الانوار الباهرة بفضائل اهل بيت النبوي و الذرية الطاهرة

اشارة

عنوان و نام پديدآور : الانوار الباهره بفضائل اهل البيت النبوي و الذريه الطاهره

عبدالله بن عبدالقادر التليدي المغربي ؛ تحقيق محمد كاظم الموسوي

نويسنده: ابوالفتوح عبدالله بن عبد القادر التليدى المغربى

وفات: قرن 14

تعداد جلد واقعى: 1

زبان: عربى

مشخصات نشر : تهران: مجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلاميه، 1388.

مشخصات ظاهري : 224ص.

فروست : سلسله فضايل اهل البيت عند اهل السنه؛ 5

شابك : :9648889791

وضعيت فهرست نويسي : در انتظار فهرستنويسي (اطلاعات ثبت)

شماره كتابشناسي ملي : 2150432

موضوع: اهل البيت عليهم السلام

المقدّمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

الأحزاب/ 33

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:5

إنّ كثيرا من الملامح التي اتّسم بها تاريخ العلاقة بين أهل البيت عليهم السّلام و الأمة الإسلامية، يمكن تفسيره بالموقع القريب الذي أحرزه أفراد هذا البيت من الجماهير المسلمة. و بالأخصّ الشارع العريض الذي يشكّل الفقراء و المحرومون الجزء الأعظم منه، و الذي عدّ القاعدة التي استندت عليه الدولة الإسلامية.

فمنذ رحيل الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله، و من بعده الخلافة الراشدة، عانت الأمة المشاقّ المريرة، و المقترنة بالضيم و القهر، و ما جرى عليها من ويلات لحقتها جرّاء تهوّر بعض الأمراء، و تطرّف البعض الآخر، الذين تعاقبوا على سدّة الحكم.

و هكذا بدت صورة الأمة عند انفكاكها من جحيم الاستبداد الذي كان مستشريا، صورة مظلمة للغاية فيما يتعلّق بالبنى التحتية لقضايا التنمية و التعليم، و الخدمات الاجتماعية و الثقافية و الحضارية و ...

فكان لابدّ من أن تنحاز الأمة إلى من ينقذها و يصون كرامتها، و يعيدها إلى سابق عهدها. و لم تجد أهلا لهذا الأمر سوى العلماء و الفقهاء الورعين و صلحاء الأمة، و كان أهل البيت هم المقدّمين على هذا

الصعيد.

فهم الذين جسّدوا الإسلام بكلّ تعاليمه الدقيقة، و طبّقوا كل مفاهيمه و قيمه، و لم

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:6

يدعوا ما يضرّ الدين و لا الدولة ممّا ابتدعها أعداؤهم، و اختلقتها جهات عديدة مغرضة، همّها زرع الفتنة، و تكريس التفرقة بين المسلمين.

إنّ الآثار المتعدّدة الجوانب التي أحدثها أهل بيت محمد صلّى اللّه عليه و آله في مجال العلم و المعرفة، و حماية مقدّسات الإسلام، و تعزيز وحدة المسلمين و تعاونهم، و مقاومة الهجمات الثقافية التي يشنّها المبطلون بين الفينة و الأخرى و ... يمكن مشاهدتها في مختلف المواقع، و تناقلتها الكتب و المصنّفات التي تعرّضت بدرجة و أخرى لسيرتهم، و سجّلت مواقفهم الشريفة.

إنّ درجة كلّ أثر من الآثار التي أحدثوها في جميع بقاع العالم الاسلامي، تختلف بالضرورة من مكان لآخر، بحسب طبيعة المكان و الظروف التي أحاطت به، و المناخ السياسي و الاجتماعي و الثقافي الذي لفّ بتلك البقعة، لكنّها تشترك جميعا في نقطتين مهمّتين:

الأولى: الإخلاص في جميع سلوكياتهم، و هو ما ينمّ عن أصالة مواقفهم، و النيّة التي كانوا عليها.

الثانية: النزعة التقريبية التي كانوا يتّسمون بها، حيث رفضوا كلّ حلول مغشوشة و مستوردة، يراد منها إشعال الفتن بين أبناء الأمة، فمالوا إلى صوب الحوار و التقارب، و تجنّبوا العصبية، و نبذوا التعاون على الإثم و العدوان.

إذن، فالقول بأنّ أهل بيت علي عليه السّلام قد تركوا بصماتهم واضحة على حياة و سيرة المسلمين، و أثّروا فيهم أعمق التأثير، قول لا يحتاج إلى مزيد من البيان و المناقشة، لأنّ التاريخ يثبتها بشهادات مؤكّدة يرويها أصحاب هذه الصناعة و المتضلّعون فيها.

أليس التحوّل العميق الذي أصاب مسيرة الأمة، و جوانب التقدّم الذي أحرزته على كافّة الأصعدة، يعدّ مظهرا من مظاهر

التأثّر بالموروثات الأصيلة عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته الطاهرين عليهم السّلام؟

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:7

ألم يجسّدوا في سلوكياتهم ثقافة التقريب، و يتجنّبوا المواقف الحادّة و المتشنّجة بالمداراة تارة و الموضوعية أخرى، و لم يقوموا بمبادرات لا تثمر إلّا التمزيق و إضعاف شوكة المسلمين؟

لقد قام أهل هذا البيت الشريف بتثبيت الخطوة الأولى بالاتّجاه الصحيح، بعد أن أوشك- أوكادت- الأمة أن تضلّ و تميل.

فليس غريبا أن يؤكّد الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله على ضرورة مودّة أهل بيته، و يشدّد على حبّ علي عليه السّلام و أبنائه، و يختصّهم بمناقب و فضائل عظيمة لم يشاركهم فيها أحد.

و هذا الكتاب الذي بين يديك عزيزنا القارئ، شاهد آخر على ما نقول، فهو يعدّ من تلك المصنّفات التي ظهرت لتروي جانبا من جوانب فضائل أهل هذا البيت الشريف، و تدلّل على مكانتهم و مقامهم المحمود، و تصبّ جام غضبها على من عاداهم و أبغضهم.

لكنّه في الوقت نفسه يثير فينا الإحساس بالتقريب و الشعور بدفئه، من جهة أنّ صاحبه يعدّ من أعلام المالكية في المغرب الإسلامي (1345 ه)، و من جهة أخرى أنّ الكتاب ضمّ بعض الأمور التي رآها المحقّق أنّها قد اشتبهت على المؤلّف، و لم يقف على حقيقتها.

لكن رغم ذلك يجد مركزنا العلمي التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ذلك حافزا على تجسيد الوعي التقريبي و نشره كثقافة في الأوساط الإسلامية.

لقد سعى المحقّق الفاضل السيد محمد كاظم الموسوي إلى تقديم الأفضل ممّا لديه في مجال التوثيق و التعليق، فلم يمل إلى جهة، و لم ينحاز إلى جانب معيّن، بل رجّح الموضوعية و تمسّك بالأمانة العلمية، و بالتعاون و التنسيق مع قسم التاريخ

و الرجال التابع للمركز، تمّ متابعته و إخراجه بالصورة التي تتناسب و ذوق المسلم المعاصر.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:8

و في الوقت الذي نثمّن جهود المحقّق الفاضل على هذا الصعيد، و إنجازه الذي أتى ما بوسعه من طاقة، و بصورة تليق و محتوى الكتاب النفيس، و جهود قسم التاريخ و الرجال الذي لم يبخل بما لديه من كادر و إمكانيات سخّرها من أجل طبع و نشر هذا السفر الجليل، نجدّد دعوتنا إلى كلّ أصحاب القلم و البحث و التحقيق، ليتحفونا بما لديهم من مشاريع تصبّ في أهداف التقريب، و أعمال علمية و ثقافية تساهم في تعزيز الوحدة و التماسك بين فرقاء المسلمين.

و الحمد للّه أولا و أخيرا.

مركز التحقيقات و الدراسات العلمية التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:9

كلمة المحقّق

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

و الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين، و صحبه المنتجبين، و بعد:

أهل البيت هم شجرة النبوّة «1» التي اصطفاها عزّ و جلّ من بين خلقه، و اصطنعها على عينه، و طهّرها و غذّاها حتّى بلغت من مراقي الكمال أعلاها، و من المناقب أفضلها و أغلاها، حتّى صاروا منبع الفضائل و الكمالات، و معدن العلم و مختلف الملائكة، يرشح على العباد ما يطفح من علومهم، فصاروا أعلام الهداية و منار السبل و سفن النجاة، هم: علي و فاطمة و الحسن و الحسين و ذرّيتهم المعصومون المطهّرون الذين طهّرهم اللّه من كلّ رجس، قال تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «2».

قال ابن حجر الهيتمي في الصواعق: قال أكثر المفسّرين على أنّها نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين «3».

______________________________

(1). شرح

النهج 7: 281.

(2). الأحزاب: 33.

(3). الصواعق المحرقة 2: 321.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:10

و قال أيضا: و صحّ أنّه جعل على هؤلاء كساء و قال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي و حامّتي- أي خاصّتي- أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا» فقالت أمّ سلمة:

و أنا معهم؟ قال صلّى اللّه عليه و اله: «إنّك على خير» «1».

و قد جعل اللّه سبحانه مودّتهم و محبّتهم و ولاءهم أجر الرسالة، قال ابن عباس:

لمّا نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى «2» قالوا: يا رسول اللّه، من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «علي و فاطمة و ابناهما» «3».

و هم حبل اللّه الذي أمر العباد أن يتمسّكوا به كي لا تفرّقهم السبل، قال ابن حجر الهيتمي: أخرج الثعلبي في تفسيره عن جعفر الصادق عليه السّلام أنّه قال: «نحن حبل اللّه الذي قال اللّه فيه: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا «4».

و هم العترة الذين جعلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عدل الكتاب و أحد الثقلين، فقال صلّى اللّه عليه و اله:

«إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه حبل ممدود بين السماء و الأرض و عترتي أهل بيتي، و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» «5».

و قال صلّى اللّه عليه و اله: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبدا: كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي، و لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» «6».

______________________________

(1). المصدر السابق: 422. و سيأتي مزيد كلام عن الآية و تفسيرها و اختصاصها بأهل البيت عليهم السّلام عند تعرّض المصنّف لذلك.

(2). الشورى: 23.

(3). الصواعق المحرقة 2: 487.

(4). المصدر السابق: 444، و الآية:

103 من آل عمران.

(5). المعجم الكبير 3: 66 و 5: 154، كنز العمال 1: 186، مسند أحمد 3: 17.

و الحديث مرويّ بطرق كثيرة جدا في بعضها: «إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي» مسند أحمد 3: 59 و مسند أبي يعلى 2: 376، و في بعضها: «أحدهما أكبر من الآخر: كتاب اللّه و عترتي» مسند أبي يعلى 2: 303، و سيأتي مزيد كلام عن الحديث.

(6). كنز العمال 1: 176 رقم 873 و 1: 186 رقم 946.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:11

فأمر صلّى اللّه عليه و اله بالتمسّك بهم و الأخذ منهم و الرجوع إليهم، و حصر صلّى اللّه عليه و اله طريق الهداية و النجاة بالثقلين: الكتاب و العترة، ثم وصفهم بأنّهم سفن النجاة، و من تخلّف عنهم هلك، قال صلّى اللّه عليه و اله: «مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، و من تخلّف عنها هلك» «1».

فكلّ ذلك يدلّ على أنّه صلّى اللّه عليه و اله أوجب الاقتداء و التمسّك بهم و الاهتداء بهديهم.

و مثله قوله صلّى اللّه عليه و اله: «من أحبّ أن يحيا حياتي و يموت مماتي، و يسكن جنّة الخلد التي و عدني ربّي، فإنّ ربّي عزّ و جلّ غرس قضبانها بيده، فليتولّ عليّ بن أبي طالب و ذرّيته من بعده، فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدى، و لن يدخلوكم في باب ضلالة» «2».

و قوله صلّى اللّه عليه و اله لعمّار: «يا عمّار! إذا رأيت عليا سلك واديا، و سلك الناس واديا غيره، فاسلك مع علي ودع الناس، إنّه لن يدلّك على ردى، و لن يخرجك من الهدى» «3».

و قوله صلّى اللّه عليه و اله: «من آمن بي

فليتولّ علي بن أبي طالب، فإنّ ولايته ولايتي، و ولايتي ولاية اللّه» «4».

ثم قرنهم صلّى اللّه عليه و اله به في الصلاة عليه، قال ابن حجر: صحّ عن كعب بن عجرة قال: لمّا نزلت هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً «5» قلنا: يا رسول اللّه، قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف

______________________________

(1). المعجم الأوسط 4: 284، كنز العمال 12: 94، سبل الهدى 11: 11 و قال: رواه البزّار و الطبراني و أبو نعيم عن ابن عباس، و البزّار عن عبد اللّه بن الزبير، و ابن جرير و الحاكم و الخطيب في المتّفق و المفترق عن أبي ذرّ، و الطبراني في الصغير و الأوسط عن أبي سعيد الخدري.

(2). كنز العمال 11: 611.

(3). المصدر السابق: 613 و قال: أخرجه الديلمي عن أيوب و عمار.

(4). المصدر نفسه: 611.

(5). الأحزاب: 56.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:12

نصلّي عليك؟ قال صلّى اللّه عليه و اله: «قولوا: اللّهم صلّ على محمد و على آل محمد» «1».

و نهى عن ذكره في الصلاة دونهم، و سمّاها الصلاة البتراء، قال ابن حجر: قال صلّى اللّه عليه و اله:

«لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء»، فقالوا: و ما الصلاة البتراء؟ قال: «تقولون: اللّهم صلّ على محمد و تمسكون، بل قولوا: اللّهم صلّ على محمد و على آل محمد» «2».

و لأجل ذلك كلّه حذّر النبي صلّى اللّه عليه و اله من مفارقتهم و معاداتهم و إيذائهم، قال صلّى اللّه عليه و اله:

«اشتدّ غضب اللّه على من آذاني في عترتي» «3».

و قال صلّى اللّه عليه و اله «لا يبغضنا أهل البيت أحد إلّا أدخله اللّه النار» «4».

و قال صلّى اللّه عليه

و اله: «من آذاني في عترتي فعليه لعنة اللّه» «5».

و قال صلّى اللّه عليه و آله: «حرّمت الجنّة على من ظلم أهل بيتي، أو قاتلهم، أو أعان عليهم، أو سبّهم» «6».

و لم يكتف صلّى اللّه عليه و اله حتّى جعل معاداة أهل البيت عليهم السّلام معاداة له، و المسالمة لهم مسالمة له، فقال صلّى اللّه عليه و اله لعلي و فاطمة و الحسن و الحسين: «أنا حرب لمن حاربكم، و سلم لمن سالمكم، و عدوّ لمن عاداكم» «7».

و قال صلّى اللّه عليه و اله: «يا علي، حربك حربي و سلمك سلمي» «8» و مثلها أحاديث كثيرة واردة في التحذير من مفارقتهم و معاداتهم.

______________________________

(1). الصواعق المحرقة 2: 429.

(2). المصدر السابق: 430.

(3). كنز العمال 12: 93، الجامع الصغير 1: 128، فيض القدير 1: 515.

(4). كنز العمال 12: 104، سير أعلام النبلاء 2: 123.

(5). سبل الهدى 11: 9.

(6). المصدر السابق.

(7). كنز العمال 12: 97، مصنّف أبي شيبة 7: 521، صحيح ابن حبّان 15: 434، أسد الغابة 3: 7، المعجم الأوسط 6: 9 و 8: 128، المعجم الكبير 3: 179، سير أعلام النبلاء 2: 122 و 3: 258.

(8). ينابيع المودّة 1: 172 و قال: قال زيد بن أرقم: أشهد لقد حدّثنا به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:13

هؤلاء هم أهل البيت، و هذه مناقبهم و خصائصهم، و هذه حقوقهم على الأمّة، و يجمع ذلك كلّه ما ورد في تفسير قوله: وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ «1» قال ابن حجر:

قال الواحدي: أي: عن ولاية علي و أهل البيت. و قال أيضا: أخرج الديلمي عن أبي سعيد: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله قال: «وقفوهم إنّهم مسؤولون

عن ولاية علي» «2».

و من ثمّ اهتمّ العلماء بنقل و رواية مناقب و فضائل أهل البيت عليهم السّلام، و بيان حقوقهم، و وجوب اتّباعهم، فصنّفوا أبوابا في الموسوعات الحديثية، و كتبوا في ذلك كتبا مفردة.

و لم يكن ذلك أمرا هيّنا و لا سهلا، فلقد لاقى الرواة و المحدّثون الأذى و التعذيب، و التقتيل و التكذيب جرّاء ذلك، و لم يكن لهم ذنب سوى أنّهم حدّثوا بالروايات الصحيحة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله في فضل العترة الطاهرة.

و لم يسلم من ذلك الأذى حتّى أئمة الحديث من أهل السنّة؛ مثل الإمام أحمد بن شعيب النسائي صاحب السنن، فقد خرج من مصر و قصد دمشق و نزل بها، فوجد أكثر أهلها منحرفين عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام، فأخذ على نفسه وضع كتاب يضمّ مناقبه، فكتب «خصائص أمير المؤمنين» و حدّث به، فسئل عن معاوية، فقال:

أما يرضى معاوية رأسا برأس حتّى يفضّل؟! و في رواية قال: لا أعرف له فضيلة، إلّا «لا أشبع اللّه له بطنا» فهجموا عليه، و ما زالوا يدفعون في خصييه و داسوه حتّى أخرجوه من المسجد، فحمل إلى الرملة و مات بها. و قال في تهذيب الكمال: فضربوه في الجامع، و أخرجوه و هو عليل، و توفّي مقتولا شهيدا «3».

______________________________

(1). الصافات: 24.

(2). الصواعق المحرقة 2: 437.

(3). تهذيب الكمال 1: 339، و القصّة مذكورة في تذكرة الحفّاظ للذهبي 2: 700، و طبقات الشافعية-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:14

و هكذا صنع بالحافظ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي المقتول بجامع دمشق سنة 658 للهجرة، بسبب تحديثه بروايات مناقب الإمام علي و أهل البيت عليهم السّلام.

و من العجيب قول الذهبي عنه، قال: «و المحدّث فخر الدين

بن محمد بن يوسف الكنجي، قتل بجامع دمشق لدبره و فضوله» «1»!! فالذهبي يعدّ الحديث في مناقب أهل البيت عليهم السّلام فضولا من الكلام، و تراجعا عمّا سنّه أهل الضلال من بني أميّة، و ما اقتضته السياسة في ذلك الزمان، من معاداة أهل البيت، و إماتة ذكرهم، و إخفاء فضلهم و مناقبهم.

بل عمدوا لترك الكثير من سنّة النبي صلّى اللّه عليه و اله بغضا منهم لعلي عليه السّلام، لأنّ عليا كان يتقيّد بها، و هذا من أخطر ما تعرّضت له السنّة النبوية الشريفة.

و يدلّ على ذلك ما روي عن سعيد بن جبير، قال: كنت مع ابن عباس بعرفات، فقال: ما لي لا أسمع الناس يلبّون؟ قلت: يخافون معاوية، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبّيك اللّهم لبيك و إن رغم أنف معاوية، اللّهم العنهم، فإنّهم قد تركوا السنّة من بغض علي «2».

و يعلّق الإمام السندي على الحديث في حاشية سنن النسائي فيقول: «و هو- أي علي- كان يتقيّد بالسنّة، فهؤلاء تركوها بغضا له».

و هذا من النصوص و الشواهد الصريحة على إخفاء و ترك السنّة و تبديلها، لأنّهم جعلوا عدم التلبية هي السنّة، و هذه هي البدعة بعينها. و من المؤكّد أنّ هناك رواة و حفّاظا يتولّون هذا الأمر.

______________________________

- للسبكي 3: 16، و قال: الصحيح أنّه أخرج من دمشق لمّا ذكر فضائل علي ... إلى آخر كلامه. و قال الحاكم في معرفة علوم الحديث: 83: رزق الشهادة آخر عمره، و ساق الكلام إلى آخره.

(1). تذكرة الحفّاظ 4: 1441.

(2). السنن الكبرى للبيهقي 5: 113، مستدرك الحاكم 1: 636، سنن النسائي 5: 253. و رواه في كنز العمّال عن ابن جرير 5: 152.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:15

ثم وصل الحال

إلى التعاهد في إخفاء روايات مناقب أهل البيت عليهم السّلام، فقد روى ابن شهاب الزهري: أنّ عبد الملك بن مروان سأله: ما كان في بيت المقدس صباح قتل علي بن أبي طالب؟ قلت: لم يرفع حجر من بيت المقدس إلّا وجد تحته دم، فقال: لم يبق أحد يعلم بهذا غيري و غيرك، فلا يسمعنّ بهذا منك أحد، قال: فما حدّثت به حتّى توفّي «1».

و لم يكتفوا بذلك في حربهم المعلنة على السنّة من القتل و التنكيل، و إماتة السنّة و إخفائها و تبديلها، فوضعوا شروطا ليتوصّلوا بها إلى إبطال و منع أخبار فضائل علي و أهل البيت عليهم السّلام، فجعلوا آية تشيّع الراوي و علامة بدعته هي روايته في فضائل و مناقب أهل البيت عليهم السّلام، ثم قالوا: نردّ رواية الشيعي إذا كانت تؤيّد مذهبه، و معنى ذلك عدم قبول روايات المناقب و إن كان الراوي ثقة.

يقول علّامة المغرب أحمد الغماري المالكي: «و قد راجت هذه المكيدة على الكثير من النقّاد، فجعلوا يثبتون التشيّع برواية الفضائل، و يجرحون راويها بذلك! و هي مكيدة شيطانية كاد أن ينسدّ بها باب الصحيح في فضائل العترة الطاهرة لولا حكم اللّه» «2».

و قال العلوي في دفع الارتياب: «و أصل ذلك من النواصب الذين اندسّوا بين المحدّثين، فانخدع بأقوالهم من ليس منهم من أهل السنّة البريئين من النصب، فنفّروهم من رواية هذه المناقب، مع أنّ السنّي أصلا يوالي عليا» «3».

ثم يأتي العلوي بشاهد على ذلك، فيقول: «و كان الحافظ إبراهيم الجوزجاني

______________________________

(1). نظم درر السمطين: 148، ينابيع المودّة 3: 22 و قال: قال البيهقي: الذي صحّ عنه أنّ ذلك حين قتل الحسين، و لعلّه وجد عند قتلهما جميعا.

(2). فتح الملك العلي:

110.

(3). دفع الارتياب عن حديث الباب: 30.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:16

شيخ أبي داود و النسائي، حامل راية النصب و البغض لعلي، و سترى كلامه في المسلك المبسوط في معاداة عليّ، و إعلانه الحرب على مناقبه و فضائله» «1».

و لم يقف الأمر عند الجوزجاني فحسب، يقول الغماري المالكي: «قد انطوت بواطن كثير من الحفّاظ خصوصا البصريّين و الشاميّين على البغض لعلي و ذويه» «2».

و معنى ذلك: أنّ بعض المحدّثين و الحفّاظ كانوا من النواصب المعادين لعلي و أهل البيت، و كانوا الأداة الطيّعة للحكّام لتنفيذ المؤامرات على السنّة النبوية في ما يخصّ أهل البيت عليهم السّلام.

يقول السقّاف في إرغام المبتدع: «فردّ حديث الثقة الشيعي إذا كان يؤيّد مذهبه لم يصدر إلّا من النواصب و من لفّ حولهم، و اختار قولهم و دار في فلكهم، و أمّا أهل الإنصاف من أئمة الحديث سلفا و خلفا فلا يقولون بهذا الهراء الذي لا طائل تحته، و الذي يدلّ على التخريف و التحريف ... إلى أن يقول: و هذا باطل لا يشهد له عقل و لا يؤيّده نظر، و لولا ضيق الوقت لذكرنا العدد الكبير من الأحاديث التي رواها الثقة الشيعي فيما تؤيّد مذهبه، و صحّحها الأئمة و أخرجوها في كتبهم» «3».

و للغماري المالكي كلام دقيق يكشف عن خبايا الأمور، و يضع الأمور على نصابها، قال: «و أمّا الذهبي فلا ينبغي أن يقبل قوله في الأحاديث الواردة بفضل علي عليهم السّلام فإنّه- سامحه اللّه- كان إذا وقع نظره عليها اعترته حدّة أتلفت شعوره، و غضب أذهب وجدانه حتّى لا يدري ما يقول، و ربّما سبّ و لعن من روى فضائل علي عليه السّلام، كما وقع منه في غير موضع من الميزان

و طبقات الحفّاظ تحت ستار: أنّ الحديث موضوع، و لكنّه لا يفعل ذلك في من يروي الأحاديث الموضوعة في

______________________________

(1). المصدر السابق: 40.

(2). فتح الملك العليّ: 155.

(3). إرغام المبتدع: 59.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:17

مناقب أعدائه، و لو بسطت المقام في هذا لذكرت لك ما تقضي منه بالعجب العجاب من الذهبي» «1».

و هذا يكشف عن أنّ القدح بالرواة عند الذهبي و غيره من أئمة الجرح و التعديل ميزانه الأول حبّ علي و أهل البيت، و رواية مناقبهم و فضائلهم، و لم يقف الأمر عند رواة الشيعة، بل تعدّوه إلى رواة السنّة، و وصل الأمر إلى أنّهم قدحوا بالحاكم النيسابوري و الإمام الطحاوي لأنّهما صحّحا حديث ردّ الشمس! و قدحوا أيضا بمحمد بن جرير الطبري لتصحيحه حديث الموالاة! و تكلّموا في الإمام الشافعي و ذلك لموافقته الشيعة في مسائل فرعية؛ كالتختّم باليمين، و الجهر بالبسملة، و القنوت في صلاة الصبح!

إلّا أنّه على الرغم من كلّ تلك العوائق و التنكيل بالرواة، و محاولات الإخفاء و التبديل التي تعرّضت لها الروايات النبوية بحقّ أهل البيت، لم ينقطع التصنيف في المناقب و الفضائل، فظهرت أحاديث النبي صلّى اللّه عليه و اله، و ظهرت المصنّفات في أهل البيت، و ذكر خصائصهم و فضائلهم و ما حباهم اللّه و رسوله من الشرف و الفضيلة.

و من هذه المصنّفات: هذا الكتاب الذي نقدّمه للقرّاء بعد تحقيقه و التعليق على أكثر مقاطعه و فقراته، و هو كتاب «الأنوار الباهرة بفضائل أهل البيت النبوي و الذرّية الطاهرة» للعلّامة عبد اللّه التليدي.

نبذة من حياة المصنّف

هو العلّامة المحدّث عبد اللّه بن عبد القادر التليدي الحسني المغربي المولود عام 1345 للهجرة في مدينة طنجة بشمال المغرب العربي، من أبرز شيوخه و أساتذته أحمد

بن الصدّيق الغماري «2» و أخوه عبد اللّه الغماري «3» و محمد باقر الكتاني.

______________________________

(1). فتح الملك العليّ: 160.

(2). أحمد بن الصدّيق الإدريسي الحسني الغماري المالكي من علماء المغرب، درس عند والده، و هاجر الى مصر و درس عند أكثر علمائها كالسقّاء الشافعي و الصعيدي و خضر المالكي شيخ الأزهر، ألّف أكثر من مائة و خمسين مصنّفا منها: فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي، و إبراز الوهم المكنون في كلام ابن خلدون، ردّ فيه على طعن ابن خلدون في أحاديث المهدي، و إحياء المقبور بأدلّة بناء المساجد و القباب على القبور. كان الغماري متحرّرا فكريا ذامّا للتقليد و المقلّدة، أظهر أخطاء أئمة الجرح و بيّن تناقضاتهم في أكثر كتبه، و أكثر من الطعون على بني أميّة و أعداء أهل البيت، فكان يجاهر بلعن معاوية و ابن العاص و يزيد بن معاوية، توفّي بمصر في القاهرة بمرض قلب في سنة 1380 للهجرة.

(3). عبد اللّه بن الصدّيق الغماري، محدّث الديار المغربية، ولد في طنجة سنة 1328 هجري، أخذ العلم عن والده و أخيه أحمد، ثم رحل إلى الأزهر و درس عند الكثير من علماء الديار المصرية كالسقّاء الشافعي و الطهطاوي و أبي الوفاء الحنفي و الكوثري و النبهاني، ألّف أكثر من خمسين مصنّفا منها: إتحاف الأذكياء بجواز التوسل بسيد الأنبياء، القول المقنع في الردّ على الألباني المبتدع، المهدي، حسن البيان في ليلة النصف من شعبان. توفّي سنة 1413 للهجرة و دفن بطنجة بالقرب من قبر والده.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:18

له عدّة من المصنّفات، منها: تهذيب الترمذي، الجواهر المصنوعة في تفسير القرآن، فضائل الصحابة، كتاب المبشّرات، كتاب الأنوار الباهرة، و هو هذا الكتاب.

الدافع لتأليف الكتاب

يقول التليدي في مقدّمة

كتابه: إنّ الدافع له إلى تأليف هذا الكتاب أمور:

الأول: الدفاع عن أهل البيت عليهم السّلام أمام النواصب الذين يضمرون الأحقاد و البغضاء لأهل البيت، يقول: لا شكّ في انحراف هؤلاء و ضلالهم، و سلفهم في ذلك الخوارج و بني أمية.

الثاني: ما يحمله هو من تقدير و محبّة لأهل البيت عليهم السّلام.

الثالث: ردّ مزاعم الغلاة الذين يرمون أهل السنّة بالنصب، و يتّهمونهم بعداوة أهل البيت عليهم السّلام و الانحراف عنهم.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:19

و الملاحظ على التليدي في كتابه هذا أمور: و هي:

أوّلا: أنّه يأخذ أقوال الشيعة الإمامية من كتب و أفواه مخالفيهم و أعدائهم- كنقله رأي الشيعة في آية التطهير و حديث الكساء و المهديّ المنتظر- و لم يكلّف نفسه البحث و المراجعة لكتب الشيعة كما هو مقتضى الإنصاف و البحث العلمي الموضوعي، و هذا هو المطلوب منه و من غيره من العلماء و الباحثين، وليته فعل كما يفعل علماء الإمامية في كتبهم و بحوثهم من أخذ آراء القوم من مصادرهم الأصليّة، و إن نقلوا شيئا بالمعنى نبّهوا عليه، و هذا هو مقتضى الأمانة العلمية.

ثانيا: نقل بعض الافتراءات و الأكاذيب من الحاقدين الذين يريدون الكيد للإسلام و تفريق كلمة المسلمين، و من الذين إلى الآن يخلطون بين الشيعة الإمامية و بين بعض الفرق البائدة التي حسبت على التشيّع في زمن ما ظلما و تزويرا في التاريخ، و تشويها للحقائق. و كان الأولى به أن يصون نفسه و كتابه و ينزّههما من هذه الأكاذيب و الافتراءات، و لو تأمّل العلّامة فيها و راجع لعلم أنّ الشيعة منها براء، و هم أولى بها، و سوف نبيّن كلّ ذلك في التعليقات.

ثالثا: مناقضاته لنفسه في عدّة موارد من الكتاب و

سوف نبيّنها في تعليقاتنا على الكتاب.

و للإنصاف العلمي ينبغي أن نسجّل للعلّامة التليدي الشجاعة و الصراحة في إبداء رأيه و إقراره بعدّة أمور، بعد أن تبيّن له ذلك بالدليل، فلم يلتمس الأعذار و المخارج و التأويلات، بل جاهر بالحقيقة و صدع بها و هي:

أوّلا: تصريحه بأنّ معاوية و أهل الشام و بعض الصحابة بغاة، لقول النبي صلّى اللّه عليه و اله:

«تقتل عمّارا الفئة الباغية».

ثانيا: تصريحه بأنّ عليا عليه السّلام مصيب في جميع حروبه، و أنّ مقاتليه بغاة، سواء في الجمل أو صفّين أو النهروان.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:20

ثالثا: تصريحه بأنّ معاوية و بني أمية كانوا يسبّون عليا على المنابر في خطب الجمعة و العيدين، و أنّهم كانوا يأمرون الناس بلعنه و شتمه، و أنّ هذا أمر ثابت و مستفيض، و أنّ بني أمية سفكوا دم أهل البيت، و استباحوا سبّهم و لعنهم، و خالفوا المصطفى صلّى اللّه عليه و اله في وصيّته ...

رابعا: نقضه على بعض علماء السنّة في نفيهم «كون خطباء بني أمية اتّفقوا على سبّ و لعن الإمام علي» و نقض عليهم بإجماع المؤرّخين، و صحّة هذا النقل في دواوين السنّة.

خامسا: مقته و لعنه ليزيد بن معاوية و كلّ من اشترك بقتل الحسين عليه السّلام.

سادسا: تصريحه بأنّ عليا عليه السّلام أعلم الصحابة، و أنّه باب مدينة العلم، و تصحيحه لحديث: «أنا مدينة العلم و علي بابها».

سابعا: تصريحه بصحّة جملة من الأحاديث التي تأتي الإشارة اليها.

ثامنا: أنّ أهل البيت عليهم السّلام هم «علي و فاطمة و ابناهما» و لا يدخل فيه الأزواج و لا غيره، و قال: على هذا الإطلاق أكثر الأحاديث، و هو المتعارف بين الناس حتّى أصبح علما عليهم.

تاسعا: إشكاله على من برّر

صنع الذين حاربوا عليا عليه السّلام و هو أمير المؤمنين، بأنّه اجتهاد منهم.

و أخيرا و بعد كلّ ما تقدّم نقول: إنّنا نأمل من القرّاء و المتابعين، حسن الفهم و المتابعة، و تحرّي الحقائق بموضوعية، بعيدا عن الأهواء و غلبة الظنون و التعصّبات، و تجنّب الأحكام المسبقة، و نبذ التقليد الأعمى، كي لا نكون ضحيّة الأباطيل و التلبيسات التي نسجها أهل الضلال و من يريد بالإسلام المكيدة، و بالمسلمين الفرقة و القطيعة.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:21

و نأمل من العلماء و الباحثين اتّباع الطرق الصحيحة في البحث العلمي، و الموضوعية و نبذ الظنون، و الالتفات إلى التمييز بين التراث الإسلامي الصحيح و بين التراث الذي خلّفه بنو أميّة و أعداء أهل البيت كالخوارج و الغلاة و غيرهم، و هذه مهمّة الواعين من العلماء و الباحثين النابهين.

فنحن بحاجة إلى عالم من صفاته أنّه ذو أهداف سامية، و باحث يحسن البحث، و منصف يميل مع الحقيقة أينما تميل، و غيور على الإسلام، و تقيّ يخاف اللّه و اليوم الآخر، كلّ ذلك لأجل هدف أعلى و أسمى، و هو الحقيقة، و ليعلم أنّ لهذا الدين ربّا يحميه.

عملنا في هذا الكتاب

أوّلا: تخريج الآيات و الروايات و الأقوال من مصادرها، و تأييدها بذكر مصادر أخرى.

ثانيا: التعليق على الموارد المهمّة التي تعرّض لها المصنّف، إذا ما وجدنا الضرورة تقتضي ذلك، و هدفنا هو التصحيح و بيان الحقّ في المسألة.

و أخيرا لا يفوتني تقديم الشكر الجزيل لكلّ من أعانني على إنجاز عملي هذا، و يسّر لي ما عسر عليّ، و أرشدني إلى ما فيه الصواب، و لا أخفي تقديري و احترامي لمركز التحقيقات و الدراسات العلمية التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية، على حسن اهتمامه بكتابي،

و رعايته بصورة كاملة من طبعه و نشره و إخراجه بالشكل الجميل، و تشجيع مسؤوله حجة الاسلام و المسلمين الشيخ أحمد المبلّغي على المضيّ في هكذا مشاريع تخدم الوحدة و التقارب، و تصبّ في أهداف المجمع الأغرّ، فجزاه اللّه و العاملين معه جزاء المحسنين.

و الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمد و آله الطاهرين.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:23

مقدّمة المصنّف

بسم اللّه الرحمن الرحيم و صلّى اللّه و سلّم و بارك على سيدنا محمد و آله و ذرّيته و أزواجه و صحبه. الحمد للّه على ما ألهم و علّم، و صلّى اللّه على سيّدنا محمد و على آله و صحبه و سلّم.

أمّا بعد، فإنّ المكتبة الإسلامية زاخرة و غنيّة بما كتب أئمتنا و علماؤنا رحمهم اللّه تعالى من دواوين و تآليف علمية في شتّى الموضوعات، و بالأخصّ ما لها مسيس و علاقة بالإسلام.

و من الموضوعات الهامّة التي طرقوها و أعاروها عنايتهم و اهتمّوا بها، الفضائل و المناقب، و ممّا هو في طليعتها مناقب أهل البيت النبوي الأطهار التي يوجد منها في عالم المطبوعات اليوم بين أيدي أهل العلم الكثير الطيّب، و قد كنت ساهمت في هذا الموضوع محبة منّي في نشر مناقب أهل البيت الطاهرين الطيّبين، و ذكر مزاياهم و ما خصّهم اللّه به من المكارم و المناقب، حتّى يعرف الناس مقامهم السامي فيحترموهم و يجلّوهم و يعطوهم ما يجب لهم من الحقوق التي خوّلهم اللّه إياها، فوضعت رسالة لطيفة منذ إحدى و ثلاثين سنة، أي في عام 1385، و بقيت بين الدفاتر في زوايا الإهمال منذ ذلك الحين حتّى أمد قريب، فأخرجتها و ألقيت عليها

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:24

نظرة ثانية، و أضفت إليها زيادات هامّة مفيدة

فكانت كما يراها القارئ.

غير أنّني انفردت في هذه الرسالة بمنهج خاص لم أسبق إليه و الحمد للّه، و هو أنّني لا أورد فيها إلّا ما صحّ أو حسن من الأحاديث أو كان ضعيفا منجبرا، و ما عدا ذلك ممّا ذكره غيري من الواهيات و المنكرات بل و الموضوعات فلا أعرج عليه أصلا، فإنّ لنا في الصحيح غنية عمّا سواه، كما أنّني أتحاشى عن التحيّز و الغلوّ، أو الترجيح بالهوى، أو ردّ النصوص الثابتة دفعا بالصدر.

و كان الدافع و الحامل لي على الكتابة في هذا الجانب الطاهر أمورا، و هي كالآتي:

أوّلا: ما نشاهده من بعض الفرق الذين يكرهون سماع اسم الشريف و السيد فضلا عن رؤيته! فأحرى بمحبّته و إكرامه و تعظيمه، و هؤلاء هم المعروفون بالنواصب «1» الذين يعادون أهل البيت الأطهار، و يضمرون لهم الأحقاد و الأضغان

______________________________

(1). من النصب و هو المعاداة، يقال: نصبت لفلان إذا عاديته، و منه الناصب: و هو الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت، و في القاموس: النواصب و الناصبة و أهل النصب هم المتديّنون ببغض علي عليه السّلام (مجمع البحرين 4: 316)، و قد صرّح العلّامة التليدي بأنّ أظهر مصاديق النواصب هم الخوارج و بني أمية. و قد اتّفقت كلمة الإمامية على كفر من أظهر النصب و العداء لأهل البيت عليهم السّلام لما دلّ من روايات صحيحة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله تدلّ على كفر من عادى عليا و أهل البيت عليهم السّلام كقوله صلّى اللّه عليه و اله:

«اشتد غضب اللّه على من آذاني في عترتي» (كنز العمال 12: 93 و الجامع الصغير 1: 128)، «و أنا حرب لمن حاربكم، و سلم لمن سالمكم، و عدوّ لمن عاداكم»

قاله لعلي و فاطمة و الحسن و الحسين (تقدّمت مصادره في المقدمة) و غيرها من العشرات بهذا المعنى من طرق الفريقين.

و به قال أبرز و أكثر علماء السنّة، و خصوصا علماء الجرح و التعديل، ففي ترجمة حريز بن عثمان، قال ابن حبّان في المجروحين 1: 331: «إنّه كان يلعن عليا بالغداة سبعين مرة، و بالعشيّ سبعين مرة، و كان داعية الى مذهبه، و كان يشتم علي بن أبي طالب». و في تاريخ بغداد 8: 266:

«ينتقص عليا و ينال منه، و كان يشتم عليا على المنابر! قال: لا أحبّه، قتل آبائي». و ذكره العقيلي-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:25

و البغضاء، و لا شكّ في ضلال هؤلاء و انحرافهم ... و سلفهم في ذلك الخوارج و سفهاء بني أمية و جهلتهم ... و أذنابهم.

ثانيا: إعرابي عمّا يكنّه صدري لهم من إجلال و تقدير و محبّة و حنان و تعظيم و احترام، علما بأنّ هذا شي ء لست مختصّا به، فإنّ كلّ مؤمن له نصيب من ذلك حسب إيمانه من قوّة و ضعف، فمن وجد خيرا فليحمد اللّه عزّ و جلّ.

ثالثا- و هي من المهمّات-: ردّ مزاعم الغلاة «1» بصفة عامة الذين يرمون أهل

______________________________

- في الضعفاء 1: 321، كما و ضعّفه ابن معين.

و مثله إسحاق بن سويد العدوي، ففي تهذيب التهذيب 1: 214: «كان يحمل على علي تحاملا شديدا، و قال: لا أحبّ عليا» قال ابن حجر: «و من لم يحبّ الصحابة فليس بثقة و لا كرامة».

ويروي المحدّثون حديث أم سلمة- و هي ممّن شهد لها النبي بالجنّة و من خيار أمّهات المؤمنين- أنّها قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «من سبّ عليا فقد سبّني، و من

سبّني فقد سبّ اللّه» رواه في مستدرك الحاكم 3: 131، أخرجه بطريقين و قال: حديث صحيح الإسناد و لم يخرّجاه، و مسند أحمد 6: 323 و تاريخ دمشق 42: 533 و كنز العمال 11: 602 و السنن الكبرى للنسائي 5: 133 و الجامع الصغير 2: 935.

(1). قال المحقّق الحلّي: الغلاة هم الذين قالوا بألوهية علي عليه السّلام أو ألوهية أحد من الأئمة، بل كلّ من قال بألوهية أحد من الناس (الشرائع 1: 98). و الغلاة فرق كثيرة انتشرت في الأزمان الماضية و بادت، و لم يبق منها شي ء.

و قال الشهرستاني: الغالية الذين غلوا في حقّ ائمّتهم حتّى أخرجوهم من حدود الخليقة، و حكموا فيهم بأحكام إلهية، و ربّما شبّهوا واحدا من الأئمة بالإله. (الملل و النحل 1: 173).

ثم عدّ فرق الغلاة إلى أحد عشر صنفا، إلّا أنّه كان كحاطب ليل لا يدري ما يقول، فخبط خبط عشواء، فإنّ بعض ما ذكره من الصنوف غير ثابت تاريخيا، و كذا ما نسبه إلى البعض الآخر منها كالهشامية أصحاب هشام بن الحكم، أو المنسوبة إلى مؤمن الطاق، فإنّ ما نسب إليهما جزاف من القول، و ها هي كلمات هشام و مؤمن الطاق في التوحيد، و احتجاجاتهما مع علماء الفرق من الغلاة و القدرية و غيرهم، شاهد على براءتهما ممّا نسبه إليهما الشهرستاني.-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:26

السنّة بالنصب، و يتّهمونهم على الإطلاق بعداوة أهل البيت و الانحراف عنهم.

و هذا شطط في القول، و ظلم لأهل السنّة، فإنّ المسلمين من غير الشيعة لم يزالوا و لا يزالون يحبّون أهل البيت و يحترمونهم، و يجلّونهم و ينزلونهم المقام اللائق بهم، و هم أحسن حالا من الشيعة، فإنّ أهل السنّة يحبّون أهل البيت

الأطهار و من تناسل

______________________________

- قال الذهبي في ميزان الاعتدال 4: 217 في ترجمة موسى بن قيس: «قال العقيلي: من الغلاة، حكى عن نفسه: أنّ سفيان سأله عن أبي بكر و علي، فقال: علي أحبّ إليّ» فحكم عليه بالغلوّ مع أنّه لم يقل: إنّ عليا إله، و لم يظهر من كلامه البغض لأبي بكر، و غير ذلك من الشواهد التي تدلّ على أنّهم وصفوا أفرادا بالغلوّ و هم من ذلك براء.

و قد حارب أئمة أهل البيت عليهم السّلام الغلاة بشتّى الوسائل، فحكموا بكفر الغلاة و نجاستهم، و حرمة التزويج منهم، و لعنهم و البراءة منهم، قال الإمام الصادق عليه السّلام: «لعن اللّه الغلاة و المفوّضة» (علل الشرائع 1: 227).

و عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام أنّه لعن الغلاة و لعن أشخاصا بأعيانهم مثل القاسم اليقطيني و علي بن حسكة و كانا من الغلاة (خاتمة المستدرك 5: 243).

و عن الرضا عليه السّلام أنّه لعنهم و أمر بالبراءة منهم (عيون أخبار الرضا 1: 218).

و هذا من اعتقادات الإمامية، قال الشيخ المفيد: «اعتقادنا في الغلاة و المفوّضة أنّهم كفّار، و أنّهم شرّ من اليهود و المجوس و القدرية و الحرورية، و من جميع أهل البدع و الأهواء المضلّة، و أنّه ما صغّر اللّه جلّ جلاله تصغير هم شي ء» (الاعتقاد: 97).

و قال المحقّق الحلّي: «و أمّا الغلاة فخارجون عن الإسلام و إن انتحلوه» (المعتبر 1: 98).

هذا و عقد الحرّ العاملي في الوسائل بابا بعنوان: «ذم الغلاة و المفوّضة و البراءة منهم».

و ألّف علماء الإمامية منذ الزمن الأول كتبا في الردّ على الغلاة، و بيان ضلالهم و التحذير منهم، ككتاب «الردّ على الغلاة» للنوبختي، و كتاب الحسين الغضائري، و عقد ابن

داود الحلّي في كتاب الرجال فصلا ذكر فيه أسماء الغلاة من الرواة و ضعّفهم، قال ابن داود: «فهؤلاء كلّهم وردت فيهم روايات تدلّ على أنّهم غلاة، و بعضهم اختلف فيه، و بعضهم وردت لعنته عن الأئمة عليهم السّلام» (كتاب الرجال: 296). و هكذا بقية كتب الرجال عند الشيعة.

فالشيعة الامامية تبعا لائمتهم عليهم السّلام لهم السهم الأكبر و النصيب الأوفر في محاربة الغلاة، و بيان ضلالهم، و التحذير منهم، و الردّ عليهم.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:27

منهم، كما يحبّون أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و يحترمونهم و يترضّون عليهم كأهل البيت، فهم عندهم كأصابع اليدين، لا يفرّقون بينهم، و لا يوالون بعضا و يتبرّؤون من البعض الآخر «1» بينما الغلاة «2» و الروافض «3» يتغالون في أهل البيت و يتبرّؤون من

______________________________

(1). هذه الدعوى تصطدم مع الروايات الصحيحة التي رواها الحفّاظ، و حفلت بها متون أهل السنّة، خصوصا و أنّ بعض هذه الروايات صريحة بأفضليتهم عليهم السّلام على جميع البشر، و عدم جواز مقارنتهم بغيرهم.

فقد روى أنس عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد» (الفردوس للديلمي 5: 34 رقم 7094، و في كنز العمّال 12: 104، و سبل الهدى 11: 7 عن الديلمي و عمر الملّا، و في ينابيع المودّة 2: 68 عن كنوز الحقائق للمناوي، و ذخائر العقبى: 17، و فرائد السمطين 1: 45).

وروي عن أنس عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «إنّا معشر بني عبد المطلب سادات أهل الجنّة: أنا و حمزة و علي و جعفر و الحسن و الحسين و المهدي» (الفردوس للديلمي 1: 86 رقم 145، و سنن ابن ماجة

2: 1368، و ينابيع المودّة 3: 266 و قال: أخرجه أبو نعيم و الثعلبي و صاحب الأربعين و الحمويني و الحاكم و الديلمي). و ذكر الأسماء من باب ذكر الخاص بعد العام.

و قال عبد اللّه بن عمر- حينما سئل عن عدم ذكر اسم علي في التفضيل بين الصحابة-: «إنّ عليا من أهل البيت لا يقاس به أحد، و هو مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في درجته» (ينابيع المودّة 2: 68).

و نقل المناوي عن الفخر الرازي قوله: «جعل اللّه تعالى أهل بيته مساوين له في خمسة أشياء: في المحبّة، و تحريم الصدقة، و الطهارة، و السلام، و الصلاة. و لم يقع ذلك لغيرهم» (فيض القدير 2: 174) قال أبو عمر الجاحظ: «و اعلم، أنّ اللّه لو أراد أن يسوّي بين بني هاشم و بين الناس لما اختصّهم بسهم ذوي القربى، و لما قال: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ و لو سوّاهم بالناس لما حرّم عليهم الصدقة، و الرأي أن لا يدعوك حبّ الصحابة الى بخس عترة الرسول حقوقهم و حظوظهم، و كيف يقاس أحد من الناس بقوم منهم رسول اللّه، و السبطان، و الشهيدان: حمزة و الطيّار، و سيد الوادي و حامي النبي ... إلى آخر كلامه» (ينابيع المودّة 1: 457).

(2). تقدّم الكلام عن الغلاة و بيان موقف أئمة أهل البيت و شيعتهم منهم، و حكمهم بكفر الغلاة و البراءة و وجوب التبرّي منهم، و أنّ أئمة أهل البيت و شيعتهم كان لهم الدور الفاعل و الأهمّ في محاربة و تقويض هذه الفرق الضالّة الكافرة، فراجع

(3). إن أراد بالرافضة تلك الفرق البائدة من الغلاة في تلك الأزمان، و التي حاربها الأئمّة و شيعتهم،-

الأنوار الباهرة،

التليدي ،ص:28

الصحابة، و خاصّة الخلفاء الثلاثة: الصدّيق و الفاروق و ذا النورين، و يبغضونهم و يسبّونهم بل و يكفّرونهم، و قد أفردت كتابا لفضائلهم رضي اللّه تعالى عنهم و لعن

______________________________

- فالكلام فيهم كالكلام في الغلاة لعنهم اللّه. و إن أراد بهم الشيعة الإمامية فقد أساء التعبير و لم يحسن البيان و لم يعط الحقيقة حقّها.

فمن الظاهر الذي لا يخفى على أحد، أنّ الشيعة الإمامية لا يقولون بألوهية أحد من الأئمة المعصومين عليهم السّلام، و الشيعة أغزر عقلا و أنفذ بصيرة و أصحّ تمييزا من أن يقولوا بهذا القول. قال الشيخ المظفّر في عقائد الإمامية: 73: «لا نعتقد ما يعتقده الغلاة و الحلوليون (كبرت كلمة تخرج من أفواهم) بل نعتقد أنّهم بشر مثلنا، لهم ما لنا و عليهم ما علينا، و إنّما هم عباد مكرمون، اختصّهم اللّه تعالى بكرامته و حباهم بولايته، إذ كانوا في أعلى درجات الكمال اللائقة في البشر من العلم و التقوى و الشجاعة و الكرم و العفّة، و جميع الأخلاق الفاضلة و الصفات الحميدة، لا يدانيهم أحد من البشر فيما اختصّوا به، و بهذا استحقّوا أن يكونوا أئمة و هداة و مرجعا بعد النبي صلّى اللّه عليه و اله في كلّ ما يعود للناس من أحكام و حكم، و ما يرجع للدين من بيان و تشريع، و ما يختصّ بالقرآن من تفسير و تأويل».

و أمّا قوله: يتبرّؤون من الصحابة، فهو على إطلاقه باطل، فإنّا نرى الكثير من الصحابة من أولياء اللّه المخلصين؛ كعمار و المقداد و سلمان و أبي ذرّ و حذيفة و جابر و أضرابهم.

نعم، لا نقول بعدالة جميع الصحابة، و وافقنا على ذلك بعض أعلام السنّة؛ كالعلّامة المقبلي في العلم

الشامخ، و أحمد أمين في ضحى الإسلام، و علّامة المغرب ابن الصدّيق الغماري في أكثر كتبه، و محمد عبده، و رشيد رضا، و الشيخ أبو ريّة، و حامد حنفي ... و غيرهم.

يقول العلّامة المقبلي في العلم الشامخ (أضواء على السنّة المحمدية: 349) بعد أن ذكر جملة من الطعون و الشواهد من الكتاب و السنّة، قال: «فمن تتبّع تلك الموارد و سوّى بين الصحابة فهو أعمى أو متعام».

و يقول أحمد أمين في ضحى الإسلام (3: 75): «الصحابة قوم من الناس، لهم ما للناس و عليهم ما عليهم، من أساء منهم ذممناه، و من أحسن منهم مدحناه، و ليس لهم على غيرهم كبير فضل إلّا بمشاهدة الرسول و معاونته لا غير، بل ربّما كانت ذنوبهم أفحش من ذنوب غيرهم، لأنّهم شاهدوا الأعلام و المعجزات، فمعاصينا أخفّ لأنّنا أعذر».

و يقول الأستاذ حامد حفني المصري في كتابه (نظرات في الكتب الخالدة: 127): «و لو وقع هذه النقد من غير الشيعة لما استوجب النكير على الناقد».

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:29

مبغضهم و شاتمهم و منتقصهم.

و المقصود: أنّ ما يرمون به أهل السنّة من النصب بإطلاق هو من ترهّاتهم، و الواقع يكذّبهم، فإنّ الأمر لو كان كما يزعمون لما كانت كتب السنّة المشرّفة تزخر بذكر فضائلهم و التحدّث عنهم، فإنّ كتب الحديث التي ألّفها أهل السنّة ملآنة بمناقبهم، و هي تحمل أجنحة خاصة بعناوين أبواب مناقب أهل البيت، و لنضرب لذلك أمثلة تكذّب دعاويهم «1».

فهذا البخاري رحمه اللّه تعالى- و هو من أول من أصابته سهام مطاعن الروافض «2»- يذكر في صحيحه في المناقب، باب: مناقب علي بن أبي طالب القرشي

______________________________

(1). لا ينكر وجود بعض روايات المناقب في كتب أهل السنّة، و ذكرنا

في المقدّمة أنّ منهم من عانى الكثير، و منهم من قتل بسبب روايته لأحاديث المناقب كالنسائي و الكنجي الشافعي، لكنّ حبّ أهل البيت عليهم السّلام الذي هو بمعنى الميل القلبي لهم، فهو و إن كان فرضا واجبا عينيّا على كلّ مسلم بمقتضى قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (الشورى: 23) و صريح الصحاح و الحسان، إلّا أنّ مراد الباري تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و اله هو وجوب الاتّباع و الاقتداء بهم في القول و العمل، و وجوب التمسّك بهم دون غيرهم بما أنّهم أوصياؤه و خلفاؤه صلّى اللّه عليه و اله، و هذا هو ما تدلّ عليه الروايات الصحيحة الصريحة.

فقوله صلّى اللّه عليه و اله: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا» هو وجوب التمسّك بهما، لا الحبّ المجرّد عن الاتّباع، خصوصا و أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله قرنهم بالكتاب و جعلهم عدل الكتاب، و حكم صلّى اللّه عليه و اله بضلال من لم يتمسّك بهما معا، فحكمهما واحد من جهة وجوب الرجوع و الأخذ منهما، و إلّا لا معنى لقول القائل: إنّي أحبّ كتاب اللّه، و هو لا يأخذ بأوامره و نواهيه!

و هكذا حديث السفينة المتواتر عند الفريقين، قال صلّى اللّه عليه و اله: «مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، و من تخلّف عنها هلك» و المعنى: من لجأ إليهم و تمسّك بهم في الدين كان من الناجين، و رتّب الهلاك على التخلّف عنهم، فالنجاة معهم، و الهلاك بالتخلّف عنهم، و هذا هو الإلزام باتّباعهم.

(2). يبدو أنّ من بين من أصاب البخاري و

كتابه بسهام النقد و الاعتراض هم من أئمة الحديث-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:30

الهاشمي أبي الحسن رضي اللّه تعالى عنهما، و يورد تعليقا حديث «أنت منّي و أنا منك» و ذكره موصولا في موضع آخر كما يأتي لنا، و يذكر قول عمر رضى اللّه عنه: «توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو عنه راض يعني عليا». ثم أسند أحاديث في فضائله رضي اللّه تعالى عنه، كحديث «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّه اللّه و رسوله» في أحاديث أخرى «1».

كما أخرج حديث: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى» في

______________________________

- و حفّاظه كالإمام الذهلي و الإمام أبو زرعة و الحافظ الدمشقي و الإمام الرازي و البدر العيني و عميد الأزهر رشيد رضا و محمد عبده، و مشايخ كأبي ريّة و محمد فوزي و أحمد أمين و أحمد شاكر و طه حسين و غيرهم.

فهذا الإمام الذهلي كان يقول: «من ذهب إلى البخاري فاتّهموه» (سير أعلام النبلاء 12: 456، تاريخ دمشق 52: 94).

و كان الإمام أبو زرعة يصف البخاري و مسلم فيقول: هؤلاء قوم أرادوا التقدّم قبل أوانه، فعملوا شيئا يتسوّقون به، فألّفوا كتبا ليقيموا لأنفسهم رياسة قبل وقتها» (ميزان الاعتدال 1: 126).

و قال الحافظ الدمشقي: «الحكم بأصحيّة ما في الكتابين عين التحكّم، و من قال: أصحّ الأحاديث ما في الصحيحين ثم ما انفرد به البخاري ثم مسلم، تحكّم لا يجوز التقليد به» (توجيه النظر: 120).

و قال البدر العيني في عمدة القاري، و الدمشقي في توجيه النظر، و ابن حجر في مقدّمة الفتح، و ابن الصلاح في المقدّمة: «إنّ البخاري احتجّ بجماعة سبق من غيره الطعن بهم، أو جرحهم بعض المتقدّمين» (عمدة القاري 1: 8، و

أضواء على السنّة المحمدية: 303).

و قال الدكتور أحمد أمين: «إنّ بعض الرجال الذين روى لهم البخاري غير ثقات، و قد ضعّف الحفّاظ من رجال البخاري نحو الثمانين، و هي في الواقع مشكلة المشاكل « (ضحى الإسلام 2: 117).

و من راجع المنار للسيد رشيد رضا يجد الكثير من الكلام و الإشكالات على صحيح البخاري؛ كالرواية بالمعنى، و تقطيع الروايات، و من لطيف ما قال: «ليس من أصول الإيمان و لا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكلّ حديث رواه البخاري مهما كان موضوعه، بل لم يشترط أحد في صحّة الإسلام و لا في معرفته التفصيلية الاطّلاع على صحيح البخاري و الإقرار بكلّ ما فيه» (المنار 29: 104).

(1). صحيح البخاري 3: 1357 باب: مناقب علي بن أبي طالب.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:31

غزوة تبوك، و أخرج أحاديث قتاله للخوارج في كتاب استتابة المرتدّين، و أخرج حديث: «ويح عمّار! تقتله الفئة الباغية» إلى آخره، ذكره في مواضع من صحيحه «1».

و يذكر أيضا في المناقب، باب: مناقب فاطمة رضي اللّه تعالى عنها، و يعلّق حديث: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة» الذي أسنده في علامات النبوّة، ثم يسند حديث: «فاطمة منّي فمن أغضبها أغضبني» «2» كما أخرجه في مواضع أخرى مع أحاديث شتّى.

و يذكر أيضا باب: مناقب الحسن و الحسين رضي اللّه تعالى عنهما، ثم يسند أحاديث في فضائلهما؛ كحديث: «إنّ ابني هذا سيد، و لعلّ اللّه أن يصلح به بين فئتين من المسلمين» و حديث: «اللّهم إنّي أحبّه فأحبّه» و حديث: «هما ريحانتاي من الدنيا» «3» في أحاديث أخرى. هذا البخاري الذي يقولون فيه: إنّه ناصبي عدوّ لأهل البيت «4».

أمّا تلميذه الكبير مسلم بن الحجّاج رحمه اللّه فيقول في الفضائل من

صحيحه: باب من فضائل علي بن أبي طالب رضى اللّه عنه، ثم يسند من عدّة طرق حديث: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» مطوّلا مع حديث: «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّه اللّه و رسوله» إلى آخره، ثم حديث الثقلين المطوّل إلى آخر الجريدة «5».

أمّا تلميذ البخاري البارّ أبو عيسى الترمذي رحمه اللّه فهو أوسع السابقين و أكثرهما إيرادا لمناقب آل البيت، فقد أورد لهم من الأحاديث جملة و أفرادا أكثر من خمسين

______________________________

(1). المصدر السابق 1: 172 باب: التعاون في بناء المسجد.

(2). المصدر نفسه 3: 1374 باب: مناقب فاطمة.

(3). المصدر نفسه 3: 1369 باب: مناقب الحسن و الحسين.

(4). لم يذكر المصنّف كتابا واحدا قيل فيه: إنّ البخاري ناصبي و عدوّ لأهل البيت، بل رجّح إرسال كلامه من دون دليل.

(5). صحيح مسلم 4: 1870.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:32

حديثا، انظر كتاب المناقب «1».

و أبو داود السجستاني رحمه اللّه هو الآخر أورد عدّة أحاديث في مناقبهم أيضا مفرّقة في الكتاب، و ذكر جملة منها في كتاب السنّة؛ كحديث سعيد بن زيد في سبّ بعض عمّال بني أمية الإمام علي و إنكاره عليه «2».

و حديث: «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحقّ» «3» و حديث قتال علي للخوارج، و حديث: «إنّ ابني هذا سيد» «4» إلى آخره.

و ابن ماجة القزويني رحمه اللّه هو الخامس أورد في مقدّمة سننه نحوا من خمسة عشر حديثا في مناقب الإمام علي و الحسنين عليهما السّلام «5».

و أمّا أحمد بن شعيب النسائي و هو مسك ختام الجماعة الستّة فقد استقصى ذلك في سننه الكبرى، و هو الذي أفرد كتابا خاصا أطلق عليه كتاب «الخصائص» أورد فيه نحوا من مائة و ثمانين حديثا في

مناقب الإمام علي و أهل بيته عليهم السّلام، انظر السنن الكبرى الجزء الخامس «6».

فهذه هي الأمّهات الستّ و أصول أهل السنّة، و هي كما ترى كلّها ذكرت مناقب أهل البيت عليهم السّلام، فكيف يتّهمون بالنصب و العداوة لذرّية النبي و آله الأطهار؟ و هكذا الشأن في باقي كتب السنّة لا تخلو من ذكر مناقبهم.

______________________________

(1). الجامع الصحيح للترمذي 5: 633 مناقب علي بن أبي طالب و 698 مناقب فاطمة و 656 مناقب الحسن و الحسين و 662 مناقب أهل البيت.

(2). سنن أبي داود: 705 رقم الحديث 4648، و قد سمّي هذا البعض في بقية الكتب؛ كمسند أحمد 1: 188 و السنّة لابن أبي عاصم: 606 و هو المغيرة بن شعبة.

(3). سنن أبي داود: 708 رقم 4667.

(4). المصدر السابق رقم 4662.

(5). سنن ابن ماجة 1: 42 مناقب علي بن أبي طالب و 51 مناقب الحسن و الحسين. و مجموع الأحاديث في البابين اثنا عشر حديثا.

(6). السنن الكبرى للنسائي 5: 105 إلى 169.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:33

و ما يقال في المحدّثين يقال في المفسّرين و الفقهاء و المتكلّمين و الأصوليّين و غيرهم، فكتبهم ملآنة بذكر فضائلهم و الأمر بمحبّتهم و احترامهم ...

كما يعرف من قراءتها و تتبّعها، و بذلك تنهار دعوى الروافض و تنسف نسفا.

*** هذا ما دعاني إلى جمع هذه الرسالة المباركة، جعلها اللّه خالصة لوجهه الكريم، و جعلني من شيعة نبيّنا و ذرّيته «1» المخلصين الصادقين غير الغالين و لا الناصبين، و أن يحشرني معهم في جملة النبيّين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين.

و جعلتها أربعة أبواب:

الأول: في فضائل أهل البيت على العموم.

الثاني: في فضائل سيدنا علي.

الثالث: في فضائل مولاتنا فاطمة.

الرابع: في فضائل الحسنين.

______________________________

(1). قال رسول اللّه

صلّى اللّه عليه و اله: «من أحبّ أن يحيا حياتي و يموت مماتي و يسكن جنّة الخلد التي و عدني ربّي، فإنّ ربي عز و جل غرس قضبانها بيده، فليتولّ علي بن أبي طالب و ذرّيته من بعده، فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدى، و لن يدخلوكم في باب ضلالة» (كنز العمال 11: 611 رقم 32960) و هذا صريح في الاتّباع و الاقتداء بعلي و بذرّيته من بعده، و ليس مجرّد الحبّ و إن كان صادقا، قال الامام الشافعي:

لو كان حبك صادقا لأطعته إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع و أحاديث أخرى؛ كحديث الثقلين، و السفينة، و باب حطّة، و المنزلة، و المباهلة، و الكساء، و باب مدينة العلم، و حديث الطائر، و الراية، و الغدير، و الدار، و التصدّق بالخاتم ... و هي من المتواترات عند الفريقين.

و قد تقدّم عن الإمام أحمد: «ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب» مستدرك الحاكم 3: 116. و قال الغماري في القول الجلي: 53: «لم يرد من الأحاديث بالأسانيد الصحاح في فضل أحد من الصحابة مثل ما ورد في علي».

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:35

الباب الأوّل في فضائل أهل البيت على العموم

اشارة

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:37

الأنوار الباهرة، التليدي 218 فهرس الأحاديث و الآثار ..... ص : 201

1. كشف الغمّة، الإربلي، دار الأضواء

163. كفاية الطالب، الكنجي الشافعي، دار إحياء تراث أهل البيت، طهران

164. كنز العمّال، المتّقي الهندي، مؤسّسة الرسالة

165. لسان العرب، ابن منظور، نشر الحوزة

166. لسان الميزان، ابن حجر، دار الكتب العلمية، بيروت

167. مآثر الأنافة، القلقشندي طبعة حكومة الكويت

168. مجمع الزوائد، ابن حجر، دار الفكر، بيروت

169. مختصر زوائد البزّار، ابن حجر، مؤسّسة الكتب الثقافية

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:219

170.

مستدرك الحاكم، الحاكم الحسكاني، دار الكتب العلمية، بيروت

171. مسند ابن راهويه، ابن راهويه، مكتبة الإيمان، المدينة المنوّرة

172. مسند أبي يعلى، أبو يعلى الموصلي، دار الثقافة العربية، دمشق

173. مسند أحمد، أحمد بن حنبل، دار الفكر، بيروت

174. مسند البزّار، البزّار، مكتبة العلوم، المدينة

175. مسند الشاميّين، الطبراني، مؤسّسة الرسالة

176. مسند الطيالسي، سليمان بن داود، دار الحديث، القاهرة

177. مشاهير علماء الأمصار، ابن حبّان، دار الوفاء

178. مشكاة المصابيح، القاري، دار الفكر، بيروت

179. مشكل الآثار، الطحاوي، دار صادر، بيروت

180. مصابيح السنّة، البغوي، دار الكتب العلمية، بيروت

181. مصنّف أبي الجعد، عليّ بن الجعد، دار الكتب العلمية، بيروت

182. معجم البلدان، الحموي، دار إحياء التراث، بيروت

183. معرفة الثقات، العجلي، مكتبة الدار، المدينة المنورة

184. معرفة علوم الحديث، الحاكم، دار الآفاق، بيروت

185. مغني المحتاج، الشربيني، دار إحياء التراث، بيروت

186. مقاتل الطالبيّين، أبو الفرج الأصبهاني، مؤسّسة دار الكتاب

187. مناقب علي بن أبي طالب، ابن المغازلي، دار الأضواء

188. مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه، دار الحديث، قم

189. من له رواية في الكتب الستّة، الذهبي، دار القبلة

190. مواهب الجليل، الحطّاب الرعيني، دار الكتب العلمية، بيروت

191. ميزان الاعتدال، الذهبي، دار الفكر، بيروت

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:220

192. نظرات في الكتب الخالدة، حامد حفني، النجاح، القاهرة

193. نظم درر السمطين، الزرندي الحنفي، الطبعة الأولى

194. نور العين، الإسفراييني، المنار، تونس

195. نيل الأوطار، الشوكاني، دار الجيل

196. وفيات الأعيان، ابن خلّكان، دار الثقافة

197. وقعة صفّين، ابن مزاحم، المؤسّسة العربية الحديثة

198. ينابيع المودّة، القندوزي الحنفي، دار أسوة

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:221

فهرس الموضوعات

المقدّمة 5

كلمة المحقّق 9

نبذة من حياة المصنّف 17

الدافع لتأليف الكتاب 18

عملنا في هذا الكتاب 21

مقدّمة المصنّف 23

الباب الأوّل: في فضائل أهل البيت على العموم من هم أهل البيت 37

الآل في اللغة 37

الآل في الشرع 37

الوصية بأهل البيت

43

أهل البيت مطهّرون من الرجس و مغفور لهم 51

فضل من صاهر أهل البيت 59

محاربة أهل البيت حرب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 63

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:222

مبغض أهل البيت من أهل النار و أنّه لا إيمان له 64

المهدي من أهل البيت 66

مشروعيّة الصلاة على أهل البيت عليهم السّلام 72

من فضائل أهل البيت إكرامهم بتحريم أخذ الصدقة 75

الباب الثاني: في فضائل الإمام علي عليه السّلام في فضائل الإمام علي عليه السّلام 79

عليّ أكثر الصحابة فضائل 82

عليّ يحبّه اللّه و رسوله و يحبّ اللّه و رسوله 82

حبّ عليّ إيمان و بغضه نفاق 84

كان علي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كهارون من موسى 86

علي و رسول اللّه كنفس واحدة 96

علي مولى كلّ مؤمن 99

علي أحبّ الخلق إلى اللّه و إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 104

حبّ عليّ حبّ لرسول اللّه و بغضه بغض له صلّى اللّه عليه و اله 107

طاعة عليّ طاعة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عصيانه عصيان له 108

إذاية عليّ إذاية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 108

الإمام علي مغفور له 109

علي ممّن مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو عنه راض 110

الإمام علي أعلم الصحابة و إنّه باب مدينة العلم 111

أنّ الحقّ مع علي و إنّه كان مصيبا في حروبه للبغاة و الخوارج 116

حروب الإمام علي التي كان محقّا فيها أنواع ثلاثة 117

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:223

الفاصل بين الحقّ و الباطل 125

إكرامه بالشهادة 136

الباب الثالث: في مناقب مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السّلام في مناقب مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السّلام 143

فاطمة سيدة نساء المؤمنين و نساء أهل الجنّة 146

إذاية فاطمة إذاية لرسول اللّه صلّى

اللّه عليه و اله 149

فاطمة من فواضل نساء أهل الجنّة 157

فاطمة أحبّ النساء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 159

زهد فاطمة في الدنيا و تقشّفها 159

الباب الرابع: في مناقب الحسن و الحسين عليهما السّلام الحسنان ريحانتا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 165

رحمة رسول اللّه بالحسنين 165

الحسنان سيّدا شباب أهل الجنّة 166

الحسنان محبوبان للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و اله 167

محبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله منوطة بمحبّة الحسنين 167

مناقب الحسن عليه السّلام 171

الحسن أصلح اللّه به بين المسلمين 172

الحسن من المحبوبين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 175

من أحبّ الحسن أحبّه اللّه عزّ و جلّ 175

الحسن كان أشبه الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 178

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:224

مناقب الحسين عليه السّلام 181

الحسين من المبشّرين بالجنّة و أنّه سيقتل شهيدا 182

إثبات محبّة اللّه لمن أحبّ حسينا 182

تنبّؤ النبي صلّى اللّه عليه و اله بقتل الحسين عليه السّلام 184

خروج الحسين إلى العراق 185

ما وقع عند موت الحسين من التغيّرات الكونية 190

ما قيل من الأشعار في قتل الحسين 191

انتقام اللّه من قتلة الحسين عليه السّلام 193

المختار بن أبي عبيدة الثقفي 193

الاقتصاص للحسين عليه السّلام 195

الفهارس فهرس الآيات 199

فهرس الأحاديث و الآثار 201

فهرس مصادر التحقيق 211

فهرس الموضوعات 221

الأنوار الباهرة، التليدي 218 فهرس الأحاديث و الآثار ..... ص : 201

1. كشف الغمّة، الإربلي، دار الأضواء

163. كفاية الطالب، الكنجي الشافعي، دار إحياء تراث أهل البيت، طهران

164. كنز العمّال، المتّقي الهندي، مؤسّسة الرسالة

165. لسان العرب، ابن منظور، نشر الحوزة

166. لسان الميزان، ابن حجر، دار الكتب العلمية، بيروت

167. مآثر الأنافة، القلقشندي طبعة حكومة الكويت

168. مجمع الزوائد، ابن حجر، دار الفكر، بيروت

169. مختصر

زوائد البزّار، ابن حجر، مؤسّسة الكتب الثقافية

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:219

170. مستدرك الحاكم، الحاكم الحسكاني، دار الكتب العلمية، بيروت

171. مسند ابن راهويه، ابن راهويه، مكتبة الإيمان، المدينة المنوّرة

172. مسند أبي يعلى، أبو يعلى الموصلي، دار الثقافة العربية، دمشق

173. مسند أحمد، أحمد بن حنبل، دار الفكر، بيروت

174. مسند البزّار، البزّار، مكتبة العلوم، المدينة

175. مسند الشاميّين، الطبراني، مؤسّسة الرسالة

176. مسند الطيالسي، سليمان بن داود، دار الحديث، القاهرة

177. مشاهير علماء الأمصار، ابن حبّان، دار الوفاء

178. مشكاة المصابيح، القاري، دار الفكر، بيروت

179. مشكل الآثار، الطحاوي، دار صادر، بيروت

180. مصابيح السنّة، البغوي، دار الكتب العلمية، بيروت

181. مصنّف أبي الجعد، عليّ بن الجعد، دار الكتب العلمية، بيروت

182. معجم البلدان، الحموي، دار إحياء التراث، بيروت

183. معرفة الثقات، العجلي، مكتبة الدار، المدينة المنورة

184. معرفة علوم الحديث، الحاكم، دار الآفاق، بيروت

185. مغني المحتاج، الشربيني، دار إحياء التراث، بيروت

186. مقاتل الطالبيّين، أبو الفرج الأصبهاني، مؤسّسة دار الكتاب

187. مناقب علي بن أبي طالب، ابن المغازلي، دار الأضواء

188. مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه، دار الحديث، قم

189. من له رواية في الكتب الستّة، الذهبي، دار القبلة

190. مواهب الجليل، الحطّاب الرعيني، دار الكتب العلمية، بيروت

191. ميزان الاعتدال، الذهبي، دار الفكر، بيروت

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:220

192. نظرات في الكتب الخالدة، حامد حفني، النجاح، القاهرة

193. نظم درر السمطين، الزرندي الحنفي، الطبعة الأولى

194. نور العين، الإسفراييني، المنار، تونس

195. نيل الأوطار، الشوكاني، دار الجيل

196. وفيات الأعيان، ابن خلّكان، دار الثقافة

197. وقعة صفّين، ابن مزاحم، المؤسّسة العربية الحديثة

198. ينابيع المودّة، القندوزي الحنفي، دار أسوة

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:221

فهرس الموضوعات

المقدّمة 5

كلمة المحقّق 9

نبذة من حياة المصنّف 17

الدافع لتأليف الكتاب 18

عملنا في هذا الكتاب 21

مقدّمة المصنّف 23

الباب الأوّل: في فضائل أهل البيت على العموم من هم أهل

البيت 37

الآل في اللغة 37

الآل في الشرع 37

الوصية بأهل البيت 43

أهل البيت مطهّرون من الرجس و مغفور لهم 51

فضل من صاهر أهل البيت 59

محاربة أهل البيت حرب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 63

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:222

مبغض أهل البيت من أهل النار و أنّه لا إيمان له 64

المهدي من أهل البيت 66

مشروعيّة الصلاة على أهل البيت عليهم السّلام 72

من فضائل أهل البيت إكرامهم بتحريم أخذ الصدقة 75

الباب الثاني: في فضائل الإمام علي عليه السّلام في فضائل الإمام علي عليه السّلام 79

عليّ أكثر الصحابة فضائل 82

عليّ يحبّه اللّه و رسوله و يحبّ اللّه و رسوله 82

حبّ عليّ إيمان و بغضه نفاق 84

كان علي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كهارون من موسى 86

علي و رسول اللّه كنفس واحدة 96

علي مولى كلّ مؤمن 99

علي أحبّ الخلق إلى اللّه و إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 104

حبّ عليّ حبّ لرسول اللّه و بغضه بغض له صلّى اللّه عليه و اله 107

طاعة عليّ طاعة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عصيانه عصيان له 108

إذاية عليّ إذاية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 108

الإمام علي مغفور له 109

علي ممّن مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو عنه راض 110

الإمام علي أعلم الصحابة و إنّه باب مدينة العلم 111

أنّ الحقّ مع علي و إنّه كان مصيبا في حروبه للبغاة و الخوارج 116

حروب الإمام علي التي كان محقّا فيها أنواع ثلاثة 117

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:223

الفاصل بين الحقّ و الباطل 125

إكرامه بالشهادة 136

الباب الثالث: في مناقب مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السّلام في مناقب مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السّلام 143

فاطمة سيدة نساء المؤمنين

و نساء أهل الجنّة 146

إذاية فاطمة إذاية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 149

فاطمة من فواضل نساء أهل الجنّة 157

فاطمة أحبّ النساء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 159

زهد فاطمة في الدنيا و تقشّفها 159

الباب الرابع: في مناقب الحسن و الحسين عليهما السّلام الحسنان ريحانتا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 165

رحمة رسول اللّه بالحسنين 165

الحسنان سيّدا شباب أهل الجنّة 166

الحسنان محبوبان للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و اله 167

محبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله منوطة بمحبّة الحسنين 167

مناقب الحسن عليه السّلام 171

الحسن أصلح اللّه به بين المسلمين 172

الحسن من المحبوبين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 175

من أحبّ الحسن أحبّه اللّه عزّ و جلّ 175

الحسن كان أشبه الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 178

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:224

مناقب الحسين عليه السّلام 181

الحسين من المبشّرين بالجنّة و أنّه سيقتل شهيدا 182

إثبات محبّة اللّه لمن أحبّ حسينا 182

تنبّؤ النبي صلّى اللّه عليه و اله بقتل الحسين عليه السّلام 184

خروج الحسين إلى العراق 185

ما وقع عند موت الحسين من التغيّرات الكونية 190

ما قيل من الأشعار في قتل الحسين 191

انتقام اللّه من قتلة الحسين عليه السّلام 193

المختار بن أبي عبيدة الثقفي 193

الاقتصاص للحسين عليه السّلام 195

الفهارس فهرس الآيات 199

فهرس الأحاديث و الآثار 201

فهرس مصادر التحقيق 211

فهرس الموضوعات 221

الأنوار الباهرة، التليدي 218 فهرس الأحاديث و الآثار ..... ص : 201

1. كشف الغمّة، الإربلي، دار الأضواء

163. كفاية الطالب، الكنجي الشافعي، دار إحياء تراث أهل البيت، طهران

164. كنز العمّال، المتّقي الهندي، مؤسّسة الرسالة

165. لسان العرب، ابن منظور، نشر الحوزة

166. لسان الميزان، ابن حجر، دار الكتب العلمية، بيروت

167. مآثر الأنافة، القلقشندي طبعة

حكومة الكويت

168. مجمع الزوائد، ابن حجر، دار الفكر، بيروت

169. مختصر زوائد البزّار، ابن حجر، مؤسّسة الكتب الثقافية

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:219

170. مستدرك الحاكم، الحاكم الحسكاني، دار الكتب العلمية، بيروت

171. مسند ابن راهويه، ابن راهويه، مكتبة الإيمان، المدينة المنوّرة

172. مسند أبي يعلى، أبو يعلى الموصلي، دار الثقافة العربية، دمشق

173. مسند أحمد، أحمد بن حنبل، دار الفكر، بيروت

174. مسند البزّار، البزّار، مكتبة العلوم، المدينة

175. مسند الشاميّين، الطبراني، مؤسّسة الرسالة

176. مسند الطيالسي، سليمان بن داود، دار الحديث، القاهرة

177. مشاهير علماء الأمصار، ابن حبّان، دار الوفاء

178. مشكاة المصابيح، القاري، دار الفكر، بيروت

179. مشكل الآثار، الطحاوي، دار صادر، بيروت

180. مصابيح السنّة، البغوي، دار الكتب العلمية، بيروت

181. مصنّف أبي الجعد، عليّ بن الجعد، دار الكتب العلمية، بيروت

182. معجم البلدان، الحموي، دار إحياء التراث، بيروت

183. معرفة الثقات، العجلي، مكتبة الدار، المدينة المنورة

184. معرفة علوم الحديث، الحاكم، دار الآفاق، بيروت

185. مغني المحتاج، الشربيني، دار إحياء التراث، بيروت

186. مقاتل الطالبيّين، أبو الفرج الأصبهاني، مؤسّسة دار الكتاب

187. مناقب علي بن أبي طالب، ابن المغازلي، دار الأضواء

188. مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه، دار الحديث، قم

189. من له رواية في الكتب الستّة، الذهبي، دار القبلة

190. مواهب الجليل، الحطّاب الرعيني، دار الكتب العلمية، بيروت

191. ميزان الاعتدال، الذهبي، دار الفكر، بيروت

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:220

192. نظرات في الكتب الخالدة، حامد حفني، النجاح، القاهرة

193. نظم درر السمطين، الزرندي الحنفي، الطبعة الأولى

194. نور العين، الإسفراييني، المنار، تونس

195. نيل الأوطار، الشوكاني، دار الجيل

196. وفيات الأعيان، ابن خلّكان، دار الثقافة

197. وقعة صفّين، ابن مزاحم، المؤسّسة العربية الحديثة

198. ينابيع المودّة، القندوزي الحنفي، دار أسوة

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:221

فهرس الموضوعات

المقدّمة 5

كلمة المحقّق 9

نبذة من حياة المصنّف 17

الدافع لتأليف الكتاب 18

عملنا في هذا الكتاب 21

مقدّمة المصنّف 23

الباب

الأوّل: في فضائل أهل البيت على العموم من هم أهل البيت 37

الآل في اللغة 37

الآل في الشرع 37

الوصية بأهل البيت 43

أهل البيت مطهّرون من الرجس و مغفور لهم 51

فضل من صاهر أهل البيت 59

محاربة أهل البيت حرب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 63

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:222

مبغض أهل البيت من أهل النار و أنّه لا إيمان له 64

المهدي من أهل البيت 66

مشروعيّة الصلاة على أهل البيت عليهم السّلام 72

من فضائل أهل البيت إكرامهم بتحريم أخذ الصدقة 75

الباب الثاني: في فضائل الإمام علي عليه السّلام في فضائل الإمام علي عليه السّلام 79

عليّ أكثر الصحابة فضائل 82

عليّ يحبّه اللّه و رسوله و يحبّ اللّه و رسوله 82

حبّ عليّ إيمان و بغضه نفاق 84

كان علي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كهارون من موسى 86

علي و رسول اللّه كنفس واحدة 96

علي مولى كلّ مؤمن 99

علي أحبّ الخلق إلى اللّه و إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 104

حبّ عليّ حبّ لرسول اللّه و بغضه بغض له صلّى اللّه عليه و اله 107

طاعة عليّ طاعة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عصيانه عصيان له 108

إذاية عليّ إذاية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 108

الإمام علي مغفور له 109

علي ممّن مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو عنه راض 110

الإمام علي أعلم الصحابة و إنّه باب مدينة العلم 111

أنّ الحقّ مع علي و إنّه كان مصيبا في حروبه للبغاة و الخوارج 116

حروب الإمام علي التي كان محقّا فيها أنواع ثلاثة 117

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:223

الفاصل بين الحقّ و الباطل 125

إكرامه بالشهادة 136

الباب الثالث: في مناقب مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السّلام في

مناقب مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السّلام 143

فاطمة سيدة نساء المؤمنين و نساء أهل الجنّة 146

إذاية فاطمة إذاية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 149

فاطمة من فواضل نساء أهل الجنّة 157

فاطمة أحبّ النساء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 159

زهد فاطمة في الدنيا و تقشّفها 159

الباب الرابع: في مناقب الحسن و الحسين عليهما السّلام الحسنان ريحانتا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 165

رحمة رسول اللّه بالحسنين 165

الحسنان سيّدا شباب أهل الجنّة 166

الحسنان محبوبان للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و اله 167

محبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله منوطة بمحبّة الحسنين 167

مناقب الحسن عليه السّلام 171

الحسن أصلح اللّه به بين المسلمين 172

الحسن من المحبوبين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 175

من أحبّ الحسن أحبّه اللّه عزّ و جلّ 175

الحسن كان أشبه الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 178

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:224

مناقب الحسين عليه السّلام 181

الحسين من المبشّرين بالجنّة و أنّه سيقتل شهيدا 182

إثبات محبّة اللّه لمن أحبّ حسينا 182

تنبّؤ النبي صلّى اللّه عليه و اله بقتل الحسين عليه السّلام 184

خروج الحسين إلى العراق 185

ما وقع عند موت الحسين من التغيّرات الكونية 190

ما قيل من الأشعار في قتل الحسين 191

انتقام اللّه من قتلة الحسين عليه السّلام 193

المختار بن أبي عبيدة الثقفي 193

الاقتصاص للحسين عليه السّلام 195

الفهارس فهرس الآيات 199

فهرس الأحاديث و الآثار 201

فهرس مصادر التحقيق 211

فهرس الموضوعات 221

من هم أهل البيت

الآل في اللغة

[هم] الأهل، و يقال: الآل هم في اللغة: أقارب الرجل و عشيرته و عترته، و كلّ من يجمعه و إيّاهم نسب، و كذا من يحويهم بيته من أزواج و غيرهنّ، فيدخل في ذلك الآباء و الأمّهات و الأصول و إن

علوا، و الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات، و الأزواج و الأولاد و الأحفاد، و كلّ من ينتمي إليه بقرابة، و كذا بمصاهرة. هذا مضمون ما جاء في مختلف دواوين اللغة و غيرها. و هو المتعارف بين الناس في سائر الأصقاع و العصور.

الآل في الشرع

و جاء في الشرع على عدّة إطلاقات:

الأول: أطلق على كل من يتّصل بالنبي صلّى اللّه عليه و اله بنسب و قرابة، و عليه قوله تعالى في سورة الشورى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى «1» و منه قوله تعالى:

وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «2» فإنّ المراد بهم سكّان الحرم من قريش بجميع

______________________________

(1). الآية: 23.

(2). الشعراء: 214.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:38

أفخاذهم و بيوتاتهم كما يفسّره حديث الصحيحين عن أبي هريرة قال:

قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حين أنزل اللّه عليه وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قال:

«يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من اللّه شيئا ... يا بني عبد مناف ...

يا عباس بن عبد المطّلب ... و يا صفيّة عمّة رسول اللّه ... و يا فاطمة بنت محمد صلّى اللّه عليه و اله» لفظ البخاري في التفسير.

و لفظ مسلم: «يا معشر قريش، أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني كعب كذلك، يا معشر بني هاشم كذلك، يا معشر بني عبد المطّلب ...» إلى آخره «1».

______________________________

(1). هذا المعنى يحتاج إلى مزيد تأمّل، فإنّ المطلوب هو تعيين معنى الآل شرعا و ما هو المراد منه، مع أنّ الآيتين خاليتان من لفظ الآل و لفظ أهل، و كذا حديث أبي هريرة الذي جعله شارحا و مفسّرا، فهما أجنبيّان عن محل البحث.

نعم، آية الإنذار تثبت أنّ من جمعهم النبي صلّى اللّه عليه و

اله هم عشيرته، و هذا غير محلّ البحث.

و أمّا آية المودّة فقد فسّرت بأصحاب الكساء فقط، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لمّا نزلت آية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قيل: يا رسول اللّه، من قرابتك الذين و جبت علينا مودّتهم؟ قال صلّى اللّه عليه و اله: «هم علي و فاطمة و الحسن و الحسين» أخرجه في الصواعق 2: 487، و في المعجم الكبير 3: 47 رقم 2641.

و أمّا حديث أبي هريرة، ففيه مضافا لما تقدّم: أنّه في قضية أخرى غير قضية الدار و نزول آية الإنذار، فراجع التفاسير في ذلك، مع أنّ فيه قوله: «يا بني كعب» و هم ليسوا من عشيرة النبي صلّى اللّه عليه و اله و لا من قرابته.

و الملاحظ أنّ مستمسك هذا القول أمران:

الأول: الاشتراك في حكم الصدقة، و أنّها محرّمة على أهل البيت و بني هاشم، فيكون بنو هاشم من أهل البيت. و هذا باطل جزما، فإنّ الصدقة إذا كانت محرّمة على بني هاشم، فهذا لا يستدعي كونهم من أهل البيت الذين عناهم النبي صلّى اللّه عليه و اله بحديث الثقلين و السفينة و الكساء، و وجوب التمسّك و الاقتداء و الاتّباع، بل لا أحد يقول به، و هذا الحكم حاله حال بقيّة الأحكام المشتركة بين أهل البيت و عامّة المسلمين؛ كالحج و الصوم و الصلاة، فليس كلّ حاجّ هو من أهل البيت-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:39

الثاني: و أطلق على من تحرم عليهم الصدقة، و هم: آل علي و آل جعفر و آل عقيل و آل العباس، و عليه حديث زيد بن أرقم الآتي قريبا مع أحاديث تحريم الصدقة على آله، كما سيأتي في

محلّه.

الثالث: و أطلق على نسائه صلّى اللّه عليه و اله أمّهات المؤمنين رضي اللّه عنهنّ، كما جاء في آية الأحزاب: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «1» فإنّ سياق الآية جاء في أزواجه بلاشك، و غيرهنّ من الآل دخلوا بأدلّة أخرى كما سيأتي «2».

______________________________

- لاشتراك الحكم، نعم حكم حرمة الصدقة فيه تشريف لبني هاشم و تفضيل لهم على من سواهم من الناس؛ إلّا أنّه لا يستدعي المساواة بوجه.

الثاني: رواية زيد بن أرقم التي أخرجها مسلم 4: 1873.

إلّا أنّ فيها: أولا: أنّ زيد بصدد بيان من تحرّم عليهم الصدقة، و ليس بصدد بيان معنى أهل البيت و تعيين مصاديقه، بل هو في مقام تعيين مصاديق من تحرم عليهم الصدقة، بدليل آخر الحديث:

«كلّ هؤلاء حرم الصدقة».

و ثانيا: أنّ هذا التفسير هو من زيد، و لا شأن لنا به، لأنّ محلّ البحث هو تعيين معنى الآل شرعا.

و ثالثا: أنّ رواية زيد معارضة بالمتواترات الدالّة على أنّ أهل البيت هم علي و فاطمة و الحسن و الحسين. وستأتي الروايات مفصّلا.

(1). الآية: 33.

(2). و يمكن مناقشة كلامه:

أولا: أنّ السياق على خلاف ما يقول؛ لأنّ آية التطهير لو كانت شاملة لنساء النبي صلّى اللّه عليه و اله و في نفس السياق لجاءت الآية بصيغة المؤنّث كما في الآيات المتقدمة، كقوله: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ ... وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِينَ الزَّكاةَ وَ أَطِعْنَ اللَّهَ فذكر كلّ ذلك بصيغة المؤنّث، فكان يجب أن يقول: ليذهب عنكنّ الرجس و يطهّركنّ، فلمّا أتى بصيغة المذكّر دلّ ذلك على أنّ النساء لا مدخل لهنّ، و لا سياق يتمسّك به، و الآية غير شاملة لهنّ.

و ثانيا: أنّ حديث

أمّ سلمة المتواتر يكذّب هذه الدعوى: «قالت: يا رسول اللّه، هل أنا من أهل-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:40

و في حديث عائشة: «ما شبع آل محمد صلّى اللّه عليه و اله منذ قدم المدينة من طعام برّ ثلاث ليال تباعا حتّى قبض». و منه الحديث الآخر: «ما أكل آل محمد صلّى اللّه عليه و اله أكلتين في يوم إلّا إحداهما تمر». و من ذلك حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «اللّهم اجعل رزق آل محمد قوتا» «1».

فالآل في كلّ ذلك المراد به أزواجه الطاهرات رضوان اللّه عليهنّ، و بذلك فسّر

______________________________

- بيتك؟ قال: لا، و لكنّك إلى خير» و في بعضها: «على مكانك و أنت على خير» فدلّ على خروج الأزواج منها بلا ريب.

و ثالثا: أنّ الروايات المتواترة الدالّة على سبب نزول آية التطهير و اختصاصها بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين تدلّ على بطلان هذا القول.

و رابعا: رواية أم سلمة و رواية عائشة تدلّان و بوضوح على أنّ آية التطهير نزلت لوحدها، و لم تنزل مع بقيّة الآيات: «قالت أم سلمة: نزلت هذه الآية في بيتي». و سيأتي جميع ذلك مفصّلا مع شواهده في محلّه.

(1). صحيح البخاري 5: 2371 كتاب الرقاق.

و يبدو أنّ التمسّك بهذه الأحاديث لإدخال الزوجات في (الآل) غير صحيح. فقد قال السيوطي في شرح سنن ابن ماجة 1: 240 رقم 3346 في شرح قوله: «ما شبع آل محمد» قال: «إنّ لفظ آل مقحم زائد، و المراد ذاته صلّى اللّه عليه و اله، و هذا محمول على زهده» ثم قال: «و كان صلّى اللّه عليه و اله يعطي أزواجه قوت سنة مائة وسق من تمر و شعير».

و يدلّ

على خروج الأزواج من لفظ (آل محمد) ما رواه يزيد بن حيّان قال: سألت زيد بن أرقم:

من آل محمد؟ قال: آل علي و آل العباس و آل عقيل و آل جعفر. أخرجه في المعجم الكبير 5: 184.

و قول زيد الآخر حين سئل: نساؤه من أهل بيته؟ قال: لا، ليس نساؤه من أهل بيته، لكن أهل بيته من حرم الصدقة. و في رواية أخرى قال: إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلّقها فترجع الى أبيها و قومها، أهل بيته عصبته الذين حرموا الصدقة. أخرجه في فيض القدير 2: 175، المعجم الكبير 5: 182، شرح مسلم للنووي 15: 175 و قال: و المعروف في غير مسلم أنّه قال: «نساؤه لسن من أهل بيته». و هذا الكلام من النووي دليل على وجود تحريف في الرواية.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:41

قوله تعالى: إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً «1» و قوله تعالى: رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ «2» فإنّ المراد بهما زوجة موسى و زوجة إبراهيم عليهما السّلام بالاتّفاق.

و أمّا قوله تعالى في سيدنا إسماعيل عليه السّلام: وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ «3» فقيل: زوجته و أولاده، و قيل: عشيرته ...

أمّا قوله عز و جل: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها «4» فالظاهر أنّها عامّة في نسائه و غيرهنّ «5». بدليل ما جاء في حديث أنس رضى اللّه عنه قال:

______________________________

(1). النمل: 7.

(2). هود: 73.

(3). مريم: 55.

(4). طه: 132.

(5). أقول: هذه مغالطة، فإنّ ألفاظ القرآن تحمل على المعاني اللغوية بما لها من القرائن، و هي بحسب الاستعمال اللغوي، و محلّ بحثنا هو في تعيين معنى الآل في الشرع.

فإنّ لفظ (الأهل) استعمل في القرآن

في عدّة مواضع، و في كلّ واحد منها أريد به معنى من المعاني اللغوية، ففي قوله: انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا أريد به القوم، و في قوله: وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها أريد به كلّ أهل المدينة، و في قوله: وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ أريد به الأولاد فقط دون الزوجات. راجع تفسير ابن كثير 4: 43، و تفسير الجلالين:

603. فهذه جميعا معان لغويّة ساعدت القرائن عليها أو ورد تفسيرها في الخبر.

و أمّا آية التطهير فالقرائن تدلّ على خروج الأزواج منها، و أوّلها اختلاف الضمير كما تقدّم، و رواية أم سلمة، و حديث عائشة و غيره من الأحاديث الدالّة على الاختصاص بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين، و ما دلّ على أنّ آية التطهير نزلت لوحدها في بيت أم سلمة و لا ربط لها بآيات الزوجات، مضافا إلى أدلّة أخرى تأتي في محلّها.

ثم إنّ بعض الآيات التي ذكرها لا تدلّ على مراده، مثل آية: رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فإنّ دخول زوجة إبراهيم هنا لأنّ سارة زوجة إبراهيم هي ابنة عمّه، و دخولها في الأهل من جهة القرابة، لا من جهة الزوجية.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:42

كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يمرّ بباب فاطمة ستّة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول:

«الصلاة يا أهل البيت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» «1».

الرابع: و أطلق بصفة خاصّة على أصحاب الكساء، و هم ساداتنا: علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم من اللّه السلام و الرضوان، و عليه حديث الكساء، و حديث المباهلة الآتيان مع آية الأحزاب، كما يأتي بيان ذلك بحول

اللّه.

و على هذا الإطلاق أكثر الأحاديث، و هو المتعارف بين الناس في سائر الأقطار و العصور حتّى أصبح علما عليهم «2» و على من تناسل منهم، فيقال لهم: أهل البيت،

______________________________

(1). مستدرك الحاكم 3: 172 و قال: صحيح على شرط مسلم، و وافقه الذهبي في التلخيص، و مسند أحمد 3: 259، و الجامع الصحيح 5: 352، و مسند الطيالسي: 274 رقم 2060، و مسند أبي يعلى 7: 59، و مصنّف ابن أبي شيبة 7: 527، و مجمع الزوائد 9: 267 رواه عن أبي برزة و فيه: سبعة أشهر، و عن أبي سعيد و فيه: أربعون يوما، و عن أبي الحمراء و فيه: ستة أشهر، و الآحاد و المثاني 5: 360، فتح القدير 4: 280 و قال: أخرج ابن أبي شيبة و أحمد و ابن جرير و ابن المنذر و الطبراني و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه عن أنس: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان يمرّ بباب فاطمة ... إلى آخره.

و من الغريب أن يجعل التليدي هذه الرواية من أدلّة دخول الزوجات في معنى الأهل، مع وضوح الدلالة، فهذه الرواية دليل واضح و صريح على خروج الأزواج من آية التطهير، بل من معنى الآل، و اختصاصها بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين، فإنّ فعل النبي صلّى اللّه عليه و اله حجّة بلا شكّ، و تلاوة هذه الآية لمدة ستة أشهر أو سبعة على بيت فاطمة بالخصوص دون بقيّة البيوت دليل على الاختصاص؛ تنزيها لفعل النبي صلّى اللّه عليه و اله عن العبث و حاشاه من ذلك.

هذا مع ملاحظة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله كان يتلو آية التطهير عند باب بيت

فاطمة عند كلّ صلاة، و هو وقت اجتماع الأصحاب، و تأكيد ذلك لمّدة ستة أو سبعة أشهر، فكان النبي يقصد من وراء ذلك إسماعهم، و بيان اختصاص الآية بهم دون غيرهم، و إلّا فللنبيّ صلّى اللّه عليه و اله تسعة بيوت، و لم يرو أنّه تلا الآية على واحد منها.

(2). و هو ما دلّت عليه آية التطهير و المباهلة، و حديث الكساء و الثقلين، و مرور النبي صلّى اللّه عليه و اله على بيت فاطمة و غيرها من الأحاديث.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:43

و الأشراف، و السادات، و الذريّة الطاهرة، و العترة الطاهرة، رضي اللّه تعالى عنهم و عنّا معهم، آمين.

الوصية بأهل البيت

عن زيد بن أرقم رضى اللّه عنه قال:

قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يوما فينا خطيبا بماء يدعى خمّا بين مكة و المدينة، فحمد اللّه و أثنى عليه و وعظ و ذكّر، ثم قال: «أمّا بعد، ألا أيها الناس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتني رسول ربي عزّ و جلّ فأجيب، و إنّي تارك فيكم الثقلين: أولهما: كتاب اللّه عزّ و جلّ، فيه الهدى و النور، فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به» فحثّ على كتاب اللّه و رغّب فيه ثم قال: «و أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي».

فقال له حصين- أحد الرواة-: و من أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟

قال: نساؤه من أهل بيته، و لكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده،

قال: و من هم؟ قال: هم: آل علي و آل عقيل و آل جعفر و آل عباس،

قال: كلّ هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم «1».

______________________________

(1). صحيح مسلم 4: 1873، مسند أحمد

3: 376.

و الظاهر أنّ ذيل رواية زيد (أي قوله: «قال: نساؤه من أهل بيته، و لكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده») ممّا تلاعبت به أيدي الوضّاعين و المحرّفين، فأصل الرواية هو «أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: لا، نساؤه لسن من أهل بيته»، و يدلّ على ذلك أمور:

الأول: قول الإمام النووي في شرح مسلم 15: 175: «و المعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنّه قال: نساؤه لسن من أهل بيته».-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:44

______________________________

- الثاني: رواها مسلم في باب فضائل علي بن أبي طالب 4: 1873 هكذا: «فقلنا: من أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا، و أيم اللّه إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلّقها فترجع إلى أبيها و قومها، أهل بيته من حرم الصدقة».

الثالث: رواها الطبراني في المعجم الكبير 5: 182 رقم 5026 قال: «فقلنا: من أهل بيته، نساؤه؟

قال: لا، إنّ المرأة يتزوّج بها الرجل العصر من الدهر ثم يطلّقها فترجع إلى بيتها و أمها، أهل بيته و عصبته الذين حرموا الصدقة بعده».

الرابع: أخرجها المناوي بطريقين هكذا قال: لفظه من أحدهما: «قيل لزيد: أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: لا، ليس نساؤه من أهل بيته، و لكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده». ثم قال:

«و في رواية: أنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلّقها فترجع إلى أبيها و قومها، أهل بيته أصله و عصبته الذين حرموا الصدقة».

الخامس: أخرجها ابن أبي شيبة في المصنّف 3: 104 بلفظ: «قال يزيد و حصين: أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: لا، و لكن أهل بيته من حرم الصدقة».

و ممّا يدلّ على خروج نساء النبي صلّى اللّه عليه و اله من أهل بيته

أمور:

الأول: رواية زيد المتقدّمة برواية مسلم و الطبراني و النووي و ابن أبي شيبة و المناوي: «أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: لا، و لكن أهل بيته من حرم الصدقة» و في بعضها: «لا، ليس نساؤه من أهل بيته، و لكن أهل بيته من حرم الصدقة» و في بعضها الآخر: «إنّ المرأة تكون مع الرجل ثم يطلّقها فترجع إلى أبيها و قومها، أهل بيته أصله و عصبته الذين حرموا الصدقة».

و هذا صريح جدا في خروج أزواج النبي صلّى اللّه عليه و اله من أهل بيته، بل هو من أوضح الواضحات.

الثاني: الاتّفاق على أنّ أهل البيت عليهم السّلام تحرم عليهم الصدقة، و أمّا نساؤه صلّى اللّه عليه و اله فلا تحرم عليهنّ الصدقة و بشهادة قول الأعلام:

قال ابن حجر في فتح الباري 5: 219: «أزواج النبي صلّى اللّه عليه و اله لا تحرم عليهنّ الصدقة كما حرمت عليه، لأنّ عائشة قبلت هدية بريرة و أمّ عطيّة مع علمها بأنّها كانت صدقة عليها، و لذا لم تقدّمها للنبي صلّى اللّه عليه و اله لعلمها أنّه لا تحلّ له الصدقة».

و قال المقدسي في الفروع 2: 483: «و لا تحرم الزكاة على أزواجه عليه السّلام في ظاهر كلام أحمد و الأصحاب».-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:45

______________________________

- و قال الشوكاني في نيل الأوطار 4: 175: «قال ابن المنير: إنّها لا تحرم الصدقة على الأزواج قولا واحدا». ثم قال الشوكاني: «و نقل ابن بطّال اتّفاق الفقهاء على عدم دخول الزوجات في ذلك، أي في حرمة الصدقة».

فالنتيجة: أنّ الزوجات لسن من أهل البيت؛ لعدم حرمة الصدقة عليهنّ اتّفاقا، قولا واحدا.

الثالث: و ممّا يدلّ على خروج الأزواج عن أهل بيته، تفريق النبي صلّى اللّه عليه

و اله في ذلك، قال صلّى اللّه عليه و اله: «أول من يلحقني من أهل بيتي أنت يا فاطمة، و أول من يلحقني من أزواجي زينب» أخرجه كنز العمال 12: 108 و 13: 703، سبل الهدى و الرشاد 10: 100 و قال: «رواه تمام و ابن عساكر»، و تاريخ دمشق 17: 73 من حديث الأوزاعي، و الجامع الصغير 1: 327.

الرابع: رواية أمّ سلمة: «أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله جلّل على الحسن و الحسين و علي و فاطمة كساء، ثم قال:

«اللّهم هؤلاء أهل بيتي و حامّتي، أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا» فقالت أم سلمة: و أنا معهم يا رسول اللّه؟ قال: إنّك على خير، أو في مكانك، أو أنت على خير أو إلى خير. أخرجه مسند أحمد 6: 292 و 4: 107، و المعجم الكبير 9: 26 و 23: 249.

و الحديث بهذا المعنى مرويّ عن عائشة و أبي سعيد و ابن عباس و واثلة بن الأسقع و سعد بن أبي وقّاص. انظر صحيح مسلم 4: 1883 عن عائشة، و مستدرك الحاكم 3: 156 و 2: 451، و مجمع الزائد 9: 264، و مختصر البزّار للعسقلاني 2: 332 عن أبي سعيد، و شرح السنّة للبغوي 8: 87 عن عائشة، و قال: «صحيح أخرجه مسلم» و المعجم الكبير 3: 53، و مسند ابن راهويه 3: 678 عن عائشة، و السنّة لابن أبي عاصم 2: 901 عن ابن عباس، و فتح القدير 4: 279 و قال: «أخرجه الترمذي و صحّحه و ابن جرير و ابن المنذر و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه و البيهقي في سننه من طرق عن أمّ سلمة، و قد ذكر ابن

كثير في تفسيره لحديث أمّ سلمة طرقا كثيرة في مسند أحمد و غيره»، و قد ذكر بعض طرقه السيوطي في الدرّ المنثور 6: 603، و ابن كثير في تفسيره 3: 493.

الخامس: قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فلو قلنا: إنّ الآية تشمل الزوجات كالآيات السابقة يلزم منه مخالفة السياق، لأنّ الآيات السابقة كان الضمير فيها ضمير المؤنّث «منكنّ ... و أطعن ... و لا تبرجنّ ... و لا تخضعنّ ... و قرن ... و أقمن الصلاة ... و آتين الزكاة» بينما الضمير في آية التطهير هو ضمير المذكّر «ليذهب عنكم» فدلّ ذلك على خروج الأزواج منها.-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:46

______________________________

- ثم إنّ آية التطهير جاءت في مقام المدح و التشريف و التطهير، بينما الآيات السابقة التي تخصّ الأزواج لسانها لسان العتاب و التحذير و التأديب، كقوله: إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ... فَلا تَخْضَعْنَ و من هنا نعرف انّه لا فضل لأزواج النبي صلّى اللّه عليه و اله على بقية النساء إلّا بالتقوى، و هذا صريح قوله تعالى: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَ فالفضيلة مشروطة بالتقوى، و بدون التقوى لا فضل للزوجية و لا للصحبة، و أين هذا من التطهير المطلق لأهل البيت عليهم السّلام.

خاصة و قد صدر من بعضهنّ في حياته صلّى اللّه عليه و اله و بعد وفاته. ما لم يكن يرضيه صلّى اللّه عليه و اله. راجع سير أعلام النبلاء 2: 229، و انظر: صحيح البخاري 4: 1868، و صحيح مسلم 2: 1107، و مصنّف أبن أبي شيبة 7: 536، و مسند أبي يعلى 5: 57.

السادس: ما ورد في تفسير آية المباهلة و اختصاصها بهم عليهم السّلام، روى

مسلم 4: 1871 قال: لمّا نزلت هذه فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ آل عمران:

من الآية 61، دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عليا و فاطمة و الحسن و الحسين: فقال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي».

السابع: إنّ القائل بأنّ الآية في نساء النبي هم عكرمة و مقاتل بن سليمان و عروة بن الزبير فقط.

فأمّا عكرمة، فهو من الخوارج، و كان يرى رأي الأباضية و الخوارج الذين بالمغرب أخذوا عنه، و كان من الكذّابين المشهورين، و قد كذّبه يحيى بن معين و ابن المسيّب و عطاء بن رباح و محمد ابن سيرين و ابن المديني، و تجنّبه مسلم و مالك و قال: «لا أرى أن يروى عنه» راجع: ميزان الاعتدال 3: 89، و سير أعلام النبلاء 5: 21.

و أمّا مقاتل بن سليمان، فقد قال وكيع و النسائي: «كان مقاتل كذّابا»، و قال الجوزجاني: «كان دجّالا جسورا»، و قال ابن حبّان: «كان يأخذ من اليهود و النصارى علم القرآن، و كان يكذب في الحديث»، و قال ابن حجر: «كذّبوه و هجروه»، و أورده العقيلي في الضعفاء و كذّبه، و نقل أكثر الطعون عليه، و كذا الرازي في الجرح و التعديل. راجع: ميزان الاعتدال 4: 173، و المجروحين 3: 14، و تقريب التهذيب 2: 277، و الضعفاء للعقيلي 4: 234، و الجرح و التعديل 8: 354.

و أمّا عروة بن الزبير، فقد كان ابن يحيى يقول: «كان أبي إذا ذكر عليا نال منه»، و روى جرير عن محمد بن شيبة قال: «شهدت مسجد المدينة، فإذا الزهري و عروة بن الزبير جالسان يذكران عليا و ينالان منه» و كان الزهري يتّهمه

في بني هاشم (شرح النهج 4: 64 و 102)، و كان عروة-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:47

هكذا يذكّرنا نبيّنا نبي الإسلام صلّى اللّه عليه و اله بأنّه سيجيب داعي ربّه، و سيترك فينا أمرين هامّين عظيمين ثقيلين، هما: كتاب اللّه المقدّس و عترته الطاهرة، و أمرنا بالتمسّك بهما، و الاهتداء بهديهما، و الاهتمام بشأنهما.

أمّا القرآن الكريم فأمره واضح و أنّه أعظم مقدّساتنا، و طريق ديننا و سعادتنا و دستور نظام حياتنا، و مصدر حكمنا، و مرجع حلّ مشاكلنا، و أنّه أساس الفضائل و الأخلاق، و أصل العلوم و المعارف و الحقائق، فأمره لا يخفى.

و الوصية به كانت ديدن نبيّنا صلّى اللّه عليه و اله في كلّ المناسبات، و خاصّة في خطبه الجامعة، و قد جاء في كتاب الوصايا من الصحيحين عن عبد اللّه بن أبي أوفى رضى اللّه عنه أنّه سئل:

أوصى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟ قال: لا، و كيف كتب الوصية، و كيف أمر الناس؟ قال: أوصى بكتاب اللّه «1».

أمّا أهل بيته فقد علم بطريق الوحي أنّه سيوجد في أمته من يهضم حقوقهم، و يقاتلهم و يشرّدهم، و يضايقهم و لا يراعي جانبهم، و لذلك كرّر الوصاية بهم لفتا للأنظار إلى عظيم منزلتهم، و سموّ مقامهم، لأنّهم آل النبي صلّى اللّه عليه و اله، و أقرب الناس إليه و ألصقهم به «2».

______________________________

- يحدّث بحديث ينتقص فيه فاطمة عليها السّلام (مختصر زوائد البزّار 2: 358، مشكل الآثار للطحاوي 1: 48). فيظهر أنّ سند الأخبار هذه مخدوشة فلا معوّل عليها.

(1). صحيح مسلم 3: 1256. لكنّ المشهور و المتواتر أنّه صلّى اللّه عليه و اله أوصى بكتاب اللّه و عترته أهل بيته، و جعلهم عدل القرآن في

حديث الثقلين، و أمر بالتمسّك بهما و قال: «ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبدا» كما و أوصى لعلي في حديث الغدير: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه» و سيأتي كلّ ذلك مفصّلا.

(2). ممّا يلاحظ عليه هنا أنّ المصنّف جعل الوصية بأهل البيت عليهم السّلام لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله تنبّأ أنّ أمّته سوف تظلمهم و تهضم حقوقهم و تقاتلهم، و سكت عن الوصية لهم، و وجوب الرجوع إليهم و استحقاقهم-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:48

و قد جاء عن الصدّيق: «أرقبوا محمدا في أهل بيته» «1»، و معناه: احفظوه فيهم، فلا تسيئوا إليهم، و لا تؤذوهم، و لذلك قال في مقام آخر: «و الذي نفسي بيده، لقرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي» «2»، و هذا هو الظنّ بالصدّيق.

قال القرطبي رحمه اللّه: هذه الوصية و هذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام أهله و البرور بهم و توقيرهم و محبّتهم، و وجوب الفروض المؤكّدة التي لا عذر لأحد في التخلّف عنها، هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي صلّى اللّه عليه و اله و بأنّهم جزء منه، فإنّهم أصوله التي نشأ عنها، و فروعه التي نشأوا عنه، كما قال: «فاطمة بضعة منّي» «3» و مع ذلك فقابل بنو أمية عظيم هذه الحقوق بالمخالفة و العقوق، فسفكوا من أهل البيت دماءهم، و سبوا نساءهم، و أسروا صغارهم، و خرّبوا ديارهم، و جحدوا شرفهم و فضلهم، و استباحوا سبّهم و لعنهم، فخالفوا المصطفى صلّى اللّه عليه و اله في وصيته، و قابلوه بنقيض مقصوده و أمنيّته، فواخجلهم إذا وقفوا بين يديه، و

يا فضيحتهم يوم يعرضون عليه «4».

و قرانه صلّى اللّه عليه و اله بين القرآن و بين عشيرته «5» في التمسّك بهما يؤذن بأنّ المراد

______________________________

- ذلك؛ كحديث السفينة و الثقلين، و أنّه صلّى اللّه عليه و اله جعلهم عدل الكتاب بوجوب التمسّك، و حديث الغدير و أنّ عليا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، و وليّ الأمر بصريح آية التصدّق بالخاتم.

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 19: 328: «قال سبط ابن الجوزي: حديث «من كنت مولاه فعلي مولاه» أنّ عمر قال لعلي: بخ بخ أصبحت مولى كلّ مؤمن و مؤمنة، قال أبو حامد الغزالي:

و هذا تسليم و رضى ...».

(1). صحيح البخاري 3: 1361.

(2). المصدر السابق: 1360.

(3). المصدر نفسه: 1361، و سيأتي الكلام عنه في الباب الثالث: ضمن فضائل فاطمة.

(4). نقله المناوي في فيض القدير 3: 20 و 6: 459. و هذه شهادة صريحة من القرطبي و المناوي على ما فعله بنو أمية بالإسلام و بأهل البيت عليهم السّلام.

(5). لكن كلّ من روى حديث الثقلين رواه بلفظ: «كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي» بل هو متواتر بهذا-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:49

بأهل البيت علماؤهم، فهو عامّ أريد به الخصوص كما قال الإمام الحكيم الترمذي:

فالجاهل و الفاسق منهم حظّهما من الأمة الاحترام و البرور و الإحسان فقط، أمّا الاقتداء و التمسّك فإنّما يكون بعلمائهم العاملين بالكتاب و السنّة، السالكين هدي النبي صلّى اللّه عليه و اله و نهجه القويم «1»، و طريق السلف الصالح من الصحابة و التابعين فمن بعدهم.

______________________________

- اللفظ، و إليك بعضا من مصادر الحديث، و كلّها بلفظ «كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضّلوا بعدي».

«فضائل الصحابة لأحمد: 15، مسند أحمد 3: 14 و 5:

182، السنن الكبرى للنسائي 5: 45، المعجم الكبير 3: 65 و 66 و 67 و 5: 154 و 166 و 170 أخرجه من عدّة طرق، البداية و النهاية 5: 228 و 7: 386، كنز العمّال 1: 172 رقم 870 و 871 و 872 و 873 عن جابر وزيد ابن ثابت وزيد بن أرقم، و 1: 185 رقم 943 إلى رقم 953 عن أبي سعيد وزيد و جابر، و 5: 290 عن ابن جرير و 14: 435 عن حذيفة.

هذا و الحديث مرويّ بعدّة طرق في المعجم الصغير و الأوسط للطبراني، و سنن الترمذي، و مستدرك الحاكم، و نظم درر السمطين، و مسند أبي يعلى، و كتب التاريخ و السيرة، و في الجميع بلفظ «و عترتي» و ليس «و عشيرتي».

(1). قد نصّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عليهم، و هم من يجب اتّباعهم و التمسّك بهم:

فعن الأصبغ عن عبد اللّه بن عباس قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «أنا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون» (فرائد السمطين 2: 313، ينابيع المودّة 2: 316).

و عن عباية بن ربعي مرفوعا: «أنا سيّد النبيين و علي سيّد الوصيين، [و] إنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أولهم علي و آخر هم القائم المهدي» (ينابيع المودّة 2: 316).

و عن سعيد بن جبير قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «إنّ خلفائي و أوصيائي و حجج اللّه على الخلق بعدي لإثنا عشر، أولهم أخي و آخرهم المهدي» قيل: يا رسول اللّه، و من أخوك؟ قال: «علي بن أبي طالب».

و عن ابن عباس قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه

و اله يقول: «أنا سيّد المرسلين و علي بن أبي طالب سيد الوصيين، و إنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أولهم علي بن أبي طالب و آخرهم القائم» (فرائد-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:50

و ليس المراد بهم علماء غلاة الشيعة الذين يوالون أهل البيت، و يضلّلون الصحابة من المهاجرين و الأنصار و يسبّونهم، و ينالون منهم و ينتقصونهم، و ينتقدون أعمالهم، و يتبّرؤون من أكابرهم؛ كالخلفاء الثلاثة ... «1».

و في قوله صلّى اللّه عليه و اله: «و لن يفترقا» إشارة إلى أنّه- كما قال الشريف السمهودي رحمه اللّه- لابدّ و أن يكون في كلّ زمان من هم أهل للتمسّك بهم و بهديهم مع القرآن الكريم، و أنّهم لا يفترقون عن القرآن حتّى يلقوه صلّى اللّه عليه و اله، و أنّ التمسّك بهما أمان من الضلال و الخروج عن الحقّ، جعلنا اللّه تعالى منهم و من شيعتهم الصادقين المعتدلين.

______________________________

- السمطين للجويني الشافعي 2: 312 و 313).

و قال صلّى اللّه عليه و اله: «من أحبّ أن يحيا حياتي و يموت مماتي و يسكن جنّة الخلد التي و عدني ربي، فإنّ ربي عز و جل غرس قضبانها بيده، فليتولّ عليا و ذرّيته من بعده، فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدى و لن يدخلوكم في باب ضلالة» (كنز العمال 11: 611).

و هذا هو الذي عناه النبي صلّى اللّه عليه و اله بقوله: «اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش» (كنز العمال 12: 33).

و قال في عون المعبود (11: 245) نقلا عن قرّة العينين قال: «إنّ الحديث- اثنا عشر خليفة- ناظر إلى مذهب الاثني عشرية الذين أثبتوا اثني عشر إماما».

(1). و قد تقدّم الكلام عن الغلاة، و أنّ الشيعة الإمامية و أئمتهم أئمة أهل

البيت عليهم السّلام حاربوا الغلاة، و كفّروهم و أمروا بالبراءة منهم و لعنهم، فراجع.

و أمّا الصحابة، فالإمامية حالهم حال الكثير من أعلام السنّة- كما تقدّم- لا يقولون بعدالة الجميع، و لا يقبلون الصحابة على علّاتهم، و كيف نقول بعدالة أمثال مروان قاتل طلحة، و أبو الغادية قاتل عمار بن ياسر، و سمرة بن جندب الذي كان يبيع الخمر في زمان عمر بن الخطاب (صحيح مسلم 3: 1207)، و هل يرضى أحد من العقلاء أن يقول بعدالة من رمى زوجة النبي صلّى اللّه عليه و اله بالإفك العظيم، أو من أراد قتل النبي صلّى اللّه عليه و اله عند العقبة، أو من سرق أموال المسلمين؟

قال عمر لأبي هريرة: «يا عدوّ اللّه و عدوّ كتابه، سرقت مال اللّه!» (سير أعلام النبلاء 2: 612).

و القرآن يخبر وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ التوبة: 101.

و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «في أصحابي اثنا عشر منافقا، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنّة» (صحيح مسلم 4: 2143)، و أيّ منصف عادل يرضى بتوثيق القتلة و السرّاق و المنافقين و أهل الإفك؟

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:51

أهل البيت مطهّرون من الرجس و مغفور لهم

عن عائشة رضي اللّه عنها قالت:

خرج النبي صلّى اللّه عليه و اله غداة و عليه مرط مرحّل «1» من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «2».

اختلف العلماء من المفسّرين و غيرهم في سبب نزول هذه الآية و في المراد بها، فذهب ابن عباس و عكرمة و

عطاء و مقاتل و سعيد بن جبير إلى أنّها في زوجات النبي صلّى اللّه عليه و اله بدليل سياق الآية قبلها و بعدها «3».

و ذهب آخرون، منهم أبو سعيد الخدري و مجاهد و قتادة و غيرهم «4» إلى أنّها في علي و فاطمة و الحسن و الحسين: بدليل هذا الحديث «5»، و حديث أم سلمة أم المؤمنين رضى اللّه عنه:

أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله جلّل على الحسن و الحسين و علي و فاطمة كساء ثم قال: «اللّهم

______________________________

(1). مرط: كساء من صوف أو خزّ يؤتزر به. و المرحّل: الموشّى و المنقوش.

(2). صحيح مسلم 4: 1883، شرح السنّة للبغوي 8: 87، مستدرك الحاكم 3: 159 و صحّحه على شرطهما، مسند ابن راهويه 3: 678، فتح القدير 4: 279 و قال: أخرجه ابن أبي شيبة و أحمد و مسلم و ابن جرير و ابن أبي حاتم و الحاكم عن عائشة.

(3). تقدّم الكلام عن ذلك مفصّلا في الهامش تحت عنوان «زوجات النبي لسن من أهل البيت» فراجع. و أمّا قول عكرمة و مقاتل فلا يؤخذ به، لما تقدّم من كونهما من الكذّابين المشهورين.

و من اللطيف أنّ ابن كثير لم يرض بذلك و قال: «إن أراد أنّهنّ سبب النزول ففيه نظر» (مسند ابن راهويه 4: 15).

مع أنّ المروي عن ابن عباس في أكثر الكتب هو نزولها في أصحاب الكساء الخمسة فقط، راجع مسند ابن راهويه 3: 678، السنّة لابن أبي عاصم 2: 901، المعجم الكبير 12: 77.

(4). كأم سلمة و ابن عباس و عائشة و واثلة بن الأسقع و سعد بن أبي وقّاص.

(5). حديث عائشة المتقدم: (خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عليه مرط مرحّل

...).

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:52

هؤلاء أهل بيتي و حامّتي أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا» فقالت أم سلمة رضي اللّه عنها: و أنا معهم يا رسول اللّه؟ قال: «إنّك على خير» «1».

______________________________

(1). هامش من المصنّف و نصّه: رواه أحمد و الترمذي و حسّنه و قال: هو أحسن شي ء روي في هذا الباب، و له طرق و شواهد صحيحة، فرواه عنها الحاكم و صحّحه على شرط البخاري و وافقه الذهبي، و فيه: قالت: في بيتي نزلت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ إلى آخره، فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى علي و فاطمة و ابنيها فقال: «هؤلاء أهل بيتي». و رواه أيضا عنها أحمد مطوّلا، و له شاهد عن عمر بن أبي سلمة رواه الترمذي، و شاهد ثان عن أنس رواه الترمذي في التفسير، و شاهد ثالث عن واثلة بن الأسقع رواه أحمد و الحاكم و صحّحه على شرط مسلم و وافقه الذهبي، فالحديث صحيح. انتهى.

و الحديث في مسند أحمد 6: 304، و الجامع الصحيح 5: 351، و تفسير الطبري 22: 12 رقم 21736، و في تحفة الأحوذي 9: 48 قال: «أنت على خير و إن لم تكوني من أهل بيتي».

و أمّا حديث أم سلمة الآخر قالت: في بيتي نزلت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و في البيت فاطمة و علي و الحسن و الحسين، فجلّلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بكساء كان عليه ثم قال: «هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا».

قال السيوطي في الدرّ المنثور 6: 604: أخرجه الترمذي و صحّحه و ابن جرير و ابن المنذر و الحاكم و

صحّحه و ابن مردويه و البيهقي في سننه من طرق عن أم سلمة.

و أخرجه في الجامع الصحيح 5: 351، و المعجم الكبير 3: 52، و 23: 249، و نظم درر السمطين:

238، و مستدرك الحاكم 3: 158 و قال: «صحيح على شرط البخاري و لم يخرّجاه»، و تفسير فتح البيان 11: 86 و قال: «و قد ذكر ابن كثير لحديث أم سلمة طرقا كثيرة في مسند أحمد و غيره»، و تفسير روح المعاني 22: 14 و فيه: «فجذبه- الكساء- من يدي و قال: إنّك على خير»، و زاد في بعض الروايات: إنّه صلّى اللّه عليه و اله أخرج يده من الكساء و قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي و خاصّتي، فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا، ثلاثا» و تفسير الخازن 3: 425 و قال: «أخرجه الترمذي و قال: حديث صحيح»، و مسند أحمد 6: 292.

و أمّا رواية أبي سعيد الخدري فهي: «قال: إنّما يريد اللّه ليذهب ... نزلت في خمسة: في النبي صلّى اللّه عليه و اله و علي و فاطمة و الحسن و الحسين» أسباب النزول للواحدي: 239، و مختصر البزّار للعسقلاني 2: 332، و مجمع الزوائد 9: 264.-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:53

و مداره على أنّ الآية نزلت في أصحاب الكساء، و أنّهم المراد بها، و انظر ما يأتي في حديث سعد في فضائل علي ...

و توسّط فريق ثالث و هو المعتمد، فجعلوا الآية شاملة للزوجات و لأهل الكساء، و أنّ سبب نزولها لا يمنع من عمومها، أمّا النساء فلكونهم المرادات في سياق الآيات، و لأنهنّ الساكنات في بيوته صلّى اللّه عليه و اله، و أمّا دخول علي و فاطمة و الحسنين فلكونهم قرابته و أهل بيته

بنصّ الأحاديث مع التصريح من أم سلمة و غيرها بأنّهم سبب نزول الآية الكريمة، فمن قصر الآية على أحد الفريقين فقد أعمل بعض ما يجب إعماله، و أهمل ما لا يجوز إهماله «1».

و قد رجّح هذا القول القرطبي في تفسيره، «2»، و ابن كثير كذلك حيث قال: ليس

______________________________

- و روايته الأخرى: «سئل من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس، فعدّهم في يده خمسة: محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين» المعجم الأوسط 2: 491 رقم 1847.

(1). للتليدي هنا عدّة دعاوى ينبغي الوقوف عندها و توضيحها:

الدعوى الأولى: أنّ الفريق الثالث هو المعتمد.

لا أدري كيف أصبح هذا القول معتمدا و ليس له دليل يعتمد عليه، فالسياق على خلاف ذلك بدليل اختلاف الضمير، و الروايات ليس فيها إلّا رواية عكرمة و قد شهد عليه الذهبي و غيره، و قد عرفت ما فيه.

الدعوى الثانية: أنّ سبب نزولها لا يمنع من عمومها.

و هذا خطأ فاحش يعرفه أهل العلم و الأصوليّون منهم، فليست الآية حكما شرعيا حتّى يقال: إنّ المورد لا يخصّص الوارد، و إنّ سبب النزول لا يمنع من العموم، بل هي قضيّة شخصيّة خارجية محصورة الأفراد، فلا يمكن تعميم ذلك، و السبب: انحصار أفرادها بنحو القضيّة الخارجية، و هذا معلوم من قول أم سلمة و أبي سعيد الخدري، و فعل النبي صلّى اللّه عليه و اله من جعلهم تحت الكساء، و قوله:

هؤلاء أهل بيتي، و عدم الإذن لأم سلمة بالدخول معهم، فكلّ ذلك يدلّ على أنّ هذه القضيّة خارجية شخصية محصورة الأفراد لا يمكن تعميمها أبدا.

(2). تفسير القرطبي 14: 183 و لقد حار القرطبي في تأويل الآية و تردّد، و بنى رأيه في دخول-

الأنوار الباهرة، التليدي

،ص:54

المراد بالأهل الأزواج فقط، بل هم مع آل محمد، و هذا الاحتمال أرجح؛ جمعا بينها و بين الرواية التي قبلها، و جمعا بين القرآن و الأحاديث المتقدّمة قال: و لكن إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحقّ بهذه التسمية.

و أقرّ هذا القول محمد صدّيق حسن خان القنوجي في فتح البيان مختارا له «1».

و قوله في حديث أم سلمة: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي» هو نصّ في أنّ هؤلاء الأربعة هم آل بيته الأطهار، فإذا أطلق الآل انصرف إليهم «2». و يقال لأولادهم في العرف: العترة، و الذرّية الطاهرة، و السادات، و الأشراف، و العلويّون ... و انظر لهذا و غيره ما سبق.

فقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الآية، معناه: إنّما يشاء اللّه بقدرته و إرادته تفضّلا منه أن يخلّصكم من دنس المعاصي و الأقذار، و يطهّركم يا أهل بيت النبوّة نساء و رجالا! من أوضار الآثام و الفواحش التي تتدنّس بها الأعراض، كما تتلوّث الأبدان بالنجاسات تطهيرا بليغا، حتى لا يبقى عليكم أيّ ذنب ... فهم مطهّرون مغفور لهم بالتبعية له صلّى اللّه عليه و اله لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ «3».

و يؤيّد هذا التعميم حديث ابن عباس رضى اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لفاطمة عليها السّلام:

______________________________

- الأزواج على تأويل القشيري لرواية أم سلمة، فإنّه أوردها هكذا: «قالت: و أنا منهم؟ قال: نعم» و هذا لم يأت في رواية، و كلّ من روى حديث أم سلمة رواه بلفظ: مكانك و أنت على خير، أو أنت على خير، أو إلى خير» و فسّره في تحفة الأحوذي (9: 48)

قال: «و أنت الى خير و إن لم تكوني من أهل بيتي» و قد تقدّمت مصادر الرواية فراجع.

(1). فتح البيان 11: 85.

(2). هذا إقرار من المصنّف بالاختصاص بهم عليهم السّلام دون غيرهم، و تأييد لما سبق منه من كون لفظ الآل و الأهل أصبح علما على أصحاب الكساء عليهم السّلام دون غيرهم.

(3). الفتح: 2.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:55

«إنّ اللّه غير معذّبك و لا ولدك» «1».

و استدلّ بهذه الآية الكريمة الشيعة الإمامية على عصمة أئمّة أهل البيت- رضي اللّه تعالى عنهم- من المعاصي، «2»، و هو خطأ فاحش فإنّ الآية الكريمة جاءت في نساء النبي «3» و أهل الكساء الأربعة، فأين الدليل بعموم العصمة؟ «4»

______________________________

(1). المعجم الكبير 11: 210 رقم 11685، مجمع الزوائد 9: 326 و قال: «رواه الطبراني و رجاله ثقات»، سبل الهدى 11: 5، كنز العمال 12: 110 رقم 34236، نور الأبصار: 52 و قال: «أخرجه الطبراني بسند رجاله ثقات». و الحديث مطلق، و في بعض النسخ بزيادة «يعني الحسن و الحسين» و التفسير ب «يعني» من راوي الحديث ابن كريب، نصّ على ذلك الصالحي الشامي في سبل الهدى 11: 5.

(2). و الأدلّة على عصمة الأئمّة من أهل البيت عند الشيعة الإمامية، هي هذه الآية و آيات أخر من القرآن الكريم، و الروايات الواردة من طرق الفريقين، مضافا للأدلّة العقلية على لزوم عصمة الأئمة بعد النبي صلّى اللّه عليه و اله، و كلّها مذكورة في كتبهم المطبوعة و المنتشرة في كلّ مكان.

(3). لكنّه قبل قليل نفى نساء النبي من الآية بالانصراف، و في أول البحث نفاهنّ، بكون لفظ الآل و الأهل علما على أصحاب الكساء فقط.

(4). و ممّا يجدر ذكره أنّ مبحث الإمامة و العصمة

من أهمّ و أكثر البحوث التي بحثها علماء الشيعة الإمامية، و لهم فيها كتب و رسائل كثيرة، أثبتوا فيها وجوب الإمامة، و وجوب عصمة الإمام، بالأدلّة العقلية و النقلية من الكتاب و السنّة الواردة من طرق الفريقين. و نجد من الضروري هنا التعرّض بما يناسب المقام هنا، فنقول:

إنّ دلالة الآية على عصمة أصحاب الكساء ممّا لا تنكر، و هو مقتضى إرادة التطهير و إذهاب الرجس، و قد اعترف الكثير من علماء السنّة بدلالتها على عصمتهم عليهم السّلام:

قال القاسمي في تفسيره (محاسن التأويل 7: 658): «فهبّ أنّ القرآن لا يدلّ على وقوع ما أريد من التطهير و إذهاب الرجس، لكنّ دعاء النبي صلّى اللّه عليه و اله بذلك يدلّ على وقوعه، فإنّه دعاء مستجاب» و قال في الصفحة 659: «و لفظ الرجس عامّ يقتضي أنّ اللّه يذهب جميع الرجس، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله دعا بذلك».

و واضح أنّه يسلّم دلالة الآية على إذهاب الرجس، لكنّه يترقّى في الاستدلال، فحتّى لو شكّك-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:56

______________________________

- أحد بدلالة الآية، فإنّ دعاء النبي صلّى اللّه عليه و اله مستجاب، و قد دعا صلّى اللّه عليه و اله بإذهاب الرجس عنهم، فالقول بالعصمة في خصوص الخمسة عليهم السّلام ممّا لا ينكر. و أمّا القول في التعميم لأئمة أهل البيت عليهم السّلام:

الدليل على عصمة الأئمة من أهل البيت عليهم السّلام الأول: آية التطهير بهذا التقريب: أنّه من المعلوم أنّ لكلّ رجل أهل بيت واحد، و تقدّم أنّ أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و اله هم أصحاب الكساء الخمسة فقط، دون غيرهم، و قد دلّت الروايات على ذلك، و تقدّم الكلام عنه في عدّة مواضع، و هؤلاء هم من

عناهم النبي صلّى اللّه عليه و اله في دعائه عند نزول آية التطهير آخذا بأطراف الكساء: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا» و هم الذين أوصى بوجوب التمسّك بهم في حديث الثقلين بقوله: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا» فأهل بيته هم عترته الذين أوصى لهم و أوجب التمسّك بهم.

و كذا في قوله: «مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، و من تخلّف عنها هلك».

و علمنا أيضا أنّ خلفاءه و أوصياءه صلّى اللّه عليه و اله اثنا عشر، قال: «يكون بعدي اثنا عشر خليفة و كلّهم من قريش» (صحيح مسلم 3: 1452 و مسند أحمد 5: 89، 92، 107 و صحيح ابن حبّان 15: 43)، و لا يعقل أن يوصي بالإمامة و الخلافة لشخصين أو أشخاص على نحو الاستقلال و الانفراد و في آن واحد. و عليه، فلا بدّ أن يكون الاثنا عشر خليفة هم أهل بيته و عترته الذين أوجب التمسّك بهم و الرجوع إليهم، فثبت أنّ الأئمة من أهل البيت اثنا عشر خليفة و هم عترته و أهل بيته، و قد دلّت الآية على طهارة أهل البيت عليهم السّلام، فثبت عموم العصمة لهم.

و لا ينافيه توهّم الحصر في الآية بخصوص الخمسة أصحاب الكساء، فإنّ الحصر نسبي، بمعنى أنّ الآية دلّت على عصمة أهل البيت، لكن لم يوجد منهم في ذلك الزمان إلّا هؤلاء الخمسة، و من هذا في اللغة كثير.

و هذا التقريب و الجمع بين الأحاديث يثبت عصمة الأئمة من أهل البيت عليهم السّلام، و أنّ عددهم اثنا عشر، و هم خلفاء النبي صلّى اللّه

عليه و اله و أوصياؤه الذين وجب التمسّك بهم و الرجوع إليهم في القول و العمل. و أمّا فاطمة عليها السّلام فلا شكّ في عصمتها لأنّها من أصحاب الكساء، و ممّن شملها دعاء النبي صلّى اللّه عليه و اله و من المعنيّين بالتطهير في الآية.***-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:57

______________________________

- الثاني: و ممّا دل على عموم العصمة لأهل البيت عليهم السّلام، و النصّ عليهم، الروايات:

فعن الأصبغ عن ابن عباس قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «أنا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون « (فرائد السمطين للجويني 2: 313، و ينابيع المودّة 2: 361)

و عن عباية بن ربعي مرفوعا: «أنا سيد النبيّين و علي سيد الوصيّين، إنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أولهم علي و آخرهم المهدي» (فرائد السمطين 2: 312).

و عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «أنا سيد المرسلين و علي بن أبي طالب سيد الوصيّين، و إنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب و آخرهم القائم» (فرائد السمطين 2: 313).

و عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «إنّ خلفائي و أوصيائي و حجج اللّه على الخلق بعدي لاثنا عشر، أوّلهم أخي و آخرهم المهدي» (فرائد السمطين 2: 312).

و قد نصّت الأحاديث على عدد الأئمة من أهل البيت، و أنّهم أوصياؤه و خلفاؤه، و أنّهم معصومون مطهّرون، و أنّ عددهم اثنا عشر، كما رواه أهل السنّة، و دلالة الأحاديث على العصمة تامّة لصريح أكثر الأحاديث، و أمّا من طرق الشيعة الإمامية فالأحاديث كثيرة و واضحة الدلالة فراجع.

*** الثالث: قوله تعالى: قالَ إِنِّي جاعِلُكَ

لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (البقرة: من الآية 124) دلّت على أنّ الإمامة من عهد اللّه تعالى، و اعتبار العصمة من اللّه حين الإمامة و قبلها، لأنّ كلّ عصيان ظلم، و كلّ عاص ظالم، لقوله تعالى: وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (البقرة: من الآية 229)، فدلّت على عصمة الإمام. و قد فهم ذلك علماء أهل السنّة:

قال السيوطي في (الدرّ المنثور 1: 288): عن وكيع و عبد الحميد و ابن جرير: المعنى: لا أجعل إماما ظالما يقتدى به. و معناها: إنّه كائن لا ينال عهده من هو في رتبة ظالم، و لا ينبغي أن يولّيه شيئا من أمره.***

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:58

ثم إذا عمّمنا فلا يبقى فرق في ذلك بين أئمة أهل البيت رضي اللّه عنهم و غيرهم من سائر آل البيت إلى يوم القيامة «1»، و هذا فاسد باطل يخالفه الواقع، فإنّ في أهل البيت من المنحرفين و المسرفين على أنفسهم ما هو معروف في كلّ الأزمنة و الأمكنة، فهم و غيرهم سواء في صدور المعاصي منهم، و تخصيص الأئمة الاثني عشر أو من يقوم مقامهم عندهم بالعصمة دون غيرهم هو تخصيص بدون مخصّص

______________________________

- الرابع: قوله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (النساء: من الآية 59) فإنّه أوجب طاعة أولي الأمر على الإطلاق، كطاعته و طاعة رسوله، و هذا لا يتمّ إلّا بعصمة أولي الأمر لأنّ غير المعصوم قد يأمر بمعصية، و تحرم طاعته فيها، فلو وجبت طاعته اجتمع الضدّان:

وجوب طاعته و حرمتها، و قد أقرّ الرازي بدلالة الآية على عصمة أولي الأمر بهذه الآية، و تقدّمت دلالة الأحاديث على أنّ الأئمة من

أهل البيت عليهم السّلام هم أوصياؤه و هم حجج اللّه على الخلق، و من أمر العباد بطاعتهم و التمسّك بهم، فهم أولي الأمر، فتجب عصمتهم.

*** الخامس: أنّ الإمام لو صدرت منه المعصية، لسقط محلّه من القلوب، فلا تنقاد لطاعته، فتنتفي فائدة نصبه.

*** السادس: أنّ الإمام لطف يمنع التعدّي و يحمل الناس على فعل الطاعات و اجتناب المحرّمات، و يقيم الحدود و الفرائض، فلو جازت عليه المعصية و صدرت عنه، انتفت هذه الفوائد و افتقر إلى إمام آخر، فيلزم التسلسل.

*** السابع: أنّ الإمام حافظ للشرع بعد النبي صلّى اللّه عليه و اله فتجب عصمته لذلك، إذ لا يقدر على حفظ الشرع بتمامه إلّا معصوم.

هذه بعض الأدلّة العقلية و النقلية على عموم العصمة، و من أراد المزيد فليراجع كتب العقائد و بحوث الإمامة و العصمة في المطوّلات.

(1). ليس المراد من العموم هو إثباتها لكلّ من تناسل من النبي صلّى اللّه عليه و اله، إنّما المراد بعموم العصمة، هو شمولها لما دلّ عليه مفهوم أهل البيت و هم الأئمة من أهل البيت و فاطمة، و هذا هو مقتضى الآية و حديث الكساء، للأدلّة المتقدّمة الدالّة على ذلك.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:59

من الشارع «1»، على أنّ القول بعصمة غير الأنبياء يخالف نصوص القرآن و السنّة و الإجماع و الواقع «2».

فإنّ الإنسان من حيث هو ناقص و معرض للزلّات و الهفوات فلا يخلو من ذلك الآونة بعد الآونة، و لو بلغ ما بلغ في الاستقامة ما عدا الأنبياء و الرسل صلوات اللّه و سلامه عليهم. فعقيدة الشيعة في أئمّتهم من أبطل الباطل كباقي عقائدهم الخرافية «3».

فضل من صاهر أهل البيت

عن جابر بن عبد اللّه رضى اللّه عنه أنّه سمع عمر بن الخطّاب يقول للناس

حين تزوّج بنت علي رضى اللّه عنه: ألا تهنّئوني؟ سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «ينقطع يوم القيامة كلّ سبب

______________________________

(1). المخصّص هو النصوص و الأدلّة المتقدّمة، فراجع.

(2). بل إنّ البعض لم يقل حتّى بعصمة الأنبياء عليهم السّلام فكيف بغيرهم، و هذا بعض ما رووه:

الأول: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله سحر! و أنّه يفعل و لا يدري ما يفعل، و يخيّل أنّه صنع الشي ء و لم يصنعه!! (صحيح البخاري 3: 1192 و 5: 2176).

الثاني: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله كان يشرب الخمر و يشتريه!! (صحيح مسلم 3: 1206، صحيح ابن حبّان 11: 317 و 319، مجمع الزوائد 4: 156).

الثالث: قصّة الغرانيق، و سجود النبي صلّى اللّه عليه و اله للأصنام، و تدخّل الشيطان في الوحي!! (تفسير الطبري 17: 189، شرح سنن ابن ماجة 1: 278، مجمع الزوائد 7: 248).

الرابع: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله كان سبّابا شتّاما يؤذي المسلمين بغير حقّ!! (مسند أحمد 6: 160).

الخامس: أنّ إبراهيم عليه السّلام كان كذّابا (صحيح مسلم 4: 1840 قال: لم يكذب إبراهيم إلّا ثلاث كذبات، و صحيح البخاري 4: 1746 قال: و إنّي كذبت ثلاث كذبات، و 5: 1955).

(3). لم يتّبع الشيعة الإمامية إلّا النبي صلّى اللّه عليه و اله و أهل البيت، و أخذوا منهم دينهم و عقائدهم، و الشيعة هي الفرقة الوحيدة من بين الفرق الإسلامية قالوا بعصمة الأنبياء من الصغائر و الكبائر، و من السهو و النسيان، و من كلّ رجس، قبل البعثة و بعدها. و لهم على كلّ عقيدة آية و رواية عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:60

و نسب إلّا سببي و نسبي»

«1».

______________________________

(1). المعجم الأوسط 6: 282 رقم 5602، و سندها كما يلي: محمد بن عبد اللّه الحضرمي عن الحسن ابن سهل الخيّاط عن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد.

أمّا سفيان بن عيينة:

قال الذهبي: «و قد كان مشهورا بالتدليس» (سير أعلام النبلاء 8: 465) و أورده الذهبي في الضعفاء (2: 418 رقم 2485).

و قال ابن حجر في التقريب: «تغيّر حفظه بآخره، و كان ربّما دلّس» (التقريب 1: 303) و عن يحيى بن سعيد القّطان: «اشهدوا أنّ سفيان بن عيينة اختلط سنة سبع و تسعين و مائة، فمن سمع منه في هذه السنة و بعدها فسماعه لا شي ء» (تهذيب التهذيب 4: 108، و تاريخ بغداد 8: 183).

و مثل هذه الرواية بسند آخر رواها البيهقي في السنن الكبرى (7: 64) و في سندها سفيان بن و كيع الجرّاح، و روح بن عبادة.

أمّا سفيان بن وكيع:

قال ابن حجر: «أدخل عليه ما ليس من حديثه» (التقريب 1: 303)

و قال في تهذيب التهديب (4: 111): «قال البخاري: يتكلّمون فيه لأشياء، و قال ابن أبي حاتم:

سألت أبا زرعة عنه فقال: لا يشتغل به، كان يكذب، و قيل له: كان سفيان يتّهم بالكذب، قال: نعم، و قال النسائي: ليس بثقة، و قال الآجري: امتنع أبو داود من التحديث عنه، و قال ابن مهدي: إنّما بلاؤه أنّه كان يتلقّن ما لقّن».

و أورده الذهبي في الضعفاء و المتروكين (1: 336)، و أكثر من الطعون عليه في الميزان (2: 173).

و نقل أكثر ذلك الرازي في الجرح و التعديل (4: 231).

و أمّا روح بن عبادة:

قال ابن أبي حاتم: «لا يحتجّ به، و كان ابن مهدي يطعن على روح و ينكر عليه أحاديث، و قال الآجري: «سمعت أبا

داود يقول: أنكر القواريري على روح تسعمائة حديث حدّث بها» (ميزان الاعتدال 2: 60).

ثم إنّهم قالوا: إنّ أم كلثوم تزوّجت بعد وفاة عمر محمد بن جعفر ثم بأخيه عون بن جعفر، و هذا غير صحيح، لأنّهما قتلا في حرب تستر في زمن عمر بن الخطاب، نصّ على ذلك ابن حجر في-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:61

فالأنساب و الأسباب كلّها ستنقطع يوم القيامة، و تضمحلّ و تتلاشى و يتبرّأ الناس بعضهم من بعض، و يفرّ المرء من أخيه و أمّه و أبيه و صاحبته و بنيه لقوله تعالى: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ «1»، غير نسب النبي صلّى اللّه عليه و اله و سببه، و النسب يكون بالولادة، و السبب بالمصاهرة كما قال تعالى: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ كانَ رَبُّكَ قَدِيراً «2»، و كلّ ما يتوصّل به إلى الشي ء لبعد عنه فهو سبب. فسببه و نسبه صلّى اللّه عليه و اله لا ينقطعان، فكلاهما نافع يوم القيامة لمن لم يرجع القهقرى، و لم يبدّل دينه من ذرّيته.

لحديث أبي سعيد الخدري رضى اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول على هذا المنبر:

«ما بال رجال يقولون: إنّ رحم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لا تنفع قومه؟ بلى و اللّه إنّ رحمي موصولة في الدنيا و الآخرة، و إنّي أيّها الناس، فرط لكم إذا جئتم، قال رجل:

يا رسول اللّه، أنا فلان بن فلان فأقول لهم: أمّا النسب فقد عرفت و لكنّكم أحدثتم بعدي وارتددتم القهقرى» «3».

فهؤلاء لا ينفعهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لا حظّ في انتسابهم إليه بنسب أو سبب،

و ذلك لخروجهم عن دينه، و إسرافهم في الانحراف عنه.

______________________________

- الإصابة (4: 618) و ابن عبد البرّ في الاستيعاب (3: 315)

و قالوا أيضا: «تزوّجها بعد ذلك عبد اللّه بن جعفر، و هذا غير صحيح أيضا، فإنّ عبد اللّه بن جعفر هو زوج زينب بنت أمير المؤمنين، فيكف يجمع بين الأختين؟!

ثم المذكور في التاريخ أنّ عمر تزوّج أمّ كلثوم بنت أبي بكر، كما في الأغاني (16: 103)، و في تاريخ الخلفاء: 78: أنّ عمر تزوّج من أم كلثوم بنت جرول، و هي أم عبيد اللّه بن عمر.

بل المرويّ في كتب الشيعة كما في علل الشرائع للصدوق (1: 186) و غيره: أنّ أمّ كلثوم هو كنية لزينب بنت أمير المؤمنين زوجة عبد اللّه بن عمر، و ليس لأمير المؤمنين ابنة باسم أم كلثوم.

(1). المؤمنون: 101.

(2). الفرقان: 54.

(3). مسند أحمد 3: 18. الأنوار الباهرة، التليدي 62 فضل من صاهر أهل البيت ..... ص : 59

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:62

أمّا ما جاء في الصحيح: «يا فاطمة! لا أغني عنك من اللّه شيئا» «1» فهذا محمول على أنّه لا ينفعها بنفسه و إذنه، و لكنّ اللّه عزّ و جلّ سيملّكه نفعها و من معها من الأقارب، فيشفع لهم الشفاعة الخاصة التي تليق بهم، و لذلك جاء في بعض طرق هذا الحديث: «غير أنّ لكم رحما سأبلّها ببلالها» «2» و ليس ذلك إلّا الشفاعة.

و المقصود: أنّ مصاهرة أهل البيت هي سبب نافع لصاحبها على أنّ السبب لا يختصّ بالمصاهرة، فإنّ محبة النبي صلّى اللّه عليه و اله و نصر دينه و تعلّمه و تعليمه و البحث عن سنّته و حديثه و الدفاع عنه ... كلّ ذلك من الأسباب العظيمة «3» التي لها

أثر كبير يوم القيامة، و أسعد الناس به صلّى اللّه عليه و اله من اجتمع فيه الأمران: النسب و السبب، فكان من ذرّيته الطاهرة، و من أصهار آل بيته، و كان مع ذلك من ورثته، و الساعين في نشر دينه، و تكثير حزبه بصدق و إخلاص.

______________________________

(1). تقدّمت مصادر الحديث، و لم تثبت صحّته. و على فرض صدور هذا الكلام من النبي صلّى اللّه عليه و اله مع فاطمة عليها السلام، فإنّه يحمل على «إيّاك أعني و اسمعي يا جارة» و المراد إسماع الأصحاب و من كان حاضرا، حثّهم على العمل و الإخلاص، و أن لا يتّكلوا على الشفاعة و الصحبة و غير ذلك. و توجيه الخطاب إلى فاطمة، ليكون لهذا الكلام مزيد تأثير في قلوب السامعين.

و أمّا فاطمة فإنّها بضعة النبي صلّى اللّه عليه و اله و سيّدة نساء أهل الجنة (صحيح البخاري 3: 1326 و 1360 و 1374). و سيدة نساء المؤمنين (صحيح البخاري 5: 2317، و صحيح مسلم 4: 1904)، و سيدة نساء العالمين (مستدرك الحاكم 3: 156، و مسند الطيالسي: 197، و السنن الكبرى للنسائي 4: 252)، و أنّها ممّن يغضب اللّه لغضبها و يرضى لرضاها (مستدرك الحاكم 3: 167 و صحّحه، و المعجم الكبير 1: 108) فغضبها عين غضب اللّه، و رضاها عين رضا اللّه، و هي الطاهرة المطهّرة بنصّ الكتاب و آية التطهير، فمن المحال أن تكون فاطمة من المخاطبين بمثل هذا الحديث كما هو واضح.

(2). صحيح مسلم 1: 192، كنز العمال 12: 42، و 152. و ببلالها: جمع بلل، و هو كلّ ما بلّ الحلق من ريق و غيره (النهاية في غريب الحديث 1: 152).

(3). هذا الذي ذكره المصنّف،

من الوسيلة المقرّبة «و ابتغوا إليه الوسيلة» و ليس من السبب الذي هو في قبال النسب.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:63

ملحوظة: و في تزويج الإمام علي- رضي اللّه تعالى عنه- بنته و كريمته و فلذة كبده من أمير المؤمنين عمر أيام خلافته بل آخرها فيه ردّ على غلاة الشيعة الذين يريدون التفرقة بين الخلفاء الراشدين و أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و يجعلون عليا رضى اللّه عنه عدوّا للشيخين و العكس «1»، و لو كان الأمر كما يكذبون لما تصاهرا أو تقاربا. أمّا ما يجيبون به عن هذه المصاهرة ما هو إلّا هراء و سخافة، لا يقبله ذو عقل سليم «2».

محاربة أهل البيت حرب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله

عن أبي هريرة قال: نظر النبي صلّى اللّه عليه و اله إلى الحسن و الحسين و فاطمة عليهم من اللّه السلام و الرضوان، فقال: «أنا حرب لمن حاربكم، و سلم لمن سالمكم» «3».

______________________________

(1). لا شكّ أنّ نفي زواج عمر من بنت أمير المؤمنين عليه السّلام لا يلزم منه التفرقة بين الخلفاء بعضهم بعضا، فليست القربة و التقارب بينهم موقوفا على هذا الزواج حتّى إذا انتفى انتفت و حصل التباعد و العداوة.

(2). لكنّ ردّت هذه المصاهرة، و قد تقدّم، فإنّ روايات المصاهرة لم يروها غير المدلّس و المشهور بالكذب و من اختلط في عقله، و قد صرّحت بذلك كتب أهل السنّة ما تقدّم.

(3). و الموجود في كتب الحديث هو كما يلي:

عن أبي هريرة قال: «نظر النبي صلّى اللّه عليه و اله إلى عليّ و الحسن و الحسين و فاطمة فقال: أنا حرب لمن حاربكم و سلم لمن سالمكم». انظر: مسند أحمد 2: 442، مستدرك الحاكم 3: 163 و قال: «من حديث أحمد عن أبي

هريرة»، مجمع الزوائد 9: 268 عن أبي هريرة و قال: «رواه أحمد و الطبراني»، المعجم الكبير 3: 40، تاريخ بغداد 7: 137، كنز العمال 12: 97 برقم 34164، ينابيع المودّة 2: 325، أمالي المحاملي: 446، سير أعلام النبلاء 2: 122 و 3: 258.

و بنفس اللفظ عن زيد بن أرقم، في مستدرك الحاكم 3: 163، و تاريخ دمشق 14: 157، و كنز العمال 12: 97 برقم 34159 و رقم 37618.

و في أسد الغابة 3: 7 رواه بنفس اللفظ عن صبيح، و مرقاة المفاتيح 10: 532 و قال:

«رواه الترمذي».

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:64

و قوله: أنا حرب ... إلى آخره، معناه- كما قال العلماء-: أنا عدوّ مبغض و محارب لمن أبغضكم و حاربكم.

و سلم بكسر السين و فتحها أي: مسالم و مصالح و محبّ لمن سالمكم و صالحكم و أحبّكم و أكرمكم.

فالذين حاربوا أهل البيت رضي اللّه تعالى عنهم و قاتلوهم، و سفكوا دماءهم، و أسروا ذراريهم الكرام، و انتهكوا محارمهم الطاهرات، و لعنوهم و سبّوهم على المنابر و في المناسبات، هم أعداء لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، محاربون و مبغضون له، و سوف يحكم اللّه عزّ و جلّ فيهم بحكمه العادل في الآخرة، كما حكم فيهم في الدنيا كما هو معروف.

و قد أجمع علماء السنّة، و أكابر أئمّة الأمة على فضلهم و ذمّ محاربيهم كما نقل ذلك العلّامة علي القاري في شرح المشكاة «1».

مبغض أهل البيت من أهل النار و أنّه لا إيمان له

عن أبي سعيد الخدري رضى اللّه عنه قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «لا يبغضنا أهل البيت أحد إلّا أدخله اللّه النار» «2».

و في الحديث و عيد شديد، و تهديد أكيد لمن يبغض آل البيت الأطهار، فمن

______________________________

(1). شرح المشكاة 10:

532.

(2). نصّ الحديث: «و الذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلّا أدخله اللّه النار» صحيح ابن حبّان 15: 435، مستدرك الحاكم 3: 162 بلفظ: «إلّا أكبّه اللّه في النار» و قال: صحيح على شرط مسلم و لم يخرّجاه، و 4: 392، مجمع الزوائد 7: 580 و قال: «رواه البزّار»، سبل الهدى 10: 490 و 11: 8 قال: «رواه الحاكم و ابن حبّان و صحّحاه»، سير أعلام النبلاء 2: 123، كنز العمّال 12: 104 رقم 34204 و في 15: 34 رقم 39955 بلفظ: «إلّا أكبّه اللّه»، نظم درر السمطين:

106، ينابيع المودّة 2: 461.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:65

أضمر لهم العداوة و حقد عليهم ... كان ممّن يشملهم عذاب اللّه يوم القيامة بنصّ هذا الحديث إن لم يتب.

و يشهد له حديث: «لو أنّ رجلا صفن بين الركن و المقام، فصلّى و صام، ثم لقي اللّه و هو مبغض لأهل بيت محمد صلّى اللّه عليه و اله دخل النار» «1».

بل بغضهم يتنافى مع الإيمان باللّه و برسوله صلّى اللّه عليه و اله، و بما جاء به، فقد قال صلّى اللّه عليه و اله: «و اللّه لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبّهم للّه و لقرابتهم منّي» «2».

فهم و النبي صلّى اللّه عليه و اله على السواء في محبّتنا لهم، فمن أبغض أهل البيت فقد أبغض النبي صلّى اللّه عليه و اله؛ لأنّه واحد من أهل بيته. فمحبّتهم واجبة، و إكرامهم و احترامهم فرض، و احتقارهم و الإساءة إليهم من أكابر الذنوب، و العفو عنهم و الصفح عمّا فعلوا فضيلة مشكورة ... كلّ ذلك يفعل بهم احتراما لجدّهم و إعظاما له صلّى اللّه عليه و اله.

قال القاضي عياض في

الشفاء: و من توقيره صلّى اللّه عليه و اله و برّه برّ آله و ذرّيته، و أمّهات المؤمنين أزواجه صلّى اللّه عليه و اله، كما حضّ عليه صلّى اللّه عليه و اله و سلكه السلف الصالح رضي اللّه عنهم، إلى آخر ما قال «3».

تنبيه: الوعيد الوارد في حديث الباب وارد في من أبغضهم لذواتهم، أمّا من أبغضهم لعارض معصية، و تجاهر بفسق مثلا، أو لأمور شخصية دنيوية، فهذا خارج

______________________________

(1). مستدرك الحاكم 3: 161 و قال: «صحيح على شرط مسلم و لم يخرّجاه»، و وافقه الذهبي، المعجم الكبير 11: 142، سبل الهدى 11: 5 و قد أخرجه بطريقين: الأول عن ابن عباس، و الثاني عن أنس، ينابيع المودّة 2: 376 عن ابن عباس و قال: «صحّحه الحاكم».

و صفن: أي جمع بين قدميه.

(2). سنن ابن ماجة 1: 50، مسند أحمد 1: 207، سبل الهدى 11: 3، ينابيع المودّة 2: 231 و قال:

«رواه صاحب الفردوس»، تاريخ دمشق 26: 302، كنز العمّال 12: 103 رقم 34193 و 13: 642 رقم 37624.

(3). الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2: 47.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:66

عن الوعيد بالاتّفاق، انظر فيض القدير للمناوي «1».

المهدي من أهل البيت

و من مناقب أهل البيت و فضائلهم العظيمة: أنّ اللّه عز و جل اختصّهم بقيام خليفة راشد من نسلهم، يخرج آخر الزمان، وقت تغرّب الدين و اضمحلال معالمه، و امتلاء الأرض ظلما و جورا، فيملأها قسطا و عدلا.

عن علي عليه السّلام قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «المهديّ منّا أهل البيت، يصلحه اللّه في ليلة» «2».

و الحديث صحيح، له شواهد كثيرة، من أصحّها و أمثلها حديث أمّ سلمة رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:

«المهديّ من عترتي، من ولد فاطمة» «3».

و منها حديث ابن مسعود رضى اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «لا تذهب الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي» «4».

______________________________

(1). لم نعثر على كلام المناوي في فيض القدير.

(2). مسند أحمد 1: 84، مصنّف ابن أبي شيبة 8: 678، الجامع الصغير 2: 977، فيض القدير 6: 278، ينابيع المودّة 2: 82 و 3: 262.

(3). سنن أبي داود 2: 646، الجامع الصغير 2: 977، فيض القدير 6: 277، عون المعبود 11: 251، تحفة الأحوذي 6: 486 و قال: «أخرجه أبو داود و ابن ماجة» كنز العمّال 14: 264 رقم 38662، ينابيع المودّة 2: 103 و قال: «لأبي داود و ابن ماجة و الحاكم عن أمّ سلمة» و 3: 256 أخرجه من أحاديث مشكاة المصابيح، الدرّ المنثور 7: 484 و قال: «أخرجه أبو داود و ابن ماجة و الطبراني و الحاكم عن أمّ سلمة».

(4). الجامع الصحيح للترمذي 4: 505 و قال: «هذا حديث حسن صحيح عن علي و أبي سعيد و أمّ سلمة و أبي هريرة»، مسند أحمد 1: 377، سبل الهدى 10: 172 و قال: «رواه أحمد و أبو داود-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:67

و في رواية لأبي داود: «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، و اسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا» «1»، و مثله عن علي مختصرا «2».

______________________________

- و الطبراني في الكبير و الترمذي و قال: حسن صحيح»، المعجم الكبير 10: 135 و 136، ينابيع المودّة 3: 256

و 262 و 268 و 389، تاريخ ابن خلدون 1: 312.

(1). سنن أبي داود 2: 647، المعجم الكبير 10: 135 رقم 10222، الجامع الصغير 2: 818، تحفة الأحوذي 6: 487.

(2). مسند أحمد 1: 99 عن علي عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لبعث اللّه عزّ و جلّ رجلا منّا يملأها عدلا كما ملئت جورا».

و أمّا الزيادة الواردة في الحديث و هي: «و اسم أبيه اسم أبي» فالجواب عنها بما يلي:

أولا: ذكر ابن طلحة الشافعي في كتابه مطالب السؤول: أنّ «أبي» تصحيف «ابني»، و الأصل: هو و اسم أبيه اسم ابني. و المراد به الحسين عليه السّلام، فإنّ المهديّ من ولد الحسين. و استدلّ بعدّة أدلّة أخرى على أنّ المهدي هو محمد بن الحسن العسكري. هذا و نصّ على التصحيف الكنجي الشافعي في الكفاية: 483.

ثانيا: أنّ الزيادة وردت في حديث زائدة، و قد روي أنّه كان يزيد في الأحاديث، فوجب أنّ هذه الزيادة منه، جمعا بين الأقوال و الأحاديث. راجع البيان للكنجي الشافعي: 512 المطبوع مع كفاية الطالب.

ثالثا: إجماع أهل البيت عليهم السّلام على أنّ اسم الإمام المهديّ هو محمد بن الحسن العسكري ابن علي ... و إجماع أهل البيت حجّة، بل كلّ اتّفاق لم يدخل فيه أهل البيت فلا عبرة فيه، قال السرخسي في المبسوط 10: 10: «و الإجماع بدون أهل البيت لا ينعقد»، فالاتّفاق على الزيادة باطل، و الزيادة باطلة أيضا، لمخالفة أهل البيت عليهم السّلام لذلك.

رابعا: نصّ المحدّث العلّامة الكنجي الشافعي على أنّ الزيادة غير موجودة في الحديث، قال في كفاية الطالب: 482: «قد ذكر الترمذي الحديث و لم يذكر (اسم

أبيه اسم أبي) و ذكر أبو داود في معظم روايات الحفّاظ الثقات من نقلة الأخبار (اسمه اسمي) فقط، و الذي روي (و اسم أبيه اسم أبي) فهو زيادة» انتهى، و نقله الحنفي في ينابيع المودّة 3: 390 و 394. لكنّ الموجود في الأصل-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:68

بل قد جاء في الفتن من صحيح مسلم، عن جابر بن عبد اللّه رضى اللّه عنه، قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا و لا يعدّه عدّا» «1» فهذا الخليفة المبهم هنا هو المهدي المبيّن في الأحاديث الأخرى.

و المقصود: أنّ أحاديث المهدي و أنّه من أهل البيت صحيحة، بل قد نصّ على تواترها جمع من العلماء كما نقله القرطبي و الحافظ ابن حجر عن الحافظ أبي الحسين الآبري، و نصّ عليه الحافظان السيوطي و السخاوي و الزرقاني في «شرح المواهب» و ابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة»، و ألّف في تواترها الإمام محمد بن علي الشوكاني كتابا خاصا، و كذلك نصّ على تواترها القنوجي في «الإذاعة»، و ألّف فيها جماعة منهم السيوطي، له «العرف الورديّ» و الحافظ السيد أحمد بن الصدّيق، له «إبراز الوهم المكنون» «2» أورد فيه نحوا من مائة حديث،

______________________________

- هو «... و الذي روى (و اسم أبيه اسم أبي) فهو زائدة، و هو يزيد في الحديث» و قال: ذكر الترمذي الحديث و لم يذكر فيه (و اسم ابيه اسم ابي).

خامسا: إنّ هذا الحديث روي في أكثر الكتب، و في كثير من الطرق من دون هذه الزيادة، منها:

صحيح ابن حبّان 13: 284 و 15: 238، المحدّث الفاصل: 329، الجامع الصحيح للترمذي 5: 505، المعجم الصغير: 2: 148، المعجم الأوسط

7: 425 و 9: 150، المعجم الكبير 10: 133 رقم 10214 و 10215 و 10217 و 10: 134 و 135 و 136 و 137 بأكثر من عشرة طرق، كشف الخفاء 2: 257، كنز العمّال 14: 263 و 264 و 270 و 273 بطرق عدّة، و كفاية الطالب: 483، مشكاة المصابيح 3: 170، ينابيع المودّة 3: 256 و 262 و 268 و 385 بعدّة طرق، و نقل في 3: 390 و 394 نصّ كلام الكنجي الشافعي حول الزيادة.

(1). صحيح ابن حبّان 15: 75، الديباج على صحيح مسلم 6: 233، كنز العمّال 14: 263 رقم 38659، و قريب منه 14: 266 و 572.

(2). كتاب «إبراز الوهم المكنون في كلام ابن خلدون» للعلّامة المحدّث أحمد بن الصدّيق المغربي ردّ فيه على تشكيك ابن خلدون في أحاديث المهدي، و ذكر فيه جملة وافية من آراء أئمة-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:69

و لشقيقه السيد عبد اللّه كتاب في ذلك أيضا «1»، جزاهم اللّه خيرا و رحمهم جميعا رحمة واسعة «2».

و فيها جميعها مفخرة عظيمة لأهل البيت، و بالأخصّ مولاتنا فاطمة و سيدنا علي عليه السّلام، حيث سيخرج من صلبهما و نسلهما هذا الخليفة الراشد، فيقوم هو الآخر بدوره فيرفع الظلم من الأرض، و يملأها عدالة و قسطا، و يقضي على ما ذاع و شاع من المذاهب الهدّامة، و الفرق المنحرفة الضالّة، و يكسر شوكة الاستبداديّين و الطغاة الجبريّين، و يبدّد شمل الكافرين، و يطيح بجبروت و أنانيّة أمريكا و حلفائها الغاصبين الغادرين الماكرين، فهذا هو المهديّ المنتظر الذي ستكون خلافته على نهج النبوة، و في آخر أيامه يخرج الدجّال، ثم ينزل عيسى عليه السّلام فيقتله.

بيد أنّ المهدي غير ما تزعمه الشيعة، من

اختفاء محمد العسكري في السرداب المشهور عندهم، مع تلك الخرافات التي يتوارثونها فيما بينهم، و أنّه سيخرج و يحيي

______________________________

- الحديث في صحّة أحاديث المهدي و تواترها، ثم فنّد مناقشات و تشكيكات ابن خلدون، و ذكر فيه أكثر من مائة حديث حول المهدي عليه السّلام، و يعتبر كتاب ابن الصدّيق الغماري من أغنى البحوث العقائدية عند السنّة في عقيدة المهدي المنتظر.

(1). نقل جميع ذلك العلّامة الكتّانيّ في «نظم المتناثر في الحديث المتواتر: 236» تحت عنوان:

(خروج المهدي الموعود المنتظر الفاطمي)، و نقل تواتر أحاديث المهدي عن السخاوي و أبي العلاء العراقي و صاحب المواهب و أبي الحسين الآبري و الشوكاني و ابن حجر، و ذكر أنّها واردة عن جماعة كثيرة من الصحابة، و مذكورة في الصحاح و المسانيد و المعاجم، و ذكر أنّ كون المهديّ من ذرّيته صلّى اللّه عليه و اله قد تواتر عنه صلّى اللّه عليه و اله، ثم نقل كلام السفاريني الحنبلي من أنّها بلغت حدّ التواتر المعنوي، و شاع ذلك بين علماء السنّة حتّى عدّ من معتقداتهم.

و قد ذكر بعضا من ذلك العلّامة العجلوني في كشف الخفاء 2: 257 رقم 2660.

(2). في النسخة زيادة في هامش من المصنّف و لفظها: و مع كلّ هذا فقد أنكرها كثير من الناس، إمّا لجهلهم بالحديث النبوي الشريف، و إمّا لمصالح سياسية، و إمّا لاتّهامهم بها الشيعة. و كلّ ذلك تأباه القواعد العلمية و النصوص الشرعية. انتهى

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:70

اللّه له الأعداء- يعنون أبا بكر و عمر و عثمان و غيرهم- فيحكم فيهم بعدله، إلى آخر خرافاتهم الموجودة في كتبهم «1».

______________________________

(1). لا أعتقد أنّ كتابا واحدا من كتب الشيعة حول الإمام المهدي عليه السّلام، يدّعي و يقول:

إنّ المهدي غاب و اختفى في السرداب.

و أمّا قوله: إنّ المهدي غير ما تزعمه الشيعة. فهو كلام غير صحيح، فإنّ ما تذهب إليه الإمامية هو أنّ المهدي من ذرّية النبي صلّى اللّه عليه و اله، و من ولد فاطمة عليها السّلام، و أنّه هو الإمام الثاني عشر من الأئمة المعصومين الذين بشّر بهم النبي صلّى اللّه عليه و اله بقوله: «و آخرهم المهدي»، و أنّه ابن الإمام الحسن العسكري، و أنّه ولد في سنة 255 للهجرة بسامرّاء، و قد أمدّ اللّه في عمره كما أمدّ في عمر الخضر عليه السّلام، و هو حي غائب مستور، يظهر عند ما يأذن اللّه له في الظهور، فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.

هذه هي عقيدة الشيعة الاماميّة في الإمام المهدي عليه السّلام، و قد وافقنا على ذلك العشرات من علماء أهل السنّة و أكابرهم، و قد صرّحوا بولادة الإمام المهدي في النصف من شعبان سنة 255 للهجرة، و أنّه ابن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام، و أنّ ولادته عليه السّلام من المسلّمات التاريخية التي لا مجال للتشكيك فيها، و إليك بعض منهم:

1- محمد بن طلحة الشافعي في كتابه «مطالب السؤول في مناقب آل الرسول»: 311 و ما بعدها قال في الباب الثاني عشر: «... أبي القاسم محمد بن الحسن المهدي المنتظر ... فأمّا مولده فبسرّ من رأى، و قال أيضا: هو ابن أبي محمد الحسن العسكري و مولده بسامرّاء ...» إلى آخر كلامه.

2- محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه «البيان في أخبار صاحب الزمان»: 521 قال:

«إنّ المهدي ولد الحسن العسكري، و هو حيّ موجود منذ غيبته إلى الآن».

3- محمد بن أحمد المالكي المعروف بابن

الصبّاغ قال في كتابه «الفصول المهمّة»: 282 في الباب الثاني عشر قال: «ولد أبو القاسم محمد الحجّة ابن الحسن الخالص بسرّ من رأى في النصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين للهجرة ...» إلى آخر كلامه.

4- أحمد بن حجر في كتابه «الصواعق المحرقة» 2: 601 عند ذكره للإمام الحسن العسكري، قال: «و لم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمد الحجّة، و عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه اللّه الحكمة ...» إلى آخر كلامه.

5- الشبراوي الشافعي في كتابه «الإتحاف بحبّ الأشراف»: 179 قال: «الحادي عشر من-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:71

______________________________

- الأئمة: الحسن الخالص و يلقّب بالعسكري، و يكفيه شرفا أنّ الإمام المهدي المنتظر من أولاده ...» ثم قال: «ولد الإمام محمد الحجّة ابن الإمام الحسن الخالص بسرّ من رأى ليلة النصف من شعبان سنة 255 ...» إلى آخر كلامه.

6- سبط ابن الجوزي الحنفي في كتابه «تذكرة الخواصّ»: 363 قال: «و أولاده- أي أولاد الإمام الحسن العسكري- محمد».

7- عبد الوهاب الشعراني في كتابه «اليواقيت و الجواهر» ذكر أشراط الساعة فقال: «كخروج المهدي»، ثم قال: «و هو من أولاد الإمام الحسن العسكري، و مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين، و هو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم ...» إلى آخر كلامه. راجع نور الأبصار: 187، و ينابيع المودّة: 345.

8- عبد اللّه بن محمد الشافعي في كتابه «الرياض الزاهرة»: 2: 227 بعد ذكر الأئمة و الإمام العسكري قال: «ابنه الإمام الثاني عشر اسمه محمد القائم المهدي ...» إلى آخر كلامه.

9- الحافظ محمد بن محمد الحنفي النقشبندي في كتابه «فصل الخطاب»: 441 قال: «و أبو محمد الحسن العسكري ولده محمد معلوم عند

خاصّة أصحابه»، ثم ذكر ولادته في النصف من شعبان سنة 255 للهجرة.

10- ابن خلّكان في كتابه «وفيات الأعيان» 4: 176 قال: «كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين».

11- العلّامة الشبلنجي الشافعي في كتابه «نور الأبصار»: 186 قال: «وفاة أبي محمد الحسن بن علي يوم الجمعة سنة 260 للهجرة و خلّف من الولد محمد ...» إلى آخر كلامه.

12- سليمان القندوزي الحنفي في كتابه «ينابيع المودّة»: 301- 306 ذكر ولادة الإمام المهدي، قال: «ولادة القائم كانت ليلة الخامس عشر من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين في بلدة سامرّاء».

13- ابن الخشّاب في كتابه «تواريخ مواليد الأئمّة»: 44 قال: «الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي، و هو صاحب الزمان و هو المهديّ».

14- عبد الحقّ الدهلوي في رسالته في «أحوال الأئمة»: 427 قال: «و أبو محمد الحسن العسكري ولده محمد معلوم عند خواصّ أصحابه و ثقاته ...» ثم قال: «و هو صاحب الزمان».-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:72

مشروعيّة الصلاة على أهل البيت عليهم السّلام

و من شرف أهل البيت و فضلهم أنّ اللّه عز و جل اختصّهم بالصلاة عليهم مع جدّهم صلّى اللّه عليه و اله، فعن أبي حميد الساعدي رضى اللّه عنه أنّهم قالوا: يا رسول اللّه، كيف نصلّي عليك؟

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: قولوا: «اللّهم صلّ على محمد و أزواجه و ذرّيته كما صلّيت على آل إبراهيم، و بارك على محمد و أزواجه و ذرّيته كما باركت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد» «1».

______________________________

- 15- العلّامة محمد أمين البغدادي في كتابه «سبائك الذهب»: 424 قال: «محمد المهدي ...

و كان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين ...» إلى آخر كلامه.

16- العلّامة السيد سراج الدين

الرفاعي في كتابه «صحاح الأخبار»: 421 قال: «أمّا الإمام الحسن العسكري فأعقب صاحب الزمان صاحب السرداب الحجّة المنتظر وليّ اللّه الإمام المهدي».

17- العلّامة بهجت أفندي في كتابه «المحاكمات»: 422 «قال: في ذكر ولادة الإمام المهدي:

ولد في الخامس عشر من شعبان سنة 255 للهجرة، و إنّ اسم أمّه نرجس ...» إلى آخر كلامه.

18- المؤرّخ العلّامة ابن الوردي في «تاريخه» قال: «ولد محمد بن الحسن الخالص سنة خمس و خمسين و مائتين». راجع منتخب الأثر: 423.

و من أراد المزيد من الأقوال، فليراجع كتاب «المهدي الموعود» للعلّامة نجم الدين العسكري رحمه اللّه، و العلّامة الشيخ لطف اللّه الصافي في كتابه «منتخب الأثر» فقد ذكرا أكثر من خمسين عالما من علماء السنّة، ممّن نصّ على ولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري، و أنّه حيّ غائب مستور.

(1). صحيح البخاري 3: 1232، صحيح مسلم 1: 306، مسند أحمد 5: 424.

و يذكر أنّ لفظ «الأزواج» لم يرد إلّا في رواية أبي حميد الساعدي، لكن المرويّ عن أبي هريرة و ابن مسعود و عقبة و طلحة و كعب، أنّهم سألوه كيف نصلّي عليك؟ قال: قولوا: «اللّهم صلّ على محمد و على آل محمد كما صلّيت على إبراهيم، و بارك على محمد و على آل محمد كما باركت-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:73

و عن كعب بن عجرة رضى اللّه عنه قال: سألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقلنا: يا رسول اللّه، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإنّ اللّه قد علّمنا كيف نسلّم.

قال: قولوا: «اللّهم صلّ على محمد و على آل محمد كما صلّيت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللّهم بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على

إبراهيم و على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» «1».

و في الباب أحاديث كثيرة فيها الصحيح و الحسن و الضعيف، و قد ألّف فيها كتابا حافلا الحافظ السخاوي أسماه: «القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع»، و قبله الحافظ ابن القيّم في كتابه القيّم «جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام»، و من تتبّع ألفاظ الصلاة و جدها كلّها مشفوعة بالصلاة على أهل البيت «2» مع النبي صلّى اللّه عليه و اله إلّا ما قلّ.

______________________________

- على إبراهيم» راجع: صحيح البخاري 3: 1233 و 5: 2338 عن كعب و 2339 عن أبي سعيد، صحيح مسلم 1: 305، المصنّف لابن أبي شيبة 2: 391، المعجم الكبير 17: 252 و 19: 125 و 155، الآحاد و المثاني 4: 56، السنن الكبرى للنسائي 1: 383 و 6: 17 و 98، مجمع الزوائد 2: 340 و قال: «رواه البزّار، و رجاله رجال الصحيح» و غيرها كثير.

(1). صحيح البخاري 3: 1233 و 5: 2338 و 2339 عن أبي سعيد مثله، مستدرك الحاكم 3: 160، المعجم الأوسط 3: 280، المعجم الكبير 19: 130.

(2). هنا زيادة في النسخة هامش من المصنّف و لفظها: و نرى من الخطأ ما يفعله عامّة أهل العلم في كتبهم و في دروسهم من الاقتصار على الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و اله دون أهله، فيقولون مثلا: صلى اللّه عليه و سلم، و هو مخالف لما جاء عن النبي صلّى اللّه عليه و اله، فليكن المسلم من ذلك على بال. انتهى.

و قد روى ابن حجر في الصواعق المحرقة 2: 430 عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء، فقالوا: و ما الصلاة البتراء؟

قال: تقولون: اللّهم صلّ على محمد، و تمسكون، بل قولوا:

اللهمّ صلّ على محمد و على آل محمد»

و روى الصالحي الدمشقي في سبل الهدى (11: 11) عن ابن مسعود قال: «لو صلّيت صلاة لا أصلّي فيها على آل محمد ما رأيت أنّ صلاتي تتمّ».

و نقل عن الدار قطني و البيهقي و غيرهما عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله «من صلّى صلاة لم يصلّ فيها عليّ و على أهل بيتي لم تقبل منه» (سبل الهدى 11: 10).

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:74

و في ذلك من عظيم الفضل و الإكرام لهم ما يفوق الحصر، حيث إنّ اللّه عزّ و جلّ جعل الصلاة عليهم مقرونة بالصلاة على حبيبه و رسوله صلّى اللّه عليه و اله، فليس من مصلّ يصلّي على هذا النبي العظيم إلّا كان عليه أن يشركهم في ذلك معه، و لأجل هذا الشرف العظيم و الإفضال و التكريم قال الإمام الشافعي فيهم:

يا أهل بيت رسول اللّه حبّكم من اللّه في القرآن أنزله

يكفيكم من عظيم المجد أنّكم من لم يصلّ عليكم فلا صلاة له «1» و نفى صحّة صلاة من لم يصلّ عليهم «2»؛ لأنّه كان يرى وجوب الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و اله في كلّ صلاة، كما وافقه على ذلك جماعة من أهل العلم «3».

و المقصود: أنّ اللّه اختصّهم و أزواج النبي صلّى اللّه عليه و اله من بين سائر الناس بالصلاة عليهم مع حبيبه صلّى اللّه عليه و اله، و هو شرف لم ينله أحد من هذه الأمّة، و حسبهم بذلك شرفا و مجدا و فخرا!

______________________________

(1). الصحيح في الأبيات الشعريّة هو:

يا أهل بيت رسول اللّه حبّكم فرض من اللّه في القرآن أنزله

كفاكم من

عظيم القدر أنّكم من لم يصلّ عليكم لا صلاة له كما نقله سبل الهدى 11: 11، و نظم درر السمطين: 18، و ينابيع المودة 3: 103.

(2). و سمّاها النبي صلّى اللّه عليه و اله بالصلاة البتراء، كما تقدّم رواية ذلك عن ابن حجر في الصواعق.

(3). قال ابن قدامة في شرح الكبير (1: 579): «و في وجوب الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و اله روايتان أصحّهما وجوبها، و هو قول الشافعي».

و قال الشربيني في الإقناع 1: 8 و في مغني المحتاج 1: 7: «و اختلف في وقت وجوب الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و اله على أقوال: أحدها: كلّ صلاة، و اختاره الشافعي في التشهّد الأخير منها، و الثانية:

في العمر مرّة، و الثالث: كلّما ذكر، و اختاره الحليمي من الشافعيّة، و الطحاوي من الحنفية، و اللخمي من المالكية، و ابن بطّة من الحنابلة، و الرابع: في كلّ مجلس، و الخامس: في أول كلّ دعاء و في وسطه و في آخره».

و نقل النووي في شرح مسلم: أنّ أحمد و الشافعي قالا بوجوبها، و لو تركت لم تصحّ الصلاة (شرح مسلم للنووي 4: 344).

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:75

أمّا الكلام على الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و اله و ما يتعلّق بأحكامها و فروع ذلك، فقد استوفاه الحافظ السخاوي و ابن القيّم في كتابيهما المشار إليهما قبل، فلا نطيل بإيراده هنا؛ لأنّ ذلك ليس من شرط هذه الرسالة.

من فضائل أهل البيت إكرامهم بتحريم أخذ الصدقة

عن أبي هريرة رضى اللّه عنه قال:

أخذ الحسن بن علي رضي اللّه تعالى عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله: «كخ كخ إرم بها، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة» «1»، و

في رواية «أنّا لا تحلّ لنا الصدقة» «2».

و هذا أيضا من شرف أهل البيت تبعا لشرف نبينا صلّى اللّه عليه و اله و سموّ مقامه، فكما حرّم اللّه عليه أخذ الصدقة لما فيها من الذلّة و المهانة، كذلك جعلت محرّمة على آله الأطهار، لأنّها قذرة المعنى، و سخة يطهّر اللّه بها أموال المتصدّقين و نفوسهم.

كما جاء في حديث آخر عنه صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «إنّ هذه الصدقات إنّما هي أوساخ الناس، و إنّها لا تحلّ لمحمد و لا لآل محمد صلّى اللّه عليه و اله» «3»

فيؤخذ من هذه الرواية العلّة في تحريمها عليه صلّى اللّه عليه و اله و على أهل بيته، و هي كونها أوساخ الناس و غسالتهم، و هم منزّهون عن الأقذار و الأوساخ الحسّية و المعنوية فلا

______________________________

(1). صحيح البخاري 2: 542، صحيح مسلم 2: 751. و قال السيوطي في الديباج 3: 170: «كخ كخ أعجمية معرّبة، معناها: اتركه أو إرم به».

(2). مصنّف ابن أبي شيبة 3: 103 و 8: 431، صحيح ابن حبّان 8: 89، كنز العمال 6: 609 رقم 17089.

(3). صحيح مسلم 3: 119، مسند أحمد 4: 166، المعجم الكبير 5: 55، كنز العمال 6: 454 رقم 16507، و 6: 457 رقم 16523.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:76

تليق بهم لشرفهم و كرامتهم على اللّه تعالى، بل هذا التحريم تسرّب حتّى لمن ينتسب إليهم من الموالي.

فعن أبي رافع مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:

أنّ رجلا من بني مخزوم بعث على الصدقة فقال له: اصحبني كيما تصيب منها، قال: لا حتّى آتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأسأله، و انطلق فسأله فقال: «إنّ الصدقة لا تحلّ لنا، و

إنّ موالي القوم من أنفسهم» «1».

ثم إنّ العلماء رحمهم اللّه تعالى اختلفوا: هل يجوز لأهل البيت أخذ هذه الصدقة إذا منعوا من خمس ذوي القربى المقرّر لهم في بيت المال، كما هو حالهم منذ عصور أم لا؟

فأجازها لهم المالكية و جماعة من الشافعية و غيرهم «2»، و جعلوا ذلك من الضرورات التي تبيح المحظورات، لأنّهم إذا منعوا حقّهم من بيت المال، و منعوا من الزكاة أدّى ذلك بهم إلى الضياع، كما هو حال أكثر آل البيت الآن في جميع الأقطار الإسلامية، و ذهب الجمهور إلى التحريم مطلقا، و في ذلك نظر.

______________________________

(1). الجامع الصحيح للترمذي 2: 84 و قال: «حديث حسن صحيح» سنن أبي داود 1: 373، مسند أحمد 6: 10، المعجم الكبير 1: 316، أمالي المحاملي: 334، السنن الكبرى للبيهقي 7: 32.

(2). المجموع 6: 227، إعانة الطالبين 2: 225. و راجع أيضا سبل السلام 2: 147، و نيل الأوطار 4: 241.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:77

الباب الثاني في فضائل الإمام علي عليه السّلام

اشارة

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:79

في فضائل الإمام علي عليه السّلام

هو علي بن أبي طالب الهاشمي المكّي المدني الكوفي، أمير المؤمنين، و قاتل الناكثين، و الخوارج، و البغاة.

ابن عمّ الرسول صلّى اللّه عليه و اله و أخوه، و صهره على ابنته الزهراء سيّدة نساء أهل الجنة، و أبو السبطين الحسن و الحسين، و جدّ الأشراف و الذرّية الطاهرة.

أول هاشمي ولد بين هاشميّين، و أول خليفة من بني هاشم.

و أحد العشرة المشهود لهم بالجنّة، و أحد البدريّين المغفور لهم، و أحد الستة أصحاب الشورى الذين توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو عنهم راض، و أحد السابقين إلى الإسلام، و أحد الخلفاء الراشدين المهديّين.

أولّ من أسلم من الأطفال «1»، ربّي في حجر النبي صلّى اللّه عليه و اله و ترعرع و شبّ في بيته صلّى اللّه عليه و اله.

______________________________

(1). لم يرد قيد «من الأطفال» في أيّ من الروايات التي نقلها المؤرّخون و الحفّاظ على كثرتها، و إليك بعضها:

1- قال الحاكم النيسابوري: «و لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أنّ علي بن أبي طالب رضى اللّه عنه أولهم إسلاما» (معرفة علوم الحديث: 22).

2- و قال ابن عبد البرّ في الاستيعاب: «المرويّ عن سلمان و أبي ذرّ و المقداد و خبّاب و أبي سعيد-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:80

______________________________

- الخدري و زيد بن أسلم: أنّ عليا عليه السّلام أول من أسلم، و فضّله هؤلاء على غيره» (تهذيب الكمال 20: 480).

3- و قال ابن أبي الحديد: «إنّ أكثر أهل الحديث و أكثر المحقّقين من أهل السيرة رووا أنّه عليه السلام أول من أسلم» (شرح النهج 4: 116).

4- عقد ابن حجر في مجمع الزوائد 9: 123 بابا بعنوان: إسلامه عليه السّلام أورد فيه روايات دلّت

بصريح القول على أولية إسلامه على الناس، منها: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله قال لفاطمة: «لقد زوّجتك أقدمهم سلما»، و في رواية أخرى: «لأول أصحابي سلما»، و في أخرى: «إنّ هذا أوّل من آمن بي»، و في أخرى: «و السابق إلى محمد علي بن أبي طالب»، و روي عن سلمان قال: «أول هذه الأمّة ورودا على نبيّها أولها إسلاما: علي بن أبي طالب» و قال: رواه الطبراني و رجاله ثقات.

5- ما ورد بعنوان: أول من أسلم من الرجال علي، كما في المعجم الكبير 19: 291 قال: «و أول من أسلم من الرجال عليّ» و سبل الهدى للدمشقي 2: 302 رواه عن الزهري و ابن إسحاق و قال:

«أول من أسلم من الرجال». و مثله في تاريخ اليعقوبي 2: 23.

6- ما ورد بعنوان: أسلم عليّ قبل أبي بكر، كما في البداية و النهاية 7: 370 قال: «قال البخاري:

قال علي: أنا الصدّيق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، و أسلمت قبل أن يسلم». و سبل الهدى 2: 302 قال: «و أسلم علي قبل أبي بكر». و تقدّم قول القرظي عن الجوهرة للبري.

7- ما ورد بعنوان: إنّ عليا أول من أسلم من الناس، في مسند أحمد 1: 331: «و كان أول من أسلم من الناس بعد خديجة». و في السنن الكبرى للنسائي 5: 113: «أول من أسلم من الناس».

و مجمع الزوائد 9: 158: «أول من أسلم من الناس بعد خديجة».

8- ما ورد بعنوان: إنّ عليا أول من أسلم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، في مسند أحمد 4: 368: «أول من أسلم مع رسول اللّه علي». و مصنّف ابن أبي شيبة 7: 502، و

الآحاد و المثاني 5: 384.

9- ما ورد بعنوان: أول من آمن به صلّى اللّه عليه و اله، في مجمع الزوائد 9: 124 قال: «روى الطبراني و البزّار عن أبي ذر قال: قال صلّى اللّه عليه و اله: أنت أول من آمن بي». و مصنّف عبد الرزاق الصنعاني 5: 325.

10- ما ورد بعنوان: أول من أسلم بعد خديجة، في مسند أحمد 1: 331، و مجمع الزوائد 9: 158.

11- ما ورد بعنوان: قال علي عليه السّلام: «أنا أول من أسلم» في مسند أبي الجعد: 87 عن حبّة العرني سمعت عليا عليه السّلام يقول: «أنا أول من أسلم». و مناقب الخوارزمي: 57، و البداية و النهاية 7: 370،-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:81

أجمع أهل السير و التواريخ على أنّه شهد مع النبي صلّى اللّه عليه و اله كلّ مشاهده و غزواته إلّا تبوك، فإنّه استخلفه فيها على الأهل و الذرّية، و كان له في جميع المشاهد آثار مشهورة، و أعطاه النبي صلّى اللّه عليه و اله اللواء في مواطن كثيرة، وراية المهاجرين كانت معه في سائر المشاهد، و أحواله في الشجاعة و آثاره في الحروب معلومة مشهورة.

ولد قبل الهجرة بثلاث و عشرين سنة، و ولي الخلافة بعد مقتل عثمان باتّفاق من المهاجرين و الأنصار، ثم قام بعض أكابر الصحابة يطلبون القبض على قتلة عثمان فتريّث عليّ تحفّظا من الفتنة.

فقام عليه طلحة و الزبير و غيرهما فقاتلهم في وقعة الجمل، و قام ضدّه معاوية بالشام غير معتبر بيعته، فقاتله أيضا هو الآخر، فكانت وقعة صفّين إلى أن وقع التحكيم، فنقم عليه ذلك بعض أصحابه فخرجوا عليه و كفّروه، فقاتلهم و كانت وقعة النهروان، ثم كانت نهايته أن قتله الشقيّ اللعين عبد

الرحمان بن ملجم الخارجيّ عام أربعين من الهجرة، رضي اللّه عنه و نوّر ضريحه.

و من غريب أمره رضى اللّه عنه أنّه أنجب ثلاثة و ثلاثين ولدا، أربعة عشر ذكرا، و تسع عشرة أنثى، و لم ينسل منهم إلّا الحسن و الحسين و محمد ابن الحنفيّة و العباس

______________________________

- و أمالي المحاملي: 221، و ينابيع المودّة 1: 195.

12- ما ورد بعنوان: أول المسلمين إسلاما، في المعجم الكبير 22: 417، و سبل الهدى 11: 291، و كنز العمّال 11: 605 قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لفاطمة: «زوّجتك أول المسلمين إسلاما».

13- ما ورد بعنوان: أول من أسلم علي، فضائل أحمد: 13، الآحاد و المثاني 1: 148 عن زيد و ابن عباس، السنن الكبرى للنسائي 5: 44 و 105، تاريخ دمشق 42: 27، تهذيب الكمال 5: 354 و قال: «حسن صحيح وقع لنا بدرجتين» و كذا 13: 449 و 20: 480، كنز العمال 13: 144، سبل الهدى 1: 75 و 2: 300 عن ابن إسحاق، عيون الأثر 1: 124، معرفة علوم الحديث للحاكم: 22، أمالي المحاملي: 22، مناقب الخوارزمي: 57، ينابيع المودّة 1: 190 و 191 و 2: 145، شرح النهج 4: 116، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 44 و 63، و مصادر أخرى تركناها للاختصار.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:82

و عمر، و من أولاده: عثمان و أبو بكر. و الذرّية الطاهرة من ولديه الحسن و الحسين ابني فاطمة خاصّة.

عليّ أكثر الصحابة فضائل

و للإمام علي- كرّم اللّه وجهه- من المناقب و الفضائل الشي ء الكثير، حتّى قال الإمام أحمد و إسماعيل القاضي و أبو علي النيسابوري: لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر ما جاء في علي رضي اللّه تعالى

عنه «1».

قال الحافظ ابن حجر في الفتح، و كان السبب في ذلك أنّه تأخّر و وقع الاختلاف في زمانه، و خروج من خرج عليه، فكان ذلك سببا لانتشار مناقبه من كثرة من كان بينهما من الصحابة ردّا على من خالفه، فكان الناس طائفتين ... ثم كان من أمر علي ما كان فتجمّعت طائفة أخرى حاربوه، ثم اشتدّ الخطب فتنقّصوه، و اتّخذوا لعنه على المنابر سنّة- يعني بهم بغاة بني أمية و من شايعهم- و وافقهم الخوارج على بغضه، و زادوا حتّى كفّروه مضمونا منهم إلى عثمان. فصار الناس في حقّ علي ثلاثة: أهل السنّة، و المبتدعة من الخوارج، و المحاربين له من بني أمية و أتباعهم، فاحتاج أهل السنّة إلى بثّ فضائله، فكثر الناقل لذلك لكثرة من يخالف في ذلك ... انتهى كلام الحافظ «2».

عليّ يحبّه اللّه و رسوله و يحبّ اللّه و رسوله

و من مناقبه العظيمة شهادة الرسول صلّى اللّه عليه و اله له بأنّه يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله، و يا لها من شهادة عادلة، وصفة رائعة!

______________________________

(1). فتح الباري 7: 434، تحفة الأحوذي 10: 197، ينابيع المودّة 2: 371 و 385، فيض القدير 4: 355 و أضاف: «و في الطبراني عن جابر: مكتوب على باب الجنة: لا إله إلّا اللّه محمد رسول اللّه علي أخو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، قبل أن يخلق السماوات و الأرض بألفي سنة».

(2). فتح الباري 7: 434. و سيأتي مزيد كلام منّا على حروب الإمام علي عليه السّلام.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:83

فعن سهل بن سعد رضى اللّه عنه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال يوم خبير: «لأعطينّ الراية رجلا يفتح اللّه على يديه، يحبّ اللّه و رسوله و

يحبّه اللّه و رسوله».

قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها، قال: فلمّا أصبح الناس غدوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كلّهم يرجون أن يعطاها، فقال صلّى اللّه عليه و اله: «أين علي بن أبي طالب؟» فقالوا:

هو يا رسول اللّه يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» فأتي به، فبصق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في عينيه، و دعا له فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية.

فقال علي: «يا رسول اللّه، أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟»

فقال: «أنفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، و أخبرهم بما يجب عليهم من حقّ اللّه فيه، فو اللّه لأن يهدي اللّه بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم» «1».

______________________________

(1). صحيح البخاري 3: 1077 و 1096 و 1357 عن سهل و 1086 و 1542 عن سلمة، صحيح مسلم 3: 1440 عن سهل و 1872 عن سلمة و 1871 عن سعد، صحيح ابن حبّان 15: 377 و 382، المعجم الكبير 6: 152 عن سهل و 7: 13 و 35 عن سلمة بن الأكوع و 18: 237 عن عمران بن حصين، سنن ابن ماجة 1: 45 عن سعد، السنن الكبرى للنسائي 5: 46 عن عمران و أبي هريرة و 108 عن ابن أبي ليلى، مسند أبي يعلى 1: 291 و 13: 522 عن سهل، مسند أحمد 1: 99 عن ابن أبي ليلى، فضائل الصحابة: 16 عن سهل، السنن الكبرى للبيهقي 9: 107، نظم درر السمطين: 98، السيرة النبوية لابن كثير 3: 351، البداية و النهاية 4: 211 عن أبي هريرة و سهل و سلمة بن الأكوع و 7: 251 عن جابر، و

قال: «فتناول باب الحصن فتترّس به و قتل مرحبا ثم إنّ عليا حمل باب الحصن على ظهره يوم خيبر حتّى صعد المسلمون عليه»، كنز العمال 13: 123 عن عمر بن الخطاب و 10: 468 عن أبي هريرة، مجمع الزوائد عقد بابا بعنوان:

قوله صلّى اللّه عليه و اله: «لأعطينّ رجلا يحبّه اللّه و رسوله و يحبّ اللّه و رسوله» (9: 123) و روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله دعا أبا بكر فعقد له لواء ثم بعثه فسار بالناس فانهزم حتى إذا بلغ و رجع، فدعا عمر فعقد له لواء فسار ثم رجع منهزما بالناس، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «لأعطينّ الراية رجلا يحبّ اللّه و رسوله-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:84

و عن البراء بن عازب رضى اللّه عنه قال:

بعث النبي صلّى اللّه عليه و اله جيشين و أمّر على أحدهما علي بن أبي طالب و على الآخر خالد ابن الوليد، و قال: إذا كان القتال فعلي. قال: فافتتح عليّ حصنا فأخذ منه جارية فكتب معي خالد كتابا إلى النبي صلّى اللّه عليه و اله يشي به، قال: فقدمت على النبي صلّى اللّه عليه و اله فقرأ الكتاب فتغيّر لونه ثم قال: «ما ترى في رجل يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله؟» قال: قلت: أعوذ باللّه من غضب اللّه و من غضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و إنّما أنا رسول، فسكت.

و في الحديثين فضيلة للإمام علي و خصيصة له رضي اللّه تعالى عنه، حيث شهد له النبي صلّى اللّه عليه و اله بمقام المحبوبية و هو مقام خاصّ لا يناله إلّا أكابر الرجال، و لم توجد هذه الشهادة

الخاصة بهذا الوصف لغيره رضي اللّه تعالى عنه و إن كان كلّ المؤمنين لهم نصيب من ذلك، لكنّه امتاز عنهم بالتنصيص و شهادة أشرف الخلق له، و سيأتي مزيد لهذا في حديث سعد الآتي.

حبّ عليّ إيمان و بغضه نفاق

و من مناقبه رضي اللّه تعالى عنه أنّ اللّه عز و جل جعل علامة إيمان الرجل حبّه و آية نفاقه بغضه. و هذا و إن كان يجري و يطّرد في سائر الصحابة فإنّ للتنصيص فيه على عليّ مع الأنصار مزيّة و فضيلة خاصّة.

فعن علي رضي اللّه تعالى عنه قال: «و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة، إنّه لعهد

______________________________

- و يحبّه اللّه و رسوله، يفتح اللّه على يديه ليس بفرّار ...» إلى آخر الحديث. و مثله في كنز العمال 13: 121 و مصنّف ابن أبي شيبة 8: 520 و 522.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:85

النبي الأمّي صلّى اللّه عليه و اله إليّ أن لا يحبّني إلّا مؤمن و لا يبغضني إلّا منافق» «1».

ففي الحديث فضيلة هامّة له رضي اللّه تعالى عنه، و ميزان شرعي نبوي يعرف به المؤمن من المنافق. فمن أحبّه لقرابته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و حبّ النبي صلّى اللّه عليه و اله له، و اختصاصه به، و ما كان منه من نصر الإسلام و هجرته، و جهاده، و سوابقه، كان ذلك علامة منه على إيمانه و صدقه و إخلاصه فيه، بينما من كان يبغضه و يعاديه و يناوؤه ...

كان بضدّ ذلك، و أنّ إيمانه مدخول، و إسلامه معلول، و أنّه خبيث السريرة. و هذا ممّا كان سائرا بين الصحابة، فكانوا يعرفون المنافقين ببغضهم للإمام علي رضي اللّه تعالى عنه «2»، و ذلك أنّهم كانوا يبغضونه لكونه أقرب

الناس إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أحبّهم له، و أنّه صهره، و أنّه أشدّ الناس على الكفّار و المنافقين، و لأجل ذلك حكم علماء

______________________________

(1). صحيح مسلم 1: 86، سنن ابن ماجة 1: 42، فتح الباري 7: 435، الجامع الصحيح للترمذي 5: 643 و قال: «حديث حسن صحيح»، سنن النسائي 8: 117، السنن الكبرى للنسائي 5: 47 و 6: 535، صحيح ابن حبّان 15: 637، مسند أبي يعلى 1: 347، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 494، مجمع الزوائد 9: 181، فضائل الصحابة لأحمد: 17، الأذكار النووية: 297، نظم درر السمطين:

102، كنز العمال 13: 120، الديباج على صحيح مسلم 1: 93 و قال: «فلق الحبّة: شقّها بالنبات، و برأ النسمة: الإنسان، و قيل: النفس، و قيل: كلّ دابّة».

(2). عن جابر و أبي ذر و أبي سعيد الخدري: «ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلّا ببغضهم علي بن أبي طالب عليه السّلام» رواه الحاكم في المستدرك 3: 139 و صحّحه على شرط مسلم، و الطبراني في المعجم الأوسط 3: 76 و 89، و في مجمع الزوائد 9: 180 بلفظ: «ما كنّا نعرف منافقا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلّا ببغضه عليا»، نظم درر السمطين: 102، و رواه الترمذي في الجامع الصحيح 5: 635 بلفظ: «إنّا كنّا لنعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب»، كنز العمال 13: 106، مناقب الخوارزمي: 332، تفسير القرطبي 1: 267، ينابيع المودّة 1: 150 و 2: 392 و 461، و في سبل الهدى 11: 290 قال: «روى ابن مردويه و ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري

في قوله تعالى: وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ قال: ببغضهم علي بن أبي طالب»، و كذا في شواهد التنزيل 2: 248 رقم 883، و تفسير الدرّ المنثور 7: 504 و قال:

«أخرجه ابن مردويه و ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري».

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:86

الإسلام بالنفاق على أقوام عبر التاريخ عرفوا ببغض علي و الانحراف عنه و عداوته بإصرار.

و هذا بخلاف من أبغضه رضي اللّه تعالى عنه لأمور شخصية خاصة، كما يقع عادة بين الأقارب و عامة الناس حسب الطبيعة البشرية، أو كان ذلك مع اجتهاد و تأويل كحال طلحة و الزبير و عائشة معه، فإنّ هؤلاء لم يكونوا يبغضونه أو يحاربونه لدينه و قرابته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لسابقته، كلّا و حاشاهم من ذلك، و هم المبشّرون بالجنّة ... بل رأوا رأيا فاجتهدوا و أخطأوا، و غفر اللّه خطأهم لصدقهم في اجتهادهم و نيّتهم الصالحة، و هذا شي ء متّفق عليه بين أهل السنّة «1».

كان علي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كهارون من موسى

و من مناقبه الفخمة أنّ اللّه عز و جل جعله وزيرا خاصّا لرسوله الأمين صلّى اللّه عليه و اله، و خليفته في حياته، مثل ما كان هارون من أخيه موسى عليهما السّلام.

فعن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه رضى اللّه عنه قال:

أمّر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ما

______________________________

(1). لكنّه يخالف إطلاق الأخبار الواردة في شأن حبّه و بغضه عليه السّلام كقوله صلّى اللّه عليه و اله: «من أحبّ عليا أحبّني و من أبغض عليا أبغضني» مستدرك 3: 130 و صحّحه على شرط الشيخين و أقرّه الذهبي، و الجامع الصغير 2: 554، و قوله صلّى اللّه عليه

و اله: «الشقيّ كلّ الشقي من أبغض عليا» المعجم الكبير 22: 415، و قول أم سلمة: «أشهد أنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال: من أحبّ عليا فقد أحبّني، و من أحبّني فقد أحبّ اللّه، و من أبغض عليا فقد أبغضني، و من أبغضني فقد أبغض اللّه» المعجم الكبير 23: 280، مجمع الزوائد 9: 180، و قوله صلّى اللّه عليه و اله: «من سبّ عليا فقد سبّني، و من سبّني فقد سبّ اللّه» المستدرك 3: 130 و صحّحه و أقرّه الذهبي، و غير ذلك الكثير، مع أنّ المؤرّخين يروون أنّ الحروب التي اندلعت: الجمل و صفّين و النهروان، لم تكن لأمور شخصية أو ما تقع عادة بين الأقارب، كما هو المنقول في كتبهم، و أمّا قوله: متّفق عليه بين أهل السنّة، ففيه نظر.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:87

ذكرت ثلاثا قالهنّ له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول له و قد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول اللّه خلّفتني مع النساء و الصبيان، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟».

و سمعته يقول يوم خيبر: «لأعطينّ الراية رجلا يحبّ اللّه و رسوله، و يحبّه اللّه و رسوله» قال: فتطاولنا لها، فقال: «ادعوا لي عليا» فأتي به أرمد، فبصق في عينيه و دفع الراية إليه ففتح اللّه عليه.

و لمّا نزلت هذه الآية: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ

«1» الآية دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال:

«اللّهم هؤلاء أهلي» «2».

و رواه ابن ماجة من طريق آخر بلفظ:

قال: قدم معاوية- يعني المدينة- في بعض حجّاته فدخل عليه سعد، فذكروا

______________________________

(1). آل عمران: 61.

(2). صحيح مسلم 4: 1871، الجامع الصحيح للترمذي 5: 638، مستدرك الحاكم 3: 117 و صحّحه على شرط مسلم و وافقه الذهبي، مسند أحمد 1: 185، السنن الكبرى للنسائي 5: 107، نظم درر السمطين: 107، فتح الباري 7: 433، نظم المتناثر في الحديث المتواتر: 207 و قال:

«حديث أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، متواتر، جاء عن نيّف و عشرين صحابيا، و استوعبها ابن عساكر في نحو عشرين ورقة» و سيأتي الكلام عن حديث المنزلة قريبا.

و أمّا بخصوص نزول آية المباهلة فيهم عليهم السّلام ففي الجامع الصحيح للترمذي 5: 225 عن سعد: لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله عليا و فاطمة و الحسن و الحسين فقال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي»، السنن الكبرى للبيهقي 7: 63، شواهد التنزيل للحاكم 1: 161، تفسير الدرّ المنثور 2: 232 بعدّة طرق، فتح القدير 1: 348 و قال: «أخرجه مسلم و الترمذي و ابن المنذر و الحاكم و البيهقي».

و أمّا ما يخصّ حديث الراية فقد تقدّم تخريج الحديث، فراجع.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:88

عليا فنال منه، فغضب سعد و قال: تقول هذا رجل سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول ...

الحديث «1».

كان معاوية و عمّا له في الأقاليم و الأمصار يسبّون الإمام عليا رضي اللّه تعالى عنه، و يلعنونه على المنابر في الجمع و الأعياد، و المجامع و المناسبات، و يأمرون الناس بذلك، و

ينكرون على من لم يلعنه و ينل منه، مضافا ذلك منهم إلى محاربته و قتاله السالف قبل ذلك، و قد صحّت الأخبار بما قلناه في دواوين السنّة و كتب التاريخ «2».

فعن سهل بن سعد رضى اللّه عنه قال:

استعمل على المدينة رجل من آل مروان قال: فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم عليا رضي اللّه تعالى عنه، فأبى سهل، فقال له: أمّا إذا أبيت فقل: لعن اللّه أبا تراب، فقال سهل: ما كان لعليّ اسم أحبّ إليه من أبي تراب ... ثم ذكر الحديث و سبب تسميته بذلك «3».

______________________________

(1). سنن ابن ماجة 1: 45، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 496، البداية و النهاية 7: 376 إلّا أنّه حذف منه عبارة «فنال منه».

(2). و قد تقدّم من أحاديث من أنّ سبّ علي سبّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و من سبّ النبي صلّى اللّه عليه و اله كافر، قال النووي في المجموع 19: 426: «إنّه كفر و يقتل السابّ بغير استتابة»، و الحطّاب في مواهب الجليل 8: 373: «سبّ النبي ردّة و يقتل صاحبها»، و الكاساني في بدائع الصنائع 7: 179، و ابن حزم في المحلّى 11: 413: «السابّ كافر له حكم المرتدّ»، و في حاشية ردّ المحتار لابن عابدين 4: 417: «أجمع أهل العلم على أنّ من سبّ النبي يقتل، و نقل الإجماع على كفر السابّ».

(3). السنن الكبرى للبيهقي 2: 446، معرفة علوم الحديث للحاكم: 211، مناقب الخوارزمي: 38، ينابيع المودّة 1: 163.

و أمّا عن سبب تسميته بهذا الاسم (أبو تراب)، فانظر: صحيح البخاري 1: 169 و 3: 1358 و 5: 2291 و 2316، و صحيح مسلم 4: 1874، و السنن الكبرى للبيهقي

2: 446، و الأذكار-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:89

و عن شدّاد أبي عمّار قال:

دخلت على واثلة بن الأسقع رضى اللّه عنه و عنده قوم، فذكروا عليا، فلمّا قاموا قال لي:

ألا أخبرك بما رأيت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟ قلت: بلى، قال: فذكر قصّة الكساء و تلاوة النبي صلّى اللّه عليه و اله آية إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً إلى آخره ... و قوله: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي» «1».

و عن قطبة بن مالك قال:

نال المغيرة بن شعبة من علي، فقال زيد بن أرقم: قد علمت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان ينهى عن سبّ الموتى فلم تسبّ عليا و قد مات؟ «2»

و عن عبد اللّه بن ظالم قال: خطب المغيرة بن شعبة فنال من علي، فخرج سعيد بن زيد فقال: ألا تعجب من هذا يسبّ عليا؟! «3»

و في رواية قال: لمّا خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة، قال: فأقام خطباء يقعون في علي، قال: و أنا إلى جنب سعيد بن زيد، قال: فغضب فقام، فأخذ بيدي فتبعته، فقال: ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الجنّة؟! فأشهد على التسعة أنّهم في الجنّة، ثم ذكر العشرة «4».

______________________________

- النوويّة: 294 رقم 873 قال: «ثبت في الصحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله وجده نائما في المسجد و عليه التراب فقال: قم أبا تراب! قم أبا تراب! فلزمه هذا اللقب الحسن الجميل». و قال في رقم 874: «و روينا في صحيح البخاري و مسلم عن سهل: و كانت أحبّ أسماء علي إليه، و إنّه كان ليفرح بهذا».

(1). مستدرك الحاكم

2: 451 و صحّحه على شرط مسلم، السنن الكبرى للبيهقي 2: 149 و 152، مسند أحمد 4: 107.

(2). مسند أحمد 4: 396.

(3). المصدر السابق 1: 187 و 188 و 189 بعدّة طرق.

(4). مسند أحمد 1: 189، البداية و النهاية 7: 393.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:90

و في رواية: أنّه دخل على المغيرة و أجلسه عند رجليه على السرير، فجاء رجل من أهل الكوفة فاستقبل المغيرة فسبّ و سبّ، فقال: من يسبّ هذا يا مغيرة؟ قال:

يسبّ علي بن أبي طالب، قال: يا مغيرة بن شعبة- ثلاثا- ألا أسمع أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يسبّون عندك لا تنكر و لا تغيّر! فذكر الحديث ثم قال: و اللّه لمشهد شهده رجل يغبرّ فيه وجهه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أفضل من عمل أحدكم و لو عمّر عمر نوح عليه السّلام «1».

و المقصود: أنّ بني أمية و أشياعهم كانوا يسبّون عليا رضي اللّه تعالى عنه، و يأمرون الناس بذلك، و هو أمر ثابت مستفيض عنهم، و لا أدلّ على ذلك ممّا ذكرناه فضلا عمّا تركناه و هو كثير.

قال الحافظ السيوطي في «تاريخ الخلفاء»: كان في بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب عليه السّلام «2».

و ذكر الآبي في شرح مسلم: أنّ التصريح بالسبّ و قبيح القول إنّما كان يفعله جهّال بني أمية و سفلتهم «3».

و قد أخرج ابن سعد في الطبقات عن عمير بن إسحاق قال:

كان مروان أميرا علينا- يعني بالمدينة- فكان يسبّ عليا كلّ جمعة على المنبر،

______________________________

(1). مسند أحمد 1: 187.

(2). قال العلّامة الحفظي الشافعي في أرجوزته ناظما قول السيوطي، عن النصائح الكافية: 104:

و قد حكى الشيخ السيوطي

أنّه قد كان فيما جعلوه سننه

سبعون ألف منبر و عشرةمن فوقهنّ يلعنون حيدرة

أليس ذا يؤذيه أم لا فاسمعن إنّ الذي يؤذيه يؤذي من و من

بل جاء في حديث أم سلمةهل فيكم اللّه يسبّ مه لمه

عاون أخا العرفان في الجواب و عاد من عادى أبا تراب

(3). شرح صحيح مسلم للآبي 8: 229، و قد تقدّم أنّ معاوية كان يأمر بسبّه و أمر سعدا بذلك، و كذا مروان و بقية ملوك بني أمية.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:91

و حسن يسمع فلا يردّ شيئا، ثم أرسل إليه رجلا يقول له: بعلي و بعلي و بك و بك، يعني يسبّهما معا، فانظر بقيّته «1».

و هذا ما جعلهم يخالفون سنّة العيدين فقدّموا الخطبة على الصلاة لأنّ الناس كانوا إذا صلّوا انصرفوا و لا يمكثون لسماع الخطبة لما كان فيها من السباب و الشتائم.

و قد روى أبو سعيد الخدري رضى اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه و اله:

أنّه كان يخرج يوم الفطر و الأضحى إلى المصلّى، فأول شي ء يبدأ به الصلاة ...

قال: فلم يزل الناس على ذلك حتّى خرجت مع مروان و هو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلمّا أتينا المصلّى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلّي فجذبته بثوبه فجذبني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيّرتم و اللّه، فقال: أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم و اللّه خير ممّا لا أعلم، فقال:

إنّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة «2».

و فعل مروان هذا كان السبب في تحديث أبي سعيد بقول النبي صلّى اللّه عليه و اله: «من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم

يستطع فبقلبه، و ذلك أضعف الإيمان».

عن طارق بن شهاب قال:

أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أمّا هذا فقد قضى ما عليه،

______________________________

(1). هذا موجود بتمامه في تاريخ دمشق لابن عساكر 57: 244، فراجع.

(2). سبل الهدى 8: 321، فقه السنّة 1: 322 و قال: «متّفق عليه»، إرواء الغليل 3: 98 و قال: «صحيح أخرجه البخاري و مسلم و النسائي و البيهقي و احمد».

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:92

سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «من رأى منكم منكرا ...» فذكر الحديث «1».

و إنّما أطلت الكلام هنا نسبيّا لأنّ بعض علمائنا نفى أن يكون خطباء بني أمية و عمّالهم اتّفقوا على سبّ و لعن الإمام علي رضي اللّه تعالى عنه، رغم إجماع المؤرّخين على وقوع ذلك و صحّته في دواوين السنّة.

و نحن نبرأ إلى اللّه تعالى ممّا فعلوه، و نكل أمرهم إليه عزّ و جلّ، فإنّ سبّ هذا الإمام العظيم سبّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كما قال أبو عبد اللّه الجدلي:

دخلت على أم سلمة رضي اللّه عنها فقالت: أيسبّ رسول اللّه فيكم؟ فقلت:

سبحان اللّه! أو معاذ اللّه! قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «من سبّ عليا فقد سبّني» «2».

و في قول سعد: أمّا ما ذكرت ... إلى آخره، بيان منه رضى اللّه عنه لفضائل الإمام علي رضي اللّه تعالى عنه، و خصائصه التي خصّه اللّه عزّ و جلّ بها. و أنّه لذلك لا يستحقّ أن يسبّ و يلعن و يبغض و يعادى، فضلا أن يقاتل و يحارب.

و هذه المزايا و الفضائل هي التي

منعت سعدا من النيل منه، و امتناعه من سبّه رضي اللّه تعالى عنهما.

و قوله: «أما ترضى أن تكون منّي ...» إلى آخر هذا القدر من الحديث الذي يقال له حديث المنزلة، متواتر وارد عن قريب من عشرين نفسا من الصحابة، و اتّفق على

______________________________

(1). صحيح مسلم 1: 50، الجامع الصحيح للترمذي 4: 496، مصنّف ابن أبي شيبة 2: 77، فيض القدير 6: 131، مسند أحمد 3: 49، نيل الأوطار 3: 304 و قال: «أول من فعل ذلك معاوية، حكاه القاضي عياض، و أخرجه الشافعي عن ابن عباس بلفظ: حتّى قدم معاوية» إلى آخره.

(2). مستدرك الحاكم 3: 139 و 140 و صحّحه، مسند أحمد 6: 323، السنن الكبرى للنسائي 5: 133، مجمع الزوائد 9: 175، الجامع الصغير 2: 935، فيض القدير 6: 147 و قال: «رواه الحاكم و صحّحه، و أحمد، و رجاله رجال الصحيح»، البداية و النهاية 7: 391، ينابيع المودّة 2: 102 و قال: «لأحمد و الحاكم عن أم سلمة»، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 99.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:93

إخراجه الشيخان «1».

و معناه: أنت متّصل بي، و نازل منّي منزلة هارون من أخيه موسى عليهما السّلام، فكأنّه قال له: أنت أخي و وزيري و خليفتي في حياتي كما كان هارون أخا و وزيرا و خليفة

______________________________

(1). قال العلّامة الكتّاني في نظم المتناثر: 207: «متواتر، جاء عن نيّف و عشرين صحابيا، و استوعبها ابن عساكر في نحو عشرين ورقة».

و قال العلّامة المزّي في تهذيب الكمال 20: 483: «عن جماعة من الصحابة، و هو من أثبت الآثار و أصحّها، رواه عن النبي صلّى اللّه عليه و اله سعد و ابن عباس و أبو سعيد الخدري و جابر و أم سلمة

و أسماء بنت عميس و جماعة يطول ذكرهم».

و قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج 13: 211: «خبر مجمع على روايته بين سائر فرق الإسلام».

و أمّا مصادره و طرقه، فكثيرة جدا، نذكر بعضا منها: صحيح البخاري 3: 1359 و 4: 1602، صحيح مسلم 4: 1871، الجامع الصحيح للترمذي 5: 638، مستدرك الحاكم 3: 117 و صحّحه، السنن الكبرى للبيهقي 9: 40، فضائل الصحابة لأحمد: 13، و عقد ابن حجر في مجمع الزوائد من الجزء التاسع بابا بعنوان (في منزلته) في مناقب علي عليه السّلام، مصنّف ابن أبي شبية 7: 496 و 8: 562، السنن الكبرى للنسائي 5: 44 أخرجه من ثلاثين طريقا، صحيح ابن حبّان 15: 16 و 371، مسند أبي يعلى 1: 286 و 2: 57 و ذكر بعض الطرق إليه، المعجم الصغير 2: 22 و 54، تاريخ دمشق 2: 31 و 13: 150 و 18: 138 و 41: 18 و 70: 35 عن أسماء بنت عميس، السيرة النبوية لابن كثير 4: 12، البداية و النهاية 5: 11 و قال: «رواه مسلم و الترمذي و قال: حسن صحيح»، و 7: 251 و 8: 84، الأذكار النوويّة: 277 رقم 807، المعجم الكبير 1: 146 من عدّة طرق، و 2: 147 و 4: 17 و 5: 203 و 11: 61 و 12: 15 و 78 و 19: 291 و 24: 146 من عدّة طرق، نظم درر السمطين: 24، تاريخ بغداد 1: 342 و 4: 56 و 7: 463 و 8: 52 و 9: 370 و 10: 45 و 11: 430 و 12: 320، الطبقات الكبرى 3: 23 و 24، شواهد التنزيل 1: 190 و 192

و 2: 35، سبل الهدى 5: 441 و 11: 291 من عدّة طرق، و أخرجه الحنفي في الينابيع في أكثر من عشرين موضعا، و في كنز العمّال كذلك، الآحاد و المثاني 5: 172، مسند ابن راهويه 5: 37، تاريخ الطبري 2: 368، مناقب الخوارزمي: 39 من عدّة طرق، و أخرجه ابن حجر في عدّة مواضع من تهذيب التهذيب و لسان الميزان، و كذا الذهبي في تذكرة الحفّاظ 1: 10 الثقات لابن حبّان 1: 142.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:94

لأخيه موسى في قومه في حياته عند ما ذهب لميقات ربّه و مناجاته «1»، فكما أنّ هارون لم يكن خليفة بعد موسى لأنّه توفّي قبله في التيه «2»، كذلك الإمام علي رضي اللّه تعالى عنه لم يكن خليفة النبي صلّى اللّه عليه و اله الخاص إلّا في حياته، أمّا بعد موته فالحديث ليس نصّا فيه كما يقول الشيعة، و كلّ ما جاء في ذلك ممّا يتعلّقون به لا يصحّ شي ء منه.

و قال القاضي عياض: هذا ما تعلّقت به الروافض و سائر الشيعة في أنّ الخلافة كانت حقّا لعلي رضي اللّه تعالى عنه، لأنّه وصّى له بها فكفّرت الروافض سائر الصحابة بتقديم غيره، و زاد بعضهم: فكفّر عليا «3»، لأنّه لم يقم في طلب حقّه، قال:

و هؤلاء أسخف عقلا و أفسد مذهبا من أن يذكر قولهم، قال: و لا شكّ في تكفير هؤلاء، لأنّ من كفّر الأمة كلّها و الصدر الأول خصوصا، فقد أبطل الشريعة و هدم الإسلام، انتهى «4».

______________________________

(1). هذا التخصيص خلاف اللغة و العرف، فالحديث عام، و من كان في حياته خليفة فهو أولى بها بعد موته.

(2). موت هارون قبل موسى لا يمنع من عموم هذا الحديث، لأنّ

المراد هو إثبات مكانة و منزلة هارون، و هي الخلافة، من دون نظر إلى الزمان، خصوصا أنّ آية استخلاف هارون عامّة مطلقة اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي فالتخصيص بالحياة خلاف اللغة و العرف و الفهم العام.

(3). لا نعلم أحدا كفّر عليا عليه السّلام غير الخوارج و النواصب.

(4). أولا: إنّ من هدّم الاسلام و كفّر الصحابة و سبّهم، هم من نكث البيعة و الذين بدّلوا و غيّروا سنّة النبي صلّى اللّه عليه و اله، و قد ذكر المصنّف بعضا منهم.

و ثانيا: إنّ الشيعة الإمامية لهم أدلّتهم و حججهم- و هي واضحة جلية و نصوص نبوية- على عدم عدالة جميع الصحابة، و متون أهل السنّة و التاريخ شاهد صدق على ذلك، و وافقهم الكثير من أعلام السنّة على ذلك.

و ثالثا: إنّ الشيعة يقدّسون الكثير من الصحابة أمثال جابر و حذيفة بن اليمان و خزيمة بن ثابت-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:95

نعم ثبت أنّه خليفة النبي صلّى اللّه عليه و اله في أهله «1».

و قوله: ثم دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى آخره، كان ذلك حينما جاءه نصارى نجران و جادلوه في شأن عيسى عليه السّلام، فدعاهم للمباهلة و التضرّع إلى اللّه تعالى بلعن الكاذب في شأن عيسى، فامتنعوا من ذلك و رضوا بدفع الجزية «2» ...

و في الحديث «3» فضائل واضحة و خصائص ظاهرة للإمام علي رضي اللّه تعالى عنه، حيث جعله النبي صلّى اللّه عليه و اله كأخ له و وزير و خليفة، و شهد له شهادة خاصة بأنّه يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله، و ناهيك بمقام المحبوبية، فإنّه لا يوازيه شي ء، فهو

______________________________

- و المقداد و أبي ذر و سلمان و عمار و

ابن عباس و ابن التيّهان و أويس القرني و أمثال هؤلاء رضي اللّه عنهم و رزقنا شفاعتهم. و قد حضر مع علي عليه السّلام في صفّين من الصحابة ثمانون بدريا و خمسون و مائتان ممّن بايع تحت الشجرة (مستدرك الحاكم 3: 112)، و كذا في حرب الجمل، و استشهد منهم الكثير، و لهم حقّ الاحترام و الإجلال رحمة اللّه عليهم.

(1). و هل كان هارون خليفة موسى في أهله فقط؟ بل الثابت من حديث المنزلة و غيره هو العموم، خصوصا أنّ حديث المنزلة ورد في غير غزوة تبوك أيضا، إضافة إلى عبارة «إلّا أنّه لا نبي بعدي» فيها من الدلالات الكثيرة لمن يتأمّل فيها.

(2). هي آية المباهلة فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ آل عمران: 61.

و روى الحاكم في المستدرك 3: 163: «لمّا نزلت آية المباهلة دعا النبي صلّى اللّه عليه و اله عليا و فاطمة و حسنا و حسينا و قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي» و قال: صحيح على شرط الشيخين و لم يخرّجاه، و رواه أيضا في شواهد التنزيل 1: 159 و 2: 34، و الحديث في أسباب النزول للواحدي: 68، تفسير جامع البيان 3: 404، الإصابة 4: 468، البداية و النهاية 7: 376، أعلام النبلاء 3: 286، سبل الهدى 6: 419 و قال: «رواه مسلم و الترمذي و ابن المنذر و الحاكم في السنن»، نظم درر السمطين: 108، و تفسير القرطبي 4: 103 إلّا أنّه ترك تفسير قوله: وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ، ينابيع المودّة 2: 233 و 265، مناقب

الخوارزمي: 159، الشفا للقاضي عياض 2: 48، أسد الغابة 4: 99، و من الشواهد عليه: الجامع الصحيح للترمذي 5: 225، السنن الكبرى للبيهقي 7: 63، الدرّ المنثور 2: 232.

(3). حديث سعد المتقدّم.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:96

أعلى المقامات التي يتنافس في الإحراز و الحصول عليها المتنافسون «1».

و في حديث البخاري القدسي يقول اللّه تعالى: «و لا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، و بصره الذي يبصر به، و يده التي يبطش بها» الحديث «2».

علي و رسول اللّه كنفس واحدة

و من مناقبه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جعله كنفسه، و يا لها من خصيصة!

فقد جاء في حديث البراء بن عازب رضى اللّه عنه الوارد في عمرة القضاء، و أنّه اختصم علي و جعفر و زيد بن حارثة في بنت حمزة، فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله: «أنت منّي و أنا منك» «3».

قال الحافظ معلّقا على قوله: «أنت منّي و أنا منك»: أي في النسب و الصهر و المسابقة «4» و المحبّة و غير ذلك من المزايا ... و هذه مزايا لم تجتمع لغيره رضي اللّه

______________________________

(1). هامش من المصنّف، قال: و لقد أبان بعضهم عن حقد و بغض للإمام علي، فقال: إنّه ليس في هذا الحديث فضل له و لا خصيصة ... و هذا إن دلّ على شي ء فإنّما يدلّ على نصب و وقاحة و سوء أدب.

(2). صحيح البخاري 5: 2384، و أول الحديث: «من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب»، و في كنز العمّال 7: 770.

(3). صحيح البخاري 3: 1357، فتح الباري 7: 432 في مناقب علي عليه السّلام و 8: 285 في عمرة القضاء، الجامع الصحيح للترمذي 5: 635

و قال: «حديث حسن صحيح»، صحيح ابن حبّان 11: 230، السنن الكبرى للبيهقي 8: 5 و 10: 226، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 499، الأذكار النوويّة: 277 رقم 806، كشف الخفاء 1: 186 و قال: «صحيح، و هو من السنّة الثابتة»، البداية و النهاية 4: 267، السيرة النبويّة لابن كثير 3: 443، سبل الهدى 5: 195، نظم درر السمطين: 98، كنز العمال 11: 599.

(4). كذا في فتح الباري و يحتمل: السابقة.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:97

تعالى عنه «1».

و جاء في حديث آخر لحبشي بن جنادة فيه زيادة، و لفظه: «علي منّي و أنا منه، و لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو علي» «2».

و في هذا الحديث زيادة خصيصة أخرى له، و هي أنّه لا يؤدّي عنه صلّى اللّه عليه و اله ما أمر به من رفض العهود إلّا الإمام علي لكونه أقرب إليه صلّى اللّه عليه و اله «3».

و هذا الحديث قاله حينما بعث عليا الى مكة المكرّمة في السنة التاسعة ينادي في الناس بنبذ عهود المشركين، ذلك أنّ العرب كانوا إذا كان بينهم مفاوضة في إبرام

______________________________

(1). فتح الباري 8: 294 باب عمرة القضاء.

و الحديث وارد في قضيّة المؤاخاة، حين آخى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله بين المهاجرين و الأنصار، فقال لعلي عليه السّلام: «أنت منّي و أنا منك»، و بهذا يكون معناه أعلى من الأخوّة و النسب و المصاهرة، و إلّا يكون قول النبي صلّى اللّه عليه و اله تحصيل الحاصل؛ لأنّ عليا هو أقرب الناس من جهة النسب و المصاهرة و المحبّة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فلا معنى- إذا- لقول النبي صلّى اللّه عليه و اله ذلك يوم المؤاخاة، لعلي.

(2). فضائل

الصحابة لأحمد: 15، تحفة الأحوذي 10: 207 و قال: «حديث حسن صحيح» ثم نقل كلام التوربشتي، و قال: «كان من دأب العرب إذا كان بينهم نقض أو إبرام صلح أن لا يؤدّي ذلك إلّا سيّد القوم أو من يليه» مصنّف ابن أبي شبية 7: 495، الآحاد و المثاني 3: 183، السنن الكبرى للنسائي 5: 45، المعجم الكبير 4: 16 أخرجه بطريقين عن حبشي، الجامع الصغير 2: 629 و قال:

«حسن»، فيض القدير 4: 357 و قال: «أدخل «أنا» لتأكيد معنى الاتّصال في قوله: علي منّي و أنا من علي»، البداية و النهاية 5: 232، كنز العمّال 11: 603 و 13: 142، الرياض النضرة 3: 113.

و هذا الحديث في قضية تبليغ سورة براءة، و فيها خصوصية كبرى لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، و هي أنّ تبليغ الرسالة و شؤونها و تبليغ الأوامر الإلهية و الوحي لا يكون إلّا للنبي صلّى اللّه عليه و اله أو من يكون منه كنفسه.

(3). هذا القيد «رفض العهود» من المصنّف، و إلّا فإنّ الحديث مطلق و معناه: لا يبلّغ الأوامر الإلهية إلّا النبي صلّى اللّه عليه و اله أو من هو منه كنفسه، و ليس هو إلّا علي عليه السّلام، و قد صرّح به النبي صلّى اللّه عليه و اله بقوله: «إلّا أنا أو علي» و العموم واضح من الحديث من قوله: «لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو علي» فليس فيه عهود أو غيره، و لا يقال: إنّه مختصّ بقضية تبليغ سورة براءة، فالمورد لا يخصّص الوارد، فالعموم تامّ بلا أدنى شبهة.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:98

عهد أو نقضه، لا يؤدّي ذلك و يباشره إلّا سيّد القوم أو من يليه من ذوي قرابته

القريبة، و لا يقبلون ذلك من سواهم، و لمّا كان العام الذي أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أبا بكر أن يحجّ بالناس عام تسع، رأى بعد خروجه أن يبعث عليا كرّم اللّه وجهه خلفه على ناقته لينبذ إلى المشركين عهدهم، و يقرأ عليهم سورة براءة، و فيها: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا «1».

جاء ذلك مبسوطا في تفسير براءة من صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري «2».

و عن عمران بن حصين رضى اللّه عنه قال:

بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جيشا و استعمل عليهم عليّ بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه، فمضى في السريّة، فأصاب جارية فأنكروا عليه، و تعاقد أربعة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقالوا: إن لقينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أخبرناه بما صنع عليّ، و كان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلمّا قدمت السريّة على النبي صلّى اللّه عليه و اله فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول اللّه، ألم تر الى علي ابن أبي طالب، صنع كذا و كذا، فأعرض عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و هكذا الثالث و الرابع، فأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الغضب يعرف في وجهه فقال: «ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟

______________________________

(1). التوبة: 28.

(2). قال السرخسي في الأصول 2: 95: إنّه صلّى اللّه عليه و اله أمر أبا بكر بتبليغ سورة براءة إلى

المشركين في العام الذي أمره أن يحجّ بالناس، فأتاه جبريل عليه السّلام و قال له: «لا يبلّغها اليهم إلّا رجل منك» فبعث علي ابن أبي طالب في أثره ليكون هو المبلّغ للسورة إليهم.

و في مسند أبي يعلى 1: 100 قال: بعث أبا بكر لتبليغ براءة، ثم قال لعلي: «إلحقه» فردّ عليّ أبا بكر، فلمّا رجع قال له النبي صلّى اللّه عليه و اله: «إنّي أمرت أن لا يبلّغ إلّا أنا أو رجل منّي».

و رواه في مجمع الزوائد 3: 536، تاريخ دمشق 42: 347، البداية و النهاية 7: 394، كنز العمال 2: 417، مناقب الخوارزمي: 164، الرياض النضرة 3: 113 و 114.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:99

ما تريدون من علي؟ إنّ عليا منّي و أنا من علي، إنّ عليا منّي و أنا منه، و هو وليّ كلّ مؤمن بعدي» «1».

و في حديث عمران زيادة على ما سبق: غضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على أولئك الأصحاب الذين وشوا به إلى رسول اللّه بقوله: «ما تريدون من علي» مكرّرا ذلك ثلاث مرّات مبالغة في الإنكار «2».

و يعني صلّى اللّه عليه و اله بقوله: «ما تريدون من علي» إلى آخره: أيّ شي ء تريدون أن أفعل به مع منزلته لديّ، و أنّه كنفسي، و أنّه ولي كلّ مؤمن، و أنّه لم يأت شيئا يستحقّ معه العتب و التأنيب ...؟ و في ذلك مزيد فضل و احترام من النبي صلّى اللّه عليه و اله له و تقدير و إجلال «3».

علي مولى كلّ مؤمن

و من مناقبه و فضائله العظيمة التي خصّه اللّه بها عزّ و جلّ كونه مولى كلّ مؤمن، و أنّ موالاته موالاة اللّه، و معاداته معاداة اللّه عزّ و جلّ، و

هذه منقبة لم ترد و لم تعرف لغيره منصوصة و أن كان ذلك ثابتا لكلّ وليّ للّه تعالى بصفة عامة.

فعن أبي الطفيل قال:

______________________________

(1). الجامع الصحيح للترمذي 5: 632، مستدرك الحاكم 3: 119 و صحّحه، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 504، الآحاد و المثاني 4: 279، السنن الكبرى للنسائي 5: 133، صحيح ابن حبّان 15: 374، كنز العمال 13: 142، سبل الهدى 11: 297، الإصابة 4: 468 و قال: «أخرجه الترمذي بإسناد قويّ»، سير أعلام النبلاء 8: 199 و قال: «أخرجه الترمذي و حسّنه، و النسائي»، أسد الغابة 4: 101، تاريخ دمشق 42: 198.

هذا و يجدر التأمّل في لفظة «بعدي» هنا.

(2). كما في الجامع الصحيح للترمذي 5: 632، و سبل الهدى 11: 297.

(3). و هو قطع الطريق أمام المشكّكين في مقامه و منزلته فقال صلّى اللّه عليه و اله هذا القول، و كرّره ثلاثا ليكون أبلغ أثرا.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:100

جمع علي رضي اللّه تعالى عنه الناس في الرحبة، ثم قال لهم: «أنشد اللّه كلّ امرئ مسلم سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول يوم غدير خمّ ما سمع لما قام» فقام ثلاثون من الناس، و في رواية: فقام ناس كثير، فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس:

«أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم» قالوا: نعم يا رسول اللّه، قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه، و عاد من عاداه».

قال: فخرجت و كان في نفسي شي ء، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إنّي سمعت عليا يقول كذا و كذا، قال: فما تنكر؟! قد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول ذلك له «1».

و في رواية: لمّا رجع النبي صلّى اللّه عليه و

اله من حجّة الوداع، و نزل غدير خمّ أمر بدوحات فقممن، ثم قال صلّى اللّه عليه و اله: «كأنّي دعيت فأجبت» ثم ذكر الثقلين: كتاب اللّه و العترة ... ثم قال: «إنّ اللّه مولاي، و أنا وليّ كلّ مؤمن» ثم أخذ بيد علي فقال: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه ...» إلى آخر الحديث «2».

______________________________

(1). مسند أحمد 4: 370، مجمع الزوائد 9: 128 عقد بابا بعنوان (من كنت مولاه) فيه أكثر من ثلاثين رواية، السنن الكبرى للنسائي 5: 134، البداية و النهاية 7: 383.

و روي خبر المناشدة أيضا بطرق أخرى في مسند أحمد 1: 84 و 118، المعجم الكبير 5: 171 عن زيد، مسند أبي يعلى 1: 429 عن عبد الرحمان، كشف الأستار عن زوائد البزّار 2: 190 بطريقين، المعجم الصغير 1: 64، كنز العمال 11: 332 ناشد به طلحة يوم الجمل.

(2). مستدرك الحاكم 3: 118 و صحّحه، السنن الكبرى للنسائي 5: 45، المعجم الكبير 5: 166، فضائل الصحابة: 15، السيرة النبوية لابن كثير: 4: 416، البداية و النهاية 5: 228، كنز العمال 13: 104، مناقب الخوارزمي: 154.

و لأهميّة حديث الغدير نذكر أقوال العلماء حول تواتره، و طرفا من الاستدلال به على خلافة أمير المؤمنين علي عليه السّلام.

فمن العلماء من ذكر تواتره:

1- قال ابن حجر في فتح الباري 7: 438: «و أمّا حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه)، فقد-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:101

______________________________

- أخرجه الترمذي و النسائي، و هو كثير الطرق جدا، و قد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، و كثير من أسانيدها صحاح و حسان».

2-. قال العلّامة الكتّاني في نظم المتناثر في الحديث المتواتر: 206: «و في رواية أحمد أنّه سمعه من النبي صلّى

اللّه عليه و اله ثلاثون صحابيا، و شهدوا به لعلي لمّا نوزع ايام خلافته، و صرّح بتواتره المناوي في التيسير نقلا عن السيوطي و شارح المواهب اللدنيّة، و في الصفوة للمناوي قال الحافظ ابن حجر: حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) أخرجه الترمذي و النسائي، و هو كثير الطرق جدا، و قد استوعبها ابن عقدة في مؤلّف، و أكثر أسانيدها صحيح أو حسن» ثم ذكر الكتّاني أسماء خمس و عشرين من الصحابة ممّن رووه و شهدوا به.

3-. قال العجلوني في كشف الخفاء 2: 245 رقم 2590: «رواه الطبراني و الضياء في المختارة عن زيد بن أرقم و علي و ثلاثين من الصحابة بلفظ: (اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه)، فالحديث متواتر أو مشهور».

4-. قال ابن حمزة الحنفي في البيان و التعريف 3: 235: «أخرجه الإمام أحمد و مسلم عن البراء ابن عازب، و أخرجه أحمد عن بريدة، و أخرجه الترمذي و النسائي و الضياء المقدسي عن زيد، و قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات، و قال في موضع آخر: رجاله رجال الصحيح، و قال السيوطي:

حديث متواتر».

5-. قال ابن درويش الشافعي المعروف بالحوت في كتابه أسنى المطالب: 285: «رواه أصحاب السنن غير أبي داود، و رواه أحمد و صحّحه، و روي بلفظ (من كنت وليّه فعلي وليّه) رواه أحمد و النسائي و الحاكم و صحّحه».

6-. عقد الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 128 بابا بعنوان «قوله صلّى اللّه عليه و اله: من كنت مولاه فعلي مولاه» أورد فيه أكثر من ثلاثين حديثا من طرق الحفّاظ و الأئمة.

7-. قال ابن حجر في الصواعق 1: 107: «رواه ثلاثون صحابيا و شهدوا به لعلي لمّا نوزع أيام خلافته، و

كثير من أسانيدها صحاح و حسان، و لا التفات لمن قدح في صحّته».

8-. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 5: 415: «الحديث ثابت بلا ريب»، و قال في 8: 335: «هذا حديث حسن عال جدا و متنه متواتر»، و في 19: 328 نقل كلام الغزالي قول عمر لعلي: بخ بخ أصبحت مولى كلّ مؤمن و مؤمنة، قال أبو حامد: «هذا تسليم و رضى، ثم بعد هذا غلب-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:102

و عن بريدة رضى اللّه عنه:

أنّه مرّ على مجلس و هم يتناولون من علي رضي اللّه تعالى عنه- يعني يسبّونه-

______________________________

- الهوى و حبّ الرئاسة ...» إلى آخر كلام الغزالي فراجعه.

فالحديث من جهة السند و الصدور مقطوع به و متواتر كما تقدّم، و لو تتبّعنا كلمات الحفّاظ و العلماء لطال بنا المقام، و ما نقلناه من عباراتهم كاف في إثبات تواتره بأعلى المراتب.

و أمّا الاستدلال بالحديث على الخلافة و الرئاسة العامّة بعد النبي صلّى اللّه عليه و اله:

1- احتجاج امير المؤمنين و مناشدته الناس في الرحبة- كما تقدّم في خبر أبي الطفيل و غيره من أخبار المناشدة- و أجابه و صدّقه على ذلك ثلاثون من الصحابة على ما ذكره الكتّاني و أحمد و ابن حجر كما تقدّم، و في رواية: «منهم اثنا عشر بدريّا» و لم يعترض منهم أحد، و الكلّ فهم من (المولى و مولاه) أنّه هو (الأولى)، و هو في مقام الانتصار لدعوته، فيكون علي عليه السّلام هو الأولى بالمسلمين بعد النبي مطلقا، و منها الحاكمية و السلطة و الرئاسة، و لو كان معنى (مولاه) يعطي معنى غير ذلك لما احتجّ به أمير المؤمنين و ناشد الناس بهذا الحديث.

2- إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه

و اله فعل ذلك عند رجوعه من حجّة الوداع، فمنع الألوف من المسير، و حبسهم في تلك الرمضاء و في ذلك الهجير، ثم خطبهم و نعى إليهم نفسه، و أشهدهم «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: بلى، فقال صلّى اللّه عليه و اله: «ألا فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه»، فهل كان النبي صلّى اللّه عليه و اله يريد أن يقول لهم في ذلك الوقت العصيب و الجمع الغفير: إنّ عليا هو صديق للمؤمنين، أم أراد أن يبلّغ أمرا أخطر من ذلك بكثير؟

3- و ما ذهب إليه البعض من أنّ معناه: أنّه أولى بالخلافة حين تعقد له، فهي مآلية و ليست حالية (كما في الصواعق لابن حجر 1: 110) إنّما هو تكلّف في التأويل لوجود قرائن حالية و مقالية و عقلية- كما تقدّم- تدلّ على أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله كان بصدد بيان أمر عظيم ذا أهميّة بين المسلمين.

ثم لو سلّمنا أنّها- الخلافة- لا تكون حالية لوجود النبي صلّى اللّه عليه و اله، فلا محيص من أنّها تكون بعد وفاته و بلا فصل، بناء على أنّ حمل اللفظ عند تعذّر الحقيقة يكون على أقرب المجازات، و هذه قاعدة مقرّرة و مسلّمة عندهم بلا ريب. و من أراد الاطّلاع على المزيد حول دلالات الحديث، فليراجع المفصّلات و المطوّلات، أمثال: الغدير للعلّامة الأميني، و المراجعات للعلّامة شرف الدين، و دلائل الصدق للعلّامة المظفّر، و نفحات الأزهار للسيد الميلاني، و العبقات للسيد حامد اللكهنوي، فإنّ فيها بغية الباحث.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:103

فوقف عليهم فقال: إنّه قد كان في نفسي على علي شي ء، و كان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في سريّة عليها علي، و أصبنا سبيا، قال: فأخذ علي جارية من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك، قال: فلمّا قدمنا على النبي صلّى اللّه عليه و اله جعلت أحدّثه بما كان، ثم قلت: إنّ عليا أخذ جارية من الخمس، قال:

و كنت رجلا مكبابا، قال: فرفعت رأسي فإذا وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قد تغيّر به، فقال:

«من كنت مولاه فعلي مولاه» «1».

و هذا الحديث يعرف بحديث الموالاة «2»، و فيه فضل ظاهر للإمام علي رضي اللّه تعالى عنه، و أنّه مولى كلّ مؤمن، بمعنى: من كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله وليّه و ناصره و سيده و حبيبه ...

فعلي كذلك في حياته و بعد موته، و ذلك لمزيد علمه، و صفاء سريرته، و حسن سيرته.

و لا يستقيم حمل الموالاة على الإمامة و التصرّف في شؤون الأمّة؛ لمخالفة ذلك للواقع، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله لا يخبر بما يخالف الواقع «3».

______________________________

(1). مسند أحمد 5: 350 و 358، مجمع الزوائد 9: 128، السنن الكبرى للنسائي 5: 130، كنز العمال 13: 135، تاريخ دمشق 42: 192، و الجميع بلفظ «من كنت وليّه فعليّ وليّه»، و أكثر المصادر بلفظ «فإذا بوجه رسول اللّه قد احمرّ». و المكباب: أي كثير النظر إلى الأرض.

و هذا غير حديث الغدير، و غير حديث سريّة اليمن لمّا بعث النبي صلّى اللّه عليه و اله عليا إلى اليمن سنة ثمان، و فيها أرجف المنافقون و شكوه إلى النبي صلّى اللّه عليه و اله بعد رجوعهم، فأنكر عليهم النبي صلّى اللّه عليه و اله أشدّ الإنكار حتّى أبصروا الغضب في وجهه،

و قال لهم: «ما بال أقوام ينتقصون عليا؟! من أبغض عليا فقد أبغضني، و من فارق عليا فقد فارقني، إنّ عليا منّي و أنا منه ... و إنّه وليّكم بعدي» أخرجه في المعجم الأوسط 7: 49، و مجمع الزوائد 9: 172، و كشف الأستار 3: 199.

(2). هامش من المصنّف: «قال ابن حجر: حديث كثير الطرق جدا، و قال الذهبي في تذكرة الحفّاظ:

له طرق جيّدة، و قال السيوطي: متواتر، و قوله صلّى اللّه عليه و اله: «اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه» ورد من طرق صحيحة، و بهذا يعرف غلط القاضي أبي بكر ابن العربي حيث قال في العارضة: حديث ضعيف مطعون فيه، و وافقه على ذلك بعض كبار النواصب» انتهى.

(3). هذا من أعجب ما سمعناه! فها هو النبي صلّى اللّه عليه و اله قد أخبر بحرمة الزنا و شرب الخمر و حرمة التبرّج، ثم استحلّ الناس ذلك من بعده.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:104

و للزومه الطعن في كلّ الصحابة و خاصّة أكابر المهاجرين و الأنصار و تضليلهم؛ لكونهم قدّموا الخلفاء الثلاثة على الإمام علي رضي اللّه تعالى عنه «1».

فالواجب حمله على المحبّة و النصر و ولاء الإسلام، و يؤيّد ذلك هذا الشطر الأخير: «اللّهم وال من والاه» إلى آخره، و في ذلك إشارة واضحة إلى عداوة اللّه عزّ و جلّ لمن عاداه، و ولاية اللّه تعالى لمن والاه و أحبّه، فكلّ من عاداه لغير اللّه، و بغير حجّة من اللّه كان عدّوا للّه عزّ و جلّ.

علي أحبّ الخلق إلى اللّه و إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله

عن أنس رضى اللّه عنه قال:

كان عند النبي صلّى اللّه عليه و اله طير، فقال: «اللّهم إيتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير» فجاء علي فأكل معه «2».

______________________________

(1).

لكنّ النصوص الدالّة على الخلافة و الإمامة و الرئاسة؛ كحديث الغدير و الدار و المنزلة و من كنت مولاه و تبليغ براءة ... لا تقبل التأويل، خصوصا بعد تأييدها بالقرائن و بالسنن الصحيحة الدالّة على ذلك.

(2). و حديث الطير أو الطائر المشويّ من الأحاديث الصحيحة الثابتة بطرق كثيرة فاقت حدّ التواتر، حتّى أفرده الحفّاظ بالتأليف و التصنيف لكثرة طرقه؛ كالحافظ ابن مردويه و الحاكم النيسابوري و الحافظ ابن حمدان و الحسين بن مهرة المعروف بالحدّاد و أبي نعيم الإصبهاني و الحافظ الذهبي و ابن جرير الطبري و آخرين.

قال ابن كثير في البداية و النهاية 7: 387: «و هذا الحديث قد صنّف الناس فيه و له طرق متعدّدة»، و قال في 11: 167: «جمع ابن جرير الطبري كتابا فيه طرق حديث الطير».

و قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 19: 306 في ترجمة الحدّاد: «الإمام الحسن بن مهرة له تأليف في حديث الطير» و قال في ترجمة الحافظ أبي طاهر ابن حمدان: «له مصنّف في طرق حديث الطير» (سير أعلام النبلاء 17: 663 و تذكرة الحفّاظ 3: 1112) و قال أيضا: «و أمّا حديث-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:105

و عن النعمان بن بشير رضى اللّه عنه قال:

استأذن أبو بكر على النبي صلّى اللّه عليه و اله، فسمع صوت عائشة و هي تقول: لقد علمت أنّ

______________________________

- الطير فله طرق كثيرة جدّا قد أفردتها بمصنّف، و مجموعها يوجب أن يكون الحديث له أصل» (تذكرة الحفّاظ 3: 1042).

و أخرجه الحافظ ابن عساكر من أربعين طريقا في تاريخ دمشق 42: 245 و ما بعده.

و قال الحافظ القندوزي في الينابيع 1: 176: «و قد روى أربعة و عشرون حديث الطير عن أنس، منهم سعيد

بن المسّيب و السدّي و إسماعيل، و لابن المغازلي حديث الطير من عشرين طريقا».

و الكنجي الشافعي في كفاية الطالب: 144 أحصى 86 رجلا كلّهم رووه عن أنس.

و قال الحافظ الخوارزمي في المناقب: 46: «أخرجه ابن مردويه بمائة و عشرين إسنادا».

و قال الحاكم في المستدرك 3: 141 «رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفسا، و صحّت الرواية عن علي و أبي سعيد الخدري و سفينة» ثم ذكر له شواهد أخر في المستدرك.

و أمّا مصادره في الكتب و المتون و المسانيد فكثيرة جدا، و هذا بعض منها:

مسند أحمد 3: 197، الجامع الصحيح للترمذي 5: 636، مسند أبي يعلى 7: 105، السنن الكبرى للنسائي 5: 107 و فيه: «فجاء أبو بكر فردّه ثم جاء عمر فردّه و جاء علي فأذن له»، مجمع الزوائد 9: 167 من سبعة طرق، و قال: «رواه البزّار و الطبراني باختصار، و رجال الطبراني رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة و هو ثقة»، المعجم الكبير 1: 253 و 7: 82، المعجم الأوسط 2: 443 و 6: 413 و 7: 288 و 8: 225 و 10: 171، جامع الأصول 8: 653 رقم 6494، أسد الغابة 4: 105، الرياض النضرة 3: 99 من أربع طرق، ذخائر العقبى 1: 116، مصابيح السنّة 4: 173، سبل الهدى 7: 191 و قال: «رواه الترمذي و الحاكم و صحّحه و ابن السني و أبو نعيم»، نظم درر السمطين:

101، ينابيع المودّة 1: 176 و 2: 150 و قال: «أخرجه الترمذي و الجزلي و البغوي في المصابيح»، أخبار أبي نعيم 1: 20، كنز العمال 13: 116، تذكرة الحفّاظ 3: 966 و 1032، مستدرك الحاكم 3: 141، تاريخ دمشق 42: 245 من أربعين

طريقا، تاريخ بغداد 3: 171، أمالي المحاملي: 443، خصائص النسائي: 51، كفاية الطالب: 144، كشف الأستار عن زوائد البزّار 3: 193، مختصر زوائد البزّار 2: 316 و شهد له بكثرة الطرق و قال: «قال البزّار: روي عن أنس من وجوه»، فتح الملك العلي: 161 و ذكر كلام الذهبي المتقدّم، و غير ذلك من المصادر و هي كثيرة.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:106

عليا أحبّ إليك من أبي، مرّتين أو ثلاثا، قال: فاستأذن أبو بكر فدخل فأهوى إليها، فقال: يا بنت فلانة، لا أسمعك ترفعين صوتك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله «1».

و الحديثان ظاهر هما يدلّ على أنّ الإمام عليا رضي اللّه تعالى عنه أحبّ إلى اللّه و إلى رسوله صلّى اللّه عليه و اله، و لا مانع يمنع من ذلك، فإنّ فضل اللّه يؤتيه من يشاء.

غير أنّه يعارضه حديث عمرو بن العاص: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة، فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر بن الخطّاب، فعدّ رجالا «2».

______________________________

(1). مسند أحمد 4: 275، السنن الكبرى للنسائي 5: 139، سبل الهدى 11: 149 و فيه: قام إليها ليلطمها، مجمع الزوائد 9: 170، مختصر زوائد البزّار 2: 317، البداية و النهاية 6: 52 إلّا أنّه ليس فيه عبارة: «إنّ عليا أحبّ إليك من أبي».

(2). مسند أحمد 4: 203، المعجم الكبير 23: 44.

هذه الرواية ضعيفة، ففي طريقها خالد الحذّاء، و قد أورده العقيلي في الضعفاء 2: 4 رقم 402 و قال: «ضعّف ابن عليّة أمره». و قال الذهبي في المغني في الضعفاء 1: 206: «كان ابن أبي حاتم يقول:

لا أحتجّ بحديثه». و ذمّه ابن معين في التاريخ 1: 105 رقم 597.

و في بعض طرقها: قيس بن أبي حازم، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 11: 53: «عن علي بن المديني: أنّ قيس لا يعمل عليه، إنّما كان أعرابيا بوّالا على عقبيه، و كان يحيى بن معين يقول:

منكر الحديث». و في شرح النهج 4: 101 قال: «روى وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس أنّه كان يبغض عليا و يقول: أبغضته و دخل بغضه في قلبي!».

و أمّا من جهة دلالته فقد اتّفقت كلمة الأعلام على أنّ فاطمة أفضل نساء الدنيا، و أحبّ الناس لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، قال الزرقاني في شرح المواهب 2: 357: «الزهراء البتول أفضل نساء الدنيا حتّى مريم كما اختاره المقريزي و الزركشي و القطب الخيضري و السيوطي في كتابيه شرح النقاية و شرح جمع الجوامع»، و في سبل الهدى 10: 328: «قال أبو بكر بن داود: لا أعدل ببضعة رسول اللّه أحدا».

و صرّح جمع من الأعلام بأفضلية خديجة على عائشة، كالسهيلي و القرطبي و المناوي-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:107

و لذلك كان الجمع بينهما واجبا، و قد حمل بعضهم حديث النعمان على أنّ عليا أحبّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من أهل البيت، و حديث ابن العاص على العموم.

و مع هذا و ذاك فليس في الحديث غضاضة، و لا حطّ من قدر الشيخين و لا غيرهما، فإنّ لكلّ فضيلة و خصيصة خصّه اللّه تعالى بها.

حبّ عليّ حبّ لرسول اللّه و بغضه بغض له صلّى اللّه عليه و اله

عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها قالت:

أشهد أنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «من أحبّ عليا فقد أحبّني، و من أحبّني فقد أحبّ اللّه، و من

أبغض عليا فقد أبغضني، و من أبغضني فقد أبغض اللّه» «1».

و للحديث شاهد عن سلمان رضى اللّه عنه أنّه قيل له: ما أشدّ حبّك لعلي! قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «من أحبّ عليا فقد أحبّني، و من أبغض عليا فقد أبغضني» «2».

إنّها لفضيلة أيّ فضيلة! فأنّى لأحد أن يدركها بهذا التنصيص الخاصّ! فيالها من خصيصة لأبي الحسن رضي اللّه تعالى عنه!

______________________________

- و السبكي و غيرهم، قال ابن حجر في فتح الباري 7: 519: «و عن ابن العربي: لا خلاف في أنّ خديجة أفضل من عائشة»، و قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 2: 140: «جزمت بأفضلية خديجة على عائشة»، و قد دلّت على جميع ذلك الروايات الصحيحة، و بعض منها متواتر المعنى كحديث «خير نساء العالمين أربع» أو «سيّدات نساء أهل الجنّة أربع» أو «لم يكمل من النساء إلّا أربع» و هنّ: فاطمة و خديجة و مريم و آسية.

فرواية عمرو بن العاص ضعيفة سندا و متنا، و لا يعارض ما تقدّم من حديث النعمان و حديث الطير المتواتر، مع أنّ خبر الواحد لا يعارض المتواتر، و لا الصحيح الذي كثرت طرقه و شواهده.

(1). المعجم الكبير 23: 380، الاستيعاب 3: 204، سبل الهدى 11: 293، كنز العمال 11: 622، ينابيع المودّة 2: 155، مجمع الزوائد 9: 180 و قال: «رواه الطبراني و إسناده حسن»، و مثله في 9: 177 عن أبي رافع و 180 عن ابن عباس.

(2). مستدرك الحاكم 3: 141 و صحّحه و وافقه الذهبي، المعجم الصغير 2: 897، فيض القدير 6: 32، مناقب الخوارزمي: 70.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:108

و قد جاء في المغازي من صحيح البخاري عن بريدة رضى اللّه

عنه قال:

بعث النبي صلّى اللّه عليه و اله عليا إلى خالد ليقبض الخمس، و كنت أبغض عليا، و قد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلمّا قدمنا على النبي صلّى اللّه عليه و اله ذكرت له، فقال: «يا بريدة أتبغض عليا»؟ فقلت: نعم، قال: «لا تبغضه، فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك» «1» ...

و قد مرّ من طريق آخر و بسياق آخر ...

ففي هذا الحديث النهي عن بغض علي رضي اللّه تعالى عنه، و لذلك جاء في رواية أخرى عن بريدة: فما كان أحد من الناس أحبّ إليّ من علي «2».

طاعة عليّ طاعة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عصيانه عصيان له

و هذه فضيلة أخرى لا تقلّ فخرا عن سابقتها، حيث جعلت طاعة علي طاعة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عصيانه عصيانا له.

فعن أبي ذرّ رضى اللّه عنه قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «من أطاعني فقد أطاع اللّه، و من عصاني فقد عصى اللّه، و من أطاع عليا فقد أطاعني، و من عصى عليا فقد عصاني» «3».

إذاية عليّ إذاية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله

و عن سعد بن أبي وقّاص رضى اللّه عنه قال:

كنت جالسا في المسجد أنا و رجلان معي فنلنا من علي- أي سببناه- فأقبل

______________________________

(1). صحيح البخاري 4: 1581، الجامع الصحيح للترمذي 5: 638، و قريب منه مسند أحمد 5: 359، تاريخ دمشق 42: 195، السنن الكبرى للنسائي 6: 342، سبل الهدى 6: 236، البداية و النهاية 7: 380.

(2). مسند أحمد 5: 351، مجمع الزوائد 9: 172، السيرة النبوية 4: 202، السنن الكبرى للنسائي 5: 136.

(3). مستدرك الحاكم 3: 139 و صحّحه و وافقه الذهبي، كشف الأستار عن زوائد البزّار 3: 201، مختصر زوائد البزّار 2: 319، كنز العمال 11: 614.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:109

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوّذت باللّه من غضبه، فقال: «ما لكم ولي؟ من آذى عليا فقد آذاني» «1».

و هذه أيضا، فالإساءة إلى علي بأيّ نوع كان ممّا يوجب إذايته، كان ذلك إذاية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و في ذلك من غضب اللّه ما لا يخفى ... و كفاه بذلك فضلا و رتبة عند اللّه و عند رسوله صلّى اللّه عليه و اله.

الإمام علي مغفور له

عن علي رضي اللّه تعالى عنه قال:

قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «يا علي! ألا أعلّمك كلمات إذا قلتهنّ غفر لك، مع أنّه مغفور لك: لا إله إلّا اللّه العلي العظيم، لا إله إلّا اللّه الحليم الكريم، سبحان اللّه ربّ السماوات السبع و ربّ العرش العظيم، و الحمد للّه ربّ العالمين» «2».

و هذه منقبة عظيمة، و بشارة عادلة صادقة من حضرة النبي صلّى اللّه عليه و اله للإمام علي عليه السّلام بأنّه مغفور له، و لا شكّ في

ذلك، فإنّه من بيت النبوة، و من أهل بدر الذين قال فيهم نبي الإسلام صلّى اللّه عليه و اله: «إنّ اللّه اطّلع على أهل بدر فقال: إصنعوا ما شئتم فقد غفرت لكم» «3».

______________________________

(1). مسند أبي يعلى 2: 109 رقم 770، مجمع الزوائد 9: 175 و قال: «رواه أبو يعلى و البزّار باختصار، و رجال أبي يعلى رجال الصحيح»، تاريخ دمشق 42: 204، البداية و النهاية 7: 383، مناقب الخوارزمي: 149.

(2). الجامع الصحيح للترمذي 5: 529، مستدرك الحاكم 3: 149 و صحّحه و وافقه الذهبي، مسند أحمد 1: 92، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 55، السنن الكبرى للنسائي 4: 397 و 6: 164، صحيح ابن حبّان 15: 372، المعجم الصغير 1: 127، كنز العمال 1: 478، و جميع المصادر بتقديم «الحليم الكريم» على «العلي العظيم» عدا كنز العمال.

(3). هذا طرف من حديث طويل في صحيح البخاري 4: 1463 و 1855، و مسند أحمد 1: 80.-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:110

ثم هو من أهل بيعة الرضوان المبشّرين بالجنّة و المرضيّ عنهم، فهنيئا له هذه البشارات، فأين يجد أعداؤه و الحاقدون عليه من النواصب و أشياعهم؟

علي ممّن مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو عنه راض

و الإمام علي رضي اللّه تعالى عنه من الستّة أهل الشورى الذين قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو عنهم راض غير ساخط ...

ففي المناقب من صحيح البخاري في قصّة قتل عمر و بيعة عثمان، قالوا له: أوص يا أمير المؤمنين استخلف، قال: ما أجد أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط، الذين توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو عنهم راض، فسمّى عليا، و عثمان و الزبير و طلحة و سعدا و عبد الرحمان بن عوف،

الحديث.

و رواه أيضا في الجنائز، و في الجهاد و في التفسير مطوّلا «1».

______________________________

- و فيه نظر من جهة الدلالة، و لذا حار في تخريجه شرّاح البخاري، و منهم ابن حجر في فتح الباري 8: 37 فقد ذكر هناك وجوها لتوضيحه، و جميعها لا تخلو من نظر:

قال: إنّه إخبار عن الماضي: أي كلّ عمل كان منكم فهو مغفور، و فيه: أنّه ليس فيه كثير مزيّة، بل حاله حال الإسلام يجّب ما قبله.

و قال أيضا: معناه: إنّ ذنوبهم تقع مغفورة، و فيه: أنّه أسوأ الاحتمالات، لأنّ بعض الصحابة من البدريّين اشتركوا في قضية الإفك على زوجة النبي صلّى اللّه عليه و اله و حدّهم النبي لذلك، ففي الإصابة لابن حجر 6: 74 قال: «إنّ النبي جلد الذين قذفوا عائشة و عدّه منهم» و انظر الطبقات الكبرى 8: 128، أفهل يحدّ النبي رجلا على ذنب مغفور؟!

و قال أيضا: إنّه بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم، و فيه: أنّه قول بالعصمة.

هذا فضلا عن التشكيك في ألفاظ الحديث من الراوي، و هو سفيان بن عيينة الذي يرويه عن عمرو بن دينار، قال في مسند الحميدي 1: 28: «قال سفيان: فلا أدري أذلك في الحديث أم قولا من عمرو بن دينار» و هذا التشكيك في ألفاظ الحديث من الراوي يقدح في حجيّته كما هو معروف.

(1). صحيح البخاري 3: 1355، مسند أحمد 1: 15 و فيه: «قال عمر: إنّ اللّه لم يكن ليضيع دينه و أمانته ...».

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:111

الإمام علي أعلم الصحابة و إنّه باب مدينة العلم

و ممّا امتاز به سيدنا علي رضي اللّه تعالى عنه تفوّقه على غيره من الصحابة في العلوم و المعارف و الحكم، شهد له بذلك النبي صلّى اللّه عليه و اله ثم الصحابة و

غيرهم بعده.

فعن معقل بن يسار رضى اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه و اله ضمن حديث طويل قال صلّى اللّه عليه و اله لفاطمة عليها السّلام:

«أو ما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أمّتي سلما، و أكثرهم علما، و أعظمهم حلما» «1».

و عن ابن عباس رضى اللّه عنه قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «أنا مدينة العلم و علي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب» «2».

______________________________

(1). مسند أحمد 5: 26، مجمع الزوائد 9: 123 و 147 قال: «رواه الطبراني و أحمد برجال ثقات»، نظم درر السمطين: 188، كنز العمال 11: 605، سبل الهدى 11: 219.

(2). هامش من المصنّف، قال: «الحديث حسن صحيح، و نظرا للقواعد الحديثية حسّنه جماعة من الحفّاظ كصلاح الدين العلائي، و ابن حجر في الفتاوي و في لسان الميزان، و السيوطي في تاريخ الخلفاء، و السخاوي في المقاصد الحسنة، و المناوي في التيسير، كما صحّحه ابن معين و ابن جرير و السمرقندي و الزركشي و السيوطي في الجامع الكبير، و قال الشوكاني في الفوائد المجموعة: «إنّه من قسم الحسن، لا يرقى إلى الصحّة، و لا ينحطّ إلى الكذب، أمّا ابن الجوزي فذكره في الموضوعات، و للحافظ الشريف سيدي أحمد بن الصدّيق رحمه اللّه كتاب في تصحيحه أجاد فيه و أفاد».

هذا و قد رواه جماعة كثيرة، و صحّحه بعض و حسّنه آخرون، منهم:

العجلوني في كشف الخفاء 1: 184 و قال: «عن أبي سعيد العلائي قال: و الصواب أنّه حسن باعتبار تعدّد طرقه، و كذا قال الحافظ ابن حجر في فتاويه، و قال ابن حجر في شرح الهمزية: إنّه حسن، و قال في الفتاوى الحديثية: رواه جماعة و صحّحه الحاكم، و حسّنه الحافظان

العلائي و ابن حجر».

و قال المناوي في فيض القدير 3: 46: «أفتى بحسنه ابن حجر، و تبعه البخاري فقال: هو حديث حسن» و قال أيضا: «إنّ بابها هو علي، فمن أخذ طريقه دخل المدينة، و من أخطأه أخطأ طريق-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:112

و الواقع يؤيّد معنى هذا الحديث، فقد كان رضي اللّه تعالى عنه موفّقا مهديا، صادق اللهجة، ثابت اللسان.

كما شهد له بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حينما بعثه إلى اليمن، فقال: تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث و لا علم لي بالقضاء، قال: «إنّ اللّه سيهدي لسانك، و يثبّت قلبك» قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد.

و في رواية: فوضع يده على صدري و قال: «اللّهم ثبّت لسانه و اهد قلبه» «1».

______________________________

- الهدى، و قد شهد له بالأعلمية الموافق و المخالف، و المعادي و المحالف، و قد علم الأوّلون و الآخرون أنّ علم كتاب اللّه منحصر الى علي، و من جهل ذلك فقد ضلّ».

و رواه الحاكم في المستدرك 3: 137 من عدّة طرق و صحّحها جميعا، و رواه الحسكاني في شواهد التنزيل 1: 104 من عدّة طرق، و في سبل الهدى 1: 509 قال: «روى الترمذي مرفوعا و غيره «أنا مدينة العلم و علي بابها»، و الصواب أنّه حسن كما قال الحافظان العلائي و ابن حجر»، و حسّنه العلّامة الفتني في التذكرة: 95، و في تاريخ دمشق 42: من عدّة طرق من صفحة 377 إلى 383، و رواه في تاريخ بغداد 3: 181 و 5: 110، و ينابيع المودّة 1: 220 عن الأصبغ، و من طريق آخر عن حذيفة بن اليمان و في 2: 91 قال: «للعقيلي و ابن عدي و

الطبراني في الكبير و الحاكم عن ابن عباس، و رواه ابن عدي و الحاكم عن جابر» و في 2: 302 عن جابر و أنس و ابن مسعود، و في 2: 392 قال: «أخرجه البزّار و الطبراني في الأوسط عن جابر، و الطبراني و الحاكم و العقيلي عن ابن عمر». و في تهذيب الكمال 18: 77 قال: «قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال: هو صحيح»، المعجم الكبير 11: 55، مناقب الخوارزمي: 83، كنز العمال 13: 148، الجامع الصغير 1: 314.

و للعلّامة المحدّث أحمد بن الصدّيق الغماري كتاب أسماه «فتح الملك العليّ بصحّة مدينة العلم علي» أثبت فيه صحّة الحديث و استوعب أكثر طرقه، و هو بحث قيّم في تصحيح سنده و طرقه و رجاله، و فيه الكثير من الفوائد العلمية القيّمة.

كما و للعلّامة السيد العلوي المالكي كتاب مماثل أسماه: «دفع الارتياب عن حديث الباب» أثبت فيه أيضا صحّة الحديث، و صحّة كثير من طرقه.

(1). سنن أبي داود 2: 551 باب كيفية القضاء، مسند أحمد 1: 83، مستدرك الحاكم 3: 146-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:113

قال سيدنا عمر: أقرأنا أبيّ، و أقضانا علي «1».

و ورد عنه كلام كثير في علم علي:

* كقوله: أعوذ باللّه من معضلة ليس لها أبو الحسن «2».

* و قوله: لولا علي لهلك عمر «3».

* و قوله: لا يفتينّ أحد في المسجد و علي حاضر «4».

* و قوله: كاد يهلك عمر بن الخطاب لولا علي بن أبي طالب «5».

* و قوله: ردّوا قول عمر إلى علي، لولا علي لهلك عمر «6».

* و قوله: الّلهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب «7».

* و قوله: الّلهم لا تنزل بي شديدة إلّا و

أبو الحسن إلى جنبي «8».

* و قوله: عجزت النساء أن تلدن مثل علي بن أبي طالب «9».

______________________________

- و صحّحه، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 13، السنن الكبرى للبيهقي 10: 86، مسند أبي يعلى 1: 323، السنن الكبرى للنسائي 5: 116، أسد الغابة 4: 95، تاريخ دمشق 42: 388، مغني المحتاج 4: 372 و قال: «صحيح الإسناد»، كنز العمال 13: 113، كشف الخفاء 1: 148 آخر باب الهمزة مع القاف، سبل الهدى 10: 26 و قال: «رواه الحاكم و صحّحه»، الرياض النضرة 3: 144.

(1). المعجم الأوسط 8: 351، كشف الخفاء 1: 147، الرياض النضرة 3: 143، تهذيب الكمال 20: 485، سير أعلام النبلاء 1: 391.

(2). الإصابة 4: 468، تهذيب الكمال 20: 485، أسد الغابة 4: 96، تاريخ دمشق 42: 406، كنز العمال 10: 300.

(3). الرياض النضرة 3: 139، ذخائر العقبى: 149، نظم درر السمطين: 130، فيض القدير 4: 357، تذكرة الخواصّ: 137، مناقب الخوارزمي: 81، ينابيع المودّة 1: 216 و 3: 147.

(4). شرح النهج 1: 18 و قال: و عرف من هذا الوجه انتهاء الفقه إليه.

(5). كفاية الطالب: 219 الباب 57 و قال: «كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي».

(6). لم نعثر على نصّه، و لكن من شواهده القريبة جامع بيان العلم 2: 920، السنن الكبرى للبيهقي 7: 441.

(7). الرياض النضرة 3: 139، ذخائر العقبى: 149، نظم درر السمطين: 132، مناقب الخوارزمي: 97.

(8). الرياض النضرة 3: 139، ذخائر العقبى: 149، كنز العمال 5: 257، نظم درر السمطين: 130.

(9). مناقب الخوارزمي: 81، ينابيع المودّة 1: 227 و 3: 146.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:114

عن ابن عباس رضى اللّه عنه قال:

أتي عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار فيها أناسا، فأمر بها عمر

أن ترجم، فمرّ علي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم، قال: فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه، فقال: يا أمير المؤمنين، أما علمت أنّ القلم رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتّى يبرأ، و عن النائم حتّى يستيقظ، و عن الصبيّ حتّى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شي ء، قال: فأرسلها، قال: فأرسلها، قال: فجعل يكبّر «1».

فلولا سيدنا علي وفقهه لذهبت المجنونة المسكينة ضحيّة خطأ، و لذلك كبّر سيدنا عمر رضى اللّه عنه.

و من قضاياه الدالّة على وفور علمه: ما جاء عن أبي عبد الرحمان السلمي قال:

أتي عمر بن الخطاب بامرأة جهدها العطش فمرّت على راع فاستسقت، فأبى أن يسقيها إلّا أن تمكّنه من نفسها، ففعلت، فشاور الناس في رجمها، فقال علي: هذه مضطرّة، أرى أن تخلّي سبيلها، ففعل «2».

و قال ابن عباس رضى اللّه عنه: كنّا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به «3».

و قالت عائشة رضى اللّه عنه: أما إنّه أعلم الناس بالسنّة «4».

______________________________

(1). الشرح الكبير لابن قدامة 10: 119، فتح الباري 14: 80، سنن أبي داود: 665، سبل الهدى 9: 198.

(2). الشرح الكبير لابن قدامة 10: 185، مغني المحتاج 4: 145، السنن الكبرى للبيهقي 8: 236، إرواء الغليل 7: 341 و قال: «صحيح أخرجه البيهقي».

(3). الإصابة 4: 467، أسد الغابة 4: 96، الاستيعاب 3: 207، تهذيب الكمال 20: 486، تهذيب التهذيب 7: 287، فتح الملك العلي: 73.

(4). التاريخ الكبير للبخاري 2: 255 رقم 2377 و 3: 228 رقم 767، تاريخ دمشق 42: 408، نظم-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:115

و قال ابن مسعود رضى اللّه عنه: كنّا نتحدّث

أنّ أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب «1».

و عن عمرو بن حبشي قال: خطبنا الحسن بن علي رضي اللّه تعالى عنهما بعد قتل علي، فقال: «لقد فارقكم رجل بالأمس، ما سبقه الأوّلون بعلم و لا الآخرون ...» «2». الأنوار الباهرة، التليدي 115 الإمام علي أعلم الصحابة و إنه باب مدينة العلم ..... ص : 111

قال سعيد بن المسيّب: ما كان أحد بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أعلم من علي بن أبي طالب. رواه الدولابي في الأسماء و الكنى «3».

و سئل عطاء بن أبي رباح: أكان في أصحاب محمد صلّى اللّه عليه و اله أحد أعلم من علي بن أبي طالب؟ قال: لا و اللّه، ما أعلمه «4». رواه ابن أبي خيثمة.

قال ابن الأثير في «أسد الغابة» بعد أن أورد كثيرا ممّا ذكرناه في علم علي رضي اللّه تعالى عنه: و لو ذكرنا ما سأله الصحابة مثل عمر و غيره رضي اللّه تعالى عنهم لأطلنا «5».

______________________________

- درر السمطين: 133، مناقب الخوارزمي: 91، ينابيع المودّة 2: 171، الجوهرة للبري: 72، فتح الملك العلي: 73.

(1). مستدرك الحاكم 3: 145 و صحّحه، أسد الغابة 4: 95، ينابيع المودّة 2: 405، فتح الملك العلي:

72، كشف الخفاء 1: 148، الطبقات الكبرى 2: 338، تاريخ دمشق 42: 404 و ذكر له شواهد كثيرة و بطرق متعدّدة مثل: «كنّا بالمدينة و أقضانا علي» و «أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب» و «أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب» و «أفرض أهل المدينة و أقضاها علي بن أبي طالب»، و غير ذلك مما يدلّ على أنّه أعلم الصحابة بلا منازع.

(2). مسند أحمد 1: 199، مصنّف ابن أبي شيبة

7: 502، البداية و النهاية 7: 368، تاريخ دمشق 42: 578، المعجم الكبير 3: 80، نظم درر السمطين: 147.

(3). الكنى و الأسماء 1: 197، الاستيعاب 3: 206، فتح الملك العلي: 78.

(4). الاستيعاب 3: 206، أسد الغابة 4: 95، تاريخ دمشق 42: 410، فيض القدير 3: 47 ذكره في شرح حديث «أنا مدينة العلم و عليّ بابها»، شواهد التنزيل 1: 49.

(5). أسد الغابة 4: 96.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:116

أنّ الحقّ مع علي و إنّه كان مصيبا في حروبه للبغاة و الخوارج

و من مناقبه العظيمة أنّ الحقّ كان حليفه في جميع تصرّفاته، و أنّ مقاتليه كانوا بغاة معتدين عليه، و أنّه كان مصيبا في جميع حروبه، سواء وقعة الجمل أو صفّين أو النهروان، و أنّ الحقّ دائما كان في جانبه.

فعن أبي ذرّ رضى اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لعلي: «يا علي، من فارقني فارق اللّه، و من فارقك فارقني» «1».

و معنى هذا: أنّ من فارق الإمام عليا و لم ينصره، و لم يكن في صفّه و حاربه، فكأنّه فارق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و خذله و حاربه، و من فعل ذلك فارق اللّه.

و عن أبي سعيد الخدري رضى اللّه عنه قال:

كنّا عند بيت النبي صلّى اللّه عليه و اله في نفر من المهاجرين و الأنصار، فقال: «ألا أخبركم بخياركم؟» قالوا: بلى، قال: «الموفون المطيّبون، إنّ اللّه يحبّ الخفيّ التقيّ».

قال: و مرّ علي بن أبي طالب فقال: «الحقّ مع ذا، الحقّ مع ذا» «2».

______________________________

(1). مستدرك الحاكم 3: 133 و صحّحه، مجمع الزوائد 9: 185 و قال: «رواه البزّار و رجاله ثقات» فيض القدير 4: 357 ذكره في شرح حديث «علي مع القرآن» و قال: «أخرجه البزّار عن أبي ذر» المعجم الكبير

12: 323 عن عمر، كشف الأستار عن زوائد البزّار 3: 201، كنز العمال 11: 614 عن أبي ذرّ و ابن عمر، تاريخ دمشق 42: 307، مناقب الخوارزمي: 105، سبل الهدى 11: 294، ينابيع المودّة 1: 272.

(2). مسند أبي يعلى 2: 318، كنز العمال 11: 621، تاريخ دمشق 42: 499.

و قد وردت أخبار كثيرة في أنّ عليّا مع الحقّ و الحقّ مع علي عليه السّلام، قال في شرح النهج 2: 297:

ثبت عنه صلّى اللّه عليه و اله في الأخبار الصحيحة أنّه قال: «علي مع الحقّ و الحقّ مع علي، يدور معه حيثما دار» و أنظر: مجمع الزوائد 7: 475، تاريخ بغداد 14: 322، تاريخ دمشق 42: 449، ينابيع-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:117

فالحديث صريح في أنّ الحقّ في جانب الإمام علي رضي اللّه تعالى عنه.

حروب الإمام علي التي كان محقّا فيها أنواع ثلاثة

* النوع الأول: وقعة الجمل في حربه مع طلحة و الزبير و عائشة.

* الثاني: في حربه لمعاوية و أهل الشام.

* الثالث: في حربه للخوارج الذين خرجوا من صفّه.

و قد جاءت أحاديث و أخبار تؤذن بحقّيته و صوابه رضي اللّه تعالى عنه في كلّ ذلك «1» و هي من المعجزات النبوية الخالدة.

______________________________

- المودّة 2: 173، البداية و النهاية 7: 398 و قال: «ورد عن أبي سعيد و أم سلمة».

و كذا قوله صلّى اللّه عليه و اله: «علي مع القرآن و القرآن مع علي» فهذا يدلّ على أنّ عليا عليه السّلام مع الحقّ دوما و الحقّ معه دوما، انظر فيض القدير 4: 357، كنز العمال 11: 603، سبل الهدى 11: 297، مناقب الخوارزمي: 177، و غيرها من أحاديث تدلّ على هذا المعنى.

(1). أقول: جاء في الكلّ، الحديث الصحيح «أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و

اله علي بن أبي طالب بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين» عن علي و أبي أيوب و أبي سعيد الخدري و عمّار و غيرهم، مستدرك الحاكم 3: 150، مسند أبي يعلى 1: 397 و 3: 194، مجمع الزوائد 5: 338، المعجم الكبير 4: 172 و 10: 91، كنز العمال 11: 292 و 13: 113، سبل الهدى 10: 150 و 11: 290، البداية و النهاية 7: 338، شرح النهج 1: 201 و قال: هذا الخبر من دلائل نبوّته صلّى اللّه عليه و اله؛ لأنّه إخبار صحيح بالغيب لا يحتمل التمويه و التدليس.

ثم الناكثون هم أصحاب الجمل، سمّاهم النبي صلّى اللّه عليه و اله بذلك لأنّهم نكثوا بيعة أمير المؤمنين و إمام زمانهم و خليفة المسلمين الشرعي، و منه قوله تعالى: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ الفتح: 10، بحجّة الطلب بدم عثمان، و تقدّم أنّهم أول من ألّب الناس و حرّضهم عليه.

و أمّا القاسطون فهم معاوية و أتباعه من أهل الشام و غيرهم، سمّاهم النبي صلّى اللّه عليه و اله لأنّهم قسطوا عن الحقّ و مالوا عنه، و منه قوله تعالى: وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً الجن: 15.-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:118

ففي النوع الأول جاء التالي: عن جري بن سمرة قال:

لمّا كان من أهل البصرة الذي كان بينهم و بين علي بن أبي طالب انطلقت حتّى أتيت المدينة، فأتيت ميمونة بنت الحارث «1»، و هي من بني هلال، فسلّمت عليها، فقالت: ممّن الرجل؟ قلت: من أهل العراق، قالت: من أيّ أهل العراق؟ قلت: من أهل الكوفة، قالت: من أيّ أهل الكوفة؟ قلت: من بني عامر، قالت: مرحبا، قربا على قرب، و رحبا على رحب، ما جاء

بك؟ قلت: كان بين علي و طلحة الذي كان، فأقبلت فبايعت عليا، قالت: فالحق به، فواللّه ما ضلّ و لا ضلّ به، حتّى قالتها ثلاثا «2».

فميمونة أمّ المؤمنين رضي اللّه تعالى عنها لم تقل هذا من عنديّتها، و إنّما قالت ذلك اعتمادا على ما سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

و عن أبي رافع رضى اللّه عنه:

أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال لعلي بن أبي طالب: «إنّه سيكون بينك و بين عائشة أمر»، قال: أنا يا رسول اللّه؟! قال: «نعم»، قال: أنا؟! قال: «نعم» قال: فأنا أشقاهم

______________________________

- و أمّا المارقون فهم الخوارج، سمّاهم النبي صلّى اللّه عليه و اله بذلك لخروجهم عن الإسلام، قال صلّى اللّه عليه و اله:

«يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة» (يأتي كلام عنه)، و لذا حكم العلماء بكفرهم و خروجهم من ملّة الإسلام.

(1). ميمونة بنت الحارث هي زوجة النبي صلّى اللّه عليه و اله و من أمهات المؤمنين، اسمها برّة، و سمّاها النبي صلّى اللّه عليه و اله ميمونة، و هي التي وهبت نفسها للنبي صلّى اللّه عليه و اله (مصنّف ابن أبي شيبة 8: 359، كنز العمال 13: 689) و هي أخت أسماء بنت عميس لأمها، و خالة ابن عباس، تزوّجها النبي صلّى اللّه عليه و اله بعد قدوم جعفر من الحبشة، و توفّيت عام الحرّة سنة ثلاث و ستين، لها روايات عن النبي صلّى اللّه عليه و اله، فلها في مسند ابن راهويه (34) حديثا و في مسند ابن مخلد (76) حديثا، و لها في الصحيحين (13) حديثا اتّفقا على سبعة و انفرد مسلم بخمسة و البخاري بواحد، و أكثر رواياتها في

مسائل الفقه و الحلال و الحرام.

(2). مستدرك الحاكم 3: 152 و صحّحه و وافقه الذهبي، المعجم الكبير 24: 10، مجمع الزوائد 9: 184 و قال: «رواه الطبراني، و رجاله رجال الصحيح، غير جري بن سمرة و هو ثقة».

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:119

يا رسول اللّه؟! قال: «لا، و لكن إذا كان ذلك، فارددها إلى مأمنها» «1».

و هذا الحديث الشريف مع كونه يتضمّن معجزة للنبي صلّى اللّه عليه و اله يشير إلى أمرين اثنين هامّين:

* أحدهما: حقّية الإمام علي و أنّه الأولى بالصواب، و أنّه لم يكن شقيّا في حرب الجمل.

* و ثانيا: خطأ مولاتنا عائشة في اجتهادها، و أنّها لم تخرج بفعلها ذلك عن زوجيّتها لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و أنّها لا تزال موضع احترام و تقدير، و لذلك أمر النبي صلّى اللّه عليه و اله سيّدنا عليا أن يردّها إلى بيتها و محلّ أمنها «2».

و قد جاء في حديث آخر لأم سلمة عنه صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال لعلي: «إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها» «3».

و قد امتثل ما أمره به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فأحسن إليها وردّها إلى المدينة مكرّمة محترمة.

و عن قيس بن أبي حازم قال:

لمّا أقبلت عائشة فنزلت بعض مياه بني عامر نبحت عليها الكلاب، فقالت: أيّ

______________________________

(1). فتح الباري 14: 557، مسند أحمد 6: 393، مجمع الزوائد 7: 474، المعجم الكبير 1: 332، سبل الهدى 10: 149، كنز العمال 11: 196.

(2). ليس في هذا الحديث أيّ دلالة على أنّ خروجها كان عن اجتهاد، كما و الأمر بإرجاعها لا يدلّ على شي ء، فلو كانت غيرها من النساء لأمر النبي صلّى اللّه عليه و اله بذلك،

و لعلّ روايات كلاب الحوأب تؤيّد ذلك.

(3). سنن ابن ماجة 2: 827 و الحديث هو عن أم سلمة: «ذكر النبي صلّى اللّه عليه و اله خروج بعض أمّهات المؤمنين فضحكت عائشة، فقال: انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت، ثم التفت إلى علي فقال:

إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها» مستدرك الحاكم 3: 129 و صحّحه، سبل الهدى 10: 148 و قال: «أخرجه الحاكم و صحّحه، و البيهقي عن أم سلمة»، مناقب الخوارزمي: 176.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:120

ماء هذا؟ قالوا: الحوأب، قالت: ما أظنّني إلّا راجعة، فقال لها بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح اللّه ذات بينهم، فقالت: إنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله قال ذات يوم:

«كيف بإحداكنّ تنبح عليها كلاب الحوأب» «1».

و عن ابن عباس رضى اللّه عنه:

أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال لنسائه: «أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب، تخرج حتّى تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها و عن شمالها قتلى كثيرة، و تنجو بعد ما كادت؟» «2».

فهذه الأحاديث كالنصّ في حقّية علي رضي اللّه تعالى عنه في وقعة الجمل، و أنّه

______________________________

(1). مستدرك الحاكم 3: 130، مجمع الزوائد 7: 474 و قال: «رواه أحمد و أبو يعلى و البزّار، و رجال أحمد رجال الصحيح»، مسند أحمد 6: 52 و 97، فتح الباري 14: 557 و قال: «أخرجه أحمد و أبو يعلى و البزّار و صحّحه ابن حبّان و سنده على شرط الصحة»، مصنّف ابن أبي شيبة 8: 708 و أضاف: «أنّها لمّا حضرتها الوفاة أوصت أن يدفنوها مع أزواج النبي صلّى اللّه عليه و اله و قالت: فإنّي كنت أحدثت بعده حدثا»، مسند ابن راهويه 2: 32 و 3:

891، مسند أبي يعلى 8: 282، صحيح ابن حبّان 15: 126، البداية و النهاية 7: 258 و فيه: «أنّها قالت: أنا و اللّه صاحبة ماء الحوأب»، تذكرة الحفّاظ 1: 61 أخرجه من حديث قيس و قال: «حديثه محتجّ به في كلّ دواوين الاسلام»، سبل الهدى 10: 148، كنز العمال 11: 334، تاريخ اليعقوبي 2: 181، شرح النهج 6: 225، تاريخ ابن خلدون 2: 155، سير أعلام النبلاء 2: 177 و قال: «حديث صحيح الإسناد و لم يخرّجاه» و في 4: 200 قال: «إسناده صحيح».

و الحوأب: موضع ماء من مياه العرب معروف على الطريق بين مكّة و البصرة، نبحت كلابه عائشة في مسيرها إلى البصرة.

(2). فتح الباري 14: 557، مجمع الزوائد 7: 474، مصنّف ابن ابي شيبة 8: 711، مسند ابن راهويه 2: 32، سير أعلام النبلاء 2: 198 و قال: «قال ابن عبد البرّ: هذا الحديث من إعلام النبوة»، سبل الهدى 10: 149 و 151، الفائق في غريب الحديث 1: 353 و فيه: «ليت شعري أيّتكن صاحبة ...»، النهاية 2: 96.

و الجمل الأدبب: الكثير وبر الوجه. و قوله: «تنجو بعد ما كادت» أي: من القتل.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:121

كان مصيبا، و أنّ محاربيه بغاة، لكنّهم كانوا مجتهدين.

و قصدهم الصلح بين المسلمين بدليل حديث أبي هريرة رضى اللّه عنه قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «لا تقوم الساعة حتّى تقتتل فئتان عظيمتان بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة» «1».

فالفئتان هما فئة علي و فئة طلحة و الزبير، و قوله: دعواهما واحدة، أي: كلّ من الطائفتين كان يدّعي أنّ الحقّ في جانبه، فكان ذلك مصدر الاجتهاد، فأصاب علي و أخطأ محاربوه، و غفر لهم خطأهم، و كيف

لا و فيهم طلحة و الزبير من العشرة المبشّرين بالجنّة «2»، و من البدريّين، و فيهم أمّ المؤمنين حبيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و زوجته

______________________________

(1). صحيح البخاري 3: 1320، صحيح مسلم 4: 2214، مسند أحمد 2: 313. و لو سلّمنا صحّة هذا الحديث، فلا ينطبق على حرب الجمل، و ليس فيه أيّ قرينة على ذلك، بل القرينة على خلافه، فأول الحديث عبارة: «لا تقوم الساعة» يدلّ على أنّه من أخبار و علامات آخر الزمان، و ذكره البخاري في الفتن 6: 2606 و ذكر بعد عبارة: «حتّى تكثر الزلازل و يتقارب الزمان ...» و ذكره في 3: 1320 و ذكر بعده عبارة: «و لا تقوم الساعة حتّى يبعث دجّالون ...»، فتطبيقه على حرب الجمل تكلّف واضح.

(2). هذا الحديث (العشرة المبشّرة) من الأحاديث المشكلة متنا و سندا، فأمّا المتن ففيه نظر لأمور:

أولا: إنّ قتالهم لعلي عليه السّلام و نكثهم للبيعة دليل لوحده على ذلك، فقد تقدّم أنّ حرب علي حرب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله.

ثانيا: أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام ردّ هذا الحديث في احتجاجه على القوم يوم الجمل.

ثالثا: الحديث المروي عن النبي صلّى اللّه عليه و اله: «أما إنّك ستقاتله و أنت ظالم له» و قد ذكّره الإمام علي عليه السّلام به يوم الجمل، فقال الزبير: نيست، أو ذكّرتني ما أنسانيه الدهر (مستدرك الحاكم 3: 377، فتح الباري 14: 557، مجمع الزوائد 7: 475).

رابعا: كيف يشهد النبي صلّى اللّه عليه و اله بالجنّة لمن آذاه، على ما ذكر المفسّرون و المؤرّخون في سبب نزول قوله تعالى: وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ

أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً الأحزاب: من الآية 53 (راجع الدرّ المنثور 6: 643،-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:122

في الدنيا الآخرة مولاتنا عائشة، و هي من الرؤساء، لكنّ الحقّ لا يستحيي من أحد، و هو أولى من كلّ قريب و حبيب و صديق.

و لذلك قال عمّار بن ياسر رضى اللّه عنه في ذلك الموقف، و هو من أكابر أنصار الإمام علي رضوان اللّه تعالى عليه: «إنّ عائشة قد سارت إلى البصرة، و واللّه إنّها لزوجة نبيّكم صلّى اللّه عليه و اله في الدنيا و الآخرة، و لكنّ اللّه تبارك و تعالى ابتلاكم ليعلم إيّاه تطيعون أم هي» «1».

قال الحافظ في الفتح: و مراد عمّار بذلك: أنّ الصواب في تلك القصة كان مع علي، و أنّ عائشة مع ذلك لم تخرج عن الإسلام، و لا أن تكون زوجة النبي صلّى اللّه عليه و اله في الجنّة، فكان ذلك يعدّ من إنصاف عمّار، و شدّة ورعه، و تحرّيه قول الحقّ، انتهى «2».

قلت: و ليس لنا أن نطعن فيها و في طلحة و الزبير و ننتقدهم و نبغضهم، كما يفعله الروافض.

و عن عمرة قالت:

لمّا سار عليّ إلى البصرة دخل على أم سلمة يودّعها، فقالت: «سر في حفظ اللّه و في كنفه، فو اللّه إنّك لعلى الحقّ، و الحقّ معك، و لو لا أنّي أكره أن أعصي اللّه و رسوله فإنّه أمرنا صلّى اللّه عليه و اله أن نقرّ في بيوتنا لسرت معك، و لكن و اللّه لأرسلنّ معك من هو أفضل عندي و أعزّ عليّ من نفسي ابني عمر» «3».

______________________________

- و تفسير عبد الرزاق 3: 122، و فتح القدير 4: 299) و قد قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ

اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً الأحزاب: 57.

و أمّا السند فإنّ هذا الحديث لم يروه إلّا سعيد بن زيد، و لم يسمعه من النبي صلّى اللّه عليه و اله غيره، و لم يحدّث به إلّا في زمان عثمان، و كان سعيد بن زيد واليا لمعاوية على الكوفة (الطبقات الكبرى 6: 13).

(1). صحيح البخاري 6: 2600، فتح الباري 14: 561، البداية و النهاية 8: 101.

(2). فتح الباري 14: 561، و لاحظ الحاشية السابقة.

(3). مستدرك الحاكم 3: 129 و صحّحه و وافقه الذهبي في التلخيص.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:123

فإقسام هذه السيدة رضي اللّه تعالى عنها على حقّية علي، و أنّ الحقّ معه، لا يكون ذلك منها إلّا عن توقيف من الشارع، «1» و لا سيما و أنّها من أهل بيت النبوة.

و لما ذكرناه و غيره اتّفق أهل السنّة على أنّه رضي اللّه تعالى عنه كان إذ ذاك إمام المسلمين، و أفضل الناس بالإجماع، و أنّ أهل الحلّ و العقد بايعوه عقيب قتل عثمان، و لم يتخلّف عنه إلّا معاوية بالشام و بعض بني أمية الذين لا اعتبار بهم، و لذلك عدّوا من البغاة.

أمّا سبب وقعة- الجمل- تلك الفتنة العمياء، و الرزيّة الشنعاء- هو أنّه لمّا بويع علي رضي اللّه تعالى عنه، و كان من المبايعين له طلحة و الزبير، فكلّماه في شأن قتلة عثمان ليقتصّوا منهم، تريّث لذلك و قال لهما: حتّى تتمّ البيعة، و يأتي أهله للمطالبة بدمه، فحينئذ نحكم فيهم، فخالفه طلحة و الزبير فخرجا قاصدين البصرة بصحبة عائشة للمطالبة بقتلة عثمان «2». فلمّا بلغ عليا ذلك خرج وراءهم، و رأى أنّهم نكثوا البيعة، فلمّا لحق بهم كلّمهم

في ذلك فرجعوا للحقّ، و لكن قتلة عثمان- و كان أغلبهم من الكوفة في جيش الإمام علي- تآمروا ليلا و قالوا: إن وقع الصلح فسوف يقتصّ منا، فنشّبوا القتال، فثار الجمعان، فكان ما كان بدون علم من رؤساء الفريقين. «3».

______________________________

(1). لا حظ دقّة كلام أم سلمة من أنّ الخروج عصيان للّه و للرسول صلّى اللّه عليه و اله، و أنّ النبي أمر بذلك، مع أمر الشارع: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ.

(2). ما ذكره المصنّف لم يثبت تاريخيا، بل الثابت أنّ طلحة كان من قتلة عثمان (البداية و النهاية 7: 276 و قال: هو المشهور، و مستدرك الحاكم 3: 381، تاريخ المدينة 4: 1171، سير أعلام النبلاء 1: 36، تاريخ دمشق 25: 113، تاريخ خليفة بن خياط: 139).

كما أنّ من الثابت أنّهما ليس لهما الحقّ في المطالبة بدم عثمان، فليس هما بأولياء المقتول و لا أولياء الدم، و قد بيّن لهم الإمام علي عليه السّلام ذلك، و أنّ هذا هو حكم اللّه فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً (الإسراء: من الآية 33).

(3). و الحقيقة هي أنّ أكثر قتلة عثمان من أهل مصر و أهل المدينة، و كانوا يسمّون أنفسهم بجيش-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:124

و قد اتّفق العلماء و الأئمة على أنّ خروج طلحة و الزبير و عائشة لهذا الصلح و المطالبة بدم عثمان في ذلك الوقت بالذات كان خطأ عظيما منهم «1»، و غفر لهم، و قد فعل و لا شكّ، و كان الصواب مع علي رضي اللّه تعالى عنه، إذ لو طلب دم عثمان في أوائل الأمر لحصلت فتنة عظيمة، و لثار عليه أكثر الناس، و لوقع أعظم ممّا نزل، و الأمر للّه يفعل ما يشاء، فقد كان قدرا

مقدورا.

*** و أمّا النوع الثاني: و هو حربه لمعاوية، فأدلّته كثيرة، و لكن أظهرها و أصرحها حديث: «تقتل عمّارا الفئة الباغية» و هو نصّ في القرآن أنّ معاوية و من كان معه من أهل الشام و قليل من الصحابة «2» كانوا بغاة ضدّ الإمام علي الذي اتّفق على بيعته أهل الحلّ و العقد من المهاجرين و الأنصار ...

و لمّا بعث إلى معاوية أن يبايعه امتنع و اعتذر بأنّه لا يبايع حتّى يأخذ له الثأر لابن عمه عثمان، فأجابه عليّ بأن يدخل فيما دخل فيه الناس، ثم يتحاكمون إليه

______________________________

- المروّة، فراجع تاريخ المدينة 4: 1184، و البداية و النهاية 6: 243، و تاريخ ابن خلدون 3: 39. ثم إنّ من أجّجّ القتال و كان يريده هو غير هذين الرجلين، فراجع الإمامة و السياسة: 57 الى صفحة 70)، ثم كيف يحصل قتال بين معسكرين عظيمين يقتل فيه عشرون ألفا من دون علم الرؤساء!!

(1). هامش من المصنّف قال: «و كيف لا، و من رؤسائه المرأة مولاتنا عائشة، و قد قال نبيّنا صلّى اللّه عليه و اله: لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة، رواه البخاري و غيره» انتهى.

أقول: و نضيف إليه ما رواه ابن حجر في فتح الباري 14: 558 في صحيح البخاري 6: 2600 مثله.

(2). هامش من المصنّف، قال: «قلت: قليل من الصحابة؛ لأنّه لم يكن معه إلّا عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و النعمان بين بشير و معاوية بن حديج و مسلمة بن مخلد في آخرين قلائل، بينما كان مع سيدنا علي رضي اللّه تعالى عنه سبعون بدريا، و سبعمائة من أهل بيعة الرضوان، و أربعمائة من سائر المهاجرين و الأنصار، و باقيهم من أهل

العراق و القبائل العربية الذين رأوا الحقّ مع علي رضي اللّه تعالى عنه» انتهى.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:125

فيقتصّ لهم من الجناة، فأصرّ معاوية على رفض البيعة، فخرج إليه الإمام علي رضي اللّه تعالى عنه، ثم استنفر معاوية هو الآخر الشوّام لمحاربته، فالتقوا بصفّين، فكانت تلك الواقعة المشؤومة التي ذهبت ضحيّتها سبعون ألف نفس من الجانبين.

و كان في الصحابة أقوام تردّدوا في الأمر، و اعتزلوا الفتنة لأنّهم لم يهتدوا للصواب، فلمّا قتل عمّار، و كان في جيش علي، و قتله أصحاب معاوية، اتّضح أنّ الحقّ كان مع علي، فلحق به جماعة من الصحابة، كما ندم آخرون على عدم نصره و القتال معه «1».

الفاصل بين الحقّ و الباطل

و هذا الحديث الذي هو الفيصل بين الفريقين: فريق الحقّ و فريق الباطل، جاء عن النبي صلّى اللّه عليه و اله من رواية جمّ غفير من الصحابة رضي اللّه عنهم حتّى ذكره الحافظ السيوطي و الإمام الكتّاني رحمهما اللّه تعالى في الأحاديث المتواترة «2»، و قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة»: إنّها أحاديث متواترة «3»، و أورده في الفتح عن جماعة ثم قال: غالب طرقه صحيحة أو حسنة، و فيه عن جماعة آخرين يطول عددهم، إلى آخره «4». و رواته من الصحابة يفوقون الثلاثين، و نحن نقتصر منها على التالي:

فعن أبي سعيد رضى اللّه عنه في قصة بناء المسجد، و فيه قوله صلّى اللّه عليه و اله: «و يح عمّار! تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، و يدعونه إلى النار».

______________________________

(1). لم نعثر على شاهد لذلك.

(2). نظم المتناثر في الحديث المتواتر: 208.

(3). الإصابة 4: 474.

(4). فتح الباري 2: 113.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:126

فجعل عمّار يقول: أعوذ باللّه من الفتن «1».

______________________________

(1). لأهميّة حديث عمّار، و لكونه الحدّ

الفاصل بين الحقّ و الباطل، سنذكر بعضا من أقوال العلماء و الحفّاظ فيه، ثم نختم بذكر مصادر أخرى للحديث:

قال العلّامة الكتّاني في نظم المتناثر: 208: «و ممّن صرّح بتواتره السيوطي في خصائصه الكبرى، و قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي: قال ابن عبد البرّ: تواترت الأخبار بذلك، و هو من أصحّ الأحاديث، و قال ابن دحية: لا مطعن في صحّته: و لو كان غير صحيح لردّه معاوية و أنكره» ثم ذكر العلّامة الكتّاني أسماء الصحابة الذين رووا الحديث.

و قال عبد القاهر الجرجاني كما في فيض القدير 6: 365: «أجمع فقهاء الحجاز و العراق من فريقي الحديث و الرأي، منهم مالك و الشافعي و أبو حنيفة و الأوزاعي و الجمهور الأعظم من المتكلّمين و المسلمين: أنّ عليا مصيب في قتاله لأهل صفّين كما هو مصيب في قتاله أهل الجمل، و أنّ الذين قاتلوه بغاة ظالمون له».

و قال ابن حجر في فتح الباري 2: 113: «رواه جمع من الصحابة ... و غالب طرقه كلّها صحيحة أو حسنة، و في هذا الحديث علم من إعلام النبوّة و فضيلة ظاهرة لعلي و لعمّار، و فيه ردّ على النواصب الزاعمين أنّ عليا لم يكن مصيبا في حروبه». و مثله في سبل السلام 3: 258.

و قال القرطبي كما في فيض القدير 6: 365: «و هذا الحديث من أثبت الأحاديث و أصحّها، و لمّا لم يقدر معاوية على إنكاره قال: إنّما قتله من جاء به، فأجابه علي بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إذن قتل حمزة حين أخرجه! قال ابن دحية: و هذا من علي إلزام مفحم لا جواب عنه، و حجّة لا اعتراض عليها».

و قال القاضي في

شرح المصابيح- كما في فيض القدير 6: 365-: «و هذا صريح في بغي طائفة معاوية الذين قتلوا عمارا في وقعة صفّين، و أنّ الحقّ مع علي، و هو من الإخبار بالمغيّبات».

و قال المناوي في فيض القدير 6: 365: «هذا الحديث متواتر، و رواه من الصحابة بضعة عشر:

و الفئة الباغية: أي الظالمة الخارجة عن طاعة الإمام الحقّ، و زاد الطبراني: الناكبة عن الحقّ، و المراد بهذه الفئة: فئة معاوية، كما جاء موضّحا في رواية الطبراني و غيره، و هذا من معجزاته لأنّه إخبار عن غيب و قد وقع».

و قال البدر العيني في عمدة القاري على شرح البخاري 4: 209: «و الفئة الباغية هم الذين خالفوا الإمام، و خرجوا عن طاعته بتأويل باطل».-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:127

قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء: هذا الحديث حجّة ظاهرة في أنّ عليا رضي اللّه تعالى عنه كان محقّا، و الطائفة الأخرى بغاة، لكنّهم مجتهدون فلا إثم عليهم «1».

______________________________

- و قال ابن كثير في البداية و النهاية 7: 296: «و ظهر سرّ ما أخبر به الرسول صلّى اللّه عليه و اله من أنّه تقتله الفئة الباغية، و بان بذلك أنّ عليا محقّ، و أنّ معاوية باغ، و ما في ذلك من دلائل النبوة».

و قال ابن عبد البرّ في الاستيعاب 3: 231: «و تواترت الآثار عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: عمّار تقتله الفئة الباغية. و هذا من أصحّ الأحاديث».

و أمّا مصادره الأخرى فهي: صحيح البخاري 1: 172 و 3: 1035، صحيح مسلم 4: 2235 و 2239 بثلاثة طرق عن أم سلمة، و بطريق آخر عن أبي سعيد و آخر عن قتادة، مستدرك الحاكم 2: 160 و 3: 433

و صحّحه، و وافقه الذهبي في التلخيص، السنن الكبرى للبيهقي 8: 189، مسند أبي يعلى 11: 403 و 12: 455، صحيح ابن حبّان 15: 554 و 555، المعجم الكبير 23: 363 و 370، المعجم الأوسط 9: 250 و 8: 59 و 441، السنن الكبرى للنسائي 5: 155 و 157، كشف الخفاء 2: 314 و قال: «متّفق عليه»، تاريخ دمشق 16: 270 و 43: 46، كشف الأستار عن زوائد البزّار 3: 252، الجامع الصحيح للترمذي 5: 669 و قال: «حسن صحيح»، مصنّف ابن أبي شيبة 8: 723، شرح السنّة للبغوي 8: 117، سير أعلام النبلاء 1: 419، تهذيب الكمال 7: 436 و 21: 225، البداية و النهاية 7: 296 و قال: «و بان بذلك أنّ عليا محقّ، و أنّ معاوية باغ، و هذا من دلائل النبوة»، الجامع الصغير 2: 630 و 1011 و قال في كليهما «صحيح»، مسند أحمد 3: 91 و 4: 197 و 199 و 6: 289، مجمع الزوائد 7: 486 من عدّة طرق و 9: 486 من عدّة طرق أيضا، الفائق في غريب الحديث 3: 383، كنز العمال 11: 344 و 13: 536 و 537، تاريخ بغداد 8: 269 و نقل أيضا «أنّ جماعة سألوا حذيفة صاحب سرّ النبي صلّى اللّه عليه و اله قالوا: حدّثنا فإنّا نخاف الفتن، فقال:

عليكم بالفئة التي فيها ابن سميّة، فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: تقتله الفئة الباغية»، أسد الغابة 4: 125 و 127، الإصابة 2: 240 و 4: 474 و قال: «متواتر»، فيض القدير 4: 359 و 6: 365 و تقدّم كلامه، المداوي 4: 487 و قال: «الحديث متواتر من رواية أم

سلمة و أبي سعيد و ...» ثم عدّ أكثر من عشرين من الصحابة.

(1). شرح صحيح مسلم 18: 247، و قوله هذا فيه نظر، إذ كيف يمكن توجيه الروايات النبوية-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:128

قلت: الأمر كما قال: لكنّه هاهنا إشكال طالما اختلج في صدور أهل الإيمان و طالبي الحقّ، و لم نجد له حلّا عند أهل السنّة، و هو أنّه كيف يبقى للفئة الباغية اجتهاد و أجر و رفع الإثم، و قد اتّضح لهم حقّيّة عليّ و خطأهم و بغيهم بقتل عمّار؟

فعن أبي بكرة بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال:

لمّا قتل عمّار دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قتل عمّار، و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «تقتله الفئة الباغية»! فقام عمرو بن العاص فزعا حتّى دخل على معاوية، فقال: ما شأنك؟ قال: قتل عمّار، فقال معاوية: قتل عمار فماذا؟! قال:

سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «تقتله الفئة الباغية» فقال معاوية: دحضت في بولك أو نحن قتلناه؟ إنّما قتله علي و أصحابه، جاءوا به حتّى ألقوه بين رماحنا، أو قال:

بين سيوفنا «1».

و عن عبد اللّه بن الحارث قال: إنّني لأساير عبد اللّه بن عمرو و عمرو بن العاص و معاوية، فقال عبد اللّه بن عمرو: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «تقتل الفئة الباغية

______________________________

- الصحيحة و الصريحة في أنّ قاتل عمّار بالنار، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «بشّر قاتل عمّار بالنار» و قال صلّى اللّه عليه و اله: «قاتل عمّار و سالبه بالنار» رواه في تاريخ دمشق 43: 426 و 474، مجمع الزوائد 9: 488، الآحاد و المثاني 2:

102، بغية الطلب في تاريخ حلب 10: 4497، الجامع الصغير 2: 672 و قال: «صحيح»، فيض القدير 4: 467 و قال: «قتلته طائفة معاوية و أبو الغادية و آخر فاختصما الى عمرو بن العاص، فقال: كلا كما في النار، فلم يفهم منه ابن العاص أنّهما مجتهدان متأوّلان، بل حكم عليهما بالنار لقول النبي صلّى اللّه عليه و اله»، سير أعلام النبلاء 1: 426، كنز العمال 11: 721. فهذه الروايات تدلّ بصريح من القول على أنّ قاتل عمّار من أهل النار، فكيف يكون مجتهدا و لا إثم عليه؟!

(1). مستدرك الحاكم 2: 168 و صحّحه و وافقه الذهبي في التلخيص، السنن الكبرى للبيهقي 8: 189، مسند أحمد 4: 199، تاريخ دمشق 43: 432.

و هذا يدلّ على علم معاوية بالحديث من قبل، و لذا لم يتعجّب، بل سارع إلى تأويله و طلب المخرج منه، و لم ينكره، فأجابه علي عليه السّلام بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إذن قتل حمزة حين أخرجه، و تقدّم كلام ابن دحية حيث قال: و هذا من عليّ إلزام مفحم لا جواب عنه، و حجّة لا اعتراض عليها.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:129

عمّارا» فقال عمرو لمعاوية: أتسمع ما يقول هذا؟ فحذفه، قال: نحن قتلناه؟ إنّما قتله من جاء به، لا تزال داحضا في بولك «1».

فالحديث من طريقيه أمره واضح، و مع ذلك قد أصرّوا جميعهم على عداوة الإمام علي و أهل بيته، و لعنه على منابرهم حتّى بعد موته، فكيف يتّفق هذا مع الاجتهاد «2»؟

إنّنا نأمل الإجابة عن هذا الإشكال من أهل العلم و الحقّ بكلّ صراحة، و بلا تعسّف و لا تحيّز و لا مداهنة ... علما بأنّنا جميعا من أهل السنّة

و الجماعة و طالبي الحقّ.

*** النوع الثالث: قتاله الخوارج، و هم الذين خرجوا عليه رضي اللّه تعالى عنه، و كانوا من أصحابه و في جيشه.

و سبب ذلك أنّه لمّا أشرف جيش معاوية على الهزيمة بيّتوا مكيدة ضدّ سيدنا علي رضي اللّه تعالى عنه برئاسة عمرو بن العاص، فدعوا إلى التحكيم و رفعوا المصاحف «3»، فقبل سيدنا علي رضي اللّه تعالى عنه «4»، فخلعوه و أقرّوا معاوية،

______________________________

(1). السنن الكبرى للنسائي 5: 157، مجمع الزوائد 9: 488. و دحضت في بولك: أي زلقت و زللت.

(2). و قد تقدّمت الروايات الصحيحة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله: «من سبّ عليا فقد سبّني ... من فارق عليا فقد فارقني، و من فارقني فقد فارق اللّه ... و من آذى عليا فقد آذاني وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (التوبة: من الآية 61) ... و من أطاع عليا فقد أطاعني، و من عصى عليا فقد عصاني و غيرها ... هذا و قد روى البخاري في الصحيح في كتاب الفتن 6: 2604 عن حذيفة بن اليمان قال: إنّما كان النفاق على عهد النبي صلّى اللّه عليه و اله، فأمّا اليوم فإنّما هو الكفر بعد الإيمان.

(3). قال ابن حجر في الإصابة 1: 64: «فقد انتهت صفّين بخدعة التحكيم المشهورة».

(4). لم يقبل أمير المؤمنين عليه السّلام إلّا مجبرا، و قد هدّده الخوارج بالقتل أو يسلّموه إلى معاوية، فقبل-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:130

فخرجت جموع غفيرة من جيش سيدنا علي و كفّروه و كفّروا كلّ من وافق على التحكيم، و قالوا: لا حكم إلّا اللّه، و استباحوا دماء المسلمين و أموالهم، و كان فيهم كثير من القرّاء و الزهّاد، فبعث إليهم سيدنا علي

ابن عباس رضى اللّه عنه يذكّرهم و يدعوهم إلى الرجوع إلى الحقّ، فتاب و رجع منهم عدد غير يسير، و أصرّ الباقون على خروجهم، فأخافوا الطريق و أراقوا الدماء ...

فخرج إليهم سيدنا علي رضي اللّه تعالى عنه فقاتلهم قتالا شديدا حتّى انتصر عليهم و هزمهم، و كان فيهم صاحب اليد و الثدي «1».

و قد أخبر النبي صلّى اللّه عليه و اله بهم و بصفاتهم بتفصيل و تدقيق، و جاءت الأحاديث فيهم من طرق كثيرة و عن جمّ غفير من الصحابة تعدّ أيضا في المتواتر، فقد وردت من حديث الإمام علي، و أبي سعيد الخدري، و ابن مسعود، و سهل بن حنيف، و سعد بن أبي وقاص، و أبي ذرّ، و أبي بكرة، و عمار، و ابن أبي أوفى، و أبي هريرة، و أبي أمامة، و أنس، و خبّاب بن الأرتّ، و عائشة في آخرين رضي اللّه تعالى عنهم.

و سنقتصر على أهمّها و أجمعها، و هي كالآتي:

عن أبي سعيد الخدري رضى اللّه عنه قال:

______________________________

- على مضض، و كان عليه السّلام يقول: «أيّها الناس، إنّي أحقّ إلى أن أجيب بكتاب اللّه، و لكن معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيط و ابن أبي سرح و ابن مسلمة ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن، إنّي أعرف بهم منكم، صحبتهم صغارا و رجالا، فكانوا شرّ صغار و شرّ رجال، و يأمرون بكلمة حقّ لكنّهم يريدون بها باطلا، إنّهم لا يعملون بها، و لكنّها الخديعة و المكيدة، قاتلوهم ساعة فقد بلغ الحقّ مقطعه» فامتنع الخوارج من القبول إلّا بالتحكيم.

فقال لهم عليه السّلام: «و يحكم أنا أول من دعا إلى كتاب اللّه، و أول من أجاب إليه، إنّما أقاتلهم

ليدينوا بحكم القرآن، فإنّهم قد عصوا اللّه فيما أمرهم، و نقضوا عهده، و نبذوا كتابه، و لكنّني قد أعلمتكم أنّهم قد كادوكم، و أنّهم ليس العمل بالقرآن يريدون»، وقعة صفّين لابن مزاحم: 489، ينابيع المودّة 2: 13.

(1). سيذكر المصنّف أخبار النبي صلّى اللّه عليه و اله عن ذي الثدية.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:131

بينما نحن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة، و هو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول اللّه، إعدل! فقال: «ويلك! و من يعدل إذا لم أعدل؟! قد خبت و خسرت إن لم أكن أعدل»، فقال عمر: يا رسول اللّه، إيذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: «دعه، فإنّ له أصحابا يحقّر أحدكم صلاته مع صلاتهم، و صيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرميّة» قال: «آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر «1»، يخرجون على حين فرقة من الناس».

قال أبو سعيد: فأشهد أنّي سمعت هذا الحديث من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و أشهد أنّ علي ابن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه قاتلهم و أنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتّى نظرت إليه، على نعت النبي صلّى اللّه عليه و اله «2».

و عن علي رضي اللّه تعالى عنه قال:

سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البريّة، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإنّ في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند اللّه يوم

القيامة» «3».

______________________________

(1). أصله: تتدردر، حذف إحدى التاءين للتخفيف، و معناه: تترجرج و تضطرب و تذهب و تجي ء.

(النهاية في غريب الحديث 2: 112، الديباج على صحيح مسلم 3: 160).

(2). صحيح البخاري 6: 2540، صحيح مسلم 2: 744، صحيح ابن حبّان 15: 140، السنن الكبرى للنسائي 5: 159، مسند أحمد 3: 65، نيل الأوطار 7: 345، مصنّف ابن أبي شيبة 8: 742، البداية و النهاية 6: 241.

(3). صحيح البخاري 6: 2540، صحيح مسلم 2: 746، سنن ابن ماجة 1: 59، الجامع الصحيح للترمذي 4: 381 و قال: «حسن صحيح»، سنن أبي داود 723 رقم 4767.

و أحداث الأسنان: أي صغار (الديباج 3: 163).

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:132

و في رواية: «يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشي ء ... يحسبون أنّه لهم و هو عليهم ... لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيّهم صلّى اللّه عليه و اله لاتّكلوا «1» عن العمل ... و آية ذلك أنّ فيهم رجلا له عضد و ليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض» ... قال علي:

«فتذهبون إلى معاوية و أهل الشام و تتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم و أموالكم؟ و اللّه إنّي لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنّهم قد سفكوا الدم الحرام، و أغاروا في سرح الناس، فسيروا على اسم اللّه ...» «2».

و فيه قول علي: «التمسوا فيهم المخدج «3»» فالتمسوه فلم يجدوه، فقام بنفسه حتّى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض قال: «أخّروهم» فوجدوه ممّا يلي الأرض، فكبّر، ثم قال: «صدق اللّه و بلّغ رسوله» فقام إليه عبيدة السلماني فقال:

يا أمير المؤمنين، اللّه لا إله إلّا هو لسمعت هذا الحديث

من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟ فقال:

«إي و اللّه الذي لا إله إلّا هو» حتّى استحلفه ثلاثا و هو يحلف له «4».

و في رواية: إنّ الحرورية «5» لمّا خرجت قالوا: لا حكم إلّا للّه، قال علي: «كلمة

______________________________

(1). في بعض المصادر: لنكلوا، و هو الأصحّ.

(2). صحيح مسلم 2: 748، السنن الكبرى للبيهقي 8: 170، السنن الكبرى للنسائي 5: 164، سنن أبي داود: 723 رقم 4768.

(3). المخدج: ناقص الخلقة، و هنا مخدج اليد أي: ناقص اليد.

(4). صحيح مسلم 2: 749، سنن أبي داود: 723 رقم 4768، و رقم 4769 بلفظ: اطلبوا المخدج، السنن الكبرى للبيهقي 8: 171، كنز العمال 11: 295، السنن الكبرى للنسائي 5: 164، نظم درر السمطين: 117، البداية و النهاية 7: 322.

(5). الحرورية: طائفة من الخوارج الذين خالفوا أمير المؤمنين عليه السّلام و مرقوا من الدين، و رئيسهم ابن وهب الراسبي و ابن الكوّاء و شبث بن ربعي، و يقال لهم: حرورية نسبة إلى المكان الذي نزلوا به،-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:133

حقّ أريد بها باطل، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله وصف ناسا إنّي لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم- و أشار إلى حلقه- من أبغض خلق اللّه تعالى إليه، منهم أسود إحدى يديه طبي شاة «1» أو حلمة ثدي» الحديث «2».

و عن أبي ذرّ و أبي رافع رضي اللّه عنهما قالا:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «إنّ بعدي من أمتي، أو سيكون بعدي من أمّتي قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرميّة، ثم لا يعودون فيه، هم شرّ الخلق و الخليقة» «3».

و عن سهل بن حنيف رضى

اللّه عنه أنّه سئل: هل سمعت النبي صلّى اللّه عليه و اله يذكر الخوارج؟ فقال:

سمعته و أشار بيده نحو المشرق: «قوم يقرأون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة» «4».

و في رواية: «يتيه قوم قبل المشرق محلّقة رؤوسهم» «5».

و عن أبي أمامة رضى اللّه عنه قال:

شرّ قتلى تحت أديم السماء، و خير قتيل من قتلوا، كلاب النار، قد كان هؤلاء

______________________________

- و هو حروراء، و يبعد عن الكوفة مقدار ميلين، و قاتلهم أمير المؤمنين عليه السّلام في النهروان. انظر معجم البلدان 2: 245، المنتخب من ذيل المذيّل: 149.

(1). طبي شاة: المراد به مثل ضرع الشاة، و هو من المجاز و الاستعارة، لأنّ أصله للكلبة و السباع.

(2). صحيح مسلم 2: 749، كنز العمال 11: 295، إرواء الغليل 8: 118 و قال: «إسناده صحيح».

(3). صحيح مسلم 2: 750، مسند أحمد 5: 31، كنز العمال 11: 139، البداية و النهاية 7: 336.

و حلاقيمهم: أي حلوقهم.

(4). صحيح البخاري 6: 2541 و فيه: أشار نحو العراق، صحيح مسلم 2: 750، مصنّف ابن أبي شيبة 8: 729.

(5). صحيح مسلم 2: 750، مصنّف ابن أبي شيبة 8: 743. و يتيه: أي يذهبون عن الصواب و طريق الحقّ.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:134

مسلمين فصاروا كفّارا، فقيل له: يا أبا أمامة، هذا شي ء تقوله؟ قال: بل سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله «1».

إذا عرفت ما أوردناه من الأحاديث فسوف نستخلص منها أمورا:

أولا: فيها معجزة ظاهرة للنبي صلّى اللّه عليه و اله حيث أخبر بهؤلاء القوم قبل وجودهم، فكانوا كما أخبر.

ثانيا: خروجهم على المسلمين «2».

ثالثا: قتال الإمام علي إيّاهم.

رابعا: حقّية الإمام علي في قتالهم.

خامسا: ذكر أوصافهم بالتدقيق ككونهم قبل

مشرق المدينة المنوّرة، و أنّهم محلّقة رؤوسهم، و أنّهم يخرجون من الدين بغير عودة، و أنّهم يقتلون المسلمين و يدعون المشركين.

سادسا: أنّهم شرّ الخليقة.

سابعا: أنّ قتلاهم شرّ قتلى، و أنّهم كلاب النار.

______________________________

(1). الجامع الصحيح للترمذي 4: 266 في تفسير آل عمران، سنن ابن ماجة 1: 62 رقم 176، المعجم الكبير 8: 267، المغني و الشرح الكبير 10: 51 و فيه كرّر عبارة «كلاب أهل النار» ثلاثا، مسند الحميدي 2: 404، مسند أحمد 5: 250، السنن الكبرى للبيهقي 8: 188.

و قد ورد هذا المعنى صريحا بلفظ: «إنّ الخوارج كلاب أهل النار» عن النبي صلّى اللّه عليه و اله في روايات كثيرة غير ما تقدّم، كما في مسند أحمد 4: 355 و 382، سنن ابن ماجة 1: 61، مصنّف ابن أبي شيبة 8: 730، المعجم الكبير 8: 270، كنز العمال 11: 137، المعجم الصغير 2: 117، معرفة علوم الحديث للحاكم: 92، تاريخ دمشق 8: 312 و 47: 291، سير أعلام النبلاء 6: 241، أخبار إصفهان 2: 324.

(2). و كفر الخوارج و مروقهم من الدين، إنّما هو لأجل خروجهم على أمير المؤمنين عليه السّلام و مخالفته و محاربته، و ليس لخروجهم على المسلمين، و هذا يشمل كلّ الخارجين و المحاربين له عليه السّلام، و هو ما دلّت عليه النصوص النبوية الصحيحة و الصريحة.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:135

ثامنا: أنّ قتيلهم خير قتيل.

تاسعا: أنّهم يحسنون القول فيدعون إلى الجهاد و يقولون: لا حكم إلّا للّه، ثم يسيئون الفعل من سفك الدماء، و أخذ الأموال ...

عاشرا: أنّهم يجتهدون في قراءة القرآن، و يتنطّعون في العبادة، و هم عارون عن ثمرتها، لا ينتفعون بها، و لا تصل إلى قلوبهم.

حادي عشر: فيها الأمر بقتالهم

و استئصالهم كاستئصال قوم عاد و ثمود.

ثاني عشر: في قتالهم الأجر العظيم و الثواب الجزيل.

ثالث عشر: هم شباب سفهاء، تائهون ضالّون، قليلو العقول.

و المقصود أنّ الإمام عليا رضي اللّه تعالى عنه كان صاحب الحقّ في جميع حروبه، و أنّ السنّة المطهّرة تؤيّده في كلّ تصرّفاته.

و قد جاء في شأنه حديث عامّ يشمل جميع هؤلاء البغاة و الخارجين عليه ...

فعن أبي سعيد الخدري رضى اللّه عنه قال:

سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله»، قال أبو بكر: أنا هو يا رسول اللّه؟ قال: «لا»، فقال: عمر: أنا هو يا رسول اللّه؟ قال: «لا، و لكن خاصف النعل». قال: و كان أعطى عليا نعله يخصفه «1».

فقتاله رضي اللّه تعالى عنه كان ضدّ المتأوّلين للقرآن المتعلّقين بالشبه التي طرأت لهم، لكن منهم من كان مجتهدا نيّته صالحة فأخطأ فغفر له، و منهم غير ذلك كالخوارج.

______________________________

(1). مستدرك الحاكم 3: 133 و صحّحه، مسند أحمد 3: 33 و 82، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 497 بطريقين عن أبي سعيد، مسند أبي يعلى 2: 341، الإصابة 4: 245، صحيح ابن حبّان 15: 385، البداية و النهاية 6: 243 و 7: 338، مناقب الخوارزمي: 260، نظم درر السمطين: 115، سبل الهدى 11: 290، كنز العمال 11: 613.

و خاصف النعل: من الخصف، و هو خرز النعل ظاهرها بعضها على بعض، و إصلاحها.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:136

إكرامه بالشهادة

و من مناقبه العظيمة التي ختم اللّه له بها حياته: إكرامه بالشهادة العظمى، إذ الشهادة منزلة عالية، لا ينالها و يحرز عليها إلّا المصطفون من خلق اللّه تعالى، و قليل ما هم، إذ ليس كلّ من

يقتل يكون شهيدا، فهيهات هيهات ... و قد أخبر النبي صلّى اللّه عليه و اله بما سيلقى الإمام علي من النكبات ... و أنّ الأمّة ستغدر به «1»، و أنّه سيقتله أشقى الآخرين.

فعن ابن عباس رضى اللّه عنه قال:

قال النبي صلّى اللّه عليه و اله لعلي: «أما إنّك ستلقى بعدي جهدا» قال: «في سلامة من ديني؟» قال: «نعم» «2».

و عن علي رضي اللّه تعالى عنه قال:

«إنّ ممّا عهد إليّ النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّ الأمة ستغدر بي بعده» «3».

و عن عمّار بن ياسر رضي اللّه تعالى عنهما:

أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال له و لعلي: «ألا أحدّثكما بأشقى الناس؟» قلنا: بلى يا رسول اللّه، قال: «أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، و الذي يضربك يا علي على هذه

______________________________

(1). قال أمير المؤمنين علي عليه السّلام «إنّ ممّا عهد به النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّ الأمّة ستغدر بي بعده» أو «ستغدر بك بعدي» مستدرك الحاكم 3: 152 و صحّحه و وافقه الذهبي، تذكرة الحفّاظ 3: 995، ميزان الاعتدال 1: 371 آخره عن الحمّاني، و قال: «قال النسائي: ثقة، و قال ابن عدي: لم أر له حديثا منكرا»، تاريخ دمشق 42: 447 و 448، التاريخ الكبير للبخاري 2: 174، تاريخ بغداد 11: 216، سبل الهدى 10: 150، البداية و النهاية 7: 360، كنز العمال 11: 297 بعدّة ألفاظ و 617، شرح النهج 4: 107 و قال: «و قد روى أكثر أهل الحديث هذا الخبر بهذا اللفظ أو بقريب منه».

(2). مستدرك الحاكم 3: 150، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 503، نظم درر السمطين: 118، سبل الهدى 10: 150، كنز العمال 11: 617.

(3). تقدّمت

مصادر الحديث آنفا، فراجع.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:137

- يعني قرنه- حتى تبتلّ هذه من الدم» يعني: لحيته «1».

و كان السبب في قتله رضي اللّه تعالى عنه أنّه لمّا وقع التحكيم بينه و بين معاوية كما تقدّم، و خرج عليه جماعة ممّن كان معه، و كفّروه كما كفّروا طلحة و الزبير و عثمان و معاوية و من كان معهم، و قاتلهم الإمام علي و انتصر عليهم، انتدب ثلاثة من الخوارج و تآمروا على قتل علي و معاوية و عمرو بن العاص باعتبار أنّ هؤلاء الثلاثة عندهم قادة الفتنة، و تعاهدوا على أن يكون ذلك في ليلة واحدة ليلة حادي عشر أو سابع عشر من رمضان سنة أربعين من الهجرة، ثم توجّه كلّ منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه، فقدم اللعين الأشقى عبد الرحمان بن ملجم المرادي الكوفة فلقي أصحابه من الخوارج فكاتمهم ما يريدون، فلمّا كانت الليلة المعهودة، و كانت صبيحة يوم الجمعة، و خرج علي من الباب ينادي: أيّها الناس الصلاة الصلاة، اعترضه المقيت ابن ملجم فضربه بالسيف المسموم على رأسه فأصاب دماغه، و أقام الجمعة و السبت و توفّي يوم الأحد رضي اللّه تعالى عنه، ذكره ابن سعد و غيره «2»، و ذلك عام 40 من الهجرة و عمره ثلاث و ستّون سنة.

و لمّا توفّي رضي اللّه تعالى عنه، أخذ ابن ملجم فعذّبوه و قطعوا بعض أطرافه ثم قتلوه و أحرقوه، علما بأنّ الإمام عليا كان أوصاهم به خيرا، و أمرهم أن يحسنوا

______________________________

(1). مستدرك الحاكم 3: 151 و صحّحه و وافقه الذهبي، مسند أحمد 4: 263، الآحاد و المثاني 1: 147، السنن الكبرى للنسائي 5: 153، كنز العمال 11: 602 و 13: 140، البداية و

النهاية 6: 244، تاريخ دمشق 42: 549.

(2). الطبقات الكبرى 3: 36 بتصرّف و اختصار، تاريخ الطبري 4: 112، تاريخ دمشق 42: 559 و فيه تصريح باشتراك الأشعث مع ابن ملجم بقتل الإمام علي عليه السّلام، الثقات لابن حبّان 2: 302، المعجم الكبير 1: 99، الأخبار الطوال: 213. ثم لمّا ضربه اللعين قال علي عليه السّلام: «فزت و ربّ الكعبة» تاريخ دمشق 42: 561، الإمامة و السياسة 1: 318، ينابيع المودّة 1: 203 و 2: 32 و غيرها من المصادر.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:138

قتله، و على كلّ فقاتله رجل مجرم سيتولّى اللّه جزاءه.

و قد أساء عمران بن حطّان الخارجي حيث يقول فيه:

يا ضربة من تقيّ ما أراد بهاإلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إنّي لأذكره يوما فأحسبه أوفى البريّة عند اللّه ميزانا

أكرم بقوم بطون الأرض أقبرهم لم يخلطوا دينهم بغيا و عدوانا «1» و قد أحسن و أجاد الإمام أبو الطيّب الطبري رحمه اللّه حيث قال:

إنّي لأبرأ ممّا أنت قائله في ابن ملجم الملعون بهتانا

إنّي لأذكره يوما فألعنه دينا و ألعن عمران بن حطّانا

عليك ثم عليه الدهر متّصلالعائن اللّه إسرارا و إعلانا

فأنتم من كلاب النار جاء بذانصّ الشريعة برهانا و تبيانا «2»

______________________________

(1). الإصابة 5: 232، طبقات الشافعية للسبكي 1: 287، البداية و النهاية 9: 64، سير أعلام النبلاء 4: 215.

(2). الإصابة 5: 232، طبقات الشافعيّة للسبكي 1: 289، و قالا: «قال قاضي القضاة: الذي قاله أبو الطيّب خطأ؛ لأنّ عمران صحابيّ لا تجوز اللعنة عليه! و هذا غلوّ من قاضي القضاة، فكيف لا يلعن عمران؟! ثم قال التاج السبكي: و ليس عمران بصحابيّ و إنّما هو رجل من الخوارج». ثم ذكر السبكي قصيدة لأبي بكر التاهرتي في الردّ على ابن حطّان:

أشقى

مراد إذا عدّت قبائلهاو أخسر الناس عند اللّه ميزانا

كعاقر الناقة التي جلبت على ثمود بأرض الحجر خسرانا

فلا عفا اللّه عنه ما تحمّله و لا سقى قبر عمران بن حطّانا

بقوله بيت شعر ظلّ مجترماو نال ما نال ظلما و عدوانا

(من ضربة من كميّ ما أراد بهاإلّا ليبلغ عند اللّه رضوانا)

بل ضربة من غويّ أوردته لظى مخلّدا قد أتى الرحمان غضبانا

كأنّه لم يرد قصدا بضربته إلّا ليصلى عذاب الخلد نيرانا -

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:139

______________________________

- ثم قال السبكي: و للإمام الإسفراييني في كتابه الملل و النحل هذه الأبيات في الردّ على عمران بن حطّان:

كذبت و أيم الذي حجّ الحجيج له و قد ركبت ضلالا منك بهتانا

لتلقينّ بها نارا مؤجّجةيوم القيامة لا زلفى و رضوانا

تبّت يداه لقد خابت و قد خسرت و صار أبخس من في الحشر ميزانا

هذا جوابي في ذا النذل مرتجلاأرجو بذاك من الرحمان غفرانا و قال ابن كثير في البداية و النهاية 9: 65: و قد ردّ على ابن حطّان بعض العلماء بهذين البيتين:

بل ضربة من شقيّ ما أراد بهاإلّا ليبلغ من ذي العرش خسرانا

إنّي لأذكره يوما فأحسبه أشقى البريّة عند اللّه ميزانا

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:141

الباب الثالث في مناقب مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السّلام

اشارة

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:143

في مناقب مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السّلام

فاطمة الزهراء «1»، هي السيّدة الطاهرة بنت سيّد العالمين، و سيدة نساء أهل الجنة، و إحدى فواضلهنّ، و أحبّ الناس إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، بضعته الطاهرة، يؤذيه ما يؤذيها و يريبه ما يريبها «2».

______________________________

(1). قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «و إنّما سمّاها اللّه فاطمة لأنّ اللّه فطمها و محبّيها عن النار» عن ابن عباس و أبي هريرة. كنز العمال 12: 109، تاريخ بغداد 12: 328، سبل الهدى 11: 52، ينابيع المودّة 2: 121 و قال: «أخرجه الحافظ الغسّاني»، و 450 و قال: «أخرجه الحافظ أبو نعيم و أبو القاسم الدمشقي»، و 3: 191 عن أبي هريرة، و فيه: «و ذرّيتها و محبّيها عن النار».

(2). عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «أمّا فاطمة بضعة منّي، يريبني ما أرابها، و يؤذيني ما يؤذيها» أخرجه في صحيح البخاري 5: 2004، السنن الكبرى للنسائي 5: 97، فضائل الصحابة لأحمد: 78، المعجم الكبير 22: 404 بطريقين عن المسور، تهذيب الكمال 35: 250، سبل الهدى 11: 162، مشكاة المصابيح 3: 369، كنز العمال 12: 112، إرواء الغليل 8: 293 و قال: «صحيح، أخرجه البخاري و مسلم و الترمذي و ابن ماجة و أحمد»، ينابيع المودّة 2: 53 عن الترمذي، و قال: «صحيح».

و معنى «يريبني»: يسوؤني و يزعجني و يقلقني، قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:144

أم الحسنين سيدي شباب أهل الجنة، و جدّة الأشراف و الذرّية الطاهرة، و زوجة الإمام علي بأمر من اللّه عزّ و جلّ «1».

العارفة الناسكة الزاهدة، أمّها مولاتنا خديجة بنت خويلد، حبيبة رسول اللّه

صلّى اللّه عليه و اله و زوجته الأولى، و أمّ بناته الطاهرات.

ولدت مولاتنا فاطمة في الإسلام قبل البعثة بقليل «2»، و هي أصغر بناته صلّى اللّه عليه و اله.

______________________________

- 2: 286: «في حديث فاطمة رضي اللّه تعالى عنها: «يريبني ما يريبها» أي يسوؤني ما يسوؤها، و يزعجني ما يزعجها، و أرابني: إذا رأيت منه ما تكره» و مثله في تحفة الأحوذي 5: 530 باب ما جاء في اللقطة تسقط. و كذا في لسان العرب 1: 385.

(1). حيث كان تزويجها عليها السلام بأمر من اللّه تعالى، فعن أنس قال: كنت قاعدا عند النبي صلّى اللّه عليه و اله فغشيه الوحي، فلمّا سري عنه قال: «أتدري يا أنس ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟» قلت: بأبي و أمّي، و ما جاء به جبرئيل من عند صاحب العرش؟ قال: «إنّ اللّه أمرني أن أزوّج فاطمة من علي». أخرجه في تاريخ دمشق 37: 13 و 52: 444، نظم درر السمطين: 186، مناقب الخوارزمي: 336، سبل الهدى 11: 38، كنز العمال 11: 606 و 13: 683.

و عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال صلّى اللّه عليه و اله: «إنّ اللّه تعالى أمرني أن أزوّج فاطمة من علي». أخرجه في المعجم الكبير 10: 156 و 22: 408، مجمع الزوائد 9: 330 و قال: «رواه الطبراني، و رجاله ثقات»، الجامع الصغير 1: 203، شرح المواهب 4: 333 و قال: «رواه الطبراني برجال ثقات»، تاريخ دمشق 42: 129، سبل الهدى 11: 38 و قال: «رواه الطبراني عن ابن مسعود برجال ثقات».

(2). في العبارة خطأ أو سهو من المصنّف، فلا يستقيم «في الإسلام و قبل البعثة» و ربّما مراده: في الإسلام و

بعد البعثة بقليل، قال الحاكم في المستدرك 3: 176 و 178: «ولدت سنة إحدى و أربعين من مولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله»، و قال ابن حجر في فتح الباري 7: 476: «ولدت فاطمة في الإسلام»، و مثله في ذخائر العقبى 1: 64 عن ابن عبد البرّ، و في المعجم الكبير 22: 397 قال الزبير ابن بكّار: «الطاهر ولد بعد النبوّة، ثم أمّ كلثوم، ثم فاطمة»، و قال اليعقوبي في التاريخ 2: 20: ولدت خديجة له صلّى اللّه عليه و اله قبل أن يبعث: القاسم و رقية و زينب و أمّ كلثوم، و بعد ما بعث: عبد اللّه و هو الطيّب و الطاهر؛ لأنّه ولد في الإسلام و فاطمة.

و الصحيح و المشهور عند الإمامية تبعا لأئمّة أهل البيت عليهم السّلام: أنّها ولدت بعد المبعث في السنة-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:145

تزوّجها سيدنا علي عليه السّلام في السنة الثانية بعد وقعة بدر «1».

و توفّيت بعد أبيها صلّى اللّه عليه و اله بستّة أشهر، و عمرها على الصحيح سبعة و عشرون «2»

______________________________

- الخامسة للهجرة، كما في الصحيح عن الإمام الباقر عليه السّلام: «ولدت فاطمة بنت محمد صلّى اللّه عليه و اله بعد مبعث رسول اللّه عليه السّلام بخمس سنين، و توفّيت و لها ثماني عشرة سنة و خمسة و سبعون يوما» أصول الكافي 1: 457 حديث 10.

و قال الشيخ الكليني رحمه اللّه: «ولدت فاطمة عليها و على بعلها السلام بعد مبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بخمس سنين». الكافي 1: 458، و مثله ابن الخشّاب في تاريخ المواليد: 9، و المجلسي في البحار 43: 7، و تاج المواليد: 21، و دلائل الإمامة للطبري: 79 و

قال: «ولدت في جمادى الآخرة يوم العشرين سنة خمس و أربعين من مولد النبي صلّى اللّه عليه و اله»، و في الهداية الكبرى للخصيبي:

175: «ولدت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بعد خمس سنين من ظهور الرسالة و نزول الوحي».

(1). سير أعلام النبلاء 2: 119، و في الإصابة 8: 264: أنّه تزوّجها في رجب و بنى بها بعد رجوعه من بدر.

و هناك أقوال أخر، ففي تهذيب الكمال 35: 247: إنّه عليه السّلام تزوّجها بعد وقعة أحد. و المشهور عند الشيعة الإمامية: أنّه تزوّجها في شهر رمضان، و بنى بها في ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة، كما في بحار الأنوار 43: 136 نقله عن الذرّية الطاهرة للدولابي.

(2). يظهر أنّ ثمة خلط في الأقوال، فقد تقدّم قبل قليل: الصحيح أنّها ولدت في الإسلام. فلو كان مولدها في أول المبعث، فلا يزيد عمرها عن ثلاث و عشرين سنة، و هو عمر الدعوة الإسلامية، فكيف يجعل الصحيح في عمرها سبع و عشرين سنة؟! مع أنّ هذا القول هو من أبعد الأقوال، لذهاب أكثر العلماء إلى أنّها ولدت في الإسلام كما تقدّم؛ كالحاكم و ابن حجر و الطبراني و الزبير ابن بكّار و المحبّ الطبري و ابن عبد البرّ و غيرهم، بل المسألة محلّ اتّفاق بين الأعلام من أهل السنّة لاتّفاقهم على أنّها أصغر أولاد النبي صلّى اللّه عليه و اله و آخرهم، و اتّفقوا أيضا على أنّ ولادة عبد اللّه الطيّب الطاهر كانت بعد البعثة، فالنتيجة أنّ فاطمة ولدت بعد البعثة بالاتّفاق لكونها أصغر منه، راجع المعجم الكبير للطبراني 22: 397، تاريخ اليعقوبي 2: 20، السيرة النبوية لابن كثير 4: 607، البداية و النهاية 5:

328، تهذيب الكمال 35: 248، الإصابة 8: 263.

و الصحيح أنّ عمرها عليها السّلام هو ثمان عشرة سنة و خمسة و سبعون يوما، قال المحبّ الطبري في ذخائر العقبى: 101: «ذكر الإمام أبو بكر الدارع أنّها توفّيت و هي ابنة ثمان عشرة سنة و خمسة و سبعون يوما» و هذا هو الصحيح، و الموافق لما ذهب إليه أئمة أهل البيت عليهم السّلام.-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:146

و دفنت بالبقيع «1».

فضائلها جمّة، و مناقبها كثيرة رائعة، و يكفيها شرفا و فخرا أن تكون بضعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و من فواضل نساء العالمين، و سيدة نساء هذه الأمة، بل و أهل الجنّة، و إلى القارئ بعض ما جاء في ذلك:

فاطمة سيدة نساء المؤمنين و نساء أهل الجنّة

فعن عائشة رضي اللّه عنها قالت:

اجتمع نساء النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فلم يغادر منهنّ امرأة، فجاءت فاطمة تمشي، كأنّ مشيتها

______________________________

- ففي الصحيح عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال: «توفّيت و لها ثمان عشرة سنة و خمسة و سبعون يوما» الكافي 1: 458.

(1). و هذا هو أحد الأقوال في تعيين محلّ دفنها عليها السّلام، و الأقوال هي:

الأول: أنّها دفنت في بيتها و في موضع فراشها. قاله النميري في تاريخ المدينة 1: 108.

الثاني: أنّها دفنت في بيتها الذي صار الآن في المسجد، قاله ابن النجّار في الدرّة الثمينة عن ينابيع المودّة 2: 142.

الثالث: أنّ قبرها بين قبر النبي صلّى اللّه عليه و اله و الحجرة، قاله الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس:

أنّه شهد دفنها، نقله في لسان الميزان 2: 83.

الرابع: أنّها دفنت في زاوية في دار عقيل ممّا يلي دار الجحشيّين، مقابل طوق بني نبيه من بني عبد الدار، قاله النميري في تاريخ

المدينة 1: 105.

الخامس: أنّها دفنت في البقيع، و يستدلّ له بقول الإمام الحسن عليه السّلام في وصيّته لأخيه الإمام الحسين عليه السّلام: «فإن منعوك فادفنّي في البقيع عند أمّي فاطمة» نقله الزرنديّ الحنفي في درر السمطين: 204، و يحتمل أنّه عليه السّلام أراد بأمّه: جدّته فاطمة بنت اسد.

و المشهور عند الإمامية: أنّها دفنت في بيتها الذي صار اليوم في المسجد النبوي الشريف، أو دفنت بين القبر و المنبر، لقوله صلّى اللّه عليه و اله: «بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة».

و أمّا القول بدفنها في البقيع، فقد استبعده جدّا الشيخ الطوسي و ابن سعيد الحلّي و ابن إدريس و الفاضل في التحرير و صاحب الجواهر و غيرهم. راجع المبسوط 1: 386، التهذيب 6: 9، جواهر الكلام 20: 86.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:147

مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فقال: «مرحبا بابنتي»، فأجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم إنّه أسرّ إليها حديثا فبكت فاطمة، ثم إنّه سارّها فضحكت أيضا، فقلت لها: ما يبكيك؟ فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فقلت لها حين بكت: أخصّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بحديثه دوننا ثم تبكين؟ و سألتها عمّا قال، فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، حتى إذا قبض سألتها فقالت: إنّه كان حدّثني أنّ جبريل عليه السّلام كان يعارضه بالقرآن كلّ عام مرّة، و أنّه عارضه به في العام مرّتين، و لا أراني إلّا قد حضر أجلي، و إنّك أوّل أهلي لحوقا بي، و نعم السلف أنا لك، فبكيت لذلك، ثم إنّه سارّني فقال:

«ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، أو سيدة نساء هذه الأمّة؟» فضحكت لذلك «1».

و في رواية للبخاري: «سيدة نساء أهل الجنّة» «2».

______________________________

(1). صحيح البخاري 3: 1326 و 5: 2317 و فيه: «سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمّة» و مثله في صحيح مسلم 4: 1904 بطريقين عن مسروق عن عائشة، مسند أحمد 6: 282، سنن ابن ماجة 1: 518، السنن الكبرى للنسائي 5: 146، المعجم الكبير 22: 418، سبل الهدى 11: 45 و 12: 251.

(2). صحيح البخاري 3: 1360 و 1326 و 1347.

و قد وردت عبارة «سيّدة نساء أهل الجنّة» أيضا في مستدرك الحاكم 3: 161 و صحّحه، صحيح ابن حبّان 15: 402، المعجم الكبير 22: 402، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 527، الآحاد و المثاني 5: 365، السنن الكبرى للنسائي 5، 81، مسند أبي يعلى 2: 395 و 12: 111، مسند أحمد 3: 80 و 5: 391، الإصابة 8: 256، البداية و النهاية 8: 225، سبل الهدى 10: 47، كنز العمال 12: 96 و 102 و 110 و 113، نظم درر السمطين: 178، تاريخ دمشق 12: 269 و 13: 207 و 14: 134 و 47: 482، الصواعق لابن حجر 2: 559 و 560 و 562، المطالب العالية 4: 67، مختصر زوائد البزّار 2: 343، كشف الأستار 3: 234، مشكاة المصابيح 3: 375 برقم 6171.

و وردت عبارة «سيّدة نساء العالمين» في مستدرك الحاكم 3: 166 و صحّحه، عون المعبود 6: 114، مسند الطيالسي: 197، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 527، السنن الكبرى للنسائي 4: 252-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:148

و في رواية قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودّلا و هديا برسول اللّه صلّى اللّه

عليه و اله في قيامها و قعودها من فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، قالت: و كانت إذا دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و اله قام إليها فقبّلها و أجلسها في مجلسه، و كان النبي صلّى اللّه عليه و اله إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته، فلمّا مرض النبي صلّى اللّه عليه و اله دخلت فاطمة فأكبّت عليه فقبّلته، ثم رفعت رأسها فبكت، ثم أكبّت عليه، ثم رفعت رأسها فضحكت، فقلت: إن كنت لأظنّ أنّ هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النساء. فلمّا توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قلت لها: أرأيت حين أكببت على النبي صلّى اللّه عليه و اله فرفعت رأسك فبكيت، ثم أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت، ما حملك على ذلك؟ فذكرت ما سبق «1».

و في الحديث بروايتيه فضائل و مناقب لهذه السيدة الحسيبة الشريفة الطاهرة مع فوائد:

فمنها: إكرام النبي صلّى اللّه عليه و اله لها، و تعظيمه و احترامه إيّاها، بترحيبها و قيامه لها، و إجلاسه إيّاها إلى جنبه الشريف صلّى اللّه عليه و اله.

______________________________

- و 5: 147، الفائق في غريب الحديث 1: 240، تاريخ دمشق 42: 134، مناقب الخوارزمي:

35، كنز العمّال 12: 110، نظم درر السمطين: 179.

و وردت عبارة «سيّدة نساء المؤمنين» في صحيح البخاري 3: 1326 و 1360 و 5: 2317، صحيح مسلم 4: 1904، مسند ابن راهويه 5: 7، الآحاد و المثاني 5: 367 و 368، السنن الكبرى للنسائي 5: 96، مسند أبي يعلى 12: 112، المعجم الكبير 22: 419، رياض الصالحين: 345، تاريخ دمشق 3: 155، تهذيب الكمال 35: 249، فضائل الصحابة لأحمد: 77، نظم درر السمطين: 179، كنز

العمال 12: 107، البداية و النهاية 5: 246، السيرة النبويّة لابن كثير 4: 448، سبل الهدى 11: 46 و 12: 251، الصواعق لابن حجر 2: 559.

و وردت عبارة «سيّدة نساء هذه الأمّة» في صحيح البخاري 3: 1326 و 5: 2317، صحيح مسلم 4: 1904، مسند أحمد 6: 282، السنن الكبرى للنسائي 4: 252 و 5: 146، الطبقات الكبرى 8: 27، تهذيب الكمال 35: 249، سير أعلام النبلاء 2: 120، البداية و النهاية 5: 246، السيرة النبويّة لابن كثير 4: 448، سبل الهدى 10: 326 و 11: 46.

(1). فضائل الصحابة لأحمد: 78، السنن الكبرى للنسائي 5: 96.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:149

و منها: تخصيصه إيّاها بحضور أجله.

و منها: تبشيره إيّاها بأنّها سيدة نساء المؤمنين، و هذه فضيلة لم تنلها امرأة من نساء هذه الأمّة إطلاقا، و يا لها من فضيلة! و يا لها من فخر!

و منها: أنّها كانت أعقل نساء أهل زمانها، يشير إليه قول أمّ المؤمنين عائشة: إن كنت لأظنّ أنّ هذه أعقل نسائنا.

و منها: شبهها بأبيها سيد العالمين صلّى اللّه عليه و اله في السيرة الحسنة و الوقار و الهيبة.

و من فوائد الحديث: مشروعية القيام لأهل الشرف و العلم و الصلاح، و قد ثبت هذا عنه صلّى اللّه عليه و اله في هذا الحديث من فعله و تقريره، كما ثبت من قوله: «قوموا إلى سيّدكم» إلى آخره «1»، و هو صلّى اللّه عليه و اله الأسوة الحسنة و القدوة العظمى، و ما جاء بخلاف هذه فمؤوّل.

و من فوائده: أنّ الأكابر من الصالحين قد تصدر منهم بوادر تؤذن بنقصهم لسابق القدر و غلبة الصفة البشرية، يشير إلى ذلك قول أمّ المؤمنين: فإذا هي من النساء، تعني أنّهنّ

ناقصات و إن كنّ صالحات «2».

إذاية فاطمة إذاية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله

عن المسور بن مخرمة رضى اللّه عنه:

أنّ علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه خطب بنت أبي جهل، و عنده فاطمة

______________________________

(1). «قوموا إلى سيدكم» قاله النبي صلّى اللّه عليه و اله للأنصار عند قدوم سعد بن معاذ إلى المسجد، مسند أحمد 3: 22، فضائل الصحابة: 35، المعجم الكبير 6: 6، و الحديث مرويّ في أكثر المتون.

(2). يظهر أنّ هذه ليست من فوائد الحديث، إذ ليست العبارة من قول النبي صلّى اللّه عليه و اله، بل هي من قول عائشة.

و أمّا فاطمة فالحديث فيها مختلف تماما، فهي من النساء الكاملات بنصّ النبي صلّى اللّه عليه و اله، ففي جامع البيان للطبري 3: 358: عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «كمل من الرجال كثير و لم يكمل من النساء إلّا أربع: آسية بنت مزاحم، و مريم بنت عمران، و خديجة بنت خويلد، و فاطمة بنت محمد».

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:150

بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فلمّا سمعت بذلك فاطمة أتت النبي صلّى اللّه عليه و اله فقالت له: إنّ قومك يتحدّثون أنّك لا تغضب لبناتك، و هذا عليّ ناكح ابنة أبي جهل.

قال المسور: فقام النبي صلّى اللّه عليه و اله فسمعته حين تشهّد ثم قال: «أمّا بعد، فإنّي أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدّثني فصدّقني، و إنّ فاطمة بنت محمد مضغة منّي، و إنّني أكره أن يفتنوها، و إنّها و اللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و بنت عدوّ اللّه عند رجل واحد أبدا». فترك عليّ الخطبة.

و في رواية: «فإنّما ابنتي بضعة منّي، يريبني ما رابها، و

يؤذيني ما آذاها».

و في رواية: «فمن أغضبها أغضبني» «1».

______________________________

(1). صحيح البخاري 3: 1364، صحيح مسلم 4: 1902.

و في هذه القصّة التي رواها المسور بن مخرمة، نظر:

أولا: اضطراب القصة تاريخيا: فقد ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب 10: 138 أنّ الخطبة وقعت بعد ستّ سنين أو سبع من ولادة المسور. و ولادة المسور في السنة الثانية للهجرة بالاتّفاق كما سيأتي، فتكون القصّة في السنة الثامنة للهجرة. مع أنّ جويرية بنت أبي جهل كانت في ذلك الزمان من الكفّار، و كانت بمكة و لم تسلم إلّا بعد عام الفتح. قال في شرح النهج 17: 283: «عند ما دخل النبي صلّى اللّه عليه و اله إلى مكة عام الفتح كانت جويرية من الكفّار، و لمّا أذّن بلال، قالت: أمّا الصلاة فسنصلّي و لكن و اللّه لا نحبّ من قتل الأحبّة أبدا». فإذا كانت في تلك السنة من الكفّار و بمكة، فكيف خطبها علي عليه السّلام؟! و قد كان نكاح الكافرات محرّما قبل ذلك الزمان، و معلوما لكلّ المسلمين، عالمهم و جاهلهم، أفهل يعقل أن يقدم عليّ على خطبة كافرة و هو أعلم الصحابة و أفقههم بالحلال و الحرام؟! و هذا لوحده كاف في إسقاط هذه الرواية و الحكم عليها بالوضع، و لذا استبعده ابن حجر و غيره.

ثانيا: حال المسور بن مخرمة: فقد قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 3: 394: «ولد بعد الهجرة بعامين»، و مثله في تهذيب التهذيب 10: 138، و الثقات لابن حبّان 3: 394، و مشاهير علماء الأمصار له أيضا: 43. و تقدّم عن ابن حجر أنّ حادثة القصّة وقعت في السنة الثامنة. فيكون حينئذ عمر المسور في تلك السنة ستّ سنين! فلا يصحّ له

سماع، ثم كيف سمع من النبي لوحده-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:151

______________________________

- دون بقيّة الصحابة؟ و هو يقول: صعد النبي صلّى اللّه عليه و اله على المنبر، أفهل كان المسجد خاليا إلّا من طفل عمره ست سنين؟!!! و هل كان النبي صلّى اللّه عليه و اله يتحدّث بهذا الأمر المهمّ و يعطي حكما شرعيا بعدم جواز الجمع بين بنت نبي اللّه و بنت عدوّ اللّه، و يبيّن فضيلة الزهراء و أنّه يؤذيه ما يؤذيها، و المسجد خال من الصحابة إلّا من طفل لا يتجاوز السادسة من عمره؟!!!

و جاء في الثقات لابن حبّان 3: 394، و التعديل و التجريح للباجي 2: 832، و مشاهير علماء الأمصار، لابن حبّان: 43، و تهذيب التهذيب 10: 138: «إنّ المسور ولد في السنة الثانية للهجرة بمكة، و قدم به سنة ثمان في النصف من ذي الحجة و هو ابن ستّ سنين» يعني أواخر السنة الثامنة تماما! و هذا معناه: أنّ المسور لم يكن في المدينة في السنة الثامنة و هي سنة الخطبة المزعومة، فتبيّن أنّ عمر المسور ستّ سنين، و هو لم يكن في المدينة بل جاء إليها في أواخر السنة الثامنة كما هو ظاهر.

ثم إنّه قال: سمعت النبي صلّى اللّه عليه و اله على المنبر و كنت محتلما، أي بالغا، مع أنّ كلّ المؤرّخين اتّفقوا على أنّ ولادة المسور كانت في السنة الثانية للهجرة، فيكون عمره عند وفاة النبي صلّى اللّه عليه و اله ثمان سنين، و في زمان القصّة يكون ستّ سنين، و لذا اعتبر ابن حجر ذلك مشكل المأخذ، قال في تهذيب التهذيب 10: 139: «و هو مشكل المأخذ؛ لأنّ المؤرّخين لم يختلفوا أنّ مولده كان بعد الهجرة، و

قصّة الخطبة كانت بعد مولد المسور بنحو ست سنين أو سبع، فكيف يسمّى محتلما».

و أمّا حال المسور، فهو على دين الخوارج، بل هو من أعيانهم.

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 3: 391: «قال الزبير بن بكّار: كانت الخوارج تغشّاه و ينتحلونه».

و قال ابن عبد البرّ في الاستيعاب 3: 456: «كانت تغشّاه الخوارج و تعظّمه و تبجّل رأيه».

و هذا صريح في أنّ رأيه موافق لرأي الخوارج خصوصا في علي عليه السّلام، و لو كان رأيه مخالفا لهم في علي لكفّروه على ذلك كما كفّروا غيره.

ثالثا: أنّ هذا الحديث: «فاطمة بضعة منّي، يريبني ما أرابها و يؤذيني ما يؤذيها» و الحديث الآخر «فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني» مرويّان في أكثر المتون الحديثية من دون قصة الخطبة، كما في صحيح البخاري 3: 1361، صحيح مسلم 4: 1903، فضائل الصحابة لأحمد: 78، السنن الكبرى للنسائي 5: 97، المعجم الكبير 22: 404 بعدّة طرق، كنز العمال-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:152

و في الحديث فضيلة للزهراء عليها السّلام و خصيصة خصّها اللّه بها، و هي عدم الجمع بينها و بين بنت عدوّ اللّه في النكاح، خوفا من فتنتها و من إيذائها «1»، و ذلك يؤثّر على النبي صلّى اللّه عليه و اله و يؤذيه لأنّها قطعة لحم منه.

و فيه دليل على تحريم إذاية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بكلّ وجه و إن كان بفعل مباح، و فيه دليل على أنّ إذاية أهل بيته و ذرّيته أذى له صلّى اللّه عليه و اله.

______________________________

- 12: 112، تهذيب الكمال 35: 250، سبل الهدى 11: 162، ينابيع المودّة 2: 53 عن الترمذي، و قال: «صحيح»، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 526، الآحاد و

المثاني 5: 361 بعدّة طرق، البيان و التعريف 1: 116 رقم 271 و قال: «أخرجه الشيخان و أبو داود و الإمام أحمد و غيرهم»، كشف الخفاء 2: 80 رقم 1829 و قال: «رواه الشيخان عن المسور بن مخرمة، و رواه أحمد و الحاكم و البيهقي» الإصابة 8: 265، مصابيح السنّة 2: 522، شرح السنّة 8: 120، مناقب ابن المغازلي: 284، الفردوس 3: 161، شرح المواهب اللدنّية 4: 335، مشكاة المصابيح 3: 369.

و غير ذلك كحاشية السندي و فتح الباري و الجامع الصغير و الفيض القدير و نظم درر السمطين.

و هذا يقوّي أنّ هذه القصّة مفتعلة و ملصقة بهذا الحديث.

رابعا: أنّ هذه القصة تكذّبها سيرة أمير المؤمنين عليه السّلام، فلم يعهد منه أنّه خالف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، بل لم ينقل التاريخ أنّه عمل عملا يكرهه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فكيف يفعل ما يؤذي النبي صلّى اللّه عليه و اله؟! و هذا الأمر معلوم لمن راجع سيرة الإمام علي عليه السّلام مع النبي صلّى اللّه عليه و اله.

خامسا: أنّ في هذه القصة إساءة للنبي صلّى اللّه عليه و اله لأنّ التزوّج بأربع نسوة حلال محلّل، فكيف ينهى عنه النبي صلّى اللّه عليه و اله و يتأذّى منه؟!!!

فلو قيل: إنّ الحكم هو (حرمة الجمع بين بنت نبي اللّه و بين بنت عدوّ اللّه) قلنا: هذا باطل، لأنّ عثمان بن عفّان جمع بين رقية و بين رملة بنت عدوّ اللّه شيبة (أسد الغابة 5: 459، الطبقات الكبرى 8: 239، الإصابة 8: 142) فلما ذا لم ينه النبي صلّى اللّه عليه و اله عن ذلك؟

و لو قيل: إنّ الحكم مختصّ بعلي و فاطمة،

فجوابه: ما هو الدليل على التخصيص؟ و لو وجد المخصّص فكيف لم يعلم به أعلم الصحابة و أفقههم و باب مدينة علم النبي صلّى اللّه عليه و اله؟!

(1). لكن عثمان جمع بين رقية و بين رملة بنت عدوّ اللّه شيبة، إلّا إذا قلنا: إنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله لم يخف على رقية من الفتنة! أو أنّ رقية كانت من ربائب النبي صلّى اللّه عليه و اله و ليست من بناته.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:153

ملحوظة هامّة: قد تعلّقت الشيعة بهذا الحديث مع حديث عائشة في طلب فاطمة ميراثها من أبي بكر و قوله لها: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال: «لا نوّرث، ما تركناه صدقة» الحديث. و فيه: فغضبت فاطمة عليها السّلام فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت، و هو في صحيح البخاري «1».

فغضبها هذا رضي اللّه تعالى عنها لا يؤثّر على النبي صلّى اللّه عليه و اله، و لا يوجب له إذاية، لأنّ الصدّيق كان بارّا في عمله، مطيعا للّه و لرسوله، عاملا بما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و حكم به «2».

______________________________

(1). يذكر أنّ في صحيح البخاري 4: 1549 و 6: 2474: «فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت، ... و لم يؤذن بها أبا بكر» صحيح مسلم 3: 1380 و فيه: «دفنها علي ليلا و لم يؤذن بها أبا بكر، و صلّى عليها علي» صحيح ابن حبّان 11: 153، الطبقات الكبرى 2: 315، تاريخ المدينة 1: 197، تاريخ الطبري 2: 448، البداية و النهاية 5: 306 و فيه: «عن عروة عن عائشة: فغضبت فاطمة و هجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت» السيرة النبويّة لابن

كثير 4: 567 و فيه:

«فهجرته فاطمة فلم تكلّمه حتّى ماتت، رواه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر» مسند الشاميّين 4: 198، سير أعلام النبلاء 2: 121، الثقات 2: 164، نصب الراية 2: 360.

و في الإمامة و السياسة لابن قتيبة 1: 20: «فقالت: أرأيتكما إن حدّثتكما حديثا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تعرفانه و تفعلان به؟ قالا: نعم، قالت: نشدتكما اللّه ألم تسمعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «رضا فاطمة من رضاي، و سخط فاطمة من سخطي، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني، و من أرضى فاطمة فقد أرضاني، و من أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا: نعم، سمعناه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، قالت: فإني أشهد اللّه و ملائكته أنّكما أسخطتماني و ما أرضيتماني، و لئن لقيت النبي صلّى اللّه عليه و اله، لأشكونّكما إليه، فقال أبو بكر: أنا عائذ باللّه، فقالت: و اللّه لأدعونّ اللّه عليك في كلّ صلاة أصلّيها.

فخرج أبو بكر يقول: لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي».

و الهجران: القطيعة (النهاية في غريب الحديث 4: 42). و الهجران و التباعد و المباغضة بمعنى واحد. راجع القاموس المحيط 3: 70 و 4: 121، و الصحاح 3: 1268.

(2). أمّا حديث «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث، ما تركناه صدقة» ففيه تأمّل نسجّله هاهنا:-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:154

______________________________

- أوّلا: مخالفته لنصوص الكتاب كقوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (النساء: 11) و قوله تعالى: وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (النساء: 7). و الآيات مطلقة في بيان قانون الإرث و الوارث، و اللفظ فيهما عامّ لا يجوز

تخصيصه إلّا بدليل قاطع، و هذا الخبر من أخبار الآحاد لا يوجب علما.

ثانيا: أنّه مخالف لنصوص الكتاب الدالّة على حصول التوارث حتّى عند الأنبياء، كقوله تعالى:

فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (مريم: 5- 6) و قوله تعالى: وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ (النمل: 16) و الآيات صريحة في وقوع التوارث.

و لو قيل: إنّه يرث النبوّة، فهو باطل من وجهين:

الاوّل: أنّه قال: يرثني و يرث من آل يعقوب، و ليس كل آل يعقوب من الأنبياء.

و الثاني: أنّه لو كان النبي صلّى اللّه عليه و اله يورّث النبوّة لأصبح كلّ بني آدم من الأنبياء، و لصارت الزهراء و ذرّيتها من الأنبياء على حدّ قولهم.

ثالثا: السيرة العمليّة لبعض الصحابة تكذّب هذا الحديث. فقد روى البخاري 1: 469 و غيره كالحاكم في المستدرك 3: 99 «أنّ عمر أرسل عبد اللّه بن عمر ليستأذن من عائشة أن يدفن مع صاحبه، فقالت عائشة: كنت أريده لنفسي ...» فكيف يطلب عمر الدفن هناك و المكان بحسب قولهم صدقة لعامّة المسلمين؟! و كيف تجعله عائشة لها، أو تهب منه للخليفة لكي يدفن فيه؟! مع أنّ زوجات النبي صلّى اللّه عليه و اله لا يرثن، و لم ترث واحدة منهنّ، إذ ما تركه النبي صلّى اللّه عليه و اله صدقة.

رابعا: أنّ هذا الحديث خالفه أعلم الصحابة و أفقههم و باب مدينة علم النبي صلّى اللّه عليه و اله، قولا و فعلا، و مطالبته مع الزهراء بفدك و العوالي و حقّهما من الإرث كاف في ذلك؛ لقول النبي صلّى اللّه عليه و اله «علي مع الحقّ و الحقّ مع علي، و لن يفترقا» تاريخ دمشق 42: 449،

تاريخ بغداد 14: 322، البداية و النهاية 7: 398 عن أبي سعيد و أمّ سلمة. و لقوله صلّى اللّه عليه و اله: «اللّهم أدر الحقّ معه حيث دار» مستدرك الحاكم 3: 135 و صحّحه، تاريخ دمشق 30: 63، مناقب الخوارزمي: 104. و لقوله صلّى اللّه عليه و اله: «علي الفاروق بين الحقّ و الباطل» ميزان الاعتدال 1: 188، لسان الميزان 1: 469، مناقب الخوارزمي: 105، ينابيع المودّة 2: 234 و قال: «رواه صاحب الفردوس».

خامسا: كما أنّ هذا الحديث خالفته سيدة نساء العالمين و سيدة نساء أهل الجنة، و هي التي يرضى اللّه لرضاها و يغضب لغضبها، و المطهّرة بنصّ الكتاب، و معارضتها للحديث بقولها و فعلها مشهود.-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:155

و الحديث الذي استدلّ به الصدّيق على الزهراء رضي اللّه تعالى عنها متواتر، رواه عمر و عثمان و علي و العباس و طلحة و الزبير و ابن عوف و ابن أبي وقّاص و أبو هريرة

______________________________

- سادسا: أنّ بعض ما تركه النبي صلّى اللّه عليه و اله كالدرع و السيف و العمامة و البغلة و غيرها، أخذها علي عليه السّلام و بقيت عنده، فكيف جاز لهم ترك ذلك عنده عليه السّلام و هي من تركة النبي صلّى اللّه عليه و اله مع أنّه صلّى اللّه عليه و اله قال:

لا نورّث؟! فإن أعطوها بعنوان الميراث فقد ناقضوا أنفسهم و أبطلوا دعواهم، و إن أعطوها بعنوان الصدقة فالصدقة محرّمة على أهل البيت بالإجماع، و إن تركوها فقد فرّطوا في صدقات المسلمين و ضيّعوها.

و إن قيل: أخذها علي عنوة، فباطل؛ لأنّها من الصدقات، و هي محرّمة على أهل البيت، فلم يبق إلّا أنّه عليه السّلام أخذها بعنوان الميراث.

سابعا: المشهور أنّ

فدك ليست من الميراث، بل هي نحلة نحلها النبي صلّى اللّه عليه و اله لفاطمة، و هبة خالصة، و هي من أموالها، و كانت يدها عليها في حياة النبي صلّى اللّه عليه و اله.

فعن أبي سعيد الخدري قال: لمّا نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ (الإسراء: 26) دعا فاطمة فأعطاها فدكا و العوالي و قال: «هذا قسم قسمه اللّه لك و لعقبك». شواهد التنزيل للحاكم 1: 441 و 443 عن أبان، و الدرّ المنثور 5: 273 و قال: «أخرجه البزّار و أبو يعلى و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري» انتهى.

و عن ابن عباس قال: لمّا نزلت وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ أقطع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فاطمة فدكا. الدر المنثور 5: 273 و قال: «أخرجه ابن مردويه»، و مثله في شواهد التنزيل للحاكم 1: 483 عن أبي سعيد، و كذا في مناقب ابن مردويه: 196 رقم 270.

ففدك كانت هبة من النبي صلّى اللّه عليه و اله لفاطمة و تحت يدها، و أنّ اليد تدلّ على الملكية.

ثم لو كانت فدك من الصدقات، فكيف أقطعها عثمان لمروان بن الحكم خالصة له؟! و بقيت عند ولده إلى زمن عمر بن عبد العزيز فردّها إلى ولد فاطمة.

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 5: 129: «عمر بن عبد العزيز أرجع فدكا إلى بني هاشم، و قال:

أنشدكم اللّه إنّي قد رددتها على ما كانت عليه في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله»، فعمر بن عبد العزيز يرى أنّ فدكا كانت لبني هاشم في زمن النبي صلّى اللّه عليه و اله و ليست من

التركة و لا من أموال النبي صلّى اللّه عليه و اله.

و أصرح منه ما نقله في معجم البلدان 4: 239 «إنّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله بالمدينة يأمره بردّ فدك إلى ولد فاطمة»، و هذا و ما تقدّم يدلّ على أنّها ليست من الصدقات في شي ء.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:156

و عائشة غيرهم «1».

فإعراض الشيعة عن الحديث و تعلّقهم بالمتشابه هو من الضلال بمكان.

و لذا قال ابن كثير في «البداية و النهاية»: هذا الهجران فتح على فرقة الرافضة شرّا عريضا، و جهلا طويلا، و أدخلوا أنفسهم بسببه فيما لا يعنيهم، و لو تفهّموا الأمور على ما هي لعرفوا للصدّيق فضله، و قبلوا منه عذره الذي يجب على كلّ أحد قبوله ... إلى آخر كلامه «2».

و قال أيضا: و أمّا تغضّب فاطمة- رضي اللّه تعالى عنها و أرضاها- على أبي بكر فما أدري ما وجهه؟ فإن كان لمنعه إياها ما سألته من الميراث، فقد اعتذر إليها بعذر يجب قبوله، و هو ما رواه عن أبيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «لا نوّرث، ما تركناه صدقة» و هي ممّن تنقاد لنصّ الشارع الذي خفي عليها قبل سؤالها الميراث، كما خفي على أزواج النبي صلّى اللّه عليه و اله حتّى أخبرتهنّ عائشة بذلك و وافقنها عليه، و ليس نظنّ بفاطمة أنّها اتّهمت الصدّيق فيما أخبرها به، حاشاها و حاشاها من ذلك «3».

و قال الكرماني: و أمّا غضب فاطمة رضي اللّه تعالى عنها فهو أمر جعل على مقتضى البشرية و سكن بعد ذلك، أو الحديث كان متأوّلا عندها بما فضل من معاش

______________________________

(1). الحديث تفرّد به أبو بكر، و أمّا الخليفتان عمر و عثمان و عائشة

فقد خالفوا الخبر بسيرتهم العملية كما تقدّم، و أمّا علي عليه السّلام فقد عارض الحديث قولا و فعلا، و معارضته مع الزهراء دليل قاطع على ذلك، و أمّا العباس فقد طالب بحقّه حتى في زمان عمر، و البقيّة أخذوه من أبي بكر سماعا. و لو راجعت الخبر لم تجد أحدا يقول: سمعت من النبي صلّى اللّه عليه و اله قال ذلك، غير أبي بكر، نعم شهد لأبي بكر به أوس بن الحدثان النضري، و قد صرّح البخاري في التاريخ الكبير 7: 305 أنّه لم تصحّ له صحبة، و كذا الرازي في الجرح و التعديل 8: 203 قال: «لا يصحّ له صحبة».

(2). لم نجد ما يدلّ على ترجيح قول ابن كثير، فالحديث: مخدوش سندا و دلالة، و هو معارض بالعشرات غيره.

(3). البداية و النهاية 5: 307، السيرة النبوية لابن كثير 4: 569. و كلامه فيه تهافت كما هو واضح.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:157

الورثة و ضروراتهم و نحوها، و أمّا هجرانها فمعناه: انقباضها عن لقائه، لا الهجران المحرّم من ترك السلام و نحوه «1».

و يؤيّد ما قاله، ما جاء في رواية عن أحمد فإنّ فيها: «فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك» و الوجد لا يدلّ على الهجران «2».

فاطمة من فواضل نساء أهل الجنّة «3»

عن ابن عباس رضى اللّه عنه قال:

خطّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في الأرض أربعة خطوط قال: «تدرون ما هذا؟» فقالوا: اللّه و رسوله أعلم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد، و فاطمة بنت محمد، و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، و مريم ابنة عمران» «4»، عليهنّ من اللّه السلام و الرضوان.

______________________________

(1). الكرماني على شرح البخاري 11: 115

كتاب الفرائض، و فيه كما في سابقه.

(2). لم نعثر على هذا الكلام في مسند أحمد رغم مراجعة أكثر من نسخة. و يبدو هذا الكلام من التأويل، مضافا إلى أنّه معارض بما نقله البخاري في الصحيح «فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت و لم يؤذن بها أبا بكر» صحيح البخاري 4: 1549 و 6: 2474، و في صحيح مسلم 3: 1380 «فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت» و بهذا اللفظ في صحيح ابن حبّان 11: 153، و مسند الشاميّين للطبراني 4: 198، و نقله بهذا المعنى غير واحد، فراجع ما تقدّم.

(3). أقول: هذا العنوان (من فواضل نساء أهل الجنّة) ليس معناه التساوي مع بعض الفواضل، بل الوارد في النصوص الصحيحة في الصحاح و المسانيد و المتون و الشروح «فاطمة سيّدة نساء أهل الجنة». فيكون المعنى: أنّ أفضل نساء أهل الجنة أربع، و سيّدتهنّ فاطمة.

(4). مستدرك الحاكم 2: 539 و صحّحه و وافقه الذهبي، فضائل الصحابة لأحمد: 74، السنن الكبرى للنسائي 5: 93، البداية و النهاية 2: 72 و قال: «رواه النسائي من طرق»، قصص الأنبياء لابن كثير 2: 377، ينابيع المودّة 2: 58.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:158

أفضل النساء: هؤلاء النسوة، هنّ الكاملات من سائر نساء الأمم.

و يضاف إليهنّ من هذه الأمّة عائشة، و من غيرها أمّنا حوّاء و أمّ موسى «1».

و قد أشاد القرآن الكريم بذكر مريم و آسية و أمّ موسى، و قصصهنّ من أعاجيب قصص القرآن، و لا سيما مريم، فإنّها الأنثى الوحيدة التي خصّها اللّه من سائر نساء البشر بالولادة بدون تلقيح ذكر، و لا مسيس بشر، و جعلها تعالى و ابنها آية للعالمين.

أمّا خديجة و عائشة، فكتب السنّة المشرّفة تزخر

بفضائلهما و خصائصهما.

و خديجة هي حبيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و زوجته الأولى الطاهرة الحسيبة الكريمة، أمّ بناته و أولاده، و في أيامها أكرمه اللّه تعالى بالرسالة و الوحي الإلهي، و هي التي كان الفضل الأول لها في الإيمان به صلّى اللّه عليه و اله من سائر النساء و الرجال، و كانت تواسيه بمالها، و تدعمه بجاهها، توفّيت قبل الهجرة و لها من العمر خمسون سنة و قد وجد عليها وجدا شديدا، و كان لا يزال يذكرها «2» ...

______________________________

(1). هذا على خلاف النصّ، و أمّا رواية الطبراني المتقدّمة فتدلّ على الحصر و الاختصاص بالأربعة فقط بدليل الاستثناء (لم يكمل من النساء إلّا ...). و للبقيّة كهاجر و سارة و أمّ موسى و غيرهنّ لكلّ منها فضلها.

(2). قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 2: 11: «و كان النبي صلّى اللّه عليه و اله يفضّلها على سائر أمّهات المؤمنين و يبالغ في تعظيمها بحيث إنّ عائشة كانت تقول: ما غرت من امرأة ما غرت من خديجة من كثرة ذكر النبي لها» و قال في 2: 140: «جزمت بأفضليّة خديجة على عائشة لأمور» و قال في 2: 117: «قالت عائشة: ذكر النبي صلّى اللّه عليه و اله خديجة، فنلت منها و قلت: عجوز أبدلك اللّه بها خيرا منها، فقال صلّى اللّه عليه و اله: «ما أبدلني اللّه خيرا منها، لقد آمنت بي حين كفر الناس، و أشركتني في مالها حين حرمني الناس، و رزقني اللّه ولدها و حرمني ولد غيرها» و مثله مسند أحمد 6: 118، المعجم الكبير 23: 13، الإصابة 8: 103، البداية و النهاية 3: 158 و قال صلّى اللّه عليه و اله:

«لقد فضّلت خديجة على نساء أمّتي كما فضّلت مريم على نساء العالمين» فتح الباري 7: 514 و قال: «حديث حسن الإسناد»، و تحفة الأحوذي 10: 348 و قال: «حديث حسن»، و فيض القدير 3: 432، و ذكره بطوله في تاريخ دمشق 70: 114 و ذكر سبب قول النبي صلّى اللّه عليه و اله ذلك فراجع.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:159

و اختلف فيها مع بنتها فاطمة أيّهما أفضل، و الصحيح أنّ فاطمة أفضل رضي اللّه تعالى عنهما «1».

فاطمة أحبّ النساء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله

و عن بريدة رضى اللّه عنه قال:

كان أحبّ النساء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فاطمة، و من الرجال علي «2».

زهد فاطمة في الدنيا و تقشّفها

عن علي رضي اللّه تعالى عنه:

أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لمّا زوّجه فاطمة بعث معه بخميلة «3» و وسادة من أدم حشوها

______________________________

(1). قال السبكي الكبير: «الذي نختاره و ندين اللّه به أنّ فاطمة أفضل ثم خديجة»، فتح الباري 7: 519، تحفة الأحوذي 10: 349 و زاد عليه: «و الحقّ أحقّ أن يتّبع».

و قال الزرقاني: «الزهراء البتول أفضل نساء الدنيا حتّى مريم، كما اختاره المقريزي و الزركشي و القطب الخيضري و السيوطي في كتابيه ...» إلى آخره، شرح المواهب 2: 357.

و قال أبو بكر ابن داود: «لا أعدل ببضعة رسول اللّه أحدا» سبل الهدى 10: 328.

(2). مستدرك الحاكم 3: 168 و صحّحه و وافقه الذهبي، الجامع الصحيح للترمذي 5: 698، المعجم الأوسط 8: 130، تاريخ دمشق 42: 260، سير أعلام النبلاء 2: 131، ينابيع المودّة 2: 54، نظم المتناثر في الحديث المتواتر: 207 و قال: «الحقّ أنّ فاطمة لها الأحبّية المطلقة، ثبت ذلك في عدّة أحاديث أفاد مجموعها التواتر المعنوي، و ما عداها فعلى معنى من أو اختلاف الجهة».

هذا و قال المصنّف في الهامش: «هو نصّ في أنّ فاطمة عليها السّلام كانت أحبّ النساء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إطلاقا بما فيهنّ سائر بناته و زوجاته، فضلا عن غيرهنّ من الصحابيات، و في ذلك ما لا يخفى من مزيد الفضل» انتهى.

(3). الخميلة: القطيفة: و هي كلّ ثوب له خمل من أي شي ء كان، و قيل: الخميل هو الأسود من الثياب. (النهاية في غريب الحديث 2: 81).

الأنوار الباهرة،

التليدي ،ص:160

ليف، و رحيين و سقاء و جرّتين، فقال علي لفاطمة رضي اللّه تعالى عنهما ذات يوم:

و اللّه لقد سنوت «1» حتّى لقد اشتكيت صدري، قال: و قد جاء اللّه أباك بسبي، فاذهبي فاستخدميه «2»، فقالت: و أنا و اللّه قد طحنت حتّى مجلت يداي «3»، فأتت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله، فقال: ما جاء بك أي بنيّة؟ قالت: جئت لأسلّم عليك، و استحيت أن تسأله و رجعت، فقال: ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله، فأتيناه جميعا، فقال علي رضي اللّه تعالى عنه: يا رسول اللّه، و اللّه لقد سنوت حتّى اشتكيت صدري، و قالت فاطمة رضي اللّه تعالى عنها: قد طحنت حتّى مجلت يداي، و قد جاءك اللّه بسبي وسعة فأخدمنا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: و اللّه لا أعطيكما و أدع أهل الصفّة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، و لكنّي أبيعهم و أنفق عليهم أثمانهم. فرجعا فأتاهما النبي صلّى اللّه عليه و اله و قد دخلا قطيفتيهما إذا غطّت رؤوسهما تكشّفت أقدامهما، و إذا غطّيا أقدامهما تكشّفت رؤوسهما، فثارا «4»، فقال: مكانكما، ثم قال: ألا أخبركما بخير ممّا سألتماني؟ قالا: بلى، فقال: كلمات علّمنيهنّ جبريل عليه السّلام فقال: تسبّحان في دبر كلّ صلاة عشرا، و تحمدان عشرا، و تكبّران عشرا، و إذا أويتما إلى فراشكما فسبّحا ثلاثا و ثلاثين، و احمدا ثلاثا و ثلاثين، و كبّرا ثلاثا و ثلاثين، قال: فو اللّه ما تركتهنّ منذ علّمنيهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فقال له ابن الكوّاء «5»: و لا ليلة صفّين؟ فقال: قاتلكم اللّه يا أهل العراق، نعم و لا ليلة صفّين «6».

______________________________

(1). سنا: سقى.

(2). أي:

اطلبي منه خادما.

(3). مجلت: تقرّحت

(4). أي: قاما و نهضا.

(5). ابن الكوّاء، اسمه عبد اللّه، و كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام ثم صار من الخوارج المارقين، و كان من زعماء الحرورية.

(6). مسند أحمد 1: 106، الإصابة 8: 267، البداية و النهاية 6: 366، الطبقات الكبرى 8: 25، سبل الهدى 11: 48.-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:161

و الحديث يدلّ على ما كان عليه حال مولاتنا فاطمة مع زوجها عليّ- رضي اللّه تعالى عنهما- من كامل الزهد و التقشّف و التواضع في الحياة، و العزوف عن الترف و البذخ، و لا غرو فإنّه بيت النبوة و معدن التقوى و الفضائل، فكلّ نور و علم و خير و صلاح فهم أصله و أساسه.

و في الحديث اختياره صلّى اللّه عليه و اله لا بنته ما اختاره لنفسه من الزهد في الحياة، و إيثار الآخرة على الدنيا، و الصبر على شظف العيش و مشاقّه، و إيثاره صلّى اللّه عليه و اله الغير من الفقراء عليها ترفّعا لها عن الرفاهية، و إبعادا لها عن التشبّه بأهل الدنيا المنعّمين، و ذلك لما لها في الآخرة من مزيد الثواب، و علوّ المقام و السيادة على غيرها.

و فيه: إشارة إلى أنّه ينبغي للمسلم أن يأخذ في حياته بالأفضل، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله أرشد ابنته و زوجها إلى ذكر اللّه عزّ و جلّ و تقوية الروح بدل الخادم، و قال لهما: هو خير لكما من خادم، ذلك أنّ الذكر خير عند اللّه ثوابا و خير أملا، بخلاف الخادم فإنّه تمتّع فان زائل.

و فيه: المحافظة على ما يرتّبه المسلم على نفسه من وظائف الذكر و العبادة و لو في أوقات الشدائد و المهالك، و

الذكر الذي علّمهما إيّاه أفضل ما يذكره المسلم.

فقد جاء في الحديث الصحيح عنه صلّى اللّه عليه و اله: «أحبّ الكلام إلى اللّه أربع: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر، لا يضرّك بأيّهن بدأت» رواه مسلم و غيره «1».

______________________________

- و هذا التسبيح يسمّى بتسبيح فاطمة أو تسبيح الزهراء، و قد روي في أحاديث أخر غير ما ذكره المصنّف، انظر: صحيح البخاري 5: 2051، مسند أحمد 1: 144 و 147 و 2: 166، سنن الدارمي 2: 291، مستدرك الحاكم 3: 164 و صحّحه و وافقه الذهبي، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 38، السنن الكبرى للنسائي 6: 204، صحيح ابن حبّان 12: 339، الأذكار النووية: 89، مسند أبي يعلى 1: 237 و 287 و 420 و 436، تاريخ بغداد 3: 233، تاريخ دمشق 50: 18، الإصابة 8: 268، تهذيب الكمال 21: 254، نظم درر السمطين: 190.

(1). صحيح مسلم 3: 1685.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:163

الباب الرابع في مناقب الحسن و الحسين عليهما السّلام و ما اشتركا فيه من المناقب

اشارة

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:165

الحسنان ريحانتا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله

عن ابن عمر رضى اللّه عنه:

أنّ رجلا من أهل العراق سأله عن دم البعوض يصيب الثوب، فقال ابن عمر:

انظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض و قد قتلوا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «إنّ الحسن و الحسين هما ريحانتاي من الدنيا» «1».

رحمة رسول اللّه بالحسنين

و عن بريدة رضي اللّه تعالى عنه قال:

كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يخطبنا إذ جاء الحسن و الحسين عليهما قميصان أحمران

______________________________

(1). صحيح البخاري 3: 1371 و 5: 2234، الجامع الصحيح للترمذي 5: 657، مسند الطيالسي:

261، مسند أبي يعلى 10: 106، المعجم الكبير 3: 127، الإصابة 2: 68، سير أعلام النبلاء 3: 281، تهذيب الكمال 6: 401، تاريخ دمشق 14: 129 بطريقين، البداية و النهاية 8: 223، كنز العمّال 12: 114 و 13: 673، ينابيع المودّة 3: 10.

و عن أبي أيّوب قال: دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و حسن و حسين يلعبان بين يديه و في حجره، فقلت: يا رسول اللّه، أتحبّهما؟ قال: «و كيف لا أحبّهما و هما ريحانتاي من الدنيا أشمّهما».

أخرجه في المعجم الكبير 4: 156، كنز العمّال 12: 122، سبل الهدى 11: 59، و في كشف الأستار 3: 225 عن سعد، و في كنز العمال 12: 113 عن أنس و أبي بكرة.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:166

يمشيان و يعثران، فنزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من المنبر فحملهما و وضعهما بين يديه، ثم قال: «صدق اللّه أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ نظرت إلى هذين الصبيّين يمشيان و يعثران، فلم أصبر حتّى قطعت حديثي و رفعتهما» «1».

الحسنان سيّدا شباب أهل الجنّة

و عن أبي سعيد الخدري رضى اللّه عنه قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنّة» «2».

______________________________

(1). الجامع الصحيح للترمذي 5: 658، مسند أحمد 5: 354، السنن الكبرى للنسائي 3: 218، صحيح ابن حبّان 13: 403، تاريخ دمشق 14: 161، تهذيب الكمال 6: 403.

(2). الجامع الصحيح للترمذي 5: 656 و قال: «صحيح»، تحفة

الأحوذي 10: 253 و قال: «هذا الحديث مرويّ عن عدّة من الصحابة من طرق كثيرة، و لذا عدّه السيوطي من المتواترات».

الجامع الصغير 1: 441 و قال: «صحيح عن عمر و علي و جابر و أبي هريرة و أسامة و البراء و ابن مسعود»، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 512، مسند أحمد 3: 3 و 62 و 82، مجمع الزوائد 9: 292 عن عمر، و 294 عن جابر و أسامة و البراء و قال: «رواه الطبراني و إسناده حسن»، السنن الكبرى للنسائي 5: 149 بعدّة طرق في أحدها: «ما استثني أحدا»، المعجم الكبير 3: 35 و 36 و 37 و 38، فيض القدير 3: 414 و قال: «قال الترمذي: صحيح، و قال المصنّف، هذا متواتر»، نظم المتناثر في الحديث المتواتر: 207 و ذكر أسماء الصحابة الذين رووه ثم قال: «نقل في فيض القدير، و في التيسير عن السيوطي: أنّه متواتر»، سير أعلام النبلاء 3: 521 و قال: «صحّحه الترمذي»، الإصابة 2: 63 و قال: «و له طرق»، تهذيب الكمال 32: 243، تاريخ دمشق 14: 130، كشف الخفاء 1: 318، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 123 و 124 و زاد في آخره: «ما استثني من ذلك»، تاريخ بغداد 2: 181 و 6: 369 و 11: 91 و 12: 4.

و قد ورد هذا المعنى و بهذا اللفظ في ضمن أحاديث أخر:

منها: عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، و أبوهما خير منهما». سنن ابن ماجة 1: 44، مستدرك الحاكم 3: 182 و صحّحه و وافقه الذهبي، الجامع-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:167

الحسنان محبوبان للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و اله

عن البراء بن عازب رضى اللّه عنه:

أنّ

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أبصر حسنا و حسينا فقال: «اللّهم إنّي أحبّهما فأحبّهما» «1».

و في الحديث فضيلة هامّة للحسنين، حيث إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أخبر بأنّه يحبّهما، و سأل اللّه عزّ و جلّ أن يحبّهما، و من أحبّه اللّه و رسوله فقد سعد و فاز، و أحرز على كلّ خير من خيري الدنيا و الآخرة، فهنيئا لهما لذلك.

محبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله منوطة بمحبّة الحسنين

عن ابن مسعود رضى اللّه عنه قال:

______________________________

- الصغير 1: 441 و قال: «صحيح»، فيض القدير 3: 415، المعجم الكبير 3: 38 و 39، و 19: 292، مجمع الزوائد 9: 293 بعدّة طرق في أحدها: «و أبوهما أفضل منهما»، الإصابة 6: 252، كشف الخفاء 1: 28، تهذيب الكمال 6: 229، تاريخ دمشق 27: 399 و 34: 447، البداية و النهاية 8: 39 و قال: «من حديث علي و أبي سعيد و بريدة»، تاريخ بغداد 1: 150 و 10: 230.

و من الأحاديث أيضا عن حذيفة عنه صلّى اللّه عليه و اله: «إنّ ملكا استأذن ربّه أن يسلّم عليّ و يبشّرني أنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، و أنّ الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنّة». الجامع الصحيح للترمذي 5: 660، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 512، المعجم الكبير 3: 37، الجامع الصغير 1: 25 و قال: «صحيح»، مسند أحمد 5: 391، السنن الكبرى للنسائي 5: 81 و 95 و 146 عن أبي هريرة، كنز العمّال 12: 96 و 102 و 13: 64 و 665، فيض القدير 1: 105 و قال: «قال المصنّف:

فيه دلالة على فضلها على مريم»، سير أعلام النبلاء 2: 127، سبل الهدى 10: 47، تدريب الراوي 2: 225، تاريخ دمشق 12:

269، حلية الأولياء 4: 190.

و انظر أيضا المعجم الكبير 3: 40 و 58، و كنز العمّال 12: 119 و 120 و 13: 666 و 675.

(1). الجامع الصحيح للترمذي 5: 661 و قال: «حديث حسن صحيح»، مجمع الزوائد 9: 287 عن أبي هريرة و قال: رواه البزّار و إسناده حسن، و بطريق آخر عن ابن مسعود و في آخره: «و من أحبّهما فقد أحبّني» و بطريق آخر عن قرّة بن إياس.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:168

كان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يصلّي و الحسن و الحسين يثبان على ظهره فيباعدهما الناس، فقال صلّى اللّه عليه و اله: «دعوهما بأبي هما و أمّي، من أحبّني فليحبّ هذين «1».

و عن أبي هريرة رضى اللّه عنه قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «من أحبّهما فقد أحبّني، و من أبغضهما فقد أبغضني» «2» يعني:

الحسن و الحسين.

و في الحديثين فضل ظاهر لهما رضي اللّه تعالى عنهما، حيث جعلت محبّة

______________________________

(1). صحيح ابن حبّان 15: 427، المعجم الكبير 3: 47، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 511، السنن الكبرى للبيهقي 2: 263، فضائل الصحابة: 20، مجمع الزوائد 9: 287 و قال: «رواه أبو يعلى و البزّار و الطبراني باختصار، و رجال أبي يعلى ثقات».

و روي مجرّدا فقط «من أحبّني فليحبّ هذين» كما في مسند أبي يعلى 9: 250، الإصابة 2: 63، البداية و النهاية 8: 225، تاريخ دمشق 13: 200، مسند الطيالسي: 327، السنن الكبرى للنسائي 5: 50.

و قوله صلّى اللّه عليه و اله: «بأبي هما و أمي» أي: فدّيتهما، و الباء هنا باء التفدية، أي: أفدّيك بأبي و أمّي، و هذه من المناقب و الخصائص لهما عليهما السلام لم يقلها النبيّ صلّى

اللّه عليه و اله لأحد و يفدّيهما بآبائه، و لفاطمة الزهراء عليها السّلام مقام أعلى و أسمى، فقد فدّاها بنفسه المباركة و هي أفضل نفوس العالمين جميعا:

فعن سودة قالت: كنت في من حضر فاطمة حين ضربها المخاض، فجاء إليها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فقال:

«كيف هي؟ كيف ابنتي فديتها ...» تهذيب الكمال 6: 222، تاريخ دمشق 13: 169، كنز العمّال 13: 615.

(2). مستدرك الحاكم 3: 182 و صحّحه و وافقه الذهبي، سنن ابن ماجة 1: 51، مجمع الزوائد 9: 286، السنن الكبرى للنسائي 5: 49، مسند أحمد 2: 288 و 440 و 531، فضائل الصحابة لأحمد: 20، مسند ابن راهويه 1: 248، المعجم الكبير 3: 48 بعدّة طرق، مسند أبي يعلى 11: 78، كنز العمال 12: 119، الإصابة 2: 62، سبل الهدى 11: 27 عن ابن عباس، الشفاء للقاضي عياض 2: 26، تاريخ دمشق 13: 198 بعدّة طرق و 14: 132 عن ابن عباس، سير أعلام النبلاء 3: 277، البداية و النهاية 8: 40 و 223، تهذيب الكمال 6: 229 و 8: 437، نظم درر السمطين: 209، ينابيع المودّة 2: 46، كشف الأستار عن زوائد البزّار 3: 227.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:169

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله منوطة بمحبّتهما، فيكون ذلك من لوازم الإيمان، كما أنّ من أضمر لهما الحقد و البغضاء كان ممقوتا و بالتالي مبغضا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و يا لها من خيبة و من خسارة! و قد قدّمنا نحوا من هذا في الباب الأول.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:171

مناقب الحسن عليه السّلام

هو سبط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و حبّه و ريحانته و حبّ أمير المؤمنين، و هو ابن

الزهراء، و جدّ الأشراف و الذرّية الطاهرة، الصالح المصلح، الطيّب الطاهر.

ولد في رمضان في السنة الثالثة من الهجرة «1»، و ولي الخلافة بعد قتل أبيه و بايعه أربعون ألفا على القتل، ثم زهد فيها و سلّمها لمعاوية؛ زهدا في الدنيا، و حقنا لدماء المسلمين «2».

و توفّي سنة 49 ه، و قيل غير ذلك «3»، مسموما من طرف أيدي الآثمين من

______________________________

(1). أسد الغابة 2: 14، و تهذيب الكمال 6: 222، الإصابة 2: 68. و هناك أقوال أخر في ولادته عليه السّلام، منها: أنّه ولد لأربع سنين و تسعة أشهر و نصف للهجرة، و ذكر غير ذلك، راجع المصادر المتقدّمة.

(2). و ممّا يذكر أنّ الإمام الحسن عليه السّلام لم يصالح ابتداء و من دون سبب، و لولا الخيانة التي حصلت في معسكره لما اضطرّ الإمام عليه السّلام للصلح، و قد حصل معه عليه السّلام كما حصل مع أمير المؤمنين عليه السّلام في صفّين و قضيّة التحكيم و انشقاق العسكر، و لو لا ذلك ما كان عليه السّلام يصالح الفئة الباغية. و قد صالح على شروط لم يف بها معاوية. و من أراد المزيد من التفاصيل عن هذا الصلح فعليه بكتاب «صلح الحسن» للعلّامة آل ياسين رحمه اللّه.

(3). تاريخ خليفة بن خيّاط: 153، أسد الغابة 2: 14 و قال: «و قيل: سنة تسع و أربعين، و قيل: سنة خمسين، و قيل: إحدى و خمسين». الآحاد و المثاني 1: 301 و قال: «سنة ثمان و أربعين»، المعجم الكبير 3: 25.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:172

بني أميّة «1».

الحسن أصلح اللّه به بين المسلمين

و من مناقبه العظيمة التي امتاز بها و خصّه اللّه بها أنّ اللّه عزّ و جلّ حقن به دماء المسلمين، و أصلح به ما

كان بينهم من الحروب؛ تصديقا لما أخبر به النبي صلّى اللّه عليه و اله عنه.

فعن أبي بكرة رضى اللّه عنه قال:

سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله على المنبر و الحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرّة و إليه مرّة

______________________________

(1). الجوهرة للبريّ: 30 و قال: «و مات الحسن مسموما، يقال: إنّ امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس سمّته، دسّ إليها معاوية أن تسمّه، فإذا مات أعطاها أربعين ألفا و زوّجها من يزيد». عون المعبود 11: 127 و قال: «مات الحسن مسموما، سمّته زوجته جعدة بإشارة من يزيد بن معاوية سنة تسع و أربعين أو سنة خمسين». تاريخ الخلفاء: 192 و قال: «توفّي مسموما بالمدينة، سمّته جعدة بنت الأشعث، دسّ إليها يزيد بن معاوية أن تسمّه فيتزوّجها، ففعلت». المنتظم 5: 226 و قال: «فدسّ إليها يزيد أن سمّي الحسن، حتّى فعلت». أسد الغابة 2: 20، تاريخ دمشق 13: 300 و 302 و 14: 257، التعديل و التجريح للباجي 1: 475، عون المعبود 11: 127.

و يظهر من جميع المصادر المتقدّمة أنّ قاتل الإمام الحسن عليه السّلام هو معاوية، لأنّ الإمام مات في زمن معاوية، لا في زمن يزيد، و قد أظهر سروره عند سماعه ذلك، فقد روى ابن قتيبة في الإمامة و السياسة 1: 150: «كانت وفاته سنة إحدى و خمسين، فكتب عامل المدينة إلى معاوية بذلك، فأظهر فرحا و سرورا حتّى سجد و سجد من معه!!».

فالعجب ممّن يظهر الفرح و السرور و يسجد شكرا لمقتل ابن رسول اللّه و سيّد شباب أهل الجنة!! قال الحسن البصري: «أربع خصال في معاوية لو لم يكن فيه إلّا واحدة لكانت موبقة: ابتزّ هذه الأمّة أمرها بغير مشورة منهم و

فيهم بقايا الصحابة و ذوي الفضل، و استخلف ابنه بعده سكّيرا جهّيرا يلبس الحرير و يضرب بالطنابير، و ادّعى زيادا و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر»، و قتله حجرا، فيا ويله من حجر و أصحابه» تاريخ الطبري 4: 208، شرح النهج 2: 262 و قال: «نقله الزبير بن بكّار في الموفّقيات، و رواه جميع الناس ممن عنى بنقل الآثار و السير».

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:173

و يقول: «إنّ ابني هذا سيّد، و لعلّ اللّه أن يصلح به بين فئتين من المسلمين» «1».

و قد حقّق اللّه عزّ و جلّ هذه المعجزة بالحسن رضي اللّه تعالى عنه، فقد تنازل عن الخلافة، و تركها لمعاوية «2»، لا لذلّة، و لا من قلّة، بل زهدا في الملك و الحياة، و رغبة فيما عند اللّه عزّ و جلّ، و حقنا لدماء المسلمين الذين كانوا على استعداد لنشب حرب أخرى جديدة.

و بهذا الصلح الذي صدر منه رضي اللّه تعالى عنه انقضت مشكلة الخلاف، و أمن الناس، و سمّوا ذلك العام عام الجماعة «3»، و قد عتب كثير من شيعة الحسن عليه السّلام عليه

______________________________

(1). صحيح البخاري 2: 962، مسند أحمد 5: 38، السنن الكبرى للبيهقي 6: 265، مسند الطيالسي:

118، فضائل الصحابة لأحمد: 20، الأذكار النوويّة: 362، المعجم الكبير للطبراني 3: 34، السنن الكبرى للنسائي 6: 71.

لكن لدينا ملاحظة حول ذيل الحديث، فإنّه لا ينسجم مع قوله صلّى اللّه عليه و اله: «عمار تقتله الفئة الباغية»، و قد بان بعد قتل عمار ضلالهم بالقطع و اليقين، و لا ينسجم أيضا مع أمر النبي صلّى اللّه عليه و اله لعلي بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين.

نعم، يمكن

أن يقال: إنّ إطلاق لفظ الإسلام عليهم إطلاق مجازي، كما هو الحال في قول النبي صلّى اللّه عليه و اله: «ستفترق أمّتي على ثلاث و سبعين فرقة، واحدة في الجنة و البقية في النار»، فقد أطلق على الجميع لفظ أمّتي، مع أنّ أكثرها في النار، و مثله قول القائل: بعض المسلمين في النار، فإنّه من الإطلاق المجازي، و إلّا لزم التنافي و التناقض في قول النبي صلّى اللّه عليه و اله، فلو كانوا مسلمين حقيقة فكيف يأمر النبي صلّى اللّه عليه و اله بقتالهم؟! أفهل يأمر النبي صلّى اللّه عليه و اله بقتال المسلم؟! حاشاه أو أن نقول: إنّ ذيل الحديث و هو: «و لعلّ اللّه ... إلى آخره» مختلق ملصق بالحديث.

(2). لم يصالح الإمام الحسن معاوية إلّا على شروط، و لكن معاوية لم يف بها و قال في خطبته في النخيلة: «ألا إنّ كلّ شي ء أعطيته الحسن بن علي تحت قدميّ هاتين لا أفي به» مقاتل الطالبيّين:

45، شرح النهج 16: 46 و قال: «قال أبو إسحاق: و كان و اللّه غدرا».

(3). تسمية هذا العام بعام الجماعة تسمية أمويّة، و الحقّ أنّه عام المحنة، ففي هذا العام كتب معاوية للآفاق «أن برئت الذمّة ممّن روى شيئا من فضائل أبي تراب و أهل بيته» و جعل في هذا العام-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:174

في تنازله لمعاوية حتى سمّاه بعضهم عار المسلمين «1»، فكان يقول لهم: العار و لا النار، رضي اللّه تعالى عنه.

و في الحديث منقبة هامّة للحسن حيث سمّاه النبي صلّى اللّه عليه و اله سيّدا، و أنّه سيحظى بفضيلة سيخصّه اللّه بها، و هي إصلاحه بين المسلمين المتعادين.

______________________________

- سبّ عليّ على منابر المسلمين سنّة، و كتب

بذلك إلى الأمصار و الآفاق (شرح النهج 11: 44) و تتبّع شيعة أمير المؤمنين و أنصاره و صالحي هذه الأمّة و قتلهم و صلبهم، أمثال ميثم التمّار و رشيد الهجري و كميل بن زياد و حجر بن عدي و أصحابه، و كانوا من خيار الصالحين.

عن عائشة قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: يقتل بعذراء أناس يغضب اللّه لهم و أهل السماء» (البداية و النهاية 6: 252).

و قام معاوية بدفن أنصار الإمام علي عليه السّلام و هم أحياء، كما فعل بعبد الرحمان بن حسّان، دفنه حيّا بقسّ الناطف، و قتل خيار التابعين، أمثال كدام بن حيّان و قبيصة و محرز بن شهاب (تاريخ دمشق 34: 301 و 50: 111 و 49: 264 و 57: 80) و قتل الصحابي عروة بن كعب بن وائل (الإصابة 5: 116) و عمر بن الحمق الخزاعي، و طيف برأسه في الشام، و هو أول رأس يهدى و يطاف به في الإسلام (البداية و النهاية 8: 52، الإصابة 4: 515) و عبد اللّه بن يحيى الحضرمي و أصحابه، و جويرية العبدي و غيرهم.

و دام الحال من القتل و التنكيل حتّى وصل الأمر ببني أميّة أنّهم إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه (تاريخ دمشق 41: 481، تهذيب الكمال 20: 429، سير أعلام النبلاء 5: 102 و 7: 413).

(1). هذا خطأ لم يثبت تاريخيا، و الموجود: قيل له: «يا مذلّ المؤمنين» قاله سفيان بن أبي ليلى، قال:

السلام عليك يا مذلّ رقاب المؤمنين، فقال عليه السّلام: «ما جرّ هذا منك إلينا؟» فقلت: أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة، و سلّمت الأمر إلى اللعين ابن اللعين ابن آكلة الأكباد و معك

مائة ألف كلّهم يموت دونك، فقال عليه السّلام: «يا سفيان! إنّا أهل بيت إذا علمنا الحقّ تمسّكنا به، و إنّي سمعت عليا يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: لا تذهب الليالي و الأيّام حتّى يجتمع أمر هذه الأمّة على رجل واسع السرم (الدبر) ضخم البلعوم، يأكل و لا يشبع، و لا ينظر اللّه إليه، و لا يموت حتّى لا يكون له في السماء عاذر، و لا في الأرض ناصر، و إنّه لمعاوية و إنّي عرفت أنّ اللّه بالغ أمره».

مقاتل الطالبيين: 44، الفتن للمروي: 91، شرح النهج 16: 44، جواهر المطالب للباعوني الشافعي 2: 201، كنز العمال 11: 349، ميزان الاعتدال 2: 172.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:175

و يؤخذ من الحديث أنّ كل أفراد الجماعتين كانوا مسلمين، و من كان منهم فاجرا و فاسقا لا يخرجه ذلك عن الإسلام، و المعصية مهما كان عظمها لا تخرج الإنسان عن الإيمان إلّا عند الخوارج.

الحسن من المحبوبين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله

عن أسامة بن زيد رضى اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه كان يأخذه و الحسن و يقول: «اللّهم إنّي أحبّهما فأحبّهما» «1».

و في الحديث منقبة له مع الحسن، حيث أشهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله اللّه عزّ و جلّ على أنّه يحبّهما، ثم سأله تعالى أن يحبّهما كذلك، و قد فعل، فإنّ دعاء نبيّ اللّه عليه الصلاة و السلام مقبول لا يردّ أبدا.

من أحبّ الحسن أحبّه اللّه عزّ و جلّ

عن أبي هريرة رضى اللّه عنه قال:

كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في سوق من أسواق المدينة، فانصرف و انصرفت معه، فقال: «ادع الحسن بن علي» فجاء الحسن يمشي و في عنقه السخاب «2»، فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله بيده هكذا، فقال الحسن بيده هكذا، فأخذه النبي صلّى اللّه عليه و اله و قال: «اللّهمّ إنّي أحبّه فأحبّه، و أحبّ من يحبّه».

______________________________

(1). مسند أحمد 5: 210، السنن الكبرى للبيهقي 10: 233، الآحاد و المثاني 1: 327، السنن الكبرى للنسائي 5: 53. و هذا قاله النبي صلّى اللّه عليه و اله للحسن و الحسين، كما تقدّم.

(2). السخاب: القلادة. أو خيط ينظّم فيه خرز يلبسه الصبيان و الجواري، و قيل: قلادة تعمل من قرنفل و محلب بدون جواهر. (الفائق في غريب الحديث 1: 230، تاج العروس 1: 295، عون المعبود 4: 17).

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:176

قال أبو هريرة: فما كان أحد أحبّ إليّ من الحسن بن علي بعد ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما قال «1».

و في الحديث منقبة للحسن أيضا، و أنّه محبوب للّه و لرسوله، و زاده تعالى إكراما، فجعل محبّيه من الحبوبين له عزّ و جلّ.

و في

الحديث ردّ على الروافض و غلاة الشيعة الذين يطعنون في راوية الإسلام و حافظ الصحابة: أبي هريرة الذي يصرّح بأنّ الحسن كان أحبّ الناس إليه، و هو الذي صحّ عنه أنّه طلب من الحسن أن يكشف له عن سرّته ليقبّلها حيث رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فكشف عن بطنه فقبّل سرّته، رواه أحمد و الحاكم «2» بسند صحيح، فهل مثل هذا يقال فيه: إنّه ناصبيّ و عدوّ لأهل البيت «3».

______________________________

(1). صحيح البخاري 5: 2257، صحيح ابن حبّان 15: 417، مسند أحمد 2: 331 و ليس فيه كلام أبي هريرة.

(2). مسند أحمد 2: 255، مستدرك الحاكم 3: 184.

(3). و القول بتوثيق الراوي أو القول بصلاحه لأجل فعل مثل هذا، عجيب، فالفعل صامت لا إطلاق فيه، و لا يدلّ على شي ء. نعم فيه إشعار على احترام المقابل. لكنّه لا يدلّ على الوثاقة و لا حسن الحال، بل ليس فيه إشعار بذلك، و هو شبيه ما كان يقوم به بعض اليهود و المنافقين بأفعال تشعر بمزيد الاحترام للنبي صلّى اللّه عليه و اله، إذ كانوا يقومون إذا مرّ النبي صلّى اللّه عليه و اله أو الحسن و الحسين، لكنّها لا تدلّ على شي ء، و ليس فيها إشعار بحسن الحال فضلا عن الوثاقة، و هذا عند جميع علماء الإسلام.

و لو تنزّلنا جدلا و قلنا: إنّ الفعل يدلّ على حسن الحال، فإنّه إنّما يدلّ عليه في زمان الفعل، و أمّا في غيره فلا يدلّ على شي ء، خصوصا زمن حروب أمير المؤمنين عليه السّلام و ما حصل في تلك الأعوام من التمحيص و البلاء و انحراف الكثير، فإنّ القول بوثاقة أحد فيها اعتمادا على فعل قام به قبل

ثلاثين سنة، مردود.

يضاف إليه أنّ أبا هريرة كان موضع اتّهام الصحابة و أكثر الناس: الأنوار الباهرة، التليدي 176 من أحب الحسن أحبه الله عز و جل ..... ص : 175

قال العلّامة الرافعي في آداب العرب 1: 282: «كان عمر و عثمان و علي و عائشة ينكرون عليه-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:177

______________________________

- و يتّهمونه، و هو أول راوية اتّهم في الإسلام، و كانت عائشة أشدّهم إنكارا عليه».

و كان علي عليه السّلام يقول: «لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله» شرح النهج 20: 24.

و قال عليه السّلام: «أكذب الأحياء على رسول اللّه أبو هريرة الدوسي» شرح النهج 4: 68.

و قالت له عائشة مرارا، و كانت أشدّ الناس عليه: «أكثرت يا أبا هريرة عن رسول اللّه» سير أعلام النبلاء 2: 604.

و كذّبه عمر و ضربه بالدرّة و قال: «قد أكثرت الرواية، و أحر بك أن تكون كاذبا على رسول اللّه» شرح النهج 4: 68.

و قال: «لقد أكثرت، لتنتهينّ أو لألحقنّك بجبال دوس» المحدّث الفاصل: 554.

و اتّهمه بسرقة بيت المال و قاله له: «يا عدّو اللّه و عدوّ المسلمين و عدوّ كتابه! سرقت مال اللّه» الطبقات الكبرى 4: 335 و فتوح البلدان 1: 100.

و كذّبه مروان و قال له: «يا أبا هريرة، إنّ الناس قد قالوا: أكثر الحديث عن رسول اللّه، و إنّما قدم قبل وفاته بيسير» سير أعلام النبلاء 2: 605.

و نقل الذهبي في سير أعلام النبلاء 2: 608 عن إبراهيم النخعي أنّه قال: «كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة» و «ما كانوا يأخذون من حديث أبي هريرة إلّا ما كان حديث جنّة أو نار».

و قد شهد هو بنفسه على تكذيب

الناس له، ففي مسند أحمد 2: 240، و السنن الكبرى للنسائي 5: 505: «كان يقول: إنّكم تزعمون أنّ أبا هريرة يكثر الحديث على رسول اللّه» و في 2: 424 من المسند: «عن رزين قال: رأيته يضرب جبهته بيده و يقول: يا أهل العراق، تزعمون أنّي أكذب على رسول اللّه»، و زاد ابن ماجة في السنن 1: 130: «و قال: و لكم المهنّا و عليّ الإثم»، و زاد في مصنّف ابن أبي شيبة 6: 41: «لتهتدوا و أضلّ» و مثله في تاريخ دمشق 5: 95، و مسند ابن راهويه 1: 53.

و من طريف ما ينقل: أنّ رجلا يلبس حلّة جديدة أتى أبا هريرة، فقال له: إنّك تكثر الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فهل سمعته يقول في حلّتي هذه شيئا؟! أخرجه في صحيح ابن حبّان 12: 491، تاريخ دمشق 67: 354، البداية و النهاية 8: 116.

و يجدر هنا أن ننقل عنه موردين فقط:

الأول: ما رواه البخاري في التاريخ الصغير 1: 43، و الطبراني في المعجم الكبير 1: 76: «قال أبو-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:178

الحسن كان أشبه الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله

عن أنس رضى اللّه عنه قال: لم يكن أحد أشبه بالنبي صلّى اللّه عليه و اله من الحسن بن علي «1».

و عن عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر حمل الحسن و هو يقول:

بأبي شبيه بالنبي ليس شبيها بعلي و علي يضحك «2».

و في هذا منقبة له رضي اللّه تعالى عنه، حيث أكرمه اللّه عزّ و جلّ بشبهه بسيّد الخلق و أشرفهم صلّى اللّه عليه و اله.

و هذا لا يعارض حديث أنس الآتي في الحسين أنّه كان أشبههم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،

______________________________

- هريرة: دخلت على رقيّة بنت رسول

اللّه صلّى اللّه عليه و اله و بيدها مشط ...» إلى آخره. و هذا كذب صريح، فإنّ رقية بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ماتت وقت معركة بدر، و أبو هريرة أسلم بعد فتح خيبر بالاتّفاق.

الثاني: ما رواه البخاري في الصحيح 1: 411، و ابن حبّان في صحيحه 6: 403: «قال: ثم صلّى بنا النبي صلّى اللّه عليه و اله الظهر و العصر فسلّم في ركعتين، فقال له ذو اليدين: أنقصت أم نسيت؟».

و هذا أيضا كذب، فإنّ ذا اليدين استشهد ببدر قبل أن يسلم أبو هريرة بزمان، كما في الثقات لابن حبّان 3: 301، و الإصابة 4: 598.

و قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 2: 608: «كان شعبة يقول: كان أبو هريرة يدلّس» و نقله ابن حجر في الإصابة 1: 67 و قال: «و التدليس أخو الكذب».

هذا، و قد انتقده الكثير من أعلام أهل السنّة المتأخّرين؛ كالعلّامة الرافعي، و السيد رشيد رضا صاحب المنار، و السيد محمد عبده شيخ الأزهر، و الدكتور طه حسين، و الدكتور أحمد أمين، و الشيخ العلّامة محمود أبو ريّة في كتابيه «شيخ المضيرة» و «أضواء على السنّة المحمدية»، و آخرين غيرهم.

(1). صحيح البخاري 4: 1370، سبل الهدى 2: 115.

(2). صحيح البخاري 3: 1302، الإصابة 2: 62، تهذيب الكمال 6: 224، تاريخ دمشق 13: 174، كنز العمّال 13: 246، نظم درر السمطين: 202. و الظاهر أنّ المصنّف نقله بالمعنى، و الموجود في جميع المصادر غير هذا لفظا.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:179

فإنّه جاء في سنن الترمذي و غيره عن سيدنا علي عليه السّلام قال: «الحسن أشبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما بين الرأس إلى الصدر، و الحسين أشبه

النبي صلّى اللّه عليه و اله ما كان أسفل من ذلك» «1». و اللّه أعلم.

______________________________

(1). صحيح ابن حبّان 15: 431، الآحاد و المثاني 1: 299، مسند أحمد 1: 99، كنز العمّال 13: 660، سبل الهدى 2: 115، الذرّية الطاهرة للدولابي: 71.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:181

مناقب الحسين عليه السّلام

هو سبط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و ريحانته، السيد الطاهر، ابن الزهراء، و جدّ الذرّية الطاهرة بالديار الشرقية، الشهيد المظلوم، شقيق الحسن، ولد في شعبان سنة أربع بعد الحسن بسنة «1».

كان الحسين رضي اللّه تعالى عنه سيد أهل زمانه، و أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء، كما قال عبد اللّه بن عمر «2». و كانت إقامته بالمدينة إلى أن خرج مع أبيه إلى

______________________________

(1). أسد الغابة 2: 25، تهذيب الكمال 6: 398، المعجم الكبير 3: 117، البداية و النهاية 8: 160.

و هناك قول آخر نقله في أسد الغابة 2: 25 عن قتادة: ولادته لستّ سنين و خمسة أشهر و نصف شهر من الهجرة.

(2). الصحيح هو عبد اللّه بن عمرو بن العاص، لا عبد اللّه بن عمر، كما في جميع المصادر، و لذلك قصّة ننقلها لأهمّيتها: «مرّ الحسين عليه السّلام بقوم فسلّم، فقال عبد اللّه بن عمرو بن العاص: ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء، قالوا: بلى، فقال: هذا الماشي- الحسين- ما كلّمني كلمة منذ ليالي صفّين و لئن يرضى عنّي أحبّ إليّ من أن يكون لي حمر النعم. فقال أبو سعيد الخدري:

ألا تعتذر إليه؟ قال: بلى، فلم يزل به حتّى أذن له، فقال له الحسين: أعلمت يا عبد اللّه! أني أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قال: إي و ربّ الكعبة. قال: فما حملك على أن قاتلتني

و أبي يوم صفّين؟! فو اللّه لأبي كان خيرا منّي ...» إلى آخره، (تاريخ دمشق 31: 275، كنز العمال 11: 343)-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:182

الكوفة فشهد معه الجمل ثم صفّين، ثم قتال الخوارج، و بقي معه إلى أن قتل، ثم مع أخيه الحسن إلى أن سلّم الأمر إلى معاوية، فتحوّل مع أخيه إلى المدينة و استقرّ بها إلى أن مات معاوية، فخرج إلى مكة، ثم أتته كتب أهل العراق بأنّهم بايعوه، فأرسل إليهم ابن عمّه مسلم بن عقيل بن أبي طالب، فأخذ له بيعتهم، ثم توجّه إليهم حتّى كان من قتله رضي اللّه تعالى عنه ما كان، كما يأتي، و ذلك بكربلاء في يوم عاشوراء سنة إحدى و ستين.

الحسين من المبشّرين بالجنّة و أنّه سيقتل شهيدا

و من مناقب الحسين عليه السّلام العظيمة أنّه من جملة الشهداء و المبشّرين بالجنة. فعن جابر بن عبد اللّه رضى اللّه عنه أنّه قال: «من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة، فلينظر إلى الحسين بن علي» فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقوله «1».

و سيأتي تنبّؤ النبي صلّى اللّه عليه و اله بقتله شهيدا، و الشهادة لا ينالها إلّا المحبوبون الذين أخلصهم اللّه لنفسه، و اصطفاهم على خلقه.

إثبات محبّة اللّه لمن أحبّ حسينا

و ممّا أكرمه اللّه عزّ و جلّ به أنّ كل من أحبّه كان محبوبا للّه تعالى، و هذا المقام عزيز لا يحرز عليه إلّا من سبقت له السعادة الأبديّة، و العناية الربانية.

______________________________

- و انظر أيضا الإصابة 2: 69، البداية و النهاية 8: 226، سير أعلام النبلاء 3: 285، تاريخ دمشق 14: 179، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 269، نظم درر السمطين: 202.

(1). صحيح ابن حبّان 15: 422، مسند أبي يعلى 3: 397، سبل الهدى 11: 72، ميزان الاعتدال 2: 40 نظم درر السمطين: 208، ينابيع المودّة 2: 205.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:183

فعن يعلى بن مرّة رضى اللّه عنه قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «حسين منّي و أنا من حسين، أحبّ اللّه من أحبّ حسينا، حسين سبط من الأسباط» «1».

و في الحديث فضائل للحسين عليه السّلام:

أولا: كونه مع النبي صلّى اللّه عليه و اله شيئا واحدا بعضهما من بعض، و هذا لا يحتاج إلى تعليق.

ثانيا: إثبات محبّة اللّه عزّ و جلّ لمن أحبّه، و هذه من الفضائل بمكان، لأنّه لولا كرامته على اللّه و منزلته السامية عنده لما أكرم محبّيه بمحبّته تعالى.

ثالثا: كونه من الأسباط، و في ذلك إشارة إلى أنّه

سيتفرّع من نسله أقوام و أمم و شعوب، كما وقع من أسباط بني إسرائيل، و الواقع كذلك، فإنّه لا يوجد بقعة من العالم الإسلامي إلّا و فيها من ذرّيته و ذرّية أخيه الحسن الشي ء الكثير، و بالأخصّ البلاد العربية، فإنّها تزخر بأهل البيت و الذرّية الطاهرة، و قد اختصّت البلاد الشرقية

______________________________

(1). مستدرك الحاكم 3: 195 و صحّحه و وافقه الذهبي، الجامع الصحيح للترمذي 5: 658، صحيح ابن حبّان 15: 428، المعجم الكبير 3: 32 و 33 و 22: 274 بطريقين، الجامع الصغير 1: 431 و قال: «حسن»، مسند الشاميّين 3: 184، مصنّف ابن أبي شيبة 7: 515، كشف الخفاء 1: 319 و قال: «رواه الترمذي و حسّنه و أحمد و ابن ماجة في السنن»، التاريخ الكبير للبخاري 8: 415، تاريخ دمشق 14: 149، تهذيب الكمال 6: 402 و 10: 427، البداية و النهاية 8: 228، بغية الطلب في تاريخ حلب 6: 2528، أسد الغابة 2: 26، سبل الهدى 9: 370 و 11: 72، نظم درر السمطين:

208، كنز العمّال 12: 115 و 13: 662، ينابيع المودّة 2: 34.

و «السبط» كما قال ابن هلال العسكري في الفروق اللغوية: 271: «إنّ أكثر ما يستعمل السبط في ولد البنت، و منه قيل للحسن و الحسين رضي اللّه عنهما: سبطا رسول اللّه، و السبط يفيد أنّه يمتدّ و يطول، و أصل الكلمة السبوط، و هو الطول و الامتداد، و منه قيل: السباط، لامتداده بين الدارين، و السبط: شجر، سمّي بذلك لامتداده و طوله».

و في النهاية في غريب الحديث 2: 334: «الحسين سبط من الأسباط، أي أمّة من الأمم في الخير». و قال الزبيدي في تاج العروس 5: 148: «أي أمّة

من الأمم».

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:184

بأكثرية أولاد الحسين، بينما المغرب و خصوصا الأقصى منه اختصّ بأولاد الحسن، فهم منتشرون في كلّ مدنه و قبائله و قراه، بل هناك قبائل و قرى و أحياء خاصّة بهم، و ليس في المغرب من الحسينيين إلّا القليل، رضي اللّه تعالى عن جميعهم.

تنبّؤ النبي صلّى اللّه عليه و اله بقتل الحسين عليه السّلام

عن عبد اللّه بن نجيّ، عن أبيه:

أنّه سار مع علي- و كان صاحب مطهرته- فلمّا حاذى نينوى و هو منطلق إلى صفّين، فنادى علي: «اصبر أبا عبد اللّه، اصبر أبا عبد اللّه بشطّ الفرات» قلت: و ما ذاك؟ قال: «دخلت على النبي صلّى اللّه عليه و اله ذات يوم و عيناه تفيضان، قلت: يا نبي اللّه، أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل قبل، فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات» قال: فقال: «هل لك إلى أن أشمّك من تربته؟» قال:

قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا «1».

و في الحديث معجزة للنبي صلّى اللّه عليه و اله و علم من إعلام النبوة، حيث أخبر بقتل ولده الحسين قبل وقوعه بعشرات السنين مع تعيين القطر و الموضع بالضبط، فصدّق اللّه

______________________________

(1). مسند أبي يعلى 1: 298، المعجم الكبير 3: 105، الآحاد و المثاني 1: 308، مسند أحمد 1: 85 مجمع الزوائد 9: 300 و قال: «رواه أحمد و أبو يعلى و البزّار و الطبراني و رجاله ثقات، و لم ينفرد نجيّ بهذا»، تهذيب الكمال 6: 407، تهذيب التهذيب 2: 315، سير أعلام النبلاء 3: 288، البداية و النهاية 8: 217، تاريخ دمشق 14: 188، بغية الطلب في تاريخ حلب 6: 4596، جواهر المطالب للباعوني 2: 290، كنز العمال 13:

655.

و قريب منه مصنّف ابن أبي شيبة 8: 632، و سبل الهدى 11: 74، و كنز العمّال 12: 127 عن علي و أبي أمامة و أنس و أمّ سلمة و عائشة و زينب أمّ المؤمنين و أمّ الفضل زوج العباس.

و في لسان العرب 7: 347 قال: و بسواد الكوفة ناحية يقال لها: نينوى، منها كربلاء التي قتل بها الحسين رضى اللّه عنه.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:185

ذلك و وقع كما قال، و فيه اختصاص الإمام علي رضي اللّه تعالى عنه بعلم ذلك من بين سائر الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم «1».

خروج الحسين إلى العراق

قال الشعبي: بلغ ابن عمر رضى اللّه عنه و هو بمال له أنّ الحسين بن علي رضي اللّه تعالى عنه قد توجّه إلى العراق، فلحقه على مسيرة يومين أو ثلاثة، فقال: إلى أين؟ فقال:

هذه كتب أهل العراق و بيعتهم، فقال: لا تفعل، فأبى، فقال له ابن عمر: إنّ جبريل عليه السّلام أتى النبي صلّى اللّه عليه و اله فخيّره بين الدنيا و الآخرة فاختار الآخرة و لم يرد الدنيا، و إنّك بضعة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، كذلك يريد منكم، فأبى، فاعتنقه ابن عمر، و قال: أستودعك اللّه و السلام «2».

كان معاوية قد عهد إلى ابنه يزيد بالخلافة في حياته، فلمّا مات بايعه أهل الشام، ثم بعث إلى أهل المدينة من يأخذ له البيعة، فامتنع الحسين و ابن الزبير في آخرين من بيعته؛ نظرا لكونه غير كف ء، و لا مستحقّ للخلافة «3».

______________________________

(1). كلام المصنّف فيه بعض التحفّظ، فالنبي صلّى اللّه عليه و اله خصّ أمير المؤمنين عليه السّلام بتفاصيل ذلك، إلّا أنّه صلّى اللّه عليه و اله أخبر بقتل الحسين الكثير من الصحابة،

و كان النبي صلّى اللّه عليه و اله يصرّح بذلك جهارا بين الصحب، و يدلّ عليه رواية الصحابي الجليل أنس بن الحارث قال:

سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول: «إنّ ابني- يعني الحسين- يقتل بأرض يقال لها: كربلاء، فمن شهد منكم ذلك فلينصره» فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء فقتل بها مع الحسين.

أخرجه في تاريخ دمشق 14: 224، البداية و النهاية 8: 217، الإصابة 1: 271، سبل الهدى 11: 75. فإخبار النبي عامّ، و فيه أمر بوجوب القتال مع الحسين عليه السّلام، و وجوب نصرته و الذبّ عنه.

(2). صحيح ابن حبّان 15: 424، تاريخ دمشق 14: 202، البداية و النهاية 8: 173، سير أعلام النبلاء 3: 292.

(3). و الكلام عن يزيد بن معاوية كثير:-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:186

______________________________

- قال عبد اللّه بن حنظلة غسيل الملائكة: «ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، أن كان رجلا ينكح الأمهات و البنات و الأخوات، و يشرب الخمر و يدع الصلاة، و اللّه لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت للّه فيه بلاء حسنا» الطبقات الكبرى 5: 66، تاريخ دمشق 27: 429.

و سئل العلّامة الكيا الهراسي عن يزيد بن معاوية فقال: «إنّه لم يكن من الصحابة، لأنّه ولد في أيام عمر، و أمّا قول السلف ففيه لأحمد قولان تلويح و تصريح، و لمالك فيه قولان تلويح و تصريح، و لأبي حنيفة فيه قولان تلويح و تصريح، و لنا قول واحد تصريح دون تلويح، و كيف لا يكون كذلك و هو اللاعب بالنرد، و المتصيّد بالفهود، و مدمن الخمر، و شعره في الخمر معلوم، و لو مددت بياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل»

وفيات الأعيان 3: 287، جواهر المطالب للباعوني 2: 301، شذرات الذهب 2: 8.

و قال المناوي في فيض القدير 3: 84: «قد أطلق المحقّقون حلّ لعن يزيد، حتّى قال التفتازاني:

الحقّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسين و إهانة أهل البيت ممّا تواتر معناه و إن كان تفاصيله آحاد، فنحن لا نتوقّف في شأنه بل في إيمانه، لعنة اللّه عليه و على أنصاره و أعوانه».

قال الزين العراقي: «و قوله: بل في إيمانه، أي بل لا يتوقّف في إيمانه، بقرينة ما قبله و ما بعده».

و كلام التفتازاني في شذرات الذهب 1: 68 نقله عن شرح العقائد النسفية.

و قال أيضا في فيض القدير 1: 205: «قال ابن الجوزي في يزيد: أجاز العلماء الورعون لعنه، و في فتاوى حافظ الدين الكردي الحنفي لعن يزيد، و حكى كلام الإمام قوام الدين الصفّاري قال: لا بأس بلعن يزيد» ثم قال المناوي: «و الحقّ أنّ لعن يزيد على اشتهاره و كفره و تواتر فظاعته و شرّه على ما عرفت بتفاصيله، جائز».

و في شذرات الذهب 1: 69 قال: «قال الذهبي: و يزيد كان ناصبيّا فظّا غليظا، يتناول المسكر و يفعل المنكر، افتتح دولته بقتل الحسين، و ختمها بواقعة الحرّة، فمقته الناس و لم يبارك في عمره».

و قال ابن تغري بردي الأتابكي في النجوم الزاهرة 1: 163: «كان يزيد فاسقا قليل الدين، مدمن الخمر».

و لاشتهار فسقه و فجوره كان عمر بن عبد العزيز يضرب من قال: يزيد أمير المؤمنين عشرين سوطا تعزيرا (النجوم الزاهرة 1: 163 و 6: 134، سير أعلام النبلاء 4: 40) و بهذا استدلّ علماء-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:187

ثم خرج الحسين و ابن الزبير لمكة المكرمة، فجعل أهل العراق يكاتبون الحسين بالقدوم إليهم ليبايعوه،

و جاءته من طرفهم عدّة كتب و رسائل، فبعث إليهم ابن عمّه مسلم بن عقيل ليأخذ له البيعة منهم، فذهب و نزل الكوفة فاجتمع إليه نحو من ثمانية عشر ألفا فبايعوه على إمرة الحسين، و حلفوا له لينصرنّه بأنفسهم و أموالهم.

فبلغ ذلك عبيد اللّه بن زياد- و كان أمير البصرة من قبل يزيد- فخرج إلى الكوفة بعد أن ضمّها إليه يزيد، فجمع أشراف الناس و أمراء القبائل فخطبهم و رغّبهم و رهّبهم، و خذّل الناس، و أفسد كلّ من كاتب الحسين و بايعه بواسطة مسلم بن عقيل، فتفرّق الجميع و بقي مسلم بن عقيل وحده و هام على وجهه، و اختفى عند امرأة، ثم دلّ عليه فألقي عليه القبض و أتي به ابن زياد فقتله «1».

و خرج الحسين عليه السّلام متوجّها للعراق في أهل بيته و أقاربه و ذويه، بعد أن حذّره جماعة من أهله و ذوي الرأي من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قالوا له: لك العبرة بما

______________________________

- النظامية ببغداد و أفتوا بضرب أبي الخير القزويني حين امتدح يزيد على المنبر، فضربوه عشرين سوطا تعزيرا، كما كان يفعل عمر بن عبد العزيز. (النجوم الزاهرة 6: 134).

(1). مسلم بن عقيل بن أبي طالب، من أبطال بني هاشم و عبّادهم، ثقة الحسين و المقدّم عنده من أهل بيته، و جلالته و عظمته فوق ما تحويه عبارة، و لو لا ذلك لما اختاره الحسين عليه السّلام للسفارة عنه. كان مسلم في صفّين في ميمنة أمير المؤمنين مع الحسن و الحسين عليهم السّلام، و استشهد بالكوفة، قتله عبيد اللّه بن زياد و هانئ بن عروة بأمر من يزيد بن معاوية. و استشهد اثنان من

ولده في الطفّ مع الحسين عليه السّلام و هما: عبد اللّه و محمد، و أمّهما رقية بنت أمير المؤمنين. راجع الطبقات الكبرى 4: 42، تاريخ خليفة بن خيّاط: 176، تاريخ دمشق 28: 259، تهذيب الكمال 6: 427.

و ممّن نصّ على أنّ قتله كان بأمر من يزيد: الحافظ المزّي في تهذيب الكمال 6: 423 و قال:

«فكتب يزيد إلى عبيد اللّه بقتل مسلم». و ابن حبّان في الثقات 2: 307 و قال: «فكتب يزيد إلى عبيد اللّه و أمره بقتل مسلم». و ابن حجر في الإصابة 2: 70 و قال: «كتب يزيد إلى عبيد اللّه بن زياد و أمره أن يطلب مسلم فإن ظفر به قتله» و مثله في تاريخ الطبري 4: 257. و قال الدينوري في الأخبار الطوال: 242: «لمّا بعث عبيد اللّه برؤوسهما إلى يزيد كتب إليه يزيد: قد فعلت فعل الحازم الجليد!».

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:188

فعله أهل العراق بأبيك و أخيك، و لمّا وصل العراق وجد الأمر على خلاف ما كان يظنّ، فبعث إليه عبيد اللّه بن زياد عمر بن سعد بن أبي وقّاص في أربعة آلاف مقاتل، أكثرهم ممّن كان يكاتبه و بايعه بواسطة ابن عمه مسلم بن عقيل، و بعد أخذ وردّ طلبوا منه النزول على حكم عبيد اللّه بن زياد و بيعته ليزيد، فأبى الاستسلام لذلك، فقاتلوه و منعوه الماء ثلاثة أيّام، فقاتلهم هو و أصحابه و أهل بيته قتال الأبطال حتّى قتل بين يديه جميع من كان معه، و كانوا لا يزيدون على اثنين و سبعين رجلا، و بقي وحده.

ثم نادى عدوّ اللّه شمر بن ذي الجوشن قائلا: ماذا تنتظرون بقتله؟ فهاجموه و أحدقوا به، و هو يقاتل يمينا و شمالا

حتّى أثخنوه بالجراحات فسقط إلى الأرض، فتقدّم إليه اللعين زرعة بن شريك التميمي فضربه بالسيف على عاتقه، ثم طعنه الشقيّ البغيض سنان بن أنس النخعي بالرمح، ثم نزل فذبحه و احتزّ رأسه.

ثم أمر عمر بن سعد أن يوطأ الحسين بالخيل! فداسوه بحوافرها حتّى ألصقوه بالأرض، ثم أمر برأسه أن يحمل إلى ابن زياد لعنه اللّه و لعن جنده، و جميع من شارك في قتله، أو أمر به أو رضي به.

و قتل مع الحسين عليه السّلام في هذه المعركة الأليمة من أهله و أقاربه:

أولاده الأربعة: علي الأكبر و عبد اللّه و أبو بكر و القاسم أبناء الحسين عليهم السّلام «1».

و إخوته الخمسة: العباس و جعفر و عبد اللّه و عثمان و أبو بكر، أولاد علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنهم.

______________________________

(1). وقع خلط من المصنّف في الأسماء، فأولاد الحسين اثنان: هما: علي الأكبر و عبد اللّه و هو الرضيع، و القاسم هو ابن الإمام الحسن، و أبو بكر هو ابن أمير المؤمنين، و مجموع من قتل معه من ولده و إخوته و أهل بيته ثلاثة و عشرون رجلا.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:189

و ولدا عمّه: جعفر بن عقيل و قبله مسلم بن عقيل، و ابن عمّه: محمد بن جعفر، و ابن ابن عمّه: عون بن عبد اللّه بن جعفر، رضي اللّه تعالى عنهم.

قال الحسن البصري: قتل مع الحسين بن علي ستّة عشر رجلا من أهل بيته، و اللّه ما على ظهر الأرض يومئذ أهل بيت يشبهونهم «1».

قال سفيان: و من يشكّ في ذلك؟ «2»

و قال منذر الثوري: كنّا إذا ذكرنا حسينا و من قتل معه، قال محمد ابن الحنفيّة رضي اللّه تعالى عنه: قتل معه سبعة عشر

رجلا، كلّهم ارتكض في رحم فاطمة رضي اللّه تعالى عنها و عنهم «3».

و لمّا قتلوا أخذوا نساءه و بناته، و سلبوا ما كان عليهنّ و عندهنّ من حليّ ... و فيهنّ بناته الطيّبات: زينب و سكينة و فاطمة، و معهنّ عمّتهن الطاهرة أخت الحسين زينب الكبرى بنت فاطمة و علي عليهم السلام و الرضوان. و مع الجميع علي بن الحسين زين العابدين رضي اللّه تعالى عنه، فأدخلوا على ابن زياد لعنه اللّه، و وضع رأس الحسين عليه السّلام بين يديه.

قال أنس بن مالك: كنت عند ابن زياد فجي ء برأس الحسين عليه السّلام، فجعل يقول بقضيب في أنفه و يقول: ما رأيت مثل هذا حسنا! قال أنس: قلت: أما إنّه كان

______________________________

(1). البداية و النهاية 8: 205 و قال: «و قال غيره: قتل من ولده و إخوته و أهل بيته ثلاثة و عشرون رجلا». المعجم الكبير 3: 118، تاريخ خليفة بن خيّاط: 179 و قال: «عن ابن الحنفيّة أنّه قال:

قتل مع الحسين بن علي سبعة عشر رجلا كلّهم قد ارتكض في بطن فاطمة». و مثله في مجمع الزوائد 9: 318.

و في تاريخ دمشق 14: 244، و تهذيب الكمال 6: 431: قتل معه ستّة عشر رجلا من أهل بيته.

(2). المعجم الكبير 3: 118، مجمع الزوائد 9: 319.

(3). المعجم الكبير 3: 104، مجمع الزوائد 9: 319، تاريخ خليفة بن خياط: 179. و ارتكض:

اضطرب و تحرّك.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:190

أشبههم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله «1».

ثم أمر بهم ابن زياد فبعث بهم إلى الشام ليزيد لعنه اللّه.

و لم يتقدّم في تاريخ الإسلام فجيعة، و لا رزيّة أفضع و أقبح و أخبث من قتل الحسين و أهل بيته و أصحابه

على كثرة ما وقع في الإسلام من نكبات، و لذلك مقت يزيد بن معاوية و عبيد اللّه بن زياد، كلّ مسلم على وجه الأرض يحبّ اللّه و رسوله و أهل بيته منذ ذلك الحين حتّى وقتنا هذا و إلى ما شاء اللّه، و كلّ من شارك في ذلك أو ساعد عليه أو رضي به فهو ملعون بلعنة اللّه، و سوف يتولّى اللّه جزاءهم الجزاء الأوفى الذي يستحقّونه «2».

ما وقع عند موت الحسين من التغيّرات الكونية

قال الزهري: ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحسين بن عليّ إلّا عن دم «3».

و قال أبو قبيل: لمّا قتل الحسين بن عليّ انكسفت الشمس كسفة حتّى بدت الكواكب نصف النهار حتّى ظننّا أنّها هي، يعني قيام الساعة «4».

______________________________

(1). الجامع الصحيح للترمذي 5: 659 و قال: «حديث حسن صحيح»، تهذيب الكمال 6: 400، البداية و النهاية 8: 161، ينابيع المودّة 3: 10 و فيه: «فجعل يضرب بقضيب في أنفه»، و هذا هو الصحيح، فلا معنى لقوله: فجعل يقول بقضيب.

(2). قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 3: 313: «ما شارك أحد في قتل الحسين إلّا مات ميتة سوء».

و سيأتي من المصنّف كلام عن ذلك.

(3). المعجم الكبير 3: 113 بعدّة طرق، ثم ذكر بعض العلائم التي ظهرت حين قتله عليه السّلام و ما أصاب القتلة من العقاب و العذاب. مجمع الزوائد 9: 316 و قال: «رواه الطبراني، و رجاله رجال الصحيح» تهذيب الكمال 6: 434، سير أعلام النبلاء 3: 314. و ذكر ابن حجر في مجمع الزوائد الكثير من العلامات في الجزء التاسع باب مناقب الحسين عليه السّلام.

(4). المعجم الكبير 3: 114، مجمع الزوائد 9: 316 و قال: «رواه الطبراني، و إسناده حسن».

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:191

و عن أمّ سلمة

و ميمونة رضي اللّه تعالى عنهما أنّهما سمعتا الجنّ تنوح على الحسين بن علي «1».

ما قيل من الأشعار في قتل الحسين

ألا يا عين فاحتفلي بجهدي و من يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المناياإلى متجبّر في ملك عبد «2» ***

______________________________

(1). المعجم الكبير 3: 121 و 122، مجمع الزوائد 9: 321، الإصابة 2: 72، الآحاد و المثاني 1: 308، تاريخ دمشق 14: 239 و 240 بعدّة طرق، البداية و النهاية 6: 259 و قال: «هذا صحيح» و 8: 219، نظم درر السمطين: 223، سير أعلام النبلاء 3: 316، تهذيب الكمال 6: 441، و روي عن غيرهما أيضا كما في سبل الهدى 11: 75 و عقد له فصلا.

و ممّا حصل من التغيّرات الكونيّة و العلائم عند مقتله عليه السّلام ما روي عن أمّ سلمة و نظرة الأزدية و سليم القاضي و حمّاد بن سلمة و غيرهم: «لمّا قتل الحسين عليه السّلام مطرت السماء دما» كما في الثقات 5: 487، تاريخ دمشق 14: 227، تهذيب الكمال 6: 433، بلاغات النساء: 24، سبل الهدى 11: 80، نظم درر السمطين: 222.

و عن عليّ بن مدرك عن جدّه الأسود بن قيس قال: احمرّت الآفاق بعد قتل الحسين بستّة أشهر، نرى ذلك في آفاق السماء كأنّها دم، فحدّثت بذلك شريكا فقال لي: ما أنت من الأسود؟ قلت: هو جدّي أبو أمّي، قال: أم و اللّه إنّه كان لصدوق الحديث، عظيم الأمانة. تهذيب الكمال 6: 432، و انظر خبر احمرار السماء في المعجم الكبير 3: 113، و الذرّية الطاهرة: 97، و نظم درر السمطين: 221.

و أكثر العلامات ذكرها الطبراني في المعجم الكبير في الجزء الثالث. و ابن حجر في مجمع الزوائد في الجزء التاسع. و تاريخ دمشق في الجزء

الرابع عشر، فراجع.

(2). هذا الشعر من نوح الجنّ على الحسين عليه السّلام، ذكره في مجمع الزوائد 9: 321، تاريخ دمشق 14: 241، تهذيب الكمال 6: 441، المعجم الكبير 3: 122، ينابيع المودّة 3: 89.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:192 مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش جدّه خير الجدود «1» ***

ماذا تقولون إن قال النبيّ لكم ماذا فعلتم و أنتم آخر الأمم

بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي منهم أسارى و قتلى ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحم «2» ***

أترجو أمّة قتلت حسيناشفاعة جدّه يوم الحساب «3»

______________________________

(1). و هذا أيضا من نوح الجنّ على الحسين عليه السّلام ذكره في مجمع الزوائد 9: 321، المعجم الكبير 3: 121، تهذيب الكمال 6: 441، تاريخ دمشق 14: 241 و 242، ينابيع المودّة 3: 88، نظم درر السمطين: 223.

(2). هذه الأبيات ذكرها المصنّف بشكل غير موزون، و نحن أثبتنا الأصل الموجود في الأنساب للسمعاني 3: 476، و البداية النهاية 6: 261، و تاريخ دمشق 69: 178، و تهذيب الكمال 6: 430، و تاريخ الطبري 4: 294.

و هذه الأبيات لزينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب، كانت تخرج للناس في البقيع و تنعى قتلاها بالطفّ. انظر المعجم الكبير 3: 114، تهذيب التهذيب 2: 320، مجمع الزوائد 9: 322، ينابيع المودّة 3: 89. و كان قد استشهد لآل عقيل في الطفّ ستّة من خيار بني هاشم، و قبلهم استشهد عميدهم: مسلم بن عقيل، و فيهم يقول الشاعر:

و اندبي تسعة لصلب عليّ قد أصيبوا و ستّة لعقيل

(3). و لهذا البيت من الشعر قصّة نقلها الحفّاظ و المؤرّخون، و أثبتوها في كتبهم بطرق متعدّدة و بأسانيد صحيحة:

ففي تاريخ دمشق

14: 243 و 244 و 37: 57 قال: «وجد مكتوبا في كنيسة حين غزا المسلمون الروم، فسألوهم: منذكم وجدتم هذا الكتاب في هذه الكنيسة؟ فقالوا: قبل أن يخرج نبيّكم بستّمائة عام».-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:193

انتقام اللّه من قتلة الحسين عليه السّلام

حينما هاجم جيش ابن زياد الحسين عليه السّلام دعا عليهم بقوله: «اللّهم أحصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تذر على الأرض منهم أحدا». في دعاء بليغ «1».

فما مكثوا بعد قتله إلّا قليلا حتّى سلّط اللّه عليهم من قتلهم، و من لم يقتل منهم أصيب بشرّ مصيبة في نفسه و أهله و ماله، و لم يخرج من الدنيا حتّى انتقم اللّه منه.

قال ابن كثير: و أمّا ما روي من الأحاديث و الفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح، فإنّه قلّ من نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة و عاهة في الدنيا، فلم يخرج منها حتّى أصيب بمرض، و أكثرهم أصابهم الجنون «2».

و قال الشعبي: رأيت في النوم كأنّ رجالا من السماء نزلوا معهم حراب يتتبّعون قتلة الحسين، فما لبثت أن نزل المختار فقتلهم «3».

المختار بن أبي عبيدة الثقفي

من زعماء الثوّار على بني أميّة، و أحد الشجعان، كان مع الإمام علي، ثم مع

______________________________

- و ذكرها المزّي في تهذيب الكمال 6: 442، و ابن كثير في البداية و النهاية 8: 218، و الطبراني في المعجم الكبير 3: 124، و الصالحي في سبل الهدى 11: 80، و ابن حجر في مجمع الزوائد 9: 320، و ابن جرادة في بغية الطلب في تاريخ حلب 6: 2653، و القلقشندي في مآثر الأنافة 1: 119، و ابن النجّار في ذيل تاريخ بغداد 4: 159، و الباعوني في جواهر المطالب 2: 296، و القندوزي الحنفي في الينابيع بعدّة طرق كما في 3: 15 و 46.

(1). البداية و النهاية 8: 203، تاريخ الطبري 4: 343 و قال: «دعا به لمّا رماه اللعين حصين بن تميم في فمه، فجعل يتلقّى الدم من فمه و يرمي به

إلى السماء و هو يقول: اللّهم أحصهم ...» إلى آخره.

(2). البداية و النهاية 8: 220، سبل الهدى 11: 78 و ما بعده، فقد نقل الكثير ممّا أصاب القتلة لعنهم اللّه تعالى.

(3). المعجم الكبير 3: 113، مجمع الزوائد 9: 314 و قال: «رواه الطبراني و إسناده حسن».

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:194

الحسن، ثم كان ممّن بايع للحسين، ثم من الخاذلين له «1»، و لمّا قتل الحسين- و كانت أيّام ابن الزبير- ظهر المختار بالكوفة و دعا إلى إمامة محمد ابن الحنفية و قال: إنّه استخلفه، فبايعه نحو من سبعة عشر ألف رجل، فخرج بهم و عظم شأنه، و صار يتتبّع قتلة الحسين عليه السّلام، فقتل منهم شمر بن ذي الجوشن الذي كان ممّن باشر قتل الحسين، و خولي بن يزيد الذي سار برأسه إلى ابن زياد، و عمر بن سعد الذي كان أمير الجيش الذي حاربه، ثم أرسل إبراهيم بن الأشتر في عسكر كثيف إلى عبيد اللّه بن زياد الذي كان جهّز جيشا لحرب الحسين، فقتل ابن زياد و قتل كثيرين ممّن كان لهم مشاركة في تلك الجريمة الشنعاء، و اللّه تعالى حكم عدل.

قال عبد الملك بن عمير: دخلت على عبيد اللّه بن زياد و إذا رأس الحسين قدّامه على ترس، فواللّه ما لبثت إلّا قليلا حتّى دخلت على المختار فإذا رأس عبيد اللّه بن

______________________________

(1). لم يكن المختار من الخاذلين له عليه السّلام كما هو الثابت تاريخيا، فقد نصّ كثير من الحفّاظ و المؤرّخين على أنّ عبيد اللّه بن زياد بعد قتله لمسلم بن عقيل تتبّع أنصاره و كبار الشيعة في الكوفة و حبسهم، و منهم المختار، و لم يخرجوا إلّا بعد مقتل الحسين عليه السّلام بزمان:

قال ابن

حجر في الإصابة 6: 250: «أنّ عبيد اللّه بن زياد حبس ميثم و حبس معه المختار بن عبيد، فقال ميثم للمختار: إنّك ستفلت و تخرج بثأر الحسين، فتقتل هذا الذي يريد أن يقتلك».

و قال ابن كثير في البداية و النهاية 8: 273: «سجنه بعد مقتل مسلم، و لم يخرج إلّا بعد مقتل الحسين، فخرج للحجاز و هو يقول: و اللّه لأقتلنّ بالحسين بن علي عدد من قتل بدم يحيى بن زكريا».

هذا و نصّ الطبري في التاريخ 4: 536 على أنّ المختار كان في حبس ابن زياد لمّا قتل الحسين عليه السّلام. و كذا الا سفراييني في نور العين: 87.

و أمّا كتاب ابن الحنفية للمختار فقد ذكر ابن كثير في البداية و النهاية 9: 47 إنّما هو لأجل أن ينقذهم من ابن الزبير الذي جمع الحطب على أبواب بني هاشم و أراد إحراقهم، فكتب ابن الحنفية بذلك للمختار، فلمّا وصل إليه الكتاب بعث أبا عبد اللّه الجدلي في أربعة آلاف فاستنقذ بني هاشم من يدي ابن الزبير.

و قد نصّ كثير على أنّ خروجه كان لمحض الطلب بثأر الحسين عليه السّلام، كما في الإصابة 6: 276، و أسد الغابة 5: 117 و قال: «و كان المختار قد خرج بطلب ثأر الحسين بن علي». و نور العين: 53.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:195

زياد على ترس، فواللّه ما لبثت إلّا قليلا حتّى دخلت على مصعب بن الزبير و إذا رأس المختار على ترس، فواللّه ما لبثت إلّا قليلا حتى دخلت على عبد اللّه و إذا رأس مصعب بن الزبير على ترس «1».

و قال عمارة بن عمير: لمّا جي ء برأس عبيد اللّه بن زياد و أصحابه نضدت في المسجد في الرحبة، فانتهيت

إليهم و هم يقولون: قد جاءت، قد جاءت، فإذا حيّة قد جاءت تتخلّل الرؤوس حتّى دخلت في منخري عبيد اللّه بن زياد، فمكثت هنيئة ثم خرجت فذهبت حتى تغيّبت، ثم قالوا: قد جاءت، قد جاءت، ففعلت ذلك مرّتين أو ثلاثا «2».

و في هذا عبرة لمن يعتبر، فإنّ اللّه تعالى أرى الناس مصير أولئك الطغاة الظلمة و أنّهم معذّبون الآن في عالم البرزخ، و لعذاب الآخرة أشقّ، و ما لهم من اللّه من واق.

الاقتصاص للحسين عليه السّلام

و هكذا اقتصّ اللّه عزّ و جلّ للحسين من أولئك الفجرة في الدنيا بالألوف منهم.

فقد قال ابن عباس رضى اللّه عنه: أوحى اللّه إلى محمد صلّى اللّه عليه و اله: «إنّي قتلت بيحيى سبعين ألفا، و إنّي قاتل بابن بنتك سبعين ألفا و سبعين ألفا» «3».

______________________________

(1). مجمع الزوائد 9: 314، المعجم الكبير 3: 125، البداية و النهاية 8: 214 و فيهما: «دخلت على عبد الملك بن مروان فإذا رأس مصعب على ترس».

(2). المعجم الكبير 3: 113، الجامع الصحيح للترمذي 5: 660 و قال: «صحيح»، تحفة الأحوذي 10: 263 و قال: «ذكره الترمذي في مناقب الحسين، لأنّ فيه ذكر المجازات لما فعله عبيد اللّه بن زياد برأس الحسين عليه السّلام». البداية و النهاية 8: 207، سبل الهدى 11: 80: نظم درر السمطين:

221.

(3). مستدرك الحاكم 2: 319 في أوّل تفسير آل عمران و 648 في قصّة يحيى، و 3: 196 و قال: «هذا-

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:196

و قد فعل سبحانه و أنجز وعده على ما أخّر لهم من عذاب الآخرة.

*** و بهذا تمّت هذه الرسالة المباركة، و الحمد للّه الذي بنعمته تتمّ الصالحات، اللّهم إنّا نتقرّب إليك بحبّ آل بيت نبيّك الأطهار، و ببغض أعدائهم

الأشرار، و نبرأ إليك ممّا فعله معهم أعداؤهم الطغاة الفجّار، و نكل أمرهم إليك تحكم فيهم بعدلك، فإنّك العزيز القهّار، و صلّى اللّه على سيّدنا محمد و آله و صحبه و سلّم تسليما كثيرا، آمين «1».

______________________________

- لفظ حديث الشافعي و حديث القاضي أبي بكر بن كامل: «إنّي قتلت على دم يحيى بن زكريا، و إنّي قاتل على دم ابن بنتك». و هذا صحيح الإسناد و لم يخرّجاه»، و قال الذهبي: «صحيح على شرط مسلم»، تاريخ دمشق 14: 225، تاريخ بغداد 1: 152، تهذيب الكمال 6: 431، تهذيب التهذيب 2: 320، البداية و النهاية 8: 219، كنز العمّال 12: 127، بغية الطلب في تاريخ حلب 6: 2597 و 2634، المنتظم 5: 346، سبل الهدى 11: 81، نظم درر السمطين: 216.

(1). في ذيل النسخة وجدنا ما لفظه: و كان الفراغ من تبييضه مع إضافات نافعة يوم الثلاثاء خامس عشر من المحرّم عام 1416 بثغر طنجة بالمغرب الأقصى، و كان تسويده عام خمسة و ثمانين و ثلاثمائة و ألف (1385). و الحمد للّه ربّ العالمين، و حسبنا اللّه و نعم الوكيل، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العظيم.

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:197

الفهارس

اشارة

* فهرس الآيات

* فهرس الأحاديث

* فهرس مصادر التحقيق

* فهرس الموضوعات

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:199

فهرس الآيات

إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً النمل/ 7 41

إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ الأحزاب/ 56 11

إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ التوبة/ 28 98

إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ الأحزاب/ 33 9

أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ الأنفال/ 28 166

رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ هود/ 73 41

فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ آل عمران/ 61 87

فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ المؤمنون/ 101 61

قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى الشورى/ 23 10

لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ الفتح/ 2 54

وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا آل عمران/ 130 10

وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها طه/ 132 41

وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ الشعراء/ 4/ 2 37

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:200

وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ الصافات/ 24 13

وَ كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ مريم/ 55 41

وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً الفرقان/ 54 61

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:201

فهرس الأحاديث و الآثار

آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي 131

ادعوا لي عليا 87

اصبر أبا عبد اللّه، اصبر أبا عبد اللّه بشطّ الفرات 184

التمسوا فيهم المخدج 132

الحسن أشبه رسول اللّه ما بين الرأس إلى الصدر 179

الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنّة 166

الحقّ مع ذا، الحقّ مع ذا 116

الصلاة يا أهل البيت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ 42

اللّهم اجعل رزق آل محمد قوتا 40

اللّهم إنّي أحبّه فأحبّه 31

اللّهم إنّي أحبّه فأحبّه، و أحبّ من يحبّه 175

اللّهم إنّي أحبّهما فأحبّهما 175

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:202

اللّهم إيتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي 104

اللّهم أحصهم عددا و اقتلهم بددا 193

اللّهم ثبّت لسانه واهد قلبه 112

اللّهم صلّ

على محمد و أزواجه و ذرّيته 72

الّلهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب 113

الّلهم لا تنزل بي شديدة إلّا و أبو الحسن إلى جنبي 113

اللّهم هؤلاء أهل بيتي و حامّتي 10، 51

اللّهم هؤلاء أهلي 87

المهديّ منّا أهل البيت 66

المهديّ من عترتي، من ولد فاطمة 66

إنّ ابني هذا سيّد 173

إنّ ابني هذا سيد، و لعلّ اللّه أن يصلح به بين فئتين 31

إنّ الحسن و الحسين هما ريحانتاي من الدنيا 165

إنّ الصدقة لا تحلّ لنا 76

إنّ اللّه اطّلع على أهل بدر 109

إنّ اللّه سيهدي لسانك، و يثبّت قلبك 112

إنّ اللّه غير معذّبك و لا ولدك 55

إنّ اللّه مولاي، و أنا وليّ كلّ مؤمن 100

إنّ بعدي من أمتي قوم يقرأون القرآن بألسنتهم 133

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:203

إنّ عائشة قد سارت إلى البصرة 122

إنّك على خير 10

إنّ ممّا عهد إليّ النبي أنّ الأمة ستغدر بي بعده 136

إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت 135

إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها 119

إنّ هذه الصدقات إنّما هي أوساخ 75

إنّه سيكون بينك و بين عائشة أمر 118

إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه 10

إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا 10

إنّي قتلت بيحيى سبعين ألفا و إنّي قاتل بابن بنتك 195

إي و اللّه الذي لا إله إلّا هو 132

أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم 100

أحبّ الكلام إلى اللّه أربع: سبحان اللّه و الحمد للّه 161

أحيمر ثمود الذي عقر الناقة 136

أرقبوا محمدا في أهل بيته 48

أعوذ باللّه من معضلة ليس لها أبو الحسن 113

أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد و فاطمة 157

أقرأنا أبيّ، و أقضانا علي 113

أكان في أصحاب محمد أحد أعلم من علي بن أبي طالب 115

الأنوار

الباهرة، التليدي ،ص:204

ألا أحدّثكما بأشقى الناس؟ 136

ألا أخبركم بخياركم؟ 116

ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين 147

أما إنّك ستلقى بعدي جهدا 136

أما إنّه أعلم الناس بالسنّة 114

أمّا بعد، ألا أيها الناس، فإنّما أنا بشر 43

أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى 30

أنا حرب لمن حاربكم 12

أنّا لا تحلّ لنا الصدقة 75

أنا مدينة العلم و علي بابها 20، 111

أنت منّي بمنزلة هارون من موسى 31

أنت منّي و أنا منك 96

أنشد اللّه كلّ امرئ مسلم سمع رسول اللّه 100

أنفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم 83

أو ما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أمّتي سلما 111

أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب 120

أين علي بن أبي طالب؟ فأرسلوا إليه 83

تدرون ما هذا؟ 157

تقتل عمارا الفئة الباغية 19

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:205

تقتله الفئة الباغية (عمّار) 124

تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين 32

حرّمت الجنّة على من ظلم أهل بيتي 12

حسين منّي و أنا من حسين 183

دعوهما بأبي هما و أمّي 168

دعه، فإنّ له أصحابا يحقّر أحدكم صلاته مع صلاتهم 131

ردّوا قول عمر إلى علي، لولا علي لهلك عمر 113

سر في حفظ اللّه و في كنفه 122

سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان 131

سيدة نساء أهل الجنّة 147

صدق اللّه أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ 166

عجزت النساء أن تلدن مثل علي بن أبي طالب 113

علي منّي و أنا منه 97

علي و فاطمة و ابناهما 10، 20

غضب اللّه على من آذاني في عترتي 12

فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة 31

فاطمة منّي فمن أغضبها أغضبني 31

فإنّما ابنتي بضعة منّي، يريبني ما رابها 150

فمن أغضبها أغضبني 150

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:206

قولوا: اللّهم صلّ على محمد و على آل محمد 12

قوموا إلى سيّدكم 149

كاد يهلك عمر بن الخطاب لو لا علي بن

أبي طالب 113

كأنّي دعيت فأجبت 100

كخ كخ إرم بها 75

كنّا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به 114

كنّا نتحدّث أنّ أقضى أهل المدينة علي 115

كيف بإحداكنّ تنبح عليها كلاب الحوأب 120

لا تبغضه، فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك 108

لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل 66

لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء 12

لا تقوم الساعة حتّى تقتتل فئتان عظيمتان 121

لأعطينّ الراية رجلا يفتح اللّه على يديه 83

لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّه اللّه و رسوله 30

لا، و لكن إذا كان ذلك، فارددها إلى مأمنها 119

لا، و لكن خاصف النعل 135

لا يبغضنا أهل البيت أحد إلّا أدخله اللّه النار 12

لا يفتينّ أحد في المسجد و علي حاضر 113

لو أنّ رجلا صفن بين الركن و المقام 65

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:207

لو لا علي لهلك عمر 113

لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطوّل اللّه ذلك اليوم 67

ما بال رجال يقولون: إنّ رحم رسول اللّه لا تنفع 61

ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ 98

ما ترى في رجل يحبّ اللّه و رسوله 84

ما كان أحد بعد رسول اللّه أعلم من علي 115

ما لكم ولي؟ من آذى عليا فقد آذاني 109

مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح 11

مرحبا بابنتي 147

من آذاني في عترتي فعليه لعنة اللّه 12

من آمن بي فليتولّ علي بن أبي طالب 11

من أحبّ أن يحيا حياتي و يموت مماتي 11

من أحبّ عليا فقد أحبّني 107

من أحبّهما فقد أحبّني 168

من أطاعني فقد أطاع اللّه 108

من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده 91

من سبّ عليا فقد سبّني 92

من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة، فلينظر إلى الحسين 182

من كنت مولاه فعلي مولاه 100

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:208

نحن حبل اللّه 10

و

الذي فلق الحبّة و برأ النسمة، إنّه لعهد النبي الأمّي إليّ 84

و الذي نفسي بيده، لقرابة رسول اللّه أحبّ إليّ 48

و اللّه لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبّهم 65

وقفوهم إنّهم مسؤولون عن ولاية علي 13

و لا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه 96

ويح عمّار! تقتله الفئة الباغية 31

ويلك! و من يعدل إذا لم أعدل؟! 131

هما ريحانتاي من الدنيا 31

يا بريدة أتبغض عليا؟ 108

يا رسول اللّه، أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا؟ 83

يا علي! ألا أعلّمك كلمات إذا قلتهنّ غفر لك 109

يا علي، حربك حربي و سلمك سلمي 12

يا علي، من فارقني فارق اللّه 116

يا عمّار! إذا رأيت عليا سلك واديا 11

يا فاطمة! لا أغني عنك من اللّه شيئا 62

يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم 38

يا معشر قريش، أنقذوا أنفسكم من النار 38

يتيه قوم قبل المشرق محلّقة رؤوسهم 133

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:209

يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا 68

ينقطع يوم القيامة كلّ سبب 59

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:211

فهرس مصادر التحقيق

1. القرآن الكريم

2. إرغام المبتدع، السقّاف، دار الإمام النووي

3. إرواء الغليل، الألباني، المكتب الإسلامي

4. إعانة الطالبين، الدمياطي، دار الفكر، بيروت

5. الآحاد و المثاني، ابن أبي عاصم، دار الراية

6. الأخبار الطوال، الدينوري، دار الكتب العربية

7. الأذكار النووية، النووي، دار الفكر

8. الاستيعاب، ابن عبد البرّ، دار الكتب العلمية، بيروت

9. الإصابة، ابن حجر، دار الكتب العلمية، بيروت

10. الاعتقادات، الشيخ المفيد، الطبعة الأولى

11. الإقناع، الشربيني، دار المعرفة، بيروت

12. الإمامة و السياسة، ابن قتيبة، الحلبي القاهرة، مطبعة الزيني

13. الأنساب، السمعاني، دار الجنان

14. أخبار أصبهان، أبو نعيم الأصبهاني، الطبعة الأولى

15. أسباب النزول، الواحدي، الحلبي، القاهرة

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:212

16. أسد الغابة، ابن الأثير، دار الكتب العلمية، بيروت

17. أسنى المطالب، الحوت، دار الكتب العلمية

18. أصول السرخسي،

أبو بكر السرخسي، دار الكتب العلمية، بيروت

19. أضواء على السنّة المحمدية، محمود أبو ريّة، الأعلمي، بيروت

20. أمالي المحاملي، حسين المحاملي، دار ابن القيّم، الأردن

21. بحار الأنوار، المجلسي، دار إحياء التراث، بيروت

22. بدائع الصنائع، أبو بكر الكاشاني، طبع باكستان

23. بغية الطلب في تاريخ حلب، ابن جرادة، دار الفكر، بيروت

24. بلاغات النساء، ابن طيفور، بصيرتي، قم

25. تاج العروس، الزبيدي، مكتبة الحياة

26. تاريخ ابن خلدون، ابن خلدون، دار إحياء التراث، بيروت

27. تاريخ ابن معين، يحيى بن معين، دار المأمون، دمشق

28. تاريخ الأمم و الملوك، المعروف بتاريخ الطبري، مؤسّسة الأعلمي، بيروت

29. تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت

30. تاريخ خليفة بن خيّاط، العصفري، دار الفكر، بيروت

31. تاريخ دمشق، ابن عساكر، دار الفكر، بيروت

32. تاريخ الخلفاء، جلال الدين السيوطي، مطبعة السعادة، مصر

33. تاريخ المدينة، ابن شبّة، النميري، دار الفكر، بيروت

34. تاريخ المواليد، ابن الخشّاب، مكتبة المرعشي

35. تاريخ اليعقوبي، ابن واضح، مكتبة أمير المؤمنين

36. تحفة الأحوذي، المباركفوري، دار إحياء التراث العربي، بيروت

37. تدريب الراوي، السيوطي، مكتبة الرياض

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:213

38. تذكرة الحفّاظ، الذهبي، طبعة الحرم المكي

39. تعجيل المنفعة، ابن حجر، دار الكتاب العربي

40. تفسير الجلالين، دار المعرفة، بيروت

41. تفسير الخازن، علاء الدين الخازن، دار الكتب العلميّة، بيروت

42. تفسير الدرّ المنثور، السيوطي، دار الفكر، بيروت

43. تفسير الطبري (جامع البيان)، الطبري، دار الفكر، بيروت

44. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت

45. تفسير القرآن، عبد الرزّاق الصنعاني، مكتبة الرشد، الرياض

46. تفسير فتح البيان، صدّيق خان القنوجي، المكتبة العصرية

47. تفسير فتح القدير، الشوكاني، عالم الكتب، بيروت

48. تفسير محاسن التأويل، القاسمي، دار الحديث، القاهرة

49. تقريب التهذيب، ابن حجر، دار المعرفة، بيروت

50. تقوية الإيمان، محمد بن عقيل، دار البيان

51. توجيه النظر، الجزائري، درالباز، مكة

52. تهذيب

التهذيب، ابن حجر، دار الكتب العلمية، بيروت

53. تهذيب الكمال، المزّي، مؤسّسة الرسالة

54. جامع الأصول، ابن الأثير، المكتبة التجارية، أحمد الباز

55. جامع أحكام القرآن، المعروف بتفسير القرطبي، دار إحياء التراث، بيروت

56. جواهر المطالب، الباعوني، مجمع إحياء الثقافة

57. حاشية ردّ المحتار، ابن عابدين، دار الفكر، بيروت

58. حلية الأولياء، أبو نعيم الأصبهاني، دار الكتاب العربي، بيروت

59. خاتمة المستدرك، الميرزا النوري، مؤسسة آل البيت

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:214

60. دفع الارتياب، العلوي، دار القرآن

61. دلائل الإمامة، الطبري، مؤسّسة البعثة، قم

62. دلائل النبّوة، البيهقي، دار الكتب العلمية، بيروت

63. ذخائر العقبى، المحبّ الطبري، مكتبة الصحابة

64. رياض الصالحين، النووي، دار الفكر

65. البداية و النهاية، ابن كثير، دار إحياء التراث العربي، بيروت

66. البدء و التاريخ، ابن طاهر المقدّسي، مكتبة الثقافة، القاهرة

67. البيان و التعريف، ابن حمزة، المكتبة العلمية، بيروت

68. التاريخ الصغير، البخاري، دار المعرفة، بيروت

69. التاريخ الكبير، البخاري، دار الكتب العلمية، بيروت

70. التعديل و التجريح، الباجي، طبعة البزار

71. الثقات، ابن حبّان، مؤسّسة الكتب الثقافية

72. الجامع الصحيح، المعروف بسنن الترمذي، دار عمران

73. الجامع الصغير، جلال الدين السيوطي، مكتبة درويش، دمشق

74. الجامع في العلل، أحمد بن حنبل، مؤسّسة الكتب الثقافية

75. الجرح و التعديل، الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت

76. الدرر الكامنة، ابن حجر، دار المعارف العثمانية

77. الديباج على صحيح مسلم، جلال الدين السيوطي، دار ابن عفّان

78. الذرّية الطاهرة، الدولابي، الدار السلفية، الكويت

79. الرجال، ابن داود الحلّي، الرضي

80. الرياض النضرة، المحبّ الطبري، دار المعرفة

81. السنن الكبرى، البيهقي، مكتبة المعارف، الرياض

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:215

82. السنن الكبرى، النسائي، دار الكتب العلمية، بيروت

83. السنّة، البغوي، دار القلم

84. السيرة النبوية، لابن كثير، دار المعارف

85. الشرح الكبير، ابن قدامة، دار الكتاب العربي، بيروت

86. الشفاء، القاضي عياض، دار الفكر، بيروت

87. الصواعق المحرقة، ابن حجر، مؤسّسة

الرسالة

88. الضعفاء و المتروكين، الذهبي، دار القلم، بيروت

89. الطبقات الكبرى، ابن سعد، دار صادر، بيروت

90. العبر في خبر من غبر، الذهبي، طبعة حكومة الكويت

91. العين، الفراهيدي، الطبعة الأولى

92. الفائق في غريب الحديث، الزمخشري، دار الكتب العلمية، بيروت

93. الفتن، نعيم بن حمّاد، دار الفكر، بيروت

94. الفتنة و وقعة الجمل، سيف بن عمر، دار النفائس

95. الفروع، الضياء المقدّسي، دار الكتب العلمية، بيروت

96. الفروق اللغويّة، ابن هلال العسكري، مؤسّسة الرسالة

97. القاموس المحيط، الفيروز آبادي، الطبعة الأولى

98. القول المسدّد، ابن حجر، دار ابن تيميّة، القاهرة

99. الكافي، الكليني، دار الكتب الإسلامية، طهران

100. الكامل في الضعفاء، لابن عدي الجرجاني، دار الكتب العلمية، بيروت

101. المبسوط، السرخسي، دار المعرفة، بيروت

102. المجروحين، ابن حبّان، دار الصميعي

103. المجموع، النووي، دار الفكر، بيروت

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:216

104. المحدّث الفاصل، الرامهرمزي، دار الفكر، بيروت

105. المحصول، الرازي، مؤسّسة الرسالة

106. المداوي في علل الجامع الصغير، الغماري، المكتبة المكية

107. المستفاد من ذيل تاريخ بغداد، الدمياطي، دار الكتب العلمية، بيروت

108. المصنّف، ابن أبي شيبة الكوفي، دار الفكر، بيروت

109. المصنّف، عبد الرزاق الصنعاني، المجلس العلمي

110. المطالب العالية، ابن حجر، دار المعرفة، بيروت

111. المعتبر، المحقّق الحلّي، مؤسّسة سيّد الشهداء، قم

112. المعجم الأوسط، الطبراني، مكتبة المعارف، الرياض

113. المعجم الصغير، الطبراني، دار الكتب العلميّة، بيروت

114. المعجم الكبير، الطبراني، دار إحياء التراث، بيروت

115. المقصد الأرشد، برهان الدين بن مفلح، مكتبة الرشد، الرياض

116. الملل و النحل، الشهرستاني، دار المعرفة، بيروت

117. المناقب، الخوارزمي، جامعة المدرّسين، قم

118. المنتخب من ذيل المذيّل، الطبري، الأعلمي، بيروت

119. المنتظم، ابن الجوزي، دار صادر، بيروت

120. النجوم الزاهرة، ابن تغري بردي الأتابكي، مصر

121. النصائح الكافية، محمد بن عقيل، دار الثقافة

122. النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير، الطناحي، مكتبة مصر

123. الهداية الكبرى، الخصيبي، دار البلاغ

124. سبل السلام،

الصنعاني، الحلبي، مصر

125. سبل الهدى، الصالحي، دار الكتب العلمية، بيروت

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:217

126. سنن ابن ماجة، ابن ماجة، دار الفكر، بيروت

127. سنن أبي داود، أبو داود السجستاني، دار ابن حزم

128. سنن الدارمي، الدارمي، دار إحياء السنّة النبوية

129. سنن النسائي، أحمد بن شعيب النسائي، دار الجيل

130. سير أعلام النبلاء، الذهبي، مؤسّسة الرسالة

131. شذرات الذهب، ابن العماد الحنبلي، دار الكتب العلمية، بيروت

132. شرائع الإسلام، المحقّق الحلي، الاستقلال

133. شرح الكرماني على البخاري، الكرماني، دار الفكر، بيروت

134. شرح المواهب اللدنّية، الزرقاني، دار الكتب العلميّة، بيروت

135. شرح صحيح مسلم، النووي، دار المعرفة، بيروت

136. شرح صحيح مسلم، الوشتاني الآبي، دار الكتب العلمية، بيروت

137. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، دار إحياء الكتب العربيّة، بيروت

138. شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني، مجمع إحياء الثقافة

139. صحيح ابن حبّان، علاء الدين الفارسي، مؤسّسة الرسالة

140. صحيح البخاري، البخاري، دار ابن كثير

141. صحيح مسلم، مسلم بن الحجّاج، دار إحياء التراث، بيروت

142. ضحى الإسلام، أحمد أمين المصري، الطبعة الأولى

143. ضعفاء الرجال، ابن حمّاد العقيلي، دار الكتب العلمية، بيروت

144. طبقات الحنابلة، محمد بن أبي يعلى، دار المعرفة، بيروت

145. طبقات الشافعية الكبرى، السبكي، عيسى الحلبي

146. عقائد الإمامية، المظفّر، مؤسّسة الإمام علي

147. علل الشرائع، الصدوق، المكتبة الحيدرية، النجف الاشرف

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:218

148. عمدة القاري، البدر العيني، دار الفكر، بيروت

149. عون المعبود، العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت

150. عيون الأثر، ابن سيد الناس، مؤسّسة عز الدين

151. عيون أخبار الرضا، الصدوق، الأعلمي، بيروت

152. فتح الباري، ابن حجر، دار الفكر، بيروت

153. فتح الملك العلي، الغماري، مكتبة أمير المؤمنين

154. فتوح البلدان، البلاذري مكتبة السعادة، مصر

155. فرائد السمطين، الجويني، تحقيق المحمودي

156. فردوس الأخبار، الديلمي، دار الكتاب العربي، بيروت

157. فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل، دار الكتب العلمية، بيروت

158.

فقه السنّة، سيد سابق، دار الكتاب العربي، بيروت

159. فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي، دار الفكر، بيروت

160. كشف الأستار عن زوائد البزار، لابن حجر، مؤسّسة الرسالة

161. كشف الخفاء، العجلوني، دار الكتب العلمية، بيروت الأنوار الباهرة، التليدي 218 فهرس الأحاديث و الآثار ..... ص : 201

1. كشف الغمّة، الإربلي، دار الأضواء

163. كفاية الطالب، الكنجي الشافعي، دار إحياء تراث أهل البيت، طهران

164. كنز العمّال، المتّقي الهندي، مؤسّسة الرسالة

165. لسان العرب، ابن منظور، نشر الحوزة

166. لسان الميزان، ابن حجر، دار الكتب العلمية، بيروت

167. مآثر الأنافة، القلقشندي طبعة حكومة الكويت

168. مجمع الزوائد، ابن حجر، دار الفكر، بيروت

169. مختصر زوائد البزّار، ابن حجر، مؤسّسة الكتب الثقافية

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:219

170. مستدرك الحاكم، الحاكم الحسكاني، دار الكتب العلمية، بيروت

171. مسند ابن راهويه، ابن راهويه، مكتبة الإيمان، المدينة المنوّرة

172. مسند أبي يعلى، أبو يعلى الموصلي، دار الثقافة العربية، دمشق

173. مسند أحمد، أحمد بن حنبل، دار الفكر، بيروت

174. مسند البزّار، البزّار، مكتبة العلوم، المدينة

175. مسند الشاميّين، الطبراني، مؤسّسة الرسالة

176. مسند الطيالسي، سليمان بن داود، دار الحديث، القاهرة

177. مشاهير علماء الأمصار، ابن حبّان، دار الوفاء

178. مشكاة المصابيح، القاري، دار الفكر، بيروت

179. مشكل الآثار، الطحاوي، دار صادر، بيروت

180. مصابيح السنّة، البغوي، دار الكتب العلمية، بيروت

181. مصنّف أبي الجعد، عليّ بن الجعد، دار الكتب العلمية، بيروت

182. معجم البلدان، الحموي، دار إحياء التراث، بيروت

183. معرفة الثقات، العجلي، مكتبة الدار، المدينة المنورة

184. معرفة علوم الحديث، الحاكم، دار الآفاق، بيروت

185. مغني المحتاج، الشربيني، دار إحياء التراث، بيروت

186. مقاتل الطالبيّين، أبو الفرج الأصبهاني، مؤسّسة دار الكتاب

187. مناقب علي بن أبي طالب، ابن المغازلي، دار الأضواء

188. مناقب علي بن أبي طالب، ابن مردويه، دار الحديث، قم

189. من له رواية في الكتب الستّة،

الذهبي، دار القبلة

190. مواهب الجليل، الحطّاب الرعيني، دار الكتب العلمية، بيروت

191. ميزان الاعتدال، الذهبي، دار الفكر، بيروت

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:220

192. نظرات في الكتب الخالدة، حامد حفني، النجاح، القاهرة

193. نظم درر السمطين، الزرندي الحنفي، الطبعة الأولى

194. نور العين، الإسفراييني، المنار، تونس

195. نيل الأوطار، الشوكاني، دار الجيل

196. وفيات الأعيان، ابن خلّكان، دار الثقافة

197. وقعة صفّين، ابن مزاحم، المؤسّسة العربية الحديثة

198. ينابيع المودّة، القندوزي الحنفي، دار أسوة

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:221

فهرس الموضوعات

المقدّمة 5

كلمة المحقّق 9

نبذة من حياة المصنّف 17

الدافع لتأليف الكتاب 18

عملنا في هذا الكتاب 21

مقدّمة المصنّف 23

الباب الأوّل: في فضائل أهل البيت على العموم من هم أهل البيت 37

الآل في اللغة 37

الآل في الشرع 37

الوصية بأهل البيت 43

أهل البيت مطهّرون من الرجس و مغفور لهم 51

فضل من صاهر أهل البيت 59

محاربة أهل البيت حرب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 63

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:222

مبغض أهل البيت من أهل النار و أنّه لا إيمان له 64

المهدي من أهل البيت 66

مشروعيّة الصلاة على أهل البيت عليهم السّلام 72

من فضائل أهل البيت إكرامهم بتحريم أخذ الصدقة 75

الباب الثاني: في فضائل الإمام علي عليه السّلام في فضائل الإمام علي عليه السّلام 79

عليّ أكثر الصحابة فضائل 82

عليّ يحبّه اللّه و رسوله و يحبّ اللّه و رسوله 82

حبّ عليّ إيمان و بغضه نفاق 84

كان علي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كهارون من موسى 86

علي و رسول اللّه كنفس واحدة 96

علي مولى كلّ مؤمن 99

علي أحبّ الخلق إلى اللّه و إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 104

حبّ عليّ حبّ لرسول اللّه و بغضه بغض له صلّى اللّه عليه و اله 107

طاعة عليّ طاعة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و

اله و عصيانه عصيان له 108

إذاية عليّ إذاية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 108

الإمام علي مغفور له 109

علي ممّن مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و هو عنه راض 110

الإمام علي أعلم الصحابة و إنّه باب مدينة العلم 111

أنّ الحقّ مع علي و إنّه كان مصيبا في حروبه للبغاة و الخوارج 116

حروب الإمام علي التي كان محقّا فيها أنواع ثلاثة 117

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:223

الفاصل بين الحقّ و الباطل 125

إكرامه بالشهادة 136

الباب الثالث: في مناقب مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السّلام في مناقب مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السّلام 143

فاطمة سيدة نساء المؤمنين و نساء أهل الجنّة 146

إذاية فاطمة إذاية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 149

فاطمة من فواضل نساء أهل الجنّة 157

فاطمة أحبّ النساء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 159

زهد فاطمة في الدنيا و تقشّفها 159

الباب الرابع: في مناقب الحسن و الحسين عليهما السّلام الحسنان ريحانتا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 165

رحمة رسول اللّه بالحسنين 165

الحسنان سيّدا شباب أهل الجنّة 166

الحسنان محبوبان للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و اله 167

محبّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله منوطة بمحبّة الحسنين 167

مناقب الحسن عليه السّلام 171

الحسن أصلح اللّه به بين المسلمين 172

الحسن من المحبوبين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 175

من أحبّ الحسن أحبّه اللّه عزّ و جلّ 175

الحسن كان أشبه الناس برسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله 178

الأنوار الباهرة، التليدي ،ص:224

مناقب الحسين عليه السّلام 181

الحسين من المبشّرين بالجنّة و أنّه سيقتل شهيدا 182

إثبات محبّة اللّه لمن أحبّ حسينا 182

تنبّؤ النبي صلّى اللّه عليه و اله بقتل الحسين عليه السّلام 184

خروج الحسين إلى العراق

185

ما وقع عند موت الحسين من التغيّرات الكونية 190

ما قيل من الأشعار في قتل الحسين 191

انتقام اللّه من قتلة الحسين عليه السّلام 193

المختار بن أبي عبيدة الثقفي 193

الاقتصاص للحسين عليه السّلام 195

الفهارس فهرس الآيات 199

فهرس الأحاديث و الآثار 201

فهرس مصادر التحقيق 211

فهرس الموضوعات 221

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.