی ابن أبی سبرة عن عیسی بن أبی عیسی عن الشعبی أن أبا الأسود الدؤلی و عمران لما دخلا علی عائشة قالا لها ما الذی أقدمک هذا البلد و أنت حبیسة
الجمل، المفید ،ص:275
رسول الله ص و قد أمرک الله أن تقری فی بیتک فقالت غضبت لکم من السوط و العصا و لا أغضب لعثمان من السیف فقالا لها ننشدک الله أن تهراق الدماء بسببک و أن تحملی الناس بعضهم علی بعض فقالت لهما إنما جئت لأصلح بین الناس و قالت لعمران بن الحصین هل أنت مبلغ عثمان بن حنیف رسالة فقال لا أبلغه عنک إلا خیرا فقال لها أبو الأسود أنا أبلغه عنک فهاتی قالت قل له یا طلیق ابن أبی عامر بلغنی أنک ترید لقائی لتقاتلنی فقال لها أبو الأسود نعم و الله لیقاتلنک فقالت و أنت أیضا أیها الدؤلی یبلغنی عنک ما یبلغنی قم فانصرف عنی فخرجا من عندها إلی طلحة فقالا له یا أبا محمد أ لم یجتمع الناس إلی بیعة ابن عم رسول الله الذی فضله الله تعالی کذا و کذا و جعلا یعدان مناقب أمیر المؤمنین ع و فضائله و حقوقه فوقع طلحة بعلی ع و سبه و نال منه و قال إنه لیس أحد مثله أم و الله لیعلمن غب ذلک فخرجا من عنده و هما یقولان غضب هذا الدنی‌ء ثم دخلا علی الزبیر فکلماه مثل کلامهما لصاحبه فوقع أیضا فی علی ع و سبه و قال لقوم کانوا بمحضر منه صبحوهم قبل أن یمسوکم فخرجا من عنده حتی صارا إلی عثمان بن حنیف فأخبراه الخبر فَأَذَّنَ عثمان للناس بالحرب
الجمل، المفید ،ص:276

فصل کتاب عائشة إلی حفصة و فرح حفصة به‌

اشارة

و لما بلغ عائشة نزول أمیر المؤمنین ع بذی قار کتبت إلی حفصة بنت عمر «أما بعد فإنا نزلنا البصرة و نزل علی بذی قار و الله دق عنقه کدق البیضة علی الصفا إنه بذی قار بمنزلة الأشقر إن تقدم نُحِر و إن تأخر عُقِر» فلما وصل الکتاب إلی حفصة استبشرت بذلک و دعت صبیان بنی تیم و عدی و أعطت جواریها دفوفا و أمرتهن أن یضربن بالدفوف و یقلن
ما الخبر ما الخبر؟!علی کالأشقر
إن تقدم نحرو إن تأخر عقر فبلغ أم سلمة رضی الله عنها اجتماع النسوة علی ما اجتمعن علیه من سب أمیر المؤمنین ع و المسرة بالکتاب الوارد علیهن من عائشة فبکت و قالت أعطونی ثیابی حتی أخرج إلیهن و أقع بهن فقالت أم کلثوم بنت أمیر المؤمنین ع أنا أنوب عنک فإننی أعرف منک فلبست ثیابها و تنکرت و تخفرت و استصحبت جواریها متخفرات و جاءت حتی دخلت علیهن کأنها من
الجمل، المفید ،ص:277
النظارة فلما رأت ما هن فیه من العبث و السفه کشفت نقابها و أبرزت لهن وجهها ثم قالت لحفصة إن تظاهرت أنت و أختک علی أمیر المؤمنین ع فقد تظاهرتما علی أخیه رسول الله ص من قبلُ فأنزل الله عز و جل فیکما ما أنزل و الله من وراء حربکما فانکسرت حفصة و أظهرت خجلا و قالت إنهن فعلن هذا بجهل و فَرَّقَتْهُنَّ فی الحال فانصرفن من المکان
الجمل، المفید ،ص:278

خطبة عائشة بالمربد

و لما بلغ عائشةَ رأیُ ابن حنیف فی القتال رکبت الجمل و أحاط بها القوم و سارت حتی وقفت بالمِرْبَدِ و اجتمع إلیها الناس حتی امتلأ المربد بهم فقالت و هی علی الجمل صه صه فسکت الناس و أصغوا إلیها فحمدت الله و قالت أما بعد فإن عثمان بن عفان قد کان غیر و بدل فلم یزل یغسله بالتوبة حتی صار کالذهب المصفی فعدوا علیه و قتلوه فی داره و قتلوا أناسا معه فی داره ظلما و عدوانا ثم آثروا علیا فبایعوه من غیر ملأ من الناس و لا شوری و لا اختیار فابتز و الله أمرهم و کان المبایع له یقول
خذها إلیک و احذرن أبا حسن
إنا غضبنا
الجمل، المفید ،ص:279
لکم علی عثمان من السوط فکیف لا نغضب لعثمان من السیف ألا إن الأمر لا یصح حتی یرد الأمر إلی ما صنع عمر من الشوری فلا یدخل فیه أحد سفک دم عثمان.
فقال بعض الناس صدقت و قال بعض الناس کذبت و اضطربوا بالنعال و ترکتهم و سارت حتی أتت الدباغین و قد تمیز الناس بعضهم مع طلحة و الزبیر و عائشة و بعضهم متمسک ببیعة أمیر المؤمنین و الرضا به فسارت من موضعها و من معها و اتبعها علی رأیها طلحة و الزبیر و مروان بن الحکم و عبد الله بن الزبیر حتی أتوا دار الإمارة فسألوا عثمان بن حنیف الخروج عنها فأبی علیهم ذلک و اجتمع إلیه أنصاره و زمرة من أهل البصرة فاقتتلوا قتالا شدیدا حتی زالت الشمس و أصیب یومئذ من عبد القیس خاصة خمسمائة شیخ مخضوب من أصحاب عثمان بن حنیف و شیعة أمیر المؤمنین سوی من أصیب من سائر الناس و بلغ الحرب بینهم بالتزاحف إلی مقبرة بنی مازن ثم خرجوا علی مسناة البصرة حتی انتهوا إلی الزابوقة و هی ساحة دار الرزق فاقتتلوا قتالا شدیدا کثر فیه القتلی و الجرحی من الفریقین ثم إنهم تداعوا إلی الصلح و دخل بینهم الناس لما
الجمل، المفید ،ص:280
رأوا من عظیم ما ابتلوا به فتصالحوا علی أن لعثمان بن حنیف دار الإمارة و المسجد و بیت المال و لطلحة و الزبیر و عائشة ما شاءوا من البصرة و لا یحاجون حتی یقدم أمیر المؤمنین ع فإن أحبوا عند ذلک الدخول فی طاعته و إن أحبوا أن یقاتلوا و کتبوا بذلک کتابا بینهم و أوثقوا فیه العهود و أکدوها و أشهدوا الناس علی ذلک و وضع السلاح و أمن عثمان بن حنیف علی نفسه و تفرق الناس عنه
الجمل، المفید ،ص:281

قتل الناکثین حراس بیت المال‌

و طلب طلحة و الزبیر غدرته حتی کانت لیلة مظلمة ذات ریاح فخرج طلحة و الزبیر و أصحابهما حتی أتوا دار الإمارة و عثمان بن حنیف غافل عنهم و علی الباب السبابجة یحرسون بیوت الأموال و کانوا قوما من الزط قد استبصروا و أکل السجود جباحهم و ائتمنهم عثمان علی بیت المال و دار الإمارة فأکب علیهم القوم و أخذوهم من أربع جوانبهم و وضعوا فیهم السیف فقتلوا منهم أربعین رجلا صبرا یتولی منهم ذلک الزبیر خاصة ثم هجموا علی عثمان فأوثقوه رباطا و عمدوا إلی لحیته و کان شیخا کث اللحیة فنتفوها حتی لم یبق منها شی‌ء و لا شعرة واحدة و قال طلحة عذبوا الفاسق و انتفوا شعر حاجبیه و أشفار عینیه و أوثقوه بالحدید فلما أصبحوا اجتمع الناس إلیهم و أذن مؤذن المسجد لصلاة الغداة فرام طلحة أن یتقدم للصلاة بهم فدفعه الزبیر و أراد أن یصلی بهم فمنعه طلحة فما زالا یتدافعان حتی کادت الشمس أن تطلع فنادی أهل البصرة الله الله یا أصحاب
الجمل، المفید ،ص:282
رسول الله فی الصلاة نخاف فوتها فقالت عائشة مروا أن یصلی بالناس غیرهما فقال لهم یعلی بن منیة یصلی عبد الله بن الزبیر یوما و محمد بن طلحة یوما حتی یتفق الناس علی أمیر یرضونه فتقدم ابن الزبیر و صلی بهم ذلک الیوم
الجمل، المفید ،ص:283

نهضة حکیم بن جبلة العبدی‌

و بلغ حکیم بن جبلة العبدی ما صنع القوم بعثمان بن حنیف و قتلهم السبابجة الصالحین خزان بیت مال المسلمین فنادی فی قومه یا قوم انفروا إلی هؤلاء الضالین الظالمین الذین سفکوا الدم الحرام و قتلوا العباد الصالحین و استحلوا ما حرم الله تعالی فأجابه سبعمائة رجل من عبد القیس فأتوا المسجد و اجتمع الناس إلی حکیم بن جبلة فقال لهم أ ما ترون ما صنعوا بأخی عثمان بن حنیف ما صنعوا لست بأخیه إن لم أنصره ثم رفع یدیه إلی السماء و قال اللهم إن طلحة و الزبیر لم یریدا بما عملا القربة منک و ما أرادا إلا الدنیا اللهم اقتلهما بمن قتلا و لا تعطهما ما أَمَّلا ثم رکب فرسه و أخذ بیده الرمح و اتبعه أصحابه و أقبل طلحة و الزبیر و من معهما و هم کثرة من الناس قد انضم إلیهم الجمهور فاقتتلوا قتالا شدیدا حتی کثرت بینهم القتلی و الجرحی و برز إلی حکیم بن جبلة رجل من القوم فضربه بالسیف فقطع رجله فتناولها حکیم بیده و رماه بها فصرعه ثم صار إلی حکیم أخوه المعروف بالأشرف فقال من أصابک فأشار إلی الذی ضربه فأدرکه الأشرف
الجمل، المفید ،ص:284
فخبطه بالسیف حتی قتله و تکاثر الناس علیه و علی أخیه حتی قتلوهما و تفرق الناس و رجع طلحة و الزبیر فنزلا دار الإمارة و غلبا علی بیت المال فتقدمت عائشة بحمل مال منه لتفرقه فی أنصارها و دخله طلحة و الزبیر فی طائفة من أنصارهما و احتملا منه شیئا کثیرا فلما خرجا نصبا علی أبوابه الأقفال و وکلا به من قبلهما قوما فأمرت عائشة بختمه فبرز لذلک طلحة لیختمه فمنعه الزبیر و أراد أن یختمه الزبیر دونه فتدافعا فبلغ عائشة ذلک فقالت یختمانه و یختم عنی ابن أختی عبد الله بن الزبیر فختم یومئذ بثلاثة ختوم.
ثم قال طلحة و الزبیر لعائشة ما تأمرین فی عثمان فإنه لما به فقالت اقتلوه قتله الله و کانت عندها امرأة من أهل البصرة فقالت لها یا أماه أین یذهب بک أ تأمرین بقتل عثمان بن حنیف و أخوه سهل خلیفة علی المدینة و مکانه من الأوس و الخزرج ما قد علمت و الله لئن فعلت ذلک لتکونن له صولة بالمدینة یقتل فیها ذراری قریش فناب إلی عائشة رأیها و قالت لا تقتلوه و لکن احبسوه و ضیقوا علیه حتی أری رأیی فحبس أیاما ثم بدا لهم فی حبسه و خافوا من أخیه أن یحبس مشایخهم بالمدینة و یوقع بهم فترکوا حبسه
الجمل، المفید ،ص:285

مجی‌ء عثمان بن حنیف إلی أمیر المؤمنین ع‌

فَخَرَجَ ابْنُ حُنَیْفٍ حَتَّی أَتَی أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ هُوَ بِذِی قَارٍ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ قَدْ نَکَّلَ بِهِ الْقَوْمُ بَکَی وَ قَالَ یَا عُثْمَانُ بَعَثْتُکَ شَیْخاً أَلْحَی فَرَدُّوکَ أَمْرَدَ إِلَیَّ اللَّهُمَّ إِنَّکَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ اجْتَرَءُوا عَلَیْکَ وَ اسْتَحَلُّوا حُرُمَاتِکَ اللَّهُمَّ اقْتُلْهُمْ بِمَنْ قَتَلُوا مِنْ شِیعَتِی وَ عَجِّلْ لَهُمُ النَّقِمَةَ بِمَا صَنَعُوا بِخَلِیفَتِی‌

أمیر المؤمنین ع فی بیت المال‌

وَ لَمَّا خَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَیْفٍ مِنَ الْبَصْرَةِ وَ عَادَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ إِلَی بَیْتِ الْمَالِ فَتَأَمَّلَا مَا فِیهِ فَلَمَّا رَأَوْا مَا حَوَاهُ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ قَالُوا هَذِهِ الْغَنَائِمُ الَّتِی وَعَدَنَا اللَّهُ بِهَا وَ أَخْبَرَنَا أَنَّهُ یُعَجِّلُهَا لَنَا قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ فَقَدْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْهُمَا
وَ رَأَیْتُ عَلِیّاً ع بَعْدَ ذَلِکَ وَ قَدْ دَخَلَ بَیْتَ مَالِ الْبَصْرَةِ فَلَمَّا رَأَی مَا فِیهِ قَالَ یَا صَفْرَاءُ
الجمل، المفید ،ص:286
وَ یَا بَیْضَاءُ غُرِّی غَیْرِی الْمَالُ یَعْسُوبُ الظَّلَمَةِ وَ أَنَا یَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِینَ
فَلَا وَ اللَّهِ مَا الْتَفَتَ إِلَی مَا فِیهِ وَ لَا فَکَّرَ فِیمَا رَآهُ مِنْهُ وَ مَا وَجَدْتُهُ عِنْدَهُ إِلَّا کَالتُّرَابِ هَوَاناً فَعَجِبْتُ مِنَ الْقَوْمِ وَ مِنْهُ ع فَقُلْتُ أُولَئِکَ مِمَّنْ یُرِیدُ الدُّنْیا وَ هَذَا مِمَّنْ یُرِیدُ الْآخِرَةَ وَ قَوِیَتْ بَصِیرَتِی فِیهِ
الجمل، المفید ،ص:287

اعتراض ابن الزبیر علی أبیه‌

و لما استقر الأمر عند القوم بعد خروج عثمان بن حنیف و علم طلحة و الزبیر و عائشة أن أمیر المؤمنین ع بذی قار ینتظر الجموع و أنه لا یصبر علی ما فعلوه بصاحبه و المسلمین أمرت عائشة الزبیر أن یستنفر الناس إلیه فخطبهم الزبیر و أمرهم بالجد و الاجتهاد و قال لهم إن عدوکم قد أظلکم و الله لئن ظفر بکم لا ترک لکم عینا تطرف فانهضوا إلیه حتی نکبس علیه قبل أن تلحقه أنصاره و قال لهم امضوا فخذوا أعطیتکم فلما رجع إلی منزله قال له ابنه عبد الله أمرت الناس أن یأخذوا أعطیتهم لیتفرقوا بالمال قبل أن یأتی علی بن أبی طالب فتضعف بئس الرأی الذی رأیت فقال له الزبیر اسکت ویلک ما کان غیر الذی قلت فقال له طلحة صدق عبد الله و ما ینبغی أن یسلم هذا المال حتی یقرب منا علی فنضعه فی مواضعه فیمن یدفعه عنا فغضب الزبیر و قال و الله لو لم یبق إلا درهم واحد لأعطیته فلامته عائشة علی ذلک و وافق رأیها رأی الرجلین فقال الزبیر لتدعونی أو لألحقن بمعاویة فقد بایع بالشام الناس فأمسکوا عنه
الجمل، المفید ،ص:288

تردد الزبیر فی حرب أمیر المؤمنین ع‌

و روی داود بن أبی هند عن أبی عمرة مولی الزبیر أن الزبیر قال یومئذ أ لا ألف فارس أ لا خمسمائة فارس ینهضون معی الساعة لأسیر بهم إلی علی بن أبی طالب فإما أن أبیته بیاتا أو أصبحه صباحا لعلی أقتله قبل أن یأتیه مدده فلم یخف معه أحد فاغتاظ لذلک و قال هذه و الله الفتنة التی کنا نحدث بها فقال له مولاه أبو عمرة رحمک الله یا أبا عبد الله تسمیها فتنة ثم تری القتال فیها فقال ویحک إنا نبصر و لکن لا نصبر ثم قال بعد ذلک بیوم أو یومین و الله ما کان أمر قط إلا علمت أین أضع قدمی فیه إلا هذا الأمر فإنی لم أدر أنا فیه مقبل أو مدبر فقال له ابنه عبد الله و الله ما بک هذا و إنا لنتعامی فما یحملک علی هذا القول إلا أنک أحسست برایات علی بن أبی طالب قد أظلت و علمت أن الموت الناقع تحتها فقال له اعزب ویحک فإنک لا علم لک بالأمور.
الجمل، المفید ،ص:289
و روی الحارث بن الفضل عن أبی عبد الله الأغر أن الزبیر بن العوام قال لابنه یومئذ ویلک لا تدعنا علی حال أنت و الله قطعت بیننا و فرقت ألفتنا بما بلیت به من هذا المسیر و ما کنت مبالیا من ولی هذا الأمر و قام به و الله لا یقوم أحد من الناس إلا من قام مقام عمر بن الخطاب فیهم فمن ذا یقوم مقام عمر بن الخطاب فإن سرنا بسیرة عثمان قتلنا فما أصنع بهذا المسیر و ضرب الناس بعضهم ببعض فقال له عبد الله ابنه أ فتدع علیا یستولی علی الأمر و أنت تعلم أنه کان أحسن أهل الشوری عند عمر بن الخطاب و لقد أشار عمر و هو مطعون یقول لأهل الشوری ویلکم أطمعوا علیا فیها لا یفتق فی الإسلام فتقا عظیما و منوه حتی تجمعوا علی رجل سواه.
و لما صار عثمان بن حنیف إلی ذی قار أقام بها مع أمیر المؤمنین ع و هو مریض یعالج حتی ورد علی أمیر المؤمنین ع أهل الکوفة
الجمل، المفید ،ص:290

فصل مفاوضات کلیب مع أمیر المؤمنین ع‌

اشارة

و
رَوَی الْوَاقِدِیُّ عَنْ شَیْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ کُلَیْبٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ مَا لَبِثْنَا إِلَّا قَلِیلًا حَتَّی قَدِمَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ الْبَصْرَةَ ثُمَّ مَا لَبِثْنَا بَعْدَ ذَلِکَ إِلَّا یَسِیراً حَتَّی أَقْبَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع فَنَزَلَ بِذِی قَارٍ فَقَالَ شَیْخَانِ مِنَ الْحَیِّ اذْهَبْ بِنَا إِلَی هَذَا الرَّجُلِ فَنَنْظُرَ مَا یَدْعُو إِلَیْهِ فَلَمَّا أَتَیْنَا ذَا قَارٍ قَدِمْنَا عَلَی أَذْکَی الْعَرَبِ فَوَ اللَّهِ لَدَخَلَ عَلَی نَسَبِ قَوْمِی فَجَعَلْتُ أَقُولُ هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّی وَ أَطْوَعُ فِیهِمْ فَقَالَ «مَنْ سَیِّدُ بَنِی رَاسِبٍ» فَقُلْتُ فُلَانٌ قَالَ «فَمَنْ سَیِّدُ بَنِی قُدَامَةَ» قُلْتُ فُلَانٌ لِرَجُلٍ آخَرَ فَقَالَ «أَنْتَ مُبْلِغُهُمَا کِتَابَیْنِ مِنِّی» قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَ فَلَا تُبَایِعُونِّی فَبَایَعَهُ الشَّیْخَانِ اللَّذَانِ کَانَا مَعِی وَ تَوَقَّفْتُ عَنْ بَیْعَتِهِ فَجَعَلَ رِجَالٌ عِنْدَهُ قَدْ أَکَلَ السُّجُودُ وُجُوهَهُمْ یَقُولُونَ بَایِعْ بَایِعْ فَقَالَ ع «دَعُوا الرَّجُلَ» فَقُلْتُ إِنَّمَا بَعَثَنِی قَوْمِی رَائِداً وَ سَأُنْهِی إِلَیْهِمْ مَا رَأَیْتُ فَإِنْ بَایَعُوا بَایَعْتُ وَ إِنِ اعْتَزَلُوا اعْتَزَلْتُ فَقَالَ لِی «أَ رَأَیْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمَکَ بَعَثُوکَ رَائِداً
الجمل، المفید ،ص:291
فَرَأَیْتَ رَوْضَةً وَ غَدِیراً فَقُلْتَ یَا قَوْمِی الْنُّجْعَةَ النُّجْعَةَ فَأَبَوْا مَا کُنْتَ بِمُسْتَنْجِحٍ بِنَفْسِکَ» فَأَخَذْتُ بِإِصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِهِ وَ قُلْتُ أُبَایِعُکَ عَلَی أَنْ أُطِیعَکَ مَا أَطَعْتَ اللَّهَ فَإِذَا عَصَیْتَهُ فَلَا طَاعَةَ لَکَ عَلَیْنَا فَقَالَ «نَعَمْ» وَ طَوَّلَ بِهَا صَوْتَهُ فَضَرَبْتُ عَلَی یَدِهِ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَی مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ وَ کَانَ فِی نَاحِیَةِ الْقَوْمِ فَقَالَ «إِذَا انْطَلَقْتَ إِلَی قَوْمِکَ فَأَبْلِغْهُمْ کُتُبِی وَ قَوْلِی» فَتَحَوَّلَ إِلَیْهِ مُحَمَّدٌ حَتَّی جَلَسَ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ قَالَ إِنَّ قَوْمِی إِذَا أَتَیْتُهُمْ یَقُولُونَ مَا یَقُولُ صَاحِبُکَ فِی عُثْمَانَ فَسَبَّ عُثْمَانَ الَّذِینَ حَوْلَهُ فَرَأَیْتُ عَلِیّاً قَدْ کَرِهَ ذَلِکَ حَتَّی رَشَحَ جَبِینُهُ وَ قَالَ «أَیُّهَا الْقَوْمُ کُفُّوا مَا إِیَّاکُمْ یَسْأَلُ» قَالَ فَلَمْ أَبْرَحْ عَنِ الْعَسْکَرِ حَتَّی قَدِمَ عَلَی عَلِیٍّ ع أَهْلُ الْکُوفَةِ فَجَعَلُوا یَقُولُونَ نَرَی إِخْوَانَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ یُقَاتِلُونَنَا وَ جَعَلُوا یَضْحَکُونَ وَ یَعْجَبُونَ وَ یَقُولُونَ وَ اللَّهِ لَوِ الْتَقَیْنَا لَتَعَاطَیْنَا الْحَقَّ کَأَنَّهُمْ یَرَوْنَ أَنَّهُمْ لَا یَقْتَتِلُونَ وَ خَرَجْتُ بِکِتَابَیْ عَلِیٍّ ع فَأَتَیْتُ أَحَدَ الرَّجُلَیْنِ فَقَبِلَ الْکِتَابَ وَ أَجَابَهُ وَ دُلِلْتُ عَلَی الْآخَرِ وَ کَانَ مُتَوَارِیاً فَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ کُلَیْبٌ مَا أَذِنَ لِی فَدَخَلْتُ عَلَیْهِ وَ دَفَعْتُ الْکِتَابَ إِلَیْهِ وَ قُلْتُ هَذَا کِتَابُ عَلِیٍّ وَ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ وَ قُلْتُ إِنِّی أَخْبَرْتُ عَلِیّاً أَنَّکَ سَیِّدُ قَوْمِکَ فَأَبَی أَنْ یَقْبَلَ الْکِتَابَ وَ لَمْ یُجِبْهُ إِلَی مَا سَأَلَهُ وَ قَالَ لَا حَاجَةَ لِیَ الْیَوْمَ فِی
الجمل، المفید ،ص:292
السُّؤْدَدِ فَوَ اللَّهِ إِنِّی لَبِالْبَصْرَةِ مَا رَجَعْتُ إِلَی عَلِیٍّ حَتَّی نَزَلَ الْعَسْکَرُ وَ رَأَیْتُ الْقَوْمَ الَّذِینَ مَعَ عَلِیٍّ ع فَطَلَعَ الْقَوْمُ
الجمل، المفید ،ص:293

إخبار أمیر المؤمنین ع بعدد من یأتیه من الکوفة

و
رَوَی نَصْرٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْأَجْلَحِ عَنْ زَیْدِ بْنِ عَلِیٍّ قَالَ لَمَّا أَبْطَأَ عَلَی عَلِیٍّ ع خَبَرُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَ نَحْنُ فِی قِلَّةٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُ عَلِیّاً بِذَلِکَ فَقَالَ لِی «اسْکُتْ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَوَ اللَّهِ لَتَأْتِینَا فِی هَذَیْنِ الْیَوْمَیْنِ مِنَ الْکُوفَةِ سِتَّةُ آلَافٍ وَ سِتُّمِائَةِ رَجُلٍ وَ لَیُغْلَبَنَّ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَ لَیُقْتَلَنَّ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ»
قَالَ فَوَ اللَّهِ إِنِّی لَأَتَشَوَّفُ الْأَخْبَارَ وَ أَسْتَقْبِلُهَا حَتَّی إِذَا أَنَا بِرَاکِبٍ فَاسْتَقْبَلْتُهُ وَ اسْتَخْبَرْتُهُ فَأَخْبَرَنِی بِالْعِدَّةِ الَّتِی سَمِعْتُهَا مِنْ عَلِیٍّ ع لَمْ تَنْقُصْ رَجُلًا وَاحِداً وَ
1 رَوَی إِسْمَاعِیلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِکِ عَنْ یَحْیَی بْنِ شِبْلٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِیٍّ ع قَالَ سَارَ عَلِیٌّ ع مِنْ ذِی قَارٍ إِلَی الْبَصْرَةِ حَتَّی نَزَلَ بِالْخُرَیْبَةِ فِی
الجمل، المفید ،ص:294
اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ عَلَی الْمَیْمَنَةِ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ فِی أَلْفِ رَجُلٍ وَ عَلَی الْمَیْسَرَةِ مَالِکٌ الْأَشْتَرُ فِی أَلْفِ رَجُلٍ وَ مَعَهُ فِی نَفْسِهِ عَشَرَةُ آلَافِ رَجُلٍ وَ خَرَجَ إِلَیْهِ مِنَ الْبَصْرَةِ أَلْفَا رَجُلٍ خَرَجَتْ إِلَیْهِ رَبِیعَةُ کُلُّهَا إِلَّا مَالِکُ بْنُ مِسْمَعٍ مِنْهَا وَ جَاءَتْهُ عَبْدُ الْقَیْسِ بِأَجْمَعِهَا سِوَی رَجُلٍ وَاحِدٍ تَخَلَّفَ عَنْهَا وَ جَاءَتْهُ بَنُو بَکْرٍ رَأْسُهُمْ شَقِیقُ بْنُ ثَوْرٍ السَّدُوسِیُّ وَ رَأْسُ عَبْدِ الْقَیْسِ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ الْعَبْدِیُّ وَ أَتَاهُ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِی صُفْرَةَ فِیمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْأَزْدِ
الجمل، المفید ،ص:295

موقف الأحنف‌

و بعث إلیه الأحنف بن قیس رسولا یقول له إنی مقیم علی طاعتک فی قومی فإن شئت أتیتک فی مائتین من أهل بیتی فعلت فإن شئت حبست عنک أربعة آلاف سیف من بنی سعد فبعث إلیه أمیر المؤمنین ع بل احبس و کف فجمع الأحنف قومه فقال یا بنی سعد کفوا عن هذه الفتنة و اقعدوا فی بیوتکم فإن ظهر أهل البصرة فهم إخوانکم لم یهیجوکم و إن ظهر علی ع سلمتم فکفوا و ترکوا القتال و أقبل هلال بن وکیع الحنظلی إلی الأحنف بن قیس حین بلغه ذلک فقال ما یقول سیدنا فی هذا الأمر فقال الأحنف إنما أکون سیدکم غدا إذا قتلت و بقیت أنا فقال هلال بل أنت سیدنا الیوم و شیخنا فقال الأحنف أنا شیخکم المعصی و أنت الشاب المطاع اقعد فی بیتک و لا تخرج مع طلحة و الزبیر فأبی أن یرضی ثم دعا تمیما کلهم فتابعوه إلا نفر منهم فبلغ طلحة و الزبیر ما فعله الأحنف و قاله فبعثا إلیه یستمیلانه و یرومان أن یدخل فی طاعتهما فقال اختاروا منی إحدی ثلاث خصال إما أن أقیم فی بیتی و أکف بنفسی و لا أکون معکما و لا علیکما و إما أن ألحق بعلی بن أبی طالب و إما أن آتی إلی الأهواز فأقیم بها
الجمل، المفید ،ص:296
فقالا ننظر فی ذلک ثم استشارا من حضرهما فقالوا لهما أما علی فعدوکم و لا حظ فی أن یکون معه الأحنف و أما الأهواز فإنه إن أتاها یلحق به کل من لا یرید القتال معکما و لکن فلیکن قریبا منکما فإن تحرک وطأتماه علی صماخه فأمراه بالقعود فأتی وادی السباع و أقام به.
وَ لَمَّا جَاءَ رَسُولُ الْأَحْنَفِ وَ قَدْ قَدِمَ عَلَی عَلِیٍّ ع بِمَا بَذَلَ لَهُ مِنْ کَفِّ قَوْمِهِ عَنْهُ قَالَ رَجُلٌ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَنْ هَذَا قَالَ «هَذَا أَدْهَی الْعَرَبِ وَ خَیْرُهُمْ لِقَوْمِهِ» فَقَالَ عَلِیٌّ ع «کَذَلِکَ هُوَ وَ إِنِّی لَأَمْثَلُ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ الْمُغِیرَةِ بْنِ شُعْبَةَ لَزِمَ الطَّائِفَ فَأَقَامَ بِهَا یَنْتَظِرُ عَلَی مَنْ تَسْتَقِیمُ الْأُمَّةَ» فَقَالَ الرَّجُلُ إِنِّی لَأَحْسَبُ إِنَّ الْأَحْنَفَ لَأَسْرَعُ إِلَی مَا تُحِبُّ مِنَ الْمُغِیرَةِ فَقَالَ ع «أَجَلْ مَا یُبَالِی الْمُغِیرَةُ أَیُّ لِوَاءٍ رُفِعَ لِوَاءُ ضَلَالَةٍ أَوْ لِوَاءُ هُدًی
.
الجمل، المفید ،ص:297
و
14 رَوَی الْوَاقِدِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی مُعَمَّرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَیْدٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِیِّ قَالَ- أَقْبَلَ أَبُو بَکْرَةَ یُرِیدُ أَنْ یَدْخُلَ مَعَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ فِی أَمْرِهِمَا فَلَمَّا رَأَی عَائِشَةَ تُدَبِّرُهُ بِرَأْیِهَا رَجَعَ عَنْهُمَا فَقِیلَ لَهُ مَا لَکَ لَمْ تَدْخُلْ مَعَهُمَا فَقَالَ رَأَیْتُ امْرَأَةً تُدَبِّرُ أُمُورَهُمْ: وَ قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ وَ قَدْ ذَکَرَ مَلَکَةَ سَبَإٍ «لَا أَفْلَحَ قَوْمٌ تُدَبِّرُهُمْ امْرَأَةٌ» فَکَرِهْتُ الدُّخُولَ مَعَهُمْ-
. وَ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِی بَکْرَةَ قَالَ اعْتَزَلَ أَبِی أَنْ یَدْخُلَ مَعَ عَائِشَةَ وَ قَالَ إِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ لَا یُفْلِحُ قَوْمٌ تَلِی أَمْرَهُمْ امْرَأَةٌ
الجمل، المفید ،ص:299

فصل‌

کتاب عائشة إلی أهل المدینة

و روی الواقدی عن رجاله قال لما أفرج القوم عن عثمان بن حنیف لما خافوه من أخیه سهل بن حنیف کتبت عائشة إلی أهل المدینة «بسم الله الرحمن الرحیم* من أم المؤمنین عائشة زوجة النبی ص و ابنة الصدیق إلی أهل المدینة أما بعد فإن الله أظهر الحق و نصر طالبیه و قد قال الله عز اسمه بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَی الْباطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ عباد الله وَ اسْمَعُوا وَ أَطِیعُوا وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِیعاً و عروة الحق و لا تجعلوا علی أنفسکم سبیلا فإن الله قد جمع کلمة أهل البصرة و أَمَّرُوا علیهم الزبیر بن العوام فهو أمیر الجنود و الکافة یجتمعون علی السمع و الطاعة له فإذا اجتمعت کلمة المؤمنین علی أمرائهم عن ملأ منهم
الجمل، المفید ،ص:300
و تشاور فإنا ندخل فی صالح ما دخلوا فیه فإذا جاءکم کتابی هذا فاسمعوا و أطیعوا و أعینوا علی ما سمعتم علیه من أمر الله و کتب عبید الله بن کعب لخمس لیال من شهر ربیع الأول سنة ست و ثلاثین»
الجمل، المفید ،ص:301

کتاب عائشة إلی أهل الیمامة

و کتبت إلی أهل الیمامة و أهل تلک النواحی «أما بعد فإنی أذکرکم الله الذی أنعم علیکم و ألزمکم بالإسلام فإن الله یقول ما أَصابَ مِنْ مُصِیبَةٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی أَنْفُسِکُمْ إِلَّا فِی کِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ یَسِیرٌ فاعتصموا عباد الله بحبله و کونوا مع کتابه فإن أمکم ناصحة لکم فیما تدعوکم إلیه من الغضب له و الجهاد لمن قتل خلیفة حرمه و ابتز المسلمین أمرهم و قد أظهر الله علیه و إن ابن حنیف الضال المضل کان بالبصرة یدعو المسلمین إلی سبیل النار و إنا أقبلنا إلیها ندعو المسلمین إلی کتاب الله و أن یضعوا بینهم القرآن فیکون ذلک رضی لهم و أجمع لأمرهم و کان ذلک لله عز و جل علی المسلمین فیه الطاعة فإما أن ندرک به حاجتنا أو نبلغ عذرا فلما دنونا إلی البصرة و سمع بنا ابن حنیف جمع لنا الجموع و أمرهم أن یلقونا بالسلاح فیقاتلونا و یطردونا و شهدوا علینا بالکفر و قالوا فینا المنکر فأکذبهم المسلمون و أنکروا علیهم و قالوا لعثمان بن حنیف ویحک إنما تابعنا زوج النبی ص و أم المؤمنین و أصحاب رسول الله ص و أئمة المسلمین فتمادی فی غیه و أقام علی أمره فلما رأی المسلمون أنه قد عصاهم و رد علیهم أمرهم غضبوا لله عز و جل و لأم المؤمنین و لم نشعر به حتی أظلنا فی ثلاثة آلاف
الجمل، المفید ،ص:302
من جهلة العرب و سفهائهم و صَفَّهُمْ دون المسجد بالسلاح فالتمسنا أن یبایعوا علی الحق و لا یحولوا بیننا و بین المسجد فرد علینا ذلک کله حتی إذا کان یوم الجمعة و تفرق الناس بعد الصلاة عنه دخل طلحة و الزبیر و معهما المسلمون و فتحوه عنوة و قدموا عبد الله بن الزبیر للصلاة بالناس و إنا نخاف من عثمان و أصحابه أن یأتونا بغتة لیصیبوا منا غِرَّةً فلما رأی المسلمون أنهم لا یبرحون تحرزوا لأنفسهم و لم یخرج و من معه حتی هجموا علینا و بلغوا سدة بیتی و معهم هاد یدلهم علی لیسفکوا دمی فوجدوا نفرا علی باب بیتی فردوهم عنی و کان حولی نفر من القرشیین و الأزدیین یدفعونهم عنی فقتل منهم من قتل و انهزموا فلم نعترض لبقیتهم و خلینا ابن حنیف منا علیه و قد توجه إلی صاحبه و عرفناکم ذلک عباد الله لتکونوا علی ما کنتم علیه من النیة فی نصرة دین الله و الغضب للخلیفة المظلوم.
و روی الواقدی عن عبد السلام بن حفص قال حدثنی المنهال بن عمرو بن سلامة البصری قال لما بدا لطلحة و الزبیر فی حبس عثمان بن حنیف و أشفقا من
الجمل، المفید ،ص:303
أخیه سهل بن حنیف علی مخلفیهم فی المدینة أطلقوه فتوجه إلی أمیر المؤمنین ع و هو بذی قار
الجمل، المفید ،ص:304

خطبة طلحة

فلما عرفا خروجه إلیه قام طلحة فی الناس خطیبا فنعی إلیهم عثمان بن عفان و ذکر قاتلیه و أکثر الذم علیهم و الشتم و عزا قتله إلی علی بن أبی طالب ع و أنصاره و ذکر أن علیا أکره الناس علی البیعة له فقال فیما قال «یا معشر المسلمین إن الله قد جاءکم بأم المؤمنین و قد عرفتم بحقها و مکانها من النبی ص و مکان أبیها من الإسلام و ها هی تشهد لنا إنا لم نکذبکم فیما خبرناکم به و لا غررناکم فیما دعوناکم إلیه من قتال علی بن أبی طالب و أصحابه الصادین عن الحق و لسنا نطلب خلافة و لا ملکا و إنا نحذرکم أن تغلبوا علی أمرکم و تقصروا دون الحق و قد رجونا أن یکون عندکم عون لنا علی طاعة الله و إصلاح الأمة فإن أحق من عناه أمر المسلمین و مصلحتهم أنتم یا أهل البصرة لتمکنکم بالدین و إن علیا لو عمل الجد فی نصرة أمکم لاعتزل هذا الأمر حتی تختار الأمة لأنفسها من ترضاه.»
فقال أهل البصرة مرحبا و أهلا و سهلا بأم المؤمنین و الحمد لله علی إکرامنا بها و أنتم عندنا رضا و ثقة و أنفسنا مبذولة لکم و نحن نموت علی طاعتکم و رضاکم» ثم
الجمل، المفید ،ص:305
انصرفوا فساروا إلی عائشة فسلموا علیها و قالوا قد علمنا أن أمنا لم تخرج إلینا إلا لثقتها بنا و أنها ترید الإصلاح و حقن الدماء و إطفاء الفتنة و الألفة بین المسلمین و إنا ننتظر أمرها فی ذلک فإن أبی علیها أحد فیه قاتلناه حتی یفی‌ء إلی الحق‌

اعتراض عبد الله بن حکیم التمیمی علی طلحة

و بلغ کلام طلحة مع أهل البصرة إلی عبد الله بن حکیم التمیمی فصار إلیه و قال له یا طلحة هذه کتبک وصلت إلینا بعیب عثمان بن عفان و خبرک عندنا بالتألیب علیه حتی قتل و ببیعتک علیا فی جماعة الناس و بنکثک بیعته من غیر حدث کان منه فما کلام بلغنا عنک؟! و فیم جئت بعد الذی عرفناه من رأیک فی عثمان؟ فقال له طلحة أما عیبی لعثمان و تألیبی علیه فقد کان و لم نجد لنا من الخلاص منه سبیلا إلا التوبة فیما اقترفناه من الجرم به و إلا الطلب بدمه و أما بیعتی له فإنی أکرهت علی ذلک و خشیت منه أن یؤلب علی إن امتنعت من بیعته و یغری بی فیمن أغراه بعثمان حتی قتله فقال له عبد الله بن حکیم هذه معاذیر یعلم الله باطن الأمر فیها و هو المستعان علی ما نخاف من عاقبة أمرها
الجمل، المفید ،ص:306

خطبة أخری لطلحة

و روی عبد الله بن عبیدة قال لما کان من کلام عبد الله بن حکیم لطلحة ما کان قام طلحة فحمد الله و أثنی علیه ثم قال «أیها الناس إن رسول الله ص توفی و هو عنا راض و کنا مع أبی بکر حتی توفاه الله فمات و هو عنا راض ثم کان عمر بن الخطاب فسمعنا و أطعنا حتی قبض و هو عنا راض فأمرنا بالتشاور فی أمر الخلافة من بعده و اختار ستة نفر و رضیهم للأمر فاستقام أمرنا علی رجل من الستة ولیناه و اجتمع رأینا علیه و هو عثمان و کان أهلا لذلک فبایعناه و سمعنا له و أطعناه فأحدث بعد ذلک أحداثا لم تکن علی عهد أبی بکر و عمر فکرهها الناس منه و لم یکن لنا بد مما صنعناه ثم أخذ هذا الرجل الأمر دوننا من غیر مشورتنا و تغلب علیه و نحن و هو فیه شرع سواء فأتی بنا إلیه و نحن أکره الناس إلیه و اللج علی أعناقنا فبایعناه کرها و الذی نطلب أیها الناس الآن منه أن یدفع إلی ورثة عثمان قاتلیه فإنه قتل مظلوما و یخلع هذا الأمر و یعتزله لیتشاور المسلمون فیمن یکون لهم إماما کسنة عمر بن الخطاب فی الشوری فإذا استقام رأینا و رأی أهل الإسلام علی رجل بایعناه»
الجمل، المفید ،ص:307

اعتراض الناس علی طلحة

فلما فرغ من کلامه قام عظیم من عظماء عبد القیس فحمد الله و أثنی علیه ثم قال «أیها الناس إنه قد کان وأل هذا الأمر و قوامه المهاجرین و الأنصار بالمدینة و لم یکن لأحد من أهل الأمصار أن ینقضوا ما أبرموا و لا یبرموا ما نقضوا فکانوا إذا رأوا رأیا کتبوا به إلی الأمصار فسمعوا لهم و أطاعوا و إن عائشة و طلحة و الزبیر کانوا أشد الناس علی عثمان حتی قتل و بایع الناس علیا و بایعه فی جملتهم طلحة و الزبیر فجاءنا نبأهما لبیعتهما له فبایعناه فلا و الله ما نخلع خلیفتنا و لا ننقض بیعتنا» فصاح علیه طلحة و الزبیر و أمرا بقرض لحیته فنتفوها حتی لم یبق منها شی‌ء.
و قام رجل من بنی جشم فقال «أیها الناس أنا فلان بن فلان فاعرفونی» و إنما انتسب لهم لیعلموا أن له عشیرة تمنعه فلا یعجل علیه من لا یوافقه کلامه ثم قال «أیها الناس إن هؤلاء القوم إن کانوا جاءوکم یطلبون بدم عثمان فو الله ما نحن قتلنا عثمان و إن کانوا جاءوکم خائفین فو الله ما جاءوا إلا من حیث یأمن الناس و الطیر فلا تغتروا بهم و اسمعوا قولی و أطیعوا أمری و ردوا هؤلاء القوم إلی مکانهم الذی منه أقبلوا و أقیموا علی بیعتکم لإمامکم و أطیعوا لأمیرکم» فصاح علیه الناس من جوانب المسجد و قذفوه بالحصی.
ثم قام رجل آخر من متقدمی عبد القیس فقال «أیها الناس أنصتوا أتکلم لکم» فقال له عبد الله بن الزبیر ویلک ما لک و للکلام فقال ما لی و له أنا
الجمل، المفید ،ص:308
و الله للکلام و به و فیه ثم حمد الله و أثنی علیه و ذکر النبی فصلی علیه و قال «یا معاشر المهاجرین کنتم أول الناس إسلاما بعث الله محمدا نبیه بینکم فدعاکم فأسلمتم و أسلمنا لإسلامکم فکنتم فیه القادة و نحن لکم تبع ثم توفی رسول الله ص فبایعتم رجلا منکم لم تستأذنونا فی ذلک فسلمنا لکم ثم إن ذلک الرجل توفی و استخلف عمر بن الخطاب فو الله ما استشارنا فی ذلک فلما رضیتم رضینا و سلمنا ثم إن عمر جعلها شوری فی ستة نفر فاخترتم منهم واحدا فسلمنا لکم و اتبعناکم ثم إن الرجل أحدث أحداثا أنکرتموها فحصرتموه و خلعتموه و قتلتموه و ما استشرتمونا فی ذلک ثم بایعتم علی بن أبی طالب و ما استشرتمونا فی بیعته فرضینا و سلمنا و کنا لکم تبعا فو الله ما ندری بما ذا نقمتم علیه هل استأثر بمال أو حکم بغیر ما أنزل الله أو أحدث حدثا منکرا فحدثونا به نکن معکم فو الله ما نراکم إلا قد ضللتم بخلافکم له» فقال له ابن الزبیر ما أنت و ذاک و أراد أهل البصرة أن یثبوا علیه فمنعتهم عشیرته
الجمل، المفید ،ص:309

فصل خطبة عائشة

اشارة

و روی محمد بن عمر الواقدی عن موسی بن طلحة قال لقد شهدت عائشة یوم الجمل و قد سألها الناس عن عثمان فما رأیت أفصح منها لسانا و لا أربط منها جنانا فاستجلست الناس بیدیها ثم حمدت الله و أثنت علیه و قالت «أیها الناس إنا نقمنا علی عثمان خصالا ثلاثا إمارة بالغنی و ضربه بالسوط و رفعه موضع الغمامة المحماة حتی إذا عتبنا منهن ماصوه موص الماء بالصابون ثم عدوا
الجمل، المفید ،ص:310
علیه فاستحلوا منه الحرمات الثلاث حرمة الشهر الحرام و حرمة البلد الحرام و حرمة الخلافة و الله لعثمان کان أتقاهم للرب و أوصلهم للرحم و أحصنهم للفرج أقول قولی هذا و أستغفر الله لی و لکم.»
و روی إسرائیل بن یونس عن أبی إسحاق الهمدانی قال جاء جلید بن زهیر الجشمی و عبد الله بن عامر التمیمی فدخلا علی عائشة فسلما علیها فقالت من هذان الرجلان فقیل لها هذا جلید بن زهیر صاحب خراسان و هذا عبد الله بن عامر التمیمی فقالت هما معنا أم علینا فقالا لا معک و لا علیک حتی یستبین لنا الأمر فقالت کفی بالاعتزال نصرة.
و روی عمر بن صباح قال اجتمع نفر من وجوه البصرة إلی طلحة و الزبیر فقالوا لهما فإن ولاة عثمان غیرکما فدعوا ولاته یطلبون بدمه و الله ما نراکما أنصفتما رسول الله ص فی حبیسته عرضتماها للریاح و الشموس و القتال و قد أمرها الله أن تقر فی بیتها و ترکتما نساءکما فی الأکنان و البیوت هلا جئتما بنسائکما معکما فقال لهم طلحة اعزبوا عنا قبحکم الله.

اعتراض عمران بن حصین علی عائشة

. و جاء عمران بن حصین إلی عائشة فقال لها: قد کان لک یا عائشة فی إخوتک
الجمل، المفید ،ص:311
عبرة و فی أمثالک من أمهات المؤمنین أسوة أ ما سمعت الله عز و جل یقول وَ قَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَ فلو اتبعت أمر الله کان خیرا لک فقالت له یا عمران قد کان ما کان فهل عندک عون لنا و إلا فاحبس عنا لسانک قال أعتزلک و أعتزل علیا قالت رضیت بذلک منک
الجمل، المفید ،ص:313

فصل فی نصیحة أمیر المؤمنین ع لأصحاب الجمل‌

اشارة

وَ لَمَّا سَارَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع مِنْ ذِی قَارٍ قَدَّمَ صَعْصَعَةَ بْنَ صُوحَانَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ بِکِتَابٍ إِلَی طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ وَ عَائِشَةَ یُعَظِّمُ عَلَیْهِمْ حُرْمَةَ الْإِسْلَامِ وَ یُخَوِّفُهُمْ فِیمَا صَنَعُوهُ وَ یَذْکُرُ لَهُمْ قَبِیحَ مَا ارْتَکَبُوهُ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِینَ وَ مَا صَنَعُوا بِصَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ ص عُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ وَ قَتْلِهِمُ الْمُسْلِمِینَ صَبْراً وَ یَعِظُهُمْ وَ یَدْعُوهُمْ إِلَی الطَّاعَةِ قَالَ صَعْصَعَةُ فَقَدِمْتُ عَلَیْهِمْ فَبَدَأْتُ بِطَلْحَةَ فَأَعْطَیْتُهُ الْکِتَابَ وَ أَدَّیْتُ إِلَیْهِ الرِّسَالَةَ فَقَالَ الْآنَ حِینَ عَضَّتِ ابْنَ أَبِی طَالِبٍ الْحَرْبُ یَرْفُقُ لَنَا ثُمَّ جِئْتُ إِلَی الزُّبَیْرِ فَوَجَدْتُهُ أَلْیَنَ مِنْ طَلْحَةَ ثُمَّ جِئْتُ إِلَی عَائِشَةَ فَوَجَدْتُهَا أَسْرَعَ النَّاسِ إِلَی الشَّرِّ فَقَالَتْ نَعَمْ قَدْ خَرَجْتُ لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ وَ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَ أَفْعَلَنَ
فَعُدْتُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَلَقِیتُهُ قَبْلَ أَنْ یَدْخُلَ الْبَصْرَةَ
الجمل، المفید ،ص:314
فَقَالَ «مَا وَرَاءَکَ یَا صَعْصَعَةُ» قُلْتُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ رَأَیْتُ قَوْماً مَا یُرِیدُونَ إِلَّا قِتَالَکَ فَقَالَ «اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ».

ابن عباس و طلحة

. ثُمَّ دَعَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ «انْطَلِقْ إِلَیْهِمْ فَنَاشِدْهُمْ وَ ذَکِّرْهُمُ الْعَهْدَ الَّذِی لِی فِی رِقَابِهِمْ»
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَجِئْتُ فَبَدَأْتُ بِطَلْحَةَ فَذَکَّرْتُهُ الْعَهْدَ فَقَالَ لِی یَا ابْنَ عَبَّاسٍ وَ اللَّهِ لَقَدْ بَایَعْتُ وَ اللُّجُّ عَلَی رَقَبَتِی فَقُلْتُ لَهُ أَنَا رَأَیْتُکَ بَایَعْتَ طَائِعاً أَ وَ لَمْ یَقُلْ لَکَ عَلِیٌّ قَبْلَ بَیْعَتِکَ لَهُ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ أُبَایِعَکَ بَایَعْتُکَ فَقُلْتَ لَا بَلْ نَحْنُ نُبَایِعُکَ فَقَالَ طَلْحَةُ إِنَّمَا قَالَ لِی ذَلِکَ وَ قَدْ بَایَعَهُ قَوْمٌ فَلَمْ أَسْتَطِعْ خِلَافَهُمْ وَ اللَّهِ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّ الْقَوْمَ الَّذِینَ مَعَهُ یُغْرُونَهُ وَ لَئِنْ لَقِینَاهُ یُسَلِّمُونَهُ أَ مَا عَلِمْتَ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَنِّی جِئْتُ إِلَیْهِ وَ الزُّبَیْرُ وَ لَنَا مِنَ الصُّحْبَةِ مَا لَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ الْقِدَمِ فِی الْإِسْلَامِ وَ قَدْ أَحَاطَ بِهِ أَلْفَانِ قُیَّاماً عَلَی رَأْسِهِ بِالسُّیُوفِ
فَقَالَ لَنَا بِهَزْلٍ: «إِنْ أَحْبَبْتُمَا بَایَعْتُ لَکُمَا»
فَلَوْ قُلْنَا نَعَمْ أَ فَتَرَاهُ کَانَ یَفْعَلُ وَ قَدْ بَایَعَ النَّاسُ لَهُ فَیُخْلِعُ نَفْسَهِ وَ یُبَایِعُنَا لَا وَ اللَّهِ مَا کَانَ یَفْعَلُ وَ خَشِینَا أَنْ یُغْرِیَ بِنَا مَنْ لَا یَرَی لَنَا حُرْمَةً فَبَایَعْنَاهُ کَارِهِینَ وَ قَدْ جِئْنَا نَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ فَقُلْ لِابْنِ عَمِّکَ إِنْ کَانَ یُرِیدُ حَقْنَ الدِّمَاءِ وَ إِصْلَاحَ أَمْرِ الْأُمَّةِ فَلْیُمَکِّنَّا مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَهُمْ مَعَهُ وَ یُخْلِعُ نَفْسَهُ وَ یَرُدُّ الْأَمْرَ لِیَکُونَ شُورَی بَیْنَ الْمُسْلِمِینَ فَیُوَلُّوا مَنْ شَاءُوا فَإِنَّمَا عَلِیٌّ رَجُلٌ کَأَحَدِنَا وَ إِنْ أَبَی أَعْطَیْنَاهُ السَّیْفَ فَمَا لَهُ عِنْدَنَا غَیْرُ هَذَا.
الجمل، المفید ،ص:315
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ یَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَسْتَ تُنْصِفُ أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّکَ حَصَرْتَ عُثْمَانَ حَتَّی مَکَثَ عَشَرَةَ أَیَّامٍ یَشْرَبُ مِنْ مَاءِ بِئْرِهِ وَ تَمْنَعُهُ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ الْفُرَاتِ حَتَّی کَلَّمَکَ عَلِیٌّ فِی أَنْ تُخَلِّیَ الْمَاءَ لَهُ وَ أَنْتَ تَأْبَی ذَلِکَ وَ لَمَّا رَأَی أَهْلُ مِصْرَ فِعْلَکَ وَ أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ص دَخَلُوا عَلَیْهِ بِسِلَاحِهِمْ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ بَایَعَ النَّاسُ رَجُلًا لَهُ مِنَ السَّابِقَةِ وَ الْفَضْلِ وَ الْقَرَابَةِ بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ الْبَلَاءِ الْعَظِیمِ مَا لَا یُدْفَعُ وَ جِئْتَ أَنْتَ وَ صَاحِبُکَ طَائِعَیْنِ غَیْرَ مُکْرَهَیْنِ حَتَّی بَایَعْتُمَا ثُمَّ نَکَثْتُمَا فَعَجَبٌ وَ اللَّهِ لِإِقْرَارِکَ لِأَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ بِالْبَیْعَةِ وَ وُثُوبِکَ عَلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَوَ اللَّهِ مَا عَلِیٌّ ع دُونَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ أَمَّا قَوْلُکَ یُمَکِّنُنِی مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَمَا یَخْفَی عَلَیْکَ مَنْ قَتَلَ عُثْمَانَ وَ أَمَّا قَوْلُکَ إِنْ أَبَی عَلِیٌّ فَالسَّیْفُ فَوَ اللَّهِ إِنَّکَ لَتَعْلَمُ أَنَّ عَلِیّاً لَا یُخَوَّفُ فَقَالَ طَلْحَةُ إِیهاً عَنَّا الْآنَ مِنْ جِدَالِکَ
الجمل، المفید ،ص:316

ابن عباس و عائشة

. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَرَجَعْتُ إِلَی عَلِیٍّ وَ قَدْ دَخَلَ الْبُیُوتَ بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ «مَا وَرَاءَکَ» فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَقَالَ اللَّهُمَ افْتَحْ بَیْنَنا وَ بَیْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَیْرُ الْفاتِحِینَ ثُمَّ قَالَ «ارْجِعْ إِلَی عَائِشَةَ وَ اذْکُرْ لَهَا خُرُوجَهَا مِنْ بَیْتِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ خَوِّفْهَا مِنَ الْخِلَافِ عَلَی اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ نَبْذِهَا عَهْدَ النَّبِیِّ ص وَ قُلْ لَهَا إِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تُصْلِحُهَا النِّسَاءُ وَ إِنَّکِ لَمْ تُؤْمَرِی بِذَلِکَ فَلِمَ تَرْضَی بِالْخُرُوجِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ فِی تَبَرُّجِکِ وَ بَیْتِکِ الَّذِی أَمَرَکِ النَّبِیُّ ص بِالْمُقَامِ فِیهِ حَتَّی سِرْتِ إِلَی الْبَصْرَةِ فَقَتَلْتِ الْمُسْلِمِینَ وَ عَمَدْتِ إِلَی عُمَّالِی فَأَخْرَجْتِهِمْ وَ فَتَحْتِ بَیْتَ الْمَالِ وَ أَمَرْتِ بِالتَّنْکِیلِ بِالْمُسْلِمِینَ وَ أَبَحْتِ دِمَاءَ الصَّالِحِینَ فَارْعَیْ وَ رَاقِبِی اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَدْ تَعْلَمِینَ أَنَّکِ کُنْتِ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَی عُثْمَانَ فَمَا هَذَا مِمَّا مَضَی»
. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا جِئْتُهَا وَ أَدَّیْتُ الرِّسَالَةَ إِلَیْهَا وَ قَرَأْتُ کِتَابَ عَلِیٍّ ع عَلَیْهَا قَالَتْ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ ابْنُ عَمِّکَ یَرَی أَنَّهُ قَدْ تَمَلَّکَ الْبِلَادَ لَا وَ اللَّهِ مَا بِیَدِهِ مِنْهَا شَیْ‌ءٌ إِلَّا وَ بِیَدِنَا أَکْثَرُ مِنْهُ فَقُلْتُ یَا أُمَّاهْ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع لَهُ فَضْلٌ وَ سَابِقَةٌ فِی الْإِسْلَامِ وَ عِظَمُ عَنَاءٍ قَالَتْ أَ لَا تَذْکُرُ طَلْحَةَ وَ عَنَاءَهُ یَوْمَ أُحُدٍ قَالَ فَقُلْتُ لَهَا وَ اللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَحَداً أَعْظَمَ عَنَاءً مِنْ عَلِیٍّ ع قَالَتْ أَنْتَ
الجمل، المفید ،ص:317
تَقُولُ هَذَا وَ مَعَ عَلِیٍّ أَشْیَاءُ کَثِیرَةٌ قُلْتُ اللَّهَ اللَّهَ فِی دِمَاءِ الْمُسْلِمِینَ فَقَالَتْ وَ أَیُّ دِمَاءٍ تَکُونُ لِلْمُسْلِمِینَ إِلَّا أَنْ یَکُونَ عَلِیٌّ یَقْتُلُ نَفْسَهُ وَ مَنْ مَعَهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَتَبَسَّمْتُ فَقَالَتْ مِمَّا تَضْحَکُ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ وَ اللَّهِ مَعَهُ قَوْمٌ عَلَی بَصِیرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ یَبْذُلُونَ مُهَجَهُمْ دُونَهُ قَالَتْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَکِیلُ-

. ابن عباس و الزبیر

. قال و قد کان أمیر المؤمنین ع أوصانی أن ألقی الزبیر و إن قدرت أن أکلمه و ابنه لیس بحاضر فجئت مرة أو مرتین کل ذلک أجده عنده ثم جئت مرة أخری فلم أجده عنده فدخلت علیه و أمر الزبیر مولاه سرجس أن یجلس علی الباب و یحبس عنا الناس فجعلت أکلمه فقال غضبتم إن خولفتم و الله لتعلمن عاقبة ابن عمک فعلمت أن الرجل مغضب فجعلت ألاینه فیلین مرة و یشتد أخری فلما سمع سرجس ذلک أنفذ إلی عبد الله بن الزبیر و کان عند طلحة فدعاه فأقبل سریعا حتی دخل علینا.
فقال یا ابن عباس دع بنیات الطریق بیننا و بینکم عهد خلیفة و دم خلیفة و انفراد واحد و اجتماع ثلاثة و أم مبرورة و مشاورة العامة فأمسکت ساعة لا أکلمه ثم قلت لو أردت أن أقول لقلت فقال ابن الزبیر و لم تؤخر ذلک و قد حم الأمر و بلغ السیل الزبی قال ابن عباس فقلت أما قولک عهد خلیفة فإن عمر جعل المشورة إلی ستة نفر فجعل الستة النفر أمرهم إلی
الجمل، المفید ،ص:318
رجل منهم یختار لهم منهم و یخرج نفسه منها فعرض الأمر علی علی و عثمان فحلف عثمان و أبی علی أن یحلف فبایع عثمان فهذا عهد خلیفة و أما دم خلیفة فدمه عند أبیک لا یخرج أبوک من خصلتین إما قتل أو خذل و أما انفراد واحد و اجتماع ثلاثة فإن الناس لما قتلوا عثمان فزعوا إلی علی فبایعوه طوعا و ترکوا أباک و صاحبه و لم یرضوا بواحد منهما و أما قولک إن معکم أمّا مبرورة فإن هذه الأم أنتم أخرجتموها من بیتها و قد أمرها الله أن تقر فیه فأبیت أن تدعها و قد علمت أنت و أبوک أن النبی ص حذرها من الخروج
وَ قَالَ «یَا حُمَیْرَاءُ إِیَّاکِ أَنْ تَنْبَحَکِ کِلَابُ الْحَوْأَبِ
و کان منها ما قد رأیت و أما دعواک مشاورة العامة فکیف یشاور فیمن قد أجمع علیه و أنت تعلم أن أباک و طلحة بایعاه طائعین غیر کارهین.
فقال ابن الزبیر الباطل و الله ما تقول یا ابن عباس و لقد سئل عبد الرحمن بن عوف عن أصحاب الشوری فکان صاحبکم أحسنهم عنده و ما أدخله عمر فی الشوری إلا و هو یعرفه و لکن خاف فتقه فی الإسلام و أما قتل الخلیفة فصاحبک کتب إلی الآفاق حتی قدموا علیه ثم قتلوه و هو فی داره بلسانه و یده و أنا معه فی الدار أقاتل دونه حتی جرحت بضعة عشر جرحا و أما قولک إن علیا بایعه الناس طائعین فو الله ما بایعوه إلا کارهین و السیف علی رقابهم غصبهم أمرهم.
فقال الزبیر دع عنک ما تری یا ابن عباس جئتنا لتوفینا فقال له ابن عباس أنتم طلبتم هذا و الله ما عددناک قط إلا من بنی هاشم فی برک لأخوالک و محبتک لهم حتی أدرک ابنک هذا فقطع الأرحام فقال الزبیر دع عنک هذا
الجمل، المفید ،ص:319

فصل‌

فی تأمیر الأمراء و تکتیب الکتائب‌

و لما عاد رسل أمیر المؤمنین ع من طلحة و الزبیر و عائشة بإصرارهم علی خلافه و إقامتهم علی نکث بیعته و المباینة له و العمل علی حربه و استحلال دماء شیعته و أنهم لا یتعظون بوعظ و لا ینتهون عن الفساد بوعید کتب الکتائب و رتب العساکر.
و استعمل علی مقدمته عبد الله بن العباس.
و علی ساقته هند المرادی ثم الجملی و هو الذی قال فیه عمر بن الخطاب سید أهل الکوفة اسمه اسم امرأة.
و استعمل علی کافة الخیل عمار بن یاسر.
و علی جمیع الرجالة محمد بن أبی بکر.
و فرق الرئاسات من بعده فجعل علی خیل مذحج خاصة هند الجملی.
و علی رجالتها شریح بن هانی الحارثی.
و علی خیل همدان سعید بن قیس.
و علی رجالتها زیاد بن کعب بن مرة.
الجمل، المفید ،ص:320
و علی خیل کندة حجر بن عدی.
و علی خیل بجیلة و رجالتها رفاعة بن شداد.
و علی خیل قضاعة و رجالتها عدی بن حاتم.
و علی خیل خزاعة و أفناء الیمن عبد الله بن زید.
و علی رجالتها عمرو بن الحمق الخزاعی.
و علی خیل الأزد جندب بن زهیر.
و علی رجالتها أبا زینب الذی شهد علی الولید بن عقبة بشرب الخمر و کان سبب صرفه عن الکوفة و إقامة الحد علیه.
و علی خیل بکر بن وائل عبد الله بن هاشم السدوسی.
و علی رجالتها حسان بن محدوج الذهلی.
و علی خیل عبد القیس من أهل الکوفة زید بن صوحان العبدی.
و علی رجالتها الحارث بن مرة العبدی.
و علی خیل بکر بن وائل من أهل البصرة سفیان بن ثور السدوسی.
و علی رجالتها الحضین بن المنذر
وَ هُوَ الَّذِی قَالَ فِیهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع یَوْمَ صِفِّینَ:
لِمَنْ رَایَةٌ حَمْرَاءُ یَخْفِقُ ظِلُّهَاإِذَا قِیلَ قَدِّمْهَا حُضَیْنٌ تَقَدَّمَا
. و علی الهازم خاصة حریث بن جابر الحنفی.
و علی الذهلیین خالد بن المعمر السدوسی.
الجمل، المفید ،ص:321
و علی خیل عبد القیس من أهل البصرة المنذر بن الجارود العبدی.
و علی خیل أسد قبیصة بن جابر الأسدی.
و علی رجالتها العکبر بن جدیر الأسدی و هو الذی قتل محمد بن طلحة یوم الجمل.
و علی خیول أهل الکوفة من بنی تمیم عمیر بن عطارد.
و علی رجالتها معقل بن قیس و هو الذی سبی بنی ناجیة.
و علی خیل قیس عیلان من أهل الکوفة عبد الله بن الطفیل البکائی.
و علی رجّالتها فروة بن نوفل الأشجعی صاحب النخیلة.
و علی خیل قریش و کنانة هاشم بن عتبة بن أبی وقاص المرقال.
و علی رجالتها هاشم بن هشام.
و علی من صار إلیه من تمیم البصرة جاریة بن قدامة السعدی.
و علی رجالتها أعین بن ضبیعة.
فأحاط العسکر یومئذ من الفرسان المعروفین و الرجالة المشهورین علی ستة عشر ألف رجل
الجمل، المفید ،ص:322

تعبئة طلحة و الزبیر للحرب‌

و لما بلغ طلحة و الزبیر أن أمیر المؤمنین ع کتب الکتائب و رتب العساکر و تیقنوا منه الجد و أیقنوا منه القصد و الحرب عملا علی الاستعداد لها و کان أهل البصرة قد اختلفوا علیهما و قعد عنهما الأحنف فی بنی سعد و کانا یظنان أنه معهم فأخلف ظنهم و تأخر عنهما الأزد لقعود کعب بن سور القاضی عنهما و کان سید الأزد و أهل الیمن بالبصرة فأنفذا إلیه رسولهما یسألانه النصرة لهما و القتال معهما فأبی علیهما و قال أنا أعتزل الفریقین فقالا إن قعد عنا کعب خذلنا الأزد بأسرها و لا غنی لنا عنه فصارا إلیه و استأذنا علیه فلم یأذن لهما و حجبهما فصارا إلی عائشة فخبراها خبره و سألاها أن تسیر إلیه فأبت و راسلته تدعوه إلی الحضور عندها فاستعفاها من ذلک.
فقال طلحة و الزبیر یا أم إن قعد کعب قعدت عنا الأزد کلها و هی حی البصرة فارکبی إلیه فإنک إن فعلت لم یخالفک و انقاد لرأیک فرکبت بغلا و أحاط بها نفر من أهل البصرة و صارت إلی کعب بن سور فاستأذنت علیه فأذن و رحب بها فقالت یا بنی أرسلت إلیک لتنصر الله عز و جل فما الذی أخرک عنی فقال یا أماه لا حاجة لی فی خوض هذه الفتنة فقالت یا بنی اخرج معی و خذ بخطام جملی فإنی أرجو أن یقربک إلی الجنة و استعبرت باکیة فرق لها کعب بن سور
الجمل، المفید ،ص:323
و أجابها و علق المصحف فی عنقه و خرج معها فلما خرج و المصحف فی عنقه قال غلام من بنی وهب و قد کان عرف امتناعه و تأبیه من خوض هذه الفتنة
یا کعب رأیک هذا الجمیل‌أمثل من رأیک الخاطل
أتاک الزبیر یرید الأمورو طلحة بالنفل الشاکل
لیستدرجاک بما زخرفاو أمک تهوی إلی نازل
و قد کانت الأم معصومةفأضحت فرائس للآکل
تخط بها الأرض من حولهاترد الجواب علی السائل
فألقیتها بین حی السباع‌و عرضتها للشجی الثاکل
بحرب علی و أصحابه‌فقد أزم الدهر بالکاهل
فأبدیت للقوم ما فی الضمیرو قلت لهم قوله الخاذل
فأخطاهما منک ما أملاه‌و قد أخلفا أمل الآمل
و ما لک فی مضر نسبةو ما لک فی الحی من وائل
فلا تجزعن علی هالک‌من القوم حاف و لا ناعل .
و لما نهض کعب بن سور مع عائشة فی الأزد اجتمع رأی طلحة و الزبیر علی
الجمل، المفید ،ص:324
تکتب الکتائب و استقر الأمر منهما علی أن الزبیر أمیر العسکر خاصة و مدبره.
و طلحة فی القلب.
و اللواء مع عبد الله بن حکیم بن حزام بن خویلد.
و کعب بن سور مع الأزد.
و علی خیل المیمنة مروان بن الحکم.
و علی رجالتها عبد الرحمن بن عتاب بن أسید.
و علی خیل المیسرة و هم بنو تمیم و سائر قبائل قضاعة و هوازن هلال بن وکیع الدارمی.
و علی رجالتها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام و قد ضم إلیه الحباب بن یزید.
و علی خیل قیس عیلان مجاشع بن مسعود.
و علی رجالتهم جابر بن النعمان الباهلی.
و علی خیل الرباب عمرو بن یثربی.
و علی رجالتهم خرشة بن عمرو الضبی.
و علی من انحاز إلیهم من قریش و ثقیف عبد الله بن عامر بن کریز.
و علی أفناء أهل المدینة عبد الله بن خلف الخزاعی.
الجمل، المفید ،ص:325
و علی رجالة مذحج الربیع بن زیاد الحارثی.
و علی رجالة قضاعة عبد الله بن جابر الراسبی.
و علی من انحاز إلیهم من ربیعة مالک بن مسمع.
و لما تقرر أمر الکتائب فی الفریقین فخر کل فریق بقومه و قام خطباؤهم بالتحریض علی القتال
الجمل، المفید ،ص:326

خطبة عبد الله بن الزبیر

فقام عبد الله بن الزبیر فی معسکرهم فحمد الله و أثنی علیه و قال أیها الناس إن هذا الوعث و الرعث قتل عثمان بالمدینة ثم جاءکم ینشر أمورکم بالبصرة و قد غصب الناس أنفسهم أ لا تنصرون خلیفتکم المظلوم أ لا تمنعون حریمکم المباح أ لا تتقون الله فی عطیتکم من أنفسکم أ ترضون أن یتوردکم أهل الکوفة فی بلادکم اغضبوا فقد غوضبتم و قاتلوا فقد قوتلتم إن علیا لا یری أن معه فی هذا الأمر أحدا سواه و الله لئن ظفر بکم لیهلکن دینکم و دنیاکم و أکثر من نحو هذا القول و شبهه
الجمل، المفید ،ص:327

خطبة الحسن ع‌

2 فَبَلَغَ ذَلِکَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع فَقَالَ لِوَلَدِهِ الْحَسَنِ ع قُمْ یَا بُنَیَّ فَاخْطُبْ فَقَامَ خَطِیباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ «أَیُّهَا النَّاسُ قَدْ بَلَغَنَا مَقَالَةُ ابْنِ الزُّبَیْرِ وَ قَدْ کَانَ وَ اللَّهِ أَبُوهُ یَتَجَنَّی عَلَی عُثْمَانَ الذُّنُوبَ وَ قَدْ ضَیَّقَ عَلَیْهِ الْبِلَادَ حَتَّی قُتِلَ وَ إِنَّ طَلْحَةَ رَاکِزٌ رَایَتَهُ عَلَی بَیْتِ مَالِهِ وَ هُوَ حَیٌّ وَ أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ عَلِیّاً ابْتَزَّ النَّاسَ أُمُورَهُمْ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ حُجَّةً لِأَبِیهِ زَعَمَ أَنَّهُ بَایَعَهُ بِیَدِهِ وَ لَمْ یُبَایِعْهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْبَیْعَةِ وَ ادَّعَی الْوَلِیجَةَ فَلْیَأْتِ عَلَی مَا ادَّعَاهُ بِبُرْهَانٍ وَ أَنَّی لَهُ ذَلِکَ وَ أَمَّا تَعَجُّبُهُ مِنْ تَوَرُّدِ أَهْلِ الْکُوفَةِ عَلَی أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَمَا عَجَبُهُ مِنْ أَهْلِ حَقٍّ تَوَرَّدُوا عَلَی أَهْلِ بَاطِلٍ وَ لَعَمْرِی وَ اللَّهِ لَیَعْلَمَنَّ أَهْلُ الْبَصْرَةِ فَمِیعَادُ مَا بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُمْ یَوْمَ نُحَاکِمُهُمْ إِلَی اللَّهِ فَیَقْضِی اللَّهُ بِالْحَقِ وَ هُوَ خَیْرُ الْفاصِلِینَ فَلَمَّا فَرَغَ الْحَسَنُ ع مِنْ کَلَامِهِ قَامَ رَجُلٌ یُقَالُ لَهُ عُمَرُ بْنُ مَحْمُودٍ
الجمل، المفید ،ص:328
فَقَالَ شِعْراً یَمْدَحُ الْحَسَنَ ع فِیهِ عَلَی خُطْبَتِهِ
الجمل، المفید ،ص:329

خطبة طلحة

اشارة

و لما بلغ طلحة و الزبیر خطبة الحسن ع و مدح المادح له قام طلحة خطیبا فی أصحابه فقال یا أهل البصرة قد ساق الله إلیکم خیرا ما ساقه إلی قوم قط أمکم و حرمة نبیکم و حواری رسول الله ص و ابن عمته و من وقاه بیده إن علیا غصب الناس أنفسهم بالحجاز و تهیأ للشام یرید سفک دماء المسلمین و التغلب علی بلادهم فلما بلغه مسیرنا إلیکم و قصدنا قصدکم و قد اجتمع معه منافقو مضر و نصاری ربیعة و رجالة الیمن فإذا رأیتم القوم فاقصدوا قصدهم و لا تروعوا عنهم و لا تقولوا ابن عم رسول الله و هذه معکم زوجة الرسول و أحب الناس إلیه و ابنة الصدیق الذی کان أبوها أحب الخلق إلی رسول الله ص‌

اعتراض خیران بن عبد الله و الأسود بن عوف علی طلحة

فقام إلی طلحة رجل یقال له خیران بن عبد الله من أهل الحجاز کان قدم
الجمل، المفید ،ص:330
البصرة و هو غلام فقال «یا طلحة و الله ما ترکت جنبا صحیحا ننام علیه بشتمک ربیعة و مضر و الیمن فإن کان القول کما تقول فإنا لمثلهم و هم منا و نحن منهم و ما یفرق بیننا و بینهم غیرک و غیر صاحبک و لقد سبقت منا إلی علی ع بیعة ما ینبغی لنا أن ننقضها و إنا لنعلم حالکم الیوم و حالکم أمس» فهم القوم به فمنعهم بنو أسد عنه فخرج عنهم و لحق بمنزل ابن صهبان مستخفیا إشفاقا علی دمه منهم.
و قام الأسود بن عوف لما سمع من طلحة شتمه الأحیاء من ربیعة و مضر و الیمن فقال یا هذا إن الله لم یفرق بیننا و بین مضر و إن أهل الکوفة من غاب منهم کمن شهد الأخ إلی الأخ و إنما خالفنا القوم فی هواکما فاعفنا مما تری ثم خرج فلحق بعمان و لم یشهد الجمل و لا صفین
الجمل، المفید ،ص:331

خطبة أمیر المؤمنین ع‌

وَ بَلَغَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع لَغَطُ الْقَوْمِ وَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَی حَرْبِهِ فَقَامَ فِی النَّاسِ خَطِیباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ ذَکَرَ النَّبِیَّ فَصَلَّی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ «أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرَ قَدِمَا الْبَصْرَةَ وَ قَدِ اجْتَمَعَ أَهْلُهَا عَلَی طَاعَةِ اللَّهِ وَ بَیْعَتِی فَدَعَوَاهُمْ إِلَی مَعْصِیَةِ اللَّهِ وَ خِلَافِی فَمَنْ أَطَاعَهُمَا مِنْهُمْ فَتَنُوهُ وَ مَنْ عَصَاهُمَا قَتَلُوهُ وَ قَدْ کَانَ مِنْ قَتْلِهِمَا حُکَیْمَ بْنَ جَبَلَةَ مَا بَلَغَکُمْ وَ قَتْلِهِمَا السَّبَابِجَةَ وَ فِعَالِهِمَا بِعُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ مَا لَمْ یَخْفَ عَلَیْکُمْ وَ قَدْ کَشَفُوا الْآنَ الْقِنَاعَ وَ آذَنُوا بِالْحَرْبِ وَ قَامَ طَلْحَةُ بِالشَّتْمِ وَ الْقَدْحِ فِی أَدْیَانِکُمْ وَ قَدْ أَرْعَدَ وَ صَاحِبُهُ وَ أَبْرَقَا وَ هَذَانِ امْرَءَانِ مَعَهُمَا الْفَشَلُ وَ لَسْنَا نُرِیدُ مِنْکُمْ أَنْ تُلْقُوا بُطُونَ مَا فِی نُفُوسِکُمْ عَلَیْهِمْ وَ لَا تُرُوا مَا فِی أَنْفُسِکُمْ لَنَا وَ لَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّی نُوقِعَ وَ لَا نُسِیلُ حَتَّی نُمْطِرَ وَ قَدْ خَرَجُوا مِنْ هُدًی إِلَی ضَلَالٍ دَعَوْنَاهُمْ إِلَی الرِّضَا وَ دَعَوْنَا إِلَی السَّخَطِ فَحَلَّ لَنَا وَ لَکُمْ رَدُّهُمْ إِلَی الْحَقِّ وَ الْقِتَالِ وَ حَلَّ لَهُمْ بِقِصَاصِهِمُ الْقَتْلُ وَ قَدْ وَ اللَهِ مَشَوْا إِلَیْکُمْ ضِرَاراً وَ أَذَاقُوکُمْ أَمَسَّ مِنَ الْجَمْرِ فَإِذَا لَقِیتُمُ الْقَوْمَ غَداً فَاغْدُوا فِی الدُّعَاءِ وَ أَحْسِنُوا فِی التَّقِیَّةِ وَ اسْتَعِینُوا بِاللَّهِ وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ»
الجمل، المفید ،ص:332
فَقَامَ إِلَیْهِ حَبِیبُ بْنُ یَسَافٍ حَتَّی وَقَفَ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ قَالَ
أَبَا حَسَنٍ أَیْقَظْتَ مَنْ کَانَ نَائِماًوَ مَا کُلُّ مَنْ یُدْعَی إِلَی الْحَقِّ یَسْمَعُ
وَ مَا کُلُّ مَنْ یُعْطَی الرِّضَا یَقْبَلُ الرِّضَاوَ مَا کُلُّ مَنْ أَعْطَیْتَهُ الْحَقَّ یَقْنَعُ
وَ أَنْتَ امْرُؤٌ أُعْطِیتَ مِنْ کُلِّ وِجْهَةٍمَحَاسِنَهَا وَ اللَّهُ یُعْطِی وَ یَمْنَعُ
وَ مَا مِنْکَ بِالْأَمْرِ الْمُؤَلَّمِ غِلْظَةٌوَ مَا فِیکَ لِلْمَرْءِ الْمُخَالِفِ مَطْمَعٌ
وَ إِنَّ رِجَالًا بَایَعُوکَ وَ خَالَفُواهُدَاکَ وَ أُجْرُوا فِی الضَّلَالِ فَضَیَّعُوا
لَأَهْلٌ لِتَجْرِیدِ الصَّوَارِمِ فِیهِمُ‌وَ سُمْرِ الْعَوَالِی وَ الْقَنَا تَتَزَعْزَعُ
فَإِنِّی لَأَرْجُو أَنْ تَدُورَ عَلَیْهِمُ‌رَحَی الْمَوْتِ حَتَّی یَسْکُنُوا وَ یُصَرَّعُوا
وَ طَلْحَةُ فِیهَا وَ الزُّبَیْرُ قَرِینُهُ‌وَ لَیْسَ لِمَا لَا یَدْفَعُ اللَّهُ مَدْفَعٌ
فَإِنْ یَمْضِیَا فَالْحَرْبُ أَضْیَقُ حَلْقَةًوَ إِنْ یَرْجِعَا عَنْ تِلْکَ فَالسِّلْمُ أَوْسَعُ
وَ مَا بَایَعُوهُ کَارِهِینَ لِبَیْعَةٍوَ مَا بَسَطَتْ مِنْهُمْ عَلَی الْکُرْهِ إِصْبَعٌ
وَ لَا بَطَیَا عَنْهَا فِرَاقاً وَ لَا بَدَالَهُمْ أَحَدٌ بَعْدَ الَّذِینَ تَجَمَّعُوا
عَلَی نَقْضِهَا مِمَّنْ لَهُ شَدُّ عَقْدِهَافَقَصْرَاهُمَا مِنْهُ مَصَانِعُ أَرْبَعُ
خُرُوجٌ بِأُمِّ الْمُؤْمِنِینَ وَ غَدْرُهُمْ‌وَ عَتْبٌ عَلَی مَنْ کَانَ فِی الْقَلْبِ أَشْجَعُ
الجمل، المفید ،ص:333 وَ ذِکْرُهُمْ قَتْلَ ابْنِ عَفَّانَ خُدْعَةٌوَ هُمْ قَتَلُوهُ وَ الْمُخَادِعُ أَخْدَعُ
فَعُودُ عَلِیٍّ نَبْعَةٌ هَاشِمِیَّةٌوَ عُودُهُمَا فِیمَا هُمَا فِیهِ خِرْوَعٌ
الجمل، المفید ،ص:334

خطبة أمیر المؤمنین ع فی التحریض علی القتال‌

قَالَ: ثُمَّ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع أَنْظَرَهُمْ ثَلَاثَةَ أَیَّامِ لِیَکُفُّوا وَ یَرْعَوْا فَلَمَّا عَلِمَ إِصْرَارَهُمْ عَلَی الْخِلَافِ قَامَ فِی أَصْحَابِهِ فَقَالَ «عِبَادَ اللَّهِ انْهُدُوا إِلَی هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مُنْشَرِحَةً صُدُورُکُمْ فَإِنَّهُمْ نَکَثُوا بَیْعَتِی وَ قَتَلُوا شِیعَتِی وَ نَکَلُوا بِعَامِلِی وَ أَخْرَجُوهُ مِنَ الْبَصْرَةِ بَعْدَ أَنْ آلَمُوهُ بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ وَ الْعُقُوبَةِ الشَّدِیدَةِ وَ هُوَ شَیْخٌ مِنْ وُجُوهِ الْأَنْصَارِ وَ الْفُضَلَاءِ وَ لَمْ یَرْعَوْا لَهُ حُرْمَةً وَ قَتَلُوا السَّبَابِجَةَ رِجَالًا صَالِحِینَ وَ قَتَلُوا حَکِیمَ بْنَ جَبَلَةَ ظُلْماً وَ عُدْوَاناً لِغَضَبِهِ لِلَّهِ ثُمَّ تَتَبَّعُوا شِیعَتِی بَعْدَ أَنْ هَرَبُوا مِنْهُمْ وَ أَخَذُوهُمْ فِی کُلِّ غَائِطَةٍ وَ تَحْتَ کُلِّ رَابِیَةٍ یَضْرِبُونَ أَعْنَاقَهُمْ صَبْراً مَا لَهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّی یُؤْفَکُونَ فَانْهُدُوا إِلَیْهِمْ عِبَادَ اللَّهِ وَ کُونُوا أُسُوداً عَلَیْهِمْ فَإِنَّهُمْ شِرَارٌ وَ مُسَاعِدُوهُمْ عَلَی الْبَاطِلِ شِرَارٌ فَالْقَوْهُمْ صَابِرِینَ مُحْتَسِبِینَ مُوَطِّنِینَ أَنْفُسَکُمْ إِنَّکُمْ مُنَازِلُونَ وَ مُقَاتِلُونَ قَدْ وَطَّنْتُمْ أَنْفُسَکُمْ عَلَی الضَّرْبِ وَ الطَّعْنِ وَ مُنَازَلَةِ الْأَقْرَانِ فَأَیُّ امْرِئٍ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْشٍ عِنْدَ الْفَزَعِ وَ شَجَاعَةً عِنْدَ اللِّقَاءِ وَ رَأَی مِنْ أَخِیهِ
الجمل، المفید ،ص:335
فَشَلًا وَ وَهْناً فَلْیَذُبَّ عَنْهُ کَمَا یَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ»
فقام إلیه شداد بن شمر العبدی فحمد الله و أثنی علیه ثم قال «أما بعد فإنه لما کثر الخطاءون و تمرد الجاحدون فزعنا إلی آل نبینا الذین بهم ابتدئنا بالکرامة و هدینا من الضلالة الزموهم رحمکم الله و دعوا من أخذ یمینا و شمالا فإن أولئک فی غمرتهم یعمهون و فی ضلالتهم یترددون»
الجمل، المفید ،ص:336

إعذار أمیر المؤمنین ع لأصحاب الجمل‌

قَالَ ثُمَّ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع رَحَلَ بِالنَّاسِ إِلَی الْقَوْمِ غَدَاةَ الْخَمِیسِ لِعَشْرٍ مَضَیْنَ مِنْ جُمَادَی الْأُولَی وَ عَلَی مَیْمَنَتِهِ الْأَشْتَرُ وَ عَلَی مَیْسَرَتِهِ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ وَ أَعْطَی الرَّایَةَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِیَّةِ ابْنَهُ وَ سَارَ حَتَّی وَقَفَ مَوْقِفاً ثُمَّ نَادَی فِی النَّاسِ:
«لَا تَعْجَلُوا حَتَّی أُعْذِرَ إِلَی الْقَوْمِ» وَ دَعَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَعْطَاهُ الْمُصْحَفَ وَ قَالَ «امْضِ بِهَذَا الْمُصْحَفِ إِلَی طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ وَ عَائِشَةَ وَ ادْعُهُمْ إِلَی مَا فِیهِ وَ قُلْ لِطَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ أَ لَمْ تُبَایِعَانِی مُخْتَارَیْنِ فَمَا الَّذِی دَعَاکُمَا إِلَی نَکْثِ بَیْعَتِی وَ هَذَا کِتَابُ اللَّهِ بَیْنِی وَ بَیْنَکُمَا.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ فَبَدَأْتُ بِالزُّبَیْرِ وَ کَانَ عِنْدِی أَبْقَاهُمَا عَلَیْنَا وَ کَلَّمْتُهُ فِی الرُّجُوعِ وَ قُلْتُ لَهُ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع یَقُولُ لَکَ أَ لَمْ تُبَایِعْنِی طَائِعاً فَلِمَ تَسْتَحِلُّ قِتَالِی وَ هَذَا الْمُصْحَفُ وَ مَا فِیهِ بَیْنِی وَ بَیْنَکَ فَإِنْ شِئْتَ تَحَاکَمْنَا إِلَیْهِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَی صَاحِبِکَ فَإِنَّا بَایَعْنَا کَارِهِینَ وَ مَا لِی حَاجَةٌ فِی مُحَاکَمَتِهِ فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ إِلَی طَلْحَةَ وَ النَّاسُ یَشْتَدُّونَ وَ الْمُصْحَفُ فِی یَدِی فَوَجَدْتُهُ قَدْ لَبِسَ الدِّرْعَ وَ هُوَ مُحْتَبٍ
الجمل، المفید ،ص:337
بِحَمَائِلِ سَیْفِهِ وَ دَابَّتُهُ وَاقِفَةٌ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع یَقُولُ لَکَ مَا حَمَلَکَ عَلَی الْخُرُوجِ وَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ نَقْضَ بَیْعَتِی وَ الْعَهْدِ عَلَیْکَ فَقَالَ خَرَجْتُ أَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ أَ یَظُنُّ ابْنُ عَمِّکَ أَنَّهُ قَدْ حَوَی عَلَی الْأَمْرِ حِینَ حَوَی عَلَی الْکُوفَةِ وَ قَدْ وَ اللَّهِ کَتَبْتُ إِلَی الْمَدِینَةِ تُؤْخَذُ لِیَ الْبَیْعَةُ بِمَکَّةَ فَقُلْتُ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ یَا طَلْحَةُ فَإِنَّهُ لَیْسَ لَکَ أَنْ تَطْلُبَ بِدَمِ عُثْمَانَ وَ وُلْدُهُ أَوْلَی بِدَمِهِ مِنْکَ هَذَا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ مَا یَنْهَضُ فِی طَلَبِ دَمِ أَبِیهِ قَالَ طَلْحَةُ نَحْنُ أَقْوَی عَلَی ذَلِکَ مِنْهُ قَتَلَهُ ابْنُ عَمِّکَ وَ ابْتَزَّ أَمْرَنَا فَقُلْتُ لَهُ أُذَکِّرُکَ اللَّهَ فِی الْمُسْلِمِینَ وَ فِی دِمَائِهِمْ وَ هَذَا الْمُصْحَفُ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ وَ اللَّهِ مَا أَنْصَفْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ ص إِذْ حَبَسْتُمْ نِسَاءَکُمْ فِی بُیُوتِکُمْ وَ أَخْرَجْتُمْ حَبِیسَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَأَعْرَضَ عَنِّی وَ نَادَی بِأَصْحَابِهِ نَاجِزُوا الْقَوْمَ فَإِنَّکُمْ لَا تَقُومُونَ بِحِجَاجِ ابْنِ أَبِی طَالِبٍ فَقُلْتُ یَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَ بِالسَّیْفِ تُخَوِّفُ ابْنَ أَبِی طَالِبٍ أَمْ وَ اللَّهِ لَیُعَاجِلَنَّکَ لِلسَّیْفِ فَقَالَ ذَلِکَ بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ.
قَالَ فَانْصَرَفْتُ عَنْهُمَا إِلَی عَائِشَةَ وَ هِیَ فِی هَوْدَجٍ مُدَفَّفٍ عَلَی جَمَلِهَا عَسْکَرٍ
الجمل، المفید ،ص:338
وَ کَعْبُ بْنُ سُورٍ الْقَاضِی آخِذٌ بِخِطَامِهِ وَ حَوْلَهَا الْأَزْدُ وَ ضَبَّةُ فَلَمَّا رَأَتْنِی قَالَتْ: مَا الَّذِی جَاءَ بِکَ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ وَ اللَّهِ لَا سَمِعْتُ مِنْکَ شَیْئاً ارْجِعْ إِلَی صَاحِبِکَ وَ قُلْ لَهُ مَا بَیْنَنَا وَ بَیْنَکَ إِلَّا السَّیْفُ وَ صَاحَ مَنْ حَوْلَهَا ارْجِعْ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ لَا یُسْفَکُ دَمُکَ
الجمل، المفید ،ص:339

تکرار الإعذار

فَرَجَعْتُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ وَ قُلْتُ مَا تَنْتَظِرُ وَ اللَّهِ مَا یُعْطِیکَ الْقَوْمُ إِلَّا السَّیْفَ فَاحْمِلْ عَلَیْهِمْ قَبْلَ أَنْ یَحْمِلُوا عَلَیْکَ فَقَالَ «نَسْتَظْهِرُ بِاللَّهِ عَلَیْهِمْ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَوَ اللَّهِ مَا رُمْتُ مِنْ مَکَانِی حَتَّی طَلَعَ عَلَیَّ نُشَّابُهُمْ کَأَنَّهُ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ فَقُلْتُ أَ مَا تَرَی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی مَا یَصْنَعُ الْقَوْمُ مُرْنَا نَدْفَعُهُمْ فَقَالَ «حَتَّی أُعْذِرَ إِلَیْهِمْ ثَانِیَةً» ثُمَّ قَالَ: «مَنْ یَأْخُذُ هَذَا الْمُصْحَفَ فَیَدْعُوهُمْ إِلَیْهِ وَ هُوَ مَقْتُولٌ وَ أَنَا ضَامِنٌ لَهُ عَلَی اللَّهِ الْجَنَّةَ» فَلَمْ یَقُمْ أَحَدٌ إِلَّا غُلَامٌ عَلَیْهِ قَبَاءٌ أَبْیَضُ حَدَثُ السِّنِّ مِنْ عَبْدِ الْقَیْسِ یُقَالُ لَهُ مُسْلِمٌ کَأَنِّی أَرَاهُ فَقَالَ أَنَا أَعْرِضُهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِمْ وَ قَدِ احْتَسَبْتُ نَفْسِی عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَی فَأَعْرَضَ عَنْهُ إِشْفَاقاً عَلَیْهِ وَ نَادَی ثَانِیَةً «مَنْ یَأْخُذُ هَذَا الْمُصْحَفَ وَ یَعْرِضُهُ عَلَی الْقَوْمِ وَ لْیَعْلَمْ أَنَّهُ مَقْتُولٌ وَ لَهُ الْجَنَّةُ فَقَامَ مُسْلِمٌ بِعَیْنِهِ وَ قَالَ أَنَا أَعْرِضُهُ فَأَعْرَضَ وَ نَادَی ثَالِثَةً فَلَمْ یَقُمْ غَیْرُ الْفَتَی فَدَفَعَ إِلَیْهِ الْمُصْحَفَ وَ قَالَ امْضِ إِلَیْهِمْ وَ أَعْرِضْهُ عَلَیْهِمْ وَ ادْعُهُمْ إِلَی مَا فِیهِ فَأَقْبَلَ الْغُلَامُ حَتَّی وَقَفَ بِإِزَاءِ الصُّفُوفِ وَ نَشَرَ الْمُصْحَفَ وَ قَالَ هَذَا کِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع یَدْعُوکُمْ إِلَی مَا فِیهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ اشْجَرُوهُ بِالرِّمَاحِ قَبَّحَهُ اللَّهُ فَتَبَادَرُوا إِلَیْهِ بِالرِّمَاحِ فَطَعَنُوهُ مِنْ کُلِّ جَانِبٍ وَ کَانَتْ أُمُّهُ حَاضِرَةً فَصَاحَتْ وَ طَرَحَتْ نَفْسَهَا عَلَیْهِ وَ جَرَّتْهُ مِنْ مَوْضِعِهِ وَ لَحِقَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ
الجمل، المفید ،ص:340
عَسْکَرِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع أَعَانُوهَا عَلَی حَمْلِهِ حَتَّی طَرَحُوهُ بَیْنَ یَدَیْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ أُمُّهُ تَبْکِی وَ تَنْدُبُهُ وَ تَقُولُ
یَا رَبِّ إِنَّ مُسْلِماً دَعَاهُمْ‌یَتْلُو کِتَابَ اللَّهِ لَا یَخْشَاهُمْ
فَخَضَبُوا مِنْ دَمِهِ قَنَاهُمْ‌وَ أُمُّهُمْ قَائِمَةٌ تَرَاهُمْ
تَأْمُرُهُمْ بِالْقَتْلِ لَا تَنْهَاهُمْ الجمل، المفید ،ص:341

مبدأ القتال‌

فَلَمَّا رَأَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع مَا قَدِمَ عَلَیْهِ الْقَوْمُ مِنَ الْعِنَادِ وَ اسْتَحَلُّوهُ مِنْ سَفْکِ الدَّمِ الْحَرَامِ رَفَعَ یَدَیْهِ إِلَی السَّمَاءِ وَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِلَیْکَ شَخَصَتِ الْأَبْصَارُ وَ بُسِطَتِ الْأَیْدِی وَ أَفْضَتِ الْقُلُوبُ وَ تَقَرَّبْتُ إِلَیْکَ بِالْأَعْمَالِ رَبَّنَا افْتَحْ بَیْنَنا وَ بَیْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَیْرُ الْفاتِحِینَ ثُمَّ دَعَا ابْنَهُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِیَّةِ فَأَعْطَاهُ الرَّایَةَ وَ هِیَ رَایَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَالَ «یَا بُنَیَّ هَذِهِ رَایَةٌ لَمْ تُرَدَّ قَطُّ وَ لَا تُرَدُّ أَبَداً» قَالَ مُحَمَّدٌ فَأَخَذْتُهَا وَ الرِّیحُ تَهُبُّ عَلَیْهَا فَلَمَّا تَمَکَّنْتُ مِنْ حَمْلِهَا صَارَتِ الرِّیحُ عَلَی طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ وَ أَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَمْشِیَ بِهَا فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ: «قِفْ یَا بُنَیَّ حَتَّی آمُرَکَ» ثُمَّ نَادَی
الجمل، المفید ،ص:342
«أَیُّهَا النَّاسُ لَا تَقْتُلُوا مُدْبِراً وَ لَا تُجْهِزُوا عَلَی جَرِیحٍ وَ لَا تَکْشِفُوا عَوْرَةً وَ لَا تُهَیِّجُوا امْرَأَةً وَ لَا تُمَثِّلُوا بِقَتِیلٍ.
فَبَیْنَا هُوَ یُوصِی أَصْحَابَهُ إِذْ أَظَلَّنَا نَبْلُ الْقَوْمِ فَقُتِلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَلَمَّا رَآهُ قَتِیلًا قَالَ «اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ثُمَّ رُمِیَ ابْنٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَیْلٍ فَقُتِلَ فَحَمَلَهُ أَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ وَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ حَتَّی وَضَعَاهُ بَیْنَ یَدَیْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَیْلٍ حَتَّی مَتَی یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ تَسْتَذْرِی نُحُورَنَا لِلْقَوْمِ یَقْتُلُونَنَا رَجُلًا رَجُلًا قَدْ وَ اللَّهِ أَعْذَرْنَا إِنْ کُنْتَ تُرِیدُ الْإِعْذَارَ ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِیَّةِ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لِی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع «رَایَتُکَ یَا بُنَیَّ قَدِّمْهَا» بَعَثَ فِی الْمَیْمَنَةِ وَ الْمَیْسَرَةِ وَ دَعَا بِدِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَبِسَهُ وَ حَزَمَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ أَسْفَلَ مِنْ سُرَّتِهِ وَ دَعَا بِبَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ وَ هِیَ بَغْلَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص فَاسْتَوَی عَلَی ظَهْرِهَا وَ وَقَفَ أَمَامَ صُفُوفِ أَصْحَابِهِ فَوَقَفْتُ بَیْنَ یَدَیْهِ بِاللِّوَاءِ وَ هُوَ مَنْشُورٌ مُسْتَعِدٌّ فَجَاءَ قَیْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ قَالَ.
الجمل، المفید ،ص:343 هَذَا اللِّوَاءُ الَّذِی کُنَّا نَحُفُّ بِهِ‌حَوْلَ النَّبِیِّ وَ جِبْرِیلُ لَنَا مَدَدٌ
مَا ضَرَّ مَنْ کَانَتِ الْأَنْصَارُ عَیْبَتُهُ‌أَنْ لَا یَکُونَ لَهُ مِنْ غَیْرِهَا أَحَدٌ
قَوْمٌ إِذَا حَارَبُوا طَالَتْ أَکُفُّهُمُ‌بِالْمَشْرَفِیَّةِ حَتَّی تُفْتَحَ الْبَلَدُ -
. وَ صَفَّتْ أَصْحَابُ عَائِشَةَ صُفُوفَهُمْ وَ جَاءُوا بِالْجَمَلِ عَلَیْهِ الْهَوْدَجُ وَ فِیهِ عَائِشَةُ وَ خِطَامُهُ فِی یَدِ کَعْبِ بْنِ سُورٍ وَ قَدْ تَقَلَّدَ الْمُصْحَفَ وَ الْأَزْدُ وَ بَنُو ضَبَّةَ قَدْ أَحَاطُوا بِالْجَمَلِ وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَیْرِ بَیْنَ یَدَیْ عَائِشَةَ وَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ عَنْ یَمِینِهَا وَ الزُّبَیْرُ یُدَبِّرُ الْعَسْکَرَ وَ طَلْحَةُ عَلَی الْفُرْسَانِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَلَی الرَّجَّالَةِ.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِیَّةِ قَالَ لِی أَبِی حِینَ زَحَفَ الْقَوْمُ نَحْوَنَا «قَدِّمِ اللِّوَاءَ» فَقَدَّمْتُهُ وَ زَحَفَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ فَلَمَّا رَآنِی الْقَوْمُ قَدْ زَحَفْتُ بِاللِّوَاءِ بَارِزاً عَنْ أَصْحَابِی رَشَقُونِی رَشْقَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَوَقَفْتُ مَکَانِی وَ اتَّقَیْتُ مِنْهُمْ وَ قُلْتُ یَنْقَضِی رَشْقُهُمْ فِی مَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَیْنِ ثُمَّ أُقَدِّمُ فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع قَدْ ضَرَبَ بَیْنَ کَتِفَیَّ بِیَدِهِ ثُمَّ أَخَذَ اللِّوَاءَ مِنِّی بِیَدِهِ وَ نَادَی
«یَا مَنْصُورُ أَمِتْ»
فَوَ اللَّهِ مَا سَمِعْتُ الْقَوْمَ حَتَّی رَأَیْتُهُمْ وَ قَدْ زَلْزَلَتْ أَقْدَامُهُمْ وَ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُمْ وَ أُلْقِیَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَ تَزَایَلُوا وَ قَدْ رَأَتْ عَائِشَةُ مَوْضِعَ کُلِّ فَرِیقٍ مِنْهُمْ
الجمل، المفید ،ص:344

المبارزات‌

وَ تَقَدَّمَ عَمَّارٌ وَ مَالِکٌ الْأَشْتَرُ مُصْلِتَیْنِ سُیُوفَهُمَا نَحْوَ الْقَوْمِ وَ نَادَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ «یَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِی بَکْرٍ إِنْ صُرِعَتْ عَائِشَةُ فَوَارِهَا وَ تَوَلَّ أَمْرَهَا» فَتَضَعْضَعَ الْقَوْمُ حِینَ سَمِعُوا ذَلِکَ وَ اضْطَرَبُوا وَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع وَاقِفٌ فِی مَوْضِعِهِ ثُمَّ تَرَاجَعُوا بَعْدَ تَضَعْضُعِهِمْ وَ رَجَعَتْ إِلَیْهِمْ نُفُوسُهُمْ وَ نَادَوُا الْبِرَازَ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِی عَدِیٍّ أَمَامَ الْجَمَلِ وَ بِیَدِهِ سَیْفٌ وَ هُوَ یَقُولُ
أَضْرِبُهُمْ وَ لَوْ أَرَی عَلِیّاًعَمَمْتُهُ أَبْیَضَ مَشْرَفِیّاً
أُرِیحُ مِنْهُ قَوْمَنَا عَدِیّاً
.
فَشَدَّ عَلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع یُقَالُ لَهُ أُمَیَّةُ الْعَبْدِیُّ وَ هُوَ یَقُولُ
هَذَا عَلَیٌّ وَ الْهُدَی سَبِیلُهُ‌وَ الرُّشْدُ فِیهِ وَ التُّقَی دَلِیلُهُ
مَنْ یَتْبَعِ الْحَقَّ یَبِنْ خَلِیلُهُ
.
الجمل، المفید ،ص:345
ثُمَّ اخْتَلَفَ بَیْنَهُمَا ضَرْبَتَانِ فَأَخْطَأَهُ الْعَدَوِیُّ وَ ضَرَبَهُ الْعَبْدِیُّ فَقَتَلَهُ.
فَقَامَ مَقَامَهُ رَجُلٌ یُقَالُ لَهُ أَبُو الْجَرْبَاءِ عَاصِمُ بْنُ مُرَّةَ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ فَقَالَ
أَنَا أَبُو الْجَرْبَاءِ وَ اسْمِی عَاصِمٌ‌وَ أُمُّنَا أُمٌّ لَهَا مَحَارِمُ .
فَشَدَّ عَلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ هُوَ یَقُولُ
إِلَیْکَ إِنِّی تَابِعٌ عَلِیّاًوَ تَارِکٌ أُمَّکُمُ مَلِیّاً
إِذْ عَصَتِ الْکِتَابَ وَ النَّبِیَّاوَ ارْتَکَبَتْ مِنْ أَمْرِهَا فَرِیّاً .
وَ ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ فَقَامَ مَقَامَهُ رَجُلٌ آخَرُ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ یُقَالُ لَهُ الْهَیْثَمُ بْنُ کُلَیْبٍ الْأَزْدِیُّ وَ هُوَ یَقُولُ
نَحْنُ نُوَالِی أُمَّنَا الرَّضِیَّةَوَ نَنْصُرُ الصَّحَابَةَ الْمَرْضِیَّةَ .
فَشَدَّ عَلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ هُوَ یَقُولُ
وَلِیُّکُمْ عِجْلُ بَنِی أُمَیَّةَوَ أُمُّکُمْ خَاسِرَةٌ شَقِیَّةٌ
هَاوِیَةٌ فِی فِتْنَةٍ عَمِیَّةٍ
.
وَ ضَرَبَهُ فَفَلَقَ هَامَتَهُ وَ خَرَّ صَرِیعاً وَ بَرَزَ مِنْ بَعْدِهِ عَمْرُو بْنُ یَثْرِبِیٍّ وَ کَانَ مِنْ شَیَاطِینِ أَصْحَابِ الْجَمَلِ فَنَادَی هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ فَبَرَزَ إِلَیْهِ عِلْبَاءُ بْنُ الْهَیْثَمِ فَاخْتَلَفَ بَیْنَهُمَا ضَرْبَتَانِ فَقُتِلَ عِلْبَاءُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَامَ مَقَامَهُ هِنْدُ بْنُ الْمُرَادِیِّ فَبَادَرَهُ بِالسَّیْفِ فَاتَّقَاهُ وَ ضَرَبَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَیْرِ فَشَغَلَهُ بِنَفْسِهِ وَ ثَنَّاهُ عَمْرُو بْنُ یَثْرِبِیٍ
الجمل، المفید ،ص:346
فَقَتَلَاهُ جَمِیعاً فَبَرَزَ مَقَامَهُ زَیْدُ بْنُ صُوحَانَ الْعَبْدِیُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَتَضَارَبَا وَ جَاءَ فَارِسٌ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ وَ وَقَفَ بِجَنْبِ عَمْرٍو یَحْمِیهِ فَطَعَنَهُ زَیْدٌ فِی خَاصِرَتِهِ طَعْنَةً أَثْخَنَهُ بِهَا وَ بَدَرَ إِلَیْهِ فَضَرَبَهُ فَقَضَی مِنْهَا وَ بَدَا عَمْرٌو یَفْتَخِرُ وَ یَقُولُ
إِنْ تُنْکِرُونِی أَنَا ابْنُ یَثْرِبِیٍ‌قَاتِلُ عِلْبَاءَ وَ هِنْدٍ الْجَمَلِیِ
ثُمَّ ابْنِ صُوحَانَ عَلَی دِینِ عَلِیٍ
.
فَبَرَزَ إِلَیْهِ مَالِکٌ الْأَشْتَرُ فَضَرَبَهُ عَلَی وَجْهِهِ ضَرْبَةً وَقَعَ بِهَا عَلَی الْأَرْضِ وَ حَمَاهُ أَصْحَابُهُ فَنَهَضَ وَ قَدْ تَرَاجَعَتْ نَفْسُهُ وَ هُوَ یَقُولُ لَا بُدَّ مِنَ الْمَوْتِ فَدُلُّونِی عَلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ فَلَئِنْ بَصُرْتُ بِهِ لَأَمْلَأَنَّ سَیَفِی مِنْ هَامَتِهِ فَبَرَزَ إِلَیْهِ عَمَّارٌ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ وَ هُوَ یَقُولُ
لَا تَبْرَحِ الْعَرْصَةَ یَا ابْنَ یَثْرِبِیٍ‌حَتَّی أُقَاتِلَکَ عَلَی دِینِ عَلِیٍ
نَحْنُ وَ بَیْتِ اللَّهِ أَوْلَی بِالنَّبِیِ
.
وَ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً هَلَکَ مِنْهَا وَ خَرَّ صَرِیعاً فَأَکَبَّ قَوْمُهُ عَلَیْهِ فَاحْتَمَلُوهُ إِلَی مُعَسْکَرِهِمْ
الجمل، المفید ،ص:347

تضعضع أصحاب الجمل‌

اشارة

وَ لَمَّا رَأَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع جُرْأَةَ الْقَوْمِ عَلَی الْقِتَالِ وَ صَبْرَهُمْ عَلَی الْهَلَاکِ نَادَی أَصْحَابَ مَیْمَنَتِهِ أَنْ یَمِیلُوا عَلَی مَیْسَرَةِ الْقَوْمِ وَ نَادَی أَصْحَابَ مَیْسَرَتِهِ أَنْ یَمِیلُوا عَلَی مَیْمَنَتِهِمْ وَ وَقَفَ ع فِی الْقَلْبِ فَمَا کَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ تَضَعْضَعَ الْقَوْمُ وَ أَخَذَتِ السُّیُوفُ مِنْ هَامَاتِهِمْ مَآخِذَهَا فَانْکَشَفُوا وَ قَدْ قُتِلَ مِنْهُمْ مَا لَا یُحْصَی کَثْرَةً وَ أُصِیبَ مِنْ أَصْحَابِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع نَفَرٌ کَثِیرٌ وَ أَحَاطَتِ الْأَزْدُ بِالْجَمَلِ یَقْدُمُهُمْ کَعْبُ بْنُ سُورٍ وَ خِطَامُ الْجَمَلِ بِیَدِهِ وَ اجْتَمَعَ إِلَیْهِمْ مَنْ کَانَ أَنْفَلَ بِالْهَزِیمَةِ وَ نَادَتْ عَائِشَةُ «یَا بُنَیَّ الْکَرَّةَ الْکَرَّةَ اصْبِرُوا فَإِنِّی ضَامِنَةٌ لَکُمُ الْجَنَّةَ» فَحَفُّوا بِهَا مِنْ کُلِّ جَانِبٍ وَ اسْتَقْدَمُوا حَتَّی دَنَوْا مِنْ عَسْکَرِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ أَلْقَتْ عَائِشَةُ عَلَی نَفْسِهَا بُرْدَةً کَانَتْ مَعَهَا وَ قَلَّبَتْ یَمِینَهَا عَنْ مَنْکِبِهَا الْأَیْمَنِ إِلَی الْأَیْسَرِ وَ الْأَیْسَرِ إِلَی الْأَیْمَنِ کَمَا کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص یَصْنَعُ عِنْدَ الِاسْتِسْقَاءِ ثُمَّ قَالَتْ نَاوِلُونِی کَفّاً مِنْ تُرَابٍ فَنَاوَلُوهَا فَحَثَّتْ بِهِ فِی وُجُوهِ أَصْحَابِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ قَالَتْ «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» کَمَا
الجمل، المفید ،ص:348
فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِأَهْلِ بَدْرٍ قَالَ وَ جَرَّ کَعْبُ بْنُ سُورٍ بِالْخِطَامِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَحْقِنَ الدِّمَاءَ وَ تُطْفِئَ هَذِهِ الْفِتْنَةَ فَاقْتُلْ عَلِیّاً وَ
لَمَّا فَعَلَتْ عَائِشَةُ مَا فَعَلَتْ مِنْ قَلْبِ الْبُرْدِ وَ حَصْبِ أَصْحَابِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع بِالتُّرَابِ قَالَ ع: وَ مَا رَمَیْتِ إِذْ رَمَیْتِ یَا عَائِشَةُ وَ لَکِنَّ الشَّیْطَانَ رَمَی وَ لَیَعُودَنَّ وَبَالُکِ عَلَیْکِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ‌

شعر أم ذریح العبدیة و قتل کعب بن سور

وَ أَنْشَدَتْ أُمُّ ذَرِیحٍ الْعَبْدِیَّةُ وَ کَانَتْ مِنْ شِیعَةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع تَقُولُ
عَائِشُ إِنْ جِئْتِ لِتَهْزِمِینَاوَ تَنْشُرِی الْبُرْدَ لِتَغْلِبِینَا
وَ تَقْذِفِی بِالْحَصَیَاتِ فِینَاتُصَادِفِی ضَرْباً وَ تُنْکِرِینَا
بِالْمِشْرَفِیَّاتِ إِذَا غُزِینَانَسْفِکُ مِنْ دِمَائِکُمْ مَا شِینَا .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِیَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لِی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع: «تَقَدَّمْ یَا بُنَیَّ بِاللِّوَاءِ» وَ صَفَّ أَصْحَابَهُ فَجَعَلَ الْحَسَنَ ع فِی الْمَیْمَنَةِ وَ الْحُسَیْنَ ع فِی الْمَیْسَرَةِ-
وَ کَانَ فِی مَیْمَنَةِ أَهْلِ الْجَمَلِ هِلَالُ بْنُ وَکِیعٍ وَ فِی مَیْسَرَتِهِمْ صَبْرَةُ بْنُ شَیْمَانَ وَ تَزَاحَفَ الْفَرِیقَانِ بَعْضُهُمْ إِلَی بَعْضٍ قَالَ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَیْتُ أَوَّلَ قَتِیلٍ مِنَ الْقَوْمِ کَعْبَ بْنَ سُورٍ بَعْدَ أَنْ قُطِعَتْ یَمِینُهُ الَّتِی کَانَ الْخِطَامُ بِهَا فَأَخَذَهُ بِشِمَالِهِ وَ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِکَ وَ قُتِلَ مَعَهُ أَخُوهُ وَ ابْنَاهُ ثُمَّ أَخَذَ بِخِطَامِ الْجَمَلِ بَعْدَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَ هُوَ یَقُولُ
الجمل، المفید ،ص:349 یَا أُمَّنَا عَائِشُ لَا تُرَاعِی‌کُلُّ بَنِیکَ بَطَلٌ شُجَاعٌ .
فَمَا بَرِحَ حَتَّی قُطِعَتْ یَدَاهُ وَ طُعِنَ فَهَلَکَ فَقَامَ مَقَامَهُ آخَرُ مِنْهُمْ فَقُطِعَتْ یَمِینُهُ وَ ضُرِبَ عَلَی رَأْسِهِ فَهَلَکَ فَمَا زَالَ کُلَّمَا أَخَذَ بِخِطَامِ الْجَمَلِ رَجُلٌ قُطِعَتْ یَدَاهُ أَوْ جُذَّ سَاقُهُ حَتَّی هَلَکَ مِنْهُمْ ثَمَانُمِائَةِ رَجُلٍ وَ قَبْلَ ذَلِکَ قُتِلَ حَوْلَ الْجَمَلِ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَیْشٍ وَ کَانَ آخِرُ مَنْ أَخَذَ بِزِمَامِ الْجَمَلِ رَجُلٌ مِنْ بَنِی ضَبَّةَ فَجَعَلَ یَقُولُ
نَحْنُ بَنُو ضَبَّةَ أَصْحَابُ الْجَمَلِ‌نَنْعَی ابْنَ عَفَّانَ بِأَطْرَافِ الْأَسَلِ
رُدُّوا عَلَیْنَا شَیْخَنَا ثُمَّ بَجَلْ
.
فَبَرَزَ إِلَیْهِ الْأَشْتَرُ وَ هُوَ یَقُولُ
کَیْفَ نَرُدُّ نَعْثَلًا وَ قَدْ قَحَلَ‌سَارَتْ بِهِ أُمُّ الْمَنَایَا وَ رَحَلَ .
وَ ضَرَبَهُ عَلَی هَامَتِهِ فَفَلَقَهَا وَ خَرَّ صَرِیعاً
الجمل، المفید ،ص:350

قصة الأشتر مع ابن الزبیر

فَلَاذَ بِالْجَمَلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَیْرِ وَ تَنَاوَلَ خِطَامَهُ بِیَدِهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ مَنْ هَذَا الَّذِی أَخَذَ بِخِطَامِ جَمَلِی قَالَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ أُخْتِکِ فَقَالَتْ وَا ثُکْلَ أَسْمَاءَ ثُمَّ بَرَزَ الْأَشْتَرُ إِلَیْهِ فَخَلَّی الْخِطَامَ مِنْ یَدِهِ وَ أَقْبَلَ نَحْوَهُ فَقَامَ مَقَامَهُ فِی الْخِطَامِ عَبْدٌ أَسْوَدُ وَ اصْطَرَعَ عَبْدُ اللَّهِ وَ الْأَشْتَرُ فَسَقَطَا إِلَی الْأَرْضِ فَجَعَلَ ابْنُ الزُّبَیْرِ یَقُولُ وَ قَدْ أَخَذَ الْأَشْتَرُ بِعُنُقِهِ اقْتُلُونِی وَ مَالِکاً وَ اقْتُلُوا مَالِکاً مَعِی.
قَالَ الْأَشْتَرُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَیْهِ فَمَا سَرَّنِی إِلَّا قَوْلُهُ مَالِکٌ لَوْ قَالَ الْأَشْتَرَ لَقَتَلُونِی وَ وَ اللَّهِ لَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ حُمْقِ عَبْدِ اللَّهِ إِذْ یُنَادِی بِقَتْلِهِ وَ قَتْلِی وَ مَا کَانَ یَنْفَعُهُ الْمَوْتُ إِنْ قُتِلْتُ وَ قُتِلَ مَعِی وَ لَمْ تَلِدِ امْرَأَةٌ مِنَ النَّخَعِ غَیْرِی فَأَفْرَجْتُ عَنْهُ فَانْهَزَمَ وَ بِهِ ضَرْبَةٌ مُثْخِنَةٌ فِی جَانِبِ وَجْهِهِ.
فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنِ الْجَمَلِ أَشْفَقَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع أَنْ یَعُودَ إِلَیْهِ فَتَعُودَ الْحَرْبُ فَقَالَ «عَرْقِبُوا الْجَمَلَ» فَتَبَادَرَ إِلَیْهِ أَصْحَابُ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَعَرْقَبُوهُ وَ وَقَعَ لِجَنْبِهِ وَ صَاحَتْ عَائِشَةُ صَیْحَةً أَسْمَعَتْ مَنْ فِی الْعَسْکَرَیْنِ.
الجمل، المفید ،ص:351
وَ قَدْ جَاءَتِ الرِّوَایَاتُ مِنْ مُبَارَزَةِ الْقَوْمِ وَ ارْتِجَازِهِمْ بِمَا یَطُولُ شَرْحُهُ وَ إِنَّمَا اقْتَصَرْنَا عَلَی بَعْضِهِ لِلْإِیجَازِ وَ الِاخْتِصَارِ
الجمل، المفید ،ص:352

بشر العامری و حذیفة

وَ فِیمَا کَانَ مِنْ أَمْرِ الْجَمَلِ وَ قَطْعِ أَیْدِی الْآخِذِینَ بِخِطَامِهِ وَ جَذِّ أَقْدَامِهِمْ مَا رَوَاهُ مُسْلِمَةُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ حَدَّثَنِی بِشْرٌ الْعَامِرِیُّ أَقْبَلْتُ مِنْ نَحْوِ الْمَدِینَةِ أُرِیدُ الْکُوفَةَ فِی زَمَنِ عُثْمَانَ فَلَقِیتُ عِلْجاً قَدْ جَعَلَ عَلَی وَجْهِ حِمَارِهِ وَرَقَةً فِیهَا قُرْآنٌ فَأَعْظَمْتُ ذَلِکَ وَ أَخَذْتُ الْعِلْجَ وَ شَتَمْتُهُ فَقَالَ مَا تُرِیدُ مِنِّی قُلْتُ مَا هَذَا الَّذِی صَنَعْتَ وَیْلَکَ تَحْمِلُ عَلَی وَجْهِ حِمَارِکَ وَرَقَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ وَیْحَکَ إِنَّ هَذَا وَ مِثْلَهُ مَطْرُوحٌ عَلَی الْکَنَاسَاتِ وَ الْحُشُوشِ عِنْدَنَا إِنَّ کُتُبَ صَاحِبِکُمْ صَارَتْ تُمَزَّقُ وَ تُلْقَی فِی الْحُشُوشِ قَالَ فَلَقِیتُ حُذَیْفَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ قَدْ فَعَلُوا ذَلِکَ کَأَنِّی بِهِمْ وَ قَدْ سَارُوا بِهَا وَ الَّذِی بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِیّاً وَ الْأَزْدُ وَ ضَبَّةُ قَدْ حَفُّوا بِهَا جَذَّ اللَّهُ أَقْدَامَهُمْ قَالَ فَحَضَرْتُ الْوَقْعَةَ بِالْبَصْرَةِ فَنَظَرْتُ إِلَی الْأَزْدِ وَ ضَبَّةَ وَ تَمِیمٍ حَوْلَ
الجمل، المفید ،ص:353
الْجَمَلِ وَ نَظَرْتُ إِلَی الْأَزْدِ وَ قَدْ قُطِعَتْ أَقْدَامُهُمْ مِنَ الْعَرَاقِیبِ وَ أَسْفَلَ مِنْهَا قَالَ وَ لَمَّا قُتِلَ کَعْبُ بْنُ سُورٍ تَقَدَّمَ غُلَامٌ مِنَ الْحُدَّانِ یُقَالُ لَهُ وَائِلُ بْنُ عُمَرَ وَ هُوَ یَبْکِی وَ یَقُولُ
یَا رَبِّ فَارْحَمْ سَیِّدَ القَبَائِلِ‌کَعْبَ بْنَ سُورٍ غُرَّةَ الْقَنَابِلِ
وَ خَیْرَ حَافٍ مِنْهُمُ وَ نَاعِلٍ‌وَ خَیْرَ مَقْتُولٍ وَ خَیْرَ قَاتِلٍ
یَا کَعْبُ فَلْتُبْشِرْ بِخَیْرٍ کَامِلٍ‌بِنَصْرِکَ الْحَقَّ وَ تَرْکِ الْبَاطِلِ .
فَخَرَجَ إِلَیْهِ رَجُلٌ یُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هَاشِمٍ وَ هُوَ یَقُولُ
لَا رَحِمَ اللَّهُ ابْنَ سُورٍ إِذْ مَضَی‌وَ لَا تَوَلَّاهُ بِعَفْوٍ وَ رِضًی
فَقَدْ قَضَی بِالْجَوْرِ فِیمَا قَدْ قَضَی‌وَ دَانَ بِالْکُفْرِ وَ لَمْ یَعْصِ الْهَوَی
وَ اتَّبَعَ الضَّلَالَ مِنْ أَهْلِ الْعَمَی‌فَصَارَ بِالْفِتْنَةِ مَعَ مَنْ قَدْ هَوَی .
ثُمَّ ضَرَبَ وَائِلَ بْنَ عُمَرَ فَقَتَلَهُ وَ بَرَزَ رَجُلٌ مِنْ بَنِی قُشَیْرٍ یُقَالُ لَهُ خَیْثَمَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَ هُوَ یَقُولُ
نَحْنُ صِحَابُ الْجَمَلِ الْمُکَرَّمِ‌وَ مَانِعُو هَوْدَجِهِ الْمُعَظَّمِ
وَ نَاصِرُو زَوْجِ النَّبِیِّ الْأَکْرَمِ‌ذَلِکَ دِینُ اللَّهِ فِینَا الْأَقْدَمُ .
فَخَرَجَ إِلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ شِیعَةِ عَلِیٍّ ع یُقَالُ لَهُ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ الرَّبَعِیُّ وَ هُوَ یَقُولُ
نَحْنُ مُطِیعُونَ جَمِیعاً لِعَلِیٍ‌إِذْ أَنْتَ سَاعٍ فِی الْفَسَادِ یَا شَقِیُ
الجمل، المفید ،ص:354 إِنَّ الْغَوِیَّ تَابِعٌ أَمْرَ الْغَوِیِ‌قَدْ خَالَفَتْ زَوْجُ النَّبِیِّ لِلنَّبِیِ
وَ خَرَجَتْ مِنْ بَیْتِهَا مَعَ مَنْ هَوِیَ
.
ثُمَّ ضَرَبَ یَدَهُ بِالسَّیْفِ فَقَطَعَهَا وَ وَقَعَ لِجَنْبِهِ وَ رَامَ أَصْحَابُهُ تَخْلِیصَهُ فَازْدَحَمُوا عَلَیْهِ فَوَطِئُوهُ
الجمل، المفید ،ص:355

تحریض أمیر المؤمنین ع ابن الحنفیة علی القتال‌

و
رَوَی الْوَاقِدِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَیْلِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِیَّةِ قَالَ: لَمَّا نَزَلْنَا الْبَصْرَةَ وَ عَسْکَرْنَا بِهَا وَ صَفَفْنَا صُفُوفَنَا دَفَعَ أَبِی عَلِیٌّ ع إِلَیَّ اللِّوَاءَ وَ قَالَ «لَا تُحْدِثَنَّ شَیْئاً حَتَّی یُحْدَثَ فِیکُمْ ثُمَّ نَامَ فَنَالَنَا نَبْلُ الْقَوْمِ فَأَفْزَعَتْهُ فَفَزِعَ وَ هُوَ یَمْسَحُ عَیْنَیْهِ مِنَ النَّوْمِ وَ أَصْحَابُ الْجَمَلِ یَصِیحُونَ یَا ثَارَاتِ عُثْمَانَ فَبَرَزَ ع وَ لَیْسَ عَلَیْهِ إِلَّا قَمِیصٌ وَاحِدٌ ثُمَّ قَالَ «تَقَدَّمْ بِاللِّوَاءِ» فَتَقَدَّمْتُ وَ قُلْتُ یَا أَبَتِ أَ فِی مِثْلِ هَذَا الْیَوْمِ بِقَمِیصٍ وَاحِدٍ فَقَالَ ع:
«أَحْرَزَ أَمْراً أَجَلُهُ وَ اللَّهِ قَاتَلْتُ مَعَ النَّبِیِّ ص وَ أَنَا حَاسِرٌ أَکْثَرَ مِمَّا قَاتَلْتُ وَ أَنَا دَارِعٌ» ثُمَّ دَنَا مِنْ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ فَکَلَّمَهُمَا وَ رَجَعَ وَ هُوَ یَقُولُ «یَأْبَی الْقَوْمُ إِلَّا الْقِتَالَ فَقَاتِلُوهُمْ فَقَدْ بَغَوْا» وَ دَعَا بِدِرْعِهِ الْبَتْرَاءِ وَ لَمْ یَلْبَسْهَا بَعْدَ النَّبِیِّ ص إِلَّا یَوْمَئِذٍ فَکَانَ بَیْنَ کَتِفَیْهِ مِنْهَا وَهْنٌ فَجَاءَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ فِی یَدِهِ شِسْعُ نَعْلٍ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا تُرِیدُ بِهَذَا الشِّسْعِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ
الجمل، المفید ،ص:356
أَرْبِطُ بِهَا مَا قَدْ تَهِی مِنْ هَذَا الدِّرْعِ مِنْ خَلْفِی» فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَ فِی مِثْلِ هَذَا الْیَوْمِ تَلْبَسُ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ ع: «وَ لِمَ» قَالَ أَخَافُ عَلَیْکَ فَقَالَ:
«لَا تَخَفْ أَنْ أُؤْتَی مِنْ وَرَائِی وَ اللَّهِ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا وَلَّیْتُ فِی زَحْفٍ قَطُّ ثُمَّ قَالَ لَهُ: «الْبَسْ یَا ابْنَ عَبَّاسٍ» فَلَبِسَ دِرْعاً سَعْدِیَّةً ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَی الْمَیْمَنَةِ فَقَالَ «احْمِلُوا» ثُمَّ إِلَی الْمَیْسَرَةِ فَقَالَ «احْمِلُوا» وَ جَعَلَ یَدْفَعُ فِی ظَهْرِی وَ یَقُولُ:
«تَقَدَّمْ یَا بُنَیَّ» فَجَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ وَ کَانَتْ إِیَّاهَا حَتَّی انْهَزَمُوا مِنْ کُلِّ وَجْهٍ.
و
رَوَی الْوَاقِدِیُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ شَیْخٍ مِنْ مَشَایِخِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ قَالَ: لَمَّا صَفَّ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع صُفُوفَهُ أَطَالَ الْوُقُوفَ وَ النَّاسُ یَنْتَظِرُونَ أَمْرَهُ فَاشْتَدَّ عَلَیْهِمْ ذَلِکَ فَقَالُوا حَتَّی مَتَی فَصَفَّقَ بِإِحْدَی یَدَیْهِ عَلَی الْأُخْرَی ثُمَّ قَالَ «عِبَادَ اللَّهِ لَا تَعْجَلُوا فَإِنِّی کُنْتُ أَرَی رَسُولَ اللَّهِ ص یَسْتَحِبُّ أَنْ یَحْمِلَ إِذَا هَبَّتِ الرِّیَاحُ» قَالَ فَأَمْهَلَ حَتَّی زَالَتِ الشَّمْسُ وَ صَلَّی رَکْعَتَیْنِ ثُمَّ قَالَ ادْعُوا ابْنِی فَدُعِیَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِیَّةِ فَجَاءَ وَ هُوَ یَوْمَئِذٍ ابْنُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَوَقَفَ بَیْنَ یَدَیْهِ وَ دَعَا بِالرَّایَةِ فَنُصِبَتْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ «أَمَا إِنَّ هَذِهِ الرَّایَةَ لَمْ تُرَدَّ قَطُّ وَ لَا تُرَدُّ أَبَداً وَ إِنِّی وَاضِعُهَا الْیَوْمَ فِی أَهْلِهَا» وَ دَفَعَهَا إِلَی مُحَمَّدٍ وَ قَالَ «تَقَدَّمْ یَا بُنَیَّ» فَلَمَّا رَآهُ الْقَوْمُ قَدْ أَقْبَلَ وَ الرَّایَةُ بَیْنَ یَدَیْهِ تَضَعْضَعُوا فَمَا هُوَ إِلَّا أَنَّ النَّاسَ الْتَقَوْا وَ نَظَرُوا إِلَی غُرَّةِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ وَجَدُوا مَسَّ السِّلَاحِ فَانْهَزَمُوا.
الجمل، المفید ،ص:357
و
رَوَی الْوَاقِدِیُّ قَالَ حَدَّثَنِی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع عَنْ أَبِیهِ قَالَ: لَمَّا سَمِعَ أَبِی أَصْوَاتَ النَّاسِ یَوْمَ الْجَمَلِ وَ قَدِ ارْتَفَعَتْ فَقَالَ لِابْنِهِ مُحَمَّدٍ مَا یَقُولُونَ قَالَ یَقُولُونَ یَا ثَارَاتِ عُثْمَانَ قَالَ فَشَدَّ عَلَیْهِ وَ أَصْحَابُهُ یَهِشُّونَ فِی وَجْهِهِ یَقُولُونَ الشَّمْسُ ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ ارْتَفَعَتْ وَ هُوَ یَقُولُ «الصَّبْرُ أَبْلَغُ فِی الْحُجَّةِ»
الجمل، المفید ،ص:358

خطبة أمیر المؤمنین ع فی حث أصحابه‌

اشارة

ثُمَّ قَامَ خَطِیباً یَتَوَکَّأُ عَلَی قَوْسٍ عَرَبِیَّةٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ ذَکَرَ النَّبِیَّ فَصَلَّی عَلَیْهِ ثُمَّ قَالَ «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْمَوْتَ طَالِبٌ حَثِیثٌ لَا یَفُوتُهُ الْهَارِبُ وَ لَا یُعْجِزُهُ فَاقْدَمُوا وَ لَا تَنْکِلُوا وَ هَذِهِ الْأَصْوَاتُ الَّتِی تَسْمَعُونَهَا مِنْ عَدُوِّکُمْ فَشَلٌ وَ اخْتِلَافٌ إِنَّا کُنَّا نُؤْمَرُ فِی الْحُرُوبِ بِالصَّمْتِ فَعَضُّوا عَلَی النَّوَاجِذِ وَ اصْبِرُوا لِوَقْعِ السُّیُوفِ وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّیْفِ أَهْوَنُ عَلَیَّ مِنْ مَوْتٍ عَلَی الْفِرَاشِ فَقَاتِلُوهُمْ صَابِرِینَ مُحْتَسِبِینَ فَإِنَّ الْکِتَابَ مَعَکُمْ وَ السُّنَّةَ مَعَکُمْ وَ مَنْ کَانَا مَعَهُ فَهُوَ الْقَوِیُّ اصْدُقُوهُمْ بِالضَّرْبِ فَأَیُّ امْرِئٍ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ شَجَاعَةً وَ إِقْدَاماً وَ صَبْراً عِنْدَ اللِّقَاءِ فَلَا یَبْطَرْ بِهِ وَ لَا یَرَی أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَی مَنْ هُوَ دُونَهُ وَ إِنْ رَأَی مِنْ أَخِیهِ فَشَلًا أَوْ ضَعْفاً فَلْیَذُبَّ عَنْهُ کَمَا یَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ»
الجمل، المفید ،ص:359

تأهب أمیر المؤمنین ع للحرب‌

ثُمَّ دَعَا بِدِرْعِهِ فَلَبِسَهُ حَتَّی إِذَا وَقَعَ مَوقِعَهُ مِنْ بَطْنِهِ أَمَرَ ابْنَهُ مُحَمَّداً أَنْ یَحْزِمَهَا بِعِمَامَةٍ ثُمَّ انْتَضَی سَیْفَهُ فَهَزَّهُ حَتَّی رَضِیَ بِهِ وَ غَمَدَهُ وَ تَقَلَّدَهُ وَ النَّاسُ عَلَی صُفُوفِهِمْ وَ أَصْحَابُ الْجَمَلِ قَدْ دَنَوْا فَأَمَرَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع بِتَسْوِیَةِ الصُّفُوفِ حَتَّی إِذَا اعْتَدَلَتْ دَفَعَ الرَّایَةَ إِلَی ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِیَّةِ وَ قَالَ «تَقَدَّمْ بِالرَّایَةِ وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّایَةَ أَمَامَ أَصْحَابِکَ فَکُنْ مُتَقَدِّماً یَلْحَقْکَ مَنْ خَلْفَکَ فَإِنْ کَانَ لِمَنْ یَتَقَدَّمُ مِنْ أَصْحَابِکَ جَوْلَةٌ رَجَعَ إِلَیْکَ» وَ جَعَلَ ع النَّاسَ أَثْلَاثاً مُضَرَ فِی الْقَلْبِ وَ الْیَمَنَ فِی الْمَیْمَنَةِ عَلَیْهِمْ مَالِکٌ الْأَشْتَرُ وَ فِی الْمَیْسَرَةِ عَمَّارَ بْنَ یَاسِرٍ

تأهب أصحاب الجمل للقتال‌

و صف أصحاب الجمل صفوفهم فجعلوا علی حنظلة هلال بن وکیع و علی بنی عمرو من بنی تمیم عمیر بن عبد الله بن مرقد و علی بنی سعد زید بن جبلة بن مرداس و علی بنی ضبة الرباب عمرو بن یثربی و رایة الأزد مع عمرو بن
الجمل، المفید ،ص:360
الأشرف العتکی.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَالْتَقَیْنَا وَ قَدْ عَجَّلَ أَصْحَابُ الْجَمَلِ وَ زَحَفُوا عَلَیْنَا فَصَاحَ أَبِی ع «امْضِ» فَمَضَیْتُ بَیْنَ یَدَیْهِ أَقْطُوا بِالرَّایَةِ قَطْواً وَ تَقَدَّمَ سَرْعَانَ أَصْحَابُنَا فَلَاذَ أَصْحَابُ الْجَمَلِ وَ نَشِبَ الْقِتَالُ وَ اخْتَلَفَتِ السُّیُوفُ وَ أَبِی بَیْنَ کَتِفَیَّ یَقُولُ «یَا بُنَیَّ تَقَدَّمْ!» وَ لَسْتُ أَجِدُ مُتَقَدَّماً وَ هُوَ یَقُولُ تَقَدَّمْ فَقُلْتُ «مَا أَجِدُ مُتَقَدَّماً إِلَّا عَلَی الْأَسِنَّةِ» فَغَضِبَ أَبِی ع وَ قَالَ «أَقُولُ لَکَ تَقَدَّمْ فَتَقُولُ عَلَی الْأَسِنَّةِ ثِقْ یَا بُنَیَّ وَ تَقَدَّمْ بَیْنَ یَدَیَّ عَلَی الْأَسِنَّةِ» وَ تَنَاوَلِ الرَّایَةَ مِنِّی وَ تَقَدَّمَ یُهَرْوِلُ بِهَا فَأَخَذَتْنِی حِدَّةٌ فَلَحِقْتُهُ وَ قُلْتُ أَعْطِنِی الرَّایَةَ فَقَالَ لِی «خُذْهَا» وَ قَدْ عَرَفْتُ مَا وَصَفَ لِی.
ثُمَّ تَقَدَّمَ بَیْنَ یَدَیَّ وَ جَرَّدَ سَیْفَهُ وَ جَعَلَ یَضْرِبُ بِهِ وَ رَأَیْتُهُ وَ قَدْ ضَرَبَ رَجُلًا فَأَبَانَ زَنْدَهُ ثُمَّ قَالَ «الْزَمْ رَایَتَکَ یَا بُنَیَّ فَإِنَّ هَذَا اسْتِکْفَاءٌ» فَرَمَقْتُ لِصَوْتِ أَبِی وَ لَحَظْتُهُ فَإِذَا هُوَ یُورِدُ السَّیْفَ وَ یُصْدِرُهُ وَ لَا أَرَی فِیهِ دَماً وَ إِذَا هُوَ یُسْرِعُ إِصْدَارَهُ فَیَسْبِقُ الدَّمَ وَ أَحْدَقْنَا بِالْجَمَلِ وَ صَارَ الْقِتَالُ حَوْلَهُ وَ اضْطَرَبْنَا أَشَدَّ اضْطِرَابٍ رَآهُ رَاءٍ حَتَّی ظَنَنْتُ أَنَّهُ الْقَتْلُ فَصَاحَ أَبِی ع «یَا ابْنَ أَبِی بَکْرٍ اقْطَعِ الْبِطَانَ»
الجمل، المفید ،ص:361
فَقَطَعَهُ وَ أَلْقَی الْهَوْدَجَ فَکَأَنَّ وَ اللَّهِ الْحَرْبَ جَمْرَةٌ صُبَّ عَلَیْهَا الْمَاءُ.
و
رَوَی الْوَاقِدِیُّ قَالَ ابْنُ جُرَیْجٍ کَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِیَّةِ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ یَحْمِلُ رَایَةَ أَبِیهِ ع یَوْمَ الْجَمَلِ وَ رَأَی مِنْهُ بَعْضَ النُّکُوصِ فَأَخَذَ الرَّایَةَ مِنْهُ قَالَ مُحَمَّدٌ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَدْرَکْتُهُ وَ عَالَجْتُهُ عَلَی أَنْ یَرُدَّهَا فَأَبَی عَلَیَّ طَوِیلًا ثُمَّ رَدَّهَا وَ قَالَ «خُذْهَا وَ أَحْسِنْ حَمْلَهَا وَ تَوَسَّطْ أَصْحَابَکَ وَ لَا تَخْفِضْ عَالِیَهَا» وَ اجْعَلْهَا مُسْتَشْرِفَةً یَرَاهَا أَصْحَابُکَ» فَفَعَلْتُ مَا قَالَ لِی فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ «یَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا أَحْسَنَ مَا حَمَلْتَ الرَّایَةَ الْیَوْمَ» فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع «بَعْدَ مَا ذَا؟!» فَقَالَ عَمَّارٌ مَا الْعِلْمُ إِلَّا بِالتَّعَلُّمِ‌

نهی أمیر المؤمنین ع عن قتل أبی سفیان بن حویطب‌

و
رَوَی إِبْرَاهِیمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ سَعِیدِ بْنِ أَبِی هِنْدٍ قَالَ أَخْبَرَنِی أَصْحَابُنَا مِمَّنْ حَضَرَ الْقِتَالَ یَوْمَ الْبَصْرَةِ أَنَّ عَلِیّاً قَاتَلَ یَوْمَئِذٍ أَشَدَّ الْقِتَالِ وَ سَمِعُوهُ وَ هُوَ یَقُولُ «تَبَارَکَ الَّذِی أَذِنَ لِهَذِهِ السُّیُوفِ تَصْنَعُ مَا تَصْنَعُ» وَ نَظَرَ یَوْمَئِذٍ إِلَی أَبِی سُفْیَانَ بْنِ حُوَیْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّی وَ هُوَ یَسْتَرْجِعُ مِنَ الْخَوْفِ وَ مَا الْتَحَمَ مِنَ الشَّرِّ فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ «انْحَزْ إِلَی أَصْحَابِی وَ لَا تَقْتُلْ نَفْسَکَ وَیْلَکَ» فَانْحَازَ إِلَیْهِمْ إِلَی أَنْ حَمَلَ أَصْحَابُ الْجَمَلِ عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع حَمْلَةً فَإِذَا هُوَ قَدْ صَارَ فِی حَیِّزِهِمْ فَحَمَلَ عَلَیْهِ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ وَ عَلِیٌّ یَصِیحُ «کُفَّ عَنْهُ» وَ الْهَمْدَانِیُّ لَا یَفْهَمُ حَتَّی قَطَعَهُ إِرْباً إِرْباً فَقَالَ ع «یَا وَیْحَهُ إِنْ أَتْلَفَتْهُ السُّیُوفُ وَ قَدْ کَانَ مَقْتَلُهُ إِلَیَّ بَغِیضاً»
الجمل، المفید ،ص:362

حدیث ابن الزبیر عن حرب الجمل‌

و روی ابن أبی الزناد عن هشام بن عروة عن أبیه عن عبد الله بن الزبیر قال:
لم یأخذ بزمام جمل عائشة یوم الجمل أحد إلا قتل و کان کلما جاء إنسان لیأخذ بخطام جملها قالت من أنت؟ حتی أتیتها و کنت آخر من أخذه حین لم أر أحدا یأخذه فقالت من أنت؟ فقلت ابن أختک عبد الله فقالت وا ثکل أسماء فأقبل الأشتر إلی فتواجینا فجعلت أقول اقتلونی و مالکا اقتلوا مالکا معی و جعل یقول اقتلونی و عبد الله فلو قال ابن الزبیر و قلت الأشتر لقتلنا جمیعا فاثقلنی الجراح حتی سقطت و أنا مجروح مطروح فی القتلی فأتانی الأسود بن أبی البختری فوجدنی صریعا فأخذنی بالعرض علی فرسه و سار بی فجعل إذا أبصر إنسانا من أصحاب علی ألقانی و إذا لم یر أحدا حملنی حتی مر به رجل یعرفنی فحمل علیه فأخطأه و أصاب رجل فرسه ثم حملنی و انطلق بی حتی أنزلنی علی رجل من بنی الغبراء له امرأتان تمیمیة و بکریة من شیعة عثمان فغسلت جراحتی و حشتها کافورا فو الله ما فاح منها شی‌ء و جعلت عائشة تسأل عنی فلا تخبر عنی بشی‌ء حتی إذا برئت جراحتی قلت لصاحب منزلی انطلق إلی عائشة و خبرها
الجمل، المفید ،ص:363
بی و إیاک أن یراک محمد بن أبی بکر و قلت له إنه رجل قصیر و وصفته له فانطلق فأخبرها و قال لها إنه قد أمرنی أن لا یرانی محمد بن أبی بکر قالت کلا فانطلق إلی محمد بن أبی بکر فادعه إلی و ذلک بعد هزیمتنا و وضع الحرب أوزارها فانطلق إلیه فدعاه فجاءها فقالت له یا أخی ما تراک فاعلا فی أمر أمرتک به قال ما هو؟ قالت انطلق إلی عبد الله بن الزبیر فجئنی به فجاء محمد إلی موضعی فدخل علی عبد الله فلما رآه خافه و قال ما لک فعل الله بک و فعل! فقال محمد لا تعجل ثم أخبر الخبر قال ابن الزبیر فخرجت معه فتأخر لی عن عجز الفرس فرکبت بین یدیه و جعل یکف ثیابه لا تصیبنی و أنا أؤخر ثیابی عنه لا تصیبه و لم یزل یسیر بی حتی أتینا عائشة فسمعت سب عثمان علانیة فبکیت و قلت لا أقیم ببلد یسب فیه عثمان علانیة فامتنعت منهم و أخذت راحلة من صاحبی فإذا علی البصرة حرس فامتنعت منهم فإذا رجل یحید منی و أحید منه فإذا هو عبد الرحمن بن الحارث فأبصرت رجلا مغلولا لفرسه فقلت هذا و الله فرس الزبیر فأردت قتله فقال عبد الرحمن لا تعجل علیه فإنه لن یفلتنا فإذا هو غلام الزبیر قد أقبل فقلت له أین الزبیر فقال لا أدری فعلمت أن الزبیر قد قتل
الجمل، المفید ،ص:364

تحذیر شباب قریش من الحرب‌

و روی محمد بن عبد الله بن عبید عن عمرو بن دینار عن صفوان قال لما تصاف الناس یوم الجمل صاح صائح من أصحاب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب یا معاشر شباب قریش أراکم قد لججتم و غلبتم علی أمرکم هذا و إنی أنشدکم الله أن تحقنوا دماءکم و لا تقتلوا أنفسکم اتقوا الأشتر النخعی و جندب بن زهیر العامری فإن الأشتر نشر درعه حتی یعفو أثره و إن جندبا یخرم درعه حتی یشمر عنه و فی رایته علامة حمراء فلما التقی الناس أقبل الأشتر و جندب قبال الجمل یرفلان فی السلاح حتی قتلا عبد الرحمن بن عتاب بن أسید و معبد بن زهیر بن خلف بن أمیة و عمد جندب لابن الزبیر فلما عرفه قال أترکک لعائشة.
و روی محمد بن عبد الله بن عبید بن أبی وهب قال قطعت یوم الجمل ید عبد الرحمن و فیها الخاتم فأخذه نسر فطرحه بالیمامة فأخذه أهل الیمامة و اقتلعوا حجره و کان یاقوتا فابتاعه رجل منهم بخمسمائة دینار فقدم به مکة فباعه بربح عظیم.
وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ عُبَیْدِ
الجمل، المفید ،ص:365
اللَّهِ التَّمِیمِیَّ وَ کَانَ قَدْ حَضَرَ الْجَمَلَ یَقُولُ لَمَّا الْتَقَیْنَا وَ اصْطَفَفْنَا نَادَی مُنَادِی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع یَا مَعَاشِرَ قُرَیْشٍ اتَّقُوا اللَّهَ عَلَی أَنْفُسِکُمْ فَإِنِّی أَعْلَمُ أَنَّکُمْ قَدْ خَرَجْتُمْ وَ ظَنَنْتُمْ أَنَّ الْأَمْرَ لَا یَبْلُغُ إِلَی هَذَا فَاللَّهَ اللَّهَ فِی أَنْفُسِکُمْ فَإِنَّ السَّیْفَ لَیْسَ لَهُ بُقْیَا فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ فَانْصَرِفُوا حَتَّی نُحَاکِمَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ وَ إِنْ أَحْبَبْتُمْ فَإِلَیَّ فَإِنَّکُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللَّهِ قَالَ فَاسْتَحْیَیْنَا أَشَدَّ الْحَیَاءِ وَ أَبْصَرْنَا مَا نَحْنُ فِیهِ وَ لَکِنَّ الْحِفَاظَ حَمَلَنَا عَلَی الصَّبْرِ مَعَ عَائِشَةَ حَتَّی قُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنَّا فَوَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَیْتُ أَصْحَابَ عَلِیٍّ ع وَ قَدْ وَصَلُوا إِلَی الْجَمَلِ وَ صَاحَ مِنْهُمْ صَائِحٌ اعْقِرُوهُ فَعَقَرُوهُ فَوَقَعَ
فَنَادَی عَلِیٌّ ع «مَنْ طَرَحَ السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ وَ مَنْ دَخَلَ بَیْتَهُ فَهُوَ آمِنٌ»
فَوَ اللَّهِ مَا رَأَیْتُ أَکْرَمَ عَفْواً مِنْهُ.
و روی سلیمان بن عبد الله بن عویمر الأسلمی قال قال ابن الزبیر إنی لواقف فی یمین رجل من قریش إذ صاح صائح یا معشر قریش أحذرکم الرجلین جندب العامری و الأشتر النخعی قال و سمعت عمارا یقول لأصحابنا ما تریدون و ما تطلبون فنادیناه نطلب بدم عثمان فإن خلیتم بیننا و بین قتلته رجعنا عنکم فقال عمار لو سألتمونا أن ترجعوا عنا بئس الفحل فإنه ألأم الغنم فحلا و شرها لجما ما أعطیناکموه ثم التحم القتال و نادیناهم مکنونا من قتلة عثمان و نرجع عنکم فنادانا عمار قد فعلنا هذه عائشة و طلحة و الزبیر قتلوه عطشا فابدءوا بهم فإذا فرغتم منهم تعالوا إلینا نبذل لکم الحق فأسکت و الله أصحاب الجمل کلهم
الجمل، المفید ،ص:366

سؤال عمار أصحاب الجمل‌

و روی عبد الله بن رباح مولی الأنصار عن عبد الله بن زیاد مولی عثمان بن عفان قال خرج عمار بن یاسر یوم الجمل إلینا فقال-: یا هؤلاء علی أی شی‌ء تقاتلوننا فقلنا نقاتلکم علی أن عثمان قتل مؤمنا فقال عمار نحن نقاتلکم علی أنه قتل کافرا قال و سمعت عمارا یقول و الله لو ضربتمونا حتی نبلغ سعفات هجر لعلمنا أنا علی الحق و أنکم علی الباطل و سمعته یقول و الله ما نزل تأویل هذه الآیة إلا الیوم یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَسَوْفَ یَأْتِی اللَّهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ قال و لما جال الناس تلک الجولة قتل بینهم خلق کثیر و سمعت أصوات السیوف فی الرءوس کأنها مخاریق قال الراوی و الله لقد مررت بعد الوقعة بالبصرة فدنوت من دیر القصارین فسمعت أصوات الثیاب علی الحجارة
الجمل، المفید ،ص:367
فشبهتها بالأصوات التی کانت من السیوف علی الرءوس یومئذ و فی تلک الجولة قتل طریف بن عدی بن حاتم و فقأت عین عدی
الجمل، المفید ،ص:368

خذلان عائشة

وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِینَارٍ قَالَ قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع لِابْنِهِ مُحَمَّدٍ «خُذِ الرَّایَةَ وَ امْضِ» وَ عَلِیٌّ ع خَلْفَهُ فَنَادَاهُ «یَا أَبَا الْقَاسِمِ» فَقَالَ لَبَّیْکَ یَا أَبَتِ فَقَالَ «یَا بُنَیَّ لَا یَسْتَفِزَّکَ مَا تَرَی قَدْ حَمَلْتُ الرَّایَةَ وَ أَنَا أَصْغَرُ مِنْکَ فَمَا اسْتَفَزَّنِی عَدُوِّی وَ ذَلِکَ أَنَّنِی لَمْ أَلْقَ أَحَداً إِلَّا حَدَّثَتْنِی نَفْسِی بِقَتْلِهِ فَحَدِّثْ نَفْسَکَ بِعَوْنِ اللَّهِ بِظُهُورِکَ عَلَیْهِمْ وَ لَا یَخْذُلْکَ ضَعْفُ النَّفْسِ بِالْیَقِینِ فَإِنَّ ذَلِکَ أَشَدُّ الْخِذْلَانِ» قَالَ: فَقُلْتُ: یَا أَبَتِ أَرْجُو أَنْ أَکُونَ کَمَا تُحِبُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ: «فَالْزَمْ رَایَتَکَ فَإِذَا اخْتَلَطَتِ الصُّفُوفُ قِفْ فِی مَکَانِکَ وَ بَیْنَ أَصْحَابِکَ فَإِنْ لَمْ تَرَ أَصْحَابَکَ فَسَیَرَوْنَکَ» قَالَ وَ اللَّهِ إِنِّی لَفِی وَسَطِ أَصْحَابِی فَصَارُوا کُلُّهُمْ خَلْفِی وَ مَا بَیْنِی وَ بَیْنَ الْقَوْمِ أَحَدٌ یَرُدُّهُمْ عَنِّی وَ أَنَا أُرِیدُ أَنْ أَتَقَدَّمَ فِی وُجُوهِ الْقَوْمِ فَمَا شَعَرْتُ إِلَّا بِأَبِی مِنْ خَلْفِی قَدْ جَرَّدَ سَیْفَهُ وَ هُوَ یَقُولُ «لَا تَقَدَّمْ حَتَّی أَکُونَ أَمَامَکَ» فَتَقَدَّمَ عَلَیْهِ السَّلَامُ بَیْنَ یَدَیَّ یُهَرْوِلُ وَ مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَضَرَبُوا الَّذِینَ فِی وَجْهِهِ حَتَّی أَنْهَضُوهُمْ وَ لَحِقْتُهُمْ بِالرَّایَةِ فَوَقَفُوا وَقْفَةً وَ اخْتَلَطَ النَّاسُ وَ رَکَدَتِ السُّیُوفُ سَاعَةً فَنَظَرْتُ إِلَی أَبِی یُفَرِّجُ النَّاسَ یَمِیناً وَ شِمَالًا وَ یَسُوقُهُمْ أَمَامَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَجُولَ فَکَرِهْتُ خِلَافَهُ وَ وَصِیَّتُهُ لِی: لَا تُفَارِقِ الرَّایَةَ حَتَّی انْتَهَی إِلَی الْجَمَلِ وَ حَوْلَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ
الجمل، المفید ،ص:369
مُقَاتِلٍ مِنْ بَنِی ضَبَّةَ وَ الْأَزْدِ وَ تَمِیمٍ وَ غَیْرِهِمْ وَ صَاحَ «اقْطَعُوا الْبِطَانَ» فَأَسْرَعَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَطَعَهُ وَ اطَّلَعَ عَلَی الْهَوْدَجِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ أَبْغَضُ أَهْلِکِ إِلَیْکِ قَالَتْ ابْنُ الْخَثْعَمِیَّةِ قَالَ نَعَمْ وَ لَمْ تَکُنْ دُونَ أُمَّهَاتِکِ قَالَتْ لَعَمْرِی بَلْ هِیَ شَرِیفَةٌ دَعْ عَنْکَ هَذَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی سَلَّمَکَ قَالَ قَدْ کَانَ ذَلِکَ مَا تَکْرَهِینَ قَالَتْ یَا أَخِی لَوْ کَرِهْتُهُ مَا قُلْتُ مَا قُلْتُ قَالَ کُنْتِ تُحِبِّینَ الظَّفَرَ وَ أَنِّی قُتِلْتُ قَالَتْ قَدْ کُنْتُ أُحِبُّ ذَلِکَ لَکِنْ لَمَّا صِرْنَا إِلَی مَا صِرْنَا إِلَیْهِ أَحْبَبْتُ سَلَامَتَکَ لِقَرَابَتِی مِنْکَ فَاکْفُفْ وَ لَا تُعَقِّبِ الْأُمُورَ وَ خُذِ الظَّاهِرَ وَ لَا تَکُنْ لُوَمَةً وَ لَا عُذَلَةً فَإِنَّ أَبَاکَ لَمْ یَکُنْ لُوَمَةً وَ لَا عُذَلَةً قَالَ وَ جَاءَ عَلِیٌّ ع فَقَرَعَ الْهَوْدَجَ بِرُمْحِهِ وَ قَالَ یَا شُقَیْرَاءُ أَ بِهَذَا أَوْصَاکِ رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَتْ یَا ابْنَ أَبِی
الجمل، المفید ،ص:370
طَالِبٍ قَدْ مَلَکْتَ فَأَسْجِحْ.
وَ جَاءَهَا عَمَّارٌ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهَا یَا أُمَّاهْ کَیْفَ رَأَیْتِ ضَرْبَ بَنِیکِ الْیَوْمَ دُونَ دِینِهِمْ بِالسَّیْفِ فَصَمَتَتْ وَ لَمْ تُجِبْهُ وَ جَاءَهَا مَالِکٌ الْأَشْتَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ قَالَ لَهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی نَصَرَ وَلِیَّهُ وَ کَبَتَ عَدُوَّهُ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ کانَ زَهُوقاً فَکَیْفَ رَأَیْتِ صُنْعَ اللَّهِ بِکِ یَا عَائِشَةُ؟ فَقَالَتْ مَنْ أَنْتَ؟ ثَکِلَتْکَ أُمُّکَ فَقَالَ أَنَا ابْنُکِ الْأَشْتَرُ قَالَتْ کَذَبْتَ لَسْتُ بِأُمِّکَ قَالَ بَلَی وَ إِنْ کَرِهْتِ فَقَالَتْ أَنْتَ الَّذِی أَرَدْتَ أَنْ تُثْکِلَ أُخْتِی أَسْمَاءَ بِابْنِهَا فَقَالَ الْمَعْذِرَةُ إِلَی اللَّهِ ثُمَّ إِلَیْکِ وَ اللَّهِ إِنِّی لَوْ لَا کُنْتُ طَاوِیاً ثَلَاثَةً لَأَرَحْتُکِ مِنْهُ وَ أَنْشَأَ یَقُولُ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَی الرَّسُولِ
أَ عَائِشُ لَوْ لَا أَنَّنِی کُنْتُ طَاوِیاًثَلَاثاً لَغَادَرْتِ ابْنَ أُخْتِکِ هَالِکاً
غَدَاةً یُنَادِی وَ الرِّمَاحُ تَنُوشُهُ‌بِآخِرِ صَوْتٍ اقْتُلُونِی وَ مَالِکاً فَبَکَتْ وَ قَالَتْ فَخَرْتُمْ وَ غَلَبْتُمْ وَ کانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً.
وَ نَادَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع مُحَمَّداً فَقَالَ: «سَلْهَا هَلْ وَصَلَ إِلَیْهَا شَیْ‌ءٌ مِنَ
الجمل، المفید ،ص:371
الرِّمَاحِ وَ السِّهَامِ فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ نَعَمْ وَصَلَ إِلَیَّ سَهْمٌ خَدَشَ رَأْسِی وَ سَلِمْتُ مِنْهُ یَحْکُمُ اللَّهُ بَیْنِی وَ بَیْنَکُمْ فَقَالَ مُحَمَّدٌ وَ اللَّهِ لَیَحْکُمَنَّ اللَّهُ عَلَیْکِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ مَا کَانَ بَیْنَکِ وَ بَیْنَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع حَتَّی تَخْرُجِی عَلَیْهِ وَ تُؤَلِّبِی النَّاسَ عَلَی قِتَالِهِ وَ تَنْبُذِی کِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظَهْرِکِ فَقَالَتْ دَعْنَا یَا مُحَمَّدُ وَ قُلْ لِصَاحِبِکَ یَحْرُسْنِی قَالَ وَ الْهَوْدَجُ کَالْقُنْفُذِ مِنَ النَّبْلِ فَرَجَعْتُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا جَرَی بَیْنِی وَ بَیْنَهَا وَ مَا قُلْتُ وَ مَا قَالَتْ فَقَالَ ع: «هِیَ امْرَأَةٌ وَ النِّسَاءُ ضِعَافُ الْعُقُولِ تَوَلَّ أَمْرَهَا وَ احْمِلْهَا إِلَی دَارِ بَنِی خَلَفٍ حَتَّی نَنْظُرَ فِی أَمْرِهَا فَحَمَلْتُهَا إِلَی الْمَوْضِعِ وَ إِنَّ لِسَانَهَا لَا یَفْتُرُ عَنِ السَّبِّ لِی وَ لِعَلِیٍّ ع وَ التَّرَحُّمِ عَلَی أَصْحَابِ الْجَمَلِ
الجمل، المفید ،ص:373

حدیث معاذ بن عبید الله عن حرب الجمل‌

وَ رَوَی الْوَاقِدِیُّ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عُبَیْدِ اللَّهِ التَّمِیمِیِّ قَالَ لَمَّا قَدِمْنَا الْبَصْرَةَ مَعَ عَائِشَةَ وَ أَقَمْنَا مَا أَقَمْنَا نَدْعُو النَّاسَ إِلَی نُصْرَتِنَا وَ الْقِیَامِ مَعَنَا فَالْقَابِلُ لِمَا نَدْعُو إِلَیْهِ وَ الْآبِی لَهُ وَ نَحْنُ عَلَی مَا نَحْنُ عَلَیْهِ نَقُولُ لَا نُقَاتِلُ ابْنَ أَبِی طَالِبٍ أَبَداً إِلَی أَنْ قِیلَ قَدْ نَزَلَ عَلِیٌّ فَمَا أَدْرِی مَتَی نَشِبَتِ الْحَرْبُ أَنْشَبَهَا الصِّبْیَانُ وَ أَوْقَدَهَا الْعَبِیدُ وَ إِذَا الْجَمَلُ رَحَلَ وَ النَّاسُ یَهْوَوْنَ إِلَی الْقِتَالِ وَ إِذَا عَسْکَرُ عَلِیٍّ قَدْ تَحَرَّکَ فَبَادَرَ أَصْحَابُنَا فَرَمَوْا وَ جَلَبُوا وَ صَیَّحُوا وَ أَکْثَرُوا فَسَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ هَذَا أَوَّلُ الْفَشَلِ وَ عَلِیٌّ ع وَ عَسْکَرُهُ لَا یَنْسِبُونَ ثُمَّ صَفَّ عَلِیٌّ ع أَصْحَابَهُ وَ وَلَّی الرَّایَاتِ مَوَاضِعَهَا وَ أَعْطَی ابْنَهُ مُحَمَّداً الرَّایَةَ الْعُظْمَی رَایَةً بَیْضَاءَ تَمْلَأُ الرُّمْحَ ثُمَّ وَقَفَ عَلِیٌّ ع فِی الْقَلْبِ وَ حَمَلَ
الجمل، المفید ،ص:374
سَرْعَانَ الْمَیْمَنَةَ وَ الْمَیْسَرَةَ وَ حَمَلَ سَرْعَانَ الْقَلْبَ
فَأَسْمَعُ عَلِیّاً یُنَادِی ابْنَهُ «تَقَدَّمْ بِالرَّایَةِ وَ تَوَسَّطِ الْقَلْبَ فَیُنْکَرَ مَنْ تَقَدَّمَکَ فَإِنْ جَالُوا أَوْ دَفَعُوا یَلْحَقْکَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْکَ وَ کَانَ خَلْفَکَ» ثُمَّ سَمِعْتُهُ یَقُولُ «أَصْحَابُکَ أَمَامَکَ تَقَدَّمْ تَقَدَّمْ» وَ تَقَدَّمَ عَلِیٌّ وَ الرَّایَةُ بَیْنَ کَتِفَیْهِ وَ جَرَّدَ سَیْفَهُ وَ ضَرَبَ رَجُلًا فَأَبَانَ زَنْدَهُ ثُمَّ انْتَهَی إِلَی الْجَمَلِ وَ قَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ وَ اخْتَلَطُوا وَ أَحْدَقُوا بِهِ مِنْ کُلِّ جَانِبٍ وَ نَاحِیَةٍ وَ اسْتَجَنَّ النَّاسُ تَحْتَ بِطَانِ الْجَمَلِ فَأَنْظُرُ وَ اللَّهِ إِلَی عَلِیٍّ ع یَصِیحُ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ «اقْطَعِ الْبِطَانَ» وَ أَرَی عَلِیّاً قَدْ قَتَلَ مِمَّنْ أَخَذَ بِخِطَامِ الْجَمَلِ عَشَرَةً بِیَدِهِ وَ کُلَّمَا قَتَلَ رَجُلًا مَسَحَ سَیْفَهُ بِثِیَابِهِ ثُمَّ جَاوَزَهُ حَتَّی صِرْنَا فِی أَیْدِیهِمْ کَأَنَّنَا غَنَمٌ نُسَاقُ فَانْصَرَمْنَا حِینَئِذٍ أَمْرُنَا وَ تَلَاوَمْنَا وَ نَدِمْنَا الجمل، المفید 375 حدیث عبد الرحمن بن الحارث عن حرب الجمل ..... ص : 375
الجمل، المفید ،ص:375

حدیث عبد الرحمن بن الحارث عن حرب الجمل‌

و روی الواقدی قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبید عن عکرمة بن خالد قال قال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام کنت أنا و الأسود بن أبی البختری و عبد الله بن الزبیر قد تواعدنا و تعاهدنا بالبصرة لئن لقینا القوم لنموتن أو لنقتلن علیا و علی و أصحابه لم یکونوا عدلوا صفوفهم ثم نظرنا إلیهم و قد عدلوا صفوفهم میمنة و میسرة قال عبد الرحمن کنت واقفا عند عبد الله بن الزبیر و الأسود بن البختری فقلت ما وراءکما قالا نحن علی ما کنا علیه إلی أن مالت میمنتهم علی میسرتنا فهزمتهم و مالت میسرتهم علی میمنتنا ففعلوا مثل ذلک و رأیت علیا وراء ابنه محمد و قد تقدم یحمل علما أسود عظیما و علی شاهر سیفه فلقی رجلا من ضبة فقتله ثم ضرب آخر فقتله ثم خلص إلینا و وقف عند الرجلین فلاذ کل منّا بصاحبه و جعل الأسود یقول هل من مهرب و تقدم ابن الزبیر فأخذ بخطام الجمل فکان آخر من أخذه فأنظر إلی علی قد انتهی إلی الجمل و سیفه یرعف دما و هو واضعه علی عاتقه و هو
یَصِیحُ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِی بَکْرٍ «اقْطَعِ الْبِطَانَ»
فکانت الهزیمة و لم نر أمثل من لزوم السواد الأکبر فلما انهزمنا خرجنا خائفین من مسالح علی فما زلنا نخاف الطلب حتی سرنا مراحل
الجمل، المفید ،ص:376

هودج عائشة

و روی الواقدی عن ابن الزبیر قال خرجت عائشة یوم البصرة علی جملها عسکر و قد اتخذت علیه خدرا و دقته بالدروع خشیة أن یخلص إلیها النبل و سار إلیهم علی بن أبی طالب حتی التقوا و اقتتلوا قتالا شدیدا و أخذ بخطام الجمل یومئذ سبعون رجلا من قریش کلهم قتل و جرح مروان بن الحکم و عبد الله بن الزبیر و رأیتهما جریحین فلما قتلت تلک العصابة من قریش أخذ رجال کثیر من بنی ضبة بخطام الجمل فقتلوا عن آخرهم و لم یأخذ بخطامه أحد إلا قتل حتی غرق الجمل بدماء القتلی و تقدم محمد بن أبی بکر فقطع بطان الجمل و حمل الخدر و معه أصحابه و فیه عائشة حتی أنزلوها بعض دور البصرة و ولی الزبیر منهزما فأدرکه ابن جرموز فقتله و لما رأی مروان توجه الأمر علی أصحاب الجمل نظر إلی طلحة و هو یرید الهرب فقال و الله لا یفوتنی ثاری من عثمان فرماه بسهم قطع أکحله فسقط بدمه و حمل من موضعه و هو یقول إنا لله هذا سهم لم یأتنی من بعد ما أراه إلا من
الجمل، المفید ،ص:377
معسکرنا و الله ما رأیت مصرع شیخ أضیع من مصرعی ثم لم یلبث أن هلک.
و روی الواقدی أیضا عن موسی بن عبد الله عن الحسین بن عطیة عن أبیه قال شهدت الجمل مع علی ع فلقد رأیت جمل عائشة و علیه هودجها و علیه دروع الحدید ثم لقد رأیت فیه من النبل و النشاب أمرا عظیما ثم عقر فما سمعت کصوته شیئا قط و نادی أصحاب علی ع علیکم الجمل فاعقروه فشدت علیه رجال فعقروه فوقع لجنبه.
و روی یزید بن أبی زیاد عن عبد الرحمن بن أبی لیلی قال نظرت الهودج یوم الجمل و هو کأنه قنفذ من النشاب و النبل.
و روی ابن أبی سبرة عن علقمة بن أبی علقمة عن أبیه قال جعلنا الهودج من خشب فیه مسامیر الحدید و فوقه دروع من حدید و فوقها طیالسة من خز أخضر و فوق ذلک أدم أحمر و جعلنا لعائشة منه منظر العین فما أغنی ذلک عنها من القوم
الجمل، المفید ،ص:378

حدیث عائشة عن حرب الجمل‌

و روی الواقدی عن رجاله العثمانیة عن عائشة فی ذکر الحال و هزیمة القوم فی الحرب و شرح الصورة و رأیها فیما کان من ذلک فقال حدثنا محمد بن حمید عن حمیدة بنت عبید بن رفاعة عن أمها کبشة بنت کعب قالت کان أبی لقی علی عثمان حزنا عظیما و بکاه و لم یمنعه من الخروج إلا أن بصره ذهب و لم یبایع علیا و لم یقربه بغضا له و مقتا و خرج علی ع من المدینة فلما قدمت عائشة منصرفة من البصرة جاءها أبی فسلم علی الباب ثم دخل و بینها و بینه حجاب فذکرت له بعض أمر و لم تشرحه له فلما أمسینا بعثنا إلی عائشة و استأذنا علیها فأذنت لنا قالت کبشة فدخلت فی نسوة من الأنصار فحدثتنا بمخرجها و أنها لا تظن الأمر یبلغ إلی ما بلغ.
ثم قالت لقد عمل لی علی هودج جملی ثم ألبس الحدید و دخلت فیه و قمت فی وسط من الناس أدعو إلی الصلح و إلی کتاب الله و السنة فلیس أحد یسمع من کلامی حرفا و عجل من لقینا بالقتال فرموا النبل و صرعتهم القوم فلا أدرک حتی قتل من أصحاب علی رجل أو رجلان ثم تقارب الناس و لحم الشر و صار القوم لیس لهم همة إلا جملی و لقد دخلت علی سهام فجرحتنی فأخرجت ذراعها و أرتنا جرحا علی عضدها فبکت و أبکتنا قالت: و جعل کلما أخذ رجل بخطام جملی قتل
الجمل، المفید ،ص:379
حتی أخذه ابن أختی عبد الله فصحت به و ناشدته بالرحم أن یتجافانی فقال:
یا أماه هو الموت یقتل الرجل و هو عظیم الغنی عن أصحاب علی نیته خیر من أن یدرک و قد فارقته نیته فصحت وا ثکل أسماء فقال: یا أماه الزمی الصمت و قد لحم ما ترین! فأمسکت و کان ممن معنا فتیان أحداث من قریش و کان لا علم لهم بالحرب و لم یشهدوا قتالا فکانوا جزرا للقوم فإنا لعلی ما نحن فیه و قد کان الناس کلهم حول جملی فاسکتوا ساعة فقلت خیر أم شر؟ إن سکوتکم ضرس القتال فإذا ابن أبی طالب أنظر إلیه یباشر القتال بنفسه و أسمعه یصیح الجمل الجمل فقلت أراد و الله قتلی فإذا هو قد دنا منه و معه محمد بن أبی بکر أخی و معاذ بن عبید الله التمیمی و عمار بن یاسر و قطعوا البطان و احتملوا الهودج فهو علی أیدی الرجال یرفلون به إذ تفرق من کان معنا فلم أحس لهم خبرا و نادی منادی علی بن أبی طالب لا یتبع مدبر و لا یجهز علی جریح و من طرح السلاح فهو آمن فرجعت إلی الناس أرواحهم فمشوا علی الناس و استحیوا من السعی فأدخلت منزل عبد الله بن خلف الخزاعی و هو و الله منزل رجل قد قتل و أهله مستعبرون علیه و دخل معی کل من خاف علیا ممن نصب له و احتمل ابن أختی عبد الله جریحا فو الله إنی لعلی ما أنا علیه و أنا أسأل ما فعل أبو محمد طلحة إذ قال
الجمل، المفید ،ص:380
قائل قتل فقلت ما فعل أبو سلیمان فقیل قد قتل فلقد رأیتنی تلک الساعة جمدت عینای فانقطعت من الحزن و أکثرت الاسترجاع و الندامة و ذکرت من قتل فبکیت لقتلهم فنحن علی ما نحن علیه و أنا أسأل عن عبد الله فقیل لی قتل فازددت هما و غما حتی کاد ینصدع قلبی فو الله لقد بقیت ثلاثة أیام بلیالیهن ما دخل فمی طعام و لا شراب و إنی عند قوم ما یقصرون فی ضیافتی و إن الخبز فی منازلهم لکثیر و لکنی أذهب أعالج الشبع من الطعام فما أقدر فنعوذ بالله من الفتنة! و لقد کنت ألبت علی عثمان حتی نیل منه ما نیل فلما قتل ندمت و علمت أن المسلمین لا یستخلفون مثله أبدا کان و الله أجلهم حلما و أعبدهم عبادة و أبذلهم عند النائبة و أوصلهم للرحم.
قالت کبشة بنت کعب فرجعت إلی أبی فقال ما حدثتکم به عائشة فأخبرته بما قالت فقال یرحم الله عائشة و یرحم الله أمیر المؤمنین عثمان هی کانت أشد الناس علیه و لقد نزعت و تابت و أرادت أن تأخذ بثأره فجاء خلاف ما أرادت فرحمهم الله جمیعا ثم قال رحم الله عمر بن الخطاب کان و الله یری هذا کله قال یوما إن کان یصیر اختلاف فإنما یکون بینکم و إن کان بینکم دخل علیکم ما تکرهون
الجمل، المفید ،ص:381

حدیث مروان عن هزیمة أصحاب الجمل‌

و روی الواقدی قال حدثنا محمد بن نجار عن عائشة بنت سعد قالت اشتکی أبی فدخل علیه مروان بن الحکم یعوده فذکر عائشة فقال مروان یا أبا إسحاق لقد حضرت أمورا فاعتزلت عنها یوم الدار و حصرتها فقاتلت عن أمامی حتی وقعت جریحا ثم حضرت الجمل و إنی لأنظر إلی هودج عائشة و علیه دروع الحدید و قد انهزم الناس و ما أخذ بخطام الجمل أحد إلا مات فقال له أبی و هو یبکی و عمار وسطها فقال مروان إی و الله فبکی أبی ثم قال خرجت یومئذ فحملت جریحا فلم أر یوما أسرع انکشافا من یوم الجمل فقال له أبی ما أحب أن حضرت الدار آمرا و لا ناهیا و لا أحب أن حضرت الجمل آمرا و لا ناهیا ثم خرج مروان و جعل أبی یبکی و یقول لیت شعری ما لقی عمار و أصحابه و أمثاله من أصحابنا رحمهم الله و أسکنهم الجنة.
و روی ابن أبی سبرة عن علقمة عن أمه قالت سمعت عائشة تقول لقد رأیتنی یوم الجمل و أن علی هودجی دروع الحدید و النبل یخلص إلی منها و أنا فی الهودج فهون علی ذلک ما صنعنا بعثمان و ألبنا علیه حتی قتلناه و جرینا علیه الغواة فنعوذ بالله من الفرقة بین المسلمین
الجمل، المفید ،ص:382

حدیث حبة العرنی عن حرب الجمل‌

وَ رَوَی مَنْصُورُ بْنُ أَبِی الْأَسْوَدِ عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِیِّ قَالَ وَ اللَّهِ إِنِّی لَأَنْظُرُ إِلَی الرَّجُلِ الَّذِی ضَرَبَ الْجَمَلَ ضَرْبَةً عَلَی عَجُزِهِ فَسَقَطَ لِجَنْبِهِ فَکَأَنِّی أَسْمَعُ عَجِیجَ الْجَمَلِ وَ مَا سَمِعْتُ قَطُّ عَجِیجاً أَشَدَّ مِنْهُ قَالَ وَ لَمَّا عُقِرَ الْجَمَلُ انْقَطَعَ بِطَانُ الْهَوْدَجِ فَزَالَ عَنْ ظَهْرِ الْجَمَلِ فَانْفَضَّ أَهْلُ الْبَصْرَةِ مُنْهَزِمِینَ وَ جَعَلَ عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ وَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی بَکْرٍ یَقْطَعَانِ الْحُقُبَ وَ الْأَنْسَاعَ وَ احْتَمَلَاهُ أَیِ الْهَوْدَجَ فَوَضَعَاهُ عَلَی الْأَرْضِ
فَأَقْبَلَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ حَتَّی وَقَفَ عَلَیْهَا وَ هِیَ فِی هَوْدَجِهَا فَقَرَعَ الْهَوْدَجَ بِالرُّمْحِ وَ قَالَ «یَا حُمَیْرَاءُ أَ رَسُولُ اللَّهِ أَمَرَکِ بِهَذَا الْمَسِیرِ» وَ نَادَی عَمَّارُ بْنُ یَاسِرٍ یَوْمَئِذٍ «لَا تُجْهِزُوا عَلَی جَرِیحٍ وَ لَا تُتْبِعُوا مُوَلِّیاً» وَ أُسِرَ یَوْمَئِذٍ سَعِیدٌ وَ أَبَانٌ ابْنَا عُثْمَانَ فَجِی‌ءَ بِهِمَا إِلَی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ ع فَلَمَّا وَقَفَا بَیْنَ یَدَیْهِ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ-: اقْتُلْهُمَا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ عَلِیٌّ ع: «بِئْسَ مَا قُلْتُمْ آمَنْتُ النَّاسَ کُلَّهُمْ وَ أَقْتُلُ هَذَیْنِ الرَّجُلَیْنِ» ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَیْهِمَا وَ قَالَ لَهُمَا: «ارْجِعَا عَنْ غَیِّکُمَا وَ انْزِعَا وَ انْطَلِقَا حَیْثُ شِئْتُمَا فَإِنْ أَحْبَبْتُمَا فَأَقِیمَا عِنْدِی أَصِلْ أَرْحَامَکُمَا» فَقَالا: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ نَحْنُ نُبَایِعُ وَ نَنْصَرِفُ فَبَایَعَا وَ انْصَرَفَا
الجمل، المفید ،ص:383

[فصل فی] باب ذکر مقتل طلحة بن عبید الله‌

رَوَی إِسْمَاعِیلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِکِ عَنْ یَحْیَی بْنِ شِبْلٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ ع قَالَ: حَدَّثَنِی أَبِی عَلِیٌّ زَیْنُ الْعَابِدِینَ ع قَالَ قَالَ لِی مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ لَمَّا رَأَیْتُ النَّاسَ یَوْمَ الْجَمَلِ قَدِ انْکَشَفُوا قُلْتُ: وَ اللَّهِ لَأُدْرِکَنَّ ثَارِی وَ لَأَفُوزَنَّ بِهِ الْآنَ فَرَمَیْتُ طَلْحَةَ فَأَصَبْتُ نَسَاهُ فَجَعَلَ الدَّمُ لَا یَرْقَأُ فَرَمَیْتُ ثَانِیَةً فَجَاءَتْ بِهِ فَأَخَذُوهُ حَتَّی وَضَعُوهُ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَبَقِیَ تَحْتَهَا یُنْزَفُ الدَّمُ حَتَّی مَاتَ
. و روی ابن أبی سلیمان عن ابن خیثمة قال قال عبد الملک بن مروان یوما و قد ذکر عثمان و قتلته و طلحة و لو لا أن أبی قتله لم یزل فی قلبی جرح منه إلی الیوم و قال عبد الملک سمعت أبی یقول: نظرت إلی طلحة یوم الجمل و علیه درع و مغفر لم أر منه إلا عینیه فقلت کیف لی به فنظرت إلی فتق فی درعه فرمیته فأصبت نساه فقطعته فإنی أنظر إلی مولی له یحمله علی ظهره مولیا فلم یلبث أن مات.
الجمل، المفید ،ص:384
و روی عبد الحمید بن عمران عن ابن کعب القرظی عن رواح بن الحارث عن عمیر قال لقیت طلحة بن عبید الله فقلت له یا أبا محمد ما أخرجک إلی هاهنا أ لم تبایع علیا بالمدینة طائعا غیر مکره قال دعنی و الله ما بایعته إلا و اللج علی عنقی فلما التقی الناس یوم الجمل جاءه سهم غرب قطع نساه فنزف الدم حتی مات.
و روی أبو سهل عن الحسن قال: لما رمی طلحة رکب بغلا و قال لغلامه-:
التمس لی مکانا أدخل فیه فقال الغلام: ما أدری أین أدخلک فقال طلحة ما رأیت کالیوم أضیع من دم شیخ مثلی قال الحسن وَ کانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً.
و روی علی بن زید بن جدعان قال لما بلغ طلحة أن الزبیر قد اندفع ذهب فی طلبه و قد التقی و هم لا یعلمون برجوع الزبیر فمر مروان بن الحکم فرآه فقال لا أطلب ثاری بدم عثمان بعد الیوم و الله و قاتل عثمان بین أعجاز الإبل و صدورها ثم رماه بسهم فقتله.
و روی سفیان بن عیینة عن أبی موسی عن الحسن بن أبی الحسن قال خرج
الجمل، المفید ،ص:385
طلحة بن عبید الله من رساتیق أقطعه إیاها عثمان بن عفان أن کان بعضها ینیخ به ألف راکب ثم یروحون فلم یعرف له ذلک حتی سعی فی دمه فلما کان یوم البصرة خرج للقتال و قد لبس درعا استجن بها من السهام إذ أتاه سهم فأصابه وَ کانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً و رأیته یقول حین أصابه السهم ما رأیت کالیوم مصرع شیخ أضیع من مصرعی قال الحسن و قد کان له قبل ذلک جهاد مع رسول الله و وقاه بیده فضیع أمر نفسه و لقد رأیت قبره مأوی السقاءین فیضع عنده أحدهم قربته ثم یقضی حاجته فما رأیت أعجب من هؤلاء القوم و أما الزبیر فإنه أتی حیا من أحیاء العرب فقال أجیرونی و قد کان قبل ذلک یجیر و لا یجار علیه ثم قال الحسن و ما الذی أخافک و الله ما أخافک إلا ابنک قال فاتبعه ابن جرموز فی تلول من أتالیل العرب و الله ما رأیت مثله أحدا قط فضاع دمه و هذا قبره بوادی السباع مخراة الثعالب خرجا و لما خرجا لم یدرکا ما طلبا و لم یرجعا إلی ما ترکا فعز علی هذه الشقوة التی کتبت علیهما.
و روی قیس بن أبی حازم قال رمی طلحة بسهم فی رکبتیه فجعل یعدو و الدم یفور فإذا أمسکوا رأس الجرح انتفخت رکبته فصاح دعوه فإنه سهم أرسله الله فلم یزل الدم ینزف حتی مات فدفنوه علی شاطئ الفرات فرأی بعض الناس فی
الجمل، المفید ،ص:386
النوم طلحة یقول أریحونی من هذا الماء فإنی منه فی أذی شدید رأی الرجل تلک الرؤیا ثلاث لیال فنبشوه فإذا قبره قد اخضر کأنه السلق فاستخرجوه فأخذ ما یلی الأرض من لحیته و وجهه قد أکلته الأرض فاشتریت له دار من دور آل بکر بعشرة آلاف درهم فدفن فیها.
فهذه الأخبار جملة مختصرة صحیحة فی قتل طلحة بن عبید الله طریقها من العامة من أوضح طریق و أسنادها أصح أسانید و لیس بین الأمة فیها اختلاف و کل یدل علی أن طلحة قتل و هو مصر علی الحرب غیر نادم و لا مرعوّ و کل غیر وفاق لمذهب الحشویة و خلاف علی مذهب المعتزلة و شاهد ببطلان ما ادعوه من توبته
الجمل، المفید ،ص:387

[فصل فی] باب ذکر مقتل الزبیر بن العوام‌

رَوَی الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ یَزِیدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ قَالَ هَرَبَ الزُّبَیْرُ عَلَی فَرَسٍ لَهُ یُدْعَی بِذِی الْخِمَارِ حَتَّی وَقَعَ بِسَفَوَانَ فَمَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِیدٍ الْمُجَاشِعِیِّ وَ ابْنِ مُطَرِّحٍ السَّعْدِیِّ فَقَالا لَهُ یَا حَوَارِیَّ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنْتَ فِی ذِمَّتِنَا لَا یَصِلُ إِلَیْکَ أَحَدٌ فَأَقْبَلَ مَعَهُمَا فَهُوَ یَسِیرُ مَعَ الرَّجُلَیْنِ إِذْ أُتِیَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَیْسٍ بِرَجُلٍ فَقَالَ لَهُ أُرِیدُ أَنْ أُسِرَّ إِلَیْکَ سِرّاً فَقَالَ ادْنُ مِنِّی فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ هَذَا الزُّبَیْرُ قَدْ هَرَبَ وَ إِنِّی رَأَیْتُهُ بَیْنَ رَجُلَیْنِ مِنْ بَنِی مُجَاشِعٍ وَ مِنْقَرٍ أَظُنُّهُ یُرِیدُ التَّوَجُّهَ إِلَی الْمَدِینَةِ فَرَفَعَ الْأَحْنَفُ صَوْتَهُ وَ قَالَ مَا أَصْنَعُ إِنْ کَانَ الزُّبَیْرُ أَلْقَی
الجمل، المفید ،ص:388
الْفِتْنَةَ بَیْنَ الْمُسْلِمِینَ حَتَّی ضَرَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ثُمَّ هُوَ یُرِیدُ أَنْ یَرْجِعَ إِلَی أَهْلِهِ بِالْمَدِینَةِ سَالِماً فَسَمِعَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ فَنَهَضَ وَ مَعَهُ رَجُلٌ یُقَالُ لَهُ فَضَالَةُ بْنُ حَابِسٍ وَ عَلِمَا أَنَّ الْأَحْنَفَ إِنَّمَا رَفَعَ صَوْتَهُ بِذِکْرِ الزُّبَیْرِ لِکَرَاهَتِهِ أَنْ یَسْلَمَ وَ إِیثَارِهِ أَنْ یُقْتَلَ فَاتَّبَعَاهُ جَمِیعاً فَلَمَّا رَآهُمَا مَنْ کَانَ مَعَ الزُّبَیْرِ قَالُوا لَهُ هَذَا ابْنُ جُرْمُوزٍ وَ إِنَّا نَخَافُهُ عَلَیْکَ فَقَالَ لَهُمُ الزُّبَیْرُ أَنَا أَکْفِیکُمُ ابْنَ جُرْمُوزٍ فَاکْفُونِی ابْنَ حَابِسٍ فَحَمَلَ عَمْرٌو عَلَی الزُّبَیْرِ فَعَطَفَ عَلَیْهِ فَقَالَ یَا فَضَالَةُ أَعِنِّی فَإِنَّ الرَّجُلَ قَاتِلِی فَأَعَانَهُ وَ حَمَلَ ابْنُ جُرْمُوزٍ فَقَتَلَهُ وَ اجْتَزَّ رَأْسَهُ وَ أَتَی بِهِ إِلَی الْأَحْنَفِ فَبَعَثَهُ الْأَحْنَفُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَلَمَّا رَآهُ الْعَسْکَرُ أَنْکَرُوهُ وَ قَالُوا لَهُ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا رَسُولُ الْأَحْنَفِ بْنِ قَیْسٍ فَمِنْ قَائِلٍ یَقُولُ مَرْحَباً بِکَ وَ بِمَنْ جِئْتَ مِنْ عِنْدِهِ وَ مِنْ قَائِلٍ یَقُولُ لَا مَرْحَباً بِکَ وَ لَا بِمَنْ جِئْتَ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّی انْتَهَی إِلَی فُسْطَاطِ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَخَرَجَ إِلَیْهِ رَجُلٌ ضَخْمٌ طُوَالٌ عَلَیْهِ دِرْعٌ یَتَجَسَّسُ فَإِذَا هُوَ الْأَشْتَرُ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا رَسُولُ الْأَحْنَفِ قَالَ مَکَانَکَ حَتَّی أَسْتَأْذِنَ لَکَ فَاسْتَأْذَنَ لَهُ فَدَخَلَ وَ
أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع مُتَّکِئٌ وَ بَیْنَ یَدَیْهِ تُرْسٌ عَلَیْهِ أَقْرَاصٌ مِنْ طَعَامِ الشَّعِیرِ فَسَلَّمَ عَلَیْهِ وَ هَنَّأَهُ بِالْفَتْحِ عَنِ الْأَحْنَفِ فَقَالَ: أَنَا رَسُولُهُ إِلَیْکَ وَ قَدْ قَتَلْتُ الزُّبَیْرَ وَ هَذَا رَأْسُهُ وَ سَیْفُهُ فَأَلْقَاهُمَا بَیْنَ یَدَیْهِ فَقَالَ ع: «کَیْفَ قَتَلْتَهُ» وَ مَا کَانَ مِنْ أَمْرِهِ فَحَدَّثْتُهُ کَیْفَ صَنَعْتُ بِهِ فَقَالَ: «نَاوِلْنِی سَیْفَهُ» فَنَاوَلْتُهُ إِیَّاهُ فَتَنَاوَلَهُ وَ اسْتَلَّهُ قَالَ «سَیْفُهُ أَعْرِفُهُ أَمَا
الجمل، المفید ،ص:389
وَ اللَّهِ لَقَدْ قَاتَلَ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ ص غَیْرَ مَرَّةٍ وَ لَکِنَّهُ الْحَیْنُ وَ مَصَارِعُ السَّوْءِ
وَ رَوَی مَنْصُورُ بْنُ أَبِی الْأَسْوَدِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِی الْبَخْتَرِیِّ قَالَ لَمَّا بَعَثَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَیْسٍ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع بِرَأْسِ الزُّبَیْرِ وَ سَیْفِهِ وَ جَاءَهُ الرَّسُولُ یُهَنِّئُهُ بِالْفَتْحِ تَلَا عَلَیْهِ الَّذِینَ یَتَرَبَّصُونَ بِکُمْ فَإِنْ کانَ لَکُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَ لَمْ نَکُنْ مَعَکُمْ
وَ رُوِیَ عَنْ زَیْدِ بْنِ فِرَاسٍ عَنْ غَزَالِ بْنِ مَالِکٍ قَالَ لَمَّا قُتِلَ الزُّبَیْرُ وَ جِی‌ءَ بِرَأْسِهِ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع قَالَ: «أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ لَا مَا کَانَ مِنْ أَمْرِ حَاطِبِ بْنِ أَبِی بَلْتَعَةَ مَا اجْتَرَأَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ عَلَی قِتَالِی وَ أَنَّ الزُّبَیْرَ کَانَ أَقْرَبَ إِلَیَّ مِنْ طَلْحَةَ وَ مَا زَالَ مِنَّا أَهْلَ الْبَیْتِ حَتَّی بَلَغَ ابْنُهُ فَقَطَعَ بَیْنَنَا»
. وَ رَوَی عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ أَبِی عَوْنٍ قَالَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَکَمِ یَقُولُ لَمَّا کَانَ یَوْمُ الْجَمَلِ قُلْتُ وَ اللَّهِ لَأُدْرِکَنَّ ثَارَ عُثْمَانَ فَرَمَیْتُ طَلْحَةَ بِسَهْمٍ فَقَطَعْتُ نَسَاهُ وَ کَانَ کُلَّمَا سَدَّ الْمَوْضِعَ غَلَبَ الدَّمُ وَ أَلَمُهُ فَقَالَ لِغُلَامِهِ دَعْهُ فَهُوَ سَهْمٌ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَیَّ ثُمَّ قَالَ لَهُ وَیْلَکَ اطْلُبْ لِی مَوْضِعاً أَحْتَرِزُ فِیهِ فَلَمْ یَجِدْ لَهُ مَکَاناً فَاحْتَمَلَهُ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْمَرِ فَأَدْخَلَهُ بَیْتَ أَعْرَابِیَّةٍ ثُمَّ ذَهَبَ فَصَبَرَ هُنَیَّةً وَ رَجَعَ فَوَجَدَهُ قَدْ
الجمل، المفید ،ص:390
مَاتَ وَ هَرَبَ الزُّبَیْرُ فَارّاً إِلَی الْمَدِینَةِ حَتَّی أَتَی وَادِیَ السِّبَاعِ فَرَفَعَ الْأَحْنَفُ صَوْتَهُ وَ قَالَ مَا أَصْنَعُ بِالزُّبَیْرِ قَدْ لَفَّ بَیْنَ غَارَیْنِ مِنَ النَّاسِ حَتَّی قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ثُمَّ هُوَ یُرِیدُ اللَّحَاقَ بِأَهْلِهِ فَسَمِعَ ذَلِکَ ابْنُ جُرْمُوزٍ فَخَرَجَ فِی طَلَبِهِ وَ اتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنْ مُجَاشِعٍ حَتَّی لَحِقَاهُ فَلَمَّا رَآهُمَا الزُّبَیْرُ حَذِرَهُمَا فَقَالا: یَا حَوَارِیَّ رَسُولِ اللَّهِ أَنْتَ فِی ذِمَّتِنَا لَا یَصِلُ إِلَیْکَ أَحَدٌ وَ سَایَرَهُ ابْنُ جُرْمُوزٍ فَبَیْنَا هُوَ یُسَایِرُهُ وَ یَسْتَأْخِرُ وَ الزُّبَیْرُ یُفَارِقُهُ قَالَ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ انْزِعْ دِرْعَکَ وَ اجْعَلْهَا عَلَی فَرَسِکَ فَإِنَّهَا تُثَقِّلُکَ وَ تُعْیِیکَ فَنَزَعَهَا الزُّبَیْرُ وَ جَعَلَ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ یَنْکُصُ وَ یَتَأَخَّرُ وَ الزُّبَیْرُ یُنَادِیهِ أَنْ یَلْحَقَهُ وَ هُوَ یَجْرِی بِفَرَسِهِ ثُمَّ یَنْحَازُ عَنْهُ حَتَّی اطْمَأَنَّ إِلَیْهِ وَ لَمْ یُنْکِرْ تَأَخُّرَهُ عَنْهُ فَحَمَلَ عَلَیْهِ وَ طَعَنَهُ بَیْنَ کَتِفَیْهِ فَأَخْرَجَ السِّنَانَ مِنْ ثَدْیَیْهِ وَ نَزَلَ فَاجْتَزَّ رَأْسَهُ وَ جَاءَ بِهِ إِلَی الْأَحْنَفِ
فَأَنْفَذَهُ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع فَلَمَّا رَأَی رَأْسَ الزُّبَیْرِ وَ سَیْفَهُ قَالَ: «نَاوِلْنِی السَّیْفَ» فَنَاوَلَهُ فَهَزَّهُ وَ قَالَ: «سَیْفٌ طَالَمَا قَاتَلَ بِهِ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ لَکِنَّ الْحَیْنَ وَ مَصَارِعَ السَّوْءِ!» ثُمَّ تَفَرَّسَ فِی وَجْهِ الزُّبَیْرِ وَ قَالَ لَقَدْ کَانَ لَکَ بِرَسُولِ اللَّهِ ص صُحْبَةٌ وَ مِنْهُ قَرَابَةٌ وَ لَکِنَّ الشَّیْطَانَ دَخَلَ مَنْخِرَیْکَ فَأَوْرَدَکَ هَذَا الْمَوْرِدَ!»
الجمل، المفید ،ص:391

[باب أحوال امیر المومنین ع]

[فصل فی] طواف أمیر المؤمنین ع علی القتلی و تکلمه معهم‌

اشارة

وَ لَمَّا انْجَلَتِ الْحَرْبُ بِالْبَصْرَةِ وَ قُتِلَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ وَ حُمِلَتْ عَائِشَةُ إِلَی قَصْرِ بَنِی خَلَفٍ رَکِبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ تَبِعَهُ أَصْحَابُهُ وَ عَمَّارٌ رَحِمَهُ اللَّهُ یَمْشِی مَعَ رُکَّابِهِ حَتَّی خَرَجَ إِلَی الْقَتْلَی یَطُوفُ عَلَیْهِمْ فَمَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ الْخُزَاعِیِّ وَ عَلَیْهِ ثِیَابٌ حِسَانٌ مُشْتَهِرَةٌ فَقَالَ النَّاسُ: هَذَا وَ اللَّهِ رَأْسُ النَّاسِ فَقَالَ ع: «لَیْسَ بِرَأْسِ النَّاسِ وَ لَکِنَّهُ شَرِیفٌ مَنِیعُ النَّفْسِ» ثُمَّ مَرَّ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أُسَیْدٍ فَقَالَ: «هَذَا یَعْسُوبُ الْقَوْمِ وَ رَأْسُهُمْ صَرِیعاً کَمَا تَرَوْنَهُ» ثُمَّ جَعَلَ یَسْتَعْرِضُ الْقَتْلَی رَجُلًا رَجُلًا فَلَمَّا رَأَی أَشْرَافَ قُرَیْشٍ صَرْعَی فِی جُمْلَةِ الْقَتْلَی قَالَ: «جُدِعَتْ أَنْفِی أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ کَانَ مَصْرَعُکُمْ لَبَغِیضاً إِلَیَّ وَ لَقَدْ تَقَدَّمْتُ إِلَیْکُمْ وَ حَذَّرْتُکُمْ عَضَّ السُّیُوفِ وَ کُنْتُمْ أَحْدَاثاً لَا عِلْمَ لَکُمْ بِمَا تَرَوْنَ وَ لَکِنَّ الْحَیْنَ
الجمل، المفید ،ص:392
وَ مَصَارِعَ السَّوْءِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْمَصْرَعِ» ثُمَّ سَارَ حَتَّی وَقَفَ عَلَی کَعْبِ بْنِ سُورٍ الْقَاضِی وَ هُوَ مُجَدَّلٌ بَیْنَ الْقَتْلَی وَ فِی عُنُقِهِ الْمُصْحَفُ فَقَالَ: «نَحُّوا الْمُصْحَفَ وَ ضَعُوهُ فِی مَوَاضِعِ الطَّهَارَةِ» ثُمَّ قَالَ: «أَجْلِسُوا إِلَیَّ کَعْباً» فَأُجْلِسَ وَ رَأْسُهُ یَنْخَفِضُ إِلَی الْأَرْضِ فَقَالَ: «یَا کَعْبَ بْنَ سُورٍ قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِی رَبِّی حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتَ مَا وَعَدَکَ رَبُّکَ حَقّاً؟» ثُمَّ قَالَ: «أَضْجِعُوا کَعْباً» فَتَجَاوَزَهُ فَمَرَّ فَرَأَی طَلْحَةَ صَرِیعاً فَقَالَ: «أَجْلِسُوا طَلْحَةَ» فَأُجْلِسَ وَ قَالَ لَهُ: «یَا طَلْحَةَ بْنَ عُبَیْدِ اللَّهِ قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِی رَبِّی حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتَ مَا وَعَدَکَ رَبُّکَ حَقّاً؟» ثُمَّ قَالَ: «أَضْجِعُوهُ» فَوَقَفَ رَجُلٌ مِنَ الْقُرَّاءِ أَمَامَهُ وَ قَالَ-: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا کَلَامُکَ؟ هَذِهِ الْهَامُ قَدْ صَدِیَتْ لَا تَسْمَعُ لَکَ کَلَاماً وَ لَا تَرُدُّ جَوَاباً! فَقَالَ ع: «وَ اللَّهِ إِنَّهُمَا لَیَسْمَعَانِ کَلَامِی کَمَا تَسْمَعُ أَصْحَابُ الْقَلِیبِ کَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ لَوْ أُذِنَ لَهُمَا فِی الْجَوَابِ لَرَأَیْتَ عَجَباً» وَ مَرَّ بِمَعْبَدِ بْنِ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو وَ هُوَ فِی الْصَّرْعَی فَقَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ أَبَا هَذَا إِنَّمَا کَانَ رَأْیُهُ فِینَا أَحْسَنَ مِنْ رَأْیِ هَذَا» فَقَالَ عَمَّارٌ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَوْقَعَهُ وَ جَعَلَ خَدَّهُ الْأَسْفَلَ إِنَّا وَ اللَّهِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لَا نُبَالِی بِمَنْ عَنَدَ عَنِ الْحَقِّ مِنْ وَلَدٍ وَ وَالِدٍ فَقَالَ ع:
الجمل، المفید ،ص:393
«رَحِمَکَ اللَّهُ یَا عَمَّارُ وَ جَزَاکَ عَنِ الْحَقِّ خَیْراً» وَ مَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِیعَةَ بْنِ دَرَّاجٍ وَ هُوَ فِی الْقَتْلَی فَقَالَ «هَذَا الْبَائِسُ مَا کَانَ أَخْرَجَهُ نَصْرُ عُثْمَانَ وَ اللَّهِ مَا کَانَ رَأْیُ عُثْمَانَ فِیهِ وَ لَا فِی أَبِیهِ بِحَسَنٍ» وَ مَرَّ بِمَعْبَدِ بْنِ زُهَیْرِ بْنِ أُمَیَّةَ فَقَالَ «لَوْ کَانَتِ الْفِتْنَةُ بِرَأْسِ الثُّرَیَّا لَتَنَاوَلَهَا هَذَا الْغُلَامُ! وَ اللَّهِ مَا کَانَ فِیهَا بِذِی نَخِیرَةٍ وَ لَقَدْ أَخْبَرَنِی مَنْ أَدْرَکَهُ أَنَّهُ یَلُوذُ خَوْفاً مِنَ السَّیْفِ حَتَّی قُتِلَ الْبَائِسُ ضَیَاعاً» وَ مَرَّ بِمُسْلِمِ بْنِ قَرَظَةَ فَقَالَ: «الْبِرُّ أَخْرَجَ هَذَا! وَ لَقَدْ سَأَلَنِی أَنْ أُکَلِّمَ عُثْمَانَ فِی شَیْ‌ءٍ یَدَّعِیهِ عَلَیْهِ بِمَکَّةَ فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّی أَعْطَاهُ وَ قَالَ لِی: لَوْ لَا أَنْتَ مَا أَعْطَیْتُهُ إِنَّ هَذَا مَا عَلِمْتُ بِئْسَ الْعَشِیرَةُ ثُمَّ جَاءَ لِحِینِهِ یَنْصُرُ عُثْمَانَ» ثُمَّ مَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَیْدِ بْنِ زُهَیْرٍ قَالَ هَذَا أَیْضاً مِمَّنْ أُوضِعَ فِی قَتْلَانَا یَطْلُبُ بِزَعْمِهِ دَمَ عُثْمَانَ وَ لَقَدْ کَتَبَ إِلَیَّ کُتُباً أُوذِیَ عُثْمَانُ مِنْهَا فَأَعْطَاهُ شَیْئاً فَرَضِیَ عَنْهُ وَ مَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَکِیمِ بْنِ حِزَامٍ فَقَالَ هَذَا خَالَفَ أَبَاهُ فِی الْخُرُوجِ عَلَیَّ وَ إِنَّ أَبَاهُ حَیْثُ لَمْ یَنْصُرْنَا بَایَعَ وَ جَلَسَ فِی بَیْتِهِ مَا أَلُومُ أَحَداً إِذَا کَفَّ عَنَّا وَ عَنْ غَیْرِنَا وَ لَکِنَّ الْمَلُومَ الَّذِی یُقَاتِلُنَا» وَ مَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِیرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ فَقَالَ «أَمَّا هَذَا فَقُتِلَ أَبُوهُ یَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ
الجمل، المفید ،ص:394
فِی الدَّارِ فَخَرَجَ غَضَباً لِمَقْتَلِ أَبِیهِ وَ هُوَ غُلَامٌ لَا عِلْمَ لَهُ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ» وَ مَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِیقٍ فَقَالَ: «أَمَّا هَذَا فَإِنِّی أَنْظُرُ إِلَیْهِ وَ قَدْ أَخَذَ الْقَوْمُ السُّیُوفَ وَ إِنَّهُ لَهَارِبٌ یَعْدُو مِنَ السَّیْفِ فَنَهَیْتُ عَنْهُ فَلَمْ یَسْمَعْ نَهْیِی حَتَّی قُتِلَ وَ کَانَ هَذَا مِمَّنْ مَقَتَ عَلَیَّ وَ إِنَّهُ مِنْ فِتْیَانِ قُرَیْشٍ أَغْمَارٌ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ خُدِعُوا وَ اسْتَزَلُّوا فَلَمَّا وَقَعُوا أُلْحِجُوا فَقُتِلُوا».

دفن الشهداء فی ثیابهم‌

ثم
أَمَرَ ع مُنَادِیَهُ فَنَادَی «مَنْ أَحَبَّ أَنْ یُوَارِیَ قَتِیلَهُ فَلْیُوَارِهِ» ثُمَّ قَالَ ع: «وَارُوا قَتْلَانَا فِی ثِیَابِهِمُ الَّتِی قُتِلُوا فِیهَا فَإِنَّهُمْ یُحْشَرُونَ عَلَی الشَّهَادَةِ وَ إِنِّی لَشَاهِدٌ لَهُمْ بِالْوَفَاءِ»
الجمل، المفید ،ص:395

[فصل فی] کتاب أمیر المؤمنین ع إلی أهل المدینة

ثُمَّ رَجَعَ إِلَی خَیْمَتِهِ فَاسْتَدْعَی عُبَیْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِی رَافِعٍ کَاتِبَهُ وَ قَالَ اکْتُبْ إِلَی أَهْلِ الْمَدِینَةِ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ سَلَامٌ عَلَیْکُمْ فَإِنِّی أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَیْکُمْ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَنِّهِ وَ فَضْلِهِ وَ حُسْنِ بَلَائِهِ عِنْدِی وَ عِنْدَکُمْ حَکَمٌ عَدْلٌ وَ قَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ فِی کِتَابِهِ وَ قَوْلُهُ الْحَقُ إِنَّ اللَّهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ وَ إِنِّی مُخْبِرُکُمْ عَنَّا وَ عَمَّنْ سِرْنَا إِلَیْهِ مِنْ جُمُوعِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَ مَنْ سَارَ إِلَیْهِمْ مِنْ قُرَیْشٍ وَ غَیْرِهِمْ مَعَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ وَ نَکْثِهِمَا عَلَی مَا قَدْ عَلِمْتُمْ مِنْ بَیْعَتِی وَ هُمَا طَائِعَانِ غَیْرُ مُکْرَهَیْنِ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِکُمْ فِیمَنْ خَرَجْتُ مِمَّنْ سَارَعَ إِلَی بَیْعَتِی وَ إِلَی الْحَقِّ حَتَّی نَزَلْتُ ذَا قَارٍ فَنَفَرَ مَعِی مَنْ نَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْکُوفَةِ وَ قَدِمَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ الْبَصْرَةَ وَ صَنَعَا بِعَامِلِی عُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ مَا صَنَعَا فَقَدَّمْتُ إِلَیْهِمُ الرُّسُلَ وَ أَعْذَرْتُ کُلَّ الْأَعْذَارِ ثُمَّ نَزَلْتُ ظَهْرَ الْبَصْرَةِ فَأَعْذَرْتُ بِالدُّعَاءِ وَ قَدَّمْتُ الْحُجَّةَ وَ أَقَلْتُ الْعَثْرَةَ وَ الزَّلَّةَ وَ اسْتَتْبَتْهُمَا وَ مَنْ مَعَهُمَا مِنْ نَکْثِهِمْ بَیْعَتِی وَ نَقْضِهِمَا عَهْدِی فَأَبَوْا إِلَّا قِتَالِی وَ قِتَالِ مَنْ مَعِی وَ التَّمَادِی فِی الْغَیِّ فَلَمْ أَجِدْ بُدّاً مِنْ مُنَاصَفَتِهِمْ لِی فَنَاصَفْتُهُمْ بِالْجِهَادِ فَقَتَلَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ نَاکِثاً وَ وَلَّی مَنْ وَلَّی مِنْهُمْ وَ غَمَدْتُ
الجمل، المفید ،ص:396
السُّیُوفَ عَنْهُمْ وَ أَخَذْتُ بِالْعَفْوِ فِیهِمْ وَ أَجْرَیْتُ الْحَقَّ وَ السُّنَّةَ فِی حُکْمِهِمْ وَ اخْتَرْتُ لَهُمْ عَامِلًا أَسْتَعْمِلُهُ عَلَیْهِمْ وَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ وَ إِنِّی سَائِرٌ إِلَی الْکُوفَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی وَ کَتَبَ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی رَافِعٍ فِی جُمَادَی الْأُولَی مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَ ثَلَاثِینَ مِنَ الْهِجْرَةِ
الجمل، المفید ،ص:397

[فصل فی] کتاب أمیر المؤمنین ع إلی أم هانئ بنت أبی طالب‌

وَ کَتَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع إِلَی أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِی طَالِبٍ ع «سَلَامٌ عَلَیْکِ أَحْمَدُ إِلَیْکِ اللَّهَ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا الْتَقَیْنَا مَعَ الْبُغَاةِ وَ الظَّلَمَةِ فِی الْبَصْرَةِ فَأَعْطَانَا اللَّهُ النَّصْرَ عَلَیْهِمْ بِحَوْلِهِ وَ قُوَّتِهِ وَ أَعْطَاهُمْ سُنَّةَ الظَّالِمِینَ فَقُتِلَ مِنْهُمْ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَتَّابٍ وَ جَمْعٌ لَا یُحْصَی وَ قُتِلَ مِنَّا بَنُو مَجْدُوعٍ وَ ابْنَا صُوحَانَ وَ عِلْبَاءُ وَ هِنْدٌ وَ ثُمَامَةُ فِیمَنْ یُعَدُّ مِنَ الْمُسْلِمِینَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَ السَّلَامُ»
الجمل، المفید ،ص:398

[فصل فی] کتاب أمیر المؤمنین ع إلی أهل الکوفة

وَ کَتَبَ إِلَی أَهْلِ الْکُوفَةِ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ مِنْ عَلِیٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی أَهْلِ الْکُوفَةِ سَلَامٌ عَلَیْکُمْ فَإِنِّی أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَیْکُمْ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ حَکَمٌ عَدْلٌ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ وَ إِنِّی أُخْبِرُکُمْ عَنَّا وَ عَمَّنْ سِرْنَا إِلَیْهِ مِنْ جُمُوعِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَ مَنْ سَارَ إِلَیْهِ مِنْ قُرَیْشٍ وَ غَیْرِهِمْ مَعَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرِ بَعْدَ نَکْثِهِمَا صَفْقَةَ أَیْمَانِهِمَا فَنَهَضْتُ مِنَ الْمَدِینَةِ حِینَ انْتَهَی إِلَیَّ خَبَرُهُمْ وَ مَا صَنَعُوهُ بِعَامِلِی عُثْمَانَ بْنِ حُنَیْفٍ حَتَّی قَدِمْتُ ذَا قَارٍ فَبَعَثْتُ إِلَیْکُمْ ابْنِیَ الْحَسَنَ وَ عَمَّاراً وَ قَیْساً فَاسْتَنْفَرُوکُمْ لِحَقِّ اللَّهِ وَ حَقِّ رَسُولِهِ وَ حَقِّنَا فَأَجَابَنِی إِخْوَانُکُمْ سِرَاعاً حَتَّی قَدِمُوا عَلَیَّ فَسِرْتُ بِهِمْ وَ بِالْمُسَارِعِینَ مِنْهُمْ إِلَی طَاعَةِ اللَّهِ حَتَّی نَزَلْتُ ظَهْرَ الْبَصْرَةِ فَأَعْذَرْتُ بِالدُّعَاءِ وَ أَقَمْتُ الْحُجَّةَ وَ أَقَلْتُ الْعَثْرَةَ وَ الزَّلَّةَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ مِنْ قُرَیْشٍ وَ غَیْرِهِمْ وَ اسْتَتَبْتُهُمْ عَنْ نَکْثِهِمْ بَیْعَتِی وَ عَهْدُ اللَّهِ لِی عَلَیْهِمْ فَأَبَوْا إِلَّا قِتَالِی وَ قِتَالِ مَنْ مَعِی وَ التَّمَادِی فِی الْغَیِّ فَنَاهَضْتُهُمْ بِالْجِهَادِ فَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَ وَلَّی مَنْ وَلَّی إِلَی مِصْرِهِمْ فَسَأَلُونِی مَا دَعَوْتُهُمْ إِلَیْهِ مِنْ کَفِّ الْقِتَالِ فَقَبِلْتُ مِنْهُمْ وَ غَمَدْتُ السُّیُوفَ عَنْهُمْ وَ أَخَذْتُ بِالْعَفْوِ فِیهِمْ وَ أَجْرَیْتُ الْحَقَّ وَ السُّنَّةَ بَیْنَهُمْ وَ اسْتَعْمَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ عَلَی الْبَصْرَةِ وَ أَنَا سَائِرٌ
الجمل، المفید ،ص:399
إِلَی الْکُوفَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَی وَ قَدْ بَعَثْتُ إِلَیْکُمْ زَحْرَ بْنَ قَیْسٍ الْجُعْفِیَّ لِتَسْأَلُوهُ فَیُخْبِرَکُمْ عَنَّا وَ عَنْهُمْ وَ رَدِّهِمُ الْحَقَّ عَلَیْنَا وَ رَدِّهِمُ اللَّهُ وَ هُمْ کَارِهُونَ وَ السَّلَامُ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ وَ کَتَبَ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی رَافِعٍ فِی جُمَادَی الْأُولَی مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَ ثَلَاثِینَ مِنَ الْهِجْرَةِ»
الجمل، المفید ،ص:400

[فصل فی] خطبة أمیر المؤمنین ع‌

اشارة

وَ لَمَّا کَتَبَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع الْکُتُبَ بِالْفَتْحِ قَامَ فِی النَّاسِ خَطِیباً فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَی وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ ثُمَّ قَالَ-:
«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ عَزِیزٌ ذُو انْتِقامٍ جَعَلَ عَفْوَهُ وَ مَغْفِرَتَهُ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَ جَعَلَ عَذَابَهُ وَ عِقَابَهُ لِمَنْ عَصَاهُ وَ خَالَفَ أَمْرَهُ وَ ابْتَدَعَ فِی دِینِهِ مَا لَیْسَ مِنْهُ وَ بِرَحْمَتِهِ نَالَ الصَّالِحُونَ الْعَوْنَ وَ قَدْ أَمْکَنَنِی اللَّهُ مِنْکُمْ یَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَ أَسْلَمَکُمْ بِأَعْمَالِکُمْ فَإِیَّاکُمْ أَنْ تَعُودُوا إِلَی مِثْلِهَا فَإِنَّکُمْ أَوَّلُ مَنْ شَرَعَ الْقِتَالَ وَ الشِّقَاقَ وَ تَرَکَ الْحَقَّ وَ الْإِنْصَافَ»

زهد أمیر المؤمنین ع‌

ثُمَّ نَزَلَ ع وَ اسْتَدْعَی جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَمَشَوْا مَعَهُ حَتَّی دَخَلَ بَیْتَ الْمَالِ وَ أَرْسَلَ إِلَی الْقُرَّاءِ فَدَعَاهُمْ وَ دَعَا الْخُزَّانَ وَ أَمَرَهُمْ بِفَتْحِ الْأَبْوَابِ الَّتِی دَاخِلُهَا الْمَالُ فَلَمَّا رَأَی کَثْرَةَ الْمَالِ قَالَ «
هَذَا جَنَایَ وَ خِیَارُهُ فِیهِ
» ثُمَّ قَسَّمَ الْمَالَ بَیْنَ
الجمل، المفید ،ص:401
أَصْحَابِهِ فَأَصَابَ کُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ سِتَّةُ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَ کَانَ أَصْحَابُهُ اثْنَیْ عَشَرَ أَلْفاً وَ أَخَذَ هُوَ ع کَأَحَدِهِمْ فَبَیْنَا هُمْ عَلَی تِلْکَ الْحَالَةِ إِذْ أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ إِنَّ اسْمِی سَقَطَ مِنْ کِتَابِکَ وَ قَدْ رَأَیْتُ مِنَ الْبَلَاءِ مَا رَأَیْتُ فَدَفَعَ سَهْمَهُ إِلَی ذَلِکَ الرَّجُلِ.
و
رَوَی الثَّوْرِیُّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِی هِنْدٍ عَنْ أَبِی حَرْبِ بْنِ أَبِی الْأَسْوَدِ قَالَ لَقَدْ رَأَیْتُ بِالْبَصْرَةِ عَجَباً لَمَّا قَدِمَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ قَدْ أَرْسَلَا إِلَی أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَ أَنَا فِیهِمْ فَدَخَلْنَا بَیْتَ الْمَالِ مَعَهُمَا فَلَمَّا رَأَیَا مَا فِیهِ مِنَ الْأَمْوَالِ قَالا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ثُمَّ تَلَیَا هَذِهِ الْآیَةَ وَعَدَکُمُ اللَّهُ مَغانِمَ کَثِیرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَکُمْ هذِهِ إِلَی آخِرِ الْآیَةِ وَ قَالا نَحْنُ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَالِ مِنْ کُلِّ أَحَدٍ فَلَمَّا کَانَ مِنْ أَمْرِ الْقَوْمِ مَا کَانَ دَعَانَا عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع فَدَخَلْنَا مَعَهُ بَیْتَ الْمَالِ فَلَمَّا رَأَی مَا فِیهِ ضَرَبَ
الجمل، المفید ،ص:402
إِحْدَی یَدَیْهِ عَلَی أُخْرَی وَ قَالَ: «یَا صَفْرَاءُ یَا بَیْضَاءُ غُرِّی غَیْرِی»
وَ قَسَّمَهُ بَیْنَ أَصْحَابِهِ بِالسَّوِیَّةِ حَتَّی لَمْ یَبْقَ إِلَّا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ عَزَلَهَا لِنَفْسِهِ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ اسْمِی سَقَطَ مِنْ کِتَابِکَ فَقَالَ ع: «رُدُّوهَا عَلَیْهِ» ثُمَّ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی لَمْ یَصِلْ إِلَیَّ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَیْ‌ءٌ وَ وَفَّرَهُ عَلَی الْمُسْلِمِینَ»

خطبة أمیر المؤمنین ع بعد قسمة المال‌

وَ رَوَی الْوَاقِدِیُ أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِسْمَةِ الْمَالِ قَامَ خَطِیباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ قَالَ:
«أَیُّهَا النَّاسُ إِنِّی أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَی نِعَمِهِ قُتِلَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ وَ هُزِمَتْ عَائِشَةُ وَ ایْمُ اللَّهِ لَوْ کَانَتْ عَائِشَةُ طَلَبَتْ حَقّاً وَ أَهَانَتْ بَاطِلًا لَکَانَ لَهَا فِی بَیْتِهَا مَأْوًی وَ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَیْهَا الْجِهَادَ وَ إِنَّ أَوَّلَ خَطَئِهَا فِی نَفْسِهَا وَ مَا کَانَتْ وَ اللَّهِ عَلَی الْقَوْمِ إِلَّا أَشْأَمَ مِنْ نَاقَةِ الْحِجْرِ وَ مَا ازْدَادَ عَدُوُّکُمْ بِمَا صَنَعَ اللَّهُ إِلَّا حِقْداً وَ مَا زَادَهُمُ الشَّیْطَانُ إِلَّا طُغْیَاناً وَ لَقَدْ جَاءُوا مُبْطِلِینَ وَ أَدْبَرُوا ظَالِمِینَ إِنَّ إِخْوَانَکُمُ الْمُؤْمِنِینَ جَاهَدُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ آمَنُوا بِهِ یَرْجُونَ مَغْفِرَةً مِنَ اللَّهِ وَ إِنَّنَا لَعَلَی الْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ لَعَلَی الْبَاطِلِ وَ سَیَجْمَعُنَا اللَّهُ وَ إِیَّاهُمْ یَوْمَ الْفَصْلِ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِی وَ لَکُمْ»
الجمل، المفید ،ص:403

[فصل فی] کتاب أمیر المؤمنین ع إلی قرظة بن کعب و أهل الکوفة

وَ رَوَی عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ یَزِیدَ بْنِ أَبِی الصَّلْتِ عَنْ عَامِرٍ الْأَسَدِیِ أَنَّ عَلِیّاً کَتَبَ بِفَتْحِ الْبَصْرَةِ مَعَ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْأَرْحَبِیِّ إِلَی أَهْلِ الْکُوفَةِ «مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع إِلَی قَرَظَةَ بْنِ کَعْبٍ وَ مَنْ قِبَلَهُ مِنَ الْمُسْلِمِینَ: سَلَامٌ عَلَیْکُمْ فَإِنِّی أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَیْکُمُ الَّذِی لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا لَقِینَا الْقَوْمَ النَّاکِثِینَ لِبَیْعَتِنَا الْمُفَرِّقِینَ لِجَمَاعَتِنَا الْبَاغِینَ عَلَیْنَا مِنْ أُمَّتِنَا فَحَاجَجْنَاهُمْ إِلَی اللَّهِ فَنَصَرَنَا اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَ قَتَلَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرَ وَ قَدْ تَقَدَّمْتُ إِلَیْهِمَا بِالْمَعْذِرَةِ وَ اسْتَشْهَدْتُ عَلَیْهِمَا صُلَحَاءَ الْأُمَّةِ وَ نَکْثِهِمَا بِالْبَیْعَةِ فَمَا أَطَاعَا الْمُرْشِدِینَ وَ لَا أَجَابَا النَّاصِحِینَ وَ لَاذَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بِعَائِشَةَ فَقُتِلَ حَوْلَهَا عَالَمٌ جَمٌّ لَا یُحْصِی عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ وَجْهَ بَقِیَّتِهِمْ فَأَدْبَرُوا فَمَا کَانَتْ نَاقَةُ الْحِجْرِ بِأَشْأَمَ مِنْهَا عَلَی أَهْلِ ذَلِکَ الْمِصْرِ مَعَ مَا جَاءَتْ بِهِ مِنَ الْحُوبِ الْکَبِیرِ فِی مَعْصِیَتِهَا لِرَبِّهَا وَ نَبِیِّهَا وَ اغْتِرَارِ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا وَ مَا صَنَعَتْهُ مِنَ التَّفْرِقَةِ بَیْنَ الْمُؤْمِنِینَ وَ سَفْکِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِینَ بِلَا بَیِّنَةٍ وَ لَا مَعْذِرَةٍ وَ لَا حُجَّةٍ لَهَا فَلَمَّا هَزَمَهُمُ اللَّهُ أَمَرْتُ أَنْ لَا یُقْتَلَ مُدْبِرٌ وَ لَا یُجْهَزَ عَلَی جَرِیحٍ وَ لَا یُکْشَفَ عَوْرَةٌ وَ لَا یُهْتَکَ سِتْرٌ وَ لَا یُدْخَلَ دَارٌ إِلَّا
الجمل، المفید ،ص:404
بِإِذْنِ أَهْلِهَا وَ قَدْ آمَنْتُ النَّاسَ وَ قَدِ اسْتُشْهِدَ مِنَّا رِجَالٌ صَالِحُونَ ضَاعَفَ اللَّهُ لَهُمُ الْحَسَنَاتِ وَ رَفَعَ دَرَجَاتِهِمْ وَ أَثَابَهُمْ ثَوَابَ الصَّابِرِینَ وَ جَزَاهُمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ بَیْتِ نَبِیِّهِمْ أَحْسَنَ مَا یَجْزِی الْعَامِلِینَ بِطَاعَتِهِ وَ الشَّاکِرِینَ لِنِعْمَتِهِ فَقَدْ سَمِعْتُمْ وَ أَطَعْتُمْ وَ دُعِیتُمْ فَأَجَبْتُمْ فَنِعْمَ الْإِخْوَانُ وَ الْأَعْوَانُ عَلَی الْحَقِّ أَنْتُمْ وَ السَّلَامُ عَلَیْکُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ کَتَبَ عُبَیْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِی رَافِعٍ فِی رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَ ثَلَاثِینَ
الجمل، المفید ،ص:405

فصل‌

فی سیرة أمیر المؤمنین ع فی أهل البصرة

و
رَوَی فِطْرُ بْنُ خَلِیفَةَ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِیِّ قَالَ: لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ یَوْمَ الْجَمَلِ أَمَرَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع مُنَادِیاً یُنَادِی أَنْ «لَا یُجْهِزُوا عَلَی جَرِیحٍ وَ لَا یُتْبِعُوا مُدْبِراً» وَ قَسَّمَ مَا حَوَاهُ الْعَسْکَرُ مِنَ السِّلَاحِ وَ الْکُرَاعِ.
و
رَوَی سُفْیَانُ بْنُ سَعِیدٍ قَالَ قَالَ عَمَّارٌ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع مَا تَرَی فِی سَبْیِ الذُّرِّیَّةِ؟ قَالَ: «مَا أَرَی عَلَیْهِمْ مِنْ سَبِیلٍ إِنَّمَا قَاتَلْنَا مَنْ قَاتَلْنَا» وَ لَمَّا قَسَّمَ مَا حَوَاهُ الْعَسْکَرُ قَالَ لَهُ بَعْضُ الْقُرَّاءِ مِنْ أَصْحَابِهِ اقْسِمْ لَنَا مِنْ ذَرَارِیِّهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ وَ إِلَّا فَمَا الَّذِی أَحَلَّ دِمَاءَهُمْ وَ لَمْ یُحِلَّ أَمْوَالَهُمْ فَقَالَ ع «هَذِهِ الذُّرِّیَّةُ لَا سَبِیلَ عَلَیْهَا وَ هُمْ فِی دَارِ هِجْرَةٍ وَ إِنَّمَا قَتَلْنَا مَنْ حَارَبَنَا وَ بَغَی عَلَیْنَا وَ أَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَهِیَ مِیرَاثٌ لِمُسْتَحِقِّیهَا مِنْ أَرْحَامِهِمْ». فَقَالَ عَمَّارٌ أَ لَا نُتْبِعُ مُدْبِرَهُمْ وَ لَا نُجْهِزُ عَلَی جَرِیحِهِمْ؟ فَقَالَ ع «لَا لِأَنِّی آمَنْتُهُمْ»
وَ رَوَی سَعْدُ بْنُ جُشَمَ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِیهِ قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ
الجمل، المفید ،ص:406
أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع الْجَمَلَ فَلَمَّا ظَفِرْنَا بِهِمْ خَرَجْنَا فِی طَلَبِ الطَّعَامِ فَجَعَلْنَا نَمُرَّ بِالذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُ وَ إِذَا وَجَدْنَا الطَّعَامَ أَصَبْنَا مِنْهُ قَالَ وَ قَسَّمَ عَلِیٌّ ع مَا وَجَدَهُ فِی الْعَسْکَرِ مِنْ طِیبٍ بَیْنَ نِسَائِنَا وَ قَالَ ع: «مُرُوا نِسَاءَ هَؤُلَاءِ الْمَقْتُولِینَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنْ یَعْتَدْنَ مِنْهُمْ وَ لْنَقْسِمْ أَمْوَالَهُمْ فِی أَهْلِهِمْ فَهِیَ مِیرَاثٌ لَهُمْ عَلَی فَرِیضَةٍ مِنَ اللَّهِ» قَالَ وَ کَانَ إِذَا أُتِیَ بِأَسِیرٍ مِنْهُمْ فَإِنْ کَانَ قَدْ قَتَلَ قَتَلَهُ وَ إِنْ لَمْ تُقَمْ عَلَیْهِ بَیِّنَةٌ بِالْقَتْلِ أَطْلَقَهُ وَ لَمَّا قَسَّمَ مَا حَوَاهُ الْعَسْکَرُ أَمَرَ بِفَرَسٍ فِیهِ کَادَتْ أَنْ تُبَاعَ فَقَامَ إِلَیْهِ رَجُلٌ قَالَ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ هَذِهِ الْفَرَسُ کَانَتْ لِی وَ إِنَّمَا أَعَرْتُهَا لِفُلَانٍ وَ لَمْ أَدْرِ أَنَّهُ یَخْرُجُ عَلَیْهَا فَسَأَلَهُ الْبَیِّنَةَ عَلَی ذَلِکَ فَأَقَامَ الْبَیِّنَةَ أَنَّهَا عَارِیَّةٌ فَرَدَّهَا وَ قَسَّمَ مَا سِوَی ذَلِکَ
الجمل، المفید ،ص:407

خطبة أمیر المؤمنین ع فی ذم أهل البصرة

وَ رَوَی نَصْرٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِی خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ الْهَمْدَانِیِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سَرِیعٍ قَالَ لَمَّا ظَهَرَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع عَلَی أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَ قَسَّمَ مَا حَوَاهُ الْعَسْکَرُ قَامَ فِیهِمْ خَطِیباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی رَسُولِهِ وَ قَالَ:
«أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَ مَغْفِرَةٍ دَائِمَةٍ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ وَ قَضَی أَنَّ نِقْمَتَهُ وَ عِقَابَهُ عَلَی أَهْلِ مَعْصِیَتِهِ یَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ یَا أَهْلَ الْمُؤْتَفِکَةِ وَ یَا جُنْدَ الْمَرْأَةِ وَ أَتْبَاعَ الْبَهِیمَةِ! رَغَا فَأَجَبْتُمْ وَ عُقِرَ فَانْهَزَمْتُمْ أَحْلَامُکُمْ دِقَاقٌ وَ عَهْدُکُمْ شِقَاقٌ وَ دِینُکُمْ نِفَاقٌ وَ أَنْتُمْ فَسَقَةٌ مُرَّاقٌ یَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ أَنْتُمْ شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ أَرْضُکُمْ قَرِیبَةٌ مِنَ الْمَاءِ بَعِیدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ خَفَّتْ عُقُولُکُمْ وَ سَفِهَتْ أَحْلَامُکُمْ شَهَرْتُمْ سُیُوفَکُمْ وَ سَفَکْتُمْ دِمَاءَکُمْ وَ خَالَفْتُمْ إِمَامَکُمْ فَأَنْتُمْ أَکَلَةُ الْآکِلِ وَ فَرِیسَةُ الظَّافِرِ فَالنَّارُ لَکُمْ مُدَّخَرٌ وَ الْعَارُ لَکُمْ مَفْخَرٌ یَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ نَکَثْتُمْ بَیْعَتِی وَ ظَاهَرْتُمْ عَلَی ذَوِی عَدَاوَتِی فَمَا ظَنُّکُمْ یَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ» الْآنَ
الجمل، المفید ،ص:408
فَقَامَ رِجَالٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا: نَظُنُّ خَیْراً یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ نَرَی أَنَّکَ ظَفِرْتَ وَ قَدَرْتَ فَإِنْ عَاقَبْتَ فَقَدْ أَجْرَمْنَا وَ إِنْ عَفَوْتَ فَالْعَفْوُ أَحَبُّ إِلَی رَبِّ الْعَالَمِینَ.
فَقَالَ ع: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْکُمْ فَإِیَّاکُمْ وَ الْفِتْنَةَ فَإِنَّکُمْ أَوَّلُ مَنْ نَکَثَ الْبَیْعَةَ وَ شَقَّ عَصَا الْأُمَّةِ فَارْجِعُوا عَنِ الْحَوْبَةِ وَ أَخْلِصُوا فِیمَا بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ» وَ لَمَّا فَرَغَ ع مِنْ خُطْبَتِهِ وَ کَلَامِهِ لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ رَکِبَ بَغْلَتَهُ وَ اجْتَمَعَ إِلَیْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ شُرْطَةِ الْخَمِیسِ وَ طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ
الجمل، المفید ،ص:409

أسباب بغض عائشة لأمیر المؤمنین ع‌

وَ رُوِیَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع عَلَی أَهْلِ الْبَصْرَةِ جَاءَهُ رِجَالٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا السَّبَبُ الَّذِی دَعَا عَائِشَةَ بِالْمُظَاهَرَةِ عَلَیْکَ حَتَّی بَلَغَتْ مِنْ خِلَافِکَ وَ شِقَاقِکَ مَا بَلَغَتْ وَ هِیَ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسَاءِ لَمْ یُکْتَبْ عَلَیْهَا الْقِتَالُ وَ لَا فُرِضَ عَلَیْهَا الْجِهَادُ وَ لَا أُرْخِصَ لَهَا فِی الْخُرُوجِ مِنْ بَیْتِهَا وَ لَا التَّبَرُّجِ بَیْنَ الرِّجَالِ وَ لَیْسَتْ مِمَّنْ تَوَلَّتْهُ فِی شَیْ‌ءٍ عَلَی حَالٍ فَقَالَ ع: «سَأَذْکُرُ لَکُمْ أَشْیَاءَ مِمَّا حَقَدَتْهَا عَلَیَّ لَیْسَ لِی فِی وَاحِدٍ مِنْهَا ذَنْبٌ إِلَیْهَا وَ لَکِنَّهَا تَجَرَّمَتْ بِهَا عَلَیَّ أَحَدُهَا تَفْضِیلُ رَسُولِ اللَّهِ ص لِی عَلَی أَبِیهَا وَ تَقْدِیمُهُ إِیَّایَ فِی مَوَاطِنِ الْخَیْرِ عَلَیْهِ فَکَانَتْ تَضْطَغِنُ ذَلِکَ عَلَیَّ فَتَعْرِفُهُ مِنْهُ فَتَتْبَعُ رَأْیَهُ فِیهِ وَ ثَانِیهَا لَمَّا آخَی بَیْنَ أَصْحَابِهِ آخَی بَیْنَ أَبِیهَا وَ بَیْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَ اخْتَصَّنِی بِأُخُوَّتِهِ فَغَلُظَ ذَلِکَ عَلَیْهَا وَ حَسَدَتْنِی مِنْهُ
الجمل، المفید ،ص:410
ثَالِثُهَا وَ أَوْحَی اللَّهُ تَعَالَی إِلَیْهِ ص بِسَدِّ أَبْوَابٍ کَانَتْ فِی الْمَسْجِدِ لِجَمِیعِ أَصْحَابِهِ إِلَّا بَابِی فَلَمَّا سَدَّ بَابَ أَبِیهَا وَ صَاحِبِهِ وَ تَرَکَ بَابِی مَفْتُوحاً فِی الْمَسْجِدِ تَکَلَّمَ فِی ذَلِکَ بَعْضُ أَهْلِهِ» فَقَالَ ص: «مَا أَنَا سَدَدْتُ أَبْوَابَکُمْ وَ فَتَحْتُ بَابَ عَلِیٍّ بَلِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ سَدَّ أَبْوَابَکُمْ وَ فَتَحَ بَابَهُ» فَغَضِبَ لِذَلِکَ أَبُو بَکْرٍ وَ عَظُمَ عَلَیْهِ وَ تَکَلَّمَ فِی أَهْلِهِ بِشَیْ‌ءٍ سَمِعَتْهُ مِنْهُ ابْنَتُهُ فَاضْطَغَنَتْهُ عَلَیَّ رَابِعُهَا وَ کَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَعْطَی أَبَاهَا الرَّایَةَ یَوْمَ خَیْبَرَ وَ أَمَرَهُ أَنْ لَا یَرْجِعَ حَتَّی یَفْتَحَ أَوْ یُقْتَلَ فَلَمْ یَلْبَثْ لِذَلِکَ وَ انْهَزَمَ فَأَعْطَاهَا فِی الْغَدِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَ أَمَرَهُ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ صَاحِبَهُ فَانْهَزَمَ وَ لَمْ یَثْبُتْ فَسَاءَ ذَلِکَ رَسُولَ اللَّهِ ص فَقَالَ: لَهُمْ ظَاهِراً مُعْلِناً «لَأُعْطِیَنَّ الرَّایَةَ غَداً رَجُلًا یُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ کَرَّاراً غَیْرَ فَرَّارٍ لَا یَرْجِعُ حَتَّی یَفْتَحَ اللَّهُ عَلَی یَدَیْهِ» فَأَعْطَانِی الرَّایَةَ فَصَبَرْتُ حَتَّی فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَی عَلَی یَدَیَّ فَغَمَّ ذَلِکَ أَبَاهَا وَ أَحْزَنَهُ فَاضْطَغَنَتْهُ عَلَیَّ وَ مَا لِی إِلَیْهَا مِنْ ذَنْبٍ فِی ذَلِکَ فَحَقَدَتْ لِحِقْدِ أَبِیهَا خَامِسُهَا وَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَبَاهَا بِسُورَةِ بَرَاءَةَ وَ أَمَرَهُ أَنْ یَنْبِذَ الْعَهْدَ
الجمل، المفید ،ص:411
لِلْمُشْرِکِینَ وَ یُنَادِیَ فِیهِمْ فَمَضَی حَتَّی انْحَرَفَ فَأَوْحَی اللَّهُ تَعَالَی إِلَی نَبِیِّهِ ص أَنْ یَرُدَّهُ وَ یَأْخُذَ الْآیَاتِ فَیُسَلِّمَهَا إِلَیَّ فَسَلَّمَهَا إِلَیَّ فَصَرَفَ أَبَاهَا بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ کَانَ فِیمَا أَوْحَی إِلَیْهِ اللَّهُ أَنْ لَا یُؤَدِّیَ عَنْکَ إِلَّا رَجُلٌ مِنْکَ وَ کُنْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ کَانَ مِنِّی فَاضْطَغَنَ لِذَلِکَ عَلَیَّ أَیْضاً وَ اتَّبَعَتْهُ ابْنَتُهُ عَائِشَةُ فِی رَأْیِهِ سَادِسُهَا وَ کَانَتْ عَائِشَةُ تَمْقُتُ خَدِیجَةَ بِنْتَ خُوَیْلِدٍ وَ تَشْنَؤُهَا شَنَآنَ الضَّرَائِرِ وَ کَانَتْ تَعْرِفُ مَکَانَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَیَثْقُلُ ذَلِکَ عَلَیْهَا وَ تَعَدَّی مَقْتُهَا إِلَی ابْنَتِهَا فَاطِمَةَ فَتَمْقُتُنِی وَ تَمْقُتُ فَاطِمَةَ وَ خَدِیجَةَ وَ هَذَا مَعْرُوفٌ فِی الضَّرَائِرِ سَابِعُهَا وَ لَقَدْ دَخَلْتُ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ ص ذَاتَ یَوْمٍ قَبْلَ أَنْ یَضْرِبَ الْحِجَابَ عَلَی أَزْوَاجِهِ وَ کَانَتْ عَائِشَةُ بِقُرْبِ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمَّا رَآنِی رَحَّبَ بِی وَ قَالَ: «ادْنُ مِنِّی یَا عَلِیُّ وَ لَمْ یَزَلْ یُدْنِینِی حَتَّی أَجْلَسَنِی بَیْنَهُ وَ بَیْنَهَا فَغَلُظَ ذَلِکَ عَلَیْهَا فَأَقْبَلَتْ إِلَیَّ وَ قَالَتْ بِسُوءِ رَأْیِ النِّسَاءِ وَ تَسَرُّعِهِنَّ إِلَی الْخِطَابِ-: مَا وَجَدْتَ لِاسْتِکَ یَا عَلِیُّ مَوْضِعاً غَیْرَ مَوْضِعِ فَخِذِی؟! فَزَجَرَهَا النَّبِیُّ ص وَ قَالَ لَهَا: أَ لِعَلِیٍّ تَقُولِینَ هَذَا إِنَّهُ وَ اللَّهِ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِی وَ صَدَّقَنِی وَ أَوَّلُ الْخَلْقِ وُرُوداً عَلَیَّ الْحَوْضَ وَ هُوَ أَحَقُّ النَّاسِ عَهْداً إِلَیَّ لَا یُبْغِضُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَکَبَّهُ اللَّهُ عَلَی مَنْخِرِهِ فِی النَّارِ فَازْدَادَتْ بِذَلِکَ غَیْضاً عَلَیَ
الجمل، المفید ،ص:412
ثَامِنُهَا وَ لَمَّا رُمِیَتْ بِمَا رُمِیَتْ اشْتَدَّ ذَلِکَ عَلَی النَّبِیِّ ص وَ اسْتَشَارَنِی فِی أَمْرِهَا فَقُلْتُ: «یَا رَسُولَ اللَّهِ سَلْ جَارِیَتَهَا بَرِیرَةَ وَ اسْتَبْرِئْ حَالَهَا مِنْهَا فَإِنْ وَجَدْتَ عَلَیْهَا شَیْئاً فَخَلِّ سَبِیلَهَا فَإِنَّ النِّسَاءَ کَثِیرَةٌ» «فَأَمَرَنِی رَسُولُ اللَّهِ أَنْ أَتَوَلَّی مَسْأَلَةَ بَرِیرَةَ وَ أَسْتَبْرِئَ الْحَالَ مِنْهَا فَفَعَلْتُ ذَلِکَ فَحَقَدَتْ عَلَیَّ وَ وَ اللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِهَا سُوءً لَکِنِّی نَصَحْتُ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ ص وَ أَمْثَالُ ذَلِکَ فَإِنْ شِئْتُمْ فَاسْأَلُوهَا مَا الَّذِی نَقَمَتْ عَلَیَّ حَتَّی خَرَجَتْ مَعَ النَّاکِثِینَ لِبَیْعَتِی وَ سَفْکِ دِمَاءِ شِیعَتِی وَ التَّظَاهُرِ بَیْنَ الْمُسْلِمِینَ بِعَدَاوَتِی لِلْبَغْیِ وَ الشِّقَاقِ وَ الْمَقْتِ لِی بِغَیْرِ سَبَبٍ یُوجِبُ ذَلِکَ فِی الدِّینِ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ» فَقَالَ الْقَوْمُ: الْقَوْلُ وَ اللَّهِ مَا قُلْتَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ لَقَدْ کَشَفْتَ الْغُمَّةَ وَ لَقَدْ نَشْهَدُ أَنَّکَ أَوْلَی بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ص مِمَّنْ عَادَاکَ فَقَامَ الْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِیُّ فَمَدَحَهُ فِی أَبْیَاتٍ نَکْتَفِی بِمَا ذَکَرْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَنْ إِیرَادِهَا
الجمل، المفید ،ص:413

استئمان فتیان قریش إلی أمیر المؤمنین ع‌

قَالَ الْوَاقِدِیُّ: وَ لَمَّا فَرَغَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع مِنْ أَهْلِ الْجَمَلِ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ فِتْیَانِ قُرَیْشٍ یَسْأَلُونَهُ الْأَمَانَ وَ أَنْ یَقْبَلَ مِنْهُمُ الْبَیْعَةَ فَاسْتَشْفَعُوا إِلَیْهِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ فَشَفَعَهُ وَ أَمَرَ لَهُمْ فِی الدُّخُولِ عَلَیْهِ فَلَمَّا مَثُلُوا بَیْنَ یَدَیْهِ قَالَ لَهُمْ: «وَیْلَکُمْ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ عَلَامَ تُقَاتِلُونَنِی عَلَی أَنْ حَکَمْتُ فِیکُمْ بِغَیْرِ عَدْلٍ أَوْ قَسَمْتُ بَیْنَکُمْ بِغَیْرِ سَوِیَّةٍ أَوِ اسْتَأْثَرْتُ عَلَیْکُمْ أَوْ لِبُعْدِی عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص أَوْ لِقِلَّةِ بَلَاءٍ مِنِّی فِی الْإِسْلَامِ» فَقَالُوا: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ نَحْنُ إِخْوَةُ یُوسُفَ ع فَاعْفُ عَنَّا وَ اسْتَغْفِرْ لَنَا فَنَظَرَ إِلَی أَحَدِهِمْ فَقَالَ لَهُ: «مَنْ أَنْتَ؟» قَالَ أَنَا مُسَاحِقُ بْنُ مَخْرَمَةَ مُعْتَرِفٌ بِالزَّلَّةِ مُقِرٌّ بِالْخَطِیئَةِ تَائِبٌ مِنْ ذَنْبِی فَقَالَ ع: «قَدْ صَفَحْتُ عَنْکُمْ وَ ایْمُ اللَّهِ إِنَّ فِیکُمْ مَنْ لَا أُبَالِی أَ بَایَعَنِی بِکَفِّهِ أَمْ بِاسْتِهِ وَ لَئِنْ بَایَعَنِی لَیَنْکُثَنَّ» وَ تَقَدَّمَ إِلَیْهِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ وَ هُوَ مُتَّکِئٌ عَلَی رَجُلٍ فَقَالَ ع: «أَ بِکَ جِرَاحَةٌ؟» قَالَ: نَعَمْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ مَا أَرَانِی لِمَا بِی إِلَّا مَیِّتاً فَتَبَسَّمَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ قَالَ: «لَا وَ اللَّهِ مَا أَنْتَ لِمَا بِکَ مَیِّتٌ وَ سَتَلْقَی هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْکَ وَ مِنْ وُلْدِکَ یَوْماً أَحْمَرَ» ثُمَّ بَایَعَهُ وَ انْصَرَفَ وَ تَقَدَّمَ إِلَیْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَیْهِ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع قَالَ: «وَ اللَّهِ أَنْ کُنْتَ أَنْتَ وَ أَهْلُ بَیْتِکَ لَأَهْلُ دَعَةٍ وَ أَنْ کَانَ فِیکُمْ غِنًی وَ لَکِنْ أَعْفُو عَنْکُمْ وَ لَقَدْ ثَقُلَ عَلَیَّ حَیْثُ رَأَیْتُکُمْ فِی الْقَوْمِ
الجمل، المفید ،ص:414
وَ أَحْبَبْتُ أَنْ تَکُونَ الْوَقْعَةُ بِغَیْرِکُمْ» فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَدْ صَارَ ذَلِکَ إِلَی مَا لَا تُحِبُّ ثُمَّ بَایَعَهُ وَ انْصَرَفَ
الجمل، المفید ،ص:415

إرسال عائشة إلی المدینة

قَالَ وَ لَمَّا عَزَمَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع عَلَی الْمَسِیرِ إِلَی الْکُوفَةِ أَنْفَذَ إِلَی عَائِشَةَ یَأْمُرُهَا بِالرَّحِیلِ إِلَی الْمَدِینَةِ فَتَهَیَّأَتْ لِذَلِکَ وَ أَنْفَذَ مَعَهَا أَرْبَعِینَ امْرَأَةً أَلْبَسَهُنَّ الْعَمَائِمَ وَ الْقَلَانِسَ وَ قَلَّدَهُنَّ السُّیُوفَ وَ أَمَرَهُنَّ أَنْ یَحْفَظْنَهَا وَ یَکُنَّ عَنْ یَمِینِهَا وَ شِمَالِهَا وَ مِنْ وَرَائِهَا فَجَعَلَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ فِی الطَّرِیقِ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِعَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ بِمَا فَعَلَ بِی بَعَثَ مَعِی الرِّجَالَ وَ لَمْ یَحْفَظْ بِی حُرْمَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَمَّا قَدِمْنَ الْمَدِینَةَ مَعَهَا أَلْقَیْنَ الْعَمَائِمَ وَ السُّیُوفَ وَ دَخَلْنَ مَعَهَا فَلَمَّا رَأَتْهُنَّ نَدِمَتْ عَلَی مَا فَرَّطَتْ بِذَمِّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ سَبِّهِ وَ قَالَتْ جَزَی اللَّهُ ابْنَ أَبِی طَالِبٍ خَیْراً فَلَقَدْ حَفِظَ فِیَّ حُرْمَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص
الجمل، المفید ،ص:416

اعتراف مروان بالظلم‌

و
رَوَی أَبُو مِخْنَفٍ وَ الْمَسْعُودِیُّ عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِیدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ هَاشِمِ بْنِ مُسَاحِقٍ الْقُرَشِیِّ قَالَ حَدَّثَنِی أَبِی أَنَّهُ لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ یَوْمَ الْجَمَلِ اجْتَمَعَ مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قُرَیْشٍ فِیهِمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَکَمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَ اللَّهِ لَقَدْ ظَلَمْنَا هَذَا الرَّجُلَ یَعْنُونَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ نَکَثْنَا بَیْعَتَهُ مِنْ غَیْرِ حَدَثٍ وَ اللَّهِ لَقَدْ ظَهَرَ عَلَیْنَا فَمَا رَأَیْنَا قَطُّ أَکْرَمَ سِیرَةً مِنْهُ وَ لَا أَحْسَنَ عَفَواً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقُومُوا حَتَّی نَدْخُلَ عَلَیْهِ وَ نَعْتَذِرَ إِلَیْهِ مِمَّا صَنَعْنَاهُ قَالَ: فَصِرْنَا إِلَی بَابِهِ فَاسْتَأْذَنَّاهُ فَأَذِنَ لَنَا فَلَمَّا مَثُلْنَا بَیْنَ یَدَیْهِ جَعَلَ مُتَکَلِّمُنَا یَتَکَلَّمُ فَقَالَ ع:
«أَنْصِتُوا أَکْفِکُمْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ فَإِنْ قُلْتُ حَقّاً فَصَدِّقُونِی وَ إِنْ قُلْتُ بَاطِلًا فَرُدُّوا عَلَیَّ أَنْشُدُکُمُ اللَّهَ! أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمَّا قُبِضَ کُنْتُ أَنَا أَوْلَی النَّاسِ بِهِ وَ بِالنَّاسِ مِنْ بَعْدِهِ؟ قُلْنَا: اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ: «فَعَدَلْتُمْ عَنِّی وَ بَایَعْتُمْ أَبَا بَکْرٍ فَأَمْسَکْتُ وَ لَمْ أُحِبَّ أَنْ أَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِینَ وَ أُفَرِّقَ بَیْنَ جَمَاعَتِهِمْ ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَکْرٍ جَعَلَهَا لِعُمَرَ مِنْ بَعْدِهِ فَکَفَفْتُ وَ لَمْ أَهِجِ النَّاسَ وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنِّی کُنْتُ أَوْلَی
الجمل، المفید ،ص:417
النَّاسِ بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ بِمَقَامِهِ فَصَبَرْتُ حَتَّی قُتِلَ عُمَرُ وَ جَعَلَنِی سَادِسَ سِتَّةٍ فَکَفَفْتُ وَ لَمْ أُحِبَّ أَنْ أُفَرِّقَ بَیْنَ الْمُسْلِمِینَ ثُمَّ بَایَعْتُمْ عُثْمَانَ فَطَعَنْتُمْ عَلَیْهِ فَقَتَلْتُمُوهُ وَ أَنَا جَالِسٌ فِی بَیْتِی فَأَتَیْتُمُونِی وَ بَایَعْتُمُونِی کَمَا بَایَعْتُمْ أَبَا بَکْرٍ وَ عُمَرَ فَمَا بَالُکُمْ وَفَیْتُمْ لَهُمَا وَ لَمْ تَفُوا لِی؟! وَ مَا الَّذِی مَنَعَکُمْ مِنْ نَکْثِ بَیْعَتِهِمَا وَ دَعَاکُمْ إِلَی نَکْثِ بَیْعَتِی؟ فَقُلْنَا لَهُ:
کُنْ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ کَالْعَبْدِ الصَّالِحِ یُوسُفَ إِذْ قَالَ لا تَثْرِیبَ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ یَغْفِرُ اللَّهُ لَکُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ فَقَالَ ع: «لا تَثْرِیبَ عَلَیْکُمُ الْیَوْمَ وَ إِنَّ فِیکُمْ رَجُلًا لَوْ بَایَعَنِی بِیَدِهِ لَنَکَثَ بِاسْتِهِ» یَعْنِی مَرْوَانَ بْنَ الْحَکَمِ
و رَوَی الْمَسْعُودِیُّ عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِیدِ عَنْ أَبِی سَعِیدٍ التَّیْمِیِّ عَنْ أَبِی ثَابِتٍ مَوْلَی أَبِی ذَرٍّ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع الْجَمَلَ فَلَمَّا رَأَیْتُ عَائِشَةَ وَاقِفَةً بَیْنَ الصَّفَّیْنِ مَعَهَا طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ قُلْتُ أُمُّ الْمُؤْمِنِینَ وَ زَوْجَةُ الرَّسُولِ ص وَ حَوَارِیُّهُ وَ صَاحِبُهُ بِأُحُدٍ فَدَخَلَنِی مَا یَدْخُلُ النَّاسَ مِنَ الشَّکِّ حَتَّی کَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ کَشَفَ اللَّهُ ذَلِکَ عَنْ قَلْبِی وَ قُلْتُ عَلِیٌّ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ وَ أَحَقُّ النَّاسِ بِسَیِّدِ الْمُرْسَلِینَ ص وَ أَوَّلُهُمْ إِسْلَاماً لَمْ یَکُنْ بِالَّذِی یَقْدَمُ عَلَی شُبْهَةٍ فَقَاتَلْتُ مَعَهُ قِتَالًا شَدِیداً فَلَمَّا انْقَضَی الْحَرْبُ أَتَیْتُ الْمَدِینَةَ فَسِرْتُ إِلَی بَیْتِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهَا فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَیْهَا فَقِیلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: سَائِلٌ فَقَالَتْ:
أَطْعِمُوا السَّائِلَ فَقُلْتُ: إِنِّی وَ اللَّهِ لَمْ أَسْأَلْ طَعَاماً وَ لَکِنِّی مَوْلًی لِأَبِی ذَرٍّ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ جِئْتُ أَسْأَلُ عَنْ دِینِی فَقَالَتْ مَرْحَباً بِکَ فَقَصَصْتُ عَلَیْهَا قِصَّتِی فَقَالَتْ
الجمل، المفید ،ص:418
: أَیْنَ کُنْتَ حِینَ طَارَتِ الْقُلُوبُ مَطَایِرَهَا فَقُلْتُ: إِنِّی بَیْنَمَا أُحِسُّ ذَلِکَ إِذْ کَشَفَ اللَّهُ عَنْ قَلْبِی فَقَاتَلْتُ مَعَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ ع حَتَّی فَرَغَ فَقَالَتْ أَحْسَنْتَ
إِنِّی سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ عَلِیٌّ مَعَ الْقُرْآنِ وَ الْقُرْآنُ مَعَ عَلِیٍّ لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ
الجمل، المفید ،ص:419

فصل‌

عدد القتلی بالبصرة

و قد اختلفت الروایات فی عدد القتلی بالبصرة فقد جاء فی بعضها أنهم خمسة و عشرون ألفا و روی عبد الله بن الزبیر روایة شاذة أنهم کانوا خمسة عشر ألفا قیل و یوشک أن یکون قول ابن الزبیر أثبت و لکن القول بذلک باطل لبعده عن جمیع ما قاله أهل العلم به فإن الأخبار عن عدد من قطعت یده یومئذ و رجله ثم قتل بعد ذلک مشهورة أنهم کانوا نحوا من أربعة عشر ألف رجل
الجمل، المفید ،ص:420

استخلاف ابن عباس علی البصرة

وَ رَوَی الْوَاقِدِیُّ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ لَمَّا أَرَادَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع الْخُرُوجَ مِنَ الْبَصْرَةِ اسْتَخْلَفَ عَلَیْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ وَ أَوْصَاهُ وَ کَانَ فِی وَصِیَّتِهِ لَهُ أَنْ قَالَ:
«یَا ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَیْکَ بِتَقْوَی اللَّهِ وَ الْعَدْلِ بِمَنْ وُلِّیتَ عَلَیْهِ وَ أَنْ تَبْسُطَ لِلنَّاسِ وَجْهَکَ وَ تُوَسِّعَ عَلَیْهِمْ مَجْلِسَکَ وَ تَسَعَهُمْ بِحِلْمِکَ وَ إِیَّاکَ وَ الْغَضَبَ فَإِنَّهُ طِیَرَةٌ مِنَ الشَّیْطَانِ وَ إِیَّاکَ وَ الْهَوَی فَإِنَّهُ یَصُدُّکَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ وَ اعْلَمْ أَنَّ مَا قَرَّبَکَ مِنَ اللَّهِ فَهُوَ مُبَاعِدُکَ مِنَ النَّارِ وَ مَا بَاعَدَکَ مِنَ اللَّهِ فَهُوَ مُقَرِّبُکَ مِنَ النَّارِ وَ اذْکُرِ اللَّهَ کَثِیراً وَ لا تَکُنْ مِنَ الْغافِلِینَ»
وَ رَوَی أَبُو مِخْنَفٍ لُوطُ بْنُ یَحْیَی قَالَ: لَمَّا اسْتَعْمَلَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ عَلَی الْبَصْرَةِ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی رَسُولِهِ ثُمَّ قَالَ:
«یَا مَعَاشِرَ النَّاسِ قَدِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَیْکُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِیعُوا أَمْرَهُ مَا أَطَاعَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنْ أَحْدَثَ فِیکُمْ أَوْ زَاغَ عَنِ الْحَقِّ فَأَعْلِمُونِی أَعْزِلْهُ عَنْکُمْ فَإِنِّی
الجمل، المفید ،ص:421
أَرْجُو أَنْ أَجِدَهُ عَفِیفاً تَقِیّاً وَرِعاً وَ إِنِّی لَمْ أُوَلِّهِ عَلَیْکُمْ إِلَّا وَ أَنَا أَظُنُّ ذَلِکَ بِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَ لَکُمْ»
فأقام عبد الله بالبصرة حتی عمل أمیر المؤمنین ع علی التوجه إلی الشام فاستخلف علیها زیاد ابن أبیه و ضم إلیه أبا الأسود الدؤلی و لحق بأمیر المؤمنین ع حتی سار إلی صفین
الجمل، المفید ،ص:422

ذهاب أمیر المؤمنین ع إلی الکوفة

وَ رَوَی أَبُو مِخْنَفٍ لُوطُ بْنُ یَحْیَی عَنْ رِجَالِهِ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع التَّوَجُّهَ إِلَی الْکُوفَةِ قَامَ فِی أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَقَالَ مَا تَنْقِمُونَ عَلَیَّ یَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَ أَشَارَ إِلَی قَمِیصِهِ وَ رِدَائِهِ فَقَالَ: وَ اللَّهِ إِنَّهُمَا لَمِنْ غَزْلِ أَهْلِی مَا تَنْقِمُونَ مِنِّی یَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَ أَشَارَ إِلَی صُرَّةٍ فِی یَدِهِ فِیهَا نَفَقَتُهُ فَقَالَ وَ اللَّهِ مَا هِیَ إِلَّا مِنْ غَلَّتِی بِالْمَدِینَةِ فَإِنْ أَنَا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِکُمْ بِأَکْثَرَ مِمَّا تَرَوْنَ فَأَنَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْخَائِنِینَ» ثُمَّ خَرَجَ وَ شَیَّعَهُ النَّاسُ إِلَی خَارِجِ الْبَصْرَةِ وَ تَبِعَهُ الْأَحْنَفُ بْنُ قَیْسٍ إِلَی الْکُوفَةِ وَ لَمَّا خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ وَ صَارَ عَلَی غَلْوَةٍ اسْتَقْبَلَ الْکُوفَةَ بِوَجْهِهِ وَ هُوَ رَاکِبٌ بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَخْرَجَنِی مِنْ أَخْبَثِ الْبِلَادِ وَ أَخْشَنِهَا تُرَاباً وَ أَسْرَعِهَا خَرَاباً وَ أَقْرَبِهَا مِنَ الْمَاءِ وَ أَبْعَدِهَا مِنَ السَّمَاءِ بِهَا مَغِیضُ الْمَاءِ وَ بِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ وَ هِیَ مَسْکَنُ الْجِنِّ الْخَارِجُ مِنْهَا بِرَحْمَةٍ وَ الدَّاخِلُ إِلَیْهَا بِذَنْبٍ أَمَا إِنَّهَا لَا تَذْهَبُ الدُّنْیَا حَتَّی یَجِی‌ءَ إِلَیْهَا کُلُّ فَاجِرٍ وَ یَخْرُجَ مِنْهَا کُلُّ مُؤْمِنٍ حَتَّی یَکُونَ مَسْجِدُهَا کَجُؤْجُؤِ سَفِینَةٍ»
الجمل، المفید ،ص:423
فهذه جملة من أخبار البصرة و سبب فتنتها و مقالات أصحاب الآراء فی حکم الفتنة بها و قد أوردناها علی سبیل الاختصار و أثبتنا ما أثبتنا من الأخبار عن رجال العامة دون الخاصة و لم نثبت فی ذلک ما روته الشیعة فی إنکاره إذ کان الغرض فیما أوردناه فی هذا الکتاب تفصیل فتنة البصرة و ما جری فیها من القتال و الفعال و الإبانة عن عناد القوم لأمیر المؤمنین ع و القصد لحربه و سفک دمه من غیر شبهة فی أمره و لا عذر فیما صاروا إلیه من خلافه و لنوضح فیما تضمنته الأخبار فی بطلان مقال من ادعی للقوم التوبة من فرطهم الضلال لحرب أمیر المؤمنین ع و فساد مذهب من ذهب إلی ذلک من المعتزلة و المرجئة و الحشویة
الجمل، المفید ،ص:425

خاتمة

فی تتمة أسباب بغض عائشة لأمیر المؤمنین ع‌

و یدل علی ما أثبتناه منه أن القوم مضوا مصرین علی أعمالهم غیر نادمین علیها و لا تائبین منها و أنهم کانوا یتظاهرون إلی الله بالقربة و الدینونة بعداوتهم لأمیر المؤمنین ع و التبغض له و التضلیل و التبدیع له و لولده و لشیعته و أنصاره و البراءة إلی الله من جمیعهم و أن أمیر المؤمنین ع کان یبدئ إلیهم بمثل ذلک و یری القربة إلی الله بجهادهم و قتالهم حتی مضی ع لسبیله و أنا مثبت بعد الذی قدمت أخبارا قد سلم لصحتها أهل العقل و النقل علی خلافهم فی الآراء و المذاهب تؤکد ما ذکرت فی هذا الکتاب و تشهد بصحة
الجمل، المفید ،ص:426
ما زبرت فإنی کنت قد جمعتها فی موضوع آخر من کتبی و إنما أوردتها فی هذا الکتاب لملاءمتها لمعناه و تأییدها لما تضمنته من فوائده و فحواه و بالله أستعین.
فمن ذلک
مَا رَوَاهُ أَبُو بَکْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْجِعَابِیُّ وَ حَدَّثَنَا بِهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدِ بْنِ عُقْدَةَ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ فَضَّالٍ بِإِسْنَادِهِ فِی کِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْمُنْبِئِ وَ هُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ یَدُلَّ عَلَیْهِ الْعُلَمَاءُ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنِ الْأَجْلَحِ عَنْ أَبِی صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: لَمَّا رَمَی أَهْلُ الْإِفْکِ عَائِشَةَ اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَلِیّاً ع فِیهَا فَقَالَ:
«یَا رَسُولَ اللَّهِ النِّسَاءُ کَثِیرَةٌ وَ سَلِ الْخَادِمَةَ» فَسَأَلُوا بَرِیرَةَ فَقَالَتْ مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَیْراً فَبَلَغَ ذَلِکَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: لَا أُحِبُّ عَلِیّاً بَعْدَ هَذَا أَبَداً وَ کَانَتْ تَقُولُ: لَا أُحِبُّ عَلِیّاً أَبَداً أَ لَیْسَ هُوَ الَّذِی خَلَا وَ صَاحِبُهُ بِجَارِیَتِی یَسْأَلَانِهَا عَنِّی؟
. و هذا حدیث صحیح الإسناد واضح الطریق و هو یتضمن التصریح منها ببغض أمیر المؤمنین ع بنصیحته لرسول الله ص و اجتهاده فی طاعته و مشورته من غیر أن یکون ظلمها بذلک و اعتدی علیها فیه إذ لو کان ذلک کذلک و حاشاه ع لما سمع رسول الله ص مقالته و لا قبل مشورته و لا انتهی فیها إلی رأیه و لما صار بعد ذلک إلی الإصغاء إلیه و الاعتماد فی ذلک علیه فدل علی صوابه ع و ضلال من مقته لأجله و عاداه فیه.
الجمل، المفید ،ص:427
و من ذلک
مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ خَلَفٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ کَثِیرٍ عَنْ إِسْمَاعِیلَ بْنِ زِیَادٍ الْبَزَّازِ عَنْ أَبِی إِدْرِیسَ عَنْ رَافِعٍ مَوْلَی عَائِشَةَ قَالَ: کُنْتُ غُلَاماً أَخْدُمُهَا وَ کُنْتُ إِذَا کَانَ رَسُولُ اللَّهِ عِنْدَهَا أَکُونُ قَرِیباً مِنْهَا فَبَیْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ص ذَاتَ یَوْمٍ عِنْدَهَا إِذْ جَاءَ جَاءٍ فَدَقَّ الْبَابَ فَخَرَجْتُ إِلَیْهِ فَإِذَا جَارِیَةٌ مَعَهَا إِنَاءٌ مُغَطًّی فَرَجَعْتُ إِلَی عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتُهَا فَقَالَتْ أَدْخِلْهَا فَدَخَلَتْ فَوَضَعَتْهُ بَیْنَ یَدَیْ عَائِشَةَ وَ وَضَعَتْهُ عَائِشَةُ بَیْنَ یَدَیْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَأَکَلَ مِنْهُ فَقَالَ ص:
«یَا لَیْتَ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ وَ سَیِّدَ الْمُسْلِمِینَ وَ إِمَامَ الْمُتَّقِینَ یَأْکُلُ مَعِی فَقَالَتْ عَائِشَةُ:
وَ مَنْ ذَلِکَ فَجَاءَ جَاءٍ فَدَقَّ الْبَابَ فَخَرَجْتُ إِلَیْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع فَرَجَعْتُ إِلَیْهِ ص فَقُلْتُ هَذَا عَلِیٌّ بِالْبَابِ فَقَالَ ص:
«أَدْخِلْهُ» فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ لَهُ: «أَهْلًا لَقَدْ تَمَنَّیْتُکَ حَتَّی لَوْ أَبْطَأْتَ لَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ یَأْتِیَنِی بِکَ اجْلِسْ فَکُلْ مَعِی» فَجَلَسَ مَعَهُ وَ رَأَیْتُ النَّبِیَّ ص یَنْظُرُ إِلَیْهِ وَ یَقُولُ: «قَاتَلَ اللَّهُ مَنْ یُقَاتِلُکَ وَ عَادَی اللَّهُ مَنْ عَادَاکَ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ مَنْ یُقَاتِلُهُ وَ یُعَادِیهِ؟ فَقَالَ لَهَا: «أَنْتِ وَ مَنْ مَعَکِ»
. و هذا الحدیث یدل علی عداوتها له من حیث استفهمت عما تعلمه علی وجه الإنکار و دعائه فی آخر القول علی من یقاتله و یعادیه لعلمه بما یکون منها من القتال أیضا و دعائه علی من عاداه لیبین فضیلته و ما هی علیه من البغضاء و الشنئان له و یزیل الشبهة عن الأمة فی حقّه و صوابه و باطل عدوه فی خلافه له و عناده.
الجمل، المفید ،ص:428
و من ذلک
مَا رَوَاهُ غَیْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْأَرْقَمِ بْنِ شُرَحْبِیلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِی مَرَضِهِ الَّذِی تُوُفِّیَ فِیهِ-: «ابْعَثُوا إِلَی عَلِیٍّ فَادْعُوهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَی أَبِی بَکْرٍ وَ قَالَتْ حَفْصَةُ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَی عُمَرَ فَأَمْسَکَ النَّبِیُّ ص وَ بَعَثَتَا إِلَی أَبِی بَکْرٍ وَ عُمَرَ فَلَمَّا حَضَرَا عِنْدَهُ فَتَحَ النَّبِیُّ عَیْنَیْهِ فَرَآهُمَا فَقَالَ: «انْصَرِفَا فَإِنْ تَکُنْ لِی حَاجَةٌ بَعَثْتُ إِلَیْکُمَا»
. و من ذلک
مَا رَوَاهُ إِسْحَاقُ عَنْ عِکْرِمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: أُغْمِیَ عَلَی النَّبِیِّ ص ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: «ادْعُوا لِی أَخِی» فَأَمَرَتْ عَائِشَةُ أَنْ یُدْعَی أَبُو بَکْرٍ فَدَخَلَ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ أَعْرَضَ عَنْهُ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهَا-: ادْعُوا لَهُ عَلِیّاً فَإِنَّهُ أَخُوهُ وَ حَبِیبُهُ فَدُعِیَ لَهُ فَجَاءَ حَتَّی جَلَسَ بَیْنَ یَدَیْهِ فَلَمَّا رَآهُ أَدْنَاهُ وَ نَاجَاهُ طَوِیلًا
و هذا الحدیث مع استقامته و ظهوره و کثرة رواته فی الخاصة و العامة یدل علی عداوتها له و حسدها علیه.
و من ذلک ما اجتمع علیه أهل النقل من شهادتها لأبی بکر فی صواب منعه فاطمة فدکا و مباینتها فی تلک الشهادة أمیر المؤمنین ع فیما ذهب إلیه من استحقاقها و مظاهرة أبی بکر علی منع فاطمة ع من میراث أبیها و لم تشرکها فی ذلک إحدی الأزواج.
الجمل، المفید ،ص:429
و من ذلک
مَا رَوَاهُ إِسْحَاقُ عَنِ الزُّهْرِیِّ عَنْ عُبَیْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْمَرَضَ فِی بَیْتِ مَیْمُونَةَ فَدَعَا نِسَاءَهُ فَاسْتَأْذَنَهُنَّ أَنْ یُمَرَّضَ فِی بَیْتِی فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَیْنَ رَجُلَیْنِ مِنْ أَهْلِ بَیْتِهِ أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَ رَجُلٌ آخَرُ تَخُطُّ قَدَمَاهُ الْأَرْضَ عَاصِباً رَأْسَهُ حَتَّی دَخَلَ بَیْتِی قَالَ عُبَیْدُ اللَّهِ فَحَدَّثْتُ عَنْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِی مَنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: ذَلِکَ عَلِیُّ بْنُ أَبِی طَالِبٍ ع وَ مَا کَانَتْ أُمُّنَا تَذْکُرُهُ بِخَیْرٍ وَ هِیَ تَسْتَطِیعُ
. و من ذلک أن عائشة کانت تذم عثمان و ولاته و کانت تقول کل قول بغضا منه و ترفع قمیص رسول الله ص فتقول هذا قمیص رسول الله لم یبل و قد أبلی عثمان أحکامه و لما جاء الناعی إلی مکة فنعاه بکی لقتله قوم من أهل ظِنَّة فأمرت منادیا ینادی: ما بکاؤکم علی نعثل قد أراد أن یطفئ نور الله فأطفأه الله و أن یضیع سنة رسوله فقتله ثم أرجف بمکة أن طلحة قد بویع له فرکبت مبادرة بغلتها و توجهت نحو المدینة و هی مسرورة حتی انتهت إلی سرف فاستقبلت عبید الله بن أبی سلمة فقالت له: ما عندک من الخبر قال:
قتل عثمان قالت: ثم ما ذا-؟ قال بایعوا علیا ابن عم رسول الله ص
الجمل، المفید ،ص:430
فقالت: و الله لوددت أن هذه أطبقت علی هذه إذ تمت الآن لصاحبک فقال لها عبید الله: و لم؟ فو الله ما علی هذه الغبراء نسمة أکرم علی الله منه فلما ذا تکرهین قوله؟ فقالت: إنا عبنا علی عثمان فی أمور سمیناها له و لمناه علیها فتاب منها و استغفر الله فقبل منه المسلمون و لم یجدوا من ذلک بدا فوثب علیه صاحبک فقتله و الله لإصبع من أصابع عثمان خیر منه و قد مضی کما یمضی الرحیض ثم رجعت إلی مکة تنعی عثمان و تقول هذه المقالة للناس.
فهل یصح رحمکم الله عند أحد من العقلاء دخول الشبهة من بغضها أو یرتاب مکلف فی عنادها لأمیر المؤمنین ع علی ما ذکرناه.
و من ذلک ما رواه نوح بن دراج عن أبی إسحاق قال حدثنی المنهال عن جماعة من أصحابنا أن طلحة لما قدم إلی مکة جاء إلی عائشة فلما رأته قالت: یا أبا محمد قتلت عثمان و بایعت علیا؟ فقال لها: یا أماه مثلی کما قال الأول
ندمت ندامة الکسعی لمارأت عیناه ما صنعت یداه .
أ و لا تری أنها تبدی له العداوة فی کل حال و تظهر له العناد بکل مقال؟.
و من ذلک کتبها إلی الآفاق تؤلب علیه و تخذل الناس عنه من غیر شبهة تعرض فی الدیانة لفعل کان منه ع کتبت إلی زید بن صوحان علی ما اجتمعت علیه نقلة الأخبار.
الجمل، المفید ،ص:431
«بسم الله الرحمن الرحیم من عائشة ابنة أبی بکر أم المؤمنین زوجة النبی إلی ابنها المخلص زید بن صوحان أما بعد فإذا جاءک کتابی هذا فأقم فی بیتک و اخذل الناس عن علی حتی یأتیک أمری و لیبلغنی عنک ما أُقِرُّ به فإنک من أوثق أهلی عندی و السلام».
فکتب إلیها زید بن صوحان رضی الله عنه.
«بسم الله الرحمن الرحیم من زید بن صوحان إلی عائشة بنت أبی بکر أما بعد فإن الله أمرک بأمر و أمرنا بأمر أمرک أن تقری فی بیتک و أمرنا بالجهاد فأتانی کتابک بضد ما أمر الله به و ذلک خلاف الحق و السلام».
و من ذلک ما تظاهرت به الأخبار و ثبتت به الآثار فی الکتب المصنفة فی حرب البصرة و غیرها من کتاب عائشة إلی حفصة علی ما رواه عبد الرحمن الأصم عن الحسن بن أبی الحسن البصری قال لما نزل علی ع بذی قار کتبت إلی حفصة الکتاب الذی قدمنا ذکره.
وَ رَوَی بِشْرُ بْنُ الرَّبِیعِ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِیِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِی الْجَعْدِ قَالَ: ذَکَرَ النَّبِیُّ ص خُرُوجَ بَعْضِ نِسَائِهِ وَ عِنْدَهُ عَائِشَةُ وَ عَلِیٌّ حَاضِرٌ فَضَحِکَتْ عَائِشَةُ فَالْتَفَتَ ص إِلَی عَلِیٍّ فَقَالَ: «یَا عَلِیُّ إِذَا رَأَیْتَ مِنْ أَمْرِهَا شَیْئاً فَارْفُقْ بِهَا»
الجمل، المفید ،ص:432
وَ رَوَی عِصَامُ بْنُ قُدَامَةَ الْبَجَلِیُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِنِسَائِهِ:- «لَیْتَ شِعْرِی أَیَّتُکُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الْأَدْبَبِ تَخْرُجُ حَتَّی تَنْبَحُهَا کِلَابُ الْحَوْأَبِ یُقْتَلُ عَنْ یَمِینِهَا وَ شِمَالِهَا خَلْقٌ کَثِیرٌ کُلُّهُمْ فِی النَّارِ وَ تَنْجُو بَعْدَ مَا کَادَتْ»
وَ رَوَاهُ أَبُو بَکْرِ بْنُ عَیَّاشٍ عَنِ الْکَلْبِیِّ عَنْ أَبِی صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الْمَسْعُودِیُّ وَ فِی حَدِیثِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: «یَا عَلِیُّ إِذَا أَدْرَکْتَهَا فَاضْرِبْهَا وَ اضْرِبْ أَصْحَابَهَا»
وَ رَوَی عَلِیُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: «یَا عَائِشَةُ إِنِّی رَأَیْتُکِ فِی الْمَنَامِ مَرَّتَیْنِ أَرَی جَمَلًا یَحْمِلُکِ فِی سِدَافَةٍ مِنْ حَرِیرٍ فَأَکْشِفُهَا فَإِذَا هِیَ أَنْتِ»
.
الجمل، المفید ،ص:433
أ فلا تری أن رسول الله ص نهاها و قد بین ما یکون منها علی علم منه فی مصیرها و عاقبة أمرها ثم نهاها عن ذلک و زجرها و دعا علیها لأجله و توعدها فأقدمت علی خلافه مستبصرة بعداوته و ارتکبت نهیه معاندة له فی أمره و صارت إلی ما زجرها عنه مع الذکر له و العلم به من غیر شبهة فی معاندته علی أن کتاب الله المقدم فی الحجة علی ما یعضده من أثر و خبر و سنة قد أوضح ببرهانه علی إقدام المرأة علی الخلاف له من غیر شبهة و قتاله و قتال أولیائه لغیر حجة بقوله تعالی لها و لجمیع نساء النبی ص: وَ قَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِینَ الزَّکاةَ فخرجت من بیتها مخالفة لأمر الله و تبرجت بین الملإ و العساکر فی الحروب تبرج الجاهلیة الأولی و أباحت دماء المسلمین و أفسدت الشرع علی المؤمنین و أوقعت فی الدین الشبهات علی المستضعفین.
و من ذلک
مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطُّهَوِیُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِیکٍ الْعَامِرِیِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُدَیْلٍ الْخُزَاعِیَّ یَقُولُ لِعَائِشَةَ: أَنْشُدُکَ اللَّهَ أَ لَمْ نَسْمَعْکَ تَقُولِینَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص یَقُولُ-: «عَلِیٌّ مَعَ الْحَقِّ وَ الْحَقُّ مَعَ عَلِیٍّ لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَیَّ الْحَوْضَ؟» قَالَتْ: بَلَی قَالَ لَهَا: فَلِمَ ذَلِکَ؟ قَالَتْ: دَعُونِی وَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهُمْ تَفَانَوْا جَمِیعاً
.
الجمل، المفید ،ص:434
فدل ذلک علی أنه لم یعترضها شبهة فی قتاله و أنها فی خلاف الله و رسوله ص و الأخبار فی هذا المعنی کثیرة إن أخذنا فی إیرادها طال بها الکتاب
الجمل، المفید ،ص:435

سبب عناد طلحة و الزبیر لأمیر المؤمنین ع‌

فأما ما جاء فی عناد طلحة و الزبیر لأمیر المؤمنین ع و إقدامهما علی حربه طمعا فی نیل الأمر من بعده بغیر شبهة فی ذلک و أنهما کانا متولیین لقتل عثمان فلما بایع الناس لأمیر المؤمنین ع و فاتهما ما کانا یأملانه من التأمر علی الناس عمدا إلی حربه و رمیاه بما صنعاه بعثمان و عانداه فی ذلک و کابراه و دفعا به المعلوم.
فَرَوَی مُوسَی بْنُ مُطَیْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ دَخَلْنَا الْمَدِینَةَ فَبَدَأْنَا بِطَلْحَةَ فَخَرَجَ مُشْتَمِلًا بِقَطِیفَةٍ حَمْرَاءَ فَذَکَرْنَا لَهُ أَمْرَ عُثْمَانَ وَ أَمْرَ الْقَوْمِ فَقَالَ: لَقَدْ کَادَ سُفَهَاؤُکُمْ أَنْ یَغْلِبُوا عُقَلَاءَکُمْ ثُمَّ قَالَ: أَ جِئْتُمْ مَعَکُمْ بِحَطَبٍ أَلَا! فَخُذُوا هَاتَیْنِ الْحَزْمَتَیْنِ فَاذْهَبُوا بِهِمَا بَابَهُ فَأَحْرِقُوهُ بِالنَّارِ فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ وَ أَتَیْنَا الزُّبَیْرَ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ فَخَرَجْنَا حَتَّی أَتَیْنَا عَلِیّاً عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّیْتِ فَذَکَرْنَا لَهُ أَمْرَهُ فَقَالَ: «اسْتَتِیبُوا الرَّجُلَ وَ لَا تَعْجَلُوا فَإِنْ رَجَعَ عَمَّا هُوَ عَلَیْهِ وَ إِلَّا فَانْظُرُوا»
وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الْأَسَدِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ
الجمل، المفید ،ص:436
قَالَ: کُنْتُ مَعَ عُثْمَانَ وَ هُوَ مَحْصُورٌ فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ بَعَثَنِی وَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ الزُّهْرِیَّ إِلَی عَلِیٍّ ع وَ قَدِ اسْتَوْلَی طَلْحَةُ عَلَی الْأَمْرِ وَ قَالَ: انْطَلِقَا وَ قُولَا لَهُ إِنَّکَ أَوْلَی بِالْأَمْرِ مِنِ ابْنِ الْحَضْرَمِیَّةِ فَلَا یَغْلِبَنَّکَ عَلَی أَمْرِ ابْنِ عَمِّکَ.
وَ رَوَی الْفَضْلُ بْنُ دُکَیْنٍ عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِیفَةَ عَنْ عِمْرَانَ الْخُزَاعِیِّ عَنْ مَیْسَرَةَ بْنِ جَرِیرٍ قَالَ: کُنْتُ عِنْدَ الزُّبَیْرِ بِأَحْجَارِ الزَّیْتِ وَ هُوَ آخِذٌ بِیَدِی فَأَتَاهُ رَجُلٌ وَ قَالَ یَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الدَّارِ قَدْ حِیلَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْمَاءِ فَقَالَ دَبَرُوا وَ أَدْبَرُوا وَ حِیلَ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ ما یَشْتَهُونَ کَما فُعِلَ بِأَشْیاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ کانُوا فِی شَکٍّ مُرِیبٍ.
فهذه الأخبار و أمثالها قد جاءت بما فعل طلحة و الزبیر بعثمان و ما أباحاه من دمه. و أن أمیر المؤمنین کان معتزلا لذلک عن عثمان دافعا عنه بحسب الإمکان ثم جاءا بعد ذلک یطلبان بدم عثمان و یدعیان علیه أنه تولی قتله و یقرفانه بما ادعیاه و یعملان فی قتل أهل الإیمان و إثارة الفتنة فی الإسلام و هلاک العباد و البلاد.
وَ رَوَی إِبْرَاهِیمُ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ نُوحِ بْنِ دَرَّاجٍ أَنَّ عَلِیّاً ع قَالَ لَهُمَا:
«وَ اللَّهِ مَا لِلْعُمْرَةِ تُرِیدَانِ وَ قَدْ بَلَغَنِی أَمْرُکُمَا وَ أَمْرُ صَاحِبَتِکُمَا» فَحَلَفَا بِاللَّهِ مَا یُرِیدَانِ إِلَّا الْعُمْرَةَ
الجمل، المفید ،ص:437
وَ رَوَی الْحَسَنُ بْنُ الْمُبَارَکِ عَنْ بَکْرِ بْنِ عِیسَی أَنَّ عَلِیّاً ع أَخَذَ عَلَیْهِمَا الْعَهْدَ وَ الْمِیثَاقَ أَعْظَمَ مَا أَخَذَهُ عَلَی أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ لَا یُخَالِفَا وَ لَا یَنْکُثَا وَ لَا یَتَوَجَّهَا وَجْهاً غَیْرَ الْعُمْرَةِ حَتَّی یَرْجِعَا إِلَیْهِ فَأَعْطَیَاهُ ذَلِکَ مِنْ أَنْفُسِهِمَا ثُمَّ أَذِنَ لَهُمَا فَخَرَجَا.
وَ رَوَتْ أُمُّ رَاشِدٍ مَوْلَاةُ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ طَلْحَةَ وَ الزُّبَیْرَ دَخَلَا عَلَی عَلِیٍّ ع فَاسْتَأْذَنَاهُ فِی الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ لَهُمَا فَلَمَّا وَلَّیَا مِنْ عِنْدِهِ سَمِعَتْهُمَا یَقُولَانِ: مَا بَایَعْنَاهُ بِقُلُوبِنَا وَ إِنَّمَا بَایَعْنَاهُ بِأَیْدِینَا فَأَخْبَرَتْ عَلِیّاً ع بِمَقَالَتِهِمَا فَقَالَ: «إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ یَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَیْدِیهِمْ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّما یَنْکُثُ عَلی نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفی بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللَّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً» ثُمَّ قَامَ ع خَطِیباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ فَقَالَ:
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ النَّبِیَّ ص حِینَ قُبِضَ کُنَّا نَحْنُ أَهْلَ بَیْتِهِ وَ عَصَبَتَهُ وَ وَرَثَتَهُ وَ أَوْلِیَاءَهُ وَ أَحَقَّ خَلْقِ اللَّهِ بِهِ لَا نُنَازِعُ فِی ذَلِکَ فَبَیْنَنَا نَحْنُ نَقُولُ ذَلِکَ إِذْ نَفَرَ الْمُنَافِقُونَ فَانْتَزَعُوا سُلْطَانَ نَبِیِّنَا مِنَّا وَ وَلَّوْهُ غَیْرَنَا وَ ایْمُ اللَّهِ فَلَوْ لَا مَخَافَةُ الْفُرْقَةِ بَیْنَ الْمُسْلِمِینَ أَنْ یَعُودُوا إِلَی الْکُفْرِ لَکُنَّا غَیَّرْنَا ذَلِکَ مَا اسْتَطَعْنَا وَ قَدْ وَلَّیْتُمُونَا أَیُّهَا النَّاسُ أَمْرَکُمْ وَ قَدْ بَایَعَنِی طَلْحَةُ وَ الزُّبَیْرُ فِیمَنْ بَایَعَنِی مِنْکُمْ ثُمَّ نَهَضَا إِلَی الْبَصْرَةِ لِیُفَرِّقَا جَمَاعَتَکُمْ وَ یُلْقِیَا بَأْسَکُمْ بَیْنَکُمْ اللَّهُمَّ فَخُذْهُمَا بِغَشِّهِمَا هَذِهِ الْأُمَّةَ وَ سُوءِ بَطَرِهِمَا»
الجمل، المفید ،ص:438
قال أبو عبد الله و قد کان فی منع الحسن ع أن یدفن مع جده ص مما لا خلاف فیه بین العلماء و فیما حاورت به القوم إذ قالت:
ما لکم و لی؟ تریدون أن تدخلوا بیتی من لا أحب دلیل علی أنها مبغضة له و کانت مؤذیة له فی أسباب لا حاجة لنا بذکرها.
و من الله نسأل التوفیق لما یرضیه و العمل بما یقرب منه و نستهدیه إلی سبیل الرشاد إنه ولی الإجابة قریب مجیب و الحمد لله و صلاته و سلامه علی محمد و آله

تعريف مرکز القائمیة باصفهان للتحریات الکمبیوتریة

جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ في سَبيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (التوبة/41).
قالَ الإمامُ علیّ ُبنُ موسَی الرِّضا – علـَیهِ السَّلامُ: رَحِمَ اللّهُ عَبْداً أحْيَا أمْرَنَا... َ يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَ يُعَلِّمُهَا النَّاسَ؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا... (بَــنـادِرُ البـِحـار – فی تلخیص بحـار الأنوار، للعلاّمة فیض الاسلام، ص 159؛ عُیونُ أخبارِ الرِّضا(ع)، الشـَّیخ الصَّدوق، الباب28، ج1/ ص307).
مؤسّس مُجتمَع "القائمیّة" الثـَّقافیّ بأصبَهانَ – إیرانَ: الشهید آیة الله "الشمس آباذی" – رَحِمَهُ اللهُ – کان أحداً من جَهابـِذة هذه المدینة، الذی قدِ اشتهَرَ بشَعَفِهِ بأهل بَیت النبیّ (صلواتُ اللهِ علـَیهـِم) و لاسیَّما بحضرة الإمام علیّ بن موسَی الرِّضا (علیه السّلام) و بـِساحة صاحِب الزّمان (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرجَهُ الشَّریفَ)؛ و لهذا أسّس مع نظره و درایته، فی سَنـَةِ 1340 الهجریّة الشمسیّة (=1380 الهجریّة القمریّة)، مؤسَّسة ًو طریقة ًلم یـَنطـَفِئ مِصباحُها، بل تـُتـَّبَع بأقوَی و أحسَنِ مَوقِفٍ کلَّ یومٍ.
مرکز "القائمیّة" للتحرِّی الحاسوبیّ – بأصبَهانَ، إیرانَ – قد ابتدَأَ أنشِطتَهُ من سَنـَةِ 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریّة القمریّة) تحتَ عنایة سماحة آیة الله الحاجّ السیّد حسن الإمامیّ – دامَ عِزّهُ – و مع مساعَدَةِ جمع ٍمن خِرّیجی الحوزات العلمیّة و طلاب الجوامع، باللیل و النهار، فی مجالاتٍ شتـَّی: دینیّة، ثقافیّة و علمیّة...
الأهداف: الدّفاع عن ساحة الشیعة و تبسیط ثـَقافة الثـَّقـَلـَین (کتاب الله و اهل البیت علیهـِمُ السَّلامُ) و معارفهما، تعزیز دوافع الشـَّباب و عموم الناس إلی التـَّحَرِّی الأدَقّ للمسائل الدّینیّة، تخلیف المطالب النـّافعة – مکانَ البَلاتیثِ المبتذلة أو الرّدیئة – فی المحامیل (=الهواتف المنقولة) و الحواسیب (=الأجهزة الکمبیوتریّة)، تمهید أرضیّةٍ واسعةٍ جامعةٍ ثـَقافیّةٍ علی أساس معارف القرآن و أهل البیت –علیهم السّلام – بباعث نشر المعارف، خدمات للمحققین و الطـّلاّب، توسعة ثقافة القراءة و إغناء أوقات فراغة هُواةِ برامِج العلوم الإسلامیّة، إنالة المنابع اللازمة لتسهیل رفع الإبهام و الشـّـُبُهات المنتشرة فی الجامعة، و...
- مِنها العَدالة الاجتماعیّة: التی یُمکِن نشرها و بثـّها بالأجهزة الحدیثة متصاعدة ً، علی أنـّه یُمکِن تسریعُ إبراز المَرافِق و التسهیلاتِ – فی آکناف البلد - و نشرِ الثـَّقافةِ الاسلامیّة و الإیرانیّة – فی أنحاء العالـَم - مِن جـِهةٍ اُخرَی.
- من الأنشطة الواسعة للمرکز:
الف) طبع و نشر عشراتِ عنوانِ کتبٍ، کتیبة، نشرة شهریّة، مع إقامة مسابقات القِراءة
ب) إنتاجُ مئات أجهزةٍ تحقیقیّة و مکتبیة، قابلة للتشغیل فی الحاسوب و المحمول
ج) إنتاج المَعارض ثـّـُلاثیّةِ الأبعاد، المنظر الشامل (= بانوراما)، الرّسوم المتحرّکة و... الأماکن الدینیّة، السیاحیّة و...
د) إبداع الموقع الانترنتی "القائمیّة" www.Ghaemiyeh.com و عدّة مَواقِعَ اُخـَرَ
ه) إنتاج المُنتـَجات العرضیّة، الخـَطابات و... للعرض فی القنوات القمریّة
و) الإطلاق و الدَّعم العلمیّ لنظام إجابة الأسئلة الشرعیّة، الاخلاقیّة و الاعتقادیّة (الهاتف: 00983112350524)
ز) ترسیم النظام التلقائیّ و الیدویّ للبلوتوث، ویب کشک، و الرّسائل القصیرة SMS
ح) التعاون الفخریّ مع عشراتِ مراکزَ طبیعیّة و اعتباریّة، منها بیوت الآیات العِظام، الحوزات العلمیّة، الجوامع، الأماکن الدینیّة کمسجد جَمکرانَ و...
ط) إقامة المؤتمَرات، و تنفیذ مشروع "ما قبلَ المدرسة" الخاصّ بالأطفال و الأحداث المُشارِکین فی الجلسة
ی) إقامة دورات تعلیمیّة عمومیّة و دورات تربیة المربّـِی (حضوراً و افتراضاً) طیلة السَّنـَة
المکتب الرّئیسیّ: إیران/أصبهان/ شارع"مسجد سیّد"/ ما بینَ شارع"پنج رَمَضان" ومُفترَق"وفائی"/بنایة"القائمیّة"
تاریخ التأسیس: 1385 الهجریّة الشمسیّة (=1427 الهجریة القمریّة)
رقم التسجیل: 2373
الهویّة الوطنیّة: 10860152026
الموقع: www.ghaemiyeh.com
البرید الالکترونی: Info@ghaemiyeh.com
المَتجَر الانترنتی: www.eslamshop.com
الهاتف: 25-2357023- (0098311)
الفاکس: 2357022 (0311)
مکتب طهرانَ 88318722 (021)
التـِّجاریّة و المَبیعات 09132000109
امور المستخدمین 2333045(0311)
ملاحَظة هامّة:
المیزانیّة الحالیّة لهذا المرکز، شـَعبیّة، تبرّعیّة، غیر حکومیّة، و غیر ربحیّة، اقتـُنِیَت باهتمام جمع من الخیّرین؛ لکنـَّها لا تـُوافِی الحجمَ المتزاید و المتـَّسِعَ للامور الدّینیّة و العلمیّة الحالیّة و مشاریع التوسعة الثـَّقافیّة؛ لهذا فقد ترجَّی هذا المرکزُ صاحِبَ هذا البیتِ (المُسمَّی بالقائمیّة) و مع ذلک، یرجو مِن جانب سماحة بقیّة الله الأعظم (عَجَّلَ اللهُ تعالی فرَجَهُ الشَّریفَ) أن یُوفـِّقَ الکلَّ توفیقاً متزائداً لِإعانتهم - فی حدّ التـّمکـّن لکلّ احدٍ منهم – إیّانا فی هذا الأمر العظیم؛ إن شاءَ اللهُ تعالی؛ و اللهُ ولیّ التوفیق.